صبح الأعشى في صناعة الإنشاء

القلقشندي

الجزء الاول

الجزء الاول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ - تقديم- إذا كان التأليف العربي على الطريق الموسوعية EncycloPedique:قد بدأ مع كتاب «مفاتيح العلوم» لمحمد بن أحمد بن يوسف الخوارزمي المتوفى سنة 387 هـ/ 997 م- كما يقول بروكلمان «1» - فإن القرن الثامن الهجري في مصر يمتاز بظاهرة ثقافية خاصة، وهي أنه عصر الموسوعات العلمية والأدبية الكبرى؛ فقد ظهرت فيه طائفة من العلماء الذين توفروا على جمع أشتات العلوم والفنون المعروفة يومئذ، في مؤلفات جامعة لم تعرفها الآداب العربية من قبل، وكتبت فيه عدة موسوعات جليلة ما زالت تتبوأ مقامها الفذ في تراث الأدب العربي. وأقطاب هذه الحركة ثلاثة من أكابر العلماء والكتاب المصريين هم: أحمد بن عبد الوهاب النويري، المتوفى سنة 733 هـ/ 1333 م صاحب كتاب «نهاية الأرب في فنون الأدب» ، وأحمد بن فضل الله العمري، المتوفى سنة 749 هـ/ 1348 م، صاحب كتاب «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» ، وأبو العباس القلقشندي، المتوفى سنة 821 هـ/ 1418 م، صاحب كتاب «صبح الأعشى في كتابة الإنشا» «2» . والملفت للنظر أن بين هذين التاريخين (منتصف القرن الرابع الهجري ومنتصف القرن الثامن الهجري) . كان هناك حدث مروّع ترك بصماته السيئة

على تاريخ الثقافة العربية والإسلامية، عنينا الغزو المغولي ودخول جيوش هولاكو إلى بغداد سنة 656 هـ واستباحتها وقتل العديد من علمائها وأدبائها وإحراق مكتباتها التي كانت تحوي خلاصة ما توصل إليه التأليف العربي الإسلامي، ناهيك من أنها كانت عاصمة العالم، لكونها حاضرة الخلافة الإسلامية في ذلك الوقت «1» . نقول بالرغم من ذلك نجدنا أمام تلك الأعمال التي أشرنا إليها وغير ذلك في أواسط العصر المملوكي الذي استمر من سنة 648 هـ/ 1250 م إلى سنة 922 هـ/ 1517 م. والحقيقة أن عنوان الواحد من تلك الكتب قد يفهم منه أن مؤلفه يعالج فيه موضوعا واحدا، مثل كتاب «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» ، فهو يشير إلى الجانب الجغرافي، أو كتاب «نهاية الأرب في فنون الأدب» ، فهو يشير إلى الجانب الأدبي، أو كتاب «صبح الأعشى» ، فهو يشير إلى فن الإنشاء على وجه التحديد ... ولكن القاريء لأي كتاب من هذه الكتب يجده موسوعة ضخمة تجمع بين الأدب والتاريخ والجغرافيا والاقتصاد والاجتماع والعلوم الدينية ونظم الحكم والتراجم والفنون والعلوم ... وغيرها من ضروب المعرفة التي تجعل منه دائرة معارف ثمينة يفخر بها الفكر العربي وتعتز بها الحضارة العربية الإسلامية في العصور الوسطى «2» . على أن التراث الضخم الذي خلفه لنا عصر سلاطين الممالكى لم ينشر منه سوى القليل، في حين ما زال غالبيته مخطوطا، محفوظا في دور الكتب الكبرى في العالم، مثل دار الكتب المصرية بالقاهرة، والمكتبة الأهلية بباريس، والمتحف البريطاني بلندن، ثم مكتبات تركيا وعلى رأسها أحمد الثالث وكوبر وللو

ونور عثمانية والسليمانية وأسعد أفندي وحكيم أوغلو وبايزيد وغيرها من المكتبات الحافلة بالمخطوطات النادرة التي ترجع إلى عصر المماليك، والتي تنتظر التحقيق والنشر لترى النور فيستفيد منها الباحثون فوائد قد تؤدي إلى تصحيح كثير من مفاهيمنا وزيادة معلوماتنا عن ذلك العصر «1» . وإذا كان يبدو أحيانا وكأن تلك الحيوية العلمية في العصر المملوكي كانت نوعا من التعويض عن الخسائر التي أصابت الثقافة العربية على أثر الغزو المغولي، غير أن الأعمال الثقافية الكبرى لا بد لها من توفّر مجموعة من العوامل المختلفة، من سياسية واجتماعية وتاريخية ونفسية وغيرها، تكون حاضنة لها وحافزا لبزوغها وتقديم ثمارها. وإذا كنا لا ندعي إمكانية تقديم تفسير كاف لهذا الأمر، فإننا نعتقد أن العصر المملوكي امتاز ببعض (العلامات البارزة) التي كان لها أثر هام في عقد تلك الثمرات وتساقطها رطبا جنيّا بين أيدي أبناء الأمة العربية والإسلامية في تلك الفترة والأجيال اللاحقة. أولا: لقد أعاد المماليك «الخلافة» بسرعة كبيرة واحتضنوها وأوقفوها على قدميها بعد ما اجتاحها هولاكو بجحافله. وإذا كان ثمة من يقول بأن سلطة الخليفة كانت قبل المماليك وفي أثناء حكمهم صورية مفزغة من مضمونها، وأن السلاطين والقواد كانوا في الحقيقة والواقع الخلفاء الفعليين، نقول بالرغم من ذلك فإن للخلافة قوة رمزية تاريخية متأصلة في نفوس المسلمين بحيث تشكل ركنا أساسيا- بل الركن الأساسي- في استقرار الشخصية الإسلامية على مختلف الصعد. ويكفي لبيان ذلك أن نسترجع بعض ما اجمع عليه فقهاء المسلمين من أن تعطيل الخلافة أو الإمامة هو الخطر الأعظم على الكيان الإسلامي؛ هذا بالإضافة

إلى ما تتضمنه «الخلافة» من رمز توحيدي جامع للأمة. يقول ابن دقماق، في ترجمته للمستعصم بالله، على أثر سقوط مقر الخلافة ببغداد أمام هولاكو، بعبارة توحي بالهلع: «.. وانقطعت الخلافة من بغداد.. وبقيت الدنيا (!) بغير خليفة إلى سنة تسع وخمسين وستماية، في أيام الملك الظاهر بيبرس البند قداري» «1» الذي استقبل الإمام أبا العباس أحمد بن الإمام الظاهر فاستخلفه وثبته على رأس الخلافة. ثانيا: وإذا كانت سلطة الخليفة- كشخص حاكم- صورية في كثير من المعاني، فإن المماليك استطاعوا أن يعززوا في الكيان الإسلامي واقع الوحدة والقوة المركزية الجامعة؛ فقد استطاعوا توحيد مصر وبلاد الشام، وأصبحت مصر في ذلك العصر تبدو في نظر كافة الدول الإسلامية في المشرق والمغرب قاعدة الخلافة العباسية والقوة الضاربة التي تذود عن الإسلام والمسلمين؛ وأخذ الحكام المسلمون يخطبون ودّها ويطلبون مساعدة حكامها ضد خصومهم وأعدائهم. ومن ناحية أخرى بدت مصر في ذلك العصر في نظر القوى غير الإسلامية وبخاصة المسيحية صورة مركز المقاومة الإسلامية وقلب العالم الإسلامي النابض والقوة المتحكمة في أفضل طرق التجارة بين الشرق والغرب «2» . ثالثا: لقد شهد الشرق الأوسط، في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي، تحولين رئيسين على أيدي الدولة المملوكية هما: إبعاد خطر المغول عن بلاد مصر والشام، بعد ما أنزل بهم قطز في عين جالوت سنة 1260 م هزيمة منكرة؛ والثاني كان القضاء على آخر معاقل الصليبيين في الشرق، وبذلك استكلموا ما كان بدأه صلاح الدين «3» .

هذه العلامات الثلاث البارزة: من إعادة رمز الخلافة، بمدلولاتها الاجتماعية النفسية العميقة، إلى حياة المسلمين، إلى توحيد مصر والشام في دولة قوية مرهوبة الجانب، إلى تحقيق النصر الناجز على المغول والصليبيين، تشكل برأينا جزءا أساسيا من العوامل الحافزة التي أشرنا إليها، والتي تكمن وراء تلك النهضة والحيوية العلمية في ذلك العصر. وقبل الحديث عن «صبح الأعشى» وقيمته من مختلف النواحي، يحسن بنا أن نبدأ بالتعريف بصاحب هذا العمل الموسوعي، ففي التعريف به ما يفسر بعضا من جوانب توافره على هذا النوع من التأليف الجامع. والحقيقة أن كتب التراجم لا تقدم لنا الكثير عن القلقشندي، والذين ذكروه تحدثوا عنه بمنتهى الإيجاز؛ فصاحب «النجوم الزاهرة» ، والعماد الحنبلي في «شذرات الذهب» ، والخطيب الصيرفي في «نزهة النفوس والأبدان» ، ذكره كل منهم في وفيات سنة 821 هـ، ولم يذكروا لنا تاريخ مولده؛ غير أنهم يقولون إنه توفي عن خمسة وستين عاما، وبذلك يكون مولده سنة 756 هـ/ 1355 م «1» . وهو القاضي شهاب الدين، أحمد بن عبد الله «2» بن أحمد القلقشندي؛ ولد

بقلقشندة «1» ، إحدى قرى مديرية القليوبية بالديار المصرية: من أصل عربي صميم، من بني بدر بن فزارة من قيس عيلان. وكان بنو فزارة وردوا مصر مع من وردها من العرب أيام الفتح الإسلامي وبعده، ونزلوا بإقليم القليوبية «2» . وقد درس القلقشندي بالقاهرة والإسكندرية على أكابر شيوخ العصر، وتخصص في الأدب والفقه الشافعي، وبرع في علوم اللغة والبلاغة والإنشاء؛ وفي سنة 778 هـ أجازه الشيخ ابن الملقن «3» بالفتيا والتدريس على مذهب الإمام الشافعي. وقد تولى بعض الوظائف الإدراية إلى حين؛ بيد أن براعته في الكتابة والإنشاء لفتت إليه أنظار رجال البلاط، ومهدت له سبيل الاضطلاع بالمنصب الذي أهلته له مواهبه الأدبية والفنية، وهو العمل في ديوان الإنشاء. (وقد كان للمقر الفتحي بن فضل الله العمري فضل كبير على القلقشندي بهذا الصدد) . والتحق القلقشندي بخدمة هذا الديوان في سنة 791 هـ، في عهد السلطان الظاهر برقوق (784 هـ- 801 هـ) ، وذلك حسبما يقول لنا القلقشندي نفسه في مقدمته «4» . وقد كانت لديوان الإنشاء أهمية خاصة في هذا العصر، وكان على المرشّح للعمل فيه أن يكون من أقطاب النثر والبلاغة، الذين تؤهلهم معارفهم الواسعة للوقوف على شؤون الحكم والسياسة الداخلية والخارجية وسير العلاقات الدبلو ماسية بين مصر وباقي الأمم؛ كما كان على كاتب الإنشاء أن يتحلى بمجموعة من الصفات اللازمة له: كصباحة الوجه وفصاحة اللفظ وطلاقة اللسان. وإيثارة الجد على الهزل، وتوقد الفهم وحسن الإصغاء ... كما تطلبوا فيه كتمان السرّ، الأمر الذي يصرّ القلقشندي على خطورته ويراه ضرورة لا يمكن التجاوز عنها فيمن يشغل وظيفة كاتب الإنشاء أو كاتب السرّ، فيقول عنها «هذه الصفة هي الشرط اللازم والواجب

المحتم» «1» . ولديوان الإنشاء، منذ أيام الدولة الفاطمية، تاريخ حافل، وقد كان لفترة طويلة من الزمن مدرسة أدبية يجتمع فيها أقطاب الكتابة وأئمة النثر والبلاغة. وكان أول من تولى منصب «صاحب ديوان الإنشاء» القاضي محي الدين بن عبد الظاهر (620 هـ- 692 هـ) أيام الظاهر بيبرس والمنصور قلاوون والأشرف خليل «2» . كما تولى رياسة ديوان الإنشاء قبل زمن القلقشندي بنصف قرن كاتب ممتاز، وعلامة جغرافي، وسياسي بارع، هو أحمد بن فضل الله العمري، صاحب «مسالك الأبصار» ، ووضع عن نظم الكتابة والإنشاء الرسمية كتابه الشهير «التعريف بالمصطلح الشريف» «3» وهو ما يقابل في اصطلاح عصرنا مراسيم البروتوكول والمراسلات الدبلو ماسية، فكان، حسبما يقول القلقشندي في مقدمته، أنفس الكتب المصنفة في هذا الباب، كما كان نواة عمل القلقشندي في كتابه «صبح الأعشى» . وإذا كانت كتب التراجم لا تقدم لنا شيئا عن الفترة التي أمضاها القلقشندي في ديوان الإنشاء- وهي فترة لا بد وأن تكون طويلة لكي يتسنى له أن يجمع في موسوعته تلك الكمية الهائلة من المكاتبات والرسائل وغير ذلك مما لا نستطيع حصره في هذه المقدمة- فإن كتاب صبح الأعشى يزودنا ببعض المعلومات القيمة نستطيع من خلالها الاهتداء إلى ما نبحث عنه. ففي الجزء التاسع، يذكر القلقشندي أنه كتب رسالة تهنئة بكتابة السر الشريف بالديار المصرية في الدولة الظاهرية برقوق في سلطنته الأولى إلى المقرّ البدري محمود الكلستاني. والمعروف أن بدر الدين محمود الكلستاني تولى كتابة السرّ بعد أن شغرت بوفاة بدر الدين محمد بن فضل الله في شوال سنة 801 هـ «4» .

وفي الجزء الرابع عشر، ص 191، يذكر أنه أنشأ رسالة في تقريض المقرّ الفتحي، أبي المعالي، صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالديار المصرية والممالك الإسلامية في شهور سنة 814 هـ. وفتح الدين فتح الله هذا تولى رئاسة ديوان الإنشاء مرتين، انتهت الثانية في شوال سنة 815 هـ. وفي الجزء التاسع، أيضا يذكر أنه بعث بتهنئة بالصوم للمقرّ الأشرفي الناصري محمد بن البارزي، كاتب السر الشريف، في سنة 816 هـ. ومحمد بن البارزي تولى كتابة السر في 13 شوال سنة 815 هـ وظل بها حتى وفاته في 8 شوال سنة 823 هـ. مما تقدم نستطيع أن نستنتج أن القلقشندي ظل قائما بالعمل في ديوان الإنشاء حتى نهاية سنة 816 هـ على اقل تقدير، وربما حتى تاريخ وفاته سنة 821 هـ، إذ ليس لدينا أي نص ينفي ذلك أو يؤيده. ويترتّب على هذه الحقيقة حقيقة أخرى، وهي أن القلقشندي- وإن كان قد انتهى من تأليف كتابه «صبح الأعشى» في شوال سنة 814 هـ «1» - إلا أنه ظل يضيف إليه طوال السنوات الباقية من حياته طالما كان لا يزال يعمل بديوان الإنشاء؛ ودليلنا على ذلك أننا نجد العديد من صفحات كتابه فراغات من الواضح أن المؤلف تركها عمدا ليملأها فيما بعد بما يستوفيه من المعلومات. وإذا كان القلقشندي لم يستطع طوال فترة عمله أن يكون على رأس ديوان الإنشاء، فإن ذلك لا يعني أنه لم يكن يمتلك المؤهلات الأدبية والعلمية لذلك، بل ربما كان يربأ بنفسه أن يسلك إليه سبل التزلف والرشوة، كما كان سائدا في ذلك العصر «2» .

ننتقل الآن إلى كتاب الصبح نفسه لنتعرف على الغيض من فيض بحره الزاخر.

ننتقل الآن إلى كتاب الصبح نفسه لنتعرف على الغيض من فيض بحره الزاخر. أولا: في تسمية الكتاب. الحقيقة أن التسمية الأصلية للكتاب هي «صبح الأعشى في كتابة الإنشا» ، وهي التسمية التي ذكرها المؤلف في مقدمته «1» ؛ ونعتقد أنها أكثر ملائمة لمضمون الكتاب وللغرض الذي من أجله وضعه كاتبه، من سائر التسميات الأخرى وهي: «صبح الأعشى في صناعة الإنشا» و «صبح الأعشى في فنون الإنشا» و «صبح الأعشى في معرفة الإنشا» و «صبح الأعشى في قوانين فالمؤلف يتوجه اساسا إلى شخص محدد (موظف) ، وهو «كاتب الإنشاء» ، يزاول وظيفة محددة، وهي وظيفة «كتابة الإنشاء» ؛ وهو يريد أن يزوّده بجميع مستلزمات قيامه بهممته الديوانية على أكمل وجه. إذن فالهمّ الأساسي لدى القلقشندي في كتابه هو «كتابة الإنشاء» كوظيفة في الدواوين السلطانية، وليس «صناعة الإنشاء» كموهبة أو مقدرة تتوفر لدى الأديب أو أي شخص آخر خارج «الديوان» ؛ فالكتابة هنا لا تعني التأليف بالمطلق وامتلاك أدواته، حتى يصح لدينا استبدال لفظها بلفظ «صناعة» ، وإنما إضافتها إلى الإنشاء هي تماما كإضافة «الديوان» إلى «الإنشاء» في قولنا: «ديوان الإنشاء» . ولعل عبارة «كاتب السر» كمرادف الصطلاحيّ «لكاتب الإنشاء» توضح بعض الشيء ما ذهبنا إليه «2» . وإذا كنا قد اخترنا إثبات التسمية المعروفة لكتاب القلقشندي وهي «صبح الأعشى في صناعة الإنشا» فذلك لأنها الأكثر شيوعا وشهرة، وهو من باب تقديم

ثانيا: في مصادر صبح الأعشى ومنهج القلقشندي.

المفضول على الفاضل في مثل هذه الحال. أما بخصوص القسم الأول من التسمية وهو «صبح الأعشى» ، فإن القلقشندي يرى أن كتابه يوصل «كاتب الإنشاء» إلى غايته القصوى في امتلاك مواد الكتابة ومستلزمات وظيفته الديوانية الخطيرة. فالأعشى: من ساء بصره بالليل والنهار؛ والمعنى ينظر إلى الانصباب والصبوة؛ فكأن القلقشندي يعتبر كتابه صبحا ينصبّ منه النور فيرى الأعشى سبيله «1» . ثانيا: في مصادر صبح الأعشى ومنهج القلقشندي. (أ) اعتمد القلقشندي في جمع مادة موسوعته وتأليفها على نوعين أساسيين من المصادرهما: محفوظات ديوان الإنشاء من الوثائق والمراسلات السلطانية والدبلو ماسية، والثاني أمهات الكتب والمصنفات في مختلف ميادين العلم والأدب التي طرق أبوابها في كتابه. لقد أمضى كاتبنا أعواما طويلة في البحث والتنقيب واستخراج الوثائق والكتب والمراسلات الخلافية والسلطانية وغيرها من مختلف أصناف المكاتبات الرسمية والدبلو ماسية التي تكدّست في ديوان الإنشاء خلال العصور المتعاقبة، وكانت كمية هائلة حتى قال المقريزي: « ... ولما زالت دولة الظاهر برقوق، ثم عادت، اختلت أمور كثيرة، منها أمر قاعة الإنشاء بالقلعة، وهجرت وأخذ ما كان فيها من الأوراق وبيعت بالقناطر ونسي رسمها» «2» . إذن فقد اجتمعت لدى القلقشندي من ذلك مادة غزيرة لم يسبق أن اجتمعت من قبل لكاتب في موضوعه؛ فهذا الرجل أمضى ربع قرن في ديوان الإنشاء، أي في خزانة أسرار الدولة، مطلعا على كل ما يرد إليها ويصدر عنها، مزوّدا بالعلم الغزير والذهن اليقظ المستنير،

وممنوحا الثقة والاحترام، كل ذلك ساعده على التصرف بما وقع بين يديه وتحت بصره بطريقة الناقل الأمين والباحث الموثّق. وإذا كانت غالبية المكاتبات والمراسلات والوثائق التي أتى بها القلقشندي إنما ترتبط بعصر المماليك بالذات، فذلك أن هذا العصر هو عصر القلقشندي نفسه، والذي عاش فيه وعاصر أحداثه واطلع في ديوان الإنشاء على خباياه وأسراره، وأسهم بقلمه في كتابة بعض وثائقه؛ هذا بالإضافة إلى أن العصر المملوكي في مصر يمثل أنشط عصور التاريخ المصري في السياسة الخارجية، وتحديدا في العصور الوسطى. وقد تبين أن من ضمن الرسائل التي أوردها القلقشندي رسائل نادرة فقدت أصولها، فلا توجد إلا في كتابه منها: الرسالة التي وجهها الملك الأيوبي (الجواد) إلى (فرانك) ملك بيت المقدس «1» ؛ فإن العثور على نصها في غير صبح الأعشى أمر مستحيل، خاصة أن القلقشندي لم يذكر مصدره الذي نقلها عنه «2» . ومن الرسائل النادرة أيضا، الرسالتان المتبادلتان بين أبي الحسن المريني، صاحب فاس، وبين السلطان الناصر محمد بن قلاوون «3» . ومن ذلك أيضا الرسالة الودّية المتميزة التي أرسلها صلاح الدين الأيوبي إلى (بردويل) ملك بيت المقدس يعزيه فيها بوالده ويهنئه بالملك بعده. وبردويل هو «بلدوين الخامس» الذي خلف أباه بلدوين الرابع على ملك بيت المقدس سنة 581 هـ «4» . وإذ تعتبر الرسائل الديوانية الصادرة عن دواوين الإنشاء في حكومات الدول الإسلامية، والتي نسميها «وثائق» ، من أهم المصادر التاريخية في توثيق الخبر التاريخي. فالرسالة الديوانية أو الوثيقة، إذا ما صحّ صدورها عن ديوان

الإنشاء، يمكن أن تعتبر الحكم الفصل في صحة خبر المؤرخ من عدمه «1» . أما الكتب والمصنفات التراثية التي أخذ منها والتي ذكرها في متن كتابه، فلا يمكننا الإحاطة بها جميعا في هذا المقام لكثرتها وتنوع مجالاتها، نذكر منها: كتابي «التعريف بالمصطلح الشريف» و «عرف التعريف» لابن فضل الله العمري؛ و «التثقيف» لابن ناظر الجيش؛ «ومواد البيان» لعلي بن خلف، من كتاب الدولة الفاطمية؛ و «معالم الكتابة» لابن شيت؛ و «الأوائل» للعسكري؛ و «الأموال» لأبي عبيد؛ و «ذخيرة الكتاب» لابن حاجب النعمان و «صناعة الكتاب» لأبي جعفر النحاس؛ و «قوانين الدواوين» . لابن مماتي؛ و «تقويم البلدان» للمؤيد صاحب حماة؛ و «تاريخ الدولة الفاطمية» لابن الطوير؛ و «الروض المعطار» للحميري؛ و «عجائب المخلوقات» لابن الأثير؛ ء «العقد الفريد» لابن عبد ربه؛ و «القلم والدواة» لمحمد بن عمر المدائني؛ و «اللباب» للسمعاني؛ و «المثل السائر» لابن الأثير؛ و «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» للعمري؛ و «المسالك والممالك» لابن خرداذبّة؛ و «المشترك» لياقوت الحموي ... وهناك بعض الكتب التي أخذ منها ولم يذكر مؤلفيها مثل: «حسن التوسّل في صناعة الترسّل» «2» وهو لشهاب الدين محمود الحلبي المتوفى سنة 725 هـ؛ و «الدرّ الملتقط في تبيين الغلط» «3» وهو للحسن ابن محمد الصنعاني المتوفى سنة 650 هـ؛ و «الريحان والريعان» ولعله كتاب «ريحان الألباب وريعان الشباب في مراتب الآداب» «4» لأبي القاسم محمد بن إبراهيم الإشبيلي، كاتب صاحب أشبيلية، أبي حفص. ومنها أيضا كتاب «الأطوال» و «رسم المعمور» ، ولم نعثر على مؤلفيهما.. إلى ما هناك من

أمهات الكتب في مختلف ميادين الآداب والعلوم والفنون. إلى جانب هذين المصدرين الأساسيين، كان هنالك المشاهدة العيانية والمعايشة للأحداث؛ وقد قدم لنا من مشاهداته ومعايشته للأحداث مادة هامة ضمنها كتابه في أماكن مبعثرة وفي خاطرات وآراء لها أهميتها الكبيرة، خصوصا إذا كانت صادرة عن رجل مثل القلقشندي يتحلى بالعلم والورع والأمانة، الأمر الذي سنتعرض إليه في كلامنا على منهجه في التأليف. (ب) وإذا نظرنا إلى كتاب «صبح الأعشى» نظرة مدققة فاحصة، فسوف نجد أن مؤلفه يتبع منهاجا علميا واضحا يقوم على وحدة الفكرة من ناحية، وعلى أسلوب التفريع داخل إطار محدد مرسوم، من ناحية أخرى. وهو في أثناء ذلك ناقل أمين، لا ينسب آراء غيره لنفسه، وهو ذو رأي سديد وفكرة صائبة دونما ادعاء. ولاستقراء منهجه هذا سوف نتفحص بعضا من موضوعاته التي عالجها في كتابه. يقسم القلقشندي كتابه إلى عشر مقالات، تسبقها مقدمة وتلحق بها خاتمة. ولو أخذنا المقالة الثانية، نجده قد أفردها للحديث عن الجغرافيا بمختلف فروعها، أي المسالك والممالك بلغة ذلك العصر. ويقسم الكاتب مقالته الجغرافية إلى أربعة أبواب: الأول في ذكر الأرض على سبيل الإجمال، والثاني في ذكر الخلافة ومن وليها من الخلفاء ومقراتهم، والثالث في ذكر مملكة الديار المصرية، أما الرابع فموضوعه الممالك والبلدان المحيطة بملكة الديار المصرية. والواقع أن هذا المنهج الذي اختاره القلقشندي لمقالته منهج سليم إلى حد بعيد، من وجهة النظر الجغرافية «1» ؛ فهو يبدأ بالصورة العامة للأرض وما اشتملت

عليه من الأقاليم الطبيعية، ويعنى بصفة خاصة بالبحار التي يتكرر ذكرها بذكر البلدان، سواء ما كان منها خارجا من البحر المحيط، أو ما ليس له اتصال بهذا البحر، ثم يفرد فصلا خاصا بكيفية استخراج جهات البلدان والأبعاد الواقعة بينها. فإذا وضعنا في الذهن أن القلقشندي لم يكن يستهدف وضع كتاب لأصحاب الجغرافيا، بل كان هدفه تصنيف الملعومات الجغرافية العامة التي يحتاج إليها الكاتب، لأدركنا أهمية هذا الفصل الخاص بالعموميات؛ فلا معنى أن نعرف بلدا بأنه يقع على البحر الفلاني، في حين أن البحر الفلاني نفسه غير معروف لمن نتحدث إليه. ثم ينتقل القلقشندي إلى الحديث عن الخلافة. والواقع أنه في هذا الباب من المقالة لم يقصد التحدث عن الخلافة كخلافة، بقدر ما قدّم لنا فصلا هاما عن «الجغرافية السياسية» للدولة الإسلامية. ولو أن جغرافيا أراد أن يرسم خريطة لحدود الدولة الإسلامية وتطورها على مر العصور، لما وجد مصدرا يتصف بالإيجاز الواضح يعينه في رسم خريطته أفضل من الباب الذي كتبه القلقشندي عن الخلافة. بعد ذلك ينتقل إلى جغرافية الديار المصرية ومضافاتها، أو ما يدخل تحت حكمها بلغة العصر الحديث. وهكذا يستوفي القلقشندي مقالته بهذا الأسلوب العلمي المتدرّج الذي يحافظ على وحدة الفكرة، بالرغم من التفريع الكثير الذي نلاحظه في أسلوبه وأسلوب القدماء بوجه عام. وأهم ما يلفت نظرنا في منهج القلقشندي هو أنه كاتب أمين، ينسب كل منقولاته إلى أصحابها، لا يدعي منها شيئا لنفسه، هذا إلى جانب أمانته ودقته في النقل، فلا يتصرف في ما ينقله؛ وإذا أراد أن يضيف شيئا أو يدلي برأي خاص، فإنما يفعل ذلك مع التزام كامل باحترام آراء غيره، خاصة الذين ينقل عنهم. ولعل ما أورده القلقشندي عن «قلعة القاهرة» يوضح أمانته ومنهجه العلمي في النقل والكتابة. وهذا الحكم إنما جاء بعد عدة دراسات تاريخية أثرية قام بها عدد من المستشرقين الفرنسيين يمثلون مدرسة ذات أسلوب عمل خاص كرست

جهودها لإحياء معالم عواصم مصر الإسلامية: الفسطاط، والقطائع، والقاهرة المعزية، والقلعة «1» . فهذه المدرسة تعتمد، في المقام الأول، على استخراج النصوص التاريخية الخاصة بالمعالم الأثرية من المصادر المعاصرة، ثم تقوم بتطبيق هذه النصوص التاريخية على الطبيعة في ضوء ما تبقى من أحياء وآثار وأطلال ومعالم. وقد اعتمدت تلك الدراسات أساسا على كتاب «الخطط» للمقريزي؛ إلا أن «كازانوفا» (في دراسته التاريخية الوصفية للقلعة) خرج وقد اهتزت ثقته بما جاء في كتاب «الخطط» من وصف لأسرار القاهرة والقلعة. ففضلا عما لاحظه، في عديد المواضع، من إغفال المقريزي الإشارة إلى من نقل عنه ممن سبقه من المؤرخين (وتحديدا ابن فضل الله العمري) ، فقد أخذ عليه الكثير من المتناقضات. كما خرج من هذه الدراسة بنتيجة هامة، وهي أن أدق وصف للقلعة هو ما كتبه شهاب الدين أحمد بن محي الدين بن فضل الله العمري في موسوعته «مسالك الأبصار» ، وأن هذه الدقة في الوصف إنما جاءت نتيجة عمله في ديوان الإنشاء. وإذا كان كل من القلقشندي والمقريزي قد نقلا عن ابن فضل الله العمري هذا الوصف للقلعة مع فارق كبير من حيث الأمانة والدقة في النقل، فقد أغفل المقريزي الإشارة إلى العمري، بينما أشار القلقشندي إلى ذلك صراحة. وفضلا عن ذلك فقد أضاف القلقشندي إلى وصف القلعة الذي نقله عن العمري ملاحظاته الخاصة المستمدة من المشاهدة العيانية والتجربة الحية. وقد أثبت كازانوفا دقة وصحة هذه الملاحظات، بل أوضح أنه لولا ذلك لما أمكنه أن ينتهي إلى ما انتهى إليه في دراسته التاريخية والوصفية للقلعة «2» . وإذا انتقلنا إلى منهجه في الكتابة التاريخية، نجده متميزا على جميع من سبقه في الكتابة عن تاريخ مصر في العصور الوسطى؛ فإذا كانت كتب الحوليات الشهيرة التي تعالج تاريخ مصر في العصور الوسطى، والتي كتبها مجموعة من

مشاهير المؤرخين أمثال المقريزي وابن حجر والعيني وأبو المحاسن وابن إياس، تكاد تسير كلها على نمط واحد وتكاد تتفق كلها في قدر واحد من المعلومات، من ناحية ما حدث في هذه السنة أو تلك من حرب أو فتنة ومن غلاء أو رخاء، ومن وفاة سلطان أو قيام آخر ... فإذا ذكر أحد أولئك المؤرخين شيئا عن الأسعار في سنة من السنوات، فإنه لا يشير إلى النقود المتداولة وأقسامها وأنواعها، أو إلى المقاييس والمكاييل المستخدمة، مثل ما فعل القلقشندي في كتابه «صبح الأعشى» ... وهكذا نجد المؤرخين من كتاب الحوليات يطوون السنوات طيّا ويركزون عنايتهم على جوانب معينة يلتزمون الكلام عنها. وهنا يأتي دور كتاب مثل «صبح الأعشى» ليسد تلك الثغرات في تاريخ مصر في العصور الوسطى، بما يحويه من معلومات خطيرة عن النظم الداخلية والعلاقات الخارجية، فضلا عن الأضواء التي يلقيها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والدينية ... هذا إلى جانب تمتع القلقشندي بحاسة تاريخية قوية؛ فهو إلى جانب كونه أديبا وفقيها، يبدو في كتابه بصورة المؤرخ الواعي المحيط ببواطن الأمور، القادر على الربط والاستنتاج، المستوعب لكثير من كتب السير والتواريخ «1» . وإذا تتبعنا منهج القلقشندي في كتابه «صبح الأعشى» في جميع أبوابه ومواده نجدنا دائما أمام رجل الفكر المنظم والأمانة العلمية والإحاطة الموسوعية. ويزداد إعجابنا كلما انتبهنا إلى أن هذا العمل الموسوعي الضخم هو من إنتاج فرد بعينه، في حين نرى أن الأعمال الموسوعية الكبرى تتظافر فيها جهود عدد كبير من العلماء والباحثين، وربما تعاقب على إنجازها غير جيل. وإذا كانت العصور الوسطى هي عصور الجهل والظلام في اعتبار معظم الأدبيات الغربية، فإننا نحد أنفسنا أمام واجب المزيد من الكشف عن تلك المنارات العربية الإسلامية في تلك العصور (أمثال القلقشندي وغيره) لإعادة

ثالثا: أسلوب القلقشندي في الكتابة وشخصيته الأدبية.

التأكيد على أن الشمس كانت مشرقة ساطعة في الجانب الشرقي الإسلامي من الكرة. ثالثا: أسلوب القلقشندي في الكتابة وشخصيته الأدبية «1» . القلقشندي أديب صانع مجتهد، وهو صاحب قلم سيّال يرتكز على ثقافة واسعة في جميع ميادين العلم والأدب والفن. وهو أيضا ذو أسلوب مشرق الديباجة سلس المأخذ والعطاء. وفي كتابته ينسج القلقشندي على منوال أدباء عصره من أصحاب الأساليب المصنوعة، والعبارات المنمقة المسجوعة، الحافلة بالمحسنات البديعية من سجع وجناس وترصيع وتضمين وتورية ومقابلة وطباق، إلى غير ذلك من أساليب الصنعة التي اعتمدها أصحاب «المدرسة الإنشائية الأسلوبية» «2» والتي كان على رأسها القاضي الفاضل. ويتجلي أسلوب القلقشندي هذا في مقدمته، وفي الرسائل التي أنشأها في مناسبات عديدة، وفي مقامته الطويلة التي أسماها «الكواكب الدرّية في المناقب البدرية» «3» ، وفي رسالته في المفاخرة بين العلوم «4» . ونحن نلاحظ أن أسلوب القاضي الفاضل يملك على كاتبنا عقله ووجدانه، فقد تقمص القلقشندي شخصية القاضي الفاضل حتى أننا لو لم نكن نعرف مسبقا لمن هذا الأسلوب ما ترددنا لحظة واحدة في نسبته إلى القاضي الفاضل (عبد الرحيم بن علي بن السعيد اللخمي المتوفى سنة 596 هـ. وكان من وزراء صلاح الدين ومقربيه. قيل عنه: كانت الدولة بأسرها تأتي إلى خدمته) «5» . وإذا كان القلقشندي أديبا كاتبا من الطراز الأول، فإنه عندما حاول الشعر

لم يستطع أن يقدم لنا أكثر من مجرد نظم لا يمكن أن يضعه في مصاف الشعراء. ولعل حماسه للنثر واشتغاله فيه من خلال عمله في ديوان الإنشاء، جعله يتعصّب له ويفضله على الشعر، فهو يقول: «والنثر أرفع منه درجة، وأعلى رتبة، وأشرف مقاما، وأحسن نظاما، إذ الشعر محصور في وزن وقافية، يحتاج الشاعر معها إلى زيادة الألفاظ، والتقديم فيها والتأخير.... والكلام المنثور لا يحتاج إلى شيء من ذلك، فتكون ألفاظه تابعة لمعانيه، ويؤيد ذلك أنك إذا اعتبرت ما نقل من معاني النثر إلى النظم وجدته قد انحطت رتبته ... » «1» . ولعل القلقشندي في غمرة حماسه للنثر لم يلتفت إلى ما في الشعر من سحر وجمال، فحجب ذلك عمدا في بعض المواقف، ثم ما لبث جلال الشعر أن دفع به إلى الاعتراف به في صفحات كثيرة من كتابه «2» وفي الفصول المتعددة التي كتبها القلقشندي عن البلاغة نجده عالة على البلاغيين المتخصصين- لا سيما صاحب مواد البيان-، ونحن لا نعتبر ذلك عيبا عند القلقشندي ذلك أنه لم يدع أنه بلاغي، وإنما موقفه موقف المعلم الذي يرجع إلى المصادر المشروعة التي يأخذ منها مادة درسه، ثم ينقحها ويهذبها ويحسن عرضها على تلاميذه. وهو إلى ذلك يمتلك ملكة نقدية مصقولة الحواشي صافية الذوق أعطت كتابه وجها جميلا في فن القول ووجوه نقد الكلام والتمييز بين غثه وسمينه ومألوفه ووحشيه، كل ذلك في صبر ووفرة وقدرة تدعو إلى الانحناء أمامه تقديرا لجهوده الجبارة. ومما لا شك فيه أن صبح الأعشى- من حيث النصوص الأدبية التي احتواها- يعتبر أغنى مرجع عربي في هذا الشأن، نظرا لوفرة عدد الرسائل والخطب التي ضمتها دفتاه.

رابعا: محتويات الكتاب.

رابعا: محتويات الكتاب. قلنا إن الكاتب وزع محتويات كتابه على مقدمة وعشر مقالات وخاتمة، استغرقت أربعة عشر مجلدا (حسب طبعتنا والطبعات السابقة) أي حوالي سبعة آلاف صفحة: أ- ففي المقدمة ، يتناول القلقشندي الحديث عن مسائل أولية وتعريفات تمهيدية، كالتنويه بفضل القلم وشرف الكتابة، وتطور الإنشاء خلال العصور، وتفضيل النثر على النظم، وصفات الكتاب وآدابهم، وتاريخ ديوان الإنشاء وتطوره منذ أول الإسلام إلى أيام كاتبنا، ثم أحواله في مختلف الدول الإسلامية، وقوانين الدواوين ومراتب أصحابها، والتعريف بالوظائف الديوانية في مصر الإسلامية. وهذه المقدمة البديعة تصلح أن تكون وحدها مؤلفا مستقلا. ب- المقالة الأولى : وفيها يتحدث الكاتب عن مجموع المعارف التي يحتاجها الكاتب في ديوان الإنشاء للقيام بمهمته الخطيرة على أكمل وجه؛ وهي معارف لغوية وأدبية وتاريخية وما يحتاج إليه الكاتب من أنواع الأقلام والورق وغيرها. ويخصص في هذه المقالة صفحات رائعة عن الخط العربي وتاريخه، مصحوبة بالرسوم التوضيحية المفصلة، مستندا في ذلك إلى أئمة الخط في ذلك العصر وقبله. (استغرقت المقدمة والمقالة الأولى الجزئين الأول والثاني وقسما من الثالث) . ج- المقالة الثانية : في المسالك والممالك (الجغرافيا) ؛ ذكر فيها الأرض والخلافة والخلفاء (الجغرافيا السياسية) والديار المصرية والشامية، والممالك والبلدان المحيطة بها. وقد استغرقت المقالة الثانية ما تبقى من الجزء الثالث، والجزء الرابع، وقسما من الجزء الخامس. د- المقالة الثالثة : في أمور تشترك فيها أنواع المكاتبات والولايات وغيرها، من ذكر الأسماء والكنى والألقاب، وبيان مقادير قطع الورق، وما يناسب كل مقدار منها من الأقلام، ومقادير البياض الذي يراعيه الكاتب في كتابته.. وبيان

هـ - المقالة الرابعة

المستندات وكافة الملخصات.. وبيان الفواتح والخواتم، مع تفصيل خاص لما يتعلق بذلك كله في ديوان الإنشاء المصري. وقد استغرقت هذه المقالة ما تبقى من الجزء الخامس، وقسما من السادس. هـ- المقالة الرابعة : وهي نظرا لمحتوياتها وحجمها، أهم مقالات الكتاب وأضخمها. وقد استغرقت ما بقي من الجزء السادس، والجزئين السابع والثامن، وقسما من التاسع. يقدم لنا فيها المؤلف فهرسا مطولا لألقاب الملوك وأرباب السيوف والعلماء والكتاب والقضاة، مرتبة على حروف المعجم. ثم يشرح لنا أساليب الكتابة، من استفتاح ومقدمات ودعاءات وصلوات وغيرها مما اصطلح عليه. ومن أهم فصول هذه المقالة، فصل يعالج فيه الكاتب مصطلحات المكاتبات الدائرة بين ملوك أهل الشرق والغرب من جهة، وكتاب الديار المصرية في مختلف العصور، منذ صدر الإسلام إلى عصره؛ ويفتتح ذلك بذكر الكتب الصادرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم إلى زعماء الجزيرة وغيرهم من أهل الكفر مثل كسرى وقيصر والنجاشي. ويلي ذلك استعراض للمكاتبات الصادرة من الملوك إلى الخلفاء. ويعنى عناية خاصة بالكتب الصادرة عن ملوك الديار المصرية إلى نواب السلطنة، وإلى العمال والقضاة ورجال الدولة في مصر والشام؛ ومنها ما هو موجه إلى ملوك التتار وإيران وأرمينية، أو إلى ملوك المغرب والسودان والبرنو والروم والترك، وإلى ملوك الفرنج الأرض الكبيرة (فرنسا) وقشتالة ولشبونة وأراجون، ثم إلى البابا وقيصر القسطنطينية وحكام جنوة مثل البودسطا والكبطان.... ويعنى القلقشندي من جهة أخرى بالمكاتبات الواردة إلى البلاط المصري من جميع الجهات التي ذكرناها. وهو في ذلك يقدم لنا نماذج من معظم المكاتبات المذكورة. والمقالة الخامسة : وتتناول مسألة الولايات، وطبقاتها من الخلافة والسلطنة، وولايات أرباب السيوف والأقلام، ثم الألقاب من خلافية ومملوكية، ثم البيعات وما يكتب فيها، ثم العهود وأنواعها، مع نماذج من كل ذلك. وقد استغرقت المقالة الخامسة ما بقي من التاسع، والعاشر والحادي والثاني عشر.

ز - المقالة السادسة

وتشتمل المقالتان الرابعة والخامسة على مئات الوثائق والنصوص الرسمية والدبلوماسية التي تلقي ضوء هاما على تاريخ مصر النظامي والإدراي في عصور الخلفاء والسلاطين، وعلى السياسة الخارجية المصرية، وعلاقات مصر بالشعوب الإسلامية والنصرانية في تلك العصور، وهي مادة نفيسة من الوثائق والمحفوظات الجليلة التي لا يمكن أن نظفر بها في مؤلف آخر، وإن كان العمري قد أورد في «المصطلح الشريف» شيئا منها. ز- المقالة السادسة : وفيها يتحدث عن الوصايا الدينية والمسامحات وتصاريح الخدمد السلطانية (الطرخانيات) وتحويل السنين والتذاكر. وقد استغرقت قسما من الجزء الثالث عشر، الذي يضم أيضا المقالتين السابعة والثامنة وقسما من المقالة التاسعة. ح- المقالة السابعة : ويتحدث فيها عن الإقطاعات، ونشأتها وأحكامها وأنواعها، ويقدم إلينا نماذج من المراسم الصادرة بها في مختلف الدول والعصور. ط- المقالة الثامنة : ويتحدث فيها عن الأيمان وأنواعها، منذ الجاهلية وفي عصور الإسلام، والأيمان المملوكية والأميرية في الدول الإسلامية وغيرها. ي- المقالة التاسعة: وفيها يتحدث عن عهود الأمان وعقدها لأهل الإسلام والكفر، وما يكتب منها لأهل الذمة، ثم الهدن وأنواعها وصيغها، وعقود الصلح ونماذجها. وهذه المقالة موجودة في القسم الأخير من الجزء الثالث عشر والقسم الأول من الرابع عشر. ك- المقالة العاشرة: وفيها يذكر القلقشندي فنونا من الكتابة، يتداولها الكتاب، ويتنافسون في عملها ليس لها تعلق بكتابة الدواوين السلطانية ولا غيرها؛ وفيها بابان: الأول في الجدّيات؛ ومنها المقامات والرسائل، وما يكتب

ل - الخاتمة

عن العلماء وأهل الأدب ... والثاني في الهزليات؛ ومنها ما اعتنى الملوك ببعضه ... ومنها سائر أنواع الهزل. ل- الخاتمة : في ذكر أمور تتعلق بديوان الإنشاء غير أمور الكتابة، مثل البريد وتاريخه في مصر والشام، ثم الحمام الزاجل وأبراجه ومطاراته، ثم ذكر الثلج وطرائق نقله من الشام إلى الأبواب السلطانية بالديار المصرية، وأخيرا في المناور والمحرقات التي كانت تستعمل في استطلاع حركات العدو. بعد هذا العرض السريع لمحتويات «صبح الأعشى» ، لا بد من الإشارة إلى ناحية هامة احتوى عليها الكتاب تتعلق بالمصطلحات أو التعابير الاصطلاحية في شتى المجالات، وخاصة تلك المصطلحات المعبرة عن الوظائف والألقاب المملوكية. وهي، وإن جاءت منتثرة في زوايا أجزاء الكتاب المختلفة، فإنها- إذا ما جمعت ورتبت على حروف الهجاء، وإذا ما تناولها قلم التعريف استنادا إلى ما جاء في الكتاب نفسه- تشكل معجما قائما بذاته (وهذا ما قام به مشكورا الأستاذ محمد قنديل البقلي في كتابه «التعريف بمصطلحات صبح الأعشى» ) . وقد احتوى كتاب القلقشندي نحوا من ألفين وخمسمائة مصطلح أكثرها من المصطلحات العلمية التي يندر وقوعها إلا في مراجع مختصة أو في ثنايا كتب عامة «1» . خامسا: مؤلفات القلقشندي. كان القلقشندي مؤلفا نشيطا كتب كثيرا من المؤلفات نذكر منها: 1- «صبح الأعشى في كتابة الإنشا» وهو هذا الكتاب. 2- «ضوء الصبح المسفر وجنى الدوح المثمر» ، مختصر كتاب «صبح الأعشى» ، طبع الجزء الأول منه في مطبعة الواعظ بالقاهرة سنة 1324 هـ. 3- «الغيوث الهوامع، في شرح جامع المختصرات ومختصرات الجوامع» في

سادسا: هذه الطبعة من «صبح الأعشى» .

علم الفقه على مذهب الإمام الشافعي. 4- «نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب» ، في التعريف بقبائل العرب؛ ألف للمقر الجمالي يوسف الأموي «1» ، وطبع في مطبعة الرياض ببغداد. 5- «قلائد الجمان في قبائل العربان» في أنساب العرب أيضا. (وقد نسب صاحب كشف الظنون لوالد المؤلف- انظر كشف الظنون: 2/1353) . 6- «مآثر الإنافة في معالم الخلافة» ، في أنواع العهود والعقود والمخاطبات إلى جانب ترتيب الخلافة وتاريخها، وطبقات الخلفاء والولاة، مع ذكر الحوادث والماجريات. وقد ألفه للخليفة المعتضد، على ما جاء في خاتم الكتاب بقلم المؤلف. وهذا الكتاب من الكتب النادرة التي حققت ونشرت في وقت متأخر (نشرته دولة الكويت ضمن سلسلة التراث العربي) . ويبدو أنه كان آخر ما ألفه القلقشندي، وقد خفي اسمه على المحدثين. يقول القلقشندي في الجزء الثاني من «مآثر الإنافة» ص 211: «.. إلى حين تأليف هذا الكتاب في مباديء سنة تسع عشرة وثمان مائة» . وللقلقشندي إلى جانب هذه الكتب، رسائل كثيرة تزيد على المائة أودعها كتابه «صبح الأعشى» . سادسا: هذه الطبعة من «صبح الأعشى» . لقد وضع كتاب «صبح الأعشى» لأول مرة في سوق القراءة سنة 1910 م، إذ أخرجت «المطبعة الأميرية» بالقاهرة الجزء الأول منه؛ ثم تابعت إخراج بقية أجزائه إلى أن صدر الجزء الأخير، وهو الرابع عشر، سنة 1920 م، فاضطربت مجموعاته، وتعرضت بعض أجزائه للنفاد، وأصبح الحصول على مجموعة كاملة منه أمرا عسيرا. ولما كان الكتاب ينتظم مجموعة كبيرة من المعارف في شتى أنواع

الفنون، فقد كانت الإفادة منه عسيرة على القراء، إذ جاء خلوا من الفهارس الجامعة والتفصيلية التي تقود الباحث إلى طريقه وتدله على بغيته من أقرب الطرق. واستمر وضع كتاب «صبح الأعشى» - من حيث الطباعة والنشر- على هذه الحال نحوا من ثلاث وعشرين سنة؛ ومن نافل القول أن صعوبة الحصول عليه والإفادة منه كانت تتفاقم مع مر السنين. وفي حزيران 1963 م أقدمت المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر على إعادة نشر الكتاب كاملا في طبعة مصورة عن الطبعة الأميرية. وقد بذل الأستاذ محمد عبد الرسول (رئيس التصحيح العربي بالقسم الأدبي بالمطبعة الأميرية) جهدا مشكورا في تصحيح الكتاب وتقويم ما بأصله من التحريف الكثير والتصحيف الغريب، زيادة على ما فيه من الطمس والسقم في مواضع من بعض أجزائه «1» . وإذا كانت هذه الطبعة قد جعلت الكتاب، كاملا، في متناول عدد كبير من الباحثين والقراء، فإن الحاجة إلى تيسير الإفادة منها ظلت قائمة بغياب الفهارس التفصيلية. ذلك أن بقاء هذه الموسوعة دون فهارس تجعلها- كما يقول الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور في تقديمه لكتاب فهارس صبح الأعشى- أشبه بغابة ضخمة، كثيرة الخيرات، متعددة الثمار، ولكنها وعرة المسالك متشابكة الأغصان، بحيث يصعب على من يطرقها أن يخرج منها بما يشتهي ويريد. ثم قام الأستاذ محمد قنديل البقلي بمجهود كبير يشكر عليه، وذلك بوضعه فهارس تفصيلية شاملة لكتاب الصبح، تعتبر كشافا هاما لمن يريد ارتياد تلك الغابة الضخمة، وذلك سنة 1970 م. والذي أصاب الطبعة الأولى من كتاب الصبح، أصاب طبعته الثانية، وذلك مع تقادم الزمن وازدياد الحاجة إليه واتساع دائرة الباحثين فيه وعنه بحيث وجدنا أنفسنا من جديد أمام صعوبة الحصول عليه، وندرة مجموعاته الكاملة؛ هذا بالإضافة إلى ما وجدناه من ضرورة إعادة ضبطه ومقابلة نصوصه ووضع حواشي

وشروحات، علّنا نضيف شيئا متواضعا إلى المجهودات التي وضعت في الطبعات السابقة. وقبل أن نشير سريعا إلى ما أضفناه في هذه الطبعة، وإلى طريقة عملنا في ذلك، نلفت القاريء إلى أننا اعتمدنا النص المعروف لكتاب «صبح الأعشى» في الطبعة الأميرية، عوضا عن مخطوطات الصبح، وذلك لسببين: الأول أننا لم نستطع الحصول على المخطوطات الأصلية كاملة بحيث نعتبرها نصّا أساسيا أصليا يجري العمل عليه. وربما كان حريا بنا العدول عن قصدنا لولا ما لا حظناه- وهو السبب الثاني- في الطبعة المذكورة من أمانة للنص الأصلي تظهر في عدم تصرف مصحح أو محقق تلك الطبعة تصرفا من شأنه تغييب الأصول. وفي حالات الطمس والتحريف والتصحيف أو البياض، وعندما كان الأمر يستدعي تدخل قلمه بالتقويم أو الاستبدال أو ملء الفراغ، فإنه كان يشير دائما إلى الأصل. ولم نكتف بملاحظتنا تلك، بل عزز تصميمنا بعض الأساتذة الباحثين والمختصين بتأكيدهم على صلاحية هذا النص نعتمده في عملنا. والحقيقة أننا نضع بين يدي القاريء ثلاث طبعات في مطبوعة واحدة، وهي: الطبعة الأميرية الأولى، والطبعة المصورة عنها والمحققة بقلم محمد عبد الرسول، وطبعتنا هذه. - لقد حاولنا في عملنا- ما أمكننا ذلك- استدراك بعض ما فات محقق الطبعة الأميرية من ملء بعض الفراغات التي جاءت في الأصل، أو إضافة بعض الزيادات التي يقتضيها المقام والمقارنة، وذلك استنادا إلى المراجع والمصادر التي تبحث في نفس الموضوع، وخاصة مؤلفات القلقشندي نفسه، وعلى الأخصّ «ضوء الصبح» و «مآثر الإنافة» ؛ إذ أن معظم نصوص الكتب التي أوردها في «مآثر الإنافة» قد أوردها في «صبح الأعشى» ؛ هذا بالإضافة إلى أن «ضوء الصبح» هو مختصر لكتاب «صبح الأعشى» . وجميع الزيادات التي أضفناها إلى متن الكتاب وضعناها بين معقوفين وأشرنا إلى مصدرها. وقد أشرنا أيضا إلى ما لم نستطع سدّه من الثغرات، لعل في جهود الباحثين، فيما يأتي من الأيام، استدراكا لما فاتنا وتسديدا لخطواتنا.

- لقد بذلنا ما أمكننا من الجهد في مقابلة ومقارنة النصوص التي أوردها القلقشندي في كتابه، والتي أخذها من مصادر التراث، وأشرنا إلى ذلك في حينه. - لقد اجتهدنا في ضبط أسماء الأشخاص والمواضع التي أوردها على أمهات المعاجم والمراجع التي توفرت لنا، وأشرنا إلى الضبط المختلف أو الروايات المتعددة بهذا الشأن. - لقد وضعنا في حواشي الكتاب تعريفا مختصرا مفيدا- مع ذكر المراجع- بجميع الأعلام والكتب والمصطلحات الواردة في «صبح الأعشى» . وما أهملناه من ذلك إما معروف مشهور ولم نجد ضرورة لنافل القول فيه، وإما لم نهتد إليه فيما بين يدنا من المراجع، وقد أشرنا إلى ذلك أيضا. - لقد شرحنا في حواشي الكتاب ما في متنه من غريب اللغة أو صعب المتناول منها أو غامض الماجريات والأحداث، وذلك استنادا إلى المعاجم اللغوية المشهورة وكتب الأدب والتاريخ والسير والحوليات باحثين عن كل موضوع تكلم فيه المؤلف أو أشار إليه. - لقد بذلنا وسعنا في تقييد أكثر كلماته بالشكل، معتمدين في ذلك معاجم اللغة، توفيرا لجهد القاريء في تناول مادته وفهم مراده، كما وضعنا علامات الترقيم المساعدة على ذلك. - وقد أشرنا إلى ما فيه من الأحاديث النبوية الشريفة، والآيات القرآنية الكريمة، والأمثال والحكم، بعلامات خاصة بكل منها. - وسنلحق بهذه الطبعة مجلدا خاصا بالفهارس التفصيلية الشاملة لجميع محتوياته الهائلة في الكثرة والتنوع. وهذه الفهارس نعتبرها مفتاحا ضروريا للولوج إلى مظان كنوزه ومادته الغزيرة. والله نسأل التوفيق والسداد والحمد لله رب العالمين محمد حسين شمس الدين بيروت 1987

[خطبة الكتاب]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* [خطبة الكتاب] الحمد لله جاعل المرء بأصغريه، قلبه ولسانه، والمتكلم بأجمليه، فصاحته وبيانه. راقم حقائق المعاني بأقلام الإلهام على صفحات الأفكار. جامع اللسان والقلم على ترجمة ما في الضمائر، ذاك للأسماع وهذا للأبصار. الذي حفظ برسوم الخطوط ما تكلّ الأذهان السليمة عن حفظه. وتبلغ بوسائطها على البعد ما يعسر على المتحمل تأديته بصورة معناه ولفظه. أحمده على أن وهب من بنات الأفكار ما يربو في الفخر على ذكور الصوارم «1» ، ومنح من جواهر الخواطر ما يزكو مع الإنفاق «2» ولا ينقص بالمكارم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يوقّع لصاحبها بالنجاة من النار، ويكتب قائلها في ديوان الأبرار. وأن محمدا عبده ورسوله الذي اهتزّت لهيبته الأسرّة وشرفت بذكره المنابر. وضاقت عن درك وصفه الطروس «3» ونفدت دون إحصاء فضله المحابر. صلى الله عليه وعلى آله

وصحبه الذين قلّدوا أمور الدين فقاموا بواجبها. وحمّلوا أعباء الشريعة فانتشرت بهم في مشارق الأرض ومغاربها. صلاة تسطّر في الصحف، وتفوق بهجتها الروض الأنف. وبعد فلما كانت الكتابة من أشرف الصنائع «1» وأرفعها. وأربح البضائع وأنفعها. وأفضل المآثر وأعلاها. وآثر الفضائل وأغلاها. لا سيما كتابة الإنشاء التي هي منها بمنزلة سلطانها. وإنسان «2» عينها بل عين إنسانها. لا تلتفت الملوك إلا إليها. ولا تعوّل في المهمات إلا عليها. يعظّمون أصحابها ويقرّبون كتّابها. فحليفها أبدا خليق بالتقديم. جدير بالتبجيل والتكريم. تسرّ مجانيها «3» إذا ما جنى الظّما ... وتروي مجاريها إذا بخل القطر وكانت الديار المصرية، والمملكة اليوسفية «4» ، أعز الله تعالى حماها! وضاعف علاها! قد تعلقت من الثريّا بأقراطها، ورجحت سائر الأقاليم بقيراطها «5» . بشّر بفتحها الصادق الأمين، فكانت أعظم بشرى. وأخبر سيد المرسلين أن لأهلها نسبا وصهرا «6» . فتوجهت إليها عزائم الصحابة زمن

الفاروق فجاسوا خلال الديار وعرها وسهلها. واقتطعتها أيدي المسلمين من الكفار وكانوا أحقّ بها وأهلها. ثم لم يزل يعلو قدرها. ويسمو ذكرها. إلى أن صارت دار الخلافة العباسيّة. وقرار المملكة الإسلامية. وفخرت مملكتها بخدمة الحرمين. وخدمها سائر الملوك والأمم لحيازة القبلتين. تناهت علاء والشّباب رداؤها ... فما ظنّكم بالفضل والرّأس أشيب؟ وحظيت من فضلاء الكتّاب بما لم تحظ مملكة من الممالك، ولا مصر من الأمصار. وحوت من أهل الفضل والأدب ما لم يحو قطر من الأقطار. فما برحت متّوجة بأهل الأدب في الحديث والقديم. مطرّزة من فضلاء الكتّاب بكل مكين أمين، وحفيظ عليم. نجوم سماء كلّما غاب كوكب ... بدا كوكب تأوي إليه كواكبه هذا، والمؤلفون في هذه الصنعة قد اختلفت مقاصدهم في التصنيف. وتباينت مواردهم في الجمع والتأليف. ففرقة أخذت في بيان أصول الصنعة وذكر شواهدها. وأخرى جنحت إلى ذكر المصطلحات وبيان مقاصدها. وطائفة اهتمّت بتدوين الرسائل ليقتبس من معانيها ويتمسّك بأذيالها، وتكون أنموذجا لمن بعدهم يسلك سبيلها، من أراد أن ينسج على منوالها. ولم يكن فيها تصنيف جامع لمقاصدها. ولا تأليف، كافل بمصادرها الجليلة ومواردها. بل أكثر الكتب المصنّفة في بابها، والتآليف الدائرة بين أربابها، لا يخرج عن علم البلاغة المرجوع فيها إليه. أو الألفاظ الرائقة مما وقع اختيار الكتّاب عليه. أو طرف من اصطلاح قد رفض. وتغير أنموذجه ونقض. فلا يغني النظر فيه المقلّد من كتّاب الزمان. ولا يكتفي به القاصر في أوان بعد أوان. على أن معرفة المصطلح هي اللازم المحتّم. والمهمّ المقدّم. لعموم الحاجة إليه. واقتصار القاصر عليه. إن الصّنيعة لا تكون صنيعة ... حتّى يصاب بها طريق المصنع

وكان الدّستور «1» الموسوم «بالتعريف. بالمصطلح الشريف» . صنعة الفاضل الألمعيّ «2» . والمصقع «3» اللوذعيّ «4» . ملك الكتابة وإمامها. وسلطان البلاغة ومالك زمامها. المقرّ الشهابيّ «أحمد بن فضل الله العدويّ العمري» «5» سقى الله تعالى عهده العهاد! وألبسه سوابغ الرحمة والرّضوان يوم المعاد! هو أنفس الكتب المصنّفة في هذا الباب عقدا. وأعدلها طريقا وأعذبها وردا. قد أحاط من المحاسن بجوانبها. وأعقمت الأفكار عن مثله ففاز من الصنعة بأحمد مذاهبها. فكان حقيقا بقوله في خطبته: «يا طالب الإنشاء خذ علمه ... عنّي فعلمي غير منكور!» «ولا تقف في باب غيري فما ... تدخله إلا (بدستوري) » «6» إلا أنه قد أهمل من مقاصد المصطلح أمورا لا يسوغ تركها. ولا ينجبر بالفدية لدى الفوات نسكها «7» . كالبطائق «8» ، والملطفات «9» ، والمطلقات «10» .

المكبرة في جملة كثيرة من المكاتبات، فلم يقع الغنى به عما سواه، ولا الاكتفاء بالنظر فيه عما عداه. ثم تلاه المقرّ التقوي ابن ناظر الجيش «1» (رحمه الله!) بوضع دستوره المسمّى «بتثقيف التعريف» ، مقتفيا أثره في الوضع، وجاريا على سننه في التأليف. مع إيراد ما أهمله في تعريفه، وذكر ما فاته من مصطلح ما يكتب أو حدث بعد تأليفه. فاشتهر ذكره وعز وجوده. ووقع الضنّ به حتّى بخل بإعارته من عرف كرمه وجوده. وكان مع ذلك قد ترك مما تضمنه التعريف مقاصد لا غنى بالكاتب عنها. ولا بد للمتلبس بهذه الصناعة منها. كالوصايا والأوصاف، التي هي عمدة الكاتب. ومراكز البريد وأبراج الحمام، وغير ذلك من متممات الواجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فصار كلّ من الدّستورين منفردا عن الآخر بقدر زائد. ولم تقع الغنية بأحدهما عن الآخر، وإن كانا في معنى واحد. وكيفما كان فالاقتصار على معرفة المصطلح قصور. والإضراب عن تعرّف أصول الصنعة ضعف همّة وفتور. والمقلّد لا يوصف بالاجتهاد. وشتّان

بين من يعرف الحكم عن دليل ومن جمد على التقليد مع جزم الاعتقاد. ولم أر في عيوب الناس شيئا ... كنقص القادرين على التّمام وقد ثبت في العقول أن البناء لا يقوم على غير أساس. والفرع لا ينبت إلا على أصل، والثمر لا يجتنى من غير غراس. وكنت في حدود سنة إحدى وتسعين وسبعمائة عند استقراري في كتابة الإنشاء بالأبواب الشريفة السلطانية، عظم الله تعالى شأنها! ورفع قدرها! وأعز سلطانها! أنشأت مقامة بنيتها على أنه لا بدّ للإنسان من حرفة يتعلق بها، ومعيشة يتمسّك بسببها. وأن الكتابة هي الصناعة التي لا يليق بطالب العلم من المكاسب سواها. ولا يجوز له العدول عنها إلى ما عداها. وجنحت فيها إلى تفضيل كتابة الإنشاء وترجيحها. وتقديمها على كتابة الأموال وترشيحها. ونبّهت فيها على ما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من الموادّ. وما ينبغي أن يسلكه من الجوادّ «1» . وضمنتها من أصول الصنعة ما أربت به على المطوّلات وزادت وأودعتها من قوانين الكتابة ما استولت به على جميع مقاصدها أو كادت. وأشرت فيها إلى وجه تعلّقي بحبال هذه الصنعة وإن لم أكن بمطلوبها مليّا «2» وانتسابي إلى أهلها وإن كنت في النسبة إليها دعيّا. وليس دعيّ القوم في القوم كالّذي ... حوى نسبا في الأكرمين عريقا إلا أنها قد وقعت موقع الوحي والإشارة. ومالت إلى الإيجاز فاكتفت بالتلويح عن واسع العبارة، فعزّ بذلك مطلبها. وفات على المجتني ببعد التناول أطيبها. فأشار من رأيه مقرون بالصواب. ومشورته عريّة عن الارتياب. أن أتبعها بمصنّف مبسوط يشتمل على أصولها وقواعدها. ويتكفّل بحلّ رموزها

وذكر شواهدها. ليكون كالشرح عليها. والبيان لما أجملته والتّتمّة لما لم يسقه الفكر إليها. فامتثلت أمره بالسمع والطاعة. ولم أتلكّأ وإن لم أكن من أهل هذه الصناعة. غير أن القريحة بذلك لم تسمح. وصار المقتضي يضعف والمانع يترجّح. لأعذار قد تشابه محكمها. وضرورات، إن لم يعلمها الخلق فالله يعلمها. إلى أن لاحت لي بوارق الفتح. وظهرت ولله الحمد آثار المنح. فعند ذلك بلغت النفس أملها، وأضفت مواهب الامتنان حللها. وتلا لسان العناية على الغبيّ الحاسد ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها «1» . فشرعت في ذلك بعد أن استخرت الله تعالى «وما خاب من استخار» . وراجعت أهل المشورة (وما ندم من استشار) مستوعبا من المصطلح ما اشتمل عليه «التعريف» و «التثقيف» «2» . موضحا لما أبهماه بتبيين الأمثلة مع قرب المأخذ وحسن التأليف ومتبرعا بأمور زائدة على المصطلح الشريف لا يسع الكاتب جهلها. متنقّلا من توجيه المقاصد. وتبيين الشواهد، بما يعرف به فرع كل قضية وأصلها. آتيا من معالم الكتابة بكل معنى غريب. ناقلا الناظر في هذا المصنّف عن رتبة أن يسأل فلا يجاب إلى رتبة أن يسأل فيجيب. منبهّا على ما يحتاج إليه الكاتب من الفنون، التي يخرج بمعرفتها عن عهدة الكتابة ودركها «3» . ذاكرا من أحوال الممالك المكاتبة عن هذه المملكة ما يعرف به قدر كل مملكة وملكها. مبينا جهة قاعدتها، التي هي محل الملك شرقا أو غربا، أو جنوبا أو شمالا. معرفا الطريق الموصل إليها، برّا وبحرا، وانقطاعا واتصالا. ذاكرا مع كل قاعدة مشاهير بلدانها، إكمالا للتعريف. ضابطا لأسمائها بالحروف كي لا يدخلها التبديل والتحريف.

وسمّيته (صبح الأعشى في كتابة الإنشا) راجيا من الله تعالى أن يكون بالمقصود وافيا، وللغليل شافيا. وليعذر الواقف عليه، فنتائج الأفكار على إختلاف القرائح لا تتناهى، وإنما ينفق كل أحد على قدر سعته لا يكلف الله نفسا إلّا ما آتاها. ورحم الله من وقف فيه على سهو أو خطأ فأصلحه عاذرا لا عاذلا. ومنيلا لا نائلا. فليس المبرأ من الخطل إلا من وقى الله وعصم. وقد قيل: الكتاب كالمكلف لا يسلم من المؤاخذة ولا يرتفع عنه القلم، والله تعالى يقرنه بالتوفيق! ويرشد فيه إلى أوضح طريق!. وما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب. وقد رتبته على مقدمة، وعشر مقالات وخاتمة.

المقدمة

[المقدّمة] المقدّمة في مباد «1» يجب تقديمها قبل الخوض في كتابة الإنشاء وفيها خمسة أبواب . الباب الأوّل في فضل الكتابة، ومدح فضلاء أهلها، وذم حمقاهم؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في فضل الكتابة. الفصل الثاني- في مدح فضلاء الكتّاب وذمّ حمقاهم. الباب الثاني في ذكر مدلول الكتابة لغة واصطلاحا، وبيان معنى الإنشاء، وإضافة الكتابة إليه، ومرادفة لفظ التوقيع لكتابة الإنشاء في عرف الزمان، والتعبير عنها بصناعة الترسل، وتفضيل كتابة الإنشاء على سائر أنواع الكتابة، وترجيح النثر على الشعر. وفيه ثلاثة فصول. الفصل الأوّل- في ذكر مدلولها، وبيان معنى الإنشاء وإضافتها إليه، ومرادفة التوقيع لكتابة الإنشاء في عرف الزمان، والتعبير عنها بصناعة الترسّل. الفصل الثاني- في تفضيل كتابة الإنشاء على سائر أنواع الكتابة. الفصل الثالث- في ترجيح النثر على الشعر.

الباب الثالث في صفات الكتّاب وآدابهم؛ وفيه فصلان. الفصل الأول- في صفاتهم الواجبة والعرفية. الفصل الثاني- في آدابهم. الباب الرابع في التعريف بحقيقة ديوان الإنشاء وأصل وضعه في الإسلام وتفرّقه بعد ذلك في الممالك؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في التعريف بحقيقته. الفصل الثاني- في أصل وضعه في الإسلام وتفرقه بعد ذلك في الممالك بالديار المصرية وغيرها. الباب الخامس في قوانين ديوان الإنشاء، وترتيب أحواله، وآداب أهله؛ وفيه أربعة فصول. الفصل الأوّل- في بيان رتبة صاحب هذا الديوان ورفعة قدره وشرف محله ولقبه الجاري عليه في القديم والحديث. الفصل الثاني- في صفة صاحب هذا الديوان وآدابه. الفصل الثالث- فيما يتصرف فيه متولي هذا الديوان ويدبره ويصرفه بقلمه. الفصل الرابع- في ذكر وظائف ديوان الإنشاء بالديار المصرية، وما يلزم رب كل وظيفة منهم، وما كان عليه الأمر في الزمن القديم، وما استقرّ عليه الحال بعد ذلك.

المقالة الأولى فيما يحتاج إليه الكاتب، وفيها بابان. الباب الأوّل في الأمور العلمية، وفيه ثلاثة فصول. الفصل الأوّل- فيما يحتاج إليه الكاتب في الجملة. الفصل الثاني- فيما يحتاج الكاتب إلى معرفته من مواد الإنشاء، من معرفة اللغة والنحو والتصريف والمعاني والبيان والبديع، وحفظ كتاب الله تعالى، والكثير من الأحاديث النبوية، وخطب البلغاء ورسائلهم ومكاتباتهم ومحاوراتهم ومراوضاتهم «1» ، (وأشعار العرب) والمولدين والمحدثين، (وأمثال العرب) ومن جرى مجراهم؛ والمعرفة بالتاريخ (وأنساب العرب) ، ومفاخراتهم، ومنافراتهم، وحروبهم، وأوابدهم «2» في الجاهلية، وأحوال الأمم والأحكام السلطانية، وأصناف العلوم، ومن برع في كل علم منها، والكتب الفائقة في كل فن من فنونها وما يجري مجرى ذلك؛ والمعرفة بصنعة الكلام وكيفية إنشائه ونظمه، وتأليفه، وترصيفه، وما يحمد من ذلك وما يذم. الفصل الثالث- في معرفة الأزمنة والأوقات: من الأيام والشهور والسنين على اختلاف الأمم فيها وتفاصيل أجزائها، وما ينخرط في سلك ذلك من الفصول الأربعة وأعياد الأمم.

الباب الثاني فيما يحتاج إليه الكاتب من الأمور العملية، من الخط وتوابعه ولواحقه؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في ذكر آلات الخط من الدّويّ «1» وما تتّخذ منه ومقاديرها وكيفياتها، ومعرفة أصناف الأقلام وصنعة برايتها: فتحا ونحتا وشقّا وقطّا؛ ومقادير أطوالها وعدد ما يكون في الدواة منها، وكيفية عمل الحبر، وحلّ الذهب، وإذابد اللازورد والمغرة «2» العراقية، وغير ذلك مما يحتاج إليه في كتابة الديوان. الفصل الثاني- في الكلام على نفس الخط وأصل وضعه واختلاف الأمم فيه، وما يختص من ذلك بالخط العربيّ من تنويع أقلامه التي أحدثها أئمة الكتابة وتباين أشكالها واختلاف أوضاعها؛ وما يستعمل منها في ديوان الإنشاء، وما يلتحق بذلك من النّقط والشكل والهجاء. المقالة الثانية في المسالك والممالك؛ وفيها أربعة أبواب. الباب الأوّل في ذكر الأرض على سبيل الإجمال؛ وفيه ثلاثة فصول. الفصل الأوّل- في معرفة شكل الأرض وإحاطة البحر بها، وبيان جهاتها الأربع، وما اشتملت عليه من الأقاليم السبعة الطبيعية؛ وبيان موقع الأقاليم العرفية كمصر والشام من الأقاليم الطلبيعية، وذكر حدودها الجامعة لها.

الفصل الثاني- في ذكر البحار التي يتكرر ذكرها بذكر البلدان في التعريف بها، والسفر إاليها من البحر المحيط والبحار المنبثّة في أقطار الأرض ونواحي الممالك مما هو متصل به ومنقطع عنه وما بها من الجزائر المشهورة. الفصل الثالث- في استخراج جهات البلدان والأبعاد الواقعة بينها. الباب الثاني في ذكر الخلافة ومن وليها من الخلفاء ومقرّاتهم في القديم وما انطوت عليه ممالكهم من الأقطار؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في ذكر الخلافة ومن وليها من الخلافاء الراشدين من الصحابة (رضوان الله عليهم) ، وخلفاء بني أمية بالشام، وخلفاء بني العباس بالعراق، ثم بالديار المصرية، وخلفاء الفاطميين بمصر، وخلفاء بني أمية بالأندلس، والمدّعين الخلافة من بقايا الموحدين بأفريقة. الفصل الثاني- فيما انطوت عليه الخلافة العباسية في الزمن القديم وما كانت عليه من الترتيب وما هي عليه الآن. الباب الثالث في ذكر الديار المصرية ومضافاتها من البلاد الشامية وما يتصل بها؛ وفيه ثلاثة فصول. الفصل الأول- في الديار المصرية، وذكر فضائلها ومحاسنها، وخواصّها وعجائبها وما بها من الآثار القديمة، وذكر نيلها ومبدئه ونهايته، وزيادته ونقصه، ومقاييسه، وما ينتهي إليه في الزيادة وما يصل إليه في النقص، والخلجان المتفرعة عنه، وجسورها الحابسة لمياه النيل على أرضها، وبحيرات الديار المصرية، وجبالها وزروعها ورياحينها وفواكهها، ومواشيها ووحوشها وطيورها، وذكر حدودها وابتداء عمارتها وتسميتها مصر، وتفرّع

الأقاليم التي حولها عنها؛ وذكر أعمالها وقواعدها القديمة، والمباني العظيمة الباقية على ممر الأزمان، وقواعدها المستقرة وما اشتملت عليه من محاسن الأبنية؛ وذكر من ملكها جاهلية وإسلاما قبل الطّوفان وبعده؛ وترتيب أحوالها؛ وذكر معاملاتها ونقودها، وترتيب مملكتها في القديم والحديث؛ وبيان وظائف دولها القديمة والمستقرة لأرباب السيوف والأقلام. الفصل الثاني- في البلاد الشامية وما يتصل بها من بلاد الجزيرة الفراتية وبلاد الثغور والعواصم المعبر عنها الآن- ببلاد الأرمن- وبلاد الدربندات «1» المعروفة الآن- ببلاد الروم- مما هو مضاف إلى مملكة الديار المصرية، وفضل الشام، وخواصه وعجائبه وحدوده وابتداء عمارته وتسميته شاما، وذكر أنهاره وبحيراته وجباله المشهورة، وذكر زروعه وفواكهه ومواشيه ووحوشه وطيوره، وذكر أعماله وجهاته وأجناده وكوره «2» القديمة والمستقرة وقواعده العظام وما كانت عليه في الزمن السابق ومن ملكها جاهلية وإسلاما وما استقرت عليه الآن من النيابات، وترتيب أحوالها، وذكر معاملاتها ونقودها، وترتيب نياباتها وما بها من وظائف أرباب السيوف والأقلام وما اشتملت عليه من العربان «3» . الفصل الثالث- في البلاد الحجازية وما ينخرط في سلكها، وذكر فضل

الحجاز وخواصّه وعجائبه وابتداء عمارته وتسميته حجازا، وذكر مياهه وعيونه وجباله المشهورة وزروعه وفواكهه ورياحينه ومواشيه ووحوشه وقواعده وأعماله ونواحيه ومعاملاته ونقوده وملوكه جاهلية وإسلاما. الباب الرابع في الممالك والبلدان المحيطة بمملكة الديار المصرية من الجهات الأربع والطرق الموصلة إليها، وفيه أربعة فصول. الفصل الأول- في الممالك والبلدان الشرقية عن الديار المصرية، وما سامت «1» ذلك ووالاه من الجهة الجنوبية والجهة الشمالية، وما اشتملت عليه هذه الجهة من مملكة إيران التي هي مملكة الفرس قديما، وما انطوت عليه من بلاد الجزيرة الفراتية وبلاد العراق وبلاد خوزستان وبلاد الأهواز وبلاد فارس وبلاد كرمان وبلاد سجستان وبلاد أرمينية وأذربيجان وبلاد الجبال المعبّر عنها بعراق العجم وبلاد الدّيلم وبلاد الجبل المعبر عنها بكيلان وبلاد مازندران وبلاد قومس وبلاد زابلستان وبلاد الغور وغيرها، ومملكة توران المعروفة بمملكة الترك قديما، وما اشتملت عليه من قسم ما وراء النهر من بخارى وسمرقند ومضافاتهما وبلاد تركستان وما مع ذلك، وقسم خوارزم ودشت «2» الفبجاق المشتمل على خوارزم والدشت وأعمال السراي وبلاد القرم وبلاد الأزق «3» وما ينضم إلى ذلك من بلاد السرب والبلغار وبلاد الأولاق وبلاد الآص وبلاد الروس وغيرها، وقسم ما بيد صاحب التخت المعبر عنه

(بالقان الكبير) المشتمل على بلاد الخطا «1» وبلاد الصين، وما اتصل بهاتين المملكتين مما يلي الجنوب من بلاد البحرين، ومملكة اليمن وما منها بيد أولاد رسول وما منها بيد إمام الزيدية، وممالك الهند المتصلة ببلاد الصين والواقعة في جزائر البحر الهنديّ. الفصل الثاني- في الممالك والبلدان الغربية عن مملكة الديار المصرية، من مملكة تونس المشتملة على بلاد أفريقية، ومملكة تلمسان المشتملة على بلاد الغرب الأوسط؛ ومملكة فاس المشتملة على بلاد الغرب الأقصى إلى البحر المحيط وما إلى ذلك من ممالك جزيرة الأندلس وما بقي منها بيد المسلمين وما استعاده منها ملوك الكفر. الفصل الثالث- في الممالك والبلدان الجنوبية عن مملكة الديار المصرية وما اشتملت عليه من بلاد السّودان: من مملكة البرنو ومملكة الكانم ومملكة مالي ومملكة الحبشة، وبيان ما من ذلك بيد ملوك المسلمين وما منه بيد ملوك الكفر. الفصل الرابع- في الممالك والبلدان الشمالية عن مملكة الديار المصرية مما بيد المسلمين من البلاد المعروفة الآن ببلاد الروم وما بيد ملوك النصارى من جزائر بحر الروم كجزيرة قبرس وجزيرة رودس وجزيرة أقريطش وجزيرة المصطكى «2» ، وجزيرة صقلّية وغيرها وما إلى ذلك مما شمالي بحر الروم من مملكة القسطنطينية ومملكة البندقية ومملكة جنوه ومملكة رومية ومملكة فرنسة وغير ذلك.

المقالة الثالثة في ذكر أمور تشترك فيها أنواع المكاتبات والولايات وغيرهما من ذكر الأسماء والكنى والألقاب، وكيفية تعيين صاحب ديوان الإنشاء القصص والمربعات ونحوها على كتّاب الإنشاء، ومقادير قطع الورق وما يناسب كلّ مقدار منها من الأقلام، ومقادير البياض في أوّل الدّرج وحاشيته وبعد ما بين السطور في الكتابات، وبيان المستندات التي يصدر عنها ما يكتب من ديوان الإنشاء من المكاتبات والولايات وغيرها، وكتابة الملخّصات، وبيان الفواتح والخواتم. وفيها أربعة أبواب. الباب الأوّل في الأسماء والكنى والألقاب، وفيه فصلان. الفصل الأول- في الأسماء والكنى ومواضع ذكرهما في المكاتبات والولايات وما يجري مجراهما. الفصل الثاني- في ذكر الألقاب وأصل وضعها وما استعمله الكتّاب منها وما كان يلقّب به أهل كل دولة وما حدث من الزيادة بعد ذلك حتى صار الأمر إلى ما عليه الحال في زماننا، والألقاب التي اصطلح عليها لأرباب السيوف والأقلام وغيرهم وما وضع منها لأهل الكفر، وبيان معنى كل لقب في اللغة ومن يقع عليه في الاصطلاح، وكيفية ترتيب بعضها على بعض. الباب الثاني في بيان مقادير قطع الورق وما يناسب كلّ مقدار منها من الأقلام ومقادير البياض الذي يراعيه الكاتب في كتابته، وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في مقادير قطع الورق المستعملة بدواوين الإنشاء في القديم والحديث.

الفصل الثاني- في بيان ما يناسب كل مقدار من مقادير قطع الورق المتقدمة الذكر من الأقلام، ومقادير البياض الذي يراعيه الكاتب في أعلى الدّرج وحاشيته وبعد ما بين السطور في الكتابة. الباب الثالث في بيان المستندات وكتابة الملخصات. وكيفية التعيين، ومقادير قطع الورق وما يناسبها من الأقلام، وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في بيان المستندات التي يصدر عنها كتابة ما يكتب من تلقي كاتب السر الأمر في ذلك عن السلطان أو تلقيه وتلقي كتاب الدست «1» بدار العدل، أو شمول القصة بالخط الشريف، أو كونه برسالة الدوادار أو بإشارة النائب الكافل أو إشارة أستاذ الدار أو إشارة الوزير، أو بقائمة من ديوان الخاص «2» وغيره، وكتابة الملخّصات التي تكتب من الكتب المطوّلات الواردة على الديوان، وترجمة الكتب الواردة بغير العربية إلى العربية. الفصل الثاني- في بيان كيفية تعيين صاحب ديوان الإنشاء القصص والمربعات وما في معناها، وبيان مقادير قطع الورق المستعمل في دواوين الإنشاء من الكامل والثلثين والنصف والثلث والعادة، وما يناسب كل مقدار منها من مختصر الطومار وثقيل الثلث وخفيفه والتوقيعات والرقاع» ومقادير البياض المرعيّة في الكتابة في أعلى الدّرج وحاشيته وبعد ما بين السطور.

الباب الرابع في الفواتح والخواتم واللواحق؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في الفواتح من البسملة والحمدلة والتصلية والسلام «1» في أول الكتب والبعديّة التي يقع بها فصل الكلام، وبيان أصول ذلك وأصل مشروعيته. الفصل الثاني- في الخواتم واللواحق من كتابة «إن شاء الله» في آخر المكتوب وكتابة التاريخ ومعرفة معناه ومعرفة التواريخ القديمة وأصل وضع التاريخ في الإسلام والتاريخ بالهجرة والوقت الذي يؤرّخ فيه؛ وبيان بناء التاريخ العربيّ على الليالي دون الأيام، واختلاف مذاهب النحاة والكتاب في التعبير عن ذلك، وبناء تاريخ العجم على الأيام دون الليالي، ومعرفة استخراج كل تاريخ من تواريخ الأمم من الآخر، وكتابة المستند والحمدلة في آخر الكتب والتصلية على النبي صلى الله عليه وسلّم بعدها، والاختتام بالحسبلة «2» ، وبيان مواضع ذلك جميعه من الورق، وكيفية وضعه. المقالة الرابعة في المكاتبات، وفيها بابان الباب الأوّل في أمور كلية: تتعلق بالمكاتبات، وفيه فصلان. الفصل الأول- في مقدّمات المكاتبات من أصول يعتمدها الكاتب فيها من حسن الافتتاح وبراعة الاستهلال وتقديم مقدّمة تناسب المكتوب فيه في أول المكاتبة، ومعرفة الفرق بين الألفاظ الجارية في الخطاب ونحوه من

المكاتبات وما يناسب المكتوب إليه منها، ومواقع الدعاء فيها، والإتيان لكل مقصد من مقاصد المكاتبات بما يناسبه، ومخاطبة كل أحد من المكتوب إليهم على قدر طبقته من اللغة العربية، ومراعاة الفصاحة والبلاغة في الكتابة إلى من يتعاناها «1» ، ومراعاة رتبة المكتوب عنه والمكتوب إليه، ومواقع الشعر من المكاتبات وحسن الاختتام وما يجري مجرى ذلك، وبيان مقادير المكاتبات وما يناسبها من البسط والإيجاز وما يلائمها من المعاني، ومعرفة ما يختص من ذلك بالأجوبة وبيان ترتيبها. الفصل الثاني- في بيان أصول المكاتبات وترتيبها وبيان لواحقها ولوازمها ومذاهب الكتّاب فيما تفتتح به المكاتبات في القديم والحديث، وما يخاطب به أهل الإسلام وأهل الكفر في المكاتبات، وبيان كيفية طيّ الكتاب وختمه وحمله وتأديته وفضّه وقراءته وحفظه في الإضبارة. الباب الثاني في مصطلح المكاتبات الدائرة بين كتّاب الإسلام في كل زمن من الصدر الأوّل وإلى زماننا، وفيه ثمانية فصول. الفصل الأوّل- في الكتب الصادرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم إلى أهل الإسلام وملوك الكفر، واختلاف افتتاحها بحسب المقاصد. الفصل الثاني- في الكتب الصادرة عن الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم، وخلفاء بني أمية، وخلفاء بني العبّاس، وخلفاء الفاطميين، وخلفاء بني أمية بالأندلس وبقايا الموحدين بأفريقية: ابتداء وجوابا. الفصل الثالث- في الكتب الصادرة عن الملوك ومن في معناهم مما كتب به إلى النبيّ صلى الله عليه وسلّم، والخلفاء الراشدين من الصحابة رضوان الله عليهم،

وخلفاء بني أمية، وخلفاء بني العباس، وخلفاء الفاطميين بالديار المصرية، وخلفاء بني أمية بالأندلس، وبقايا الموحدين بأفريقية، وما كتب به عن الملوك ومن في معناهم إلى الملوك ومن في معناهم من المكاتبات الدائرة بين ملوك الديار المصرية وملوك الشرق والغرب، ووزراء الخلفاء ومنفّذي أمر الخلافة اللاحقين بشأو الملوك، وما يلتحق بذلك من المكاتبات الصادرة إلى ملوك الكفر واختلاف الافتتاح في ذلك. الفصل الرابع- في الكتب الصادرة عن ملوك الديار المصريّة على ما استقرّ عليه الحال من ابتداء الدولة التّركيّة وإلى زماننا على رأس الثمانمائة مما أكثره مأخوذ من ترتيب الدولة الأيّوبية، التي هي أصل الدولة التركية مما هو صادر عنهم إلى خلفاء بني العباس، وإلى أهل المملكة بمصر والشام والحجاز، وإلى عظماء القانات بممالك الشرق كقان مملكة إيران، الجامع لحدودها على ما كان الأمر عليه إلى آخر أيام أبي سعيد «1» ثم من بعده ممن لم يبلغ شأوه من القانات الصّغار كالشيخ واويس «2» ومن تلاه إلى زماننا، ومن بهذه المملكة من صغار الملوك والحكّام، وقانات مملكة توران من صاحب ما وراء النهر من بخارى وسمرقند وما معهما، وصاحب خوارزم والدّشت والقان الكبير صاحب التخت، وصاحب الهند، وصاحب اليمن وإمام الزيديّة بها، وملوك بلاد المغرب كصاحب تونس، وصاحب تلسمان، وصاحب فاس، وصاحب غرناطة من الأندلس، وملوك بلاد السّودان كملك البرنو وملك الكانم، وصاحب مالي، وملوك الأتراك بالبلاد المعروفة ببلاد الرّوم من الجهة

الشمالية، وملوك الكفر كملك الحبشة من البلاد الجنوبية وملك القسطنطينيّة وسائر ملوك الفرنج وحكّامهم بجزائر الروم وغيرها ممن تقدّم ذكره في الكلام على المسالك والممالك. الفصل الخامس في الكتب الواردة على الأبواب السلطانية بالديار المصرية من ملوك الممالك المتقدّمة الذكر وحكّامها من أهل الإسلام والكفر ممن ترد مكاتبته على هذه المملكة. الفصل السادس- في المكاتبات الإخوانيّات مما كان عليه مصطلح السلف فمن بعدهم في كل زمن وما استقرّ عليه الحال في زماننا. الفصل السابع- في مقاصد المكاتبات من الأمور الخاصة بالملوك والخلفاء، كالكتب بالبشارة بولاية الخلافة، والجلوس على تخت السلطنة، والدّعاية إلى الدّين، والحثّ على الجهاد، والإخبار عن الفتوحات، والأمر بلزوم الطاعة، والتنبيه على مواسم العبادة، والمواعظ عند حدوث الآيات السماوية، والأوامر والنواهي، والنّهي عن التنازع في الدين، والكتب إلى من نكث العهد أو خلع الطاعة، والتضييق على أهل الجرائم، والبشارة بالمواسم، والأعياد، ووفاء النيل، وركوب الميادين، والعود من الغزو، والكتب بالتلقيب على ما كان الأمر عليه في الزمن المتقدّم، وبالإحماد والإذمام، والكتب قرين الإنعام السلطاني من الخيل والجوارح، وسائر أصناف الإنعام، والاعتذار عن السلطان في الهزيمة ونحوها، والأجوبة عن ذلك، وما يشترك فيه الملوك ومن عداهم من التهاني كالتهنئة بالوظائف، وتكرمة السلطان، وتجدّد الأولاد، والمساكن، والعود من الحج، والقدوم من السفر، والإبلال من المرض، ورضا السلطان، وغرّة السنة، وشهر رمضان، وعيد الفطر، وعيد الأضحى، والنّيروز، والمهرجان، والدخول في دين الإسلام، والصّرف عن الخدمة في سلامة؛ ومن التعازي كالتعزية بالأب والأم والولد والقريب والصديق، والتشوّقات، والشّفاعات، والتهادي، والآستزارة، واستماحة الحوائج،

واختطاب المودّة وخطبة التزويج، والشكر، والشكوى، والاعتذار، والعتاب، والمداعبة، وغير ذلك. الفصل الثامن- في معرفة إخفاء ما في الكتب من السرّ إمّا بطريق المترجم، وإمّا بالكتابة بما يظهر بالمعالجة من عرضه على النار، أو جعل دواء عليه وما أشبه ذلك. المقالة الخامسة في الولايات، وفيها أربعة أبواب. الباب الأوّل في بيات طبقاتها وما يقع به التفاوت، وفيه ثلاثة فصول. الفصل الأوّل- في بيان طبقات الولايات وما يجب على الكاتب مراعاته في كتابتها مما يكتب في ولاية الخلافة والسلطنة والولايات الصادرة عن الخلفاء والملوك، وما يكتب عن السلطان بالديار المصرية والشام والحجاز لأرباب السّيوف وأرباب الأقلام وأرباب الوظائف الدّيوانيّة والوظائف الدّينيّة، وغير ذلك. الفصل الثاني- في بيان ما يجب على الكاتب مراعاته في كتابة الولايات على سبيل الإجمال. الفصل الثالث- في بيان ما يقع به التفاوت في رتب الولايات. الباب الثاني في البيعات، وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في معنى البيعات. الفصل الثاني- في ذكر تنويع البيعات مما يكتب للخلفاء، وأصل مشروعيتها؛ وبيان أسباب البيعة الموجبة لأحدها على الرعية، وما يجب على

الكاتب مراعاته في كتابة البيعة؛ وبيان صورة ما يكتب فيها، واختلاف مذاهب الكتّاب في ذلك؛ وذكر نسخ من بيعات الخلفاء مما كان يكتب به في الخلافة العبّاسية بالعراق، وخلفاء الفاطميين بالديار المصرية، وخلفاء بني أمية بالأندلس وما يلتحق بذلك مما يكتب به لخلفاء بني العباس الآن بالديار المصرية، وما يكتب من البيعات للملوك على ما اصطلح عليه كتّاب بلاد الغرب والأندلس. الباب الثالث في العهود، وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في معنى العهد. الفصل الثاني- في بيان أنواع العهود مما يكتب به للخلفاء عن الخلفاء، وما يكتب به للملوك عن الخلفاء، وما يكتب به عن الملوك لولاة العهد بالسلطنة وللملوك المنفردين بصغار البلدان، ومذاهب الكتّاب في ذلك، وذكر نسخ من ذلك جميعه مما كتب به ببلاد المشرق والمغرب والديار المصرية. الباب الرابع في الولايات الصادرة عن الخلفاء لأرباب المناصب، من أصحاب السيوف والأقلام وغيرهم. وفيه ثلاثة فصول. الفصل الأوّل- فيما كان يكتب من ذلك عن الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم، وخلفاء بني أمية بالشام، وخلفاء بني العباس بالعراق، وخلفاء بين أمية بالأندلس، وخلفاء الفاطميين بمصر، ومدّعي الخلافة من بقايا الموحدين ببلاد المغرب، ومذاهب كتّاب الدّول في ذلك. الفصل الثاني- فيما يكتب من الولايات عن الملوك لأرباب السّيوف والأقلام وغيرهم من مصطلح كتّاب المشرق بعد انقراض الخلافة العباسية من

العراق ومصطلح كتّاب المغرب والأندلس في القديم والحديث، ومصطلح كتّاب الديار المصرية في الدولة الطّولونية وما وليها من الدولة الإخشيدية، والدولة الأيّوبية وما وليها من الدولة التركية، وما استقرّ عليه الحال فيها إلى زماننا، مما يكتب لأرباب السيوف والأقلام وغيرهم عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية: من التقاليد والتفاويض والمراسيم والتواقيع على اختلاف مراتبها. الفصل الثالث- فيما يكتب عن نوّاب السلطنة بالممالك الشاميّة لأرباب السّيوف والأقلام وغيرهم، وذكر نسخ من ذلك. المقالة السادسة في الوصايا الدينية، والمسامحات، والإطلاقات «1» ، والطرخانيات «2» ، وتحويل السنن، والتذاكر، وذكر نسخ من ذلك، وفيها أربعة أبواب، الباب الأوّل في الوصايا الدينية؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل- فيما لقدماء الكتّاب من ذلك. الفصل الثاني- فيما يكتب من ذلك في زماننا.

الباب الثاني في المسامحات، والإطلاقات، وفيه فصلان. الفصل الأوّل- فيما يكتب في المسامحات. الفصل الثاني- فيما يكتب في الإطلاقات. الباب الثالث في الطرخانيات، وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في طرخانيات أرباب السّيوف. الفصل الثاني- في طرخانيات أرباب الأقلام. الباب الرابع في تحويل السنين، وما يكتب في التوفيق بين السنين القمرية والشمسية، وما يكتب في التذاكر، وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في تحويل السنين والتوفيق بين السنين الشمسية والقمرية. الفصل الثاني- في التذاكر. المقالة السابعة في الإقطاعات والمقاطعات، وذكر نسخ من ذلك؛ وفيها بابان. الباب الأوّل في ذكر مقدّمات الإقطاعات؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في ذكر أمور تتعلق بالإقطاعات: من بيان معناها، وأصل وضعها في الشرع، وأوّل من وضع ديوان الجيش في الإسلام، ومن يستحق إثباته في الديوان وكيفية ترتيبهم فيه.

الفصل الثاني- في بيان حكم الإقطاع وأنقسامه إلى إقطاع تمليك واستغلال. الباب الثاني فيما يكتب في الإقطاعات في القديم والحديث؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في أصل ذلك في الشرع، وبيان ما أقطعه النبيّ صلى الله عليه وسلّم من البلاد والأرضين. الفصل الثاني- في صورة ما كان يكتب في الإقطاعات في الزمن القديم عن خلفاء بني العبّاس بالعراق، وخلفاء الفاطميين بمصر، وعن الملوك القائمين على الخلفاء بالعراق، وملوك بني أيّوب بالديار المصرية، وما يكتب في الإقطاعات في زماننا مما استقر عليه الحال، وما يكتب في ذلك من ديوان الجيش من المربّعات «1» وما هي مترتبة عليه، وما يكتب في ذلك من ديوان الإنشاء والمناشير، وبيان مراتبها، وذكر قطع الورق الذي تكتب فيه، وما يكتب في طرر «2» المناشير وما يلتحق بذلك من الطّغراوات «3» المشتملة على

الألقاب السلطانية التي كانت تلصق بأعلى المناشير بين الطّرّة والبسملة، وما يختص من ذلك بالزيادات والتجديدات. المقالة الثامنة في الأيمان؛ وفيها بابان. الباب الأوّل في أصول يتعين على الكاتب معرفتها قبل الخوض في الأيمان؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل- فيما يقع به القسم من الأقسام التي أقسم الله تعالى بها، والأقسام التي يقسم بها الخلق من أقسام العرب في الجاهلية، والأقسام الشرعية التي يحلف بها في الشريعة. الفصل الثاني- في بيان اليمين الغموس «1» ولغو اليمين، والتحذير من الحنث والوقوع في اليمين الغموس. الباب الثاني في نسخ الأيمان الملوكية، وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في نسخ الأيمان المتعلقة بالخلفاء. الفصل الثاني- في الأيمان المتعلقة بالملوك مما يحلف به المسلمون من أهل السّنّة وأرباب البدع وأهل الملل من اليهود والنصارى والمجوس وما يحلف به الحكماء المقالة التاسعة في عقود الصّلح والفسوخ الواردة على ذلك؛ وفيه خمسة أبواب.

الباب الأوّل في الأمانات؛ وفيه فصلان الفصل الأوّل- في عقد الأمان لأهل الكفر. الفصل الثاني- في كتابة الأمانات لأهل الإسلام، وذكر أصل ذلك من السّنّة، وإيراد نسخ من ذلك. الباب الثاني في الدفن وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في أصله وكونه مأخوذا عن العرب. الفصل الثاني- فيما يكتب في الدفن عن الملوك. الباب الثالث فيما يكتب في عقد الذّمّة وما يتفرّع على ذلك؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في الأصول التي يرجع إليها هذا العقد. الفصل الثاني- في صورة ما يكتب في متعلّقات أهل الذمة، وإلزامهم بالجري على ما يقتضيه عقد الذمة لهم. الباب الرابع في الهدن الواقعة بين ملوك الإسلام وملوك الكفر؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في أصول يتعين على الكاتب معرفتها من بيان معنى الهدنة وما يرادفها من الألفاظ، وبيان أصل وضعها في الشرع، وما يجب على الكاتب مراعاته في كتابتها. الفصل الثاني- في صورة ما يكتب في المهادنات واختلاف مذاهب كتّاب الشرق والغرب والديار المصرية في ذلك، وذكر نسخ منها، وبيان ما يكتب من ذلك من ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بالديار المصرية وما يرد من ذلك مما يكتب عن ملوك الكفر.

الباب الخامس في عقود الصلح الواقعة بين ملكين مسلمين؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في أصول تعتمد في ذلك. الفصل الثاني- فيما يكتب في عقد الصلح، وذكر نسخ من ذلك مما كتب به عن الخلفاء والملوك في القديم والحديث إلى زماننا. المقالة العاشرة في فنون من الكتابة يتداولها الكتّاب ويتنافسون في عملها ليس لها تعلق بكتابة الدواوين السلطانية ولا غيرها؛ وفيها بابان. الباب الأوّل في الجدّيات؛ وفيه ستة فصول. الفصل الأوّل- في المقامات وذكر نسخ منها. الفصل الثاني- في الرسائل: من الرسائل: من الرسائل الملوكية المشتملة على الغزو والصيد ونحو ذلك، والرسائل الواردة مورد المدح، والرسائل الواردة مورد الذم، ورسائل المفاخرات بين الأشياء النفيسة: كالمفاخرة بين العلوم والسيف والقلم ونحو ذلك، والرسائل المشتملة على الأسئلة والأجوبة، والرسائل المكتتبة بالحوادث والماجريات وذكر نسخ من ذلك جميعه. الفصل الثالث- في قدمات البندق «1» ، وذكر نسخ منه. الفصل الرابع- في الصّدقات الملوكية، وصدقات الأعيان. الفصل الخامس- فيما يكتب عن العلماء وأهل الأدب: من الإجازة

بالفتاوي وعراضات الكتب والمرويّات، وما يكتب على الكتب المصنّفة والقصائد من التقريظات، وما يكتب عن القضاة من التقاليد الحكمية وإسجالات العدالة والمطلقات وغير ذلك. الفصل السادس- في العمرات التي تكتب للحاجّ. الباب الثاني الهزليّات؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل- فيما اعتنت الملوك ببعضه. الفصل الثاني- في سائر أنواع الهزل. الخاتمة في ذكر أمور تتعلق بديوان الإنشاء غير أمور الكتابة؛ وفيها أربعة أبواب. الباب الأوّل في الكلام على البريد؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في مقدّمات يحتاج الكاتب إلى معرفتها: من معرفة معنى البريد وأوّل من وضعه في الجاهلية والإسلام، وبيان معالمه. الفصل الثاني- في ذكر مراكز البريد بالديار المصرية والبلاد الشاميّة على اختلاف طرقها. الباب الثاني في مطارات الحمام الرسائل، وذكر أبراجها المقرّرة بالديار المصرية والبلاد الشامية؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في ذكر مطاراته، واعتناء الملوك بشأنه في القديم والحديث ومسافات طيرانه. الفصل الثاني- في الأبراج المقرّرة له بالديار المصرية والبلاد الشاميّة.

الباب الثالث في ذكر مراكب الثلج الواصل من البلاد الشامية إلى الملوك بالديار المصرية؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في مراكبه. الفصل الثاني- في هجنه «1» . الباب الرابع في المناور والمحرقات؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل- في المناور التي كان يستعلم بها حركة التتار إلى البلاد الإسلامية. الفصل الثاني- في المحرقات التي كان يتوسل بها إلى إحراق زروع التتار ومراعيهم بأطراف بلادهم.

المقدمة في المبادىء التي يجب تقديمها قبل الخوض في كتابة الإنشاء. وفيها خمسة أبواب:

المقدمة في المبادىء التي يجب تقديمها قبل الخوض في كتابة الإنشاء. وفيها خمسة أبواب:

الباب الأول في فضل الكتابة، ومدح فضلاء أهلها، وذم حمقاهم؛ وفيه فصلان

الباب الأوّل في فضل الكتابة، ومدح فضلاء أهلها، وذم حمقاهم؛ وفيه فصلان الفصل الأوّل في فضل الكتابة أعظم شاهد لجليل قدرها، وأقوى دليل على رفعة شأنها، أن الله تعالى نسب تعليمها إلى نفسه، واعتدّه من وافر كرمه وإفضاله فقال عز اسمه: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ «1» مع ما يروى أن هذه الآية والتي قبلها مفتتح الوحي، وأوّل التنزيل على أشرف نبيّ، وأكرم مرسل صلى الله عليه وسلّم وفي ذلك من الاهتمام بشأنها ورفعة محلها ما لا خفاء فيه. ثم بيّن شرفها بأن وصف بها الحفظة الكرام من ملائكته فقال جلّت قدرته: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ «2» ولا أعلى رتبة وأبذخ شرفا مما وصف الله تعالى به ملائكته ونعت به حفظته؛ ثم زاد ذلك تأكيدا ووفر محله إجلالا وتعظيما بأن أقسم بالقلم الذي هو آلة الكتابة وما يسطر به فقال تقدّست عظمته: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ «3»

والإقسام لا يقع منه سبحانه إلا بشريف ما أبدع، وكريم ما اخترع: كالشمس والقمر والنجوم ونحوها إلى غير ذلك من الآيات الدالة على شرفها ورفعة قدرها. ثم كان نتيجة تفضيلها، وأثرة تعظيمها وتبجيلها، أن الشارع ندب إلى مقصدها الأسنى، وحثّ على مطلبها الأغنى، فقال صلى الله عليه وسلّم: قيّدوا العلم بالكتاب، مشيرا إلى الغرض المطلوب منها، وغايتها المجتناة من ثمرتها؛ وذلك أن كل ذي صنعة لا بدّ له في معاناتها من مادّة جسمية تظهر فيها الصورة، وآلة تؤدّي إلى تصويرها، وغرض ينقطع الفعل عنده، وغاية تستثمر من صنعته. والكتابة إحدى الصنائع فلا بدّ فيها من الأمور الأربعة. فمادّتها، الألفاظ التي تخيّلها الكاتب في أوهامه، وتصوّر من ضم بعضها إلى بعض صورة باطنة في نفسه بالقوة؛ والخطّ الذي يخطه القلم، ويقيد به تلك الصّور، وتصير بعد أن كانت صورة معقولة باطنة صورة محسوسة ظاهرة. وآلتها القلم. وغرضها الذي ينقطع الفعل عنده تقييد الألفاظ بالرسوم الخطية، فتكمل قوّة النطق وتحصل فائدة للأبعد كما تحصل للأقرب، وتحفظ صوره، ويؤمن عليه من التغير والتبدّل والضّياع. وغايتها الشيء المستثمر منها، وهي انتظام جمهور المعاون «1» والمرافق العظيمة، العائدة في أحوال الخاصة والعامّة بالفائدة الجسيمة في أمور الدين والدنيا. ولما كان التقييد بالكتابة هو المطلوب، وقع الحضّ من الشارع عليه، والحث على الاعتناء به تنبيها على أن الكتابة من تمام الكمال، من حيث إن العمر قصير والوقائع متسعة؛ وماذا عسى أن يحفظه الإنسان بقلبه أو يحصّله في ذهنه.

قال ذو الرّمة «1» لعيسى بن عمر: «اكتب شعري فالكتاب أعجب إليّ من الحفظ إنّ الأعرابيّ لينسى الكلمة قد سهرت في طلبها ليلة فيضع موضعها كلمة في وزنها لا تساويها، والكتاب لا ينسى ولا يبدّل كلاما بكلام» . وقد أطنب السلف في مدح الكتابة والحث عليها فلم يتركوا شأوا لمادح حتّى قال سعيد بن العاص «2» : «من لم يكتب فيمينه يسرى» . وقال معن بن زائدة «3» : «إذا لم تكتب اليد فهي رجل» . وبالغ مكحول «4» فقال: «لا دية ليد لا تكتب» . قال الجاحظ: ولو لم يكن من فضل الكتابة إلا أنه لا يسجّل نبيّ سجلّا ولا خليفة مرضيّ ولا يقرأ كتاب على منبر من منابر الدنيا إلا إذا استفتح بذكر الله تعالى وذكر رسوله صلى الله عليه وسلّم وذكر الخليفة ثم يذكر الكتاب كما هو مشهور في السجلات التي سجلها رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأهل نجران وغيرهم وأكثرها بخط أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه في شرفه ونبله وسابقته ونجدته. ومن ثم قال المؤيد «5» : «الكتابة أشرف مناصب الدنيا بعد الخلافة؛

إليها ينتهي الفضل، وعندها تقف الرغبة» . ومن كلام أبي جعفر «الفضل بن أحمد» «1» في جملة رسالة «الكتابة أسّ الملك، وعماد المملكة، وأغصان متفرّقة من شجرة واحدة. والكتابة قطب الأدب، وملاك الحكمة، ولسان ناطق بالفصل، وميزان يدل على رجاحة العقل. والكتابة نور العلم، وفدامة «2» العقول وميدان الفضل والعدل. والكتابة حلية وزينة ولبوس وجمال وهيبة وروح جارية في أقسام متفرّقة، والكتابة أفضل درجة وأرفع منزلة، ومن جهل حق الكتابة فقد وسم بوسم الغواة الجهلة؛ وبالكتابة والكتّاب قامت السياسة والرياسة، ولو أن فضلا ونبلا تصوّرا جميعا تصوّرت الكتابة، ولو أن في الصناعات صناعة مربوبة لكانت الكتابة ربّا لكل صنعة» . قال صاحب موادّ البيان «3» : ومن المعلوم أنّ جميع الصنائع وسائل إلى درك المطالب ونيل الرغائب، وأن عوائدها متفاضلة في الكثرة والقلة بحسب تفاضلها في الرّفعة والضّعة؛ إذ كان منها ما لا يفي بالبلغة من قوام العيش: نحو الصنائع المهينة السّوقيّة الداخلة في المرافق العامية، ومنها ما يوصل إلى الثروة ويجاوز حدّ الكفاية ويحظى بالمال والنّعم الخطيرة وهي الصنائع الخاصّة؛ وإذا تؤمّل ما هذه صفته منها علم أنه ليس منها ما يلحق بصناعة الكتابة ولا يساويها في هذا النوع، ولا ما يكسب ما تكسبه من الفوائد والمعاون مع حصول الرّفاهية والتنزه عن دناءة المكاسب، ولا ما يوصل إليه من الحظوية ورفاهية العيش ومشاركة الملوك في اقتناء المساكن الفسيحة، والملابس الرفيعة، والمراكب النبيلة، والدوابّ النفيسة، والخدم المستحسنة

وغير ذلك من آلات المروءة والأدوات الملوكية في أقرب المدد وأقلّ الأزمنة؛ وناهيك بذلك من فضل هذه الصناعة وشرفها وارتفاع خطرها وسمو قدرها إذ كان لها سعة لمثل هذه الجدوى التي لا يوجد مثلها في غيرها من الصنائع. وكفى بالكتابة شرفا أنّ صاحب السيف يزاحم الكاتب في قلمه ولا يزاحمه الكاتب في سيفه. قال في موادّ البيان: «ومن ثمّ صار السلطان الذي هو رئيس الناس ومستخدم أرباب كلّ صناعة ومصرّفهم على أغراضه، يفتخر بأن تكون فضيلتها حاصلة له مع ترفّعه عن التلبّس بصناعة من الصنائع الحسنة، وأنفته أن يقع اسم من أسمائها عليه» . قال: وذلك أنا نرى كل ملك وسلطان يؤثر أن يكون له حظ من بلاغة العبارة وجودة الخط، وفي ذلك ما يدل على أنها أشرف الصنائع رتبة وأعلاها درجة، وأن المشاركين للسلطان فيها ممن تكتنفه سياسته أفضل من سائر المتّصلين بغيرها من الصنائع الأخر؛ فقد علم أن الصنائع كلّها معاون ومرافق، لا تنتظم عمارة العالم إلا بتضافرها ومرافدة بعضها لبعض. وإنها على ضريين: خاصية وعامية، فالعاميّة صنائع المهنة وأهل الأسواق والحرف، وإن شاركهم الخاصّة في الحاجة إليها، لأنّ بها تنتظم أمور المعاملات وتعمر البلاد؛ والخاصية التي تقع في حيّز الملوك والسلاطين، ويتوزّعها أعوانهم وأتباعهم، وهذه الصنائع إنما يقع التميير بين أقدارها بالنظر إلى مقدار عائدتها في أمور الملك والسلطان والرعية مما كان معلّقا بالأمر الأهمّ، وكانت الحاجة إليه ألزم، وقدر المنفعة به أجسم، والفساد العائد بوقع خلل فيه على أسباب المملكة أعظم؛ ومرتبته في الصنائع الخاصة أشرف وألطف. وليس من الصنائع صناعة تجمع هذه الفضائل إلا صناعة الكتابة، وذلك لأن الملك يحتاج في انتظام أمور سلطانه إلى ثلاثة أشياء لا ينتظم ملكه مع وقوع خلل فيها:

أحدها رسم ما يجب أن يرسم لكلّ من العمال والمكاتبين عن السلطان ومخاطبتهم بما تقتضيه السياسة من أمر ونهي، وترغيب، ووعد ووعيد، وإحماد وإذمام. والثاني استخراج الأموال من وجوهها، واستيفاء الحقوق السلطانية فيها. والثالث تفريقها في مستحقها من أعوان الدولة وأوليائها الذين يحمون حوزتها، ويسدّون ثغورها ويحفظون أطرافها، ويذبّون عنها وعن رعاياها، وغير ذلك من وجوه النفقات الخاصة والعامة؛ ومعلوم أن هذه الأعمال لا يقوم بها إلا كتّاب السلطان، ولا سبيل للكتّاب إلى الكتابة فيها إلا بالتدبر في صناعة الكتابة، فهي إذن من أشرف الصنائع لعظيم عائدتها على السلطان ودولته. قال الجاحظ: «من أبين فضلها أن جعلت في علية الناس» . قال صاحب موادّ البيان: «وقد عرف أن الذين وضعوها وابتدهوها «1» ورسموا رسومها هم الأنبياء عليهم السلام» . وقد ذكر علماء التاريخ أن يوسف عليه السلام كان يكتب للعزيز، وهارون ويوشع بن نون كانا يكتبان لموسى عليه السلام، وسليمان بن دواد كان يكتب لأبيه، وآصف بن برخيا ويوسف بن عنقا كانا يكتبان لسليمان عليه السلام، ويحيى بن زكريا كان يكتب للمسيح عليه السلام. وقد انتقل جماعة منها إلى الخلافة. فأبو بكر كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم صارت الخلافة إليه بعد ذلك. وعمر بن الخطاب كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلّم ثم صارت الخلافة إليه. وعثمان بن عفان كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلّم ثم كتب لأبي بكر بعده ثم صارت الخلافة إليه. ومعاوية كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلّم ثم صارت الخلافة إليه بعد الحسن ومروان بن الحكم كان يكتب لعثمان بن عفّان ثم صار الأمر

إليه فيما بعد وعبد الملك بن مروان كان يكتب لمعاوية بن أبي سفيان ثم انتقل الأمر إليه. إلى غير هؤلاء من أهل هذه الصنعة ممن فرع «1» الذّروة العليّة من السيادة، والسّنام «2» الباذخ من الرياسة، على تغير الدّول وتنقلها بين العرب والعجم؛ وفي ذلك ما يدل على علوّ خطرها، وارتفاع قدرها. قال صاحب العقد «3» : وقد تنبه قوم بالكتابة بعد الخمول، وصاروا إلى الرتب العلية، والمنازل السنية. منهم سرجون بن منصور الرومي كان روميّا خاملا فرفعته الكتابة وكتب لمعاوية ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان؛ ومنهم حسّان النّبطيّ كاتب الحجاج، وسالم مولى هشام بن عبد الملك، وعبد الحميد الأكبر، وعبد الصمد، وجبلة بن عبد الرحمن، وقحذم جدّ الحجاج «4» بن هشام القحذميّ، وهو الذي قلب الدواوين من الفارسية إلى العربية، والربيع، والفضل بن الربيع، ويعقوب بن داود، ويحيى ابن خالد، وجعفر بن يحيى، وابن المقفع، والفضل بن سهل، [والحسن بن سهل] ، وجعفر بن الأشعث، وأحمد بن يوسف، وأبو عبد السلام الجند يسابوريّ، وأبو جعفر محمد بن عبد الملك الزيات، والحسن بن وهب، وإبراهيم بن العباس الصولي، ونجاح بن سلمة، وأحمد بن عبد العزيز «5» . وزاد صاحب الريحان والريعان «6» : مروان بن الحكم، وعبد الملك بن مروان. قلت: وهؤلاء بعض من شرفته الكتابة ورفعت قدره، ولو اعتبر من شرف بالكتابة وارتفع قدره

بها لفاتوا الحصر وخرجوا عن الحدّ. وهذا الوزير المهلبيّ «1» ؛ كان في أوّل أمره في شدّة عظيمة من الفقر والضائقة، وكان قد سافر مرة ولقي في سفره ضيقة حتّى اشتهى اللحم ولم يقدر عليه، فقال ارتجالا: ألا موت يباع فأشتريه! ... فهذا العيش ما لا خير فيه! ألا موت لذيذ الطّعم يأتي ... يخلّصني من الموت الكريه! ألا رحم المهيمن نفس حرّ ... تصدّق بالوفاة على أخيه! وكان معه رفيق له فاشترى لحما وأطعمه. ثم ترقّى بالكتابة حتّى وزّر لمعزّ الدولة بن بويه الديلمي في جلالة قدره. وهذا القاضي الفاضل «2» أصله من بيسان من غير بيت الوزارة، رفعته الكتابة حتّى وزّر للسلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وعلت رتبته عند، حتى بلغ من رتبته لديه أن كان يكتب في كتب السلطان صلاح الدين عن نفسه بما أحب، فكتب مرة: السلام على الملك العزيز ابن السلطان صلاح الدين في كتاب عن أبيه؛ ثم كتب شعرا منه: وغريبة قد جئت فيها أوّلا ... ومن اقتفاها كان بعدي الثاني فرسولي السّلطان في إرسالها ... والناس رسلهم إلى السّلطان وأبلغ من ذلك كله أبو إسحاق الصابي صاحب الرسائل المشهورة؛ كان على دين الصابئة مشدّدا في دينه، وبلغت به الكتابة إلى أن تولى ديوان الرسائل عن الطائع والمطيع وعز الدولة بن بويه، وجهد فيه عز الدولة أن

يسلم فلم يقع له؛ ولما مات رثاه الشريف الرضيّ بقصيدة فلامه الناس لكونه شريفا يرثي صابئيا، فقال: إنما رثيت فضله. قال في مواد البيان: «ولا عبرة بمن قعد به الجدّ، وتخلّف عنه الحظّ من أهل هذه الصناعة، إذ العبرة بالأكثر لا بالقليل النادر. على أن المبرّز في هذه الصناعة إن قعدت به الأيام في حال فلا بدّ أن يرفع قدره في أخرى: لأنّ دولة الفاضل من الواجبات، ودولة الجاهل من الممكنات؛ خصوصا إذا صادف الكاتب الفاضل ملكا فاضلا أو رئيسا كاملا، فإنه يوفيه حقه ويرقّيه إلى حيث استحقاقه. فمن كلام بعض الحكماء: تسقط الحظوظ في دولة الملك الفاضل فلا يتسنّم الرتبة العليّة إلا مستوجبها بالفضيلة. وبالجملة ففضل الكتابة أكثر من أن يحصى وأجلّ من أن يستقصى؛ وإنما حرّمت الكتابة على النبي صلى الله عليه وسلّم ردّا على الملحدين حيث نسبوه إلى الاقتباس من كتب المتقدّمين كما أخبر تعالى بقوله وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا «1» وأكد ذلك بقوله وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ «2» . وقد كان، صلى الله عليه وسلّم! يأتي من القصص والأخبار الماضية من غير مدارسة ولا نظر في كتاب بما لا يعلمه إلا نبيّ، كما روي أن قريشا بمكة وجّهت إلى اليهود: أن عرّفونا شيئا نسأله عنه، فبعثوا إليهم أن سلوه عن أنبياء أخذوا أحدهم فرموه في بئر وباعوه، فسألوه فنزلت سورة يوسف جملة واحدة بما عندهم في التوراة وزيادة. قال العتبيّ «3» : «الأمّيّة في رسول الله، صلى الله عليه وسلّم فضيلة وفي غيره نقيصة

لأن الله تعالى لم يعلّمه الكتابة لتمكّن الإنسان بها من الحيلة في تأليف الكلام، واستنباط المعاني، فيتوسل الكفّار إلى أن يقولوا اقتدر بها على ما جاء به» . قال صاحب موادّ البيان: «وذلك أنّ الإنسان يتوصل بها إلى تأليف الكلام المنثور وإخراجه في الصّور التي تأخذ بمجامع القلوب، فكان عدم علمه بها من أقوى الحجج على تكذيب معانديه، وحسم أسباب الشك فيه» . وقد حكى أبو جعفر النحّاس «1» ، أن المأمون قال لأبي العلاء المنقريّ: «بلغني أنك أمّيّ، وأنك لا تقيم الشعر، وأنك تلحن في كلامك» فقال: «يا أمير المؤمنين! أما اللحن فربّما سبقني لساني بالشيء منه؛ وأما الأميّة وكسر الشعر فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم أميّا وكان لا ينشد الشعر» . فقال له المأمون: «سألتك عن ثلاثة عيوب فيك فزدتني رابعا وهو الجهل، يا جاهل! ذلك في النبي، صلى الله عليه وسلّم فضيلة وفيك وفي أمثالك نقيصة» . قال الجاحظ: «وكلام أبي العلاء المنقريّ هذا من أوابد ما تكلّم به الجهّال» . على أن أصحابنا الشافعية رحمهم الله قد حكوا وجهين في أنه صلى الله عليه وسلّم هل كان يعلم الكتابة أم لا، وصححوا أنه لم يكن يعلمها معجزة في حقه كما تقدّم. قال أبو الوليد الباجي «2» من المالكية: «ولو كتب، صلى الله عليه وسلّم لكان معجزة لخرق العادة، قال: وليست بأوّل معجزاته صلى الله عليه وسلّم» . وإذا كانت الكتابة من بين سائر الصّناعات بهذه الرتبة الشريفة والذّروة

المنيفة. كان الكتّاب كذلك من بين سائر الناس. قال الزبير بن بكّار «1» : «الكتّاب ملوك وسائر الناس سوقة» . وقال ابن المقفّع: «الملوك أحوج إلى الكتّاب من الكتّاب إلى الملوك» ومن كلام المؤيد «كتّاب الملوك عيونهم المبصرة، وآذانهم الواعية، وألسنتهم الناطقة» . وكانت ملوك الفرس تقول: «الكتّاب نظام الأمور وجمال الملك، وبهاء السلطان وخزّان أمواله، والأمناء على رعيته وبلاده، وهم أولى الناس بالحباء «2» والكرامة، وأحقّهم بمحبّة السلام» . ومن كلام أبي جعفر الفضل بن احمد: «للكتّاب أقرّت الملوك بالفاقة والحاجة، وإليهم ألقيت الأعنّة والأزمّة، وبهم اعتصموا في النازلة والنّكبة، وعليهم اتّكلوا في الأهل والولد والذخائر والعقد وولاة العهد وتدبير الملك وقراع الأعداء، وتوفير الفيء، وحياطة الحريم، وحفظ الأسرار، وترتيب المراتب، ونظم الحروب» . قال في موادّ البيان: «وما من أحد يتوسّل إلى السلاطين بالأدب، ويمتّ إليهم من العلم بسبب، إلا وهو باقله «3» لا ينوّل ما ينوّله إلا على وجه الإرفاق، خلا الكاتب فإنه ينوّل الرغائب العظيمة من طريق الاستحقاق، لموضع الافتقار إليه والحاجة، ومن المعلوم أنه لا بدّ من واسطة تقوم بين الملوك والرعية لبعد ما بين الطبقتين: العليا والدّنيا، وليس من طبقات الناس من يساهم الملوك في جلالة القدر وعظيم الخطر، ويشارك العامّة في التواضع والاقتصاد سوى الكتّاب فاحتيج إليهم للسّفارة في مصالح الرعيّة عند

السلاطين، واستيفاء حقوق السلاطين من الرعية، والتلطف في الصلة بينهما» . قال: «ولعلم الملوك بخطر هذه الصناعة وأهلها وعائدتها في أمور السلطان صرفوا العناية إلى الكتبة وخصّوهم بالحظوة وعرفوا لهم فضل ما جمعوه من الرأي والصناعة، وكانت ملوك الفرس لرفعة رتبة الكتابة عندهم تجمع أحداث الكتّاب ونواشئهم المعترضين لأعمال الملك، ويأمرون رؤساء الكتابة بامتحانهم، فمن رضي أقرّ بالباب ليستعان به، ثم يأمر الملك بضمهم إلى العمّال، واستعمالهم في الأعمال، وينقلهم في الخدم على قدر طبقاتهم من حال إلى حتى ينتهي بكل واحد منهم إلى ما يستحقه من المنزلة، ثم لا يمكّن أحد ممن عرض اسمه على الملك من الخدمة عند أحد إلا بأذن الملك» . وفي عهد سابور «1» : «وليكن كاتبك مقبول القول عندك، رفيع المنزلة لديك، يمنعه مكانه منك وما يظنّ به من لطافة موضعه عندك من الضّراعة لأحد والمداهنة له، ليحمله ما أوليته من الإحسان على محض النصيحة لك، ومنابذة من أراد عيبك وانتقاص حقك» . ولم يكن يركب الهماليج «2» في أيامهم إلا الملك والكاتب والقاضي. قلت: ولشرف الكتابة وفضل الكتّاب صرف كثير من أهل البلاغة عنايتهم إلى وضع رسائل في المفاخرة بين السيف والقلم «3» ، إشارة إلى أن بهما قوام الملك وترتيب السلطنة، بل ربما فضل القلم على السيف ورجّح

الفصل الثاني في مدح فضلاء الكتاب وذم حمقاهم

عليه بضروب من وجوه الترجيح كما قال بعضهم مفضلا للقلم بقسم الله تعالى به: إن افتخر الأبطال يوما بسيفهم ... وعدّوه مما يكسب المجد والكرم كفى قلم الكتّاب عزّا ورفعة ... مدى الدّهر أنّ الله أقسم بالقلم وكما قال ابن الرومي: إن يخدم القلم السيف الذي خضعت ... له الرّقاب ودانت خوفه الأمم فالموت، والموت لا شيء يغالبه ... ما زال يتبع ما يجري به القلم كذا قضى الله للأقلام مذ بريت ... أنّ السّيوف لها مذ أرهفت خدم والمعنى في ذلك أنها تؤثر في إرهاب العدوّ على بعد، والسيوف لا تؤثر إلا عن قرب مع ما فضّل به القلم من زيادة الجدوى والكرم؛ وإلى ذلك يشير بعضهم بقوله مشيرا للقلم: فلكم يفلّ الجيش، وهو عرمرم ... والبيض ما سلّت من الأغماد وهيت له الآجام حين نشا بها ... كرم السّيول وصولة الآساد الفصل الثاني في مدح فضلاء الكتّاب وذمّ حمقاهم أما فضلاء الكتّاب فلم يزل الشعراء يلهجون بمدح أشراف الكتّاب وتقريظهم ويتغالون في وصف بلاغاتهم وحسن خطوطهم؛ فمن أحسن ما مدح به كاتب قول ابن المعتز: إذا أخذ القرطاس خلت يمينه ... تفتّح نورا أو تنظّم جوهرا وقول الآخر: يؤلّف اللّؤلؤ المنثور منطقه ... وينظم الدّرّ بالأقلام في الكتب وقول الآخر:

وكاتب يرقم في طرسه ... روضا به ترتع ألحاظه فالدّرّ ما تنظم أقلامه ... والسّحر ما تنثر ألفاظه وقول الآخر: إن هزّ أقلامه يوما ليعملها ... أنساك كلّ كميّ هزّ عامله «1» وإن أقرّ على رقّ أنامله ... أقرّ بالرّقّ كتّاب الأنام له «2» وقول الآخر: لا يخطر الفكر في كتابته ... كأنّ أقلامه لها خاطر «3» القول والفعل يجريان معا ... لا أوّل فيهما ولا آخر وقول الآخر: وشادن من بني الكتّاب مقتدر ... على البلاغة أحلى الناس إنشاء «4» فلا يجاريه في ميدانه أحد ... يريك سحبان في الإنشاء إن شاء «5» وكذلك أولعوا بذمّ حمقى الكتّاب ولهجوا بهجوهم في كل زمن. فمن ذلك قول بعض المتقدمين يهجو كاتبا: جمار في الكتابة يدّعيها ... كدعوى آل حرب في زياد «6» فدع عنك الكتابة لست منها! ... ولو غرقت ثيابك في المداد

وقول الآخر: وكاتب كتبه تذكّرني القرءان حتى أظلّ في عجب فاللّفظ «قالوا قلوبنا غلف» ... والخطّ «تبّت يدا أبي لهب» وقول الآخر: يعي غير ما قلنا ويكتب غير ما ... يعيه ويقرا غير ما هو كاتب وقول الآخر: وكاتب أقلامه ... معوّدات بالغلط يكشط ما يكتبه ... ثم يعيد ما كشط وقول ابن أبي العيناء يهجو أسد بن جهور الكاتب «1» : أو ما ترى أسد بن جهور قد غدا ... متشبّها بأجلّة الكتّاب؟ لكن يخرّق ألف طومار إذا ... ما احتيج منه إلى جواب كتاب وقد أكثر الناس من الحكايات المضحكة عن هذا النوع من الكتّاب مما صاروا به هزؤا على ممرّ الزمان وتعاقب الأيام. كما حكي عن محمد بن يحيى الكاتب أنه قرأ على بعض الخلفاء كتابا يذكر فيه «حاضر طيّ» فصحّفه «حاضر طي» فسخر منه أهل المجلس. ويروى أن كتّاب الدواوين ألزموا بعض العمال مالا مخرّجا عليه فبعث بحسابه إلى عبيد الله بن سليمان فوقّع عليه «هذا هذا» وردّ الحساب إلى العامل فقدّر العامل بضعف آدابه أنه صحّح حجته وقبل الحساب منه كما يقال في تثّبت الشيء «هو هو» ، وأخرج التوقيع إلى الكتّاب وناظرهم على أن ذلك

يوجب إزالة المال الذي لزمه عنه فلم ينهم أحد منهم ما أراد عبيد الله بن سليمان فردّ التوقيع إلى عبيد الله فلم يزده في الجواب على أن شدّد الكلمة الأخيرة ووقّع تحتها «الله المستعان» إعلاما له أن لفظ «هذا» بالتشديد بمعنى الهذيان. وحكى العبّاس بن أسد: أن أبا الحسن عليّ بن عيسى كتب إلى أبي الطيّب أحمد بن عيسى كتابا من مكة «1» فقرأه ثم رمى به إليّ فقال: اقرأ! فقرأت: كتابي إليك يوم القرّ، بالرفع. فقال: ما معنى يوم القرّ؟ فقلت: القرّ البرد فقال: إنما هو يوم القرّ بالفتح، حين يقرّ الناس بمنى، وهو اليوم الثاني من النحر. ومثل ذلك كثير. قال صاحب نهاية الأرب «2» : «وقد اتّسع الخرق في ذلك ودخل في الكتابة من لا يعرفها البتّة، وزادوا عن الإحصاء، حتّى إن فيهم من لا يفرق بين الضاد والطاء. قال: ولقد بلغني عن بعض من أدخل نفسه في الكتابة وتوسّل إلى أن كتب في ديوان الرسائل: أنه رسم له بكتاب يكتبه في حقّ رجل اسمه طرنطاي فقال لكاتب إلى جانبه: طرنطاي يكتب بالساقط أو بالقائم؟ قال: وصار الآن حدّ الكاتب عند هؤلاء الجهّال أنه يكتب على المجوّد مدّة ويتقن بزعمه أسطرا، فإذا رأى من نفسه أنّ خطه قد جاد أدنى جودة أصلح بزّته، وركب برذونه «3» أو بغلته، وسعى في الدخول إلى ديوان الإنشاء والانضمام إلى أهله. ولعل الكتابة إنما يحصل ذمّها بسبب هؤلاء وأمثالهم. ولله درّ القائل!:

تعس الزمان! فقد أتى بعجاب «1» ... ومحا فنون الفضل والآداب وأتى بكتّاب لو انبسطت يدي ... فيهم رددتهم إلى الكتّاب قلت: وإنما تقاصرت الهمم عن التوغل في صناعة الكتابة والأخذ منها بالحظّ الأوفى لاستيلاء الأعاجم على الأمر، وتوسيد الأمر لمن لا يفرّق بين البليغ والأنوك «2» لعدم إلمامه بالعربية والمعرفة بمقاصدها، حتّى صار الفصيح لديهم أعجم، والبليغ في مخاطبتهم أبكم «3» ؛ ولم يسع الآخذ من هذه الصناعة بحظ إلا أن ينشد: وصناعتي عربيّة وكأنّني ... ألقى بأكثر ما أقول الرّوما فلمن أقول؟ وما أقول؟ وأين لي؟ ... فأسير، لا بل أين لي فأقيما؟ وقد حكى أبو جعفر النحاس عن بعضهم أنه قال: حضرت مجلس رجل فأحجمت عن مسألة حاجتي لكثرة جمعه، فرأيته وقد أملى على كاتبه «ولم أكتب بخطّي إليك خوفا من أن تقف على «رداوت» فكتب كتابه: «رداوته» على ما يجب فقال: أما تحسن الهجاء؟ أين الواو؟ فأثبتها الكاتب فخسّ. حينئذ في عيني، فاجترأت عليه فدنوت منه وسألته حاجتي. وحكى صاحب ذخيرة الكتّاب «4» عن بعض الوزراء: أنه تقدّم إلى كاتبه بأن يكتب ألقاب أمير ليثبتها على برج أنشأه فكتب «أمر بعمارة هذا البرج أبو فلان فلان» واستوفى ألقابه إلى آخرها، ودفع المثال إلى الوزير ليقف عليه فلما قرأه غضب حتّى ظهر الغضب في وجهه، وأنكر على الكاتب كونه كتب «أبو فلان» بالواو ولم يكتب «أبي فلان» بالياء محتجّا عليه بأن «أبو» من ألفاظ العامة

فلا تعظيم بها. فقال الكاتب: إن الحال اقتضت رفعه من حيث إنه في هذا الموضع فاعل فزاد إنكاره عليه وقال: متى رأيت الأمير فاعلا في هذا الموضع يحمل وينقل الحجارة على رأسه حتّى تنسبه إلى هذا؟ والله لولا سالف خدمتك لفعلت بك!. قال ابن حاجب النعمان «1» : ولمّا كان أرباب الأمور وولاتها من الخلفاء فمن دونهم ينقدون ما يكتب به الكتّاب عنهم وما يرد عليهم من الكتب، ويناقشون على ما يقع فيها من خطأ أو يدخلها من خلل، ويقدّمون الفاضل ويرفعون درجته، ويؤخرون الجاهل ويحطون رتبته، كان الكتّاب حينئذ يتبارون على إقتناء الفضيلة، ويترفّعون عن أن يعلق بهم من الجهل أدنى رذيلة، ويجهدون في معرفة ما يحسّن ألفاظهم، ويزين مكاتباتهم، لينالوا بذلك أرفع رتبة، ويفوزوا بأعظم منزلة. ولما انعكست القضية في تقديم من غلط بهم الزمان، وغفل عنهم الحدثان، واستولت عليهم شرة» الجهل، ونفرت منهم أوانس الرياسة والفضل وصار العالم لديهم حشفا «3» ، والأديب محارفا، والمعرفة منكرة، والفضيلة منقصة، والصمت لكنه، والفصاحة هجنه، اجتنبت الآداب اجتناب المحارم، وهجرت العلوم هجر كبائر المآثم. ولو أنصف أحد هؤلاء الجهّال، لكان بالحشف أولى، وبالحرفة والمنقصة أجدر وأحرى، لكنه جهل الواجبات وأضاعها «4» ، وسفه حقّ المروءة وأفسد أوضاعها ويوصف بالحيّ الناطق، والصامت أرجى منه عند أهل النظر وذوي الحقائق.

الباب الثاني من المقدمة

الباب الثاني من المقدّمة في ذكر مدلول الكتابة لغة واصطلاحا، وبيان معنى الإنشاء وإضافة الكتابة إليه؛ ومرادفة لفظ التوقيع لكتابة الإنشاء في عرف الزمان، والتعبير عنها بصناعة الترسل. وتفضيل كتابة الإنشاء على سائر أنواع الكتابة وترجيح النثر على الشعر؛ وفيه ثلاثة فصول. الفصل الأول في ذكر مدلولها وبيان معنى الإنشاء وإضافتها إليه ومرادفة التوقيع لكتابة الإنشاء في عرف الزمان، والتعبير عنها بصناعة الترسل الكتابة في اللغة مصدر كتب يقال: كتب يكتب كتبا وكتابا وكتابة ومكتبة وكتبة فهو كاتب ومعناها الجمع، يقال تكتّبت القوم إذا اجتمعوا، ومنه قيل لجماعة الخيل كتيبة، وكتبت البغلة إذا جمعت بين شفريها بحلقة أو سير «1» ونحوه، ومن ثمّ سمّي الخطّ كتابة لجمع الحروف بعضها إلى بعض كما سمّي خرز القربة كتابة لضمّ بعض الخرز إلى بعض. قال ابن الأعرابيّ «2» : وقد تطلق الكتابة على العلم ومنه قوله تعالى أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ* «3» أي يعلمون. وعلى حدّ ذلك قوله صلى الله عليه وسلّم في كتابه لأهل اليمن حين بعث إليهم

معاذا وغيره «إنّي إليكم كاتبا» قال ابن الأثير «1» في غريب الحديث «أراد عالما. سمّي بذلك لأن الغالب على من كان يعلم الكتابة أن عنده علما ومعرفة، وكان الكاتب عندهم قليلا وفيهم عزيزا» . أما في الاصطلاح فقد عرّفها صاحب موادّ البيان: بأنها صناعة روحانيّة تظهر بآلة، جثمانيّة، دالة على المراد بتوسط نظمها. ولم يبين مقاصد الحدّ ولا ما دخل فيه ولا ما خرج عنه، غير أنه فسّر في موضع آخر معنى الرّوحانية فيها بالألفاظ التي يتخيلها الكاتب في أوهامه ويصوّر من ضمّ بعضها إلى بعض صورة باطنة قائمة في نفسه. والجثمانية بالخط الذي يخطّه القلم وتقيد به تلك الصورة وتصير بعد أن كانت صورة معقولة باطنة صورة محسوسة ظاهرة. وفسر الآلة بالقلم، وبذلك يظهر معنى الحدّ وما يدخل فيه ويخرج عنه؛ ولا شك أن هذا التحديد يشمل جميع ما يسطّره القلم مما يتصوّره الذهن ويتخيله الوهم فيدخل تحته مطلق الكتابة كما هو المستفاد من المعنى اللغويّ. على أن الكتابة وإن كثرت أقسامها وتعدّدت أنواعها، لا تخرج عن أصلين هما: كتابة الإنشاء، وكتابة الأموال وما في معناهما على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. إلا أنّ العرف فيما تقدّم من الزمان قد خصّ لفظ الكتابة بصناعة الإنشاء حتّى كانت الكتابة إذا أطلقت لا يراد بها غير كتابة الإنشاء، والكاتب إذا أطلق لا يراد به غير كاتبها حتّى سمى العسكري «2» كتابه «الصناعتين، الشعر والكتابة» يريد كتابة الإنشاء، وسمّى ابن الأثير كتابه «المثل السائر، في أدب الكاتب والشاعر» يريد كاتب الإنشاء، إذ هما موضوعان لما يتعلق بصناعة الإنشاء من علم البلاغة وغيرها.

ثم غلب في زماننا بالديار المصرية اسم الكاتب على كاتب المال حتّى صار الكاتب إذا أطلق لا يراد به غيره، وصار لصناعة الإنشاء اسمان: خاصّ يستعمله أهل الديوان ويتلفّظون به وهو كتابة الإنشاء، وعامّ يتلفظ به عامّة الناس وهو التّوقيع، فأما تسميتها بكتابة الإنشاء فتخصيص لها بالإضافة إلى الإنشاء الذي هو أصل موضوعها، وهو مصدر أنشأ الشيء إذا ابتدأه أو اخترعه على غير مثال يحتذيه، بمعنى أن الكتاب يخترع ما يؤلّفه من الكلام ويبتكره من المعاني فيما يكتبه من المكاتبات والولايات وغيرهما، أو أنّ المكاتبات والولايات ونحوها تنشأ عنه. وأما تسميتها بالتوقيع فأصله من التوقيع على حواشي القصص وظهورها، كالتوقيع بخط الخليفة أو السلطان أو الوزير أو صاحب ديوان الإنشاء أو كتّاب الدست ومن جرى مجراهم بما يعتمد في القضية التي رفعت القصّة بسببها، ثم أطلق على كتابة الإنشاء جملة. قال ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتّاب: ومعناه في كلام العرب التأثير القليل الخفيف، يقال: جنب هذه الناقة موقّع إذا أثّرت فيه حبال الأحمال تأثيرا خفيفا. وحكي أنّ أعرابيّة قالت لجارتها «حديثك ترويع وزيارتك توقيع» تريد أن زيارتها خفيفة. قلت: ويحتمل أن يكون من قولهم: وقع الأمر إذا حقّ ولزم، ومنه قوله تعالى وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا «1» أي حقّ، أو من قولهم: وقّع الصّيقل السيف إذا أقبل عليه بميقعته «2» يجلوه لأنه بتوقيعه في الرّقعة يجلو اللّبس بالإرشاد إلى ما يعتمد في الواقعة، أو من موقعة الطائر- وهي المكان الذي يألفه من حيث إن الموقّع على الرقعة يألف مكانا منها يوقّع فيه كحاشية القصّة ونحوها، أو من الموقعة بالتسكين: وهو المكان

الفصل الثاني في تفضيل كتابة الإنشاء على سائر أنواع الكتابة

المرتفع في الجبل لارتفاع مكان الموقّع في الناس وعلوّ شأنه أو غير ذلك. ووجه إطلاقه على كتابة الإنشاء أنه قد تقدّم أن التوقيع في الأصل اسم لما يكتب على القصص ونحوها، وسيأتي أن ما يكتب من ديوان الإنشاء من المكاتبات والولايات ونحوها إنما يبنى على ما يخرج من الديوان من التوقيع بخط صاحب ديوان الإنشاء أو كتّاب الدست ومن في معناهم؛ وحينئذ فيكون التوقيع هو الأصل الذي يبني عليه المنشىء، وقد يكون سمّي بأصله الذي نشأ عنه مجازا، وقد يعبر عنها بصناعة الترسّل تسمية للشيء بأعم أجزائه، إذ الترسل والمكاتبات أعظم كتابة الإنشاء وأعمّها من حيث إنه لا يستغني عنها ملك ولا سوقة، بخلاف الولايات، فإنها مختصّة بأرباب المناصب العليّة دون غيرهم؛ وعلى ذلك بنى الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي «1» رحمه الله تسمية كتابه «حسن التوسّل، إلى صناعة الترسّل» . الفصل الثاني في تفضيل كتابة الإنشاء على سائر أنواع الكتابة قد تقدّم في الفصل الذي قبله أن الكتابة وإن كثرت أقسامها وتعدّدت أنواعها لا تخرج عن أصلين: كتابة الإنشاء، وكتابة الأموال. فأما كتابة الإنشاء فالمراد بها كل ما رجع من صناعة الكتابة إلى تأليف الكلام وترتيب المعاني: من المكاتبات والولايات والمسامحات والإطلاقات ومناشير الإقطاعات والهدن والأمانات والأيمان وما في معنى ذلك ككتابة الحكم ونحوها. وأما كتابة الأموال فالمراد بها كل ما رجع من صناعة الكتابة إلى تحصيل

المال وصرفه وما يجري مجرى ذلك ككتابة بيت المال والخزائن السّلطانية، وما يجبى إليها من أموال الخراج وما في معناه، وصرف ما يصرف منها من الجاري والنفقات وغير ذلك، وما في معنى ذلك ككتابة الجيوش ونحوها مما ينجرّ القول فيه إلى صنعة الحسّاب؛ ولا شك أن لكلّ من النوعين قدرا عظيما وخطرا جسيما، إلا أنّ أهل التحقيق من علماء الأدب ما برحوا يرجّحون كتابة الإنشاء ويفضلونها ويميزونها على سائر الكتابات ويقدّمونها؛ ويحتجّون لذلك بأمور: منها أن كتابة الإنشاء مستلزمة للعلم بكل نوع من الكتابة، ضرورة أنّ كاتب الإنشاء يحتاج فيما يكتبه من ولاياته ومكاتباته مما يتعلق بكتابة الأموال إلى أن يمثّل لهم في وصاياه من صناعتهم ما يعتمدونه، ويبين لهم ما يأتونه ويذرونه «1» ؛ فلا بدّ أن يكون عالما بصناعة من يكتب له بخلاف كاتب الأموال، فإنه إنما يعتمد على رسوم مقرّرة وأنموذجات محرّرة لا يكاد يخرج منها، ولا يحتاج فيها إلى تغيير ولا زيادة ولا نقص. ومنها اشتمال كتابة الإنشاء على البيان الدالّ على لطائف المعاني التي هي زبد الأفكار وجواهر الألفاظ، التي هي حلية الألسنة، وفيها يتنافس أصحاب المناصب الخطيرة والمنازل الجليلة، أكثر من تنافسهم في الدرّ والجوهر. ومنها ما تستلزمه كتابة الإنشاء من زيادة العلم، وغزارة الفضيلة، وذكاء القريحة، وجودة الرويّة: لما يحتاج إليه من التصرف في المعاني المتداولة والعبارة عنها بألفاظ غير الألفاظ التي عبّر بها من سبق إلى استعمالها مع حفظ صورتها وتأديتها إلى حقائقها؛ وفي ذلك من المشقّة ما لا خفاء فيه على من مارس الصّناعة، خصوصا إذا طلب الزيادة والعلوّ على من تقدّمه في

استعمالها، أو حذا حذو رسوم المبرّزين الذين ينتحلون الكلام ويوقعونه مواقعه، مع مراعاة رشاقة اللفظ، وحلاوة المعنى، وبلاغته ومناسبته مع ما يحتاجه من اختراع المعاني الأبكار للأمور الحادثة التي لم يقع مثلها، ولا سبق سابق إلى كتابتها، لأنّ الحوادث والوقائع لا تتناهى ولا تقف عند حدّ. ومن هنا تنقّص الوزير ضياء الدين بن الأثير في المثل السائر المقامات الحريريّة وازدراها جانحا إلى أنها صور موضوعة في قوالب حكايات مبنيّة على مبدإ ومقطع، بخلاف الكتابة فإن أهوالها غير متناهية؛ ولو روعي حال ما يكتبه الكاتب في أدنى مدّة لكان مثل المقامات مرّات. ومنها اختصاص كاتب الإنشاء بالسلطان وقربه منه وإعظام خواصّه واعتمادهم في المهمات عليه، مع كونه أحرز «1» بالسلامة من أرباب الأقلام المتصرفين في الأموال. وقد قال بعض الحكماء: الكتّاب كالجوارح كل جارحة منها ترفد الأخرى في عملها بما به يكون فعلها، وكاتب الإنشاء بمنزلة الروح الممازجة للبدن المدبّرة لجميع جوارحه وحواسّه. قال في موادّ البيان «ولا شك في صحة هذا التمثيل، لأنّ كاتب الإنشاء هو الذي يمثل لكل عامل في تقليده ما يعتمد عليه ويتصفح ما يرد منه ويصرفه بالأمر والنهي على ما يؤدّي إلى استقامة ما عدق به «2» ، وهو حلية المملكة وزينتها لما يصدر عنه من البيان الذي يرفع قدرها، ويعلى ذكرها، ويعظم خطرها، ويدلّ على فضل ملكها، وهو المتصرف عن السلطان في الوعيد، والترغيب، والإحماد والإذمام، واقتضاب المعاني التي تقرّ الوالي على ولايته وطاعته، وتعطف العدوّ العاصي عن عداوته ومعصيته. على أن بعض

المتعصبين قد رجّح كتابة الأموال على كتابة الإنشاء بمغالطات أوردها، وتزويرات زخرفها ونمّقها، لا تخفى على متأمل، ولا تتغطّى على ذي ذهن سليم. وقد أورد الحريريّ في «المقامة الثانية والعشرين» المعروفة بالفراتّية ألفاظا قلائل في المفاخرة بين كتابتي الإنشاء والأموال، فقال على لسان أبي زيد السروجي: «1» . «إعلموا أن صناعة الإنشاء أرفع، وصناعة الحساب أنفع، وقلم المكاتبة خاطب، وقلم المحاسبة حاطب، وأساطير البلاغة تنسخ لتدرس، ودساتير الحسبانات تنسخ وتدرس، والمنشىء جهينة «2» الأخبار، وحقيبة الأسرار، ونجيّ العظماء، وكبير النّدماء، وقلمه لسان الدولة، وفارس الجولة: ولقمان الحكمة، وترجمان الهمّة، وهو البشير والنذير، والشفيع والسفير؛ به تستخلص الصّياصي «3» ، وتملك النّواصي، ويقتاد العاصي، ويستدنى القاصي؛ وصاحبه برىء من التّبعات، آمن كيد السّعات، مقرّظ بين الجماعات، غير معرّض لنظم الجماعات «4» . ثم عقب كلامه بأن قال: «إلا أن صناعة الحساب موضوعة على التحقيق، وصناعة الإنشاء مبنيّة على التلفيق، وقلم الحاسب ضابط، وقلم المنشىء خابط؛ وبين إتاوة توظيف المعاملات، وتلاوة طوامير السّجلّات، بون لا يدركه قياس، ولا يعتوره

التباس؛ إذ الإتاوة تملأ الأكياس، والتّلاوة تفرّغ الراس، وخراج الأوارج «1» يغني الناظر، واستخراج المدارج يعنّي الخاطر. ثم إن الحسبة حفظة الأموال، وحملة الأثقال، والنّقلة الأثبات، والسّفرة الثّقات، وأعلام الإنصاف والانتصاف، والشهود المقانع في الاختلاف، «2» ومنهم المستوفي الذي هو يد السلطان، وقطب الديوان، وقسطاس الأعمال، والمهيمن على العمّال، وإليه المآل في السّلم والهرج، وعليه المدار في الدّخل والخرج، وبه مناط الضّرّ والنّفع، وفي يده رباط الإعطاء والمنع، ولولا قلم الحسّاب، لاودت ثمرة الاكتساب، ولا تّصل التّغابن إلى يوم الحساب، ولكان نظام المعاملات محلولا، وجرح الظّلامات مطلولا، وجيد التناصف مغلولا، وسيف التظالم مسلولا. على أنّ يراع الإنشاء متقوّل، ويراع الحساب متأوّل، والحاسب مناقش، والمنشىء أبو براقش، ولكليهما حمة «3» حين يرقى، إلى أن يلقى ويرقى، وإعنات فيما ينشا، حتى يغشى ويرشى إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ «4» » . قلت: وقد أوردت في المقامة «5» التي أنشأتها في كتابة الإنشاء المشار إليها بالذكر في خطبة هذا الكتاب من فضل الكتابة ما يشدو بذكره المترنّم، وأودعتها من شرف الكتّاب ما يذعن له الخصم ويسلّم.

الفصل الثالث في ترجيح النثر على الشعر

الفصل الثالث في ترجيح النثر على الشعر اعلم أنّ الشعر وإن كان له فضيلة تخصه ومزية لا يشاركه فيها غيره من حيث تفرّده باعتدال أقسامه وتوازن أجزائه وتساوي قوافي قصائده، مما لا يوجد في غيره من سائر أنواع الكلام، مع طول بقائه على ممرّ الدهور وتعاقب الأزمان، وتداوله على ألسنة الرّواة وأفواه النّقلة لتمكّن القوّة الحافظة منه بارتباط أجزائه وتعلّق بعضها ببعض، مع شيوعه واستفاضته وسرعة انتشاره وبعد مسيره وما يؤثّره من الرّفعة والضّعة باعتبار المدح والهجاء، وإنشاده بمجالس الملوك الحافلة والمواكب الجامعة التقريظ وذكر المفاخر وتعديد المحاسن، وما يحصل عليه الشاعر المجيد من الحباء الجسيم والمنح الفائق، الذي يستحقه بحسن موقع كلامه من النفوس وما يحدثه فيها من الأريحيّة، وقبوله لما يرد عليه من الألحان المطربة المؤثّرة في النفوس اللطيفة والطباع الرقيقة، وما اشتمل عليه من شواهد اللغة والنحو وغيرهما من العلوم الأدبية وما يجري مجراها، وما يستدلّ به منها في تفسير القرآن الكريم وكلام من أوتي جوامع الكلم، ومجامع الحكم، صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكونه ديوان العرب ومجتمع تمكنها والمحيط بتواريخ أيامها وذكر وقائعها وسائر أحوالها، إلى غير ذلك من الفضائل الجمّه، والمفاخر الضّخمة، فإن النثر أرفع منه درجة، وأعلى رتبة، وأشرف مقاما، وأحسن نظاما، إذ الشعر محصور في وزن وقافية يحتاج الشاعر معها إلى زيادة الألفاظ والتقديم فيها والتأخير، وقصر الممدود ومدّ المقصور، وصرف ما لا ينصرف ومنع ما ينصرف من الصرف، واستعمال الكلمة المرفوضة وتبديل اللفظة الفصيحة بغيرها، وغير ذلك مما تلجىء إليه ضرورة الشعر فتكون معانيه تابعة لألفاظه؛ والكلام المنثور لا يحتاج فيه إلى شيء من ذلك فتكون ألفاظه تابعة لمعانيه؛ ويؤيد ذلك أنك إذا اعتبرت ما نقل من معاني النثر إلى النظم وجدته قد انحطّت رتبته. ألا ترى إلى قول أمير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه «قيمة كلّ امرىء ما يحسن» أنه لما نقله الشاعر إلى قوله:

فيالائمي دعني أغالي بقيمتي ... فقيمة كلّ الناس ما يحسنونه قد زادت ألفاظه وذهبت طلاوته، وإن كان قد أفرد المعنى في نصف بيت فإنه قد احتاج إلى زيادة مثل ألفاظه مرّة أخرى توطئة له في صدر البيت ومراعاة لإقامة الوزن، وزاد في قوله «فقيمة» فاء مستكرهة ثقيلة لا حاجة إليها وأبدل لفظ امرىء بلفظ الناس ولا شكّ أنّ لفظ امرىء هنا أعذب وألطف؛ وغيرّ قوله «يحسن» إلى قوله «يحسنونه» ، والجمع بين نونين ليس بينهما إلا حرف ساكن غير معتدّ به مستوخم؛ وإذا أعتبرت ما نقل من معاني النظم إلى النثر وجدته قد نقصت ألفاظه وزاد حسنا ورونقا ألا ترى إلى قول المتنبي يصف بلدا قد علّقت القتلى على أسوارها: وكان بها مثل الجنون فأصبحت ... ومن جثث القتلى عليها تمائم كيف نثره الوزير ضياء الدين بن الأثير في قوله يصف بلدا بالوصف المتقدّم: «وكأنما كان بها جنون فبعث لها من عزائمه عزائم، وعلّق عليها من رؤوس القتلى تمائم» فإنه قد جاء في غاية الطّلاوة خصوصا مع التورية الواقعة في ذكر العزائم مع ذكر الجنون؛ وهذا في النظم والنثر الفائقين ولا عبرة بما عداهما. وناهيك بالنثر فضيلة أن الله تعالى أنزل به كتابه العزيز ونوره المبين الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ «1» ولم ينزله على صفة نظم الشعر بل نزّهه عنه بقوله وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ «2» وحرّم نظمه على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم تشريفا لمحلّه وتنزيها لمقامه منبها على ذلك بقوله وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ «3» وذلك أن مقاصد الشعر لا تخلو من

الكذب والتحويل على الأمور المستحيلة، والصفات المجاوزة للحدّ، والنعوت الخارجة عن العادة، وقذف المحصنات، وشهادة الزّور، وقول البهتان، وسبّ الأعراض، وغير ذلك مما يجب التنزه عنه لآحاد الناس فكيف بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولا سيما الشعر الجاهليّ الذي هو أقوى الشعر وأفحله. بخلاف النثر فإن المقصود الأعظم منه الخطب والترسّل، وكلاهما شريف الموضوع حسن التعلق، إذ الخطب كلام مبنيّ على حمد الله تعالى وتمجيده وتقديسه وتوحيده والثناء عليه والصلاة على رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، والتذكير والترغيب في الآخرة والتزهيد في الدنيا والحض على طلب الثواب، والأمر بالصّلاح والإصلاح، والحث على التعاضد والتعاطف، ورفض التباغض والتقاطع، وطاعة الأئمة، وصلة الرحم، ورعاية الذمم، وغير ذلك مما يجري هذا المجرى مما هو مستحسن شرعا وعقلا. وحسبك رتبة قام بها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، والخلفاء الراشدون بعده. والترسّل مبني على مصالح الأمّة وقوام الرعية لما يشتمل عليه من مكاتبات الملوك وسراة الناس في مهمّات الدّين وصلاح الحال وبيعات الخلفاء وعهودهم، وما يصدر عنهم من عهود الملوك، وما يلتحق بذلك من ولايات أرباب السيوف والأقلام الذين هم أركان الدولة وقواعدها. إلى غير ذلك من المصالح التي لا تكاد تدخل تحت الإحصاء ولا يأخذها الحصر. قال في مواد البيان «وقد أحسّت العرب بانحطاط رتبة الشّعر عن الكلام المنثور كما حكي أن امرأ القيس بن حجر همّ أبوه بقتله حين سمعه يترنّم في مجلس شرابه بقوله: اسقيا حجرا على علّاته ... من كميت لونها لون العلق وما يروى أنّ النابغة الجعدي «1» كان سيدا في قومه لا يقطعون أمرا دونه

وأنّ قول الشعر نقصه وحطّ رتبته» . قال: «ولا عبرة بما ذهب إليه بعضهم من تفضيل الشعر على النثر اتباعا لهواه بدون دليل واضح» . قال في الصناعتين: «ومع ذلك فإن أكمل صفات الخطيب والكاتب أن يكونا شاعرين كما أن من أتم صفات الشاعر أن يكون خطيبا كاتبا» . قال: «والذي قصّر بالشعر كثرته وتعاطي كل أحد له حتّى العامة والسّفلة فلحقه بالنقص «1» ما لحق الشّطرنج حين تعاطاه كل أحد» . وسيأتي الكلام على احتياج الكاتب للشعر في بيان ما يحتاج إليه الكاتب فيما بعد إن شاء الله تعالى!

الباب الثالث في صفاتهم وآدابهم؛ وفيه فصلان

الباب الثالث في صفاتهم وآدابهم؛ وفيه فصلان الفصل الأوّل في صفاتهم، وهي على ضربين الضرب الأوّل الصفات الواجبة التي لا يسع إهمالها؛ وهي عشر صفات الصفة الأولى، الإسلام - ليؤمن فيما يكتبه ويمليه. ويوثق به فيما يذره ويأتيه إذ هو لسان المملكة، المرهب للعدوّ بوقع كلامه، والجاذب للقلوب بلطف خطابه فلا يجوز أن يولّى أحد من أهل الكفر؛ إذ يكون عينا للكفّار على المسلمين، ومطلعا لهم على خفاياهم فيصلون به إلى ما لا يمكن استدراكه، وقد قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ «1» والمراد بالبطانة في الآية من يطّلع على حال المسلمين كالاطّلاع على مقدار خزائنهم من المال، وأعداد جيشهم من الخيل والرجال. قال أبو الفضل الصّوري «2» في تذكرته «وإن من الفطرة التي جبل كل أحد عليها حنين كل شخص من الناس إلى من يرى رأيه ويدين دينه» قال: «وهذا أمر يجده كل أحد في نفسه، ولذلك شرط بعضهم في الكاتب أن يكون

على مذهب الملك الذي يتمذهب به من مذاهب المسلمين ليكون موافقا له من كل وجه» . ولما فتحت الصحابة (رضوان الله عليهم) مصر، بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص يأمره أن لا يستعمل في عمل من أعمال المسلمين كافرا فأجابه عمرو: بأن المسلمين إلى الآن لم يعرفوا حقيقة البلاد، ولم يطّلعوا على مقادير خراجها؛ وقد اجتهدت في نصرانيّ عارف منسوب إلى أمانة إلى حين معرفتنا بها فنعزله، فغضب عمر رضي الله عنه وقال: كيف تؤمّنهم وقد خوّنهم الله؟ وكيف تعزّهم وقد أذلّهم الله؟ وكيف تقرّبهم وقد أبعدهم الله؟ ثم تلا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ «1» الآية، وقال في آخر كتابه «مات النصرانيّ والسلام» . وقد روي أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومعه كاتب نصراني فأعجب عمر بخطه وحسابه، فقال عمر «أحضر كاتبك ليقرأ» ، فقال أبو موسى «إنه نصرانيّ لا يدخل المسجد» فزبره «2» عمر رضي الله عنه وقال «لا تؤمّنوهم، وقد خوّنهم الله، ولا تدنوهم، وقد أبعدهم الله، ولا تعزّوهم وقد أذلهم الله» . وقد قال الشافعي «3» رضي الله عنه في كتاب الأمّ: «ما ينبغي لقاض ولا وال أن يتخذ كاتبا ذمّيا ولا يضع الذّمي موضعا يفضل به مسلما» . ويعزّ على المسلمين أن يكون لهم حاجة إلى غير مسلم. وجزم الماورديّ والقاضي أبو الطيّب والبندنيجيّ وابن الصبّاغ «4» وغيرهم من أصحابنا الشافعية رحمهم الله

أنه يشترط في كاتب القاضي أن يكون مسلما وهو الأصحّ الذي عليه الفتيا في المذهب. وإذا اشترط الإسلام في كاتب القاضي والوالي ففي كاتب السلطان أولى لعموم النفع والضرّ به. قال أبو الفضل الصّوري: «ولا شك أن كاتب الإنشاء من أحوج الناس إلى الاستشهاد بكلام الله تعالى في أثناء محاوراته وفصول مكاتباته، والتمثّل بنواهيه وأوامره، والتدبر لقوارعه وزواجره، وهو حلية الرسائل وزينة الإنشاءات؛ وهو الذي يشدّ قوى الكلام، ويثبت صحته في الأفهام؛ فمتى خلت منه كانت عاطلة من المحاسن، عارية من الفضائل: لأنه الحجة التي لا تدحض، والحقيقة التي لا ترفض؛ فإذا كان الكاتب غير مسلم لم يكن لديه من ذلك شيء، وكانت كتابته معسولة من أفضل الكالم، وخالية مما يتبرك به أهل الإيمان والإسلام، ومقصّرة عن رتبة الكمال، ومنسوبة إلى العجز والإخلال. فإن تعاطى الكاتب الذميّ حفظ شيء منه وكتبه فقد أبيحت حرمة كتاب الله تعالى وانتهكت، وأمكن منه من يتخذه هزوا ولعبا، والله سبحانه يقول في كتابه المكنون لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «1» . فقد صح أنه لا يجوز أن يرقى إلى هذه الرتبة إلا مسلم» قال: «ولا يحتج بالصابيء وأنه كتب للمطيع والطائع من خلفاء بني العباس، ومعزّ الدولة، وعز الدولة من ملوك الديلم، وهما يومئذ عمدة الإسلام وعضد الخلافة، وهو على دين الصابئة. فإن الصابيء كان من أهل ملّة قليل أهلها، ليس لهم ذكر ولا مملكة، وليس منهم محارب لأهل الإسلام، ولا لهم دولة قائمة فتخشى غائلته وتخاف عاقبته.

الصفة الثانية، الذكورة

الصفة الثانية، الذكورة - فقد صرّح أصحابنا الشافعية، بأنه يشترط في كاتب القاضي أن يكون ذكرا، وإذا اشترط ذلك في كاتب القاضي ففي كاتب السلطان أولى لما تقدم من عموم النفع والضرّ به. وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في حق النساء «جنّبوهنّ الكتابة، ولا تسكنوهنّ الغرف، واستعينوا عليهن بلا: فإنّ نعم تضرّيهنّ «1» في المسألة» . ومرّ عليّ كرّم الله وجهه على رجل يعلّم امرأة الخط، فقال «لا تزد الشّرّ شرّا» . ورأى بعض الحكماء امرأة تتعلم الكتابة فقال: «أفعى تسقى سمّا» ولله البساميّ «2» حيث يقول!: ما للنّساء وللكتابة ... والعمالة والخطابه! هذا لنا ولهنّ منّا أن يبتن على جنابه فإن قيل: قد كنّ جماعة من النساء يكتبن ولم يرد أنّ أحدا من السلف أنكر عليهن ذلك، فقد روى أبو جعفر النحاس بسنده إلى الحسن أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها كانت تكتب في مكاتباتها بعد البسملة: من المبرّأة عائشة بنت أبي بكر حبيبة حبيب الله. وحكى جعفر بن سعيد أنه ذكر لعمرو ابن مسعدة كاتب المأمون توقيعات جعفر بن يحيى فقال: «قرأت لأمّ جعفر توقيعات في حواشي الكتب وأسافلها فوجدتها أجود اختصارا وأجمع للمعاني» . وذكر محمد بن عليّ المدائني «3» في كتاب «القلم والدواة» أن

الصفة الثالثة، الحرية

عاملا لزبيدة «1» كتب إليها كتابا فوقّعت في ظهره «أن أصلح كتابك وإلّا صرفناك عن عملك» فتأمله فلم يظهر له فيه شيء، فعرضه على بعض إخوانه فرأى فيه في الدعاء لها: وأدام كرامتك، فقال: «إنها تخيّلت أنك دعوت عليها فإنّ كرامة النساء دفنهنّ» ، فغيّر ذلك وأعاد الكتاب إليها فقبلته؛ ومن كان هذا شأنه فكيف يقال إنه لم يؤهل للكتابة؟. فالجواب أن حديث عائشة لم يصرّح فيه بأنها كتبت بنفسها ولعلها أمرت من يكتب فكتب كذلك بإملائها أو دونه، وإن ثبت ذلك عنها فغيرها لا يقاس عليها، ومن عداها من النساء لا عبرة به. الصفة الثالثة، الحرّية - فقد شرطوا في كاتب القاضي أن يكون حرّا: لما في العبد من النقص، فلا يعتمد في كل القضايا، ولا يوثق به في كل الأحوال؛ فكاتب السلطان كذلك بل أولى كما تقدّم. الصفة الرابعة، التكليف - كما في كاتب القاضي فلا يعوّل على الصبيّ في الكتابة إذ لا وثوق به ولا اعتماد عليه. الصفة الخامسة، العدالة - فلا يجوز أن يكون الكاتب فاسقا فإنه بمنزلة كبيرة، ورتبة خطيرة، يحكم بها في أرواح الناس وأموالهم: لأنه لو زاد أدنى كلمة أو حذف أيسر حرف أو كتم شيئا قد علمه أو تأوّل لفظا بغير معناه أو حرّفه عن جهته، أدّى ذلك إلى ضرر من لا يستوجب الضرر، ونفع من يجب الإضرار به، وكان قد موّه على الملك حتى مدح المذموم وذمّ الممدوح. فمتى لم يكن له دين يحجزه عن ارتكاب المآثم ويزعه عن احتقاب «2»

الصفة السادسة، البلاغة

المحارم كان الضرر به أكثر من الانتفاع، وأثّر فعله من الأضرار ما لم تؤثّره السيوف، ولله القائل!: ولضربة من كاتب ببنانه ... أمضى وأقطع من رقيق حسام قوم إذا عزموا عداوة حاسد ... سفكوا الدّما بأسنّة الأقلام وأيضا فإنه لا يقبل قول الفاسق فتضيع به المصالح، وربما حمله الفسق وعدم الاكتراث بأمور الدّين على وهن يدخله على الدّين بقلمه، أو ضرر يجلبه بلسانه. وأيضا فالكتابة ولاية شرعية والفاسق لا تصح توليته شيئا من أمور المسلمين؛ وقد أطلق القاضي أبو الطيب والماورديّ من أصحابنا الشافعية القول باشتراط العدالة في كاتب القاضي فيجب مثله في كاتب السلطان بل أولى على ما تقدّم. الصفة السادسة، البلاغة - بحيث يكون منها بأعلى رتبة وأسنى منزلة؛ فإنه لسان السلطان الذي ينطق به، ويده التي بها يكتب. وربّ كاتب بليغ أصاب الغرض في كتابته فأغنى عن الكتائب، وأعمل القلم فكفاه إعمال البيض القواضب، وإذا كان جيّد الفطنة صائب الرأي حسن الألفاظ، تتأتّى له المعاني الجزلة فيجلوها في الألفاظ السهلة، ويختصر حيث يكون الاختصار، ويطيل حيث لا يجد عن الإطالة بدّا ويتهدّد فيملأ القلوب روعة، ويشكر فيلقي على النفوس مسرّة؛ وإن كتب إلى ملك كبير وذي رتبة خطير عظّم مملكة سلطانه وفخّمها في معارض كلامه من غير أن يوجد أن ذلك قصده. الصفة السابعة، وفور العقل، وجزالة الرأي - فإن العقل أسّ الفضائل وأصل المناقب؛ ومن لا عقل له لا انتفاع به، وكلام المرء ورأيه على قدر عقله؛ فإذا كان تام العقل كامل الرأي، وضع الأشياء في مكاتباته ومخاطباته في مواضعها، وأتى بالكلام من وجهه، وخاطب كلّ أحد عن سلطانه بما يقتضيه الحال التي يكون عليها، فيشتدّ ما كانت الشدّة نافعة، ويلين حين

الصفة الثامنة، العلم بمواد الأحكام الشرعية، والفنون الأدبية

يكون إلى اللّين محتاجا، ويوبّخ من لا يقتضي فعله أكثر من التوبيخ، ويذمّ من تعدّى إلى ما يستوجب الذمّ، ويأتي بالمكاتبات التي يقتضيها اختلاف الأحوال واقعة مواقعها صائبة مراميها. الصفة الثامنة، العلم بمواد الأحكام الشرعية، والفنون الأدبية ، وغيرها مما يأتي بيانه- إذ الجاهل لا تمييز له بين الحق والباطل، ولا معرفة ترشده إلى الطرق المعتبرة في الكتابة؛ ومن سلك طريقا بغير دليل ضلّ، أو تمسك بغير أصل زلّ. الصفة التاسعة، قوة العزم وعلوّ الهمة وشرف النفس - فإنه يكاتب الملوك عن ملكه، وكل كاتب يجذبه طبعه وجبلّته وخيمه «1» في الكتابة إلى ما يميل إليه؛ ومكاتبة الملوك أحوج شيء إلى التفخيم والتعظيم، وذكر التهاويل الرائعة والأشياء المرغّبة، فكلما كان الكاتب أقوى نفسا وأشدّ عزما وأعلى همّة، كان في ذلك أمضى وعليه أقدر، ومهما نقص في ذلك نقص من كتابته. الصفة العاشرة، الكفاية لما يتولّاه - لأن العاجز يدخل الضرر على المملكة ويوجب الوهن في أمر المسلمين؛ وربما عاد عليهم عجزه بالوبال، أو أدّى بهم ضعفه إلى الاضطراب والاختلال. الضرب الثاني الصفات العرفية قال المهذّب بن مماتي «2» في كتابه «قوانين الدواوين» : «ينبغي أن يكون الكاتب أديبا، حادّ الذهن، قويّ النفس، حاضرّ الحسّ، جيّد الحدس،

حلو اللسان، له جراءة يثبت بها الأمور على حكم البديهة، وفيه تؤدة يقف بها فيما لا يظهر له على حدّ الرويّة، شريف الأنفة، عظيم النزاهة، كريم الأخلاق، مأمون الغائلة، مؤدّب الخدّام» . قال محمد بن إبراهيم الشيباني «1» : من صفة الكاتب اعتدال القامة، وصغر الهامة، وخفّة اللهازم «2» ، وكثاثة اللّحية، وصدق الحسّ، ولطف المذهب، وحلاوة الشمائل، وخطف الإشارة، وملاحة الزّيّ. قال: ومن حاله أيضا أن يكون بهيّ الملبس، نظيف المجلس، ظاهر المروءة، عطر الرائحة، دقيق الذّهن، حسن البيان، رقيق حواشي اللسان، حلو الإشارة، مليح الاستعارة، لطيف المسلك، مستفره «3» المركب، ولا يكون مع ذلك فضفاض الجثة، متفاوت الأجزاء، طويل اللحية، عظيم الهامة، فإنهم زعموا أن هذه الصفات لا يليق بصاحبها الذكاء والفطنة؛ ولله القائل!: وشمول كأنّما اعتصروها ... من معاني شمائل الكتّاب» وقال أبو الفضل الصّوريّ: «ينبغي أن يكون الكاتب فصيحا بليغا أديبا، سنيّ الرتبة، قويّ الحجة، شديد العارضة «4» ، حسن الألفاظ، له ملكة يقتدر بها على مدح المذموم وذم المحمود» . قال المهذب بن مماتي: «أمّا حسن الهيئة فإنه يرجع في ذلك إلى ما يعلمه من حال مخدومه من إيثاره إظهار نعمته على من هو في خدمته أو إخفائها» . قلت: وهذا قد يخالف ما تقدم: من أنه ينبغي أن يكون الكاتب

بهيّ الملبس. وبالجملة ففصاحة اللسان، وقوة البيان، والتقدّم في صناعة الكتابة هو الذي يرفع الرجل ويعظّمه دون أثوابه البهية، وهيئته الزاهية. بل ربما كان التعظيم في الفضل لرثّ الحالة المنحط الجانب أكثر، وترجيحه على غيره أقرب. وقد قال سهل بن هرون كاتب المأمون، وهو من أئمة هذه الصناعة: «لو أن رجلين خطبا أو تحدثا أو احتجّا أو وصفا وكان أحدهما جميلا بهيّا، ولبّاسا نبيلا، وذا حسب شريف؛ وكان الآخر قليلا قميئا، وباذّ «1» الهيئة دميما، وخامل الذكر مجهولا، ثم كان كلامهما في مقدار واحد من البلاغة، وفي درب واحد من الصواب، لتصدّع عنهما الجمع وعامّتهم يقضي للقليل الدميم على النبيل الجسيم، وللباذّ الهيئة على ذي الهيئة، ويشغلهم التعجّب منه عن مناوأة صاحبه، ولصار التعجب على مساواته له سببا للتعجب به، والإكثار في شأنه علة للإكثار في مدحه؛ لأن النفوس كانت له أحقر، ومن بيانه أيأس، ومن حسده أبعد؛ فلما ظهر منه خلاف ما قدّروه وتضاعف حسن كلامه في صدورهم كبر في عيونهم: لأن الشيء من غير معدنه أغرب؛ وكلما كان أبعد في الوهم كان أظرف؛ وكلما كان أظرف كان أعجب؛ وكلما كان أعجب كان أبدع؛ وإنما ذلك كنوادر الصّبيان وملح المجانين؛ فإنّ استغراب السامعين لذلك أعجب، وتعجّبهم منه أكثر» . قال: «والناس موكّلون بتعظيم الغريب واستظراف البديع، وليس لهم في الموجود الراهن ولا فيما تحت قدرتهم من الرأي والهوى مثل الذي معهم في الغريب القليل وفي النادر الشاذ؛ وعلى هذا السبيل يستظرفون القادم إليهم، ويرحلون إلى النازح عنهم، ويتركون من هو أعمّ نفعا، وأكثر في وجوه العلم تصرفا، وأخف مؤونة وأكثر فائدة» .

الفصل الثاني في آداب الكتاب، وهي على نوعين

الفصل الثاني في آداب الكتّاب، وهي على نوعين النوع الأول حسن السيرة وشرف المذهب؛ ولذلك شروط ولوازم منها اعتماد تقوى الله تعالى في الإسرار والإعلان، والإظهار والإبطان، والمحافظة عليها، والاستناد إليها في مبادي الأمور وعواقبها. فإنها العروة التي لا تنفصم، والحبل الذي لا ينصرم، والركن الذي لا ينهدم، والطريق التي من سلكها اهتدى، ومن حاد عنها ضلّ وترّدى؛ والمحافظة على شرائع الدين التي فرضها الله تعالى على خلقه والحذر من الاستخفاف فيها بحقه، وتوقّي غضبه بتأديتها، والاستجنان «1» من شقاء الدنيا والآخرة بتوقّيها. ومنها طلب الأجر «2» بما ينيله من عز سلطانه ويجديه من فواضل نعمائه، وهذا هو أصح الأغراض التي يجب على كل عاقل أن يقدّمه على كل غرض، ويحصل منه على السهم الوافر؛ فلا خير في دنيا تنقطع السعادة عنها، وإنما السعادة بعد الموت وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ «3» ، ومن اختار الفاني المنصرم على الباقي الدائم، فقد خسرت صفقته، وبارت تجارته. والطريق الموصّل إلى هذا المقصد صلاح النيّة فيما يتولاه من أمور السلطان، وقصد النفع العامّ له ولرعيته، والاجتهاد في إغاثة الملهوف، والأخذ بيد الضعيف، والنفع بجاهه عند سلطانه، وحمله على العدل في الرعيّة، فإذا توخّى ذلك فاز بثواب الله تعالى، وقضى حقّ السلطان فيما عرضه له من الشكر والأجر، وقابل نعمة الله التي أقدره بها على هذه الأفعال الجميلة

بما يرتبطها عنده ويستقرّ بها لديه. ومنها: مجانبة الرّيب والتنزه عنها، والطهارة منها. فانها تسخط الله تعالى، وتذهب بمهابة المرء، وتسقطه من العيون والقلوب. وأحقّ من راعى ذلك من نفسه من بين أتباع السلطان أهل هذه الصناعة لاختصاصهم به، ولطف منزلتهم عنده. إذ المشهور عند نقلة الآثار أن الذين تقدّموا من صدورها ومشايخها كانوا من جلّة العلماء، وسادة الفقهاء، وأفاضل أهل الورع، المبرئين من الدّنس والطمع، المميزين على القضاة والحكّام، في الاستقلال بعلوم الإسلام، المتميزين عنهم بفضل الآداب، ورواية الأشعار، والعلم بالأيام والسير، والارتياض «1» بآداب الملوك وعشرتهم ورسوم صحبتهم، وغير ذلك مما ينتظم في صناعتهم. فقد ساووهم في علم الدّين، وفاقوهم فيما تقدّم ذكره مما لا يشاركونهم فيه. والسلطان والدّين قرينان لا يفترقان، وعونان على صلاح البلاد والعباد، فلا يحتمل السلطان ما ينكره الدّين لأنه تابعه ورديفه. ومنها: لزوم العفاف والصّيانة فيما يتولاه للسلطان من أعماله، ويتصرف فيه من أشغاله، والتعفف عن المطامع الذميمة، والمطاعم «2» الوخيمة، والترفّع عن المكاسب اللئيمة؛ فإن ذلك يجمع القربة إلى الله تعالى والحظوة عند السلطان، وجميل السيرة عند الرعية- حتى إن هذه الطريقة قد تقدّم بها عند السلطان المتخلفون في الفهم والمعرفة، وسادوا على من لا يقاربونه في غناء ولا كفاية، وحصلوا على الأحوال السنية، والمنازل العلية؛ وقرب بها من كان بعيدا على من كان قريبا، ومن لا مكانة له ولا حرمة على من له مكانة وحرمة، واستبدني لأجلها من لا يترشح لخدمة السلطان. ثم الذي يلزمه أن يعتمد التمسك بالصيانة والعفاف الذي عليه نظام معيشته، والارتفاق فيما يحل

ويطيب له من جاه خدمته- فإنه قد قيل «الزم الصحة «1» يلزمك العمل» ؛ لأنه يمتنع من المنافع التي تصل إليه من أطيب المكاسب، وتسلم من تبعات العاجل والآجل، وتخلص من قبيح الأحدوثة «2» وإطلاق ألسن الحسدة بالطعن والتأنيب، وينال بجاه السلطان ونفوذ الأمر من غير خيانة للمؤتمن ولا اشتكاء للرعية- فإنه لولا هذه المنافع لغني الانسان بالقناعة، ورضي بالكفاف، وسلم من المخاطرة بدينه ودنياه في سلامة السلطان. إذ لا يجوز أن يستفرغ وسعه ويعرّض نفسه للخطر فيما لا تحسن له عائدة، ولا تخلص منه فائدة، في جاه ولا مال. وقد علم ما كان عليه أهل هذه الطبقة في سائر الدول وما حصلوه من الذخائر واقتنوه من القنيات النفيسة، التي أقدرتهم على إظهار مروءاتهم، واتخاذ الصنائع عند الأحرار، وحراسة النعم على الدوائر «3» والأعقاب. وإنما حصلوا على ذلك من حيث معرفتهم بوجوه المكاسب، وأبواب المرافق، لا من الخيانة وذميم الطعم «4» . لأنهم كانوا في أزمنة لا يغضى فيها عن متكسّب من رشوة ولا مصانعة ولا اغتصاب ولا سبب من أسباب الظلم وان جلت منزلته وعظمت مرتبته. ومنها طلب الثناء والحمد وهو من أفضل المقاصد السنية وأعلاها رتبة- لأنه يتلو الأجر في البقاء والدوام، وكلما كانت الهمة أعظم وأشرف، كانت إليه أرغب وبه أكلف. ولفضل هذا رغب فيه الأشراف وعلية الناس حتى قال

الخليل عليه السّلام وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ «1» . وأولى الناس باقتناء ذخائر الحمد وافتراض فرض الشكر من عرّض الله تعالى جاهه، وطوّل يده، وأمضى عند السلطان لسانه، فينبغي أن يختار هذه المكرمة، ويقوم بالنصيب الأوفر منها، ولا يبخل بجاهه ولا ماله على قاصد ولا مؤمل ولا ذي رحم وذمام، ولا يضجّع «2» في أمر بطانته وحاشيته وأصحابه، ولا يضيّق عليهم مع سعته، ولا يقصر بهم في كفايته، ويجعل اكتسابها بجاهه وماله دون أموال سلطانه- فإن كثيرا من المتصرفين بذلوا ما اؤتمنوا عليه في هذا الغرض ورضّوا «3» به أهل الشفاعات والرسائل، فأعقبهم ذلك زوال النعم، وسقوط الرتبة وذهاب المال، والوسم بميسم الخيانة والبوار إلى الأبد. ولا يبالغ في ابتناء المعالي واقتناء المحامد وبذل الرغائب وارتفاع الهمم، فإن ذلك مما يختص بالملوك ولا ينبغي لأحد من أتباعهم من كاتب ولا غيره الإقدام عليه مفاخرا ولا مكاثرا ولا مقابسا، فيكون قد عدا طوره، وأضل رشده، وتعرّض للعطب مع سلطانه، وأوجد الطريق إلى سوء الظن به، وفوّق سهام الحسدة إليه، وأطلق ألسنتها بالطعن عليه، وربما أدّى به ذلك إلى سقوط المنزلة أن سلمت نفسه. ومنها الاقتصاد في طلب اللذة، والاقتصار من ذلك على ما يقيم المروءة من أفضل الأخلاق وأشرفها: بأن يكون تناولهم ما يتناولونه من ذلك بسلوك طريقة محمودة يظهر فيها أثر التدبير السديد والرأي الأصيل، من غير خروج إلى الإقبال على اللذات، والانهماك في الشهوات. فإن ذلك غير مستحسن لملك ولا سوقة لأنه جالب للأسقام، قاطع عن الأمور المهمة التي يجب صرف العناية إليها في صلاح المعاش وأمر الآخرة؛ ولكن لا يكلّف ترك

النوع الثاني حسن العشرة

اللذات جملة- إذ لا بد لكل أحد من ذوي الرتبة العلية من الأخذ بنصيب منها، لما جبلت عليه الطبائع من الميل إليها والرّغبة في الاستمتاع بالنعم والملاذ ولكل منها حظ يضاهي رتبته. وأهل هذه الصنعة لا ختلاطهم بالملوك ومشاركتهم لهم في آدابهم لا غنى بهم عما يقيم مروءاتهم من اللذات المشابهة لأقدارهم ومواضعهم من السلطان. النوع الثاني حسن العشرة - التي هي من أفضل الخلائق الموجودة في الغرائز طبعا والحاصلة بالتخلق تكسبا وتطبعا، وأعونها لمصالح الحياة والمعاش ومحبة الخاصة والعامّة وحصول الثناء والشكر والمودّة من الأفاضل والأخيار، وكفاية الأراذل الأشرار، وإن لم يلتزمها الكاتب طوعا حمل عليها كرها. واعلم أن أدب المعاشرة على خمسة أضرب. الضرب الأوّل عشرة الملوك والعظماء قال عليّ بن خلف «1» : ولا يقوم بآدابها وأكمل رسومها إلا من علت في الأدب درجته، وسمت في رجاحة العقل منزلته، وتميّز بغريزة فاضلة وأدب مكتسب، وصبر على المشاقّ في التحلّي بالهمم الشريفة، والسموّ إلى المنازل اللطيفة، من عز السلطان ومساعدة الزمان، وتمكّن من تصريف النّفسين الحيوانية والشهوانية على أغراض الناطقية «2» ومطاوعتها، وأخذهما بقبول ما ترشد إليه وتبعث عليه؛ لأن صحبة السلطان أمر عظيم وصاحبه راكب خطر

جسيم، بتمليكه نفسه لمتحكم في شعره وبشره، قادر على نفعه وضرّه، لا يردّه عن مقابلته على يسير الخيانة بكبير النّكاية إلا ما يؤمّل من صفحه ومسامحته، ويرجو من عطفه ورأفته. وأوّل ما يجب على المتصل بخدمة السلطان النظر في عواقب أموره، وحفظ نفسه من جريرة يجرّها عليها بإغفاله فرضا من فروض طاعته، وتضييعه المحافظة على حقوق خدمته، والعلم بأن لكل مصحوب خلقا يغلب عليه، ويرجع بغريزة الطبع إليه، لا يمكنه النزوع عنه ولا المفارقة له؛ إذ الانتقال عن الطّباع، شديد الامتناع، في الخدم والأتباع؛ فكيف الملوك والرؤساء الذين لا يقابلون بلوم على خلق مذموم؛ بل العادة جارية في أدب خدمتهم بأن يصوّبوا ما يركبونه من خطإ ويحسّنوا ما يواقعونه من قبح فعليه أن ينزل عن أخلاقه لأخلاق سلطانه، وما خالف سجيته في إصلاح زمانه، وأن ينزل عن هواه لهواه، ويتّبع فيما يسخطه ويأباه، ما يؤثره سلطانه ويرضاه. وينبغي أن لا يعرّض نفسه لما يسقط منزلته ويفسد عاقبته ولا يوجد للزمن طريقا إلى التنكر له، ويعينه بتفويق «1» سهامه والتصدّي لمواقعها. وقد علم أن الزمان وأن عمّ بنوائبه فإنه يخصّ صاحب السلطان منها بما يزيد على نصيب غيره. ومن أشق الأحوال أن يدفع الإنسان إلى تغير السلطان مع كون السبب في ذلك شيئا جرّه إلى نفسه بسوء اختياره، لما يجتمع عليه في ذلك من مرارة النّكبة، وحرارة المغبّة، وتقريع من يزري على عقله، ويؤنّبه بجهله. ثم أنه يلزمه بعد الاحتياط فيما تقدّم عدّة خصال أيضا. منها الإخلاص وهو قوام الأمر في المصاحبة؛ فإنّ من صحب سلطانا بعقيدة مدخولة في ولايته، مشوبة في محبته، لم ينتظم له ولا لسلطانه أمر؛

لأن الضمائر المذوقة «1» والنيات السقيمة لا بد أن يصرّح بما فيها ويظهر ما في دخيلتها؛ وإذا اتضح ذلك للسلطان لم يقنع إلا بإتلاف نفسه، وإذهاب مهجته. ومنها النصيحة، وهي ترب الإخلاص. والطريق الموصل إلى التوفية بها أن يطالع السلطان بكل ما يفتقر إلى العلم به من خاصّ أموره وعامّها؛ وعلى من استخلصه السلطان لنفسه، وائتمنه على رعيته، وأنطقه بلسانه، وأخذ وأعطى بيده، وأورد وأصدر برأيه، وتخيّره لهذه المنزلة من بين رؤساء دولته وأعيان مملكته، أن لا يستر عنه دقيقا ولا جليلا من أحوال ما فوّضه إليه، ولا يقف عن إنهاء تفاصيله وجمله توقّيا من لوم لائم، ولا يحمله فرط النصح له على الإضرار برعيته، ولا الرغبة في إثبات حقه على تضييع حقوقها، ولا القيام بما يجب له دون ما يجب لها- فإنها به وهو بها. ومنها الاجتهاد فيما يباشره من أحوال سلطانه بما يعود عليه نفعه بحيث لا يبقي في ذلك ممكنا، ولا يدع فيه شأوا للاحق. ومنها كتمان السر. وهو من أفضل الآداب في صحبة السلطان وغيره، وأعودها بالفلاح على صاحبها لأن كثرة الانتشار الداخل على الدول إنما توجّه بتفريط بطائنها وصاحبها في أسرارها، وإظهارهم بما تقرّر في أذهان الملوك وعزائمهم قبل أن يظهروه؛ فيجد العدوّ بذلك الطريق إلى معالجة آرائهم بما ينقضها، ومقابلتها بما يفسدها. على أن إفشاء السر من الأخلاق التي طبع أكثر الناس عليها، وحيل بينهم وبين الإقلاع عنها؛ فمن علم من نفسه ذلك فليحذر معاملة السلطان في أسراره وبواطن أموره، ولا سيما ما وجد

منها في باب حروبه ومكايده، فإنه إن ظهر منه على خيانة في السر، عرّض نفسه للهلكة. ومنها الشّكر فإنه وإن كان واجبا على الإنسان مع أكفائه ونظرائه فإنه مع السلطان الذي يستظلّ بظله، ويستدرّ أخلاف فضله أوجب. إذ المرء قد يقدر على مكافأة عارفة «1» صديقه بما يضاهيها ويزيد عليها، ولا يقدر على مكافأة سلطانه إلا بشكر نعمته، والمحافظة على حقوق خدمته. ثم الشكر بالقول يرتفع بين الرئيس والمرؤوس، والخادم والمخدوم، إلا اليسير الذي يقضي به حقّ الخدمة: لأن الإكثار منه داخل في حكم الملق والتثقيل؛ وإنما يظهر شكر الخادم من أفعاله. ومنها الوفاء، وهو من أهمّ الخصال اللازمة وآكدها؛ إذ هو الطريق إلى صلاح العباد وعمارة البلاد؛ بل هو رأس مال الكاتب وربحه ودوام عمله، والسبب الذي لأجله ترغب السّلاطين في صحبته: لأنهم ما برحوا يقرّبون صاحب هذه الخصلة ويرونه أهلا للاختصاص، موضعا للثّقة؛ ولا أسوأ حالا ممن نزل هذه المنزلة وهو بخلافها. ثم الوفاء يكون بإظهار النصيحة، وبذل الاجتهاد، وقصد المخالصة، ومقابلة كل نعمة تفاض عليه بالنهضة فيما استند «2» إليه: ليدعو ذلك سلطانه إلى ربّ «3» النعمة لديه، وإقرار ما عليه. ومن شروط الوفاء أن يلتزمه صاحبه لسلطانه، في حال سعادته، وإقبال دولته، وفي حال تولّيها عنه وعطلته. أما في حال إقبال الدولة عليه فأن يصحبه بقلبه دون بدنه ولا يتطلب صاحبا غيره ينتقل إلى صحبته، ويستبدل بخدمته

من خدمته، ولا يحدّث نفسه بأنه متى وجد أنفع منه عدل إليه، ولا أن يرتّب له جهة أخرى يجعلها مقدّمة لأمر يترقّبه: لما في ذلك كله من الخروج عن حدّ الإخلاص المقدّم وجوبه. وأمّا في حال انصراف الدولة عن صاحبه، فإنه لا يباينه مباينة المساعد للزمان عليه، الموافق للمقادير فيه، ولا يخونه عند حاجته إليه، ولا يضيع حقوقه عنده وصنائعه لديه، ولا ينحاز بكلّيّته إلى من أقبلت أمور السلطان عليه؛ فإن ذلك مما يدل على خبث السجيّة ومقابلتها على الإحسان بالإساءة، واستعمال العقوق، واطّراح الحقوق. ومنها: مجانبة الإدلال إذ الدالّة على السلطان والرئيس من أعظم مصارع التّلف، وأقرب الأشياء إلى زوال النعم، ولأجلها هلك من هلك من بطانة السلطان وخاصته ووزرائه؛ وفي قصصهم عبرة لمن أنعم النظر في تأمّلها. وعليه أن يعوّل في الاعتداد بخدمه ونصائحه له على اشتهارها وظهورها، ولا يفيض في تعديدها وذكرها، ولا يواصل التثقيل بأغراضه والإلحاف بأسئلته، ولا يظهر التشحّب عند التقصر به، ولا الغضب اتّكالا على سالف خدمة، وقليل حرمة؛ وأن يتناسى ما أسلفه من الخدمة والصحبة، ويكون في كل حال عارفا بعوارفه، معتدّا بفواضله، موجبا الفروض له لا عليه، فإن السلطان مجبول على أنفة النفس وعزّتها، ولا يحتمل التنازل لأحد: لتنزيله الكلّ منازل الخدم والأرقّاء، واعتقاده أنه سبب النعمة السابغة على الكافّة، وثقته بوجود العوض عمّن يفقده من الأعوان والأصحاب، ومثابرة الناس على خدمته والانتساب إلى متابعته لما يصلون إليه من الحظوة، وينالونه من الجاه والثورة. وإن كان في باطن حاله على خلاف ما يؤثر، أظهر الشكر والاعتداد وتلطّف في بلوغ الغرض بأحسن تعريض، ولم يطلق قلمه كاتبا، ولا لسانه مخاطبا؛ فإن ذلك إزراء على همة المصحوب، ودلالة على إخلاله بتفقد الصاحب، لكن يذكر النعمة وسبوغها، والمنّة وشيوعها، ويسأل الزيادة فيها ومضاعفتها. فإن ذلك يقضي ببلوغ آماله، وسداد أموره، وسهولة مطالبه؛ وإذا زاده السلطان رفعة وتشريفا ازداد له تعظيما وتوقيرا. وإذا بسط يديه أن

ينقبض عن كل ما يشينه، وإذا خصّه بأثرة وتقريب أن يزيد الخاصّة والعامّة بشرا وإيناسا، وإن اتهمه بهفوة لم ينته في إقامة العذر والاحتجاج على براءة الساحة إلى الغاية القصوى، بل يتوسط في ذلك ويسأل من حسن الصّفح والإقالة وجميل التغمّد «1» والعفو ما يجعل للإحسان وجها، ولتعقّبه للسخط سببا. فإنه إذا صدع بالحجة في براءة الساحة، فلا وجه لمعذرته وفيه تكذيب لرئيسه، وربما أدّى إلى فساد ومفاقمة. ومنها: التمسك بآداب الخدمة بالمواظبة عليها، وصرف الاهتمام إليها؛ إذ هي أعظم الذرائع إلى نيل الرتب وبلوغ المآرب، والسبب الذي يقرّب البعداء، ويرفعهم على أهل الوسائل والحرم، وذوي المواتّ «2» والخدم؛ ويعمي عن كل شين، ويصمّ عن كل طعن. وما نال أحد عند السلطان مرتبة إلا والمواظبة على خدمته سببها والمواصلة موجبها. وأولى الناس بلزوم السلطان كتّابه الذين لا غنى به عن حضورهم، في ليله ونهاره، وأحيان شغله وفراغه: لأنه ربما بدهه ما يحتاج إلى استكفائه إيّاه وإسناده إليه، وإن تأخر عنه في تلك الحال استدعى من موجدته واستجرّ من لائمته مالا يزيله العذر إلا في المدّة الطويلة. وربّما اضطرّ لغيبته إلى إحضار من يستكفيه ما عرض له وأدّى ذلك إلى اصطناعه وتصييره في مقامه وإن كان لا يساويه في فضل ولا علم ولا غناء، بخلاف ما إذا وجده مسارعا إلى أمثلته؛ فإن ذلك يزيد في حظوته، ويدعو إلى استخلاص مودّته. فيجب عليه أن يخصّ سلطانه من زمانه بالقسم الأوفر، والنصيب الأغزر، ولا يؤثر نيل لذة عليه، ولا بلوغ وطر إذا أدّى إلى تنكّره؛ فإن استطاع أن يوافقه على وقت يفرضه له يتمكن فيه من بلوغ أوطاره، والوصول إلى مقاصده، كان أحمد لعاقبته، وأبلغ لقصده، وأحسم لأسباب اللائمة في

غيبته. ولا ينهمك في الملاذّ انهماك الآمن بل يقف عند الحدّ الذي يبقي فيه فضلة لعوارض السلطان ومهمّاته الحادثة في آناء الليل، وساعات النهار. فإن تعبه في صلاح زمانه وراحة سلطانه مستبق لنعمته، مستدع لزيادته. ولا يشتغل بكبير الأمور عن صغيرها، ولا يبتهج بما أصلحه منها حتّى ينظر في عواقبه، ويسوس ما ردّ إليه بالسياسة الفاضلة: فيلين في غير ضعف، ويشتدّ في غير عنف، ويعفو عن غير خور، ويسطو من غير جور، ويقرّب بغير تدلّه، ويبعد بغير نكر، ويخصّ في غير مجازاة، ويعمّ في غير تضييع، فلا يشقى به الحقّ وإن كان عدوّا، ولا يسعد به وإن كان وليّا. ومنها: إذا حضر بين يدي سلطانه أو رئيسه في المجلس الخاصّ أو العامّ أن يعتمد مقابلته بالإجلال والإعظام، والتوقير والإكرام؛ ولا يحمله تأكد الخدمة وتطاول الصحبة على إهمال ذلك بل يحفظ رسمه، ولا يغيّر عادته. ومنها: أن يتخير لخطابه في الأغراض والأوطار أوقاتا يعلم خلوّ سرّه فيها، وفراغ باله، وانشراح صدره، وارتفاع الأفكار عن خاطره: إلا إن كان ما يخاطبه فيه أمرا عائدا بانتظام سلطانه، واستقامة زمانه، داخلا في مهمات أعماله التي متى أخّرها نسب إلى التقصير؛ فيقدّم الكلام فيها خفّ أو ثقل. وإذا خاطبه رئيسه من سلطان أو غيره في أمر من الأمور، فعليه أن يرعيه عينه، وينصت إليه سمعه، ويشغل به فكره، ولا يستعمله فيما يعوقه عنه حتّى يستوعب ما يلقيه إليه، ويجيبه عنه أحسن الجواب، ولا يلتفت في حال إقباله عليه إلى غيره، ولا يصغى إلى كلام متكلم، ولا حديث متحدّث، حتّى لو امتحنه باستعادة ما فاوضه فيه وجده قد أحرز جميعه؛ فإن التقصير في ذلك مما ينكره الملوك والرؤساء، ويستدلّون به على ضعف المخاطب. وإن كان فيما خاطبه فيه أمر يحتمل التأخير بادر بالاعتذار عنه: لئلا ينسب إلى التقصير بتأخيره عند الكشف عنه؛ وإن كان فيه ما يخالف الصواب أمضاه، وإن تعذر السبيل إلى فعله لم يظهر التقاعس عنه لتخطئته، بل يقابله بالاستصواب، ثم يتلطف في تعريفه مكان الخطإ فيما رآه.

ومنها: أن يجري في الحال في مجالسه على ما يعود بوفائه وإرادته: فإن مال إلى الانبساط أطلق عنانه فيه إطلاق المتجنّب للهجر «1» والفحش، ورفث «2» القول تابعا لإيثاره، قاضيا لأوطاره. وإن أظهر الانقباض ذهب مذهبه في ذلك، ولا ينبغي أن يخالفه في حال من أحواله؛ فإنّ من شروط هذه الخدمة أن يتصرف صاحبها في كل ما يصرّف فيه، ويسرع الانقياد إلى كل ما يدعى إليه، ولا يكثر من الدعاء لرئيسه والثناء عليه والشكر على ما يوليه من العوارف فإن مثل ذلك يستثقل. ومنها: أن لا يحضر سلطانه في ملابسه التي جرت العادة أن ينفرد بها كالوشي ونحوه؛ إلا أن يكون هو الذي يشرّفه بها، وأن يقتصد في لباسه: فينحطّ عما يلبسه سلطانه ويرتفع عما يلبسه السّوقة، ويصرف عنايته إلى التنظّف والتعطّر، وقطع الرائحة الكريهة من العرق وغيره، حتّى لا تقع عين رئيسه على دنس في أثوابه، ولا يجد منه كريه رائحة في حال دنّوه منه؛ ويواصل استعمال الطيب والبخور الفائق والتضمّخ بالمسك؛ فإن الملوك ترى أن من أغفل تعهّد نفسه كان لغيرها أشدّ إغفالا. ومنها: أن يتجنب التفاصح والتعمّق في مخاطبة رئيسه، والافتخار عليه بالبلاغة والبيان: لما في ذلك من الترفع عليه في الكلام، بل يجعل ما يلقيه إليه ضمن ألفاظ تدلّ على معانيها بسهولة مع غضّ من صوته، وخفض من طرفه، وسكون من أعضائه: لأنه إنما يتسامح بالإتيان بالفصاحة والذّهاب بمذهب الجزالة للخطباء الذين يثنون على الملوك في المواقف العامّة ضرورة احتياجهم إلى استعمال ألفاظ تقع في الأسماع أحسن المواقع. ومنها: أنه إذا تميز عند رئيسه وارتفعت رتبته لديه أن يجمل القول في خاصّته وعامّته، ويحسن الوساطة لحاشيته ورعيته، ويتجنب القدح عنده في

الضرب الثاني آداب عشرة الأكفاء والنظراء

أكفائه ونظرائه من بطانته، والمقرّبين من حضرته، ليكون ذلك داعيا إلى محبته والثناء عليه مكافأة له وإمساك الألسن عن الطعن فيه. ومنها: أن يبادر إلى المشورة عليه بالصواب فيما يستشيره فيه، ويورده إيراد مستفيد لا مفيد، ومتعلم لا معلّم، ويتلطّف في أن يوقعه من نفسه موقعا يدعوه إلى العمل به. فإنّ من عادة الملوك والرؤساء الأنفة من الانقياد إلى ما ينتحله غيرهم من الآراء ولو كانت صائبة؛ وإن تمكّن من صياغة حديث يودعه فيه فعل مخادعة بذلك لنفسه الأبيّة وعزّته المتقاعسة. الضرب الثاني آداب عشرة الأكفاء والنّظراء قال عليّ بن خلف: ولا شك أنّ طريقة الاعتدال في ذلك الموافاة في الإخاء، والمساواة في الصّفاء، ومقابلة كل حالة بما يضاهيها. أما المسامحة بالحقوق والإغضاء عمن قصّر، والمحافظة على ودّ من فرّط، فلا خلاف في فضله والتمدّح بمثله، لا سيما لمثل أهل هذه الصناعة التي يرتفع حقّ الاعتزاء إليها عن حقوق القرابات الدانية، والأنساب الراسخة. ولذلك وقع في كلام بعضهم «الكتابة نسب» . قال عليّ بن خلف: والمعنى فيه أن التناسب الحاصل بين أهلها تناسب نفسانيّ لا جسمانيّ، يحصل عن تناسب الصور القائمة في نفوسهم بالقوّة، وعن تناسبها بعد خروجها وظهورها من القوّة إلى الفعل، بدليل ما نراه من اتفاق خواطرهم على كثير من المعاني التي يستنبطونها، وتواردهم فيها. ولولا تناسب الغرائز وتشابهها، لم يكن أن يتواطؤا في أكثر الأحوال على معان متكافئة متوافية. قال: «وإذا كنا نحفظ من متّ إلينا بالأنساب الجسمية التي لا تعارف بينها فأولى أن نحفظ من متّ إلينا بالأنساب النفسانية التي يصح منها التعارف. ولذلك

الضرب الثالث آداب عشرة الأتباع

قال الحسن بن وهب «1» : «والكتابة نفس واحدة تجزّأت في أبدان متفرّقة» . وقال: لا عبرة بما يقع بين بعضهم من التنافر والتباين، لأن المناسبة إنما تقع عند المساواة. أما من وقع دون رتبة الآخر من الفضيلة فليس بمناسب له فيصير القاصر حاسدا لمن فوقه، للتقصير الذي فيه» . وبكل حال فإنه يجب عليه أن يعرف لأكفائه حقهم، ويحفظ مناسبتهم، ويتوخّى مساهمتهم، ويتلقّاهم بالإكرام والتمييز، ويجعلهم في أعلى المراتب عنده، ويزيدهم على الإنصاف ولا يقصّر بهم عما يستوجبونه ويستحقونه، ويتخوّل «2» بمثل ذلك نظراءه في الرياسة من غير الكتّاب، وإن تعذر عليه الوصول إلى ملتمسهم أطاب قلوبهم بالوعد الجميل في المستقبل، واجتهد في الوفاء به. الضرب الثالث آداب عشرة الأتباع قال عليّ بن خلف: وهي لا حقة بعشرة الأكفاء: لأن الذين يستعين بهم الكاتب يدعون كتّابا ولا يدعون أعوانا؛ وإنما الأعوان خدّام الشّرطة ومن يجري مجراهم قال: «وهم وإن كانوا أصحاب الكاتب ومرؤوسيه وأتباعه، فاسم الكتابة يجمع بينه وبينهم، ومعاشرتهم داخلة في باب التكرم، والتفضيل، والاستئثار بمحاسن الأفعال ومكارم الشيم» . ثم قال بعد ذلك: «وينبغي أن يخصّهم بالنصيب الأوفر، من إكرامه، والقسم الأغزر، من ملاحظته واهتمامه، ويفرض لهم من التقديم والاختصاص وتفقد الأحوال والشؤون، والذي ينتهي إليه أمل المرؤوس من الرئيس: ليجعل

الضرب الرابع آداب عشرة الرعية

خدمتهم له بذلك خدمة مقة «1» ومودّة، لا خدمة خوف ورهبة؛ وأن يحبّب خدمته إليهم بترك مناقشتهم، والتضييق عليهم، وإنالتهم من الترفيه في بعض الأوقات ما يجدون به السبيل إلى الأخذ بنصيب من لذاتهم وأوطارهم التي تميل النفوس إليها، وتتهافت عليها؛ فإنهم متى لحقهم التعب والنصب، اعترضهم الضّجر والملال، فقصّروا في الأعمال، وتهاونوا بالأشغال؛ فلا بدّ لهم من راحة تصفو بها أذهانهم ويزول عنها الكلال، ولا يفسح لهم في مواصلة الراحة والإخلال بما يلزمهم؛ فإن ذلك يحمل على سوء العادة وقبح المذهب. وعليه أن يحفظ لهم حقوق الصّحبة والخدمة ويوجدهم من الإعانة ما فيه صلاح حالهم؛ فإنه يستعبدهم بذلك ويستخلص مودّتهم، إذ القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها» . الضرب الرابع آداب عشرة الرعية قال ابن خلف: «وهو أمر عظيم النفع، جسيم العائدة، قاض بالسلامة. إذ لا يطيب لأحد عيش مع بغض الرعية له، ونفورهم عنه، وإن علت عند السلطان رتبته، وارتفعت طبقته. وظنّ بنفسه الاستغناء عنهم» . قال: «فينبغي أن يوفّر العناية على استصلاحهم له، واستمالة أهوائهم إليه، ولين الجانب، ووطاءة الكنف «2» ، وخفض الجناح، والبسط والإيناس وتألّفهم: كما يوفرها على استصلاح السلطان وسياسته، لتصحّ له رتبة التوسّط بين الطبقتين، ويسلم من طعن الطاعن، ولوم اللائم، ويبرأ من البغض

الضرب الخامس آداب عشرة من يمت إليه بحرمة، كالجار، والقاصد، والآمل،

والشّحناء، وينقلهم عما تسرع إليه الطّباع الرديئة: من الحسد والإيذاء إلى التألّف والمودّة. وقد أدّب الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم بقوله تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ » «1» . الضرب الخامس آداب عشرة من يمتّ إليه بحرمة، كالجار، والقاصد، والآمل، والمدلّ بحقّ المفاوضة، والمطاعمة، والمحاضرة، والسلام والمعرفة في الصّبا، والصداقة بين الآباء وغير ذلك من الحرم التي لا يطّرحها أهل المروءات قال ابن خلف: «وينبغي أن يوفيهم حقوقهم، وينهض بما يسنح من أوطارهم ومهمّاتهم، ويعينهم على ما يحدث من نوائب زمانهم، ويسعد في بلوغ مطالبهم من سلطانهم، ولا يضنّ عليهم بجاه ولا مال، ولا يخيّب أمل آملهم ولا قصده، ويفرض لهم من إذعانه واعتنائه ما يعزّ جانبهم، ويسهّل مآربهم، ويكفّ الضيم والظلم عنهم، ويبسط العدل والإنصاف عليهم، فإنه إذا التزم ذلك لهم التزموا له الإعظام والإجلال، وأطلقوا ألسنتهم بالثناء عليه، والاعتداد بأياديه، وأشاعوا ذلك بين أمثالهم فاجتلبوا له مودّتهم وتعصّبهم له» . قلت: ومن تمام آداب الكاتب وكمالها أن يعرف حقوق مشايخ الصناعة وأئمتها الذين فتحوا أبوابها، وذلّلوا سبلها، وسهّلوا طرقها، ويعاملهم بالإنصاف فيما أعملوا فيه خواطرهم، وأتعبوا فيه رويّاتهم فينزلهم منازلهم ولا يبخسهم حقوقهم. فمن آفات هذه الصنعة على ذوي الفضل من أهلها أن القاصر منهم لا يمتنع من ادّعاء منزلة المبرّز بل لا يعفيه من ادّعاء التقدم في الفضل عليه، والمبرّز في الفضل لا يقدر على إثبات نقص المتخلّف وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ «2» .

ثم أصل هذه الآداب الذي ترجع إليه، وينبوعها الذي تفجّرت منه، رسالة عبد الحميد بن يحيى الكاتب، التي كتبها إلى الكتّاب يوصيهم فيها، وهي: أما بعد، حفظكم الله يا أهل صناعة الكتابة، وحاطكم ووفّقكم وأرشدكم! فإن الله عز وجل جعل الناس بعد الأنبياء والمرسلين، صلوات الله عليهم أجمعين. ومن بعد الملوك المكرمين أصنافا، وإن كانوا في الحقيقة سواء، وصرّفهم في صنوف الصناعات، وضروب المحاولات ألى أسباب معايشهم، وأبواب أرزاقهم، فجعلكم معشر الكتّاب في أشرف الجهات أهل الأدب، والمروءة، والعلم، والرواية، بكم تنتظم للخلافة محاسنها، وتستقيم أمورها، وبنصائحكم يصلح الله للخلق سلطانهم، وتعمر بلادهم. لا يستغني الملك عنكم، ولا يوجد كاف إلا منكم، فموقعكم من الملوك موقع أسماعهم التي بها يسمعون، وأبصارهم التي بها يبصرون، وألسنتهم التي بها ينطقون، وأيديهم التي بها يبطشون، فأمتعكم الله بما خصّكم من فضل صناعتكم ولا نزع عنكم ما أضفاه من النّعمة عليكم! وليس أحد أحوج إلى اجتماع خلال الخير المحمودة، وخصال الفضل المذكورة المعدودة، منكم أيّها الكتاب، إذا كنتم على ما يأتي في هذا الكتاب من صفتكم فإن الكاتب يحتاج من نفسه، ويحتاج منه صاحبه الذي يثق به في مهمّات أموره أن يكون حليما في موضع الحلم، فهيما في موضع الحكم، ومقداما في موضع الإقدام، ومحجما في موضع الإحجام، مؤثرا للعفاف، والعدل والإنصاف، كتوما للأسرار، وفيّا عند الشدائد، عالما بما يأتي من النوازل، ويضع الأمور مواضعها، والطوارق أماكنها. قد نظر في كل فنّ من فنون العلوم فأحكمه، فإن لم يحكمه أخذ منه بمقدار يكتفي به، يعرف بغريزة عقله، وحسن أدبه، وفضل تجربته، ما يرد عليه قبل وروده، وعاقبة ما يصدر عنه قبل صدوره؛ فيعدّ لكل أمر عدّته وعتاده، ويهيىء لكل وجه هيئته وعادته. فتنافسوا يا معشر الكتّاب، في صنوف الآداب، وتفقّهوا في الدّين، وابدأوا

بعلم كتاب الله عز وجل والفرائض، ثم العربيّة فإنها ثقاف ألسنتكم. ثم أجيدوا الخطّ فإنه حلية كتبكم، وارووا الأشعار، واعرفوا غريبها ومعانيها. وأيام العرب والعجم، وأحاديثها وسيرها، فإن ذلك معين لكم على ما تسموا إليه هممكم. ولا تضيّعوا النظر في الحساب فإنه قوام كتّاب الخراج، وارغبوا بأنفسكم عن المطامع سنيّها ودنيّها، وسفساف الأمور ومحاقرها، فإنها مذلّة للرقاب، مفسدة للكتّاب، ونزّهوا صناعتكم عن الدّناآت، واربأوا بأنفسكم عن السّعاية والنميمة وما فيه أهل الجهالات، وإياكم والكبر والصلف والعظمة، فإنها عداوة مجتلبة من غير إحنة «1» ، وتحابّوا في الله عز وجل في صناعتكم، وتواصوا عليها بالذي هو أليق بأهل الفضل والعدل والنّبل من سلفكم. وإن نبا الزمان برجل منكم فاعطفوا عليه وواسوه حتّى يرجع إليه حاله، ويثوب إليه أمره؛ وإن أقعد أحدكم الكبر عن مكسبه ولقاء إخوانه، فزوروه وعظموه وشاوروه، واستظهروا بفضل تجربته، وقدم معرفته. وليكن الرجل منكم على من اصطنعه واستظهر به ليوم حاجته إليه أحفظ منه على ولده وأخيه. فإن عرضت في الشغل محمدة فلا يضيفها إلا إلى صاحبه، وإن عرضت مذمّة فليحملها هو من دونه. وليحذر السّقطة والزلة والملل عند تغيّر الحال، فإن العيب إليكم معشر الكتّاب أسرع منه إلى الفراء؛ وهو لكم أفسد منه لها. فقد علمتم أن الرجل منكم إذا صحبه الرجل، يبذل له من نفسه ما يجب له عليه من حقه، فواجب عليه أن يعتقد له من وفائه، وشكره، واحتماله، وصبره، ونصيحته، وكتمان سره، وتدبير أمره، ما هو جزاء لحقّه، ويصدّق ذلك بفعاله عند الحاجة إليه، والاضطرار إلى ما لديه.

فاستشعروا ذلكم وفقكم الله من أنفسكم في حالة الرخاء، والشدّة، والحرمان، والمواساة، والإحسان، والسراء، والضراء، فنعمت الشيمة هذه لمن وسم بها من أهل هذه الصناعة الشريفة! فإذا ولّي الرجل منكم أو صيّر إليه من أمر خلق الله وعياله أمر، فليراقب الله عز وجل، وليؤثر طاعته، وليكن على الضعيف رفيقا، وللمظلوم منصفا، فإن الخلق عيال الله وأحبهم إليه أرفقهم بعياله. ثم ليكن بالعدل حاكما، وللأشراف مكرما، وللفيء موفّرا، وللبلاد عامرا، وللرعية متألّفا، وعن إيذائهم متخلّفا؛ وليكن في مجلسه متواضعا حليما، وفي سجلّات خراجه، واستقضاء حقوقه رفيقا، وإذا صحب أحدكم رجلا فليختبر خلائقه، فإذا عرف حسنها وقبيحها أعانه على ما يوافقه من الحسن واحتال لصرفه عما يهواه من القبيح ألطف حيلة، وأجمل وسيلة. وقد علمتم أن سائس البهيمة إذا كان بصيرا بسياستها التمس معرفة أخلاقها، فإن كانت رموحا «1» لم يهجها إذا ركبها، وإن كانت شبوبا «2» اتّقاها من قبل يديها، وإن خاف منها شرودا توقّاها من ناحية رأسها، وإن كانت حرونا قمع برفق هواها في طريقها، فإن استمرت عطفها يسيرا فيسلس له قيادها. وفي هذا الوصف من السياسة دلائل لمن ساس الناس وعاملهم وخدمهم وداخلهم. والكاتب بفضل أدبه، وشريف صنعته، ولطيف حيلته، ومعاملته لمن يحاوره من الناس ويناظره، ويفهم عنه أو يخاف سطوته، أولى بالرفق بصاحبه ومداراته، وتقويم أوده من سائس البهيمة التي لا تحير جوابا، ولا تعرف صوابا، ولا تفهم خطابا، إلا بقدر ما يصيّرها إليه صاحبها الراكب عليها. ألا فأمعنوا رحمكم الله في النظر، وأعملوا فيه ما أمكنكم من الرويّة والفكر، تأمنوا بإذن الله ممن صحبتموه النّبوة والاستثقال والجفوة؛ ويصير «3» منكم إلى

الموافقة، وتصيروا منه إلى المؤاخاة والشفقة إن شاء الله تعالى. ولا يجاوزنّ الرجل منكم في هيئة مجلسه وملبسه ومركبه ومطعمه ومشربه وبنائه وخدمه وغير ذلك من فنون أمره، قدر حقه، فإنكم مع ما فضّلكم الله به من شرف صنعتكم خدمة لا تحملون في خدمتكم على التقصير، وحفظة لا تحتمل منكم أفعال التضييع والتبذير. واستعينوا على عفافكم بالقصد في كل ما ذكرته لكم، وقصصته عليكم، واحذروا متالف السرف، وسوء عاقبة التّرف، فإنهما يعقبان الفقر ويذلّان الرّقاب، ويفضحان أهلهما ولا سيّما الكتّاب، وأرباب الآداب، وللأمور أشباه وبعضها دليل على بعض، فاستدلّوا على مؤتنف «1» أعمالكم بما سبقت إليه تجربتكم، ثم اسلكوا من مسالك التدبير أوضحها محجّة، وأصدقها حجّة، وأحمدها عاقبة. واعلموا أنّ للتدبير آفة متلفة، وهي الوصف الشاغل لصاحبه عن إنفاذ عمله ورؤيته، فليقصد الرجل منكم في مجلسه قصد الكافي من منطقه، وليوجز في ابتدائه وجوابه، وليأخذ بمجامع حججه، فإن ذلك مصلحة لفعله، ومدفعة للتشاغل عن إكثاره، وليضرع إلى الله في صلة توفيقه، وإمداده بتسديده، مخافة وقوعه في الغلط المضرّ ببدنه وعقله وأدبه، فإنه إن ظن منكم ظانّ، أو قال قائل، إن الذي برز من جميل صنعته وقوّة حركته، إنما هو بفضل حيلته، وحسن تدبيره، فقد تعرّض بظنه أو مقالته إلى أن يكله الله عز وجل إلى نفسه، فيصير منها إلى غير كاف. وذلك على من تأمله غير خاف. ولا يقل أحد منكم إنه أبصر بالأمور وأحمل لعبء التدبير من مرافقه في صناعته، ومصاحبه في خدمته، فإن أعقل الرجلين عند ذوي الألباب من رمى بالعجب وراء ظهره، ورأى أن صاحبه أعقل منه وأحمد في طريقته، وعلى كل واحد من الفريقين أن يعرف فضل نعم الله جلّ ثناؤه من غير اغترار برأيه، ولا

تزكية لنفسه، ولا تكاثر على أخيه أو نظيره، وصاحبه وعشيره، وحمد الله واجب على الجميع: وذلك بالتواضع لعظمته، والتذلل لعزته، والتحدّث بنعمته. وأنا أقول في كتابي هذا ما سبق به المثل (من يلزم الصحة يلزمه العمل) وهو جوهر هذا الكتاب وغرّة كلامه، بعد الذي فيه من ذكر الله عز وجل؛ فلذلك جعلته آخرا وتممته به. تولانا الله وإياكم يا معشر الطلبة والكتبة بما يتولّى به من سبق علمه بإسعاده وإرشاده! فإن ذلك إليه وبيده. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته» «1» .

الباب الرابع من المقدمة في التعريف بحقيقة ديوان الانشاء، وأصل وضعه في الإسلام، وتفرقه بعد ذلك في الممالك وفيه فصلان.

الباب الرابع من المقدمة في التعريف بحقيقة ديوان الانشاء، وأصل وضعه في الإسلام، وتفرّقه بعد ذلك في الممالك وفيه فصلان. الفصل الأول في التعريف بحقيقته لا خفاء في أنه اسم مركّب من مضاف وهو ديوان ومضاف إليه وهو الإنشاء، أما الديوان فاسم للموضع الذي يجلس فيه الكتّاب وهو بكسر الدال. قال النحّاس في صناعة الكتاب «وفتحها خطأ» قال: «وأصله دوّان فأبدلت إحدى الواوين ياء فقيل ديوان» ويجمع على دواوين. واختلف في أصله، فذهب قوم إلى أنه عربيّ. قال النحاس: «والمعروف في لغة العرب أن الديوان الأصل الذي يرجع إليه ويعمل بما فيه» ومنه قول ابن عباس «1» : «إذا سألتموني عن شيء من غريب القرآن فالتمسوه في الشّعر فإن الشّعر ديوان العرب» . ويقال دوّنته أي أثبته وإليه يميل كلام سيبويه. وذهب آخرون إلى أنه عجميّ وهو قول الأصمعيّ «2» وعليه اقتصر الجوهري «3» في صحاحه،

فقال الديوان «فارسيّ معرّب» . وقد حكى الماورديّ «1» في «الأحكام السلطانية» في سبب تسميته بذلك وجهين: أحدهما- أن كسرى ذات يوم اطّلع على كتّاب ديوانه في مكان لهم وهم يحسبون مع أنفسهم فقال «ديوانه» أي مجانين فسمّي موضعهم بهذا الاسم ولزمه من حينئذ ثم حذفت الهاء من آخره لكثرة الاستعمال تخفيفا فقيل «ديوان» وعليه اقتصر أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب. والثاني- أن الديوان بالفارسية اسم للشياطين، وسمّي الكتاب بذلك لحذقهم بالأمور ووقوفهم على الجليّ منها والخفيّ. وأما الإنشاء فقد تقدّم أنه مصدر أنشأ الشيء ينشئه إذا ابتدأه واخترعه، وحينئذ فإضافة الديوان للإنشاء تحتمل أمرين: أحدهما- أن الأمور السلطانية من المكاتبات والولايات تنشأ عنه وتبدأ منه. والثاني- أن الكاتب ينشيء لكل واقعة مقالا. وقد كان هذا الديوان في الزمن المتقدّم يعبر عنه بديوان الرسائل تسمية له بأشهر الأنواع التي تصدر عنه لأن الرسائل أكثر أنواع كتابة الإنشاء وأعمّها، وربما قيل ديوان المكاتبات. ثم غلب عليه هذا الاسم وشهر به واستمر عليه إلى الآن.

الفصل الثاني في أصل وضعه في الإسلام وتفرقه عنه بعد ذلك في الممالك

الفصل الثاني في أصل وضعه في الإسلام وتفرقه عنه بعد ذلك في الممالك اعلم أن هذا الديوان أوّل ديوان وضع في الإسلام؛ وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يكاتب أمراءه، وأصحاب سراياه من الصحابة، رضوان الله عليهم ويكاتبونه، وكتب إلى من قرب من ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام، وبعث إليهم رسله بكتبه: فبعث عمرو بن أميّة الضّمري إلى النّجاشيّ ملك الحبشة، وعبد الله بن حذافة إلى كسرى أبرويز ملك الفرس، ودحية الكلبيّ إلى هرقل ملك الروم، وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر، وسليط بن عمرو إلى هوذة بن عليّ ملك اليمامة، والعلاء بن الحضرميّ إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين إلى غير ذلك من المكاتبات. وكتب لعمرو بن حزم عهدا حين وجّهه إلى اليمن. وكتب لتميم الداريّ وإخوته بإقطاع بالشام. وكتب كتاب القضيّة بعقد الهدنة بينه وبين قريش عام الحديبية. وكتب الأمانات أحيانا. إلى غير ذلك مما يأتي ذكره في الاستشهاد به في مواضعه إن شاء الله تعالى. وهذه المكتوبات كلها متعلّقها ديوان الإنشاء بخلاف ديوان الجيش، فإن أول من وضعه ورتّبه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته. على أنّ القضاعيّ «1» قد ذكر في تاريخه «عيون المعارف، وفنون أخبار الخلائف» أن الزبير بن العوّام، وجهيم بن الصّلت كانا يكتبان للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم أموال الصّدقات، وأن حذيفة بن اليمان كان يكتب له خرص «2» النخل، وأن المغيرة بن شعبة والحصين بن نمير كانا يكتبان المداينات والمعاملات. فإن

صح ذلك فتكون هذه الدواوين أيضا قد وضعت في زمنه صلّى الله عليه وسلّم، إلا أنها ليست في الشهرة وتواتر الكتابة في زمانه صلّى الله عليه وسلّم، كما تقدّم من متعلّقات كتابة الإنشاء. وقد رأيت في سيرة لبعض المتأخرين أنه كان للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم نيّف وثلاثون كاتبا: أبو بكر الصّديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعليّ بن أبي طالب، وعامر بن فهيرة، وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية، وأبان أخوه، وسعيد أخوهما، وعبد الله بن الأرقم الزّهريّ، وحنظلة بن الربيع الأسديّ، وأبيّ بن كعب، وثابت بن قيس بن شمّاس، وزيد بن ثابت، وشر حبيل بن حسنة، ومعاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، وعبد الله بن زيد، وجهيم بن الصّلت والزّبير بن العوّام، وخالد بن الوليد، والعلاء بن الحضرميّ، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن رواحة، ومحمد بن مسلمة، وعبد الله بن عبد الله بن أبيّ، ومعيقب بن أبي فاطمة، وطلحة بن زيد بن أبي سفيان، والأرقم ابن الأرقم الزّهري، والعلاء بن عتبة، وأبو أيوب الأنصاريّ، وبريدة بن الخصيب، والحصين بن نمير، وأبو سلمة المخزومي، وحويطب بن عبد العزّى، وأبو سفيان بن حرب، وحاطب بن عمرو، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وكان ألزمهم له في الكتابة معاوية بن أبي سفيان، وزيد بن ثابت. وكتب لأبي بكر عثمان بن عفّان، وزيد بن ثابت، وعثمان هو الذي كتب عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالخلافة عن أبي بكر رضوان الله عليه كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى. وكتب لعمر رضي الله عنه زيد بن ثابت، وعبد الله بن خلف. وكتب لعثمان رضي الله عنه مروان بن الحكم. وكتب لعليّ عبد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسعيد بن نجران الهمدانيّ. وكتب للحسن بن عليّ رضي الله عنهما عبد الله بن أبي رافع كاتب أبيه.

ثم كانت دولة بني أمية فتوالت خلفاؤهم من معاوية بن أبي سفيان فمن بعده، وأمر ديوان الإنشاء في زمن كل أحد مفوّض إلى كاتب يقيمه إلى حين انقراض دولتهم. وكان الخليفة هو الذي يوقّع على القصص ويحدثها بنفسه. والكاتب يكتب ما يبرز إليه من توقيعه ويصرّفه بقلمه على حكمه. وكان ممن اشتهر من كتّابهم بالبلاغة وقوّة الملكة في الكتابة حتى سار ذكره في الآفاق، وصار يضرب به المثل على ممرّ الأزمان عبد الحميد بن يحيى كاتب مروان بن محمد آخر خلفائهم. فلما بزغت شمس الخلافة العباسية بالعراق وولي الخلافة أبو العبّاس السّفّاح أوّل خلفاء بني العباس، استوزر أبا سلمة الخلّال، وهو أوّل من لقّب بالوزارة في الإسلام على ما سيأتي، وتوالت الوزراء بعده لخلفاء بني العباس من يومئذ. وكان ديوان الإنشاء تارة يضاف إلى الوزارة، فيكون الوزير هو الذي ينفذ أموره بقلمه، ويتولّى أحواله بنفسه، وتارة يفرد عنه بكاتب ينظر في أمره، ويكون الوزير هو الذي ينفذ أموره بكلامه، ويصرّفها بتوقيعه على القصص ونحوها، وصاحب ديوان الإنشاء يعتمد ما يرد عليه من ديوان الوزارة، ويمشي على ما يلقى إليه من توقيعه، وربما وقّع الخليفة بنفسه حتى بعد غلبة ملوك الأعاجم من الديلم وبني سلجوق وغيرهم على الأمر والأمر على ذلك تارة وتارة إلى انقراض الخلافة من بغداد. وكان ممن اشتهر من وزرائهم بالبلاغة حتى صار يضرب به المثل يحيى بن خالد وزير الرشيد، والحسن بن سهل، وعمرو بن مسعدة كاتب المأمون، وابن المقفّع مترجم كتاب «كليلة ودمنة» ، وسهل بن هارون الذي ترجمها. والأستاذ أبو الفضل بن العميد، والصاحب كافي الكفاة إسماعيل بن عبّاد وأبو إسحاق الصابي في جماعة آخرين منهم. ثم لما انقرضت الخلافة من بغداد في وقعة هولاكو ملك التتار في سنة (ست وخمسين وستمائة) واستولت المغل والأعاجم على بغداد، بطل رسم

الكتابة المعتبرة، وصار أكثر ما يكتب عن ملوك التتار بالمغلية «1» أو الفارسية؛ والأمر على ذلك إلى زماننا على ما سيأتي بيانه في الكلام على دواوين الأمصار في المكاتبات والولايات وغيرهما إن شاء الله تعالى. وكانت بلاد الغرب والأندلس بأيدي نوّاب الخلفاء من حين الفتح الإسلاميّ في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولا عناية لهم بديوان الإنشاء للتقرّب من البداوة، وغايته المكاتبة إلى ديوان الخلافة ونحو ذلك، فلما غلب بنو العباس على الخلافة هرب طائفة من بني أمية إلى بلاد المغرب، وجازت البحر إلى الأندلس فانتزعوه من النّواب الذين كانوا به وملكوه، وصاروا ينصبون فيه خليفة بعد خليفة، جارين على سنن ما كانوا عليه بالشأم من ألقاب الخلافة، مضاهين لخلافة بني العباس ببغداد: من إقامة شعار الخلافة. واتخاذ ديوان الإنشاء، واستخدام بلغاء الكتّاب. وتعدّت دولتهم إلى برّ العدوة من بلاد المغرب فحكموه، ثم تقاصر أمرهم بعد ذلك شيئا فشيئا باستيلاء المستولين المستبدّين عليهم بالأمر إلى أن انقرضت دولتهم من الأندلس وبلاد المغرب، واستولت عليهما طوائف من الملوك وتنقلت بهم الأحوال في استيلاء الملوك على كل ناحية منهما، وتتابعت الدول في كل حين كلما خبت دولة نجمت أخرى على ما سيأتي ذكره في مكاتبات ملوكهما إن شاء الله تعالى. وكان حال ديوان الإنشاء فيهم بحسب ما يكونون عليه من الحضارة والبداوة، فأوائل الدول القريبون عهدا بالبادية لا عناية لهم بكتابة الإنشاء، وإذا استحضرت الدولة صرفت اهتمامها إلى ديوان الإنشاء وترتيبه إلى أن استقرّ ما بقي من الأندلس بعد ما ارتجعته الفرنج منه بأيدي بني الأحمر، والغرب الأقصى بيد بني مرين. والغرب الأوسط بيد بني عبد الواد، وإفريقيّة

بيد بقايا الموحدين من أتباع المهديّ بن تومرت، وداخلتهم الحضارة، فأخذوا في ترتيب دواوين الإنشاء بهذه الممالك، ومعاناة البلاغة في المكاتبات ونحوها؛ واستمرّ الحال على ذلك إلى زماننا. وممن اشتهر بالبلاغة من كتّاب المغاربة والوزراء به: أبو الوليد بن زيدون، والوزير أبو حفص بن برد الأصفر الأندلسيّ، وذو الوزارتين أبو المغيرة بن حزم، والوزير أبو القاسم محمد بن الحد في جماعة أخرى من متقدّمي كتابهم. ومن متأخريهم: عبد المهيمن كاتب السلطان أبي الحسن المرّيني، وأربى على كثير من المتقدّمين ابن الخطيب وزير ابن الأخمر صاحب غرناطة من الأندلس ممن أدركه من عاصرناه. أما الديار المصرية فلديوان الإنشاء بها خمس حالات: الحالة الأولى- ما كان الأمر عليه من حين الفتح وإلى بداية الدولة الطّولونيّة، ونوّاب الخلفاء تتوالى عليها واحدا بعد واحد فلم يكن لهم عناية بديوان الإنشاء، ولا صرف همة إليه: للاقتصار على المكاتبات لأبواب الخلافة، والنزر اليسير من الولايات ونحو ذلك. ولذلك لم يصدر عنهم ما يدوّن في الكتب ولا يتناقل بالألسنة. الحالة الثانية- ما كان الأمر عليه في الدولة الطولونيّة من ابتداء ولاية أحمد بن طولون، واستفحال ملك الديار المصرية في الإسلام، وترتيب أمرها، وإلى حين انقراض الدولة الاخشيديه، وفي خلال ذلك ترتّب ديوان الإنشاء بها، وانتظم أمر المكاتبات والولايات، وكان ممن اشتهر من كتّابهم بالبلاغة وحسن الكتابة: أبو جعفر محمد بن أحمد بن مودود بن عبد: كان كاتب أحمد بن طولون. وكان مبدأ الكتّاب المشهورين بها. وكتب بعده لخمارويه بن أحمد بن طولون إسحاق بن نصر العباديّ النصرانيّ، وتوالت الكتّاب بالديوان بعد ذلك. الحالة الثالثة- ما كان الأمر عليه من ابتداء الدولة الفاطمية وإلى

انقراضها. ولما ولي الفاطميون الديار المصرية، صرفوا مزيد عنايتهم لديوان الإنشاء وكتّابه، فارتفع بهم قدره، وشاع في الآفاق ذكره، وولي ديوان الإنشاء عنهم جماعة من أفاضل الكتّاب وبلغائهم: ما بين مسلم وذميّ، فكتب للعزيز بالله ابن المعز أبو المنصور بن سوردين النصرانيّ، ثم كتب بعده لابنه الحاكم ومات في أيامه، فكتب للحاكم القاضي أبو الطاهر البهزكيّ، ثم كتب بعده لابنه الظاهر، وكتب للمستنصر القاضي وليّ الدين بن خيران، ثم وليّ الدولة موسى بن الحسن قبل انتقاله إلى الوزارة، وأبو سعيد العميديّ. وكتب للآمر والحافظ الشيخ الأجلّ أبو الحسن عليّ بن أبي أسامة الحلبيّ إلى أن توفّي سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة فكتب بعده ولده الأجلّ أبو المكارم إلى أن توفّي في أيام الحافظ؛ وكان يكتب بين يديهما الشيخ الأمين تاج الرّآسة أبو القاسم عليّ بن سليمان بن منجد المبصري المعروف بابن الصيرفيّ، والقاضي كافي الكفاة محمود ابن القاضي الموفّق أسعد بن قادوس، وابن أبي الدم اليهوديّ، ثم كتب بعد الشيخ أبي المكارم بن أبي أسامة المتقدّم، ذكره القاضي الموفّق ابن الخلّال أيام الحافظ، وإلى آخر أيام العاضد؛ وبه تخرج القاضي الفاضل البيساني، ثم شرّك العاضد مع الموفّق ابن الخلّال في ديوان الإنشاء القاضي جلال الملك محمود بن الأنصاري وكان في أيامه القاضي المؤتمن كاسيبويه. ثم كتب القاضي الفاضل بين يدي الموفّق ابن الخلّال قرب وفاته في سنة ست وستين وخمسمائة في وزارة الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وكتب من إنشائه عدّة سجلّات ومكاتبات عن العاضد آخر خلفائهم. الحالة الرابعة- ما كان الأمر عليه من ابتداء دولة بني أيوب إلى آخر انقراضها. قد تقدّم أن القاضي الفاضل رحمه الله كان قد كتب بين يدي الموفّق ابن الخلّال في وزارة السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله عن العاضد آخر خلفاء الفاطميين، فلما استقلّ السلطان صلاح الدين المذكور بالملك وخطب لبني العبّاس على ما تقدّم في الكلام على ملوك مصر، فوّض

إلى الفاضل الوزارة وديوان الإنشاء فكان يتكلم فيهما جميعا، وأقام على ذلك إلى أن مات السلطان صلاح الدين، فكتب بعده لابنه العزيز وأخيه العادل أبي بكر، ثم مات، وكتب للكامل بن العادل القاضي أمين الدّين سليمان المعروف بكاتب الدّرج إلى أن توفّي، فكتب بعده للكامل الشيخ أمين الدين عبد المحسن الحلبي مدّة قليلة؛ وتوالت كتاب الإنشاء في الولاية إلى أن ولي الملك الصالح نجم الدين أيوب فولّى ديوان الإنشاء الصاحب بهاء الدين زهيرا. ثم صرفه وولّى بعده الصاحب فخر الدين إبراهيم بن لقمان الإسعرديّ، فبقي إلى انقراض الدولة الأيوبية. الحالة الخامسة- ما كان الأمر عليه في الدولة التركية مما هو مستقرّ إلى الآن. قد تقدّم أن الصاحب فخر الدين بن لقمان بقي في ديوان الإنشاء إلى آخر الدولة الأيوبية. ولما صارت المملكة إلى الدولة التركية، بقي في صحابة ديوان الإنشاء أيام أيبك التركماني، ثم أيام المظفّر قطز، ثم أيام الظاهر بيبرس، ثم أيام المنصور قلاوون. فباشر ديوان الإنشاء في أيامه مدّة، ثم نقله إلى الوزارة، وولّى مكانه بديوان الإنشاء القاضي فتح الدين بن القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في حياة والده، فبقي حتّى توفي المنصور قلاوون، واستقر بعده ابنه الأشرف خليل، واستمرّ عنده في كتابة السرّ برهة من الزمان وسافر معه إلى الشام، فمات بالشام، فولّى الأشرف مكانه القاضي تاج الدين أحمد بن الأثير، وقفل السلطان راجعا إلى مصر، فمات القاضي تاج الدين في أثناء الطريق بمضيّ شهر من ولايته، فولّى مكانه القاضي شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله، فأقام بقية أيام الأشرف بن قلاوون، وأيام أخيه الناصر محمد بن قلاوون في سلطته الأولى، وأيام العادل كتبغا، وأيام المنصور لاچين، وأيام الناصر محمد بن قلاوون في سلطنته الثانية، وأيام المظفر بيبرس الجاشنكير، وبرهة من أيام الناصر محمد بن قلاوون في سلطنته الثالثة.

ثم نقله إلى كتابة السرّ بدمشق المحروسة عوضا عن أخيه القاضي محيي الدين بن فضل الله، وولّى مكانه بمصر علاء الدين بن الأثير لسابق وعد له منه حين كان معه في الكرك، وبقي حتّى مرض بالفالج وبطلت حركته، فاستدعى الملك الناصر القاضي محيي الدين بن فضل الله من الشأم، فولّاه ديوان الإنشاء بالديار المصرية في المحرم سنة تسع وعشرين وسبعمائة. وكان ولده القاضي شهاب الدين هو الذي يقرأ البريد على السلطان وينفذ المهمّات إلى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة فأعادهما الملك الناصر إلى دمشق، وولّى مكانهما القاضي شرف الدين بن الشهاب محمود في شعبان من السنة المذكورة، فبقي حتّى حجّ السلطان وعاد إلى مصر. فأعاد القاضي محيي الدين وولده القاضي شهاب الدين إلى ديوان الإنشاء بالديار المصرية، فبقيا إلى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. وفي أواخر ذلك تغير السلطان على القاضي شهاب الدين المذكور وصرفه عن المباشرة، وأقام أخاه القاضي علاء الدين مكانه يباشر مع والده، وبقي الأمر على ذلك مدة لطيفة. ثم سأل القاضي محيي الدين السلطان في العود إلى دمشق، وقد كبرت سنّه وضعفت حركته، فأعاده وصحبته ولده القاضي شهاب الدين وكتب له تقليد «1» في قطع الثّلثين: بأن يستمر على صحابة دواوين الإنشاء بالممالك الإسلامية، وأن يكون جميع المباشرين لهذه الوظيفة بالباب الشريف فمن دونه نوّابه، وأنه حيث حلّ يقرأ القصص والمظالم، ويقرّر الولايات والعزل والرواتب وغير ذلك، ويوقّع فيها بما يراه، وتجهّز إلى مصر ليعلّم عليها العلامة «2» الشريفة، وفوّض أمر ديوان الإنشاء بالديار المصرية لولده القاضي

علاء الدين استقلالا، وتجهّز القاضي محيي الدين للسفر، فمرض ومات بعد أيام قلائل في شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة بالقاهرة. ثم نقل إلى دمشق سنة تسع، وبقي ولده القاضي علاء الدين فبقي في الوظيفة بقية أيام الملك الناصر، ثم أيام ولده المنصور أبي بكر، ثم أخيه الأشرف كجك، ثم أخيه الملك الناصر أحمد. فلما خلع الناصر أحمد نفسه في سنة ثلاث وأربعين وتوجه إلى الكرك، توجه القاضي علاء الدين معه، فأقام عنده؛ واستقرّ الصالح إسماعيل بن محمد بن قلاوون في السلطنة بعد أخيه أحمد، فقرّر في ديوان الإنشاء القاضي بدر الدين محمد بن محيي الدين بن فضل الله، فبقي في الوظيفة إلى أن عاد أخوه القاضي علاء الدين من الكرك، فأعيد إلى منصبه، وبقي بقية أيام الملك الصالح إسماعيل، ثم أيام أخيه الكامل شعبان، ثم أيام أخيه المظفّر حاجّي، ثم أيام أخيه الناصر حسن في سلطنته الأولى، ثم أيام أخيه الصالح صالح، ثم أيام الناصر حسن ثانيا، ثم أيام المنصور محمد بن حاجّي بن محمد بن قلاوون، ثم أيام الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون فتوفّي؛ وولي الوظيفة بعده ولده القاضي بدر الدين محمد، فبقي بقية أيام الأشرف شعبان، ثم أيام ولده المنصور عليّ، ثم أيام أخيه الصالح حاجي بن شعبان إلى أن خلع؛ وجاءت الدولة الظاهرية برقوق فقرّر في ديوان الإنشاء القاضي أوحد الدين عبد الواحد بن التركماني، فبقي حتّى توفّي فأعيد القاضي بدر الدين المذكور وبقي حتّى خلع الظاهر برقوق وعاد المنصور حاجّي بن الأشرف شعبان إلى السلطنة وهو مستمرّ المباشرة. فلما عاد الظاهر برقوق من الكرك حضر معه القاضي علاء الدين عليّ الكركي، فولّاه كتابة السرّ وبقي حتّى توجه صحبة السلطان إلى الشام في طلب منطاش «1» ، فمات القاضي علاء الدين، وكان القاضي بدر الدين

صحبته فأعيد إلى الوظيفة في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وعاد مولّى صحبة الركاب الشريف السلطاني. ثم توجه صحبته إلى الشام عند وصول تمر «1» لبغداد، فمرض ومات هناك، فولّى الظاهر مكانه القاضي بدر الدين محمود السراي الكلستانيّ في شوّال سنة ست وتسعين وسبعمائة، وحضر صحبة الركاب الشريف «2» إلى الديار المصرية، فبقي حتّى توفّي في جمادى الأولى سنة إحدى وثمانمائة، فولّى الظاهر مكانه المقرّ العالي الفتحي فتح الله، ففتح الله به من أبواب ديوان الإنشاء ما كان مغلقا، وأصفى به من ورده ما كان مكدّرا. وانتقلت السلطنة بعد وفاة الظاهر برقوق إلى ولده الناصر فرج، فأجراه من المباشرة والإجلال والتعظيم عل عادة أبيه. ثم صرفه عن الوظيفة في شهور سنة ثمان وثمانمائة وأقام مكانه في الوظيفة المقرّ السعديّ إبراهيم بن غراب، وهو يومئذ مشير الدولة بعد تنقله في وظائف الديار المصرية والمشار إليه، وأقام بها مدّة لطيفة، وعادت إلى المقرّ الفتحيّ فتح الله المشار إليه، وقيل: هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا «3» فجرى فيها على الأسلوب الأوّل والمهيع «4» السابق: من العدل والإنصاف والإحسان إلى الخلق، وإيصال البرّ إلى مستحقيه، والمساعدة في الله لمن عرف ومن لم يعرف؛ والله هو المكافىء لعباده على جميل الصنع! من يفعل الخير لم يعدم جوازيه ... لن يذهب العرف بين الله والناس

الباب الخامس من المقدمة في قوانين ديوان الإنشاء، وترتيب أحواله، وآداب أهله؛ وفيه أربعة فصول

الباب الخامس من المقدّمة في قوانين ديوان الإنشاء، وترتيب أحواله، وآداب أهله؛ وفيه أربعة فصول الفصل الأوّل في بيان رتبة صاحب هذا الديوان ورفعة قدره وشرف محله ولقبه الجاري عليه في القديم والحديث أما رفعة محله وشرف قدره، فأرفع محل وأشرف قدر، يكاد أن لا يكون عند الملك أخصّ منه ولا ألزم لمجالسته، ولم يزل صاحب هذا الديوان معظّما عند الملوك في كل زمن، مقدّما لديهم على من عداه: يلقون إليه أسرارهم، ويخصّونه بخفايا أمورهم، ويطلعونه على ما لم يطّلع عليه أخص الاخصاء من الوزراء والأهل والولد؛ وناهيك برتبة هذا محلها! قال صاحب موادّ البيان «ليس في منزلة خدم السلطان والمتصرّفين في مهماته أخصّ من كاتب الرسائل. فإنه أوّل داخل على الملك وآخر خارج عنه، ولا غنى له عن مفاوضته في آرائه، والإفضاء إليه بمهماته، وتقريبه من نفسه في آناء ليله وساعات نهاره وأوقات ظهوره للعامة وخلواته، وإطلاعه على حوادث دولته ومهمّات مملكته، فهو لذلك لا يثق بأحد من خاصّته ثقته به، ولا يركن إلى قريب ولا نسيب ركونه إليه، ومحلّه منه في عائدة خدمته وأثرة دولته محلّ قلبه الذي يؤامره في مشكل رأيه حتّى يتنقح، ويراجعه في مهمّ تدبيره حتّى يتضح، ولسانه الذي يقرر بترغيبه أولياءه على الطاعة والموافقة،

ويستقر «1» بترهيبه عن المعصية والمشاققة «2» ، ويقرّ بأوامره ونواهيه أمور سلطانه، وينزلها منازلها في متمهد مجالسها، ويتمكن من سياسة أجناده، وعمارة بلاده، ومصلحة رعيته، واجتلاب مودّتهم، واستخلاص نياتهم، وعينه التي تلاحظ أحوال سلطانه، ويرعيها مهمات شانه، وأذنه التي يثق بما وعته، ولا يرتاب بما سمعته؛ ويده التي يبسطها بالإنعام، ويبطش بها في النقض والإبرام» . قال: ومن كانت هذه رتبته فالسبب الذي رتّبه فيها أفضل الأسباب وأجدرها بالتقديم على الاستحقاق والاستيجاب. قال ابن الطوير «3» في ترتيب الدولة الفاطمية «وكان هذا المنصب لا يتولّاه في الدولة الفاطمية إلا أجلّ كتاب البلاغة، ويخاطب بالأجلّ، وإليه تسلّم المكاتبة واردة مختومة فيعرضها على الخليفة من يده، وهو الذي يأمر بتنزيلها والإجابة عنها وربما بات عند الخليفة ليالي، وهذا أمر لا يصل إليه غيره» . قال: «وهو أوّل أرباب الإقطاعات في الكسوة والرسوم والملاطفات ولا سبيل أن يدخل إلى ديوانه أحد ولا يجتمع بأحد من كتابه إلا الخواص، وله حاجب من الأمراء الشيوخ، وله في مجلسه المرتبة العظيمة والمخادّ والمسند والدواة العظيمة الشأن؛ ويحمل دواته أستاذ من خواصّ الخليفة عند حضوره إلى مجلس الخلافة» . قلت: ومرتبته في زماننا أرفع مرتبة، ومحله أعظم محل؛ إليه تلقى أسرار المملكة وخفاياها، وبرأيه يستضاء في مشكلاتها، وعلى تدبيره يعوّل في مهماتها، وإليه ترد المكاتبات، وعنه تصدر، ومن ديوانه تكتب الولايات السلطانية

كافّة، ويقوم توقيعه على القصص في نفوذ الأوامر مقام توقيع السلطان، وجميع ما يعلّم عليه السلطان من جليل وحقير في مزرّته «1» حتّى ما يكتب من ديوان الجيش من المناشير، وما يكتب من ديوان الوزارة وديوان الخاص وغيرهما من المربّعات ونحوها. وليس لأحد من المتولين لهذه المناصب التعرّض لأخذ علامة سلطانيّة البتة، وناهيك بذلك رفعة وشرفا باذخا. وأمّا لقبه الجاري عليه في كل زمن فقد تقدّم أنهم كانوا في زمن بني أميّة وما قبله يعبّرون عنه بالكاتب، لا يعرفون غير ذلك كما أشار إليه القضاعيّ في «عيون المعارف» . فلما جاءت الدولة العباسيّة، واستقر السّفّاح أول خلفائهم في الخلافة، لقّب كاتبه أبا سلمة الخلّال بالوزارة وترك اسم الكاتب؛ واستقر لقب الوزارة على من يليها من أرباب السيوف والأقلام إلى انقراض الخلافة من بغداد. وتقدّم أيضا أن هذا الديوان كان تارة يضاف إلى الوزارة فيكون الوزير هو الذي يباشره بنفسه أو يفوّضه إلى من يتحدّث فيه عنه، وتارة ينفرد عنها، فحيث انفرد عن الوزارة لقّب متوليه بما يتضمن إضافته إلى صحابة الديوان وولايته بحسب ما يشتهر به الديوان في ذلك الزمن. فحيث كان الديوان مشهورا بديوان الرسائل، كما كان في الزمن الأول، لقّب متوليه بصاحب ديوان الرسائل أو متوليّ ديوان الرسائل، وربما قيل صاحب ديوان المكاتبات، أو متولي ديوان المكاتبات؛ وحيث كان الديوان مشهورا بديوان الإنشاء كما في زماننا بالديار المصرية لقّب متوليه بصاحب ديوان الإنشاء. وربما جمعوا لفظ الديوان تعظيما لمتوليه، فقالوا صاحب دواوين الإنشاء بالممالك الإسلامية. وعلى هذا مصطلح كتّاب الديوان في زماننا في تعريفه فيما يكتب له من تقليد أو غيره؛ على أنه لو قيل ناظر دواوين

الإنشاء لكان أعلى في الرتبة لما اشتهر في العرف من أن لفظ ناظر الديوان أعلى من صاحب الديوان. قال ابن الطوير: «وكانوا يلقبونه في الدولة الفاطمية بالديار المصرية كاتب الدّست» . قلت: وانتهى الأمر إلى أوائل الدولة التركية والحال في ذلك مختلف، فتارة يلي الديوان كاتب واحد يعبر عنه بكاتب الدّست، وربما عبّر عنه بكاتب الدّرج، وتارة يليه جماعة يعبر عنهم بكتّاب الدّست. ويقال إنهم كانوا في أيام الظاهر بيبرس ثلاثة نفر، أرفعهم درجة القاضي محي الدين بن عبد الظاهر. وبقي الأمر على ذلك إلى أن ولي الديوان القاضي فتح الدين بن عبد الظاهر في أيام المنصور قلاوون على ما تقدّم ذكره، فلقّب بكاتب السر، ونقل لقب كاتب الدّست إلى طبقة دونه من كتّاب الديوان. واستمر ذلك لقبا على كل من ولي الديوان إلى زماننا على ما سيأتي ذكره. ويضاهيه في ذلك من العرف العامّ متولي ديوان الإنشاء بدمشق، وبحلب، وبطرابلس، وبحماة، وبصفد، إلا أنه لا يقال في واحد منهم في مصطلح الديوان صاحب دواوين الإنشاء كما يقال في متولي ديوان الإنشاء بالديار المصرية، بل يقال في متولي ديوان دمشق صاحب ديوان الإنشاء بالشام، وفي متولي ديوان حلب صاحب ديوان المكاتبات بحلب، وكذا في الباقيات. أما غزّة، والكرك، والإسكندرية وغيرها من النيابات الصّغار فإنما يقال في متولي شيء من دواوينها كاتب درج ولا يطلق عليه كاتب سرّ بوجه. واعلم أن العامة يبدلون الباء من كاتب السّرّ بميم فيقولون كاتم السر، وهو صحيح المعنى إما لأنه يكتم سرّ الملك، أو من باب إبدال الباء بالميم على لغة ربيعة وإن كانوا لا يعرفون الثاني.

الفصل الثاني في صفة صاحب هذا الديوان وآدابه

الفصل الثاني في صفة صاحب هذا الديوان وآدابه قال أبو الفضل الصوري «1» في مقدّمة تذكرته: «يجب أن يكون صبيح الوجه، فصيح الألفاظ، طلق اللسان، أصيلا في قومه، رفيعا في حيّه، وقورا، حليما مؤثرا للجدّ على الهزل، كثير الأناة والرفق، قليل العجلة والخرق «2» ، نزر الضحك، مهيب المجلس، ساكن الظّل، وقور النادي، شديد الذّكاء، متوقّد الفهم، حسن الكلام إذا حدّث، حسن الإصغاء إذا حدّث، سريع الرضا، بطيء الغضب، رؤوفا بأهل الدين، ساعيا في مصالحهم، محبّا لأهل العلم والأدب، راغبا في نفعهم؛ وأن يكون محبا للشّغل أكثر من محبته للفراغ، مقسّما للزمان على أشغاله: يجعل لكل منها جزءا منه حتّى يستوعبه في جميع أقسامها، ملازما لمجلس الملك إذا كان جالسا، وملازما للديوان إذا لم يكن الملك جالسا: ليتأسّى به سائر كتاب الديوان، ولا يجدوا رخصة في الغيبة عن ديوانهم؛ وأن يغلّب هوى الملك على هواه ورضاه على رضاه، ما لم ير في ذلك خللا على المملكة، فإنه يجب أن يهدي النصيحة فيها للملك من غير أن يوجده فيما تقدّم من رأيه فسادا أو نقصا، لكن يتحيل لنقص ذلك وتهجينه في نفسه وإيضاح الواجب فيه بأحسن تأنّ وأفضل تلطف؛ وأن ينحل الملك صائب الآراء ولا ينتحلها عليه، ومهما حدث من الملك: من رأي صائب أو فعل جميل أو تدبير حميد، أشاعه وأذاعه، وعظمه وفخّمه، وكرر ذكره، وأوجب على الناس حمده عليه وشكره. وإذا قال الملك قولا في مجلسه أو بحضرة جماعة ممن يخدمه فلم يره موافقا للصواب، فلا يجبهه بالردّ عليه واستهجان ما أتى به، فإن ذلك خطأ كبير، بل يصبر إلى حين الخلوة، ويدخل في أثناء كلامه ما يوضّح به نهج

الصواب من غير تلقّ بردّ، ولا يتبجّح بما عنده، ويكون متابعا للملك على أخلاقه الفاضلة، وطباعه الشريفة: من بسط المعدلة «1» ، ومدّ رواق الأمنة، ونشر جناح الإنصاف، وإغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم، وجبر الكسير، والإنعام على المعتّر «2» المستحق، والتوفّر على الصدقات، وعمارة بيوت الله تعالى، وصرف الهمم إلى مصالحها، والنظر في أحوال الفقهاء وحملة كتاب الله العزيز بما يصلح، والالتفات إلى عمارة البلاد، وجهاد الأعداء، ونشر الهيبة، وإقامة الحدود في مواضعها، وتعظيم الشريعة، والعمل بأحكامها، فيكون لجميع ذلك مؤكّدا، ولأفعاله فيه موطّدا ممهّدا. وإن أحسّ منه بخلّة تنافي هذه الخلال، أو فعلة تخالف هذه الأفعال، نقله عنها بألطف سعي وأحسن تدريج، ولا يدع ممكنا في تبيين قبحها، وإصلاح رداءة عاقبتها، وفضيلة مخالفتها إلا بيّنه وأوضحه إلى أن يعيده إلى الفضائل التي هي بالملوك النبلاء أليق؛ وأن يكون مع ذلك بأعلى مكانة من اليقظة والاستدلال بقليل القول على كثيره، وببعض الشيء على جميعه، ويستغني عن التصريح بالإشارة والإيماء، بل الرمز والايحاء: لينبه الملك على الأمور من أوائلها، ويعرّفه خواتم الأشياء من مفتتحاتها، ويحذّره حين تبدو له لوائح الأمر من قبل أن يتساوى فيه العالم والجاهل- كما حكي عن خالد بن برمك «3» : «أنه كان مع قحطبة «4» في معسكر، جالسين في خيمة إذ نظر خالد إلى سرب من الظباء قد أتى حتّى كاد يخالط العسكر، فأشار على قحطبة بالركوب فسأله عن

السبب، فقال الأمر أعجل أن أبّين سببه. فركب وأركب العسكر، فلم يستتمّوا الركوب إلا والعدوّ قد دهمهم، وقد استعدّوا له فكانت النّصرة لهم على العدوّ. فلما انقضى الحرب سأل قحطبة خالدا من أين أدرك ذلك؟ فقال: رأيت الظّباء وقد أقبلت حتّى خالطت العسكر، فعرفت أنها لم تفعل ذلك مع نفورها من الإنس إلا لأمر عظيم قد دهمها من ورائها» . وأن لا يكتب عن الملك إلا ما يقيم منار دولته ويعظّمها، ولا يخرج عن حكم الشريعة وحدودها، ولا يكتب ما يكون فيه عيب على المملكة ولا ذمّ لها على غابر الأيام، ومستأنف الأحقاب؛ وإن أمر بشيء يخرج عن ذلك، تلطّف في المراجعة بسببه، وبيّن وجه الصواب فيه إلى أن يرجع به إلى الواجب. وأن يكون من كتمان السرّ بالمنزلة التي لا يدانيه فيها أحد، ولا يقاربه فيها بشر، حتى يقرّر في نفسه إماتة كل حديث يعلمه ويتناسى كلّ خبر يسمعه. وأن لا يطلع والدا ولا ولدا، ولا أخا شقيقا، ولا صديقا صدوقا، على ما دقّ أو جلّ، ولا يعلمه بما كثر منه ولا قلّ، ويتوهم بل يتحقق أن في إذاعته ما يعلم به وضع منزلته وحطّ رتبته، ويجتهد في أن يصير له ذلك طبعا مركّبا وأمرا ضروريا. قلت: وهذه الصفة هي الشرط اللازم، والواجب المحتّم: بها شهر، وبالإضافة إليها عرف. وقد قال المأمون وهو من أعلى الخلفاء مكانا، وأوسعهم علما: «الملوك تحتمل كلّ شيء إلا ثلاثة أشياء: القدح في الملك، وإفشاء السّر، والتعرّض للحرم» . ومن كلام بعض الحكماء: «سرّك من دمك» قال صاحب العقد: يعنون أنه ربّما كان في إفشاء سرك سفك دمك. وإلى ذلك يشير أبو محجن الثقفيّ بقوله: قد أطعن الطّعنة النّجلاء عن عرض ... وأكتم السّرّ فيه ضربة العنق وقال الوليد بن عتبة لأبيه: «إن أمير المؤمنين أسرّ إليّ حديثا أفلا أخبرك به؟ قال يا بنيّ: إنّ من كتم سرّه كان الخيار له ومن أفشاه كان الخيار عليه؛

فلا تكن مملوكا بعد أن كنت مالكا» . وقد كانت ملوك الفرس تقول: «أعظم الناس حقّا على جميع الطّبقات من ولي أسرار الملوك» . واعلم أنه إذا كان إفشاء السر ربما أفضى إلى الهلكة، خصوصا أسرار الملوك، فعلى صاحب هذه الوظيفة القيام من ذلك بواجبه وكتمان السرّ حتى عن نفسه، فقد حكى صاحب «الريحان والرّيعان» : أن عبد الله بن طاهر «1» تذاكر الناس في مجلسه حفظ السر، فقال عبد الله: ومستودعي سرّا تضمّنت ستره ... فأودعته في مستقر الحشا قبرا فقال ابنه عبيد الله، وهو صبيّ: وما السّرّ من قلبي كثاو بحفرة ... لأنّي أرى المدفون ينتظر الحشرا ولكنني أخفيه حتى كأنّني ... من الدّهر يوما ما أحطت به خبرا وعلى صاحب هذه الرتبة الاحتياط حالة تلقّي السرّ عن الملك بأن لا يتلّقاه عنه بحضرة أحد. فقد حكي أنّ بعض ملوك العجم استشار وزيريه، فقال أحدهما: «لا ينبغي للملك أن يستشير منّا أحدا إلا خاليا فإنه أموت «2» للسّر وأحرم للرأي وأجدر بالسلامة وأعفى لبعضنا من غائلة بعض، فإن إفشاء السر إلى رجل واحد أوثق من إفشائه إلى اثنين وإفشاؤه إلى ثلاثة كإفشائه إلى جماعة، لأن الواحد رهن بما أفشي إليه. والثاني مطلق عليه ذلك الرهن. والثالث علاوة، وإذا كان السر عند واحد كان أحرى أن لا يظهره رغبة أو رهبة، وإن كان عند اثنين كان على شبهة واتسعت عن «3» الرجلين

المعاريض «1» ، فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد، وإن اتهمهما اتهم بريئا بجناية مجرم، وإن عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له، وعن الآخر ولا حجة معه» . قلت: وكما يجب عليه الاحتياط حالة تلقي السر عن الملك فكذلك يجب عليه الاحتياط حالة إلقائه إلى كاتب يكتبه، فلا يلقيه إلى كاتبين جميعا، ولا يخاطب فيه أحدهما بحضرة الآخر لتكون العهدة في دركه على واحد بعينه. على أنه ربما أفشي السر مع احتراز صاحبه عن إفشائه، فقد قيل: إن الجنّ تنقل الأخبار، وتفشي ما تطّلع عليه من الأسرار. وقد حكي عن عليّ بن الجهم «2» أنه قال: دخلت على أمير المؤمنين المتوكّل فرأيت الفتح بن خاقان وزيره واقفا على غير مرتبته التي يقوم عليها، متّكأ على سيفه، مطرقا إلى الأرض فأنكرت حاله، وكنت إذا نظرت إليه نظر الخليفة إليّ، وإذا صرفت وجهي إلى نحو الخليفة أطرق؛ فقال لي الخليفة: يا عليّ أنكرت شيئا؟ - قلت: نعم يا أمير المؤمنين! - قال: ما هو؟ - قلت: وقوف الفتح بن خاقان في غير منزلته،- قال: سوء اختياره أقامه ذلك المقام،- قلت: ما السبب يا أمير المؤمنين؟ - قال: خرجت من عند جارية لي فأسررت إليه سرّا فما عداني السرّ أن عاد إليّ.- قلت: لعلك أسررت إلى غيره،- قال: ما كان هذا!! - قلت: فلعل مستمعا استمع إليكما،- قال: لا ولا هذا أيضا. قال فأطرقت مليّا ثم رفعت رأسي، فقلت: يا أمير المؤمنين قد وجدت له مما هو فيه مخرجا.- قال وما هو؟ - قلت: خبر أبي الجوزاء «3» ، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين «4» قال

حدثنا المعتمر بن سليمان «1» عن أبي الجوزاء قال: طلقت امرأتي في نفسي وأنا بالمسجد ثم انصرفت إلى منزلي، فقالت لي امرأتي: طلقتني يا أبا الجوزاء! قلت من أين لك هذا؟ قالت حدثتني به جارتي الأنصارية قلت: ومن أين لها هذا؟ قالت ذكرت أنّ زوجها خبّرها بذلك قال: فغدوت على ابن عباس رضي الله عنهما فقصصت عليه القصّة فقال: أما علمت أن وسواس الرجل يحدّث وسواس الرجل؟ فمن هنا يفشو السر، فضحك المتوكل، وقال إليّ يا فتح! فصبّ عليه خلعة، وحمله على فرس، وأمر له بمال، وأمر لي بدونه فانصرفت إلى منزلي، وقد شاطرني الفتح فيما أخذ فصار إليّ الأكثر. قال أبو نعيم وكان في نفسي من حديث أبي الجوزاء شيء حتى حدثني حمزة بن حبيب الزيات «2» . قال: خرجت سنة أريد مكة فبينا أنا في الطريق إذ ضلّت راحلتي فخرجت أطلبها فإذا أنا باثنين قد قبضا عليّ أحسّ حسّهما ولا أرى شخصهما بل أسمع كلامهما، فأخذاني إلى شيخ قاعد وهو حسن الشيبة فسلمت عليه فردّ عليّ السلام فأفرخ «3» روعي. ثم قال من أين وإلى أين؟ قلت من الكوفة إلى مكة. قال: ولم تخلّفت عن أصحابك؟ قلت ضلّت راحلتي فجئت أطلبها، فرفع رأسه إلى قوم عنده، وقال: أنيخوا راحلته، فأنيخت بين يديّ. ثم قال: تقرأ القرآن؟ قلت نعم. قال فاقرأ، فقرأت حم

الفصل الثالث فيما يتصرف فيه صاحب هذا الديوان بتدبيره، ويصرفه بقلمه، ومتعلق ذلك أثنا عشر أمرا

الأحقاق حتّى أتيت وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ «1» فقال مكانك، أتدري كم كانوا، قلت لا. قال كنّا أربعة: وكنت أنا المخاطب عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لهم، فقلت: يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ «2» ثم قال أتقول الشعر؟ قلت لا. قال فترويه؟ قلت نعم. قال هاته، فأنشدته قصيدة زهير بن أبي سلمى «أمن أمّ أوفى» فقال لمن هذه؟ قلت لزهير بن أبي سلمى قال: الجنيّ؟ قلت: لا بل الإنسي. ثم رفع رأسه إلى قوم عنده، فقال ائتوني بزهير فأتي بشيخ كأنه قطعة لحم فألقي بين يديه- قال يا زهير- قال لبيك! قال «أمن أم أوفى» لمن هي؟ قال لي- قال هذا حمزة الزيات يذكر أنها لزهير بن أبي سلمى؛ قال: صدق وصدقت، قال: وكيف هذا؟ قال هو إلفي من الإنس وأنا تابعه من الجنّ، أقول الشيء فألقيه إليه في فهمه ويقول الشيء فآخذ عنه، فأنا قائلها في الجن وهو قائلها في الإنس. قال أبو نعيم: فصدق عندي حديث أبي الجوزاء أن وسواس الرجل يحدّث وسواس الرجل. الفصل الثالث فيما يتصرف فيه صاحب هذا الديوان بتدبيره، ويصرّفه بقلمه، ومتعلق ذلك أثنا عشر أمرا الأمر الأوّل التوقيع والتعيين أما التوقيع فهو الكتابة على الرّقاع والقصص بما يعتمده الكاتب من أمر الولايات والمكاتبات في الأمور المتعلقة بالمملكة، والتحدّث في المظالم، وهو أمر جليل، ومنصب حفيل، إذ هو سبيل الإطلاق والمنع، والوصل والقطع، والولاية والعزل إلى غير ذلك من الأمور المهمات والمتعلقات السّنيّة. واعلم أن التوقيع كان يتولاه في ابتداء الأمر الخلفاء، فكان الخليفة

الأمر الثاني نظره في الكتب الواردة عليه

هو الذي يوقّع في الأمور السلطانية، وفصل المظالم، وغيرهما. الأمر الثاني نظره في الكتب الواردة عليه قال أبو الفضل الصوري: «كان الواجب أن لا يقرأ الكتب الواردة على الملك إلا هو بنفسه؛ ولما كان ذلك متعذرا عليه لوفورها، واتساع الدولة، وكثرة المكاتبين من أصناف أرباب الخدم، ووصول الكتب إليه من الأقطار النائية، والممالك المتباعدة، وضيق الزمان عن تفرّغه لذلك، وجب تفويضه إلى متولّي ديوان رسائله» . قال: «ولما كان حال متولي صاحب الديوان كذلك لا شتغاله بالحضور عند الملك في بعض الأوقات لقراءة الكتب الواردة، وتقرير ما يجاب به عن كل منها، مع شغله بتصفّح ما يكتب في الديوان والمقابلة به، احتاج أن يردّ أمرها إلى كاتب يقوم مقامه» على ما سيذكر في صفات كتّاب الديوان فيما بعد إن شاء الله تعالى. الأمر الثالث نظره فيما يتعلق بردّه الأجوبة عن الكتب الواردة على لسانه قال أبو الفضل الصوري: «ومن أهم ما يلزم صاحب هذا الديوان إشعار الملك ما يراه من الآراء الصائبة ويعلمه أنّ من أعظمها خطرا أن يصدر جواب كل كتاب يصل إليه في يومه ولا يؤخره إلى غده ويؤرخ في آخره بتاريخ ذلك اليوم، فيقال: وكتب في يوم وصول كتابك، وهو يوم كذا؛ فإن ذلك يقيم للملك هيبة كبيرة، ويدل على تطلّعه للأمور، وانتصابه للتدبير، وقلة إهماله لأمور دولته، وكثرة احتفاله باستقامة شؤونها، ويؤثّر في نفس المكاتبين تأثيرا كبيرا، ويستشعرون منه حذرا وخيفة» . قال: «وينبغي أن يأخذ جميع أرباب الخدم في البلاد بتاريخ كتبهم ويحذّرهم من ترك ذلك؛ فإن في إهماله ضررا كبيرا من حيث إنه ورد غير مؤرخ لم يعلم بعد العهد بما ذكر فيه من قربه، ولا هل فات وقت النظر فيما تضمّنه أم لا؛ وإذا كان مؤرّخا عرف ذلك وزالت

الأمر الرابع نظره فيما تتفاوت به المراتب في المكاتبات والولايات: من الافتتاح والدعاء، والألقاب، وقطع الورق ونحو ذلك

الشبهة فيه، وإذا وصل إليه كتاب اقتضى تاريخه زيادة زمن على مسافة الطريق، أنكر ذلك على حامله فإن خرج عن العهدة بإقامة الحجة على أنه لم يتأخر به قدرا زائدا على مسافة طريقه، وأن العذر من تقدّم التاريخ قبل إرساله، أنكر ذلك على مرسله إنكارا يردعه عن ذلك ويزجره عنه» . الأمر الرابع نظره فيما تتفاوت به المراتب في المكاتبات والولايات: من الافتتاح والدعاء، والألقاب، وقطع الورق ونحو ذلك وقد كان هذا الباب في الزمن المتقدّم في غاية الضّبط والتحرير، خصوصا في زمن الخلفاء من بني العباس والفاطميين؛ لا يزاد أحد في الألقاب على ما لقّبه به الخليفة كبيرا كان أو صغيرا، ولا يسمح له بزيادة الدعوة الواحدة فضلا عما فوقها. أما الآن فقد صار ذلك موكولا إلى نظر صاحب ديوان الإنشاء ينزل كل أحد من المكاتبين وأرباب الولايات منزلته على ما يقتضيه مصطلح الزمان من علوّ وهبوط؛ وحينئذ فعليه أن يحتاط في ذلك ويؤاخذ كتّاب الإنشاء بالمشاحّة «1» فيه، والوقوف عند ما حدّ لهم من غير إفراط ولا تفريط. فقد قال صاحب موادّ البيان: «إن الملوك تسمح ببدرات «2» المال، ولا تسمح بالدعوة الواحدة» وناهيك بذلك تشديدا واحتياطا. الأمر الخامس نظره فيما يكتب من ديوانه وتصفّحه قبل إخراجه من الديوان قال أبو الفضل الصوريّ: «على متولّي الديوان أن يتصفح ما يكتب من ديوانه من الولايات والمناشير والمكاتبات؛ إذ الكاتب غير معصوم من الخطأ

الأمر السادس نظره في أمر البريد ومتعلقاته، وهو من أعظم مهمات السلطان، وآكد روابط الملك

واللحن وسبق القلم؛ وعيب الإنسان يظهر منه لغيره ما لا يظهر له، فما أبصره من لحن أو خطا أصلحه ونبه كاتبه عليه فيحذر من مثله فيما يستأنفه، فإن تكرر منه زجره عن ذلك، وردعه عن العود إلى مثله، إذ الغرض الأعظم أن يكون كلّ ما يكتب عن الملك كامل الفضيلة خطّا ولفظا ومعنى وإعرابا حتّى لا يجد طاعن فيه مطعنا؛ فربما زلّ الكاتب في شيء فيزل بسببه متولّي الديوان، بل السلطان. بل الدولة بأسرها. قال: فإذا فرغ من عرض الكتاب والوقوف عليه، كتب عليه بخطه ما يدلّ على وقوفه عليه ليكون ملتزما بدركه» . وكأنه يشير إلى ما تقدّم من كلامه: من أنه إن كان رسالة كتب عنوانها بخطه، وإن كان منشورا ونحوه، كتب تاريخه بخطه. ثم قال: «فإن كان متولّي الديوان مشتغلا بحضور مجلس السلطان ومخاطباته والتلقّي عنه، ولا يمكنه مع ضيق الزمان توفية كلّ ما يكتب بالديوان حقّ النظر فيه وتصفّح ألفاظه ومعانيه، نصب له في ذلك نائبا كامل الصنعة حسن الفطنة موثوقا به فيما يأتي ويذر، يقوم مقامه في ذلك» . قال: «وليس ذلك لأنه يغني عن نظر متولي الديوان، ولكن ليتحمل عنه أكثر الكل ويصير اليه وقد قارب الصحة أو بلغها فيحصل على الراحة من تعبها، ويصرف نظره إلى ما لعله خفي على المتصفح من دقائق المعاني وعويص «1» المدارك، فيقلّ زمن النظر عليه، ويظفر بالغرض المطلوب في أقرب وقت» . الأمر السادس نظره في أمر البريد ومتعلّقاته، وهو من أعظم مهمات السلطان، وآكد روابط الملك قال زياد لحاجبه: «ولّيتك حجابي وعزلتك عن أربع: هذا المنادي إلى الله في الصلاة والفلاح فلا تعوجنّه عني، ولا سلطان لك عليه؛ وصاحب

الطعام، فإن الطعام إذا أعيد تسخينه فسد؛ وطارق الليل فلا تحجبه فشرّ ما جاء به، ولو كان خيرا ما جاء في تلك الساعة؛ ورسول الثّغر، فإنه إن أبطأ ساعة أفسد عمل سنة فأدخله عليّ ولو كنت في لحافي» . وقد تقدّم أن صاحب ديوان الإنشاء هو الذي يتلقى المكاتبات الواردة ويقرؤها على السلطان ويجاوب عنها، فيجب على صاحب هذه الوظيفة أن يكون متيقّظا لما يرد على السلطان من نواحي ممالكه وقاصيات أعماله، فإنه المعتمد عليه في ذلك والمعوّل عليه في أمره. وقد كان أمر البريد في الزمن المتقدّم والدواداريّة «1» يومئذ أمراء صغار وأجناد معدّون لصاحب ديوان الإنشاء، تخرج رسالة السلطان على لسان بعض الدوادارية بما يرسم به لمن يركب البريد في المهمات السلطانية وغيرها ويأتي بها إلى صاحب ديوان الإنشاء فيعلق رسالته على ما تقدّم في تعليق الرسالة ويعمل بمقتضاها. وكان للبريد ألواح من نحاس كلّ لوح منها بقدر راحة الكفّ أو نحوها منقوش على أحد وجهيه ألقاب السلطان، وعلى الوجه الآخر: «لا إله إلا الله محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون» وفي رقبته شرّابة من حرير أصفر يجعلها راكب البريد في عنقه ويرسل اللوح على صدره علامة له فإذا حضرت الرسالة إلى كاتب السر دفع إلى البريديّ لوحا من تلك الألواح وكتب له ورقة بخطه إلى أمير آخور «2» البريد بالإصطبل السلطاني «3» بما تبرز به الرسالة من الخيل، ويكتب

اسمه في آخر الكتاب الذي ينفذ معه بين السطور، ويختم الكتاب، ويسلّم إليه، ويكتب له ورقة طريق بالتوجه إلى جهة قصده، وحمله على ما رسم له به من خيل البريد على ما سيأتي ذكره في الكلام على كتابة أوراق الطريق، ويترك اسمه، وتاريخ سفره، والجهة التي توجه إليها، والشّغل الذي توجه بسببه بدفتر بالديوان. فلما عظم أمر الدواداريّة واستقرّ عند الدوادار كاتب من كتّاب الدّست يعلّق عنه الرسالة على ما تقدّم في الكلام على تعليق الرسالة، رجع أكثر الأمر في ذلك إلى الدّوادار، وصار كاتب الدّست الذي يخدمه يعلّق الرسالة عنه بذلك كما يعلّقها عنه في غيره على ما تقدّم. فإن كان البريد إلى جهة الشام كتب في ورقة لطيفة: «يرسم برسالة المقرّ المخدوم الفلاني أمير دوادار الناصري أو الظاهريّ مثلا أعز الله تعالى أنصاره أن يكتب ورقة طريق شريفة باسم فلان الفلاني المرسوم له بالتوجه إلى الجهة الفلانية» ، ويحمل على فرس أو فرسين أو أكثر من خيل البريد، ثم يؤرّخ. وإن كان البريد إلى الوجه القبليّ أو البحري أو غير ذلك كتب: أن يكتب ورقة فرس بريد باسم فلان الفلاني من غير تعرّض لذكر ورقة طريق، وباقي الكلام على نحو ما تقدّم، ويؤرّخ ويجهّز تلك الورقة صحبة البريديّ إلى صاحب ديوان الإنشاء فيخلّد «1» الورقة بديوانه عند دوا داره في جملة أضابير الديوان، ويكتب له في ورقة صغيرة أيضا ما مثاله: أمير آخور البريد المنصور، يحمل فلان الفلانيّ على فرس واحد أو أكثر من خيل البريد المنصور عند توجهه إلى الجهة الفلانية ويؤرّخ، ويدفع إلى البريديّ ليدفعها إلى أمير آخور البريد تخلّد عنده، ويكتب اسم البريديّ في آخر الكتاب على ما سيأتي في أوّل المكاتبات إن شاء الله تعالى، ويختم الكتاب ويدفع إليه.

قلت: وقد بطل الآن ما كان من أمر الألواح وتركت، وصار كل بريديّ عنده شرّابة حرير صفراء يجعلها في عنقه من غير لوح. اللهم إلا أن يتوجه البريديّ إلى مملكة من الممالك النائية، فيحتاج إلى اللوح لتعارف أمر المملكة القديمة. وكذلك الحكم فيمن يتوجه إلى الأبواب السلطانية من نيابة من نيابات المملكة في ورقة الطريق وخيل البريد. ولصاحب ديوان الإنشاء التنبّه على مصالح مراكز خيل البريد في الديار المصرية وغيرها. وسيأتي الكلام على مراكز البريد بمصر والشام، مفصلة في موضعها إن شاء الله تعالى. وأعلم أنه يجب على الناظر في أمر البريد: من الملك فمن دونه أن يحتاط فيمن يرسله في الأمور السلطانية، فيوجه في كل قضية من يقوم بكفايتها وينهض بأعبائها، ويختصّ الملوك وأكابر النّوّاب بأكابر البريدية وعقلائهم وأصحاب التّجارب منهم، خصوصا في المهمات العظيمة التي يحتاج الرسول فيها إلى تنميق الكلام، وتحسين العبارة، وسماع شبهة المرسل إليه، وردّ «1» جوابه وإقامة الحجة عليه، فإنه يقال: يستدلّ على عقل الرجل بكتابه وبرسوله. وقد قيل: من الحق على رسول الملك أن يكون صحيح الفكرة والمزاج، ذا بيان وعارضة ولين واستحكام منعة؛ وأن يكون بصيرا بمخارج الكلام وأجوبته، ومؤدّيا للألفاظ عن الملك بمعانيها، صدوقا بريئا من الطمع. وعلى مرسله امتحانه قبل توجيهه في مقاصده؛ ولا يرسل إلى الملوك الأجانب، إلا من اختبره بتكرير الرسائل إلى نوّابه وأهل مملكته. فقد كان الملوك فيما سلف من الزمن إذا آثروا إرسال شخص لمهمّ، قدّموا امتحانه بإرساله إلى بعض خواص الملك ممن في قرار داره، في شيء من مهمّاته، ثم يجعل عليه عينا فيما يرسل به من حيث لا يشعر، فإذا أدّى الرسول رسالته رجع بجوابها وسأل الملك عينه؛ فإن طابق ما قاله الرسول ما أتى به من هو

عين عليه وتكرر ذلك منه، صارت له الميزة والتّقدمة عند الملك، ووجّهه حينئذ في مهمّات أموره. وكان أردشير بن بابك آخر ملوك الفرس يقول: «حقّ على الملك الحازم إذا وجّه رسولا إلى ملك أن يردفه بآخر، وإن وجّه برسولين وجّه بعدهما باثنين، وإن أمكنه أن لا يجمع بين رسله في طريق فعل» . ومن الحزم أن الرسول إذا أتاه برسالة أو كتاب في خير أو شر أن لا يحدث في ذلك شيئا حتى يرسل مع رسول آخر يحكي له كتابه أو رسالته حرفا حرفا ومعنى معنى فإنّ الرسول ربما فاته بعض ما يؤمّله فافتعل الكتب، وغيّر ما شوفه به فأفسد ما بين المرسل والمرسل إليه: من ملك أو نائب ونحوهما، وربما أدّى ذلك إلى وقوع فتنة بين الملكين، أو خروج النائب عن الطاعة وتفاقم الأمر بسبب ذلك وسرى إلى ما لا يمكن تداركه. وقد حكي أن الإسكندر وجه رسولا إلى بعض ملوك الشرق فجاء برسالة شكّ الإسكندر في حرف منها فقال له: «ويلك! إن الملوك لا تخلو من مقوّم ومسدّد إذا مالت وقد جئتنى برسالة صحيحة الألفاظ بينة المعاني، وقد وجدت فيها حرفا ينقضها؛ أفعلى يقين أنت من هذا الحرف أم شاكّ فيه؟ فقال بل على يقين منه أنه قاله. فأمر الإسكندر أن تكتب الألفاظ حرفا حرفا ويعاد إلى الذي جاء ذلك الرسول من عنده مع رسول آخر فيقرأ عليه ويترجم له. فلما وصل الرسول الثاني إلى ذلك الملك وقرأ عليه ما كتب إليه به الإسكندر في أمر ذلك الرسول، أنكر ذلك الحرف الذي أنكره الإسكندر وقال للمترجم: «ضع يدك على هذا الحرف» فوضعها فأمر أن يعلّم بعلامة وقال: «إني أجلّ ما وصل عن الملك أن أقطعه بالسّكّين، ولكن ليصنع هو فيه وفي قائله ما شاء» . وكتب إلى الإسكندر: «إنّ من أسّ المملكة صحّة لهجة الرسول؛ إذا كان عن لسانه ينطق، وإلى أذنه يؤدّي» . فلما عاد الرسول إلى الإسكندر دعا برسوله الأوّل وقال: «ما حملك على كلمة قصدت بها أفساد ما بين ملكين؟»

الأمر السابع نظره في أمر أبراج الحمام ومتعلقاته

فأقرّ أن ذلك كان منه لتقصير رآه من الملك، فقال له الإسكندر: «فأراك قد سعيت لنفسك لا لنا! فاتك ما أمّلت مما لا تستحقه على من أرسلت إليه فجعلت ذلك ثأرا توقعه في الأنفس الخطيرة الرفيعة! ثم أمر بلسانه فنزع من قفاه» . وكأنه رأى إتلاف نفس واحدة أولى من إتلاف نفوس كثيرة بما كان يوقعه بين الملكين من العداوة ويثير من الإحن وضغائن الصّدور. وقد كان أردشير بن بابك يقول: «كم من دم سفكه الرسول بغير حلّه! وكم من جيوش هزمت وقتل أكثرها! وكم حرمة انتهكت! وكم مال نهب وعقد نقض بخيانة الرسل وأكاذيب ما يأتون به!» . الأمر السابع نظره في أمر أبراج الحمام ومتعلّقاته سأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى أن بالديار المصرية أبراجا للحمام الرسائليّ يحمل البطائق في أجنحته من مكان إلى مكان؛ منها برج بقلعة الجبل «1» ، وأبراج بطريق الشام بمدينة بلبيس «2» ، وأبراج بطريق الإسكندرية. وكان قبل ذلك يدرج إلى قوص، «3» ، ومنها إلى أسوان وعيذاب «4» ما يقطع «5» ذلك الآن. وحمام كل برج ينقل منه في كل يوم إلى البرج الذي يليه

الأمر الثامن نظره في أمور الفداوية

ليطلب برجه الذي هو مستوطنه إذا أرسل. فإذا عرض أمر مهمّ أو ورد بريد أو غيره ممن «1» يحتاج إلى مطالعة الأبواب السلطانية به إلى مكان من الأمكنة التي فيها برج من أبراج الحمام، كتب واليها المتحدّث فيها بذلك للأبواب السلطانية، وبعث بها على أجنحة الحمام. وقد جرت العادة أن تكتب بطاقتان وتؤرّخان بساعة كتابتهما من النهار، ويعلّق منهما في جناح طائر من الحمام الرسائليّ ويرسلان، ولا يكتفى بواحد لاحتمال أن يعرض له عارض يمنعه من الوصول إلى مقصده. فإذا وصل الطائر إلى البرج الذي وجّه به إليه، أمسكه البرّاج وأخذ البطاقة من جناحه وعلّقها بجناح طائر من حمام البرج الذي يليه، أي من المنقول إلى ذلك البرج، وعلى ذلك حتى ينتهي إلى برج القلعة فيأخذ البّراج الطائر والبطاقة في جناحه ويحضره بين يدي الدّوادار الكبير فيعرض عليه، فيضع البطاقة عن جناحه بيده: فإن كان الأمر الذي حضرت البطاقة بسببه خفيفا لا يحتاج إلى مطالعة السلطان به، استقلّ الدوادار به؛ وإن كان مهمّا يحتاج إلى إعلام السلطان به، استدعى كاتب السرّ وطلع لقراءة البطاقة على السلطان كما يفعل في المكاتبات الواردة. وكذلك الحكم فيما يطرأ من المهمّات بالأبواب السلطانية فإنّه يوجّه بالحمام من برج القلعة إلى الجهة المتعلّقة بذلك المهم. وفي معنى ذلك كل نيابة من النيابات العظام بالممالك الشامية كدمشق، وحلب، وطرابلس ونحوها مع ما تحتها من النيابات الصغار والولايات، على ما سيأتي ذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى. الأمر الثامن نظره في أمور الفداوية وهم طائفة من الإسماعيلية المنتسبين إلى إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين السّبط بن عليّ أبي طالب كرم الله

وجهه، من فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. وهم فرقة من الشّيعة معتقدهم معتقد غيرهم من سائر الشّيعة أن الإمامة بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم انتقلت بالنص إلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم إلى ابنه الحسن، ثم إلى أخيه الحسين، ثم تنقّلت في بني الحسين إلى جعفر الصادق، ثم هم يدّعون انتقال الإمامة من جعفر الصادق إلى ابنه إسماعيل، ثم تنقلت في بنيه. وسمّوا الفداوية لأنهم يفادون بالمال على من يقتلونه. ويسمّون في بلاد العجم بالباطنية لأنهم يبطنون مذهبهم ويخفونه، وتارة بالملاحده لأن مذهبهم كلّه إلحاد. وهم يسمّون أنفسهم أصحاب الدعوة الهادية. وسيأتي الكلام عند ذكر تحليفهم في الكلام على الأيمان إن شاء الله تعالى. وكانوا في الزمن المتقدّم قد علت كلمتهم، واشتدّت شكيمتهم، وقويت شوكتهم، واستولوا على عدّة قلاع ببلاد العجم وبلاد الشأم. فأمّا بلاد العجم فكان بداية قوّتهم وانتشار دعوتهم في دولة السلطان ملكشاه السلجوقيّ في المائة الخامسة. وذلك أنه كان من مقدّميهم رجل اسمه عطاش فنشأ له ولد يسمى أحمد «1» فتقدّم في مذهبهم وارتفع شأنه فيهم، وألمّ به من في بلاد العجم منهم، فغلب على قلعة بأصبهان، كان قد بناها السلطان ملكشاه المتقدّم ذكره، وقلعة بالطالقان «2» تعرف بقلعة الموت «3» ؛ وكان من تلامذته رجل يقال له الحسن بن الصبّاح «4» ذو شهامة وتقدّم في علم الهندسة والحساب والنجوم

والسّحر، فاتهمه بالدعوة للخلفاء الفاطميين، وهم من جملة طوائف الإسماعيلية ففرّ الحسن بن الصبّاح منه هاربا إلى مصر، وبها يومئذ المستنصر بالله خامس خلفاء الفاطميين فأكرمه وأحسن نزله، وأمره بأن يخرج إلى البلاد للدعوة إلى إمامته فأجابه إلى ذلك، وسأله من الإمام بعده، فقال إنه ابني نزار وهو الذي تنسب إليه النّزارية منهم. فخرج ابن الصبّاح من مصر وسار. إلى الشام، والجزيرة، وديار بكر، وبلاد الروم يدعو إلى إمامة المستنصر ثم ابنه نزار من بعده، وسار ألى خراسان وجاوزها إلى ماوراء النهر، ودخل كاشغر «1» يدعو إلى ذلك، ثم عاد إلى الطالقان واستولى على قلعة الموت في سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة، ثم استولى على قلعة أصبهان واستضاف إليها عدّة قلاع بتلك النواحي في سنة تسع وتسعين وأربعمائة، وقويت شوكة هذه الطائفة بتلك البلاد، وعظم أمرها، وخافها الملوك وسائر الناس، وبقي ابن الصباح على ذلك حتّى مات في سنة ثمان عشرة وخمسمائة. وتنقّلت تلك القلاع بعده حتّى صار أمرها إلى شخص من عقبه يسمّى جلال الدين بن حسن ألكيا الصبّاحي فأظهر التوبة في سنة سبع وخمسين وخمسمائة، وبقي على ذلك إلى سنة ثمان وستمائة، فأظهر شعائر الإسلام، وكتب إلى جميع قلاع الإسماعيلية ببلاد العجم والشام، فأقيمت فيها، وبقي حتّى توفّي سنة ثمان عشرة وستمائة، وقام بعده ابنه علاء الدين محمد، وتداول مقدّموهم تلك القلاع إلى أن خرج هولاكو على بلاد العجم في سنة ست وخمسين وستمائة باستصراخ أهل تلك البلاد من عيثهم «2» وفسادهم، فخرّب قلاعهم عن آخرها.

وأما بلاد الشأم فكان أوّل قوّتهم بها أنه دخل منهم إلى الشام رجل يسمى بهرام بعد قتل خاله إبراهيم الأسد ابادي ببغداد في أيام تاج الملوك بوري «1» صاحب الشام، وصار إلى دمشق ودعا إلى مذهبه بها، وعاضده سعيد المردغاني، وزير بوري، حتى علت كلمته في دمشق وسلم له قلعة بانياس «2» ، فعظم أمر بهرام وملك عدّة حصون بالجبال أظنها القلاع المعروفة بهم إلى الآن، وهي سبع قلاع بين حماه وحمص متصلة بالبحر الروميّ على القرب من طرابلس وهي: مصياف، والرّصافة، والخوابي والقدموس، والكهف، والعليقة، والمينقة، ومن هنا سمّيت بقلاع الدعوة. وكان آخر الأمر من بهرام أنه قتل في حرب جرت بينه وبين أهل وادي التّيم «3» ، وقام مقامه بقلعة بانياس «4» رجل منهم اسمه إسماعيل، وأقام الوزير المردغانيّ «5» عوض بهرام بدمشق رجلا منهم اسمه أبو الوفاء فعظم أمره بدمشق حتى صار الحكم له بها، وهمّ بتسليمها للفرنج على أن يسلّموا له صور عوضا منها، فشعر به بوري صاحب دمشق فقتله وقتل وزيره المردغاني ومن كان بدمشق من هذه الطائفة، ولم يزل أمرهم يتنقّل بالشام لواحد بعد واحد من مقدّميهم إلى أن كان المقدّم عليهم في أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب أبو الحسن راشد الدين سنان البصريّ وكان بينهم وبين السلطان صلاح الدين مباينة

ووثبوا عليه مرات ليقتلوه فلم يظفروا بذلك إلى أن حاصر قلاعهم في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة وضيق عليهم، فسألوه الصّفح عنهم فأجابهم إلى ذلك. وبقي راشد الدين سنان مقدّما عليهم حتّى مات في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. قال في مسالك الأبصار: «وهم يعتقدون أن كل من ملك مصر كان مظهرا لهم، ولذلك يتولّونه ويرون إتلاف نفوسهم في طاعته لما ينتقل اليه من النعيم الأكبر بزعمهم» . قال: «ولصاحب مصر بمشايعتهم مزيّة يخافه بها أعداؤه «1» لأنه يرسل منهم من يقتله ولا يبالي أن يقتل بعده، ومن بعثه إلى عدوّ له فجبن عن قتله قتله أهله إذا عاد إليهم، وإن هرب تبعوه وقتلوه» . قلت: وكانوا في الزمن المتقدّم يسمّون كبيرهم المتحدّث عليهم تارة مقدّم الفداويّة، وتارة شيخ الفداويّة. وأما الآن فقد سمّوا أنفسهم بالمجاهدين وكبيرهم بأتابك «2» المجاهدين؛ وقد كانت السلاطين في الزمن المتقدّم تمنع هؤلاء من مخالطة الناس فلا يخرجون من بلادهم إلى غيرها إلا من رسم له بالخروج لما يتعلق بالسلطان ولا يمكّن أحد من التجار من الدّخول إلى بلادهم لشراء قماش وغيره. وكان يكتب بذلك مراسيم من ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية ويوجّه بها لنائب الشام المحروس. وسيأتي إيراد شيء من نسخ هذه المراسيم عند ذكر مرسوم أتابكهم في الولايات إن شاء الله تعالى!

الأمر التاسع نظره في أمر العيون والجواسيس

الأمر التاسع نظره في أمر العيون والجواسيس وهو جزء عظيم من أسّ الملك وعماد المملكة. وعلى صاحب ديوان الإنشاء مداره وإليه رجوع تدبيره واختيار رجاله وتصريفهم. فيجب عليه الاحتياط في أمر الجواسيس أكثر مما يحتاط في أمر البريديّة والرّسل: لأن الرسول قد يتوجه إلى الصديق وقد يتوجه إلى العدوّ، والجاسوس لا يتوجه إلا إلى العدوّ، وإذا وثق بجاسوسه فإنه إلى ما يأتي به صائر، وعليه معتمد، وبه فاعل. وقد شرطوا في الجاسوس شروطا: منها أن يكون ممن يوثق بنصيحته وصدقه، فإن الظنين لا ينتفع بخبره وإن كان صادقا لأنه ربما أخبر بالصدق فاتّهم فيه فتفوت فيه المصلحة. بل ربما آثر الضرر لمن هو عين له إذ المتهم في الحقيقة عين عليك لا عون لك. وكيف يكون المتهم أمينا! لا سيما فيما يصرف فيه جليل الأموال من القضايا العظيمة إن سلمت نفيسات النفوس. ومنها أن يكون ذا حدس صائب وفراسة تامّة: ليدرك بوفور عقله وصائب حدسه من أحوال العدوّ بالمشاهدة ما كتموه عن النطق به، ويستدلّ فيما هو فيه ببعض الأمور على بعض؛ فإذا تفرّس في قضية ولاح له أمر آخر يعضدها قوي بحثه فيها بانضمام بعض القرائن إلى بعض. ومنها أن يكون كثير الدّهاء والحيل والخديعة: ليتوصل بدهائه إلى كل موصل، ويدخل بحيلته في كل مدخل، ويدرك مقصده من أيّ طريق أمكنه. فإنه متى كان قاصرا في هذا الباب أو شك أن يقع ظفر العدوّ به أو يعود صفر اليدين من طلبته. ومنها أن يكون له دربة بالأسفار ومعرفة بالبلاد التي يتوجه إليها: ليكون أغنى له عن السؤال عنها وعن أهلها، فربما كان في السؤال تنبّه له وتيقّظ لأمره

فيكون ذلك سببا لهلاكه؛ بل ربما وقع في العقوبة وسئل عن حال ملكه فدلّ عليه وكان عينا عليه لا له. ومنها أن يكون عارفا بلسان أهل البلاد التي يتوجه إليها ليلتقط ما يقع من الكلام فيما ذهب بسببه ممّن يخالطه من أهل تلك المملكة وسكّان البلاد العالمين بأخبارها، ولا يكون مع ذلك ممن يتّهم بممالأة أهل ذلك اللسان، من حيث إن الغالب على أهل كل لسان اتحاد الجنس، والجنسيّة علة الضم. ومنها أن يكون صبورا على ما لعله يصير إليه من عقوبة إن ظفر به العدوّ بحيث لا يخبر بأحوال ملكه ولا يطلع على وهن في مملكته؛ فإن ذلك لا يخلّصه من يد عدوّه، ولا يدفع سطوته عنه. بل ولا يعرف أنه جاسوس أصلا؛ فإن ذلك مما يحتّم هلاكه ويفضي إلى حتفه: إلى غير ذلك من الأمور التي لا يسع استيعابها. فإذا وجد من العيون والجواسيس من هو مستكمل لهذه الشرائط وما في معناها، فعليه أن يظهر لهم الودّ والمصافاة ولا يطلع أحدا منهم في زمن تصرّفه له أنه يتّهمه ولا أنه غير مأمون لديه؛ فربما أدّاه ذلك في أضيق الأوقات أن يكون عينا عليه؛ فإن الضرورة قد تلجئه لمثل ذلك، خصوصا إن جذبه إلى ذلك جاذب يستميله عنه مع ما هو عليه من الضرورة، والضرورة قد تحمل الإنسان على مفاسد الأمور، ويجزل لهم الإحسان والبرّ، ولا يغفل تعاهدهم بالصّلات قبل احتياجه إليهم. ويزيد في ذلك عند توجههم إلى المهمات، ويتعهد أهليهم في حضورهم وغيبتهم ليملك بذلك قلوبهم ويستصفي به خواطرهم. وإن قضي على من بعثه منهم بقضاء، أحسن إلى من خلّفه من أهله، وجعل لهم من بعده من الإحسان، ما كان يجعله له إذا ورد بنفسه عليه ليكون ذلك داعيا لغيره على النصيحة. وإن قدرّ أن عاد منهم أحد غير ظافر بقصد أو حاصل على طلبة وهو ثقة، فلا يستوحش منه بل يوليه الجميل، ويعامله بالإحسان؛ فإنه إن لم ينجع المّرة نجع الأخرى. وعليه أن يحترز عن أن تعرف جواسيسه بعضهم بعضا لا سيما عند التوجه للمهمّات. وإن استطاع أن لا يجعل بينه وبينهم واسطة فعل، وإن لم يمكنه ذلك جعل

لكل واحد منهم رجلا من بعض خاصته يتولّى إيصاله إليه فإنه إذا علم بعضهم ببعض ربما أظهره، بخلاف ما إذا اختص الواحد بالسرّ. وأيضا فإنه لا يؤمن اتفاقهم عليه وممالأتهم لعدوّه. وكذلك يحترز عن تعرّف أحد من عسكره عيونه وجواسيسه؛ فإن ذلك ربما يؤدّي إلى انتشار السرّ والعود بالمفسدة. وعليه أن يصغى إلى ما يلقيه إليه كلّ من جواسيسه وعيونه وإن اختلفت أخبارهم ويأخذ بالأحوط فيما يؤديّه إليه اجتهاده من ذلك ولا يجعل اختلافهم ذنبا لأحد منهم، فقد تختلف أخبارهم وكل منهم صادق فيما يقوله؛ إذ كل واحد قد يرى ما لا يرى الآخر، ويسمع ما لا يسمعه. وإذا عثر على أحد من جواسيسه بزلّة فليسترها عنه وعليه، ولا يعاقبه على ذلك ولا يوبّخه عليه فإن وبّخه ففي خلوة بلطف مذكرا له أمر الآخرة وما في ممالأة العدوّ والخيانة من الوبال في الآخرة. ولا بأس بأن يجرى له ذكر ما عليه من مصافاته ومودّته وأنه مع العدوّ على غرر لا يدري ما هو صائر إليه؛ فإن ذلك أدعى لاستصلاحه. ولا شك أن استصلاحه إمّا في الوقت أو فيما بعد خير من ثبات فساده، فربما أدّاه ذلك إلى ممالأة العدوّ ومباطنته «1» ، لا سيما إذا كان العدوّ معروفا بالحلم والصفح، وكثرة البذل والعطاء. وإذا حضر إليه جاسوس بخبر عن عدوّه استعمل فيه التثبت ودوام البشر ولا يظهر تهافتا عليه تظهر معه الخفّة، ولا إعراضا عنه يفوت معه قدر المناصحة، ولا يظهر له كراهة ما يأتيه به من الأخبار المكروهة فإن ذلك مما يستدعي فيه كتمان السرّ عنه فيما يكره فيؤدّي إلى الإضرار به. وقد حكي عن بعض الملوك أنه كان يعطي من يأتيه بالأخبار المكروهة من الجواسيس أكثر مما يعطي من يأتيه بالأخبار السارّة.

الأمر العاشر نظره في أمور القصاد الذين يسافرون بالملطفات من الكتب عند تعذر وصول البرد إلى ناحية من النواحي

واعلم أنه لا يمكن أحدا ممن «1» يمنع بلاده أو عسكره من جواسيس عدوّه، فيجب الاحتراز منهم بكتمان السرّ وستر العورة ما أمكنه، على أنه ربما دعت الضرورة في بعض الأحيان إلى أن يعرّف الملك عدوّه بعض أموره على حقيقته لأمر يحاول به مكيدته. والطريق في ذلك أن يتلطف إلى أن يصيّر جاسوس عدوّه جاسوسا له بأن يتودّد إليه بالاستمالة والبرّ وكثرة البذل حتى يستخرج نصيحته، فحينئذ يلقي إليه ما أراد تبليغه إلى صاحبه الأوّل مما فيه المكيدة فيوصله إليه فيكون أقرب لقبوله من بلوغه له من غيره ممن يتّهمه. الأمر العاشر نظره في أمور القصّاد الذين يسافرون بالملطّفات من الكتب عند تعذر وصول البرد إلى ناحية من النواحي وهو من أعظم مهمات السلطنة وآكدها. وقد ذكر ابن الأثير في تاريخه: أن أوّل من اتخذ السّعاة من الملوك معزّ الدولة بن بويه أوّل ملوك الديلم بعد الثلاثين والثلاثمائة: وكان سبب ذلك أنه كان ببغداد، وأخوه ركن الدولة ابن بويه بأصبهان وما معها فأراد معز الدولة سرعة إعلام أخيه ركن الدولة بتجدّدات الاخبار فأحدث السّعاة وانتشى في أيامه ساعيان اسم أحدهما فضل والآخر مرعوش، وكان أحدهما ساعي السّنّة والآخر ساعي الشّيعة، وتعصّب لكل منهما فرقة، وبلغ من شأنهما أن كل واحد منهما كان يسير في كل يوم نيّفا وأربعين فرسخا، واستمرّ حكم السّعاة ببغداد إلى زماننا حتّى إنّ منهم ساعيين لركاب السلطان يمشيان أمامه في المواكب وغيرها على قرب. قلت: «وقد رأيتهما في خدمة السلطان أحمد بن أويس صاحب بغداد

الأمر الحادي عشر نظره في أمر المناور والمحرقات

حين قدم مصر في دولة الظاهر برقوق فارّا من تمر» «1» أمّا الديار المصرية فإنه لا يتعانى ذلك عندهم إلا خفاف الشباب من مكارية الدواب ونحوهم ممن يعتاد شدّة العدو إلا أنه إذا طرأ مهمّ سلطانيّ يقتضي إيصال ملطّف مكاتبة عن الأبواب السلطانية إلى بعض النواحي وتعذر إيصاله على البريد لحيلولة عدوّ في الطريق أو انقطاع خيل البريد من المراكز السلطانية لعارض، انتدب كاتب السرّ بأمر السلطان من يعرف بسرعة المشي وشدّة العدو للسفر ليوصل ذلك الملطّف إلى المكتوب إليه والإتيان بجوابه. وربما كتب الكتابان فأكثر إلى الشخص الواحد في المعنى الواحد ويجهز كل منهما صحبة قاصد مفرد خوف أن يعترض واحد فيمضي الآخر إلى مقصده كما تقدّم في بطائق الحمام الرسائليّ. وقد أخبرني بعض من سافر في المهمات السلطانية من هؤلاء أنهم في الغالب عند خوف العدوّ يمشون ليلا ويكمنون نهارا وإذا مشوا في الليل يأخذون جانبا عن الطريق الجادّة، يكون بين كل اثنين منهم مقدار رمية سهم حتّى لا يسمع لهم حس فإذا طلع عليهم النهار كمنوا متفرّقين مع مواعدتهم على مكان يتلاقون فيه في وقت المسير. الأمر الحادي عشر نظره في أمر المناور والمحرقات أما المناور فسيأتي أنه في الزمن المتقدّم عند وقوع الحروب بين التتار وأهل هذه المملكة، كان بين الفرات بآخر الممالك الشامية وإلى قريب من بلبيس من أعمال الديار المصرية أمكنة مرتّبة برؤوس جبال عوال، بها أقوام مقيمون فيها، لهم رزق على السلطان من إقطاعات وغيرها إذا حدث حادث عدوّ من بلاد التتار، واتصل ذلك بمن بالقلاع المجاروة للفرات من الأعمال

الأمر الثاني عشر نظره في الأمور العامة مما يعود نفعه على السلطان والمملكة

الحلبية: فإن كان ذلك في الليل أوقدت النار بالمكان المقارب للفرات من رؤوس تلك الجبال فينظره من بعده، فيوقد النار فينظره من بعده، فيوقد النار وهكذا حتّى ينتهي الوقود إلى المكان الذي بالقرب من بلبيس في يوم أو بعض يوم، فيرسل بطاقته على أجنحة الحمام بالإعلام بذلك فيعلم أنه قد تحرّك عدوّ في الحملة فيؤخذ في التأهّب له حتّى تصل البرد بالخبر مفصّلا. وأما المحرقات فسيأتي أنه كان أيضا قوم من هذه المملكة مرتّبون بالقرب من بلاد التتار يتحيلون على إحراق زروعهم بأن تمسك الثعالب ونحوها وتربط الخرق المغموسة في الزيت بأذناب تلك الثعالب وتوقد بالنار وترسل في زروعهم إذا يبست فيأخذها الذّعر من تلك النار المربوطة بأذنابها فتذهب في الزروع آخذة يمينا وشمالا فما مرّت بشيء منه إلا أحرقته وتواصلت النار من بعضها إلى بعض فتحرق المزرعة عن آخرها. قلت: وهذان الأمران قد بطل حكمهما من حين وقوع الصلح بين ملوك مصر وملوك التتار على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. الأمر الثاني عشر نظره في الأمور العامّة مما يعود نفعه على السلطان والمملكة قد تقدّم في أوّل هذا الفصل في الكلام على بيان رتبة صاحب ديوان الإنشاء من كلام صاحب موادّ البيان أنه ليس في منزلة خدم السلطان والمتصرفين في مهماته أخصّ منه، من حيث إنه أوّل داخل على الملك وآخر خارج عنه وأنه لا غنى به عن مفاوضته في آرائه والإفضاء إليه بمهماته، وتقريبه في نفسه في آناء ليله وساعات نهاره، وأوقات ظهوره للعامة وخلواته، وإطلاعه على حوادث دولته ومهمات مملكته، وأنه لا يثق بأحد من خاصته ثقته به، ولا يركن إلى قريب ولا نسيب ركونه إليه؛ ومن كان بهذه الرتبة من السلطان والقرب منه، وجب عليه أن لا يألوه نصحا فيما يعلم أنه أصلح لمملكته وأعمر لبلاده وأرغم لأعاديه وحسّاده وأثبت لدولته وأقوى لأسباب مملكته.

الفصل الرابع في ذكر وظائف ديوان الإنشاء بالديار المصرية

فقد حكي عن عليّ بن زيد الكاتب: أنه صحب بعض الملوك فقال للملك: «أصحبك على ثلاث خلال- قال وما هي؟ - قال لا تهتك لي سترا، ولا تشتم لي عرضا، ولا تقبل فيّ قول قائل حتّى تستبرىء. فقال له الملك: هذه لك عندي فمالي عندك؟ قال: لا أفشي لك سرّا، ولا أؤخّر عنك نصيحة، ولا أوثر عليك أحدا- قال: نعم الصاحب المستصحب أنت!. فإذا انتهى إلى صاحب الديوان خبر يتعلق بجلب منفعة إلى المملكة أو دفع مضرة عنها، أطلع السلطان عليه في أسرع وقت وأعجله قبل فوات النظر فيه ونحله فيه صائب رأيه، ثم ردّ النظر فيه إلى رأي السلطان ليخرج عن عهدته. وإن ارتاب في خبر المخبر أحضره معه إلى السلطان ليشافهه فيه حتّى يكون بريئا عن تبعته، ولا يهمل تبليغ خبره بمجرّد الريبة لاحتمال صحته في نفس الأمر فيلحق بواسطة إهماله ضرر لا يمكن تداركه. وكذلك الحال في سائر ما يرجع إلى صلاح المملكة وحسن تدبيرها. الفصل الرابع في ذكر وظائف ديوان الإنشاء بالديار المصرية ، وما يلزم ربّ كل وظيفة منهم فيما كان الأمر عليه في الزمن القديم واستقرّ عليه الحال في زماننا. أما في الزمن القديم فقد ذكر أبو الفضل الصّوريّ في مقدّمة تذكرته أن أرباب الوظائف فيه على ضربين: الضرب الأوّل- الكتّاب وقد عدّاهم إلى سبع «1» كتّاب الأوّل- كاتب ينشيء ما يكتب من المكاتبات والولايات ، تتصدّى للإنشاء ملكته وغريزة طبعه. قال: ويجب أن يكون هذا الكاتب لا حقا بصفات متولّي الديوان بحيث يكون كاملا في الصفات، مستوفيا لشروط الكتابة؛ عارفا

الثاني - كاتب يكتب مكاتبات الملوك عن ملكه

بالفنون التي يحتاج إليها الكاتب، مشتملا على التقدّم في الفصاحة والبلاغة، قويّ الحجة في المعارضة، واسع الباع في الكلام بحيث يقتدر بملكته على مدح المذموم وذم المحمود وصرف عنان القول إلى حيث شاء، والإطناب في موضع الإطناب، والإيجاز في موضع الإيجاز؛ فإنه أجلّ كتّاب الديوان، وأرفعهم درجة لأنه يتولّى الإنشاء من نفسه، وتلقى إليه الكلمة الواحدة والمعنى المفرد فينشىء على ذلك كلاما طويلا، ويأتي منه بالعبارة الواسعة، وهو لسان الملك المتكلم عنه، فمهما كان كلامه أبدع، وفي النفوس أوقع عظمت رتبة الملك، وارتفعت منزلته على غيره من الملوك. وهو الذي ينشيء العهود والتقاليد في الولايات والكتب في الحوادث الكبار، والمهمّات العظيمة التي تتلى فيها الكتب على صياصي «1» المنابر ورؤوس الأشهاد: فقد حكي أن يزيد بن الوليد كتب إلى إبراهيم بن الوليد، وقد همّ بالعصيان: أما بعد فإني أراك تقدّم رجلا وتؤخر أخرى فاعتمد على أيهما شئت والسلام؛ فكان سببا لإقلاعه عما همّ به. الثاني- كاتب يكتب مكاتبات الملوك عن ملكه ؛ وقد شرط فيه مع ما شرط في المتصدّي للإنشاء المتقدم ذكره- إن كان هو الذي ينشيء المكاتبات بنفسه عن الملك- أن يكون على دين الملك الذي يكتب عنه ومذهبه؛ لما يحتاج إليه في مكاتبة الملك المخالف من الاحتجاج على صحة عقيدته، ونصرة مذهبه، وإقامة الدلائل على صحة ذلك، ولن يحتجّ للملة أو المذهب من اعتقد خلافه بل المخالف إنما تبدو له مواضع الطعن لا مواضع الحجاج. وكذلك أن يكون من علّو الهمّة، وقوّة العزم، وشرف النفس بالمحلّ الأعلى، والمكان الأرفع؛ فإنه يكاتب عن ملكه، وكل كاتب فإنه يجرّه طبعه وجبلّته وخيمه «2» إلى ما هو عليه من الصفات. فكلما كان الكاتب أقوى جانبا وأشدّ عزما وأعلى همة، كان على التفخيم والتعظيم، والتهويل والترغيب والترهيب أقدر،

الثالث - كاتب يكتب مكاتبات أهل الدولة وكبرائها

وكلما نقص من ذلك نقص من كتابته بقدره؛ وأن يكون عالما بقدر طبقة المكتوب إليه في معرفة اللسان العربيّ فيخاطب كل قوم على قدر رتبتهم في ذلك وما يعرف من فهمهم. الثالث- كاتب يكتب مكاتبات أهل الدّولة وكبرائها ، وولاتها، ووجوهها من النوّاب والقضاة والكتاب والمشارفين والعمال، وإنشاء تقليدات ذوي الخدم الصّغار والأمانات، وكتب الأيمان والقسامات. قال: وهي وإن كانت دون الرتبتين المتقدّمتين فهي جليلة الخطر عالية القدر؛ ويجب أن يكون لا حقا برتب الخدمة منها، وأن يكون مأمونا على الأسرار، كافّ اليد، نزه النفس عن العرض الدنيويّ؛ لأنه يطّلع على أكثر ما يجري في الدولة، ويعلم بالوالي قبل تولّيه والمصروف قبل صرفه، ويكون مع ذلك سريع اليد في الكتابة، حسن الخط إذ كان هذا الفن أكثر ما يستعمل ولا يكاد يقلّ في وقت من الأوقات. الرابع- كاتب يكتب المناشير والكتب اللّطاف والنّسخ . قال: وهذه المنزلة لا حقة بالمنزلة التي قبلها وكأنها جزء منها. ويجب أن يكون هذا الكاتب مأمونا كتوما للسر؛ فيه من الأدب ما يأمن معه من الخطإ واللحن في لفظه وخطه، ويكون حسن الخط أو بالغا فيه القدر الكافي. ولكن لما كان هذا الشغل واسعا وهو أكثر عمل الدّيوان والذي لا ينفك منه، لم يكد يستقلّ به رجل واحد فيحتاج إلى معاضدته بآخر يكون دونه في المنزلة، ويجعل برسم تسطير المناشير والفصول المتقدّمة إلى المقيمين بالحضرة، وكتابة تذاكر المستخدمين، ونقلها مما يمليه صاحب الديوان ويصدر عنه في نسخ تكون مخلدة فيه لا تغادر المبيّضة بحرف لتكون موجودة متى احتيج إليها. الخامس- كاتب يبيّض ما ينشئه المنشيء مما يحتاج إلى حسن الخط، كالعهود والبيعات ونحوها. قال الصوريّ: لما كانت البلاغة التامّة التي يصلح صاحبها للإنشاء وحسن الخط قلما يجتمعان في أحد، وجب أن يختار للديوان

السادس - كاتب يتصفح ما يكتب في الديوان

مبيّض برسم الإنشاءات والسّجلات والتقليدات، ومكاتبات الملوك، وأن يكون حسن الخط إلى الغاية الموجودة بحيث لا يكاد يوجد في وقته أحسن خطّا منه لتصدر الكتب عن الملك بالألفاظ الرائقة والخط الرائع؛ فإن ذلك أكمل للمملكة، وأكثر تفخيما عند من يكاتبه وتعظيما لها في صدره. ويجب أن يكون مع ذلك في الأمانة، وكتمان السر، ونزاهة النفس، على ما تقدّم. السادس- كاتب يتصفّح ما يكتب في الديوان . قد تقدم أنه لما كان كلّ واحد ممن تقدّم ذكره غير معصوم من السهو والزلل والخطإ واللحن وعثرات القلم. وكل واحد يتغطّى عنه عيب نفسه ويظهر له عيب غيره، وكان زمن متولّي الديوان أضيق من أن يوفي بكل ما يكتب بديوانه حقّ النظر. وكان القصد أن يكون كل ما يكتب عن الملك كامل الفضيلة خطّا ولفظا ومعنى وإعرابا حتّى لا يجد طاعن فيه مطعنا، وجب أن يستخدم متولّي الديوان معيّنا يتصفح جميع الإنشاءات والتقليدات والمكاتبات وسائر ما يسطّر في ديوانه. قال أبو الفضل الصوري: وينبغي أن يكون هذا المتصفّح عالي المنزلة في اللغة والنحو وحفظ كتاب الله تعالى، ذكيّا، حسن الفطنة، مأمونا وأن يكون مع ذلك بعيدا من الغرض والعداوة والشحناء حتّى لا يبخس أحدا حقّه، ولا يحابي أحدا فيما أنشأه أو كتبه- بل يكون الكل عنده في الحق على حدّ واحد، لا يترجح واحد منهم على الآخر. وعليه أن يلزم الكتّاب بعرض جميع ما يكتبونه وينشئونه عليه قبل عرضه على متولّي الديوان؛ فإذا تصفحه وحرره كتب خطه فيه بما يعرّف رضاه عنه ليلتزم بدرك ما فيه ويبرأ منشئه. السابع- كاتب يكتب التذاكر والدفاتر المضمّنة لمتعلّقات الديوان. قال الصّوريّ: ويجب أن يختار لذلك كاتب مأمون، طويل الروح، صبور على التّعب؛ قال: والذي يلزمه من متعلّقات الديوان أمور: أحدها- أن يضع في الديوان تذاكر تشتمل على مهمّات الأمور التي تنهى في ضمن الكتب، ويظن أنه ربما سئل عنها أو احتيج إليها، فيكون

الثاني - أن يضع في الديوان دفترا بألقاب الولاة وغيرهم من ذوي الخدم

استخراجها من هذه التذاكر أيسر من التنقيب عليها والتنقير عنها من الأضابير. قال: ويجب أن تسلّم إليه جميع الكتب الواردة بعد أن يكتب بالإجابة عنها ليتأملها وينقل منها في تذاكره ما يحتاج إليه، وإن كان قد أجيب عنه بشيء نقله، ويجعل لكل صفقة أوراقا من هذه التذاكر على حدة، تكون على رؤوس الأوراق علامات باسم تلك الصفقة أو الجهة، ويكتب على هذه الصفقة فصل من كتاب فلان الوالي، أو المشارف، أو العامل:- ورد بتاريخ كذا- مضمونه كذا- أجيب عنه بكذا- أو لم يجب عنه- إلى أن تفرغ السنة يستجدّ للسنة الأخرى التي تتلوها تذكرة أخرى. وكذلك يجعل له تذكرة يسطّر فيها مهمات ما تخرج به الأوامر في الكتب الصادرة لئلّا تغفل ولا يجاب عنها؛ وتكون على الهيئة المتقدّمة من ذكر النواحي وأرباب الخدم. وإذا ورد جواب عن شيء مهمّ نزّل عنده فيقول: ورد جوابه عن هذا الفصل بتاريخ كذا، يتضمّن كذا، فإنه إذا اعتمد هذا وجد السلطان جميع ما يسأل عنه حاضرا في وقته غير متعذر عليه. الثاني- أن يضع في الديوان دفترا بألقاب الولاة وغيرهم من ذوي الخدم ، وأسمائهم، وترتيب مخاطباتهم؛ وتحت اسم كل واحد منهم كيف يخاطب: بكاف الخطاب أو هاء الكناية، ومقدار الدعاء الذي يدعى له به في السّجلات والمكاتبات والمناشير، والتوقيعات: لاختلاف ذلك في عرف الوقت؛ وكذلك يضع فيه ألقاب الملوك الأباعد والمكاتبين من الآفاق وكتّابهم وأسماءهم، وترتيب الدعاء لهم، ومقداره. ويكون هذا الدفتر حاضرا لدى كتّاب الإنشاء ينقلون منه في المكاتبات ما يحتاجون إليه: لأنه ربما تعذّر حفظ ذلك عليهم، ومتى تغير شيء منه كتبه تحته. ويكون لكل خدمة ورقة مفردة فيها اسم متولّيها ولقبه ودعاؤه، ومتى صرف كتب عليه صرف بتاريخ كذا، واستخدم عوضا منه فلان بتاريخ كذا وأجري في الدعاء على منهاجه، أو زيد كذا أو نقص. ولا يتغافل عن ذلك: فإنه متى أهمل شيء من ذلك زلّ بزلله الكتّاب وصاحب الديوان بل والسلطان نفسه.

الثالث - أن يضع بالديوان دفترا للحوادث العظيمة

الثالث- أن يضع بالديوان دفترا للحوادث العظيمة وما يتلوها مما يجري في جميع المملكة، ويذكر كلّا منها في تاريخه؛ فإن المنفعة به كثيرة حتّى إنه لو جمع من هذين الدفترين تاريخ لاجتمع. الرابع- أن يعمل فهرستا للكتب الصادرة والواردة مفصّلا مسانهة ومشاهرة «1» ومياومة، ويكتب تحت اسم كل من ورد من جهته «كتاب ورد بتاريخ كذا» ، ويشير إلى مضمونه إشارة تدل عليه أو ينسخه جميعه إن دعت الحاجة إلى ذلك، ويسلمه بعد ذلك إلى الخازن ليتولّى الاحتفاظ به على ما سيأتي ذكره. الخامس- أن يعمل فهرستا للإنشاءات ، والتقاليد، والأمانات، والمناشير وغير ذلك مشاهرة في كل سنة بجميع شهورها؛ وإذا انقضت سنة استجدّ آخر، وعمل فيه على مثل ما تقدم. السادس- أن يعمل فهرستا لترجمة ما يترجم من الكتب الواردة على الديوان بغير اللسان العربيّ من الروميّ والفرنجيّ وغيرهما مصرّحا بمعنى كل كتاب ومن ترجمه على ما تقدّمت الإشارة إليه. قال الصوريّ: فإذا روعيت هذه القوانين انضبطت أموره ولم يكد يخلّ منه شيء، وكان جميع ما يلتمس منه موجودا بأيسر سعي في أسرع وقت. الضرب الثاني غير الكتاب، وهما اثنان أحدهما الخازن - قال الصوريّ «ينبغي أن يختار لهذه الخدمة رجل ذكي عاقل مأمون بالغ في الأمانة والثّقة ونزاهة النفس وقلة الطمع إلى الحدّ الذي لا يزيد عليه: فإن زمام جميع الديوان بيده؛ فمتى كان قليل الأمانة ربّما أمالته الرّشوة إلى إخراج شيء من المكاتبات من الديوان، وإفشاء سرّ من

الثاني - حاجب الديوان

الأسرار فيضّر بالدولة ضررا كبيرا. ويجب أن يكون ملازما للحضور بين يدي كتّاب الديوان فمتى كتب المنشيء أو المتصدّي لمكاتبة الملوك، أو المتصدّي لمكاتبة أهل الدولة، أو لكتابة المناشير وغيرها شيئا، سلمه للمتصدّي للنّسخ فينسخه حرفا بحرف، ويكتب بأعلى نسخه: «كتاب كذا» ، ويذكر التاريخ بيومه وشهره وسنته على ما تقدّم في موضعه، ويسلمه للخازن. وكذلك يفعل بالكتب الواردة بعد أن يأخذ خطّ الكاتب الذي كتب جوابها بما مثاله: «ورد هذا الكتاب من الجهة الفلانية بتاريخ كذا، وكتب جوابه بتاريخ كذا» . وإن كان لا جواب عنه، أخذ عليه خط صاحب الديوان أنه لا جواب عنه لتبرأ ذمته منه ولا يتأوّل عليه في وقت من الأوقات أنه أخفاه ولم يعلم به. ثم يجمع كلّ نوع إلى مثله، ويجمع متعلّقات كل عمل من أعمال المملكة من المكاتبات الواردة وغيرها، ويجعل لكل شهر إضبارة، يجمع فيها كتب من يكاتب من أهل تلك الأعمال، ويجعل عليها بطاقة مثل أن يكتب: «إضبارة لما ورد من المكاتبات بالأعمال الفلانية في الشهر الفلانيّ» ثم يجمع تلك الأضابير ويجعلها إضبارة واحدة لذلك الشهر ويكتب عليها بطاقة بذلك ليسهل استخراج ما أراد أن يستخرجه من ذلك. قال: «ويجب على هذا الخازن أن يحتفظ بجميع ما في هذا الديوان من الكتب الواردة ونسخ الكتب الصادرة، والتذاكر، وخرائط المهمّات، وضرائب الرسوم احتفاظا شديدا» . الثاني- حاجب الديوان . قال الصوريّ: «ينبغي لصاحب ديوان الإنشاء أن يقيم لديوانه حاجبا لا يمكّن أحدا من سائر الناس أن يدخل إليه، ما خلا أهله الذين هو معذوق «1» بهم، فإنه يجمع أسرار السلطان الخفية فمن الواجب كتمها ومتى أهمل ذلك لم يؤمن أن يطّلع منها على ما يكون بإظهاره سبب سقوط مرتبته وإذا كثر الغاشون له والداخلون إليه، أمكن أهل الديوان معه

إظهار الأسرار اتّكالا على أنها تنسب إلى أولئك، فإذا كان الأمر قاصرا عليهم احتاجوا إلى كتمان ما يعلمونه خشية أن ينسب إليهم إذا ظهر» . وأمّا ما استقر عليه الحال في زماننا فكتّاب الديوان على طبقتين: الطبقة الأولى- كتّاب الدّست، وهم الذين يجلسون مع كاتب السر بمجلس السلطان بدار العدل في المواكب على ترتيب منازلهم بالقدمة «1» ويقرأون القصص على السلطان بعد قراءة كاتب السر، على ترتيب جلوسهم ويوقّعون على القصص كما يوقّع عليها كاتب السر. وسمّوا كتّاب الدست إضافة إلى دست السلطان وهو مرتبة جلوسه: لجلوسهم للكتابة بين يديه؛ وهؤلاء هم أحقّ كتّاب ديوان الإنشاء باسم الموقّعين: لتوقيعهم على جوانب القصص بخلاف غيرهم. وقد تقدّم أنهم كانوا في أوائل الدولة التركية في الأيام الظاهرية بيبرس وما والاها، قبل أن يلقّب صاحب ديوان الإنشاء بكاتب السر ثلاثة كتاب، رأسهم القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، ثم زادوا بعد ذلك قليلا إلى أن صاروا في آخر الدولة الأشرفية شعبان بن حسين عشرة أو نحوها، ثم تزايدوا بعد ذلك شيئا فشيئا خصوصا في سلطنة الظاهر برقوق، وابنه الناصر فرج حتّى جاوزوا العشرين وهم آخذون في التزايد. وقد كانت هذه الرتبة لا حقة بشأو كتابة السر في الرفعة والرياسة إلى أن دخل فيها الدخيل، وقدّم فيها غير المستحق، ووليها من لا يؤهّل لما هو دونها، وانحطّت رتبتها وصار أهلها في الحضيض الأوهد من الرياسة بعد أوجها الا الأفذاذ ممن علت رتبته وقليل ما هم. الطبقة الثانية- كتّاب الدّرج، وهم الذين يكتبون ما يوقّع به كاتب السر أو كتّاب الدست أو إشارة النائب أو الوزير، أو رسالة الدوادار ونحو ذلك من

المكاتبات والتقاليد والتواقيع والمراسيم والمناشير والأيمان والأمانات ونحو ذلك مما يجري مجراه. وسمّوا كتّاب الدّرج لكتابتهم هذه المكتوبات ونحوها في دروج الورق، والمراد بالدّرج في العرف العامّ الورق المستطيل المركّب من عدّة أوصال، وهو في عرف الزمان عبارة عن عشرين وصلا متلاصقة لا غير. قال ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتّاب: وهو في الأصل اسم للفعل أخذا من درجت الكتاب أدرجه درجا إذا أسرعت طيّه وأدرجته إدراجا فهو مدرج إذا أعدته على مطاويه وأصله الإسراع في حالة، ومنه مدرجة الطريق التي يسرع الناس فيها وناقة دروج إذا كانت سريعة. ويجوز أن يطلق عليهم كتاب الإنشاء لأنهم يكتبون ما ينشأ من المكاتبات وغيرها مما تقدّم ذكره؛ ولا يجوز أن يطلق عليهم لقب الموقّعين لما تقدّم من أن المراد من التوقيع الكتابة على جوانب القصص ونحوها. وكما زاد كتّاب الدّست في العدد زاد كتاب الدّرج حتى خرجوا عن الحدّ، وبلغوا نحوا من مائة وثلاثين كاتبا، وسقطت رياسة هذه الوظيفة وانحط مقدارها حتّى إنه لم يرضها إلا من لم يكن أهلا، على أن كتّاب الدست الآن هم المتصدّون لكتابة المهم من كتابة الدّرج: كمتعلّقات البريد المختصة بالسلطان من المكاتبات والعهود والتقاليد وكبار التواقيع والمراسيم والمناشير، وصار كتاب الدّرج في الغالب مخصوصين بالمكاتبات في خلاص الحقوق وما في معناها. وكذلك صغار التوّاقيع والمراسيم والمناشير مما يكتب في القطع الصغير، وربما شارك أعلاهم كتّاب الدست في التقاليد وكبار التواقيع وما في معناهما إذا كان حسن الخط، ولا نظر إلى البلاغة جملة بل كل أحد يلفّق ما يتهيّأ له من كلام المتقدّمين غير مبال بتحريفه ولا تصحيفه مبتهجا بذلك، مطالعا لغيره في أنه الذي ابتدعه وابتكره. وكل من لفّق منهم شيئا أو أنشأه كتبه بخطه على أيّ طبقة كان في الخط، ما خلا عهود السلطنة ومكاتبات القانات «1» من ملوك الشرق فإنه ربّما

انتخب لها أعلى أهل الزمان خطّا، تنويها بذكرها، ورفعة لقدرها. أما كتابة التذاكر والدفاتر فقد كان الأمر مستمرّا في بعضها ككتابة ما في المكاتبات الواردة والصادرة بدفتر في الديوان إلى آخر مباشرة القاضي بدر الدّين بن فضل الله «1» في الدولة الظاهرية برقوق، ثم رفض ذلك وترك واقتصر على ما يرد من المكاتبات وما يكتب من الملخّصات وكتابة الموقّع الذي يكتب الجواب بسدّ كل فصل تحته ليس إلا وترك ما وراء ذلك، واكتفي من الخازن بدوادار كاتب السر، وصار هو المتولّي لحفظ ذلك وإيداعه في الأضابير على نحو ما تقدم؛ وكذلك صار أمر حجابة الديوان إليه. ثم للديوان أعوان يسمّون المدرا» جمع مدير، شأنهم أخذ القصص ونحوها وإدارتها على كاتب السر فمن دونه من كتّاب الديوان ليكتب كلّ منهم ما يلزمه من متعلّقها ولذلك سمّوا بهذا الاسم.

المقالة الأولى بعد المقدمة في بيان ما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من المواد، وفيه بابان

المقالة الأولى بعد المقدّمة في بيان ما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من المواد، وفيه بابان الباب الأول فيما يحتاج إليه الكاتب من الأمور العلمية، وفيه ثلاثة فصول الفصل الأول فيما يحتاج إليه الكاتب على سبيل الإجمال وقد اختلفت مقاصد المصنّفين في ذلك: فابن قتيبة بعد أن بنى كتابه «أدب الكاتب» على أمور من اللّغة والتصريف وطرف من الهجاء قال: «وليس كتابنا هذا لمن لم يتعّلق من الإنسانية إلا بالجسم، ولا من الكتابة إلا بالرّسم، ولم يتقدّم من الأداة، إلا بالقلم والدواة: ولكنه لمن شدا «1» شيئا من الإعراب فعرف الصّدر والمصدر، وانقلاب الياء عن الواو، والألف عن الياء، وأشباه ذلك من النظر في الأشكال لمساحة الأرضين حتّى يعرف المثلّث القائم الزاوية، والمثلث الحادّ، والمثلّث المنفرج، ومساقط الأحجار، والمربعّات المختلفات، والقسيّ، والمدوّرات، والعمودين؛ وتمتحن معرفته بالعمل في الأرضين لا في الدفاتر، فإن المخبر عنه ليس كالمعاين. وذكر أن العجم كانت تقول: من لم يكن عالما بإجراء المياه، وحفر فرض «2» المشارب وردم المهاوي، ومجاري الأيام في الزيادة والنقصان، ودوران الشمس، ومطالع

النجوم، وحال القمر في استهلاله واتصاله، ووزن الموازين، وذرع المثلث والمربّع والمختلف الزّوايا، ونصب القناطر، والجسور، والدّوالي، والنّواعير على المياه، وحال أدوات الصّنّاع، ودقائق الحساب، كان ناقصا في حال كتابته. ثم قال: ولا بدّ له مع ذلك من النّظر في جمل من الفقه والحديث، ودراسة أخبار الناس، وحفظ عيون الأخبار ليدخلها في تضاعيف سطوره متمثلا بها إذا كتب، أو يصل بها كلامه إذا حاور. وختم ذلك بأن قال: ومدار الأمر في ذلك كلّه على القطب وهو العقل وجودة القريحة، فإن القليل معهما بإذن الله تعالى كاف، والكثير مع غير هما مقصر» . وتابعه أبو هلال العسكري في بعض ذلك فقال في بعض أبواب كتابه «الصناعتين» : «ينبغي أن تعلم أن الكتابة تحتاج إلى آلات كثيرة، وأدوات جمّة: من معرفة العربيّة لتصحيح الألفاظ وإصابة المعنى؛ وإلى الحساب، وعلم المساحة، والمعرفة بالأزمنة والشهور والأهلّة وغير ذلك مما ليس هذا موضع ذكره وشرحه» . «1» ولا يخفى أن ما ذكره وبعض ما ذكره ابن قتيبة، يتواردان فيه في المعنى وإن اختلف اللفظ. وخالف أبو جعفر النحاس في كثير من ذلك فذكر في أوّل كتابه «صناعة الكتاب» في المرتبة الثانية منه بعد ما يتعلق بالخط: أن من أدوات الكتابة البلاغة، ومعرفة الأضداد مما يقع في الكتب والرسائل والعلم بترتيب أعمال الدواوين، والخبرة بمجاري الأعمال، والدّربة بوجوه استخراج الأموال، مما يجب ويمتنع. ثم قال: فهذه الآلات ليس لواحد منها تميّز بذاته، ولا انفراد باسم يخصّه؛ وإنما هو جزء من الكتابة وأصل من أركانها. أما الفقه والفرائض والعلم بالنحو واللغة وصناعة الحساب والمساحة والنّجوم، والمعرفة بإجراء المياه، والعلم بالأنساب فكل واحد منها منفرد على حدته وإن

كان الكاتب يحتاج إلى أشياء منها نحو ما يكتب بالألف والياء، وإلى شيء من المقصور والممدود. ولو كلف الكاتب ما ذكره من ذكره لجعل الأصعب طريقا للأسهل والأشقّ مفتاحا للأهون وفي طباع الناس النّفار عما ألزمهم من جميع هذه الأشياء. قلت: والتحقيق أن ذلك يختلف باختلاف حال الكتابة بحسب تنوعها، فكلّ نوع من أنواعها يحتاج إلى معرفة فنّ أو فنون تختصّ به. وقد حكي أن عمرو بن مسعدة وزير المعتصم قال: لما خرج المعتصم من بلاد الروم وصار بناحية الرّقّة «1» ، قال لي: ويلك يا عمرو! لم تزل تخدعني حتّى ولّيت عمر بن الفرج الرّخّجي «2» الأهواز وقد قعد في سرّة الدنيا «3» يأكلها خضما «4» وقضما! فقلت: يا أمير المؤمنين فأنا أبعث إليه حتّى يؤخذ بالأموال ولو على أجنحة الطّير- قال: كلّا بل تخرج إليه بنفسك كما أشرت به- فقلت لنفسي: إن هذه منزلة خسيسة، بعد الوزارة أكون مستحثّا لعامل خراج! ولم أجد بدّا من الخروج رضا لأمير المؤمنين- فقلت: ها أبا خارج إليه بنفسي يا

أمير المؤمنين! قال: فضع يدك على رأسك واحلف أنك لا تقيم ببغداد، ففعلت وأحدثت عهدا بإخواني ومنزلي وأتي إليّ بزورق ففرش لي فيه، ومضيت حتّى إذا صرت بين دير هرقل «1» ودير العاقول «2» إذا شابّ على الشط يقول: يا ملّاح! رجل غريب يريد دير العاقول فاحملني يأجرك الله! - فقلت: يا غلام قرّب له- فقال: جعلت فداك! يؤذيك ويضيّق عليك- فقلت: قرّب له لا أمّ لك! فقرّب له وحمله على مؤخّر الزورق. وحضر الطعام، فهممت أن لا أدعوه إلى طعامي، ثم قلت: هلمّ يا فتى، فوثب وجلس، فأكل أكل جائع نهم إلا أنه نظيف الأكل؛ فلما فرغ من الطعام أحببت أن يفعل ما يفعل العوّام فيتنحّى ويغسل يديه ناحية فلم يفعل، فغمزه الغلمان ليقوم فلم يفعل، فتناومت عمدا لينهض فلم يفعل، فاستويت جالسا وقلت يا فتى! ما صناعتك؟ فقال جعلت فداك! أنا حائك. فقلت في نفسي: أنا والله جلبت هذه البلية، وتغير لوني، ففطن أني استثقلته، فقال: جعلت فداك! انك قد سألتني عن صناعتي فأجبتك، فأنت ما صناعتك؟ فقلت: هذه والله أضرّ من الأولى ألا ينظر إلى غلماني ونعمتي فيعلم أن مثل هذا لا يسأل عن الحرفة؟ ولم أجد بدّا من الجواب، فلم أذهب إلى المرتبة العظمى من الوزارة لكني قرّبت عليه، فقلت: أنا كاتب- فقال: جعلت فداك! الكتّاب خمسة فأيهم أنت؟ فأورد عليّ ما لم أسمع به قبل- فقلت: بيّنهم لي- قال نعم، هم كاتب رسائل يحتاج إلى أن يعرف المفصول والموصول، والمقصور والممدود، والابتداء والجواب؛ حاذقا بالعقود والفتوح- قلت: أجل وماذا؟ قال: كاتب خراج يحتاج أن يعرف السّطوح والمساحة والتّقسيط، خبيرا بالحساب والمقاسمات. قلت: وماذا؟ قال: كاتب قاض يحتاج أن يعرف الحلال والحرام، والتأويل

والتنزيل، والمتشابه والحدود القائمة والفرائض، والاختلاف في الأموال والفروج، حافظا للأحكام، حاذقا بالشروط- قلت: وماذا؟ قال: وكاتب جند يحتاج أن يعرف الحلى والشّيات «1» - قلت: وماذا؟ قال: وكاتب شرطة يحتاج أن يعرف القصاص والجراحات، وموضع الحدود، ومواقع العفو في الجنايات- قلت حسن. قال: فأيّهم أنت؟ فكنت متّكئا فاستويت جالسا متعجّبا من قوله، فقلت: أنا كاتب رسائل- قال: فإن أخا من إخوانك واجب الحقّ عليك معتنيا بأمورك لا يغفل منها عن صغير ولا كبير يكاتبك في كل محبوب ومكروه وأنت له على مثل ذلك تزوّجت أمّه كيف تكتب إليه؟ أتهنيه أم تعزيه؟ - قلت أهنيه. قال فهنّه فلم يتّجه لي شيء- فقلت: لا أعزّيه ولا أهنّيه، فقال: إنك لا تغفل له عن شيء ولا تجد بدّا من أن تكتب إليه- فقلت: أقلني فأنا كاتب خراج- قال: فإنّ أمير المؤمنين وجّه بك إلى ناحية من عمله، وأمرك بالعدل والإنصاف، وأنك لا تدع شيئا من حقّ السلطان يذهب ضياعا، وحذّرك الظّلم والجور، فخرجت حتّى قدمت الناحية فوقفوك على قراح أرض خطه قابل قسيا كيف تمسحه- قلت: آخذ وسطه وآخذ طوله فأضربه فيه- قال: تختلف عليك العطوف- قلت: آخذ طوله وعرضه من ثلاثة مواضع- قال: إن طرفيه محدودان وفي تحديده تقويس وذلك يختلف- فأعياني ذلك- فقلت: أقلني فأنا كاتب قاض- قال: فإنّ رجلا هلك وخلّف زوجة حرّة وسرّيّة حاملتين فوضعتا في ليلة واحدة وضعت الحرّة جارية، ووضعت السّرّيّة غلاما، فوضعت الجارية في مهد السّرّيّة، فلما أصبحت السّرّية قالت الغلام لي، وقالت الحرّة بل هو لي كيف تحكم بينهما؟ - قلت: لا أدري فأقلني، فأنا كاتب جند، قال: فإن رجلين من أصحاب السلطان أتياك اسمهما واحد، وأحدهما مشقوق الشّفة العليا، والآخر مشقوق الشّفة السّفلى، ورزق أحدهما مائة والآخر ألف كيف تحلّيهما؟ - قلت: فلان الأعلم وفلان

الأعلم، قال: إذن يجيء هذا ورزقه مائة فيأخذ الألف، ويجيء هذا ورزقه ألف فيأخذ المائة- قلت أقلني: فأنا كاتب شرطة،- قال: فإن رجلين تواثبا فشجّ أحدهما صاحبه موضحة «1» ، وشجّه الآخر مأمومة «2» كيف يكون الحكم فيهما؟ - قلت: لا أدري فأقلني،. قال فقلت: إنك قد سألتني فبيّن لي- قال نعم. أما الذي تزوّجت أمّه فتكتب إليه: أما بعد فإن الأمور تجري على غير محابّ المخلوقين والله يختار لعباده، فخار «3» الله لك في قبضها إليه فإن القبور أكرم الأكفاء والسلام. وأما القراح من الأرض، فإنك تمسح اعوجاجه حتّى تعلم كم قبضة تكون فيه فإذا استوى في يدك عقد تعرفه ضربت طرفه في وسطه. وأما الحرّة والسّرّية فيوزن لبنهما فأيّهما كان لبنها أخفّ فالبنت لها. وأما المشقوق الشّفة العليا فأعلم والمشقوق الشّفة السّفلى فأفلح. وأما المأمومة ففيها ثلث الدية وهي ثلاث وثلاثون من الإبل وثلث. وأما الموضحة ففيها خمس من الإبل؟. فقلت: ألست تزعم أنك حائك، فقال: أنا حائك كلام لا حائك نساجة. قال عمرو بن مسعدة: فأحسنت جائزته واستصحبته معي حتّى عدت إلى المعتصم، فسألني عمّا لقيت في طريقي، فقصصت عليه القصّة فأعجب به وقال: لم يصلح؟ فقلت: للعمائر «4» فقرّره فيها وعلت رتبته، فكنت ألقاه في الموكب النبيل فيترجّل لي فأنهاه، فيقول: هذه نعمتك وأنت أفدتها.

فقد تبين بهذه الحكاية أن لكل نوع من الكتابة مادّة يحتاج إليها بمفردها، وآلة تخصها لا يستغنى عنها. على أن كاتب الإنشاء في الحقيقة لا يستغني عن علم ولا يسعه الوقوف عند فنّ، فقد قال الوزير ضياء الدين بن الأثير في «المثل السائر» إن صاحب هذه الصناعة يحتاج إلى التشبث بكل فنّ من الفنون حتّى إنه يحتاج إلى معرفة ما تقوله النادبة بين النساء، والماشطة عند جلوة العروس، وإلى ما يقوله المنادي في السّوق على السّلعة فما ظنّك بما فوق هذا وذلك! لأنه مؤهّل أن يهيم في كل واد، فيحتاج إلى أن يتعلق بكل فن. بل قد قيل إن كل ذي علم يسوغ أن ينسب إليه، فيقال فلان النحويّ، وفلان الفقيه، وفلان المتكلّم، ولا يجوز أن ينسب المتعلق بالكتابة إليها، فلا يقال فلان الكاتب لما يفتقر إليه من الخوض في كل فن. واعلم أن كاتب الإنشاء وإن كان يحتاج إلى التعلق بجميع العلوم والخوض في سائر الفنون فليس احتياجه إلى ذلك على حدّ واحد بل منها ما يحتاج إليه بطريق الذات وهي موادّ الإنشاء التي يستمدّ منها ويقتبس من مقاصدها: كاللغة التي منها استمداد الألفاظ، والنحو الذي به استقامة الكلام، وعلوم البلاغة: من المعاني والبيان والبديع التي هي مناط التحقيق والتحسين والتقبيح ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى. وعلى هذا اقتصر الوزير ضياء الدين بن الأثير في «المثل السائر» وتبعه على ذلك الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ رحمه الله في كتابه «حسن التوسل» . ومنها ما يحتاج إليه بطريق العرض كالطّبّ والهندسة والهيئة ونحوها من العلوم؛ فإنه يحتاج إلى معرفة الألفاظ الدائرة بين أهل كل علم، وإلى معرفة المشهورين من أهله ومشاهير الكتب المصنّفة فيه لينظم ذلك في خلال كلامه فيما يكتب به من متعلّقات كل فن من هذه الفنون كالألفاظ الدائرة بين أهل الطب ومشاهير أهله وكتبه فيما يكتب به لرئيس الطب، ونحو ذلك من الهيئة فيما يكتب به لمنجّم،

ونحوه من الهندسة فيما يكتب به لمهندس. وربما احتاج إلى معرفة ما هو دون ذلك في الرتبة كمعرفة مصطلح رماة البندق فيما يكتب به في قدمات البندق، ومعرفة مصطلح الفتيان فيما يكتب به في دسكرة فتوّة ونحو ذلك، بل ربّما احتاج إلى معرفة مصطلح سفل الناس لكتابة أمور هزليّة: كمعرفة أحوال الطّفيليّة فيما يكتب به لطفيليّ اقتراحا أو امتحانا للخاطر أو ترويحا للنفس، مع معرفة ما يجب عليه من وصف ما يحتاج إلى وصفه كأوصاف الأبطال والشّجعان، والجواري والغلمان، والخيل والإبل، وجليل الوحش وسائر أصنافه، وجوارح الوحش والطير، وطير الواجب «1» ، والحمام الهدي «2» ، وسائر أنواع الطير؛ والسلاح بأنواعه؛ وآلات الحصار، والآلات الملوكيّة، وآلات السفر، وآلات الصّيد، وآلات المعاملة، وآلات اللهو والطّرب، وآلات اللعب، وآلات الشربة؛ والمدن، والحصون؛ والمساجد، وبيوت العبادات؛ والرياض، والأشجار، والأزهار، والثمار؛ والبراريّ، والقفار والمفاوز، والجبال، والرمال، والأودية؛ والبحار، والأنهار، وسائر المياه؛ والسفن، والكواكب، والعناصر، والأزمنة، والأنواء، والرياح، والمطر، والحر، والبرد، والثلج، وما يتعلق بكل واحد من هذه الأشياء أو ينخرط في سلكه؛ ونحو ذلك مما تدعو الحاجة إلى وصفه في حالة من حالات الكتابة على ما سيأتي بيانه في آخر الفصل الثاني من هذا الباب إن شاء الله تعالى.

الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة الأولى فيما يحتاج الكاتب إلى معرفته من مواد الإنشاء، وفيه طرفان

الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة الأولى فيما يحتاج الكاتب إلى معرفته من موادّ الإنشاء، وفيه طرفان الطرف الأوّل فيما يحتاج إليه من الأدوات؛ ويشتمل الغرض منه على خمسة عشر نوعا النوع الأوّل المعرفة باللغة العربية؛ وفيه أربعة مقاصد المقصد الأوّل في فضلها وما اختصّت به على سائر اللغات أما فضلها فقد أخرج ابن أبي شيبة «1» بسنده إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) أنه قال: «تعلّموا اللّحن والفرائض فإنّه من دينكم» . قال يزيد بن هارون «2» : «اللّحن هو اللّغة» . ولا خفاء أنها أمتن اللغات وأوضحها بيانا، وأذلقها لسانا، وأمدّها رواقا، وأعذبها مذاقا؛ ومن ثمّ اختارها الله تعالى لأشرف رسله، وخاتم أنبيائه، وخيرته من خلقه، وصفوته من بريّته، وجعلها لغة أهل سمائه وسكان جنته، وأنزل بها كتابه المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. قال «3» في صناعة الكتّاب: «وقد انقادت اللّغات كلّها للغة العرب،

فأقبلت الأمم إليها يتعلّمونها» . وأما ما اختصّت به على غيرها من اللغات، فقد حكى في «صناعة الكتّاب» أنها اللّغة التامّة الحروف، الكاملة الألفاظ، لم ينقص عنها شيء من الحروف فيشينها نقصانه، ولم يزد فيها شيء فيعيبها زيادته؛ وإن كان لها فروع أخرى من الحروف فهي راجعة إلى الحروف الأصلية؛ وسائر اللّغات فيها حروف مولّدة، وينقص عنها حروف أصليّة: كاللغة الفارسية: تجد فيها زيادة ونقصانا. وكذلك يوجد فيها من الأسماء ما لا يوجد في الفارسية وغيرها: كالحقّ والباطل، والصواب والخطإ، والحلال والحرام، فلا ينطق به أهل تلك اللغة إلا عربيا. قال الفراء «1» : «وجدنا للغة العرب فضلا على لغة جميع الأمم اختصاصا من الله تعالى وكرامة أكرمهم بها؛ ومن خصائصها أنه يوجد فيها من الإيجاز ما لا يوجد في غيرها من اللغات» . قال: «ومن الإيجاز الواقع فيها أن للضّرب كلمة واحدة فتوسّعوا فيها، فقالوا للضرب في الوجه لطم، وفي القفا صفع، وفي الرأس إذا أدمى شجّ؛ فكان قولهم لطم أوجز من ضرب على وجهه» . قال في «المثل السائر» : «حضرت مع رجل يهوديّ عارف باللّغات فجرى ذكر اسم الجمل فقال: لا شكّ أن العربيّة أوجز اللغات، فإنّ اسم الجمل بالعبرانيّة «كومل» فسقط منه الواو وحوّلت الكاف إلى الجيم» . قال أبو عبيد «2» : «وللعرب في كلامها علامات لا يشركهم فيها أحد من الأمم كعلامة إدخالهم الألف واللام في أوّل الاسم، وإلزامهم إياه الإعراب في كل وجه مع نقلهم كلّ ما احتاجوا إليه من كلام العجم إلى

المقصد الثاني في وجه احتياج الكاتب إلى اللغة

كلامهم؛ فقد نقل ما قالت حكماء العجم والفلاسفة إلى العربية ولم يقدر أحد من الأمم على نقل القرآن إلى لغته لكمال لغة العرب. على أنّ الكثير من الناس حاولوا ذلك فعسر عليهم نقله، وتعذّرت عليهم ترجمته؛ بل لم يصلوا إلى ترجمة البسملة إلا بنقل بعيد» . المقصد الثاني في وجه احتياج الكاتب إلى اللغة لامرية في أن اللّغة هي رأس مال الكاتب، وأسّ كلامه، وكنز إنفاقه؛ من حيث إن الألفاظ قوالب للمعاني التي يقع التصّرف فيها بالكتابة؛ وحينئذ يحتاج إلى طول الباع فيها، وسعة الخطو، ومعرفة بسائطها: من الأسماء والأفعال والحروف، والتصرّف في وجوه دلالتها الظاهرة والخفية: ليقتدر بذلك على استعمالها في محالّها، ووضعها في مواضعها اللائقة بها، ويجد السبيل إلى التوسّع في العبارة عن الصّور القائمة في نفسه فيتّسع عليه نطاق النّطق، وينفسح له المجال في العبارة، وينفتح له باب الأوصاف فيما يحتاج إلى وصفه، وتدعو الضرورة إلى نعمته، فيستظهر على ما ينشيه، ويحيط علما بما يذره ويأتيه؛ إذ المعاني وإن كانت كامنة في نفس المعبّر عنها فإنما يقوى على إبرازها وإبانتها من توفّر حظّه من الألفاظ، واقتداره على التصرّف فيها: ليأمن تداخلها وتكريرها المهجّنين للمعاني- وناهيك أن ابن قتيبة «1» لم يضمّن كتابه «أدب الكاتب» غير اللّغة إلا النّزر اليسير من الهجاء، وأبا جعفر النحاس ضمّن كتابه «صناعة الكتاب» جزءا وافرا من اللغة، وأبا الفتح كشاجم «2» لم يزد في كتابه «كنز الكتاب» على ذكر الألفاظ وصورة تركيبها.

المقصد الثالث في بيان ما يحتاج إليه الكاتب من اللغة؛ ويرجع المقصود منه إلى خمسة أصناف

المقصد الثالث في بيان ما يحتاج إليه الكاتب من اللغة؛ ويرجع المقصود منه إلى خمسة أصناف الصنف الأوّل- الغريب ، وهو ما ليس بمألوف الاستعمال، ولا دائر على الألسنة؛ وذلك أن مدار الكتابة على استخراج المعاني من القرآن الكريم، والأحاديث النبويّة، والشعر؛ وألفاظها لا تخلو عن الغريب؛ بل ربّما غلب الغريب منها في الشّعر على المألوف لا سيّما الشعر الجاهليّ. وقد قال الأصمعيّ «1» «توسّلت بالملح ونلت بالغريب» . قال صاحب «الريحان والريعان» : «والغريب، وإن لم ينفق منه الكاتب فإنه يجب أن يعلم ويتطلّع إليه ويستشرف؛ فربّ لفظة في خلال شعر أو خطبة أو مثل نادر أو حكاية؛ فإن بقيت مقفلة دون أن تفتح لك، بقي في الصدر منها حزازة تحوج إلى السّؤال، وإن صنت وجهك عن السؤال، رضيت بمنزلة الجهّال» . وقد عاب ابن قتيبة رجلا كتب في وصف برذون: «وقد بعثت به أبيض الظهر والشّفتين» . فقيل له: هلّا قلت في بياض الشفتين أرثم ألمظ! فقال لهم: فبياض الظهر، قالوا لا ندري، فقال: إنما جهلت من الشفتين ما جهلتم من الظّهر. وذمّ قوما من وجوه الكتّاب بأنه اجتمع معهم في مجلس فتذاكروا عيوب الرقيق فلم يكن فيهم من يفرّق بين الوكع «2» والكوع «3» ، ولا بين الحنف «4» والفدع «5» ، ولا

بين اللّمى «1» واللّطع «2» ثم قال: «وأيّ مقام أخزى لصاحبه من رجل من الكتّاب اصطفاه بعض الخلفاء، وارتضاه لسرّه، فقرأ عليه يوما كتابا فيه مطرنا مطرا كثر عنه الكلأ، فقال له الخليفة ممتحنا له: وما الكلأ؟ فتردّد في الجواب، وتعثّر لسانه ثم قال: لا أدري؛ فقال: سل عنه» قال أبو القاسم الزجاجيّ في شرح مقدّمة أدب الكاتب: وهذا الخليفة هو المعتصم والكاتب أحمد بن عمّار، وكان يتقلّد العرض عليه؛ وكان المعتصم ضعيف البصر بالعربية؛ فلما قرأ عليه أحمد بن عمّار الكتاب وسأله عن الكلإ فلم يعرفه، قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون! خليفة أميّ، وكاتب عامّيّ؛ ثم قال: من يقرب منّا من كتّاب الدار؟ فعرّف مكان محمد بن عبد الملك الزيات، وكان يقف على قهرمة» الدار فأمر بإشخاصه، فلما مثل بين يديه، قال له ما الكلأ؟ قال: النبات كلّه رطبه ويابسه، فإذا كان رطبا قيل له خلّا، وإذا كان يابسا قيل له حشيش، وأخذ في ذكر النبات من ابتدائه إلى اكتهاله إلى هيجه، فقال المعتصم «ليتقلّد هذا العرض علينا» . ثم خصّ به حتّى استوزره. فقد ظهر أن معرفة الغريب من الأمور الضرورية للكاتب التي هي من أهم شأنه، وأعنى مقاصده. وجلّ كتب اللغة المصنّفة في شأنها راجعة إليه، كصحاح الجوهريّ «4» ، ومحكم ابن سيده «5» ، ومجمل ابن فارس «6» وغيرها

من المصنّفات التي لا تكاد تحصى كثرة، والصحاح أقربها مأخذا، والمحكم أمثلها طريقة، وأكثرها جمعا، وأكملها تحقيقا. وقد صرف قوم من المصنّفين العناية من ذلك إلى الاقتصار على ذكر الأسماء والأوصاف: كأوصاف الرجال والنساء المحمودة والمذمومة، وما يختص من ذلك بالرجال والنساء، وأوصاف الخيل، وأعضائها، وألوانها، وشياتها، وأسنانها، وسيرها، وعدوها وما يخص الذكور والإناث منها؛ وأوصاف الوحوش: من السباع والظّباء والوعول والبقر والحمر الوحشيّين؛ وأسماء الطير: من الجوارح الصائدة والطيور المصيدة، وبغاث «1» الطير كالرّخم «2» ، وصغاره كالنحل والجراد؛ وأوصاف الهوام كالحشرات: من الحيّات والوزغ «3» ونحو ذلك؛ وأوصاف العلويّات: من السماء والسّحاب والرّياح والأمطار، والأزمنة: كأوقات الليل والنهار، وأوقات الشهر وفصول السنة ونحو ذلك؛ وأسماء النّبات: من الشجر البرّيّ كالطّلح والأراك، والبستانيّ كالنخل والعنب؛ والنبات البرّي كالشّيح والقيصوم؛ وأنواع المرعى، وأسماء الأماكن: من البراري والقفار، والرمال والجبال والأحجار، والمياه والبحار والأنهار والعيون والسّيول، والرّياض والمحالّ والأبنية، وأسماء جواهر الأرض: من اليواقيت ونحوها؛ وسائر مستخرجات المعادن، كالنّحاس والرّصاص وما يجري مجراها؛ ومستخرجات البحر: من اللّؤلؤ والعنبر والمرجان وغيرها؛ وأسماء المأكولات: من الحبوب، والفواكه، والأطعمة المصنوعة والأطبخة، وأسماء الأشربة: كالماء، واللّبن، والعسل، والخمر؛ وأسماء السّلاح: من السيوف، والرّماح، والقسيّ، والسّهام، والدروع وغيرها؛ وأسماء اللباس: من الثياب على اختلافها؛ وأسماء الأمتعة، والآنية

الصنف الثاني - الفروع المتشعبة في المعاني المختلفة

وسائر الآلات؛ وأسماء الطيب: من المسك، والنّدّ، والغالية، والزّعفران، وما أشبهها. وكذلك كل ما يجري هذا المجرى. و «كفاية المتحفظ» لابن الأجدابي «1» ، و «المذهبة والمعقبة» لابن أصبغ «2» كافلتان بالكثير من ذلك. وفي «أدب الكاتب» لابن قتيبة و «فقه اللغة» للثعالبي «3» الجزء الوافر من ذلك. وصرف آخرون عنايتهم إلى التأليف في الأفعال وتصاريفها كابن درستويه «4» وغيره. وفي «فصيح ثعلب» «5» جزء وافر من ذلك؛ ولعصريّنا الشيخ مقبل الصّر غتمشيّ «6» النحويّ كتاب زاد فيه عليه جمعا ووضوحا. الصنف الثاني- الفروع المتشعبة في المعاني المختلفة ، وهي فروع كثيرة متّسعة الأرجاء، متباينة المقاصد، لا يكاد يجمعها مصنّف، وإن كان الكاتب لا يستغني عن شيء منها، ولا يحسن به تركه. منها المتباين والمترادف. فأما المتباين فهو ما دلّ لفظ الكلمة منه على

خلاف ما دلت عليه الكلمة الأخرى، كالسواد والبياض، والطول والعرض؛ ويحتاج إليه في التعبير عن المعاني المختلفة لا تساع نطاق الكلام. وأما المترادف فهو المتوارد الألفاظ على مسمّى واحد كالأسد والسبع للحيوان المفترس، والثّنيّة والقلوص للناقة، ونحو ذلك. ويحتاج إلى معرفة ذلك للمخلص عند ضيق الكلام عليه في موضع لطول لفظة أو قصرها أو اختلاف وزنها في شعر، أو رعاية الفاصلة آخر الفقرة في نثر، أو غير ذلك مما يضطّر فيه إلى إيراد بعض الألفاظ بدل بعض، كما في قوله: وثنيّة جاوزتها بثنيّة ... حرف يعارضها جنيب أدهم فإنه أراد بالثنية الأولى العقبة، وبالثنية الثانية الناقة، والجنيب الأدهم استعارة لظلها. فالثنّية من حيث وقوعها على الناقة والعقبة أوفق للتجنيس من الناقة، إذ لو ذكر الناقة مع الثنية التي هي الطريق لفاته التجنيس. ومحل الكلام عليهما كتب الفقه ونحوها. ومنها الحقيقة والمجاز. والحقيقة هي اللفظ الدالّ على موضوعه الأصليّ كالأسد للحيوان المفترس، والحمار للحيوان المعروف. والمجاز هو ما أريد به غير الموضوع له في أصل اللغة، كالأسد للرجل الشجاع بعلاقة الشجاعة في كل منهما، والحمار للبليد بعلاقة البلادة في كل منهما؛ ويحتاج إليه لنقل الألفاظ من حقائقها إلى الاستعارة والتمثيل والكناية لما بينهما من العلاقة والمناسبة، كاليد فإنها في أصل اللغة للجارحة أطلقت على القوّة والنعمة مجازا، من حيث إن القوة تظهر في اليد والنعمة تولى بها ومحل ذكرهما أصول الفقه وما في معناها. ومنها الألفاظ المتضادّة وهي التي تقع كل لفظة منها على ضدّ ما تقع عليه الأخرى كالأمانة والخيانة، والنصيحة والغش، والفتق والرتق، والنقض والإبرام، ونحو ذلك فإن الكلام كثيرا ما ينبني على الأضداد وربما غلط الكاتب فجعل مقابل الشيء غير ضدّه فيلزمه النقص في صناعته، وفوات ما

يقصده من المقابلة والطّباق اللذين هما من أحسن أنواع البديع. وفي «صناعة الكتّاب» لابي جعفر النحاس جملة صالحة من ذلك، وفي «كنز الكتّاب» لأبي الفتح كشاجم جملة جيدة منه أيضا. ومنها تسمية المتضادّين باسم واحد كالجون للأسود والأبيض، والقرء للطّهر والحيض، والصّريم للّيل والنهار، ووراء لخلف وقدّام، ونحو ذلك. ويحتاج إليه للتمييز بين الحقائق التي يقع اللّبس فيها. وفي «أدب الكاتب» جملة من ذلك. ومنها المقصور والممدود كالندى للجود وندى الأرض، والحفا لكلال القدم والحافر؛ والممدود كالسماء للفلك وكلّ ما علاك، والبقاء لضدّ الفناء، ونحو ذلك، وما يجوز فيه المدّ والقصر جميعا كالزّناء والشّراء وما أشبههما. ويحتاج إليه الكاتب من ثلاثة أوجه: أحدها أن الدلالة تختلف باعتبار المدّ والقصر كلفظ الهوى فإنه إن قصر كان بمعنى هوى النفس، وإن مدّ كان بمعنى ما بين السماء والأرض. الثاني أنه إذا أضيف الممدود أضيف بزيادة واو في الكتابة في حالة الرفع وزيادة ياء في حالة الخفض، وإذا أضيف المقصور لم يحتج إلى زيادة واو ولا ياء؛ ولو كان «1» مما يجوز فيه المدّ والقصر، جاز فيه بعض حركاته. وبما يمد كالبلاء والقلاء، فإنه إذا كسر أوّلهما قصرا وكتبا بالياء وإذا فتح مدّا وكتبا بالألف. وكالباقلاء فإنه إذا خفّف مدّ وإذا شدّد قصر، فمتى لم يعرف الكاتب ذلك كان قاصرا في صناعته؛ وفي «أدب الكاتب» من ذلك جملة. ومنها المذكر والمؤنث فإنه تختلف أحواله باعتبار التذكير والتأنيث في

كثير من الأمور؛ وذلك أن المؤنث على ضربين: أحدهما ما فيه علامة من علامات التأنيث الثلاث، وهي الهاء نحو حمزة وطلحة، والألف الممدودة نحو حمراء، والألف المقصورة نحو حبلى. وضرب لا علامة فيه وإنما يؤخذ من السّماع: كالسماء، والأرض، والقوس، والحرب، وما أشبهها. وربما كان منه ما يجوز فيه التذكير والتأنيث كالطّريق، والسبيل، والموسى واللّسان، والسّلطان، وما أشبهها؛ فإن من العرب من يذكّر ذلك ومنهم من يؤنّثه. وربما وقع لفظ التأنيث على الذكر والأنثى جميعا كالسّخلة والحيّة والحمامة والنّعامة والبطّة ونحوها. وأيضا فإن من وصف المؤنث ما يحذف منه الهاء باعتبار تأويل آخر كصيغة فعيل: فإنه إن كان بمعنى مفعول كقتيل بمعنى مقتول وخضيب بمعنى مخضوب، حذفت الهاء من مؤنّثه: فيقال امرأة قتيل وكفّ خضيب وما أشبه ذلك، وإن كان بمعنى فاعل كعليم بمعنى عالم ورحيم بمعنى راحم، تثبت الهاء في مؤنّثه، فتقول فيه عليمة ورحيمة. وعلى العكس من ذلك «فعول» فإنه إن كان بمعنى فاعل كان بغير هاء نحو امرأة صبور وشكور بمعن صابرة شاكرة، وإن كان بمعنى مفعول كان مؤنّثه بالهاء كالحلوبة بمعنى المحلوبة، والرّكوبة بمعنى المركوبة؛ وصيغة مفعل مما لا يوصف به الذكور تكون بغير هاء كامرأة مرضع، فإن أرادوا الفعل قالوا مرضعة؛ وصيغة فاعل مما لا يكون وصفا لمذكر تكون بغير هاء أيضا نحو امرأة طالق وحامل، وربّما حذفت الهاء مما يكون للمذكر والمؤنّث جميعا فتقول امرأة عاقر ورجل عاقر. وفي «أدب الكاتب» و «فصيح ثعلب» جملة من ذلك. وفي كتب النحو المبسوطة قواعد موصّلة إلى مقاصده. ومنها المهموز وغير المهموز؛ فإن المعنى قد يختلف في اللفظ الواحد باعتبار الهمز وعدمه: كما تقول عبّأت المتاع بالهمز، وعبّيت الجيش بغير همز، وبارأت الكريّ «1» بالهمز من الإبراء، وباريت فلانا من المفاخرة بغير

همز. وتقول زنى من الزّنا بغير همز، وزنا في الجبل إذا رقي فيه ونحو ذلك. وربما جاء الهمز وعدمه في الكلمة الواحدة كما تقول شئت بالهمز وشيت بإسكان الياء من غير همز ونحو ذلك. فمتى لم يكن الكاتب عارفا بالهمز ومواضعه ضلّ في طريق الكتابة. وفي «أدب الكاتب» باب مفرد لذلك. ومنها ما ورد من كلام العرب مزدوجا كقولهم الطّمّ والرّمّ، يريدون بالطّمّ البحر وبالرّمّ الثرى، وكقولهم الحجر والمدر، فالحجر معروف والمدر التراب النّديّ ونحو ذلك. فإذا عرف الكاتب ذلك تمكّن من وضعه في مواضعه لتحسين الكلام وتنميقه في الطباق والمقابلة؛ وفي «أدب الكاتب» نبذة من ذلك. ومنها ما ورد من كلامهم مثنىّ إمّا على سبيل التغليب: كقولهم القمران يريدون الشمس والقمر، والعمران يريدون أبا بكر وعمر، وإما على الحقيقة: كقولهم ذهب منه الأطيبان، يريدون الأكل والنكاح واختلف عليه الملوان أو الجديدان، يريدون الليل والنهار، ونحو ذلك؛ وفي «أدب الكاتب» أيضا طرف منه. ومنها ما ورد من كلام العرب مرتّبا كقولهم أوّل النوم النّعاس، وهو الاحتياج إلى النّوم؛ ثم الوسن، وهو ثقل النّعاس؛ ثم الكرى والغمض، وهو أن يكون بين النائم واليقظان؛ ثم التّغفيق، وهو النوم وأنت تسمع كلام القوم؛ ثم الإغفاء، وهو النوم الخفيف؛ ثم التّهجاع، وهو النوم القليل؛ ثم الرّقاد، وهو النوم الطويل؛ ثم الهجوع، وهو النوم الغرق، ثم التّسبيخ «1» ، وهو أشدّ النوم، وما أشبه ذلك، وفي «فقه اللغة» للثعالبيّ قدر صالح من ذلك. ومنها ما ورد من كلامهم مورد الدعاء: إما على بابه ... «2» ... «استأصل الله

شأفته» يريدون أذهب الله أثره كما يذهب أثر الشأفة، وهي قرحة تخرج من القدم فتكوى فتذهب؛ وقولهم «أباد الله خضراءهم» أي سوادهم ومعظمهم. أو لم يقصد به حقيقة الدعاء، كقولهم «تربت يداك» أي ألصفت بالتراب من الفاقة، وقولهم «أرغم الله أنفه» أي ألصقه بالرّغام، وهم لا يقصدون به الدعاء. وفي «أدب الكاتب» جملة من ذلك. ومنها ما تختلف أسماؤه مع المشابهة في المعنى كالظّفر للإنسان، أو الحافر للفرس والبغل والحمار، والظّلف للبقر، والمنسم للبعير، والبرثن للسبّاع، وما يجري هذا المجرى. وفي «فقه اللغة» جزء وافر منه. ومنها ما تختلف أسماؤه وأوصافه باختلاف أحواله كالكأس لا يقال فيه كأس إلا إذا كان في شراب وإلا فهو قدح، ولا مائدة إلا إذا كان عليها طعام وإلا فهي خوان، ولا قلم إلا كان مبريّا وإلا فهو أنبوبة، ولا خاتم إلا وفيه فصّ وإلا فهو فتخة ونحو ذلك؛ وفي «فقه اللغة» جملة منه. ومنها معرفة الأصول التي تشتقّ منها الأسماء كتسمية القمر قمرا لبياضه، إذ الأقمر هو الأبيض، وكتسمية ليلة الرابع عشر من الشهر ليلة البدر لمبادرة الشمس القمر بالطلوع، أو لتمامه وامتلائه حينئذ من حيث إن كل تام يقال له بدر؛ وكتسمية النّجم نجما، أخذا من قولهم نجم إذا طلع ونحو ذلك، وفي «أدب الكاتب» جملة من ذلك. ومنها ما نطقت به العجم على وفق لغة العرب، لعدم وجوده في لغتهم وهو المعرّب «1» كالكفّ والسّاق والدّلّال والوزّان والصّرّاف والجمّال والقصّاب والبيطار وما أشبه ذلك؛ وفي «فقه اللغة» جزء من ذلك كاف.

ومنها ما اشترك فيه العربية والفارسيّة، كالتنّوّر، والخمير، والدّينار، والدّرهم، والصّابون، وما أشبه ذلك؛ وفي «فقه اللغة» أيضا نبذة منه. ومنها ما اضطرّت العرب إلى تعريبه واستعماله في لغتهم من اللّغة العجمية كالكوز، والإبريق، والطّست، والخوان، والطّبق، وغيرها من الآنية؛ والسّكباج، والزيرباج، والطّباهج، والجوذاب، ونحوها من الأطعمة؛ والجلّاب، والسّكنجبين، ونحوهما من الأشربة؛ والخولنجان، والكافور، والصّندل، وغيرها من الأفاويه، والطّيب ونحو ذلك؛ وفي «فقه اللغة» من ذلك جملة جيدة. إلى غير ذلك من الأمور التي لا يسع استيفاؤها مما في أدب الكاتب وفقه اللغة الكثير منه. ومنها ما تعدّدت لغاته؛ ولتعلم أن لغة العرب متعدّدة اللّغات متسعة أرجاء الألسن بحيث لا تساويها في ذلك لغة. فمن ذلك ما فيه لغتان كقولهم رطل بكسر الراء وفتحها وسمّ وسمّ بفتح السين وضمها؛ وما فيه ثلاث لغات مثل برقع بضم القاف وبرقع بفتحها وبرقوع بضم الباء وزيادة الواو، وخاتم بكسر التاء وخاتم بفتحها وخيتام؛ وما فيه أربع لغات مثل نطع بكسر النون وفتحها وسكون الطاء ونطع بفتح النون والطاء جميعا وكسر النون، وصداق بفتح الصاد وصداق بكسرها وصداق بضمها وصدقة بضم الصاد وسكون الدال؛ وما فيه خمس لغات كقولهم ريح الشّمال بفتح الشين من غير همز؛ والشّمأل بالهمز، والشّامل بغير همز، والشّمل بفتح الميم، والشّمل بسكونها؛ وما فيه ستّ لغات كفسطاط بضم الفاء وفسطاط بكسرها، وفستاط بضم الفاء وإبدال الطاء تاء، وفستاط بكسر الفاء، وفسّاط بضم الفاء وتشديد السين، وفسّاط بكسر الفاء؛ وما فيه تسع لغات كالأنملة بفتح الهمزة وضمها وكسرها مع فتح الميم وضمّها وكسرها؛ وما فيه عشر لغات كالأصبع بفتح الهمزة وضمّها وكسرها مع فتح الباء وضمها وكسرها والعاشر أصبوع. وفي «أدب الكاتب» جملة من هذا النمط.

الصنف الثالث - الفصيح من اللغة

الصنف الثالث- الفصيح من اللغة . واعلم أن اللغة العربية قد تنوعت واختلفت بحسب تنوع العرب واختلاف ألسنتهم؛ والذي اعتمده حذّاق اللغة وجهابذة العربية من ذلك ما نطق به فصحاء العرب، وهم الذين حلّوا أوساط بلاد العرب، ولم يخالطهم من سواهم من الأمم كثير مخالطة، ولم يصاقبوا بلاد العجم فبقيت ألفاظهم سالمة من التغيير والاختلاط بلغة غيرهم: كقريش، وهذيل وكنانة، وبعض تميم، وقيس عيلان، ونحوهم من عرب الحجاز، وأوساط نجد. بخلاف الذين حلّوا في أطراف بلاد العرب، وجاوروا الأعاجم فتغيّرت ألفاظهم بمخالطتهم: كحمير، وهمدان، وخولان، والأزد: لمجاورتهم بلاد الحبشة، وطيّء وغسّان: لمجاورتهم بلاد الرّوم بالشام، وبعض تميم، وعبد القيس: لمجاورتهم أهل الجزيرة وفارس. واعلم أن التغيير يدخل في لغة العرب من عدّة وجوه: منها أن تبدل كلمة بغيرها: كما يستعمل أهل اللغة الحميريّة «ثب» بمعنى اجلس، وهي في عامّة لغة العرب للأمر بالطّفرة. قال القاضي الرشيد «1» في شرح «أمنيّة الألمعي» «2» : «وربما غلبت العجمة على أحدهم حتّى لا يفهم عنه شيء» . ومنها أن تبدل حرفا من الكلمة بحرف آخر: كما تبدل حمير كاف الخطاب شينا معجمة فيقولون في قلت لك قلت لش؛ وربما أبدلوا التاء أيضا كافا فيقولون في قلت قلك، وكما تبدل ربيعة الباء الموحدة ميما فيقولون في بكر مكر ونحو ذلك، وكما يبدل بعض العرب الصاد المهملة بالسين المهملة

الصنف الرابع - ما تلحن فيه العامة

فيقولون في صابر سابر، وكما يبدل بعضهم الطاء المهملة بتاء مثناة فوق فيقولون في طال تال وتسمع من عرب أهل الشرق كثيرا، وكما يبدل قول التاء المثناة فوق بضاد معجمة فيقولون في أترّ أضرّ. ومنها أن يعاقب بين حرفين في الكلمة كما يقول بعضهم في بلخ فلخ، وفي أصبهان أصفهان. ومنها أن يأتي بحرف بين حرفين فيأتون بكاف كجيم فيقولون في كمل جمل. قال ابن دريد «1» : «وهي لغة في اليمن كثيرة في أهل بغداد» ويأتون بجيم ككاف على العكس من الأول فيقولون في رجل ركل يقربونها من الكاف، ويأتون بشين معجمة كجيم فيقولون في اجتمعوا اشتمعوا، ويأتون بصاد مهملة كزاي فيقولون في صراط زراط، ويأتون بجيم كزاي فيقولون في جابر زابر، ويأتون بقاف بين القاف والكاف المعقودة، قاله ابن سعيد «2» عن سماعه من العرب؛ ولا يكاد يوجد منهم من ينطق بها على أصلها الموصوف في كتب النحويين. وقد ذكر الشيخ أثير الدّين أبو حيان «3» ذلك جميعه في شرحه على تسهيل ابن مالك. الصنف الرابع- ما تلحن فيه العامة وتغيّره عن موضعه بأن يكون مفتوح الأول والعامّة تكسره: كقولهم في جفن العين بفتح الجيم جفن بكسرها؛ أو مفتوح الأول والعامة تضمّه: كقولهم في القبول الذي هو خلاف الردّ قبول بضمها؛ أو مكسور الأوّل والعامة تفتحه: كقولهم في درهم بكسر الدال درهم بفتحها؛ أو مكسور الأوّل والعامّة تضمّه: كقولهم في التّمساح بكسر التاء

الصنف الخامس - الألفاظ الكتابية

تمساح بضمها، أو مضموم الأول والعامة تفتحه: كقولهم في العصفور بضم العين عصفور بفتحها؛ أو مضموم الأول والعامة تكسره: كقولهم في الظّفر بضم الظاء ظفر بكسرها؛ أو مفتوح الوسط: كقولهم في القالب بفتح اللام قالب بكسرها؛ أو مكسور الوسط والعامّة تفتحه: كقولهم في الرجل الموسوس، والبرّ المسوّس، والجبن المدوّد بكسر الواو في الثلاثة: موسوس ومسوّس ومدوّد بفتحها؛ أو مضموم الوسط والعامة تفتحه كقولهم في الجدد جمع جديد جدد بفتحها؛ أو محرّك الوسط والعامة تسكّنه: كقولهم في التّحفة بفتح الحاء تحفة بإسكانها؛ أو ساكن الوسط والعامّة تحرّكه: كقولهم في الحلقة بإسكان اللام حلقة بفتحها؛ أو مشدّدا والعامة تخفّفه: كقولهم في العاريّة بتشديد الياء عارية بتخيفها؛ أو مخففا والعامّة تشدّده: كقولهم في الكراهية بتخفيف الياء كراهيّة بتشديدها؛ أو مهموزا والعامّة تحذف الهمز من أوّله. كقولهم في الإهليلج بإثبات همزة في أوله هليلج بحذفها؛ أو مهموز الوسط والعامّة تسهله: كقولهم في المرءاة بإثبات الهمزة مراة بحذفها، أو غير مهموز الأول والعامّة تثبت الهمزة في أوله: كقولهم في الكرة، أكرة؛ أو كان بالظاء المعجمة فجعلته بالضاد المعجمة كالوظيفة ونحوها، أو بالضاد فجعلته بالظاء: كقول بعضهم في البيضة بيظة، أو بالذال المعجمة فجعلته بالدال المهملة كالذراع؛ أو كان بالجيم فجعلته بالقاف: كقولهم في مجاديف السفينة مقاديف؛ أو بالدال المهملة فجعلته بالتاء المثنّاة فوق: كقولهم في دخاريص القميص تخاريص، ونحو ذلك مما شاع وذاع وفي «أدب الكاتب» لابن قتيبة نبذة من لحن أهل المشرق، وكتاب «تثقيف اللسان» لابن مكّي التونسي «1» موضوع في لحن أهل الغرب، وفصيح ثعلب مشتمل على كثير من هذا المقصد. الصنف الخامس- الألفاظ الكتابية ، وهي ألفاظ انتخبها الكتّاب وانتقوها من اللغة استحسانا لها وتمييزا لها في الطّلاوة والرّشاقة على غيرها. قال

المقصد الرابع في كيفية تصرف الكاتب في الألفاظ اللغوية، وتصريفها في وجوه الكتابة

الجاحظ «ما رأيت أمثل طريقة من هؤلاء الكتّاب، فإنهم التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعّرا حوشيّا، ولا ساقطا سوقيّا» . وقد ذكر ابن الأثير في «المثل السائر» : أن الكتّاب غربلوا اللغة وانتقوا منها ألفاظا رائقة استعملوها. ثم هذه الألفاظ أسماء وأفعال: فالأسماء كقولك في المدح فلان غرّة القبيلة، وسنامها، وذؤابتها، وذروتها؛ وهو نبعة أرومته وأبلق كتيبته ومدرة «1» عشيرته ونحو ذلك. والأفعال كقولك في إصلاح الفاسد: أصلح الفاسد، ولمّ الشّعث، ورأب الشّعب، وضمّ النّشر، ورمّ الرّثّ، وجمع الشّتات، وجبر الكسر، وأسا الكلم، ورقع الخرق، ورتق الفتق، وشعب الصّدع. وفي «كتاب الألفاظ» لعبد الرحمن بن عيسى «2» الكاتب كفاية من ذلك، وله مختصر أربى عليه؛ وفي «كنز الكتّاب» لكشاجم ما فيه مقنع. المقصد الرابع في كيفية تصرف الكاتب في الألفاظ اللّغويّة، وتصريفها في وجوه الكتابة لا خفاء أنه إذا أكثر من حفظ الألفاظ اللغوية، وعرف الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد والمتقاربة المعاني، تمكّن من التعبير عن المعاني التي يضطّر إلى الكتابة فيها بالعبارات المختلفة، والألفاظ المتباينة، وسهل عليه التعبير عن مقصوده، وهان عليه إنشاء الكلام وترتيبه. وفي الأمثلة التي أوردها كشاجم في «كنز الكتّاب» حيث يعبر عن المعنى الواحد بعبارات متعدّدة ما يرشد إلى الطريق في ذلك، ويهدي إلى سلوك الجادّة الموصّلة إلى القصد منه.

وهذه نسخة مكاتبة منه في التهنئة بمولود يستضاء بها في ذلك، وهي: قد جعلك الله من نبعة طابت مغارسها، أرومة رسخت عروقها، شجرة زكت غصونها؛ فرع شرفت منابته، معدن زكت علائقه «1» ، جوهر شاعت مكارمه، عنصر بسقت فروعه، محتد ذاعت محامده، أصل نجبت مآثره، سنخ «2» خلصت مناقبه، نصاب صرحت مفاخره، نجر «3» نمت مساعيه، أصل فضلت معالمه، عنصر نصرت محاسنه، منتمى كثرت مناقبه. فالزيادة فيها زيادة في جوهر الكرم، مظاهر في محو ثرى الإفضال، ذخيرة نفيسة لذوي الآمال، نعمة كاملة السعادة، غبطة شاملة البشاشة، سرور يواجه الأولياء، حبور تجتويه «4» الأعداء، غبطة تصل إلى الأحرار، ابتهاج لذوي الأخطار. فتولّى الله نعمه عندك بالحراسة الوافية، بالولاية الكافية، الكفاية المتظاهرة، الدّفاع الكالي «5» ، الحفاظ الداعي، الصّنع الجميل، الدّفاع الحسن، العافية المتكاتفة. وبلغني الخبر بهبة الله المستجدّة، الولد المبارك، الفرع الطّيّب، السليل الرّضيّ، الولد الصالح، الابن السارّ، الثمرة المثمرة، السّلالة الزكيّة، النّجل الميمون، الذي عمر أفنية السّيادة. زاد في مواثيق العهد والرياسة، أرسى قواعد السيادة، ثبّت أساس الرّفعة، أوثق عرا المجد، مكّن أركان الفضل، وطّد أساس المكارم، أكّد علائق الشّرف، أبّد أواخي الكرم، أبرم حبال الجود، أمرّ أسباب الطّول، شيّد بنيان الكمال، أحصف أيدي السّماحة، أحكم قوى الرّجاحة، أوثق عقد العلا، رفع دعائم الظّهارة» ، أنار أعلام

الغارة، أظهر علامات الخير. فتباشرت به، ابتهجت، اجتذلت، اغتبطت، فرحت، سررت، استبشرت. جعله الله برّا تقيّا، سيّدا، حميدا، ميمونا، مباركا، طيّبا، عزيزا، سعيدا؛ ظهيرا، عونا، ناصرا، راجحا، زكيّا وزرا، ملجأ. يتقيّل «1» سلفه، ويقتفي أثرهم، يسلك منهاجهم، يسنّ سنّتهم، يتبع قصدهم، يسير سيرتهم، يسعى مساعيهم، ينحو مثالهم، يحذو حذوهم، يتخلّق بأخلاقهم، يتبصّر بصيرتهم، ينوط أفعالهم، يترسّم رسومهم. وأيمن به عددك، كثّر به ذرّيتك، أراك فيه غاية أملك، شفعه الله بإخوة بررة، وفّقه الله لأداء حقّك، جعله خير خلف كما هو لخير سلف. زيّن به العشيرة، وهب له النّماء، بلغ به أكلأ «2» العمر، مكّن له في رفيع المراتب، حقّق فيه فراستك، وهب له تمام الفضيلة، وأوزعك الشكر عليه، أجارك فيه من الثّكل، سرّك بفائدته، أسعدك برؤيته، أطاب عيشك به، متّعك بعطيّته، ألهمك شكر ما خوّلك، واصل لك المزيد برحمته. فإنه إذا أراد الكاتب أن يستخرج من ألفاظ هذا الكتاب عدّة كتب بتهنئة بولد، فعل. كما إذا قال: قد جعلك الله من نبعة طابت مغارسها، فالزيادة فيها زيادة في جوهر الكرم، فتولّى الله نعمه عندك بالحراسة؛ وبلغني الخبر بهبة الله الجديدة المستجدّة، الولد المبارك الذي عمر أفنية السيادة، فتباشرت به، جعله الله تعالى برّا تقيا، يتقيّل سلفه، وأيمن به عددك، وأوزعك الشكر عليه، وواصل لك المزيد برحمته، كان ذلك كتابا كافيا في هذا النوع. فتأمّل ذلك وقس عليه.

النوع الثاني المعرفة باللغة العجمية

النوع الثاني المعرفة باللغة العجمية ، وهي كل ما عدا العربية: من التركية، والفارسيّة، والرّوميّة، والفرنجية، والبربريّة، والسّودان، وغيرهم؛ وفيه مقصدان المقصد الأوّل في بيان وجه احتياج الكاتب إلى معرفة اللّغات العجمية لا يخفى أن الكاتب يحتاج في كماله إلى معرفة لغة الكتب التي ترد عليه لملكه أو أميره ليفهمها ويجيب عنها من غير اطّلاع ترجمان عليها، فإنه أصون لسرّ ملكه، وأبلغ في بلوغ مقاصده. وقد روى محمد بن عمر المدائني في «كتاب القلم والدواة» بسنده إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: «قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنه يرد عليّ أشياء من كلام السّريانيّة لا أحسنها فتعلّم كلام السّريانيّة! فتعلّمتها في ستّة عشر يوما» وفي رواية قال: «قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أتحسن السّريانيّة؟ فإنّه يأتيني كتب بها، قلت لا. قال فتعلّمها! فتعلّمتها في سبعة عشر يوما، فكنت أجيب عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأقرأ كتب يهود إذا وردت عليه» وفي رواية، قال: «قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا زيد تعلّم كتاب يهود فإنّي والله لا آمن يهود على كتابي، قال: فتعلمت كتابتهم فما مرّ لي ستّ عشرة ليلة حتّى حذقته فكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه وأجيب إذا كتب» وفي رواية العبرانية بدل السّريانية. قال محمد بن عمر المدائني: بل قد قيل إن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يفهم اللغات كلّها وإن كان عربيا لأن الله تعالى بعثه إلى الناس كافّة ولم يكن الله بالذي يبعث نبيّا إلى قوم لا يفهم عنهم، ولذلك كلّم سلمان بالفارسية. وساق بسنده إلى عكرمة «1» أنه قال: سئل ابن عبّاس هل تكلّم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالفارسيّة قال

المقصد الثاني في بيان ما يتصرف فيه الكاتب من اللغة العجمية

نعم، دخل عليه سلمان فقال له «درسته وسادته» قال محمد بن أميل «1» : أظنه مرحبا وأهلا. وحينئذ فيكون النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إنّما أمر زيدا بتعلّم كتابة السّريانية أو العبرانية لتحريم الكتابة عليه لا أنه أمره بتعلّم لغتهم. المقصد الثاني في بيان ما يتصرّف فيه الكاتب من اللغة العجمية اعلم أن الذي ينبغي له تعلّمه من اللغات العجمية هو ما تتعلّق به حاجته في المخاطبة والمكاتبة. أما المخاطبة فبأن يكون لسان ملكه بعض الألسن العجمية، أو كان الغالب عليه لسان عجمّي مع معرفته بالعربية: كما غلبت اللغة التركية على ملوك الديار المصرية؛ وكما غلبت اللغة الفارسية على ملوك بلاد العراق وفارس، وكما غلب لسان البربر على ملوك بلاد المغرب مع تبعيّة عسكر كل ملك في اللسان الغالب عليه له في ذلك فيحتاج الكاتب إلى معرفة لسان السلطان الذي يتكلم به هو وعسكره ليكون أقرب إلى حصول قصده: من فهم الخطاب وتفهيمه، وسرعة إدراك ما يلقى إليه من ذلك، وتأدية ما يقصد تأديته منه، مع ما يحصل له من الحظوة والتقريب بالموافقة في اللسان؛ فإن الشخص يميل إلى من يخاطبه بلسانه لا سيما إذا كان من غير جنسه كما تميل نفوس ملوك الديار المصرية وأمرائها وجندها لمن يتكلم بالتركية: من العلماء والكتّاب ومن في معناهم على ما هو معلوم مشاهد. وأما المكاتبة فبأن يكون يعرف لسان الكتب الواردة على ملكه ليترجمها له ويجيب عنها بلغتها التي وردت بها؛ فإن في ذلك وقعا في النفوس،

النوع الثالث المعرفة بالنحو؛ وفيه مقصدان

واستجلابا للقلوب، وصونا للسر عن اطّلاع ترجمان عليه؛ وأمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لزيد ابن ثابت بتعلّم السريانية أو العبرانية على ما تقدّم ظاهر في طلب ذلك من الكاتب وحثّه عليه. ثم اللغات العجمية على ضربين: أحدهما ما له قلم يكتب به في تلك اللغة كاللغة الفارسية، واللغة الرومية، واللغة الفرنجية ونحوها؛ فإن لكل منها قلما يخصّه يكتب به في تلك اللغة. والثاني ما ليس له قلم يكتب به، وهي لغات القوم الذين تغلب عليهم البداوة كالترك والسّودان. ولأجل ذلك ترد الكتب من القانات ملوك الترك ببلاد الشّمال المعروف في القديم ببيت بركة، والآن بمملكة أزبك باللغة المغلية بالخط العربي، وترد الكتب الصادرة عن ملوك السودّان باللفظ العربيّ والخط العربيّ. أما اللغات التي لها أقلام تخصها فإن كتبهم ترد بخطهم ولغتهم: كالكتب الواردة من ملوك الروم والفرنج ونحوهما ممن للغته قلم يخصه على اختلاف الألسنة واللغات. النوع الثالث المعرفة بالنحو؛ وفيه مقصدان المقصد الأوّل في بيان وجه احتياج الكاتب إليه لا نزاع أن النحو هو قانون اللغة العربية، وميزان تقويمها؛ وقد تقدّم في النوع الأوّل أن اللغة العربية هي رأس مال الكاتب، وأسّ مقاله، وكنز إنفاقه. وحينئذ فيحتاج إلى المعرفة بالنحو وطرق الإعراب، والأخذ في تعاطي ذلك حتّى يجعله دأبه، ويصيّره ديدنه: ليرتسم الإعراب في فكره، ويدور على لسانه، وينطلق به مقال قلمه وكلمه، ويزول به الوهم عن سجيّته، ويكون على بصيرة من عبارته. فإنه إذا أتى من البلاغة بأعلى رتبة ولحن في كلامه، ذهبت محاسن ما أتى به، وانهدمت طبقة كلامه وألغي جميع ما حسّنه،

ووقف به عند ما جهله. قال في «المثل السائر» : وهو أوّل ما ينبغي إثبات معرفته؛ على أنه ليس مختصا بهذا العلم خاصّة بل بكل علم؛ لا بل ينبغي معرفته لكل أحد ينطق باللسان العربيّ ليأمن معرّة اللحن. قال صاحب «الرّيحان والرّيعان» : ولم يزل الخلفاء الراشدون بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يحثّون على تعلّم العربيّة، وحفظها والرّعاية لمعانيها، إذ هي من الدّين بالمكان المعلوم، والمحلّ المخصوص. قال عثمان المهريّ: «أتانا كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ونحن بأذربيجان يأمرنا بأشياء، ويذكر فيها: «تعلّموا العربيّة فإنها تثبّت العقل، وتزيد في المروءة» . وكان لخالد بن يزيد بن معاوية أخ فجاءه يوما فقال: إن الوليد بن عبد الملك يعبث بي ويحتقرني، فدخل خالد على عبد الملك والوليد عنده فقال يا أمير المؤمنين! إن الوليد قد احتقر ابن عمه عبد الله واستصغره، وعبد الملك مطرق فرفع رأسه وقال: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها) «1» الآية- فقال خالد وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً «2» الآية- فقال عبد الملك: أفي عبد الله تكلّمني؟ وقد دخل عليّ فما أقام لسانه لحنا- فقال خالد: أفعلى الوليد تعوّل؟ فقال عبد الملك: إن كان الوليد يلحن فإن أخاه سليمان- فقال خالد: وإن كان عبد الله يلحن فإن أخاه خالد؛ في كلام كثير طويل ليس هذا موضع ذكره. وقال الرشيد يوما لبنيه: «ما ضرّ أحدكم لو تعلّم من العربيّة ما يصلح به لسانه أيسرّ أحدكم أن يكون لسانه كلسان عبده وأمته؟» . ومن كلام مالك بن أنس «3» «الإعراب حلي اللّسان فلا تمنعوا ألسنتكم حليّها» . ولله درّ أبي

سعيد البصريّ «1» . حيث يقول: النّحو يبسط من لسان الألكن ... والمرء تكرمه إذا لم يلحن وإذا طلبت من العلوم أجلّها ... فأجلّها عندي مقيم الألسن قال صاحب «الريحان والريعان» : واللحن قبيح في كبراء الناس وسراتهم، كما أن الإعراب جمال لهم، وهو يرفع الساقط من السّفلة ويرتقي به إلى مرتبة تلحقه بمن كان فوق نمطه وصنفه. قال: وإذا لم يتجه الإعراب فسد المعنى؛ فإن اللحن يغيّر المعنى واللفظ ويقلبه عن المراد به إلى ضدّه حتّى يفهم السامع خلاف المقصود منه. وقد روي أن أعرابيا سمع قارئا يقرأ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ «2» بجرّ رسوله فتوهم عطفه على المشركين فقال: أو بريء الله من رسوله؟، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأمر أن لا يقرأ القرآن إلا من يحسن العربية. على أن الحسن «3» قد قرأها بالجرّ على القسم وقد ذهب على الأعرابيّ فهم ذلك لخفائه. وقرأ آخر: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ «4» برفع الأوّل ونصب الثاني، فوقع في الكفر بنقل فتحة إلى ضمة وضمة إلى فتحة فقيل له: يا هذا إن الله تعالى لا يخشى أحدا! فتنبه لذلك وتفطّن له. وسمع أعرابيّ رجلا يقول: أشهد أن محمدا رسول الله بفتح رسول الله فتوهم أنه نصبه على النعت فقال يفعل ماذا؟. وقال رجل لآخر ما شانك؟ بالنصب فظنّ أنه يسأله عن شين به فقال عظم في وجهي. وقال رجل لأعرابيّ: كيف أهلك؟ بكسر اللام وهو يريد السؤال عن أهله فتوهّم أنه يسأل عن كيفية هلاك نفسه فقال صلبا. ودخل رجل

على زياد بن أبيه فقال: إنّ أبونا مات وإن أخينا وثب على مال أبانا فأكله- فقال زياد: للّذي أضعته من كلامك أضر عليك مما أضعته من مالك. وقيل لرجل من أين أقبلت؟ فقال من عند أهلونا، فحسده آخر حين سمعه وظن ذلك فصاحة فقال أنا والله أعلم من أين أخذها؟ من قوله: شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا «1» فأضحك كلّ منهما من نفسه. قال صاحب «الريحان والريعان» : وكان من يؤثر عقله من الخلفاء يعاقب على اللحن وينفر من خطإ القول، ولا يجيز أن يخاطب به في الرسائل البلدانية، ولا أن يوقف به على رؤوسهم في الخطب المقاميّة قال: وهو الوجه. فأنديتهم مطلب الكمال، ومظانّ الصواب في إحكام الأفعال فكيف في إحكام الأقوال. قال ابن قادم النحويّ «2» : «وجه إليّ إسحاق بن إبراهيم المصعبيّ «3» وهو أمير فأحضرني فلم أدر ما السبب، فلما قربت من مجلسه تلقّاني كاتبه على الرسائل ميمون بن إبراهيم وهو على غاية الهلع والجزع، فقال لي بصوت خفيّ إنه إسحاق! ومرّ غير متلبث حتّى رجع إلى إسحاق، فراعني ما سمعت، فلما مثلت بين يديه، قال كيف يقال وهذا المال مال أو وهذا المال مالا، فعلمت ما أراد ميمون الكاتب فقلت له الوجه وهذا المال مال ويجوز وهذا المال مالا، فأقبل إسحاق على ميمون كاتبه بغلظة وفظاظة ثم قال: «الزم الوجه في كتبك ودع ما يجوز!» ورمى بكتاب كان في يديه، فسألت عن الخبر فإذا بميمون قد كتب عن إسحاق إلى المأمون وهو ببلاد الروم وذكر ما لا حمله إليه فقال: «وهذا المال مالا» ، فخط المأمون على الموضع من الكتاب ووقّع بخطه في حاشيته: تكاتبني باللحن؟ ويقال إنه لم يتجاوز موضع اللحن في قراءة الكتاب فقامت

عند إسحاق؛ فكان ميمون الكاتب بعد ذلك يقول: لا أدري كيف أشكر ابن قادم بقّى عليّ روحي ونعمتي. ووقف بعض الخلفاء على كتاب لبعض عمّاله فيه لحن في لفظه فكتب إلى عامله: قنّع كاتبك هذا سوطا معاقبة على لحنه. قال أحمد بن يحيي «1» : كان هذا مقدار أهل العلم، وبحسبه كانت الرّغبة في طلبه والحذر من الزّلل. قال صاحب «الريحان والريعان» : فكيف لو أبصر بعض كتاب زماننا هذا؟ قلت قد قال ذلك في زمانه هو وفي الناس بعض الرّمق والعلم ظاهر وأهله مكرمون، وإلا فلو عمر إلى زماننا نحن لقال تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ* «2» . ثم المرجع في معرفة النحو إلى التلقّي من أفواه العلماء الماهرين فيه، والنظر في الكتب المعتمدة في ذلك من كتب المتقدّمين والمتأخرين. واعلم أن كتب النحو: من المبسوطات والمختصرات والمتوسطات أكثر من أن يأخذها الحصر. ومن الكتب المعتمدة في زماننا عند أبناء المشرق «المفصّل» للزمخشري و «الكافية» لابن الحاجب. وعند المصريين كتب ابن مالك: كالتسهيل والكافية الشافية والألفية وغير ذلك من كتب ابن مالك وغيرها. قال أبو جعفر النحاس: وقد صار أكثر الناس يطعن على متعلّمي العربية جهلا وتعديا حتّى إنهم يحتجّون بما يزعمون أن القاسم بن مخيمرة «3» قال: «النحو أوّله شغل وآخره بغي» قال: وهذا كلام لا معنى له لأن أوّل الفقه شغل وأوّل الحساب شغل وكذا أوائل العلوم. أفترى الناس تاركين العلوم من

أجل أن أوّلها شغل؟. قال: وأمّا قوله «وآخره بغي» إن كان يريد به أن صاحب النحو إذا حذقه صار فيه زهو واستحقر من يلحن فهذا موجود في غيره من العلوم. من الفقه وغيره في بعض الناس وإن كان مكروها، وإن كان يريد بالبغي التجاوز فيما لا يحلّ فهذا كلام محال، فإن النحو إنما هو العلم باللغة التي نزل بها القرآن وهي لغة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وكلام أهل الجنة وكلام أهل السماء. ثم قال بعد كلام طويل: وقد كان الكتّاب فيما مضى أرغب الناس في علم النحو وأكثرهم تعظيما للعلماء حتّى دخل فيهم من لا يستحقّ هذا الاسم فصعب عليه باب العدد فعابوا من أعرب الحساب، وبعدت عليهم معرفة الهمزة التي ينضمّ وينفتح ما قبلها، أو تختلف حركتها وحركة ما قبلها فيكتبون: «يقرؤه» بزيادة ألف لا معنى لها، في كلام آخر يتعلق بالهجاء ليس هذا موضع لذكره.- أمّا التعمّق في الإعراب والمبالغة فيه فإن حكمه في الاستكراه حكم التقعّر في الغريب، وقد كانوا يذمّون من يتعاناه، ويسخرون بمن يتعاطاه. قال الأصمعي: خاصم عيسى بن عمر النحويّ «1» رجلا إلى بلال بن أبي بردة «2» فجعل عيسى يشبع الإعراب ويتعمّق في الألفاظ، وجعل الرجل ينظر إليه، فقال له القاضي: «لأن يذهب بعض حقّ هذا أحبّ إليه من تركه الإعراب، فلا تتشاغل به واقصد بحجّتك» . وخاصم نحويّ نحويّا آخر عند بعض القضاة في دين عليه فقال: «أصلح الله القاضي! لي على هذا درهمان» - فقال خصمه: «والله أصلحك الله! إن هي إلا ثلاثة دراهم ولكنه لظهور الإعراب ترك من حقه درهما» . فهذا وشبهه قد صار مذموما والمتشبّث به ملوما؛ ولذلك كان بعض الكتاب لشدّة اقتداره على الإعراب يعرب كلامه ولا يخيّل إلى السامع أنه يعرب، فإن عرض مع التعمق في الإعراب لحن، كان

ذلك أبلغ في الشّناعة، وأجدر بتوجّه اللوم على صاحبه والسخرية من المتكلّم به. وقد قال الجاحظ: «إن أقبح اللحن لحن أصحاب التقعير والتشديق والتمطيط والجهورية والتفخيم» . وقال «وأقبح من ذلك لحن الأعاريب النازلين على طريق السابلة وبقرب مجامع الأسواق» . وعلى الجملة فالنحو لا يستغنى عنه ولا يوجد بدّ منه، إذ هو حلي الكلام، وهو له كما قيل كالملح في الطعام. قال في «المثل السائر» : والجهل بالنحو لا يقدح في فصاحة ولا بلاغة ولكنه يقدح في الجهل به نفسه لأنه رسوم قوم تواضعوا عليه وهم الناطقون باللغة فوجب اتباعهم؛ ولذلك لم ينظم الشاعر شعره وغرضه منه رفع الفاعل ونصب المفعول أو ما جرى مجراهما وإنما غرضه إيراد المعنى الحسن في اللفظ الحسن المتصفين بصفة الفصاحة والبلاغة. قال: ولذلك لم يكن اللحن قادحا في نفس الكلام: لأنه إذا قيل جاء زيد راكب بالرفع لو لم يكن حسنا إلا بأن يقال جاء زيد راكبا بالنصب لكان النحو شرطا في حسن الكلام وليس كذلك فتبين أنه ليس الغرض من نظم الشعر إقامة إعراب كلماته وإنما الغرض أمر وراء ذلك؛ وهكذا يجري الحكم في الخطب والرسائل من المنثور مع ما حكي أن اللحن وقع لجماعة من الشعراء المتقدّمين في شعرهم، كقول أبي نواس في محمد الأمين: يا خير من كان ومن يكون ... إلا النّبيّ الطاهر المأمون فرفع المستثنى من الموجب، وكقول المتنبي: أرأيت همّة ناقتي في ناقة ... نقلت يدا سرحا وخفّا مجمرا تركت دخان الرّمث في أوطانها ... طلبا لقوم يوقدون العنبرا وتكرّمت ركباتها عن مبرك ... تقعان فيه وليس مسكا أذفرا فجمع في حالة التثنية، لأن الناقة ليس لها إلا ركبتان وقد قال ركباتها. واعلم أن اللحن قد فشا في الناس، والألسنة قد تغيرت حتّى صار

التكلم بالإعراب عيبا، والنطق بالكلام الفصيح عيّا. قلت: والذي يقتضيه حال الزمان، والجري على منهاج الناس أن يحافظ على الإعراب في القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وفي الشعر والكلام المسجوع، وما يدوّن من الكلام، ويكتب من المراسلات ونحوها، ويغتفر اللحن في الكلام الشائع بين الناس الدائر على ألسنتهم مما يتداولونه بينهم ويتحاورون به في مخاطباتهم؛ وعلى ذلك جرت سنّة الناس في الكلام مذ فسدت الألسنة، وتغيرت اللغة حتّى حكي أن الفرّاء مع جلالة قدره وعلوّ رتبته في النحو دخل يوما على الرشيد فتكلم بكلام لحن فيه؛ فقال جعفر بن يحيى: يا أمير المؤمنين إنه قد لحن- فقال الرشيد للفرّاء أتلحن يا يحيى؟ فقال يا أمير المؤمنين! إن طباع أهل البدو الإعراب وطباع أهل الحضر اللحن فإذا حفظت أو كتبت لم ألحن وإذا رجعت إلى الطبع لحنت- فاستحسن الرشيد كلامه. وقد قال الجاحظ في كتابه «البيان والتبيين» : «ومتى سمعت حفظك الله نادرة من كلام الإعراب فإياك أن تحكيها إلا مع إعرابها ومخارج ألفاظها؛ فإنك إن غيرتها بأن لحنت في إعرابها أو أخرجتها مخرج كلام المولّدين والبلديّين، خرجت من تلك الحكاية وعليك فضل كبير، وإن سمعت نادرة من نوادر العوامّ وملحة من ملحهم فإيّاك أن تستعمل لها الإعراب أو تتخير لها لفظا حسنا، فإن ذلك يفسد الإمتاع بها ويخرجها من صورتها التي وضعت لها ويذهب استطابتهم إياها» . قال: «واللحن من الجواري الظّراف، ومن الكواعب النّواهد، ومن الشّوابّ الملاح، ومن ذوات الخدور أيسر وربما استملح الرجل ذلك منهنّ ما لم تكن الجارية صاحبة تكلّف» ولكن إذا كان اللحن على سجيّة سكّان البلد كما يستملحون اللّثغاء إذا كانت حديثة السنّ فإذا أسنت واكتهلت سئم ذلك الاستملاح. قال: «وممن استملح اللحن في النساء مالك بن أسماء «1» فقال في بعض نسائه:

المقصد الثاني في كيفية تصرف الكاتب في علم العربية

أمغطّى منّي على بصري للحبّ أم أنت أكمل الناس حسنا؟ وحديث ألذّه هو ممّا ... تشتهيه الأسماع يوزن وزنا منطق صائب وتلحن أحيانا ... وخير الحديث ما كان لحنا» والناس في ذلك كله بحسب البلاد وأهلها، ألا ترى أن العرب وإن تغيرت ألسنتهم بمخالطة من عداهم فإنهم لا يخلو كلامهم من موافقة الإعراب في بعض الكلام والجري على قواعد العربية خصوصا عرب الحجاز وأهل البادية منهم. وقد قال الجاحظ في أثناء كلامه «ولأهل المدينة ألسنة ذلقة، وألفاظ حسنة، وعبارة جيّدة، واللحن في عوامّهم فاش وعلى من لم ينظر منهم في النحو غالب» . المقصد الثاني في كيفية تصرّف الكاتب في علم العربية واعلم أن انتفاع الكاتب بالنحو من وجهين: أحدهما الإعراب وما يلحق به ومن أهم ما يعتنى به من ذلك النّسب لكثرة استعماله في الألقاب ونحوها، وكذلك العدد فإنه مما يقع فيه اللّبس على المبتديء؛ ومحل ذلك كلّه كتب النحو. الثاني فيما يقع الكاتب فيه بطريق العرض، فيحتاج من ذلك إلى معرفة النّحاة ومشاهير أهل العربية كأبي الأسود الدؤلي «1» ، وسيبويه «2» ، والفرّاء «3» ، وأبي علي «4» ، وأبي عثمان المازنيّ «5» وغيرهم من المتقدّمين،

وابن عصفور «1» وابن مالك «2» وابن معطي «3» وغيرهم من المتأخرين، وكذلك أسماء كتبهم المشهورة في هذا الفن: من المبسوطات والمختصرات من كتب المتقدمين والمتأخرين ومصطلحاتهم التي اصطلحوا عليها: من ذكر الاسم، والفعل، والمعرفة، والنكرة، والمبتدأ، والخبر، والحال، والتمييز؛ وألقاب الإعراب: من الرفع والنصب والجرّ والجزم وغير ذلك مما تجري به عباراتهم، ويدور على ألسنتهم في استعمالاتهم، من قولهم «ضرب زيد عمرا» ونحو ذلك ليدرج ما عنّ له من ذلك في خلال كلامه حيث احتاج إليه في التواقيع والمكاتبات وغيرها. قال في «التعريف» في وصية نحويّ: وهو زيد الزّمان، الذي يضرب به المثل، وعمرو الأوان؛ وقد كثر من سيبويه الملل «4» ومازنيّ الوقت لكنه لم يستبح الإبل «5» ، وكسائيّ «6» الدهر الذي لو تقدّم لما اختار غيره الرشيد للمأمون، وذو السّؤدد لا أبو الأسود على أنه ذو السابقة والأجر الممنون. وهو

ذو البرّ المأثور، والقدر المرفوع ولواؤه المنصوب وذيل فخاره المجرور. والمعروف بما لا ينكر لمثله من الحزم، والذاهب عمله الصالح بكل العوامل التي لم يبق منها لحسوده إلا الجزم. وهو ذو الأبنية التي لا يفصح عن مثلها الإعراب، ولا يعرف أفصح منها فيما أخذ عن الأعراب. والذي أصبحت أهدابه فوق عمائم الغمائم ثلاث، ولم يزل طول الدهر يشكر منه أمسه ويومه وغده وإنما الكلمات ثلاث. فليتصدّ للإفادة، وليعلّمهم مثل ما ذكر فيه من علم النحو نحو هذا وزيادة. وليكن للطلبة نجما به يهتدى، وليرفع بتعليمه قدر كل حبر يكون حبرا له وهو المبتدا. وليقدّم منهم كلّ من صلح للتبريز، واستحق أن ينصب إماما بالتمييز. وليورد من موارده أعذب النّطاف «1» ، وليجرّ إليه كلّ مضاف إليه ومضاف. وليوقفهم على حقائق الأسما، ويعرّفهم دقائق البحوث حتّى اشتقاق الاسم هل هو من السموّ أو من السّما. وليبيّن لهم الأسماء العجمية المنقولة والعربية الخالصة، ويدلّهم على أحسن الأفعال لا ما يتشبّه بصفات كان وأخواتها من الأفعال الناقصة، وليحفّظهم المثل وكلمات الشعراء، ولينصب نفسه لحدّ أذهان بعضهم ببعض نصب الإغراء. وليعامل جماعة المستفيدين منه بالعطف، ومع هذا كله فليترفّق بهم فما بلغ أحد علما بقوّة ولا غاية بعسف. وكما قال الشيخ جمال الدين بن نباته «2» رحمه الله من جملة توقيع مدرس: «ولأنه في البيان ذو الانتقاد والانتقاء. والعربيّ الذي كان لرقاب الفضلاء ابن مالك فإنّ قريبه أبو البقاء» .

وكما كتب القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر «1» في رسالة اقترحت عليه في هذا الباب وهي: «حرس الله نعمة مولاي! ولا زال كلم السعد من اسمه، وفعله، وحرف قلمه يأتلف، ومنادى جوده لا يرخّم وأحمد عيشه لا ينصرف ولا عدم مستوصل الرّزق من براعته التي لا تقف الوصل «2» ولا عدمت نحاة الجود من نواله كلّ موزون ومعدود، ومن فضله وظله كل مقصور وممدود. ولا خاطبت الأيام ملتمسه إلا بلام التوكيد، ولا عدوّه إلا بلام الجحود، هذه المفاوضة اليه أعزه الله! تفهمه أنا بلغنا أن فلانا أضمر سيدنا له فعلا غدا به منتصبا للمكايد ومعتلّا وليس موصولا كالذي بصلة وعائد. وما ذاك إلا لأن معرفتها داخلها التنكير. وقدّر لها من الاحتمالات أسوأ التقدير. ونعوت صحبته تكررت فجاز قطعها بسبب ذلك التكرير. وسيّدنا يعلم بالعلميّة المدكون «3» من الإنافة، وما لإضافته إلى جلالته من الانتماء الذي يجب أن يكون لأجله عيشه به خفضا على الإضافة. وكان الظنّ أنّ الاشغال التي جمعت له لا تكون جمع تكسير بل جمع سلامة، وآية لا تكلف تعليما على وصول لأنه في الديوان كالحرف لا يخبر به ولا عنه والحرف ليست له علامة. وحاش لله! أن يصبح معرب إحسانه مبنيّا، وأن نزيل كرمه يكون للنكرات بأيّ محكيّا أو أن يأتي سيدنا بالماضي من الأفعال في معنى الاستقبال. أو أن يجعل بدل غلطه الإبدال للاشتمال، أو يدغم من مودته مظهرا، أو أنه لا يجعل لمبتدأ محبته مخبرا، أو أن لا يكون له من أبنية تدبير سيدنا مصدرا، ولا برح سيدنا نسيج وحده في أموره! ولا زال حلمه يتناسى الهفوات لا يشتغل مفعوله عن فعله بضميره» .

النوع الرابع المعرفة بالتصريف

النوع الرابع المعرفة بالتصريف ويجب على الكاتب المعرفة به ليعرف أصل الكلمة، وزيادتها، وحذفها، وإبدالها فيتصرّف فيها بالجمع والتصغير والنسبة إليها وغير ذلك: لأنه إذا أراد جمع الكلمة أو تصغيرها أو النسبة إليها ولم يعرف الأصل في حروف الكلمة وزيادتها وحذفها وإبدالها، ضلّ حينئذ عن السبيل، ونشأ من ذلك مجال للعائب والطاعن. قال ضياء الدين بن الأثير في «المثل السائر» : وتظهر لك فائدة ذلك ظهورا واضحا فيما إذا قيل للنحويّ الجاهل بعلم التصريف كيف تصغّر لفظة اضطراب فإنه يقول ضطيريب «1» ، ولا يلام في ذلك لأنه الذي تقتضيه صناعة النحو، لأن النحاة يقولون إذا كانت الكلمة على خمسة أحرف وفيها حرف زائد أو لم يكن حذفته منها، نحو قولهم في منطلق مطيلق وفي جحمرش جحيمرش. ولفظة منطلق على خمسة أحرف وفيها حرفان زائدان هما الميم والنون، إلا أن الميم زيدت فيها لمعنى فلذلك لم تحذف وحذفت النون وأما لفظة جحمرش فخماسية لا زيادة فيها وحذف منها حرف أيضا. فإذا بنى النحويّ على هذا الأصل، فإما أن يحذف من لفظة اضطراب الألف أو الضاد أو الطاء أو الراء أو الباء. وهذه الحروف غير الألف ليست من حروف الزيادة فلا تحذف بل الأولى أن يحذف الحرف الزائد ويترك الحرف الأصلي فيصغر لفظة اضطراب حينئذ على ضطيريب «2» ، ولم يعلم النحوي أن الطاء في اضطراب مبدلة من تاء وأنه إذا أريد تصغيرها تعاد إلى الأصل الذي كانت عليه. فيقال ضتيريب فإن هذا مما لا يعلمه إلا التصريفيّ والنحاة أطلقوا ما أطلقوه من ذلك اتكالا منهم على تحقيقه من علم التصريف، إذ كل من النحو والتصريف علم

منفرد برأسه، فتكليف النحويّ الجاهل بعلم التصريف إلى معرفة ذلك كتكليفه ما ليس من علمه. قال: فثبت بما ذكر أن علم التصريف مما يحتاج إليه لئلا يغلط في مثل ذلك. قال: ومن العجب أن يقال إنه لا يحتاج إلى معرفة التصريف وهذا نافع بن أبي نعيم وهو من أكبر القرّاء السبعة قدرا وأفخمهم شأنا قد قال في معايش معائش بالهمز، وهذه اللفظة مما لا يجوز همزه بإجماع من علماء العربية: لأن الياء فيها ليست مبدلة من همزة وإنما الياء التي تبدل «1» من الهمزة في هذا الموضع تكون بعد ألف الجمع المانع من الصرف ويكون بعدها حرف واحد ولا يكون عينا نحو سفائن، ولم يعلم نافع الأصل في ذلك فأخذ عليه وعيب عليه من أجله وذلك أنه اعتقد أن معيشة على وزن فعلية تجمع على فعائل ولم ينظر إلى أن الأصل في معيشة معيشة على وزن مفعلة لأن أصل هذه الكلمة من عاش لكن «2» أصلها عيش على وزن فعل، ويلزم مضارع «فعل» المعتل العين «يفعل» لتصح الياء نحو «يعيش» ثم تنتقل حركة العين إلى الفاء فتصير «يعيش» ثم يبني من «يعيش» مفعول فيقال معيوش به كما يقال مسيور به، ثم يخفف ذلك بحذف الواو فيقال معيش به كما يقال مسير به، ثم تؤنّث هذه اللفظة فتصير «معيشة» . ومن جملة من عابه أبو عثمان المازني فقال في كتابه في التصريف: إن نافعا لم يدر ما العربيّة. وحكى أبو جعفر النحاس أن عبيد الله بن سليمان «3» نظر في بعض كتب الكتّاب فإذا فيه حرف مصلح هو: وقد لهوت عن جباية الخراج، فاغتاظ وقال لا يحكّه غيري فحكّه فأصلحه: «وقد لهيت» بالياء، بدل الواو. قال وحكي عن

أحمد بن إسرائيل «1» مع تقدّمه في الكتابة أنه قال: وكانت رسومهم مساناة ثم صارت مشاهرة ثم صارت مياومة ثم صارت مساعاة، فأخطأ، وكان يجب أن يقول مساوعة. قال في «المثل السائر» : وكثيرا ما يقع أهل العلم في مثل هذه المواضع فكيف الجهّال الذين لا معرفة لهم بها ولا اطّلاع لهم عليها، وإذا علم حقيقة الأمر في ذلك لم يقع الغلط فيما يوجب قدحا ولا طعنا، قال: وقد وقع الغلط لأبي نواس فيما هو أظهر من ذلك، وهو قوله في صفة الخمر: كأنّ صغرى وكبرى من فواقعها ... حصباء درّ على أرض من الذّهب فإن «فعلى أفعل» لا يجوز حذف الألف واللام منها وإنما يجوز حذفهما من «فعلى» التي لا أفعل لها نحو حبلى إلا أن تكون «فعلى أفعل» مضافة وهاهنا قد عريت عن الإضافة وعن الألف واللام وكان الصواب أن يقال: كأن الصّغرى والكبرى أو كأن صغراها وكبراها. فانظر كيف وقع أبو نواس في مثل هذا الموضع مع قربه وسهولته، وغلط أبو تمام أيضا في قوله: بالقائم الثّامن المستخلف اطّأدت ... قواعد الملك ممتدّا لها الطّول فقال «اطّأدت» والصواب «اتّطدت» لأن التاء تبدل من الواو في موضعين أحدهما مقيس عليه كهذا الموضع: لأنك إذا بنيت افتعل من الوعد قلت اتّعد وكذلك «اتّطدت» في البيت فإنه وطد يطد كما يقال وعد يعد فإذا بني منه افتع قيل «اتّطدت» ولا يقال «اطّأد» ، وأما غير المقيس فقولهم في «وجاه» «تجاه» ، وقالوا «تكلان» وأصله الواو لأنه من «وكل» فأبدلت الواو تاء للاستحسان. ثم قال: إن المخطىء في التصريف أندر وقوعا من المخطىء في النحو لأنه قلّما تقع له كلمة يحتاج في استعمالها إلى الإبدال والنقل في حروفها. والمعصوم من عصمه الله، والكلام في نصرّف الكاتب في التصريف على ما تقدّم في النحو.

النوع الخامس المعرفة بعلوم المعاني، والبيان، والبديع؛ وفيه مقصدان

النوع الخامس المعرفة بعلوم المعاني، والبيان، والبديع؛ وفيه مقصدان المقصد الأول في وجه احتياج الكاتب إلى ذلك اعلم أنه لمّا كانت صناعة الكتابة مبنية على سلوك سبل الفصاحة واقتفاء سنن البلاغة، وكانت هذه العلوم هي قاعدة عمود الفصاحة ومسقط حجر البلاغة، اضطرّ الكاتب إلى معرفتها، والإحاطة بمقاصدها. ليتوصّل بذلك إلى فهم الخطاب، وإنشاء الجواب، جاريا في ذلك على قوانين اللغة في التركيب، مع قوّة الملكة على إنشاء الأقوال المركّبة المأخوذة عن الفصحاء والبلغاء، من الخطب والرسائل والأشعار من جهة بلاغتها وخلّوها عن اللّكن، وتأدية المطلوب بها، وتكميل الأقاويل الشّعرية نثرا كانت أو نظما، في بلوغها غايتها وتأدية ما هو مطلوب بها، وأنها كيف تتعيّن بحسب الأغراض لتفيد ما يحصل بها من التخيل الموجب لانتقال النفس من بسط وقبض، والشيء يذكر بضدّه، فيذكر المحاسن بالذات والعيوب بالعرض. قال أبو هلال العسكري: «فإن صاحب العربية إذا أخلّ بطلب هذه العلوم، وفرّط في التماسها، فاتته فضيلتها، وعلقت به رذيلة فوتها، وعفّى على جميع محاسنه، وعمّى سائر فضائله، لأنه إذا لم يفرق بين كلام جيّد وآخر رديء، ولفظ حسن، وآخر قبيح، وشعر نادر، وآخر بارد، بان جهله وظهر نقصه، وإذا أراد أن ينشىء رسالة أو يضع قصيدة وقد فاتته هذه العلوم، مزج الصّفو بالكدر، وخلط الغرر بالعرر «1» ؛ فجعل نفسه مهزأة للجاهل، وعبرة للعاقل. وكذلك إذا أراد تصنيف كلام منثور أو تأليف شعر منظوم وتخطّى هذه ساء اختياره، وقبحت آثاره، فأخذ الرديء المردود، وترك الجيّد

المقبول، فدلّ على قصور فهمه، وتأخر معرفته. مع ما في هذه العلوم الثلاثة من الوسيلة إلى فهم كتاب الله تعالى وكلام رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم اللذين منهما يستمدّ الكاتب شريف المعاني، ويستعير فصيح الألفاظ، بل منهما تستفاد سائر العلوم وتقتبس نفائس الفضائل» . قال: «وقبيح لعمري بالفقيه المؤتمّ به، والقاريء المقتدى بهديه، والمتكلّم المشار إليه في حسن مناظرته، وتمام آلته في مجادلته، وشدّة شكيمته في حجاجه، وبالعربيّ الصّليب، والقرشيّ الصريح، أن لا يعرف فهم إعجاز كتاب الله إلا من الجهة التي يعرفها منها الزّنجيّ والنبطيّ، وأن يستدلّ عليه بما يستدلّ به الجاهل الغبيّ» . على أن الشيخ بهاء الدين السبكي «1» رحمه الله قد ذكر في «شرح تلخيص المفتاح» أنّ أهل مصر لا يحتاجون إلى هذه العلوم وأنهم يدرونها بالطبع، فقال في أثناء خطبته: «أما أهل بلادنا فهم مستغنون عن ذلك بما طبعهم الله تعالى عليه من الذّوق السليم، والفهم المستقيم، والأذهان التي هي أرقّ من النسيم، وألطف من ماء الحياة في المحيّا الوسيم، أكسبهم النيل تلك الحلاوة، وأشار إليهم بأصابعه فظهرت عليهم هذه الطّلاوة، فهم يدركون بطباعهم ما أفنت فيه العلماء فضلا عن الأغمار «2» ، الأعمار، ويرون في مرآة قلوبهم الصقيلة ما احتجب من الأسرار خلف الأستار. والسّيف ما لم يلف فيه صيقل ... من طبعه لم ينتفع بصقال فيالها غنيمة لم يوجف عليها من خيل ولا ركاب، ولم يزحف إليها بعدو

عيديّة ولا بلحاق لاحق وانسكاب سكاب «1» ؛ فلذلك صرفوا هممهم إلى العلوم التي هي نتيجة أو مادّة لعلم البيان، كاللغة والنحو والفقه والحديث وتفسير القرآن» : ثم قال: «وأما أهل بلاد الشرق الذين لهم اليد الطّولى في العلوم، ولا سيّما العلوم العقليّة والمنطق، فاستوفوا هممهم الشامخة في تحصيله، واستولوا بجدّهم على جملته وتفصيله. ووردوا مناهل هذا العلم فصدروا عنها بملء سجلهم «2» ، وكيف لا وقد أجلبوا عليه بخيلهم ورجلهم. فلذلك عمروا منه كل دارس، وعبروا من حصونه المشيدة ما رقد عنها الحارس. وبلغوا عنان السماء في طلبه، و «لو كان الدّين في الثريّا لناله رجال من فارس» . إلى أن خرج عنهم المفتاح، فكأن الباب أغلق دونهم، وظهر من مشكاة بلاد الغرب المصباح، فكأنما حيل بينه وبينهم. وأدارت المنون على قطبهم الدوائر، فتعطّلت بوفاته من علومه أفواه المحابر وبطون الدّفاتر. وانقطعت زهراتهم الطيّبة عن المقتطف، وتسلّط على العضد لسان من يعرف «كيف تؤكل الكتف» . فلم نظفر بعد هؤلاء الأئمة رحمهم الله من أهل تلك البلاد بمن مخض هذا العلم فألقى للطالب زبدته، ومحض النّصح فنشر على أعطاف العاري بردته، ولا حملت قبول القبول «3» إلينا عنهم بطاقة، ولا حصلت للمتطلّعين لهذا العلم على تلك الأبواب طاقة، ولا رأينا بعد أن انطمست تلك الشموس المشرقة، واندرست طبقة تحرّي الفرقة، ولم يبق إلا رسوم هي من فضائلهم مسترقة. من أطلع غصن قلمه من روض الأذهان زهرة على ورقة، ولا من علّق شنّه بطبقتهم «4» فيقال وافق شنّ طبقة، بل ركدت بينهم

في هذا الزمان ريحه، وخبت مصابيحه، وناداهم الأدب سواكم أعني: و «ربّ كلمة تقول دعني» . وما بعض الإقامة في ديار ... يهان بها الفتى إلا بلاء فعند ذلك أزمع هذا العلم الترحل، وآذن بالتحوّل. وإذا الكريم رأى الخمول نزيله ... في منزل فالرّأي أن يتحوّلا وفزع إلى مصر فألقى بها عصا التّسيار، وأنشد من نادى من تلك الديار. أقمت بأرض مصر فلا ورائي ... تخبّ بي الرّكاب ولا أمامي» ولقد أحسن رحمه الله في بيان السبب، والتعويل في انجبال أهل مصر على هذا العلم على علاقة الصّهر والنسب حيث قال في أوائل خطبته في أثناء الصلاة على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: «صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما خفقت للبلاغة راية مجد في بني غالب بن فهر، وتعلّقت بأزمة الفصاحة أهل مصر: لما لهم من نسب وصهر» . قال الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي «1» رحمه الله في كتابه «حسن التوسل إلى صناعة الترسل» : وهذه العلوم وان لم يضطرّ إليها ذو الذّهن الثاقب، والطبع السليم، والقريحة المطاوعة والفكرة المنقّحة، والبديهة المجيبة، والروية المتصرّفة، لكن العالم بها متمكّن من أزمّة المعاني، وصناعة الكلام، يقول عن علم، ويتصرف عن معرفة، وينتقد بحجة، ويتخير بدليل، ويستحسن ببرهان، ويصوغ الكلام بترتيب» . وحقيق ما قاله. فإن الأديب والكاتب العاريين عن هذه العلوم قاصران، عن أدنى رتب الكمال يحيدان، ولا يدريان كيف يجيبان؛ فلو سئل كل منهما

عن علة معنى استحسنه أو لفظ استحلاه أو تركيب استجاده، لم يقدر على الإتيان بدليل على ذلك. وقد حكى الإمام عبد القادر الجرجانيّ «1» قال: «ركب الكنديّ «2» المتفلسف إلى أبي العبّاس وقال له: إني أجد في كلام العرب حشوا- فقال له أبو العباس في أي موضع؟ - قال: وجدت العرب تقول عبد الله قائم ثم يقولون إن عبد الله قائم ثم يقولون إن عبد الله لقائم فالألفاظ متكررة والمعنى واحد- فقال له أبو العباس: لا، بل المعاني مختلفة لاختلاف الألفاظ، فقولهم عبد الله قائم إخبار عن قيامه، وقولهم إن عبد الله قائم جواب عن سؤال سائل، وقولهم إن عبد الله لقائم جواب على إنكار منكر قيامه، فما أحار المتفلسف جوابا. فإذا ذهب مثل هذا على الكنديّ فما الظنّ بغيره؟ وإن كان من محاسن الكلام ما لا يحكم في امتزاجه بالقلوب غير الذوق الصحيح كما قال الشاعر: شيء به فتن الورى غير الذي ... يدعى الجمال ولست أدري ما هو لكن الغالب في الكلام أن يعلم سبب تحسينه، وتعليل موادّ تمكينه ويجاب عن العلة في انحطاطه وارتفاعه، ويذكر المعنى في ارتقائه من حضيض القول إلى يفاعه «3» . قلت: وهذا العلم وإن شحن أئمة «4» الكتّاب- كما قال أبو هلال العسكري في كتابه «الصناعتين» والوزير ضياء الدين بن الأثير في «المثل

المقصد الثاني في كيفية انتفاع الكاتب بهذه العلوم

السائر» والشيخ شهاب الدين محمود الحلبي في «حسن التوسل» فإنه ليس مختصا بفنّ الكتابة بل هو آلة لكل كلام اقتضى البلاغة، كما أن المنطق آلة لكل العلوم العقلية، التي يحتاج منها إلى تصحيح الفكر. وقد أكثر الناس من المصنفّات فيه كالرّمّاني «1» والجرجانيّ وغيرهما؛ وأكثر اعتماد أهل الزمان فيه على «تلخيص المفتاح» للقاضي جلال الدين القزوينيّ «2» فأغنى ما وضع فيه عن إيراده هنا. المقصد الثاني في كيفية انتفاع الكاتب بهذه العلوم غير خاف أنه إذا مهر فيها وعرف طرقها، أتى في كلامه بالسّحر الحلال، وصاغ من ألفاظه ومعانيه ما يقضي له بالفصاحة التامة، والبلاغة الكاملة، من وجوه تحقيق الكلام، وتحسينه وتدبيجه وتنميقه، وإذا فاتته هذه العلوم، أو كان ناقصا فيها، نقصت صناعته بقدر ما ينقص من ذلك. ثم كما يحتاج إلى هذه العلوم بطريق الذات، كذلك يحتاج إليها بطريق العرض من جهة المعرفة بالبلغاء الذين يضرب بهم المثل في البلاغة كقّس بن ساعدة «3» ، وسحبان وائل «4» ، وعمرو بن الأهتم «5» ، ونحوهم من بلغاء العرب، وابن

المقفّع ونحوه من المحدثين. وكما قيل في عيّ باقل- وهو رجل انتهى به العيّ إلى أنه اشترى ظبيا بأحد عشر درهما، فسأله سائل في الطريق، وهو ممسك الظبي: بكم اشتريته؟ فلم يحسن التعبير عن أحد عشر، ففرق أصابعه العشرة وأخرج لسانه مشيرا إلى أحد عشر فتفلّت الظبي وفرّ هاربا-. وكمعرفة أئمة الصناعة: كالجرجاني والرّمّاني. وكذلك المعرفة بالأسماء التي اصطلح عليها أهلها، من الفصل، والوصل، والتشبيه كما تقدم، والمقابلة، والمطابقة، وغير ذلك من أنواعها. أما أحتياجه إلى المعرفة بأسماء البلغاء ولغة أهل الصناعة، فلأنه ربما احتاج إلى تفضيل بعض من يكتب له ممن ينسب مثله إلى البلاغة فيفضله بمساواته لبليغ من البلغاء، أو إمام من أئمة الصنعة: كما كتب الوزير ضياء الدين بن الأثير في ذمّ كاتب: هذا وهو يدّعي أنه في الفصاحة أمّة وحده، ومن قسّ إياد وسحبان وائل عنده، وكما قال بعضهم يهجو ضيفا له: أتانا وما داناه سحبان وائل ... بيانا وعلما بالذي هو قائل فما زال عند اللّقم «1» حتى كأنّه ... من العيّ لمّا أن تكلّم باقل ومما أتى على ذكر جماعة من أهل هذا الشأن قولي في كلام قليل جاء ذكره في آخر رسالة كتبت بها في تقريظ المقرّ الفتحيّ، صاحب دواوين الإنشاء الشريف، بالأبواب السلطانية بالديار المصرية- وهو: «على أنّي أستقيل من التقصير في إطرائه، والتعرّض في مدحه لما لا أنهض بأعبائه. فلو أن الجاحظ نصيري، وابن المقفّع ظهيري، وقسّ بن ساعدة يسعدني، وسحبان وائل ينجدني، وعمرو بن الأهتم يرشدني، لكان اعترافي بالتقصير أبلغ مما آتيه، وإقراري بالقصور أولى مما أخفيه من توالي طوله وأياديه» .

وأما احتياجه إلى معرفة ألفاظ أهل الصناعة، فلأنه ربما ورّى بها في تفاصيل كلامه ونحو ذلك- كما كتب الشيخ زين الدين أبو بكر بن العجمي «1» على البديعية التي نظمها عيسى العالية» الشاعر، مضاهيا بها بديعية الصفيّ الحليّ «3» فقال: «وبعد فقد وقفت على هذه المعجزة التي أحيا بها عيسى ميت البديع، وجوّد ما شاء فيها من التصريع «4» والتصريع، ورقم لأعطافها حلل التوشيح «5» والتوشيع «6» ، ونظم لأجياد أبياتها فرائد المعاني المستخرجة من بحر فكره على يد يراعه المريع، وقلدها من درر لفظه بما هو أزهى من زهر الزهر «7» على نهر المجرة وهالات البدور، وشنف المسامع منها بما هو أبهى من النور في العيون وأوقع من الشفاء في الصدور، وأولج الليل في النهار بما طرس به الطروس، وأطلع في ذلك الليل من ناصع معانيه نجوما تزهي على الشموس، وأودع المهارق «8» شذورا تزيف ذهب الأصائل، وتسفر عن وجوه حسان تفوق ابتسام ثغور الأزاهر بين الخمائل؛ وسلك في البديع طريقة

مثلى، أظهر فيها من شهد ألفاظه وجواهر معانيه ما حلا وحلى، ولم يدع للحلي في بهجتها محلا، وأحسن التذييل والترشيح «1» والتهكم عليه، من غير التفات لما أهمله ولم يتعرض إليه؛ وعادت المعاني تأوي من حسن تصرفه إلى ركن شديد، وتحوي بشبا «2» أقلامه كل ما رامه من تأبيد التأييد؛ وتلقي مقاليدها منه إلى ملي بحسن التحيل والتحول في نظمه ونثره، وتحكم لمن حكم له بكمال وصفه ووصف كماله بأنه نسيج وحده وفريد عصره؛ وأجرى في حلبة البديع جياد أقلامه فحاز قصب الرهان، وأصفى لها موارد النفس فارتوت واستخرجت من ظلماته جواهر البيان، ونطقت بما هو المألوف من غرائب حكمه الحسان؛ وتأملتها فوجدتها قد أجاد فيها براعة المطلع، وبالغ في تحسين المنزع «3» والمقطع، ودخل جنان الجناس فاجتنى من قطوفها الدانية ما راق، واطردت له أنهارها فاستطرد منها في أعلى الطباق؛ وقابل وجوه حورها أحسن المقابلة، آمنا فيها من الاشتراك والمماثلة، وأوضح الفروق بين التورية والإبهام، والتوجيه والاستخدام، وأبان في التتميم نقص أبي تمام، وأوجب في إبهامه عقد الخناصر على نظمه، وفوّض بنزاهته التسليم له وطلب سلمه، ولم يقنع بما فيه الاكتفاء من التذييل والتذنيب، بل أتى في الاستدارك على من تقدمه بالعجب العجيب، معتمدا في تكميل مقاصده الاقتصار والإيجاز، ولو ادعى الإعجاز على الحقيقة لا المجاز لجاز؛ وتحققت أن ليس له في هذا الفن مقاو ولا مقاوم، ولا مساو ولا مساوم، فكم جلب من بحر براعته درة أشرقت في ليالي الفترة المسودة، وكم حلب من ثدي يراعته درة «4» لها ألف زبدة، وكم بلغ الناظر من وصف بيانه مجمع

النوع السادس حفظ كتاب الله العزيز وفيه مقصدان

البحرين، وسمع ورأى من فصله الحزل وفضله الجزيل ما هو عين المراد ومراد العين؛ وكم جلا من عرائس أفكاره وابتكاره صباح الوجوه الصباح، وخفق في الخافقين لمقاصده وبصائره جناح النجاح. قد أصبحت كلماته لخصور الفرائد مناطق، ولبدور الفوائد مشارق، ولطلائع أسرار المباني، آلات، ولمطالع أقمار المعاني، هالات، وقد وقعت حين وقفت على بديعيته هذه بين داءين كل منهما الأخطر، وبين أمرين أمرين كل منهما الأعسر؛ إن لم أكتب عليها شيئا فقد أخللت بالفرض الواجب، وإن كتبت فقد فضحت نفسي وعرضتها للمعايب ولكني رحت على ظلعي «1» متحاملا، وغدوت على حسب طاقتي في هذا الباب قائلا: عاش البديع وكان ميتا وانثنى ... بادي المحاسن زاهيا محروسا أحياه عيسى نجل حجاج وكم ... من ميت أحياه قدما عيسى النوع السادس حفظ كتاب الله العزيز وفيه مقصدان المقصد الأول في بيان احتياج الكاتب إلى ذلك في كتابته قال في «حسن التوسل» : ولا بد للكاتب من حفظ كتاب الله تعالى، وإدامة قراءته، وملازمة درسه، وتدبر معانيه، حتى لا يزال مصورا في فكره، دائرا على لسانه، ممثلا في قلبه ليكون ذاكرا له في كلامه وكل ما يرد عليه من الوقائع التي يحتاج إلى الاستشهاد به فيها، ويفتقر إلى قيام قواطع الأدلة عليها، (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) «2» وكفى بذلك معينا له على قصده، ومغنيا له عن

غيره. قال تعالى (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) «1» وقال جل وعز تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ «2» . قال في «المثل السائر» : كان بعضهم يقول: لو ضاع لي عقال لوجدته في القرآن الكريم. قال في «حسن التوسل» : وقد أخرج من الكتاب العزيز شواهد لكل ما يدور بين الناس في محاوراتهم، ومخاطباتهم، مع قصور كل لفظ ومعنى عنه، وعجز الإنس والجن عن الإتيان بسورة من مثله- كما حكي أن سائلا سأل بعض العلماء أين تجد في كتاب الله معنى قولهم «الجار قبل الدار» ؟ قال في قوله تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) «3» فطلبت الجار قبل الدار، ونظائر ذلك كثيرة. وقد اختلف في جواز الاستشهاد بالقرآن الكريم في المكاتبات ونحوها: فذهب أكثر العلماء إلى جواز ذلك ما لم يحل عن لفظه ولم يتغير معناه. فقد ثبت في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كتب في كتابه إلى هرقل (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) «4» إلى قوله مسلمون؛ وروي ذلك عن غير واحد من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فكتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه في عهده لعمر بن الخطاب (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ . وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) «5» على ما سيأتي في ذكر عهود الخلفاء عن الخلفاء إن شاء الله تعالى. وكتب عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه في آخر كتاب إلى معاوية «وقد علمت مواقع سيوفنا في جدك وخالك وأخيك (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) «6» . وقال للمغيرة بن شعبة لما أشار عليه بتولية معاوية (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) «7» . وكتب

إلى عامل من عماله بعد البسملة (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ* بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) «1» . وقال الحسن بن عليّ لمعاوية حين نازعه في الخلافة (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) «2» . ويروى عن ابن عباس مثله. وكتب الحسن إلى معاوية: أما بعد فإن الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلّم رحمة للعالمين وكافة للناس أجمعين (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) «3» وكتب محمد بن عبد الله بن الحسن بن عليّ إلى المنصور في صدر كتاب (طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ؛ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) «4» إلى قوله (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) «5» . ولم يزل العلماء وفضلاء الكتاب يستشهدون بالقرآن الكريم في مكاتباتهم في القديم والحديث، من غير نكير؛ وذلك كله دليل الجواز. ونقل عن الحسن البصريّ ما يدل على كراهة ذلك حيث بلغه أن الحجاج أنكر على رجل استشهد بآية فقال: أنسي نفسه حين كتب إلى عبد الملك بن مروان: بلغني أن أمير المؤمنين عطس فشمته من حضر فرد عليهم (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) «6» . قال في «حسن التوسل» : وإذا صحت هذه الرواية عن الحسن فيمكن أن يكون إنكاره على الحجاج لكونه أنكر على غيره ما فعله هو. وذهب بعضهم إلى أن كل ما أراد الله به نفسه لا يجوز الاستشهاد به إلا فيما يضاف إلى الله سبحانه مثل قوله (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) «7» وقوله (بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) «8» ونحو ذلك مما يقتضيه الأدب مع الله تعالى.

قال في «المثل السائر» : وإذا ضمنت الآيات في أماكنها اللائقة بها، ومواضعها المناسبة لها، فلا شبهة فيما يصير للكلام من الفخامة والجزالة والرونق. قال في «حسن التوسل» : ومن شرف الاستشهاد بالقرآن الكريم إقامة الحجة، وقطع النزاع، وإذعان الخصم. قال في «حسن التوسل» : وأين قول العرب- القتل أنفى للقتل- لمن أراد الاستشهاد في هذا المعنى من قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) «1» وقد روي أن الحجاج قال لبعض العلماء: أنت تزعم أن الحسين من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فأتني على ذلك بشاهد من كتاب الله تعالى وإلا قتلتك فقرأ عليه (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى) «2» فعيسى ابن بنته فأسكت الحجاج. وأيضا فإن الآية الواحدة تقوم في بلوغ الغرض، وتوفية المقاصد ما لا تقوم به الكتب المطولة والأدلة القاطعة. فمن أخصر ما وقع في ذلك وأبلغ أنه كان على الروم بهرقلة «3» في أيام الرشيد امرأة منهم، وكانت تلاطف الرشيد ولها ابن صغير، فلما نشأ فوضت الأمر إليه فعاث وأفسد وخاشن الرشيد؛ فخافت على ملك الروم فقتلت ولدها، فغضب الروم لذلك، فخرج عليها رجل منهم يقال له يقفور فقتلها واستولى على الملك وكتب إلى الرشيد: أما بعد، فإن هذه المرأة وضعتك موضع الشاه، ووضعت نفسها موضع الرخ «4» ، وينبغي أن تعلم أني أنا الشاه وأنت الرخ فأد إلي ما كانت المرأة تؤدي إليك! فلما قرأ الكتاب. قال للكتاب: أجيبوا عنه! فأتوا بما لم يرتضه، وكان الرشيد خطيبا شاعرا فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله هارون أمير المؤمنين إلى يقفور

كلب الروم. أما بعد، فقد فهمت كتابك، والجواب ما تراه لا ما تسمعه، والسلام على من اتبع الهدى. ثم خرج في جمع له لم يسمع بمثله فتوعل في بلاده وفتك وسبى؛ فأوقد يقفور في طريقه نارا شديدة فخاضها محمد بن يزيد الشيباني، وتبعه الناس حتى صاروا من ورائها؛ فلما رأى يقفور أنه لا قبل له به، صالحه على الجزية يؤديها عن رأسه وعن سائر أهل مملكته. وكتب ملك الروم إلى المعتصم يتوعده ويتهدده فأمر الكتاب أن يكتبوا جوابه فلم يعجبه مما كتبوا شيئا فقال لبعضهم اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت خطابك، والجواب ما ترى لا ما تسمع (وَسَيَعْلَمُ. الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) «1» . هذا مع ما ينسب إليه المعتصم من ضعف البصر بالعربية كما تقدم في الكلام على اللغة. ولا يستكثر مثل ذلك على الطبع السليم، والرجوع إلى سلامة العنصر وطيب المحتد. ومثل ذلك في الجواب وأخصر منه أن الأدفونش ملك الفرنج بالأندلس، كتب إلى يعقوب بن عبد المؤمن أمير المسلمين بالأندلس، بخط وزير له يقال له ابن الفخار: باسمك اللهم فاطر السموات والأرض والصلاة على السيد المسيح ابن مريم الفصيح، أما بعد: فلا يخفى على ذي ذهن ثاقب، وعقل لازب «2» ، أني أمير الملة النصرانية، كما أنك أمير الملة الحنيفية، وقد علمتم ما هم عليه رؤساء جزيرة الأندلس من التخاذل والتواكل والإخلاد إلى الراحة وأنا أسومهم الخسف وأخلي منهم الديار، وأجوس البلاد، وأسبي الذراري، وأقتل الكهول والشبان لا يستطيعون دفاعا، ولا يطيقون امتناعا، فلا عذر لك في التخلف عن نصرهم، وقد أمكنتك يد القدرة، وأنتم تعتقدون أن الله عز وجل فرض عليكم قتال عشرة منا بواحد منكم، والآن خفف الله عنكم وعلم

أن فيكم ضعفا، فلتقاتل عشرة منكم الواحد منا؛ ثم بلغني أنك أخذت في الاحتفال، وأشرفت على ربوة الإقبال، وتماطل نفسك عاما بعد عام؛ وأراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى؛ ولست أدري إن كان الجبن أبطأك أو التكذيب بما أنزل عليك ربك؛ ثم حكي لي أنك لا تجد إلى الجواز سبيلا لعلة لا يجوز لك التفخم «1» به معها؛ فأنا أقول ما فيه الراحة لك، وأعتذر لك وعنك، على أن تفي لي بالعهود والمواثيق والاستكثار من الرهن، وترسل إلي بجملة من عبيدك بالمراكب والشواني «2» ، وأجوز بحملتي إليك، وأبارزك في أعز الأماكن عليك؛ فإن كانت لك فغنيمة وجهت إليك، وهدية عظيمة مثلت بين يديك، وإن كانت لي كانت يدي العليا عليك وأستوجب سيادة الملتين، والحكم على الدينين، والله تعالى يسهل ما فيه الإرادة، ويوفق للسعادة، لا رب غيره، ولا خير إلا خيره. فكتب رحمه الله جوابا على أعلى كتابه (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) «3» . ونظير ذلك أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب كتب إلى الديوان العزيز ببغداد كتابا يعدد فيه مواقفه في إقامة دعوة بني العباس بمصر. فكتب جوابه من ديوان الخلافة (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) «4» .

المقصد الثاني في كيفية استعمال آيات القرآن الكريم

المقصد الثاني في كيفية استعمال آيات القرآن الكريم واعلم أن تضمين الكلام بعض آي القرآن الكريم ينقسم عند أهل البلاغة إلى قسمين: أحدهما- الاستشهاد بالقرآن الكريم ، وهو أقلهما وقوعا في الكلام ودورانا في الاستعمال: وهو أن يضمن الكلام شيئا من القرآن الكريم، وينبه عليه مثل قول الحريري في مقاماته: فقلت وأنت أصدق القائلين (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) «1» . وقول أبي إسحاق في عهد لملك عن خليفة بعد الأمر بالتقوى والحث عليها: فإذا اطلع الله منه على نقاء جيبه، وطهارة ذيله، وصحة مروءته، واستقامة سيرته، أعانه على حفظ ما استحفظه، وأنهضه بثقل ما حمله، وجعل له مخلصا من الشبهة، ومخرجا من الحيرة. فقد قال الله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) «2» وقد قال الله عز وجل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) «3» وقال عز اسمه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) «4» إلى آي كثيرة حضنا بها على كرم الخلق، وأسلم الطرق؛ فالسعيد من نصبها رأي ناظره، والشقي من نبذها وراء ظهره، وأشقى منه من يحث عليها وهو صادف عنها، فأجاب إليها وهو بعيد منها. وله ولأمثاله يقول الله عز وجل (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) «5» وأكثر مشي الصابي «6» في كتابه على هذا الأسلوب

من الاستشهاد، والتنبيه على آي القرآن في خلال كلامه، دون الإشارة إليه، والاقتصار على اقتباس معناه. ومن ذلك قول علاء الدين بن غانم «1» من خطبة «2» قدمة كتب بها لمظفر الدين موسى بن أقوش وقد صرع لغلغة، وادعى بها للملك المؤيد صاحب حماه: نحمده على توفيقه الذي ساد به من ساد وسما، وأصاب بتفويقه بمعونة ربه طير السما، فحسن أن يتلى (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى) «3» . ومن ذلك قولي في المقامة التي أنشأتها في كتابة الإنشاء، في الكلام على فضل الكتابة: فقد نطق القرآن الكريم بفضلها، وجاءت السنة الغراء بتقديم أهلها، فقال جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) «4» فأخبر تعالى أنه علم بالقلم، حيث وصف نفسه بالكرم، إشارة إلى أن تعليمها من جزيل نعمه، وإيذانا بأن منحها من أوفر جوده وفائض ديمه؛ وقال جلت قدرته (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) «5» فأقسم بالقلم، وما سطرته الأقلام، وأتى بذلك في آكد قسم، فكان من أعظم الأقسام. وقال جلت عظمته (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ) «6» فجعل الكتابة من وصف الكرام، كما قد جاء فعلها عن جماعة الأنبياء عليهم السلام، وإنما منعها النبي صلى الله عليه وآله وسلّم معجزة قد بين

الله تعالى سببها، حيث ذكر أخبارهم بقوله: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها) «1» . وقولي من هذه المقامة في التعبير عن المقرّ البدري بن فضل الله «2» : قلت حسبك قد دلني عليه عرفه، وأرشدنيّ إليه وصفه، وبان لي محتده الفاخر وحسبه الصميم، وعرفت أصله الزاكي وفرعه الكريم (ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) * «3» . وقولي في اختتام هذه المقامة معبرا عن المقرّ البدري المشار إليه: فلما تحققت أني قد أثبت في ديوانه، وكنت من جملة غلمانه، رجعت القهقرى عن طلب الكسب، وتساوى عندي المحل والخصب؛ فاستغنيت بنظري إليه عن الطعام والشراب، وتحققت أن نظرة منه ترقيني إلى السحاب، وتلوت بلسان الصدق على الملإ وهم يسمعون (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) «4» . وقولي في بيعة خليفة أنشأتها بعد ذكر تحليف أهل البيعة: وأشهدوا عليهم بذلك من حضر مجلس العقد من الأئمة الأعلام، والشهود والحكام، وجعلوا الله على ما يقولون وكيلا، فاستحق عليهم الوفاء بقوله تعالى (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا) «5» . وهم يرغبون

الثاني - الاقتباس

إلى الله تعالى أن يضاعف لهم بحسن نيتهم الأجور، ويلجأؤن إليه أن يجعل أئمتهم ممن أشار تعالى إليه بقوله (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ «1» . وقولي في بيعة أخرى: والله يجعل أنتقالهم من أدنى إلى أعلى، ومن يسرى إلى يمنى، ويحقق لهم بمن استخلفه عليهم وعده الصادق بقوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) «2» . الثاني- الاقتباس ، وهو أن يضمن الكلام شيئا من القرآن، ولا ينبه عليه: كقوله في خطبة «التعريف» : نحمده على فواضل زادت محاسن العلوم، وعرفت تفاوت درجات الأولياء إذ قالوا (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) «3» وقوله بعد ذلك: وسماء الشبيبة بضحى المشيب قد تجلت، والنفس قد (أَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ) «4» . وقول ابن نباتة السعدي في بعض خطبه: فيا أيها الغفلة المطرقون! أما أنتم بهذا الحديث مصدقون؟ ما لكم لا تسمعون! (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) «5» وقوله يوم يبعث الله العالمين خلقا جديدا، ويجعل الظالمين لنار جهنم وقودا. يوم تكونوا (شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً . يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) «6» . وقول غيره: أتظنون أنكم دون غيركم مخلدون (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) «7» .

وقول الحريري: فلم يكن إلا (كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) «1» . حتى أنشد فأعرب. وقوله: (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ) » . وأميز صحيح القول من عليله. وقول ضياء الدين بن الأثير في فصل من كتاب في مدح الجود وذم البخل: وقد علم أن المال الذي يختزن، كالماء الذي يحتقن، فكما أن هذا يأجن «3» بتعطيل الأيدي عن امتياح «4» مشاربه. فكذلك يأجن هذا بتعطيل الأيدي عن امتناع «5» مواهبه. وأي فرق بين وجوده وعدمه لولا أن تملك به القلوب. وتفل به الخطوب. ويركب به ظهر العزم الذي ليس بركوب؛ ومن بسط يده فيه ثم قبضها بخله، فإنه يقف دون الرجال مغمورا، ويقعد عن نيل المعالي محسورا. وإذا أدركته منيته مضى وكأنه لم يكن شيئا مذكورا. وقوله في وصف كاتب: له بنت فكر ما تمخضت بمعنى إلا نتجته من غير ما تمهله. (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ) «6» . ولم تعرض على ملإ من البلغاء إلا ألقوا أقلامهم أيهم يستعيره لا أيهم يكفله. وقول الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي من عهد السلطان: وجمع بك شمل الأمة بعد أن (كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) «7» وعضدك لإقامة إمامته بأولياء دولتك الذين رضي الله عنهم، وخصك بانصار دينه الذين نهضوا بما أمروا به من طاعتك وهم فارهون (وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ

وَهُمْ كارِهُونَ) «1» وقوله من عهد السلطان الملك المنصور لاچين «2» : وجعل عدوه وإن أعرض بجيوش الرعب محصورا. وكفاه بالنصر على الأعداء التوغل في سفك الدماء (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) «3» . وقوله في خطبة صداق في وصف نكاح: وأحيا به الأمم وقد قضى دينهم. وجمع بين متفرقين (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) «4» . وقوله من توقيع بإمامة صلاة: وليعلم أنه في المحراب مناجيا لربه واقفا بين يدي من يحول بين المرء وقلبه «5» . وقولي في خطبة هذا الكتاب في الإشارة إلى فتح الديار المصرية: فتوجهت إليها عزائم الصحابة زمن الفاروق فجاسوا خلال الديار، وعرها وسهلها واقتطعتها أيدي المسلمين من الكفار، وكانوا (أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) «6» وقولي في المقامة المتقدمة الذكر: قال إذن قد تعلقت من الصنعة بأسبابها. وأتيت البيوت من أبوابها. وقولي فيها: قلت قد بانت لي علومها. فما رسومها؟ - قال إن أعباءها لباهظة حملا. وإنها لكبيرة إلا. ولكن سأحدث لك ذكرا «7» وأنبئك بما لم تحط به خبرا «8» . وقولي في المفاخرة بين السيف والقلم في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم: صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين قامت بنصرتهم دولة الإسلام فسمت بهم على سائر الدول وكرعت في دماء

الكفر سيوفهم فعادت بخلوق «1» النصر لا بحمرة الخجل. صلاة ينقضي دون انقضائها تعاقب الأيام. وتكل ألسنة الأقلام عن وصفها (وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) «2» . وربما اقتصر على التلويح والإشارة خاصة: كقول القاضي الفاضل فيما كتب به عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى الديوان العزيز ببغداد في الاستصراخ وتهويل أمر الفرنج: (رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي) «3» ، وها هي في سبيلك مبذولة، وأخي وقد هاجر إليك هجرة يرجوها مقبولة. وقول ضياء الدين بن الأثير في وصف غبار الحرب: وعقد العجاج سقفا فانعقد. وأرانا كيف رفع السماء بغير عمد «4» . غير أنها سماء بنيت بسنابك الجياد. وزينت بنجوم الصعاد «5» . ففيها ما يوعد من المنايا لا ما يوعد من الأرزاق. ومنها تقذف شياطين الحرب لا شياطين الاستراق «6» . قال الوزير ضياء الدين بن الأثير رحمه الله: «والطريق في استنباط المعاني من القرآن الكريم واستعمال الآيات في خلال الكلام أن تعمد إلى سورة من القرآن، وتأخذ في تلاوتها وكلما مرّ بك معنى أثبته في ورقة مفردة

حتى تنتهي إلى آخرها؛ ثم تأخذ في استعمال تلك المعاني التي ظهرت وإدخالها في خلال الكلام وكلما عاودت التلاوة وكررتها ظهر لك من المعاني ما لم يظهر لك في المرة التي قبلها» . ولتعلم أن الآية الواحدة قد تقع في الاستعمال على عدة وجوه يورده الناثر في معنى ثم ينقله لمعنى آخر غيره كما فعل ضياء الدين بن الأثير في قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) «1» . فقال في دعاء كتاب: وصل كتاب من الحضرة السامية أحسن الله أثرها، وأعلى خطرها، وقضى من العلياء وطرها، وأظهر على يدها آيات المكارم وسورها، وأسجد لها كواكب السيادة وشمسها وقمرها. ثم أبرزه في معنى آخر فقال: أكرم النعم ما كان فيه ذكرى للعابدين. وتقدمه إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين. فهذه النعمة هي التي تأتي بتيسير العسير. وتجلو ظلمة الخطب بإيضاح المنير. فانظر إلى أثر رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير. ثم نقله إلى معنى آخر فقال من تقليد يكتب من ديوان الخلافة لبعض الوزراء: وقد علم أن أمير المؤمنين أدنى مجلسه من سمائه، وآنسه على وحدة الانفراد بحفل «2» نعمائه. ورفعه حتى ودت الشمس لو كانت من أترابه والقمر لو كان من ندمائه. وذلك مقام لا تستطيع الجدود أن ترقى إلى رتبته. ولا الآمال أن تطوف حول كعبته، ولا الشفاه أن تتشرف بتقبيل تربته. فليزدد إعجابا بما نالته من مواطىء أقدامه، ولينظر إلى سجود الكواكب له في يقظته لا في منامه. قال في «حسن التوسل» : والناس في استخراج المعاني من القرآن

الكريم، واستعمالها في الكلام على قدر طبقاتهم وتفاوت درجاتهم. فمفرط في الحسن ومفرط وفوق كل ذي علم عليم. قلت: وكما يحتاج الكاتب إلى حفظ كتاب الله تعالى والعلم بتفسيره ليقتبس من معانيه كذلك يحتاج إلى معرفة العلوم المختصة به كالعلم بالقراءات السبع والشواذ، ومعرفة رجالها، ومن اشتهر منهم وعرف بجودة القراءة، ومعرفة أعيان المفسرين ورؤوسهم، ليماثل بأفاضلهم ويقايس بأعيانهم، في خلال ما يعرض له من الكلام مطابقا لذلك كما قال في «التعريف» في وصية مقرىء في القسم الثالث من الكتاب: وليدم على ما هو عليه من تلاوة القرآن، فإنه مصباح قلبه. وصلاح قربه، وصباح القبول المؤذن له برضا ربه؛ وليجعل سوره له أسوارا، وآياته تظهر بين عينيه أنوارا. وليتل القرآن بحروفه وإذا قرأ استعاذ، وليجمع طرقه وهي التي عليها الجمهور ويترك الشواذ. ولا يرتد دون غاية لإقصار، ولا يقف فبعد أن أتم لم يبق بحمد الله إحصار، وليتوسع في مذاهبه ولا يخرج عن قراءة القراء السبعة أئمة الأمصار، وليبذل للطلبة الرغاب، وليشبع فإن ذوي النهمة سغاب: ولير الناس ما وهبه الله من الاقتدار، فإنه احتضن السبع ودخل الغاب «1» ، وليتم مباني ما أتم ابن عامر وأبو عمرو «2» له التعمير، ولفه الكسائي «3» في كساه ولم يقل جدي ابن كثير «4» ، وحم به لحمزة «5» أن يعود ذاهب الزمان، وعرف أنه لا عاصم من أمر

النوع السابع الاستكثار من حفظ الأحاديث النبوية على قائلها أفضل الصلاة والسلام وفيه مقصدان

الله يلجأ معه إليه وهو الطوفان، وتدفق يتفجر علما وقد وقفت السيول الدوافع، وضر أكثر قراء الزمان لعدم تفهيمهم وهو نافع، وليقبل على ذوي الإقبال على الطلب، وليأخذهم بالتربية فما منهم إلا من هو إليه قد انتسب. وهو يعلم ما من الله عليه بحفظ كتابه العزيز من النعماء، ووصل سببه منه بحبل الله الممتد من الأرض إلى السماء. فليقدر حق هذه النعمة بحسن إقباله على التعليم، والإنصاف إذا سئل فعلم الله لا يتناهى وفوق كل ذي علم عليم. النوع السابع الاستكثار من حفظ الأحاديث النبوية على قائلها أفضل الصلاة والسلام وفيه مقصدان المقصد الأول في بيان وجه احتياج الكاتب إلى ذلك قال في «حسن التوسل» : لا بد للكاتب من حفظ الكثير من الأحاديث النبوية، والآثار المروية عن الصحابة رضوان الله عليهم؛ وخصوصا في السير، والمغازي، والأحكام؛ وتأمل فصاحتها، والنظر في معرفة معانيها وغريبها، وفقه ما لا بد من معرفته من أحكامها لينفق منها على سعة، ويستشهد بكل شيء في موضعه، ويحتج بمكان الحجة، ويستدل بموضع الدليل، ويتصرف عن علم بموضوع اللفظ ومعناه، ويبني كلامه على أصل لا يزلزل، ويسوق مقاصده إلى سبيل لا يضل عنه، فإن الدليل على المقصد إذا استند إلى النص قويت فيه الحجة، وسلم له الخصم، وأذعن له المعاند؛ والفصاحة والبلاغة

إذا طلبت غايتها فإنها بعد كتاب الله في كلام من أوتي جوامع الكلم وقال: «أنا أفصح من نطق بالضاد» . وقد كان الصدر الأول من الصحابة والتابعيين رضي الله عنهم يحتجون بالحديث، ويستدلون به في مواطن الخلاف والنزاع، فينقاد الجموح ويستسهل الصعب، وقد رجع الأنصار يوم السقيفة إلى حديث «الأئمة من قريش» حيث رواه لهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وأذعنوا له، وبايعوه بعد ما اجتمعوا إلى سعد بن عبادة وقالوا: «منا أمير ومنكم أمير» . على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله. ورجع عمر رضي الله عنه لحديث النهي عن دخول بلد الطاعون فعاد إلى المدينة بعد أن قارب الشام حين بلغه أن به الطاعون. وقال علي رضي الله عنه في حق الأنصار: «لو زالوا «1» لزلت معهم» لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «أزول معكم حيث ما زلتم» . ثم الذي أشار إليه ابن قتيبة في «أدب الكاتب» أن الأحاديث التي ينبغي للكاتب حفظها الأحاديث المتعلقة بالفقه وأحكامه: كقوله صلى الله عليه وآله وسلّم: «البينة على المدعي. واليمين على المدعى عليه. والخراج بالضمان. وجرح العجماء جبار «2» . ولا يغلق «3» الرهن. والمنحة مردودة. والعارية مؤداة. والزعيم غارم. ولا وصية لوارث. ولا قطع في ثمر ولا كثر «4» . ولا قود إلا بحديدة. والمرأة تعاقل» الرجل إلى ثلث ديتها. ولا تعقل العاقلة عمدا ولا

عبدا ولا صلحا ولا اعترافا. ولا طلاق في إغلاق، والبيعان بالخيار ما لم يتفرقا. والجار أحق بصقبه «1» . والطلاق بالرجال والعدة بالنساء. وكنهيه في البيوع عن المخابرة «2» والمحاقلة «3» ، والمزابنة «4» ، والمعاومة «5» ، والثنيا «6» ، وعن ربح ما لم يضمن، وعن بيع ما لم يقبض، وعن بيعتين في بيعة، وعن شرطين في بيع، وعن بيع وسلف، وعن بيع الغرر «7» وبيع المواصفة «8» ، وعن الكاليء بالكاليء «9» ، وعن تلقي الركبان «10» ، وما أشبه ذلك ليغتني بحفظها وتدبر معانيها عن إطالات الفقهاء» . قلت: والتحقيق أن حاجة الكاتب لا تختص بأحاديث الأحكام ودلائل الفقه، بل تتعلق بما هو أعم من ذلك خصوصا الحكم والأمثال والسير وما

المقصد الثاني في بيان كيفية استعمال الأحاديث والآثار في الكتابة

أشبه ذلك مما يكثر الاستشهاد به في الكتابة والاقتباس من معانيه. قال في «المثل السائر» : وينبغي أن يكون أول ما يحفظه من الأخبار ما تضمنه كتاب «الشهاب في المواعظ والآداب» للقضاعي «1» ، فإنه كتاب مختصر وجميع ما فيه يستعمل لأنه يتضمن حكما وآدابا، فإذا حفظته وتدربت باستعماله، حصل عندك قوة على التصرف والمعرفة بما يدخل في الاستعمال وما لا يدخل، وعند ذلك تتصفح كتاب صحيح البخاري، ومسلم، والموطأ، والترمذي، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وغيرها من كتب الحديث؛ وتأخذ ما تحتاج إليه «وأهل مكة أخبر بشعابها» . قال: والذي تأخذه إن أمكنك درسه وحفظه فهو المراد لأن ما لا تحفظه فلست منه على ثقة؛ وإن كان لك محفوظات كثيرة: كالقرآن الكريم، ودواوين كثيرة من الشعر، وما ورد من الأمثال السائرة، وغير ذلك مما تقدمت الإشارة إليه وما يأتي ذكره، فعليك بمداومة المطالعة للأخبار، والإكثار من استعمالها في كلامك، حتى ترتقم على خاطرك فتكون إذا احتجت منها إلى شيء وجدته، وسهل عليك أن تأتي به ارتجالا، فتأمل ذلك واعمل به. ثم قال: وكنت جردت من الأخبار النبوية كتابا يشتمل على ثلاثة آلاف خبر تدخل كلها في الاستعمال، وما زلت أواظب مطالعته مدة تزيد على عشر سنين، فكنت أنهي مطالعته في كل أسبوع مرة حتى دار على ناظري وخاطري ما يزيد على خمسمائة مرة وصار محفوظا لا يشذ منه عني شيء. المقصد الثاني في بيان كيفية استعمال الأحاديث والآثار في الكتابة قال الوزير ضياء الدين بن الأثير «واعلم أن أكثر الأحاديث، تدخل في الاستعمال، ولا يخرج عنه إلا القليل النادر، ولقد دار بيني وبين بعض علماء

الأدب في هذا الأسلوب كلام فاستوعره واستنكره، وقال: هذا لا يتهيأ إلا في الشيء اليسير من الأخبار النبوية- فقلت لا، بل يتهيأ في الأكثر منها- فقال قد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم: «أنه اختصم إليه في جنين فقضى على من أسقطه بغرة «1» عبد أو أمة» فأين تستعمل هذا؟ فأفكرت فيما ذكره ثم أنشأت هذا الفصل من الكلام، وأودعته فيه وهو: «قد كثر الجهل حتى لا يقال فلان عالم وفلان جاهل. وضرب المثل بباقل وكم في هذه الصورة الممثلة من باقل، ولو عرف كل إنسان قدره لما مشى بدن إلا تحت رأسه، ولا انتصب رأس إلا على بدنه، ولكان صاحب العمامة أحق بعمامته وصاحب الرسن أحق برسنه. وكنت سمعت بكاتب من الكتاب كلمه إلى غثاثة وقلمه بغاثة لا يستنسر وأي بطش لبغاثة «2» . وإذا وجب الوضوء على غيره بالخارج من السبيلين، وجب عليه من سبل ثلاثة. هذا وهو يدعي أنه في الفصاحة أمة وحده، ومن قس إياد أو سحبان وائل عنده، وإذا كشف خاطره وجد بليدا لا يخرج عن العمه والكمه «3» وإن رام أن يستنتجه في حين من الأحيان قضى عليه بغرة عبد أو أمة، وكثيرا ما يتقدم ونقيصته هذه على الأفاضل من العلماء، وقد صار الناس إلى زمان يعلو فيه حضيض الأرض على هام السماء» . فلما أوردته عليه، ظهرت أمارة الحسد على صفحات وجهه مع إعجابه به واستغرابه فيه إياه. ثم قال: وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم هذا الحديث وهو «لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا تمثال» فهذا أين يستعمل من المكاتبات؟ فترويت

في قوله ترويا يسيرا ثم قلت: هذا يستعمل في كتاب إلى ديوان الخلافة، وأمليت عليه الكتاب، فجاء هذا الحديث في فصل منه، وهو: «إذا أفاض الخادم في وصف ولائه، نكصت همم الأولياء عن مقامه، وعلموا أنه أخذ الأمر بزمامه، فقد أصبح وليس بقلبه سوى الولاء والإيمان، فهذا يظهر أثره في طاعة السر وهذا في طاعة الإعلان؛ وما عداهما فإن دخوله إلى قلبه من الأشياء المحظورة، والملائكة لا تدخل بيتا فيه تمثال ولا صورة، فليعول الديوان العزيز منه على سيف من سيوف الله يفري، بلا ضارب، ويسري، بلا حامل، ولا يسل إلا بيد حق، ولا يغمد إلا في ظهر باطل. وليعلم أن كرشه «1» وعيبته في تضمن الأسرار، وأنه أحد سعديه «2» إذا عدت مواقف الأنصار» . فلما رأى هذا الفصل بهت له وعجب منه. قال: ولم أقنع بايراد الحديث الذي ذكر حتى أضفت إليه حديثا آخر، وهو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «الأنصار كرشي وعيبتي» . ثم تضمين الكلام شيئا من الأحاديث على ما تقدم في القرآن الكريم؛ فينقسم إلى الاستشهاد والاقتباس على ما تقدم.

فأما الاستشهاد فهو أن يضمن الكلام شيئا من الحديث، وينبه عليه: كقول أبي إسحاق الصابي في وصية عهد من خليفة السلطان: وأن يقوم بما يعقده الرجل من عرض المسلمين، فإن ذمته ذمة جميع المؤمنين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «المسلمون يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم» . وكما كتب بعض الكتاب في صدر كتاب لديوان الخلافة: والحمد لله على أن صار إلى أمير المؤمنين ميراث الطاهرين من آبائه، وخصه بما حاز له من جزيل الفضل وحبائه، وحقق للدولة العباسية وعد النبي صلى الله عليه وسلّم إذ يقول لعمه العباس رضوان الله عليه «ألا أبشرك يا عم! بي ختمت النبوة وبولدك تختم الخلافة» وكقوله من عهد آخر: وأمره أن يضع الرصد على من يختار «1» في الحمالة من أباق العبيد، والاحتياط عليهم وعلى ما يكون معهم، إلى أن قال: وأن يعرفوا اللقط «2» ويتبعوا أثرها، ويشيعوا خبرها، فإذا حضر صاحبها وعلم أنه مستوجبها، سلمت إليه، ولم يعترض فيها عليه. والله جل وعز يقول: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها «3» . ورسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «ضالة المؤمن حرق النار» «4» إلى غير ذلك من الاستشهادات. وأما الاقتباسات فهو أن يضمن الكلام شيئا من الحديث ولا ينبه عليه. فمن ذلك ما ذكره الحريري في مقاماته من قوله: وكتمان الفقر زهاده وانتظار الفرج بالصبر عباده. وقوله: شاهت الوجوه، وقبح الهكع «5» ومن يرجوه.

وقد أكثر الوزير ضياء الدين بن الأثير من هذا الباب. فمن ذلك قوله في دعاء كتاب: «أعاذ الله أيامه من الغير، وبين بخطر مجده نقص كل خطر. وجعل ذكره زادا لكل ركب، وأنسا لكل سمر. ومنحه من فضله ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» . أخذ ذلك من قوله صلى الله عليه وسلّم في وصف نعيم الجنة «فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» فنقله إلى الدعاء. ومن ذلك ما ذكره في النصر على العدو في مواطن القتال، وهو: «أخذنا بسنة رسول الله في النصر الذي نرجوه، ونبذنا في وجه العدو كفا من التراب وقلنا شاهت الوجوه، فثبت الله ما تزلزل من أقدامنا، وأقدم حيزوم فأغنى عن إقدامنا» . أخذ المعنى الأول من حديث غزوة حنين وأن النبي صلى الله عليه وسلّم أخذ قبضة من التراب وألقى بها في وجوه الكفار وقال: «شاهت الوجوه» وأخذ المعنى الثاني من حديث غزوة بدر: وذلك أن رجلا من المسلمين لاقى رجلا من المشركين وأراد أن يضربه فخر على الأرض ميتا قبل أن يصل إليه، وسمع الرجل المسلم صوتا من فوقه وهو يقول أقدم حيزوم فجاء النبي صلى الله عليه وسلّم فأخبره فقال: «ذلك من مدد السماء الثالثة» . ومن ذلك ما ذكره في ضيق مجال الحرب، وهو: «وضاق الضرب بين الفريقين حتى اتصلت مواقع البيض الذكور، وتصافحت الغرر بالغرر والصدور بالصدور. واستظل حينئذ بالسيوف لا شتباك مجالها وتبوئت مقاعد الجنة التي هي تحت ظلالها» . أخذ ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلّم «الجنة تحت ظلال السيوف» . ومن ذلك ما ذكره في وصف بعض البلاد الوخمة، وهو: «ومن صفاتها أنها مدرة «1» مستوبلة الطينة، مجموع لها بين حر مكة ولأواء «2» المدينة. إلا

أنها لم يؤمن حرها من الخطفة «1» ، ولا نقلت حماها إلى الجحفة» «2» . أخذ المعنى الأول من قوله صلى الله عليه وسلّم «من صبر على حر مكة ولأواء المدينة ضمنت له على الله الجنة» . والمعنى الثاني من قوله صلى الله عليه وسلّم في دعائه للمدينة: «اللهم حببها إلينا كما حببت إلينا مكة وانقل حماها إلى الجحفة» ورشح ذلك بمعنى قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ «3» حيث قال إلا أنها لم يؤمن حرها من الخطفة. ومن ذلك ما ذكره في وصف كريم، وهو: «فأغنى بجوده إغناء المطر، وسما إلى المعالي سمو الشمس وسار في منازلها مسير القمر. ونتج من أبكار فضائله. ما إذا ادعاه غيره قيل للعاهر الحجر» . أخذ ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلّم «الولد للفراش وللعاهر الحجر» . إلى غير ذلك من مقتبساته المستكثرة، واستنباطاته التي هي غير قاصرة ولا مستنكرة. ومن ذلك ما ذكرته أنا في المفاخرة بين السيف والقلم، وهو: «وبدأ القلم فتكلم، ومضى في الكلام بصدق عزم فما توقف ولا تلعثم؛ فقال باسم الله تعالى أستفتح، وبحمده أتيمن وأستنجح؛ إذ من شأني الكتابة، ومن فني الخطابة، وكل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله تعالى، فهو أجذم، وكل كلام لا يفتتح بحمد الله فأساسه غير محكم» . أخذت ذلك من قوله صلى الله عليه وسلّم «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله أو بحمد الله فهو أجذم» على اختلاف الرواية في ذلك.

واعلم أنه كما يحتاج الكاتب إلى حفظ الأحاديث والآثار بطريق الذات للاستشهاد بها، والاقتباس من معانيها على ما تقدم بيانه، كذلك يحتاج إلى المعرفة بأنواع الحديث وأقسامها: كلصحيح والحسن، والمرسل، والمرفوع، والمسند، والمتصل، والمنقطع، ونحو ذلك. وكذلك المعرفة بأسماء الرجال، والمشاهير من المحدثين: كالبخاري، ومسلم، وأبي داود، والنسائي وغيرهم: ليورد ما يحتاج إليه من ذلك في غضون كلامه عند احتياجه إليه في كتابة ما يتعلق بذلك من توقيع محدّث ونحوه كما قال في «التعريف» في وصية لمحدث في قسم الوصايا من الكتاب «وقد أصبح بالسنة النبوية مضطلعا، وعلى ما جمعه طرق أهل الحديث مطلعا، وصح الصحيح أن حديثه الحسن، وأن المرسل منه في الطلب مقطوع عنه كل ذي لسن. وأن مسنده هو المأخوذ عن العوالي، وسماعه هو المرقص منه طول الليالي. وأن مثله لا يوجد في نسبه المعرق. ولا يعرف مثله للحافظين: ابن عبد البر «1» بالمغرب وخطيب «2» بغداد بالمشرق. وهو يعرف مقدار طلب الطالب فإنه طال ما شد له النطاق، وسعى له سعيه وتجشم المشاق. ورحل له يشتد به حرصه والمطايا مزمومه، وينبهه له طلبه والجفون مقفلة والعيون مهمومه. ووقف على الأبواب لا يضجره طول الوقوف حتى يؤذن له في ولوجها، وقعد القرفصاء في المجالس لا تضيق به فروجها. فليعامل الطلبة إذا أتوه للفائدة معاملة من جرب، وليبسط للأقرباء منهم ويؤنس الغرباء فما هو إلا ممن طلب آونة من قريب وآونة تغرب. وليسفر لهم صباح قصده عن النجاح وليفتق لهم من عقوده الصحاح، وليوضح لهم الحديث، وليرح خواطرهم بتقريبه ما كان يسار إليه السير الحثيث، وليؤتهم مما وسع الله عليه فيه المجال، ويعلمهم ما يجب

النوع الثامن الإكثار من حفظ خطب البلغاء، والتفنن في أساليب الخطباء، وفيه مقصدان

تعليمه من المتون والرجال، ويبصرهم بمواقع الجرح والتعديل، والتوجيه والتعليل، والصحيح والمعتل الذي تتناثر أعضاؤه سقما كالعليل. وغير ذلك مما لرجال هذا الشأن به عناية وما ينقب فيه عن دراية أو يقنع فيه بمجرد رواية. ومثله ما يزاد حلما، ولا يعرف بمن رخص في حديث موضوع أو كتم علما» . وسيأتي ذكر هذه الوصية في موضعها إن شاء الله تعالى. وكما قال الشيخ جمال الدين بن نباتة «1» من جملة توقيع لبعض مدرسي الشام: «ولأنه الحافظ الذي أحيا ذكر ابن نقطة «2» بعد ما دارت عليه الدوائر، وأغنى وحده دمشق عمن أتى في النسب بعساكر» . النوع الثامن الإكثار من حفظ خطب البلغاء، والتفنن في أساليب الخطباء، وفيه مقصدان المقصد الأول في وجه احتياج الكاتب إلى ذلك قال أبو جعفر النحاس: «وهي من آكد ما يحتاج إليه الكاتب، وذلك أن الخطب من مستودعات سر البلاغة، ومجامع الحكم، بها تفاخرت العرب في مشاهدهم وبها نطقت الخلفاء والأمراء على منابرهم، بها يتميز الكلام، وبها يخاطب الخاص والعام، وعلى منوال الخطابة نسجت الكتابة، وعلى طريق الخطباء. مشت الكتاب، وقد قال أبو هلال العسكري رحمه الله في «الصناعتين» : والرسائل والخطب متشاكلتان في أنهما كلام لا يلحقه وزن ولا

تقفية، وقد يتشاكلان أيضا من جهة الألفاظ والفواصل، فألفاظ الخطب تشبه ألفاظ الكتاب في السهولة والعذوبة، وكذلك فواصل الخطب مثل فواصل الرسائل» . قال: «والفرق بينهما أن الخطبة يشافه بها بخلاف الرسالة، والرسالة «تجعل خطبة والخطبة تجعل رسالة في أيسر كلفة» . واعلم أنه كان للعرب بالخطب والنثر غاية الاعتناء حتى قال صاحب «الريحان والريعان» : إن ما تكلمت به العرب من أهل المدر والوبر، من جيد المنثور ومزدوج الكلام، أكثر مما تكلمت به من الموزون إلا أنه لم يحفظ من المنثور عشره، ولا ضاع من الموزون عشره؛ لأن الخطيب إنما كان يخطب في المقام الذي يقوم فيه في مشافهة الملوك، أو الحالات، أو الإصلاح بين العشائر، أو خطبة النكاح؛ فإذا انقضى المقام حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه. بخلاف الشعر فإنه لا يضيع منه بيت واحد. قال: «ولولا أن خطبة قس ابن ساعدة كان سندها مما يتنافسه الأنام، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلّم هو الذي رواها عنه فأطار ذكرها، ما تميزت عما سواها» . قلت: وليس ما أشار إليه لرفض النثر عندهم وقلة اعتنائهم به، بل لسهولة حفظ الشعر وشيوعه في حاضرهم وباديهم، وخاصهم وعامهم؛ بخلاف الخطابة فإنه لم يتعاطها منهم إلا القليل النادر من الفصحاء المصاقع: فلذلك عز حفظها، وقل عنهم نقلها. وقد كانت تقوم بها في الجاهلية سادات العرب، ورؤساؤهم ممن فاز بقدح القصل «1» وسبق إلى ذرى المجد، ويخصون ذلك بالمواقف الكرام، والمشاهد العظام، والمجالس الكريمة، والمجامع الحفيلة فيقوم الخطيب في قومه فيحمد الله ويثني عليه، ثم يذكر ما سنح له من مطابق قصده وموافق طلبه: من وعظ يذكر أو فخر أو إصلاح أو نكاح، أو غير ذلك مما يقتضيه المقام.

فمن خطبهم في الجاهلية خطبة كعب بن لؤي جد النبي «1» صلى الله عليه وسلّم فيما ذكره أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل. وهي: اسمعوا وعوا وتعلموا تعلموا، وتفهموا تفهموا! ليل ساج. ونهار صاج «2» ، والأرض مهاد، والجبال أوتاد، والأولون كالآخرين، كل ذلك إلى بلاء، فصلوا أرحامكم، وأصلحوا أموالكم، فهل رأيتم من هلك رجع، أو ميتا نشر، الدار أمامكم والظن خلاف ما تقولون، زينوا حرمكم وعظموه، وتمسكوا به ولا تفارقوه، فسيأتي له نبأ عظيم، وسيخرج منه نبي كريم. ثم قال: نهار وليل واختلاف حوادث ... سواء علينا حلوها ومريرها يؤ وبان بالأحداث حتى تأوبا ... وبالنعم الضافي علينا ستورها صروف وأنباء تقلب أهلها ... لها عقد ما يستحيل مريرها على غفلة يأتي النبي محمد ... فيخبر أخبارا صدوقا خبيرها ثم قال: يا ليتني شاهد فحواء دعوته ... حين العشيرة تبغي الحق خذلانا ومن ذلك خطبة قس بن ساعدة الأيادي، بسوق عكاظ فيما نقله أصحاب السير عن إخبار النبي صلى الله عليه وسلّم عنه وهي: أيها الناس، اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة وأنهار مجراة. إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا! ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون أرضوا فأقاموا، أم تركوا فناموا؟ يقسم قس بالله قسما لا إثم فيه إن لله دينا هو أرضى له وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه، إنكم لتأتون من الأمر منكرا! ويروى أن قسا أنشأ بعد ذلك يقول:

في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر لما رأيت مواردا ... للموت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها ... تمضي: الأكابر والأصاغر لا يرجع الماضي إلي ... ولا من الباقين غابر أيقنت أني لا محالة ... حيث صار القوم صائر قال صاحب الأوائل: يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: يعرض هذا الكلام يوم القيامة على قس بن ساعدة فإن كان قاله لله فهو من أهل الجنة» . ومن ذلك خطبة أبي طالب حين خطب النبي صلى الله عليه وسلّم خديجة وهي «1» : الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم، وذرية إسماعيل، وجعل لنا بيتا محجوجا، وحرما آمنا. ثم إن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي من لا يوازن بأحد إلا رجحه، ولا يعدل بأحد إلا فضله، وإن كان في المال قل فإن المال ظل زائل؛ وله في خديجة رغبة ولها فيه مثلها؛ وما كان من صداق ففي مالي؛ وله نبأ عظيم وخبر شائع. ومن خطب النبي صلى الله عليه وسلّم «أيها الناس كأن الموت فيها على غيرنا قد كتب، وكأن الحق فيها على غيرنا قد وجب، وكأن الذي نشيع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون، نبوئهم أجداثهم، ونأكل من تراثهم كأنا مخلدون بعدهم، ونسينا كل واعظة وأمنا كل جائحة «2» ، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، طوبى لمن أنفق مالا اكتسبه من غير معصية، وجالس أهل الفقه والحكمة، وخالط أهل الذل والمسكنة، طوبى لمن زكت وحسنت خليقته، وطابت سريرته، وعزل عن الناس شره، طوبى لمن أنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، ووسعته السنة ولم تستهوه البدعة» !.

ومن خطب أبي بكر الصديق رضي الله عنه فيما ذكره أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتاب» وهي: ألا إن أشقى الناس في الدنيا والآخرة الملوك، الملك إذا ملك زهده الله جل وعز فيما عنده، ورغبه فيما في يدي غيره، وانتقصه شطر أجله، وأشرب قلبه الاشفاق، وإذا وجبت «1» نفسه، ونضب عمره وضحا «2» ظله، حاسبه الله جل ثناؤه وأشد حسابه، وأقل عفوه؛ وسترون بعدي ملكا عضوضا، وأمة شحاحا، ودما مباحا؛ وإن كانت للباطل نزوة، ولأهل الحق جولة، يعفو لها الاثر وتموت السنن، فالزموا المساجد واستشيروا «3» القرآن، وليكن الابرام بعد التشاور، والصفقة بعد التناظر «4» . ومن خطب عمر رضي الله عنه: أيها الناس! إنه أتى علي حين وأنا أحسب أن من قرأ القرآن إنما يريد الله وما عنده، ألا وإنه قد خيل إلي أن أقواما يقرأون القرآن يريدون ما عند الناس ألا فأريدوا الله بقراءتكم، وأريدوه بأعمالكم، فإنما كنا نعرفكم إذ الوحي ينزل وإذ النبي صلى الله عليه وسلّم بين أظهرنا؛ فقد رفع الوحي وذهب النبي عليه السلام، فإنما أعرفكم بما أقول لكم ألا فمن أظهر لنا خيرا ظننا به خيرا وأثنينا به عليه، ومن أظهر لنا شرا ظننا به شرا وأبغضناه عليه؛ اقدعوا «5» هذه النفوس عن شهواتها، فإنها لملقة «6» ، وإنكم إلا تقدعوها تنزع بكم إلى شر غاية. إن هذا الحق ثقيل مريء، وإن الباطل

خفيف وبيء، وترك الخطيئة خير من معالجة التوبة، ورب نظرة زرعت شهوة، وشهوة ساعة أورثت حزنا طويلا!. ومن خطب عثمان رضي الله عنه: وقد أنكروا عليه تقديم بني أمية على غيرهم: أما بعد فإن لكل شيء آفة، وآفة هذا الدين وعاهة هذه الملة قوم عيابون، طعانون، يظهرون لكم ما تحبون، ويسرون ما تكرهون. أما والله يا معشر المهاجرين والأنصار! لقد عبتم علي أشياء ونقمتم مني أمورا قد أقررتم لابن الخطاب بمثلها ولكنه وقمكم وقما «1» ، ودمغكم «2» حتى لا يجتريء أحد منكم يملأ بصره منه ولا يشير بطرفه إلا مسارقة إليه، أما والله لأنا أكثر من ابن الخطاب عددا، وأقرب ناصرا وأجدر إن قال هلم أن يجاب. هل تفقدون من حقوقكم وأعطياتكم شيئا؟ فإني إلا أفعل في الفضل ما أريد فلم كنت إماما إذن؟ أما والله ما عاب علي من عاب منكم أمرا أجهله ولا أتيت الذي أتيت إلا وأنا أعرفه «3» . ومن خطب علي كرم الله وجهه، حين بويع بالخلافة: إن الله أنزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشر، فخذوا بالخير ودعو الشر؛ الفرائض أدوها إلى الله تؤديكم إلى الجنة. إن الله حرم حرما غير مجهولة، وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها، وسدد بالإخلاص والتوحيد حقوق المسلمين. فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلا بالحق؛ لا يحل أذى المسلم إلا بما يجب، فأدوا أمر العامة، وخاصة أحدكم الموت. فإن الناس أمامكم وإنما خلفكم الساعة تذكركم. تخففوا تلحقوا «4» ، فإنما ينتظر بالناس أخراهم. اتقوا الله عباد الله في

عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم، أطيعوا الله ولا تعصوه وإذا رأيتم الخير فخذوا به، وإذا رأيتم الشر فدعوه، واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض. ومن خطب الحسن بن علي رضي الله عنه: اعلموا أن الحلم زين، والوقار مودة والصلة نعمة، والإكثار صلف، والعجلة سفه، والسفه ضعف، والقلق ورطة، ومجالسة أهل الدناءة شين، ومخالطة أهل الفسوق ريبة. ومن خطب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بصفين: أيها الناس! إن الحرب صعبة، وإن السلم من ومبرة؛ ألا وقد زبنتنا الحرب وزبناها «1» وألفتنا وألفناها، فنحن بنوها وهي أمنا. أيها الناس! استقيموا على سبيل الهدى، ودعوا الأهواء المضلة، والبدع المردية، ولست أراكم تزدادون بعد الوصاة إلا استجراء، ولن أزداد بعد الإعذار والحجة عليكم إلا عقوبة، وقد التقينا نحن وأنتم عند السيف، فمن شاء فليتحرك أو يتقهقر وما مثلي ومثلكم إلا كما قال ابن قيس بن رفاعة الأنصاري: «2» . من يصل ناري بلا ذنب ولا ترة «3» ... يصلى بنار كريم غير غدار أنا النذير لكم مني مجاهرة ... كي لا ألام علي نهيي وإنذاري ومن خطب عتبة بن أبي سفيان، وهو يومئذ أمير مصر وقد بلغه عن أهلها أمور أن صعد «4» المنبر وقال: يا حاملي ألأم أنوف ركبت بين أعين! إنما قلمت أظفاري عنكم ليلين مسي إياكم، وسألتكم صلاحكم لكم إذ كان فسادكم راجعا عليكم؛ فأما إذ أبيتم إلا الطعن على الامراء والعتب على

السلف والخلفاء، فو الله لا قطعن بطون السياط على ظهوركم! فان حسمت مستشري دائكم وإلا فالسيف من ورائكم. فكم من عظة لنا قد صمت عنها آذانكم، وزجرة منا قد مجتها قلوبكم، ولست أبخل عليكم بالعقوبة إذا جدتم علينا بالمعصية، ولا مؤيسا لكم من المراجعة إلى الحسنى إن صرتم إلى التي هي أبر وأتقى. ومن خطب زياد بن أبيه حين قدم إلى البصرة: أما بعد فإن الجهالة الجهلاء، والضلالة العمياء، والغي الموفي بأهله على النار ما فيه سفهاؤكم، ويشتمل عليه حلماؤكم من الأمور التي ينبت فيها الصغير، ولا يتحاشى عنها الكبير، كأنكم لم تقرأوا كتاب الله ولم تسمعوا ما أعد الله من الثواب الكريم لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته، في الزمن السرمديّ الذي لا يزول. إنه ليس منكم إلا من طرفت عينه الدنيا، وسدّت مسامعه الشهوات، واختار الفانية على الباقية؛ ولا تذكرون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذي لم تسبقوا إليه: من ترككم الضعيف يقهر، والضعيفة «1» المسلوبة في النهار لا تنصر، والعدد غير قليل، والجمع غير مفترق. ألم يكن منكم نهاة يمنعون الغواة عن دلج الليل وغارة النهار! قربتم القرابة! وباعدتم الدين؛ تعتذرون بغير العذر، وتغضون على النكر. كل امرىء منكم يرد عن سفيهه صنع من لا يخاف عقابا ولا يرجو معادا. فلم يزل بهم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرم الإسلام ثم أطرفوا وراءكم كنوسا في مكانس «2» الريب. حرام عليّ الطعام والشراب حتى أضع هذه المواخير «3» بالأرض هدما وإحراقا! إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله: لين في غير

ضعف، وشدة في غير عنف، وإني لأقسم بالله لآخذن الولي بالمولى، والمقيم بالظاعن، والمطيع بالعاصي، حتى يلقى الرجل أخاه فيقول «انج سعد فقد هلك سعيد» أو تستقيم لي قناتكم. إن كذبة الأمير بلقاء مشهورة، فإذا تعلقتم علي بكذبة فقد حلت لكم معصيتي، وقد كان بيني وبين قوم إحن فجعلت ذلك دبر أذني وتحت قدمي. إني لو علمت أن أحدكم قد قتله السل من بغضي لم أكشف له قناعا، ولم أهتك له سترا، حتى يبدي لي صفحته، فإذا فعل ذلك لم أناظره، فاستأنفوا أموركم وراعوا «1» على أنفسكم، فرب مبتئس بقدومنا سيسر، ومسرور بقدومنا سيبتئس!. أيها الناس إنا قد أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خولنا، فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل فيما ولينا، فاستوجبوا عدلنا وفيأنا بمنا صحتكم لنا. فقام إليه عبد الله بن الأهتم «2» وقال: «أشهد أيها الأمير لقد أوتيت الحكمة وفصل الخطاب» قال: «كذبت» ذاك نبي الله داود. ومن خطب عبد الملك بن مروان، لما قتل عمرا الاشدق بن سعيد بن العاص «3» : إرموا بأبصاركم نحو أهل المعصية، واجعلوا سلفكم لمن غبر منكم عظة، ولا تكونوا أغفالا من حسن الاعتبار، فتنزل بكم جائحة السطوات، وتجوس خلالكم بوادر النقمات، وتطأ رقابكم بثقلها العقوبة فتجعلكم همدا رفاتا، وتشتمل عليكم بطون الأرض أمواتا. فإياي من قول قائل، ورشقة جاهل! فإنما بيني وبينكم أن أسمع النعوة «4» فأصمم تصميم

الحسام المطرور «1» ، وأصول صيال الحنق الموتور، وإنما هي المصافحة والمكافحة بظبات السّيوف وأسنّة الرماح، والمعاودة لكم بسوء الصّباح، فتاب تائب، وهدل «2» خائب، والتّوب مقبول، والإحسان مبذول، لمن عرف رشده وأبصر حظه. فانظروا لأنفسكم، وأقبلوا على حظوظكم، ولتكن أهل الطاعة يدا على أهل الجهل من سفهائكم، واستديموا النعمة التي ابتدأتكم برغيد عيشها ونفيس زينتها، فإنكم من ذلك بين فضيلتين: عاجل الخفض والدّعة، وآجل الجزاء والمثوبة عصمكم الله من الشيطان وفتنته ونزغه «3» ، وأمدّكم بحسن معزته وحفظه انهضوا رحكم الله إلى قبض أعطياتكم غير مقطوعة عنكم، ولا مكدّرة عليكم. فخرج القوم من عنده بدارا كلّهم يخاف أن تكون السطوة به. ومن خطب الحجاج بن يوسف الثقفيّ عند قدومه الكوفة أميرا على العراق: يا أهل العراق أنا الحجاج بن يوسف! أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني والله يا أهل العراق: إني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها، وإنّي لصاحبها! والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللّحى. يا أهل العراق! ما يغمز جانبي كتغماز التنّين، ولا يقعقع لي بالشّنان «4» . ولقد فررت عن ذكاء، وفتّشت عن تجربة، وأجريت من الغاية، وإن أمير المؤمنين عبد الملك نثر

كنانته بين يديه فعجم عيدانها «1» عودا عودا، فوجدني أمرّها عودا، وأشدّها مكسرا، فوجهّني إليكم ورماكم بي يا أهل الكوفة، أهل الشّقاق والنفاق، ومساوي الأخلاق: لأنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في منام الضّلال، وسننتم سنن الغيّ، وايم الله لألحونّكم لحو العود «2» ، ولأقرعنّكم قرع المروة «3» ، ولأعصبنّكم عصب السلمة «4» ، ولأضربنّكم ضرب غريبة «5» الإبل. إني والله لا أحلف إلّا صدقت، ولا أعد إلّا وفيت. إيّاي وهذه الزّرافات، وقال وما يقول، وكان وما يكون. وما أنتم وذاك يأهل العراق. إنما أنتم أهل قرية كانت آمنة مطمئنّة يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان فكفرت بانعم الله، فأتاها وعيد القرى من ربها. فاستوثقوا واعتدلوا ولا تميلوا، واسمعوا وأطيعوا، وشايعوا وبايعوا. واعلموا أن ليس مني الإكثار والإهذار، ولا مع ذلك النّفار ولا الفرار؛ إنما هو انتضاء هذا السيف، ثم لا يغمد الشتاء ولا الصيف، حتى يذلّ الله لأمير المؤمنين عزّتكم، ويقيم له أودكم وصعركم «6» . ثم إني وجدت الصدق من البرّ، ووجدت البرّ في الجنّة، ووجدت الكذب من الفجور، ووجدت الفجور في النار. وإن أمير المؤمنين أمرني أن أعطيكم أعطياتكم، وأشخصكم لمجاهدة عدوّكم وعدوّ أمير المؤمنين؛ وقد أمرت لكم بذلك وأجّلتكم ثلاثا، وأعطيت الله عهدا يؤاخذني به ويستوفيه منّي: لئن

تخلّف منكم بعد قبض عطائه أحد لأضربنّ عنقه وأنهبنّ ماله. ثم التفت إلى أهل الشام فقال: أنتم البطانة والعشيرة! والله لريحكم أطيب من ريح المسك الأذفر «1» ، وإنما أنتم كما قال الله تعالى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً «2» الآية؛ والتفت إلى أهل العراق فقال: والله لريحكم أنتن من ريح الأبخر «3» ، وإنما انتم كما قال الله وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ «4» الآية. ومن خطبه لما قدم البصرة يتهدّد أهل العراق ويتوعدهم: أيّها الناس: من أعياه داؤه فعندي دواؤه!، ومن استطال أجله، فعليّ أن أعجله؛ ومن ثقل عليه رأسه وضعت عنه ثقله، ومن استطال ماضي عمره قصّرت عليه باقيه. إن للشيطان طيفا، وللسلطان سيفا! فمن سقمت سريرته، صحّت عقوبته؛ ومن وضعه ذنبه، رفعه صلبه؛ ومن لم تسعه العافية، لم تضق عنه الهلكة؛ ومن سبقته بادرة فمه، سبق بدنه بسفك دمه؛ إني أنذر ثم لا أنظر، وأحذّر ثم لا أعذر، وأتوعد ثم لا أعفو. إنما أفسدكم ترنيق «5» ولاتكم؛ ومن استرخى لبّه، ساء أدبه. إن الحزم والعزم سكنا في وسطي، وأبدلاني به سيفي: فقائمه في يدي، ونجاده في عنقي، وذبابه «6» قلادة لمن عصاني!؛ والله لا آمر أحدكم أن يخرج من باب من أبواب المسجد فيخرج من الباب الذي يليه إلا ضربت عنقه. ولعمر بن عبد العزيز، وسليمان بن عبد الملك من خلفاء بني أمية، وأبي جعفر المنصور، وهارون الرشيد، وابنه المأمون من خلفاء بني العباس،

وغيرهم من خلفاء الدولتين وأمرائهم خطب فائقة، وبلاغات معجبة رائقة، يضيق هذا الكتاب عن إيرادها، وقد أوردنا من ذلك ما فيه كفاية للّبيب، ومقنع للأريب. ومن خطب أبي بكر بن عبد الله أمير المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، والتحية والإكرام، وقد بلغه عن قوم من أهل المدينة أنهم ينالون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويسعفهم آخرون على ذلك: أيها الناس! إني قائل قولا فمن وعاه وأدّاه فعلى الله جزاؤه، ومن لم يعه فلا يعد «1» من ذمامها؛ إن قصّرتم عن تفصيله، فلن تعجزوا عن تحصيله. فأرعوه أبصاركم وأوعوه أسماعكم وأشعروه قلوبكم؛ فالموعظة حياة، والمؤمنون إخوة؛ وعلى الله قصد السّبيل، ولو شاء لهداكم أجمعين. فأتوا الهدى تهتدوا، واجتنبوا الغيّ ترشدوا، وأنيبوا إلى الله جميعا أيّها المؤمنون لعلكم تفلحون. والله جل جلاله وتقدّست أسماؤه أمركم بالجماعة ورضيها لكم. ونهاكم عن الفرقة وسخطها منكم. فاتّقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون. واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النّار فأنقذكم منها. جعلنا الله وإياكم ممن يتّبع رضوانه ويجتنب سخطه فإنا نحن به وله. وإن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالدّين، واختاره على العالمين، واختار له أصحابا على الحق وزراء دون الخلق. اختصّهم به وانتخبهم له، فصدّقوه ونصروه وعزّروه «2» ووقّروه؛ فلم يقدموا إلا بأمره، ولم يحجموا إلا عن رأيه، وكانوا أعوانه بعهده، وخلفاءه من بعده. فوصفهم فأحسن وصفهم وذكرهم فأثنى عليهم

فقال وقوله الحق مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ «1» إلى قوله مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً فمن غاظوه كفر وخاب وفجر وخسر. وقال الله جل وعز لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً إلى قوله رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «2» فمن خالف شريطة الله عليه لهم وأمره إياه فيهم فلا حقّ له في الفيء، ولا سهم له في الإسلام في آي كثيرة من القرآن، فمرق مارقة من الدين. وفارقوا المسلمين وجعلوهم عصين. وحزبوا أحزابا، أشابات وأوشابا «3» . فخالفوا كتاب الله فيهم فخابوا وخسروا الدنيا والآخرة. ذلك هو الخسران المبين. أفمن كان على بيّنة من ربّه كمن زيّن له سوء عمله واتّبعوا أهواءهم. مالي أرى عيونا خزرا «4» ، ورقابا صعرا، وبطونا بجرى «5» ، شجى لا يسيغه الماء، وداء لا يشرب فيه الدواء. أفنضرب عنكم الذّكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين. كلّا والله بل هو الهناء والطّلاء حتى يظهر العذر، ويبوح السرّ، ويضح العيب، ويشوس «6» الجيب. فإنكم لم تخلقوا عبثا ولم تتركوا سدى، ويحكم إني لست أتاويّا «7» أعلّم، ولا بدويا أفهمّ. قد حلبتكم أشطرا، وقلّبتكم أبطنا وأظهرا. فعرفت أنحاءكم وأهواءكم، وعلمت أن قوما أظهروا الإسلام بألسنتهم، وأسروا الكفر في قلوبهم، فضربوا بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ببعض، وولّدوا الروايات فيهم، وضربوا الأمثال، ووجدوا على ذلك من أهل الجهل من أبنائهم أعوانا

يأذنون لهم، ويصغون إليهم، مهلا مهلا! قبل وقوع القوارع وطول الروائع. هذا لهذا ومع هذا، فلست أعتنش «1» آئبا ولا تائبا، عفا الله عمّا سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام، فأسرّوا خيرا وأظهروه واجهروا به وأخلصوه. وطالما مشيتم القهقرى ناكصين. وليعلم من أدبر وأصرّ أنها موعظة بين يدي نقمة، ولست أدعوكم إلى هوى يتّبع، ولا إلى رأي يبتدع. إنما أدعوكم إلى الطريقة المثلى، التي فيها خير الآخرة والأولى، فمن أجاب فإلى رشده، ومن عمي فعن قصده. فهلّم إلى الشرائع، الجدائع «2» ، ولا تولّوا عن سبيل المؤمنين، ولا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا «3» . إياكم وبنيّات الطريق «4» ، فعندها الترنيق والتّرهيق «5» . وعليكم بالجادة فهي أسدّ وأورد، ودعوا الأمانيّ فقد أودت من كان قبلكم. وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى. ولله الآخرة والأولى. ولا تفتروا على الله الكذب فيسحتكم «6» بعذاب وقد خاب من افترى. رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ. ومن خطب خالد بن عبد الله «7» أمير البصرة: أيّها الناس! نافسوا في المكارم وسارعوا إلى المغانم. واشتروا الحمد بالجود، ولا تكسبوا بالمطل

ذمّا، ولا تعتدّوا بالمعروف ما لم تعجّلوه، ومهما يكن لأحد منكم عند أحد نعمة فلم يبلغ شكرها، فالله أحسن لها جزاء، وأجزل عليها عطاء. واعلموا أن حوائج الناس إليكم، نعمة من الله عليكم، فلا تملّوا النّعم فتحوّلوها نقما. واعلموا أنّ أفضل المال ما أكسب أجرا، وأورث ذكرا. ولو رأيتم المعروف رجلا، رأيتموه حسنا جميلا يسرّ الناظرين. ولو رأيتم البخل رجلا، رأيتموه مشوّها قبيحا تنفر عنه القلوب، وتغضي عنه الأبصار. أيها الناس! إن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه، وأعظم الناس عفوا من عفا عن قدرة، وأوصل الناس من وصل من قطعه؛ ومن لم يطب حرثه لم يزك نبته، والأصول عن مغارسها تنمو وبأصولها تسمو. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. ومن خطب قطريّ بن الفجاءة «1» خطبته المشهورة في ذمّ الدنيا والتحذير عنها، وهي: أما بعد. فإني أحذّركم الدنيا، فإنها حلوة خضرة، حفّت بالشهوات، وراقت بالقليل وتحببت بالعاجلة، وحليت بالآمال، وتزينت بالغرور. لا تدوم نصرتها، ولا تؤمن فجعتها. غرّارة، ضرّارة، وخاتلة، زائلة ونافذة، بائدة، أكّالة، غوّالة. لا تعدو إذا تناهت إلى أمنيّة أهل الرغبة فيها والرضا عنها أن تكون كما قال الله تعالى كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ

فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً «1» مع أن امرأ لم يكن منها في حبرة، إلا أعقبته بعدها عبرة، ولم يلق من سرّائها بطنا، إلا منحته من ضرّائها ظهرا. ولم تصله غيثة «2» رخاء، إلا هطلت عليه مزنة بلاء. وحريّة إذا أصبحت له منتصرة أن تمسي له خاذلة متنكرة. وأيّ جانب منها اعذوذب واحلولى، أمرّ عليه منها جانب وأوبا «3» . فإن آتت امرأ من غصونها ورقا أرهقته من نوائبها تعبا. ولم يمس منها امرؤ في جناح أمن إلا أصبح منها على قوادم خوف، غرّارة: غرور ما فيها؛ فانية: فان من عليها، لا خير في شيء من زادها إلا التقوى. من أقلّ منها استكثر مما يؤمّنه. ومن استكثر منها، استكثر مما يوبقه ويطيل حزنه، ويبكي عينه. كم واثق بها قد فجعته، وذي حكم ثنته إليها قد صرعته، وذي احتيال فيها قد خدعته. وكم ذي أبّهة فيها قد صيّرته حقيرا، وذي نخوة قد ردّته ذليلا. ومن ذي تاج قد كبّته لليدين والفم. سلطانها دول. وعيشها رنق، وعذبها أجاج، وحلوها صبر، وغذاؤها سمام، وأسبابها رمام «4» . قطافها سلع «5» . حيّها بعرض موت، وصحيحها بعرض سقم. منيعها بعرض اهتضام. وملكها مسلوب، وعزيزها مغلوب. وسليمها منكوب، وجارها محروب. مع أن وراء ذلك سكرات الموت، وهول المطّلع،

المقصد الثاني في كيفية تصرف الكاتب في الخطب

والوقوف بين يدي الحكم العدل لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى «1» . ألستم في مساكن من كان قبلكم أطول منكم أعمارا، وأوضح منكم آثارا، وأعدّ عديدا، وأكثف جنودا، وأشدّ عتودا. تعبّدوا للدنيا أيّ تعبّد، وآثروها أيّ إيثار، وظعنوا عنها بالكره والصّغار. فهل بلغكم أن الدنيا سمحت لهم نفسا بفدية، أو أغنت عنهم فيما قد أهلكتهم بخطب بل أرهقتهم بالقوادح، وضعضعتهم بالنوائب، وعقرتهم بالفجائع. وقد رأيتم تنكّرها لمن رادها وآثرها وأخلد إليها، حين ظعنوا عنها لفراق إلى الأبد إلى آخر الأمد. هل زوّدتهم إلا السّغب؟ وأحلّتهم إلا الضنك، أو نوّرت لهم إلا الظّلمة، أو أعقبتهم إلا الندامة؟ أفهذه تؤثرون أم على هذه تحرصون أم إليها تطمئنّون؟ يقول الله جل ذكره مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ «2» بئست الدار لمن أقام فيها! فاعلموا إذ أنتم تعلمون أنكم تاركوها الأبد، فإنما هي كما وصفها الله تعالى باللعب واللهو، وقد قال تعالى: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ «3» . إلى غير ذلك من خطب خلفاء الدولتين وأمرائهم مما يطول القول بإيراده، ويخرج الكتاب بذكره عن حدّه. المقصد الثاني في كيفية تصرّف الكاتب في الخطب قد تقدّم في أوّل المقصد الأوّل من هذا النوع قول أبي هلال العسكري: إن الرسائل والخطب متشاكلتان في أنهما كلام لا يلحقه وزن ولا

تقفية والمشاكلة في الفواصل وان الخطب يشافه بها بخلاف الرسالة، والرسالة تجعل خطبة، والخطبة تجعل رسالة في أيسر كلفة. وحينئذ فإذا أراد الكاتب نقل الخطبة إلى الرسالة أمكنه ذلك، فإذا أكثر صاحب هذه الصناعة من حفظ الخطب البليغة، وعلم مقاصد الخطابة وموارد الفصاحة ومواقع البلاغة، وعرف مصاقع الخطباء ومشاهيرهم، اتسع له المجال في الكلام وسهلت عليه مستوعرات النثر، وذلّلت له صعاب المعاني، وفاض على لسانه في وقت الحاجة ما كمن في ذلك بين ضلوعه فأودعه في نثره وضمنه في رسائله، فاستغنى عن شغل الفكر في استنباط المعاني البديعة، ومشقّة التعب في تتّبع الألفاظ الفصيحة، التي لا تنهض فكرته بمثلها ولو جهد، ولا يسمح خاطره بنظيرها ولو دأب. إن الخطب جزء من أجزاء الكتابة، ونوع من أنواعها، يحتاج الكتّاب إليها في صدور بعض المكاتبات، وفي البيعات والعهود والتقاليد والتفاويض وكبار التواقيع والمراسيم، والمناشير؛ على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى؛ وما لعله ينشئه من خطبة صداق أو رسالة أو نحو ذلك. وكذلك يعرف مصاقع الخطباء، ومشاهير الفصحاء، والبلغاء، كقسّ بن ساعدة الإياديّ الذي تقدّمت خطبته آنفا في صدر الخطب. وسحبان الوائليّ: وهو رجل من بني وائل، لسن بليغ يضرب به المثل في البيان، وغيرهما ممن يضرب به المثل في الفصاحة والبلاغة؛ ومن ينسب إلى العيّ والغباوة كباقل: وهو رجل من العرب اشترى ظبيا بأحد عشر درهما فقيل له بكم اشتريته ففتح كفيه وفرّق أصابعه العشرة وأخرج لسانه؛ يشير بذلك إلى أحد عشر ولم يحسن التعبير عنها، فانفلت الظبي فضرب به المثل في العيّ. فإذا عرف البليغ وغير البليغ، وعالي الرتبة وسافلها، وعرّض حينئذ بذكر من أراد منهم مقايسا للفاضل بمثله، وللغبيّ بنظيره: كما قال القاضي الفاضل «1» في بعض رسائله، في

النوع التاسع مما يحتاج إليه الكاتب من حفظ جانب جيد من مكاتبات الصدر الأول،

جواب كتاب ورد عليه من بعض إخوانه: فأما شوقه لعبده فالمولى قد «1» أبقاه الله قد أوتي فصاحة لسان، وسحب ذيل العيّ على سحبان. وكما قال الشيخ ضياء الدين أحمد القرطبي «2» من رسالة كتب بها للشيخ تقيّ الدين بن دقيق العيد «3» ، يصف رسالة وردت منه عليه: إنّ كلمها يميس في صدورها وأعجازها، وتنثال عليها أعراض المعاني بين إسهابها وإيجازها، فهي فرائد ائتلفت في أبكار الوائليّ والإيادي «4» . النوع التاسع مما يحتاج إليه الكاتب «5» من حفظ جانب جيد من مكاتبات الصدر الأوّل، ومحاوراتهم، ومراجعاتهم، وما ادّعاه كل منهم لنفسه أو لقومه، والنظر في رسائل المتقدّمين من بلغاء الكتاب، وفيه ثلاثة مقاصد المقصد الأوّل في وجه احتياج الكاتب إلى معرفة ذلك أما حفظ مكاتبات الصدر الأوّل ورسائلهم فلأنها مع «6» مبتدع البلاغة وكنز الفصاحة غير ملابسة لطريقة الكتّاب في أكثر الأمور؛ فيستعان بحفظها

المقصد الثاني في ذكر شيء من مكابتات الصدر الأول يكون مدخلا إلى معرفة ما يحتاج إلى حفظه من ذلك

على مواقع البلاغة ولا يطمع الخاطر بالاتكال على إيراد فصل منها برمته لمخالفته لأسلوب الكتاب في أكثر الأمور. وأما النظر في رسائل البلغاء من فضلاء الكتاب، فلما في ذلك من تنقيح القريحة، وإرشاد الخاطر، وتسهيل الطّرق، والنسج على منوال المجيد، والاقتداء بطريقة المحسن، واستدراك ما فات، والاحتراز مما أظهره النقد، وردّ ما بهرجه السبك. واقتصر على النظر فيها دون حفظها لئلا يتكل الخاطر على ما يأتي بأصله مما ليس له فيتشبع بما لم يعط فيكون كلابس ثوبي زور. اللهم إلا أن يريد بحفظها المحاضرة دون الإنشاء فإن اللائق به الحفظ دون غيره. المقصد الثاني في ذكر شيء من مكابتات الصدر الأوّل يكون مدخلا إلى معرفة ما يحتاج إلى حفظه من ذلك أما مكاتباتهم المشتملة على المحاورة والمراجعة، فمنها ما كتب به معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في زمن المشاجرة بينهما، وهي «1» : أما بعد، فإن الله اصطفى محمدا، وجعله الأمين على وحيه، والرسول إلى خلقه، واختار له من المسلمين أعوانا أيّده بهم، وكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام، فكان أفضلهم في الإسلام، وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة وخليفة الخليفة، والخليفة الثالث؛ فكلّهم حسدت، وعلى كلهم بغيت. عرفنا ذلك في نظرك الشّزر، وتنفّسك الصّعداء، وإبطائك على الخلفاء، وأنت في كل ذلك تقاد كما يقاد البعير المخشوش «2» حتّى تبايع

وأنت كاره، ولم تكن لأحد منهم أشدّ حسدا منك لابن عمّك عثمان، وكان أحقّهم أن لا تفعل ذلك به، في قرابتته وصهره، فقطعت رحمه، وقبّحت محاسنه، وألّبت عليه الناس حتّى ضربت إليه آباط الإبل، وشهر عليه السلاح في حرم الرسول، فقتل معك في المحلة وأنت تسمع في داره الهائعة «1» ، لا تؤدّي عن نفسك في أمره بقول ولا فعل برّ. أقسم قسما صادقا! لو قمت في أمره مقاما واحدا تنهينّ الناس عنه، ما عدل بك ممن قبلنا من الناس أحد، ولمحا ذلك عنك ما كانوا يعرفونك به: من المجانبة لعثمان والبغي عليه. وأخرى أنت بها عند أولياء ابن عفّان ضنين، إيواؤك قتلة عثمان، فهم بطانتك، وعضدك وأنصارك. فقد بلغني أنك تنتفي من دمه فإن كنت صادقا فادفع إلينا قتلته نقتلهم به. ثم نحن أسرع الناس إليك، وإلا فليس لك ولا لأصحابك عندنا إلا السيف! والذي نفس معاوية بيده لأطلبنّ قتلة عثمان في الجبال، والرمال، والبر، والبحر، حتّى نقتلهم أو تلحق أرواحنا بالله!. فكتب إليه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في جواب ذلك: أما بعد فقد أتاني كتابك، تذكر فيه اصطفاء الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلّم لدينه وتأييده إياه بمن أيّده به من أصحابه، فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا! أفطفقت تخبرنا بآلاء الله عندنا، فكنت كناقل التمر إلى هجر «2» أو داعي مدرة «3» إلى النّضال، وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان فذكرت أمرا إن تم

اعتزلك كلّه. وإن نقص لم يلحقك قلّه، وما أنت والفاضل والمفضول والسائل والمسؤول! وما للطّلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأوّلين، وترتيب درجاتهم، وتعريف طبقاتهم، هيهات لقد حنّ قدح ليس منها، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها، ألا تربع على ظلعك وتعرف قصور ذرعك، وتتأخّر حيث أخّرك القدر، فما عليك غلبة المغلوب. ولا لك ظفر الظافر. وإنك لذهّاب في التّيه، روّاع عن القصد. ألا ترى، غير مخبر لك ولكن بنعمة الله أحدّث، أنّ قوما استشهدوا في سبيل الله ولكلّ فضل حتّى إذا استشهد شهيدنا قيل سيد الشهداء، وخصه رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه، أولا ترى أن قوما قطعت أيديهم في سبيل الله ولكلّ فضل حتّى إذا فعل بواحد منا ما فعل بواحد منهم قيل الطيّار في الجنة وذو الجناحين، ولولا ما نهي عن تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمّة، تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجها آذان السامعين. فدع عنك من مالت به الرمية فإنا صنائع ربنا، والناس بعد صنائع لنا، لم يمنعنا قديم عزنا. ومديد طولنا على قومك أن خلطناهم بأنفسنا: فنكحنا وأنكحنا، فعل الأكفاء ولستم هناك. وأنّى يكون ذلك كذلك! ومنا النبي ومنكم المكذب، ومنا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف «1» ، ومنا سيدا شباب أهل الجنة، ومنكم صبية النار، ومنا خير نساء العالمين، ومنكم حمّالة الحطب «2» ، فإسلامنا قد سمع وجاهليّتنا لا تدفع، كتاب الله يجمع لنا ما شذّ عنا وهو قوله سبحانه وتعالى وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ* «3» وقوله تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ

بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ «1» فنحن مرّة أولى بالقرابة وتارة أولى بالطاعة. ولما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله صلى الله عليه وسلّم فلجوا «2» عليهم، فإن يكن الفلج به فالحقّ لنا دونكم، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم. وزعمت أنّي لكل الخلفاء حسدت، وعلى كلهم بغيت، فإن يك ذلك كذلك فليست الجناية عليك، فتكون المعذرة إليك وتلك شكاة ظاهر عنك عارها. وقلت إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتّى أبايع. ولعمر الله! لقد أردت أن تذم فحمدت، وأن تفضح فافتضحت؛ وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكّا في دينه، ولا مرتابا في يقينه. وهذه حجّتي إلى غيرك قصدها، ولكني أطلقت لك منها بقدر ما سنح لك من ذكرها. ثم ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان فأيّنا كان أعدى له وأهدى إلى مقاتله: أمن بذل له نصرته فاستقعده واستكفّه أم من استنصره فتراخى عنه وبثّ المنون إليه، حتى أتى قدره عليه. كلا والله! لقد علم الله المعوّقين منكم والقابلين لإخوانهم هلمّ إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا. وما كنت أعتذر من أنّي كنت أنقم عليه أحداثا فإن يكن الذنب إليه إرشادي وهدايتي له «فربّ ملوم لا ذنب له «3» . وقد يستفيد الظّنّة المتنصّح» وما أردت إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب. وذكرت أنه ليس لي ولأصحابي إلا السيف! فلقد أضحكت بعد استعبار،

متى ألفيت بني عبد المطلب عن الأعداء ناكلين؟ أو بالسيوف مخوّفين. (ف) لبّث قليلا يلحق الهيجا حمل «1» ، سيطلبك من تطلب، ويقرب منك ما تستبعد، وأنا مرقل «2» نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان شديد زحامهم، ساطع قتامهم، مسربلين سرابيل الموت. أحبّ اللقاء إليهم لقاء ربهم. قد صحبتهم ذرّية بدرية وسيوف هاشميّة قد علمت مواقع نصالها في أخيك وخالك، وجدّك، وأهلك وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ «3» . وكما كتب «أبو جعفر المنصور» ثاني خلفاء بني العباس، وهو يومئذ خليفة، إلى محمد بن عبد الله بن الحسن المثنّى بن الحسن السبط، حين بويع له بالخلافة وخرج على المنصور يريد انتزاعها منه: من عبد الله عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله. أما بعد: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «4» . ولك ذمة الله وعهده وميثاقه وحقّ نبيه محمد صلى الله عليه وسلّم إن تبت من قبل أن يقدر عليك أن أؤمّنك على نفسك وولدك وإخوتك ومن بايعك وجميع شيعتك، وأن أعطيك ألف ألف درهم، وأنزلك من البلاد حيث شئت، وأقضي

لك ما شئت من الحاجات، وأن أطلق من في سجني من أهل بيتك وشيعتك وأنصارك ثم لا أتبع أحدا منكم بمكروه، وإن شئت أن تتوثّق لنفسك فوجّه إليّ من يأخذ لك من الميثاق والعهد والأيمان ما أحببت والسلام. فأجابه محمد بن عبد الله بما نصه: من محمد بن عبد الله أمير المؤمنين إلى عبد الله بن محمد. أما بعد: طسم، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ «1» . وأنا أعرض عليك من الأمان مثل الذي أعطيتني فقد تعلم أنّ الحقّ حقّنا، وأنكم إنما أعطيتموه بنا، ونهضتم فيه بسعينا وحطتموه بفضلنا، وأن أبانا عليّا عليه السلام، كان الوصيّ والإمام فكيف ورثتموه دوننا، ونحن أحياء! وقد علمت أنه ليس أحد من بني هاشم يمتّ بمثل فضلنا ولا يفخر بمثل قديمنا وحديثنا ونسبنا، وإنا بنو أمّ أبي رسول الله: فاطمة بنت عمرو في الجاهلية دونكم، وبنو ابنته فاطمة في الإسلام من بينكم، فأنا أوسط بني هاشم نسبا، وخيرهم أمّا وأبا، لم تلدني العجم، ولم تعرق فيّ أمّهات الأولاد. وإن الله عز وجل لم يزل يختار لنا فولدني من النبيين أفضلهم: محمد صلى الله عليه وسلّم. ومن أصحابه أقدمهم إسلاما وأوسعهم علما، وأكثرهم جهادا: عليّ بن أبي طالب، ومن نسائه أفضلهن: خديجة بنت خويلد أوّل من آمن بالله وصلّى إلى القبلة، ومن بناته أفضلهن، وسيدة نساء أهل الجنة، ومن المولودين في الإسلام الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة، ثم قد علمت أن هاشما ولد عليّا مرتين،

وأنّ عبد المطلب ولد الحسن مرتين، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولدني مرّتين من قبل جدّيّ الحسن والحسين، فما زال الإله يختار لي حتّى اختار لي في النار فولدني أرفع الناس درجة في الجنة، وأهون أهل النار عذابا يوم القيامة، فأنا ابن خير الأخيار، وابن خير الأشرار، وابن خير أهل الجنة، وابن خير أهل النار. ولك عهد الله إن دخلت في بيعتي أن أؤمنك على نفسك وولدك وكلّ ما أصبته، إلا حدّا من حدود الله تعالى، أو حقّا لمسلم أو معاهد. فقد علمت ما يلزمك في ذلك فأنا أوفى بالعهد منك، وأنت أحرى بقبول الأمان مني. فأما أمانك الذي عرضت عليّ فأيّ الأمانات هو؟ أأمان ابن هبيرة، أم أمان عمك عبد الله بن عليّ «1» ، أم أمان مسلم والسلام. فأجابه المنصور: من عبد الله عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله، أما بعد فقد أتاني كتابك، وبلغني كلامك، فإذا جلّ فخرك بالنساء، لتضلّ به الحفاة والغوغاء، ولم يجعل الله النساء كالعمومة، ولا الآباء كالعصبة والأولياء. وقد جعل الله تعالى العمّ أبا، وبدأ به على الوالد الأدنى. فقال جل ثناؤه عن نبيه يوسف عليه السلام وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ «2» . ولقد علمت أن الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلّم، وعمومته أربعة فأجاب اثنان أحدهما أبي، وكفر اثنان أحدهما أبوك. وأما ما ذكرت من النساء وقراباتهن، فلو أعطين على قدر الأنساب، وحقّ الأحساب، لكان الخير كلّه لآمنة بنت وهب، ولكن الله يختار لدينه من يشاء من خلقه.

وأما ما ذكرت من فاطمة بنت أسد أمّ عليّ بن أبي طالب، وفاطمة بنت الحسين وأن هاشما ولد عليّا مرّتين، وأن عبد المطّلب ولد الحسن مرّتين، فخير الأوّلين والآخرين رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولم يلده هاشم إلا مرّة واحدة، ولم يلده عبد المطلب إلا مرّة واحدة. وأمّا ما ذكرت من أنك ابن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإن الله عز وجل قد أبى ذلك فقال: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ «1» ولكنكم قرابة ابنته، وإنها قرابة ذرّيته، غير أنها امرأة لا تحوز الميراث، ولا يجوز أن تؤمّ فكيف تورث الإمامة من قبلها! ولقد ظلمها أبوك من كل وجه فأخرجها تخاصم، ومرّضها سرّا، ودفنها ليلا، فأبى الناس إلا تقديم الشيخين. ولقد حضر أبوك وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأمر بالصلاة غيره. ثم أخذ الناس رجالا فلم يأخذوا أباك فيهم. ثم كان في أصحاب الشّورى فكلّ دفعه عنها، وبايع عبد الرحمن عثمان وقبلها عثمان وحارب أباك طلحة والزبير، ودعا سعدا إلى بيعته فأغلق بابه دونه. ثم بايع معاوية بعده، وأفضى أمر جدّك إلى أبيك الحسن فسلمه إلى معاوية بخرق ودراهم وخرج إلى المدينة، فدفع الأمر إلى غير أهله، وأخذ مالا من غير حله. فإن كان لكم فيها شيء فقد بعتموه. وأما قولك إن الله اختار لك في الكفر فجعل أبوك أهون أهل النار عذابا فليس في الشر خيار، ولا من عذاب الله هيّن؛ ولا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفتخر بالنار. سترد فتعلم وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ «2» . وأما قولك إنه لم تلدك العجم، ولم تعرق فيك أمّهات الأولاد، وإنك

أوسط بني هاشم نسبا، وخيرهم أمّا وأبا، فقد رأيتك فخرت على بني هاشم طرّا، وقدّمت نفسك على من هو خير منك أوّلا وآخرا، وأصلا وفصلا. فخرت على إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعلى والد ولده؛ فانظر ويحك أين تكون من الله تعالى غدا! وما ولد فيكم مولود بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم أفضل من علي بن الحسين وهو لأمّ ولد، ولقد كان خيرا من جدّك حسن بن حسن. ثم ابنه محمد بن عليّ خير من أبيك وجدّته أمّ ولد. ثم ابنه جعفر وهو خير منك ولدته أمّ ولد. ولقد علمت أن جدّك عليّا حكّم حكمين وأعطاهما عهده وميثاقه على الرضا بما حكما به فاجتمعا على خلعه، ثم خرج عمّك الحسين على ابن مرجانة وكان الناس معه عليه حتّى قتلوه، ثم أتوا بكم على الأقتاب من غير أوطية كالسّبي المجلوب إلى الشأم. ثم خرج منكم غير واحد فقتلكم بنو أمية وحرّقوكم بالنار وصلّبوكم على جذوع النخل حتّى خرجنا عليهم فأدركنا بثأركم إذ لم تدركوه، ورفعنا أقداركم، وأورثناكم أرضهم وديارهم بعد أن كانوا يلعنون أباك في أديار الصلاة المكتوبة كما تلعن الكفرة فمنعناهم وكفّرناهم، وبينا فضله وأشدنا بذكره، فاتخذت ذلك علينا حجة، وظننت أنّا بما ذكرنا من فضل عليّ قدّمناه على حمزة والعباس وجعفر، كل أولئك مضوا سالمين سلما منهم وابتلي أبوك بالكرماء. ولقد علمت أن مآثرنا في الجاهلية سقاية الحاج الأعظم، وولاية زمزم؛ وكانت للعباس دون إخوته فنازع فيها أبوك إلى عمر فقضى لنا عمر بها. وتوفّي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وليس من عمومته أحد حيّا إلا العباس فكان وارثه دون بني عبد المطلب؛ فطلب الخلافة غير واحد من بني هاشم فلم ينلها إلا ولده. فاجتمع للعباس أنه أبو رسول الله صلى الله عليه وسلّم خاتم الأنبياء، وبنوه القادة الخلفاء، فقد ذهب بفضل القديم والحديث، ولولا العباس أخرج إلى بدر كرها لمات عمّاك طالب وعقيل جوعا أو يتجشّمان جفان عتبة وشيبة، فأذهب عنهما العار والشّنار. ولقد جاء الإسلام والعباس يمون أبا طالب للأزمة التي أصابتهم. ثم فدى عقيلا يوم بدر فقد منّاكم في الكفر، وفديناكم من الأسر، وورثنا دونكم خاتم الأنبياء وحزنا شرف الآباء،

وأدركنا بثأركم إذ عجزتم عنه، ووضعناكم حيث لم تضعوا أنفسكم والسلام. ومن مكاتبات ملوك الفرس «1» البلغاء ما كتب به ارسطو طاليس إلى الاسكندر: إنه إنما تملك الرعيّة بالإحسان إليها، وتظفر بالمحبة منها؛ فإنّ طلبك ذلك بإحسانك، هو أدوم بقاء منه باعتسافك بعنفك. واعلم أنه إنما تملك الأبدان، فاجمع إليها القلوب بالمحبة. واعلم أن الرعية إذا قدرت على أن تقول قدرت أن تفعل؛ فاجتهد أن لا تقول تسلم من أن تفعل. ومما كتب به أبرويز إلى ابنه شيرويه يوصيه بالرعية كتابا فيه: ليكن من تختاره لولايتك رجلا كان في وضيعة فرفعته، وذا شرف كان مهملا فاصطنعته. ولا تجعله امرا أصبته بعقوبة فاتّضع لها، ولا أحدا ممن يقع بقلبك أنّ إزالة سلطانك أحبّ إليه من ثبوته؛ وإياك أن تستعمله ضريعا، غمرا، كثيرا إعجابه بنفسه، قليلا تجربته في غيره، ولا كبيرا مدبرا، قد أخذ الدهر من عقله، كما أخذت السّنّ من جسمه. ومما كتب به أبرويز إلى ابنه شيرويه أيضا: إن كلمة منك تسفك دما، وأخرى تحقن دما، وإن سخطك سيف مسلول على من سخطت عليه، وإنّ رضاك بركة مفيدة على من رضيت عنه، وإن نفاذ أمرك مع ظهور كلامك، فاحترس في غضبك من قولك أن يخطىء، ومن لونك أن يتغير، ومن جسدك أن يخفّ، فإن الملوك تعاقب جرما، وتعفو حلما. ومما كتب به أردشير إلى رعيته: من أردشير المؤيد، ملك الملوك، وارث العظماء، إلى الفقهاء الذين هم حملة الدين، والأساورة الذين هم حفظة البيضة، والكتّاب الذين هم زين المملكة، وذوي الحروب الذين هم عمدة البلد. السلام عليكم، فإنا نحمد إليكم الله سالمين، وقد وضعنا عن

رعيتنا بفضل رأفتنا بها إتاوتها الموظفة عليها، ونحن مع ذلك كاتبون بوصية: لا تستشعروا الحقد فيدهمكم العدوّ، ولا تحتكروا فيشملكم القحط؛ وتزوّجوا القرائب فإنه أمسّ للرحم، وأثبت في النسب، ولا تعدّوا هذه الدنيا شيئا، ولا ترفضوها، فإن الآخرة لا تدرك إلا بها. وأما رسائلهم ومخاطباتهم فمن ذلك رسالة الصديق رضي الله عنه إلى عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه حين تلكّأ عن مبايعته، على لسان أبي عبيدة ابن الجرّاح رضي الله عنه، مع ما انضم إلى ذلك من كلام أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وما كان من جواب عليّ عنها. قال أبو حيّان عليّ بن محمد التوحيديّ البغداديّ «1» : سمرنا ليلة عند القاضي أبي حامد أحمد بن بشر المرورّوذيّ «2» ببغداد، فتصرف في الحديث كل متصرّف؛ وكان غزير الرواية، لطيف الدراية، فجرى حديث السقيفة، فركب كلّ مركبا، وقال قولا، وعرّض بشيء، ونزع إلى فن. فقال: هل فيكم من يحفظ رسالة لأبي بكر الصدّيق، رضي الله عنه إلى عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه، وجواب عليّ عنها، ومبايعته إياه عقيب تلك المناظرة. فقال الجماعة: لا والله، فقال: هي والله من بنات الحقائق، ومخبّآت الصنادق؛ ومنذ حفظتها ما رويتها إلا لأبي محمد المهلّبي في وزارته، فكتبها عني بيده، وقال: لا أعرف رسالة أعقل منها ولا أبين، وإنها لتدلّ على علم وحلم، وفصاحة ونباهة، وبعد غور وشدّة غوص- فقال له العبّادانيّ: أيها القاضي فلو أتممت المنّة علينا بروايتها، أسمعناها، فنحن أوعى لك من المهلبيّ، وأوجب ذماما عليك، فاندفع وقال:

«حدثنا الخزاعيّ بمكة، عن أبي ميسرة، قال حدثنا محمد بن أبي فليح عن عيسى بن دوأب بن المتّاح، قال: سمعت مولاي أبا عبيدة يقول: لما استقامت الخلافة لأبي بكر رضي الله عنه بين المهاجرين والأنصار، بعد فتنة كاد الشيطان بها. فدفع الله شرّها ويسرّ خيرها، بلغ أبا بكر عن عليّ تلكّؤ وشماس، وتهمّم ونفاس. فكره أن يتمادى الحال فتبدو العورة، وتشتعل الجمرة، وتتفرّق ذات البين؛ فدعاني بحضرته في خلوة، وكان عنده عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحده فقال: يا أبا عبيدة ما أيمن ناصيتك، وأبين الخير بين عينيك؛ وطالما أعزّ الله بك الإسلام وأصلح شأنه على يديك، ولقد كنت من رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالمكان المحوط، والمحل المغبوط؛ ولقد قال فيك في يوم مشهود «لكلّ أمّة أمين وأمين هذه الأمّة أبو عبيدة» ولم تزل للدّين ملتجا، وللمؤمنين مرتجا؛ ولأهلك ركنا، ولإخوانك ردءا «1» . قد أردتك لأمر خطر مخوف، وإصلاحه من أعظم المعروف، ولئن لم يندمل جرحه بيسارك ورفقك، ولم تجب حيّته برقيتك، وقع اليأس، وأعضل البأس، واحتيج بعد ذلك إلى ما هو أمرّ منه وأعلق، وأعسر منه وأغلق؛ والله أسأل تمامه بك، ونظامه على يديك. فتأتّ «2» له أبا عبيدة وتلطّف فيه، وانصح لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلّم، ولهذه العصابة غير آل جهدا، ولا قال حمدا، والله كالؤك وناصرك، وهاديك ومبصّرك، إن شاء الله. امض إلى عليّ واخفض له جناحك، واغضض عنده صوتك، واعلم أنه سلالة أبي طالب، ومكانه ممن فقدناه بالأمس صلى الله عليه وسلّم مكانه، وقل له البحر مغرقة، والبر مفرقة، والجوّ أكلف «3» ، والليل أغدف «4» ، والسماء جلواء، والأرض صلعاء، والصّعود

متعذّر، والهبوط متعسّر، والحق عطوف رءوف، والباطل عنوف عسوف، والعجب قدّاحة الشر، والضّغن رائد البوار، والتعريض شجار الفتنة، والقحة ثقوب العداوة، وهذا الشيطان متّكىء على شماله، متحيّل بيمينه، نافخ خصييه «1» لأهله، ينتظر الشّتات والفرقة، ويدبّ بين الأمّة بالشحناء والعداوة، عنادا لله عز وجل أوّلا، ولآدم ثانيا، ولنبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم ودينه ثالثا، يوسوس بالفجور، ويدلي بالغرور، ويمنّي أهل الشّرور. يوحي إلى أوليائه زخرف القول غرورا بالباطل، دأبا له منذ كان على عهد أبينا آدم صلّى الله عليه وآله وسلّم، وعادة له منذ أهانه الله تعالى في سالف الدهر لا منجى منه إلا بعضّ الناجذ على الحق، وغضّ الطرف عن الباطل، ووطء هامة عدوّ الله بالأشدّ فالأشدّ، والآكد فالآكد، وإسلام النفس لله عز وجل في ابتغاء رضاه. ولا بدّ الآن من قول ينفع إذا ضرّ السّكوت وخيف غبّه؛ ولقد أرشدك من أفاء ضالّتك، وصافاك من أحيا مودّته بعتابك، وأراد لك الخير من آثر البقاء معك؛ ما هذا الذي تسوّل لك نفسك، ويدوي به قلبك، ويلتوي عليه رأيك، ويتخاوص «2» دونه طرفك، ويسري فيه ظعنك، ويترادّ معه نفسك، وتكثر عنده صعداؤك، ولا يفيض به لسانك. أعجمة بعد إفصاح؟ أتلبيس بعد إيضاح؟ أدين غير دين الله؟ أخلق غير خلق القرآن؟ أهدي غير هدي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، أمثلي «تمشي له الضّراء وتدبّ له الخمر» «3» ، أم مثلك ينقبض عليه الفضاء، ويكسف في عينه القمر؛ ما هذه القعقعة بالشّنان؟ وما هذه الوعوعة باللسان؟ إنك والله جدّ عارف باستجابتنا لله عز وجل ولرسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وبخروجنا عن أوطاننا وأموالنا وأولادنا وأحبتنا، هجرة إلى الله عز وجل، ونصرة لدينه في زمان أنت فيه في كنّ الصبا، وخدر الغرارة، وعنفوان

الشّبيبة، غافل عما يشيب ويريب، لا تعي ما يراد ويشاد، ولا تحصّل ما يساق ويقاد، سوى ما أنت جار عليه إلى غايتك التي إليها عدل بك، وعندها حطّ رحلك، غير مجهول القدر ولا مجحود الفضل؛ ونحن في أثناء ذلك نعاني أحوالا تزيل الرّواسي، ونقاسي أهوالا تشيب النواصي، خائضين غمارها، راكبين تيّارها، نتجرّع صابها، ونشرج عيابها «1» ، ونحكم آساسها، ونبرم أمراسها، والعيون تحدّج بالحسد، والأنوف تعطّس بالكبر، والصّدور تستعر بالغيظ، والأعناق تتطاول بالفخر، والشّفار تشحذ بالمكر، والأرض تميد بالخوف، لا ننتظر عند المساء صباحا، ولا عند الصّباح مساء، ولا ندفع في نحر امرىء إلا بعد أن نحسو الموت دونه، ولا نبلغ مرادا إلا بعد الإياس من الحياة عنده، فادين في جميع ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالأب والأم، والخال والعم، والمال والنّشب «2» ، والسّبد واللّبد «3» ، والهلّة والبلّة «4» ، بطيب أنفس، وقرّة أعين، ورحب أعطان «5» ، وثبات عزائم، وصحة عقول، وطلاقة أوجه، وذلاقة ألسن؛ هذا مع خفيّات أسرار، ومكنونات أخبار، كنت عنها غافلا، ولولا سنّك لم تكن عن شيء منها ناكلا، كيف وفؤادك مشهوم «6» ؟ وعودك معجوم. والآن قد بلغ الله بك وأنهض الخير لك، وجعل مرادك بين يديك، وعن علم أقول ما تسمع؛ فارتقب زمانك، وقلّص أردانك، ودع التقعّس والتجسّس لمن لا يظلع لك إذا خطا «7» ، ولا يتزحزح عنك إذا عطا؛ فالأمر غض، والنفوس

فيها مضّ، وإنك أديم هذه الأمّة فلا تحلم لجاجا، وسيفها العضب، فلا تنب اعوجاجا، وماؤها العذب، فلا تحل أجاجا. والله لقد سألت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن هذا الأمر، فقال لي يا أبا بكر هو لمن يرغب عنه لا لمن يجاحش عليه، ولمن يتضاءل عنه لا لمن يتنفّج إليه؛ هو لمن يقال هو لك لا لمن يقول هو لي. ولقد شاورني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الصّهر، فذكر فتيانا من قريش فقلت أين أنت من عليّ، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: إني أكره لفاطمة ميعة شبابه وحداثة سنّه. فقلت له: متى كنفته يدك ورعته عينك، حفّت بهما البركة، وأسبغت عليهما النّعمة؛ مع كلام كثير خاطبته به رغبة فيك، وما كنت عرفت منك في ذلك لا حوجاء ولا لوجاء «1» ، فقلت ما قلت وأنا أرى مكان غيرك، وأجد رائحة سواك، وكنت إذ ذاك خيرا لك منك الآن لي؛ ولئن كان عرّض بك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في هذا الأمر، فلم يكن معرضا عن غيرك، وإن كان قال فيك فما سكت عن سواك وإن تلجلج في نفسك شيء، فهلمّ فالحكم مرضيّ، والصواب مسموع، والحقّ مطاع. ولقد نقل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى الله عز وجل، وهو عن هذه العصابة راض وعليها حذر: يسرّه ما سرّها، ويسوءه ما ساءها، ويكيده ما كادها، ويرضيه ما أرضاها، ويسخطه ما أسخطها. أما تعلم أنه لم يدع أحدا من أصحابه، وأقاربه، وسجرائه «2» ، إلا أبانه بفضيلة، وخصّه بمزية، وأفرده بحالة. أتظنّ أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم ترك الأمّة سدى بددا، عباهل «3» ، مباهل، طلاحى «4» مفتونة بالباطل، مغبونة عن الحق، لا رائد ولا ذائد، ولا ضابط ولا حائط، ولا ساقي ولا واقي، ولا هادي ولا حادي كلا! والله ما اشتاق إلى ربه تعالى، ولا سأله المصير إلى رضوانه وقربه، إلا بعد أن ضرب المدى، وأوضح الهدى،

وأبان الصّوى «1» ، وأمّن المسالك والمطارح، وسهّل المبارك والمهايع، وإلا بعد أن شدخ يافوخ الشرك بإذن الله، وشرم وجه النفاق لوجه الله سبحانه، وجدع أنف الفتنة في ذات الله، وتفل في عين الشيطان بعون الله، وصدع بملء فيه ويده بأمر الله عز وجل. وبعد، فهذه المهاجرون والأنصار عندك ومعك في بقعة واحدة، ودار جامعة، وإن استقالوني لك، وأشاروا عندي بك، فأنا واضع يدي في يدك، وصائر إلى رأيهم فيك. وإن تكن الأخرى فادخل فيما دخل فيه المسلمون، وكن العون على مصالحهم، والفاتح لمغالقهم، والمرشد لضالّتهم، والرادع لغوايتهم. فقد أمر الله تعالى بالتعاون على البر والتقوى، والتناصر على الحق. ودعنا نقضي هذه الحياة الدنيا بصدور بريئة من الغلّ، ونلقى الله تعالى بقلوب سليمة من الضّغن. وبعد فالناس ثمامة فارفق بهم، واحن عليهم ولن لهم، ولا تشق نفسك بنا خاصّة فيهم، واترك ناجم الحقد حصيدا، وطائر الشرّ واقعا، وباب الفتنة مغلقا، فلا قال ولا قيل ولا لوم ولا تبيع والله على ما نقول شهيد، وبما نحن عليه بصير. قال أبو عبيدة: فلما تأهّبت للنهوض، قال عمر رضي الله عنه: كن لدى الباب هنيهة فلي معك دور من القول، فوقفت وما أدري ما كان بعدي، إلا أنه لحقني بوجه يندى تهللا، وقال لي: قل لعليّ الرّقاد محلمة، والهوى مقحمة، وما منا إلّا له مقام معلوم، وحقّ مشاع أو مقسوم، ونبأ ظاهر أو مكتوم، وإن أكيس الكيس من منح الشارد تألّفا، وقارب البعيد تلطّفا، ووزن كلّ شيء بميزانه، ولم يخلط خبره بعيانه، ولم يجعل فتره مكان شبره، دينا كان أو دنيا، ضلالا كان أو هدى. ولا خير في علم مستعمل في جهل، ولا خير في معرفة

مشوبة بنكر. ولسنا كجلدة رفغ «1» البعير بين العجان «2» والذنب، وكل صال فبناره، وكل سيل إلى قراره. وما كان سكوت هذه العصابة إلى هذه الغاية لعيّ وشيّ، ولا كلامها اليوم لفرق أو رفق. وقد جدع الله بمحمد صلّى الله عليه وسلم أنف كلّ ذي كبر، وقصم ظهر كل جبّار، وقطع لسان كل كذوب، فماذا بعد الحقّ إلّا الضّلال. ما هذه الخنزوانة «3» التي في فراش رأسك؟ ما هذا الشّجا المعترض في مداج أنفاسك؟ ما هذه القذاة التي تغشّت ناظرك؟ وما هذه الوحرة «4» التي أكلت شراسيفك «5» ؟ وما هذا الذي لبست بسببه جلد النّمر، واشتملت عليه بالشحناء والنّكر، ولسنا في كسرويّة كسرى، ولا في قيصريّة قيصر! تأمل لإخوان فارس وأبناء الأصفر! قد جعلهم الله جزرا لسيوفنا، ودريئة لرماحنا، ومرمى لطعاننا، وتبعا لسلطاننا؛ بل نحن في نور نبوّة، وضياء رسالة، وثمرة حكمة، وأثرة رحمة، وعنوان نعمة، وظل عصمة، بين أمّة مهديّة بالحق والصدق، مأمونة على الرّتق والفتق، لها من الله قلب أبيّ، وساعد قويّ، ويد ناصرة، وعين باصرة. أتظن ظنّا يا عليّ أن أبا بكر وثب على هذا الأمر مفتاتا على الأمة خادعا لها، أو متسلطا عليها؟ أتراه حلّ عقودها وأحال عقولها؟ أتراه جعل نهارها ليلا، ووزنها كيلا، ويقظتها رقادا، وصلاحها فسادا؛ لا والله سلا عنها فولهت له، وتطامن لها فلصقت به، ومال عنها فمالت إليه، واشمأزّ دونها فاشتملت عليه، حبوة حباه الله بها، وعاقبة بلّغه الله إليها، ونعمة سربله جمالها، ويد أوجب الله عليه شكرها، وأمّة نظر الله به إليها. والله أعلم بخلقه، وأرأف بعباده، يختار ما كان لهم الخيرة. وإنك بحيث لا يجهل موضعك من بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ولا يجحد

حقّك فيما آتاك الله، ولكن لك من يزاحمك بمنكب أضخم من منكبك، وقرب أمسّ من قرابتك، وسنّ أعلى من سنك، وشبيبة أروع من شبيبتك، وسيادة لها أصل في الجاهلية، وفرع في الإسلام، ومواقف ليس لك فيها جمل ولا ناقة، ولا تذكر منها في مقدّمة ولا ساقة، ولا تضرب فيها بذراع ولا إصبع، ولا تخرج منها ببازل ولا هبع «1» . ولم يزل أبو بكر حبّة قلب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وعلاقة نفسه، وعيبة سره، ومفزع رأيه ومشورته، وراحة كفه، ومرمق طرفه. وذلك كله بمحضر الصادر والوارد من المهاجرين والأنصار، شهرته مغنية عن الدليل عليه. ولعمري إنك أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قرابة، ولكنه أقرب منك قربة، والقرابة لحم ودم، والقربة نفس وروح. وهذا فرق عرفه المؤمنون ولذلك صاروا إليه أجمعون، ومهما شككت في ذلك، فلا تشكّ أن يد الله مع الجماعة، ورضوانه لأهل الطاعة، فادخل فيما هو خير لك اليوم، وأنفع لك غدا، والفظ من فيك ما يعلق بلهاتك، وانفث سخيمة صدرك عن تقاتك، فإن يك في الأمد طول، وفي الأجل فسحة، فستأكله مريئا أو غير مريء، وستشربه هنيئا أو غير هنيء، حين لا رادّ لقولك إلا من كان آيسا منك، ولا تابع لك إلا من كان طامعا فيك يمضّ إهابك، ويعرك أديمك، ويزري على هديك. هنالك تقرع السنّ من ندم، وتجرع الماء ممزوجا بدم، وحينئذ تأسى على ما مضى من عمرك، ودارج قوّتك، فتودّ أن لو سقيت بالكأس التي أبيتها، ورددت إلى حالتك التي استغويتها، ولله تعالى فينا وفيك أمر هو بالغه، وغيب هو شاهده، وعاقبة هو المرجوّ لسرّائها وضرّائها، وهو الوليّ الحميد، الغفور الودود. قال أبو عبيدة، فتمشيت متزملا أنوء كأنما أخطو على رأسي، فرقا من الفرقة، وشفقا على الأمّة، حتّى وصلت إلى عليّ رضي الله عنه في خلاء،

فابتثثته بثّي كله، وبرئت إليه منه، ورفقت به. فلما سمعها ووعاها، وسرت في مفاصله حميّاها، قال: «حلّت معلوّطه «1» ، وولّت مخروّطه» » ، وأنشأ يقول: إحدى لياليك فهيسي هيسي «3» ... لا تنعمي اللّيلة بالتّعريس نعم يا أبا عبيدة أكلّ هذا في نفس القوم، ويحسّون به، ويضطبعون «4» عليه؟ قال أبو عبيدة: فقلت لا جواب لك عندي إنما أنا قاض حقّ الدّين، وراتق فتق المسلمين، وسادّ ثلمة الأمّة. يعلم الله ذلك من جلّجلان قلبي، وقرارة نفسي. فقال عليّ رضي الله عنه: والله ما كان قعودي في كنّ هذا البيت قصدا للخلاف، ولا إنكارا للمعروف، ولا زراية على مسلم؛ بل لما قد وقذني «5» به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من فراقه، وأودعني من الحزن لفقده. وذلك أنني لم أشهد بعده مشهدا إلا جدّد عليّ حزنا، وذكّرني شجنا. وإن الشوق إلى اللّحاق به كاف عن الطمع في غيره. وقد عكفت على عهد الله أنظر فيه، وأجمع ما تفرّق، رجاء ثواب معدّ لمن أخلص لله عمله، وسلّم لعلمه ومشيئته، وأمره ونهيه. على أني ما علمت أن التظاهر عليّ واقع، ولا عن الحق الذي سبق إليّ دافع؛ وإذ قد أفعم الوادي بي، وحشد النادي من أجلي، فلا مرحبا بما أساء أحدا من المسلمين وسرّني. وفي النفس كلام لولا سابق عقد، وسالف

عهد، لشفيت غيظي بخنصري وبنصري، وخضت لجّته بأخمصي ومفرقي، ولكنني ملجم إلى أن ألقى الله ربي، وعنده أحتسب ما نزل بي. وإني غاد إلى جماعتكم، مبايع صاحبكم، صابر على ما ساءني وسرّكم لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا* «1» . قال أبو عبيدة: فعدت إلى أبي بكر رضي الله عنه فقصصت عليه القول على غرّه «2» ، ولم أختزل شيئا من حلوه ومرّه، وبكّرت غدوة إلى المسجد، فلما كان صباح يومئذ وإذا عليّ مخترق الجماعة إلى أبي بكر رضي الله عنهما، فبايعه، وقال خيرا، ووصف جميلا، وجلس زميتا «3» ، واستأذن للقيام فمضى وتبعه عمر مكرما له، مستأثرا لما عنده. فقال عليّ رضي الله عنه: ما قعدت عن صاحبكم كارها، ولا أتيته فرقا، ولا أقول ما أقول تعلة. ولئنّي لأعرف منتهى طرفي ومحطّ قدمي ومنزع قوسي، وموقع سهمي؛ ولكن قد أزمت «4» على فأسي ثقة بربي في الدنيا والآخرة. فقال له عمر رضي الله عنه: كفكف غربك «5» ، واستوقف سربك، ودع العصيّ بلحائها، والدّلاء على رشائها. فإنا من خلفها وورائها، إن قدحنا أورينا، وإن متحنا أروينا، وإن قرحنا أدمينا، ولقد سمعت أماثيلك التي لغزت بها عن صدر أكل بالجوى، ولو شئت لقلت على مقالتك ما إن سمعته ندمت على ما قلت. وزعمت أنك قعدت في كنّ بيتك لما وقذك به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

من فقده، فهو وقذك ولم يقذ غيرك؟ بل مصابه أعظم وأعمّ من ذلك، وإنّ من حق مصابه أن لا تصدع شمل الجماعة بفرقة لا عصام لها، ولا يؤمن كيد الشيطان في بقائها. هذه العرب حولنا، والله لو تداعت علينا في صبح نهار لم نلتق في مسائه. وزعمت أن الشوق إلى اللّحاق به كاف عن الطمع في غيره! فمن علامة الشوق إليه نصرة دينه. وموازرة أوليائه، ومعاونتهم. وزعمت أنك عكفت على عهد الله تجمع ما تفرق منه؛ فمن العكوف على عهد الله النصيحة لعباد الله، والرأفة على خلق الله، وبذل ما يصلحون به، ويرشدون عليه. وزعمت أنك لم تعلم أن التظاهر واقع عليك وأيّ حق لطّ «1» دونك. قد سمعت وعلمت ما قال الأنصار بالأمس سرّا وجهرا، وتقلبت عليه بطنا وظهرا، فهل ذكرت أو أشارت بك أو وجدت رضاهم عنك؟ هل قال أحد منهم بلسانه إنك تصلح لهذا الأمر؟ أو أومأ بعينه أو همّ في نفسه؟ أتظن أن الناس ضلّوا من اجلك، وعادوا كفّارا زهدا فيك، وباعوا الله تحاملا عليك؟. لا والله! لقد جاءني عقيل بن زياد الخزرجيّ في نفر من أصحابه ومعهم شرحبيل بن يعقوب الخزرجيّ وقالوا: إن عليّا ينتظر الإمامة، ويزعم أنه أولى بها من غيره، وينكر على من يعقد الخلافة، فأنكرت عليهم، ورددت القول في نحرهم حيث قالوا: إنه ينتظر الوحي ويتوكّف مناجاة الملك. فقلت ذاك أمر طواه الله بعد نبيه محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم، أكان الأمر معقودا بأنشوطه، أو مشدودا بأطراف ليطه «2» ؟ كلا! والله لا عجماء بحمد الله إلا أفصحت، ولا شوكاء إلا وقد تفتّحت. ومن أعجب شأنك قولك: ولولا سالف عهد وسابق عقد، لشفيت غيظي؛ وهل ترك الدين لأهله أن يشفوا غيظهم بيد أو بلسان؟ تلك جاهليّة وقد استأصل الله شأفتها واقتلع جرثومتها، وهوّر ليلها، وغوّر سيلها، وأبدل منها الرّوح والرّيحان، والهدى والبرهان. وزعمت أنك ملجم؛ ولعمري إن من اتقى الله،

وآثر رضاه، وطلب ما عنده، أمسك لسانه وأطبق فاه، وجعل سعيه لما وراه. فقال علي رضي الله عنه: مهلا يا أبا حفص والله ما بذلت ما بذلت وأنا أريد نكثه، ولا أقررت ما أقررت وأنا أبتغي حولا عنه. وإن أخسر الناس صفقة عند الله من آثر النفاق، واحتضن الشّقاق وفي الله سلوة عن كل حادث، وعليه التوكّل في جمع الحوادث. ارجع يا أبا حفص إلى مجلسك ناقع القلب، مبرود الغليل، فسيح اللّبان «1» ، فصيح اللّسان، فليس وراء ما سمعت وقلت إلا ما يشدّ الأزر، ويحط الوزر، ويضع الإصر، ويجمع الألفة بمشيئة الله وحسن توفيقه. قال أبو عبيدة رضي الله عنه: فانصرف عليّ وعمر رضي الله عنهما. وهذا أصعب ما مرّ عليّ بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. ومن ذلك كلام عائشة رضي الله عنها في الانتصار لأبيها. يروى أنه بلغ عائشة رضي الله عنها أن أقواما يتناولون أبا بكر رضي الله عنه فأرسلت إلى أزفلة «2» من الناس فلما حضروا، أسدلت أستارها، وعلت وسادها. ثم قالت: أبي، وما أبيّه! أبي والله لا تعطوه «3» الأيدي، ذاك طود منيف، وفرع مديد، هيهات كذبت الظّنون، أنجح إذ أكديتم «4» ، وسبق إذ ونيتم سبق الجواد إذا استولى على الأمد؛ فتى قريش ناشئا، وكهفها كهلا، يفك عانيها ويريش مملقها، ويرأب شعبها، ويلم شعثها حتّى حليته قلوبها، ثم استشرى في دين الله فما برحت شكيمته في ذات الله عز وجل حتّى اتخذ بفنائه مسجدا يحيى فيه ما أمات المبطلون؛ وكان رحمه الله غزير الدّمعة، وقيذ الجوانح، شجيّ النّشيج، فانقضّت إليه نسوان مكة وولدانها يسخرون منه

ويستهزئون به اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ «1» فأكبرت ذلك رجالات من قريش فحنت قسيّها وفوّقت سهامها وانتثلوه غرضا «2» ، فما فلّوا له صفاه «3» ، ولا قصفوا له قناة، ومرّ على سيسائه «4» حتّى إذا ضرب الدّين بجرانه «5» ، ورست أوتاده، ودخل الناس فيه أفواجا، ومن كل فرقة أرسالا وأشتاتا، اختار الله لنبيّه ما عنده؛ فلما قبض الله نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم ضرب الشّيطان رواقه، ومدّ طنبه، ونصب حبائله، وأجلب بخيله ورجله، واضطرب حبل الإسلام، ومرج عهده وماج أهله، وبغي الغوائل، وظنّت رجال أن قد أكثبت أطماعهم نهزها «6» ولات حين الذين يرجون، وأنّى والصدّيق بين أظهرهم. فقام حاسرا مشمّرا، فجمع حاشيتيه ورفع قطريه، فردّ رسن الإسلام على غربه، ولمّ شعثه بطبّه، وانتاش الدين فنعشه، فلما أراح الحقّ على أهله، وقرّر الرؤوس على كواهلها، وحقن الدماء في أهبها، أتته منيته، فسدّ ثلمته بنظيره في الرحمة، وشقيقه في السّيرة والمعدلة. ذاك ابن الخطاب لله درّ أمّ حملت به ودرّت عليه! لقد أوجدت به، ففنّخ الكفرة ودبّخها «7» ، وشرّد الشّرك شذر مذر، وبعج الأرض وبخعها فقاءت أكلها، ولفظت خبأها «8» ، ترأمه ويصدف عنها، وتصدّى له ويأباها. ثم وزّع فيها فيأها وودّعها كما صحبها.

فأروني ماذا ترتؤون وأيّ يومي أبي تنقمون: أيوم إقامته إذ عدل فيكم أم يوم ظعنه إذ نظر لكم؟ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. ثم أقبلت على الناس بوجهها فقالت أنشدكم الله هل أنكرتم مما قلت شيئا؟ قالوا اللهم لا. ومن ذلك كلام أمّ الخير بنت الحريش البارقّية يوم صفّين في الانتصار لعليّ رضي الله عنه. يروى أن معاوية كتب إلى واليه بالكوفة أن يحمل إليه أمّ الخير بنت الحريش البارقية برحلها، وأعلمه أنه مجازيه بقولها فيه بالخير خيرا وبالشرّ شرّا؛ فلما ورد عليه كتابه، وركب إليها فأقرأها الكتاب، فقالت: أما أنا فغير زائغة عن طاعة ولا معتلة بكذب! ولقد كنت أحبّ لقاء أمير المؤمنين لأمور تختلج في صدري. فلما شيعها وأراد مفارقتها قال لها: يا أمّ الخير، إن أمير المؤمنين كتب إليّ أنه يجازيني بقولك فيّ بالخير خيرا وبالشر شرّا؛ فما عندك؟ قالت: يا هذا لا يطمعنّك برّك بي أن أسرّك بباطل، ولا تؤيسك معرفتي بك أن أقول فيك غير الحق. فسارت خير مسير حتّى قدمت على معاوية فأنزلها مع حريمه، ثم أدخلها عليه في اليوم الرابع، وعنده جلساؤه فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. قال لها وعليك السلام يا أمّ الخير، وبالرغم منك دعوتيني بهذا الاسم. قالت مه يا أمير المؤمنين! فإن بديهة السلطان مدحضة لما يجب علمه لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ «1» . قال صدقت. فكيف حالك يا خالة؟ وكيف كنت في مسيرك؟. قالت لم أزل في عافية وسلامة حتّى صرت إليك فأنا في مجلس أنيق، عند ملك رفيق- قال معاوية: بحسن نيتي ظفرت بكم- قالت يا أمير المؤمنين أعيذك بالله من دحض المقال وما تردي عاقبته! قال ليس هذا أردنا. أخبريني كيف كان كلامك يوم قتل عمّار بن ياسر؟ قالت لم أكن والله زوّرته قبل ولا روّيته بعد. وإنما كانت كلمات نفثهن لساني حين الصّدمة فإن شئت أن أحدث لك مقالا

غير ذلك فعلت- قال لا أشاء ذلك. ثم التفت إلى أصحابه فقال أيكم يحفظ كلام أمّ الخير؟ فقال رجل من القوم أنا أحفظه يا أمير المؤمنين كحفظي سورة الحمد- قال هاته- قال: نعم كأني بها يا أمير المؤمنين في ذلك اليوم عليها برد زبيديّ كثيف الحاشية، وهي على جمل أرمك «1» وقد أحيط حولها، وبيدها سوط منتشر الظفر «2» وهي كالفحل يهدر في شقشقته تقول: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ «3» . إن الله قد أوضح الحقّ، وأبان الدليل، ونوّر السبيل، ورفع العلم، فلم يدعكم في عمياء مبهمة، ولا سوداء مدلهمّة فإلى أين تريدون رحمكم الله. أفرارا عن أمير المؤمنين، أم فرارا من الزّحف، أم رغبة عن الإسلام، أم ارتدادا عن الحق. أما سمعتم الله عز وجل يقول: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ «4» . ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول: قد عيل الصبر، وضعف اليقين، وانتشرت الرّغبة، وبيدك يا رب أزمّة القلوب فاجمع الكلمة على التقوى، وألّف القلوب على الهدى، هلمّوا رحمكم الله إلى الإمام العادل، والوصيّ الوفيّ، والصدّيق الأكبر! إنها إحن بدريّة، وأحقاد جاهلية، وضغائن أحدية، وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك بها ثارات بني عبد شمس. ثم قالت فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ «5» . صبرا معشر المهاجرين والأنصار، قاتلوا على بصيرة من ربكم، وثبات من

دينكم، وكأني بكم غدا قد لقيتم أهل الشأم كحمر مستنفرة، فرّت من قسورة «1» . لا تدري أين يسلك بها من فجاج الأرض، باعوا الآخرة بالدنيا، واشتروا الضلالة بالهدى، وباعوا البصيرة بالعمى وعمّا قليل ليصبحنّ نادمين، حين تحلّ بهم الندامة فيطلبون الإقالة! إنه والله من ضلّ عن الحق وقع في الباطل، ومن لم يسكن الجنة نزل في النار. أيها الناس إن الأكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها واستبطأوا مدّة الآخرة فسعوا لها. والله أيها الناس لولا أن تبطّل الحقوق، وتعطّل الحدود، ويظهر الظالمون، وتقوى كلمة الشيطان، لما اخترنا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه؛ فإلى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وزوج ابنته وأبي ابنيه؟ خلق من طينته، وتفرّع عن نبعته، وخصّه بسرّه، وجعله باب مدينته، وأعلم بحبه المسلمين، وأبان ببغضه المنافقين. فلم يزل كذلك يؤيده الله بمعونته ويمضي على سنن استقامته؛ لا يعرّج لراحة اللذّات؛ وهو مفلّق الهام، ومكسّر الأصنام إذ صلّى والناس مشركون، وأطاع والناس مرتابون. فلم يزل كذلك حتّى قتل مبارزي بدر، وأفنى أهل أحد، وفرّق جمع هوازن؛ فيالها وقائع! زرعت في قلوب قوم نفاقا، وردّة وشقاقا، وقد اجتهدت في القول، وبالغت في النصحية وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فقال معاوية: والله يا أم الخير ما أردت بهذا إلا قتلي! والله لو قتلتك ما حرجت في ذلك. قالت: والله ما يسوءني يا بن هند أن يجري الله ذلك على يدي من يسعدني الله بشقائه- قال هيهات يا كثيرة الفضول، ما تقولين في عثمان بن عفان؟ - قالت وما عسيت أن أقول فيه: استخلفه الناس وهم كارهون، وقتلوه وهم راضون- فقال إيها يا أم الخير هذا والله أصلك الذي تبنين عليه- قالت

لكن الله يشهد وكفى بالله شهيدا ما أردت بعثمان نقصا، ولقد كان سبّاقا إلى الخيرات، وإنه لرفيع الدرجة- قال فما تقولين في طلحة بن عبيد الله؟ - قالت وما عسى أن أقول في طلحة! أغتيل من مأمنه، وأتي من حيث لم يحذر، وقد وعده رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الجنة- قال فما تقولين في الزبير؟ قالت يا هذا لا تدعني كرجيع الضّبع يعرك في المركن- قال حقّا لتقولنّ ذلك وقد عزمت عليك- قالت وما عسيت أن أقول في الزبير ابن عمة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وحواريّه، وقد شهد له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالجنة، ولقد كان سبّاقا إلى كل مكرمة في الإسلام. وإني أسألك بحق الله يا معاوية فإن قريشا تحدّث أنك من أحلمها أن تسعني بفضل حلمك، وأن تعفيني من هذه المسائل، وامض لما شئت من غيرها- قال نعم وكرامة قد أعفيتك؛ وردّها مكرمة إلى بلدها. ونحو ذلك كلام الزرقاء بنت عديّ بن قيس الهمدانيّة يوم صفّين أيضا. يروى أنها ذكرت عند معاوية يوما، فقال لجلسائه أيكم يحفظ كلامها؟ - قال بعضهم نحن نحفظه يا أمير المؤمنين- قال فأشيروا عليّ في أمرها فأشار بعضهم بقتلها- فقال بئس الرأي! أيحسن بمثلي أن يقتل أمرأة؟. ثم كتب إلى عامله بالكوفة أن يوفدها إليه مع ثقة من ذوي محرمها وعدّة من فرسان قومها، وأن يمهّد لها وطاء ليّنا، ويسترها بستر خصيف، ويوسع لها في النفقة. فلما دخلت على معاوية قال مرحبا بك وأهلا! قدمت خير مقدم قدمه وافد، كيف حالك؟ - قالت بخير يا أمير المؤمنين أدام الله لك النعمة! - قال كيف كنت في مسيرك؟ قالت ربيبة بيت أو طفلا ممهّدا- قال بذلك أمرناهم. أتدرين فيم بعثت إليك؟ - قالت وأنّى لي بعلم ما لم أعلم؟ وما يعلم الغيب إلا الله عز وجل- قال ألست الراكبة الجمل الأحمر، والواقفة بين الصفّين بصفّين تحضّين الناس على القتال، وتوقدين الحرب؟ فما حملك على ذلك؟ - قالت يا أمير المؤمنين مات الرأس، وبتر الذّنب، ولن يعود ما ذهب، والدهر ذو غير، ومن تفكر أبصر، والأمر يحدث بعده الأمر- قال لها معاوية أتحفظين كلامك يومئذ؟ - قالت: لا والله ولقد أنسيته- قال لكني أحفظه لله أبوك حين تقولين:

أيها الناس ارعووا وارجعوا! إنكم أصبحتم في فتنة غشّتكم جلابيب الظّلم، وجارت بكم عن قصد المحجّة. فيا لها فتنة عمياء، صماء، بكماء لا تسمع لناعقها، ولا تسلس لقائدها. إن المصباح لا يضيء في الشمس، والكواكب لا تنير مع القمر، ولا يقطع الحديد إلا الحديد. ألا من استرشد أرشدناه، ومن سألنا أخبرناه. أيها الناس إن الحق كان يطلب ضالته فأصابها، فصبرا يا معاشر المهاجرين والأنصار على الغصص؛ فكأن قد اندمل شعب الشّتات، والتأمت كلمة التقوى، ودمغ الحقّ باطله! فلا يجهلنّ أحد فيقول كيف العدل وأنّى: ليقضي الله أمرا كان مفعولا. ألا وإن خضاب النساء الحنّاء، وخضاب الرجال الدّماء! ولهذا اليوم ما بعده، والصبر خير في عواقب الأمور. إيها لحرب قدما غير ناكصين، ولا متشاكسين. ثم قال لها يا زرقاء لقد شركت عليّا في كل دم سفكه- قالت أحسن الله بشارتك، وأدام سلامتك؛ فمثلك من بشّر بخير وسر جليسه- قال ويسرك ذلك؟ - قالت: نعم سررت بالخبر فأنّى لي بتصديق الفعل؟ فضحك معاوية وقال: لوفاؤكم له بعد موته أعجب عندي من حبّكم له في حياته! اذكري حاجتك. قالت يا أمير المؤمنين آليت على نفسي أن لا أسأل أميرا أعنت عليه أبدا، ومثلك من أعطى من غير مسألة، وجاد من غير طلبة- قال صدقت، وأمر لها وللذين جاءوا معها بجوائز وكسا. وقريب من ذلك كلام عكرشة بنت الأطرش يوم صفّين أيضا. يروى أنها دخلت على معاوية متوكّئة على عكّاز لها فسلمت عليه بالخلافة، ثم جلست- فقال لها معاوية: الآن صرت عندك أمير المؤمنين؟ قالت: نعم إذ لا عليّ حيّ! - قال ألست المتقلدة حمائل السيف بصفّين؟ وأنت واقفة بين الصّفّين تقولين: أيها الناس! عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم. إن الجنة لا يحزن من قطنها، ولا يهرم من سكنها، ولا

يموت من دخلها؛ فابتاعوها بدار لا يدوم نعيمها، ولا تنصرم همومها، وكونوا قوما مستبصرين في دينهم مستظهرين على حقهم؛ إن معاوية دلف إليكم بعجم العرب، لا يفقهون الإيمان، ولا يدرون ما الحكمة. دعاهم إلى الباطل فأجابوه، واستدعاهم إلى الدنيا فلبّوه فالله الله عباد الله في دين الله! وإياكم والتواكل فإن ذلك ينقض عرى الإسلام، ويطفىء نور الحق. هذه بدر الصغرى، والعقبة الأخرى؛ يا معشر المهاجرين والأنصار امضوا على بصيرتكم، واصبروا على عزيمتكم. فكأنّي بكم غدا وقد لقيتم أهل الشام كالحمر الناهقة تقصع قصع البعير «1» . ثم قال: فكأني أراك على عصاك هذه قد انكفأ عليك العسكران يقولون هذه عكرشة بنت الأطرش فإن كدت لتفلّين أهل الشام لولا قدر الله وكان أمر الله قدرا مقدورا؛ فما حملك على ذلك؟ - قالت يا أمير المؤمنين يقول الله جل ذكره يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ «2» الآية، وإن اللبيب إذا كره أمرا لا يحب إعادته- قال صدقت فاذكري حاجتك- قالت كانت صدقاتنا تؤخذ من أغنيائنا فتردّ على فقرائنا وقد فقدنا ذلك، فما يجبر لنا كسير، ولا ينعش لنا فقير. فإن كان عن رأيك فمثلك من انتبه من الغفلة وراجع التوبة، وإن كان عن غير رأيك فما مثلك من استعان بالخونة ولا استعمل الظّلمة- قال معاوية: يا هذه؛ إنه ينوبنا من أمور رعيتنا ثغور تتفتّق، وبحور تتدفق.- قالت سبحان الله! والله ما فرض الله لنا حقّا فجعل فيه ضرارا لغيرنا وهو علّام الغيوب- قال معاوية هيهات يا أهل العراق نبّهكم عليّ فلن تطاقوا. ثم أمر بردّ صدقاتهم فيهم وإنصافهم. والشاهد في هذه الحكايات كلام هؤلاء النسوة مع ما فيها: من المراجعات، والمخاطبات، والمقاولات، والمحاورات، الصالحة للاستشهاد

للفصل المتقدّم قبل ذلك. وهذا باب متسع لا يسع استيفاؤه، ولا يمكن استيعابه وفيما ذكرنا مقنع. ومن ذلك ما روي أنّ عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه أرسل إلى معاوية بالشام كتابا صحبة صعصعة بن صوحان» ، فسار به حتى أتى دمشق، فأتى باب معاوية فقال لآذنه: استأذن لرسول أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب؛ وبالباب جماعة من بني أميّة، فأخذته النّعال والأيدي لقوله: «أمير المؤمنين» . وكثرت عليه الجلبة، فاتّصل ذلك بمعاوية فأذن له، فدخل عليه، فقال السلام عليك يا بن أبي سفيان! هذا كتاب أمير المؤمنين- فقال معاوية أما إنه لو كانت الرسل تقتل في جاهلية أو إسلام، لقتلتك. ثم اعترضه معاوية في الكلام، وأراد أن يستخبره ليعرف طبعا أم تكلفا- فقال له ممن الرجل؟ - قال من نزار- قال وما كان نزار؟ قال كان إذا غزا انكمش، وإذا لقى افترش، وإذا انصرف احترش «2» . قال فمن أيّ أولاده أنت؟ - قال من ربيعة- قال وما كان ربيعة؟ - قال: كان يطيل النّجاد، ويعول العباد، ويضرب ببقاع الأرض العماد- قال: فمن أيّ أولاده أنت؟ - قال من جديلة- قال وما كان جديلة؟ - قال كان في الحرب سيفا قاطعا، وفي المكرمات غيثا نافعا، وفي اللقاء لهبا ساطعا- قال فمن أيّ أولاده أنت؟ - قال: من عبد القيس- قال وما كان عبد القيس؟ - قال كان حسنا أبيض وهّابا، يقدّم لضيفه ما وجد، ولا يسأل عما فقد، كثير المرق، طيب العرق، يقوم للناس مقام الغيث من السماء- قال ويحك يا ابن صوحان! فما تركت لهذا الحي من قريش مجدا ولا فخرا،- قال بلى والله يابن أبي سفيان! تركت لهم ما لا يصلح إلا لهم،

تركت لهم الأحمر والأبيض والأصفر، والسرير والمنبر، والملك إلى المحشر؛ ففرح معاوية وظن أن كلامه يشتمل على قريش كلها، قال صدقت يا ابن صوحان إنّ ذلك لكذلك فعرف صعصعة ما أراد؛ فقال ليس لك ولا لقومك في ذلك إصدار ولا إيراد. بعدتم عن أنف المرعى، وعلوتم عن عذب الماء- قال ولم ذلك ويلك يا ابن صوحان! فقال الويل لأهل النار، ذلك لبني هاشم- قال قم! فأخرجوه- فقال صعصعة: الوعد بيني وبينك لا الوعيد من أراد المناجزة «1» يقبل المحاجزة- فقال معاوية: لشيء ما سوّده قومه ووددت أني من صلبه؛ ثم التفت إلى بني أمية فقال: هكذا فلتكن الرجال. ومن ذلك ما روي أن سعيد بن عثمان بن عفان رضي الله عنه دخل على معاوية وابنه يزيد إلى جانبه فقال له: ائتمنك أبي، واصطنعك حتّى بلّغك باصطناعه إياك المدى الذي لا يجارى، والغاية التي لا تسامى، فما جازيت أبي بآلائه حتّى قدّمت هذا عليّ، وجعلت له الأمر دوني. «وأومأ إلى يزيد» والله لأبي خير من أبيه وأمي خير من أمّه ولأنا خير منه! - فقال له معاوية: أمّا ما ذكرت يا ابن أخي من تواتر آلائكم عليّ، وتظاهر نعمائكم لديّ، فقد كان ذلك ووجب عليّ المكافأة والمجازاة، وكان من شكري إياه أن طلبت بدمه حتّى كابدت أهوال البلاء، وغشيت عساكر المنايا إلى أن شفيت حزازات الصدور وتجلّت تلك الأمور. ولست لنفسي باللائم في التشمير، ولا الزاري عليها في التقصير. وذكرت أن أباك خير من أبي هذا- وأشار بيده إلى يزيد- فصدقت لعمر الله لعثمان خير من معاوية! أكرم كريما، وأفضل قديما، وأقرب إلى محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم رحما. وذكرت أن أمّك خير من أمه فلعمري إن امرأة من قريش خير من امرأة

من بني كلب. وذكرت أنك خير من يزيد فو الله يابن أخي ما يسرّني أن الغوطة عليها رجال مثل يزيد. فقال له يزيد «مه يا أمير المؤمنين! ابن أخيك استعمل الدالّة عليك، واستعتبك لنفسه، واستزاد منك فزده وأجمل له في ردّك، واحمل على نفسك، وولّه خراسان بشفاعتي وأعنه بمال يظهر به موروثه» فولّاه معاوية خراسان، وأجازه بمائة ألف درهم؛ فكان ذلك أعجب ما ظهر من حلم يزيد. ومن ذلك ما يروى أن زيد بن منبه قدم على معاوية فشكا إليه دينا لزمه فأعطاه ستين ألف درهم، وكان عتبة بن أبي سفيان قد تزوّج ابنة يعلى أخي زيد بن منبّه، وهو يومئذ عامل بمصر- فقال له معاوية: الحق بصهرك «يعني عتبة» فقدم عليه مصر فقال: «إني سرت إليك شهرين أخوض فيهما المتالف: ألبس أردية الليل مرّة وأخوض في لجج السراب أخرى، موقرا من حسن الظن بك، وهاربا من دهر قطم «1» ، ودين أزم، بعد غنى جدعنا به أنوف الحاسدين، فلم أجد إلا إليك مهربا وعليك معوّلا- فقال عتبة: مرحبا بك وأهلا! إن الدهر أعاركم غنى وخلطكم بنا، ثم استردّ وأخذ ما أمكنه أخذه، وقد أبقى لكم منا ما لا ضيقة معه وأنا رافع إليك يدي بيد الله» فأعطاه ستين ألفا كما أعطاه معاوية. ومن ذلك ما يحكى أن عبد العزّى بن زرارة وفد على معاوية وهو سيد أهل الوبر، فلما أذن له وقف بين يديه وقال يا أمير المؤمنين! لم أزل أهزّ ذوائب الرجاء إليك، ولم أجد معوّلا إلا عليك، أمتطي الليل بعد النهار، وأسم المجاهل بالآثار، يقودني إليك أمل، ويسوقني إليك بلوى، والمجتهد يعذر، وإذ بلغتك فقط. فقال معاوية فاحطط عن راحلتك رحلها. وخرج عبد العزّى هذا مع يزيد بن معاوية إلى الصائفة، وأبوه زرارة عند

معاوية فهلك هناك. فكتب يزيد إلى أبيه معاوية بذلك- فقال معاوية لزرارة: أتاني اليوم نعي سيد شباب العرب- قال زرارة يا أمير المؤمنين هو ابني أو ابنك؟ - قال بل ابنك فقال «للموت ما تلد الوالدة» . أخذ بعضهم هذا المعنى فقال: وللموت تغذو الوالدات سخالها ... كما لخراب الدّهر تبنى المساكن ومن ذلك ما يروى، أن مروان بن الحكم، وهو وال على المدينة في خلافة معاوية حبس غلاما من بني ليث في جناية جناها بالمدينة، فأتته جدّة الغلام، وهي سنان بنت جشمية بن خرشة المذحجية، فكلمته في الغلام، فأغلظ لها مروان، فخرجت إلى معاوية فدخلت عليه فانتسبت له فعرفها، فقال: مرحبا بابنة جشمية ما أقدمك أرضنا؟ وقد عهدتك تشتمينا، وتحضّين علينا عدوّنا، قالت: يا أمير المؤمنين! إن لبني عبد مناف أخلاقا طاهرة، وأعلاما ظاهرة، لا يجهلون بعد علم؛ ولا يسفهون بعد حلم، ولا يشتمون بعد عفو، وإن أولى الناس باتباع ما سنّ آباؤه لأنت، قال: «صدقت نحن كذلك فكيف قولك: عزب الرّقاد فمقلتي لا ترقد ... واللّيل يصدر بالهموم ويورد يا آل مذحج لا مقام فشمّروا ... إنّ العدوّ لآل مذحج يقصد هذا عليّ كالهلال تحفّه ... وسط السماء من الكواكب أسعد خير الخلائق وابن عم محمد ... إن يهدكم بالنّور منه تهتدوا ما زال مذ شهد الحروب مظفّرا ... والنّصر فوق لوائه ما يفقد» قالت قد كان ذلك يا أمير المؤمنين وأرجو أن تكون لنا خلفا بعده، فقال رجل من جلسائه كيف يا أمير المؤمنين؟ وهي القائلة: إمّا هلكت أبا الحسين فلم تزل ... بالحقّ تعرف هاديا مهديّا فاذهب عليك صلاة ربّك ما دعت ... فوق الغصون حمامة قمريّا قد كنت بعد محمّد خلفا لنا ... أوصى إليك بنا وكنت وفيّا واليوم لا حلف يؤمّل بعده ... هيهات نأمل بعده إنسيّا

قالت يا أمير المؤمنين: لسان نطق، وقول صدق، ولئن تحقق فيك ما ظنناه، فحظّك الأوفر، والله ما أورثك الشّنآن «1» في قلوب المسلمين إلا هؤلاء، فأدحض مقالتهم، وأبعد منزلتهم؛ فإنك إن فعلت ذلك تزدد من الله قربا، ومن المسلمين حبّا. قال وإنك لتقولين ذلك؟ قالت: سبحان الله! والله ما مثلك من مدح بباطل، ولا اعتذر إليه بكذب، وإنك لتعلم ذلك من رأينا، وضمير قلبنا. كان عليّ والله أحبّ إلينا منك، وأنت أحبّ إلينا من غيرك. قال ممن؟. قالت من مروان وسعيد بن العاص- قال وبم استحققت ذلك عندك؟ - قالت بسعة حلمك، وكريم عفوك- قال وإنهما يطمعان في ذلك- قالت هما والله من الرأي على ما كنت عليه لعثمان بن عفّان- قال لقد قاربت فما حاجتك؟ - قالت: يا أمير المؤمنين! إن مروان تبنّك «2» في المدينة تبنّك من لا يريد منها البراح، لا يحكم بعدل، ولا يقضي بسنّة؛ يتبع عورات المؤمنين؛ حبس ابن ابني فأتيته فقال كيت وكيت، فأسمعته أخشن من الحجر، وألقمته أمرّ من الصّبر، ثم رجعت إلى نفسي باللائمة، وقلت لم لا أصرف ذلك إلى من هو أولى بالعفو منه؛ فأتيتك يا أمير المؤمنين، لتكون في أمري ناظرا، وعليه معديا- قال صدقت لا أسألك عن ذنبه، والقيام بحجته، اكتبوا لها بإطلاقه- قالت يا أمير المؤمنين وأنّى بالرجعة وقد نفد زادي، وكلّت راحلتي، فأمر لها براحلة موطّاة وخمسة آلاف درهم. ومن ذلك ما روي أن معاوية حج فسأل عن امرأة من بني كنانة كانت تنزل الحجون «3» يقال لها الدارميّة، وكانت سوداء كثيرة اللحم، فأخبر بسلامتها فجىء بها، فقال ما حالك يا ابنة حام؟ - قالت لست لحام أدعى،

إن عبتنى أنا امرأة من بني كنانة- قال: صدقت أتدرين لم أرسلت إليك؟ قالت لا يعلم الغيب إلا الله- قال: بعثت إليك لأسألك علام أحببت عليا وأبغضتيني وواليتيه وعاديتيني؟ قالت أو تعفيني يا أمير المؤمنين- قال لا أعفيك- قالت أما إذ أبيت، فإني أحببت عليا على عدله في الرعية، وقسمه بالسوية؛ وأبغضتك على قتالك من هو أولى بالأمر منك، وطلبك ما ليس لك بحق؛ وواليت عليا على ما عقد له من الولاية، وعلى حبّه المساكين، وإعظامه لأهل الدين؛ وعاديتك على سفكك الدّماء، وجورك في القضاء، وحكمك بالهوى- قال: ولذلك أنتفخ بطنك، وعظم ثدياك، وربت عجيزتك- قالت يا هذا بهند كانت تضرب الأمثال، لابي- قال يا هذه أربعي فإنا لم نقل الا خيرا إنه إذا انتفخ بطن المرأة تم خلق ولدها، وإذا عظم ثدياها تروى رضيعها، وإذا عظمت عجيزتها رزن مجلسها فرجعت وسكنت- قال لها فهل رأيت عليا؟ قالت لقد كنت رأيته- قال كيف كنت رأيتيه؟ قالت رأيته لم يفتنه الملك الذي فتنك، ولم تشغله النّعمة التي شغلتك- قال لها: فهل سمعت كلامه؟ قالت: نعم، والله كان يجلو القلوب من العمى، كما يجلو الزيت الطّست من الصدإ- قال: صدقت فهل لك من حاجة؟ قالت: وتفعل إذا سألتك؟ قال نعم- قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها- قال تصنعين بها ماذا؟ - قالت أغذّي بألبانها الصّغار، وأستحبي بها الكبار، وأصلح بها بين العشائر- قال فإن أعطيتك ذلك فهل أحلّ عندك محلّ عليّ؟ - قالت ماء ولا كصداء، «1» ومرعى ولا كالسّعدان «2» ، وفتى ولا كمالك «3» ، يا سبحان الله أودونه! فأنشأ معاوية يقول:

إذا لم أعد بالحلم منّي إليكم ... فمن ذا الّذي بعدي يؤمّل للحلم؟ خذيها هنيئا واذكري فعل ماجد ... جزاك على حرب العداوة بالسّلم ثم قال: أما والله! لو كان عليا ما أعطاك منها شيئا- قالت والله ولا وبرة واحدة من مال المسلمين. ومن ذلك ما يروى أن أم البراء بنت صفوان استأذنت على معاوية فأذن لها فدخلت عليه، وعليها ثلاثة دروع برود تسحبها ذراعا، قد لاثت على رأسها كورا «1» كالمنسف فسلّمت وجلست، فقال لها معاوية كيف أنت يا ابنة صفوان؟ - قالت بخير يا أمير المؤمنين- قال كيف حالك؟ - قالت كسلت بعد نشاط- قال شتّان بينك اليوم وحين تقولين: يا زيد دونك صارما ذا رونق ... عضب المهزة ليس بالخوّار أسرج جوادك مسرعا ومشمّرا ... للحرب غير معوّد لفرار أجب الإمام وذبّ تحت لوائه ... والق العدوّ بصارم بتّار يا ليتني أصبحت لست قعيدة ... فأذبّ عنه عساكر الفجّار قالت قد كان ذلك، ومثلك من عفا عمّا سلف وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ «2» . قال هيهات، أما والله لو عاد لعدت، ولكنه اخترم «3» منك- قالت أجل والله إنيّ لعلى بينة من ربي وهدى من أمري- قال كيف كان قولك حين قتل؟ - قالت أنسيته. قال بعض جلسائه هو والله حين تقول: يا للرّجال لعظم هول مصيبة ... فدحت فليس مصابها بالحائل الشمس كاسفة لفقد إمامنا ... خير الخلائق والإمام العادل

حاشى النبيّ لقد هددت قواءنا «1» ... فالحقّ أصبح خاضعا للباطل فقال معاوية: قاتلك الله فما تركت مقالا لقائل اذكرى حاجتك! قالت أما الآن فلا، وقامت فعثرت، فقالت تعس شانيء عليّ! فقال زعمت أن لا؛ قالت هو كما علمت؛ فلما كان من الغد بعث إليها بجائزة، وقال إذا ضيّعت الحلم فمن يحفظه. ومن ذلك أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عديّ بن أرطاة: «2» أن اجمع بين إياس بن معاوية «3» والقاسم بن ربيعة «4» فولّ القضاء أنفذهما، فجمع بينهما، وكانا غير راغبين في القضاء. فقال إياس: أيها الرجل سل عني وعن القاسم فقيهي المصر الحسن وابن سيرين «5» ، وكان القاسم يأتي الحسن وأبن سيرين، وإياس لا يأتيهما، فعلم القاسم أنه إن سألهما عنه أشارا به، فقاله: لا تسأل عني ولا عنه، فو الله الذي لا إله إلا هو إن إياس بن معاوية أفقه مني وأعلم بالقضاء، فإن كنت كاذبا فما أشير عليك أن توليني وأنا كاذب، وإن كنت صادقا فينبغي لك أن تقبل قولي- قال له إياس: إنك جئت برجل فوقفت به على شفير جهنم فنجّى نفسه منها بيمين كاذبة يستغفر الله منها وينجو مما كان- قال له عديّ: أما إذ فهمتها فأنت لها فاستقضاه. ومن ذلك: ما حكاه صاحب العقد عن زياد عن مالك بن أنس قال

«خطب أبو جعفر المنصور، فحمد الله، وأثنى عليه؛ ثم قال: أيها الناس اتقوا الله! فقام إليه رجل من عرض الناس، فقال أذكّرك الذي ذكّرتنا به، فأجابه أبو جعفر بلا فكر ولا رويّة: سمعا لمن ذكّر بالله، وأعوذ بالله أن أذكّرك به وأنساه فتأخذني العزّة بالاثم! لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين؛ وأما أنت فو الله ما الله أردت بهذا، ولكن ليقال قام فقال، فعوقب فصبر، وأهون بها لو كانت؛ وأنا أنذركم أيها الناس أختها، فإن الموعظة علينا نزلت، وفينا أنبثّت» . ثم رجع إلى مكانه من الخطبة. ومن ذلك: ما يحكى عن الربيع «1» قال: كنا وقوفا على رأس المنصور، وقد طرحت للمهدي بن المنصور وسادة إذ أقبل صالح بن المنصور، وكان قد رشّحه أن يولّيه بعض أمره، فقام بين السّماطين «2» والناس على قدر أنسابهم ومواضعهم، فتكلم فأجاد، فمد المنصور يده إليه، ثم قال يا بنيّ! واعتنقه، ونظر في وجوه أصحابه هل فيهم أحد يذكر مقامه ويصف فضله، فكلهم كره ذلك وهاب المهديّ، فقام شبّة بن عقال التميميّ «3» ، فقال: «لله درّ خطيب قام عندك يا أمير المؤمنين! ما أفصح لسانه! وأحسن بيانه! وأمضى جنانه! وأبلّ ريقه! وأسهل طريقه!. وكيف لا يكون كذلك وأمير المؤمنين أبوه، والمهديّ أخوه، وهو كما قال زهير بن أبي سلمى: يطلب شأو امر أين قدّما حسنا ... بذّا الملوك وبذّا هذه السّوقا هو الجواد فإن يلحق بشأوهما ... على تكاليفه فمثله لحقا أو يسبقاه على ما كان من مهل ... فمثل ما قدّما من صالح سبقا

قال الربيع: فأقبل عليّ بعض من حضر، وقال والله ما رأيت مثل هذا تخلّصا أرضى أمير المؤمنين، ومدح الغلام، وسلم من المهديّ. فالتفت إليّ المنصور، وقال: يا ربيع لا ينصرف التميمي إلا بثلاثين ألف درهم. ومن ذلك ما حكي أنّ رجلا دخل على المهدي وليّ عهد المنصور، فقال يا أمير المؤمنين إن أمير المؤمنين المنصور شتمني وقذف أمي، فإما أمرتني أن أحلّله، وإما عوّضتني فاستغفرت له- قال ولم شتمك؟ - قال شتمت عدوّه بحضرته، فغضب- فقال: ومن عدوّه الذي غضب لشتمه- قال ابراهيم بن عبد الله بن حسن «1» - قال إن إبراهيم أمسّ به رحما، وأوجب عليه حقا، فإن كان شتمك كما زعمت فعن رحمه ذبّ، وعن عرضه دفع، وما أساء من انتصر لابن عمه- قال فإنه كان عدوّه- قال فلم ينتصر للعداوة، إنما انتصر للرحم، فأسكت الرجل، فلما ذهب ليوليّ قال: لعلك أردت أمرا فلم تجد له ذريعة عندك أبلغ من هذه الدعوى؟ - قال نعم؛ فتبسم وأمر له بخمسة آلاف درهم. ومن ذلك ما حكي: أن المنصور قال لبعض قوّاده: صدق الذي قال «أجع كلبك يتبعك» فقال له أبو العباس الطوسي: أما تخشى يا أمير المؤمنين أن يلوّح له غيرك رغيفا فيتبعه ويدعك «2» . ومن ذلك ما يحكى: أنه وفد أهل الحجاز من قريش على هشام بن عبد الملك بن مروان، وفيهم محمد بن أبي الجهم بن حذيفة العدويّ، وكان أعظمهم قدرا، وأكبرهم سنا؛ فقال- أصلح الله أمير المؤمنين، إنّ خطباء قريش قد قالت فيك، وأقلّت وأكثرت وأطنبت، وما بلغ قائلهم قدرك، ولا

أحصى مطنبهم فضلك؛ وإن أذنت في القول قلت- قال قل وأوجز- قال تولّاك الله يا أمير المؤمنين بالحسنى، وزينك بالتقوى، وجمع لك خير الآخرة والأولى! إن لي حوائج أفأذكرها؟ قال هاتها- قال كبرت سنّي، ودقّ عظمي، ونال الدهر مني؛ فإن رأى أمير المؤمنين أن يجبر كسرى، وينفي فقري- قال: وما الذي ينفي فقرك ويجبر كسرك؟ - قال ألف دينار، وألف دينار، وألف دينار. فأطرق هشام طويلا، ثم قال: هيهات يا ابن أبي الجهم، بيت المال لا يحتمل ما سألت- فقال: أما إن الأمر لواحد، ولكن الله آثرك لمجلسك، فإن تعطنا فحقّنا أدّيت، وإن تمنعنا نسأل الذي بيده ما حويت؛ إنّ الله جعل العطاء محبّة، والمنع مبغضة، ولأن «1» أحبّك أحبّ إليّ من أن أبغضك- قال: فألف دينار لماذا؟ - قال أقضي بها دينا قد حمّ قضاؤه، وحناني حمله، وأضرّ بي أهله- قال: فلا بأس تنفّس كربة، وتؤدّي أمانة وألف دينار لماذا؟ - قال أزوّج بها من بلغ من ولدي- قال: نعم المسلك سلكت أغضضت بصرا، وأعففت ذكرا، وروّجت نسلا؛ وألف دينار لماذا؟ - قال أشتري بها أرضا يعيش بها ولدي، وأستعين بفضلها على نوائب دهري، وتكون ذخرا لمن بعدي؛ قال: فإنا قد أمرنا لك بما سألت- قال فالمحمود الله على ذلك، وخرج- فقال هشام: ما رأيت رجلا أوجز في مقال، ولا أبلغ في بيان منه، وإنا لنعرف الحقّ إذا نزل، ونكره الاسراف والبخل، وما نعطي تبذيرا، ولا نمنع تقتيرا، وما نحن إلا خزّان الله في بلاده، وأمناؤه على عباده، فإن أذن أعطينا، وإذا منع أبينا، ولو كان كل قائل يصدق، وكلّ سائل يستحقّ، ما جبهنا قائلا، ولا رددنا سائلا؛ فنسأل الذي بيده ما استحفظنا أن يجريه على أيدينا فإنه يبسط الرّزق لمن يشاء ويقدر، إنّه كان بعباده خبيرا بصيرا. فقالوا يا أمير المؤمنين لقد تكلّمت فأبلغت، وما بلغ في كلامه ما قصصت، فقال إنه مبتدى، وليس المبتدي كالمقتدي.

المقصد الثالث في كيفية تصرف الكاتب في مثل هذه المكاتبات والرسائل

والحكايات والأخبار في ذلك كثيرة، والإطناب يخرج عن المقصود، ويؤدّي إلى الملال، وفيما ذكرنا من ذلك مقنع، والله أعلم. المقصد الثالث في كيفية تصرّف الكاتب في مثل هذه المكاتبات والرسائل غير خاف على من تعاطى صناعة النثر والنظم أنه لا يستقلّ أحد باستخراج جميع المعاني بنفسه، ولا يستغني عن النظر في كلام من تقدّمه: لاقتباس ما فيه من المعاني الرائقة، والألفاظ الفائقة، مع معرفة ترتيب أهل كل زمن واصطلاحهم، فينسج على منوالهم، أو يقترح طريقة تخالفهم؛ وتوارد الكتاب والشعراء على المعاني غير مجهول، فإن التوارد يقع في الشعر الذي هو مبنيّ على أصل واحد من وزن وقافية، فإنه إذا وقف على المعنى وترتيب الكلام، عرف كيف ينسج الكلام؛ مثل أن يكتب في تهنئة بمولود: قد جعلك الله من نبعة طابت مغارسها، ورسخت عروقها، فالزيادة فيها زيادة في جوهر الكرم، وذخيرة نفيسة لذوي الإقبال، فتولىّ الله نعمه عندك بالحراسة الوافية، والولاية الكافية. وقد بلغني الخبر بحدوث الولد المبارك، والفرع الطيب، الذي عمر أفنية السيادة، وأضحك مطلع السعادة، فتباشرت بذلك وابتهجت به، فجعله الله برّا تقيّا، سعيدا حميدا، يتقيّل سلفه، ويقتفي أثرهم، وأيمن به عددك، وكثرّ به ذرّيتك، وأوزعك الشكر عليه، وأجارك فيه من الثّكل برحمته. فيأخذ آخر المعنى، ويورده بألفاظ أخرى، فيقول: قد جعلك الله من شجرة زكت غصونها، وفرع شرفت منابته، فالنموّ فيها نعمة كاملة السعادة، وغبطة شاملة السرور، فتولىّ فضله عليك بالحفاظ الراعي، والدّفاع الكالي؛ وقد اتصل بي خبر السليل الرضيّ، والولد الصالح الذي حدّد فوائد السيادة، وثبّت أساس الرفعة، فاغتبطت به واستبشرت، جعله الله تعالى ولدا ميمونا، ونجلا سعيدا، يسلك مناهج سلفه، ويحذو في المحاسن حذوهم، وزاد به؟؟؟، وأراك فيه غاية أملك، وسرّك بوجوده، وأسعدك برؤيته.

فالمعنى والفصل واحد، والألفاظ مختلفة. وكذلك ما يجري هذا المجرى وما في معناه. قلت: ولا ينهض بمثل ذلك إلا من رسخت في صنعة الكتابة قدمه، وامتزج بأجزاء الفصاحة والبلاغة لحمه ودمه؛ وهذا المنهج هو أحد أنواع الإعجاز في القرآن الكريم، فإن القصّة الواحدة تتكرر فيه مرارا في سور متعدّدة، ترد في كل سورة بلفظ وتركيب غير الذي وردت به في الأخرى، مع استيفاء حدّ البلاغة ونهاية أمد الفصاحة؛ ولذلك قلّ من سلك هذا المنهج، أو ارتقى هذه الذّروة، وقد أتى علي بن حمزة بن طلحة «1» في كتابه «الاقتداء بالأفاضل» من ذلك بالعجب العجاب، فإنه قد استحسن كلام الخطيب ابن نباتة الفارقي «2» ، والأمير قابوس الخراساني «3» ، والوزير أبي القاسم المقري «4» ، والصاحب بن عباد «5» ، وأبي إسحاق الصابي «6» ، الذين هم رؤساء الكتابة، وأئمة الخطابة، من الرسائل والعهود البديعة، والخطب الموجزة الرائقة، فجرّد معانيها من ألفاظها، واخترع لها ألفاظا غير ألفاظها، مع زيادة تنميق، ومراعاة ترصيف، على أتم نظام، وأحسن التئام.

وهاتان نسختا كتابين الأولى منهما كتب بها أبو إسحاق الصابي عن عز الدولة بن بويه «1» جوابا عن كتاب وصل إليه عن أخيه عضد الدولة يخبره بمولود ولد له. والثانية عارض بها عليّ بن حمزة المذكور أبا إسحاق الصابي في ذلك بألفاظ أخرى مع اتحاد المعنى. فأما التي كتب بها أبو إسحاق الصابي عن عز الدولة إلى عضد الدولة فهي: «وصل كتاب سيدي الأمير عضد الدولة أطال الله بقاءه بالخبر السارّ للأولياء، الكابت للأعداء، في الولد الحبيب الأثير، والسيد المقيّل الخطير، الذي زاد الله به في عددنا، وجدّد نعمه عندنا، وحقق فيه آمالنا والآمال لنا؛ فأخذ ذلك مني مأخذ الاغتباط ونزل عندي أعلى منازل الابتهاج، وسألت الله تعالى أن يختصه بالبقاء الطويل، والعمر المديد، وأن يجعل مواهبه لسيدي الأمير نامية بنموّه، ناشية بنشوّه: ليكون كلّ يوم من أيامه ممدّا له من فضله عادة، وواعدا له من غده بزيادة، ومحدثا لديه منحة تتضاعف إلى ما سبق من أمثالها، ومجدّدا له عازمة تتلو ما سلف من أشكالها؛ وأن يريه إياه غرّة في وجه دولته، ووارثا بعد سالفه البقاء لمنزلته، قائما للملك قيامه وسادّا منه مكانه؛ ويهب له بعد الأكابر النجباء السابقين، أترابا من الإخوة لاحقين، تابع منهم من مباراة المتبوع، وشافع من مجاراة المشفوع، في فائدة تقدم بمقدمه، وعائدة ترد بمورده، ويحرس هذه السعادة من خلل يعترض اتصالها، أو فترة يخترم زمانها، أو نائبة تشوبها، أو تنغصها، أورزيّة تثلمها، أو تنقصها. إلا أنها «2» الأمد الأبعد والعمر الأطول؛ ثم تفضي به غضارة هذه الدار الدنيا، إلى قرارة الدار الأخرى، مبوّأ أوفى مراتبها، مبلّغا أقصى مبالغها، حالّا أرفع درجاتها، مختصا بأنعمها، مبتهجا بها، مستثمرا ما قدّمه لصالح سعيه،

ومستوفيا ما أفاءه عليه متجره الرابح، وآثاره البادية لإنفاقه في أيام نظري «1» التي استشعرت نورا من سنائه، وآنست جمالا من بهائه، وثابت مصالحها، ببركته، وتوافت خيراتها بيمنه؛ واعتقدت أن السعادات طالعة عليّ بمطلعه، وأسبابها ناجمة إليّ بمنجمه؛ فلو استطعت أن أكون مكان كتابي هذا مشافها بالتهنئة لسيدي الأمير عضد الدولة أطال الله بقاءه ومقبّلا لبساطه، لكنت أولى عبيده بالمسارعة إلى بابه، وأحقّهم بالمبادرة إلى فنائه: لأنني معوّق عن تلك الخدمة بخدمة أنافيها من قبله، ومقيم بهذه الحضرة، إقامة المتصرفين تحت أمره، وقد وفّيت نعمة الله تعالى، الواهب منه أيده الله تعالى ما يقرّ عين الوليّ، ويقذي عين العدوّ ويطرفها، حقّها من الشكر الممتري «2» للمقام والمزيد، بدوام العز والتأييد، وأسأل الله تعالى أن يجعل ذلك مقبولا عنه، ونافعا له، وعائدا عليه وعلينا بطول العمر وبباهي النّشوّ والنماء، وأن يعرّف سيدي الأمير عضد الدولة أيده الله بركة مولده، ويمن مورده، ويبقيه حتّى يراه، والأمراء السابقين أيدهم الله تعالى آباء أمثالهم، وأشياخ ذرّيتهم، مبلّغا في كل منهم أفضل ما رشّحته له أمانيه، وأعلى ما انبسطت آماله فيه، بقدرته. وأنا أتوقع الكتاب بما يقرّر عليه اسم الأمير السيد وكنيته، أعلاها الله تعالى لأستأنف إقامة الرسم في مكاتبته، وتأدية الفرض في خدمته؛ وسيدي عضد الدولة، أطال الله بقاءه، أعلى عينا فيما يراه بمطالعتي بذلك وبكل ما يوليه الله من مستأنف نعمه، ويجدّده له في حادث مواهبه له، لآخذ بحظّي منهما، فأضرب بسهمي فيهما، وتصريفي بين أمره ونهيه، وتشريفي بعوارض خدمته، ان شاء الله تعالى.

وأما التي عارضها بها عليّ بن حمزة بن طلحة فهي: وصلني كتاب سيدي الأمير عضد الدولة، أطال الله بقاءه، بالبشرى المبتسمة عن ناجذ السعد الآنف، والنّعمى المنتسمة عن صبا المجد المتضاعف، التي أشرقت مطالع الإقبال عن محيّاها، وتضوّعت نفحات درك الآمال عن ريّاها، وصدّقت من الأولياء ظنونهم المرتقبة، وانتخبت من الأعداء عيونهم المرتعبة، بالولد النجيب الخطير، الأمير الحبيب الظّهير، المجيد المعمر، المقيّل المؤمّر، الذي كثّر الله به عددنا معشر أهليه، وعددنا بما نرتقبه منه ونراعيه، وهو تكرمة تحقّق ظنونا بماله نرتجيه، وما نؤمّله من السعادة المقبلة فيه؛ فاستفزتني غبطة استحوذت على جوامع لبّي، وتملكتني بهجة ثوت في مراجع قلبي، وطفقت مبتهلا، وتضرّعت متوسلا، إلى ذي العرش المجيد، الفعّال لما يريد، أن يجمع له بين العمر المديد، والجدّ السعيد كفاء ما قرن له بين المجد العتيد، والملك الوطيد، وأن يجعل تحيّات أياديه لدى سيدي الأمير متضاعفة الأعداد، مترادفة الأمداد، مبشرة بنجباء الأولاد، يربى آنفها على السالف بسعده، ويلهي عن تالدها الطارف بعلوّ مجده، وأن يريه إيّاه على مفرق دولته، وغرّة تشرق في جبهة ذرّيته، وناهضا بأعباء مملكته، وقائما بنصرة دعوته، حتّى يرى أولاد أولاده جدودا، مظفرا سعيدا، وأن يتبعه أترابا من الإخوة النجباء، الأماجد السعداء، متجارين في حلبات علوّ الهمم، متبارين في مزيّات إيلاء النعم؛ ليتزايد ازدحام وفود السعادة في عتبات بابه، ويترافد اقتحام جنود الإقبال رحيب جنابه؛ ويحرس لديه ما خوّله من مواهبه وأياديه، ويحفظ عليه ما به فضلّه من مناقبه ومعاليه، ويقيه من كيد عاند إذا عند، ويحميه من شر حاسد إذا حسد، وأن يؤتيه عائدتي العاجلة والعقبى، ويحظيه بسعادتي الآخرة والأولى، وأن يجعل سعيه في مصالح عباده مشكورا، ونظره في مناحج بلاده مبرورا، وأن يغادر متاجر بره وتقواه رابحه، كما جعل خواطر سره، ونجواه صالحه؛ فرياض الأيام بعدله نواضر، ونواظر الأنام إلى فضله نواظر، ومصالحهم بيمنه وبركته موافيه، وبراعتهم بهمته

وسعادته مواتيه؛ وإني لأعتقد أن مقيلي في أفياء السعادة، ونيلي كلّ مأمول وإرادة، وتوفيقي فيما أوفّق فيه، بما أعتمده وآتيه، جدول من تيّار فضله وسعادته، منوط العرى، بسموّهمته؛ وأودّ أن أكون عوضا عن كتابي هذا إليه، وخطابي الوارد آنفا عليه، لأسعد بلألاء غرّته، وأحظى بالأشرف من خدمته؛ أدام الله أيام دولته: لأني أجدر عبيده بالمهاجرة إلى بابه، وأولى خدمه بالمبادرة إلى جنابه؛ ولولا تحملي أعباء خدمته التي طوّقنيها، وكوني نائبه لدى هذه الحضرة فيها، ثاويا بأوامره ونواهيه في مغانيها، لما شقّ غباري من أمّ ذراه، ولا اتّبع آثاري مسرع رام لقياه. ولقد قمت بالواجب عليّ للنعمة- أيّده الله- المنزلة إليّ، والموهبة بمقدمه- كلأه الله- المكملة لديّ، التي أضحت بها نواجذ المخلص ضاحكة مستبشرة، وأمست بسببها وجوه الكاشحين عابسة مستبسرة: من وافر شكر يمتري المزيد، وعتق الإماء والعبيد، والصدقة الدارّة على التأبيد؛ وأنا أرغب إلى الله تعالى رغبة متوسل إليه، آمل بما لديه، أن يجعل بركة كل خير درّت به أخلافه، وكرّت لأجله أحلافه، عائدة عليه، وميامنه ثائبة إليه، مؤذنة بتعميره ملكا حلاحلا «1» ، لا يلقى مؤملوه ليمّ فضله ساحلا، وأن يمدّ لسيدي عضد الدولة في البقاء، ويمتعه به وبسابقيه من إخوته الأمراء، ويريه فيهم وفيه، قصوى ما تسمو إليه هممه وأمانيه. وإني لمتوكف لما يصلني من كتاب ينبيء عن اسمه الكريم وكنيته، لأعتمد ما أستوجبه في خدمته ومكاتبته؛ وسيدي عضد الدولة أدام الله علاه، وليّ ما يستصوبه ويراه: من الأمر بمكاتبتي بذلك وبمتجددات النعم، وأوانف المواهب الغالية القيم، لآخذ وافر سهمي من السرور، وجزيل قسمي من الجذل والحبور، وتصريفي بين أمره الممتثل المطاع، ونهيه المقابل بالاتباع، إن شاء الله تعالى.

النوع العاشر الاستكثار من حفظ الأشعار الرائقة

النوع العاشر الاستكثار من حفظ الأشعار الرائقة ، خصوصا أشعار العرب وما توفرت دواعي العلماء بها على اختياره: كالحماسة، والمفضّليّات، والأصمعيات، وديوان هذيل، وما أشبه ذلك؛ وفهم معانيها واستكشاف غوامضها، والتوفر على مطالعة شروحها؛ ويلتحق بذلك شعر المولّدين من العرب، وهم الذين كانوا في أول الإسلام. كجرير والفرزدق، والأخطل وغيرهم؛ وكذلك حفظ جانب جيد من شعر المفلقين من المحدثين: كأبي تمام، ومسلم بن الوليد، والبحتريّ، وابن الرومي، والمتنبي ونحوهم. وفيه مقصدان المقصد الأول في بيان أحتياج الكاتب إلى ذلك أما شعر العرب والمولدين، فلما في ذلك من غزارة الموادّ، وصحة الاستشهاد، وكثرة النقل، وصقل مرآة العقل، وانتزاع الأمثال، والاحتذاء في اختراع المعاني على أصح مثال، والاطلاع على أصول اللغة وشواهدها، والاضطلاع من نوادر العربية وشواردها. وقد كان الصدر الأول يعتنون بذلك غاية الاعتناء: قال محمد بن سلام «1» عن بعض مشايخه «كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يكاد يعرض له أمر إلا أنشد فيه بيت شعر» . وذكر صاحب «الريحان والريعان» عن سعيد بن المسيب «2» أنه قال: كان أبو بكر وعمر وعليّ يجيدون الشعر، وعليّ أشعر الثلاثة. قال: وكان عمر بن الخطاب يقول افضل صناعات الرجل الأبيات من الشعر يقدّمها بين يدي حاجته يستعطف بها الكريم، ويستنزل

بها اللئيم. وقد ذكر عن الشافعيّ رضي الله عنه أو غيره من بعض الأئمة الأربعة: أنه كان يحفظ ديوان هذيل؛ وأمّا قول الشافعيّ رضي الله عنه: ولولا الشّعر بالعلماء يزري ... لكنت اليوم أشعر من لبيد فانه يريد من صرف همته إلى الشعر، بحيث صار شأنه وديدنه، وهو المعنيّ بقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم «لأن يملأ أحدكم جوفه قيحا خير من أن يملأه شعرا» أي أراد صرف همته إليه حتى يملأ جوفه منه. وقد قال صلّى الله عليه وآله وسلّم «إنّ من الشّعر لحكمة» . وكان عمر رضي الله عنه يسمع البيت يعجبه فيكرره مرات كما ذكره الجاحظ وغيره. وقد ذكر أبو البركات بن الأنباري «1» في كتاب «طبقات الأدباء» في ترجمة أبي جعفر أحمد بن إسحاق البهلول بن حسان الأنباري: أنه كان فقيها، عالما، واسع الأدب وتقلد القضاء لعدة من الخلفاء. ثم حكى عن ولده أبي طالب أنه قال كنت مع والدي في جنازة بعض أهل بغداد من وجوه الناس وإلى جانبه أبو جعفر الطبري «2» ، فأخذ أبي يعظ صاحب المصيبة ويسلّيه، وينشده أشعارا، ويروي له أخبارا، فداخله الطبريّ في ذلك، ثم اتسع الأمر بينهما في المذاكرة، وخرجا إلى فنون كثيرة من الأدب والعلم استحسنها الحاضرون وأعجبوا بها، وتعالى النهار وافترقنا، فقال لي أبي يا بنيّ من هذا الشيخ الذي داخلنا في المذاكرة؟ فقلت: يا سيدي كأنك لم تعرفه، فقال لا، فقلت: هذا أبو جعفر الطبريّ، فقال إنا لله! ما أحسنت عشرتي معه؛ فقلت كيف يا سيدي؟ قال: ألا نبّهتني في الحال، فكنت أذاكره بغير تلك المذاكرة؟ هذا رجل مشهور بالحفظ والاتساع في صنوف العلوم، ما ذاكرته بحسبها؛ ومضت على ذلك مدة فحضرنا في حقّ «3» آخر وجلسنا، وإذا

المقصد الثاني في كيفية استعمال الشعر في صناعة الكتابة

بالطبريّ قد دخل إلى الحقّ. فقلت له: أيها القاضي هذا أبو جعفر الطبريّ قد جاء مقبلا، فأومأ إليه بالجلوس عنده، فعدل إليه وجلس إلى جانبه، وأخذ يجاريه، فكلما جاء إلى قصيدة ذكر الطبريّ منها أبياتا، قال أبي: هاتها يا أبا جعفر! إلى آخرها، فيتلعثم الطبريّ فينشدها أبي إلى آخرها، وكلما ذكر شيئا من السّير، قال أبي هذا كان في قصة فلان، ويوم بني فلان، مرّ يا أبا جعفر فيه فربما مرّ فيه، وربما تلعثم، فيمرّ أبي في جميعه. ثم قمنا، فقال لي أبي: الآن شفيت صدري. وأما أشعار المحدثين، فللطف مأخذهم، ودوران الصناعة في كلامهم، ودقة توليد المعاني في أشعارهم، وقرب أسلوبهم من أسلوب الخطابة، والكتابة، وخصوصا المتنبي، الذي كأنه ينطق عن ألسنة الناس في محاوراتهم، وكثر الاستشهاد بشعره حتى قلّ من يجهله؛ فإذا أكثر المترشح للكتابة من حفظ الأشعار وتدبّر معانيها، ساقه الكلام إلى إبراز ذخيرة ما في حفظه منها، فاستعملها في محلها، ووضعها في أماكنها، على حسب ما يقتضيه الحال في إيرادها واقتباس معانيها. المقصد الثاني في كيفية استعمال الشعر في صناعة الكتابة إعلم أن للكاتب في استعمال الشعر في كتابته ثلاث حالات: الحالة الأولى الاستشهاد وهو أن يورد البيت من الشعر، أو البيتين، أو أكثر في خلال الكلام المنثور مطابقا لمعنى ما تقدم من النثر؛ ولا يشترط فيه أن ينبه عليه «بقال» ونحوه، كما يشترط في الاستشهاد بآيات القرآن والأحاديث النبوية، فإن الشعر يتميز بوزنه وصيغته عن غيره من أنواع الكلام، فلا يحتاج إلى التنبيه عليه. وأكثر ما

يكون ذلك في المكاتبات الإخوانيات: مثل ما كتب به القاضي الفاضل إلى بعض إخوانه يستوحش منه، ويتشوّق إليه: فيا ربّ إن البين أضحت صروفه ... عليّ، ومالي من معين فكن معي على قرب عذّالي وبعد أحبّتي ... وأمواه أجفاني ونيران أضلعي! هذه تحية القلب المعذّب، وسريرة الصبر المذبذب، وظلامة عزم السلوّ المكذّب، أصدرتها إلى المجلس وقد وقد في الحشا نارها، الزفير أوارها، والدّموع شرارها، والشوق أثارها، وفي الفؤاد ثارها: لو زارني منكم خيال هاجر ... لهدته في ظلمائه أنوارها أسفا على أيام الاجتماع التي كانت مواسم السرور والأسرار، ومباسم الثّغور والأوطار، وتذكّرا لأوقات عذب مذاقها، وامتدّ بالأنس رواقها، وزوّجت بكرها، ودوعب ذكرها: والله ما نسيت نفسي حلاوتها! ... فكيف أذكر أنّي اليوم أذكرها؟ ومذ فارقت الجناب، لازال جنا جنابه نضيرا، وسنا سنائه مستطيرا، وملكه في الخافقين خافق الأعلام، وعزّه على الجديدين «1» جديد الأيام، لم أقف منه على كتاب تخلف سطوره ما غسل الدمع من سواد ناظري، ويقدم ببياض منظومه ومنثوره ما وزّعه البين من سويداء خاطري: ولم يبق في الأحشاء إلّا صبابة ... من الصبّر تجري في الدّموع البوادر وأسأله المناب، بشريف الجناب، وأداء فرض، تقبيل الأرض، حيث تلتقي وفود الدنيا والآخرة، وتعمر البيوت العامرة المنن الغامرة، وفضل الظل غير منسوخ بهجيره، ويبشّر المجد بشخص لا تسمح الدنيا بنظيره:

تظاهر في الدّنيا بأشرف ظاهر ... فلم نر أنقى منه غير ضميره! كفاني فخرا أن أسمىّ بعبده ... وحسبي هديا أن أسير بنوره! فأيّ أمير ليس يشرف قدره ... إذا ما دعاه صادقا بأميره؟ وإنني في السؤال بكتبه أن يوصّلها ليوصل بها لديّ تهاني تملأ يدي، ويودع بها عندي مسرة تقدح في الشكر زندي: عهدتك ذا عهد هو الورد نضرة ... وما هو مثل الورد في قصر العهد وأنا أترقب كتابه ارتقاب الهلال: لتفطر عين عن الكرى صائمة، وترد نفس عن موارد الماء حائمة. بل ربما كان كلّ المكاتبة أو جلها شعرا، وقد يكون صدر المكاتبة شعرا وذيلها نثرا، وبالعكس. وقد يكون طرفاها نثرا وأوسطها شعرا، وعكس ذلك بحسب ما يقتضيه الترتيب، ويسوق إليه التركيب؛ وربما اكتفي بالبيت الواحد من الشعر في الدلالة على المقصد وبلوغ الغرض في المكاتبة: كما كتب بعض ملوك الغرب إلى من كرر كتبه ورسله إليه بقول المتنبي: ولا كتب إلا المشرفيّة عنده ... ولا رسل إلا الخميس «1» العرمرم إلى غير ذلك من المكاتبات المتضمنة للأشعار. أما مكاتبات الملوك الآن فقلّ أن تستعمل فيها الأشعار، أو يستشهد فيها بالمنظوم والمنثور، وقد تجيء التلقيحات بأبيات الشعر في غير المكاتبات من الرسائل الموضوعة لرياضة الذهن، وتنقيح الفكر كالرسائل الموضوعة في صيد ملك أو فتح بلد أو نحو ذلك؛ وقد أودعت المقامة التي أنشأتها في كتابة الإنشاء جملة من الأبيات الشعرية، أوردتها مورد الاستشهاد على ما يقتضيه المقام، ويسوق إليه سياق الكلام، على ما سلف ذكره عند الكلام على فضل الكتابة فيما تقدم. وعند

الحالة الثانية التضمين

مطالعة كلامهم، والوقوف على رسائلهم، ترى من أصناف الاستشهادات ما يروقك نظره، ويطربك سمعه. الحالة الثانية التضمين وهو أن يضمّن البيت الكامل من الشعر أو نصف البيت لبعض القرينة. أما تضمين البيت الكامل من الشعر أو نصف البيت لبعض القرينة فمثل ما كتب به القاضي الفاضل: وصل من الحضرة كتاب به ماء الحياة ونقعه الحيا فكأنّي إذ ظفرت به الخضر فوقفت عنده منه على عقود، هي الدّرّ الذي أنت بحره ... وذلك ما لا يدّعي مثله البحر ورتعت منه في رياض يد تجني وعين وخاطر ... تسابق فيها النّور والزّهر والثّمر وكرعت منه في حياض تسرّ مجانيها إذا ما جنى الظّما ... وتروي مجاريها إذا بخل القطر وما زلت منه أنشده كأنّي سار في سريرة ليلة ... فلّما بدا كبّرت إذ طلع الفجر ووافى على ما كنت أعهد فخلت بأن العين من سحب كفّه ... فمن ذا ومن ذا فيه ينتثر الدّرّ واسترجع فائت الدماء من مورده وما كان عندي بعد ذنب فراقه ... بأنّي أرى يوما به بعد الدّهر

ونفّس عن النّفس بأبيض أثماده وعيّن العين بأسود إثمده «1» : به لهما سبح «2» طويل فهذه ... على خاطر برد، وفي خطر بدر وجدد إليه أشواقا جديدها يمرّ به ثوب الجديدين دائما ... فيبلى ولا يبلى وإن بلي الدّهر وذكّر أياما لا يزال يستعيدها: وهيهات أن يأتي من الأمر فائت ... فدع عنك هذا الأمر قد قضي الأمر وأما تضمين نصف البيت فمثل قول القاضي الفاضل: وصل كتاب مولاي بعدما ... ... أجاب المنادي للصلاة فأعتما فلما استقر لديّ...... ... تجلّى الّذي من جانب البدر أظلما فقرأته................ ... بعين إذا استمطرتها أمطرت دما وساءلته............... .. ... فساءلت مصروفا عن النّطق أعجما ولم يرد جوابا،........... ... وماذا عليه لو أجاب المتيّما؟ وردّدته قراءة،.............. ... فعوجلت دون الحلم أن أتحلّما وحفظته،.............. ... كما يحفظ الحرّ الحديث المكتّما وكررّته،................ ... فمن حيث ما واجهته قد تبسما وقبّلته،............... ... فقبّلت ذرّا في العقود منظّما وقمت له،................ ... فكنت بمفروض المحبّة قيّما وأخلصت لكاتبه،........ ... وليس على حكم الحوادث محكما ولم أصدّقه! ............ ... ولكنّه قد خالط اللّحم والدّما

وأرّخت وصوله،........... ... فكان لا يدي «1» الوسائم موسما وشفيت به غليل........... ... فؤاد أمنّيه وقد بلغ الظّما وداويت عليل............... ... حشا ضرّ ما فيه من النار ضرّما فأما تلك الأيام التي............ ... حماها على اللّوم المقام على الحما والليالي العذاب التي........... ... ملأت بحور الليل بيضا وأنجما وأرسلت الزفرة............... ... ... فلو صافحت رضوى «2» لرض وهدما وأسبلت العبرة............... ... ... كما أنشأ الأفق السحاب المدّيما وخطبت السّلوة........... ... فأسأل معدوما وآمل معدما فأما الشكر فإنما................ ... أفض به مسكا عليه مختّما وأقوم منه بفرض............... .. ... أراني به دون البريّة أقوما وأوفي واجب فرض............ ... وكيف توفّي الأرض فرضا من السّما وربما ركبت القرينة الكاملة على البيت أو نصف البيت كما كتب به القاضي الفاضل أيضا: ورد كتاب الحضرة بعد أن عددت الليالي ليلة بعد ليلة لطلوع صديعه ... وقد عشت دهرا لا أعدّ اللياليا وبعد أن انتظرت القيظ والشتاء لفصل ربيعه............ ... فما للنّوى ترمي بليلى المراميا؟ واستروحت إلى نسيم سحره ... ... إذا الصّيف ألقى في الدّيار المراسيا ومددت يدي لاقتطاف ثمره ... ... فلله ما أحلى وأحمى المجانيا! ووقفت على شكواه من زمانه ... ... فبتّ لشكواه من الدّهر شاكيا وعجبت لعمى اللحظ عن مكانه ... ... وقد جمع الرحمن فيه المعانيا وتوقّعت له دولة يعلو بها الفضل ... ... إذا هزّ من تلك اليراع عواليا

ورتبة يرتقي صهوتها بحكم العدل ... ... فربّ مراق يعتددن مهاويا وإلى الله أرغب في إطلاع سعوده ... ... زواهر في أفق العلاء زواهيا وفي إنهاض عثرات جدوده...... ... فقد عثّرت بعد النّهوض العواليا وربما ركّب نصف البيت على نصف القرينة، كما ذكرت في المفاخرة بين السيف والقلم في الكلام على لسان السيف في مخاطبته للقلم، وهو: وأنت وإن ذكرت في التنزيل، وتمسكت من الامتنان بك في قوله عَلَّمَ بِالْقَلَمِ «1» بشبهة التفضيل، فقد حرّم الله تعالى تعلّم خطك على رسوله، وحرمك من مسّ أنامله الشريفة ما يؤسى على فوته ويسر بحصوله؛ لكني قد نلت من هذه الرتبة أسنى المقاصد، وشهدت معه من الوقائع ما لم تشاهد، وحلاني من كفه شرفا لا يزول حليه أبدا، وقمت بنصره في كل معترك. فسل جنينا وسل بدرا وسل أحدا ؛ فركّبت نصف بيت البردة على نصف قرينة. وما ذكرته في الرسالة التي كتبتها للمقرّ الفتحيّ صاحب ديوان الإنشاء التسريف بالأبواب السلطانية بالديار المصرية. وهو: قد لبس شرفا لا تطمع الأيام في خلعه، ولا يتطلّع الزمان إلى نزعه، وانتهى إليه المجد فوقف، وعرف الكرم مكانه فانحاز إليه وعطف، وحلّت الرياسة بغنائه «2» فاستغنت به عن السّوى، وأناخت السيادة بفنائه ... فألقت عصّاها واستقرّ بها النوى. وقد يضمّن الكاتب بعض القرينة نصف بيت، ثم يستطرد فيذكر أبياتا كاملة الأجزاء على نمط أنصاف الأبيات التي يوردها، كما فعل الشيخ ضياء الدين أحمد بن عمر بن يوسف القرطبيّ «3» في رسالته للشيخ تقي الدين بن دقيق العيد «4» تغمدهما الله برحمته في قوله: وينهى ورود غذرائه التي ... ... لها الشّمس خدن والنّجوم ولائد

وحسنائه التي............. ... لها الدّرّ لفظ والدّراري قلائد ومشرفته التي.............. ... لها من براهين البيان شواهد وكريمته التي............... .. ... لها الفضل ورد والمعالي موارد وآيتها الكبرى التي دلّ فضلها ... على أنّ من لم يشهد الفضل جاحد وأنك سيف سلّه الله للهدى ... وليس لسيف سلّه الله غامد وقد يخالف بين قوافي أنصاف الأبيات التي يمزجها ببعض القرائن كما يخالف بين فواصل القرائن: كما في قول البديع الهمذاني: أنا لقرب دار مولاي........... ... كما طرب النّشوان مالت به الخمر ومن الارتياح إلى لقائه...... ... كما انتفض العصفور بلله القطر ومن الامتزاج بولائه......... ... كما التقت الصّهباء والبارد العذب ومن الابتهاج بمزاره......... ... كما اهتّز تحت البارح الغصن الرّطب إلى غير ذلك من فنون الامتزاج التي يزاوج فيها بين المنثور والمنظوم، وينتهي فيها الكاتب إلى ما يبلغ به القدر المحتوم. أما تضمين بعض أبيات العرب في بعض قصائد المحدثين كما فعل القاضي الأرّجانيّ «1» في قوله من قصيدة مدح بها بعض الوزراء: وأهد إلى الوزير المدح يجمل ... لك المرباع منها والصّفايا «2» ورافق رفقة رحلوا إليه ... فآبوا بالنّهاب وبالسّبايا وقل للراحلين إلى ذراه ... ألستم خير من ركب المطايا ولا تسلك سوى طرقي فإني ... أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا

الحالة الثالثة الحل

فإن ذلك من وظيفة الشاعر لا الكاتب، وإن كان الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي رحمه الله قد أشار في كتابه «حسن التوسل» إلى التمثيل بذلك لما نحن بصدده. الحالة الثالثة الحلّ وهو أن يعمد الكاتب إلى الأبيات من الشّعر ذوات المعاني فيحلّها من عقل الشعر، ويسبكها في كلامه المنثور، فإن الشعر هو المادّة الثالثة للكتابة بعد القرآن الكريم والأخبار النبوية، على قائلها أفضل الصلاة والسلام، وخصوصا أشعار العرب فإنها ديوان أدبهم، ومستودع حكمهم، وأنفس علومهم في الجاهلية؛ به يفتخرون، وإليه يحتكمون. فإذا أكثر من حفظ الشعر وفهم معانيه، غزرت لديه الموادّ، وترادفت عليه المعاني، وتواردت على فكره، فيسهل عليه حينئذ حلّها، ووضعها في مكانها اللائق بها بحسب مقتضيات الكتابة. قال صاحب «الريحان والريعان» : وهو شأن حذّاق الكتاب في زماننا، وفيه من الجمال فنون: منها أنه يدل على حفالة أدب المجيد، واتساع الحفظ، والتيسير والتأتّي لسبك اللفظ. ومنها أنه ليس يشهر منها إلا النادر للغاية في الحسن، فهي إذا حلّت يحاورها المنشىء بما يناسب حسنها في البراعة، وهذا كثير في هذه الصناعة. قال في «المثل السائر» : وإنما جعل المنظوم مادة للمنثور بخلاف العكس لأن الأشعار أكثر، والمعاني فيها أغزر، قال: وسبب ذلك أن العرب الذين هم أهل الفصاحة كان جلّ كلامهم شعرا، ولا يوجد الكلام المنثور في كلامهم إلا يسيرا، ولو كثر فإنه لم ينقل عنهم بل المنقول عنهم الشعر فأودعوا أشعارهم كل المعاني كما قال الله تعالى أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ «1» . ثم

جاء الطّراز الأول من المخضرمين فلم يكن لهم إلا الشعر. ثم استمرّ الحال على ذلك فكان الشعر هو الأكثر، والكلام المنثور بالنسبة إليه قطرة من بحر، فلذلك صارت المعاني كلها مودعة في الأشعار. قال في «حسن التوسل» : والحلّ باب متسع على المجيد مجاله، وتتصرّف في كلام العارف به روّيته وارتجاله. قال «صاحب الريحان والريعان» : وأول من فك رقاب الشعر، وسرّح مقيّده إلى النثر، عبد الحميد الأكبر: كاتب بني أمية إلى انقضاء خلافتهم. قال: وربما رامه غير المطبوع المتصرّف فعقده وأفسده كما قال القائل: وبعضهم يحلّ فيعقد. قال: وكيفية الحل أن يتوخّى هذا البيت المنظوم وحلّ فرائده من سلكه ثم ترتيب تلك الفرائد وما شابهها ترتيب متمكّن لم يحظره الوزن ولا اضطرّته القافية، ويبرزها في أحسن سلك، وأجمل قالب وأصح سبك، ويكملها بما يناسبها من أنواع البديع إذا أمكن ذلك من غير كلفة، ويتخير لها القرائن. وإذا تم معه المعنى المحلول في قرينة واحدة فيفرض له من حاصل فكره، أو من ذخيرة حفظه، ما يناسبه. وله أن ينقل المعنى إذا لم يفسده إلى ما شاء؛ فإن كان نسيبا وتأتّى له أن يجعله مديحا فليفعل؛ وكذلك غيره من الأنواع. وإذا أراد الحل بالمعنى فلتكن ألفاظه مناسبة لألفاظ البيت المحلول غير قاصرة عنها، فمتى قصرت ولو بلفظة واحدة، فسد ذلك الحل وعدّ معيبا. وإذا حلّ اللفظ فلا يتصرف بتقديم وتأخير ولا تبديل، إلا مع مراعاة تدبير الفصاحة، واجتناب ما ينقص المعنى أو يحطّ رتبته. قال: وهذا الباب لا تنحصر المقاصد فيه، ولا حجر على المتصرف فيه. ثم حلّ الأبيات الشعرية واستعمالها في النثر على ثلاثة أضرب.

الضرب الأول أن يأخذ الناثر البيت من الشعر فينثره بلفظه، وهو أدنى مراتب الحل

الضرب الأول أن يأخذ الناثر البيت من الشعر فينثره بلفظه، وهو أدنى مراتب الحل قال في «المثل السائر» : وهو عيب فاحش، إذ لم يزد في نثره على أنه أزال رونق الوزن وطلاوة النظم لا غير. قال ومثله كمن أخذ عقدا قد أتقن نظمه، وأحسن تأليفه، فأوهاه وبدّده؛ وكان يقوم عذره في ذلك لو نقله عن كونه عقدا إلى صورة أخرى مثله أو أحسن منه. وأيضا فإنه إذا نثر الشعر بلفظه كان صاحبه مشهور السرقة فيقال هذا شعر فلان بعينه لكون ألفاظه باقية لم يتغير منها شيء. وبالجملة فحلّ الشعر بلفظه لا يخرج عن حالين. الحال الأول- أن يكون الشعر مما يمكن حله بتقديم بعض ألفاظه وتأخير بعضها، وله في حله طريقان. الطريق الأول- أن يحله بالتقديم والتأخير من غير زيادة في لفظه : كما ذكر صاحب «الصناعتين» عن بعض الكتاب أنه حلّ قول البحتريّ: أطل جفوة الدّنيا وتهوين شأنها ... فما الغافل المغرور فيها بعاقل يرجّي الخلود معشر ضلّ سعيهم ... ودون الذي يرجون غول الغوائل إذا ما حريز القوم بات وماله ... من الله واق فهو بادي المقاتل فقال في نثرها: أطل تهوين شأن الدنيا وجفوتها، فما المغرور الغافل فيها بعاقل. ويرجو معشر ضلّ سعيهم الخلود، وغول الغوائل دون ما يرجون. وإذا بات حريز القوم وماله من الله واق فهو بادي المقاتل. فلم يزد في ألفاظها شيئا. الطريق الثاني- أن يحلّه بزيادة على لفظه كما حكى الجاحظ عن قليب المعتزلي أنه سمع منشدا ينشد للعتبيّ: أفلت بطالته وراجعه ... حلم وأعقبه الهوى ندما

الحال الثاني - أن يكون الشعر مما لا يمكن حله بتقديم بعض ألفاظه وتأخير بعضها

ألقى عليه الدّهر كلكله ... وأعاره الإقتار والعدما فإذا ألم به أخو ثقة ... غضّ الجفون ومجمج الكلما فنثرها فقال يستعطف بعض الملوك على رجل من أهله: جعلني الله فداك ليس هو اليوم كما كان، إنه وحياتك أفلت بطالته، إي والله وراجعه حلمه، وأعقبه وحقك الهوى ندما. أحنى الدهر عليه والله بكلكله، فهو اليوم إذا رأى أخا ثقة غضّ بصره ومجمج كلامه. فزاد في نثره ألفاظا على ألفاظ الشعر. ونحو ذلك ما حكاه ضياء الدين بن الأثير «1» عن بعض العراقيين أنه نثر قول بعض شعراء الحماسة: وألدّ ذي حنق عليّ كأنما ... تغلي عداوة صدره في مرجل أرجيته عني فأبصر قصده ... وكويته فوق النّواظر من عل فقال في نثره: فكم لقي ألدّ ذا حنق كأنه ينظر إلى الكواكب من عل وتغلي عداوة صدره في مرجل، فكواه فوق ناظريه، وأكبّه لفمه ويديه. الحال الثاني- أن يكون الشعر مما لا يمكن حله بتقديم بعض ألفاظه وتأخير بعضها ، فيحتاج في نثره إلى الزيادة فيه، والنقص منه، وتغيير بعض ألفاظه حتى يستقيم كقول الشاعر: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلّا صورة اللّحم والدّم فإن المصراع الثاني من البيت لا يمكن حلّه بالتقديم والتأخير لأنك تقول في المصراع الأول: فؤاد الفتى نصف ولسانه نصف ولا يمكن ذلك في المصراع الثاني حتى تزيد فيه أو تنقص منه فتقول مثلا: فؤاد الفتى نصف

الضرب الثاني وهو أعلى من الضرب الأول: أن ينثر المنظوم ببعض ألفاظه ويغرم عن البعض ألفاظا أخر. ويحسن ذلك في حالين

ولسانه نصف على ما تقدم. ثم تقول وصورته من اللحم والدم فضلة لا غناء بها دونهما، ولا معوّل عليها إلا معهما. قال في «الصناعتين» : وزيادة الألفاظ التي تحصل فيه ليست بضائرة لأن بسط الألفاظ في أنواع المنثور شائع؛ ألا ترى أنها تحتاج إلى الازدواج، ومن الازدواج ما يكون بتكرير كلمتين لهما معنى واحد وليس ذلك بقبيح، إلا إذا اتفق لفظاهما؛ إلا أن اكثر ما يحسن فيه إيراد المعنى على غاية ما يمكن من الإيجاز، ومعنى قوله «فلم يبق إلا صورة اللحم والدم» داخل في قوله «لسان الفتى نصف ونصف فؤاده» والمصراع الثاني تذييل للمصراع الأول. قال: فإذا أردت أن تحلّه حلّا مقنصرا بغير لفظه، قلت الانسان شطران: لسان وجنان؛ وقريب من ذلك قول أبي نواس: ألا يا ابن الذين فنوا وبادوا ... أما والله ما ذهبوا لتبقى فإن المصراع الأول يمكن حله بأن تقول: الا يا ابن الذين بادوا وفنوا فيكون مستقيما. أما المصراع الثاني فإنه إن قدّم فيه أو أخر بأن قيل: ما ذهبوا لتبقى أما والله فإنه لا يستقيم، فتحتاج في نثره إلى تغيير وزيادة فتقول: ألا يا ابن الذين ماتوا ومضوا وظعنوا ونأوا أما والله ما ظعنوا لتقيم، ولا راموا لتريم، ولا موّتوا لتحيا، ولا فنوا لتبقى. قال في «الصناعتين» : وفي هذه الألفاظ طول وليس بضائر على ما تقدم. قال: وإن أردت اختصاره قلت أما والله إن الموت لم يصبك في أبيك إلا ليصيبك فيك. الضرب الثاني وهو أعلى من الضرب الأول: أن ينثر المنظوم ببعض ألفاظه ويغرم عن البعض ألفاظا أخر. ويحسن ذلك في حالين الحال الأول- أن يكون في الشّعر ألفاظ لا يقوم غيرها من الألفاظ مقامها بأن تكون مثلا سائرا أو جارية مجرى المثل: كقول بعض شعراء الحماسة:

الحال الثاني - أن يكون في البيت لفظ رائق

لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ... بنو اللّقيطة من ذهل بن شيبانا فإن لفظ بني اللقيطة لا يقوم غيره من الألفاظ مقامه لكونه علما على قوم مخصوصين فيحتاج الناثر أن يبقيه بلفظه، كما فعل «ضياء الدين بن الأثير» في قوله في نثر البيت المذكور: لست ممن تستبيح إبله بنو اللقيطة، ولا الذي إذا همّ بأمر كانت الآمال إليه وسيطة؛ ولكني أحمي الهمل، وأفوت الأمل، وأقول سبق السّيف العذل. وكذلك كل ما جرى هذا المجرى ونحوه. الحال الثاني- أن يكون في البيت لفظ رائق ، قد أخذ من الفصاحة بزمامها، وأحاط من البلاغة بجوانبها، فيبقيه على حاله، ويقرنه بلفظ يماثله ويوازنه، قال في «المثل السائر» : وهناك تظهر الصنعة في المماثلة والمشاكلة، ومؤاخاة الألفاظ الباقية بالألفاظ المرتجلة، فإنه إذا أخذ لفظا لشاعر مجيد، قد نقحه وصححه، فقرنه بمالا يلائمه كان كمن جمع بين لؤلوة وحصاة؛ ولا خفاء بما في ذلك من الانتصاب للقدح، والاستهداف للطعن. قال: وهو عندي أصعب منالا من نثر الشعر بغير لفظه؛ لأنه يسلك مضيقا لما فيه من التعرض لمماثلة ما هو في غاية الحسن والجودة. بخلاف نثر الشعر بغير لفظه فإن ناثره يتصرف فيه على حسب ما يراه، ولا يكون مقيدا فيه بمثال يضطر إلى مؤاخاته؛ ومثّل لذلك بقول أبي تمام في وصف قصيدة له: حذّاء «1» تملأ أذن حكمة ... وبلاغة وتدرّ كلّ وريد ثم قال: فقوله تملأ كل أذن حكمة من الكلام الحسن، وهو أحسن ما في البيت وأشهر، فلو قال قائل لمن هذا؟ قيل وهل يخفى القمر، وإذا عرف الكلام صارت المعرفة له علامة، ولم يخش عليه سرقة إذ لو سرق لدلت عليه الوسامة، ومن خصائص صفاته أنه يملأ كل أذن حكمة، ويجعل فصاحة كلّ لسان عجمة. فبقي لفظ «تملأ كل أذن حكمة» وأتى معها بما يناسبها من الألفاظ

الضرب الثالث وهو أعلى من الضربين الأولين: أن يأخذ المعنى فيكسوه ألفاظا من عنده ويصوغه بألفاظ غير ألفاظه

الحسنة الرائقة. ونحو ذلك ما ذكره الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي: أنه يؤاخي القرينة المحلولة بمثلها من عنده كما فعل هو في تقليد من التقاليد فقال: فكم ملّ ضوء الصّبح مما يغيره، ثم قال: وظلام النقع مما يثيره. وقال أيضا: وفلّ حديد الهند مما يلاطمه، ثم قال: والأجل مما يسابقه إلى قبض النفوس ويزاحمه. والقرينتان الأولتان نصفا بيتين للمتنبي، فأضاف إلى كل قرينة ما يناسبها. قال وهذا من أكثر ما يستعمل في الكتابة. الضرب الثالث وهو أعلى من الضربين الأولين: أن يأخذ المعنى فيكسوه ألفاظا من عنده ويصوغه بألفاظ غير ألفاظه قال في «المثل السائر» : وثمّ يتبيّن حذق الصائغ في صياغته؛ فإن استطاع الزيادة على المعنى فتلك الدرجة العالية، وإلا أحسن التصرف وأتقن التأليف؛ ليكون أولى بذلك المعنى من صاحبه الأول. ولتعلم أن الابيات الشعرية في حلها بالمعنى لها حالان. الحال الأول: أن يكون البيت الشعر مما يتسع المجال لناثره في نثره فيورده بضروب من العبارات. قال ابن الأثير: «وذلك عندي شبيه بالمسائل السيالة في الحساب التي يجاب عنها بعدّة من الأجوبة» . فمن ذلك قول أبي الطيب المتنبي: لا تعذل المشتاق في أشواقه ... حتّى تكون حشاك في أحشائه فهذا البيت يتصرّف في نثره في وجوه من المعاني. وقد نثر ابن الأثير هذا البيت فقال: «لا تعذل المحبّ فيما يهواه، حتّى تطوي القلب على ما طواه» . ونثره على وجه آخر فقال: «إذا اختلفت العينان في النظر، فالعدل ضرب من الهذر» . وكذلك قول المتنبي أيضا: إن القتيل مضرّجا بدموعه ... مثل القتيل مضرّجا بدمائه

الحال الثاني - أن يكون البيت الشعر مما يضيق المجال فيه فيعسر على الناثر تبديل ألفاظه

نثره ابن الأثير فقال: «القتيل بسيف العيون، كالقتيل بسيف المنون؛ غير أن ذلك لا يجرد من غمده، ولا يقاد صاحبه بعمده» . فزاد على المعنى الذي تضمنه البيت عدم القود بالعمد. ونثره على وجه آخر فقال: «دم المحب ودم القتيل، متفقان في التشبيه والتمثيل؛ ولا تجد بينهما بونا، سوى أنهما يختلفان لونا» . قال وهذا أحسن من الأول. وعلى هذا النهج يجري قول ابن الرومي في وصف الحديث: وحديثها السّحر الحلال لو انّه ... لم يجن قتل المسلم المتحرّز نثره الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي في وصف السيوف فقال: وكفى السيوف فخرا أنها للجنة ظلال، وإلى النصر مآل؛ وإذا كان من بيان الحديث سحر، فإنّ بيان حديثها عمن كلّمته هو السحر الحلال. ثم نقله إلى وصف الأسنة فقال: حسب ألسنة الاسنّة شرفا أنّ كشف خبايا القلوب يذمّ إلا منها، وأن بثّ أسرار الضمائر تكره روايته إلا عنها، فمكرّر حديثها في ذلك لا يفضي إلى ملال، وإذا لم يكن حسن حديثها الذي يسحر الألباب مما يحلّ، فليس في الحديث سحر حلال. ثم نقله إلى وصف البلاغة فقال: البلاغة تسحر الألباب حتّى تحيل العرض جوهرا وتحيل الهواء المدرك بالسمع لانسجامه وعذوبته في الذوق نهرا؛ لكنه سحر لم يجن قتل المسلم المتحرز، فيتأوّل في حلّه، وإذا كان في الحديث ما هو عقلة للمستوفز، فهذا أنشوطة نشاط البليغ وحلّ عقال عقله. ونقله إلى وصف الكتابة، فقال: خطّه شرك العقول، وفتنة تشغل المطمئن بملاحة المرئيّ المكتوب، عن فصاحة المسموع المقول؛ ولو لم يكن البيان سحرا، لما تجسّدت منه في طرسه هذه الدّرّر، ولو لم يكن بعض السحر حلالا، لما انجلى ظلام النفس عما يهتدى به من هذه الأوضاح والغرر. الحال الثاني- أن يكون البيت الشعر مما يضيق المجال فيه فيعسر على الناثر تبديل ألفاظه : وذلك قليل بالنسبة إلى ما يتسع في حلّه المجال. قال في

«المثل السائر» : وسببه أن المعنى ينحصر في مقصد من المقاصد حتى لا يكاد يأتي إلا فذا. فمن ذلك قول أبي تمام الطائي من قصيدة: تردّى ثياب الموت حمرا فما أتى ... بها اللّيل إلّا وهي من سندس خضر فإن أبا تمام قصد المؤاخاة في ذكر لوني الثياب بين الأحمر والأخضر، وجاء ذلك واقعا على المعنى الذي أراده: من لون ثياب القتلى وثياب الجنّة، فإن ثياب القتلى حمر وثياب الجنة خضر. قال ابن الأثير: فإذا فكّ نظم هذا البيت وأريد صوغه بغير لفظه لم يمكن؛ فيجب على الناثر أن يحسن الصنعة في فكّ نظامه؛ لأنه يتصدّى لنثره بألفاظه، فإن كان عنده قوة تصرّف، وبسطة عبارة، فإنه يأتي به حسنا رائقا. وقد نثر هذا البيت فقال: لم تكسه المنايا نسج شفارها، حتّى كسته الجنة نسج شعارها: فبدّل أحمر ثوبه بأخضره، وكأس حمامه بكأس كوثره. قال: وهذا من الحسن على غاية يكون كمد حسودها، من جملة شهودها. ومن ذلك قول أبي الطيب: وكان بها مثل الجنون فأصبحت ... ومن جثث القتلى عليها تمائم فإن أبا الطيب بنى بيته على واقعة مخصوصة. وذلك أن حصنا من حصون سيف الدولة قصده الروم، وانتزعوه، وخرّبوه؛ فنهد سيف الدولة إليه واسترجعه، وجدّد بناءه، وهزم الروم، ونصب جملة من جثث القتلى على السور، فنظم أبو الطيب في هذا قصيدا أوله: على قدر أهل العزم تأتي العزائم ولما انتهى إلى ذكر الحصن، جاء بهذا البيت في جملة أبيات، فشرح صورة الحال، في ارتجاع الحصن بالقتال وتعليق القتلى عليه، وأبرز ذلك في معنى التمثيل بالجنون والتمائم. وهذا لا يمكن تبديل لفظه؛ فيجب على الناثر حسن الصنعة في حله ونثره. وقد نثره ابن الأثير أيضا فقال: سرى إلى حصن

كذا مستعيدا منه سبيّة نزعها العدو اختلاسا، وأخذها مخادعة لا افتراسا؛ فما نزلها حتّى استقادها ولا نازلها حتّى استعادها؛ فكأنما كان بها جنون فبعث لها من عزائمه عزائم، وعلق عليها من رؤوس القتلى نمائم؛ ثم قال: وفي هذا من الحسن مالا خفاء فيه، فمن شاء أن ينثر شعرا فلينثر هكذا وإلا فليترك. ثم نقله إلى معنى آخر، وأبرزه في صورة أخرى فأضاف إليه البيت الذي قبله من القصيدة فصار على هذه الصورة: بناها فأعلى والقنا تقرع القنا ... وموج المنايا حولها متلاطم وكان بها مثل الجنون فأصبحت ... ومن جثث القتلى عليها تمائم ثم نثرهما فقال: بناها والأسنّة في بنائها متخاصمة، وأمواج المنايا فوق أيدي البانين متلاطمة؛ وما أجلت الحرب عنها حتّى زلزلت أقطارها بركض الجياد، وأصيبت بمثل الجنون فعلّقت عليها تمائم من الرؤوس والأجساد. ولا شك أن الحرب تعرّد «1» عمن عزّ جانبه، وتقول ألا هكذا فليكسب المجد كاسبه. قال وهذا أحسن من الأوّل وأتمّ معنى. ثم تصرف فيه بزيادة على هذا المعنى فقال: بناها، ودون ذاك البناء شوك الأسل، وطوفان المنايا الذي لا يقال سآوي منه إلى جبل؛ ولم يكن بناؤها إلا بعد أن هدمت رؤوس عن أعناق، وكأنما أصيبت بجنون فعلّقت القتلى عليها مكان التمائم، أو شينت بعطل فعلّقت مكان الأطواق. قال وهذا الفصل فيه زيادة على الفصل الذي قبله. قلت: وكما ينبغي الإكثار من حفظ الأشعار على ما تقدم ليوردها في خلال كلامه استشهادا وتضمينا أو يحلّها ويقتبس معانيها في نثره على ما تقدم بيانه كذلك ينبغي له معرفة المشاهير من الشعراء الطائري السمعة: من شعراء الجاهلية كامريء القيس بن حجر، والنابغة الذّبيانيّ، وطرفة بن العبد، وأوس

بن حجر، وزهير بن أبي سلمى، والأفوه الأوديّ «1» ، والمتلمس «2» ، والأعشى، وعلقمة بن عبدة «3» ، وعمرو بن كلثوم، والمرقّش «4» ، والنمر بن تولب «5» ومهلهل، وطفيل الغنويّ «6» ، وعروة بن الورد، وقيس بن الخطيم «7» ، والشمّاخ بن ضرار «8» ، وعنترة، والسّموأل بن عاديا «9» ، ومن جرى مجراهم. ومن المخضرمين، وهم الذين أدركوا الجاهليّة والإسلام جميعا: كحسّان بن ثابت رضي الله عنه، ولبيد بن أبي ربيعة، وكعب بن زهير، وزيد الخيل الطائيّ، والنابغة الجعديّ «10» ، وأميّة بن أبي الصلت «11» ، والحطيئة،

وعمرو بن معدي كرب «1» ، والزّبرقان بن بدر التميمي «2» ، والعبّاس بن مرداس السّلميّ «3» ، والخنساء بنت عمرو بن الشّريد، ومن في معناهم. ومن المولّدين، وهم الذين ولدوا من العرب في الإسلام: كالفرزدق، وجرير والأخطل، والقطاميّ «4» ، والكميت بن زيد الأسديّ، والمساور بن هند «5» ، وعديّ بن الرّقاع، وكثيّر عزّة، وعمر بن أبي ربيعة، والراعي «6» ، وابن مقبل «7» ، وابن مفرّغ «8» ، وليلى الأخيليّة «9» ، ومن انخرط في سلكهم. ومن المحدثين، وهم الذين أتوا بعد المولّدين: كإبراهيم بن هرمة «10» ؛ وابن أذينة «11» ، وأبي نواس، وأبي العتاهية، وطفيل الكناني «12» وسلم

الخاسر «1» وابن ميّادة «2» ، وصالح بن عبد القدّوس «3» ، وأبي عيينة «4» ، والعبّاس بن الأحنف، والعتّابي «5» ، وأشجع السّلميّ «6» ، والعكوّك «7» ، وابن أبي زرعة الدّمشقيّ «8» ، وأبي الشّيص «9» ، والحمدونيّ «10» ، والعتبي، ودعبل الخزاعيّ «11» ، وإسحاق بن إبراهيم الموصليّ، وإبراهيم بن إسحاق الموصليّ، وأبي عليّ البصير «12» ، وأبي تمّام الطائي، وأبي عبادة البحتريّ،

وأبي الطيب المتنبي، وابن بسّام «1» ، والسريّ الموصليّ «2» ، وأبي الفتح كشاجم، وأبي الفتح العبسيّ «3» ، وأبي الفرج البّبغا «4» ، وابن الساعاتي «5» ، وابن قلاقس «6» ، والوأواء الدّمشقي «7» ، والعفيف التلمسانيّ «8» ، وابنه، وابن سنا الملك «9» ، وابن شمس الخلافة «10» ، وابن

النبيه «1» ، والصفيّ الحلّي ونحوهم. ومعرفة الفرسان منهم: كامريء القيس، وخفاف بن ندبة «2» ، والزّبرقان بن بدر وعنترة، وعمرو بن معدي كرب، ودريد بن الصّمّة «3» . ومن كان منهم راجلا يسعى على رجليه: كسليك بن السّلكة «4» ، وابن برّاقة «5» ، وتأبط شرّا «6» والشّنفرى «7» وغيرهم. ومن تقدّم منهم في نوع من الشعر، كمعرفة طفيل الغنويّ بوصف الخيل، وأمية بن أبي الصلت في أمر الآخرة وذكر الحرب، وعمر بن أبي ربيعة في وصف النساء، وعتيبة بن مرداس «8» بمراكب الإبل، وكثّير في الأمثال، والفرزدق في الأخبار، وجرير في المعاني.

ومعرفة من هو أكثرهم حفظا: كالأغلب «1» الشاعر: قيل إنه كان يحفظ أربع عشرة ألف أرجوزة، ومعرفة أيّ القبائل كانت الشعراء فيها أكثر: كهذيل؛ فقد قيل إنه كان فيها أربعون شاعرا مفلقا كلهم يعدو على رجليه، ليس فيهم فارس، وأيّ قبيلة كان الشعر فيها أقل: كشيبان، وكلب؛ فقد قيل إنه ليس في الدنيا قبيلة أقل شعراء منهما وإنه ليس لكلب في الجاهلية شاعر قديم على أنها مثل شيبان أربع مرات. وقد ذكر ابن رشيق في «عمدته» عن عبد الله بن سلام الجمحيّ وغيره: أن الشعر كان في الجاهلية في ربيعة فكان منهم مهلهل بن ربيعة، وهو خال امرىء القيس بن حجر، ويقال إنه أوّل من قصّد القصائد، والمرقّشان الأكبر والأصغر، وطرفة بن العبد، وعمرو بن قميئة «2» ، والحارث بن حلّزة «3» ، والمتلمس، والأعشى، والمسيّب بن علس «4» وغيرهم؛ ثم تحوّل الشعر إلى قيس فكان منهم النابغتان الذّبيانيّ والجعديّ، وزهير بن أبي سلمى، وابنه كعب، ولبيد، والحطيئة، والشمّاخ «5» . ثم استقر الشعر في تميم فكان منهم أوس بن حجر، ولم يتقدّمه أحد حتّى كان النابغة وزهير فأخملاه.

قلت: والمراد أن الشعر غلب في هذه القبائل وظهر فيها، وكان فيها الشعراء المجيدون؛ وإلا فالشعر موجود في قبائل العرب قبل ذلك: كحمير وكهلان من اليمن؛ بل في عاد وثمود على ما تشهد به كتب السير والأخبار. فإذا عرف الكاتب ذلك، استعان به في المساواة بمن شاء منهم في التقريظات والتفضيل عليه كما كتبت في تقريظ شاعر: فامرؤ القيس يغرق في مقياس معانيه، والنابغة الذّبيانيّ يقصر عن أن يبلغ مدى شأوه أو يدانيه، وزهير يقتطف زهرات البلاغة من أفانينه، وأوس بن حجر ينسج على منواله ويأتمّ بقوانينه، وطفيل الغنويّ يتطفّل على موائد شعره، وطرفة بن العبد يقصر عنه في شيوع ذكره، والأعشى يعشو إلى ضوء ناره، وعمرو بن كلثوم يسعى إلى بابه ويقف بفناء داره، وكثيّر في أمثاله لا يعدّ من أمثاله، وجرير في مفاخره يتمسك من الفخار بأذياله، والفرزدق في أوصافه يقلبه ما بين يمينه وشماله؛ فلو رآه عبد الملك بن مروان لاختاره على الأخطل، أو اجتمع مع أبي نواس لدى الأمين لقال هذا هو المقدّم الأفضل، أو أدركه أبو تمّام، لاعترف له بالتّمام، أو بصر به أبو عبادة لقال أنا له عبد وغلام، أو عاصره المتنبي لاعترف بفضله، أو ابن الساعاتي لقال لا يأتي الزمان دون قيام الساعة بمثله. ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى. وكذلك ينبغي أن يعرف مصطلح أهل العروض الذي هو ميزان الشعر مثل الوتد، والسبب، والفاصلة، والعروض، والضرب «1» ؛ وأسماء البحور: من الطويل، والمديد، والبسيط، وأخواتها؛ وألقاب الزحاف: كالخبن، والخبل، والقبض «2» وغيرها: ليدخلها تضاعيف كلامه عند احتياجه إلى ذلك

النوع الحادي عشر الإكثار من حفظ الأمثال؛ وفيه مقصدان

كما قال صاحبنا الشيخ زين الدين شعبان الآثاريّ «1» في أوّل ألفيته في العروض: الحمد لله المليك الغافر ... ذي الطّول والفضل المديد الوافر سبحانه ماذا يقول البارع ... في كامل ليس له مضارع ورزقه في عدله بسيط ... وعلمه بخلقه محيط وما ينخرط في هذا السلك من الكلام المنثور أيضا. النوع الحادي عشر الإكثار من حفظ الأمثال؛ وفيه مقصدان المقصد الأوّل في وجه احتياج الكاتب إلى ذلك اعلم أن الكاتب يحتاج إلى النظر في كتب «2» الأمثال الواردة عن العرب نثرا ونظما والنظر في الكتب المصنفة في ذلك: كأمثال الميداني، والمفضّل ابن سلمة الضبّيّ، وحمزة الأصبهانيّ، وغيرهم. وكذلك أمثال المولّدين الواردة في أشعارهم: كالأمثال الواردة في شعر جرير، والفرزدق ونحوهما، إلى غير ذلك من الأمثال الواردة نثرا ونظما، والنظر في أمثال المحدثين الواردة في أشعارهم: كأبي العتاهية، وأبي تمّام، والمتنبي؛ فحكم ما ورد من الأمثال في شعر المولدين والمحدثين حكم أمثال العرب الشعرية؛ أمّا في شعر المولدين

فلجريهم على أسلوب العرب، وركوب جادّتهم؛ وأما المحدثين فللطافة مأخذهم، واستطراف ما يأتون به مما يجري مجرى النثر والنظم: من الأمثال الموضوعة على ألسنة الحيوان عن العرب وغيرهم؛ فيستشهد به في موضعه، ويورده في مكانه عارفا بأصل ذلك وما بني عليه، وذلك أن المثل له مقدّمات وأسباب قد عرفت، وصارت مشهورة بين الناس معلومة عندهم؛ وهذه الألفاظ الواردة في المثل دالة عليها، معبرة عن المراد بها، بأخصر لفظ وأوجزه، ولولا تلك المقدّمات المعلومة، والأسباب المعروفة، لما فهم من هذه الألفاظ القلائل تلك الوقائع المطوّلات؛ وأما الأمثال الواردة نثرا، فإنها كلمات مختصرة، تورد للدلالة على أمور كلية مبسوطة، كما تقدّمت الإشارة إليه، وليس في كلامهم أوجز منها. ولما كانت الأمثال كالرموز والإشارة التي يلوّح بها على المعاني تلويحا، صارت من أوجز الكلام وأكثره اختصارا. وحيث كانت بهذه المكانة لا ينبغي الإخلال بمعرفتها، قال صاحب العقد «والأمثال هي وشي الكلام، وجوهر اللفظ، وحلي المعاني، والتي تخيّرتها العرب، وقدّمتها العجم، ونطق بها في كل زمان على كل لسان، فهي أبقى من الشعر، وأشرف من الخطابة، لم يسر شيء كسيرها، ولا عمّ عمومها، حتّى قالوا: أسير من مثل، قال الشاعر: ما أنت إلّا مثل سائر ... يعرفه الجاهل والخابر وقد ضرب الله تعالى الأمثال في كتابه فقال ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ «1» ، وقال تعالى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً «2» الآية، وقال وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ «3» الآية،

وقال وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً «1» الآية، وقال وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ «2» إلى غير ذلك من آي القرآن. وضرب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الأمثال فقال «ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبي الصّراط أبواب مفتّحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى رأس الصّراط داع يقول ادخلوا الصّراط ولا تعرّجوا: فالصّراط الإسلام، والسّتور حدود الله، والأبواب محارم الله، والداعي القرآن» إلى غير ذلك من الأمثال التي ضربها صلّى الله عليه وآله وسلّم. ومحل الكلام على أمثال القرآن وأمثال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، ما تقدّم من الكلام على القرآن الكريم والأخبار. ثم هي على ضربين: قريب الفهم بظهور معناه، وكثرة دورانه بين الناس، وبعيد الفهم لخفائه، وقلة دورانه بين الناس. فالقريب من الفهم الكثير الدوران على الألسنة مثل قولهم: «عند الصّباح يحمد القوم السّرى» ، وهو مثل يضرب للترغيب في السير في الليل «3» ، والحث عليه؛ وأوّل من أرسله مثلا خالد بن الوليد رضي الله عنه، قاله في صبح ليلة قطع فيها مفازة كانت في طريقه من العراق إلى الشام؛ وقولهم «ساء سمعا فأساء إجابة» «4» . وأوّل من قال ذلك سهيل بن عمرو وكان تزوّج صفيّة بنت أبي جهل فولدت له ابنه أنسا، فرآه الأخنس بن شريق الثقفيّ معه فقال من هذا؟ فقال سهيل ابني- فقال الأخنس حيّاك الله يا بنيّ! أين أمّك؟ فقال: لا والله ما أمي ثمّ، انطلقت إلى بيت أمّ حنظلة تطحن دقيقا- فقال أبوه ساء سمعا فأساء إجابة- فلما رجعا

قال أبوه فضحني ابنك اليوم قال كذا وكذا- فقالت إنما ابني صبيّ وأنت لا تحبه- فقال «أشبه امرؤ بعض بزّه» «1» فأرسلها مثلا. والبعيد من الفهم، مثل قولهم «إن يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر» . وهو مثل يضرب لمن ينكر الأمر الظاهر عنادا. والأصل في ذلك كما ذكره «2» المفضّل بن سلمة الضبيّ أن بني ثعلبة بن سعد بن ضبّة في الجاهلية تراهنوا على الشمس، فقالت طائفة: تطلع الشمس والقمر يرى، وقالت طائفة: يغيب القمر قبل أن تطلع الشمس، فتراضوا برجل جعلوه بينهم حكما، فقال واحد منهم: إن قومي يبغون عليّ، فقال الحكم: إن يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر، فجرت مثلا. ومن المعلوم أن قول القائل إن يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر، إذا أخذ على حقيقته من غير نظر إلى القرائن المنوطة به، والأسباب التي قيل من أجلها، لا يعطي من المعنى ما قد أعطاه المثل، بل ما كان يفهم من هذا القول معنى يفيد لأن البغي هو الظلم، والقمر ليس من شأنه أن يظلم أحدا، فكان يصير معنى المثل- إن كان يظلمك قومك لا يظلمك القمر- وهو كلام مختل المعنى ليس بمستقيم. وقد أكثر الناس في تصنيف كتب الأمثال، فمن ذلك الأمثال لأبي عبيد، وهو مرتب على ترتيب الوقائع التي تقع فيها الأمثال. ومن ذلك أمثال الميداني، وهي مرتبة على حروف المعجم وفي آخرها جملة من أيام حروب العرب، إلى غير ذلك من كتب الأمثال المصنفة في هذا الباب: كأمثال الضبي، والقمي، وغيرها. وأما الأمثال الواردة نظما، فهي كلمات استحسنت في الشعر، وطابقت وقائع عامّة جارية بين الناس، فتداولها الناس، وأجروها مجرى الأمثال النثرية. وقد روي أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، كان يتمثل بقول طرفة:

ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد وهو نصف بيت مجموعه: ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد ويروى أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يخرجه عن الوزن، ويحيله عن طريق الشعر، فكان يقول: «ويأتيك من لم تزوّد بالأخبار» فرارا من قول الشعر المنزّه عنه مقامه العليّ، وشرفه الرفيع، لكن ثبت في الصحيح أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل والمحرّم عليه صلّى الله عليه وآله وسلّم، إنما هو نظم الشعر دون إنشاده وسماعه. وقد بسطت القول على ذلك في كتابي المسمّى ب «الغيوث الهوامع في شرح جامع المختصرات ومختصر الجوامع» في الفقه فراجعه هناك؛ ويروى أن عمر رضي الله عنه تمثل بقول النابغة: ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث أيّ الرّجال المهذّب «1» ثم قال: لمن هذا؟ فقيل له للنابغة، فقال: ذاك أشعر شعرائكم؛ والمثل السائر فيه في قوله: أيّ الرّجال المهذّب؛ وأمثال ذلك مما تمثل به الصحابة رضوان الله عليهم كثير، ولذلك وقع في أمثال المحدثين الواردة في أشعارهم ما يستظرف ويستحلى كقول القاضي الأرّجاني:

تأمّل منه تحت الصّدغ خالا ... لتعلم كم خبايا في الزّوايا يشير بذلك إلى المثل الجاري على ألسنة الناس في قولهم «في الزّوايا خبايا» وهو من الأمثلة المستفيضة على ألسنة العامّة الشائعة بينهم، وقول ابن عبد ربه: قالوا شبابك قد ولّى فقلت لهم ... هل من جديد على كرّ الجديدين؟ صل من هويت وإن أبدى معاتبة ... فأطيب العيش وصل بين إلفين! واقطع حبائل خدن لا تلائمه ... فربّما ضاقت الدّنيا بإثنين وقول الآخر: وعاد من أهواه بعد القلى ... شقيق روح بين جسمين وأصبح الدّاخل ما بيننا ... كساقط بين فراشين قد ألبس البغضاء من ذا وذا ... لا يصلح الغمد لسيفين ما بال من ليست له حاجة ... يكون أنفا بين عينين؟ قال الأصمعي: ولم أجد في شعر شاعر بيتا أوّله مثل وآخره مثل، إلا ثلاثة أبيات: بيت الحطيئة: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس وبيتا امريء القيس: وأفلتهنّ علباء جريضا ... ولو أدركنه صفر الوطاب «1» وقاهم جدّهم ببني أبيهم ... وبالأشقين ما كان العقاب «2»

قال صاحب العقد: «ومثل هذا كثير في القديم والحديث، ولا أدري كيف أغفل القديم منه الأصمعيّ، ومنه: ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا البيت المتقدّم؟ وهو من أشرف الأبيات وأعظمها بابا» . وأما الأمثال الموضوعة على ألسنة الحيوانات، فكما روي أنّ عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه، حين رأى خلاف أصحابه وتخاذلهم، تمثل بقولهم «إنّما أكلت يوم أكل الثور الأبيض» يعني إنما خذلت يوم خذل عثمان؛ وحكاية هذا المثل أنهم قالوا: اصطحب أسد، وثور أحمر، وثور أبيض، وثور أسود في أجمة؛ فقال الأسد للأحمر والأسود: هذا الأبيض يفضحنا بلونه، ويطمع فينا من يقصدنا! فلو تركتماني آكله، أمنّا فضيحة لونه؛ فأذنا له في ذلك فأكله؛ ثم قال للأحمر: هذا الأسود يخالف لوني ولونك ولو بقيت أنا وأنت، ظنّك من يراك أسدا مثلي فدعني آكله، فسكت عنه فأكله؛ ثم قال للثور الأحمر: لم يبق إلا أنا وأنت، وأريد أن آكلك! فقال: إن كنت فاعلا ولا بدّ، فدعني أصعد تلك الهضبة، وأصيح ثلاثة أصوات، فقال: افعل ما تريد، فصعد وصاح ثلاثة أصوات: «ألا إنّما أكلت يوم أكل الثور الأبيض» فجرت مثلا «1» . ويحكى أن عبد الملك بن مروان حج وقدم المدينة، فقال على المنبر: يا أهل المدينة إنكم قتل عثمان بين أظهركم فنحن لا نحبكم! وأرسلنا مسلمة ابن عقبة فقتلكم في وقعة الحرّة «2» ، فأنتم لا تحبّوننا، فمثلنا ومثلكم كما قال النابغة:

المقصد الثاني في كيفية استعمال الأمثال في الكتابة

كما لقيت ذات الصّفا من حليفها ... وكانت تريه المال غبّا وظاهره فلمّا رأى أن قد تثمّر ماله ... وأثّل موجودا وسدّ مفاقره أكبّ على فأس يحدّ غرابها ... مذكّرة من المعاول باتره فلمّا وقاها الله ضربة فأسه ... ولله عين لا تغمّض ناظره فقال تعالي نجعل الله بيننا ... على مالنا أو تنجزى لي آخره فقالت يمين الله أفعل إنّني ... رأيتك سخريّا يمينك فاجره أبى لي قبر لا يزال مقابلي ... وضربة فأس فوق رأسي فاقره وهذه الحكاية مشهورة في الموضوعات على ألسن الحيوان، وهي أن أخوين هبطا بغنمهما واديا يرعيان فيه، فخرجت حية من تحت الصّفا وفي فمها دينار فألقته إليهما وأقامت كذلك أياما، فقال أحدهما لا بدّ من قتل هذه الحية وأخذ هذا الكنز! فنهاه أخوه فلم يقبل، فخرجت فضربها بفأس في يده، فشجّها وشدّت عليه فقتلته، فدفنه أخوه مقابلها؛ فلما خرجت قال لها هل لك أن نتعاهد على المودّة وعدم الأذية، وتعطيني ذلك الدينار كل يوم؟ فقالت: لا! - قال ولم؟ - قالت لأنك كلما نظرت إلى قبر أخيك لا تصفو لي، وكلما ذكرت الشجّة التي في رأسي لا أصفو لك. المقصد الثاني في كيفية استعمال الأمثال في الكتابة فإذا أكثر صاحب هذه الصناعة من حفظ الأمثال السائغ استعمالها، انقادت إليه معانيها، وسيقت إليه ألفاظها، في وقت الاحتياج إلى نظائرها من

الوقائع والأحوال، فأودعها في مكانها، واستشهد بها في موضعها، والطريق في استعمالها في النثر، كما في حل الأشعار واستعمالها؛ إلا أن الأمثال لا يجوز تبديل ألفاظها، ولا تغيير أوضاعها: لأنها بذلك قد عرفت واشتهرت. فما استعمله أهل الصناعة من الأمثال المنثورة وأوردوه في كلامهم قول المقرّ الشهابي ابن فضل الله في «التعريف» في وصية أمير مكة المعظمة «ولأنه أحقّ بني الزّهراء بما أبقته له آباؤه، وألقته إليه من حديث قصيّ جدّه الأقصى أبناؤه؛ وهو أجدر من طهّر هذا المسجد من أشياء تنزّه أن يلحق به فحش عابها، وشنعاء هو يعرف كيف يتتبّعها «وأهل مكّة أخبر بشعابها» ، فاستعمل المثل السائر في قوله وأهل مكة أخبر بشعابها؛ وقد وقع هذا المثل في كلامه أحسن موقع، وجاء على أجمل نظام: لأنه قد أتى به في مكانه اللائق به، ومحله المخصوص بوصفه؛ وقد نقله الشيخ جمال الدين بن نباتة رحمه الله فاستعمله في غير هذا المعنى، فجاء منحطّا عن هذه الدرجة، وقاصرا عن رتبتها، فقال في وصية خطيب: ووصايا هذه الرتبة متشعبة، وهو كأهل مكة أخبر بشعابها، وأحوالها مترتبة، وهو على كل حال أدرب وأدرى بها؛ إلا أنه قد ظرّف بذكر الجناس الاشتقاقيّ في قوله متشعبة مع قوله بشعابها. ومن ذلك قول الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ رحمه الله في خطبة تقليد بفتوّة عن ملك: «ونشهد أن محمدا عبده ورسوله» ، الذي نور شريعته جليّ، وجاه شفاعته مليّ، وبسيفه وبه جاء النصر والشرف من انتمائنا إليه، فلا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ. وهذا على ما هو شائع على الألسنة، وأن ذلك قيل في يوم ضرب علي رضي الله عنه كافرا اسمه مرحب، فشقّ البيضة على رأسه نصفين، وتمادى السيف فيه وفي جواده فشقّهما كذلك وخلص السيف بينهما فغاص في الأرض شبرين؛ إلا أن المعروف عند المحدّثين وأصحاب السير أن ذا الفقار اسم سيف للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، اصطفاه من خيبر لنفسه حين اصطفى صفيّة بنت حيىّ بن أخطب رضي الله عنها، ولعله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أعطاه عليّا رضي الله عنه بعد ذلك.

ومن ذلك ما ذكرته في المفاخرة بين السيف والقلم في الكلام على لسان القلم، وهو: «أنا جذيلها المحكّك، وعذيقها المرجّب، وكريمها المبجل، وعالمها المهذب» . فالقرينة الأولى فيها مثلان، وأوّل من قالهما الحباب بن المنذر الأنصاري يومّ السّقيفة، حين اجتمع الأنصار إلى سعد بن عبادة، يوم مات النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في سقيفة بني ساعدة، وأرادوا تأميره فذهب إليهم أبو بكر وعمر، وأبو عبيدة بن الجرّاح، وقال الحباب بن المنذر: منّا أمير ومنكم أمير، إلى أن كان من كلامه هذان المثلان. والجذيل تصغير جذل، واحد الأجذال؛ وهي أصول الشجر العظام؛ وكانت العرب إذا جربت الإبل نصبت لها جذلا في باطن الوادي تحتكّ فيه، فلذلك قال جذيلها المحكّك، أراد أنه يستشفى برأيه، كما تستشفي الإبل بالحك في ذلك الجذل؛ والعذق بفتح العين النخلة بحملها؛ وكان من عادتهم أن النخلة الكريمة يبنى حولها بناء يمنعها من السّقوط؛ فذلك هو الترجيب؛ أراد أنه كريم في قومه عزيز عليهم. وما ذكرته في المفاخرة بين السيف والقلم أيضا على لسان السيف وهو: «فالشمس من شعاعي في خجل، والليل من ضوئي في وجل؛ وما أسرعت في طلب ثأر إلا قيل فات ما ذبح، وسبق السيف العذل» . ففي القرينة الأخيرة مثلان أحدهما «فات ما ذبح» وهو مثل يضرب لمن طلب الشيء بعد فواته، وأصله أن بعض الملوك رأى مع أعرابيّ بازيا، فأعجبه فأرسل في طلبه قاصدا، فأتى الأعرابي ولم يكن عنده ما يضيفه به، فذبح البازي وطبخه وقدّمه إليه، غير عالم بقصده، فلما فرغ من أكله ذكر للأعرابيّ أمر البازي وما كان من طلب الملك له، فقال «فات ما ذبح» إنك أتيتني ولم يكن عندي ما أضيفك به، فذبحت البازي وطبخته، وهو الذي قدّمته إليك. والمثل الثاني «سبق السيف العذل» وهو مثل لمن يلوم على فعل شيء بعد وقوعه وفوات أمره. ومما حلّ من الأمثال الواردة نظما، واستعمل في النثر، قول القاضي شهاب الدين بن فضل الله في «التعريف» في وصية أمير مكة المعظمة أيضا،

في الوصية على وفود الحجيج: «وكل هؤلاء إنما يأتون في ذمام الله بيته الذي من دخله كان آمنا، وإلى محل ابن بنت نبيه الذي يلزمه من طريق برّ الضيف ما أخذ لهم، وإن لم يكن ضامنا؛ فليأخذ بمن أطاع من عصى، وليردع كل مفسد ولا سيما العبيد، فإن العبد لا يردعه إلا العصا» فقوله: فإن العبد لا يردعه إلا العصا يشير به إلى قول ابن دريد في مقصورته: واللّوم للحرّ مقيم رادع ... والعبد لا يردعه إلّا العصا وقد اشتهر النصف الثاني من هذا البيت حتى جرى مجرى المثل، ولعله كان مثلا سائرا قبل أن ينظمه ابن دريد. ومنه قول الشيخ جمال الدين بن نباتة رحمه الله من توقيع بنظر مدرسة بعد أن قدّم أن أهلها رفعوا قصصهم في طلب ذلك الناظر: «وكيف لا وهو نعم الناظر والإنسان، وفي مصالح القول والعمل ذو اليدين واللّسان، وذو العزائم الذي تقّيدت في حبّه الرّتب، ومن وجد الإحسان» . يريد البيت المشهور: ومن وجد الإحسان قيدا تقيّدا وقد أتى فيه بالاكتفاء، فزاد في كلامه حسنا وطلاوة. وأعلى منه وأوقع في النفوس قوله بعد ذلك في التوقيع المذكور «فاقتضى علوّ الرأي أن يجاب في طلبه إليهم سؤال القوم، وأن يتصل أمس الإقبال باليوم، وأن تبلغ هذه الوظيفة أملها فيه، بعد ما مضت عليها من الدهر ملاوه «1» ، وهذه المدرسة لولا تداركه لكانت كما قال الخزاعي «مدارس آيات خلت من تلاوه» . ومن ذلك قول المولى علاء الدين بن غانم في قدمة باسم مظفر الدّين

غانم، وقد صرع لغلغة، وادّعى بها للملك المؤيد صاحب حماه «الحمد لله الذي ظفّر المظفّر بإصابة الواجب من الطير، ووفّر من السعادة حظّ من أصاب ووافق الصواب فيمن انتمى إذ تشرف به وتميز على الغير، وخفر من أسراه، إلى من يحمد لديه صبح سراه إذ يصبحه من بشره وبرّه كل خير» . أشار في القرينة الأخيرة إلى المثل السائر من قولهم «عند الصّباح يحمد القوم السّرى» وقد تقدّم أنّ أوّل من قال ذلك خالد بن الوليد رضي الله عنه. ومما استعمله أهل الصناعة من أمثال المحدثين نثرا قول الشيخ جمال الدين بن نباتة رحمه الله في وصف خطيب من جملة توقيع: «ومن إذا قام فريدا عدّ بألف من فرائد الرجال تنظّم، وإذا أقبل في سواد طيلسانه، قيل: جاء السّواد الأعظم» فاستعمل المثل السائر في قولهم السّواد الأعظم، يريدون الجمّ الغفير، وهو من أمثال المحدثين، وحسن ذلك لمناسبة لبس الخطيب السّواد على ما جرت به العادة، وإن كان خلاف السنة: كما صرح به الشيخ محيي الدين النووي «1» رحمه الله من أصحابنا الشافعية. ومن ذلك ما ذكرته في المفاخرة بين السيف والقلم، وهو: «وأظهر كل منهما ما كان يخفيه، فكتب وأملى، وباح بما يكنّه صدره، والمؤمن لا يكون حبلى» فاستعملت المثل في قولهم «المؤمن لا يكون حبلى» وهو من أمثال المحدثين إلى غير ذلك مما يجري هذا المجرى. وقد تستعمل أمثال المحدثين في الشعر أيضا فتجلو ويروق موقعها ويستظرف، كما قال القاضي الأرّجاني: تأمّل منه تحت الصّدغ خالا ... لتعلم كم خبايا في الزّوايا

النوع الثاني عشر معرفة أنساب الأمم من العرب والعجم

النوع الثاني عشر معرفة أنساب الأمم من العرب والعجم ويحتاج إليه الكاتب في المكاتبات: لأنه بصدد أن يكتب عن ملكه إلى أمير قبيلة من العرب، أو ملك أمة من الأمم؛ فما لم يكن عارفا بأنسابها، كان قاصرا فيما يكتبه من ذلك. ومن غريب ما وقع في ذلك أن ملك البرنو من ملوك السّودان كتب كتابا إلى الأبواب السلطانية، بالديار المصرية في الدولة الظاهرية برقوق يذكر فيه أن المجاورين لهم من عرب جذام قد أغاروا عليهم وسبوا جماعة من نسائهم وذراريّهم وباعوهم بالديار المصرية وما حولها، ثم قال: ونحن من ذرّية سيف بن ذي يزن العربي القرشيّ فخلط القحطانيّة بالعدنانيّة، لأن سيف بن ذي يزن من بقايا التبابعة من حمير من القحطانية، وقريش من العدنانية، وناهيك بذلك عيبا أن لو وقع من كاتب معتبر. ويشتمل الغرض منه على ثلاثة مقاصد. المقصد الأوّل معرفة عمود النسب النبويّ من النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى آدم ، من حيث إن سائر الأنساب تتعلّق به وترجع في القرب والبعد إليه وها أنا أورده على ما أورده ابن إسحاق في «السيرة النبوية» على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وتبعه عليه ابن هشام في سيرته إذ كان عمدة في هذا الباب، فأقول: «هو محمد» رسول الله، بن عبد الله، بن عبد المطّلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصيّ، بن كلاب، بن مرّة، بن كعب ابن لؤيّ، بن غالب، بن فهر، بن مالك، بن النّضر، بن كنانة، بن خزيمة، ابن مدركة، بن الياس، بن مضر، بن نزار، بن معدّ، بن عدنان، بن أدد، بن مقوّم، بن ناحور، بن تيرح، بن يعرب، بن يشجب بن نابت، بن إسماعيل، ابن إبراهيم الخليل عليهما السلام ابن تارح، وهو آزر، بن أرغو، بن فالغ،

المقصد الثاني في أنساب العرب وفيه مهيعان

ابن عابر، بن أرفخشذ، بن سام، بن نوح عليهم السلام، ابن يرد، بن مهليل، بن قينن «1» ، بن تاتش، بن شيث، بن آدم عليه السّلام. قال النووي: «والأتفّاق على هذا النسب الشريف إلى عدنان، وليس فيما بعده ألى آدم طريق صحيح» وفيما بعد عدنان، إلى إسماعيل عليه السّلام خلاف كثير، قال القضاعي في «عيون المعارف في أحكام الخلائف» : وقد روي أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال «لا تجاوزوا معدّ بن عدنان، كذب النّسّابون» ، ثم قرأ «وقرونا بين ذلك كثيرا ولو شاء أن يعلّمه لعلّمه» قال: والصحيح أنه من قول ابن مسعود رضي الله عنه. المقصد الثاني في أنساب العرب وفيه مهيعان المهيع الأوّل في أمور تجب معرفتها قبل الخوض في النسب واوّل ما تجب معرفته من ذلك من يقع عليه لفظ العرب قال الجوهري «العرب جيل من الناس وهم أهل الأمصار، والأعراب سكّان البادية، والنسبة إلى العرب عربيّ، وإلى الأعراب أعرابي» والتحقيق إطلاق لفظ العرب على الجميع، وأن الأعراب نوع من العرب؛ ثم اتفقوا على تنويع العرب إلى نوعين: عاربة ومستعربة. فالعاربة هم العرب الأول الذين فهّمهم الله اللغة العربية ابتداء فتكلموا بها. قال الجوهري «وقد يقال فيهم العرب العرباء» . والمستعربة هم الداخلون في العربيّة بعد العجمية. قال الجوهري «وربما قيل لهم المتعربة» . وقد اختلف في العاربة والمستعربة فذهب ابن إسحاق والطبري إلى أن العاربة هي عاد وثمود وطسم وجديس وأميم وعبيل والعمالقة وعبد ضخم وجرهم الأولى، ومن في معناهم. والمستعربة بنو قحطان بن عابر

ابن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح وبنو إسماعيل عليه السّلام لأن لغة عابر وإسماعيل كانت سريانية أو عبرانية، فتعلم بنو قحطان العربية من العاربة ممن كان في زمانهم كعاد ونحوهم، وتعلم إسماعيل العربية من جرهم من بني قحطان النازلين على إسماعيل وأمّه بمكة. وذهب آخرون، منهم المؤيّد صاحب حماه إلى أن بني قحطان هم العاربة، وأن المستعربة هم بنو إسماعيل فقط، والذي رجحه صاحب العبر «1» الأوّل. ثم قد قسم المؤرّخون العرب أيضا إلى بائدة وغيرها، فالبائدة هم الذين بادوا ودرست آثارهم كعاد، وثمود وطسم، وجديس، وغير البائدة هم الباقون في القرون المتأخرة بعد ذلك من القحطانية: كطيء، ولخم، وجذام ونحوهم، ومن العدنانية كفزارة وسليم وقريش، ومن في معناهم. ثم قد عدّ الماورديّ وغيره طبقات أنساب العرب ست طبقات. الطبقة الأولى- الشّعب بفتح الشين، وهو النّسب الأبعد الذي تنسب إليه القبائل كعدنان، ويجمع على شعوب؛ وسمي شعبا لأن القبائل تتشعّب منه. الطبقة الثانية- القبيلة، وهي ما انقسم فيه الشعب كربيعة ومضر، وتجمع على قبائل، وسميت قبيلة لتقابل الأنساب فيها، وربما سميت القبائل جماجم. الطبقة الثالثة- العمارة بكسر العين، وهي ما انقسم فيه أنساب القبيلة كقريش وكنانة وتجمع على عمائر وعمارات. الطبقة الرابعة- البطن وهي ما انقسم فيه أنساب العمارة كبني عبد مناف، وبني مخزوم وتجمع على بطون وأبطن.

الطبقة الخامسة- الفخذ، وهي ما انقسم فيه أنساب البطن: كبني هاشم، وبني أميّة، ويجمع على أفخاذ. الطبقة السادسة- الفصيلة- بالصاد المهملة- وهي ما انقسم فيه أنساب الفخذ كبني العبّاس وبني أبي طالب، وتجمع على فصائل؛ فالفخذ يجمع الفصائل، والبطن تجمع الأفخاذ، والعمارة تجمع البطون، والقبيلة تجمع العمائر، والشّعب يجمع القبائل. قال النوويّ: وزاد بعضهم العشيرة قبل الفصيلة، قال الجوهري «وعشيرة الرجل رهطه الأدنون» وحكى أبو عبيدة عن ابن الكلبيّ عن أبيه تقديم الشعب على القبيلة، ثم الفصيلة، ثم العمارة، ثم الفخذ، فأقام الفصيلة مقام العمارة في ذكرها بعد القبيلة والعمارة مقام الفصيلة في ذكرها قبل الفخذ. وبالجملة فأكثر ما يدور على الألسنة من الطبقات الست المذكورة: القبيلة، ثم البطن، وقلّ أن تذكر العمارة والفخذ والفصيلة، وربما عبّروا عن كل من الطبقات الست بالحيّ، إما بالعموم مثل أن يقال حيّ من العرب، وإمّا على الخصوص مثل أن يقال حيّ من بني فلان. ومما يجب على الناظر في الأنساب أن يعرف عشرة أمور. الأوّل- قال الماورديّ: إذا تباعدت الأنساب، صارت القبائل شعوبا، والعمائر قبائل؛ يعني وتصير البطون عمائر، والأفخاذ بطونا، والفصائل أفخاذا، والحادث من النسب بعد ذلك فصائل. الثاني- قد ذكر الجوهريّ أن القبيلة هم بنو أب واحد، وقال ابن حزم: جميع قبائل العرب راجعة إلى أب واحد سوى ثلاث قبائل، وهي: تنوخ، والعتق، وغسّان فإن كل قبيلة منهم من عدّة بطون، وذلك أن تنوخا اسم لعشر قبائل اجتمعوا وأقاموا بالبحرين، فسمّوا بتنوخ أخذا من التتنّخ وهو المقام؛ والعتق جمع اجتمعوا على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فظفر بهم فأعتقهم فسمّوا بذلك؛ وغسّان عدّة بطون من الأزد نزلوا على ماء يسمى غسّان فسمّوا به.

الثالث- تخصيص الرجل من رجال العرب بانتساب القبيلة إليه دون غيره من قومه بأن يشهر اسمه بهم لرياسة، أو شجاعة، أو كثرة ولد، أو غيره فتنسب بنوه وسائر أعقابه إليه، وربما انضم إلى النسبة إليه غير أعقابه من عشيرته كإخوته ونحوهم، فيقال فلان الطائيّ، فإذا أتى من عقبه من اشتهر منهم أيضا بسبب من الأسباب المتقدّمة نسبت إليه بنوه، وجعلت قبيلة ثانية؛ فإذا اشتمل النسب على طبقتين فأكثر كهاشم، وقريش، ومضر، وعدنان، جاز لمن في الدرجة الأخيرة من النسب أن ينسب إلى الجميع: فيجوز لبني هاشم أن ينسبوا إلى هاشم، وإلى قريش، وإلى مضر، وإلى عدنان، فيقال في أحدهم الهاشميّ، والقرشيّ، والمضريّ، والعدناني، بل قال الجوهري: إن النسبة إلى الأعلى تغني عن النسبة إلى الأسفل فإذا قلت في النسبة إلى كلب بن وبرة: الكلبيّ استغنيت أن تنسبه إلى شيء من أصوله. وذكر غيره أنه يجوز الجمع في النسب بين الطبقة العليا والطبقة السّفلى. ثم بعضهم يرى تقديم العليا على السفلى: مثل أن يقال: القرشي العدويّ وبعضهم يرى تقديم السفلى على العليا، فيقال العدويّ القرشيّ. الرابع- قد ينضم الرجل إلى غير قبيلته بالحلف والموالاة فينسب إليهم، فيقال: فلان حليف بني فلان أو مولاهم. الخامس- إذا كان الرجل من قبيلة ثم دخل في قبيلة أخرى، جاز أن ينسب إلى قبيلته الأولى، وأن ينسب إلى القبيلة الثانية التي دخل فيها، وأن ينسب إليهما جميعا مثل أن يقال التميميّ ثم الوائليّ، أو الوائليّ ثم التميميّ وما أشبه ذلك. السادس- القبائل في الغالب تسمّى باسم أبي القبيلة: كربيعة ومضر، والأوس والخزرج، وما أشبه ذلك، وقد تسمّى القبيلة باسم الأم: كخندف، وبجيلة ونحوهما، وقد تسمّى باسم خاصّة خصّت أصل تلك القبيلة ونحو ذلك. وربما وقع النسب على القبيلة لحدوث سبب كغسّان، حيث نزلوا على

ماء باليمن كسعد «1» والحارث وغيرهما. السابع- أسماء القبائل في اصطلاح العرب على خمسة أضرب. أوّلها- أن يطلق على القبيلة لفظ الأب كعاد، وثمود، ومدين، ومن شاكلهم؛ وبذلك ورد القرآن الكريم وَإِلى عادٍ* ، وَإِلى ثَمُودَ* . وَإِلى مَدْيَنَ* «2» يريد بني عاد، وبني ثمود، وبني مدين، ونحو ذلك؛ وأكثر ما يكون ذلك في الشّعوب والقبائل العظام بخلاف البطون والأفخاذ ونحو ذلك. وثانيها- أن يطلق على القبيلة لفظ النبوّة: فيقال بنو فلان؛ وأكثر ما يكون ذلك في البطون والأفخاذ. وثالثها- أن يرد ذكر القبيلة بلفظ الجمع مع الألف واللام كالطالبيين والجعافرة ونحوهما، وأكثر ما يكون ذلك في المتأخرين دون غيرهم. ورابعها- أن يعبّر عنها بآل فلان: كآل ربيعة، وآل فضل، وآل مرّ، وآل علي، وما أشبه ذلك؛ وأكثر ما يكون ذلك في الأزمنة المتأخرة، لا سيما في عرب الشام في زماننا. والمراد بالآل الأهل. وخامسها- أن يعبر عنها بأولاد فلان؛ ولا يوجد ذلك إلا في المتأخرين من أفخاذ العرب على قلة، كقولهم: أولاد زعازع، وأولاد قريش ونحو ذلك. الثامن- أسماء غالب العرب منقولة عمّا يدور في خزانة خيالهم، مما يخالطونه ويجاورونه، إما من الحيوان المفترس كأسد، ونمر، وإما من النبات كنبت، وحنظلة، وإما من الحشرات كحيّة، وحنش، وإما من أجزاء الأرض كفهر، وصخر ونحو ذلك. التاسع- الغالب على العرب تسمية أبنائهم بمكروه الأسماء: ككلب، وحنظلة، ومرّة، وضرار، وحرب، وما أشبه ذلك؛ وتسمية عبيدهم بمحبوب

المهيع الثاني في معرفة تفاصيل أنساب العرب

الأسماء: كفلاح ونجاح، ونحوهما. والمعنى في ذلك ما حكي أنه قيل لأبي الدّقيش «1» الكلابي: لم تسمّون أبناءكم بشرّ الأسماء نحو كلب وذئب، وعبيدكم بأحسن الأسماء نحو مرزوق ورباح؟ فقال: إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا وعبيدنا لأنفسنا (يريد أن الأبناء معدّة للأعداء فاختاروا لهم شرّ الأسماء، والعبيد معدّة لأنفسهم فاختاروا لأنفسهم خير الأسماء) . العاشر- إذا كان في القبيلة اسمان متوافقان: كالحارث والحارث، وأحدهما من ولد الآخر أو بعده في الوجود، عبّروا عن الوالد أو السابق منهما بالأكبر، وعن الولد أو المتأخر منهما بالأصغر، وربما وقع ذلك في الأخوين إذا كان أحدهما أكبر من الآخر. المهيع الثاني في معرفة تفاصيل أنساب العرب واعلم أن العرب على قسمين. القسم الأوّل العرب البائدة وهم الذين بادوا، ودرست آثارهم، وانقطعت تفاصيل أخبارهم إلا القليل؛ والمشهور منهم قبائل. القبيلة الأولى- عاد ؛ وهم بنو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السّلام، وكانت منازلهم بالأحقاف بين اليمن وعمان: من البحرين إلى

القبيلة الثانية - ثمود

حضر موت والشّحر؛ وهم الذين بعث الله تعالى إليهم هودا عليه السّلام فلم يؤمنوا فأهلكهم بالريح كما ورد به القرآن الكريم. القبيلة الثانية- ثمود وهم بنو ثمود بن جاثر، (ويقال كاثر بالكاف بدل الجيم) ابن إرم بن سام بن نوح عليه السّلام، وكانت منازلهم بالحجر ووادي القرى، بين الحجاز والشام؛ وكانوا ينحتون بيوتهم من الجبال مراعاة لطول أعمارهم. بعث الله تعالى إليهم صالحا عليه السّلام فلم يؤمنوا، فأهلكم الله بصيحة من السماء كما ورد به القرآن الكريم. القبيلة الثالثة- العمالقة وهم بنو عمليق (ويقال عملاق) بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح؛ وهم أمة عظيمة يضرب بهم المثل في الطول والجثمان. قال الطبريّ: وتفرّقت منهم أمم في البلاد، فكان منهم أهل عمان، البحرين، والحجاز، وملوك العراق، والجزيرة، وجبابرة الشام، وفراعنة مصر. القبيلة الرابعة- طسم ، وهم بنو طسم. قال ابن الكلبيّ: وهم بنو طسم ابن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح عليه السّلام، وذكر الجوهري أنهم من عاد، قال: وكانت منازلهم الأحقاف باليمن. وذكر في «العبر» أن ديارهم كانت باليمامة؛ وكان هلاكهم بالحرب بينهم وبين إخوانهم جديس الآتي ذكرهم. القبيلة الخامسة- جديس ؛ وهم بنو جديس بن إرم بن سام بن نوح. وقال الطبري: جديس بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، وكانت مساكنهم بجوار طسم المقدّم ذكرهم، وكان هلاكهم بالحرب بينهم وبين المذكورين أيضا. القبيلة السادسة- عبد ضخم ، وهم بنو عبد ضخم بن إرم بن سام بن نوح. قال في «العبر» : كانوا يسكنون الطائف فهلكوا فيمن هلك. قال: ويقال إنهم أوّل من كتب بالخط العربيّ.

القبيلة السابعة - جرهم الأولى

القبيلة السابعة- جرهم الأولى . قال ابن سعيد: «1» وهم قبيلة من العرب كانوا على عهد عاد فبادوا. القبيلة الثامنة- مدين ، وهم بنو مدين بن إبراهيم عليه السّلام؛ وهم أمة كبيرة قبائل وشعوب؛ وكانت ديارهم ديار عاد وأرض معان من أطراف الشام مما يلي الحجاز قريبا من عشيرة «2» قوم لوط بعث الله إليهم شعيبا فلم يؤمنوا. القسم الثاني من العرب الباقية أعقابهم على تعاقب الزمان وأكثر من تدعو حاجة الكاتب إلى معرفته من بقي أعقابه منهم متفرقة في أقطار الأرض إلى الآن، وهم على ثلاثة أضرب. الضرب الأوّل العرب العاربة قال الجوهريّ: ويقال فيهم العرب العرباء، وهم بنو قحطان، بن عابر، ابن شالخ بن أرفخشذ، بن سام، بن نوح عليه السّلام، وهم عرب اليمن والمشهور منهم شعبان. الشّعب الأوّل- جرهم (بضم الجيم وسكون الراء وضم الهاء) وهم بنو جرهم بن قحطان، وهم غير جرهم الأولى المقدّم ذكرها في جملة العرب البائدة. وكانت منازلهم أوّلا اليمن، ثم انتقلوا إلى الحجاز فنزلوه، فأقاموا به حتى كان من نزول إسماعيل عليه السّلام مع أبيه مكة ما كان، فنزلوا عليه بمكة، واستوطنوها على ما سيأتي ذكره في الكلام على العرب المستعربة إن شاء الله تعالى.

الشعب الثاني - يعرب

الشّعب الثاني- يعرب وهم بنو يعرب بن قحطان المقدّم ذكره. ويقال إن العرب إنما سمّيت عربا به، وهو أصل عرب اليمن الذين أقاموا به ومنه تناسلوا فولد له يشجب، وولد يشجب سبأ، ومنه تفرّعت جميع قبائلهم. ومرجع المشهور فيه إلى قبيلتين. القبيلة الأولى- حمير ، وهم حمير بن سبإ (بكسر الحاء واسمه العرنجج) . وقد ذكر ابن الكلبيّ: أنه كان لحمير عشرة أولاد من عقبه وكان غالب وجلّ قبائل حمير من ابنيه: الهميسع، ومالك ملوك اليمن؛ وكانت بلادهم مشارف اليمن فظفار وما حولها. ولحمير بقايا موجودون إلى الآن، ومنه غالب قبائل قضاعة، ومنه غالب قبائل حمير، وهو قضاعة، بن مالك، بن عمرو، بن مرّة، بن زيد، بن مالك، بن حمير؛ وقيل: قضاعة بن مالك بن حمير. وذهب بعض النّسّابة إلى أن قضاعة من العدنانيّة الآتي ذكرهم. قال السهيليّ «1» : والصحيح أن أمّ قضاعة (وهي جكرة) مات عنها مالك بن حمير وهي حامل، فتزوّجها معدّ بن عدنان، فولدت قضاعة على فراشه فتبنّاه فنسب إليه. قال المؤيد صاحب حماه «2» : «وكان قضاعة مالكا لبلاد الشّحر وقبره بجبل الشّحر موجود» . ولقضاعة بقايا إلى الآن ينسب إليهم، وإليهم ينسب القضاعيّ المصرّي صاحب كتاب «الشهاب في المواعظ والآداب» في الحديث، و «خطط مصر» وغيرهما. والمشهور من قضاعة سبعة أحياء: الحيّ الأوّل- بليّ (بفتح الباء) وهم بنو بليّ، بن عمرو، بن الحافي ابن قضاعة، ولهم بقايا بالديار المصرية بصعيدها الأعلى، منهم بنو ناب وغيرهم، وبقايا بالحجاز وغيرهما، والنسبة إليهم بلويّ بزيادة واو مكسورة قبل ياء النسب.

الحي الثاني - جهينة

الحيّ الثاني- جهينة (بضم الجيم وفتح الهاء والنون) وهم بنو جهينة، بن زيد، بن ليث، بن سود، بن أسلم، بن الحافي، بن قضاعة وهي قبيلة عظيمة، ولهم بقايا ببلاد الصعيد من الديار المصرية وبالحجاز وغيرهما. والنسبة إليهم جهنيّ بحذف الياء بعد الهاء. الحيّ الثالث- كلب وهم بنو كلب، بن وبرة، بن ثعلبة، بن حلوان، ابن عمران، بن الحافي، بن قضاعة، ومنهم حارثة الكلبيّ أبو زيد بن حارثة مولى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. قال صاحب حماه: وكان بنو كلب في الجاهلية ينزلون دومة الجندل، وتبوك، وأطراف الشام. قال ابن سعيد: ومنهم الآن خلق عظيم على خليج القسطنطينيّة مسلمون. قال في «مسالك الأبصار» : وبشيزر «1» ، وحلب وبلادها، وتدمر، والمناظر «2» أقوام منهم؛ والنسبة إليهم كلبيّ. الحيّ الرابع- عذرة (بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة) وهم بنو عذرة بن سعيد «3» ، بن هذيم، بن زيد، بن ليث، بن سود، بن أسلم، ابن الحافي، بن قضاعة وإلى عذرة هؤلاء ينسب العشق والتتيّم، ومنهم عروة ابن خزام صاحب عفراء أحد المتّيمين وجميل صاحب بثينة. ومن أحسن ما يحكى أنه قيل لرجل منهم: ما بال العشق يقتلكم يا بني عذرة؟ قال لأنّ فينا جمالا وعفّة؛ وقيل لآخر منهم: ما بال الرجل منكم يموت في هوى امرأة؟ إنما ذلك ضعف فيكم يا بني عذرة- فقال: أما والله! لو رأيتم النواظر الدّعج، تحتها المباسم الفلج، وفوقها الحواجب الزّجّ، لا تّخذتموها اللّات والعزّى؛ ولهم بقايا بالدّقهلية والمرتاحيّة من الديار المصرية، وبقايا بالشام أيضا.

الحي الخامس - بهراء

الحيّ الخامس- بهراء (بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء وألف بعد الراء المهملة) وهم بنو بهراء، بن عمرو، بن الحافي، بن قضاعة ومنهم جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم، منهم المقداد بن الأسود، أحد أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ويقال: إن خالد بن برمك من آل بهراء. قال في العبر: وكانت منازلهم شمالي منازل بليّ من الينبع «1» إلى عقبة أيلة «2» ، ثم جاور بحر القلزم منهم خلق كثير، وانتشروا ما بين بلاد الحبشة وصعيد مصر، وكثروا هناك، وغلبوا على بلاد النّوبة، وهم يحاربون الحبشة إلى الآن. الحيّ السادس- بنو نهد ، بن زيد، بن ليث، بن سود، بن أسلم، بن الحافي، بن قضاعة؛ وكانت منازلهم باليمن، وإليهم كتب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كتابه المشهور «3» ؛ وكان منهم طائفة بالشام أيضا فيما ذكره أبو عبيد. ومن مشاهير نهد الصّقعب؛ قال صاحب حماه: وكان رئيسا في الإسلام. الحيّ السابع- جرم ؛ وهم بنو جرم واسمه علاف، بن زبّان، بن حلوان، بن عمران، بن الحافي، بن قضاعة. قال الحمدانيّ: ومنهم بنو جشم، وبنو قدامة، وبنو عوف. قال في العبر: ومنهم جماعة من الصحابة رضي الله عنهم. قلت ووهم القاضي وليّ الدين بن خلدون «4» فجعلهم هم الذين ببلاد غزّة؛ وقد تقدّم أن أولئك هم جرم طيىء لا جرم قضاعة. وعدّ صاحب حماه

القبيلة الثانية - من القحطانية كهلان

في تاريخه منهم تنوخ (بفتح التاء المثناة فوق وضم النون وخاء معجمة في الآخر) قال الجوهري: ولا تشدّد نونه، والتحقيق ما قاله أبو عبيد أنهم ثلاثة أبطن من القحطانية: نزار، والأحلاف «1» . قال: وسمّوا بذلك لأنهم حلفوا على المقام بمكان بالشام والتتنّخ المقام. قال ابن سعيد: ومن الناس من يطلق تنوخ على الضّجاعمة «2» ، ودوس الذين تتنخوا بالبحرين. قال صاحب حماه: وكان بينهم وبين اللّخميين ملوك الحيرة حروب؛ ولتنوخ بقايا بالمعرّة من بلاد الشام فيما ذكره الحمداني «3» . القبيلة الثانية- من القحطانية كهلان (بفتح الكاف وسكون الهاء) ؛ وهم بنو كهلان بن سبإ. قال أبو عبيد: وشعوبهم كلها متشعبة من زيد بن كهلان، وكانوا متداولين الملك باليمن مع بني حمير، انفرد بنو حمير بالملك، وبقيت بطون كهلان، على كثرتها تحت ملكهم. قال في العبر: ثم تقاصر ملك حمير وبقيت الرياسة على العرب بالبادية لبني كهلان، وهم أحياء كثيرة. والمشهور منهم أحد عشر حيّا. الحيّ الأوّل- الأزد (بفتح الهمزة وسكون الزاي وبالدال المهملة) ، قال أبو عبيد: ويقال بالسين بدل الزاي. قال الجوهري: بالزاى أفصح وهم بنو الأزد، بن الغوث، بن نبت، بن مالك، بن أدد، بن زيد، بن كهلان، وهم من أعظم الأحياء وأكثرهم بطونا. وقد قسّم الجوهريّ الأزد إلى ثلاثة أقسام: أحدها- أزد شنوءة ، وهم بنو نصر بن الأزد، وشنوءة لقب لنصّر غلب على بنيه. الثاني- أزد السّراة ، بإضافة أزد إلى السّراة (بالسين المهملة) ، وهو موضع بأطراف اليمن نزل به فرقة منهم فعرفوا به.

الثالث - أزد عمان

الثالث- أزد عمّان بإضافة أزد إلى عمّان (بفتح العين المهملة وتشديد «1» الميم) ، وهي مدينة بالبحرين نزلها قوم منهم فعرفوا بها. وللأزد بقايا ببلاد الشام بزرع وبصرى فيما قاله في «مسالك الأبصار» . ثم الأزد بطون كثيرة منها غسّان (بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة ونون في الآخر) ، قال أبو عبيد: وهم بنو جفنة والحارث وهو محرّق، وثعلبة وهو العنقاء «2» ، وحارثة، ومالك، وكعب، وخارجة، وعوف ابن عمرو بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف، بن امرىء القيس البطريق ويقال البهلول، بن ثعلبة، بن مازن، بن الأزد، وإنما سمّوا غسان لماء نزلوا عليه اسمه غسّان فشربوا منه فسمّوا به. قال في العبر: وهو على القرب من بلاد اليمن. قال أبو عبيد: وفي ذلك يقول بعض الأنصار: إمّا سألت فإنّا معشر نجب ... الأزد نسبتنا والماء غسّان ولغسان هؤلاء كان ملك العرب بالشام بعد سليح المقدّم ذكرهم إلى أن كان آخرهم جبلة بن الأيهم «3» الذي أسلم في زمن عمر ثم ارتدّ، ولحق ببلاد الكفر. وقد ذكر في «مسالك الأبصار» أن لهم بقايا ببلاد الشام بالبلقاء واليرموك وحمص. ومنها الأوس والخزرج ابنا حارثة، بن ثعلبة، بن عمرو مزيقيا، بن عامر ماء السماء، بن حارثة الغطريف، بن امرىء القيس البطريق، ابن ثعلبة، بن مازن، بن الأزد؛ وكانت منازلهم يثرب؛ ومنهم كانت أنصار

الحي الثاني - من كهلان طيىء

النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولهم بقايا كثيرة متفرقة بالمشرق والمغرب. وقد ذكر الحمداني «1» : أن منهم جماعة بمنفلوط من صعيد مصر من عقب حسّان بن ثابت، وسعد بن معاذ سيد الأوس رضي الله عنهما. الحيّ الثاني- من كهلان طيّىء (بفتح الطاء وتشديد الياء بهمزة في الآخر) أخذا من الطاءة على وزن الطاعة: وهي الإيغال في المرعى وهم بنو طيء، بن أدد بن زيد، بن يشجب، بن عريب، بن زيد، بن كهلان؛ والنسبة إليهم طائي، وإليهم ينسب حاتم الطائي المشهور بالكرم، وأبو تمّام الطائيّ الشاعر المشهور، وهم كثير. قال في العبر: وكانت منازلهم باليمن فخرجوا منها على إثر خروج الأزد عند تفرّقهم بسيل العرم «2» ، فنزلوا بنجد والحجاز على القرب من بني أسد؛ ثم غلبوا بني أسد على جبلي أجأ وسلمى «3» من بلاد نجد، فنزلوهما فعرفا بجبلى طييء إلى الآن؛ ثم افترقوا في أوّل الإسلام زمن الفتوحات في الأقطار، ولهم بطون كثيرة. منهم ثعل (بضم الثاء المثلثة وفتح العين المهملة ولام في الآخر) وهم بنو ثعل، بن عمرو، بن الغوث، بن طيّء؛ قال أبو عبيد: ومنهم البيت والعدد. قال صاحب حماه: ومنهم زيد الخيل. ومنها جديلة (بفتح الجيم وكسر الدال وسكون الياء وفتح اللام وهاء في الآخر) ذكرهم الجوهري ولم يرفع نسبهم، ثم قال: وجديلة أمّهم عرفوا بها: وهي جديلة بنت سبيع بن عمرو من حمير.

ومنها نبهان (بفتح النون وسكون الباء الموحدة ونون بعد الألف) وهم بنو نبهان، واسمه سودان، بن عمرو، بن الغوث، بن طيّىء. ومنها بولان (بفتح الباء الموحدة وسكون الواو ونون بعد اللام ألف) وهم بنو بولان، واسمه غصين، بن عمرو، بن الغوث، بن طيّىء. ومنهم الثلاثة نفر الذين يقال إنهم وضعوا الخط العربيّ على ما سيأتي ذكره في الكلام على الخط فيما بعد إن شاء الله. ومنها هناء، وهم بنو هناء، بن عمرو، بن الغوث، بن طيّء. ومنهم إياس بن قبيصة الذي ملك بعد النّعمان بن المنذر. ومنها سدوس (بضم السين والدال المهملتين وسين مهملة في الآخرة) ، وهم بنو سدوس بن أصمع من بني سعد، بن نبهان، بن عمرو، بن الغوث، بن طيء. ومنهم جعفر بن عطيّة الذي يقول: مدحت نسيبي جعفرا إن جعفرا ... تحلّب كفّاه النّدى وأنامله ومنها سلامان (بفتح السين المهملة ونون في الآخر) ؛ وهم بنو سلامان، بن ثعل، بن الغوث، بن طيء. ومنها بحتر (بضم الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة وضم التاء المثناة فوق وراء مهملة في الآخر) ؛ وهم بنو بحتر، بن عتود، بن عنيز، بن سلامان، بن ثعل، بن عمرو، بن الغوث، بن طيء؛ منهم أبو عبادة البحتريّ الشاعر الإسلاميّ المشهور. ومنها زبيد (بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت ودال مهملة في الآخر) ، وهم بنو زبيد، بن معن، بن عمرو، بن عنيز، بن سلامان، بن عمرو، بن الغوث، بن طيء. قال ابن سعيد: وزبيد هؤلاء هم

الذين ببريّة سنجار من الجزيرة الفراتيّة، وهم الذين ذكرهم المقرّ الشهابيّ بن فضل الله، وسماهم زبيد الاحلاف. ومنها سنبس (بضم السين «1» المهملة وسكون النون وضم الباء الموحدة وسين مهملة في الآخر) ، وهم بنو سنبس بن معاوية، بن جرول، بن ثعل، ابن عمرو، بن الغوث، بن طيء. وقد ذكر الحمدانيّ أن منهم طائفة بثغر دمياط، وأنه كان لهم شأن أيام الخلفاء الفاطميين، وعدّ منهم ثلاثة بطون: وهم الخزاعلة، وعيد، وجموح. والإمرة في زماننا هذا فيهم، في الخزاعلة، في بني يوسف بمدينة سخا «2» من الأعمال الغربية. قال الحمدانيّ: ومنهم طائفة بالبطائح «3» من بلاد العراق. ومنها جرم (بفتح الجيم وسكون الراء وميم في الآخر) ، وهم بنو ثعلبة ابن عمرو، بن الغوث، بن طيء. وقال الحمدانيّ جرم اسم أمه غلب عليه: وهي جرم بنت الغوث بن طيء؛ وهؤلاء هم جرم الذين ببلاد غزّة من البلاد الشامية. قال الحمداني: وكانوا متفقين مع ثعلبة بالشام على تدافع الفرنج عن المسلمين، فلما فتح السلطان صلاح الدين البلاد، دخلت طائفة منهم مصر، وبقي بقاياهم بمكانهم ببلاد غزّة. وقد ذكر الحمدانيّ منهم ثلاثة بطون، وهم: شمجان «4» ، وقمران، وجيّان. ثم قال: والمشهور من جرم الآن جذيمة؛ ويقال إن لهم نسبا في قريش؛ وزعم بعضهم أنها ترجع إلى مخزوم، وقيل بل من جذيمة بن مالك، بن حنبل، بن عامر، بن لؤيّ، بن غالب، بن فهر. ثم قال وجذيمة هؤلاء هم آل عوسجة، وآل أحمد، وآل محمود. ثم قال: ومنهم أسلم، وشبل، ورضيعة، ونيور، والقذرة، والأحامدة، والرفثة، وكور،

وموقع. ومنهم من بني غوث: العاجلة، والعادلة، وبنو تمام، وبنو جميل، وبنو مقدام، وآل نادر. ومنهم من بني غوث: بنو بها، وبنو خولة، وبنو هرماس، وبنو عيسى، وبنو سهيل؛ وأرضهم الداروم؛ وجاورهم قوم من زبيد يعرفون ببني فهيد ثم اختلطوا بهم. ومنها ثعلبة، وضبطه معروف، وهم بنو ثعلبة بن سلامان، بن ثعل، بن عمرو، بن الغوث، بن طيء، وهم رعيان درما وزريق، ابني عوف بن ثعلبة، وقيل ابنا ثعلبة واسم درما عمرو، ودرما اسم أمه غلب عليه. قال الحمداني: وكانوا مع جرم بالشام يدا مع الفرنج على المسلمين، فلما فتح السلطان صلاح الدين البلاد انتقلت طائفة منهم إلى مصر ونزلوا أطراف بلاد الشرقية؛ من بطون درما: سلامة، والأحمر، وعمرو، وقصير، وأويس، وشبل، والحنابلة، والمراونة، والحيّانيون ومن بطون زريق بها: بنو وهم والطليحيون؛ ومن الطليحيين آل حجاج، وآل عمران، وآل حفصان، والمصافحة؛ ومن بني زريق أيضا الصبيحيون، ومن الصبيحيين: الغيوث، والزّموت، والروايات، والنمورة، والشمخيين، والسّعالي، والرمالي، والمعامرة، والسّنديّون، والبحابحة، والعقيليون، والمساهرة، والمعافرة؛ ومنهم أيضا العليميون. قال الحمداني: وكان مقدّمهم قديما عمرو بن عسيلة أمّر بالبوق والعلم. ومن العليميّين القمعة، والرياحين، والغوفة. قال الحمداني: وكان فيهم رجال ذو ذكر ونباهة، خدموا الدول، وعضدوا الملوك، وقاموا ونصروا. ومنهم من أمر بالبوق والعلم. ومن بطون ثعلبة هؤلاء أيضا الجواهرة. ومنها غزيّة (بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد الياء المثناة تحت وهاء في الآخر) ، وهم بنو غزيّة، بن أفلت، بن ثعل، بن عمرو، بن سلامان، بن ثعل، بن عمرو، بن الغوث، بن طيء. قال الحمدانيّ: وهم بالشام والعراق والحجاز، وفيما بين العراق والحجاز. قال في العبر: وفيهم الإمارة في العراق إلى الآن ولهم صولة عظيمة. وهم بطون كثيرة: فمن بطونهم البطنين، وأفخاذهم: آل دعيج، وآل روق، وآل رفيع، وآل سرية،

وآل مسعود، وآل تميم، وآل شرود. ومن بطونهم الأجود وأفخاذهم آل منيع، وآل سنيد، وآل منال، وآل أبي الحزم، وآل عليّ، وآل عقيل، وآل مسافر. هذا ما ذكره الحمدانيّ. وزاد في مسالك الأبصار عن نصر بن برجس المشرقي، وأولاد الكافرة، وساعدة، وبني جميل، وآل أبي مالك. قال في «المسالك» : وديار آل أجود منهم الرخيمية، والرقبي، والفردوس، ولينة، والحدق «1» . وديار آل عمرو بالحوف «2» ، وديار بقاياهم: النصيف، والكمن، واليحموم، والأم، والمعينة. ويليهم ساعدة وديارهم من الحضر «3» إلى برية زرود «4» ، إلى سقارة، إلى البقعاء، إلى التيب، إلى الساسة، إلى حضر. ومنها لام. وهم بنو لام بن عمرو، بن طريف، بن عمرو، بن بجيلة، ابن مالك، بن جدعاء، بن ذهل، بن رومان، بن جندب، بن خارجة، بن سعد، بن قطرة، بن طيء. قال ابن سعيد: ومساكنهم المدينة النبوية وما حولها. وقال الحمداني: ديارهم جبل أجأ وسلمى. ثم قال: وظفير من لام، ومنازلهم الظعن قبالة المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام. ومنها آل ربيعة، عرب الشام. وهم بنو ربيعة، بن حازم، بن علي، بن مفرج، بن دغفل، بن جراح، بن شبيب، بن مسعود، بن حرب، بن السّكن، بن ربيع، بن علقى، بن حوط، بن عمرو، بن خالد، بن معبد، بن عدي «5» ، بن أفلت، بن سلسلة بن غنم، بن ثوب، بن معن، بن عتود، بن عنيز، بن سلامان، بن ثعل، بن عمرو، بن الغوث، بن طيء. قال في «مسالك الأبصار» : وتقول بنو ربيعة الآن إنهم من ولد جعفر بن يحيى، بن

خالد، بن برمك من العبّاسة بنت المهدي، أخت الرشيد، ويزعمون أنه كان يحضر مع الرشيد مجلسه الخاص وأنه كلمه في تزويجها ليحلّ له نظرها لاجتماعهما بمجلسه فعقد له عليها بشرط أن لا يطأها، فعانقها على حين غفلة من الرشيد، فحملت منه بولد كان ربيعة هذا من ولده. قال: ويقول في نسبه إنه ربيعة بن سالم، بن شبيب، بن حازم، بن علي، بن جعفر، بن يحيى، بن خالد، بن برمك؛ ويزعمون أن نكبة البرامكة كانت بسبب ذلك. ثم قال: وأصلهم إذا نسبوا إليه أشرف لهم لأنهم من سلسلة بن عنيز، بن سلامان، بن طيء، وهم كرام العرب وأهل البأس والنجدة؛ والبرامكة وإن كانوا قوما كراما فإنهم قوم عجم وشتّان بين العرب والعجم؛ وقد شرف الله تعالى العرب أن بعث منهم محمدا صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأنزل فيهم كتابه، وجعل فيهم الخلافة والملك، وابتزّ [بهم] «1» ملك فارس والروم، ونزع بأسنتهم تاج كسرى وقيصر، وكفى بذلك شرفا لا يطاول، وفخرا لا يتناول. وذكر في «التعريف» نحوه قال في العبر: وكانت رياسة طيء في أيام الفاطميين لبني الجراح، ثم صارت لآل ربيعة. قال الحمداني: وكان ربيعة هذا قد نشأ في أيام الأتابك زنكي «2» وابنه نور الدين الشهيد صاحب الشام ونبغ بين العرب وولد له أربعة أولاد وهم: فضل، ومرا، وثابت، ودغفل، ومنهم تفرعت بطون آل ربيعة. ثم المشهور من آل ربيعة الآن ثلاثة بطون وهم: آل فضل، وآل مرا، وآل عليّ، فآل فضل هم بنو فضل بن ربيعة وآل مرا بنو مرا بن ربيعة. وأما آل عليّ فمن آل فضل أيضا، وهم بنو عليّ بن حديثة، بن عقبة بن فضل المقدم ذكره؛ وقد صارت آل فضل أيضا بعد ذلك بيوتا أرفعها قدرا بيت عيسى بن مهنّا، بن ماتع، بن حديثة، بن عقبة، بن فضل. قال في «مسالك الأبصار» : وفيهم الإمرة دون سائر آل فضل. قال: ثم صار آل عيسى بيوتا: بيت مهنا بن

الحي الثالث - من كهلان مذحج

عيسى، وبيت فضل بن عيسى، وبيت حارث بن عيسى، وبيت محمد بن عيسى، وبيت هبة بن عيسى. وسيأتي الكلام على تقسيم الإمرة فيهم في الكلام على عرب الشام في المسالك والممالك إن شاء الله. الحي الثالث- من كهلان مذحج (بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة وجيم في الآخر) ، وهم بنو مذحج واسمه مالك، بن ادد، بن زيد، بن يشجب، بن عريب، بن زيد، بن كهلان هكذا قاله أبو عبيد، وقال الجوهري: مذحج بن يحابر «1» ، بن مالك بن زيد، بن كهلان. وقد ذكر الحمداني، أنهم إنما سموا مذحجا لشجرة تحالفوا عندها اسمها مذحج، فسمّوا باسمها. ثم لمذحج بطون كثيرة: منها خولان، (بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو ونون بعد اللام ألف) ، وهم بنو خولان بن مالك، وهو مذحج وإليهم ينسب أبو إدريس الخولانيّ «2» . قال في العبر: وبلاد خولان في بلاد اليمن من شرقيّه، قال: وقد افترقوا في الفتوحات، وليس منهم اليوم ذرّية إلا باليمن؛ ثم قال: وهم غالبون على أهله. ومنها جنب (بفتح الجيم وسكون النون وباء موحدة في الآخر) وهم بنو منبّه، والحارث، والغلي، وسبحان، وشمران، وهفان بن يزيد، بن حرب، بن علّة، بن جلد، بن مذحج. قال أبو عبيد: وسمّوا بجنب لأنهم جانبوا عمّهم صداء، وحالفوا سعد العشيرة، وحالفت صداء بني الحارث بن كعب. ومن جنب: معاوية الخير الجنبيّ، صاحب لواء مذحج في حرب بني وائل. ومنها سعد العشيرة، وهم بنو سعد العشيرة بن مذحج، وسمّي بذلك

لأنه لم يمت حتّى ركب معه من ولده وولد ولده ثلاثمائة رجل، فكان إذا سئل عنهم يقول هؤلاء عشيرتي دفعا للعين عنهم، فقيل له سعد العشيرة. ثم من بطون سعد العشيرة أوذ (بفتح الهمزة وسكون الواو وذال «1» معجمة في الآخر) وهم بنو أوذ بن صعب بن سعد العشيرة، وإليهم ينسب الأفوه الأوذي «2» الشاعر المشهور. ومن بطون سعد العشيرة أيضا جعفيّ (بضم الجيم وسكون العين المهملة وكسر الفاء وياء مثناة تحت في الآخر) وهم بنو جعفيّ بن سعد العشيرة والنسبة إليهم جعفيّ على مثل لفظه، وإليهم ينسب الإمام البخاري بالموالاة، فيقال الجعفيّ مولاهم. ومن بطون سعد العشيرة زبيد (بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت ودال مهملة في الآخر) وهم بنو منبّه بن صعب بن سعد العشيرة، وتعرف زبيد هؤلاء بزبيد الأكبر، وهم زبيد الحجاز. قال في مسالك الأبصار: وعليهم درك الحاج المصري من الصفراء إلى الجحفة ورابغ. ومن زبيد هؤلاء بطن تعرف بزبيد الأصغر، وهم بنو منبّه الأصغر بن ربيعة بن سلمة بن مازن بن ربيعة بن منبّه الأكبر. قال أبو عبيد: ومن زبيد هؤلاء عمرو بن معدي كرب. ومنها النّخع (بفتح النون وسكون «3» الخاء المعجمة وعين مهملة في الآخر) ، وهم بنو النخع واسمه جسر بن عمرو بن علّة بن جلد بن مذحج. قال أبو عبيد: وسمي النّخع لأنه انتخع عن قومه أي بعد، ومنهم الأشتر النّخعيّ أحد تابعي أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو الذي ولاه أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه مصر، وكتب له بها عهدا على ما سيأتي ذكره في

الحي الرابع - من بني كهلان همدان

الكلام على العهود عند ذكر الولايات فيما بعد إن شاء الله تعالى. وإليهم ينسب إبراهيم النّخعيّ «1» الإمام الكبير المشهور. ومنها عنس (بفتح العين الهملة وسكون النون وسين مهملة في الآخر) ، وهم بنو عنس بن مذحج، منهم عمّار بن ياسر الصحابيّ المشهور؛ وإليهم ينسب الأسود العنسيّ الكذّاب، الذي أخبر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بخروجه فادّعى النبوّة باليمن بعد ذلك. ومنها بنو الحارث، ويقال بلحارث بن كعب، وهم بنو الحارث بن كعب ابن عمرو بن علّة بن جلد بن مذحج. قال في «العبر» : وديارهم بنواحي نجران من اليمن مجاورون لبني ذهل بن مزيقياء، منهم بشير الحارثيّ الذي قدم على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال له: ما اسمك قال: أكير، قال: بل أنت بشير. الحيّ الرابع- من بني كهلان همدان (بفتح الهاء وسكون الميم ودال مهملة ثم ألف ونون) ، وهم بنو همدان، بن مالك، بن زيد، بن أوسلة، بن ربيعة، بن الخيار، بن زيد، بن كهلان. قال في «العبر» : وكانت ديارهم باليمن من شرقيه، ولما جاء الإسلام تفرّق من تفرّق منهم، وبقي من بقي باليمن. قال: وكانت همدان شيعة لأمير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه عند وقوع الفتن بين الصحابة؛ وفيهم يقول رضي الله عنه: فلو كنت بوّابا على باب جنّة ... لقلت لهمدان ادخلي بسلام قال في «مسالك الأبصار» : وبالجبل المعروف بالطّيّبين من الشام فرقة من همدان. الحيّ الخامس- من بني كهلان كندة (بكسر الكاف وسكون النون وفتح الدال المهملة وهاء في الآخر) ، وهم بنو كندة، واسمه ثور، بن عفير، بن

الحي السادس - من بني كهلان مراد

عديّ، بن الحارث، بن مرّة، بن أدد، بن زيد، بن يشجب، بن عريب، بن زيد، بن كهلان. قال صاحب حماة: وسمي كندة لأنه كند أباه أي كفر نعمته. قال: وبلادهم باليمن قبلي حضر موت، وكان لهم ملك بالحجاز واليمن؛ ومنهم الأشعث بن قيس الصحابيّ المشهور؛ ومنهم أيضا القاضي شريح قاضي عليّ رضي الله عنه. وقد ذكر في «مسالك الأبصار» أن باللّوى من بلاد الشام قوما ينسبون إلى كندة، ولهم بطون منها السّكون (بضم السين المهملة والكاف ونون بعد الواو) ، وهم بنو السّكون بن أشرس بن كندة؛ ومنهم معاوية بن حديج قاتل محمد بن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنهما؛ وعدّ منها صاحب حماة السّكاسك أيضا (بفتح السين الأولى وكسر الثانية) . والذي ذكره أبو عبيد أنه من حمير، وقال: هم بنو السّكاسك بن واثلة بن حمير. قال الجوهري: والنسبة إلى السّكاسك سكسكيّ ردّا له إلى أصله كما ينسب إلى مساجد مسجديّ. الحيّ السادس- من بني كهلان مراد (بضم الميم وفتح الراء المهملة ودال مهملة بعد الألف) ، وهم بنو مراد، بن مالك، بن أدد، بن زيد، بن يشجب، بن عريب، بن زيد، بن كهلان؛ قال الجوهري: ويقال إن اسمه يحابر فتمرد فسمى مرادا وجعلهم في العبر بطنا من مذحج، فقال مراد بن مذحج. قال صاحب حماه: وبلادهم إلى جانب زبيد من بلاد اليمن، قال: وإلى مراد هذا ينسب كل مراديّ من عرب اليمن. الحيّ السابع- من بني كهلان أنمار [ولهم بطنان] (بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الميم وراء مهملة بعد الألف) ، وهم بنو أنمار، بن أراش، بن عمرو، بن الغوث، بن نبت، بن مالك، بن زيد، بن كهلان. ولهم بطنان- الأولى بجيلة (بفتح الباء الموحدة وكسر الجيم وسكون الياء المثناة تحت وفتح اللام وهاء في الآخر) ، وهم بنو عبقر، والغوث، وصهيبة، وخزيمة «1» بن أنمار، بن

الثانية - خثعم

أراش. قال أبو عبيد: وبجيلة أمهم، عرفوا بها- وهي بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة، قال في العبر: وكانت بلادهم في سروات اليمن والحجاز إلى تبالة «1» ثم افترقوا أيام الفتح الإسلامي في الآفاق، فلم يبق منهم في مواطنهم إلا القليل، قال الجوهريّ: ويقال إنهم من العدنانية، لأن نزار بن معدّ بن عدنان ولد له مضر وربيعة وإياد وأنمار، وولد لأنمار بجيلة وخثعم فصاروا إلى اليمن، وإلى بجيلة هؤلاء ينسب جرير بن عبد الله البجليّ، صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكان جميلا فائق الجمال، حتى إنه كان يقال له يوسف الأمّة، وفيه يقول بعض الشعراء يمدحه: لولا جرير هلكت بجيلة ... نعم الفتى وبئست القبيلة الثانية- خثعم (بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة وميم في الآخر) ، وهم بنو خثعم بن أنمار بن أراش المقدّم ذكره ابن هند بنت مالك بن الغافق بن الشاهد بن عد، وفيهم مثل ما تقدّم من كلام الجوهري في الكلام على بجيلة أنهم من العدنانية: لأن خثعم وبجيلة يرجعون إلى أنمار. وكانت مساكنهم مع إخوتهم بجيلة بسروات اليمن فافترقوا في الفتوحات الإسلامية، فلم يبق منهم في مواطنهم إلا القليل. ومن خثعم هؤلاء أكلب (بفتح الهمزة وسكون الكاف وضم اللام وباء موحدة في الآخر) ، وهم بنو أكلب، بن عفير، بن خلف «2» ، بن خثعم. قال أبو عبيد: ويقال إن أكلب من ربيعة بن نزار. قال الحمدانيّ: وهم بطون كثيرة، ومنازلهم بيشة، شرقيّ مكة المشرفة. ومن خثعم أيضا بنو منبّه والفرع، وبنو نضلة ومعاوية وآل مهديّ، وبنو نصر، وبنو حام، والورد، ونادر، وآل الصعافير، والشماء، وبلوس، قال الحمدانيّ: ومنازلهم على القرب من بيشة شرقيّ مكة أيضا.

الحي الثامن - من بني كهلان جذام

الحيّ الثامن- من بني كهلان جذام (بضم الجيم وفتح الذال المعجمة وألف ثم ميم) ، وهم بنو جذام، بن عديّ، بن الحارث، بن مرّة، بن أدد، ابن زيد، بن يشجب، بن عريب، بن زيد، بن كهلان هذا ما ذكره أبو عبيد، وجعلهم صاحب حماه في تاريخه من ولد عمرو بن سبإ. قال الجوهري: وتزعم نسابة مضر أنهم من مضر يعني من العدنانية، وأنهم انتقلوا إلى اليمن فنزلوها، فحسبوا من اليمن، واستشهد له بقول الكميت يذكر انتقالهم إلى اليمن بانتسابهم فيهم: نعاء جذاما غير موت ولا قتل ... ولكن فراقا للدّعائم والأصل واستشهد له الحمدانيّ أيضا بقول جنادة بن خشرم الجذاميّ: «1» وما قحطان لي بأب وأمّ ... ولا تصطادني شبه الضّلال وليس إليهم نسبي ولكن ... معدّيّا وجدت أبي وخالي قال الحمداني: ويقال إنهم من ولد أعصر «2» بن مدين بن إبراهيم عليه السلام، واستشهد لذلك بما رواه محمد بن السائب أنه وفد على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وفد جذام، فقال «مرحبا بقوم شعيب وأصهار موسى» . قال صاحب حماه: وكان فيهم العدد والشّرف. قال الحمداني: وهو أوّل من سكن مصر من العرب حين جاءوا في الفتح مع عمرو بن العاص رضي الله عنه، وأقطعوا فيها بلادا بعضها بأيدي بنيهم إلى الآن. وكان لجذام ولدان، هما: حشم (بكسر الحاء المهملة وسكون الشين المعجمة وميم في الآخر) ، وحرام (بفتح الحاء والراء المهملتين وألف ثم ميم) ؛ ومن ولد حشم عتيت (بفتح

العين المهملة وكسر التاء المثناة فوق وسكون الياء المثناة تحت وتاء مثناة فوق في الآخر) ، وهم بنو عتيت «1» بن أسلم، بن مالك، بن شنوءة، بن تديل، ابن حشم بن جذام. قال أبو عبيد: وهم اليوم ينتسبون في بني شيبان، ويقولون عتيت «2» بن عوف بن شيبان. قال وإليهم تنسب حفرة عتيت «3» بالبصرة، قال الجوهري: أغار عليهم بعض الملوك فسبى الرجال، فكانوا يقولون إذا كبر صبياننا لم يتركونا، حتّى يفتكّونا، فلم يزالوا عنده حتّى هلكوا فضرب لهم العرب مثلا فقالوا: أودى عتيت» ، وفي ذلك يقول الشاعر: ترجّيها وقد وقعت بقرّ ... كما ترجو أصاغرها عتيت «5» ثم لجذام الآن بطون كثيرة متفرقة في الأقطار؛ منهم بالشرقية من الديار المصرية من بني زيد بن حرام بن جذام، وبني محرمة بن زيد بن حرام بن جذام: فأما بنو زيد فمنهم بنو سويد، وبعجة، وبردعة، ورفاعة وناثل، من بني زيد بن حرام بن جذام، فمن ولد سويد هلبا سويد، وهم بنو هلبا بن سويد بن زيد بن حرام بن جذام. قال الحمداني: ومنهم العطويون، والجابريون، والغتاورة، وحمدان، ورومان، وصمران، وأسود والحميديون؛ ومن الحميديين أولاد راشد ومنهم: البراجسة، وأولاد يبرين والجراشنة، والكعوك، وأولاد غانم، وآل حمود، والأخيوة، والزرقان، والأساورة، والحماريون. ومن بني راشد أيضا الحراقيص، والخنافيس، وأولاد غالي، وأولاد جوّال، وآل زيد؛ ومن النجابية أولاد نجيب وبنو فضيل. ومن هلبا سويد أيضا بنو الوليد، وهم بنو الوليد بن سويد المقدّم ذكره.

ومنهم الحيادرة، وهم بنو حيدرة، بن يعرب، بن حبيب، بن الوليد، بن سويد. قال الحمداني: وهم طائفة كبيرة، ومنهم بنو عمارة، وهو عمارة بن الوليد. ومنهم عدد، والحبّيون: وهم بنو حبة بن راشد بن الوليد. ومن ولد الوليد بن سويد المذكور طريف بن بكتوت الملقب زين الدولة، كان من أكرم العرب، وكان في مضيفته أيام الغلاء اثنا عشر ألفا تأكل عنده كل يوم، وكان يهشم الثريد في المراكب؛ ومن أولاده من أمّر بالبوق والعلم؛ وعدّ من أحلافهم أولاد الهوبرية، والرداليين، والحليفيين، والحضينيين، والربيعيين، وهم أولاد شريف النجابين، وذكر الحمداني أن لهم نسبا في قريش إلى عبد مناف بن قصيّ. ومن هلبا سويد هؤلاء هلبا مالك، وهم بنو مالك بن سويد؛ ومن هلبا مالك بنو عبيد، وهم بنو عبيد بن مالك؛ ومن بني عبيد المذكور الحسنيّون، وهم بنو الحسن بن أبي بكر بن موهوب بن عبيد؛ والغوارنة، وهم بنو الغور بن أبي بكر بن موهوب بن عبيد؛ وبنو أسير، وهم بنو أسير بن عبيد؛ ومن هلبا مالك أيضا اللّبيديون، والبكريون، والعقيليون، وهم بنو عقيل بن قرّة بن موهوب بن عبيد ومنهم بنو ردينيّ، وهم بنو ردينيّ بن زياد، بن حسين، بن مسعود، بن مالك، بن سويد. ومن ولد بعجة هلبا بعجة، وهم بنو هلبا، ومنظور، وردا، وناثل بن بعجة بن زيد بن سويد بن بعجة؛ فمن ولد هلبا بعجة مفرّج بن سالم، أمّره المعز أيبك «1» بالبوق والعلم، ثم خلفه على إمرته ولده حسّان. ومنهم أولاد الهريم من بني غياث بن عصمة بن نجاد بن هلبا بن بعجة. ومنهم جوشن بن منظور بن بعجة، وهو صاحب السّراة المضروب به المثل في الكرم والشجاعة. ومن ولد ناثل: مهنّا بن علوان بن علي بن زبير بن حبيب بن ناثل، كان

جوادا كريما طرقته ضيوف في شتاء ولم يكن عنده حطب لطعامهم فأوقد أحمال بزّ «1» كانت عنده. ومن بني حرام بن جذام أيضا بنو سعد. قال الحمداني: وفي جذام خمس سعود اختلطت بمصر، وهم سعد بن إياس بن حرام بن جذام وسعد بن مالك بن أفصى بن سعد بن إياس بن حرام بن جذام، وإليه ينسب أكثر السّعديّين وسعد بن مالك بن حرام بن جذام «2» ، وسعد بن سامة بن عنبس بن غطفان بن سعد بن مالك بن حرام بن جذام، وهم عشائر كثيرة منهم بنو فضل، والسّلاحمة، وبرشاش، وجوشن، وعدلان، وفزارة. قال وأكثرهم مشايخ بلاد وخفراء، ولهم مزارع ومآكل، وفسادهم كثير، وسكنهم منية غمر «3» إلى ريفها ومنهم شاور وزير العاضد الفاطمي، وإليه تنسب أولاد شاور كبار منية غمر وخفراؤها؛ على أن ابن خلكان قد ذكر أنه من سعد الذين أرضع فيهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. وأما بنو محرمة فمنهم الشّواكر، وهم بنو شاكر بن راشد. ومنهم أولاد العجار أدلّاء الحاجّ من زمن السلطان صلاح الدين وهلمّ جرّا. ومن جذام أيضا بالشرقية العائد، وهم بطن من جذام عليهم درك الحاج إلى العقبة. ومنهم أيضا بالشرقية بنو حرام. وقال الحمداني: وقلّ في عرب مصر من يعرفها. ومنهم بالدقهلية «4» عمرو وزهير، عدّ منهم الحمداني الحضينيين، وردالة، والأحامدة، والحمارنة، وهم بنو حمران. قال الحمداني: وفي زهير هؤلاء من بني عرين، وبني شبيب، وبني عبد الرحمن،

الحي التاسع - من بني كهلان لخم

وبني مالك، وبني عبيد، وبني عبد القويّ، وبني شاكر، وبني حسن، وبني سمان، وهم يتواردون في أسماء بعض البطون مع غيرهم. ومن جذام أيضا ببلاد الشام بنو صخر بالكرك، وبنو مهديّ بالبلقاء، وبنو عقبة، وبنو زهير بالشّوبك «1» . ومنهم بنو سعيد بصرخد «2» ، وحوران؛ ومنهم جماعة ببلاد الغور، وجماعة ببلاد البربر من بلاد السّودان. الحي التاسع- من بني كهلان لخم (بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة وميم في الآخر) ، وهم بنو لخم بن عديّ بن الحارث بن مرّة بن أدد بن زيد ابن يشجب بن عريب، بن زيد، بن كهلان؛ ولخم أخو جذام المقدّم ذكره، وكل منهما عمّ لكندة المقدّم ذكره أيضا. وعدّ صاحب حماه لخما من بني عمرو بن سبإ كما عدّ جذاما إذ كانا أخوين كما تقدّم. وقد كان للمفاوزة من اللخميين ملك بالحيرة من بلاد العراق، ثم كان لبني عبّاد من بقاياهم بالأندلس ملك بإشبيلية. وذكر القضاعي أنهم حضروا فتح مصر، واختلطوا بها، هم ومن خالطهم من جذام. قال الحمداني: وبصعيد الديار المصرية منهم قوم يسكنون بالبر الشرقي، ذكر منهم الحمداني سبع أبطن: الأولى سماك. وهم المعروفون بالسماكيين، وبنو مرّ، وبنو مليح، وبنو نبهان، وبنو عبس، وبنو كريم، وبنو بكير، وديارهم من طارف ببا بالبهنسا «3» إلى منحدر دير الجميرة في البر الشرقي. الثانية بنو حدّان، وهم بنو محمد، وبنو علي، وبنو سالم، وبنو مدلج، وبنو رعيش؛ وديارهم من دير الجميرة، إلى ترعة صول «4» . الثالثة بنو راشد، وهم بنو معمر، وبنو واصل وبنو مرا، وبنو

الحي العاشر - من بني كهلان الأشعريون

حبّان، وبنو معاد، وبنو البيض، وبنو حجرة، وبنو شنوءة. وديارهم من مسجد موسى إلى أسكر «1» ، ونصف بلاد إطفيح. ولبني البيض الحيّ الصغير، ولبني شنوءة من ترعة شريف إلى معصرة بوش. الرابعة بنو جعد، وهم بنو مسعود، وبنو حدير، وهم المعروفون بالحديريين، وبنو زبير، وبنو ثمال، وبنو نصّار ومسكنهم ساحل إطفيح. الخامسة بنو عديّ، وهم بنو موسى، وبنو محرب، ومساكنهم بالقرب منهم. السادسة بنو بحر، وهم بنو سهل، وبنو معطار، وبنو فهم، وهم المعروفون بالفهميين، وبنو عسير، وبنو مسند، وبنو سباع، ومسكنهم الحيّ الكبير. السابعة قيس، وهم بنو غنيم، وبنو عمرو، وبنو حجرة، ولبني غنيم منهم العدوية، ودير الطّين «2» إلى جسر مصر؛ ولبني عمرو الرستق ولهم نصف حلوان، ولبني حجرة النصف الثاني، ونصف طرا «3» . ومن بطون لخم بنو الدار رهط تميم الداريّ صاحب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهم بنو الدار بن هانىء، بن حبيب، بن نمارة، بن لخم. قال الحمداني: وبلد الخليل عليه السلام معمور من بني تميم الداريّ رضي الله عنه، وبيد بني تميم هؤلاء الرّقعة التي كتبها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لتميم وإخوته بإقطاعهم بيت حبرون «4» التي هي بلد الخليل عليه السّلام وبعض بلادها ويقال إنها مكتوبة في قطعة من أدم من خفّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وبخطّه. الحي العاشر- من بني كهلان الأشعريّون . وهم بنو الأشعر بن أدد، بن زيد، بن يشجب، بن عريب، بن زيد، بن كهلان. قال وسمّي الأشعر لأن

الحي الحادي عشر - من بني كهلان عاملة

أمه ولدته وهو أشعر. وجعله صاحب حماه من بني أشعر بن سبإ، وهم رهط أبي موسى الأشعريّ صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. الحي الحادي عشر- من بني كهلان عاملة . وهم بنو عاملة، واسمه الحارث، بن عفير، بن عديّ، بن الحارث، بن وبرة، بن أدد، بن زيد، بن يشجب، بن عريب، بن زيد، بن كهلان؛ وذكر أبو عبيد أن بني عاملة هم بنو الحارث بن مالك؛ يعني ابن الحارث بن مرّة بن أدد، وأنه كان تحته عاملة بنت مالك بن وديعة بن عفير، بن عديّ، بن الحارث، بن مرة بن أدد فعرفوا بها. وذكر صاحب حماه أنهم من ولد عاملة بن سبإ. وقد ذكر الحمداني أن بجبال عاملة «1» من بلاد الشام منهم الجمّ الغفير. الضرب الثاني من العرب الباقين على ممرّ الزمان: العرب المستعربة قال الجوهري: ويقال لهم المتعرّبة أيضا، وهم بنو إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، سمّوا بذلك لأن لسان إسماعيل عليه السّلام كان العبرانيّة أو السّريانية، فلما نزل جرهم من القحطانيّة عليه وعلى أمه بمكة المشّرفة، تزوّج منهم، وتعلم هو وبنوه العربية من جرهم المذكورين فسمّوا لذلك المستعربة. واعلم أن الموجودين من العرب من ولد إسماعيل عليه السّلام كلهم من بني عدنان بن أدد المقدّم ذكره في عمود النسب على خلاف في نسبه إلى إسماعيل يطول ذكره. قال في العبر: ومن عدا عدنان من ولد إسماعيل قد انقرضوا، ولم يبق لهم عقب؛ ولذلك عرفت هذه العرب بالعدنانيّة ثم العدنانية صنفان: الصنف الأوّل- من فوق قريش ؛ ولقبائلهم المتفرّعة من عمود النسب ستة أصول:

الأصل الأول - نزار بن معد بن عدنان

الأصل الأوّل- نزار بن معدّ بن عدنان ؛ والمتفرّع منه على حاشية عمود النسب ثلاث قبائل: القبيلة الأولى- إياد (بكسر الهمزة ودال مهملة في الآخر) وهم بنو إياد ابن نزار المقدّم ذكره؛ قال المؤيد صاحب حماه: وفارق إياد الحجاز وسار بأهله إلى أطراف العراق فأقام به. ومن إياد قسّ بن ساعدة الإياديّ، وكعب بن مامة الذي يضرب به المثل في الكرم؛ يقال إنه كان معه ماء لا يفضل عنه وله رفيق فسقاه رفيقه ومات عطشا. القبيلة الثانية- أنمار (بفتح الهمزة وراء مهملة في الآخر) وهم بنو أنمار بن نزار المقدّم ذكره؛ وقد اختلف في تعقبيه، فذهب ذاهبون إلى أنه ذهب إلى اليمن ونزل بالسّروات من مشارق اليمن، وتناسل بنوه بها فعدّوا في اليمانية؛ وذهب آخرون إلى أنه لا عقب له إلا من بنت له زوّجها لأراش من اليمانية، فولدت له أنمار بن أراش المقدّم ذكره في اليمانية؛ فبنو أنمار المعدودون في اليمانية هم بنو أنمار بن أراش المقدّم ذكره في اليمانية من بنت أنمار بن نزار؛ ولذلك وقع اللبس فيهما، قاله السهيلي. القبيلة الثالثة- ربيعة ، وهم بنو ربيعة بن نزار ويعرف بربيعة الفرس: لأن أباه نزارا أوصى له من ماله بالخيل. قال في «مسالك الأبصار» : وبالرّحبة «1» قوم منهم. ولربيعة بطنان، وهما أسد، وضبيعة ابنا ربيعة، ولكلّ منهما عدّة أفخاذ، وديارهم إلى الآن بالجزيرة الفراتية تعرف بديار ربيعة، أما أسد فأكثرها أفخاذا.

فمن أسد بنو عنزة (بفتح العين المهملة والنون والزاي وهاء في الآخر) وهم بنو عنزة بن أسد المقدّم ذكره؛ وكانت منازلهم خيبر من ضواحي المدينة. وجديلة (بفتح الجيم وكسر الدال المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفتح اللام وهاء في الآخر) وهم بنو جديلة بن أسد المقدّم ذكره، والنسبة إليهم جدليّ بحذف الياء بعد الدال. ومن جديلة عبد القيس؛ وهم بنو عبد القيس، بن أفصى، بن دعميّ، ابن جديلة. قال في العبر: وكانت ديارهم بتهامة حتّى خرجوا إلى البحرين وزاحموا من بها من بكر بن وائل وتميم، وقاسموهم المواطن، والنّسبة إليهم عبديّ، ومنهم من ينسب إليهم عبديّ قيسيّ، وبعضهم يقول عبقسيّ. ومن عبد القيس هؤلاء الأشجّ الذي قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم «إنّ فيك لخصلتين يحبّهما الله: الحلم والأناة» . ومن جديلة أيضا بنو النّمر (بفتح النون وكسر الميم) وهم بنو النمر ابن قاسط بن هنب بن دعميّ بن جديلة. قال في العبر: وديارهم رأس العين من أعمال الجزيرة الفراتيّة. ومن جديلة أيضا بنو وائل (بالياء المثناة تحت) وهم بنو وائل بن قاسط ابن هنب بن أفصى، بن دعميّ، بن جديلة المقدّم ذكره. ومن وائل بكر (بفتح الباء الموحدة وسكون الكاف) وتغلب (بالتاء المثناة في أوّله والغين الساكنة المعجمة وكسر اللام وباء موحدة) وهم بنو بكر وتغلب ابني وائل المقدم ذكره. ومن تغلب بن وائل كليب ملك بني وائل الذي قتله جسّاس، وهاجت بسببه الحرب المعروفة بالبسوس أربعين سنة. ومن تغلب أقوام بزرع، وبصرى، وبالقريتين «1» منهم نفر.

الأصل الثاني - مضر

ومن بكر أقوام بجينين وبلادها، وبالرّحبة قوم منهم. ومن بني تغلب كانت بنو حمدان ملوك حلب قديما. ومن بكر بن وائل شيبان، وهم بنو شيبان بن ثعلبة، بن عكابة، بن صعب، بن عليّ، بن بكر. ومن بني شيبان هؤلاء مرّة وابنه جسّاس قاتل كليب المذكور. ومنهم طرفة بن العبد الشاعر. ومن بني شيبان أيضا سدوس (بفتح السين المهملة في أوله وسين ثانية في آخره) وهم بنو سدوس بن ذهل بن شيبان. ومن بكر بن وائل أيضا بنو حنيفة رهط مسيلمة الكذاب الذي تنبّأ في زمن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقتل في خلافة الصدّيق رضي الله عنه، وهم بنو حنيفة بن لحيم. بن صعب، بن عليّ بن بكر، بن وائل. ومن بكر أيضا بنو عجل، بن لجيم، بن صعب، بن عليّ، بن بكر، بن وائل. قال في العبر: وكانت منازلهم من اليمامة إلى البصرة؛ قال ثم خلفهم الآن في تلك البلاد بنو عامر المنتفق، بن عقيل، بن عامر، بن صعصعة. وذكر الحمداني أن بلادهم في زمانه الجزيرة من بلاد حلب وأنه كان لهم دولة بالعراق. وأما ضبيعة بن ربيعة (فبضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة تصغير ضبعة) وهي قبيلة لم تكثر بطونها. ومنهم المتلمس الشاعر الباهليّ المشهور. الأصل الثاني- مضر (بضم الميم وفتح الضاد المعجمة) وهو مضر بن نزار المقدّم ذكره، ويعرف بمضر الحمراء: لأن أباه أوصى له من ماله بالذّهب وما في معناه؛ وهي قبيلة عظيمة إلا أن أكثرها اندرج فيما بعدها لكونها على عمود النسب، وقد ذكر في «مسالك الأبصار» أن بنابلس من بلاد الشام بقية من مضر، وبالرحبة رجال منهم، وله على حاشية عمود النسب فرع واحد قد جمع عدّة قبائل، وهو قيس وقد اختلف في نسبه فقيل قيس بن عيلان (بالعين

المهملة) واسمه الناس (بالنون) ابن مضر؛ وقيل هو قيس بن مضر لصلبه، وعيلان المضاف إليه قيل فرسه وقيل كلبه. قال صاحب حماه: وجعل الله تعالى لقيس من الكثرة أمرا عظيما، ولكثرة بطونه غلب على سائر العدنانية حتّى جعل في المثل في مقابل عرب اليمن قاطبة فيقال قيس ويمن. فمن قبائل قيس هوازن، وهم بنو هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان، وهم الذين أغار عليهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وسباهم. ومن هوازن بنو سعد الذين كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، رضيعا فيهم، وهم بنو سعد بن بكر بن هوازن. قال في العبر: وقد افترق بنو سعد هؤلاء في الإسلام ولم يبق لهم حيّ فيطرق إلا أن منهم فرقة بإفريقية من بلاد المغرب بنواحي باجة يعسكرون مع جند السلطان. وقد ذكر ابن خلكان أنّ شاور السعديّ وزير العاضد الفاطمي خليفة مصر منهم وإن كان الحمداني قد ذكر أنه من سعد جذام من القحطانية بالشرقية من الديار المصرية على ما سبق ذكره هناك. ومن هوازن أيضا بنو عامر بن صعصعة، وهم بنو عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن؛ وإليهم ينسب مجنون بني عامر الشاعر الذي كان يشبّب بليلى. ومن بني عامر بن صعصعة بنو كلاب، وهم بنو كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة. قال في العبر: وكان لهم في الإسلام دولة باليمامة، وكانت ديارهم حمى ضريّة وهو حمى كليب «1» ، وحمى الربذة في جهات المدينة النبوية، وفدك والعوالي «2» ؛ ثم انتقلوا بعد ذلك إلى الشأم فكان لهم

في الجزيرة الفراتية صيت وملكوا حلب ونواحيها، وكثيرا من مدن الشام، ثم ضعفوا. قال: وهم الآن تحت خفارة الأمراء من آل ربيعة من عرب الشام. وذكر في «مسالك الأبصار» أنهم ينسبون إلى عبد الوهاب المذكور في سيرة البطّال وذكر أن اسمه عبد الوهاب بن نوبخت. ثم قال: وهم بأطراف حلب، وهم عرب غزّ «1» يتكلمون بالتركية، ويركبون الأكاديش «2» . ولهم غارات عظيمة؛ وأبناء الروم وبناتهم لا يزالون يباعون من سباياهم. وقد ذكر في «مسالك الأبصار» أن بحلب وبلادها طائفة من بني كلاب. ومن بني عامر بن صعصعة أيضا بنو هلال وهم بنو هلال بن عامر بن صعصعة. قال الحمداني: وكان لهم بلاد صعيد مصر كلّها؛ وذكرهم ابن سعيد في عرب برقة، وقال منازلهم فيما بين مصر وإفريقية. قال في العبر: وكانت رياستهم أيام الحاكم العبيدي «3» لماضي بن مقرب. ولما بايعوا لأبي ركوة «4» بالمغرب وقتله الحاكم، سلّط عليهم الجيوش والعرب فأفناهم؛ وانتقل من بقي منهم إلى المغرب الأقصى فهم مع بني جشم هناك. وذكر الحمداني أن بحلب طائفة منهم ثم صار لهم بلاد أسوان وما تحتها. ثم قال: وبإخميم «5» منهم بنو قرّة، إلى عيذاب، وبساقية قلتة «6» منهم بنو عمرو وبطونهم، وهم بنو

رفاعة وبنو حجير وبنو عزيز. وبأصفون وإسنا «1» منهم بنو عقبة، وبنو جميلة. ومن بني هلال حرب فيما ذكره ابن سعيد. قال الحمداني: وهم ثلاث بطون: بنو مسروح، وبنو سالم، وبنو عبيد الله. قال: ومساكنهم الحجاز ومن حرب زبيد الحجاز فيما ذكره الحمداني. وذكر أن منهم بني عمرو ثم قال: ومن بني عامر نمير بن عامر بن صعصعة. قال في العبر: وكانت منازلهم الجزيرة الفراتية والشام بعدوتي الفرات. قال وهم إحدى جمرات «2» العرب، وكان لهم كثرة وعدّة في الجاهلية والإسلام، ودخلوا الجزيرة الفراتية وملكوا حرّان وغيرها. ثم غلبهم عليها خلفاء بني العباس أيام المعتز بالله فهلكوا بعد ذلك وبادوا. ومن بني عامر بن صعصعة أيضا بنو عقيل (بضم العين المهملة وفتح القاف) وهم بنو عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. قال في العبر: وكانت مساكنهم بالبحرين في كثير من قبائل العرب، وكان أعظم القبائل هناك بنو عقيل هؤلاء؛ وبنو تغلب وبنو سليم، وكان أظهرهم في الكثرة والغلب بنو تغلب، ثم اجتمع بنو عقيل وبنو تغلب على بني سليم فأخرجوهم من البحرين، ثم اختلف بنو عقيل وبنو تغلب بعد مدة فغلب بنو تغلب على بني عقيل فطردوهم عن البحرين، فساروا إلى العراق، وملكوا الكوفة والبلاد

الفراتيّة وتغلبوا «1» على الجزيرة والموصل، وملكوا تلك البلاد؛ وكان منهم المقلد وقرواش وقريش وابنه مسلم ملوك الموصل، وبقيت بأيديهم حتّى غلبهم عليها ملوك بني سلجوق، فتحوّلوا عنها إلى البحرين حيث كانوا أوّلا، فوجدوا بني تغلب قد ضعف أمرهم فغلبوهم على البحرين، وصار الأمر بالبحرين لبني عقيل. ومن بني عقيل هؤلاء آل عامر، وهم بنو عامر بن عقيل المذكور، وهم الذين بيدهم بلاد البحرين. قال ابن سعيد: سألت أهل البحرين في سنة إحدى وخمسين وسبعمائة حين لقيتهم بالمدينة النبوية عن البحرين فقالوا: المملكة بها لبني عامر بن عقيل، وبنو تغلب من جملة رعاياهم؛ على أن الحمداني قد وهم فقال: وهم غير عامر المنتفق، وعامر بن صعصعة، وتبعه على ذلك في «مسالك الأبصار» . وقد ذكر في «مسالك الأبصار» أن بحلب وبلادها طائفة من بني عقيل. ومن بني عقيل أيضا بنو عبادة (بضم العين المهملة وبالباء الموحدة والدال المهملة) وهم بنو عبادة بن عقيل. قال ابن سعيد: ومنازلهم بالجزيرة الفراتيّة مما يلي العراق لهم عدد وكثرة. قال: ومنهم الآن بقية بين الخازر والزّاب «2» ، يقال لهم عرب شرف الدولة في تجمّل وعدد، ولهم إحسان من صاحب الموصل. ثم قال: وهم عدد قليل نحو المائة فارس. ومن بني عقيل أيضا خفاجة (بفتح الخاء المعجمة وفتح الفاء وجيم مفتوحة بعد الألف وهاء في الآخر) ، وهم بنو خفاجة بن عمرو بن عقيل، وفيهم الإمرة بالعراق إلى الآن.

ومن بطون هوازن أيضا بنو جشم (بضم الجيم وفتح الشين المعجمة وميم في الآخر) ، وهم بنو جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن. قال في العبر: وكانت مساكنهم بالسّروات، وهي تلال تفصل بين تهامة ونجد، متصلة من البحرين إلى الشام كسروات الجبل. قال: وسروات جشم متصلة بسراة هذيل. ثم قال: وقد انتقل بعضهم إلى المغرب، وهم الآن به، ولم يبق بالسّراة منهم إلا من ليس له صولة. قال صاحب حماه: ومن جشم هؤلاء دريد ابن الصمّة. ومن بطون هوازن أيضا ثقيف (بفتح الثاء المثلثة وكسر القاف وسكون الياء وفاء في الآخر) ، وهم رهط الحجاج بن يوسف: وهم بنو ثقيف واسمه قسيّ بن منبّه بن بكر بن هوازن؛ ويقال إنهم من إياد بن نزار المقدّم ذكره. وعن بعض النسّابة أن ثقيفا من بقايا ثمود، وكان الحجاج ينكره ويقول كذبوا، قال الله تعالى: وَثَمُودَ فَما أَبْقى «1» أي أهلكهم ولم يبق منهم أحدا. قال في العبر: وثقيف بطن واسع، وكانت منازلهم بالطائف: وهي مدينة من أرض نجد على مرحلتين من مكة في شرقيّها وشمالها كانت في القديم للعمالقة، ثم نزلها ثمود قبل وادي القرى «2» ، ويقال إن الذي سكنها بعد العمالقة عدوان، ثم غلبهم عليها ثقيف فهي الآن دارهم. ومن قبائل قيس أيضا باهلة، وهم بنو سعد مناة بن مالك بن أعصر، واسمه منبّه بن سعد بن قيس عيلان، وجعلهم في العبر بني مالك بن أعصر. وباهلة أمّ سعد مناة عرفوا بها: وهي باهلة بنت صعب بن سعد العشيرة من مذحج، منهم أبو أمامة الباهليّ صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. ومن قبائل قيس بنو مازن، وهم بنو مازن بن منصور بن خصفة بن قيس عيلان. قال في العبر: وعددهم قليل.

ومن قبائل قيس أيضا بنو غطفان بن قيس عيلان. قال في العبر: وهم بطن متسع كثير الشعوب والبطون. قال: وكانت منازلهم مما يلي وادي القرى وجبلي طيء: أجإ وسلمى، ثم تفرقوا في الفتوحات الإسلامية، واستولى على مواطنهم هناك قبائل طيء. ومن بطون غطفان بنو عبس (بفتح العين وسكون الباء الموحدة وسين مهملة في الآخر) وهم بنو عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان. منهم زهير ابن قيس صاحب حرب داحس والغبراء، وهما فرسان كانت إحداهما وهي داحس لعبس، والأخرى وهي الغبراء لفزارة فأجريتا فوقع الحرب بسببهما. ومن عبس هؤلاء عنترة بن شدّاد الشاعر الفارس المشهور. ومن غطفان أشجع (بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الجيم وعين مهملة في الآخر) وهم بنو أشجع بن ريث بن غطفان. قال في العبر: وكانوا هم عرب المدينة النبويّة، وكان سيدهم معقل بن سنان الصحابيّ. قال: ولم يبق أحد منهم بنجد إلا بقايا حول المدينة. ثم قال: وبالمغرب الأقصى منهم حيّ عظيم يظعنون مع عرب معقل بجهات سجلماسة «1» ولهم عدد وذكر. ومن غطفان أيضا ذبيان، قال الجوهريّ: بكسر الذال يعني المعجمة وضمها، وهم بنو ذبيان بن ريث بن غطفان ومنهم النابغة الذبيانيّ الشاعر المشهور. ومن ذبيان فزارة (بفتح الفاء والزاي والراء المهملة وهاء في الآخر) وهم بنو فزارة بن ذبيان. قال في العبر: وكانت فزارة بنجد ووادي القرى، فلم يبق منهم بنجد أحد ونزل جيرانهم من طيىء مكانهم. وذكر أن بأرض

برقة إلى طرابلس الغرب منهم قبائل: رواحة، وهيت، وفزان. قال: وبإفريقية والمغرب منهم الآن أحياء كثيرة، اختلطوا مع أهله يحتاج المعقل من عرب المغرب الأقصى إلى الاستظهار بهم. قال: ومنهم مع سليم بإفريقية طائفة أخرى أحلاف لأولاد أبي الليل من شعوب بني سليم، يستظهرون بهم في مواقف الحرب، ويقيمونهم لأنفسهم مقام الوزراء للملوك. ثم قال: وفي برقة ببلاد هيت جماعة منهم نازلون بها، ومنهم طائفة بصحراء المغرب. قال الحمدانيّ: ومنهم بالديار المصرية جماعة بالصعيد، وجماعة بضواحي القاهرة في قليوب وما حولها، وبهم عرفت القرية المسماة بخراب فزارة هناك. ومن فزارة بنو مازن، وبنو بدر؛ فأمّا بنو مازن فهم بنو مازن بن فزارة، وأما بنو بدر فهم بنو بدر بن عديّ بن فزارة: قال في العبر: وفيهم كانت رياسة بني فزارة في الجاهليّة، يرأسون جميع غطفان وتدين لهم قيس وإخوانهم بنو ثعلبة بن عديّ؛ ومنهم كان حذيفة بن بدر صاحب الفرس المعروفة بالغبراء المقدّم ذكرها؛ ومن بني بدر هؤلاء وبني عمهم بني مازن جماعة بالقليوبية من الديار المصرية. قلت: وبنو بدر هم قبيلتنا التي إليها نعتزي، وفيها ننتسب؛ وأهل بلدتنا قلقشندة نصفهم من بني بدر ونصفهم من بني مازن. ومن قبائل قيس أيضا بنو سليم (بضم السين وفتح اللام) وهم بنو سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان. قال الحمداني: وهم أكبر قبائل قيس. وكان لسليم من الولد بهتة (بضم الباء الموحدة في أوله وفتح «1» المثناة بعد الهاء) ومنه جميع أولاده. قال في العبر: وكانت منازلهم في عالية نجد بالقرب من خيبر. ومن منازلهم حرّة سليم، وحرّة النار بين وادي القرى وتيما. قال: وليس لهم الآن بنجد عدد ولا بقيّة. ثم قال: وبإفريقية منهم حيّ عظيم، وقد تقدّم

الأصل الثالث - إلياس

أنه كان منهم جماعة بالبحرين فغلبهم عليها بنو عقيل بن كعب وبنو تغلب. وقال الحمداني: ومساكنهم برقة مما يلي المغرب ومما يلي مصر. قال: وفيهم الأبطال الأنجاد، والخيل الجياد. قال في العبر: وقد استولوا على برقة، وهي إقليم طويل واسع الأطراف، وخربوا مدنه، ولم يتركوا بها ولاية ولا إمرة إلا لمشايخهم. قال في «مسالك الأبصار» : والإمرة الآن فيهم في بني عزاز، وهي الآن في زماننا لبني عريف. ومن سليم هؤلاء لبيد ببرقة؛ وهم بطون كثيرة العدد. ومن قبائل قيس عدوان (بفتح العين وسكون الدال المهملتين ونون في الآخر) ، وهم بنو عدوان واسمه الحارث بن عمرو بن قيس عيلان. قال أبو عبيد: وسمي عدوان لأنه عدا على أخيه فهم فقتله. قال في العبر: وهم بطن متسع، وكانت منازلهم بالطائف من أرض نجد نزلوها بعد إياد والعمالقة، ثم غلبهم عليها ثقيف، فخرجوا إلى تهامة. وبأفريقية الآن منهم أحياء بادية. وقد عدّ الحمدانيّ عدوان من عرب برّية الحجاز من أحلاف آل فضل من عرب الشام، فيحتمل أنهم هؤلاء وأنهم غيرهم. الأصل الثالث- إلياس (بكسر الهمزة وسكون اللام وفتح الياء المثناة تحت وسين بعد الألف) وهو إلياس بن مضر المقدّم ذكره، وكانت تحته خندف (بكسر الخاء وسكون النون وكسر الدال المهملة وفاء في الآخر) وهي خندف بنت حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة، فعرف بنوه بها فقيل لهم خندف: لأن زوجها إلياس رآها يوما تمشي، فقال لها: مالك تخندفين؟ والخندفة أن يقلب ظهر قدمه إلى الأرض عند مشيه. وله فرعان على حاشية عمود النسب: الفرع الأول- طابخة (بفتح الطاء المهملة وكسر الباء الموحدة بعد الألف وفتح الخاء المعجمة وهاء في الآخر) ، وهم بنو طابخة، واسمه عمرو ابن إلياس بن مضر، وسمي طابخة لأنه كان هو وأخوه مدركة الآتي ذكره على

عمود النسب، وكان اسمه عامرا، في إبل لهما فصادا صيدا وقعدا يطبخانه فعدت عادية على إبلهما فاستاقتها، فقال عامر لعمرو: أتدرك الإبل أم تطبخ الصيد؟ فقال عمرو: بل أطبخ الصيد، فلحق عامر الإبل فجاء بها فلما جاءا أباهما أخبراه الخبر، فقال لعامر: أنت مدركة. وقال لعمرو: أنت طابخة فسميا بذلك. ويتفرّع عن طابخة قبائل كثيرة: فمن قبائل طابخة تميم (بفتح التاء المثناة فوق وكسر الميم وسكون الياء المثناة تحت وميم في الآخر) وهم بنو تميم بن مرّ بن مراد بن طابخة. قال في العبر: وكانت منازلهم بأرض نجد دائرة من هنالك على البصرة واليمامة، وامتدّت إلى العذيب من أرض الكوفة، ثم تفرّقوا بعد ذلك في الحواضر، ولم يبق منهم بادية، وورث مساكنهم غزيّة من طيىء وخفاجة من بني عقيل بن كعب. ومن بطون تميم بنو العنبر، وهم بنو العنبر بن عمرو بن تميم، وإليهم ينسب جديلة بن عبد الله العنبريّ الصحابيّ. ومن بطون تميم بنو حنظلة وضبطه معروف، وهم بنو حنظلة بن مالك ابن زيد مناة بن تميم؛ ويقال لهم حنظلة الأكرمون. قال الجوهري: وهم أكبر قبيلة في تميم. ومن حنظلة بنو يربوع (بفتح الياء المثناة تحت وسكون الراء المهملة وضم الباء الموحدة وسكون الواو وعين مهملة في الآخر) ، وهم بنو يربوع بن حنظلة. ومن بني يربوع بنو العنبر بن يربوع، ومنهم سجاح التي تنبأت في زمن مسيلمة الكذاب وهم غير بني العنبر المقدّم ذكرهم. ومن قبائل طابخة بنو ضبّة (بفتح الضاد المعجمة وتشديد الباء) . قال

الفرع الثاني - قمعة

في العبر: وكانت ديارهم بالناحية الشمالية من نجد بجوار بني تميم ثم انتقلوا في الإسلام إلى العراق، وهم الذين قتلوا المتنبي الشاعر. ومن قبائل طابخة أيضا مزينة (بضم الميم وفتح الزاي وسكون الياء المثناة تحت وفتح النون وهاء في الآخر) وهم بنو عثمان وأوس، ابني عمرو ابن أدّ بن طابخة، ومزينة أمهما عرفوا بها؛ وهي مزينة بنت كلب بن وبرة. ومنهم كعب بن زهير ناظم القصيدة المعروفة ببانت سعاد، وإليهم ينسب الإمام إسماعيل بن إبراهيم المزنيّ صاحب الإمام الشافعي رضي الله عنه. الفرع الثاني- قمعة (بفتح القاف والميم والعين المهملة وهاء في الآخر) وهم بنو قمعة بن إلياس بن مضر. قال الجوهريّ إن أباه سماه قمعة لما انقمع في بيته أي انقهر وذل ولم يشتهر عقبه. الأصل الرابع- مدركة (بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر الراء المهملة وفتح الكاف وهاء في الآخر) وهم بنو مدركة بن إلياس بن مضر، وقد تقدم سبب تسميته مدركة. وله فرع واحد على حاشية عمود النسب وهو هذيل (بضم الهاء وفتح الذال المعجمة وسكون الياء المثناة تحت ولام في الآخر) ، وهم بنو هذيل بن مدركة. وهي قبيلة متسعة لها بطون كثيرة والنسبة إليها هذليّ بحذف الياء بعد الذال، وإليهم ينسب عبد الله بن مسعود الصحابيّ رضي الله عنه. الأصل الخامس- خزيمة (بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي وسكون الياء المثناة تحت وفتح الميم وهاء في الآخر) وهو خزيمة بن مدركة. وله فرعان على حاشية عمود النسب، وهما الهون وأسد. فأما الهون (فبضم الهاء وسكون الواو ونون في الآخر) وهو الهون بن خزيمة، وهي قبيلة مشهورة.

الأصل السادس - كنانة

ومن بطون الهون عضد (بفتح العين المهملة والضاد المعجمة «1» ودال مهملة في الآخر) ، وهم بنو عضد بن الهون. ومن بطون الهون أيضا الديش (بكسر الدال المهملة وسكون الياء المثناة تحت وشين معجمة في الآخر) وهم بنو الدّيش بن مليح بن الهون، ويقال لهاتين القبيلتين وهما عضد والدّيش القارة. قال أبو عبيد: وسمّوا بذلك لأن الشّدّاخ الليثي «2» أراد أن يفرقهم في بطون كنانة فقال بعضهم: دعونا قارة لا نتفرق فسمّوا القارة «3» . وأما أسد وضبطه معروف، فهم بطن كبير متسع، قال في العبر: ومنازلهم مما يلي الكرخ من أرض نجد في مجاورة طيىء. قال: ويقال إن بلاد طيىء كانت لبني أسد، فلما خرج بنو طيىء من اليمن تغلبوا على أجأ وسلمى، وتفرّق بنو أسد بسبب ذلك في الأقطار ولم يبق لهم حيّ. قال ابن سعيد: وبلادهم الآن لطيىء. قال في «مسالك الأبصار» : وبغسل «4» وما ينضم إليها من بلاد الشام قوم من بني أسد. ومن بطون أسد الكاهليّة، وهم بنو كاهل بن أسد. ومن بطونهم دودان ابن أسد أيضا. الأصل السادس- كنانة (بكسر الكاف ونون بعدها ألف ثم نون مفتوحة بعدها هاء) وهو كنانة بن خزيمة؛ وهي قبيلة عظيمة اشتهرت على عمود

الفرع الأول - ملكان

النسب. وقد ذكر الحمدانيّ أن منهم جماعة بالإخميمية من صعيد الديار المصرية يعرفون بكنانة طلحة، وذكر في «مسالك الأبصار» أن طائفة منهم قدموا الديار المصرية في وزارة الصالح طلائع بن رزيك «1» ونزلوا دمياط وما حولها. وله على حاشية عمود النسب خمسة فروع: الفرع الأول- ملكان (بفتح الميم وسكون اللام ونون في الآخر) ، وهم بنو ملكان بن كنانة. الفرع الثاني- عبد مناة بإضافة عبد إلى مناة (بميم مفتوحة بعدها نون) ، وهم بنو عبد مناة بن كنانة، ولهم عدّة بطون: منهم غفار (بكسر الغين المعجمة وفتح الفاء وراء بعد الألف) ، وهم بنو غفار بن عبد مناة بن كنانة، وهم رهط أبي ذرّ الغفاري صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ وإليهم الإشارة بقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم «غفار غفر الله لها» . ومنهم بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة؛ ومن بكر هؤلاء الدّئل. وهم بنو الدّئل بن بكر بن عبد مناة؛ وإليهم ينسب أبو الأسود الدّؤلي واضع علم النحو بأمر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. ومنهم بنو ليث؛ وهم بنو ليث بن بكر بن عبد مناة منهم الصّعب بن جثّامة الليثي الصحابي رضي الله عنه. وقد ذكر الحمداني أن منهم طائفة بساقية قلتة بالإخميمية من صعيد مصر. ومنهم بنو الحارث، ويقال فيهم بلحارث؛ وهم بنو الحارث بن عبد مناة. ومنهم بنو مدلج (بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر اللام وجيم في الآخر) ، وهم بنو مدلج بن مرة بن عبد مناة. وفي بني مدلج هؤلاء علم القيافة، وهو إلحاق الإبن بالأب ونحو ذلك بالشّبه. ومنهم طائفة الآن بصرخد وحوران من بلاد الشام، وطائفة بالأعمال الغربية من الديار المصرية.

الفرع الثالث - عمرو بن كنانة

ومنهم بنو ضمرة (بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وفتح الراء المهملة وهاء في الآخر) وهم بنو ضمرة، بن بكر، بن عبد مناة، وإليهم ينسب عمرو بن أميّة الضّمري صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. وقد ذكر الحمداني أن منهم طائفة بساقية قلتة وما يليها من بلاد إخميم من صعيد مصر. الفرع الثالث- عمرو بن كنانة ، وإليه ينسب العمريّون من بني كنانة. الفرع الرابع- عامر بن كنانة ؛ ومنه العامريّون من كنانة. الفرع الخامس- مالك بن كنانة . ومن عقبه بنو فراس، بن غنم، بن ثعلبة، بن الحارث، بن مالك. وفي بني فراس هؤلاء يقول أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه لبعض من كان معه: «لوددت أن يكون لي بألف منكم سبعة من بني فراس بن غنم» . وقد ذكر الحمداني أن منهم جماعة بساقية قلتة وما يليها من الإخميمية بمصر. وذكر الحمداني أيضا أن من كنانة ابن خزيمة طائفة بصعيد مصر بالأشمونين وما حولها تعرف بكنانة طلحة. الصنف الثاني من العرب العدنانية- قريش (بضم القاف وفتح الراء المهملة) ، وهم بنو النّضر (بفتح النون وسكون الضاد المعجمة) ابن كنانة وقيل في تسميته بذلك إنه كان في سفينة ببحر فارس إذ خرجت عليهم دابة عظيمة يقال لها قريش فخافها أهل السفينة على أنفسهم فأخرج سهما من كنانته ورماها فأثبتها، ثم قرّبت السفينة منها فأمسكها وقطع رأسها وحملها معه إلى مكة فسمّي باسمها. وقيل سمّي بنوه بذلك لغلبتهم القبائل وقهرهم إياهم، تشبيها بالدابة المقدّم ذكرها من حيث إنها تقهر سائر دوابّ البحر وقيل أخذا من التّقرّش، وهو الاجتماع لأن قصيّا جمعهم عليه عند ولايته أمر قريش. وقيل لتجارتهم أخذا من التقرّش، وهو التجارة. ثم لقريش عشرة أصول على عمود النسب: الأصل الأوّل- فهر بن مالك ، ويتفرّع عن فهر على حاشية عمود النسب قبيلتان:

القبيلة الأولى - بنو الحارث

القبيلة الأولى- بنو الحارث ، وهم بنو الحارث بن فهر. ومن بني الحارث هؤلاء بنو الجرّاح رهط أبي عبيدة بن الجراح، أحد العشرة أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم المقطوع لهم بالجنة. القبيلة الثانية- بنو محارب بن فهر ، المقدّم ذكره. منهم الضّحّاك بن قيس أحد أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. الأصل الثاني- غالب بن فهر . ويتفرّع عنه على حاشية عمود النسب قبيلة واحدة، وهم بنو الأدرم بن لؤيّ «1» بن غالب، والأدرم هو الناقص الذّقن. الأصل الثالث- لؤيّ بن غالب . ويتفرّع منه على حاشية عمود النسب ثلاث قبائل: القبيلة الأولى- سعد ؛ وهم بنو سعد بن لؤي بن غالب، كان له من الولد عمار، وعماري، ومخزوم، من امرأته بنانة (بضم الباء الموحدة) وبها يعرفون فيقال لهم بنو بنانة، ومنهم أبو الطّفيل أحد أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. القبيلة الثانية- خزيمة (بضم الخاء المعجمة وفتح الزاى) وهو بنو خزيمة ابن لؤي، وكان تحته عائذة (بالعين المهملة والياء المثناة تحت والذال المعجمة) بنت الخمس بن قحافة، فعرف ولده بها فقيل لهم بنو عائذة. القبيلة الثالثة- بنو عامر ؛ وهم بنو عامر بن لؤيّ، وكان له من الولد حسل وبغيض. ومن ولد حسل سهيل بن عمرو الذي عقد الصّلح مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، يوم الحديبية لقريش، ومنهم عمرو بن عبد ودّ العامريّ «2» فارس العرب الذي قتله عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.

الأصل الرابع - كعب بن لؤي بن غالب

الأصل الرابع- كعب بن لؤيّ بن غالب ، ويتفرّع منه خارجا عن عمود النسب قبيلتان: القبيلة الأولى- هصيص (بضم الهاء وفتح الصاد المهملة وسكون الياء المثناة تحت وصاد مهملة في الآخر) . ومن هصيص بنو سهم، منهم عمرو ابن العاص رضي الله عنه؛ وكانت خطّة بني سهم بفسطاط مصر حول الجامع العتيق. وقد ذكر الحمداني أن من بني عمرو بن العاص أشتاتا بالصعيد، ولهم حصة في وقف عمرو على أهله بمصر. ومنهم بنو جمح (بضم الجيم وفتح الميم وحاء مهملة في الآخر) وهم بنو جمح بن هصيص المقدّم ذكره؛ ومنهم أميّة بن خلف «1» عدوّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقد ذكر في «مسالك الأبصار» أن من بني جمح قوما بأذرعات «2» من بلاد الشام. القبيلة الثانية- بنو عديّ ، وهم بنو عديّ بن كعب؛ ومنهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسعيد بن زيد أحد العشرة المقطوع لهم بالجنة، وقد ذكر القاضي شهاب الدين بن فضل الله في «مسالك الأبصار» أنه وفد من بني عدي جماعة إلى الديار المصرية في وزارة الصالح طلائع بن رزّيك وزير الفائز الفاطمي. ومنهم رجال من بني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومقدّمهم خلف بن نصر العمريّ وأنهم لقوا من الصالح طلائع بن رزّيك وافر الاكرام، ونزلوا بالبرلّس «3» من سواحل الأعمال الغربية. وذكر أن من العمريين ببلاد الشام فرقة بوادي بني زيد وفرقة بعجلون.

الأصل الخامس - مرة بن كعب

الأصل الخامس- مرّة بن كعب ، ويتفرّع عنه قبيلتان على حاشية عمود النسب: القبيلة الأولى- تيم ، وهم بنو تيم بن مرة بن كعب. ومنهم أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه، وطلحة أحد العشرة المقطوع لهم بالجنة. وقد ذكر الحمداني أن من بني الصدّيق رضي الله عنه من بني عبد الرحمن وبني محمد ولدي أبي بكر رضي الله عنه جماعة بالأشمونين والبهنسائية من صعيد مصر. قال الحمداني: وهم ثلاث فرق هم وأقرباؤهم وأطلق على الكل بنو طلحة. فالفرقة الأولى منهم بنو إسحاق، ويقال إن إسحاق ليس أبا لهم وإنما هو (إسحاق) مكان تحالفوا عنده فسمّوا به. والفرقة الثانية فضاء طلحة، وهم بطون كثيرة، وأكثرهم أشتات كثيرة في البلاد لا حد لهم. والفرقة الثالثة بنو محمد، وهم بنو محمد بن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، ومنازلهم بالبرجين وسفط سكّرة، وطحا المدينة من بلاد الأشمونين «1» فيما ذكره الحمداني، وأكثرهم الآن بدهروط «2» من البهنسائية، وخرج منهم جماعة من العلماء على مذهبي الإمامين: مالك والشافعي رضي الله عنهما. القبيلة الثانية- بنو يقظة ، وهم بنو يقظة بن مرّة. ومنهم بنو مخزوم (بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وضم الزاى وسكون الواو وميم في الآخر) وهم بنو مخزوم بن يقظة بن مرّة بن كعب، وبه اشتهرت القبيلة دون أبيه يقظة لكثرة عقبه دون أبيه. منهم خالد بن الوليد أحد أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأبو جهل ابن هشام عدو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأخوه العاص بن هشام، قتلا يوم بدر كافرين، وأخوهما سلمة بن هشام، أسلم وكان من خيار المسلمين. ومنهم سعيد بن المسيب التابعيّ المشهور. وقد ذكر الحمدانيّ أن من بني مخزوم جماعة

الأصل السادس - كلاب بن مرة

بصعيد مصر بالأشمونين وفيهم بأس وشدّة. وذكر أيضا أن منهم خالد حمص وخالد الحجاز «1» . وذكر أن كلا منهم يدعي بنوّة خالد بن الوليد رضي الله عنه. ثم قال: وقد أجمع أهل العلم بالنسب على انقراض عقبه. قال ولعلهم من سواه من بني مخزوم فهم أكثر قريش بقية وأشرفهم جاهلية. الأصل السادس- كلاب بن مرّة ، ويتفرع منه على حاشية عمود النسب قبيلة واحدة، وهي زهرة (بيضم الزاى وسكون الهاء وفتح الراء وهاء في الآخر) وهم بنو زهرة بن كلاب بن مرّة قاله أبو عبيد وغيره. وقد ذكر الجوهريّ أن زهرة اسم امرأة كلاب نسب ولده إليها. منهم سعد بن أبي وقّاص، وعبد الرحمن بن عوف كلاهما من العشرة المقطوع لهم بالجنة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. ومنهم آمنة بنت وهب أمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. وقد ذكر الحمداني أن منهم جماعة ببلاد الأشمونين بصعيد مصر. الأصل السابع- قصيّ بني كلاب بن مرة ، وكان قصيّ عظيما في قريش، وهو الذي جمعهم بعد التفرق، وفي ذلك يقول الشاعر: أبوكم قصيّ حين يدعى مجمّعا ... به جمع الله القبائل من فهر وارتجع مفاتيح الكعبة من خزاعة بعد أن كانوا انتزعوها من بني إسماعيل على ما تقدّم ذكره. ويتفرّع منه على حاشية عمود النسب قبيلتان: القبيلة الأولى- بنو عبد الدار ، وهم بنو عبد الدار بن قصيّ، وبيد بنيه كانت مفاتيح الكعبة دون سائر بني قصيّ. وذلك أن قصيّا لما أخذ مفاتيح الكعبة من أبي غبشان الخزاعيّ، أرسلها مع ابنه عبد الدار هذا إلى البيت وقال: يا بني إسماعيل هذه مفاتيح بيت أبيكم إبراهيم وقد أعادها الله تعالى إليكم. فبقيت بيده من حينئذ. ومن ولده عثمان بن صلحة الحجبيّ الذي انتزع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم منه مفاتيح الكعبة عام حجّة الوداع حين طلبها منه لتدخل عائشة رضي الله عنها البيت ليلا فامتنع من ذلك

القبيلة الثانية - بنو عبد العزى

وقال: إن الكعبة لم تفتح ليلا قط فأنزل الله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها «1» فأعادها إليه وقال «هي فيكم إلى يوم القيامة» . وقد ذكر في المسالك أن بحماه أقواما من بني عبد الدار. ومن بني عبد الدار بنو شيبة بن عثمان المقدّم ذكره ابن طلحة، بن أبي طلحة، بن عبد العزّى، بن عثمان، بن عبد الدار، وهم حجبة الكعبة، ومفاتيحها بيدهم إلى الآن. وقد ذكر الحمداني أن من بني شيبة هؤلاء قوما بصعيد مصر بسفط وما يليها من بلاد البهنسائية يعرفون بجماعة نهار. القبيلة الثانية- بنو عبد العزّى ، وهو عبد العزى بن قصيّ، منهم هبّار بن الأسود كان يهجو النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم أسلم فحسن إسلامه ومدحه. ومن بني عبد العزّى هؤلاء بنو أسد، وهم بنو أسد بن عبد العزى المقدّم ذكره. ومن بني أسد هؤلاء الزّبير بن العوّام، أحد العشرة المقطوع لهم بالجنة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. ومنهم خديجة أم المؤمنين، زوج النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وورقة بن نوفل «2» الذي أتته خديجة في أمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، في ابتداء النبوة حين جاءه الملك بحراء. وقد ذكر الحمداني من بني الزبير طائفة بصعيد مصر ببلاد البهنسا وما يليها. فمن

الأصل الثامن - عبد مناف بن قصي

ولد عبد الله بن الزبير بنو بدر، وبنو مصلح، وبنو رمضان. ومن بني مصعب بن الزبير جماعة يعرفون بجماعة محمد بن ورّاق. ومن ولد عروة بن الزبير بنو غنيّ. الأصل الثامن- عبد مناف بن قصيّ ، ولبني عبد مناف في قريش النسب الصمّيم، والحسب الكريم، وإلى هذا أشار أبو طالب بقوله: إذا افتخرت يوما قريش بمفخر ... فعبد مناف أصلها وصميمها ويتفرّع منه على حاشية عمود النسب ثلاث قبائل. القبيلة الأولى- بنو عبد شمس بن عبد مناف . ومن عبد شمس بنو أميّة؛ وهم بنو أميّة الأكبر وأمية الأصغر ابني عبد شمس بن عبد مناف. فأما أميّة الأكبر، فكان له عشرة أولاد: أربعة يسمّون الأعياص؛ وهم العاص، وأبو العاص، والعيص، وأبو العيص، وستة يسمّون العنابس «1» ، وهم حرب، وأبو حرب، وسفيان، وأبو سفيان، وعمرو، وأبو عمرو. ومن بني أمية الأكبر أمير المؤمنين عثمان بن عفّان رضي الله عنه، ومعاوية بن أبي سفيان بن حرب، والحكم بن العاص. ومن ولده كانت المراونة خلفاء بني أميّة. وأما أميّة الأصغر فيقال لأولاده العبلات «2» ، ومن عقب أمية الأصغر الثّريّا بنت عبد الله بن الحارث بن أمية، التي كان يشبّب بها عمر بن أبي ربيعة، وكان تزوّجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف، وفيهما يقول عمر بن أبي ربيعة:

القبيلة الثانية - نوفل

أيّها المنكح الثّريّا سهيلا ... عمرك الله كيف يلتقيان هي شاميّة إذا ما استقلّت ... وسهيل إذا استقلّ يماني وقد أختلف في النسبة إلى أمية على مذهبين، أحدهما أنه أمويّ بضم الهمزة جريا على اللفظ في أمية، وإليه يميل كلام الشيخ أثير الدين أبي حيّان في شرح التسهيل، الثاني أنه ينسب إليها أمويّ بفتحها لأن أميّة تصغير أمة فإذا نسبت رددته إلى أصله وعليه اقتصر الجوهري. القبيلة الثانية- نوفل ، وهم بنو نوفل بن عبد مناف، ومنهم نافع «1» بن طريب بن عمرو بن نوفل الذي كتب المصاحف لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان نوفل وعبد شمس متآلفين فجرى بنو هما على ذلك. القبيلة الثالثة- بنو المطّلب ، وهم بنو المطّلب بن عبد مناف، وكان المطّلب متآلفا مع أخيه هاشم بن عبد مناف المقدّم ذكره فجرى بنو هما على ذلك، حتى قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «لم يفترق هاشم والمطّلب في جاهليّة ولا إسلام» . ومن بني المطلب الإمام الشافعي رضي الله عنه. الأصل التاسع- هاشم بن عبد مناف ، واسمه عمرو، وسمى هاشما لهشمه الثريد أيام المجاعة؛ وفي ذلك يقول الشاعر: عمرو الّذي هشم الثّريد لقومه ... ورجال مكّة مسنتون «2» عجاف وانتهت إليه سيادة قريش. وكان له على حاشية عمود النسب أربعة أولاد. وهم: نضلة، وأسد، وصيفيّ، وأبو صيفيّ، ولم يشتهروا كل الأشتهار. الأصل العاشر- عبد المطلب بن هاشم ، وكان له اثنا عشر ولدا: عبد

الله أبو النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأبو طالب، والزّبير، وعبد الكعبة، والعباس، وضرار، وحمزة، وحجل، وأبو لهب، وقثم، والغيداق الملقب بالمقوّم، والحارث أعمام النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على خلاف في العدد فيهم. قال أبو عبيد: والعقب منهم لستة: حمزة، والعباس رضي الله عنهما، وأبو لهب، وأبو طالب، والحارث، وعبد الله. فأما عبد الله فمن ولده النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، خلاصة الوجود، وزبدة العالم. وأما العباس فمن ولده الخلفاء من زمن أبي العبّاس السّفّاح أوّل خلفائهم وهلم جرا إلى المستعين بن المتوكل خليفة العصر. وأما حمزة فقد ذكر ابن حزم وغيره أن عقبه انقرض. وأما أبو طالب فله ثلاثة أولاد، وهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وجعفر، وعقيل، فمن ولد أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه الحسن والحسين عليهما السلام، من فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وعقبهما قد ملأ الشرق والغرب، وقد ذكر الحمداني أن منهم بصعيد مصر جماعة من الجعافرة بني جعفر الصادق من ولد الحسين بن عليّ وقال مسكنهم من بحري منفلوط إلى سملّوط «1» غربا وشرقا، وعدّ من بطونهم الحيادرة، وهم أولاد حيدرة، والسلاطنة، وهم أولاد أبي جحيش، وذكر أنه كان منهم الشريف حصن الدّين بن تغلب صاحب دروة سربام من الأشمونين، وبه عرفت بدروة الشريف، وكان قد سمت نفسه إلى الملك في أواخر الدولة الأيوبية وبقي حتى ملك الظاهر بيبرس، فأعمل له غوائل الغدر حتى قبض عليه وشنقه بالإسكندرية. قال ومن بني الحسين قوم بحرجة منفلوط، وببني الحسين هؤلاء تعرف القرية المسماة ببني الحسين. وفي أسيوط جماعة من أولاد جعفر الصادق يعرفون بأولاد الشّريف قاسم. وذكر في «مسالك الأبصار» أنّ بسلميّة وحلب وبلادهما جماعة من بني الحسين.

الضرب الثالث من العرب الموجودين المتردد في عروبتهم

ومن ولد جعفر بن أبي طالب أقوام ببلاد الشام بوادي بني زيد، وبصرخد وبلادها جماعة من عامر بن هلال، يدّعون أنهم من بني جعفر بن أبي طالب أيضا. وفي بعض قرى أذرعات قوم يدّعون أنهم منهم. وأما الحارث وأبو لهب فقد ذكر في العبر أن لهما عقبا موجودا ولم يصرح بمحلّه. الضرب الثالث من العرب الموجودين المتردّد في عروبتهم وهم البربر (بباءين موحدتين مفتوحتين بينهما راء مهملة ساكنة وراء مهملة في الآخر) . قال الجوهري: ويقال فيهم البرابرة والهاء للعجمة والنسب ولا يمتنع حذفها. وقد اختلف في نسبهم اختلافا كثيرا فذهبت طائفة من النسابين إلى أنهم من العرب، ثم اختلف في ذلك فقيل أوزاع من اليمن، وقيل من غسّان وغيرهم تفرّقوا عند سيل العرم قاله المسعوديّ، وقيل خلّفهم أبرهة ذو المنار أحد تبابعة اليمن حين غزا المغرب؛ وقيل من ولد لقمان بن حمير بن سبإ بعث سرية من بنيه إلى المغرب ليعمروه، فنزلوا وتناسلوا فيه؛ وقيل من لخم وجذام، كانوا نازلين بفلسطين من الشام إلى أن أخرجهم منها بعض ملوك فارس فلجأوا إلى مصر فمنعهم ملوكها من نزولها فذهبوا إلى المغرب فنزلوه؛ وذهب قوم إلى أنهم من ولد لقشان بن إبراهيم الخليل عليه السلام. وذكر الحمداني أنهم من ولد بربر بن قيذار بن إسماعيل عليه السلام، وأنه ارتكب ذنبا فقال له أبوه البرّ البرّ اذهب يا برّ فما أنت ببرّ، وقيل هم من ولد بربر بن ثميلا بن مازيع بن كنعان بن حام بن نوح عليه السّلام، وقيل من ولد بربر بن كسلاجيم بن حام بن نوح، وقيل من ولد ثميلا بن ماراب بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح، وقيل من ولد قبط بن حام بن نوح؛ وقيل أخلاط من كنعان والعماليق، وقيل من حمير ومصر والقبط؛ وقيل من ولد جالوت ملك بني إسرائيل، وإنه لما قتله داود تفرّقوا في

الطائفة الأولى - الذين كان منهم ملوك المغرب

البلاد فلما غزا أفريقش «1» البلاد نقلهم من سواحل الشام إلى المغرب، وهو الذي رجحه صاحب العبر. وبالجملة فأكثر الأقوال جانحة إلى أنهم من العرب وإن لم نتحقق من أيّ عرب هم، وهم قبائل متشعبة وبطون متفرقة، وأكثرهم ببلاد المغرب، وبديار مصر منهم طائفة عظيمة، قال في العبر: وهي على كثرتها راجعة إلى أصلين لا تخرج عنهما: أحدهما البرانس، وهم بنو برنس ابن بربر. والثاني البتر، وهم بنو مادغش الأبتر بن بربر. وبعضهم يقول إنهم يرجعون إلى سبعة أصول. وهي: اردواحة. ومصمودة، وأوربّة، وعجية، وكتامة، وصنهاجة، وأوريغة. وزاد بعضهم لمطة، وهسكورة، وكزولة. وقد ذكر صاحب العبر منهم الجمّ الغفير، والذي تدعو الحاجة إلى ذكره من ذلك طائفتان. الطائفة الأولى- الذين كان منهم ملوك المغرب للحاجة إلى ذلك لمعرفة أنساب الملوك عند المكاتبة إليهم، وهم ثلاث قبائل: القبيلة الأولى- مصمودة (بفتح الميم وسكون الصاد المهملة وضم الميم وفتح الدال المهملة وهاء في الآخر) وهم بنو مصمودة بن برنس بن بربر. قال في العبر: وهم أكبر قبائل البربر، وأكثرهم عددا. وأوسعهم شعوبا ومنهم الموحدون أصحاب المهدي بن تومرت القائم بقاياهم بأفريقية إلى الآن. ومن مصمودة هنتاتة (بفتح الهاء وإسكان النون وفتح التاء المثناة فوق وبعدها ألف ثم تاء ثانية مفتوحة وهاء في الآخر) ومنهم أبو حفص أحد أصحاب المهدي بن تومرت المقدّم ذكره، وهو الذي ينسب إليه الحفصيّون

القبيلة الثانية - زناتة

ملوك إفريقية القائمون بتونس إلى الآن على ما سيأتي ذكره في الكلام على المسالك والممالك. القبيلة الثانية- زناتة (بكسر الزاى وفتح النّون وبعد الألف تاء مثناة فوق مفتوحة وهاء في الآخر) وهم بطن من البتر بن البربر. قال في العبر: واسم زناتة جانا بالجيم ويقال شانا بالشين، ابن يحيى، بن صولات، بن ورساك، بن ضري، بن رحيك، بن مادغش، بن بربر. ونقل ابن حزم عن بعضهم أن ضري، بن شقعو، بن تبدواد، بن ثملا، بن مادغش، بن هوك؛ بن برسق، بن كداد، بن مازيغ، بن هراك، بن هريك، بن بدّا، بن بديان، بن كنعان، ابن حام، بن نوح عليه السّلام. وقيل: جانا بن يحيى، بن ضريس، بن جالوت، بن هريك، بن جديلات، بن جالود، بن رديلات، بن عصي، بن بادين، بن رحيك، بن مادغش الأبتر، بن قيس عيلان، وحينئذ تكون من العرب العدنانية. وقيل: جالوت، بن جالود، بن ديال، بن قحطان، بن فارس فتكون من الفرس. قال في العبر: وتزعم نسّابة زناتة الآن أنهم من حمير من التبابعة فيكونون من القحطانية؛ وبعضهم يقول إنهم من العمالقة. وقد تقدّم عددهم في العرب. ومن زنانة بنو مرين (بفتح الميم وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر) وهم بنو مرين، بن ورتاجن، بن ماخوخ، بن وجريج، بن فاتن، بن بدر، بن يحفت، بن عبد الله، بن زرتبيص، بن المعز، بن إبراهيم، بن رحيك، بن واشين، بن نصبين، بن سرا، بن أحيا، بن ورسيك، بن أديت، بن جانا، وهو زناتة. ومن بني مرين هؤلاء بنو عبد الحق ملوك فاس القائمون بها إلى الآن على ما يأتي ذكره في الكلام على المسالك والممالك إن شاء الله. ومن زناتة أيضا بنو عبد الواد ملوك تلمسان من المغرب الأوسط القائمون بها إلى الآن.

القبيلة الثالثة - صنهاجة

القبيلة الثالثة- صنهاجة (بفتح الصاد المهملة وسكون النون وفتح الهاء وألف بعدها جيم مفتوحة وهاء في الآخر) وهم بنو صنهاجة، بن برنس، بن بربر. وقيل صنهاج، بن أوريغ، بن برنس، بن بربر. ويقال إنهم من حمير من عرب اليمن قاله ابن الكلبيّ والطبريّ والبيهقيّ والمسعوديّ وعبد العزيز الجرجاني. وحكى ابن حزم: أن صنهاج إنما هو ابن امرأة اسمها بصلى وليس له أب معروف وأنها تزوجت بأوريغ، وهو معها، فولدت له هوّارة «1» ، فكان صنهاج أخا هوّارة لأمّه. ومن صنهاجة لمتونة (بفتح اللام وسكون الميم وضم التاء المثناة فوق وفتح النون وهاء في الآخر) ؛ ومن لمتونة ملوك المرابطين الذين كان منهم أمير المسلمين يوسف بن تاشفين باني مدينة مرّاكش من الغرب الأقصى، وهم الذين انقرض ملكهم بدولة الموحّدين. الطائفة الثانية- الذين منهم بالديار المصرية . قال في العبر: وهم قبيلتان: القبيلة الأولى- هوّارة (بفتح الهاء وتشديد الواو وفتح الراء المهملة بعد الألف وهاء في الآخر) ، وهم بنو هوّارة بن أوريغ، بن برنس، بن بربر. وذكر الحمدانيّ أنهم من ولد برّ، بن قيذار، بن إسماعيل عليه السّلام. قال في العبر: ونسّابتهم يقولون إنهم من عرب اليمن: فتارة يقولون إنهم من عاملة إحدى بطون قضاعة، وتارة يقولون إنهم من ولد المسور، بن السّكاسك، بن وائل، بن حمير، وتارة يقولون من ولد السّكاسك، بن أشرس، بن كندة، فيقولون هوّار، بن أوريغ، بن حيور، بن المثنى، بن المسور. وقد عدّ الحمدانيّ من بطونهم بالديار المصرية بني مجريش، وبني أسرات، وبني

القبيلة الثانية - لواثة

قطران، وبني كريب، ولكنهم الآن قد اتسعت بطونهم، وكثرت شعوبهم، وصار لهم بطون كثيرة. منها بنو محمد، وأولاد مأمن، وبندار، والعرايا، والشللة، وأشحوم، وأولاد مؤمنين، والروابع، والروكة، والبروكية، والبهاليل، والأصابغة، والدناجلة، والمواسية والبلازد، والصوامع، والسدادرة، والزيانية، والخيافشة، والطردة. والأهلة، وزلتين، وأسلين، وبنو قمير، والتيه، والتبابعة، والغنائم، وفزارة، والعبابدة، وساورة، وغلبان، وحديد. والسبعة. وذكر في «مسالك الأبصار» أن لهم بالديار المصرية البحيرة، ومن الإسكندرية غربا إلى العقبة الكبيرة، ولم يزل الأمر على ما ذكره إلى آخر المائة الثامنة في الدولة الظاهرية الشهيدية يرقوق فغلبهم على البحيرة زنارة وحلفاؤهم من بقية عرب البحيرة، فخرجوا عنها إلى صعيد مصر، ونزلوا به بالأعمال الإخميمية في جرجا وما حولها. ثم قوي أمرهم، واشتدّ بأسهم، وكثر جمعهم، حتى انتشروا في معظم الوجه القبلي فيما بين أعمال قوص، وإلى غربي الأعمال البهنسائية، وأقطعوا بها الإقطاعات، وصارت الإمرة في بلاد إخميم لأولاد عمر، وفي أعمال البهنسا وما حولها لأولاد غريب، والأمر على ذلك إلى الآن. القبيلة الثانية- لواثة (بفتح اللام والواو والثاء المثلثة «1» وهاء في الآخر) قال الحمداني: ويقال لواثا بالألف، وهم بنو لواثا الأصغر، بن لواثا الأكبر، ابن رحيك، بن مادغش الأبتر، بن بربر. قال الحمدانيّ: وهم يقولون إنهم من قيس من غطفان، بن سعد، بن قيس عيلان. وذكر عن بعض النسابين أنهم من ولد برّ، بن قيذار، بن إسماعيل عليه السّلام، وأنه تزوّج امرأة من العماليق فولدت له أولادا منهم لواثة. وحكى ابن حزم عن بعض النسّابة: أن لواثة من القبط، ثم قال: وليس

بصحيح. قال الحمدانيّ: ولهم بمصر بطون كثيرة، ومنهم بنو بلار، وجد وخاص، وبنو مجدول، وبنو جديدي، وقطوفة، وبركين، ومالو ومزورة. قال: وبنو جديدي تجمع أولاد قريش، وأولاد زعازع، وهم أشهر من في الصعيد، وقطوفة تجمع مغاغة وواهلة. وبركين تجمع بني زيد وبني روحين. ومزورة تجمع بني وركان وبني غرواسن. ثم قال: فأما بنو بلار ففرقتان فرقة بالبهنسائية، وهم بنو محمد. وبنو عليّ، وبنو نزار، ونصف بني شهلان. وأما الفرقة التي بالجيزية، فبنو مجدول. وسقّارة، وبنو أبي كثير، وبنو الحلالس «1» . قال: ويقال لهذه الفرقة جد وخاص، ويقال للأولى البلارية، ومنهم مغاغة، ولهم سملّوط إلى الساقية، ولبني بركين قلوسنا وما معها إلى بحري طنبدى «2» ولبني جد وخاص الكفور الصولية. وسفط أبو جرجا إلى طنبدى «3» ، وإهريت «4» . ومنهم بنو محمد، وبنو عليّ المقدّم ذكرهما، وأمراؤهم بنو زعازع. وأما مزورة، فبنو وركان، وبنو غرواسن، وبنو جماز، وبنو الحكم، وبنو الوليد، وبنو الحجاج، وبنو الحرمية. وأما بنو نزار، فمن بني زرية؛ ومنهم نصف بني عامر، والحماسنة، والضباعنة «5» ؛ وهم في إمارة بني زعازع. ومنهم أيضا بنو زيد وأمراؤهم أولاد قريش، ومساكنهم النّويرة، وبالجيزة منهم صلامس: عرب البدرشين، وبنو منصور: عرب منية رهينة، وبنو بكم: عرب سقّارة، وبنو مجدول، وبنو

المقصد الثالث في معرفة أنساب العجم

يرني، وبنو يوسف، وبهم تعرف الكفور الثلاثة المسماة باسمهم. وبالمنوفية منهم بنو يحي، والسوة، وعبيد، ومصلة، وبنو مختار. ومن لواثة هؤلاء زنّارة (بضم الزاى وتشديد النون وألف ثم راء مهملة مفتوحة وهاء في الآخر) ، وهم بنو زنّارة من ولد بر، بن قيذار، بن إسماعيل عليه السّلام، وقال: إنه أخو هوّارة، وأكثر زنّارة ببلاد المغرب، ومنهم جماعة بالبحيرة وجماعة بالمنوفية. وقد عدّ الحمداني من بطونهم بالبحيرة: بني مزديش، وهم مزداشة، وبني صالح، وبني سام وزمران، وأوريغة، وعزهان، ولقان. وزاد بعضهم بني حبون، وواكدة، وفرطيطة، وغرجومة، وطازولة، ونفاث، وناطورة، وبني السعوية، ومزداشة، وبني أبي سعيد، وهم عرب بدر بن سلام. ومن لواثة أيضا مزاتة (بضم الميم وفتح الزاى والتاء المثناة فوق وهاء في الآخر) ، وهم بنو مزاتة، بن لواثة الأصغر، ومنازلهم من البحيرة غربا إلى العقبة الكبيرة ببرقة. المقصد الثالث في معرفة أنساب العجم وهم من عدا العرب من الفرس، والترك، والرّوم، وغيرهم. ويحتاج إلى ذلك في المكاتبات إلى ملوكهم، وعقد الهدن معهم، ونحو ذلك. والمشهور من الأمم العجمية ست وعشرون أمّة: الأولى- الترك (بضم التاء المثناة فوق وسكون الراء المهملة وكاف في الآخر) ، وهم الأمة المشهورة الذين منهم ملوك الديار المصرية الآن، وهم من بني ترك، بن كومر، بن يافث، بن نوح عليه السّلام؛ وقيل: من بني طيراش، بن يافث، ونسبهم ابن سعيد إلى ترك، بن عابر، بن شمويل، بن يافث، قال في العبر: ويدخل في جنس الترك القفجاق، وهم الخفشاج، والطغرغر، وهم التتر. ويقال فيهم التتار بزيادة ألف، والططر بإبدال التاء طاء، والخطا، والخزلخية والخزر، وهم الغز الذين كان منهم ملوك السلاجقة،

الثانية - الجرامقة

والهياطلة، وهم الصغدر والغور والعلان، ويقال: اللان، والشركس، والأزكش، والروس فكلّهم من جيل الترك ونسبهم داخل في نسبهم. الثانية- الجرامقة (بفتح الجيم وكسر الميم وفتح القاف وهاء في الآخر) ، وهم أهل الموصل في الزمن القديم. قال ابن سعيد: وهم من ولد جرموق. بن أشور، بن سام، بن نوح عليه السّلام، وقال غيره: من ولد كاثر، بن إرم، بن سام. الثالثة- الجيل (بكسر الجيم وسكون المثناة تحت ولام في الآخر) ، وهم أهل كيلان «1» من بلاد الشرق، قال ابن سعيد: وهم من بني باسل، بن أشور، بن سام، بن نوح عليه السّلام. الرابعة- الخزر (بفتح الخاء والزاى المعجمتين وراء مهملة في الآخر) ، وهم التركمان. في الإسرائيليات أنهم من ولد توغربحا، بن كومر، بن يافث، بن نوح، وقيل هم من بني طيراش بن يافث، وقيل نوع من الترك. الخامسة- الديلم (بفتح الدال المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفتح اللام وميم في الآخر) ، وهم الذين كان منهم ملوك بني بويه الخارجين على خلفاء بني العبّاس ببغداد. قال في العبر: هم من بني ماداي، بن يافث، بن نوح؛ وقال ابن سعيد: من بني باسل، بن أشور، بن سام، بن نوح؛ وقيل هم من العرب وضعفه أبو عبيد. السادسة- الرّوم وضبطهم معروف، وهم الأمة المعروفة الذين منهم ملوك القسطنطينيّة الآن؛ قيل هم من بني كيتم بن يونان. وهو يابان، بن يافث، بن نوح؛ وقيل من ولد رومي، بن يونان، بن علجان، بن يافث، بن نوح، وقيل من ولد رعويد بن عيصو، بن إسحاق، بن إبراهيم عليه السّلام. وقال الجوهري: من ولد روم، بن عيصو بن إسحاق.

السابعة - السريان

السابعة- السّريان (بضم السين وسكون الراء المهملتين وفتح الياء المثناة تحت وألف ثم نون) ، قال ابن الكلبي: من بني سوريان، بن نبيط، بن ماش، بن آدم، بن سام، بن نوح. الثامنة- السّند (بكسر السين المهملة وسكون النون ودال مهملة في الآخر) ، في الإسرائيليات أنهم من ولد شبا، بن رعما، بن كوش، بن حام، ابن نوح؛ وحكى الطبريّ عن ابن إسحاق: أنهم من بني كوش بن حام. التاسعة- السّودان وضبطهم معروف. قال ابن سعيد: جميع أحيائهم من ولد حام بن نوح، ونقل الطبريّ عن ابن إسحاق: أن الحبشة من ولد كوش بن حام والنّوبة، والزّنج، والزّغاوة من ولد كنعان بن حام، وذكر ابن سعيد: أن الحبشة من بني حبش والنّوبة من ولد نوبة أو بني نوبي، والزّنج من بني زنج، ولم يرفع في نسبهم فيحتمل أنهم من بني حام، وأنهم من بني غيره. العاشرة- الصّقالبة (بفتح الصاد المهملة وفتح القاف وألف بعدها لام مكسورة وباء موحدة مفتوحة وهاء في الآخر) ، وهم عند الإسرائيلين من بني بازان بن يافث بن نوح، وقيل هم من بني اشكتاز، بن توغرما، بن كومر، بن يافث. الحادية عشرة- الصّين وضبطهم معروف، وقيل هم من بني صيني، بن ماغوغ، بن يافث، بن نوح؛ وقيل من بني طوبال بن يافث. وذكر «هرشيوش» «1» مؤرخ الروم أنهم من بني ماغوغ بن يافث. الثانية عشرة- العبرانيّون (بكسر العين المهملة وسكون الباء الموحدة

الثالثة عشرة - الفرس

وفتح الراء المهملة وألف بعدها نون مكسورة وياء مثناة تحت مشدّدة مضمومة وواو ساكنة ثم نون) ، وهم الذين يتكلم اليهود بلسانهم إلى الآن. قال الطبريّ: وهم من ولد عابر، بن شالخ، بن أرفخشذ، بن سام، بن نوح. الثالثة عشرة- الفرس (بضم الفاء وسكون الراء المهملة وسين مهملة في الآخر) وهم الذين كان منهم ملوك الأكاسرة. قال ابن إسحاق: هم من ولد فارس، بن لاوذ، بن سام، بن نوح. وقال ابن الكلبي: هم من ولد فارس، ابن طيراش، بن أشور، بن سام، بن نوح، وقيل من ولد طيراش، بن همدان، ابن يافث، بن نوح، وقيل من بني أميم، بن لاوذ، بن سام. ووقع للطبري أنهم من ولد رعويل، بن عيصو، بن إسحاق؛ بن إبراهيم عليه السّلام. قال في العبر: ولا التفات إلى هذا القول لأن ملك الفرس أقدم من ذلك. الرابعة عشرة- الفرنج (بفتح الفاء والراء المهملة وسكون النون وجيم في الآخر) قيل من ولد طوبال، بن يافث؛ وقيل من ولد غطرما، بن كومر، بن يافث. الخامسة عشرة- القبط (بكسر القاف وسكون الباء الموحدة وطاء مهملة في الآخر) ، وهم الذين كان منهم أهل مصر في القديم. قال إبراهيم بن وصيف شاه: «1» هم من بني قبطيم، بن قفط، بن مصر، بن بيصر، بن حام، ابن نوح، وعند الإسرائيليين أنهم من ولد قفط بن حام. السادسة عشرة- القوط (بضم القاف وسكون الواو وطاء مهملة في الآخر) ، وهم أهل الأندلس في القديم. قال «هرشيوش» : هم من ولد ماغوغ، ابن يافث، بن نوح، وقيل هم من ولد قوط، بن حام، بن نوح. السابعة عشرة- الكرد (بضم الكاف وسكون الراء المهملة ودال مهملة

الثامنة عشرة - الكنعانيون

في الآخر) ، وهم الذين كان منهم بنو أيّوب ملوك مصر بعد الفاطميين. قال في العبر: هم من بني إيران بن أشور، بن سام، بن نوح، قال المقر الشهابي ابن فضل الله في كتابه «التعريف» : ويقال في المسلمين الكرد، وفي الكفار الكرج، وحينئذ فيكون الكرد والكرج نسبا واحدا. الثامنة عشرة- الكنعانيّون (بفتح الكاف وسكون النون وفتح العين المهملة وضم الياء المثناة تحت المشدّدة) ، وهم الذين كان منهم جبابرة الشام من ولد كنعان بن حام، بن نوح. التاسعة عشرة- اللّمان (بلام مفتوحة وميم بعدها ألف ونون) ، وهم الذين كانوا قصدوا سواحل الشام في الدولة الأيّوبيّة ومواطنهم في شمالي البحر الروميّ غربا بشمال. قال في العبر: وهم من ولد طوبال، بن يافث، بن نوح. العشرون- النّبط (بفتح النون والباء الموحدة وطاء مهملة في الآخر) ، وهم أهل بابل من العراق في الزمن القديم، وإليهم تنسب الفلاحة النّبطيّة لابن وحشيّة «1» . قال ابن الكلبيّ: هم من بني نبيط. بن ماس، بن إرم، بن سام، بن نوح. وقال ابن سعيد: هم من بني نبيط، بن أشور، بن سام، بن نوح. الحادية والعشرون- الهند وضبطه معروف. في الإسرائيليات أنهم من ولد دادان، بن رعما، بن كوش، بن حام، ونقل الطبريّ عن ابن إسحاق أنهم من بني كوش، بن حام، بن نوح من غير واسطة.

الثانية والعشرون - الأرمن

الثانية والعشرون- الأرمن (بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح الميم ونون في الآخر) وهم أهل أرمينية الذين بقاياهم ببلاد سيس، قيل هم من ولد قهويل، بن ناحور، بن تارخ، وهو آزر، وتارخ أبو إبراهيم عليه السّلام. الثالثة والعشرون- الأشبان (بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الباء الموحدة وألف ثم نون) قيل هم من ولد ماشح، بن يافث، بن نوح. وعند الإسرائيليين من ولد ياوان وهو يونان بن يافث، وعند آخرين أنهم من شعوب بني عيصو بن إسحاق؛ وقال الطبريّ: أشك أنهم من ولد رعويل بن عيصو بن إسحاق، وهو قريب من الذي قبله. الرابعة والعشرون- اليونان ؛ وهم الأمة الذين كان منهم الحكماء شرقيّ الخليج القسطنطينيّ، وهم من ولد يونان، وهو ياوان، بن يافث، بن نوح. وقال البيهقي: هم من ولد يونان، بن خلجان، بن يافث. وشذّ الكنديّ فقال: يونان، بن عابر، بن شالخ، بن أرفخشذ، بن سام بن نوح؛ فجعل يونان أخا لقحطان أبي عرب اليمن. وقال: إنه خرج من بلاد العرب مغاضبا لأخيه قحطان فنزل شرقيّ الخليج القسطنطينيّ؛ وردّ عليه أبو العباس الناشي بقوله: تخلّط يونانا بقحطان ضلّة ... لعمري لقد باعدت بينهما جدّا ثم اليونانية على ثلاثة أصناف: اللّطينيّون، وهم بنو لطين بن يونان، والإغريقيّون، وهم بنو إغريقن بن يونان، واللّكيم، وهو بنو اللكيم بن يونان، وهي أصل الروم فيما يقال على ما تقدّم. الخامسة والعشرون- زويلة ، (بضم الزاي وفتح الواو وسكون الياء المثناة تحت وفتح اللام وهاء في الآخر) وهم أهل برقة في القديم، ومنهم الطائفة الذين وصلوا صحبة جوهر المعزّيّ باني القاهرة المنسوب إليهم باب زويلة بالقاهرة، يقال إنهم من بني حوبلا بن كوش بن حام بن نوح.

السادسة والعشرون - يأجوج ومأجوج

السادسة والعشرون- يأجوج ومأجوج ، وضبطهما معروف. قيل إنهم من ولد ماغوغ، بن يافث، بن نوح؛ وقيل من ولد كومر، بن يافث. النوع الثالث عشر المعرفة بمفاخرات الأمم ومنافراتهم، وما جرى بينهم في ذلك من المحاورات والمراجعات والمناقضات؛ وفيه مقصدان المقصد الأوّل في بيان وجه احتياج الكاتب إلى ذلك لا خفاء أنه يتعين على الكاتب معرفة المفاخرات الواقعة بينهم، من معرفة «1» وجوه الافتخار التي يمدح بمثلها: مما يستعان بمثله على المدح والإطراء الواقع في الولايات وما يفضّل به كل واحد من البلغاء على خصمه، وما يرد عليه من الأجوبة المبطلة له لينسج على منوال ذلك فيما يرد عليه من المخاطبات، والمكاتبات عند دعاية ضرورته إليه، واحتياجه إلى إيراده. المقصد الثاني في ذكر أنموذج من المفاخرات والمنافرات ينسج على منواله فأمّا المفاخرات، فمنها ما روي أنه لما وفد على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وفد بني تميم سنة الوفود بعد فتح مكة، فيهم عطارد بن حاجب، بن زرارة، بن عدس التميميّ، وقيس بن عاصم، وقيس بن الحارث، ونعيم بن زيد، وعتبة ابن حصن بن حذيفة بن بدر، والأقرع بن حابس، في لفّهم ولفيفهم، ودخلوا المسجد ونادوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، من وراء حجراته أن اخرج إلينا يا محمد، فتأذّى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، من صياحهم فخرج إليهم- فقالوا: يا محمد جئناك

لنفاخرك، فأذن لشاعرنا وخطيبنا- قال «قد أذنت لخطيبكم فليقل» فقام عطارد ابن حاجب «1» فقال: «الحمد لله الذي له علينا الفضل، وهو أهله، الذي جعلنا ملوكا، ووهب لنا أموالا عظاما نفعل منها المعروف، وجعلنا أعزّ أهل المشرق وأكثره عددا، وأشدّه عدّة؛ فمن مثلنا في الناس؟ ألسنا برؤوس الناس وأولي فضلهم؟ فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددناه، وإنا لو نشاء لأكثرنا الكلام ولكنا تنحّينا عن الإكثار، وأقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا، وأمر أفضل من أمرنا» ثم جلس. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، لثابت بن قيس الخزرجيّ «2» : «قم فأجب الرجل في خطبته» فقام ثابت بن قيس فقال: «الحمد لله الذي السّموات والأرض خلقه، قضى فيهن أمره، ووسع كرسيّه علمه ولم يكن شيء قطّ إلا من فعله؛ ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكا واصطفى من خير خلقه رسولا، أكرمه نسبا، وأصدقه حديثا وأفضله حسبا، فأنزل عليه كتابه، وائتمنه على خلقه؛ وكان خيرة من العالمين؛ ثمّ دعا الناس إلى الإيمان به، فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوي رحمه، أكرم الناس أحسابا، وأحسنهم وجوها، وخير الناس فعالا؛ ثم كان أوّل الخلق إجابة، واستجاب لله حين دعاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نحن فنحن أنصار الله، ووزراء رسول الله، نقاتل الناس حتّى يؤمنوا، فمن آمن بالله ورسوله متّع بماله ودمه،

ومن كفر جاهدناه في الله أبدا، وكان قتله علينا يسيرا؛ أقول هذا وأستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات والسلام عليكم» . فقام الزبرقان بن بدر التميمي «1» فقال: نحن الكرام فلا حيّ يفاخرنا ... منّا الملوك وفينا تنصب البيع وكم قسرنا من الأحياء كلّهم ... عند النّهاب وفضل العزّ يتّبع ونحن نطعم عند القحط مطعمنا ... من الشّواء إذا لم يونس القزع «2» وهي أبيّات. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، لحسّان بن ثابت «قم فأجب الرجل فيما قال» فقال حسان رضي الله عنه: إنّ الذّوائب من فهر وإخوتهم ... قد بيّنوا سنّة للنّاس تتّبع يرضى بها كلّ من كانت سريرته ... تقوى الإله وكلّ الخير يصطنع قوم إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم ... أو حاولوا النّفع في أشياعهم نفعوا سجيّة تلك منهم غير محدثة ... إن الخلائق فاعلم شرّها البدع إن كان في الناس سبّاقون بعدهم ... فكلّ سبق لأدنى سبقهم تبع لا يرقع الناس ما أوهت أكفّهم ... عند الدّفاع ولا يوهون ما رقعوا أكرم بقوم رسول الله شيعتهم ... إذا تفاوتت الأهواء والشّيع وهي أبيّات. ويروى أن الزبرقان بن بدر قال: أتيناك كيما يعلم الناس فضلنا ... إذا اختلفوا عند احتضار المواسم فإنّا فروع الناس في كلّ موطن ... وأن ليس في أرض الحجاز كدارم وإنا بدور «3» العالمين إذا انتخوا ... ونضرب رأس الأصيد المتفاقم

وإنا لنا المرباع في كلّ غارة ... نغير بنجد أو بأرض الأعاجم فقام حسّان بن ثابت فأجابه فقال: هل المجد إلا السّودد العود والنّدى ... وجاه الملوك واحتمال العظائم نصرنا وآوينا النبيّ محمّدا ... على أنف راض من معدّ وراغم نصرناه لمّا حلّ وسط ديارنا ... بأسيافنا من كلّ باغ وظالم جعلنا بنينا دونه وبناتنا ... وطبنا له نفسا بفيء المغانم ونحن ضربنا الناس حتّى تتابعوا ... على دينه بالمرهفات الصّوارم ونحن ولدنا من قريش عظيمها ... ولدنا نبيّ الخير من آل هاشم بني دارم لا تفخروا إنّ فخركم ... يعود وبالا عند ذكر المكارم هبلتم علينا تفخرون وأنتم ... لنا خول من بين ظئر وخادم؟ فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم ... وأموالكم أن تقسموا في المقاسم فلا تجعلوا لله ندّا وأسلموا ... ولا تلبسوا زيّا كزيّ الأعاجم فلما فرغ حسّان من قوله، قال الأقرع بن حابس: وأبي! إن هذا الرجل مراد، لخطيبه أخطب من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا، ولأصواته أعلى من أصواتنا؛ فأسلموا وأحسن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، جوائزهم. ففي هذا الوفد نزل إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» . قلت: وهذه مكابرة ظاهرة، وتجاهل فاحش من بني تميم، حيث طلبوا المفاخرة مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكلّ العرب على اختلاف شعوبهم. وتتابع قبائلهم معترفون لبني هاشم بالسّبق في الشرف، والتقدّم في الفضل، مع ما

فضّل الله تعالى به رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وخصّه به من رفيع الشّرف الذي لم يبلغه نبيّ مرسل، ولا ملك مقرّب. وقد تعرّض أبو نواس في بعض أشعاره لمدح بني تميم، وبالغ في فخرهم فأفحش، فقال: خزيمة خير بني خازم ... وخازم خير بني دارم ودارم خير تميم وما ... مثل تميم في بني آدم ونقضه عليه الشيخ فتح الدين بن سيّد الناس اليعمري «1» ، فقال رحمه الله فأجاد القول، وفاز بالقدح المعلّى فقال: محمّد خير بني هاشم ... فمن تميم وبنو دارم؟ وهاشم خير قريش وما ... مثل قريش في بني آدم! وهو مأخوذ من قول الأوّل: قريش خيار بني آدم ... وخير قريش بنو هاشم وخير بني هاشم أحمد ... رسول الإله إلى العالم وإليه ينظر قول ابن عرسية: لله ممّا قد برا صفوة ... وصفوة الخلق بنو هاشم وصفوة الصّفوة من بينهم ... محمد النّور أبو القاسم ولقد أنصف إسحاق بن إبراهيم الموصليّ حيث قال: إذا مضر الحمراء كانت أرومتي ... وقام بنصري خازم وابن خازم عطست بأنف شامخ وتناولت ... يداي الثّريّا قاعدا غير قائم

فإنه جعل مضر التي هي أرومة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أصل فخره وقعدد سؤدده فأصاب الفخر في قوله، وفاز بالشرف في شعره. قال المولى صلاح الدين الصّفدي رحمه الله في شرح لامية العجم «1» «وإنما ذكر خازما لأنه مولى خزيمة بن خازم التميمي، وإنما نزل أبوه الموصل فنسب إليها» . ومن لطيف ما يحكى أن معاوية بن أبي سفيان كان جالسا وعنده جماعة من الأشراف «2» ، فقال معاوية «من أكرم الناس أبا وأمّا، وجدّا وجدّة، وعمّا وعمّة، وخالا وخالة؟» - فقام النّعمان بن العجلان الزّرقيّ بعد ما أخذ بيد الحسن فقال «هذا أبوه عليّ بن أبي طالب، وأمّه فاطمة، وجدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وجدّته خديجة، وعمّه جعفر، وعمته أم هانيء ابنة أبي طالب، وخاله القاسم، وخالته زينب، فهذا هو الشرف الذي لا يدانى والفضل الذي لا يبارى» «3» . وقريب من ذلك ما يحكى أنه جرى بين عبد الله بن الزبير وبين معاوية كلام طويل في آخره- «فقال ابن الزبير: ما مثلي يهارش «4» ، ولكن عندك من قريش والأنصار، ومن ساكني الحجون والآطام «5» من إن سألته حملك على

محجّة أبين من ظهر الجفير «1» - قال: ومن ذلك- قال هذا؟ يعني أبا الجهم بن حذيفة- «2» فقال معاوية تكلّم يا أبا الجهم- فقال أعفني- فقال عزمت عليك لتقولن- قال: نعم: امّك هند، وأمه أسماء بنت أبي بكر، وأسماء خير من هند، وأبوك أبو سفيان وأبوه الزّبير ومعاذ الله أن يكون أبو سفيان مثل الزبير، وأما الدنيا فلك، وأما الآخرة فله إن شاء الله تعالى. ومن ذلك ما حكاه ابن الكلبي. قال: قال كسرى للنّعمان بن المنذر يوما هل في العرب قبيلة تشرف على قبيلة؟ قال نعم- قال فبأيّ شيء؟ قال: من كانت له ثلاثة آباء متوالية رؤساء، ثم اتصل ذلك بكمال الرابع فالبيت من قبيلته فيه وينسب إليه- قال فاطلب ذلك فطلبه فلم يصبه إلا في آل حذيفة بن بدر «3» ، وآل حاجب بن زرارة، وآل ذي الجدّين «4» ، وآل الأشعث بن قيس ابن كندة «5» - قال فجمع هؤلاء الرهط ومن تبعهم من عشائرهم وأقعد لهم الحكّام والعدول، وقال ليتكلم كل رجل منكم بمآثر قومه وليصدق، فكان حذيفة بن بدر الفزاريّ أوّل متكلم، وكان ألسن القوم؛ فقال: قد علمت العرب أن فينا الشرف الأقدم والأعزّ الأعظم، ومأثرة للصنيع الأكرم- فقال من حوله ولم ذاك يا أخا فزارة؟ فقال ألسنا الدعائم التي لا ترام، والعز الذي لا يضام؟ قيل صدقت. ثم قام شاعرهم فقال:

فزارة بنت العزّ والعزّ فيهم! ... فزارة قيس حسب قيس نضالها لها العزّة القعساء والحسب الذي ... بناه لقيس في القديم رجالها فهيهات قد أعيا القرون التي مضت ... مآثر قيس مجدها وفعالها وهل أحد إن هزّ يوما بكفّه ... إلى الشّمس في مجرى النّجوم ينالها فإن يصلحوا يصلح لذاك جميعها ... وإن يفسدوا يفسد من الناس حالها ثم قام الأشعث الكنديّ، وإنما أذن له أن يقوم قبل ربيعة وتميم لقرابته من النعمان بن المنذر، فقال: قد علمت العرب أنا نقاتل عديدها الأكثر، وزحفها الأكبر، وإنا لغياث الكرات، ومعدن المكرمات- قالوا ولم يا أخا كندة؟ قال لأنا ورثنا ملك كندة فاستظللنا بأفيائه، وتقلدنا منكبه الأعظم، وتوسطنا بحبوحه الأكرم، ثم قام شاعرهم، فقال: إذا قست أبيات الرّجال ببيتنا ... وجدت لنا فضلا على من يفاخر فمن قال كلّا أو أتانا بخطّة ... ينافرنا فيها فنحن نخاطر تعالوا قفوا كي يعلم الناس أيّنا ... له الفضل فيما أورثته الأكابر ثم قام بسطام الشّيبانيّ «1» فقال «قد علمت العرب أنا بناة بيتها الذي لا يزول، ومغرس عزّها الذي لا يحول، قالوا ولم يا أخا شيبان؟ - قال لأنا أدركهم للثار، وأضربهم للملك الجبّار، وأقومهم للحكم، وألدهم للخصم؛ ثم قام شاعرهم فقال: لعمري بسطام أحقّ بفضلها ... وأوّل بيت العزّ عزّ القبائل فسائل (أبيت اللّعن) عن عزّ قومها ... إذا جدّ يوم الفخر كلّ مناقل ألسنا أعزّ الناس قوما ونصرة ... وأضربهم للكبش بين القبائل وقائع عزّ كلّها ربعيّة ... تذلّ لها عزّا رقاب المحافل

إذا ذكرت لم ينكر الناس فضلها ... وعاذ بها من شرّها كلّ وائل وإنا ملوك الناس في كلّ بلدة ... إذا نزلت بالناس إحدى الزّلازل ثم قام حاجب بن زرارة التميمي، فقال: قد علمت معدّ أنّا فرع دعامتها، وقادة زحفها- قالوا: ولم ذاك يا أخا بني تميم؟ قال لأنا أكثر الناس عديدا، وأنجبهم طرّا وليدا، وأنّا أعطاهم للجزيل، وأحملهم للثقيل؛ ثم قام شاعرهم فقال: لقد علمت أبناء خندف «1» أننا ... لنا العزّ قدما في الخطوب الأوائل وأنا كرام أهل مجد وثروة ... وعزّ قديم ليس بالمتضائل فكم فيهم من سيّد وابن سيّد ... أغرّ نجيب ذي فعال ونائل فسائل (أبيت اللعن) عنّا فإنّنا ... دعائم هذا الناس عند الجلائل ثم قام قيس بن عاصم السعديّ فقال: لقد علم هؤلاء أنّا أرفعهم في المكرمات دعائم، وأثبتهم في النائبات مقادم؛ قالوا: ولم ذاك يا أخا بني سعد؟ قال لأنا أدركهم للثار، وأمنعهم للجار، وأنا لا ننكل إذا حملنا، ولا نرام إذا حللنا. ثم قام شاعرهم فقال: لقد علمت قيس وخندف أننّا ... وجلّ تميم والجميع الذي ترى بأنّا عماد في الأمور وأننا ... لنا الشّرف الضّخم المركّب في الندى وأنا ليوث الناس في كلّ مأزق ... إذا جزّ بالبيض الجماجم والطّلى «2» فمن ذا ليوم الفخر يعدل عاصما ... وقيسا إذا مرّت ألوف إلى العلا فهيهات قد أعيا الجميع فعالهم ... وقاموا بيوم الفخر مسعاة من سعى فقال كسرى حينئذ: ليس منهم إلا سيد يصلح لموضعه؛ وأسنى حباءهم، وأعظم صلاتهم، وكرّم مآبهم.

قال أبو عبيدة: كانت العرب تعدّ البيوتات المشهورة بعظم القدر والشرف: تعدّ بيت هاشم بن عبد مناف، وتعدّ أربعة، أوّلها بيت آل حذيفة ابن بدر، وبيت آل زرارة الدارمييّن: بيت بني تميم، وبيت آل ذي الجدّين: عبد الله بن عمرو بن الحارث بن هشام: بيت بني شيبان، وبيت بني الدّيّان من بني الحارث بن كعب بيت اليمن. قال: فأما كندة فلا يعدّون في البيوتات إنما كانوا ملوكا. واعلم أن المفاخرة قد تكون بحقيقة الحسب. وقد تقوم فيها الفصاحة واللّسن مقام الحسب: كقول أبي تمام الطائي يفتخر: أنا ابن الذّين استرضع المجد فيهم ... وسمّي فيهم وهو كهل ويافع مضوا وكأن المكرمات لديهم ... لكثرة ما وصّوا بهنّ شرائع فأيّ يد في المجد مدّت فلم يكن ... لها راحة من مجدهم وأصابع هم استودعوا المعروف محفوظ مالنا ... فضاع وما ضاعت لدينا الودائع وقوله أيضا: جرى حاتم في حلبة منه لو جرى ... بها القطر شأوا قيل أيّهما القطر؟ فتى ذخر الدّنيا أناس ولم يزل ... لها باذلا فانظر لمن بقي الذّخر فمن شاء فليفخر بما شاء من ندى ... فليس لحيّ غيرنا ذلك الفخر جمعنا العلا بالجود بعد افتراقها ... إلينا كما الأيام يجمعها الشّهر قال في شرح اللامية: وعند أكثر الناس أن أبا تمام كان أبوه نصرانيا يقال له تدرس العطار، من جاسم: قرية من قرى حوران من الشام، فغير اسم أبيه واندس في بني طيىء؛ وذكر صاحب الأغاني أن رجلا قال لجرير: من أشعر الناس؟ قال: قم حتّى أعرفك الجواب، فأخذ بيده وجاء به إلى أبيه عطية، وقد أخذ عنزا له فاعتقلها وجعل يمصّ ضرعها، فصاح به اخرج يا أبت، فخرج شيخ دميم، رثّ الهيئة. وقد سال لبن العنز على لحيته، فقال ترى هذا؟ قال نعم. قال أو تعرفه؟ قال لا. قال هذا أبي، أو تدري لم كان

يشرب من ضرع العنز؟ قال لا، قال مخافة أن يسمع صوت الحلب فيطلب منه، ثم قال اشعر الناس من فاخر بهذا الأب ثمانين شاعرا وقارعهم فغلبهم. قال الصلاح الصفديّ: ما هذه إلا وقاحة عظيمة من جرير في مفاخرته أولئك الشعراء وهذا أبوه، لكنه تغفر له هذه الوقاحة باعترافه لذلك الرجل، وإظهار بخل أبيه. وربما كان الافتخار بالتورية والتعريض بالأمور المقتضية للشرف، بحيث يظن السامع حقيقة الافتخار والشرف بمجرد السماع، فإذا عرف المقصد تبين له خلاف ذلك، كقول أبي الحسن الجزار: «1» الاقل للّذي يسأل ... عن قومي وعن أهلي لقد تسأل عن قوم ... كرام الفرع والأصل يريقون دم الأنعام ... في حزن وفي سهل وما زالوا لما يبدو ... ن من باس ومن بذل يرجّيهم بنو كلب ... ويخشاهم بنو عجل وقوله أيضا: إنّي لمن معشر سفك الدّماء لهم ... دأب، وسل عنهم من ربّ تحقيق تضيء بالدّم إشراقا قواضبهم ... فكلّ أيامهم أيّام تشريق وعلى هذا المنهج ما حكاه بعضهم، قال: وجدت على قبر مكتوبا: أنا ابن من كانت الريح طوع أمره، يحبسها إذا شاء، ويطلقها إذا شاء، قال فعظم في عيني، ثم التفتّ إلى قبر آخر قبالته فإذا عليه مكتوب: لا يغترّ أحد بقوله، فما كان أبوه إلا بعض الحدّادين، يحبس الريح في كيره إذا شاء، ويرسلها إذا

شاء؛ قال: فعجبت منهما يتسابّان ميتين. فإذا طرق السمع شيء من ذلك ظنّ السامع أنه في غاية الفخر والشرف حتّى يعلم حقيقته؛ وأشباه ذلك ونظائره كثيرة، وليس هذا موضع استيعاب القول في المفاخرة الحقيقية ولا غيرها. وأمّا أيام المنافرة وهي المحاكمة في الحسب، فمن ذلك ما يحكى أن الأعشى أتى علقمة، بن علاثة، بن عوف، بن الأحوص، بن جعفر، بن كلاب «1» ، وهو يريد سلامة ذو فائش «2» الحميري من التبابعة، فسأل الأعشى علقمة أن يتليه أي يجيره، فقال له علقمة: أتليك على بني الأحوص- قال لا يقنعني- قال: فعلى بني كلاب- قال لا يقنعني- قال: فليس عندي أكثر من هذا؛ فأتى عامر بن الطّفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب «3» ، قال قد أتليك على الجنّ والإنس، ثم أتى سلامة فانصرف من عنده بحبائه. وكان عامر وعلقمة المذكوران لمّا أسنّ أبو براء وهو عامر بن مالك، بن جعفر، بن ملاعب الأسنّة، تنازعا في الرياسة، فقال علقمة: كانت لجدّي الأحوص وإنما صارت لعمك بسببه، وقد قعد عمّك عنها وأنا استرجعتها فأنا أولى بها منك، فشري الشرّ بينهما وسارا إلى المنافرة، وقدم الأعشى على «4» تفيئة ذلك فصار هو ولبيد مع عامر، وصار مع علقمة الحطيئة، والسّندريّ «5» ، وتنافرا.

فقال عامر لعلقمة: والله إني لأكرم منك حسبا، وأثبت منك نسبا، وأطول منك قصبا. فقال علقمة: والله لأنا خير منك ليلا ونهارا. فقال عامر: والله لأنا أحب إلى نسائك أن أصبح فيهنّ منك. فقال علقمة: أنافرك إني لبرّ، وإنك لفاجر، وإني لولود، وإنك لعاقر، وإني لعفّ، وإنك لعاهر؛ وإني لواف، وإنك لغادر. فقال عامر: أنت رجل ولود وأنا رجل عقيم وقد وفيت لبني عمرو بن تميم. وقد زعموا أني غدرت بهم وهم كاذبون؛ ولكني أنافرك: أنا أنحر منك للّقاح، وخير منك في الصبّاح، وأطعم منك في السنة الشّياح «1» . فقال علقمة: أنت رجل تقاتل والناس تزعم أني جبان؛ ولأن تلقى العدو وأنا أمامك أعزّ لك من أن تلقاهم وأنا خلفك؛ وأنت رجل جواد والناس يزعمون أني بخيل ولست كذلك، وأنت تعطي العشيرة إذا ألمّت؛ ولكني أنافرك: أنا خير منك أثرا، وأحدّ منك بصرا، وأشرف منك ذكرا. فقال عامر: أنت رجل فان، وليس لبني الأحوص فضل على بني مالك في العدد، وبصري ناقص وبصرك صحيح، ولكني أنافرك أني أسمى منك سمّة، وأطول منك قمّة، وأحسن منك لمّة، وأجعد منك جمّة، وأسرع منك رحمة، وأبعد منك همّة. فقال علقمة: أنت رجل جسيم وأنا رجل قضيف «2» ، وأنت جميل وأنا قبيح، ولكني أنافرك بآبائي وأعمامي.

فقال عامر: آباؤك أعمامي، ولم أكن لأنافرك فيهم؛ ولكني أنافرك: أنا خير منك عقبا، وأطعم منك جدبا. فقال علقمة: قد علمت أن لك عقبا وقد أطعمت طيبا؛ ولكني أنافرك أني خير منك، وأولى بالخير منك. فقال عامر: إني والله لأركب منك في الحماة، وأقتل منك للكماة، وخير منك للموالاة. فقال بعض بني خالد بن جعفر، وكانوا يدا مع بني الأحوص على بني مالك بن جعفر: إنك لن تطيق عامرا، ولكن قل له أنافرك لخيرنا، وأقربنا للخيرات. فقال علقمة: له ذلك. فقال عامر: عير «1» وتيس وعنز فأرسلها مثلا نعم على مائة من الإبل إلى مائة يعطاها الحكم أيّنا ينفر عليه صاحبه أخرجها ففعلوا، ووضعوا بها رهنا من أبنائهم على يدي رجل يقال له خزيمة بن عمرو بن الوحيد فسمّي الضمين، وصارت علما عليه إلى الآن، وخرج علقمة ومن معه من بني خالد وعامر فيمن معه من بني مالك وقد أتى عامر بن الطفيل عمّه عامر بن مالك بن جعفر وهو أبو براء، فقال: يا عماه أعنّي- فقال: يا ابن أخي سبّني، فقال: لا أسبّك وأنت عمي- قال: فسبّ الأحوص- فقال عامر: ولا أسبّ والله الأحوص وهو عمي، فقال: ولكن دونك بعلي «2» فإني قد ربعت فيها أربعين مرباعا فاستعن بها على منافرتك. وجعلا منافرتهما إل أبي سفيان بن حرب بن أمية فلم يقل بينهما شيئا، وكره ذلك لحالهما وحال عشيرتهما، وقال لهما أنتما كركبتي

البعير الأدرم «1» ، وأبى أن يقضي بينهما، فانطلقا إلى أبي جهل بن هشام، فأبى أن يقضي بينهما، فوثب مروان بن سراقة، بن قتادة، بن عمرو، بن الأحوص وكان مع علقمة فقال: يا لقريش بيّنوا الكلاما ... إنّا رضينا منكم الأحكاما فبيّنوا إذ كّنتم الحكّاما ... كان أبونا لهم إماما وعبد عمرو منع الفئاما «2» ... في يوم فخر معلم إعلاما يحسن فيه الكرّ والإقداما ... ودعلج «3» أقدمه إقداما لولا الذي أجشمتهم إجشاما ... لا تّخذتهم مذحج أنعاما فأبوا أن يقولوا بينهما شيئا، فأتيا غيلان بن سلمة بن معتب الثقفي «4» فردّهما إلى حرملة بن الأشعر المري، فردّهما إلى هرم بن قطبة بن سنان الفزاري «5» ، وإنهما ساقا الإبل معهما حتى أشتت وأربعت لا يأتيان أحدا إلا هاب أن يقضي بينهما، فوعدهما هرم إلى العام القابل، فأتيا للوعد، وقال لبيد وكان مع عامر يومئذ يرتجز: يا هرم، وأنت أهل عدل ... هل يذهبنّ فضلهم لفضلي «6» إن يفخر الأحوص يوما قبلي ... ليذهبنّ أهله بأهلي لا تجمعنّ شكلهم وشكلي ... ونسل آبائهم ونسلي قد علموا أنّا كرام الأصل

وقال أيضا: إنّي امرؤ من مالك بن جعفر ... علقم قد نافرت غير منفر نافرت سقبا من سقاب العرعر «1» فقال قحافة بن عوف بن الأحوص بن جعفر: نهنه إليك الشّعر يا لبيد ... واصدد فقد ينفعك الصّدود ساد أبونا قبل أن تسودوا ... سوددكم صغيره زهيد ثم قال: إني إذا ما نسي الحياء ... وضاع يوم المشهد اللّواء أنمى وقد حقّ لي النّماء ... إلى كهول ذكرها سناء إذ لا تزال حلوة كوماء ... مبقورة لسقبها رغاء لم ينهنا عن نحرها الصّفاء ... لنا عليكم سورة «2» ولاء المجد، والسّودد، والعطاء ثم قال: أنتم عزلتم عامر بن مالك ... في سنوات مضر الهوالك يا شرّ أحياء وشرّ هالك وكان السندري مع علقمة فارتفع صوته، فقيل من ذا؟ فقال: أنا لمن أنكر صوتي السّندريّ ... أنا الفتى الجعد الطّوال الجعفريّ من ولد الأحوص أخوالي غنيّ

فقال عامر للبيد: أجبه! فرغب عن إجابته، وكان السندريّ يقال لجدته عيساء، وكانت أمة لفاختة ابنة جعفر بن كلاب، امرأة شريح بن الأحوص، فوقع عليها شريح فولدت له زبّان، ويزيد، وشهابا، فقال لبيد: لمّا دعاني عامر لأسبّهم ... أبيت وإن كان ابن عيساء ظالما ألا أيّنا ما كان شرّا لمالك ... فلا زال يلقى في الحياة الملاوما لكيلا يكون السّندريّ نديدنا ... وأشتم أعماما عموما عماعما «1» وأنشر من تحت القبور أبوّة ... كراما هم شدّوا عليّ التّمائما لعبت على أكتافهم وحجورهم ... وليدا وسمّوني وليدا وعاصما بلى أيّنا ما كان شرّا لمالك ... فلا زال في الدّنيا ملوما ولائما ووثب الحطيئة فقال: ما يحسن الحكّام بالفصل بعدما ... بدا سابق ذو غرّة وحجول؟ حتّى أتى على قصيدة كاملة، ثم قال: يا عام «2» قد كنت ذا باع ومكرمة ... لو أنّ مسعاة من جاريته أمم «3» وأقام القوم على ذلك أياما، فأرسل هرم إلى عامر فأتاه سرّا لا يعلم به أحد، فقال: يا عامر كنت أحسب أن لك رأيا، وأن فيك خيرا، وما حبستك هذه الأيام إلا لتنصرف عن صاحبك؛ أتنافر رجلا لا تفخر أنت ولا قومك إلا بآبائه، فما الذي أنت به خير منه؟ فقال عامر: أنشدك الله والرحم أن لا تفضّل عليّ علقمة، فو الله لئن فعلت لا أفلح بعدها أبدا! هذه ناصيتي لك فاجززها واحتكم في مالي، فإن كنت لا بدّ فاعلا فسوّ بيني وبينه- فقال انصرف فسوف أرى رأيي: فخرج عامر وهو لا يشك أنه سيفضله عليه؛ ثم أرسل إلى علقمة

سرّا، وقال له مثل ما قال لعامر، فردّ عليه علقمة بما ردّ به عامر وانصرف وهو لا يشك أنه ينفّر عامرا عليه؛ ثم إن هرما أرسل إلى أخيه وبني أخيه: إني قائل غدا بين هذين الرجلين مقالة، فإذا فرغت فليطرد بعضكم عشر جزائر فلينحرها عن علقمة، وليطرد بعضكم مثلها فلينحرها عن عامر، وفرّقوا بين الناس أن لا يكون لهم جماعة. وأصبح هرم فجلس مجلسه وأقبل الناس، وأقبل علقمة وعامر حتّى جلسا، فقال لبيد: يا هرم ابن الأكرمين منصبا ... إنّك قد وليت أمرا معجبا فاحكم وصوّب رأي من تصوّبا ... إنّ الّذي كنت عليه ترتبا «1» لخيرنا خالا وأمّا وأبا ... وعامر خيرهما مركّبا وعامر أدنى لقيس نسبا فقال هرم: إنكما يا بني جعفر قد تحاكمتما عندي وأنتما كركبتي البعير الفحل تقعان الأرض معا، فليس منكما واحد إلا وفيه ما ليس في صاحبه، وكلاكما سيّد كريم، فعمد بنو هرم وبنو أخيه إلى تلك الجزر فنحروها حيث أمرهم هرم، وفرّقوا بين الناس، ولم يفضّل هرم واحدا منهما على صاحبه، وكره أن يجلب بذلك شرّا على الفئتين، وهما ابنا عم؛ فلما رأى ذلك الأعشى، خرج وهو يقول: شاقك من قتلة أطلالها ... بالشّطّ فالوتر إلى حاجر وقد رآها وسط أترابها ... في الحيّ ذي البهجة والثّامر إذ هي مثل الغصن هيّالة ... تروق عيني ذي الحجا الزائر كدمية صوّر محرابها ... بمذهب في مرمر مائر تشفي غليل النّفس لاه بها ... حوراء تسبي نظر النّاظر عهدي بها في الحيّ قد سربلت ... هيفاء مثل المهرة الضّامر

ممشوقة القدّ غلاميّة ... موصوفة بالخلق الطّاهر قد نهد الثّدي على نحرها ... في مشرق ذي صبح نائر لو أسندت ميتا إلى نحرها ... عاش ولم ينقل إلى قابر حتّى يقول الناس ممّا رأوا ... يا عجبا للميّت النّاشر علقم ما أنت إلى عامر ... الناقض الأوتار والواتر والفارس الخيل بخيل إذا ... ثار غبار الكبّة الثّائر سدت بني الأحوص لم تعدهم ... وعامر ساد بني عامر إنّ الّذي فيه تماريتما ... بيّن للسّامع والنّاظر حكّمتموه فقضى بينكم ... أبلج مثل القمر الزّاهر لا يأخذ الرّشوة في حكمه ... ولا يبالي غبن الخاسر فأعجب الدهر متى سوّيا؟ ... كم ضاحك من ذا ومن ساخر؟ فاقن حياء أنت ضيّعته ... مالك بعد الشّيب من عاذر ولست بالأكثر منهم حصىّ ... وإنّما العزّة للكاثر أقول لمّا جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر! علقم لا تسفه ولا تجعلن ... عرضك للوارد والصّادر قد قلت قولا فقضى بينكم ... واعترف المنفور للنّافر وعاش هرم حتّى أدرك خلافة عمر رضي الله عنه، فقال: يا هرم أيّ الرجلين كنت مفضّلا لو فعلت؟ فقال: لو قلت ذلك اليوم يا أمير المؤمنين، عادت جذعة «1» ، ولبلغت شعفات هجر «2» - فقال عمر رضي الله عنه: «نعم مستودع السّرّ أنت يا هرم! مثلك فليستودع العشيرة أسرارهم، وإلى مثلك فليستبضع القوم أحكامهم» . قال أبو عبيدة: ومات علقمة بحوران وهو والي عمر بن الخطاب. وأما

النوع الثالث عشر المعرفة بأيام الحروب الواقعة؛ وفيه ثلاثة مقاصد

عامر بن الطّفيل فأصابته دعوة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأصابته الغدّة ومات في بيت سلوليّة، فقال: أغدّة كغدّة البعير وموت في بيت سلوليّة «1» ؟ وفي هذه القصة مقنع في المنافرة عن غيرها، وفي كتاب «الريحان والريعان» لبعض الأندلسيين جملة من هذه المفاخرات والمنافرات. النوع الثالث عشر «2» المعرفة بأيام الحروب الواقعة؛ وفيه ثلاثة مقاصد المقصد الأوّل في وجه احتياج الكاتب إلى ذلك قد ذكر في «حسن التوسل» : أن الكاتب يحتاج إلى معرفة أيّام العرب، وتسمية الأيام التي كانت بينهم، ومعرفة يوم كل قبيلة على الأخرى، وما جرى بينهم من الأشعار، والمناقضات، وذكر فارس مشهور، أو ملك مذكور، أو واقعة معينة لشخص خاصّ، وما ادّعاه كل منهم لنفسه أو ليومه: لما في ذلك من العلم بما يستشهد به من واقعة قديمة، أو يرد عليه في مكاتبة من ذكر يوم مشهور، أو فارس معيّن، ونحو ذلك مما مضى عليه أمر الجاهلية، أو حدث في الإسلام؛ فإن الكاتب إذا لم يكن عارفا بالوقائع، عالما بما جرى منها، لم يدر كيف يجيب عما يرد عليه من مثلها، ولا ما يقول إذا سئل عنها. المقصد الثاني في ذكر أيام من ذلك ترشد إلى معرفة المقصد منه ومن أشهرها ذكرا، وأعظمها حربا: يوم خزاز (خزاز اسم جبل بين البصرة ومكة كانت الواقعة عنده فعرفت به) ؛ وكانت الحرب فيه بين بني

ربيعة الفرس، وهو ربيعة نزار، وبين قبائل اليمن؛ وكانت الغلبة فيه لبني ربيعة، فقتلوا من قبائل اليمن خلقا كثيرا، وكان قائد ربيعة كليب بن ربيعة ملك بني وائل (واسمه وائل وكليب لقب عليه) وهو من ربيعة الفرس، وكان قد ملّك على بني معدّ وقبائل جموع العرب وهزمهم وعظم شأنه، وبقي زمانا من الدهر، ثم داخله زهو شديد، وبغى على قومه فصار يحمي عليهم مواقع السّحاب، ولا يرعى حماه، ويقول: وحش أرض كذا في جواري، فلا يصاد؛ ولا ترد إبل مع إبله، ولا توقد نار مع ناره؛ وبقي كذلك حتّى قتله جسّاس بن مرّة الوائليّ أيضا؛ ولما قتل كليب توالت الحروب بسبب قتله بين بني تغلب، وبين بكر ابني وائل؛ وكان قائد بني تغلب مهلهل أخو كليب، وقائد بني بكر مرّة أبو جسّاس المقدّم ذكره؛ فكان بينهم يوم عنيزة «1» ، وتكافأ فيه الفريقان، ثم كان بينهم يوم واردات «2» ، وانتصر فيه بنو تغلب على بكر، ثم كان بينهم يوم الحنو «3» ، وانتصرت فيه بكر على تغلب، ثم كان بينهم يوم العصيّات «4» ، وانتصرت فيه تغلب على بكر، وأصيب بنو بكر حتّى ظنوا أنهم قد بادوا، ثم كان بينهم يوم قضّة «5» ، وهو يوم التحالق كثر فيه القتل بين الفريقين، في أيام أخر لم يشتدّ فيها القتال. ومن أيام غيرهم المشهورة يوم عين أباغ «6» . وعين أباغ موضع يقال له ذات الخيار؛ وكان الحرب فيه بين غسّان ولخم، وكان قائد غسّان الحارث الذي طلب أدرع امريء القيس، وقيل غيره، وكان قائد لخم

المنذر بن ماء السماء بغير خلاف؛ وفي هذا اليوم قتل المنذر، وانهزمت لخم، وتبعتهم غسّان إلى الحيرة وأكثروا فيهم القتل. ويوم مرج حليمة «1» ، وكان بين غسّان ولخم أيضا؛ وكان من أعظم الأيام وأشدّها حربا، بلغت الجيوش فيه عددا كثيرا، وعظم الغبار حتّى قيل إن الشمس احتجبت وظهرت الكواكب التي في غير جهة الغبار. ويوم الكديد «2» ، وكان بين كنانة وسليم، وانتصرت فيه سليم على كنانة، وقتل فيه ربيعة بن مكدّم فارس كنانة؛ وبه يضرب المثل في الشجاعة «3» ؛ وكان يعقر على قبره في الجاهلية، ولم يعقر على قبر غيره. ويوم الكلاب الأوّل؛ والكلاب موضع بين البصرة والكوفة؛ وكان بين الأخوين: شراحيل وسلمة ابني الحارث بن عمرو الكنديّ؛ وشراحيل هو الأكبر وكان معه بكر وائل وغيرهم، وسلمة الأصغر، وكان معه تغلب وائل وغيرهم، واشتدّ القتال بينهم، وانتصر سلمة وتغلب على شراحيل وبكر، وانهزم شراحيل وتبعته خيل أخيه فقتلوه. ويوم الكلاب الثاني، وكان بين بكر ووائل «4» . ويوم أوارة «5» ، (وأوارة اسم جبل) وكانت الحرب فيه بين المنذر ابن امريء القيس ملك الحيرة، وبين منذر وائل بسبب الحيرة، وظفر فيه المنذر، وأقسم أنه لا يزال يذبحهم حتّى يسيل دمهم من رأس أوارة إلى حضيضه، وبقي يذبحهم والدم يجمد فسكب عليه ماء حتّى سال الدم من رأس الجبل إلى حضيضه، وبرّت يمينه. ويوم رحرحان، (ورحرحان اسم واد

بالحجاز) «1» وكانت الحرب فيه بين الأحوص بن جعفر بن كلاب، وبني دارم، وبني ماويّة، وبني معبد بن زرارة، وبني تميم؛ وانهزمت فيه بنو تميم ومن معهم، وأسر معبد بن زرارة؛ وقصد أخوه لقيط بن زرارة أن يستفكّه فلم يقدر، وعذّبوا معبدا حتّى مات. ويوم شعب جبلة، وشعب جبلة هضبة حمراء بين الشّريف والشّرف «2» . وكان من شأنه أنه لما انقضت وقعة رحرحان المتقدّمة، ومضى لها سنة، وذاك في العام «3» الذي ولد فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، استنجد لقيط بن زرارة التميمي بني ذبيان لثأر أخيه فأنجدته، وتجمعت بنو تميم غير بني سعد، وخرجت معه بنو أسد، وسار بهم لقيط إلى بني عامر وبني عبس في طلب ثأر أخيه معبد، فأدخلت بنو عامر وبنو عبس أموالهم في شعب جبلة، فحضرهم لقيط فخرجوا عليه من الشّعب وكسروا جمائع لقيط وقتلوا لقيطا، وأسروا أخاه حاجب بن زرارة، وانتصرت بنو عامر وبنو عبس نصرا عظيما؛ وقتل أيضا من بني ذبيان وبني تميم ومن بني أسد جماعة مستكثرة؛ وكان هذا اليوم من أعظم أيامهم. ويوم ذي قار، وهو أقرب الوقائع المشهورة في الجاهلية عهدا، وكان في سنة أربعين من مولد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ وقيل عام بدر. وكان من حديثه أن كسرى أبرويز غضب على النعمان بن المنذر ملك الحيرة، فحبسه فهلك في الحبس؛ وكان النّعمان قد أودع حلقته (وهي السّلاح والدّروع) عند هانيء بن مسعود البكري «4» ، فأرسل أبرويز يطلبها من هانيء، فقال هذه أمانة، والحرّ لا يسلم أمانته؛ وكان أبرويز لما أمسك النعمان جعل مكانه في ملك الحيرة إياس بن قبيصة الطائيّ، فاستشار أبرويز إياسا، فقال إياس: المصلحة التغافل عن هانيء بن مسعود حتّى يطمئنّ ونتبعه

فندركه- فقال أبرويز: إنه من أخوالك لا تألوه نصحا- فقال إياس: رأي الملك أفضل؛ فبعث أبرويز الهزبران «1» في ألفين من الأعاجم، وبعث ألفا من بهراء، فلما بلغ بكر بن وائل خبرهم أتوا مكانا من بطن ذي قار، فنزلوه ووصلت إليهم الأعاجم، واقتتلوا ساعة فانهزمت الأعاجم هزيمة قبيحة؛ فيروى أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، خبر بذلك أصحابه، فقال «اليوم أوّل يوم انتصف فيه العرب من العجم وبي نصروا» . ولأبي عبيدة مصنّف مفرد في أيام العرب «2» ، وقد أورد منها ابن عبد ربه في كتاب «العقد» جملة مستكثرة، وفي آخر كتاب الأمثال للميداني نبذة محرّرة من ذلك، وليس بنا حاجة إلى استيعابها هنا. وأما الحروب الواقعة في صدر الإسلام، فمنها وقعة الجمل، وكانت بين عليّ كرم الله وجهه، ومعه أهل الكوفة، وبين عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها، وكانت راكبة يومئذ على جمل اسمه عسكر وبه عرفت الوقعة، وقتل بين الفريقين خلق كثير، وكانت النّصرة فيه لعليّ ومن معه. ومنها وقعة صفّين، وكانت بين عليّ كرم الله وجهه ومعه أهل العراق، وبين معاوية بن أبي سفيان، ومعه أهل الشام، وكان ابتداؤها في سنة ست وثلاثين، وكان مدّة مقامهم بصفّين مائة وعشرة أيام أوقعوا فيها وقعات كثيرة؛ قيل تسعين وقعة؛ وكانت عدّة القتلى بينهم فيما يقال من أهل الشام خمسة وأربعين ألفا، ومن أهل العراق ستة وعشرين ألفا، منهم ستة وعشرون من أهل بدر؛ وكان عمّار بن ياسر مع عليّ رضي الله عنه، وقاتل حتّى قتل، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: «يقتل عمّارا الفئة الباغية» ومضت

عليهما مدّة، وعليّ رضي الله عنه على العراق، ومعاوية على الشام ومصر، إلى أن قتل عليّ رضي الله عنه. ولا حاجة بنا إلى الخوض في أكثر من ذلك، فإن ذلك محمول على اجتهادهم، والإمساك عما شجر بينهم واجب. ومنها وقعة مرج راهط «1» ؛ وكان من حديثها أنه لما هلك يزيد بن معاوية، كان سعيد بن بحدل على قنّسرين، فوثب عليه زفر بن الحارث فأخرجه منها وبايع عبد الله بن الزّبير، فلما قعد زفر على المنبر، قال: الحمد لله الذي أقعدني مقعد الغادر الفاجر، وحصر «2» ، فضحك الناس من قوله؛ وكان حسّان بن بحدل على فلسطين، والأردنّ، فاستعمل على فلسطين روح ابن زنباع الجذاميّ، ونزل هو الأردنّ، فوثب ناتل بن قيس الجذامي على روح ابن زنباع فأخرجه من فلسطين وبايع ابن الزبير؛ وكان النعمان بن بشير على حمص فبايع لابن الزبير، وكان الضّحّاك بن قيس على دمشق، فجعل يقدّم رجلا ويؤخر أخرى، فقدم عليه مروان بن الحكم فقال الضّحّاك هل لك أن تقدم على ابن الزبير ببيعة أهل الشام، قال نعم ووافق على ذلك بنو أمية، واليمانيون؛ فلما فشا ذلك أرسل الضحاك إلى بني أمية تصدر إليهم؛ وقال لمروان وعمرو بن سعيد: اكتبوا إلى حسان بن بحدل فيسير من الأردن حتّى ينزل الجابية، ونسير نحن من هنا حتّى نلقاه فننظر هناك رجلا ترضونه؛ فلما استقلت رايات الضحاك من دمشق، قالت القيسية لا نصحبك دعوتنا إلى بيعة ابن الزبير، وهو رجل هذه الأمة، فلما بايعناك خرجت تابعا لهذه الأعراب بني كلب، فأجابهم إلى إظهار بيعة ابن الزبير، وسار حتّى نزل مرج راهط، وأقبل حسان حتّى لقي مروان، فسار مع مروان حتّى لقوا الضحاك، وهم نحو من

المقصد الثالث في كيفية استعمال الكاتب ذكر هذه الوقائع في كلامه

سبعة آلاف، والضحاك في نحو ثلاثين ألفا، واقتتلوا، فقتل الضحاك وقتل معه أشراف من قريش. المقصد الثالث في كيفية استعمال الكاتب ذكر هذه الوقائع في كلامه لا يخفى أن الكاتب المترشح للكتابة إذا كان «1» من المعرفة بأيام الحرب، والعلم بتفاصيل أخبارها، ومن يعدّ من فرسان حروبها، ومصاقع خطبائها، ومفلقي شعرائها، وما جرى بينهم في ذلك من الخطب والأشعار والمناقضات، كان مستعدّا لما يستشهد به من واقعة قديمة، أو يرد عليه في مكاتبة، أو شعر: من ذكر أيام مشهورة، أو ذكر فارس معيّن؛ كما قال أبو تمام الطائي يمدح بني شيبان: إذا افتخرت يوما تميم بقوسها ... وزادت على ما وطّدت من مناقب فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم ... عروش الّذين استرهنوا قوس حاجب يشير إلى أن حاجب بن زرارة التميميّ وفد على كسرى في سنة جدب، فقال الحاجب من أنت؟ قال رجل من العرب، فلما دخل على كسرى قال له من أنت؟ قال سيد العرب؛- قال ألم تقل بالباب إنك رجل من العرب-؟ قال كنت بالباب رجلا منهم فلما حضرت بين يدي الملك سدتهم؛ فملأ فمه درّا، وشكا إليه محل الحجاز، وطلب منه حمل ألف بعير برّا، على أن يعيد قيمتها،- فقال وما ترهنني على ذلك؟ قال قوسي، فاستعظم همته وقال قبلت، وأعطاه حمل ألف بعير برّا، ومات حاجب فأحضر بنوه المال بعد موته وطلبوا منه قوس أبيهم فافتخرت تميم بذلك. فأشار أبو تمام في بيتيه إلى هذه المنقبة، يقول: يا بني شيبان في يوم ذي قار أبدتم جيوش كسرى الذي استرهن قوس حاجب.

وكما قال أبو نصر «الفتح بن خاقان» «1» في خطبة كتابه «قلائد العقيان» : لو جاوره كليب ما طرق حماه، أو استجار به أحد من الدهر حماه، أو كان بوادي الأخرم، لطاف به ربيعة وأحرم، أو استنجده الكنديّ ما كساه الملاءة، أو كان حاضرا بسطام «2» لما خرّ على الألاءه «3» . وكما قلت في المفاخرة بين السيف والقلم عند التعرض لذكر المقرّ الزيني أبي يزيد الدوادار الذي من أجله وضعت «فلو لقيه فارس عبس لولّى عابسا. أو طرق حمى كليب لبات من حماه آيسا، أو قارعه ربيعة بن مكدّم لعلا بالسيف مفرقه، أو نازله بسطام لبدّد جمعه وفرّقه» . إلى غير ذلك مما يجري هذا المجرى وينتظم في هذا السلك. قال في «حسن التوسل» : وإذا لم يكن صاحب هذا الفن عارفا بكل يوم من هذه الأيام، عالما بما جرى فيها، لم يدر كيف يجيب عما يرد عليه من مثلها، ولا ما يقول إذا سئل عنها. قال: وحسبه ذلك نقصا في صناعته، وقصورا عما يتعين عليه «4» من معرفته وحسن الجواب عنه عند السؤال عنه. وأما الوقائع التي وردت في حوادث خاصة بأقوام فقد قال الوزير «ضياء الدين بن الأثير» رحمه الله في «المثل السائر» : إنها كالأمثال في الاستشهاد بها وذكر لها أمثلة، منها قوله من كتاب: ولا يعدّ البرّ برّا حتّى يلحق الغيّب بالحضور، ويصل من لم يصله بجزاء ولا شكور؛ فزنة الغائب بالشاهد من

كرم الإحسان، ولهذا نابت شمال رسول الله عن يمين عثمان. يشير إلى أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، في بيعة الحديبية «1» كانّ قد أرسل عثمان بن عفّان رضي الله عنه إلى مكة في حاجة، ولم يحضر البيعة، فضرب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، بيده الشّمال على اليمين وقال «هذه عن عثمان وشمالي خير من يمينه» . ومنها قوله من تقليد لبعض الملوك من ديوان الخلافة: «وإذا استعنت بأحد على عملك فاضرب عليه بالأرصاد، ولا ترض بما عرفته من مبدإ حاله، فإن الأحوال تنتقل بنقل الأجساد، وإياك أن تخدع بصلاح الظاهر كما خدع عمر بن الخطاب بالرّبيع بن زياد. يشير بذلك إلى أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه استدعى أبا موسى الأشعريّ ومن يليه من العمال وكان منهم الربيع بن زياد الحارثيّ «2» ، فذهب الربيع بن زياد إلى بعض موالي عمر وسأله عما يروج عنده وينفق عليه، فأشار إلى خشونة العيش فمضى، ولبس جبّة صوف، وعمامة رثاء، وخفّا مطابقا، وحضر بين يديه في جملة العمّال، فصوّب عمر نظره وصعّده فلم يقع إلا عليه، فأدناه وسأله عن حاله، ثم أوصى أبا موسى الأشعريّ به. ومنها قوله في معارضة كتاب القاضي الفاضل إلى ديوان الخلافة يعدّد فيه مساعي الملك الناصر «صلاح الدين يوسف بن أيوب» وما قاساه في الفتوح من الأهوال وهو: ومن جملتها ما فعل الخادم في الدولة المصرية، وقد قام بها منبر وسرير، وقالت منا أمير ومنكم أمير، فردّ الدّعوة العباسيّة إلى معادها،

النوع الرابع عشر في أوابد العرب

وأذكر المنابر ما نسيته بها من زهو أعوادها. يشير بذلك إلى ما تقدّم من اجتماع الأنصار في اليوم الذي مات فيه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، في سقيفة بني ساعدة إلى سعد بن عبادة، وكيف ذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، وقال الحباب بن المنذر: منّا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا، ولكنّا الأمراء وأنتم الوزراء. إلى غير ذلك مما يجري هذا المجرى وينتظم في هذا السّلك: النوع الرابع عشر في أوابد العرب وهي أمور كانت العرب عليها في الجاهلية، بعضها يجري مجرى الديانات، وبعضها يجري مجرى الاصطلاحات والعادات، وبعضها يجري مجرى الخرافات، وجاء الإسلام بإبطالها، وهي عدّة أمور: منها الكهانة، وكان موضوعها عندهم الإخبار عن أمور غيبية بواسطة استراق الشياطين السمع من السماء، وإلقاء ما يستمعونه من الغيبيّات إليهم. وقد كان في العرب قبل البعثة عدّة كهنة تعتمد العرب كلامهم، ويرجعون إلى حكمهم فيما يخبرون به. ومن عجيب أخبارهم في ذلك أن هند ابنة عتبة بن ربيعة كانت تحت الفاكه بن المغيرة المخزومي، وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس من غير إذن، فخلا البيت يوما فاضطجع الفاكه هو وهند فيه، ثم نهض الفاكه لبعض حاجته، وأقبل رجل ممن كان يغشى البيت فولجه فلما رآها ولّى هاربا وأبصره الفاكه فأقبل إلى هند فركضها «1» برجله وهي نائمة فانتبهت- فقال من ذا الذي خرج من عندك- فقالت لم أر أحدا وأنت الذي أنبهتني- فقال لها اذهبي إلى بيت أبيك فأقيمي عنده! وتكلم الناس فيها- فقال له أبوها إنك قد رميت ابنتي

بأمر عظيم، فحاكمني إلى بعض كهّان اليمن، فخرجا في جماعة من قومهما إلى كاهن من كهّان اليمن ومعهما هند ونسوة أخر، فلما شارفوا بلاد الكاهن، قالت هند لأبيها: إنكم تأتون بشرا يصيب ويخطىء ولا آمنه أن يسمني ميسما يكون عليّ سبّة- فقال أبوها سأختبره لك فصفّر لفرسه حتّى أدلى، فأدخل في إحليله حبة حنطة وشدّ عليها بسير، فلما دخلوا على الكاهن، قال له عتبة: إنا قد جئناك في أمر وقد خبأت لك خبأ أختبرك به فانظر ما هو فقال ثمرة في كمرة- فقال أريد أبين من هذا- فقال حبة برّ، في إحليل مهر- فقال له انظر في أمر هؤلاء النّسوة، فجعل يدنو من إحداهنّ فيضرب بيده على كتفها ويقول انهضي حتى دنا من هند فقال لها: انهضي غير رسحاء «1» ولا زانية ولتلدنّ ملكا اسمه معاوية؛ فنهض إليها الفاكه فأخذ بيدها، فجذبت يدها من يده. وقالت إليك عنّي! فو الله لأحرص على أن يكون من غيرك، فتزوّجها أبو سفيان ابن حرب فولدت له معاوية، فكان من أمره ما كان إلى أن انتهت به الحال إلى الخلافة. وقد أخبر جماعة من الكهنة بمبعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قرب ظهوره منهم سطيح «2» الكاهن وغيره. ولما بعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، حرست السماء ومنعت الشياطين من استراق السمع كما أخبر تعالى بقوله: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً «3» . ومنها الزّجر والطّيرة: وهما في معنى واحد؛ وأصله أنهم كانوا إذا أرادوا فعل أمر أو تركه زجروا الطير حتّى يطير؛ فإن طار يمينا كان له حكم، وإن طار

شمالا كان له حكم، وإن طار أماما كان له حكم، وإن طار من فوق رأسه كان له حكم، ومن ثمّ سميت الطّيرة أخذا من اسم الطير، وأكثر ما عوّلوا عليه من ذلك الغراب، ثم تعدّوه إلى غير الطير من الحيوان، ثم جاوزا ذلك إلى ما يحدث في الجمادات من كسر أو صدع أو نحو ذلك؛ وربما انتهى بعض الزجر إلى حدّ الكهانة. وممّا يحكى من زجر الطير أن رجلا من لهب: وهم بطن من العرب يعرفون بالعيافة، خرج في حاجة له، ومعه سقاء من لبن فسار صدر يومه فعطش فأناخ ليشرب فإذا غراب فنعب فأثار راحلته، ثم سار حتّى كان وقت الظهيرة أناخ ليشرب، فنعب الغراب وتمرّغ في التراب، فضرب الرجل السّقاء بسيفه فإذا فيه ثعبان عظيم فقتله. ثم سار فإذا غراب واقع على سدرة فصاح به فوقع على سلمة، فصاح به فوقع على صخرة فانتهى إليها، فأثار من تحتها كنزا، فلما رجع إلى أبيه قال له ما صنعت؟ قال سرت صدر يومي فأنخت لأشرب فنعب الغراب- فقال: أثر راحلتك وإلا فلست بابني- قال فعلت- قال ثم ماذا؟ قال سرت حتّى وقت الظهيرة فأنخت لأشرب فنعب الغراب، وتمرّغ في التراب- فقال اضرب السّقاء وإلا فلست بابني. قال فعلت، فوقع على صخرة قال أثر ما تحتها وإلا فلست بابني، قال فعلت، فوجدت كنزا. وقد وردت السّنّة بإبطال حكم الزجر والطّيرة بقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم «أقرّوا الطّير في وكناتها» وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم «ولا عدوى ولا طيرة» واستحسن صلّى الله عليه وآله وسلّم، الفأل فقال «ويعجبني الفأل وهي الكلمة الطّيّبة أسمعها» . وقد فرق العلماء بين الفأل والطيرة، بأن الطيرة تقصد والفأل يأتي من غير قصد. ومنها الميسر: وهو ضرب من القمار كانوا يقتسمون به لحم الجزر التي يذبحونها بحسب قداح يضربونها، لكل قدح منها نصيب معلوم، وهي أحد عشر قدحا: سبعة منها لها حظ إن فازت وعليها غرم إن خابت بقدر مالها من الحظ عند الفوز، وأربعة منها تثقّل بها القداح لا حظّ لها إن فازت، ولا غرم

عليها إن خابت فأما السبعة التي لها الحظ إن فازت وعليها الغرم إن خابت، فأوّلها الفذّ: وهو قدح في صدره حزّ واحد، وله نصيب واحد في الأخذ والغرم. والثاني التّوأم، وفي صدره حزّان، وله نصيبان في الأخذ والغرم. والثالث الضّريب (ويسمّى الرقيب) وفيه ثلاثة حزوز، وله ثلاثة أنصباء. والرابع الحلس وفيه أربعة حزوز وله أربعة أنصباء. والخامس النافس وفيه خمسة حزوز، وله خمسة أنصباء. والسادس المسبل، ويسمّى المصفح أيضا، وفيه ستة حزوز وله ستة أنصباء. والسابع المعلى، وفيه سبعة حزوز، وله سبعة أنصباء، وهو أوفرها حظّا، ولذلك يضرب به المثل في الحظ فيقال قدحه المعلى. وأما الأربعة التي تثقّل بها القداح فهي السّفيح، والمنيح، والمضعّف، والوغد، وكان طريقهم في ذلك أن القوم يجتمعون فيشترون جزورا فينحرونها ويفصّلونها على عشرة أجزاء، ويستهمون فيها على سبعة أنصباء لا أكثر، وتسمى الأنصباء فيها الأيسار، فإن كانوا أقلّ من سبعة وأراد أحدهم قدحين أو أكثر، أخذ وكان له فوزها، وعليه غرمها؛ فإذا جزؤا الجزور على ذلك، أتوا برجل يسمونه الحرضة «1» ، من شأنه أنه لم يأكل لحما قطّ بثمن، ويؤتى بالقداح فتشدّ مجموعة في قطعة جلد تسمى الرّبابة، ثم يلفّ الحرضة على يده اليمنى ثوبا، لئلا يجد مس قدح له مع صاحبه هوى فيحابيه في إخراجه، ثم يؤتى بثوب أبيض يسمى المجول، فيبسط بين يدي الحرضة، ويقوم على رأسه رجل يسمى الرّقيب، ويدفع ربابة القداح إلى الحرضة، وهو محوّل الوجه عنها، فيأخذ الرّبابة التي تجمع فيها القداح، ويدخل يده تحت الثّوب فينكر القداح فإذا نهد فيها قدح يناوله دفعة إلى الرقيب، فإذا كان مما لا حظّ له، ردّ إلى الرّبابة فإن خرج بعده المسبل مثلا أخذ الثلاثة الباقية وغرم الذين

خابوا ثلاثة أنصباء من جزور آخر، وعلى ذلك أبدا يفعل بمن فاز ومن خاب، فربما نحروا عدّة جزر، ولا يغرم الذين فازوا من ثمنها شيئا، وإنما الغرم على الذين خابوا، وكان عندهم أنه لا يحل للخائبين أن يأكلوا من ذلك اللحم شيئا؛ فإن فاز قدح الرجل فأرادوا أن يعيدوا قدحه ثانية على خطإ فعلوا ذلك به؛ وقد نظم الصاحب إسماعيل بن عبّاد أسماء القداح التي لها النصيب فوزا وغرما في أبيات فقال: إن القداح أمرها عجيب ... الفّذّ والتّوأم والرّقيب والحلس ثم النافس المصيب ... والمصفح المشتهر النّجيب ثم المعلى حظّه الرّغيب ... هاك فقد جاء بها الترتيب ومنها الأزلام: وهي ضرب من الطّيرة، كانوا إذا أرادوا فعل أمر ولا يدرون ما الأمر فيه، أخذوا قداحا مكتوبا على بعضها افعل، لا تفعل، وعلى بعضها نعم، وعلى بعضها لا، وعلى بعضها خذ، وعلى بعضها سر، وعلى بعضها سريع، فإذا أراد أحدهم سفرا مثلا أتى سادن الأوثان، فيضرب له بتلك القداح ويقول: اللهم أيّها كان خيرا له فأخرجه! فما خرج له عمل به، وإذا شكّوا في نسب رجل أجالوا القداح وفي بعضها مكتوب صريح، وفي بعضها مكتوب ملحق؛ فإن خرج الصريح أثبتوا نسبه، وان خرج الملحق نفوه. وإن كان بين اثنين اختلاف في حق سمىّ كل منهما له سهما وأجالوا القداح فمن خرج سهمه فالحق له وقد نهى الله تعالى عن ذلك بقوله وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ «1» . ومنها البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام. فأما البحيرة، فكانت الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن عمدوا إلى الخامس منها ما لم يكن ذكرا فشقّوا أذنها وتركوها، فلا يجزّ لها وبر، ولا يحمل عليها

شيء ولا يذكر عليها إن ذكّيت اسم الله تعالى، وتكون ألبانها للرجال دون النساء. وأما السائبة فكان الرجل يسيّب الشيء من ماله: بهيمة أو عبدا، فيكون حراما أبدا وتكون منافع ذلك للرجال دون النساء. وأما الوصيلة فكانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن عمدوا إلى السابع فإن كان ذكرا ذبح، وإن كان أنثى تركت في الغنم، وإن كان ذكرا وأنثى قيل وصلت أخاها فحرما جميعا، وكانت منافعهما ولبن الأنثى منهما للرجال دون النساء. وأما الحام، فكان الفحل إذا صار من أولاده عشرة أبطن، قالوا حمى ظهره، فيترك، ولا يحمل عليه شيء، ولا يركب، ولا يمنع ماء، ولا مرعى؛ وقد أخبر الله تعالى ببطلان ذلك بقوله: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ «1» . ومنها إغلاق الظهر: كان الرجل منهم إذا بلغت إبله مائة عمد إلى البعير الذي كملت به مائة فأغلق ظهره بأن ينزع شيئا من فقراته ويعقر سنامه كي لا يركب ليعلم أن إبل صاحبه قد أمأت «2» . ومنها التّفقئة، والتّعمية. كان الرجل إذا بلغت إبله ألفا فقأ عين الفحل: وهي التفقئة، فإن زادت على ذلك فقأ العين الأخرى وهي التعمية، ويزعمون أن ذلك يدفع العين عن الإبل قال الشاعر: وهبتها وأنت ذو امتنان ... تفقأ فيها أعين البعران ومنها نكاح المقت: وهو نكاح زوجة الأب- وكان من شأنهم فيه أن

الرجل إذا مات قام أكبر ولده، فألقى ثوبه على امرأة أبيه فورث نكاحها، فإن لم يكن له فيها حاجة يزوّجها بعض إخوته بمهر جديد، فكانوا يتوارثون النكاح كما يرثون المال، فأنزل الله تعالى لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً «1» ، وحرم زوجة الأب بقوله وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا «2» ومن ثمّ سمّي نكاح المقت. ومنها رمي البعرة: كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها، دخلت حفشا (يعني خصّا) ولبست شرّ ثيابها ولم تمسّ طيبا حتّى تمضي عليها سنة، ثم يؤتى بدابة: حمار أو شاة أو طير، فتفتضّ به أي تتمسّح به فقلما تفتضّ بشيء إلا مات، ثم تخرج بعد ذلك فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تراجع ما شاءت من طيب أو غيره فنسخ الإسلام ذلك بقوله تعالى وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً «3» . ومنها وأد البنات (وهو قتلهنّ) . كانوا يقتلونهنّ خشية العار؛ وممن فعل ذلك قيس بن عاصم المنقريّ، وكان من وجوه قومه ومن ذوي المال، وكان سبب ذلك أن النعمان بن المنذر أغزاهم جيشا فسبوا ذراريّهم فأناب القوم وسألوه فيهم فقال النعمان: كل امرأة اختارت أباها ردّت إليه، وكل من اختارت صاحبها تركت معه، فكلهنّ اخترن آباءهنّ إلا ابنة لقيس بن عاصم فإنها اختارت صاحبها عمرو بن الجموح، فنذر قيس أنه لا يولد له ابنة إلا قتلها فكان يقتلهنّ بعد ذلك. وورد القرآن بإعظام ذلك بقوله وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ «4» . ومنها قتل الأولاد خشية الإملاق والفاقة، فكان الرجل منهم يقتل ولده مخافة أن يطعم معه إلى أن نهى الله تعالى عن ذلك بقوله وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ

خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً «1» . ومنها حبس البلايا؛ كانوا إذا مات الرجل يشدّون ناقته إلى قبره ويقبلون برأسها إلى ورائها ويغطّون رأسها بولية «2» وهي البرذعة فإذا أفلتت لم تردّ عن ماء ولا مرعىّ، ويزعمون أنهم إذا فعلوا ذلك حشرت معه في المعاد ليركبها قال أبو زبيد: «3» . كالبلايا رؤوسها في الولايا ... ما نحات السّموم حرّ الخدود ومنها الهامة- كانوا يزعمون أن الإنسان إذا قتل ولم يطالب بثأره، خرج من رأسه طائر يسمّى الهامة، وصاح: اسقوني اسقوني حتى يطالب بثأره؛ قال ذو الأصبع: «4» . يا عمرو إلّا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حتّى تقول الهامة اسقوني «5» ومنها تأخير البكاء على المقتول للأخذ بثأره- كان النساء لا يبكين المقتول منهم حتّى يؤخذ بثأره، فإذا أخذ به بكينه حينئذ، قال الشاعر: من كان مسرورا بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه نهار يجد النّساء حواسرا يندبنه ... يلطمن حرّ الوجه بالأسحار ومنها تصفيق الضالّ- كان الرجل منهم إذا ضلّ في الفلاة، قلب ثيابه وحبس ناقته وصاح في أذنها كأنه يومىء إلى إنسان وصفّق بيديه قائلا: الوحا

الوحا النّجاء النّجاء هيكل الساعة الساعة، إليّ إليّ عجّل، ثم يحرّك ناقته فيزعمون أنها تهتدي إلى الطريق حينئذ. قال الشاعر: وآذن بالتّصفيق من ساء ظنّه ... فلم يدر من أيّ اليدين جوابها يريد إذا ساء ظنّه بنفسه حين يضلّ. ومنها الغول- كانوا يزعمون أن الغول تتراءى لأحدهم في الفلاة فيتبعها فتستهويه، وربما ادّعى أحدهم أنه قابلها وقاتلها قال تأبط شرّا: ألا من مخبر فتيان فهم» ... بما لا قيت عند رحا بطان بأنّي قد لقيت الغول تهوي ... بسهب كالصّحيفة صحصحان «2» فقلت لها كلانا نضو أرض ... أخو سفر فخلّي لي مكاني فشدّت شدّة نحوي فأهوت ... لها كفّي بمصقول يماني فأضربها بلا دهش فخرّت ... صريعا لليدين وللجران ومنها ضرب الثور ليشرب البقر- كانوا يزعمون أنّ الجنّ تركب الثّيران فتصدّ البقر عن الشرب، فيضربون الثور ليشرب البقر؛ قال الشاعر: كذاك الثّور يضرب بالهراوى «3» ... إذا ما عافت البقر الظّماء ومنها تعليق سنّ الثّعلب وسنّ الهرّة وحيض السّمرة- كانوا يزعمون أن الصبيّ إذا خيف عليه نظرة أو خطفة فعلّق عليه شيء من ذلك، سلم من آفته، وأن الجنية إذا أرادته لم تقدر عليه؛ قالت امرأة تصف ولدا: كانت عليه سنّة من هرّة ... وثعلب والحيض حيض السّمرة

ومنها تعليق كعب الأرنب- كانوا يعلّقونه على أنفسهم، ويزعمون أنه وقاية من العين والسّحر، قائلين إن الجنّ تنفر من الأرنب لكونها تحيض قال الشاعر: ولا ينفع التّعشير إن حمّ واقع ... ولا ودع يغني ولا كعب أرنب ومنها تعليق الحليّ على السليم (وهو الملسوع) - كانوا إذا لسع فيهم إنسان علقّوا عليه الحليّ من الأساور وغيرها، ويتركونه سبعة أيام ويمنع من النوم فيفيق، قال النابغة: يسهّد من وقت العشاء سليمها ... لحلي النّساء في يديه قعاقع ومنها وطء المقاليت القتلى- كانوا يزعمون أن المرأة المقلات (وهي التي لا يعيش لها ولد) إذا وطئت قتيلا شريفا بقي أولادها، قال بشر بن أبي خازم: يظلّ مقاليت النّساء يطأنه ... يقلن ألا يلقى على المرء مئزر ومنها مسح الطارف عين المطروف- كانوا يزعمون أن الرجل إذا طرف عين صاحبه فهاجت فمسح الطارف عين المطروف سبع مرات يقول في كل مرة: بإحدى جاءت من المدينة، باثنتين جاءتا من المدينة، بثلاث جئن من المدينة إلى سبع سكن هيجانها. ومنهاكيّ السليم من الإبل ليبرأ الجرب منها- كانوا يزعمون أن الإبل إذا أصابها عرّ (وهو الجرب) فكووا صحيحا إلى جانبه ليشمّ رائحته بريء، وربما زعموا أنه يؤمن معه العدوى، قال النابغة: وكلّفتني ذنب امرىء وتركته ... كذي العرّ يكوى غيره وهو راتع ومنها ذهاب الخدر من الرجل- كانوا يقولون إن الرجل إذا خدرت رجله فذكر أحبّ الناس إليه ذهب عنه الخدر، قالت أمرأة من كلاب:

إذا خدرت رجلي ذكرت ابن مصعب ... فإن قلت عبد الله أجلى فتورها ومنها الحلى «1» عن الصبيان بجباية الحيّ وإطعامه الكلاب- كانوا يرون أن الفتى إذا ظهر فيه الحلى بشفته (وهي بثور تنبت بالشّفة) فيأخذ منخلا على رأسه ويمرّ بين بيوت الحيّ وينادي: الحلى الحلى فيلقى في منخله من هنا تمرة، ومن هنا كسرة، ومن هنا قطعة لحم فإذا امتلأ نثره بين الكلاب فيذهب عنه الحلى. ومنها شقّ الرداء والبرقع، لدوام المحبة- زعموا أن المرأة إذا أحبّت رجلا أو أحبها ولم تشقّ عليه رداءه ويشقّ عليها برقعها فسد حبّهما قال الشاعر: إذا شقّ برد شقّ بالبرد برقع ... دو اليك حتّى كلّنا غير لا بس فكم قد شققنا من رداء محبّر ... ومن برقع عن طفلة غير عانس ومنها رمي سن الصبيّ المثغر في الشمس- يقولون: إن الغلام إذا أثغر فرمى سنّه في عين الشمس بسبّابته وإبهامه وقال أبدليني بها أحسن منها، أمن على أسنانه العوج والفلج والنّغل «2» قال طرفة: بدّلته الشّمس من منبته ... بردا أبيض مصقول الأشر «3» ومنها التعشير- زعموا أن الرجل إذا أراد دخول قرية فخاف وباءها فوقف على بابها قبل أن يدخلها فعشّركما ينهق الحمار ثم دخلها، لم يصبه وباؤها قال عروة بن الورد: لعمري لئن عشّرت من خشية الرّدى ... نهاق حمير إنّني لجزوع

ومنها عقد الرّتم- وهو نبت معروف- كان الرجل إذا أراد سفرا عمد إلى رتم فعقده فإن رجع ورآه معقودا، اعتقد أن امرأته لم تخنه، وإن رآه محلولا اعتقد أنها خانته، قال الشاعر: خانته لمّا رأت شيبا بمفرقه ... وغرّه حلفها والعقد للرّتم ومنها اعتبار دائرة المهقوع- وهي دائرة تكون في «1» عنق الفرس يقال لها الهقعة على ما يأتي ذكره في الكلام على الخيل في الطّرف الآتي- كانوا يزعمون أن الفرس المهقوع إذا عرق تحت صاحبه اغتلمت حليلته، وطلبت الرجال، قال الشاعر: إذا عرق المهقوع بالمرء أنعظت ... حليلته وازداد حرّا عجانها ومنها خضاب نحر الفرس السابق- كان من عادتهم إذا أرسلوا خيلا على صيد فسبق أحدها خضبوا صدره بدم الصيد علامة له، قال الشاعر: كأنّ دماء العاويات «2» بنحره ... عصارة حنّاء بشيب مرجّل ومنها جزّ ناصية الأسير- كانوا إذا أسروا رجلا ثم منّوا عليه فأطلقوه، جزّوا ناصيته ووضعوها في كنانة، قالت الخنساء: جززنا نواصي فرسانهم ... وكانوا يظنّون أن لا تجزّا

النوع الخامس عشر في معرفة عادات العرب؛ وهي صنفان

النوع الخامس عشر في معرفة عادات العرب؛ وهي صنفان الصنف الأوّل نيران العرب قذ ذكر أبو هلال العسكري في كتابه «الأوائل» للعرب ثلاث عشرة نارا: الأولى نار المزدلفة - وهي نار توقد بالمزدلفة «1» من مشاعر الحج ليراها من دفع من عرفة. وأوّل من أوقدها قصيّ بن كلاب، فهي توقد إلى الآن. الثانية نار الاستمطار - كانوا في الجاهلية الأولى إذا احتبس المطر جمعوا البقر وعقدوا في أذنابها وعراقيبها السّلع والعشر «2» ويصعّدون بها في الجبل الوعر، ويشعلون فيها النار، ويزعمون أن ذلك من أسباب المطر، قال الشاعر: «3» . أجاعل أنت بيقورا «4» مسلّعة ... وسيلة منك بين الله والمطر الثالثة نار الحلف - كانوا إذا أرادوا عقد حلف أوقدوا النار وعقدوا الحلف عندها، ويذكرون خيرها، ويدعون بالحرمان من خيرها على من نقض العهد، وحلّ العقد. قال العسكري «وإنما كانوا يخصّون النار بذلك لأن منفعتها تختص بالإنسان، لا يشاركه فيها شيء من الحيوان غيره» . الرابعة نار الطّرد - وهي نار كانوا يوقدونها خلف من يمضي ولا يحبّون رجوعه.

الخامسة نار الحرب

الخامسة نار الحرب - كانوا إذا أرادوا حربا أو توقعوا جيشا؛ أو قدوا نارا على جبلهم ليبلغ الخبر أصحابهم. السادسة نار الحرّتين - كانت في بلاد عبس فإذا كان الليل تضيء نار تسطع وفي النهار دخان مرتفع، وربما بدر منها عنق فأحرق من مرّ بها، فحفر خالد بن سنان النبيّ «1» ، فدفنها، فكانت معجزة له. السابعة نار السّعالي - ترفع للمتقفّر فيتبعها فتهوي به الغول على زعمهم كما تقدّم في الكلام على أوابد العرب. الثامنة نار الصيد - وهي نار توقد للظباء تغشاها إذا نظرت إليها. التاسعة نار الأسد - وهي نار توقد إذا خافوا الأسد لينفر عنهم، فإن من شأنه النّفار عن النار، يقال إنه إذا رأى النار حدث له فكر يصدّه عن قصده. العاشرة نار القرى - وهي نار توقد ليلا ليراها الأضياف فيهتدوا إليها. الحادية عشرة نار السليم (وهو الملسوع) - كانوا يوقدون النار للملسوع إذا لدغ. يساهرونه بها، وكذلك المجروح إذا نزف دمه، والمضروب بالسّياط ومن عضّه الكلب كي لا يناموا فيشتدّ الأمر بهم فيؤدّيهم إلى الهلكة. الثانية عشرة نار الفداء - كان الملوك منهم إذا أسروا نساء قبيلة خرجت إليهم السادة منهم للفداء أو الاستيهاب فيكرهون أن يعرضوا النساء نهارا فيفتضحن أو في الظلمة فيخفى قدر ما يحبسونه لأنفسهم من الصّفيّ، فيوقدون النار لعرضهنّ. الثالثة عشرة نار الوسم - وهي النار يسم بها الرجل منهم إبله فيقال له ما سمة إبلك؟ فيقول كذا.

الصنف الثاني أسواق العرب المعروفة فيما قبل الإسلام

الصنف الثاني أسواق العرب المعروفة فيما قبل الإسلام قد كان للعرب أسواق يقيمونها في شهور السنة، وينتقلون من بعضها إلى بعض ويحضرها سائر قبائل العرب: ممن قرب منهم وبعد. فكانوا ينزلون دومة الجندل أوّل يوم من ربيع الأوّل، فيقيمون أسواقها بالبيع والشراء، والأخذ والعطاء؛ وكان يعشوهم فيها أكيدردومة- وهو ملكها- وربما غلب على السوق كلب، فيعشوهم بعض رؤساء كلب فيقوم سوقهم هناك إلى آخر الشهر. ثم ينتقلون إلى سوق هجر من البحرين في شهر ربيع الآخر، فتكون أسواقهم بها، وكان يعشوهم في هذا السوق المنذر بن ساوى أحد بني عبد الله بن دارم- وهو ملك البحرين. ثم يترحلون نحو عمان من البحرين أيضا فتقوم سوقهم بها. ثم يرتحلون فينزلون إرم وقرى الشّحر من اليمن فتقوم أسواقهم بها أياما. ثم يرتحلون فينزلون عدن من اليمن أيضا فيشترون منه اللّطائم «1» وأنواع الطيب. ثم يرتحلون فينزلون حضر موت من بلاد اليمن، ومنهم من يجوزها فيرد صنعاء فتقوم أسواقهم بها ويجلبون منها الخرز والأدم والبرود، وكانت تجلب إليها من معافر «2» . ثم يرتحلون إلى عكاظ في الأشهر الحرم، فتقوم أسواقهم ويتناشدون الأشعار، ويتحاجّون، ومن له أسير سعى في فدائه، ومن له حكومة ارتفع إلى من له الحكومة، وكان الذي يقوم بأمر الحكومة فيها من بني تميم، وكان آخر من قام بها منهم الأقرع بن حابس التميميّ. ثم يقفون بعرفة ويقضون مناسك الحج. ثم يرجعون إلى أوطانهم قد حصلوا على الغنيمة، وآبوا بالسلامة.

النوع السادس عشر النظر في كتب التاريخ والمعرفة بالأحوال

النوع السادس عشر النظر في كتب التاريخ والمعرفة بالأحوال اعلم أن الكاتب يحتاج إلى معرفة وقائع التاريخ، وتفاصيلها، ولا يكاد يستغني عن العلم بشيء منها لأمور: منها العلم بأزمنة الوقائع والماجريات، وأحوال الملوك والأعيان والحوادث، والماجريات الحاصلة بينهم؛ فيحتج بكل واقعة منها في موضعها، ويستشهد بها فيما يلائمها، ويحتج لمثل ذلك، فإنه متى أخلّ بمعرفة ذلك احتج بالقصة في غير موضعها، أو نسبها إلى غير من هي له، أو لبّس عليه خصمه بالاستشهاد بواقعة لا حقيقة لها، أو نسبها إلى غير من هي له ليظهر حجته عليه، وما يجري مجرى ذلك وفيه مقصدان: المقصد الأوّل في ذكر نبذة تاريخية لا يسع الكاتب جهلها مما يحتج به الكاتب تارة ويذاكر به ملكه أو رئيسه أخرى اعلم أن التاريخ بحر لا ساحل له، وقد أكثر الناس فيه من التصنيف على اختلاف فنونه: ما بين مختصر، ومبسوط، من مقتصر على فن، ومستوعب لفنون، وفي خلال تلك المصنّفات نوادر غريبة، ولطائف عجيبة، لا يحصل الوقوف عليها إلا بعد استيعابها بالمطالعة، كما لا يقع الظّفر بالجوهرة في المعدن إلا بعد عمل كثير يحصل في خلالها بغتة، فإذا التقطت الجواهر من المعدن، سهل تناولها لمريدها؛ وهي على ضربين: الضرب الأوّل الأوائل وهي معرفة مبادىء الأمور المهمة، وقد أفردها أبو هلال العسكري بالتصنيف، وأورد الثعالبيّ منها في كتابه «لطائف المعارف» نبذة صالحة، وتضمنت كتب التاريخ منها جملة مما لم يتعرضا إليه، وقد اقتصرت منها على

أمور تتعلق بالأنبياء عليهم السلام سوى ما يأتي ذكره مما شاكل غيره

ما تتشوّف نفوس أكثر الناس إلى معرفته والاطّلاع عليه: مما توفرت الدواعي عليه، فاستمر وجوده، وانسحب عليه حكم الاستعمال إلى الآن، أو اشتهر في مبدإ أمره، ثم زال بعد ذلك؛ جاريا في ترتيبه على وجه يقرب تناوله، مقدّما الأهم فالأهم بالنسبة إلى حال الكاتب. أمور تتعلق بالأنبياء عليهم السلام سوى ما يأتي ذكره مما شاكل غيره أوّل من استرقّ الرقيق إدريس عليه السّلام. أوّل من شاب إبراهيم الخليل عليه السّلام؛ وهو أوّل من قصّ شاربه، وأوّل من فرق شعره، وأوّل من تمضمض، وأوّل من استاك، وأوّل من قلمّ الأظفار، وأوّل من استنجى «1» ، وأوّل من اختتن، وأوّل من رمى الجمار. الخلافة وما يتعلق بها أوّل من سمّي خليفة أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه حين ولّي الخلافة بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكان يخاطب بخليفة رسول الله؛ وسيأتي ذكره في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة إن شاء الله تعالى، وهو أوّل من استخلف من الخلفاء: استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مرض موته، وسيأتي ذكره في الكلام على ولاية الخلفاء في المقالة الخامسة؛ وهو أوّل خليفة فرض له العطاء في بيت المال عن الخلافة، ولما أدركته الوفاة أوصى باعادة جميع ما حمل إليه من ذلك إلى بيت المال من ماله. أوّل من سمّي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ وسيأتي ذكره في الكلام على هذا اللقب في جملة الألقاب في المقالة الثالثة؛ وهو أوّل من رتّب بيت المال فيما ذكره العسكريّ، لكنه قد ذكر في موضع آخر أن

عمر كان على بيت المال من قبل أبي بكر رضي الله عنه، فيكون أبو بكر قد سبقه إلى ذلك؛ وسيأتي ذكره في الكلام على وكالة بيت المال في المقالة الخامسة؛ وهو أوّل من كوّر الكور ومسح أرض السّواد، ورتّب الخراج على الأرضين، والجزية على الجماجم؛ وهو أوّل من حمل الطّعام من مصر إلى الحجاز، وذلك في عام الرمادة «1» عند غلوّ السعر بالحجاز. وسيأتي ذكره في الكلام على خليج القاهرة في أوائل المسالك والممالك. أوّل من أقطع القطائع من الخلفاء أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ وسيأتي ذكره في الكلام على الإقطاعات في المقالة السادسة، وهو أوّل من حمى الحمى لنعم الصدقة من الخلفاء، وهو أوّل من اتخذ صاحب شرطة من الخلفاء. أوّل من اتخذ بيتا ترمى فيه قصص أهل الظّلامات أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه، وبقي حتّى كتب له شتمه في رقعة، وطرحت في البيت فتركه؛ ثم اتخذه المهديّ بعده، ثم ترك بعد ذلك. أوّل من سلّم عليه بالخلافة فقيل السلام عليك يا أمير المؤمنين معاوية؛ وكانوا قبل ذلك يقولون السلام عليكم، وهو أوّل من عهد إلى أبنه بالخلافة، عهد بها إلى ابنه يزيد، ثم تبعه الكثير من الخلفاء على ذلك، وهو أوّل من استخلف في حال صحته وإلا فأبو بكر لم يستخلف عمر إلا في مرض موته، وعمر لم يجعل الأمر شورى إلا وهو مطعون؛ وسيأتي ذكر ذلك جميعه في الكلام على ولاية الخلفاء في المقالة الخامسة، وهو أوّل من اتخذ المقصورة في المسجد لصلاة الجمعة؛ وقيل «2» اتخذها مروان قبله، وقيل عثمان؛ وهو أوّل من نهى عن الكلام بحضرته من الخلفاء، وكان الناس قبل ذلك يردّون

على الخليفة ويعترضونه فيما يقول؛ وهو أوّل من اتخذ ديوان الخاتم لختم الكتب؛ وسيأتي ذكره في الكلام على اللواحق من المقالة الثالثة، وهو أوّل من اتخذ البريد في الإسلام؛ وسيأتي ذكره في الكلام على البريد في خاتمة الكتاب. أوّل من سار في الناس بالجبريّة من الخلفاء وأمر أن لا يخاطب باسمه كما يخاطب الخلفاء قبله الوليد بن عبد الملك فاتفق أن خالف رجل فخاطبه باسمه فأمر به فوطيء. أوّل من رتّب مراتب الخلافة وأقام حاجبا للاستئذان عليه أبو جعفر المنصور، واتخذ في قصره بيتا يجلس فيه الناس حتّى يؤذن لهم؛ وهو أوّل من اتخذ الأتراك اتخذ حمّادا التركي، ثم اتخذ المهديّ بعده مباركا التركي، ثم أكثر الخلفاء من الأتراك بعد ذلك. أوّل من جلس للمصائب من الخلفاء على البساط دون الأنماط هارون الرشيد حين نعي إليه قريبه: إبراهيم بن عليّ؛ فاتخذ الخلفاء ذلك دأبا في المآتم. أوّل من نعت على المنبر بنعت الخلافة الأمين بن الرشيد فقيل: اللهم وأصلح عبدك وخليفتك عبد الله محمدا الأمين. أوّل من أضيف لقبه من الخلفاء إلى اسم الله المعتصم فقيل المعتصم بالله، ثم تبعه الخلفاء على ذلك، وسيأتي ذكره في الكلام على الخلفاء في المقالة الثانية. أوّل من حوّل السنة الشمسية إلى السنة القمرية وأقرّ النيروز المتوكّل، وسيأتي ذكره في تحويل السنين في المقالة السابعة، وهو أوّل من أمر بتغيير زيّ أهل الذّمة؛ وسيأتي ذكره في الكلام على عقد الصلح لأهل الذمة في المقالة السابعة.

أمور تتعلق بالملوك والأمراء

أمور تتعلق بالملوك والأمراء أوّل من لبس التاج الضّحّاك أحد ملوك الفرس، وهو النمرود فيما يقال؛ وفي زمنه كان إبراهيم الخليل عليه السّلام. أوّل من مسح الأرضين، ووضع الدواوين، ووضع الخراج على الأرضين، ووظّف الموظّفات على البلاد قيذار أحد ملوك الفرس، واتخذ لذلك ديوانا وسماه ديوان العدل. أوّل من جلس على السرير من ملوك العرب جذيمة الأبرش «1» ، وهو أوّل من وقعت له السّمعة من ملوك العرب، وأوّل من لبس الطّوق منهم. أوّل من مشت الرجال معه وهو راكب الأشعث بن قيس. كانت بنو عمرو بن معاوية ملّكوه عليهم وتوّجوه. أوّل من مشي بين يديه بالأعمدة الحديد زياد بن أبيه، وهو أوّل من جلس الناس بين يديه على الكراسيّ، وهو أوّل من اتخذ العسس والحرس. أوّل من سلّم عليه بالإمرة المغيرة بن شعبة فقيل السلام عليك أيها الأمير، وكانوا قبل ذلك يقولون السلام عليكم، ثم تبعه الأمراء على ذلك. أوّل من حمل إليه الثّلج الحجّاج بن يوسف، وسيأتي ذكره في الكلام على حمل الثلج لصاحب الديار المصرية في خاتمة الكتاب. أوّل من نقش اسمه من الملوك على الدنانير والدراهم مع الخلفاء عزّ الدّولة بن بويه وإخوته ملوك الديلم القائمين على الخلفاء العبّاسيين ببغداد، في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، ثم تبعهم الملوك على ذلك.

أوّل من حمل السّنجق على رأسه من الملوك غازي بن زنكي صاحب الموصل، وهو أوّل من أختار الأجناد أن يركبوا بالسيوف في أوساطهم والدّبابيس تحت ركبهم. أوّل من حمل الشمع معه على البغال في الليل من ملوك الديار المصرية محمد بن طغج الإخشيد، وكانت الشمعة تجعل على مؤخر البغل وفرّاش راكب أمامها، وهو يلتفت في كل قليل يصلحها، فأبدلها الملوك بعده بهذه الفوانيس التي تحمل على البغال مع الفانوسيّة أمام ملوك الديار المصرية في الليل. أوّل من لقّب من وزراء الفاطميين بالديار المصرية بالملك فلان رضوان ابن ولخشي «1» وزير الحافظ: لقب بالملك الأفضل، وكان من قبله من الوزراء لا ينعت بالملك. أوّل من لف العمامة على الكلوتة «2» من ملوك الديار المصرية الأشرف خليل بن قلاوون، وكانت ملوك بني أيوب يلبسون كلوتة صفراء بغير عمامة ولذلك تراهم يطلقون على أرباب الأقلام المتعممين في مقابلة أن الجند كانوا بغير عمائم. أوّل من اعتاد حلق رأسه من ملوك الديار المصرية الملك الناصر محمد ابن قلاوون حين حج، وتبعه الأمراء والجند على ذلك واستمر الأمر على ذلك إلى الآن، وكان لهم قبل ذلك غدائر شعر مرسلة كعرب الحجاز ونحوهم.

الوزراء

الوزراء أوّل من سمّي وزيرا في الإسلام أحمد بن سليمان الخلّال، وزير السفّاح أوّل خلفاء بني العباس، ثم تبعه وزراء الخلفاء والملوك على ذلك، وكانوا قبل ذلك يقولون كاتبا. أوّل من لقّب بالصاحب من الوزراء، كافي الكفاة إسماعيل بن عبّاد، وكان السبب في ذلك أنه كان يصحب الأستاذ ابن العميد فكانوا يقولون صاحب ابن العميد، ثم غلب عليه اللقب حتّى قيل له الصاحب مجرّدا وتبعه الخلفاء على ذلك، وسيأتي ذكره في الكلام على هذا اللقب في المقالة الثالثة. أوّل من لقب بالملك الفلانيّ من وزراء الفاطميين بالديار المصرية رضوان بن ولخشي وزير الحافظ، لقّب الملك الأفضل، ثم صار رسما لوزرائهم بعد ذلك، وتبعهم ملوك الديار المصرية على ذلك إلى الآن. القضاة أوّل قاض كان في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، استقضاه أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه، في خلافته فمكث سنة لا يأتيه أحد في قضية. أوّل قاض بالمدينة النبوية عبد الله بن نوفل، استقضاه عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته. أوّل قاض بالكوفة جبير بن القشعم. أوّل قاض بالبصرة أبو مريم الحنفيّ، أحد بني حنيفة، استقضاه أميرها عروة بن غزوان في سنة أربع عشرة من الهجرة. أوّل قاض بمصر قيس بن أبي العاص السّهميّ، استقضاه عليها عمر

ابن الخطاب رضي الله عنه، في خلافته في سنة ثلاث وعشرين من الهجرة. أوّل قاض جمع له القضاء والشّرطة بمصر عائش بن سعيد وليهما من قبل أميرها مسلمة بن مخلّد «1» . أوّل قاض بمصر نظر في الأحباس يعني الأوقاف بمصر أبو محجن توبة في خلافة هشام بن عبد الملك، وكانت الأوقاف قبل ذلك بيد أربابها أو أوصيائهم- فقال: هذه مآلها إلى الفقراء والمساكين فأنا أضع يدي عليها، فما مضت له سنة حتّى صار لها ديوان عظيم. أوّل قاض بمصر خرج لرؤية الهلال عبد الله بن لهيعة. قال أبو عمر الكندي: وهو أوّل قاض ولي مصر عن خليفة، وليها عن أبي جعفر المنصور في أوّل سنة خمس وخمسين ومائة. أوّل قاض ولي مصر ممن يقول بقول أبي حنيفة أبو الفضل إسماعيل بن اليسع الكندي، وكان أهل مصر قبله لم يعرفوا مذهب أبي حنيفة ولم يألفوه، وكان يرى بطلان الأوقاف، فكتب الليث «2» فيه إلى أبي جعفر المنصور فكتب إليه بعزله. أوّل قاض بمصر أدخل النصارى في خصوماتهم إلى المسجد أبو عبد الرحمن محمد بن مسروق، وكانت ولايته من قبل الرشيد في سنة سبع وسبعين ومائة، وهو أوّل من اتخذ لمجلسه الشهود من قضاة مصر. أوّل قاض ولي مصر ممن يقول بقول مالك أبو نعيم إسحاق بن الفرات مولى معاوية بن حديج؛ وللشافعي عليه ثناء جميل في معرفة الخلاف، وهو

الأمور العلمية

أول قاض اتخذ للشهود ديوانا وكتب أسماءهم فيه، وكانت ولايته من قبل الرشيد في سنة بضع وثمانين ومائة. أوّل قاض ولّي على المصاحف أمينا بجامع الفسطاط الحارث بن مسكين، وكانت ولايته في خلافة المتوكل. أول ما استقرت قضاة الديار المصرية أربعة، من كل مذهب قاض في سلطنة الظاهر بيبرس البند قداري، وذلك أن القضاء بها كان بيد القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز وكان شافعيا، فكانت تأتيه المكاتيب المخالفة لمذهبه فيتوقف فيها فشقّ ذلك على السلطان والأمراء فاتفق رأيهم على أن يجعلوا من كل مذهب قاضيا ليقضي كل منهم بمذهبه. أوّل ما خصّ قاضي القضاة الشافعي بالديار المصرية بالتولية في أعمالها دون رفقته الثلاثة في سلطنة المنصور قلاوون في شوّال سنة ثمان وسبعين وستمائة، ذكره ابن المكرم في تذكرته «1» : الأمور العلمية أوّل من أخطأ في القياس إبليس، حيث قال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، أو لم يعلم أن ما ألقي إلى جوهر الطين زاد ونما، وما ألقي إلى جوهر النار اضمحل وتلاشى. أوّل من نطق بالحكمة أنوش بن شيث بن آدم عليه السّلام. أول من دلّ على تركيب الأفلاك، وقدّر مسير الكواكب، وكشف عن أحوال تأثيراتها، ونبه على عجائب الصنع فيها إدريس عليه السّلام.

أوّل من نظر في الطب أفريدون ملك الفرس بعد الضحّاك «1» ، وفي أيامه ظهرت الفلاسفة وتكلموا في علومهم. أوّل من وضع النحو أبو الأسود الدّؤلي بأمر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهو أوّل من نقط المصاحف النقط الأول على الإعراب. أوّل من صنّف في علم الكلام واصل بن عطاء المعتزلي. أوّل من ترجم له كتب الطب والنجوم وغيرها من كتب العلوم الفلسفيّة خالد بن يزيد، ثم تلاه المأمون فأكثر من ذلك. أوّل من صنّف في غريب القرآن أبو عبيدة معمر بن المثنّى. أوّل من صنّف في أصول الفقه الإمام الشافعي رضي الله عنه، صنّف فيه كتابه الرسالة. أوّل من صنّف في الفقه مالك بن أنس صنف كتابه الموطّأ. أوّل من عمل العروض الخليل بن أحمد، وهو أوّل من صنف اللغة مرتبة على حروف المعجم صنف كتابه «العين» . أوّل من صنف في علم البديع عبد الله بن المعتز «2» . أوّل من سنّ الإساءة والاجتراء في البحث فرعون، بينا هو وموسى عليه السلام في مقام المناظرة حيث قال وَما رَبُّ الْعالَمِينَ «3» فأجابه موسى

الخطابة

بقوله رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ* «1» إلى آخر المناظرة بينهما إذ قال لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ «2» . الخطابة أوّل من جمع قريشا وخطبهم ونبّه على أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم منهم قصيّ بن كلاب، وسيأتي ذكره في الكلام على مكة في المسالك والممالك في المقالة الثانية. أوّل من خطب على العصا وعلى الراحلة قسّ بن ساعدة الإياديّ، وقد تقدّم ذكر خطبته التي خطبها على الراحلة في الكلام على الخطب. أوّل من عمل المنبر تميم الداريّ عمله للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكان قد رأى منابر الكنائس بالشام. أوّل من أرتج عليه في الخطبة عثمان بن عفّان رضي الله عنه فقال: أيها الناس إن اللّذين كانا من قبلي كانا يعدّان لهذا المقام مقالا، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قائل، وستأتيكم الخطبة على وجهها في الجمعة الأخرى ثم نزل. أوّل من خطب جالسا معاوية حين كثر شحمه. أوّل من أقام الجمعة بالمدينة قبل مقدم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، أسعد بن زرارة الأنصاريّ ببني بياضة. أوّل من رفع يده في الخطبة يوم الجمعة عبيد الله بن عبد الله بن عمر.

الخط

أوّل من أخرج المنبر في العيد مروان بن الحكم ولم يكن قبل ذلك يخرج. الخط أوّل من خط بالقلم في الجملة قيل آدم عليه السّلام وقيل إدريس. أوّل من كتب بالعربية قيل هود عليه السّلام أنزل عليه، وقيل إسماعيل، وقيل ثلاث نفر من بولان من طيىء اصطلحوا على ذلك، وسيأتي ذكره في الكلام على الخط في الباب الثاني من هذه المقالة. كتابة الإنشاء أوّل من كتب في أوّل الكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم سليمان عليه السلام، حين كتب لبلقيس كما أخبر الله تعالى عنه بقوله إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «1» ثم كتبها النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لما نزلت. أوّل من كتب في أوّل الكتب باسمك اللهم أميّة بن أبي الصّلت، فكتبها قريش في كتبهم، وكان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، يكتبها في ابتداء الأمر، وسيأتي ذكر جميع ذلك في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة. أوّل من كتب من فلان إلى فلان قسّ بن ساعدة فيما قاله العسكري وأقرّه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، في مكاتباته، وسيأتي ذكره في الكلام على الفواتح في المقالة الثالثة. أوّل من زاد في أوائل الكتب بعد التحميد «وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله» هارون الرشيد؛ وسيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة.

كتابة الأموال وما في معناها

أوّل من أرّخ بالهجرة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وسيأتي ذكره في الكلام على الخواتم في المقالة الثالثة. أوّل من كتب في آخر كتابه «وكتب فلان بن فلان» أبيّ بن كعب قاله العسكري. أوّل من ختم الكتب سليمان عليه السّلام فقد قيل في قوله تعالى حكاية عن بلقيس إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ «1» إن المراد به المختوم. وأوّل من ختمها في الإسلام النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، حين قيل له: إن ملوك الأعاجم لا يقرؤون كتابا غير مختوم فاتخذ خاتما نقش فصه «محمد رسول الله» فكان يختم به الكتب، وسيأتي ذكر ذلك في الكلام على الخواتم. أوّل من اتخذ الطين لختم الكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قاله الثعالبي في «لطائف المعارف» . أوّل من اتخذ ديوان الخاتم معاوية بن أبي سفيان، حين كتب لرجل بمائة ألف درهم ففك الكتاب فأصلحها مائتين، قاله الثعالبي في «لطائف المعارف» . كتابة الأموال وما في معناها أوّل من اتخذ الديوان في الإسلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وضع ديوان الجيوش. وسيأتي ذكره في الكلام على الإقطاعات في المقالة السادسة. أوّل من جعل الحساب في دفاتر خالد بن برمك فيما قاله الثعالبي، وكان قبل ذلك في أدراج من كاغد «2» ورق.

الخراج والجزية

أوّل من نقل ديوان العراق من الفارسية إلى العربية الحجاج بن يوسف في خلافة عبد الملك بن مروان؛ نقله له صالح بن عبد الرحمن؛ كاتب كاتبه زاذان فرّوخ فكان كتّاب «1» العراقين علماء وتلاميذ. أوّل من نقل ديوان الشام من الرومية إلى العربية عبد الملك بن مروان، نقله له سليمان بن سعيد مولى الحسين كاتب رسائل عبد الملك، فولاه عبد الملك جميع دواوين الشام. أوّل من نقل ديوان مصر من القبطيّة إلى العربية عبد العزيز بن مروان في إمارته على مصر «2» ، ذكره صاحب «المنهاج في صنعة الخراج» . أوّل من وسّع في أرزاق الكتّاب الفضل بن سهل وزير المأمون. الخراج والجزية أوّل من وضع الخراج وأزال المقاسمة كسرى أنوشروان، وذلك أنه مر على زرع وامرأة تمنع ولدها منه، فسألها عن ذلك، فقالت: إن للملك فيه حقّا، ولا نستحله حتى يأخذ الملك حقه، فقرّر على الزرع قدرا معلوما، وخلّى بين الغلّة وأصحابها. أوّل من وضع الخراج على الأرضين والجزية على الجماجم في الإسلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حين مسح السّواد، ثم رسم بالمقاسمة أبو جعفر المنصور حين خرب السواد. أوّل من ألزم الخراج كلفة الحمل ومؤونته زياد بن أبيه، فبقي حتّى أسقطه زياد بن أبيه «3» .

المعاملات

أوّل من عرّف العرفاء على الناس لجباية المال وغيره زياد، وكان يقول: العرفاء كالأيدي والمناكب فوقها. المعاملات أوّل من ضرب الدنانير والدراهم في الإسلام عبد الملك بن مروان، ضربها بالشأم من فضة خالصة، وكان الناس قبل ذلك يتعاملون بدراهم الفرس والرّوم؛ ولما ضربها عبد الملك كتب إلى الحجاج بالعراق باقامة رسم ذلك، فضرب الدراهم ونقش عليها «قل هو الله أحد» إلى آخر السورة، فسمّيت الدراهم الأحديّة، وكرهها الناس لنقش القرآن عليها، مع أنه قد يحملها المحدث، فسميت المكروهة. قلت: وقد رأيت درهما من هذه الدراهم الأحدية، أرانيه بعض أعيان حلب، وذكر لي أن فلاحا أصاب ركازا لطيفا بها فأحضره إلى نائب حلب خوف عهدته، فاقتسمه هو وأهل مجلسه، وعوّضه من كل درهم أضعافه، فحصل لوالد ذلك الرئيس هذا الدرهم فوصل إليه بعده. أوّل من شدّد في العيار في الدراهم يوسف بن عمر «1» ، أمر أن لا يضرب درهم بنقص حبة فما فوقها، ثم استخفّ درهما فوجده ينقص حبّة، فأمر أن يضرب كل رجل من الضرّابين ألف سوط، وكانوا مائة ضرّاب، فضرب في نقص حبة واحدة مائة ألف سوط. أوّل من شدّد في خلوص الذهب أحمد بن طولون صاحب مصر والشام، وذلك أنه حين وجد الكنز المشهور بعين شمس، وأتي له منه بميّت وعلى صدره لوح ذهب مكتوب بالقبطية فعرّب فإذا فيه: أنا أكبر الملوك وذهبي أخلص الذهب؛ فقال: قاتل الله من يكون هذا اللّعين أكبر منه أو ذهبه أخلص

من ذهبه، ثم شدّد في التعليق حتّى كان قاضي القضاة يحضره بنفسه، وسيأتي الكلام على ذلك في معاملة الديار المصرية في المقالة الثانية. أوّل من ضرب الدراهم الزّيوف «1» في الإسلام عبيد الله بن زياد. أوّل من اتخذ ألسنة الموازين من الحديد عبد الله بن عامر أمير المدينة من قبل عثمان. أوّل من عمل الأوزان الحجاج بن يوسف، عملها له سمير اليهودي «2» ، وذلك أن الحجاج حين ضرب الدراهم الأحديّة على ما تقدّم ضربها سمير اليهودي من فضة خالصة أيضا وجعل فيها ذهبا فأراد الحجاج قتله، فقال: ألا أدلك على ما هو خير للمسلمين من قتلي؟ قال: هاته! فوضع الأوزان، وزن ألف، ووزن خمسمائة، ووزن ثلاثمائة إلى وزن ربع قيراط فجعلها حديدا ونقشها وأتى بها إلى الحجاج فعفا عنه، وكان الناس قبل ذلك إنما يأخذون الدرهم الوازن فيزنون به غيره. أوّل من اتخذ الذراع التي يذرع بها الأرضون أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حين مسح السّواد. وقيل أوّل من اتخذها زياد، نظر إلى ثلاثة نفر من أطولهم ذراعا وأوسطه وأقصره فجمعها وأخذ ثلثها فجعلها ذراعا.

العمارة

العمارة أوّل بيت وضع في الأرض الكعبة، بنتها الملائكة؛ قال تعالى إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ «1» . أوّل من جعل للكعبة بابا أنوش بن شيث بن آدم عليه السّلام. أوّل من سقف بمكة سقفا قصيّ بن كلاب، وكان الناس قبل ذلك إنما ينزلون في العريش. أوّل من بوّب بمكة بابا حاطب بن أبي بلتعة «2» . أوّل من اتخذ بمكة روشنا «3» بديل بن ورقاء الخزاعيّ. وهو أوّل من بنى بها بيتا مربّعا، وكانوا قبل ذلك يتحامون التربيع في البناء كيلا يشبه بناء الكعبة. أوّل قرية بنيت بعد الطّوفان قرية ثمانين، من الجزيرة الفراتية، بناها نوح عليه السّلام، وأنزل بها من كان معه في السفينة وهم ثمانون رجلا. أوّل مدينة بنيت بمصر بعد الطّوفان مدينة منف، وأصلها بالسّريانية مافه ومعناها ثلاثون؛ سميت باسم جماعة مصر بن بيصر الذين كانوا معه، وسيأتي ذكرها في جملة قواعد مصر القديمة في المقالة الثانية. أوّل من عمل الحمّام سليمان عليه السّلام، صنعها له الجنّ وعملوا له النّورة «4» لإزالة شعر كان على بلقيس حين تزوجها فيما يقال.

الزرع

أوّل من اتخذ الآجرّ هامان لفرعون حيث قال له فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً «1» . أوّل من بنى بالجصّ والآجرّ في الإسلام زياد بن أبيه بالبصرة. الزرع أوّل من غرس النخلة أنوش بن شيث بن آدم عليه السّلام. الصناعات أوّل من خاط الثياب إدريس عليه السّلام، وكان الناس قبل ذلك يلبسون الجلود. أوّل من عمل القراطيس يوسف عليه السّلام، وقيل غيره؛ وسيأتي ذكره في الكلام على ما يكتب فيه في المقالة الثالثة. أوّل من عمل الصابون سليمان عليه السّلام؛ قاله الثعالبي. أوّل من عمل الكيمياء قارون، ويقال إنه المراد بقوله تعالى حكاية عنه قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي «2» . أوّل من عمل الزجاج ملكي أحد ملوك مصر بعد الطوفان، وسيأتي ذكره في الكلام على ملوكها في المقالة الثانية. أول من تخذ الرّحال علاف بن زبّان الحميريّ «3» ، وكانت العرب قبل

اللباس

ذلك يركبون المخاصر «1» . أوّل «2» من كسا الكعبة في الجاهلية تبّع: أسعد أبو كرب. أوّل من اتخذ المحامل له الحجاج بن يوسف. أوّل من اتخذ السياط الأصبح بن مالك، أحد ملوك اليمن فقيل السياط الأصبحيّة. اللباس أوّل من لبس الثياب الحمر قارون، ويقال إنه المراد بقوله تعالى فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ «3» . وهو أوّل من أطال ثيابه وسحبها على الأرض عجبا وتيها. أوّل من قوّر طيلسانا من العرب في الإسلام عبد الله بن عامر أمير المدينة من قبل عثمان. والطّيلسان المقوّر على نحو الطّرحة التي يلبسها الوزراء وقضاة القضاة الآن، وكانت وزراء الفاطميين يلبسونها. وهو أوّل من لبس الخز، فقال أهل المدينة لبس الأمير جلد دبّ. أوّل ما لبس بنو العبّاس السّواد حين قتل مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية إبراهيم بن محمد الإمام أوّل قائم منهم بطلب الخلافة حزنا عليه، فاستمر فيهم، وفيه كلام يأتي في المقالة الثانية عند الكلام على لبس الخلفاء. أوّل من لبس الخفاف الساذجة «4» بالبصرة زياد بن أبيه. أوّل من احتذى النّعال من العرب جذيمة الأبرش.

الحرب وآلاته

أوّل من خلع نعليه عند دخول الكعبة في الجاهلية الوليد بن المغيرة. أوّل من لبس النّعال الصّرّارة المروانيّ كان قصيرا فاتخذ النعال الغلاظ الصرارة لتزيد في طوله وليسمعه جواريه وحرمه عند دخول بيته فتصلح شأنها من كانت على غير هيئة صالحة. قال العسكريّ: من ثمّ اتخذ الناس نعال الخشب يعني القباقيب. أوّل من أمر بتغيير زيّ أهل الذمة المتوكّل، أمرهم أن يلبسوا العسليّ «1» ، ويتخذوا ركب الخشب ونحو ذلك فيمتازوا عن المسلمين، وسيأتي ذكره في عقد صلح أهل الذمة في المقالة السابعة. الحرب وآلاته أوّل من ركب الخيل إسماعيل عليه السّلام، وكانت قبله وحوشا لا تركب فراضها وركبها، وتعلّم بنوه رياضتها منه، فصارت فيهم إلى الآن. ولذلك العرب أعرف الناس بالخيل. وهو أوّل من ميّز بين العتاق منها والهجن في سهام أصحابها، فسبقت العتاق الهجن. أوّل من اتخذ الدروع ولبسها داود عليه السّلام إذ يقول تعالى وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ «2» وكانوا قبل ذلك يلبسون تنانير «3» من حديد. أوّل من اتّخذ السّلاح وجاهد سليمان عليه السّلام فيما قاله العسكريّ، وفيه نظر. أوّل من اتّخذ الحديد من العرب ذو يزن الحميريّ، وكانت أسنّتهم قبل ذلك صياصي البقر.

الأسماء والألقاب

أوّل من اتخذ الحصن من الجبل للكمائن الإسكندر. أوّل من اتخذ المنجنيق الضّحاك حين أراد إلقاء إبراهيم عليه السّلام في النار، وضعه فيه ورمى به في النار فكانت عليه بردا وسلاما. وأوّل من اتخذه من العرب جذيمة الأبرش. أوّل من اتخذ الجواسيس والعيون على العدوّ الإسكندر. أوّل لواء عقده النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، لواء أبيض لعمه حمزة وقال «خذه يا أسد الله» وذلك في رمضان من السنة التي هاجر فيها، وحمله له يزيد بن أبي يزيد. أوّل ما عقدت الرايات في الإسلام يوم حنين، عقد صلّى الله عليه وآله وسلّم، راية سوداء من برد عائشة، وكانوا قبل ذلك لا يعرفون إلا الألوية قاله العسكريّ. أوّل من قتله النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، بيده أبيّ بن خلف «1» لعنه الله، طعنه صلّى الله عليه وآله وسلّم طعنة خفيفة فوجد لها ألما شديدا فقيل له لن تبالي فقال: لو أن ما بي بأهل الأرض لقتلهم، ومات منها. أوّل حرب كانت بين أهل القبلة يوم صفّين، بين عائشة وعليّ رضي الله عنهما. الأسماء والألقاب أوّل من سمّى المصحف مصحفا أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه حين جمع القرآن. أوّل من سمّي باسم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، محمد بن حاطب «2» حين ولد بأرض الحبشة في الهجرة الأولى.

أوّل من سمي بالحسن والحسين السّبطان ولدا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب من فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. قال أبو أحمد العسكري في كتابه «التصحيف والتحريف» : قال المفضل: حجب الله هذين الاسمين عن أن يسمّى بهما حتّى سمّى بهما النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، ابنيه عليهما السلام أما حسن وحسين الموجودان في أنساب طيىء فالأوّل بسكون السين والثاني بفتح الحاء وكسر السين. أوّل من سمّى عبد الملك في الإسلام عبد الملك بن مروان. أوّل من سمّي بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أحمد أبو الخليل واضع العروض ولذلك يقال فيه الخليل بن أحمد. أوّل من سمّى الغالية غالية «1» معاوية بن أبي سفيان، شمّها من عبد الله ابن جعفر فوصفها له فقال إنها غالية. أوّل ما سميت العطيّات جوائز في زمن عثمان رضي الله عنه، وذلك أن ابن عامر كان على العراق من قبل عثمان فبعث جيشا مع قطن بن عبد عوف الهلاليّ إلى كرمان، فجرى الوادي بسيل خيف منه الغرق، فقال قطن: من عبره فله ألف درهم، فعبره رجل ثم آخر حتّى جاز جميعهم فأعطاهم قطن ألفا ألفا، فكان جملة ذلك أربعة آلاف ألف، فاستكثرها ابن عامر فكتب بها إلى عثمان فأجازها، وقال: كلّ ما كان في سبيل الله فهو جائز. أوّل ما لقّب بفلان الدولة في أيام المكتفي بالله. أوّل ما لقّب بفلان الدين في أيام القادر بالله؛ وسيأتي ذكره في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة.

الضيفان

الضّيفان أوّل من قرى الضيف إبراهيم الخليل عليه السّلام حتّى كنّي أبا الضّيفان لكثرة قراه لهم. أوّل من سنّ للضيف صدر المجلس بهرام جور: أحد ملوك الفرس. أوّل من هشم الثّريد للقرى في زمن المحل هاشم بن عبد مناف، وبذلك سمّي هاشما وكان اسمه قبل عمرا. أوّل من فطّر جيرانه في شهر رمضان عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب. وهو أوّل من حمل الطعام على رؤوس الناس لكثرته وأوّل من أنهبه. وجوه البرّ أوّل من اتخذ البيمارستان «1» بالشام للمرضى الوليد بن عبد الملك. أوّل من اتخذ البيمارستان بمصر أحمد بن طولون بناه بالفسطاط، وهو موجود إلى الآن. أوّل من فوّض إلى الناس إخراج زكاتهم بأنفسهم عثمان بن عفّان رضي الله عنه. الأعياد والمواسم أوّل من اتخذ النّيروز من الفرس جما الملك، وهو الذي بنى مدينة طوس، يقال إنه كان في زمن هود عليه السّلام، كان الدّين قبله قد تغير وظهر الجور، فلما ملك جدّد الدين وأظهر العدل فسمي اليوم الذي ملك فيه نوروز أي يوم جديد عرّبته العرب فقلبوا الواو فقالوا نيروز.

الأقوال

أوّل هدية كانت في النّيروز لجما الملك المتقدّم ذكره، وذلك أنه لم يظهر القصب إلا في أيامه فذاقه بعض الناس فاستحلاه فصنع منه السكر فوافق فراغه في أوّل يوم ملك فيه جما وهو يوم النّيروز فأهدي إليه منه في ذلك اليوم، فصار سنة عندهم، فهم يتهادون فيه بالسّكّر، ثم توسعوا فيه فتهادوا بغير السّكّر. أوّل ما ظهر المهرجان في زمن أفريدون القائم بعد الضحّاك من ملوك الفرس، وذلك أنه لما ظفر بالضحاك فقيده وانقطع ما كان في زمنه من الظلم والفساد، سمّى اليوم الذي ظفر به فيه المهرجان. قال العسكريّ: والمهر الوفاء كأن معناه سلطان الوفاء، وكان سبيل الملوك فيه سبيل النّيروز. أوّل من افتتح المكاتبة بتهنئة النيروز والمهرجان أحمد بن يوسف «1» أهدى إلى المأمون سفط ذهب فيه قطعة عود هنديّ في طوله وعرضه، وكتب معه «هذا يوم جرت فيه العادة، بإلطاف العبيد السادة» . الأقوال أوّل من قال «أما بعد» داود عليه السّلام، ويقال إنها فصل الخطاب المشار إليه بقوله تعالى وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ «2» . وقيل أوّل من قالها قسّ بن ساعدة. أوّل من قال مرحبا سيف بن ذي يزن، قال ذلك لعبد المطلب جدّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، حين وفد عليه ليهنّئه برجوع الملك إليه، فقال له «مرحبا وأهلا، وناقة ورحلا، ومناخا سهلا؛ وملكا ربحلا «3» ، يعطي عطاء جزلا» .

الشعر والغناء

أوّل من قال «جعلت فداك» عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قالها لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حين ذكر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الفتنة، فقال «جعلت فداك يا رسول الله فما أصنع؟» . وقيل أوّل من قالها له عليّ بن أبي طالب حين دعا عمرو بن ودّ العامريّ إلى المبارزة، فقال عليّ «جعلت فداك يا رسول الله أتأذن لي؟» ثم استعملها الكتّاب بعد ذلك في مكاتباتهم. أوّل من قال «أطال الله بقاءك» عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تكلم عليّ رضي الله عنه بحضرته في العدل بكلام أعجبه، فقال له: صدقت أطال الله بقاءك؛ ثم نقلها الكتاب إلى استعمالها في مكاتباتهم. أوّل من قال «أيدّك الله» عمر بن الخطاب قاله لعليّ عليه السّلام أيضا. الشعر والغناء أوّل من قصّد القصائد مهلهل خال امريء القيس؛ والقصيد ما زاد على سبعة أبيات «1» . أوّل من أطال الرّجز العجّاج «2» . قيل إن الرّجز كان في الجاهلية إنما يقول منه الرجل البيتين أو الثلاثة في الحرب ونحوه حتّى جاء العجّاج ففتح أبوابه وشبهه بالشعر، ووصف فيه الديار وأهلها، والرسوم والفلوات، ونعت الإبل والطّلول؛ وكان في أوّل الإسلام يشبه بأمريء القيس. أوّل من استخرج اللطيف من المعاني في الشعر وجرى على طريقة البديع مسلم بن الوليد.

النساء

أوّل من أخرج الغناء العربيّ جرادة «1» جارية ابن جدعان فيما قاله العسكريّ. وفيه نظر فإن الغناء معهود من عهد عاد حتّى كان من جملة مغنّياتهم الجرادتان اللتان يضرب بهما المثل فيقال «غنّته الجرادتان» «2» . أوّل من علم الجواري المنمنمات الغناء إبراهيم الموصليّ، وكان الناس بمكة لا يعلّمون الجارية الحسناء الغناء. النساء أوّل امرأة خفضت «3» هاجر أمّ إسماعيل؛ وذلك أنها حين تغيّرت عليها سارة لتسرّي إبراهيم عليه السّلام بها حلفت لتقطعنّ شيئا من جسدها فأشار عليها إبراهيم. أن تخفضها، وتثقب أذنيها، وتجعل فيهما قرطين ففعلت فزادت حسنا. أوّل امرأة اكتحلت بالإثمد زرقاء اليمامة «4» ، وكانت تنظر مسيرة ثلاثة أيام. أوّل امرأة تنبأت سجاح التميمية التي تزوّجها مسيلمة الكذّاب. أوّل امرأة لبست المصبّغات «5» في الإسلام شميلة زوج عباس، وهي أوّل من عبأت «6» الطّيب.

الموت والدفن

الموت والدفن أوّل امرأة حملت في نعش زينب بنت جحش زوج النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. أوّل من دفن بالبقيع «1» عثمان بن مظعون، وهو أوّل من مات من المهاجرين بالمدينة. أوّل من دفن بقرافة «2» مصر رجل اسمه عامر فقال عمرو بن العاص: عمرت والله. أمور تنسب للجاهلية أوّل من حرّم الخمر في الجاهلية الوليد بن المغيرة «3» ، وقيل قيس بن عاصم «4» ، ثم جاء الإسلام بتقريره. أوّل من حرّم القمار في الجاهلية الأقرع بن حابس التميمي «5» ؛ ثم جاء الإسلام بتقريره. أوّل من رجم في الزنا في الجاهلية ربيع بن حدّان «6» ؛ ثم جاء الإسلام بتقريره في المحصن. أوّل من حكم أن الولد للفراش في الجاهلية أكثم بن صيفيّ «7» حكيم

العرب، ثم جاء الإسلام بتقريره. أوّل من قطع في السرقة في الجاهلية الوليد بن المغيرة، ثم جاء الإسلام بتقريره. أوّل من سنّ الدية مائة من الإبل عبد المطلب جدّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ وذلك أنه نذر إن ولد له عشرة ذكور ليذبحنّ العاشر فولد له عشرة، وكان عاشرهم عبد الله أبو النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فرام ذبحه، فعارضه قريش في أمره، وأشير عليه بأن يقرع بينه وبين الإبل حتّى تخرج القرعة على الإبل، فأقرع بينه وبين عشرة فخرجت القرعة عليه، ثم زاد عشرة بعد عشرة وهي تقع عليه حتّى بلغ مائة من الإبل فوقعت القرعة عليها فنحرها، فكان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، يقول «أنا ابن الذّبيحين» يعني إسماعيل وعبد الله، ثم جاء الإسلام بتقريرها. أوّل من أوقد النار بالمزدلفة حتّى يراها من بالموقف قصيّ بن كلاب، فهي توقد إلى الآن. أوّل من أهدى البدن «1» إلى البيت إلياس بن مضر. أوّل من أظهر التوحيد بمكة قبل البعثة قسّ بن ساعدة. أوّل من خضب بالوسمة «2» من قريش عبد المطلب. أوّل من نسّأ النسيء، وسيّب السوائب، وجعل الوصيلة والحامي «3» عمرو بن لحيّ وهو أبو خزاعة «4» .

الضرب الثاني من النبذ التاريخية التي لا يسع الكاتب جهلها، نوادر الأمور ولطائف الوقائع والماجريات

الضرب الثاني من النبذ التاريخية التي لا يسع الكاتب جهلها، نوادر الأمور ولطائف الوقائع والماجريات العراقة وشرف الآباء قال الثعالبي: أشرف «1» الأنبياء في النبوّة يعني تواصل الآباء فيها يوسف ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السّلام؛ وشاهد ما قاله أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، يقول «الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» ولا يخفى أن إخوته عليهم السلام في هذه الرتبة في العراقة. أعرق الأكاسرة في الملك شيرويه بن أبرويز بن أردشير بن بابك ملك ابن ملك ابن ملك ابن ملك. أعرق الناس في صحبة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق بن أبي قحافة رضي الله عنهم، أربعتهم رأوا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وصحبوه. أعرق الخلفاء في الخلافة المنتصر، بن المتوكل، بن المعتصم، بن الرشيد، بن المهديّ، بن المنصور في آبائه خمسة آباء خلفاء وهو سادسهم فيها؛ وفي معناه أخواه المعتمد والمعتز؛ أما عبد الله بن المعتز وإن زاد أبا في

الخلافة فإنه لم تمض عليه مدّة تعتبر ولذلك لا يعدّه أكثر المؤرّخين في جملة الخلفاء. أعرق الناس في الملك والخلافة جميعا باعتبار الأصول والحواشي من الذكور والإناث يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان. أما من جهة الخلافة فهو خليفة، وأبوه خليفة، وجدّه خليفة، وجدّ أبيه خليفة، وعمومته خلفاء. وأما من جهة الملك فأمه شاهر بنت فيروز، بن يزدجرد، بن شهريار، وأمّها من بنات شيرويه بن أبرويز، وأمّ شيرويه مريم بنت قيصر، وأمّ فيروز بنت خاقان ملك الترك. أعرق الوزراء في الوزارة أبو عليّ الحسين، بن القاسم، بن عبيد الله ابن سليمان بن وهب، وأخوه أبو جعفر محمد بن القاسم؛ فإن القاسم وزّر للمقتدر ومحمد وزّر للقائم وأباهما القاسم وزّر للمعتضد ثم للمكتفي بعده، وعبيد الله وزّر للمعتضد، وسليمان وزّر للمهتدي وبعده للمعتمد فكلّ من الحسين ومحمد وزير ابن وزير ابن وزير ابن وزير يعني في آبائه ثلاثة وزراء، وهو الرابع فيها. أعرق الناس في القتل عمارة بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوّام بن خويلد، قتل عمارة وأبوه حمزة جميعا يوم قديد «1» في حرب الإباضيّة، وقتل مصعب بدير الجاثليق «2» في الحرب بينه وبين عبد الملك، وقتل الزّبير بوادي السّباع في توبة الجمل «3» ، وقتل العوّام في حرب الفجار «4» ، وقتل خويلد في

حرب خزاعة «1» . قال الثعالبيّ: ولا يعرف في العرب والعجم ستّة مغبونون في نسق واحد إلا آل الزبير. أعرق الناس في الفقه إسماعيل بن حمّاد بن أبي حنيفة، كان كل من إسماعيل وحماد فقيها وأبو حنيفة الإمام الأعظم. أعرق الناس في القضاء بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، كان بلال قاضيا على البصرة، وأبو بردة قاضيا على الكوفة، وأبو موسى قاضيا لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه. أعرق الناس في حجابة الخلفاء العبّاس بن الفضل بن الرّبيع، فإن العباس حجب الأمين، والفضل حجب الرشيد قبل أن يتقلد عنه الوزراة، والربيع حجب المنصور والمهديّ؛ وفي ذلك يقول أبو نواس من أبيات: ساد الرّبيع وساد فضل بعده ... ونمت بعبّاس الكريم فروع عبّاس عبّاس إذا احتدم الوغى ... والفضل فضل والرّبيع ربيع أعرق الناس في الشعر سعيد بن عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت بن المنذر بن حرام، ستّة كلّهم شعراء على نسق؛ ثم كانت العراقة في الشعر بعده مع زيادة آباء لمتوّج، بن محمود، بن مروان، بن يحيى، بن مروان، بن الحبوب، بن مروان، بن سليمان، بن يحيى، بن أبي حفصة: مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ عشرة على نسق.

الغايات من طبقات الناس

الغايات من طبقات الناس أشرف الناس في الأمّة نسبا الحسن والحسين عليهما السّلام، رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جدّهما، والقاسم بن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خالهما، وعليّ بن أبي طالب أبو هما، وفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمهما، وخديجة بنت خويلد جدّتهما. أشرف النساء في النسب والصّهر فاطمة؛ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أبوها، وخديجة أمها، وعليّ بن أبي طالب زوجها، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ولداها. أشرف الناس في المصاهرة عبد الله بن عمرو بن عثمان، تزوّج إليه أربعة من الخلفاء: تزوّج الوليد بن عبد الملك بنته عبدة، وسليمان بن عبد الملك بنته عائشة، ويزيد بن عبد الملك بنته أمّ سعيد، وهشام بن عبد الملك بنته رقيّة؛ قال الثعالبي ولا يعرف رجل له أربعة أختان خلفاء إلا هو. غرائب أمور تتعلق بالخلفاء أمرأة ولدها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وطلحة والزبير؛ وهي حفصة ابنة محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان؛ أبوها محمد المدبّج، وأمها خديجة بنت عثمان بن عروة بن الزبير، وأم عروة أسماء بنت أبي بكر، وأمّ المدبّج فاطمة بنت الحسين بن عليّ، وأمّ الحسين فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأمّ فاطمة بنت الحسين أمّ اسحاق بنت عبيد الله، وأمّ عبد الله بن عمرو زينب بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب، فهي من ولد كل من المذكورين. أربع نسوة في الإسلام ولدت كل واحدة منهنّ خليفتين: فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولدت الحسن والحسين، وقد بويع لهما بالخلافة، وولادة بنت العباس العبسية زوجة عبد الملك بن مروان ولدت له الوليد وسليمان، وهما خليفتان، وساهر بنت فيروز بن يزدجرد زوجة الوليد بن عبد الملك

ولدت له يزيد وإبراهيم فولّيا الخلافة، والخيزران ولدت للمهديّ موسى الهادي وهارون الرشيد. امرأة لها اثنا عشر محرما «1» كل منهم خليفة، وهي عاتكة بنت يزيد بن معاوية، يزيد أبوها، ومعاوية بن أبي سفيان جدّها، ومعاوية بن يزيد أخوها، وعبد الملك بن مروان زوجها، ومروان بن الحكم حموها، ويزيد بن عبد الملك ابنها، والوليد وسليمان وهشام أبناء عبد الملك أولاد زوجها «2» . ومثلها من بني العباس زبيدة بنت جعفر بن المنصور؛ جدّها المنصور، وأخو جدّها السفّاح، وزوجها الرشيد، وعمّها المهدي، وابنها الأمين، وأبناء زوجها المأمون والمعتصم والواثق والمتوكّل. خليفة سلّم عليه بالخلافة عمّه وعم أبيه وعمّ جدّه، وهو هارون الرشيد سلم عليه سليمان بن المنصور، والعباس بن محمد عمّ أبيه المهديّ، وعبد الصمد بن عليّ عم جدّه أبي جعفر المنصور. خليفة سلم عليه من أهل بيته سبعة كل منهم ابن خليفة، وهو المتوكل؛ سلم عليه أحمد بن الواثق، وأحمد بن المعتصم، وسليمان بن المأمون، وعبد الله بن الأمين، وأبو محمد «3» بن الرشيد، والعباس بن الهادي، ومنصور ابن المهدي. خليفة قبّل هو وابنه يد خليفة فأجاز ابنه بجائزة ثم قبل المقبلّة يده هو وابنه يد المقبّل أوّلا وهو خليفة فأجاز ابنه بمثل تلك الجائزة، وهو المعتصم وقف لإبراهيم بن المهدي أيام خلافته ثم نزل المعتصم فقبّل يده ثم أدنى منه ابنه هارون فقبل يده، وقال يا أمير المؤمنين عبدك هارون ابني فأمر له بعشرة

آلاف درهم، فلما استخلف المعتصم وقف له إبراهيم بن المهدي ثم ترجل في ذلك الموضع بعينه وقبّل يده وأدنى منه ابنه هبة الله فقبّل يده، وقال: يا أمير المؤمنين عبدك هبة الله ابني فأمر له بعشرة آلاف درهم. قال الصولي: ولا يعرف مثل ذلك لخليفتين وابنيهما. خليفة جرت أموره كلها على ثمانية، وهو المعتصم، فهو الثامن من خلفاء بني العباس، ومولده سنة ثمان وسبعين ومائة، وعمره ثمان وأربعون سنة، وكان ثامن أولاد الرشيد، وملك ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام، وخلف ثمانية بنين، وثمان بنات، وثمانية آلاف دينار، وثمانية وعشرين ألف درهم، وثمانية عشر ألف دابة، وله ثمان فتوحات، وتوفي لثمان بقين من شهر ربيع الأول ومن ثمّ سميّ المثمّن. خليفة له عشرة أولاد وعشرة إخوة، وعشرة أولاد إخوة، وهو مروان بن الحكم فأولاده العشرة: عبد الملك، ومعاوية، وعبد العزيز، وقسّ، وعمر، ومحمد، وعبيد الله، وعبد الله، وأيوب، وداود. وإخوته «1» : عبد الواحد، وعبد الملك، وعبد العزيز، وسعيد بنو الحارث بن الحكم، وحرب، وعثمان، وعمر بنو عبد الرحمن بن الحكم، ويوسف، وسليمان، ويحي، بنو يحي بن الحكم. ليلة ولد فيها خليفة، ومات فيها خليفة، وولي فيها خليفة؛ وهي ليلة السبت لأربع بقيت من ربيع الأوّل سنة سبعين ومائة؛ ولد فيها المأمون، ومات فيها الهادي، واستخلف فيها الرشيد؛ ولا يعهد مثل ذلك في زمن من الأزمان. خليفتان أحدهما ابن الآخر بين قبريهما بعد كبير؛ وهما الرشيد

والمأمون، قبر الرشيد بطوس «1» وقبر المأمون بطرسوس «2» . خليفة ركب البريد، وهو موسى الهادي، مات أبوه المهديّ وهو نائبه على جرجان، فكتب إليه الرشيد بالخبر والبيعة ووجه إليه الخاتم والبردة والقضيب فركب البريد وأتى إلى بغداد بعد ثلاثة عشر يوما من موت المهديّ، ولا يعرف خليفة ركب البريد غيره. خليفتان اسم كل منهما جعفر قتل كل منهما في يوم الأربعاء وهما المتوكل والمقتدر. خليفة ولي الخلافة ستين سنة متوالية؛ وهو المستنصر بالله الفاطميّ خليفة مصر على أن الثعالبي في «لطائف المعارف» قال: استقرّت ولاية معاوية ابن أبي سفيان أربعين سنة عشرون منها إمارة وعشرون منها خلافة. خليفة كانت خلافته يوما أو بعض يوم، هو عبد الله بن المعتز، بويع بعد خلع المقتدر، فلما كان من الغد حاربه غلمان المقتدر وعاونهم العامّة فهرب واختفى ثم ظفر به. أربعة إخوة ولي كل منهم الخلافة، وهم الوليد، وسليمان، ويزيد، وهشام أولاد عبد الملك بن مروان. لم يل الخلافة من أبوه حيّ سوى أبي بكر الصدّيق والطائع لله وكلاهما اسمه أبو بكر. لم يل الخلافة من أبواه هاشميّان سوى الحسن بن عليّ من فاطمة ومحمد الأمين ابن الرشيد من زبيدة. لم يل الخلافة من اسمه العباس سوى أمير المؤمنين المستعين بالله أبي

الفضل العباس بن المتوكل على الله محمد خليفة العصر، على كثرة هذا الاسم في أولاد الخلفاء العباسيين وكونه اسم جدّهم الأكبر. قلت: وقد أخبرني أمير المؤمنين المستعين المشار إليه أن تسميته العباس كانت برؤيا رآها الشيخ بدر الدين البهنسي «1» بمكة المشرفة، رأى العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في النوم، وهو يقول له: قل لولدي محمد، (يعني المتوكل على الله) إذا ولد له ولد يسميه العباس؛ وسيأتي ذكر ذلك في الكلام على العهد الذي أنشأته قبل ولايته الخلافة بنحو ثمان سنين امتحانا للخاطر، في جملة العهود في المقالة الخامسة. (أعجوبة) قال الصّوليّ «2» : الناس يرون أن كل سادس يقوم بأمر الدّين منذ أوّل الإسلام لا بد أن يخلع: النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، والحسن فخلع. ثم معاوية، ويزيد، ومعاوية، ومروان، وعبد الملك، وعبد الله بن الزبير فخلع. ثم الوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد، وهشام، والوليد بن يزيد فخلع. ثم كان منهم يزيد بن الوليد، وإبراهيم بن الوليد، ومروان بن محمد وهو آخرهم ولم يكن بعده من بني أمية من يتم العدد بهم ستة فألغي. ثم كانت الدولة العباسية فكان السفّاح، والمنصور، والمهديّ، والهادي، والرشيد، والأمين فخلع. ثم المأمون، والمعتصم، والواثق، والمتوكل، والمنتصر، والمستعين فخلع. ثم المعتز، والمهتدي، والمعتمد، والمعتضد، والمكتفي، والمقتدر فخلع في فتنة المعتز. ثم ردّ إلى الخلافة ثم قتل؛ ولم يعتدّ بخلافة ابن المعتز لخلعه في يومه. قال صاحب «رأس مال

النديم» «1» والثعالبي في «لطائف المعارف» : ثم القاهر، ثم الراضي، ثم المتقي، ثم المستكفي، ثم المطيع، ثم الطائع فخلع. قال الصلاح الصفدي: ثم القادر، والقائم، والمقتدي، والمستظهر، والمسترشد، والراشد فخلع. ثم المقتفي، والمستنجد، والمستضيء، والناصر، والظاهر، والمستعصم فخلع وقتل أيام هولاكو عند استيلائه على بغداد. قلت: هذا غلط فاحش من الصلاح الصفديّ لا يليق بمثله فإنه أسقط قبل المستعصم المستنصر وهو السادس. وقد ذكر الشيخ شمس الدين بن نباتة في تاريخ الخلفاء أنهم لما بايعوا المستنصر المذكور خلعوه ثم أعادوه فرارا من التطير بخلع السادس، وحينئذ فيكون من بعد المستنصر المستعصم المذكور ثم المستنصر أحمد، الذي أتى به الظاهر بيبرس وتوجه إلى الديار المصرية، ثم الحاكم أحمد، ثم ابنه المستكفي سليمان، ثم ابنه المستعصم أحمد، ثم الواثق إبراهيم فخلع، ثم المعتضد أبو بكر بن المستكفي، ثم ابنه المتوكل، ثم المستعصم زكريا، ثم الواثق عمر، ثم المستعين أبو الفضل العباس خليفة العصر أدام الله أيامه وهو الخامس والله تعالى أعلم بمن يكون السادس وما يكون من أمره «2» . قال الصلاح الصفدي: وكذلك العبيديّون المعروفون بالفاطميين كان منهم بالمغرب عبيد الله المهديّ، والقائم بأمر الله، والمنصور، والمعزّ باني القاهرة بالمغرب ثم بمصر والعزيز، والحاكم فقتلته أخته. ثم الظاهر، والمستنصر، والمستعلي، والآمر، والحافظ، والظافر فخلع وقتل، ثم الفائز، والعاضد وهو آخرهم. قال وكذلك بنو أيوب في ملك مصر أوّلهم صلاح الدين، ثم ولده العزيز، وأخوه الأفضل بن صلاح الدين، والعادل الكبير أخو صلاح الدين، والكامل ولده، والعادل الصغير فخلع. ثم كان منهم الصالح

غرائب تتعلق بالملوك

نجم الدّين أيوب، ثم المعظم توران شاه، ثم أم خليل شجرة الدّر، ثم الأشرف موسى وهو الرابع ولم يكن منهم من يكمّل الستة. قال: وكذلك دولة الأتراك ملوك مصر أوّلهم المعز أيبك، وابنه المنصور، والمظفر قطز، والظاهر بيبرس، وابنه السعيد بركة، وأخوه العادل سلامش فخلع، وملك السلطان الملك المنصور قلاوون. قلت: ثم ابنه الأشرف خليل، ثم المعظّم بيدرا ولم يعتدّ به لخلعه من يومه، كما لم يعتدّ بابن المعتز في الخلفاء، ثم الناصر محمد بن قلاوون، ثم العادل كتبغا، ثم المنصور لاچين، ثم المظفر بيبرس الجاشنكير فخلع، ثم المنصور أبو بكر بن الناصر محمد، ثم الأشرف كچك بن الناصر محمد، ثم الناصر أحمد بن الناصر محمد، ثم الصالح إسماعيل بن الناصر محمد، ثم الكامل شعبان بن الناصر محمد، ثم المظفر حاجي بن الناصر محمد فخلع، ثم الناصر حسن بن الناصر محمد، ثم الصالح صالح بن الناصر محمد، ثم المنصور محمد بن المظفر حاجي، ثم الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد، ثم ابنه المنصور علي، ثم الصالح حاجي بن الأشرف شعبان فخلع، ثم الظاهر برقوق، ثم الناصر فرج سلطان العصر وهو الثاني والله أعلم بمن يكون السادس. غرائب تتعلق بالملوك ملك ملّك وهو في بطن أمه؛ وهو سابور ذو الأكتاف أحد ملوك الفرس، مات أبوه وهو حمل ولم يكن له ولد سواه، فعقدوا التاج على رأس أمه على أن يكون من في بطنها هو الملك كائنا من كان. فلما وضعته ملّكوه. ثلاثة من ملوك فارس ابن وأب وجدّ اسمهم واحد. وهو بهرام بن بهرام بن بهرام؛ ومثلهم من ملوك غسان من العرب الحارث بن الحارث بن الحارث. قال الثعالبي: وهذا التناسق لا يقع إلا في الأكابر والرؤساء وقد جاء من هذا النمط في سادات الإسلام الحسن بن الحسن بن الحسن السبط.

غرائب تتعلق بسراة الناس

ملكان إسلاميان أوّل اسم كل واحد منهما عين قتل كل واحد منهما ثلاثة ملوك أوّل اسم كل واحد منهم عين: أحدهما عبد الملك بن مروان قتل عمرو بن سعيد وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، والثاني أبو جعفر المنصور اسمه عبد الله، قتل أبا مسلم الخراساني واسمه عبد الرحمن وعمه عبد الرحمن بن علي وعبد الجبار بن عبد الرحمن والي خراسان. قال الثعالبي: أربعة في الإسلام قتل كلّ واحد منهم أكثر من الف الف رجل، وهم الحجاج بن يوسف، وأبو مسلم الخراساني، وبابك» ، والبرقعي. قلت: وقد وقع لتيمور كوركان المعروف بتمرلنك صاحب ما وراء النهر على رأس الثمانمائة من الهجرة ما هو أكثر من ذلك، فإنه قد فتح من الهند إلى الخليج القسطنطيني، وقتل من كل إقليم من الخلق مالا يحصى حتى كان يبني بالرؤوس في كل مدينة يفتحها منارا. غرائب تتعلق بسراة الناس ثلاثة بنو أعمام في زمن واحد، كل منهم سيد جليل، لم يصلح للإمامة أو الرياسة ثم كان لكل منهم ابن اسمه محمد كذلك، وهم عليّ بن عبد الله ابن عباس وابنه محمد وعليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب وابنه محمد، وعليّ بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وابنه محمد. قال الجاحظ: وهذا من غرائب ما يتفق في العالم، فإن هذا امر لم يشاركهم فيه أحد. أب وابن تقارب ما بينهما من العمر تقاربا شديدا وهما عمرو بن العاص

وابنه عبد الله كان بينهما في السن ثلاث عشرة سنة. قال الثعالبي: ولا يعهد مثل ذلك. أخوان تباعد ما بينهما في السن تباعدا شديدا وهما موسى بن عبيدة الرّبذي «1» المحدّث وأخوه عبد الله كان بينهما في السن مائة سنة ولم يعرف مثل ذلك في غيرهما. أربعة إخوة كل واحد منهم أسنّ من الآخر بعشر سنين، وهم أولاد أبي طالب كان طالب أسنّ من عقيل بعشر سنين، وعقيل أسنّ من جعفر بعشر سنين، وجعفر أسنّ من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بعشر سنين. ثلاثة إخوة ولدوا في سنة واحدة وقتلوا في يوم واحد وسنّ كل واحد منهم اثنان وأربعون سنة، وهم مزيد، وزياد، ومدرك أولاد المهلّب بن أبي صفرة «2» ؛ وهذه من غرائب النوادر. رجل مكث عشر سنين لا يولد له إلا رجل ولا يموت له إلا أنثى، وهو المهلّب بن أبي صفرة في غير أولاده الثلاثة المذكورين. أربعة رجال في الإسلام لم يمت كل منهم حتى رأى من ولده وولد ولده أكثر من مائة فيما قاله الثعالبي وغيره، وهم أنس بن مالك خادم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وخليفة بن براء السعديّ، وعبد الرحمن بن عمر الليثي، وجعفر بن سليمان الهاشمي، ومنهم من يذكر بدله أبا بكرة مولى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. خمسة إخوة تباعدت قبورهم أشدّ تباعد، وهم بنو العباس بن عبد المطلب: قبر عبد الله بالطائف، وقبر عبيد الله بالمدينة، وقبر معدّ بافريقية، وقبر الفضل بالشام، وقبر قثم بسمرقند.

أوصاف جماعة من المشاهير

قاض قضى في الإسلام خمسا وسبعين سنة وهو شريح بن الحارث الكنديّ استقضاه عمر على الكوفة فبقي بها خلافة عمر وما بعدها إلى تمام المدّة المذكورة لم يتعطل منها سوى ثلاث سنين امتنع فيها من القضاء في فتنة ابن الزبير. أوصاف جماعة من المشاهير «من كان من الخلفاء أصلع» قال الثعالبي: كان الصّلع في عمر، وعثمان، وعليّ، ومروان بن الحكم، وعمر بن عبد العزيز؛ قال ثم انقطع الصلع من الخلفاء. «من كان في غاية الطول» ، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كأنّه راكب والناس يمشون لطوله، وكان عديّ بن حاتم إذا ركب تكاد رجلاه تخط في الأرض، وكذلك جرير بن عبد الله البجليّ، وكان قسّ بن ساعدة في نهاية الطول والجسامة، وكان عبد الله بن زياد إذا رآه الرائي وهو ماش، ظن أنه راكب لطوله، وكان عليّ بن عبد الله بن عبّاس في غاية من الطّول، وكان أبوه عبد الله أطول منه، وجدّه العباس أطول من أبيه؛ ويقال إن جبلة بن الأيهم الغسّاني كان طوله اثني عشر شبرا. «من كان في غاية القصر» قال الثعالبي: كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه شديد القصر يكاد الجلوس يوازونه من قصره، وكان إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قصيرا دحداحا، وكان الحطيئة الشاعر مفرط القصر، ولذلك لقّب بالحطيئة، وكان ذو الرّمة الشاعر قصيرا جدا؛ ورأيت في بعض التواريخ أن كثيّر عزّة كان طوله ثلاثة أشبار؛ وكان العباس بن الحسن في غاية من القصر وفيه قيل: لا تنظرنّ إلى العبّاس من قصر ... وانظر إلى الفضل والمجد الذي شادا إنّ النّجوم نجوم الجوّ أصغرها ... في العين أبعدها في الجوّ إصعادا

«من عرف بالدهاء من العرب» معاوية بن أبي سفيان، زياد بن أبيه، عمرو بن العاص، المغيرة بن شعبة، قيس بن سعد بن عبادة، عبد الله بن بديل الخزاعي. «من نسب منهم إلى الحمق» عامر بن كريز، معاوية بن مروان بن الحكم، بكّار بن عبد الملك بن مروان، العاص بن هشام، عبد الله بن معاوية بن أبي سفيان، سهل بن عمرو وأخوه سهيل، العاص بن سعيد بن العاص. «المؤلفة قلوبهم في أوّل الإسلام» قال الثعالبي: هم من قريش أبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزّى، وهبّار بن الأسود، والحارث بن هشام، وحكيم بن حزام، وصفوان بن أميّة، وأنس بن عديّ. ومن فزارة عيينة بن حصن. ومن تميم الأقرع بن حابس. ومن بني سليم العبّاس بن مرداس. ومن ثقيف العلاء بن الحارث. «من أصيبت عينه» أبو سفيان بن حرب، ذهبت عينه يوم الطائف ثم عمي بعد ذلك. الأشعث بن قيس، ذهبت عينه يوم اليرموك، المغيرة بن شعبة كذلك الأشتر النخعيّ، جرير بن عبد الله البجلي، عديّ بن حاتم، عتبة بن أبي سفيان، المختار بن أبي عبيد، الأحنف بن قيس، المهلّب بن أبي صفرة، طاهر بن الحسين، عمرو بن الليث الصّفّار. «من سملت عيناه من الخلفاء والملوك» أما من الخلفاء فالقاهر «1» ، والمتقي «2» ، والمكتفي «3» ؛ وأما من الملوك فهرمز بن أنو شروان أحد الملوك

الأكاسرة، صمصام الدولة بن بويه «1» ، منصور بن نوح بن منصور السامانيّ «2» . «من كان مكفوف البصر من أشراف الناس» زهرة بن كلاب بن كعب «3» ؛ عبد المطلب بن هشام؛ العبّاس بن عبد المطلب؛ الحكم بن العاص؛ أبو سفيان بن حرب؛ الحارث بن العبّاس بن عبد المطلب؛ مطعم ابن عديّ بن نوفل بن عبد مناف؛ أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة؛ عتبة بن مسعود الهذليّ «4» ، عبد الله بن عبيد الله بن عتبة؛ أبو أحمد بن جحش بن مسعود الأسديّ؛ جابر بن عبد الله الأنصاري؛ عبد الله ابن أرقم «5» ، البراء بن عازب «6» ؛ حسّان بن ثابت؛ أبو أسيد الساعدي؛ قتادة بن دعامة «7» ؛ دريد بن الصّمّة الجشميّ، عزمة بن نوفل الزّهري؛ الفاكه بن المغيرة المخزوميّ «8» ؛ جذيمة بن حازم النهشلي؛

أصحاب العاهات من الملوك

أبو العباس الشاعر «1» ؛ عليّ بن زيد بن جدعان «2» ؛ المغيرة بن مقسم الضبيّ؛ الترمذيّ الكبير الحافظ الفقيه؛ منصور الشاعر المصريّ «3» ؛ ابن سيدة اللّغويّ؛ أبو العلاء المعرّي؛ بشّار بن برد؛ أبو البقاء العكبريّ «4» ؛ أبو العيناء هشام بن معاوية الضرير النحويّ الكوفيّ؛ أبو القاسم السّهيلي صاحب الروض الأنف؛ أبو القاسم الشاطبيّ «5» ؛ الصرصريّ الشاعر «6» ؛ أبو الحسن عليّ بن عبد الغني الحصري «7» ؛ أبو عبد الله بن خلصة المغربي النحوي؛ أبو عبد الله بن الخيّاط «8» . أصحاب العاهات من الملوك من ملوك اليونان الإسكندر، كان أحنف «9» . ومن ملوك الفرس أنو شروان كان أعور، يزدجر كان أعرج. ومن ملوك العرب جذيمة الوضّاح، كان

أصحاب النوادر

أبرص، النّعمان بن المنذر، كان أحمر العينين والشّعر. ومن الخلفاء عبد الملك بن مروان أبخر «1» ، يزيد بن عبد الملك أفقم «2» ، هشام بن عبد الملك أحول، مروان الحمار «3» أشقر أزرق، موسى الهادي شفته العليا متقلصة، حتّى كان أبوه المهديّ قد رتّب له خادما يلازمه متى غفل وفتح فاه قال: موسى أطبق، إبراهيم بن المهديّ كان أسود سمينا يلقّب بالتّنّين. ومن أشراف قريش وغيرهم أبو طالب أعرج، وأبو جهل أحول، أبو لهب كذلك، وكذلك زياد، وعديّ بن زيد. الأحنف بن قيس، أحنف متراكب الأسنان، صعل الرأس «4» ، مائل الذّقن. والرّبيع بن زياد أبرص، وكذلك الحارث بن حلزّة. وأيمن بن خريم، والحسن بن قحطبة، وكان عبيدة السّلمانيّ أصمّ، وكذلك ابن سيرين والكميت الشاعر، والمرقّش الأكبر الشاعر أجدع. أصحاب النوادر ابن أبي عتيق «5» ، أشعب الطّمع «6» ، أبو الغصن جحا «7» ، أبو العبر «8» ،

أجواد الإسلام

أبو العنبس «1» ، ابن الجصاص «2» مزيد المدنيّ «3» . أجواد الإسلام عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب، عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أميّة، عبد الله بن عامر بن كريز، حمزة بن عبد الله بن الزبير بن العوّام، عمر «4» بن عبيد الله بن معمر التيميّ، خالد بن عبد الله بن خالد بن أسد بن العاص. قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، عتّاب بن أبي ورقاء الحنظليّ، أسماء بن خارجة بن حصن بن بدر الفزاريّ، عبد الله بن أبي بكرة مولى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. الطّلحات المعروفون بالجود طلحة الفيّاض- وهو طلحة بن عبيد الله أحد العشرة؛ وطلحة الجود- وهو طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي؛ وطلحة الدراهم- وهو طلحة ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق؛ وطلحة الخير- وهو طلحة ابن الحسن بن عليّ بن أبي طالب؛ وطلحة الندى- وهو طلحة بن عبد الله بن عوف الزّهري؛ وطلحة الطّلحات- وهو طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعيّ. أزواد الركب ثلاثة من قريش وهم: مسافر بن أبي عمرو بن أميّة،

من اشتهر عند أهل الأثر بلقبه

وزمعة «1» بن الأسود بن المطلب بن عبد العزّى بن قصيّ، والمغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم: سمّوا بذلك لأنهم لم يتزوّد معهم أحد في سفر قطّ لجودهم. من اشتهر عند أهل الأثر بلقبه غسيل الملائكة، وهو حنظلة بن أبي عامر الأنصاريّ أصيب يوم أحد فأخبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أن الملائكة غسّلته. قتيل الجن، هو سعد بن عبادة، بال في جحر فقتله الجن. مصافح الملائكة، هو عمران بن حصين «2» . حميّ الدّبر، هو عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح «3» ، حمته النحل إلى أن كان الليل. ذو الشّهادتين هو خزيمة بن ثابت الأنصاري، شهد لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بقضاء دين اليهوديّ حين أخبر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه وفّاه، اعتمادا على خبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فجعل صلّى الله عليه وآله وسلّم شهادته بشهادتين. ذو العين، هو قتادة بن النعمان، أصيبت عينه يوم أحد فردّها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ ذو اليدين هو عبيد بن عبد عمرو الخزاعيّ كان يعمل بيديه معا. ذو العمامة، هو أبو أحيحة «4» سعيد بن العاص بن أميّة، كان إذا لبس عمامته لم يلبس قرشيّ عمامته حتّى ينزعها. ذو الثّديّة، كانت إحدى يديه مخدجة «5» كالثدي، كان رأس الخوارج. ذو الثّفنات «6» ، كان يقال ذلك

من كان فردا في زمانه بحيث يضرب به المثل في أمثاله

لعليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، ولعليّ بن عبد الله بن عباس، لما علا أعضاء السّجدات منهما من شبه ثفنات العبير. ذو السّيفين، هو أبو الهيثم بن التّيّهان، سمّي بذلك لتقلّده في الحرب بسيفين. سيف الله، هو خالد بن الوليد. أسد الله، هو حمزة بن عبد المطلب. ذات النّطاقين، هي أسماء بنت أبي بكر، سميت بذلك لأنها شقّت نطاقها للسّفرة في الليلة التي هاجر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو وأبوها إلى المدينة. عروة الصّعاليك، هو عروة بن الورد، كان إذا شكا إليه أحد أعطاه فرسا ورمحا وقال له: إن لم تستغن بذلك فلا أغناك الله. سليك «1» المقانب، هو سليك بن سلكة، كان أعدى الناس حتّى إن الفرس لا يدركه. طفيل الأعراس، رجل من غطفان، وقيل هو من موالي عثمان بن عفّان رضي الله عنه، كان يتتبّع الأعراس فيأتيها من غير دعوة وإليه تنسب الطّفيليّة. أشجّ «2» بني أمية هو عمر بن عبد العزيز. جبار بني العباس هو هارون الرشيد: لأنه أغزى ابنه القاسم الروم فقتل منهم خمسين ألفا، وأخذ منهم خمسة آلاف دابّة بالسّروج واللّجم الفضّة، وأغزى عليّ بن عيسى بن ماهان بلاد التّرك فقتل منهم أربعين ألفا، وغزا هو بنفسه بلاد الروم ففتح هرقلة، وأخذ الجزية من ملك الروم. بنات طارق، هنّ بنات العلاء بن طارق بن أمية بن عبد شمس، سمّين بجدّهنّ، يضرب بهنّ المثل في الحسن والشرف. بنات الحارث، هنّ بنات الحارث بن هشام، يضرب بهنّ المثل في الحسن وغلوّ المهر. من كان فردا في زمانه بحيث يضرب به المثل في أمثاله كان الإسكندر، في طوفان الأرض، وكسرى أنو شروان، في العدل، وزرقاء اليمامة، في حدّة النظر، وحاتم الطائيّ، في الكرم، وكعب بن مامة،

في الإيثار، وأرسطا طاليس، في الحكمة، وبقراط في الطب، وقسّ بن ساعدة، في الفصاحة، وسحبان وائل، في البلاغة، وعمرو بن الأهتم، في البيان، وباقل «1» ، في العيّ، وأبو بكر الصدّيق رضي الله عنه، في معرفة الأنساب، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، في قوّة الهيبة، وعثمان بن عفان رضي الله عنه، في التّلاوة، وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في القضاء، ومعاوية في كثرة الاحتمال، وأبو عبيدة بن الجرّاح، في الأمانة، وأبو ذرّ، في صدق اللهجة، وأبيّ بن كعب، في القرآن، وزيد بن ثابت، في الفرائض، وابن عباس، في تفسير القرآن، وعمرو بن العاص، في الدّهاء، وأبو موسى الأشعريّ، في سلامة الباطن، والحسن البصريّ، في الوعظ والتذكير، ووهب ابن منبّه، في القصص، وابن سيرين، في تعبير الرؤيا، ونافع «2» ، في القراءة، وأبو حنيفة، في القياس في الفقه، وابن إسحاق، في المغازي، ومقاتل «3» ، في التأويل، والكلبي «4» ، في قصص القرآن، وابن الكلبيّ الصغير «5» ، في النسب، وأبو الحسن المدائني «6» ، في الأخبار، ومحمد بن جرير الطبريّ، في علوم الأثر، والخليل بن أحمد، في العروض، وفضيل بن عياض «7» ، في

العبادة، ومالك بن أنس، في العلم، والشافعيّ، في فقه الحديث، وأبو عبيدة «1» ، في الغريب، وعليّ بن المديني «2» ، في علل الحديث، ويحيى بن معين «3» ، في رجال الحديث، وأحمد بن حنبل، في السّنّة، والبخاري، في نقد الصحيح، والجنيد «4» ، في التصوّف، ومحمد بن نصر المروزيّ «5» ، في الاختلاف، وأبو عليّ الجبّائي، في الاعتزال، وأبو الحسن الأشعريّ، في علم الكلام، وأبو القاسم الطبراني «6» ، في عوالي الحديث، وعبد الرزاق «7» ، في ارتحال الناس إليه، وابن منده «8» ، في سعة الرحلة، وأبو بكر الخطيب «9» ، في سرعة القراءة، وابن حزم «10» ، في مذهب الظاهر، وسيبويه، في النحو، وأبو الحسن البكري السيري، في الكذب، وإياس بن معاوية، في

الذكاء والتفرّس، وعبد الحميد، في الكتابة والوفاء، وأبو مسلم الخراسانيّ، في علوّ الهمة والحزم، وإسحاق الموصليّ النديم، في الغناء، وأبو الفرج الأصفهاني صاحب الأغاني، في المحاضرة، وأبو معشر «1» ، في النّجوم، والرازي، في الطّب، وعمّار بن حمزة «2» ، في التّيه، والفضل بن يحيى، في الجود، وجعفر بن يحيى، في التوقيع، وابن زيدون «3» ، في سعة العبارة، وابن القرّية «4» ، في البلاغة، والجاحظ، في الأدب والبيان، والحريريّ، في المقامات، والبديع الهمذاني، في الحفظ، وأبو نواس، في المجون والخلاعة، وابن حجّاج الشاعر «5» ، في سخف الألفاظ، والمتنبي، في الحكم والأمثال شعرا، والزمخشريّ، في تعاطي العربية، والنّسفي «6» ، في الجدل، وجرير الشاعر، في الهجاء الخبيث، وحمّاد الراوية «7» ، في شعر العرب، والأحنف بن قيس، في الحلم، والمأمون، في حبّ العفو،

والوليد «1» في شرب الخمر، وعطاء السّلميّ «2» ، في الخوف من الله تعالى، وابن البوّاب «3» ، في الكتابة، والقاضي الفاضل «4» ، في الترسّل، والعماد الكاتب «5» ، في الجناس، وأشعب، في الطمع، وأبو نصر الفارابي، في معرفة كلام القدماء ونقله وتفسيره، وحنين بن إسحاق، في ترجمة اليوناني إلى العربي، وابن سينا، في الفلسفة وعلوم الأوائل، والإمام فخر الدّين الرازي، في الاطّلاع على العلوم؛ والجاحظ في سعة العبارة، والسيف الآمديّ «6» ، في التحقيق، والنصير الطّوسي «7» ، في معرفة المجسطي، وابن الهيثم «8» ، في الرياض ونجم الدين الكاتبي «9» ، في المنطق، وابن

غرائب اتفاق

الأعرابي «1» ، في الاطلاع على اللغة، وأبو العيناء، في الأجوبة المسكتة، ومزيد «2» ، في البخل، والقاضي أحمد بن أبي دواد «3» ، في المروءة وحسن التقاضي؛ وابن المعتز، في التشبيه، وابن الرّومي، في التطيّر، والصولي في الشّطرنج، والغزالي، في الجمع بين المعقول والمنقول، وأبو الوليد بن رشد، في تلخيص كتب الأقدمين الفلسفية والطبية، ومحيي الدين بن عربي، في علوم التصوّف، وجابر بن حيان في علم الكيمياء. غرائب اتفاق اتفاقية جليلة- ولد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم الاثنين، وبعث يوم الاثنين، وهاجر يوم الاثنين، وتوفّي يوم الاثنين. اتفاقية أخرى- قتل عبد الله بن زياد الحسين بن عليّ عليهما السلام يوم عاشوراء، وقتله الله على يد إبراهيم بن الأشتر في يوم عاشوراء. أخرى- قال عبد الملك بن عمير الليثيّ «4» : رأيت في قصر الإمارة بالكوفة رأس الحسين بن عليّ بين يدي عبد الله بن زياد على ترس، ثم رأيت فيه رأس عبد الله بن زياد بين يدي المختار بن أبي عبيد، ثم رأيت فيه رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير، ثم رأيت فيه رأس مصعب بين يدي عبد الملك بن مروان. قال: فحدّثت بهذا عبد الملك بن مروان فتطير منه ففارق مكانه.

أخرى- قال الصولي: حدّثني الحسين بن يحيى الكاتب أنه لما ولي المعتز لم تمض مدّة لطيفة حتّى أحضر الناس وأخرج المؤيد «1» وقيل اشهدوا أنه دعي فأجاب، وليس به أثر؛ ثم مضت مدّة شهر فأحضر الناس وأخرج المستعين وقال: إن منيته أتت عليه، وها هو لا أثر به فاشهدوا؛ ثم خلع المعتز، واستخلف المهتدي؛ ولم يمض إلا مديدة حتّى أخرج المعتزّ ميتا وقال: أشهدوا، أنه قد مات حتف أنفه ولا أثر به؛ ثم لم تكمل السنة حتّى استخلف المعتمد فأخرج المهتدي ميتا وقال: اشهدوا أنه قد مات حتف أنفه من جراحته، فتعجب الناس من تلاحقهم في مدة يسيرة. عبرة- مات المكتفي بالله عن مائة ألف ألف دينار، ولما غسّل لم توجد مجمرة بيخر فيها إلا مجمرة من خزف أحمر، وكان فيما خلف ألوف من مجامر الذهب والفضة. قال أحمد بن أبي دواد: لقد شددت لحيي «2» المأمون، والمعتصم، والواثق، بعد موتهم، فلم أجد خرقة أشدّ بها لحيي واحد منهم إلا ما أخرقه من الدراريع «3» التي تكون عليّ. لطيفة- في سنة ثلاث وثمانين ومائتين أمر المعتضد بردّ فاضل سهام المواريث على ذوي الأرحام، وأبطل ديوان الموايث، وكتب بذلك إلى الآفاق. لطيفة- في سنة أربع وثمانين ومائتين أخبر المنجمون بغرق أكثر الأقاليم بسبب كثرة الأمطار وزيادة الأنهار فتحفّظ الناس من ذلك فقلّت الأمطار حتى استسقوا ببغداد مرّات. غريبة- ذكر ابن سينا في المقالة الأولى من كتابه الشفاء أنه نزل

بجرجان صاعقة من الهواء فنشبت في الأرض، ثم نبت نبوة الكرة وسمع الناس لذلك صوتا عظيما هائلا فحفروا عليها فإذا هي قطعة من حديد تقدير مائة وخمسين منّا «1» ، وهي أجزاء جاورشيّة «2» صغار مستديرة، التصق بعضها ببعض، فكتب محمود بن سبكتكين «3» ، صاحب خراسان بإنفاذه إليه أو قطعة منه فتعذر نقله لثقله فحاولوا كسر قطعة منه فلم تعمل فيه الآلات، فعولج كسره فقطع منه قطعة لطيفة، وحملت إليه فرام أن يطبع منها سيفا فتعذر عليه. لطيفة أخرى- في سنة إحدى عشرة وخمسمائة جاء سيل عظيم فغرّق مدينة سنجار من بلاد الجزيرة، وهدم المنازل، وأغرق خلقا كثيرا. ومن غريب ما حكي أن السيل حمل مهدا فيه صبيّ صغير، فتعلق المهد بشجرة زيتون، وغاض الماء، وبقي المهد معلقا بالشجرة فسلم الصغير. أعجوبة- في سنة ستين وأربعمائة كان بمصر وفلسطين زلزلة عظيمة، طلع فيها الماء من رؤوس الآبار، وزال البحر عن الساحل مسيرة يوم، فنزل الناس إلى أرض البحر يلتقطون ما انكشف البحر عنه مما في أرضه فرجع الماء عليهم فأهلك منهم خلقا كثيرا. ثم في سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة وقع ببلاد الشام زلزلة عظيمة خربت شيزر، وحماه، وحمص، وحصن الأكراد، وطرابلس وأنطاكية، وغيرها من البلاد التي حولها، ووقعت الأسواق والقلاع حتّى تداركها نور الدين الشهيد «4» رحمه الله بالعمارة.

فائدة- في سنة اثنتين وخمسمائة قلع المقتفي الخليفة باب الكعبة، وعمل عوضه بابا مصفّحا بالفضة المذهبة، وعمل لنفسه من الباب الأوّل تابوتا ليدفن فيه. نادرة- في سنة خمس وستين وسبعمائة وقع ثلج عظيم بالشام فكسر الأشجار وقطع الطرق لا سيما بعكبراء وما حولها. أخرى- في سنة سبعين وسبعمائة ظهر بالشام جراد عظيم لم يسمع بمثله، وامتدّ من مكة إلى الشام، وعظم بحوران حتّى أكل الأشجار، والأخشاب، وأبواب الدور، وما وصل إليه من الأصبغة والقماش، وسدّت أعين الماء خوفا من أن يفسدها، وكان من شأنه بعجلون أنه امتلأت منه المدينة وغلّقت الأسواق، وطبّقت أبواب الدكاكين والطاقات، وسدّت الأبواب وحضروا لصلاة الجمعة فملأ عليهم الجامع، وترامى على الخطيب على المنبر حتّى شغله عن الخطبة، وكذلك حيّر الناس حتّى خرجوا من الجامع يخبّون فيه خبّا إلى الركب، وأنتنت لكثرة ما قتل منه حتّى صار أهل البلد يشمّون القطران ليغطّي رائحته وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ «1» . أخرى- في سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة رأى أهل الشام في السماء بعد مغيب الشّفق حمرة عظيمة من جهة الشمال، ثم اشتدّت الحمرة حتّى صارت كالنار الموقدة وانتشرت في السماء حتّى كاد يغطي ثلثها، وعمّ بلاد الشام حتّى كان بدمشق، وبعلبكّ وحلب، وقاقون، والرملة، والقدس، وطرابلس، حتّى خاف جميع أهل هذه البلاد على أنفسهم الهلاك، وضرعوا إلى الله تعالى، وابتهلوا إليه، فكشف الله عنهم بعد نصف الليل. قلت: وقد رأيت مثل هذه الآية العظيمة بمصر في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة: وهو أنه ظهرت حمرة عظيمة من جهة الغرب فوق حمرة النار، وجاء

المقصد الثاني في بيان وجه استعمال الكاتب ذلك في خلال كلامه

من وراء تلك الحمرة برق ساطع. فصار كلما لمع البرق داخل تلك الحمرة يخال الناظر أنها نار لا محالة حتّى داخلني منه أنه عذاب قد صبّ على الناس، ثم انقشع بعد العشاء بقليل فلذلك لم يننبه له أهل مصر. وبالجملة فوقائع الدهر وعجائبه أكثر من أن تحصر، ولا يحتمل هذا الموضع أكثر من هذا القدر. واللّيالي كما علمت حبالى ... مقربات يلدن كلّ عجيب المقصد الثاني في بيان وجه استعمال الكاتب ذلك في خلال كلامه لا يخفى أن الكاتب إذا عرف أحوال المتقدّمين وسيرهم، وأخبارهم، ومن برع منهم، صار عنده علم بما لعله يسأل عنه، واعتداد لما يرد عليه من ذكر واقعة بعينها أو يحتجّ عليه به من صورة قديمة: ليكون على يقين منها، مع ما يحتاج إلى إيراده في خلال مكاتباته ورسائله: من ذكر من حسن الاحتجاج بذكره في أمر من الأمور أو حالة من الحالات، كما كتب به البديع الهمذانيّ إلى أبي الحسين بن فارس «1» وقد بلغه أنه ذكر في مجلسه فقال: إن البديع قد نسي حق تعليمنا إياه، وعقّنا، وشمخ بأنفه عنا، والحمد لله على فساد الزمان، وتغير نوع الإنسان؛ فكتب إليه: «نعم أطال الله بقاء الشيخ الإمام، إنه الحمأ المسنون، وإن ظنّت الظنون، والناس لآدم، وإن كان العهد قد تقادم، وارتكبت الأضداد، واختلط الميلاد. والشيخ يقول فسد الزمان، أفلا يقول متى كان صالحا؟ أفي الدولة العباسية، وقد رأينا آخرها وسمعنا أوّلها؟ أم المدّة المروانية، وفي أخبارها «لا

تكسع الشّول بأغبارها» ؟ «1» أم السنين الحربية، والسيف يغمد في الطّلا «2» ، والرّمح يركز في الكلا، وميت جحر في الفلا، والحرّتان وكربلا؟ أم البيعة الهاشمية، وعليّ يقول: ليت العشرة منكم برأس، من بني فراس؟ أم الأيام الأمويّة، والنفير إلى الحجاز، والعيون إلى الأعجاز؟ أم الإمارة العدويّة، وصاحبها يقول: وهل بعد البزول إلا النزول؟ أم الخلافة التيمية «3» ، وصاحبها يقول: طوبى لمن مات في نأنأة «4» الإسلام؟ أم على عهد الرسالة ويوم الفتح قيل اسكتي يا فلانة، فقد ذهبت الأمانة؟ أم في الجاهلية ولبيد يقول: ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب أم قبل ذلك وأخو عاد يقول: بلاد بها كنّا وكنّا نحبّها ... إذ النّاس ناس والزّمان زمان «5» أم قبل ذلك، ويروى لآدم عليه السّلام: تغيّرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مسودّ قبيح! أم قبل ذلك والملائكة تقول: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ؟ «6» وما فسد الناس، ولكن اطّرد القياس، ولا ظلمت الأيام، إنما امتدّ الإظلام؛ وهل يفسد الشيء إلا عن صلاح، ويمسي المرء إلا عن

صباح؟ ولعمري! لئن كان كرم العهد كتابا يرد وجوابا يصدر إنه لقريب المنال، وإني على توبيخه لي لفقير إلى لقائه، شفيق على بقائه، منتسب إلى ولائه، شاكر لآلائه» . والغاية القصوى في ذلك ما كتب به ذو الوزارتين «أبو الوليد بن زيدون» رحمه الله على لسان محبوبته ولّادة بنت محمد بن عبد الرحمن الناصر إلى إنسان استمالها عنه إلى نفسه وهي: أما بعد أيها المصاب بعقله، المورّط بجهله، البيّن سقطه، الفاحش غلطه، العاثر في ذيل اغتراره، الأعمى عن شمس نهاره، الساقط سقوط الذّباب على الشراب، المتهافت تهافت الفراش في الشّهاب، فإن العجب أكذب، ومعرفة المرء نفسه أصوب؛ وإنك راسلتني مستهديا من صلتي ما صفرت منه أيدي أمثالك، متصدّيا من خلّتي لما قدعت فيه أنوف أشكالك، مرسلا خليلتك مرتادة، مستعملا عشيقتك قوّادة، كاذبا نفسك في أنك ستنزل عنها إليّ، وتخلف بعدها عليّ: ولست بأوّل ذي همّة ... دعته لما ليس بالنائل! ولا شكّ أنها قلتك إذ لم تضنّ بك. وملّتك إذ لم تغر عليك، فإنها أعذرت في السّفارة لك، وما قصّرت في النيابة عنك، زاعمة أن المروءة لفظ أنت معناه، والإنسانية اسم أنت جسمه وهيولاه، قاطعة أنك انفردت بالجمال، واستأثرت بالكمال واستعليت في مراتب الخلال، حتّى خيّلت أنّ يوسف عليه السّلام حاسنك فغضضت منه، وأن امرأة العزيز رأتك فسلت عنه وأن قارون أصاب بعض ما كنزت، والنّطف «1» عثر على فضل ما

ركزت، وكسرى حمل غاشيتك «1» ، وقيصر رعى ماشيتك والإسكندر قتل دارا في طاعتك، وأردشير جاهد ملوك الطوائف بخروجهم عن جماعتك، والضحاك استدعى مسالمتك وجذيمة الأبرش تمنّى منادمتك، وشيرين قد نافست بوران «2» فيك، وبلقيس غايرت الزّبّاء عليك، وأن مالك بن نويرة إنما أردف لك، وعروة بن جعفر إنما رحل إليك، وكليب بن ربيعة إنما حمى المرعى بعزّتك، وجسّاسا إنما قتله بأنفتك، ومهلهلا إنما طلب ثأره بهمّتك، والسّموءل إنما وفي عن عهدك، والأحنف إنما اجتبى في بردك، وحاتما إنما جاد بوفرك، ولقي الأضياف ببشرك، وزيد بن مهلهل إنما ركب بفخذيك، والسّليك بن السّلكة إنما عدا على رجليك، وعامر بن مالك إنما لاعب الأسنّة بيديك، وقيس بن زهير إنما استعان بدهائك، وإياس بن معاوية إنما استضاء بمصباح ذكائك، وسحبان وائل إنما تكلم بلسانك، وعمرو بن الأهتم إنما سحر ببيانك، وأن الصلح بين بكر وتغلب تمّ برسالتك، والحمالات في دماء عبس وذبيان أسندت إلى كفالتك، وأن احتيال هرم لعامر وعلقمة حتّى رضيا كان عن إشارتك، وجوابه لعمر، وقد سأله عن أيهما كان ينفّر وقع بعد مشورتك، وأن الحجاج تقلد ولاية العراق بجدّك، وقتيبة فتح ما وراء النهر بسعدك، والمهلّب أوهن شوكة الأزارقة بأيدك، وأفسد ذات بينهم بكيدك، وأن هرمس أعطى بيلينوس «3» ما أخذ منك، وأفلاطون أورد على أرسطا طاليس ما حدّث عنك، وبطليموس سوّى الإصطرلاب بتدبيرك، وصوّر الكرة على تقديرك، وأبقراط علم العلل والأمراض بلطف حسّك، وجالينوس عرف طبائع

الحشائش بدقّة حدسك، وكلاهما قلّدك في العلاج، وسألك عن المزاج، واستوصفك تركيب الأعضاء، واستشارك في الدّاء والدواء، وأنك نبحت لأبي معشر طريق الفضاء، وأظهرت جابر بن حيّان على سر الكيمياء، وأعطيت النظّام أصلا أدرك به الحقائق، وجعلت للكندي رسما استخرج به الدقائق، وأن صناعة الألحان اختراعك، وتأليف الأنقار توليدك وابتداعك، وأن عبد الحميد بن يحيى باري أقلامك، وسهل بن هارون مدوّن كلامك، وعمرو بن بحر مستمليك، ومالك بن أنس مستفتيك، وأنت الذي أقام البراهين، ووضع القوانين، وحدّ الماهيّة، وبيّن الكيفية والكمية، وناظر في الجوهر والعرض، وميز الصحة من المرض، وحلّ المعمّى، وفصل بين الأسم والمسمّى، وضرب وقسّم، وعدّل وقوّم، وصنف الأسماء والافعال، وبوّب الظّرف والحال، وبنى وأعرب، ونفى وتعجب، ووصل وقطع، وثنّى وجمع، وأظهر وأضمر، وابتدأ وأخبر، واستفهم وأهمل، وقيد وأرسل، وأسند وبحث ونظر، وتصفّح الأديان، ورجّح بين مذهبي ماني وغيلان «1» ، وأشار بذبح الجعد «2» ، وقتل بشّار بن برد «3» ، وأنك لو شئت خرقت العادات، وخالفت المعهودات، فأحلت البحار عذبة، وأعدت السّلام رطبة، ونقلت غدا فصار أمسا، وزدت في العناصر فكانت خمسا، وأنك المقول فيك «كلّ الصّيد في جوف الفرا» «4» ، والمقول فيك:

ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد والمعنيّ بقول أبي تمام: فلو صوّرت نفسك لم تزدها ... على ما فيك من كرم الطّباع والمراد بقول أبي الطيّب: ذكر الأنام لنا فكان قصيدة ... كنت البديع الفرد من أبياتها فكدمت في غير مكدم «1» ، واستسمنت ذا ورم، ونفخت في غير ضرم، ولم تجد لرمح هزّا، ولا لشفرة مجزّا «2» ، بل رضيت من الغنيمة بالإياب، وتمنّت الرجوع بخفّي حنين، لأني قلت لها: لقد ذلّ من بالت عليه الثّعالب «3» وأنشدت: على أنّها الأيام قد صرن كلّها ... عجائب حتّى ليس فيها عجائب ونخرت «4» وكفرت، وعبست وبسرت «5» ، وأبدأت وأعدت، وأبرقت وأرعدت،

وهممت ولم أفعل، وكدت وليتني، ولولا أن للجوار ذمّة، وللضّيافة حرمة، لكان الجواب في قذال الدّمستق «1» ، والنعل حاضرة إن عادت العقرب، والعقوبة ممكنة إن أصرّ المذنب؛ وهبها لم تلاحظك بعين كليلة عن عيوبك ملؤها حبيبها وحسن فيها من تودّ، وكانت إنما حلّتك بحلاك، ووسمتك بسيماك، ولم تعرك شهادة، ولا تكلّفت لك زيادة، بل صدقت سنّ بكرها فيما ذكرته عنك، ووضعت الهناء مواضع النّقب فيما نسبته إليك، ولم تكن كاذبة فيما أثنت به عليك، فالمعيديّ تسمع به خير من أن تراه «2» ، هجين القذال «3» ، أرعن السّبال «4» ، طويل العنق والعلاوة، مفرط الحمق والغباوة، جافي الطبع، سيّء الإجابة والسمع، بغيض الهيئة، سخيف الذّهاب والجيئة، ظاهر الوسواس، منتن الأنفاس، كثير المعايب، مشهور المثالب، كلامك تمتمة، وحديثك غمغمة، وبيانك فهفهة «5» ، وضحكك قهقهة، ومشيك هرولة، وغناك مسألة، ودينك زندقة، وعلمك مخرقة: مساو لو قسمن على الغواني ... لما أمهرن إلّا بالطّلاق حتّى إن باقلا موصوف بالبلاغة إذا قرن بك، وهبنّقة «6» مستحقّ لاسم

العقل إذا أضيف إليك، وأبا غبشان «1» محمود منه سداد الفعل إذا نسب إليك، وطويسا «2» مأثور عنه يمن الطائر إذا قيس عليك، فوجدك عدم، والاعتناء بك ندم، والخيبة منك ظفر، والجنة معك سقر، كيف رأيت لؤمك لكرمي كفاء! وضعتك لشرفي وفاء! وأنّي جهلت أن الأشياء إنما تنجذب إلى أشكالها، والطير إنما تقع على آلافها، وهلّا علمت أن الشرق والغرب لا يجتمعان، وشعرت أن ناري المؤمن والكافر لا تتراءيان، وقلت الخبيث والطيب لا يستويان، وتمثلت: عمرك الله كيف يلتقيان وذكرت أني علق لا يباع ممن زاد، وطائر لا يصيده من أراد، وغرض لا يصيبه إلا من أجاد، فما أحسبك إلا قد كنت تهيأت للتهنية، وترشحت للترفية، لولا أن جرح العجماء جبار «3» للقيت ما لقي من الكواعب يسار «4» ، فما همّ إلا بدون ما هممت به، ولا تعرّض إلا لأيسر مما تعرضت له؛ أين ادّعاؤك رواية الأشعار، وتعاطيك حفظ السّير والأخبار؛ أما ثاب لك قول الشاعر:

بنو دارم أكفاؤهم آل مسمع ... وتنكح في أكفائها الحبطات «1» وهلّا عشّيت ولم تغترّ، وما أمنّك أن تكون وافد البراجم «2» ، أو ترجع بصحيفة المتلمّس «3» ، أو أفعل بك ما فعله عقيل بن علّفة «4» بالجهنيّ الذي جاء خاطبا، فدهن استه بزيت وأدناه من قرية النمل؛ ومتى كثر تلاقينا، واتّصل ترائينا؟ فيدعوني إليك ما دعا ابنة الخسّ «5» إلى عبدها من طول السّواد، وقرب الوساد؛ وهل فقدت الأراقم فأنكح في جنب «6» أو عضلني همام بن مرّة «7» ، فأقول زوج من عود، خير من قعود «8» ، ولعمري لو بلغت هذا المبلغ لارتفعت عن هذه الحطّة، وما رضيت بهذه الخطّة، فالنار ولا العار، والمنيّة ولا الدّنيّة، والحرة تجوع ولا تأكل بثدييها: فكيف وفي أبناء قومي منكح ... وفتيان هزّان الطّوال الغرانقة «9»

ما كنت لأتخطّى المسك إلى الرّماد، ولا أمتطي الثّور دون الجواد، وإنما يتيمّم من لا يجد ماء، ويرعى الهشيم، من عدم الجميم «1» ، ويركب الصّعب من لا ذلول له؛ ولعلك إنما غرّك من علمت صبوتي إليه، وشهرت مساعفتي له من أقمار العصر، ورياحين المصر، الذين هم الكواكب علوّهمم، والرياض طيب شيم: من تلق منهم تقل لا قيت سيّدهم فحنّ قدح ليس منها، ما أنت وهم؟ وأين تقع منهم؟ وهل أنت إلا واو عمرو فيهم؟ وكالوشيظة «2» في العظم بينهم؛ وإن كنت إنما بلغت قعر تابوتك، وتجافيت لقميصك عن بعض قوتك، وعطّرت أردانك، وجررت هميانك، واختلت في مشيتك، وحذفت فضول لحيتك، وأصلحت شاربك، ومططت حاجبك، ورقّقت خطّ عذارك، واستأنفت عقد إزارك، رجاء الاكتنان فيهم، وطمعا في الاعتداد منهم، فظننت عجزا، وأخطأت استك الحفرة «3» ؛ والله لو كساك محرّق البردين «4» ، وحلّتك مارية بالقرطين، وقلّدك عمرو الصّمصامة، وحملك الحارث على النّعامة، ما شككت فيك، ولا تكلمت بملء فيك، ولا سترت إياك، ولا كنت إلا ذاك. وهبك ساميتهم في ذروة المجد والحسب، وجاريتهم في غاية الظّرف والأدب، ألست تأوى إلى بيت قعيدته لكاع «5» ، إذ كلهم عزب خالي الذراع، وأين من أنفرد به ممن

لا غلب إلا على الأقلّ الأخسّ منه! وكم بين من يعتمدني بالقوة الظاهرة، والشهوة الوافرة، والنفس المصروفة إليّ، واللذة الموقوفة عليّ، وبين آخر قد نزحت بيره، ونضب غديره، وذهب نشاطه، ولم يبق إلا ضراطه. وهل كان يجتمع لي فيك إلا الحشف وسوء الكيلة «1» ويقترن عليّ بك إلا الغدّة والموت في بيت سلولية «2» : تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذلّ الحرص أعناق الرّجال ما كان أخلقك بأن تقدّر بذرعك، وتربع بذلك على ظلعك «3» ، ولا تكون براقش الدالة على أهلها «4» ، وعنز السّوء المستثيرة لحتفها؛ «5» فما أراك إلا قد سقط العشاء بك على سرحان «6» ، وبك لا بظبي أعفر «7» ؛ قد

أعذرت إن أغنيت شيّا، وأسمعت لو ناديت حيّا، وقرعت عصا العتاب، وحذّرت سوء العقاب: إنّ العصا قرعت لذي الحلم ... والشيء تحقره وقد ينمي فإن بادرت بالنّدامة، ورجعت على نفسك بالملامة، كنت قد اشتريت العافية لك بالعافية منك؛ وإن قلت جعجعة ولا طحن، فربّ صلف تحت الراعدة، وأنشدت: لا يوئسنّك من مخدّرة ... قول تغلّظه وإن حرجا فعدت لما نهيت عنه، وراجعت ما استعفيت منه، بعثت من يزعجك إلى الخضراء دفعا، ويستحثّك نحوها وكزا وصفعا، فإذا صرت إليها عبثت أكّاروها «1» بك، وتسلّط نواطيرها عليك: فمن قرعة معوجّة تقوّم في قفاك، ومن فجلة منتنة ترمى بها تحت خصاك، ذلك بما قدّمت يداك، لكي تذوق وبال أمرك، وترى ميزان قدرك: فمن جهلت نفسه قدره ... رأى غيره منه ما لا يرى فلولا المعرفة بالتاريخ، والإحاطة بالوقائع والسيّر، والأقاصيص، والأمثال السائرة في معنى ذلك، لما تأتّى للناثر الاقتدار على سبك هذه الوقائع، والتلويح بمقتضياتها.

النوع السابع عشر المعرفة بخزائن الكتب، وأنواع العلوم، والكتب المصنفة فيها وأسماء الرجال المبرزين في فنونها؛ وفيه مقصدان

النوع السابع عشر المعرفة بخزائن الكتب، وأنواع العلوم، والكتب المصنفة فيها وأسماء الرجال المبرّزين في فنونها؛ وفيه مقصدان المقصد الأوّل في ذكر خزائن الكتب المشهورة قد كان للخلفاء والملوك في القديم بها مزيد اهتمام، وكمال اعتناء، حتّى حصلوا منها على العدد الجمّ، وحصلوا على الخزائن الجليلة. ويقال إن أعظم خزائن الكتب في الإسلام ثلاث خزائن: إحداها- خزانة الخلفاء العباسيين ببغداد ، فكان فيها من الكتب ما لا يحصى كثرة، ولا يقوم عليه نفاسة، ولم تزل على ذلك إلى أن دهمت التتر بغداد، وقتل ملكهم هولاكو المستعصم آخر خلفائهم ببغداد، فذهبت خزانة الكتب فيما ذهب، وذهبت معالمها، وأعفيت آثارها. الثانية- خزانة الخلفاء الفاطميين بمصر ، وكانت من أعظم الخزائن، وأكثرها جمعا للكتب النفيسة من جميع العلوم على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب مملكة الديار المصرية في المقالة الثانية. ولم تزل على ذلك إلى أن انقرضت دولتهم بموت العاضد آخر خلفائهم، واستيلاء السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على المملكة بعدهم، فاشترى القاضي الفاضل أكثر كتب هذه الخزانة، ووقفها بمدرسته الفاضلية بدرب ملوخيا بالقاهرة، فبقيت فيها إلى أن استولت عليها الأيدي فلم يبق منها إلا القليل. الثالثة- خزانة خلفاء بني أميّة بالأندلس ؛ وكانت من أجلّ خزائن الكتب أيضا. ولم تزل إلى انقراض دولتهم باستيلاء ملوك الطوائف على الأندلس، فذهبت كتبها كلّ مذهب. أما الآن فقد قلّت عناية الملوك بخزائن الكتب، اكتفاء بخزائن كتب المدارس التي ابتنوها من حيث إنها بذلك أمسّ.

المقصد الثاني في ذكر العلوم المتداولة بين العلماء، والمشهور من الكتب المصنفة فيها ومؤلفيهم ويرجع المقصد فيها إلى سبعة أصول، يتفرع عنها أربعة وخمسون علما

واعلم أن الكتب المصنفّة أكثر من أن تحصى، وأجل من أن تحصر، لا سيّما الكتب المصنفة في الملّة الإسلامية فإنها لم يصنّف مثلها في ملّة من الملل، ولا قام بنظيرها أمّة من الأمم؛ إلّا أن منها كتبا مشهورة قد توفرت الدواعي على نقلها، والإكثار من نسخها، وطارت سمعتها في الآفاق ورغب في اقتنائها. المقصد الثاني في ذكر العلوم المتداولة بين العلماء، والمشهور من الكتب المصنفة فيها ومؤلفيهم ويرجع المقصد فيها إلى سبعة أصول، يتفرع عنها أربعة وخمسون علما الأصل الأول علم الأدب؛ وفيه عشرة علوم الأول علم اللغة - من الكتب المختصرة فيه المنتخب، والمجرّد لكراع «1» ، وأدب الكاتب لابن قتيبة «2» ، وفقه اللغة للثعالبي «3» ، والفصيح لثعلب «4» ، وكفاية المتحفّظ لابن الأجدابيّ «5» ، والألفية لأبن اصبع «6» . ومن

الثاني علم التصريف

المتوسطة فيه المجمل لابن فارس «1» ، وديوان الأدب للفارابي «2» ، وإصلاح المنطق لابن السكيت «3» . ومن المبسوطة الجامع للأزهري «4» والعباب الزاخر للصاغانيّ» ، والصحاح للجوهري «6» . قال في إرشاد القاصد: ولا أنفع ولا أجمع من المحكم لابن سيده «7» . الثاني علم التصريف - من الكتب المختصرة فيه التصريف الملوكي لابن جنّي «8» والتعريف لابن مالك «9» . ومن المتوسطة تصريف ابن الحاجب «10» ، وهو من أحسن الكتب الموضوعة فيه وأجمعها. ومن المبسوطة

الثالث علم النحو

فيه الممتع لابن عصفور «1» ، وشروح تصريف ابن الحاجب وغيره. الثالث علم النحو - من الكتب المختصرة فيه الكافية لابن الحاجب، والدّرة الألفية لابن معطي «2» ، والخلاصة لابن مالك. ومن المتوسطة المفصّل للزمخشري «3» والمقرّب لابن عصفور، والكافية الشافية لابن مالك، وتسهيل الفوائد له وهو الجامع على شدّة اختصاره. ومن المبسوطة كتاب سيبويه «4» وشروحه، وشرح ابن قاسم «5» على الألفية، وشرحه على التسهيل، وشرح شهاب الدين السمين «6» عليه، وأوسع الكل شرح الشيخ أثير الدين أبي حيّان «7» على التسهيل. الرابع علم المعاني - من الكتب المنفردة فيه مصنّف تميثم الحربى «8» ، وهو عزيز الوجود.

الخامس علم البيان

الخامس علم البيان - من الكتب المنفردة به كتاب نهاية الإعجاز للإمام فخر الدين الرازي «1» ، والجامع الكبير لابن الأثير الجزري «2» . السادس علم البديع - من الكتب المنفردة به المختصرة فيه زهر الربيع للمطرّزي «3» . ومن المتوسطة فيه البديع للتّيفاشي «4» ، وشرح البديعية للصفيّ الحليّ. ومن المبسوطة كتاب التحبير لابن أبي الأصبع. (تنبيه) ومن الكتب المشتملة على علوم المعاني والبيان والبديع روض الأزهار لابن مالك، والإيضاح لابن مالك، وأعظمها شهرة بالديار المصرية تلخيص المفتاح لقاضي القضاة جلال الدين القزوينيّ «5» وعليه عدّة شروح، منها شرح الخلخالي «6» ، وشرح الشيخ أكمل الدين «7» ، وشرح الشيخ بهاء الدين السبكي «8» ، وهو من أجل شروحه، والمعوّل عليه منها شرح الشيخ

السابع علم العروض

سعد الدين التفتازانيّ «1» . السابع علم العروض - من الكتب المختصرة فيه عروض ابن مالك؛ ولابن الحاجب فيه لاميّة كافية، اعتنى الناس بشرحها، وممن شرحها الشيخ جمال الدين بن واصل «2» ، والشيخ جمال الدين الأسنوي «3» . وللساوي «4» لاميّة ضاهى فيها لامية ابن الحاجب، وللإمام القزويني عليها شرح حسن، وللأيكي «5» فيه مختصر بديع، وللجوهريّ فيه مختصر. ومن المتوسطة فيه عروض ابن القطّاع «6» ، وعروض ابن الخطيب التبريزي «7» . ومن المبسوطة كتاب الأمين المحلّي «8» ، وعروض الأستاذ أبي الحسن العروضي المعروف بأستاذ المقتدر» . وقد نظم فيه صاحبنا شعبان

الثامن علم القوافي

الآثاري «1» محتسب مصر ألفية فائقة سماها «هداية الضّليل إلى علم الخليل» جمع فيها فأوعى. الثامن علم القوافي - من الكتب المختصرة فيها قوافي الأيكي، ومن المتوسطة قوافي ابن القطّاع، ومن المبسوطة قوافي ابن سيده. التاسع علم قوانين الخط - في أصول الخط ألفية لشعبان الآثاري، ولابن الحسين «2» كتاب في قلم الثلث، ولابن الشيخ عز الدين بن عبد السلام «3» مصنّف في قلم النسخ، وفي صناعة الهجاء المختصة بالقرآن الرائية للشاطبي «4» ، وفي خلال كتب النحو الجامعة كالتسهيل وغيره جملة من الهجاء، وقد أودعت في هذا الكتاب ما فيه كفاية من ذلك. العاشر قوانين القراءة - فيه كتاب التنبيه لأبي عمرو الداني «5» . الأصل الثاني العلوم الشرعية؛ وفيه تسعة علوم الأوّل علم النواميس المتعلق بالنبوّات - وفيه كتاب لأرسطا طاليس، وكتاب لأفلاطن، وأكثر مسائله في كتاب «المدينة الفاضلة» لأبي نصر الفارابي، وفي آخر الطوالع والمصباح للبيضاوي «6» مسائل من ذلك.

الثاني علم القراءات

الثاني علم القراءات - من الكتب المختصرة فيه التيسير لأبي عمرو الداني، ونظمه الشاطبي في قصيدته التي وسمها بحرز الأماني، فأغنت عما سواها من كتب القراءات واعتنى الناس بشرحها، ولابن مالك داليّة بديعة في علم القراءات لكنها لم تشتهر. ومن الكتب المبسوطة فيه كتاب الروضة في القراءات، وشروح الشاطبية كالفاسي وغيره. الثالث علم التفسير - من الكتب المختصرة فيه زاد المسير لابن الجوزي «1» ، والوجيز للواحديّ «2» ، والنهر لأبي حيان «3» . ومن المتوسطة فيه الوسيط للواحديّ والكشاف للزّمخشريّ، ومعالم التنزيل للبغويّ «4» . ومن المبسوطة البسيط للواحدي، وتفسير القرطبيّ «5» ، وتفسير الإمام فخر الدين «6» ، والبحر المحيط لأبي حيان. واعلم أن كل واحد من المفسرين قد غلب عليه فنّ من الفنون يميل إليه في تفسيره، فالتّيفاشيّ تغلب عليه القصص، وابن عطية تغلب عليه العربية،

الرابع علم رواية الحديث

وابن عطية «1» تغلب عليه أحكام الفقه، والزجاج «2» تغلب عليه المعاني وغير ذلك . الرابع علم رواية الحديث - أضبط الكتب المصنفة فيه وأصحّها رواية صحيح البخاريّ، وصحيح مسلم رضي الله عنهما، وبعد هما بقية كتب السنن المشهورة: كسنن أبي داود، والترمذي، والنّسائي، وابن ماجة، والدارقطني «3» . والمسندات المشهورة كمسند أحمد، وابن أبي شيبة «4» ، والبزار «5» ونحوها. ومن كتب السّير السيرة لابن هشام «6» ، وزهر الخمائل لابن سيد الناس «7» . ومن الكتب المبسوطة المشتملة على متون الأحاديث دون الرّواة جامع الأصول لابن الأثير. ومن المتوسطة الجمع في ذلك الجمع بين الصحيحين للحميدي «8» ، ومختصر جامع الأصول لمصنّفه «9» . ومن

الخامس علم دراية الحديث

المختصرة فيما يتعلق بالأحكام، الإلمام بأحاديث الأحكام، للشيخ تقيّ الدين ابن دقيق العيد، وعمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسيّ «1» . ومما يتعلق بالترغيب والترهيب رياض الصالحين للنوويّ. ومما يتعلق بالأدعية كتاب الأذكار له، وسلاح المؤمن لابن الإمام «2» . إلى غير ذلك من أنواع المصنّفات المختلفة المقاصد مما لا يحصى كثرة. الخامس علم دراية الحديث - من الكتب الموصلة للدخول في ذلك علوم الحديث لابن الصلاح «3» ، وتقريب التيسير للنوويّ، وعلوم الحديث للحاكم «4» ، والكافية للخطيب أبي بكر «5» ، وفي أوّل جامع الأصول المقدّم ذكره في كتب رواية الحديث قطعة من ذلك. ومن الكتب المبسوطة في أسماء الرجال الكمال. ومن الكتب المبسوطة في معاني الحديث شرح البخاري لابن

بطال «1» ، وشرحه «2» لابن التين المغربي، وشرحه لمغلطاي «3» ، وشرحه للكرماني «4» ، وشرحه لشيخنا سراج الدين بن الملقن» ، وشرح مسلم للقاضي عياض «6» ، وشرحه للشيخ محي الدين النووي، وشرح سنن أبي داود للخطابي، وشرح العمدة للشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، وشرحها للشيخ تاج الدّين الفاكهاني «7» .. ومن الكتب في غريب الحديث كتاب الغريبين للهروي «8» ، والنهاية لأبي السّعادات بن الأثير «9» ، وغير ذلك من سائر الأنواع.

السادس علم أصول الدين

السادس علم أصول الدين - من الكتب المختصرة فيه الطّوالع للقاضي ناصر الدين البيضاوي «1» ، والمصباح له، وقواعد العقائد للخواجا نصير الدين الطّوسي «2» ، وكتاب الأربعين للقاضي جمال الدين بن واصل «3» . ومن المتوسطة المحصل للإمام فخر الدين «4» ، والصحائف للسمرقندي «5» ، وشرح الطوالع للسيد العبريّ «6» ، وشرحها للشيخ عز الدين الأصفهانيّ «7» . السابع علم أصول الفقه - من الكتب المختصرة فيه مختصر ابن الحاجب «8» ، ومنهاج «9» البيضاوي، والتنقيح للقرافي «10» ، والقواعد لابن

الساعاتي «1» . ومن المتوسطة فيه التحصيل للأرمويّ «2» . ومن المبسوطة فيه الأحكام للآمدي «3» ، والمحصول «4» للإمام فخر الدين، وشروح مختصر ابن الحاجب: كشرح القطب الشيرازي «5» ، وشرحي المسيلي، «6» ، وشرح الشيخ شمس الدين الأصفهانيّ «7» ، وأتقن شرح عليه للعضد «8» ، وكشرح منهاج البيضاوي لابن المطهر، «9» وشرحه للشيخ جمال الدين الأسنوي «10» ، وغير ذلك؛ وكشرح التنقيح لمصنفه «11» .

الثامن علم الجدل

الثامن علم الجدل - من الكتب المختصرة فيه المغني للأبهريّ «1» ، والفصول للنسفيّ «2» والخلاصة للمراغي «3» ، والمعونة لأبي إسحاق الشيرازي «4» ، ومن المتوسطة فيه النفائس للعميديّ «5» ، والوسائل للأرمويّ. ومن المبسوطة تهذيب النكت للأبهري. التاسع علم الفقه - من كتب الشافعية المختصرة مختصر المزنيّ «6» ، ومختصر البويطيّ «7» والوجيز للغزالي «8» ، والتنبيه «9» لأبي إسحاق الشيرازي، والمحرّر للرافعي «10» ، والمنهاج «11» للنوويّ والحاوي الصغير لعبد الغفار

القزويني «1» ، والعجب العجاب، وجامع المختصرات، ومختصر الجوامع للشيخ كمال الدين الشيباني «2» . ومن المتوسطة المهذب لأبي إسحاق الشيرازيّ، والوسيط للغزالي، والشرح الصغير «3» للرافعي، والروضة «4» للنووي، والجواهر للقمولي «5» ، وأجمعها على أختصار المنتقى للشيخ كمال الدين الشيبانيّ. ومن المبسوطة الأمّ «6» للإمام الشافعيّ، والحاوي للماوردي «7» ، والبحر للرّويانيّ «8» ، والنهاية لإمام الحرمين «9» ، والبسيط للغزالي، والشامل لابن الصّبّاغ «10» ، والتتمة للمتولي «11» ، والعدّة لأبي

المكارم الرّويانيّ «1» والشرح الكبير «2» على الوجيز للرافعيّ، وشرح المهذب «3» للنووي انتهى فيه إلى أثناء الربا، ولو كمل لأغنى عن جلّ كتب المذهب، والكفاية في شرح التنبيه لابن الرّفعة «4» ، والمطلب في شرح الوسيط له، والبحر المحيط في شرح الوسيط للقمولي. ومن محاسنها المهمّات على الرافعي، والروضة «5» للشيخ جمال الدين الأسنوي. ومن كتب الحنفية المختصرة البداية، والنافع، والكنز، ومجمع البحرين، ومختار الفتوى. ومن المتوسطة الهداية. ومن المبسوطة المحيط والمبسوط، والتحرير والجامع الكبير وغير ذلك. ومن كتب المالكية المختصرة التلقين للقاضي عبد الوهاب «6» ، ومختصر ابن الجلّاب «7» ، ومختصر «8» ابن الحاجب. ومن نفيس المختصرات فيها مختصر الشيخ خليل المالكي «9» ، حذا فيه قريبا من حذو جامع المختصرات. ومن المتوسطة التهذيب للبرادعي «10» والجواهر لابن

شاس «1» ، ونظم الدرّ للشارمساحيّ «2» . ومن المبسوطة النوادر لابن أبي زيد «3» ، والبيان والتحصيل، وكتاب ابن يونس «4» ، وشرح التلقين للمازري «5» ، وليس بكامل، والذخيرة «6» للقرافي. ومن كتب الحنابلة المختصرة مختصر الحذقي «7» ، والنهاية الصغرى لابن رزين «8» . ومن المتوسطة المقنع، والكافي. ومن المبسوطة المغني لابن قدامة. ومن كتب الخلاف في المذاهب الأربعة الاختلاف والجمع لابن هبيرة الحنبلي «9» . ومن المشتمل على مذاهب السلف الإشراف لابن المنذر «10» .

الأصل الثالث العلم الطبيعي، وفيه اثنا عشر علما

الأصل الثالث العلم الطبيعي، وفيه اثنا عشر علما الأوّل علم الطب - من الكتب المختصرة فيه الموجز لابن النفيس «1» ، والفصول لأبقراط. ومن المتوسطة المختار لابن هبل «2» ، والمائة للمسيحي «3» ، والشافي لابن القف «4» . ومن المبسوطة كامل الصناعة المعروف بالملكي، والقانون للرئيس أبي عليّ بن سينا وهو الذي أخرج الطب من التلفيق إلى التهذيب والترتيب، وهو أجمع الكتب وأبلغها لفظا وأحسنها تصنيفا. الثاني علم البيطرة - من الكتب المصنفة فيه كتاب «5» حنين بن إسحاق. الثالث علم البيزرة «6» - من الكتب المصنفة فيه كتاب القانون الواضح

الرابع علم الفراسة

وفي كتاب العلاجين لابن العوام «1» جملة كافية من البيطرة والبيزرة «2» . الرابع علم الفراسة - من الكتب المصنفة فيه كتاب ارسطا طاليس وكتاب الفراسة للإمام فخر الدين الرازي، ولفيلن فيه كتاب مختص بالتفرّس في النساء. الخامس علم تعبير الرؤيا «3» - من الكتب المختصرة فيه فوائد الفرائد لابن الدقّاق «4» ، وتعبير الحنبليّ «5» المرتب على حروف المعجم. ومن المتوسطة فيه شرح البدر المنير للحنبلي. ومن المبسوطة فيه تأليف أبي سهيل المسيحي، والبشرى في شرح كتاب الكرماني «6» . السادس علم أحكام النجوم - من الكتب المختصرة فيه مجمل الأصول

لكوشيار «1» ، والجامع الصغير لمحي الدين المغربي «2» . ومن المتوسطة كتاب التاريخ والمغني «3» لابن هنبتا. ومن المبسوطة مجموع ابن سريج «4» . ومن الكتب المنفردة ببعض أجزائه الأدوار لأبي معشر «5» ، والإرشاد لأبي الريحان البيروني «6» ، والمواليد للخصيبي «7» ، والتحاويل للسحرتي «8» ، والمسائل للقيصراني «9» ، ودرج الفلك لسكلوشا «10» . ومن المدخل إليه مدخل القبيصي «11» ، والتفهيم للبيروني مدخل إلى هذا الفن، وفيه ما يحتاج إليه من الرياض أيضا.

السابع علم السحر

السابع علم السحر «1» ، وعلم الحرف والأوفاق «2» - ومن كتب السحر المعتبرة في بعض طرائقه السر المكتوم المنسوب للإمام فخر الدين «3» ، وكتاب الجمهرة للخوارزمي «4» وكتاب طيمارس لارسطا طاليس، وفي غاية الحكم للمجريطي «5» فصول كافية في بعض طرقه أيضا. ومن كتب علم الحرف كتاب لطائف الإشارات للبوني «6» ، وشمس المعارف «7» له، وهو عزيز الوجود، وفي النسخ المعتبرة من اللمعة النورانية «8» للبوني قطعة كافية منه. الثامن علم الطّلّسمات «9» - في كتاب طبتانا الذي نقله ابن وحشيّة عن النبط أنموذج لعمل الطّلّسمات ومدخل إلى علمها، وفي غاية الحكم للمجريطي قواعد هذا العلم. قال في إرشاد القاصد إلا أنه ضنّ بالتعليم كل

التاسع علم السيميا

الضن، ولأبي يعقوب السكاسكي «1» فيه كتاب جليل القدر. التاسع علم السّيميا - رأيت فيه كتبا مجهولة المصنّفين. العاشر علم الكيميا - من الكتب المطوّلة فيه كتب «2» جابر بن حيّان. قال في إرشاد القاصد: وأمثل كتب الإسلاميين في ذلك التذكرة لابن كمونه «3» ، ورتبة الحكيم للمجريطي، وشرح الفصول لعون بن المنذر. ومن النظم الرائق فيه نظم الشذوري «4» . الحادي عشر علم الفلاحة - من الكتب المختصرة فيه الفلاحة المصرية. ومن المبسوطة فيه الفلاحة النبطية «5» ، ترجمة أبي بكر بن وحشية. الثاني عشر علم ضرب الرمل - من الكتب المصنفة فيه تجارب العرب، وفي مثلثات ابن محقق «6» حصر صوره. تنبيه- لارسطا طاليس ثمانية كتب في الطبيعي يختص كل كتاب منها بجزء جردها ابن سينا في مختصر ترجمه بالمقتضبات، ولخصها أبو الوليد بن رشد تلخيصا مفيدا، والمتأخرون جمعوا في غالب كتبهم بينه وبين الإلهي في التصنيف كما في الطوالع والمصباح للبيضاوي.

الأصل الرابع علم الهندسة، وفيه عشرة علوم

الأصل الرابع علم الهندسة، وفيه عشرة علوم الأوّل علم عقود الأبنية - من الكتب المصنفة فيه مصنف لابن الهيثم «1» ، ومصنف للكرخي «2» . الثاني علم المناظر «3» - من الكتب المختصرة فيه كتاب اقليدس. ومن المتوسطة كتاب علي بن عيسى الوزير «4» . ومن المبسوطة كتاب «5» ابن الهيثم. الثالث علم المرايا المحرقة - من الكتب المصنفة فيه كتاب لابن الهيثم. الرابع علم مراكز الأثقال - من الكتب المعتبرة فيه كتاب ابن الهيثم، وفيه كتاب لأبي سهل الكوهي «6» . الخامس علم المساحة - من الكتب المختصرة فيه كتاب ابن مجلي

السادس علم إنباط المياه

الموصلي «1» . ومن المتوسطة كتاب ابن المختار. ومن المبسوطة، كتاب أرشميدس. السادس علم إنباط المياه - للكرخيّ فيه مختصر «2» جليل، وفي خلال الفلاحة النبطية لابن وحشية مهمات هذا العلم. السابع علم جرّ الأثقال - فيه كتاب لفيلن. الثامن علم البنكامات «3» - فيه كتاب «4» لأرشميدس عمدة في بابه. التاسع علم الآلات الحربية - فيه كتاب لبني موسى بن شاكر «5» . العاشر علم الآلات الروحانية «6» - أشهر كتبه الكتاب المعروف بحيل بني موسى «7» ، وفيه كتاب مختصر لفيلن، وكتاب مبسوط للبديع الجزري. الأصل الخامس علم الهيئة، وفيه خمسة علوم الأوّل علم الزيجات «8» - قال في إرشاد القاصد: أقرب الزيجات عهدا

الثاني علم المواقيت

بالرصد الزيج العلائي. قال وأهل مصر في زماننا إنما يقيمون دفتر السنة من زيج لفقوه من عدّة أزياج ولقبوه بالمصطلح؛ وأتم الزيجات في زماننا الذي نحن فيه زيج الشيخ علاء الدين بن الشاطر الدمشقي «1» ، وهو عزيز الوجود لم ينتشر ولم تكثر نسخه بعد. الثاني علم المواقيت - من الكتب المختصرة فيه نفائس اليواقيت في علم المواقيت. ومن المبسوطة جامع المبادي والغايات لأبي علي المرّاكشي «2» . الثالث علم كيفية الأرصاد - من الكتب المعتبرة فيه كتاب الأرصاد لابن الهيثم، وكتاب الآلات العجيبة للحارثي يشتمل عليه. الرابع علم تسطيح الكرة - من الكتب القديمة فيه كتاب تسطيح الكرة. لبطليموس. ومن الكتب المحدثة فيه الكامل للفرغاني «3» ، والاستيعاب «4» للبيروني، وآلات التقويم للمراكشي.

الخامس علم الآلات الظلية

الخامس علم الآلات الظلية - فيه عدّة مصنفات، ولإبراهيم بن سنان الحرّاني «1» فيه كتاب مبرهن. الأصل السادس علم العدد المعروف بالارتماطيقي، وفيه خمسة علوم الأوّل علم الحساب المفتوح - من الكتب المختصرة فيه مختصر ابن مجلي الموصلي ومختصر ابن فلوس المارديني «2» ، ومختصر السموأل بن يحيى المغربي «3» . ومن المتوسطة الكافي للكرخي. ومن المبسوطة الكامل لأبي القاسم بن السمح «4» . الثاني علم حساب التخت والميل «5» - من الكتب المصنفة فيه على طريق الهندي كتب معدّة، ومن الكتب المصنفة فيه على طريق الغبار كتاب الحصار، وكتاب المدخل وغيرهما. الثالث علم الجبر والمقابلة - من الكتب المختصرة فيه نصاب الجبر لابن فلوس المارديني، والمفيد لابن مجلي الموصلي. ومن المتوسطة فيه كتاب

الرابع علم حساب الخطأين

المظفر الطوسي «1» . ومن المبسوطة جامع الأصول لابن المجلي، والكامل لأبي شجاع بن أسلم «2» . الرابع علم حساب الخطأين «3» - وفيه من الكتب الجامعة كتاب لزين الدين المعرّي «4» . الخامس علم حساب الدور والوصايا - ومن الكتب المصنفة فيه كتاب لأفضل الدين الحويحي «5» . الأصل السابع العلوم العملية، وفيه ثلاثة علوم الأوّل علم السياسة - ومن الكتب المصنفة فيه كتاب السياسة لأرسطا طاليس الذي ألفه للإسكندر، وكتاب المدينة الفاضلة لأبي نصر الفارابي، وللشيخ تقي الدين بن تيمية كتاب «6» حسن في السياسة الشرعية. الثاني علم الأخلاق - ومن الكتب المختصرة فيه، كتاب للشيخ أبي علي بن سينا. ومن المتوسطة كتاب الفوز لأبي علي بن مسكويه «7» ومن

الثالث علم تدبير المنزل

المبسوطة كتاب للإمام فخر الدين الرازي. الثالث علم تدبير المنزل - ويحصل الانتفاع فيها بالاطلاع على السير الفاضلة المحمودة للملوك وغيرهم، ولا أنفع من السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. فإذا عرف الكاتب هذه العلوم والفنون وما صنف فيها من الكتب، أمكنه التصرف فيها في كتابه بذكر علم نبيل لمساواته أو التفضيل عليه، وذكر كتاب مصنف في ذلك حيث تدعو الحاجة إلى ذكره: كما وقع لي في تقريظ مولانا قاضي القضاة شيخ الإسلام جلال الدين عبد الرحمن «1» ، ابن سيدنا شيخ الإسلام أبي حفص عمر البلقيني الكناني الشافعي «إن تكلم في الفقه فكأنما بلسان الشافعي تكلم، والربيع «2» عنه يروي، والمزنيّ «3» منه يتعلم، أو خاض في أصول الفقه قال الغزالي هذا هو الإمام باتفاق، وقطع السيف الآمديّ «4» بأنه المقدّم في هذا الفن على الإطلاق، أو جرى في التفسير قال الواحديّ هذا هو العالم الأوحد، وأعطاه ابن عطية «5» صفقة يده بأن مثله في التفسير لا يوجد، واعترف له صاحب الكشاف «6» بالكشف عن الغوامض، وقال الإمام فخر الدين هذه مفاتيح الغيب وأسرار التنزيل فارتفع الخلاف واندفع المعارض، أو أخذ في القراءات والرسم أزرى بأبي عمرو الداني، وعدا شأو الشاطبيّ في الرائية وتقدّمه في حرز الأماني، أو تحدّث في الحديث

شهد له السفيانان «1» بعلوّ الرتبة في الرواية، واعترف له ابن معين «2» في التبريز والتقدّم في الدراية؛ وهتف الخطيب البغداديّ بذكره على المنابر، وقال ابن الصلاح لمثل هذه الفوائد تتعين الرحلة، وفي تحصيلها تنفد المحابر؛ أو أبدى في أصول الدين نظرا تعلق منه أبو الحسن الأشعريّ بأوفى زمام، وسدّ باب الكلام على المعتزلة حتّى يقول عمرو بن عبيد «3» وواصل بن عطاء ليتنا لم نفتح بابا في الكلام؛ أو دقق النظر في المنطق بهر الأبهريّ في مناظرته، وكتب الكاشي «4» وثيقة على نفسه بالعجز عن مقاومته؛ أو ألمّ بالجدل رمى الأرموميّ «5» نفسه بين يديه، وجعل العميديّ عمدته في آداب البحث عليه، أو بسط في اللغة لسانه اعترف له ابن سيده بالسيادة، وأقرّ بالعجز لديه الجوهري وجلس ابن فارس بين يديه مجلس الاستفادة؛ أو نحا إلى النحو والتصريف أربى فيه على سيبويه، وصرف الكسائي له عزمه فسار من البعد إليه، أو وضع أنموذجا في علوم البلاغة، وقف عنده الجرجاني، ولم يتعدّ حدّه ابن أبي الأصبع «6» ولم يجاوز وضعه الرّمّاني، أو روى أشعار العرب، أزرى بالأصمعيّ في حفظه، وفاق أبا عبيدة في كثرة روايته وغزير

لفظه؛ أو تعرض للعروض والقوافي استحقهما على الخليل، وقال الأخفش «1» عنه أخذت المتدارك واعترف الجوهريّ بأنه ليس له في هذا الفن مثيل، أو أصلّ في الطب أصلا، قال ابن سينا هذا هو القانون المعتبر في الأصول، وأقسم الرازي بمحي الموتى أنّ بقراط لو سمعه لما صنّف الفصول، أو جنح إلى غيره من العلوم الطبيعية فكأنما طبع عليه، أو جذبه بزمام فانقاد ذلك العلم إليه، أو سلك في علوم الهندسة طريقا لقال اقليدس هذا هو الخط المستقيم، وأعرض ابن الهيثم عن حل الشكوك وولّى وهو كظيم، وحمد المؤتمن بن هود «2» عدم إكمال كتابه الاستكمال، وقال عرفت بذلك نفسي وفوق كل ذي علم عليم، أو عرّج على علوم الهيئة لاعترف أبو الريحان البيروني أنه الأعجوبة النادرة وقال ابن أفلح هذا العالم قطب هذه الدائرة؛ أو صرف إلى علم الحساب نظره لقال السموأل بن يحيى، لقد أحيا هذا العزّ الدارس، وانجلت عن هذا العلم غياهبه حتى لم يبق عمه لعامه ولا غمّة على ممارس: وقد وجدت مكان القول ذا سعة ... فإن وجدت لسانا قائلا فقل وسوف أورد هذه الرسالة في موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى؛ وكذلك يجري القول فيما يكتب به من إجازات أهل العلوم ونحوها في كل علم، وقد تقدّم ذكر شيء مما يجري هذا المجرى في الكلام على النحو ونحوه. تم الجزء الأوّل ويليه الجزء الثاني أوّله (النوع الثامن عشر) المعرفة بالأحكام السلطانية

الجزء الثاني

الجزء الثاني [تتمة المقالة الاولى] [تتمة الباب الأول] [تتمة الفصل الثاني] [تتمة الطرف الأول] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ النوع الثامن عشر المعرفة بالأحكام السلطانية ليعرف «1» كيف يخلص قلمه على حكم الشريعة المطهرة، وما يشترط في كل ولاية من الشروط، فينبه عليها ويقف عندها؛ وما يلزم ربّ كل وظيفة من أرباب الوظائف وما يندب له، فيورده في وصاياه. وقد أورد أقضى القضاة أبو الحسن علي ابن «2» حبيب الماورديّ رحمه الله في الأحكام السلطانية ما فيه مقنع من ذلك. ونحن نورد في هذا الكتاب نبذة من كل باب، مما به يستغني الناظر فيه عن مراجعة غيره. والذي تكلم عليه الماورديّ من الوظائف الأصول: الإمامة «3» ، والوزارة، وتقليد الإمارة على البلاد، وتقليد الإمارة على الجهاد، والولاية على ضروب المصالح، وولاية القضاء «4» ، وولاية المظالم، وولاية النّقابة «5» على ذوي الأنساب، والولاية

على إقامة الصلوات، والولاية على الحج، والولاية على الصدقات، وقسم الفيء والغنيمة، ووضع الجزية والخراج، ومعرفة ما تختلف أحكامه من البلاد، وإحياء الموات «1» ، واستخراج المياه، والحمى «2» ، والأوقاف، وأحكام الإقطاع، وأحكام الديوان، وأحكام الجرائم، وأحكام الحسبة «3» . وأنا أقتصر من ذلك هنا على ما تفضي إليه حاجة الكاتب من الأحكام، دون ما عداه من الفروع الزائدة على ذلك؛ فإذا عرف حكم كل ولاية من هذه الولايات، وما يوجب توليتها، وما يعتبر في متوليها من الشروط، وما يلزمه من الأمور إذا تولاها، وما ينافي أمورها، ويجانب أحوالها؛ عرف ما يأتي من ذلك وما يذر، فيكون ما ينشئه من البيعات، والعهود، والتقاليد، والتفاويض، والتواقيع، وما يجري مجرى ذلك جاريا منه على السداد، ماشيا على القواعد الشرعية التي من حاد عنها ضلّ، ومن سلك خلاف طريقها زلّ. وكذلك المناشير المتعلقة بالإقطاعات «4» ، وعقد الجزية والمهادنات والمفاسخات، وما يجري مجرى ذلك من الأمور السلطانية. فإذا عرف حكم كل قضية، وما يجب على الكاتب فيها، وفّاها حقها، وأتى بذكر ما يتعلق بها من الشروط، وجرى في وصايا الولايات بما

يناسب كل ولاية منها؛ فجرى الأمر في ذلك على السّداد، ومشت كتابته فيها على أتم المراد؛ إن كتب بيعة أو عهدا لخليفة، تعرّض فيه إلى وجوب القيام بأمر الخلافة، ونصب إمام للناس يقوم بأمرهم وتعرّض إلى اجتماع شروط الخلافة في المولّى، وأنه أحق بها من غيره. ثم إن كانت بيعة نشأت عن موت خليفة تعرّض لذكر الخليفة الميت، وما كان عليه أمره من القيام بأعباء الخلافة، وأنه درج بالوفاة، وأن المولّى استحقها من بعده دون غيره. وإن كانت ناشئة عن خلع خليفة تعرّض للسبب الموجب لخلعه؛ من الخروج عن سنن الطريق، والعدول عن منهج الحق ونحو ذلك مما يوجب الخلع لتصح ولاية الثاني. وإن كان عهدا تعرّض فيه إلى عهد الخليفة السابق إليه بالخلافة، وأنه أصاب في ذلك الغرض، وجرى فيه على سواء الصراط، ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى من سائر الولايات على ما سيأتي ذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى. وهذه فقرة من بيعة أنشأتها توضح ما أشرت إليه من ذلك. فمن ذلك ما قلته فيها مشيرا إلى وجوب القيام بالإمامة: أما بعد، فإن عقد الإمامة لمن يقوم بها من الأمة واجب بالإجماع، مستند لأقوى دليل تنقطع دون نقضه الأطماع، وتنبو عن سماع ما يخالفه الأسماع. ومن ذلك ما قلته فيها مشيرا إلى اجتماع شروط الخلافة في المولّى وهو: وكان فلان أمير المؤمنين، هو الذي جمع شروطها فوفّاها، وأحاط منها بصفات الكمال واستوفاها، ورامت به أدنى مراتبها فبلغت أغياها «1» ، وتسوّر معاليها فرقي إلى أعلاها، واتحد بها فكان صورتها ومعناها. ومن ذلك ما قلته فيها مشيرا إلى عقد البيعة: فجمع أهل الحل والعقد، المعتبرين للاعتبار والعارفين بالنقد؛ من القضاة والعلماء، وأهل الخير

الطرف الثاني في معرفة ما يحتاج الكاتب إلى وصفه في أصناف الكتابة مما تدعوه ضرورة الكتابة إليه على اختلاف أنواعها، ويشتمل على أنواع

والصلحاء، وأرباب الرأي والنّصحاء؛ واستشارهم في ذلك فصوّبوه، ولم يروا العدول عنه إلى غيره بوجه من الوجوه. ومن ذلك ما قلته فيها مشيرا إلى القبول: وقابل عقدها بالقبول بمحضر من القضاة والشهود فلزمت، ومضى حكمها على الصحة فانبرمت، إلى غير ذلك ممّا ينخرط في هذا من سائر الولايات وغيرها. قلت: وكما يجب عليه معرفة الأحكام السلطانية، يتعين عليه معرفة ما عدا ذلك من الأمور الصناعية التي ينتظم أصحابها في سلك الولايات كالهندسة ونحوها، وسيأتي التنبيه فيما يجب على كل واحد من أرباب الولايات عند ذكر ولاية كل منهم في موضعها إن شاء الله تعالى. الطرف الثاني في معرفة ما يحتاج الكاتب إلى وصفه في أصناف الكتابة مما تدعوه ضرورة الكتابة إليه على اختلاف أنواعها، ويشتمل على أنواع النوع الأوّل ممّا يحتاج إلى وصفه النوع الإنساني، وهو على ضربين الضرب الأوّل أوصافه الجسمية، وهي على ثلاثة أقسام القسم الأوّل ما يشترك فيه الرجال والنساء، وهي عدّة أمور منها: حسن اللون؛ والألوان في البشر ترجع إلى ثلاثة أصول؛ وهي البياض، والسّمرة، والسّواد؛ ويعبّر عن السواد بشدّة الأدمة «1» ، وربما عبّر عن البياض برقّة السمرة؛ ويستحسن من هذه الألوان البياض؛ وأحسن البياض ما كان

مشربا بحمرة؛ وقد جاء في حديث ضمام بن ثعلبة أنه حين سأل عن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم عند وفوده عليه بقوله: «أيّكم ابن عبد المطّلب؟ قيل: هو ذاك الأمغر المتّكيء» : والأمغر هو المشرب بحمرة، أخذا من المغرة؛ وهي الصّبغ «1» المعروف. وقد جاء في وصفه صلّى الله عليه وسلّم أنه: «أزهر اللّون» ؛ والأزهر هو الأبيض بصفرة خفيفة. والسّمرة مستحسنة عند كثير من الناس، وهو الغالب في لون العرب، وقد قيل في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «بعثت إلى الأحمر والأسود» ، إن المراد بالأحمر: العجم لغلبة البياض فيهم؛ والمراد بالأسود: العرب لغلبة السّمرة فيهم؛ أما السواد فإنه غير ممدوح بل قد ذمّ الله تعالى السواد، ومدح البياض بقوله: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ «2» الآية؛ على أن كثيرا من الناس قد جنحوا إلى استحسان السّودان والميل إليهم، وتأنقوا في الاحتفال بأمرهم؛ وقد نص أصحابنا الشافعية على أنه لو قال لزوجته: إن لم تكوني أحسن من القمر فأنت طالق، لم تطلق وإن كانت زنجية سوداء؛ فقد قال تعالى: وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ* «3» . وبالجملة فالحسن في كل لون مستحسن؛ ولله القائل: إن المليح مليح ... يحبّ في كلّ لون ومنها: حسن القدّ؛ وأحسن القدود الرّبعة: وهو المعتدل القامة، الذي لا طول فيه ولا قصر، وليس كما يقع في بعض الأذهان من أنّ المراد منه دون الاعتدال. وقد جاء في وصف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، «أنّه كان ربعة» . ويستحسن في القدّ القوام والرّشاقة، ويشبّه بالرمح وبالغصن، وأكثر ما يشبه به في ذلك أغصان البان لقوامها. ومنها: سواد الشعر؛ وأكثر ما يكون ذلك في السّمر، فإن اجتمع مع البياض

سواد الشعر كان ذلك في غاية من الحسن، ويشبّه سواد الشعر بالليل؛ وربما وقعت المبالغة فيه فشبّه بفحمة الليل، وبدجى الليل، وبفحمة الدّجى؛ وقد يشبّه بالآبنوس ونحوه مما يغلب فيه حلك السّواد. وقد اختلف الناس في جعودة الشعر وسبوطته أيّهما أحسن؟ فذهب قوم إلى استحسان الجعودة؛ وهي انقباض الشعر بعض انقباض، وهو مما يستحسنه العرب، وإليه ذهب الفقهاء حتّى لو شرط البائع في عبد كونه جعد الشعر وظهر سبط الشعر ردّ بذلك بخلاف العكس؛ وذهب آخرون إلى استحسان السّبوطة، وهي استرسال الشعر وانبساطه من غير انكماش؛ وأكثر ما يوجد ذلك في الترك ومن في معناهم. ثم الذاهبون إلى استحسان الجعودة يستحسنون التواء شعر الصّدغ، ويشبّهونه بالواو تارة وبالعقرب أخرى. ومنها: وضوح الجبين، وسعة الجبهة، وانحسار الشعر عنها؛ فيستقبح الغمم؛ وهو عموم الجبهة أو بعضها بشعر الرأس. ومنها: وسامة الوجه وحسن المحيّا. ويشبّه الوجه في الحسن بالشمس، وبالقمر، وبالسيف؛ إلا أن التشبيه بالشمس وبالقمر أتمّ من التشبيه بالسيف لما فيه من صورة الاستطالة؛ وقد جاء في بعض الآثار أنه قيل لبعض الصحابة رضي الله عنهم: هل كان وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كالسيف؟ فقال بل كالشمس والقمر. ويستحسن في الوجه حمرة الوجنتين؛ ويشبّه لونهما بالورد، وبالشّقيق، وبالعقيق، وبالعندم «1» ؛ وما يجري مجرى ذلك مما تغلب فيه الحمرة المشرقة. ومنها: بلج الحاجبين وزججهما، فالبلج: انقطاع شعر الحاجبين؛ بألا يكون بينهما شعر يصل ما بينهما، وهو خلاف القرن؛ وربما استحسن الخفيّ من القرن، وهو الذي دقّ فيه شعر ما بين الحاجبين حتّى لا يظهر فيه إلا خضرة خفيّة.

والزّجج: دقة الحاجب مع طوله بحيث ينتهي إلى مؤخر العين؛ وقد جاء في وصف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّه كان أزجّ الحاجبين. ويستحسن في الحاجبين سواد شعرهما، وأن يكونا مقوّسين؛ ويشبّه تقويسهما بالنون تارة، وبالقوس أخرى. ومنها: حسن العينين؛ ويستحسن في العين الحور؛ وهو خلوص بياض العين؛ والنّجل: وهو سعتها، ويقال فيه حينئذ: أنجل، وربما قيل: أعين، ومنه قيل للحور: عين. والدّعج؛ وهو شدّة سواد الحدقة. والكحل؛ وهو أن تسودّ مواضع الكحل من العين خلقة. وتشبه العين بالصاد تارة، وبالجيم أخرى؛ وتشبه بالنّرجس وربما شبهت بنور الباقلّى «1» ؛ واعترض بأن فيه حولا. وربما شبهت العين بالسيف، وبالسّهم، وبالسّنان؛ وقد يستحسن في العينين الفتور وضعف الأجفان. ومنها: حسن الأنف؛ ويستحسن فيه القنا؛ وهو ارتفاع وسط الأنف قليلا عن طرفيه مع دقّة فيه، وهو الغالب في العرب؛ وقد جاء في وصفه صلّى الله عليه وسلّم: أنّه كان أقنى الأنف؛ ويستحسن فيه الشّمم أيضا؛ وهو استواء قصبة الأنف وعلّو أرنبته. ويشبه الأنف بالسيف في بريقه. ومنها: حسن الفم؛ ويستحسن فيه الضّيق، ويشبّه بالميم، وبالصاد، وبالخاتم. ومنها: حسن الشفتين؛ ويستحسن فيهما الحمرة، وتشبّه حمرتهما بما تشبّه به الوجنة من الورد والعقيق والمرجان ونحوها؛ ويستحسن فيهما اللّمى؛ وهو سمرة تعلو حمرتهما. ومنها: حسن الأسنان؛ ويستحسن فيها الشّنب؛ وهو بياض وبريق

يعلوهما. وتشبه الأنسان في البياض وحسن النظم باللؤلؤ، وبالبرد، وبالطّلع؛ وهو نبت أبيض، وبالأقاح، وبالحبب؛ وهو الذي يعلو الكأس عند شجّه «1» بالماء؛ وقد تشبه بالجوهر؛ ويستحسن فيها الأشر؛ وهو تحديد الأنسان كما يقع في كثير من الصّبيان؛ ويستحسن في السّنخ- وهو لحم الأسنان- حمرة لونه؛ ويشبه بالعقيق والورد وسائر ما يشبه به الخدّ. ومنها: حسن الجيد؛ وهو العنق؛ ويستحسن فيه طوله وبياضه من الأبيض؛ ويشبه بإبريق فضة. ومنها: دقّة الخصر؛ وهو مقعد الإزار حتّى إنهم يشبهونه بدور دملج «2» ، ودور خلخال وما أشبه ذلك. قلت: وهذه الصفات وإن كان مستحسنة في الرجال والنساء جميعا فإنها في النساء آكد؛ فإن الأمر في الحسن منوط بهنّ؛ فمهما كانت المرأة أحسن كان أعظم لشأنها، وأعز لمكانها. وقد قيل لرجل من بني عذرة «3» : ما بال الرجل منكم يموت في هوى امرأة! إنما ذلك لضعف فيكم يا بني عذرة، فقال: أما والله لو رأيتم النّواظر الدّعج، فوقها الحواجب الزّج، تحتها المباسم الفلج «4» ، لاتّخذتموها الّلات والعزى! وقد أكثر الشعراء من التغزل بهذه المحاسن بما ملأ الدفاتر مما لا حاجة بنا إلى ذكره هنا.

القسم الثاني ما يختص به الرجال

القسم الثاني ما يختص به الرجال وأخص ما يختص به الرجال من المحاسن: اللّحية، وقد قيل في قوله تعالى: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ «1» : إن المراد اللحية، على خلاف في ذلك؛ ويستحسن في اللحية استدارتها وتوسّطها في المقدار، وسواد شعرها. فإذا حسنت اللحية من الرجل كملت محاسنه. وتزيد الأحداث على الرجال في الحسن بمقدّمات ذلك؛ فيستحسن منهم خضرة «2» الشارب، وخضرة العارض «3» والعذار «4» ، ويشبه كل منهما بالآس، وبالريحان، وبدبيب النمل ونحو ذلك. ويشبّه العذار بالألف، وباللام، والباء. ويشبه الشارب الأخضر فوق حمرة الشفتين بقوس قزح، وبالآس مع الورد ونحو ذلك؛ على أن أهل الفراسة قد استحسنوا في الرجل أمورا تخالف ما تقدّم: منها: سعة الفم وغلظ الشفتين وما أشبه ذلك، قائلين: إن ذلك مما يدل على الشجاعة وهو أمر مطلوب في الرجال كما تقدّم. القسم الثالث ما يختص به النساء ومما ينفرد به النساء من الأوصاف الجسميّة «5» : السّمن، فهو أمر مطلوب في المرأة ما لم يفرط ويخرج عن الحدّ المطلوب؛ ففي الصحيحين من حديث أمّ زرع: «بنت أبي زرع وما بنت أبي زرع؟ ملء كسائها، وغيظ جارتها» إشارة إلى

امتلائها بالشحم. ووصف أعرابيّ امرأة فقال: «بيضاء رعبوبة «1» ، بالشحم مكروبة «2» ، بالمسك مشبوبة «3» » . وهذا بخلاف الرجال فإن المطلوب فيهم: الخفّة وقلة اللحم لأجل قوّة النّهضة، وسرعة الحركة في الحرب وغيره، والسّمن يمنع ذلك، مع ما يقال إن فيه تبليدا للذهن؛ قال بعضهم: ما رأيت حبرا سمينا إلا محمد بن الحسن «4» يعني صاحب أبي حنيفة رضي الله عنه. وربما استحسن قلّة اللحم في المرأة أيضا، وتوصف حينئذ بالهيف. ومن ذلك ثقل الردف؛ فهو مما يتمدّح به من النساء بخلاف الرجل فإن ذلك فيه غير محمود. ومن غريب ما يحكى في ذلك أن رجلا أخذ خطرا «5» من قوم على أن يغضب معاوية بن أبي سفيان مع غلبة حلمه، فعمد إلى معاوية وهو ساجد في الصلاة، فوضع يده على عجيزته وقال: ما أشبه هذه العجيزة بعجيزة هند! - يعني أم معاوية، فلما سلم من صلاته، التفت إلى ذلك الرجل وقال: يا هذا إن أبا سفيان كان محتاجا من هند إلى ذلك، وإن كان أحد جعل لك شيئا على ذلك فخذه. ومما يستحسن في المرأة طول الشعر في الرأس، ودقّة العظم، وصغر القدم، ونعومة الجسد، وقلة شعر البدن، في أمور أخرى يطول ذكرها.

الضرب الثاني الصفات الخارجة عن الجسد، وهي على ثلاثة أقسام أيضا

الضرب الثاني الصفات الخارجة عن الجسد، وهي على ثلاثة أقسام أيضا القسم الأوّل ما يشترك فيه الرجال والنساء وهو يرجع إلى أصلين: العقل والعفّة؛ ويدخل تحت كل من هذين الأصلين عدّة من أوصاف المدح. فأمّا العقل فيدخل تحته العلم؛ وصفاته: المعرفة، والحياء، والبيان، والسّياسة، والكفاية، والصّدع «1» بالحجّة، والحلم عن سفاهة الجهلة وغير ذلك مما يجري هذا المجرى. ولا يخفى أن هذه الأوصاف مطلوبة في الرجال والنساء جميعا وإن كان أكثرها بالرجال أليق. وأما العفّة فيدخل تحتها: القناعة، وقلّة الشّره، وطهارة الإزار، وغير ذلك مما لا يستغني عنه رجل ولا امرأة، وإذا ركّب العقل مع العفّة حدث عنهما صفات أخرى مما يتمدّح به: كالنّزاهة، والرغبة عن المسألة، والاقتصار على أدنى معيشة، ونحو ذلك مما ينخرط في هذا السلك. القسم الثاني ما يختص به الرجال دون النساء وهو يرجع إلى أصلين أيضا؛ وهما العدل والشجاعة، ويدخل تحت كل من الأصلين عدّة أوصاف من أوصاف المدح؛ فيدخل تحت العدل السّماحة، والتبرّع بالنّائل، وإجابة السائل، وقرى الضيف، وما شابه ذلك. ويدخل تحت الشجاعة عدّة أوصاف كالحماية والدّفاع، والأخذ بالثأر، والنّكاية في العدوّ، والمهابة، وقتل الأقران، والسير في المهامه «2» الموحشة، وما أشبه ذلك؛ وإذا ركّب العقل مع

القسم الثالث ما يختص به النساء

الشجاعة حدث عنهما صفات أخرى مما يتمدّح به كالصبر على الملمات ونوازل الخطوب، والوفاء بالوعد ونحو ذلك. القسم الثالث ما يختص به النساء ويرجع إلى أصلين مذمومين في الرجل؛ وهما الجبن والبخل؛ وذلك أن المرأة إذا جبنت كفّت عن المساوي خوفا على نفسها أو عرضها، وإذا بخلت حفظت مال زوجها عن الضيّاع والإتلاف؛ وحينئذ فتكون أوصاف الرجال الممدوحة أربعة أوصاف: اثنان يشتركون فيهما مع النساء؛ وهما العقل والعفة؛ واثنان ينفردون بهما عن النساء؛ وهما العدل والشجاعة. وتكون أوصاف النساء الممدوحة أربعة أيضا: اثنان يشتركن فيهما مع الرجال؛ وهما العقل والعفة؛ واثنان ينفردن بهما عن الرجال؛ وهما الجبن والبخل؛ فيمدح كل من الصنفين بما هو مشتمل عليه بحسب ما يقتضيه المقام وما يوجبه الحال. قال قدامة بن جعفر «1» الكاتب في نقد الشعر: ومدائح الرجال تنقسم بحسب الممدوحين من أصناف الناس في الارتفاع والاتضاع، وضروب الصناعات والتبدّي والتحضّر؛ فيحتاج إلى الوقوع على المعنى اللائق بمدح كلّ؛ فمدح الملوك يكون بما يلائم قدرهم من رفعة القدر وعلو الرتبة والانفراد عن المثل والقرين؛ كقول النابغة في النعمان بن المنذر: ألم تر أنّ الله أعطاك سورة ... ترى كلّ ملك دونها يتذبذب بأنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب

وما يجري مجرى ذلك؛ ومدح الوزير الكاتب بما يليق بالعقل والدّربة، وحسن التنفيذ والسياسة، فإن أضيف إلى ذلك الوصف بالسرعة في إصابة الحزم، والاستغناء بحضور الذهن عن الإبطاء لطلب الإصابة كان أحسن وأكمل للمدح كما قيل: بديهته مثل تفكيره ... متى رمته فهو مستجمع وكما قيل: يرى ساكن الأوصال باسط وجهه ... يريك الهويني والأمور تطير ويمدح القائد يعني الأمير الذي يقود الجيش بما يجانس البأس والنجدة، ويدخل في باب البطش والبسالة، فإن أضيف إلى ذلك المدح بالجود والسماحة والحذق والبذل والعطية كان أحسن وأتم، من حيث إن السخاء أخو الشجاعة، وهما في أكثر الأمور موجودان في ذوي بعد الهمة، والإقدام والصولة، كما قال بعضهم جامعا بين البأس والجود: فتّى دهره شطران ممّا ينوبه ... ففي بأسه شطر وفي جوده شطر فلا من بغاة الخير في عينه قذى ... ولا من زئير الحرب في أذنه وقر قال: وتمدح السّوقة والمتعيشون بأصناف الحرف وضروب المكاسب، والصّعاليك بما يضاهي الفضائل النفسانية من العقل والعفّة والعدل والشّجاعة، خاليا عن مثل الملوك ومن تقدّم ذكره من الوزراء والكتّاب والقوّاد. ويمدح ذو والشجاعة منهم بالإقدام والفتك والتشمير والتيقّظ والصبر مع التحذّق والسّماحة وقلّة الاكتراث بالخطوب الملمة ونحو ذلك. قلت: ويؤخذ مما ذكره قدامة أن القضاة والعلماء يوصفون بما يليق بمحلهم من ذلك، فيوصف العالم بثقابة الذهن، وحدّة الفهم، وسعة الباع في الفضل؛ وما يجري مجرى ذلك، ويوصف القضاة بذلك وبالعدل والعفة ومباينة الجور ونحو ذلك؛ وستقف في قسم الولايات في نسخ البيعات والعهود والتقاليد والتواقيع

النوع الثاني مما يحتاج إلى وصفه من دواب الركوب؛ وهي أربعة أصناف

والتفاويض والمراسيم ونحوها من ذلك بما «1» يتضح لك به سواء السبيل. واعلم أن الكاتب كما يحتاج إلى معرفة الصفات المحمودة من النوع الإنسانيّ كذلك يحتاج إلى معرفة الصفات المذمومة منه؛ فربما احتاج إلى الكتابة بذم شيء من ذلك فيكون عنده من العلم بالصفات المذمومة ما يتّفق معه؛ كما حكي أن بعض العمال بعث إلى الرشيد بعبد أسود فقلب كتابه ووقّع عليه: أما بعد فإنّك لو وجدت عددا أقل من الواحد، أوّ لونا شرّا من السواد لبعثت به إلينا والسلام. ولا يخفى أن كل ما خالف صفة من الصفات المستحسنة المتقدّمة فهو مستقبح، مع ما هو معلوم من الصفات المذمومة الجسمية، كالحدب والحول ونحوهما؛ ومن الصفات المعنوية، كسوء الخلق وبذاءة اللسان ونحو ذلك. وفي هذا مقنع في الإرشاد إلى المراد والتنبيه على القصد. النوع الثاني مما يحتاج إلى وصفه من دوابّ الركوب؛ وهي أربعة أصناف الصنف الأوّل «الخيل» ويحتاج إلى المعرفة بوصفها في مواضع، من أهمها وصفها عند بعث شيء منها في الإنعام والهدايا، والجواب عن ذلك؛ ووصفها في ترتيب الجيوش والمواكب، وذكرها في مجالات الحرب، وما يجري مجرى ذلك؛ ويشتمل الغرض منه على معرفة أصنافها، وألوانها، وشياتها «2» ؛ وما يستحسن ويستقبح من صفاتها؛ ومعرفة الدوائر التي تكون فيها؛ والبصر بأمور أسنانها وأعمارها.

أما أصنافها فثلاثة

أما أصنافها فثلاثة الأوّل: العراب ؛ وهي أفضلها وأعلاها قيمة، وأغلاها ثمنا، تطلب للسبق واللّحاق؛ والملوك تتغالى في أثمانها وتعدّها لمهمّ الحرب؛ وتوجد ببلاد العرب ومحلاتهم في أقطار الأرض، كالحجاز، ونجد، واليمن، والعراق، والشأم، ومصر، وبرقة «1» ، وبلاد المغرب وغيرها. الثاني: العجميّات ؛ وهي البراذين ويقال لها: الهماليج، وتعرف الآن بالأكاديش «2» وتجلب من بلاد الترك، ومن بلاد الروم، وغالب ما توجد مشقوقة المناخر، وتطلب للصبر على السير وسرعة المشي. الثالث: المولّد بين العراب والبراذين ؛ فإن كان الأب عجميّا والأم عربية قيل له: هجين، وإن كان بالعكس قيل له: مقرف؛ وهي تكون في الجري والمشي متوسطة بين النوعين. وأما ألوانها فقد ذكر ابن أبي أصبع «3» : أن أصول الألوان فيها ترجع إلى أربعة ألوان، وما سواها مفرّع عنها: الأوّل: البياض ، وقلّ أن يخلص من لون يخالطه؛ فإن صفا بياضه قيل فيه: أشهب قرطاسيّ؛ فإن كان أذناه وقوائمه وعرفه وذيله سودا قيل: مطرّف؛ فإن خالط البياض شعر أسود والأغلب فيه البياض قيل: أشهب كافوريّ؛ وإن كان السواد فيه أغلب قيل: أشهب حديديّ، وأشهب أشمط، وأشهب مخلّس «4» ؛ فإن كان فيه

الثاني: السواد

نكت سود قيل: أشهب مفلّس؛ فإن اتّسعت قليلا قيل: أشهب مدنّر؛ فإن كان في شهبته طرائق قيل: أشهب مجزّع؛ فإن كان فيه بقع من أيّ لون كان دون البياض قيل: مبقّع؛ فإن صغرت تلك البقع قيل: أبقع؛ فإن تفرّقت واختلفت مقاديرها قيل: أشيم؛ فإن تعادل ذلك اللون مع البياض مع صغر النّقط من اللونين قيل: أنمش؛ فإن تناهت في الصغر قيل: أبرش؛ فإن كان البياض نكتا صغيرة في ذلك اللون قيل: مفوّف؛ فإن كان شيء من ذلك كله في عضو واحد قيد به مثل قولك: مفوّف القطاة، وأنمش الصدر وما أشبه ذلك. الثاني: السّواد ؛ فإذا كان الفرس شديد السواد قيل فيه: أدهم؛ فإن اشتدّ سواده قيل: أدهم غيهبيّ؛ فإن علا السّواد خضرة قيل: أحوى «1» والجمع حوّ؛ فإن خالط سواده شقرة قيل: أدبس؛ فإن انضم إليه أدنى حمرة أو صفرة قيل: أحمّ «2» ؛ فإن ضرب سواده إلى يسير بياض قيل: أورق، ونحوه الأكهب؛ وفي دونه من السواد يقال: أربد. الثالث: الحمرة ، إذا كان الفرس خالص الحمرة، وعرفه وذيله أسودان قيل فيه: أورد «3» والجمع وراد والأنثى وردة؛ فإن خالط حمرته سواد فهو كميت، الذكر والأنثى فيه سواء؛ فإن صفت حمرته شيئا قليلا قيل: كميت مدمّى؛ فإن كان صافيا قليل الحمرة وعرفه وذيله أشقران قيل: أشقر؛ فإن كان أحمر وذيله وعرفه كذلك قيل: أمغر؛ فإن خالط شقرة الأشقر أو الكميت شعرة بيضاء قيل: صنابيّ، أخذا من الصّناب وهو الخردل بالزبيب؛ فإن كانت حمرته كصدإ الحديد قيل: أصدأ؛ فإن زاد فيه السواد شيئا يسيرا قيل: أجأى والاسم: الجؤوة. الرابع: الصّفرة ؛ فإن كانت صفرته خالصة تشبه لون الذهب وعرفه وذيله

أصهبان مائلان إلى البياض قيل: أصفر خالص؛ فإن كانا أبيضين قيل: أصفر فاضح؛ فإن كانا أسودين قيل: أصفر مطرّف، وهو الذي يسمونه في زماننا الحبشيّ؛ فإن كان أصفر ممتزجا ببياض قيل: أشهب سوسنيّ؛ فإن كان في أكارعه «1» خطوط سود قيل: موشيّ «2» . وأما شياتها وهي البياض المخالف للونها، فمنها: الغرّة؛ وهي البياض الذي يكون في وجه الفرس إذا كان قدره فوق الدّرهم؛ فإن كان دون الدرهم قيل في الفرس أقرح والعامة تقول فيه: أغرّ شعرات؛ فإن جاوز البياض قدر الدرهم قيل فيه: أعرم؛ ثم أوّل رتبة الغرّة يقال له: النّجم؛ فإن سالت الغرّة ورقّت ولم تجاوز جبهته قيل فيه: أغرّ عصفوريّ؛ فإن تمادت حتّى جلّلت خيشومه ولم تبلغ جحفلته قيل: أغرّ شمراخيّ؛ فإن ملأت جبهته ولم تبلغ العينين قيل: أشدخ؛ فإن أصابت جميع وجهه إلا أنه ينظر في سواد قيل: مبرقع؛ فإن فشت حتّى جاوزت عينيه وابيضّت منها أشفاره قيل: مغرب؛ فإن أصابت منه خدّا دون خدّ قيل: لطيم أيمن أو أيسر؛ فإن كان بشفته العليا بياض قيل: أرثم «3» ؛ وإن كان بالسفلى بياض قيل: ألمظ «4» ؛ فإن نالهما جميعا قيل: أرثم ألمظ. ومنها: التحجيل في الرّجلين وما في معنى ذلك؛ إن كان البياض في مؤخر الرّسغ لم يستدر عليه قيل في الفرس: منعل؛ وإن كان في الأربع قيل: منعل الأربع؛ أو في بعضها أضيف إليه فقيل: منعل اليدين أو الرجلين أو اليد أو الرجل

اليمنى أو اليسرى؛ فإن استدار على الرّسغ؛ وهو المفصل الذي يكتنفه الوظيف «1» والحافر وكان في إحدى الرجلين قيل: أرجل؛ وإن كان في الرجلين جميعا قيل: مخدّم وأخدم؛ فإن جاوز رسغ الرّجل واتصل بالوظيف؛ وهو ما بين الكعب وبين أسفله ولم يجاوز ثلثيه قيل: محجّل، أخذا من الحجل؛ وهو الخلخال؛ فإن كان في رجل واحدة قيل: محجّل الرجل اليمنى أو الرجل اليسرى؛ فإن كان في الرجلين جميعا قيل: محجّل الرجلين؛ فإن كان معه في إحدى اليدين بياض يجاوز الرّسغ إلى دون ثلثي الوظيف قيل: محجّل الثلاث مطلق اليد اليمنى أو اليسرى؛ فإن كان البياض في اليد الأخرى كذلك قيل: محجّل الأربع؛ فإن كان البياض في اليدين فقط قيل: أعصم، سواء جاوز الرسغ أم لا؛ ولا يطلق التحجيل على اليدين أو إحداهما إلا بانضمام إلى تحجيل الرجلين أو إحداهما؛ فإن كان في اليد الواحدة قيل: أعصم اليد اليمنى أو اليسرى؛ وإن كان فيهما قيل: أعصم اليدين، وإن كان التحجيل في يد ورجل من جانب واحد قيل: ممسك؛ وإن كان ذلك من الجانب الأيمن قيل: ممسك الأيامن مطلق الأياسر؛ وإن كان بالعكس قيل: ممسك الأياسر مطلق الأيامن؛ وإن كان التحجيل في يد ورجل من خلاف فهو الشّكال؛ وقيل: الشكال بياض القائمتين من جانب «2» ، وقيل: بياض ثلاث قوائم؛ فإن تعدّى البياض حتّى جاوز عرقوبي الرّجلين أو ركبتي اليدين قيل فيه: مجبّب؛ فإن علا البياض حقوي «3» رجليه ومرفقي يديه قيل: أبلق؛ فإن زاد على ذلك حتّى بلغ الأفخاذ والأعضاد قيل: أبلق مسرول؛ فإن اختص البياض بيديه وطال حتّى بلغ مرفقيه قيل: أقفز ومقفّز؛ فإن كان البياض في الوظيف غير متصل بالرسغ ولا بالعرقوب ولا بالرّكبة قيل: موقّف.

ومنها: الشّيات التي تتخلل سائر جسدها؛ فإن كان الفرس مبيضّ الأذنين أو في أذنيه نقش بياض دون سائر لونه قيل فيه: أذرأ؛ وإن كان مبيض الرأس قيل: أصقع؛ فإن ابيضّ قفاه قيل: أقنف؛ فإن شابت ناصيته قيل: أسعف؛ فإن ابيضّت جميعها قيل: أصبغ الناصية؛ فإن غشّى البياض جميع رأسه قيل: أغشى، وربما قيل فيه: أرخم؛ فإن ابيضّ رأسه وعنقه جميعا قيل: أدرع؛ فإن أبيضّ ظهره قيل: أرحل؛ فإن كان ذلك البياض من أثر الدّبر قيل: مصرد؛ فإن ابيضّ بطنه قيل: أنبط؛ فإن ابيضّ جنباه قيل: أخصف؛ فإن كان البياض بأحد جنبيه قيل: أخصف الجنب الأيمن أو الأيسر؛ فإن ابيضّ كفله «1» قيل: آزر؛ فإن ابيض عرض ذنبه من أعلاه قيل: أشعل «2» ؛ فإن ابيض بعض هلبه «3» دون بعض قيل: مخصّل؛ فإن ابيضّ جميع هلبه قيل: أصبغ هلب الذّنب؛ فإن عدا عرقوبه البياض جملة قيل: بهيم ومصمت من أيّ لون كان. وأما ما يستحسن من أوصافها فقد قال العلماء بأمر الخيل: يستحبّ في الفرس: دقّة الأذنين وطولهما وانتصابهما، ودقة أطرافهما، وقرب ما بينهما؛ وكل ذلك من علامات العتق «4» ؛ وفي الناصية: اعتدال شعرها في الطّول، بحيث لا تكون خفيفة الشعر ولا مفرطة في كثرته؛ ويقال في هذه: الناصية الجثلة. ويستحبّ مع ذلك: لين الشّكير- وهو ما طاف بجنب الناصية من الزّغب- ويستحب: عظم الرأس وطوله وسعة الجبهة، وأسالة الخدّ، وملاسته، ودقّته، وقلّة لحم الوجه، وعري الناهضين- وهما عظمان في الخدّ- وسعة العين، وصفاء الحدقة؛ وذلك كله من علامات العتق. ويستحبّ في العين: السّموّ والحدّة ورقّة الجفون وبعد نظره.

قال ابن قتيبة: وهم يصفونها بالقبل «1» والشّوس «2» والخوص «3» ، وليس ذلك فيها عيبا ولا هو خلقة، وإنما تفعله لعزة أنفسها. ويستحبّ في المنخر: السّعة، لأنه إذا ضاق شقّ عليه النّفس، قال: وربما شقّ منخره لذلك وبعد ما بين المنخرين. ويستحب في الفم: الهرت- وهو طول شقّ شدقيه من الجانبين- لأنه أوسع لخروج نفسه، ورقة الجحفلتين وهما الشفتان لأنه دليل العتق، وطول اللسان ليكثر ريقه فلا ينبهر «4» ، ورقته لأنه أسرع لقضمه العلف، وصفاء الصهيل لأنه دليل صحة رئته وسهولة نفسه. ويستحب في العنق: الطّول، فقد كان سلمان ابن ربيعة «5» يفرق بين العتاق والهجن، فدعا بطست من ماء فوضعت بالأرض ثم قدّمت الخيل إليها واحدا واحدا فما ثنى سنبكه «6» منها ثم شرب هجّنه؛ وما شرب ولم يثن سنبكه جعله عتيقا، لأن في أعناق الهجن قصرا فلا تنال الماء حتّى تثني سنابكها؛ وقد روي أنه هجّن فرس عمرو بن معدي كرب «7» فاستعدى عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال سلمان: ادع بإناء فيه ماء! ثم أتي بفرس عتيق لا شك في عتقه فأشرع في الإناء فصف بين سنبكيه ومدّ عنقه فشرب؛ ثم قال: ائتوني بهجين لا شك فيه! فأشرع فبرك فشرب؛ ثم أتي بفرس عمرو بن معدي كرب فأشرع فصف بين سنبكيه ومدّ عنقه ثم ثنى أحد سنبكيه قليلا فشرب؛ فقال عمر: أنت سلمان الخيل. ويستحب فيها مع ذلك الكبر لأنه أقرب لانقياده وعطفه، وغلظ مركّب عنقه

ودقّة مذبحه. ويستحب فيه: ارتفاع الكتفين والحارك والكاهل «1» ؛ وقصر الظهر وعرض الصّهوة- وهي مقعد الفارس في الظهر- وارتفاع القطاة- وهي مقعد الرّدف من الظهر أيضا- وقلة لحم المتنين وهما ما تحت دفتي السرج من الظهر. ويستحب في الكفل: الاستواء والاستدارة والملاسة والتدوير. ويستحب: طول السّبيب؛ وهو الشعر المسترسل في ذيله، وقصر العسيب؛ وهو عظم الذنب وجلده؛ ولذلك قال بعض الأعراب: اختره طويل الذّنب قصير الذّنب يعني طويل الشعر قصير العسيب. قال ابن قتيبة «2» : ويستحب أن يرفع ذنبه عند العدو، ويقال: إن ذلك من شدّة الصّلب «3» ويستحب عرض الصدر؛ وهو ما عرض حيث ملتقى أعلى لببه، ويسمّى: اللّبان والكلكل؛ وكذلك ارتفاعه عن الأرض مع دقّة الزّور، وهو ما استدق من صدره بين يديه بحيث يقرب ما بين المرفقين لأنه أشدّ له وأقوى لجريه. ويستحب فيه: عرض الكتف وغلظه وقصر النّسا، وهو عرق في الساق مستبطن الفخذ، وشنجه «4» وقصر وظيف اليد؛ وهو قصب يديه، وقصر الرّسغ، ودقّة إبرة العرقوب وتحديده، لأنه أشدّ لقصب الساق؛ وطول وظيف الرجل ليخذف «5» الأرض بها فيكون أشدّ لعدوه، وغلظ عظم القوائم، وغلظ الحبال؛ وهي عصب الذراعين، ولطف الرّكبة، وقرب ما بين الركبتين، وشدّة كعبه، لأن ضعف الكعب داعية الجرد «6» ، وانحناء الرجلين وتوتّرهما، وبعد ما بين الرجلين؛ وهو الفحج،

فمن العيوب

لأنه أشد لتمكّن رجليه من الأرض. ويستحب: صفاء الحافر، وصلابته، وسعته، وكونه أزرق أو أخضر غير مشوب ببياض؛ لأن البياض دليل الضعف فيه؛ وأن يكون مع ذلك فيه تقعّب «1» ، ولطف نسوره؛ وهي شيء في باطن حافره كالنوى، لأنه إذا ضاق موضعها كان أصلب لحافره؛ وأن تكون أطراف سنابكه وهي مقادم حوافره رقيقة. ويستحب فيه مع ذلك كلّه: اتساع إهابه وهو جلده، ورقّة أديمه، وصفاء لونه، ولين شعره، وكثرة عرفه «2» ، وكثرة نومه، وسعة خطوه، وخفّة عنانه، ولين ظهره، وحسن استقلاله في أوّل سيره، وخفّة وقع قوائمه على الأرض إذا مشى، وشدّة وقعها إذا عدا، مع حدّة نفسه وسرعة عدوه، واتساع طرقته؛ وقد يغتفر القطاف «3» في المشي في دوابّ الجري. ثم إنه قد يحتمل فوات آلة الحسن والفراهة في المشي ولا يغتفر النقص في آلة الجودة وشدّة العدو والصّبر، لأن بهما يدرك ما يطلب، وينجو مما يهرب. وأما ما يستقبح ويذمّ من أوصافها، فقد ذكروا للفرس عدّة عيوب، بعضها خلقية وبعضها حادثة «4» . فمن العيوب [الضرب الأول العيوب الخلقية] الخلقية: البدد «5» ؛ وهو بعد ما بين اليدين، والصّمم؛ وهو ألا

يسمع وعلامته أن يراه يصرّ أذنيه أبدا إلى خلف، وإذا جرّ خلفه خشبة ونحوها لا يشعر ولم ينفر عنها؛ والخداء، وهو أن يكون أذناه مسترخيتين منكوستين نحو العينين أو الخدّين كآذان الكلاب السّلوقيّة؛ والطّول؛ وهو أن تطول إحدى أذنيه وتقصر الأخرى، وكونه أسكّ؛ وهو أن يكون صغير الأذن. ومنها: السّفا؛ وهو قلّة شعر الناصية؛ والغمم؛ وهو أن يكثر شعر الناصية، ويطول حتّى يغطّي العين؛ وهو عيب خفيف؛ والسّفا «1» ؛ وهو خفة الناصية «2» . ومنها: القرح؛ وهو أن يكون البياض الذي في الوجه دون قدر الدرهم كما تقدّم إلا أن يكون معه بياض آخر من تحجيل ونحوه فلا يكره حينئذ؛ فإن كان في وسط البياض في الوجه سواد كان عيبا يتشاءم به. ومنها: العشا؛ وهو ألّا يبصر ليلا فيصير بمثابة نصف فرس، لأنه لا ينتفع به في الليل دون النهار، وكونه قائم العين؛ وهو الذي يكون على ناظره سواد يضرب للخضرة والكدرة يقلّ معها بصره؛ والحول؛ وهو أن يكون بإحدى عينيه بياض خارج سواد الحدقة من فوق، ويكون خلاف العين الأخرى، وهو مع ذلك مما يتبرّك به بعض الناس، ويقول: إذا كان ذلك في العينين كان أعظم لبركته؛ والخيف؛ وهو أن تكون إحدى عينيه زرقاء «3» ، وهو مما يتشاءم به لا سيما إذا كانت الزّرقة في العين اليسرى، فإن ازرقّت العينان جميعا كان أقلّ لشؤمه؛ وغؤر العينين؛ وهو دخولهما في وجهه؛ والغرب؛ وهو بياض أشفار العينين، يكون عنه ضعف وهو ذخولهما في وجهه؛ والغرب؛ وهو بياض أشفار العينيين، يكون عنه ضعف بصره في القمر والحرّ الشديد، والكمنة؛ وهو أن يبصر قدّامه، ولا يبصر عن يمينه ولا شماله.

ومنها: القنا؛ وهو احديداب في الأنف، ويكون في الهجن؛ والخنس؛ وهو أن يرى فوق منخريه منخسفا لأنه يضيق نفسه إذا ركض. ومنها: الفطس، وهو أن تكون أسنانه العليا داخلة عن أسنانه السّفلى؛ والطّبطبة، وهو أن تسترخي جحفلته السفلى فإذا سار حركها وطبطبها كالبعير الأهدل، وأن يكون في حنكه شامة سوداء وسائر فمه أبيض. ومنها: قصر اللسان؛ لأنه إذا قصر لسانه قلّ ريقه فيسرع إليه العطش، والخرس، وعلامته أن تراه يصهل ولا يحمحم؛ وهو عيب لطيف. ومنها: القصر، وهو غلظ في العنق «1» ؛ واللّفف، وهو استدارة فيه مع قصر، والدّنن، وهو طمأنينة «2» في أصل العنق؛ والهنع؛ وهو طمأنينة في وسط العنق؛ والقود؛ وهو يبس في العنق بحيث لا يقدر الفرس أن يدير عنقه يمينا ولا شمالا ولا يرفع رأسه إذا مشى؛ وهو عيب شديد؛ والجسأ؛ وهو يبس المعطف. ومنها: الكتف؛ وهو انفراج يكون في أعالي كتفي الفرس مما يلي الكاهل؛ والقعس؛ وهو أن يطمئنّ الصّلب من الظهر وترتفع القطاة «3» ، والبزخ، وهو أن يطمئن الصّلب والقطاة جميعا؛ وهو عيب رديء يضرّ بالعمل؛ وكون الكفل فيه تحديد ويكون العجز صغيرا؛ والفرق؛ وهو «4» نقصان إحدى حرقفتي الوركين، فإن نقصتا جميعا فهو ممسوح الكفل ولا عيب فيه. ومنها: الدّنن؛ وهو تطامن الصدر ودنوّه من الأرض؛ وهو من أسوإ

العيوب، والزّور؛ وهو دخول إحدى فهدتي «1» الصدر وخروج الأخرى. ومنها: الهضم؛ وهو استقامة الضّلوع ودخول أعاليها؛ والإخطاف؛ وهو لحوق ما خلف المحزم من بطنه؛ والثّجل، وهو خروج الخاصرة ورقّة الصّفاق «2» . ومنها: العصل؛ وهو التواء عسيب «3» الذّنب حتّى يبرز بعض باطنه الذي لا شعر عليه؛ والكشف؛ وهو أكثر «4» من ذلك؛ والصّبغ؛ وهو بياض الذّنب، والشّعل؛ وهو أن يبيضّ عرض الذنب وهو وسطه. ومنها: الفحج؛ وهو إفراط بعد ما بين الكعبين؛ والحلل؛ وهو رخاوة الكعبين، ويلتحق به تقويس اليدين؛ وهو عيب فاحش، والطرق؛ وهو أن ترى ركبتيه مفسوختين كالمقوّستين إلى داخل؛ وهو عيب فاحش، والقسط؛ وهو أن ترى رجلاه منتصبتين غير محنّبتين «5» ؛ والبدد «6» ؛ وهو بعد ما بين اليدين؛ والفحج «7» ؛ وهو إفراط بعد ما بين العرقوبين، والقفد؛ وهو إنتصاب الرّسغ وإقباله على الحافر ولا يكون إلا في الرّجل، والصّدف؛ وهو تداني الفخذين وتباعد الحافرين في التواء من الرّسغين بحيث ترى رسغي يديه مفتوحين؛ والتّوجيه؛ وهو نحو منه إلا أنه أقل من ذلك؛ والفدع، وهو التواء الرّسغ من عرضه الوحشيّ «8»

الضرب الثاني العيوب الحادثة، وهي عدة عيوب

من الجانبين «1» من رأس الشّظى، ووطؤه على وحشيّ حافريه جميعا وهو الجانب الخارج؛ والارتهاش «2» ؛ وهو أن يصكّ بعرض حافره عرض عجايته من اليد الأخرى وذلك لضعف يده؛ والحنف، وهو أن يكون حافرا يديه مكبوبين إلى داخل؛ والنّقد؛ وهو أن يرى الحافر كالمتقشر، والشّرج؛ وهو أن يكون ذو الحافر له بيضة واحدة؛ والأرحّ، وهو أن يمس الأرض بباطن حافره. ومنها: البدد في اليدين؛ وهو أن يكون إذا مشى يدير حافره إلى خارج عند النّقل وليس فيه ضرر في العمل؛ والتلقّف، وهو أن يخبط بيديه مستوى «3» لا يرفعهما إلى بطنه؛ وهو خلاف البدد. ومنها: التّلويح، وهو أن يكون الفرس إذا ضربته حرّك ذنبه، وهو عيب فاحش في الحجورة لأنه ربما بالت الحجر «4» ورشّت به صاحبها. الضرب الثاني العيوب الحادثة، وهي عدّة عيوب منها: الحدب، ويكون في الظهر بمثابة حدبة الإنسان، وهو عيب فاحش؛ والغدّة وتكون في الظهر أيضا بإزاء السّرة. ومنها: العنق؛ وهو انتفاخ وورم بقدر الرّمانة أو أقلّ مما يلي الخاصرة، وهو عيب فاحش لا علاج فيه. ومنها: الحمر؛ وهو عيب يحدث عن تخمة الشعير، وربما كان من شرب الماء على التعب فيحدث عنه ثقل الصدر.

ومنها: الانتشار؛ وهو انتفاخ العصب بواسطة التّعب، ويكون من فوق الرّسغ إلى آخر الركبة؛ وهو عيب فاحش. ومنها: تحرّك الشّظاة «1» ، وهو عظم لاصق بالذّراع، وهو على الفرس أشق من الانتشار. ومنها: الرّوح، وهو داء يكون منه غلظ في القوائم كمثل داء الفيل في البشر. ومنها: المشش؛ وهو داء يكون في بدء أمره ماء أصفر، ثم يصير دما، ثم يصير عظما، ويكون على الوظيف وفي مفصل الركبة، وهو على العصب والركبة شرّ منه على الوظيف. ومنها: القمع، ويكون في الرجلين في طرف العرقوبين؛ وهو غلظ يعتريهما؛ والملح، ويكون في الرجلين تحت القمع من خلف، وهو انتفاخ «2» مستطيل لا يضر بالعمل؛ والجرذ؛ وهو كالعظم الناتىء يكون في الرجلين تحت العرقوبين على المفصل من داخل ومن خارج؛ وهو عيب فاحش تؤول منه الدابة إلى العطب؛ والنّفخ؛ وهو انتفاخ يكون في مواضع الجرذ؛ وهو من دواعي الجرذ؛ والعقال؛ وهو أن تقلص رجله، وذلك يكون في عصب الرجل الواحدة دون الأخرى، وربما كان في الرجلين جميعا؛ وهو عيب فاحش يضرّ بالعمل؛ وهو في البرد أشدّ منه في الحرّ. ومنها: الشّقاق «3» ؛ وهو داء يصيبه في أرساغه، وربما ارتفع إلى وظيفه؛ والسّرطان، وهو داء يأخذ في الرّسغ فييبّس عروقه حتّى ينقلب حافره.

ومنها: العرن؛ وهو جسوء «1» في رسغ رجله، والدّخس، وهو ورم يكون في حافره؛ والقفد؛ وهو تشنّج عصب رسغه حتّى ينقلب حافره إلى داخل فيمشي على ظاهر الحافر «2» . ومنها: النّملة؛ وهي شقّ في الحافر من ظاهره؛ والرّهسة؛ وهي ما يكون في الحافر من صدمة ونحوها- والعامّة تقولها بالصاد «3» - والقشر، وهو أن تتقشر حوافره؛ وهو عيب فاحش؛ والنّاسور- وهو الذي تسميه العامة الوقرة- وهو داء يحدث في نسور «4» الدابة فإذا قطع سال الدم منه. ومنها: الأدرة؛ وهي عظم الخصيتين؛ وربما عظمت خصيتاه في الصيف واحمرت «5» في الشتاء؛ والمدلي؛ وهو الذي يدلي ذكره ثم لا يردّه؛ وهو عيب قبيح بحيث يقبح ركوب الفرس الذي به هذا العيب. ومنها: البرص؛ وهو بياض يعتري الفرس في مرقّاته؛ كالجحفلة وجفون العينين وبين الفخذين والخصيتين. ومنها: الحلد؛ وهو داء شديد ينقب موضعه من بدن الدابة يسيل منه ماء أصفر، فإذا كوي بالنار برأ وانفتح موضع آخر، فلا يزال كذلك حتّى تعطب الدابة؛ وهو عيب فاحش، في عيوب أخرى يطول ذكرها. وفي كتب البيطرة، ذكر الكثير من ذلك مع علاج ما له علاج منه وبيان ما لا علاج له.

وأما الدوائر التي تكون في الخيل فقد عدّها العرب ثماني عشرة دائرة، بعضها مستحب وبعضها مكروه. الأولى: دائرة المحيّا- وهو الوجه- وهي اللاحقة بأسفل الناصية. الثانية: دائرة اللّطاة؛ وهي دائرة تكون في وسط الجبهة. الثالثة: دائرة النّطيح؛ وهي دائرة ثانية في الجبهة بأن يكون في الجبهة دائرتان. الرابعة: دائرة اللهزمة، وهي دائرة تكون في لهزمة «1» الفرس. الخامسة: دائرة المقود «2» ؛ وهي التي تكون في موضع القلادة. السادسة: دائرة السّمامة، وهي دائرة تكون في وسط العنق. السابعة والثامنة: دائرتا البنيقتين؛ وهما دائرتان في نحر الفرس فيما قاله الأصمعي. وقال أبو عبيد «3» : البنيقة الشعر المختلف في منتهى الخاصرة والشاكلة. التاسعة: دائرة الناحر؛ وهي دائرة في باطن الحلق إلى أسفل من ذلك. العاشرة: دائرة القالع؛ وهي دائرة تكون تحت اللّبد. الحادية عشرة: دائرة الهقعة؛ وهي دائرة تكون في عرض الزّور. الثانية عشرة: دائرة النافذة؛ وهي دائرة ثانية تكون في الزّور بأن تكون فيه دائرتان في الشّقين في كل شقّ منهما دائرة؛ وتسمّى النافذة، دائرة الحزام أيضا. الثالثة عشرة والرابعة عشرة: دائرتا الخرب، وهما اللتان يكونان تحت الصّقرين وهما رأسا الحجبتين اللتين هما العظمان الناتئان المشرفان على الخاصرتين كأنهما صقران. الخامسة عشرة والسادسة عشرة: دائرتا الصّقرين؛ وهما دائرتان بين الحجبتين والقصريين. السابعة عشرة والثامنة عشرة: دائرتا الناخس؛ وهما دائرتان تكونان تحت الجاعرتين «4» .

قال ابن قتيبة: وهم يكرهون منها أربع دوائر؛ وهي دائرة الهقعة «1» ، مع ذكره أن أبقى الخيل: المهقوع. ودائرة القالع، ودائرة الناخس، ودائرة النطيح. قال: وما سوى ذلك من الدوائر فليس بمكروه. وذكر صاحب زهر الآداب «2» في اللغة: أنهم يستحبون من الدوائر دائرة المقود «3» ؛ ودائرة السّمامة؛ ودائرة الهقعة، احتجاجا بأن أبقى الخيل المهقوع؛ ويكرهون دائرة النّطيح، ودائرة اللهزمة، ودائرة القالع. ورأيت في بعض كتب البيطرة، أن المستحب منها ثلاث دوائر: دائرة المقود، ودائرة السّمامة، ودائرة الهقعة؛ وما عدا ذلك فهو مكروه. وكره حكماء الهند دوائر أخرى ذكروها؛ وهي أن يكون في مقدّم يده دائرة، أو في أصل ذنبه من الجانبين دائرتان أو على ناصيته دائرة، أو على محجره دائرة، أو في جحفلته السّفلى دائرة، أو على سرّته دائرة، أو على منسجه «4» دائرتان. وأما أسنان الخيل: فأوّل ما تضع الحجرة «5» جنينها قيل: مهر، والأنثى مهرة؛ فإذا فصل عن أمه قيل: فلوّ؛ فإذا استكمل حولا قيل: حوليّ والأنثى حوليّة؛

فإذا دخل في الثانية قيل: جذع والأنثى جذعة، فإذا دخل في الثالثة قيل: ثنيّ والأنثى ثنيّة؛ فإذا دخل في الرابعة قيل: رباع والأنثى رباعية؛ فإذا دخل في الخامسة قيل: قارح للذكر والأنثى. وفي الغالب يلقي أسنانه في السنة الثالثة، وربما تأخر إلقائها إلى السنة الرابعة؛ وذلك إذا كان أبواه شابّين، وقد يلقي أسنانه في حول واحد؛ وذلك إذا كان أبواه هرمين. ثم لكل مهر اثنتا عشرة سنّا: ستّ من فوق وستّ من أسفل، ويليها من كل جانب ناب، ويليها الأضراس، وتنبت ثناياه، بعد وضعه بخمسة أيام؛ وتنبت رباعياته بعد ذلك إلى مدّة شهرين؛ وتنبت قوارحه بعد ذلك إلى ثمانية أشهر؛ ويختص التبديل منها بالأسنان الاثنتي عشرة دون الأنياب والأضراس. وربما ألقى المهر بعض أسنانه، ثم لا تنبت؛ وإذا قرح المهر اصفرّت أسنانه، وأسودّت رؤوسها وطالت فيبقى كذلك خمس سنين؛ فإذا جاوزت ذلك ابيضت وحفي رؤوسها، ثم تنتقل فتصير كلون العسل خمس سنين، ثم تبيض فتصير كلون الغبار ويزداد طولها؛ وربما دلّس النّخاسون فنشروا أسنانها وسوّوها. ومما وجد في الكتب القديمة: أنّ الفرس تتحرّك ثناياه في سبع وعشرين سنة؛ وتتحرّك الرّباعيات في ثمان وعشرين سنة، وتتحرّك القوارح في تسع وعشرين سنة؛ ثم تسقط الثنايا في ثلاثين سنة، والرّباعيات في إحدى وثلاثين سنة، والقوارح في اثنتين وثلاثين سنة وهو عمر الدابة. وأما التفرّس في الخيل: فاعلم أن المهر وإن ظهرت فيه علامات النّجابة أو العكس لا عبرة بذلك، فإنه قد يتغير فيقبح منه ما كان حسنا، ويحسن منه ما كان قبيحا؛ وإنما يتفرّس فيه إذا ركبه لحم العلف، وذهب عنه لحم الرّضاع. وأفضل الفراسة في المهر: أخذه في الجري، فإنه صنعته التي خلق عليها وإليها يؤول، فإذا أحسن الأخذ في الجري فهو جواد؛ ولكنه ربما تغير أخذه للجري إذا ركب لضعف فيه حينئذ، وقصور عن بلوغ مدى قوّته؛ وقد لا يجري جذعا ويجري ثنيّا، وقد لا يجري ثنيّا ويجري رباعيا، وقد لا يجري رباعيّا ويجري

الصنف الثاني «البغال»

قارحا حين تجتمع له قوّته. ويعرف ضعف الضعيف منها بتلوّيه تحت فارسه وعجزه عنه وفترته إذا نزل عنه. ومما يدل على جودة الفرس وحسن جريه: أنه يراه إذا أخذ في الجري سما بهاديه «1» ، وأثبت رأسه، ولم يستعن بهما في حضره «2» واجتمعت قوائمه، وسبح بيديه وضرح «3» برجليه، ولها في حضره، وامتدّ، وبسط ضبعيه «4» حتّى لا يجد مزيدا، وتكون يداه في قرن «5» ورجلاه في قرن؛ فإذا كان الفرس كذلك فهو الجواد السابق. وقد قيل: إن خير الخيل الذي إذا مشى تكفّأ «6» ، وإذا عدا بسط يديه، وإذا أدبر جفا، وإذا أقبل أقعى. الصنف الثاني «البغال» وفيها نوعيّة في الخيل والحمير، ومن حيث أنها تتولّد بين حصان وأتان، أو بين حمار وحجرة «7» . وفيها النفيس المختار لركوب الرؤساء من العلماء، والوزراء، والحكام وسائر رؤساء المتعمّمين. وإنه صلّى الله عليه وسلّم في يوم أحد كان راكبا بغلة، ولولا شرفها ونفاستها وقيامها مقام الخيل لما ركبها النبي صلّى الله عليه وسلّم في موطن الحرب. وألوانها وأسنانها على ما تقدّم في الخيل.

الصنف الثالث «الإبل»

ويستحسن فيها غالب ما يستحسن في الخيل؛ وقد قيل: إن خيار ما يقتنى من البغال ما اشتدّت قوائمه وعظمت قصرته «1» ، وعنقه وهامته، وصفت عيناه، ورحب جوفه، وعرض كفله، وسلم من جميع العيوب والعلل. ومما يستحسن في البغال دون الخيل: السّفا؛ وهو خفة شعر الناصية؛ وأن يكون بيديها ورجليها خطوط مختلفة، جلّ ما تكون للسّنّور، ويقال: إن خير ما يختار للسرج والركوب البغال المصرية، لأن أمّهاتها عتاق وهجن؛ وخيار ما يحتاج إليه للسّرايا والمواكب والرّكض مع الخيل: بغال الجزيرة وإفريقية. ومما ينبغي التنبيه عليه: أن في البغلات منها شدّة محبة للدواب إذا ربطت معها، وفساد للدواب إذا اعتادتها حتّى يصير أحدهما لا يفارق الآخر إلا بمشقة. ويحسن في البغال: الخصي، وفي البغلات: التّحويص «2» . ولا يعاب ركوب شيء منها حينئذ إذا كان نفيسا. الصنف الثالث «الإبل» ويشتمل الغرض منها على معرفة أنواعها، وألوانها، وأسنانها؛ وما يستقبح ويستحسن من صفاتها. أما أنواعها فإنها ترجع إلى نوعين: الأول: البخاتيّ؛ وهي جمال جفاة القدود، طويلة الوبر، تجلب من بلاد الترك. الثاني: العراب؛ وهي الإبل العربية وأصنافها لا يأخذها الحصر. وأما ألوانها فترجع إلى ثلاثة أصول:

الأوّل: البياض، فالجمل إذا كان خالص البياض قيل: آدم والأنثى أدماء على الضدّ من بني آدم؛ فإن خالط البياض يسير شقرة قيل: أعيس والأنثى عيساء. الثاني: الحمرة، فإن احمرّ وغلبت عليه الشّقرة قيل: أصهب والأنثى صهباء؛ فإن خلصت حمرته قيل: أحمر والأنثى حمراء؛ فإن خالط حمرته قنوء «1» قيل: كميت؛ فإن صفت حمرته قيل: أحمر مدمىّ؛ فإن خالط الحمرة خضرة قيل: أحوى؛ فإن خالطها صفرة قيل: أحمر رادنيّ بكسر الدال؛ فإن خالطها سواد قيل: أرمك والأنثى رمكاء؛ فإن كانت حمرته كصدأ الحديد قيل: أجأى. الثالث: السواد، فإن كان السواد فيه ضعيفا قيل: أكلف؛ فإن خالط السواد صفرة قيل: أحوى، فإن علق بسواده بياض قيل: أورق؛ فإن زادت ورقته حتّى أظلم بياضه قيل: أدهم؛ فإن اشتد سواده قيل: جون، فإن كان بين الغبرة والحمرة قيل: خوّار والأنثى خوّارة. وأما أسنانها فإنه يقال لولد الناقة عند الوضع قبل أن يعرف أذكر أم أنثى: سليل؛ فإن بان أنه ذكر قيل: سقب؛ وإن بان أنه أنثى قيل: حائل، ثم هو حوار حتّى يفطم؛ فإذا فطم وفصل عن أمه قيل: فصيل؛ وذلك في آخر السنة الأولى من وضعه؛ فإذا دخل في الثانية قيل: ابن مخاض؛ لأن أمّه فيها تكون من المخاض- وهي الحوامل- والأنثى بنت مخاض؛ فإذا دخل في الثالثة قيل: ابن لبون؛ لأن أمّه فيها تكون ذات لبن والأنثى بنت لبون؛ وإذا دخل في الرابعة قيل: حقّ، لأنه يستحق أن يحمل عليه والأنثى حقّة؛ فإذا دخل في الخامسة قيل: جذع والأنثى جذعة؛ فإذا دخل في السادسة قيل: ثنيّ، لأنه يلقي فيها ثنيّته والأنثى ثنيّة؛ فإذا دخل في السابعة قيل: رباع- بفتح الراء- لأن فيها يلقي رباعيته والأنثى رباعية بالتخفيف؛ فإذا دخل في الثامنة قيل: سديس وسدس، الذكر والأنثى فيه سواء، وربما قيل في الأنثى سديسة؛ فإذا دخل التاسعة قيل: بازل، لأنه فيها

يبزل «1» نابه، والذكر والأنثى فيه سواء؛ وقد يقال فيه: فاطر؛ فإذا دخل في العاشرة قيل: مخلف؛ وليس وراء ذلك للإبل ضبط بل يقال مخلف عام ومخلف عامين فأكثر؛ فإذا علا السن بعد ذلك قيل فيه: عود والأنثى عودة؛ فإن علا عن ذلك قيل: قحر؛ فإن تكسرت أنيابه لطول هرمه قيل: ثلب والأنثى ثلبة؛ ويقال في الناقة إذا كان فيها بعض الشباب: عزوم، وربما قيل: شارف. وأما ما يستحسن من صفاتها فقد رأيت في بعض المصنّفات أن كلّ ما يستحب في الفرس يستحب في البعير خلا عرض غاربه، وفتل مرفقه، ونكس جاعرته وهي أعلى الورك، واندلاق بطنه، وتفرّش رجليه، فإن ذلك يستحب في الإبل دون الخيل. وقد صرّح الشعراء في أشعارهم بعدّة أوصاف مستحسنة في الناقة. منها: دقة الأذن، وتحديد أطرافها، وكبر الرأس، واستطالة الوجه، وعظم الوجنتين؛ وقنوّ الأنف، وطول العنق، وغلظه، ودقة المذبح، وطول الظهر، وعظم السّنام- وهي: الكوماء- وطول ذنبها، وكثرة شعره؛ غليظة الأطراف، قليلة لحم القوائم؛ ليست رهلة، ولا مسترخية؛ وأن تكون مع ذلك كثيرة اللحم؛ ملساء الجلد، تامّة الخلق، قويّة، صلبة، خفيفة سريعة السير. وأما كرمها فإنه يقال لكل كريم خالص من الإبل: هجان من نتاج مهرة: وهي قبيلة من قضاعة باليمن؛ والعيديّة منسوبة إلى بني العيد من قبيلة مهرة المذكورة؛ والأرحبيّة منسوبة إلى بني أرحب؛ والغريريّة منسوبة إلى غرير؛ وهو فحل كريم مشهور في العرب؛ والشّذقميّة منسوبة إلى شذقم: فحل كريم أيضا، والجديليّة منسوبة إلى جديل: فحل كريم؛ والدّاعريّة منسوبة إلى داعر: فحل كريم كذلك. قال في كفاية المتحفظ: والشّدنيّة منسوبة إلى فحل أو بلد.

الصنف الرابع «الحمير»

الصنف الرابع «الحمير» ومنها النّفيس الغالي الثمن، وخيرها حمر الديار المصرية، وأحسنها ما أتي به من صعيدها؛ وهي تنتهي في الأثمان إلى ما يقارب أثمان أوساط الخيل، وربما يميّز العالي القدر منها على المنحط القدر من الخيل. والأحسن فيها ما كان غليظ القوائم، تامّ الخلق، حديد النفس. ولا عيب في ركوب الحمار ولا وهيصة «1» ؛ فقد ثبت في الصحيح أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ركب الحمار؛ ولا عبرة بترفّع من ترفّع عن ركوبه بعد أن ركبه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. النوع الثالث ما يحتاج إلى وصفه من جليل الوحش وكريم صيوده، وهو أصناف الصنف الأوّل «جليل الوحش» وهو ما يتخذه الملوك للزّينة وما في معناها. ويحتاج الكاتب إليه لوصفه في الهدايا والمواكب، وما يجري مجراهما. والمعوّل عليه من ذلك خمسة أضرب: الأوّل «الأسد» - ويجمع على أسد وأسد وأسود وآساد- ويقال له أيضا: اللّيث والضّيغم، والضّرغام، والهزبر، والهيصم، والهرماس، والفرافصة، وحيدرة، والقسورة؛ وله أسماء كثيرة سوى هذه لا تكاد تدخل تحت الحصر، حتّى

قال ابن خالويه «1» : للأسد خمسمائة اسم. ويقال لولده: الشّبل، ولأنثاه: اللّبؤة. قال ابن السندي «2» في كتابه «المصايد والمطارد» : وإذا تأملت أصناف الحيوان وبحثت صورها وما أعطيت من الأسلحة، ومقادير الخلق، وجدت الأسد أعظم خلقة، وأكثر آبدة، وأشد إقداما من جميعها، ليست له غريزة في الهرب البتّة. ومن خصائصه وعجيب خلقه أن عظم عنقه عظم واحد ليست له خرز عظام كما في غيره من الحيوان، بدليل أنه لا يلوي عنقه ولا يلتفت؛ ومع ذلك فهو يبتلع الشيء العظيم. ولبوته لا تلد إلا جروا واحدا، وإنها تضعه كاللّحمة ليس فيه حسّ ولا حركة، فتحرسه ثلاثة أيام، ثم يأتي أبوه فينفخ فيه المرّة بعد المرة حتّى يتحرّك، ثم تأتي أمّه فترضعه؛ ولا يفتح عينيه إلا بعد سبعة أيام؛ ويكتسب لنفسه بالتعليم من أبويه بعد ستة أشهر. وهو قليل الشرب للماء وإن كان لا يفارق الغياض، وله صبر على الجوع، ولكنه إذا جاع ساءت أخلاقه، وليس يلقي رجيعه إلا مرة واحدة في اليوم، ويرفع رجله عند البول كما يفعل الكلب، ويبول إلى خلف كما تبول الجمال، وهو أشدّ السّباع ضراوة على أكل بني آدم، وإذا افترس فريسة وأكل منها لا يعود إليها، ولا يطأ أثره شيء من السباع. قال ابن السندي في «المصايد والمطارد» : ولا يأكل من فريسة غيره من السباع. وقد قيل: إنه يهرب من الهر، ومن الجرو، ومن الدّيك الأبيض؛ وإنه إذا رأى النار عرضت له فكرة أورثته بهتة، وأنه يهرب من عواء الجر وإذا عركت أذنه. ويقال: إن جلده إذا جعل فيما يخاف عليه السّوس من الثياب وغيرها أمن من

الثاني «النمور»

ذلك؛ وإنه إذا عمل منه وتر قوس وأضيف إلى أوتار من فراء ومعى أو غيرهما أبطل أصواتها وعلا صوته عليها. ومن طبعه أنه لا يشرب ماء ولغ فيه كلب وإن مات عطشا. الثاني «النّمور» - جمع نمر (بفتح النون وكسر الميم) ويجمع أيضا على أنمار ونمار، والأنثى نمرة. وهو حيوان مرقّع اللون بسواد وبياض، أقرب شيء من خلقة الفهد؛ وهو أخبث من الأسد؛ لا يملك نفسه عند الغضب حتّى إنه ربما قتل نفسه من شدّة غضبه. قال ابن السندي: وهو ودود لجميع الحيوان، عدوّ للنّسر، وينام ثلاثة أيام. والحيوان يطيف به ويميل إليه استحسانا لجلدته. وهو جنسان، أحدهما: عظيم الجثّة صغير الذّنب، والثاني: صغير الجثّة عظيم الذنب. قال في «المصايد والمطارد» : ويصاد بالحمر لأنه يحبها. قال: ومن أراد قتله تمسّح بشحم ضبع ودخل عليه فقتله. الثالث «الكركدنّ - بفتح الكافين وسكون الراء المهملة وفتح الدال المهملة ونون مشدّدة «1» في الآخر. قال الزمخشري في «ربيع الأبرار «2» » : وهو وحش يكون ببلاد الهند يسمّى الحمار الهنديّ، له قرن واحد في جبهته يبلغ غلظه شبرين، وهو محدّد الرأس إلا أنه ليس بالطويل؛ وأنه إذا قطع ظهرت فيه صورة عجيبة. وإنه ربّما نطح الفيل فبعجه بقرنه. وإن أنثاه تحمل سبع سنين؛ وإنه إذا كان بأرض لم يدع شيئا من

الرابع «الفيل»

الحيوان حتّى يكون بينه وبينه مائة فرسخ من جميع جهاته هيبة له وهربا منه. الرابع «الفيل» - وهو حيوان يؤتى به من بلاد الهند والحبشة. قال الجاحظ: وهو من الحيوانات المائية وإن كان لا يسكن الماء. وهو من ذوات الخراطيم، وخرطومه أنفه، كما أن لكل شيء من الحيوان أنفا، وهو يده، وبه يتناول الطعام والشراب، ومنه يغنّي ويجرّ فيه الصوت كما يجرّه الزامر في القصبة بالنفخ. قال: وأصحابنا يزعمون أنه بينه وبين السّنّور عداوة، وأن الفيل يهرب منه هربا شديدا. وذكر صاحب «الحيل في الحروب» أنه يقصر «1» عن صوت الخنزير وأنه بذلك ينفّر في الحروب. وقد ذكر الجوزي: أن للفيل إقداما على السبع. قال الجاحظ: وهو يعادي البعوض لأنه يثقب جلده بقرصه، ومن ثم يرى الفيل دائما يحرك آذانه ليطرد عنه الناموس. وهو مخصوص بخفة وقع قوائمه على الأرض إذا مشى، حتّى لو أن إنسانا كان جالسا وجاء الفيل من خلفه لما شعر به. وذكر عبد القاهر «2» البغداديّ: أن الفيلة تحمل سبع سنين، وقيل: سنتين، وقيل: ثلاث «3» قبل أن تضع؛ وأن لسان الفيل مقلوب: طرفه داخل حلقه وأصله من خارج، على العكس من سائر الحيوان؛ وأن ثدييها على كبدها، وترضع أولادها من تحت صدرها. وقد ذكر الغزالي «4» : أن فرجها تحت بطنها، فإذا كان وقت الضّراب ارتفع وبرز للفحل حتى يتمكن من إتيانها.

الخامس «الزرافة»

الخامس «الزّرافة» - (بفتح الزاي وضمها) وهي حيوان يؤتى به من بلاد الحبشة واليمن، طويل اليدين، قصير الرجلين، ذنبه وحوافره كذنب البقر وحوافرها، ورقبته ورأسه كرقبة الجمل ورأسه، ولونه موشّى بالبياض والصّفرة. قال الجاحظ: وقد زعموا أن الزرافة تتولد بين الناقة من نوق الحبشة وبين بقر الوحش وبين الذّيخ- وهو ذكر الضّباع- وذلك أن الذيخ يعرض للناقة فيسفدها فتلقح بولد يجيء خلقه بين الناقة والضبع، فإن كان الولد أنثى عرض لها الثور الوحشي فيضربها فيأتي الولد زرافة، وإن كان ذكرا تعرّض للمهاة فألقحها فيأتي الولد زرافة أيضا. قال: ومنهم من يزعم أن الزّرافة الأنثى لا تلقح من الزّرافة الذكر؛ ثم قال: وهذا مشهور باليمن والحبشة. ثم إن كانت أسنانها سودا دلت على هرمها، وإن كانت بيضا دلت على حداثة سنّها. ومن أمراضها: الكلب- وهو كالجنون يعتريها كما يعتري الكلب فيقتلها- وكلّ من عضته وهي على هذه الحالة قتلته إلا ابن آدم فإنه ربما عولج فسلم. ومن أمراضها أيضا: الذّبحة والنّقرس. الصنف الثاني «معلّمات الصيد» وقد يعبر عنها بالضّواري؛ وهي كل ما يقبل التعليم من الوحوش كائنا ما كان؛ حتّى حكي عن السّودانيّ القنّاص، أنه بلغ من حذقه أنه ضرّى ذئبا حتّى اصطاد به الظّباء وما دونها، وألّفه حتّى رجع إليه من ثلاثين فرسخا، وضرّى أسدا حتّى اصطاد به حمر الوحش. ويقال: إن ابن عرس يجعل حبل في عنقه ويدخل على الثعلب فلا يخرج إلا به. وهي على ضربين: الأوّل «الفهودة» - جمع فهد بكسر الهاء «1» - وقد زعم أرسطوطاليس:

أنه يتولد من أسد ونمرة أو من نمر ولبوة. وهو من السباع التي تصاد ثم تؤنّس حتّى تصيد. وهو من الحيوان المحدّد الأسنان، وأسنانه يدخل بعضها في بعض كالكلب وغيره. قال في «التعريف» «1» : وأوّل من صاد به كسرى أنوشروان أحد ملوك الطبقة الأخيرة من الفرس. قال في «المصايد والمطارد» : ويصطادونه بضروب من الصيد: منها: الصوت الحسن، فإنه يصغي إليه إصغاء شديدا. ومنها: كدّه وإتعابه حتّى يحمى ويعيا وينبهر ويحفى، فإذا أخذ غطّيت عيناه وأدخل في وعاء، وجعل في بيت ما دام وحشيّا، ووضع عنده سراج ولازمه سائسه ليلا ونهارا ولم يدعه يرى الدنيا، ويجعل له مركبا كظهر الدابة يعوّده ركوبه ويطعمه على يده فلا يزال كذلك حتى يتأنّس، فإذا ركب مؤخّر الدابة فقد صار داجنا وصاد. وفي طباعه أمور: منها: كثرة النوم حتّى يضرب بنومه المثل فيقال: «أنوم من فهد» وكثرة الحياء حتّى إنه لا يعلم أنه عاظل أنثى بين يدي الإنس، وقد عني بمراعاته في ذلك فلم يوقف عليه، وإن كان الأسد يفعل ذلك كثيرا. ونقل ابن السندي عن بعض الفهّادة: أن سائسه إذا أمرّ يده عليه اطمأنّ إليه ومال، فإذا وضع يده على فرجه نفر وعضّ يده. ومنها: الغضب حتّى إنه إذا أرسل على صيد فلم يحصّله احتد؛ وإن لم يأخذ سائسه في تسليته قتل نفسه أو كاد. قال صاحب «المصايد والمطارد» : والمسنّ من الفهود إذا صيد كان أسرع

الثاني «الكلاب»

في الصيد من الجر والذي يربّى ويؤدّب. والأنثى أصيد من الذكر كعامّة إناث الجوارح. قال: وليس شيء من الوحش في قدر جرم الفهد إلا والفهد أفضل منه. قال في «المصايد والمطارد» : وضدّ الفهد الظباء والوعول على اختلاف أجناسها. الثاني «الكلاب» - جمع كلب ويجمع على أكلب أيضا وعلى كليب، كعبد وعبيد. والأنثى كلبة، وتجمع على كلبات بالفتح. وهو حيوان شديد الرّياضة، كثير الوفاء مشترك الطّباع بين السبع والبهيمة، لأنه لو تم له طباع السّبعية لما ألف الناس، ولو تم له طباع البهيمية لما أكل اللحم. ويقال: إنه يحتلم وأنثاه تحيض؛ وتحمل أنثاه ستين يوما، وربما حملت أقل من ذلك. ويسفد بعد سنة، وربما تقدّم على ذلك، ولها عند السّفاد اشتباك عظيم. وإذا سفد الأنثى كلبان مختلفان أتت من كل واحد بلونه. وفيه من اقتفاء الآثار وشمّ الرائحة ما ليس لغيره من الحيوان. والميتة أحبّ إليه من اللحم الغريض. ومن طبعه: إنه يحرس صاحبه شاهدا أو غائبا، ذاكرا أو غافلا، ونائما أو يقظان. وهو أيقظ حيوان في الليل؛ وإذا نام كسر أجفان عينيه ولا يطبقها لخفّة نومه. ومن عجيب شأنه أنه يكرم الرئيس من الناس فلا ينبحه وإنما ينبح أوباش الناس. ومن طبعه أن الضبع إذا مشت على ظلله في القمر رمى بنفسه بين يديها فتأكله، وإذا ظفر بكلب غريب كاد يفترسه. وقد أجاز الشارع اتخاذها للصيد ونحوه، وأباح صيدها مع نجاسة عينها. قال في «التعريف» : وأوّل من اتخذها للصيد دارا أحد ملوك الفرس. قال في «المصايد والمطارد» : وإذا كسر الكلب الأرانب فهو نهاية وإن كان يطيق فوق ذلك. والكلب يمسك لصاحبه، ولذلك لا يأكل من الصيد بخلاف سائر

الجوارح. قال: وإناثها أسرع تعلّما من الذكور، وأطول أعمارا حتّى إنها تعيش عشرين سنة. ومن خاصية الكلب: أنه إذا عاين الظّباء قريبة كانت أو بعيدة عرف منها العليل من غيره، والعنز من التيس؛ فيتبع التيس منها دون العنز وإن كان التيس أشدّ عدوا وأبعد وثبة، لأنه يعلم أن التيس إذا عدا شوطا أو شوطين غلب عليه البول ولا يستطيع إرساله في عدوه فيقلّ عند ذلك عدوه ويقصر مدى خطاه فيدركه الكلب؛ بخلاف العنز فإنها إذا اعتراها البول أرسلته لسعة مسيله؛ والكلب يعرف ذلك كلّه طبعا، وكذلك يعرف جحرة الأرانب والثّعالب، وإن ركبها الثلج والجليد يشمه فيقف عليه ويثير ما فيها من الوحش؛ وإذا صعد منه أرنب إلى أعلى جبل شاهق كان له من التلطّف في الارتقاء والصعود ما لا يلحقه غيره، بل لا يخفى عليه من الصيد الميت من المتماوت. ومن خصائص الأنثى: أنها تحمل ستين يوما ويبقى جروها بعد الولادة اثني عشر يوما أعمى؛ وأكثر ما تضع ثمانية أجراء، وربما وضعت واحدا فقط. ورأس الكلب كله عظم واحد. والكلب يطرح مقادم أسنانه ويخلفها، ولكنه لا يظهر لكثير من الناس لأنه لا يلقي منها شيئا حتّى ينبت في مكانه غيره. والفرق بين الذكر والأنثى أن الذكر إذا أدرك يرفع رجله عند البول والأنثى تبول مقعية وربما رفعت رجلها؛ والذكر يهيج للسّفاد في السنة قبل الأنثى؛ وأسنان الذكر أكثر، ومضغه أشدّ. قال الجاحظ: وخير الكلاب ما كان لونه يذهب إلى لون الأسد بين الصفرة والحمرة، ثم البيض إذا كانت عيونها سوداء. وذكر صاحب «المصايد والمطارد» : أن الأبيض أفره، والأسود أصبر على الحر والبرد. ومن علامة النجابة والفراهة فيه: أن يكون تحت حنكه طاقة شعر مفردة غليظة، وأن يكون شعر حدّيه جافيا. ومن علامة الفراهة: طول ما بين يديه

ورجليه، وقصر ظهره، وصغر رأسه، وطول عنقه، وغضف «1» أذنيه، وبعد ما بينهما، وزرقة عينيه، وضخامة مقلتيه، ونتوء حدقته، وطول خطمه وذقنه، وسعة شدقه، ونتوّ جبهته وعرضها. ويستحب فيه: أن يكون قصير اليدين، طويل الرجلين، طويل الصدر غليظه، قريبه من الأرض، ناتيء الزور، غليظ العضدين، مستقيم اليدين، منضمّ الأظافير، عريض ما بين مفاصل الأعطاف، عريض ما بين عظمي أصل الفخذين مع طولهما وشدّة لحمهما، دقيق الوسط، مستقيم الرجلين، قصير الساقين، غير محنيّ الركبتين، قصير الذنب إن كان ذكرا مع دقة وصلابة. وإن الكلبة إذا ولدت واحدا كان أفره من أبويه، وإن ولدت اثنين كان الذكر منهما أفره من الأنثى، وإن ولدت ثلاثة فيها أنثى في شبه الأم كانت أفره من الثلاثة، وإن كان في الثلاثة ذكر واحد كان أفرهها؛ وإذا ألقيت الجراء وهي صغار في مكان نديّ فأيها مشى على أربع فهو أفره. ومن أعظم أدوائها: الكلب- بفتح اللام- وهو داء كالجنون يعتري الكلب يؤثّر فيمن عضه أنه يخرج من ذكره جراء صغار. ومن عجيب ما يحكى في ذلك: أن رجلا عضّه كلب كلب فتلقاه بكمه فأصابته أسنانه ولعابه، فشمّر كمّه ساعة ثم نشره فتساقط منه جراء صغار. ثم كلاب الصيد على ضربين: سلوقيّة (بفتح السين) وزغاريّة (بضم الزاي) . فأمّا «السّلوقية» فمنسوبة إلى سلوق: بلدة من اليمن، كما قاله صاحب «المصايد والمطارد» والمؤيد «2» صاحب حماه في تقويم البلدان، والمقرّ

الصنف الثالث ما يعتنى بصيده من الوحش، والمشهور منه عشرون ضربا

الشهابي ابن فضل الله في «التعريف» . قال في «التعريف» : وهي مولدة بين الثعالب والكلاب، ولذلك لا تقبل التعليم إلا في البطن الثالث منها؛ قال: ولها سلاح جيد. قال في «المصايد والمطارد» : ولها أنساب كأنساب الخيل، قال: وقلّ أن يعرض لها مرض الكلب. وأمّا «الزّغاريّة» فهي ألطف قدّا من السّلوقية؛ ولم أدر إلى ماذا تنسب. الصنف الثالث ما يعتنى بصيده من الوحش، والمشهور منه عشرون ضربا الأوّل «الحمارة العتابية» - وهي حيوان في صورة البرذون موشّى الجلد بالبياض والسّواد يروق الناظر حسنها. وقد كان أهدي للظاهر برقوق- سقى الله عهده- حمارة من هذا النوع، فأقامت مدّة، ثم أعطاها فقيرا من فقراء العجم فكان يركبها كما تركب الخيل والحمير ويمشي بها في القاهرة، ثم عوّضه الناصر بن الظاهر سلطان العصر عنها عوضا، واعتادها منه، وأرسلها في هديّة لابن عثمان صاحب بلاد الروم غربيّ الخليج القسطنطيني. الثاني «البقر الوحشية» - وتعرف بالمها؛ وهي دون البقر الأهلية في المقدار، ولها قرنان في رأسها، في كل قرن منهما شعب؛ وهي من جليل الصيد؛ ويقال للفتيّ منها: المها؛ وبها يضرب المثل في حسن العيون وسوادها. ومن طبعه: الشّبق وشدّة الشهوة، ولذلك إذا حملت أنثاه هربت منه خوفا من تعبّثه بها وهي حامل؛ وربما ركب الذكر الذكر لشدّة شبقه. قال صاحب «المصايد والمطارد» : وكل إناث الحيوان أرق صوتا من الذكور إلا البقر الوحشية فإن الأنثى أفخم صوتا وأظهر من الذكر. ومواضعها من البرّيّة: الوهدات، وما استوى من الأرض ودنا من الماء والعشب، وليست مما يسكن الجبل؛ ولذلك عيب في ذلك محمد بن عبد الملك الزيّات كاتب المعتصم ووزيره حيث وصف ثورا من ثيرانها برعيه في الجبل.

الثالث «الحمر الوحشية» -

وهي مما يصاد بالطّرد على الخيل. ويقال: إن أوّل من طردها على الخيل ربيعة بن نزار بن معدّ بن عدنان، فإنه أوّل من ركب الخيل على قول؛ ولما ركبها رأى بقرة وحشية فطردها فلجأت إلى مكان يمكنه أخذها منه، فرقّ لها وتركها. ويقال: إن من الكلاب ما يتسلط عليها ويتعلّق بها؛ وأقدر معين له عليها من جوارح الطير العقاب. قال ابن السنديّ: ودمها أسرع إلى الجمود من دم سائر الحيوان. الثالث «الحمر الوحشية» - ويقال للأنثى من حمر الوحش: أتان، وللذكر: حمار وعير، كما يقال في الحمر الإنسية؛ وربما قيل: الفراء؛ وهو من أشدّ الصيد عدوا، ولذلك يضرب به المثل فيقال: «كلّ الصّيد في جنب الفرا» أوفي جوف الفرا. وبه تشبّه العرب خيلها وإبلها في السّرعة. ويقال: إن الحمار الوحشيّ لا ينزو إلا إذا كان له من العمر ثلاثون شهرا؛ وإن الأنثى لا تلقح منه حتّى يتم له ثلاث سنين، وقيل سنتان وستة أشهر. ويوصف بشدّة الغيرة على أتنه حتّى يقال: إن فيها ما إذا ولد له ولد ذكر كدم «1» قضيبه وخصيبه «2» حتى يقطعهما. قال في «المصايد والمطارد» : وليس يتعلّق به شيء من الضّواري ولا الجوارح إلا العقاب؛ ولا شيء أبلغ في صيده من الرمي بالنّشاب. الرابع «الغزلان» - ويقال لها الظّباء (بكسر الظاء) واحدها ظبي. ثم الظّباء على ثلاثة أضرب: أحدها: البيض- ويقال لها: الآرام جمع رئم، ومساكنها الرمل، ويقال: هي ضأن الظّباء. وثانيها: الأدم- وهي ظباء سمر الظّهور، بيض البطون، طويلة الأعناق والقوائم، وهي أسرعها عدوا؛ ومساكنها الجبال والشّعاب.

وثالثها: العفر -

وثالثها: العفر- وهو صنف يعلوه مع البياض حمرة؛ قصار الأعناق؛ ومسكنها صلاب الأرض. ويصيد جميعها الفهد والكلب والعقاب؛ وتصاد أيضا بالحبالة والشّرك، وربما صيدت بإيقاد النار بإزائها، لأن الظبي إذا رأى النار في الليل تأمّلها وأدمن النظر إليها وغشي بصره وذهل؛ وقد يضاف إلى النار تحريك جرس ونحوه فيزداد ذهوله فيؤخذ؛ وتصاد بأمور أخرى غير ذلك. الخامس «الأياييل» - جمع أيّل (بضم الهمزة وتشديد الياء المثناة تحت ولام في الآخر) . وهو حيوان قريب الشّبه من الظباء، له قرنان في رأسه كالظبي. قال في «المصايد والمطارد» : وهو معتصم بالجبل قلّما يحلّ السهل؛ وقرونه مصمتة لا تجويف فيها، ويخلفها في كل عام غيرها، ويبتديء في ذلك بعد مضيّ سنتين من ولادته؛ وله أربع أسنان في كل ناحية من ناحيتي فيه، وذكره عصب لا لحم فيه ولا غضروف ولا عظم؛ ودم كل حيوان يجمد إلا دمه؛ وليس للأنثى منها قرون البتّة؛ وأصوات ذكورها أحمد من أصوات إناثها؛ وهو يرتاح لسماع الغناء. وإذا مر بشجرة الزيتون ذلّ لها؛ ويأكل الحيات ولا يضرّه سمها. وسيأتي في الكلام على الأحجار أن البادزهر الحيواني من صنف منه. ومن خواصه: أنه إذا بخر بقرنه مع كبريت أحمر هربت الحيّات. السادس «الأرانب» - جمع أرنب، والأرنب مؤنّثة «1» ؛ وهي حيوان صغيرة الجثّة قصيرة اليدين قريب من لون الثعلب؛ وليس شيء مما يوصف بقصر اليدين أسرع منها. ومن خصائصها: كثرة الشّعر حتّى إنه لينبت في بطون شدقيها وتحت رجليها. وقضيب ذكر الأرنب من عظم؛ وربما ركبت الأنثى الذكر في السّفاد. ولا

السابع «الذئاب» -

ينام الأرنب إلا مفتوح العين. ومن طبعها أنها تطأ الأرض بباطن كفها لتعفّي أثرها، إلا أن الكلب الماهر يدرك أثر قوائمها. ومن شأنها: ألّا تأوي إلى ساحل البحر، وإذا طردت لجأت إلى الجبال واشتدّ عدوها فيها؛ والأنثى لا تسمن؛ وهي عند العرب مما يحيض؛ وتسفد وهي حبلى؛ وتلد الأوّل والثاني على ما في بطنها. السابع «الذّئاب» - جمع ذئب؛ وهو حيوان في صورة الكلب في لونه بلق «1» ؛ بكمودة «2» ؛ والذئبة أجرأ من الذئب وأشدّ عدوا؛ وأسنانه عظم مخلوق في فكيه ليست مغروسة فيهما كسائر الحيوان. قال ابن السندي: وأخبرني أبو بكر الدقيشي أن هذه الخلقة في أسنان الضبع أيضا. والذئب صاحب خلوة وانفراد، ومتى رأى الإنسان قبل أن يراه أخفى صوته؛ وإن رآه جزع منه اجترأ عليه وساوره. وإذا تسافد هو وأنثاه التحما التحاما شديدا حتّى يقال: إنه إذا هجم عليهما داخل في هذه الحالة قتلهما كيف شاء، ولذلك يبعدان في هذه الحال إلى مكان لا يريان فيه. وإذا تهارش ذئبان فأدمى أحدهما الآخر عدا الذي أدمى على المدمى فقتله خوفا من أخذ الثأر؛ وإذا عجز الذئب عن الدفع عوى فاجتمع إليه الذئاب نصرة له؛ وإذا لقي الفارس والأرض مثلوجة خمش الثلج بيديه ورمى به في وجه الفارس ليدهشه ثم يعقر دابته فيتمكّن منه؛ ومتى وطيء الفرس أثر الذئب رعد وخرج الدّخان من جسده كله، ولذلك قلّ من يطرد من الفرسان ولا يتفطّن لوطء أثره. ويصاد بالكلاب وغيرها؛ وقد تقدّم أن السودانيّ ضرّى ذئبا حتّى اصطاد له الظباء. الثامن «الثعالب - جمع ثعلب؛ وهو حيوان معروف، موصوف بكثرة الرّوغان في عدوه وبالحيل حتّى إنه يتماوت عند رؤية الغراب فينزل عليه الغراب

التاسع «الضباع»

على ظنّ موته ليأكل منه فيقبضه هو. ومن خبثه وحيلته يختلط بكبار الوحوش وجلّتها. قال في «المصايد والمطارد» : ومن فضائله تشبيههم مشية الخيل بمشيته التي يقال لها: الثعلبية. ومن عجائبه: أن قضيبه في خلقة الأنبوبة، أوسطه عظم في صورة الثقب والباقي عصب ولحم. وهو كريم الوبر؛ والأسود من وبره في الغاية القصوى، والأبيض منه لا يكاد يفرق بينه وبين الفنك «1» . ومن خصائصه: أنه يتمرّغ في الزرع فلا ينبت موضعه؛ وربما سفد الكلبة فولدت كلبا في خلقة السّلوقيّ الذي لا يقدر على مثله؛ وقد تقدّم ذكر ذلك في الكلام على الكلاب السّلوقية. ومواضعه الكروم والآجام. ويصيده الفهد والكلب وجوارح الطير. التاسع «الضّباع» - جمع ضبع- ويقال لها: أمّ عامر؛ وهي مما يؤكل وإن كانت من ذوات الناب لورود النص بذلك. وتزعم العرب أنها تكون سنة ذكرا وسنة أنثى. ومن خصائصها: أنها إذا رأت الكلب في ليلة مقمرة على سطح ووطئت ظلّه وقع فأكلته. وإذا اقتحم عليها مقتحم وجارها وقد سدّ جميع منافذ جحرها حتّى يمتنع منه الضوء فلا يبقى فيه خرم إبرة؛ ربطها بحبل وخرج بها؛ وإن بقي ما يدخل منه الضوء، ولو قدر سمّ إبرة وثبت عليه فأكلته، ومن كان معه شيء من الحنظل لم تقربه الضبع. العاشر «سنّور البر» - وهو التفا «2» . وفي حلّه عند الشافعية وجهان،

الحادي عشر «الدب» -

أصحهما التحريم. وصيده يحتاج إلى علاج كبير؛ وربما وثب على وجوه الناس؛ وطرده بالخيل من أعسر الطراد؛ وأولى ما يصاد به الرمي. ومنهم من يعدّه في السباع. قال في «المصايد والمطارد» : وقلّما انتفع به في صيد، إلا أنه يثب على الكركي «1» وما في مقداره من الطيور فيصيده. أما السّنّور الأهليّ، وهو الهر المعروف، فغير مأكول ولا يصيد إلا الفأر وما في معناه من خشاش «2» الأرض؛ ولذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم في الهرّة: «ولكنها من الطّوّافين عليكم» بمعنى تطوف على النائم في بيته فتقبض ما لعله يسرح عليه من الخشاش. الحادي عشر «الدّبّ» - وهو حيوان قريب في الصورة من السبع؛ وهو يسكن الجبال والمغاير «3» ؛ والأنثى ترفع ولدها أياما هربا به من الذرّ والنمل لأنها تضعه كقطعة لحم، فلا تزال تنقله وتراعيه حتّى تشتدّ أعضاؤه، وتجعله تحت شجرة الجوز وتصعدها فتجمع الجوز في كفها ثم تضرب اليمنى على اليسرى وترمي إليه؛ فإذا شبع نزلت؛ وربما قطعت من الشجرة العود الذي يعجز الناس عنه وتقبض عليه في موضع مقبض العصا وتشدّ به على الفارس وغيره فلا تصيب به شيئا إلا أهلكته. ومن خصيصته: أنه يستتر في الشتاء فلا يظهر إلا في الصيف بخلاف سائر الحيوان. الثاني عشر «الخنزير» - وهو حرام بنص القرآن، نجس في مذهب الشافعي رضي الله عنه قياسا على الكلب، بل قالوا: إنه أسوأ حالا منه لعدم حلّ اقتنائه، إلا أنه مباح القتل فيكون في معنى الصيد. وهو حيوان في نحو مقدار

الثالث عشر «السمور» -

الحمار وشعره كالإبر؛ وله نابان بارزان من فكّه الأسفل. ومن خاصّته: أنه لا يلقي شيئا من أسنانه، بخلاف سائر الحيوان فإنها تلقي أسنانها خلا الأضراس. وهو كثير السّفاد كثير النّسل، حتّى إنه ربما بلغت عدّة خنانيصه «1» ، وهي أولاده، اثني عشر «2» خنّوصا. قال في «المصايد والمطارد» : وهو من الحيوان البريّ الجاهل الذي لا يقبل التأديب والتعليم، ويقبل السّمن سريعا؛ ويقال إنه إذا جعل بين الخيل سمنت. الثالث عشر «السّمّور» «3» - بفتح السين وبالميم المشدّدة المضمومة على وزن السّفّود والكلّوب؛ وهو حيوان برّي يشبه السّنّور، وقد يكون أكبر منه. قال عبد اللطيف البغدادي «4» : وهو حيوان جريء ليس في الحيوان أجرأ منه على الإنسان، لا يصاد إلا بالحيل. ووقع للنووي «5» في «تهذيب الأسماء واللغات» : أن السّمّور طير؛ ولعله سبق قلم منه. وأغرب ابن هشام البستي «6» في «شرح الفصيح» «7» فقال: إنه ضرب من الجن. والتحقيق أنه من جملة الوحوش كما تقدّم. وحكمه حلّ أكله. ومنه يتخذ نفيس الفراء التي لا يلبسها إلا الملوك وأكابر الأعيان ممن يداني الملوك لحسنها ودفائها؛ وأحسنه ما كان منه شديد النّعومة مائلا إلى السواد.

الرابع عشر «الفنك»

الرابع عشر «الفنك» - بفتح الفاء والنون- وهو دويبّة لطيفة لها وبر حسن أبيض يخالطه بعض حمرة يتّخذ من جلوده الفراء. قال ابن البيطار «1» : وفروه أطيب من جميع الفراء؛ ومزاجه أبرد من السّمّور وأحر من السّنجاب، ويصلح للأبدان المعتدلة؛ قال: وكثيرا ما يجلب من بلاد الصّقالبة «2» . الخامس عشر «القاقم» «3» - بقافين الثانية منهما مضمومة- وهو دويبّة في قدر الفأر لها شعر أبيض ناعم؛ ومنه يتّخذ الفراء. وهو أبرد مزاجا وأرطب من السّنجاب؛ ولذلك كان لونه البياض؛ وهو أعز قيمة من السنجاب. السادس عشر «الدّلق» «4» - بفتح الدال المهملة واللام وقاف في الآخر- فارسيّ معرّب؛ وهو دويبّة تقرب من السّمّور. قال عبد اللطيف البغداديّ: وهو يفترس في بعض الأحايين ويكرع في الدم. وذكر ابن فارس «5» : أنه النّمس. وقد ذكر الرافعيّ «6» أنّه يسمّى: ابن مقرض، والمعروف أن الدّلق حيوان تتخذ منه الفراء. السابع عشر «السّنجاب» - وهو حيوان أكبر من الفأر ووبره في غاية

الثامن عشر «سنور الزباد» -

النّعومة وجلده في نهاية القوة. وحكمه الحلّ؛ وقال بتحريمه بعض الحنابلة. ويتخذ من جلده الفراء النّفيسة التي يلبسها أعيان الناس ورؤساؤهم. ومن شأنه: أنه إذا أبصر الإنسان صعد الشجر العالي، وفيها يأوي، ومنها يأكل. وهو كثير ببلاد الفرنج والصقالبة، وأحسن ألوانه الأزرق؛ ثم إنه يقال إنه ربما تبقى زرقته «1» لأنه يخنق ولا يذكّى، فإن صح ذلك فهو ميتة لا يطهر شعره بالدباغ على أظهر القولين من مذهب الشافعي رضي الله عنه خلافا للأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني «2» وابن أبي عصرون «3» فإنهما يريان طهارة الشعر بالدباغ وهو رواية الربيع الجيزي «4» عن الشافعي واختاره الشيخ تقيّ الدين السبكي «5» رحمه الله. الثامن عشر «سنّور الزّباد» «6» - وهو في صورة السّنّور الأهليّ إلا أنه أطول ذنبا منه وأكبر جثّة؛ ولونه إلى السواد أميل، وربما كان أنمر، وهو يجلب من بلاد الهند والسند؛ والزّباد فيه شبيه بالوسخ الأسود اللزج، ذفر الرائحة، يخالطه طيب كطيب المسك، ويوجد في باطن إبطه، وباطن أفخاذه، وباطن ذنبه، وحول دبره؛ فيؤخذ من هذه الأماكن بملعقة ونحوها. التاسع عشر «السّنّور الأهلي» - وهو الهرّ- ويقال في أصل خلقه: إن

العشرون «النمس» -

أهل السفينة شكوا إلى نوح عليه السلام ضرر الفأر فمسح على وجه الأسد بيده فعطس فخرج السّنّور من أنفه، ولذلك هو يشبهه في التكوين وكيفية الأعضاء. وفيه مشاركة للإنسان في خصال: منها: أنه يعطس، ويتثاءب، ويتناول الشيء بيده، ويأكل اللحم، ويمسح وجهه بلعابه كأنه يغسله؛ وإذا اتسخ شيء من بدنه نظّفه، وإذا قضى حاجته خبأ ما يخرج منه، ويشمّه حتّى تخفى رائحته. ويقال: إنه يفعل ذلك كيلا يشمّه الفأر فيهرب، وهو يهيج للسّفاد في آخر الشتاء، ويكثر الصياح حينئذ، وتحمل الأنثى منه مرة في السنة، وتقيم حاملا خمسين يوما؛ وإذا ألف منزلا منع غيره من السنانير من الدخول إليه، وإذا طرده أهل البيت تملّق لهم وترقق، وإذا اختطف شيئا هرب به خوف المعاقبة عليه. والهرّة إذا جاعت أكلت أولادها، ويقال: إنها تفعل ذلك من شدّة الحنوّ. وقد ذكر القزويني «1» : أن نوعا من السنانير له أجنحة كأجنحة الخفافيش متصلة من أذنها إلى ذنبها. العشرون «النّمس» - قال الجوهري «2» : وهو دويبّة عريضة كأنها قطعة قديد، تكون بأرض مصر تقتل الثّعبان، والنّمس بمصر معروف، وهو حيوان قصير اليدين والرجلين أغبر اللون، طويل الذّنب، يصيد الدّجاج، وإذا رأى ثعبانا قبض عليه وقتله؛ وربما صيد وأنّس فتأنّس. فإذا علم الكاتب صفات الوحوش، وخصائصها، عرف كيف يورد الجليل منها من الأسد والفيل ونحوها موارده في الوصف، وكيف يصف ضواري الصيد

النوع الرابع فيما يحتاج إلى وصفه من الطيور

كالفهد وكيف يصف وحوش الصيد كالظّباء، وبقر الوحش، وحمر الوحش وغيرها؛ وكذلك ما يقع من التشبيهات بشيء من الحيوان كما قال بعض الشعراء: وتجتنب الأسود ورود ماء ... إذا كان الكلاب يلغن فيه وكما أنشد الجاحظ: جاءت مع الأفشين «1» في هودج ... تزجي إلى البصرة أجنادها كأنّها في فعلها هرّة ... تريد أن تأكل أولادها مشيرا بذلك إلى ما تقدّم من أكل الهرّة أولادها، وغير ذلك مما يجري هذا المجرى، وسيأتي ذكر ما في معنى ذلك من الرسائل المتعلقة بأوصاف الحيوان في المقالة العاشرة المعدّة لذلك إن شاء الله تعالى. النوع الرابع فيما يحتاج إلى وصفه من الطيور ويحتاج الكاتب إلى ذلك في رسائل الصيد، وإهداء الجوارح، والجواب عن إهدائها، وكتابة قدم البندق «2» ، وما يجري مجرى ذلك؛ وهو على أربعة أصناف: الصنف الأوّل «الجوارح» وهي يصاد بها الطير والوحش؛ ويحتاج الكاتب إلى وصفها في الرسائل الصيديّة وفي إهداء شيء من الجوارح أو الجواب عنها.

القسم الأول «العقاب» ؛ وهو ضربان

واعلم أن الصائد الكبير الجثّة المعتبر في الصيد في جميع أجناس الجوارح هي الإناث؛ أما ذكورها فإنها ألطف في المقدار وأضعف في الصيد على ما يأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى. قال في «التعريف» : ويستحب في الجوارح كبر هامتها، ونتوّ صدرها، واتساع حماليقها «1» ، وقوّة إبصارها، وحدّة مناسرها، وصفاء ألوانها، ونعومة رياشها، وقوّة قوادمها، وتكاثف خوافيها، وثقل محملها، وخفّة وثباتها، واشتدادها في الطلب، ونهمها في الأكل؛ وقد قسمها في «التعريف» إلى قسمين: صقور وبزاة، وفرّق بينهما بأن الصّقر ما كان أسود العين، والبازي ما كان أصفر العين على اختلاف المسمّيات، ثم قال: أما العقاب فإنّه لا يعدّ في الصّقور ولا في البزاة وهو معدود في الجوارح، وفي الطير الجليل. وبالجملة فالجوارح على ثلاثة أقسام: القسم الأوّل «العقاب» ؛ وهو ضربان الضرب الأوّل- المخصوص باسم العقاب وهي مؤنّثة لا تذكّر، وتجمع على عقبان وأعقب. قال في «المصايد والمطارد» : وهي من أعظم الجوارح، وليس بعد النّسر في الطير أعظم منها، وأصل لونها السواد. فمنها: سوداء دجوجيّة، وخداريّة «2» ؛ وهي التي لا بياض فيها. ومنها: البقعاء؛ وهي التي يخالط سوادها بياض.

ومنها: الشّقراء؛ وهي التي في رأسها نقط بياض. قال أبو عبيدة «1» ويونس «2» : ويقال لذكر العقاب الغرن- بفتح الغين والراء المهملة- ويقال: إن ذكور العقبان من طير آخر لطاف الجرم لا تساوي شيئا، تعلب بها الصّبيان. والعقاب من أسرع الطير طيرانا؛ فقد حكي أن عقابا حملت كفّ عبد الرحمن بن عتّاب بن أسيد المسمّى بيعسوب قريش المقتول يوم الجمل بالكوفة؛ فألقتها بمكة فأخذت فوجد بها حلقة فعرف أنها كفه؛ وأرّخ ذلك الوقت فتبيّن أنها ألقتها يوم الجمل الذي قتل فيه. وأوّل من صادها أهل المغرب؛ فلما نظرت الرّوم إلى شدّة أمرها وإفراط سلاحها قال حكماؤهم: هذا لا يفي خيره بشرّه. وصفة الوثيق النجيب منها: وثاقة الخلق، وثبوت الأركان، وحمرة اللون، وغؤور العين بالحماليق؛ وأن تكون صقعاء «3» ، عجزاء «4» لا سيما ما كان منها من أرض سرت «5» أو جبال المغرب. وهي تصيد الظّباء والثّعالب والأرانب، وقد تصيد حمر الوحش؛ وطريق صيدها إيّاها أنها إذا نظرت حمار الوحش رمت بنفسها في الماء حتّى يبتلّ جناحاها ثم تخرج فتقع على التراب فتحمل منه ومن الرمل ما يعلق بهما، ثم تطير طيرانا ثقيلا حتّى تقع على هامته فتصفّق على عينيه بجناحيها فيمتلئان ترابا من ذلك التراب الذي علق بجناحيها، فلا تستطيع المسير بعد ذلك فيدركها القانص فيأخذها، وربما كسرت الآدميّ.

الضرب الثاني - «الزمج» -

ومما يحكى في ذلك: أن قيصر ملك الرّوم أهدى إلى كسرى ملك الفرس عقابا، وكتب إليه: إنها تعمل أكثر من عمل الصّقور؛ فأمر بها كسرى فأرسلت على ظبي فاقتنصته، فأعجبه ما رأى منها فانصرف وجوّعها ليصيد بها فوثبت على صبيّ له فقتله؛ فقال كسرى: إن قيصر قد جعل بيننا وبينه دما ثائرا بغير جيش، ثم إن كسرى أهدى إلى قيصر نمرا وكتب إليه: أن قد بعثت إليك فهدا يقتل الظباء وأمثالها من الوحش، وكتم ما صنعت العقاب، فأعجب قيصر حسن النمر ووافق صفته ما وصف من الفهد، وغفل عنه فافترس بعض فتيانه فقال: صادنا كسرى. ومن شأنها: أنها لا تطلب شيئا من الوحش الذي تصيده؛ وهي لا تقرب إنسانا أبدا خوفا من أن يطلب صيدها، ولا تزال مرقبة «1» على مرقب عال؛ فإذا رأت بعض سباع الطير قد صاد شيئا انقضّت عليه، فإذا أبصرها هرب وترك الصيد لها؛ فإن جاعت لم يمتنع عليها الذئب في صيدها، وربما اغتالت البزاة فقتلتها. ومن خصائصها: أنها أشدّ إخفاء لفراخها من سائر الطير. قال غطريف بن قدامة الغساني صاحب صيد هشام بن عبد الملك: وأوّل من لعب بالعقاب أهل المغرب؛ فلما عرفوا أسرارها نفّذوها إلى ملك الروم فاستدعى جميع حكمائه فقال لهم: انظروا في قوّة هذا الطير وعظم سلاحه، كيف تجب تربيته، وتعرّفوا أسراره في صيده وتعليمه، وكيف ينبغي أن يكون؟ فأجابوا جميعا: بأن هذا الطائر دون سائر أجناسه كالأسد في سائر الوحوش، وكما أن الأسد ملك كذلك هذا ملك بين سائر سباع الطير. وعند العداوة والغضب كلّ الأجناس عنده من سائر الحيوان على اختلاف أنواعه واحد لقوّة غضبه وشدّة بأسه، فهو لا يستعظم الآدميّ ولا غيره من الحيوان. الضرب الثاني- «الزّمّج» - بضم الزاي وفتح الميم المشدّدة ثم جيم- والعامّة تبدل الزاي جيما والجيم زايا، وهو طائر معروف تصيد به الملوك الوحش،

القسم الثاني من الجوارح «البزاة» وهي ما اصفرت عينه، وهي على خمسة أضرب:

وأهل البيزرة «1» يعدّونه من خفاف الطير الجوارح، إلا أنهم يصفونه بالغدر وقلّة الإلف لكثافة طبعه وكونه لا يقبل التعليم إلا بعد بطء. ومن عادته أنه يصيد على وجه الأرض؛ وأحسن صفاته أن يكون أحمر اللون. وقال الليث «2» : الزّمّج طائر دون العقاب حمرته غالبة، والعجم تسميه دوبرا دران، ومعناه أنه إن عجز عن الصيد أعانه عليه أخوه. القسم الثاني من الجوارح «البزاة» وهي ما اصفرّت عينه، وهي على خمسة أضرب: الأوّل «البازي» - المختص في زماننا باسم البازي؛ وفي ضبطه ثلاث لغات أفصحها بازي بكسر الزاي وتخفيف الياء في الآخر، والثاني باز بغير ياء في آخره، والثالث بازيّ باثبات الياء وتشديدها حكاها ابن سيده «3» ؛ ويقال في التثنية: بازيان، وفي الجمع: بواز وبزاة، ولفظه مشتق من البزوان، وهو الوثب. وهو خفيف الجناح، سريع الطّيران، وهو من أشرف الطّيور الجوارح وأحرصها على طلب صيده. ففي أخبار نصر بن سيّار «4» أن بعض كبراء الدّهاقين «5» غدا عليه

بطبرستان «1» ومعه منديل فيه شي ملفّف، فكشف عنه بين يديه فإذا فيه شلوباز «2» ودرّاجة، فأطلقه عليها فأحسّت به- وكنت قد أمرت بإحراق قصب قد أفسد أرضا لي- فتحاملت الدّرّاجة حتّى اقتحمت النّار هاربة من البازي، واشتدّ طلبه لها وحرصه عليها فلم تردّه النار عنها واقتحمها في أثرها، فأسرعت فيهما، فأدركهما وقد احترقا، فأحضرهما إلى الأمير ليراهما فيرى بهما ثمرة إفراط الحرص وإفراط الجبن، وهو من أشدّ الحيوان كبرا وأضيقها خلقا. قال القزوينيّ: ولا يكون إلا أنثى، وذكرها نوع آخر من حدأة «3» أو شاهين «4» أو غيرهما؛ ولذلك تختلف أشكالها. والبازي قليل الصبر على العطش، ومأواه مساقط الشجر. ومن فضيلته: أن الصيد فيه طبيعة لأنه يؤخذ من وكره فرخا من غير أن يكون يصيد مع أبويه، فيصيد ابتداء وقريحة من غير تضرية، بخلاف الصقر فإنه إذا أخذ قبل أن يتصيد مع أبويه لم ينجب ولم يصد، وإذا كان قد لحق أبويه وصاد معهما ثم عوّد أكثر مما يوجد عنده في تلك الحال وجرّيء على ما هو أكبر من الظباء اعتاد ذلك ومهر فيه. قال صاحب «المصايد والمطارد» : وعدد ريش جناح البازي عشرون ريشة: أربع قوادم، وأربع مناكب، وأربع أباهر، وأربع كلّى، وأربع خواف، ويقال: سبع قوادم وسبع خواف، وسائره لغب «5» . والخوافي أخفّ من القوادم.

والمستحب من صفاته: صغر المنسر، والرأس، وغلظ العنق، وسعة اللحيين، ودائرتي الأذنين والشّدقين، وسعة الحدقة، وطول القوادم، وقصر الخوافي والذّنب، وشدّة اللحم، وعرض ما بين المنكبين والزّور، وسعة الحوصلاء، وسعة ما ينتقل إليه طعمه، وعرض المخالب، ورزانة المحمل، وغلظ خطوط الصدر، وذكاء القلب، والتشمير، وكثرة الأكل، وتتابع النّهش، وسرعة الاستمراء، وشدّة الانتفاض، وضخامة السّلاح، وبعد الذّرق «1» . وأن تراه كأنه مقعيا إذا استقبلته على يد حامله، تشبيها بالغراب الأبقع. قال صاحب «المصايد والمطارد» : والمختار من ألوانها الأحمر الأكثر سوادا، الغليظ خطوط الصدر، والأشهب الشديد الشهبة، الشّبيه بالأبيض، والأصفر المدبّج الظهر، قال: وسواد لسانه أدلّ على نجابته. والبازي يصيد الكلب، والأرنب، والغزال، والكركيّ وما في معناه، والدّرّاج والحجل، وسائر الحمام، والبطّ، وسائر طيور الماء. ومن محاسن البازي: عدم الإباق «2» ، فإنه إن صاد بقي على فريسته، وإن لم يصد وقف مكانه فلا يحتاج إلى كدّ ولا تعب ولا طرد خيل. وأوّل من صاده من الملوك قسطنطين ملك الروم؛ وذلك أنه مر يوما بلحف جبل فرأى بازيا يطير ثم نزل على شجرة كثيرة الأغصان كبيرة الشوك، فأعجبته صورته، وراقه حسن لباسه؛ فأمر بأن يصاد له جملة من البزاة فصيدت له وحملت إليه فارتبطها في مجلسه، فعرض لبعضها في بعض الأيام أيم «3» فوثب عليه فقتله، فقال هذا ملك يغضبه ما يغضب الملوك فنصب له بين يديه كندرة «4» ، وكان هناك ثعلب داجن، وهو الذي يربّى في البيوت، فوثب عليه فما أفلت إلا جريحا، فقال:

الثاني «الزرق» -

هذا ملك جبّار لا يحتمل ضيما، ثم مرّ به طائر فكسره ونهش منه؛ فقال: هذا ملك نوعه لما جاع أخذ طعامه بسلطان وقدرة، فحمله على يده وصاد به. الثاني «الزّرّق» - بضم الزاي المعجمة وتشديد الراء المهملة المفتوحة وقاف في الآخر- وهو ذكر البازي. قال في «المصايد والمطارد» : وهو يصيد ما يصيد البازي من دقّ الطير ولا ينتهي إلى صيد الكركيّ. الثالث «الفقيمي» «1» - وهو باز قضيف «2» قليل الصيد ذاهل النفس. الرابع «الباشق» - بكسر الشين وفتحها- فارسي معرّب وهو طائر لطيف وصفاته المحمودة كصفات البازي المحمودة؛ وأفضلها أثقلها وزنا. قال في «المصايد والمطارد» : وهو يصيد العصافير وما قاربها. وقال في حياة الحيوان «3» : إنه يصيد أفخر ما يصيده البازي، وهو الدّرّاج والحمام والورشان «4» ، وإذا قوي على صيده لا يتركه إلا أن يتلف أحدهما. الخامس «البيدق» - وهو دون الباشق، وصيده العصافير. القسم الثالث من الجوارح «الصقور» - وهي السّود العيون من الجوارح وهي ضربان: الضرب الأول: «الشّواهين» (واحدها شاهين) وهي صنفان؛ الأوّل:

المشتهر باسم الشاهين، وقد ذكر العلماء بالجوارح: أن الشّواهين هي أسرع الجوارح كلها وأشجعها وأخفّها وأحسنها تقلبا، وإقبالا، وإدبارا، وأشدّها ضراوة على الصيد؛ إلا أنهم عابوها بالإباق وما يعتريها من شدّة الحرص، حتّى إنها ربما ضربت نفسها على الغلظ من الأرض فماتت، وهي أصلب عظاما من غيرها من سائر الجوارح؛ ويقال: إن صدرها عصب مجدول ملحم، ولذلك تجدها تضرب بصدرها ثم تعلق بكفها، وهم يحمدون منها ما قرنص «1» داجنا دون ما قرنص وحشيّا. ومن كلام بعضهم: الشاهين كاسمه- يعني كالميزان المسمّى بالشاهين- فإنها لا تحمل أيسر حال من الشبع ولا أيسر حال من الجوع؛ بل حالها معتدل كاعتدال الميزان؛ ويقال: إن الحمام يخافها أكثر مما يخاف غيرها من الصقور. ثم المختار من صفاتها فيما ذكره صاحب «المصايد والمطارد» : الأحمر اللون إذا كان عظيم الهامة، واسع العينين حادّهما، سائل السّفعتين «2» ، تامّ المنسر، طويل العنق، رحب الصدر، ممتليء الزّور، عريض الوسط، جليل الفخذين، قصير الساقين، قريب العقدة من القفا، طويل الجناحين، قصير الذّنب، سبط الكف، غليظ دائرة الخصر، قليل الريش ليّنه، تام الخوافي، ممتليء العكوة «3» ، رقيق الذّنب، إذا صلب عليه جناحيه لم يفضل عنهما شيء من ذنبه. قال صاحب «المصايد والمطارد» : وأهل الاسكندرية يزعمون أن السود منها هي المحمودة، وأن السواد هو أصل لونها وإنما انقلبت إلى لون البراري فحالت؛ قال: والحمر منها تكون في الأرياف والمواضع السّهلة؛ والشّهب في الجبال والبراري، ثم قال: ولا يصيد منها الكركيّ والحبرج إلا البحريّة.

الضرب الثاني: من الصقور ما عدا الشواهين وهي أصناف

وأوّل من صادها فيما يقال قسطنطين ملك الروم أيضا، وذلك أنه رأى شاهينا محلّقا على طير الماء يصطاده فأعجبه ما عاين من فراهته وسرعة طيرانه وحسن صيده؛ فإنه رآه يحلّق في طيرانه حتّى يلحق بعنان الجوّ ثم يعود في طرفة عين فيضرب طير الماء فيأخذه قناصا، فقال: ينبغي أن يصاد هذا الطائر ويعلّم، فإن كان قابلا للتعليم ظهر منه أعجوبة في أمر الصيد، فأمر بصيده وتعليمه، فصيد وعلم وحمله على يده. قال في «المصايد والمطارد» وإنه كان من رتبة ملوك الروم أنه إذا ركب سارت الشواهين حائمة على رأس الملك حتّى ينزل فتقع حوله إلى أن ركب بها ملك منهم، وسار وهي على رأسه، فطار طائر فانقضّ بعض تلك الشواهين عليه فاقتنصه، وأعجب الملك به فضرّاها على الصيد وصاد بها. وقال ابن عفير «1» : كانت ملوك العرب إذا ركبت في مواكبها طيّروا الشواهين فوق رؤوسهم، وكان ذلك عندهم هو الرتبة العظيمة. الثاني من الشواهين: الأنيوه، قال في «المصايد والمطارد» : وهو دون الشاهين في القوة، وله سرعة لا تزيد على صيد العصافير. الضرب الثاني: من الصقور ما عدا الشواهين وهي أصناف : الأول «السّنقر» - قال في «التعريف» : وهو أشرف الجوارح وإن كان لا ذكر له في القديم. قال: والسّناقر تجلب من البحر الشاميّ مغالى في أثمانها؛ ثم قال: وكان الواحد منها يبلغ ألف دينار، ثم نزل عن تلك الرتبة، وانحط عن تلك الهضبة. الثاني- المخصوص في زماننا باسم «الصّقر» ، ويجمع على أصقر

وصقور وصقورة، قال في «التعريف» : والعرب تسمي هذا النوع الحرّ؛ ويقال له: الأكدر، والأجدل. قال في «المصايد والمطارد» : ويقال لها: بغال الطير، لأنها أصبر على الأذى، وأحمل لغليظ الغذاء، وأحسن إلفا، وأشدّ إقداما على جلّة الطير، ومزاجه أبرد من البازي والشاهين. وبسبب ذلك يضرّى على الغزال والأرنب ولا يضرّى على الطير لأنه يفوته، وهو أهدى من البازي نفسا، وأسرع استئناسا بالناس، وأكثرها قنعا، وأبرد مزاجا، لا يشرب ماء وإن أقام دهرا؛ ونوعه يوصف بالبخر ونتن الفم، ومسكنه المغائر والكهوف وصدوع الجبال دون رؤوس الأشجار وأعالي الجبال. والعرب تحمد من الصّقور ما قرنص وحشيّا، وتذم ما قرنص داجنا، وتقول: إنه يتبلد ولا يكاد يفلح. وهي تصيد الكركيّ وما في معناه، والبطّ وسائر طير الماء. والصقور من أثبت الجوارح جنانا في الطيران، وأحرصها في اتباع الصيد، حتّى يحكى أن بعض ملوك مصر أرسل صقرا على كركيّ صبيحة يوم الجمعة بمصر، فبينما الناس يصلّون الجمعة بدمشق إذ وقع هو والكركيّ بالجامع الأمويّ بدمشق، فأخذ فوجد فيه لوح السلطان فعرف به؛ فكتب نائب الشام إلى السلطان يخبره وأرسله إليه هو وصيده. قال في «المصايد والمطارد» : ومن ألوان الصقر كونه أحمر، وأبغث «1» ، وأحوى «2» ، وأبيض، وأخرج «3» ، وهو الذي فيه نقط بيض. قال: ويستحب في الصقر أن يكون أحمر اللون، عظيم الهامة، واسع العينين، تام المنسر، طويل العنق، رحب الصّدر، ممتلىء الزّور، عريض الوسط، جليل الفخذين، قصير

الثالث «الكونج» -

الساقين، قريب القعدة من القفا، طويل الجناحين، قصير الذّنب، سبط الكف، غليظ الأصابع فيروزجها، أسود اللسان. قال: وتجمع هذه الصفات الفراهة والوثاقة والسرعة. قال أدهم بن محرز «1» : وأوّل من لعب بالصقر الحارث بن معاوية بن كندة «2» الكنديّ، خرج يوما إلى الصيد فرأى صيّادين قد نصبوا شباكا عدّة، فوقع فيها عصافير عدّة، فحين رآها صقر من الجوّ انقضّ عليها يطلبها، فأمر الحارث بنصب الشباك للصقور فنصبت لها فاصطاد منها جملة. ويقال: إن صيد الصقر غير طبيعيّ له؛ وإنما يستفيد ذلك بالتعليم، بدليل أنّ فراخ الباز إذا أخذت من العشّ وعلّمت اصطادت أجود صيد لأن صيدها طبيعيّ، بخلاف الصقر فإنه إذا أخذ من الوكر ثم كبر فإنه لا يصطاد غير طعمه فلذلك ينهى عن تربية الصقر. الثالث «الكونج» - قال في حياة الحيوان: نسبته من الصقور كنسبة الزّرّق إلى البازي إلا أنه أحرّ منه، ولذلك كان أخفّ جناحا وأقلّ بخرا. قال: ويصيد أشياء من طير الماء ويعجز عن الغزال لصغره. الرابع «الكوهيّة» - وهي موشّاة بالبياض والسواد يخالط لونها صفرة. وقال في «التعريف» : وتجلب من البحر. الخامس «السقاوة» - وهي قريبة الشكل من الصقر. السادس «اليؤيؤ» - بضم الياء المثناة تحت وهمزة بعدها وضم الثانية وهمزة بعدها أيضا. قال في «المصايد والمطارد» : وتسميه أهل مصر والشام «الجلم» ،

الصنف الثاني الطير الجليل

وبهذا سماه في «التعريف» ؛ وهو طائر صغير أسود اللون يضرب للزّرقة، وهي مع صغرها يجتمع الاثنان منها على الكركيّ فيصيدانه، وسمّوه الجلم أخذا من الجلم؛ وهو المقصّ تشبيها به لأن له سرعة كسرعة المقصّ في قطعه؛ ومزاجه بالنسبة إلى الباشق بارد رطب لأنه أصبر نفسا منه، وأثقل حركة. وهو يشرب الماء شربا ضروريا كما يشربه الباشق؛ ومزاجه بالنسبة إلى الصقر حارّ يابس ولذلك هو أشجع منه. ويقال: إن أوّل من ضرّاه على الصيد واصطاد به بهرام جور «1» - أحد ملوك الفرس- وذلك أنه رأى يؤيؤا يطارد قنبرة، ويراوغها، ويرتفع معها ثم لم يتركها حتّى صادها؛ فأمر بتأديبه والصيد به. الصنف الثاني الطير الجليل وهو المعبر عنه بطير الواجب، وبه تعتني رماة البندق ونحوها، وتفتخر بإصابته وصرعه، ويحتاج إليه في الرسائل الصيدية، وفي كتابة قدم البندق ونحوها. وهو أربعة عشر طائرا؛ وهي على ضربين: الضرب الأوّل «طيور الشتاء» - وهي التي يكثر وجدانها فيه، وهي عشرة طيور: الأوّل «الكركيّ» - وهو طائر أغبر، طويل الساقين، في قدر الإوزّة، ويجمع على كراكيّ؛ وفي طبعه خور يحمله على التحارس، حتّى إنه إذا اجتمع جماعة من الكراكيّ لا بدّ لها من حارس يحرسها بالنّوبة بينها. ومن شأن الذي يحرس منها أن يهتف بصوت خفيّ كأنه ينذر بأنه حارس، فإذا قضى نوبته، قام واحد ممن كان نائما يحرس مكانه حتّى يقضي كلّ منها نوبته من الحراسة، ولا تطير متفرقة بل صفّا واحدا، يقدمها واحد منها كالرئيس لها وهي تتبعه، يكون ذلك حينا ثم يخلفه آخر منها مقدّما حتّى يصير الذي كان مقدّما مؤخّرا؛ وفي طبعها

الثاني «الإوز» -

التناصر والتعاضد. ومن خاصتها أن أنثاها لا تقعد للسفاد بل يسفدها وهي قائمة، ويكون سفاده سريعا كالعصفور. وذكر جميع بن عمير التميمي أن الكراكيّ تبيض في السماء، ولا تقع فراخها؛ وكذبه المحدّثون في ذلك وإن كان قد روى عنه أهل السنن. قال القزويني في عجائب المخلوقات: والكركيّ لا يمشي على الأرض إلا بإحدى رجليه ويعلّق الأخرى، وإن وضعها وضعا خفيفا مخافة أن تخسف به الأرض. قال في «المصايد والمطارد» : وهو من أبعد الطير صوتا يسمع على أميال. قال: وإذا تقدّم مجيئها في الفصل استدلّ بذلك على قوّة الشتاء. ويقال: إن الكراكيّ تأتي إلى مصر من بلاد التّرك. وفي طلبه وصيده تتغالى ملوك مصر تغاليا لا يدرك حدّه، وتنفق في ذلك الأموال الجمّة التي لا نهاية لها، وكان لهم من علوّ الشأن بذلك ما لا يكون لغيرهم. وأكله حلال بلا نزاع. الثاني «الإوزّ» - بكسر الهمزة وفتح الواو- واحدته إوزّة وجمعوه على إوزّون، والمراد هنا الإوز المعروف بالتركيّ، وهو: طير في قدر الإوز البلديّ أبيض اللون. وله تبختر في مشيته كالحجل. وهو من جملة طير الماء مقطوع بحل أكله. الثالث «اللّغلغ» «1» - وهو دون الإوز في المقدار، لونه كلون الإوز الحبشي إلى السواد، أبيض الجفن، أصفر العين، ويعرف في مصر بالعراقي، ويأتي إليها في مباديء طلوع زرعها في زمن إتيان الكراكيّ إليها؛ ومن شأنها أن يتقدّمها واحد منها كالدليل لها، ثم قد تكون صفّا واحدا ممتدّا كالحبل، ودليلها في وسطها متقدّم عليها بعض التقدّم؛ وقد يصفّ خلفه صفين ممتدّين يلقيانه في زاوية حادّة حتى يصير كأنه حرف جيم بلا عراقة، متساوية الطرفين؛ ومن خاصتها

الرابع «الحبرج» -

أنها إذا كبرت حدث في بياض بطونها وصدورها نقط سود، والفرخ منها لا يعتريه ذلك. الرابع «الحبرج» - بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة وضم الراء المهملة وجيم في الآخر- وهو الحبارى. قال في «المصايد والمطارد» : ويقع على الذكر والأنثى ويجمع على حباريات؛ وذكر غيره أنّ واحده وجمعه سواء، وبعضهم يقول: إنّ الحبرج هو ذكر الحبارى. قال في «المصايد والمطارد» : وهو طائر في قدر الديك كثير الرّيش، ويقال لها: دجاجة البرّ. قال في حياة الحيوان: وهي طائر طويل العنق، رماديّ اللون، في منقاره بعض طول؛ يقال لذكر الحبارى: الخرب- بفتح الخاء المعجمة وسكون «1» الراء المهملة وباء موحدة في الآخر- ويجمع على خراب وأخراب وخربان. ومن خاصته: أنّ الجارح إذا اعتنقها أرسلت عليه ذرقا حاصلا معها- متى أحبت أرسلته- فيه حدّة تمعّط ريشه، ولذلك يقال: سلاحها سلاحها. قال في حياة الحيوان: وهي من أشدّ الطير طيرانا، وأبعدها شوطا، فإنها تصاد بالبصرة فيوجد في حواصلها الحبة الخضراء التي شجرها البطم، ومنابتها تخوم بلاد الشام، وإذا نتف ريشها وأبطأ نباته ماتت كمدا؛ قال: وهي من أكثر الطير جهدا في تحصل الرزق، ومع ذلك تموت جوعا بهذا السبب. قال في «المصايد والمطارد» : وهي مما يعاف لأنها تأكل كلّ شيء حتّى الخنافس؛ وقال في حياة الحيوان: حكمها الحلّ لأنها من الطيبات؛ واستشهد له بحديث الترمذي «2» من رواية سفينة «3» مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «أكلت مع

الخامس «التم» -

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حبارى» ويقال لولدها: اليحبور، وربما قيل له: نهار، كما يقال لولد الكروان: ليل. الخامس «التّمّ» - بفتح التاء وتشديد الميم- وهو طائر في قدر الإوز أبيض اللون، طويل العنق، أحمر المنقار، وهو أعظم طيور الواجب وأرفعها قدرا. السادس «الصوغ» - بضم الصاد «1» المهملة وغين معجمة في الآخر- وهو طائر مختلط اللون من السواد والبياض، أحمر الصدر، وأكثر ميله إلى الخضرة والأشجار. السابع «العنّاز» - بضم العين المهملة وتشديد النون وزاي معجمة في الآخر- وهو طائر أسود اللون، أبيض الصدر، أحمر الرجلين والمنقار. الثامن «العقاب» - وقد تقدّم ذكره في الكلام على الجوارح حيث هو معدود منها ومن طير الواجب؛ ومما يتعلق بهذا المكان أنها منها: الأسود، والخوخية، والسّفع «2» ، والأبيض، والأشقر؛ ومنها ما يأوي الجبال، وما يأوي الصحاري، وما يأوي الغياض، وما يأوي حول المدن. وقد تقدّم ذكر الخلاف في أن ذكرها من جنسها أو من جنس آخر في الكلام على الجوارح. وحكمها تحريم الأكل لأنها من ذوات المخلب من الطير، واختلف في قتلها هل هو مستحبّ أم لا؟ فجزم الرافعيّ والنوويّ من أصحابنا الشافعية في الحج باستحباب قتلها. وجزم النوويّ في شرح المهذب بأنها من القسم الذي لا يستحب قتله ولا يكره، وهو ما يجتمع فيه نفع ومضرة؛ وبه جزم

التاسع «النسر»

القاضي أبو الطيب «1» رحمه الله. التاسع «النسر» - بفتح النون- ويجمع في القلة على أنسر؛ وفي الكثرة على نسور، وسمّي نسرا لأنه ينسر «2» الشيء ويبتلعه. والنّسر ذو منسر وليس بذي مخلب وإنما له أظفار حداد المخالب، وهو يسفد كما يسفد الديك. وزعم قوم أن الأنثى منه تبيض من نظر الذكر إليها وهي لا تحضن بيضها، وإنما تبيض في الأماكن العالية الظاهرة للشمس فيقوم حرّ الشمس للبيض مقام الحضن. والنسر حادّ البصريرى الجيفة من أربعمائة فرسخ، وكذلك حاسّة شمه في الغاية؛ ويقال: إنه إذا شم الرائحة الطيبة مات لوقته؛ وهو أشدّ الطير طيرانا وأقواها جناحا حتّى يقال: إنه يطير ما بين المشرق والمغرب في يوم واحد؛ وإذا وقع على جيفة وعليها عقبان تأخرت ولم تأكل ما دام يأكل منها، وكل الجوارح تخافه، وهو في غاية الشّره والنّهم في الأكل، إذا وقع على جيفة وامتلأ منها لم يستطع الطيران حتّى يثب وثبات يرفع بها نفسه طبقة في الهواء حتى يدخل تحت الريح؛ وربما صاده الضعيف من الناس في هذه الحالة. والأنثى منه تخاف على بيضها وفراخها الخفّاش فتفرش في أوكارها ورق الدّلب لتنفر منه الخفّاش؛ وهو من أشدّ الطير حزنا على فراق إلفه، حتى إذا فارق أحدهما الآخر مات حزنا. وهو من أطول الطير أعمارا حتّى يقال: إنه يعمّر ألف سنة وحكمه تحريم أكله لأنه يأكل الجيف. العاشر «الأنيسة» - قال في حياة الحيوان: بذلك تسميه الرّماة وإنما اسمه الأنيس.

الضرب الثاني: «طيور الصيف»

قال: وهو طائر حادّ البصر، يشبه صوته صوت الجمل، ومأواه قرب الأنهار والأماكن الكثيرة المياه الملتفة الأشجار؛ وله لون حسن، وتدبير في معاشه. وقال «1» أرسطو: إنه يتولد من الشّقرّاق «2» والغراب، وذلك بيّن في لونه. ويقال: إنه يحب الأنس، ويقبل الأدب والتربية، في صفيره وقرقرته أعاجيب، حتّى إنه ربما أفصح بالأصوات كالقمريّ؛ وغذاؤه الفاكهة واللحم وغير ذلك. ومن شأنه ألفة الغياض. وحكمه الحل لأنه طيب غير مستخبث. فإن صح تولده من الشّقراق والغراب فينبغي تحريمه. والأنيسة ذات ألوان مختلفة، بدنها يميل إلى الغبرة، وعنقها يشتمل على خضرة وزرقة؛ ويقال: إنها أشرف طيور الواجب وأعزّها وجودا. الضرب الثاني: «طيور الصيف» - وهي التي يكثر وجودها فيه، وهي أربعة أطيار: الأوّل «الكي» «3» - بضم الكاف-: وهو طير أغبر اللون إلى البياض، أحمر المنقار والحوصلة، رجلاه تضربان إلى السواد. الثاني «الغرنوق» - بكسر الغين المعجمة وفتح النون- ويقال فيه غرنيق- بضم الغين وفتح النون- ويجمع على غرانيق. قال الجوهري: وهو طائر أبيض من طير الماء طويل العنق، وتبعه الزمخشريّ على ذلك. وقال أبو خيرة «4» : وسمي غرنيقا لبياضه.

الثالث «المرزم» -

وقال صاحب «المصايد والمطارد» : الغرنيق كركيّ إلا أنه أخضر طويل المنقار، وقيل: لونه كلون الكركيّ إلا أنه أسود الصدر والرأس، وله ذؤابتان في رأسه. وقال: ومن خصائصها أن ريشها في شبيبتها يكون رماديّا، فإذا كبرت اسودّ وليس ذلك في سائر الطير، فإن الريش لا يحوّل بياضه إلى السواد بل يحوّل سواده إلى البياض كما في الغربان والعصافير والخطاطيف. الثالث «المرزم» - وهو طير أبيض في أطراف ريشه حمرة، طويل الرجلين والعنق؛ وهو حلال الأكل. الرابع «الشّبيطر» - بضم الشين المعجمة وفتح الموحدة والطاء المهملة- ويسمّى: اللّقلق أيضا، ويعرف بالبلارح؛ وكنيته عند أهل العراق: أبو خديج، وهو طائر أبيض، أسود طرفي الجناحين، ورجلاه ومنقاره حمر؛ وهو يأكل الحيّات ولكنه يوصف بالفطنة والذكاء. وفي حله عند الشافعية وجهان أصحهما في شرح المهذّب «1» والورضة «2» : الحرمة، وإن كان من طير الماء. وسيأتي الكلام على ما يحمل من هذه الطيور الأربعة عشر بأعناقه وما يحمل منها بأسيافه فيما يتعلق بمصطلح الرماة في الكلام على كتابة قدم البندق في موضعه إن شاء الله تعالى. وطيور الواجب كلّها حلال إلا النسر والعقاب.

الصنف الثالث ما عدا الطير الجليل مما يصاد بالجوارح وغيرها، وهو على ضربين:

الصنف الثالث ما عدا الطير الجليل مما يصاد بالجوارح وغيرها، وهو على ضربين: الضرب الأوّل ما يحل أكله وهو أنواع كثيرة لا يأخذه الحصر، ونحن نقتصر على ذكر المشهور من أنواعه. فمنها «النّعام» - وهو اسم جنس، الواحدة نعامة؛ وهو طائر معروف، مركّب من صورتي جمل وطائر، ولذلك تسميه الترك: دواقش بمعنى طير جمل، وتسميه الفرس: اشتر مرك، ومعناه جمل وطائر. وتجمع النعامة على نعامات، ويسمى ذكرها: الظّليم. ومن المتكلمين على طبائع الحيوان من لم يجعلها طيرا وإن كانت تبيض لعدم طيرانها؛ ومن الناس من يظنّ أنها متولدة من جمل وطير ولم يصح ذلك. ومساكنها الرمل، وتضع بيضها سطرا مستطيلا بحيث لو مدّ عليها خيط لم تخرج واحدة منها عن الأخرى، ثم تعطي كلّ بيضة منها نصيبها من الحضن، لأنها لا تستطيع ضم جميع البيض تحتها، وإذا خرجت للطّعم فوجدت بيض نعامة أخرى حضنته ونسيت بيضها، فربما حضنت هذه بيض هذه، وربما حضنت هذه بيض هذه، ولذلك توصف في الطير بالحمق، ويقال إنها تقسم بيضها أثلاثا: فمنه ما تحضنه، ومنه ما تجعله غذاء لها، ومنه ما تفتحه وتجعله في الهواء حتّى يتولد فيه الدود فتغذّي به أفراخها إذا خرجت. وليس للنعام حاسّة سمع ولكنه قويّ الشم، يستغني بشمّه عن سماعه حتى يقال: إنه يشمّ رائحة القانص من بعد. والعرب تقول: إن النعامة ذهبت تطلب قرنين فقطعوا أذنيها. وهو لا يشرب ماء، وإن طال عليه الأمد، ولذلك يسكن البراريّ التي لا ماء فيها. وأكثر ما يكون عدوها إذا استقبلت الريح. ومن خصائصها أنها تبتلع العظم الصّلب والحجر والحديد فتذيبه معدتها

ومنها «الإوز» -

حتّى تدفعه كالماء، وتبتلع الجمر فيطفئه جوفها، وإذا رأت في أذن صغير لؤلؤة أو حلقة اختطفتها. وحكمه حلّ أكله إجماعا. ومن خاصته أن مرارته سمّ وحيّ «1» . ومنها «الإوزّ» - بكسر الهمزة وفتح الواو- وهو اسم جنس واحده إوزة، وجمعوه على إوزّون، وهو مما يحبّ السّباحة في البحر، وإذا خرج فرخه من البيضة سبح في الحال، وإذا حضنت الأنثى قام الذكر يحرسها لا يفارقها، ويخرج فرخها في دون الشهر من البيضة. وهو من الطيبات، وغذاؤه جيد إلا أنه بطيء الهضم. ومنها «البطّ» - وهو من طيور الماء، واحده بطّة للذكر والأنثى وليس بعربيّ، وهو عند العرب من جملة الإوز. ومنها «القرلّى» - بكسر القاف- ويسمّى: ملاعب ظله. وهو طائر صغير الجرم من طيور الماء، سريع الاختطاف، لا يزال مرفرفا على وجه الماء على جانب كطيران الحدأة، يهوي بإحدى عينيه إلى قعر الماء طمعا، ويرفع الأخرى حذرا؛ فإن أبصر في الماء ما يستقلّ بحمله من السمك أو غيره انقضّ عليه كالسهم المرسل فأخرجه من قعر الماء، وإن أبصر في الجوّ جارحا مرّ في الأرض. وبه يضرب المثل في الإقبال على الخير والإدبار عن الشرّ، فيقال: «كأنه قرلّى، إن رأى خيرا تدلّى، أو رأى شرّا تولّى» . ومنها «الغطّاس» - ويقال له: الغوّاص، وهو طائر أسود نحو الإوزّة، يغوص في الماء فيستخرج السمك فيأكله. ووهم فيه في حياة الحيوان فجعله: القرلّى. ومنها «الدجاج» - بفتح الدال المهملة وكسرها وضمها- حكاه ابن معن الدّمشقي «2» وابن مالك «3» وغيرهما، وأفصحها الفتح وأضعفها الضم والواحدة

دجاجة، والذكر والأنثى فيه سواء. قال ابن سيده: وسميت دجاجة لإقبالها وإدبارها، يقال: دجّ القوم إذا مشوا بتقارب خطو، وقيل: إذا أقبلوا وأدبروا. والفرخ يخرج من البيضة بالحضن، وتارة بالصنعة والتدفئة بالنار، وإذا خرج الفرخ من البيضة خرج كاسيا ظريفا سريع الحركة، يدعى فيجيب، ثم كلما مرّت عليه الأيام حمق ونقص حسنه. ومما يعرف به الذكر من الأنثى في حالة الصغر أن يعلق الفرخ بمنقاره فإن اضطرب فهو ذكر، وإلا فهو أنثى. والدجاج يبيض في جميع السنة، وربما باضت الدجاجة في اليوم مرتين، ويتم خلق البيض في عشرة أيام، وتخرج لينة القشر فإذا أصابها الهواء تصلّبت. وتشتمل البيضة على بياض وصفرة ويسمى: المحّ؛ ومن البياض يتخلق الولد؛ والصفرة غذاء له في البيضة يتغذاه من سرّته، وربما كان للبيضة بياضان، ويتخلق من كل بياض فرخ، فإذا كبرت الدجاجة لم يبق لبيضها محّ وحينئذ فلا يخلق منه فرخ. ثم الدجاج من الطيور الدواجن في البيوت. وقد ورد في سنن ابن ماجه «1» من رواية أبي هريرة رضي الله عنه: أمر الأغنياء باتخاذ الغنم وأمر الفقراء باتخاذ الدجاج. قال عبد اللطيف البغداديّ: أمر كل قوم من الكسب بحسب مقدرتهم. ومن عجيب أمر الدجاجة أنها تمرّ بها سائر السباع فلا تحاماها، فإذا مرّ بها ابن آوى وهي على سطح رمت نفسها إليه، وهي توصف بقلة النوم وسرعة الانتباه ويقال: إن ذلك لخوفها وخور طباعها. ومن الدجاج نوع يقال له: الحبشيّ؛ أرقط اللون، متوحش؛ وربما ألف

ومنها «الديك» -

البيوت. والحكم في الجميع الحل. ومنها «الديك» - وهو ذكر الدجاج، ويجمع على ديكة وديوك، وهو أبله الطبيعة حتّى إنه إذا سقط من حائط لم يكن له هداية ترشده إلى دار أهله، ومع ذلك فقد خصه الله تعالى بمعرفة الأوقات حتّى رجح الرافعيّ من مذهب الشافعيّ رضي الله عنه اعتماد الديك المجرّب وفاقا للمتولّي «1» والقاضي حسين» . ومن عجيب أمره أنه يقسّط أوقات الليل تقسيطا لا يخلّ فيه بشيء طال الليل أم قصر. ولكن قد ورد في معجم الطبرانيّ «3» وغيره: إنّ لله سبحانه وتعالى ديكا أبيض، جناحاه موشّيان بالزّبرجد والياقوت واللّؤلؤ، له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب، رأسه تحت العرش، وقوائمه في الهواء، يؤذّن كلّ سحر فيسمع تلك الصيحة أهل السموات وأهل الأرض إلا الثقلين: الجنّ والإنس، فعند ذلك تجيبه ديوك الأرض؛ وحينئذ فيكون الديك في ذلك تابعا. وقد ورد عدّة أحاديث في النهي عن سبّ الديك، ومدح الديك الأبيض، والحثّ على اتخاذه. ومن حميد خصال الديك: أنه يسوّي بين دجاجه، ولا يؤثر واحدة على الأخرى. ويقال: إنه يبيض في السنة بيضة؛ ويفرق بين بيضته وبيضة الدجاجة أن بيضته أصغر من بيضة الدجاجة، وهي مدوّرة لا تحديد في رأسيها. ومنها «القطا» - بفتح القاف- وهو طائر معروف واحده قطاة ويجمع على قطوات وقطيات، وأكثر ما يبيض ثلاث بيضات، ويسمّى قطا لحكاية صوته، لأنه يصيح «قطا قطا» ولذلك تصفها العرب بالصدق.

ومنها «الكروان» -

قال الجوهريّ: وهو معدود من الحمام، وبه قال ابن قتيبة، وعليه جرى الرافعيّ في الحج والأطعمة؛ قال الشيخ محب الدين الطبريّ «1» : والمشهور خلافه. ثم القطا نوعان: كدريّ وجونيّ، وزاد الجوهريّ نوعا ثالثا وهو الغطاط، فالكدريّ: غبر اللون، رقش البطون والظهور، صفر الحلوق، قصار الأذناب. والجونيّ: سود بطون الأجنحة والقوادم، وظهرها أغبر أرقط، تعلوه صفرة، وهي أكبر جرما من الكدريّ، تعدل كلّ جونيّة كدريّتين، والكدرية تفصح باسمها في صياحها، والجونيّة لا تفصح بل تقرقر بصوت في حلقها. ومن خاصتها أنها لا تسير إلا جماعة. ومن طبعها أنها تبيض في القفر على مسافة بعيدة من الماء؛ وتطلب الماء من مسافة عشرين ليلة وفوقها ودونها؛ وتخرج من أفاحيصها «2» في طلب الماء عند طلوع الفجر فتقطع إلى حين طلوع الشمس مسيرة سبع مراحل، فترد الماء فتشرب ثم تقيم على الماء ساعتين أو ثلاثا ثم تعود إلى الماء ثانية. والجونية تخرج إلى الماء قبل الكدريّة، وهي توصف بالهداية فتأتي أفاحيصها ليلا ونهارا فلا تضلّ عنها، وتوصف بحسن المشي وبقلة النوم. ومنها «الكروان» - بفتح الكاف والراء- وهو طائر في قدر الدجاجة، طويل الرجلين، حسن الصوت، لا ينام الليل، ويجمع على كروان- بكسر الكاف- والأنثى: كروانة. ومنها «الحجل» - بفتح الحاء المهملة والجيم- وهو طائر على قدر الحمام كالقطا، أحمر المنقار والرجلين؛ ويسمّى: دجاج البر؛ ويقع على الذكر والأنثى؛ وقد يقال له: القبج أيضا- بفتح القاف وسكون الموحدة وجيم في

ومنها «القمري» -

الآخر- يقال للذكر والأنثى منه: قبجة، ويسمّى الذكر منه: اليعقوب. والقبج «1» - بفتح القاف والموحدة وجيم في الآخر- ويقال في الأنثى منه: حجلة، وهو صنفان: نجديّ وتهاميّ، فالنجديّ أحمر الرجلين، والتهاميّ فيه بياض وخضرة؛ ومن شأنه أنه يأتي إلى مصر عند هيجان زرعها ويصيح صياحا حسنا، تقول العامّة: إنه يقول في صياحه: «طاب دقيق السّبل» . ومن شأن الأنثى منه إذا لم تلقح أنها تتمرغ في التراب وتصبه على أصول ريشها فتلقح؛ ويقال: إنها تلقح بسماع صوت الذكر، وبريح يهبّ من قبله؛ وإذا باضت ميز الذكر الذكور منها فحضنها، وتحضن الأنثى الإناث، وكذلك في التربية. وفرخها يخرج كاسيا بزغب الريش كما في الدّجاج. وفي «المصايد والمطارد» «2» : أن القبج كثير السّفاد، وأنه إذا اشتغلت عنه الأنثى ورأى بيضها كسره. قال التوحيدي «3» : ويعيش الحجل عشر سنين ويعمل عشّين، يجلس الذكر في واحد والأنثى في واحد، وهو من أشدّ الطيور غيرة على أنثاه حتّى إن الذكرين ربما قتل أحدهما الآخر بسبب الأنثى، فمن غلب منهما دانت له. ومن طبعه أنه يأتي عشّ غيره فيأخذ بيضه ويحضنه، فإذا طارت الفراخ لحقت بأمهاتها التي باضتها؛ وفيه من قوّة الطيران ما يظنه من لم يحقّقه عند طيرانه أنه حجر رمي بمقلاع لسرعته. ومنها «القمريّ» - بضم القاف وسكون الميم- وهو طائر معروف حسن الصوت، ويجمع على قماريّ غير مصروف. قال في «المحكم» «4» : ويجمع

ومنها «الفاختة» -

على قمر أيضا؛ والأنثى منه قمريّة، ويقال للذكر منه: الورشان- بفتح الواو والراء المهملة والشين المعجمة- ويقال له أيضا: ساق حرّ. قال البطليوسيّ «1» : وسمّي ساق حرّ، حكاية لصوته كأنه يقول ذلك، ويكنى: أبا الأخضر، وأبا عمران، وأبا الناجية. قال ابن السمعانيّ «2» : والقمريّ منسوب إلى القمر، وهي بلدة تشبه الجصّ لبياضها؛ قال: وأظنها بمصر. وقال ابن سيده القمريّ طير صغير، وعدّه في «المحكم» من الحمام. ويقال: إن الهوامّ تهرب من صوت القماريّ. قال القزويني: ومن خاصية القماريّ أنها إذا ماتت ذكورها لم تتزاوج إناثها. والورشان الذي هو ذكر القمريّ يوصف بالحنوّ على أولاده حتّى إنه ربما قتل نفسه إذا رآها في يد القانص. قال عطاء: وهو يقول في صياحه: لدوا للموت وابنو للخراب ومنه نوع أسود حجازيّ يقال له: النوى، شجيّ الصوت جدّا. ومنها «الفاختة» - بالفاء والخاء المعجمة والتاء المثناة- والجمع الفواخت- بفتح الفاء وكسر الخاء- وهي طائر من ذوات الأطواق، حجازية في قدر الحمام، حسنة الصوت، ويقال: إنّ الحيّات تهرب من صوتها، حتّى يحكى أنّ الحيّات كثرت بأرض، فشكا أهلها ذلك إلى بعض الحكماء، فأمرهم بنقل الفواخت إليها فانقطعت الحيّات عنها. وفي طبعها الأنس بالناس؛ وتعيش في

ومنها «الدبسي» -

الدّور، إلا أن العرب تسمها بالكذب، فإن صوتها عندهم تقول فيه: هذا أوان الرّطب، وهي تقول ذلك والنخل لم يطلع بعد؛ ولذلك تقول العرب في أمثالهم: «أكذب من فاختة» . ومنها «الدّبسيّ» - بضم الدال- وهو طائر صغير منسوب إلى دبس الرّطب- بكسر الدال- وذلك أنهم يغيّرون في النسب فيقولون في النسبة إلى الدّهر: دهريّ ونحو ذلك، وهو ضرب من الحمام. ثم هو أصناف: مصريّ، وحجازيّ، وعراقيّ؛ وكلها متقاربة، لكن أفخرها المصريّ، ولونه الدّكنة، وقيل: هو ذكر اليمام. وفي طبع الدّبسيّ ألا يرى ساقطا على وجه الأرض، بل في الشتاء له مشتىّ، وفي الصيف له مصيف، لا يعرف له وكر. ومنها «الشّفنين» - بفتح الشين «1» المعجمة وسكون الفاء ونون مكسورة بعدها ياء مثناة تحت ثم نون- وهو الذي تسميه العامّة بمصر: اليمام، وهو دون الحمام في المقدار، ولونه الحمرة مع كمودة، وفي صوته ترجيع وتحزين. ومن شأنها أنها تحسن أصواتها إذا اختلطت. ومن طبعه أنه إذا فقد أنثاه لم يزل أعزب إلى أن يموت، وكذلك الأنثى إذا فقدت ذكرها؛ وفيه ألفة للبيوت، وعنده احتراس. ومنها «الدرّاج» - بفتح الدال «2» - وكنيته أبو الحجّاج وأبو خطّار؛ وهو طائر ظاهر جناحيه أغبر وباطنهما أسود، على خلقة القطا إلا أنه ألطف. وهو يطلق على الذكر والأنثى. والجاحظ يعدّه من جنس الحمام لأنه يجمع بيضه تحت جناحه كما يفعل الحمام. والناس يعبّرون عن صوته بأنه يقول: «بالشّكر تدوم النّعم» . ويقال: إنه طائر مبارك، وهو كثير النتاج، يبشر بقدوم الربيع؛ وهو يصلح بهبوب الشّمال، وصفاء الهواء، ويسوء حاله بهبوب الجنوب حتّى لا يقدر على الطيران.

ومنها «العصفور» -

ومنها «العصفور» - بضم العين- وحكى ابن رشيق «1» في كتاب «الغرائب» : فتحها، والأنثى: عصفورة، وكنيته: أبو الصّفو، وأبو محرز، وأبو مزاحم، وأبو يعقوب. قال حمزة «2» : سمّي عصفورا لأنه عصى وفرّ؛ وهو أنواع كثيرة، وأشهرها المعروف بالدّوريّ؛ ووكره العمران تحت السقوف خوفا من الجوارح؛ فإذا خلت مدينة من أهلها ذهبت العصافير منها؛ وهو كثير السّفاد حتّى إنه ربما سفد في الساعة الواحدة مائة مرة، ولفرخه تدرّب على الطيران حتّى إنه يدعى فيجيب. قال الجاحظ: بلغني أنه يرجع من فرسخ. ومنها «الشّحرور» - بفتح الشين «3» المعجمة وسكون الحاء المهملة- وهو طائر أسود فويق العصفور له صوت شجيّ؛ ويكون بأرض الشّأم كثيرا. ومنها «الهزار» - بفتح الهاء والزاي المعجمة- طائر نحو العصفور له صوت حسن ويسمّى العندليب أيضا، ويجمع على عنادل. ومنها «البلبل» - بضم الموحدتين وسكون اللام الأولى والثانية «4» - وهو طائر أسود فوق العصفور، والحجري منه فوق ذلك؛ ويقال له: النّغر- بضم النون وفتح الغين المعجمة وراء مهملة في الآخر- والكعيث- بضم الكاف وفتح العين المهملة ومثناة فوقية في الآخر- والجميل- بضم الجيم- وقد ثبت في الصحيحين من رواية أنس رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ لأمّي فطيم يقال له: عمير، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا جاءنا قال:

ومنها «السمانى» -

«يا أبا عمير ما فعل النّغير؟» لنغر كان يلعب به. ومنها «السّمانى» - بضم السين المهملة وفتح النون ولا تشدّد ميمه- وهو طائر معروف فوق العصفور ويجمع على سمانيات، وهو من الطيور التي لا يعرف من أين تأتي، بل يأتي في البحر الملح يغوص بأحد جناحيه في الماء ويقيم الآخر كالقلع للسفينة فتدفعه الريح حتّى يأتي الساحل؛ وكثيرا ما يوجد ببلاد السواحل، وله صوت حسن. ومن شأنه أنه يسكت في الشتاء فإذا أقبل الربيع صاح. ومنها «الحسّون» - وتسميه أهل الجزيرة والشأم وحلب وتوابعها: زقيقية، وهو طائر فطن، ويسميه الأندلسيّون: أبو الحسن، والمصريون: أبو زقاية، وربما أبدلوا الزاي منه سينا، وهو عصفور ذو ألوان: حمرة وصفرة وبياض وسواد وزرقة وخضرة، وهو قابل للتعليم، يعلّم أخذ الشيء كالفلس ونحوه من يد الإنسان على البعد والإتيان به لصاحبه. ومنها «أبو براقش» - بكسر القاف وبالشين المعجمة- وهو طائر كالعصفور يتلون ألوانا، وبه يضرب المثل في التلوّن. ومنها «الزاغ» - بزاي وغين معجمتين بينهما ألف- وهو ضرب من الغربان صغير أخضر اللون لطيف الشكل حسن المنظر، وقد يكون أحمر المنقار والرجلين، وهو الذي يقال له: غراب الزيتون، سمّي بذلك لأنه يأكل الزيتون. ومنها «الغداف» - بضم الغين المعجمة وبالدال المهملة والفاء في آخره- وهو غراب الغيط «1» ، ويجمع على غدفان بكسر الغين. قال ابن فارس: هو الغراب الضخم. وقال العبدريّ: هو غراب صغير أسود، لونه كلون الرّماد. وقد قال النوويّ في الروضة بتحريمه وإن كان الرافعيّ

ومنها «غراب الزرع» -

قد جزم بحلّه؛ ورجحه صاحب المهمات «1» . ومنها «غراب الزرع» - وهو غراب أسود المنقار. وفيه وجه بالتحريم. الضرب الثاني ما يحرم أكله وهو أنواع كثيرة أيضا: منها «الطاوس» - ويجمع على طواويس- وهو طائر في نحو مقدار الإوزّة حسن اللون، والذكر منه غاية في الحسن؛ له في رأسه رياش خضر قاتمة كالشربوش «2» ، وفي ذنبه ريش أخضر طويل في أحسن منظر، وليس الأنثى شيء من ذلك؛ وهو في الطير كالفرس في الدواب عزّا وحسنا؛ وفي طبعه الزّهو بنفسه والخيلاء والإعجاب بريشه؛ والأنثى منه تبيض بعد ثلاث سنين من عمرها، وفي هذا الحدّ يكمل ريش الذكر ويتم لونه. وبيضه مرة واحدة في السنة، ويكون بيضه من اثنتي عشرة بيضة إلى ما حولها، ولا يبيض متتابعا. وسفاده في أيام الربيع. وفي الخريف يلقي ريشه كما يلقي الشجر ورقه حينئذ؛ فإذا بدا طلوع أوراق الأشجار طلع ريشه. وهو كثير العبث بالأنثى إذا حضنت وربما كسر بيضها؛ ولذلك يحضن بيضه تحت الدّجاج؛ لكن لا تقوى الدجاجة على حضن أكثر من بيضتين منها، وتتعاهد الدجاجة بالطّعمة والسقية وهي راقدة عليه، كيلا تقوم عنه فيفسد بالهواء، إلا أن ما تحضنه الدجاجة يكون ناقص الجثة عما تحضنه أنثاه؛ وليس له من الحسن والبهجة ما لذلك؛ ومدّة حضنه ثلاثون يوما؛ وفرخه يخرج من البيضة كالفرّوج كاسيا بالريش يلقط الحب للحال. ومنها «السّمندل» - بفتح السين المهملة والميم وسكون النون وبفتح

ومنها «الببغاء» -

الدال المهملة ولام في الآخر- وقال الجوهريّ: السّندل بغير ميم. وقال ابن خلّكان «1» : السّمند بغير لام؛ وهو طائر يكون بأرض الصّين والهند؛ ومن خاصته أنه لا تؤثر النار فيه حتّى يقال: إنه يبيض ويفرخ فيها ويستلذ بمكثه فيها. ويتخذ من ريشه مناديل ونحوها، فإذا اتسخت ألقيت في النار، فتأكل النار وسخها ولا تتأثر هي في نفسها. قال ابن خلّكان في ترجمة يعقوب بن صابر المنجنيقي «2» : رأيت منه قطعة ثخينة منسوجة على هيئة حزام الدابة في طوله وعرضه، فألقيت في النار فما أثّرت فيها، فغمس أحد جوانبها في الزيت وجعل في النار فاشتعل وبقي زمانا طويلا ثم أطفيء، وهو على حاله لم يتغير. قال: ورأيت بخط عبد اللطيف البغدادي: أنه أهدي للظاهر ابن السلطان صلاح الدين صاحب حلب قطعة منه عرض ذراع في طول ذراعين، فغمست في الزيت وقربت من النار فاشتعلت حتّى فني الزيت، ثم عادت بيضاء كما كانت. وبعضهم يقول: إنه وحش كالثعلب وإن ذلك يعمل من وبره. ومنها «الببّغاء» - بباءين مفتوحتين، الأولى منهما مخففة والثانية مشدّدة وغين معجمة بعدها ثم ألف- وهو المعبر عنه بالدّرّة- بدال مهملة مضمومة- وقال ابن السمعاني في الأنساب: هي بإسكان الباء الثانية، وهي طائر أخضر اللون في قدر الحمام يحاكي ما يسمعه من اللفظ؛ ثم هي على ضربين: هندي وهي أكبر جثّة ومنقارها أحمر، ونوبي وهي دونها ومنقارها أسود؛ ويقال: إن منها نوعا أبيض؛ ويذكر أنه أهدي لمعز الدولة ابن بويه «3» ببّغاء بيضاء اللون سوداء المنقار

ومنها «أبو زريق» -

والرجلين، على رأسها ذؤابة فستقيّة. وهي طائر دمث الأخلاق، ثاقب الفهم، له قوّة على حكاية الأصوات وقبول التلقين؛ تتخذه الملوك والأكابر لينمّ بما يسمع. ومن شأنه أنه يتناول طعمه برجله كما يتناوله الإنسان بيده؛ والهنديّ منه أقرب إلى التعليم من النوبيّ. ومنها «أبو زريق» - بزاي مضمومة ثم راء مهملة وفي آخره قاف- ويقال له: القيق- بكسر القاف- والزّرياب- بزاي معجمة مكسورة ثم راء مهملة ساكنة ثم ياء مثناة تحت، وبعد الألف باء موحدة- وهو طائر ألوف للناس يقبل التعليم، سريع الإدراك لما يعلّم؛ وقد يزيد على الببّغاء إذا أنجب، بل إذا تعلم جاء بالحروف مبيّنة حتّى يظن سامعه أنه إنسان، بخلاف الببغاء فإنها لا تفصح كلّ الإفصاح. ومن غريب ما يحكى في أمره ما حكاه صاحب «منطق الطير» «1» : أن رجلا خرج من بغداد ومعه أربعمائة درهم، لا يملك غيرها، فوجد في طريقه عدّة من فراخه فاشتراها بما معه، ثم رجع إلى بغداد فعلقها في أقفاص في حانوته، فهبت عليها ريح باردة فماتت كلّها إلا واحدا كان أضعفها وأصغرها، فثقل ذلك عليه وبات ليلته تلك يبتهل إلى الله تعالى بالدعاء وينادي: يا غياث المستغيثين أغثني! فلما أصبح إذا ذلك الفرخ الذي بقي يصيح بلسان فصيح: يا غياث المستغيثين أغثني؛ فاجتمع الناس عليه يسمعون صوته؛ فاجتازت جارية للخليفة فاشترته منه بألف درهم. ومنها «الهدهد» - بضم الهاءين وإسكان الدال المهملة بينهما- وهو طائر معروف ذو خطوط موشيّة وألوان، ويجمع على هداهد «2» . ويذكر عنه أنه يرى الماء من باطن الأرض كما يراه الإنسان في باطن الزجاج- قوّة ركبها الله تعالى فيه-

ومنها «الخطاف» -

ولذلك عني به سليمان عليه السلام مع صغره كما قاله البيهقي «1» في «شعب الإيمان» ويقال: إنه كان دليلا لسليمان عليه السلام على الماء؛ وقصته مع سليمان مذكورة في التنزيل «2» . وقد ذكر الزمخشري أن سبب تخلفه عن سليمان أنه رأى هدهدا آخر، فحكى له عظيم ملك سليمان؛ فحكى له ذلك الهدهد عظيم ملك بلقيس باليمن؛ فذهب ليكشف الخبر فلم يرجع إلا بعد العصر؛ فلما عاد إليه توعّده، فأرخى رأسه وجناحيه تواضعا بين يديه، وقال: يا نبيّ الله، اذكر وقوفك بين يدي الله! فارتعد سليمان وعفا عنه. ومنها «الخطّاف» - بضم الخاء المعجمة- ويجمع على خطاطيف وهو طائر في قدر العصفور، أسود، وباطن جناحيه إلى الحمرة؛ والناس يسمونه عصفور الجنة لأنه يعرض عن أقواتهم ويقتات البعوض والذّباب. ومن شأنه السكنى في البيوت المعمورة بالناس في أفاحيص يبنيها من الطين؛ ويختار منها السّقوف والأماكن التي لا يصل إليه فيها أحد. وقد ذكر الثعلبي «3» في تفسيره في سورة النمل: أن سبب قرب الخطاطيف من الناس أن الله تعالى لما أهبط آدم إلى الأرض، استوحش؛ فآنسه الله تعالى بالخطّاف وألزمه البيوت؛ فهو لا يفارق بني آدم أنسا لهم. والخفّاش يعاديه، فلذلك إذا أفرخ جعل في عشّه قضبان الكرفس «4» لينفّر الخفّاش عنها. ومن عادته أنه لا يفرخ في عشّ عتيق حتى يطيّنه بطين جديد، ولا يلقي شيئا

ومنها «الصرد» -

من ذرقه في عشه بل يلقيه إلى ما شاء. وإذا سمع حس الرعد يكاد يموت. ويوجد في عشّه حجر اليرقان وهو حجر صغير فيه خطوط بين الحمرة والسواد إذا علق على من به اليرقان أو شرب من سحالته بريء؛ وإنما يأتي بهذا الحجر إذا أصاب فراخه اليرقان؛ ولذلك يحتال بعض الناس بلطخ فراخه بالزعفران ليظن أن اليرقان قد أصابها فيأتي إليها بهذا الحجر فيؤخذ منه. ومن الخطاطيف نوع آخر ألطف قدرا من هذا، يسكن شطوط الأنهار وجوانب المياه. وعدّوا من أنواعه أيضا الذي يسميه أهل مصر: الخضيري؛ وهو طائر أخضر دون الببّغاء في المقدار لا يزال طائرا وهو يصيح؛ يقتات الفراش والذباب. ومنها «الصرد» - بضم الصاد وفتح المهملة ودال مهملة في الآخر- ويجمع على صردان. قال ابن قتيبة: وسمي صردا، حكاية لصوته، ويسمّى: الواق- بكسر القاف- وكنيته: أبو كثير؛ وهو طائر فوق العصفور، نصفه أبيض ونصفه أسود، ضخم الرأس، ضخم المنقار والبراثن؛ لا يرى إلا في شعفة «1» أو شجرة بحيث لا يقدر عليه أحد؛ وله صفير مختلف. ومن شأنه أنه يصيد العصافير وما في معناها؛ فيصفّر لكل طير يريد صيده بلغته، يدعوه إلى التقرّب منه فيثب عليه فيأكله. والعرب تتشاءم به وتنفر من صياحه. وهو مما وردت الشريعة بالنهي عن قتله. ومنها «العقعق» - بعينين مهملتين مفتوحتين بينهما قاف ساكنة- وربما قيل فيه: القعقع على القلب. قال الجاحظ: سمي بذلك لأنه يعقّ فراخه فيتركهم أياما بلا طعم. ويقال لصوته: العقعقة؛ وهو طائر على قدر الحمامة في شكل الغراب وجناحاه أكبر من جناحي الحمامة؛ ذو لونين: أبيض وأسود، طويل الذّنب.

ومنها «الشقراق» -

ومن شأنه أنه لا يأوي تحت سقف ولا يستظل به، بل يهييّء وكره في المواضع المشرفة؛ وفي طبعه الزنا والخيانة؛ ويوصف بالسرقة والخبث. وإذا رأى حليّا أو عقدا اختطفه؛ والعرب تضرب به المثل «1» في جميع ذلك. وإذا باضت الأنثى منه أخفت بيضها بورق الدّلب خوفا عليه من الخفّاش، فإنه متى قرب من البيض مذر وتغير من ساعته. ويقال: إنه يخبأ قوته كما يخبؤه الإنسان والنملة إلا أنه ينسى ما يخبؤه. وبعضهم يعدّه في جملة الغربان. وفيه وجه عندنا بحل أكله. ومنها «الشّقراق» - بفتح الشين المعجمة وسكون القاف وألف بين الراء المهملة والقاف الثانية- ويجوز فيه كسر الشين أيضا، وربما قلبوه فقالوا: الشّرقاق؛ ويسمّى: الأخيل أيضا؛ وهو طائر صغير بقدر الحمام أخضر مشبع الخضرة، حسن المنظر في أجنحته سواد. والعرب تتشاءم به. وفي طبعه الشّره حتّى إنه يسرق فراخ غيره. وعدّه الجاحظ نوعا من الغربان؛ ويكثر ببلاد الشام والروم وخراسان؛ ولا يزال متباعدا من الإنس، يألف الرّوابي ورؤوس الجبال؛ إلا أنه يحضن بيضه في عوالي العمران التي لا تنالها الأيدي. وعشّه شديد البنيان، وله مشتى ومصيف. قال الجاحظ: وهو كثير الاستغاثة، إذا مر به طائر ضربه بجناحه وصاح كأنه هو المضروب. وفيه وجه بحلّ أكله. ومنها «الغراب الأبقع» - قال الجوهريّ: وهو الذي فيه بياض وسواد، ويسمّى: غراب البين أيضا؛ قال صاحب «المجالسة» «2» : سمي بذلك لأنه بان عن نوح عليه السلام حين أرسله لينظر الماء فذهب ولم يرجع؛ قال ابن قتيبة: وجعل فاسقا لأجل ذلك. ويسمّى: الأعور، إمّا لانه يغمض إحدى عينيه لقوّة بصره، وإما لصفاء عينيه وحدّة بصره من باب الأضداد.

ومنها «الغراب الأسود الكبير» -

ومن طبعه الخيانة والسرقة؛ والعرب تتشاءم به وتكره صوته؛ وقد سبق القول على ذلك في أوابد العرب من هذه المقالة. ومن طبع الغراب الاستتار عند السّفاد وأنه يسفدها مواجهة ملقاة على ظهرها؛ والأنثى تبيض أربع بيضات وخمسا؛ وإذا خرجت الفراخ من البيض نفر عنها الأبوان لبشاعة منظرها حينئذ، فتغتذي من البعوض والذباب الكائن في عشّها حتّى ينبت ريشها فيعود الأبوان إليها؛ وعلى الأنثى الحضن وعلى الذكر أن يأتيها بالطّعم. وفيه حذر شديد وتناصر، حتّى إنه إذا صاح الغراب مستنصرا اجتمع إليه عدّة من الغربان. ومنها «الغراب الأسود الكبير» - وهو الجبليّ. وفيه وجه بحله. ومنها «الحدأة» - بكسر الحاء، والهمز- الطائر المعروف، ويجمع على حدإ وحدءان. ومن ألوانها السّود والرّمد. وهي لا تصيد بل تخطف. ومن طبعها أنها تصفّ في الطيران وليس ذلك لشيء من الكواسر غيرها. وزعم ابن وحشية «1» وابن زهر «2» : أن الحدأة والعقاب يتبدّلان، فتصير الحدأة عقابا والعقاب حدأة. وربما قيل: الغراب بدل العقاب. ويقال: إنها تصير سنة ذكرا وسنة أنثى. ويقال: إنها أحسن الطير مجاورة لما جاورها من الطير حتّى لو ماتت جوعا لا تعدو على فرخ جارتها. وفي طبعها أنها إنما تختطف ممن تختطف منه من يده اليمنى دون اليسرى حتّى يقال: إنها عسراء. وقد ثبت في الصحيحين حل قتلها في الحل والحرم. ومنها «الرّخمة» - بفتح الراء المهملة والخاء المعجمة- وكنيتها: أم

ومنها «البومة» -

جعران، وأمّ رسالة، وأمّ عجيبة، وأم قيس، وأم كثير «1» . ويقال لها: الأنوق- بفتح الهمزة- وهي طائر أبقع ببياض وسواد، فوق الحدأة في المقدار تأكل الجيف. وهي معدودة في بغاث الطير. وهي تسكن رؤوس الجبال العالية وأبعدها من أماكن أعدائه؛ ولذلك تضرب العرب المثل ببيضه فيقولون: «أعزّ من بيض الأنوق» والأنثى لا تمكن من نفسها غير ذكرها وتبيض بيضة واحدة وربما باضت بيضتين. ومنها «البومة» - بضم الباء الموحدة وفتح الميم- للذكر والأنثى؛ وهو طائر من طير الليل في قدر الإوزّة، لها وجه مستدير بالريش النابت حوله، يشبه وجه الآدميّ، في صفرة عينين وتوقّدهما. ويقال للذكر منها: الصّدى والضّوع- بضم الضاد المعجمة- والفيّاد- بالفاء وتشديد المثناة تحت- ويقال للأنثى: الهامة. وكنية الأنثى: أمّ الخراب، وأمّ الصّبيان؛ ولها في الليل قوّة سلطان لا يحتملها شيء من الطير؛ تدخل على كل طائر في وكره في الليل فتخرجه منه وتأكل فراخه وبيضه، ولا تنام الليل؛ والطير بجملته يعاديها من أجل ذلك؛ فإذا رأوها «2» في النهار قتلوها ونتفوا ريشها؛ ومن ثم يجعلها الصيّادون في شباكهم ليقع عليها الطير فيقتنصونها؛ فهي لا تظهر بالنهار لذلك. ونقل المسعوديّ «3» في مروج الذهب عن الجاحظ أنها إنما تمتنع من ظهورها في النهار خوفا من أن تصاب بالعين لحسنها وجمالها، لأنها تصوّر في نفسها أنها أحسن الحيوان. ومن طبعها سكنى الخراب دون العامر. ومن غريب ما يحكى ما ذكره الطرطوشي «4» في «سراج الملوك» : أن عبد

ومنها «البؤة» -

الملك بن مروان أرق ليلة فاستدعى نميرا يحدّثه، فكان مما حدّثه أن قال: يا أمير المؤمنين كان بالبصرة بومة وبالموصل بومة، فخطبت بومة الموصل إلى بومة البصرة بنتها لابنها؛ فقالت بومة البصرة: لا أفعل حتّى تجعلي في صداقها مائة ضيعة خراب؛ فقالت بومة الموصل: لا أقدر على ذلك الآن ولكن إن دام والينا سلّمه الله علينا سنة واحدة فعلت؛ فاستيقظ لها وجلس للمظالم. ومنها «البؤة» - بضم الباء وفتح «1» الهمزة- قال الجوهري: وهو طائر يشبه البومة إلا أنه أصغر منها. وذكر ابن قتيبة في أدب الكاتب نحوه، ويقال له البوهة أيضا؛ وهي من طير الليل أيضا. ولا يخفى أنها التي يسمّيها الناس في زماننا المصّاصة ويزعمون أنها تنزل على الأطفال فتمصّ أنوفهم. ومنها «الخفّاش» - بضم الخاء المعجمة وتشديد الفاء وبالشين المعجمة، ويجمع على خفافيش- وهو طائر غريب الشّكل والوصف لا ريش عليه؛ وأجنحته جلدة لا صقة بيديه، وقيل لا صقة بجنبه. وسمي خفّاشا لأنه لا يبصر نهارا، وبه سمي الرجل: أخفش؛ والعامّة تسميه الوطواط، وقيل: الخفّاش الصغير، والوطواط الكبير، ويقال: إن الوطواط هو الخطّاف لا الخفّاش. وليس هو من الطير في شيء، فإن له أسنانا وخصيتين، ويحيض ويضحك كما يضحك الإنسان، ويبول كما تبول ذوات الأربع، ويرضع ولده من ثديه. ولما كان لا يبصر نهارا التمس وقتا يكون بين الظلمة والضوء وهو قريب غروب الشمس، لأنه وقت هيجان البعوض، فالبعوض يخرج في ذلك الوقت يطلب قوته من دماء الحيوان؛ والخفّاش يخرج لطلب الطّعم فيقع طالب رزق على طالب رزق. ويقال: إنه هو الذي خلقه المسيح عليه السلام من الطين، ونفخ فيه فكان طيرا بإذن الله. قال بعض المفسرين: ومن أجل ذلك كان مباينا لغيره من

الطيور، ولذلك سائر الطيور مبغضة له وتسطو عليه؛ فما كان منها يأكل اللحم أكله، وما كان منها لا يأكل اللحم قتله؛ وهو شديد الطّيران، سريع التقلب؛ يقتات البعوض والذباب وبعض الفواكه. وهو موصوف بطول العمر حتّى يقال: إنه أطول عمرا من النّسر؛ وتلد الأنثى ما بين ثلاثة أفراخ وسبعة، وكثيرا ما يسفد وهو طائر في الهواء. وهو يحمل ولده معه إذا طار تحت جناحه، وربما قبض عليه بفيه حنوّا عليه، وربما أرضعت الأنثى ولدها وهي طائرة. وفي طباعه أنه متى أصابه ورق الدلب خدر ولم يطر. وقد ورد النهي عن قتله. فإذا عرف الكاتب أحوال الطير وخواصّها، تصرف فيها بحسب ما يحتاج إليه في نظمه ونثره، كما في قول الشاعر: وإذا السعادة لا حظتك عيونها ... نم، فالمخاوف كلّهنّ أمان واصطد بها العنقاء فهي حبائل ... واقتد بها الجوزاء فهي عنان إشارة إلى عظم العنقاء وعدم القدرة على مقاومتها؛ ومع ذلك تنقاد بالسعد. وكما في قول أبي الفتح كشاجم «1» ، مخاطبا لولده يطلب البرّ منه: اتّخذ فيّ خلّة في الكراكي ... أتّخذ فيك خلّة الوطواط أنا إن لم تبرّني في عناء ... فببرّي ترجو جواز السراط يشير إلى ما تقدّم من أنّ في طبع الكركي برّ والديه إذا كبرا، كما أن في طبع الوطواط برّ أولاده بحيث يحملها معه إلى حيث توجه؛ وكما في قول الشاعر: مثل النهار يزيد إبصار الورى ... نورا ويعمي أعين الخفّاش إشارة إلى أن الخفّاش لا يبصر نهارا، بخلاف سائر أرباب الأبصار؛ وكما قيل في وصف شارد عن القتال:

الصنف الرابع الحمام

وهم تركوه «1» أسلح من حبارى ... رأى صقرا، وأشرد من نعام يريد ما تقدّم مما يعرض للحبارى من إرسالها سلحها على الجارح عند اقتناصه لها؛ وأنّ النعام في غاية ما يكون في البرية من الشّراد والنّفار، ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى. الصنف الرابع الحمام وقد اختلف في الحمام في أصل اللغة؛ فنقل الأزهريّ «2» عن الشافعيّ رضي الله عنه أن الحمام يطلق على كل ما عبّ وهدر وإن تفرقت أسماؤه، فيدخل فيه الحمام، واليمام، والدّباسيّ، والقماري، والفواخت وغيرها. وذهب الأصمعيّ «3» إلى أن الحمام يطلق على كل ذات طوق كالفواخت والقماريّ وأشباهها. ونقل أبو عبيد عن الكسائيّ «4» سماعا منه أن الحمام هو الذي لا يألف البيوت، وأن اليمام هو الذي يألف البيوت؛ لكن الذي غلب عليه إطلاق الحمام هذا النوع المخصوص المعروف. ثم هو على قسمين: أحدهما ما ليس له اهتداء في الطيران من المسافة البعيدة. والثاني ما له اهتداء، ويعرف بالحمام الهدي وهو المراد هنا، وقد اعتنى الناس بشأنه في القديم والحديث، واهتم بأمره الخلفاء؛ كالمهديّ ثالث خلفاء بني

العباس، والواثق، والناصر؛ وتنافس فيه رؤساء الناس بالعراق، لا سيما بالبصرة. فقد ذكر صاحب «الروض المعطار» «1» : أنهم تنافسوا في اقتنائه، ولهجوا بذكره، وبالغوا في أثمانه حتّى بلغ ثمن الطائر الفاره منها سبعمائة دينار، ويقال: إنه بلغ ثمن طائر منها جاء من خليج القسطنطينية ألف دينار، وكانت تباع بيضة الطائر المشهور بالفراهة بعشرين دينارا. وإنه كان عندهم دفاتر بأنساب الحمام كأنساب العرب. وإنه كان لا يمتنع الرجل الجليل ولا الفقيه ولا العدل من اتخاذ الحمام والمنافسة فيه والإخبار عنها، والوصف لأثرها والنعت لمشهورها، حتّى وجه أهل البصرة إلى بكار بن قتيبة البكراني «2» ، قاضي مصر- وكان في فضله وعقله ودينه وورعه ما لم يكن عليه قاض- بحمامات لهم مع ثقات، وكتبوا إليه يسألونه أن يتولّى إرسالها بنفسه، وكان الحمام عندهم متجرا من المتاجر لا يرون بذلك بأسا. وذكر المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف» : أن الحمام أوّل ما نشأ- يعني في الديار المصرية والبلاد الشامية- من الموصل وأنّ أوّل من اعتنى به من الملوك ونقله من الموصل: الشهيد نور الدين بن زنكي صاحب الشام رحمه الله في سنة خمس وستين وخمسمائة. وحافظ عليه الخلفاء الفاطميون بمصر، وبالغوا حتّى أفردوا له ديوانا وجرائد بأنساب الحمام. وقد اعتنى بعض المصنفين بأمره؛ حتّى صنّف فيه أبو الحسن بن ملاعب القوّاس البغداديّ كتابا للناصر لدين الله العباسي، ذكر فيه أسماء أعضاء الطائر، ورياشه، والوشوم التي توشم في كل عضو، وألوان

الأمر الأول ذكر ألوانها

الطيور، وما يستحسن من صفاتها، وكيفية إفراخها، وبعض المسافات التي أرسلت منها، وذكر شيء من نوادرها وحكاياتها وما يجري مجرى ذلك. وذكر في «التعريف» : أن القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر «1» صنف فيها كتابا سمّاه «تمائم الحمائم» ؛ ويتعلق الغرض منها بأمور. الأمر الأوّل ذكر ألوانها قال أبو الحسن القوّاس: وقد أكثر الناس من ذكر ألوانها؛ ويرجع القصد فيها إلى ذكر ألوان ستة: اللون الأوّل «البياض» - ومنه الأبيض الصافي، والأشقر؛ وهو ما كان يعلوه حمرة؛ فإن كان الغالب في شقرته البياض قيل: فضّيّ، فإن زاد قيل: أشقر. اللون الثاني «الخضرة» - إن كانت خضرته مشبعة إلى السواد قيل: أخضر مسنّي، فإن كان دون ذلك قيل: نبتيّ الخضرة، فإن كان دون ذلك قيل: صافي الخضرة؛ فإن تكدّرت خضرته بأن لم يكن صافي الخضرة قيل: أسمر. اللون الثالث «الصّفرة» - وهي عبارة عن أن تكون خضرته تميل إلى البياض؛ فإن كان صافيا قيل: أصفر قرطاسيّ. اللون الرابع «الحمرة» - إذا كان شديد الحمرة قيل: عنّابيّ؛ فإن كان دون ذلك قيل: خمري؛ فإن كان دون ذلك قيل: خلوقيّ؛ فإن كانت حمرته تضرب إلى الخضرة قيل: أكفأ؛ فإن كانت حمرته تضرب إلى البياض قيل: أحمر صدقيّ. اللون الخامس «السواد» - إذا كان شديد السواد لا بياض فيه قيل: أسود

اللون السادس «النمري» -

مطبق؛ فإن كان لون سواده ناقصا قيل: أسود أخلس؛ فإن كان سواده يضرب إلى الخضرة قيل: أسود رماديّ؛ فإن كان في سواده مائية قيل: أسود برّاق، فإن كان ساقاه أيضا أسودين قيل: أسود حالك، وأسود زنجيّ. اللون السادس «النّمري» - وهو أن يكون في الطائر نقط يخالف بعضها بعضا؛ ويختلف الحال فيه باختلاف كبر النّقط وصغرها، فتارة يقال: مدنّر، وتارة يقال: ملمّع، وتارة يقول: أبرش، وتارة يقال: موشّح، وتارة يقال: أبقع، وتارة يقال: أبلق، وتارة يقال: دباسيّ، وتارة يقال: مدرّع، إلى غير ذلك مما لا يستوفى كثرة. ثم إن كان الطائر أكحل العينين وحول عينيه حمرة قيل: فقيع، فإن كان أصفر العين قيل: أصفر زرنيخي؛ فإن كان أبيض العنق قيل: هلاليّ، وهو أحسنها، والأصفر العين بعده؛ فإن كانت العين بيضاء وفيها حمرة قيل: رمّاني العين. الأمر الثاني في عدد ريش الجناحين والذنب المعتدّ به وأسمائها أما الجناحان فإن فيهما عشرين ريشة، في كل جناح منهما عشر ريشات، الأولى منها وهي التي في طرف الجناح تسمّى: الصمة؛ والثانية وهي التي بعدها تسمّى: المضافة الرئيسية؛ والثالثة وهي التي بعدها تسمّى: الواسطية؛ والرابعة وهي التي بعدها تسمّى: المضافة؛ والخامسة وهي التي بعدها تسمّى: المنظفة؛ والسادسة وهي التي بعدها تسمّى: المنحدرة؛ والسابعة وهي التي بعدها تسمّى: الناقصة؛ والثامنة وهي التي بعدها تسمّى: المؤنسة؛ والتاسعة وهي التي بعدها تسمّى: الزّاملة، والعاشرة وهي التي بعدها تسمّى: المعينة. وبعضهم يسمّي الأولى: الصغيرة، والثانية: الرقيقة، والثالثة: الموفية، والرابعة: الباحلة، والخامسة: الحيرة، والسادسة: الصرافة، والسابعة: ممسكة الرمي، والثامنة والتاسعة: الحافظتين، والعاشرة: الملكة. وربما كان في كل جناح إحدى عشرة ريشة، فيسمّى الطائر حينئذ: أعلم.

ولهذه الريشات العشر عشر ريشات مع كل واحدة منها رادفة، وهي الريش الصّغار التي تغطّي قصب الجناح من ظاهره؛ ولكل ريشة من هذه الريشات العشر ريشة صغيرة تغطي قصبتها؛ لكل واحدة منها اسم يخصها. ومن ريش الجناح أيضا: الخوافي، وهي الريش المستقر مع العشر ريشات الطّوال المنقلب برؤوسه إلى مؤخّر الجناح؛ وهي تسع ريشات، الأولى منها تسمّى: الحدقة، والثانية: الرّتمة، والثالثة: الغرّة، والرابعة: الحز، والخامسة: الجائزة، والسادسة: المسلّمة، والسابعة: الملازمة، والثامنة: الشعثة، والتاسعة: اللامعة؛ وبعضهم يسمّي الأولى: بنت الملكة، والثانية: الإبرة، والثالثة: المقشعرّة، والرابعة: الصافية، والخامسة: المصفية، والسادسة: المصفرة، والسابعة: الزرقاء، والثامنة: السوداء، والتاسعة: المزرقّة، وعدّ فيها عاشرة تسمّى: المخضرّة؛ ولكل ريشة من الريشات التّسع ريشة صغيرة تغطي قصبتها لها اسم يخصها أيضا. وبعد الخوافي: الغفار، ولكل ريشة من الغفار ريشة صغيرة من باطنها تغطّي قصبتها. ومن ريش الجناحين: المقوّمات، وهي ثلاث ريشات في طرف الجناح، تسمّى: الزوائد؛ ومن فوقها ثلاث ريشات صغار تغطي قصبتها، تسمّى: الغواشي، وأصلها مع أصل «1» أيضا. وأما الذّنب، فالمعتبر فيه اثنتا عشرة ريشة من كل جانب: منه ست ريشات تسمّى الأولى منها: الغزالة، والثانية: العروس، والثالثة: الباشقة، والرابعة: الباقية، والخامسة: المجاورة، والسادسة: العمود، ومن الجانب الآخر كذلك،

الأمر الثالث الفرق بين الذكر والأنثى

الأمر الثالث الفرق بين الذكر والأنثى وقد ذكروا بينهما فروقا؛ منها أن الأنثى إذا تمشت قدّمت الرّجل اليسرى، والذكر يقدّم الرّجل اليمنى، ومنها أن يرى الذكر مقتدرا في الأرض مستشيطا، والأنثى بالضدّ من ذلك؛ ومنها أن ريش الذكر أعرض وأطول وأحسن استواء من الأنثى، ومنها أن مذبح الذكر يكون عريضا ومذبح الأنثى دقيقا؛ ومنها أن يكون وجه الذكر عريض الخدّ والأنثى بالضدّ من ذلك؛ ومنها أنّ الأنثى إذا طارت فتحت جناحيها والذكر إذا طار أخرج عشريه «1» . الأمر الرابع في بيان صفة الطائر الفاره قال أبو الحسن القوّاس: علامته أن يكون رأسه مكعبا، وعينه معتدلة، غير ناتئة ولا غائرة، ولا فاترة، ولا قلقة منزعجة، وأن يكون منقاره غليظا قصيرا، وأن يكون وسط المنخرين مكلثم القرطمتين «2» أهرت «3» الشّدقين، واسع الصدر، نقيّ الريش، طويل الفخذين، قصير الساقين، غليظ الأصابع، شثن «4» البراثن، طويل القوادم من غير إفراط. ويستحب فيه قصر الذنب ودقّته، واجتماع ريشه من غير تفرّق؛ وأن يكون ظهره معتدلا وإلى القصر أقرب؛ وأن يكون جؤجؤه، وهو جانب الصدر، طويلا ممتدّا؛ وعنقه طويلا منتصبا؛ وريش قوامه وخوافيه مبنيّا متطابقا بعضه مع بعض من غير تفرّق ولا تمعّط؛ وأن يكون شديد اللحم مكتنزا، غير رخو ولا رهل.

الأمر الخامس الفراسة في الطائر من حال صغره قبل الطيران

ويستحب فيه أيضا أن يكون قليل الرّعدة عند الفزع، سريع اللّقط للحب؛ خفيف الحركة والنّهوض والنزول من غير طيش ولا اختلاط؛ وأن يكون ظهره مسطّحا لا أحدب ولا أوقص «1» ؛ ويستحب فيه إذا وقف أن ينصب صدره، ويرفع عنقه، ويفتح ما بين فخذيه شبه البازي. ومن علامة فراهته أنه إذا طال عليه الطّيران وأراد النزول على سطحه «2» ألا يدلّي رجليه حتّى يقع صدره على سطحه لأنه إذا دلّى ساقيه كان عيبا عظيما، يقولون: قد انحلت سراويله بمعنى أنه قد أدّى جميع ما عنده من القوّة والطاقة، ويكره فيه دقة المغرز، وطول الذّنب، وتفرّق الريش. الأمر الخامس الفراسة في الطائر من حال صغره قبل الطيران قالوا من علامة الطائر الفاره في صغره: أن يكون حديد النظر، شديد الحذر، خفيف اللحم، قليل الريش، سريع النّهضة، كثير التّلفّت في الجوّ، ممتدّ العظم، مستويا، لطيف الذّنب، خارج العنق، قصير الساقين، طويل الفخذين، محجّلا، مذيل المنقار، مدوّر القراطم، مضاعف المحاجر، يلزم موضعا واحدا من صغره، إلى ازدواجه، فإذا ازدوج على السّطح يكون حريصا على طائرته، حسن الأخلاق معها لا يطردها طرد الكلاب ولا يغتال غيلة الذئاب، قليل الذّرق كثير الدهن، مدلّا بنفسه، كأنه يعلم أنه فاره. فإن كان فيه بعض هذه الخصال كانت فراهته على قدر ما فيه من ذلك. قال أبو الحسن الكاتب: ومن علامة شهامة الفرخ أن تكون فيه الحركة وهو تحت أبيه وأمه، وكلما جمعته لتضمّه تحتها، خرج من تحتها ويعتلق للخروج؛ وأن يكون ريش رأسه كأن فيه جلحا «3» وريش جسده وجناحه مستطيلا عند نبعه من

الأمر السادس بيان الزمان والمكان اللائقين بالإفراخ

جسده، وأن يطول ريشه حتّى يغطّي ظهره ولا ينتشر إلا بعد ذلك؛ وأن يكون من جؤجؤ الصدر إلى مغرزه أقصر من بطنه إلى رأس براثنه. وفي الحمام طائر يقال له: الأندم، وصفته أن يكون أسود المنقار ليس فيه بياض، ورأس منقاره وأصله سواء، لا تحديد في رأسه؛ عريض القراطم غليظ الشّدقين، منتشر المنخرين، جهوريّ الصوت، غائر العين؛ قال أبو الحسن القوّاس: ولا تكون هذه الصفة إلا في الطائر الفاره الأصيل، الكريم الأب والأم. الأمر السادس بيان الزمان والمكان اللائقين بالإفراخ أما الزمان فأصلح أوقات التأليف: أيلول، وتشرين الأول، وتشرين الثاني، وآذار، ونيسان، وأيار، فإذا وقع الإفراخ في شيء من هذه الأوقات كانت الفراخ أقوياء نجباء، أذكياء، ونهوا عن الإفراخ في كانون الأول، وكانون الثاني، وشباط، وآب، وتموز، وحزيران، فإن الذي يفرخ فيه لا يزال ناقص البدن، قليل الفطنة، يلقي ريشه في السنة مرتين فيضعف. وأما المكان فقد حكي عن إقليمن الهندي: أن أولى ما أفرخ الحمام بالسّطوح. وذلك أنّ الفرخ يخرج من القشر فيلقى خشونة الهواء وحرّ الموضع فيصير له عادة ثم لا ينهض حتّى يعرف وطنه وينقلب إليه أبوه وأمه بالزّقّ والعلف فيعرف السّطح حقّ المعرفة، وينتقل خلفهما فيعلمانه الصّعود والهبوط، وربما أخذه إلى الرّعي بالصحراء فلا يكمل حتّى يصير شهما عارفا بأمور الطيران؛ بخلاف ما إذا أفرخ بالسّفل فإنه يتربّى جسده على برودة الفيء ولين الهواء، فإذا كمل وترقّى الى السطح لقيه خشونة الهواء وقوة الحرّ، فيحدث له الحرّ الجامد بفؤاده الكباد والدّقّ «1» .

الأمر السابع في مسافة الطيران

الأمر السابع في مسافة الطيران قد تقدّم أنّ طائرا طار من الخليج القسطنطينيّ إلى البصرة، وأن الحمام كان يرسل من مصر إلى البصرة أيضا. وذكر ابن سعيد «1» في كتابه «جنى المحل وجنى النحل» : أنّ العزيز ثاني خلفاء الفاطميين بمصر ذكر لوزيره يعقوب بن كلس «2» أنه ما رأى القراصية البعلبكية، وأنه يحب أن يراها، وكان بدمشق حمام من مصر وبمصر حمام من الشام، فكتب الوزير بطاقة يأمر فيها من بدمشق أن يجمع ما بها من الحمام المصريّ ويعلق في كل طائر حبّات من القراصية البعلبكية وترسل ففعل ذلك؛ فلم يمض النهار إلا وعنده قدر كثير من القراصية، فطلع بها إلى العزيز من يومه؛ وذكر أيضا في كتابه «المغرب في أخبار المغرب» : أن الوزير اليازوري «3» المغربي وزير المستنصر الفاطمي وجّه الحمام من مدينة تونس من إفريقية من بلاد المغرب إلى مصر فجاء إلى مصر. وقد ذكر أبو الحسن القوّاس في كتابه في الحمام: أنّ حماما طار من عبّادان «4» إلى الكوفة، وأن حماما طار من التّرناوذ إلى الأبلّة «5» ونحو ذلك. وسيأتي

النوع الخامس ما يحتاج إلى وصفه من نفائس الأحجار

الكلام على أبراج الحمام بالديار المصرية في المقالة العاشرة فيما بعد إن شاء الله تعالى. النوع الخامس ما يحتاج إلى وصفه من نفائس الأحجار ويحتاج الكاتب إليه من وجهين: أحدهما من حيث مخالطة الملوك، فلا بدّ أن يكون عارفا بصفات الجواهر وأثمانها والنّفيس منها وخواصّها، لأنه ربما جرى ذكر شيء من ذلك بحضرة ملكه، فتكون مشاركته فيه زيادة في رفعة محله، وعلوّ مقداره، وهذا هو الذي عوّل عليه صاحب «موادّ البيان» » في احتياج الكاتب إلى ذلك. والثاني: أن يحتاج إلى وصف شيء من ذلك مع هدية تصدر عن ملكه أو هدية تصل إليه، مع ما يحتاج إليه من ذلك لمعرفة التشبيهات والاستعارات التي هي عمود البلاغة؛ فمن لم يكن عارفا بأوصاف الأحجار، ونفائس الجواهر، لا يحسن التعبير عنها، ألا ترى إلى تشبيهات ابن المعتز «2» ووصفه للجواهر كيف تقع في نهاية الحسن وغاية الكمال لمعرفته بالمشاهدة فهو يقول عن علم، ويتكلم عن معرفة «وليس الخبر كالمعاينة» وقد اعتنى الناس بالتصنيف في الأحجار في القديم والحديث. فممن صنف فيه في القديم من حكماء الفلاسفة: أرسطوطاليس «3» ؛ وبلينوس «4» ، وياقوس الأنطاكي.

الصنف الأول اللؤلؤ

وممن صنّف فيه من الإسلاميين: أحمد بن أبي خالد المعروف بابن الجزار «1» ، ويعقوب بن إسحاق الكندي وغيرهما، وأحسن مصنّف فيه مصنّف أبي العباس أحمد بن يوسف التّيفاشيّ «2» . والذي يتعلق الغرض منه بذلك اثنا عشر صنفا: الصنف الأول اللؤلؤ وهو يتكوّن في باطن الصّدف، وهو حيوان من حيوان البحر الملح له جلد عظميّ كالحلزون، ويغوص عليه الغوّاصون فيستخرجونه من قعر البحر، ويصعدون به فيستخرجونه منه. وله مغاصات كثيرة، إلا أن مظانّ النفيس منه بسرنديب من الهند، وبكيش «3» ، وعمان، والبحرين من أرض فارس، وأفخره لؤلؤ جزيرة خارك، بين كيش والبحرين. أمّا ما يوجد منه ببحر القلزم وسائر بحار الحجاز فرديء ولو كانت الدّرّة منه في نهاية الكبر؛ لأنه لا يكون لها طائل ثمن. وجيّد اللؤلؤ في الجملة هو الشّفّاف الشديد البياض، الكبير الجرم، الكثير الوزن، المستدير الشكل، الذي لا تضريس فيه، ولا تفرطح، ولا اعوجاج. ومن عيوبه أن يكون في الحبة تفرطح، أو اعوجاج، أو يلصق بها قشر أو دودة، أو تكون مجوّفة غير مصمته، أو يكون ثقبها متسعا.

ثم من مصطلح الجوهريين أنه إذا اجتمع في الدرّة أوصاف الجودة، فما زاد على وزن درهمين ولو حبة يسمّى درّا؛ فإن نقصت عن الدرهمين ولو حبة سمّيت حبّة لؤلؤ؛ وإذا كانت زنتها أكثر من درهمين وفيها عيب من العيوب فإنها تسمّى حبّة أيضا؛ ولا عبرة بوزنها مع عدم اجتماع أوصاف الجودة فيها. وتسمّى الحبة المستديرة الشكل عند الجوهريين: الفأرة، وفي عرف العامّة: المدحرجة. ومن طبع الجوهر أنه يتكون قشورا رقاقا طبقة على طبقة حتّى لو لم يكن كذلك فليس على أصل الخلقة بل مصنوع. ومن خواصه أنه إذا سحق وسقي مع سمن البقر نفع من السّموم. وقال أرسطوطاليس: من وقف على حل اللؤلؤ من كباره وصغاره حتّى يصير ماء رجراجا ثم طلى به البرص أذهبه. وقيمة الدرّة التي زنتها درهمان وحبة مثلا أو وحبتان، مع اجتماع شرائط الجودة فيها، سبعمائة دينار؛ فإن كان اثنتان على هذه الصفة كانت قيمتهما ألفي دينار، كل واحدة ألف دينار لاتفاقهما في النظم؛ والتي زنتها مثقال وهي بصفة الجودة قيمتها ثلاثمائة دينار، فإن كان اثنتان زنتهما مثقال وهما بهذه الصفة على شكل واحد لا تفريق بينهما في الشكل والصورة، كانت قيمتهما أكثر من سبعمائة دينار. وقد ذكر ابن الطوير في تاريخ الدّولة الفاطمية: أنه كان عند خلفائهم درّة تسمّى اليتيمة زنتها سبعة دراهم تجعل على جبهة الخليفة بين عينيه عند ركوبه في المواكب العظام على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب دولتهم في المسالك والممالك إن شاء الله تعالى. ويضرّه جميع الأدهان، والحموضات بأسرها لا سيما الليمون، ووهج النار، والعرق، وذفر الرائحة، والاحتكاك بالأشياء الخشنة؛ ويجلوه ماء حماض الأترج، إلا أنه إذا أثجّ «1» عليه به قشره ونقص وزنه، فإن كانت صفرته من أصل تكوّنه في البحر فلا سبيل إلى جلائها.

الصنف الثاني الياقوت

الصنف الثاني الياقوت قال بلينوس: وهو حجر ذهبيّ، وهو حصى يتكوّن بجزيرة خلف سرنديب من بلاد الهند بنحو أربعين فرسخا، دورها نحو ستين فرسخا في مثلها، وفيها جبل عظيم يقال له جبل الرّاهون، تحدر منه الرياح والسيول الياقوت فيلتقط، والياقوت حصباؤه؛- وهو الجبل الذي أهبط الله تعالى عليه آدم عليه السلام- فإذا لم تحدر السيول منه شيئا عمد أهل ذلك الموضع إلى حيوان فذبحوه وسلخوا جلده وقطّعوه قطعا كبارا وتركوه في سفح ذلك الجبل فيختطفه نسور تأوي إلى ذلك الجبل فتصعد باللحم إلى أعلاه فيلصق بها الياقوت؛ ثم تأخذه النسور وتنزل به إلى أسفل فيسقط منه ما علق به من الياقوت؛ فإذا أخذ كان لونه مظلما ثم يشف بملاقاة الشمس ويظهر لونه على أيّ لون كان. ثم هو على أربعة أضرب: الضرب الأوّل «الأحمر» - ومنه البهرمان؛ ولونه كلون العصفر «1» الشديد الحمرة الناصع في القوّة الذي لا يشوب حمرته شائبة؛ ويسمّى: الرّمّانيّ لمشابهته حبّ الرّمان الرائق الحب؛ وهو أعلى أصناف الياقوت وأفضلها وأغلاها ثمنا. ومنه: الخيريّ؛ وهو شبيه بلون الخيريّ «2» ؛ وهو المنثور؛ ويتفاضل في قوّة الصبغ وضعفه حتى يقرب من البياض. ومنه الورديّ: وهو كلون الورد ويتفاضل في شدّة الصبغ وضعفه حتّى يقرب من البياض.

الضرب الثاني «الأصفر» -

وأردأ ألوانه الورديّ الذي يضرب إلى البياض، والسّمّاقي الذي يضرب إلى السّواد. الضرب الثاني «الأصفر» - وأعلاه الجلّناريّ؛ وهو أشدّه صفرة، وأكثره شعاعا ومائية؛ ودونه الخلوقيّ، وهو أقلّ صفرة منه؛ ودونه الرقيق وهو قليل الصفرة كثير الماء ساطع الشّعاع. وأردأ الأصفر ما نقص لونه ومال إلى البياض. الضرب الثالث «الأبيض» - ومنه المهانيّ: وهو أشدّها وأكثرها ماء وأقواها شعاعا؛ ومنه الذكر؛ وهو أثقل من المهانيّ وأقلّ شعاعا وأصلب حجرا؛ وهو أدون أصناف الياقوت وأقلها ثمنا. وأجود الياقوت الأحمر البهرمانيّ والرمانيّ والورديّ النيّر المشرق اللون الشّفّاف الذي لا ينفذه البصر بسرعة. وعيوبه الشّعرة؛ وهي شبه تشقيق يرى فيه، والسوس؛ وهو خروق توجد فيه باطنة ويعلوها شيء من ترابية المعدن. ومن أردأ صفاته قبح الشكل. ومن خواصّ الياقوت: أنه يقطع كل الحجارة كما يقطعها الماس؛ وليس يقطعه هو على أيّ لون كان غير الماس. ومن خواصه أيضا: أنه لا ينحكّ على خشب العشر الذي تجلى به جميع الأحجار؛ بل طريق جلائه أن يكسّر الجزع «1» اليماني ويحرق حتّى يصير كالنّورة «2» ثم يسحق بالماء حتّى يصير كأنه الغراء ثم يحك على وجه صفيحة من نحاس حجر الياقوت، فينجلي ويصير من أشدّ الجواهر صقالة. ومن خواصه: أنه ليس لشيء من الأحجار المشفّة شعاع مثله، وأنه أثقل من سائر الأحجار المساوية له في المقدار، وأنه يصبر على النار فلا يتكلّس بها كما يتكلس غيره من الحجارة النفيسة؛ وإذا خرج من النار برد بسرعة حتّى إنّ الإنسان

يضعه في فيه عقب إخراجه من النار فلا يتأثر به؛ إلا أن لون غير الأحمر منه كالصفرة وغيرها يتحوّل إلى البياض؛ أمّا الحمرة فإنها تقوى بالنار، بل إذا كان في الفص نكتة حمراء، فإنها تتّسع بالنار وتنبسط في الحجر بخلاف النكتة السوداء فيه، فإنها تنقص بالنار، فما ذهبت حمرته بالنار فليس بياقوت، بل ياقوت أبيض مصبوغ أو حجر يشبه الياقوت. ومن منافعه ما ذكره أرسطاطاليس: أن التختم به يمنع صاحبه أن يصيبه الطاعون إذا ظهر في بلد هو فيه، وأنه يعظم لابسه في عيون الناس، ويسهل عليه قضاء الحوائج، وتتيسر له أسباب المعاش، ويقوّي قلبه ويشجعه، وأن الصاعقة لا تقع على من تختم به. وإذا وضع تحت اللسان، قطع العطش. وامتحانه أن يحكّ به ما يشبهه من الأحجار، فإنه يجرحها بأسرها ولا تؤثر هي فيه. قال التيفاشيّ: وقيمة الأحمر الخالص على ما جرى عليه العرف بمصر والعراق أن الحجر إذا كان زنته نصف درهم كانت قيمته ستة مثاقيل من الذهب الخالص؛ والحجر الذي زنته درهم قيمته ستة عشر دينارا؛ والحجر الذي زنته مثقال قيمته بدينارين القيراط؛ والحجر الذي زنته مثقال وثلث قيمته ثلاثة دنانير القيراط إلى ثلاثة ونصف؛ ويزيد ذلك بحسب زيادة لونه ومائيته وكبر جرمه، حتّى ربما بلغ ما زنته مثقال من جيّده مائة مثقال من الذهب إذا كان بهرمانا نهاية في الصّبغ والمائية والشعاع، قد نقص منه بالحك كثير من جرمه؛ وقيمة الأصفر منه زنة كل درهم بدينارين؛ وقيمة الأزرق والماهانيّ كل درهم بأربعة دنانير؛ وقيمة الأبيض على النصف من الأصفر. ويختلف ذلك كله بالزيادة والنقص في الصّبغ والمائية مع القرب من المعدن والبعد عنه. وقد ذكر ابن الطوير في ترتيب مملكة الفاطميين: أنه كان عندهم حجر ياقوت أحمر في صورة هلال زنته أحد عشر مثقالا يعرف بالحافر، يجعل على جبين الخليفة بين عينيه مع الدّرّة المتقدّمة الذكر عند ركوبه.

الصنف الثالث البلخش

الصنف الثالث البلخش قال في مسالك الأبصار «1» : ويسمّى اللّعل. قال بلينوس: وانعقاده في الأصل ليكون ياقوتا إلا أنه أبعده عن الياقوتية علل من اليبس والرطوبة وغيرهما، وكذلك سائر الأحجار الحمر. ومعدن البلخش الذي يتكوّن فيه بنواحي بلخشان. والعجم تقول: بذخشان بذال معجمة وهي من بلاد الترك تتاخم الصين «2» . قال التيفاشي: وأخبرني من رأى معدنه من التّجار أنه وجد منه في المعدن حجرا وفي باطنه ما لم يكمل طبخه وانعقاده بعد، والحجر مجتمع عليه؛ وهو على ثلاثة أضرب: أحمر معقرب، وأخضر زبرجديّ، وأصفر؛ والأحمر أجوده. قال التيفاشي: وليس لجميعه شيء من خواص الياقوت ومنافعه؛ وإنما فضيلته تشبهه به في الصّبغ والمائية والشعاع لا غير. قال: وقيمته في الجملة غالبا على النصف من قيمة الياقوت الجيد. قال في مسالك الأبصار: وهو لا يؤخذ من معدنه إلا بتعب كثير وإنفاق زائد، وقد لا يوجد بعد التعب والإنفاق، ولهذا عز وجوده، وغلت قيمته، وكثر طالبه، والتفتت الأعناق إلى التحلي به. قال: وأنفس قطعة وصلت إلى بلادنا من البلخش قطعة وصلت مع تاجر في أيام العادل كتبغا «3» وأحضرت إليه وهو بدمشق، وكانت قطعة جليلة مثلثة على هيئة المشط العوديّ، وهي في نهاية الحسن وغاية الجودة، زنتها خمسون درهما، كاد المجلس يضيء منها، فأحضر الصاحب نجم

الصنف الرابع عين الهر

الدين الحنفيّ الجوهريّ وسأله عن قيمتها، فقال له نجم الدين الجوهريّ: إنما يعرف قيمتها من رأى مثلها، وأنا وأنت والسلطان ومن حضر لم نر مثلها فكيف نعرف قيمتها؟ فأعجب بكلامه، وصالح عليها صاحبها. الصنف الرابع عين الهرّ قال التيفاشي: وهو في معنى الياقوت إلا أن الأعراض المقتصرة به أقعدته عن الياقوتية، ولذلك إنما يوجد في معدن الياقوت المتقدّم ذكره، وتخرجه الرياح والسيول كما تخرج الياقوت على ما تقدّم، قال: ولم أجده في كتب الأحجار، وكأنه محدث الظهور بأيدي الناس، والغالب على لونه البياض بإشراق عظيم ومائية رقيقة شفافة، إلا أنه ترى في باطنه نكتة على قدر ناظر الهر الحامل للنور المتحرك في فصّ مقلته، وعلى لونه- على السواد- وإذا تحرّك الفصّ إلى جهة، تحركت تلك النكتة بخلاف جهته؛ فإن مال إلى جهة اليمين، مالت النكتة إلى جهة اليسار وبالعكس، وكذلك الأعلى والأسفل؛ وإن كسر الحجر أو قطع على أقلّ جزء، ظهرت تلك النكتة في كل جزء من أجزائه، ولذلك يسمّى: عين الهر. وأجوده ما اشتدّ بياض أبيضه وشفيفه، وكثرت مائية النكتة التي فيه مع سرعة حركتها وظهور نورها وإشراقها؛ ولا يخفى أن حسن الشكل وكبر الجرم يزيدان في قيمته كسائر الأحجار. قال التيفاشي: والمشهور من منافعه عند الجمهور أنه يحفظ حامله من أعين السوء. ونقل عن بعض ثقات الجوهريّين: أنه يجمع سائر الخواصّ التي في الياقوت البهرمانيّ في منافعه، ويزيد عليه بألا ينقص مال حامله ولا تعتريه الآفات، وأنه إذا كان في يد رجل وحضر مصافّ حرب وهزم حزبه فألقى نفسه بين القتلى رآه كل من يمرّ به من أعدائه كأنه مقتول متشحط في دمه، وأن ثمنه بالهند مع قرب معدنه أغلى من ثمنه ببلاد المغرب بكثير، لعلمهم بخواصه؛ وقيمته تختلف بحسب الرغبة فيه؛ وإذا وقع ببلاد المغرب بيع المثقال منه بخمسة دنانير، ويزيد

الصنف الخامس الماس

على ذلك بحسب الغرض. وذكر التيفاشي عن بعض التجار أن حجرا منه بيع في المعبر من بلاد الهند بمائة وخمسين دينارا، وأنه بيع منه حجر ببلاد الفرس بسبعمائة دينار. الصنف الخامس الماس قال بلينوس في كتاب الأحجار: وابتدأ في معدنه لينعقد ذهبا، فأبعدته العوارض عن ذلك؛ وهو يتكوّن في معدن الياقوت المقدّم ذكره، وتخرجه الرياح والسيول من معدنه كما تخرج الياقوت؛ وهو ضربان: أحدهما أبيض شديد البياض يشبه البلّور يسمّى البلّوريّ لذلك؛ والثاني يخالط بياضه صفرة فيصير كلون الزّجاج الفرعوني، ويعبر عنه: بالزيتي. قال الكنديّ: والذي عاينته من هذا الحجر ما بين الخردلة إلى الجوزة ولم أر أعظم من ذلك. ومن خواصه: أنه يقطع كل حجر يمرّ عليه؛ وإذا وضع على سندال «1» حديد ودقّ بالمطرقة لم ينكسر، وغاص في وجه السندال والمطرقة وكسرهما، ولا يلتصق بشيء من الأجساد إلا هشم؛ ويمحو النقوش التي في الأحجار كلّها؛ وإنما يكسر بأحد طريقين: أحدهما أن يجعل داخل شيء من الشمع ويدخل في أنبوب قصب وينقر بمطرقة أو غيرها برفق بحيث لا يباشر جسمه الحديد، فينكسر حينئذ؛ أو يجعل في أسربّ وهو الرّصاص ويفعل به ذلك فيكسر أيضا. ومن خواصه: أن الذباب يشتهي أكله فما سقطت منه قطعة صغيرة إلا سقط عليها الذباب وابتلعها أو طار بها؛ ومتى ابتلع منه الإنسان قطعة، ولو أصغر ما يكون حرقت أمعاءه وقتلته على الفور. قال أرسطوطاليس: وبينه وبين الذهب محبة يتشبّث به حيث كان. ومن خاصته: أن كلّ قطعة تؤخذ منه تكون ذات زوايا قائمة الرأس: ستّ

الصنف السادس الزمرد

زوايا وثمان زوايا وأكثر، وأقله: ثلاث زوايا، وإذا كسر لا ينكسر إلا مثلّثا، وبه يثقب الدرّ والياقوت والزّمرّد وغيرها من جميع ما لا يعمل فيه الحديد من الأحجار كما يثقب الحديد الخشب، بأن يركّب في رأس منقار حديد منه قطعة بقدر ما يراد من سعة الثّقب وضيقه ثم يثقب به، فيثقب بسرعة. ومن منفعته فيما ذكره أرسطوطاليس: أن من كان به الحصاة الحادثة في المثانة في مجرى البول إذا أخذ حبة من هذا الحجر وألصقها في مرود «1» نحاس بمصطكى «2» إلصاقا محكما ثم أدخل المرود إلى الحصاة فإنها تثقبها. قال أحمد بن أبي خالد «3» : وبذلك عالجت وصيفا الخادم من حصاة أصابته وامتنع من الشق عليها بالحديد. وقال ابن بوسطر: وإذا علّق على البطن من الخارج نفع من المغس «4» الشديد، ومن فساد المعدة. وقيمته الوسطى فيما ذكره التيفاشي أنّ زنة قيراط منه بدينارين. ونقل عن الكنديّ: أن أغلى ما شاهد منه ببغداد المثقال بثمانين دينارا، وأرخص ما شاهد منه ببغداد أيضا المثقال بخمسة عشر دينارا؛ وأنه إذا بدرت منه قطعة كبيرة تصلح لفصّ قدر نصف مثقال يضاعف ثمنها على ما هو قدر الخردلة أو الفلفلة ثلاثة أضعاف وأربعة وخمسة. الصنف السادس الزّمرّد يقال بالذال المعجمة والمهملة؛ قال بلينوس: والزّمرّد ابتدأ لينعقد ياقوتا، وكان لونه أحمر إلا أنه لشدّة تكاثف الحمرة بعضها على بعض عرض له

الأول «الذبابي» -

السواد، وامتزجت الحمرة والسواد فصار لونه أخضر. ومعدنه الذي يتكوّن فيه في التخوم بين بلاد مصر والسودان خلف أسوان من بلاد الديار المصرية، يوجد في جبل هناك ممتدّ كالجسر فيه معادن. قال في مسالك الأبصار: وبينه وبين قوص «1» ثمانية أيام بالسير المعتدل، ولا عمارة عنده ولا حوله ولا قريبا منه، والماء عنده على مسيرة نصف يوم أو أكثر في موضع يعرف بغدير أعين. فمنه ما يوجد قطعا صغارا كالحصى منبثة في تراب المعدن وهي الفصوص، وربما أصيب العرق منه متصلا فيقطع وهو القصب، وهو أجوده. قال في مسالك الأبصار: وتلك العروق منبثة في حجر أبيض تستخرج منه بقطع الحجر. قال التيفاشي: ويوجد على بعضه تربة كالكحل الشديد السواد، وهو أشدّه خضرة وأكثره ماء. وقد ذكر المؤيد صاحب حماه في تاريخه: أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب رحمه الله لما استولى على قصر الفاطميين بعد موت العاضد «2» ، وجد فيه قصبة من زمرّد طولها أربعة أذرع أو نحوها. وهو على ثلاثة أضرب: الأوّل «الذّبابي» - وهو شديد الخضرة، لا يشوب خضرته شيء آخر من الألوان من صفرة ولا سواد ولا غيرهما، حسن الصّبغ، جيد المائية، شديد الشّعاع، ويسمّى: ذبابيّا، لمشابهة لونه في الخضرة لون كبار الذّباب الأخضر الربيعيّ؛ وهو من أحسن الألوان خضرة وبصيصا. قال في مسالك الأبصار: وهو أقلّ من القليل بل لا يكاد يوجد. الثاني «الرّيحانيّ» - وهو مفتوح اللون، شبيه بلون ورق الرّيحان. الثالث «السّلقيّ» - وخضرته أشبه شيء بلون السّلق.

الرابع «الصابوني» -

الرابع «الصابونيّ» - ولونه كلون الصابون الأخضر. قال في «مسالك الأبصار» : وإذا استخرج الزّمرّد من المعدن جعل في زيت الكتّان ثم لفّ في قطن وصرّ في خرقة كتّان ونحوها؛ ولم يزل العمل في هذا المعدن إلى أثناء الدّولة الناصرية محمد بن قلاوون فترك لكثرة كلفته. وأفضل أنواعه وأشرفها: الذبابيّ، ويزداد حسنه بكبر الجرم واستواء القصبة، وعدم الاعوجاج فيها. ومن عيوب الذبابيّ: اختلاف الصّبغ بحيث يكون موضع منه مخالفا للموضع الآخر، وعدم الاستواء في الشكل، والتشعير، وهو شبه شقوق خفية إلا أنه لا يكاد يخلو منه، والرّخاوة، وخفة الوزن، وشدة الملاسة والصّقال والنّعومة، وزيادة الخضرة والمائية إذا ركب على البطانة، وهو ينحل بالنار ويتكلس فيها ولا يثبت ثبات الياقوت. ومن خاصّيّة الذبابيّ التي امتاز بها عن سائر الأحجار: أن الأفاعيّ إذا نظرت إليه ووقع بصرها عليه انفقأت عيونها؛ قال التيفاشي: وقد جربت ذلك في قطعة زمرّد ذبابيّ خالص فحصّلت أفعى وجعلتها في طشت وألصقته بشمع في رأس سهم وقرّبته من عينها فسمعت قعقعة خفية كما في قتل صؤابة «1» ، فنظرت إلى عينيها فإذا هما قد برزتا على وجهها وضعفت حركتها؛ وبهذه الخاصّة يمتحن الزّمرّد الخالص من غيره كما يمتحن الياقوت بالصّبر على النار. ومن منافعه: أن من أدمن نظره أذهب عن بصره الكلال؛ ومن تختم به دفع عنه داء الصّرع إذا كان قد لبسه قبل ذلك؛ ومن أجل ذلك كانت الملوك تعلقه على أولادها؛ وإذا كان في موضع لم تقر به ذوات السموم؛ وإذا سحل منه وزن ثمان شعيرات وسقيته شارب السمّ قبل أن يعمل السم فيه، خلصته منه؛ وإذا تختم به نفث الدم أو إسهاله منع من ذلك؛ وإذا علّق على المعدة من خارج نفع من وجعها؛ وشرب حكاكته ينفع من الجذام.

الصنف السابع الزبرجد

وقيمة الذبابيّ الخالص في الحجر الذي زنته درهم: أربعة دنانير القيراط، ويتضاعف بحسب كبره، وينقص بحسب صغره؛ إلا أنه لا ينقص بالصّغر نقص غيره من الأحجار، لوجود خاصيته في الكبير والصغير والمعوجّ والمستقيم. أما بقية أصناف الزّمرّد فإنه لا يعتدّ بها لعدم المنافع الموجودة في الذبابيّ. الصنف السابع الزّبرجد وهو حجر أخضر يتكوّن في معدن الزّمرّد؛ ولذلك يظنه كثير من الناس نوعا منه إلا أنه أقلّ وجودا من الزّمرّد. قال التّيفاشيّ: أما في هذا الزمان فإنه لا يوجد في المعدن أصلا، وإنما الموجود منه بأيدي الناس فصوص تستخرج بالنبش من الآثار القديمة بالإسكندرية؛ وذكر أنه رأى منه فصّا في يد رجل أخبره أنه استخرجه من هنا لك، زنته درهم، لا يكاد البصر يقلع عنه لرقة مائه وحسن صفائه. وأجوده: الأخضر المعتدل الخضرة، الحسن المائية، الرقيق المستشفّ، الذي ينفذه البصر بسرعة، ودونه الأخضر المفتوح اللون؛ وليس فيه شيء من خواص الزّمرّد إلا أن إدمان النظر إليه يجلو البصر. وقيمة خالصه نصف درهم بدينار. الصنف الثامن الفيروذج وهو حجر نحاسيّ يتكون في معادن النّحاس من الأبخرة الصاعدة منها، إلا أنه لا يوجد في جميع معادن النّحاس، ومعدنه الذي يوجد فيه بنيسابور، ومنه يجلب إلى سائر البلدان، ومنه نوع آخر يوجد في نشاور «1» إلا أن النيسابوري خير منه.

الصنف التاسع الدهنج

وهو ضربان: بسحاقيّ «1» وخلنجيّ؛ والخالص منه العتيق هو البسحاقيّ. وأجوده: الأزرق الصافي اللون، المشرق الصفاء، الشديد الصّقالة، المستوي الصّبغ؛ وأكثر ما يكون فصوصا؛ وذكر الكنديّ أنه رأى منه حجرا زنته أوقية ونصف. ومن خاصته: أنه يصفو بصفاء الجوّ ويكدر بكدرته؛ وإذا مسه الدّهن أذهب حسنه وغيّر لونه؛ والعرق يطفىء لونه، والمسك إذا باشره أفسده وأذهب حسنه؛ وإذا وضع الفصّ الجيد منه إلى جانب ما هو دونه في الجودة أذهب بهجته؛ وإذا وضع إلى جانب الدّهنج «2» غلب الدهنج على لونه فأذهب بهجته، ولو كان الفصّ الفيروزج في غاية الحسن والجودة. ومن منافعه: أنه يجلو «البصر بالنظر إليه؛ وإذا سحق وشرب نفع من لدغ العقارب. وقيمته تختلف باختلاف الجودة اختلافا كثيرا، فربما كان الفصّان منه زنتهما واحدة وثمن أحدهما دينار وثمن الآخر درهم. وبالجملة: فالخلنجيّ الجيد على النصف من البسحاقي الجيد. قال التيفاشيّ: وأهل المغرب أكثر الناس له طلبا وأشدّهم في ثمنه مغالاة، وربّما بلغوا بالفصّ منه عشرة دنانير مغربية، ويحرصون على التختم به، وربما زعموا أنه يدخل في أعمال الكيمياء. الصنف التاسع الدّهنج وقد ذكر أرسطوطاليس: أنه أيضا حجر نحاسيّ يتكوّن في معادن النحاس يرتفع من أبخرتها وينعقد، لكنه لا يوجد في جميع معادن كرمان وسجستان من بلاد

فارس. قال: ومنه ما يؤتى به من غار بني سليم من برية المغرب، في مواضع أخرى كثيرة. وأجود أنواعه أربعة: وهي الإفرنديّ «1» ، والهنديّ، والكرمانيّ، والكركيّ؛ وأجوده في الجملة الأخضر المشبع الخضرة، الشبيه اللون بالزّمرّد، معرّق بخضرة حسنة، فيه أهلّة، وعيون بعضها من بعض حسان، وأن يكون صلبا أملس يقبل الصّقالة. ومن خاصته في نفسه: أن فيه رخاوة بحيث أنه إذا صنع منه آنية أو نصب للسكاكين ومرت عليه أعداد سنين، ذهب نوره لرخاوته وانحل، ولذلك إذا حكّ انحك سريعا، وإذا خرط خرزا أو أواني أو غير ذلك كان في خرطه سهولة، وإذا نقع في الزيت اشتدت خضرته وحسن، فإن غفل عنه حتّى يطول لبثه في الزيت مال إلى السواد. ومن منافعه: أنه إذا مسح به على مواضع لدغ العقرب سكنه بعض السكون، وإذا سحق منه شيء وأذيب بالخل ودلك به موضع القوبة «2» الحادثة من المرّة «3» السوداء أذهبها. ومن عجيب خواصّه أنه إذا سقي من سحالته شارب سمّ نفعه بعض النفع؛ وإن شرب منه من لم يشرب سمّا كان سمّا مفرطا ينفّط «4» الأمعاء، ويلهب البدن،

الصنف العاشر البلور

ويحدث فيه سمّا «1» لا يبرأ سريعا، لا سيما إذا حكّ بحديدة، ومن أمسكه في فيه ومصه أضرّ به. وقيمته أن الأفريديّ «2» الخالص منه كل مثقال بمثقالين من الذهب، ويوجد منه فصوص وغيرها. وقد ذكر يعقوب بن إسحاق الكنديّ: أنه رأى منه صحفة تسع ثلاثين رطلا. الصنف العاشر البلّور قال بلينوس: وهو حجر بورقيّ «3» وأصله اليوقوتية «4» إلا أنه قعدت به أعراض عن بلوغ رتبة الياقوت؛ وقد اختلف أصحابنا الشافعية رحمهم الله في نفاسته على وجهين: أصحهما أنه من الجوهر النفيس كالياقوت ونحوه؛ والثاني أنه ليس بنفيس لأن نفاسته في صنعته لا في جوهره. ويوجد بأماكن، منها برّية العرب من أرض الحجاز وهو أجوده، ومنه ما يؤتى به من الصين وهو دونه، ومنه ما يكون ببلاد الفرنجة وهو في غاية الجودة ومنه معادن توجد بأرمينية تميل إلى الصفرة الزجاجية. وقد ذكر التيفاشيّ: أنه ظهر في زمنه معدن منه بالقرب من مرّاكش من المغرب الأقصى إلا أن فيه تشعيرا، وكثر عندهم حتّى فرش منه لملك المغرب مجلس كبير، أرضا وحيطانا، ونقل عن بعض التّجّار: أن بالقرب من غزنة من بلاد الهند على مسيرة ثلاثة عشر يوما منها بينها وبين كاشغر جبلين من بلور خالص مطلّين على واد بينهما، وأنه يقطع في الليل لتأثير شعاعه إذا طلعت عليه الشمس بالنهار في الأعين.

الصنف الحادي عشر المرجان

وأجوده: أصفاه وأنقاه وأشفّه وأبيضه وأسلمه من التشعير؛ فإن كان مع ذلك كبير الجرم- آنية أو غيرها- كان غاية في نوعه. وقد ذكر الكندي: أن في البلور قطعا تخرج كل قطعة منه من المعدن أكبر من مائة منّ «1» . ونقل التيفاشيّ: أنه كان بقصر شهاب الدين الغوري صاحب غزة «2» أربع خواب للماء كلّ خابية تسع ثلاث روايا ماء على محامل من بلور، كل محمل ما بين ثلاثة قناطير إلى أربعة؛ وذكر أيضا أنه رأى منه صورة ديك مخروط من صنعة الفرنج إذا صبّ فيه الشراب ظهر لونه في أظفار الديك. ومن خاصّته: ما ذكره أوفرسطس الحكيم أنه يذوب بالنار كما يذوب الزجاج، ويقبل الصّبغ. ومن خاصته أيضا: أنه إذا استقبل به الشمس ووجه موضع الشعاع الذي يخرج منه إلى خرقة سوداء احترقت وظهر فيها النار. ومن منافعه: أن من تختم به أو علقه عليه لم ير منام سوء. وقيمته تختلف بحسب كبر آنيته وصغرها وإحكام صنعتها. قال التيفاشي: وبالجملة فالقطعة التي تحمل «3» منه رطلا إذا كانت شديدة الصّفاء سالمة من التشعير، تساوي عشرة دنانير مصرية. الصنف الحادي عشر المرجان وهو حجر أحمر في صورة الأحجار المتشعبة الأغصان؛ ومعدنه الذي

يتكوّن فيه بموضع من بحر القلزم بساحل إفريقيّة، يعرف بمرسى الخرز، ينبت بقاعه كما ينبت النبات، وتعمل له شباك «1» قوية مثقّلة بالرّصاص، وتدار عليه حتّى يلتفّ فيها، ويجذب جذبا عنيفا فيطلع فيها المرجان. وربما وجد ببعض بلاد الفرنجة إلا أن الأكبر والأكثر والأحسن بمرسى الخرز؛ ومنه يجلب إلى بلاد المشرق. ولأهل الهند فيه رغبة عظيمة؛ وإذا استخرج حك على مسنّ الماء؛ ويجلى بالسّنباذج «2» المعجون بالماء على رخامة فيظهر لونه ويحسن؛ ويثقب بالفولاذ أو الحديد المسقى. وأجوده ما عظم جرمه، واستوت قصباته، واشتدت حمرته، وسلم من التسويس- وهو خروق توجد في باطنه حتّى ربما كان منه شيء خاو كالعظم- وأردؤه: ما مال منه إلى البياض أو كثرت عقده وكان فيه تشطيب، ولا سبيل إلى سلامته من العقد لوجود التشعب فيه؛ فإن اتفق أن تقع منه قطعة مصمتة مستوية لا عقد فيها ولا تشطيب كانت في نهاية الجودة. وقد يوجد منه قطع كبار فتحمل إلى صاحب إفريقيّة فيعمل له منها دويّ وأنصبة سكاكين. قال التيفاشيّ: رأيت منها محبرة طول شبر ونصف، في عرض ثلاث أصابع، وارتفاع مثلها بغطائها، في غاية الحمرة وصفاء اللون. وقد ذكر ابن الطوير في تاريخ الدّولة الفاطمية بالديار المصرية وترتيبها: أنه كان لخلفاء الفاطميين دواة من المرجان تحمل مع الخليفة إذا ركب في المواكب العظام أمام راكب على فرس، كما سيأتي ذكره في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية فيما بعد إن شاء الله تعالى.

ومن خاصته في نفسه: أنه إذا ألقي في الخل لان وابيضّ، وان طال مكثه فيه انحلّ، وإذا اتخذ منه خاتم أو غيره ولبّس جميعه بالشمع ثم نقش في الشمع بإبرة بحيث ينكشف جرم المرجان وجعل في خل الخمر الحاذق يوما وليلة أو يومين وليلتين ثم أخرج وأزيل عنه الشمع ظهرت الكتابة فيه حفرا بتأثير الخل فيه، وبقية الخاتم على حاله لم يتغير. قال التيفاشيّ: وقد جر بنا ذلك مرارا. ومتى ألقي في الدهن ظهرت حمرته وأشرق لونها. ومن منافعه فيما ذكره الإسكندر «1» : أنه إذا علق على المصروع أو من به النّقرس «2» نفعه؛ وإن أحرق واستنّ به زاد في بياض الأسنان وقلع الحفر منها وقوّى اللّثّة؛ وطريق إحراقه أن يجعل في كوز فخار ويطيّن رأسه ويوضع في تنّور ليلة. وإذا سحق وشربه من به عسر البول نفعه ذلك؛ ويحلل أورام الطحال بشربه؛ وإذا علق على المعدة نفع من جميع عللها كما في الزّمرّد؛ وإذا أحرق على ما تقدّم وشرب منه ثلاثة دوانق مع دانق «3» ونصف صمغ عربيّ ببياض البيض وشرب بماء بارد نفع من نفث الدم. قال التيفاشيّ: وقيمته بإفريقية غشيما الرطل المصريّ من خمسة دنانير إلى سبعة مغربية، وهي بقدر دينارين إلى ما يقار بهما من الذهب المصري،

الصنف الثاني عشر البادزهر الحيواني

وبالإسكندرية على ضعفي ذلك وثلاثة أضعافه، ومن الإسكندرية يحمل إلى سائر البلاد؛ ويختلف سعره بحسب قرب البلاد وبعدها، وقلّته، وكثرته، وصغره، وجودته، ورداءته، وحسن صنعته. الصنف الثاني عشر البادزهر الحيوانيّ وهو حجر خفيف هشّ. وأصل تكوّنه في الحيوان المعروف بالأيّل بتخوم الصين؛ وإن هذا الحيوان هناك يأكل الحيات، قد اعتاد ذلك غذاء له، فيحدث عن ذلك وجود هذا الحجر منه على ما سيأتي بيانه؛ وقد اختلف الناس في أيّ موضع يكون من هذا الحيوان، فقيل: إنه يتكوّن في مآقي عينيه من الدموع التي تسقط من عينيه عند أكل الحيات، ويتربّى الحجر حتّى يكبر فيحتكّ فيسقط عنه؛ وقيل: يكون في قلبه فيصاد لأجله ويذبح ويستخرج منه؛ وقيل: في مرارته. قال أرسطاطاليس: وله ألوان كثيرة منها: الأصفر والأغبر المشرب بالحمرة والمشرب بالبياض. وأعظم ما يوجد منه من مثقال «1» إلى ثلاثة مثاقيل. وأجوده: الخالص الأصفر الخفيف الهشّ، ويستدلّ على خلوصه بكونه ذا طبقات رقاق متراكبة كما في اللؤلؤ، وبه نقط خفية سود، وأن يكون أبيض المحكّ مرّ المذاق. قال التيفاشيّ: وكثيرا ما يغشّ فتصنع حجارة صغار مطبقة من أشياء مجموعة تشبه شكل البادزهر الحيوانيّ، ولكنها تتميّز عن البادزهر الحقيقيّ بأن المصنوع أغبر كمد اللون ساذج غير منقط؛ والبادزهر الحقيقيّ الخالص: أصفر أو أغبر بصفرة فيه نقط صغار كالنّمش، وطبقاته أرقّ من طبقات المصنوع بكثير، وهو أحسن من المصنوع وأهش ومحكّه أبيض.

ومن خاصته في نفسه: أن احتكاكه بالأجسام الخشنة يخشّنه ويغيّر لونه وسائر صفاته حتّى لا يكاد يعرف. وقد ذكر التيفاشي: أنه كان معه حجر منه، فجعله مع ذهب في كيس وسافر به فاحتك بالذهب فتغير لونه ونقص وزنه حتّى ظنّ أنه غيّر عليه؛ وأنه ربطه بعد ذلك في خرقة وتركه أياما فعاد في الصفة إلى ما كان، إلا أنه بقي على نقص ما ذهب منه. ومن منافعه: دفع السموم القاتلة وغير القاتلة، حارّة كانت أو باردة، من حيوان كانت أو من نبات، وأنه ينفع من عضّ الهوامّ ونهشها ولدغها، وليس في جميع الأحجار ما يقوم مقامه في دفع السموم. وقد قيل: إن معنى لفظ بادزهر: النافي للسم؛ فإذا شرب منه المسموم من ثلاث شعيرات إلى اثنتي عشرة شعيرة مسحوقة أو مسحولة أو محكوكة على المبرد بزيت الزيتون أو بالماء أخرج السم من جسد بالعرق، وخلصه من الموت. وإذا سحق وذرّ على موضع النهشة جذب السم إلى خارج وأبطل فعله. قال ابن جمع «1» : وإن حكّ منه على مسنّ في كل يوم وزن نصف دانق وسقيته الصحيح على طريق الاستعداد والاحتياط قاوم السموم القتّالة ولم تخش له غائلة ولا إثارة خلط. ومن تختم منه بوزن اثنتي عشرة شعيرة في فصّ خاتم ثم وضع ذلك الفص على موضع اللدغة من العقارب وسائر الهوامّ ذوات السموم نفع منها نفعا بيّنا، وان وضع على فم الملدوغ أو من سقي سمّا نفعه. قلت: هذه هي الأحجار النفيسة الملوكية التي تلتفت الملوك اليها وتعتني بشأنها، أما غيرها من الأحجار كالبنفش، والعقيق، والجزع «2» ، والمغناطيس،

النوع السادس نفيس الطيب

واليشم «1» ، والسبج «2» ، واللّازورد، وغيرها مما ذكره المصنفون في الأحجار فلا اعتداد به ولا نظر إليه ولذلك أهملت ذكره. النوع السادس نفيس الطيب ويحتاج الكاتب إلى وصفه عند وصوله في هديّة وما يجري مجرى ذلك؛ والمعتبر منه أربعة أصناف: الصنف الأوّل المسك وهو أجلّها. قال محمد بن أحمد التميميّ المقدسي في كتابه «طيب العروس» «3» : وأصل المسك من دابة ذات أربع، أشبه شيء بالظبي الصغير؛ قيل: لها قرن واحد، وقيل: قرنان، غير أن له نابين رقيقين أبيضين في فكه الأسفل خارجين من فيه، قائمين في وجهه كالخنزير. قال بعص أهل المعرفة بالمسك: وهو فضل دمويّ يجتمع من جسمها إلى سرتها، بمنزلة المواد التي تنصبّ إلى الأعضاء في كل سنة في وقت معلوم، فيقع الورم في سرّتها ويجتمع إليها دم غليظ أسود فيشتدّ وجعها حتّى تمسك عن الرّعي وورود المياه حتّى يسقط عنها. ثم قيل: إن تلك الظباء تصاد وتذبح وتؤخذ سررها بما عليها من الشعر،

والمسك فيها دم عبيط «1» ؛ وهي النوافج؛ فإن كانت النافجة «2» كثيرة الدم اكتفي بما فيها، وإن كانت واسعة قليلة الدم زيد فيها من غيرها، ويصب فيها الرصاص المذاب وتحاط بالخوص وتعلق في حلق مستراح أربعين يوما، ثم تخرج وتعلق في موضع آخر حتّى يتكامل جفافها وتشتد رائحتها، ثم تصيّر النوافج في مزاود صغار وتخيطها التّجّار وتحملها، وقيل: إنه يبنى لهذه الظباء حين يعرض لها هذا العارض بناء كالمنارة في طول عظم الذراع لتأتي الظباء فتحك سررها بذلك البناء فتسقط النوافج، حتّى إنه يوجد في تلك المراغة ألوف من النوافج ما بين رطب وجامد. ثم قيل: إن هذه الظباء توجد بمفازات بين الصين وبين التّبّت «3» والصّغد «4» من بلاد الترك؛ وإن أهل التّبّت يلتقطون ما قرب إليهم، وقد قيل: إن المسك يحمل إلى التّبّت من أرض بينها وبين التّبّت مسيرة شهرين. وبالجملة فإنه تختلف أسماء أنواعه باختلاف الأماكن التي ينسب إليها؛ إما باعتبار أصل وجوده فيها، وإما باعتبار مصيره إليها. وأجوده في الجملة: ما طاب مرعى ظبيه؛ ومرعى ظبيه؛ ومرعى ظبائه النبات الذي يتخذ منه الطيب كالسنبل ونحوه؛ ولا يخفى أن بعض نبات الطيب أطيب رائحة من بعض، حتّى يقال إن منه ما رائحته كرائحة المسك. وقيل أجوده: ما كمل في الظبي قبل بينونته عنه.

الأول: التبتي -

وقال أحمد بن يعقوب: وأجود المسك في الرائحة والنظر ما كان تفّاحيّا تشبه رائحته رائحة التفاح اللّبنانيّ، وكان لونه يغلب عليه الصّفرة، ومقاديره وسطا بين الجلال والرّقاق، ثم ما هو أشدّ سوادا منه إلا أنه يقاربه في الرأي والمنظر، ثم ما هو أشدّ سوادا منه، وهو أدناه، قدرا وقيمة. قال وبلغني عن تجّار الهند: أن من المسك صنفين آخرين يتّخذان من نبات أرض: أحدهما لا يفسد بطول المكث، والثاني يفسد بطول المكث؛ والمشهور منه عشرة أصناف. ونحن نوردها على ترتيبها في الفضل مقدّما منها في الذكر الأفضل فالأفضل على ما رتّبه أحمد: الأوّل: التّبّتي- وهو ما حمله التّجار من التّبّت إلى خراسان على الظهر لطيب مرعاه وحمله في البر دون البحر. الثاني: الصّغديّ- وهو ما حمل من الصّغد من بلاد التّرك على الظهر إلى خراسان. الثالث: الصّينيّ- وإنما نقصت رتبته لأن مرعاه في الطّيب دون مرعى التّبّتيّ، ولما يلحقه من عفونة هواء البحر بطول مكثه فيه. وأفضل الصينيّ: ما يؤتى به من خانفو «1» ؛ وهي مدينة الصين العظمى، وبها ترسو مراكب تجار المسلمين، ومنها يحمل في البحر إلى بحر فارس؛ فإذا قرب من بلد الأبلّة ارتفعت رائحته؛ وإذا خرج من المركب جادت رائحته وذهبت عنه رائحة البحر. الرابع: الهندي- وهو ما يحمل من التّبّت إلى الهند ثم يحمل إلى الدّبيل «2» ثم يحمل في البحر إلى سيراف «3» من بلاد العجم، وعمان من البحرين، وعدن

الخامس: القنباري -

من اليمن، وغيرها من النواحي؛ وسبب انحطاط رتبته عن الصينيّ وإن كان من جنس التّبّتى مع أنه أقرب مسافة من الصينيّ ما ذكره المسعوديّ: أنه إذا حمل إلى الهند أخذه كفرة الهند فلطّخوه على أصنامهم من العام إلى العام ثم يبدّلونه بغيره؛ ويبيعه سدنة الأصنام، فبطول مكثه على الأصنام تضعف رائحته؛ على أن محمد بن العباس قد فضّل الهنديّ على الصيني لقرب مسافة حمله في البحر. الخامس: القنباري- ويؤتى به من بلد تسمّى قنبار بين الصين والتّبّت. قال أحمد بن يعقوب: وهو مسك جيد إلا أنه دون التبتي في القيمة، والجوهر، واللون، والرائحة. قال: وربما غالطوا به فنسبوه إلى التبتي. السادس: الطّغرغزيّ- وهو مسك رزين يضرب إلى السّواد، يؤتى به من أرض الترك الطغرغز «1» - وهم التتر- وهو بطيء السحق، ولا يسلم من الخشونة إلا أنهم ربما غالطوا به أيضا. السابع: القصاري- ويؤتى به من بلد يقال لها القصار بين الهند والصين. قال ابن يعقوب: وقد يلحق بالصينيّ إلا أنه دونه في الجوهر والرائحة والقيمة. الثامن: الجزيري- وهو مسك أصفر حسن الرائحة، يشابه التبّتيّ إلا أن فيه زعارة «2» . التاسع: الجبليّ- وهو مسك يؤتى به من السّند من أرض الموليان، وهو كبير النوافج حسن اللّون إلا أنه ضعيف الرائحة.

العاشر: العصماري -

العاشر: العصماري- وهو أضعف أصناف المسك كلها وأدناها قيمة، يخرج من النافجة التي زنتها أوقية زنة درهم واحد من المسك. قلت: أمّا المسك الداريّ فإنه منسوب إلى دارين، وهي جزيرة في بحر فارس معدودة من بلاد البحرين ترسو إليها مراكب تجّار الهند، ويحمل منها إلى الأقطار، وليست بمعدن للمسك. الصنف الثاني العنبر قال محمد بن أحمد التميمي: والأصل الصحيح فيه أنه ينبع من صخور وعيون في الأرض، يجتمع في قرار البحر، فإذا تكاثف اجتذبته الدّهانة التي هي فيه على اقتطافه من موضعه الذي تعلّق به، وطفا على وجه الماء وهو حارّ ذائب فتقطّعه الريح وأمواج البحر قطعا كبارا وصغارا فترمي به الريح إلى السواحل، لا يستطيع أحد أن يدنو منه لشدّة حره وفورانه، فإذا أقام أياما وضربه الهواء جمد، فيجمعه أهل السواحل. قال أحمد بن يعقوب: وربما ابتلعته سمكة عظيمة يقال لها: أكيال، وهو فائر فلا يستقرّ في جوفها حتّى تموت فتطفو ويطرحها البحر إلى الساحل فيشقّ جوفها ويستخرج منها؛ ويسمّى: العنبر السّمكيّ، والعنبر المبلوع. قال التميمي: وهو في لونه شبيه بالنار، رديء في الطيب للسّهوكة «1» التي يكتسبها من السمك. قال: وربما طرح البحر القطعة العنبر فيبصرها طائر أسود كالخطّاف فيرفرف عليها بجناحيه، فإذا سقط عليها ليختطف بمنقاره منها تعلّق منقاره ومخاليبه بها فيموت ويبلى ويبقى منقاره ومخاليبه فيها، ويعرف: بالعنبر المناقيريّ.

الأول: الشحري -

قال التميمي: ولأهل سواحل البحر التي يوجد بها العنبر نجب يركبونها مؤدّبة تعرف العنبر، يسيرون عليها في ليالي القمر على شاطىء البحر، فإذا رأت العنبر وقد نام راكبها أو غفل بركت بصاحبها حتّى ينزل عنها فيأخذه. قال التميمي: وألوان العنبر مختلفة، منها: الأبيض، وهو الأشهب، والأزرق، والرّمادي، والجزازي، وهو الأبرش، والصفايح وهو الأحمر؛ وهما أدنى العنبر قدرا. قال: وأفضل العنبر وأجوده ما جمع قوّة رائحة وذكاء بغير زعارة. قال أحمد بن يعقوب: وأنواع العنبر كثيرة، وأصنافه مختلفة، ومعادنه متباينة، وهو يتفاضل بمعادنه وبجوهره؛ والذي وقفت على ذكره منه ستة أضرب: الأوّل: الشّحريّ- وهو ما يقذفه بحر الهند إلى ساحل الشّحر من أرض اليمن. قال: وهو أجود أنواع العنبر، وأرفعه، وأفضله وأحسنه لونا، وأصفاه جوهرا وأغلاه قيمة. الثاني: الزّنجيّ- وهو ما يقذفه بحر البربر الآخذ من بحر الهند في جهة الجنوب إلى سواحل الزّنج وما والاها. قال التميمي: وزعم الحسين بن يزيد السيرافيّ أنه أجود العنبر وأفضله، ويؤتى به منها إلى عدن، ولونه البياض. الثالث: السلاهطي- قال التميمي: وأجوده الأزرق الدّسم الكثير الدّهن، وهو الذي يستعمل في الغوالي. الرابع: القاقلّيّ- وهو ما يؤتى به من بحر قاقلّة من بلاد الهند إلى عدن من بلاد اليمن، وهو أشهب جيد الريح، حسن المنظر خفيف، وفيه يبس يسير، وهو دون السلاهطي لا يصلح للغوالي إلا عن ضرورة؛ وهو صالح للذرائر والمكلّسات. الخامس: الهندي- وهو ما يؤتى به من سواحل الهند الداخلة، ويحمل إلى البصرة وغيرها؛ ومنه نوع يؤتى به من الهند يسمّى: الكرك بالوس، يأتون به إلى

السادس: المغربي -

قرب عمان تشتريه منهم أصحاب المراكب. السادس: المغربيّ- وهو ما يؤتى به من بحر الأندلس فتحمله التّجار إلى مصر؛ وهو أردأ الأنواع كلّها، وهو شبيه في لونه بالعنبر الشّحريّ. قال التميمي: ويغالط به فيه. قال التميمي: ومن العنبر صنف يعرف بالنّدّ؛ ونقل عن جماعة من أهل المعرفة أن دابة تخرج من البحر شبيهة ببقر الوحش فتلقيه من دبرها فيؤخذ وهو ليّن يمتدّ، فما كان منه عذب الرائحة حسن الجوهر فهو أفضله وأجوده. قال: وهو أصناف: أحدها الشّحريّ وهو أسود فيه صفرة، يخضب اليد إذا لمس، ورائحته كرائحة العنبر اليابس، إلا أنه لا بقاء له على النار، وإنما يستعمل في الغوالي إذا عزّ العنبر السلاهطي. ومنه: الزّنجيّ وهو نظير الشّحريّ في المنظر ودونه في الرائحة؛ وهو أسود بغير صفرة. ومنه: الخمريّ وهو يخضب اليد وأصول الشعر خضبا جيدا، ولا ينفع في الطيب. قلت: أمّا المعروف في زماننا بالعنبر مما يلبسه «1» النساء فإنما يقال له: النّد، وفيه جزء من العنبر، قال في نهاية الأرب «2» : وهو على ثلاثة أضرب: الأوّل: المثلّث- وهو أجودها وأعطرها، وهو يركّب من ثلاثة أجزاء: جزء من العنبر الطيّب، وجزء من العود الهنديّ الطيب، وجزء من المسك الطيّب. الثاني- وهو دونه؛ أن يجعل فيه من العنبر الخام الطّيب عشرة مثاقيل، ومن النّدّ العتيق الجيد عشرة مثاقيل، ومن العود الجيد عشرون مثقالا. الثالث- وهو أدناها؛ أن يؤخذ لكل عشرة مثاقيل من الخام عشرة مثاقيل من النّدّ العتيق وثلاثون مثقالا من العود، ومن المسك ما أحب.

الصنف الثالث العود

الصنف الثالث العود قال التميميّ: أخبرني أبي عن جماعة من أهل المعرفة أنه شجر عظام تنبت ببلاد الهند، فمنه ما يجلب من أرض قشمير «1» الداخلة؛ من أرض سرنديب، ومن قمار «2» ، وما اتّصل بتلك النواحي؛ وأنه لا تصير له رائحة إلا بعد أن يعتق؛ ويقشّر فإذا قشر وجفف حمل إلى النواحي حينئذ. قال: وأخبرني بعض العلماء به أنه لا يكون إلا من قلب الشجرة، بخلاف ما قارب القشر كما في الآبنوس والعنّاب ونحوهما من الأشجار التي داخلها فيه دهانة، وما في خارجها خشب أبيض؛ وأنه يقطع ويقلع ظاهره من الخشب الأبيض، ويدفن في التراب سنين حتّى تأكل الأرض ما داخله من الخشب ويبقى العود لا تؤثر فيه الأرض. وحكى محمد بن العباس: أنه يكون في أودية بين جبال شاهقة، لا وصول لأحد إليها لصعوبة مسلكها، فيتكسر بعض أشجاره أو يتعفّن بكثرة السيول لممرّ الأزمان، فتأكل الأرض ما فيه من الخشب ويبقى صميم العود وخالصه فتجرّه السيول وتخرجه من الأودية إلى البحر فتقذفه الأمواج إلى السواحل، فيلتقطه أهل السواحل ويجمعونه فيبيعونه. ويقال: إنه يأتي به قوم في المراكب إلى ساحل الهند فيقفون على البعد بحيث لا ترى أشخاصهم، ثم يطلعون ليلا فيضعونه بفرضة تلك البلاد، ويخرج أهل البلد نهارا فيضعون بإزائه بضائع ويتركونها إلى الليل، فيأتي أصحاب العود فمن أعجبه ما بإزاء متاعه أخذه وإلا تركه، فيزيدونه حتّى يعجبه فيأخذه، كما

الأول: المندلي

يحكى في السّمّور وغيره في ساكني أقصى الشّمال. وأجود العود ما كان صلبا، رزينا، ظاهر الرّطوبة، كثير المائية والدّهنية، الذي له صبر على النار، وغليان، وبقاء في الثياب. أمّا اللون فأفضله: الأسود، والأزرق الذي لا بياض فيه، ثم منهم من يفضل الأسود على الأزرق، ومنهم من يفضل الأزرق على الأسود. وهو على ثمانية عشر ضربا: الأوّل: المندليّ - نسبة إلى معدنه، وهو مكان يقال له: المندل من بلاد الهند. قال محمد بن العباس الخشيكي: وهو أرفع أنواع العود وأفضلها وأجودها وأبقاها على النار وأعبقها بالثياب؛ على أن التّجّار لم تكن تجلبه في الجاهلية وإلى آخر الدولة الأمويّة، ولا ترغب في حمله للمرارة في رائحته إلى أن دخل الحسين» بن برمك الى بلاد الهند هاربا من بني أمية، ورأى العود المندليّ فاستجاده ورغّب التجار في حمله؛ فلما غلب بنو العباس على بني أمية، وحضر بنو برمك إليهم وقرّبوهم؛ دخل الحسين بن برمك يوما على المنصور فرآه يتبخّر بالعود القماريّ، فأعلمه أن عنده ما هو أطيب منه، فأمره بإحضاره فأحضره إليه فاستحسنه، وأمر أن يكتب إلى الهند بحمل الكثير منه، فاشتهر بين الناس وعز من يومئذ، واحتمل ما فيه من مرارة الرائحة وزعارتها، لأنها تقتل القمل وتمنع من تكوّنه في الثياب. الثاني: القامرونيّ - وهو ما يجلب من القامرون؛ وهو مكان مرتفع من الهند. وقيل القامرون: اسم لشجر من العود؛ وهو أغلى العود ثمنا وأرفعه قدرا. قال التميميّ: وهو قليل لا يكاد يجلب إلا في بعض الحين، وهو عود رطب

الثالث: السمندوري

جدّا، شديد سواد اللون، رزين «1» ، كثير الماء. وذكر الحسين بن يزيد السيرافيّ: أنه ربما ختم عليه فانطبع وقبل الختم للينه. قال: ويكون فيه ما قيمة المنّ منه مائتا دينار. الثالث: السّمندوريّ - وهو ما يجلب من بلاد سمندور؛ وهي بلد سفالة الهند، ويسمّى لطيب رائحته: ريحان العود، وبعضه يفضل بعضا. قال التميمي: وتكون القطعة الضخمة منه منّا واحدا. الرابع: القماريّ - وهو ما يجلب من قمار، وهي أرض سفالة الهند، وبعضه يفضل بعضا أيضا، وتكون القطعة منه نصف رطل إلى ما دون ذلك. الخامس: القاقلّيّ - وهو ما يجلب من جزائر بحر قاقلّة، وهو عود حسن اللون، شديد الصّلابة دسم، فيه ريحانيّة خمرة، وله بقاء في الثياب، إلا أن قتاره «2» ربما تغير على النار فينبغي ألا يستقصى إلى آخره. السادس: الصّنفيّ - وهو ما يجلب من بلد يقال لها الصّنف ببلاد الصين، وهو من أحلى «3» الأعواد وأبقاها في الثياب. قال التميمي: ومنهم من يفضله على القاقلّيّ ويرى أنه أطيب وأعبق وآمن من القتار، وربما قدّموه على القماريّ أيضا. قالوا: وأجود الصّنفيّ الأسود الكثير الماء، وتكون القطعة منه منّا وأكثر وأقلّ. ويقال: إن شجره أعظم من شجر الهنديّ والقماريّ. السابع: الصندفوري - وهو ما يجلب من بلاد الصندفور من بلاد الصين؛ وهو دون الصّنفيّ، ويقال: إنه صنف منه ولذلك كانت قيمته لاحقة بقيمته، وفيه

الثامن: الصيني

حسن لون وحلاوة رائحة، ورزانة، وصلابة، إلا أنه ليس بالقطع الكبار. الثامن: الصّينيّ - ويؤتى به من الصّين، وهو عود حسن اللون، أوّل رائحته تشاكل رائحة الهنديّ إلا أن قتاره غير محمود؛ وتكون القطعة منه نصف رطل وأكثر وأقلّ. التاسع: القطعي - وهو عود رطب حلو طيب الرائحة، وهو نوع من الصّينيّ. العاشر: القسور - وهو عود رطب حلو طيّب الرائحة؛ وهو أعذب رائحة من القطعيّ إلا أنه دونه في القيمة. الحادي عشر: الكلهي - وهو عود رطب يمضغ، وفيه زعارة، وشدّة مرارة للدّهانة التي فيه؛ وهو من أعبق الأعواد في الثياب وأبقاها. الثاني عشر: العولاتي - وهو عود يجلب من جزيرة العولات بنواحي قمار من أرض الهند. الثالث عشر: اللوقيني - وهو ما يجلب من لوقين؛ وهي طرف من أطراف الهند، وله خمرة «1» في الثياب إلا أنه دون هذه الأعواد في الرائحة والقيمة. الرابع عشر: المانطائي - وهو ما يجلب من جزيرة مانطاء؛ وقيمته مثل قيمة اللوقيني، وهو خفيف ليس بالحسن اللون. قال أحمد بن العباس: وهو قطع كبار ملس لا عقد فيها، إلا أن رائحته ليست بطيبة وإنما يصلح للأدوية. الخامس عشر: القندغلي - ويؤتى به من ناحية كله «2» وهي ساحل الزنج- وهو يشبه القماري إلا أنه لا طيب لرائحته.

السادس عشر: السمولي

السادس عشر: السمولي - وهو عود حسن المنظر، فيه خمرة وله بقاء في الثياب. السابع عشر: الرانجيّ - وهو عود يشبه قرون الثيران، لا ذكاء له، ولا بقاء في الثياب. الثامن عشر: المحرّم - سمى بذلك لأنه قد وقع بالبصرة فشكّ الناس في أمره، فحرّمه السلطان ومنعه فسمّي المحرّم، وهو من أدنى أصناف العود. وجعل بعضهم بين الصّنفيّ والقاقلّيّ صنفا يقال له: العطلي، يؤتى به من الصّين، وهو عود صلب خفيف حسن المنظر إلا أنه قليل الصبر على النار. وقد ذكر أحمد بن العباس بعد ذلك أصنافا من العود ليست بذات طائل. منها: الأفليق؛ وهو عود يؤتى به من أرض الصّين، يكون في العظم مثل الخشب الرانجي الغلاظ يباع المنّ منه بدينار وأقل وأكثر؛ والعود الطيب الريح في قشوره، وداخله خشب خفيف مثل الخلاف «1» ، وإذا وضع على الجمر وجد له في أوّله رائحة حلوة طيبة؛ فإذا أخذت النار منه ظهرت منه رائحة رديئة كرائحة الشعر. الصنف الرابع الصّندل وهو خشب شجر يؤتى به من سفالة الهند؛ وهو على سبعة أضرب: الأوّل: المقاصيري - وهو الأصفر، الدّسم، الرّزين، الذي كأنه مسح بالزّعفران الذّكي الرائحة. واختلف في سبب تسميته بالمقاصيريّ فقيل: نسبة إلى بلد تسمّى: مقاصير؛ وقيل: إن بعض خلفاء بني العباس اتخذ لبعض أمهات أولاده ومحاظيّه

الثاني: الأبيض منه الطيب الريح

مقاصير منه، وهو شجر عظام يقطع رطبا، وأجوده ما اصفرّ لونه وذكت رائحته ولم يكن فيه زعارة. قال التميمي: وهو يدخل في طيب النساء الرطب واليابس، وفي البرمكيات، والمثلثات، والذّرائر؛ ويتخذ منه قلائد، ويدخل في الأدوية؛ ويقال: إن صاحب اليمن الآن يعمل له منه الأسرّة، وإنه يأمر بقطع ما يحمل منه من اليمن إلى غيرها من البلاد قطعا صغارا حتّى لا يكون منها ما يعمل سريرا لغيره من الملوك. الثاني: الأبيض منه الطيب الريح - وهو من جنس المقاصيري المتقدّم ذكره لا يخالفه في شيء إلا في البياض؛ ويقال: إنّ المقاصيري هو باطن الخشب وهذا الأبيض ظاهره. الثالث: الجوزي - وهو صلب العود أبيض، يضرب لونه إلى السّمرة، ويؤتى به من موضع يقال له: الجوز «1» ، وهو طيب الرائحة إلا أنه أضعف رائحة من الذي قبله. الرابع: الساوس ويقال: الكاوس - وهو صندل أصفر طيب الرائحة إلا أنّ في رائحته زعارة؛ ويستعمل في الذرائر، والمثلثات، في الطيب والبخورات. الخامس: يضرب لونه إلى الحمرة - وهو على نحو من الذي قبله. السادس: صندل «2» جعد الشعرة - لا بساطة فيه إذا شقق بل يكون فيه تجعيد كما في خشب الزيتون؛ وهو أذكى أصناف الصندل إلا أنه لا يستعمل في شيء سور البخورات والمثلثات.

السابع: أحمر اللون

السابع: أحمر اللون - وهو خشب حسن اللون، ثقيل الوزن لا رائحة له، إلا أنه تتخذ منه المنجورات والمخروطات كالدّويّ وقطع الشّطرنج ونحوها مع ما يدخل فيه من الأعمال الطيبة. قلت: هذا ما يحتاج الكاتب إلى وصفه من أصناف الطيب النفيسة مما يهدى أو يرد هدية، ويجري ذكره في مكاتبات الملوك، أما ما عدا ذلك من أصناف الطيب كالسّنبل والقرنفل، والكافور، فليس من هذا القبيل. النوع السابع ما يحتاج إلى وصفه من الآلات، وهي أصناف: الصنف الأوّل الآلات الملوكية ويحتاج الكاتب إلى وصفها عند وصف المواكب الحفيلة التي يركب فيها السلطان، وهي عدّة آلات: منها: الخاتم- بفتح التاء وكسرها- وحكى فيه ابن قتيبة والجوهريّ وغيرهما خيتام وخاتام؛ وهو ما يجعل في الإصبع من الحليّ، وهو مأخوذ من الختم، وهو الطبع؛ سمي بذلك لأنه يختم بنقشه على الكتب الصادرة عن الملوك. وسيأتي في الكلام على ختم الكتب: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أراد أن يكتب إلى بعض ملوك الأعاجم فقيل له: إنهم لا يقرأون كتابا غير مختوم، فاتخذ خاتما «1» من ورق «2» وجعل نقشه «محمد رسول الله» واقتدى به في ذلك الخلفاء بعده؛ ثم توسعوا فيه إلى أن جعلوا للكتب طابعا مخصوصا وأفردوا له ديوانا سموه «ديوان

الخاتم» «1» واقتفى الملوك أثرهم في ذلك، ثم غلب بمملكتنا وما ناهزها الاكتفاء في المكاتبات باللّصاق «2» ، وصار اسم الخاتم مقصورا على ما يجعل في الإصبع خاصة سواء كان فيه نقش أم لا؛ وصارت الملوك إنما تلبس الخواتم بفصوص الجواهر من اليواقيت ونحوها تجمّلا، وربما بعثت بها في تأمين الخائف علامة للرضا عليه والصفح عما جناه واقترفه. ومنها: المنديل بكسر الميم؛ وهو منديل يجعل في المنطقة المشدودة في الوسط مع الصولق «3» وغيره؛ ثم جرى اصطلاح الملوك على البعث به في الأمانات كما تقدم في الخاتم. والمنديل: آلة قديمة للملوك؛ فقد حكي أنه كان للأفضل بن أمير الجيوش أحد وزراء الفاطميين مائة بدلة مغلقة على أوتاد من ذهب، على كل بدلة منها منديل من لونها؛ ولم يكن المنديل من آلات الخلافة بل إنما كان من آلاتها البردة «4» على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب الخلافة في المقالة الثانية إن شاء الله تعالى. ومنها: التّخت، ويقال له: السرير؛ وهو ما يجلس عليه الملوك في المواكب، ولم يزل من رسوم الملوك قديما وحديثا، رفعة لمكان الملك في الجلوس عن غيره حتّى لا يساويه غيره من جلسائه؛ وقد أخبر تعالى في كتابه العزيز

أنه كان لسليمان عليه السلام كرسي بقوله: وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً «1» ورأيت في بعض التواريخ أنه كان له كرسيّ من عاج مغشّى بالذهب. ثم هذه الأسرّة تختلف باختلاف حال الملوك، فتارة تكون من أبنية رخام ونحوه، وتارة تكون من خشب، وتارة من فرش محشوّة متراكبة، وقد حكي أنه كان لملوك الفرس سرير من ذهب يجلسون عليه، وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو أمير مصر يجلس مع قومه على الأرض غير مرتفع عليهم «2» ، ويأتيه المقوقس ومعه سرير من ذهب، يحمل معه على الأيدي، فيجلس عليه فلا يمنعه عمرو من ذلك، إجراء له على عادته في الملك فيما قيل، لما عقده له من الذمّة واتخذه معه من العهد. ومنها: المظلّة، واسمها بالفارسية: الجنز- بنون بين الجيم والزاي المعجمة- ويعبر عنها العامّة الآن بالقبّة والطّبر، وهي قبة من حرير أصفر، تحمل على رأس الملك، على رأس رمح بيد أمير يكون راكبا بحذاء الملك، يظلّه بها حالة الركوب من الشمس في المواكب العظام، وسيأتي ذكرها في الكلام على ترتيب المملكة في الدولة الفاطمية. وهذه الدولة في المقالة الثانية إن شاء الله تعالى. ومنها: الرّقبة، وهي لباس لرقبة فرس السلطان من حرير أصفر، قد طرّزت بالذهب الزّركش حتّى غلب عليها وصار الحرير غير مرئيّ فيها، تشدّ على رقبة فرس الملك في المواكب العظام لتكون مضاهية لما يركب به من الكنبوش «3» الزركش المغطّي لظهر الفرس وكفله.

ومنها: الغاشية، وهي غاشية سرج من أديم مخروزة بالذهب، يظنها الناظر كلّها ذهبا، ويلقيها على يديه يمينا وشمالا. ومنها: الچفتاه «1» ؛ وهي فرسان أشهبان قريبا الشبه، برقبتين من زركش، وعدّة تضاهي عدّة مركوب السلطان، كأنهما معدّان لأن يركبهما السلطان، يعلوهما مملو كان من المماليك السلطانية قريبي الشبه أيضا، على رأس كل منهما قبّعة من زركش مشابه للآخر. ومنها: المنطقة- بكسر الميم- وهي ما يشدّ في الوسط، وعنها يعبّر أهل زماننا بالحياصة؛ وهي من الآلالات القديمة؛ فقد روي: أن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه كان له منطقة. وهذه الآلة قد ذكرها في «التعريف» في الآلالات الملوكية، على أن ملوك الزمان لم تجر لهم عادة بشدّ منطقة وإنما يلبسها الملك للأمراء عند إلباسهم الخلع والتشاريف؛ وهي تختلف بحسب اختلاف الرتب، فمنها ما يكون من ذهب مرصّع بالفصوص، ومنها ما ليس كذلك. ومنها: الأعلام؛ وهي الرايات التي تحمل خلف السلطان عند ركوبه، وهي من شعار الملك القديمة؛ وقد ورد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يعقد لأمراء سراياه الرايات عند بعثها؛ ثم قد يعبّر عن بعضها بالعصائب جمع عصابة، وهي الألوية، أخذا من عصابة الرأس، لأن الراية تعصب رأس الرمح من أعلاه؛ وقد يعبر عنها بالسّناجق جمع سنجق، والسّنجق باللغة التركية معناه الطعن؛ سميت الراية بذلك لأنها تكون في أعلى الرمح؛ والرمح هو آلة الطعن يسمّى بذلك مجازا. ومنها: الطّبول؛ ويقال لها: الدّبادب، والبوقات، والزمر المعروف بالصهان الذي يضرب به عشيّة كل ليلة بباب الملك وخلفه إذا ركب في المواكب ونحوها، وهي المعبر عنها بالطّبلخاناه، وهي من شعار الملك القديم.

الصنف الثاني آلات الركوب؛ وهي عدة آلات

وقد ذكر في «مسالك الأبصار» : أن الطبل في بلاد المغرب يختص ضربه بالسلطان دون غيره من كل أحد كما سيأتي ذكره في الكلام على مملكة المغرب في المسالك والممالك إن شاء الله تعالى. والسر فيها إرهاب العدوّ وتخذيله كما كتب «1» به أرسطو في كتاب «السياسة» للإسكندر، أو تقوية النفوس وتشجيعها على الحرب كما قاله «2» الغزالي رحمه الله في «الإحياء» «3» ، وكلما كثرت أعدادها كان أفخم لشأن الملك وأبلغ في رفعة شأنه. وقد حكي أن دبادب الإسكندر كانت أربعين حملا. قلت: وقد ذكر في «التعريف» من جملة الآلات الملوكية الدواة، والقلم، والمرملة «4» ؛ ولا يخفى أنها بآلات الكتّاب أليق وإن كان السلطان لا يستغني عنها، وسيأتي الكلام عليها في الكلام على آلات الكتابة من هذه المقالة إن شاء الله تعالى. الصنف الثاني آلات الركوب؛ وهي عدّة آلات منها: السرج- وهو ما يقعد فيه الراكب على ظهر الفرس؛ وأشكال قوالبه مختلفة، ثم من السرج ما يكون مغشّى بالذهب، وهو مما يصلح للملوك. ومنها: ما يكون مغشّى بالفضة البيضاء، وكل منها قد يكون منقوشا وقد يكون غير منقوش، ومنها ما يكون بأطراف فضة، ومنها ما يكون ساذجا «5» . ومنها: اللّجام- وهو الذي يكون في فكّ الفرس يمنعه من الجماح؛ وقوالبه

أيضا مختلفة، ثم منها ما يكون مطليّا بالذهب، ومنها ما يكون مطليّا بالفضة، ومنها ما يكون ساذجا، ومنها ما يكون رأسه وجنباه محلّى بالفضة، ومنها ما يكون غير محلّى. ومنها: الكنبوش- وهو ما يستر به مؤخر ظهر الفرس وكفله؛ وهو تارة يكون من الذهب الزركش، وتارة يكون من المخايش، وهي الفضة الملبّسة بالذهب، وتارة يكون من الصوف المرقوم؛ وبه يركب القضاة وأهل العلم. ومنها: العباءة بالمدّ- وهي التي تقوم مقام الكنبوش. ومنها: المهماز- وهو آلة من حديد تكون في رجل الفارس، فوق كعبه، فوق الخف وما في معناه، ومؤخره إصبع محدّد الرأس إذا أصاب جانب الفرس تحرّكت وأسرعت في المشي أو جدّت في العدو، وهو تارة يكون من ذهب محض، وتارة يكون من فضّة، وتارة يكون من حديد مطليّ بالذهب أو الفضة؛ وقد اعتاد القضاة والعلماء في زماننا تركه. ومنها: الكور- وهو ما يقعد فيه الراكب في ظهر النجيب؛ وهو «1» الهجين؛ والعرب تسميه: الرّحل؛ ثم قد يكون مقدّمه ومؤخره مغشّى بالذهب أو الفضة، وقد يكون غير مغشّى. ومنها: الزّمام- وهو ما يقاد به النّجيب، ويضبطه به الراكب كما يضبط الفارس الفرس بالعنان. ومنها: الرّكاب- وهو ما تجعل فيه الرّجل عند الركوب، وكانت العرب تعتاده من الجلد والخشب، ثم عدل عن ذلك إلى الحديد. قال أبو هلال العسكريّ «2» في كتابه «الأوائل» «3» : وأوّل من اتخذه من

الصنف الثالث آلات السفر، وهي عدة آلات

الحديد المهلّب بن أبي صفرة «1» ؛ وكانت ركب العرب من خشب فكان الفارس يصكّ الراكب «2» بركابه فيوهن مرفقه. ومنها: السّوط- وهو ما يكون بيد الراكب يضرب به الفرس أو النجيب، وأهل زماننا يعبرون عنه بالمقرعة لأنه يقرع به المركوب إذا تقاعس؛ وهو بدل من القضيب الذي كان للخلفاء على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب الخلافة في المقالة الثانية إن شاء الله تعالى. الصنف الثالث آلات السفر، وهي عدّة آلات منها: المحفّة- بكسر الميم- وهي محمل على أعلاه قبّة، وله أربعة سواعد: ساعدان أمامها وساعدان خلفها، تكون مغطاة بالجوخ تارة وبالحرير أخرى، تحمل على بغلين أو بعيرين يكون أحدهما في مقدّمتها والآخر في مؤخرتها؛ إذا ركب فيها الراكب صار كأنه قاعد على سرير، لا يلحقه انزعاج؛ وقد جرت عادة الملوك والأكابر باستصحابها في السفر خشية ما يعرض من المرض. ومنها: المحمل- بكسر الميم الأولى وفتح الثانية «3» - وهو آلة كالمحفّة إلا أنه يحمل على أعلى ظهر الجمل بخلاف المحفّة فإنها تحمل بين جملين أو بغلين. ومنها: الفوانيس- جمع فانوس- وهي آلة كريّة ذات أضلاع من حديد، مغشّاة بخرقة من رقيق الكتّان الصافي البياض، يتخذ للاستضاءة بغرز الشمعة في

أسفل باطنه فيشفّ عن ضوئها، ومن شأنها أن يحمل منها اثنان امام السلطان أو الأمير في السفر في الليل. ومنها: المشاعل، جمع مشعل، وهي آلة من حديد كالقفص مفتوح الأعلى، وفي أسفله خرقة لطيفة، توقد فيه النار بالحطب فيبسط ضوءه؛ يحمل أمام السلطان ونحوه في السفر ليلا أيضا. ومنها: الخيام، جمع خيمة؛ ويقال لها: الفسطاط والقبّة أيضا؛ وهي بيوت تتخذ من خرق القطن الغليظ ونحوه، تحمل في السفر لوقاية الحرّ والبرد؛ وكانت العرب تتخذها من الأديم، وقد امتنّ الله تعالى عليهم بذلك في قوله تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ «1» . والملوك» تتناهى في سعتها وتتباهى بكبرها. وسيأتي في الكلام على ترتيب الدولة الفاطمية أنه كان لبعض خلفائهم خيمة تسمّى: القاتول، سميت بذلك لأن فرّاشا من الفرّاشين وقع من أعلى عمودها فمات لطوله. ومنها: الخركاه، وهي بيت من خشب مصنوع على هيئة مخصوصة ويغشّى بالجوخ ونحوه، تحمل في السفر لتكون في الخيمة للمبيت في الشتاء لوقاية البرد. ومنها: القدور، جمع قدر، وهي الآلة التي يطبخ فيها وتكون من نحاس غالبا، وربما كانت من برام. والملوك تتباهى بكثرتها وعظمها، لأنها من دلائل كرم الملك وكثرة رجاله، وقد أخبر الله تعالى عن سليمان عليه السلام بعظيم قدر ما كانت الجن تعمله له من

القدور بقوله: يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ «1» . ومنها: الأثافيّ؛ وهي الآلة المثلثة التي تعلّق عليها القدر عند الطبخ، وتكون من حديد. ومنها: النار التي يوقد بها للطبخ ونحوه، وقد تقدّم في الكلام على نيران العرب ذكر نار القرى؛ وهي نار كانت ترفع ليلا ليراها الضيف فيهتدي بها إلى الحيّ. ومنها: الجفان، جمع جفنة، وهي الآنية التي يوضع فيها الطعام؛ وقد تقدّم في الكلام على القدور أنها مما كانت الجن تعمله لسليمان عليه السلام أيضا. وقد كانت العرب تفتخر بكبر الجفان لدلالتها على الكرم، وفي ذلك يقول الأعشى في مدح المحلّق «2» ليلة بات عليه: نفى الذّام عن آل المحلّق جفنة ... كجابية الشّيخ العراقيّ تفهق «3» قيل: أراد بالشيخ العراقيّ كسرى، فشبه جفنته بجفنته. ومنها: حياض الماء؛ وهي حياض من جلد تحمل في السفر ليبقى الماء فيها لسقي الدّوابّ ونحوها، وكبر قدرها دليل على رفعة قدر صاحبها وفخامته لدلالتها على كثرة دوابه، واتساع عسكره.

الصنف الرابع آلات السلاح؛ وهي عدة آلات

الصنف الرابع آلات السلاح؛ وهي عدّة آلات منها: السّيف؛ وهو معروف. وسيأتي في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة أنه مأخوذ من قولهم: ساف إذا هلك لأنه به يقع الهلك. واعلم أن السيف إن كان من حديد ذكر- وهو المعبّر عنه بالفولاذ- قيل: سيف فولاذ، وإن كان من حديد أنثى- وهو المعبر عنه في زماننا بالحديد- قيل: سيف أنيث؛ فإن كان متنه من حديد أنثى وحدّاه من حديد ذكركما في سيوف الفرنجة، قيل: سيف مذكّر. ويقال: إن الصاعقة إذا نزلت إلى الأرض وردّت «1» صارت حديدا، وربما حفر عليها وأخرجت فطبعت سيوفا، فتجيء في غاية الحسن والمضاء. ثم إن كان عريض الصّفيح قيل له: صفيحة؛ وإن كان محدقا «2» لطيفا قيل له: قضيب؛ فإن كان قصيرا قيل: أبتر؛ فإن كان قصره بحيث يحمل تحت الثياب ويشتمل عليه قيل: مشمل- بكسر الميم- فإن كان له حدّ وجانبه الآخر جافّ قيل فيه: صمصامة- وبهذا كان يوصف سيف عمرو بن معدي كرب فارس العرب، فإن كان فيه حزوز مستطيلة «3» قيل فيه: فقارات- وبذلك سمي سيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذا الفقار» «4» يروى أنه كان فيه سبع عشرة فقارة. ثم تارة ينسب السيف إلى الموضع الذي طبع فيه، فيقال فيما طبع بالهند: هنديّ ومهنّد، وفيما طبع باليمن: يمان، وفيما طبع بالمشارف- وهي قرّى من قرى العرب قريبة من ريف العراق- قيل له: مشرفيّ؛ فإن كان من المعدن المسمّى بقساس؛ وهو معدن موصوف بجودة الحديد قيل له: قساسيّ.

وتارة ينسب السيف إلى صاحبه كالسيف السّريجيّ نسبه إلى قين «1» من قيون العرب اسمه: سريج، معروف عندهم بحسن الصنعة. ويوصف السيف بالحسام؛ وهو القاطع؛ أخذا من الحسم، وهو القطع، وبالصارم؛ وهو الذي لا ينبو عن الضّريبة. والناس يبالغون في تحلية السّيوف فتارة ترصّع بالجواهر، وتارة يحلّونها بالذهب، وتارة يحلونها بالفضة، وإن كان الاعتبار إنما هو بالسيف لا بالحلية. ومنها: الرّمح: وهو آلة الطعن. والرماح ضربان: أحدهما: متّخذ من القنا، وهو قصب مسدود الداخل، ينبت ببلاد الهند يقال للواحدة منه: قناة، ويقال لمفاصلها: أنابيب، ولعقدها: كعوب؛ فإن كان قد نشأ في نباته مستقيما بحيث لا يحتاج إلى تثقيف قيل له: الصّعدة- بفتح الصاد وسكون العين المهملتين- وان احتاج إلى تقويم مقوّم قيل له: مثقّف. ويوصف القنا: بالخطّيّ- بفتح الخاء المعجمة- نسبة إلى الخطّ؛ وهي بلدة بالبحرين تجلب إليها الرّماح من الهند، وتنقل منها إلى بلاد العرب، وليست تنبت القنا كما توهّمه ابن أصبغ «2» في أرجوزته المذهبة. الثاني: ما يتّخذ من الخشب كالزان ونحوه، ويسمّى: الذابل- بالذال المعجمة وكسر الموحدة-. ويقال للحديد الذي في أعلى الرّمح: السّنان، وللذي في أسفله: الزّجّ والعقب. ويوصف الرّمح: بالأسمر، لأن لون القنا السّمرة، وبالعسّال؛ وهو الذي يضطرب في هزّه، وباللّدن؛ وهو الليّن، وبالسّمهريّ، نسبة إلى بلدة يقال لها سمهرة من بلاد الحبشة، وقيل إلى السّمهرة؛ وهي الصّلابة.

ومنها: الطّبر؛ وهو باللغة الفارسية الفأس، ولذلك يسمى السّكّر الصّلب: بالطّبرزذ يعني الذي يكسر بالفأس. وإلى الطّبر تنسب الطّبر داريّة- وهم الذين يحملون الأطبار حول السلطان- على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب المملكة في المسالك والممالك إن شاء الله تعالى. ومنها: السّكّين، وسيأتي ذكرها في آلات الدّواة في الكلام على آلات الكتابة، وإنما سميت سكّينا لأنها تسكّن حركة الحيوان؛ وتسمّى: المدية أيضا لأنها تقطع مدى الأجل. وهذه الاشتقاقات أولى بآلة الحرب من آلة الكتابة. وحاصل الأمر أن السكين تختلف أحوالها بحسب الحاجة اليها، فتكون لكل شيء بحسب ما يناسبه. ومنها: القوس، وهي مؤنثة. والقسيّ على ضربين: أحدهما: العربية، وهي التي من خشب فقط، ثم إن كانت من عود واحد قيل لها: قضيب، وان كانت من فلقين قيل لها: فلق. الثاني: الفارسية؛ وهي التي تركّب من أجزاء من الخشب والقرن والعقب والغراء؛ ولأجزائها أسماء يخص كلّ جزء منها اسم؛ فموضع إمساك الرامي من القوس يسمى: المقبص؛ ومجرى السهم فوق قبض الرامي يسمى: كبد القوس؛ وما يعطف من القوس يسمى: سية القوس، وما فوق المقبض من القوس، وهو ما على يمين الرامي يسمى: رأس القوس؛ وما أسفله؛ وهو ما على يسار الرامي يسمّى: رجل القوس. ومنها: النّشاب؛ والنّبل؛ فالنّبل ما يرمى به عن القسيّ العربية؛ والنّشاب ما يرمى به عن القسيّ الفارسيّة، حكاه الأزهري «1» . ومجرى الوتر من السّهم يسمّى: الفوق؛ حديده يسمّى: النّصل؛ والريش يسمّى: القذذ؛ والسهم قبل تركيب الريش يسمّى: القدح- بكسر القاف وسكون الدال المهملة-.

ومنها: الكنانة، ويقال لها. الجعبة؛ وهي بكسر الكاف، وهي ظرف السهام، وتكون تارة من جلد وتارة من خشب. ومنها: الدّبّوس، ويسمّى: العامود؛ وهو آلة من حديد ذات أضلاع ينتفع بها في قتال لا بس البيضة ومن في معناه؛ ويقال إن خالد بن الوليد رضي الله عنه به كان يقاتل. ومنها: العصا؛ وهي آلة من خشب تفيد في القتال نحو إفادة الدبّوس. ومنها: البيضة؛ وهي آلة من حديد توضع على الرأس لوقاية الضرب ونحوه، وليس فيه ما يرسل على القفا والآذان؛ وربما كان ذلك من زرد. ومنها: المغفر- بكسر الميم؛ وهو كالبيضة إلا أن فيه أطرافا مسدولة على قفا اللابس وأذنيه، وربما جعل منها وقاية لأنفه أيضا، وقد تكون من زرد أيضا. ومنها: الدّرع؛ وهو جبّة من الزّرد المنسوج يلبسها المقاتل لوقاية السيوف والسهام؛ وهي تذكر وتؤنث، وقد أخبر الله تعالى عن داود عليه السلام أنه ألين له الحديد فكان يعمل منه الدروع بقوله تعالى: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ «1» . وقوله: وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ «2» ولذلك تنسب الدروع الفائقة إلى نسج داود عليه السلام. ومن الدروع ما يقال لها: السّلوقيّة، نسبة إلى سلوق- قرية من قرى اليمن؛ وربما قيل: دروع حطوميّة «3» - بضم الحاء المهملة- نسبة لحطوم «4» رجل من عبد القيس. واعلم أن لبس العرب في الحرب كان الزرد، أما الآن فقد غلب عمل

الصنف الخامس آلات الحصار؛ وهي عدة آلات

القرقلات «1» من الصفائح المتخذة من الحديد المتواصل بعضها ببعض. ومنها: التّرس؛ وهو الآلة التي يتقى بها الضرب والرمي عن الوجه ونحوه، وتسمى: الجنّة أيضا، بضم الجيم، أخذا من الاجتنان وهو الاختفاء؛ وربما قيل لها: الحجفة- بفتح الحاء المهملة والجيم- ثم هي تارة تكون من خشب، وتارة تكون من حديد، وتارة تكون من عيدان مضموم بعضها إلى بعض بخيط القطن ونحوه؛ فإن كانت من جلد قيل لها: درقة- بفتح الدال والراء المهملتين-. الصنف الخامس آلات الحصار؛ وهي عدة آلات منها: المنجنيق- بفتح الميم وسكون النون وفتح الجيم وكسر النون الثانية وسكون الياء وقاف في الآخر- وحكى ابن الجواليقي «2» فيه كسر الميم، وحكي فيه منجنوق بالواو ومنجميق بإبدال النون الثانية ميما؛ وهو أسم أعجميّ، فإن الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة عربية، ويجمع على مجانيق ومناجيق. قال الجوهريّ: وأصله «من جي نيك» وتفسيره بالعربية: ما أجودني. قال ابن خلكان: تفسير من وتفسير جي: ايش، وتفسير نيك: جيد. قال ابن قتيبة في كتابه «المعارف» وأبو هلال العسكريّ في «الأوائل» : وهو آلة من خشب لها دفّتان قائمتان بينهما سهم طويل رأسه ثقيل وذنبه خفيف، وفيه تجعل كفّة المنجنيق التي يجعل فيها الحجر، يجذب حتى ترفع أسافله على أعاليه، ثم يرسل فيرتفع ذنبه الذي فيه الكفّة فيخرج الحجر منه فما أصاب شيئا إلا أهلكه.

وأوّل من وضع المنجنيق: جذيمة الأبرش ملك الحيرة على العرب. وذكر الواحديّ «1» في تفسير سورة الأنبياء: أن الكفارّ لما أضرموا النار لإحراق إبراهيم عليه السلام ولم يقدروا على القرب من النار ليلقوه فيها، فجاءهم اللّعين إبليس فعلمهم وضع المنجنيق فعملوه وألقوه فيه فقذفوا به في النار، فكان أول منجنيق عمل. ومما يلتحق بالمنجنيق: الزيارت، وهي اللّوالب والحبال التي يجذب بها المنجنيق حتى ينحط أعلاه ليرمى به الحجر. ومنها: السّهام الخطاية «2» ؛ وهي سهام عظام يرمى بها عن قسيّ عظام توتر بلوالب يجرّ بها ويرمى عنها فتكاد تخرق الحجر. ومنها: مكاحل البارود؛ وهي المدافع التي يرمى عنها بالنّفط؛ وحالها مختلف: فبعضها يرمى عنه بأسهم عظام تكاد تخرق الحجر، وبعضها يرمى عنه ببندق من حديد من زنة عشرة أرطال بالمصريّ إلى ما يزيد على مائة رطل؛ وقد رأيت بالإسكندريّة في الدّولة الأشرفية- شعبان بن حسين، في نيابة الأمير صلاح الدين بن عرّام رحمه الله- بها مدفعا قد صنع من نحاس ورصاص وقيّد بأطراف الحديد رمي عنه من الميدان ببندقة من حديد عظيمة محماة، فوقعت في بحر السلسلة خارج باب البحر؛ وهي مسافة بعيدة. ومنها قوارير النّفط؛ وهي قدور ونحوها يجعل فيها النّفط ويرمى بها على الحصون والقلاع للإحراق؛ على أن القوارير في اللغة اسم للزّجاج وإنما استعيرت في آلات النّفط مجازا. ومنها الستائر؛ وهي آلات الوقاية من الطوارق وما في معناها مما يستر به

الصنف السادس آلات الصيد، وهي عدة آلات

على الأسوار والسفن التي يقع فيها القتال ونحو ذلك. الصنف السادس آلات الصيد، وهي عدّة آلات منها قوس البندق- ويسمّى الجلاهق- قوس يتّخذ من القنا ويلّف عليه الحرير ويغرّى؛ وفي وسط وتره قطعة دائرة تسمّى الجوزة توضع فيها البندقة عند الرّمي. ومنها الجراوة؛ وهي آلة من جلد يجعل فيها البندق الطين الذي يرمى به عن القوس المقدّم ذكره. ومنها الشّباك؛ وهي آلة تتخذ تعقد من خيطان وتنصب لاقتناص الصيد، وكذلك تطرح في الماء فيصاد بها السمك. ومنها الزّبطانة «1» ؛ وهي آلة من خشب مستطيلة كالرمح مجوّفة الداخل يجعل الصائد بندقة من طين صغيرة في فيه، وينفخ بها فيها فتخرج منها بحدّة فتصيب الطير فترميه؛ وهي كثيرة الإصابة. ومنها الفخّ؛ وهو آلة مقوّسة لها دفّتان تفتحان قسرا، وتعلّقان في طرف شظاة ونحوها، إذا أصابها الصيد انطبقت عليه. ومنها الصّنانير، جمع صنّارة؛ وهي حديدة معقّفة محدّدة الرأس يصاد بها السمك. الصنف السابع آلات المعاملة؛ وهي عدّة آلات منها الميزان، وهو أحد الآلات التي يقع بها تقدير المقدّرات، فالموازين قديمة الوضع؛ قال تعالى: وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ

وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ «1» وأمر شعيب عليه السلام قومه بإقامة القسط بالوزن كما أخبر تعالى عنه بقوله: وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ* «2» . قال أبو هلال العسكريّ: وأوّل من اتخذ الموازين من الحديد عبد الله بن عامر «3» . قال: وأوّل من وضع الأوزان سمير اليهوديّ، وذلك أن الحجّاج ضرب الدراهم بأمر عبد الملك بن مروان ونهى أن يضربها أحد غيره، فضربها سمير، فأمر الحجاج بقتله لاجترائه عليه. فقال سمير: أنا أدلّك على ما هو خير للمسلمين من قتلي، فوضع الأوزان: وزن ألف وخمسمائة إلى وزن ربع قيراط، وجعلها حديدا فعفا عنه. وكان الناس قبل ذلك إنما يأخذون الدرهم الوازن فيزنون به غيره، وأكثرها يؤخذ عددا. ومنها: الذراع، مؤنثة، وهي إحدى الآلات التي تقدّر بها المقادير أيضا، بها تقدّر الأرضون، ويقاس البزّ «4» وما في معناه؛ ولم يزل الناس قديما وحديثا يتعاملون بها على اختلافها؛ وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى: فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ «5» . وقد ذكر الماوردي «6» في الأحكام السلطانية سبع أذرع: إحداها العمريّة؛ وهي الذراع التي قدّرها أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه لمسح سواد العراق. قال موسى بن طلحة: «7» وطولها ذراع وقبضة

وإبهام. قال الحكم بن عتيبة: «1» عمد عمر رضي الله عنه إلى أطولها ذراعا وأقصرها ذراعا، فجمع منها ثلاثة وأخذ الثّلث منها وزاد عليها قبضة وإبهاما قائمة، ثم ختم في طرفها بالرّصاص، وبعث بذلك إلى حذيفة «2» وعثمان بن حنيف «3» فمسحا بها السّواد. الثانية الهاشمية،» وتسمى الزّياديّة. قال: وهي أربع وعشرون إصبعا، كل إصبع سبع شعيرات معتدلات معترضات ظهرا لبطن، كل شعيرة عرض سبع شعرات من شعر البرذون؛ وهذه الذراع التي يعتمدها الفقهاء في الشرعيات، وبها قدروا البريد المعتبر في مسافة قصر الصلاة وغيرها، وربما عبّروا عنها بذراع الملك؛ وسميت بالهاشمية لأن أبا جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس اعتبرها وعمل بمقتضاها في المساحة وتبعه سائر خلفائهم على ذلك؛ وبنو العباس من بني هاشم، فنسبت إلى بني هاشم مباينة لمن تقدّمهم من خلفاء بني أميّة. قال الماورديّ: وتسمّى الزّياديّة، لأن زيادا مسح بها السّواد أيضا. الثالثة البلاليّة؛ وهي أنقص من الهاشمية المقدّم ذكرها ثلاثة أرباع عشرها؛ وإنما سميت البلاليّة لأن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري هو الذي وضعها، وذكر أنها ذراع جدّه أبي موسى. الرابعة السّوداء؛ وهي دون البلالية بإصبعين وثلثي أصبع؛ وأوّل من وضعها الرشيد، قدّرها بذراع خادم أسود كان قائما على رأسه.

الصنف الثامن آلات اللعب؛ وهي عدة آلات

قال الماوردي: وهي التي يتعامل بها الناس في ذرع البزّ والتجارة والأبنية وقياس نيل مصر. الخامسة اليوسفيّة؛ وهي دون الذراع السوداء بثلثي إصبع؛ وأوّل من وضعها أبو يوسف «1» صاحب أبي حنيفة. قال الماورديّ: وبها يذرع القضاة الدّور ببغداد. السادسة القصبة «2» ؛ وهي أنقص من الذراع السوداء بإصبع وثلثي إصبع، وأوّل من وضعها ابن أبي ليلى القاضي «3» . قال الماوردي: وبها يتعامل أهل كلواذى «4» . السابعة المهرانية؛ قال الماوردي: وهي بالذراع السوداء ذراعان وثلثا ذراع، وأوّل من وضعها المأمون؛ وهي التي يتعامل بها في حفر الأنهار ونحوها. ومنها: المقصّ- بكسر الميم- وهو الآلة المعروفة، وينتفع به في أمور مختلفة. الصنف الثامن آلات اللّعب؛ وهي عدّة آلات منها: النّرد- بفتح النون وسكون الراء المهملة- وهو من حكم الفرس، وضعه أردشير بن بابك أوّل طبقة الأكاسرة من ملوكهم، ولذلك قيل له: نردشير؛ وضعه مثالا للدنيا وأهلها، فرتب الرقعة اثني عشر بيتا بعدد شهور السنة،

والمهارك ثلاثين قطعة بعدد أيام الشهر؛ وجعل الفصوص بمثابة الافلاك، ورميها مثل تقلّبها ودورانها، والنّقط فيها بعدد الكواكب السيارة، كلّ وجهين منها سبعة: وهي الشش ويقابله اليكّ، والبنج ويقابله الدو، والجهار ويقابله الثا؛ وجعل ما يأتي به اللاعب من النقوش كالقضاء والقدر، تارة له وتارة عليه، وهو يصرف المهارك على ما جاءت به النقوش، إلا أنه إذا كان عنده حسن نظر عرف كيف يتالي، وكيف يتحيل على الغلب وقهر خصمه، مع الوقوف عند ما حكمت به الفصوص كما هو مذهب الأشاعرة، لكن قد وردت الشريعة بذمّه، قال صلّى الله عليه وسلّم: «من لعب بالنّردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير» وفي رواية: «ملعون من لعب بالنّردشير» . وفي تحريمه عند أصحابنا الشافعية وجهان: أصحهما التحريم، والثاني الكراهة. وإذا قلنا: حرام، فالأصح أنه صغيرة، وقيل: كبيرة. ومنها: الشّطرنج- بفتح «1» الشين المعجمة أو السين المهملة لغتان، والأولى منهما أفصح- وهو فارسيّ معرّب، وأصله بالفارسية شش رنك، ومعناه ستة ألوان وهي: الشاه- والمراد بها الملك- والفرزان، والفيل، والفرس، والرّخّ، والبيدق. ثم الشّطرنج من أوضاع حكماء الهند وحكمهم. وضعه صصه بن داهر الهندي لبلهيب ملك الهند مساواة لأردشير بن بابك في وضعه النرد، وعرضه على حكماء زمانه فقضوا بتفضيله؛ ثم عرضه على الملك وعرّفه أمره، فقال: احتكم عليّ، فتمنّى عليه عدد تضعيف بيوته من قمحة إلى نهاية البيوت، فاستصغر همته وأنكر عليه مواجهته بطلب نزر يسير، فقال: هذه طلبتي، فأمر له بذلك، فحسبه أرباب دواوينه فقالوا للملك: إنه لم يكن عندنا ما يقارب القليل من ذلك، فأنكر ذلك فأوضحوه له بالبرهان، فكان إعجابه بالأمر الثاني أكثر من الأوّل. قال ابن خلّكان: ولقد كان في نفسي من هذه المبالغة شيء حتّى اجتمع بي

بعض حسّاب الإسكندرية، فأوضح لي ذلك وبيّنه؛ وذلك أنه ذكر أنه ضاعف الأعداد إلى البيت السادس عشر، فأثبت فيه اثنين وثلاثين ألفا وسبعمائة وثمانية وستين حبة، وقال: تجعل هذه الجملة مقدار قدح، ثم ضاعف السابع عشر إلى البيت العشرين فكان فيه ويبة؛ ثم أنتقل من الويبات إلى الأردب، ولم يزل يضعّفها حتّى انتهى في البيت الأربعين إلى مائة ألف إردب وأربعة وسبعين ألف إردب وسبعمائة واثنين وستين إردبا وثلثي إردب، وقال: هذا المقدار شونة، ثم ضاعف الشّون إلى بيت الخمسين فكانت الجملة ألفا وأربعة وعشرين شونة، وقال: هذا المقدار مدينة، ثم إنه ضاعف ذلك البيت إلى الرابع والستين، وهو نهايتها؛ فكانت الجملة ست عشرة ألف مدينة وثلاثمائة وأربعا وثمانين مدينة، وقال: تعلم أنه ليس في الدنيا مدن أكثر من هذا العدد. قال الصلاح الصّفدي «1» في شرح اللامية: وآخر ما اقتضاه تضعيف رقعة الشّطرنج ثمانية عشر ألف ألف ست مرات، وأربعمائة وستة وأربعون ألفا خمس مرات، وسبعمائة وأربعة وأربعون ألفا أربع مرات، وثلاثة وسبعون ألفا ثلاث مرات، وسبعمائة وتسعة آلاف مرتين، وخمسمائة وأحد وخمسون ألفا، وستمائة وخمس عشرة حبة عددا. قال الشيخ شمس الدين الأنصاري: إذا جمع هذا العدد هرما واحدا مكعّبا، كان طوله ستين ميلا، وعرضه كذلك، وارتفاعه كذلك؛ بالميل الذي هو أربعة آلاف ذراع. واللعب بالشّطرنج مباح؛ وقد ذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازيّ رحمه الله في «المهذب» «2» : أن سعيد بن جبير الإمام الكبير التابعي المشهور كان يلعب

الصنف التاسع آلات الطرب؛ وهي عدة آلات

الشّطرنج عن استدبار. وممن يضرب به المثل في لعب الشّطرنج الصّولي، وهو أبو بكر محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن صول تكين الكاتب «1» . ويقال: إن المأمون كان لا يجيد لعب الشّطرنج، فكان يقول: عجبا مني كيف أدبّر ملك الأرض من الشرق إلى الغرب ولا أحسن تدبير رقعة ذراعين في ذراعين. ثم في حلّه عند أصحابنا الشافعية ثلاثة أوجه أصحها أنه مكروه، والثاني أنه مباح، والثالث حرام؛ فإن اقترن به رهن من الجانبين أو أحدهما فإنه محرم بلا نزاع. الصنف التاسع آلات الطرب؛ وهي عدّة آلات منها العود، وهو آلة من خشب مخرقة، له عنق ورأسه ممال إلى خلفه، وهو آلة قديمة وتسميه العرب المزهر- بكسر الميم- وهو أفخر آلات الطرب وأرفعها قدرا وأطيبها سماعا، حتّى يقال إنه قيل له: هل يسمع أحسن منك؟ فقال: لا، وأمال رأسه إلى خلفه فهي ممالة لأجل ذلك. ومنها الحنك؛ قال في «التعريف» : وهو آلة محدثة طيبة النّغمة، لذيذ السماع يقارب العود في حسنه، وشكله مباين لشكل العود، ورأسه ممال إلى أسفل، يقال إنه قيل له: هل يسمع أحسن منك؟ فقال: نعم، يريد العود. ومنها الرّباب- بفتح الراء- وهي آلة مجوّفة مركب عليها خصلة لطيفة من شعر ممرّ عليها بقوس وتره من شعر فيسمع لها حسّ طيّب؛ وأكثر من يعانيها العرب. ومن أنواعها نوع يعبر عنه بالكمنجة لطيف القدر في تدوير، أطيب حسّا وأشجى من الرّباب. ومنها الدّفّ- بضم الدال- وهو معروف، ثم إن كان بغير صنوج- وهي

الصنف العاشر المسكرات وآلاتها؛ وهي عدة أشياء

المعبر عنها في زمننا بالصراصير- حلّ سماعه، أو بصنوج فالأصح كذلك. ومنها الشّبّابة- بفتح الشين- وهي الآلة المتخذة من القصب المجوّف، ويقال لها: اليراع أيضا، تسمية لها باسم ما اتخذت منه، وهو اليراع يعني القصب؛ وربما عبّر عنها بالمزمار العراقيّ، وتصحيح مذهب الشافعي رضي الله عنه يختلف فيها، فالرافعي رحمه الله يجيز سماعها والنّوويّ يمنع من ذلك. الصنف العاشر المسكرات وآلاتها؛ وهي عدة أشياء منها الخمر؛ وهي ما اتخذ من عصير العنب خاصة، وهي محرّمة بنصّ القرآن. قال تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ «1» وأبو حنيفة يبيحها للتداوي والعطش، ولم تبح عند الشافعية إلا لإساغة لقمة المغصوص خاصة، وشاربها يحدّ بالاتفاق؛ وحكم بنجاستها تغليظا في الزجر عنها؛ وأباح أبو حنيفة المثلّث: وهو ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، وقال بطهارته، وجرى عند أصحابنا الشافعية وجه بالطهارة. أما المتخذ من الزبيب والتمر وما شاكله فإنما يقال له نبيذ؛ وقد ذهب الشافعيّ رضي الله عنه إلى القول بتنجيسه والحدّ بشر به وإن لم ينته منه إلى قدر يحصل منه سكر. ومنع أبو حنيفة الحدّ في القدر الذي لا يسكر. ثم للخمر أسماء كثيرة باعتبار أحوال، فتسمّى الخمر لانها تخمّر العقل أي تغطّيه، والحميّا لأنها تحمي الجسد، والعقار لأنها تعاقر الدّنّ أي تطول مدّتها فيه إلى غير ذلك من الأسماء التي تكاد تجاوز مائة. ومنها الإبريق، وهو الإناء الذي يصبّ منه؛ والإبريق في أصل اللغة ما له خرطوم يصبّ منه.

ومنها القدح، وهو إناء من زجاج ونحوه يصبّ فيه من الإبريق المقدّم ذكره. ومنها الكأس؛ وهو القدح بعد امتلائه، ولا يسمّى كأسا إذا كان فارغا بل قدحا كما تقدّم. ومنها الكوب- بالباء الموحدة- وهو الذي لا عروة له يمسك بها، أما إذا كانت له عروة فإنه يقال له كوز بالزاى المعجمة. قلت: والعجب ممن يذهب طيّباته في حياته الدّنيا، ويفوز بما وصفه المرارة وطبعه إزالة العقل الذي به تدرك اللذة، ويفوت النعيم المقيم في دار البقاء! فقد ورد «أن من شرب الخمر في الدّنيا لم يطعمها في الآخرة» . قال العلماء: إذا رآها، لا يشتهيها ولم تطلبها نفسه، وقد وصف الله تعالى حال خمر الجنة بقوله: طُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ «1» وأتبع ذلك بكمال النعمة في قوله: وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً «2» . اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة! فلا تحرمنا خير ما عندك بشرّ ما عندنا. ومنها: الحشيشة التي يأكلها سفلة الناس وأراذلهم، وتسميها الأطباء بالشّهدانج، وعبر عنها ابن البيطار في مفرداته بالقنّب الهنديّ، وهي مذمومة شرعا، مضرة طبعا، تفسد المزاج، وتؤثر فيه الجفاف وغلبة السوداء، وتفسد الذهن، وتورث مساءة الأخلاق، وتحطّ قدر متعاطيها عند الناس؛ إلى غير ذلك من الصفات الذميمة المتكاثرة. وكلام القاضي حسين يدل على أنه لا يحدّ متعاطيها وإن فسّق، فإنه قال: وغير الخمر مثل البنج وجوز ماثل والأفيون لا يحدّ متعاطيه بحال؛ بل إن تعمّد تناوله فسّق به، وإن تناوله غلطا أو للتداوي لم يفسّق؛ وقد

النوع الثامن مما يحتاج إلى وصفه الأفلاك والكواكب، وفيه مقصدان:

أفرد ابن القسطلاني «1» الحشيشة بتصنيف سماه «تكرمة المعيشة، في ذمّ الحشيشة» ذكر الكثير من معانيها ومساوي متعاطيها، أعاذنا الله تعالى من ذلك. النوع الثامن مما يحتاج إلى وصفه الأفلاك والكواكب، وفيه مقصدان: المقصد الأوّل في بيان ما يقع عليه اسم الفلك وعدد أكره «2» ، وما بين كل كرتين وحركة الأفلاك في اليوم والليلة أما ما يقع عله اسم الفلك فالمراد بالأفلاك السموات. قال صاحب «مناهج الفكر» «3» : تواطأت الأمم على تسمية أجرام السموات أفلاكا، وقال ابن قتيبة في «أدب الكاتب» : الفلك مدار النجوم الذي يضمها، واحتج بقوله تعالى بعد ذكر النجوم: «وكلّ في فلك يسبحون» «4» قال: وسمّي فلكا لاستدارته، ومنه قيل: فلكة المغزل لاستدارتها. وأما شكل الفلك وهيئته، فقد اختلف علماء الهيئة في ذلك: فذكر الأكثرون منهم أنها كريّة لا مسطّحة، لأن أسرع الأشياء حركة السموات وأسرع الأشكال حركة الكرة لأنها لا تثبت على مكان من الأمكنة إلا بأصغر أجزائها. وأما عدد أكره فقد ذكر الجمهور من علماء الهيئة أن الفلك عبارة عن تسع

أكر متسقة، ملتفة بعضها فوق بعض التفاف طبقات البصلة، بحيث يماسّ محدّب كلّ كرة سفلى مقعر كرة أخرى عليا إذ لا خلاء بينهما عندهم. قالوا: وأقرب هذه الأكر إلى الأرض كرة القمر، ثم كرة عطارد، ثم كرة الزّهرة، ثم كرة الشّمس، ثم كرة المرّيخ، ثم كرة المشتري، ثم كرة زحل، ثم كرة الكواكب الثابتة، ثم كرة الفلك الأطلس؛ وسمّي بالأطلس لأنه لا كواكب فيه، ثم الفلك المحيط، ويسمّى فلك الكل، وفلك الأفلاك، والفلك الأعلى، والفلك الأعظم، وحكى النومحسي «1» في «كتاب الآراء والديانات» أن بعض القدماء ذهب إلى أن كرة الشمس أعلى من سائر كرات الكواكب، وبعدها كرة القمر، وبعدها كرة الكواكب المتحيرة «2» ، ثم كرة الكواكب الثابتة. والمتفلسفون من الإسلاميين لما حكمت عليهم نصوص الكتاب والسنة بالاقتصار على ذكر سبع سموات، زعموا أن الفلك الثامن من الأفلاك التسعة هو الكرسيّ، والفلك التاسع هو العرش. وذهب بعض القدماء من علماء الهيئة إلى أن فوق الكرة التاسعة كرة عاشرة هي المحرّكة لسائر الأكر. وذهب آخرون إلى أن وراء نهاية الأجرام السماوية خلاء لا نهاية له، وذهب بعض الفلاسفة إلى أن وراءها عالم الصورة، ثم عالم النفس، ثم عالم السياسة، ثم عالم العلّة الأولى، ويعنون به الباري تعالى عن الجهة. والصابئة «3» يسمون هذه العوالم أفلاكا. وأما ما بين كل كرتين، فذهب أهل الهيئة «4» إلى أنها متراصّة لا خلاء بينها،

المقصد الثاني في ذكر الكواكب ومحلها من الأفلاك؛ وهي على ضربين

لكن قد ورد الشرع بما يخالف ذلك، فأطبق القصّاص من أهل الأثر على أن بين كلّ سماء وسماء خمسمائة سنة، وفي سنن التّرمذي أن «بين كل سماء وسماء واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة» . وأما حركة الأفلاك اليومية، فإن الفلك الأطلس المقدّم ذكره يتحرّك بما في ضمنه في اليوم والليلة حركة واحدة دوريّة على قطبين مائلين يسمّيان قطبي العالم، أحدهما «1» عظمى تقطع هذا الفلك نصفين تسمّى دائرة معدّل النهار، لأن الشمس متى حلّت بها اعتدل النهار في سائر الأقطار، وتقاطع هذه الدائرة دائرة أخرى متوهّمة تقسم هذا الفلك نصفين على نقطتين متقابلتين، يصير نصفها في شماليّ معدّل النهار ونصفها الآخر في جنوبيّه، ويسمّى منطقة البروج، وهذه الدائرة ترسمها الشمس بحركتها الخاصة في السنة الشمسية، ومن ثمّ قسمت اثني عشر قسما ويسمّى كلّ قسم منها برجا. المقصد الثاني في ذكر الكواكب ومحلها من الأفلاك «2» ؛ وهي على ضربين الضرب الأوّل الكواكب السبعة السيّارة وهي زحل، والمشتري، والمرّيخ، والشّمس، والزّهرة، وعطارد، والقمر. ويتعلق القول بها من جهة مراتبها، واشتقاق أسمائها، ومقادير أبعادها من الأرض، وقدر محطّ كل كوكب منها.

فأما القمر، فمأخوذ من القمرة وهي البياض، سمي بذلك لبياضه؛ وقد تقدّم أنّ فلكه أقرب الأفلاك إلى الأرض؛ وهو المعبر عنه بالسماء الدّنيا، ودوره ألف ومائة وخمسة وثمانون ميلا، وهو جزء من تسعة وثلاثين جزءا من الأرض؛ وبعده عن الأرض مائة ألف وسبعة آلاف وخمسمائة وتسعون ميلا «1» . وهو يسمّى هلالا الليلة الأولى والثانية والثالثة، ثم هو قمر إلى آخر الشهر. ويسمّى في ليلة أربع عشرة: بالبدر، قيل لمبادرته الشمس «2» قبل الغروب، وقيل: لتمامه وامتلائه، كما قيل لعشرة آلاف: بدرة لأنها تمام العدد ومنتهاه. ويستسرّ ليلة في آخر الشهر؛ وربما استسرّ ليلتين فلا يرى، بمعنى أنه يختفي فلا يرى، ويسمّى هذا الاختفاء السّرار. وأما عطارد فمعناه النافذ في الأمور، ولذلك سمي الكاتب، وهو في الفلك الثاني بعد فلك القمر، ودور قرصه سبعمائة وعشرون ميلا، وهو جزء من اثنين وعشرين جزءا من الأرض؛ وبعد ما بينه وبين الأرض مائتا ألف وخمسة آلاف وثمانمائة ميل. وأما الزّهرة فمأخوذة من الزاهر وهو الأبيض، سميت بذلك لبياضها، وهي في الفلك الثالث من القمر، ودور قرصها ستة آلاف وسبعة وأربعون ميلا وهي جزء من ستة وثلاثين جزءا من الأرض؛ وبعدها عن الأرض خمسمائة ألف وخمسة وثلاثون ألفا وستمائة وأربعة عشر ميلا. وأما الشمس فسميت بذلك لشبهها بالشمسة وهي الواسطة التي في المخنقة، لأن الشمس واسطة بين ثلاثة كواكب سفليّة، وهي القمر وعطارد والزّهرة، وبين ثلاثة علويّة، وهي المرّيخ والمشتري وزحل، وذلك أنها في الفلك الرابع من القمر؛ ودور قرصها مائة ألف وثمانمائة وثمانون ميلا، وهي مثل الأرض

مائة وستّ وستون مرة وربع وثمن مرة، وبعدها عن الأرض ثلاثة آلاف وخمسة آلاف واثنان وتسعون ألفا ومائة وثلاثة وأربعون ميلا. وأما المرّيخ فمأخوذ من المرخ، وهو شجر تحتكّ أغصانه فتوري النار، فسمّي بذلك لشبهه بالنار في احمراره، وقيل: المرّيخ في اللغة هو السهم الذي لا ريش له، والسهم الذي لا ريش له يلتوي في سيره، فسميّ النجم المذكور بذلك لكثرة التوائه في سيره؛ وهو في الفلك الخامس من القمر؛ وهو مثل الأرض مرّة ونصفا، وبعده عن الأرض ثلاثة آلاف وتسعمائة ألف واثنا عشر ألفا وثمانمائة وستة وستون ميلا. وأما المشتري فسمّي بذلك لحسنه كأنه اشترى الحسن لنفسه، وقيل: لأنه نجم الشّراء والبيع عندهم، وهو في الفلك السادس من القمر، ودور قرصه أحد وتسعون ألفا وتسعمائة وتسعة وسبعون ميلا، وهو مثل الأرض خمس وسبعون مرة ونصف وثمن مرّة وبعده عن الأرض ثمانية وعشرون ألف ألف وأربعمائة ألف وثمانية وستون ألفا ومائتا ميل. وأما زحل فمأخوذ من زحل إذا أبطأ، سمي بذلك لبطئه في سيره؛ وقد فسّر به بعض المفسرين قوله تعالى: النَّجْمُ الثَّاقِبُ «1» ودور قرصه تسعون ألفا وسبعمائة وتسعة عشر ميلا، وبعده عن الأرض ستة وأربعون ألف ألف ومائتا ألف وسبعمائة وسبعة وسبعون ميلا؛ وأهل المغرب يسمون زحل المقاتل، ويسمون المّريخ الأحمر، ويسمّون عطارد الكاتب. والفرس يسمون الكواكب السبعة بأسماء بلغتهم، فيسمون زحل كيوان، والمشتري تير، والمرّيخ بهرام، والشمس مهر، والزّهرة أناهيد، وعطارد هرمس، والقمر ماه. واعلم أن لكلّ من هذه الكواكب السبعة حركتين: إحداهما قسريّة؛ وهي حركته بحركة فلك الكل في اليوم والليلة حركة تامة،

الضرب الثاني الكواكب الثابتة

وتسمّى الحركة السريعة. والثانية حركة ذاتية يتحرّك فيها هو بنفسه من المغرب إلى المشرق وتسمّى الحركة البطيئة. ويخلف الحال فيها بالسير باختلاف الكواكب، فلكل واحد منها سير يخصّه؛ وهذه الحركة في القمر أبين لسرعة سيره، إذ يقطع الفلك بالسير من المغرب إلى المشرق في كل ثمانية وعشرين يوما مرة. وقد مثّل القدماء من الحكماء للحركتين المذكورتين بمثالين: أحدهما بحركة السفينة براكبها إلى جهة جريان الماء وتحرك الراكب فيها إلى خلاف تلك الجهة. والثاني تحرّك نملة تدبّ على دولاب إلى ذات الشّمال، والدّولاب يدور إلى ذات اليمين. الضرب الثاني الكواكب الثابتة وهي الكواكب التي في الفلك الثامن على رأي علماء الهيئة، وسميت ثابتة لأنها ثابتة بمكانها من الفلك لا تتحرك من المغرب إلى المشرق، كما تتحرك السبعة السيارة، إلا حركة يسيرة جدّا، وإنما تتحرك بحسب حركة فلك الكل بها من المشرق إلى المغرب في اليوم والليلة؛ والذي يحتاج إلى ذكره منها الكواكب المشهورة مما تتعرّف به الأزمنة على ما تقدّم ذكره، أو ما يدخل تحت الوصف والتشبيه. وهي ثلاثة أصناف: الصّنف الأوّل نجوم البروج التي تنتقل فيها الشمس في فصول السنة وهي اثنتا عشرة صورة في اثني عشر برجا، بعضها من منازل القمر،

الأول الحمل وهو الكبش

وبعضها من صور أخرى جنوبية وشمالية، وبعضها من كواكب متفرقة لا تنسب إلى صورة. الأوّل الحمل وهو الكبش ، وهو صورة كبش على خط وسط السماء مقدّمه في المغرب ومؤخره للمشرق، وأوّل ما يطلع منه فمه؛ وهو الكوكب الجنوبي المنفرد من الكوكبين الشّماليين من مفصل اليد من الشّرطين «1» ، وعلى قرنيه الكوكبان الجنوبيان المقتربان من الشّرطين، وعلى عينه اليمنى الكوكب الشّماليّ المضيء من الشّرطين، وعلى عينه اليسرى كوكب خفيّ بقرب الشّماليّ من الشّرطين، وعلى لحييه آخر مثله، وعلى مفصل يده الكوكبان الشّماليان اللذان على عقب الرّجل اليسرى من الثريا، وهو الذي يقال له البطين «2» ، ويده وساقاه ممتدان إلى الشّمال، وكأنه إنما يظهر منه يد واحدة ورجل واحدة، والثريا «3» على طرف أليته. الثاني الثّور ، وهو صورة ثور على خط السماء، مقدّمه إلى المشرق ومؤخره إلى المغرب، وظهره إلى الشمال، ويداه ورجلاه إلى الجنوب، وعلى مؤخره أربعة كواكب تسمّى القطع أي هي موضع ذنبه المقطوع، والدّبران «4» وجهه، وركن الدّبران فمه، والكوكب المضيء الذي في الدّبران عينه، وكوكبان خارجان عن الدّبران فردة قرنه، وقرنه الآخر كوكب متباعد عن الدبران نفسه إلى الشّمال، وليس وجهه مستويا ولكنه شبيه بالمقطوع الذي جعل خدّه على رأس عنقه ويداه منحطتان إلى الجنوب، ويظهر منه رجل واحدة ويدان، وذنبه أبتر، والثريا خارجة عنه إلى الشّمال وكذلك اللّطخة، وهي ثلاثة أنجم تشبه الثريا بين الثريا والدّبران «5» وليستا من صورته.

الثالث التوأم

الثالث التّوأم : وهو المعبّر عنه في ألسنة الناس بالجوزاء. قال الحسين بن يونس الحاسب في كتابه في «هيئة الصّور الفلكية» : والناس مخطئون في ذلك وإنما الجوزاء هي الصورة المعروفة بالجبّار في الصور الجنوبية، وقدم التوأم الأيمن بعض كواكب الجبّار التي على تاجه. قال: والتوأم على خط وسط السماء جسدان ملتصقان برأسين، يظهر لكل واحد منهما يد واحدة ورجل واحدة، والرأسان في جهة المشرق، ورجلاهما في جهة المغرب، والذراع الشاميّ هو الرأسان، ويده اليمنى وهي التي في جهة الشّمال هي الذراع اليماني، والمضيء من الذّراع اليمانيّ يسمّى الشّعرى الغميصاء «1» ، ويده اليسرى ممتدّة إلى التوابع. الرابع السّرطان : وهو صورة سرطان على وسط السماء، رأسه إلى الشّمال ومؤخره إلى الجنوب؛ والنّثرة» على صدره؛ وعيناه كوكبان خفيّان تحت النثرة يدعيان بالحمارين وزباناه «3» كوكبان فيهما خفاء، وأحدهما أضوأ من الآخر، يكونان شماليين من التوأم، ومؤخّره كفّ الأسد. الخامس الأسد ، في وسط السماء، فمه مفتوح إلى النّثرة، وعلى رأسه كواكب مضيئة، والطّرف «4» على عنقه، والجبهة «5» على صدره، وقلبه «6» الكوكب الجنوبي المضيء من النّثرة؛ وهو عظيم النور، وكاهله كواكب خفية خارجة عن الطّرف والجبهة إلى الشّمال، والخراتان «7» خاصرته، والصّرفة «8» ذنبه، وكفّه المتقدّمة في آخر السّرطان، وكفه الأخرى بعد هذه الكف إلى المشرق، ورجله

السادس العذراء في وسط السماء

الأولى تخرج من الكوكب القبليّ من الخراتين إلى الجنوب، والأخرى تحت هذه للمشرق، وكبده كوكب يتوسط مع الجبهة شماليّ منها، وسائر فقاراته إلى المشرق. السادس العذراء في وسط السماء . قال حسين بن يونس: والعرب تسميها السّنبلة وهو خطأ، وإنما هي حاملة السنبلة، ورأسها في الشّمال بميلة إلى المغرب ورجلاها في الجنوب؛ وهي مستقبلة المشرق وظهرها إلى المغرب. قال: ورأسها كواكب صغار مستديرة كاستدارة رأس الإنسان تكون جنوبية من كوكبي الخراتين، ومنكباها أربعة كواكب تحت هذه إلى الشرق، وجناحها الأيمن ستة كواكب كهيئة الجناح. السابع الميزان ، وهو صورة ميزان، كفّتاها «1» إلى جهة المشرق وقبّها «2» إلى جهة المغرب، والسماك الأعزل «3» على قبّها من الجهة اليمنى ومقابله كوكب آخر على قبّها من الجهة الشّمالية، وكوكب آخر خارج من وسطها إلى المغرب على علاقتها، وهو على قصبة السّنبلة؛ وكوكبان من الغفر «4» على محامله مع كواكب أخر؛ وزبانيا العقرب كفّتاه. الثامن العقرب ، وهو صورة عقرب على وسط السماء، رأسه في المغرب، وذنبه في المشرق، وإحدى رجليه في الجنوب، والأخرى في الشّمال، والغفر «5» على رأسه، والزّبانيان اللذان هما كفّتا الميزان زبانياه، وعيناه كوكبان خفيان فيما بينهما وبين الإكليل «6» والإكليل على صدره، والقلب «7» هو قلبه، ونياط «8» القلب

التاسع القوس

كوكبان خفيان والقلب في وسطهما، وهو خارج عنهما إلى الشّمال، والشّولة «1» ذنبه، والكواكب التي على طرفها جبهته، وإبرته لطخة مستطيلة فيما بين الشّولة والنّعائم «2» الصادرة؛ ففيه من منازل القمر خمس منازل، وهي الغفر، والزّبانيان «3» ، والإكليل «4» ، والقلب «5» ، والشّولة «6» ؛ وأظهر ما تكون صورة العقرب وهو على الأنف عند الغروب، ففيه من منازل القمر ثلاث منازل: الإكليل والقلب والشولة. التاسع القوس ، ويسمّى الرامي، ونجوم هذا البرج نصفه شبه فرس، وهو مؤخّره إلى جهة المغرب، ونصفه وجه إنسان تقوس وهو في جهة المشرق، ورأسه في الشّمال ورجلاه في الجنوب، والنّعائم الواردة على وسطه، وهو على الجسد الذي يشبه بدن القوس، وذنبه يشبه لطخة مستطيلة مع كوكب صغير تحتها والكواكب رعبان «7» أي النعائم، والبلدة «8» على مقبض القوس ويده اليمنى قابضة على رأس السهم، وهي كواكب تكون تحت لطخة صغيرة قريبة منها. العاشر الجدي : وهو صورة جدي مستلق على ظهره، مقدّمه في المغرب، ومؤخّره في المشرق، وظهره للجنوب ويداه ورجلاه إلى الشّمال، وهو شبيه بالمنقلب إلى القوس، وقرناه إلى بطنه، وفمه إلى القوس، وليس له إلا يد واحدة، والكوكب الشّمالي من سعد الذابح «9» أحد قرنيه، والجنوبيّ منه قرنه الآخر، وكوكب آخر خفيّ «10» تحت سهم القوس غربيّ سعد الذابح فمه، وعلى كتفيه سعد بلع، «11» وعلى وركه سعد السّعود «12» ، والمضيء من سعد السعود حقّ وركه، وشق الحوت الجنوبيّ على ظهره، وطرف يده ثلاثة كواكب مضيئة بقرب اللامح فيها خفاء، وطرف رجله الكوكب المسمّى رأس الدّلو. الحادي عشر الدّلو ، وهو صورة رجل قائم بيده دلو؛ رأسه إلى الشّمال

الثاني عشر الحوت

ورجلاه إلى الجنوب، وظهره إلى المشرق، ووجهه إلى المغرب، والكواكب التي تسمّى الخباء من سعد الأخبية «1» رأسه، ويده اليسرى من فوق رأسه حتّى تنزل إلى الدّلو الذي عن يمينه، وسعد الأخبية مرفقه الأيسر، وبطنه يسمّى الجرّة، ودلوه أربعة سعود من السّعود السبعة «2» التي ليست من منازل القمر، هي سعد ناشرة، وسعد الملك، وسعد البهام وسعد الماتح «3» ؛ وكل سعد منها كوكبان، وعلى رجله اليسرى كوكب عظيم النور، وعلى رجله اليمنى كوكب أبيض يقرب في العظم من الذي قبله، والفرع المقدّم خارج عن صورته إلى الشّمال. الثاني عشر الحوت : وهو صورة سمكتين إحداهما المنزلة التي تسميها أصحاب المنازل بطن الحوت وهي شمالية، والثانية جنوبية عنها وهي أطول منها وأخفى الكواكب؛ والكواكب السبعة السيارة ترسم الجنوبية منهما بمسيرهن، وشقّ السمكة الجنوبية ثلاثة من السّعود السبعة التي من غير منازل القمر هي سعد الهمام وسعد البارع وسعد الماطر، «4» ، وليس الفرغ المؤخّر «5» في جسم الحوت بل خارج عنه إلى الشّمال والمغرب. الصنف الثاني نجوم منازل القمر التي ينتقل فيها القمر من أوّل الشهر إلى الثامن والعشرين منه وهي ثمان وعشرون منزلة يداخل أكثرها صور البروج الاثني عشر المتقدّمة. الأولى الشّرطان ، والشّرطان تثنية شرط، وهو العلامة، كأنه سمي بذلك لكونه علامة على طلوع الفجر عند طلوعه، وتسمىّ أيضا النّطح والناطح لأنها عند أصحاب الصور قرنا الحمل، وهما كوكبان نيّران بينهما قاب قوسين، أحدهما في

الثانية البطين

الشّمال والآخر في الجنوب إلى الجانب الجنوبيّ، ومنها كوكب ألطف منه يعدّ معه أحيانا ولذلك يسمّي بعضهم هذه المنزلة الأشراط على الجمع لا على التثنية، وهذه الثلاثة الكواكب إذا ظهرت في المشرق ظهرت كأنها مقلوبة منكّسة، وواحد منها أحمر مضيء وتحته آخر خفيّ، والثالث في الشّمال وهو أحمر مضيء. الثانية البطين ، تصغير بطن، وإنما صغّر فرقا بينه وبين بطن الحوت الآتي ذكره في جملة المنازل، والبطين ثلاثة كواكب مثل أثافيّ القدر: وهي الشكل المثلّث الذي ينصب عليه القدر عند الطبخ، وهي على القرب منها في موضع بطن الحمل من الصورة، وواحد منها مضيء واثنان خفيان، والخفيان يطلعان قبل المضيء. الثالثة الثّريّا ، ويسمّى النجم علما عليها، وبه فسر قوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى «1» وهي ستة أنجم صغار يظنها الناظرين سبعة أنجم، وهي في شكل مثلث متساوي الساقين، وبين نجومها نجوم صغار جدّا كالرشاش، ومطلعها إلى الشمال عن مطلع الشّرطين والبطين، وأوّل ما يطلع منها ويغيب هو الجانب العريض دون الأفخاذ منها، وهي عند أصحاب الصور بالقرب من محل ذنب الثور المقطوع. قال ابن يونس: وليست من صورة الثور، وبعضهم يسميها ألية الحمل لقربها منه. الرابعة الدّبران ، ويسمّى تالي النجم لكونه يطلع تلو الثريّا، وربما سمّي حادي النجم لذلك، ويسمّى أيضا المجدح وعين الثور؛ وهذه المنزلة سبعة أنجم تشبه شكل الدال، واحد منها مضيء أحمر عظيم النّور، واسم الدّبران واقع عليه في الأصل ثم غلب عليه وعلى باقي المنزلة. وهذه الكواكب السبعة عند أصحاب الصور هي رأس الثّور، وأوّل ما يطلع منه طرف الدال، ويكون رميها إلى الجنوب وفتحها إلى الشّمال، والكوكب الأحمر المضيء هو آخر ما يطلع منها، والعرب

الخامسة الهقعة

تقول للكوكبين القريبين منه: كلباه، والباقي غنمه، وربما قالوا: قلاصه «1» ، ويقولون في خرافاتهم: إن الدّبران خطب الثريّا إلى القمر فقالت: ما أصنع بسبروت «2» ؟ فساق إليها الكواكب المسماة بالقلاص مهرا فهربت منه فهو يطلبها أبدا، ولا يزال تابعا لها، ومن ثمّ قالوا في أمثالهم: «أوفى من الحادي «3» وأغدر من الثريّا» . الخامسة الهقعة ، سميت بذلك تشبيها بدائرة تكون في عنق الفرس، وقد مر القول عليها في الكلام على أوصاف الخيل؛ وهي ثلاثة كواكب محابية صغار تسمّى الأثافيّ، وهي على أعلى القدم اليسرى من التوأم المعبر عنه بالجوزاء. السادسة الهنعة ، وهي خمسة أنجم على شكل الصّولجان، أربعة منها على خط مستقيم، الثالث منها يسمّى قوس الجوزاء، والخامس منعطف الى جهة الجنوب مقدار شبر في رأى العين، وسميت هنعة لأنعطافها أخذا من قولهم: هنعت الشيء إذا عطفته، وبعضهم يسميها التحية «4» ، وهي عند أصحاب الصّور خلاف لأحد التوأمين المعبر عنهما بالجوزاء، ويقال: الهنعة قوس، الجوزاء يرمى بها ذراع الأسد، وقائل ذلك يزعم أنها ثمانية أنجم في صورة قوس، من مقبضها النجمان اللذان يقال لهما: الهنعة، وبعضهم يقول: إن الهنعة كوكبان مقترنان، الشّماليّ منهما أضوؤهما، وحذاءهما ثلاثة كواكب تسمّى التّحايي ربّما عدل القمر فنزل بها. السابعة الذّراع : وهي كوكبان: أحدهما نيّر والآخر مظلم، بينهما قدر سوط

الثامنة النثرة

في رأي العين، وفيما بينهما كواكب صغار تسميها العرب الأظفار، وسميت هذه المنزلة بالذراع لأنها عندهم ذراع الأسد وللأسد ذراعان، مقبوضة، وفيها ينزل القمر وهي جنوبية؛ وسميت مقبوضة لأن الأخرى أرفع منها في السماء، ولهذا سميت مبسوطة، وهي مثلها في الصورة، وأصحاب الصور يجعلون هذه الذراع في صورة الكلب الأصغر، وربما عدل القمر عن المقبوضة فنزل بها. الثامنة النّثرة ، وهي لطخة كقطعة سحاب يجعلها أصحاب الصّور على صدر السّرطان؛ وسميت نثرة لأن إلى جانبها نجمين صغيرين هما عند العرب على منخري الأسد، وتسميهما الحمارين، وقيل إنها لما كانت أمام جبهة الأسد شبهت بشيء نثره من أنفه، ويقال إنها فم الأسد ومنخراه، وتسمّى اللهاة أيضا وتشبّه بالمعلف. التاسعة الطّرف ، وهي كوكبان خفيان مقترنان بين يدي الجبهة، سميا بذلك لموقعهما موقع عيني الأسد، وقدّامهما ستة كواكب صغار تسميها العرب الأشفار، أثنان منها في نسق الطّرف، والأربعة البواقي بين يديه. العاشرة الجبهة ، ثلاثة كواكب نيرة قد عدل أوسطها إلى الشرق، فهي لذلك على شكل مثلّث مستطيل القاعدة قصير الساقين، وإلى الجنوب عنها نجم أحمر مضيء جدّا يسمّى قلب الأسد يرسمه المنجمون في الاسطرلاب «1» ، وأصحاب الصور يجعلون الجبهة على كتف الأسد. الحادية عشرة الخراتان ، وتسمّى الزّبرة وعرف الأسد والزبرتين، وهما كوكبان نيّران بينهما في رأي العين مقدار ذراعين، وهما معترضان ما بين المشرق

الثانية عشرة الصرفة

والمغرب، يمتدّان عند التوسط مع خط الاستواء، وسميا الخراتين تشبيها بثقبين في السماء، ومنه خرت الإبرة، وتحت هذين النجمين تسعة أنجم صغار. وسميت الزّبرة لشعر يكون فوق ظهر الأسد مما يلي خاصرته، وعدّوا الجميع أحد عشر كوكبا، منها نجمان هما الخراتان والتسعة الشعر. الثانية عشرة الصّرفة ، وهي كوكب نيّر، وهو عند أصحاب الصور قنب الأسد، والقنب: وعاء القضيب، وبالقرب من هذا الكوكب سبعة أنجم صغار طمس ملاصقة له، وسمّي هذا الكوكب بالصّرفة لانصراف الحرّ عند طلوعه مع الفجر من المشرق، وانصراف البرد إذا غرب مع الشمس؛ ويقال الصّرفة ناب الدّهر لأنّها تفترّ عن فصل الزمانين، ويشكّل مع الخراتين مثلّثا له زاوية قائمة وإحدى ساقيه أطول من الأخرى وفي قاعدته قصر. الثالثة عشرة العوّاء ، وهي خمسة كواكب نيّرة على شكل «1» لام، وكان اعتبر ابتداؤها من الشّمال وعطفها من جهة الجنوب، لكن المصطف منها أربعة والمنعطف واحد، ويقال لها أيضا وركا الأسد، وتشبهها العرب بكلاب تعوي خلف الأسد لأنها وراءه، ولذلك سميت العوّا، وأصحاب الصور يجعلونها في السّنبلة على صدرها. الرابعة عشرة السّماك ، وهو السّماك الأعزل: وهو كوكب نيّر يميل لونه إلى الزّرقة، وسمي سماكا لكونه قريبا من سمت الرأس، وسمت الرأس أعلى ما يكون من الفلك، وسمته العرب الأعزل لأنه يطلع إلى جانبه نجم مضيء يسمونه السّماك الرامح لكوكب صغير بين يديه، والأعزل لا شيء بين يديه ففرق بينهما، وأحدهما جنونيّ، وهو المنزلة، وأصحاب الصّور يثبتون السماكين: الأعزل والرامح في صورة العذراء، وهي السنبلة، والعرب تجعلهما ساقي الأسد، وربما عدل القمر فنزل بعجز الأسد، وهو أربعة كواكب بين يدي السّماك الأعزل يقال لها عرش

الخامسة عشرة الغفر

السّماك، وتسمّى أيضا الخباء، والأحمال، والغراب؛ وهذه المنزلة حدّ ما بين المنازل اليمانية والمنازل الشامية، فما كان أسفل من مطلعه فهو يماني وهو شق الجنوب، وما كان فوقه فهو شامي وهو شقّ الشّمال. الخامسة عشرة الغفر ، ثلاثة كواكب خفية على خطّ فيه تقويس، وسميت بذلك لخفائها، مأخوذة من المغفرة التي تستر الذّنب وتخفيه يوم القيامة، ومنه المغفر الذي فوق الرأس، وقيل لأنها زبانى العقرب، وقيل مأخوذة من الغفرة وهي الشعر الذي في طرف ذنب الأسد، وأصحاب الصور يجعلونها بين ساقي الأسد. السادسة عشرة الزّبانان ، وهما كوكبان نيّران هما عند العرب يد العقرب يترس بهما: أي يدفع عن نفسه، وأصحاب الصّور يجعلونهما كفّتي الميزان، وبينهما في رأي العين قدر قامة الرجل. السابعة عشرة الإكليل ، وهو ثلاثة كواكب مجتمعة في خفاء الغفر، مصطفّة معترضة، بين كل كوكب وكوكب منها قدر ذراع في رأي العين، سميت بذلك لأنها فوق جبهة العقرب كالتاج، وهي عند أصحاب الصّور على عمود الميزان. الثامنة عشرة القلب ، وهو كوكب أحمر نيّر مضطرب قريب من الجبهة بين كوكبين خفيين تسميهما العرب نياطي القلب أي علاقتيه، وسمّته أصحاب الصّور قلبا لوقوعه موضع القلب من صورة العقرب، والقلوب أربعة هذا أحدها، والثاني قلب السمكة، والثالث قلب الثور، والرابع قلب الأسد. وحيث ذكر القلب على الإطلاق دون إضافة فالمراد قلب العقرب هذا. التاسعة عشرة الشّولة ، وهي كواكب متقاطرة على تقويس في برج العقرب أشبه شيء بذنب العقرب إذا شالته، ولذلك سميت الشّولة، وفي الشولة كوكبان خفيّان ملتصقان يظهران كأنهما كوكب واحد مشقوق يسميان الإبرة والحمة، وخلفهما نجم صغير لا يزايلهما يقال له التابع. وقال قوم: إنما ينزل القمر الشّولة على المحاذاة ولا ينحط إليها لأنها منحدرة عن طريقه، وربما نزل بالسفار فيما بين القلب والشّولة، وهي ستة كواكب بيض منعطفة.

العشرون النعائم

العشرون النّعائم ، وكواكبها ثمانية، منها أربعة يمانية نيّرة تشكل مربّعا فيه أطراف تسمى الواردة وهي المنزلة، وسميت واردة: لأنها لما كانت قريبة من المجرّة شبهت بنعام وردت نهرا، والأربعة الأخرى تسمّى النعائم الصادرة، لأنها لما كانت بعيدة من المجرّة شبهت بنعام وردت ثم صدرت، والواردة التي هي المنزلة عند أصحاب الصّور واقعة في يد الرامي الذي يجذب بها القوس. الحادية والعشرون البلدة ، وهي فرجة في السماء مستديرة شبه الرّقعة ليس فيها كواكب، والبلدة في كلام العرب الفرجة من الأرض، ويقال لصدر الإنسان: البلدة، لأنها قطعة مستطيلة، ويدل عليها ستة كواكب مستديرة صغار خفية تشبه القوس، وبعضهم يسميها الأدحيّ لأن بالقرب منها كواكب تسميها العرب البيض لقربها من النعائم، وربما عدل القمر فنزل بالأدحيّ، وأصحاب الصور يجعلون البلدة على جبهة الرامي. الثانية والعشرون سعد الذّابح ، وهو كوكبان صغيران بينهما في رأي العين أقلّ من قدر ذراع، أحدهما مرتفع في ناحية الشّمال والآخر منخفض في ناحية الجنوب، سمي سعدا لا نهمال الأمطار في أيام طلوعه، وسمي ذابحا لقوّة البرد في إبّان طلوعه فتموت المواشي ببرده، وقيل سمي ذابحا لأن بالقرب من نجمه الشّماليّ نجما صغيرا كأنه ملتصق به، تقول العرب: هو شاته التي تذبح، ولذلك جعلوا الذابح صفة لسعد بخلاف سائر السعود، فإنها يضاف إليها ما بعدها كما قاله الزجاج «1» في مقدمة أدب الكاتب «2» ؛ وأصحاب الصّور يثبتون هذا السعد في موضع قرني الجدي من الصورة. الثالثة والعشرون سعد بلع ، وهو نجمان أيضا يشبهان سعدا الذابح في

الرابعة والعشرون سعد السعود

المسافة التي بينهما، لكن أحد الكوكبين خفيّ وهو الذي بلعه، وهذا السعد عند أصحاب الصّور على كعب ساكب الماء القريب من صورة الدّلو، وسمي بلع لأنه في أيام طلوعه تغيض الأنهار وتزيد الآبار، فكأن الأرض ابتلعت ماءها، وقيل لأنه يطلع في الوقت الذي قيل فيه «يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي» «1» زمن نوح (عليه السلام) . الرابعة والعشرون سعد السّعود ، وعدّته كوكبان أيضا على ما تقدّم في السعدين من البعد، وقيل هو ثلاثة كواكب أحدها نيّر والآخران دونه في النور؛ وأصحاب الصّور يثبتونه على صدر ساكب الماء القريب من صورة الدّلو، وربما قصر القمر فنزل سعد ناشرة، وهو أسفل من سعد السعود، ويسمّي أصحاب الصور نجميه بالمحبّين، وهما في مؤخر الجدي، ومنهم من يثبت سعد السعود نجما واحدا. الخامسة والعشرون سعد الأخبية ، والناس مختلفون فيه، فمنهم من يقول: إنه كوكب واحد حوله ثلاثة كواكب مثلثة تشبه رجل بطّة والكوكب هو السعد والثلاثة الخباء، ومنهم من يجعل الكوكب الذي في وسط الثلاثة عمود الخباء، وهو عند أصحاب الصّور على الكتف الشرقية من جسد ساكب الماء، وسمي سعد الأخبية لخروج المخبّات فيه من الثمار والحشرات، وكانت العرب تتبرك به لاخضرار العود فيه. السادسة والعشرون الفرغ المقدم ، ويقال فيه مقدّم الدّلو والفرغ الأوّل والفرغ الأعلى وعرقوة الدّلو العليا، وهو كوكبان نيّران بينهما في رأى العين نحو من خمسة أذرع؛ وأصحاب الصّور يزعمون أن الشّماليّ منهما على متن الفرس. السابعة والعشرون الفرغ المؤخّر ، ويقال له مؤخر الدّلو السفلي، وهو كوكبان يشبهان ما تقدّم، أحدهما شماليّ والآخر جنوبيّ، وهما عند أصحاب

الثامنة والعشرون الحوت

الصّور على مؤخر الفرس، وربما قصر القمر فنزل في الكرب الذي في وسط العراقي، وربما نزل ببلدة «1» الثعلب. الثامنة والعشرون الحوت ، وهو آخر المنازل، ويقال لها السّمكة، وتسمى الرّشاء أيضا، وهي ثمانية عشر كوكبا تشكل شكل سمكة رأسها في جهة الشّمال وذنبها في جهة الجنوب، وفي الشرقّي منها كوكب نيّر يسمى سرّة الحوت، وبطن الحوت، وبطن السمكة، وقلب السمكة، وربما عدل القمر فنزل بالسمكة الصّغرى، وهي من السمكة الكبرى في الشّمال مثل صورتها إلا أنها أعرض منها وأقصر، وأصحاب الصّور يجعلون الكوكب النّيّر من الحوت في حدّ المرأة المسلسلة، ورأسها هو الشّمالي من الفرع المؤخّر. الصنف الثالث من النجوم الثوابت ما ليس داخلا في شيء من البروج ومنازل القمر مما هو مشهور. مما ذكرته العرب في شعرها وشبهت به وضربت به الأمثال وهي عدّة نجوم: منها بنات نعش، وهي سبعة أنجم على القرب من القطب الشّماليّ، منها أربعة في صورة نعش وثلاثة أمامه مستطيلة وهي المعبّر عنها بالبنات، وتعرف هذه ببنات نعش الكبرى، وبالقرب منها سبعة أنجم على شكلها. ومنها الجدي الذي تعرف به القبلة، وهو نجم صغير على القرب من القطب الشّماليّ يستدلّ به على موضع القطب، ويقال له جدي بنات نعش الصغرى. ومنها الفرقدان، وهما كوكبان متقاربان معدودان في بنات نعش. ومنها السّها، وهو كوكب خفيّ في بنات نعش الكبرى، والناس يمتحنون به أبصارهم لخفائه.

ومنها السّماك الرامح، وهو غير الأعزل المقدّم ذكره في منازل القمر، سمي رامحا لكوكب يقدمه، تقول العرب: هو رمحه بخلاف الأعزل فإنه الذي لا رمح معه. ومنها النّسر الواقع، وهو ثلاثة أنجم كأنها أثافي، سمي الواقع لأنهم يجعلون اثنين منه جناحيه ويقولون: قد ضمهما إليه كأنه طائر وقع. ومنها النّسر الطائر، سمي بذلك لأنهم يجعلون اثنين منه جناحيه ويقولون: قد بسطهما كأنه طائر، والعامّة تسميه الميزان. ومنها الكفّ الخضيب، وهو كف الثّريّا المبسوطة، ولها كف أخرى يقال لها الجذماء، وهي أسفل من الشّرطين. ومنها العيّوق، وهو في طرف المجّرة الأيمن، وعلى أثره ثلاثة كواكب بيّنة يقال لها الأقلام، وهي من مواقع العيّوق. ومنها سهيل، وهو كوكب أحمر منفرد عن الكواكب، ولقربه من الأفق كأنه أبدا يضطرب، وهو من الكواكب اليمانية، قال ابن قتيبة: ومطلعه عن يسار مستقبل قبلة العراق. قال: وهو يرى في جميع أرض العرب، ولا يرى في شيء من بلاد أرمينية. ومنها الشّعريان: العبور، وكانت تعبد في الجاهلية بقوله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى «1» وهي في الجوزاء، والشّعرى الغميصاء، ومع كل واحدة منهما كوكب يقال له المرزم. ومنها سعد ناشرة، وسعد الملك، وسعد البهام، وسعد الهمام، وسعد البارع، وسعد مطر، وكل سعد منها كوكبان، بين كل كوكبين في رأي العين قدر ذراع فهي متناسقة، وهذه السعود الستة غير السعود الأربعة المتقدّمة في منازل

القمر؛ تكون جملة السعود عشرة «1» . فإذا عرف الكاتب أحوال الأفلاك والكواكب وأسماءها وصفاتها، عرف كيف يصفها عند احتياجه إلى وصفها، وكيف يعبّر عنها عند جريان ذكرها كما قال بعضهم يمدح بعض الرؤساء: لا زلت تبقى وترقى للعلا أبدا ... ما دام للسبعة الأفلاك أحكام مهر وماه وكيوان وتير معا ... وهرمس وأناهيد وبهرام مشيرا بذلك إلى ذكر الأفلاك السبعة، وما لها من الكواكب السبعة السيارة بالأسماء الفارسية المقدّم ذكرها. وكما قال الطّغرائي «2» في لامية العجم: وإن علاني من دوني فلا عجب ... لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل مشيرا إلى كون فلك زحل أعلى من فلك الشمس لما تقدّم أنها في الرابع، وهو في السابع. وكما قال بعضهم يصف خضرة السماء وما لها من الكواكب: كأنّ سماءنا والشّهب فيها ... وأصغرها لأكبرها مزاحم بساط زمرّد نثرت عليه ... دنانير يخالطها دراهم وكما قال ذو الرّمة «3» وقد ذكر الثريّا:

النوع التاسع مما يحتاج الكاتب إلى وصفه العلويات مما بين السماء والأرض، وهي على أصناف

يدفّ على آثارها دبرانها ... فلا هو مسبوق ولا هو يلحق بعشرين من صغرى النجوم كأنها ... وإيّاه في الخضراء لو كان ينطق قلاص حداها راكب متعمّم ... إلى الماء من جوز التّنوفة مطلق مشيرا إلى ما تقدّم من خطبة الدّبران الثريّا وهربها منه وإمهاره إياها بالقلائص، هي النجوم التي حولها. وكما قال أبو الفرج الببّغا «1» ذاكرا حال مختف يرجى له الظهور: ستخلص من هذا السّرار وأيّما ... هلال توارى في السّرار فما خلص مشيرا بذلك إلى حالة تواري القمر حالة السّرار ثم خلوصه عند إهلاله. النوع التاسع مما يحتاج الكاتب إلى وصفه العلويّات مما بين السماء والأرض، وهي على أصناف الصنف الأوّل الريح وهي مؤنثة، يقال هبّت الريح تهبّ هبوبا، وتجمع على رياح، وقد دل الاستقراء على أنها حيث وردت في القرآن الكريم في معرض العذاب، كانت بلفظ الإفراد، وحيث وردت في معرض الرحمة كانت بلفظ الجمع. قال تعالى في جانب العذاب: فأرسلنا عليهم الرّيح العقيم «2» وقال: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً «3» وقال في جانب الرحمة: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ

رَحْمَتِهِ «1» وقال جلّت قدرته: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً «2» إلى غير ذلك من الآيات. ومن ثمّ كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا اشتدّت الريح قال: «اللهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» وقد ورد القرآن الكريم بأن الله تعالى هو الذي يرسلها، قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً «3» . وذهبت الفلاسفة إلى أنها تحدث عن الطبيعة، وأن سبب ذلك دخان يرتفع من الأرض فيضربه البرد في ارتفاعه فيتنكّس ويتحامل على الهواء ويحرّكه الهواء بشدّة فيحصل الريح. وأصول الرياح أربعة: الأولى «الصّبا» : وهي التي تأتي من المشرق، وتسمّى القبول أيضا، لأنها في مقابلة مستقبل المشرق. قال في صناعة الكتّاب «4» : وأهل مصر يسمونها الشرقية، لأنها تأتي من مشرق الشمس، وهي التي نصر بها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب كما أخبر صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «نصرت بالصّبا» . الثانية «الدّبور» : ومهبّها من مغرب الشمس إلى حدّ القطب الجنوبيّ، وسميت الدّبور لأن مستقبل المشرق يستدبرها، وتسمّى الغربية لهبوبها من جهة المغرب، وبها هلكت عاد كما أخبر عليه السلام بقوله: «وأهلكت عاد بالدّبور» . الثالثة «الشّمال» : ويقال فيها شمال وشمأل وشامل وشأمل مهموزا وغير مهموز؛ ومهبّها من حدّ القطب الشماليّ إلى مغرب الشمس، وسميت شمالا لأنها على شمال من استقبل المشرق.

الصنف الثاني السحاب

قال في صناعة الكتّاب: وتسمى البحرية لأنها يسار بها في البحر على كل حال. الرابعة «الجنوبية» : ومهبّها من حدّ القطب الأسفل إلى مطلع الشمس وتسمّى بالديار المصرية: القبليّة، لأنها تأتي من القبلة فيها، وتسمّى بها أيضا المريسيّة لأن في الجهة القبلية بلاد المريس «1» ، وهم ضرب من السّودان، وهي أردأ الرياح عند أهل مصر. وقال النحاس «2» : وكل ريح جاءت من مهبّي ريحين تسمّى النّكباء، سميت بذلك لأنها نكبت عن مهابّ هذه الرياح وعدلت عنها. قال في «فقه اللغة» «3» : وإذا جاءت بنفس ضعيف وروح فهي النسيم، وإن ابتدأت بشدّة قيل لها: النافجة؛ فإن حركت الأغصان تحريكا شديدا وقلعت الأشجار قيل: زعزع؛ فإن جاءت بالحصباء قيل: حاصبة؛ فإذا هبّت من الأرض كالعمود نحو السماء قيل لها: إعصار. وقد ورد بها القرآن في قوله تعالى: فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ «4» والعامّة تسميها: الزّوبعة، ويزعمون أن الشيطان هو الذي يثيرها، ومن ثمّ سماها الترك نعيم بك يعني الشيطان؛ فإذا كانت باردة، فهي: الصّرصر. وقد وقع ذكرها في قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً «5» ، فإذا لم تلقح شجرا ولم تحمل مطرا، فهي العقيم. وقد قال تعالى في قصة عاد: إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ «6» كانت لا مطر فيها. الصنف الثاني السحاب وهو الأجرام التي تحمل المطر بين السماء والأرض ينشئها الله سبحانه

الصنف الثالث الرعد

وتعالى كما أخبر بقوله: وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ «1» ويسوقها إلى حيث يشاء، كما ثبت في الصحيح أنّ رجلا سمع صوتا من سحابة: اسق حديقة فلان. وذهب الحكماء إلى أنه بخار متصاعد من الأرض مرتفع من الطبقة الحارّة إلى الطبقة الباردة فيثقل ويتكاثف وينعقد فيصير سحابا. قال الثعالبيّ في «فقه اللغة» : وأوّل ما ينشأ يقال له: النّشء؛ فإذا انسحب في الهواء، قيل له: سحاب؛ فإذا تغيرت به السماء، قيل له: غمام، فإن سمع صوت رعده من بعيد قيل فيه: عقر؛ فإذا أظل، قيل: عارض. وقد أخبر تعالى عن قوم عاد بقوله: فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا «2» ؛ فإن كان بحيث إذا رؤي ظنّ أنّ فيه مطرا قيل له: مخيّلة؛ فإن كان السحاب أبيض قيل له: مزن؛ فإذا هراق ما فيه قيل: جهام، وقيل الجهام: هو الذي لا مطر فيه. وقد أولع أهل النظم والنثر بوصفه وتشبيهه. الصنف الثالث الرعد وهو صوت هائل يسمع من السحاب، وقد اختلف في حقيقته فروي أنه صوت ملك يزجر به السحاب، وقيل غير ذلك؛ والنصيرية من الشّيعة يزعمون أنه صوت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه حيث زعموا أنّ مسكنه السحاب؛ وذهبت الفلاسفة إلى أنه دخان يتصاعد من الأرض ويرتفع حتّى يتصل بالسحاب ويدخل في تضاعيفه ويبرد فيصير ريحا في وسط الغيم، فيتحرّك فيه بشدّة فيحصل منه صوت الرعد، ويقال منه: رعدت السماء؛ فإذا زاد صوتها،

الصنف الرابع البرق

قيل: ارتجست؛ فإذا زاد قيل: أرزمت ودوّت؛ فإذا اشتدّ قيل: قصفت وقعقعت؛ فإذا بلغ النهاية قيل: جلجلت وهدهدت. الصنف الرابع البرق وهو ضوء يرى من جوانب السحاب، وقد اختلف فيه أيضا فروي أنّ الرعد صوت ملك يزجر به السحاب وأنّ البرق ضحكه؛ والنصيرية من الشّيعة يزعمون أنه ضحك أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه أيضا، والفلاسفة يقولون: إنه دخان يرتفع من الأرض حتّى يتصل بالسحاب كما تقدّم في الرعد، ثم تقوى حركته فيشتعل من حرارة الحركة الهواء والدخان فيصير نارا مضيئة وهو البرق؛ ويقال: ومض البرق إذا لمع لمعانا قويّا، وأومض إذا لمع لمعانا خفيّا؛ فإن أطمع في المطر ثم ظهر أن لا مطر فيه قيل: خلّب. الصنف الخامس المطر وهو الماء الذي يخلقه الله تعالى في السحاب ويسوقه إلى حيث يشاء، وقد ذهب الحكماء إلى أنه بخار يتصاعد من الأرض أيضا فيه أو في حرارة الشمس أو فيهما «1» فيجتمع، وربما أعانت الريح على جمعه بأن تسوق البعض إلى البعض حتّى يتلاحق؛ فإذا انتهى إلى الطبقة الباردة تكاثف وصار ماء وتقاطر كالبخار الذي يتصاعد من القدر وينتهي إلى غطاء القدر، وعند أدنى برودة ينعقد قطرات. ثم للمطر زمان يكثر فيه، وزمان يقلّ فيه؛ وقد رتب العرب ذلك على أنواء الكواكب التي هي منازل القمر، وجعلوا لكل منها نوءا ينسب إليه. قال أبو حنيفة الدّينوريّ» «في كتاب الأنواء الكبير» : كانت العرب تقول: لا بد

نوء كوكب من أن يكون فيه مطر، أو ريح، أو غيم، أو حر، أو برد، ينسبون ما كان فيه من ذلك إليه؛ وقد اختلف في معنى النّوء فذهب ذاهبون إلى أنّ النّوء في اللغة: النّهوض؛ وذهب الفرّاء «1» إلى أنه: السّقوط والميلان؛ وذهب آخرون إلى أنه يطلق على النهوض والسقوط جميعا، على أنهم متفقون أنّ العرب كانت ترى الأمر للسقوط دون الطلوع، فمن ذهب إلى أن المراد بالنّوء: السقوط، يجريه على بابه، ومن ذهب إلى أنّ المراد بالنوء: النهوض، يقول: إنما سمي نوءا لطلوع الكوكب لا لسقوط الساقط، ومنهم من يطلق النّوء على السقوط وإن كان موضوعه في اللغة النهوض من باب التفاؤل، كما يقال للديغ «2» : سليم، وللمهلكة: مفازة، على أنّ بعضهم قد ذهب إلى أنّ الكوكب ينوء بمعنى ينهض ثم يسقط، فإذا سقط فقد مضى نوؤه ودخل نوء الكوكب الذي بعده. قال أبو حنيفة الدّينوري: وهو التأويل المشهور الذي لا ينازع فيه لأنّ الكوكب إذا سقط النجم الذي بين يديه أطلّ هو على السّقوط، وكان أشبه حالا بحال الناهض. وقد عدّها أبو حنيفة ثمانية وعشرين نوءا بعدد منازل القمر المتقدّمة الذكر، وذكر أن بعضها أجهر وأشهر من بعض. الأوّل- «نوء الشّرطين» ، وهو ثلاث ليال، وأثره محمود عندهم. الثاني- «نوء البطين» ، وهو ثلاث ليال، وليس بمذكور عندهم ولا محمود. قال ابن الأعرابي «3» : يقال إنه ما ناء البطين والدّبران أو أحدهما فكان له نظر، إلا كاد ذلك العام يكون جدبا.

الثالث- «نوء الثريّا» ، وهو خمس ليال وقيل سبع؛ وأثره محمود عندهم مشهور. الرابع- «نوء الدّبران» ، وهو ثلاث ليال وقيل ليلة؛ وليس بمحمود عندهم، ولم يسمع في أشعارهم له ذكر. الخامس- «نوء الهقعة» ، وهو ست ليال، ولا يذكرون نوءها إلا بنوء الجوزاء التي الهقعة رأسها، والجوزاء مذكورة النوء مشهورة. السادس- «نوء الهنعة» ، وهو ثلاث ليال لا يكاد ينفرد عن نوء الجوزاء. السابع- «نوء الذّراع المقبوضة» وهي خمس ليال؛ وقال ابن كناسة «1» : ثلاث ليال، وهو أوّل أنواء الأسد، وأثره محمود عندهم موصوف؛ وربما نسب إلى المرزم، وهو أحد كوكبي الذراع المذكورة، وربما نسب إلى الشّعرى الغميصاء، وهو كوكبها الآخر الذي هو أنور من المرزم؛ وقد ذكر العرب مع الذراع المقبوضة الذراع المبسوطة فتجمعهما معا في النوء، وهما لا ينوءان معا، بل ولا يطلعان معا، لكن لكثرة صحبة إحداهما للأخرى في الذكر واجتماعهما في اسم واحد مع تجاورهما وكونهما عضوي صورة واحدة، وهي صورة الأسد. الثامن- «نوء النّثرة» ، وهو سبع ليال، وله عندهم ذكر مشهور. التاسع- «نوء الطّرفة» ، وهو ست ليال، ولم يسمع به مفردا لغلبة الجبهة الآتية الذكر عليه. العاشر- «نوء الجبهة» ، وهو سبع ليال، وذكره مشهور لديهم. الحادي عشر- «نوء الزّبرة» ، ونوءها أربع ليال، وقلما تنفرد لغلبة الجبهة عليها أيضا. الثاني عشر- «نوء الصّرفة» ، وهو ثلاث ليال، ولا يكاد يوجد لها ذكر عندهم في أشعارهم.

الثالث عشر- «نوء العوّاء» ، وهو ليلة واحدة، وليس من الأنواء المشهورة. الرابع عشر- «نوء السّماك الأعزل» ، وهو أربع ليال، وله ذكر مشهور، وكثيرا ما يذكر معه السّماك الرامح، وليس له نوء معه، ولكنهما متقاربان في الطلوع، وحينئذ فإفراد السّماك الرامح بالنوء خطأ. الخامس عشر- «نوء الغفر» ، وهو ثلاث ليال، وقيل ليلة، وما بينه وبين نوء الهنعة المتقدّمة الذكر من أنواء الأسد، وهي ثمانية أنواء: أوّلها الذراع، وآخرها نوء السماك؛ وليس له في السماء نظير في كثرة الأنواء. السادس عشر «نوء الزّبانى» ، وهو ثلاث ليال. السابع عشر «نوء الإكليل» ، وهو أربع ليال. الثامن عشر- «نوء القلب» ، وهو ليلة واحدة، وليس بمحمود. التاسع عشر- «نوء الشّولة» ، وهو ثلاث ليال، وقلما يذكر. العشرون- «نوء النعائم» ، وهو ليلة واحدة، وليس له ذكر. الحادي والعشرون- «نوء البلدة» ، وهو ثلاث ليال، وقيل ليلة. الثاني والعشرون- «نوء سعد الذابح» ، وهو ليلة واحدة. الثالث والعشرون- «نوء سعد بلغ» ، وهو ليلة واحدة. الرابع والعشرون- «نوء سعد السعود» ، وهو ليلة، وليس بمحمود، ولا مذكور. الخامس والعشرون- «نوء سعد الأخبية» ، وهو ليلة واحدة. السادس والعشرون- «نوء الفرغ المقدّم» ، وهو أربع ليال، وله ذكر مشهور. السابع والعشرون- «نوء الفرغ المؤخر» ، وهو أربع ليال، وله ذكر أيضا. الثامن والعشرون- «نوء الحوت» ، وهو ليلة واحدة، وليس بالمذكور من

الصنف السادس الثلج

حيث إنه يغلب عليه ما قبله وما بعده فلا يذكر. قال أبو حنيفة الدّينوريّ: والأيام في هذه الأنواء تابعة لليالي لتقدّم الليل عليها، قال: وإنما جعلوا لهذه النجوم أنواء موقوتة وإن لم تكن جميع فصول السنة مظنّة الأمطار، لأنه ليس منها وقت إلا وقد يكون فيه مطر. وقال ابن قتيبة: أوّل المطر الوسميّ، سمي بذلك لأنه يسم الأرض بالنبات، ثم الربيع، ثم الصيف، ثم الحميم. قال الثعالبيّ عن أبي عمرو: إقبال الشتاء الخريف، ثم الوسميّ، ثم الربيع، ثم الصيف، ثم الحميم. الصنف السادس الثلج وهو شيء ينزل من الهواء كالقطن المندوف فيقع على الجبال وعلى سطح الأرض فتذيب الشمس منه ما لا قته شدّة حرارتها، ويبقى في أماكن مخصوصة من أعالي الجبال بالأمكنة الباردة جميع السنة؛ وقد ذكر الحكماء أنه بخار يتصاعد من الأرض إلى الهواء كما يتصاعد المطر فيصيبه برد شديد قبل أن ينعقد قطرات فيتساقط أجزاء لطيفة، ثم ينعقد بالأرض إذا نزل إليها؛ ويوصف بشدّة البرد وشدّة البياض، وسيأتي الكلام على ما ينقل منه من الشأم إلى ملوك الديار المصرية في خاتمة الكتاب إن شاء الله تعالى. الصنف السابع البرد بفتح الراء وهو حب يسقط من الجوّ؛ وقد ذكر الحكماء أنه بخار يتصاعد من الأرض أيضا ويرتفع في الهواء فلا تدركه البرودة حتّى يجتمع قطرات، ثم تدركه حرارة من الجوانب فتنهزم برودتها إلى مواطنها فتنعقد؛ وحبّ هذا البرد متفاوت المقادير، منه ما هو قدر الحمّص فما دونه، ومنه ما هو فوق ذلك؛ ويذكر أنه يقع منه ما هو

الصنف الثامن قوس قزح

بقدر بيض الحمام والدّجاج. قال الحكماء: ولا يتصوّر وقوعه إلا في الخريف والربيع ويوصف بما يوصف به الثلج من شدّة البرد وشدّة البياض، ويشبّه به أسنان الإنسان الناصعة البياض. الصنف الثامن قوس قزح وهو قوس يظهر في الجوّ من حمرة وخضرة؛ وقد ورد النهي عن تسميته قوس قزح، وتسميته قوس الله، لأن قزح اسم للشيطان. قال الحكماء: والسبب فيه أن الهواء إذا صار رطبا بالمطر مع أدنى صقالة صار كالمرآة، والمحاذي له إذا كان الشمس في قفاه يرى الشمس في الهواء كما يرى في الشمس المرآة، ويشتبك ذلك الضوء بالبخار الرطب فيتولد منه هذا القوس. قال الحكماء: ويكون له ثلاثة ألوان، يعنون حمرة بين خضرتين أو خضرة بين حمرتين، وربما لا يكون اللون المتوسط، ويكون مرتفعا ارتفاعا قريبا من الأرض؛ فإن كان قبل الزوال رؤي ذلك القوس في المغرب، وإن كان بعد الزوال رؤي في المشرق، وإن كانت الشمس في وسط السماء، فلا يمكن أن يرى إلا قوسا صغيرا في الشتاء إن اتفق. وفيه تشبيهات للشعراء يأتي ذكرها في آخر المقالة العاشرة إن شاء الله تعالى. الصنف التاسع الهالة وهي الدائرة التي تكون حول القمر. قال الحكماء: والسبب فيها أن الهواء المتوسط بين البصر وبين القمر صقيل رطب، فيرى القمر في جزء منه، وهو

الصنف العاشر الحر

الجزء الذي لو كان فيه مرآة لرؤي القمر فيها، ثم الشيء الذي يرى في مرآة من موضع لو كانت فيه مراء كثيرة محيطة بالبصر، وكانت موضوعة على تلك النسبة فيرى الشيء في كل واحدة من المرائي، فإذا تواصلت المرائي رؤي في الكل، فترى حينئذ دائرة. ولأهل النظم والنثر فيها وصف وتشبيه. الصنف العاشر الحرّ وسلطانه أواخر فصل الربيع وأوائل فصل الصيف، والسبب فيه مسامتة الشمس للرؤوس، فتشتد ثاثرة في الهواء وجرم الأرض، لا سيما الحجاز وما في معناه. وأهل النظم والنثر مولعون بوصف شدّة حره. الصنف الحادي عشر البرد وسلطانه أواخر فصل الخريف وأوائل فصل الشتاء. وأهل النظم والنثر مكثرون من ذكره ووصفه، حتّى إنه ربما أفرد بعض الناس ما قيل فيه وفي وصفه بالتصنيف. الصنف الثاني عشر الهباء وهو الذي يحصل من ضوء الشمس عند مقابلتها كوّة يدخل منها الضوء، فيكون شبه عمود ممتدّ من الكوّة إلى حيث يقع ضوء الشمس من الأرض، وفيه أجزاء لطيفة متفاوتة تحسّ بالنظر دون اللمس؛ وقد شبه الله تعالى به أعمال الكفّار في القيامة فقال جل من قائل: وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً

النوع العاشر مما يحتاج الكاتب إلى وصفه الأجسام الأرضية، وهي على أصناف

مَنْثُوراً «1» ؛ ومن الناس من يزعم أن الواحدة من أجزائه هي المراد بالذّرّة المذكورة في القرآن بقوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ «2» . ولأهل النظم والنثر أيضا فيه الوصف والتشبيه. النوع العاشر مما يحتاج الكاتب إلى وصفه الأجسام الأرضية، وهي على أصناف الصنف الأوّل الجبال، والأودية، والقفار فأما «الجبال» فهي أوتاد الأرض، أرسى الله تعالى بها الأرض حيث مادت لمّا دحاها الله تعالى على الماء. وقد روي أن الكعبة كانت رابية حمراء طافية على وجه الماء قبل أن يدحو الله الأرض، وأن الأرض منها دحيت، فلما مادت وأرسيت بالجبال كان أوّل جبل أرسي منها جبل أبي قبيس بمكة المشرّفة، فلذلك هو أقرب الجبال من الكعبة مكانا. وقد نقل أن قاف جبل محيط بالدنيا «3» عنه تتفرّع جميع جبال الأرض، والله أعلم بحقيقة ذلك. وتوصف الجبال بالعظمة في القدر والعلوّ وصعوبة المسلك، وما يجري مجرى ذلك. وأما «الأودية» فهي وهاد في خلال الجبال جعلها الله تعالى مجاري للسيل ونبات الزرع ومدارج الطّرق وغير ذلك. وتوصف بالاتساع وبعد المسافة والعمق، وربما وصفت بخلاف ذلك. وأما «القفار» فهي: البراري المتسعة الأرجاء الخالية من الساكن. وتوصف

الصنف الثاني المياه الأرضية؛ وهي على ضربين

بالسّعة وبعد السمافة وقلة الماء والإيحاش وصعوبة المسلك، وما يجري مجرى ذلك. الصنف الثاني المياه الأرضية؛ وهي على ضربين الضرب الأوّل الماء الملح ووقع في لغة الإمام الشافعيّ رضي الله عنه الماء المالح؛ وهو أحد العناصر الأربعة، وسيأتي في الكلام على الأرض في المقالة الثانية أنه محيط بالأرض من جميع جهاتها إلا ما اقتضته الحكمة الإلهية لعمارة الدنيا من كشف بعض ظاهرها الأعلى، وأنه تفرّعت منه بحار منبثّة في جهات الأرض لتجري السفن فيها بما ينفع الناس. وقد ذكر الحكماء أن في الماء الملح كثافة لا توجد في الماء العذب، ومن أجل ذلك لا ترسب فيه الأشياء الثقيلة كما ترسب في الماء العذب، حتّى يقال: أن السفن التي تغرق في البحر الملح لا تبلغ أرضه بخلاف التي تغرق في الأنهار فإنها تنزل إلى قعرها، وشاهد ذلك أنك إذا طرحت في الماء العذب بيضة دجاجة ونحوها غرقت فيه، فإذا أذبت في ذلك الماء ملحا بحيث يغلب على الماء وطرحت فيه البيضة عامت، وقد اختلف في الماء الملح هل هو كذلك من أصل الخلقة أو عرضت له الملوحة بسبب مالاقاه من سبخ الأرض على مذهبين. ومن خصائص البحر الملح أنه في غاية الصّفاء حتّى إنه يرى ما في قعره على القرب من شطّه. ويوصف البحر بالسّعة والطول والعرض وكثرة العجائب حتّى يقال في المثل: «حدّث عن البحر ولا حرج» . الضرب الثاني الماء العذب قالت الحكماء: والسبب فيه أن الأبخرة تتصاعد من قعر الأرض فتدخل في

النمط الأول - «ماء الأنهار»

الجبال وتحتبس فيها ولا تزال تتكامل ويتحصل منها مياه عظيمة فتنبعث لكثرتها. وهو على ثلاثة أنماط: النّمط الأوّل- «ماء الأنهار» ، وهي ما بين صغار وكبار وقريبة المدى وبعيدته؛ وقد وردت الأخبار بأن أفضلها خمسة أنهار، وهي: سيحون «1» ، وجيحون «2» ، والدّجلة، والفرات، ونيل مصر، والنيل أفضل الخمسة وأعذبها وأخفّها ماء على ما سيأتي ذكره في المقالة الثانية إن شاء الله تعالى. وفي الأنهار الكبار تسير السفن. النمط الثاني- «العيون» ، وهي مياه تنبع من الأرض وتعلو إلى سطح الأرض ثم تسرح في قنيّ «3» قد حفرت لها، وهي منبثة في كثير من الأقطار. النمط الثالث- «البئار» «4» ، وهي حفائر تحفر حتّى ينبع الماء من أسفلها ويرتفع فيها ارتفاعا لا يبلغ أعلاها. وقد اختلف في الماء الذي نبع من الأرض هل هو الذي نزل من السماء أو غيره، فذهب ذاهبون إلى أنه هو الذي نزل من السماء محتجين لذلك بقوله تعالى: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ «5» الآية. وذهب آخرون إلى أن الذي نبع من الأرض غير الذي نزل من السماء محتجين بقوله تعالى: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً «6» ويوصف الماء للاستحسان بالعذوبة، والصفاء، والرقة، والخفّة، وشدّة البرد؛ وفي معناه الشّبم، ويشبّه في شدّة البرد بالزّلال وهو ما يتربّى داخل الثّلج في تجاويف توجد فيه فيكون من أشدّ الماء بردا،

الصنف الثالث النبات؛ وفيه ثلاثة مقاصد

الصنف الثالث النبات؛ وفيه ثلاثة مقاصد المقصد الأوّل في أصل النبات قد ذكر المسعوديّ في مروج الذهب: أنّ آدم عليه السلام لما هبط إلى الأرض خرج من الجنة ومعه ثلاثون قصيبا مودعة أصناف الثمر، منها عشرة لها قشر وهي الجوز، واللّوز، والجلّوز «1» ، والفستق، والبلّوط، والشاه بلّوط «2» ، والصّنوبر، والنّارنج، والرّمّان، والخشخاش؛ ومنها عشرة لثمرها نوى وهي الزّيتون، والرّطب، والمشمش، والخوخ، والإجّاص، والغبيراء «3» ، والنّبق «4» ، والعنّاب، والمخّيطى «5» ، والزّعرور؛ ومنها عشرة ليس لها قشر ولا نوى وهي التّفّاح، والسّفرجل، والكمّثري، والعنب، والتّين، والأترجّ، والخرنوب، والتّوت، والقثّاء، والبطّيخ. المقصد الثاني فيما تختص به أرض دون أرض من أنواع النبات إعلم أن النبات منه ما يوجد في كثير من الآفاق، ومنه ما يختصّ ببعض الأماكن دون بعض، وقد حكى أبو بكر بن وحشيّة في كتاب الفلاحة النبطيّة: أن

المقصد الثالث في ذكر أصناف النبات التي أولع الكتاب والشعراء بوصفها وتشبيهها، وهي على أضرب

ببلاد سجلماسة من جنوبي بلاد المغرب الأقصى شجرة ترتفع نصف قامة أو أرجح، ورقها كورق الغار، إذا عمل منها إكليل ولبسه الرجل على رأسه ومشى أو عدا أو عمل عملا لم ينم ما دام ذلك الإكليل على رأسه، ولا يناله من ضرر السّهر وضعف القوّة ما ينال من سهر وعمل. وفي بلاد إفرنجة «1» شجرة إذا قعد الإنسان تحتها نصف ساعة مات، وإن مسّها ماسّ أو قطع منها غصنا أو ورقة أو هزّها مات. قلت: ومما يختصّ بأرض دون أرض البلسان وهو: شجرة لطيفة على نحو ذراع تتفرع فروعا، لا تنبت في سائر الدنيا إلا في الديار المصرية بموضع مخصوص من بلدة يقال لها المطرية، على القرب من مدينة عين شمس، وتسقى من بئر هناك؛ ويقال: إنه اغتسل فيها المسيح عليه السلام، ولذلك النصارى يعظمون البلسان ويتبرّكون به. المقصد الثالث في ذكر أصناف النبات التي أولع الكتّاب والشعراء بوصفها وتشبيهها، وهي على أضرب الضرب الأوّل ما له ساق وهو الشجر، وأكثر ما أولع أهل النظم والنثر بثمارها أو نورها في الوصف والتشبيه نثرا ونظما، كاللّوز، والفستق، والجلّوز وهو البندق، والشاة بلّوط وهو القصطل، والصّنوبر، والرّمّان، والجلّنار، والإجّاص، والقراصيا، والزّعرور

الضرب الثاني ما ليس له ساق

والخوخ، والمشمش، والعنّاب، والنّبق، والعنب، والتّين، والتّوت، والتّفّاح، والسّفرجل، والكمّثري، واللّفّاح «1» ، والخرّوب، والأترجّ، والنارنج، واللّيمون، والطّلع «2» ، والبلح، والبسر «3» ، والتمر، والرّانج وهو جوز الهند؛ والتّجّار يسمّونه النارجيل. وربما وقع الوصف والتشبيه لبعض أصول الشجر، كالنخل والكرم وغيرها. الضرب الثاني ما ليس له ساق وقد أولعوا بالوصف والتشبيه منه، فمن ذلك: الزرع من البرّ والشعير ونحوهما، ويتبع ذلك نور الباقلاء، وكذلك الخشخاش، والكتّان، والبطّيخ الهندي وهو الأخضر، والخراساني وهو العبدلي؛ نسبة إلى عبد الله بن طاهر «4» ، فإنه أوّل من نقله من خراسان إلى مصر، والبطّيخ الصيني وهو الأصفر، والرسنيتو وهو المعروف باللّفّاح، والقثّاء، والخيار، والباذنجان، والسّلجم وهو اللّفت، والجزر، والثّوم، والبصل، والكرّاث، والرّيباس، والهليون، والنّعناع، وغير ذلك. الضرب الثالث الفواكه المشمومة والذي أولع بوصفه وتشبيهه منه الورد على اختلاف ألوانه: من أحمر، وأبيض، وأصفر، وأزرق، وأسود؛ والنّسرين، والبان، والخلاف «5» والنّيلوفر،

الضرب الرابع الأزهار

والبنفسج، والنّرجس، والياسمين، والآس، والزّعفران، والرّيحان. الضرب الرابع الأزهار والذي وقع الولوع بوصفه وتشبيهه من ذلك الخيريّ وهو المنثور من أصفر أو أزرق، والسّوسن، والآذريون وهو ورد أصفر له ريح، والخزم وهو الخزامى، والشّقيق «1» ، ويسمّى: الشقاق، ويقال له: شقائق النّعمان، لأن النّعمان بن المنذر حمى ظهر الكوفة وبه هذا النبات فعرف به، والبهار وهو نور أحمر، والأقحوان، وغير ذلك. الضرب الخامس الرياض وهي الأماكن المشتملة على الأشجار، والأزهار، والمياه الجارية ونحو ذلك. وقد اتفق جوّابو الأرض على أن منتزهات «2» الأرض أربعة مواضع وهي: سغد سمرقند «3» ، وشعب بوّان «4» ، ونهر الأبلّة «5» ، وغوطة» دمشق. وقد أكثر الشعراء في وصف الرياض وولع الكتّاب بمثل ذلك.

الطرف الثالث من الباب الأول من المقالة الأولى في صنعة الكلام، ومعرفة كيفية إنشائه، ونظمه، وتأليفه، وفيه مقصدان

الطرف الثالث من الباب الأوّل من المقالة الأولى في صنعة الكلام، ومعرفة كيفية إنشائه، ونظمه، وتأليفه، وفيه مقصدان المقصد الأوّل [في الأصول التي يبنى الكلام عليها وهي سبعة أصول] الأصل الأوّل [المعرفة بالمعاني، والنظر فيه من وجهين] الوجه الأوّل [في شرف المعاني، وفضلها] إعلم أن المعاني من الألفاظ بمنزلة الأبدان من الثّياب، فالألفاظ تابعة، والمعاني متبوعة، وطلب تحسين الألفاظ إنما هو لتحسين المعاني، بل المعاني أرواح الألفاظ وغايتها التي لأجلها وضعت، وعليها بنيت؛ فاحتياج صاحب البلاغة إلى إصابة المعنى أشدّ من احتياجه إلى تحسين اللفظ، لأنه إذا كان المعنى صوابا واللفظ منحطّا ساقطا عن أسلوب الفصاحة كان الكلام كالإنسان المشوّه الصورة مع وجود الرّوح فيه، وإذا كان المعنى خطأ كان الكلام بمنزلة الإنسان الميّت الذي لا روح فيه؛ ولو كان على أحسن الصّور وأجملها. قال الوزير ضياء الدين بن الأثير في «المثل السائر» «1» : ومما رأيته من المدّعين لهذا الفن الذين حصلوا منه على القشور، وقصروا معرفتهم على الألفاظ المسجوعة الغثّة، التي لا حاصل وراءها، أنهم إذا أنكرت هذه الحالة عليهم؛ وقيل لهم: إنّ الكلام المسجوع ليس عبارة عن تواطؤ الفقر على حرف واحد فقط، إذ لو كان عبارة عن هذا وحده لأمكن أكثر الناس أن يأتوا به من غير كلفة، وإنما هو أمر وراء هذا، وله شروط متعدّدة، فإذا سمعوا ذلك أنكروه لخلوّهم عن معرفته،

وإذا أنكر عليهم الاقتصار على الألفاظ المسجوعة، وهدوا إلى طريق المعاني، يقولون: لنا أسوة بالعرب الذين هم أرباب الفصاحة؛ فإنهم إنما اعتنوا بالألفاظ، ولم يعتنوا بالمعاني إعتناءهم بالألفاظ. فلم يكفهم جهلهم فيما أرتكبوه حتّى ادّعوا الأسوة بالعرب فيه فصارت جهالتهم جهالتين. قال: ولم يعلموا أن العرب، وإن كانت تعتني بالألفاظ فتصلحها وتهذّبها فإن المعاني أقوى عندها، وأكرم عليها، وأشرف قدرا في نفوسها. ولما كانت الألفاظ عنوان المعاني وطريقها إلى إظهار أغراضها أصلحوها، وزيّنوها وبالغوا في تحسينها، ليكون ذلك أوقع لها في النفس، وأذهب بها في الدّلالة على القصد. ألا ترى أن الكلام إذا كان مسجوعا لذّ لسامعه فحفظه، وإذا لم يكن مسجوعا لم يأنس به أنسه في حالة السجع؛ فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظهم وحسنوها ورقّقوا حواشيها وصقلوا أطرافها، فلا تظنّ أن العناية أذ ذاك إنما هي بالألفاظ فقط، بل هي خدمة منهم للمعاني، فصار ذلك كإبراز صورة الحسناء في الحلل الموشّاة والأثواب المحبّرة، فإنا قد نجد من المعاني الفاخرة ما شوّه من حسنه بذاذة لفظه وسوء العبارة عنه. قال أبو هلال العسكري رحمه الله: ومن عرف ترتيب المعاني واستعمل الألفاظ على وجوهها بلغة من اللّغات ثم انتقل إلى لغة أخرى تهيأ له فيها من صنعة الكلام ما تهيأ له في الأولى. ألا ترى أن عبد الحميد الكاتب استخرج أمثلة الكتابة التي رسمها لمن بعده من اللسان الفارسيّ، وحوّلها إلى اللسان العربيّ. فلا يكمل لصناعة الكلام إلا من تكمّل لإصابة المعنى وتصحيح اللفظ والمعرفة بوجوه الاستعمال. قال في «المثل الثائر» : واعلم أن المعاني الخطابية قد حصرت أصولها، وأول من تكلم في ذلك حكماء اليونان؛ غير أن الحصر كليّ لا جزئيّ، ومحال أن تحصر جزئيات المعاني وما يتفرّع عليها من التفريعات التي لا نهاية لها، لا جرم أن ذلك الحصر لا يستفيد بمعرفته صاحب هذا العلم، ولا يفتقر إليه؛ فإن البدويّ

الباديّ راعي الإبل ما كان يمرّ شيء من ذلك بفهمه، ولا يخطر بباله، ومع هذا؛ فإنه كان يأتي بالسّحر الحلال إن قال شعرا أو تكلم نثرا. قال: ولقد فاوضني بعض المتفلسفين في هذا، وانساق الكلام إلى شيء ذكره لأبي عليّ بن سينا في الخطابة والشّعر، وذكر ضربا من ضروب الشعر اليوناني يقال له اللوغاذيا، وقام فأحضر كتاب الشفاء لأبي عليّ ووقفني على ما ذكره، فلما وقفت عليه استجهلته، فإنه طوّل فيه وعرّض كأنه يخاطب بعض اليونان، وكل هذا الذي ذكره لغو لا يستفيد به صاحب الكلام العربيّ شيئا، ثم مع هذا جميعه فإن معوّل القوم فيما يذكر من الكلام الخطابيّ أنه يورد على مقدّمتين ونتيجة «1» ، وهذا مما لم يخطر لأبي عليّ بن سينا ببال فيما صاغه من شعر أو كلام مسجوع عمله، وعند إفاضته في صوغ مصاغه لم تخطر المقدّمتان والنتيجة له ببال، ولو أنه فكّر أوّلا في المقدّمتين والنتيجة، ثم أتى بنظم أو نثر بعد ذلك، لما أتى بشيء ينتفع به، ولطال الخطب عليه. قال: بل إن اليونان أنفسهم لما نظموا ما نظموه من أشعارهم، لم ينظموه في وقت نظمه وعندهم فكرة في مقدمتين ولا نتيجة، وإنما هذه أوضاع توضع وتطول بها مصنّفات كتبهم في الخطابة والشعر، وهي كما يقال: قعاقع ليس لها طائل ... كأنّها شعر الأبيوردي «2»

الوجه الثاني في تحقيق المعاني؛ ومعرفة صوابها من خطئها، وحسنها من قبحها.

الوجه الثاني في تحقيق المعاني؛ ومعرفة صوابها من خطئها، وحسنها من قبحها. وقد قسم صاحب الصناعتين «1» المعاني على خمسة أصناف الصنف الأوّل ما كان من المعاني مستقيما حسنا ، كقولك رأيت زيدا وهو أعلى الأنواع الخمسة وأشرفها قال في «الصناعتين» : والمعنى الصحيح الثابت ينادي على نفسه بالصحة، ولا يحوج إلى التكلّف لصحته حتّى يوجد المعنى فيه خطيبا. فأما المعنى المستقيم الجزل من النظم، فمن الوعظ قول النّمر بن تولب «2» يذم طول الحياة: يودّ الفتى طول السّلامة والغنى ... فكيف ترى طول السلامة يفعل «3» يكاد «4» الفتى بعد اعتدال وصحّة ... ينوء إذا رام القيام ويحمل وقول أبي العتاهية في الوعظ بزوال العز والنعمة بالموت: وكانت في حياتك لي عظات ... وأنت اليوم أوعظ منك حيّا! وفي وصف الأيام قول أبي تمّام: على أنها الأيّام قد صرن كلّها ... عجائب حتّى ليس فيها عجائب ومن المدح قول أمية بن أبي الصّلت: عطاؤك «5» زين لأمريء إن حبوته ... بسيب وما كلّ العطاء يزين

وليس بشين لأمريء بذل وجهه ... إليك كما بعض السّؤال يشين وقول أبي تمام: يستعذبون مناياهم كأنّهم ... لا ييأسون من الدّنيا إذا قتلوا وقول الآخر: هم الألى وهبوا للمجد أنفسهم ... فما يبالون ما نالوا إذا حمدوا ومن الفخر قول معن بن أوس «1» . لعمرك ما أهديت «2» كفّي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي! ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي! وأعلم أنّي لم تصبني مصيبة ... من الدّهر إلا قد أصابت فتى قبلي! ولست بماش ما حييت لمنكر ... من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي! ولا مؤثر «3» نفسي على ذي قرابة ... وأوثر ضيفي ما أقام، على أهلي! وقول الآخر: ولست بنظّار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر وقول الشنفرى «4» : أطيل مطال «5» الجوع حتّى أميته ... وأضرب عنه القلب صفحا فيذهل ولولا اجتناب العار لم يلف مشرب ... يعاش به إلا لديّ ومأكل

ومن الغزل قول جرير: إن العيون التي في طرفها حور «1» ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللّبّ حتّى لا حراك به «2» ... وهنّ أضعف خلق الله أركانا وقول النظام «3» : توهّمه طرفي فآلم خدّه ... فصار مكان الوهم من نظري أثر وصافحه قلبي فآلم كفّه ... فمن صفح قلبي في أنامله حفر ومرّ بفكري خاطرا فجرحته ... ولم أر خلقا قطّ يجرحه الفكر ومن التشبيب قول القائل: ومن عجب أنّي أحنّ إليهم ... وأسأل عنهم من أرى وهم معي وتطلبهم عيني وهم في سوادها ... ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي وقول الآخر: إن لم أزر ربعكم سعيا على حدقي ... فإنّ ودّي منسوب إلى الملق تبّت يدي إن ثنتني عن زيارتكم ... بيض الصّفاح ولو سدّت بها طرقي ومن الحكمة قول المتنبي: والظّلم من شيم النّفوس فإن تجد ... ذا عفّة فلعلّة لا يظلم وقول الآخر: إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأيّ الناس تصفو مشاربه؟

وقول الآخر «1» : ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث أيّ الرّجال المهذّب؟ ومن الهجو قول الطّرمّاح «2» في تميم: تميم بطرق اللّؤم أهدى من القطا ... ولو سلكت سبل المكارم ضلّت وقول الآخر «3» : لو اطّلع الغراب على تميم ... وما فيها من السّوءات شابا إلى غير ذلك من معاني الشعر الحسنة البهيجة الرائقة. ومما ينخرط في هذا السلك من النثر ما يحكى أن أعرابيا وقف على عبد الملك بن مروان برملة اللّوى «4» فقال: رحم الله امرأ لم تمجّ أذناه كلامي، وقدّم معاذه من سوء مقامي، فإن البلاد مجدبة، والحال مسغبة، والحياء زاجر، يمنع من كلامكم، والفقر عاذر، يدعو إلى إخباركم، والدعاء إحدى الصدقتين، فرحم الله امرأ أمر بمير، أو دعا بخير. ومعاني القاضي الفاضل «5» هي التي ترقص لها القلوب، وتطرب لها الألباب، ويهجم قبولها على النفوس من غير حاجب ولا بوّاب؛ فمن ذلك قوله: «يا بني أيّوب، لو ملكتم الدهر لا متطيتم لياليه أداهم، وقلّدتم أيامه صوارم، وأفنيتم شموسه وأقماره في الهبات دنانير ودراهم؛ وأيّامكم أعراس وما ثمّ

الصنف الثاني ما كان مستقيما قبيحا كقولك قد زيدا رأيت

فيها على الأموال مآتم، والجود في أيديكم خاتم، ونفس حاتم في نقش ذلك الخاتم» . فهذا هو السّحر الحلال، والمعاني التي تخضع لها شمّ الجبال، ولا يقال فيه قيل ولا قال. الصنف الثاني ما كان مستقيما قبيحا كقولك قد زيدا رأيت قال في «الصناعتين» : وإنما قبح لأنك أفسدت نظام اللفظ بالتقديم والتأخير. وهذا النوع يسميه علماء المعاني: التعقيد. وسماه ابن الأثير في «المثل السائر» المعاظلة «1» المعنوية، وهو تقديم ما الأولى به التأخير، كتقديم الصفة أو ما يتعلّق بها على الموصوف، وتقديم الصّلة على الموصول ونحو ذلك؛ وهو من المذموم المرفوض عند أهل الصنعة، لأن المعنى يختلّ به ويضطرب. قال في «المثل السائر» : وهو ضدّ الفصاحة، لأن الفصاحة هي الظّهور والبيان، وهذا عار عن هذا الوصف؛ فمن ذلك قول بعضهم: فأصبحت بعد خطّ بهجتها ... كأن قفرا رسومها قلما يريد فأصبحت بعد بهجتها قفرا كأنّ قلما خط رسومها فقدم خبر كأنّ وهو خطّ عليها فجاء مختلّا مضطربا، وأقبح منه وأكثر اختلالا قول الفرزدق: إلى ملك ما أمّه من محارب ... أبوه، ولا كانت كليب تصاهره يريد إلى ملك أبوه ما أمّه من محارب، والمعنى ما أم أبيه من محارب، يمدحه بذلك ذمّا لمحارب. وكذلك قوله، يمدح خال «2» هشام بن عبد الملك:

الصنف الثالث ما كان مستقيما ولكنه كذب كقولك حملت الجبل، وشربت ماء البحر، وما أشبه ذلك

وما مثله في الناس إلا مملّكا ... أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه يريد وما مثله في الناس حيّ يقاربه إلا مملّكا أبو أمه أبوه؛ وهو خاله، فلما استعمل فيه التقديم والتأخير في غير موضعه جاء مشوّها رثّا كما تراه. قال الوزير «ضياء الدين بن الأثير» : وقد استعمل الفرزدق من التعاظل كثيرا كأنه يقصد ذلك ويتعمّده لأن مثله لا يجيء إلا متكلّفا مقصودا، وإلا فإذا ترك مؤلف الكلام نفسه تجري على سجيّتها وطبعها في الاسترسال لم يعرض له شيء من هذا التعقيد؛ ألا ترى أن المقصود من الكلام معدوم في هذا النوع، إذ المقصود من الكلام إنما هو الإيضاح والإبانة وإفهام المعنى؛ فإذا ذهب هذا الوصف المقصود من الكلام ذهب المراد به. ولا فرق عند ذلك بينه وبين غيره من اللغات كالفارسية والرومية وغيرهما. الصنف الثالث ما كان مستقيما ولكنه كذب كقولك حملت الجبل، وشربت ماء البحر، وما أشبه ذلك واعلم أن المعاني المستعملة في الشعر والكتابة أكثرها جار على هذا الأسلوب خصوصا المعاني الشعريّة، فإنه مقدّمات تخييلية توجب في النفس انقباضا وانبساطا على ما هو مقرّر في علم المنطق. وقد قال في «الصناعتين» : إن أكثر الشعر مبني على الكذب والاستحالة من الصفات الممتنعة، والنعوت الخارجة عن العادة، والألفاظ الكاذبة: من قذف المحصنات، وشهادة الزّور، وقول البهتان، ولا سيما الشعر الجاهليّ الذي هو أقوى الشعر وأفحله. قال: وليس يراد منه إلا حسن اللفظ وجودة المعنى؛ فهذا الذي سوّغ استعمال الكذب وغيره مما جرى ذكره فيه. وقيل لبعض الفلاسفة: فلان يكذب في شعره، فقال: يراد من الشاعر حسن الكلام، والصدق يراد من الأنبياء عليهم السلام. قال الشيخ زكي الدين بن أبي الأصبع رحمه الله في كتابه «تحرير

التحبير» «1» : وأنا أقول قد اختلف في المبالغة، فقوم يرون إن أجود الشعر أكذبه، وخير الكلام ما بولغ فيه، ويحتجّون بما جرى للنابغة الذبيانيّ مع حسان بن ثابت رضي الله عنه في استدراك النابغة عليه تلك المواقع الحجية في قوله: لنا الجفنات «2» الغرّ يلمعن بالضّحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما فإن النابغة إنما عاب على حسان ترك المبالغة؛ والقصة مشهورة. قال: والصواب مع حسان وإن روي عنه انقطاعه في يد النابغة؛ وقوم يرون المبالغة من عيوب الكلام، ولا يرون محاسنه إلا ما خرج مخرج الصدق، وجاء على منهج الحق؛ ويزعمون أن المبالغة من ضعف المتكلم وعجزه عن أن يخترع معنى، أو يفرّع معنى من معنى؛ أو يحلي كلامه شيئا من البديع، أو ينتخب ألفاظا موصوفة بصفات الحسن، ويجيد تركيبها، فإذا عجز عن ذلك كله عدل إلى المبالغة يسدّ بها خلله ويتم نقصه؛ لما فيها من التهويل على السامع، ويدّعون أنها ربما أحالت المعاني فأخرجتها عن حدّ الإمكان إلى حدّ الامتناع. قال: وعندي أن هذين المذهبين مردودان، أما الأوّل فلقول صاحبه إن خير الكلام ما بولغ فيه، وهذا قول من لا نظر له، لأنا نرى كثيرا من الكلام والأشعار جاريا على الصدق المحض خارجا مخرج البحث، وهو في غاية الجودة، ونهاية الحسن، وتمام القوّة؛ وكيف لا والمبالغة ضرب واحد من المحاسن، والمحاسن لا تحصر ضروبها؛ فكيف يقال: إن هذا الضرب على انفراده يفضل سائر ضروب المحاسن على كثرتها! وهذا شعر زهير والحطيئة وحسان، ومن كان مذهبه توخّي الصدق في شعره غالبا، ليس فوق أشعارهم غاية لمترقّ، ألا ترى إلى قول زهير: ومهما يكن عند امرىء من خليقة ... وإن حالها تخفى على الناس تعلم

وإلى قول طرفة: لعمرك إنّ الموت ما أخطأ الفتى ... لكالطّول «1» المرخى وثنياه في اليد وإلى قوله: ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد وإلى قوله الحطيئة: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس فإنك تجد هذه الأشعار في الطبقة العليا من البلاغة، وإن خلت من المبالغة؛ والذي يدل على أن مذهب أكثر الفحول ترجيح الصّدق في أشعارهم على الكذب ما روي عن الحرورية امرأة عمران بن حطّان قاضي الصّفريّة من الخوارج أنها قالت له يوما: أنت أعطيت الله تعالى عهدا ألّا تكذب في شعرك، فكيف قلت: فهناك مجزأة «2» بن ثور ... كان أشجع من أسامه «3» ؟ فقال: يا هذه، إن هذا الرجل فتح مدينة وحده وما سمعت بأسد فتح مدينة قط، وهذا حسان يقول: وإنما الشعر لبّ المرء يعرضه ... على المجالس، إن كيسا وإن حمقا وإنّ أشعر بيت أنت قائله ... بيت يقال إذا أنشدته صدقا على أن هؤلاء الفحول وإن رجّحوا هذا المذهب لا يكرهون ضدّه، ولا يجحدون فضله، وقلّما تخلو بعض أشعارهم منه؛ إلا أن توخّي الصدق كان الغالب

عليهم، وكانوا يكثرون منه، ومن أكثر من شيء عرف به، كما أن النابغة ومن تابعه على مذهبه لا يكرهون ضدّ المبالغة، وإلا فكلّ احتجاج جاء به على النّعمان في الاعتذار جار مجرى الحقيقة كقوله: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب فعائب الكلام الحسن بترك المبالغة فقط مخطيء، وعائب المبالغة على الإطلاق غير مصيب، وخير الأمور أوساطها. والتحقيق أن المبالغة إذا لم تخرج عن حدّ الإمكان، ولم تجر مجرى الكذب المحض، فإنها لا تذمّ بحال، كقول قيس بن الخطيم «1» : طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر ... لها نفذ لولا الشّعاع أضاءها ملكت بها كفّي فأنهرت «2» فتقها ... يرى قائم من دونها من «3» وراءها فإن ذلك من جيد المبالغة، إذ لم يكن خارجا مخرج الاستحالة مع كونه قد بلغ النهاية في وصف الطعنة، وكذلك قول أبي تمّام: تكاد تنتقل الأرواح لو تركت ... من الجسوم إليها حين تنتقل فإنه لم يقنع بصحيح المبالغة وقربها من الوقوع فضلا عن الجواز بتقديم كاد، حتّى قال: لو تركت، قال: وهذا أصح بيت سمعته في المبالغة وأحسنه؛ وعلى حدّه ورد قول شاعر الحماسة، وقد بالغ في مدح ممدوحه فقال: رهنت يدي بالعجز عن شكر برّه ... وما فوق شكري للشّكور مزيد ولو كان مما يستطاع استطعته ... ولكنّ ما لا يستطاع شديد

فإن هذا الشاعر ألقى بيده وأظهر عجزه، واعترف بقصوره عن شكر برّ هذا الممدوح، وفطن أنه لو اقتصر على ذلك، لاحتمل أن يقال له: عجزك عن شكره لا يدل على كثرة برّه لاحتمال أن يكون لضعف مادّتك عن الشكر، إذ لا يلزم من عجز الإنسان عن شيء تعظيم ذلك الشيء، ولا بدّ لاحتمال أن يكون العجز لضعف الانسان، فاحترز عن ذلك بقوله: وما فوق شكري للشّكور مزيد ثم تمم المعنى بأن قال للشّكور للمبالغة في الشكر، فإن شكورا معدول عن شاكر للمبالغة كما تقدّم، ثم أظهر عذره في عجزه بأن قال في البيت الذي يليه: ولو كان مما يستطاع استطعته ثم ذيّل هذا المعنى بإخراج بقية البيت مخرج المثل السائر ليكثر دورانه على الألسنة فيحصل تجديد مدح الممدوح كل حين، والتنويه بذكره في كل زمان، حيث قال: ولكنّ ما لا يستطاع شديد أما إذا خرجت المبالغة عن حدّ الإمكان، وجرت مجرى الكذب المحض، فإنها مذمومة في الشرع وإن كان الشعراء يستبيحون مثل ذلك ولا يتحاشون الوقوع فيه. وقد أخبر تعالى عنهم بالكذب بقوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ «1» وفي قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل «2» إشارة لذلك أيضا.

فمن المبالغة في الشعر المنتهية إلى حدّ الكذب قول «1» البحتري: ولو قست يوما حجلها بحقابها ... لكانا سواء لا بل الحجل أوسع «2» وصفها برقّة الخصر وغلظ الساق حتّى جعل حجلها الذي يدور على ساقها أوسع من حقابها الذي يدور على خصرها؛ وأبلغ منه قول الآخر «3» : من الهيف لو أنّ الخلاخيل «4» صيّرت ... لها وشحا جالت عليها الخلاخل فجعل الخلخال يجول في بدنها، ولكنه ليس من المدح في شيء لأن الخلخال لو صار وشاحا للمرأة لكانت في غاية الدّمامة حتّى تصير في خلقة الجرو «5» والهرّ. وأبلغ منه قول الآخر: ورحب صدر لو انّ الأرض واسعة ... كوسعه لم يضق عن أهله بلد فجعل صدره في السّعة والرّحب أوسع من الأرض، ونحوه قول الآخر «6» : ويوم كطول الدّهر في عرض مثله ... ووجدي من هذا وهاذاك أطول إلا أنه استعمل العرض في غير موضعه؛ إذ الدهر يوصف بالطول لا بالعرض، وهو قد جعل له طولا وعرضا؛ ويقرب منه قول أبي الطّيّب: كفى بجسمي نحولا أنّني رجل ... لولا مخاطبتي إيّاك لم أبن «7»

الصنف الرابع ما كان محالا، وهو ما لا يمكن كونه البتة، كقولك آتيك أمس، وأتيتك غدا، وما أشبه ذلك

فجعل كلامه هو الذي يدل عليه من شدّة النّحول. قال الشيخ زكيّ الدين بن أبي الأصبع: ومما يجري به التمثيل في باب المبالغة قول بعض العرب يذم إنسانا بقوله: فلان تكون له الحاجة فيغضب قبل أن يطلبها، وتكون إليه فيردّها قبل أن يفهمها. وقول بعض بلغاء الكتّاب: إن من النعمة على المثني عليك ألّا يخلو من مساعد ولا يخشى من معاند، ولا تلحقه نقيصة المكذّب، ولا يكرهه عوز الأوصاف بالتطلب، ولا ينتهي من القول إلى منتهى إلا وجد بعده مقتضى ووراءه منحى. وسيأتي من المبالغة في أوصاف الخيل والسلاح، وغيرها في قسم الأوصاف من ذلك ما فيه مقنع إن شاء الله تعالى. الصنف الرابع ما كان محالا، وهو ما لا يمكن كونه البتة، كقولك آتيك أمس، وأتيتك غدا، وما أشبه ذلك قال في «الصناعتين» : فإن اتصل الكذب بمحال صار كذبا محالا، كقولك: رأيت قاعدا قائما، ومررت بيقظان نائم، فإنه كذب للإخبار بخلاف الواقع، ومحال لعدم إمكان الجمع بين النقيضين، وقد تقدّم في النوع الثالث أن أكثر الشعر مبني على الكذب، والاستحالة من الصفات الممتنعة والنعوت الخارجة عن العادة، وذلك في الكذب مما لا نزاع في كثرته في الشعر كما تقدّم. أما المحال فإنه قليل الوقوع، نادر في النظم والنثر، معدود من المعايب، محكوم عليه بالردّ. فمن ذلك قول عبد الرحمن بن عبد القسّ: وإنّي «1» إذا ما الموت حلّ بنفسها ... يزال بنفسي قبل ذاك فأقبر قال العسكريّ: هذا من المحال الذي لا وجه له، قال: وهو شبيه بقول

القائل: إذا دخل زيد الدار، دخل عمرو قبله، ثم قال: وهذا عين المحال الممتنع الذي لا يجوز، يريد أنه قد توقف كل من الأمرين على الآخر لأنه لا يوجد إلا به فيلزم الدّور، وهو محال فيحكم فيه بالبطلان وقطع الدّور. ومما يلتحق بالمحال وينخرط في سلكه تناقض المعاني واضطرابها. فمن ذلك قول المسيّب بن علس «1» في وصف ناقة: فتسلّ حاجتها إذا هي أعرضت ... بخميصة سرح اليدين وساع «2» فكأنّ قنطرة بموضع كورها ... ملساء بين غوامض الأنساع «3» وإذا أطفت بها أطفت بكلكل «4» ... بيض الفرائص «5» مجفر «6» الأضلاع قال في «الصناعتين» : وهذا من المتناقض لأنه قال بخميصة، ثم قال موضع كورها قنطرة، وهي مجفرة الأضلاع، فكيف تكون خميصة وهذه صفتها! وقريب منه قول الحطيئة: حرج يلاوذ بالكناس كأنّه ... متطوّف حتّى الصباح يدور حتّى إذا ما الصّبح شقّ عموده ... وعلاه أسطع من سناه «7» منير وحصى الكثيب بصفحتيه كأنّه ... خبث الحديد أطارهنّ الكير

الصنف الخامس ما كان غلطا، وهو أن تريد الكلام بشيء فيسبق لسانك إلى خلافه، كقولك: ضربني زيد وأنت تريد ضربت زيدا

زعم أنه لم يزل يطوف حتّى أصبح وأشرف على الكثيب، فمن أين صار الحصى بصفحتيه! وقول المرقّش الأصغر «1» : صحا قلبه عنها على أن ذكرة ... إذا خطرت دارت به الأرض قائما «2» وكيف صحا عنها من إذا ذكرت دارت به الأرض! الصنف الخامس ما كان غلطا، وهو أن تريد الكلام بشيء فيسبق لسانك إلى خلافه، كقولك: ضربني زيد وأنت تريد ضربت زيدا قال في «الصناعتين» : فإن تعمدت ذلك، صار كذبا، وهذا النوع أكثر وقوعا من الذي قبله، قال: وقد وقع فيه الفحول من الشعراء. وأصناف الغلط في المعاني كثيرة، فمن ذلك الغلط في الأوصاف، وهي على وجوه: منها وصف الشيء بخلاف ما هو عليه وذكره بما ينافيه. فمن غريب هذا النوع قول الراعي «3» في وصف المسك: يكسو المفارق واللّبّات ذا أرج ... من قصب معتلف الكافور درّاج

فجعل المسك من قصب الظّبي، وهو معاه، وجعل الظّبي يعتلف الكافور فيتولد منه المسك، وهذا من طرائف الغلط. وقريب منه قول زهير يصف الضّفادع: يخرجن من شربات ماؤها طحل ... على الجذوع تخاف «1» الغمّ والغرقا «2» ظن أن الضفادع يخرجن من الماء مخافة الغرق، ونشوؤها فيه. وقريب منه قول ذي الرّمّة: إذا انجابت الظّلماء أضحت رؤوسها ... عليهن من جهد الكرى وهي ضلّع «3» فوصف الرءوس بالضّلع؛ قال ابن أبي فروة «4» : ما أغفلت هذا، ولقد قلت لذي الرمة: ما علمت أحدا أضلع الرؤوس غيرك، قال: أجل. قال في «الصناعتين» : ومما لم يسمع مثله قط قول عديّ بن زيد «5» في الخمر: والمشرف الهيدب «6» يسعى بها ... أخضر مطموثا بماء الحريص «7»

فوصف الخمر بالخضرة، والحريص: السحابة تحرص وجه الأرض أي تقشرها، ومنه سميت إحدى الشّجاج في الرأس الحارصة لأنها تشق الجلد. ومنها وصف الشيء على خلاف المعهود والعادة المعروفة. فمن ذلك قول المرّار «1» : وخال على خدّيك يبدو كأنه ... سنا البدر في دعجاء باد دجونها والمعروف أن الخيلان سود أو سمر، والخدود الحسان إنما هي البيض، فأتى هذا الشاعر بقلب المعنى؛ ومثله قول الآخر: كأنّما الخيلان في وجهه ... كواكب أحدقن بالبدر قال أبو هلال العسكريّ: ويمكن أن يحتجّ لهذا الشاعر بأن يقال: تشبيه الخيلان بالكواكب من جهة الاستدارة لا من جهة اللون. ومن ذلك قول امريء القيس في وصف الفرس أيضا: وللسوط ألهوب وللساق درّة ... وللزّجر منه وقع أخرج مهذب «2» قال أبو هلال العسكريّ: فلو وصف أخسّ حمار وأضعفه، ما زاد على ذلك؛ وقول القائل «3» :

صببنا عليها ظالمين سياطنا ... فطارت بها أيد سراع وأرجل فجعل ضربها بالسوط من باب الظلم لأنها لا تحوجه إلى ذلك؛ ومن ذلك قول امريء القيس: وأركب في الرّوع خيفانة ... كسا وجهها سعف منتشر شبه ناصية الفرس بسعف النخلة لطولها، وإذا غطّى الشعر عين الفرس لم يكن كريما. ومثله قول طرفة يصف ذنب البعير: كأنّ جناحي مضرحيّ تكنّفا ... حفافيه، شكّافي العسيب بمسرد «1» فجعل ذنبه كثيفا، طويلا عريضا؛ وإنما توصف النجائب بخفة الذّنب ورقّة الشعر. ومنها أن يجري في مقاصد المعاني على خلاف المألوف المعروف، وذلك قول جنادة «2» : من حبها أتمنّى أن يلاقيني ... من نحو بلدتها ناع فينعاها لكي يكون فراق لا لقاء له ... وتضمر النفس يأسا ثم تسلاها فإذا تمنّى المحب للحبيب الموت فماذا عسى أن يتمنّى البغيض لبغيضه؛ وقول الآخر: ولقد هممت بقتلها من حبّها ... كيما تكون خصيمتي في المحشر فذكر أن شدّة الحبّ حملته على قتل محبوبته حتّى تخاصمه في الحشر لطلب حقها، وشدّة الحب لا تحمل إلا على الإكرام والبرّ، على أنها قد تكون

الأصل الثاني من صناعة إنشاء الكلام النظر في الألفاظ؛ والنظر فيها من وجهين

تكرهه، فتترك حقّها له حتّى لا يطول وقوفها معه للخصام؛ وقول نصيب «1» : فإن تصلي أصلك وإن تعودي ... بهجر بعد ذاك فلا أبالي «2» والعاشق يلاطف قلب محبوبه ولا يحاجّه، ويلاينه ولا يلاجّه «3» . الأصل الثاني من صناعة إنشاء الكلام النظر في الألفاظ؛ والنظر فيها من وجهين الوجه الأوّل في فضل الألفاظ وشرفها قد تقدّم في الكلام على المعاني أن الألفاظ من المعاني بمنزلة الثياب من الأبدان، فالوجه الصبيح يزداد حسنا بالحلل الفاخرة والملابس البهيّة، والقبيح يزول عنه بعض القبح، كما أن الحسن ينقص حسنه برثاثة ثيابه وعدم بهجة ملبوسه، والقبيح يزداد قبحا إلى قبحه. فالألفاظ ظواهر المعاني، تحسن بحسنها، وتقبح بقبحها؛ وقد قال أبو هلال العسكريّ في كتابه «الصناعتين» : ليس الشأن في إيراد المعاني، لأن المعاني يعرفها العربيّ والعجميّ والقرويّ والبدويّ وإنما هو في جودة اللفظ، وصفائه، وحسنه وبهائه، ونزاهته ونقائه، وكثرة طلاوته ومائه، مع صحة السّبك والتركيب، والخلوّ من أود «4» النظم والتأليف. قال: وليس يطلب من المعنى إلا أن يكون صوابا، ولا يقنع من اللفظ بذلك حتّى يكون على ما تقدّم من نعوته؛ ثم قال: ومن الدليل على أن مدار البلاغة

تحسين اللفظ، أنّ الخطب الرائعة، والأشعار الرائقة، ما عملت لإفهام المعاني فقط، لأن الرديء من الألفاظ يقوم مقام الجيد منها في الإفهام، وإنما يدل حسن الكلام وإحكام صنعته، ورونق ألفاظه، وجودة مقاطعه، وبديع مباديه، وغريب مبانيه، على فضل قائله، وفهم منشئه؛ وأكثر هذه الأوصاف ترجع إلى الألفاظ دون المعاني، وتوخّي صواب المعاني أحسن من توخّي هذه الأمور في الألفاظ؛ فلهذا يتأنّق الكاتب في الرسالة، والخطيب في الخطبة، والشاعر في القصيدة، ويبالغون في تجويدها، ويغلون في ترتيبها، ليدلّوا على براعتهم، وحذقهم بصناعتهم؛ ولو كان الأمر في المعاني لطرحوا أكثر ذلك فربحوا كدّا كثيرا، وأسقطوا عن أنفسهم تعبا طويلا؛ وأيضا فإن الكلام إذا كان لفظه حلوا عذبا، وسلسا سهلا، ومعناه وسطا، دخل في جملة الجيّد، وجرى مع الرائع النادر كقول الشاعر: ولما قضينا من منى كلّ حاجة ... ومسّح بالأركان من هو ماسح وشدّت على حدب المهارى رحالنا ... ولم «1» ينظر الغادي الذي هو رائح أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطيّ الأباطح وليس تحت هذه الألفاظ كثير معنى، وهي رائقة معجبة، وإنما هي: ولما قضينا الحجّ، ومسّحنا بالأركان، وشدّت رحالنا على مهازيل الإبل، ولم ينتظر بعضنا بعضا، جعلنا نتحدّث وتسير بنا الإبل في بطون الأودية؛ وإذا كان المعنى صوابا واللفظ باردا فاترا كان مستهجنا ملفوظا، ومذموما مردودا، كقول أبي العتاهية في أبي عثمان سعيد بن وهب «2» . مات والله سعيد بن وهب ... رحم الله سعيد بن وهب يا أبا عثمان أبكيت عيني ... يا أبا عثمان أوجعت قلبي

الوجه الثاني الألفاظ المفردة، وبيان ما ينبغي استعماله منها، وما يجب تركه

الوجه الثاني الألفاظ المفردة، وبيان ما ينبغي استعماله منها، وما يجب تركه إعلم أن الذي ينبغي أن يستعمل في النظم والنثر من الألفاظ هو الرائق البهج الذي تقبله النفس، ويميل إليه الطبع، وهو الفصيح من الألفاظ دون غيره. والفصيح في أصل اللغة هو الظاهر البيّن، يقال: أفصح الصبح إذا ظهر وبان ضوؤه، وأفصح اللبن إذا تجلت عنه رغوته وطهر، وأفصح الأعجميّ وفصح إذا أبان بعد أن لم يكن يبين، وأفصح الرجل عما في نفسه إذا أظهره. قال في «المثل السائر» : وأهل البيان يقفون عند هذا التفسير، ولا يكشفون عن السر فيه. قال: وبهذا القول لا تتبين حقيقة الفصاحة، لأنه يلزم أنه إذا لم يكن اللفظ ظاهرا بيّنا لم يكن فصيحا جيّدا، ثم إذا ظهر وتبين صار فصيحا؛ على أنه قد يكون اللفظ ظاهرا لزيد ولا يكون ظاهرا لعمرو، فيكون فصيحا عند واحد دون آخر، وليس كذلك؛ بل الفصيح ما لم يختلف في فصاحته، لأنه إذا تحقق حدّ الفصاحة وعرف ما هي لم يبق في اللفظ المختص بها خلاف؛ وأيضا فإنه لو جيء بلفظ قبيح ينبو عنه السمع، وهو مع ذلك ظاهر بيّن، فينبغي أن يكون فصيحا، وليس كذلك؛ لأن الفصاحة وصف حسن اللفظ لا وصف قبحه. قال: وتحقيق القول في ذلك أن يقال: الكلام الفصيح هو الظاهر البيّن، والظاهر البين أن تكون ألفاظه مفهومة لا يحتاج في فهمها إلى استخراج من كتب لغة؛ وإنما كانت بهذه الصفة لأنها تكون مألوفة الاستعمال بين أرباب النظم والنثر، دائرة في كلامهم؛ وإنما كانت مألوفة الاستعمال دائرة في الكلام دون غيرها من الألفاظ لمكان حسنها، وذلك أن أرباب النظم والنثر غربلوا اللّغة باعتبار ألفاظها، وسبروا وقسّموا فاختاروا الحسن من الألفاظ فاستعملوه، ونفوا القبيح منها فلم يستعملوه؛ فحسن الألفاظ سبب استعمالها دون غيرها، واستعمالها دون غيرها سبب ظهورها وبيانها؛ فالفصيح إذا من الألفاظ هو الحسن. ثم قال: والمرجع في تحسين الألفاظ وقبحها إلى حاسة السمع، فما يستلذه السمع منها

الصفة الأولى ألا يكون غريبا؛ وهو ما ليس مأنوس الاستعمال ولا ظاهر المعنى.

ويميل إليه هو الحسن، وما يكرهه وينفر عنه هو القبيح، بدليل أن السمع يستلذ صوت البلبل من الطير وصوت الشّحرور ويميل إليهما، ويكره صوت الغراب وينفر عنه، وكذلك يكره نهيق الحمار ولا يجد ذلك في صهيل الفرس؛ والألفاظ جارية هذا المجرى؛ فإنه لا خلاف في أن لفظة المزنة والدّيمة يستلذهما السمع، ولفظة البعاق «1» قبيحة يكرهما السمع، والألفاظ الثلاثة من صفة المطر ومعناها واحد؛ وأنت ترى لفظتي المزنة والدّيمة وما جرى مجراهما مألوفة الاستعمال، وترى لفظ البعاق وما جرى مجراه متروكا لا يستعمل، وإن استعمل فإنما يستعمله جاهل بحقيقة الفصاحة أو من ذوقه غير سليم، لا جرم أنه ذم وقدح فيه، ولم يلتفت إليه، وإن كان عربيّا محضا من الجاهلية الأقدمين؛ فإن حقيقة الشيء إذا علمت وجب الوقوف عندها ولم يعرّج على ما خرج عنها. إذا علمت ذلك فلا يوصف اللفظ المفرد بالحسن حتّى يتصف بأربع صفات: الصفة الأولى ألّا يكون غريبا؛ وهو ما ليس مأنوس الاستعمال ولا ظاهر المعنى. ويسمّى: الوحشيّ أيضا، نسبة إلى الوحش لنفاره وعدم تأنّسه وتألّفه، وربما قلب فقيل: الحوشي، نسبة إلى الحوش «2» ، وهو النّفار. قال الجوهريّ: وزعم قوم أن الحوش بلاد الجنّ وراء رمل يبرين «3» لا يسكنها أحد من الناس، فالغريب والوحشيّ والحوشيّ كله بمعنى.

ثم الغريب على ضربين: الضرب الأوّل- ما يعاب استعماله مطلقا، وهو ما يحتاج في فهمه إلى بحث وتنقيب، وكشف من كتب اللغة؛ كقول ابن جحدر. حلفت بما أرقلت حوله ... همرجلة خلقها شيظم وما شبرقت من تنوفيّة ... بها من وحى الجن زيز يزم «1» فالإرقال: ضرب من السير؛ وهو نوع من الخبب، يقال منه: أرقلت الناقة ترقل إرقالا، والهمرجلة: الناقة السريعة، وقال أبو زيد: الهمرجلة: الناقة النّجيبة الراحلة. والشّيظم: الشديد الطويل، وهو من صفات الإبل والخيل والأنثى شيظمة. والشّبرقة: القطع، يقال: شبرقت الثوب أشبرقه شبرقة إذا قطعته، وشبرقت الطريق إذا قطعتها. والتّنوفة: المفازة، ويقال فيها: تنوفيّة أيضا. والوحى هنا. الصوت الخفيّ، يقال: سمعت وحاة الرعد، وهو صوته الممتدّ الخفي. وقوله زيز يزم: حكاية لأصوات الجن إذا قالت: زي زي؛ وحاصله أنه يقول: حلفت هذه الحلفة بما سارت هذه الناقة الشديدة السير العظيمة الخلق، وما قطعت من مفازة لا يسمع فيها إلا أصوات الجنّ؛ وهذا مما لا يوقف على معناه إلا بكدّ وتعب في كشفه وتتبّعه من كتب اللغة. الضرب الثاني- ما يحتاج إلى تدقيق النظر في التصريف وتخريج اللفظ على وجه بعد، كلفظ مسرّج من قول العجاج «2» . ومقلة وحاجبا مزجّجا ... وفاحما ومرسنا مسرّجا فالمقلة: شحمة العين. والحاجب معروف. والمزجج: المقوّس مع طول ودقّة في طرفه. والفاحم: الشّعر الأسود الذي لونه كلون الفحم. والمرسن:

الصنف الأول المألوف المتداول الاستعمال عند كل قوم في كل زمن

الأنف؛ وصفه بكونه مسرّجا إما أنه كالسيف السّريجيّ في الدّقّة والاستواء، والسّريجيّ نسبة إلى قين يسمّى سريجا تنسب إليه السّيوف؛ وإما أنه كالسّراج في البريق واللّمعان، أو من قولهم سرّج الله وجهه إذا بهّجه وحسّنه. فهذا ومثله مما لا يقف على معناه إلا من عرف التصريف وأتقنه. إذا تقرر ذلك فاعلم أن اللفظ يختلف في الغرابة وعدمها باختلاف النّسب والإضافات؛ فقد يكون اللفظ مألوفا متداول الاستعمال عند كل قوم في كل زمن، وقد يكون غريبا متوحّشا في زمن دون زمن، وقد يكون غريبا متوحشا عند قوم، مستعملا مألوفا عند آخرين. وهو أربعة أصناف: الصنف الأوّل المألوف المتداول الاستعمال عند كل قوم في كل زمن وهو ما تداول استعماله الأوّل والآخر من الزمان القديم وإلى زماننا: كالسماء والأرض، والليل والنهار، والحرّ والبرد، وما أشبه ذلك؛ وهو أحسن الألفاظ وأعذبها، وأعلاها درجة، وأغلاها قيمة؛ إذ أحسن اللفظ ما كان مألوفا متداولا كما تقدّم؛ وهذا لا يقع عليه اسم الوحشيّ بحال. قال في «المثل السائر» : وأنت إذا نظرت إلى كتاب الله العزيز الذي هو أفصح الكلام وجدته سهلا سلسا، وما تضمنه من الكلمات الغريبة يسير جدّا. هذا وقد أنزل في زمن العرب العرباء، وألفاظه كلّها من أسهل الألفاظ وأقربها استعمالا وكفى بالقرآن الكريم قدوة. وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما أنزل في التّوراة ولا في الإنجيل مثل أمّ القرآن وهي السّبع المثاني» يريد فاتحة الكتاب. وإذا نظرت إلى ما اشتملت عليه من الألفاظ وجدتها سهلة قريبة يفهمها كل أحد حتى صبيان المكاتب وعوامّ السّوقة وإن لم يفهموا ما تحتها من أسرار الفصاحة والبلاغة، فإن أحسن الكلام ما عرف الخاصة فضله، وفهم العامّة معناه؛ وهكذا فلتكن الألفاظ المستعملة في سهولة فهمها وقرب متناولها؛ والمقتدي بألفاظ

القرآن يكتفي بها عن غيرها من جميع الألفاظ المنثورة والمنظومة؛ وقد كانت العرب الأول في الزمن القديم تتحاشى اللفظ الغريب في نظمها ونثرها، وتميل إلى السهل وتستعذبه؛ ويكفي من ذلك كلام قبيصة بن نعيم لما قدم على امريء القيس في أشياخ بني أسد يسألونه العفو عن دم أبيه، فقال له: «إنك في المحلّ والقدر من المعرفة بتصرّف الدّهر وما تحدثه أيّامه، وتنتقل به أحواله، بحيث لا تحتاج إلا تذكير من واعظ، ولا تبصير من مجرّب؛ ولك من سودد منصبك، وشرف أعراقك، وكرم أصلك في العرب محتد يحتمل ما حمّل عليه من إقالة العثرة ورجوع عن الهفوة؛ ولا تتجاوز الهمم إلى غاية إلا رجعت إليك فوجدت عندك من فضيلة الرأي، وبصيرة الفهم، وكرم الصّفح، ما يطوّل رغباتها، ويستغرق طلباتها، وقد كان الذي كان من الخطب الجليل، الذي عمّت رزيّته نزارا واليمن، ولم تخصص بذلك كندة دوننا للشرف البارع الذي كان لحجر؛ ولو كان يفدى هالك بالأنفس الباقية بعده لما بخلت كرائمنا بها على مثله، ولكنه مضى به سبيل لا يرجع أخراه على أولاه، ولا يلحق أقصاه أدناه؛ فأحمد الحالات في ذلك أن تعرف الواجب عليك في إحدى خلال ثلاث: إما أن اخترت من بني أسد أشرفها بيتا، وأعلاها في بناء المكرمات صوتا، فقدناه إليك بنسعة «1» تذهب مع شفرات حسامك بباقي قصرته «2» فنقول: رجل امتحن بهالك عزيز فلم يستلّ سخيمته «3» إلا تمكينه من الانتقام؛ أو فداء بما يروح على بني أسد من نعمها، فهي ألوف تجاوز الحسبة، فكان ذلك فداء رجعت به القضب «4» إلى أجفانها، لم يرددها تسليط الإحن على البرآء؛ وإما أن وادعتنا إلى أن تضع الحوامل فتسدل الأزر وتعقد الخمر فوق الرايات» . فبكى امرؤ القيس ساعة، ثم رفع رأسه فقال:

«لقد علمت العرب أنه لا كفء لحجر في دم، وأني لن أعتاض به جملا ولا ناقة، فأكتسب به سبّة الأبد، وفتّ العضد، وأما النّظرة فقد أوجبتها الأجنّة في بطون أمهاتها، ولن أكون لعطبها سببا، وستعرفون طلائع كندة من بعد ذلك، تحمل في القلوب حنقا، وفوق الأسنّة علقا: إذا جالت الحرب في مأزق ... تصافح فيه المنايا النّفوسا أتقيمون أم تنصرفون؟ قالوا: بل ننصرف بأسوإ الاختيار وأبلى الاجترار، بمكروه وأذيّة، وحرب وبليّة. ثم نهضوا عنه وقبيصة يتمثل: لعلّك أن تستوخم الورد إن غدت ... كتائبنا في مأزق الحرب تمطر فقال امرؤ القيس: لا والله! ولكن أستعذبه، فرويدا ينفرج لك دجاها عن فرسان كندة وكتائب حمير، ولقد كان ذكر غير هذا بي أولى إذ كنت نازلا بربعي، ولكنك قلت فأوجبت. فقال قبيصة: ما يتوقّع فوق قدر المعاتبة والإعتاب، فقال إمرؤ القيس: هو ذاك «1» . قال في «المثل السائر» : فلينظر إلى هذا الكلام من الرجلين: قبيصة وامرىء القيس، حتّى يدع المتعمّقون تعمّقهم في استعمال الوحشي من الألفاظ؛ فإن هذا الكلام قد كان في الزمن القديم قبل الإسلام بما شاء الله، وكذلك هو كلام كل فصيح من العرب مشهور، وما عداه فليس بشيء. قال: وهذا المشار إليه هاهنا هو من جزل كلامهم، وهو على ما تراه من السّلاسة والعذوبة؛ وإذا تصفّحت أشعارهم أيضا وجدت الوحشي من الألفاظ قليلا بالنسبة إلى المسلسل في الفم

والسمع؛ وعلى هذا المنهج في الجزالة والسّهولة يجري من النظم قول امرىء القيس: فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم أطلب قليل من المال ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل ... وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي فانظر إلى هذين البيتين ليس فيهما لفظة غريبة، ولا كره مع ما فيهما من الجزالة؛ وكذلك أبيات السّموأل المشهورة وهي: إذا المرء لم يدنس من اللّؤم عرضه ... فكلّ رداء يرتديه جميل وإن هو لم يحمل على النّفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثّناء سبيل تعيّرنا أنّا قليل عديدنا ... فقلت لها إنّ الكرام قليل وما ضرّنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل يقرّب حبّ الموت آجالا لنا ... وتكرهه آجالهم فتطول وما مات منّا سيّد في فراشه ... ولا طلّ منّا حيث كان قتيل وأسيافنا في كلّ غرب ومشرق ... بها من قراع الدّارعين فلول معوّدة ألّا تسلّ نصالها ... فتغمد حتّى يستباح قبيل فإذا نظرت ما تضمنته هذه الأبيات من الجزالة، خلتها زبرا من الحديد مع ما هي عليه من السّهولة والعذوبة، وأنها غير فظّة ولا غليظة. وقد ورد للعرب في جانب الرّقة من الأشعار ما يكاد تذوب لرقّته القلوب، كقول عروة بن أذينة: «1» . إن التي زعمت فؤادك ملّها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها بيضاء باكرها النّعيم فصاغها ... بلباقة فأدقّها وأجلّها حجبت تحيتها فقلت لصاحبي ... ما كان أكثرها لنا وأقلها! وإذا وجدت لها وساوس سلوة ... شفع الضمير إلى الفؤاد فسلّها

وقول يزيد بن الطّثريّة «1» في محبوبته من بني جرم: بنفسي من لو مرّ برد بنانه ... على كبدي كانت شفاء أنامله وإذا كان هذا قول ساكن الفلاة، لا يرى إلا شيحة أو قيصومة «2» ، ولا يأكل إلا ضبّا أو يربوعا، فما بال قوم سكنوا الحضر، ووجدوا رقّة العيش، يتعاطون وحشيّ الألفاظ وشظف العبارات! ولا يخلد إلى ذلك إلا جاهل بأسرار الفصاحة، أو عاجز عن سلوك طريقها، فإن كلّ أحد ممن حصل على نبذة من علم الأدب يمكنه أن يأتي بالوحشيّ من الكلام، إما بأن يلتقطه من كتب اللغة، أو يتلقفه من أربابها. وأما الفصيح المتّصف بصفة الملاحة، فإنه لا يقدر عليه، ولو قدر عليه لما علم أين يضع يده في تأليفه وسبكه. قال: وإن مارى في ذلك ممار فلينظر إلى أشعار علماء الأدب ممن كان يشار إليه حتّى يعلم صحة ذلك، فإن ابن دريد «3» قد قيل إنه أشعر علماء الأدب، وإذا نظرت إلى شعره وجدته بالنسبة إلى شعر الشعراء المجيدين منحطّا، مع أن أولئك الشعراء لم يعرفوا من علم الأدب عشر معشار ما علمه؛ وأين شعره من شعر العباس ابن الأحنف «4» ! وهو من أوائل الشعراء المحدثين، وشعره كمرّ نسيم على عذبات أغصان، أو كلؤلؤات طلّ على طرر ريحان؛ وليس فيه لفظة واحدة غريبة يحتاج إلى استخراجها من كتاب من كتب اللغة، كقوله: وإنّي ليرضيني قليل نوالكم ... وإن كنت لا أرضى لكم بقليل بحرمة ما قد كان بيني وبينكم ... من الودّ إلا عدتمو بجميل وقوله في محبوبته فوز:

يا فوز يا منية عبّاس ... قلبي يفدّي قلبك القاسي أسأت إذ أحسنت ظنّي بكم ... والحزم سوء الظنّ بالناس يقلقني شوقي فآتيكم ... والقلب مملوء من الياس وهل أعذب من هذه الأبيات، وأعلق بالخاطر، وأسرى في السمع؟ ولمثلها تسهر راقدات الأجفان، وعن مثلها تتأخر السوابق عند الرّهان، ومن الذي يستطيع أن يسلك هذه الطريق التي هي سهلة وعرة، قريبة بعيدة؟. وقد كان أبو العتاهية أيضا في غرّة الدولة العباسية، وشعر العرب إذ ذاك موجود كثيرا، وإذا تأملت شعره وجدته كالماء الجاري، رقّة ألفاظ، ولطافة سبك، وليس بركيك ولا واه، وانظر إلى قصيدته التي يمدح بها المهديّ ويشبب بجاريته عتب وهي: ألا ما لسيّدتي مالها ... تدلّ فأحمل إدلالها ألا إن جارية للإمام ... قد أسكن الحسن سربالها لقد أتعب الله قلبي بها ... وأتعب في اللّوم عذّالها كأنّ بعينيّ في حيث ما ... سلكت من الأرض تمثالها فلما وصل إلى المديح قال من جملته: أتته الخلافة منقادة ... إليه تجرّر أذيالها فلم تك تصلح إلّا له ... ولم يك يصلح إلّا لها ولو رامها أحد غيره ... لزلزلت الأرض زلزالها ولو لم تطعه نيات القلوب ... لما قبل الله أعمالها فهذه الأبيات من أرقّ الشعر غزلا ومديحا، وقد أذعن لمديحها الشعراء من أهل العصر، وهي على ما ترى من السّلاسة واللّطافة على أقصى الغايات، حتّى قال بشّار عند سماع المهديّ لها من أبي العتاهية: «انظروا إلى أمير المؤمنين هل طار عن أعواده؟» يريد هل زال عن سريره طربا بهذا المديح. وعلى هذا الأسلوب كان أبو نواس في السهولة والسّلاسة والرّقّة، ولذلك قدّم على شعراء عصره مع ما فيه من فحول الشعراء ومفلقيهم كمسلم بن الوليد وغيره، وذلك لرقة شعره

وسهولته، كقوله في محبوبته جنان: ألم تر أنّني أفنيت عمري ... بمطلبها ومطلبها عسير فلّما لم أجد سببا إليها ... يقرّبني وأعيتني الأمور حججت وقلت قد حجّت جنان ... فيجمعني وإيّاها المسير فانظر إلى هذه الأبيات ليس فيها لفظة منغلقة، وكذلك سائر شعره؛ وكان هو وأبو العتاهية كأنما ينفقان من كيس واحد. ومن لطيف ما يحكى في توافق طريقتهما واتحاد مأخذهما أن أبا نواس جلس يوما إلى بعض التّجّار ببغداد هو وجماعة من الشعراء، فاستسقى أبو نواس ماء فلما شرب قال: عذب الماء وطابا ثم قال: أجيزوه! فأخذ أولئك الشعراء يتردّدون في إجازته، وإذا هم بأبى العتاهية مجتازا فقال: ما شأنكم مجتمعين؟ فقالوا كيت وكيت وقد قال أبو نواس: عذب الماء وطابا فقال أبو العتاهية مجيزا له: حبّذا الماء شرابا فعجبوا لقوله على الفور من غير تلبث، فهذا هو الكلام السهل الممتنع تراه يطمعك أن تأتي مثله، فإذا حاولت مماثلته راغ عنك كما يروغ الثعلب، وهكذا ينبغي أن يكون من خاض في كتابة أو شعر، فإن خير الكلام ما دخل الأذن بغير إذن. ومن النثر قول سعيد بن حميد: «1» وأنا من لا يحاجّك عن نفسه، ولا يغالطك عن جرمه، ولا يستدعي برّك إلا من طريقته، ولا يستعطفك إلا بالإقرار

بالذّنب، ولا يستميلك إلا بالاعتراف بالجرم، نبت بي عنك غرّة الحداثة، وردّتني إليك الحنكة، وباعدتني منك الثقة بالأيّام، وقادتني إليك الضّرورة، فإن رأيت أن تستقبل الصنيعة بقبول العذر، وتجدّد النعمة باطّراح الحقد، فإنّ قديم الحرمة وحديث التوبة يمحقان ما بينهما من الإساءة؛ وإن أيام القدرة وإن طالت قصيرة، والمتعة بها وإن كثرت قليلة، فعلت إن شاء الله تعالى. فانظر إلى قوة هذا الكلام في سهولته، وقرب مأخذه مع بعد تناوله والإتيان بمشاكله. وأجزل منه مع السهولة قول الشّعبيّ «1» للحجّاج، وأراد قتله لخروجه عليه مع ابن الأشعث «2» : أجدب بنا الجناب، وأحزن بنا المنزل، فاستحلسنا «3» الحذر، واكتحلنا السهر، وأصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء» فعفا عنه «4» . قال صاحب «الصناعتين» : وقد غلب الجهل على قوم فصاروا يستجيدون الكلام إذا لم يقفوا على معناه إلا بكدّ، ويستفصحونه إذا وجدوا ألفاظه كزّة «5» غليظة، وجاسية «6» مريبة، ويستحقرون الكلام إذا رأوه سلسا عذبا، وسهلا حلوا؛

ولم يعلموا أن السهل أمنع جانبا، وأعزّ مطلبا، وهو أحسن موقعا، وأعذب مستمعا؛ ولهذا قيل: «أجود الكلام السّهل الممتنع» وكان المفضّل يختار من الشعر ما يقلّ تداول الرواة له، ويكثر الغريب فيه. قال العسكري: وهذا خطأ في الاختيار، لأن الغريب لم يكثر في كلام إلا أفسده، وفيه دلالة على الاستكراه والتكلف. ووصف الفضل بن سهل «1» عمرو بن مسعدة «2» فقال: هو أبلغ الناس، ومن بلاغته أن كل أحد يظن أنه يكتب مثل كتبه، فإذا رامها، تعذرت عليه. وقال «3» العباس بن ميمون: قلت للسيد «4» : ألا تستعمل الغريب في شعرك؟ فقال: ذلك عيّ في زماني، وتكلّف مني لو قلته، وقد رزقت طبعا واتساعا في الكلام، فأنا أقول ما يعرفه الصغير والكبير، ولا يحتاج إلى تفسير، ثم أنشدني: أيا ربّ إنّي لم أرد بالذي به ... مدحت عليّا غير وجهك فارحم قال في «الصناعتين» : فهذا كلام عاقل يضع الكلام موضعه، ويستعمله في إبّانه. ومن كلام بعض الأوائل: تلخيص المعاني رفق، والتشادق في غير أهل نقص، والنظر في وجوه الناس عيّ، ومس اللّحية هلك، والاستعانة بالغريب عجز، والخروج عما بني عليه الكلام إسهاب؛ فأجود الكلام ما كان جزلا سهلا، لا ينغلق معناه، ولا يستبهم مغزاه، ولا يكون مكدودا مستكرها، ومتوعرا متقعّرا، ويكون بريئا من الغثاثة، عاريا من الرّثاثة؛ فالكلام إذا كان لفظه غثّا، ومعرضه

الصنف الثاني الغريب المتوحش عند كل قوم في كل زمن

رثّا، كان مردودا ولو احتوى على أجلّ معنى وأنبله، وأرفعه وأفضله. قال في «المثل السائر» : أما البداوة والعنجهيّة، فتلك أمة قد خلت، ومع أنها قد خلت وكانت في زمن العرب العاربة فإنها قد عيبت على مستعملها في ذلك الوقت، فكيف الآن وقد غلب على الناس رقة الحضر. الصنف الثاني الغريب المتوحش عند كل قوم في كل زمن وهو ما لم يكن متداول الأستعمال في الزمن الأوّل ولا ما بعده، بل كان مرفوضا عند العرب كما هو مرفوض عند غيرهم، ويسمّى الوحشيّ الغليظ، والعكر، والمتوعّر؛ وهو على ثلاثة أضرب: الضرب الأوّل ما يعاب استعماله في النظم والنثر جميعا قال في «المثل السائر» : والناس في قبح استعماله سواء، لا يختلف فيه عربيّ باد، ولا قرويّ متحضّر. قال: وليس وراءه في القبح درجة أخرى، ولا يستعمله إلا أجهل الناس ممن لم يخطر بباله شيء من معرفة هذا الفنّ أصلا، وهو ما مجّه سمعك، ونبا عنه لسانك؛ وثقل عليك النطق به؛ على أنه قد وقع منه ألفاظ لبعض الشعراء المفلقين من العرب والمحدثين. فمن ذلك لفظ الجحيش «1» في قول تأبط شرّا «2» من أبيات الحماسة: يظلّ بموماة «3» ويمسى بغيرها ... جحيشا ويعروري ظهور المسالك فإن لفظه جحيش من الألفاظ المنكرة القبيحة.

قال في «المثل السائر» : ويالله العجب! أليس أنها بمعنى فريد؟ وفريد لفظة حسنة رائقة، لو وضعت في هذا البيت موضع جحيش لما اختل شيء من وزنه، فتأبط شرّا ملوم من وجهين: أحدهما استعماله القبيح، والثاني أنه كانت له مندوحة عن استعماله فلم يعدل عنها؛ وأقبح من ذلك لفظ اطلخمّ في قول أبي تمّام: قد قلت لما اطلخمّ الأمر وانبعثت ... عشواء تالية غبسا دهاريسا «1» فإن لفظة اطلخمّ من الألفاظ المنكرة التي جمعت الوصفين القبيحين: من أنها غريبة، وأنها غليظة في السمع، كريهة على الذّوق، وكذلك لفظة دهاريس في آخر البيت المذكور. وعلى حدّ ذلك ورد لفظ جيدر في قوله من أبيات في وصف فرس: نعم متاع الدّنيا حباك به ... أروع لا جيدر ولا جبس «2» فلفظة جيدر وحشية غليظة؛ وأغلظ منها لفظة جفخت في قول أبي الطّيّب المتنبي: جفخت وهم لا يجفخون بها بهم ... شيم على الحسب الأغرّ دلائل فإن لفظة جفخ مرّة الطعم، وإذا مرّت على السمع اقشعرّ منها، وكان له مندوحة عن استعمالها، فإن جفخت بمعنى فخرت وهما في وزن واحد، فلو أتى بلفظ فخرت ويفخرون مكان جفخت ويجفخون لاستقام وزن البيت وحظي في استعماله بالأحسن، فهو في ذلك كتأبّط شرّا في لفظة جحيش في توجه الملامة عليه من وجهين.

الضرب الثاني ما يعاب استعماله في النثر دون النظم

قال في «المثل السائر» : وما أعلم كيف يذهب هذا وأمثاله على هؤلاء الفحول من الشعراء! هذا ما أورده ابن الأثير من هذا النوع، ويشبه أن يكون منه لفظ الحقلّد في قول زهير: تقيّ نقيّ لم يكثّر غنيمة ... بنهكة ذي قربى ولا بحقلّد والحقلّد: السيء الخلق «1» . قال في «الصناعتين» : وقد أخذ الرّواة على زهير في لفظة الحقلّد فاستبشعوها، وقالوا: ليس في لفظ زهير أنكر منها، وكذلك لفظ الجرشّى في قول أبي الطّيّب في مدح سيف الدولة بن حمدان واسمه عليّ: مبارك الاسم أغرّ اللّقب ... كريم الجرشّى شريف النّسب فلفظ الجرشّى مما يكرهه السمع، وينبوعنه اللسان، والجرشّى بمعنى النّفس، فجعل اسمه مباركا، ولقبه أغرّ، ونفسه كريمة، ونسبه شريفا، وذلك أنه كان يسمّى عليّا وهو اسم مبارك لموافقة أسم امير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه، ويلقب سيف الدولة وهو لقب أعرابي مشهور، وأغرّ أخذا من غرّة الفرس لأنها أشهر ما فيها، ووصفه بكرم النفس إما باعتبار الحسب والعراقة، وإما باعتبار بذل المال وكثرة العطاء، وأشار إلى شرف نسبه باعتبار عراقته في بيت الملك وعراقة حسبه. الضرب الثاني ما يعاب استعماله في النثر دون النظم وهذا الضرب مما ذكر صاحب المثل السائر أنه استخرجه بفكره، ولم يجد فيه قولا لغيره. قال: وهذا ينكره من يسمعه حتّى ينتهي إلى ما أوردته من الأمثلة،

ولربما أنكره بعد ذلك إما عنادا وإما جهلا لعدم الذوق السليم عنده، ثم ذكر منه امثلة، منها لفظ شرنبثة «1» من قول الفرزدق: ولولا حياء زدت رأسك شجّة ... إذا سبرت ظلّت جوانبها تغلى شرنبثة شمطاء من يرما بها ... يشبه ولو بين الخماسيّ والطّفل قال: فلفظة شرنبثة من الألفاظ الغريبة التي يسوغ استعمالها في الشعر، وهي ها هنا غير مستكرهة، إلا أنها لو وردت في كلام منثور من كتاب أو خطبة، لعيبت على مستعملها. ومنها لفظة مشمخرّ «2» الواردة في أبيات بشر في وصفه لقاءه الأسد حيث قال: وأطلقت المهنّد عن «3» يميني ... فقدّ له من الأضلاع عشرا فخرّ مضرّجا بدم كأنّي ... هدمت به بناء مشمخرّا وكذلك في قول البحتريّ في قصيدته التي يصف فيها إيوان كسرى: مشمخرّ تعلو له شرفات ... رفعت في رؤوس رضوى وقدس فإن لفظة مشمخرّ لا يحسن استعمالها في الخطب والمكاتبات، ولا بأس بها في الشعر؛ وقد وردت في خطب الشيخ الخطيب ابن نباتة «4» كقوله في خطبة يذكر فيها أهوال يوم القيامة: اقمطرّ «5» وبالها، واشمخرّ نكالها، فما طابت ولا ساغت. ومنها لفظة الكنهور «6» من أوصاف السحاب كقول أبي الطّيّب:

يا ليت باكية شجاني دمعها ... نظرت إليك كما نظرت فتعذرا وترى الفضيلة لا تردّ فضيلة ... الشّمس تشرق والسّحاب كنهورا فلفظة الكنهور لا تعاب نظما، وتعاب نثرا. ومنها لفظة العرمس، وهو اسم الناقة الشديدة؛ فإن هذه اللفظة يسوغ استعمالها في الشعر ولا يعاب مستعملها كقول المتنبي: ومهمه جبته على قدمي ... تعجز عنه العرامس الذّلل فإنه جمع هذه اللفظة ولا بأس بها، ولو استعملت في الكلام المنثور من الخطب لما طابت ولا ساغت؛ وقد جاءت موحّدة في شعر أبي تمام في قوله: هي العرمس الوجناء وابن ملمّة ... وجاش على ما يحدث الدهر خافض ومنها لفظة الشّدنيّة في قول أبي تمام أيضا. يا موضع الشّدنيّة الوجناء وهي ضرب من النّوق؛ فإن الشدنيّة لا تعاب شعرا وتعاب لو وردت في كتابة أو خطبة. هذا ما أورده في «المثل السائر» لهذا الضرب من الأمثلة. ثم قال: وهكذا يجري الحكم في أمثال هذه الألفاظ؛ وعلى هذا فاعلم أن كل ما يسوغ استعماله في الكلام المنثور يسوغ استعماله في الكلام المنظوم، وليس كل ما يسوغ استعماله في الكلام المنظوم يسوغ استعماله في الكلام المنثور. قال: وذلك شيء استنبطته واطلعت عليه لكثرة ممارستي هذا الفن، ولأنّ الذوق الذي عندي دلّني عليه، فمن شاء أن يقلّدني فيه، وإلا فليدمن النظر حتّى يطّلع على ما اطلعت عليه، والأذهان في مثل هذا المقام تتفاوت. على أن الشيخ سعد الدين التفتازاني «1» رحمه الله قد تابعه على ذلك في شرح التلخيص «2» ، فلا

الضرب الثالث ما يعاب استعماله بصيغة دون صيغة

أعلم أقلده في ذلك أم ذوقه أدّاه إليه؟. الضرب الثالث ما يعاب استعماله بصيغة دون صيغة قال في «المثل السائر» : وهذا الضرب من هذه الصناعة بمنزلة عليّة، ومكانة شريفة، وجلّ الأسرار اللفظية منوط به. قال: وقد لقيت جماعة من مدّعي فن الفصاحة وفاوضتهم وفاوضوني، وسألتهم وسألوني، فما وجدت أحدا منهم يتقن معرفة هذا الموضع كما ينبغي؛ وقد استخرجت فيه أشياء لم أسبق إليها؛ فإن اللفظة الواحدة قد تنتقل من هيئة إلى هيئة، أو من صفة إلى صفة، فتنتقل من القبح إلى الحسن وبالعكس فيصير القبيح حسنا، والحسن قبيحا، والمرجع في ذلك إلى الذوق الصحيح والطبع السليم؛ وقد نبّه منه على تسعة أنماط: النمط الأوّل- ما يترجح فيه الاسم في الاستعمال على الفعل، وذلك في مثل لفظ خود، فإنها عبارة عن المرأة الناعمة، فإذا نقلت إلى صيغة الفعل، قيل خوّد على وزن فعّل بتشديد العين، ومعناها أسرع. يقال: خوّد البعير إذا أسرع في مشيه، فهي على صيغة الاسم حسنة رائقة، قد وردت في النظم والنثر كثيرا، وإذا جاءت على صيغة الفعل لم تكن حسنة، كقول أبي تمّام: وإلى بني عبد الكريم تواهقت ... رتك النّعام رأى الطريق «1» فخوّدا «2» إلا أن لفظة خوّد قد استعملت على غير هذا الوجه في بعض المواضع فزال عنها بعض القبح وإن لم تلحق بدرجة الرائق الحسن، كقول بعض شعراء الحماسة:

النمط الثاني -

أقول لنفسي حين خوّد رألها: ... رويدك «1» لما تشفقي حين مشفق رويدك «2» حتّى تنظري عمّا تنجلي ... عماية هذا العارض المتألّق والرّأل: النعام «3» ، والمراد أن نفسه فرّت وفزعت، شبه بإسراع النعام في فراره وفزعه، فلما أورد ذلك على سبيل المجاز زال بعض القبح. قال: وهذا يدركه الذوق الصحيح، فهي في بيت أبي تمّام قبيحة سمجة، وهاهنا بين بين، ويقاس على ذلك أشباهه ونظائره. النمط الثاني- ما يترجح فيه فعل الأمر والمستقبل في الاستعمال على الفعل الماضي وذلك في مثل لفظة ودع، وهي فعل ماض ثلاثيّ لا ثقل بها على اللسان، ومع ذلك فإنها لا تستعمل على صيغتها الماضية إلا جاءت غير مستحسنة، فإذا استعملت على صيغة الأمر أو الاستقبال جاءت حسنة بهجة رائقة؛ أما على صيغة الأمر فكما في قوله تعالى: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا* «4» ولم ترد في القرآن الكريم إلا على هذه الصيغة؛ وأما على صيغة الاستقبال فكقول النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد واصل في شهر رمضان فواصل معه قوم، فقال: «لو مدّ لنا الشّهر لواصلنا وصالا يدع له المتعمّقون تعمّقهم» . وقد استعملها أبو الطّيّب على هذا الوجه في قوله: تشقّكم بقناها كلّ سلهمة «5» ... والضّرب يأخذ منكم فوق ما يدع فجاءت في كلامه بهجة رائقة، وأما الماضي من هذه اللفظة فلم يستعمل إلا شاذا ولا حسن له، كقول أبي العتاهية: أثروا فلم يدخلوا قبورهم ... شيئا من الثّروة التي جمعوا وكان ما قدّموا لأنفسهم ... أعظم نفعا من الذي ودعوا

النمط الثالث -

فلم تقع في كلامه من الحسن موقعا، ولا أصابت من الطّلاوة غرضا؛ وهذه لفظة واحدة لم يتغير شيء من أحوالها سوى أنها نقلت من صيغة إلى صيغة، وكذلك لفظة وذر، فإنها لا تستعمل ماضية، وتستعمل على صيغة الأمر كقوله تعالى: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا «1» وتستعمل مستقبلة أيضا كقوله تعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ «2» ولم ترد في القرآن الكريم إلا على هاتين الصيغتين، وكذلك في غير القرآن الكريم من فصيح الكلام، أما في حالة المضيّ، فإنها أقبح من لفظة ودع، وقد استعملت ماضية مع شذوذ، وهذه لم تستعمل أصلا. النمط الثالث- ما يترجح فيه الإفراد في الاستعمال على التثنية، وذلك في مثل لفظ الأخدع «3» ، فإنها يحسن استعمالها في حالة الإفراد دون التثنية؛ فممّا وردت فيه مفردة فجاءت حسنة رائقة، قول الصّمّة بن عبد الله «4» من شعراء الحماسة: تلفّتّ نحو الحيّ حتّى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتا «5» وأخدعا ومما ورد فيه لفظ التثنية فجاء ثقيلا مستكرها قول أبي تمّام: يا دهر قوّم من أخدعيك فقد ... أضججت هذا الأنام من خرقك هكذا ذكره في المثل السائر، ثم قال: وليس لذلك سبب إلا أنها جاءت موحدة في أحدهما فحسنت، وجاءت مثناة في الآخر فقبحت. النمط الرابع- ما يترجح فيه الإفراد في الاستعمال على الجمع، وذلك

كلفظة الأرض، فإنها لم ترد في القرآن الكريم إلا مفردة، سواء أفردت بالذكر عن السماء كما في قوله تعالى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً «1» أو قرنت بالسماء مفردة كما في قوله تعالى: وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ «2» أو مجموعة كما في قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ «3» ولو كان استعمالها بلفظ الجمع مستحسنا لكان هذا الموضع وشبهه به أليق لمقابلة الجمع في السموات، ولما أراد أن يأتي بها مجموعة قال: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ «4» وكذلك لفظة البقعة، وكذلك لفظة طيف في ذكر طيف الخيال، فإنها تجمع على طيوف، وهي في حالة الإفراد من أرقّ الألفاظ وألطفها، فإذا جمعت زالت عنها تلك الطّلاوة، وفارقتها تلك البهجة، ولذلك وردت في القرآن الكريم بلفظ الإفراد، قال تعالى: إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طيف «5» من الشّيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون «6» . ولم تزل الشعراء في القديم والحديث يستعملونه بلفظ الإفراد فيقع أحسن موقع، ولم يلمّوا باستعماله مجموعا. قال في «المثل السائر» : ويالله العجب، من هذه اللفظة ومن أختها عدّة ووزنا، وهي صيف! فإنها تستعمل مفردة ومجموعة، وكلاهما في الاستعمال حسن رائق، قال: وهذا مما لا يعلم السرّ فيه، والذوق السليم هو الحاكم في الفرق بين هاتين اللفظتين وما يجري مجراهما. وكذلك يجري الحكم في جميع المصادر، فإنها في حالة الإفراد أحسن منها في حالة الجمع؛ وقد جاء منها بعض ألفاظ مجموعة فجاءت غثّة مستكرهة كما في قول عنترة:

النمط الخامس -

فإن يبرأ فلم أنفث عليه ... وإن يفقد فحقّ له الفقود فالفقود جمع مصدر من قولنا: فقد يفقد فقدا، وليس له من الرّونق والطّلاوة ما لمفرده، وهو لفظ فقد، وإن كان جائزا من جهة العربية. النمط الخامس- ما يترجّح فيه الجمع في الاستعمال على الإفراد كلفظة اللّبّ الذي هو العقل، فإن استعمالها بصيغة الجمع في غاية الحسن والبهجة والطّلاوة، وقد ورد بهذه الصيغة في غير موضع من القرآن الكريم، كقوله تعالى: وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ «1» وقوله: وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ* «2» إلى غير ذلك من الآيات الوارد فيها ذلك بصيغة الجمع، أما في حالة الإفراد فإنها قليلة الاستعمال مع أنها لفظة ثلاثية خفيفة على النطق، بعيدة المخارج، ليست بمستثقلة ولا مكروهة. قال في «المثل السائر» : وإذا تأملت القرآن الكريم ودققت النظر في رموزه وأسراره وجدت هذه اللفظة قد روعي فيها الجمع دون الإفراد، فإن أضيفت أو أضيف إليها حسن استعمالها، وساغ في طريق الفصاحة إيرادها. أما إضافتها فكقول النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذكر النساء: «ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الحازم من إحداكنّ يا معشر النّساء» وأما الإضافة إليها فكقول جرير: إنّ العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللّب حتّى لا حراك به ... وهنّ أضعف خلق الله أركانا قال في «المثل السائر» : فإن عريت هذه اللفظة عن الجمع والإضافة لم تأت حسنة. قال: ولا تجد دليلا على ذلك إلا مجرّد الذوق السليم؛ وكذلك لفظة كوب فإنها لم ترد في القرآن الكريم إلا مجموعة، وهي وإن لم تكن مستقبحة في حالة الإفراد فإن الجمع فيها أحسن. وانظر إلى ما عليها من الطّلاوة والمائية في

النمط السادس -

قوله تعالى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ «1» وعلى هذا النحو لفظ رجا بالقصر، ومعناه الجانب، فإنها قد وردت في القرآن بلفظ الجمع في قوله تعالى: وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها «2» أي جوانبها، ولم تستعمل مفردة: لأن الجمع يكسبها من الحسن ما لم يوجد لها حالة الإفراد، فإن أضيفت حالة الإفراد كرجا البئر ونحوه حسنت كما في حالة الجمع. قال في «المثل السائر» : وليس كذلك لفظ الصّوف والأصواف، وإن كان لم يرد في القرآن الكريم إلا مجموعا حيث قال تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ «3» لأن لفظ الصوف مستحسن في حالة الإفراد كما في حالة الجمع. قال: وإنما قبح ذكره في قول أبي تمّام: كانوا برود زمانهم فتصدّعوا ... فكأنّما لبس الزمان الصّوفا لأنها جاءت مجازية في نسبتها إلى الزمان. قال: وعلى هذا النّهج وردت لفظة حبر وأحبار فإنها مجموعة أحسن منها مفردة، ولم ترد في القرآن الكريم إلا مجموعة. النمط السادس- ما يترجّح فيه بعض الجموع في الاستعمال على بعض كما في جمع صائب من قولك: سهم صائب، فإنه يقال في الجمع سهام صوائب وصائبات وصيّب بالتشديد، وهذه الجموع كلها حسنة، رائقة، معجبة، دائرة على ألسنة أرباب النثر والنظم، ويقال في جمعه أيضا صيب على وزن كتب، وهو جمع قبيح، مرفوض الاستعمال، ثقيل على النطق، جاف عن السمع، وقد استعمله أبو نواس في شعره حيث قال:

ما أحلّ الله ما صنعت ... عينه تلك العشية بي قتلت إنسانها كبدي ... بسهام للردى صيب فجاءت غثّة كريهة نابية عن السمع، نافرة عن اللسان؛ وكذلك الجمع في قيد، فإنه يجمع على قيود، وهو جمع سائغ القبول، شائع الاستعمال؛ ويقال في جمعه أيضا: أقياد، وهو من الجموع المستكرهة الخارجة عن الاستعمال، وقد ورد في قول عويف «1» القوافي من أبيات الحماسة: ذهب الرّقاد فما يحسّ رقاد ... مما شجاك ونامت العوّاد لما أتاني من عيينة أنه ... أمست عليه تظاهر الأقياد فلم يحسن ولم يرق، وكذلك القول في جمع قبّة، فإنه يجمع على قباب وهو جمع حسن دائر على ألسنة الفصحاء من أهل النظم والنثر، ويجمع أيضا على قبب، وليس بمستحسن، وإن كان هو في الكراهة دون أقياد في جمع قيد وقد استعمله ابن محكان التّميميّ «2» في قوله: ماذا ترين أندنيهم لأرحلنا ... في جانب البيت أم نبني لهم قببا؟ فلم يحسن كحسن قباب بل جاءت كريهة مستشنعة؛ وأعجب ما في هذا الباب أن الجمع قد يكون متفقا في لفظة واحدة إلا أنها مختلفة المعنى، فيختلف الاستعمال في الجمع باختلاف المعاني، حتى لو جيء بجمع في مكان جمع لم يحسن استعماله وإن كان جائزا من جهة العربية؛ كلفظ العين، فإنها تطلق من جملة مدلولاتها على العين الباصرة، والعين من الناس، وهو النّبيه منهم، والعين الباصرة تجمع على عيون، والعين من الناس تجمع على أعيان، وقد شذ هذا

النمط السابع -

الموضع على المتنبي في قوله: والقوم في أعيانهم خزر «1» ... والخيل في أعيانها قبل «2» فجمع العين الباصرة على أعيان في الموضعين. قال في «المثل السائر» : وكأنّ الذوق يأبى ذلك ولا يجد له على اللسان حلاوة وإن كان جائزا؛ وأعجب من ذلك كله أنك ترى وزنا واحدا من الألفاظ، فتارة تجد مفرده حسنا، وتارة تجد جمعه حسنا، وتارة تجدهما جميعا حسنين. فما مفرده أحسن من جمعه حبرور، وهو فرخ الحبارى، فإنه يجمع على حبارير ومفرده أحسن من جمعه، وكذلك طنبور وطنابير، وعرقوب وعراقيب، وما أشبه ذلك. ومما جمعه أحسن من مفرده بهلول وبهاليل، ولهموم ولهاميم، وهذا ضد الأوّل. ومما مفرده حسن وجمعه حسن جمهور وجماهير، وعرجون «3» وعراجين وما أشبه ذلك. النمط السابع- ما يترجح فيه أحد صور الوزن الواحد باختلافه بالحركة والسكون كلفظ الثلث والربع إلى العشر، فإنها في حالة سكون الوسط كلها حسنة سائغة الاستعمال، فإذا تحرّكت أوساطها فقلت: ثلث، وربع، وخمس، وكذلك إلى عشر، فإن الحسن من ذلك جميعه ثلاثة وهي الثّلث، والخمس، والسّدس، أما الربع، والسبع، والثمن، والتسع، والعشر فليس كذلك في حسنه. قلت: إنما يظهر ذلك في السبع، والتسع، والعشر خاصة فإن الثّقل ظاهر فيها، أما الربع والثمن فإنهما في الحسن مع تحريك الوسط كالثلث، والخمس، والسدس، وقد

النمط الثامن -

ورد القرآن بتحريك الوسط فيهما في سورة النساء حيث قال تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ «1» وقوله: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ «2» وأي حسن وفصاحة بعد وروده في القرآن الكريم؟ النمط الثامن- ما تترجح فيه أبنية بعض أسماء الفاعلين في الاستعمال على بعض، كاسم الفاعل المبنيّ من فعل بفتح الفاء وكسر العين؛ فإنه يبنى على فاعل وفعل بكسر العين وفعلان، نحو حمد فهو حامد، وحمد، وحمدان، وفرح فهو فرح، وفارح، وفرحان، وغضب فهو غضبان، وغاضب؛ فالأفعال الثلاثة على وزن واحد، وصيغ أسماء الفاعلين المبنية منها مختلفة في الأحسن الغالب استعماله، فحامد من حمد أحسن من حمد وحمدان، وفرح من فرح أحسن من فارح وفرحان، وغضبان من غضب أحسن من غاضب، وإن كان جائزا، وقد جاء بناء اسم الفاعل من فرح على فارح في قول بعض شعراء الحماسة. فما أنا من حزن وإن جلّ جازع ... ولا بسرور بعد موتك فارح فلم يحسن كحسن فرح، أما ما جاء منه على وزن فعلة نحو همزة ولمزة وجثمة ونومة ولكنة ولحنة، وما أشبه ذلك؛ فقد قال في «المثل السائر» : الغالب على هذه اللفظة أن تكون حسنة. النمط التاسع- ما يترجح من أوزان الأفعال بعضها على بعض كلفظة فعل وافتعل، فإن لفظة فعل لها موضع تستعمل فيه، ولفظة افتعل لها موضع تستعمل فيه، تقول: قعدت إلى فلان إذا جلست إليه، واقتعدت غارب الجمل، إذا ركبت عليه، ولا يحسن أن تقول اقتعدت إلى فلان وقعدت على غارب الجمل، وإن كان ذلك جائزا؛ وكذلك أفعل وافعوعل فإنك تقول أعشب المكان، فإذا كثر عشبه قلت: اعشوشب، فلفظة افعوعل للتكثير، وهي على ما فيها من تكرار الحروف طيّبة

الصنف الثالث المتوحش في زمن دون زمن

عذبة، وكذلك سائر ما في وزنها نحو اخشوشن المكان، واغرورقت العين، واحلولى الطعم، وما أشبه ذلك. قال في «المثل السائر» : وهذا كله مما أخذته بالاستقراء، وفي اللغة مواضع كثيرة من ذلك لا يمكن استقصاؤها. فانظر إلى ما يفعله اختلاف الصيغة بالألفاظ، وعليك بتفقّد أمثال هذه الكلمات لتعلم كيف تضع يدك في استعمالها، فكثيرا ما يقع فحول الخطباء والشعراء في مثلها، ومؤلّف الكلام من كاتب وشاعر إذا مرّت به الألفاظ عرضها على ذوقه الصحيح، فما يجده الحسّ منها موحّدا وحّده، وما يجده الحس منها مجموعا جمعه؛ وكذلك يجري الحكم فيما سوى ذلك من الألفاظ. الصنف الثالث المتوحش في زمن دون زمن وهو ما كان متداول الاستعمال في زمن العرب، ثم رفض وترك بعد ذلك، وبهذا لا يعاب استعماله على العرب لأنه لم يكن عندهم وحشيّا، ولا لديهم غريبا، كما سيأتي التنبيه عليه، وإنما يعاب استعماله على غيرهم ممن قصر فهمهم عنه، وقلّت معرفتهم به؛ وقد كان كلام العرب مشحونا به في نظمهم ونثرهم، دائرا على ألسنتهم في مخاطباتهم ومحاوراتهم، غير معيب ولا ملوم عليه، وانظر إلى ما تضمنته خطبهم وأشعارهم من الغريب ترى ذلك [غير معاب] ، فمن ذلك قول أبي المثلّم الهذليّ: آبي الهضيمة ناب «1» بالعظيمة متلاف الكريمة جلد غير ثنيان «2» حامي الحقيقة نسّال الوديقة معتاق الوسيقة لا نكس ولا وان «3»

ربّاء مرقبة منّاع مغلبة ... وهّاب سلهبة قطّاع أقران «1» هبّاط أودية حمّال ألوية ... شهّاد أندية سرحان فتيان «2» وقول أعرابيّ في وصف إبل: كوم بهازر، مكد خناجر، عظام الحناجر، سباط المشافر، أجوافها رغاب، وأعطانها رحاب، تمنع من البهم، وتبرك للجمم. يريد بالكوم جمع كوماء، وهي الناقة العظيمة السّنام، والبهازر جمع بهزرة، وهي الناقة العظيمة، والمكد جمع مكود، وهي الناقة الغزيرة اللبن، والخناجر جمع خنجور، وهي بمعنى المكود أيضا، والعظام الحناجر: غلاظ الأعناق، وسباط المشافر أي مرسلات المشافر، والمشفر من الناقة كالجحفلة من الفرس؛ ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى وينخرط في هذا السّلك؛ فهذا ومثله لا يعاب استعماله على العرب لأنه لم يكن عندهم غريبا ولا لديهم وحشيّا، بل شائعا بينهم، دائرا على ألسنتهم في نظمهم ونثرهم؛ وأعظم شاهد لاستحسان استعماله عندهم ووضوح منهجه لديهم أن القرآن الكريم الذي هو أفصح كلام وأبهج لفظ قد اشتمل على ألفاظ من ذلك، كقوله تعالى: وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ «3» وقوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ «4» وما أشبه ذلك، وهذه الألفاظ كانت مفهومة عند العرب، معلومة المعاني عند المخاطبين: لأن الله تعالى قد خاطبهم به وأمرهم فيه ونهاهم، والخطاب بما لا يفهم بعيد، وقد قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ «5» . وكذلك ورد في الأخبار النبوية

جملة مستكثرة من ذلك، وهي المعبر عنها بغريب الحديث، كقوله صلّى الله عليه وسلّم «من قعد مقعدا لم يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من الله تعالى ترة» أي نقص، وقيل تبعة، وقيل حسرة. وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ليسترجع أحدكم حتّى في شسع نعله فإنها من المصائب» والشّسع: أحد سيور النعل؛ وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ألظّوا بياذا الجلال والإكرام» أي الزموا هذه الدعوة وأكثروا منها، وقوله صلّى الله عليه وسلّم في الدعاء: «واغسل حوبتي واسلل سخيمة قلبي» «1» وأشباه ذلك. وحديث أمّ زرع صريح في شيوع ذلك فيهم، وعمومه في مخاطباتهم ومكالماتهم؛ وهو ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: «جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن ألّا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ على رأس جبل «2» ، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقى، وفي رواية فينتقل «3» . قالت الثانية: زوجي لا أبثّ خبره، إنّي أخاف ألّا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره «4» . قالت الثالثة» : زوجي العشنّق «6» ، إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق.

قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، لا حرّ ولا قرّ ولا خوف ولا سآمة «1» . قالت الخامسة «2» : زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد «3» . قالت السادسة «4» : زوجي إن أكل لفّ، وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ، ولا يولج الكفّ، ليعلم البثّ «5» . قالت السابعة «6» : زوجي غياياء طباقاء، كلّ داء له داء، شجّك أو فلّك أو جمع كلّالك «7» . قالت الثامنة «8» : زوجي الريح ريح زرنب، والمسّ مسّ أرنب «9» . قالت التاسعة «10» : زوجي رفيع العماد، طويل النّجاد، عظيم الرّماد، قريب

البيت من النّاد. قالت العاشرة «1» : زوجي مالك، وما مالك؟ مالك خير من ذلك، له إبل قليلات المسارح، كثيرات المبارك، وإذا سمعن صوت المزهر أيقنّ أنهنّ هوالك. قالت الحادية عشرة «2» : زوجي أبو زرع، وما أبو زرع «3» ؟ أناس «4» من حليّ أذنيّ، وملأ من شحم عضديّ، وبجّحني فبجحت إليّ نفسي، ووجدني في أهل غنيمة بشقّ «5» ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط «6» ودائس «7» ومنقّ «8» ؛ فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقنّح «9» ، (وفي رواية فأتقمّح) ؛ أمّ أبي زرع، فما أمّ أبي زرع؟ عكومها «10» رداح، وبيتها فساح؛ ابن أبي زرع، فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسلّ شطبة «11» ، وتشبعه ذراع

الجفرة «1» ؛ بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها، وطوع أمّها «2» ، وملء كسائها، وغيظ جارتها «3» ؛ جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تنثّ حديثنا تنثيثا (وفي رواية لا تبثّ حديثنا تبثيثا) ، ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «4» ، ولا تملأ بيتنا تعشيشا» . قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض «6» ، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمّانتين «7» ، فطلّقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريّا، ركب شريّا «8» ، وأخذ خطّيّا «9» ، وأراح عليّ نعما ثريّا، وأعطاني من كلّ رائحة زوجا، (وفي رواية فأعطاني من كل ذابحة زوجا) وقال: كلي أمّ زرع وميري أهلك، فلو جمعت كلّ شيء أعطاني ما بلغ أصغر آنية أبي زرع» . قالت عائشة: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع» وفي رواية «غير أنّي لا أطلّقك» .

فإذا كان هذا كلام نسائهم الدائر فيما بينهن من محادثاتهن مع بعضهن في خلواتهن، فما ظنك بفرسان الكلام في نظمهم ونثرهم! فأنّى يعاب عليهم ذلك، وينكر عليهم الإتيان بمثله! وقد اختصم رجل وامرأة إلى يحيى بن يعمر «1» ، وهو من أكابر التابعين وجلّتهم، فقال للرجل: أأن سألتك ثمن شكرها وشبرك، أنشأت تطلّها وتضهلها «2» ؟ أما غير العرب ممن تكلف ذلك وأتى به في كلامه المعتاد في مخاطباته أو نثره ونظمه فإنه يعاب عليه ذلك، وينحط به عن درجة الفصاحة، ويخرج به عن قانونها، إذ المقصود من الكلام إنما هو الإفهام لا غير، فيخاطب كلّ أحد بما يفهمه ولا يكلّف بما لا يعلمه، وخير الكلام ما جاد وأفاد. قال بشر بن المعتمر «3» : إيّاك والتّوعّر، فإنه يسلمك الى التعقيد والتقييد، وهو الذي يستهلك معانيك ويمنعك مراميك. قال أبو هلال العسكري: وربما غلب سوء الرأي وقلة العقل على بعض علماء العربية فيخاطبون السّوقيّ، والمملوك والأعجميّ، بألفاظ أهل نجد، ومعاني أهل السّراة وحكاياتهم في ذلك كثيرة. قال أبو نصر الجوهريّ: سقط عيسى بن عمر «4» عن حمار له فاجتمع عليه الناس فقال: ما لكم تكأكأتم عليّ تكأكؤكم على ذي جنّة! افرنقعوا عنّي. أي ما لكم اجتمعتم عليّ اجتماعكم على ذي جنّة تفرّقوا عني. وذكر الجاحظ هذه الحكاية عن أبي علقمة النحويّ بزيادة فقال: مرّ أبو علقمة ببعض طرق البصرة

فهاجت به مرّة فوثب عليه قوم يعضّون إبهامه ويؤذّنون في أذنه، فأفلت من أيديهم وقال: ما لكم تكأكأتم عليّ كما تكأكؤون على ذي جنّة! افرنقعوا عنّي. فقال بعضهم: دعوه فإن شيطانه يتكلم بالهنديّة. وقال أبو علقمة يوما لحاجمه: اشدد قصب اللهازم «1» ، وأرهف ظبات «2» المشارط، وأمرّ المسح «3» ، واستنجل «4» الرّشح، وخفّف الوطء، وعجل النّزع، ولا تكرهنّ أبيّا «5» ، ولا تردّن أتيّا «6» ؛ فقال له الحجّام: ليس لي علم بالحروف «7» . ونظر إليه رجل وتحته بغل مصريّ حسن المنظر، فقال: إن كان مخبر هذا البغل كمنظره فقد كمل، فقال أبو علقمة: والله لقد خرجت عليه من مصر فتنكّبت الطريق مخافة السّرّاق وجور السلطان، فبينا أنا أسير في ليلة ظلماء قتماء، طحياء مدلهمّة، حندس «8» داجية، في صحصح «9» أملس، إذ أحسّ بنبأة «10» من صوت نغر «11» ، أو طيران ضوع «12» ، أو نغض سبد «13» فحاص عن الطريق متنكّبا لعزّة نفسه، وفضل قوّته، فبعثته باللجام فعسل «14» ، وحرّكته بالركاب فنسل «15» ؛ وانتعل

الطريق يغتاله معتزما، والتحف الليل لا يهابه مظلما، فو الله ما شبّهته إلا بظبية نافرة تحفزها «1» فتخاء شاغية «2» ؛ فقال الرجل: فادع الله وسله أن يحشر معك هذا البغل يوم القيامة، قال: ولم؟ قال: ليجيزك الصّراط بطفرة «3» . وكانت امرأة تأكل الطّين فحصل لها بسببه إسهال مرضت منه، وكان لها ولد يتكلم بالغريب، فكتب رقاعا وطرحها في المسجد الجامع بمدينة السّلام فيها: صين امرؤ ورعي، دعا لامرأة إنقحلة مقسئنّة «4» قد منيت بأكل الطّرموق «5» فأصابها من أجله الاستمصال «6» أن يمنّ الله عليها بالاطرغشاش «7» . فكل من قرأ رقعته، دعا عليه ولعنه ولعن أمّه. وحكى محمد بن أبي المغازي «8» الضبي عن أبيه قال: كان لنا جار بالكوفة لا يتكلم إلا بالغريب، فخرج إلى ضيعة له على حجر معها مهر فأفلتت، فذهبت ومعها مهرها فخرج يسأل عنها، فمرّ بخيّاط فقال: يا ذا النّصاح «9» وذات السّمّ «10» ، الطاعن بها في غير وغّى لغير عدى، هل رأيت الخيفانة القبّاء «11» يتبعها الحاسن المسرهف «12» ؟ كأنّ غرّته القمر الأزهر، ينير في حضره كالخلّب الأجرد؟ فقال

الصنف الرابع الغريب المتوحش عند قوم دون قوم

الخيّاط: اطلبها في ترللج «1» ؛ فقال: ويحك ما تقول، قبّحك الله! فإني ما أعرف رطانتك؛ قال: لعن الله أبغضنا لفظا وأخطأنا منطقا. وضرب عمر بن هبيرة «2» عيسى بن عمر النحويّ ضربا كثيرا من أجل وديعة فكان يقول وهو يضرب: ما هي إلا أثيّاب في أسيفاط أخذها عشّاروك «3» . وسأله رجل عن مسألة. فقال: ليست مسألتك يتنا. أي ليست مستوية؛ وأصل اليتن: خروج رجل الولد قبل رأسه. وسأله آخر عن كتابته، فقال: كتبت حتّى انقطع سوائي أي ظهري، على أن أبا جعفر النحّاس قد عدّ عيسى بن عمر من المطبوعين في ذلك. قال الجاحظ: رأيتهم يديرون في كتبهم هذا الكلام، فإن كانوا إنما رووه ودوّنوه لأنه يدل على فصاحة وبلاغة، فقد باعده الله من صفة الفصاحة والبلاغة، وإن كانوا فعلوا ذلك لأنه غريب فأبيات من شعر العجّاج وشعر الطّرمّاح وأشعار هذيل «4» تأتي لهم مع الرصف الحسن على أكثر من ذلك. فلو خاطب أحد الأصمعيّ بمثل هذا الكلام، لظننت أنه يستجهل نفسه، وهذا خارج عن عادة البلغاء. الصنف الرابع الغريب المتوحش عند قوم دون قوم وذلك ككلام أهل البادية من العرب بالنسبة إلى أهل الحضر منهم، فإن أهل الحضر يألفون السّهل من الكلام، ويستعملون الألفاظ الرقيقة، ولا يستعملون

الغريب إلا في النادر؛ وأهل البادية يألفون اللفظ الجزل ويميلون إلى استعمال الغريب؛ وإذا نظرت إلى أهل مكة وكلام قريش الذين نزل القرآن بلغتهم وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أرومتهم، وكلام أهل حضرموت وما جاورها من اليمن ومخاليف الحجاز، علمت فرق ما بين الكلامين، وتباين ما بين الطّرفين، حتّى كأنّ البادي يرطن بالنسبة إلى الحاضر، ويتكلم بلغة غير العربية؛ وكانت لغة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التي يتكلم بها على الدوام، ويخاطب بها الخاص والعامّ، لغة قريش وحاضرة الحجاز، إلا أنه صلّى الله عليه وسلّم أوتي جوامع الكلم وجمع إلى سهولة الحاضرة جزالة البادية، فكان يخاطب أهل نجد وتهامة وقبائل اليمن بلغتهم، ويخاطبهم في الكلام الجزل على قدر طبقتهم. فمن ذلك كلامه صلّى الله عليه وسلّم لطهفة النّهديّ وكتابه إلى بني نهد، وذلك أنه لما قدم وفود العرب على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قدم عليه طهفة بن أبي زهير النّهديّ، فقال: أتيناك يا رسول الله من غور تهامة على أكوار الميس «1» ، ترتمي بنا العيس، نستحلب الصّبير «2» ، ونستجلب الخبير «3» ونستعضد البرير «4» ، ونستخيل الرّهام «5» ، ونستخيل الجهام «6» ؛ من أرض غائلة النّطاء «7» ، غليظة الوطاء؛ قد جفّ المدهن «8» ، ويبس الجعثن «9» ؛ وسقط الأملوج «10» ، ومات العسلوج «11» ؛ وهلك

الهديّ «1» ، وفاد الوديّ «2» ؛ برئنا إليك يا رسول الله من الوثن والعثن «3» ، وما يحدث الزمن، لنا دعوة السلام، وشريعة الإسلام، ما طما البحر، وقام تعار «4» ، ولنا نعم همل أغفال «5» ، ما تبضّ ببلال «6» ، ووقير كثير الرّسل «7» ، قليل الرّسل «8» ، أصابتها سنيّة حمراء مؤزلة «9» ، ليس لها «10» علل ولا نهل؛ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ بارك لهم في محضها ومخضها ومذقها «11» وفرقها، وابعث راعيها في الدّثر «12» بيانع الثّمر، وافجر لهم الثمد «13» ، وبارك لهم في المال والولد؛ من أقام الصلاة كان مسلما، ومن آتى الزكاة كان محسنا، ومن شهد أن لا إله إلا الله كان مخلصا. لكم يا بني نهد ودائع «14» الشّرك، ووضائع الملك «15» ؛ لا تلطط «16» في الزكاة، ولا تلحد في الحياة، ولا تتثاقل عن الصلاة» . وكتب معه كتابا إلى بني نهد فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم! السلام على

من آمن بالله ورسوله، لكم يا بني نهد في الوظيفة الفريضة «1» ، ولكم العارض والفريش وذو العنان الرّكوب، والفلوّ الضّبيس «2» ، لا يمنع سرحكم، ولا يعضد طلحكم، ولا يمنع درّكم، ما لم تضمروا الإمآق، وتأكلوا الرّباق «3» ؛ من أقرّ فله الوفاء بالعهد والذّمّة، ومن أبى فعليه الرّبوة «4» » . ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى قبيلة همدان، وذلك أنه لما قدم عليه صلّى الله عليه وسلّم وفود العرب قدم وفد همدان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، منهم مالك بن نمط أبو ثور، وهو ذو المشعار، ومالك بن أيفع، وضمام بن مالك السلماني، وعميرة بن مالك الخارقيّ، فلقوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرجعهم من تبوك، وعليهم مقطّعات الحبرات «5» والعمائم العدنيّة، برحال الميس «6» على المهريّة والأرحبيّة «7» ، ومالك بن نمط ورجل آخر يرتجزان بالقوم، يقول أحدهما: همدان خير سوقة وأقيال ... ليس لها في العالمين أمثال محلّها الهضب ومنها الأبطال ... لها إطابات «8» بها وآكال ويقول الآخر:

إليك جاوزن سواد الرّيف ... في هبوات الصّيف والخريف مخطّمات «1» بحبال اللّيف فقام مالك بن نمط بين يديه، ثم قال: يا رسول الله، نصيّة «2» من همدان من كل حاضر وباد، أتوك على قلص نواج «3» متّصلة بحبال الإسلام، لا تأخذهم في الله لومة لائم، من مخلاف خارف، ويام، وشاكر «4» ؛ أهل السّواد والقرى، أجابوا دعوة الرسول، وفارقوا آلهة الأنصاب «5» ، عهدهم لا ينقض ما أقام لعلع «6» ، وما جرى اليعفور بصلّع «7» . فكتب لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتابا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم! هذا كتاب من محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمخلاف خارف وأهل جناب الهضب وحقاف الرّمل، مع وافدها ذي المشعار مالك بن نمط، ولمن أسلم من قومه، على أن لهم فراعها ووهاطها «8» ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، يأكلون علافها ويرعون عافيها «9» ؛ لهم بذلك عهد الله وذمام رسوله، وشاهدهم المهاجرون والأنصار» . فقال في ذلك مالك بن نمط: ذكرت رسول الله في فحمة الدّجى ... ونحن بأعلى رحرحان وصلدد «10»

وهنّ بنا خوص طلائح «1» تعتلي ... بركبانها في لاحب «2» متمدّد على كلّ فتلاء الذّراعين جسرة ... تمرّ بنا مرّ الهجفّ الخفيدد «3» حلفت بربّ الرّاقصات «4» إلى منى ... صوادر بالرّكبان من هضب قردد «5» بأن رسول الله فينا مصدّق ... رسول أتى من عند ذي العرش مهتد فما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبرّ وأوفى ذمّة من محمّد وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه ... وأمضى بحدّ المشرفيّ المهنّد وفي رواية أن في كتابه إليهم: «إن لكم فراعها ووهاطها وعزازها «6» ، تأكلون علافها وترعون عفاءها «7» ؛ لنا من دفئهم وصرامهم «8» ما سلّموا بالميثاق والأمانة، ولهم من الصّدقة الثّلب والنّاب، والفصيل والفارض، والدّاجن «9» والكبش الحوريّ «10» ، وعليهم فيها الصّالغ والقارح «11» » .

ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم لأكيدر دومة «1» . قال أبو عبيدة: أنا قرأته فإذا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم! من محمد رسول الله، لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام، وخلع الأنداد «2» والأصنام، مع خالد بن الوليد، سيف الله في دومة الجندل وأكنافها، إن لنا الضّاحية من الضّحل والبور والمعامي وأغفال الأرض، والحلقة والسّلاح والحافر والحصن، ولكم الضّامنة من النخل، والمعين من المعمور «3» ، لا تعدل سارحتكم «4» ، ولا تعدّ فاردتكم «5» ، ولا يحظر عليكم النبات، تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤتون الزكاة بحقّها، عليكم بذلك عهد الله والميثاق، ولكم بذلك الصدق والوفاء، شهد الله ومن حضر من المسلمين» . ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى وائل بن حجر وأهل حضر موت، وهو «بسم الله الرحمن الرحيم! من محمد رسول الله إلى الأقيال العباهلة «6» من أهل حضر موت بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، على التّيعة «7» الشّاة، والتّيمة «8» لصاحبها وفي

السّيوب «1» الخمس، لا خلاط ولا وراط «2» ، ولا شناق ولا شغار «3» ؛ ومن أجبى فقد أربى «4» ، وكل مسكر حرام. وفي رواية أنه كتب إليهم «إلى الأقيال العباهلة والأرواع المشابيب «5» ، وفي التّيعة شاة لا مقورّة الألياط ولا ضناك «6» ، وأنطوا الثّبجة «7» وفي السّيوب الخمس؛ ومن زنى من امبكر «8» فاصقعوه مائة، واستوفضوه «9» عاما؛ ومن زنى من امثيّب

الصفة الثانية اللفظ الفصيح ألا يكون مبتذلا عاميا، ولا ساقطا سوقيا واللفظ المبتذل على قسمين

فضرّجوه بالأضاميم «1» ، ولا توصيم «2» في الدين، ولا غمّة «3» في فرائض الله تعالى؛ وكل مسكر حرام، ووائل بن حجر يترفّل «4» على الأقيال» . قال الوزير ضياء الدين بن الأثير رحمه الله «في المثل السائر» : وفصاحة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا تقتضي استعمال هذه الألفاظ، ولا تكاد توجد في كلامه إلا جوابا لمن يخاطبه بمثلها كحديث طهفة وما جرى مجراه؛ على أنه قد كان في زمنه أوّلا متداولا بين العرب ولكنه صلّى الله عليه وسلّم لم يستعمله إلا يسيرا لأنه أعلم بالفصيح والأفصح. الصفة الثانية اللفظ الفصيح ألّا يكون مبتذلا عامّيّا، ولا ساقطا سوقيّا واللفظ المبتذل على قسمين القسم الأوّل ما لم تغيره العامّة عن موضعه اللغويّ إلا أنها اختصت باستعماله دون الخاصة فابتذل لأجل ذلك وسخف لفظه ، وانحطّت رتبته لاختصاص العامّة بتداوله، وصار من استعمله من الخاصة ملوما على الإتيان به لمشاركة العامة فيه؛ وقد وقع ذلك لجماعة من فحول الشعراء فعيب عليهم.

فمن ذلك قول الفرزدق من قصيدة: وأصبح مبيضّ الضّريب كأنه ... على سروات النّبت قطن مندّف فقوله مندّف من الألفاظ العامية المبتذلة، وإن كان له أصل في اللغة، يقال ندف القطن إذا ضربه بالمندف، ولذلك قيل للقطن المندوف: نديف. ومن ذلك قول أبي نواس: وملحّة بالعذل تحسب أنني ... بالجهل أترك صحبة الشّطّار فالشطار جمع شاطر، وهو في أصل اللغة اسم لمن أعيا أهله خبثا؛ يقال منه: شطر وشطر بالفتح والضم شطارة بالفتح فيهما، ثم استعمل في الشجاع الذي أعيا الناس شجاعة، وغلب دورانه على لسان العامة فامتهن وابتذل؛ فاستعمال أبي نواس له غير لائق، وكذلك قوله أيضا: يا من جفاني وملّا ... نسيت أهلا وسهلا وما تمرحبت لما ... رأيت ما لي قلّا إني أظنّك فيما ... فعلت تحكي القرلّى فلفظ القرلّى من أشدّ ألفاظ العامة ابتذالا، وهو اسم لطائر صغير من طيور الماء يخطف صغار السمك من الماء برجليه ومنقاره، فإذا سقط على الماء ولم يحصل على صيد ارتفع بسرعة، فتضرب به العامة المثل تقول: فلان كأنه قرلّى، إن وجد خيرا تدلّى، وإن وجد شرّا تعلّى. وقوله أيضا: وأنمر الجلدة صيّرته ... في الناس زاغا وشقرّاقا ما زلت أجري كلكلي فوقه ... حتّى دعا من تحته قاقا فقوله: قاقا حكاية لصوت يضرب به المثل لصياح المغلوب، يقال: فعلت بفلان كذا وكذا حتّى قال: قاق؛ وأقبح من ذلك كله في الابتذال بين العامة والسّخافة قول المتنبي:

ومن الناس من يجوز عليهم ... شعراء كأنها الخاز باز قال في «المثل السائر» : وهذا البيت من مضحكات الأشعار وهو من جملة البرسام الذي ذكره في قوله: إن بعضا من القريض هذاء ... ليس شيئا وبعضه أحكام فيه ما يجلب البراعة والفهم وفيه ما يجلب البرسام وعدّ منه في «المثل السائر» قول البحتريّ: وجوه حسّادك مسودّة ... أم صبغت بعدي بالزّاج؟ قال: فلفظة الزاج من أشدّ ألفاظ العامة ابتذالا، وكذلك عدّ منه قول النابغة الذّبيانيّ: أو دمية في مرمر مرفوعة ... بنيت بآجرّ يشاد بقرمد قال فلفظة آجرّ مبتذلة جدّا. وإذا شئت أن تعلم شيئا من سرّ الفصاحة التي تضمنها القرآن الكريم، فانظر إلى هذا الموضع فإنه لما جيء فيه بذكر الآجرّ لم يذكر بلفظه، ولا بلفظ القرمد أيضا، ولا بلفظ الطّوب الذي هو لغة أهل مصر، فإن هذه الأسماء مبتذلة، لكن ذكر في القرآن على وجه آخر، وهو قوله تعالى: وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً «1» فعبر عن الآجرّ بالوقود على الطين؛ نعم من الألفاظ المبتذلة السخيفة لفظة الكنس، وما اشتق منه، ولذلك عابها القاضي الفاضل رحمه الله تعالى على ابن سناء الملك «2» في بعض أشعاره حيث قال من أبيات: يزخرف منها وجهها فهو جنّة ... ويخضرّ منها نضرة فهو سندس

صليني وهذا الحسن باق فربّما ... يعزّل بيت الحسن منه ويكنس فلما وقف القاضي الفاضل رحمه الله على هذا القصيدة كتب إلى ابن سناء الملك من جملة فصل: وما قلت هذه الغاية، إلا وتعلمني أنها البداية، ولا قلت هذا البيت آية القصيدة إلا تلا ما بعده: وما نريهم من آية. أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون. ولا عيب في هذه المحاسن إلا قصور الأفهام، وتقصير الأنام، وإلا فقد لهج الناس بما تحتها، ودوّنوا ما دونها، وشغلوا التصانيف والخواطر والأقلام بما لا يقاربها، وسارت الأشعار وطالت بما لا يبلغ مدّها ولا نصيفه؛ والقصيدة فائقة في حسنها، بديعة في فنّها؛ وقد ذلّت السين فيها وانقادت، فلو أنها الراء لما رادت؛ وبيت يعزّل ويكنس أردت أن أكنسه من القصيدة، فإن لفظة الكنس غير لائقة في مكانها. فأجابه ابن سناء الملك قائلا: وعلم المملوك ما نبه عليه مولانا من البيت الذي أراد أن يكنسه من القصيدة، وقد كان المملوك مشغوفا بهذا البيت، مستحليا له متعجبا منه، معتقدا أنه قد ملّح فيه، وأنّ قافية بيته أميرة ذلك الشعر وسيدة قوافيه، وما أوقعه في الكنس إلا ابن المعتز في قوله: وقوامي مثل القناة من الخط ... وخدّي من لحيتي مكنوس والمولى يعلم أن المملوك لم يزل يجري خلف هذا الرجل ويتعثّر، ويطلب مطالبه فتتعسر عليه وتتعذر؛ ولا آنس ناره إلا لمّا وجد عليها هدى، ولا مال المملوك إلا إلى طريق من ميّله إليه طبعه؛ ولا سار قلبه إلا إلى من دلّه عليه سمعه؛ ورأى المملوك أبا عبادة «1» قد قال: ويا عاذلي في عبرة قد سفحتها ... لبين وأخرى قبلها للتجنّب تحاول منّي شيمة غير شيمتي ... وتطلب منّي مذهبا غير مذهبي

وقال: وما زارني إلّا ولهت صبابة ... إليه وإلّا قلت أهلا ومرحبا فعلم المملوك أنّ هذه طريقة لا تسلك، وعقيلة لا تملك، وغاية لا تدرك؛ ووجد أبا تمّام قد قال: سلّم على الرّبع من سلمى بذي سلم وقال: خشنت عليه أخت بني خشين فاشمأزّ من هذا النّمط طبعه، واقشعرّ منه فهمه، ونبا عنه ذوقه، وكاد سمعه يتجرّعه ولا يكاد يسيغه؛ ووجد هذا السيد عبد الله بن المعتز قد قال: وقفت في الرّوض أبكي فقد مشبهه ... حتّى بكت بدموعي أعين الزّهر لو لم أعرها دموع العين تسفحها ... لرحمتي لاستعارتها من المطر وقال: قدّك غصن لا شكّ فيه كما ... وجهك شمس نهاره جسدك فوجد المملوك طبعه إلى هذا النّمط مائلا، وخاطره في بعض الأحيان عليه سائلا؛ فنسج على هذا الأسلوب، وغلب عليه خاطره مع علمه أنه المغلوب؛ «وحبّك الشيء يعمي ويصمّ» فقد أعماه حبّه وأصمه إلى أن نظم تلك اللفظة في تلك الأبيات تقليدا لابن المعتز حيث قالها، وحمل أثقالها؛ وهي تغفر لذاك في جنب إحسانه، فأما المملوك فهي عورة ظهرت من لسانه. فأجابه القاضي الفاضل رحمه الله بقوله: ولا حجة فيما احتج به عن الكنس في بيت ابن المعتز، فإنه غير معصوم من الغلط، ولا يقلّد إلا في الصواب فقط، وقد علم ما ذكره ابن رشيق في عمدته من تهافت طبعه، وتباين وضعه، فذكر من محاسنه ما لا يعلّق معه كتاب، ومن بارده وغثّه ما لا تلبس عليه الثياب. وقد تعصّب القاضي السعيد على أبي تمّام فنقصه من حظه، وللبحتريّ

فأعطاه أكثر من حقه، وما أنصفهما: ولو كان هذا موضع العتب لا شتفى ... فؤادي ولكن للعتاب مواضع قال المولى صلاح الدين الصّفدي رحمه الله تعالى في شرح لامية العجم: وقد استعمل ابن سناء الملك رحمه الله تعالى هذه اللفظة في غير هذا الموضع ولم يتّعظ بنهي الفاضل ولا ارعوى ولا ازدجر عما قبحه لأنه غلب عليه الهوى، فقال: توسوس شعري به مدّة ... وما برح الحلي والوسوسه وخلّصني من يدي عشقه ... ظلام على خدّه حندسه «1» كنست فؤادي من عشقه ... ولحيته كانت المكنسه قال: وأما القاضي الفاضل، فما أظنه خلا في هذا الإيراد، من ضعف انتقاد؛ وأحاشي ذاك الذهن الوقّاد، من هذا الاعتقاد في ورطة هذا الاعتقاد؛ وما أراه إلا أنه تعمّد أن يعكس مراده، ويوهي ما شدّه ويوهن ما شاده؛ ويرميه ببلاء البلادة؛ إما على سبيل النّكال أو النّكادة، لأن الفاضل رحمه الله ممن يتوخّى هذه الألفاظ ويقصدها، وينشيها وينشدها، ويوري زنادها ويوردها. فمن كلام القاضي الفاضل في بعض رسائله: وما استطاعت أيديهم أن تقبض جمره، ولا ألبابهم أن تسيغ خمره، ولا سيوفهم أن تكنس قميمه «2» . قال في «المثل السائر» : ومثل هذه الألفاظ إذا وردت في الكلام، وضعت من قدره ولو كان معناه شريفا. قال: وهذا القسم من الألفاظ المبتذلة لا يكاد يخلو منه شعر شاعر، لكن منهم المقلّ ومنهم المكثر.

القسم الثاني ما كان من الألفاظ دالا على معنى وضع له في أصل اللغة فغيرته العامة وجعلته دالا على معنى آخر. وهو على ضربين

القسم الثاني ما كان من الألفاظ دالّا على معنى وضع له في أصل اللغة فغيرته العامة وجعلته دالّا على معنى آخر. وهو على ضربين الضرب الأوّل- ما ليس بمستقبح في الذكر ولا مستكره في السمع . وذلك كتسميتهم الإنسان إذا كان دمث الأخلاق، حسن الصورة أو اللباس أو ما هذا سبيله ظريفا، والظّرف في أصل اللغة: مختص بنطق اللسان فقط، كما أن الصّباحة مختصة بالوجه، والوضاءة مختصة بالبشرة، والجمال مختص بالأنف، والحلاوة مختصة بالعينين، والملاحة: مختصة بالفم، والرّشاقة: مختصة بالقدّ، واللّباقة: مختصة بالشمائل؛ فالظّرف إنما يتعلق بالنطق فغيرته العامة عن بابه ونقلته إلى أعمّ من موضوعه كما تقدّم؛ وممن وقع له الذّهول عن ذلك فغلط فيه أبو نواس في قوله: اختصم الجود والجمال ... فيك فصارا إلى جدال فقال هذا يمينه لي ... للعرف والبذل والنوال وقال هذاك وجهه لي ... للظّرف والحسن والكمال فافترقا فيك عن تراض ... كلاهما صادق المقال فوصف الوجه بالظّرف، وهو من صفات النطق كما تقدّم؛ وكذلك أبو تمّام في قوله: لك هضبة الحلم التي لو وازنت ... أجأ «1» إذا ثقلت وكان خفيفا وحلاوة الشّيم التي لو مازجت ... خلق الزمان الفدم «2» عاد ظريفا فوصف الشّيم بالحلاوة وهي مختصة بالعينين، ووصف الخلق بالظّرف وهو

الضرب الثاني - ما يستقبح ذكره

مختص بالنطق كما تقدّم بيانه. الضرب الثاني- ما يستقبح ذكره كما في لفظ الصّرم بالصاد المضمومة والسّرم بالسين؛ فإن الصّرم بالصاد في أصل اللغة عبارة عن القطع، يقال: صرمه يصرمه صرما وصرما بالفتح والضم إذا قطعه، وبالسين عبارة عن المحل المخصوص، وقد كانت العرب تستعمله بالصاد المضمومة في أشعارها بهذا المعنى فلا يعاب عليها؛ قال أبو صخر الهذليّ «1» : قد كان صرم في الممات لنا ... فعجلت قبل الموت بالصّرم فاستعمله بمعنى القطع ولم يعب عليه لأن الألفاظ في زمن العرب لم تتغير بل كانت باقية على أوضاعها الأصلية، فقلبت العامة السين من المحل المخصوص صادا واستعملت لفظ الصّرم الذي هو القطع في المحل المخصوص، فصار لفظه مستقبحا وسماعه مستكرها، وعيب على أبي الطّيّب استعماله في قوله: أذاق الغواني حسنه ما أذقنني ... وعفّ فجازاهنّ عنّي بالصّرم على أنه إنما يكره استعماله بصيغة الاسم لما تقدّم، أما إذا استعمل بصيغة الفعل مثل صرم ويصرم وما شاكل ذلك، فإنه لا حجر في استعماله، وقد استعمله ابن الروميّ بالسين على بابه فجاء أقبح وأشنع، فقال يهجو الورد: كأنه سرم بغل حين يخرجه ... عند البراز وباقي الرّوث في وسطه قال الصلاح الصّفديّ: وأين هذا التشبيه القبيح من قول الآخر في الورد أيضا: كأنه وجنة الحبيب وقد ... نقّطها عاشق بدينار

الصفة الثالثة من صفات اللفظ المفرد الفصيح ألا يكون متنافر الحروف

قال: فانظر إلى هذا: وجنة، وحبيب، ودينار، وإلى ذلك: سرم، وبغل، وروث. وشتّان ما بينهما. الصفة الثالثة من صفات اللفظ المفرد الفصيح ألّا يكون متنافر الحروف ، فإن كانت حروفه متنافرة بحيث يثقل على اللسان ويعسر النطق به فليس بفصيح وذلك نحو لفظ الهعخع في قول بعض العرب عن ناقة: تركتها ترعى الهعخع بالخاء المعجمة والعين المهملة، وهو نبت أسود، وكذلك لفظ مستشزرات من قول امريء القس في قصيدته اللامية التي من جملة القصائد السبع الطّوال: غدائره مستشزرات إلى العلا ... تضلّ المداري في مثنّى ومرسل فلفظ مستشزرات من المتنافر الذي يثقل على اللسان، ويعسر النطق به. قال الوزير ضياء الدين بن الأثير رحمه الله في «المثل السائر» : ولقد رآني بعض الناس وأنا أعيب على امريء القيس هذا اللفظ فأكبر ذلك لوقوفه مع شبهة التقليد في أن امرأ القيس أشعر الشعراء، فعجبت من ارتباطه بمثل هذه الشبهة الضعيفة، وقلت له: لا يمنع إحسان امريء القيس من استقباح ماله من القبيح، بل مثال ذلك كمثال غزال المسك فإنه يخرج منه المسك والبعر، ولا يمنع طيب ما يخرج من مسكه من خبث ما يخرج من بعره، ولا تكون لذاذة ذلك الطّيب حامية للخبيث من الاستكراه، فأسكت الرجل عند ذلك. إذا علمت ذلك، فإن معظم اللغة العربية دائرة على ذلك، لأن الواضع قسّمها في وضعه إلى ثلاثة أقسام: ثلاثيّا، ورباعيّا، وخماسيّا، فالثلاثيّ من الألفاظ هو الأكثر، ولا يوجد فيه ما يكره استعماله إلا النادر؛ والخماسيّ هو الأقلّ، ولا يوجد فيه ما يستعمل إلا الشاذ النادر، والرباعيّ وسط بين الثّلاثيّ والخماسيّ في الكثرة عددا واستعمالا، فيكون أكثر اللغة مستعملا غير مكروه. قال: ولا تقتضي حكمة هذه اللغة التي هي سيّدة اللغات إلا ذلك؛ ولذلك أسقط الواضع منها

حروفا كثيرة في تأليف بعضها مع بعض استثقالا واستكراها، فلم يؤلّف بين حروف الحلق كالحاء والعين، وكذلك لم يؤلف بين الجيم والقاف، ولا بين اللام والراء، ولا بين الزاي والسين، وذلك دليل على عنايته بتأليف المتباعد المخارج دون المتقارب؛ وكيف كان الواضع يخلّ بمثل هذا الأصل الكلّي في تحسين اللغة وقد اعتنى بأمور جزئية دون ذلك! كمماثلته بين حركات الفعل في الوجود وبين حركات المصدر في النطق كالغليان، والضّربان، والنّقزان، والنّزوان، وغير ذلك مما يجري هذا المجرى، فإن جميع حروفه متحركات ليس فيها حرف ساكن، وهي مماثلة لحركات الفعل في والوجود. ومن نظر في حكمة وضع هذه اللغة إلى هذه الدقائق التي هي كالأطراف والحواشي فكيف كان يخلّ بالأصل المعوّل عليه في تأليف الحروف بعضها إلى بعض!. على أنه لو أراد الناظم أو الناثر أن يعتبر مخارج الحروف عند استعمال الألفاظ، أهي متباعدة أو متقاربة، لطال الخطب في ذلك وعسر، ولما كان الشاعر ينظم قصيدا، ولا الكاتب ينشيء كتابا إلا في مدّة طويلة، والأمر بخلاف ذلك، فإن حاسّة السمع هي الحاكمة في هذا المقام في تحسين لفظ وتقبيح آخر؛ على أنه قد يجيء من المتقارب المخارج ما هو حسن رائق، ألا ترى أن الحروف الشّجريّة، وهي الجيم والشين والياء، متقاربة المخارج لأنها تخرج من وسط اللسان بينه وبين الحنك، وإذا ترتب منها لفظ جاء حسنا رائقا، فإن لفظة جيش قد اجتمع فيها الحروف الشّجريّة الثلاثة، وهي مع تقارب مخارجها حسنة رائقة؛ وكذلك الحروف الشّفهية وهي الباء والميم والفاء متقاربة المخارج، فإن مخرج جميعها من الشّفة؛ وإذا ترتب منها لفظ جاء سلسا غير متنافر، كقولك أكلت بفمي، وهو في غاية الحسن، والحروف الثلاثة الشفهية مع تقارب مخارجها مجتمعة فيها؛ وقد يجيء من المتباعد المخارج ما هو قبيح متنافر، كقولك: ملع بمعنى عدا، فإن الميم من الشفة، والعين من حروف الحلق، واللام من وسط اللسان؛ فهذه الحروف كلها متباعدة من بعضها ومع ذلك فإنها كريهة الاستعمال، ينبو عنها الذوق السليم، ولو كان التباعد سببا للحسن لما كان سببا للقبح؛ على أنه لو عكست

حروف هذه اللفظة صارت علم وعاد القبح منها حسنا؛ مع أنه لم يتغير شيء من مخارجها، على أن اللام لم تزل فيها وسطا والميم والعين يكتنفانها من جانبيها؛ ولو كانت مخارج الحروف معتبرة في الحسن والقبح لما تغيرت هذه اللفظة بتقديم بعض الحروف وتأخير بعض، وليس ذلك لأن إدخال الحروف من الشّفة إلى الحلق في ملع أعسر من إخراجها من الحلق إلى الشّفة في علم، فإنّ لفظة بلع فيها الباء وهي من حروف الشفة، واللام وهي من وسط اللسان، والعين وهي من حروف الحلق وهي غير مكروهة. قال في «المثل السائر» : ولربما اعترض بعض الجهال بأن الاستثقال في لفظ مستشزرات إنما هو لطولها وليس كذلك، فإنا لو حذفنا منها الألف والتاء وقلنا مستشزر لكان ثقيلا أيضا، لأن الشين قبلها تاء وبعدها زاي؛ فثقل النطق بها؛ نعم لو أبدلنا من الزاي راء ومن الراء فاء فقلنا مستشرف لزال ذلك؛ ومن ثمّ ظهر لك أن اعتبار ابن سنان «1» تركيب الكلمة من أقل «2» الأوزان تركيبا غير معتبر، وقد ورد في القرآن العظيم ألفاظ طوال لا شكّ في حسنها وفصاحتها كقوله تعالى: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ «3» وقوله تعالى: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ «4» فإن لفظ فسيكفيكهم مركب من تسعة أحرف، ولفظ ليستخلفنهم مركب من عشرة أحرف، ولفظ مستشزرات مركب من ثمانية أحرف. قال: والأصل في هذا الباب أن الأصول لا تحسن إلا من الثلاثيّ وفي بعض الرّباعيّ، كقولك عذب وعسجد، فالأولى ثلاثيّة، والثانية رباعيّة؛ أما الخماسيّ من الأصول فإنه

الصفة الرابعة من صفات اللفظ المفرد الفصيح ألا يكون على خلاف القانون المستنبط من تتبع مفردات ألفاظ اللغة العربية وما هو في حكمها

قبيح، كقولك: صهصلق «1» وجحمرش «2» ، وما جرى مجراهما؛ ولهذا لا يوجد في القرآن الكريم من الخماسيّ الأصول شيء إلا ما كان من اسم نبيّ عرّب اسمه، ولم يكن في الأصل عربيا كإبراهيم وإسماعيل ونحوهما. الصفة الرابعة من صفات اللفظ المفرد الفصيح ألّا يكون على خلاف القانون المستنبط من تتبع مفردات ألفاظ اللغة العربية وما هو في حكمها كوجوب الإعلال في نحو قام والإدغام في نحو مدّ، وغير ذلك مما يشتمل عليه علم التصريف، فإنه لو فكّ الإدغام في مدّ فقال مدد لم يكن فصيحا، وعلى حدّ ذلك جاء قول بعض العرب: الحمد لله العليّ الأجلل فإنّ قياس بابه الإدغام فيقال الأجلّ. قال الشيخ سعد الدين التفتازاني في شرح التلخيص: وأما نحو أبى يأبى وعور واستحوذ وقطط شعره وما أشبه ذلك من الشواذ الثابتة فليست من المخالفة في شيء لأنها كذلك ثبتت عن الواضع، فهي في حكم المستثناة. فهذه الصفات الأربع هي عمود الفصاحة في اللفظ المفرد، وقطب دائرة حسنه، فمتى اتصف بها وسلم من أضدادها كان بالفصاحة متّسما، وبالحسن والرونق مشتملا، وللطبع ملائما، وللسمع موافقا؛ ومتى عري عن ذلك خرج عن طرائق الفصاحة، وحاد عن سبيل الحسن، ومال إلى الهجنة، فمجّه السمع، وقلاه الطبع، ورفضته النفوس، ونفرت منه القلوب، فلزم العيب قائله، وتوجه العتب على مستعمله.

قال ابن الأثير رحمه الله: وقد رأيت جماعة من الجهّال إذا قيل لأحدهم: إن هذه اللفظة حسنة وهذه قبيحة أنكر ذلك وقال: بل كل الألفاظ حسن، والواضع لم يضع إلا حسنا. قال: ومن يبلغ جهله إلى غاية لا يفرق بين لفظة الغصن ولفظة العسلوج «1» ، وبين لفظ المدامة ولفظ الإسفنط «2» ، وبين لفظ السّيف ولفظة الخنشليل «3» ، وبين لفظة الأسد ولفظة الفدوكس «4» ؛ فلا ينبغي أن يخاطب بخطاب، ولا يجاب بجواب، بل يترك وشأنه كما قيل: «أتركوا الجاهل بجهله، ولو ألقى الجعر «5» في رحله «6» » . وما مثاله في ذلك إلا كمن يسوي بين صورة زنجية سوداء مظلمة السواد، شوهاء الخلق، ذات عين محمرّة، وشفة غليظة، وشعر قطط «7» ، وبين صورة روميّة بيضاء، مشربة بحمرة، ذات خدّ أسيل، وطرف كحيل، ومبسم كأنما نظم من أقاح، وطرّة كأنها ليل على صباح. فإذا كان بإنسان من سقم النظر أن يسوّي بين هذه الصورة وهذه، فلا يبعد أن يكون به من سقم الفكر أن يسوّي بين هذه الألفاظ وهذه، ولا فرق بين السمع والنظر في ذلك؛ فإن هذه حاسّة وهذه حاسّة، وقياس حاسة على حاسة غير ممتنع؛ ولا عبرة بمن يستحسن الألفاظ القبيحة، ويميل إلى الصورة الشنيعة؛ فإن الحكم على الكثير الغالب، دون الشاذ النادر الخارج عن الاعتدال؛ فإنا لو رأينا من يحبّ أكل الفحم والجصّ والتراب، ويختار ذلك على ملاذّ الأطعمة فإنا لا نستجيد هذه الشهوة بل نحكم عليه بالمرض وفساد المعدة، وأنه يحتاج إلى العلاج والمداواة؛ ومن له أدنى بصيرة يعلم أن للألفاظ في الأذن

الأصل الثالث من صناعة إنشاء الكلام، تركيب الكلام، وترتيب الألفاظ والنظر فيه من وجوه

نغمة لذيذة كنغمة الأوتار، وصوتا منكرا كصوت الحمار، وأن لها في الفم حلاوة كحلاوة العسل، ومرارة كمرارة الحنظل. ولا حجة لاستعمال العرب لهذه الألفاظ، فإن استحسان الألفاظ واستقباحها لا يؤخذ بالتقليد من العرب، لأنه ليس للتقليد فيه مجال؛ وإنما له خصائص وهيئات وعلامات إذا وجدت علم حسنه من قبحه والله أعلم. الأصل الثالث من صناعة إنشاء الكلام، تركيب الكلام، وترتيب الألفاظ والنظر فيه من وجوه الوجه الأوّل في بيان فضل المعرفة بذلك، ومسيس حاجة الكاتب إلى معرفته، والإشارة إلى خفي سره وتوعّر مسلكه قال أبو هلال العسكريّ: وأجناس الكلام المنظوم ثلاثة: الرسائل، والخطب، والشعر؛ جميعها يحتاج إلى حسن التأليف، وجودة التركيب؛ وحسن التأليف يزيد المعنى وضوحا وشرحا، ومع سوء التأليف ورداءة الرّصف والتركيب شعبة من التعمية؛ فإذا كان المعنى سيّئا، ورصف الكلام رديئا «1» ، لم يوجد له قبول، ولم تظهر عليه طلاوة. فإذا كان المعنى وسطا ورصف الكلام جيدا، كان أحسن موقعا وأطيب مستمعا، فهو بمنزلة العقد إذا جعل كل خرزة منه إلى ما يليق بها كان رائقا في المرأى، وإن لم يكن مرتفعا نبيلا «2» ؛ وإن اختلّ نظمه فضمّت الحبة منه إلى ما لا يليق بها اقتحمته العين وإن كان فائقا ثمينا؛ وحسن الرّصف أن توضع الألفاظ في مواضعها، وتمكّن من أماكنها، ولا يستعمل فيها التقديم والتأخير والحذف والزيادة إلا حذفا لا يفسد الكلام، ولا يعمّي المعنى، وتضم كل لفظة

منها إلى شكلها وتضاف إلى وفقها «1» ؛ وسوء الرّصف تقديم ما ينبغي تأخيره منها، وصرفها عن وجوهها، وتغيير صيغتها، ومخالفة الاستعمال في نظمها. وقد قال العتابيّ «2» : الألفاظ أجساد والمعاني أرواح، وإنما تراها بعيون القلوب، فإذا قدّمت منها مؤخرا وأخرت منها مقدّما أفسدت الصورة وغيرت المعنى، كما أنه لو حوّل رأس إلى موضع يد أو يد إلى موضع رأس أو رجل لتحوّلت الخلقة، وتغيّرت الحلية. قال في «الصناعتين» : وقد أحسن في هذا التمثيل. قال الوزير ضياء الدين بن الأثير رحمه الله في «المثل السائر» : وهذا الموضع يضلّ في سلوك طريقه العلماء بصناعة صوغ الكلام من النظم والنثر، فكيف الجهال الذين لم تنفحهم منه رائحة! ومن الذي يؤتيه الله فطرة ناصعة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار «3» ، حتّى ينظر إلى أسرار ما يستعمله من الألفاظ فيضعها في مواضعها؟ وذلك أن تفاوت التفاضل لم يقع في تركيب الألفاظ أكثر مما يقع في مفرداتها، إذ التركيب أعسر وأشقّ، ألا ترى أن ألفاظ القرآن الكريم من حيث انفرادها قد استعملتها العرب ومن بعدهم، وهي مع ذلك تفوق جميع كلامهم وتعلو عليه، وليس ذلك إلا لفضيلة التركيب. وانظر إلى قوله تعالى: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ «4» وما اشتملت عليه هذه الآية من الحسن والطلاوة والرونق والمائية الّتي لا يقدر البشر على الإتيان بمثلها، ولا يستطيع أفصح الناس وأبلغ العالم مضاهاتها؛ على أن ألفاظها المفردة كثيرة

الاستعمال دائرة على الألسنة، فقوّة التركيب وحسن السبك هو الذي ظهر فيه الإعجاز وأفحمت فيه البلاغة من حيث لاقت اللفظة الأولى بالثانية والثالثة بالرابعة، وكذلك سائر الألفاظ إلى آخر الآية. ويشهد لذلك أنك لو أخذت لفظة منها من مكانها وأفردتها عن أخواتها لم تكن لابسة من الحسن والرونق ما لبسته في موضعها من الآية، ولكلّ كلمة مع صاحبتها مقام. قال ابن الأثير: ومن عجيب ذلك أنك ترى لفظتين تدلّان على معنى واحد، كلتاهما في الاستعمال على وزن واحد وعدّة واحدة، إلا أنه لا يحسن استعمال هذه في كل موضع تستعمل فيه هذه، بل يفرق بينهما في مواضع السّبك؛ وهذا مما لا يدركه إلا من دقّ فهمه، وجلّ نظره. وإذا نظرت إلى قوله تعالى: ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ «1» وقوله تعالى: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً «2» رأيت ذلك عيانا، فإن الجوف والبطن بمعنى واحد، وقد استعمل الجوف في الآية الأولى والبطن في الآية الثانية ولم يستعمل أحدهما مكان الآخر؛ وكذلك قوله تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى «3» وقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ «4» فالقلب والفؤاد سواء في الدلالة وإن كانا مختلفين في الوزن، ولم يستعمل أحدهما موضع الآخر. ومما يجري هذا المجرى قول الأعرج «5» من أبيات الحماسة: نحن بنو الموت إذا الموت نزل ... لا عار بالموت إذا حمّ الأجل الموت أحلى عندنا من العسل

وقول أبي الطيب المتنبّي: إذا شئت حفّت بي على كل سابح ... رجال كأنّ الموت في فمها شهد فلفظة الشهد ولفظة العسل كلاهما حسن مستعمل، وقد جاءت لفظة الشهد في بيت أبي الطّيّب أحسن من لفظة العسل في بيت الأعرج، على أن لفظة العسل قد وردت «1» في القرآن دون لفظة الشهد فجاءت أحلى من الشهد في موضعها؛ وكثيرا ما تجد أمثال ذلك في أقوال الشعراء المفلقين وبلغاء الكتّاب ومصاقع الخطباء، وتحتها دقائق ورموز، إذا علمت وقيس عليها كان صاحب الكلام قد انتهى في النظم والنثر إلى الغاية القصوى في وضع الألفاظ في مواضعها اللائقة بها. قال: وأعجب من ذلك أنك ترى اللفظة الواحدة تروقك في كلام، ثم تراها في كلام آخر فتكرهها؛ وقد جاءت لفظة في آي القرآن الكريم بهجة رائقة، ثم جاءت تلك اللفظة بعينها في كلام آخر فجاءت ركيكة نابية عن الذوق، بعيدة من الاستحسان؛ فمن ذلك لفظة يؤذي فإنها وردت في قوله تعالى: إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ «2» فجاءت في غاية الحسن ونهاية الطلاوة، ووردت في قول أبي الطيب: تلذّ له المروءة وهي تؤذى ... ومن يعشق يلذّ له الغرام فجاءن رثّة مستهجنة، وإن كان البيت من أبيات المعاني الشريفة، وذلك لقوّة تركيبها في الآية وضعف تركيبها في بيت الشعر؛ والسبب في ذلك أن لفظة تؤذي إنما تحسن في الكلام إذا كانت مندرجة مع ما يأتي بعدها، متعلقة به كما في الآية الكريمة حيث قال: إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَ «3» وفي بيت المتنبي جاءت منقطعة ليس بعدها شيء تتعلق به حيث قال:

تلذّ له المروءة وهي تؤذى ثم استأنف كلاما آخر فقال: ومن يعشق يلذّ له الغرام وقد جاءت هذه اللفظة بعينها في الحديث النبويّ مضافة إلى كاف خطاب، فأخذت من المحاسن بزمامها، وأحاطت من الطّلاوة بأطرافها؛ وذلك أنه لما اشتكى النبي صلّى الله عليه وسلّم جاءه جبريل فرقاه فقال: «بسم الله أرقيك من كلّ داء يؤذيك» فصارت إلى الحسن بزيادة حرف واحد، وهذا من السّرّ الخفي الذي يدقّ فهمه. وعلى نهج لفظة يؤذي يرد لفظة لي، فإنها لا تحسن إلا أن تكون متعلقة بما بعدها، ولذلك لحقها هاء السّكت في قوله تعالى: ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ «1» لما لم يكن بعدها ما تتعلق به، بخلاف قوله: إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ «2» فإنه لم تلحقها هاء السكت اكتفاء بما هي متعلقة به. ومما يجري مثل هذا المجرى لفظة القمّل، فإنها قد وردت في قوله تعالى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ «3» فجاءت في غاية الحسن، ووردت في قول الفرزدق: من عزّه اجتحرت كليب عنده ... زربا كأنّهم لديه القمّل «4» فجاءت منحطة نازلة، وذلك لأنها قد جاءت في الآية مندرجة في ضمن كلام لم ينقطع الكلام عندها، وجاءت في البيت قافية انقطع الكلام عندها. هذا ملخص ما ذكره ابن الأثير، وقال: إنه لم يسبق إليه، وجعل الحاكم

الوجه الثاني في بيان ما يبنى عليه «تركيب الكلام» وترتيبه

فيه الذوق السليم دون غيره. وعلى الجملة فلا نزاع في أن تركيب الألفاظ يعطي الكلام من القوّة والضّعف ما تزيد به قيمة الألفاظ الفصيحة، ويرتفع به قدرها، أو يحطّ مقدارها عن درجة الفصاحة والحسن إلى رتبة القبح والاستهجان. الوجه الثاني في بيان ما يبنى عليه «تركيب الكلام» وترتيبه . وله ركنان الركن الأول- أن يسلك في تركيبه سبيل الفصاحة والخروج عن الّلكنة والهجنة. والفصاحة في المركب بأن يتصف بعد فصاحة مفرداته بصفات: الصفة الأولى أن يكون سليما من ضعف التأليف بأن يكون تأليف أجزاء الكلام على القانون النحويّ المشتهر فيما بين معظم أصحابه حتّى لا يمتنع عند الجمهور، وذلك كالإضمار قبل الذكر لفظا أو معنى، نحو ضرب غلامه زيدا، فإنه غير فصيح وإن كان ما اتصل بالفاعل فيه ضمير المفعول به مما أجازه الأخفش «1» ، وتبعه ابن جني «2» لشدّة اقتضاء الفعل المفعول به كالفاعل، واستشهد بقوله: لما عصى أصحابه مصعبا ... أدّى إليه الكيل صاعا بصاع وقوله: جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ... وحسن فعل كما يجزى سنمّار «3»

الصفة الثانية أن يكون سليما من التعقيد

وقوله: ألا ليت شعري، هل يلومنّ قومه ... زهيرا على ما جرّ من كلّ جانب الصفة الثانية أن يكون سليما من التعقيد وهو ألّا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المعنى الذي يراد منه، وهو على ضربين: الضرب الأوّل - وهو الذي يسميه ابن الأثير: المعاظلة «1» المعنوية- ألّا يكون ترتيب الألفاظ على وفق ترتيب المعاني بسبب تقديم أو تأخير، أو حذف، أو إضمار، أو غير ذلك مما يوجب صعوبة فهم المراد، وإن كان ثابتا في الكلام، جاريا على القوانين، كقول الفرزدق في مدح إبراهيم «2» بن هشام بن إسماعيل المخزومي، خال هشام بن عبد الملك: وما مثله في الناس إلا مملّكا ... أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه أي وما مثل هذا الممدوح في الناس حيّ يقاربه ويشبهه في الفضائل إلا مملّكا، أبو أمّ ذلك المملّك أبو الممدوح، فيكون الممدوح خال المملّك، والمعنى أنه لا يماثل أحد هذا الممدوح الذي هو إبراهيم بن هشام إلا ابن أخته هشام، أفسده وعقّد معناه، وأخرجه عن حدّ الفصاحة إلى حدّ اللّكنة؛ وكذلك قوله في الوليد بن عبد الملك: إلى ملك، ما أمّه من محارب ... أبوه، ولا كانت كليب تصاهره

يريد إلى ملك ما أمّ أبيه من محارب، وقوله: تعال فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من ياذئب يصطحبان يريد نكن يا ذئب مثل من يصطحبان، وقوله: وليست خراسان التي كان خالد ... بها أسد، إذ كان سيفا أميرها يريد أن خالد بن عبد الله كان قد ولي خراسان ووليها أسد «1» بعده، فمدح خالدا بأنه كان سيفا، بعد أن كان أسد أميرها، فكأنه يقول وليست خراسان بالبلدة التي كان خالد بها سيفا إذ كان أسد أميرها «2» . قال ابن الأثير: وعلى هذا التقدير ففي كان الثانية ضمير الشأن والحديث، والجملة بعدها خبر عنها، وقد قدّم بعض ما إذ مضافة إليه وهو أسد عليها، وفي تقديم المضاف إليه أو شيء منه على المضاف من القبح ما لا خفاء به. قال: وأيضا فإن أسدا أحد جزأي الجملة المفسّرة للضمير، والضمير لا يكون تفسيره إلا من بعده، ولو تقدّم تفسيره قبله لما احتاج إلى تفسير، ولما سماه الكوفيون الضمير المجهول؛ وعلى نحو ذلك ورد قول الآخر: فأصبحت بعد خطّ بهجتها ... كأنّ قفرا رسومها قلما يريد فأصبحت بعد بهجتها قفرا كأنّ قلما خط رسومها، فقدّم خبر كأنّ وهو خطّ عليها فجاء مختلّا مضطربا. قال في «المثل السائر» : وهذا البيت من أقبح هذا النوع لأن معانيه قد تداخلت، وركب بعضها بعضا؛ على أن ذلك قد وقع لجمع من فحول شعراء العرب؛ كقول امرىء القيس:

هما أخوا في الحرب من لا أخا له ... إذا خاف يوما نبوة فدعاهما يريد أخوا من لا أخوي «1» له في الحرب؛ وقول النابغة: يثرن الثّرى حتّى يباشرن برده ... إذا الشمس مجّت ريقها بالكلاكل «2» قال أبو هلال العسكريّ: وهذا البيت مستهجن جدّا لأن المعنى تعمّى فيه، يريد يثرن الثرى حتى يباشرن برده بالكلاكل إذا الشمس مجّت ريقها، وقول أبي حيّة النّميريّ «3» : كما خطّ الكتاب بكّفّ، يوما، ... يهوديّ يقارب أو يزيل يريد كما خط الكتاب بكف يهوديّ يوما يقارب أو يزيل؛ وقول ذي الرمة: نضا البرد عنه وهو من، ذو، جنونه ... أجاريّ، صهّال وصوت مبرسم «4» يريد وهو من جنونه ذو أجاريّ؛ قال في «الصناعتين» : كأنه تخليط كلام مجنون أو هجر مبرسم؛ وقول الشماخ «5» : تخامص عن برد الوشاح إذا مشت ... تخامص حافي الخيل «6» في الأمعز الوجي «7» يريد تخامص حافي الخيل في الوجي، الأمعز «8» .

الضرب الثاني من التعقيد

قال أبو هلال العسكري: وليس للمحدث أن يجعل هذه الأبيات حجة ويبنى عليها فإنه لا يعذر في شيء منها، لإجماع الناس اليوم على مجانبة أمثالها واستجادة ما يضح من الكلام ويستبين، واسترذال ما يشكل منه ويستبهم؛ وقد كان عمر رضي الله عنه يمدح زهيرا بأنه لم يكن يعاظل بين الكلام. قال في «المثل السائر» : والفرزدق أكبر الشعراء تعاظلا وتعقيدا في شعره، كأنه كان يقصد ذلك ويتعمّده، لأن مثله لا يجيء إلا متكلّفا مقصودا، وإلا فإذا ترك مؤلف الكلام نفسه تجري على سجيّتها وطبعها في الاسترسال لم يعرض له شيء من هذا التعقيد، بدليل أن المقصود من الكلام معدوم في هذا النوع، إذ المقصود من الكلام إنما هو الإيضاح والإبانة وإفهام المعنى، فإذا ذهب هذا الوصف المقصود من الكلام ذهب المراد به، ولا فرق عند ذلك بينه وبين غيره من اللغات كالفارسية والرومية وغيرهما. الضرب الثاني من التعقيد - ألّا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المراد بخلل في انتقال الذهن من المعنى الأوّل المفهوم بحسب اللغة إلى الثاني المقصود، لإيراد اللوازم البعيدة المفتقرة إلى الوسائط الكثيرة، مع خفاء القرائن الدالة على المقصود، كقول العبّاس بن الأحنف: سأطلب بعد الدّار عنكم لتقربوا ... وتسكب عيناي الدّموع لتجمدا يريد إني أطلب بعد الدار عنكم لتقربوا مني، وتسكب عيناي الدّموع لتجمد وتكفّ الدمع بحصول التلاقي؛ والمعنى أنّي طبت نفسا بالبعد والفراق، ووطّنت نفسي على مقاساة الأحزان والأشواق، وأتجرّع الغصص، وأحتمل لأجلها حزنا يفيض الدّموع من عينيّ، لأتسبب بذلك إلى وصل يدوم، ومسرّة لا تزول، فتجمد عيني ويرقأ دمعي، فإن الصبر مفتاح الفرج؛ فكنّى بسكب الدموع عن الكآبة والحزن، وهو ظاهر المعنى لأنه كثيرا ما يجعل دليلا عليه، يقال: أبكاني الدهر وأضحكني يمعنى ساءني وسرّني، وكنّى بجمود العين عما يوجبه دوام التلاقي من الفرح والسرور؛ فإن المتبادر إلى الذهن من جمود العين بخلها بالدمع عند إرادة

البكاء حال الحزن، بخلاف ما قصده الشاعر من التعبير به عن الفرح والسرور، وإن كانت حالة جمود الدمع مشتركة بين بخل العين بالدمع عند إرادة البكاء، وبين زمن السرور الذي لم يطلب فيه بكاء، وكذلك يجري القول في كل لفظ مشترك ينتقل الذهن فيه من أحد المعنيين إلى الآخر إذا لم يكن هناك قرينة تصرفه إلى أحدهما، كما صرح به الرمانيّ «1» وغيره، خصوصا إذا كان أحد المعنيين الذي يدلّ عليه اللفظ المشترك مستقبحا كما نبه عليه ابن الأثير في الكلام على فصاحة اللفظ المفرد؛ ألا ترى أن لفظة التعزير مشتركة بين التعظيم والإكرام، وبين الإهانة بسبب الخيانة التي لا توجب الحدّ من الضرب وغيره، والمعنيان ضدّان، فحيث وردت معها قرينة صرفتها إلى معنى التعظيم جاءت حسنة رائقة، وكانت في أعلى درجات الفصاحة؛ وعلى نحو ذلك ورد قوله تعالى: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ «2» وقوله: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ «3» الآية، فإنه لما ورد معها قرينة التوقير في الآية الأولى وقرينة الإيمان والنصر في الآية الثانية زال اللبس وحسن الموقع؛ ولو وردت مهملة بغير قرينة بإرادة المعنى الحسن لسبق الفهم إلى المعنى القبيح، كما لو قلت عزّر القاضي فلانا وأنت تريد أنه عظمه، فإنه لا يتبادر من ذلك إلى الفهم إلا أنه أهانه، وعلى هذا النّهج يجري الحكم في الحسن والقبح مع القرينة وعدمها. قال ابن الأثير رحمه الله: فما ورد مع القرينة فجاء حسنا قول تأبط شرّا: أقول للحيان، وقد صفرت لهم ... وطابي ويومي ضيّق الجحر معور فإنه أضاف الجحر إلى اليوم فأزال عنه هجنة الاشتباه لأن الجحر يطلق على

الصفة الثالثة أن يكون الكلام سلما من تنافر الكلمات وإن كانت مفرداته فصيحة

كل ثقب كجحر الحيّة واليربوع ونحوهما، وعلى المحل المخصوص «1» من الحيوان، فإذا ورد مهملا بغير قرينة تخصّصه سبق إلى الفهم المعنى القبيح لاشتهاره دون غيره. ومما ورد مهملا بغير قرينة فجاء قبيحا قول أبي تمّام: أعطيتني دية القتيل وليس لي ... عقل ولا حقّ عليك قديم فإن المتبادر إلى الأفهام من قوله وليس لي عقل أنه من العقل الذي هو ضد الجنون، ولو قال وليس لي عليك عقل لزال اللبس. قال: فيجب إذا على صاحب هذه الصناعة أن يراعي في كلامه مثل هذا الموضع. الصفة الثالثة أن يكون الكلام سلما من تنافر الكلمات وإن كانت مفرداته فصيحة وقد اختلف في معنى هذا التنافر على ثلاثة مذاهب: المذهب الأوّل- أن المراد بتنافر الكلمات أن يكون في الكلام ثقل على اللسان ويعسر النطق به على المتكلم ، وإليه ذهب السّكّاكيّ «2» وغيره من علماء البيان. وهو على ضربين: الضرب الأوّل- أن يكون فيه بعض ثقل ، كقول أبي تمام: كريم متى أمدحه أمدحه والورى ... معي، وإذا مالمته، لمته وحدي فقوله أمدحه أمدحه فيه بعض الثّقل على اللسان في النطق، وذلك أن الحاء والهاء متقاربان في المخرج، وقد اجتمعا في قوله أمدحه، ثم تكررت الكلمة في البيت مع تقارب مخرج الحرفين فثقلت بعض الثقل.

الضرب الثاني - ما كان شديد الثقل بحيث يضطرب لسان المتكلم عند إرادة النطق به

وأوّل من نبه على ذلك الأستاذ ابن العميد «1» رحمه الله. ومما يحكى في ذلك: أن الصاحب بن عبّاد أنشد هذا البيت بحضرة ابن العميد، فقال له ابن العميد: هل تعرف في هذا البيت شيئا من الهجنة؟ فقال: نعم، مقابلة المدح باللوم، وإنما يقابل المدح بالذم والهجاء، فقال له ابن العميد: غير هذا أريد، قال: لا أرى غير ذلك. فقال ابن العميد: هذا التكرير في أمدحه، أمدحه مع الجمع بين الحاء والهاء وهما من حروف الحلق خارج عن حدّ الاعتدال، نافر كلّ التنافر، فاستحسن الصاحب بن عبّاد ذلك. قال الشيخ سعد الدين التفتازانيّ في شرح تلخيص المفتاح: ولا يجوز أن يراد أن الثقل في لفظة أمدحه دون تكرار، فإنّ مثل ذلك واقع في التنزيل نحو قوله تعالى: فَسَبِّحْهُ* والقول باشتمال القرآن على كلام غير فصيح مما لا يجتريء عليه المؤمن. الضرب الثاني- ما كان شديد الثقل بحيث يضطرب لسان المتكلم عند إرادة النطق به ، كقوله: وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر قال في عجائب المخلوقات: إن من الجن نوعا يقال له الهاتف، فصاح واحد منهم على حرب بن أميّة «2» فمات، فقال ذلك الجنّي هذا البيت. قال المسعوديّ في «مروج الذهب» : والدليل على أنه من شعر الجن أمران: أحدهما الرواية، والثاني أنه لا يقوله أحد ثلاث مرات متواليات إلا تعتع فيه. قال ضياء الدين بن الأثير: والسبب في ثقل البيت تكرير حرفي الباء والراء

فيه، فهذه الباءات والراءات فيه كأنها سلسلة، ولا خفاء بما في ذلك من الثقل. قال: وكذلك يجري الحكم في كل ما تكرر فيه حرف أو حرفان؛ إلا أنه لم يطلق على ذلك اسم التنافر، وجعل التنافر قسما مستقلا برأسه كما سيأتي، وعدّ هذا من أنواع المعاظلة اللفظية؛ ثم ذكر من أمثلته قول الحريري «1» في مقاماته: وازورّ من كان له زائرا ... وعاف عافي العرف عرفانه وقول كشاجم: والزّهر والقطر في رباها ... ما بين نظم وبين نثر حدائق، كفّ كلّ ريح ... حلّ بها خيط كلّ قطر وقول الآخر: مللت مطال مولود مفدّى ... مليح مانع منّي مرادي وقول المتنبي: كيف ترثي التي ترى كلّ جفن ... زاءها غير جفنها غير راقي وعاب بيت الحريريّ لتكرر العين فيه في قوله: وعاف عافي العرف عرفانه وعاب البيت الثاني من بيت كشاجم لتكرر الكاف فيه في كفّ «وكلّ» الأولى و «كلّ» الثانية، وقال: هذا البيت يحتاج الناطق به إلى بركار يضعه في شدقه حتّى يديره له؛ وعاب البيت الذي يليه لتكرر الميم فيه في أوائل الكلمات، وقال: هذه الميمات كأنها عقد، متصلة بعضها ببعض، وعاب بيت المتنبي لتكرر الجيم والراء في أكثر كلماته، وقال: هذا وأمثاله إنما يعرض لقائله في نوبة الصّرع التي تنوبه في بعض الأيام. قال: وكان بعض أهل الأدب من أهل عصرنا يستعمل هذا

القسم من المعاظلة كثيرا في كلامه نثرا ونظما، وذلك لعدم معرفته لسلوك الطريق، كقوله في وصف رجل سخيّ: أنت المريح كبد الريح، والمليح إن تجهّم المليح بالتكليح، عند سائل يلوح، بل تفوق إذ تروق مرأى يوح «1» ، يا مغبوق «2» كأس الحمد، يا مصبوح ضاق عن نداك اللّوح «3» ، وببابك المفتوح يستريح ويريح ذو التّبريح، ويرفّه الطليح «4» . فأنظر إلى حرفي الراء والحاء كيف لزمهما في كل لفظة من هذه الألفاظ فجاء على ما تراه من الثقل والغثاثة. ثم قال: واعلم أن العرب الذين هم الأصل في هذه اللغة قد عدلوا عن تكرير الحروف في كثير من كلامهم، وذاك أنه إذا تكرر الحرف عندهم أدغموه استحسانا، فقالوا في جعل لك: جعلّك، وفي تضربونني تضربونّي، وكذلك قالوا: استعدّ فلان للأمر إذا تأهب له، والأصل فيه استعدد، واستتبّ الأمر إذا تهيأ والأصل فيه استتبب، وأشباه هذا كثير في كلامهم حتّى إنهم لشدّة كراهتهم لتكرير الحروف أبدلوا الحرفين «5» المكررين حرفا آخر غيره، فقالوا: أمليت الكتاب، والأصل فيه أمللت، فأبدلوا اللام ياء طلبا للخفة وفرارا من الثقل، وإذا كانوا قد فعلوا ذلك في اللفظة الواحدة فما ظنك بالألفاظ الكثيرة التي يتبع بعضها بعضا. قلت: ليس تكرار الحروف مما يوجب التنافر مطلقا كما يقتضيه كلامه بل بحسب التركيب، فقد تتكرر الحروف وتترادف في الكلمات المتتابعة مع القطع بفصاحتها وخفّتها على اللسان وسهولة النطق بها، ألا ترى إلى قوله تعالى: قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ «6» كيف اجتمع فيه ستّ عشرة ميما في آية واحدة، قد

المذهب الثاني - أن المراد بتنافر الكلمات أن تكون أجزاء الكلام غير متلائمة، ومعانيه غير متوافقة

تلاصق منها أربع ميمات في موضع وميمان في موضع، مع ما اشتملت عليه من الطّلاوة والرّونق الذي ليس في قدرة البشر الإتيان بمثله، والله أعلم. المذهب الثاني- أن المراد بتنافر الكلمات أن تكون أجزاء الكلام غير متلائمة، ومعانيه غير متوافقة ، بأن يكون عجز البيت أو القرينة غير ملائم لصدره، أو البيت الثاني غير مشاكل للبيت الأوّل، وعليه جرى العسكريّ في «الصناعتين» ؛ فمما اختلفت فيه أجزاء البيت الواحد قول السموأل: فنحن كماء المزن ما في نصابنا ... كهام ولا فينا يعدّ بخيل فليس بين قوله ما في نصابنا كهام وقوله فنحن كماء المزن مناسبة لأن المراد بالكهام الذي لا غناء به ولا فائدة فيه، يقال قوم كهام أي لا غناء عندهم، ورجل كهام أي مسنّ، كذلك سيف كهام أي كليل، ولسان كهام أي عييّ، وفرس كهام أي بطيء، فهو يصف قومه بالنّجدة والبأس، وأنه ليس فيهم من لا يغني، وماء المزن إنما يحسن في وصف الجود والكرم. قال في «الصناعتين» : ولو قال: ونحن ليوث الحرب وأولو الصّرامة والنجدة، ما في نصابنا كهام، لكان الكلام مستويا، أو فنحن كماء المزن صفاء أخلاق وبذل أكفّ، لكان جيدا. ومن ذلك قول طرفة: ولست بحلّال التّلاع «1» مخافة ... ولكن متى يسترفد القوم أرفد فالمصراع الثاني من البيت غير مشاكل لصورة المصراع الأوّل وإن كان المعنى صحيحا لأنه أراد: ولست بحلّال التّلاع مخافة السؤال ولكنني أنزل الأمكنة المرتفعة لينتابوني وأرفدهم، وهذا وجه الكلام، فلم يعبر عنه تعبيرا صحيحا، ولكنه خلطه وحذف منه حذفا كثيرا فصار كالمتنافر؛ وأدواء الكلام كثيرة.

ومنه قول الأعشى: وإنّ امرأ أسرى إليك ودونه ... سهوب وموماة وبيداء سملق «1» لمحقوقة أن تسجيبي لصوته ... وأن تعلمي أن المعان موفّق فقوله: وأن تعلمي أن المعان موفق غير مشاكل لما قبله؛ وعلى نحو ذلك ورد قول عنترة: حرق الجناح كأنّ لحيي رأسه ... جلمان بالأخبار هشّ مولع «2» إنّ الذين نعبت لي بفراقهم ... هم أسلموا ليل التّمام وأوجعوا فليس قوله: «بالأخبار هشّ مولع» من صفة جناحيه ولحييه؛ وقريب منه قول أبي تمّام: محمّد إنّ الحاسدين شهود «3» ... وإنّ مصاب المزن حيث تريد فليس النصف الثاني من النصف الأوّل في شيء؛ وكذلك قول الطالبيّ «4» : قوم هدى الله العباد بجدّهم ... والمؤثرون الضيف بالأزواد فلا مناسبة بين صدر البيت وعجزه بوجه. وعدّ بعض الأدباء من هذا النوع قول أمرىء القيس: كأنّي لم أركب جوادا للذّة، ... ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال ولم أسبإ الزّقّ الرّويّ ولم أقل ... لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال

وقال: لو وضع مصراع كل بيت من هذين البيتين في موضع الآخر لكان أحسن وأدخل في استواء النسج، فكان يقال: كأني لم أركب جوادا ولم أقل ... لخيلي كرّي كرة بعد إجفال ولم أسبإ الزق الرويّ للذة ... ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال لأن ركوب الجواد مع ذكر كرور الخيل أجود، وذكر الخمر مع ذكر الكواعب أحسن. قال في «الصناعتين» : قال أبو أحمد: «1» والذي جاء به امرؤ القيس هو الصحيح لأن العرب تضع الشيء مع خلافه، فيقولون: الشدّة والرخاء، والبؤس والنعيم، ونحو ذلك. وكذلك كل ما يجري هذا المجرى. قال أبو هلال العسكري: أخبرني أبو أحمد قال: كنت أنا وجماعة من أحداث بغداد ممن يتعاطى الأدب نختلف إلى مدرك نتعلم منه الشعر، فقال لنا يوما: إذا وضعتم الكلمة مع لفقها كنتم شعراء، ثم قال: أجيزوا هذا البيت: ألا إنّما الدّنيا متاع غرور فأجازه كل واحد منا بشيء فلم يرضه فقلت أنا: وإن عظمت في أنفس وصدور فقال: هذا هو الجيّد المختار. قال «2» : وأخبرني أبو أحمد الشطنيّ قال: حدثنا أبو العباس بن عربيّ، قال: حدثنا حماد بن «3» يزيد بن جبلة، قال: دفن مسلمة رجلا من أهله ثم قال: نروح ونغدو كلّ يوم وليلة

ثم قال لبعضهم: أجز فقال: فحتّى متى هذا الرّواح مع الغدوّ فقال مسلمة: لم تصنع شيئا، ثم قال لآخر: أجز فقال: فيالك مغدى مرّة ومراحا «1» فقال: لم تصنع شيئا، ثم قال لآخر: أجز فقال: وعمّا قليل لا نروح ولا نغدو فقال: الآن تم البيت؛ وأشباه ذلك ونظائره كثيرة. ومما اختلف فيه البيت الأوّل والثاني قول ابن هرمة «2» : وإنّي «3» وتركي ندى الأكرمين ... وقدحي بكفّيّ زندا شحاحا «4» كتاركة بيضها بالعراء ... وملبسة بيض أخرى جناحا وقول الفرزدق: فإنّك «5» إذ تهجو تميما وترتشي ... سرابيل قيس أو سجوف «6» العمائم كمهريق ماء بالفلاة، وغرّه ... سراب أذاعته رياح السّمائم «7» كان ينبغي أن يكون بيت ابن هرمة الأوّل مع بيت الفرزدق الثاني، وبيت الفرزدق الأوّل مع بيت ابن هرمة الثاني، فيقال في الأوّل:

المذهب الثالث - أن المراد بتنافر الكلمات أن تذكر لفظة

وإني وتركي ندى الأكرمين ... وقدحي بكفّيّ زندا شحاحا «1» كمهريق ماء بالفلاة وغرّه ... سراب أذاعته رياح السمائم مع تغيير إحدى القافيتين، ويقال في الثاني: وإنك إذ تهجوا تميما وترتشي ... سرابيل قيس أو سجوف «2» العمائم كتاركة بيضها بالعراء ... وملبسة بيض أخرى جناحا مع تغيير إحدى القافيتين حتّى يصح التشبيه للشاعرين جميعا. المذهب الثالث- أن المراد بتنافر الكلمات أن تذكر لفظة أو ألفاظا يكون غيرها مما في معناها أولى بالذكر، فتجيء الكلمة غير لائقة بمكانها، وهو ما أصطلح عليه ابن الأثير في «المثل السائر» . وهو على ضربين: الضرب الأوّل: ما يوجد منه في اللفظة الواحدة فيمكن تبديله بغيره مما هو في معناه سواء كان ذلك الكلام نظما أو نثرا؛ وهو على أنواع شتّى: منها فك الإدغام في غير موضع فكّه، كقول ابن أمّ صاحب «3» : مهلا أعاذل قد جرّبت من خلقي ... أني أجود لأقوام وإن ضننوا ففك الإدغام في ضننوا، وكان الأحسن أن يقال: وإن ضنوا أي بخلوا. وعلى حدّ ذلك ورد قول المتنبي: فلا يبرم الأمر الذي هو حالل ... ولا يحلل الأمر الذي هو يبرم فلو أدغم لجاءت اللفظة في مكانها غير قلقة ولا نافرة، وكذلك كل ما جاء على هذا النهج فلا يحسن أن يقال: بلّ الثوب فهو بالل، ولا سلّ السيف فهو سالل، ولا همّ بالأمر فهو هامم، ولا خط الكتاب فهو خاطط، ولا حنّ إلى كذا فهو حانن، وهذا لو عرض على من لا ذوق له أدركه، فكيف من له ذوق صحيح كأبي

الطيب؟ لكن لا بدّ لكل جواد من كبوة. ومنها زيادة حرف في غير موضعه كقول دعبل «1» : شفيعك فاشكر في الحوائج إنّه ... يصونك عن مكروهها وهو يخلق فالفاء في قوله فاشكر زائدة في غير محلها، نافرة عن مكانها. قال الوزير ضياء الدين بن الأثير: أنشدني بعض الأدباء هذا البيت فقلت له: عجز هذا البيت حسن، وأما صدره فقبيح لأن سبكه قلق نافر، والفاء في قوله فاشكر كأنها ركبة البعير، وهي في زيادتها كزيادة الكرش، فقال: لهذه الفاء في كتاب الله تعالى أشباه كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ «2» فقلت له: بين هذه الفاء وتلك فرق ظاهر يدرك بالعلم أوّلا وبالذوق ثانيا، أما العلم فإن الفاء في قوله تعالى: وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ فهي الفاء العاطفة إذ وردت بعد قوله: قُمْ فَأَنْذِرْ وهي مثل قولك: امش فأسرع، وقل فأبلغ، وليست الفاء التي في قول دعبل: شفيعك فاشكر من هذا القبيل، بل هي زائدة ولا موضع لها، وإنما نسبتها أن يقال: ربك أو ثيابك فطهر من غير تقدّم معطوف عليه «3» ، وحاشا فصاحة القرآن من ذلك. فأذعن بالتسليم ورجع إلى الحق. قال: ومثل هذه الدقائق التي ترد في الكلام نظما كان أو نثرا لا يتفطّن لها إلا الراسخ في علم الفصاحة. ومنها وصل همزة القطع في الشعر وإن كان ذلك جائزا فيه بخلاف النثر كقول أبي تمّام: قراني اللها «4» والودّ حتّى كأنّما ... أفاد الغني من نائلي وفوائدي فأصبح يلقاني الزّمان من اجله ... بإعظام مولود ورأفة والد

الأصل الرابع المعرفة بالسجع الذي هو قوام الكلام المنثور وعلو رتبته ويتعلق به ستة أغراض

فقوله من اجله بوصل همزة القطع من الكلام النافر؛ وعلى حدّه ورد قول أبي الطّيّب: يوسّطه المفاوز كلّ يوم ... طلاب الطّالبين لا الانتظار فقوله لا الانتظار بوصل همزة الانتظار كلام نافر. ومنها قطع همزة الوصل في الشعر أيضا وإن كان جائزا فيه كقول جميل: ألا لا أرى إثنين أجمل «1» شيمة ... على حدثان الدّهر منّي ومن جمل وقوله أيضا: إذا جاوز الإثنين سرّ فإنّه ... بنشر «2» وتكثير الوشاة قمين فقطع ألف الوصل في لفظ الاثنين في البيت الأوّل والثاني. ومنها أن يفرق بين الموصوف والصفة بضمير من تقدّم ذكره كقول البحتريّ: حلفت لها بالله يوم التّفرّق ... وبالوجد من قلبي بها المتعلّق تقديره من قلبي المتعلق بها، فلما فصل بين الموصوف الذي هو قلبي والصفة التي هي المتعلق بالضمير الذي هو بها قبح ذلك، ولو قال: من قلب بها متعلق لزال ذلك القبح وذهبت تلك الهجنة. ونحو ذلك. الأصل الرابع المعرفة بالسجع الذي هو قوام الكلام المنثور وعلوّ رتبته ويتعلق به ستة أغراض الغرض الأوّل- في معرفة معناه في اللغة والاصطلاح، وبيان حكمه في حالتي الدرج والوقف.

الغرض الثاني في بيان حسن موقعه من الكلام

أما في اللغة فقال في «موادّ البيان» : إنه مشتق من الساجع: وهو المستقيم لاستقامته في الكلام، واستواء أوزانه، وقيل من سجع الحمامة وهو ترجيعها الصوت على حدّ واحد، يقال منه سجعت الحمامة تسجع سجعا فهي ساجعة، سمّي السجع في الكلام بذلك لأن مقاطع الفصول تأتي على ألفاظ متوازنة متعادلة، وكلمات متوازية متماثلة، فأشبه ذلك الترجيع. وأما في الاصطلاح، فقال في «موادّ البيان» : هو تقفية مقاطع الكلام من غير وزن «1» ، وذكر نحوه في «المثل السائر» فقال: هو تواطؤ الفواصل من الكلام المنثور على حرف واحد، ويقال للجزء الواحد منه سجعة، وتجمع على سجعات، وفقرة بكسر الفاء أخذا من فقرة الظهر وهي إحدى عظام الصّلب، وتجمع على فقر وفقرات بكسر الفاء وسكون القاف وفتحها، وربما فتحت الفاء والقاف جميعا، ويقال لها أيضا: قرينة لمقارنة أختها وتجمع على قرائن، ويقال للحرف الأخير منها: حرف الرّويّ والفاصلة. وأما بيان حكمه في الوقف والدّرج فاعلم أن موضوع حكم السجع أن تكون كلمات الأسجاع ساكنة الأعجاز، موقوفا عليها بالسكون في حالتي الوقف والدّرج؛ لأن الغرض منها المناسبة بين القرائن، أو المزاوجة بين الفقر، وذلك لا يتم إلا بالوقف، ألا ترى أن قولهم: ما أبعد ما فات، وما أقرب ما هو آت، لو ذهبت تصل فيه لم يكن بدّ من إعطاء أواخر القرائن ما يعطيه حكم الإعراب فتختلف أواخر القرائن ويفوت الساجع غرضه. الغرض الثاني في بيان حسن موقعه من الكلام قال في «الصناعتين» : لا يحسن منثور الكلام، ولا يحلو حتّى يكون

مزدوجا، ولا «1» تجد لبليغ كلاما محلولا من الازدواج، وناهيك أن القرآن الكريم الذي هو عنصر البلاغة ومناط الإعجاز مشحون به، لا تخلو منه سورة من سوره وإن قصرت، بل ربما وقع السجع في فواصل جميع السورة، كما في سورة النجم، واقتربت، والرحمن وغيرها من السّور. بل ربما وقع في أوساط الآيات، كقوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ «2» وقوله: لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ «3» وقوله: وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ «4» وما أشبه ذلك. وكذلك وقع في الكثير من كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كقوله عليه السلام عند قدومه المدينة الشريفة: «أفشوا السّلام، وأطعموا الطّعام، وصلو الأرحام، وصلّوا باللّيل والنّاس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام» . بل ربما صرف صلّى الله عليه وسلّم الكلمة عن موضعها في تصريف اللغة طلبا للمزاوجة كقوله في تعويذه لابن ابنته: «أعيذه من الهامّة والسامّة، والعين اللّامّة» وأصلها في اللغة الملمّة لأنها من ألمّ، فعبر عنها باللامّة لموافقة الهامّة والسامّة، وكذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم للنساء: «انصرفن مأزورات غير مأجورات» والأصل في اللغة أن يقال موزورات أخذا من الوزر، فعبر بمأزورات لموافقة مأجورات؛ وعلى ذلك كان يجري كلام العرب في مهمّ كلامهم من الدعاء وغيره كقول بعض الأعراب وقد ذهب السيل بابنه: اللهم إن كنت قد أبليت، فطالما عافيت. وقول الآخر: اللهم هب لنا حبك، وأرض عنا خلقك، ونحو ذلك. وأما ما ورد من أنه صلّى الله عليه وسلّم حين قضى على رجل في الجنين بغرة عبد أو أمة، فقال الرجل: أأدى من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، ومثل ذلك يطل «5» ؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم «أسجعا كسجع الكهّان» فليس فيه دلالة على كراهة

الغرض الثالث في بيان أقسام السجع، وهي راجعة إلى صنفين

السجع في الكلام وإن تمسك به بعض من نبا عن السجع طبعه، ونفرت منه قريحته، إذ يحتمل أنه صلّى الله عليه وسلّم إنما كره السجع من ذلك الرجل لمشابهة سجعه حينئذ سجع الكهّان، لما في سجعهم من التكلّف والتعسّف كما وجهه أبو هلال العسكريّ، وإما لجريانه على عادتهم في الجواب في الأحكام وغيرها بالكلام المسجوع كما وجهه غيره، أو أنه إنما كره حكم الكاهن الوارد باللفظ المسجوع بإنكار إيجاب الدية، لانفس السجع المأتي به كما اختاره صاحب «المثل السائر» ؛ ولو كره صلّى الله عليه وسلّم السجع نفسه، لا قتصر على قوله: أسجعا، ولم يقيده بسجع الكهّان. الغرض الثالث في بيان أقسام السجع، وهي راجعة إلى صنفين الصنف الأوّل أن تكون القرينتان متفقتين في حرف الرّويّ، ويسميه الرّمّانيّ السجع الحاني وعليه عمل أكثر الكتّاب من زمن القاضي الفاضل، وهلمّ جرّا إلى زماننا؛ وفيه ثلاث مراتب المرتبة الأوّلى- أن تكون ألفاظ القرينتين مستوية الأوزان متعادلة الأجزاء ويسمّى التصريع «1» ، وهو أحسن أنواع السجع وأعلاها. ومنه في النثر قوله تعالى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ «2» وقوله: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ «3» . وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم في دعائه: «اللهمّ اقبل توبتي، واغسل حوبتي» . وقوله للأنصار: «إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلّون عند الطّمع» وقول بعض الأعراب في وصف سنة جدبة: سنة جردت، وحال جهدت، وأيد جمدت، ونحو ذلك. ومثاله في النظم قول الخنساء «4» :

المرتبة الثانية - أن يختص التوازن بالكلمتين الأخيرتين من الفقرتين فقط دون ما عداهما من سائر الألفاظ

حامي الحقيقة محمود الخليقة، ... مهديّ الطريقة نفّاع وضرّار جوّاب قاصية جزّاز ناصية ... عدّاد «1» ألوية للخيل جرّار المرتبة الثانية- أن يختص التوازن بالكلمتين الأخيرتين من الفقرتين فقط دون ما عداهما من سائر الألفاظ «2» ، كقوله تعالى: فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ «3» ثم قال: وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ «4» . وكقول الحريريّ في مقاماته: ألجأني حكم دهر قاسط، إلى أن أنتجع أرض واسط. وقوله: وأودى الناطق والصّامت، ورثى لنا الحاسد والشّامت، وما أشبه ذلك. المرتبة الثالثة- أن يقع الاتفاق في حرف الرّويّ مع قطع النظر عن التّوازن في شيء من أجزاء الفقرة في آخر ولا غيره، ويسمّى المطرّف ، كقوله تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً «5» وقولهم: جنابه محطّ الرّحال، ومخيّم الآمال. وما يجري هذا المجرى. الصنف الثاني أن يختلف حرف الرّويّ في آخر الفقرتين، وهو الذي يعبرون عنه بالازدواج . والرّمانيّ يسميه السّجع العاطل، وعليه كان عمل السلف من الصحابة ومن قارب زمانهم، وهو على ضربين الضرب الأوّل أن يقع ذلك في النثر، وفيه مرتبتان المرتبة الأولى- أن يراعي الوزن في جميع كلمات القرينتين أو في أكثرها

المرتبة الثانية - ألا يراعى التوازن إلا في الكلمتين الأخيرتين من القرينتين فقط

مع مقابلة الكلمة بما يعادلها وزنا، ويسمّى التوازن وهو أحسنها وأعلاها، كقوله تعالى: وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ «1» وكقول الحريريّ: اسودّ يومي الأبيض، وابيضّ فودي الأسود. المرتبة الثانية- ألّا يراعى التوازن إلا في الكلمتين الأخيرتين من القرينتين فقط ، ويسمّى التوازن أيضا، ومنه قوله تعالى: وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ «2» وقولهم: اصبر على حرّ القتال، ومضض النّزال، وشدّة النّصاع، ومداومة البراز «3» ، وما أشبه ذلك. الضرب الثاني السّجع الواقع في الشّعر ويسمّى التصريع في البيت الأوّل، ومحل الكلام عليه علم البديع، وقد ذكره في «المثل السائر» في أعقاب الكلام على السجع في الكلام المنثور، وجعله على سبع مراتب: المرتبة الأولى- وهي أعلاها درجة- أن يكون كل مصراع من البيت مستقلّا بنفسه ، غير محتاج إلى ما يليه؛ ويسمّى التصريع الكامل، كقول امريء القيس: أفاطم مهلا بعض هذا التّدلّل ... وإن كنت قد أزمعت هجري «4» فأجملي فإن كل مصراع من البيت مفهوم المعنى بنفسه، غير محتاج إلى ما يليه في الفهم، وليس له به ارتباط يتوقف عليه.

المرتبة الثانية - أن يكون المصراع الأول مستقلا بنفسه، غير محتاج إلى الذي يليه إلا أنه مرتبط به

المرتبة الثانية- أن يكون المصراع الأوّل مستقلّا بنفسه، غير محتاج إلى الذي يليه إلا أنه مرتبط به ، كقول امريء القيس أيضا: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل فإن المصراع الأوّل منه غير محتاج إلى الثاني في فهم معناه، ولكنه لما جاء الثاني صار مرتبطا به. المرتبة الثالثة- أن يكون الشاعر مخيّرا في وضع كل مصراع موضع الآخر، ويسمى التصريع الموجّه ، كقول ابن حجّاج «1» : من شروط الصّبوح في المهرجان ... خفّة الشّرب مع خلوّ المكان فإنه لو جعل المصراع الثاني أوّلا والآخر ثانيا، لساغ له ذلك. المرتبة الرابعة- أن يكون المصراع الأوّل غير مستقلّ بنفسه، ولا يفهم معناه إلا بالثاني؛ ويسمّى التصريع الناقص ، وليس بمستحسن، كقول المتنبي: مغاني الشّعب طيبا في المغاني ... بمنزلة الربيع من الزّمان فإنّ المصراع الأوّل لا يستقلّ بنفسه في فهم معناه دون المصراع الثاني. المرتبة الخامسة- أن يكون التصريع في البيت بلفظة واحدة في الوسط والقافية، ويسمّى التصريع المكرر ؛ ثم اللفظة التي يقع بها التصريع قد تكون حقيقة لا مجاز فيها كقول عبيد بن الأبرص «2» : وكلّ ذي غيبة يؤوب ... وغائب الموت لا يؤوب وقد تكون اللفظة التي يقع بها التصريع مجازيّة كقول أبي تمّام الطائيّ:

المرتبة السادسة - أن يكون المصراع الأول معلقا على صفة يأتي ذكرها في أول المصراع الثاني؛ ويسمى التصريع المعلق

فتى كان شربا للعفاة ومرتعا ... فأصبح للهنديّة البيض مرتعا المرتبة السادسة- أن يكون المصراع الأوّل معلّقا على صفة يأتي ذكرها في أوّل المصراع الثاني؛ ويسمّى التصريع المعلّق . كقول امريء القيس: ألا أيّها الليل الطّويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح فيك بأمثل فإن المصراع الأوّل معلق على قوله بصبح، وهو مستقبح في الصنعة. المرتبة السابعة- أن يكون التصريع في البيت مخالفا لقافيته؛ ويسمّى التصريع المشطور ، وهو أنزل درجات التصريع وأقبحها. كقول أبي نواس: أقلني قد ندمت على الذّنوب ... وبالإقرار عذت من الجحود فإنه قد صرّع في وسط البيت بالباء ثم في آخره بالدال. قلت: وإنما أوردت هذا الصنف مع السجع وإن كان من خصوصيات الشعر لأنه قد يقع مثله في النثر، إذ الفقرة من النثر كالبيت من الشعر، فالفقرتان كالبيتين، وأيضا فإن الشعر من وظيفة الكاتب. الغرض الرابع في معرفة مقادير السّجعات في الطّول والقصر، وهي على ضربين الضرب الأوّل السّجعات القصار وهي ما صيغ من عشرة ألفاظ فما دونها، قال في «حسن التوسل» «1» : وهي تدل على قوّة التمكن وإحكام الصنعة، لا سيما القصير منها للغاية، وأقل ما يكون من لفظتين كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ «2» .

الضرب الثاني السجعات الطوال

وقوله: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً «1» وما أشبه ذلك، وأمثاله في القرآن الكريم كثير إلا أن الزائد على ذلك أكثر. كقوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى «2» . وقوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ «3» . وقوله: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا «4» ونحو ذلك. الضرب الثاني السجعات الطوال قال في «حسن التوسل» : وهي ألذّ في السمع، يتشوّق السامع إلى ما يرد متزايدا على سمعه، وأقلّ ما تتركب من إحدى عشرة كلمة فما فوقها، وغالب ما تكون من خمس عشرة لفظة فما حولها، كقوله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ «5» فالأولى من إحدى عشرة لفظة، والثانية من ثلاث عشرة لفظة، قوله: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ «6» فالأولى من أربع عشرة لفظة، والثانية من خمس عشرة، وقوله: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ

الغرض الخامس في ترتيب السجعات بعضها على بعض في التقديم والتأخير باعتبار الطول والقصر وله حالتان

الْأُمُورُ «1» فالأولى عشرون لفظة، والثانية تسع عشرة، وهذا غاية ما انتهى إليه الطّول في القرآن الكريم. وينبغي أن يكون ذلك نهاية الطول في السجع وقوفا مع ما ورد به القرآن الكريم الذي هو أفصح كلام، وأقوم نظام، وإن كان الوزير ضياء الدين بن الأثير، والشيخ شهاب الدين محمود الحلبي وغيرهما، قد صرحوا بأنه لا ضابط لأكثره. واعلم أنه قد جرت عادة كتّاب الزمان ومصطلحهم أن تكون السجعة الأولى من افتتاح الولاية من تقليد أو توقيع أو غير ذلك قصيرة بحيث لا يتعدّى آخرها السطر الثاني في الكتابة ليقع العلم بها بمجرّد وقوع النظر على أوّل المكتوب. وعلى هذا فيختلف القصر فيها باختلاف ضيق الورق وسعته في العرض. الغرض الخامس في ترتيب السجعات بعضها على بعض في التقديم والتأخير باعتبار الطول والقصر وله حالتان الحالة الأولى ألا يزيد السجع على سجعتين؛ وله ثلاث مراتب المرتبة الأولى- أن تكون القرينتان متساويتين لا تزيد إحداهما على الأخرى كقوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ «2» ، وقوله: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً فَالْمُورِياتِ قَدْحاً فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً «3» وأمثال ذلك. المرتبة الثانية- أن تكون القرينة الثانية أطول من الأولى بقدر يسير كقوله تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ

المرتبة الثالثة - أن تكون القرينة الثانية أقصر من الأولى

بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً «1» فالأولى ثمان كلمات، والثانية تسع، ونحو ذلك؛ أما إذا طالت الثانية عن الأولى طولا يخرج عن الاعتدال، فإنه يستقبح حينئذ، ووجّهه في «حسن التوسل» بأنه يبعد دخول القافية على السامع فيقلّ الالتذاذ بسماعها. والمرجع في قدر الزيادة والقصر إلى الذوق. المرتبة الثالثة- أن تكون القرينة الثانية أقصر من الأولى . قال في «المثل السائر» : وهو عندي عيب فاحش، لأن السمع يكون قد استوفى أمده من الفصل الأوّل بحكم طوله، ثم يجيء الفصل الثاني قصيرا فيكون كالشيء المبتور، فيبقى الإنسان عند سماعه كمن يريد الانتهاء إلى غاية فيعثر دونها؛ وفيما قاله نظر، فقد تقدّم في قوله تعالى: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا «2» الآيتين، أن الأولى عشرون كلمة والثانية تسع عشرة، بل قد اختار تحسين ذلك أبو هلال العسكريّ في «الصناعتين» محتجّا له بكثرة وروده في كلام النبوّة كقوله صلّى الله عليه وسلّم للأنصار: «إنّكم لتكثرون عند الفزع، وتقلّون عند الطّمع» وقوله: «المؤمنون تتكافؤ دماؤهم، وهم يد على من سواهم» وقوله: «رحم الله من قال خيرا فغنم أو سكت فسلم» . الحالة الثانية أن يزيد السجع على سجعتين، ولها أربع مراتب المرتبة الأولى- أن يقع على حدّ واحد في التّساوي وهو مستحسن، وقد ورد في القرآن الكريم بعض ذلك كقوله تعالى: وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ «3» فهذه السجعات الثلاث مركبة من لفظتين لفظتين.

المرتبة الثانية - أن تكون الأولى أقصر والثانية والثالثة متساويتين

المرتبة الثانية- أن تكون الأولى أقصر والثانية والثالثة متساويتين كقوله تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً «1» فالأولى من ثمان كلمات، والثانية والثالثة من تسع تسع. المرتبة الثالثة- أن تكون الأولى والثانية متساويتين، والثالثة زائدة عليهما ؛ وقد أشار إلى هذه المرتبة في «حسن التوسل» حيث قال: فإن زادت القرائن على اثنتين فلا يضر تساوي القرينتين الأوليين وزيادة الثالثة، ولم يمثل لها. المرتبة الرابعة- أن تكون الثانية زائدة على الأولى، والثالثة زائدة على الثانية ؛ قال في «المثل السائر» : وينبغي أن تكون في هذا الحالة زيادة الثالثة متميزة في الطول على الأولى والثانية أكثر من تميز الثانية على الأولى. ثم قال: فإذا كانت الأولى والثانية أربع لفظات أربع لفظات تكون الثالثة عشر لفظات أو إحدى عشرة لفظة، ومثّل له في «حسن التوسل» بقوله تعالى: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً «2» فالأولى من ثمان كلمات، والثانية من تسع، والثالثة من عشر، ومثل له في «المثل السائر» بقوله في وصف صديق: فقلت: الصديق من لم يعتض عنك بخالف، ولم يعاملك معاملة الحالف، وإذا بلّغته أذنه وشاية أقام عليها حدّ السارق أو القاذف؛ فالأولى: وهي لم يعتض عنك بخالف والثانية بعدها أربع كلمات، والثالثة عشر كلمات. ثم قال: وينبغي أن يكون ما يستعمل من هذا القبيل، فإن زادت الأولى والثانية على هذه العدّة زادت الثالثة بالحساب، وإن نقصت الأولى والثانية، فكذلك. لكن قد ضبط في «حسن التوسل» الزيادة في الثالثة بألّا تجاوز المثل، والأمر فيما بين

الغرض السادس فيما يكون فيه حسن السجع وقبحه

الضابطين قريب؛ ولا يخفى حكم الرابعة في الزيادة مع الثالثة. قال في «حسن التوسل» : ولا بدّ من الزيادة في آخر القرائن. الغرض السادس فيما يكون فيه حسن السجع وقبحه أما حسنه، فيعتبر فيه بعد ما يقع فيكون به تحسين الكلام من أصناف البديع ونحوها بأمور أخرى: منها أن يكون السجع بريئا من التكلف، خاليا من التعسف، محمولا على ما يأتي به الطبع وتبديه الغريزة، ويكون اللفظ فيه تابعا للمعنى، بأن يقتصر من اللفظ على ما يحتاج إليه في المعنى دون الإتيان بزيادة أو نقص تدعو إليه ضرورة السجع، حتّى لو حصلت زيادة أو نقص بسبب السجع دون المعنى، خرج السجع عن حيّز المدح إلى حيز الذم. ومنها أن تكون الألفاظ المسجوعة حلوة حادّة، لا غثّة ولا باردة، مونقة المعنى حسنة التركيب، غير قاصرة على صورة السجع الذي هو تواطؤ الفقر، فيكون كمن نقش أثوابا من الكرسف «1» ، أو نظم عقدا من الخرز الملوّن. قال في «المثل السائر» : وهذا مقام تزلّ عنه الأقدام، ولا يستطيعه إلا الواحد من أرباب هذا الفن بعد الواحد. قال: ومن أجل ذلك كان أربابه قليلا، ولولا ذلك كان كل أديب سجّاعا، إذ ما منهم من أحد إلا وقد يتيسر عليه تأليف ألفاظ مسجوعة في الجملة. ومنها أن تكون كلّ واحدة من الفقرتين المسجوعتين دالّة على معنى غير المعنى الذي دلت عليه أختها، لأنّ اشتمال السجعتين على معنى واحد يمكن أن يكون في إحداهما بمفردها هو عين التطويل المذموم في الكلام، وهو الدلالة على

المعنى بألفاظ يمكن الدلالة عليه بدونها على ما هو مقرّر في علم البيان. قال في «المثل السائر» : فلا يكون مثل قول الصابي «1» في وصف مدبّر: «يسافر رأيه وهو دان لم ينزح، ويسير تدبيره وهو ثاو لم يبرح» ولو قال: يسافر رأيه وهو دان لم ينزح، ويثخن الجراح في عدوّه وسيفه في الغمد لم يجرح، لسلم من هجنة التكرار، فإنه تصير كل سجعة محتوية على معنى بحياله. ومنها أن يقع التحسين في نفس الفواصل، كقولهم: إذا قلّت الأنصار، كلّت الأبصار؛ وقولهم: ما وراء الخلق الدّميم، إلّا الخلق الذميم، ونحو ذلك. ومنها أن يقع في خلال السجعة الطويلة قرائن قصار فتكون سجعا في سجع، كقوله تعالى: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ «2» . وقوله: وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ «3» فإن قوله: عَلى أَمْوالِهِمْ . وقوله: عَلى قُلُوبِهِمْ سجعتان داخلتان في السجعة التي آخرها حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ . وقوله: بِآخِذِيهِ وقوله: تُغْمِضُوا فِيهِ سجعتان داخلتان في السجعة التي آخرها غَنِيٌّ حَمِيدٌ وعدّ العسكريّ منه قولهم «4» : عاد تعريضك تصريحا، وتمريضك تصحيحا. وأما قبحه فيعتبر بأمور: منها التجميع، وهو أن تكون فاصلة الجزء الأوّل بعيدة المشاكلة لفاصلة الجزء الثاني كما حكى قدامة «5» أن كاتبا كتب في جواب كتاب: وصل كتابك

الأصل الخامس حسن الاتباع، والقدرة على الاختراع

فوصل به ما يستعبد الحرّ، وإن كان قديم العبودية، ويستغرق الشكر، وإن كان سالف فضلك «1» لم يبق شيئا منه؛ فإن العبودية بعيدة عن مشاكلة منه. ومنها التطويل، فيما ذكر قدامة وغيره: وهو أن يجيء الجزء الأوّل طويلا فيحتاج إلى إطالة الثاني بالضرورة، كما حكى قدامة أن كاتبا كتب في تعزية: إذا كان للمحزون في لقاء مثله كبير الراحة في العاجل، وكان طويل «2» الحزن راتبا إذا رجع إلى الحقائق وغير زائل. قال في «الصناعتين» : وذلك أنه لما أطال الجزء الأوّل، وعلم أن الجزء الثاني ينبغي أن يكون مثله أو أطول، احتاج إلى تطويل الثاني فأتي باستكراه وتكلف. قال في «موادّ البيان» : والإطالة بقوله «وغير زائل» . الأصل الخامس حسن الاتباع، والقدرة على الاختراع واعلم أن لكاتب الإنشاء مسلكين: المسلك الأوّل طريقة الاتباع وهي نظر الكاتب في كلام من تقدّمه من الكتّاب، وسلوك منهجهم، واقتفاء سبيلهم، وسماها ابن الأثير التقليد، وهي على صنفين: الصنف الأوّل الاتباع في الألفاظ وهو اعتماد الكاتب على ما رتبه غيره من الكتّاب، وأنشأه سواه من أهل صناعة النثر، بأن يعمد إلى ما أنشأه أفاضل الكتّاب ورتبه علماء الصناعة: من نثر أو نظم، فيأخذه برمّته، ويأتي عليه بصيغته؛ وغايته أن يكون ناسخا ناقلا لكلام غيره،

حاكيا له. ولمثل ذلك توضع الدساتر، وتدوّن الدواوين؛ على أنه ربما غيّر وبدّل، وحرّف وصحّف، وأزال اللفظ عن وضعه؛ وأحال المعنى عن حكمه؛ وبعضهم ربما حملته الأنفة والخوف من أن يقال أخذ كلام فلان برمته، فعدل إلى كلام غيره، فالتقط من كل مكان سجعتين أو سجعات، ورتب بعضها على بعض حتّى تقوم بمقصوده، وينتهي إلى مراده. فإن كان لطيف الذوق، حسن الاختيار، رائق الترتيب، فاختار من خلال السجع لطيفه، وأحسن رصفه وتأليفه، جاء بهجا رائقا، لأنه أتى من كل كلام بأحسنه، إلا أن فيه إخراج الكلام عن وضعه الذي قصده الناثر، وتفريق ما دوّن من كلام الأفاضل وتبديد شمله، وخروج الكلام عن أن يعرف قائله، ويعلم منشئه، فيقع من القلوب بمكان صاحبه ويهتدي بهديه، وينسج على منواله. وإن لم يكن لطيف الذوق، ولا حسن الاختيار، جاء مالفقّه من كلام غيره رثّا ركيكا، نابيا عن الذوق، بعيدا عن الصنعة، يعاد من النسخ إلى المسخ، وأخرج الكلام عن موضوعه، وأفسده في وضعه وتركيبه، فإن صحبه التصحيف والتحريف فتلك الطامّة الكبرى، والمصيبة العظمى؛ ثم لا يكتفي بذلك حتى يتبجح به ويعتقد أن ذلك عين الإنشاء وحقيقته، محتجّا في ذلك بقول الحريري: «إن صناعة الحساب موضوعة على التحقيق، وصناعة الإنشاء مبنية على التلفيق» ظانّا أن التفليق هو ضم سجعات منتظمة، وفقرات مؤلّفة بعضها إلى بعض، ولم يعلم أن المراد بالتلفيق ضم لفظة إلى أختها، وإضافة كلمة إلى مشاكلتها وشتّان ما بين التلفيقين، وبعدا لما بين الطريقين: وللزّنبور والبازي جميعا ... لدى الطّيران أجنحة وخفق ولكن بين ما يصطاد باز ... وما يصطاده الزّنبور فرق وقد عابوا أخذ المعنى إذا كان ظاهرا مكشوفا، فما ظنّك بمن يأخذ الكلام برمته، واللفظ بصورته، فيصير ناسخا لكلام غيره، وناقلا له! فأيّ فضيلة في ذلك؟

القسم الأول ما وقع الاتفاق فيه في المعنى واللفظ جميعا.

وقد قيل: من أخذ معنى بلفظه كان سارقا «1» ، ومن أخذ بعض لفظه كان سالخا، ومن أخذه فكساه لفظا من عنده كان أولى به ممن تقدّمه، وأين من هو أولى بالشيء ممن سبقه إليه ممن يعدّ سارقا وسالخا؟ ويقال إن أبا عذرة «2» الكلام من سبك لفظه على معناه، ومن أخذ معنى بلفظه فليس له فيه نصيب. هذا فيمن أخذ سجعة أو سجعتين في خطبة أو رسالة، أو بيتا أو بيتين في قصيدة وما قارب ذلك؛ أما من أخذ القصيدة بكمالها، أو الخطبة أو الرسالة برمّتها، أو لفّقها من خطب أو رسائل فذاك إنما يعدّ ناسخا إن أحسن النقل، أو ماسخا إن أفسده. واعلم أن الناثر الماهر، والشاعر المفلق قد يأتي بكلام سبقه إليه غيره، فيأتي بالبيت من الشعر، أو القرينة من النثر، أو أكثر من ذلك بلفظ الأوّل من غير زيادة ولا نقصان، أو بتغيير لفظ يسير، وهذا هو الذي يسميه أهل هذه الصناعة وقوع الحافر على الحافر. وقد سئل أبو عمرو بن العلاء «3» عن الشاعرين يتفقان على لفظ واحد ومعنى فقال: عقول رجال توافت على ألسنتها. والواقع من ذلك في كلامهم على قسمين: القسم الأوّل ما وقع الاتفاق فيه في المعنى واللفظ جميعا. كقول الفرزدق: وغرّ قد وسقت مشمّرات ... طوالع لا تطيق لها جوابا

بكلّ ثنيّة وبكلّ ثغر ... غرائبهنّ تنتسب انتسابا بلغن الشمس حين تكون شرقا ... ومسقط رأسها من حيث غابا ووافقه جرير فقال مثل ذلك من غير زيادة ولا نقص. ويروى أنّ عمر بن أبي ربيعة أنشد ابن عباس رضي الله عنه: تشطّ غدا دار جيراننا فقال ابن عباس رضي الله عنه: وللدّار بعد غد أبعد فقال عمر: والله ما قلت إلا كذلك. قال أبو هلال العسكريّ في كتابه «الصناعتين» : وأنشدت الصاحب إسماعيل بن عبّاد رحمه الله: كانت سراة الناس تحت أظلّه «1» فسبقني وقال: فغدت سراة الناس فوق سراته وكذلك كنت قلت: قال الوزير ضياء الدين بن الأثير رحمه الله في كتابه «المثل السائر» : ويحكى أن امرأة من عقيل يقال لها ليلى كان يتحدّث إليها الشّباب، فدخل الفرزدق إليها وجعل يحادثها، وأقبل فتى من قومها كانت تألفه فدخل إليها فأقبلت عليه وتركت الفرزدق، فغاظه ذلك فقال للفتى: أتصارعني؟ فقال: ذاك إليك، فقام إليه فلم يلبث أن أخذ الفرزدق فصرعه وجلس على صدره فضرط، فوثب الفتى عنه وقال: يا أبا فراس هذا مقام العائذ بك، والله ما أردت ما جرى، قال: وحيك! والله ما بي أنك صرعتني ولكن كأنّي بابن الأتان، (يعني جريرا) وقد بلغه خبري فقال يهجوني: جلست إلى ليلى لتحظى بقربها ... فخانك دبر لا يزال يخون

القسم الثاني ما وقع الاتفاق فيه في المعنى وبعض اللفظ، وهو على ضربين

فلو كنت ذا حزم شددت وكاءه ... كما شدّ جربان الدّلاص قيون «1» فما مضى إلا أيام حتّى بلغ جريرا الخبر، فقال فيه هذين البيتين. قال: وهذا من أغرب ما يكون في هذا الموضع وأعجبه؛ قال في «الصناعتين» : وإذا كان القوم في قبيلة واحدة، في أرض واحدة، فإن خواطرهم تقع متقاربة، كما أن أخلاقهم وشمائلهم تكون متضارعة. قال في «المثل السائر» : ويقال إن الفرزدق وجريرا كانا ينطقان في بعض الأحوال عن ضمير واحد. قال: وهذا عندي مستبعد، فإن ظاهر الأمر يدل على خلافه، والباطن لا يعلمه إلا الله تعالى، وإلا فإذا رأينا شاعرا متقدّم الزمان قد قال قولا ثم سمعناه من شاعر أتى من بعده، علمنا بشهادة الحال أنه أخذه منه؛ وهب أن الخواطر تتفق في استخراج المعاني الظاهرة المتداولة، فكيف تتفق الألسنة أيضا في صوغ الألفاظ؟ وكلام العسكريّ في «الصناعتين» يوافقه بالعتب على المتأخر، وإن ادّعى أنه لم يسمع كلام الأوّل في مثل ذلك. القسم الثاني ما وقع الاتفاق فيه في المعنى وبعض اللفظ، وهو على ضربين الضرب الأوّل ما اتفق فيه المعنى وأكثر اللفظ كقول امرىء القيس: وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجمّل وقول طرفة: وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجلّد

فالتخالف بينهما في كلمة القافية فقط. وقول البعيث «1» : أترجو كليب أن يجيء حديثها ... بخير وقد أعيا كليبا قديمها؟ وقول الفرزدق: أترجو ربيع أن تجيء صغارها ... بخير وقد أعيا ربيعا كبارها؟ فالتخالف بينهما في موضعين من البيت، كلمة القافية واسم القبيلة. وقول بعض المتقدّمين يمدح معبدا صاحب الغناء: أجاد طويس والسّريجيّ بعده ... وما قصبات السّبق إلا لمعبد «2» وقول «3» الفرزدق بعده: محاسن أصناف المغنّين جملة ... وما قصبات السّبق إلا لمعبد «4» فاتفقا في النصف الثاني واختلفا في النصف الأوّل، إلى غير ذلك من الأشعار التي وقعت خواطر الشعراء عليها، وتوافقت عقولهم عندها.

الضرب الثاني ما اتفق فيه المعنى مع يسير اللفظ

الضرب الثاني ما اتفق فيه المعنى مع يسير اللفظ «1» فمن ذلك قول البحتريّ في وصف غلام: فوق ضعف الصغير «2» إن وكل الأمر ... إليه، ودون كيد الكبار «3» أخذه من قول أبي نواس: لم يجف من كبر عما يراد به ... من الأمور ولا أزرى به الصّغر وقول أبي تمّام: لم أمدحك تفخيما بشعري ... ولكنّي مدحت بك المديحا أخذه من قول حسان بن ثابت يمدح النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ما إن مدحت محمدا بمقالتي ... لكن مدحت مقالتي بمحمّد «4» وقول أبي الطّيّب: أين أزمعت أيّها ذا الهمام ... نحن نبت الرّبا وأنت الغمام أخذه من قول بشّار: كأنّ الناس حين تغيب عنهم ... نبات الأرض أخطأه القطار الصنف الثاني التقليد في المعاني وهذا مما لا يستغني عنه ناظم ولا ناثر. قال أبو هلال العسكريّ رحمه الله في

كتابه «الصناعتين» : ليس لأحد من أصناف القائلين غنى عن تناول المعاني ممن تقدمهم والصّبّ على قوالب من سبقهم، ولكن عليهم إذا أخذوها أن يكسوها ألفاظا من عندهم، ويبرزوها في معارض من تأليفهم، ويوردوها في غير حليتها الأولى، ويزيدوا عليها في حسن تأليفها وجودة تركيبها، وكمال حليتها ومعرضها، فإذا فعلوا ذلك فهم أولى بها ممن سبق إليها. قال: ولولا أن القائل يؤدّي ما سمع لما كان في طاقته أن يقول، وإنما ينطق الطفل بعد استماعه من البالغين؛ وقد قال أمير المؤمنين علي كرّم الله وجهه: لولا أن الكلام يعاد لنفد. ومن كلام بعضهم: كل شيء إذا ثنيته قصر إلا الكلام، فإنك إذا ثنيته طال، والمعاني مشتركة بين العقلاء، فربما وقع المعنى الجيّد للسّوقيّ والنّبطيّ والزّنجيّ. وإنما يتفاضل الناس في الألفاظ ورصفها، وتأليفها ونظمها، وقد أطبق المتقدّمون والمتأخرون على تداول المعاني بينهم، فليس على أحد فيه عيب إلا إذا أخذه بكل لفظه، أو أفسده في الأخذ وقصّر فيه عمن تقدّمه. قال في «الصناعتين» : وما يعرف للمتقدّم معنى شريف إلا نازعه فيه المتأخر وطلب الشركة فيه معه، إلا بيت عنترة: وخلا الذّباب بها فليس ببارح ... غردا كفعل الشارب المترنّم «1» هزجا يحكّ ذراعه بذراعه ... قدح المكبّ على الزّناد الأجذم «2» فإنه ما نوزع فيه على جودته. قال: وقد رامه بعض المحدثين «3» فاتضح مع العلم بأن ابتكار المعنى والسبق إليه ليس فيه فضيلة ترجع إلى المعنى، وإنما ترجع الفضيلة فيه إلى الذي ابتكره وسبق إليه؛ فالمعنى الجيّد جيّد وإن كان مسبوقا إليه،

والوسط وسط والرديء رديء وإن لم يكن مسبوقا إليهما. على أن بعض علماء الأدب قد ذهب إلى أنه ليس لأحد من المتأخرين معنى مبتدع، محتجّا لذلك بأن قول الشعر قديم مذ نطق باللغة العربية، وأنه لم يبق معنى من المعاني إلا وقد طرق مرارا. قال في «المثل السائر» : والصحيح أن باب الابتداع مفتوح إلى يوم القيامة، ومن الذي يحجر على الخواطر وهي قاذفة بما لا نهاية له؟ إلا أنّ من المعاني ما يتساوى فيه الشعراء ولا يطلق عليه اسم الابتداع لأوّل قبل آخر لأن الخواطر تأتي به من غير حاجة إلى اتباع الآخر الأوّل، كقولهم في الغزل: عفت الديار وما عفت ... آثارهنّ من القلوب وقولهم في المديح: إن عطاءه كالبحر أو كالسّحاب، وإنه لا يمنع عطاء اليوم عطاء غد، وإنه يجود بماله من غير مسألة؛ وأشباه ذلك. وقولهم في المراثي: إن هذا الرزء أوّل حادث، وإنه استوى فيه الأباعد والأقارب، وإن الذاهب لم يكن واحدا وإنما كان قبيلة، وإنّ بعد هذا الذاهب لا يعدّ للمنيّة ذنب، وما أشبه ذلك. وكذلك سائر المعاني الظاهرة التي تتوارد عليها الخواطر من غير كلفة، ويستوي في إيرادها كلّ بارع. قال: ومثل ذلك لا يطلق على الآخر فيه اسم السرقة من الأوّل، وإنما يطلق اسم السرقة في معنى مخصوص كقول أبي تمّام: لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلا شرودا في النّدى والباس فالله قد ضرب الأقلّ لنوره ... مثلا من المشكاة والنّبراس فإن هذا معنى ابتداعه مخصوص بأبي تمّام، وذلك أنه لما أنشد أحمد بن المعتصم قصيدته السنيية التي مطلعها: ما في وقوفك ساعة من باس انتهى إلى قوله منها:

إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس «1» فقال الحكيم الكنديّ: وأيّ فخر في تشبيه ابن أمير المؤمنين بأجلاف العرب؟ فأطرق أبو تمّام ثم أنشد هذين البيتين معتذرا عن تشبيهه إيّاه بعمرو وحاتم وإياس. فالحال يشهد بابتداعه هذا المعنى، فمن أتى بعده بهذا المعنى أو بجزء منه كان سارقا له، وكذلك كلّ ما جرى هذا المجرى. ولم يزل الشعراء والخطباء يقتبسون من معاني من قبلهم، ويبنون على بناء من تقدّمهم. فمما وقع للشعراء من ذلك قول أبي تمّام: خلقنا رجالا للتّجلّد «2» والأسى ... وتلك الغواني للبكا والمآتم أخذه من قول عبد الله بن الزّبير لما قتل مصعب بن الزبير: وإنما التسليم والسّلو لحزماء الرجال، وإن الجزع والهلع لربّات الحجال؛ وقوله أيضا: تعجّب «3» أن رأت جسمي نحيفا «4» ... كأنّ المجد يدرك بالصّراع أخذه من قول زياد ابن أبيه لأبي الأسود الدؤلي: لولا أنك ضعيف لاستعملتك، وقول أبي الأسود له في جواب ذلك: إن كنت تريدني للصّراع فإني لا أصلح له، وإلا فغير شديد أن آمر وأنهى، وقوله من قصيدة البيت المتقدّم: أطال يدي على الأيّام حتّى ... جزيت صروفها «5» صاعا بصاع أخذه من قول أمير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه:

فإن تقتلا أو يمكن الله منكما «1» ... نكل لكما «2» صاعا بصاع المكايل وقول أبي الطّيّب المتنبي: وإذا كانت النّفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام أخذه من قول أرسطوطاليس: إذا كانت الشهوة فوق القدرة كان هلاك الجسم دون بلوغ الشهوة. وقول الخاسر «3» : من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللّذّة الجسور أخذه من قول بشّار: من راقب النّاس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيّبات الفاتك اللهج فلما سمع بشّار بيت الخاسر قال: ذهب ابن الفاعلة ببيتي. ومثل هذا وأشباهه مما لا ينحصر كثرة، ولا يكاد أن يخلو عنه بيت إلا نادرا. ومما وقع للكتّاب من ذلك ما كتب به إبراهيم بن العبّاس من قوله في فصل من كتاب: إذا كان للمحسن من الثواب ما يقنعه، وللمسيء من العقاب ما يقمعه، ازداد المحسن في الإحسان رغبة، وانقاد المسيء للحقّ رهبة. أخذه من قول عليّ كرم الله وجهه: يجب على الوالي أن يتعهّد أموره، ويتفقّد أعوانه، حتّى لا يخفى عليه إحسان محسن، ولا إساءة مسيء، ثم لا يترك واحدا منهما بغير جزاء؛ فإن ترك ذلك تهاون المحسن واجترأ المسيء، وفسد الأمر، وضاع العمل. وما كتب به بعض الكتّاب في فصل وهو: لو سكت لساني عن شكرك، لنطق

أثرك عليّ. وفي فصل آخر: ولو جحدتك إحسانك، لأكذبتني آثارك، ونمّت عليّ شواهدها؛ أخذه من قول نصيب: ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب «1» وما كتب به أحمد بن يوسف «2» من فصل وهو: أحقّ من أثبت لك العذر في حال شغلك، من لم يخل ساعة من برّك في وقت فراغك. أخذه من قول عليّ رضي الله عنه: لا تكونن كمن يعجز عن شكر ما أولي، ويلتمس الزيادة فيما بقي. والاقتباس من الأحاديث والآثار كثير، وقد تقدّم الكلام عليه قبل ذلك. قال في «الصناعتين» : ومن أخفى أسباب السرقة أن يأخذ معنى من نظم فيورده في نثر، أو من نثر فيورده في نظم، أو ينقل المعنى المستعمل في صفة خمر فيجعله في مديح، أو في مديح فينقله إلى وصف؛ إلا أنه لا يصل لهذا إلا المبرّز الكامل المقدّم. وقال في «المثل السائر» : أشكل سرقات المعاني، وأدقّها وأغربها، وأبعدها مذهبا، أن يؤخذ المعنى مجرّدا من اللفظ. قال: وذلك مما يصعب جدّا ولا يكاد يأتي إلا قليلا، ولا يتفطن له ويستخرجه من الأشعار إلا بعض الخواطر دون بعض. فمن ذلك قول أبي تمّام في المدح: فتى مات بين الضّرب والطّعن ميتة ... تقوم مقام النّصر إذ فاته النّصر أخذه من قول عروة بن الورد من شعراء الحماسة: ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا ... من المال يطرح نفسه كلّ مطرح

الضرب الأول أن يؤخذ المعنى ويستخرج منه ما يشبهه ولا يكون هو إياه

ليبلغ عذرا أو ينال رغيبة ... ومبلغ نفس عذرها مثل منجح فعروة جعل اجتهاده في طلب الرزق عذرا يقوم مقام النجاح، وأبو تمّام جعل الموت في الحرب الذي هو غاية اجتهاد المجتهد في لقاء العدوّ قائما مقام الانتصار؛ قال في «المثل السائر» : وكلا المعنيين واحد، غير أن اللفظ مختلف. وأظهر من ذلك أخذا قول القائل: وقد عزّى ربيعة أن يوما ... عليها مثل يومك لا يعود أخذه من قول ابن المقفّع في باب المراثي من الحماسة: وقد جرّ نفعا فقدنا لك أننا ... أمنّا على كلّ الرّزايا من الجزع على أنه ربما وقع للمتأخر معنى سبقه إليه من تقدّمه من غير أن يلمّ به المتأخر ولم يسمعه؛ ولا استبعاد في ذلك كما يستبعد اتفاق اللفظ والمعنى جميعا. قال أبو هلال العسكريّ: وهذا أمر قد عرفته من نفسي فلا أمتري فيه، وذلك أني كنت عملت شيئا في صفة النساء فقلت: سفرن بدورا وانتقبن أهلّة وظننت أني لم أسبق إلى جمع هذين التشبيهين حتّى وجدت ذلك بعينه لبعض البغداديين فكثر تعجبي، وعزمت على ألّا أحكم على المتأخر بالسرقة من المتقدّم حكما حتما. إذا تقرر ذلك فسرقة المعنى المجرّد عن اللفظ لا تخرج عن اثني عشر «1» ضربا. الضرب الأوّل أن يؤخذ المعنى ويستخرج منه ما يشبهه ولا يكون هو إيّاه . قال في «المثل

السائر» : وهذا من أدق السرقات مذهبا وأحسنها صورة، ولا يأتي إلا قليلا. فمن ذلك قول المتنبي: وإذا أتتك مذمّتي من ناقص ... فهي الشّهادة لي بأنّي كامل «1» وهذا المعنى استخرجه المتنبي من قول بعض «2» شعراء الحماسة، وإن لم يكن صريحا فيه حيث يقول: لقد زادني حبّا لنفسي أنّني ... بغيض إلى كلّ امريء غير طائل «3» قال في «المثل السائر» : والمعرفة بأنّ هذا المعنى من ذلك المعنى عسر غامض غير متبيّن إلا لمن أعرق في ممارسة الشعر، وغاص على استخراج المعاني. قال: وبيان ذلك أن الأوّل يقول: إن بغض الذي هو غير طائل إيّاي قد زاد نفسي حبّا إليّ، أي قد جمّلها في عيني وحسّنها عندي كون الذي هو غير طائل منقصي؛ والمتنبي يقول: إن ذم الناقص إياه بفضله كتحسين بغض الذي هو غير طائل نفس ذلك عنده. وأظهر من ذلك أخذا من هذا الضرب قول البحتريّ في قصيدة «4» يفخر فيها بقومه: شيخان قد ثقل السّلاح عليهما ... وعداهما رأي السميع المبصر

الضرب الثاني أن يؤخذ المعنى فيعكس

ركبا القنا من بعد ما حملا القنا ... في عسكر متحامل في عسكر أخذه من قول أبي تمّام في وصف جمل: رعته الفيافي بعد ما كان حقبة ... رعاها وماء الرّوض ينهلّ ساكبه فأبو تمّام ذكر أن الجمل رعى الأرض، ثم سار فيها فرعته أي أهزلته، فكأنها فعلت به مثل ما فعل بها؛ والبحتريّ نقله إلى وصف الرجل بعلوّ السنّ والهرم، فقال: إنه كان يحمل الرمح في القتال، ثم صار يركب الرّمح أي يتوكأ منه على عصا كما يفعل الشيخ الكبير. وأوضح من ذلك وأكثر بيانا في الأخذ قول البحتريّ أيضا: أعاتك ما كان الشّباب مقرّبي ... إليك فألحى الشّيب إذ هو مبعدي «1» أخذه من قول أبي تمّام: لا أظلم النّأي قد كانت خلائقها ... من قبل وشك النّوى عندي نوى قذفا «2» الضرب الثاني أن يؤخذ المعنى فيعكس «3» ؛ قال في «المثل السائر» : وذلك حسن يكاد يخرجه حسنه عن حدّ السرقة.

فمن ذلك قول أبي نواس: قالوا عشقت صغيرة فأجبتهم ... أشهى المطيّ إليّ ما لم يركب كم بين حبّة لؤلؤ مثقوبة ... نظمت وحبّة لؤلؤ لم تثقب؟ وقول ابن الوليد في عكسه: إن المطيّة لا يلذّ ركوبها ... حتى تذلّل بالزّمام وتركبا والدّرّ ليس بنافع أربابه ... حتّى يزيّن بالنّظام ويثقبا ومنه قول ابن جعفر: ولمّا بدا لي أنها لا تريدني ... وأنّ هواها ليس عنّي بمنجلي؟ تمنّيت أن تهوى سواي لعلّها ... تذوق صبابات الهوى فترقّ لي وقول غيره في عكسه: ولقد سرّني صدودك عنّي ... في طلابيك، وامتناعك مني حذرا أن أكون مفتاح غيري ... وإذا ما خلوت، كنت التّمنّي أما ابن جعفر فإنه ألقى عن منكبيه رداء الغيرة؛ وأما الآخر فإنه جاء بالضدّ من ذلك وبالغ غاية المبالغة. ومنه قول أبي الشّيص «1» : أجد الملامة في هواك لذيذة «2» ... شغفا بذكرك، فليلمني اللّوّم وقول أبي الطيب في عكسه: أأحبّه وأحبّ فيه ملامة ... إنّ الملامة فيه من أعدائه

الضرب الثالث أن يؤخذ بعض المعنى دون بعض

ومنه قول أبي تمّام: ولولا خلال سنّها الشّعر ما درى ... بغاة العلا من أين تؤتى المكارم وقول الوزير ضياء الدين بن الأثير في عكسه: لولا الكرام وما سنّوه من كرم ... لم يدر قائل شعر كيف يمتدح الضرب الثالث أن يؤخذ بعض المعنى دون بعض «1» فمن ذلك قول أميّة بن أبي الصّلت يمدح عبد الله بن جدعان «2» : عطاؤك زين لامريء إن حبوته ... ببذل، وما كلّ العطاء يزين «3» وقول أبي تمّام بعده: تدعى عطاياه وفرا وهي إن شهرت ... كانت فخارا لمن يعفوه مؤتنفا ما زلت منتظرا أعجوبة زمنا ... حتّى رأيت سؤالا يجتنى شرفا فأمية بن أبي الصّلت أتى بمعنيين أحدهما أن عطاءك زين، والآخر أن عطاء غيرك ليس بزين، وأبو تمّام أتى بالمعنى الأوّل فقط. ومنه قول عليّ بن جبلة «4» :

الضرب الرابع أن يؤخذ المعنى فيزداد عليه معنى آخر

وأثّل ما لم يحوه متقدّم ... وإن نال منه آخر فهو تابع وقول أبي الطّيّب بعده: ترفّع عن عون المكارم قدره ... فما يفعل الفعلات إلا عذاريا «1» فابن جبلة أتى بمعنيين، أحدهما أنه فعل ما لم يفعله أحد ممن تقدّمه، وإن نال الآخر شيئا فهو مقتد به وتابع له؛ وأبو الطّيّب أتى بالمعنى الأوّل فقط، وهو أنه فعل ما لم يفعله غيره مشيرا إلى ذلك بقوله: فما يفعل الفعلات إلا عذاريا أي يستبكرها ويزيل عذرتها. ومنه قول الآخر: أنتج الفضل أو تخلّ عن الدنيا ... فهاتان غاية الهمم وقول البحتريّ بعده: ادفع بأمثال أبي غالب ... عادية العدم أو استعفف فالبحتريّ اقتصر على بعض المعنى ولم يستوفه. الضرب الرابع أن يؤخذ المعنى فيزداد عليه معنى آخر «2» . قال في «المثل السائر» : وهذا النوع من السّرقات قليل الوقوع بالنسبة إلى غيره. فمن ذلك قول الأخنس بن شهاب:

إذا قصرت أسيافنا كان وصلها ... خطانا إلى أعدائنا فنضارب وقول مسلم بن الوليد بعده: إن قصر الرّمح لم نمش الخطا عددا ... أو عرّد السيف لم نهمم بتعريد أخذ مسلم المعنى الذي أورده الأخنس «1» وهو وصل السلاح إذا قصر بالخطا إلى العدوّ وزاد عليه عدم تعريدهم أي فرارهم إذا عرّد السيف. ومنه قول جرير في وصف أبيات من شعره: غرائب «2» آلاف إذا حان وردها ... أخذن طريقا للقصائد معلما وقول أبي تمام بعده: غرائب «3» لاقت في فنائك أنسها ... من المجد فهي الآن غير غرائب فزاد أبو تمام على جرير قران ذلك بالممدوح ومدحه مع الأبيات. ومنه قول المعذّل بن غيلان «4» : ولست «5» بنظّار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر وقول أبي تمام بعده: يصدّ عن الدّنيا إذا عنّ سودد ... ولو برزت في زيّ عذراء ناهد

الضرب الخامس أن يؤخذ المعنى فيكسى عبارة أحسن من العبارة الأولى

فزاد عليه قوله: ولو برزت في زيّ عذراء ناهد ومما اتفق لي نظمه في هذا الباب أنه لما عمّرت مدرسة «1» الظاهر برقوق بين القصرين بالقاهرة المحروسة، وكان القائم بعمارتها الأمير جركس الخليليّ أميراخور «2» الظاهريّ، وكان قد اعتمد بناءها بالصّخور العظيمة التي لا تقلّها الجمال حملا، ولا تحمل إلا على العجل الخشب، فأولع الشعراء بالنظم في هذا المعنى؛ فنظم بعض الشعراء أبياتا عرّض فيها بذكر الخليليّ وقيامه في عمارتها، ثم قال في آخرها: وبعض خدّامه طوعا لخدمته ... يدعو الصّخور فتأتيه على عجل وألزمني بعض الإخوان بنظم شيء في المعنى، فوقع لي أبيات من جملتها: وبالخليليّ قد راجت عمارتها ... في سرعة بنيت من غير ما مهل كم أظهرت عجبا أسواط حكمته ... وقد غدت مثلا ناهيك من مثل وكم صخور تخال الجنّ تنقلها ... فإنّها بالوحا تأتي وبالعجل فزدت عليه ذكر الوحا الذي معناه السرعة أيضا وصار مطابقا لما يأتي به المعزّمون في عزائمهم من قولهم: الوحا الوحا العجل العجل مع ما تقدّم له من التوطئة بقولي: تخال الجنّ تنقلها. على أني لست من فرسان هذا الميدان، ولا من رجال هذا الوغى. الضرب الخامس أن يؤخذ المعنى فيكسى عبارة أحسن من العبارة الأولى ؛ قال في «المثل

السائر» : وهذا هو المحمود الذي يخرج به حسنه عن باب السرقة؛ فمن ذلك قول أبي تمام: إنّ الكرام كثير في البلاد وإن ... قلّوا كما غيرهم قلّ وإن كثروا أخذه البحتريّ فقال: قلّ الكرام فصار يكثر فذّهم ... ولقد يقلّ الشيء حتّى يكثرا ومنه قول أبي نواس: يدلّ على ما في الضّمير من الفتى ... تقلّب عينيه إلى شخص من يهوى «1» وقول أبي الطيب بعده: وإذا خامر الهوى قلب صبّ ... فعليه لكلّ عين دليل ومنه قول أبي العلاء بن سليمان «2» في مرثيّة: وما كلفة البدر المنير قديمة ... ولكنّها في وجهه أثر اللّطم وقول القيسرانيّ «3» بعده: وأهوى الّذي يهوي له البدر ساجدا ... ألست ترى في وجهه أثر التّرب ومنه قول ابن الروميّ: إذا شنأت عين امريء شيب نفسه ... فعين سواه بالشّناءة أجدر وقول من بعده:

الضرب السادس أن يؤخذ المعنى ويسبك سبكا موجزا

إذا كان شيبي بغيضا إليّ ... فكيف يكون إليها حبيبا الضرب السادس أن يؤخذ المعنى ويسبك سبكا موجزا ، قال في «المثل السائر» : وهو من أحسن السرقات: لما فيه من الدلالة على بسطة الناظم في القول وسعة باعه في البلاغة، فمن ذلك قول أبي تمام: برّزت في طلب المعالي واحدا ... فيها تسير مغوّرا أو منجدا عجبا بأنّك سالم من وحشة ... في غاية ما زلت فيها مفردا وقول ابن الرومي بعده: غرّبته الخلائق الزّهر في النّا ... س وما أوحشته بالتّعريب فأخذ معنى البيتين في بيت واحد، ومنه قول أبي العتاهية: وإنّي لمعذور على فرط حبّها ... لأنّ لها وجها يدلّ على عذري أخذه أبو تمام فقال: له وجه إذا أبصرته ... ناجاك عن عذري فأوجز في هذا المعنى غاية الإيجاز؛ ومنه قول أبي تمام يمدح أحمد بن سعيد: كانت مساءلة الرّكبان تخبرني ... عن أحمد بن سعيد أطيب الخبر حتّى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذني بأحسن مما قد رأى بصري أخذه أبو الطيب فأوجز في أخذه فقال: وأستكبر الأخبار قبل لقائه ... فلمّا التقينا صغّر الخبر الخبر «1»

الضرب السابع زيادة البيان مع المساواة في المعنى

ومن قول بعض الشعراء: أمن خوف فقر تعجّلته ... وأخّرت إنفاق ما تجمع؟ فصرت الفقير وأنت الغنيّ ... وما كنت تعدو الذي تصنع أخذه أبو الطيب فقال: ومن ينفق الساعات في جمع ماله ... مخافة فقر فالذي فعل الفقر «1» الضرب السابع زيادة البيان مع المساواة في المعنى ، بأن يؤخذ المعنى فيضرب له مثال يوضحه، فمن ذلك قول أبي تمام: هو الصّنع إن يعجل فنفع وإن يرث ... فللرّيث في بعض المواطن أنفع أخذه أبو الطيب فقال: ومن الخير بطء سيبك عنّي ... أسرع السّحب في المسير الجهام فزاده وضوحا بضرب المثال له بالجهام وهو السحاب الذي لا مطر فيه. ومنه قول أبي تمام أيضا: قد قلصت شفتاه من حفيظته ... فخيل من شدّة التّعبيس مبتسما أخذه أبو الطيب فقال: وجاهل مدّه في جهله ضحكي ... حتّى أتته يد فرّاسة وفم

الضرب الثامن اتحاد الطريق واختلاف المقصود

إذا رأيت نيوب اللّيث بارزة ... فلا تظنّنّ أنّ اللّيث مبتسم «1» فضرب له مثالا بظهور أنياب الليث فزاده وضوحا. ومنه قول أبي تمام أيضا: وكذاك لم تفرط كآبة عاطل ... حتّى يجاورها الزّمان بحال أخذه البحتريّ فقال: وقد زادها إفراط حسن جوارها ... لأخلاق أصفار من المجد خيّب وحسن دراريّ الكواكب أن ترى ... طوالع في داج من اللّيل غيهب فضرب له مثالا بالكواكب في ظلام الليل فأوضحه وزاده حسنا. الضرب الثامن اتحاد الطريق واختلاف المقصود ، مثل أن يسلك الشاعران طريقا واحدة فتخرج بهما إلى موردين، وهناك يتبين فضل أحدهما على الآخر. فمن ذلك قول النابغة: إذا ما غزا بالجيش حلّق فوقه ... عصائب طير يهتدي بعصائب جوانح قد أيقنّ أنّ قبيله ... إذا ما التقى الجمعان أوّل غالب وهذا المعنى قد توارده الشعراء قديما وحديثا وأوردوه بضروب من العبارات، فقال أبو نواس: يتوخّى الطّير غزوته ... ثقة باللّحم من جزره وقال مسلم بن الوليد: قد عوّد الطّير عادات وثقن بها ... فهنّ يتبعنه في كلّ مرتحل

الضرب التاسع

وقال أبو تمام: وقد ظلّلت عقبان أعلامه ضحى ... بعقبان طير في الدّماء نواهل «1» أقامت مع الرّايات حتّى كأنّها ... من الجيش إلا أنها لا تقاتل «2» وكل هؤلاء قد أتوا بمعنى واحد لا تفاضل بينهم فيه إلا من جهة حسن السبك أو من جهة الإيجاز. قال: ولم أر أحدا أغرب في هذا المعنى فسلك هذا الطريق مع اختلاف مقصده إلا مسلم بن الوليد فقال: أشربت أرواح العدا وقلوبها ... خوفا فأنفسها إليك تطير لو حاكمتك فطالبتك بذحلها «3» ... شهدت عليك ثعالب ونسور فهذا قد فضل به مسلم غيره في هذا المعنى، ولما انتهى الأمر إلى أبي الطيب سلك هذه الطريق التي سلكها من تقدّمه، إلا أنه خرج فيها إلى غير المقصد الذي قصدوه فأغرب وأبدع، وحاز الإحسان بجملته، وصار كأنه مبتدع لهذا المعنى دون غيره فقال: سحاب من العقبان يزحف تحتها ... سحاب إذا استسقت سقتها صوارمه «4» فحوى طرفي الإغراب والإعجاب. الضرب التاسع بياض بالأصل «5» .

الضرب العاشر أن يكون المعنى عاما فيجعل خاصا أو خاصا فيجعل عاما

الضرب العاشر أن يكون المعنى عامّا فيجعل خاصّا أو خاصّا فيجعل عامّا ، وهو من السرقات التي يسامح صاحبها؛ فأما جعل العامّ خاصّا فمن ذلك قول الأخطل: لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم «1» أخذه أبو تمام فقال: أألوم من بخلت يداه وأغتدي ... للبخل تربا ساء ذاك صنيعا فالأخطل نهى عن الإتيان بما ينهى عنه مطلقا فجاء بالخلق منكّرا فجعله شائعا في بابه، وأبو تمام خصّص ذلك بالبخل وهو خلق واحد من جملة الأخلاق. وأما جعل الخاص عامّا، فمن ذلك قول أبي تمام: ولو حاردت شول عذرت لقاحها ... ولكن منعن الدّرّ والضّرع حافل «2» أخذه أبو الطيب فجعله عامّا فقال: وما يؤلم الحرمان من كفّ حارم ... كما يؤلم الحرمان من كفّ رازق الضرب الحادي عشر قلب الصورة القبيحة إلى صورة حسنة . قال في «المثل السائر» : وهذا لا

الضرب الثاني عشر قلب الصورة الحسنة إلى صورة قبيحة

يسمى سرقة بل يسمّى إصلاحا وتهذيبا، فمن ذلك قول أبي نواس في أرجوزة يصف فيها اللّعب بالكرة والصّولجان فقال من جملتها: جنّ على جنّ وإن كانوا بشر ... كأنّما خيطوا عليها بالإبر أخذه المتنبي فقال: فكأنّها نتجت قياما تحتهم ... وكأنّهم خلقوا على صهواتها «1» فهذا في غاية العلوّ والارتقاء بالنسبة إلى قول أبي نواس، ومنه قول أبي الطّيب: لو كان ما تعطيهمو من قبل أن ... تعطيهمو لم يعرفوا التّأميلا وقول ابن نباتة السعديّ: لم يبق جودك لي شيئا أؤمّله ... تركتني أصحب الدّنيا بلا أمل فكلام ابن نباتة أحسن في الصورة من كلام المتنبي هنا وإن كان مأخوذا منه «2» . الضرب الثاني عشر قلب الصورة الحسنة إلى صورة قبيحة ، وهو الذي يعبّر عنه أهل هذه الصناعة بالمسخ، وهو من أرذل السرقات وأقبحها، فمن ذلك قول أبي تمام:

المسلك الثاني طريقة الاختراع

فتى لا يرى أنّ الفريصة مقتل ... ولكن يرى أنّ العيوب مقاتل أخذه أبو الطيب فمسخه فقال: يرى أنّ ما بان منك لضارب ... بأقتل ممّا بان منك لعائب ومنه قول عبد السلام بن رغبان «1» : نحن نعزّيك ومنك الهدى ... مستخرج والصّبر مستقبل أخذه أبو الطيب فمسخه فقال من أبيات: وبألفاظك أهتدي فإذا عزّا ... ك قال الّذي له قلت قبلا «2» المسلك الثاني طريقة الاختراع قال الوزير ضياء الدين بن الأثير في «المثل السائر» : فهي ألّا يتصفح كتابة المتقدّمين ولا يطّلع على شيء منها، بل يصرف همّته إلى حفظ القرآن الكريم وكثير من الأخبار النبوية وعدّة من دواوين فحول الشعراء ممن غلب على شعره الإجادة في المعاني والألفاظ، ثم يأخذ في الاقتباس من القرآن والأخبار النبوية والأشعار فيقوم ويقع، ويخطىء ويصيب، ويضلّ ويهتدي، حتّى يستقيم إلى طريق يفتتحها لنفسه؛ وأخلق بتلك الطريق أن تكون مبتدعة غريبة لا شركة لأحد من المتقدّمين فيها! قال: وهذه الطريق هي طريق الاجتهاد وصاحبها يعدّ إماما في الكتابة كما يعدّ الشافعيّ وأبو حنيفة ومالك وغيرهم من المجتهدين في علم الفقه، إلا أنها مستوعرة جدا، لا يستطيعها إلا من رزقه الله تعالى لسانا هجّاما، وخاطرا

الأصل السادس وجود الطبع السليم، وخلو الفكر عن المشوش

رقّاما «1» . قال: ولا أريد بهذا الطريق أن يكون الكاتب مرتبطا في كتابته بما يستخرجه من القرآن الكريم والأخبار النبوية والأشعار، بحيث أنه لا ينشيء كتابا إلا في ذلك، بل أريد أنه إذا حفظ القرآن الكريم، وأكثر من حفظ الأخبار النبوية والأشعار، ثم نقّب عن ذلك تنقيب مطّلع على معانيه، مفتش على دفائنه، وقلبه ظهرا لبطن، عرف حينئذ من أين تؤكل الكتف فيما ينشئه من ذات نفسه، واستعان بالمحفوظ على الغريزة الطبيعية. على أنه لا بدّ للكاتب المرتقي إلى درجة الاجتهاد في الكتابة مع حفظ القرآن الكريم، والاستكثار من حفظ الأخبار النبوية، والأشعار المختارة، من العلم بأدوات الكتابة وآلات البيان: من علم اللغة، والتصريف، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع، ليتمكن من التصرف في اقتباس المعاني واستخراجها فيرقى إلى درجة الاجتهاد في الكتابة؛ كما أن المجتهد من الفقهاء إذا عرف أدوات الاجتهاد: من آيات الأحكام، وأحاديثها، ونعتها، وعرف النحو والناسخ والمنسوخ من الكتاب والسّنّة، والحساب والفرائض وإجماع الصحابة، وغير ذلك من آلات الاجتهاد وأدواته، استخرج بفكره حينئذ ما يؤديه إليه اجتهاده؛ فالمجتهد في الكتابة يستخرج المعاني من مظانّها من القرآن الكريم، والأخبار النبوية، والأشعار، والأمثال، وغير ذلك بواسطة آلة الاجتهاد، كما أن المجتهد في الفقهيات يستخرج الأحكام من نصوص الكتاب والسنة بواسطة آلة الاجتهاد. فإذا أراد الكاتب المتصف بصفة الاجتهاد في الكتابة إنشاء خطبة أو رسالة أو غيرهما مما يتعلق بفنّ الانشاء بياض بالأصل. الأصل السادس وجود الطبع السليم، وخلو الفكر عن المشوش أما وجود الطبع فقال في «موادّ البيان» : أوّل معاون هذه الصناعة الجليلة

القريحة الفاضلة، والغريزة الكاملة، التي هي مبدأ الكمال، ومنشأ التمام، والأساس الذي يبنى عليه، والركن الذي يستند إليه، فإن المرء قد يجتهد في تحصيل الآداب، ويتوفّر على اقتناء العلوم واكتسابها، وهو مع ذلك غير مطبوع على تأليف الكلام فلا يفيده ما اكتسبه، بخلاف المطبوع على ذلك، فإنه وإن قصّر في اقتباس العلوم واكتساب الموادّ فقد يلحق بأوساط أهل الصناعة؛ وذلك أن الطبع يخص الله تعالى به المطبوع دون المتطبّع، والمناسب بغزيرته للصناعة دون المتصنّع، ولا سبيل إلى اكتساب سهولة الطبع ولا كزازته «1» ، بل هو موهبة تخصّ ولا تعمّ، وتوجد في الواحد وتفقد في الآخر. قال ابن أبي الأصبع في «تحرير التحبير» «2» : ومن الناس من يكون في البديهة أبدع منه في الرّوية، ومن هو مجيد في الرّوية وليست له بديهة، وقلّما يتساويان. ومنهم من إذا خاطب أبدع، وإذا كاتب قصّر، ومن هو بضدّ ذلك، ومن قوي نثره ضعف نظمه، ومن قوي نظمه ضعف نثره، وقلما يتساويان. وقد يبرّز الشاعر في معنى من مقاصد الشعر دون غيره من المقاصد، ولهذا قيل: أشعر الناس امرؤ القيس إذا ركب، وزهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، وعنترة إذا كلب «3» ، والأعشى إذا طرب. قال في «المثل السائر» : بل ربما نفذ في بعض أنواع الشعر دون بعض، فيرى مجيدا في المدح دون الهجو أو بالعكس، أو ماهرا في المقامات ونحوها دون الرسائل، أو في بعض الرسائل دون بعض. قال ابن أبي الأصبع: ولربما واتاه العمل في وقت دون وقت؛ ولذلك قال الفرزدق: إني ليمرّ عليّ الوقت ولقلع ضرس من أضراسي أيسر عليّ من قول الشعر، ولذلك عزّ تأليف الكلام ونظمه على كثير من العلماء باللغة، والمهرة في معرفة حقائق الألفاظ، من حيث نبوّ طباعهم عن تركيب بسائط الكلام الذي قامت صور معانيه في نفوسهم،

وصعب الأمر عليهم في تأليفه ونظمه، فقد حكي أن الخليل بن أحمد مع تقدّمه في اللغة، ومهارته في العربية، واختراعه علم العروض، الذي هو ميزان شعر العرب، لم يكن يتهيأ له تأليف الألفاظ السهلة لديه الحاصلة المعاني في نفسه على صورة النظم إلا بصعوبة ومشقّة، وكان إذا سئل عن سبب إعراضه عن نظم الشعر يقول يأباني جيّده وآبى رديئه، مشيرا بذلك إلى أن طبعه غير مساعد له على التأليف المرضيّ الذي تحسن نسبته إلى مثله. وقيل للمفضّل الضّبيّ «1» : ألا تقول الشعر وأنت أعلم الناس به؟ فقال: علمي به يمنعني من قوله، وأنشد: أبى الشّعر إلا أن يفيء رديئه ... عليّ ويأبى منه ما كان محكما فيا ليتني إن لم أجد حوك وشيه ... ولم أك من فرسانه كنت مفحما وأنشد أبو عبيدة خلفا الأحمر «2» شعرا له فقال اخبأ هذا كما تخبأ السّنّورة حاجتها، مع ما كان عليه أبو عبيدة من العلم باللغة وشعر العرب وأمثالها وأيام حروبها، وما يجري مجرى ذلك من موادّ تأليف الكلام ونظمه. ويحكى عن أبي العباس المبرّد «3» أنه قال: لا أحتاج إلى وصف نفسي: لأن الناس يعلمون أنه ليس أحد بين الخافقين تختلج في نفسه مسألة مشكلة إلا لقيني بها وأعدّني لها، فأنا عالم ومعلّم، وحافظ ودارس، ولا يخفى عليّ مشتبه من الشعر، والنحو، والكلام المنثور، والخطب، والرسائل، ولربما احتجت الى اعتذار من فلتة، أو التماس حاجة، فأجعل المعنى الذي أقصد نصب عيني ثم لا أجد سبيلا إلى التعبير عنه بيد

الأمر الأول صفاء الزمان

ولا لسان، ولقد بلغني أن عبيد الله بن سليمان «1» ذكرني بجميل فحاولت أن أكتب إليه رقعة أشكره فيها وأعرّض ببعض أموري، فأتعبت نفسي يوما في ذلك فلم أقدر على ما أرتضيه منها، وكنت أحاول الإفصاح عما في ضميري فينحرف لساني إلى غيره، ولذلك قيل: زيادة المنطق على الأدب خدعة، وزيادة الأدب على المنطق هجنة. فقد تبين لك أن العبرة وبالطبع وأنه الأصل المرجوع إليه في ذلك؛ على أن الطبع بمفرده لا ينهض بالمقصود من ذلك نهوضه مع اشتماله على الموادّ المساعدة له على ذلك من الأنواع السابقة فيما تقدّم في أوّل هذه المقالة، من العلم باللغة والنحو والتصريف والمعاني والبيان والبديع، وحفظ كتاب الله تعالى، والإكثار من حفظ الأحاديث النبوية، والأمثال والشعر والخطب، ورسائل المتقدّمين وأيام العرب وما يجري مجرى ذلك مما يكون مساعدا للطبع، ومسهّلا طريق التأليف والنظم، بل يتفاوت في العلوّ والهبوط بحسب التفاوت في ضعف المساعد من ذلك وقوّته؛ إذ معرفته هذه الأمور قائمة من الإنشاء مقام المادة، والطبع قائم منه مقام الآلة، فلا يتم الفعل وإن قامت الصورة في نفس الصانع ما لم توحد المادّة والآلة جميعا، ولو كان حصول المادّة كافيا في التوصل إلى حسن التأليف الذي هو نظم الألفاظ المتناسبة وتطبيقها على المعاني المساوية لكانت صناعة الكلام المؤلّف من الرسائل والخطب والأشعار سهلة، والمشاهد بخلاف ذلك، لقصور الأفاضل عن بلوغ هذه الدرجة. وأما خلوّ الفكر عن المشوّش فإنه يرجع إلى أمرين: الأمر الأوّل صفاء الزمان فقد قال أبو تمام الطائيّ في وصيته لأبي عبادة البحتريّ مرشدا له للوقت

الأمر الثاني صفاء المكان

المناسب لذلك: تخيّر الأوقات وأنت قليل الهموم، صفر من الغموم، واعلم أن العادة في الأوقات إذا قصد الإنسان تأليف شيء أو حفظه أن يختار وقت السّحر، فإن النفس تكون قد أخذت حظها من الراحة، وقسطها من النوم، وخفّ عنها ثقل الغذاء، وصفا الدّماغ من أكثر الأبخرة والأدخنة، وسكنت الغماغم «1» ، ورقّت النسائم، وتغنّت الحمائم. وخالف ابن أبي الأصبع في اختيار وقت السحر، وجنح إلى اختيار وسط الليل أخذا من قول أبي تمّام في قصيدته البائية: خذها ابنة الفكر المهذّب في الدّجى ... واللّيل أسود رقعة الجلباب مفسرا للدّجى بوسط الليل، محتجّا لذلك بأنه حينئذ تكون النفس قد أخذت حظها من الراحة، ونالت قسطها من النوم، وخفّ عنها ثقل الغذاء، فيكون الذّهن حينئذ صحيحا، والصدر منشرحا، والبدن نشيطا، والقلب ساكنا، بخلاف وقت السحر فإنه وإن كان فيه يرقّ النسيم وينهضم الغذاء، إلا أنه يكون قد انتبه فيه أكثر الحيوانات، الناطق وغيره، ويرتفع معظم الأصوات، ويجري الكثير من الحركات، وينقشع بعض الظّلماء بطلائع أوائل الضوء، وربنا انهضم عن بعض الناس الغذاء فتحرّكت الشهوة لإخلاف ما انهضم منه وخرج من فضلاته، فكان ذلك داعيا الى شغل الخاطر، وباعثا على انصراف الهمّ إلى تدبير الحدث الحاضر، فيتقسم الفكر، ويتذبذب القلب، ويتفرّق جميع الهمّ، بخلاف وسط الليل فإنه خال من جميع ذلك. الأمر الثاني صفاء المكان وذلك بأن يكون المكان الذي هو فيه خاليا من الأصوات، عاريا عن

المقصد الثاني من الطرف الثالث في بيان طرق البلاغة ووجوه تحسين الكلام،

المخوفات والمهولات والطوارق، وأن يكون مع ذلك مكانا رائقا معجبا، رقيق الحواشي، فسيح الأرجاء، بسيط الرّحاب، غير غمّ ولا كدر، فإن انضمّ إلى ذلك ما فيه بسط للخاطر: من ماء وخضرة وأشجار وأزهار وطيب رائحة، كان أبسط للفكر وأنجح للخاطر. وقد ذهب بعضهم إلى أنه ينبغي خلوّ المكان من النقوش الغريبة، والمرائي المعجبة، فإنها وإن كانت مما ينشّط الخاطر فإن فيها شغلا فيتبعه القلب فيتشتّت. المقصد الثاني من الطرف الثالث في بيان طرق البلاغة ووجوه تحسين الكلام، وكيفية إنشائه وتأليفه، وتهذيبه، وتأديته، وبيان ما يستحسن من الكلام المصنوع، وما يعاب به أما إنشاؤه وتأليفه فقد قال ابن أبي الأصبع في «تحرير التحبير» : يجب على كل من كان له ميل إلى عمل الشعر وإنشاء النثر أن يتعهد أوّلا نفسه ويمتحنها بالنظر في المعاني، وتدقيق الفكر في استنباط المخترعات؛ فإذا وجد لها فطرة سليمة، وجبلّة موزونة، وذكاء وقّادا، وخاطرا سمحا، وفكرا ثاقبا، وفهما سريعا، وبصيرة مبصرة، وألمعيّة مهذّبة، وقوة حافظة، وقدرة حاكية، وهمة عالية، ولهجة فصيحة، وفطنة صحيحة، أخذ حينئذ في العمل، وإن كان بعض ذلك غير لازم لرب الإنشاء، ولا يضطرّ إليه أكثر الشعراء، ولكن إذا كملت هذه الصفات في الكاتب والشاعر، كان موصوفا في هذه الصناعة بكمال الأوصاف النفيسة. قال أبو هلال العسكري في «الصناعتين» : إذا أردت أن تصنع كلاما فأخطر معانيه ببالك، ونقّ له كرائم اللفظ فاجعلها على ذكر منك ليقرب عليك تناولها، ولا يتعبك تطلّبها، واعمله ما دمت في شباب نشاطك، فإذا غشيك الفتور، وتخوّنك الملال، فأمسك، فإن الكثير مع الملال قليل، والنفيس مع الضّجر خسيس، والخواطر كالينابيع يسقى منها شيء بعد شيء، فتجد حاجتك من

الرّيّ، وتنال أربك من المنفعة، فإذا أكثرت عليها نضب ماؤها، فقلّ عنك غناؤها. وينبغي أن تخرج مع الكلام معارضه، فإذا مررت بلفظ حسن أخذت برقبته، أو معنى بديع تعلقت بذيله. وتحرّز أن يسبقك فإنه إن سبقك تعبت في تطلّبه، ولعلك لا تلحقه على طول الطلب، ومواصلة الدّأب، وهذا الشاعر يقول: إذا ضيّعت أوّل كلّ شيء «1» ... أبت أعجازه إلّا التواء وقد قالوا: ينبغي لصانع الكلام ألا يتقدّم الكلام تقدّما، ولا يتتبع ذناباه تتبّعا، ولا يحمله على لسانه حملا، فإنه إن تقدّم الكلام لم يتبعه خفيفه وهزيله وأعجفه والشارد منه، وإن تتبعه فاتته سوابقه ولواحقه، وتباعدت عنه جياده وغرره، وإن حمله على لسانه ثقلت عليه أوساقه وأعباؤه، ودخلت مساويه في محاسنه، ولكنه يجري معه فلا تندّ عنه نادّة تعجبه سمنا إلا كبحها، ولا تتخلف عنه مثقلة هزيلة إلا أرهقها، وطورا يفرّقه ليختار أحسنه، وطورا يجمعه ليقرب عليه خطوة الفكر، ويتناوله من تحت لسانه، ولا يسلّط الملل على قلبه، ولا الإكثار على فكره، فيأخذ عفوه، ويستغزر درّه، ولا يكره آبيا، ولا يدفع آتيا. وإيّاك والتعقيد والتوعّر، فإنّ التوعّر هو الذي يستهلك معانيك، ويشين ألفاظك، ومن أراغ «2» معنى كريما، فليلتمس له لفظا كريما، فإن حقّ المعنى الشريف اللفظ الشريف، ومن حقهما أن يصونهما عما يدنّسهما، ويفسدهما ويهجّنهما، فتصير بهما إلى حدّ تكون فيه أسوأ حالا منك قبل أن تلتمس البلاغة، وترتهن نفسك في ملابستها؛ وليكن لفظك شريفا عذبا، فخما سهلا، ومعناه ظاهرا مكشوفا، وقريبا معروفا؛ فإن وجدت اللفظة لم تقع موقعها، ولم تصل إلى مركزها، ولم تتصل بشكلها، وكانت قلقة في موضعها، نافرة عن مكانها، فلا تكرهها على اغتصاب أماكنها، والنزول في غير أوطانها؛ وإن بليت بتكلف القول، وتعاطي الصناعة، ولم تسمح

لك الطبيعة في أول وهلة، وعصت عليك بعد إجالة الفكر، فلا تعجل ودعه سحابة يومك، ولا تضجر، وأمهله سواد ليلتك، وعاوده عند نشاطك، فإنك لا تعدم الإجابة والمواتاة إن كانت هناك طبيعة، أو جريت من الصناعة على عرف؛ وينبغي أن تعرف أقدار المعاني فتوازن بينها وبين أوزان المستمعين وأقدار الحالات، فتجعل لكل طبقة كلاما، ولكل حال مقاما، حتّى تقسم أقدار المستعمين على أقدار الحالات، فإن المنفعة مع موافقة الحال، وما يجب لكل مقام من المقال «1» . قال في «موادّ البيان» «2» : ويكون استعمال كلّ من جزل الألفاظ وسهلها، وفصيحها وسلسلها وبهجها في موضعه، وأن يسلك في تأليف الكلام الطريق الذي يخرجه عن حكم الكلام المنثور العاطل الذي تستعمله العامّة في المخاطبات والمكاتبات إلى حكم المؤلّف الحالي بحلي البلاغة والبديع، كالاستعارات، والتشبيهات، والأسجاع، والمقابلات، وغيرها من أنواع البديع. قال في «الصناعتين» : وإن عملت رسالة أو خطبة فتخطّ ألفاظ المتكلّمين كالجسم، والجوهر، والعرض، واللون «3» ، والتأليف، واللاهوت، والناسوت، فإن ذلك هجنة. قال في «موادّ البيان» : وذلك بأن يقصد الكاتب إلى ألفاظ الصّناعة فيخرج منها إلى ألفاظ غريبة عن الصناعة غير مجانسة لها. قال: وإنما يؤتي الكاتب في هذا الباب من جهة أن يكون له شركة في صناعة غير الكتابة، كصناعة الفقه والكلام وغيرهما، مثل صناعة أصحاب الإعراب ونحوها؛ فلكل طبقة من هذه الطبقات ألفاظ خاصة بها، يستعملونها فيما بينهم عند المحاورة والخوض في الصناعة؛

ومن عادة الإنسان إذا تعاطى بابا من هذه الأبواب أن يسبق خاطره إلى الألفاظ المتعلّقة به، فيوقعها في الكتب التي ينشئها لغلبة عادة استعماله إياها، فيهجّنها بإدخاله فيها ما ليس من أنواعها. قال في «الصناعتين» : وتخيّر الألفاظ وإبدال بعضها من بعض يوجب التئام الكلام، وهو من أحسن نعوته وأزين صفاته، فإن أمكن مع ذلك انتظامه من حروف سهلة المخارج كان أحسن له، وأدعى للقلوب إليه، وإن اتفق له أن يكون موقعه في الإطناب أو الإيجاز أليق بموقعه، وأحق بالمقام والحال، كان جامعا للحسن، بارعا في الفضل؛ فإن بلغ مع ذلك أن تكون موارده تنبيك عن مصادره، وأوّله يكشف قناع آخره، كان قد جمع نهاية الحسن، وبلغ أعلى مراتب التمام. قال في «موادّ البيان» : وإذا سلكت طريقا فمرّ فيها، ولا تتنازل عنها إن كانت رفيعة، ولا ترتفع عنها إن كانت وضيعة. وخالف ابن أبي الأصبع، فقال: ولا تجعل كل الكلام شريفا عاليا، ولا وضيعا نازلا، بل فصّله تفصيل العقود، فإن العقد إذا كان كله نفيسا لا يظهر حسن فرائده، ولا يبين جمال واسطته، فإن الكلام إذا كان متنوّعا في البلاغة، أفتنت الأسماع فيه، ولا يلحق النفوس ملل من ألفاظه ومعانيه، ولا يخرج عن عرض إلى غيره حتّى يكمل كل ما ينتظم فيه، كما إذا كان ينشيء كتابا في العذل والتوبيخ، فيشوب ألفاظه بألفاظ أخرى تخرج عن الخشونة إلى اللّين، فإن اختلاف رقعة الكلام من أشدّ عيوبه. قال في «الصناعتين» : ولا تجعل لفظك حوشيّا بدويّا، ولا مبتذلا سوقيّا، ورتّب الألفاظ ترتيبا صحيحا، فتقدّم منها ما يحسن تقديمه، وتؤخر منها ما يحسن تأخيره؛ ولا تقدّم منها ما يكون التأخير به أحسن، ولا تؤخر ما كان التقديم به أليق، ولا تكرر الكلمة الواحدة في كلام قصير، كما كتب سعيد بن حميد: «ومثّل خادمك بين يديه ما يملك فلم يجد شيئا يفي بحقّك، ورأى أن تقريظك بما يبلغه اللسان وإن كان مقصرا عن حقك أبلغ في أداء ما يجب لك» . فكرر ذكر الحق مرتين في مقدار يسير. على أن أبا جعفر النحاس قد ذكر في «صناعة الكتاب» أنّ

ذلك ليس بعيب عند كثير من أهل العربية، وهو الحق، فقد وقع مثل ذلك من التكرير في القرآن الذي هو أفصح كلام، وآنق نظام، في قوله تعالى: وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ «1» فكرر ذكر الميزان ثلاث مرات في مقدار يسير من الكلام، وأمثاله في القرآن الكريم كثير. قال في «الصناعتين» : فإن احتاج إلى إعادة المعاني أعادها بغير اللفظ الذي ابتدأ به كما قال معاوية: «من لم يكن من بني عبد المطلب جواد فهو دخيل، ومن لم يكن من بني الزّبير شجاعا فهو لزيق، ومن لم يكن من بني المغيرة تيّاها فهو سنيد» . فقال: دخيل، ثم قال: لزيق، ثم قال: سنيد، والمعنى واحد، والكلام على ما ترى حسن؛ ولو قال لزيق ثم أعاد لسمج. على أن الوزير ضياء الدين بن الأثير في «المثل السائر» قد ذكر ما ينافي ذلك، وتعقّب أبا إسحاق الصابي في قوله في تحميدة كتاب: الحمد لله الذي لا تدركه الأعين بألحاظها، ولا تحدّه الألسن بألفاظها، ولا تخلقه العصور بمرورها، ولا تهرمه الدّهور بكرورها؛ وقوله بعد ذلك في الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم: لم ير للكفر أثرا إلّا طمسه ومحاه، ولا رسما إلا أزاله وعفّاه؛ فقال لا فرق بين مرور العصور، وكرور الدهور؛ وكذلك لا فرق بين محو الأثر وإعفاء الرسم؛ ويحتمل أن يقال إنما كره صاحب «المثل السائر» ذلك لتوافق القرينتين في جميع المعنى بخلاف كلام معاوية فإنه متوافق في اللفظة الأخيرة فقط. قال في «الصناعتين» : وتجنّب كلّ ما يكسب الكلام تعمية كما كتب سعيد ابن حميد يذكر مظلمة إنسان في كتابه: لفلان- وله بي حرمة- مظلمة، يريد لفلان مظلمة وله بي حرمة، بمعنى أنه راعى حرمته. قال: واعلم أن الذي يلزمك في تأليف الرسائل والخطب هو أن تجعلها مزدوجة فقط ولا يلزمك فيها

السجع، فإن جعلتها مسجوعة كان أحسن ما لم يكن في سجعك استكراه وتنافر وتعقيد؛ وكثيرا ما يقع ذلك في السجع، وقلّما يسلم إذا طال من استكراه وتنافر. قال ابن أبي الأصبع: ولا تجعل كلامك كلّه مبنيّا على السجع فتظهر عليه الكلفة، ويتبيّن فيه أثر المشقّة، وتتكلّف لأجل السجع ارتكاب المعنى الساقط، واللفظ النازل؛ وربما استدعيت كلمة للقطع رغبة في السجع فجاءت نافرة من أخواتها، قلقة في مكانها. بل اصرف كلّ النظر إلى تجويد الألفاظ وصحة المعاني، واجهد في تقويم المباني، فإن جاء الكلام مسجوعا عفوا من غير قصد، وتشابهت مقاطعه من غير كسب كان، وإن عزّ ذلك فاتركه وإن اختلفت أسجاعه، وتباينت في التقفية مقاطعه، فقد كان المتقدّمون لا يحتفلون بالسّجع جملة، ولا يقصدونه إلا ما أتت به الفصاحة في أثناء الكلام، واتّفق من غير قصد ولا اكتساب؛ وإنما كانت كلماتهم متوازية، وألفاظهم متساوية، ومعانيهم ناصعة، وعبارتهم رائعة، وفصولهم متقابلة، وجمل كلامهم متماثلة؛ وتلك طريقة الإمام علي رضي الله عنه ومن اقتفى أثره من فرسان الكلام، كابن المقفّع، ويزيد بن هارون «1» ، وإبراهيم بن العباس «2» ، والحسن بن سهل «3» ، وعمرو بن مسعدة «4» ، وأبي عثمان الجاحظ، وغيرهم من الفصحاء البلغاء. قال في «موادّ البيان» : وأقلّ ما يكون من الازدواج قرينتان. قال في «الصناعتين» : وينبغي أن يجتنب إعادة حروف الصّلات والرباطات في موضع واحد إذا كتب، في مثل قول القائل له منه عليه، أو عليه منه،

أو به له منه، وحقه له عليه. قال: وسبيله أن يداويه حتّى يزيله، بأن يفصل ما بين الحرفين مثل أن يقول: أقمت به شهداء عليه، كقول المتنبي: وتسعدني في غمرة بعد غمرة ... سبوح لها منها عليها شواهد «1» قال ابن أبي الأصبع: وليراع الإيجاز في موضعه، والإطناب في موضعه، بحسب ما يقتضيه المقام، ويتجنّب الإسهاب والتطويل غير المفيد. قال العسكري: وينبغي أن يأتي في تأليفه الكلام بآيات من الكتاب العزيز في الأمور الجليلة للترصيع والتحلية، والاستشهاد للمعاني على ما يقع في موقعه، ويليق بالمكان الذي يوقع فيه، ولكنه لا يستكثر منه حتّى يكون هو الغالب على كلامه، تنزيها لكلام الله تعالى عن الابتذال، فإنه إنما يستعمله على جهة التبرّك والزينة، لا ليجعل حشوا في الكلام؛ وإذا استعير منه شيء أتي به على صورته؛ ولا ينقله عن صيغته، ليسلم من تحريفه، ومخالفة اختيار الله تعالى فيه. قال: وكما لا يجوز الإكثار منه لا يجوز أن يخلّي كلامه من شيء منه تحلية له، فإن خلوّ الكلام من القرآن يطمس محاسنه، وينقص بهجته؛ ولذلك كانوا يسمّون الخطبة الخالية من القرآن بتراء. وينبغي ألّا يستعمل في كتابته ما جاء به القرآن العظيم من الحذف ومخاطبة الخاص بالعامّ، والعامّ بالخاص، والجماعة بلفظ الواحد، والواحد بلفظ الجماعة، وما يجري هذا المجرى، لأن القرآن قد نزل بلغة العرب، وخوطب به فصحاؤهم بخلاف الرسائل. قال في «الصناعتين» : لا يجوز أن يستعمل فيها ما يختص بالشّعر من صرف ما لا ينصرف، وحذف ما لا يحذف، وقصر الممدود، ومدّ المقصور، والإخفاء في موضع الإظهار، وتصغير الاسم في موضع تكبيره، إلا أن يريد تصغير

التعظيم كقول القائل: «أنا جذيلها المحكّك، وعذيقها المرجّب» «1» . ومما يستحسن من وصية أبي تمام لأبي عبادة البحتريّ في الشعر مما لا يستغني الناثر عن المعرفة به، والنّسج على منواله: لأنه يجب أن يناسب بين الألفاظ والمعاني في تأليف الكلام، ويكون كخيّاط يقدّر الثياب على قدر الأجسام، وأن يجعل شهوته لتأليف الكلام هي الذّريعة إلى حسن نظمه، فإنّ الشهوة نعم المعين، ويعتبر كلامه بما سلف من كلام الماضين، فما استحسنه العلماء فليقصده، وما استقبحوه فليجتنبه، وينبغي أن يعمل السجعات مفرّقة بحسب ما يجود به الخاطر، ثم يرتبها في الآخر ويحترز عند جمعها من سوء الترتيب، ويتوخّى حسن النسق عنه التهذيب، ليكون كلامه بعضه آخذا بأعناق بعض، فإنه أكمل لحسنه، وأمثل لرصفه؛ وأن يجيد المبدأ والمخلص والمقطع، ويميز في فكره محط الرسالة قبل العمل، فإنه أسهل للقصد؛ ويجتهد في تجويد هذه المواضع وتحسينها؛ ويوضّح معانيه ما استطاع. قلت: وقد سبق في أوّل هذه المقالة في بيان ما يحتاج إليه الكاتب من الأدوات وذكر أنواعها بيان كيفية الاقتباس من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية والاستشهاد بها، وكيفيّة حل الشعر إلى النثر، وتضمينه في خلال الكلام المنثور وما يجري هذا المجرى، فأغنى عن إعادته هنا. وأما بيان ما يستحسن من الكلام المصنوع فقد قال في «الصناعتين» : إن الكلام يحسن بسلاسته وسهولته ونصاعته، وتخيّر لفظه، وإصابة معناه، وجودة مطالعه، ولين معاطفه، واستواء تقاسيمه وتعادل أطرافه وتشبّه أعجازه بهواديه،

وموافقة أواخره لمباديه، مع قلّة ضروراته بل عدمها أصلا، حتّى لا يكون لها في الألفاظ أثر، فتجد المنظوم مثل المنثور في سهولة مطلعه، وجودة مقطعه، وحسن رصفه وتأليفه، وكمال صوغه وتركيبه؛ فإذا كان الكلام قد جمع العذوبة والجزالة والسّهولة والرّصانة مع السّلاسة والنّصاعة، واشتمل على الرّونق والطّلاوة، وسلم من ضعف التأليف، وبعد من سماجة التركيب، صار بالقبول حقيقا، وبالتحفّظ خليقا؛ فإذا ورد على السمع المصيب استوعبه ولم يمجّه، والنفس تقبل اللطيف، وتنبو عن الغليظ، وتقلق عن الجاسي «1» البشع؛ وجميع جوارح البدن وحواسّه تسكن إلى ما يوافقه وتنفر عما يضادّه ويخالفه؛ والعين تألف الحسن، وتقذى بالقبيح؛ والأنف يرتاح للطّيب ويعاف المنتن؛ والفم يلتذّ بالحلو، ويمجّ المرّ؛ والسمع يتشوّق للصوت الرائع، وينزوي عن الجهير الهائل؛ واليد تنعم بالليّن، وتتأذّى بالخشن؛ والفهم يأنس من الكلام بالمعروف، ويسكن إلى المألوف، ويصغى إلى الصواب، ويهرب من المحال، وينقبض عن الوخم «2» ، ويتأخّر عن الجافي الغليظ، ولا يقبل الكلام المضطرب إلا الفهم المضطرب والرويّة الفاسدة. قال: وليس الشأن في إيراد المعاني لأن المعاني يعرفها العربيّ والأعجميّ، والقرويّ والبدويّ، وإنما هو في جودة اللفظ وصفائه، وحسنه وبهائه، ونزاهته ونقائه، وكثرة طلاوته ومائه، وصحة السبك والتركيب، والخلوّ من أود «3» النظم والتأليف؛ وليس يطلب من المعنى إلا أن يكون صوابا، ولا يقنع من اللفظ بذلك حتّى يكون على ما وصف من نعوته التي تقدّمت. ألا ترى أن الخطب الرائعة، والأشعار الرائقة، لم تعمل لإفهام المعاني فقط، لأن الرديء من الألفاظ يقوم مقام الجيد منها في الإفهام؛ وإنما يدلّ حسن الكلام، وإحكام صنعته، ورونق ألفاظه، وجودة مقاطعه، وبديع مباديه، وغريب مبانيه، على فضل قائله ومنشيه. وأيضا فإن

الكلام إذا كان لفظا حلوا عذبا وسطا دخل في جملة الجيد، وجرى مع الرائع النادر. وأحسن الكلام ما تلاءم نسجه ولم يسخف، وحسن نظمه ولم يهجن، ولم يستعمل فيه الغليظ من الكلام فيكون خلقا بغيضا، ولا السّوقيّ من الألفاظ فيكون مهلهلا دونا، ولا خير في المعاني إذا استكرهت قهرا، والألفاظ إذا أجبرت قسرا؛ ولا خير فيما أجيد لفظه إلا مع وضوح المغزى وظهور المقصد. قال: وقد غلب على قوم الجهل فصاروا يستجيدون الكلام إذا لم يقفوا على معناه إلا بكدّ، ويستفصحونه إذا وجدوا ألفاظه كزّة غليظة، وجاسية غريبة، ويستحقرون الكلام إذا رأوه سلسا عذبا، وسهلا حلوا؛ ولم يعلموا أن السهل أمنع جانبا، وأعزّ مطلبا، وهو أحسن موقعا، وأعذب مستمعا؛ ولهذا قيل أجود الكلام السهل الممتنع. وقد وصف الفضل بن سهل عمرو بن مسعدة فقال: هو أبلغ الناس، ومن بلاغته أنّ كلّ أحد يظنّ أنه يكتب مثل كتبه، فإذا رامها تعذّرت عليه؛ وأنشد إبراهيم بن العبّاس لخاله العبّاس بن الأحنف: إن قال لم يفعل وإن سيل لم ... يبذل وإن عوتب لم يعتب «1» صبّ بعصياني ولو قال لي ... لا تشرب البارد لم أشرب ثم قال «2» : هذا والله الشعر الحسن المعنى، السهل اللفظ، العذب المستمع، القليل النظير، العزيز الشبيه، المطمع الممتنع، البعيد مع قربه، الصّعب مع سهولته، قال فجعلنا نقول: هذا الكلام والله أحسن من شعره. وقيل لبعضهم «3» : ألا تستعمل الغريب في شعرك؟ فقال: ذلك عيّ في زماني، وتكلّف منّي لو قلته، وقد رزقت طبعا واتساعا في الكلام، فأنا أقول ما يعرفه الصغير والكبير، ولا يحتاج إلى تفسير.

وقال أبو داود: رأس الخطابة الطبع، وعمودها الدربة، وجناحاها رواية الكلام، وحليها الإعراب، وبهاؤها تخيّر الألفاظ، والمحبة مقرونة بقلة الاستكراه، وما كان من الكلام لفظه سهلا ومعناه مكشوفا بيّنا فهو من جملة الرديء المردود، لا سيما إذا ارتكبت فيه الضرورات؛ فأما الجزل المختار من الكلام، فهو الذي تعرفه العامة إذا سمعته، ولا تستعمله في محاوراتها؛ وأجود الكلام ما كان سهلا جزلا، لا ينغلق معناه، ولا يستبهم مغزاه، ولا يكون مكدودا مستكرها، ومتوعّرا متقعّرا؛ ويكون بريئا من الغثاثة، عاريا من الرّثاثة. فمن الجزل الجيّد من النثر قول سعيد بن حميد: وأنا من لا يحاجّك عن نفسه، ولا يغالطك عن جرمه، ولا يلتمس رضاك إلا من جهته، ولا يستدعي برّك إلا من طريقته، ولا يستعطفك إلا بالإقرار بالذنب، ولا يستميلك إلا بالاعتراف بالجرم؛ نبت بي عنك غرّة «1» الحداثة وردّتني إليك الحنكة، وباعدتني منك الثقة بالأيّام، وقادتني إليك الضرورة، فإن رأيت أن تستقبل الصنيعة بقبول العذر، وتجدّد النعمة باطّراح الحقد، فإنّ قديم الحرمة وحديث التوبة يمحقان ما بينهما من الإساءة؛ وإن أيام القدرة وإن طالت قصيرة، والمتعة بها وإن كثرت قليلة، فعلت إن شاء الله تعالى. وأجزل منه قول الشعبيّ للحجاج وقد أراد قتله لخروجه عليه مع ابن الأشعث: أجدب بنا الجناب «2» ، وأحزن بنا المنزل فاستحلسنا «3» الحذر، واكتحلنا السّهر، وأصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء. فعفا عنه. ومن النظم قول المرّار: لا تسألي القوم عن مالي وكثرته ... قد يقتر المرء يوما وهو محمود

المقصد الثالث في بيان مقادير الكلام ومقتضيات إطالته وقصره

أمضي على سنّة من والدي سلفت ... وفي أرومته «1» ما ينبت العود فهذا وإن لم يكن من كلام العامة فإنهم يعرفون الغرض منه ويقفون على أكثر معانيه لحسن ترتيبه وجودة نسجه. قال في «الصناعتين» : أما إذا كان لفظ الكلام غثّا، ومعرضه رثّا، فإنه يكون مردودا، ولو احتوى على أجلّ معنى وأنبله، وأرفعه وأفضله، كقول القائل: أرى رجالا بأدنى الدّين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيش بالدّون فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما اس ... تغنى الملوك بدنياهم عن الدّين قال: فهو لا يدخل في جملة المختار، ومعناه كما ترى جميل، فاضل جليل، وأما الجزل الرديء الفجّ الذي ينبغي ترك استعماله فقد مر في الكلام على الغريب الحوشيّ. المقصد الثالث في بيان مقادير الكلام ومقتضيات إطالته وقصره اعلم أن الكلام المصنوع من الخطب والمكاتبات، والولايات وغيرها على ثلاثة ضروب: الضرب الأوّل الإيجاز وهو جمع المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة، وعليه ورد أكثر آي القرآن الكريم، فمن ذلك قوله تعالى في مفتتح سورة الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ . انتظم فيه خلق السموات والأرض وسائر المخلوقات لم يشذّ عنه شيء، في أوجز لفظ وأقربه وأسهله؛ ومنه قوله تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ

الضرب الثاني الإطناب

استوعب جميع الأشياء على الاستقصاء في كلمتين لم يخرج عنهما شيء؛ وقوله أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ «1» فدخل تحت الأمن جميع المحبوبات لأنه نفى به أن يخافوا شيئا من الفقر والموت وزوال النّعمة والجور وغير ذلك؛ وقوله: لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ «2» جمع منافع الدنيا والآخرة؛ وقوله في صفة خمر أهل الجنة: لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ «3» انتظم بقوله: وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ عدم ذهاب العقل وذهاب المال ونفاد الشراب، فلم يكن فيها شيء من ذلك؛ وقوله: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ «4» فجمع فيها مكارم الأخلاق بأسرها، لأنّ في العفو صلة القاطعين، وإعطاء المانعين؛ وفي الأمر بالمعروف تقوى الله تعالى، وصلة الرحم، وصون اللسان عن الكذب، وغض الطّرف عن المحرّمات، والتبرّي من كل قبيح، إذ لا يأمر بالمعروف من هو ملابس شيئا من المنكر؛ إلى غير ذلك من الآيات التي لا تحصى كثرة. ومن كلام النبوة قوله صلّى الله عليه وسلّم: «نيّة المرء خير من عمله» وقوله عليه السلام: «حبّك الشّيء يعمي ويصمّ» إلى غير ذلك من جوامع الكلم. الضرب الثاني الإطناب وهو الإشباع في القول، وترديد الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد. وقد وقع منه الكثير في الكتاب العزيز، مثل قوله تعالى: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ «5» وقوله جلّ وعزّ: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً «6»

الضرب الثالث المساواة

كرر اللفظ في الموضعين تأكيدا للأمر وإعلاما أنه كذلك لا محالة. وقوله: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ «1» فكرر إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ من حيث إن الكفر وإن تعدّدت أقسامه لا يخرج عن تعطيل أو شرك، ففي قوله: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ نفي التّعطيل بإثبات الإله، وفي قوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ* حيث عدّد فيها نعمه، وأذكر عباده آلاءه، ونبّههم على قدرها، وقدرته عليها، ولطفه فيها، وجعلها فاصلة بين كلّ نعمة ونعمة، تنبيها على موضع ما أسداه إليهم فيها، وكذلك كرّر في سورة المرسلات: فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ* تأكيدا لأمر القيامة المذكورة فيها. وقد وقع التكرار للتأكيد في كلام العرب كثيرا كما في قول الشاعر: أتاك أتاك اللّاحقون أتاكا «2» وقول الآخر: كم نعمة كانت لكم كم كم وكم إلى غير ذلك مما وقع في كلامهم مما لا تأخذه الإحاطة. الضرب الثالث المساواة بأن تكون الألفاظ بإزاء المعاني في القلة والكثرة لا يزيد بعضها على بعض. وقد مثل له العسكريّ في «الصناعتين» بقوله تعالى: حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ «3» وقوله: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ «4» وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزال أمّتي بخير ما لم تر الأمانة مغنما، والزّكاة مغرما» وقوله: «إيّاك والمشارّة، فإنها تميت

الغرّة وتحيي العرّة» «1» وقول بعض الكتّاب: سألت عن خبري وأنا في عافية لا عيب فيها إلا فقدك، ونعمة لا مزيد فيها إلا بك. وقول آخر: وقد علّمتني نبوتك سلوتك، وأسلمني يأسي منك إلى الصّبر عنك. وقول آخر: فتولّى الله النعمة عليك وفيك، وتولّى إصلاحك والإصلاح بك، وأجزل من الخير حظّك والحظّ منك، ومنّ عليك وعلينا بك. وقول الشاعر: أهابك إجلالا وما بك قدرة ... عليّ ولكن ملء عين حبيبها وما هجرتك النّفس أنّك عندها ... قليل ولا أن «2» قلّ منك نصيبها إذا علمت ذلك فقد اختلف البلغاء في أيّ الثلاثة أبلغ وأولى بالكلام، فذهب قوم إلى ترجيح الإيجاز، محتجّين له بأنّه صورة البلاغة وأن ما تجاوز مقدار الحاجة من الكلام فضلة داخلة في حيّز اللّغو والهذر، وهما من أعظم أدواء الكلام، وفيهما دلالة على بلادة صاحب الصّناعة وغباوته، وقد قال الأمين محمد بن الرشيد: عليكم بالإيجاز فإن له إفهاما، وللإطالة استبهاما. وقال جعفر ابن يحيى لكتابه: إن قدرتم على أن تجعلوا كتبكم توقيعات فافعلوا. وقال بعضهم: البلاغة بالإيجاز أنجع من البيان بالإطناب، وقيل لبعضهم: ما البلاغة؟ قال: الإيجاز. وقيل لابن حازم لم لا تطيل القصائد؟ فأنشد: أبى لي أن أطيل الشّعر قصدي ... إلى المعنى وعلمي بالصّواب وإيجازي بمختصر قريب ... حذفت به الفضول من الجواب وذهبت طائفة إلى أن الإطناب أرجح، واحتجّوا لذلك بأن المنطق إنما هو بيان، والبيان لا يحصل إلا بإيضاح العبارة، وإيضاح العبارة لا يتهيأ إلا بمرادفة الألفاظ على المعنى حتّى تحيط به إحاطة يؤمن معها من اللبس والإبهام، وإنّ

الكلام الوجيز لا يؤمن وقوع الإشكال فيه، ومن ثم لم يحصل على معانيه إلا خواصّ أهل اللّغة العارفين بدلالات الألفاظ، بخلاف الكلام المشبع الشافي فإنه سالم من الالتباس لتساوي الخاصّ والعامّ في جهته، ويؤيد ذلك ما حكي أنه قيل لقيس بن خارجة: ما عندك في جمالات ذات حسن «1» ؟ قال: عندي قرى كل نازل، ورضا كلّ ساخط، وخطبة من لدن تطلع الشمس إلى أن تغرب، آمر فيها بالتواصل، وأنهى عن التقاطع؛ فقيل لأبي يعقوب الجرميّ «2» هلّا اكتفى بقوله آمر فيها بالتواصل عن قوله: «وأنهى عن التقاطع» ؟ فقال: أو ما علمت أن الكتابة والتعريض لا تعمل عمل الإطناب والتكشّف؟ ألا ترى أن الله تعالى إذا خاطب العرب والأحزاب «3» أخرج الكلام مخرج الإشارة والوحي وإذا خاطب بني إسرائيل أو حكى عنهم جعل الكلام مبسوطا؟ وقلما تجد قصة لبني إسرائيل في القرآن إلا مطوّلة مشروحة، ومكررة في مواضع معادة لبعد فهمهم، وتأخّر معرفتهم، بخلاف الكلام المشبع الشافي فإنه سالم من الالتباس لتساوي الخاصّ والعامّ في فهمه. وذهبت فرقة إلى ترجيح مساواة اللفظ المعنى، واحتجوا لذلك بأن منزع الفضيلة من الوسط دون الأطراف، وأن الحسن إنما يوجد في الشيء المعتدل. قال في «موادّ البيان» : والذي يوجبه النظر الصحيح أن الإيجاز والإطناب والمساواة صفات موجودة في الكلام ولكل منها موضع لا يخله فيه رديفه، إذا وضع فيه انتظم في سلك البلاغة ودلّ على فضل الواضع، وإذا وضع غيره دلّ على نقص الواضع وجهله برسوم الصّناعة. فأما الكلام الموجز فأنه يصلح لمخاطبة الملوك، وذوي الأخطار العالية،

والهمم المستقيمة، والشؤون السنيّة، ومن لا يجوز أن يشغل زمانه بما همّته مصروفة إلى مطالعة غيره. وأما الإطناب فإنه يصلح للمكاتبات الصادرة في الفتوحات ونحوها مما يقرأ في المحافل، والعهود السلطانية، ومخاطبة من لا يصل المعنى إلى فهمه بأدنى إشارة. وعلى ذلك يحمل ما كتبه المهلّب بن أبي صفرة إلى الحجّاج في فتح الأزارقة من الخوارج والظهور عليهم على ارتفاع خطر هذا الفتح وطول زمانه وبعد صيته، فإنه كتب فيه: «الحمد لله الذي كفى بالإسلام قصد ما سواه، وجعل الحمد متصلا بنعماه، وقضى ألّا ينقطع المزيد وحيله، حتّى ينقطع الشكر من خلفه؛ ثم إنا كنا وعدوّنا على حالتين مختلفتين نرى منهم ما يسرّنا أكثر مما يسرّهم، ويرون منا ما يسوءهم أكثر مما يسرّهم، فلم يزل ذلك دأبنا ودأبهم، ينصرنا الله ويخذلهم، ويمحّصنا ويمحقهم، حتّى بلغ الكتاب بناديهم أجله فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «1» . فإن الذي حمله على الاختصار في هذا الكتاب إنما هو كونه إلى السلطان الذي من شأنه اختصار المكاتبات التي تكتب إليه، بخلاف ما لو كتب به عن السلطان إلى غيره، فإنه يتعين فيه بسط القول وإطالته على ما سيأتي ذكره في أوّل المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى. وأما مساواة اللفظ للمعنى فإنه يصلح لمخاطبة الأكفاء والنّظراء والطّبقة الوسطى من الرؤساء. فكما أن هذه المرتبة متوسّطة بين طرفي الإيجاز والإطناب، كذلك يجب أن تخصّ بها الطبقة الوسطى من الناس. قال: أما لو استعمل كاتب ترديد الألفاظ ومرادفتها على المعنى في المكاتبة إلى ملك مصروف الهمة إلى أمور كثيرة متى انصرف منها إلى غيرها دخلها الخلل، لرتّب كلامه في غير رتبه، ودلّ على جهله بالصناعة. وكذا لو بنى على الإيجاز كتابا يكتبه في فتح جليل الخطر، حسن الأثر، يقرأ في المحافل والمساجد الجامعة على رؤوس الأشهاد من العامّة

ومن يراد منه تفخيم شأن السلطان في نفسه، لأوقع كلامه في غير موقعه، ونزّله في غير منزلته، لأنه لا أقبح ولا أسمج من أن يستنفر الناس لسماع كتاب قد ورد من السلطان في بعض عظائم أمور المملكة أو الدّين، فإذا حضر الناس كان الذي يمرّ على أسماعهم من الألفاظ واردا مورد الإيجاز والاختصار لم يحسن موقعه وخرج من وضع البلاغة لوضعه في غير موضعه. قلت: وما ذكرته من الأصول والقواعد التي تبنى عليها صنعة الكلام هو القدر اللازم الذي لا يسع الكاتب الجهل بشيء منه، ولا يسمح بإخلاء كتاب مصنّف في هذا الفنّ منه. أما المتمّمات التي يكمل بها الكاتب، من المعرفة بعلوم البلاغة ووجوه تحسين الكلام من المعاني والبيان والبديع، فإن فيها كتبا مفردة تكاد تخرج عن الحصر والإحصاء، فاقتضى الحال من المتقدّمين للتصنيف في هذا الفنّ أن قد قصروا تصانيفهم على علوم البلاغة وتوابعها كالوزير ضياء الدين بن الأثير في «المثل السائر» وأبي هلال العسكريّ في «الصناعتين» والشيخ شهاب الدين محمود الحلبي في «حسن التوسل» «1» كما تقدّمت الإشارة إليه في مقدّمة الكتاب، فليطلب ذلك من مظانّه من هذه الكتب وغيرها، إذ هذا الكتاب إنما يذكر فيه ما يشق طلبه من كتب متفرّقة، وتصانيف متعدّدة، أو يكون في المصنّف الواحد منه النّبذة غير الكافية، ولا يجتمع منه المطلوب إلا من كشف الكثير من المصنّفات المتفرّقة في الفنون المختلفة.

الفصل الثالث من الباب الأول من المقالة الأولى في معرفة الأزمنة والأوقات من الأيام والشهور والسنين على اختلاف الأمم فيها

الفصل الثالث من الباب الأوّل من المقالة الأولى في معرفة الأزمنة والأوقات من الأيام والشهور والسنين على اختلاف الأمم فيها ، وتفاصيل أجزائها، والطرق الموصلة إليها، ومعرفة أعياد الأمم، وفيه أربعة أطراف الطرف الأوّل في الأيام وفيه ست جمل الجملة الأولى في مدلول اليوم ومعناه، وبيان ابتداء الليل والنهار وقد اختلف الناس في مدلول اليوم على مذهبين: المذهب الأوّل (وهو مذهب أهل الهيئة) - أنّ اليوم عبارة عن زمان جامع لليل والنهار، مدّته ما بين مفارقة الشمس نصف دائرة عظيمة ثابتة الموضع بالحركة الأولى إلى عودها إلى ذلك النصف بعينه، وأظهر هذه الدوائر الأفق وفلك نصف النهار. والحذّاق من المنجّمين يؤثرون فلك نصف النهار على الأفق بسولة تحصل بذلك في بعض أعمالهم؛ لأن اختلاف دوائره في سائر الأوقات اختلاف واحد؛ وبعضهم يؤثر استعمال الأفق لأن الطلوع منه والغروب فيه أظهر للعيان، وهو الموافق لما نحن فيه. ثم منهم من يقدّم الليل فيفتتح اليوم بغروب الشمس ويختم بغروبها من اليوم القابل، وعلى ذلك عمل المسلمين وأهل الكتاب، وهو مذهب العرب، لأن شهورهم مبنية على مسير القمر، وأوائلها مقدّرة برؤية الهلال. ومنهم من يقدّم النهار على الليل فيفتتح اليوم بطلوع الشمس ويختم بطلوعها من اليوم القابل، وهو مذهب الروم والفرس. ويحكى أن الاسكندر سأل بعض الحكماء عن الليل والنهار أيّهما قبل

المذهب الثاني (وهو مذهب الفقهاء)

صاحبه فقال: هما في دائرة واحدة، والدائرة لا يعلم لها أوّل ولا آخر، ولا أعلى ولا أسفل. المذهب الثاني (وهو مذهب الفقهاء) - أن اليوم عبارة عن النهار دون الليل، حتّى لو قال لزوجته: أنت طالق يوم يقدم فلان فقدم ليلا لم يقع الطلاق على الصحيح. ثم القائلون بذلك نظروا إلى الليل والنهار باعتبارين: طبيعيّ، وشرعيّ. أما الطبيعيّ فالليل من لدن غروب الشمس واستتارها بحدبة الأرض إلى طلوعها وظهورها من الأفق، والنهار من طلوع نصف قرص الشمس من المشرق إلى غيبوبة نصفها في الأفق في المغرب، وسائر الأمم يستعملونه كذلك. وأما الشرعيّ- فالليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني، وهو المراد بالخيط الأبيض من قوله تعالى: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ «1» والنهار من الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وبذلك تتعلق الأحكام الشرعية من الصوم والصلاة وغيرهما. واعلم أن الشمس في الليل تكون غائبة تحت الأرض، فإذا قربت منا في حال غيبتها أحسسنا بضيائها المحيط «2» بظل الأرض الذي هو الليل، وهذا الضياء طليعة أمامها يطلع في السّحر بياض مستطيل مستدقّ الأعلى، وهو الفجر الكاذب إذ لا حكم له في الشريعة، ويشبّه بذنب السّرحان لانتصابه واستطالته ودقّته، ويبقى مدة ثم يزداد هذا الضوء إلى أن يأخذ طولا وعرضا وينبسط في عرض الأفق، وهو الفجر الثاني ويسمّى الصادق، وعليه تترتب جميع الأحكام الشرعية المتعلقة بالفجر، وبعده يحمرّ الأفق لاقتراب الشمس وسطوع ضيائها على المدوّرات الغربية من الأرض، ويتبعه الطلوع، وعند غروبها ينعكس الحكم في

الجملة الثانية في اختلاف الليل والنهار بالزيادة والنقصان والاستواء باختلاف الأمكنة واعلم أن البلاد والنواحي على قسمين:

الترتيب المتقدّم فيبقى الأفق محمرّا من جهة المغرب بعد الغروب، ثم تزول الحمرة ويبقى البياض الذي هو نظير الفجر الصادق، وبالحمرة حكم صلاة العشاء عند الشافعية وبالبياض حكمها عند الحنفية، ثم يزداد البياض ضعفا شيئا فشيئا إلى أن يغيب، ثم يتبعه البياض المستطيل المنتصب نظير الفجر الكاذب مدّة من الليل ثم يذهب، وهذا لا حكم له في الشرعيات. والهند لا يعدّون الفجر ولا الشّفق من الليل ولا من النهار، ويجعلونهما قسما مستقلّا، وهذا في غاية البعد لأن الله تعالى قسم الزمان إلى ليل ونهار ولم يذكر معهما سواهما. الجملة الثانية في اختلاف الليل والنهار بالزيادة والنقصان والاستواء باختلاف الأمكنة واعلم أن البلاد والنواحي على قسمين: القسم الأوّل ما يستوي فيه الليل والنهار أبدا، لا يختلفان بزيادة ولا نقصان وذلك في البلاد التي لا عرض لها وهي ما مرّ عليه خط الاستواء؛ والعلة في التّساوي هي أن أصحاب الهيئة لما توهموا أن بين قطبي فلك البروج دائرة عظمى تقسم سطح السماء نصفين على السّواء وسمّوها دائرة معدّل النهار، وتوهموا أيضا في موازاتها دائرة أخرى تقسم سطح الأرض نصفين وسمّوها دائرة الاستواء وخط الاستواء؛ وكل بلد يمرّ عليه هذا الخط لا عرض له، وذلك لانقسام الكرة فيه وطلوع الشمس أبدا على رؤوس ساكنيه، وميلها في ناحيتي الشمال والجنوب بقدر واحد، ودوائر الأوقات تقطع جميع الدوائر الموازية لدائرة معدّل النهار بنصفين نصفين، فيكون قوس النهار وهو الزمان الذي من طلوع الشمس إلى غروبها مساويا لقوس الليل وهو الزمان الذي من غروب الشمس إلى طلوعها، فيكون الليل والنهار متساويين أبدا في هذه المواضع في جميع السنة.

القسم الثاني ما يختلف فيه الليل والنهار في السنة بالاستواء والزيادة والنقصان، وهي البلاد ذوات العروض

القسم الثاني ما يختلف فيه الليل والنهار في السنة بالاستواء والزيادة والنّقصان، وهي البلاد ذوات العروض والعلّة في الزيادة والنّقصان أن المواضع التي تميل عن خطّ الاستواء إلى الشمال، تميل في كل موضع منها دائرة معدّل النهار إلى الجنوب وتنحطّ الشمس ويرتفع القطب الشماليّ من الأفق ويصير للبلد عرض بحسب ذلك الارتفاع، وبقدر بعده عن الخطّ. وإذا مالت الدائرة قطعت الآفاق كلّ دائرة من الدوائر الموازية لها بقطعتين مختلفتين، فيكون ما فوق الأرض من قسميها أعظم من الذي تحتها، لأن القطب لما ارتفع ارتفعت الدوائر الشمالية فظهر من كل واحدة أكثر من نصفها، وانحط مدار الشمس عن سمت الرأس إلى جهة الجنوب فبعد مشرق الصيف عن مشرق الشتاء فطال النهار وقصر الليل، وكلما زاد ارتفاع القطب في الأقاليم زاد الاختلاف الذي هو بين هذه القطع إلى أن تكون نهاية الأطوال حيث يكون ارتفاع القطب اثنتي عشرة درجة ونصفا وربعا وهو أوّل المعمور، اثنتي عشرة ساعة ونصفا وربعا؛ وحيث يكون ارتفاعه تسعا وعشرين درجة وهو آخر الاقليم الثاني، ثلاث عشرة ساعة ونصفا وربعا، وحيث يكون ارتفاعه ثلاثا وثلاثين درجة ونصفا وهو آخر الإقليم الثالث أربع عشرة ساعة وربعا، وحيث يكون ارتفاعه تسعا وثلاثين درجة وهو آخر الإقليم الرابع أربع عشرة ساعة ونصفا وربعا؛ وحيث يكون ارتفاعه ثلاثا وأربعين درجة ونصفا وهو آخر الإقليم الخامس خمس عشرة ساعة وربعا، وحيث يكون ارتفاعه سبعا وأربعين درجة وهو آخر الإقليم السادس خمس عشرة ساعة ونصفا وربعا، وحيث يكون ارتفاعه خمسين درجة وهو آخر الإقليم السابع ست عشرة ساعة وربعا. ولا يزال اختلاف مطالع البروج يزداد بالامعان في الشمال ويتسع شرقا المنقلبين ويتقاربان مع مغربيهما إلى أن يلتقيا في العرض المساوي لتمام الميل الأعظم، وهو حيث يكون ارتفاع القطب ستّا وستين درجة؛ وفي هذا الموضع

يكون قطب فلك البروج في دوره يمرّ على سمت الرؤوس، ويكون أوّل السّرطان فقط ظاهرا فوق الأرض أبدا، ومدار أوّل الجدي فقط غائبا أبدا، فيكون مقدار النهار الأطول أربعا وعشرين ساعة لا ليل فيه. ويعرض في هذه المواضع عند موازاة قطب فلك البروج سمت الرؤوس أن دائرة فلك البروج تنطبق حينئذ على دائرة الأفق، فيكون أوّل الحمل في المشرق، وأوّل الميزان في المغرب، وأول السّرطان في الأفق الشماليّ، وأوّل الجدي في الأفق الجنوبيّ. فاذا صار قطب فلك البروج والأفق نصفين وارتفع النصف الشرقيّ من فلك البروج وانخفض النصف الغربيّ فيطلع حينئذ ستة بروج دفعة واحدة، وهي من أول الجدي إلى آخر الجوزاء، وكذلك تغرب الستة الباقية دفعة واحدة. وحيث يكون ارتفاع القطب سبعا وستين درجة وربعا فهناك يكون مدار ما بين النصف من الجوزاء إلى النصف من السّرطان ظاهرا فوق الأرض أبدا، وما بين النصف من القوس إلى النصف من الجدي غائبا أبدا، فيكون مقدار شهر من شهور الصيف نهارا كله لاليل فيه، وشهر من الشتاء ليلا كله لا نهار فيه، والعشرة الأشهر الباقية من السنة كلّ يوم وليلة أربعا وعشرين ساعة. وحيث يكون ارتفاع القطب تسعا وستين درجة ونصفا وربعا فهناك يكون مدار برجي الجوزاء والسّرطان ظاهرا فوق الأرض، ومدار برجي القوس والجدي غائبا تحت الأرض أبدا، ولذلك يكون مقدار شهرين من الصيف نهارا كله، وشهرين من الشتاء ليلا كلّه. وحيث يكون ارتفاع القطب ثلاثا وسبعين درجة يكون ما بين النصف من الثور إلى النصف من الأسد ظاهرا أبدا والأجزاء «1» النظيرة لها غائبة أبدا، فيكون مقدار ثلاثة أشهر من الصيف نهارا كلّه، وثلاثة أشهر من الشتاء ليلا كلّه. وحيث يكون ارتفاع القطب ثماني وسبعين درجة ونصفا فهناك يكون مدار الثور والجوزاء والسّرطان ظاهرا أبدا والبروج النظيرة لها غائبة أبدا، فيكون أربعة أشهر من الصيف نهارا كلّه وأربعة أشهر من الشتاء ليلا كلّه. وحيث

الجملة الثالثة في معرفة زيادة الليل والنهار ونقصانهما بتنقل الشمس في البروج

يكون ارتفاع القطب أربعا وثمانين درجة فهناك يكون مدار ما بين النصف من الحمل إلى النصف من السّنبلة ظاهرا أبدا والبروج النظيرة لها غائبة أبدا فيكون خمسة أشهر من الصيف نهارا كلّه وخمسة أشهر من الشتاء ليلا كلّه. ومما يعرض في هذه المواضع التي تقدّم ذكرها أنه إذا كان قطب فلك البروج في دائرة نصف النهار مما يلي الجنوب كان أوّل الحمل في المشرق وأوّل الميزان في المغرب، وتكون البروج الشمالية ظاهرة أبدا فوق الأرض والجنوبيّة غائبة تحتها، وهناك يطلع ما له طلوع من آخر الفلك فيما بين الجدي والسّرطان منكوسا، فيطلع الثور قبل الحمل، والحمل قبل الحوت، والحوت قبل الدلو، وكذلك تغرب نظائرها منكوسة. وحيث يكون ارتفاع القطب تسعين درجة فيصير على سمت الرأس فهناك تكون دائرة معدّل النهار منطبقة على الأفق أبدا، ويكون دور الفلك رحويّا «1» موازيا للأفق، ويكون نصف السماء الشمالي عن معدّل النهار ظاهرا أبدا فوق الأرض والنصف الجنوبيّ غائبا تحتها، فلذلك اذا كانت الشمس في البروج الشمالية، كانت طالعة تدور حول الأفق ويكون أكثر ارتفاعها عنه بمقدار ميلها عن معدّل النهار، وإذا كانت في البروج الجنوبية، كانت غائبة أبدا فتكون السنة هناك يوما واحدا ستة أشهر ليلا وستة أشهر نهارا، ولا يكون لها طلوع ولا غروب. فظهر من هذا أن حركة الفلك بالنسبة للآفاق إمّا دولابيّة، وهي في خط الاستواء، وإما حمائلية، وهي في الآفاق المائلة عنه، وإما رحويّة، وهي في المواضع التي ينطبق فيها قطب العالم على سمت الرأس؛ فسبحان من أتقن ما صنع! الجملة الثالثة في معرفة زيادة الليل والنهار ونقصانهما بتنقّل الشمس في البروج اعلم أن للشمس حركتين: سريعة وبطيئة.

أما السريعة فحركة فلك الكلّ بها في اليوم والليلة من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق، وتسمّى الحركة اليوميّة. وأما الحركة البطيئة فقطعها فلك البروج في سنة شمسيّة من الجنوب إلى الشمال ومن الشّمال إلى الجنوب، ولتعلم أن جهة المشرق وجهة المغرب لا تتغيّر ان في أنفسهما بل جهة المشرق واحدة وكذلك جهة المغرب، وإن اختلفت مطالعهما. قال تعالى رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ* «1» أي جهة الشّروق وجهة الغروب في الجملة، إلا أن الشمس لها غاية ترتفع إليها في الشّمال، ولتلك الغاية مشرق ومغرب وهو مشرق الصيف ومغربه، ومطلعها حينئذ بالقرب من مطلع السّماك الرامح «2» ، ولها غاية تنحطّ إليها في الجنوب، ولتلك الغاية أيضا مشرق ومغرب: وهو مشرق الشتاء ومغربه، ومطلعها حينئذ القرب من مطلع بطن العقرب، وهذان المشرقان والمغربان هما المراد بقوله تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ «3» وبين هاتين الغايتين مائة وثمانون مشرقا، ويقابلها مائة وثمانون مغربا، ففي كل يوم تطلع من المشرق غير الذي تطلع فيه بالأمس، وتغرب في مغرب غير الذي تغرب فيه بالامس. وذلك قوله تعالى: بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ «4» ونقطة الوسط بين هاتين الغايتين وهي التي يعتدل فيها الليل والنهار، يسمّى مطلع الشمس فيها مشرق الاستواء، ومغرب الاستواء، ومطلعها حينئذ بالقرب من مطلع السماك الأعزل «5» . وقد قسّم علماء الهيئة ما بين غاية الارتفاع وغاية الهبوط اثني عشر قسما،

قالوا: والمعنى في ذلك أن الشمس في المبدإ الأوّل لما سارت مسيرها الذي جعله الله خاصّا بها قطعت دور الفلك التاسع في ثلاثمائة وستين يوما، وسميت جملة هذه الأيام سنة شمسية ورسمت بحركتها هذه في هذا الفلك دائرة عظمى على ما توهّمه أصحاب الهيئة، وقسمت هذه الدائرة إلى ثلاثمائة وستين جزءا وسمّوا كلّ جزء درجة، ثم قسمت هذه الدّرج إلى اثني عشر قسما على عدد شهور السنة، وسمّوا كل قسم منها برجا، وجعلوا ابتداء الاقسام من نقطة الاعتدال الربيعيّ: لاعتدال الليل والنهار عند مرور الشمس بهذه النقطة، ووجدوا في كل من قسم هذه الأقسام نجوما تتشكّل منها صورة من الصّور فسمّوا كلّ قسم باسم الصورة التي وجدوها عليه، وكان القسم الأول الذي ابتدأوا به نجوما إذا جمع متفرّقها تشكلت صورة حمل، فسمّوها بالحمل، وكذلك البواقي. قال صاحب «مناهج الفكر» «1» : وذلك في أوّل ما رصدوا، وقد انتقلت الصّور عن أمكنتها على ما زعموا فصار مكان الحمل الثور، وهي تنتقل على رأي بطليموس في ثلاثة آلاف سنة، وعلى رأي المتأخرين في ألفي سنة. إذا علمت ذلك فاعلم أن الدّورة الفلكية في العروض الشّمالية تنقسم إلى ثلاثمائة وستين درجة، كما تقدمت الإشارة إليه؛ والسنة ثلاثمائة وستون يوما منقسمة على الاثني عشر برجا المتقدم ذكرها، لكل برج منها ثلاثون يوما، وتوزّع عليها الخمسة أيام والربع يوم، والليل والنهار يتعاقبان بالزيادة والنّقصان بحسب سير الشمس في تلك البروج، فما نقص من أحدهما زيد في الآخر، وذلك أنها إذا حلّت في رأس الحمل وهي آخذة في الارتفاع إلى جهة الشّمال، وذلك في السابع عشر من برمهات من شهور القبط، ويوافقه الحادي والعشرون من آذار من شهور السّريان، وهو مارس من شهور الروم، والرابع والعشرون من حرداد ماه من شهور الفرس، اعتدل الليل والنهار، فكان كل واحد منهما مائة وثمانين درجة، وهو أحد الاعتدالين في السنة، ويسمى الاعتدال الربيعيّ لوقوعه أوّل زمن الربيع، فيزيد

النهار فيه في كل يوم نصف درجة، وينقص الليل كذلك، فتكون زيادة النهار فيه لمدّة ثلاثين يوما خمس عشرة درجة، ونقص الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمس وتسعين درجة، والليل على مائة وخمس وستين درجة. ثم تنقل إلى الثور فيزيد النهار فيه كلّ يوم ثلث درجة، وينقص الليل كذلك، فتكون زيادة النهار فيه لمدة ثلاثين يوما عشر درجات ونقص الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائتين وخمس درجات، والليل على مائة وخمس وخمسين درجة. ثم تنقل إلى الجوزاء فيزيد النهار فيها كلّ يوم سدس درجة وينقص الليل كذلك، فتكون زيادة النهار فيها لمدة ثلاثين يوما خمس درجات، ونقص الليل كذلك، ويصير النهار آخرها على مائتين وعشر درجات والليل على مائة وخمسين درجة وذلك غاية ارتفاعها في جهة الشمال. وهذا أطول يوم في السنة وأقصر ليلة في السنة. ويسمّى سير الشمس في هذه البروج الثلاثة شماليّا صاعدا لصعودها في جهة الشمال. ثم تنقل الشمس إلى السّرطان وتكرّ راجعة إلى جهة الجنوب، ويسمّى ذلك المنقلب الصيفيّ، وذلك في العشرين من بؤنة من شهور القبط، ويبقى من حزيران من شهور السّريان ويونيه من شهور الروم خمسة أيام، وحينئذ يأخذ الليل في الزيادة والنهار في النقصان، فينقص النهار فيه في كل يوم سدس درجة، ويزيد الليل كذلك، فيكون نقص النهار فيه لمدة ثلاثين يوما خمس درجات، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائتين وخمس درجات، والليل على مائة وخمس وخمسين درجة. ثم تنقل إلى الأسد فينقص النهار فيه كل يوم ثلث درجة، فيكون نقص النهار فيه لمدة ثلاثين يوما عشر درجات، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمس وتسعين درجة، والليل على مائة وخمس وستين درجة.

ثم تنقل 7 لى السّنبلة فينقص النهار فيها كلّ يوم نصف درجة، ويزيد الليل كذلك، فيكون نقص النهار فيها لمدة ثلاثين يوما خمس عشرة درجة، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخرها على مائة وثمانين درجة والليل كذلك، فيستوي الليل والنهار، ويسمّى الاعتدال الخريفيّ: لوقوعه في أوّل الخريف، ويسمّى سير الشمس في هذه البروج الثلاثة شماليّا هابطا لهبوطها في الجهة الشمالية. ثم تنقل إلى الميزان في الثامن عشر من توت من شهور القبط، وهي آخذة في الهبوط، والنهار في النقص والليل في الزيادة، فينقص النهار فيه كلّ يوم نصف درجة، ويزيد الليل كذلك، فيكون نقص النهار فيه لمدّة ثلاثين يوما خمس عشرة درجة، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمس وستين درجة والليل على مائة وخمس وتسعين درجة. ثم تنقل إلى العقرب، فينقص النهار في كل يوم ثلث درجة، ويزيد الليل كذلك، فيكون نقص النهار فيه لمدة ثلاثين يوما عشر درجات، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمس وخمسين درجة، والليل على مائتين وخمس درجات. ثم تنقل إلى القوس، فينقص النهار فيه كلّ يوم سدس درجة، ويزيد الليل كذلك، فيكون نقص النهار فيه لمدة ثلاثين يوما خمس درجات، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمسين درجة، والليل على مائتين وعشر درجات، وهو أقصر يوم في السنة وأطول ليلة في السنة، وذلك غاية هبوطها في الجهة الجنوبية. ويسمّى سير الشمس في هذه البروج جنوبيّا هابطا، لهبوطها في الجهة الجنوبية. ثم تنقل إلى الجدي في السابع عشر من كيهك وتكرّ راجعة، فتأخذ في الارتفاع ويأخذ النهار في الزيادة والليل في النقصان، فيزيد النهار فيه كلّ يوم سدس درجة، وينقص الليل كذلك، فتكون زيادة النهار فيه لمدة ثلاثين يوما خمس درجات ونقص الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمس

الجملة الرابعة في بيان ما يعرف به ابتداء الليل والنهار

وخمسين درجة، والليل على مائتين وخمس درجات. ثم تنقل إلى الدلو، فيزيد النهار فيه كلّ يوم ثلث درجة، وينقص الليل كذلك، فتكون زيادة النهار فيه لمدة ثلاثين يوما عشر درجات ونقص الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمس وستين درجة والليل على مائة وخمس وتسعين درجة. ثم تنقل إلى الحوت، فيزيد النهار فيه كلّ يوم نصف درجة وينقص الليل كذلك، فتكون زيادة النهار فيه لمدة ثلاثين يوما خمس عشرة درجة ونقص الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وثمانين درجة والليل كذلك، فيستوي الليل والنهار وهو رأس الحمل وقد تقدّم. ويسمّى سير الشمس في هذه البروج الثلاثة جنوبيّا صاعدا لصعودها في الجهة الجنوبيّة، وهذا شأنها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. وهذا العمل إنما هو في مصر وأعمالها؛ فإذا اختلفت العروض كان الأمر في الزيادة والنّقصان بخلاف ذلك والله أعلم. تنبيه- إذا أردت أن تعرف الشمس في أي برج من البروج وكم قطعت منه في أيّ وقت شئت، فأقرب الطرق في ذلك أن تعرف الشهر الذي أنت فيه من شهور القبط «1» وتعرف أمسه «2» . الجملة الرابعة في بيان ما يعرف به ابتداء الليل والنهار وقد تقدّم أن النهار الطبيعيّ أوّله طلوع الشمس وآخره غروبها، والنهار الشرعيّ أوله طلوع الفجر الثاني وآخره غروب الشمس؛ فيخالفه في الابتداء

ويوافقه في الانتهاء، وطلوع الشمس وغروبها ظاهر يعرفه الخاصّ والعامّ، أما الفجر فإن أمره خفيّ لا يعرفه كلّ أحد، وقد تقدّم انقسامه إلى كاذب: وهو الأول، وصادق: وهو الثاني، وعليه التعويل في الشرعيات، فيحتاج إلى موضّح يوضّحه ويظهره للعيان، وقد جعل المنجّمون وعلماء الميقات له نجوما تدّل عليه بالطّلوع والغروب والتوسط، وهي منازل القمر، وعدّتها ثمان وعشرون منزلة وهي الشّرطان، والبطين، والثّريّا، والدّبران، والهقعة، والهنعة، والذّراع، والنّثرة، والطّرف، والجبهة، والخرتان، والصّرفة، والعوّاء، والسّماك، والغفر، والزّبانان، والإكليل، والقلب، والشّولة، والنّعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السّعود، وسعد الأخبية، والفرغ المقدّم، والفرغ المؤخّر، وبطن الحوت «1» . والمعنى في ذلك أن الشمس إذا قربت من كوكب من الكواكب الثابتة أو المتحركة سترته وأخفته عن العيون، فصار يظهر «2» نهارا ويختفي ليلا ويكون خفاؤه غيبة له، ولا يزال كذلك خافيا إلى أن تبعد عنه الشمس بعدا يمكن أن يظهر معه للأبصار وهو عند أوّل طلوع الفجر، فإن ضوء الشمس يكون ضعيفا حينئذ فلا يغلب نور الكوكب فيرى الكوكب في الأفق الشرقيّ ظاهرا، وحصة كل منزلة من هذه المنازل من السنة ثلاثة عشر يوما وربع سبع يوم ونصف ثمن سبع يوم على التقريب كما سيأتي «3» على المنازل الثمانية والعشرين، خص كل منزلة ما ذكر من العدد والكسور، ولما كان الأمر كذلك جعل لكل منزلة ثلاثة عشر يوما، وهي ثلاث عشرة درجة من درج الفلك، وجمع ما فضل من الكسور على كل ثلاثة عشر يوما بعد انقضاء أيام المنازل الثمانية والعشرين، فكان يوما وربعا، فجعل يوما في المنزلة التي توافق آخر السنة وهي الجبهة فكان حصتها أربعة عشر يوما، وبقي ربع

يوم ونسيء أربع سنين حتّى صار يوما فزيد على الجبهة أيضا، فكانت كواكب المنازل المذكورة تطلع مع الفجر، منها أربعة عشر يوما ثلاث سنين، وفي السنة الرابعة تطلع بالفجر خمسة عشر يوما. فأما الشّرطان وهما المنزلة الأولى، فأوّل طلوعهما بالفجر في الثالث والعشرين من برمودة من شهور القبط، وهو الثامن عشر من نيسان من شهور السّريان «1» . وأما البطين وهو المنزلة الثانية، فأوّل طلوعه بالفجر في السادس من بشنس من شهور القبط، وهو أوّل يوم من أيّار من شهور السّريان. وأما الثّريّا وهي المنزلة الثالثة، فأوّل طلوعها بالفجر في التاسع عشر من بشنس من شهور القبط، وهو الرابع عشر من أيار من شهور السّريان. وأما الدّبران وهو المنزلة الرابعة، فطلوعها بالفجر في الثاني من بؤنة من شهور القبط، وهو السادس والعشرون من أيار من شهور السريان. وأما الهقعة وهي المنزلة الخامسة، فأوّل طلوعها بالفجر في الخامس عشر من بؤنة من شهور القبط، وهو التاسع من حزيران من شهور السريان. وأما الهنعة وهي المنزلة السادسة، فأوّل طلوعها بالفجر في الثامن والعشرين من بؤنة من شهور القبط، وهو الثاني والعشرون من حزيران من شهور السريان. وأما الذّراع وهو المنزلة السابعة، فأوّل طلوعه بالفجر في الحادي عشر من أبيب من شهور القبط؛ وهو الثامن عشر من تموز من شهور السّريان. وأما النّثرة وهي المنزلة الثامنة، فأوّل طلوعها بالفجر في الرابع والعشرين من أبيب من شهور القبط، وهو الثامن عشر من تموز من شهور السريان. وأما الطّرف وهو المنزلة التاسعة، فأوّل طلوعه بالفجر في السابع من مسرى من شهور القبط، وهو اليوم الآخر من تموز من شهور السّريان.

وأما الجبهة وهي المنزلة العاشرة، فأوّل طلوعها بالفجر في العشرين من مسرى من شهور القبط، وهو الثالث عشر من آب من شهور السريان. وأما الخرتان وهو المنزلة الحادية عشرة، فأول طلوعه بالفجر في الرابع من أيام النسيء القبطيّ، وفي السنة الكبيسة في الخامس منه، وهو السابع والعشرون من آب من شهور السريان. وأما الصّرفة وهي المنزلة الثانية عشرة، فأوّل طلوعها بالفجر في الثاني عشر من توت من شهور القبط، وهو التاسع من أيلول من شهور السّريان. وأما العوّاء وهي المنزلة الثالثة عشرة، فأوّل طلوعها بالفجر في الخامس والعشرين من توت من شهور القبط، وفي الثاني والعشرين من أيلول من شهور السّريان. وأما السّماك وهي المنزلة الرابعة عشرة فأوّل طلوعها بالفجر في الثامن من بابه من شهور القبط، وهو الخامس من تشرين الأوّل من شهور السريان. وأما الغفر وهي المنزلة الخامسة عشرة فأوّل طلوعها بالفجر في الحادي والعشرين من بابه من شهور القبط، وهو الثامن عشر من تشرين الأوّل من شهور السّريان. وأما الزّبانان وهما المنزلة السادسة عشرة فأوّل طلوعهما بالفجر في الرابع من هاتور من شهور القبط، وهو آخر يوم من تشرين الأوّل من شهور السّريان. وأما الإكليل وهو المنزلة السابعة عشرة، فأوّل طلوعه بالفجر في السابع عشر من هاتور من شهور القبط، وهو الثالث عشر من تشرين الثاني من شهور السريان. وأما القلب وهو المنزلة الثامنة عشرة فأوّل طلوعه بالفجر في آخر يوم من هاتور من شهور القبط وهو السادس والعشرون من تشرين الثاني من شهور السّريان.

وأما الشّولة وهي المنزلة التاسعة عشرة، فأوّل طلوعها بالفجر في الثالث عشر من كيهك من شهور القبط، وهو التاسع من كانون الأوّل من شهور السريان. وأما النّعائم وهي المنزلة العشرون، فأوّل طلوعها بالفجر في السادس والعشرين من كيهك من شهور القبط، وهو الثاني والعشرون من كانون الأوّل من شهور السريان. وأما البلدة وهي المنزلة الحادية والعشرون، فأوّل طلوعها بالفجر في التاسع من طوبه من شهور القبط، وهو الرابع من كانون الثاني من شهور السريان. وأما سعد الذابح وهو المنزلة الثانية والعشرون، فأوّل طلوعها بالفجر في الثاني والعشرين من طوبه من شهور القبط، وهو السابع عشر من كانون الثاني من شهور السريان. وأما سعد بلع وهو المنزلة الثالثة والعشرون، فأوّل طلوعها بالفجر في الخامس من أمشير من شهور القبط، وهو الثلاثون من كانون الآخر من شهور السّريان. وأما سعد السّعود وهو المنزلة الرابعة والعشرون، فأوّل طلوعها بالفجر في الثامن عشر من أمشير من شهور القبط، وهو الثاني عشر من شباط من شهور السّريان. وأما سعد الأخبية وهو المنزلة الخامسة والعشرون، فأوّل طلوعها بالفجر أوّل يوم من برمهات من شهور القبط، وهو الخامس والعشرون من شباط من شهور السريان. وأما الفرغ المقدّم وهو المنزلة السادسة والعشرون فأوّل طلوعها بالفجر في الرابع عشر من برمهات من شهور القبط، وهو السابع من آذار من شهور السريان. وأما الفرغ المؤخّر وهو المنزلة السابعة والعشرون، فأوّل طلوعها بالفجر في السابع والعشرين من برمهات من شهور القبط، وهو الثاني والعشرون من آذار

من شهور السريان. وأما بطن الحوت وهو المنزلة الثامنة والعشرون، فأوّل طلوعها بالفجر في العاشر من برموده من شهور القبط، وهو الخامس من نيسان من شهور السريان. وقد نظم الشيخ كمال الدين حفيد الشيخ أبي عبد الله محمد القرطبي «1» أبياتا، يعلم منها مطالع هذه المنازل بالفجر بحروف رمزها للشهور والأعداد والكواكب، وربما غلط بعض الناس فنسبها إلى الشيخ عبد العزيز الديريني «2» رحمه الله، وهي هذه: تبيص تهكع بحس بكأغ هدز ... هيزاء هلق كيجش ككون برز ططب طكبذ أهب أيحس بأخ ... بيدم بكزم بيت بكجش رمز «3» وليس فيها من الحشوات قط سوى ... أواخر النظم فافهم شرحها لتعز وبيان كلّ ذلك أنّ الحرف الأوّل من كلّ كلمة اسم للشهر الذي تطلع فيه تلك المنزلة والحرف الآخر منها اسم المنزلة، وما بين الآخر والأوّل عدد ما مضى من الشهر بحساب الجمّل، مثال ذلك التاء من تبيص كناية عن توت، والصاد منها كناية عن الصّرفة، والياء والباء اللذان بينهما عددهما بالجمّل اثنا عشر، إذ الياء بعشرة والباء باثنتين فكأنه قال في الثاني عشر من توت تطلع منزلة الصّرفة بالفجر، وكذلك البواقي، إلا أنه لا عبرة بأواخر البيتين وهي برز في البيت الأوّل ورمز في البيت الثاني. ونظم الإمام محب الدين جار الله الطبريّ أبياتا كذلك على شهور السريان وهي هذه:

تهس تحيع تلز تجيء ... توكق كطش كبكن نزول كدب كويذ كلب شبيس ... شهكح أزيم أبكم ألول نهب نحيش أآب ... أوكد حطت حبكه صجول والحال في هذه الكلمات من أوائل الأبيات وأواخرها وأوساطها كالحال في الأبيات المتقدّمة، فالتاء من تهس إشارة لتشرين الأوّل، والسين إشارة للسماك، والهاء بينهما بخمسة ففي الخامس من تشرين الأوّل يطلع السماك، وعلى هذا الترتيب في البواقي. واعلم أن هذه المنازل لا تزال أربع عشرة منزلة منها ظاهرة فوق الأرض في نصف الفلك، وأربع عشر منزلة منها خافية تحت الأرض في نصف الفلك، وهي مراقبة بعضها لبعض لاستواء مقادير أبعادها، فإذا طلعت واحدة في الأفق الشرقي غربت واحدة في الأفق الغربيّ، وكانت أخرى متوسطة في وسط الفلك فهي كذلك أبدا. والقاعدة في معرفة ذلك أنك تبتديء بأية منزلة شئت، وتعد منها ثمانية من الطالع فالثامنة هي المتوسطة والخامسة عشرة هي الغاربة؛ فإذا كان الطالع الشّرطين فالمتوسط النّثرة والغارب الغفر؛ وكذلك في جميع المنازل؛ وفي مراقبة الطالع منها للغارب يقول بعض الشعراء مقيّدا لها على الترتيب بادئا بطلوع النّطح وهو الشّرطان وغروب الغفر حينئذ: كم أمالوا من ناطح باغتفار ... وأحالوا على البطين الزّبانى والثّريّا تكلّلت فرأينا ال ... قلب منها يشعّر الدّبرانا هقعوا شولة وهنعوا نعاما ... بعد ما ذرّعوا البلاد زمانا نثروا ذبحهم بطرف بليع ... جبهة السّعد في خرات خبانا فانصرفنا وفي المقدّم عوّا ... آخرا والسّماك مدّ رشانا وقال آخر: النّطح يغفر والبطين مزابن ... ثم الثّريّا تبتغي إكليلا

الجملة الخامسة في ساعات الليل والنهار

والقلب للدّبران خلّ عاذر ... من أجل هقعة شولة ما قيلا تهوى الهنيعة للنّعائم مثل ما ... ينوي الذّراع لبلدة ترجيلا والنّثر يذبح عند طرف بلوعه ... ولجبهة سعد غدا منقولا ولزبرة وسط الخباء إقامة ... فاصرف مقدّم ذكرها تعجيلا يهوي المؤخّران إن سماك مرّة ... مدّ الرّشاء لجيده تنكيلا وقد نظم صاحبنا الشيخ إبراهيم الدهشوريّ الشهير بالسهرورديّ أرجوزة، ذكر فيها الطالع، ثم الغارب في بيت وبعده المتوسط، ثم الوتد وهو الذي يقابله تحت الأرض في بيت ثان- قال: إن طلع الشرطان «1» بطينها نور الزّبانين خلع ... فناعس الطّرف رمى سعد بلع ثريا مع الإكليل بالوقود ... تنوّر الجبهة في السّعود والدّبران القلب منه يخفق ... فالخرتان للخباء يطرق وهقعة شولتها منهزمه ... وصرفة بفرغها مقدمه وهنعة منها النّعائم نفرت ... بعوّة بالفرغ قد تأخّرت رمى الذراع بلدة أصابها ... سماك بطن الحوت ما أصابها فهذه جملتها مكمّله ... للشمس في ثلاث عشر منزله الجملة الخامسة في ساعات الليل والنهار قال أصحاب الهيئة: لما كان الفلك متحرّكا حركات متعدّدة يتلو بعضها بعضا جعل مقدار كل حركة منها يوما، ولما كانت الشمس في حركة من هذه الحركات تارة تكون ظاهرة لأهل الرّبع المعمور، وتارة مستترة عنهم بحدبة

الأرض، انقسم لذلك مقدار تلك الحركة إلى الليل والنهار، فالنهار عبارة عن الوقت الذي تظهر فيه الشمس على ساكن ذلك الموضع من المعمور، والليل عبارة عن الوقت الذي تخفى عنهم فيه، فإنه يوجد وقت الصبح في موضع وقت طلوع الشمس في موضع آخر، وفي موضع آخر وقت الظهر، وفي موضع آخر وقت المغرب، وفي موضع آخر وقت نصف الليل. ولما كانت منطقة البروج مقسومة إلى اثني عشر برجا، وكل برج إلى ثلاثين درجة، وكانت الشمس تقطع هذه المنطقة بحركة فلك الكل لها في زمان اليوم الجامع لليل والنهار، قسّم كل واحد منهما إلى اثني عشر جزءا، وجعل قسط كل جزء منها خمس عشرة درجة وسمّي ساعة. ثم لما كان الليل والنهار يزيد أحدهما على الآخر ويتساويان في الاعتدالين على ما مرّ، اضطرّ إلى أن تكون الساعات نوعين: مستوية وتسمّى المعتدلة، وزمانيّة وتسمّى المعوجّة. فالمستوية تختلف أعدادها في الليل والنهار، وتتفق مقاديرها بحسب طول النهار وقصره، فإنه إن طال كانت ساعاته أكثر، وإن قصر كانت ساعاته أقلّ، مقدار كل ساعة منه خمس عشرة درجة لا تزيد ولا تنقص، والمعوجة تتفق أعدادها وتختلف مقاديرها، فإن زمان النهار طال أو قصر ينقسم أبدا إلى اثنتي عشرة ساعة مقدار كل واحدة منها نصف سدس الليل والنهار، وهي في النهار الطويل أطول منها في القصير. والذي كانت العرب تعرفه من ذلك الزمانيّة دون المستوية، فكانوا يقسمون كلّا من الليل والنهار إلى اثنتي عشرة ساعة، ووضعوا لكل ساعة من ساعات الليل والنهار أسماء تخصّها. فأما ساعات الليل فسمّوا الّاولى منها الشاهد، والثانية الغسق، والثالثة العتمة، والرابعة الفحمة، والخامسة الموهن، والسادسة القطع، والسابعة الجوشن، والثامنة الهتكة، والتاسعة التّباشير «1» ، والحادية عشرة الفجر الأوّل،

الجملة السادسة في أيام الأسبوع، وفيها أربعة مدارك

والثانية عشرة الفجر المعترض. فأما النهار فسّموا الساعة الأولى منه الذّرور، والثانية البزوغ، والثالثة الضّحى، والرابعة الغزالة، والخامسة الهاجرة، والسادسة الزّوال، والسابعة الدّلوك، والثامنة العصر، والتاسعة الأصيل، والعاشرة الصّبوب، والحادية عشرة الحدود «1» ، والثانية عشرة الغروب. وتروى عنهم على وجه آخر، فيقال فيها: البكور، ثم الشّروق، ثم الإشراق، ثم الرّاد، ثم الضّحى، ثم المتوع، ثم الهاجرة، ثم الأصيل، ثم العصر، ثم الطّفل (بتحرك الفاء) ، ثم العشيّ، ثم الغروب، ذكرهما ابن النحاس في «صناعة الكتاب» . قال في «مناهج الفكر» : ويقال إن أوّل من قسم النهار إلى اثنتي عشرة ساعة آدم عليه السلام، وضمّن ذلك وصيّة لابنه شيث عليه السلام، وعرّفه ما وظّف عليه كلّ ساعة من عمل وعبادة؛ والله أعلم. الجملة السادسة في أيام الأسبوع، وفيها أربعة مدارك المدرك الأوّل في ابتداء خلقها وأصل وجودها وقد نطق القرآن الكريم بذكر ستة أيام منها على الإجمال والتفصيل. أما الإجمال فقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ «2» . وأما التفصيل فقوله تعالى: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ

فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ «1» والمراد بالأربعة الأولى بما فيها من اليومين المتقدّمين، ومثله في كلام العرب كثير، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم «إذا نام أحدكم جاء الشيطان فعقد تحت رأسه ثلاث عقد، فإذا استيقظ فذكر الله تعالى انحلّت عقدة، فإذا توضّأ انحلّت عقدتان، فإذا صلّى انحلّت الثالثة» فالمراد بقوله عقدتان عقدة والعقدة الأولى، وقد ظهر بذلك أن المراد من الآية ستة أيام فقط، وهو ما ورد به صريح الآيات في غير هذه الآية أن خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وقد ورد ذلك مبينا فيما رواه ابن جرير «2» من رواية ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ اليهود أتت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، تسأله عن خلق السموات والأرض، فقال: «خلق الله الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين، وخلق الجبال يوم الثّلاثاء وما فيهنّ من منافع، وخلق يوم الأربعاء المدائن والشّجر والعمران والخراب، فهذه أربعة أيّام، وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس، وفي الثالثة خلق آدم وأسكنه الجنّة وأمر إبليس بالسّجود له، وأخرجه منها في آخر ساعة» قالت اليهود: ثم ماذا؟ قال: «ثم استوى على العرش» قالوا: أصبت لو أتممت، قالوا: ثم استراح فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غضبا شديدا فنزل وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ «3» قال الشيخ عماد الدين بن كثير «4» في تفسيره: وفيه غرابة، ولا ذكر في هذا الحديث ليوم السبت في أوّل الخلق ولا في آخره، نعم ثبت في صحيح مسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بيدي فقال: «خلق الله التّربة يوم السّبت،

وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشّجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثّلاثاء، وخلق النّور يوم الأربعاء، وبثّ فيها الدّوابّ يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى اللّيل» قال ابن كثير: وهو من غرائب الصحيح، وعلله البخاريّ في تاريخه فقال: رواه بعضهم عن أبي هريرة عن كعب الأحبار وهو أصح، فقد ورد التصريح في هذا الحديث بذكر الأيّام السبعة ووقوع الخلق فيها. قال أبو جعفر النحاس: زعم محمد بن إسحاق «1» أن هذا الحديث أولى من الحديث الذي قبله، واستدلّ بأن الفراغ كان يوم الجمعة، وخالفه غيره من العلماء الحذّاق النّظّار. وقالوا: دليله دليل على خطئه، لأن الخلق في ستّة أيام يوم الجمعة منها كما صح عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم برواية الجماعة، فلو لم يدخل في الأيام لكان الخلق في سبعة وهو خلاف ما جاء به التنزيل؛ على أن أكثر أهل العلم على حديث ابن عباس، فتبين أن الابتداء يوم الأحد إذ كان الآخر يوم الجمعة، وذلك ستة أيام كما في التنزيل. قال أبو جعفر: على أن الحديثين ليسا بمتناقضين، لأنا إن عملنا على الابتداء بالأحد فالخلق في ستة أيام وليس في التنزيل أنه لا يخلق بعدها شيئا، وإن عملنا على الابتداء بالسبت فليس في التنزيل أنه لم يخلق قبلها شيئا. إذا علمت ذلك فقد حكى أبو جعفر النحاس أن مقدار كل يوم من أيام خلق السموات والأرض ألف سنة من أيام الدّنيا، وأنه كان بين ابتدائه عز وجل في خلق ذلك وخلق القلم الذي أمره بكتابة كلّ ما هو كائن إلى قيام الساعة يوم وهو ألف عام، فصار من ابتداء الخلق إلى انتهائه سبعة آلاف عام، وعليه يدل قول ابن عباس: إن مدّة إقامة الخلق إلى قيام الساعة سبعة أيّام كما كان الخلق في سبعة أيام.

المدرك الثاني في أسمائها، وقد اختلف في ذلك على ثلاث روايات

قال أبو جعفر: وهذا باب مداره على النقل دون الآراء. المدرك الثاني في أسمائها، وقد اختلف في ذلك على ثلاث روايات الرواية الأولى- ما نطقت به العرب المستعربة من ولد إسماعيل عليه السلام وجرى عليه الاستعمال إلى الآن: وهو الأحد والاثنان والثّلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة والسّبت. والأصل في ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «إن الله عز وجلّ خلق يوما واحدا فسمّاه الأحد، ثم خلق ثانيا فسمّان الاثنين، ثم خلق ثالثا فسمّاه الثّلاثاء، ثم خلق رابعا فسمّاه الأربعاء، ثم خلق خامسا فسمّاه الخميس» ولا ذكر في هذه الرواية للجمعة والسبت. وقد ذكرهما الله تعالى في كتابه العزيز، قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ «1» وقال جل وعز إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً «2» . وسيأتيان في غير هذه الرواية عند ذكر الاختلاف فيما ابتديء فيه الخلق منها. فالأحد بمعنى واحد ويقال بمعنى أوّل ورجحه النحاس، وهو المطابق لتسمية الثاني بالاثنين، والثالث بالثّلاثاء، وقيل أصله وحد بفتح الواو والحاء كما أن أناة أصلها وناة، ويجمع في القلّة على آحاد وأحدات، وفي الكثرة على أحود وأوحاد «3» ويحكى في جمعه أحد أيضا قال النحاس: كأنه جمع الجمع. والاثنان بمعنى الثاني. قال النحاس: وسبيله ألّا يثنّى، وأن يقال فيه: مضت أيام الاثنين إلا أن تقول ذوات، قال: وقد حكى البصريّون الأثن والجميع الثّنيّ. وقال ابن قتيبة في أدب الكاتب: إن شئت أن تجمعه فكأنه مبني للواحد قلت

أثانين. وحكى النحاس مثله عن كتاب الفرّاء في الأيام وقال: إنما يجوز على حيلة بعيدة، وهي أن يقال: اليوم الاثنان فتضمّ النون فتصير ماثل عمران فتثنيه وتجمعه على هذا. وحكي عن الفراء أيضا في جمع الكثرة أثان فتقول مضت أثان مثل أسماء وأسام، قال: وقرأت على أبي إسحاق في كتاب سيبويه «1» فيما حكاه اليوم الثّني فتقول على هذا في الجمع الأثناء. والثّلاثاء بمعنى الثالث، ويجمع على ثلاثاوات، وحكى الفراء أثالث، قال النحاس: ويجوز أثاليث، وكذا ثلاثث مثل جمع ثلاثة لأن ألفي التأنيث كالهاء، وتقول فيه: مضت الثّلاثاء على تأنيث اللفظ ومضى على تذكير اليوم، وكذا في الجمع تقول مضت ثلاث ثلاثاوات، وثلاثة ثلاثاوات. والأربعاء بمعنى الرابع، ويجمع على أربعاوات وكذا أرابيع والياء فيه عوض ما حذف، فإن لم تعوّض قلت أرابع؛ وأجاز الفراء أربعاءات مثل ثلاثاءات ومنعه البصريون للفرق بين ألف التأنيث وغيرها. والخميس بمعنى الخامس، ويجمع في القلّة على أخمسة، وفي الكثرة على خمس وخمسان كرغف ورغفان، ويقال أخمساء كأنصباء، وحكي عن الفراء في الكثرة أخامس. والجمعة (بضم الميم وإسكانها) ومعناها الجمع؛ واختلف في سبب تسميته بذلك فقال النحاس: لاجتماع الخلق فيه، وهذا ظاهر في أن الاسم كان بها قديما؛ وقيل لاجتماع الناس للصلاة فيه؛ ثم اختلف فقيل سميت بذلك في الجاهلية واحتجّ له بما حكاه أبو هلال العسكريّ في كتابه الأوائل: أن أوّل من سمّى الجمعة جمعة كعب بن لؤيّ جدّ النبي صلى الله عليه وسلّم، وذلك أنّه جمع قريشا وخطبهم فسميت جمعة وكانوا لا يعرفون قبل ذلك إلا العروبة. وقيل إنما سميت بذلك في

الرواية الثانية - ما يروى عن العرب العاربة من بني قحطان وجرهم الأولى

الإسلام وذلك أن الأنصار قالوا: إن لليهود يوما يجتمعون فيه بعد كلّ ستة أيام، وللنصارى كذلك فهلمّوا نجعل لنا يوما نجتمع فيه نذكر الله تعالى ونصلّي، فقالوا يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى فاجعلوا يوم العروبة لنا، فاجتمعوا إلى سعد بن زرارة الأنصاري فصلّى بهم يومئذ ركعتين وذكّرهم فسمّوه يوم الجمعة لاجتماعهم فيه فأنزل الله تعالى سورة الجمعة. على أن السّهيليّ قد قال في الروض الأنف «1» : إن يوم الجمعة كان يسمّى بهذا الأسم قبل أن يصلّي الأنصار الجمعة. أما أوّل جمعة جمّعها رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيما حكاه صاحب الأوائل فإنه لما قدم المدينة مهاجرا نزل على بني عمرو بن عوف وأقام عندهم أيّاما ثم خرج يوم الجمعة عائدا إلى المدينة فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم فخطب وصلّى بهم الجمعة. وتجمع على جمع وجمعات بالفتح والتسكين «2» . والسبت ومعناه القطع، بمعنى قطع فيه الخلق على رأي من يرى أن السبت آخر أيام الجمعة، وأنه لا خلق فيه على ما سيأتي ذكره. وقول النحاس إنه مشتقّ من الراحة أيضا لا عبرة به لمضاهاة قول اليهود فيه على ما سيأتي إن شاء الله تعالى. ويجمع في القلّة على أسبت وسبتات بالتحريك، وفي الكثرة على سبوت بضم السين مثل قرح وقروح. الرواية الثانية- ما يروى عن العرب العاربة من بني قحطان وجرهم الأولى : وهو أنهم كانوا يسمّون الأحد الأوّل لأنه أوّل أعداد الأيام ويسمّون الاثنين أهون أخذا من الهون والهوينى، وأوهد أيضا أخذا من الوهدة وهي المكان المنخفض من الأرض لانخفاضه عن اليوم الأوّل في العدد. ويسمّون الثّلاثاء جبارا (بضم الجيم) لأنه جبر به العدد. ويسمّون الأربعاء دبارا (بضم الدال المهملة) لأنه دبر

الرواية الثالثة - ما حكاه النحاس عن الضحاك

ما جبر به العدد بمعنى أنه جاء دبره، ويسمون الخميس مؤنسا لأنه يؤنس به لبركته- قال النحاس: ولم يزل ذلك أيضا في الإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلّم يتبرّك به ولا يسافر إلا فيه وقال: «اللهمّ بارك لأمّتي في بكورها يوم خميسها» - ويسمّون الجمعة العروبة (بفتح العين مع الألف واللام) وفي لغة شاذّة عروبة بغير ألف ولام مع عدم الصرف، ومعناه اليوم البيّن أخذا من قولهم: أعرب إذا أبان، والمراد أنه بيّن العظمة والشّرف، إذ لم يزل معظّما عند أهل كل ملة وجاء الإسلام فزاده تعظيما؛ وقد ثبت في صحيح مسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه دخل الجنّة، وفيه أخرج منها» . ويسمّونه أيضا حربة بمعنى أنه مرتفع عال كالحربة التي هي كالرّمح، كما يقال محراب لارتفاعه وعلوّ مكانته، ويسمّون السبت شيارا (بفتح الشين المعجمة وكسرها مع الياء المثناة تحت) أخذا من شرت الشيء إذا استخرجته وأظهرته من مكانه، إمّا بمعنى أنه استخرج من الأيام التي وقع فيها الخلق على مذهب من يرى أنه آخر أيام الأسبوع وأن ابتداء الخلق الأحد وانتهاءه الجمعة، وإما بمعنى أنه ظهر أوّل أيام الجمعة على مذهب من يرى أنه أوّل الجمعة وكان ابتداء الخلق فيه، وإلى هذه الأسماء يشير النابغة بقوله: أؤمّل أن أعيش وأنّ يومي ... لأوّل أو لأهون أو جبار أو التالي دبار فإن أفته ... فمؤنس أو عروبة أو شيار الرواية الثالثة- ما حكاه النحاس عن الضّحّاك : أن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستّة أيام، ليس منها يوم إلا له اسم: أبجد هوّز حطّي كلمن سعفص قرشت. وقد حكى السهيلي رحمه الله أن الأسماء المتداولة بين الناس الآن مرويّة عن أهل الكتاب، وأن العرب المستعربة لما جاورتهم أخذتها عنهم، وأن الناس قبل ذلك لم يكونوا يعرفون إلا الأسماء التي وضعتها العرب العاربة وهي أبجد هوّز حطّي كلمن سعفص قرشت التي خلق الله تعالى فيها سائر المخلوقات: علويّها وسفليّها. وهذا يخالف ما تقدّم في الرواية الثانية عن العرب العاربة؛ وعلى أنها أسماء للأيام التي وقع فيها الخلق يحتمل أن يكون أبجد اسما للأحد

المدرك الثالث في بيان أول أيام الأسبوع، وما كان فيه ابتداء الخلق منها.

على مذهب من يرى أن ابتداء الخلق يوم الأحد ويكون السبت لا ذكر له في هذه الرواية «1» . المدرك الثالث في بيان أوّل أيام الأسبوع، وما كان فيه ابتداء الخلق منها. وقد اختلف الناس في ذلك على ثلاثة مذاهب المذهب الأوّل- أن أوّل أيام الأسبوع وابتداء الخلق الأحد . واحتج لذلك بما تقدّم من حديث ابن عباس أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلّم فسألته عن خلق السموات والأرض فقال: «خلق الله عز وجلّ الأرض يوم الأحد» الحديث وبحديثه الآخر: «خلق الله يوما واحدا فسمّاه الأحد» وإذا كان ابتداء الخلق الأحد لزم أن يكون أوّل الأسبوع الأحد. المذهب الثاني- أن أوّل أيام الأسبوع وابتداء الخلق السبت . واحتج له بحديث أبي هريرة المتقدم «أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بيدي فقال: خلق الله التّربة يوم السبت» الحديث، وإذا كان ابتداء الخلق السبت لزم أن يكون أوّل الأسبوع السبت. المذهب الثالث- أن أوّل أيام الأسبوع الأحد ، لحديث «خلق الله يوما واحدا فسمّاه الأحد ثم خلق ثانيا فسمّاه الاثنين» الحديث. وابتداء الخلق يوم السبت لحديث أبي هريرة المتقدّم. قال النحاس: وهذا أحسنها. المدرك الرابع في التفاؤل بأيام الأسبوع والتطيّر بها وما يعزى لكلّ منها من خير أو شرّ، على ما هو متداول بين الناس واعلم أنه لا أصل لذلك من الشريعة، ولم يرد فيه نصّ من كتاب ولا سنة.

وقد وردت القرعة عن جعفر الصادق رضي الله عنه في توزيع الأعمال على الأيام أنه قال: السبت يوم مكر وخديعة؛ ويوم الأحد يوم غرس وعمارة؛ ويوم الاثنين يوم سفر وتجارة؛ ويوم الثلاثاء يوم إراقة دم وحرب ومكافحة؛ ويوم الأربعاء يوم أخذ وعطاء؛ ويقال: يوم نحس مستمر؛ ويوم الخميس يوم دخول على الأمراء وطلب الحاجات؛ ويوم الجمعة يوم خلوة ونكاح. ووجهوا هذه الدعوى بأن قريشا مكرت في دار الندوة «1» يوم السبت، وأن الله ابتدأ الخلق يوم الأحد، وأن شعيبا سافر للتجارة يوم الأثنين، وأن حوّاء حاضت يوم الثلاثاء، وفيه قتل قابيل هابيل أخاه، وأن فرعون غرق هو وقومه يوم الأربعاء، وفيه أهلك الله عادا وثمودا «2» ، وأن إبراهيم دخل على النّمرود يوم الخميس، وأن الأنبياء عليهم السلام كانت تنكح وتخطب يوم الجمعة. وقد نظم بعض الشعراء هذه الاختيارات في أبيات وإن كان قد خالف الواضع في مواضع فقال: لنعم اليوم يوم السّبت حقّا ... لصيد إن أردت بلا امتراء وفي الأحد البناء فإنّ فيه ... تبدّى الله في خلق السماء وفي الإثنين إن سافرت فيه ... سترجع بالنجاح وبالغناء وإن ترد الحجامة في الثّلاثا ... ففي ساعاته هرق الدّماء وإن شرب امرؤ منكم دواء ... فنعم اليوم يوم الأربعاء وفي يوم الخميس قضاء حاج ... فإنّ الله يأذن بالقضاء ويوم الجمعة التّزويج حقّا ... ولذّات الرّجال مع النّساء وسيأتي الكلام على ما يتعلق من ذلك بأيام الشهر في الكلام على الشّهور في الفصل السابع من الكتاب إن شاء الله تعالى.

الطرف الثاني في الشهور، وهي على قسمين: طبيعي واصطلاحي

الطرف الثاني في الشّهور، وهي على قسمين: طبيعيّ واصطلاحيّ «1» القسم الأوّل الطبيعيّ والمراد به القمريّ وهو مدّة مسير القمر من حين يفارق الشمس إلى حين يفارقها مرة أخرى، وهي على ضربين: الضرب الأوّل شهور العرب والشهر العربيّ عبارة عمّا بين رؤية الهلال إلى رؤيته ثانيا، وعدد أيامه تسعة وعشرون يوما ونصف يوم على التقريب، ولما كان هذا الكسر في العدد عسرا عدّوا جملة الشهرين تسعة وخمسين يوما، أحدهما ثلاثون وهو التام، والآخر تسعة وعشرون وهو الناقص. وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أمّ سلمة رضي الله عنها: «أن النبيّ صلى الله عليه وسلّم حلف لا يدخل على بعض نسائه شهرا فلما مضى تسعة وعشرون غدا عليهم أو راح فقيل: يا رسول الله، حلفت لا تدخل عليهنّ شهرا فقال: الشهر يكون تسعة وعشرين» ، وذلك بحسب مسير النّيّرين: الشمس والقمر بالمسير الأوسط، أما بالمسير المقوّم فإنه يتفق إذا استكمل الشهر برؤية الهلال عيانا أن يتوالى شهران وثلاثة تامّة، وتتوالى كذلك ناقصة، وعلى ذلك عمل العرب واليهود. ولهم في استعماله طريقتان: الطّريقة الأولى طريقة العرب ومدّة الشهر عندهم من رؤية الهلال إلى رؤية الهلال، وهي أسهل الطّرق

الجملة الأولى في أحوال الأهلة التي عليها مدار الشهور في ابتدائها وانتهائها

وأقربها، وعليها جاء الشرع، وبها نطق التنزيل قال تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ «1» وفيها جملتان: الجملة الأولى في أحوال الأهلّة التي عليها مدار الشهور في ابتدائها وانتهائها واعلم أن مسير القمر مقدّر بمعرفة الشهور والسنين قال تعالى: فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ «2» والشمس تعطيه في كل ليلة ما يستضيء به نصف سبع قرصه حتّى يكمل ثم تسلبه من الليلة الخامسة عشرة كلّ ليلة نصف سبع قرصه حتى لا يبقى فيه نور فيستتر. ويروى عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه سئل عن القمر فقال: يمحق كل ليلة ويولد جديدا؛ ويبعد مثل هذا عن جعفر الصادق. إذا علمت ذلك فللقمر حركتان: سريعة وبطيئة كما تقدّم في الشمس. أما الحركة السريعة فحركة فلك الكلّ به من المشرق إلى المغرب، ومن المغرب إلى المشرق في اليوم والليلة. واعلم أن الهلال إذا طلع مع غروب الشمس كان مغيبه على مضيّ ستة أسباع ساعة من الليل، ولا يزال مغيبه يتأخر عن مغيبه في كل ليلة ماضية هذا المقدار حتّى يكون مغيبه في الليلة السابعة نصف الليل، وفي الليلة الرابعة عشرة طلوع الشمس، ثم يكون طلوعه في الليلة الخامسة عشرة على مضيّ ستة أسباع ساعة منها، ولا يزال طلوعه يتأخر عن طلوعه في كل ليلة ماضية بعد الإبدار هذا المقدار حتّى يكون طلوعه ليلة إحدى وعشرين نصف الليل، وطلوعه ليلة ثمان وعشرين مع الغداة. وإذا أردت أن تعلم على مضيّ كم من الساعات يغيب أو يطلع من الليل،

فإن أردت المغيب وكان قد مضى من الشهر خمس ليال تقديرا فاضربها في ستة تكون ثلاثين فأسقطها سبعة سبعة يبقى اثنان فيكون مغيبه على مضيّ أربع ساعات وثلاثة «1» أسباع ساعة، وكذلك العمل في أيّ ليلة شئت، وإن أردت الطلوع وكان قد مضى من الإبدار ستّ ليال مثلا فاضرب ستة في ستة يكون ستة وثلاثين فأسقطها سبعة سبعة يبقى واحد، فيكون طلوعه على خمس ساعات وسبع، وكذلك العمل في أيّ ليلة شئت. وقد قسمت العرب ليالي الشهر بعد استهلاله كلّ ثلاثة أيام قسما وسمتها باسم، فالثلاث الأول منها هلال، والثلاث الثانية قمر، والثلاث الثالثة بهر، والثلاث الرابعة زهر (والزّهر البياض) ، والثلاث الخامسة بيض، لأن الليالي تبيضّ بطلوع القمر فيها من أوّلها إلى آخرها والثلاث السادسة درع، لأن أوائلها تكون سودا وسائرها بيض، والثلاث السابعة ظلم، والثلاث الثامنة حنادس، والثلاث التاسعة دآدىء (الواحدة منها دأدأة على وزن فعللة) ، والثلاث العاشرة ليلتان منها محاق وليلة سرار لإمحاق الشمس القمر فيها. ومنهم من يقول: ثلاث غرر (وغرّة كلّ شيء أوّله) ، وثلاث شهب، وثلاث زهر، وثلاث تسع «2» ، لأن آخر يوم منها اليوم التاسع، وثلاث بهر، بهر فيها ظلام الليل، وثلاث بيض، وثلاث درع، وثلاث دهم وفحم وحنادس، وثلاث دآدىء «3» . ويروى عنهم أنهم يسمّون ليلة ثمان وعشرين الدّعجاء، وليلة تسع وعشرين الدّهماء، وليلة ثلاثين اللّيلاء، وهم يقولون في أسجاعهم: القمر ابن

ليلة، رضاع سخيلة «1» ، حلّ أهلها برميلة؛ وابن ليلتين حديث أمتين، كذب ومين «2» ؛ وابن ثلاث، قليل اللّباث «3» ، وابن أربع، عتمة أمّ ربع «4» ، لا جائع ولا مرضع؛ وابن خمس، حديث وأنس، وعشاء خلفات قعس «5» ، وابن ستّ، سروبتّ «6» ؛ وابن سبع، دلجة ضبع، وحديث وجمع؛ وابن ثمان، قمر إضحيان؛ وابن تسع، محذوّ النّسع «7» ، ويقال الشّسع «8» وابن عشر، مخنق الفجر، وثلث الشّهر. هذا هو المحفوظ عن العرب في كثير من الكتب. قال صاحب مناهج الفكر: وعثرت في بعض المجاميع على زيادة إلى آخر الشهر، وكأنها والله أعلم مصنوعة، وهي على ألسنة العرب موضوعة، وهي: وابن إحدى عشرة، يرى عشاء ويرى بكرة، وابن اثنتي عشرة، مرهق البشر «9» ، بالبدو والحضر، وابن ثلاث عشرة، قمر باهر، يعشي الناظر، وابن أربع عشرة مقبل الشباب، مضيء دجنّات السّحاب، وابن خمس عشرة تمّ التمام، ونفدت الأيّام،

وابن ستّ عشرة نقص الخلق، في الغرب والشّرق، وابن سبع عشرة، أمكنت المقتفر القفرة «1» ، وابن ثمان عشرة قليل البقاء، سريع الفناء؛ وابن تسع عشرة بطيء الطّلوع، سريع الخشوع؛ وابن عشرين يطلع سحرة، ويغيب بكرة؛ وابن إحدى وعشرين كالقبس، يطلع في الغلس، وابن اثنتين وعشرين يطيل السّرى، ريثما يرى؛ وابن ثلاث وعشرين يرى في ظلمة الليال، لا قمر ولا هلال؛ وابن خمس وعشرين دنا الأجل، وانقطع الأمل؛ وابن ست وعشرين دنا ما دنا، فما يرى إلّا سنا، وابن سبع وعشرين يشقّ الشمس، ولا يرى له حسّ، وابن ثمان وعشرين ضئيل صغير لا يراه إلا البصير. وأما حركته البطيئة، فحركته من جهة الشّمال إلى جهة الجنوب، ومن جهة الجنوب إلى جهة الشمال، وتنقله في المنازل الثمانية وعشرين في ثمانية وعشرين يوما بلياليها كالشمس في البروج قال تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ «2» فما تقطعه الشمس من الشمال إلى الجنوب وبالعكس في جميع السنة يقطعه القمر في ثمانية وعشرين يوما. والمنازل للقمر كالبروج للشّمس، وذلك أنه لما اتصل إلى العرب ما حققه القدماء برصدهم من الكواكب الثابتة، وكان لا غنى لهم عن معرفة كواكب ترشدهم إلى العلم بفصول السنة وأزمنتها، رصدوا كواكب وامتحنوها، ولم يستعملوا صور البروج على حقيقتها، لأنهم قسّموا فلك الكواكب على مقدار الأيام التي يقطعه القمر فيها، وهي ثمانية وعشرون يوما، وطلبوا في كل قسم منها علامة تكون أبعاد ما بينها وبين العلامة الأخرى مقدار مسير القمر في يوم وليلة، وسمّوها منزلة إلى أن تحقق لهم ثمانية وعشرون على ما تقدّم ذكره في الكلام على طلوعها بالفجر، لأن القمر إذا سار سيره الوسط انتهى في اليوم التاسع والعشرين إلى المحاق الذي بدأ منه، فحذفت

المتكرّر فبقي ثمانية وعشرون ويزاد بالشّرطين، لأن كواكبه من جملة كواكب الحمل الذي هو أوّل البروج. ثم هذه المنازل على قسمين: شماليّ وجنوبيّ كما في البروج، وكل قسم منها أربع عشرة منزلة. فالشماليّ منها ما كان طلوعه من ناحية الشام، وتسمّى الشاميّة وهو ما كان منها من نقطة الاعتدال، التي هي رأس الحمل والميزان صاعدا إلى جهة الشمال؛ وهي الشّرطان، والبطين، والثّريّا، والدّبران، والهقعة، والهنعة، والذّراع، والنّثرة، والطّرف، والجبهة، والخرتان، والصّرفة، والعوّاء، والسّماك، وبطلوعها يطول الليل ويقصر النهار. والجنوبيّ منها ما كان طلوعه من ناحية اليمن وتسمى اليمانية وهو ما كان منها من نقطة الاعتدال المذكور هابطا إلى جهة الجنوب؛ وهي الغفر، والزّبانان، والإكليل، والقلب، والشّولة، والنّعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السّعود، وسعد الأخبية، والفرغ المقدّم، والفرغ المؤخّر، وبطن الحوت؛ وبطلوعها يقصر الليل ويطول النهار. ثم المنزلة عند المحققين قطعة من الفلك مقدارها ربع سبع الدور، وهو جزء من ثمانية وعشرين جزءا من الفلك عبارة عن............ «1» لا عن الكواكب وإنما الكواكب حدود تفرق بين كل منزلة وأخرى فعدل بالتسمية إليها وغلبت عليها. ونزول القمر في هذه المنازل على ثلاثة أحوال: إما في المنزلة نفسها وإما فيما بينها وبين التي تليها، وإما محاذيا لها خارجا عن السمت شمالا أو جنوبا. وقد تقدّم الكلام على عدول القمر عن بعض المنازل ونزوله في غيرها. ولتعلم أن المنازل مقسومة على البروج الأثني عشر موزّعة عليها، فالشّرطان والبطين وثلث الثريا للحمل، وثلثا الثّريّا والدّبران وثلثا الهقعة للثّور،

وثلث الهقعة والهنعة والذّراع للجوزاء، والنّثرة والطّرف وثلث الجبهة للشّرطان، وثلثا الجبهة والخرتان وثلثا الصّرفة للأسد، وثلث الصّرفة والعوّاء والسّماك للسّنبلة؛ والغفر والزّبانان وثلث الإكليل للميزان، وثلثا الإكليل والقلب وثلثا الشولة للعقرب؛ وثلث الشولة والنعائم والبلدة للقوس، وسعد الذابح وسعد بلع وثلث سعد السعود للجدي «1» ، وثلث الفرغ المقدّم والفرغ المؤخر وبطن الحوت للحوت. إذا علمت ذلك فإذا أردت أن تعرف القمر في أيّ منزلة هو أو كم مضى له فيها من الأيام، فخذ ما مضى من سنة القبط شهورا كانت أو أياما أو شهورا وأياما وابسطها أياما، وأضف إلى ما حصل من ذلك يومين، ثم اطرح المجموع ثلاثة عشر ثلاثة عشر، وهو عدد لبث القمر في كل منزلة من الأيام، واجعل أوّل كل منزلة من العدد الخرتان، فما بقي من الأيام دون الثلاثة عشر فهو عدد ما مضى من المنزلة التي انتهى العدد إليها. مثال ذلك أن يمضي من سنة القبط شهر توت وأربعة أيام من بابه فتبسطها أياما تكون أربعة وثلاثين يوما فتضيف إليها يومين تصير ستة وثلاثين يوما فاطرح منها ثلاثة عشر مرتين بستة وعشرين للخرتان منها ثلاثة عشر وللصّرفة ثلاثة عشر تبقى عشرة، وهي ما مضى من المنزلة الثالثة وهي العوّاء. وإن أردت أن تعرف في أيّ برج هو فاحسب كم مضى من الشهر العربي يوما وزد عليه مثله ثم زد على الجملة خمسة وأعط لكل برج خمسة وابدأ من البرج الذي فيه الشمس فأعط لكل برج خمسة فأينما نفد حسابك فالقمر في ذلك البرج والاعتماد في ذلك على كم مضى من الشهر العربيّ بالحساب دون الرؤية، والله أعلم.

الجملة الثانية في أسمائها، وفيها روايتان

الجملة الثانية في أسمائها، وفيها روايتان الرواية الأولى- ما نطقت به العرب المستعربة وجرى عليه الاستعمال إلى الآن وقد نطق القرآن الكريم بصدقها قال تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ «1» والمراد شهور العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، ومدارها الأهلّة سواء جاء الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرين. الشهر الأوّل منها المحرم؛ سمّي بذلك لأنهم كانوا يحرّمون فيه القتال، ويجمع على محرّمات ومحارم ومحاريم. الشهر الثاني صفر، سمي «2» بذلك لأنهم كانوا يغيرون فيه على بلاد يقال لها الصّفريّة، ويجمع على صفرات وأصفار وصفور وصفار. الشهر الثالث ربيع الأوّل سمي بذلك لأنهم كانوا يحصّلون فيه ما أصابوه في صفر، والرّبيع في اللغة الخصب، وقيل لارتباعهم فيه؛ قال النحاس: والأوّل أولى بالصواب، ويقال في التثنية ربيعان الأوّلان وفي الجمع ربيعات الأوّلات، ومن شرط فيه إضافة شهر قال في التثنية شهرا ربيع الأوّلان وفي الجمع شهرات ربيع الأوّلات والأوائل، وان شئت قلت في القليل أشهر وفي الكثير شهور، وحكي عن قطرب «3» الأربعة الأوائل، وعن غيره ربع الأوائل. الشهر الرابع ربيع الآخر، والكلام في تسميته وتثنيته وجمعه كالكلام في ربيع الأوّل. الشهر الخامس جمادى الأولى، سمي بذلك لجمود الماء فيه، لأن الوقت الذي سمّي فيه بذلك كان الماء فيه جامدا لشدّة البرد، ويقال في التثنية جماديان الأوليان وفي الجمع جماديات الأوليات. الشهر السادس جمادى الآخرة، والكلام فيه

تسمية وتثنية وجمعا كالكلام في جمادى الأولى. الشهر السابع رجب، سمي بذلك لتعظيمهم له أخذا من الترجيب وهو التعظيم «1» ، ويجمع على رجبات وأرجاب، وفي الكثرة على رجاب ورجوب. الشهر الثامن شعبان، سمي بذلك لتشعّبهم فيه لكثرة الغارات عقب رجب؛ وقيل لتشعب العود في الوقت الذي سمّي فيه. وقيل لأنه شعب بين شهري رجب ورمضان ويجمع على شعبانات وشعابة «2» على حذف الزوائد، وحكى الكوفيون شعابين، قال النحاس: وذلك خطأ على قول سيبويه كما لا يجوز عنده في جمع عثمان عثامين. الشهر التاسع رمضان، سمي بذلك أخذا من الرمضاء لأنه وافق وقت تسميته زمن الحرّ، ويجمع على رمضانات، وحكى الكوفيون رماضين، والقول فيه كالقول في شعابين، ومن شرط فيه لفظ شهر قال في التثنية: شهرا رمضان وفي الجمع شهرات رمضان وأشهر رمضان وشهور رمضان. الشهر العاشر شوّال، سمي بذلك أخذا من شالت الإبل بأذنابها إذا حملت لكونه أوّل شهور الحج، وقيل من شال يشول إذا ارتفع، ولذلك كانت الجاهلية تكره التزويج فيه لما فيه من معنى الإشالة والرفع إلى أن جاء الإسلام بهدم ذلك؛ قالت عائشة رضي الله عنها فيما ثبت في صحيح مسلم: «تزوّجني رسول الله صلى الله عليه وسلّم في شوّال وبنى بي في شوّال فأيّ نسائه كان أحظى عنده منّي» ويجمع على شوّالات وشواويل وشواول. الشهر الحادي عشر ذو القعدة، ويقال بالفتح والكسر، سمّي بذلك لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال لكونه من الأشهر الحرم، ويجمع على ذوات القعدة، وحكى الكوفيون أولات القعدة، وربما قالوا في الجمع: ذات القعدة أيضا. الشهر الثاني عشر ذو الحجة، سمي بذلك لأن الحجّ فيه، والكلام في جمعه كالكلام في ذي القعدة. ثم من الأشهر

المذكورة أربعة أشهر حرم كما قال تعالى: مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ «1» وقد أجمعت العلماء على أن الأربعة المذكورة هي رجب وذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم. وقد اختلف في الابتداء بعددها فذهب أهل المدينة إلى أنه يبتدأ بذي القعدة فيقال: ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجب؛ ويحتجّون على ذلك بأنّ النبي صلى الله عليه وسلّم عدّها في خطبة حجّة الوداع كذلك فقال: «السّنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجب» واختاره أبو جعفر النحاس. وذهب أهل الكوفة إلى أنه يبتدأ بالمحرّم فيقال: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجّة ليأتوا بها من سنة واحدة وإليه ميل الكتّاب. قال النحاس: ولا حجّة لهم فيه لأنه إذا علم أن المقصود ذكرها في كل سنة فكيف يتوهم أنها من سنتين. وكانت العرب في الجاهلية مع ما هم عليه من الضّلال والكفر يعظّمون هذه الأشهر ويحرّمون القتال فيها حتّى لو لقي الرجل فيها قاتل أبيه لم يهجه، إلى أن حدث فيهم النسيء فكانوا ينسئون المحرّم فيؤخرونه إلى صفر فيحرّمونه مكانه وينسئون رجبا فيؤخّرونه إلى شعبان فيحرّمونه مكانه ليستبيحوا القتال في الأشهر الحرم. واعلم أنه يجوز أن يضاف لفظ شهر إلى جميع الأشهر فيقال: شهر المحرّم، وشهر صفر، وشهر ربيع الأوّل وكذا في البواقي، على أنّ منها ثلاثة «2» أشهر لم تكد العرب تنطق بها إلا مضافة إليها، وهي شهرا ربيع وشهر رمضان؛ ويؤيد ذلك في رمضان ما ورد به القرآن من إضافته، قال تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ «3» وقد روى عثمان بن الأسود «4» عن مجاهد «5» أنه قال: «لا تقل رمضان

ولكن قل كما قال الله عز وجل: شهر رمضان، فإنك لا تدري ما رمضان» وعن عطاء نحوه وأنه قال: لعلّ رمضان اسم من أسماء الله تعالى؛ لكن قد ثبت في الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلّم قال: «إذا جاء رمضان أغلقت النّيران وصفّدت الشّياطين» الحديث وهذا صريح في جواز تعريته عن الإضافة. وقد اختلف الناس في ذلك على ثلاثة مذاهب أصحّها أنه يجوز تعريته عن لفظ شهر مطلقا، سواء قامت قرينة أم لا، فيقال جاء رمضان وصمت رمضان، وما اشبه ذلك وهو ما رجّحه النوويّ في شرح مسلم، والثاني المنع مطلقا، والثالث إن حفّت قرينة تدلّ على الشهر كما في قوله: صمت رمضان فقد جازت التعرية، وإن لم تحفّ قرينة لم تجز؛ وزاد بعضهم فيما يضاف إليه لفظ شهر رجب أيضا، وقال كل شهر في أوّله حرف راء فلا يقال إلا بالإضافة. ويقال في المحرّم أيضا شهر الله المحرّم ويقال في الربيعين: ربيع الأوّل وربيع الآخر، وفي الجماديين: جمادى الأولى وجمادى الآخرة، قال ابن مكيّ «1» : ولا يقال جمادى الأوّل بالتذكير وجوّزه في كلامه على «تثقيف اللسان» «2» . قال النحاس: وإنما قالوا ربيع الآخر وجمادى الآخرة ولم يقولوا ربيع الثاني وجمادى الثانية كما قالوا: السنة الاولى والسنة والثانية لأنه إنما يقال الثاني والثانية لما له ثالث وثالثة، ولمّا لم يكن لهذين ثالث ولا ثالثة قيل فيهما الآخر والآخرة كما قيل: الدنيا والآخرة؛ على أن أكثر استعمال أهل الغرب على ربيع الثاني وجمادى الثانية. ويقال في رجب الفرد: لانفراده عن بقية الأشهر الحرم، ويقال

الرواية الثانية - ما روي عن العرب العاربة

فيه أيضا: رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، ويقال في شعبان المكرّم لتكرمته وعلوّ قدره، وفي رمضان: المعظّم والمعظّم قدره لعظمته وشرفه، وفي شوّال المبارك للفرق بينه وبين شعبان خشية الالتباس في الكتابة، ويقال في كلّ من ذي القعدة وذي الحجّة الحرام. قال النحاس: وقد جاء في ذي الحجة أيضا الأصمّ، وروى فيه حديثا بسنده من رواية مرّة الهمداني «1» عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم خطيبا على ناقة حمراء مخضرمة «2» ، فقال: أتدرون أيّ يوم يومكم هذا؟ قلنا: يوم النحر قال: صدقتم يوم الحجّ الأكبر، اتدرون أيّ شهر شهركم هذا؟ قلنا: ذو الحجّة قال: صدقتم شهر الله الأصمّ. الرواية الثانية- ما روي عن العرب العاربة ، وهو أنهم كانوا يقولون في المحرّم: المؤتمر أخذا من أمر القوم إذا كثروا بمعنى أنهم يحرّمون فيه القتال فيكثرون. وقيل أخذا من الائتمار بمعنى «3» أنه يؤتمر فيه بترك الحرب، ويجمع على مؤتمرات ومآمر ومآمير. ويقولون في صفر: ناجر إما من النّجر والنّجار (بفتح النون وكسرها) الأصل، بمعنى أنه أصل للحرب لأنه يبتدأ فيه بعد المحرم؛ وإما من النّجر وهو السّوق الشديد. لشدة سوقهم الخيل إلى الحرب فيه، وإما من النجر، وهو شدّة الحرّ لشدة حرارة الحرب فيه، ويجمع على نواجر. ويقولون في شهر ربيع الأوّل: خوّان (بالخاء المعجمة) لأن الحرب تشتدّ فيه فتخونهم فتنقصهم، ويجمع على خوّانات وخواوين وخواون. ويقولون في ربيع الآخر: وبصان، أخذا من الوبيص وهو البريق: لبريق الحديد فيه، ويجمع على وبصانات، وحكى قطرب فيه بصان فيجمع على أبصنة وفي الكثرة بصنان. ويقولون لجمادى الأولى: حنين لأنهم يحنّون فيه إلى أوطانهم لكونه كان يقع في

زمن الربيع، ويجمع على أحنّة وحنن كرغيف ورغف. ويقولون لجمادى الآخرة: ربّى وربّة لأنه يجتمع به لجماعة من الشهور التي ليست بحرم وهي ما بعد صفر. قال أبو عبيد: ربّان كل شيء جماعته، ويجمع على ربّيات وربايا مثل حبالى. ومن قال ربّة جمعه على مآريب «1» . ويقولون في رجب: الأصم لما تقدّم من أنه لا يسمع صوت السلاح ولا الاستغاثات فيه، ويجمع على أصامّ. قال النحاس: ولا تقل صمّ لأنه ليس بنعت كما أنك لو سمّيت رجلا أحمر جمعته على أحامر ولم تجمعه على حمر. ويقولون في شعبان: عادل «2» ، بمعنى أنهم يعدلون فيه عن الإقامة لتشعبهم في القبائل ويجمع على عوادل. ويقولون في رمضان: ناتق لكثرة المال عندهم فيه لإغارتهم على الأموال في الذي قبله، ويجمع على نواتق. ويقولون في شوّال: وعل أخذا من قولهم: وعل إلى كذا إذا لجأ إليه لأنهم يهربون فيه من الغارات لأن بعده الأشهر الحرم فيلجأون فيه إلى أمكنة يتحصّنون فيها، ويجمع على أوعال ككتف وأكتاف، وفي الكثرة وعول. ويقولون في ذي القعدة: ورنة والواو فيه منقلبة عن همزة أخذا من أرن إذا تحرّك لأنه الوقت الذي يتحرّكون فيه إلى الحج، أو من الأرون وهو الدنوّ لقربه من الحج ويجمع على ورنات ووران كجفان. ويقولون في ذي الحجة: برك، غير مصروف لأنه معدول عن بارك، أو على التكثير كما يقال: رجل حكم وهو مأخوذ من البركة لأن الحج فيه، أو من برك الجمل لأنه الوقت الذي تبرك فيه الإبل للموسم، ويجمع على بركان مثل نغر ونغران. وفي هذه الأسماء خلاف عند أهل اللغة والمشهور ما تقدّم ذكره «3» . وقد نظم بعضهم ذلك في أبيات على الترتيب فقال: بمؤتمر وناجر ابتدأنا ... وبالخوّان يتبعه البصان

وربّى ثم أيّدة تليه ... تعود أصمّ صمّ به السّنان [وعادلة وناطلة جميعا ... وواغلة فهم غرر حسان] «1» وورنة بعدها برك فتمّت ... شهور الحول يعربها البيان ثم للناس في إخراج أوّل الشهر العربي طرق، أسهلها أن تعرف أوّل يوم من المحرّم، ثم تعدّكم مضى من السنة من الشهور بالشهر الذي تريد أن تعرف أوّله وتقسمها نصفين، فإن كان النصف صحيحا أضفت على الجملة مثل نصفه، وإن كان مكسورا كملته وأضفته على الجملة، ثم تبتدىء من أوّل يوم من السنة وتعدّ منه أياما على توالي أسماء الأيام بعدد ما حصل معك من الأصل والمضاف، فحيث انتهى عددك فذلك اليوم هو أوّل الشهر. مثال ذلك في الصحيح النصف: إن أردت أن تعرف أوّل يوم من شعبان وكان أوّل المحرّم يوم الأحد مثلا فتعدّ من أوّل المحرم إلى شعبان وتدخل شعبان في العدد فيكون ثمانية أشهر فتقسمها نصفين يكون نصفها أربعة فتضيف الأربعة إلى الثمانية تكون اثني عشر، ثم تبتديء من يوم الأحد الذي هو أوّل المحرّم فتعدّ الأحد والاثنين والثّلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة والسبت، ثم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس فيكون انتهاء الاثني عشر في يوم الخميس فيكون أوّل شعبان يوم الخميس. ومثاله في المكسور النصف: إذا أردت أن تعرف أوّل رمضان أيضا وكان أوّل المحرم الأحد كما تقدّم فتعدّ ما مضى من شهور السنة وتعدّ منها رمضان يكون تسعة أشهر فتقسمها نصفين يكون نصفها أربعة ونصفا فتكملها بنصف تصير خمسة فتضيفها إلى الأصل المحفوظ وهو تسعة يكون المجموع أربعة عشر، ثم تبتديء عدد الأيام من أوّل المحرم، وهو الأحد كما تقدّم فيكون انتهاء الرابع عشر

الضرب الثاني شهور اليهود

في يوم السبت فيكون أوّل رمضان يوم السبت. ومن الطّرق المعتبرة في ذلك أن تنظر في الثالث من أيام النسيء من شهور القبط كم يوما مضى من الشهر العربيّ فما كان جعلته أصلا لتلك السنة، فإذا أردت أن تعرف أوّل شهر من الشهور العربية أو كم مضى من الشهر الذي أنت فيه فخذ الأصل المحفوظ معك لتلك السنة، وانظر كم مضى من السنة القبطية شهرا فخذ لكل شهرين يوما، فإن انكسرت الأشهر وجاءت فردا فاجبرها بيوم زيادة حتّى تصير زوجا، وزد على ذلك يومين أصلا أبدا؛ ثم انظركم يوما مضى من الشهر القبطي الذي أنت فيه فأضفه على ما اجتمع معك، وأسقط ذلك ثلاثين ثلاثين فما بقي فهو عدد ما مضى من الشهر العربيّ، ومنه يعرف أوّله. ومثال ذلك: نظرت في الثالث من أيام النسيء فوجدت الماضي من الشهر العربيّ ثلاثة أيام فكانت أصلا لتلك السنة، ثم نظرت في الشهور القبطية فوجدت الشهر الذي أنت فيه أمشير مثلا فتعدّ من أوّل شهور السنة القبطية (وهو توت) إلى أمشير يكون ستة أشهر فتأخذ لكل شهرين يوما تكون ثلاثة أيام فتضيفها على الأصل الذي معك من أيام النسيء وهو ثلاثة تصير ستة فزد عليها اثنين يصير المجموع ثمانية، ثم تنظر في الشهر القبطي الذي أنت فيه (وهو أمشير) تجده قد مضى منه يومان فتضيفهما على المجموع يكون عشرة، وهو الماضي من الشهر العربي الذي أنت فيه ومنه يعرف أوّله. الضرب الثاني شهور اليهود والشهر عندهم من الاجتماع إلى الاجتماع، وهو اقتران الشمس والقمر في آخر الشهر ولذلك توافق شهورهم في التقدير شهور العرب، ولا تخالف أوائلها إلا بيوم واحد في بعض الأحيان لأسباب في ملّتهم ولكنها لا تطابق شهرا لشهر، فإنّ شهور العرب غير مكبوسة، وشهور اليهود مكبوسة، وهذه الطريقة لا تعرف إلا بتقويم الكواكب ومعرفة سير الشمس والقمر؛ ولذلك لا يعرف شهور اليهود منهم

القسم الثاني من الشهور الاصطلاحي والمراد به الشمسي

إلا الآحاد، وشهورهم وهي اثنا عشر شهرا بعضها ثلاثون، وبعضها تسعة وعشرون على ما يقتضيه مسير الشمس والقمر، وفي السنة الكبيسة تكون شهورهم ثلاثة عشر شهرا كما سيأتي، وشهورهم توافق شهور السّريان في بعض أسمائها دون بعض، الأوّل تشرى، الشهر الثاني مرحشوان، الشهر الثالث كسلا «1» ، الشهر الرابع طابات «2» ، الشهر الخامس شباط «3» ، الشهر السادس آذار «4» ، الشهر السابع نيسان «5» ، الشهر الثامن أيار، الشهر التاسع سيوان، الشهر العاشر تموز، الشهر الحادي عشر آب، الشهر الثاني عشر أيلول، وفي السنة التي يكبسون فيها بعد كل سنة أو بعد كل سنتين على ما سيأتي بيانه يكبسون شهرا كاملا بعد آذار وهو الشهر السادس من شهورهم ويسمونه آذار الثاني، وسيأتي ذلك مفصلا في الكلام على السنين إن شاء الله تعالى. وقد تقدّم أنها توافق شهور العرب إلا في القليل إلا أنها يدخلها الكبس لأمور في ملّتهم، وسيأتي الكلام على كبسهم عند ذكر السنين إن شاء الله تعالى. القسم الثاني من الشهور الاصطلاحيّ والمراد به الشمسيّ وهي مدّة قطع الشمس مدار برج من بروج الفلك الاثني عشر، وذلك ثلاثون يوما وثلاثة عشر «6» يوما تقريبا، وعليه عمل القبط، والفرس، والسريان، والروم. وهي على صنفين:

الصنف الأول ما يكون كل شهر من شهور السنة ثلاثين يوما وما فضل عن ذلك جعل نسيئا بين الشهور وهو الشهور القبط، والفرس

الصنف الأول ما يكون كلّ شهر من شهور السنة ثلاثين يوما وما فضل عن ذلك جعل نسيئا بين الشهور وهو الشهور القبط، والفرس فأما شهور القبط (وتنسب لدقلطيانوس الملك) فكلّ شهر منها ثلاثون يوما وأيام النسيء في آخر الثاني عشر منها وهي خمسة أيام. الشهر الأوّل منها توت، ودخوله في العشرين من آب من شهور السّريان، وآخره السادس والعشرون من أيلول منها، فيه يدرك الرّطب، ويكثر السّفرجل والعنب الشّتويّ، وتبتديء المحمضات. وأوّل يوم منه يوم النّيروز وهو رأس سنة القبط، وفي سابعه يبتديء لقط الزيتون؛ وفي سابع عشره عيد الصليب، فيه تفتح أكثر الترع بمصر، وفي ثامن عشره أوّل فصل الخريف، وفي تاسع عشره يبتديء هيجان السوداء في البدن، وفي العشرين منه يفصد البلسان وفي الحادي والعشرين منه يبتدىء بيض النّعام، وفي الرابع والعشرين منه أول دي ماه من شهور الفرس؛ وفي الثامن والعشرين منه يذهب الحر، وفي التاسع والعشرين منه أوّل رعي الكراكيّ، وفي الثلاثين منه وهو آخره يزرع الهليون. الشهر الثاني بابه، ودخوله في السابع والعشرين من أيلول من شهور السّريان، وآخره السادس والعشرون من تشرين الأوّل منها، فيه يبذر كلّ ما لا تشقّ له الأرض كالبرسيم وغيره؛ وفي آخره تشقّ الأرض بالصعيد؛ وفيه يحصد الأرز، ويطيب الرّمّان، وتضع الضأن والمعز والبقر الخيسيّة «1» ، ويستخرج دهن الآس واللينوفر، ويدرك الثمر والزبيب وبعض المحمضات، وفي ثالثه رأس سنة السريان؛ وفي رابعه أوّل تشرين الأوّل من شهورهم، وفي خامسه عرس النيل؛ وفي سادسه يطيب شرب الدواء؛ وفي سابعه «2» نهاية زيادة النيل؛ وفي ثامنه يكره

خروج الدم؛ وفي حادي «1» عشره يبتديء النيل في النقص، وفي ثالث عشره بداية الوخم؛ وفي رابع عشره يكثر الناموس؛ وفي خامس عشره يبتديء زرع القرط؛ وفي سادس عشره تبتديء كثرة السّعال، وفي تاسع عشره يبتديء زرع السّلجم «2» ، وفي الثاني والعشرين منه يبتديء صلاح المواشي، وفي الثالث والعشرين منه تبتديء كثرة الغيوم، وفي الرابع والعشرين منه تبتديء أهل مصر الزرع، وفي السابع والعشرين منه يبتديء سمن الحيتان، وفي الثامن والعشرين منه أوّل المدّ، وفي التاسع والعشرين منه أوّل الليالي البلق. الشهر الثالث هتور «3» ؛ ودخوله في السابع والعشرين من تشرين الأول؛ وآخره الخامس والعشرون من تشرين الثاني. فيه يزرع القمح ويطلع البنفسج والمنثور، وأكثر البقول، ويجمع ما بقي من الباذنجان وما يجري مجراه، ويحمل العنب من قوص، وفي ثانيه يبتديء حصاد الأرز، وفي خامسه أوّل تشرين الثاني من شهور السريان، وفيه يبتديء برد المياه، وفي سادسه أوّل المطر الوسميّ، وفي سابعه يبتديء أهل الشام الزّرع «4» ، وفي ثامنه يبتديء هبوب الرياح الجنوبيّة وفي تاسعه «5» يبتديء زرع الخشخاش وفي حادي عشره يبتدىء اختفاء الهوامّ، وفي ثالث عشره يبتديء غليان البحر، وفي رابع عشره تعمى الحيّات، وفي سادس عشره يجمع الزعفران، وفي ثامن عشره تكثر الوحوش، وفي الثامن والعشرين منه يغلق البحر الملح وتمتنع السّفن من السفر فيه لشدّة الرياح، وفي الثالث والعشرين منه تبتديء سخونة بطن الأرض، وفي الرابع والعشرين منه أوّل اسفيدار ماه من شهور الفرس. الشهر الرابع كيهك؛ ودخوله في السادس والعشرين من تشرين الثاني من شهور السّريان، وآخره الخامس والعشرون من كانون الأوّل منها، فيه تدرك

الباقلاء وتزرع الحلبة وأكثر الحبوب، ويدرك النّرجس والبنفسج، وتتلاحق المحمضات، وفي أوّله ابتداء أربعينيّات مصر، وفي ثالثه يبتديء موت الذّباب، وفي خامسه «1» أوّل كانون الأوّل من شهور السّريان، وفي سابعه «2» آخر الليالي البلق وأوّل الليالي السّود «3» ، وفي حادي عشره «4» يبتديء الشجر في رمي أوراقه، وفي ثاني عشره تظهر البراغيث، وفي سابع عشره أوّل فصل الشتاء وهو أوّل أربعينيّات الشام، وفي ثامن عشره يتنفّس النهار، وفي الحادي والعشرين منه يكثر الطير الغريب بمصر، وفي الثالث والعشرين منه أوّل مردوماه «5» من شهور الفرس، وهو نوروزهم وأوّل سنتهم، وفي الخامس والعشرين منه يهيج البلغم، وفي السادس والعشرين منه تلقح الإبل، وفيا السابع والعشرين منه يكثر شرب الماء في الليل، وفي الثلاثين منه يبتديء تقليم الكروم «6» . الشهر الخامس طوبه، ودخوله في السادس والعشرين من كانون الأوّل من شهور السريان، وآخره الرابع والعشرون من كانون الثاني منها، في زرع القمح فيه تغرير، وفيه تشقّ الأرض للقصب والقلقاس، ويتكامل النّرجس، وفي أوّله تبيت الرياح الشديدة، وفي ثانيه يدرك القرط، وفي سادسه أوّل كانون الثاني من شهور السّريان، وفي عاشره آخر «7» أربعينيّات مصر، وفي حادي عشره أوّل نصب الكروم، وفي ثاني عشره يشتدّ البرد، وفي ثالث عشره يبتديء زرع المقات، وفي

سابع عشره يبتديء غرس الأشجار، وفي ثامن عشره تبتديء كثرة النّدى، وهو آخر «1» الليالي السود، وفي تاسع عشره يبتديء وقوع الثلج بالشام وغيره، وفي الرابع والعشرين منه يبتديء صفو ماء النيل، وفي التاسع والعشرين منه يبتديء اختلاف الرياح. الشهر السادس أمشير؛ ودخوله في الخامس والعشرين من كانون الثاني من شهور السريان وآخره الثالث والعشرون من شباط منها. فيه تغرس الأشجار، وتقلّم الكروم، ويدرك النبق واللوز الأخضر، ويكثر البنفسج والمنثور، وفي رابعه «2» يبتديء إفراخ النخل، وفي سادسه أوّل شباط من شهور السّريان، وفي حادي عشره يبتديء إنتاج الطيور وزرع بقول الصّيف، وفي ثاني عشره يبتديء تحرّك دوابّ البحر، وفي الثاني «3» والعشرين منه ثاني جمرة فاترة، ويبتديء مرض الأطفال، ويبتديء خروج ورق الشجر، وفي الثالث والعشرين منه يبتديء خروج الدوابّ للمرعى وفي الرابع والعشرين منه أوّل حردادماه من شهور الفرس، وفي الخامس والعشرين منه يبتديء هيجان الرّياح، وفي السابع والعشرين منه تبتديء ثالث جمرة حامية، وفي الثامن والعشرين منه أوّل المفرطات، وفي التاسع والعشرين منه آخر نهي أبقراط. الشهر السابع برمهات، ودخوله في الرابع والعشرين من شباط من شهور السّريان، وآخره الخامس والعشرون من آذار. فيه تزهر الأشجار، ويعقد أكثر الثمار، ويزرع أوائل السّمسم ويقلع الكتّان، ويدرك الفول والعدس، وفي ثانيه يحمد خروج الدم، وهو أوّل «4» الأعجاز، وفي ثالث عشره «5» تفتّح الحيات أعينها،

وفي خامس عشره تطيب الألبان، وفي سادس عشره يبتديء خروج دود القزّ، وفي ثامن عشره يهيج الدم، وفي تاسع عشره «1» ظهور الهوام، وفي العشرين منه يزرع السّمسم، وفي الرابع والعشرين منه أوّل تير ماه من شهور الفرس، وفي السادس والعشرين منه يبتديء شرب المسهل، وفي السابع والعشرين «2» منه خروج الذّباب الأزرق. الشهر الثامن برموده؛ ودخوله في السادس والعشرين من آذار من شهور السريان، وآخره الرابع والعشرون من نيسان منها، فيه تقطف أوائل عسل النحل، وفيه تكثر الباقلاء، وينفض جوز الكتّان، ويكثر الورد الأحمر، والبطن الأوّل من الجمّيز ويقلع بعض الشعير، ويدرك الخيار شنبر «3» . وفي أوّله يؤكل الفريك، وفي رابعه يعصر دهن البلسان، وفي خامسه تبتديء كثرة الزهر، وفي سادسه أوّل نيسان من شهور السّريان، وفي ثاني عشره يخاف على بعض الزرع، وفي ثامن عشره آخر قلع الكتّان، وفي العشرين منه ينهى عن أكل البقول، وفي الثاني والعشرين منه ظهور الكمأة، وفي الثالث والعشرين منه الختام الكبير للزرع، وفي الرابع والعشرين منه أوّل ترد ماه من شهور الفرس، وفي الخامس والعشرين منه نهاية مدّ الفرات، وفي الثامن والعشرين منه يبيض النّعام. الشهر التاسع بشنس، ودخوله في الخامس والعشرين من نيسان من شهور السريان، وآخره التاسع والعشرون من أيّار منها. فيه يكثر التّفّاح القاسمي، ويبتديء التّفّاح المسكيّ، والبطّيخ العبدليّ «4» والحوفي، والمشمش، والخوخ الزّهري، والورد الأبيض. وفي نصفه يبذر الأرز، ويحصد القمح، وفي سادسه

أوّل أيّار من شهور السّريان، وفي رابع عشره يجمع الخشخاش، وفي ثامن عشره يجمع العصفر، وفي الحادي والعشرين منه تبتديء برودة الأرض، وفي الرابع والعشرين منه أوّل شهر برماه من شهور الفرس. الشهر العاشر بؤنه «1» ؛ ودخوله في الخامس والعشرين من أيّار من شهور السّريان؛ وآخره الثالث والعشرون من حزيران منها، فيه يكثر الحصرم ويطيب بعض العنب والتين البونيّ وهو الديفور، والخوخ الزّهري والمشعر، والكمّثري البوهيّ، والقراصيا، والتّوت، ويطلع البلح، ويقطف جمهور العسل، وفي ثالثه يبتديء توحّم النيل، وفي سادسه يكمل الدّرياق «2» ؛ وفي سابعه أوّل حزيران من شهور السّريان، وفي تاسعه يبتديء مهبّ الريح الشمالية، وفي عاشره «3» يبتديء تنفّس النيل، وفي خامس عشره تتحرك شهوة الجماع، وفي ثاني عشره عيد ميكائيل في ليلته يوزن من الطين زنة ستة عشر درهما عند غروب الشمس ويرفع في مكان ويوزن عند طلوع الشمس فما زاد كان بكل خروبة زادت على السّتة عشر ذراع، وفي ثالث عشره يبتديء نقص الفرات، وفي رابع عشره تهبّ الرياح السّمائم، وفي تاسع عشره تذهب البراغيث، وفي العشرين منه تهيج الصفراء، وفي الثاني والعشرين منه يعقد الجوز، ويقوى اندفاع النيل، وفي الرابع والعشرين منه يثور وجع العين وهو أوّل مهر ماه من شهور الفرس، وفي السابع والعشرين «4» منه يؤخذ قاع النيل، وفي الثامن والعشرين «5» منه ينادى عليه، وفي التاسع والعشرين منه يدرك البّطيخ. الشهر الحادي عشر أبيب، ودخوله في الرابع والعشرين من حزيران من

شهور السريان، وآخره الثالث والعشرون من تمّوز منها، فيه يكثر العنب والتين ويقلّ البطّيخ العبدليّ ويطيب البلح وتقطف بقايا العسل وتقوى زيادة النيل، وفي رابعه أوّل نهي أبقراط، وفيه يموت الجراد، وفي سابعه أوّل تمّوز من شهور السريان، وفي عاشره يبتديء وقع الطاعون، وفي ثاني عشره تبتديء قوة السمائم، وفي ثالث عشره تدرك الفاكهة، وفي سابع عشره «1» تغور العيون، وفي ثامن عشره يجمع السّمّاق، وفي الثاني والعشرين منه يدرك الفستق، وفي الرابع والعشرين منه أوّل أبان ماه من شهور الفرس، وفي السادس والعشرين منه طلوع الشّعرى اليمانية، وفي التاسع والعشرين منه يدرك نخل الحجاز. الشهر الثاني عشر مسرى، ودخوله في الرابع والعشرين من تموز من شهور السريان، وآخره السابع والعشرون من آب منها، فيه يعمل الخلّ، ويدرك البسر والموز، وتتغيّر طعوم الفاكهة لغلبة الماء على الأرض، ويدرك اللّيمون التّفّاحيّ «2» ، ويبتديء إدراك الرّمّان، وفي رابعه نقصان الدّجلة، وفي خامسه أوّل العصير، وفي ثامنه أوّل آب من شهور السّريان، وفي ثاني عشره فصال المواشي، وفي رابع عشره تقلّ الألبان، وفي خامس عشره تسخن المياه، وفي سابع عشره تختلف الرياح، وفي ثامن عشره يحذر لسع الهوامّ، وفي الثاني والعشرين منه آخر العصير، وفي الرابع والعشرين منه يهيج النّعام، وفي الخامس والعشرين منه تكثر الغيوم، وفي الثامن والعشرين «3» منه آخر السّمائم، وفي التاسع والعشرين منه أوّل آذرماه من شهور الفرس. أيام النسيء «4» - ودخولها في الثامن والعشرين من آب من شهور السريان ويختلف آخرها باختلاف السنة الكبيسة وغيرها. وقد وضع الناس طرقا لإخراج أوّل الشهر القبطيّ بالحساب، أقربها أن تعرف

يوم النّيروز ثم تعدّ ما مضى من الشهور القبطية بالشهر الذي تريد أن تعرف أوّله فما كان فأضعفه فما تحصّل فأسقط منه واحدا أبدا، ثم أسقط الباقي سبعة سبعة فما فضل فعدّ من يوم النّيروز إلى آخر الباقي بعد الإسقاط على توالي الأيام فأينما انتهى العدد فذلك اليوم هو أوّل الشهر المطلوب. مثال ذلك، كان يوم النيروز الأحد، وأردنا أن نعرف أوّل أمشير، عددناكم مضى من أوّل الشهور القبطية وعددنا منها أمشير، وجدنا ذلك ستة، أضعفناها صارت اثني عشر، أسقطنا منها واحدا بقي أحد عشر، أسقطنا منها سبعة بقي أربعة، عددنا من يوم النيروز وهو الأحد أربعة فكان آخرها يوم الأربعاء فعلمنا أن أوّل أمشير الأربعاء. وأما شهور الفرس، فهي اثنا عشر شهرا كلّ شهر منها ثلاثون يوما، وأيام النّسيء خمسة أيام في آخر الشهر الثامن منها وهو أبان ماه. الشهر الأوّل منها افرودين ماه، ودخوله في الرابع والعشرين من كيهك من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من طوبه منها، وأوّل يوم منه نيروز الفرس ورأس سنتهم. الشهر الثاني ارديهشتماه ودخوله في الرابع والعشرين من طوبه من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من أمشير منها. الشهر الثالث حرداد ماه، ودخوله في الرابع والعشرين من أمشير من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من برمهات منها. الشهر الرابع تيرماه، ودخوله في الرابع والعشرين من برمهات من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من برموده منها. الشهر الخامس تردماه، ودخوله في الرابع والعشرين من برموده من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من بشنس منها. الشهر السادس شهر برماه، ودخوله في الرابع والعشرين من بشنس من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من بؤنه منها. الشهر السابع مهرماه، ودخوله في الرابع والعشرين من بؤنه من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من أبيب منها. الثامن أبان ماه، ودخوله في الرابع والعشرين من أبيب من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من مسرى، منها أيام النسيء، وتسمّى بالفارسية الاندركاه، ودخولها في الرابع والعشرين من مسرى وآخرها الثامن والعشرون

الصنف الثاني من الشهور الاصطلاحية ما يختلف عدده بالزيادة والنقصان، فيكون بعض الشهور فيه ثلاثين، وبعضها أقل، وبعضها أكثر، وهو شهور السريان والروم

منها. الشهر التاسع ادرماه، ودخوله في التاسع والعشرين من مسرى من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من توت. الشهر العاشر دي ماه، ودخوله في الرابع والعشرين من توت من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من بابه منها. الشهر الحادي عشر بهمن ماه، ودخوله في الرابع والعشرين من بابه من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من هاتور منها. الشهر «1» الثاني عشر [اسفندارماه، ودخوله في الرابع والعشرين من هاتور من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من كيهك منها] . ولكل يوم من أيام الشهر عندهم اسم خاص يزعمون أنه اسم ملك من الملائكة موكل به. وقد علم مما تقدّم من شهور القبط ما يقع في هذه الشهور من ... «2» والفواكه وغيرها. الصنف الثاني من الشهور الاصطلاحية ما يختلف عدده بالزيادة والنقصان، فيكون بعض الشهور فيه ثلاثين، وبعضها أقلّ، وبعضها أكثر، وهو شهور السريان والروم فأما شهور السريان وتنسب للإسكندر «3» فاثنا عشر شهرا، منها أربعة كل

شهر منها ثلاثون يوما، وشهر واحد ناقص عن الثلاثين، وسبعة زائدة عليها. الشهر الأوّل منها تشرين الأوّل، وهو أحد وثلاثون يوما، ودخوله في الرابع من بابه من شهور القبط، وآخره الرابع من هاتور منها، ويوافقه أكتوبر من شهور الروم، وهو الشهر العاشر منها. الشهر الثاني تشرين الثاني، وهو ثلاثون يوما، ودخوله في الخامس من هاتور من شهور القبط، وآخره الرابع من كيهك منها، ويوافقه نوفمبر من شهور الروم، وهو الشهر الحادي عشر منها. الشهر الثالث كانون الأوّل وهو أحد وثلاثون يوما، ودخوله في الخامس من كيهك من شهور القبط، وآخره الخامس من طوبه منها، ويوافقه دجنبر من شهور الروم، وهو الشهر الثاني عشر منها. الشهر الرابع كانون الثاني، وهو أحد وثلاثون يوما، ودخوله في السادس من طوبه من شهور القبط، وآخره السادس من أمشير منها، ويوافقه ينير من شهور الروم، وهو الشهر الأوّل منها. الشهر الخامس أشباط، ويقال شباط، وهو ثمانية وعشرون يوما «1» ، ودخوله في السابع من أمشير، وآخره الرابع من برمهات، ويوافقه فبراير من شهور الروم، وهو الثاني من شهورهم. الشهر السادس آذار، وهو أحد وثلاثون يوما، ودخوله في الخامس من برمهات من شهور القبط، وآخره الخامس من برموده منها، ويوافقه مارس من شهور الروم، وهو الثالث من شهورهم. الشهر السابع نيسان، وهو ثلاثون يوما، ودخوله في السادس من برموده من شهور القبط، وآخره الخامس من بشنس منها، ويوافقه ابريل من شهور الروم، وهو الرابع من شهورهم. الشهر الثامن أيّار، وهو أحد وثلاثون يوما، ودخوله في السادس من بشنس من شهور القبط، وآخره السادس من بؤنه منها، ويوافقه مايه من شهور الروم، وهو الخامس من شهورهم. الشهر التاسع حزيران،

وهو ثلاثون يوما، ودخوله في السابع من بؤنه من شهور القبط، وآخره السادس من أبيب منها، ويوافقه يونيه من شهور الروم، وهو السادس من شهورهم. الشهر العاشر تمّوز، وهو أحد وثلاثون يوما، ودخوله في السابع من أبيب من شهور القبط، وآخره السابع من مسرى منها، ويوافقه يوليه من شهور الروم، وهو السابع من شهورهم. الشهر الحادي عشر آب، وهو أحد وثلاثون يوما، ودخوله في الثامن من مسرى من شهور القبط، وآخره الثالث من توت منها، ويوافقه اغشت من شهور الروم، وهو الثامن من شهورهم. الشهر الثاني عشر أيلول وهو ثلاثون يوما، ودخوله في الرابع من توت من شهور القبط، وآخره الثالث من بابه منها، ويوافقه ستنبر من شهور الروم، وهو التاسع من شهورهم، وبذهابه يذهب الحر جملة، وفي ذلك يقول أبو نواس: مضى أيلول وارتفع الحرور ... وأخبت نارها الشّعرى العبور وقد نظمها صاحبنا الشيخ إبراهيم الدهشوري في أبيات ابتدأ فيها بأيلول فقال: وابدأ بأيلول من السّرياني ... تشرين الأوّل يتبعنه الثاني كانون كانون شباط يطلع ... آذار نيسان أيار يتبع ثمّ حزيران وتمّوز وأب ... تبارك الرحمن يهدي من أحب وقد نظم الشيخ أبو عبد الله الكيزاني «1» رحمه الله أبياتا ذكر فيها الأشهر التي منها ثلاثون يوما والناقصة عن الثلاثين ولم يتعرّض للزائدة على الثلاثين وليست بالطائل، وهي هذه: شهور الرّوم ألوان زيادات ونقصان ... فتشرينهم الثاني وأيلول ونيسان

ثلاثون ثلاثون سواء وحزيران ... شباط خصّ بالنقص وقدر النّقص يومان ونظم صاحب «مناهج الفكر» «1» تداخلها مع شهور القبط في أرجوزة فجاءت في غاية الحسن والوضوح إلا أن فيها طولا، وهي هذه: متى تشأ معرفة التّداخل ... من أوّل الشّهور في المنازل فعدّ من توت بلا تطويل ... أربعة فهي ابتدا أيلول وبابة كذاك مع تشرين ... الأوّل السابق في السنين والخامس المعدود من هتور ... أوّل تشرينهم الأخير أوّل كانون بغير دلسه ... إذا نقصت من كيهك خمسه وطوبة إن مرّ منه ستّة ... أتاك كانون الأخير بغته ومن شباط أوّل يوافق ... سابع أمشير حساب صادق أول آذار إذا جعلته ... لبرمهات خامسا وجدته أوّل نيسان لدى التّجريد ... السادس المعدود من برمود ومثله أيار مع بشنس ... واحدة مقرونة بخمس أمّا حزيران فيحسبونه ... أوّله السابع من بؤنه كذلك السابع من أبيب ... أوّل تمّوز بلا تكذيب أوّل آب عند من يحصّل ... ثامن مسرى ذاك ما لا يجهل وبالغ بعض المتأخرين فنظم معنى هذه الأرجوزة في بيت واحد، الحرف الأوّل من الكلمة منه للشهر السريانيّ والحرف الأخير للشهر القبطيّ وما بينهما لعدد الأيام التي إذا مضت من ذلك الشهر القبطيّ دخل ذلك الشهر السرياني وهو: أدّت تدب تهه كهك كوط أزا ... أهب نوب أوب حزب تزا أحم فالألف من أدّت إشارة لأيلول من شهور السّريان، وهو آخر شهورهم،

والتاء إشارة لتوت من شهور القبط، وهو أوّل شهورهم، والدال من أدت بأربعة، ففي الرابع من توت يدخل أيلول، والتاء من تدب إشارة لتشرين الأوّل، والباء إشارة لبابه، والدال بينهما بأربعة، ففي الرابع من بابه يدخل تشرين الأوّل، والتاء من تهه إشارة لتشرين الثاني، والهاء الأخيرة إشارة لهتور، والهاء المتوسطة بينهما بخمسة ففي الخامس من هاتور يدخل تشرين الثاني، والكاف الأولى من كهك إشارة لكانون الأوّل والكاف الأخيرة إشارة لكيهك والهاء بينهما بخمسة، ففي الخامس من كيهك يدخل كانون الأوّل، والكاف من كوط إشارة لكانون الثاني، والطاء إشارة لطوبه، والواو بينهما بستة، ففي السادس من طوبه يدخل كانون الثاني؛ والألف الأولى من أزا إشارة لأشباط، والألف الأخيرة إشارة لأمشير، والزاي بينهما بسبعة، ففي السابع من أمشير يدخل أشباط؛ والألف من أهب إشارة لآذار، والباء إشارة لبرمهات، والهاء بينهما بخمسة، ففي الخامس من برمهات يدخل آذار، والنون من نوب إشارة لنيسان، والباء إشارة لبرموده، والواو بينهما بستة، ففي السادس من برموده يدخل نيسان؛ والألف من أوب إشارة لأيّار، والباء إشارة لبشنس، والواو بينهما بستة، ففي السادس من بشنس يدخل أيّار؛ والحاء من حزب إشارة لحزيران، والباء إشارة لبؤنه، والزاي بينهما بسبعة، ففي السابع من بؤنه يدخل حزيران، والتاء من تزأ إشارة لتموز، والألف إشارة لأبيب، والزاي بينهما بسبعة، ففي السابع من أبيب يدخل تمّوز، والألف من أحم إشارة لآب، والميم إشارة لمسرى، والحاء بينهما بثمانية، ففي الثامن من مسرى يدخل آب. وأما شهور الروم: (وتنسب لأغشطش «1» ملك الروم) وهو قيصر الأوّل، فاثنا عشر شهرا؛ بعضها ثلاثون يوما، وبعضها زائد على الثلاثين، وبعضها ناقص عنها كما في شهور السريان؛ وهي مطابقة لشهور السريان في العدد، مخالفة لها في الأسماء والترتيب. الشهر الأوّل ينير، ويوافقه كانون الثاني من شهور السريان، وهو الرابع من شهورهم، وفي أوّل يوم منه يكون القلداس، ويوقد أهل الشام في

الطرف الثالث في السنين، وفيه ثلاث جمل

ليلته نيرانا عظيمة، لا سيما مدينة أنطاكية، وكذلك سائر بلاد الشام وأرض الروم، وسائر بلاد النصارى. الشهر الثاني فبرير، ويوافقه شباط من شهور السريان؛ وهو الخامس من شهورهم. الشهر الثالث مارس، ويوافقه آذار من شهور السريان؛ وهو السادس من شهورهم. الشهر الرابع ابريل؛ ويوافقه نيسان من شهور السريان، وهو السابع من شهورهم. الشهر الخامس مايه، ويوافقه أيّار من شهور السريان، وهو الثامن من شهورهم. الشهر السادس يونيه؛ ويوافقه حزيران من شهور السريان، وهو التاسع من شهورهم. الشهر السابع يوليه، ويوافقه تمّوز من شهور السريان، وهو العاشر من شهورهم. الشهر الثامن أغشت، ويوافقه آب من شهور السريان، وهو الحادي عشر من شهورهم. الشهر التاسع شتنبر، ويوافقه أيلول من شهور السريان، وهو الثاني عشر من شهورهم. الشهر العاشر أكتوبر، ويوافقه تشرين الأوّل من شهور السريان، وهو الأوّل من شهورهم. الشهر الحادي عشر نونمبر، ويوافقه تشرين الثاني من شهور السريان، وهو الثاني من شهورهم. الشهر الثاني عشر دجنبر، ويوافقه كانون الأوّل من شهور السريان، وهو الثالث من شهورهم، وقد نظمها الشيخ إبراهيم الدهشوري فقال: ينير فبرير مارس للروم ... أبريل مايه خامس المعلوم ينيه ويليه ثمّ اغشت شتنبر ... أكتوبر نونمبر دجنبر الطرف الثالث في السنين، وفيه ثلاث جمل الجملة الأولى في مدلول السنة والعام يقال: السنة، والعام، والحول؛ وقد نطق القرآن بالأسماء الثلاثة قال تعالى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً «1» فأتى بذكر السنة والعام في

الجملة الثانية في حقيقة السنة، وهي على قسمين: طبيعية واصطلاحية كما تقدم في الشهور

آية واحدة، وقال جل وعز: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ «1» وقد تختص السنة بالجدب والعام بالخصب، وبذلك ورد القرآن الكريم في بعض الآيات قال تعالى: ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ «2» فعبر بالعام عن الخصب وقال جل ذكره: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ «3» فعبر بالسنين عن الجدب. على أنه قد وقع التعبير بالسّنين عن الخصب أيضا في قوله تعالى: قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ «4» . أما الحول فإنه يقع على الخصب والجدب جميعا. الجملة الثانية في حقيقة السنة، وهي على قسمين: طبيعيّة واصطلاحية كما تقدّم في الشهور القسم الأوّل السنة الطبيعية وهي القمريّة وأوّلها استهلال القمر في غرّة المحرّم، وآخرها سلخ ذي الحجّة من تلك السنة، وهي اثنا عشر شهرا هلاليّا قال تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ «5» . وعدد أيّامها ثلاثمائة يوم وأربعة وخمسون يوما وخمس وسدس يوم تقريبا؛ ويجتمع من هذا الخمس والسدس يوم في كل ثلاث سنين فتصير السنة ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوما، ويبقى من ذلك بعد اليوم الذي اجتمع شيء، فيجتمع منه ومن خمس اليوم وسدسه في السنة السادسة يوم واحد، وكذلك إلى أن يبقى الكسر أصلا بأحد عشر يوما عند

القسم الثاني الاصطلاحية وهي الشمسية

تمام ثلاثين سنة، وتسمّى تلك السنين كبائس العرب. قال السهيلي «1» : كانوا يؤخّرون في كل عام أحد عشر يوما حتّى يدور الدور إلى ثلاث وثلاثين سنة فيعود إلى وقته، فلما كانت سنة حجّة الوداع وهي سنة تسع من الهجرة عاد الحجّ إلى وقته اتفاقا في ذي الحجّة كما وضع أوّلا، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيه الحجّ، ثم قال في خطبته التي خطبها يومئذ: «إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السّموات والأرض» بمعنى أن الحج قد عاد في ذي الحجّة. وفي بعض التعاليق أن سني العرب كانت موافقة لسني الفرس في الدخول والانسلاخ فحدث في أحوالهم انتقالات فسد عليهم بها الكبس في أوّل السنة السادسة من ملك أغبطش، وذلك بعد ملك ذي القرنين بمائتين وثمانين سنة وأربعين يوما فسنّوا كبس الربع من ذلك اليوم في كل سنة فصارت سنينهم بعد ذلك الوقت محفوظة المواقيت. وقيل لم تزل العرب في جاهليتها على رسم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لا تنسأ سنيها إلى أن جاورتهم اليهود في يثرب، فأرادت العرب أن يكون حجّهم في أخصب وقت من السنة، وأسهل زمان للتردّد بالتجارة فعلموا الكبس من اليهود والله أعلم أيّ ذلك كان. القسم الثاني الاصطلاحية وهي الشمسيّة وشهورها اثنا عشر شهرا كما في السنة الطبيعية إلا أن كل طائفة راعت عدم دوران سنيها جعلت في أشهرها زيادة في الأيام إما جملة واحدة وإما متفرّقة وسمّتها نسيئا بحسب ما اصطلحوا عليه كما ستقف عليه في مصطلح كل قوم إن شاء الله تعالى. وعدد أيّامها عند جميع الطوائف من القبط، والفرس، والسريان، والروم،

المصطلح الأول - مصطلح القبط

وغيرهم ثلاثمائة يوم وخمسة وستون يوما وربع يوم، فتكون زيادتها على العربية عشرة أيام وثمانية أعشار يوم وخمسة أسداس يوم. وقد قال بعض حذّاق المفسرين في قوله تعالى: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً «1» إنه إن حمل على السنين القمرية فهو على ظاهره من العدد، وإن حمل على السنين الشمسية فالتسع الزائدة هي تفاوت زيادة الشمسية على القمرية، لأنّ في كل ثلاثمائة سنة تسع سنين لا تخلّ بالحساب أصلا. قال صاحب «مناهج الفكر» : ولذلك كانوا في صدر الإسلام يسقطون عند رأس كل ثلاث وثلاثين سنة عربيّة سنة ويسمّونها سنة الازدلاف، لأن كل ثلاث وثلاثين سنة عربية اثنتان وثلاثون سنة شمسية تقريبا. قال: وإنما حملهم على ذلك الفرار من اسم النسيء الذي أخبر الله تعالى أنه زيادة في الكفر. ثم المعتبرون السنة الشمسية اختلفت مصطلحاتهم فيها بحسب اختلاف مقاصدهم. المصطلح الأوّل- مصطلح القبط ، وقد اصطلحوا على أن جعلوا شهرهم ثلاثين يوما كما تقدّم، فإذا انقضت الاثنا عشر شهرا أضافوا إليها خمسة أيام يسمّونها أيام النسيء «2» ، يفعلون ذلك ثلاث سنين متوالية، فإذا كانت السنة الرابعة أضافوا إلى خمسة النسيء المذكورة ما اجتمع من الربع يوم الزائد على الخمسة أيام في السنة الشمسية فتصير ستة أيام، ويجعلونها كبيسة في تلك السنة، وبعض ظرفائهم يسمّي الخمسة المزيدة السنة الصغيرة. قال أصحاب الزيجات: وأوّل ابتدائهم ذلك في زمن أغشطش. وكانوا من قبل يتركون الربع إلى أن تجتمع أيام سنة كاملة وذلك في ألف سنة وأربعمائة وإحدى وستين سنة يسقطونها من سنيهم؛ وعلى هذا المصطلح استقرّ عملهم

المصطلح الثاني - مصطلح الفرس

بالديار المصرية في الإقطاعات، والزرع، والخراج، وما شاكل ذلك. المصطلح الثاني- مصطلح الفرس ؛ وشهورهم كشهور القبط في عدد الأيام على ما تقدّم، فإذا كان آخر شهر أبان ماه، وهو الشهر السابع «1» من شهورهم أضافوا إليه الخمسة الأيام الباقية وجعلوه خمسة وثلاثين يوما، وتسمّي الفرس هذه الأيام الخمسة: الأندركاه؛ ولكل يوم منها عندهم اسم خاص كما في أيّام الشهر؛ ولما لم يجز في معتقدهم كبس السنة بيوم واحد بعد ثلاث سنين كما فعل القبط كانوا يؤخّرونه إلى أن يتم منه في مائة وعشرين سنة شهر كامل فيلقونه، وتسمّى السنة التي يلقى فيها بهبرك «2» ، قال المسعوديّ في «مروج الذهب» : وإنما أخّروا ذلك إلى مائة وعشرين سنة لأن أيّامهم كانت سعودا ونحوسا فكرهوا أن يكبسوا في كل أربع سنين يوما فتنتقل بذلك أيام السّعود إلى أيام النّحوس، ولا يكون النّيروز أوّل يوم من الشهر وعلى هذا المصطلح كان يجبى الخراج للخلفاء، وتتمشى الأحوال الديوانية في بداية الأمر، وعليه العمل في العراق وبلاد فارس إلى الآن. المصطلح الثالث- مصطلح السريان ، وشهورهم على ما تقدّم من كونها تارة ثلاثين يوما وتارة زائدة عليها، وتارة ناقصة عنها، وإنما فعلوا ذلك حتّى لا يلحقهم النسيء في شهورهم إذ الأيام الخمسة المذكورة الزائدة على شهور القبط والفرس موزّعة على رؤوس الزوائد من شهورهم، وذلك أن من شهورهم سبعة أشهر يزيد كل شهر منها يوما على الثلاثين وهي تشرين الأوّل، وكانون الأوّل، وكانون الثاني، وآذار، وأيّار، وتموز، وآب، فتكون الزيادة سبعة أيام يكمل منها شباط وهو ثمانية وعشرون يوما بيومين يبقى خمسة أيام؛ وهي نظير النسيء في سنة القبط والفرس، ويبقى بعد ذلك الربع يوم الزائد على الخمسة أيام في السنة

المصطلح الرابع - مصطلح اليهود

الشمسية، فإذا انقضت ثلاث سنين متواليات جمعوا الأرباع الثلاثة الملغاة إلى الربع الرابع فيجتمع منها يوم فيجعلونه نظير اليوم الذي كبسه القبط ويضيفونه إلى شباط، فيصير تسعة وعشرين يوما. المصطلح الرابع- مصطلح اليهود ، وشهورهم وإن كانت قمريّة كالعربية كما تقدّم فقد اضطرّوا إلى أن تكون سنتهم شمسيّة لأنهم أمروا في التوراة أن يكون عيد الفطر في زمان الفريك فلم يتأتّ لهم ذلك حتّى جعلوا سنيهم قسمين: الأوّل بشيطا ومعناه بسيطة وهي القمرية، والثاني معبارت، ومعناه كبيسة وهم يكبسون شهرا كاملا، ومعبارت اسم موضوع عندهم على الكامل؛ فإنه لما كان في بطنها زيادة عليها كانت هذه السنة مثلها بإضافة الشهر المكبوس إليها، وكل واحدة من السنين ثلاثة أنواع أحدها حسارين ومعناه ناقصة، وهي التي يكون الشهر الثاني والثالث منها (وهما مرحشوان وكسلا) ناقصين، وكل واحد منهما تسعة وعشرون يوما؛ والنوع الثاني شلاميم ومعناه تامّة، وهي التي يكون فيها كل شهر من الشهرين المذكورين تامّا، والنوع الثالث كسدران معناه معتدلة، وهي التي تكون أشهرها ناقص يتلوه تام؛ وهذا يلزم من جهة أنهم لا يجيزون أن يكون رأس سنتهم يوم أحد ولا يوم أربعاء ولا يوم خميس. وأما معبارت فإنها تكون في كل تسع عشرة سنة سبع مرات، ويسمون الجملة مخزورا ومعناه الدور؛ وهذه السبعة لا تكون على التوالي، وإنمّا تكون تارة سنتان بشيطان يتلوهما معبارت، وتارة سنة بشيطا يتلوها معبارت، كل ذلك حتّى لا تخرم عليهم قاعدة الثلاثة أيام التي لا يختارونها أن تكون أوّل سنتهم، فإذا انقضى آذار من هذه السنة كبسوا شهرا وسموه آذار الثاني، فإذا انقضت التسع عشرة سنة أعادوا دورا ثانيا وعملوا فيه كذلك وعلى هذا أبدا. أما مصطلح المنجّمين فالسنة عندهم من حلول الشمس في أوّل نقطة من رأس الحمل إلى حلولها في آخر نقطة من الحوت، ومنهم من يجعلها من حلول الشمس في أوّل نقطة من رأس الميزان إلى حلولها في آخر نقطة من السّنبلة،

الجملة الثالثة في فصول السنة الأربعة وفيه ثلاثة مهايع

والأوّل هو المعروف. وتساهل بعضهم فقال: هي من كون الشمس في نقطة ما من فلك البروج إلى عودها إلى تلك النقطة، ويقال إن سنة الجند والمرتزقة بالديار المصرية كانت أوّلا على هذا المصطلح، وبه يعملون في الإقطاعات ونحوها. الجملة الثالثة في فصول السنة الأربعة وفيه ثلاثة مهايع المهيع الأوّل في الحكمة في تغيير الفصول الأربعة في السنة واعلم أن الفصول تختلف بحسب اختلاف طبائع السنة لتباين مصالح أوقاتها حكمة من الله تعالى. قال بطليموس: تحتاج الأبدان إلى تغيير الفصول فالشتاء للتجميد، والصيف للتّحليل، والخريف للتّدريج، والربيع للتّعديل وعلى ذلك يقال: إن أصل وضع الحمّام أربعة بيوت بعضها دون بعض على التدريج ترتيبها على الفصول الأربعة. المهيع الثاني في كيفيّة انقسام السنة الشمسية إلى الفصول واعلم أن دائرة منطقة البروج لما قاطعت دائرة معدّل النهار على نقطتين متقابلتين مال «1» عنهما في جهتي الشمال والجنوب بقدر واحد، فالنقطة التي تجري عليها الشمس من ناحية الجنوب إلى الشمال عن معدّل النهار تسمّى نقطة الاعتدال الربيعيّ، وهي أوّل الحمل، والنقطة التي تجوز عليها من الشمال إلى الجنوب تسمى نقطة الاعتدال الخريفيّ وهي أوّل الميزان. ويتوهم في الفلك دائرة ث؟؟؟ معترضة من الشمال إلى الجنوب تمرّ على أقطاب تقابل الدائرة المخطوطة على الفلكين تقطع كلّ واحد من فلك معدّل النهار وفلك البروج بنصفين، فوجب أن

المهيع الثالث في ذكر الفصول، وأزمنتها، وطبائعها، وما حصة كل فصل منها من البروج والمنازل؛ وهي أربعة فصول

يكون قطعها لفلك البروج على النقطتين اللتين هما في غاية الميل والبعد عن معدّل النهار في جهتي الشمال والجنوب فتسمّى النقطة الشمالية نقطة المنقلب الصيفيّ وهي أوّل السّرطان، وتسمّى النقطة الجنوبية نقطة المنقلب الشّتويّ، وهي أوّل الجدي. واختلاف طبائع الفصول عن حركة الشمس وتنقّلها في هذه النّقط، فإنها إذا تحرّكت من الحمل، وهو أوّل البروج الشمالية أخذ الهواء في السّخونة لقربها من سمت الرؤوس وتواتر الإسخان إلى أن تصل إلى أوّل السرطان، وحينئذ يشتدّ الحرّ في السّرطان والأسد إلى أن تصل إلى الميزان، فحينئذ يطيب الهواء ويعتدل؛ ثم يأخذ الهواء في البرودة ويتواتر إلى أوّل الجدي، وحينئذ يشتدّ البرد في الجدي والدّلو لبعد الشمس من سمت الرؤوس إلى أن تصل إلى الحمل فتعود الشمس إلى أوّل حركتها. المهيع الثالث في ذكر الفصول، وأزمنتها، وطبائعها، وما حصة كلّ فصل منها من البروج والمنازل؛ وهي أربعة فصول الأول- فصل الربيع - وابتداؤه عند حلول الشمس برأس الحمل، وقد تقدم ومدّته أحد وتسعون يوما وربع يوم ونصف ثمن يوم. وأوّله حلول الشمس رأس الحمل، وآخره عند قطعها برج الجوزاء؛ وله من الكواكب القمر، والزّهرة، ومن المنازل الشّرطان، والبطين، والثّريّا، والدّبران، والهقعة، والهنعة، والذّراع بما في ذلك من التداخل كما مر؛ ومن الساعات الأولى والثانية والثالثة؛ ومن الرّياح الجنوب؛ وطبعه حارّ رطب؛ وله من السّن الطّفولية والحداثة؛ ومن الاخلاط الدم، ومن القوى الهاضمة. وفيه تتحرّك الطبائع، وتظهر المواد المتولدة في الشّتاء، فيطلع النبات، وتزهر الأشجار وتورق، ويهيج الحيوان للسّفاد، وتذوب الثّلوج، وتنبع العيون، وتسيل الأودية، وأخذت الأرض زخرفها وازّينت فتصير كأنها عروس تبدّت لخطّابها، في مصبّغات ثيابها؛ ويقال: إذا نزلت الشمس رأس الحمل تصرّم الشتاء، وتنفّس الربيع، واختالت الأرض في وشيها

البديع، وتبرّجت للنظّارة في معرض الحسن والنّضارة. ومن كلام الوزير المغربيّ «1» : لو كان زمن الربيع شخصا لكان مقبّلا، ولو أن الأيام حيوان لكان لها حليا ومجلّلا، لأن الشمس تخلص فيه من ظلمات حوت السماء، خلاص يونس من ظلمات حوت الماء؛ فإذا وردت الحمل وافت أحبّ الأوطان اليها وأعزّ أماكنها عليها. وكان عبدوس الخزاعيّ يقول: من لم يبتهج بالربيع، ولم يستمتع بأنواره ولا استروح بنسيم أزهاره، فهو فاسد المزاج، محتاج إلى العلاج. ويروى عن بقراط الحكيم مثله، وفيه بدل قوله: «فهو فاسد المزاج» فهو عديم حسّ، أو سقيم نفس. ولجلالة محلّ هذا الفصل في القلوب، ولنزوله من النفوس منزلة الكاعب الخلوب، كانت الملوك إذا عدمته استعملت ما يضاهي زهره من البسط المصوّرة المنقّشة، والنّمارق المفوّفة «2» المرقّشة. وقد كان لأنوشروان بساط يسميه بساط الشّتاء، مرصّع بأزرق الياقوت والجواهر، وأصفره وأبيضه وأحمره، وقد جعل أخضره مكان أغصان الأشجار، وألوانه بموضع الزّهر والنوار. ولما أخذ هذا البساط في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في واقعة القادسيّة، حمل إليه فيما أفاء الله على المسلمين؛ فلما رآه قال: «إن أمّة أدّت هذا إلى أميرها لأمينة» ثم مزّقه فوقع منه لعليّ عليه السلام قطعة في قسمه مقدارها شبر في شبر فباعها بخمسة عشر ألف دينار. وقد أطنب الناس في وصف هذا الفصل ومدحه، وأتوا بما يقصر عن شرحه، وتغالى الشعراء فيه غاية التّغالي، وفضّلوا أيامه ولياليه على الأيّام والليالي، وما أحلى قول البحتريّ:

أتاك الربيع الطّلق يختال ضاحكا ... من الحسن حتّى كاد أن يتكلّما وقد نبّه النّوروز في غسق الدّجى ... أوائل ورد كنّ بالأمس نوّما يفتّحها برد النّدى فكأنّما ... يبثّ حديثا بينهنّ مكتّما ومن شجر ردّ الربيع رداءه ... كما نشرت ثوبا عليه منمنما أحلّ فأبدى للعيون بشاشة ... وكان قذى للعين إذ كان محرما ورقّ نسيم الجوّ حتّى كأنّما ... يجيء بأنفاس الأحبّة نعّما وأحلى منه قول أحمد بن محمد العلويّ: أو ما ترى الأيّام كيف تبرّجت ... وربيعها وال عليها قيّم؟ لبست به الأرض الجمال فحسنها ... متأزّر ببروده متعمّم انظر إلى وشي الرّياض كأنّه ... وشي تنشّره الأكفّ ينمنم والنّور يهوى كالعقود تبدّدت ... والورد يخجل والأقاحي تبسم والطّلّ ينظم فوقهنّ لآلئا ... قد زان منهنّ الفرادى التّوأم ويكاد يذري الدّمع نرجسها اذا ... أضحى ويقطر من شقائقها الدّم ومنها: أرض تباهيها السماء اذا دجا ... ليل ولاحت في دجاها الأنجم فلخضرة الجوّ اخضرار رياضها ... ولزهره زهر ونور ينجم وكما يشقّ سنا المجرّة جرّه ... واد يشقّ الأرض طام مفعم لم يبق إلا الدّهر إذ باهت به ... وحيا يجود به ملثّ مرهم «1» وقول الآخر: طرق الحياء ببّره المشكور ... أهلا به من زائر ومزور

الثاني - فصل الصيف

وحبا الرّياض غلالة من وشيه ... بغرائب التّفويف والتّحبير وأعارها حليا تأنّى الغيث في ... ترصيعه بجواهر المنثور بمورّد كمورّد الياقوت قا ... رن أبيضا كمصاعد الكافور ومعصفر شرق وأصفر فاقع ... في أخضر كالسّندس المنشور فكأنّ أزرقه بقايا إثمد «1» ... في أعين مكحولة بفتور كملت صفات الزّهر فيه فناب عمّ ... اغاب من أنواعه بحضور وقول الآخر: إشرب هنيئا قد أتاك زمان ... متعطّر متهلّل نشوان فالأرض وشي والنّسيم معنبر ... والماء راح والطّيور قيان الثاني- فصل الصيف : وهو أحد وتسعون يوما وربع ونصف ثمن يوم وابتداؤه إذا حلّت الشمس رأس السّرطان، وانتهاؤه إذا أتت على آخر درجة من السّنبلة؛ فيكون له من البروج السرطان، والأسد، والسنبلة. وهذه البروج تدلّ على السّكون، وله من الكواكب المرّيخ والشمس؛ ومن المنازل النّثرة، والطّرف، والجبهة، والزّبرة، والصّرفة، والعوّاء، والسّماك يتداخل فيه؛ وله من الساعات الرابعة والخامسة والسادسة، ومن الرياح الصّبا، وطبعه حارّ يابس؛ وله من السنّ الشّباب؛ ومن الأخلاط المرّة الصفراء؛ ومن القوى القوّة النفسية والحيوانية. وللعرب في هذا الفصل وغرات «2» : وهي الحرور؛ منها وغرة الشّعرى، ووغرة الجوزاء، ووغرة سهيل، أوّلها أقواها حرّا؛ يقال إن الرجل في هذه الوغرة يعطش بين الحوض والبئر، وإذا طلع سهيل ذهبت الوغرات؛ وتسمّى الرياح التي في هذه الوغرات البوارح؛ سميت بذلك لأنها تأتي من يسار الكعبة كما برح الظّبي إذا أتاك من يسارك؛ وقد أولع الناس بين لفحات الحرّ وسمومه، وأتوا

فيه ببدائع تقلع من قلب الصّبّ غمام غمومه. وفي ذلك قول بعضهم: أوقدت الظهيرة نارها، وأذكت أوارها، فأذابت دماغ الضّبّ، وألهبت قلب الصّبّ؛ هاجرة كأنها من قلوب العشّاق، إذا اشتعلت فيها نار الفراق، حرّ تهرب له الحرباء من الشمس، وتستجير بمتراكم الرّمس؛ لا يطيب معه عيش، ولا ينفع معه ثلج ولا خيش؛ فهو كالقلب المهجور، أو كالتّنّور المسجور. ووصف بعضهم، وهو ذو الرمّة، حرّ هاجرة فقال: وهاجرة حرّها واقد ... نصبت لحاجبها حاجبي تلوذ من الشّمس أطلاؤها ... لياذ الغريم من الطّالب وتسجد للشمس حرباؤها ... كما يسجد القسّ للرّاهب وقال سوّار بن المضرّس: وهاجرة تشتوى بالسّموم ... جنادبها «1» في رؤوس الأكم إذا الموت أخطأ حرباءها ... رمى نفسه بالعمى والصّمم وقال أبو العلاء المعريّ: وهجيرة كالهجر موج سرابها ... كالبحر ليس لمائها من طحلب واخى به الحرباء عودي منبر ... للظّهر إلا أنه لم يخطب وقال آخر: وربّ يوم حرّه منضج ... كأنّه أحشاء ظمآن كأنّما الأرض على رضفة «2» ... والجوّ محشوّ بنيران وبالغ الأمير ناصر الدين بن الفقيسي «3» فقال من أبيات:

الثالث - فصل الخريف

في زمان يشوي الوجوه بحرّ ... ويذيب الجسوم لو كنّ صخرا لا تطير النّسور فيه إذا ما ... وقفت شمسه وقارب ظهرا يشتكي الضّبّ ما اشتكى الصّبّ فيه ... ولحربائه إلى الظلّ حرّا ويودّ الغصن الرّطيب به لو ... أنّه من لحائه يتعرّى وقال أيضا يصف ليلة شديدة الحر: يا ليلة بتّ بها ساهرا ... من شدّة الحرّ وفرط الأوار كأنّني في جنحها محرم ... لو أنّ للعورة منّي استتار وكيف لا أحرم في ليلة ... سماؤها بالشّهب ترمي الجمار على أن أبا عليّ بن رشيق قد فضّله على فصل الشتاء فقال: فصل الشّتاء مبين لا خفاء به ... والصّيف أفضل منه حين يغشاكا فيه الذي وعد الله العباد به ... في جنّة الخلد إن جاؤوه نسّاكا أنهار خمر وأطيار وفاكهة ... ما شئت من ذا ومن هذا ومن ذاكا فقل لمن قال لولا ذاك لم يك ذا ... إذا تفضّل على أخراك دنياكا سمّ الشّتاء بعبّاس تصب غرضا ... من الصّواب وسمّ الصّيف ضحّاكا الثالث- فصل الخريف ، وهو أحد وتسعون يوما وربع يوم ونصف ثمن يوم، وأوّله عند حلول الشمس رأس الميزان؛ وذلك في الثامن عشر من توت وإذا بقي من أيلول ثمانية أيام؛ وآخره إذا أتت الشمس على آخر درجة من القوس؛ فيكون له من البروج الميزان والعقرب والقوس؛ وهذه البروج تدلّ على الحركة، وله من الكواكب زحل، ومن الساعات السابعة والثامنة. والطالع فيه مع الفجر من المنازل الغفر والزّبانان والإكليل والقلب والشّولة والنّعائم والبلدة يتداخل فيه. وهو بارد يابس، له من السّن الكهولة؛ تهيج فيه المرّة السّوداء، وتقوى فيه القوّة الماسكة، وتهبّ فيه الرياح الشّمالية، وفيه يبرد الهواء، ويتغيّر الزمان، وتنصرم الثّمار، ويتغير وجه الأرض، وتهزل البهائم، وتموت الهوامّ، وتجحر الحشرات، ويطلب الطير المواضع الدّفئة، وتصير الأرض كأنها كهلة مدبرة. ويقال: فصل

الخريف ربيع النفس كما أن الربيع ربيع العين، فإنه ميقات الأقوات، وموسم الثّمار، وأوان شباب الأشجار؛ وللنّفوس في آثاره مربع، وللجسوم بمواقع خيراته مستمتع. وقد وصفه الصابي فقال: الخريف أصحّ فصول السنة زمانا، وأسهلها أوانا؛ وهو أحد الاعتدالين المتوسّطين بين الانقلابين، حين أبدت الأرض عن ثمرتها، وصرّحت عن زبدتها؛ وأطلقت السماء حوافل أنوائها، وآذنت بانسكاب مائها؛ وصارت الموارد، كمتون المبارد؛ صفاء من كدرها، وتهذّبا من عكرها؛ واطّرادا مع نفحات الهواء، وحركات الرّياح الشّجواء؛ واكتست الماشية وبرها القشيب، والطائر ريشه العجيب. ومن كلام ابن شبل «1» : كلّ ما يظهر في الربيع نوّاره ففي الخريف تجتنى ثماره. وقال أبو بكر الصنوبري «2» : ما قضى في الربيع حقّ المسرّات ... مضيع لحقّها في الخريف نحن منه على تلقّي شتاء ... يوجب القصف أو وداع مصيف في قميص من الزّمان رقيق ... ورداء من الهواء خفيف يرعد الماء فيه خوفا اذا ما ... لمسته يد النّسيم الضّعيف وقال ابن الرومي يصفه: لولا فواكه أيلول إذا اجتمعت ... من كلّ فنّ ورقّ الجوّ والماء إذا لما حفلت نفسي إذا اشتملت ... عليّ هائلة الحالين غبراء يا حبّذا ليل أيلول إذا بردت ... فيه مضاجعنا والرّيح شجواء

وخمّش القرّ فيه الجلد والتأمت ... من الضّجيعين أجسام وأحشاء وأسفر القمر الساري بصفحته ... يرى لها في صفاء الماء لألاء بل حبّذا نفحة من ريحه سحرا ... يأتيك فيها من الرّيحان أنباء قل فيه ما شئت من فضل تعهّده ... في كلّ يوم يد لله بيضاء وقال عبد الله بن المعتز يصفه ويفضله على الصيف من أبيات: طاب شرب الصّبوح في أيلول ... برد الظلّ في الضّحى والأصيل وخبت لفحة الهواجر عنّا ... واسترحنا من النّهار الطّويل وخرجنا من السّموم إلى برد ... نسيم وطيب ظلّ ظليل فكأنّا نزداد قربا من الجنّة ... في كلّ شارق وأصيل ووجوه البقاع تنتظر الغيث ... انتظار المحبّ ردّ الرّسول وقريب منه قول الآخر: اشرب على طيب الزّمان فقد حدا ... بالصّيف للنّدمان أطيب حاد وأشمّنا بالليل برد نسيمه ... فارتاحت الأرواح في الأجساد وافاك بالأنداء قدّام الحيا ... فالأرض للأمطار في استعداد كم في ضمائر تربها من روضة ... بمسيل ماء أو قرارة واد تبدو إذا جاء السّحاب بقطره ... فكأنّما كنّا على ميعاد ومما يقرب منه قول جحظة البرمكيّ «1» : لا تصغ للّوم إن اللّوم تضليل ... واشرب ففي الشّرب للأحزان تحليل فقد مضى القيظ واجتثّت رواحله ... وطابت الرّيح لمّا آل أيلول وليس في الأرض بيت يشتكي مرها ... إلا وناظره بالطّلّ مكحول

الرابع - فصل الشتاء

وبالغ بعضهم فسوّى بينه وبين فصل الربيع فقال في ضمن تهنئة لبعض إخوانه: هنيّت إقبال الخريف ... وفزت بالوجه الوضيّ تمّ اعتدالا في الكمال ... فجاء في خلق سويّ فحكى الرّبيع بحسنه ... ونسيم ريّاه الذّكيّ وينوب ورد الزّعفران ... له عن الورد الجنيّ وأبلغ منه قول الآخر يفضله على فصل الربيع الذي هو سيد الفصول ورئيسها: محاسن للخريف لهنّ فخر ... على زمن الرّبيع وأيّ فخر به صار الزّمان أمام برد ... يراقب نزحه وعقيب حرّ ومع ذلك فالأطباء تذمّه لاستيلاء المرّة السّوداء فيه، ويقولون: أنّ هواءه رديء متى تشبّث بالجسم لا يمكن تلافيه؛ وفي ذلك يقول بعض الشعراء: خذ في التّدثّر في الخريف فإنّه ... مستوبل ونسيمه خطّاف يجري مع الأيّام جري نفاقها ... لصديقها ومن الصّديق يخاف الرابع- فصل الشتاء وهو أحد وتسعون يوما وربع يوم ونصف ثمن يوم، ودخوله عند حلول الشمس رأس الجدي؛ وذلك في الثامن عشر من كيهك وإذا بقي من كانون الأول ثمانية أيام؛ وآخره إذا أتت الشمس على آخر درجة من الحوت فيكون له من البروج الجدي والدّلو والحوت؛ وهذه البروج تدلّ على السكون؛ والطالع فيه مع الفجر سعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السّعود، وسعد الأخبية، والفرغ المقدّم والفرغ المؤخّر، والرّشاء. فيه تهبّ رياح الدّبور؛ وهو بارد رطب. فيه يهيج البلغم، وتضعف قوى الأبدان. له من السنّ الشّيخوخة، ومن القوى البدنيّة القوة الدافعة، وفيه يشتدّ البرد، ويخشن الهواء، ويتساقط ورق الشّجر، وتنجحر «1» الحيّات، وتكثر الأنواء، ويظلم الجوّ، وتصير الأرض كأنها عجوز هرمة

قد دنا منها الموت. وله من الكواكب المشتري وعطارد، ومن الساعات العاشرة والحادية عشرة. ويقال: إذا حلّت الشمس الجدي، مدّ الشّتاء رواقه، وحلّ نطاقه، ودبّت عقارب البرد لاسبة «1» ، ونفع مدّخر الكسب كاسبه. وللبلغاء في وصف حال من أظله ملح تدفع عن المقرور متى استعدّ بها طلّه ووبله. فمن ذلك قول بعضهم يصف شدّة البرد: برد يغيّر الألوان، وينشّف الأبدان، ويجمّد الريق في الأشداق، والدّمع في الآماق «2» ؛ برد حال بين الكلب وهريره، والأسد وزئيره، والطير وصفيره، والماء وخريره. ومن كلام الفاضل «3» : في ليلة جمد خمرها، وخمد جمرها، إلى يوم تودّ البصلة لو ازدادت قمصا «4» إلى قمصها، والشمس لو جرّت النار إلى قرصها؛ أخذه بعضهم فقال: ويومنا أرياحه قرّة ... تخمش الأبدان من قرصها يوم تودّ الشمس من برده ... لو جرّت النار إلى قرصها ولابن حكينا البغداديّ: البس إذا قدم الشّتاء برودا ... وافرش على رغم الحصير لبودا الرّيق في اللهوات أصبح جامدا ... والدّمع في الآماق صار برودا وإذا رميت بفضل كأسك في الهوا ... عادت إليك من العقيق عقودا وترى على برد المياه طيورها ... تختار حرّ النار والسّفّودا

يا صاحب العودين لا تهملهما ... حرّق لنا عودا وحرّك عودا ولبعضهم: شتاء تقلص الأشداق منه ... وبرد يجعل الشّبّان شيبا وأرض تزلق الأقدام فيها ... فما تمشي بها إلا دبيبا ومن كلام الزمخشري: أقبلت يا برد ببرد أجود ... تفعل بالأوجه فعل المبرد أظل في البيت كمثل المقعد ... منقبضا تحت الكساء الأسود لو قيل لي أنت أمير البلد ... فهات للبيعة كفّا يعقد ومن كلام أبي عبد الله بن أبي الخصال «1» يصف ليلة باردة من رسالة: والكلب قد صافح خيشومه ذنبه، وأنكر البيت وطنبه «2» ، والتوى التواء الجباب «3» ، واستدار استدارة الحباب «4» ، وجلّده الجليد، وضربه الضّريب، وصعّد أنفاسه الصّعيد، فحماه مباح، ولا هرير ولا نباح. ومن شعر الحماسة في وصف ليلة شديدة البرد: في ليلة من جمادى ذات أندية ... لا يبصر الكلب من أندائها الطّنبا لا ينبح الكلب فيها غير واحدة ... حتّى يلفّ على خيشومه الذّنبا ولأبي القاسم التنوخيّ «5» :

وليلة ترك البرد البلاد بها ... كالقلب أسعر نارا فهو مثلوج فإن بسطت يدا لم تنبسط خصرا ... وإن تقل فبقول فيه تثبيج «1» فنحن منه ولم نخرس ذوو خرس ... ونحن فيه ولم نفلج مفاليج وقال بعضهم يصف يوما باردا كثير الضّباب: يوم من الزّمهرير مقرور ... عليه جيب السّحاب مزرور وشمسه حرّة مخدّرة ... ليس لها من ضبابه نور كأنّما الجوّ حشوه إبر ... والأرض من تحته قوارير وحكي أنّ أعرابيّا اشتدّ به البرد فأضاءت نار فدنا منها ليصطلي، وهو يقول: اللهم لا تحرمنيها في الدّنيا ولا في الآخرة؛ أخذه بعضهم فقال وهو في غاية المبالغة: أيا ربّ إن البرد أصبح كالحا ... وأنت بحالي عالم لا تعلّم فإن كنت يوما مدخلي في جهنّم ... ففي مثل هذا اليوم طابت جهنّم وقد اعتنى الناس بمدحه فقال بعضهم: لو لم يكن من فضله إلا أنه تغيب فيه الهوامّ وتنجحر الحشرات، ويموت الذّباب، ويهلك البعوض، ويبرد الماء، ويسخن الجوف، ويطيب العناق، ويظهر الفرش، ويكثر الدخن، وتلذّ جمرة البيت لكفى. وتابعه بعض الشعراء فقال: تركت مقدّمة الخريف حميده ... وبدا الشّتاء جديده لا ينكر مطر يروق الصّحو منه وبعده ... صحو يكاد من الغضارة يمطر غيثان والانواء غيث ظاهر ... لك وجهه والصّحو غيث مضمر وقال أبو الفتح كشاجم:

أذن الشّتاء بلهوه المستقبل ... فدنت أوائله بغيث مسبل متكاثف الأنواء منغدق الحيا ... هطل النّدى هزج الرّعود بجلجل جاءت بعزل الجدب فيه فبشّرت ... بالخصب أنواء السّماك الأعزل وقد ولع الناس بذكر الاعتداد لها قديما وحديثا. قيل لأعرابيّ: ما أعددت للبرد؟ فقال: طول الرّعدة، وتقرفص القعدة، وذوب «1» المعدة، أخذه ابن سكّرة «2» ، فقال: قيل ما أعددت للبر ... د وقد جاء بشدّه قلت درّاعة عري ... تحتها جبّة رعده واعلم أن ما تقدّم من أزمان الفصول الأربعة هو المصطلح المعروف، والطريق المشهور. وقد ذكر الآبيّ في كتاب الدرّ «3» : أن العرب قسّمت السنة أربعة أجزاء فجعلوا الجزء الأوّل الصّفريّة وسمّوا مطره الوسمي، وأوّله عندهم سقوط عرقوة الدّلو السّفلى، وآخره سقوط الهقعة، وجعلوا الجزء الثاني الشتاء، وأوّله سقوط الهنعة، وآخره سقوط الصّرفة. وجعلوا الجزء الثالث الصيف، وأوّله سقوط العوّاء، وآخره سقوط الشّولة، وجعلوا الجزء الرابع القيظ. وسمّوا مطره الخريف، وأوّله سقوط النّعائم، وآخره سقوط عرقوة الدلو العليا. وذكر ابن قتيبة في «أدب الكاتب» طريقا آخر فقال: الربيع يذهب الناس إلى أنه الفصل الذي يتبع الشتاء ويأتي فيه الورد والكمأة، والنّور، ولا يعرفون الربيع غيره. والعرب تختلف في ذلك فمنهم من

يجعل الربيع الفصل الذي تدرك فيه الثمار، وهو الخريف، وبعده فصل الشتاء، ثم فصل الصيف وهو الوقت الذي تسمّيه العامّة الربيع، ثم فصل القيظ وهو الذي تسميه العامة الصّيف، ومنهم من يسمّي الفصل الذي تدرك فيه الثمار وهو الخريف الربيع الأوّل، ويسمّي الفصل الذي يلي الشتاء وتأتي فيه الكمأة والنّور الربيع الثاني، وكلهم مجمعون على أن الخريف هو الربيع. وفي بعض التعاليق أن من العرب من جعل السنة ستة أزمنة: الأوّل الوسمي وحصّته من السنة شهران، ومن المنازل أربع منازل وثلثا منزلة وهي العوّاء، والسّماك والغفر، والزّبانان، وثلثا الإكليل. الثاني الشتاء، وحصته من السنة شهران، ومن المنازل أربع منازل وثلثا منزلة وهي ثلث الإكليل، والقلب، والشّولة، والنّعائم، والبلدة، وثلث الذّابح، الثالث الربيع، وحصته من السنة شهران، ومن المنازل أربع منازل وثلثا منزلة، وهي ثلثا الذابح وبلع، والسّعود، والأخبية، والفرغ المقدم، الرابع الصيف، وحصته من السنة شهران، ومن المنازل أربع منازل وثلثا منزلة، وهي الفرغ المؤخّر، وبطن الحوت، والشّرطان، والبطين، وثلثا الثريّا، الخامس الحميم، وحصته من السنة شهران، ومن المنازل أربع منازل وثلثا منزلة وهي ثلث الثريا، والدّبران والهقعة، والهنعة، والذّراع وثلث النثرة. السادس الخريف، وحصّته من السنة شهران، ومن المنازل أربع منازل وثلثا منزلة وهي ثلثا النّثرة، والطّرف، والجبهة، والخرتان، والصّرفة. والأوائل من علماء الطّب يقسمون السنة إلى الفصول الأربعة، إلا أنهم يجعلون الشتاء والصيف أطول زمانا وأزيد مدّة من الربيع والخريف، فيجعلون الشّتاء أربعة أشهر، والصيف أربعة أشهر، والربيع شهرين، والخريف شهرين، إذ كانا متوسطين بين الحرّ والبرد وليس في مدّتهما طول ولا في زمانهما اتّساع. واعلم أن ما تقدّم من تفضيل بعض الفصول على بعض إنما هو أقاويل الشّعراء وأفانين الأدباء، تفنّنا في البلاغة؛ وإلا فالواضع حكيم جعل هذه الفصول مشتملة على الحرّ تارة وعلى البرد أخرى لمصالح العباد، ورتّبها ترتيبا خاصّا على

الطرف الرابع في أعياد الأمم ومواسمها، وفيه خمس جمل

التدريج، يفهم ذلك أهل العقول وأرباب الحكمة، جلّت صنعته أن تكون عريّة عن الحكمة، أو موضوعة في غير موضعها ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ «1» . الطرف الرابع في أعياد الأمم ومواسمها، وفيه خمس جمل الجملة الأولى في أعياد المسلمين واعلم أن الذي وردت به الشريعة وجاءت به السنّة عيدان: عيد الفطر، وعيد الأضحى. والسبب في اتخاذهما ما رواه أبو داود في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قدم المدينة ولأهلها يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ فقالوا: كنّا نلعب فيهما في الجاهليّة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إنّ الله عزّ وجلّ قد بدّلكم خيرا منهما «2» يوم الأضحى، ويوم الفطر» فأوّل ما بديء به من العيدين عيد الفطر، وذلك في سنة اثنتين من الهجرة. وروى ابن باطيش «3» في كتاب الأوائل أن أوّل عيد ضحّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم سنة اثنتين من الهجرة وخرج إلى المصلّى للصلاة، وحينئذ فيكون العيدان قد شرعا في سنة واحدة، نعم قد ابتدعت الشيعة عيدا ثالثا وسمّوه عيد الغدير. وسبب اتخاذهم له

الجملة الثانية في أعياد الفرس

مؤاخاة النبيّ صلى الله عليه وسلّم لعليّ كرم الله وجهه يوم غدير خمّ وهو غدير على ثلاثة أميال من الجحفة يسرة الطريق تصبّ فيه عين وحوله شجر كثير، وهي الغيضة التي تسمّى خمّا، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما رجع من حجّة الوداع نزل بالغدير وآخى بين الصحابة ولم يؤاخ بين عليّ وبين أحد منهم فرأى النبيّ صلى الله عليه وسلّم منه انكسارا فضمّه إليه وقال «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبيّ بعدي والتفت إلى أصحابه وقال من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» وكان ذلك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشر من الهجرة. والشيعة يحيون ليلة هذا العيد بالصلاة ويصلّون في صبيحتها ركعتين قبل الزوال وشعارهم فيه لبس الجديد، وعتق العبيد، وذبح الأغنام، وإلحاق الأجانب بالأهل في الإكرام. والشعراء والمترسلون يهنّئون الكبراء منهم بهذا العيد. الجملة الثانية في أعياد الفرس وكان دينهم المجوسية، وأعيادهم كثيرة جدّا حتّى إن عليّ بن حمزة الأصبهانيّ» عمل فيها كتابا ذكر فيه أسباب اتخاذهم لها، وسبب سلوكهم فيها؛ وقد اقتصرنا منها على المشهور الذي ولع الشعراء بذكره، واعتنى الأمراء بأمره؛ وهي سبعة أعياد: العيد الأوّل النّيروز - وهو تعريب نوروز، ويقال إن أوّل من اتخذه جم شاد أحد ملوك الطبقة الثانية «2» من الفرس، ومعنى شاد الشّعاع والضياء «3» وإن سبب «4» اتخاذهم لهذا اليوم عيدا أن الدّين كان قد فسد قبله، فلما ملك جدّده

وأظهره فسمّي اليوم الذي ملك فيه نوروز أي اليوم الجديد. وفي بعض التعاليق أن جم شاد ملك الأقاليم السبعة والجنّ والإنس، فاتخذ له عجلة ركبها، وكان أوّل يوم ركبها فيه أوّل يوم من شهر افرودين ماه «1» ، وكان مدّة ملكه لا يريهم وجهه، فلما ركبها أبرز لهم وجهه، وكان له حظ من الجمال وافر، فجعلوا يوم رؤيتهم له عيدا، وسمّوه نوروزا. ومن الفرس من يزعم أنه اليوم الذي خلق الله فيه النّور، وأنه كان معظّما قبل جم شاد. وبعضهم يزعم أنه أوّل الزمان الذي ابتدأ الفلك فيه بالدّوران. ومدّته عندهم ستة أيام أوّلها اليوم الأوّل من شهر افرودين ماه «2» الذي هو أوّل شهور سنتهم. ويسمّون اليوم السادس النّوروز الكبير، لأن الأكاسرة كانوا يقضون في الأيام الخمسة حوائج الناس على طبقاتهم، ثم ينتقلون إلى مجالس أنسهم مع ظرفاء خواصّهم. وحكى ابن المقفّع أنه كان من عادتهم فيه أن يأتي الملك رجل من الليل قد أرصد لما يفعله، مليح الوجه، فيقف على الباب حتّى يصبح، فإذا أصبح دخل على الملك من غير استئذان، ويقف حيث يراه، فيقول له: من أنت؟ ومن أين أقبلت؟ وأين تريد؟ وما اسمك؟ ولأيّ شيء وردت؟ وما معك؟ فيقول: أنا المنصور، واسمي المبارك، ومن قبل الله أقبلت، والملك السعيد أردت، وبالهناء والسلامة وردت ومعي السّنة الجديدة، ثم يجلس، ويدخل بعده رجل معه طبق من فضّة وعليه حنطة، وشعير، وجلبان وحمّص وسمسم، وأرزّ من كل واحد سبع سنبلات، وسبع حبّات وقطعة سكّر، ودينار ودرهم جديدان؛ فيضع الطبق بين يدي الملك، ثم تدخل عليه الهدايا، ويكون أوّل من يدخل عليه بها وزيره، ثم صاحب الخراج، ثم صاحب المعونة «3» ، ثم الناس على طبقاتهم، ثم يقدّم للملك رغيف كبير من تلك الحبوب مصنوع موضوع في سلّة، فيأكل منه ويطعم من حضر، ثم يقول: هذا يوم جديد، من شهر جديد، من عام جديد، يحتاج أن

يجدّد فيه ما أخلق من الزّمان، وأحق الناس بالفضل والإحسان الرأس لفضله على سائر الأعضاء؛ ثم يخلع على وجوه دولته، ويصلهم، ويفرّق عليهم ما وصل إليه من الهدايا. وأما عوامّ الفرس فكانت عادتهم فيه رفع النار في ليلته، ورشّ الماء في صبيحته؛ ويزعمون أن إيقاد النّيران فيه لتحليل العفونات التي أبقاها الشّتاء في الهواء. ويقال إنما فعلوا ذلك تنويها بذكره، وإشهارا لأمره. وقالوا في رشّ الماء: إنما هو بمنزلة الشّهرة «1» لتطهير الأبدان مما انضاف إليها من دخان النار الموقدة في ليلته. وقال آخرون: إن سبب رش الماء فيه أن فيروز بن يزدجرد لما استتم سورجيّ، وهي أصبهان القديمة، لم تمطر سبع سنين في ملكه، ثم مطرت في هذا اليوم ففرح الناس بالمطر وصبّوا من مائه على أبدانهم من شدّة فرحهم به، فصار ذلك سنّة عندهم في ذلك اليوم من كل عام، وما أحلى قول بعضهم يخاطب من يهواه، ويذكر ما يعتمد في النيروز من شب النّيران وصبّ الأمواه: كيف ابتهاجك بالنّيروز يا سكني ... وكلّ ما فيه يحكيني وأحكيه فتارة كلهيب النّار في كبدي ... وتارة كتوالي عبرتي فيه أسلمتني فيه يا سؤلي إلى وصب ... فكيف تهدي الى من أنت تهديه وأوّل من رسم هدايا النّيروز والمهرجان في الإسلام الحجّاج بن يوسف الثّقفيّ، ثم رفع ذلك عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، واستمرّ المنع فيه إلى أن فتح باب الهديّة فيه أحمد بن يوسف الكاتب فإنه أهدى فيه للمأمون سفط ذهب فيه قطعة عود هنديّ في طوله وعرضه، وكتب معه: هذا يوم جرت فيه العادة، بإتحاف العبيد السادة، وقد قلت:

العيد الثاني من أعياد الفرس المهرجان

على العبد حقّ وهو لا شكّ فاعله ... وإن عظم المولى وجلّت فواضله ألم ترنا نهدي إلى الله ماله ... وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله فلو كان يهدي للجليل بقدره ... لقصّر عنه البحر يوما وساحله ولكنّنا نهدي إلى من نجلّه ... وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله وكتب سعيد بن حميد إلى صديق له يوم نيروز: هذا يوم سهّلت فيه السنّة للعبيد الإهداء للملوك، فتعلّقت كلّ طائفة من البر بحسب القدرة والهمّة، ولم أجد فيما أملك ما يفي بحقّك، ووجدت تقريظك أبلغ في أداء ما يجب لك، ومن لم يؤت في هديّته إلا من جهة قدرته فلا طعن عليه. هذا ما يتعلق بنيروز الفرس «1» من ذكر الهدايا فيه، وإيقاد النار، ورشّ الماء، وأوّل من سنّه. وأما تعلّقه بالخراج فسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى عند الكلام على جباية الخراج في فنّ الدّيونة. العيد الثاني من أعياد الفرس المهرجان - وهو في السادس والعشرين من تشرين الأوّل من شهور السّريان، وفي السادس عشر من مهرماه من شهور الفرس، وفي التاسع من أبيب من شهور القبط؛ وبينه وبين النيروز مائة وسبعة وستون يوما، وهذا الأوان في وسط زمان الخريف، وفي ذلك يقول الشاعر: أحبّ المهرجان لأنّ فيه ... سرورا للملوك ذوي السّناء وبابا للمصير إلى أوان ... تفتّح فيه أبواب السّماء ومدّته ستة أيام، ويسمّى اليوم السادس منه المهرجان الأكبر، كما يسمّى اليوم السادس من أيام النّيروز عندهم النّيروز الأكبر. قال المسعودي: وسبب تسميتهم لهذا اليوم بهذا الاسم أنهم كانوا يسمّون شهورهم بأسماء ملوكهم، وكان لهم ملك يسمّى مهرا يسير فيهم بالعنف والعسف

فمات في النصف من هذا الشهر، وهو مهرماه، فسمّي ذلك اليوم مهرجان، وتفسيره نفس مهر ذهبت، والفرس تقدّم في لغتها ما تؤخّره العرب في كلامها وهذه اللغة الفهلوية وهي الفارسية الأولى وزعم آخرون أن مهر بالفارسية حفاظ وجان الروح، وفي ذلك يقول عبيد الله بن عبد الله بن طاهر «1» : إذا ما تحقّق بالمهرجان ... من ليس يعرف معناه غاظا ومعناه أن غلب الفرس فيه ... فسمّوه للرّوح فيه حفاظا ويقال: إنما ظهر في عهد افريدون الملك، ومعنى هذا الاسم إدراك الثأر؛ وذلك أن افريدون أخذ بثأر جدّه جم شاد من الضّحّاك، فإنه كان أفسد دين المجوسيّة وخرج على جم شاد فأخذ منه الملك وقتله؛ فلمّا غلبه افريدون قتله بجبل دنباوند «2» وأعاد المجوسية إلى ما كانت، فاتّخذ الفرس يوم قتله عيدا، وسمّوه مهرجان، والمهر الوفاء، وجان سلطان، وكان معناه سلطان الوفاء. وزعم بعض الفرس أن الضحّاك «3» هو النّمرود وافريدون «4» هو إبراهيم عليه السلام، بلغتهم. ويقال إن المهرجان هو اليوم الذي عقد فيه التاج على رأس اردشير بن بابك «5» ، أوّل ملوك الفرس الساسانيّة، وكان مذهب الفرس في المهرجان أن يدّهن

العيد الثالث السدق

ملكهم بدهن البان تبرّكا، وكذلك العوام، وأن يلبس القصب والوشي، ويتوّج بتاج عليه صورة الشمس وحجلتها الدائرة عليها، ويكون أوّل من يدخل إليه الموبذان بطبق فيه أترجّة، وقطعة سكّر، ونبق، وسفرجل وعنّاب، وتفّاح، وعنقود عنب أبيض، وسبع طاقات آس، قد زمزم «1» عليها؛ ثم تدخل الناس على طبقاتهم بمثل ذلك، وربما كانوا يذهبون الى تفضيله على النّيروز؛ وفيه يقول عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: أخا الفرس إن الفرس تعلم إنّه ... لأطيب من نيروزها مهرجانها لإدبار أيّام يغمّ هواؤها ... وإقبال أيّام يسرّ زمانها قال المسعودي: وأهل المروءات بالعراق وغيرها من مدن العجم يجعلون هذا اليوم أوّل يوم من الشتاء فيغيّرون فيه الفرش والآلات، وكثيرا من الملابس. العيد الثالث السّدق - ويسمّى أبان روز «2» ، ويعمل في ليلة الحادي عشر من شهر بهمن ماه «3» من شهور الفرس، وسنّتهم فيه إيقاد النّيران بسائر الأدهان والولوع بها حتى إنهم يلقون فيها سائر الحبوب «4» ؛ ويقال إن سبب اتخاذهم لهذا العيد أن الأب الأوّل، وهو عندهم كيومرت لما كمل له من ولده مائة ولد زوّج الذكور بالإناث، وصنع لهم عرسا أكثر فيه وقود النيران، ووافق ذلك الليلة المذكورة فاستسنّت «5» ذلك الفرس بعده. وقد ولعت الشعراء بوصف هذه الليلة

فقال ابو القاسم المطرّز «1» يصف سدقا عمله السلطان ملكشاه بدجلة، أشعل فيه النّيران والشموع في السّماريّات «2» من أبيات: وكلّ نار على العشّاق مضرمة ... من نار قلبي أو من ليلة السّدق نار تجلّت بها الظّلماء واشتبهت ... بسدفة الليل فيها غرّة الفلق وزارت الشمس فيها البدر واصطلحا ... على الكواكب بعد الغيظ والحنق مدّت على الأرض بسطا من جواهرها ... ما بين مجتمع وار ومفترق مثل المصابيح إلّا أنّها نزلت ... من السّماء بلا رجم ولا حرق أعجب بنار ورضوان يسعّرها ... ومالك قائم منها على فرق في مجلس ضحكت روض الجنان له ... لما جلا ثغره عن واضح يقق وقال ابن حجاج من أبيات، يمدح بها عضد الدولة: ليلتنا حسنها عجيب ... بالقصف والتّيه قد تحقّق لنارها في السّما لسان ... عن نور ضوء الصّباح ينطق والجوّ منها قد صار جمرا ... والنجم منها قد كاد يحرق ودجلة أضرمت حريقا ... بألف نار وألف زورق فماؤها كلّه حميم ... قد فار مما غلى وبقبق وقال عبد العزيز بن نباتة من أبيات يمدح بها عضد الدولة أيضا: لعمري لقد أذكى الهمام بأرضه ... مشهّرة ينتابها الفخر صاليا تغيب النّجوم الزّهر عند طلوعها ... وتحسد أيّام الشّهور اللّياليا قلادة مجد أغفل الدّهر نظمها ... عليه «3» وقد السّنين الخواليا

العيد الرابع الشركان

هي اللّيلة الغرّاء في كلّ شتوة ... تغادر جيد الدّهر أبلج حاليا العيد الرابع الشركان «1» - وهو في الثالث عشر من تيرماه من شهور الفرس، زعموا أن أرس «2» رمى سهمه لما وقعت المصالحة بين منوجهر وقراسياب التركي من المملكة على رمية سهم، فامتدّ السهم من جبال طبرستان إلى أعالي طخارستان. العيد الخامس أيام الفرودجان «3» - وهي خمسة أيام؛ أوّلها السادس والعشرون من أبان ماه من شهور الفرس، ومعناه تربية الرّوح، لأنهم كانوا يعملون فيها أطعمة وأشربة لأرواح موتاهم، ويزعمون أنها تغتذي بها. العيد السادس ركوب الكوسج - ويعمل في أوّل يوم من أدرماه من شهور الفرس، وسنّتهم فيه أن يركب في كل بلد من بلادهم رجل كوسج «4» قد أعدّ لما يصنع به بأكل الأطعمة الحارّة كالجوز، والثّوم، واللّحم السمين ونحوها، وبشرب الشراب الصرّف أيّاما قبل حلول الشهر، فإذا حلّ الشهر لبس غلالة سابويّة «5» ، وركب بقرة وأخذ على يده غرابا، ويتبعه الناس يصبّون عليه الماء، ويضربونه بالثّلج، ويروّحون عليه بالمراوح، وهو يصيح بالفارسية: كرم كرم أي الحرّ الحرّ، يفعل ذلك سبعة أيام، ومعه أوباش الناس ينهبون ما يجدون من الأمتعة في الحوانيت، وللسلطان عليهم مال، فإذا وجدوا بعد عصر اليوم السابع ضربوا وحبسوا. قال المسعودي: ولا يعرف ذلك إلا بالعراق، وأرض العجم؛ وأهل الشام

العيد السابع عيد بهمنجة

والجزيرة ومصر واليمن لا يعرفون ذلك. ويقال إن هذا الفعل كان يتداوله أهل كل بيت منهم كوسج، وحكى الزمخشري في كتابه «ربيع الأبرار» أن سبب ذلك أن كوسجا كان يشرب في هذه الأيام الدّواء ويطلي بدنه فيها فغلب عليها، وفي ذلك يقول الشاعر: قد ركب الكوسج ياصاح ... فانزل على الزّهرة والرّاح «1» وانعم بآدرماه عيشا وخذ ... من لذّة العيش بأفياح «2» والسّنة عندهم منقسمة على أقسام، في أوّل كل قسم منها خمسة أيام تسمّى الكنبهارات، زعم زرادشت أن في كل يوم خلق الله تعالى نوعا من الخليقة فهم يتخذونها أعيادا لذلك. العيد السابع عيد بهمنجة - ويتخذونه في يوم بهمن من شهر بهمن ماه، وسنّتهم فيه أنهم يأكلون فيه البهمن الأبيض باللّبن الحامض على أنه ينفع الحفظ، ورؤساء خراسان يعملون فيه الدّعوات على طعام يطبخون فيه كلّ حبّ مأكول ولحم حيوان يؤكل، ويحضر ما يوجد في ذلك الوقت من بقل أو نبات. فهذه أعياد الفرس المشهورة الدائرة بين عامّتهم وخاصّتهم. الجملة الثالثة في أعياد القبط واعلم أن أعياد القبط كثيرة، وقد أتينا على ذكر تفصيلها سردا في خلال شهور القبط مع ذكر غيرها، وأوردنا كلّ عيد منها في يومه من شهور القبط، وربما ذكرنا بعضها أيضا في شهور السّريان والروم، على أن منها ما لا يتعلق بوقت مقيّد كالفصح الأكبر عندهم، فإنه متعلق بفطرهم من صومهم الأكبر، وهو غير مؤقت

الضرب الأول الكبار، وهي سبعة

بوقت معين، بل يتغير بالتقديم والتأخير قليلا على ما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى، ونحن نقتصر في هذا الفصل على المشهور من أعيادهم دون غيره، ونبين أوقاتها، ونشرح أسبابها. وهي أربعة عشر عيدا. وهي على ضربين: كبار وصغار. الضرب الأوّل الكبار، وهي سبعة العيد الأوّل البشارة ، ويعنون به بشارة غبريال، (وهو جبريل على زعمهم) لمريم عليها السلام بميلاد عيسى صلوات الله عليه، يعملونه في التاسع والعشرين من برمهات من شهور القبط. الثاني الزّيتونة ، وهو عيد الشّعانين، وتفسيره بالعربيّة التّسبيح، يعملونه في سابع أحد من صومهم؛ وسنّتهم فيه أن يخرجوا بسعف النخل من الكنيسة، وهو يوم ركوب المسيح لليعفور «1» ، (وهو الحمار) في القدس ودخوله صهيون وهو راكب والناس يسبّحون بين يديه، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر «2» . الثالث الفصح ، وهو العيد الكبير عندهم، يعملونه يوم الفطر من صومهم الأكبر، يزعمون أن المسيح قام فيه بعد الصّلبوت بثلاثة أيام، وخلّص آدم من الجحيم، وأقام في الأرض أربعين يوما آخرها يوم الخميس، ثم صعد إلى السماء. قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ* «3» . الرابع خميس الأربعين ، ويسميه الشاميّون السّلّاق «4» ، وهو الثاني

الخامس عيد الخميس

والأربعون من الفطر، ويقولون إنّ المسيح عليه السلام تسلّق فيه من تلاميذه إلى السماء بعد القيام، ووعدهم بإرسال الفارقليط، وهو روح القدس عندهم. الخامس عيد الخميس ، وهو عيد العنصرة يعملونه بعد خمسين يوما من القيام؛ وهو في السادس والعشرين من بشنس، ويقولون إن روح القدس حلّت في التلاميذ وتفرّقت عليهن ألسنة الناس فتكلموا بجميع الألسنة، وذهب كلّ واحد منهم إلى بلاد لسانه الذي تكلمّ به يدعوهم إلى دين المسيح. السادس الميلاد ، وهو اليوم الذي يقولون إن المسيح ولد فيه ببيت لحم (قرية من أعمال فلسطين) ويعملونه في التاسع والعشرين من كيهك من شهور القبط، وهم يقولون إنه ولد يوم الأثنين، فيجعلون عشيّة الأحد ليلة الميلاد، فيوقدون فيها المصابيح بالكنائس ويزيّنونها «1» . السابع الغطاس ، يعملونه في الحادي عشر من طوبه، من شهور القبط. يقولون إن يحيى بن زكريّا عليه السلام وينعتونه بالمعمدان غسل عيسى عليه السلام ببحيرة الأردنّ، وأن عيسى لما خرج من الماء اتصل به روح القدس على هيئة حمامة، والنصارى يغمسون أولادهم فيه في الماء على أنه يقع في شدّة البرد، إلا أنّ عقبه يحمى الوقت، يقول المصريون: غطّستم صيّفتم، ونورزتم شتّيتم. الضرب الثاني من أعياد القبط الأعياد الصّغار، وهي سبعة أيام الأوّل الختان ، ويعملونه في سادس بؤنة من شهور القبط، ويقولون: إن المسيح ختن في هذا اليوم وهو الثامن من الميلاد. الثاني الأربعون ، يعملونه في الثامن من شهر أمشير من شهور القبط، ويقولون: إن سمعان الكاهن دخل بعيسى عليه السلام مع أمه بعد أربعين يوما من

الثالث خميس العهد

ميلاده الهيكل وبارك عليه؛ تلك عقول أضلّها باريها، وإلا فأين مقام الكاهن من مقام عيسى عليه السلام، وهو روح الله وكلمته. الثالث خميس العهد ، يعملونه قبل الفصح بثلاثة أيام، وشأنهم أن يأخذوا إناء ويملأوه ماء ويزمزموا عليه، ثم يغسل البطريرك به أرجل جميع النصارى الحاضرين، ويزعمون أنّ المسيح عليه السلام فعل هذا بتلاميذه في هذا اليوم يعلّمهم التواضع، وأخذ عليهم العهد ألّا يتفرقوا وأن يتواضع بعضهم لبعض، والعامّة من النصارى يسمّون هذا الخميس خميس العدس «1» ؛ وهم يطبخون فيه العدس على ألوان. الرابع سبت النّور ، وهو قبل الفصح بيوم. يقولون: إن النور يظهر على مقبرة المسيح في هذا اليوم فتشتعل منه مصابيح كنيسة القمامة بالقدس. قال صاحب «مناهج الفكر» وغيره: وما ذاك إلا من تخييلاتهم النيرنجية التي يفعلها القسّيسون منهم ليستميلوا بها عقول عوامّهم الضعيفة، وذلك أنهم يعلّقون القناديل في بيت المذبح ويتحيّلون في إيصال النار اليها بأن يمدّوا على جميعها شريطا من حديد في غاية الدقة مدهونا بدهن البلسان ودهن الزنبق، فإذا صلّوا وجاء وقت الزوال فتحوا المذبح فتدخل الناس إليه، وقد اشتعلت فيه الشموع ويتوصّل بعض القوم إلى أن يعلق النار بطرف الشريط الحديد فتسري عليه فتتقد القناديل واحدا بعد واحد، إذ من طبيعة دهن البلسان علوق النار فيه بسرعة مع أدنى ملامسة، فيظنّ من حضر من ذوي العقول الناقصة أن النار نزلت من السماء فأوقدت القناديل، فالحمد لله على الإسلام. الخامس حدّ الحدود ، وهو بعد الفصح بثمانية أيام؛ يعملونه أوّل أحد بعد الفطر، لأن الآحاد قبله مشغولة بالصوم؛ وفيه يجدّدون الآلات وأثاث البيوت، ومنه

السادس التجلي

يأخذون في الاستعداد للمعاملات والأمور الدّنيويّة. السادس التجلّي ، ويعملونه في الثالث عشر من مسرى من شهور القبط، وآخره السابع والعشرون منها. يقولون: إن المسيح عليه السلام تجلّى لتلاميذه بعد أن رفع في هذا اليوم، وتمنّوا عليه أن يحضر لهم إيليا وموسى عليهما السلام، فأحضرهما لهم بمصلّى بيت المقدس ثم صعد وصعدا. السابع عيد الصّليب ، وهو في السابع عشر من توت من شهور القبط، والنصارى يقولون إن قسطنطين بن هيلاني انتقل عن اعتقاد اليونان إلى اعتقاد النصرانية، وبنى كنيسة قسطنطينية العظمى وسائر كنائس الشام، ويزعمون أن سبب ذلك أنه كان مجاورا للبرجان «1» فضاق بهم ذرعا من كثرة غاراتهم على بلاده فهمّ أن يصانعهم ويفرض لهم عليه إتاوة في كل عام ليكفّوا عنه، فرأى ليلة في المنام أن ملائكة نزلت من السماء، ومعها أعلام عليها صلبان فحاربت البرجان فانهزموا؛ فلما أصبح عمل أعلاما وصوّر فيها صلبانا ثم قاتل بها البرجان فهزمهم، فسأل من كان في بلده من التّجّار هل يعرفون فيما طافوه من البلاد دينا هذا زيّه؟ فقالوا له: دين النصرانيّة، وإنه في بلد القدس والخليل من أرض الشام. فأمر أهل مملكته بالرّجوع عن دينهم إليه، وأن يقصّوا شعورهم ويحلقوا لحاهم. وإنما فعل ذلك لأنهم يزعمون أنّ رسل عيسى عليه السلام كانوا قد وردوا على اليونان قبل يأمرونهم بالتعبّد بدين النصرانية فأعرضوا عنهم ومثّلوا بهم هذه المثلة نكالا لهم ففعلوا ذلك تأسّيا بهم. ولما تنصّر قسطنطين خرجت أمّه هيلاني إلى الشام فبنت به الكنائس، وسارت إلى بيت المقدس وطلبت الخشبة التي زعمت النصارى أن المسيح صلب عليها فحملت إليها فغشّتها بالذهب، واتخذت ذلك اليوم عيدا. وسيأتي الكلام على ذلك مفصّلا في ترجمة قسطنطين في خاتمة الكتاب عند

ذكر الملوك الذين استولوا على الديار المصرية، وفيما ذكرنا هنا مقنع والله سبحانه وتعالى أعلم. وقد صار من أعيادهم المشهورة بالديار المصرية النّيروز؛ وهو أوّل يوم من سنتهم؛ وإن لفظة النيروز فارسية معرّبة، وكأن القبط والله أعلم اتخذوا ذلك على طريقة الفرس واستعاروا اسمه منهم فسمّوا اليوم الأول من سنتهم أيضا نيروزا وجعلوه عيدا. قال في «مناهج الفكر» : وهم يظهرون فيه من الفرح والسرور، وإيقاد النيران، وصبّ الأمواه أضعاف ما يفعله الفرس؛ ويشاركهم فيه العوامّ من المسلمين. قال المسعوديّ: وأهل الشام يعملون مثل ذلك في أوّل سنتهم أيضا، وهو أوّل يوم من ينير من شهور الروم، ويوافقه كانون الثاني، وهو الشهر الرابع من شهور السّريان؛ وذلك في السادس من طوبة من شهور القبط، ويسمّونه القلنداس، إلا أن أهل مصر يزيدون فيه التّصافع بالأنطاع، وربما حملهم ترك الاحتشام على أن يتجرّأوا على الرجل المطاع؛ ولولا أنّ ولاة الأمر يردعونهم ويمنعونهم من ذلك، لمنعوا الطريق من السالك؛ وهم مع ذلك من ظفروا به لا يتركونه إلا بما يرضيهم. والذي استقرّ عليه الحال بالديار المصرية إلى آخر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة أنهم يقتصرون على رشّ الأمواه والتّصافع، وترك الاحتشام دون إيقاد النيران، إلا من يفعل ذلك من النصارى في بيته أو خاصّته. ولهم أعياد ومواسم سوى ما تقدّم ذكرها صاحب التذكرة ونحن نذكرها على ترتيب شهور القبط، وهي: عيد سيغورس، وعيد متّى الإنجيلي، وهما في الثاني من توت. عيد سمعان الحبيس، وهو في الرابع من توت. عيد ماما؛ وهو في الخامس من توت. عيد شعيا؛ وهو في السادس من توت. عيد ساويرس؛ وهو في السابع من توت. عيد موسى النبيّ عليه السلام؛ وهو في الثامن من توت. عيد توما التلميذ؛ وهو في

التاسع من توت. وخروج نوح عليه السلام من السفينة، ومولد مريم عليها السلام، وهما في العاشر من توت. عيد باسيليوس، وهو في الحادي عشر من توت. عيد ميخائيل، وصوم جدليا، وهما في الثالث عشر من توت. عيد سمعان الحبيس، وعيد تادرس الشهيد؛ وهما في الرابع عشر من توت. عيد اسفانوس؛ وهو في السادس عشر من توت، وصوم كبور؛ وهو في العشرين من توت. ونياحة أبي جرج؛ وهي في الثاني والعشرين من توت. عيد أولاد الفرس؛ وهو في الثالث والعشرين من توت. عيد أليصابات، وهو في السادس والعشرين من توت. عيد اسطاتوا، وانتقال يوحنا؛ وهما في السابع والعشرين من توت. عيد اجرويفون؛ وهو في أول بابه. عيد سوسنان، وهو في الثاني من بابه. عيد يعقوب بن حلفا؛ وهو في الخامس من بابه. عيد أبو بولا؛ وهو في السابع من بابه. عيد توما؛ وهو في الثامن من بابه. عيد أبي مسرجة؛ وهو في العاشر من بابه. عيد يعقوب؛ وهو في الحادي عشر من بابه. وشهادة متّى؛ وهي في الثاني عشر من بابه. عيد الفرات، وهو في الثالث عشر من بابه. وشهادة يوحنّا؛ وهي في العشرين من بابه. وتذكار السيدة؛ وهو في الحادي والعشرين من بابه. عيد لوقا؛ وهو في الثاني والعشرين من بابه. عيد أبي جرج؛ وهو في الثالث والعشرين من بابه. ودخول السيدة الهيكل، وهو في الحادي والعشرين من بابه. عيد يعقوب ويوسف؛ وهو في السادس والعشرين من بابه. عيد أبي مقار، وهو في السابع والعشرين من بابه. عيد مرقص؛ وهو في آخر يوم من بابه. عيد بطرس البطرك؛ وهو في أوّل يوم من هاتور. عيد زكريّا؛ وهو في الرابع من هاتور. واجتماع التلاميذ؛ وهو في السادس من هاتور. وتكريز أبي جرج؛ وهو في السابع من هاتور. وعيد الأربع حيوانات، وهو في الثامن من هاتور. وتذكار الثلاثمائة وثمانية عشر، وهو في التاسع من هاتور. ونياحة إسحاق؛ وهو في العاشر من هاتور. عيد ميكائيل؛ وهو في الثاني عشر من هاتور. وشهادة أبي مينا؛ وهو في الخامس عشر من هاتور. عيد فيلبس الرسول؛ وهو في التاسع عشر من هاتور. عيد أساسياس؛ وهو في العشرين من هاتور. عيد شمعون؛ وهو في الحادي والعشرين من هاتور. تذكار الشهداء، وهو

في الثاني والعشرين من هاتور. عيد مركوريوس؛ وهو في الرابع والعشرين من هاتور. عيد أبي مقورة؛ وهو في الخامس والعشرين من هاتور. عيد ادفيانيوس، وهو في السادس والعشرين من هاتور. عيد يعقوب المقطّع؛ وهو في السابع والعشرين من هاتور. عيد ياهور؛ وهو في الثاني من كيهك. عيد اندراس؛ وهو في الرابع من كيهك. عيد سيورس؛ وهو في الخامس من كيهك. عيد بزبارة، وهو في السابع من كيهك. عيد أيامين؛ وهو في الثامن من كيهك. عيد ماري نقولا؛ وهو في العاشر من كيهك. عيد سمعان؛ وهو في الرابع عشر من كيهك. ونياحة يوحنا، وهي في السادس عشر من كيهك؛ وصوم الميلاد؛ وهو في الثالث والعشرين من كيهك. وقتل الأطفال؛ وهو في الثالث من طوبه. عيد يوحنّا الإنجيلي، وهو في الرابع من طوبه. وعيد توما؛ وهو في السابع من طوبه. عيد الختان؛ وهو في الثامن من طوبه. وعيد إبراهيم، وهو في التاسع من طوبه. وصوم الغطاس؛ وأوّله العاشر من طوبه. وصوم العذارى؛ وهو في الثالث عشر من طوبه. عيد ملسوس؛ وهو في الرابع عشر من طوبه. عيد غاريوس، وهو في الخامس عشر من طوبه. عيد قيلانوس؛ وهو في السادس عشر من طوبه. عيد يوحنس؛ وهو في التاسع عشر من طوبه. ونزول الإنجيل، وتذكار السيدة؛ وهما في العشرين من طوبه. وصوم نينوى، وهو في الحادي والعشرين من طوبه. ومقتل يحيى؛ وهو في الرابع والعشرين من طوبه. عيد أبي بشارة؛ وهو في الخامس والعشرين من طوبه. عيد الشهداء؛ وهو في السادس والعشرين من طوبه. عيد طيمارس الرسول؛ وهو في السابع والعشرين من طوبه؛ وآخر نياحة نقولا؛ وهو في اليوم الآخر من طوبه. عيد العذارى، وعيد يهوذا؛ وهما في الأوّل من أمشير. عيد مقار، وهو في الثاني من أمشير. ونياحة تيادرس؛ وهو في السادس من أمشير. ونياحة برصوما، وهو في التاسع من أمشير. عيد بيطن، وشهادة يعقوب، وهما في العاشر من أمشير. عيد أبي مسرجة؛ وهو في الرابع عشر من أمشير. عيد قلانوس؛ وهو في السادس عشر من أمشير. عيد يعقوب الرسول؛ وهو في السابع عشر من أمشير. عيد بطرس الشهيد؛ وهو في التاسع عشر من أمشير.

ونزول السيدة من الجبل؛ وهو في الحادي والعشرين من أمشير. وشهادة سدرس؛ وهو في السادس والعشرين من أمشير. ووجود رأس يوحنا؛ وهو في اليوم الآخر من أمشير. عيد الجلبانة؛ وهو في الثالث من شهر برمهات. عيد أرمانوس، وهو في السابع من برمهات. عيد المعمودة، وهو في التاسع من برمهات. وظهور الصليب؛ وهو في العاشر من برمهات. عيد أبي مينا؛ وهو في الحادي عشر من برمهات. عيد ميلاخي، وهو في الثاني عشر من برمهات. عيد إلياس الشهيد؛ وهو في السابع عشر من برمهات. ونياحة بولص؛ وهي في الثاني والعشرين من برمهات. عيد العازر؛ وهو في الثالث والعشرين من برمهات. عيد الشعانين؛ وهو في الرابع والعشرين من برمهات. عيد المرسونة، وهو في الخامس والعشرين من برمهات. وغسل الأرجل؛ وهو في الثامن والعشرين من برمهات. وجمعة الصلبوت؛ وهو في التاسع والعشرين من برمهات. عيد مرقص الإنجيلي؛ وهو في اليوم الآخر من برمهات. عيد توما البطرك؛ وهو في الثاني من برموده. عيد حزقيال النجيب؛ وهو في الخامس من برموده. عيد مرقص؛ وهو في السابع من برموده. والأخذ بالجديد؛ وهو في الثامن من برموده. عيد يوحنا الأسقفّ؛ وهو في الحادي عشر من برموده. عيد جرجس؛ وهو في الثالث عشر من برموده. عيد أبي متّى؛ وهو في السادس عشر من برموده. عيد يعقوب، عيد سنوطه، وهما في التاسع عشر من برموده. وذكران الشهداء؛ وهو في الحادي والعشرين من برموده. عيد ساويرس؛ وهو في السادس والعشرين من برموده. عيد أبي نيطس؛ وهو في السابع والعشرين من برموده. عيد أصحاب الكهف، وهو في التاسع والعشرين من برموده. عيد مرقص الإنجيلي، وهو في اليوم الآخر من برموده. عيد تيادرس؛ وهو في الثاني من بشنس. عيد شمعون؛ وهو في الثالث من بشنس. عيد الحندس؛ وهو في الرابع من بشنس. ونياحة يعقوب، وهو في السابع من بشنس. عيد دفرى سوه؛ وهو في السادس من بشنس. عيد أساسياس؛ وهو في السابع من بشنس. وصعود المسيح عندهم في الثامن من بشنس. عيد دير القصير؛ وهو في الحادي والعشرين من بشنس. ونزول السيد إلى مصر؛ وهو في الرابع والعشرين من

بشنس. عيد سوس، وهو في الخامس والعشرين من بشنس. عيد توما التلميذ؛ وهو في السادس والعشرين من بشنس. عيد سمعون العجاس؛ وهو في السابع والعشرين من بشنس. عيد طيمارس؛ وهو في التاسع والعشرين من بشنس. عيد الورد بالشا؛ وهو في اليوم الآخر من بشنس. عيد أبي مقار؛ وهو في الثاني من بؤنه. ووجود عظام لوقا؛ وهو في الثالث من بؤنه. وعيد توما، وعيد مامور؛ وهما في الرابع من بؤنه. عيد يوحنا، ونزول صحف إبراهيم (عليه السلام) ؛ وهما في التاسع من بؤنه. عيد أبي مينا؛ وهو في الخامس عشر من بؤنه. عيد أبي مقار، وهو في السادس عشر من بؤنه. عيد السيدة؛ وهو في الحادي والعشرين من بؤنه. عيد اتريب وهو في الثالث والعشرين من بؤنه. عيد أبي مينا، وهو في..... «1» والعشرين من بؤنه. وتذكار تيادرس؛ وهو في أوّل أبيب. ونياحة بولص، وهو في الثاني من أبيب والثالث منه أيضا. وعيد المعينة، وعيد القيصرية؛ وهما في الخامس من أبيب. وعيد أبي سنوبة، وهو في السابع من أبيب. وعيد اسنباط؛ وهو في الثامن من أبيب. وشهادة هارون، وعيد سمعان، وهما في التاسع من أبيب. وعيد تادرس نطيره؛ وهو في العاشر من أبيب. وعيد أبي هور؛ وهو في الثاني عشر من أبيب. وعيد أبي مقار؛ وهو في الرابع عشر من أبيب. وعيد اقدام السرياني، وهو في الخامس عشر من أبيب. عيد يوحنا وذكريا، وهو في السادس عشر من أبيب. وعيد يعقوب التلميذ، وهو في السابع عشر من أبيب. وعيد بولاق، وهو في التاسع من أبيب. وعيد تادرس الشهيد، وهو في العشرين من أبيب. وعيد السيدة، وعيد ميخائيل؛ وهما في الحادي والعشرين من أبيب. وعيد سمعان البطرك، وعيد شنوده؛ وهما في الثالث والعشرين من أبيب. وعيد سمنود؛ وهو في الرابع والعشرين من أبيب. وعيد مرقور يوص، وهو في الخامس والعشرين من أبيب. وعيد حزقيل النبيّ عليه السلام؛ وهو في السابع والعشرين من أبيب. ورفعة إدريس عليه السلام، وعيد مريم؛ وهما في الثامن والعشرين من أبيب. وحرم

الجملة الرابعة في أعياد اليهود، وهي على ضربين

السيد، وهو في اليوم الآخر من أبيب. وعيد الخندق، وهو في اليوم الأوّل من مسرى. وعيد أبي مينا، وهو في اليوم الثاني من مسرى. وعيد سمعان المعموديّ؛ وهو في الثالث من مسرى. ودخول نوح السفينة؛ وهو في الثامن من مسرى. وعيد طور سينا، وعيد السيدة، وهما في التاسع من مسرى. وعيد اللباس؛ وهو في العاشر من مسرى. وشهادة أنطونيوس، وعيد العدوية، وهو في الخامس عشر من مسرى. وعيد يعقوب الشهيد، وهو في السابع عشر من مسرى. وعيد أبي مقار؛ وهو في الثامن عشر من مسرى. وعيد اليسع؛ وهو في التاسع عشر من مسرى. وعيد أصحاب الكهف، وهو في العشرين من مسرى. وصوم الأربعين؛ وهو في الحادي والعشرين من مسرى. وعيد الحوزة بدمشق؛ وهو في الثالث والعشرين من مسرى. وعيد صوفيل؛ وهو في السادس والعشرين من مسرى. وعيد إبراهيم وإسحاق، وهو في الثامن والعشرين من مسرى. وعيد موسى الشهيد، وشهادة يوحنا، وهو في اليوم الآخر من مسرى. الجملة الرابعة في أعياد اليهود، وهي على ضربين الضرب الأوّل ما نطقت به التوراة بزعمهم، وهي خمسة أعياد العيد الأوّل- رأس السنة ، يعملونه عيد رأس سنتهم ويسمّونه عيد رأس هيشا أي عيد رأس الشهر، وهو أوّل يوم من تشرى يتنزل عندهم منزلة عيد الأضحى عندنا، ويقولون: إن الله تعالى أمر إبراهيم عليه السلام بذبح إسماعيل «1» ابنه فيه وفداه بذبح عظيم. العيد الثاني- عيد صوماريا ويسمونه الكبور ، وهو عندهم الصوم العظيم الذي يقولون إن الله تعالى فرض عليهم صومه، ومن لم يصمه قتل عندهم. ومدّة

العيد الثالث - عيد المظلة

هذا الصوم خمس وعشرون ساعة يبدأ فيها قبل غروب الشمس في اليوم التاسع «1» من شهر تشرى، وتختم بمضيّ ساعة بعد غروبها في اليوم العاشر «2» ، وربما سمّوه العاشور. ويشترط فيه لجواز الإفطار عندهم رؤية ثلاثة كواكب عند الإفطار وهي عندهم تمام الأربعين الثلاثة التي صامها موسى عليه السلام. ولا يجوز أن يقع هذا الصوم عندهم في يوم الأحد، ولا في يوم الثلاثاء، ولا في يوم الجمعة، ويزعمون أن الله يغفر لهم فيه جميع ذنوبهم ما خلا الزنا بالمحصنة، وظلم الرجل أخاه، وجحده ربوبية الله تعالى. العيد الثالث- عيد المظلّة ، وهو سبعة «3» أيام أوّلها الخامس عشر من تشرى وكلها أعياد عندهم، واليوم الآخر منها يسمّى عرايا أي شجر الخلاف، وهو أيضا حج لهم. يجلسون في هذه الأيام تحت ظلال من جريد النخل وأغصان الزّيتون والخلاف، وسائر الشجر الذي لا ينتشر ورقه على الأرض؛ ويزعمون أن ذلك تذكار منهم لإظلال الله إياهم في التيه بالغمام. العيد الرابع- عيد الفطير ويسمّونه الفصح «4» ، ويكون في الخامس عشر من نيسان؛ وهو سبعة أيام أيضا، يأكلون فيها الفطير، وينظّفون بيوتهم فيها من خبز الخير «5» لأن هذه الأيام عندهم هي الأيام التي خلّص الله فيها بني إسرائيل من يد فرعون وأغرقه، فخرجوا إلى التيه، فجعلوا يأكلون اللحم والخبز الفطير وهم بذلك فرحون، وفي أحد «6» هذه الأيام غرق فرعون. العيد الخامس- عيد الأسابيع، ويسمّى عيد العنصرة وعيد الخطاب،

الضرب الثاني ما أحدثه اليهود زيادة على ما زعموا أن التوراة نطقت به، وهو عيدان

ويكون بعد عيد الفطير بسبعة أسابيع، واتخاذهم لهذا العيد في السادس من سيوان «1» من شهور اليهود، وهو الثالث والعشرون من بشنس من شهور القبط. يقولون: إنه اليوم الذي خاطب الله فيه بني إسرائيل من طور سينا، وفي جملة هذا الخطاب العشر كلمات، وهي وصايا تضمنت أمرا ونهيا، وضمنت التوفيق لمن حصّلها حفظا ورعيا، وهو حج من حجوجهم؛ وحجوجهم ثلاثة: الأسابيع، والفطير، والمظلّة؛ وهم يعظمونه، ويأكلون فيه القطائف، ويتفننون في عملها، ويجعلونها بدلا عن المنّ الذي أنزل الله عليهم في هذا اليوم، ويسمّى هذا العيد أيضا عشرتا، ومعناه الاجتماع. الضرب الثاني ما أحدثه اليهود زيادة على ما زعموا أن التوراة نطقت به، وهو عيدان العيد الأوّل- الفوز «2» ، وهو عندهم عيد سرور ولهو وخلاعة يهدي فيه بعضهم إلى بعض؛ وهم يقولون: إن سبب اتخاذهم له أن بختنصر لما أجلى من كان ببيت المقدس من اليهود إلى عراق العجم أسكنهم بحيّ «3» ، وهي إحدى مدينتي أصفهان ثم ذهبت أيام الكلدانيين وملكت الفرس الأولى والأخيرة، فلما ملك أردشير بن بابك وتسميه اليهود بالعبرانية أجشادوس «4» ، وكان له وزير يسمونه بلغتهم هيمون «5» ، ولليهود يومئذ حبر يسمّى بلغتهم مردوخاي، فبلغ أردشير أن له ابنة عمّ من أحسن أهل زمانها وأكملهم عقلا، فطلب تزويجها منه فأجابه لذلك، فحظيت عنده حظوة صار بها مردوخاي قريبا منه، فأراد هيمون إصغاره واحتقاره

العيد الثاني - عيد الحنكة

حسدا له، وعزم على إهلاك طائفة اليهود التي في جميع مملكة أردشير، فرتب مع نوّاب الملك في جميع الأعمال أن يقتل كلّ أحد منهم من يعلمه من اليهود، وعين له يوما وهو النصف «1» من آذار؛ وإنما خصّ هذا اليوم دون سائر الأيام لأن اليهود يزعمون أنّ موسى ولد فيه وتوفّي فيه، وأراد بذلك المبالغة في نكايتهم ليتضاعف الحزن عليهم بهلاكهم وبموت موسى، فاتضح لمردوخاي ذلك من بعض بطانة هيمون، فأرسل إلى ابنة عمه يعلمها بما عزم عليه هيمون في أمر اليهود، وسألها إعلام الملك بذلك، وحضّها على إعمال الحيلة في خلاص نفسها وخلاص قومها، فأعلمت الملك بالحال وذكرت له: إنما حمله على ذلك الحسد على قربنا منك ونصيحتنا لك، فأمر بقتل هيمون وقتل أهله، وأن يكتب لليهود بالأمان والبرّ والإحسان في ذلك اليوم، فاتخذوه عيدا؛ واليهود يصومون قبله ثلاثة أيام، وفي هذا العيد يصوّرون من الورق صورة هيمون ويملأون بطنها نخالة وملحا ويلقونها في النار حتّى تحترق، يخدعون بذلك صبيانهم. العيد الثاني- عيد الحنكة ، وهو ثمانية أيام، يوقدون في الليلة الأولى من لياليه على كل باب من أبوابهم سراجا، وفي الليلة الثانية سراجين، وهكذا إلى أن يكون في الليلة الثامنة ثمانية سرج. وهم يذكرون أن سبب اتخاذهم لهذا العيد أن بعض الجبابرة تغلّب على بيت المقدس وفتك باليهود وافتضّ أبكارهم، فوثب عليه أوّلا كهّانهم وكانوا ثمانية فقتله أصغرهم، وطلب اليهود زيتا لوقود الهيكل فلم يجدوا إلا يسيرا وزّعوه على عدد ما يوقدونه من السّرج على أبوابهم في كل ليلة إلى تمام ثمان ليال فاتخذوا هذه الأيام عيدا وسمّوه الحنكة، ومعناه التنظيف لأنهم نظّفوا فيه الهيكل من أقذار شيعة الجبار، وبعضهم يسميه الربّاني «2» .

الجملة الخامسة في أعياد الصابئين

الجملة الخامسة في أعياد الصابئين ومدار أعيادهم على الكواكب؛ وأعيادهم عند نزول الكواكب الخمسة المتحيّرة وهي زحل والمشتري، والمرّيخ، والزّهرة، وعطارد في بيوت شرفها، وذلك أن من البروج ما يقوم لهذه الكواكب مقام قصر العز للملك، يشتهر فيه ويعلو ويشرف؛ وفيها درجات معلومة ينسب الشرف إليها؛ ومنها ما يخمل فيه ويفسد حاله، ويكون ذلك أيضا في درجات معلومة، تقابل درجات الشرف به من البرج المقابل، ويسمّى ذلك هبوطا؛ فزحل شرفه في إحدى وعشرين درجة من الميزان، ويهبط في مثلها من الحمل، والمشتري يشرف في خمس عشرة درجة من السّرطان، ويهبط في مثلها من الجدي، والمرّيخ يشرف في ثمان عشرة درجة من الجدي، ويهبط في مثلها من السّرطان؛ والزّهرة تشرف في تسع وعشرين درجة من الحوت، وتهبط في مثلها من السّنبلة؛ وعطارد شرفه في خمس عشرة درجة من السنبلة، ويهبط في مثلها من الحوت، وكذلك الشمس تشرف في تسع عشرة درجة من الحمل، وتهبط في مثلها من الميزان؛ والقمر يشرف في ثلاث درجات من السنبلة، ويهبط في مثلها من الحوت. وهم يعظمون اليوم الذي تنزل الشمس فيه الحمل، ويلبسون فيه أفخر ثيابهم. وهو عندهم من أعظم الأعياد. وكانت ملوكهم تبني الهياكل وتجعل لها أعيادا بحسب الكواكب التي بنيت على اسمها فيه.

الباب الثاني من المقالة الأولى فيما يحتاج إليه الكاتب من الأمور العملية وهو الخط وتوابعه ولواحقه؛ وفيه فصلان.

الباب الثاني من المقالة الأولى فيما يحتاج إليه الكاتب من الأمور العملية وهو الخط وتوابعه ولواحقه؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل في ذكر آلات الخط، ومباديه وصوره، وأشكاله، وما ينخرط في سلك ذلك؛ وفيه ثلاثة أطراف الطرف الأوّل في الدّواة وآلاتها؛ وفيه مقصدان المقصد الأوّل في نفس الدّواة، وفيه أربع جمل الجملة الأولى في فضلها قد أخرج ابن أبي حاتم «1» من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «خلق الله النّون وهي الدّواة» وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله

الجملة الثانية في أصلها في اللغة

عنهما، قال: «لمّا خلق الله النّون وهي الدّواة وخلق القلم فقال اكتب فقال وما أكتب قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة» . وهذا الخبر والأثر دالّان على أن المراد بالنون في الآية هو الدّواة، وإن فسره بعضهم بغير ذلك، إذ الدواة هي المناسبة في الذّكر لذكر القلم وتسطير الكتابة في قوله تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ «1» . وبالجملة فإن الدواة هي أمّ آلات الكتابة، وسمطها الجامع لها، ولا يخفى ما يجب من الاهتمام بأمرها والاحتفال بشأنها؛ فقد قال عبد الله بن المبارك «2» : من خرج من بيته بغير محبرة وأداة فقد عزم على الصّدقة» قال المدائني: يعني بالأداة مثل السّكّين والمقلمة، وأشباههما. قال محمد بن شعيب ابن سابور: مثل الكاتب بغير دواة كمثل من يسير إلى الهيجاء بغير سلاح. الجملة الثانية في أصلها في اللغة قال أبو القاسم بن عبد العزيز: تقول العرب: دواة ودويات في أدنى العدد، وفي الكثير دويّ ودويّ (بضم الدال وكسرها) ويقال أيضا دواء، ودواء (بضم الدال وكسرها) ودوايا مثل حوايا؛ وأدويت دواة أي اتخذت دواة؛ ورجل دوّاء (بفتح الدال وتشديد الواو) إذا كان يبيعها، كقولك عطّار وبزّاز. الجملة الثالثة فيما ينبغي أن تتخذ منه، وما تحلّى به أمّا ما تتخذ منه فينبغي أن تتّخذ من أجود العيدان وأرفعها ثمنا كالآبنوس، والسّاسم «3» ، والصّندل، وهذا اعتماد منه على ما كان يعتاده أهل زمانه، ويتعاناه أهل عصره.

الجملة الرابعة في قدرها وصفتها

قلت: وقد غلب على الكتّاب في زماننا من أهل الإنشاء وكتّاب الأموال اتخاذ الدّويّ من النّحاس الأصفر، والفولاذ، وتغالوا في أثمانها وبالغوا في تحسينها. والنّحاس أكثر استعمالا، والفولاذ أقلّ لعزّته ونفاسته، واختصاصه بأعلى درجات الرياسة كالوزارة وما ضاهاها. وأمّا دويّ الخشب فقد رفضت وتركت إلا الآبنوس والصّندل الأحمر، فإنه يتعاناه في زماننا قضاة الحكم وموقّعوهم وبعض شهود الدواوين. وأمّا التحلية، فقال الحسن بن وهب «1» : سبيل الدّواة أن يكون عليها من الحلية أخفّ ما يكون ويمكن أن تحلّى به الدّويّ، وفي وثاقة ولطف، ليأمن من أن تنكسر أو تنقصم في مجلسه، قال: وحق الحلية أن تكون ساذجة بغير حفر ولا ثنيات فيها ليأمن من مسارعة القذى والدّنس إليها. ولا يكون عليها نقش ولا صورة. وحقّ هذه الحلية مع ما ذكره ابن وهب أن تكون من النحاس ونحوه دون الفضّة والذهب. على أن بعض الكتّاب في زماننا قد اعتاد التحلية بالفضة، ولا يخفى أنّ حكم ذلك حكم الضبة في الإناء فتحرم مع الكبر والزينة، وتكره مع الصغر والزينة والكبر والحاجة، وتباح مع الصغر والحاجة من كسر ونحوه، كما قرّره أصحابنا الشافعية رحمهم الله، نعم يحرم التكفيت بالذهب والفضة، وكذلك التمويه إذا كان يحصل منه بالعرض على النار شيء، والله أعلم. الجملة الرابعة في قدرها وصفتها قال الحسن بن وهب: سبيل الدواة أن تكون متوسطة في قدرها، لا بالقصيرة فتقصر أقلامها وتقبح، ولا بالكثيفة فيثقل محملها وتعجف. فلا بدّ لصاحبها أن يحملها ويضعها بين يدي ملكه أو أميره في أوقات مخصوصة، ولا يحسن أن يتولّى ذلك غيره. قال الفضل: ويكون طولها بمقدار عظم الذراع أو

فويق ذلك قليلا لتكون مناسبة لمقدار القلم. قلت: وقد اختلفت مقاصد أهل الزمان في هيئة الدواة: من التدوير والتربيع. فأما كتّاب الإنشاء فإنهم يتخذونها مستطيلة مدوّرة الرأسين، لطيفة القدّ، طلبا للخفّة، ولأنهم إنما يتعانون في كتابتهم الدّرج، وهو غير لائق بالدواة في الجملة. على أن الصغير من الدّرج لا يأبى جعله في الدواة المدوّرة. وأما كتّاب الأموال، فانهم يتخذونها مستطيلة مربعة الزوايا، ليجعلوا في باطن غطائها ما استخفوه مما يحتاجون إليه من ورق الحساب الديوانيّ المناسب لهذه الدواة في القطع. وعلى هذا الأنموذج يتخذ قضاة الحكم وموقّعوهم دويّهم؛ إلا أنها في الغالب تكون من الخشب كما تقدّم. واعلم أنه ينبغي للكاتب أن يجتهد في تحسين الدواة وتجويدها وصونها. ولله المدائني حيث يقول: جوّد دواتك واجتهد في صونها ... إن الدّويّ خزائن الآداب وأهدى أبو الطّيّب عبد الرحمن بن أحمد بن زيد بن الفرج الكاتب إلى صديق له دواة آبنوس محلّاة وكتب معها: لم أر سوداء قبلها ملكت ... نواظر الخلق والقلوب معا لا الطّول أزرى بها ولا قصر ... لكن أتت للوصول مجتمعا فوقك جنح من الظّلام بها ... وبارق بائتلاقها لمعا خذها لدرّ بها تنظّمه ... يروق في الحسن كلّ من سمعا أما المحبرة المفردة عن الدواة فقد اختلف الناس فيها، فمنهم من رجّحها ومالوا إلى اتخاذها لخفّة حملها، وقالوا: بها يكتب القرآن والحديث والعلم. وكرهها بعضهم واستقبحها من حيث إنها آلة النسخ الذي هو من أشد الحرف وأتعبها، وأقلها مكسبا. ويروى أن شعبة «1» رأى في يد رجل محبرة فقال: ارم بها فإنها مشؤومة لا

الطرف الثاني في الآلات التي تشتمل عليها الدواة، وهي سبع عشرة آلة، أول كل آلة منها ميم

يبقى معها أهل ولا ولد، ولا أمّ ولا أب. الطرف الثاني في الآلات التي تشتمل عليها الدواة، وهي سبع عشرة آلة، أوّل كل آلة منها ميم الآلة الأولى- المزبر (بكسر الميم) ، وهو القلم أخذا له من قولهم زبرت الكتاب إذا اتقنت كتابته، ومنه سميت الكتب زبرا كما في قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ «1» وفي حديث أبي بكر أنه دعا في مرضه بدواة ومزبر أي قلم. وفيه جملتان: الجملة الأولى في فضله عن الوليد بن عبادة بن الصامت «2» رضي الله عنه قال: دعاني أبي حين حضره الموت فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «أوّل ما خلق الله القلم، فقال: اكتب، قال: يا ربّ وما أكتب؟ قال: اكتب القدر وما هو كائن إلى الأبد» رواه أحمد وأبو داود والتّرمذي «3» ، وقال: حسن غريب، وابن أبي حاتم واللفظ له. وعن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه «إن أوّل ما خلق الله القلم والحوت، فقال له اكتب، فقال: يا ربّ وما أكتب؟ قال: اكتب كلّ شيء كائن إلى يوم القيامة» ثم قرأ ن وَالْقَلَمِ رواه الطبراني ووقفه ابن جرير على ابن عبّاس. وفي رواية قال ابن عباس: «أوّل ما خلق الله القلم، قال: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب القدر، فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى يوم قيام الساعة، ثم خلق النون

ورفع بخار الماء، فتفتّقت منه السماء وبسطت الأرض على ظهر النّون، فاضطرب النّون، فمادت الأرض فأثبتت بالجبال، فإنها لتفخر على الأرض لأنها أثبتت عليها» رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. وروى محمد بن عمر المدائني بسنده إلى مجاهد «إن أوّل ما خلق الله اليراع، ثم خلق من اليراع القلم، فقال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: ما هو كائن، قال: فزبر القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة» . وأخرج بسنده إلى ابن عباس، قال: «أوّل ما خلق الله اليراع: وهو القصب المثقّب، فقال: اكتب قضائي في خلقي إلى يوم القيامة» . ويروى أنه لما خلقه الله تعالى نظر إليه فانشقّ بنصفين، ثم قال: اجر! قال: يا رب بما أجري؟ قال: بما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى على اللوح المحفوظ بذلك، وكان منه تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ «1» . ويروى أنّ خلقه قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة. واعلم أن القلم أشرف آلات الكتابة وأعلاها رتبة، إذ هو المباشر للكتابة دون غيره، وغيره من آلات الكتابة كالأعوان، وقد قال الله تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ «2» فأقسم به، وذلك في غاية الشرف. ولله أبو الفتح البستيّ «3» حيث يقول: إذا أقسم الأبطال يوما بسيفهم ... وعدّوه مما يكسب المجد والكرم كفى قلم الكتّاب عزّا ورفعة ... مدى الدّهر أن الله أقسم بالقلم وقال تعالى: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ «4» فأضاف التعليم

بالقلم إلى نفسه. قال ابن الهيثم «1» : من جلالة القلم أن الله عز وجل لم يكتب كتابا إلا به، لذلك أقسم به. قال المدائني: وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال «من قلم قلما يكتب به علما أعطاه الله شجرة في الجنة خير من الدّنيا وما فيها» . وقد قيل الأقلام مطايا الفطن، ورسل الكرم. وقال عبد الحميد: القلم شجرة ثمرها الألفاظ، والفكر بحر لؤلؤه الحكمة، وفيه ريّ العقول الكامنة. وقال جبل بن زيد: القلم لسان البصر يناجيه بما ستر عن الأسماع. وقال ابن المقفّع: القلم بريد العلم يحث على البحر «2» ، ويبحث عن خفيّ النظر. وقال أحمد بن يوسف: ما عبرات الغواني في خدودهن بأحسن من عبرات الأقلام. وقيل: القلم الطلسم الأكبر. وقيل: البيان اثنان: بيان لسان، وبيان بنان؛ ومن فضل بيان البنان أن ما تثبته الأقلام باق على الأبد، وما ينبسه اللسان تدرسه الأيام. ويقال: عقول الرجال تحت أسنّة أقلامها، بنوء الأقلام يصوب غيث الحكمة. وقال جعفر بن يحيى: لم أر باكيا أحسن تبسّما من القلم. قال ابن المعتز: القلم مجهّز لجيوش الكلام، تخدمه الإرادة، ولا يملّ من الاستزادة، كأنه يقبّل بساط سلطان، أو يفتّح نور بستان. ومن إنشاء الوزير ضياء الدين بن الأثير الجزريّ، من جواب كتبه للعماد الأصفهاني: وكيف لا يكون ذلك، وقلمها هو اليراع الذي نفثت الفصاحة في روعه، وكمنت الشجاعة بين ضلوعه، فإذا قال أراك كيف تنسّق الفرائد في الأجياد. ومن كلام أبي حفص بن برد الأندلسيّ «3» : ما أعجب شأن القلم! يشرب

ظلمة، ويلفظ نورا؛ قد يكون قلم الكاتب، أمضى من شباة المحارب؛ القلم سهم ينفذ المقاتل، وشفرة تطيح بها المفاصل. ومن كلام العميد عمر بن عثمان الكاتب: قلم يطلق الآجال والأرزاق، وينفث السّم والدّرياق؛ قلم تدق عن الإدراك حركاته، وتحلّى بالنفائس فتكاته؛ يسرع ولا انحدار السيل إلى قراره، وانقداح الضوء من شراره، معطوفة الغايات على المبادي، مصروفة الأعجاز إلى الهوادي؛ وإذا صال أراك كيف اختلاف الرماح بين الآساد. وله خصائص أخرى يبدعها إبداعا، فإذا لم يأت بها غيره تطبّعا أتى بها هو طبعا، فطورا يرى إماما يلقي درسا، وطورا يرى ماشطة تجلو عرسا، وطورا يرى ورقاء تصدح في الأوراق، وطورا يرى جوادا مخلّقا بخلوق السّباق، وطورا أفعوانا مطرقا، والعجب أنه لا يزهو إلا عند الإطراق! ولطالما نفث سحرا، وجلب عطرا، وأدار في القرطاس خمرا؛ وتصرّف في صنوف الغناء فكان في الفتح عمر «1» ، وفي الهدي عمّارا «2» ، وفي الكيد عمرا «3» فلا تحظى به دولة إلّا فخرت على الدول، واستغنت عن الخيل والخول. وقال الإسكندر: لولا القلم ما قامت الدنيا، ولا استقامت المملكة. وكلّ شيء تحت العقل واللسان لأنهما الحاكمان على كل شيء، والقلم يريكهما صورتين، ويوجدكهما شكلين. وقال بعض حكماء اليونان: أمور الدنيا تحت شيئين: السيف والقلم، والسيف تحت القلم. وقال آخر: فاقت صنعة القلم عند سائر الأمم جمع الحكم في صحون الكتب. وقال العتابي: ببكاء القلم تبسم الكتب. وقال البحتري: الأقلام مطايا الفطن. وقال أبو دلف العجليّ «4» : القلم صائغ الكلام، يفرغ ما

يجمعه الفكر، ويصوغ ما يسبكه اللب. وقال سهل بن هارون «1» : القلم أنف الضمير، إذا رعف أعلن أسراره، وأبان آثاره. وقال ثمامة «2» : ما أثّرته الأقلام لم تطمع في درسه الأيام. وقال هشام بن الحكم: أحسن الصنيع صنيع القلم والخطّ الذي هو جنى العقول. وقال علي بن منصور: بنور القلم تضيء الحكمة. وقال الجاحظ: من عرف النعمة في بيان اللسان كان بفضل النعمة في بيان القلم أعرف. وقال غيره: بالقلم تزفّ بنات العقول إلى خدور الكتب. وقال المأمون: لله درّ القلم كيف يحوك وشي المملكة. وقال بعض الأعراب: القلم ينهض بما يظلع «3» بحمله اللّسان، ويبلغ ما لا يبلغه البيان. وقال بعضهم: القلم يجعل للكتب ألسنا ناطقة، وأعينا ملاحظة؛ وربما ضمنها من ودائع القلوب ما لا تبوح به الإخوان عند المشاهدة. وقال أوميرس الحكيم: الخط شيء أظهره العقل بواسطة سن القلم، فلما قابل النفس عشقته بالعنصر. وقال مرطس الحكيم: الخط بالقلم ينمّي الحكمة. وقال جالينوس: القلم الطلسم الأكبر. وقال بقراط: القلم على «4» إيقاع الوتر، والمهنة المنطقية مقدّمة على المهنة الطبيعية. وقال بليناس: القلم طبيب المنطق. قال أرسطاطاليس: القلم العلّة الفاعلة، والمداد العلة الهيولانيّة، والخط العلة الصّورية، والبلاغة العلّة التمامية. وقد أكثر الشعراء القول في شرف القلم وفضله. فمن ذلك قول أبي تمّام الطائيّ: إن يخدم القلم السّيف الذي خضعت ... له الرّقاب وذلّت خوفه الأمم

فالموت والموت لا شيء يغالبه ... ما زال يتبع ما يجري به القلم كذا قضى الله للأقلام مذ بريت ... أن السيوف لها مذ أرهفت خدم وقوله: لك القلم الأعلى الذي بشباته ... تصاب من الأمر الكلي والمفاصل لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ... وأري الجنى اشتارته أيد عواسل له ريقة ظلّ ولكنّ وقعها ... بآثاره في الشّرق والغرب وابل فصيح إذا استنطقته وهو راكب ... وأعجم إن خاطبته وهو راجل إذا ما امتطى الحمس اللّطاف وأفرغت ... عليه شعاب الفكر وهي حوافل أطاعته أطراف القنا وتقوّضت ... لنجواه تقويض الخيام الجحافل إذا استغزر الذهن الجليّ وأقبلت ... أعاليه في القرطاس وهي أسافل وقد رفدته الخنصران وسدّدت ... ثلاث نواحيه الثلاث الأنامل رأيت جليلا شأنه وهو مرهف ... ضنا وسمينا خطبه وهو ناحل وقول أبي هلال العسكريّ: انظر إلى قلم ينكّس رأسه ... ليضمّ بين موصّل ومفصّل تنظر إلى مخلاب ليث ضيغم ... وغرار مسنون المضارب مفصل يبدو لناظره بلون أصفر ... ومدامع سود وجسم منحل فالدّرج أبيض مثل خدّ واضح ... يثنيه أسود مثل طرف أكحل قسم العطايا والمنايا في الورى ... فإذا نظرت إليه فاحذر وأمل طعمان شوب حلاوة بمرارة ... كالدّهر يخلط شهده بالحنظل فإذا تصرّف في يديك عنانه ... ألحقت فيه مؤمّلا بمؤمّل ومذلّلا بمعزّز ولربّما ... ألحقت فيه معزّزا بمذلّل وقوله: لك القلم الجاري ببؤس وأنعم ... فمنها بواد ترتجى وعوائد

الجملة الثانية في اشتقاقه

إذا ملأ القرطاس سود سطوره ... فتلك أسود تتّقى وأساود «1» وتلك جنان تجتنى ثمراتها ... ويلقاك من أنفاسهنّ بوارد وهنّ برود ما لهنّ مناسج ... وهنّ عقود ما لهن معاقد وهنّ حياة للوليّ رضيّة ... وهنّ حتوف للعدوّ رواصد الجملة الثانية في اشتقاقه وقد اختلف في ذلك؛ فقيل: سمّي قلما لاستقامته كما سميت القداح أقلاما في قوله تعالى: إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ «2» قال بعض المفسرين تشاحّوا في كفالتها فضربوا عليها بالقداح، والقداح مما يضرب بها المثل في الاستقامة؛ وقيل: هو مأخوذ من القلّام وهو شجر رخو فلما ضارعه القلم في الضعف سمي قلما؛ وقيل: سمي قلما لقلم رأسه، فقد قيل إنه لا يسمّى قلما حتّى يبرى، أما قبل ذلك فهو قصبة. كما لا يسمّى الرمح رمحا إلا إذا كان عليه سنان وإلا فهو قناة، ومنه قلامة الظفر؛ وإلى ذلك يشير أبو الطّيّب الأزديّ بقوله: قلم قلّم أظفار العدا ... وهو كالإصبع مقصوص الظّفر أشبه الحيّة حتّى إنه ... كلّما عمّر في الأيدي قصر وقيل لأعرابيّ: ما القلم؟ ففكّر ساعة وقلب يده، ثم قال: لا أدري، فقيل له: توهمه، قال: هو عود قلّم من جوانبه كتقليم الظّفر، فسمي قلما. الجملة الثالثة في صفته قال إبراهيم بن العباس لغلام بين يديه يعلمه الخطّ: ليكن قلمك صلبا بين

الدّقة والغلظ، ولا تبره عند عقدة فإن فيه تعقيد الأمور، ولا تكتب بقلم ملتوي، ولا ذي شقّ غير مستوي؛ وإن أعوزك البحريّ والفارسيّ، واضطررت إلى الأقلام النبطية فاختر منها ما يميل إلى السّمرة. وقال إبراهيم بن محمد الشيباني «1» : ينبغي للكاتب أن يتخيّر من أنابيب القصب أقلّه عقدا، وأكثفه لحما، وأصلبه قشرا، وأعدله استواء. وقال العتابي: سألني الأصمعيّ يوما بدار الرشيد: أيّ الأنانبيب للكتابة أصلح وعليها أصبر؟ فقلت: ما نشف بالهجير ماؤه، وستره من تلويحه غشاؤه؛ من التّبريّة القشور، الدّرّيّة الظهور، الفضية الكسور. وكتب عليّ بن الأزهر إلى صديق له يستدعي منه أقلاما: أما بعد، فإنا على طول الممارسة لهذه الكتابة التي غلبت على الاسم، ولزمت لزوم الوسم؛ فحلّت محل الأنساب، وجرت مجرى الألقاب، وجدنا الأقلام الصخريّة أجرى في الكواغد «2» ، وأمرّ في الجلود؛ كما أن البحريّة منها أسلس في القراطيس، وألين في المعاطف، وأشدّ لتصرّف الخط فيها؛ ونحن في بلد قليل القصب رديئه، وقد أحببت أن تتقدّم في اختيار أقلام صخرية، وتتنوّق «3» في اقتنائها قبلك، وتطلبها من مظانّها ومنابتها، من شطوط الأنهار، وأرجاء الكروم؛ وأن تتيمن «4» باختيارك منها الشديدة الصّلبة، النقيّة الجلود، القليلة الشحوم، الكثيرة اللحوم، الضيّقة الأجواف، الرزينة المحمل، فإنها أبقى على

الكتابة، وأبعد من الخفاء، وأن تقصد بانتقائك الرقاق القضبان، المقوّمات المتون، الملس المعاقد، الصافية القشور، الطويلة الأنابيب، البعيدة ما بين الكعوب، الكريمة الجواهر، المعتدلة القوام، المستحكمة يبسا، وهي قائمة على أصولها لم تعجل عن إبّان ينعها، ولم تؤخّر إلى الأوقات المخوفة عليها من خصر «1» الشتاء، وعفن الأنداء «2» ، فإذا استجمعت عندك، أمرت بقطعها ذراعا [ذراعا] «3» قطعا رفيقا، ثم عبّأت منها حزما فيما يصونها من الأوعية «4» ، وتكتب معه بعدّتها وأصنافها من غير تأخير ولا توان. وأهدى ابن الحرون إلى رجل من إخوانه الكتّاب أقلاما، وكتب إليه: إنه لما كانت الكتابة (أبقاك الله) أعظم الأمور، وقوام الخلافة، وعمود المملكة، أتحفتك من آلتها بما يخف محمله، وتثقل قيمته، ويعظم نفعه، ويجلّ خطره؛ وهي أقلام من القصب النابت في الصخر، الذي نشف بحرّ الهجير في قشره ماؤه، وستره من تلويحه غشاؤه، وهي كاللآليء المكنونة في الصّدف، والأنوار المحجوبة في السّدف «5» ؛ تبريّة القشور، درّيّة الظهور، فضّيّة الكسور؛ قد كستها الطبيعة جوهرا كالوشي المحبّر، ورونقا كالديباج المنيّر. ومن كتاب لأبي الخطاب الصابيء يصف فيه أقلاما أهداها في جملة أصناف: وأضفت إليها أقلاما سليمة من المعايب، مبرّأة من المثالب؛ جمّة المحاسن؛ بعيدة عن المطاعن؛ لم يربها طول ولا قصر، ولا ينقصها ضعف خور؛ ولا يشينها لين ولا رخاوة، ولم يعبها كزازة «6» ولا قساوة؛ وهي آخذة بالفضائل من جميع

جهاتها، مستوفية للممادح بسائر صفاتها؛ صلبة المعاجم، لدنة المقاطع؛ موفية «1» القدود والألوان، محمودة المخبر والعيان؛ وقد استوى في الملاسة خارجها وداخلها، وتناسب في السّلاسة عاليها وسافلها؛ نبتت بين الشمس والظل، واختلف عليها الحرّ والقرّ؛ فلفحها وقدان الهواجر، ولفعها سمائم شهر ناجر «2» ؛ ووقذها الشّفّان بصرده «3» ، وقذفها الغمام ببرده، وصابتها الأنواء بصيّبها، واستهلّت عليها السحائب بشآبيبها؛ فاستمرّت مرائرها على إحكام، واستحصد سجلها «4» بالإبرام؛ جاءت شتّى الشّيات، متغايرة الهيئات، متباينة المحالّ والبلدان؛ تختلف بتباعد ديارها، وتأتلف بكرم نجارها. فمن أنانيب قنا ناسبت رماح الخط في أجناسها، وشاكلت الذهب في ألوانها، وضاهت الحرير في لمعانها؛ مضابطة الحفاء، نمرة القوى؛ لا يسيطها القطّ، ولا يشعّب بها الخط. ومن مصريّة بيض كأنها قباطيّ «5» مصر نقاء، وغرقيء «6» البيض صفاء؛ غذاها الصعيد من ثراه بلبّه، وسقاها النيل من نميره وعذبه؛ فجاءت ملتئمة الأجزاء، سليمة من الالتواء؛ تستقيم شقوقها في أطوالها، ولا تنكّب عن يمينها ولا شمالها، مقترن بها صفراء كأنها معها عقيان قرن بلجين «7» ، أو ورق خطّ بعين؛

تختال في صفر ملاحفها، وتميس في مذهب مطارفها، بلون غياب الشمس، وصبغ ثياب الورس «1» . ومن منقوشة تروق العين، وتونق النفس؛ ويهدي حسنها الأريحيّة إلى القلوب، ويحلّ الطّرف لها حبوة الحليم اللبيب؛ كأنها اختلاف الزّهر اللامع، وأصناف الثمر اليانع. ومن بحريّة موشيّة اللّيط «2» ، رائقة التخطيط؛ كأنّ داخلها قطرة دم، أو حاشية رداء معلم؛ وكأنّ خارجها أرقم، أو متن واد مفعم؛ نشرت ألوانا تزري بورد الخدود، وأبدت قامات تفضح تأوّد القدود. ومن كلام ابن الزيات «3» : خير الأقلام ما استحكم نضجه، وخف بزره؛ قد تساعدت عليه السعود في فلك البروج حولا كاملا، تؤلفه بمختلف أركانها وطباعها، ومتباين أنوائها وأنحائها؛ حتّى إذا بلغ أشدّه واستوى، وشقّت بوازله «4» ، ورقّت شمائله، وابتسم من غشائه، وتأدّى من لحائه، وتعرّى عنه ثوب المصيف، بانقضاء الخريف، وكشف عن لون البيض المكنون، والصّدف المخزون؛ قطع ولم يعجّل عن تمام مصلحته، ولم يؤخّر إلى الأوقات المخوفة عاهاتها عليه من خصر الشتاء، وعفن الأنداء؛ فجاء مستوي الأنابيب معتدلها، مثقّف الكعوب مقوّمها. وقد حرر الوزير أبو عليّ بن مقلة «5» رحمه الله مناط الحاجة من هذه

الجملة الرابعة في مساحة الأقلام في طولها وغلظها

الأوصاف، واقتصر على الضروريّ منها في ألفاظ قلائل فقال: خير الأقلام ما استحكم نضجه في جرمه، ونشف ماؤه في قشره، وقطع بعد إلقاء بزره، وبعد أن اصفرّ لحاؤه ورقّ شجره، وصلب شحمه، وثقل حجمه. الجملة الرابعة في مساحة الأقلام في طولها وغلظها قال ابن مقلة: خير الأقلام ما كان طوله من ستة عشر إصبعا إلى اثني عشر، وامتلاؤه ما بين غلظ السّبّابة إلى الخنصر. وهذا وصف جامع لسائر أنواع الأقلام على اختلافها. وقال في موضع آخر: أحسن قدود القلم ألّا يتجاوز به الشّبر بأكثر من جلفته؛ ويشهد له قول الشاعر: فتى لو حوى الدنيا لأصبح عاريا ... من المال معتاضا ثيابا من الشكر له ترجمان أخرس اللفظ صامت ... على قاب شبر بل يزيد على الشّبر وقال الشيخ عماد الدين الشيرازي: أحمد الأقلام ما توسطت حالته في الطول والقصر، والغلظ والدقة، فإن الدقيق الضئيل تجتمع عليه الأنامل فيبقى مائلا إلى ما بين الثلث، والغليظ المفرط لا تحمله الأنامل. وقال في الحلية: إذا كانت الصحيفة لينة ينبغي أن يكون القلم ليّن الأنبوب، وفي لحمه فضل، وفي قشره صلابة؛ وإن كانت صلبة، كان يابس الأنبوب صلبه، ناقص الشحم، لأن حاجته إلى كثرة المداد في الصحيفة الرّخوة أكثر من حاجته إليه في الصحيفة الصّلبة؛ فرطوبته ولحمه يحفظان عليه غزارة الاستمداد؛ ويكفي

الجملة الخامسة في بري القلم؛ وفيه خمسة أنظار

في الصحيفة الصّلبة ما وصل إليها في القلم الصّلب الخالي من المداد، والله جل ذكره أعلم. الجملة الخامسة في بري القلم؛ وفيه خمسة أنظار النظر الأول في اشتقاقه وأصل معناه يقال بريت القلم أبريه بريا وبراية غير مهموز، وهو قلم مبريّ، وأنا بار للقلم بغير همز أيضا. قال الشاعر: يا باري القوس بريا ليس يحكمه ... لا تفسد القوس أعط القوس باريها ويقال أيضا: بروت القلم والعود بروا بالواو، والياء أفصح. ويقال لما سقط منه حالة البري براية (بضم الموحدة في أوله) على وزن نزالة وحثالة، والفعالة اسم لكل فضلة تفضل من الشيء، وتقول في الأمر: ابر قلمك. النظر الثاني في الحث على معرفة البراية قال الحسن بن وهب: يحتاج الكاتب إلى خلال، منها: جودة بري القلم، وإطالة جلفته، وتحريف قطّته «1» ، وحسن التأتي لامتطاء الأنامل، وإرسال المدة بعد إشباع الحروف، والتحرّز عند فراغها من الكشوف، وترك الشكل على الخطإ والإعجام على التصحيف. ومن كلام المقرّ العلائي ابن فضل الله «2» ، طيب الله مهجعه: من لم يحسن

الاستمداد، وبري القلم، والقطّ وإمساك الطّومار، وقسمة حركة اليد حال الكتابة، فليس هو من الكتابة في شيء. ويحكى أن الضّحاك «1» كان إذا أراد أن يبري قلما توارى بحيث لا يراه أحد، ويقول: الخط كلّه القلم. وكان الأنصاريّ إذا أراد أن يبري فعل ذلك، فإذا أراد أن يقوم من الديوان قطع رؤوس الأقلام حتّى لا يراها أحد. وقال إسحاق بن حمّاد «2» : لا حذق لغير مميز لصنوف البراية. ورأى ابراهيم بن المحبس «3» رجلا يأخذ على جارية قلم الثلث، فقال: أعلّمتها البراية؟ قال: لا، قال: كيف تحسن أن تكتب بما لا تحسن برايته؟ تعليم البراية أكبر من تعليم الخط. قال المقرّ العلائي ابن فضل الله: ورأيت بخط أبي عليّ بن مقلة رحمه الله: نعم نعم ملاك الخطّ حسن البراية، ومن أحسنها سهل عليه الخط، ولا يقتصر على علم فنّ منها دون فنّ، فانه يتعين على من تعاطى هذه الصناعة أن يحفظ كل فنّ منها على مذهبه من زيادة في التحريف، ومن النقصان منه، ومن اختلاف طبقاته، ومن وعى قلبه كثرة أجناس قطّ الأقلام كان مقتدرا على الخط، ولا يتعلم ذلك إلا عاقل، والقلم للكاتب كالسيف للشّجاع. وقال الضحّاك بن عجلان: القلم من أجناس الأقلام كاللحن من أجناس الألحان في الصناعة، والبراية الواحدة من أجناس البراية كذلك. ومن كلام المقرّ العلائي ابن فضل الله: جودة البراية نصف الخط.

النظر الثالث في معرفة محل البراية من القلم

ومنهم من ذهب إلى أن العبرة بحسن الصنعة دون بري القلم، حتى حكى الغزالي رحمه الله في نصيحة الملوك أن الصاحب بن عبّاد كان وزيرا لبعض الملوك، وكان معه ستة وزراء غيره فكانوا يحسدونه، ولم يزالوا حتّى ذكروا للملك أنه لا يحسن براية القلم، وعمدوا إلى أقلامه فكسروا رؤوسها، ثم إن الملك أمره بكتب كتاب في المجلس، فوجد أقلامه كلّها مكسرة الرؤوس فأخذ قلما منها، وكتب به إلى أن انتهى إلى آخر الكتاب بخط فائق رائق، فقال له الملك: إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن بري القلم، فقال: إن أبي علمني كاتبا ولم يعلمني نجّارا. النظر الثالث في معرفة محلّ البراية من القلم قال إبراهيم بن محمد الشّيبانيّ: يجب أن يكون البري من جهة نبات القصبة يعني من أعلاها إذا كانت قائمة على أصلها، فإن محل القلم من الكاتب محل الرمح من الفارس؛ وإلى هذا المعنى أشار أبو تمّام الطائيّ بقوله في أبياته المتقدمة «1» : إذا استغزر الذهن القويّ وأقبلت ... أعاليه في القرطاس وهي أسافل وقال أبو القاسم: إذا أخذ القلم ليبريه فلا يخلو من استقامة في البنية أو اعوجاج في الخلقة، فإن كان مستويا فالبرية من رأسه، وهو حيث استدق، وإن كان معوجّا ودعت الضرورة إليه، فالبرية من أسفله لأن أسفله أقل التواء من أعلاه. النظر الرابع في كيفية إمساك السّكين حال البري قال ابن البربريّ «2» : إذا بدأت بالبراية فأمسك السكين باليد اليمنى،

النظر الخامس في صنعة البراية

والأنبوبة باليسرى، وضع إبهامك اليمنى على قفا السكين، ثم اعتمد على الأنبوبة اعتمادا رفيقا. النظر الخامس في صنعة البراية قال العتابيّ: سألني الأصمعيّ يوما بدار الرشيد: أيّ نوع من البري أصوب وأكتب؟ فقلت: البرية المستوية القطّة التي عن يمين سنها برية تأمن معها المجة عند المدّة والمطة، والهواء في شقها فتيق، والريح في جوفها خريق، والمداد في خرطومها رفيق. واعلم أنه ربما حسن الخط باعتبار براية القلم، وإن لم يكن على قواعد الخط وهندسته، فقد قيل: إن الأحوال المحرّر «1» كان عجيب البراية للقلم، فكان خطه رائقا بهجا من غير إحكام ولا إتقان. قال الأنصاري المحرّر: كنت أكتب في ديوان الأحول، فقربت منه وأخذت من خطه، وسرقت من دواته قلما من أقلامه، فجاد خطّي به، فلاحت منه نظرة إلى دواتي، فرأى القلم فعرفه، فأخذه وأبعدني. وكان إذا أراد أن يقوم من مجلسه أو ينصرف قطع رؤوس أقلامه كلّها. واعلم أن البري يشتمل على معان: المعنى الأول- في صفته، ومقداره في الطول، والتقعير . قال الوزير أبو علي بن مقلة رحمه الله: ويجب أن يكون في القلم الصّلب أكثر تقعيرا، وفي الرخو أقل، وفي المعتدل بينهما. وصفته أن تبتديء بنزولك بالسكين على الاستواء، ثم تميل القطع إلى ما يلي رأس القلم، ويكون طول

المعنى الثاني - النحت.

الفتحة مقدار عقدة الإبهام، أو كمناقير الحمام، وإلى ذلك أشار الشيخ علاء الدين السّرّمرّيّ رحمه الله في أرجوزته بقوله: وطولها كعقدة الإبهام لا ... أعلى ولا أدنى يكون أرذلا قال الاستاذ أبو الحسن بن البوّاب «1» رحمه الله: كل قلم تقصر جلفته، فإن الخط يجيء به أوقص، والوقص قصر العنق، ولذلك سمي متفاعلن في عروض الكامل إذا حذفت منه التاء أوقص، وكأنه يريد بالقصر ما دون عقدة الإبهام. وقد قال إبراهيم بن العباس الصولي الكاتب: أطل خرطوم قلمك. فقيل له: أله خرطوم؟ قال: نعم، وأنشد: كأن أنوف الطير في عرصاتها ... خراطيم أقلام تخطّ وتعجم وقال عبد الحميد بن يحيى «2» كاتب مروان «3» لرغبان، وكان يكتب بقلم قصير البرية: أتريد أن يجود خطّك؟ قال: نعم، قال: فأطل جلفة قلمك وأسمنها، وحرّف القطة وأيمنها؛ قال رغبان: ففعلت ذلك فجاد خطّي. وقال الشيخ عماد الدين بن العفيف «4» رحمه الله: إذا طالت البرية، فإنه يجيء الخط بها أخف وأضعف وأجلى؛ وإذا قصرت جاء الخط بها أصفى وأثقل وأقوى. المعنى الثاني- النحت. قال الوزير أبو عليّ بن مقلة: وهو نوعان، نحت حواشيه، ونحت بطنه؛ أما نحت حواشيه، فيجب أن يكون متساويا من جهتي السن معا، ولا يحمل على

المعنى الثالث - الشق. وفيه مهيعان:

إحدى الجهتين فيضعف سنه، بل يجب أن يكون الشق متوسطا لجلفة القلم دقّ أو غلظ. قال: ويجب أن يكون جانباه مسيّفين، والتسييف أن يكون أعلاه ذاهبا نحو رأس القلم أكثر من أسفله، فيحسن جري المداد من القلم، قال: وأما نحت بطنه فيختلف بحسب اختلاف الأقلام في صلابة الشحم ورخاوته. فأما الصّلب الشحمة فينبغي أن ينحت وجهه فقط، ثم يجعل مسطحا وعرضه كقدر عرض الخط الذي يؤثر الكاتب أن يكتبه؛ وأما الرخو الشحمة فيجب أن تستأصل شحمته حتّى تنتهي إلى الموضع الصّلب من جرم القلم، لأنك إن كتبت بشحمته، تشظّى القلم ولم يصف جريانه. ومن كلام ابن البربري: لا تقصع البراية، ولا تخالف بين حدّي القلم، فإن ذلك حياكة، وإذا كان كذلك يكون القلم أحول. ثم الجلفة على أنحاء، منها: أن يرهف جانبي البرية، ويسمن وسطها شيئا يسيرا، وهذا يصلح للمبسوط والمعلّق والمحقّق. ومنها ما تستأصل شحمته كلها، وهذا يصلح للمرسل والممزوج والمفتح. ومنها ما يرهف من جانبه الأيسر ويبقى فيه بقية في الأيمن؛ وهذا يصلح للطوامير وما شابهها. ومنها ما يرهف من جانبي وسطه، ويكون مكان القطة منه أعرض مما تحتها، وهذا يصلح في جميع قلم الثلث وفروعه. المعنى الثالث- الشق. وفيه مهيعان: المهيع الأول في فائدته قال الوزير أبو علي بن مقلة رحمه الله: لو كان القلم غير مشقوق ما استمرت به الأنامل، ولا اتصل الخط للكاتب، ولكثر الاستمداد، وعدم المشق، ولمال المداد إلى أحد جنبي القلم على قدر فتل الكاتب له.

المهيع الثاني في صفة الشق؛ وفيه مدركان

المهيع الثاني في صفة الشق؛ وفيه مدركان المدرك الأول في قدره في الطول قال ابن مقلة: ويختلف ذلك بحسب اختلاف القلم في صلابته ورخاوته. فأما المعتدل فيجب أن يكون شقّه إلى مقدار نصف الفتحة أو ثلثيها. والمعنى فيه أنه إذا زاد على ذلك انفتحت سنا القلم حال الكتابة وفسد الخط حينئذ. وإذا كان كذلك أمن من ذلك. وأما الصّلب، فينبغي أن يكون شقه إلى آخر الفتحة؛ وربما زاد على ذلك بمقدار إفراطه في الصلابة. وقد نظم ذلك الشيخ علاء الدين السّرّمرّي رحمه الله في أرجوزته فقال: واعلم بأن الشّقّ أيضا يختلف ... بحسب الأقلام فافهم ما أصف فإن يكن معتدلا شقّ إلى ... مقدار ثلث الجلفة انقل واقبلا والرّخو للنصف أو الثلثين زد ... والصّلب بالفتحة ألحق تستفد وربما زادوا على ذاك إذا ... أفرط في الصلابة اعرف ذا وذا المدرك الثاني في محله من الجلفة في العرض وقد تقدّم من كلام ابن مقلة رحمه الله في المعنى الثالث أنه يجب أن يكون الشق متوسطا لجلفة القلم، وعليه جرى الاستاذ أبو الحسن بن البوّاب رحمه الله فقال: وليكن غلظ السنّين جميعا سواء. قال: ويجوز أن يكون الأيمن أغلظ من الأيسر دون العكس على كل حال؛ وهذا إنما يأتي إذا كانت الكتابة آخذة من جهة اليمين إلى جهة اليسار، أما إذا كانت آخذة من جهة اليسار إلى جهة اليمين كالقبطية فإنه يكون بالعكس من ذلك لأنه يقوي الاعتماد على اليسار دون اليمين.

المعنى الرابع - القط؛ وفيه مهيعان:

المعنى الرابع- القطّ؛ وفيه مهيعان: المهيع الأوّل اشتقاقه ومعناه يقال قططت القلم أقطّه قطّا فأنا قاطّ وهو مقطوط وقطيط: إذا قطعت سنّه، وأصل القطّ: القطع؛ والقطّ والقدّ متقاربان، إلا أن القط أكثر ما يستعمل فيما يقع السيف في عرضه، والقدّ ما يقع في طوله. وكان يقال: إذا علا الرجل الشيء بسيفه قدّه، وإذا عرضه قطّه، وذلك أن مخرج الطاء والدال متقاربان، فأبدل أحدهما من الآخر كما يقال مطّ حاجبيه، ومدّ حاجبيه. المهيع الثاني في صفته واعلم أن أجناس القطّ تختلف بحسب مقاصد الكتّاب، وهو المقصود الأعظم من البراية، وعليه مدار الكتابة. قال الضّحّاك بن عجلان: من وعى قلبه كثرة أجناس قطّ الأقلام كان مقتدرا على الخط. وقال المقرّ العلائي ابن فضل الله تغمده الله برحمته: كان بعض الكتّاب إذا أخذ الأنبوية ليبريها تفرّس فيها قبل ذلك، فإذا أراد أن يقطّ توقف ثم تحرّى فتوقف ثم يقطّ على تثبّت. قال الشيخ عماد الدين بن العفيف: والقط على نوعين: النوع الأول- المحرّف ، وطريق بريه أن يحرف السكين في حال القط، وهو ضربان: قائم ومصوّب؛ أما القائم فهو ما جعل فيه ارتفاع الشحمة كارتفاع القشرة؛ وأما المصوّب، فهو ما كان القشر فيه أعلى من الشحم. النوع الثاني- المستوي ؛ وهو ما تساوى سنّاه؛ وأجودهما المحرّف، وقد صرح بذلك الوزير أبو علي بن مقلة، فقال: وأحمدها ما كان ذا سنّ مرتفع من الجهة اليمنى ارتفاعا قليلا إذا كان القلم مصوّبا، وهذا معنى التحريف؛ وذلك إذا كانت الكتابة آخذة من جهة اليمين إلى جهة اليسار كما تقدم عند ذكر سنّي القلم،

النظر السادس في معرفة صفات القلم فيما يتعلق بالبراية، وما لكل من سني القلم من الحروف

بخلاف ما إذا كان آخذا من جهة اليسار إلى جهة اليمين. قال الشيخ عماد الدين ابن العفيف رحمه الله: وأجودها المحرّفة المعتدلة التحريف، وأفسدها المستوية، لأن المستوي أقلّ تصرفا من المحرّف. قال: وقد كان بعض من لا يعتدّ به يقط القلم على ضدّ ما يعتمده الأستاذون، فيصير الشحم من القلم هو المشرف على ظاهره، فكان خطه لا يجيء إلا رديئا، وإذا كانت القطّة على الضدّ من ذلك كان الكاتب متصرّفا في الخط، متمكنا من القرطاس. قال الوزير ابن مقلة: وأضجع السكين قليلا إذا عزمت على القطّ ولا تنصبها نصبا، يريد بذلك أن تكون القطة أقرب إلى التحريف، وأن تكون مصوّبة. قال الشيخ شمس الدين بن أبي رقيبة: سألت الشيخ عماد الدين بن العفيف رحمه الله عن الكتابة بالأقلام، والتحريف والتدوير، فقال: الرقاع والتوقيع أميل إلى التدوير بين بين، قطّة مربّعة، والنسخ والمحقّق والمشعر أميل إلى التحريف، والمحقق أكثر تحريفا منهما. وقد فسر ابن الوحيد «1» قول ابن البوّاب: لكن جملة ما أقول بأنه ما بين تحريف إلى تدوير، أن المعنى أن لكل قلم قطّ صفة، فقطّة الريحاني أشدّها تحريفا، ثم يقلّ التحريف في كل نوع من أنواع قط الأقلام حتى تكون الرقاع أقلها تحريفا. النظر السادس في معرفة صفات القلم فيما يتعلق بالبراية، وما لكل من سنّي القلم من الحروف قال الشيخ عماد الدين بن العفيف: من لم يدر وجه القلم، وصدره، وعرضه، فليس من الكتابة في شيء. وقد فسر ذلك الوزير أبو علي بن مقلة فقال: اعلم أن للقلم وجها وصدرا وعرضا؛ فأما وجهه فحيث تضع السكين وأنت تريد قطّه، وهو ما يلي لحمة القلم؛ وأما صدره فهو ما يلي قشرته؛ وأما عرضه فهو نزولك فيه على تحريفه. قال: وحرف القلم هو السن العليا وهي اليمنى.

الجملة السادسة في مساحة رأس القلم ومقدارها من حيث موضع القطة وتفرعها عن قلم الطومار

الجملة السادسة في مساحة رأس القلم ومقدارها من حيث موضع القطة وتفرّعها عن قلم الطومار ، ونسبتها من مساحته على اختلاف مقاديرها في الدقة والغلظ والتوسّط، وما ينبغي أن يكون في دواة الكاتب من الأقلام: أما مساحة رأس القلم، فاعلم أن رؤوس الأقلام تختلف باختلاف الأقلام التي جرى الاصطلاح عليها بين الكتّاب، وأعظمها وأجلّها وأكثرها مساحة في العرض هو قلم الطّومار، وهو قلم كانت الخلفاء تعلّم به في المكاتبات وغيرها. وصفته أن يؤخذ من لب الجريد الأخضر، ويؤخذ منه من أعلى الفتحة ما يسع رؤوس الأنامل ليتمكن الكاتب من إمساكه، فإنه إذا كان على غير هذه الصورة، ثقل على الأنامل ولا تحتمله؛ ويتخذ أيضا من القصب الفارسيّ؛ ولا بدّ من ثلاثة شقوق لتسهل الكتابة به ويجري المداد فيه. ولهم قلم دونه ويسمى مختصر الطومار، وبه يكتب النواب والوزراء ومن ضاهاهم الاعتماد على المراسيم ونحوها، وقدّروا مساحة عرضه من حيث البراية بأربع وعشرين شعرة من شعر البرذون معترضات، وهو أصل لما دونه من الأقلام، فقلم الثلثين من هذه النسبة مقدّر بست عشرة شعرة، وقلم النصف مقدّر باثنتي عشرة شعرة، وقلم الثلث مقدّر بثمان شعرات، ومختصر الطومار ما بين الكامل منه والثلثين. وكل من هذه الأقلام فيه ثقيل وهو ما كان إلى الشّبع أميل، وخفيف، وهو ما كان إلى الدقة أقرب. إذا تقرّر ذلك فطول الألف في كل قلم معتبر بأن تضرب نسبة عرضه في مثله ويجعل طولها نظير ذلك، ففي قلم الطومار يضرب مقدار عرضه وهو أربع وعشرون شعرة في مثلها خمسمائة وستّا وسبعين شعرة وهو طولها؛ وفي قلم الثلث تضرب نسبة عرضه من الطّومار وهو ثمان شعرات في مثلها بأربع وستين، فيكون طولها أربعا وستين شعرة وكذلك الجميع فاعلمه. وأما عدد أقلام الدواة فقد قال الوزير أبو عليّ بن مقلة: ينبغي أن تكون

الآلة الثانية - المقلمة

أقلامه على عدد ما يؤثره من الخطوط، وكأنه يريد أن يكون في دواته قلم مبريّ للقلم الذي هو بصدد أن يحتاج إلى كتابته ليجده مهيّأ، فلا يتأخر لأجل برايته. الآلة الثانية- المقلمة : وهي المكان الذي يوضع فيه الأقلام، سواء كان من نفس الدواة أو أجنبيّا عنها، وقد لا تعدّ من الآلات لكونها من جملة أجزاء الدواة غالبا. الآلة الثالثة- المدية، والنظر فيها من وجهين: الوجه الأول في معناها واشتقاقها قال الجاحظ: تقال بضم الميم وفتحها وكسرها وتجمع على مدى: وهي السكين، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «كانت امرأتان معهما ابناهما فجاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك. فتحاكما إلى داود فقضى به للكبرى، فخرجتا إلى سليمان بن داود فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسّكّين أشقّه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل رحمك الله هو ابنها، فقضى به للصغرى» قال أبو هريرة: إن سمعت بالسكين إلا يومئذ، ما كنا نقول إلا المدية. ثم الأصل في السكين التذكير، قال أبو ذؤيب «1» : يرى ناصحا «2» لي ما بدا فإذا خلا ... فذلك سكّين على الحلق حاذق قال الكسائي: ومن أنّث أراد المدية وأنشد:

الوجه الثاني في صفتها

فعيّث «1» في السّنام غداة قرّ ... بسكّين موثّقة النّصاب ويقال سكّينة بالهاء، وهو قليل. وفي حديث المبعث «أنه لما شقّ الملك بطنه صلى الله عليه وسلّم قال: ائتني بالسّكّينة» وتجمع على سكاكين، سميت مدية أخذا من مدى الأجل وهو آخره، لأنها تأتي بالأجل في القتل على آخره، وسميت سكّينا لأنها تسكّن حركة الحيوان بالموت. ونصاب السكين أصلها، ونصاب كل شيء أصله قال الشاعر: وإنّ نصابي إن سألت وأسرتي ... من الناس حيّ يقتنون المزنّما «2» أي وإن أصلي. ويقال أنصبت السكين إذا جعلت لها نصابا، كما يقال أقبضتها إذا جعلت لها مقبضا، وأقربتها إذا جعلت لها قرابا، وأغلفتها إذا جعلت لها غلافا، والحديدة الذاهبة في النصاب سيلان. ويقال أحددت «3» السكين فأنا أحدّه إحدادا، وحدّ السكين نفسه صار حادّا، وأحدّ فهو محدّ، وسكين حادّ، فإذا أمرت من أحدّه قلت: أحدده، ومن حدّه قلت: حدّه. الوجه الثاني في صفتها قال بعض الكتّاب: هي مسنّ الأقلام، تستحدّ بها إذا كلّت وتطلق بها إذا وقفت وتلمّها إذا تشعّثت، فتجب المبالغة في سقيها وإحدادها ليتمكن من البري، فيصفو جوهر القلم، ولا تتشظّى قطّته، وينبغي ألّا يستعملها في غير البراية لئلا تكلّ وتفسد. قال الصّولي: وأحدد سكينك ولا تستعملها لغير ذلك. قال الوزير أبو

الآلة الرابعة - المقط

علي بن مقلة رحمه الله: واستحدّ السكين حدّا، ولتكن ماضية جدّا، فإنها إذا كانت كالّة جاء الخط رديئا مضطربا. وقال الشيخ عماد الدين بن العفيف: فساد البراية من بلادة السكين. قال محمد بن عمر المدائني: ينبغي أن تكون لطيفة القدّ، معتدلة الحدّ؛ فقد كره المبالغة في سقيها، لتمكن الباري من بريها. ولا عيب في حملها في ألكمّ والخفّ، فقد روى المدائني عن الأعمش عن إبراهيم أنه قال: اتخاذ الرجل السكين في خفّه من المروءة. قالوا: وأحسنها ما عرض صدره، وأرهف حدّه، ولم يفضل عن القبضة نصابه، واستوى من غير اعوجاج. قال الشيخ عماد الدين بن العفيف: ورأيت والدي وجماعة من الكتّاب يستحسنون العقابيّة وهي التي صدرها أعرض من أسفلها. ووصف بعضهم سكّينا؛ فقال: وسكّين عتيقة الحديد، وثيقة الشّعيرة محكمة النّصاب، جامعة الأسباب، أحدّ من البين، وأحسن من اجتماع محبّين وأمضى من الحسام، في بري الأقلام. ولله القائل في وصفها: أنا إن شئت عدّة لعدوّ ... حين يخشى على النّفوس الحمام أنا في السّلم خادم لدواة ... وبحدّي تقوّم الأقلام الآلة الرابعة- المقطّ (بكسر الميم) كما ضبطه الجوهريّ في الصّحاح إلا أنه قال فيه: مقطّة بالتأنيث. قال الصّولي: ينبغي أن يكون المقطّ صلبا فتمضي القطّة مستوية لا مشظيّة. قال الوزير أبو علي بن مقلة رحمه الله: إذا قطعت فلا تقطّ إلا على مقطّ أملس صلب غير مثلّم ولا خشن لئلا يتشظّى القلم؛ وقال الشيخ عماد الدين بن العفيف: ويتعيّن أن يكون من عود صلب كالآبنوس والعاج، ويكون مسطّح الوجه الذي يقطّ عليه، ولا يكون مستديرا لأنه إذا كان مستديرا تشظّى القلم، وربما تهللت القطّة فتأتي الإدارات والتشعيرات غير جيّدة. قلت: وينبغي ألّا يكون مع ذلك مانعا كالحديد والنّحاس ونحوه فإن ذلك يفسد السكين، ولا تجيء القطّة صالحة.

الآلة الخامسة - المحبرة

الآلة الخامسة- المحبرة ، وهي المقصود من الدواة، وتشتمل على ثلاثة أصناف: الصنف الأوّل- الجونة ، وهي الظّرف الذي فيه اللّيقة والحبر. قال بعض فضلاء الكتّاب: وينبغي أن تكون شكلا مدوّر الرأس يجتمع على زاويتين قائمتين، يوقذهما خط، ولا يكون مربعا على حال لأنه إذا كان مربعا يتكاثف المداد في زواياه فيفسد المداد، فإذا كان مستديرا كان أبقى للمداد، وأسعد في الاستمداد. الصنف الثاني- الليقة ، وتسميها العرب الكرسف تسمية لها باسم القطن الذي تتخذ منه في بعض الأحوال كما سيأتي والنظر فيها من وجهين: الوجه الأوّل في اشتقاقها يقال ألقت الدواة ولقتها، أخذا من قولهم: فلان لا تليق كفّه درهما أي لا تحبسه ولا تمسكه وأنشد الكسائيّ: كفّاك كفّ ما تليق درهما ... جودا وكفّ تعط بالسيف الدّما يصفه بالجود، أي كفّاك ما تمسك درهما، ويقال: ما لاقت المرأة عند زوجها أي ما علقت. قال المبرد: دخل الأصمعيّ على الرشيد بعد غيبة غابها، فقال له: كيف حالك يا أصمعيّ؟ فقال: ما ألاقتني نحوك أرض يا أمير المؤمنين، فأمسك الرشيد عنه، فلما تفرّق أهل المجلس قال له: ما معنى ألاقتني؟ قال: ما حبستني، فقال: لا تكلّمني في مجلس العامّة بما لا أعلم. قال الجاحظ: ولا تستحق اسم اللّيقة حتّى تلاق في الدواة بالنّقس وهو المداد. الوجه الثاني فيما تتّخذ منه وتتعاهد به قال بعض الكتّاب: تكون من الحرير والصّوف والقطن، ويقال فيه

الكرسف، والبرس، والطّوط، والعطب، والأولى أن تكون من الحرير الخشن: لأن انتفاشها في المحبرة وعدم تلبّدها أعون على الكتابة. قال بعض الكتّاب: ويتعين على الكاتب أن يتفقد اللّيقة ويطيّبها بأجود ما يكون، فإنها تروح على طول الزّمن، ولله القائل: متظرّف شهدت عليه دواته ... أن الفتى لا كان غير ظريف إن التفقّد للدّواة فضيلة ... موصوفة للكاتب الموصوف وكان بعض الكتّاب يطيّب دواته بأطيب ما عنده من طيب نفسه، فسئل عن ذلك فقال: لأني أكتب به اسم الله تعالى واسم رسوله صلى الله عليه وسلّم واسم أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، وربما سبق القلم بغير إرادتنا فنلحسه بألسنتنا ونمحوه بأكمامنا. قال الشيخ علاء الدين السّرّمرّيّ: ويتعين على الكاتب تجديد اللّيقة في كل شهر، وأنه حين فراغه من الكتابة يطبّق المحبرة لأجل ما يقع فيها من التراب ونحوه، فيفسد الخط. ونظم ذلك في أرجوزته فقال: وجدّد اللّيقة كلّ شهر ... فشيخنا كان بهذا يغري لأجل ما يقع فيها من قذى ... فينتشي من ذاك في الخطّ أذى وينبغي له مع ذلك أن يصونها عن الأشياء القذرة كالبصاق ونحوه، فقد حكى محمد بن عمر المدائني أن بعض العلماء رأى صبيّا يبصق في دواته فزجره وقال لمعلّمه: امنع الصّبيان عن مثل هذا، فإنما يكتبون به كلام الله. قال محمد بن عمر المدائني: كأنه تحرّج أن يكتب القرآن بمداد غير نظيف. قال المدائني: وكان بلغني عن ابن عباس أنه أجاز أن يبصق الرجل في دواته، فسألت احمد بن عمرو البزاز «1» عن ذلك فأنكره، وقال: هذا حديث كذب، وضعه عاصم بن سليمان الكوذن، وكان كذّابا ذكرته لأبي داود الطيالسي «2» فقال: هو كذّاب يجب أن تعرفوا

الصنف الثالث - المداد والحبر وما ضاها هما والنظر فيه من أربعة أوجه

كذبه، صفوا له مسألة حتّى يحدّثكم بحديث، فقال: فجئت أنا وعمر بن موسى الحارثيّ في جماعة، فقال له عمر: ما تقول في الرجل يبزق في الدواة ويستمدّ منها؟ وكان قد ذهب بصره، فقال: حدّثنا عبد الله بن نافع عن ابن عمر أنه كان يبزق في الدواة ويستمدّ منها، ثم قال: وحدّثنا هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس مثل ذلك، قال: فهمز بعض أصحابنا وقال: كان ابن عباس لا يبصر، قال: ففهم، فقال: نعم، كان ابن عباس لا يرى بذلك بأسا. الصنف الثالث- المداد والحبر وما ضاها هما والنظر فيه من أربعة أوجه : الوجه الأوّل في تسميتهما واشتقاقهما أما المداد فسمّي بذلك لأنه يمدّ القلم أي يعينه وكل شيء مددت به شيئا فهو مداد، قال الأخطل: رأت «1» بارقات بالأكفّ كأنّها ... مصابيح سرج أوقدت بمداد سمى الزيت مدادا لأن السّراج يمدّ به، فكل شيء أمددت به الليقة مما يكتب به فهو مداد، وقال ابن قتيبة في قوله تعالى: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي «2» : هو من المداد لا من الإمداد. ويقال: أمدّ القلم في الخير مثل وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ «3» ومدّه في الشر، مثل وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا «4» . ويقال فيه أيضا نقس ونقس، بكسر النون وفتحها مع إسكان القاف ومع السين المهملة فيهما، والكسر أفصح، ويجمع على أنقاس. وأما الحبر، فأصله اللون، يقال فلان ناصع الحبر يراد به اللون الخالص

الوجه الثاني في شرف المداد والحبر، واختيار السواد لذلك

الصافي من كل شيء، قال ابن أحمر «1» يذكر امرأة: تتيه بفاحم جعد ... وأبيض ناصع الحبر يريد سواد شعرها، وبياض لونها؛ وفي الخبر «يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره» بكسر الحاء المهملة والسين فيهما. قال ابن الأعرابي: حبره: حسنه، وسبره هيئته، وقال المبرد: قال التوزيّ: سألت الفرّاء عن المداد لم سمّي حبرا، فقال: يقال للمعلّم حبر وحبر يعني بفتح الحاء وكسرها، فأرادوا مداد حبر أي مداد عالم، فحذفوا مداد وجعلوا مكانه حبرا. قال: فذكرت ذلك للأصمعيّ فقال: ليس هذا بشيء إنما هو لتأثيره، يقال: على أسنانه حبر إذا كثرت صفرتها حتّى صارت تضرب إلى السواد، والحبر: الأثر يبقى في الجلد، وأنشد: لقد أشمتت بي آل فيد وغادرت ... بجلدي حبرا بنت مصّان باديا أراد بالحبر الأثر، يعني أثر الكتابة في القرطاس، قال المبرد: وأنا أحسب أنه سمّي بذلك لأن الكتاب يحبّر به أي يحسّن، أخذا من قولهم: حبّرت الشيء تحبيرا إذا حسّنته. الوجه الثاني في شرف المداد والحبر، واختيار السواد لذلك في الخبر «يؤتى بمداد طالب العلم ودم الشهيد يوم القيامة فيوضع أحدهما في كفّة الميزان والآخر في الكفّة الأخرى فلا يرجح أحدهما على الآخر» قال بعض الحكماء: صورة المداد في الأبصار سوداء، وفي البصائر بيضاء. وقد قيل: كواكب الحكم في ظلم المداد. ونظر جعفر بن محمد إلى فتى على ثيابه أثر المداد، وهو يستره منه، فقال له: يا هذا، إن المداد من المروءة. وأنشد أبو زيد:

إذا ما المسك طيّب ريح قوم ... كفتني ذاك رائحة المداد وما شيء بأحسن من ثياب ... على حافاتها حمم السّواد وقال بعض الأدباء: عطّروا دفاتر الآداب بسواد الحبر. وكان في حجر إبراهيم بن العباس قرطاس يمشق فيه كلاما فأسقط فمسحه بكمه، فقيل له: لو مسحته بغيره؟ فقال: المال فرع والقلم أصل، والأصل أحق بالصون من الفرع. وأنشد في ذلك: إنّما الزّعفران عطر العذارى ... ومداد الدّويّ عطر الرّجال وأنشد غيره: من كان يعجبه أن مسّ عارضه ... مسك يطيّب منه الريح والنّسما فإن مسكي مداد فوق أنملتي ... إذا الأصابع يوما مسّت القلما على أن بعضهم قد أنكر ذلك، وقال: المداد في ثوب الكاتب سخافة، ودناءة منه وقلة نظافة، قال أبو العالية: تعلمت القرآن والكتابة، وما شعر بي أهلي، وما رؤي في ثوبي مداد قط. وأنشدوا: دخيل في الكتابة يدّعيها ... كدعوى آل حرب في زياد يشبّه ثوبه للمحو فيه ... إذا أبصرته ثوب الحداد فدع عنك الكتابة لست منها ... ولو لطّخت وجهك بالمداد وقال فارس بن حاتم: ببريق الحبر تهتدي العقول لخبايا الحكم، لأنه أبقى على الدهر، وأنمى للذّكر وأزيد للأجر. واعلم أن المداد ركن من أركان الكتابة، وعليه مدار الربع منها وأنشدوا في ذلك: ربع الكتابة في سواد مدادها ... والرّبع حسن صناعة الكتّاب والرّبع من قلم تسوّي بريه ... وعلى الكواغد رابع الأسباب قال بعض العلماء رحمهم الله: وإنما اختير فيه السواد دون غيره لمضادّته

الوجه الثالث في صنعتهما، وفيه نظران:

لون الصحيفة. قال: وليس شيء من الألوان يضادّ صاحبه كمضادة السواد للبياض قال الشاعر: فالوجه مثل الصبح مبيضّ ... والفرع مثل الليل مسودّ ضدّان لما استجمعا حسنا ... والضّدّ يظهر حسنه الضّدّ ويقال في المداد: أسود قاتم، وهو أوّل درجة السواد، وحالك وحانك، وحلكوك، وحلبوب، وداج، ودجوجيّ، وديجور، وأدهم، ومدهامّ. قال المدائني: حدّثني بذلك محمد بن نصر عن أحمد بن الضحاك عن أبي عبيدة. كتب جعفر بن حدار بن محمد إلى دعلج بن محمد يستهديه مدادا: يا أخي للوداد لا للمداد ... وصديقي من بين هذا العباد والذي فيه ألف مجد طريف ... قد أمدّت بألف مجد تلاد أنا أشكو إليك حال دواتي ... أصبحت تقتضي قميص حداد ولله منصور بن إسماعيل حيث يقول: وسوداء مقلتها مثلها ... وأجفانها من لجين صقيل إذا أذرفت عبرة خلتها ... كغالية فوق خدّ أسيل الوجه الثالث في صنعتهما، وفيه نظران: النظر الأوّل- في مادّتهما. واعلم أن الموادّ لذلك منها ما يستعمل بأصله ولا يحتاج فيه إلى كبير علاج وتدبير كالعفص، والزاج، والصمغ، وما أشبهها، ومنها ما يحتاج إلى علاج وتدبير، وهو الدّخان. قال أبو القاسم خلوف بن شعبة الكاتب: ويتوخّى في الدخان أن يكون من شيء له دهنية، ولا يكون من دخن شيء يابس في الأصل لأن دخان كل شيء مثله وراجع إليه.

النظر الثاني - في صنعتهما؛ وفيه مسلكان:

قال أحمد بن يوسف الكاتب: كان يأتينا رجل في أيام خمارويه «1» بمداد لم أر أنعم منه، ولا أشدّ سوادا منه، فسألته من أي شيء استخرجته؟ فكتم ذلك عني، ثم تلطفت به بعد ذلك، فقال لي: من دهن بزر الفجل والكتّان، أضع دهن ذلك في مسارج وأوقدها ثم أجعل عليها طاسا حتّى إذا نفد الدهن، رفعت الطاس، وجمعت ما فيها بماء الآس والصمغ العربيّ. وإنما جمعه بماء الآس ليكون سواده مائلا إلى الخضرة والصمغ يجمعه ويمنعه من التطاير. قال صاحب الحلية: وإن شئت أخذت من دخان مقالي الحمّص وشبهه، وتلقي عليه ماء، وتأخذ ما يعلو فوقه وتجمعه بماء الآس والعسل والكافور والصمغ العربي والملح، وتمدّه وتقطعه شوابير، والدخان الأوّل أجود والله أعلم. النظر الثاني- في صنعتهما؛ وفيه مسلكان: المسلك الأوّل في صنعة المداد، وبه كانت كتابة الأوّلين من أهل الصنعة وغيرهم قال الوزير أبو عليّ بن مقلة رحمه الله: وأجود المداد ما اتّخذ من سخام النّفط، وذلك أن يؤخذ منه ثلاثة أرطال، فيجاد نخله وتصفيته، ثم يلقى في طنجير «2» ، ويصبّ عليه من الماء ثلاثة أمثاله، ومن العسل رطل واحد، ومن الملح خمسة عشر درهما، ومن الصّمغ المسحوق خمسة عشر درهما، ومن العفص عشرة دراهم، ولا يزال يساط على نار لينة حتّى يثخن جرمه ويصير في هيئة الطين، ثم يترك في إناء ويرفع إلى وقت الحاجة. وما ذكره فيه إشارة إلى أنه لا ينحصر في

المسلك الثاني في صنعة الحبر، وهو صنفان

سخام النّفط، بل يكون من دخان غيره أيضا كما تقدّم. نعم ذكر صاحب الحلية أنه يحتاج مع ذلك الى الكافور لتطيب رائحته، والصّبر «1» ليمنع من وقوع الذباب عليه، وقيل: إن الكافور يقوم مقام الملح في غير الطيب. المسلك الثاني في صنعة الحبر، وهو صنفان الصنف الأوّل- ما يناسب الكاغد أي الورق: وهو حبر الدّخان، ونحن نذكر منه صفات ان شاء الله تعالى. «صفة» يؤخذ من العفص «2» الشامي قدر رطل يدقّ جريشا وينقع في ستة أرطال ماء مع قليل من الآس (وهو المرسين) أسبوعا، ثم يغلى على النار حتّى يصبر على النصف أو الثلثين، ثم يصفّى من مئزر ويترك ثلاثة أيام، ثم يصفّى ثانيا، ثم يضاف لكل رطل من هذا الماء أوقية من الصّمغ العربيّ، ومن الزاج القبرسيّ كذلك، ثم يضاف إليه من الدخان المتقدّم ذكره ما يكفيه من الحلاكة، ولا بدله مع ذلك من الصّبر والعسل ليمتنع بالصّبر وقوع الذباب فيه، ويحفظ بالعسل على طول الزمن، ويجعل من الدخان لكل رطل من الحبر......... «3» بعد أن تسحق الدخان بكلوة كفك بالسكر النبات والزعفران الشعر والزّنجار الى أن تجيد سحقه، ولا تصحنه في صلاية «4» ولا هاون يفسد عليك. الصنف الثاني- ما يناسب الرّقّ ، ويسمّى الحبر الرأس، ولا دخان فيه، ولذلك يجيء بصّاصا «5» برّاقا وبه إضرار للبصر في النظر إليه من جهة بريقه،

الوجه الرابع في ليق الافتتاحات

ويفسد الكاغد على طول؛ ونحن نذكر منه: «صفة حبر» وهي: يؤخذ من العفص الشامي رطل واحد فيجرش ويلقى عليه من الماء العذب ثلاثة أرطال، ويجعل في طنجير، ويوضع على النار ويوقد تحته بنار ليّنة حتى ينضج وعلامة نضجه أن تكتب به فتكون الكتابة حمراء بصّاصة، ثم يلقى عليه من الصّمغ العربيّ ثلاث أواق ومن الزاج أوقيّة ثم يصفّى ويودع في إناء جديد، ويستعمل عند الحاجة. «صفة حبر سفريّ» يعمل على البارد من غير نار، ويؤخذ العفص فيجرش جرشا جيدا ويسحق لكل أوقيّة عفص درهم واحد من الزاج، ودرهم من الصمغ العربيّ، ويلقى عليه ويرفع إلى وقت الحاجة، فإذا احتاج إليه صبّ عليه من الماء قدر الكفاية واستعمله. الوجه الرابع في ليق الافتتاحات وهي ما يكتب به فواتح الكلام: من الأبواب، والفصول والابتداءات ونحوها، ولا مدخل لشيء من ذلك في فنّي الإنشاء والدّيونة، إلا الذهب فإنه يكتب به في الطّغراوات «1» في كتب القانات «2» ، وفي الأسماء الجليلة منها، كما سيأتي في موضعه من المكاتبات من فنّ الإنشاء إن شاء الله تعالى، وباقي ذلك إنما يحتاج إليه كتّاب النّسخ، إلا أنّه لا بأس بالعلم به فإنه كمال الكاتب. ونحن نذكر منه ما الغالب استعماله وهو أصناف:

الصنف الأول - الذهب

الصنف الأوّل- الذهب ، وطريق الكتابة به أن يحلّ ورق الذهب؛ وصفة حله أن يؤخذ ورق الذهب الذي يستعمل في الطّلاء ونحوه، فيجعل مع شراب الليمون الصافي النّقيّ، ويقتل «1» فيه في إناء صينيّ أو نحوه حتّى يضمحلّ جرمه فيه، ثم يصب عليه الماء الصافي النقيّ ويغسل من جوانب الإناء حتّى يمتزج الماء والشراب، ويترك ساعة حتى يرسب الذهب، ثم يصفى الماء عنه ويؤخذ ما رسب في الإناء، فيجعل في مفتلة زجاج ضيقة الأسفل، ويجعل معه قليل من اللّيقة، والنزر اليسير من الزعفران بحيث لا يخرجه عن لون الذهب، وقليل من ماء الصمغ المحلول، ويكتب به. فإذا جفّ صقل بمصقلة من جزع حتّى يأخذ حدّه، ثم يزمّك «2» بالحبر من جوانب الحرف. الصنف الثاني- اللّازورد ، وأنواعه كثيرة، وأجودها المعدنيّ، وباقي ذلك مصنوع لا يناسب الكتابة، وإنما يستعمل في الدّهانات ونحوها، وطريق الكتابة به أن يذاب بالماء، ويلقى عليه قليل من ماء الصمغ العربيّ، ويجعل في دواة كدواة الذهب المتقدّم ذكرها، وكلما رسب حرّك بالقلم، ولا يكثر به الصمغ كي لا يسودّ ويفسد. الصنف الثالث- الزّنجفر «3» ، وأجوده المغربيّ، وطريق الكتابة به أن يسحق بالماء حتّى ينعم؛ وإن سحق بماء الرّمان الحامض فهو أحسن، ثم يضاف عليه ماء الصمغ، ثم يلاق بليقة كما يلاق الحبر، ويجعل في دواة ويكتب به. الصنف الرابع- المغرة «4» العراقية، وهي مما يكتب به نفائس الكتب، وربما كتب بها عن الملوك في بعض الأحيان. وطريقه في الكتابة كما في

الآلة السادسة - الملواق

الزّنجفر، والله أعلم. الآلة السادسة- الملواق (بكسر الميم) وهو ما تلاق به الدواة أي تحرّك به الليقة. قال بعض الكتّاب: وأحسن ما يكون من الآبنوس لئلا يغيره لون المداد. قال: ويكون مستديرا مخروطا، عريض الرأس ثخينه. الآلة السابعة- المرملة ، واسمها القديم المتربة، جعلا لها آلة للتراب، إذ كان هو الذي يترب به الكتب. وتشتمل على شيئين: الأوّل- الظرف الذي يجعل فيه الرمل ، وهو المسمّى بذلك. ويكون من جنس الدّواة إن كانت الدواة نحاسا، أو من النحاس ونحوه إن كانت خشبا على حسب ما يختاره ربّ الدواة. ومحلّها من الدواة ما يلي الكاتب مما بين المحبرة وباطن الدواة مما يقابل المنشاة الآتي ذكرها، ويكون في فمها شبّاك يمنع من وصول الرمل الخشن إلى باطنها. وربما اتّخذت مرملة أخرى أكبر من ذلك تكون في باطن الدواة لاحتمال أن تضيق تلك عن الكفاية لصغرها. وأرباب الرياسة من الوزراء والأمراء ونحوهم يتخذون مرملة كبيرة تقارب حبة الرّانج «1» ، لها عنق في أعلاها، وتكون في الغالب من جنس الدواة من نحاس ونحوه؛ وربما اتّخذت من خشب لقضاة الحكم ونحوهم. ومما ألغز فيها القاضي شهاب الدين ابن بنت الأعز: ظريفة الشّكل والتّمثال قد صنعت ... تحكي العروس ولكن ليس تغتلم كأنّها من ذوي الألباب خاشعة ... تبكي الدّماء على ما سطّر القلم وتسمّى المتربة أيضا، وفي ذلك يقول الوجيه المناوي «2» :

الثاني - الرمل

يا مادحا أمرا ولم يأته ... ولم ينل منه ولا جرّبه لا تغبط الكاتب في حاله ... فإنه المسكين ذو المتربه الثاني- الرمل ، وقد اختار الكتّاب لذلك الرمل الأحمر دون غيره، لأنه يكسو الخط الأسود من البهجة ما لا يكسوه غيره من أصناف الرمل؛ وخيره ما كان دقيقا. وهو على أنواع: النوع الأوّل- ما يؤتى به من الجبل الأحمر الملاصق للجبل المقطّم من الجهة الشرقية، وهو أكثر الأنواع وأعمّها وجودا بالديار المصرية. النوع الثاني- يؤتى به من الواحات ، وهو رمل متحجر شديد الحمرة، يتّخذ منه الكتّاب حجارة لطافا تحتّ بالسكين ونحوها على الكتابة، وأكثر ما يستعملها كتّاب الصعيد والفيّوم وما والاهما. النوع الثالث- يؤتى به من جزيرة ببحر القلزم من نواحي الطّور ، وهو رمل دقيق أصفر اللون، قريب من الزعفران، وله بهجة على الخط إلا أنه عزيز الوجود. النوع الرابع- رمل بين الحمرة والصّفرة ، به شذور بصّاصة يخالها الناظر شذور الذهب، وهو عزيز الوجود جدّا، وبه يرمّل الملوك ومن شابههم. الآلة الثامنة- المنشاة ، وتشتمل على شيئين أيضا: الأوّل- الظرف ، وحاله كحال المرملة في الهيئة والمحلّ من الدواة من جهة الغطاء إلا أنه لا شبّاك في فمه ليتوصّل إلى اللصاق، وربما اتخذ بعض ظرفاء الكتّاب منشاة أخرى غير التي في صدر الدواة من رصاص على هيئة حقّ لطيف، ويجعلها في باطن الدواة كالمرملة المتوسطة، فإن اللصاق قد يتغيّر بمكثه في النّحاس، بخلاف الرّصاص. الثاني- اللّصاق ، وهو على نوعين: أحدهما النّشا المتخذ من البرّ، وطريقه أن يطبخ على النار كما يطبخ للقماش، إلا أنه يكون أشدّ منه، ثم يجعل في

الآلة التاسعة - المنفذ

المنشاة، وهو الذي يستعمله كتّاب الإنشاء ولا يعوّلون على غيره لسرعة اللصاق به، وموافقة لونه للورق في نصاعة البياض، والثاني المتخذ من الكثيراء «1» ، وهو أن تبّلّ الكثيراء بالماء حتّى تصير في قوام اللّصاق، ثم تجعل في المنشاة، وكثيرا ما يستعمله كتّاب الدّيونة، وهو سريع التغير إلى الخضرة ولا يسرع اللصاق به. وينبغي أن يستعمل في اللّصاق في الجملة الماورد والكافور لتطيب رائحته. الآلة التاسعة- المنفذ ، وهي آلة تشبه المخرز، تتخذ لخرم الورق، وينبغي أن يكون محل الحاجة منها متساويا في الدّقّة والغلظ، أعلاه وأسفله سواء، لئلا تختلف أثقاب الورق في الضيق والسّعة، خلا أن يكون ذبابه دقيقا ليكون أسرع وأبلغ في المقصود، وحكمه في النّصاب في الطول والغلظ حكم المدية، وقد سبق. وأكثر من يحتاج إلى هذه الآلة من الكتّاب كتّاب الدواوين، وربما احتاج إليها كاتب الإنشاء في بعض أحواله. الآلة العاشرة- الملزمة ، قال الجوهريّ: الملزم بالكسر خشبتان تشدّ أوساطهما بحديدة تكون مع الصّياقلة والأبّارين، ولم يزد على ذلك. وهي آلة تتخذ من النّحاس ونحوه، ذات دفّتين يلتقيان على رأس الدّرج حال الكتابة ليمنع الدرج من الرجوع على الكاتب، ويحبس بمحبس على الدّفّتين. الآلة الحادية عشرة- المفرشة ، وهي آلة تتخذ من خرق كتّان: بطانة وظهارة أو من صوف ونحوه، تفرش تحت الأقلام وما في معناها مما يكون في بطن الدواة. الآلة الثانية عشرة- الممسحة ، وتسمّى الدفتر أيضا، وهي آلة تتّخذ من خرق متراكبة ذات وجهين ملوّنين من صوف أو حرير أو غير ذلك من نفيس القماش، يمسح القلم بباطنها عند الفراغ من الكتابة لئلا يجف عليه الحبر فيفسد؛ والغالب في هذه الآلة أن تكون مدوّرة مخرومة من وسطها، وربما كانت

الآلة الثالثة عشرة - المسقاة

مستطيلة، ويكون مقدراها على قدر سعة الدواة. وفيها يقول القاضي «1» رحمه الله: ممسحة نهارها ... يجنّ ليل الظّلم كأنها مذ خلقت ... منديل كمّ القلم وقال نور الدين الدين عليّ بن سعيد المغربيّ فيها: وممسحة لاحت كأفق تبدّدت ... به قطع الظّلماء والصّبح طالع ولمّا أطال الليل فيها وروده ... حكته ومدّت للصّباح المطالع وقال المولى ناصر الدين شافع بن عبد الظاهر: وممسحة تناهى الحسن فيها ... فأضحت في الملاحة لا تبارى ولا نكر على القلم الموافي ... إذا في وصلها خلع العذارا الآلة الثالثة عشرة- المسقاة ، وهي آلة لطيفة تتخذ لصب الماء في المحبرة وتسمّى الماورديّة أيضا: لأن الغالب أن يجعل في المحبرة عوض الماء ماورد لتطيب رائحتها، وأيضا فإن المياه المستخرجة كماء الورد والخلاف والرّيحان ونحو ذلك لا تحلّ الحبر ولا تفسده بخلاف الماء. وتكون هذه الآلة في الغالب من الحلزون الذي يخرج من البحر الملح، وربما كانت من نحاس ونحوه، والمعنى فيها ألّا تخرج المحبرة من مكانها، ولا يصب من إناء واسع الفم كالكوز ونحوه، فربما زاد الصب على قدر الحاجة. الآلة الرابعة عشرة- المسطرة ، وهي آلة من خشب مستقيمة الجنبين يسطر عليها ما يحتاج إلى تسطيره من الكتابة ومتعلّقاتها؛ وأكثر من يحتاج إليها المذهّب. الآلة الخامسة عشرة- المصقلة ، وهي التي يصقل بها الذهب بعد

الآلة السادسة عشرة - المهرق

الكتابة، وهي من آلات الدواة لا محالة. الآلة السادسة عشرة- المهرق (بضم الميم وفتح الراء) وهو القرطاس الذي يكتب فيه، ويجمع على مهارق. قلت: وعدّ صاحبنا الشيخ زين الدين شعبان الآثاريّ «1» منها المداد، وهو ظاهر، والمخيط، وفي عدّه بعد. الالة السابعة عشرة- المسنّ ، هو آلة تتخذ لإحداد السكين؛ وهو نوعان: أكهب «2» اللون، ويسمّى الروميّ، وأخضر؛ وهو على نوعين: حجازيّ وقوصيّ؛ والروميّ أجودها، والحجازيّ أجوده الأخضر. الطرف الثالث- فيما يكتب فيه ، وهو أحد أركان الكتابة الأربعة كما سبقت الإشارة إليه في بعض الأبيات المتقدمة؛ وفيه ثلاث جمل: الجملة الأولى فيما نطق به القرآن الكريم من ذلك وقد نطق القرآن بثلاثة أجناس من ذلك: الأوّل- اللوح . قال تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ «3» قرأ العامّة بفتح اللام على أن المراد اللوح واحد الألواح؛ سمي بذلك لأن المعاني تلوح بالكتابة فيه؛ ثم اختلفوا، فقرأ نافع برفع محفوظ على أنه نعت للقرآن بتقدير بل هو قرآن مجيد محفوظ في لوح، وصفه بالحفظ لحفظه عن التغيير والتبديل والتحريف. قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «4» ، وقرأ الباقون بالجرّ على نعت اللوح. قال أبو عبيد: وهو الوجه، لأن الآثار الواردة في

اللوح المحفوظ تصدق ذلك، وهو أمّ القرآن، منه نسخ القرآن الكريم والكتب المنزّلة، ومنه تنسخ الملائكة أعمال الخلق. قال ابن عباس: وهو لوح من درّة بيضاء، طوله ما بين السماء والأرض، وعرضه ما بين المشرق والمغرب، وحافتاه الدّرّ والياقوت، ودفتاه ياقوتة حمراء، وأصله في حجر ملك. وقال أنس: اللوح المحفوظ في جبهة إسرافيل عليه السلام، وقال مقاتل: اللوح المحفوظ عن يمين العرش. قال ابن عباس: وفي صدر اللوح مكتوب: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، دينه الإسلام، ومحمد عبده ورسوله، فمن آمن بالله وصدّق بوعده واتّبع رسله أدخله الجنة» . وسمي محفوظا لأن الله تعالى حفظه عن الشياطين، وقيل: حفظه بما ضمنه. وقيل: اللوح صدر المؤمن. وقرأ يحيى بن يعمر في لوح بضم اللام، وهو الهواء، يقال لما بين السماء والأرض اللّوح، والمعنى أنه شيء يلوح للملائكة فيقرأونه، وهو ذو نور وعلوّ وشرف، وقد ورد في القرآن بلفظ الجمع، قال تعالى: وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ «1» يريد ألواح التوراة. قال الكلبيّ: كانت من زبرجدة خضراء. وقال سعيد بن جبير: من ياقوتة. وقال مجاهد: من زمرّد أخضر. وقال أبو العالية والربيع بن أنس: من برد. وقال الحسن: خشب، وقد روى أن النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «الألواح الّتي أنزلت على موسى من سدر الجنّة، وكان طول كلّ لوح منها اثني عشر ذراعا» . وقال وهب بن منبه: من صخرة صمّاء ألانها الله له فقطعها بيده، ثم قطعها بأصابعه. واختلف في عددها، فقيل: سبعة، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس؛ وقيل: لوحان، رواه أبو صالح عن ابن عباس أيضا، وجمعت على عادة العرب في

الثاني - الرق

إيقاع الجمع على التثنية كما في قوله تعالى: وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ «1» يريد داود وسليمان عليهما السلام واختاره الفراء. وقيل: عشرة، قاله ابن منبه. وقيل: تسعة، قاله مقاتل. وقال أنس: نزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير. الثاني- الرق (بفتح الراء) قال تعالى: وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ «2» قال المبرد: هو ما يرقّق من الجلود ليكتب فيه. قال المعافي بن أبي السيار: ومن ثمّ استبعد حمله على اللوح المحفوظ، والمنشور المبسوط؛ واختلف في الكتاب المسطور فيه، فقيل «3» : اللوح المحفوظ، وقيل: القرآن، وقيل: ما كتبه الله تعالى لموسى وهو يسمع صرير الأقلام. الثالث- القرطاس والصحيفة، وهما بمعنى واحد وهو الكاغد. أما القرطاس، فقال تعالى: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ «4» قال ابن أبي السيار: القرطاس كاغد يتّخذ من برديّ مصر، وكلّ كاغد قرطاس، قال: والجمهور على كسرها، وضمها أبو زيد وعكرمة وطلحة ويحيى بن يعمر، والذي حكاه الجوهريّ عن أبي زيد يخالف ذلك، فإنه قال فيه: قرطس (بفتح القاف من غير ألف بعد الراء) والمراد بالكتاب في الآية الكريمة المكتوب لا نفس الصحيفة؛ قاله المعافي. وأما الصحيفة، فإنها لم ترد إلا بلفظ الجمع. قال تعالى: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى «5» وقال جل وعز: إِنَّ هذا لَفِي

الجملة الثانية فيما كانت الأمم السالفة تكتب فيه في الزمن القديم

الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى «1» وتجمع أيضا على صحائف، وسمي المصحف مصحفا لجمعه الصحف. قال الجوهري: وسمي التصحيف تصحيفا للخطإ في الصحيفة. الجملة الثانية فيما كانت الأمم السالفة تكتب فيه في الزمن القديم وقد كانت الأمم في ذلك متفاوتة، فكان أهل الصّين يكتبون في ورق يصنعونه من الحشيش والكلإ، وعنهم أخذ الناس صنعة الورق؛ وأهل الهند يكتبون في خرق الحرير الأبيض، والفرس يكتبون في الجلود المدبوغة من جلود الجواميس والبقر والغنم والوحوش؛ وكذلك كانوا يكتبون في اللّخاف (بالخاء المعجمة) : وهي حجارة بيض رقاق، وفي النّحاس والحديد ونحوهما، وفي عسب النخل (بالسين المهملة) وهي الجريد الذي لا خوص عليه، واحدها عسيب، وفي عظم أكتاف الإبل والغنم. وعلى هذا الأسلوب كانت العرب لقربهم منهم. واستمرّ ذلك إلى أن بعث النبيّ صلى الله عليه وسلّم ونزل القرآن والعرب على ذلك، فكانوا يكتبون القرآن حين ينزل ويقرأه عليهم النبي صلى الله عليه وسلّم في اللّخاف والعسب؛ فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال عند جمعه القرآن: «فجعلت أتتبّع القرآن من العسب واللّخاف» . وفي حديث الزهريّ: «قبض رسول الله صلى الله عليه وسلّم والقرآن في العسب» وربما كتب النبي صلى الله عليه وسلّم بعض مكاتباته في الأدم كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى. وأجمع رأي الصحابة رضي الله عنهم على كتابة القرآن في الرّق لطول بقائه، أو لأنه الموجود عندهم حينئذ. وبقي الناس على ذلك إلى أن ولي الرشيد الخلافة وقد كثر الورق وفشا عمله بين الناس أمر ألّا يكتب الناس إلا في الكاغد، لأن الجلود ونحوها تقبل المحو والإعادة فتقبل التزوير، بخلاف الورق فإنه متى

الجملة الثالثة في بيان أسماء الورق الواردة في اللغة، ومعرفة أجناسه

محي منه فسد، وإن كشط ظهر كشطه. وانتشرت الكتابة في الورق إلى سائر الأقطار، وتعاطاها من قرب وبعد، واستمرّ الناس على ذلك إلى الآن. الجملة الثالثة في بيان أسماء الورق الواردة في اللغة، ومعرفة أجناسه الورق (بفتح الراء) اسم جنس يقع على القليل والكثير، واحده ورقة، وجمعه أوراق، وجمع الورقة ورقات، وبه سمي الرجل الذي يكتب ورّاقا. وقد نطق القرآن الكريم بتسميته قرطاسا وصحيفة كما مر بيانه. ويسمى أيضا الكاغد (بغين ودال مهملة) ويقال للصحيفة أيضا طرس، ويجمع على طروس، ومهرق (بضم الميم وإسكان الهاء وفتح الراء المهملة بعدها قاف) ، ويجمع على مهارق، وهو فارسي معرّب، قاله الجوهريّ. وأحسن الورق ما كان ناصع البياض غرفا صقيلا، متناسب الأطراف، صبورا على مرور الزمان. وأعلى أجناس الورق فيما رأيناه البغداديّ وهو ورق ثخين مع ليونة ورقّة حاشية وتناسب أجزاء، وقطعه وافر جدّا، ولا يكتب فيه في الغالب إلا المصاحف الشريفة، وربما استعمله كتّاب الإنشاء في مكاتبات القانات ونحوها كما سيأتي بيانه في المكاتبات السلطانية. ودونه في الرتبة الشاميّ؛ وهو على نوعين: نوع يعرف بالحمويّ، وهو دون القطع البغداديّ، ودونه «1» في القدر وهو المعروف بالشاميّ، وقطعه دون القطع الحمويّ، ودونهما في الرتبة الورق المصريّ؛ وهو أيضا على قطعين: القطع المنصوريّ، وقطع العادة، والمنصوريّ أكبر قطعا، وقلّما يصقل وجهاه جميعا. أما العادة فإن فيه ما يصقل وجهاه ويسمّى في عرف الورّاقين: المصلوح. وغيره عندهم على رتبتين: عال ووسط. وفيه صنف يعرف بالفوّيّ صغير القطع، خشن غليظ خفيف الغرف، لا ينتفع به في الكتابة، يتّخذ للحلوى والعطر ونحو ذلك. وإنما نبهت على ذلك وإن كان واضحا لأمرين: أحدهما، ألّا نخلي كتابنا

من بيان الورق الذي هو أحد أركان الكتابة، الثاني، أنه قد ينتقل الكتاب إلى إقليم لا يعرف فيه تفاصيل أمر الورق المصري كما لا يعرف المصريّون ورق غير مصر معرفتهم بورق مصر، فيقع الاطلاع على ذلك لمن أراده. ودون ذلك ورق أهل الغرب والفرنجة فهو رديء جدّا، سريع البلى، قليل المكث؛ ولذلك يكتبون المصاحف غالبا في الرّقّ على العادة الأولى طلبا لطول البقاء. وسيأتي الكلام على مقادير قطع الورق عند أهل التوقيع وأهل الدّيونة عند ذكر ورق كل فنّ، وما يناسبه من القطع إن شاء الله تعالى. تمّ الجزء الثاني، ويتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الثالث؛ وأوّله (الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الأولى، في الكلام على نفس الخط)

مراجع حواشي الجزء الثاني من صبح الأعشى

مراجع حواشي الجزء الثاني من صبح الأعشى 1- الإبانة عن سرقات المتنبي تأليف محمد بن أحمد العميدي تحقيق إبراهيم الدسوقي البساطي- دار المعارف، مصر 1961 2- الأعلام (قاموس تراجم) تأليف خير الدين الزركلي دار العلم للملايين، بيروت الطبعة الخامسة 1980 3- الإيضاح في علوم البلاغة تأليف الخطيب القزويني- دار الكتب العملية- بيروت- 1985 4- بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب تأليف محمود شكري الآلوسي تحقيق محمد بهجت الأثري- دار الكتب العملية- بيروت- الطبعة الثانية 5- تاريخ الأدب العربي تأليف كارل بروكلمان تعريب عبد الحليم النجار- دار المعارف- مصر- الطبعة الرابعة. 6- تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل تأليف أحمد السعيد السليمان- دار المعارف- مصر. 7- التعريفات تأليف علي بن محمد الجرجاني- دار الكتب العلمية- بيروت- 1983 8- التعريف بمصطلحات صبح الأعشى تأليف محمد قنديل البقلي- الهيئة المصرية العامة للكتاب- 1983 9- تهذيب الأسماء واللغات تأليف محيي الدين النووي- إدارة الطباعة المنيرية ودار الكتب العلمية. 10- جمهرة الأمثال تأليف أبي هلال العسكري تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش- المؤسسة العربية الحديثة- الطبعة الأولى 1964 11- جمهرة خطب العرب تأليف أحمد زكي صفوت- المكتبة العلمية- بيروت 12- جمهرة رسائل العرب تأليف أحمد زكي صفوت- المكتبة العلمية- بيروت 13- حياة الحيوان الكبرى تأليف كمال الدين الدميري- المكتبة الإسلامية.

14- الخطط التوفيقية لمصر القاهرة تأليف علي باشا مبارك- الهيئة المصرية العامة للكتاب- 1980 15- الخطط المقريزية تأليف أحمد بن علي المقريزي- دار صادر- بيروت 16- دائرة المعارف الإسلامية تأليف مجموعة من المستشرقين- منشورات دار الشعب- مصر 17- ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم تأليف أبي الحسن الدارقطني تحقيق بوران الضناوي وكمال الحوت- مؤسسة الكتب الثقافية- بيروت 1985 18- الروض المعطار في خبر الأقطار تأليف محمد بن عبد المنعم الحميري تحقيق إحسان عباس- مكتبة لبنان- الطبعة الثانية 1984 19- سر الفصاحة تأليف ابن سنان الخفاجي الحلبي- دار الكتب العلمية- بيروت 1982 20- الشعر والشعراء أو طبقات الشعراء تأليف ابن قتيبة الدينوري تحقيق مفيد قميحة- دار الكتب العلمية- بيروت 1981 21- صبح الأعشى في صناعة الإنشا تأليف القلقشندي- الطبعة الأميرية- مصر. 22- الصبح المنبي عن حيثية المتنبي تأليف يوسف البديعي تحقيق مصطفى السقا- محمد شتا- عبدو زيادة عبدو- دار المعارف- مصر. 1963 23- كتاب الصناعتين تأليف أبي هلال العسكري تحقيق علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم- مطبعة عيسى بابي الحلبي 24- طبقات الشافعية تأليف أبي بكر هداية الله الحسيني تحقيق عادل نويهض- دار الآفاق الجديدة- بيروت 25- الفهرست تأليف ابن النديم دار المعرفة- بيروت 26- فوات الوفيات تأليف محمد شاكر الكتبي تحقيق إحسان عباس دار صادر- بيروت 27- القاموس المحيط تأليف الفيروزابادي- المؤسسة العربية للطباعة والنشر- بيروت 28- القلقشندي وكتابه صبح الأعشى تأليف مجموعة من البحاثين- الهيئة المصرية العامة للكتاب 1973 29- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون تأليف حاجي خليفة- دار الفكر- 1982- ذيل كشف الظنون تأليف إسماعيل باشا البغدادي- دار الفكر- 1982- هدية العارفين تأليف إسماعيل باشا البغدادي- دار الفكر- 1982

30- الكليات تأليف أبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني- إعداد عدنان درويش ومحمد المصري- وزارة الثقافة- دمشق 1982 31- لسان العرب تأليف ابن منظور- دار صادر- بيروت 32- المستقصى في أمثال العرب تأليف الزمخشري- دار الكتب العلمية- الطبعة الثانية 1977 33- معجم الألفاظ والأعلام القرآنية تأليف محمد إسماعيل إبراهيم- دار الفكر العربي 34- معجم البلدان تأليف ياقوت الحموي- دار الكتاب العربي- بيروت 35- معجم الشعراء تأليف محمد بن عمران المرزباني. تصحيح وتعليق. د. ف. كرنكو- دار الكتب العلمية- بيروت 1982 36- معجم قبائل العرب القديمة والحديثة تأليف عمر رضا كحالة- مؤسسة الرسالة 1985 37- معجم مقاييس اللغة تأليف أحمد بن فارس تحقيق عبد السلام هارون- دار الفكر للطباعة والنشر 38- المعجم الوسيط تأليف لجنة المعجم الوسيط- مجمع اللغة العربية- مصر- الطبعة الثانية 39- مقدمة ابن خلدون تأليف عبد الرحمن بن خلدون- دار الكتاب اللبناني 1979 40- الموسوعة العربية الميسرة بإشراف محمد شفيق غربال- دار الشعب ومؤسسة فرنكلين 1965 41- النظم الإسلامية تأليف صبحي الصالح- دار العلم للملايين- بيروت 1968 42- الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي تأليف محمد حمدي المناوي- دار المعارف- مصر. 43- ولاة مصر تأليف محمد بن يوسف الكندي. تحقيق حسين نصار- دار صادر- بيروت

فهرس موضوعات الجزء الثاني من صبح الأعشى

فهرس موضوعات الجزء الثاني من صبح الأعشى الموضوع الصفحة النوع الثامن عشر- المعرفة بالأحكام السلطانية 3 الطرف الثاني- في معرفة ما يحتاج الكاتب إلى وصفه، ويشتمل على أنواع 6 النوع الأول- مما يحتاج إلى وصفه النوع الإنساني، وهو على ضربين 6 الضرب الأول- أوصافه الجسمية، وهي على ثلاثة أقسام 6 القسم الأول- ما يشترك فيه الرجال والنساء، وهي عدة أمور 6 القسم الثاني- ما يختص به الرجال 11 القسم الثالث- ما يختص به النساء 11 الضرب الثاني- الصفات الخارجية عن الجسد، وهي على ثلاثة أقسام 13 القسم الأول- ما يشترك فيه الرجال والنساء 13 القسم الثاني- ما يختص به الرجال دون النساء 13 القسم الثالث- ما يختص به النساء 14 النوع الثاني- مما يحتاج إلى وصفه من دواب الركوب، وهي أربعة أصناف 16 الصنف الأول- الخيل 16 الصنف الثاني- البغال 34 الصنف الثالث- الإبل 35 الصنف الرابع- الحمير 38 النوع الثالث- مما يحتاج إلى وصفه من جليل الوحش، وهو أصناف 38 الصنف الأول- جليل الوحش 38

الموضوع الصفحة الصنف الثاني- معلّمات الصيد 42 الصنف الثالث- ما يعتنى بصيده من الوحش، والمشهور منه عشرون ضربا 47 النوع الرابع- فيما يحتاج إلى وصفه من الطيور 57 الصنف الأول- الجوارح وهي على ثلاثة أقسام 57 القسم الأول- العقاب 58 القسم الثاني- البزاة 61 القسم الثالث- الصقور 64 الصنف الثاني- الطير الجليل، وهو على ضربين 69 الضرب الأول- طيور الشتاء 69 الضرب الثاني- طيور الصيف 74 الصنف الثالث- ما عدا الطير الجليل مما يصاد بالجوارح وغيرها، وهو على ضربين 76 الضرب الأول- ما يحلّ أكله 76 الضرب الثاني- ما يحرم أكله 86 الصنف الرابع- الحمام 96 الأمر الأول- ذكر ألوانها 98 الأمر الثاني- في عدد ريش الجناحين والذنب المعتدّ به وأسمائها 99 الأمر الثالث- الفرق بين الذكر والأنثى 101 الأمر الرابع- في بيان صفة الطائر الفاره 101 الأمر الخامس- الفراسة في الطائر من حال صغره قبل الطيران 102 الأمر السادس- بيان الزمان والمكان اللائقين بالإفراخ 103 الأمر السابع- في مسافة الطيران 104 النوع الخامس- ما يحتاج إلى وصفه من نفائس الأحجار، وهي اثنا عشر صنفا 105 الصنف الأول- اللؤلؤ 106

الموضوع الصفحة الصنف الثاني- الياقوت 108 الصنف الثالث- البلخش 111 الصنف الرابع- عين الهر 112 الصنف الخامس- الماس 113 الصنف السادس- الزمرّد 114 الصنف السابع- الزبرجد 117 الصنف الثامن- الفيروذج 117 الصنف التاسع- الدهنج 118 الصنف العاشر- البلور 120 الصنف الحادي عشر- المرجان 121 الصنف الثاني عشر- البادزهر الحيواني 124 النوع السادس- نفيس الطيب، والمعتبر منه أربعة أصناف 126 الصنف الأول- المسك 126 الصنف الثاني- العنبر 130 الصنف الثالث- العود 133 الصنف الرابع- الصندل 137 النوع السابع- ما يحتاج إلى وصفه من الآلات، وهي أصناف 139 الصنف الأول- الآلات الملوكية 139 الصنف الثاني- آلات الركوب 143 الصنف الثالث- آلات السفر 145 الصنف الرابع- آلات السلاح 148 الصنف الخامس- آلات الحصار 152 الصنف السادس- آلات الصيد 154 الصنف السابع- آلات المعاملة 154

الموضوع الصفحة الصنف الثامن- آلات اللعب 157 الصنف التاسع- آلات الطرب 160 الصنف العاشر- المسكرات وآلاتها 161 النوع الثامن- مما يحتاج إلى وصفه الأفلاك والكواكب، وفيه مقصدان 163 المقصد الأول- في بيان ما يقع عليه اسم الفلك وعدد أكره 163 المقصد الثاني- في ذكر الكواكب ومحلها من الأفلاك، وهي على ضربين 165 الضرب الأول- الكواكب السبعة السيّارة 165 الضرب الثاني- الكواكب الثابتة، وهي ثلاثة أصناف 168 الصنف الأول- نجوم البروج التي تنتقل فيها الشمس في فصول السنة 168 الصنف الثاني- نجوم منازل القمر التي يتنقل فيها القمر من أول الشهر إلى الثامن والعشرين منه 173 الصنف الثالث- من النجوم الثوابت ما ليس داخلا في شيء من البروج ومنازل القمر مما هو مشهور 181 النوع التاسع- مما يحتاج الكاتب إلى وصفه العلويّات، وهي على أصناف 184 الصنف الأول- الريح 184 الصنف الثاني- السحاب 186 الصنف الثالث- الرعد 187 الصنف الرابع- البرق 188 الصنف الخامس- المطر 188 الصنف السادس- الثلج 192 الصنف السابع- البرد 192 الصنف الثامن- قوس قزح 193 الصنف التاسع- الهالة 193 الصنف العاشر- الحرّ 194 الصنف الحادي عشر- البرد 194

الموضوع الصفحة الصنف الثاني عشر- الهباء 194 النوع العاشر- مما يحتاج الكاتب إلى وصفه الأجسام الأرضية، وهي على أصناف 195 الصنف الأول- الجبال والأودية والقفار 195 الصنف الثاني- المياه الأرضية، وهي على ضربين 196 الضرب الأول- الماء الملح 196 الضرب الثاني- الماء العذب 196 الصنف الثالث- النبات وفيه ثلاثة مقاصد 198 المقصد الأول- في أصل النبات 198 المقصد الثاني- فيما تختص به أرض دون أرض من أنواع النبات 198 المقصد الثالث- في ذكر أصناف النبات التي أولع الكاتب والشعراء بوصفها، وهي على أضرب 199 الضرب الأول- ما له ساق 199 الضرب الثاني- ما ليس له ساق 200 الضرب الثالث- الفواكه المشمومة 200 الضرب الرابع- الأزهار 201 الضرب الخامس- الرياض 201 الطرف الثالث من الباب الأول من المقالة الأولى- في صفة الكلام، ومعرفة كيفية إنشائه ونظمه وتأليفه، وفيه مقصدان 202 المقصد الأول- في الأصول التي يبنى الكلام عليها، وهي سبعة أصول 202 الأصل الأول- المعرفة بالمعاني، والنظر فيه من وجهين 202 الوجه الأول- في شرف المعاني وفضلها 202 الوجه الثاني- في تحقيق المعاني ومعرفة صوابها من خطئها، والمعاني على خمسة أصناف 205 الصنف الأول- ما كان من المعاني مستقيما حسنا 205

الموضوع الصفحة الصنف الثاني- ما كان مستقيما قبيحا 209 الصنف الثالث- ما كان مستقيما ولكنه كذب 210 الصنف الرابع- ما كان محالا 216 الصنف الخامس- ما كان غلطا 218 الأصل الثاني- من صناعة إنشاء الكلام النظر في الألفاظ، والنظر فيها من وجهين 222 الوجه الأول- في فضل الألفاظ وشرفها 222 الوجه الثاني- الألفاظ المفردة وبيان ما ينبغي استعماله منها وما يجب تركه، واللفظ المفرد الحسن يتصف بأربع صفات 224 الصفة الأولى- ألا يكون غريبا، وهو أربعة أصناف 225 الصنف الأول- المألوف المتداول الاستعمال عند كل قوم في كل زمن 227 الصنف الثاني- الغريب المتوحش عند كل قوم في كل زمن، وهو ثلاثة أضرب 236 الضرب الأول- ما يعاب استعماله في النظم والنثر جميعا 236 الضرب الثاني- ما يعاب استعماله في النثر دون النظم 238 الضرب الثالث- ما يعاب استعماله بصيغة دون صيغة 241 الصنف الثالث- المتوحش في زمن دون زمن 250 الصنف الرابع- الغريب المتوحش عند قوم دون قوم 259 الصفة الثانية- اللفظ الفصيح ألا يكون مبتذلا عاميّا، واللفظ المبتذل على قسمين 267 القسم الأول- ما لم تغيّره العامة عن موضعه اللغوي 267 القسم الثاني- ما كان من الألفاظ دالّا على معنى وضع له في أصل اللغة فغيرته العامة وجعلته دالّا على معنى آخر، وهو على ضربين 273 الضرب الأول- ما ليس بمستقبح في الذكر ولا مستكره في السمع 273 الضرب الثاني- ما يستقبح ذكره 274 الصفة الثالثة- من صفات اللفظ المفرد الفصيح ألا يكون متنافر الحروف 275

الموضوع الصفحة الصفة الرابعة- من صفات اللفظ المفرد ألا يكون على خلاف القانون المستنبط من تتبع ألفاظ اللغة العربية وما هو في حكمها 278 الأصل الثالث- من صناعة إنشاء الكلام، تركيب الكلام، والنظر فيه من وجوه 280 الوجه الأول- في بيان فضل المعرفة بذلك 280 الوجه الثاني- في بيان ما يبنى عليه تركيب الكلام وترتيبه، وله ركنان 285 الركن الأول- أن يسلك في تركيبه سبيل الفصاحة والخروج عن اللكنة والهجنة والفصاحة في المركب بأن يتصف بعد فصاحة مفرداته بصفات 285 الصفة الأولى- أن يكون سليما من ضعف التأليف 285 الصفة الثانية- أن يكون سليما من التعقيد 286 الصفة الثالثة- أن يكون سليما من تنافر الكلمات 291 الأصل الرابع- المعرفة بالسجع الذي هو قوام الكلام المنثور، ويتعلق به ستة أغراض 301 الغرض الأول- في معرفة معناه في اللغة والاصطلاح 301 الغرض الثاني- في بيان حسن موقعه من الكلام 302 الغرض الثالث- في بيان أقسام السجع، وهي راجعة إلى صنفين 304 الصنف الأول- أن تكون القرينتان متفقتين في حرف الرويّ 304 الصنف الثاني- أن يختلف حرف الرويّ في آخر الفقرتين، وهو على ضربين 305 الضرب الأول- أن يقع ذلك في النثر 305 الضرب الثاني- السجع الواقع في الشعر 306 الغرض الرابع- في معرفة مقادير السجعات، وهي على ضربين 308 الضرب الأول- السجعات القصار 308 الضرب الثاني- السجعات الطوال 309 الغرض الخامس- في ترتيب السجعات، وله حالتان 310 الحالة الأولى- ألا يزيد السجع على سجعتين 310

الموضوع الصفحة الحالة الثانية- أن يزيد السجع على سجعتين 311 الغرض السادس- فيما يكون فيه حسن السجع وقبحه 313 الأصل الخامس- حسن الاتباع والقدرة على الاختراع، ولكاتب الإنشاء مسلكان 315 المسلك الأول- طريقة الاتباع، وهي على صنفين 315 الصنف الأول- الاتباع في الألفاظ، والواقع من ذلك في كلامهم على قسمين 315 القسم الأول- ما وقع الاتفاق فيه في المعنى واللفظ جميعا 317 القسم الثاني- ما وقع الاتفاق فيه في المعنى وبعض اللفظ، وهو على ضربين 319 الضرب الأول- ما اتفق فيه المعنى وأكثر اللفظ 319 الضرب الثاني- ما اتفق فيه المعنى مع يسير اللفظ 321 الصنف الثاني- التقليد في المعاني، وضروبه اثنا عشر 321 الضرب الأول- أن يؤخذ المعنى ويستخرج منه ما يشبهه ولا يكون هو إيّاه 327 الضرب الثاني- أن يؤخذ المعنى فيعكس 329 الضرب الثالث- أن يؤخذ بعض المعنى دون بعض 331 الضرب الرابع- أن يؤخذ المعنى فيزاد عليه معنى آخر 332 الضرب الخامس- أن يؤخذ المعنى فيكسى عبارة أحسن من العبارة الأولى 334 الضرب السادس- أن يؤخذ المعنى ويسبك سبكا موجزا 336 الضرب السابع- زيادة البيان مع المساواة في المعنى 337 الضرب الثامن- اتحاد الطريق واختلاف المقصود 338 الضرب التاسع- بياض بالأصل 339 الضرب العاشر- أن يكون المعنى عامّا فيجعل خاصّا أو خاصّا فيجعل عامّا 340 الضرب الحادي عشر- قلب الصورة القبيحة إلى صورة حسنة 340 الضرب الثاني عشر- قلب الصورة الحسنة إلى صورة قبيحة 341

الموضوع الصفحة المسلك الثاني- طريقة الاختراع 342 الأصل السادس- وجود الطبع السليم، وخلو الفكر عن المشوش 343 المقصد الثاني- من الطرف الثالث، في بيان طرق البلاغة ووجوه تحسين الكلام 348 المقصد الثالث- في بيان مقادير الكلام ومقتضيات إطالته وقصره، وهو على ثلاثة ضروب 359 الضرب الأول- الإيجاز 359 الضرب الثاني- الإطناب 360 الضرب الثالث- المساواة 361 الفصل الثالث من الباب الأول من المقالة الأولى- في معرفة الأزمنة والأوقات وفيه أربعة أطراف 366 الطرف الأول- في الأيام، وفيه ست جمل 366 الجملة الأولى- في مدلول اليوم ومعناه وبيان ابتداء الليل والنهار 366 الجملة الثانية- في اختلاف الليل والنهار بالزيادة والنقصان؛ والبلاد والنواحي على قسمين 368 القسم الأول- ما يستوي فيه الليل والنهار أبدا 368 القسم الثاني- ما يختلف فيه الليل والنهار في السنة 369 الجملة الثالثة- في معرفة زيادة الليل والنهار ونقصانهما بتنقل الشمس في البروج 371 الجملة الرابعة- في بيان ما يعرف به ابتداء الليل والنهار 376 الجملة الخامسة- في ساعات الليل والنهار 383 الجملة السادسة- في أيام الأسبوع، وفيه أربعة مدارك 385 المدرك الأول- في ابتداء خلقها وأصل وجودها 385 المدرك الثاني- في أسمائها 388

الموضوع الصفحة المدرك الثالث- في بيان أول أيام الأسبوع 392 المدرك الرابع- في التفاؤل بأيام الأسبوع والتطيرّ بها 392 الطرف الثاني- في الشهور، وهي على قسمين 394 القسم الأول- الطبيعي والمراد به القمري، وهو على ضربين 394 الضرب الأول- شهور العرب، ولهم في استعمالها طريقتان 394 الطريقة الأولى- طريقة العرب، وفيها جملتان 394 الجملة الأولى- في أحوال الأهلّة التي عليها مدار الشهور في ابتدائها وانتهائها 395 الجملة الثانية- في أسمائها 401 الضرب الثاني- شهور اليهود 408 القسم الثاني- من الشهور الاصطلاحي والمراد به الشمسي، وهي على صنفين 409 الصنف الأول- شهور القبط والفرس 410 الصنف الثاني- شهور السريان والروم 418 الطرف الثالث- في السنين، وفيه ثلاث جمل 423 الجملة الأولى- في مدلول السنة والعام 423 الجملة الثانية- في حقيقة السنة، وهي على قسمين 424 القسم الأول- السنة الطبيعية وهي القمرية 424 القسم الثاني- الاصطلاحية وهي الشمسية 425 الجملة الثالثة- في فصول السنة الأربعة، وفيه ثلاثة مهايع 429 المهيع الأول- في الحكمة في تغيير الفصول الأربعة في السنة 429 المهيع الثاني- في كيفية انقسام السنة الشمسية إلى الفصول 429 المهيع الثالث- في ذكر الفصول وأزمنتها وطبائعها 430 الطرف الرابع- في أعياد الأمم ومواسمها، وفيه خمس جمل 444 الجملة الأولى- في أعياد المسلمين 444

الموضوع الصفحة الجملة الثانية- في أعياد الفرس 445 الجملة الثالثة- في أعياد القبط، وهي على ضربين 453 الضرب الأول- الأعياد الكبار 454 الضرب الثاني- الأعياد الصغار 455 الجملة الرابعة- في أعياد اليهود، وهي على ضربين 463 الضرب الأول- ما نطقت به التوراة بزعمهم 463 الضرب الثاني- ما أحدثه اليهود 465 الجملة الخامسة- في أعياد الصابئين 467 الباب الثاني من المقالة الأولى- فيما يحتاج إليه الكاتب من الأمور العملية، وفيه فصلان 469 الفصل الأول- في ذكر آلات الخط، وفيه ثلاثة أطراف 469 الطرف الأول- في الدواة وآلاتها، وفيه مقصدان 469 المقصد الأول- في نفس الدواة، وفيه أربع جمل 469 الجملة الأولى- في فضلها 469 الجملة الثانية- في أصلها في اللغة 470 الجملة الثالثة- فيما ينبغي أن تتخذ منه، وما تحلّى به 470 الجملة الرابعة- في قدرها وصفتها 471 الطرف الثاني- في الآلات التي تشتمل عليها الدواة، وفيه جملتان 473 الجملة الأولى- في فضله 473 الجملة الثانية- في اشتقاقه 479 الجملة الثالثة- في صفته 479 الجملة الرابعة- في مساحة الأقلام في طولها وغلظها 484 الجملة الخامسة- في بري الأقلام، وفيه خمسة أنظار 485 النظر الأول- في اشتقاقه وأصل معناه 485 النظر الثاني- في الحث على معرفة البراية 485

الموضوع الصفحة النظر الثالث- في معرفة محل البراية من القلم 487 النظر الرابع- في كيفية إمساك السكين حال البري 487 النظر الخامس- في صنعة البراية، والبري يشتمل على معان 488 المعنى الأول- في صفته، ومقداره في الطول والتقعير 488 المعنى الثاني- النحت 489 المعنى الثالث- الشق، وفيه مهيعان 490 المهيع الأول- في فائدته 490 المهيع الثاني- في صفة الشق، وفيه مدركان 491 المدرك الأول- في قدره في الطول 491 المدرك الثاني- في محله من الجلفة في العرض 491 المعنى الرابع- القطّ، وفيه مهيعان 492 المهيع الأول- اشتقاقه ومعناه 492 المهيع الثاني- في صفته 492 النظر السادس- في معرفة صفات القلم فيما يتعلق بالبراية 493 الجملة السادسة- في مساحة رأس القلم ومقدارها من حيث موضع القطّة 494 الآلة الثانية- المقلمة 495 الآلة الثالثة- المدية، والنظر فيها من وجهين 495 الوجه الأول- في معناها واشتقاقها 495 الوجه الثاني- في صفتها 496 الآلة الرابعة- المقطّ 497 الآلة الخامسة- المحبرة، وتشتمل على ثلاثة أصناف 498 الصنف الأول- الجونة 498 الصنف الثاني- الليقة، والنظر فيها من وجهين 498 الوجه الأول- في اشتقاقها 498 الوجه الثاني- فيما تتخذ منه وتتعاهد به 498

الموضوع الصفحة الصنف الثالث- المداد والحبر، والنظر فيه من أربعة أوجه 500 الوجه الأول- في تسميتهما واشتقاقهما 500 الوجه الثاني- في شرف المداد والحبر، واختيار السواد لذلك 501 الوجه الثالث- في صنعتهما، وفيه نظران 503 النظر الأول- في مادتهما 503 النظر الثاني- في صنعتهما، وفيه مسلكان 504 المسلك الأول- في صنعة المداد 504 المسلك الثاني- في صنعة الحبر 505 الوجه الرابع- في ليق الافتتاحات 506 الآلة السادسة- الملواق 508 الآلة السابعة- المرملة 508 الآلة التاسعة- المنفذ 510 الآلة العاشرة- الملزمة 510 الآلة الحادية عشرة- المفرشة 510 الآلة الثانية عشرة- الممسحة 510 الآلة الثالثة عشرة- المسقاة 511 الآلة الرابعة عشرة- المسطرة 511 الآلة الخامسة عشرة- المصقلة 511 الآلة السادسة عشرة- المهراق 512 الآلة السابعة عشرة- المسنّ 512 الطرف الثالث- فيما يكتب فيه، وفيه ثلاث جمل 512 الجملة الأولى- فما نطق به القرآن الكريم من ذلك 512 الجملة الثانية- فيما كانت الأمم السالفة تكتب فيه في الزمان القديم 515 الجملة الثالثة- في بيان أسماء الورق الواردة في اللغة ومعرفة أجناسه 516 تم فهرس الجزء الثاني من صبح الأعشى

الجزء الثالث

[الجزء الثالث] [تتمة المقالة الأولى] [تتمة الباب الثاني] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ صلّى الله وسلّم على سيدنا محمد وآله وصحبه الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الأولى في الكلام على نفس الخطّ؛ وفيه ثمانية أطراف الطّرف الأوّل في فضيلة الخطّ قال تعالى: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ «1» فأضاف تعليم الخط إلى نفسه، وامتنّ به على عباده؛ وناهيك بذلك شرفا! وقال جل وعز: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ «2» فأقسم بما يسطرونه وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ «3» أنه الخط كما تقدّم الكلام عليه. ويروى أنّ سليمان عليه السّلام سأل عفريتا عن الكلام فقال: ريح لا يبقي! قال: فما قيده؟ قال: الكتابة.

وقال عبيد الله بن العباس «1» : الخط لسان اليد. وقال جعفر بن يحيى «2» : الخط سمط «3» الحكمة، وبه تفصّل شذورها «4» ، وينتظم منثورها. وقال النّظّام «5» : الخط أصل الروح له جسدانية في سائر الأعمال. إلى ما يجري هذا المجرى. وقال إبراهيم بن محمد الشيباني «6» : الخط لسان اليد، وبهجة الضمير، وسفير العقول، ووصيّ الفكر، وسلاح المعرفة، وأنس الإخوان عند الفرقة، ومحادثتهم على بعد المسافة ومستودع السّر، وديوان الأمور. وقال مسلم بن الوليد «7» : من عجائب الله تعالى في خلقه، وإنعامه عليهم من فضله، تعليمه إيّاهم الكتاب المفيد للباقين، حكم الماضين، والمخاطب للعيون بسرائر القلوب، على لغات متفرّقة، في معان معقولة، بحروف مؤلّفة

من ألف، وباء، وجيم، ودال، متباينات الصّور، مختلفات الجهات، لقاحها التفكير، ونتاجها التأليف؛ تخرس منفردة، وتنطق مزدوجة، بلا أصوات مسموعة، ولا ألسن مزوّرة، ولا حركات ظاهرة؛ ما خلا قلما جوّف باريه بطنه ليعلق المداد به، وأرهف جانبيه ليردّ ما انتشر منه إليه، وشقّ رأسه ليحتبس الاستمداد عليه؛ وأربع «1» من شفتيه، ليجمعا حواشي تصويره إليه، فهناك اشتدّ القلم برشفه، وقذف المادّة إلى صدره، ثم مجّها من شقّه بمقدار ما احتملت شفتاه بتخطيط أجزاء النقط التي أراد بها الخطوط، فالأبصار لها سامية، فإذا حكتها الألسن فالآذان لها واعية، وأولى أسمائها بها حينئذ الكلام الذي سدّاه «2» العقل، وألحمه «3» اللسان، وقطعته الأسنان، ولفظته الشّفتان، وصدّاه الجوّ وجرّعته الأسماع على أنحاء شتّى، وسمّيت بها الأشياء لتعريف متناكرها، وتمييز متشابهها، وتبيين معلومها من مجهولها. فمن ذلك فضل الكتاب الصّناعات. وبالجملة فليس يذكر ذاكر شيئا يجري به الخاطر، أو يميل إليه العقل، أو يلقيه الفهم، أو يقع عليه الوهم، أو تدركه الحواسّ، إلا والكتاب والكلام موكّلان به، مدبّران له، معبّران عنه. فلما أن تضمّنت الحروف الدلالة، وقامت الألفاظ بالعبارة، نطقت الأفواه بكل لغة، وتصرّف المنطق بكل جهة، فلم تكتف منه أمّة بأمة، ولم تستغن عنه ملّة دون ملّة، فعرّب ذلك بلغة العرب التي هي القاهرة لجميع اللّغات، المنظّمة لجميع المعاني في وجيز الصّفات. ولو لم يكن من شرف الخط إلا أن الله تعالى أنزله على آدم أو هود عليهما السلام كما تقدّم ذكره، وأنزل الصّحف على الأنبياء مسطورة، وأنزل الألواح على موسى عليه السلام مكتوبة، لكان فيه كفاية.

الطرف الثاني في بيان حقيقة الخط

وأيضا فإنّ فيه من حفظ الحقوق، ومنع تمرّد ذوي العقوق، بما يسطّر عليهم من الشهادات، التي تقع في السجلات، والمكاتبات بين الناس لحوائجهم من المسافات البعيدة التي لا ينضبط مثل ذلك لحامل رسالة، ولا يناله الحاضر بمشافهة وإن كثر حفظه وزادت بلاغته، ولذلك قيل: الخطّ أفضل من اللفظ، لأن اللفظ يفهّم الحاضر فقط، والخط يفهّم الحاضر والغائب. ولله القائل في ذلك يصف القلم: وأخرس ينطق بالمحكمات ... وجثمانه صامت أجوف بمكّة ينطق في خفية ... وبالشام منطقه يعرف الطرف الثاني في بيان حقيقة الخط قال الشيخ شمس الدين بن الأكفاني «1» في كتابه «إرشاد القاصد» في حصر العلوم: «وهو علم تتعرّف منه صور الحروف المفردة، وأوضاعها، وكيفية تركيبها خطّا أو ما يكتب منها في السّطور، وكيف سبيله أن يكتب، وما لا يكتب، وإبدال ما يبدل منها في الهجاء وبماذا يبدل» . قال: «وبه ظهرت «2» خاصّة النوع الإنسانيّ من القوّة إلى الفعل، وامتاز عن سائر أنواع الحيوان، وضبطت الأموال، وترتّبت الأحوال وحفظت العلوم في الأدوار، واستمرّت على الأطوار، وانتقلت الأخبار من زمان إلى زمان، وحملت سرّا من مكان إلى مكان.

الطرف الثالث في وضع الخط؛ وفيه جملتان

وبهذه الفضائل حافظت الغريزة الإنسانية على قبوله بطلب تعلّمه محافظة لم يحتج بها إلى تذكار بعد الغيبة. ولهذه العلّة استغنى عن كتاب يصنّف فيه» . ثم قال: «وجميع العلوم إنما تعرف بالدلالة عليها: بالإشارة، أو اللفظ، أو الخط، فالإشارة تتوقّف على المشاهدة، واللفظ يتوقّف على حضور المخاطب وسماعه؛ أما الخط فإنه لا يتوقّف على شيء فهو أعمّها نفعا وأشرفها» . واعلم أنه قد تقدّم في الكلام على اللغة في «النوع الأول مما يحتاج إليه الكاتب» أنه ينبغي للكاتب أن يتعلّم لغة من يحتاج إلى مخاطبته، أو مكاتبته من اللغات غير العربية؛ فكذلك ينبغي أن يتعلم من الخطوط غير العربية ما يحتاج إليه من ذلك، فقد قال محمد بن عمر المدائني «1» في كتاب «القلم والدواة» إنه يجب عليه أن يتعلم الهندية وغيرها من الخطوط العجمية. ويؤيد ذلك ما تقدّم في الكلام على اللغة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم «أمر زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم كتاب يهود من السّريانية أو العبرانية فتعلّمها» وكان يقرأ على النبيّ صلى الله عليه وسلم كتبهم ويجيبهم عنه. الطرف الثالث في وضع الخط؛ وفيه جملتان الجملة الأولى في بيان المقصود من وضعه، والموازنة بينه وبين اللفظ أما بيان المقصود من وضعه، فاعلم أنّ وضع اللفظ لأداء المعنى، الحاصل في الذهن المشعور به للمسمع؛ إذ لا وقوف على ما في الذهن؛ ووضع الخط لأداء اللفظ المقصود فهمه للناظر فيه. فإذا أردت إيقافك أحدا على ما في ذهنك من المعاني تكلمت بألفاظ وضعت لها، وإذا أردت تأدية ألفاظ لذلك الإيقاف إلى أحد

بغير شفاه، نقشت النّقوش الموضوعة لتلك الألفاظ، فيطالع تلك النّقوش، ويفهم منها تلك الألفاظ، ومن الألفاظ تلك المعاني؛ ولا علاقة معقولة بين المعاني والألفاظ على الأمر العام، ولا بين الألفاظ والنقوش الموضوعة؛ ومن ثمّ جاء اختلاف اللّغات والخطوط كالعربيّة والرّومية وغيرهما. وأما الموازنة بينه وبين اللفظ، فالأصل في ذلك أن الخطّ واللّفظ يتقاسمان فضيلة البيان ويشتركان فيها: من حيث إن الخطّ دالّ على الألفاظ والألفاظ دالّة على الأوهام؛ ولاشتراك الخط واللفظ في هذه الفضيلة وقع التناسب بينهما في كثير من أحوالهما؛ وذلك أنهما يعبران عن المعاني، إلا أن اللفظ معنى متحرّك والخطّ معنى ساكن، وهو وإن كان ساكنا فإنه يفعل فعل المتحرّك بإيصاله كلّ ما تضمنه إلا الأفهام وهو مستقرّ في حيّزه، قائم «1» في مكانه؛ كما أن اللفظ فيه العذب الرشيق السائغ في الأسماع كذلك الخط فيه الرائق المستحسن الأشكال والصّور، وكما أن اللفظ فيه الجزل الفصيح الذي يستعمله مصاقع الخطباء، ومفالق الشّعراء، والمبتذل السخيف الذي يستعمله العوامّ في المكاتبة والمخاطبة، كذلك الخطّ فيه المحرّر المحقّق الذي تكتب به الكتب السلطانية والأمور المهمة، وفيه المطلق المرسل الذي يتكاتب به الناس ويستعملونه فيما بينهم. وكما أن اللفظ يقع فيه لحن الإعراب الذي يهجّنه، كذلك الخط يقع فيه لحن الهجاء. وكما أن اللفظ إذا كان مقبولا حلوا رفع المعنى الخسيس وقرّبه من النّفوس، وإن كان غثّا مستكرها وضع المعنى الرفيع وبعّده من القلوب، وكذلك الخط إذا كان جيّدا حسنا بعث الإنسان على قراءة ما أودع فيه وإن كان قليل الفائدة، وإن كان ركيكا قبيحا صرفه عن تأمّل ما تضمّنه وإن كان جليل الفائدة. ولما اشترك اللفظ والخط في الفوائد العامّة التي جعلت فيهما وقع الاشتراك أيضا بين آلتيهما، إذ آلة اللفظ اللسان، وآلة الخط القلم؛ وكل منهما يفعل فعل

الجملة الثانية في أصل وضعه؛ وفيه مسلكان

الآخر في الإبانة عن المعاني، إلا أن اللفظ لما كان دليلا طبيعيا جعلت آلته آلة طبيعية، والخط لما كان دليلا صناعيّا جعلت آلته آلة صناعيّة؛ ولما تقاسمت الآلتان الدلالة نابت إحداهما مناب الأخرى فأوقعوا اسم اللسان على القلم فقالوا: الأقلام ألسنة الأفهام، وشرّكوا بينهما في الاسم فقالوا: القلم أحد اللّسانين. الجملة الثانية في أصل وضعه؛ وفيه مسلكان المسلك الأوّل في وضع مطلق الحروف قيل: إن أوّل من وضع الخطوط والكتب كلّها آدم عليه السلام: كتبها في طين وطبخه؛ وذلك قبل موته بثلاثمائة سنة، فلما أظلّ الأرض الغرق أصاب كلّ قوم كتابهم. وقيل أخنوخ (وهو إدريس عليه السلام) . وقيل إنها أنزلت على آدم عليه السلام في إحدى وعشرين صحيفة. وقضية هذه المقالة أنها توقيفية علمها الله تعالى بالوحي؛ والمقالتان الأوليان محتملتان لأن تكون توقيفية وأن تكون اصطلاحية وضعها آدم وإدريس عليهما السلام. على أنه يحتمل أن يكون بعض ذلك توقيفيا علمه الله تعالى بالوحي، وبعضه اصطلاحيا وضعه البشر: واحد أو جماعة، فيصير الخلاف فيه كالخلاف في اللغة هل هي توقيفية أو اصطلاحية على ما هو مقرّر في علم الأصول، والله سبحانه وتعالى أعلم «1» .

المسلك الثاني في وضع حروف العربية

المسلك الثاني في وضع حروف العربية قال الشيخ أبو العباس البونيّ «1» رحمه الله في كتابه «لطائف الإشارات في أسرار الحروف المعلومات» : يروى عن أبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه أنه قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، كلّ نبيّ مرسل بم يرسل؟. قال: بكتاب منزّل. قلت: يا رسول الله، أيّ كتاب أنزل على آدم؟. قال: أب ت ث ج إلى آخره. قلت: يا رسول الله، كم حرف؟. قال: تسع وعشرون. قلت: يا رسول الله، عددت ثمانية وعشرين، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى احمرّت عيناه، ثم قال: يا أبا ذرّ، والّذى بعثني بالحقّ نبيّا! ما أنزل الله تعالى على آدم إلا تسعة وعشرين حرفا. قلت: يا رسول الله، فيها ألف ولام. فقال عليه السلام: لام ألف حرف واحد، أنزله على آدم في صحيفة واحدة، ومعه سبعون ألف ملك؛ من خالف لام ألف فقد كفر بما أنزل على آدم، ومن لم يعدّ لام ألف فهو بريء منّي وأنا بريء منه، ومن لا يؤمن بالحروف وهي تسعة وعشرون حرفا لا يخرج من النار أبدا» . وهذا الخبر ظاهر في أن المراد منه حروف العربية فقط، إذ قد أجاب صلى الله عليه وسلم أبا ذرّ رضي الله عنه بحروف: أب ت ث وأثبت منها لام ألف، وليس ذلك في غير

حروف العربية؛ وقضية ذلك أن حروف العربية أنزلت على آدم عليه السلام وهو الموافق لما في أوّل الفصل قبله، لكن في كتاب «التنبيه على نقط المصاحف وشكلها» للشيخ أبي عمرو الدانيّ «1» رحمه الله أنها أنزلت على هود عليه السلام؛ ولا تباين بينهما، لجواز أن تنزل على آدم مرّة وعلى هود أخرى، فربما نزلت الآية على نبيّ ثم نزلت على نبيّ آخر كما قيل في قوله تعالى: حم عسق كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ «2» إنه ما بعث الله تعالى نبيّا إلّا وأنزل عليه حم عسق . وقد أنزلت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ على سليمان عليه السلام ثم أنزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ وربما أنزلت الآية الواحدة على النبي صلى الله عليه وسلم مرتين كما في الفاتحة فإنها نزلت مرة بمكة ومرة بالمدينة على أحد الأقوال. وعلى الجملة فقضيته أنها توقيفيّة وهو الموافق لأحد الأقوال في مطلق الحروف. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أوّل من وضع الحروف العربية ثلاثة رجال من بولان «3» (وبولان قبيلة من طيء) نزلوا مدينة الأنبار «4» ، وهم مرامر ابن مرّة، وأسلم بن سدرة، وعامر بن جدرة «5» ، اجتمعوا فوضعوا حروفا مقطّعة وموصولة، ثم قاسوها على هجاء السّريانية؛ فأما مرامر فوضع الصّور، وأما أسلم ففصل ووصل، وأما عامر فوضع الإعجام؛ ثم نقل هذا العلم إلى مكة وتعلّمه من تعلمه وكثر في الناس وتداولوه.

ونقل الجوهريّ «1» عن شرقيّ بن القطاميّ «2» : أن أوّل من وضعه رجال من طيىء منهم مرامر بن مرّة «3» وأنشد عليه: تعلّمت باجاد «4» وآل مرامر ... وسوّدت أثوابي ولست بكاتب قال الجوهري: وإنما قال آل مرامر لأنه كان قد سمى كل واحد من أولاده بكلمة من أبي جاد «5» وهم ثمانية. وذكر غيره نحوه فقال: أوّل من اخترعه وألّف حروفه ستة أشخاص من طسم كانوا نزولا عند عدنان بن أدد، وكانت أسماؤهم: أبجد، وهوّز، وحطي، وكلمن، وسعفص، وقرشت، فوضعوا الكتابة والخطّ على أسمائهم، فلما وجدوا في الألفاظ حروفا ليست في أسمائهم ألحقوها بها، وسمّوها الرّوداف، وهي الثاء المثلثة، والخاء، والذال، والظاء، والغين، والضاد المعجمات على حسب ما يلحق من حروف الجمّل، ثم انتقل عنهم إلى الأنبار، واتصل بأهل الحيرة «6» ، وفشا في العرب ولم ينتشر كلّ الانتشار إلى أن كان المبعث. وقيل: إن نفيسا ونصرا وتيما ودومة بني إسرائيل وضعوا كتابا واحدا وجعلوه سطرا واحدا موصول الحروف كلّها غير متفرق، ثم فرقه نبت وهميسع وقيذار، وفرقوا الحروف وجعلوا الأشباه والنظائر. وعن هشام بن محمد «7» عن أبيه قال:

أخبرني قوم من علماء مصر أن أوّل من كتب الكتاب العربيّ رجل من بني النّضر بن كنانة، فكتبته العرب حينئذ. وقضية هذه المقالات أنها اصطلاحية. وفي السيرة لابن هشام: أن أوّل من كتب الخط العربيّ حمير بن سبإ «1» علّمه في المنام؛ قال: وكانوا قبل ذلك يكتبون بالمسند سمّي بذلك لأنهم كانوا يسندونه إلى هود عليه السلام. وهو مخالف لما تقدّم من كلام أبي عمرو الدانيّ: أن العربي أنزل على هود عليه السلام. قال السهيلي «2» رحمه الله في «التعريف والإعلام» : والأصح ما رويناه من طريق أبي عمر بن عبد البر «3» رحمه الله يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أوّل من كتب بالعربيّة إسماعيل عليه السلام» قال ابن عبد البر: وهذا أصح من رواية «أوّل من تكلّم بالعربيّة إسماعيل» وهذا محتمل للتوقيف أيضا بأن يكون إسماعيل علّمها بالوحي، وللاصطلاح بأن يكون وضعه من نفسه. ثم أوّل ما ظهرت الكتابة العربيّة بمكة من قبل حرب بن أمية. قال المدائني: حدثني حسان بن عبد الملك الأنصاريّ قال: حدثني سليمان بن سعيد المرّيّ قال: سمعت الفرّاء «4» يقول: حدّثني العمريّ «5» أنه قيل لابن عباس: من.

أين تعلّمتم الهجاء والكتابة والشّكل؟ قال علّمناه من حرب بن أميّة، قيل: ومن أين علّمه حرب بن اميّة؟ قال: من طاريء طرأ علينا من اليمن؛ قيل: ومن اين علّمه ذلك الطاريء؟ قال: من كاتب الوحي لهود عليه السلام. وذكر أبو عمر والدانيّ في كتاب «التنبيه على النقط والشكل» نحوه. وقيل: أوّل ما ظهرت باليمن من قبل أبي سفيان بن أمية، عمّ أبي سفيان بن حرب، وأتته من قبل رجل من أهل الحيرة؛ قال أهل الحيرة: أخذناها من أهل الأنبار. وقال أبو بكر بن أبي داود «1» عن عليّ بن حرب «2» عن هشام بن محمد بن السائب «3» قال: تعلم بشر بن عبد الملك «4» الكتابة من أهل الأنبار، وخرج إلى مكة، وتزوّج الصّهباء بنت حرب «5» . وقيل: إنه لما تعلم أبو سفيان بن حرب الخطّ من أبيه تعلمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجماعة من قريش، وتعلمه معاوية ابن أبي سفيان من عمه سفيان. أما الأوس والخزرج فقد روى الواقديّ «6» بسنده إلى سعد بن سعيد «7» قال: كانت الكتابة العربية قليلا في الأوس والخزرج، وكان يهوديّ من يهود ماسكة «8»

قد علّمها فكان يعلّمها الصّبيان فجاء الإسلام وفيهم بضعة عشر يكتبون، منهم سعيد بن زرارة، والمنذر بن عمرو، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، يكتب الكتابين جميعا العربية والعبرانية، ورافع بن مالك، وأسيد بن حضير، ومعن بن عديّ، وأبو عبس بن كثير، وأوس بن خوليّ، وبشير بن سعد. قال صاحب «الأبحاث الجميلة في شرح العقيلة» «1» : والخط العربيّ هو المعروف الآن بالكوفيّ، ومنه استنبطت الأقلام التي هي الآن، وقد ذكر ابن الحسين «2» في كتابه في قلم الثّلث «3» : أن الخطّ الكوفيّ فيه عدّة أقلام مرجعها إلى أصلين: وهما التقوير والبسط. فالمقوّر- هو المعبّر عنه الآن باللّيّن، وهو الذي تكون عرقاته وما في معناها منخسفة منحطة إلى أسفل كالثلث والرقاع ونحوهما. والمبسوط- هو المعبّر عنه الآن باليابس، وهو ما لا انخساف وانحطاط فيه كالمحقّق، وعلى ترتيب هذين الأصلين الأقلام الموجودة الآن. ثم قد ذكر صاحب «إعانة المنشيء» أن أوّل ما نقل الخط العربيّ من الكوفيّ إلى ابتداء هذه الأقلام المستعملة الآن في أواخر خلافة بني أميّة وأوائل خلافة بني العباس.

قلت: على أن الكثير من كتّاب زماننا يزعمون أن الوزير أبا عليّ بن مقلة «1» (رحمه الله تعالى) هو أوّل من ابتدع ذلك، وهو غلط فإنا نجد من الكتب بخط الأوّلين فيما قبل المائتين ما ليس على صورة الكوفيّ بل يتغير عنه إلى نحو هذه الأوضاع المستقرّة وإن كان هو إلى الكوفيّ أميل لقربه من نقله عنه. قال أبو جعفر النحاس «2» في «صناعة الكتّاب» : ويقال إن جودة الخط انتهت إلى رجلين من أهل الشأم يقال لهما: الضحّاك، وإسحاق بن حمّاد «3» ، وكانا يخطان الجليل «4» ؛ وكأنه يريد الطّومار «5» أو قريبا منه. قال صاحب «إعانة المنشيء» : وكان الضحاك في خلافة السّفّاح، أوّل خلفاء بني العباس، وإسحاق بن حمّاد في خلافة المنصور والمهديّ. قال النحاس: ثم أخذ إبراهيم (يعني السّجزيّ) «6» عن إسحاق بن حماد

الجليل واخترع منه قلما أخفّ منه سماه قلم الثلثين «1» ، وكان أخطّ أهل دهره به، ثم اخترع من قلم الثلثين قلما سماه قلم الثلث. قال صاحب «الأبحاث الجميلة» : وأخذ يوسف أخو إبراهيم السّجزيّ القلم الجليل عن إسحاق أيضا، واخترع منه قلما أدق منه وكتبه كتابة حسنة فأعجب به ذو الرياستين الفضل بن سهل وزير المأمون، وأمر أن تحرّر الكتب السلطانية به، ولا تكتب بغيره، وسماه القلم الرّياسيّ «2» . قال بعض المتأخرين: وأظنه قلم التوقيعات. قال النحاس: ثم أخذ عن إبراهيم السّجزيّ الأحول «3» الثلثين والثلث، واخترع منهما قلما سماه قلم النصف، وقلما أخفّ من الثلث سماه خفيف الثلث، وقلما متصل الحروف ليس في حروفه شيء ينفصل عن غيره سماه المسلسل، وقلما سماه غبار الحلية «4» ، وقلما سماه خط المؤامرات «5» ، وقلما سماه خطّ القصص «6» ، وقلما مقصوعا سماه الحوائجيّ. قال: وكان خطه يوصف بالبهجة والحسن من غير إحكام ولا إتقان، وكان عجيب البري للقلم. وكان وجه

النعجة «1» مقدّما في الجليل. قال: وكان محمد بن معدان يعني المعروف بأبي درجان «2» مقدّما في خط النّصف، وكان قلمه مستوي السّنّين، وكان يشقّ الطاء والظاء والصاد والضاد بعرض النصف؛ ويعطف مثل يا، ويصل كلّ ياء من يساره إلى يمينه بعرض النصف لا يرى فيه اضطراب. وكان أحمد «3» بن محمد بن حفص المعروف بزاقف أجلّ الكتّاب خطّا في الثلث. وكان ابن الزّيّات- في أيام ابن طولون- وزير المعتصم يعجبه خطّه ولا يكتب بين يديه غيره. وانتهت رياسة الخط بمصر إلى طبطب المحرّر جودة وإحكاما. قال النحاس: وكان أهل مدينة السلام «4» يحسدون أهل مصر على طبطب وابن عبد كان «5» ، يعني كاتب الإنشاء لابن طولون، ويقولون: بمصر كاتب ومحرّر ليس لأمير المؤمنين بمدينة السلام مثلهما. قلت: ثم انتهت جودة الخط وتحريره على رأس الثلاثمائة إلى الوزير أبي عليّ محمد بن مقلة وأخيه أبي عبد الله «6» . قال صاحب «إعانة المنشيء» : وولّدا طريقة اخترعاها، وكتب في زمانهما جماعة فلم يقاربوهما. وتفرّد أبو عبد الله بالنّسخ «7» ، والوزير أبو عليّ

بالدّرج؛ وكان الكمال في ذلك للوزير؛ وهو الذي هندس الحروف وأجاد تحريرها، وعنه انتشر الخطّ في مشارق الأرض ومغاربها. ولله قول القائل: سبق الدّمع في المسير المطايا ... إذ روى من أحب عنه بقلّه وأجاد السّطور في صفحة الخدّ ... ولم لا يجيد وهو ابن مقله وقول الآخر: تسلسل دمعي فوق خدّي أسطرا ... ولا عجب من ذاك وهو ابن مقلة ثم أخذ عن ابن مقلة محمد بن السمسماني «1» ومحمد بن أسد «2» ؛ وعنهما أخذ الأستاذ أبو الحسن عليّ بن هلال المعروف بابن البوّاب «3» ، وهو الذي أكمل قواعد الخط وتممها واخترع غالب الأقلام التي أسسها ابن مقلة؛ ولما مات رثاه بعضهم بقوله: واستشعر الكتّاب فقدك سالفا ... فجرت بصحّة ذلك الأيّام فلذاك سوّدت الدّويّ وجوهها ... أسفا عليك وشقّت الأقلام وممن أخذ عنه محمد بن عبد الملك، وعن محمد بن عبد الملك أخذت الشيخة المحدّثة الكاتبة زينب الملقّبة بشهدة ابنة الإبريّ «4» ؛ وعنها أخذ أمين الدين ياقوت «5» ؛ وعنه أخذ الوليّ العجميّ «6» ؛ وعليه كتب العفيف «7» ؛ وعن

الطرف الرابع في عدد الحروف، وجهة ابتدائها، وكيفية ترتيبها؛ وفيه خمس جمل

العفيف أخذ ولده الشيخ عماد الدين، ويقال: إنه كان كابن البوّاب في زمانه؛ وعن الشيخ عماد الدين بن العفيف أخذ الشيخ شمس الدين بن أبي رقيبة محتسب الفسطاط، وهو ممن عاصرناه؛ وأخذ عنه شيخنا الشيخ شمس الدين محمد بن عليّ الزّفتاويّ المكتّب بالفسطاط، وصنف مختصرا في قلم الثلث مع قواعد ضمّها إليه في صنعة الكتابة، أحسن فيه الصنيع؛ وبه تخرّج صاحبنا الشيخ زين الدّين شعبان بن محمد بن داود الآثاريّ «1» محتسب مصر، ونظم في صنعة الخط ألفية وسمها ب «- العناية الرّبانية في الطريقة الشّعبانية» لم يسبق إلى مثلها؛ ثم توجه بعد ذلك إلى مكة، ثم إلى اليمن والهند؛ ثم عاد إلى مكة فأقام بها ونبغ. قلت: وقد علم مما تقدّم ذكره أن ألقاب الأقلام: من الثلثين والنصف والثّلث وخفيف الثلث والمسلسل والغبار قديمة، وإن وقع في أذهان كثير من الناس أنها من مخترعات ابن مقلة وابن البوّاب فمن بعد هما. الطرف الرابع في عدد الحروف، وجهة ابتدائها، وكيفية ترتيبها؛ وفيه خمس «2» جمل الجملة الأولى في مطلق الحروف في جميع اللغات واعلم أن الحروف تختلف باختلاف اللّغات بحسب تعدّد مخارجها، فحروف السّريانيين، والرّوم، والفرس، والصّقلب، والتّرك، من أربعة وعشرين حرفا إلى ستة وعشرين حرفا؛ وحروف العبرانيين، واليونانيين، والقبط الأول، والهنود وغيرهم من اثنين وثلاثين إلى ستة وثلاثين؛ فيوجد في غير العربية من الحروف ما لا يوجد في العربية، كما يوجد في العربية ما لا يوجد في غيرها من

الجملة الثانية في حروف العربية

اللّغات، ويكثر في الاستعمال فيها ما لا يكثر في غيرها، فالحاء المهملة، والظاء المعجمة مما أفردت بها العرب في لغاتها، واختصت بها دون غيرها من أرباب اللّغات؛ والعين المهملة قليلة في كلام بعض الأمم ومفقودة في كلام كثير منهم؛ وكذلك الصاد والضاد والذال المعجمة ليست في الفارسية، والثاء المثلثة ليست في الروميّة ولا في الفارسية، والفاء ليست في التركية. قال الشيخ أثير الدين أبو حيان «1» رحمه الله: ولذلك يقولون في فقيه: يقيه بالباء الموحدة المشربة الفيويّة «2» . الجملة الثانية في حروف العربية واعلم أنا لما كنا بحمد الله أمّة وسطا خير أمّة أخرجت للناس، وكان خير الأمور أوساطها، وكانت حروف اللّغات ما بين أربعة وعشرين حرفا إلى ستة وثلاثين كما تقدّم، كانت حروف الكلام العربيّ التي بها رقم القرآن الكريم ثمانية وعشرين حرفا في اللفظ، متوسطة بين حروف اللّغات، وهي اب ت ث إلى آخره؛ وتسمى حروف الهجاء وحروف التّهجّي؛ ويسميها سيبويه والخليل حروف العربية أي حروف اللغة العربية، وهي التي يتركّب منها الكلام العربيّ؛ وتسمى أيضا حروف المعجم، إما لأنها مقطّعة لا تفهم إلا بإضافة بعضها إلى بعض، وإما لأن منها ما ينقط النقط المعروف، أو تنقط كلّها أي تشكل، إذ النقط قد يكون بمعنى الشّكل. وقال بعض أهل اللغة: [العجم] «3» النّقط بالسواد كمثل التاء عليها نقطتان، يقال منه أعجمت الحروف، ومعناه حروف الخط المعجم. وبعضهم «4»

يجعل المعجم مصدرا بمعنى الإعجام من أعجمت الشيء إذا بيّنته فكأنها مبيّنة للكلام؛ وتكون الهمزة في أعجمت للإزالة، أي أزلت عجمته إما بنقطه أو شكله. قال الشيخ عبد الخالق بن أبي القاسم المصريّ «1» : وإذا اعتبرت سائر اللغات بالتحقيق فلن يزيد ذلك على ثمانية وعشرين حرفا (يريد غير اللام ألف) في الحروف العربية، والقائل بذلك يجعل اللام ألف مركبا من حرفين فلا يعدّه حرفا مستقلّا. قال علماء الحرف: وجعلت ثمانية وعشرين حرفا على عدد منازل القمر الثمانية والعشرين. قالوا: ولما كانت المنازل القمرية يظهر منها فوق الأرض أربع عشرة منزلة ويغيب تحت الأرض أربع عشرة كانت هذه الحروف ما يظهر منها مع لام التعريف أربعة عشر بعدد المنازل الظاهرة، وهي الألف، والباء، والحاء المهملة، والخاء المعجمة، والعين المهملة، والغين المعجمة، والفاء، والقاف، والكاف، واللام، والميم، والهاء، والواو، والياء المثناة تحت. تقول الألف والباء والحاء فتظهر اللام في لفظك وكذلك في البواقي. وما يندغم منها أربعة عشر حرفا أيضا بعدد المنازل الغائبة، وهي التاء المثناة من فوق، والثاء المثلثة، والدال المهملة، والذال المعجمة، والراء والزاي، والسين المهملة، والشين المعجمة، والصاد المهملة، والضاد المعجمة، والطاء المهملة، والظاء المعجمة، والنون. تقول التاء، والثاء، والدال فتخفى في لفظك، وكذلك في البواقي. وقد تقدّم في خبر أبي ذرّ رضي الله عنه أنها نزلت على آدم عليه السلام تسعة وعشرين حرفا عدّ منها اللام ألف وهو الموجود في التصوير فلا يعوّل إلا عليه إن صح الحديث.

الجملة الثالثة في بيان جهة ابتداءات الحروف

ثم للحروف العربية فروع توجد في اللفظ دون الكتابة مستحسنة ومستقبحة، تبلغ بها الحروف العربية سبعة وأربعين حرفا، ولا يوجد ذلك في لغة أمة من الأمم، أضربنا عن ذكرها لعدم تعلّقها بالخط الذي نحن بصدده؛ وبالله المستعان. الجملة الثالثة في بيان جهة ابتداءات الحروف واعلم أن أصحاب الأقلام اختلفوا باعتبار مقاصدهم في البداءة بالحروف. فمنهم من يبدأ من اليمين إلى اليسار كالعرب والعبرانيين والهنود وأهل الطبيعة والسّريانيين، آخذا فيه على سير الفلك من المشرق إلى المغرب، والمشرق عندهم يمين الفلك ويقال له: مأخذ «1» كوريّ، وقيل: لأن فيه الاستمداد من الكبد إلى القلب. ومنهم من يبدأ من اليسار إلى اليمين كالرومية واليونانيّة والقبطية، وفنّ من الفارسية، آخذا فيه على سير الكواكب السبعة السيارة من المغرب إلى المشرق. ويقال له: مأخذ دوريّ؛ وقيل: لأنه ناشيء عن حركة القلب إلى الكبد. الجملة الرابعة في كيفية ترتيب الحروف واعلم أن ترتيب الحروف على ضربين: مفرد ومزدوج؛ وبين أهل الشرق وأهل الغرب في كل من النوعين خلاف في الترتيب. أما المفرد فأهل الشرق يرتبونه على هذا الترتيب: أب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ ولا ي وأما أهل الغرب فإنهم يرتبونه على هذا الترتيب:

الجملة الخامسة في كيفية صور الحروف العربية وتداخل أشكالها

أب ت ث ج ح خ د ذ ر ز ط ظ ك ل م ن ص ض ع غ ف ق س ش هـ ولا ي وأما المزدوج فأهل الشرق يرتبونه على هذا الترتيب: أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت، ثخذ، ضظغ: وأهل الغرب يرتبونه على هذا الترتيب: أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت، ثخذ، ظغش «1» . على أنه قد اختلف في كلمات أبجد هل لها معنى أم لا، وهل يكره تعلّمها أم لا، وأكثر الناس في الشرق والغرب على تعلّمها. وقد جاء أنها كانت تعلّم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ ويشهد لذلك قول الأعرابيّ في أبياته: أتيت مهاجرين فعلّموني ... ثلاثة أسطر متتابعات وخطّوا لي أبا جاد وقالوا ... تعلّم سعفصا وقريّشات وقيل: إن أبجد، وهوّز، وحطي، وكلمن، كانت أسماء ملوك مدين، وإن كلمن كان في زمن شعيب عليه السلام. وقد تقدّم أن الأربعة المذكورة كانت أسماء واضعي الخط العربيّ على قول؛ والله أعلم. الجملة الخامسة في كيفية صور الحروف العربية وتداخل أشكالها قد تقدّم أن الحروف العربية على تسع عشرة صورة، وهي صورة الألف، وصورة الباء والتاء والثاء، وصورة الجيم والحاء والخاء، وصورة الدال والذال، وصورة الراء والزاي، وصورة السين والشين، وصورة الصاد والضاد، وصورة الطاء والظاء، وصورة العين والغين، وصورة الفاء والقاف «2» ، وصورة الكاف،

الطرف الخامس في تحسين الخط، وفيه جملتان

وصورة اللام، وصورة الميم، وصورة النون، وصورة الهاء، وصورة الواو، وصورة اللام ألف، وصورة الياء، وفرّقوا بينها بالنقط كما سيأتي، وقصدوا بذلك تقليل الصّور للاختصار لأن ذلك أخفّ من أن يجعل لكل حرف صورة فتكثر الصّور. ثم ترجع الصور التسع عشرة بعد ذلك إلى خمس صور: وهي الألف والجيم والراء والنون والميم؛ ففي صورة الألف إحدى عشرة صورة، ألف قائمة، وهي أ، وسبع «1» ألفات مسطوحة، وهي ب ت ث، ك ل ي، فكل هذه على صورة الألف غير أن فيها ما تكرّر فيه صورة الألف، وهي الكاف واللام، وألفان مبطوحتان، وهما ط ظ، وألف معطوفة، وهي لا؛ وفي الجيم سبع صور جيم مرفّلة، وهي ج ح خ، وجيمان محذوفتان، وهما د ذ، وجيمان شاخصتان، وهما ع غ؛ وفي الراء ثلاث صور، وهي ر ز و، وفي النون ست صور، وهي ن س ش ص ض ق؛ وفي الميم صورتان، وهما م هـ. الطرف الخامس في تحسين الخطّ، وفيه جملتان الجملة الأولى في الحث على تحسين الخط لا خفاء أن حسن الخط من أحسن الأوصاف التي يتصف بها الكاتب، وأنه يرفع قدره عند الناس، ويكون وسيلة إلى نجح مقاصده، وبلوغ مآربه؛ مع ما ينضم إلى ذلك من الفوائد التي لا تكاد تحصى كثرة. وقد قال أمير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه: «الخط الحسن يزيد الحق وضوحا» . وقال بعض العلماء: الخط كالروح في الجسد، فإذا كان الإنسان جسيما

وسيما حسن الهيئة، كان في العيون أعظم، وفي النفوس أفخم، وإذا كان على ضدّ ذلك سئمته النفوس، ومجّته القلوب؛ فكذلك الخط إذا كان حسن الوصف، مليح الرّصف مفتّح العيون، أملس المتون، كثير الائتلاف، قليل الاختلاف، هشّت إليه النفوس، واشتهته الأرواح؛ حتّى إن الإنسان ليقرؤه وإن كان فيه كلام دنيء، ومعنى رديء، مستزيدا منه ولو كثر، من غير سآمة تلحقه؛ وإذا كان الخط قبيحا مجّته الأفهام، ولفظته العيون والافكار، وسئم قارئه، وإن كان فيه من الحكمة عجائبها، ومن الألفاظ غرائبها. ويقال: إن الخط مواز للقراءة، فأجود الخط أبينه، كما أن أجود القراءة أبينها؛ ولا يخفى أن الخط الحسن هو البيّن الرائق البهج. ثم قد تقدّم في الكلام على أصل الخط أن الخطّ واللفظ يتقاسمان فضيلة البيان، ويشتركان فيها. قال في «مواد البيان» «1» : ولما كان الخط قسما للّفظ في البيان الذي امتنّ الله تعالى بتعليمه على الإنسان، وجب على الكاتب أن يعنى بأمر الخط، ويراعي من تجويده وتصحيحه، ما يراعيه من تهذيب اللفظ وتنقيحه، ليدلّ على سرعة وسهولة كما يدلّ اللفظ البليغ البيّن، لأن الخط وإن كان على الإطلاق في المنزلة التي لا تساوى من الشرف فإنما تحصل فضائله للجيّد منه، كما أن المنطق وإن كان من الشرف في هذا الحدّ فإنما تحصل فضائله التامّة لمنطق البليغ اللّسن، دون منطق العييّ الألكن، وكذلك سائر الصنائع الفاضلة على الإطلاق إنما يحصل فضلها للماهر فيها دون المبتديء. قال: فينبغي للكاتب ألّا يقدّم على تهذيب خطه وتحريره شيئا من آدابه فإن جودة الخط أوّل الأدوات التي ينتظم بحصولها له اسم الكتابة، ويحكم عليه إذا

الجملة الثانية في الطريق إلى تحسين الخط؛ ويتوصل إلى ذلك بأمور

حازها بأنه من أهلها. وقد دخل بحسن الخط في الصناعة من إذا فحص عن مقدار معرفته وجب أن تنزّه الكتابة عن نسبته إليها. ويجب مع ذلك أن يراعي تأسيس الخط على الوضع الذي اصطلح عليه المجيدون من الكتّاب، فقد قسم أهل الصناعة الخطّ إلى قسمين: محقّق ومطلق. فأما المحقّق فما صحّت أشكاله وحروفه على اعتبارها مفردة. قال في «موادّ البيان» : وهذا القسم هو الذي يستعمل في الأمور الجسمية: ككتب العهود، والإسجالات، والتمليكات التي تبقى على الأعقاب، والمكاتبات الصادرة عن الملوك إلى الملوك، الدالة على قدر المكتوب عنه والمكتوب إليه. وأما المطلق فهو الذي تداخلت حروفه واتصل بعضها ببعض. قال في «مواد البيان» : وهو خط مولّد من المحقّق، يستعمل في تنفيذ ما لا يمكن تأخيره من المكاتبات المهمّة والأمور العامة. قال: ويجب أن يلزم الطريقة في كل واحد من الخطين، ولا يخلط حروف أحدهما بحروف الآخر. الجملة الثانية في الطريق إلى تحسين الخط؛ ويتوصّل إلى ذلك بأمور الأوّل «1» - معرفة تشكيل الحروف قال في «مواد البيان» : وهو الأصل في أدب الخط، لأن الخط إنما يسمّى جيّدا إذا حسنت أشكال حروفه، وإنما يسمّى رديئا إذا قبحت أشكال حروفه. وحسن صور حروف الخط في العين شبيه بحسن مخارج اللفظ العذب في السّمع. قال: والوجه في تصحيح الحروف أن يبدأ أوّلا بتقويمها مفردة مبسوطة

الطرف السادس في قواعد تتعلق بالكتابة لا يستغني الكاتب المجيد عن معرفتها؛ وفيه جملتان

لتصح صورة كل حرف منها على حالها، ثم يؤخذ في نقويمها مجموعة مركبة، وأن يبدأ من المركّب بالثنائى والثلاثيّ، ثم بالرباعيّ، ثم بالخماسيّ؛ فإن هذه هي أمثلة الأسماء والحروف الأصلية، وأن يعتمد في التمثيل على توقيف المهرة في الخطوط، العارفين بأوضاعها ورسومها واستعمال آلاتها، فإن لكل خط من الخطوط قلما من الأقلام يصلح لذلك الخط، وهذه الأقلام المختلفة نظير آلات الصنائع المختلفة التي يصنع الصانع بكل آلة منها جزاءا من صناعته لا يصنع به غيره؛ ولا يعوّل على كتابة خط من الخطوط بنقل مثاله بنفسه فإن ذلك لا يكفيه، إذ لو كان ذلك كافيا لاستغني في جميع الصنائع عمن يوقّف عليها. على أن كثيرا من أصحاب الخطوط قد كتبوا طبعا دون التوقيف من أحد على طريقة من طرق المحرّرين، إلا أن الأفضل أن يبنى الخطّ على أصل يكون له أساسا، فإذا فصّلت أحواله انكشف فساد كثير من حروفه. الطرف السادس في قواعد تتعلق بالكتابة لا يستغني الكاتب المجيد عن معرفتها؛ وفيه جملتان الجملة الأولى في هندسة الحروف، ومعرفة اعتبار صحتها ونحن نذكرها على ترتيب الحروف الألف قال الوزير أبو عليّ بن مقلة: وهي شكل مركب من خط منتصب، يجب أن يكون مستقيما غير مائل إلى استلقاء ولا انكباب. قال: وليست مناسبة لحرف في طول ولا قصر. قال الشيخ شرف الدين محمد ابن الشيخ عز الدين بن عبد السلام «1» : وهي

قاعدة الحروف المفردة، وباقي الحروف متفرعة عنها ومنسوبة إليها. ثم الذي ذكره صاحب «رسائل إخوان الصفا» «1» في رسالة الموسيقى، عند ذكر حروف المعجم استطرادا أن مساحتها في الطول تكون ثمان نقط القلم الذي تكتب به ليكون العرض ثمن الطّول. والذي ذكره الشيخ شرف الدين محمد ابن الشيخ عز الدين بن عبد السلام: أنها مقدّرة بست نقط. والذي ذكره الشيخ زين الدين شعبان الآثاريّ في ألفيته أنها مقدّرة بسبع نقط، فما زاد على ذلك كان زائدا عن مقدارها وما نقص كان ناقصا عنه. قال ابن عبد السلام: وتكون النقطة مربعة. قال: ويكون ابتداؤها بنقطة وآخرها بشظيّة. قال ابن مقلة: واعتبارها أن تخط إلى جانبها ثلاث ألفات أو أربع ألفات فتجد فضاء ما بينها متساويا. قال ابن عبد السلام «2» : وتكون ذلك الألفات المخطوطة إلى جانبها مناسبات لها في الطول متساويات الرؤوس والأذناب.

الباء

الباء قال ابن مقلة: هي شكل مركّب من خطين: منتصب ومنسطح. قال: ونسبته إلى الألف بالمساواة. قال ابن عبد عبد السلام: ويكون المنتصب طوله بمقدار ثلث ألف خطّه. قال: ويبدأ أوّله بنقطة، وكذلك آخره إن كان مرسلا، فإن كان معطوفا فليكن بسنّ القلم اليسرى، والمستدير فيه مثل المنتصب، ولكن يكون المنتصب أرجح من المستدير بنزر يسير؛ وتكون السّنّة المبتدأ بها مترجّحة في الطّول على آخرها المعطوف. قال ابن مقلة: واعتبار صحّتها أن تزيد في أحد سنّيها ألفا فتصير لاما، وزاد ابن عبد السلام في إيضاحه فقال: أن تزيد المنتصب تكملة ألف بحيث يكون طول جملته كطول المنسطح لا أطول ولا أقصر. ثم قال: وهذا الحرف وما يجرى مجراه من يمنة إلى يسرة، وكلّ ما كان كذلك فينبغي أن يمال القلم فيه نحو اليسرة قليلا. ولا يخفى أن التاء والثاء في معنى الباء في ذلك جميعه. الجيم قال ابن مقلة: هي شكل مركّب من خطّين: منكبّ ونصف دائرة؛ وقطرها مساو للألف. وأبدل ابن عبد السلام المنكبّ بالمنسطح، ثم قال: والمنسطح كثلثي ألف من خطه، وربما يكون أنقص بنقطة. قال: ومساحة نصف الدائرة كألف ونصف ألف من قلم الكتابة، ورأسها يكون من يسرة إلى يمنة على استقامة تقريبا؛ وكلّ ما كان كذلك ينبغي أن يمال برأس القلم فيه إلى اليمنة قليلا، يبدأ أوّله بشظيّة بالسّنّ اليمنى من القلم، وآخر تعريجها بالسّنّ اليسرى منه. قال ابن مقلة: واعتبار صحتها أن تخطّ عن يمينها وشمالها خطّين فلا تنقص عنهما شيئا يسيرا ولا تخرج. وقال ابن عبد السلام: واعتبار صحة رأسها أن تكتبه من يسرة إلى يمنة على

الدال

استقامة تقريبا. قال: وحسنها أن تخفضها من الجهة اليمنى قليلا، وميزانها أن تسطر سطرا وتأخذ عليه من يسرة إلى يمنة مقدار ثلثي ألف من قلم الكتابة، بحيث لا يرتفع أولها عن آخرها إلا يسيرا، ولا آخرها عن أولها بل تكون منسبكة فيه، واعتبار نصف الدائرة أن تقابله بنصف آخر فيصير دائرة. ثم قال: وليقصد أن يجعل رأس الجيم سواء آخذا ابتداء الدائرة في جسد ثلث الرأس منسبكا فيه، بحيث يكون الثلث ضلعا واحدا. ولا يخفى أن الحاء والخاء في معنى الجيم في جميع ما تقدّم. الدال قال ابن مقلة: هي شكل مركّب من خطين: منكبّ ومنسطح، مجموعهما مساو للألف. وجعل ابن عبد السلام منها شكلا آخر مركّبا من ثلاثة خطوط: منكبّ، ومنسطح، ومستدير. وكأنه يريد الدال المجموعة. ثم قال: فالمنكب طوله بمقدار نصف ألف خطّه لا غير، وكذلك المنسطح. وابتداء أوّلها بنقطة، وآخرها إن كان مرسلا بقطّة، وإن كان معطوفا بسنّ القلم اليسرى. قال ابن مقلة: واعتبار صحتها أن تصل طرفيها بخطّ فتجده مثلّثا متساوي الأضلاع. ولا يخفى أن الذال في معنى ما تقدّم. الراء قال ابن مقلة: وهي شكل مركّب من خطّ مقوّس هو ربع الدائرة التي قطرها الألف وفي رأسه سنّة مقدّرة في الفكر. قال ابن عبد السلام: وتبدأ أولها بنقطة، وآخرها إن كان مرسلا فبسنّ القلم اليمنى، وإن كان معطوفا فبسنّه اليسرى. قال ابن مقلة: واعتبار صحتها أن تصلها بمثلها فتصير نصف دائرة. ولا يخفى أن الزاي في معناها.

السين

السين قال ابن مقلة: وهو شكل مركّب من خمسة خطوط: منتصب، ومقوّس. ومنتصب، ومقوّس، ومنتصب «1» . قال ابن عبد السلام: ومساحة رأس السين من أوّل سنّ منها إلى ثالث سنّ كثلثي ألف خطّه. قال: ومساحة قوسها إن كان معطوفا مساحة ألف من خطه، وإن كان مرسلا مساحة ألفين من خطه. وطول كل سنّة مثل سدس ألف خطه، يبدأ أوّلها بنقطة، أما آخرها فإن كان مرسلا فبسنّ القلم اليمنى، وإن كان معطوفا فبسنّه اليسرى. قال: وإذا ابتدأت بالسّنّة وطلعت إلى الثانية فخذ إلى الثالثة من أعلاها ليصير بياض من أسفلها، فإنك متى أخذت رأس سنّة من أسفلها صار أسفلها مصطحبا، ويكون البياض الذي بين السنّات على السوية في البياض. قال ابن مقلة: واعتبار صحتها يعني صحة رأسها أن تمرّ بأعلاها وأسفلها خطين فلا تخرج عنهما شيئا ولا تنقص. ولا يخفى أن حكم الشين أيضا كذلك. الصاد قال ابن مقلة: هي شكل مركب من ثلاثة «2» خطوط: مقوّس، ومنسطح، ومقوس. قال ابن عبد السلام: وابتداؤه بشظيّة، أما انتهاؤه فإن كان مرسلا فبسنّ القلم اليمنى، وإن كان معطوفا فبسنه اليسرى. قال: ومساحة رأس الصاد في

الطاء

الطول كثلثي ألف خطه، ومساحة قوسها إن كان معطوفا مساحة ألف الكتابة، وإن كان مرسلا فمساحة ألفين من قلم خطه. قال ابن مقلة: واعتبار صحتها أن تجعلها مربّعة فتصير متساوية الزّوايا في المقدار. وقال ابن عبد السلام: اعتبار صحتها أن يكون أعلاها كراء معلّقة، والمنسطح كباء، والمقوّس كنون؛ ويكون رأس النون مشرفا على آخرها. ولا يخفى أن الضاد كذلك. الطاء قال ابن عبد السلام: هو شكل مركّب من ثلاثة خطوط: منتصب، ومقوّس، ومنسطح، يبدأ أوله بنقطة وآخره بنقطة. قال: ومساحة ضوء الطاء في الطول كثلثي ألف خطه. قال ابن مقلة: واعتبارها كاعتبار [الصاد «1» ] . وقال ابن عبد السلام: اعتبار صحتها أن يكون المنتصب كألف من خطه في الانتصاب والطول، والمقوّس كراء معلقة، والمنسطح كباء مرسلة. ولا يخفى أن حكم الظاء في ذلك كالطاء. العين قال ابن مقلة: وهي شكل مركّب من خطين: مقوّس ومنسطح، أحدهما نصف الدائر. وقال ابن عبد السلام: هي شكل مركب من ثلاثة خطوط: مقوّس، ومنكبّ،

الفاء

[ومنسطح «1» ] يبدأ أولها بشظيّة، وآخر تعريجها بسنّ القلم اليسرى، والتعريجة نصف دائرة؛ ومساحة القوس كألف وثلث من قلم الكتابة، ومساحة الرأس في الطول كثلثي ألف خطه، ويصوّر من رأسها رأس صاد. قال ابن مقلة: واعتبار صحتها كاعتبار الجيم. وقال ابن عبد السلام: اعتبارها أن تخط عن يمينها خطّا من أعلاها إلى منتهى تعريجها فلا يقصر ظهر القوس عن يسارها يسيرا بنقطة تكون سدس ألف خطها لا غير. ولا يخفى أن الغين في الحكم كذلك. الفاء قال ابن مقلة: هي شكل مركّب من أربعة خطوط: منكبّ، ومستلق ومنتصب، ومنسطح. قال ابن عبد السلام: تبدأ أوله بنقطة وتأخذه على سطر إلى جهة اليسار، ثم تأخذ المستلقي إلى أن تنتهي إلى قبالة المنسطح بحيث يصير كالدال المقلوبة. ثم تأخذ من حيث انتهت إلى أن تلصق بالمنسطح فيبقى مثلّثا متساوي الأضلاع، مساحة ضوئه نقطة بمقدار سدس ألف خطّه؛ ثم إن كان معطوفا ختمته بسنّ القلم، وإن كان مرسلا فبقطته. قال ابن مقلة: واعتبار صحته أن تصل بالخط الثاني منها خطّا فيصير مثلّثا قائم الزاوية.

القاف

القاف قال ابن مقلة: هو شكل مركّب من ثلاثة خطوط: منكبّ، ومستلق، ومقوّس. قال ابن عبد السلام: هو مركب من أربعة خطوط، رأسها كرأس الفاء سواء بجميع ما تقدّم، وإرسالها كالنون على ما سيأتي ذكره؛ فإن كان آخرها معطوفا فبسنّ القلم اليسرى، وإن كان مرسلا فبسنّه اليمنى. قال: ومساحة ضوء القوس من أوّله إلى آخره إن كان معطوفا كألف قلم الكتابة، وإن كان مرسلا فكألفين. قال ابن مقلة: واعتبار صحتها كاعتبار النون، وسيأتي ذكره. الكاف قال ابن مقلة: شكل مركّب من أربعة خطوط: منكبّ، ومنسطح، ومنتصب، ومنسطح. وقال ابن عبد السلام: وهو مركّب من أربعة خطوط: مستلق، ومنسطح طوله مقدار ألف وثلث ألف من قلم الكتابة، ومنكبّ طوله مقدار ثلث ألف من خطه، ومنسطح طوله مقدار ألفين من خطه، يفصل منتهى المنسطح ما بين المنسطحين. قال: ولك أن تزيد الأسفل عن رأس الكاف بمقدار ثلث ألف الكتابة بسبب ما يتصل به، فيصير فضاء ما بين ما اتصل بآخرها إلى رأس الكاف مثل الفضاء الذي بين المنسطحين. قال: ولا يجوز أن تكتب مختلسة إذا لم يتصل آخرها بحرف، بل إذا كانت آخر كلمة تكتب منتصبة قائمة لا غير؛ وتكتب إذا كانت منتصبة كاللام على ما سيأتي بيانه. قال: وتبدأ أولها بشظيّة فإذا انتهيت إلى اتصال رأسها بالمنسطح تشير بتدويرها دون تحديدها.

اللام

قال ابن مقلة: واعتبار صحتها أن ينفصل منها باءان. قال ابن عبد السلام: يعني مستقيمة ومقلوبة. اللام قال ابن مقلة: هي شكل مركّب من خطين: منتصب، ومنسطح. قال ابن عبد السلام: فالمنسطح ألف والمنتصب ياء؛ فإن كان معطوفا فبسنّ القلم اليسرى، وإن كان مرسلا فبقطّه. قال ابن مقلة: واعتبار صحتها أن تخرج من أولها إلى آخرها خطّا يماسّ الطرفين فيصير مثلّثا قائم الزاوية. قال: وتكتب على الأنواع الثلاثة التي تكتب عليها الباء. الميم قال ابن مقلة: هي شكل مركّب من أربعة خطوط: منكبّ، ومستلق، ومنسطح، ومقوّس. وقال ابن عبد السلام: مركّب من أربعة خطوط: منكبّ، ومقوّس، ومستلق بتقويس، ومقوّس كالراء يكون ربع دائرة؛ فإن كان آخرها منتصبا فهو في الوضع والطّول مثل ألف من خطه غير مائل إلى استلقاء ولا انكباب، تبدأ أول الميم بشظيّة وآخرها بشظيّة. قال: ومساحة ضوئها مثل سدس ألف خطّها؛ وهو مستطيل مستدير كالبيضة منتصب إلى جهة اليمين. قال ابن مقلة: واعتبارها كاعتبار الهاء، وسيأتي. النون قال ابن مقلة: هو شكل مركّب من خطّ مقوّس، هو نصف الدائرة؛ وفيه سنّة مقدّرة في الفكر.

الهاء

قال ابن عبد السلام: يبدأ أوّله بنقطة، وآخره إن كان معطوفا فبسنّ القلم اليسرى، ومساحة ضوئه ألف من قلم خطه؛ وإن كان مرسلا فبسنّ القلم اليمنى، ومساحة ضوئه ألفان من قلم خطّه. قال ابن مقلة: واعتبار صحتها أن يوصل بها مثلها فتكون دائرة. الهاء قال ابن مقلة: هي شكل مركّب من ثلاثة خطوط: منكبّ، ومنتصب، ومقوّس. وقال ابن عبد السلام: من ثلاثة خطوط: منكبّ، ومنسطح بترطيب، ومستلق؛ تبدأ أولها بنقطة وآخرها إرسالة بسن القلم اليمنى؛ طول المنكبّ كطول نصف ألف من خطه، وطول المنسطح كثلث ألف من خطه، وطول المستلقي كنصف ألف قلم خطه. قال ابن مقلة: واعتبار صحتها أن تجعلها مربّعة فتتساوى الزاويتان العليا وان كتساوي الزاويتين السّفلاوين. وقال ابن عبد السلام: اعتبار صحتها أن تجعل ردّتها في ثلثيها، فإذا كمل وضعها فاجعلها مربعة فتتساوى الزاويتان العاليتان والزاويتان السافلتان. الواو قال ابن مقلة: هي شكل مركّب من ثلاثة خطوط: مستلق، ومنكبّ، ومقوّس. وقال ابن عبد السلام: هي مركّبة من أربعة خطوط، رأسها كرأس الفاء؛ وتقويسها كالراء؛ وهو ربع دائرة، تبدأ أولها بنقطة، وآخرها إن كان معطوفا فبسنّ القلم اليسرى، وإن كان مرسلا فبسنّه اليمنى. اللام ألف قال ابن عبد السلام: هي شكل مركّب من ثلاثة خطوط: منكبّ، ومنسطح

الياء

مستقيم، ومستلق؛ طول المنكبّ كطول ألف من قلم الكتابة وطول المنسطح كثلثي ألف الكتابة، وطول المستلقي كطول ألف الكتابة؛ تبدأ أوّل المنكبّ بنقطة، وكذلك المستلقي. قال: واعتبار صحتها أن يكون ثلثها من أسفلها والثلثان من أعلاها، وأن تخط من رأس اللام الى رأس الألف خطّا مستقيما، وأن تخط من أعلاها الى أسفلها خطّا فلا يقصر عنها ولا يخرج. قال: ومنها نوع آخر مركب من ثلاثة خطوط: منكبّ، ومستدير يقارب ألفا، ومستلق يقابل طرفه طرف المنكبّ. الياء قال ابن مقلة: شكل مركّب من ثلاثة «1» خطوط: مستلق، ومنكبّ، ومقوّس. قال ابن عبد السلام: وهي كالنون؛ وتبدأ أولها بشظيّة رأسها كدال مقلوبة، طول المستلقي منها كنصف ألف من خطه، وكذلك المنكبّ على ما تقدّم في الدال. قال: والمقوّس إن كان معطوفا فمساحته كألف من خطّه وآخره بسنّ القلم اليسرى، وإن كان مرسلا فمساحته كألفين من خطه وآخره بسنّ القلم اليمنى. قال: ومنها نوع كرأس الكاف المستلقي والمنسطح سواء. قال ابن مقلة: واعتبارها كاعتبار الواو.

الجملة الثانية في معرفة ما يقع به ابتداء الحروف وانتهاؤها

الجملة الثانية في معرفة ما يقع به ابتداء الحروف وانتهاؤها : من نقطة أو شظيّة أو غير ذلك. أمّا الابتداء فعلى ثلاثة أضرب: الضرب الأول ما يبتدأ بنقطة، وهو تسع «1» صور صورة الباء وأختيها، وصورة الدال وأختها، وصورة السين وأختها، وصورة اللام، وصورة النون، وصورة العين وأختها. وقد جمعها السّرّمرّيّ «2» في أرجوزته في أوائل كلمات بيت واحد؛ وهو قوله: إذا بدت دعد رقا سناها ... لعاشق ناح على هواها على أن الشيخ شرف الدين بن عبد السلام قد وهم فعدّ منها الفاء، وليس كذلك بل هي مما يبتدأ بجلفة «3» على ما سيأتي ذكره. الضرب الثاني ما يبتدأ بشظيّة، وهو صور خمسة أحرف الحاء والطاء والياء والصاد والكاف وقد جمعها السّرّمرّيّ في قوله: «خطي يصك» .

الضرب الثالث ما يبتدأ بجلفة. وهو صور أربعة أحرف:

وجعل ابن عبد السلام الخمسة: الغين، والطاء، والحاء، والكاف، والصاد. وجمعها في قوله: «غطّ حصّك» وألحق بها أشباهها. الضرب الثالث ما يبتدأ بجلفة. وهو صور أربعة أحرف: القاف، والميم، والواو، والفاء وقد جمعها السّرّمرّيّ في قوله: «قم وفّ» . وأمّا الاختتام فعلى ثلاثة أضرب أيضا: الضرب الأول ما يختتم بقطّة القلم. وهو صور ستة أحرف: الطاء، والفاء، والباء، واللام، والدال، والكاف وجمعها ابن عبد السلام في قوله: «دبّ طفلك» ولا يخفى أن أخواتها في معناها. الضرب الثاني ما يختتم بشظيّة ؛ وهو صورة واحدة وهي الألف الضرب الثالث ما يرسل في ختمه إرسالا ، وهو صورة أحد عشر حرفا، وهي: السين، والراء، والحاء، والميم، والنون، والياء والعين، والقاف، والصاد، والواو، والهاء يجمعها قولك: «سرح منيع وقصه» .

الطرف السابع في مقدمات تتعلق بأوضاع الخط وقوانين الكتابة، وفيه ثلاث جمل

الطرف السابع في مقدّمات تتعلق بأوضاع الخط وقوانين الكتابة، وفيه ثلاث جمل الجملة الأولى في كيفية إمساك القلم عند الكتابة، ووضعه على الورق قال الوزير أبو عليّ بن مقلة رحمه الله: يجب أن تكون أطراف الأصابع الثلاث: الوسطى والسّبابة والإبهام على القلم؛ وإلى ذلك يشير أبو تمّام الطائيّ بقوله: ............ وسدّت ... ثلاث نواحيه الثّلاث الأنامل أما قول القائل في وصف القلم أيضا: وذي عفاف راكع ساجد ... أخو صلاح دمعه جاري ملازم الخمس لأوقاتها ... مجتهدا في طاعة الباري يريد بالخمس الأصابع الخمس؛ فإنه على سبيل المجاز، من باب مجاز المجاورة. قال الشيخ عماد الدين بن العفيف «1» : وتكون الأصابع مبسوطة غير مقبوضة، لأن بسط الأصابع يتمكن الكاتب معه من إدارة القلم؛ ولا يتكيء على القلم الاتكاء الشديد المضعف له، ولا يمسكه الإمساك الضعيف فيضعف اقتداره في الخط، لكن يجعل اعتماده في ذلك معتدلا. وقال حنون: إذا أراد الكاتب أن يكتب فإنه يأخذ القلم فيتكيء على الخنصر، ويعتمد بسائر أصابعه على القلم، ويعتمد بالوسطى على البنصر، ويرفع السبّابة على القلم، ويعمل الإبهام في دورانه وتحريكه.

الجملة الثانية في كيفية الاستمداد، ووضع القلم على الدرج

قال ابن مقلة: ويكون إمساك القلم فويق الفتحة بمقدار عرض شعيرتين أو ثلاث، وتكون أطراف الأصابع متساوية حول القلم لا تفضل إحداهنّ على الأخرى. قال صاحب «الحلية» «1» : وتكون الأصابع على القلم منبسطة غير منقبضة ليتمكّن من إدارة القلم، ولا يدار حالة الاستمداد. قال ابن العفيف: وعلى حسب تمكّن الكاتب من إدارة قلمه وسرعة يده في الدّوران يكون صفاء جوهر حروفه. الجملة الثانية في كيفية الاستمداد، ووضع القلم على الدّرج أما الاستمداد «2» فهو أصل عظيم من أصول الكتابة؛ وقد قال المقرّ العلائيّ ابن فضل الله «3» : من لم يحسن الاستمداد وبري القلم فليس من الكتابة في شيء. قال الشيخ عماد الدين بن العفيف: وإذا مدّ الكاتب فليكن القلم بين اصابعه على صورة إمساكه له حين الكتابة، ولا يديره للاستمداد، لأن أحسن المذاهب فيه أن يكون من يد الكاتب على صورة وضعه في الكتاب، ويحرّك رأس القلم من باطن يده إلى خارجها فإنه يمكن معه مقام القلم على نصبته من الأصابع، ومتى عدل عن هذا لحقته المشقّة في نقل نصبة الأصابع في كل مدّة «4» .

الجملة الثالثة في وضع القلم على الأذن حال الكتابة عند التفكر

قال: وهذا من أكبر ما يحتاج إليه الكاتب، لأن هذا هو الذي عليه مدار جودة الخط. ثم قال: وقلّما يدرك علم هذا الفصل إلا العالم الحاذق بهندسة الخط، مع ما يكون معه من الأناة وحسن التأدية. ومن كلام المقرّ العلائيّ ابن فضل الله: ينبغي للكاتب ألّا يكثر الاستمداد بل يمدّ مدّا معتدلا، ولا يحرّك اللّيقة «1» من مكانها، ولا يعثر بالقلم فإن ذلك عيب عند الكتّاب، ولا يردّ القلم إلى اللّيقة حتّى يستوعب ما فيه من المداد، ولا يدخل منه الدواة كثيرا، بل إلى حدّ شقّه، ولا يجاوز ذلك إلى آخر الفتحة، ليأمن تسويد أنامله، وليس ذلك من خصال الكتّاب. وأما وضع القلم على الدّرج «2» فقال أبو عليّ بن مقلة: ويجب أن يكون أوّل ما يوضع على الدّرج موضع القطة منكبّا. الجملة الثالثة في وضع القلم على الأذن حال الكتابة عند التفكر قال محمد بن عمر المدائني: يستحبّ للكاتب في كتابته إذا فكّر في حاجة أن يضع القلم على أذنه؛ وساق بسنده إلى أنس بن مالك «3» رضي الله عنه: أن معاوية بن أبي سفيان كان يكتب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فكان إذا رأى من النبيّ صلى الله عليه وسلم إعراضا وضع القلم في فيه، فنظر إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال: «يا معاوية إذا كنت كاتبا فضع القلم على أذنك فإنّه أذكر لك وللمملي» . وساق بسنده أيضا إلى زيد بن ثابت «4» رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر

الطرف الثامن في ذكر قوانين يعتمدها الكاتب في الخط؛ وفيه ست جمل

إليه وهو يكتب في حوائجه فقال له: «ضع القلم على أذنك فإنّه أذكر لك» . وأخرج أيضا من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكاتبه: «ضع القلم على أذنك يكن أذكر لك» . وفي رواية عن أنس: «كان معاوية كاتبا للنبيّ فرآه يوما قد وضع القلم على الأرض فقال: يا معاوية إذا كتبت كتابا فضع القلم على أذنك» . وأخرج أيضا «أن كعبا كان يتحدث عند عائشة، فذكر إسرافيل فقال: له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب وجناح مسربل به والقلم على أذنه فإذا نزل الوحي جرى القلم ودرست «1» الملائكة. فقالت عائشة: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم» . الطرف الثامن في ذكر قوانين يعتمدها الكاتب في الخط؛ وفيه ستّ جمل الجملة الأولى في كيفية حركة اليد بالقلم في الكتابة، وما يجب أن يراعى في كلّ حرف قال السّرّمرّيّ وابن عبد السلام وغير هما: كلّ خط منتصب ينبغي أن يكون الاعتماد فيه من القلم على سنّيه معا، وكل خط من يمنة إلى يسرة ينبغي أن يمال القلم فيه نحو اليسرة قليلا، وكل خط من يسرة إلى يمنة ينبغي أن يمال رأس القلم فيه إلى اليمنة قليلا، وكل شظيّة ينبغي أن تكون بالسّنّ اليمنى من القلم، وكل نقطة ينبغي أن تكون بسنّي القلم، وكل تقعير كما في النون وتعريقة الصاد يجب أن تكون بالسنّ الأيمن وكل إرسالة يجب أن تكون بسنّ القلم اليمنى، وكل تعريج كما في عراقة الجيم والعين يجب أن يكون بسنّ القلم اليسرى، وكل ما أخذ فيه من يمنة إلى يسرة كاللام ونحوها ينبغي أن يمال فيه رأس القلم إلى اليسرة قليلا،

الجملة الثانية في تناسب الحروف ومقاديرها في كل قلم

وكل ما أخذ فيه من يسرة إلى يمنة كرأس الجيم ينبغي أن يمال رأس القلم فيه إلى اليمنة قليلا، وكلّ خط منتصب فيجب أن يكون انتهاؤه إرسالة، وطول كل سنة من السين ونحوها مثل سدس ألف خطها، وقيل مثل سبعه، وكلّ شظية في أوّل أو آخر مثل سبع ألف خطّها. قال الشيخ عماد الدين بن العفيف: وللسّنّ الأيمن من القلم الألف واللام ورفعة الطاء والنون والباء والكاف إذا كانت قائمة مبتدأة، وأواخر التعريقات والمدّات وطبقة الصاد والضاد، ومدّة السين والشين؛ وللأيسر الجيم وأختاها والردّات وتدوير رؤوس الفاءات والقافات والهاءات والواوات والكافات المشقوقة. قال: وكل ردّة من اليسار إلى اليمين تكون بصدر القلم. قال: ويجب أن تكون المطّات الطويلة بسنّ القلم اليمنى مشظّاة ممالة، فتكون المطّة من رأس شظيّتها، وأن تكتب المدّات القصيرة بحرف القلم؛ وإذا ابتدأ بالمدّة وجب أن يدار القلم على سنّه مثل مطّة الطاء؛ وإذا وصلت المطّة بحرف مثلها كتبت بوجه القلم مثل مطّة الفاء المفردة. ثم قال: وهذا من أعظم أسرار الكتابة. الجملة الثانية في تناسب الحروف ومقاديرها في كل قلم قال صاحب «رسائل إخوان الصفا» في رسالة الموسيقى منه: ينبغي لمن يرغب أن يكون خطّه جيّدا وما يكتبه صحيح التناسب، أن يجعل لذلك أصلا يبني عليه حروفه، ليكون ذلك قانونا له يرجع إليه في حروفه، لا يتجاوزه ولا يقصّر دونه. قال: ومثال ذلك في الخطّ العربيّ أن تخط ألفا بأيّ قلم شئت، وتجعل غلظه الذي هو عرضه مناسبا لطوله، وهو الثمن ليكون الطّول مثل العرض ثمان مرّات، ثم تجعل البركار «1» على وسط الألف وتدير دائرة تحيط بالألف لا يخرج دورها عن

طرفيه، فإنّ هذا الطريق والمسلك يوصّلان إلى معرفة مقادير الحروف على النسبة، ولا تحتاج في مقاييسك ما تقصده إلى شيء يخرج عن الألف وعن الدائرة التي تحيط به. فالباء وأخواتها- كل واحدة منها يجب أن يكون تسطيحها إذا أضيفت إليه سنّها مساويا لطول الألف، فإن زاد سمج وإن قصر قبح، ومقدار ارتفاع سنّها وجميع السنن التي في السين والشين ونحوها لا يتجاوز مقدار ثمن الألف. والجيم وأخواتها- مقدار مدّتها في الابتداء لا يقصر عن نصف طول الألف. وكذلك يجري الأمر في العين، والغين، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والراء والزاي، كل واحدة منها مثل ربع محيط الدائرة. والدال، والذال- كل واحدة منهما يجب أن يكون مقدارها إذا أزيل الانثناء الذي فيها وأعيدت إلى التسطيح لا يتجاوز طول الألف ولا يقصر دونه. والسين، والشين- كلّ واحدة منهما يجب أن تكون سننها إلى فوق مثل مقدار ثمن الألف، وفي العرض بمقدار نصفها، وفي التعريق مثل نصف الدائرة المحيطة بالألف. والصاد، والضاد- مقدار عرض كلّ منهما في مداها مثل مقدار نصف الألف وفتحة البياض فيها مقدار ثمن الألف أو سدسها، وتعريقها إلى أسفل مثل نصف الدائرة المحيطة بالألف. والطاء، والظاء- كلّ واحدة منهما في ناحية يجب أن يكون مقداره مثل مقدار جميع طول الألف وعرضه مثل نصف الألف. والعين، والغين- كلّ واحد منهما مقدار تقويسه في العرض مثل نصف الألف أو مثل الألف إذا أعيدت إلى التسطيح وأزيل تثنّيه وتقويسه من أسفل مثل نصف محيط الدائرة.

والفاء- يجب أن يكون تسطيحه إلى قدّام بعد الطالع منه من فوق مثل طول الألف. وحلقته وحلقة الواو والميم كلّها إلى فوق مثل سدس الألف، وإلى أسفل في الميم والواو مثل الراء. والقاف- تقويسها من فوق ينبغي أن يكون مثل سدس طول الألف، وتعريقها مثل مقدار نصف الدائرة. والكاف- ينبغي أن يكون الأعلى منها طول الألف، وفتحة البياض التي داخله مثل سدس طول الألف، وتسطيحه من أسفل مثل أعلاه وكسرته إلى فوق مثل نصف طول الألف. واللام- يجب أن يكون مقدار طول قائمتها مثل الألف، ومدّتها إلى قدّام مثل مقدار نصف الألف. والنون- يجب أن يكون مقداره مثل نصف محيط الدائرة. والياء- ينبغي أن يكون مبدؤه دالا مقلوبة لا تتجاوز مقدار طول الألف، وتعريقها إلى أسفل مثل نصف محيط الدائرة. ثم قال: وهذه المقادير وكمية نسبة بعضها إلى بعض هو ما توجبه قوانين الهندسة والنسبة الفاضلة، إلا أن ما يتعارفه الناس ويستعمله الكتّاب على غير ذلك. وقد أشار الشيخ عماد الدين بن العفيف إلى ضوابط في ذلك على ما تقتضيه أوضاع الكتّاب يجب الوقوف عندها فقال: واعلم أن مقادير الحروف متناسبة في كل خط من الخطوط. واعلم أن صاحبنا الشيخ زين الدين شعبان الآثاريّ في ألفيته قد جعل طول الألف سبع نقط من كل قلم، ومقتضاه أن يكون العرض سبع الطول. ثم قال: إن ما زاد عن ذلك فهو زائد في الطول، وما كان ناقصا عن ذلك فهو

ناقص، وعلى ذلك تختلف المقادير المقدّرة بالألف من الحروف بنقص قدر الثمن من الطول. فالألف واللام قدر سواء في كل خط، وكذلك الباء وأختاها، والجيم وأختاها، والعين والغين قدر سواء، والنون، والصاد، والضاد، والسين، والشين، والقاف، والياء المعرّقة قدر سواء، والراء، والزاى، والميم، والواو قدر سواء. قال: وكل عراقة بدأت بها في كل خط مّا فعلى مثلها يكون انتهاؤها. ثم قال: فتفهّم هذا القدر فإنه كثيرا ما يختلط على الكتّاب الحذّاق. وقد ذكر الشيخ شرف الدين بن عبد السلام من ذلك أضربا: أحدها- ما هو متناسب الطّول، وهو خمس صور: صورة الألف، وصورة اللام، وصورة القاف، وصورة التاء، وصورة الكاف ويجمعها قولك: «القتك» وفرّع عليها أربع صور يجمعها قولك: «بث مي» . الثاني- ما يجوز مدّه من أوّل السطر إلى آخره وقصره ما شاء، ما لم يقصر عن طول الألف، وهي الباء، والكاف، واللام، ويجمعها قولك: «بكل» ويتفرّع عليها أخواتها. الثالث- ما هو متناسب في المقدار، وهو ثلاث صور، يجمعها قولك: «ديل» . والمنكبّ من الدال والمستلقي منها والمنسطح والمستلقي منها والمنكبّ من الياء بمقدار نصف ألف خطّه. الرابع- ما هو متناسب المساحة في حال العطف والإرسال: وهي القاف، والسين، والباء، والياء، والضاد، ويجمعها قولك: «قبس يض» وكل أخت تلحق بأختها. الخامس- ما هو متناسب في الإرسال وهو الميم، والواو، والزاي، ويجمعها قولك: «موز» .

الجملة الثالثة فيما يجب اعتماده لكل ناحية من نواحي القلم

السادس- ما هو متناسب في الضّوء والإرسال، وهو ستّ صور، هي الفاء، والقاف، والهاء، والميم، والواو، واللام ألف، ويجمعها قولك: «فقه مولا» . السابع- ما هو متناسب ضوء الباطن، وهو ثلاث صور: الصاد، والطاء، والعين وأخواتها. الثامن- ما هو متناسب الرؤوس، وهو ثلاث: الصاد، والعين، والطاء؛ ويجمعها قولك: «صعط» ويلحق بها أخواتها. التاسع- ما هو متناسب في التعريج، وهو العين، والجيم؛ ويجمعهما قولك: «عج» . الجملة الثالثة فيما يجب اعتماده لكل ناحية من نواحي القلم قد تقدّم في الكلام على براية القلم أن للقلم سنّا أيمن وسنّا أيسر، وعرضا، ووجها، وصدرا؛ وأنه يتعيّن على الكاتب معرفة كلّ واحد منها، ليعطي كل واحد منها حقّه في الموضع الذي يقتضيه الحال. وقد ذكر السّرّمرّيّ في أرجوزته جملا كلية إذا عرفها الكاتب سهل عليه ما يرومه من ذلك فقال: «إن كلّ خط منتصب الشّكل كالألف ونحوه يجب في كتابته الاعتماد على سنّي القلم جميعا، وكلّ خطّ آخذ من اليمين إلى اليسار يجب إمالة القلم فيه إلى اليسار شيئا يسيرا، وكلّ خطّ آخذ من اليسار إلى اليمين يجب إمالة القلم فيه إلى اليمين شيئا يسيرا، وكل نقطة يعتمد فيها بسنيه جميعا، وكل شظيّة فإنها تختلس بسنه اليمنى اختلاسا، وكل إرسالة تعقيب كما في الجيم والعين يعتمد فيها على السن الأيسر، وكلّ تقعير كما في النون يكتب بالسنّ اليمنى» . وأفصح عن ذلك الشيخ عماد الدين بن العفيف فقال: إن للسّن الأيمن الألف واللام، ورفعة الطاء، والنون، والباء، والكاف إذا كانت قائمة مبتدأة، وأواخر التعريقات والمدّات، وطبقة خطة الصاد والضاد

الجملة الرابعة في الترويس

المستقلّة، وبدء السين والشين، وللسن الأيسر الجيم وأختيها والردّات، وتدوير رؤوس الفاءات والهاءات والواوات والكافات المشكولة «1» . ثم قال: وكل ردّة من اليسار إلى اليمين تكون بصدر القلم. الجملة الرابعة في الترويس والذي يدخله الترويس في الجملة الألف، والباء، والجيم، والدال، والراء، والطاء، والكاف، واللام المجموعة، ويختلف الحال في ترويسها وعدمه باختلاف الأقلام. فمنها ما يروس حتما، ومنها ما يمتنع فيه الترويس، ومنها ما الكاتب فيه بالخيار بين الترويس وعدمه، وربما روّس بعض الحروف في بعض الأقلام ولم يروّس في بعضها. ثم قد ذكر أهل الصناعة أن ترويس الألف كسبعه، وذهب ياقوت إلى الزيادة على ذلك؛ وترويس الباء وأختيها بقدر نقطتين وترويس الجيم بقدر نصف نصبها، وترويس الصاد والطاء كالسين، وترويس الفاء والقاف كالباء. وسيأتي الكلام على ترويس كل حرف منها في قلمه إن شاء الله تعالى. الجملة الخامسة فيما يطمس من الحرف ويفتح وهي المعبر عنها بالعقد، وهي صورة الصاد، والطاء، والعين، والفاء، والقاف، والميم، والهاء، والواو، واللام ألف المخففة، ويختلف الحال فيها: فمنها ما لا يطمس بحال، وهي: الصاد وأختها، والطاء وأختها، والعين المفردة، والمبتدأة وأختها.

الجملة السادسة في ذكر الأقلام المستعملة في ديوان الإنشاء في زماننا

ومنها ما يطمس في بعض الأقلام دون بعض وهي: العين المتوسطة، والعين الأخيرة؛ وكذلك الغين، والفاء، والقاف، والميم، والهاء، والواو، واللام ألف وسيأتي الكلام على ما يطمس ويفتح من ذلك في كل قلم عند ذكره. ثم الطّمس فيما يطمس منها على سبيل الجواز لا على سبيل اللزوم. قال الشيخ عماد الدين بن العفيف: والرجوع في ذلك إلى قانون مضبوط، وهو أنه كلّما غلظت الأقلام كان الطمس فيها على خلاف الأصل، وكلّما رقّت كان الفتح فيها على خلاف الأصل، وذلك أنّنا عدلنا عن الفتح إلى الطّمس لأجل التلطيف. الجملة السادسة في ذكر الأقلام المستعملة في ديوان الإنشاء في زماننا وسيأتي في المقالة الثالثة في الكلام على ما يناسب كل مقدار من مقادير قطع الورق من الأقلام، أن المقرّ الشهابيّ بن فضل الله «1» ذكر في ذلك خمسة أقلام، وهي: مختصر الطّومار، والثّلث، وخفيف الثّلث، والتوقيع، والرّقاع «2» . فمختصر الطّومار لقطع البغدادي الكامل، والثّلث لقطع الثلثين، وخفيف الثلث لقطع النصف، والتوقيع لقطع الثلث، والرقاع لقطع العادة. ويلتحق بالخمسة التي ذكرها ثلاثة أقلام أخر، وهي: الطّومار الكامل، والمحقّق؛ والغبار «3» .

فالطّومار- يكتب به السلطان علاماته على المكاتبات والولايات ومناشير الإقطاع. والمحقّق- استحدثت كتابته في طغراوات «1» كتب القانات «2» على ما سيأتي بيانه في موضعه. والغبار- يكتب به بطائق الحمام «3» والملطّفات «4» وما في معناها. وحينئذ فيكون المستعمل بديوان الإنشاء في الجملة ثمانية أقلام: الطّومار،

ومختصر الطّومار، والثّلث، وخفيف الثلث، والتّوقيع، والرّقاع، والمحقّق، والغبار. وقد اختلف الكتّاب في تسمية قلم الثّلث وما في معناه من الأقلام المنسوبة إلى الكسور كالثلثين والنصف على مذهبين: المذهب الأوّل- ما نقله صاحب «منهاج الإصابة» «1» عن الوزير أبي علي بن مقلة: أن الأصل في ذلك أن للخط الكوفيّ أصلين من أربع عشرة طريقة، هما لها كالحاشيتين، وهما: قلم الطومار، وهو قلم مبسوط كله ليس فيه شيء مستدير. قال: وكثيرا ما كتب به مصاحف المدينة القديمة؛ وقلم غبار الحلية، وهو قلم مستدير كلّه ليس فيه شيء مستقيم؛ فالأقلام كلّها تأخذ من المستقيمة والمستديرة نسبا مختلفة، فإن كان فيه من الخطوط المستقيمة الثلث سمّي قلم الثلث، وإن كان فيه من الخطوط المستقيمة الثلثان سمّي قلم الثلثين، وعلى ذلك اقتصر صاحب» «منهاج الإصابة» . المذهب الثاني- ما ذهب إليه بعض الكتّاب أن هذه الأقلام منسوبة من نسبة قلم الطّومار في المساحة؛ وذلك أن قلم الطّومار الذي هو أجلّ الأقلام مساحة عرضه أربع وعشرون شعرة من شعر البرذون «2» كما سيأتي؛ وقلم الثلث منه بمقدار ثلثه، وهو ثمان شعرات، وقلم النصف بمقدار نصفه، وهو اثنتا عشرة شعرة؛ وقلم الثلثين بمقدار ثلثيه، وهو ثمان عشرة شعرة. وإلى ذلك كان يذهب بعض مشايخ الكتّاب الذين أدركناهم، وعليه اقتصر المولى زين الدين شعبان الآثاريّ في ألفيته. وهذه صور حروف الأقلام السبعة التي تستعمل في ديوان الإنشاء ولوازمه

القلم الأول قلم الطومار

وهي: الطّومار، ومختصره، والثلث، وخفيف الثلث، والرّقاع، والمحقّق «1» ، والغبار في حالتى الإفراد والتركيب. القلم الأوّل قلم الطّومار بإضافة قلم إلى الطّومار؛ والمراد بالطّومار الكامل من مقادير قطع الورق أصل عمله، وهو المعبّر عنه في زماننا بالفرخة؛ فأضيف هذه القلم إليه لمناسبة الكتابة به فيه. وقد تقدّم أنه قلم جليل قدّر الكتّاب مساحة عرضه بأربع وعشرين شعرة من شعر البرذون؛ وبه كانت الخلفاء تكتب علاماتهم في الزمن المتقدّم في أيام بني أميّة فمن بعدهم. فقد حكى أحمد بن إبراهيم الدّورقيّ «2» في مناقب عمر بن عبد العزيز أن عمر بن عبد العزيز أتي بطومار ليكتب فيه فامتنع وقال: فيه ضياع الورق وهو من بيت مال المسلمين؛ وبالضرورة فلا يكتب في الطّومار إلا بقلم الطّومار؛ وهذا دليل على أنه كان موجودا فيما قبله، وأظنّه من الأمور التي رتّبها معاوية بن أبي سفيان، إذ هو أوّل من قرّر أمور الخلافة، ورتّب أحوال الملك، وبه استقرّت كتابة ملوك الديار المصرية من لدن السلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» «3» وهلمّ جرّا إلى زماننا.

قال صاحب «منهاج الإصابة» : ويكون من لبّ الجريد «1» الأخضر، ويؤخذ منه من أعلى الفتحة ما يسع رؤوس الأنامل. قال: ويمكن أن يكون من القصب الفارسيّ. قلت: والذي استقرّ عليه الحال في كتابة العهود بالديار المصريّة بقصب البوص «2» الأبيض الغليظ الأنابيب؛ ينتقى قصبه من جزائر الصعيد بالوجه القبليّ؛ وفي كل سنة يجهّز «3» بريديّ بطلب هذه الأقلام من ولاة الوجه القبليّ، ويؤتى بها فتحفظ عند كاتب السرّ ويبرى منها ما يحتاج إليه في كتابة السلطان ويوضع في دواته بقدر الحاجة. قال في «منهاج الإصابة» : ولا بدّ فيه من ثلاثة شقوق أو أكثر بقدر ما يحتاج إليه في مجّ القلم الحبر في القرطاس. واعلم أن للكتّاب فيه طريقتين: إحداهما- طريقة الثلث، فتجري الحال فيه على الميل إلى التقوير. والثانية- طريقة المحقّق، فتجري الحال فيه على الميل إلى البسط دون التقوير؛ وسيأتي إيضاح الطريقتين وكيفية تشكيل حروفهما فيما بعد إن شاء الله تعالى. وقد ذكر السّرّمرّي في أرجوزته اختصاص قلم الطومار بأمور: أحدها: أن مستداراته كلها تكون بوجه القلم، والمدّات بسنه، والتعاريق بوجهه منفتلا فيها على اليمين.

الثاني: أن الميم منه تكون مفتوحة مدوّرة. والفاء والقاف فيه أوساطها محدّدة وجنباتها مدوّرة. الثالث: أن يكون البياض بين الأحرف كمثله بين السطور. الرابع: أن يكون الفضل من جانبي القرطاس متساويا في المقدار. الخامس: ألا يكون فيه صاد مدوّرة ولا كاف مشكولة. وذكر المولى زين الدين شعبان الآثاري في ألفيته: أنه يدخل فيه الترويس في الألف، والباء، والجيم، والدال، والراء، والطاء، والكاف المجموعة، واللام، والنون في الإفراد والتركيب عند الابتداء وأنه لا يجوز فيه الطمس في شيء من عقده كالصاد، والطاء والفاء، والقاف، والميم، والهاء، والواو، واللام ألف المحققة بحال، والمعنى فيه أن الطمس لا يليق بالخط الجليل. وهذه صورة كتابة اسم السلطان في المكاتبات والولايات وغيرها منسوبا للسلطان الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون «1»

صورة ما يكتب في جليل المكاتبات؟؟؟

صورة ما يكتب في متوسطات المكاتبات؟؟؟

صورة ما يكتب في صغار المكاتبات؟؟؟

وهذه صورة كتابة العلامة على المناشير للإقطاع لمن علامته «الله أملي» بياء راجعة؟؟؟

القلم الثاني قلم مختصر الطومار

القلم الثاني قلم مختصر الطومار بإضافة قلم إلى مختصر، وربما قيل فيه مختصر الطّومار المضاف؛ وهو الذي يكتب به في قطع البغداديّ الكامل. وقد ذكر المولى زين الدّين شعبان الآثاري في ألفيّته: أن مقدار مساحته ما بين كامل الطّومار وبين قلم الثلثين، وحينئذ فيكون مقداره ما بين عرض ست عشرة شعرة من شعر البرذون وبين أربع وعشرين شعرة؛ والحامل له على ذلك أن أعلى ما وضعوه من الأقلام المنسوبة لكسر من الكسور قلم الثلثين، وهو عرض ستّ عشرة شعرة؛ فلو كان مرادهم بمختصر الطومار هذا المقدار، لعبّروا عنه بقلم الثلثين دون مختصر الطومار، فتعين أن يكون فوق ذلك ودون الطومار الكامل، فيكون ما بين عرض ثمان عشرة شعرة وعرض أربع وعشرين شعرة. ثم هذا القلم يجوز أن يكتب به على طريقة الثلث في الميل في حروفه إلى التقوير وعلى ذلك يكتب كتّاب ديوان الإنشاء في عهود الملوك عن الخلفاء، والمكاتبة إلى القانات العظام من ملوك بلاد الشرق. ويجوز أن يكتب به على طريقة المحقّق في الميل في حروفه إلى البسط كما في الطريقة الثانية من قلم الطّومار، وسيأتي ذكر تشكيل الثلث فيما بعد إن شاء الله تعالى. ولا يخفى أن هذا القلم بالنسبة إلى الترويس وعدم الطمس على ما تقدّم في الطومار للحوقه به في الجلالة وسعة مساحة العرض.

وهذه صورة كتابته

القلم الثالث قلم الثلث

القلم الثالث قلم الثلث بإضافة قلم إلى الثلث، ويقال فيه الثلث بحذف المضاف وهو الذي يكتب به في قطع الثلثين. وقد تقدّم اختلاف الكتّاب في نسبته هل هو باعتبار التقوير والبسط، أو باعتبار أنه ثلث مساحة الطومار، من حيث إن عرض الطومار أربع وعشرون شعرة من شعر البرذون، وعرض الثلث ثمان شعرات وهي الثلث من ذلك؛ وقطّة هذا القلم محرّفة؛ لأنه يحتاج فيه إلى تشعيرات لا تتأتى إلا بحرف القلم، وهو إلى التقوير أميل منه إلى البسط، بخلاف المحقّق على ما سيأتي ذكره، والترويس فيه لازم. وقد ذكر المولى زين الدين شعبان الآثاري في ألفيّته: أنه يروّس فيه من الحروف الألف المفردة، والجيم وأختاها، والطاء، والكاف المجموعة، واللام المفردة، والسّنّة المبتدأة؛ وعقده من الصاد وأختها، والطاء وأختها، والعين وأختها، والفاء، والقاف، والميم، والهاء، والواو، واللام ألف المحققة، كلّها مفتحة لا يجوز فيها الطمس بحال. وهو على نوعين: النوع الأوّل الثلث الثقيل وربما قيل فيه ثقيل الثلث، وهو المقدّرة مساحته بثمان شعرات على ما تقدّم ذكره، وهذه صوره مفردة ومركبة: [الصورة الأولى صورة الالف] الألف على ضربين: مفردة ومركّبة، [الضرب الأول المفردة] فالمفردة على ثلاثة أنواع: الأوّل- الألف المطلق ؟؟؟

الثاني - المشعر

وطريقه: أن تبتديء فيه بصدر القلم من قفا الألف، ثم تصعد إلى هامتها فإذا بلغتها نزلت بعرض القلم إلى وجهه، ثم تنزل بوجه القلم معتمدا في نزولك على السنّ اليمنى حتّى إذا بلغت شاكلة الألف أدرت القلم برفق حتّى تختمه بحرفه. الثاني- المشعر ؟؟؟ وطريقه: كالذي قبله إلا أنه إذا جئت آخر الألف عطفت ذنبها ويكون موصولا بغيره، فإن لم يوصل بغيره فالغالب أن يكون مطلقا. الثالث- المحرّف ؟؟؟ وطريقه: أن يبدأ فيه من هامة الألف بوجه القلم فتضعه على تحريفه وتنزل به مستويا، حتى إذا بلغت شاكلته أدرت حرف القلم على ما مضى من الشرط في المطلق والمشعّر. الضرب الثاني المركّب مع غيره من الحروف ولا يكون إلا طرفا أخيرا، إذ لا يوصل بما بعده، لأن الألف مطيّة يركب عليها ولا تركب؛ وطريقه: أنك تصعد به بعد تمام الحرف الذي قبله بصدر القلم عكسا لنزولك بالألف المحرّف، فإذا بلغت هامة الألف وقفت بالقلم حتّى يكون بمنزلة رأس الألف المحرّف. وكذلك يفعل في اللام الطالع؛ وهذه صورته:

الصورة الثانية صورة الباء وهي على ضربين

الطالع؟؟؟ الصورة الثانية صورة الباء وهي على ضربين الضرب الأوّل المفردة وهي ثلاثة أنواع: مجموعة، وموقوفة، ومبسوطة. ولك في ابتدائها في الثلاث الصور وجهان: إن شئت بدأت من قفاها بتشعيرة على ما مضى من صفة الألف المطلق، وهو مذهب الأستاذ أبي الحسن «1» ، وإن شئت بصدر القلم. ثم لكل صورة منها طريقة تخصها: فأما المجموعة : فطريقها أن تبدأ من رأسها بوجه القلم حتّى إذا بلغت فتلة الباء وهي الإدارة الخفية التي تجمع بين الخط القائم والمبسوط، فتلت القلم ومططت الباء بصدره، حتّى إذا صرت إلى آخرها ختمت بحرف القلم الأيمن، ونثرت يدك برفق حتّى ترفع ذنب الباء، حتّى يجيء رأسها في نهاية الدقة. المجموعة؟؟؟ وأما الموقوفة : فطريقها كطريق المجموعة في جميع ما تقدّم، إلا أنك إذا بلغت المكان الذي ترفع فيه من ذنب المجموعة، وقفت فيه بعرض القلم فتأتي مطة محرّفة كتحريف القلم.

وأما المبسوطة:

الموقوفة؟؟؟ وأما المبسوطة: «1» المبسوطة؟؟؟ [المركبة] «2» وأما المركبة: فعلى نوعين: متوسطة، ومتطرّفة. فأما المتوسطة: فلها حالان: أحدهما- أن يكون قبلها وبعدها مثلها ، فتكون الوسطى مرتفعة على أخواتها. وإذا رفعتها أكثر من أخواتها، رجعت في خط يلاصقها. وهذا في كل حرف صغير كالنون، والباء، والتاء. والثاني- ألا يكون قبلها وبعدها مثلها ، فهي كإحدى السنّات. وأما المتطرّفة، فلها حالان أيضا: أحدهما- أن تكون مبتدأة ، وهي التي تكون في أوّل الكلمة، فطريقها أن تبدأ فيها بعرض القلم تحدّرا من يمينك إلى يسارك، وهي تصحب الجيم وأختيها. الثاني- أن تكون في آخر الكلمة ، وتكون محذوفة الرأس للتركيب كرأس السين المبسوطة، وتكون صورة مدّتها كصورة المفردة سواء في جميع أحوالها: في الجمع والبسط والوقف؛ وهذه صورها.

الصورة الثالثة صورة الجيم وما شاكلها

مركبة مجموعة مركبة موقوفة مركبة مبسوطة؟؟؟ الصورة الثالثة صورة الجيم وما شاكلها وهي على أربعة أضرب: مرسلة، ومسبلة، ومجموعة، وملوّزة؛ وابتداء جميع الصور على وجهين، من رأسها ومن جبهتها. فأما المبتدأة من رأسها فيخيّر الكاتب فيها بين أمرين: إن شاء جعلها جرّا، وإن شاء جعلها مشعّرة، فإنها يبدأ فيها بصدر القلم، وهو مذهب الأستاذ أبي الحسن، والمشعّرة يخطفها بحرف القلم أو بصدره على ما مضى؛ فإذا بلغت جبهتها أدرت فجررت بوجه القلم، وأنت في الجرّة بالخيار، إن شئت جئت بها على خط مستقيم، وإن شئت رطّبتها شيئا يسيرا؛ فإذا بلغت قفاها، كنت أيضا مخيرا، إن شئت رجعت في الخط الذي جئت فيه، وإن شئت رجعت في خط تحته يلاصقه بصدر القلم؛ فإذا وصلت تحت هامة الجيم أدرت القلم على تحريفه فنزلت بعرضه حتّى إذا بلغت آخر عجز الجيم ختمتها بحرف القلم، ولا يخرج صدر الجيم عن الخط الموازي لجبهتها، كما لا يجوز أن يخرج طرف ذنبها عن الخط الموازي لقفاها، حتى لو نصب عليها خطوطا لناسبت أعاليها أسافلها؛ وهذه صورتها: مفردة مرسلة؟؟؟

وأما المسبلة: فإنها كالمرسلة في الصورة والصفة، والفرق بينهما أنك في المرسلة إذا بلغت الصدر ونزلت فيه، أسبلت ذنبها؛ وهذه صورتها: مفردة مسبلة؟؟؟ وأما المجموعة: فإنها كالمرسلة أيضا في جميع أوصافها ويزيد عليها أنك إذا وفيت بها على ما مضى من صفة المرسلة رددت ذنبها على عجزها فصارت هنا لك دائرة؛ وهذه صورتها: مفردة مجموعة؟؟؟ وأما الملوّزة: فإنها لا تكون إلا قبل الألف. وطريقها أن تبدأ بعرض القلم من تحت الألف فيما تقدّر، فإذا بلغت جبهة الجيم، جررت بوجه القلم جرّة مبطنة حتّى يصير البياض الأوسط لوزة محققة فترفع الألف مع جبهة الجيم وتبقي تحت ذنب الألف بقية رأس الجيم؛ وهذه صورتها: مبتدأة مركبة ملوّزة؟؟؟

وزاد المتأخرون صورة أخرى تسمى الرتقاء، وصورتها أنك تبتديء برأس واو من واوات الثلث مفردة، وتكون مرتفعة الرأس بقدر نقطة من نقط الخط، ثم تكمل عليها ببقية العمل المتقدّم ذكره على الثلاث الحالات المتقدّمة في الباب، وهي: المرسلة والمسبلة، والمجموعة؛ وهذه صورها: رتقاء مرسلة رتقاء مسبلة رتقاء مجموعة؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وزاد المتأخرون صورا أخرى في التركيب، وهي ثلاث: أولى، ووسطى، وأخيرة. أما الأولى: فابتداء العمل فيها كابتداء العمل في الثلاث الحالات الأول، ثم تكمل بالحرف الذي تريد؛ وهذه صورتها: مركبة مبتدأة محققة؟؟؟ وتارة تكون ملوّزة وهي التي تصحب الألف وما شابهها كالدال، واللام، واللام ألف، وقد صوّروها مع الألف فتقاس على ما عداها.

وهذه صورتها مع اللام: وهذه صورتها مع اللام ألف: وهذه صورتها مع الدال: مركبة مبتدأة ملوّزة مركبة مبتدأة ملوّزة مركبة مبتدأة ملوّزة مع شبه الألف مع شبه الألف مع شبه الألف؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وأما المتوسطة: فالعمل فيها كالعمل في المبتدأة المحقّقة المركبة كما تقدّم ولكن بغير ترويس؛ وهذه صورتها: مركبة متوسطة محققة؟؟؟ وأما الأخيرة: فالعمل فيها كالعمل في الثلاث الحالات الأول: المرسلة، والمسبلة والمجموعة، ولكن بغير ترويس؛ وهذه صورها. مركبة مختتمة مرسلة مركبة مختتمة مسبلة مركبة مختتمة مجموعة؟؟؟؟؟؟؟؟؟

الصورة الرابعة صورة الدال وأختها وهي على ضربين: مفردة ومركبة

الصورة الرابعة صورة الدّال وأختها وهي على ضربين: مفردة ومركّبة الضرب الأوّل المفردة ولها صورة واحدة، وهي شكل مثلّث على زاوية واحدة، ويجمع طرفها جمعا يسيرا؛ وهذه صورتها: مفردة د الضرب الثاني المركبة ولها أربعة أشكال: مجموعة، ومبسوطة، ومخطوفة، ومقطوفة. أما المجموعة: فإنك ترفعها بعد فراغك من الحرف الذي قبلها، ولك في ذلك مذهبان: أحدهما- مذهب الوزير أبي عليّ بن مقلة «1» . والثاني- مذهب الأستاذ أبي الحسن بن البّواب، وطريقه أن ترفعها مائلا إلى اليسار ميلا خفيفا. ثم على كلا المذهبين ترجع بخط يلاصق الخط الذي صعدت به وبظهر القطة في الانتهاء، وتأتي بالعراقة على شكل عراقة الدال المفردة في الجمع، وهذه صورتها:

مجموعة مركبة؟؟؟ وأما المبسوطة: فحكمها في جميع صفاتها حكم المجموعة، إلا أنك إذا نزلت في المبسوطة إلى العراقة وفتلتها، أرسلت العراقة بعرض القلم، وهذه صورتها: مركبة مبسوطة؟؟؟ وأما المخطوفة: فهي كالمجموعة أيضا، إلا أنك تخطفها بحرف القلم وتختمها بأدقّ ما تقدر عليه من النحافة؛ وهذه صورتها: مركبة مخطوفة؟؟؟ وأما المقطوفة: فهي كالمخطوفة، إلا أنك بعد الفتلة تبقي لها ذنبا صغيرا بحرف القلم؛ وهذه صورتها: مركبة مقطوفة؟؟؟

الصورة الخامسة صورة الراء وأختها وهي على ضربين: مفردة، ومركبة

الصورة الخامسة صورة الراء وأختها وهي على ضربين: مفردة، ومركبة الضرب الأوّل المفردة ولها ثلاثة أشكال: مجموعة، ومبسوطة، ومقوّرة؛ وابتداؤها في جميع الصور على وجهين: أحدهما- أن تبدأ من قفاها صاعدا إلى هامتها ثم تنزل إلى وجهها. والثاني- أن تبدأ بها حدّا من رأسها، وهو مذهب الأستاذ أبي الحسن بن البوّاب. ثم لكل واحدة منها بعد ذلك عمل يخصها، فأما المجموعة فطريقها أن تبدأ فيها بوجه القلم وتنزل على خط الاستواء بقدر ربعها، ثم تدير القلم وتبدأ في العراقة بصدر القلم، ويكون تنزيلك إيّاها أكثر صبّا من الباء المفردة قليلا، فإذا عرفت مثلي ما نزلت به أوّلا على خط الاستواء نثرت يدك بالقلم إلى فوق وأنت تريد ذات اليمين بإشارة لطيفة، ويكون ختمها بسنّ القلم اليمنى؛ وهذه صورتها. مفردة مجموعة؟؟؟ وأما المبسوطة: فطريقها أن تنزل بها على ما ذكرناه، وترسل ما عرفت منها على ما تقدّم في الدّال المجموعة وتنقص منها النثرة الأخيرة، وتحدّد طرفها؛ وهذه صورتها: مفردة مبسوطة؟؟؟

الضرب الثاني المركبة

وأما المقوّرة: فطريقها أن تنزل بأقلّ مما ذكرناه شيئا يسيرا؛ وهذه صورتها: مفردة مقوّرة؟؟؟ الضرب الثاني المركبة ولها أربعة أشكال: مخطوفة، ومقطوفة، وبتراء ومدغمة. فأما المخطوفة: فهي كالمقوّرة في الصورة، غير أن عراقتها بحرف القلم؛ وهذه صورتها: مركبة مخطوفة؟؟؟ وأما المقطوفة: فإنك تبقي لها ذنبا صغيرا؛ وهذه صورتها: مركبة مقطوفة؟؟؟ وأما البتراء: فإنك تقطفها من الثلثين فتحذف ثلثها وتأتي بها مستدقة الطرف؛ وهذه صورتها: مركبة بتراء؟؟؟

الصورة السادسة صورة السين

وأما المدغمة: فإنها تصلح بعد كل حرف وتقبح بعد المدّ، وسميت مدغمة مجازا وإلا بالحرف الذي قبلها هو الذي يدغم فيها، لكنهم لما حذفوا منها شيئا لقبوها بذلك، ولا بدّ أن تحذف من الحرف الذي قبلها شيئا من آخره وتحذف منها شيئا من أوّلها، وتبقي من كل واحد منهما ما يدل عليه، وهذه صورتها: مركبة مدغمة؟؟؟ الصورة السادسة صورة السين وحكمها في حالتي الإفراد والتركيب سواء، غير أنها في حالة الإفراد تزيد العراقة، وعراقتها كعراقة النون في الجمع والبسط والتقوير؛ وسيأتي الكلام على ذلك في حرف النون إن شاء الله تعالى. ثم هي على نوعين: محقّقة، ومعلقة. فأما المحققة، فلها شكلان: مظهرة، ومدغمة. فطريق المظهرة أن تبدأ بوجه القلم ثم تدير القلم منها إلى أختها إدارة لطيفة في نهاية الاعتدال، وتحدّد رأس الثانية بسن القلم اليمنى، ويكون الذي بين الأولى والثانية أقلّ مما بين الثانية والثالثة، وهو مذهب الأستاذ أبي الحسن بن البّواب. وإذا كان قبلها شيء يكون سواء، ويجوز أن تكون مصدّرة مقلوبة؛ وهذه صفتها: محققة مظهرة؟؟؟

الصورة السابعة صورة الصاد

وأما المعلقة: فصفتها أنك تحذف السين حذفا وتقيم جرّة مقامها، وتبدؤها بوجه القلم عاملا إلى آخرها. هذا إذا كانت مبتدأة، فإن كانت متوسطة فالأولى أن تكون محققة، ولا بدّ من جرّ فوق المعلقة نقطت أو لم تنقط؛ وهذه صورتها: مبتدأة معلقة؟؟؟ وتحسن قبل الكاف المشكولة وقبل الألف، ولا تكون قبل الصاد والعين والكاف المعرّاة، وقيل إنها لم تر في خط ابن البّواب إلا مفردة. الصورة السابعة صورة الصاد والكلام في عراقتها كالكلام في عراقة السين: من الجمع، والبسط، والتقوير؛ وسيأتي الكلام على ذلك في حرف النون. نعم لا تكون عراقتها إلا حديدة الطرف في جميع صورها، ولا يجوز فيها الوقف بحال. أما نفس الصاد فلها شكل واحد، وهي تقارب التلويزة، وللناس فيها مذهبان: الأوّل إظهار مبدإ الصاد تحت رأس العراقة، والآخر إخفاؤه؛ وفي كلا المذهبين لا بدّ من ظهور رأسها شيئا يسيرا، فإن كانت متوسطة، فيكون رأسها بحرف القلم محدّد الطّرف. وإن كانت مفردة أو متطرّفة فإنها تكون عريضة الرأس بوجه القلم. وإذا ركبت على خط قبلها، لا يكون خطّا على خط ولا يظهر أكثر من خط واحد؛ وهذه صورتها:

الصورة الثامنة صورة الطاء وأختها وهي ثلاثة أنواع: موقوفة، ومرسلة ومحققة

مجموعة؟؟؟ الصورة الثامنة صورة الطاء وأختها وهي ثلاثة أنواع: موقوفة، ومرسلة ومحققة فأما الموقوفة : فطريقها أن تبدأ بها على صورة الألف المطلق، فإذا وفيت به، رجعت طالعا من تلقاء ذنب الألف حتّى تقارب شاكلته، فترجع إلى يمينك، فتركب عليه شكلا على صورة اللوزة، وتخرج ذنب اللوزة من تحت الألف وتقف عليه بعرض القلم فتظهر القطة؛ وهذه صفتها: مفردة موقوفة ط وأما المرسلة : فهي على نحو ما تقدّم في الموقوفة غير أن الجرّة السفلى ها هنا مبطنة، وفي الموقوفة على خط مستقيم؛ وهذه صفتها: مفردة مبسوطة ط وقد اختلف الكتّاب في رأس الطاء، فكان بعضهم يذهب أن يكون على طرف اللّوزة من غير ركوب عليها، وهو أحد المذاهب فيها.

وأما المحققة

قال الشيخ أبو القاسم «1» : سألت بعض مشايخي عن «طيّ» كيف يكون وضع الياء فيها، بحضرة جماعة من الكتّاب، فقال: تكتب طاء جيدة بعدها ياء حسنة، فقلت: الحمد لله الذي أبقى على جديد «2» الأرض من يحسن صفة الخط بمثل هذا الضبط. فلما أردت الانصراف أشار إليّ أن اجلس فجلست حتّى انصرف القوم، فقال: قد كنت سألت عنها شيخنا أبا الحسن بن هلال «3» فقال لي: إذا فرغت من الطاء فاحذف رأس الياء وألصق قفا الياء بذنب الطاء، ثم تممها على مذهبك في الياء أنّى شئت، ولا تخرج صدر الياء من تحت رأس الطاء. وعلامة صحتها أنك إذا حذفت لوزة الطاء بقيت في نهاية الصحة إن كان بعدها ياء، وإن كان بعدها واو بقيت أيضا في نهاية الكمال. قال الشيخ أبو القاسم: فينبغي أن يكون رأسها في آخر اللوزة، ولا يكون مركبا على ظهرها، لأنه إذا تركب بطل هذا القياس. وأما المحققة : فإنك تبدأ فيها على صورة اللام المبتدأة المعلقة، ويأتي الكلام على ذلك في حرف اللام إن شاء الله تعالى. وأكثر ما تستعمل هذه الطاء إذا كانت مشعّرة بألف قبلها وألف بعدها فتستحسن؛ وهذه صفتها: متوسطة بين قائمين لطا

الصورة التاسعة صورة العين وأختها، ولها حالان

واعلم أنه لا بدّ للطاء من مدّة قبلها تركب عليها، ويكون طرفها ينتهي إلى تحت رأس الطاء من غير زيادة ولا نقصان، ويجوز في طرف هذه المدّة الجمع وعدمه، وكلا المذهبين حسن. الصورة التاسعة صورة العين وأختها، ولها حالان الحال الأوّل: ألا تكون متصلة بما قبلها، وهي على نوعين: ملوّزة، ومركّبة. فأما الملوّزة : فإنك تبدأ فيها من رأس العين بحرف القلم في غاية الدّقة، حتّى إذا وصلت إلى هامتها، مكّنت إدارة قلمك فصرت عاملا بوجهه إلى قمحدوة «1» العين فتصير على صورة اللوزة؛ وتكون هذه العين قبل الهاء المدغمة؛ وهذه صفتها: ملوزة؟؟؟ وتكون أيضا قبل هاء الردف؛ وهذه صورتها: ملوزة مع هاء الردف؟؟؟ وأما المركبة : فهي مركبة من راءين محققة ومعلقة، وابتداؤها على ما تقدّم

الحال الثاني: أن يكون قبلها شىء متصل بها، وتسمى المربعة، وهي على نوعين: منورة، ومطموسة.

في الملوّزة؛ غير أنك إذا صرت إلى هامتها وأردت القمحدوة، نزلت على خطّ مستقيم أو قريب من الاستقامة. والذي وجد بخط الأستاذ أبي الحسن بن البوّاب على الاستقامة؛ وهذه العين لا يكون بعدها إلا حرف طالع كالألف واللام وما جرى مجراهما، وهذه صفتها: مركبة وثعلبة عا وكثير من الكتّاب يخلطونها مع ما قبلها كالجماعة والبضاعة، فإنهم يردّون من الألف إلى العين جرّة مبطنة يجعلونها عالية العين، وهي مستحسنة، ولا بدّ لها من ألف قبلها وحرف طالع بعدها؛ وهذه صفتها: مردوفة ومشكولة؟؟؟ الحال الثاني: أن يكون قبلها شىء متصل بها، وتسمى المربعة، وهي على نوعين: منوّرة، ومطموسة. فأما المنوّرة : وتسمّى المحققة، فإنك إذا خرجت من الحرف الذي قبلها أتبعت خطّا محدودبا مبطنا إلى يسارك بصدر القلم، ثم حررت عالية العين بوجه القلم ثم على الجرّة الأولى جرة تناقضها مثلها في القدر والمساحة بقطع الخط الأوّل، ثم إن كانت معرقة عرقت، وإن كانت غير ذلك أتبعتها ما بعدها.

وأما المطموسة

وعلامة صحتها أن تلتمس البياض الذي في وسطها فإن تناسبت زواياه فهو في غاية الصحة وقد تم تركيبها، وإلا فتحرّر حتّى يصح ما رسم؛ وهذه صفتها: مربعة مفتوحة؟؟؟ وأما المطموسة ، وتسمّى المعلقة ولا تكون إلا في قلم التوقيعات والرقاع، فصفتها أن تكون وقصاء «1» غير مفتوحة، ولا يجوز فيها من العراقات غير المجموعة؛ وهذه صورتها: معلقة مطموسة؟؟؟ ثم إن كانت معرّقة مفردة أو مركبة، فالعراقة على ثلاثة أنواع: مسبلة، ومرسلة، ومجموعة، كعراقات الجيم. فأما المسبلة: فإنك إذا نزلت من ظهرها أسبلت العراقة فتكون أكثر من نصف الدائرة، ولا يخرج الصدر عن الرأس ولا الظهر عن القمحدوة، بل يكون كل واحد منهما مساويا لما فوقه، غير زائد عليه ولا ناقص عنه. وكان الوزير أبو عليّ بن مقلة رحمه الله يقول: «المرء على ترك شيء مما يعمله أقدر منه على تكلف شيء لم يعتده» ويأمر الطلبة بإخراج ذنب العين من تحت صدرها؛ وهذه صورتها:

مفردة مسبلة ع وأما المرسلة: فإنك تأتي بالعراقة نصف دائرة محققة، وتتأمل فيها من المسامتة ما وصف في المسبلة والمسبلة تكون حديدة «1» الطرف، والمرسلة يجوز فيها التحديد والوقف، والتحديد مذهب الأستاذ أبي الحسن بن البوّاب؛ وهذه صورة التحديد «2» ، وهذه صورة الوقف. مفردة مرسلة ع وأما المجموعة: فإنها كالمرسلة أيضا في جميع أوصافها، وتزيد عليها أنك إذا وفّيت بها على ما مضى من صفة المرسلة، رددت ذنبها على عجزها فصارت هنا لك دائرة، وهذه صفتها:

الصورة العاشرة صورة الفاء وهي على ضربين: مفردة، ومركبة

مفردة مجموعة؟؟؟ الصورة العاشرة صورة الفاء وهي على ضربين: مفردة، ومركبة فأما المفردة ، فعلى ثلاثة أقسام: مجموعة، ومبسوطة، وموقوفة، وقد تقدّم الكلام على هذه العراقات في حرف الباء، فأغنى عن إعادته هنا؛ وهذه صفة العراقات الثلاث: مجموعة موقوفة مبسوطة؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وأما المركبة : فإنها تكون مقلوبة، وذلك أن بياضها يكون الحادّ منه في ملتقى الخطين اللذين يتقاطعان في ذهابها ومجيئها، ويكون عرضه عند هامتها؛ وهذه صفة المتوسطة: متوسطة؟؟؟

الصورة الحادية عشرة صورة القاف وهي على ضربين أيضا: مفردة، ومركبة

الصورة الحادية عشرة صورة القاف وهي على ضربين أيضا: مفردة، ومركبة فأما المفردة : فحكم رأسها حكم الفاء، وحكم عراقتها حكم النون، وستأتي، غير أنها تكون مفردة مبسوطة وهي مستحسنة بخلاف النون؛ وهذه صفتها: مفردة مبسوطة؟؟؟ وأما المركبة : فإنها كالفاء في جميع ما تقدّم، فلا حاجة إلى تمثيلها. الصورة الثانية عشرة صورة الكاف وهي على ثلاثة أنواع: مبسوطة، ومشكولة، ومعرّاة؛ ولكل واحدة منها موضع يخصها فأما المبسوطة : فتكون مفردة ومركبة، وإفرادها قليل؛ والمركبة منها موضعها الابتداءات والوسط، ولا تكون طرفا أخيرا بحال؛ وطريقها أن تبدأ فيها بصدر القلم من رأسها حتّى ترد جبهتها فتخط عاليتها بوجه القلم وتفتل على هذا المنهاج إلى المطّة السّفلى، وتمطها بصدر القلم وتقط ذنبها؛ وتتوخّى في عاليتها أن يكون على خط مستقيم لتجعلها قالبا للمطة السفلى؛ واعتبار صحتها باعتبار البياض الذي في وسطها إذا استقام استقامت؛ وهذه صورتها في الإفراد والتركيب والابتداء: ؟؟؟

وأما المشكولة

مفردة مبسوطة مبتدأة مبسوطة متوسطة مبسوطة؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وأما المشكولة : فلا تكون إلا مركبة؛ وموضعها الابتداءات والوسط، ولا تنفرد البتة؛ وتكون على هيئة شق لوزة فإن وصلت بألف أو لام تبينت ولا يخرج الحرف الذي يكون بعدها من تحت رأسها أصلا، لأن الكاف المبسوطة والمشكولة لا يجوز أن يأتي بعدهما مدّة، وإنما سميت مشكولة للجرّة التي عليها؛ وهذه صورتها في الابتداء وفي الوسط: مبتدأة مشكولة متوسطة مشكولة؟؟؟؟؟؟ وأما المعرّاة : فلا تكون إلا طرفا أخيرا وهي في الصورة والشبه كاللام المطلقة، والفرق بين اللام والكاف المعرّاة أن القائم من الكاف ثلثا المبسوط، والمبسوط من اللام كالقائم فيها؛ وهذه الكاف لا تجمع أبدا، فإن مواضعها أواخر السطور، وهذه صفتها: مفردة معراة؟؟؟

الصورة الثالثة عشرة صورة اللام وهي على ضربين: مفردة، ومركبة

الصورة الثالثة عشرة صورة اللام وهي على ضربين: مفردة، ومركبة الضرب الأوّل المفردة وهي على نوعين: مجموعة، ومطلقة فأما المجموعة: فطريقها أن تبدأ من قفاها على نحو ما وصف في الألف المطلق، لأن الألف واللام يجريان على نظام واحد في كل خط لأنهما صاحبان، كالباء والتاء؛ وكالحاء والخاء؛ وكالعين والغين. فإذا وصلت إلى شاكلته عرقت اللام عراقة أكثر حدورا من الباء، وجمعت ذنبها كما تقدّم في حرف الراء؛ وهذه صفتها: مجموعة مطلقة؟؟؟؟؟؟ الضرب الثاني المركبة وهي على قسمين: محققة، ومبتدأة معلقة. فأما المبتدأة المحقّقة: فهي كالمرسلة غير أنها محذوفة المطّة لأجل التركيب؛ وهذه صفتها: مبتدأة محققة؟؟؟

الصورة الرابعة عشرة صورة الميم

وأما المبتدأة المعلقة: فتنزل فيها بعرض القلم مائلا من يمينك إلى يسارك، وهي تختص بثلاثة أحرف من سائر الحروف، وهي الجيم، والحاء، والخاء، ويكون مبتدؤها يوازي قفا الجيم، من غير زيادة ولا إشارة إلى العراقة؛ وهذه صفتها: مبتدأة معلقة؟؟؟ الصورة الرابعة عشرة صورة الميم وهي على خمسة أضرب: محققة، ومعلقة، ومسبلة، ومبسوطة، ومفتولة. الضرب الأوّل المحققة وهي على نوعين: مبتدأة، وغير مبتدأة فأما المحققة المبتدأة: فإنها كثيرا ما تصحب اللام، وصفتها إذا أردت وضعها أنك إذا صرت إلى آخر الحرف الذي تريد منه الميم المحققة، تميل فيه يسيرا ثم ترجع بخط آخر بجواره طالعا فيه، ثم تعرّق كتعريق الميم المعلقة؛ وهذه صفتها: مبتدأة محققة؟؟؟

الضرب الثاني المعلقة

وكان الشيخ عماد الدين بن العفيف إذا انتهى من الحرف الذي قبل هذه الميم يقف فيه ثم يبدأ من يمينه براء مدغمة؛ وهذه صفتها: محققة مختتمة؟؟؟ وأما المحققة غير المبتدأة «1» ......... الضرب الثاني المعلّقة وهي على نوعين: مبتدأة، وغير مبتدأة فأما المعلقة المبتدأة: فإنها لا تحسن إلا مشعرة مع ما قبلها، ولا تكون إلا قبل الألف؛ وهذه صفتها: معلقة مبتدأة؟؟؟ وأما المعلّقة غير المبتدأة: فإنها تختص بالبسملة على مذهب الحذّاق. وطريقها: أنك إذا مططت إلى آخر المطة، رجعت بالميم في الخط الذي جئت فيه، حتى إذا بلغت هامتها، فارقت ذلك الخط لئلا تجيء منافرة؛ فإذا

الضرب الثالث المسبلة

وصلت إلى جبهة الميم، عرقتها على ما رسم في الراء المجموعة والمقوّرة والمبسوطة والمخطوفة. وكان الأستاذ أبو الحسن بن البوّاب لا يفردها؛ وهذه صفتها: معلقة مختتمة؟؟؟ وأما المعلّقة المبتدأة: فإنك تبدأ فيها كابتداء المحققة، فإذا بلغت فتلتها ألصقت مدّتها بقفاها، والأولى أن تكون مطموسة، فإذا بلغت جبهتها عرّقت كتعريق الراء المدغمة لا يستعمل فيها غير ذلك؛ وهذه صفتها: معلقة مبتدأة؟؟؟ الضرب الثالث المسبلة ولا بأس بتركيبها وانفرادها، غير أنك إذا وصلت إلى جبهتها أسبلت عراقة كهيئة الألف ملأى من فوق، وتكون حديدة الطرف؛ وهذه صفتها: مفردة مسبلة مركبة؟؟؟؟؟؟

الضرب الرابع المبسوطة

الضرب الرابع المبسوطة وهي كالمحققة، وهي مفردة؛ وهذه صفتها: مبسوطة؟؟؟ الضرب الخامس المفتولة وأكثر مواضعها بعد الهاء المدغمة على مذهب الحذّاق. وبعض الكتّاب يجيزها مع غير الهاء، والأوّل أجود. وطريقها أنك إذا جئت بها بعد الهاء المدغمة تقوّس بصدر القلم ثم تنزل بقدر ما قوّست، ثم تدير الميم عن يمينك وتردّ إلى يسارك شكلا مدّورا، وتعرّقها على ما تقدّم في المعلقة والمحققة؛ وهذه صفتها: مفتولة؟؟؟ الصورة الخامسة عشرة صورة النون وهي على ضربين: مفردة، ومركبة الضرب الأوّل المفردة وهي على أربعة أنواع: مجموعة، ومقوّرة، ومبسوطة، ومدغمة.

فأما المجموعة: فطريقها أن تبدأ بوجه القلم على خطّ مستقيم، فإذا نزلت منها بمقدار ما ينزل من الباء وبلغت الفتلة، أدرت القلم برفق من الفتلة بصدر القلم، ثم تصير العراقة جمعا بصدر القلم، حتّى إذا بلغت ذنبها ختمت بحرف القلم؛ وهذه صفتها: مفردة مجموعة؟؟؟ وأما المقوّرة: فإنها تكون كنصف دائرة، ويكون ذنبها موازيا لرأسها من غير زيادة عليه، ويجوز أن يكون ناقصا عنه شيئا يسيرا، وذلك قليل؛ وهذه صفتها: مفردة مقوّرة؟؟؟ وأما المبسوطة: فأكثر ما تكون متطرّفة ولا تكون مفردة بحال. وطريقها أنك إذا نزلت على ما وصف في المجموعة وبلغت بها الفتلة وأدرت صدر القلم إلى العراقة، جعلتها قطعة قوس من دائرة عظمى، حتّى يكون فيها تبطين يسير، وتختمها بحرف القلم، ولا يجوز في شيء من مبسوطات العراقة أن يكون مرفوعا؛ ولا يجوز أن يكون إلا حديد الطّرف؛ وهذه صفتها: مفردة مبسوطة؟؟؟ وأما المدغمة: فإنها لا تنفرد البتّة ولا تحسن إلا مع ثلاثة أحرف: مع الميم وهي كثيرة المؤاخاة لها، ومع الكاف، ومع العين.

الصورة السادسة عشرة صورة الهاء وهي على ضربين: مفردة، ومركبة

وكان بعض الكتّاب يأبى إدغام النون ويكرهه، إلا الأستاذ أبا الحسن بن البوّاب. ولا يتقدّم هذه النون من سائر الحروف إلا ثلاثة أحرف: الميم المعلقة من سائر الميمات، والعين الملوّزة، وهي الصاديّة من أشكال العين خاصّة، والكاف المشكولة من أشكال الكاف خاصّة. وطريقها أنك إذا بلغت قفا الميم أو صدر العين أو قاعدة الكاف، صببت النون صبّا في عرض اللام المبتدأة المعلقة، فإذا صببت ثلثيها، ختمت العراقة على ما رسم فى الراء المدغمة وعراقة الميم المدغمة؛ وهذه صورها: مدغمة مع الميم مدغمة مع الكاف مدغمة مع العين؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الصورة السادسة عشرة صورة الهاء وهي على ضربين: مفردة، ومركبة الضرب الأوّل المفردة وهي على نوعين: معرّاة، ومركبة فأما المعرّاة : فطريقها أن تبدأ من رأسها بوجه القلم ثم تنزل إلى عجزها مميلا إلى ذات اليمين شيئا يسيرا، ثم تفتل إلى قاعدتها بصدر القلم إلى صدرها، ثم تصعد بمثل ما كنت انحدرت به من وجهها إلى قفاها؛ وهذه صفتها:

وأما المركبة

معرّاة؟؟؟ وأما المركبة : فهي في الصورة قريبة من المعرّاة إلى صدرها، فإذا بلغت صدرها وأنت طالع إلى وجهها، رفعته بعرض القلم وأخرجت وجه الهاء إلى قفاها؛ والكاتب مخير بين التقليل والتكثير في ذلك. ويكون الطرف الخارج إلى قفاها محدّدا، وهذه صفتها: مركبة؟؟؟ وإنما سميت مركّبة وإن كانت مفردة مجازا لتركيب طرفها، وإلا فالمراد بالمركّب كيفما وقع في المصطلح المختلط بغيره. الضرب الثاني المركبة وهي على قسمين القسم الأول المشقوقة وهي على ستة أنواع: ملوّزة، ووجه الهرّ، ومشقوقة طولا، ومشقوقة عرضا، ومختلسة، ومدغمة فأما الملوّزة : فتكون مبتدأة، ومتوسطة، ولا تتأخر بحال، فإن كانت مبتدأة فطريقها أن تبدأ بصدر القلم مقدار نصف الهاء المفردة، ثم تدير القلم من يسارك

وأما وجه الهر

إلى يمينك حتى إذا وصلت إلى المكان الذي ابتدأت منه أدرت إلى يمينك أيضا حتى يصير مركز نصف دائرة محققة لطيفة بصدر القلم، وتقف عليها وقفة خفيفة، ثم تنزل بوجه القلم من غير إدارة حتى تصير الى المكان الذي ابتدأت منه أوّلا، فيصير رأس الهاء حادّا في الغاية. ومذهب الاستاذ أبي الحسن أن يكون النصف الأعلى أصغر من النصف الأسفل بجزء يسير، وهذه صفتها: مقوّرة؟؟؟ وإن كانت متوسطة، فهي غير مستحسنة إلا قبل الألف، وطريقها على ما تقدّم ولها حكم، وهو أنك تجيء بالخط الذي قبلها حتى يشقها متصلا بالألف، حتى لو طرحت الهاء لا تصل الألف بما قبله مستغنيا عن الهاء كأنما ركبت من فوقه تركيبا، ويكون هذا العمل في كل حرف يقع معها؛ وهذه صفتها: مقوّرة مستديرة ها وأما وجه الهرّ : فتكون أيضا مبتدأة، ومتوسطة؛ ولا يجوز تأخيرها. وطريقها في الابتداء والتوسط انك تبدأ من رأسها بوجه القلم معتدل النزول شيئا قليلا، ثم تردّها عن يمينك إلى يسارك صاعدة معتدلة، ثم يصير جميعها دائرة على مركزين، فإذا بلغت المكان الذي ابتدأت منه تكففتها طولا حذارا من أن يقع فيها حول، وهو أن يكون أحد شقيها أوسع من الآخر. وكثيرا ما يكون شقها بحرف القلم إذا كانت متوسطة.

وأما المشقوقة طولا

فإن كانت مبتدأة فشقها بوجه القلم. وهذه صورتها في الابتداء وهذه صورتها في التوسط وجه الهرّ وجه الهرّ متوسطة؟؟؟؟؟؟ وأما المشقوقة طولا : فإنها لا تكون إلا متوسطة؛ ولا يجوز تقديمها ولا تأخيرها؛ ولا تصحب من حروف المعجم غير اللام وحدها؛ وطريقها كطريق وجه الهرّ، ويفترقان في القاعدة فتكون قاعدتها مستديرة، وتكون اللام نازلة عليها من فوقها؛ وعلامة صحتها أنك إذا حذفت الهاء صارت اللام متصلة بما بعدها كأنما زيدت الهاء عليها؛ وهذه صفتها: مشقوقة طولا؟؟؟ وأما المشقوقة عرضا : فلا تكون إلا صحبة اللام أيضا؛ وطريقها أنك إذا نزلت باللام معتدلة، أدرت الهاء فلصقتها بوجه اللام وشققت الهاء عرضا، ولا بدّ من مدّة لطيفة تكون بعدها، وهذه صفتها: مشقوقة عرضا؟؟؟

وأما المختلسة

وأما المختلسة : فإنها لا تكون إلا مبتدأة، ويكون بعدها من الحروف حروف المدّ واللين، وهي الألف، والواو، والياء؛ وهي مطموسة؛ وهذه صفتها: مختلسة؟؟؟ وأما المدغمة : فلا تكون إلا متوسطة؛ وطريقها أنك إذا فرغت من الحرف الذي قبلها أدرت منه إدارة لطيفة، ونزلت بها نزلة إلى ذات اليمين، ثم صعدت في خط يلاصق الخط الذي هبطت فيه من غير وخز يكون بينهما، وتكون مطموسة أيضا ولا يكون أسفلها أوسع من أعلاها بل يكون أعلاها أوسع شيئا يسيرا؛ ويتوخّى فيها الترطيب، وهو شدّة الاستدارات، فمتى كان العمل فيها يابسا كان رديئا؛ وهذه صورتها: مدغمة؟؟؟ القسم الثاني ما يقع في آخر الكلمة، وهي على نوعين هاء الرّدف، والمخفاة فأما هاء الردف : فطريقها أنك إذا فرغت من الحرف الذي قبلها طلعت فيه بصدر القلم، ثم نزلت في الخط الذي صعدت فيه. هذا مذهب الأستاذ أبي الحسن بن البوّاب.

وأما المخفاة

ومذهب الوزير أبي عليّ بن مقلة أن تنزل في خط يلاصق الخط الذي صعدت فيه، وكلاهما مستحسن؛ فإذا بلغت ثلثي ما صعدت به جئت بصدر القلم إلى وجه الهاء ولا تخرج رأسها إلى قفاها البتة؛ وهذه صفتها: مردوفة؟؟؟؟؟؟ وأما المخفاة : فأكثر ما تصحب الحروف القصار، وهي يمين أليق؛ وطريقها أنك إذا فرغت من الحرف الذي قبلها أدرت منه إلى الهاء إدارة لطيفة مهلّلة، ثم تأتي بنصف راء مدغمة حديدة الطّرف مخطوفة؛ وهذه صفتها: مخطوفة؟؟؟ الصورة السابعة عشرة صورة الواو ونظيرها في التركيب الفاء، وفي الإفراد القاف، ولكن القاف أكبر مساحة من الواو وتكون على خمسة أنواع: مجموعة، ومبسوطة، ومقوّرة، وبتراء، ومخطوفة؛ ويكون ذلك في الإفراد والتركيب. وكان بعض الكتّاب يجعلها معلقة كالراء المدغمة لأنها قدرها. وقد تقدّم أن الراء والزاي، والميم، والواو قدر سواء في كل خط. مجموعة مبسوطة مقوّرة؟؟؟؟؟؟؟؟؟

الصورة الثامنة عشرة صورة اللام ألف ولها ثلاث صور: محققة، ومخففة، ووراقية

بتراء مخطوفة معلقة «1» ؟؟؟؟؟؟ الصورة الثامنة عشرة صورة اللام ألف ولها ثلاث صور: محققة، ومخففة، ووراقية فأما المحققة : فلا تكون إلا مفردة ولا يجوز تركيبها بحال؛ وطريقها أن تبدأ بوجه القلم ثم تنزل به على تلك الصورة، ثم تفتل إلى قاعدتها بوجه القلم، ثم ترفع القلم وقد بطّنت قلمك فصيرت بطنه مما يلي يمينك وظهره عن يسارك؛ ويكون قدر الألف واللام قدرا سواء في الطول والالتواء والغلظ والنّحافة؛ ويكون ما بينهما كواحد منهما؛ وتكون القاعدة على هيئة رأس الفاء المبسوطة لكنها مقلوبة؛ وهذه صورتها: محققة مفردة «2» ؟؟؟ وأما المخففة : فيجوز فيها التركيب والإفراد وكلاهما مستحسن جيد. وصورتها في التركيب كصورتها في الإفراد؛ وطريقها أن تأتي بلام معلّقة على ما

وأما الوراقية

تقدّم في اللام المعلقة في حرف اللام، ثم ترمي عليها ألفا معوجّة إلى ذات اليمين ويكون ذنب الألف موزونا على الخط الذي لامست به الحرف الذي قبل اللام إن كانت مركبة، وهذه صفتها: مخففة مركبة؟؟؟ وإن لم تكن مركبة فتشعرهما معا؛ وهذه صورتها في الإفراد: ؟؟؟ وأما الوراقية : فإنها كالمحققة، فإذا كتبت اللام ركبت عليها الألف وأخرجتها عنها، ثم صيرت لها منها قاعدة مثلثة حادّة الزوايا، والأولى أن تكون مفردة. قال الشيخ عماد الدين بن العفيف رحمه الله: ولا يكون هذا الشكل إلا في قلم النسخ وما شاكله، وفي قلم المحقق وما شابهه؛ وهذه صفتها: وراقية؟؟؟

الصورة التاسعة عشرة صورة الياء وهي على ضربين: مفردة، ومركبة

الصورة التاسعة عشرة صورة الياء وهي على ضربين: مفردة، ومركبة الضرب الأول المفردة وهي على ثلاثة أنواع: مجموعة، ومقورة، ومبسوطة فأما المجموعة : فطريقها أن تبدأ بصدر القلم فتعمل رأسها دالا مقلوبة وصدرها أيضا دالا مستوية، فإذا تركبت الدالان جررت العراقة؛ وعلامة صحتها أن تكون الدالان صحيحتين كما تقدّم. وإذا ركبت خطّا من ذنبها إلى صدرها، صار صادا جيدة؛ وهذه صفتها: مفردة مجموعة؟؟؟ وأما المقوّرة : فبدؤها كبدء المجموعة، غير أنك إذا وصلت إلى صدرها عرقت نصف دائرة؛ ويكون ذنبها يحاذي صدرها؛ وتكون حديدة الطرف؛ ولا يجوز فيها الوقف ولا الجمع، ويكون رأسها موزونا على صدرها، لا يجاوزها، سواء انفردت أو تركبت؛ وهذه صورتها: مقوّرة؟؟؟ وأما المبسوطة : فعلى ما تقدّم في المقوّرة؛ وتفارقها في الصدر فتكون

الضرب الثاني المركبة وهي على ثلاثة أنواع: مبتدأة، ومتوسطة، ومتأخرة

العراقة قطعة قوس مهلّلة، وتكون حديدة الطرف ولا يجوز فيها الوقف؛ وهذه صورتها: مبسوطة؟؟؟ الضرب الثاني المركبة وهي على ثلاثة أنواع: مبتدأة، ومتوسطة، ومتأخرة فأما المبتدأة والمتوسطة «1» : فحكمهما حكم الباء والتاء والنون وما شابهها. وأما المتأخرة : فعلى ثلاث صور: محققة، وراجعة، ومعلقة. فأما المحققة: فعلى ما تقدّم أوّلا، غير أنك تحذف رأسها للتركيب؛ وهذه صورتها: محققة؟؟؟ وأما الراجعة: فتختصّ ببعض الكلم دون بعض كالفاء واللام وهي مع الفاء أكثر استعمالا.

النوع الثاني قلم الثلث الخفيف

وطريقها أنك إذا فرغت من الحرف الذي قبلها بطنته شيئا يسيرا وجئت برأس كرأس الياء، ويكون فيها شيء من تبطين، ثم تجرّ القلم إلى ذات اليمين جرّة معتدلة في التكييف، فإذا بلغت ثلاثة أرباعها أدرت القلم برفق، ولا تظهر الإدارة، ثم تمرّ وأنت مدير لقلمك حتى تختمها بحرف القلم في نهاية الدقة والتحديد؛ وهذه صورتها: راجعة؟؟؟ وأما المعلقة: فتكون على صورة اللام المجموعة واللام المرسلة؛ وهذه صفتها: معلقة؟؟؟ النوع الثاني قلم الثلث الخفيف ويقال فيه خفيف الثلث، وهو الذي يكتب به في قطع النصف، وصوره كصور الثلث الثقيل المتقدمة الذكر لا تختلف، إلا أنه أدقّ منه قليلا وألطف مقادير منه بنزر يسير. قال الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن الصائغ: والفرق بينه وبين الثلث

القلم الرابع قلم التوقيع

الثقيل أن الثقيل تكون منتصباته ومبسوطاته قدر سبع نقط على ما في قلمه، على ما تقدّم، والثلث الخفيف يكون مقدار ذلك منه خمس نقط، فإن نقص عن ذلك قليلا، سمي القلم اللؤلؤيّ. القلم الرابع قلم التوقيع بإضافة قلم إلى التوقيع، سمي بذلك لأن الخلفاء والوزراء كانت توقع به على ظهور القصص، ويقال فيه قلم التوقيعات على الجمع أيضا، وقد يقال فيه التوقيع والتوقيعات بحذف المضاف اليه. ثم هو على نوعين: النوع الأول قلم التوقيع المطلق وهو الذي يكتب به في قطع الثلث؛ وقد تقدّم أن أول من اخترعه يوسف أخو إبراهيم السّجزيّ، وأن ذا الرياستين الفضل بن هارون «1» أعجب به، وأمر أن تحرّر الكتابة السلطانية به دون غيره وسماه القلم الرياسيّ، ولعله إنما سميّ الرياسيّ لما تقدّم من اختصاص الكتب السلطانية به أخذا من الرياسة؛ وقواعد حروفه وأوضاعه في الأصل قواعد قلم الثلث إلا أنه يخالفه في أمور: أحدها- أن قطّته إلى التدوير أميل، بخلاف الثلث فإن قطّته إلى التحريف أميل وذلك أن التوقيع امتلاء حروفه على السواء بخلاف الثلث، فإن فيه تشعيرات تحتاج إلى التحريف. الثاني- أن حروفه إلى التقوير أميل من الثلث، وإن كان في الثلث ميل إلى التقوير فإنه لا يبلغ في ذلك مبلغ التوقيع.

حرف الألف

قال لي الشيخ عبد الرحمن المكتّب «1» الشهير بابن الصائغ: ويكون في سطره تقوير ما على نسبة تقوير حروفه. قال الشيخ زين الدين شعبان في ألفيته: وتكون منتصباته مروّسة كما في الثلث. قال لي الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن الصائغ المكتّب: ويجوز ترك الترويس في بعض حروفه. قال الشيخ زين الدين شعبان الآثاري: ويخيّر فيه بين الطمس والفتح في العين المتوسطة والفاء والقاف والميم والواو وعقدة اللام ألف المحققة. وخص الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن الصائغ طمس العين بالآخرة. قال الشيخ زين الدين شعبان الآثاري: ويختص من الحروف الزائدة على الثلث بالراء المقورة والراء البتراء والراء المخطوفة والواو المقوّرة والواو البتراء والواو المخطوفة، والعين البتراء؛ وسيأتي ذكرها عند تشكيل الحروف فيما بعد إن شاء الله تعالى. حرف الألف مطلق مشعر محرّف مركب؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الباء مجموعة موقوفة مبسوطة؟؟؟؟؟؟؟؟؟

الجيم

مدغمة مجموعة مدغمة مبسوطة مركبة مبتدأة. مركبة متوسطة؟؟؟؟؟؟؟؟؟ مركّبة موقوفة مركبة مبسوطة؟؟؟؟؟؟ الجيم مرسلة مسبلة مجموعة؟؟؟؟؟؟؟؟؟ رتقاء مفردة مرسلة رتقاء مقوّرة مسبلة رتقاء مفردة مجموعة؟؟؟؟؟؟؟؟؟ مركبة مبتدأة ملوّزة رتقاء مبتدأة مركبة متوسطة؟؟؟؟؟؟؟؟؟

الدال

مركبة مختتمة مرسلة مركبة مسبلة مجموعة؟؟؟ الدال مفردة مجموعة مختلسة مركبة مجموعة؟؟؟؟؟؟؟؟؟ مركبة مختلسة مركبة مخطوفة مركبة مشعرة؟؟؟ الراء مقوّرة مخطوفة مفردة مبسوطة؟؟؟؟؟؟؟؟؟ مفردة مدغمة مركبة مبسوطة مركبة مدغمة؟؟؟؟؟؟؟؟؟

السين

مفردة مجموعة مركبة مجموعة؟؟؟؟؟؟ السين مخسوفة مجموعة مبسوطة؟؟؟؟؟؟؟؟؟ مبتدأة مركبة متوسطة مخسوفة؟؟؟؟؟؟؟؟؟ مطرفة مبسوطة مطرفة مجموعة مفردة معلقة؟؟؟؟؟؟؟؟؟ مركبة مطرفة مركبة متوسطة معلقة؟؟؟؟؟؟

الصاد

الصاد مخسوفة مجموعة مبسوطة؟؟؟؟؟؟؟؟؟ مبتدأة متوسطة مطرفة مخسوفة؟؟؟؟؟؟؟؟؟ مطرفة مجموعة مطرفة مبسوطة؟؟؟؟؟؟ الطاء مفردة مرسلة مفردة موقوفة مركبة ملفوفة؟؟؟؟؟؟؟؟؟ مبتدأة مبسوطة متوسطة لقائمين متوسطة لمبسوطين؟؟؟؟؟؟؟؟؟

العين

مطرفة موقوفةمطرفة مرسلة؟؟؟؟؟؟ العين مرسلة مسبلة مجموعة نعلية بينها منتصب؟؟؟؟ نعلية بينها ما هو في حكم المنتصب صادية بينها مبسوط صادية بينها ما هو في حكم المبسوط؟؟؟ مولفة مع الإفراد مولفة مع التركيب؟؟؟

الفاء

الفاء مجموعة موقوفة مبسوطة؟؟؟ مبتدأة متوسطة مطرفة مجموعة؟؟؟ مطرفة موقوفة مطرفة مبسوطة؟؟؟ القاف مفردة مجموعة مخسوفة مبسوطة؟؟؟ مطرفة مجموعة مطرفة مخسوفة مطرفة مبسوطة؟؟؟

الكاف

الكاف مجموعة مفردة موقوفة مبسوطة؟؟؟ مشكولة مبتدأة متوسطة مبسوطة مبتدأة؟؟؟ متوسطة مشكولة مبتدأة وسطى؟؟؟ مشكولة مركبة مطرفة مجموعة بزورقها منزول عليها مبسوطة؟؟؟

اللام

اللام مفردة يخرج منها نون على رأي ابن البوّاب يخرج منها قاف على طريقة ياقوت «1» ؟؟؟ أو ياء على طريقة ابن العفيف مركبة مبتدأة وسطى مطرفة؟؟؟ الميم مفردة مخطوفة مسبلة مبتدأة مشعرة؟؟؟؟

النون

وسطى مقلوبة وسطى محققة مسبلة ملفوفة مسبلة ملوّزة؟؟؟؟ النون مفردة مجموعة مدغمة مختلسة وسطى؟؟؟ مركبة مطرفة مجموعة مدغمة مختلسة؟؟؟ الهاء مفردة مربعة مفردة مثلثة مركبة مبتدأة ملوّزة؟؟؟ وجه الهرّ مدغمة طالعة؟؟؟

الواو

مخطوفة محدودبة محققة مردوفة؟؟؟ الواو مجموعة مشدودة مبسوطة مشدودة مجموعة مفتوحة مبسوطة مفتوحة؟؟؟؟ مقوّرة مخلوفة منوّرة بتراء؟؟؟ اللام ألف محققة مفردة مرشوقة مفردة مركبة محققة «1» ؟؟؟؟

الياء

الياء مفردة مجموعة مركبة راجعة؟؟؟ مبتدأة ثم وسطى مركبة مجموعة مركبة مبسوطة؟؟؟ مركبة راجعة مركبة مخسوفة مركبة مبسوطة؟؟؟ القلم الخامس من الأقلام المستعملة بديوان الإنشاء قلم الرّقاع بإضافة قلم إلى الرقاع، والمعنى أنه يكتب به في الرقاع جمع رقعة، والمراد الورقة الصغيرة التي يكتب فيها المكاتبات اللطيفة والقصص وما في معناها، وهو الذي يكتب به في قطع العادة من المنصوري والقطع الصغير، وصوره في الأصل كصور حروف الثلث والتوقيع «1» في الإفراد والتركيب إلا أنه يخالفه في أمور:

وهذه صورة حروفه إفرادا وتركيبا

أحدها- أن قلمه أميل إلى التدوير من قلم التوقيع الذي هو أميل إلى التدوير من قلم الثلث. قال لي الشيخ عبد الرحمن بن الصائغ المكتّب: وتكون جلفة قلمه في البراية أقصر من الثلث والتوقيع. الثاني- أن حروفه تكون أدقّ وألطف من حروف التوقيع. الثالث- أن الترويس لا يقع في منتصباته من الألف المفردة وأخواتها إلا في القليل، بخلاف الثلث والتوقيع فإن الترويس فيهما لازم. الرابع- أنه يغلب فيه الطمس في العين المتوسطة والأخيرة، وكذلك الفاء، والقاف، والميم، والواو، وعقدة اللام ألف المحققة. أما الصاد والطاء والعين المفردة والمبتدأة فإنها لا تكون إلا مفتوحة. الخامس- أنه يوجد فيه من الحروف ما لا يوجد في غيره كالألف الممالة إلى جهة اليمين على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. وهذه صورة حروفه إفرادا وتركيبا الألف مطلق مشعر محرّف طالع؟؟؟ الباء مجموعة مدغمة مفردة مدغمة مبسوطة مفردة موقوفة؟؟؟

الجيم

مبتدأة. وسطى. مطرفة مطرفة موقوفة مطرفة مبسوطة؟؟؟ الجيم مفردة مرسلة مفردة مسبلة مفردة مجموعة؟؟؟ رتقاء مرسلة رتقاء مجموعة رتقاء مسبلة؟؟؟ مبتدأة وسطى وسطى مفتوحة؟؟؟ مطرفة مرسلة مطرفة مسبلة مطرفة مجموعة؟؟؟ الدال مفردة مجموعة مختلسة مخطوفة مشعرة؟؟؟

الراء

مركبة مجموعة مختلسة مخطوفة؟؟؟ الراء مجموعة مقوّرة مخطوفة بتراء؟؟؟ محققة مدغمة مقطوفة؟؟؟ السين مجموعة معلقة مخسوفة؟؟؟ مبسوطة مبتدأة متوسطة؟؟؟ مطرفة مجموعة مبسوطة مخسوفة معلقة؟؟؟؟

الصاد

الصاد مجموعة مبسوطة مخسوفة؟؟؟ أولى مركبة وسطى مركبة مطرفة مجموعة؟؟؟ مطرفة مبسوطة مطرفة مخسوفة؟؟ الطاء مرسلة موقوفة مبتدأة؟؟؟ متوسطة مطرفة مرسلة مطرفة موقوفة؟؟؟ العين مرسلة مسبلة مجموعة؟؟؟

الفاء

مبتدأة نعلية مبتدأة صادية متوسطة؟؟؟ مطرفة مرسلة مطرفة مسبلة مطرفة مجموعة؟؟؟ الفاء مجموعة موقوفة مبسوطة؟؟؟ أولى مركبة وسطى مطرفة مجموعة؟؟؟ مطرفة موقوفة مطرفة مبسوطة؟؟ القاف مفردة مجموعة مخسوفة مبسوطة مبتدأة؟؟؟؟

الكاف

متوسطة مطرفة مجموعة مطرفة مخسوفة مبسوطة؟؟؟؟ الكاف مجموعة موقوفة مبسوطة أولى مشكولة؟؟؟؟ «1» وسطى مشكولة مركبة مجموعة؟؟؟ مركبة موقوفة مركبة مقوّرة أولى مبسوطة؟؟؟ وسطى مبسوطة مشكولة موصولة مشكولة مفصولة؟؟؟

اللام

اللام مفردة مجموعة موقوفة مبسوطة مبتدأة؟؟؟؟ متوسطة مجموعة مركبة مبسوطة موقوفة؟؟؟ الميم مفردة معلقة مخطوفة مسبلة مبتدأة مركبة؟؟؟؟ وسطى مركبة مطرفة معلقة مركبة مسبلة مختتمة محققة؟؟؟؟ النون مجموعة مدغمة مجموعة مدغمة مبسوطة؟؟؟

الهاء

مبسوطة مخسوفة أولى. وسطى؟؟؟ مجموعة مركبة مبسوطة مركبة مخسوفة مركبة؟؟؟ الهاء مربعة مدوّرة وجه الهرّ مدغمة؟؟؟؟ مشقوقة عرضا ملوّزة مشقوقة طولا محدودبة؟؟؟؟ محققة مختطفة مختلسة؟؟؟ الواو مجموعة مفردة مبسوطة مفردة مجموعة مركبة مبسوطة مركبة؟؟؟؟

اللام ألف

اللام ألف محققة مفردة مفردة محققة مركبة مرفلة؟؟؟؟ الياء مجموعة مفردة مخسوفة راجعة مبتدأة. وسطى؟؟؟؟ مجموعة مركبة مخسوفة مركبة راجعة مركبة مختتمة؟؟؟ القلم السادس «1» قلم الغبار سمّي بذلك لدقته، كأن النظر يضعف عن رؤيته لدقته كما يضعف عن رؤية الشيء عند ثوران الغبار وتغطيته له، وهو الذي يكتب به في القطع الصغير من ورق الطير «2» وغيره.

وبه تكتب بطائق الحمام التي تحمل على أجنحتها في ورق الطير. وبعضهم يسميه قلم الجناح لذلك، وهو قلم ضئيل مولّد من الرقاع والنسخ، مفتّح العقد من غير ترويس فيه، وينبغي أن تكون قطّته مائلة إلى التدوير لتفرعه عن الرقاع والنسخ. وهذه صورة حروفه إفرادا وتركيبا؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ بسم الله الرحمن الرحيم كتب لامام على رضى الله عنه الى بعض عماله لا تؤخر عمل اليوم لغد فتدال عليك الأعمال وان للناس سوه عن سلطانهم أو نفرة اعوذ بالله ان تدركنى واما كم ضغاين محمولة في حديث طويل وهذه الصورة المصطلح عليها الآن: (وقد أجازوا فيها الفتح والطمس جميعا) بسم الله الرحمن الرحيم؟؟؟ وبه ثقتى قال الامام امير المومنين علي كرم الله وجهه المعروف وقروض والايام دول ومن توانى عن نفسه صالح ومن قاهر الحق والسّلام

الجملة السابعة في كتابة البسملة وبيان صورتها في كل قلم من الأقلام المستعملة في ديوان الإنشاء؛ وفيها مهيعان

الجملة السابعة في كتابة البسملة وبيان صورتها في كل قلم من الأقلام المستعملة في ديوان الإنشاء؛ وفيها مهيعان المهيع الأوّل في ذكر قواعد جامعة للبسملة في جميع الأقلام؛ وتشتمل على ثمان قواعد: الأولى - قد اتفق الكتّاب على تطويل باء البسملة أكثر مما يطوّل به غيرها من الباءات التي في أوّل الكلمة. وسيأتي في الكلام على البسملة في المقالة الثالثة أنها طوّلت بدلا من الألف المحذوفة بينها وبين السين لكثرة تكرارها. وقد ذكر بعض المصنّفين في الخط أنها تكون بمقدار ثلثي ألف ذلك الخطّ. وقد سبق القول على مقدار ألف كلّ قلم فيما تقدّم؛ وهذا أصل يترتب عليه غيره. الثاني - في البسملة خمس أخوات متساويات في الطول والانتصاب، وهي: ألف الجلالة، والألف واللام من الرحمن، والألف واللام من الرحيم؛ فكلّها على مقدار واحد، وقد سبق. الثالثة - فيها أربع أخوات متساويات في الإرسال: وهي إرسالة الميم من بسم، وإرسالة الراء من الرحمن، وإرسالة الراء من الرحيم، وإرسالة الميم من الرحيم. الرابعة - فيها أربع أخوات متساويات في الضّوء: وهي الميم من بسم، والهاء من الجلالة، والميم من الرحمن، والميم من الرحيم. الخامسة - فيها أختان متناسبتان في المقدار: وهما الحاء من الرحمن والحاء من الرحيم. السادسة - أنّ لامات الجلالة تكون موازية من أعلاها للباء في أوّل البسملة

السابعة

إلا أن اللام الثانية من لامات الجلالة تكون أخفض من اللام الأولى بيسير. قال ابن عبد السلام في الميزان: بحيث لا يدرك ذلك إلا بتأمل. والذي ذكره الشيخ زين الدين الآثاريّ أنها تكون ناقصة عنها بقدر نقطة (يعني من نقط قلم كتابتها) وتكون الهاء أخفض من اللام الثانية مثل ذلك. السابعة - أن يكون بين الباء والسين قدر ربع ألف من ألفات ذلك الخط، وتكون أسنان السين منها محدّدة الأطراف، ويكون الأخذ من كل سنّ من أسنان السين من أعلاها آخذا فيها إلى أسفل مع التساوي من الأعلى وكذا من الأسفل، بحيث إنه إذا خطّ خطّ من أسفل الباء إلى آخر السين لاصق بهما وقع على الاستقامة، ثم يأخذ في مدّ السين من أعلى السّنّة الأخيرة منها، وتكون أصابعه مقدّمة وكلوة يده مؤخّرة. الثامنة - أن يكون البسط بين الأولى والثانية منخسفا لا مستويا، وكذلك ما بين اللام الثانية والهاء. المهيع الثاني في بيان صورة البسملة في كل قلم من الأقلام التي تستعمل في ديوان الإنشاء قد تقدّم أن الأقلام التي تستعمل في ديوان الإنشاء مما يكتب به كتّابه «1» ستة أقلام وهي: مختصر الطّومار، وقلم الثلث الثقيل والخفيف، وقلم التوقيعات، وقلم الرّقاع، وقلم الغبار، إلا أن المحقّق لا بسملة له في ديوان الإنشاء، لأنه إنما يستعمل في كتابة طغراة كتاب على ما تقدّم ذكره، ولا بسملة للطغراة، اللهم إلا أن يكتب مختصر الطّومار على طريقة المحقّق فتكتب البسملة فيه على طريقة

المحقق؛ بخلاف قلم الغبار فإنه يكتب به في الملطّفات فيحتاج إلى البسملة وإن لم يحتج إليها في البطائق. ولتعلم أن صورة البسملة في هذه الأقلام تختلف ما بين صورة واحدة لكلّ قلم فأكثر. وقد ذكر صاحب العناية الربانية «1» صورا من ذلك، وأنا أوردها على الترتيب إن شاء الله تعالى. فأما بسملة قلم مختصر الطومار، فقد تقدّم أن طريقته طريقة الطّومار، وأن الطومار تارة يكتب على طريقة المحقّق وهو الأكثر، وتارة يكتب على طريقة الثلث، وعليه عمل كتّاب الإنشاء، وربما عملوا على طريقة المحقّق؛ وحينئذ فإن كان المكتوب على طريقة المحقّق فبسملته على طريقة المحقّق مع امتلاء قلمه على حدّ مختصر الطومار على ما تقدّم بيانه.

وهذه صورة بسملة؟؟؟

على طريقة الثلث؟؟؟

وأما قلم الثلث الثقيل وقلم الثلث الخفيف فطريقهما واحدة لا خلف بينهما إلا في رقّة القلم وغلظه على ما تقدّم بيانه في الكلام على أصل الأقلام. وللبسملة فيهما ثلاث صور: الصورة الأولى- أن تكون الراء في الرحمن وفي الرحيم مخسوفة؛ وهذه صورتها: بسم الله الرّحمن الرّحيم

الصورة الثانية- أن تكون الراء فيهما مجموعة والنون في الرحمن مجموعة؛ وهذه صورتها: بسم الله الرّحمن الرّحيم

الصورة الثالثة- أن تكون الراء فيهما مدغمة والنون في الرحمن مدغمة؛ وهذه صورتها: بسم الله الرّحمن الرّحيم وأما بسملة قلم التوقيع فلها ثلاث صور: الصورة الأولى- مختصرة من قلم الثّلث فتكون كهي، إلا أنها أدقّ قلما منها، وهذه صورتها: بسم الله الرّحمن الرّحيم

الصورة الثانية- أن تكون الحاء فيها في الرحمن مقلوبة وفي الرحيم ملوّزة؛ وهذه صورتها: بسم الله الرّحمن الرّحيم الصورة الثالثة- أن تكون الحاء فيها في الرحمن والرحيم مقلوبة؛ وهذه صورتها: بسم الله الرّحمن الرّحيم

وأما بسملة قلم الرقاع، فإن السين تكون فيها بالتدريج، كل سنّ دون التي قبلها بيسير؛ والكاتب فيها مخيّر بين وصل أسنانها وفصلها فصلا يسيرا. وقد اصطلحوا على أن تكتب الألف التي قبل الجلالة فيها متصلة بميم بسم، وتكون مثل الألف والصاعد في قلم الرّقاع، ثم يجعل لها ذيل وتوصل بالجلالة؛ ولها ثلاث صور: الصورة الأولى: أن تكون الراء فيها مدغمة، والحاء في الرحمن والرحيم مقلوبة؛ وهذه صورتها: بسم الله الرّحمن الرّحيم الصورة الثانية- أن تكون الراء فيها مدغمة والحاء رتقاء؛ وهذه صورتها: بسم الله الرّحمن الرّحيم الصورة الثالثة- أن توصل الألف بالجلالة من أعلاها؛ وهذه صورتها: ؟؟؟ وأما بسملة الغبار [فلها صورة واحدة وهي هذه] «1» ؟؟؟

الجملة الثامنة في وجوه تجويد الكتابة وتحسينها؛ وهو على ضربين

الجملة الثامنة في وجوه تجويد الكتابة وتحسينها؛ وهو على ضربين الضرب الأوّل حسن التشكيل قال الوزير أبو عليّ بن مقلة: وتحتاج الحروف في تصحيح أشكالها إلى خمسة أشياء: الأوّل- التوفية ؛ وهي أن يوفّى كلّ حرف من الحروف حظّه من الخطوط التي يركب منها: من مقوّس ومنحن ومنسطح. الثاني- الإتمام ؛ وهو أن يعطى كلّ حرف قسمته من الأقدار التي يجب أن يكون عليها: من طول أو قصر أو دقّة أو غلظ. الثالث- الإكمال ؛ وهو أن يؤتى كلّ خط حظّه من الهيئات التي ينبغي أن يكون عليها: من انتصاب، وتسطيح، وانكباب، واستلقاء، وتقويس. الرابع- الإشباع ؛ وهو أن يؤتى كلّ خط حظه من صدر القلم حتّى يتساوى به فلا يكون بعض أجزائه أدقّ من بعض ولا أغلظ إلا فيما يجب أن يكون كذلك من أجزاء بعض الحروف من الدقة عن باقيه مثل الألف والراء ونحوهما. الخامس- الإرسال ؛ وهو أن يرسل يده بالقلم في كل شكل يجري بسرعة من غير احتباس يضرّسه ولا توقّف يرعشه. الضرب الثاني حسن الوضع قال الوزير «1» : ويحتاج إلى تصحيح أربعة أشياء:

الأول - الترصيف

الأوّل- الترصيف ؛ وهو وصل كلّ حرف متصل إلى حرف. الثاني- التأليف ؛ وهو جمع كل حرف غير متصل إلى غيره على أفضل ما ينبغي ويحسن. الثالث- التسطير ؛ وهو إضافة الكلمة إلى الكلمة حتّى تصير سطرا منتظم الوضع كالمسطرة. الرابع- التنصيل ؛ وهو مواقع المدّات المستحسنة من الحروف المتصلة. واعلم أن المدّ في الخط قديم، فقد حكى أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتاب» : أن أهل الأنبار كانوا يكتبون المشق «1» . وكأنه يريد أنهم كانوا على ذلك في القديم، فقد تقدم أن أوّل ما تعلّم أهل الحجاز الخطّ من أهل الأنبار. على أن صاحب «موادّ البيان» قد حكى أن جماعة من المحرّرين كانوا يكرهون المشق لإفساده خطّ المبتديء ودلالته على تهاون المنتهى. قال: ولذلك كرهوا كتابة البسملة بغير سين مبيّنة ثم صارت كراهة ذلك سنّة وعرفا. والذي عليه حذّاق المحرّرين استعمال المدّ. قال في «موادّ البيان» : وهذه المدّات تستعمل لأمرين: أحدهما أنها تحسّن الخط وتفخّمه في مكان كما يحسّن مدّ الصوت اللفظ ويفخّمه في مكان. الثاني أنها ربما أوقعت ليتم السّطر إذا فضل منه ما لا يتّسع لحرف آخر، لأن السطر ربما ضاق عن كلمتين وفضل عن كلمة فتمدّ التي وقعت في آخر السطر لتقع الأخرى في أوّل السطر الذي يليه. وقال الشيخ عماد الدين بن العفيف: مواضع المدّ أواخر السطور، وتكره إذا كانت سينا مدغمة. قال في «موادّ البيان» : فيجب على الكاتب أن يعرف أحكامها لئلا يوقعها في

الصنف الأول الثنائية

غير المواضع اللائقة بها فيشتبه الحرف بغيره ويفسد المعنى، مثل أن يوقع المدّ في متعلم بين الميم والتاء فتشتبه بمستعلم، أو يوقع المدّ في متسلم بين الميم والتاء فتشتبه بمستسلم. ثم قال: وبالجملة فالكلمة الأصلية اسما كانت أو حرفا أو فعلا لا تخرج عن أربعة أصناف: الصنف الأوّل الثنائية وهي إما أسماء مضاعفة أو أفعال أو حروف. فالأسماء: نحوندّ، وضر، وسرّ، وشرّ، وظلّ، وطلّ، وما أشبه ذلك. والأفعال: نحو قل، وكل، وقم، وعد، ونم، وسر، ونحو ذلك. والحروف: نحو هل، وبل، وقط، وقد، ومذ، وعن، ولو، ولم، ومن، وما، وما يجري مجرى ذلك. فأما الأسماء والأفعال الثنائية فقد ذكر في «موادّ البيان» : أنه لا يحسن المدّ في شيء منها إلا في سرّ، وشرّ، من الأسماء وسر من الأفعال لأن السين أو الشين وإن كان كل منهما حرفا على حياله في صورة ثلاثة أحرف. قال: وقد يحسن في نحو ظل، وطلّ، في بعض المواضع. وأما الحروف الثنائية فقد ذكر في «موادّ البيان» : أنه لا يحسن المدّ فيها. وحكى صاحب «منهاج الإصابة» : أن بعض الكتاب كان يمدّ في أواخر السطور مثل ما، وهل، وعن، ثم حكى عن أبي القاسم بن خلوف: أن ذلك لا يجوز في عن في أوّل السطر ولا في آخره. الصنف الثاني الثلاثية قال في «موادّ البيان» : والمدّ فيها على الأكثر قبيح لأنها لا تنقسم بقسمين متساويين.

الصنف الثالث الرباعية نحو محمد وجعفر

قال: ومنها ما يسمح في مدّه للضرورة كما إذا وقع في آخر سطر يحتاج إلى التتميم فيمدّ كبيع وقطع ونحوهما. وعلى نحو من ذلك جرى صاحب «منهاج الإصابة» ثم قال: ويجوز أن تمدّ إذا كان ثالثها ألفا أو لاما. وقال الشيخ عماد الدين بن العفيف: كان والدي يمدّ في الكلمة الثلاثيّة إذا كان أوّلها الجيم وأختاها، والطاء، والسين، والعين. قال في «موادّ البيان» : وينبغي إذا مدّ أن يقدّم الحرفان الأوّلان وتوضع المدة بينهما وبين الثالث. أما عسى، ومتى، وفتى، ونحوها فإنها لا تحتمل المدّ بحال. الصنف الثالث الرباعية نحو محمد وجعفر قال أبو القاسم بن خلوف: والمدّ فيه جائز بل المدّ فيه أحسن من القصر. قال في «موادّ البيان» : ولا يجوز أن يقدّم منها ثلاثة أحرف ويوقع المدّة بينها وبين الحرف الرابع ولا بالعكس بل وقع المدّ بين الحرفين الأوّلين والحرفين الآخرين فقط. قال: على أن منها ما لا يحسن المدّ فيه نحو: تغلب، وخبير، ونمير. الصنف الرابع الخماسية نحو: مشتمل، ومستقلّ، ومسيطر، ومهيمن. وقد اختلف علماء الخط فيه على مذهبين: فذهب صاحب «موادّ البيان» إلى أن المدّ فيها لا يحسن، فإنها لا تنقسم بقسمين متساويين كما في الثّلاثيّة؛ وذهب أبو القاسم بن خلوف إلى أن المدّ فيها لازم، لا يجوز تركه. ثم إذا مدّ فالذي ذكره في «موادّ البيان» أن الأحسن أن يقدّم حرفين ويوقع المدّ بينهما وبين الثلاثة الأحرف الأخر.

أما ما كان زائدا على خمسة فقد ذكر صاحب «العناية الربّانية» «1» أنه يرجع فيه إلى الأصول، ويعتبر من السّداسي «2» فإنه مدّ فيما بعد السين من مسلمون وبعد التاء من معتبر. قال في «مواد البيان» : ويصح المدّ فيما جاء من الأسماء والأفعال والحروف موصولا بضمير كناية مثل: كتبته، وعلمته، وفيه، ومنه، وعليه، وإليه، إذا وقعت المدّة بين تمام الكلمة والضمير. قال: ومشق السين يحسّن الخطّ في بعض المواضع، ويقبح إذا وقعت طرفا نحو مشق السين من العباس والجوّاس؛ وأقبح من ذلك مشقها إذا كانت موصولة بحرف واحد يتقدّمها نحو يأنس، وعانس، وجالس، وناعس، وإذا توالت سينان أو سين وشين، فالأحسن أن يفصل بينهما في الخط المحرّر بمدّة لطيفة نحو مسست وغششت ورششت. قال أبو القاسم بن خلوف: ومن الحروف ما لا يحسن المدّ بعده إذا كان مبتدأ، وهو الباء وأختاها، والياء، والفاء والقاف، واللام؛ وأما الكاف المشكولة فإنه لا يجوز مدّ ما بعدها في ابتداء ولا توسّط. وقد ذكر الشيخ زين الدين شعبان الآثاري في ألفيّته حروفا يجوز مدّها في مواضع: أحدها- الباء وأختاها، فتمدّ إذا كان بعدها دال مثل: بدر، أو راء مثل: برّ، أو ميم مثل: تم، أو هاء مثل: بهز، وأنه ربما مدّت إذا كان بعدها لام مثل: بل، أو لام ألف مثل: بلا.

الثاني- الجيم وأختاها، فتمدّ إذا كان بعدها دال مثل: حداد، أو راء مثل: حرير، أو ميم مثل: حم، أو هاء مثل: جهر. الثالث- السين وأختها، وتمدّ إذا كان بعدها راء مثل: سرّ، أو ميم مثل: سم، أو هاء مثل: سهم. الرابع، والخامس- الصاد وأختها، والطاء وأختها، فلا يجوز «1» مدّ واحد منها بحال. السادس- العين وأختها، فتمدّ إذا كان بعدها دال مثل: عد، أو راء مثل: عر، أو ميم مثل: عم، أو هاء مثل: عهن. السابع، والثامن، والتاسع، والعاشر، والحادي عشر- الفاء، والقاف، واللام، والميم، والهاء؛ فحكمها حكم العين وأختها في جواز المدّ فيما تقدّم. قال الشيخ عماد الدين بن العفيف: ولا يجوز الجمع بين مدّتين في كلمة واحدة، و «على» تمدّ إذا كانت الياء معرّقة؛ فإن كانت راجعة لم يجز المدّ أصلا، لأنه يجتمع في كلمة ثلاثيّة مدّتان. قال في «موادّ البيان» : ويقبح أن تمدّ حرفين توالي بينهما في سطر واحد، وأن توقع حرفين ممدودين في سطرين: أعلى وأسفل على تقابل وتحاذ. قال السّرّمرّي: وإن كان في آخر الكلمة ياء لم يجز المدّ قبل الياء. قال: ولذلك لا يجوز المدّ بعد السين في اسم موسى: ولا قبل «2» السين في اسم عيسى. قال الآثاريّ: وأجاز بعضهم مدّ العين منه بخلاف السين. قال ابن العفيف: ولا تدغم الواو والنون بعد مدّ أصلا في خفيف ولا ثقيل.

الصنف الخامس مراعاة فواصل الكلام

قال: ولا يحسن إدغام السين بعد الكاف المشكولة، ويجوز بعد اللام والميم. قال في «مواد البيان» : ويقبح أن تكتب ياءان معطوفتان متقاربتان في سطر واحد. قال الشيخ عماد الدين بن الشيرازي: وإذا توالت العراقات وكان فيها الياء وجب أن تكون راجعة إلى ذات اليمين. قال ابن أبي رقيبة: سألت الشيخ عماد الدين بن العفيف: هل يكون ذلك في كل قلم؟ قال نعم! إذا تمكّن الكاتب من وضعها، إلا في المحقّق فإنه غير جائز. قال السّرّمريّ: وإن أتت ياءان متقاربتان مثل قول القائل «لي صلي» ردّ ياء الأخرى من الكلمتين دون الأولى، وإن شئت عرّقتهما جميعا، وهو اختيار الوزير ابن مقلة. قال: وتردّ الياء بعد الألف واللام مثل: «إلى» في خفيف الأقلام دون ثقيلها على الأحسن. قال الآثاري: وإذا توالت حروف متشابهة كتبت القصير منه مقدّما على الطويل. الصنف الخامس مراعاة فواصل الكلام قال في «مواد البيان» : وذلك بأن تميز الفصول المشتمل كلّ فصل منها على نوع من الكلام عمّا تقدّمه: لتعرف مباديء الكلام ومقاطعه؛ فإن الكلام ينقسم فصولا طوالا وقصارا، فالطّوال كتقسيم منثور المترسل إلى رسائله، ومنظوم الشاعر إلى قصائده، ومثل هذا لا يحتاج إلى تفصيل، لأنه لا يشكل الحال فيه في الرسالة أو القصيدة بغيرها اتصالا وانفصالا. والفصول القصار كانقسام الرسالة إلى الفصول، والقصيدة إلى الأبيات، ومثل هذا قد يشكل، فينبغي أن تميز تمييزا يؤمن معه من الاختلاط، فإن ترتيب

الصنف السادس حسن التدبير في قطع الكلام ووصله في أواخر السطور وأوائلها

الخط يفيد ما يفيده ترتيب اللفظ. وذلك أن اللفظ إذا كان مرتّبا تخلّص بعض المعاني من بعض، وإذا كان مخلّطا أشكلت معانيه، وتعذر على سامعه إدراك محصوله. وكذلك الخط إذا كان متميز الفصول، وصل معنى كلّ فصل منه إلى النفس على صورته، وإذا كان متصلا دعا إلى إعمال الفكر في تخليص أغراضه. وقد اختلفت طرق الكتّاب في فصول الكلام الذي لم يميّز بذكر باب أو فصل ونحوه. فالنّسّاخ يجعلون لذلك دائرة تفصل بين الكلامين، وكتّاب الرسائل يجعلون للفواصل بياضا يكون بين الكلامين من سجع أو فصل كلام، إلا أن بياض فصل الكلامين يكون في قدر رأس إبهام، وفصل السجعتين يكون في قدر رأس خنصر. قال في «موادّ البيان» : وينبغي ألّا تكون الجملة في آخر السطر والفاصلة في أوّل السطر الذي يليه؛ فإنه ملبس لاتصال الكلام؛ بل لا يجعل في أوّل السطر بياضا أصلا لأنه يقبح بذلك لخروجه عن نسبة السطور؛ ولا أن يفسح بين السطر والذي يليه إفساحا زائدا عما بين كل سطرين، ولكن يراعي ذلك من أوّل شروعه في كتابة السطر فيقدّر الخط بالجمع والمشق حتّى يخلص من هذا العيب. الصنف السادس حسن التدبير في قطع الكلام ووصله في أواخر السطور وأوائلها لأن السطور في المنظر كالفصول، فإذا قطع السطر على شيء يتعلّق بما بعده كان قبيحا، كما إذا كتب بعض حروف الكلمة في آخر السطر وبعضها في أوّل السطر الذي يليه. ثم للفصل المستقبح في آخر السطر وأوّل الذي يليه صنفان:

الصنف الأول فصل بعض حروف الكلمة الواحدة عن بعض، وتفريقها في السطر والذي يليه

الصنف الأوّل فصل بعض حروف الكلمة الواحدة عن بعض، وتفريقها في السطر والذي يليه مثل أن تقع معه لفظة «كتاب» في آخر السطر، فيكتب الكاف والتاء والألف في آخر السطر، والباء في أوّل السطر الذي يليه؛ أو يقع في آخر السطر لفظ «مسرور» فيكتب الميم والسين والراء فيه، والواو والراء الثانية في أوّل السطر الذي يليه ونحو ذلك. قال في «موادّ البيان» : وهو قبيح جدّا لأنه لا يجوز فصل الاسم عن بعضه. قال: وأكثر ما يوجد ذلك في مصاحف العامّة وخطوط الورّاقين «1» ؛ والحامل لهم على ذلك في الغالب هو ضيق آخر السطر عن الكلمة بكمالها، ومن هنا احتاج الكاتب الى النظر في ذلك بالجمع والمشق من حين شروعه في كتابة أوّل السطر على ما تقدّم. قال صاحب «منهاج الإصابة» : وإنما وقع مثل ذلك في المصاحف التي كتبت في زمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه لأنها كتبت بقلم جليل مبسوط، فربما وقع في بعض الأماكن اللفظة فيقطعها في آخر السطر ويجعل باقيها في السطر الثاني. وعلى ذلك حمل ما روي أن عثمان رضي الله عنه قال: «إنّ في

الصنف الثاني فصل الكلمة التامة وصلتها

المصحف لحنا ستقيمه العرب بألسنتها» إذ لا جائز أن يكون ذلك لحنا في اللفظ فقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على أن ما بين دفّتي المصحف قرآن، ومحال أن يجتمعوا على لحن. على أن هذه الرواية غير مشهورة عن عثمان رضي الله عنه كما أشار إلى ذلك الشاطبي «1» بقوله في الرائية: ومن روى ستقيم العرب ألسنها ... لحنا به قول عثمان فما شهرا الصنف الثاني فصل الكلمة التامة وصلتها مثل أن يكتب «وصل كتابك وأيّدك الله» مفصّلات، فيكتب «وصل» في آخر السطر و «كتابك» في أوّل الذي يليه، أو يكتب «أيّدك» في آخر سطر واسم «الله» تعالى في أوّل الذي يليه، وما جرى مجرى ذلك. قال في «موادّ البيان» : والأحسن تجنّبه إذا أمكن، فإن لم يمكن فيتجنّب القبيح منه، وهو الفصل بين المضاف والمضاف إليه، كعبد الله وغلام زيد وما أشبه ذلك، لأنّ المضاف والمضاف إليه بمنزلة الاسم الواحد؛ والفصل بين الاسم وما يتلوه في النسب، كقولك زيد بن محمد، فلا يجوز أن يفصل بين الاسم والمنسوب إليه كما لا يجوز أن يفصل بين المضاف والمضاف إليه. قال: فإن كان المراد بلفظة ابن تثبيت البنوّة كقولك لزيد ابن جاز قطع الابن عما تقدّمه. وكأنه إنما امتنع ذلك لأن «لزيد» لا يستقل بنفسه فلا يدخله لبس بخلاف غلام زيد ونحوه. ثم قال: ومما يقبح فصله الفصل بين كل اسمين جعلا اسما واحدا نحو: حضر موت، وتأبط شرّا، وذي يزن، وأحد عشر. قلت: وباب الخط وأقلامه وحسن تدبيره متسع لا يسع استيفاؤه.

الفصل الثالث من الباب الثاني من المقالة الأولى في لواحق الخط، وفيه مقصدان

الفصل الثالث من الباب الثاني من المقالة الأولى في لواحق الخط، وفيه مقصدان المقصد الأول في النقط؛ وفيه أربع جمل الجملة الأولى في مسيس الحاجة إليه قال محمد بن عمر المدائنيّ: ينبغي للكاتب أن يعجم «1» كتابه، ويبيّن إعرابه، فإنه متى أعراه عن الضبط، وأخلاه عن الشكل والنقط كثر فيه التصحيف، وغلب عليه التحريف. وأخرج بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: «لكلّ شيء نور، ونور الكتاب العجم «2» » . وعن الأوزاعيّ «3» نحوه. قال أبو مالك الحضرميّ: أيّ قلم لم تعجم فصوله، استعجم «4» محصوله. ومن كلام بعضهم: «الخطوط المعجمة، كالبرود المعلمة» . ثم قد تقدم في الكلام على عدد الحروف أن حروف المعجم تسعة

وعشرون حرفا، وقد وضعت أشكالها على تسعة عشر شكلا. فمنها ما يشترك في الصّورة الواحدة منه الحرفان: كالدال والذال والراء والزاي، والسين والشين. ومنها ما يشترك في الصورة الواحدة منه الثلاثة: كالباء والتاء والثاء، والجيم والحاء والخاء. ومنها ما ينفرد بصورة واحدة كالألف. ومنها ما لا يلتبس حالة الإفراد، فإذا ركّب ووصل بغيره التبس، كالنون والقاف، فإن النون في حالة الإفراد منفردة بصورة، فإذا ركّبت مع غيرها في أوّل كلمة أو وسطها، اشتبهت بالباء وما في معناها؛ والقاف إذا كانت منفردة لا تلتبس، فإذا وصلت بغيرها أوّلا أو وسطا التبست بالفاء، فاحتيج إلى مميز يميّز بعض الحروف من بعض: من نقط أو إهمال ليزول اللّبس، ويذهب الاشتراك. قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: ولذلك ينبغي أن القاف والنون إذا كتبا في حالة الإفراد على صورتهما الخاصّة بهما لا ينقطان، لأنه لا شبه بينهما ولا يشبهان غير هما، فيكونان إذ ذاك كالكاف واللام. قال: ومنع بعض مشايخنا الاشتراك في صورة الحروف، وقال: الصورة والنقط مجموعهما دالّ على كل الحرف. إذا تقرّر ذلك فالنقط مطلوب عند خوف اللّبس، لأنه إنما وضع لذلك؛ أما مع أمن اللّبس فالأولى تركه لئلا يظلم الخطّ من غير فائدة. فقد حكي أنه عرض على عبد الله بن طاهر «1» خطّ بعض الكتّاب فقال: ما أحسنه! لولا أنه أكثر شونيزه «2» . وقد حكى محمد بن عمر المدائني أن جعفرا المتوكل «3» كتب إلى بعض

الجملة الثانية في ذكر أول من وضع النقط

عمّاله أن أحص من قبلك من المدنيّين وعرّفنا بمبلغ عددهم، فوقع على الحاء نقطة فجمع العامل من كان في عمله منهم وخصاهم فماتوا غير رجلين أو واحد. وقد حكى المدائني عن بعض الأدباء أنه قال: كثرة النّقط في الكتاب سوء ظنّ بالمكتوب إليه. أما كتّاب الأموال فإنهم لا يرون النقط بحال؛ بل تعاطيه عندهم عيب في الكتابة. الجملة الثانية في ذكر أوّل من وضع النقط قد تقدّم في الكلام على وضع الحروف العربية أن أوّل من وضع الحروف العربية ثلاثة رجال من قبيلة بولان على أحد الأقوال، وهم: مرار «1» بن مرّة، وأسلم بن سدرة، وعامر بن جدرة وأن مرارا «2» وضع الصّور، وأسلم فصل ووصل، وعامرا وضع الإعجام. وقضية هذا أن الإعجام موضوع مع وضع الحروف. وقد روي أن أوّل من نقط المصاحف ووضع العربية أبو الأسود الدّؤليّ «3» من تلقين أمير المؤمنين عليّ كرّم الله وجهه. فإن أريد بالنقط في ذلك الإعجام، فيحتمل أن يكون ذلك ابتداء لوضع الإعجام، والظاهر ما تقدّم، إذ يبعد أن الحروف قبل ذلك مع تشابه صورها كانت عريّة عن النقط إلى حين نقط المصحف. وقد روي أن الصحابة رضوان الله عليهم جرّدوا المصحف من كل شيء

الجملة الثالثة في بيان صورة النقط، وكيفية وضعه

حتى من النقط والشكل. على أنه يحتمل أن يكون المراد بالنقط الذي وضعه أبو الأسود الشكل على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. الجملة الثالثة في بيان صورة النقط، وكيفية وضعه قال الوزير أبو عليّ بن مقلة رحمه الله: وللنّقط صورتان: إحداهما شكل مربع والأخرى شكل مستدير. قال: وإذا كانت نقطتان على حرف، فإن شئت جعلت واحدة فوق أخرى، وإن شئت جعلتهما في سطر معا، وإذا كان بجوار ذلك الحرف حرف ينقط لم يجز أن يكون النّقط إذا اتسعت إلا واحدة فوق أخرى والعلة في ذلك أن النّقط إذا كنّ في سطر خرجن عن حروفهن فوقع اللّبس في الأشكال، فإذا جعل بعضها على بعض كان على كل حرف قسطه من النّقط فزال الإشكال. قلت: وإذا كان على الحرف ثلاث نقط، فإن كانت ثاء جعلت واحدة فوق اثنتين، وإن كانت شينا فبعض الكتّاب ينقطه كذلك، وبعضهم ينقطه ثلاث نقط سطرا، وذلك لسعة حرف الشين بخلاف الثاء المثلثة. أما السين إذا نقطت من أسفلها، فإنهم ينقطونها ثلاثة سطرا واحدا. الجملة الرابعة فيما يختصّ بكل حرف من النقط وما لا نقط له قد تقدم أنّ حروف المعجم ثمانية وعشرون حرفا سوى اللام ألف، وأن ذلك على عدد منازل القمر الثمانية والعشرين «1» ؛ وأن المنازل أبدا منها أربعة عشر

فوق الأرض، وأربعة عشر تحت الأرض؛ ثم إنه لا بدّ أن يبقى مما فوق الأرض منزلة مختفية تحت الشّفق، فكانت الحروف المنقوطة خمسة عشر حرفا بعدد المنازل المختفية: وهي الأربعة عشر التي تحت الأرض، والواحدة التي تحت الشّعاع، إشارة إلى أنها تحتاج إلى الإظهار لاختفائها: وهي الباء، والتاء، والثاء، والجيم، والخاء، والذال، والزاي، والشين، والضاد، والظاء، والغين، والفاء، والقاف، والنون، والياء، آخر الحروف. وكانت الحروف العاطلة ثلاثة عشر بعدد المنازل الظاهرة: وهي الألف، والحاء، والدال، والراء، والسين، والصاد، والطاء، والعين، والكاف، واللام، والميم، والهاء، والواو. فأمّا الألف فإنها لا تنقط لانفرادها بصورة واحدة، إذ ليس في الحروف ما يشبهها في حالتي الإفراد والتركيب. وأما الباء فإنها تنقط من أسفل لتخالف التاء المثناة من فوق، والثاء المثلثة في حالتي الإفراد والتركيب، والياء المثناة من تحت، والنون في حالة التركيب ابتداء أو وسطا؛ ونقطت من أسفل لئلّا تلتبس بالنون حالة التركيب. وأما التاء فإنها تنقط باثنتين من فوق لتخالف ما قبلها وما بعدها من الصورتين في حالة الإفراد، وتخالفهما مع الياء والنون حالة التركيب ابتداء أو وسطا. وأما الثاء فإنها تنقط بثلاث من فوق لتخالف ما قبلها من الصورتين في الإفراد وتخالفهما مع النون والياء أيضا في التركيب ابتداء أو وسطا.

وأما الجيم فإنها تنقط بواحدة من تحت لتخالف الصورتين بعدها. وأما الحاء فإنها لا تنقط، ويكون الإهمال لها علامة، وحذّاق الكتّاب يجعلون لها علامة غير النقط، وهي حاء صغيرة مكان النّقطة من الجيم. وأما الخاء فإنها تنقط بواحدة من أعلاها لتخالف ما قبلها من الجيم والحاء. وأما الدال فإنها لا تنقط ولا تعلّم، ويكون ترك العلامة لها علامة. وأما الذال فتنقط بواحدة من فوق فرقا بينها وبين أختها. وأما الراء فإنها لا تنقط ولا تعلّم ويكون الإهمال لها علامة. وأما الزاي فإنها تنقط بواحدة من فوق فرقا بينها وبين الراء. وأما السين فإنها لا تنقط وتكون علامتها الإهمال كغيرها؛ وبعض الكتّاب ينقطها بثلاث نقط من أسفلها. وأما الشين فإنها تنقط بثلاث من فوق فرقا بينها وبين أختها، فإن كانت مدغمة فلا بدّ من جرّة فوقها، ثم إن كانت محقّقة فاللائق التأسيس بنقطتين وجعل نقط ثالث من أعلاهما؛ وإن كانت مدغمة فالأولى جعل الثلاث نقط سطرا واحدا. وأما الصاد فإنها لا تنقط؛ نعم حذّاق الكتّاب يجعلون لها علامة كالحاء، وهي صاد صغيرة تحتها. وأما الضاد فإنها تنقط بواحدة من أعلاها فرقا بينها وبين أختها. وأما الطاء فإنها لا تنقط لكن لها علامة كالصاد والحاء، وهي طاء صغيرة تحتها. وأما الظاء فإنها تنقط بواحدة من فوقها فرقا بينها وبين أختها. وأما العين فإنها لا تنقط، ولها علامة كالحاء، والصاد، والطاء، وهي عين صغيرة في بطنها. وأما الغين فإنها تنقط بواحدة فرقا بينها وبين أختها. وأما الفاء فمذهب أهل الشرق أنها تنقط بواحدة من أعلاها، ومذهب أهل

الغرب أنها تنقط بواحدة من أسفلها. وأما القاف فلا خلاف بين أهل الخط أنها تنقط من أعلاها إلا أنّ من نقط الفاء بواحدة من أعلاها نقط القاف باثنتين من أعلاها ليحصل الفرق بينهما، ومن نقط الفاء من أسفلها نقط القاف بواحدة من أعلاها. وقد تقدّم من كلام الشيخ أثير الدين أبي حيان رحمه الله عن بعض مشايخه: أنّ القاف إذا كتبت على صورتها الخاصة بها ينبغي ألّا تنقط إذ لا شبه بينهما «1» وذلك في حالتي الإفراد والتطرّف أخيرا. وأما الكاف فإنها لا تنقط، إلا أنها إذا كانت مشكولة علّمت بشكلة، وإن كانت معرّاة رسم عليها كاف صغيرة مبسوطة لأنها ربما التبست باللام. وأما اللام فإنها لا تنقط ولا تعلّم، وترك العلامة لها علامة. وأما الميم فإنها لا تنقط ولا تعلّم أيضا لانفرادها بصورة. وأما النون فإنها تنقط بواحدة من أعلاها، وكان ينبغي اختصاص النقط بحالة التركيب ابتداء أو وسطا لالتباسها حينئذ بالباء، والتاء والثاء أوائل الحروف، والياء آخر الحروف؛ بخلاف حالة الإفراد والتطرّف في التركيب أخيرا فإنها تختص بصورة فلا تلتبس كما أشار إليه الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله، إلا أنها غلبت فيها حالة التركيب فروعيت. وأما الهاء فإنها لا تنقط بجميع أشكالها، وإن كثرت، لأنه ليس في أشكالها ما يلتبس بغيره من الحروف. وأما الواو فإنها لا تنقط وإن كانت في حالة التركيب تقارب الفاء، وفي حالة الإفراد تقارب القاف، لأن الفاء لا تشابهها كلّ المشابهة، ولأن القاف أكبر مساحة منها.

المقصد الثاني في الشكل؛ وفيه خمس جمل

وأما اللام ألف فإنها لا تنقط لانفرادها بصورة لا يشابهها غيرها. وأما الياء فإنها تنقط بنقطتين من أسفلها، وإن كانت في حالة الإفراد والتطرّف في التركيب لها صورة تخصّها، لأنها في حالة التركيب في الابتداء والتوسط تشابه الباء، والتاء، والثاء، والنون، فيحتاج إلى بيانها بالنقط لتغليب حالة التركيب على حالة الإفراد كما في النون، وربما نقطها بعض الكتّاب في حالة الإفراد بنقطتين في بطنها؛ والله سبحانه وتعالى أعلم. المقصد الثاني في الشكل «1» ؛ وفيه خمس جمل الجملة الأولى في اشتقاقه ومعناه قال بعض أهل اللغة: هو مأخوذ من شكل الدابة، لأن الحروف تضبط بقيد فلا يلتبس إعرابها كما تضبط الدابّة بالشّكال «2» فيمنعها من الهروب. قال أبو تمام: ترى الأمر معجوما إذا كان معجما ... لديه ومشكولا إذا كان مشكولا الجملة الثانية في أول من وضع الشّكل وقد اختلفت الرواية في ذلك على ثلاث مقالات، فذهب بعضهم إلى أن المبتديء بذلك أبو الأسود الدؤليّ، وذلك أنه أراد أن يعمل كتابا في العربيّة يقوّم الناس به ما فسد من كلامهم، إذ كان ذلك قد فشا في الناس.

فقال: أرى أن أبتديء بإعراب القرآن أوّلا، فأحضر من يمسك المصحف، وأحضر صبغا يخالف لون المداد. وقال للذي يمسك المصحف عليه: إذا فتحت فاي فاجعل نقطة فوق الحرف، وإذا كسرت فاي فاجعل نقطة تحت الحرف، وإذا ضممت فاي فاجعل نقطة أمام الحرف، فإن أتبعت شيئا من هذه الحركات غنّة (يعني تنوينا) فاجعل نقطتين. ففعل ذلك حتّى أتى على آخر المصحف. وذهب آخرون إلى أن المبتديء بذلك نصر بن عاصم الليثيّ «1» ، وأنه الذي خمّسها وعشّرها. وذهب آخرون إلى أن المبتديء بذلك يحيى بن يعمر «2» . قال الشيخ أبو عمرو الدانيّ رحمه الله: وهؤلاء الثلاثة من جلّة تابعي البصريين. وأكثر العلماء على أن أبا الأسود جعل الحركات والتنوين لا غير، وأن الخليل بن أحمد «3» هو الذي جعل الهمز «4» والتشديد «5» والرّوم «6» والإشمام «7» .

الجملة الثالثة في الترغيب في الشكل والترهيب عنه

الجملة الثالثة في الترغيب في الشكل والترهيب عنه وقد اختلفت مقاصد الكتّاب في ذلك، فذهب بعضهم إلى الرغبة فيه، والحث عليه، لما فيه من البيان والضّبط والتقييد. قال هشام بن عبد الملك «1» : اشكلوا قرائن الآداب، لئلا تندّ عن الصواب. وقال عليّ بن منصور «2» : حلّوا غرائب الكلم بالتقييد، وحصّنوها عن شبه التصحيف والتحريف. ويقال: إعجام الكتب يمنع من استعجامها، وشكلها يصونها عن إشكالها، ولله القائل: وكأنّ أحرف خطّه شجر ... والشّكل في أغصانه ثمر وذهب بعضهم إلى كراهته، والرغبة عنه. قال سعيد بن حميد الكاتب «3» : لأن يشكل الحرف على القاريء أحبّ إليّ من أن يعاب الكاتب بالشكل. ونظر محمد بن عبّاد «4» إلى أبي عبيد «5» وهو يقيّد

البسملة فقال: لو عرفته ما شكلته. وقد جرّد الصحابة رضوان الله عليهم المصحف حين جمعوا القرآن من النقط والشكل وهو أجدر بهما، فلو كان مطلوبا لما جرّدوه منه. قال الشيخ أبو عمرو الدانيّ: وقد وردت الكراهة بنقط المصاحف عن عبد الله بن عمر «1» ، وقال بذلك جماعة من التابعين. واعلم أن كتّاب الدّيونة «2» لا يعرّجون على النقط والشكل بحال، وكتّاب الإنشاء منهم من منع ذلك محاشاة للمكتوب إليه عن نسبته للجهل بأنه لا يقرأ إلا ما نقط أو شكل، ومنهم من ندب إليه، للضبط والتقييد كما تقدّم. والحق التفريق في ذلك بين ما يقع فيه اللّبس ويتطرّق إليه التحريف لعلاقته أو غرابته، وبين ما تسهل قراءته لوضوحه وسهولته. وقد رخّص في نقط المصاحف بالإعراب جماعة: منهم ربيعة بن عبد الرحمن «3» ، وابن وهب «4» . وصرح أصحابنا الشافعية رضي الله عنهم بأنه يندب نقط المصحف وشكله؛ أما تجريد الصحابة رضوان الله عليهم له من ذلك فذلك حين ابتداء جمعه حتّى لا يدخلوا بين دفتي المصحف شيئا سوى القرآن، ولذلك كرهه من كرهه. وأما أهل التوقيع في زماننا فإنهم يرغبون عنه خشية الإظلام بالنّقط والشّكل

الجملة الرابعة فيما ينشأ عنه الشكل ويترتب عليه

إلا ما فيه إلباس على ما مرّ؛ وأهل الدّيونة لا يرون بشيء من ذلك أصلا ويعدّون ذلك من عيوب الكتابة وإن دعت الحاجة إليه؛ والله سبحانه وتعالى أعلم. الجملة الرابعة فيما ينشأ عنه الشكل ويترتّب عليه واعلم أن الشكل جار مع الإعراب كيفما جرى، فينقسم إلى السّكون (وهو الجزم) ، وإلى الفتح (وهو النصب) ، وإلى الضم (وهو الرفع) ، وإلى الجرّ (وهو الخفض) . أما السكون فلأنه الأصل. وأما الحركات الثلاث فقد قيل إنها مشاكلة للحركات الطبيعية: فالرفع مشاكل لحركة الفلك لارتفاعها، والجرّ مشاكل لحركة الأرض والماء لانخفاضها، والنصب مشاكل لحركة النار والهواء لتوسطها؛ ومن ثمّ لم يكن في اللغة العربية أكثر من ثلاثة أحرف بعدها ساكن إلا ما كان معدولا. فسبحان من أتقن ما صنع!. ثم الذي عليه أكثر النّحاة أن الحركات الثلاث مأخوذة من حروف المدّ واللين وهي الألف، والواو، والياء، اعتمادا على أن الحروف قبل الحركات، والثاني مأخوذ من الأوّل، فالفتحة مأخوذة من الألف إذ الفتحة علامة النصب في قولك: رأيت زيدا، ولقيت عمرا، وضربت بكرا؛ والألف علامة النصب في الأسماء المعتلة «1» المضافة كقولك: رأيت أباك، وأكرمت أخاك؛ ويكون إطلاقا للرّويّ المنصوب كقولك: المذهبا، وأنت تريد المذهب، فلما أشبعت الفتحة نشأت عنها الألف؛ والكسرة مأخوذة من الياء لأنها أختها ومن مخرجها، والكسرة علامة الخفض في قولك: مررت بزيد، وأخذت عن زيد حديثا؛ والياء علامة الخفض أيضا في الأسماء المعتلة «2» المضافة كقولك: مررت بأبيك وأخيك وذي مال؛ والضمة من الواو لأنها من مخرجها: من الشّفتين، وهي علامة الرفع في

الجملة الخامسة في صور الشكل ومحال وضعه على طريقة المتقدمين والمتأخرين

قولك: جاءني زيد، وقام عمرو، وخرج بكر، والواو علامة الرفع في الأسماء المعتلة المضافة كقولك: جاءني أخوك وأبوك وذو مال. وذهب بعض النّحاة إلى أن هذه الحروف مأخوذة من الحركات الثلاث، الألف من الفتحة، والواو من الضمة، والياء من الكسرة اعتمادا على أن الحركات قبل الحروف، بدليل أن هذه الحروف تحدث عند هذه الحركات إذا أشبعت، وأن العرب قد استغنت في بعض كلامها بهذه الحركات عن هذه الحروف اكتفاء بالأصل عن الفرع: لدلالة الأصل على فرعه. وذهب آخرون إلى أن الحروف ليست مأخوذة من الحركات، ولا الحركات مأخوذة من الحروف، اعتمادا على أن أحدهما لم يسبق الآخر، وصححه بعض النّحاة. الجملة الخامسة في صور الشكل ومحالّ وضعه على طريقة المتقدّمين والمتأخرين واعلم أن المتقدّمين [يميلون] «1» في [شكل] «2» غالب الصور إلى النقط بلون يخالف لون الكتابة. وقال الشيخ أبو عمرو الدانيّ رحمه الله: وأرى أن يستعمل «3» للنقط لونان: الحمرة والصّفرة، فتكون الحمرة للحركات، والتنوين، والتشديد، والتخفيف، والسكون، والوصل، والمدّ؛ وتكون الصفرة للهمزة خاصة. قال: وعلى ذلك مصاحف أهل المدينة. ثم قال: وإن استعملت الخضرة للابتداء بألفات الوصل على ما أحدثه أهل بلدنا، فلا أرى بذلك بأسا. قال: ولا

الأولى علامة السكون

أستجيز النّقط بالسواد لما فيه من التغيير لصورة الرسم. وقد وردت الكراهة لذلك عن عبد الله بن مسعود «1» وعن غيره من علماء الأمة. وأما المتأخرون فقد أحدثوا لذلك صورا مختلفة الأشكال لمناسبة تخص كل شكل منها، ومن أجل اختلاف صورها وتباين أشكالها رخّصوا في رسمها بالسواد. ويتعلق بالمقصود من ذلك سبع صور: الأولى علامة السكون والمتقدّمون يجعلون علامة ذلك جرّة بالحمرة فوق الحرف، سواء كان الحرف المسكّن همزة كما في قولك: لم يشأ، أو غيرها من الحروف كالذال من قولك: اذهب. أما المتأخرون: فإنهم رسموا لها دائرة تشبه الميم إشارة إلى الجزم إذ الميم آخر حرف من الجزم، وحذفوا عراقة الميم استخفافا، وسمّوا تلك الدائرة جزمة، أخذا من الجزم الذي هو لقب السكون، ويحتمل أن يكونوا أتوا بتلك الدائرة على صورة الصّفر في حساب الهنود ونحوهم إشارة إلى خلوّ تلك المرتبة من الأعداد لأن الصفر هو الخالي، ومنه قولهم: «صفر اليدين» بمعنى أنه فقير ليس في يديه شيء من المال. وحذّاق الكتّاب يجعلونها جيما لطيفة بغير عراقة إشارة إلى الجزم.

الثانية علامة الفتح

الثانية علامة الفتح أما المتقدّمون فإنهم يجعلون علامة الفتح نقطة بالحمرة فوق الحرف، فإن أتبعت حركة الفتح تنوينا، جعلت نقطتين، إحداهما للحركة، والأخرى للتنوين. والمتأخرون يجعلون علامتها ألفا مضطجعة، لما تقدّم من أن الألف علامة الفتح في الأسماء المعتلة ورسموها بأعلى الحرف موافقة للمتقدّمين في ذلك، وسمّوا تلك الألف المضطجعة نصبة أخذا من النصب، ويجعلون حالة التنوين خطتين مضطجعتين من فوقه كما جعل المتقدّمون لذلك نقطتين، وعبّروا عن الخطتين بنصبتين. قال الشيخ عماد الدّين بن العفيف رحمه الله: ويكون بينهما بقدر واحدة منهما. الثالثة علامة الضم أما المتقدّمون فإنهم يجعلون علامة الضمة نقطة بالحمرة وسط الحرف أو أمامه، فإن لحق حركة الضم تنوين، رسموا لذلك نقطتين: إحداهما للحركة، والأخرى للتنوين على ما تقدّم في الفتح. وأما المتأخرون فإنهم يجعلون علامة الضمة واوا صغيرة، لما تقدّم أن الواو من علامة الرفع في الأسماء المعتلة، وسمّوها رفعة لذلك، ورسموها بأعلى الحرف ولم يجعلوها في وسطه كيلا تشين الحرف، بخلاف المتقدّمين لمخالفة اللون ولطافة النقطة. فإن لحق حركة الضم تنوين رسموا لذلك واوا صغيرة بخطّة بعدها: الواو إشارة للضم، والخطّة إشارة للتنوين، وعبروا عنهما برفعتين. وبعضهم يجعل عوض الخطة واوا أخرى مردودة الآخر على رأس الأولى.

الرابعة علامة الكسر

الرابعة علامة الكسر والمتقدّمون يجعلون علامة الجرّة نقطة بالحمرة تحت الحرف. فإن لحق حركة الكسر تنوين رسموا لذلك نقطتين. والمتأخرون جعلوا علامة الكسر شظيّة من أسفل الحرف إشارة إلى الياء التي هي علامة الجر في الأسماء المعتلة على ما مرّ، وسمّوا تلك الشّظيّة خفضة، أخذا من الخفض الذي هو لقب الكسر، ولم يخالفوا بينها وبين علامة النصب لاختلاف محلهما. فإن لحق حركة الكسر تنوين رسموا له خطتين من أسفله: إحداهما للحركة، والأخرى للتنوين. الخامسة علامة التشديد والمتقدّمون اختلفوا: فمذهب أهل المدينة أنهم يرسمون علامة التشديد على هذه الصورة [8/7 7] «1» ولا يجعلون معها علامات الإعراب بل يجعلون علامة الشدّ مع الفتح فوق الحرف، ومع الكسر تحت الحرف، ومع الضم أمام الحرف. قال الشيخ أبو عمرو الدانيّ رحمه الله: وعليه عامّة أهل بلدنا. قال: ومنهم من يجعل مع ذلك نقطة علامة للإعراب، وهو عندي حسن. وعامّة أهل الشرق على أنهم يرسمون علامة التشديد صورة شين من غير عراقة على هذه الصورة () كأنهم يريدون أوّل شديد، ويجعلون تلك العلامة فوق الحرف أبدا ويعربونه بالحركات، فإن كان مفتوحا جعلوا مع الشدّة نقطة فوق الحرف علامة الفتح، وإن كان مضموما جعلوا مع الشدّة نقطة أمام الحرف علامة

السادسة علامة الهمزة

الضم، وإن كان مكسورا جعلوا مع الشدّة نقطة تحت الحرف علامة الكسر. وعلى هذا المذهب استقرّ رأي المتأخرين أيضا؛ غير أنهم يجعلون بدل النقط الدالة على الإعراب علامات الإعراب التي اصطلحوا عليها من النصبة، والرفعة، والخفضة، فيجعلون النصبة والرفعة بأعلى الشدّة، ويجعلون الخفضة بأسفل الحرف الذي عليه الشدّة، وبعضهم يجعلها أسفل الشدّة من فوق الحرف. ولا فرق في ذلك بين أن يكون المشدّد من كلمة واحدة أو من كلمتين كالإدغام من كلمتين. السادسة علامة الهمزة والمتقدّمون يجعلونها نقطة صفراء ليخالفوا بها نقط الإعراب كما تقدّم في كلام الشيخ أبي عمرو الدانيّ رحمه الله، ويرسمونها فوق الحرف أبدا، إلا أنهم يأتون معها بنقط الإعراب الدالة على السكون والحركات الثلاث بالحمرة على ما تقدّم، وسواء في ذلك كانت صورة الهمزة واوا أو ياء أو ألفا؛ إذ حق الهمزة أن تلزم مكانا واحدا من السطر، لأنها حرف من حروف المعجم. والمتأخرون يجعلونها عينا بلا عراقة، وذلك لقرب مخرج الهمزة من العين، ولأنها تمتحن بها كما سيأتي. ثم إن كانت الهمزة مصوّرة بصورة حرف من الحروف، فإن كانت الهمزة ساكنة، جعلت الهمزة من أعلى الحرف مع جزمة بأعلاها. وإن كانت مفتوحة، جعلت بأعلى الحرف أيضا مع نصبة بأعلاها. وإن كانت مضمومة، جعلت بأعلى الحرف مع رفعة بأعلاها. وإن كانت مكسورة، جعلت بأسفل الحرف مع خفضة بأسفلها، وربما جعلت بأعلى الحرف والخفضة بأسفله. وقد اختلف القدماء من النحويين في أيّ الطّرفين من اللام ألف هي الهمزة، فحكي عن الخليل بن أحمد رحمه الله أنه قال: الطّرف الأوّل هو الهمزة، والطّرف الثاني هو اللام.

قال الشيخ أبو عمرو الدانيّ رحمه الله: وإلى هذا ذهب عامّة أهل النقط؛ واستدلوا على صحة ذلك بأن رسم هذه الكلمة كانت أوّلا لاما مبسوطة في طرفها ألف على هذه الصورة «لا» كنحو رسم ما أشبه ذلك مما هو على حرفين من سائر حروف المعجم مثل «يا، وها» وما أشبههما إلا أنه استثقل رسم ذلك كذلك في اللام ألف خاصة لاعتدال طرفيه لمشابهة كتابة الأعاجم فحسن رسمه بالتضفير فضم أحد الطرفين إلى الآخر فأيهما ضم إلى صاحبه كانت الهمزة أولى ضرورة. وتعتبر حقيقة ذلك بأن يؤخذ شيء من خيط ونحوه فيضفّر ويخرج كل واحد من الطرفين إلى جهة، ثم يقام الطرفان فيتبين من الوجهين أن الأوّل هو الثاني في الأصل، وأن الثاني هو الأوّل لا محالة في التضفير. وأيضا فقد اتفق أهل صناعة الخط من الكتّاب القدماء وغيرهم على أنه يرسم الطّرف الأيسر قبل الطّرف الأيمن، ولا يخالف ذلك إلا من جهل صناعة الرسم إذ هو بمنزلة من ابتدأ برسم الألف قبل الميم في «ما» وشبهه مما هو على حرفين، فثبت بذلك أن الطرف الأوّل هو الهمزة، وأن الطرف الثاني هو اللام، إذ الأوّل في أصل القاعدة هو الثاني، والثاني هو الأوّل على ما مرّ؛ وإنما اختلف طرفاها من أجل التضفير. وخالف الأخفش «1» ، فزعم أن الطرف الأوّل هو اللام، والطرف الثاني هو

السابعة علامة الصلة في ألفات الوصل

الهمزة، واستشهد لذلك بأن ما تلفظ به أوّلا هو المرسوم أوّلا وما تلفّظ به آخرا هو المرسوم آخرا، ونحن إذا قرأنا «لأنت ولأنه» ونحوهما لفظنا باللام أوّلا ثم بالهمزة بعدها. ونازعه في ذلك الشيخ أبو عمر الدانيّ. والحق أن ذلك يختلف باختلاف اللام ألف على ما رتّبه متأخّر والكتّاب الآن، ففي المضفورة على ما تقدّم، وفي المصوّرة بهذه الصورة «لا» بالعكس. وإن كانت الهمزة غير مصوّرة بحرف من الحروف كالهمزة في جزء وخبء، جعلت العلامة في محل الهمزة من الكلمة مع علامة الإعراب: من سكون، وفتح، وضم، وكسر. فإن عرض للهمزة مع حركة من الحركات الثلاث تنوين، جعل مع الهمزة علامة التنوين: من نصبتين أو رفعتين أو خفضتين على ما مرّ في غير الهمزة. قال الشيخ أبو عمرو الدانيّ رحمه الله: وتمتحن الهمزة في موضعها من الكلام بالعين، فحيث وقعت العين وقعت الهمزة مكانها، وسواء كانت متحركة أو ساكنة لحقها التنوين أو لم يلحقها، فتقول في آمنوا عامنوا، وفي وآتى المال وعاتى المال، وفي مستهزئين مستهزعين، وفي خاسئين خاسعين، وفي مبرّئون مبرعون، وفي متكئون متكعون، وفي ماء ماع، وفي سوء سوع، وفي أولياء أولياع، وفي تنوء تنوع، وفي لتنوء لتنوع، وفي أن تبوّأ أن تبوّعا، وفي تبوء تبوع، وفي من شاطيء من شاطع، وكذلك ما أشبهه حيث وقع فالقياس فيه مطّرد. السابعة علامة الصلة في ألفات الوصل أما المتقدّمون فإنهم رسموا لها جرّة بالحمرة في سائر أحوالها، وجعلوا محلها تابعا للحركة التي قبل ألف الوصل. فإن وليها فتحة كما في قوله تعالى: تَتَّقُونَ الَّذِي جعلت الصلة جرّة حمراء على رأس الألف على هذه الصورة (آ) وإن وليها كسرة كما في قوله تعالى: رَبِّ الْعالَمِينَ* جعلت الصلة جرّة تحت الألف على هذه الصورة (ا) وإن وليها ضمة كما في قوله تعالى: نَسْتَعِينُ اهْدِنَا جعلت

تنبيه

الصلة جرّة حمراء في وسطها على هذه الصورة (+) ، فإن لحق شيئا من الحركات التنوين جعلت الصلة أبدا تحت الألف، لأن التنوين مكسور للساكنين ما لم يأت بعد الساكن الواقع بعد ألف الوصل ضمة لازمة نحو قوله تعالى: فَتِيلًا انْظُرْ وعُيُونٍ ادْخُلُوها . قال بعضهم: يضم التنوين فتجعل الجرّة على ذلك في وسط الألف. وأما المتأخرون [فإنهم رسموا لذلك صادا لطيفة إشارة إلى الوصل] «1» وجعلوها بأعلى الحرف دائما ولم يراعوا في ذلك الحركات، اكتفاء باللفظ. تنبيه قد تقدّم في ... «2» ... الأوّل من الهجاء أن اللفظ قد يتعين في الهجاء إلى الزيادة والنقصان، ولا شكّ أن الشكل يتعير بتغير ذلك، ونحن نذكر من ذلك ما يختص بالهجاء العرفيّ دون الرسميّ باعتبار الزيادة والنقص. أما الزيادة، فمثل أولئك، وأولو، وأولات ونحوها. قال الشيخ أبو عمرو الدانيّ: وسبيلك أن تجعل علامة الهمزة نقطة بالصّفرة في وسط ألف أولئك وأولو وأولات، وتجعل نقطة بالحمرة أمامها في السطر لتدل على الضمة. قال: وإن شئت جعلتها في الواو الزائدة لأنها صورتها، وهو قول عامّة أهل النقط. هذه طريقة المتقدّمين. أما المتأخرون، فإنهم يجعلون علامة الهمزة على الواو وهو مخالف لما تقدّم من اعتبار الهمزة بالعين فإنها لو امتحنت بالعين، لكان لفظها عولئك وكذلك البواقي. وأما النقص فمثل النبئين إذا كتبت بياء واحدة، وهؤلاء، ويا آدم إذا كتبتا. .

فائدة

بحذف الألف بعد الهاء في هؤلاء والألف الثانية في يا آدم فترسم علامة الهمزة من النقطة الصفراء وحركتها على رأي المتقدّمين، وصورة العين على رأي المتأخرين قبل الياء الثانية في النبيين، وتجعل ذلك على الألف الثانية في يا آدم لأنها صورتها وعلى الواو في هؤلاء لأنها صورتها. ووراء ما تقدّم من الشكل أمور تتعلق بالإدغام، والإظهار، والإخفاء، والإقلاب، والمدّ، وغيرها من متعلقات القراءة ليس هذا موضع ذكرها؛ والله أعلم. فائدة قال الشيخ عماد الدين بن العفيف رحمه الله: ولا بدّ من تناسب الشكل والنقط وتناسب البياضات في ذلك للحروف.

الفصل الرابع من الباب الثاني من المقالة الأولى في الهجاء؛ وفيه مقصدان

الفصل الرابع من الباب الثاني من المقالة الأولى في الهجاء؛ وفيه مقصدان المقصد الأول في مصطلحه الخاص؛ وهو على ضربين الضرب الأوّل المصطلح الرسميّ وهو ما اصطلح عليه الصحابة رضوان الله عليهم في كتابة المصحف عند جمع القرآن الكريم، على ما كتبه زيد بن ثابت رضي الله عنه، ويسمّى الاصطلاح السّلفي أيضا، ونحن نورد منه ما جرّ إليه الكلام، أو وافق المصطلح العرفيّ. الضرب الثاني المصطلح العروضيّ وهو ما اصطلح عليه أهل العروض في تقطيع الشعر؛ واعتمادهم في ذلك على ما يقع في السمع دون المعنى، إذ المعتدّ به في صنعة العروض إنما هو اللفظ، لأنهم يريدون به عدد الحروف التي يقوم بها الوزن متحرّكا وساكنا فيكتبون التنوين نونا، ولا يراعون حذفها في الوقف، ويكتبون الحرف المدغم بحرفين، ويحذفون اللام وغيره مما يدغم في الحرف الذي بعده: كالرحمن والذاهب والضارب، ويعتمدون في الحروف على أجزاء التفعيل، فقد تتقطع الكلمة بحسب ما يقع من تبيين الأجزاء كما في قول الشاعر: ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المقصد الثاني في المصطلح العام

فيكتبونه على هذه الصورة: ستبدي، لكالأييا، مماكن تجاهلن ... ويأتي، كبالأخبار، ملّم، تزوّدي المقصد الثاني في المصطلح العام وهو ما اصطلح عليه الكتّاب في غير هذين الاصطلاحين. وهو المقصود من الباب؛ وفيه جملتان. الجملة الأولى في الإفراد، والحذف، والإثبات، والإبدال، وفيه مدركان المدرك الأوّل في بيان الأصل المعتمد في ذلك، وما يكتب على الأصل واعلم أن الأصل في الكتابة مطابقة المنطوق المفهوم، وقد يزيدون في وزن الكلمة [ما ليس في وزنها ليفصلوا بالزيادة بينه وبين المشبه له، وينقصون من الكلمة] «1» عمّا هو في وزنها استخفافا واستغناء بما أبقي عما انتقص إذا كان فيه دليل على ما يحذفون، كما أن العرب تتصرف في الكلمة بالزيادة والنقصان، ويحذفون ما لا يتم الكلام في الحقيقة إلا به استخفافا وإيجازا إذا عرف المخاطب ما يقصدون. قال ابن قتيبة «2» : وربّما تركوا الاشتباه على حاله، ولم يفصلوا بين المتشابهين واكتفوا بما يدل عليه من متقدّم أو متأخر: كقولك للرجل الواحد: ..

القسم الأول ما له صورة تخصه من الحروف؛ وهو على ضربين

يغزوا، وللاثنين لن يغزوا، وللجميع لن يغزوا بالواو والألف في الجميع من غير تفريق بين الواحد والاثنين والجمع، وبقّوه على أصله. إذا علمت ذلك، فالمكتوب على المصطلح المعروف هو على قسمين: القسم الأوّل ما له صورة تخصّه من الحروف؛ وهو على ضربين الضرب الأوّل ما هو على أصله المعتبر فيه ذوات الحروف وعددها بتقدير الابتداء بها والوقوف عليها، سواء بقى لفظه على حاله أم انقلب النطق به إلى حرف آخر فيكتب لفظ «امّحى» بغير نون بعد الألف، وإن كان أصله انمحى على وزن انفعل من المحو، لأن الإدغام من كلمة واحدة؛ بخلاف ما إذا كان الإدغام من كلمتين، فيكتب لفظ «من مال» بنون في «من» منفصلة من ميم مال وإن كانت النون الساكنة تدغم في الميم. ويكتب لفظ خنق مصدر خنق ولفظ أنت وما أشبهها بنون، وإن كانت النون مخفاة في القاف من خنق وفي التاء من أنت. وكذلك حالة التركيب نحو من كافر. ويكتب عنبر وما أشبهها بنون أيضا وإن كانت النون الساكنة تنقلب عند الباء ميما، وكذلك في حالة التركيب نحو من بعد. ويكتب مثل اضربوا القوم ويغزو الرجل بواو، وكذلك كلّ ما فيه حرف مدّ حذف لساكن يليه لأنه لولا التقاء الساكنين لثبتت هذه الواو لفظا. ويكتب أنا بألف بعد النون وإن كانت في وصل الكلام لا إشباع في الفتحة لأن الوقف عليه بألف، ومن أجل ذلك كتبت لكِنَّا هُوَ اللَّهُ بألف بعد النون في لكنا إذ أصله لكن أنا. ويكتب المنوّن المنصوب مثل زيدا وعمرا من قولك: «رأيت زيدا وضربت عمرا» بالألف، لأنه يوقف عليه بالألف بخلاف المنوّن المرفوع والمجرور نحو جاء زيد ومررت بزيد، إذ الوقف عليه بحذف نون

التنوين وإسكان الآخر على الصحيح. وتكتب إذا المنوّنة بالألف على رأي المازني «1» رحمه الله ومن تابعه، لأن الوقف عليها بالألف لضعفها، والمبرّد «2» والأكثرون على أنها تكتب بالنون. قال الأستاذ ابن عصفور: «3» وهو الصحيح، لأن كل نون يوقف عليها بالألف كتبت بالألف وما يوقف عليها نفسها كما توصل كتبت بالنون وهذه يوقف عليها عنده بالنون؛ وأيضا فإنها إذا كتبت بالنون كانت فرقا بينها وبين إذا الطرفية لئلا يقع الإلباس. وفصّل الفرّاء فقال: إن ألغيت كتبت بالألف، وإن أعملت كتبت بالنون لقوّتها. ويحكى عن أبي العبّاس محمد بن يزيد «4» أنه كان يقول: أشتهي أن أكوي يد من يكتب إذن بالألف لأنها مثل أن ولن، ولا يدخل التنوين في الحروف. ويكتب نحو لنسفعا بالألف لأن الوقف عليها بالألف، وكذلك يكتب اضربا زيدا ولا تضربا عمرا بالألف على رأي من ادّعى أنه الأكثر، ووجّهه بأن النون الخفيفة تنقلب ألفا إذا كان ما قبلها مفتوحا في الوقف. وذهب بعضهم إلى أنها تكتب بالنون تشبيها لنونه «5» بنون الجمع نحو اضربن للجمع المذكّر، وبه جزم الشيخ أثير الدين أبو حيّان، ووجّهه بأنه لو كتب بالألف لالتبس بأمر الاثنين ونهيهما في الخط، وإن كنت إذا وقفت عليه وقفت بالألف، فلم تراع حالة الوقف في ذلك، لأن الوقف منع من اعتباره ما عرض فيه

من كثرة الإلباس، لأنهم لو أرادوا (على الوقف بالألف) كتابته بالألف، كثر اللبس بالوقف والخط، فتجنبوا ما كثر به الإلباس. ويكتب كل اسم في آخره ياء نحو قاضي وغازي وداعي وحادي وساري ومشتري ومهتدي ومستدعي ومفتري في حالتي الرفع والجرّ بغير ياء، كما في قولك: جاء قاض ومررت بقاض، وكذا في الباقيات؛ وفي حالة النصب بالياء مع زيادة ألف بعدها كما في قولك: رأيت قاضيا وغازيا وداعيا وما أشبهه. وإن كان جمعا، فإن كان غير منصرف كتب في حالتي الرفع والخفض بغير ياء على ما تقدّم، فيكتب في الرفع: هؤلاء جوار وغواش وسوار ودواع، وفي الخفض: مررت بجوار وسوار وغواش ودواع بغير ياء في الحالتين. ويكتب في النصب بالياء إلا أنه لا تزاد الألف بعدها، فتكتب رأيت جواري وسواري ودواعي. فإذا دخلت الألف واللام في جميع هذه الأسماء، أثبتت فيها الياء سواء المنصرف وغير المنصرف؛ فيكتب هذا الداعي والغازي والقاضي والمستدعي وهؤلاء الجواري والسواري والدواعي بالياء في الجميع. قال ابن قتيبة: وقد يجوز حذفها، وليس بمستعمل إلا في كتابة المصحف. ويكتب نحو: ره أمرا بالرؤية، ولم يره نفيا للرؤية، وقه أمرا بالوقاية، ولم يقه نفيا لذلك وما أشبهه بالهاء وإن كانت الهاء تسقط منه حالة الدّرج، لأن الوقف عليها بالهاء؛ وكذلك قولهم: ممّه أتيت، ومجيء مه جئت، لأن الوقف على «ما» الاستفهامية بعد حذف ألفه بالهاء فيكتب بالهاء، بخلاف ما إذا وقعت «ما» المحذوف ألفها بعد الجار نحو: حتّام وإلام وعلام، فإنه لا تلحقها الهاء لشدّة الاتصال فلا تكتب بالهاء. وتكتب تاء التأنيث في نحو: رحمة ونعمة ونقمة وقسمة وخدمة وطلحة وقمحة بالهاء، لأن الوقف عليها بالهاء على الصحيح؛ وبعضهم

النوع الأول أن يكون اسما لحرف من حروف الهجاء؛ وهو على وجهين

يقف عليها بالتاء، وهي لغة قليلة فتكتب بالتاء، موافقة للوقف. وقد وقع في رسم المصحف الكريم مواضع من ذلك نحو قوله تعالى: أفبنعمت الله يكفرون «1» كتبوا أفبنعمت بالتاء، والأكثر ما تقدّم. قال ابن قتيبة: وأجمع الكتّاب على كتابة «السّلام عليك ورحمت الله وبركاته» في أوّل الكتاب وآخره بالتاء. قال: فإن أضفت تاء التأنيث إلى مضمر، صارت تاء فتكتب: شجرتك وناقتك ورحمتك وما أشبهه بالتاء. أما أخت وبنت، وجمع المؤنث السالم مثل: قائمات وصائمات وتائبات، وتاء التأنيث الساكنة في آخر الفعل نحو: قامت وقعدت، وما أشبه ذلك، فإنه يكتب جميع ذلك بالتاء لأن الوقف عليها بالتاء. قال ابن قتيبة: وهيهات يوقف عليها بالهاء والتاء، والإجماع على كتابتها بالتاء ثم اللفظ الذي يكتب على نوعين: النوع الأوّل أن يكون اسما لحرف من حروف الهجاء؛ وهو على وجهين : الوجه الأوّل أن يكون اسما قاصرا على الحرف لم يسمّ به غيره، وله حالان أحدهما- أن يقصد اسم ذلك الحرف لا مسمّاه فيكتب الملفوظ به نحو: جيم إذا سئل كتابته فيكتب بجيم وياء وميم. والثاني- أن يقصد مسماه لا اسمه فيجب الاقتصار في الكتابة على أوّل حرف في الكلمة ، ويكتب بصورة ذلك الحرف مثل: ق ن ص، ولذلك كتبت الحروف المفتتح بها السور على نحو ما كتبوا حروف المعجم، وذلك لأنهم أرادوا أن يضعوا أشكالا لهذه الحروف تتميز بها، فهي أسماء مدلولاتها اشكال خطّية،.

الوجه الثاني ألا يكون الاسم قاصرا على الحرف بأن يسمى به غيره أيضا

ولو لم يضعوا لها هذه الأشكال الخطية، لم يكن للخط دلالة على المنطوق، ولو اقتصروا على كتبها على حسب النطق ولم يضعوا لها أشكالا مفردة تتميز بها لم يمكن ذلك، لأن الكتابة بحسب النطق متوقفة على معرفة كل حرف حرف وشكل كل حرف حرف غير موضوع، فاستحال كتبها على حسب النطق. ألا ترى أنك إذا قيل لك: اكتب جيم، عين، فاء، راء! فإنما تكتب هذه الصورة «جعفر» والملفوظ بلسان الآمر بالكتابة جيم والمكتوب ج، ولو كان تصوير اللفظ بصور هجائه، لكان المكتوب «جيم» كالملفوظ على قياس غيره من الألفاظ. ويشهد لذلك ما حكي أن الخليل رحمه الله قال يوما لطلبته: كيف تنطقون بالجيم من جعفر؟ فقالوا جيم فقال: إنما نطقتم بالاسم ولم تلفظوا بالمسؤول عنه، ثم قال: الجواب جه لأنه المسمّى من الكتاب (يريد جيما مفتوحة، وإنما أتى فيها بالهاء ليمكن الوقف عليها) . الوجه الثاني ألّا يكون الاسم قاصرا على الحرف بأن يسمّى به غيره أيضا كما إذا سمّي رجل بقاف أو بياسين، فللكتّاب فيه مذهبان: أحدهما - أن تكتب صورة الحرف هكذا ق ويس. والثاني - أن يكتب الملفوظ به هكذا «قاف» و «ياسين» وهو اختيار أبي عمرو ابن الحاجب «1» رحمه الله. النوع الثاني ألا يكون اسما لحرف من حروف المعجم ، وهو على وجهين أيضا

الوجه الأول أن يكون له معنى واحد فقط

الوجه الأول أن يكون له معنى واحد فقط فيكتب هكذا (زيد) إذا طلب كتابة زاي، ياء، دال. الوجه الثاني أن يكون له أكثر من معنى واحد فيكتب بحسب القرينة كما إذا قيل لك: اكتب شعرا! فإن دلت القرينة على أن المراد هذا اللفظ كتب هكذا (شعرا) وإلا فيكتب ما ينطبق عليه الشعر إذ هو معنى الشعر. الضرب الثاني ما تغير عن أصله، وهو على ثلاثة أنواع النوع الأول ما تغير بالزيادة. والزيادة تقع في الكتابة بثلاثة أحرف الحرف الأول الألف، وتزاد في مواضع (منها) تزاد بعد الميم في مائة فتكتب على هذه الصورة (مائة) فرقا بينها وبين «منه» وإنما كانت الزيادة من حروف العلة دون غيرها لأنها تكثر زيادتها، وكان حرف العلة ألفا لأنها تشبه الهمزة، ولأن الفتحة من جنس الألف؛ ولم تكن الزيادة ياء، لأنه يستثقل في الخط أن يجمع بين حرفين مثلين في موضع مأمون فيه اللبس، ألا ترى إلى كتابتهم خطيئة على وزن فعلية بياء واحدة ولو كتبت على صيغة لفظها، لوجب أن تكتب بياءين ياء لبناء فعلية، وياء هي صورة الهمزة؛ ولم تكن الزيادة واوا لاستثقال الجمع بين الياء والواو؛ وجعل الفرق في «مائة» ولم يجعل في «منه» لأن مائة اسم ومنه حرف والاسم أحمل للزيادة من الحرف، ولأن المائة محذوفة اللام بدليل قولهم: أمأيت الدراهم، فجعل الفرق في مائة بدلا من المحذوف مع كثرة

الاستعمال؛ ثم اختلف في المثنّى منه فقيل لا يزاد في مائتين لأن موجب الزيادة اللبس ولا لبس في التثنية، والراجح الزيادة كما في الإفراد، لأن التثنية لا تغير الواحد عما كان عليه. أما في حالة الجمع، فقد اتفقوا على منع الزيادة فكتبوا «مئين ومئات» بغير ألف بعد الميم، لأن جمع التكسير يتغير فيه الواحد، وجمع السلامة ربما تغير فيه أيضا فغلبت. قال الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله: وقد رأيت بخط بعض النحاة «مأة» على هذه الصورة بألف عليها نبرة الهمزة دون ياء. قال: وكثيرا ما أكتب أنا «مئة» بغير ألف كما تكتب «فئة» لأن كتب مائة بالألف خارج عن القياس، فالذي أختاره أن تكتب بالألف دون الياء على وجه تحقيق الهمزة، أو بالياء دون الألف على وجه تسهيلها. (ومنها) تزاد بعد واو الجمع المتطرفة في آخر الكلمة إذا اتصلت بفعل ماض أو فعل أمر مثل ضربوا واضربوا وما أشبههما، فتكتب بألف بعد الواو. وسمّى ابن قتيبة هذه الألف ألف الفصل لأنها تفصل بين الفعل «1» كي لا تلتبس الواو في آخر الفعل بواو العطف، فإنك لو كتبت أوردوا وصدروا مثلا بغير ألف ثم اتصلت بكلام بعدها، ظن القاريء أنها واو العطف. ولمّا فعلوا ذلك في الأفعال التي تنقطع واوها عن الحرف كالفعلين المتقدّمين، فعلوا ذلك في الأفعال التي تتصل واوها بالحرف قبلها نحو كانوا وبانوا ليكون حكم هذه الواو في جميع المواضع واحدا. أما إذا لم تقع طرفا في آخر الكلام نحو: ضربوهم وكالوهم ووزنوهم، لم تلحق به الألف. فلو اتصلت واو الجمع المذكورة بفعل مضارع نحو: لن يضربوا ولن يذهبوا. فمذهب بعض البصريّين أنه لا تلحقها الألف، ومذهب الأخفش لحوقها كالماضي والأمر.

ولو اتصلت باسم نحو: ضاربوهم وضاربو زيد. فمذهب البصريين أنها لا تلحق بل يجعل الاسم تلو الواو. ومذهب الكوفيين أنها تلحق فيكتبون ضاربوا زيد وقاتلوا عمرو وهموا بألف بعد الواو في الجميع، والراجح الأول. (ومنها) زادها الفرّاء في يدعو ويغزو في المفرد حالة الرفع خاصّة تشبيها بواو الجمع وأطلق ابن قتيبة النقل عن بعض كتّاب زمانه بأنها لا تلحق في مثل ذلك، لأن العلة التي أدخلت هذه الألف لأجلها في الجمع لا تلزم هنا، لأنك إذا كتبت الفعل الذي تتصل واوه به من هذا الباب مثل: أنا أرجو وأنا أدعو، لم تشبه واوه واو العطف أيضا إلا بأن تزيل الكلمة عن معناها، لأن الواو من نفس الفعل لا تفارقه إلا في حال جزمه، والواو في صدروا، ووردوا واو جمع مكتف بنفسه يمكن أن يجعل للواحد وتتوهم الواو عاطفة لشيء عليه. قال: وقد ذهبوا مذهبا. غير أن متقدّمي الكتّاب لم يزالوا على إلحاق ألف الفصل بهذه الواوات كلها ليكون الحكم في كل موضع واحدا. قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: وفصّل الكسائي «1» في حالة النصب فقال: إن لم يتصل به ضمير نحو [لن يدعو كتب بألف، وإن اتصل به ضمير نحو] «2» لن يدعوك، كتب بغير ألف فرقا بين الحالين. (ومنها) تزاد شذوذا بعد الواو المبدلة من الألف في الربو فتكتب بألف بعد الواو على هذه الصورة (الربوا) تنبيها على أن الأصل يكتب بالألف. ووجه الشذوذ أنه من ذوات الواو فكان قياسه أن يكتب بالألف. وقد زيدت في مواضع من المصحف، كما في قوله تعالى: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ «3» تنبيها على أنه كان ينبغي أن تكون صورة الهمزة ألفا على كل حال ولا.

الحرف الثاني الواو، وتزاد في مواضع أيضا

يعتدّ بالضم والكسرة إذ اللغة الأصلية فيها إنما هي فتح الراء دائما، والقياس كتابته بصورة الحركة التي قبل الهمزة، وكذلك كتبوا «لا أوضعوا» بزيادة ألف بعد اللام ألف، وذلك مختص برسم المصحف الكريم دون غيره فلا يقاس عليه، والله أعلم. الحرف الثاني الواو، وتزاد في مواضع أيضا (منها) تزاد في عمرو بعد الراء إذا كان علما في حالتي الرفع والجرّ فرقا بينه وبين عمر. وكانت الزيادة واوا ولم تكن ياء لئلا يلتبس بالمضاف إلى ياء المتكلم، ولا ألفا لئلا يلتبس المرفوع بالمنصوب. وجعلت الزيادة في عمرو دون عمر، لأن عمرا أخفّ من عمر من حيث بناؤه على فعل ومن حيث انصرافه. أما في حالة النصب فلا تزاد فيه الواو ويكتب عمرو بألف وعمر لا يكتب بألف لأنه لا ينصرف، وكذلك المحلّى باللام كالعمر والمضاف كعمره والواقع قافية شعر كقول الشاعر: إنّما أنت في سليم كواو ... ألحقت في الهجاء ظلما بعمر وكذلك عمر واحد عمور الأسنان: وهو اللحم الذي بينها، وما هو بمعنى المصدر مثل قولهم: لعمر الله لا تزاد فيه الواو إذ لا لبس. ولم يفرقوا في الكتابة بين عمر العلم وعمر جمع عمرة لأنهما ليسا من جنس واحد فلا يلتبسان. (ومنها) تزاد في أولئك بين الألف واللام فرقا بينها وبين إليك إذ حذفوا ألف أولئك الذي بعد اللام لكثرة الاستعمال فالتبست بإليك، وكانت الواو أولى بالزيادة من الياء، لمناسبة ضمّة الهمزة؛ ومن الألف، لاجتماع صورتي الألف، وهم يحذفون الواحدة إذا اجتمعت صورتاها، وجعلت الزيادة في أولئك دون إليك، لأن الاسم أحمل للزيادة من الحرف ولأن أولئك قد حذف منه الألف فكان أولى بالزيادة لتكون كالعوض من المحذوف.

الحرف الثالث الياء المثناة تحت

قال ابن الحاجب: وحملوا أولى عليه مع عدم اللبس كما حملوا مائتين على مائة. (ومنها) تزاد في أولي وفي أولو بين الألف واللام، أما في أولي فللفرق بينها وبين إلى، وأما في أولو فبالحمل على أولي بالياء، صرح به الشيخ أبو عمرو ابن الحاجب، وقاله الشيخ أثير الدين أبو حيان بحثا وادّعى أنه لم يظفر في تعليله بنصّ. قال: وحمل التأنيث في أولات على التذكير في أولي. (ومنها) تزاد في أوخيّ تصغير بين الألف والخاء، والتغيير يأنس بالتغيير، وجعلت الزيادة واوا لمناسبة ضمة الهمزة كما في أولئك ونحوه. وأكثر أهل الخط لا يزيدونها لأن التصغير فرع عن التكبير وليس ببناء أصليّ. الحرف الثالث الياء المثناة تحت وتزاد في مواضع من رسم المصحف الكريم فيكتبون قوله تعالى: بَنَيْناها بِأَيْدٍ «1» بياءين بين الألف والدال من قوله: «بأييد» . وقوله تعالى: مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ بياء بعد الألف من نبإ، وقوله تعالى: من مَلَائِهِ* ومن مَلَائِهِمْ بياء قبل الهاء فيهما. وهذا مما يجب الانقياد اليه في المصحف اقتداء بالصحابة رضوان الله عليهم. أما في غير المصحف فيكتب بأيد بياء واحدة لأن الهمزة فيه أول كلمة فتصوّر ألفا كغيرها من الهمزات الواقعة أوّلا على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. ويكتب من نبإ ومن ملئه ومن ملئهم بغير ياء لأن الهمزة في نبإ وملإ أخيرة بعد فتحة فتصوّر ألفا كما في نحو: كلا وخطإ، وكذلك إذا أضيف إليه الضمير. وذهب بعضهم إلى أنها تكتب في هذا ياء على ما يناسب حركتها سواء أضيفت نحو: من كلئه أو لم تضف نحو من الكلىء.

النوع الثاني ما يغير بالنقص والنقص يقع في الكتابة على وجهين:

قال بعضهم: والأقيس أن يكتب ياء مع الضمير المتصل نحو: من خطئه لأنها صارت معه كالمتوسطة ويكتب ألفا إذا تطرّفت نحو: من خطإ اعتبارا بما يؤول إليه في التخفيف، والله أعلم. النوع الثاني ما يغيّر بالنقص والنقص يقع في الكتابة على وجهين: الوجه الأول ما لا يختص بحرف من الحروف، وهو المدغم فيكتب كلّ مشدّد من كلمة واحدة حرفا واحدا نحو: شدّ ومدّ وادّكر ومقرّ واقشعرّ فيكتب بدال واحدة في شدّ ومدّ وادّكر، وراء واحدة في مقرّ واقشعرّ وإن كان في اللفظ حرفان، فإن الحرف المدغم فيما بعده هو ملتفظ به ساكنا مدغما، فكان قياسه أن يكتب له صورة بحسب النطق، لكنه لما أدغم ضعف بالإدغام، إذ صار النطق به وبالمدغم فيه نطقا واحدا فاقتصر في الكتابة على حرف ولم يجعل للأوّل صورة اختصارا. وسواء كان المدغم إدغام مثل نحو: ردّ أو مقارب نحو: اطجع أصله اضطجع، وأجروا نحو: قنتّ مجرى ما هو من كلمة واحدة وإن كان من كلمتين لشدة اتصال الفعل بالفاعل مع كون الحرفين مثلين. قال الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله: وكذلك نحو: ممّ وعمّ «1» . الوجه الثاني ما يختص بحرف من الحروف وينحصر ذلك في خمسة أحرف:

الحرف الأول الألف، وتحذف في مواضع

الحرف الأول الألف، وتحذف في مواضع (منها) تحذف مع لام التعريف إذا دخلت عليها لام الجرّ، فيكتب للقوم وللغلام وللناس بلامين متواليتين من غير ألف، بخلاف ما إذا دخلت عليها باء الجرّ فإنها لا تحذف، فيكتب بالقوم وبالغلام وبالناس بألف بين الباء واللام. وإن كان في أول الكلمة ألف ولام من نفس الكلمة ليستا اللتين للتعريف نحو الألف واللام في التقاء والتفات والتباس. ثم دخلت لام الجرّ أو باؤه ثبتت الألف، فيكتب بالتقائنا ولالتفاتنا ولالتباس الأمر عليّ وبالتباسه، فإن أدخلت ألف التعريف ولامه على الألف واللام اللتين من نفس الكلمة للتعريف ولم تصل الكلمة بلام الجرّ وبائه لم تحذف شيئا، فيكتب الالتقاء والالتفات والالتباس بألفين «1» ولامين، وكذلك إذا وصلتهما بلام الجرّ أو بائه، فيكتب بالالتقاء وبالالتفات وبالالتباس وللالتقاء وللالتفات وللالتباس. (ومنها) تحذف بعد اللام الثانية من لفظ الله تعالى، وبعد الميم من الرحمن إذا دخلت عليها الألف واللام، فيكتب الله بلامين بعدهما هاء على هذه الصورة «الله» وإن كانت المدّة بعد اللام الثانية توجب ألفا بعدها، ويكتب الرحمن بنون بعد الميم على هذه الصورة «الرحمن» وإن كانت المدّة على الميم توجب ألفا بعدها، لأنه لا التباس في هذين الاسمين، ولكثرة الاستعمال. فلو تجرّدا عن الألف واللام كتبا بالألف كما قالوا: لاه أبوك، يريدون لله أبوك، فحذفوا حرف الجرّ والألف واللام وكتبوه بالألف. وكقولك: رحمان الدنيا والآخرة فيكتبونه بالألف. (ومنها) تحذف بعد اللام من السلام في عبد السلام وفي السلام عليكم، فيكتبان على هذه الصورة: «عبد السّلم» «والسّلم عليكم» .

(ومنها) تحذف بعد اللام من ملائكة فتكتب على هذه الصورة: «ملئكة» . قال أحمد بن يحيى» : لأنه لا يشبه لفظ مثله، ولكثرة الاستعمال. (ومنها) تحذف بعد الميم من سموات، فتكتب على هذه الصورة: «سموات» . قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: وعلة الحذف فيه علة الحذف في الملائكة من كثرة الاستعمال وعدم الشبه. وأما الألف الثانية منه وهي بعد الواو، فإنها لا تحذف، لأنها دليل الجمع، ولأنها لو حذفت لاجتمع في الكلمة حذفان، وقد كتبت في المصحف بحذف الألفين جميعا فيجب الانقياد إليه في المصحف خاصّة. (ومنها) تحذف بعد اللام في أولئك، وبعد الذال من ذلك فيكتبان على هذه الصورة: «أولئك» و «ذلك» . فلو تجرّد أولاء وذا عن حرف الخطاب وهو الكاف، كتبا بالألف فيكتبان على هذه الصورة: «أولاء» و «ذا» . (ومنها) تحذف بعدها التنبيه إذا اتصلت بذا «2» التي للإشارة وكانت خالية من كاف الخطاب في آخر الكلمة؛ فتحذف من هذا وهذه وهؤلاء، فيكتب الجميع بغير ألف، فإن اتصلت باسم الإشارة الكاف نحو ذاك امتنع الحذف، فيكتب بألف بعد الهاء على هذه الصورة «ها ذاك» ولا يضر اختلاف حرف الخطاب بالنسبة للإفراد والجمع والتذكير والتأنيث. وأما تا وتي في الإشارة بتا «3» للمذكر وبتي

للمؤنث، فإن الألف لا تحذف معهما إذا اتصلت بهما ها التنبيه، فيكتب هاتا وهاتي وهاتان. وذكر أحمد بن يحيى: أنها حذفت من هأنتم وهأنا وهأنت أيضا، فتكتب بألف واحدة بعد الهاء في جميع ذلك. قال: وهو القياس؛ وكان الأصل أن تكتب بألفين على هذه الصورة: ها أنتم وها أنا وها أنت؛ ثم تلي الهمزة. ودليل أن ألف ها قد حذفت من ها التنبيه في غير اتصالها بذا وما والاها من رسم المصحف في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم: في النور أيّه المؤمنون وفي الزخرف يا ايّه السّاحر وفي الرحمن أَيُّهَ الثَّقَلانِ. قال ابن قتيبة: ويكتب أيها الرجل وأيها الأمير بالألف وإن كان قد كتب في القرآن الكريم بالألف وغير الألف لاختلافهم في الوقف عليها. (ومنها) تحذف من ثمانية عشر وثماني نساء، بخلاف ما إذا حذفت الياء منها نحو ثمان عشرة وعندي من النساء ثمان فإنه لا تحذف الألف، بل تكتب على هذه الصورة: «ثمان عشرة وعندي من النساء ثمان» لأنه قد حذف منه الياء فلو حذف الألف، لتوالى الحذف فيكثر؛ فمثل قول الشاعر «1» : ولقد شربت ثمنيا وثمنيا ... وثمان عشرة واثنتين وأربعا يكتب الأوّلان بغير ألف والثالثة بالألف. وفي ثمانين وجهان: أحدهما إثبات الألف بعد الميم فيها، لأنه قد حذف منه الياء إذ الياء في ثمانين ليست ياء ثمانية، لأنها حرف الإعراب المنقلب عن الواو في حالة الرفع، فلو حذفت الألف أيضا لتوالى فيه الحذف. والوجه الثاني الحذف، لأن الياء منه كأنها لم تحذف بدليل أنه قد عاقبتها ياء أخرى فهما لا يجتمعان، فكأن الياء موجودة إجراء للمعاقب مجرى المعاقب. وإذا قلت ثمانون بالواو، فحكمه حكم ثمانين بالياء في جواز الوجهين.

(ومنها) تحذف بعد اللام من ثلاث فيكتب على هذه الصورة: «ثلث» سواء كانت مفردة، نحو عندي ثلث من البطّ، أو مضافة نحو ثلث نساء، أو مركبة نحو ثلث عشرة امرأة، أو معطوفة نحو ثلث وثلاثون جارية، وحكم ثلثة بالتاء كذلك في جميع الصور. وكذلك تحذف أيضا من ثلاثين وثلاثون بالياء والواو، فيكتبان على هذه الصورة: «ثلثين» و «ثلثون» . فأما ثلاث المعدول كما في قوله تعالى: مَثْنى وَثُلاثَ* «1» ، فقال الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله: لم أقف فيه على نقل. قال: والذي أختاره أن يكتب بالألف لوجهين: أحدهما أنه لم يكثر كثرة ثلث، وثلثة، وثلثين، وثلثون، والثاني أنها لو حذفت لالتبست بثلث الذي ليس بمعدول. قال ابن قاسم «2» رحمه الله: وقد ذكر في «المقنع» «3» أنه محذوف في الرسم. (ومنها) تحذف من- يا- التي للنداء إذا اتصلت بهمزة نحو يا أحمد، يا إبراهيم يا أبا بكر، يا أبانا، فتكتب على هذه الصورة: يأحمد، يإبراهيم، يأبا بكر، يأبانا. ثم الأظهر أن المحذوف هو ألف يا لا صورة الهمزة. وقال أحمد بن يحيى: المحذوف صورة الهمزة لا الألف من يا نعم إذا كانت الهمزة المتصلة بيا كهمزة آدم امتنع الحذف، وكتبت بألفين على هذه الصورة: يا آدم، لأنهم قد حذفوا ألفا من آدم لتوالي ألفين، وحرف النداء مع المنادى كالكلمة

الواحدة بدليل أنه لا يجوز الفصل بينهما فلو حذفت الألف من يا لاجتمع فيما هو كالكلمة الواحدة حذف ألفين. أما إذا لم يل يا همزة البتة نحو: يا زيد، ويا جعفر، فالذي يستعمله الكتّاب فيه إثبات الألف في يا. وفي كلام أحمد بن يحيى تجويز كتابته بغير ألف أيضا، توجيها بأنهم جعلوا يا مع ما بعدها شيئا واحدا، إذ أقاموا يا مقام الألف واللام بدليل أنهم لا ينادون ما فيه ألف ولام، فلا يقولون يا الرجل. (ومنها) تحذف من الحارث إذا كان علما ودخلت عليه الألف واللام، فيكتب على هذه الصورة: الحرث. أما إذا عري عن الألف واللام، فإنه يثبت فيه الألف لئلا يلتبس بحرب بالباء الموحّدة إذ قد سمي به، وإنما امتنع اللبس مع الألف واللام لأنهما إنما يدخلان من الأعلام على ما كان صفة إذا أريد به معنى التفاؤل وحرب ليس بصفة فلم يدخلا عليه وإن كانا قد دخلا على بعض المصادر كالعلاء، وكذلك إذا كان حارث اسم فاعل من الحرث فإنه يكتب بالألف أيضا كما إذا عري عن الألف واللام. (ومنها) تحذف مما كثر استعماله من الأعلام الزائدة على ثلاثة أحرف إذا لم يحذف منها شيء، سواء كان ذلك العلم من اللغة العربية نحو: مالك، وصالح، وخالد، أو من اللغة العجمية نحو: إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، وهارون، وسليمان، فتكتب على هذه الصورة: ملك، وصلح، وخلد، وإبرهيم، وإسمعيل، وهرون، وسليمن، بخلاف ما إذا لم يكثر استعماله كحاتم، وجابر، وحامد، وسالم، وطالوت، وجالوت، وهاروت وماروت، وهامان وقارون، فإنها لا تحذف ألفها. وقد حذفت في بعض المصاحف من هاروت، وماروت، وهامان، وقارون، فكتبت على هذه الصورة: هروت، ومروت، وهمن، وقرون. قال الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله: وذكر بعض شيوخنا أن إثباتها في نحو: صالح، وخالد، ومالك جيد.

وقال أحمد بن يحيى: يجوز فيه الوجهان، وهو قضية كلام ابن قتيبة. أما إذا كان العلم الذي كثر استعماله على ثلاثة أحرف فما دونها نحو: هالة «1» ولام، فإنه لا تحذف ألفه، وكذلك إذا حذف منه شيء غير الألف نحو: إسراءيل وداود، لأنهم قد حذفوا من إسراءيل صورة الهمزة ومن داود الواو فامتنع حذف الألف لئلا يتوالى الحذف. ويلتحق بذلك في الإثبات ما لو خيف بالحذف التباسه: كعامر، وعبّاس، فلا تحذف منه الألف أيضا، لأنه لو كتب بغير ألف، لا لتبس عامر بعمر، وعباس بعبس. (ومنها) تحذف استحسانا مما كثر استعماله، مما في آخره الألف والنون نحو شعبان، وعثمان وما أشبههما، فيكتبان على هذه الصورة «شعبن» و «عثمن» . قال الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله: إلا أنهم لم يحذفوا ألف عمران والإثبات في نحو: شعبان حسن أيضا. قال ابن قتيبة: فأما شيطان، ودهقان، فإثبات الألف فيهما حسن. وكان القياس إذا دخلت عليهما الألف واللام أن يكتبا بغير ألف، إلا أن الكتّاب مجمعون على ترك القياس في ذلك. (ومنها) تحذف من كل جمع على وزن مفاعل أو وزن مفاعيل، إذا لم يحصل بالحذف التباس الجمع فيه بالواحد لموافقته له في الصورة، فحيث لا يقع اللّبس مثل خواتم ودوانق في وزن مفاعل، ومحاريب وتماثيل وشياطين في وزن مفاعيل تحذف الألف فيكتب على هذه الصورة: خوتم، ودونق، ومحريب،

وتمثيل، وشيطين، ودهقين، إذ المفرد منها خاتم ودانق، ومحراب، وتمثال، وشيطان، ودهقان، وهي لا تشابه صور الجمع فيها، بخلاف ما إذا كان يلتبس فيه الجمع بالواحد، مثل: مساكين في وزن مفاعيل جمع مسكين فإنه يكتب بالألف لئلا يلتبس بالواحد، فلو كان الحذف يؤدّي إلى موافقته للواحد في الصورة لكنه في غير موضع المفرد نحو: ثلاثة دراهم، ودراهم جياد، ودراهم معدودة، حذفت منه الألف وكتب على هذه الصورة: ثلاثة درهم، ودرهم جياد، ودرهم معدودة لأنه لا يلتبس حينئذ، بخلاف عندي دراهم ونحوه فإنه لو حذفت الألف منه لا لتبس بدرهم المفرد. ثم الحذف في مفاعل ومفاعيل على ما تقدّم إنما هو على سبيل الجواز، وإلا فالإثبات أجود. وشرط بعض المغاربة في جواز الحذف شرطا، وهو ألّا تكون الألف فاصلا بين حرفين متماثلين، فلا تحذف الألف من نحو: سكاكين، ودكاكين، ودنانير، لئلا يجتمع مثلان في الخط وهو مكروه في الخط ككراهته في اللفظ. وقد كتب في المصحف مساكين، ومساكنهم بغير ألف على هذه الصورة: مسكين ومسكنهم، وإن كان اللبس موجودا. قال الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله: وإنما كتبنا كذلك لأنهما قد قرئا بالإفراد فكتبنا على ما يصلح فيهما من القراءة. كما كتبوا وما يخادعون «1» بغير ألف على هذه الصورة وَما يَخْدَعُونَ لأنه يصلح لقراءة يخدعون من الثلاثيّ. (ومنها) تحذف الألف الأولى مما كان فيه ألفان، مما جمع بالألف والتاء المزيدتين نحو: صالحات، وعابدات، وقانتات، وذاكرات، فتكتب على هذه الصورة: «صلحات، وعبدات، وقنتات، وذكرات» .

وكذلك تحذف من صفات جمع المذكر السالم نحو: الصالحين، والقانتين، فيكتب على هذه الصورة: «الصّلحين» و «القنتين» وإن لم يكن فيه ألف أخرى حملا على المؤنث. وقال بعض المغاربة: إن كان مع ألف الجمع ألف أخرى كالسماوات، والصالحات، فيختار حذف ألف الجمع وإبقاء الأخرى. وثبت في المصحف بحذف الألفين جميعا على هذه الصورة: «سموت، وصلحت» وكذلك سياحات، وغيابات، وإن كان ليس فيه ألف أخرى فالمختار إثبات الألف كالمسلمات، وثبت أيضا في المصحف محذوف الألف على هذه الصورة: مسلمت. قال: وتحذف أيضا في جمع المذكر السالم من الصفات المستعملة كثيرا: كالشاكرين، والصادقين، والخاسرين، والكافرين، والظالمين، وما أشبهها في كثرة الاستعمال فتكتب على هذه الصورة: «الشكرين، والصدقين، والخسرين، والكفرين، والظلمين» . نعم إن خيف اللبس فيما جمع بالألف والتاء مثل طالحات، امتنع الحذف لأنه لو حذفت الألف منه، لالتبس بطلحات جمع طلحة، وكذلك لو خيف اللبس فيما جمع بالواو والنون، نحو حاذرين، وفارهين، وفارحين، فلو حذفت الألف منه، لا لتبس بحذرين، وفرهين، وفرحين، وهما مختلفان في الدلالة، لأن فاعلا من هذا النوع مذهوب به مذهب الزمان، وفعل يدل على المبالغة لا على الزمان. وكذلك لو كان مضعفا مثل شابّات، والعادّين، فلا يجوز فيه حذف الألف لأنه بالإدغام نقص في الخط إذ جعلوا الصورة للمدغم والمدغم فيه شكلا واحدا، ولذلك كتبوا في المصحف: الضّالين والعادّين بالألف. وقد أجري مجرى المضعّف في الإثبات ما بعد ألفه همزة نحو: الخائنين، وقد حذفت ألفه في بعض المصاحف فكتب على هذه الصورة: «الخئنين» ويتعين الإثبات أيضا فيما هو معتلّ اللام مثل: دانيات حملا على دانين، كما حذف من الصالحين حملا على

الصالحات، ومثل: الرامين لأنه قد حذف منه لام الفعل، وحمل ما جمع بالألف والتاء عليه كما حمل الصالحين على الصالحات في حذف الألف، وإن كانت العلة فيهما مفقودة. قال ابن قتيبة: وكذلك ما كان من ذوات الياء والواو لا يجوز فيه حذف الألف نحو: هم القاضون، والرامون، والساعون، لأنهم حذفوا الياء لالتقاء الساكنين لما استثقلوا ضمة في الياء بعد كسرة فسكنوا ثم حذفوا الياء، فكرهوا أن يحذفوا الألف أيضا لئلا يخلّوا بالكلمة. (ومنها) تحذف إحدى الألفين ممّا اجتمع فيه ألفان مثل: أادم، وأازر، وأامن، وأامين، وأاتين، وأانفا، ووراأك، وقراأة، وبراأة، وشنأان، وشبهه، فتكتب على هذه الصورة: «آدم، وآزر، وآمن، وآمين، وآتين، وآنفا، ووراءك، وقراءة، وبراءة وشنآن» فلو انفتح الأوّل منهما كما في قرأا لفعل الاثنين من القراءة كتب بألفين على هذه الصورة: (قرأا) لئلا يلتبس بفعل الواحد، إذ المفرد تقول فيه قرأ فتكتبه بألف واحدة؛ وذهب قوم إلى أنه في التثنية يكتب أيضا بألف واحدة مسندا إلى ألف الاثنين، وبه قال أحمد بن يحيى. والذي عليه المتأخرون وهو الأجود عند ابن قتيبة ما تقدّم. (ومنها) تحذف إحدى الألفات مما اجتمع فيه ثلاث ألفات، مثل براأات جمع براءة، ومساأات جمع مساءة، فتكتب بألفين فقط على هذه الصورة: «براآت» و «مساآت» لأنها في الجمع ثلاث ألفات. فلو حذفوا اثنتين، أخلّوا بالكلمة. (ومنها) تحذف من أول الكلمة في الاستفهام في اسم، أو فعل، نحو: أالله أذن لكم؟ أالسّحر إنّ الله سيبطله؟ أالذّكرين حرّم أم الأنثيين؟ أاصطفى البنات على البنين؟ أالرجل في الدار؟ أاسمك زيد أم عمرو؟ فتكتب بألف واحدة على هذه الصورة: آلله؟ آلسّحر؟ آلذّكرين؟ آلرجل؟ آسمك؟ آلآن؟

تذنيب تحذف الهمزة المصورة بصورة الألف في أربعة مواضع

ثم مذهب أحمد بن يحيى، وعليه جرى ابن مالك «1» رحمه الله: أنه لا فرق بين المكسورة، والمضمومة. والذي ذهب إليه المغاربة أنها تكتب بألفين، إحداهما ألف الوصل، والأخرى همزة الاستفهام. قال الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله: وجاز في نحو: ألرجل، ألأمران، ورسمت في المصحف بألف واحدة نحو: آلذكرين، آلآن. (ومنها) تحذف من ما الاستفهامية إذا دخل عليها حرف من حروف الجرّ نحو: عمّ تسأل؟ وفيم تفكّر، وممّ فرقت؟ ولم تكلّمت؟ وبم علمت؟ وحتّام تغضب؟ وعلام تدأب؟ فتكتب كلها بغير ألف في آخرها فرقا بينها وبين ما الموصولة، ويصير حرف الجرّ كأنه عوض من الألف المحذوفة. وكان الحذف من الاستفهامية دون الموصولة لأن آخرها منتهى الاسم، والأطراف محلّ التغيير، بخلاف الموصولة، لأنها متوسطة من حيث إنها تحتاج إلى صلة. وحكى الكوفيون ثبوتها في الاستفهامية أيضا؛ والله أعلم. تذنيب تحذف الهمزة المصوّرة بصورة الألف في أربعة مواضع : الأول- تحذف بعد الباء من بسم الله الرّحمن الرحيم ، فتكتب بغير ألف على هذه الصورة «بسم» ، والقياس إثباتها كما تكتب يأيها بالألف لكنها حذفت لكثرة الاستعمال، أما في غير بسم الله الرحمن الرحيم، فظاهر كلام ابن مالك «2» أنها لا تحذف، فتثبت في باسم ربك، وفي باسم الله، مفردا. وقال بعضهم: إن كان مضافا إلى لفظ الله تعالى وليس متعلّق الباء ملفوظا

الثاني - تحذف بين الفاء والواو

به، حذفت وإلا فلا، فتثبت في باسم ربك لأنه غير مضاف إلى لفظ الله تعالى، وفي نحو قولك: تبركت باسم الله، لأن متعلقه ملفوظ به. وقال الفرّاء في قوله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها «1» إن شئت أثبتّ وإن شئت حذفت، فمن أثبت قال: ليست مبتدأ بها، وليس معها الرحمن الرحيم؛ ومن حذف، قال: كان معها الرحمن الرحيم في الأصل، فحذفت في الاستعمال؛ فإن أضفت الاسم إلى الرحمن أو القاهر ونحوه، فقال الكسائيّ: تحذف، وقال الفرّاء: لا يجوز أن تحذف إلا مع الله لأنها كررت معه، فإذا عدوت ذلك أثبتّ الألف. الثاني- تحذف بين الفاء والواو ، وبين همزة هي فاء الفعل من وزن الكلمة، مثل قولك: فأت وأت، لأنهم لو أثبتوا لها صورة الألف، لكان ذلك جمعا بين ألفين: إحداهما صورة همزة الوصل، والأخرى صورة الهمزة التي هي فاء الفعل، مع أن الواو والفاء شديدتا الاتصال بما بعدهما لا يوقف عليهما دونه، وهم لم يجمعوا بين ألفين في سائر هجائهم إلا على خلاف في المتطرّفة كما مرّ، لأن الأطراف محلّ التغييرات والزيادة، فلذلك حذفوها في نحو: فأذن، وأتمن فلان، وعليه كتبوا وَأْمُرْ أَهْلَكَ «2» فلو كانت الهمزة بين غير الفاء والواو وبين الهمزة التي هي فاء الفعل ثبتت، نحو ائتو، والَّذِي اؤْتُمِنَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي «3» وكذلك لو كانت ابتداء والهمزة فاء الفعل، نحو ائذن لي، اؤتمن فلان، ثبتت أيضا؛ أو ليست فاء، نحو: ثم اضرب، واضرب، فاضرب. وكذلك في وَأْتُوا الْبُيُوتَ «4» . الثالث- تحذف في ابن وابنة مما وقع فيه ابن مفردا صفة بين علمين، غير

مفصول، فيكتب نحو جاء فلان بن فلان، أو فلانة بنة فلان بغير ألف في ابن وابنة. ولا فرق في ذلك بين أن يكون العلمان اسمين، نحو هذا أحمد بن عمر أو كنيتين، نحو: هذا أبو بكر بن أبى عبد الله، أو لقبين، نحو: هذا نبت بن بطة، أو اسما وكنية، نحو: هذا زيد بن أبي قحافة، أو لقبا واسما، نحو: هذا أنف الناقة بن زيد، أو كنية ولقبا، نحو: هذا أبو الحارث بن نبت، أو لقبا وكنية، نحو: هذا بدر الدين بن أبي بكر. فهذه سبع صور تسقط فيها الألف من ابن ولا تسقط فيما عداها، فلو قلت هذا زيد ابنك، وابن أخيك، وابن عمك، ونحو ذلك، مما ليس صفة «1» بين علمين، أثبتّ فيه الألف، وكذلك إذا كان خبرا كقولك: أظنّ زيدا ابن عمرو، وكأنّ بكرا ابن خالد، وإن زيدا ابن عمرو، فتثبت الألف في الجميع. ومنه في القرآن الكريم: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ «2» كتبتا في المصحف بالألف، فلو ثنيت الابن، ألحقت فيه الألف صفة كان أو خبرا، فتكتب: قال عبد الله، وزيد ابنا محمد كذا وكذا؛ وأظنّ عبد الله وزيدا ابني محمد فعلا كذا بالألف. وكذلك إذا ذكرت ابنا بغير اسم، فتكتب: جاء ابن عبد الله بالألف أيضا- وحكم ابنة مؤنثا في جميع ما ذكر حكم الابن، تقول: جاءت هند بنة قيس، فتحذف الألف، وشرط الأستاذ أبو الحسن بن عصفور أن يكون مذكّرا فلا تسقط من ابنة. ونقل احمد بن يحيى عن أصحاب الكسائيّ: أنه متى كان منسوبا إلى اسم أبيه أو أمّه أو كنية أبيه وأمّه وكان نعتا، حذفوا الألف فلم يجزه في غير الاسم والكنية في الأب والأم. قال: وأما الكسائيّ فقال: إذا أضفت إلى اسم أبيه أو كنية أبيه، وكانت الكنية معروفا بها كما يعرف باسمه، جاز الحذف، لأن القياس عنده الإثبات

الرابع - تحذف من كل معرف بالألف واللام إذا دخلت عليه لام الابتداء،

والحذف استعمالا، فإذا عدى الاستعمال، يرجع إلى الأصل. وحكى ابن جنّي «1» عن متأخري الكتّاب، أنهم لا يحذفون الألف مع الكنية، تقدّمت أو تأخرت قال: وهو مردود عند العلماء على قياس مذاهبهم. والألف تحذف من الخط في كل موضع يحذف منه التنوين وهو حذف مع الكنى. الرابع- تحذف من كل معرّف بالألف واللام إذا دخلت عليه لام الابتداء، نحو: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى «2» أو لام الجرّ، نحو للدّار ألف ساكن غيرك، وقياسها الإثبات كما أثبتوها في لابنك قائم، ولأبيك مال؛ وسبب حذفها التباسها بلا النافية. وذهب بعضهم: إلى أنها لا تحذف مع لام الابتداء فرقا بينها وبين الجارّة ولم يحذفوها من نحو: مررت بالرجل؛ والله أعلم. الحرف الثاني اللام، وتحذف في مواضع (منها) تحذف من الذي للزومها، فكأنها ليست منفصلة، وكذلك تحذف من جمعه وهو الذين لأنه يشبه مفرده في لزوم البناء، ولفظ الواحد كأنه باق فيه، ولم يحذفوه من المثنّى كما في قوله تعالى: رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا «3» فكتبوه بلامين فرقا بينه وبين الجمع. وإنما اختصت التثنية بالإثبات، لأنها أسبق من الجمع، واللبس إنما حصل بالجمع. (ومنها) تحذف من الّتي للزومها كما تقدّم، ومن تثنيتها وهي الّتان

الحرف الثالث النون، وتحذف في مواضع

وجمعها: وهي ألّاتي لأنهما لا يلتبسان بخلاف تثنية الذي وحروفه. وقال أحمد بن يحيى: كتبوا اللاتي (الّتي) واللائي (الّئي) وأسقطوا لاما من أوّلها وألفا من آخرها. قال: وهذا للاستعمال لأنه يقل في الكلام مثله، ويدل عليه ما قبله وما بعده، ولو كتب على لفظه كان أولى. قال الشيخ أثير الدين أبو حيّان رحمه الله: والذي عهدناه من الكتّاب أنه لا تحذف الألف لئلا يلتبس بالمفرد. (ومنها) تحذف من الليل والليلة على أجود الوجهين، فيكتبان بلام واحدة على هذه الصورة: «الّيل والّيلة» : لأنّ فيه اتباع المصحف، وأجاز بعضهم كتابته بلامين. قال أبو حيّان: وهو القياس. (ومنها) تحذف من [اللّعب] «1» ونحوه، مما دخل عليه لام الجرّ فيكتب بلامين وإن كان في اللفظ ثلاث لامات. (ومنها) قال أحمد بن يحيى: يكتب الّطيف بلام واحدة، لانه قد عرف فحذف، وهذا بخلاف اللهو واللّعب، واللّعبة، واللاعبين، واللّغو واللّؤلؤ، واللّات، واللهم، واللهب، واللّوامة، فإنها لا تحذف منها اللام. قال ابن قتيبة: وكل اسم كان أوّله لاما ثم أدخلت عليه لام التعريف، كتبته بلامين، نحو: اللهم، واللبن، واللحم، واللجام، وما أشبه ذلك، وإن كانوا قد اختلفوا في الليل والليلة لموافقة المصحف كما تقدم. الحرف الثالث النون، وتحذف في مواضع (منها) تحذف من عن إذا وصلت بمن أو بما، فتكتب عمّن وعمّا وعمّ. (ومنها) تحذف من من الجارّة إذا وصلت بمن أو ما، فتكتب ممّن وممّا.

الحرف الرابع الواو، وتحذف في مواضع

(ومنها) تحذف من إن إذا وصلت بلم، فتكتب إلّم. (ومنها) تحذف من أن المفتوحة إذا وصلت بلا، فتكتب ألّا. الحرف الرابع الواو، وتحذف في مواضع (منها) تحذف لأمن اللبس، مثل ما كتبوا من قوله تعالى: يَدْعُ الدَّاعِ «1» . وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ «2» بغير واو في يدعو ويمحو، لأن ذكر الداع في الأوّل، وذكر الله تعالى في الثاني يمنع أن يكون الفاعل جماعة فلا يحصل اللبس، بخلاف قولك لا تضربوا الرجل، فإنه لو حذف لالتبس الجمع فيه بالواحد. (ومنها) تحذف مما توالى فيه واوان في كلمة واحدة، مثل: داوود، وطاووس، ورؤوس، ويستوون، ويلوون، وأووا إلى الكهف، ويسوّوا، وتبوّووا، وجاؤوا، وباؤوا، وأساؤوا، ويؤوده، ويؤوس، وفادرؤوا، ومبرّؤون، فيكتب بواو واحدة. وكتب بعضهم طاووس ونحوه بواوين على الأصل، والقياس الاقتصار على واو واحدة كراهة اجتماع المثلين. واستثنى ابن عصفور من ذلك موضعا، وهو ألا يؤدّي إلى اللبس، نحو: قؤول وصؤول على وزن فعول فإنه يلتبس بقول وصول، واختاره أحمد بن يحيى. (ومنها) تحذف مما توالى فيه ثلاث واوات في كلمتين ككلمة، مثل: ليسوؤوا، وينوؤون، فتكتب ليسوءوا، وينوءون، بواوين فقط، ويكتب لوّوا،

الحرف الخامس الياء، وتحذف في مواضع

واجتووا، والتووا، بواوين، لأنه لو حذفت إحدى الواوين لالتبس الجمع بالمفرد. ووقع في المصحف كتابة يستوون، ويلوون، بواو واحدة، وذلك لأن في يستوون ونحوه اجتمع واوان وضمة، فناسب الحذف، وفي لوّوا رؤوسهم ونحوه انفتح ما قبل الواو فناسب الإثبات. (ومنها) تحذف للجزم كما في قولك: لم يغد، فتحذف الواو علامة للجزم؛ والله سبحانه وتعالى أعلم. الحرف الخامس الياء، وتحذف في مواضع (منها) للجزم كما في قولك: لم يقض، فتحذف الياء من آخره علامة للجزم. (ومنها) تحذف لمراعاة الفواصل، نحو قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ «1» بغير ياء في آخرها لمراعاة ما قبله من قوله: وَالْفَجْرِ «2» . (ومنها) تحذف فيما توالى فيه ياءان أو ثلاثة، فتكتب النّبييّن، وخاسئين، وخاطئين، وإسرائيل، وما أشبه ذلك بياءين فقط، وإن كان في اللفظ ثلاث ياءات. (ومنها) تحذف لأمن اللبس، فتكتب قارءين جمع قاريء بياء واحدة، فرقا بينها وبين قارئين تثنية قاريء فإنها تكتب بياءين. (ومنها) تحذف مدّة ضمير «3» الغائب مثل قولك: ضربه، فتكتبه بغير واو، وإن كنت تلفظ به لأنك إذا وقفت حذفتها ووقفت على الهاء ساكنة، وكذلك مدّة

النوع الثالث ما يغير بالبدل

ضمير الغائبين، مثل قولك: ضربهم في لغة من وصل الميم، وكذلك حذفوها إذا وليت الكاف، نحو: ضربكم زيد ولكم في لغة من وصل الميم بواو وبياء، لأنه إذا وقف حذف الصلة؛ والله أعلم. النوع الثالث ما يغيّر بالبدل والحروف التي يدخلها البدل ثلاثة أحرف: الألف، والواو، والياء؛ والألف والياء أكثرهما تعاقبا. فتنوب الياء عن الألف في ثلاثة محالّ: المحل الأوّل الاسم، وهو ثلاثة أحوال الحال الأوّل- أن تكون الألف فيه رابعة فصاعدا ، نحو: المعزى، والمستدعى، والحبلى، والمرضى، والملهى، والمدعى، والمشترى، ومقلى، ومثنى، وكذلك أعمى، وأعشى، وأظمى، وأقنى، وأدنى، وأعلى، ومعافى، ومنادى، وما أشبه ذلك، فتكتب الألف في جميع ذلك ياء سواء كان منقلبا عن واو أو منقلبا عن ياء، لأنك إذا ثنيته ثنيته بالياء؛ ومن ثم كتبت يا ويلتى، ويا حسرتى، ويا أسفى، بالياء إشعارا بأنها مما تمال أو تقلبها عند التثنية ياء، إلا فيما قبلها ياء نحو: الدّنيا، والعليا، والقصيا، وهديا، ومعيا، ومحيا، وعام حيا ورؤيا، وسقيا، فإنك لا تكتب الألف فيها ياء كراهة أن تجتمع ياءان في الخط. نعم يغتفر ذلك في نحو: يحيى وريّى علمين، للفرق بين يحيى علما وبينه فعلا وبين ريّى علما وبينه وصفا وكان البدل في العلم دون الوصف والفعل لأن الفعل والصفة أثقل. قال ابن قتيبة: وأحسبهم اتبعوا في يحيى رسم المصحف. فلو كان مهموزا «1» ، نحو: مستقرأ ومستنبئا، أو قبل آخره ياء نحو: خطايا،

الحال الثاني - أن تكون الألف فيه ثالثة

وزوايا، وركايا، والحوايا، والحيا، وما أشبهه كتب بالألف. الحال الثاني- أن تكون الألف فيه ثالثة ، فإن كانت مبدلة عن ياء، نحو: فتى، ورحى، وسوى، والهدى، والمدى للغاية، والهوى لهوى النفس، وندى الأرض، وندى الجود، وحفى الدابة، والكرى: النوم، والقذى، والأذى، والخنى: فحش القول، والضّنى: المرض، والرّدى: الهلاك، والطّوى: الجوع، والأسى: الحزن، والعمى: في القلب والعين، والجنى: جنى الثمرة، والصّدى: العطش والشّرى: في الجسد، والضّوى: الهزال، والثرى: التراب النّديّ، والجوى: داء في الجوف، والسّرى: [سير] «1» الليل، والسّلى: سلى الناقة، ومنى: المكان المعروف، والمدى «2» الغاية، والصّدى: اسم طائر يقال إنه ذكر البوم، والنّسى: عرق في الفخذ، وطوى: واد، والوغى: الحرب، والوحى: العجل، والورى: الخلق، والذّرى: الناحية وأنا في ذرى فلان، والمعى واحد الأمعاه، والحجى والنّهى: العقل، والحشى واحد الأحشاء، وما أشبه ذلك كتب بالياء. وإن كانت منقلبة عن واو، نحو عصا، ومنا للقدر، ورجا لجانب البئر، والقنا في الأنف، والرّما والقرا للظهر، والعشا في العين، والقفا: قفا الإنسان، والصّغا: ميلك للرجل، ووطا جمع وطاة، و [لها جمع] «3» لهاة، والفلا جمع فلاة، كتب بالألف. وتفترق الواو من الياء فيه بطرق أقربها التثنية تقول في الأوّل: فتيان، ورحيان، وسويان. قال ابن قييبة: فلو ورد عليك اسم قد ثنّي بالواو والياء عملت على الأكثر

الأعمّ. وذلك نحو رحى، فإن من العرب من يقول: رحوت الرّحاء، ومنهم من يقول: رحيت، قال: وكتبها بالياء أحبّ إليّ لأنها اللغة العالية. وكذلك الرّضا، من العرب من يقول في تثنيته: رضيان، ومنهم من يقول رضوان، قال: وكتابته بالألف أحبّ إليّ، لأن الواو فيه أكثر، وهو من الرضوان. وكذلك الحكم في متى، لأنها لو سمّي بها وثنّي، لقلت متيان، فيعلم أنه من ذوات الياء. وتقول في الثاني: عصوان ومنوان ورجوان، فيعلم أنه من ذوات الواو. فإذا أشكل عليك شيء فلم تعلم أهو من ذوات الواو [أو من ذوات الياء] «1» ؟ نحو خسا بالخاء المعجمة والسين المهملة، كتبته بالألف لأنه هو الأصل. ومنهم من يكتب الباب كلّه بالألف على الأصل وهو أسهل للكتّاب، وعلى تقدير كتبها بالياء، فلو كان منوّنا فالمختار عندهم أنها تكتب بالياء أيضا، وهو قياس المبرّد، وقياس المازني أن يكتب بألف إذ هي ألف التنوين عنده في جميع الأحوال. وقاس سيبويه» المنصوب «3» بالألف لأنه للتنوين فقط. قال ابن قتيبة: وتعتبر المصادر بأن يرجع فيها إلى المؤنث، فما كان في المؤنث بالياء كتبته بالياء، نحو: العمى، والظّمى، لأنك تقول: عمياء وظمياء، وما كان المؤنث فيه بالواو كتبته بالألف، نحو العشا في العين، والعثا وهو كثرة شعر الوجه، والقنا في الأنف، لأنك تقول: عشواء، وقنواء، وعثواء. قال: وكل جمع ليس بين جمعه وبين واحده في الهجاء إلا الهاء من المقصور، نحو الحصى، والقطا، والنّوى، فما كان جمعه بالواو كتبته بالألف، وما كان جمعه بالياء كتبته بالياء.

تنبيه

وكتبت لدى بالياء لانقلابها ياء في لديك. وأما كلا، فالصحيح من مذهب البصريين أنها تكتب بالألف، لأن ألفه عن واو، ومن زعم أنها عن ياء كالمعى، كتبها بالياء. وأجاز الكوفيون كتبها بالياء وهو خطأ على مذهبهم، لأن الألف عندهم للتثنية، وألف التثنية لا يجوز أن تكتب ياء لئلا يلتبس المرفوع بغيره. وقياس كلتا عند البصريين أن تكتب ياء، وشذ كتابتها بالألف. قال ابن قتيبة: والذي أستحبّه أن تكتب كلا وكلتا في حال الرفع بالألف، وفي حالتي الجرّ والنصب بالياء، فإذا قلت: أتاني كلا الرجلين أو كلتا المرأتين، كتبته بالألف، وإذا قلت: رأيت كلي الرجلين أو كلتي المرأتين كتبته بالياء، لأن العرب قد فرقت بينهما في اللفظ «1» فقالوا: رأيت الرجلين كليهما، ومررت بالرجلين كليهما، ومررت بالمرأتين كلتيهما، وقالوا: جاءني الرجلان كلاهما، والمرأتان كلتاهما. وتترى إن لم تنوّن فألفها للتأنيث، وإن نوّنت فهي للإلحاق؛ وقياسها أن تكتب بالياء. ومن زعم أنه فعل، فألفه بدل التنوين كألف صبرا، فهو قياسه. ووقع في كلام ابن البادس أن تترى في الخط بياء، وهو خلاف المعروف. تنبيه لو اتصل الاسم الذي يكتب بالياء بضمير متصل، نحو: رحاك، وقفاك، وملهاك، ومرعاك، فقيل يكتب بالياء كحال عدم اتصالها، فيكتب على هذه الصورة: رحيك، وقفيك، وملهيك، ومرعيك. قال الشيخ أثير الدين أبو حيّان رحمه الله: واختيار أصحابنا فيه بالألف إذا.

الحال الثالث - أن تكون الألف فيه ثانية

اتصل به ضمير خفض أو ضمير نصب، سواء كان ثلاثيّا أم أزيد، إلا إحدى خاصة فإنها تكتب بالياء حال اتصالها بضمير الخفض، نحو من إحديهما كحالها دون الاتصال. واختلفوا إذا اتصلت بتاء تأنيث تنقلب هاء في الوقف، فذهب البصريون إلى كتابتها ألفا، نحو الحصاة، واختار الكوفيون كتابتها بالياء نحو الحصية. الحال الثالث- أن تكون الألف فيه ثانية ، نحو ما وذا إذا كانا اسمين، فيكتب بالألف على صورة النطق به. المحل الثاني الفعل، وله حالان الحال الأوّل- أن تكون الألف فيه رابعة فصاعدا ، نحو: أعطى، واستعلى، وتداعى، وتعادى، واستدنى، وما أشبهه، فتكتبه كلّه بالياء إلا أن يكون مهموزا، نحو: أخطأ، وأنبأ، وتخاطأ، واستنبأ، فإنه يكتب بالألف، وكذلك إذا كان قبل آخره ياء، نحو: استحيا، وتحايا، وأعيا، وتعايا، واستعيا، وما أشبهه، فإنك تكتبه بالألف. ووقع في بعض المصاحف: نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ «1» بالألف في آخر نخشى، وفي بعض المصاحف بالياء. الحال الثاني- أن تكون الألف ثالثة ، فتردّه إلى نفسك، فإن ظهرت فيه الواو فاكتبه بالألف، نحو قولك: عدا، ودعا، ومحا، وغزا، وسلا، وعلا من العلوّ، لأنك تقول: عدوت، ودعوت، ومحوت، وغزوت، وسلوت، وعلوت. وشذّ زكى، فكتب بالياء وإن كان من ذوات الواو، لأنه من زكى يزكو، إلا أن العرب يميلون الأفعال ذوات الواو، وإن ظهرت فيه الياء فاكتبه بالياء، نحو قولك: قضى،

تنبيه

ومشى، وسعى، وعسى، لأنك تقول: قضيت، ومشيت، وسعيت، وعسيت، ويجوز كتابته بالألف أيضا. تنبيه لو اتصل بالفعل ضمير متصل، نحو: رماه، وجزاه، ورعاه، فقيل يكتب على حاله بالياء، فيكتب على هذه الصورة: رمية، وجزية، ورعية، والصحيح كتابته بالألف. قال ابن قتيبة: وكل ما لحقته الزيادة من الفعل لم تنظر إلى أصله، وكتبته كله بالياء، فتكتب أعزى فلان فلانا، وأدنى فلان فلانا، وألهى فلان فلانا، بالياء، وهو من غزوت، ودنوت، ولهوت، لأنك تقول فيه: أغزيت، وأدنيت، وألهيت. وكذلك تكتب يغزى، ويدنى، ويلهى، على البناء لما لم يسمّ فاعله بالياء، لأنك تقول في تثنيته: يغزيان، ويدنيان، ويدعيان. المحل الثالث بعض الحروف واعلم أن الحرف الذي في آخره ألف في اللفظ إنما يكتب ألفا على صورة لفظه، نحو: ما، ولا، وألا، وما أشبهها، واستثنوا من ذلك أربع صور فكتبوها بالياء: إحداها- بلى، قال بعض النحاة: لإمالتها، وقال سيبويه: لأنه إذا سمي بها وثنيت قيل بليان كما يقال في متى متيان. الثانية- إلى، وكتبت بالياء، لأنها تردّ إلى الياء في قولهم: إليك. الثالثة- على، وكتبت بالياء لأنها تردّ إلى الياء أيضا في قولهم: عليك.

تنبيه

قال ابن قتيبة: وكان القياس فيها وفي إلى أن تكتبا بالألف لعدم جواز الإمالة فيهما. الرابعة- حتّى، وكتبت بالياء حملا على إلى، لكونهما بمعنى الانتهاء والغاية، ولأنه قد روي فيها الإمالة عن بعض العرب فروعي حكمها. تنبيه لو وليت ما الاستفهامية حتّى، أو إلى، أو على، كتبن بالألف على هذه الصورة: حتّام، وإلام، وعلام، لأنها شديدة الاتصال بما الاستفهامية بدليل أن ما بعدها لا يوقف عليه إلا بذكرها معه، فكأنّ الألف وقعت وسطا فصارت كحال ما كتب بالياء إذا اتصل بضمير خفض أو ضمير نصب، فإنه يكتب بالألف. قال الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله: فإن وصل في حتّام وإلى الهاء الحائرة، فلك أن تجريها على الاتصال ولا تعتدّ بها، ولك أن تعتدّ بها وترجع الألف في حتّى، وإلى، وعلى، إلى أصلها، فتكتب بالياء يعنى على هذه الصورة حتى مه، وإلى مه، وعلى مه. فائدة قد يكتب بالياء ما هو من ذوات الألف للمجاورة كما في قوله تعالى: وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى «1» فإن الضّحى ونحوه قياسه عند البصريين أن يكتب بالألف لأنه من ذوات الواو، ولكنه كتب بالياء لمجاورة سجى، وسجى وإن كان من ذوات الواو أيضا، كتب بالياء لمجاورة قلى الذي هو من ذوات الياء، فسجى مجاور، والضحى مجاور المجاور. وأما الواو فقد نابت عن الألف في مواضع من رسم المصحف الكريم، وهي: الصلاة، والزكاة، والحياة، والنجاة، ومشكاة، ومناة، فتكتب على هذه

تنبيه

الصورة: الصلوة، والزكوة، والحيوة، والنجوة، ومنوة، ومشكوة. فمنهم من كتبها كذلك في غير المصحف أيضا اتباعا للسّلف في ذلك؛ ومنهم من كتبها بالألف وهو القياس، ووجه بأن رسم المصحف متبع في القرآن خاصة، ولا يكتب شيء من نظائر ذلك إلا بالألف: كالقناة، والقطاة، اقتصارا على ما ورد به الرسم السلفيّ. قال ابن قتيبة: وقال بعض أهل الإعراب: إنهم كتبوا هذه الكلمات بالواو على لغات الأعراب، وكانوا يميلون في اللفظ بها إلى الواو شيئا. وقيل: بل كتبت على الأصل، إذ الأصل فيها واو، لأنك إذا جمعت قلت: صلوات، وزكوات، وحيوات، وإنما قلبت ألفا، لما انفتحت وانفتح ما قبلها. قال: ولولا اعتياد الناس لذلك في هذه الأحرف الثلاثة، أي الصلاة والزكاة، والحياة، لكان من أحب الأشياء إليّ أن تكتب كلها بالألف. وجمعوا في الربابين العوض والعوض منه، فكتبوه بواو وألف بعدها على هذه الصورة: الربوا. وفي بعض المصاحف: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً «1» بألف بغير واو، وما سواه فلا خلاف فيه. تنبيه لو اتصل بشيء مما أبدلت ألفه واوا ضمير، نحو صلاتهم، وزكاتهم، وحياتك، ونجاته، ومشكاته، ورباه، كتبت بالألف دون الواو؛ والله أعلم. القسم الثاني ما ليس له صورة تخصه وهو الهمزة، إذ تقع على الألف والواو والياء، وعلى غير صورة؛ ولها ثلاثة أحوال:

الحال الأول أن تكون في أول الكلمة

الحال الأوّل أن تكون في أوّل الكلمة فتكتب ألفا بأيّ حركة تحركت، من فتحة مثل: أحمد، وأيوب، وأحد؛ أو ضمة نحو: أخذ، وأكرم، وأوحي، وأولئك؛ أو كسرة نحو: إبراهيم، وإسماعيل، وإسحق، وإثمد، وإبل، وإذ، وإلى، وإلّا، وإمّا، سواء في ذلك همزة القطع مثل: أكرم، وهمزة الوصل مثل: اتخذ، والهمزة الأصلية مثل: امريء، والهمزة الزائدة مثل: إشاح، وذلك لأن الهمزة المبتدأة لا تخفف أصلا من حيث إن التخفيف يقرّبها من الساكن، والساكن لا يقع أوّلا، فجعلت لذلك على صورة واحدة، واختصت الألف بذلك دون الياء والواو حيث شاركت الهمزة في المخرج، وفارقت أختيها في الخفّة، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الهمزة مبتدأة كما في الصور المذكورة، أو تقدّمها لفظ آخر، نحو: سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ «1» وفبأيّ، وأفأنت، وبأنه، وكأنه وكأين، وبإيمان، ولإيلاف، ولبإمام، وسأترك، ولأقطّعن، ومررت بأحمد، وجئت لأكرمك، واكتحلت بالإثمد، إلا فيما شذّ من ذلك، نحو هؤلاء، وابنؤمّ ولئن، ولئلّا، ويومئذ، وحينئذ، وما أشبهها، فإنه كان القياس أن تكتب الهمزة فيها ألفا لأنها وقعت أوّلا، لكنهم خالفوا فكتبوا همزة هؤلاء، وابنؤمّ بالواو، وإن كانت في الحقيقة مبتدأة بدليل أن ها حرف تنبيه وهو منفصل عن اسم الإشارة. وكذلك ابن اسم أضيف إلى الأم، لكنهم شبهوها بهمزة لؤم، فكتبوها بالواو، وراعوا في ذلك كثرة لزوم هاء الإشارة، وعدم انفكاك ابنؤم الواقع في القرآن، فكأنها صارت همزة متوسطة. وكتبوا همزة لئن، ولئلا، وحينئذ، ويومئذ، وما أشبهها ياء وإن كانت أوّل كلمة، وكان القياس أن تكتب بالألف، أما لئن، فلأن أصلها لأن بلام ألف ونون، وأما لئلّا، فلأن أصلها لأن، بلام ألف ونون منفصلة من لا، بدليل أنهم إذا لم يجيئوا بعدها بلا، كتبوها لأن، نحو جئت لأن تقرأ، لكنهم جعلوا اللام مع أن كالشيء الواحد. وكذلك حينئذ، ويومئذ، فإن الأصل أن يفصل الظرف المضاف للجملة التي بقي منها إذ المنوّنة

الحال الثاني أن تكون متوسطة؛ ولها حالتان

تنوين العوض وأن يكتب بالألف، لكن جعل الظرف مع إذ كالشيء الواحد، فوصل بإذ، وجعلت صورة الألف ياء كما جعلوها في يئس. وكذلك الحكم في كل ظرف أضيف إلى ما ذكر، سواء المفرد، كالأمثلة المذكورة، والجمع نحو أزمانئذ. وسيأتي الكلام على ما يتعلق من ذلك في الفصل والوصل إن شاء الله تعالى. الحال الثاني أن تكون متوسطة؛ ولها حالتان الأولى- أن تكون ساكنة ، فلا يكون ما قبلها إلا متحرّكا وتكتب بحركة ما قبلها. فإن كان ما قبلها مفتوحا، كتبت ألفا نحو: رأس، وكأس، وبأس، ويأس، وضأن، وشأن، ودأب، وتأمر، وتأكل. وإن كان ما قبلها مضموما، كتبت واوا، نحو: مؤمن، ونؤمن، وتؤوي، وتؤتي، ومؤتي، ويؤفك، وما أشبهها. وإن كان ما قبلها مكسورا، كتبت ياء، نحو: بئر، وذئب، وبئس، وأنبئهم، ونبئنا، وجئت، وجئنا، وشئت، وشئنا، ولملئت، وما أشبهها. الثانية- أن تكون الهمزة متحركة؛ والنظر فيها باعتبارين: الاعتبار الأوّل- أن يكون ما قبلها ساكنا ، وحينئذ فلا يخلو، إما أن يكون حرفا من حروف العلة (وهي الألف والواو والياء) أو حرفا صحيحا. فإن كان الساكن الذي قبلها حرف علة نظر إن كان حرف العلة ألفا، فإن كانت حركة الهمزة فتحة، فلا تثبت للهمزة صورة نحو: ساءل، وأبناءنا، وأبناءكم، ونساءنا، ونساءكم، وجاءنا، وجاءكم، (وساءل، فاعل من السؤال) وما أشبهه. وإن كانت ضمة تثبت لها صورة الواو نحو: التّساؤل، وآباؤكم، وأبناؤكم، وأولياؤكم، وبآبائنا «1» ، وشبه ذلك؛ وإن كان حرف العلة واوا أو ياء، فإما أن تكونا زائدتين للمدّ، أو تكون الياء للتصغير أو أصليتين أو ملحقتين بالأصل. فإن كانتا زائدتين للمدّ نحو: خطيئة، ومقروءة، وهنيئا، مريئا، أو ياه تصغير نحو: أفيئس تصغير

الاعتبار الثاني - أن يكون ما قبلها متحركا

أفؤس جمع فاس، فلا صورة للهمزة. وإن كانتا أصليتين نحو: سوءة، وهيئة، أو ملحقتين بالأصل نحو: جيل (وهو الضّبع) ، وحوءبة (وهو الدلو العظيم) ، والحوءب (اسم موضع) ، والسّموءل (اسم رجل) ، فإنك تحذفها وتنقل حركتها إلى الساكن قبلها فتقول: سوّة، وهية، وجيل، وحوبة، وحوب وسمول. ولا صورة للهمزة حينئذ في تحقيقها ولا في حذفها. وإن كان الساكن الذي قبلها حرفا صحيحا نحو: المرأة، والكمأة، ويسأم، ويسئم، ويلؤم ونحو ذلك، فتنقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها وتحذف الهمزة. والأحسن الأقيس ألا تثبت لها صورة في الخط لا في التحقيق ولا في الحذف والنقل. ومنهم من يجعل صورتها الألف على كل حال، فيكتبها على هذه الصورة: المرأة والكمأة، ويسأم، ويسإم، ويلأم، وهو أقل استعمالا. وقد كتب منه حرف في القرآن بالألف، وهو قوله تعالى: يسألون عن أنبائكم «1» . ومنهم من يجعل صورتها على حسب حركتها، فيكتب المرأة، والكمأة، ويسأم، بالألف، ويكتب يسئم بالياء، ويكتب يلؤم بالواو. واستثنى بعضهم من ذلك ما إذا كان بعدها حرف علة نحو: سئول، ومشئوم فلم يجعل لها صورة أصلا، وإذا كان مثل: رءوس يكتب بواو واحدة فلا صورة لها. وكذلك الموءودة في قوله تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ «2» على ما كتبت في المصحف بواو واحدة لا يجعل لها صورة. الاعتبار الثاني- أن يكون ما قبلها متحرّكا فينظر إن كانت مفتوحة مفتوحا ما قبلها، كتبت ألفا نحو: سأل، ورأيت، ورأوك، وبدأكم، وأنشأكم، وقرأه، وليقرأه، وشبه ذلك، إلا إن كان بعدها ألف فلا صورة لها نحو: مئال ومئاب. وذهب بعضهم إلى أنها تصوّر ألفا فتكتب بألفين. وإن كانت مفتوحة مكسورا ما قبلها نحو: خاطئة، وناشئة: وليبطئنّ، وموطئا، وخاسئا، وينشئكم، وشانئك،

الحال الثالث أن تكون الهمزة آخرا، ولها حالتان أيضا

صوّرت بمجانس ما قبلها (وهو الكسرة) فتصوّر ياء. وإن كانت مفتوحة، مضموما ما قبلها نحو: الفؤاد، والسؤال، ويؤدّه إليك، ويؤلف، ومؤجّلا، ومؤذّن، وهزؤا، وشبهه، صوّرتها بمجانس ما قبلها. وإن كانت مضمومة، مضموما ما قبلها، نحو: نؤم، كصبر جمع صبور، أو مضمومة، مفتوحا ما قبلها نحو: لؤم، كتبت بالواو في الحالتين، إلا إن كان بعدها في الصورتين «1» واو نحو: رءوس، ونئوم؛ وإن كانت مضمومة، مكسورا ما قبلها نحو: يستهزءون، وأنبئكم، ولا ينبّئك، وسنقرئك، كتبت بواو على مذهب سيبويه، وياء وواو بعدها على مذهب الأخفش «2» . الحال الثالث أن تكون الهمزة آخرا، ولها حالتان أيضا [الحالة] الأولى أن يكون ما قبلها ساكنا، والنظر فيها باعتبارين الاعتبار الأوّل- أن يكون ما قبلها صحيحا ، فتحذف الهمزة وتلقى حركتها على ما قبلها ولا صورة لها في الخط نحو: جزء، وخبء، ودفء، والمرء، وملء. سواء في ذلك حالة الرفع والنصب والجرّ. وقيل: إن كان ما قبل الساكن مفتوحا، فلا صورة لها، وإن كان مضموما، فصورتها الواو، وإن كان مكسورا، فصورتها الياء مطلقا. وقيل: إن كان مضموما أو مكسورا فعلى حسب حركة الهمزة، فيكتب الجزء والدفء، بالواو في الرفع وبالألف في النصب وبالياء في الجرّ. وإن كان شيء من ذلك منصوبا منوّنا فيكتب بألف واحدة، وهي البدل من التنوين. وقيل: يكتب بألفين، إحداهما صورة الهمزة، والأخرى صورة البدل من التنوين. الاعتبار الثاني- أن يكون ما قبلها معتلّا ، فينظر إن كان حرف العلة زائدا

الحالة الثانية أن يكون ما قبل الهمزة متحركا

للمدّ، فلا صورة لها نحو نبيء، ووضوء وسماء، والسّوء، والمسيء، وقرّاء، وشاء «1» ، ويشاء، والماء، وجاء، إلا إن كان منوّنا منصوبا، فيكتبه البصريون بألفين، والكوفيون وبعض البصريين بواحدة، وهذا إذا كان حرف العلة ألفا نحو: سماء، الألف الواحدة حرف العلة، والأخرى البدل من التنوين. فإن اتصل ما قبله ألف بضمير مخاطب أو غائب، فتصوّر الهمزة واوا رفعا نحو: هذا سماؤك، وياء جرّا نحو: نظرت إلى سمائك، وألفا واحدة هي ألف المدّ نصبا نحو: رأيت سماءك. أما إذا كان حرف العلة ياء أو واوا نحو: رأيت وضوءا، فيكتب بألف واحدة. وإن كان حرف العلة غير زائد للمدّ، فلا صورة للهمزة في الخط. الحالة الثانية أن يكون ما قبل الهمزة متحرّكا فتكتب صورة الهمزة على حسب الحركة قبلها. فإن كانت الحركة فتحة، رسمت ألفا نحو: بدأ، وأنشأ «ومن سبإ بنبإ» «2» والملأ، ويستهزأ، على البناء للمفعول، وينشأ كذلك، ورأيت امرأ وما أشبهه. وإن كانت كسرة رسمت ياء نحو: قريء، واستهزيء، ولكل امريء، ومن شاطيء، ويستهزيء، على البناء للفاعل، وبريء ومررت بامريء. وإن كانت ضمة، رسمت واوا نحو: امرؤ، واللؤلؤ، وما أشبه ذلك، إلا في مثل النبأ إذا كان منصوبا منوّنا فقيل: يكتب بألفين نحو: سمعت نبأا، وقيل: بواحدة وهو الأولى. وإن اتصل بها ضمير، فعلى حسب الحركة قبلها كحالها إذا لم يتصل بها ضمير. وقيل: إن كان ما قبلها مفتوحا فبألف، نحو: لن يقرأ، إلا أن تكون هي مضمومة فبواو، إن قلنا بالتسهيل بين الهمزة والواو، وبالياء إن قلنا بإبدالها ياء، وقيل: إن انضم ما قبلها أو انكسر،

تنبيه

فكما قبل الاتصال بالضمير، فتجعل صورتها على حسب الحركة قبلها. وإن انفتح ما قبلها وانفتحت فبالألف، نحو: لن يقرأ، وكذلك إذا انفتح ما قبلها وسكنت نحو: لم يقرأ، ولم ينبّأ، واقرأ، وإن نشأ وما أشبهه. وإن انفتح ما قبلها وانضمت فبالواو، نحو: يقرؤ، وقيل: بالواو والألف كما كتبوا في المصحف: قُلْ ما يَعْبَؤُا «1» ونَبَأُ الْخَصْمِ «2» ويَبْدَؤُا الْخَلْقَ* «3» أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا «4» بواو وألف في الجميع. أو انكسرت فبالياء، نحو: من المقريء، وقيل بها وبألف كما كتبوا في المصحف: مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ بألف وياء. تنبيه قد تقدّم في الحذف أن همزة الوصل تحذف في بعض مواضع وتثبت فيما عداها. فحيث ثبتت، كتبت بحسب حالها إذا ابتدىء بها. فإن كانت يبتدأ بها مضمومة، كتب ما يليها واوا إن كانت همزة أو واوا مبدلة منها، نحو: اؤتمن فلان، وقلت لك أؤمر فلانا بكذا؛ وإن كانت يبتدأ بها مكسورة، كتب ما يليها ياء إن كانت همزة أو ياء مبدلة منها، نحو: ائذن لي يا زيد، ائت القوم، ائت عليهم كذلك وإن كان النطق بها واوا بضم ما قبلها، نحو: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي «5» تكتبه ياء على الهمزة في الابتداء بها؛ ويستنثى فاء افعل من نحو يوجل مثل يوسن فإنها تكتب واوا بعد الواو والفاء كما في قولك فاوجل، واوجل، يكتبان بإثبات ألف الوصل والواو بعدها، ولم يكتبوها على ابتداء الهمزة. أما بعد غير الواو والفاء، فإنها تكتب بحسب الابتداء بها، نحو: قلت لها ايجلي، أو ثم ايجلي، وقلت لكم ايجلوا، فإنك تلفظ به واوا وتكتبه ياء للانفصال؛ وإن كانت

قبلها كسرة كانت ياء لفظا وخطّا، نحو: قلت لك ايجلي، وكذلك إذا ابتديء بهمزة الوصل، نحو: ايجلي يا هند. واعلم أنه إذا وقعت همزة استفهام وبعدها همزة قطع صوّرت همزة القطع بعدها بمجانس حركتها. فإن كانت الحركة فتحة كتبت ألفا، نحو: أأسجد، وإن كانت الحركة ضمة كتبت واوا، نحو: أؤنزل، وإن كانت الحركة كسرة كتبت ياء، نحو: أئنّك لأنها إذا خفّفت بالبدل كان إبدال المفتوحة ألفا، وإبدال المضمومة واوا، وإبدال المكسورة ياء. وقد تحذف المفتوحة خطّا فتكتب بألف واحدة، نحو: أسجد كما في رسم المصحف. واختلف في الساقطة من الهمزتين والحالة هذه، فقيل الثانية، وهو قول أحمد بن يحيى، وقيل الأولى وهو قول الكسائي. فلو كانت ثلاث ألفات في اللفظ، نحو قوله تعالى: أَآلِهَتُنا خَيْرٌ «1» فقال أحمد بن يحيى: تكتب بواحدة. واختلف في الثابتة، فذهب الفراء وثعلب وابن كيسان «2» إلى أنها الاستفهامية لأنها حرف معنى. وحكى الفراء عن الكسائى: أنها الأصلية، وحكاه ابن السيد «3» عن غير الكسائي وحكي عنه أنها ألف الجمع. وقد تكتب غير المفتوحة ألفا، نحو قوله: أإنّك، لأن الألف هي الأصل، والهمزة حرف زائد لمعنى كالواو والفاء فلا يعتدّ به، لكنه قليل؛ والله أعلم.

الجملة الثانية في حالة التركيب والفصل والوصل

الجملة الثانية في حالة التركيب والفصل والوصل واعلم أن الأصل فصل الكلمة من الكلمة، لأن كل كلمة تدل على معنى غير معنى الكلمة الأخرى، فكما أن المعنيين متميزان فكذلك اللفظ المعبّر عنهما يكون متميزا. وكذلك الخط النائب عن اللفظ يكون متميزا بفصله عن غيره. ويستثنى من ذلك مواضع كتبت على خلاف الأصل: (منها) أن تكون الكلمتان كشيء واحد؛ وذلك في أربعة مواضع: الموضع الأوّل- أن تكون الكلمتان قد ركّبتا تركيب مزج ، مثل: بعلبك، ليدل على أن التركيب الذي يعتبر «1» فيه وصل الكلمة بالأخرى هو تركيب المزج، وهو أن يتحد مدلول اللفظين، بخلاف ما إذا ركبتا تركيب إسناد، نحو: زيد قائم، أو تركيب إضافة، نحو: غلام زيد، أو تركيب بناء لم يتحد فيه مدلول اللفظين، نحو: خمسة عشر، وصباح مساء، وبين بين، وحيص بيص، فإن هذا كله يكتب مفصولا لا تخلط فيه كلمة بأخرى. الموضع الثاني- أن تكون إحدى الكلمتين لا يبتدأ بها في اللفظ ، نحو الضمائر البارزة المتصلة، ونون التوكيد، وعلامة التأنيث والتثنية والجمع في لغة أكلوني البراغيث، وغير ذلك مما لا يمكن أن يبتدأ به، فكل هذا يكتب متصلا وإن كان من كلمتين. الموضع الثالث- أن تكون إحدى الكلمتين لا يوقف عليها ، وذلك ما كان نحو باء الجرّ، وفاء العطف، ولام التأكيد، وفاء الجزاء، فإن هذه الحروف لا يوقف عليها، فلما امتزجت في اللفظ امتزجت في الخط فتكتب متصلة، وإن كانت في الحقيقة كلمتين. الموضع الرابع- أن تكون الكلمة مع الأخرى كشيء واحد في حال ما

فاستصحب لها الاتصال غالبا، مثل: بعلبك، إذا أعرب إعراب المضاف والمضاف إليه، فإن هذا الإعراب يقتضي أن تفصل إحدى الكلمتين من الأخرى، لأن الإعراب قد فصلهما. أما إذا أعرب إعراب ما لا ينصرف فلا يصح فيه الفصل أصلا، لأنّ اللفظ الثاني منتهى الاسم، فهو مفرد في المعنى وفي اللفظ. وكتبوا لئلّا مهموزة وغير مهموزة بالياء (وكان القياس أن تكتب بالألف) كما تكتب لأن إذا كانت اللام مكسورة بالألف فكذلك إذا زيدت عليها لا، إلا أن الناس اتبعوا رسم المصحف، وكذلك لئن فعلت كذا تكتبه بالياء اتباعا للمصحف، وإن كان القياس أن يكتب بالألف. وسيأتي الكلام على وصل لا بإن فيما بعد إن شاء الله تعالى. (ومنها) توصل من الجارّة وهي المكسورة الميم بما بعدها بعد حذف النون منها على ما تقدّم في موضعين: الموضع الأوّل- توصل بمن المفتوحة الميم مطلقا، سواء كانت موصولة، نحو: أخذت الدرهم ممّن أخذته منه، أو موصوفة كما في المثال المذكور فإنها فيه تحتمل المعنيين جميعا، أو استفهامية، نحو: ممّن أنت؟ أو شرطية، نحو: ممّن تأخذ درهما آخذ منه، وإنما وصلت بها لأجل اشتباههما خطاّ إذ لو كتبتا من من لكانتا مشتبهتين في الصورة، فأدغمت نون من في ميم من ونزّلت منزلة المدغم في الكلمة الواحدة، فلم يجعل له صورة بل حذف مع كتبه متصلا، وقد تقدّم الكلام على ذلك في الحذف. هذا هو المشهور الراجح. وقال الأستاذ ابن عصفور: إن كانت من استفهامية، كتبت مفصولة على قياس ما هو من المدغمات على حرفين. الموضع الثاني- توصل بعد حذف النون أيضا بما، إذا كانت موصولة، نحو: عجبت مما عجبت منه، أو استفهامية، نحو: ممّ هذا الثوب؟ أو زائدة كما

في قوله تعالى: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا «1» . أما إذا كانت شرطية، نحو: من ما تأخذ آخذ، أو موصوفة، نحو: أكلت من ما أكلت منه، فإن القياس يقتضي أن تكون مفصولة. وقال الأستاذ أبو الحسن بن عصفور: إذا كانت ما غير استفهامية، كتبت من معها، وقضيته أنها لا تكتب متصلة إلا في حالة الاستفهام فقط، وتكتب منفصلة فيما عداها. قال الشيخ أثير الدين أبو حيّان رحمه الله: والأوّل أصح لأنّ علة الوصل في ممن مفقودة في مما، وهي التباس اللفظين خطّا. (ومنها) توصل عن بما بعدها بعد حذف النون منها على ما تقدّم، في موضعين: الموضع الأوّل- توصل بمن الموصولة غالبا، نحو: رويت عمّن رويت عنه، ويجوز فصلها، فتفصل عن من من وتثبت النون في عن، وأما من غير الموصولة، فالقياس فصلها، فتكتب في الاستفهام عن من تسأل؟ وفي الشرط، عن من ترض أرض عنه، فتفصل عن من من على ما مرّ. وزعم ابن قتيبة أن عن من تكتب موصولة بكل حال، سواء الموصولة وغيرها كما تكتب عمّ وعما موصولة من أجل الإدغام. وزعم غيره أنه لا يؤثر الإدغام في ذلك لأنهما كلمتان إلا في نحو: عما قليل، لزيادتها. الموضع الثاني- توصل بما الاستفهامية، كما في قوله تعالى: عَمَّ يَتَساءَلُونَ «2» وتحذف الألف من ما على ما تقدّم في الحذف.

(ومنها) توصل مع بما إذا كانت زائدة، وتقطع إذا كانت موصولة، قاله ابن قتيبة. (ومنها) توصل في بمن في موضعين: الموضع الأوّل- توصل بمن الاستفهامية دائما، نحو قولك: فيمن تفكر؟ ولكن لا تحذف الياء منها كما حذفت النون من عن ومن، إذ لا إدغام هنا. الموضع الثاني- توصل بما إذا كانت موصولة في الغالب، نحو: فكّرت فيما فكّرت فيه، ولا تسقط الياء على ما مرّ. ويجوز في هذه الحالة فصلها، فتفصل «في» عن «ما» . وتكتب على هذه الصورة «في ما» . وكذلك توصل بما إذا كانت استفهامية، نحو قوله تعالى: فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها «1» ولا تحذف ياؤها كما تقدّم. أما مع إذا اتصلت بما أو بمن، فإنها تكتب منفصلة. قاله ابن قتيبة. قال بعض النحاة: أظنّ سبب ذلك قلة الاستعمال، وإلا فما الفرق بين مع وبين في. قال: وقد يمكن أن يفرق بينهما في الاسمية، فإن في لا تكون إلا حرفا، ومع إن تحرّكت كانت اسما، وإن سكنت، فخلاف والأصح الاسمية، وأيضا فإنها تنفصل مما بعدها. (ومنها) توصل الحروف النواصب للاسم، الروافع للخبر، إذا دخلت على ما الزائدة نحو: إنما وكأنما وليتما، فتكتب إنّ وكأنّ وليت متصلات بما، نحو: إنما فعلت كذا، وإنما كلّمت أخاك، وإنما أنا أخوك، وكأنما وجهه قمر، وليتما هذا الشيء لي، ونحو ذلك. فإن كانت ما موصولة، كتبت مفصولة، نحو: إنّ ما قلت لحقّ، وكأنّ ما حدّثت صحيح، وليت ما لك لي. على أنه قد جاء في القرآن كثير من ذلك متصلا. وزعم بعضهم أنه لم يأت في القرآن مفصولا إلا قوله تعالى في الأنعام: إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ «2» . وقد كتبوا في المصحف:

إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ «1» في الطور وغيره متصلا، وكذلك: إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ «2» . مع رفع كيد ونصبه، وإن كانت ما موصولة في الموضعين. (ومنها) توصل قلّ بما إذا دخلت عليها، نحو: قلّما أتيتك مائة مرة. (ومنها) توصل إن الشرطية بلا إذا دخلت عليها بعد حذف النون، نحو: إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ «3» . (ومنها) توصل إن الشرطية بما إذا جاءت بعدها بعد حذف النون، نحو: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً «4» . وإنما حذفت النون في هذه وما قبلها لإدغامها كما في مما وعّما ونحوه. (ومنها) توصل أين بما، نحو: يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ . لأن ما إذا دخلت على أين صارت جازمة إذ تقول: أين تكون أكون، فترفع النون، فإذا دخلت عليها ما، قلت: أينما تكن أكن فجزمت، فصارت أين وما كأنها كلمة واحدة. فإن كانت ما موصولة، فصلت نحو: أين ما اشتريت، تريد أين الذي اشتريت. ولم يصلوا متى بما بل كتبوها منفصلة عنها، إذ لو وصلت للزم قلب الياء ألفا كما في ختام، فتكتب متام فيتعذّر إدراكها. (ومنها) توصل حيث أيضا بما، نحو: وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ* «5» . كما تقدّم في أين. (ومنها) توصل كل بما المصدرية، إذا دخلت عليها، نحو: كلّما جئتني

أحسنت إليك. فإن كانت نكرة منعوتة كتبت مفصولة، نحو: كلّ ما تفعل حسن، وكلّ ما كان منك حسن. قال ابن قتيبة: وكلّ من مقطوعة على كل حال ومكان. (ومنها) توصل هل بلا، وتحذف إحدى اللامين على هذه الصورة (هلّا فعلت) وتقطعها من بل، فتكتب (بل لا تفعل) . قال ابن قتيبة: والفرق بينهما أنّ لا إذا دخلت على هل تغير معناها، فكأنها معها كلمة واحدة؛ وإذا دخلت على بل لم تغير المعنى تقول: بل تفعل، وبل لا تفعل، كما تقول: كي تفعل، وكي لا تفعل. (ومنها) توصل بين بما الزائدة، نحو: بينما أنا جالس، وبينما أنا أمشي. (ومنها) توصل أيّ بما إذا كانت ما زائدة كما في قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ » وكما تقول: أيّما الرجلين لقيت فأكرم. فإن كانت ما موصولة قطعت فتكتب أيّ ما تراه أوفق، أيّ ما عندك أفضل، مقطوعة. (ومنها) يوصل يوم وحين بإذ من قولك يومئذ وحينئذ، وكان القياس الفصل، على ما تقدّم في الهمزة. (ومنها) توصل لئن ولئلّا وإن كان كل منهما كلمتين، إذ الأصل لإن ولأنّ لا وقد تقدّم بيان كتابتها بالياء دون الألف، لكونهم جعلوه مع ما بعده كالشيء الواحد. (ومنها) توصل أن المفتوحة بلا إذا دخلت عليها بعد حذف النون على أحد الأقوال فتكتب على هذه الصورة (ألّا) (والثاني) : تفصل منها وتثبت النون، فتكتب على هذه الصورة: (أن لا يقوم) . و (الثالث) : يفصّل بين أن تكون مخفّفة عن الثقيلة، فتكتب مفصولة نحو: علمت أن لا يقوم زيد، وعلمت أن لا ضرر

عندك، التقدير أنه لا يقوم وأنه لا ضرر عندك ولذلك ثبتت في قوله تعالى: وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ «1» أو ناصبة للفعل «2» فتقدّر كتبها متصلة على اللفظ وتحذفها في الخط، نحو: يعجبني ألّا تقوم، وهو قول الأخفش وابن قتيبة واختيار ابن السيّد. (والرابع) : التفصيل بين أن تدغم بغنّة، فتكتب منفصلة، أو بغير غنّة فينوى الاتصال وتحذف خطّا، ويروى عن الخليل، واستحسنه بعض الشيوخ: وقد وقع في القرآن مواضع متصلة ومواضع منفصلة فيجب اتباعها اقتداء بالسلف. وقد وقع في المصحف وصل مواضع القياس فصلها، فجب وصلها في المصحف اتباعا لرسمه، وتوصل في غيره في الغالب أو في بعض الأحوال. (ومنها) وصلت بئس بما في موضعين: أحدهما- بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ «3» في البقرة. والثاني- بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي «4» في الأعراف. (ومنها) وصلت نعم بما للإدغام. وحكى ابن قتيبة فيه الفصل والوصل. (ومنها) وصلت إن بلم مع حذف النون للإدغام في قوله تعالى: فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ «5» في هود، بخلاف التي في القصص «6» فإنها كتبت مفصولة بإثبات النون. (ومنها) وصلت أن بلن مع حذف النون للإدغام في سورة الكهف في قوله: َّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً «7» .

(ومنها) وصلت أم بمن في نحو قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ «1» . قال محمد بن عيسى: «2» كل ما في القرآن من ذكر أم فهو موصول إلا أربعة مواضع: في النساء: أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا «3» . وفي التوبة: أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ «4» وفي الصّافّات: أَمْ مَنْ خَلَقْنا «5» وفي فصّلت: أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً «6» . (ومنها) وصلت كي بلا في نحو: كيلا ولكيلا في أربعة مواضع في المصحف: لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ «7» في آل عمران. ولِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً «8» في الحج. ولِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ «9» في الأحزاب. ولِكَيْلا تَأْسَوْا «10» في الحديد وما عداها فهو مقطوع كما في أوّل الأحزاب. ووجه ابن قتيبة في المقطوع بأنك تقول: أتيتك كي تفعل وكي لا تفعل، كما تقول: حتّى تفعل وحتّى لا تفعل فيختلف المعنى بالنفى والإثبات فيه.

الفصل الخامس من الباب الثاني من المقالة الأولى فيما يكتب بالظاء، مع بيان ما يقع الاشتباه فيه مما يكتب بالضاد

الفصل الخامس من الباب الثاني من المقالة الأولى فيما يكتب بالظاء، مع بيان ما يقع الاشتباه فيه مما يكتب بالضاد «1» وإنما خصت الظاء بالذكر دون الضاد لقلّة وقوع الظاء وكثرة وقوع الضاد «2» ؛ وخصّ ما يكتب بالظاء بالذكر دون ما يكتب بالذال المعجمة، لأن الدال والذال في صورة الكتابة واحد، فلا يظهر خطأ الكاتب فيه، بخلاف الظاء والضاد، فإن شكلهما مختلف فيظهر خطأ الكاتب وعواره فيه؛ فلذلك وقعت العناية بالتنبيه على ما يكتب بالظاء دون ما يكتب بالذال المعجمة. وقد أوردته على حروف المعجم ليقرب تناوله. حرف الألف فيه- أظلّه الشيء: إذا غشيه؛ أما أضلّه من الضّلال إذا ضلّ دابته إذا ندّت «3» ، فبالضاد.

حرف الباء

حرف الباء فيه- بهظه الأمر: إذا أتبعه. وفيه، البظر، وهو اللّحمة المتدلّية من فرج المرأة، التي تقطع بالختان «1» . حرف التاء المثناة فوق فيه- التّقريظ، وهو المدح؛ والتّلمّظ، وهو تحريك الشفتين بعد الأكل لابتلاع ما حصل بين الأسنان. حرف الجيم فيه- الجوّاظ، وهو الجافي المتكبّر، أو الأكول، والجحوظ، وهو نتوّ العين وندورها؛ ومنه أبو عثمان الجاحظ «2» ، وجحظة البرمكيّ «3» . حرف الحاء المهملة فيه- الحفظ، وهو ضدّ النّسيان، والحفيظة، وهي الموجدة والحظّ، وهو الغنى والنصيب، ومنه قوله تعالى: إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ «4» . وقوله: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ* «5» . وأما الحضّ بمعنى الحث فإنه بالضاد «6» . ومنه قوله تعالى:

حرف الشين المعجمة

وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ* «1» . والحظوة، وهي الرفعة؛ والحظر، وهو المنع، ومنه قوله تعالى: كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً «2» . وقوله: كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ «3» . وفي معناه الحظير، وهو المحوّط من قصب ونحوه. امّا الحضور خلاف الغيبة فإنه بالضاد؛ والحنظل، وهو النّبات المرّ المعروف. حرف الشين المعجمة فيه- الشّظيّة، وهي القطعة من الشيء؛ والشّظاظ، وهي عيدان لطاف يجمع بها العدلان؛ والشّظف، وهو خشونة العيش؛ والشّواظ، وهو لهب النار، ومنه قوله تعالى: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ «4» . والشّيظم، وهو الفرس الطويل الظهر؛ والشّناظي، وهي أطراف الجبال. حرف الظاء المعجمة فيه- الظّنّ، بمعنى التخمين والشّكّ؛ والظّنّة، وهي التّهمة؛ أما الضّنّ بمعنى البخل فإنه بالضاد، وعلى المعنيين قريء قوله تعالى: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ «5» بالضاد والظاء، لاتّجاه المعنيين في النبيّ صلّى الله عليه وسلم إذ ليس ببخيل ولا متّهم، وفيه ظلّ يفعل كذا: إذا فعله نهارا، ومنه قوله تعالى: فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ «6» . وقوله: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ «7» ، وقوله: وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي

ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً «1» . أما ضلّ من الضلال، خلاف الهدى، وضلّ الشيء: إذا ضاع، فبالضاد وفيه الظّلّ، خلاف الحرّ حيثما وقع وما يشتقّ منه؛ والظّلم وما يتشّعب منه، والظّلام وما يتفرّع منه، والظّلم (بفتح الظاء) وهو ماء الأسنان؛ والظّليم، وهو ذكر النّعام؛ والظّبي: واحد الظّباء؛ والظّبية الأنثى منه، والظّبية: حياء الناقة؛ والظّبة، وهو حدّ السيف؛ والظّرف، وهو الوعاء الحسن، والظّعن، وهو السّفر «2» . ومنه قوله تعالى: يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ «3» . والظّراب، وهي الهضاب «4» . أما الضّراب مصدر ضاربته فإنه بالضاد، والظّعينة، وهي المرأة؛ والظّلف، وهو للبقر والغنم كالحافر للخيل، والظّلف «5» ، وهو نزاهة النفس، والظّفر، واحد الأظفار، والظّفر، وهو النصر. أما ضفر الشعّر ونحوه فبالضاد، والظّئر، وهي المرضعة؛ والظّهر، وهو العضو المعروف. أما الضّهر، وهو صخرة في الجبل يخالف لونها لونه فإنه بالضاد؛ والظّهير، وهو المعين؛ والظّهيرة، وهي وسط النهار؛ والظّمأ، وهو العطش؛ والظّرار جمع ظرّ، وهو الغليظ من الأرض. أما الضّرير بمعنى الأعمى

حرف العين المهملة

فبالضاد، والظّربان، وهي دويبّة منتنة الريح، والظّلع «1» ، وهو الغمز يقال: ناقة ظالع إذا غمزت في المشي. أما الضّلع «2» واحد الأضلاع فإنه يكتب بالضاد، ومنه قولهم: فرس ضليع «3» . حرف العين المهملة فيه- العظم، وهو معروف؛ والعظمة، وهي الكبرياء، وما تصرّف منها، وعظّه الدهر وعظّته الحرب «4» . أما العضّ بالأسنان فبالضاد، والعظل «5» ، وهو الشدّة، ومنه تعاظل الجراد والكلاب في السّفاد «6» . وأما العضل بمعنى المنع فإنه

حرف الغين المعجمة

بالضاد، ومنه قوله تعالى: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ «1» ، وكذلك قولهم: أعضل الأمر إذا صعب، ومنه الداء العضال؛ وسوق عكاظ، وهو سوق كان يقام للعرب في الجاهلية، وأصل العكظ الحبس «2» . حرف الغين المعجمة فيه- الغيظ بمعنى الحنق وما تفرّع عنه، أما غاض الماء بمعنى غار، والغيضة، وهي منبت الشجر في الماء فبالضاد، والغلظ وما تصرف منه. حرف الفاء فيه- الفظاظة، وهي القسوة ومنه قوله تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ «3» أما انفضاض الجمع فبالضاد، ومنه قوله تعالى: لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ «4» . وكذلك افتضاض البكر والكتاب؛ والفظيع، وهو الشنيع؛ وفاظ الرجل إذا مات. أما فيض الإناء والدمع بمعنى السّيلان فبالضاد، ومن ثمّ جاز أن يكتب فاظت نفسه بالظاء على معنى ماتت نفسه، ويجوز أن يكتب بالضاد على معنى سالت نفسه.

حرف القاف

حرف القاف فيه- القيظ، وهو صميم الحرّ وما تصرّف منه. أما القيض الذي هو القشر الأعلى من البيض فبالضاد، وكذلك قيّض الله له كذا، أي أتاحه له، والقرظ، وهو ثمرة شجرة السّنط التي يدبغ بها الجلد «1» . أما القرض بمعنى القطع فبالضاد، ومنه قرض المال. حرف الكاف فيه- الكظم «2» ، وهو كتم الحزن، والكظّ، وهو شدّة الحرب، وكاظمة، وهو اسم مكان بالبحرين. حرف اللام فيه- لظى: اسم جهنّم، واللّظّ «3» ، وهو اللزوم، ومنه «ألظّوا بياذا الجلال والإكرام» «4» أي الزموا هذا الاسم في الدعاء والمناجاة به، واللّحظ، وهو النظر بمؤخر العين؛ واللّمظ، وهو بياض الجحفلة السّفلى من الفرس، ومنه قيل: فرس ألمظ؛ واللّفظ، وهو معروف وما تصرف من جميع ذلك.

حرف النون

حرف النون فيه- النّظم وما تصرف منه، والنّظر بالعين وما تصرف منه، والنّظير وهو المثل. أما النّضارة بمعنى البهجة فبالضاد، ومنه قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ «1» . ومنه اشتقاق بني النّضير، وفي معناه النّضار اسم الذهب؛ والنّظافة، وهي خلاف القذارة. حرف الواو فيه- الوظيف: ما فوق الرّسغ من ذوات الحافر؛ والوظيفة، وأصلها الطعام الراتب ثم استعملت فيما هو أعمّ من ذلك. حرف الياء اليقظة، وهي خلاف النوم.

المقالة الثانية في المسالك والممالك وفيها أربعة أبواب

المقالة الثانية في المسالك والممالك وفيها أربعة أبواب الباب الأوّل في ذكر الأرض على سبيل الإجمال وفيه ثلاثة فصول [الفصل الأول] (في معرفة شكل الأرض، وإحاطة البحر بها، وبيان جهاتها الأربع، وما اشتملت عليه من الأقاليم الطبيعية ، وبيان موقع الأقاليم العرفية من الأقاليم الطبيعية، وذكر حدودها الجامعة لها، ومعرفة طريق استخراج جهة كل بلد، وفيه طرفان) . الطّرف الأوّل في شكل الأرض، وإحاطة البحر بها أما شكل الأرض فقد تقرّر في علم الهيئة أن الأرض كريّة الشّكل والماء محيط بها من جميع جهاتها إلا ما اقتضته العناية الإلهيّة من كشف أعلاها لوقوع العمارة فيه؛ وقيل هي مسطّحة الشّكل؛ وقيل كالتّرس؛ وقيل كالطّبل، والتحقيق الأوّل وبكل حال فالماء محيط بها من جميع جهاتها كما تقدّم. قال في «تقويم البلدان» «1» : وأحواله معلومة في بعض المواضع دون بعض؛ فمن المعلوم الحال الجانب الغربيّ ويسمّى بحر أوقيانوس «2» (بهمزة

الأولى - المشرق

مضمومة بعدها واو ساكنة ثم قاف مكسورة ثم ياء مثناة تحت مفتوحة ثم ألف بعدها نون ثم واو ثم سين مهملة) . ثم للأرض أربع جهات: الأولى- المشرق ؛ سميت بذلك لشروق الشمس منها؛ ويقال لها الشّرق أيضا. الثانية- المغرب ؛ سميت بذلك لغروب الشمس فيها؛ ويقال لها الغرب أيضا. الثالثة- الشّمال (بفتح الشين) وهي التي إذا استقبلت المشرق كانت على شمالك ويقال لها الشام أيضا، لأن الشام كانت في جهة الشّمال عن بلاد العرب فسميت الجهة به؛ وأهل مصر يسمون هذه الجهة: البحريّة، لكونها جهة البحر الروميّ «1» ، أو تسمية لها باسم الريح التي تهبّ منها، فقد سبق أنهم يسمّون الرّيح التي تهبّ من الشمال البحرية، لأنها يسار بها في البحر كيف كان. الرابعة- الجنوب (بفتح الجيم) وهي التي إذا استقبلت المشرق كانت على جانبك الأيمن ولم يسمّ بالأيمن كما سمّي مقابله بالشّمال، لأنه لما ذكر الشّمال لم

يبق إلا الجانب الأيمن فاستغني عن ذكره؛ وأهل مصر يسمون هذه الجهة: القبلية «1» ، لوقوعها في جهة قبلتهم ولذلك يبدأون بها في التحديد، وإن كان الأصل الابتداء بالمشرق؛ لأن منه مبدأ حركة الفلك» . ثم كرة الأرض يقسمها خطّ في وسطها بنصفين: نصف جنوبيّ، ونصف شماليّ؛ ويسمّى هذا الخط الاستواء، لاستواء الليل والنهار عنده في جميع فصول السنة، ويقاطعه خطّ آخر يقسمها بنصفين: نصف شرقيّ ونصف غربيّ؛ وتصير الأرض به أربعة أرباع، ويسمى هذا الخط خطّ نصف النهار لمسامتة الشمس له في نصف النهار، وكلّ من هذين الخطين مقسوم بمائة وثمانين درجة، كل درجة ستون دقيقة، وسيأتي تقدير ذلك بالأميال والفراسخ والمراحل والبرد في الكلام على بعد ما بين البلدان فيما بعد إن شاء الله تعالى. واعلم أن كلّ ما بعد عن أقصى العمارة في المغرب إلى جهة المشرق يعبّر عنه عند علماء الهيئة والميقات بالطّول «3» ؛ وقد اختلف في ابتداء ذلك: فالقدماء ابتدأوه من جزائر بالبحر المحيط تعرف بالخالدات «4» ، يأتي الكلام عليها في جملة جزائر البحر المحيط، والمحقّقون على ابتداء ذلك من ساحل البحر المحيط

الغربيّ الذي هو أقصى العمارة الآن، وبينهما عشر درج «1» ، ونهاية العمارة في المشرق موضع يقال له كندر «2» ؛ ومنتصف ما بين الابتداء والنهاية الشرقية يسمّى قبّة أرين، ويعبّر عنه بقبة الأرض؛ وهي على بعد ربع الدّور من المبدإ الغربيّ، ويختلف الحال فيه باختلاف الابتداء من الجزائر الخالدات أو من الساحل. وما بعد عن خط الاستواء المقدّم ذكره يعبّر عنه بالعرض؛ فإن كان في جهة الجنوب فالعرض جنوبيّ، وإن كان «3» في جهة الشمال فالعرض شماليّ. ويعتبر الطّول والعرض في الأمكنة من البلدان وغيرها بالدّرج والدقائق على ما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى. ثم النّصف الجنوبيّ من الأرض لا عمارة فيه إلا فيما قارب خطّ الاستواء في بعض بلاد الزّنج والحبشة، وما والى ذلك مما لا يزيد عرضه على ثلاث درج فيما أورده السلطان عماد الدين «4» صاحب حماه في «تقويم البلدان» أو ستّ عشرة

الطرف الثاني فيما اشتملت عليه الأرض من الأقاليم الطبيعية

درجة وخمس وعشرين دقيقة فيما ذكره إسحاق الحارثيّ وغيره. وأكثر المعمور إنما هو في النصف الشّماليّ؛ والعمارة فيه فيما بين خطّ الاستواء إلى نهاية ستّ وستين درجة ونصف درجة في العرض؛ وما وراء ذلك إلى نهاية الشّمال خراب لا عمارة فيه، وغالب العمارة واقع بينما يجاوز عرضه عشر درج إلى حدود الخمسين درجة، وما وراء ذلك في جهة الجنوب إلى خط الاستواء، وفي جهة الشّمال إلى حدّ العمارة غالبه جبال وقفار؛ وغالب العمارة في الطّول من ساحل البحر المحيط الغربيّ إلى تسعين درجة فما دونها. الطّرف الثاني فيما اشتملت عليه الأرض من الأقاليم الطبيعية قد قسّم الحكماء المعمور إلى سبعة أقاليم ممتدّة من المغرب إلى المشرق في عروض قليلة تتشابه أحوال البقاع في كل إقليم منها، ثم اختلفوا في ترتيبها بحسب العرض، فقوم جعلوا ابتداء الأول منها خطّ الاستواء، وآخر السابع منتهى العمارة في الشمال وهو ستّ وستون درجة على ما تقدّم «1» . قال في «تقويم البلدان» : والذي عليه المحقّقون أن ابتداء الإقليم الأول حيث العرض اثنتا عشرة درجة وثلثا درجة، وما وراء ذلك إلى خط الاستواء خارج

الإقليم الأول - مبدؤه حيث العرض اثنتا عشرة درجة وثلثا درجة

عن الإقليم الأول في جهة الجنوب، وآخر الإقليم السابع حيث العرض خمسون درجة وثلث درجة، وما وراء ذلك إلى نهاية العمران في الشّمال خارج عن الإقليم السابع إلى الشمال فيكون من العمران ما لم يدخل في الأقاليم السبعة، وعليه وقع الترتيب في هذا الكتاب «1» . الإقليم الأول- مبدؤه حيث العرض اثنتا عشرة درجة وثلثا درجة كما هو مذهب المحققين على ما تقدم، ووسطه حيث العرض ستّ عشرة درجة ونصف وثمن درجة، وآخره حيث العرض عشرون درجة وربع وثمن درجة، فتكون سعته سبع درجات وثلثي درجة وثمن درجة «2» . الإقليم الثاني- مبدؤه حيث العرض عشرون درجة وربع وثمن درجة، ووسطه حيث العرض أربع وعشرون درجة وثلثا درجة، وآخره حيث العرض سبع وعشرون درجة ونصف درجة، فتكون سعته بالتقريب سبع درج وثلاث دقائق «3» .

الإقليم الثالث - مبدؤه حيث العرض سبع وعشرون درجة ونصف درجة،

الإقليم الثالث- مبدؤه حيث العرض سبع وعشرون درجة ونصف درجة، ووسطه حيث العرض ثلاثون درجة وثلثا درجة، وآخره حيث العرض ثلاث وثلاثون درجة ونصف وثمن درجة بالتقريب؛ [فتكون سعته ست درجات وثمن درجة بالتقريب «1» ] «2» . الإقليم الرابع- مبدؤه حيث العرض ثلاث وثلاثون درجة ونصف وثمن درجة ؛ ووسطه حيث العرض ست وثلاثون درجة وخمس وسدس درجة؛ وآخره حيث العرض تسع وثلاثون درجة إلا عشرا، فتكون سعته خمس درجات وسبع عشرة دقيقة بالتقريب «3» . الإقليم الخامس- مبدؤه حيث العرض تسع وثلاثون درجة ؛ ووسطه حيث العرض إحدى وأربعون درجة؛ وآخره حيث العرض ثلاث وأربعون درجة وربع وثمن درجة؛ فتكون سعته أربع درجات وربع وثمن وعشر درجة بالتقريب «4» . الإقليم السادس- مبدؤه حيث العرض ثلاث وأربعون درجة وربع وثمن درجة ؛ ووسطه حيث العرض خمس وأربعون درجة وعشر درجة؛ وآخره حيث

الإقليم السابع - مبدؤه حيث العرض سبع وأربعون درجة وخمس درجة؛

العرض سبع وأربعون درجة وخمس درجة؛ فتكون سعته ثلاث درجات ونصف وثمن وخمس درجة «1» . الإقليم السابع- مبدؤه حيث العرض سبع وأربعون درجة وخمس درجة؛ ووسطه حيث العرض ثمان وأربعون درجة ونصف وربع وثمن درجة؛ وآخره حيث العرض خمسون درجة وثلث درجة؛ فتكون سعته ثلاث درجات وثمان دقائق «2» . وأما أطوال هذه الأقاليم فإنها تختلف في الطّول والقصر باعتبار القرب من خط الاستواء والبعد عنه؛ فكلّما قرب الإقليم من خط الاستواء كان أكثر طولا من الذي يليه: ضرورة أن أوسع الكرة وسطها وما بعده من الجانبين يقصر شيئا فشيئا. فطول الإقليم الأول- من ابتدائه من ساحل البحر المحيط الغربيّ إلى ساحل البحر المحيط الشرقيّ فيما ذكره في «تقويم البلدان» مائة واثنتان وسبعون درجة وسبع وعشرون دقيقة «3» . وطول الإقليم الثاني- مائة وأربع وستون درجة وعشرون دقيقة. وطول الإقليم الثالث- مائة وأربع وخمسون درجة وخمسون دقيقة.

وطول الإقليم الرابع- مائة وأربع وأربعون درجة وسبع عشرة دقيقة. وطول الإقليم الخامس- مائة وخمس وثلاثون درجة واثنتان وعشرون دقيقة. وطول الإقليم السادس- مائة وست وعشرون درجة وسبع وعشرون دقيقة. وطول الإقليم السابع- مائة وتسع عشرة درجة وثلاث وعشرون دقيقة.

الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة الثانية

الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة الثانية في البحار التي بتكرر ذكرها بذكر البلدان في التعريف بها والسّفر إليها؛ وفيه طرفان: الطرف الأول في البحر المحيط «1» وهو المستدير بالقدر المكشوف من الأرض. وأحواله معلومة في بعض المواضع دون بعض. فمن المعلوم الحال منه الجانب الغربيّ، ويسمّى بحر أوقيانوس، وفيه الجزائر الخالدات المتقدّم ذكرها في الكلام على الأطوال. ويأخذ في الامتداد من سواحل بلاد المغرب الأقصى من زقاق سبتة الذي بين الأندلس وبرّ العدوة إلى جهة الجنوب حتى يتجاوز صحراء لمتونة، وهي بادية البربر بين طرف بلاد المغرب من الجنوب وبين طرف بلاد السودان من الشّمال، ثم يمتدّ جنوبا على أرض خراب غير مسكونة ولا مسلوكة حتّى يتجاوز خط الاستواء المتقدّم ذكره إلى الجنوب.

قال الشريف الإدريسي «1» : وماؤه هناك ثخين غليظ شديد الملوحة، لا يعيش فيه حيوان، ولا يسلك فيه مركب. ثم يعطف إلى جهة الشرق وراء جبال القمر التي منها منابع نيل مصر الآتي ذكرها، فيصير البحر المذكور جنوبيّا عن الأرض، ويمتدّ شرقا على أراض خراب وراء بلاد الزنج، ثم يمتدّ شرقا وشمالا حتى يتصل ببحر الصين والهند، ثم يأخذ مشرّقا حتى يسامت نهاية الأرض الشرقية المكشوفة، وهناك بلاد الصين، ثم ينعطف في شرق الصين إلى جهة الشّمال ويصير في جهة الشرق عن الأرض، ويمتدّ شمالا على شرقي بلاد الصين حتّى يتجاوز حدّ الصين، ويسامت سدّ يأجوج ومأجوج «2» ، ثم ينعطف ويستدير على أرض غير معلومة الأحوال، ويمتد مغرّبا ويصير في جهة الشمال عن الأرض، ويسامت بلاد الروس ويتجاوزها؛ ثم ينعطف غربا وجنوبا ويستدير على الأرض ويصير في جهة الغرب منها، ويمتدّ على سواحل أمم مختلفة من الكفّار حتّى يسامت بلاد رومية من غربها، ثم يمتدّ جنوبا ويتجاوز بلاد رومية ويسامت البلاد التي بينها وبين الأندلس، ويتجاوزها إلى سواحل الأندلس؛ ويمتدّ على غربي الأندلس جنوبا حتى يجاوزه وينتهي إلى زقاق سبتة الذي وقعت البداءة منه.

الطرف الثاني في البحار المنبثة في أقطار الأرض، ونواحي الممالك، وما بها من الجزائر المشهورة، وهي على ضربين

الطّرف الثاني في البحار المنبثة في أقطار الأرض، ونواحي الممالك، وما بها من الجزائر المشهورة، وهي على ضربين الضرب الأول الخارج من البحر المحيط وما يتصل به والمشهور منه ثلاثة أبحر البحر الأول الخارج من البحر المحيط الغربي إلى جهة الشرق وهو (بحر الروم) «1» وأضيف إلى الروم لسكنى أممهم عليه من شماليّه، ويعبّر عنه بالبحر الروميّ أيضا، وقد يعبّر عنه بالبحر الشاميّ، لوقوع سواحل الشام عليه من شرقيه ومخرجه من المحيط من بحر أقيانوس المتقدم ذكره بين الأندلس وبرّ العدوة من بلاد المغرب، ويسمّى هناك بحر الزّقاق، وربما قيل زقاق سبتة، لمجاورته لها على ما سيأتي؛ وهو هناك في غاية الضيق. قال الشريف الإدريسيّ: والثابت في الكتب القديمة أن سعته عشرة أميال ولكنه اتسع بعد ذلك. قال ابن سعيد «2» : وهو في زماننا ثمانية عشر ميلا. قال في «الروض المعطار» «3» : ويذكر أنه كان عليه قنطرة عظيمة بين

الأندلس وساحل طنجة من بر العدوة، مبنيّة بالحجارة، لا يعلم لها نظير في معمور الأرض، يمرّ عليها الناس والدوابّ من جانب إلى جانب، وأن البحر قبل الفتح الإسلاميّ بمائة سنة طمى «1» فأغرق القنطرة؛ وربما ظهرت لأهل المراكب تحت الماء. قال: والناس يقولون إنه لا بدّ من ظهورها قبل فناء الدنيا. ويبتديء هذا البحر من أول بحر الزّقاق المقدّم ذكره، ويمتدّ على (سواحل الغرب) إلى حدود الديار المصريّة فيمرّ على مدينة (طنجة) «2» حيث الطول ثمان درج، والعرض خمس وثلاثون درجة ونصف؛ ثم يعطف جنوبا وشرقا إلى مدينة (سلا) «3» . ثم يمتدّ شرقا وشمالا إلى مدينة (سبتة) «4» ويمتد كذلك حتّى يسامت مدينة (فاس) » قاعدة الغرب الأقصى على بعد منه؛ ثم يمتد إلى حدود مدينة (تلمسان) «6» قاعدة الغرب الأوسط؛ ثم يأخذ شرقا بميلة إلى الشمال حتّى يصير عند (الجزائر) فرضة بجاية، ويمرّ حتّى يسامت (بجاية) «7» .

ثم يمتدّ حتى يجاوز مدينة (موسى الخرز) «1» الذي به مغاص المرجان شرقيّ قسنطينة «2» : آخر مملكة بجاية من الشرق، ثم يتجاوز مملكة بجاية إلى أول حدود إفريقية، ويمرّ في سمت وسط المشرق حتّى يقابل مدينة (تونس) قاعدة إفريقية من شماليها، ويدخل منه خور «3» إلى تونس المذكورة. ثم يمتدّ بعد أن يتجاوز تونس نحو تسعين ميلا شرقا نصّا، ثم يعطف جنوبا حتّى يصير له دخلة كبيرة في الجنوب، وفي فم هذه الدخلة حيث يعطف البحر عن الشرق إلى الجنوب جزيرة (قوصرة) «4» مقابلة لجزيرة صقلية. ثم يمتدّ في الجنوب إلى قريب من مدينة (سوسة) «5» ؛ ثم يشرق إلى سوسة المذكورة ثم يأخذ شرقا وجنوبا إلى مدينة (المهديّة) «6» ؛ ثم يمر شرقا وجنوبا حتى يتجاوز مدينة (صفاقس) «7» ، ويمتدّ حتى يجاوز جزيرة (جربة) «8» ؛ ثم يعطف شمالا ويصير للبر الجنوبي دخلة في البحر، ويمتدّ شرقا وشمالا حتى يبلغ مدينة (طرابلس) وهي آخر مدن إفريقية؛ ثم يمتدّ شرقا حتّى يجاوز حدود إفريقية عند طول إحدى وأربعين درجة، ثم يمتدّ شمالا على سواحل

(برقة) «1» الآتي ذكرها في جملة نواحي الديار المصرية إلى (طلميثا) «2» ثم ينعطف إلى جهة الشمال، ويكون للبّر في البحر دخلة إلى (رأس أوثان) وهو جبل داخل في البحر، ثم يشرق من رأس أوثان (إلى رأس تنبي) وهو جبل في البحر قبالة رأس أوثان من جهة الشرق؛ ثم يعطف إلى الجنوب ويمتدّ جنوبا حتّى يسامت (عقبة برقة) وهي أول حدود الديار المصرية، على ما يأتي ذكره في تحديدها. ثم يمتدّ على سواحل مصر، ويمرّ شرقا وجنوبا إلى مدينة (الإسكندرية) من قواعد الديار المصرية. ثم يأخذ شرقا إلى عند مصبّ فرقة النيل الشرقية، ويأخذ مشرّقا إلى (رشيد) [عند مصب فرقة النيل الغربية، ويمتدّ كذلك إلى مدينة (دمياط) عند مصب فرقة النيل الشرقية، ويأخذ شرقا إلى الطينة «3» ] ثم إلى (الفرما) «4» ثم إلى (العريش) ثم إلى (رفح) وهي منزلة في طرف رمل الديار المصرية من جهة الشام على مرحلة من غزّة، حيث الطّول نحوستّ وخمسين درجة ونصف والعرض اثنتان وثلاثون درجة؛ ومن هنا ينقطع تشريقه.

ثم ينعطف ويأخذ شمالا على (سواحل الشام) الآتي ذكرها في الكلام على المملكة الشامية فيمتدّ إلى مدينة (غزّة) ، ثم إلى (عسقلان) ، ثم إلى (يافا) ميناء الرملة من أعمال الصّفقة «1» الساحلية من دمشق؛ ثم إلى (قيساريّة) (بفتح القاف) وهي مدينة خراب تعدّ من جند فلسطين، كانت من أمّهات المدن، ثم إلى (عثليث) «2» من أعمال صفد، ثم إلى (عكّا) من أعمالها، ثم إلى (صور) من أعمالها، ثم إلى (بيروت) من أعمال الصفقة الشمالية من دمشق، ثم إلى (جبيل) وهي مدينة قديمة خراب، ثم إلى (أنفة) من أعمال طرابلس، ثم إلى مدينة (طرابلس) «3» ، ثم إلى (أنطرطوس) «4» من أعمالها، ثم إلى (بلنياس) «5» من أعمالها، ثم إلى (جبلة) من أعمالها، ثم إلى (اللّاذقيّة) من أعمالها، ثم إلى (السّويدية) ميناء أنطاكية من أعمال حلب، ثم يأخذ البحر غربا بشمال (إياس) ، مدينة الفتوحات الجاهانية «6» ، ثم إلى (المصّيصة) ثم إلى (أذنة) ثم إلى (طرسوس) ثم يتمد شمالا بغرب حتى يجاوز حدود بلاد الأرمن، ويمتدّ على سواحل بلاد الروم التي هي الآن بيد التركمان الآتي ذكرها في مكاتبات ملوكهم إلى (الكرك) (بضم الكاف وسكون الراء المهملة) وهي بلدة بساحل بلاد المسلمين هي الآن بيد صاحب قبرس، ثم يمرّ شمالا إلى (العلايا) ، ويقابلها من البرّ الآخر (دمياط) من

سواحل الديار المصرية تقريبا، ثم يمرّ إلى (أنطالية) «1» ثم إلى (بلاط) «2» ، ثم إلى (طنفزلو) «3» ، ثم إلى (إياس لوق) «4» ، ثم إلى (مغنيسيا) «5» ، ثم إلى مدينة (ابزو) وهي بلدة على فم الخليج القسطنطيني من الشرق، وبها يعرف الخليج فيقال فم ابزو، ويقابلها من البر الآخر غربيّ مدينة الإسكندرية، فيما بينها وبين برقة، ثم يجاوز الخليج المذكور، ويمتدّ مغرّبا بميلة إلى الجنوب على سواحل الروم والفرنجة، فيمرّ على بلاد المرا، وهي مملكة أولها فم الخليج القسطنطيني المتقدّم ذكره من جانبه الغربيّ. كانت في الأيام الناصرية (ابن قلاوون) مشتركة بين صاحب القسطنطينية وبين طائفة الكيتلان «6» من الفرنج، وقد فتحها الآن ابن عثمان «7» واستملكها من الروم.

ثم يأخذ بين الغرب والجنوب حتى يجاوز بلاد (الملفجوط) «1» وهم جنس من الروم لهم لسان ينفردون به. ويقابلها من البر الآخر شرقيّ برقة، ثم يمتدّ في الغرب إلى بلاد إقليرنس، ثم إلى بلاد الباسليسة، وهي امرأة ملكت هذه البلاد بعد السبعمائة فعرفت بها. ويقابلها من البر الآخر أوساط برقة. وبآخر هذه المملكة من جهة الغرب (جون البنادقة) «2» وهو خليج يخرج من بحر الروم هذا؛ ويمتدّ غربا بشمال حتّى يصير طرفه غربيّ رومية، وعلى طرفه مدينة (البندقية) ومن فمه إلى منتهاه نحو سبعمائة ميل، ثم يجاوز فم الخور المذكور إلى مملكة بولية «3» ، وأولها فم خور البنادقة من الجانب الغربيّ. ويقابلها من البحر الآخر (طلميثا) فرضة برقة المتقدّمة الذكر، ثم يمتد في الغرب إلى بلاد (قلفرية) من جملة مملكة بولية المتقدّمة الذكر. ويقابلها من البر الآخر بلاد أطرابلس «4» من بلاد إفريقية، ثم يمتد إلى ساحل (رومية) ، المدينة المعظمة المشهورة. ويقابلها من البر الآخر شرقيّ تونس من إفريقية. ثم ينقطع تغريبه ويأخذ جنوبا حتّى يجاوز سواحل بلاد رومية المذكورة إلى بلاد التّسقان «5» ، وهم جنس من الفرنج وبلادهم معروفة بنبات الزّعفران. ويقابلها من البر الآخر مدينة تونس: قاعدة إفريقية المتقدّمة الذكر، ويمتدّ في الجنوب إلى بلاد (بيزة) وهي بلدة على الركن الشماليّ من جزيرة الأندلس إليها ينسب الفرنج البيازنة والحديد البيزانيّ.

ويقابلها من البرّ الآخر (مرسى الخرز) آخر مملكة بجاية من الشرق على ما تقدّم ذكره. ثم يمتدّ إلى بلاد (جنوة) الآتي ذكرها في الكلام على البلاد الشمالية، ثم يأخذ غربا إلى جبل البرت، وهو الجبل الفاصل بين جزيرة الأندلس وبين الأرض الكبيرة ذات الأمم المختلفة، ثم ينقطع تغريبه ويعطف مشرّقا ويدخل الركن الشرقيّ من الأندلس فيه؛ ويمتدّ في الشرق، ويستدير على الركن المذكور، ثم يعطف غربا ويمتد على (سواحل الأندلس) إلى مدينة (برشلونة) إلى مدينة (طرطوشة) «1» . قال في «الروض المعطار» : ويقابلها من البر الآخر مدينة بجاية. قال في (تقويم البلدان) : وعرض البحر بينهما ثلاثة مجار، ثم يمتدّ كذلك بين الغرب والجنوب إلى مدينة بلنسية «2» ، ثم يعطف غربا إلى دانية «3» ؛ ثم يمتدّ غربا بجنوب إلى مدينة مالقة «4» ثم يمرّ إلى الجزيرة، وهي مقابلة لساحل سبتة وطنجة حيث وقع الابتداء. وسيأتي الكلام على ضبط ما لم يضبط من البلاد على ساحل هذا البحر بالحروف مع ذكر صفاتها عند التعرّض لذكرها في الكتاب في مواضعها إن شاء الله تعالى. وطول هذا البحر من البحر المحيط إلى ساحل الشام فيما يذكر ألف فرسخ ومائة وسبعون فرسخا، وغاية عرضه في بعض الأماكن ستمائة ميل.

وأما ما يتصل بالبحر الروميّ المتقدّم الذكر فبحر نيطش «1» (بنون مكسورة وياء مثناة تحت ساكنة وطاء مهملة مكسورة وشين معجمة في الآخر) وهو المعروف في زماننا ببحر القرم، لتركّب بلاد القرم على ساحله، ويعرف أيضا بالبحر الأرمنيّ، لتركّب بعض بلاد أرمينية على بعض سواحله، وربما قيل فيه البحر الأسود، وهو متصل ببحر الروم المذكور من شماليه ويتركب عليه من آخره (بحر ما نيطش) «2» بزيادة لفظ «ما» في أوّله وباقي الضبط على ما تقدّم وهو المعروف في زماننا ببحر الأزق، لتركّب بلاد الأزق «3» على ساحله الشرقيّ وليس وراءه بحر متصل به، ولذلك يعبر عنه بعضهم ببحيرة ما نيطش، وهو يصبّ في بحر نيطش، وبحر نيطش يصب في بحر الروم؛ ولذلك تسرع المراكب في سيرها من القرم إلى بحر الروم، وتبطىء في سيرها من بحر الروم إلى القرم لاستقبالها جريان الماء. وأوّل بحر نيطش المذكور مما يلي بحر الروم. (الخليج القسطنطيني) المتقدّم ذكره في تحديد بحر الروم، وهو خليج ضيق للغاية بحيث يرى الإنسان صاحبه من البر الآخر. قال ابن سعيد: وطول هذا الخليج نحو خمسين ميلا. وذكر في «تقويم البلدان» عن بعض المسافرين أن طوله سبعون ميلا واتصاله بالبحر الروميّ من جانبه الشمالي، ويمتدّ شمالا (على سواحل بلاد الروم) من البر الشرقيّ منه إلى (قلعة الجرون) ، وهي قلعة خراب على ساحل هذا الخليج مقابل القسطنطينية، ويمتدّ من الجرون شمالا بميلة يسيرة إلى الشرق إلى مدينة كربى على خليج القسطنطينية على القرب من الجرون المذكورة، ثم

يمتدّ شرقا بشمال إلى مدينة (كترو) وهي آخر مدن القسطنطينية التي على هذا الساحل، ثم يمتدّ إلى مدينة (كينولي) وهي بلدة على الخليج القسطنطيني، ثم يأخذ بين الشّمال والغرب، ويكون للبرّ دخلة في البحر إلى جهة الغرب، وعلى طرف هذه الدّخلة فرضة (سنوب) من سواحل الروم الآتي ذكرها في مكاتبات ملوك الكفر؛ ثم يأخذ في الاتساع الى مدينة (سامسون) وهي بلدة من سواحل بلاد الروم، ثم يأخذ مشرّقا إلى مدينة (طرابزون) وهي فرضة للروم بهذا الساحل، ثم يمتدّ شمالا بميلة إلى مدينة (سخوم) وهي مدينة على ثلاثة أيام عن طرابزون شرقا بشمال وبينها وبين بلاد الكرج «1» يوم واحد، ويقال إنها من بلاد الكرج، ثم يمتدّ شرقا بشمال إلى مدينة (أبخاس) وهي مدينة في جبل على ساحل البحر على القرب من سخوم، ثم يتضايق البحر مغرّبا ويضيق من البر الآخر حتى يتقارب البرّان ويصير الماء بينهما مثل الخليج، وهو مصب بحر مانيطش في بحر نيطش وعلى جانب هذا الخليج مدينة (الطامان) من سواحل الروم، وهي حدّ بلاد الروم، من مملكة بركة المشتملة على القرم، ودشت «2» القبجاق، والسراي، وخوارزم على ما سيأتي بيانه في مكاتبات القانات، ثم يأخذ في الاتساع شرقا وشمالا وغربا ويصير كالبركة، ويمتدّ على سواحل الأزق الآتي ذكرها في مكاتبات حاكمها إلى مدينة (الشقراق) وهي أوّل بلاد الأزق، ومنها ينتهي تشريقه؛ ثم يعطف إلى الشّمال ويأخذ إلى مدينة (الأزق) ثم يستدير من الأزق حتّى يصير إلى الغرب، وينتهي إلى الخليج الذي بين بحر نيطش وبحر ما نيطش المتقدّم ذكره. وهناك مدينة الكرش من بلاد الأزق، مقابل مدينة الطّامان المتقدّمة الذكر

من البر الآخر، ثم يمرّ جنوبا ويمتدّ على سواحل القرم الآتية الذكر في مكاتبة حاكمها، فيمرّ إلى مدينة (الكفا) فرضة القرم. ويقابلها من البر الآخر مدينة (طرابزون) «1» المتقدّمة الذكر؛ ثم يمتدّ كذلك إلى مدينة صوداق، وهي فرضة ببلاد القرم أيضا. ويقابلها من البرّ الآخر مدينة (سامسون) المتقدّمة الذكر، ثم يأخذ في الانضمام جنوبا ويعطف مشرّقا بحيث يكون للبر دخلة في البحر، ويمتدّ على سواحل بلاد البلغار إلى مدينة (صاري كرمان) من بلاد البلغار، وبينها وبين صلغات مدينة (القرم) خمسة أيام. ويقابلها من البر الآخر مدينة (سنوب) المتقدّمة الذكر، ثم يأخذ في الاتساع غربا بميلة إلى الجنوب ويمتدّ كذلك إلى مدينة (أقجا كرمان) من بلاد البلغار، ثم يأخذ جنوبا ويمتدّ على (سواحل بلاد القسطنطينيّة) إلى بلدة صقجى، وعندها يصب نهر طنا (بطاء مهملة مضمومة بعدها نون وألف) وهو نهر عظيم بقدر مجموع دجلة والفرات، ثم يتضايق ويأخذ شرقا حتّى ينتهي إلى أوّل الخليج القسطنطينيّ المتقدّم ذكره؛ ثم يأخذ جنوبا ويتقارب البرّان ويمتدّ كذلك إلى مقابل مدينة كربى المتقدّمة الذكر، ثم يمتدّ كذلك إلى مدينة (القسطنطينيّة) قاعدة ملك الروم الآتي ذكرها في مكاتبة ملكها. ويقابلها من البر الآخر قلعة الجرون المتقدّمة الذكر، ثم يمتدّ حتّى يصبّ في بحر الروم حيث وقع الابتداء. وسيأتي الكلام على ضبط ما لم يضبط من البلاد التي على ساحل هذا البحر المتقدّمة الذكر مع ذكر صفاتها عند الكلام على مكاتبات ملوكها وحكّامها إن شاء الله تعالى.

البحر الثاني الخارج من المحيط الشرقي إلى جهة الغرب

وببحر نيطش المتقدّم ذكره على القرب من الخليج القسطنطينيّ جزيرة (مرمرا) الآتي ذكرها عند الكلام على مكاتبة ملكها في جملة ملوك الكفر إن شاء الله. البحر الثاني الخارج من المحيط الشرقيّ إلى جهة الغرب وهو بحر يخرج عند أقصى بلاد الصّين الشرقية الجنوبية مما يلي خط الاستواء حيث لا عرض، وقيل: على عرض ثلاث عشرة درجة في الجنوب، ويمتدّ غربا بشمال على (سواحل بلاد الصّين) الجنوبية، ثم على المفاوز التي بين الصّين والهند حتّى ينتهي إلى (جبال قامرون) الفاصلة بين الصّين والهند «1» . قال ابن سعيد: ومدينة الملك بها في شرقيها، ثم يجاوز (جبال قامرون) المذكورة ويمتدّ على سواحل بلاد (الهند) من الجنوب، ويمرّ على (سفالة الهند) وهي سوفارة، ويمتدّ حتّى ينتهي إلى آخر الهند، ثم يمتدّ على مفازة السّند الفاصلة بينه وبين البحر، ويمرّ حتّى ينتهي إلى فم بحر فارس الخارج من هذا البحر إلى جهة الشّمال «2» على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. ويجاوزه إلى بلاد اليمن فيمرّ على (ساحل مهرة) : أوّل بلاد اليمن؛ ويمتدّ من شماليها على سواحل اليمن من جنوبيه حتّى ينتهي إلى مدينة (عدن) فرضة اليمن، ثم يمرّ من عدن إلى الشّمال بميلة إلى الغرب نحو مجرا حتّى ينتهي إلى (باب المندب) وهو فرضة بين جبلين، ويخرج منه ويمدّ غربا «3» بميلة إلى

الشّمال اثنى عشر ميلا، ثم يعطف شمالا ويمتدّ على سواحل اليمن الغربية إلى (علافقة) فرضة مدينة (زبيد) ؛ ثم يمتدّ شمالا أيضا إلى مدينة (حلي) من أطراف اليمن من جهة الحجاز، وهي المعروفة بحلي ابن يعقوب، ثم يمتد شمالا على (ساحل الحجاز) إلى (جدّة) فرضة على بحر القلزم، ثم يمتد شمالا إلى (الجحفة) ميقات الإحرام لأهل مصر «1» ؛ ثم يمتدّ شمالا بميلة إلى الغرب حتّى يتصل بساحل (ينبع) ثم يأخذ بين الغرب والشّمال حتّى يجاوز (مدين) الآتي ذكرها في كور مصر القديمة؛ ويمتد شمالا بجنوب حتّى يقارب (أيلة) «2» الآتي ذكرها في كور مصر القديمة أيضا؛ ثم يعطف إلى الجنوب حتّى يجاوز أيلة المذكورة الى مكان يعرف (برأس أبي محمد) ويكون للبرّ دخلة في البحر في جهة الجنوب، ثم يعطف شمالا حتّى ينتهي إلى فرضة (الطّور) وهي مكان حطّ وإقلاع لمراكب الديار المصرية، وما يصل إليها من اليمن وغيرها؛ ويمرّ في الشّمال حتى يصل الى فرضة (السّويس) وهي مكان حطّ وإقلاع للديار المصرية أيضا، وعنده ينتهي بر العرب ببحر القلزم ويبتديء بر العجم. وهناك يقرب هذا البحر من بحر الروم على ما تقدّم ذكره في الكلام على أصل هذا البحر. ثم من السّويس يعطف إلى الجنوب على ساحل مصر، ويمتدّ موازيا لبلاد الصعيد حتّى ينتهي إلى مدينة (القلزم) التي ينسب إليها هذا البحر الآتي ذكرها في الكلام على كور مصر القديمة، ويقابلها من بر الحجاز أيلة ثم يأخذ عن القلزم جنوبا بميلة إلى الشرق حتّى يسامت فرضة الطّور المتقدّم ذكرها، وتصير فرضة

الطّور بين أيلة والقلزم غربيّ الدخلة المتقدّم ذكرها؛ ثم يمتدّ كذلك حتّى ينتهي إلى (القصير) ، فرضة قوص؛ ثم يتسع في جهتي الجنوب والشرق حتّى يكون اتساعه تسعين ميلا، وتسمّى تلك القطعة المتسعة بركة الغرندل، وهي التي أغرق الله تعالى فيها فرعون؛ ثم يأخذ جنوبا بميلة يسيرة إلى الغرب إلى (عيذاب) فرضة قوص أيضا. ويقابلها من برّ الحجاز جدّة، فرضة مكة المشرّفة، ثم يمتدّ في سمت الجنوب على (سواحل بلاد السودان) حتّى يصير عند (سواكن) من بلاد البجاة «1» ؛ ثم يمتدّ كذلك حتّى يحيط (بجزيرة دهلك) وهي جزيرة قريبة من ساحل هذا البحر الغربيّ، وأهلها من الحبشة المسلمين. ويقابلها من البرّ الآخر جنوبيّ حلي ابن يعقوب من بلاد اليمن، ويمتدّ حتى يصل إلى رأس (جبل المندب) المتقدّم ذكره. وهناك يضيق البحر حتّى يرى الرجل صاحبه من البرّ الآخر. ويقال: إنه بقدر رميتي سهم، وترى جبال عدن من جبال المندب في وقت الصحو، ثم يتجاوز باب المندب ويأخذ شرقا وجنوبا، ويتسع قليلا قليلا ويمرّ على بقية سواحل الحبشة حتّى يمرّ بمدينة (زيلع) من بلاد الحبشة المسلمين. ويقابلها عدن من برّ اليمن، وهي عن عدن في الغرب بميلة إلى الجنوب ثم يمرّ إلى مدينة مقدشو «2» ؛ ثم يمتدّ كذلك حتّى ينتهي إلى (خليج بربرا) الخارج من بحر الهند في جانبه الجنوبيّ على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. ويتجاوز فم هذا الخليج ويمتدّ على (سواحل بلاد الزّنج) حتّى ينتهي إلى آخرها، ثم يمتدّ على (سواحل بلاد الواق واق) «3» على أماكن مجهولة حتّى ينتهي

إلى مبدئه من البحر المحيط الشرقيّ. على أنه في تقويم البلدان لم يتعرّض لساحل هذا البحر الجنوبيّ فيما هو شرقيّ باب المندب لعدم تحققه. واعلم أن هذا البحر يسمّى في كل مكان باسم ما يسامته من البلدان، أو باسم بعض البلدان التي عليه، فيسمّى فيما يقابل بلاد الصّين: بحر الصّين، وفيما يقابل بلاد الهند إلى ما جاورها إلى بلاد اليمن شرقيّ باب المندب: بحر الهند، وفيما دون باب المندب إلى غايته في الشمال والغرب: بحر القلزم نسبة إلى مدينة القلزم المتقدّمة الذكر في ساحل الديار المصرية. قال في «تقويم البلدان» : وطول هذا البحر من طرف بلاد الصّين الشرقيّ إلى القلزم ألفان وسبعمائة وثمانية وأربعون فرسخا بالتقريب، ومقتضى كلام ابن الأثير في «عجائب المخلوقات» أن طوله أربعة آلاف وتسعمائة وستة وستون فرسخا وثلثان، فإنه قد ذكر أن طول بحر الصين والهند إلى باب المندب أربعة آلاف وخمسمائة فرسخ، ثم ذكر أن طول بحر القلزم ألف وأربع مائة ميل، وهي أربعمائة وستة وستون فرسخا وثلثان وبين الكلامين بون. وكلام صاحب تقويم البلدان أقرب إلى الصواب، فإنه استخرجه من تضريب الدّرج واستخراج أميالها وفراسخها. وبآخر بحر القلزم من الذراع الآخذ إلى جهة السّويس على ميل من مدينة القلزم موضع يعرف (بذنب التّمساح) يتقارب بحر القلزم وبحر الروم فيما بينه وبين الفرما حتى يكون بينهما نحو سبعين ميلا فيما ذكره ابن سعيد. قال في «الروض المعطار» : وكان بعض الملوك قد حفره «1» ليوصل ما بين

القلزم وبحر الروم فلم يتأت له ذلك لارتفاع القلزم وانخفاض بحر الروم، والله تعالى قد جعل بينهما حاجزا كما ذكر تعالى في كتابه. قال: ولما لم يتأت له ذلك احتفر خليجا آخر مما يلي بلاد تنّيس ودمياط وجرى الماء فيه من بحر الروم إلى موضع يعرف بقيعان (؟) . فكانت المراكب تدخل من بحر الروم إلى هذه القرية وتدخل من بحر القلزم إلى ذنب التمساح فيقرب ما في كل بحر إلى الآخر، ثم ارتدم ذلك على طول الدهر. وقد ذكر ابن سعيد أن عمرو بن العاص كان قد أراد أن يخرق بينهما من عند ذنب التمساح المتقدّم ذكره فنهاه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: إذن يتخطّف الروم الحجّاج. وذكر صاحب «الروض المعطار» أن الرشيد همّ أن يوصل ما بين هذين البحرين من أصل مصبّ النيل من بحر بلاد الحبشة وأقاصي صعيد مصر فلم يتأت له قسمة ماء النيل، فرام ذلك مما يلي بلاد الفرما فقال له يحيى بن خالد: إن تمّ هذا تتخطّف الناس من المسجد الحرام ومكة، واحتجّ عليه بمنع عمر بن الخطاب عمرو بن العاص من ذلك، فأمسك عنه. ويتفرّع من البحر الهنديّ بحران عظيمان مشهوران، وهما (بحر فارس «1» ، والخليج البربريّ «2» ) . فأما بحر فارس، فهو بحر ينبعث من بحر الهند المتقدّم ذكره من شماليّه، ويمتدّ شمالا بميلة إلى الغرب غربيّ (مفازة السّند) الفاصلة بينه وبين بحر الهند،

ثم على غربيّ بلاد السند، ثم على أرض (مكران) من نواحي الهند، ويخرج منه من آخر مكران خور «1» يمتدّ شرقا وجنوبا على ساحل مكران والسّند حتّى يصير السند غربيّه، ثم ينعطف آخره على (ساحل بلاد كرمان) من شماليها حتّى يعود إلى أصل بحر فارس، فيمتدّ شمالا حتّى ينتهي إلى مدينة (هرموز) وينتهي إلى آخر كرمان فيخرج منه خور يمتدّ على ساحل كرمان من شماليها، ثم يرجع من آخره على ساحل بلاد فارس من جنوبيها حتى يتصل بأصل بحر فارس، ويمتدّ شمالا ثم يعطف ويمتدّ مغرّبا الى (حصن ابن عمارة) من بلاد فارس وقيل من بلاد كرمان، وهو اليوم خراب؛ ثم يمتدّ مغرّبا في جبال منقطعة ومفاوز إلى مدينة (سيراف) ثم يمتدّ كذلك إلى (سيف البحر) بكسر السين، وهو ساحل من سواحل فارس، فيه مزارع وقرى مجتمعة، ثم يمتدّ إلى (جنّابة) من بلاد فارس، ثم يمتدّ إلى (سينيز) من بلاد فارس، وقيل من الأهواز، ثم يمتدّ إلى مدينة (مهروبان) من سواحل خوزستان، وقيل من سواحل فارس، وهي فرضة (أرّجان) وما والاها، ثم يمتدّ مغرّبا بميلة يسيرة نحو الشّمال إلى مدينة (عبّادان) من أواخر بلاد العراق من الشرق على القرب من البصرة عند مصبّ دجلة في هذا البحر ثم ينعطف ويمتدّ جنوبا إلى (كاظمة) وهي جون على ساحل البحرين مما يلي البصرة على مسيرة يومين منها؛ ثم يمتد إلى (القطيف) من بلاد البحرين ثم يمتدّ كذلك إلى مدينة (عمان) فرضة بلاد البحرين، وإليها تنتهي مراكب السند والهند والزّنج ويخرج على القرب منها عن يمين المقلع من ساحلها في جهة الغرب بحر ببلاد (الشّحر) من اليمن أيضا، وإليها ينسب العنبر الشّحريّ الطّيّب كما تقدّم ذكره في النوع الخامس فيما يحتاج إليه من نفيس الطيب؛ ثم يمرّ على سواحل (مهرة) من شرقيّ بلاد اليمن حتّى ينتهي إلى مبدئه من بحر الهند.

البحر الثالث الخارج من المحيط الشمالي، المعروف ببحر برديل

قال في «تقويم البلدان» : وبفم هذا البحر ثلاثة أجبل يخشاها المسافرون يقال لأحدها كسير، والثاني عوير، والثالث ليس فيه خير «1» . قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات» : وطول هذا البحر أربعمائة فرسخ وأربعون فرسخا، وعمقه ثمانون باعا. وأما الخليج البربري، فهو ينبعث من بحر الهند المتقدّم ذكره في جنوبي جبل المندب المتقدّم الذكر، ويمتد في جنوبي بلاد الحبشة، ويأخذ غربا حتّى ينتهي إلى مدينة بربرا (بباءين موحدتين مفتوحتين وراءين مهملتين الأولى منهما ساكنة) وهي قاعدة الزّغاوة من السّودان، حيث الطول ثمان وستون درجة، والعرض ست درج ونصف. قال في «تقويم البلدان» : وطوله من المشرق الى المغرب نحو خمسمائة ميل. قال الشريف الإدريسيّ: وموجه كالجبال الشواهق ولكنه لا ينكسر، قال: يركب فيه الى جزيرة قنبلو، ويقال قنبلة، وهي جزيرة للزّنج في هذا البحر. قال في «القانون» «2» : وطولها اثنتان وخمسون درجة، وعرضها في الجنوب ثلاث درج. قال الإدريسيّ: وأهلها مسلمون. البحر الثالث الخارج من المحيط الشمالي، المعروف ببحر برديل (بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وكسر الدال المهملة وسكون

الضرب الثاني من البحار المنبثة في أقطار الأرض ما ليس له اتصال بالبحر المحيط

الياء المثناة تحت ولام في الآخر) . قال ابن سعيد: ويقال له بحر برطانية «1» أيضا، وهو بحر يخرج من شماليّ الأندلس ويأخذ شرقا إلى خلف جبل الأبواب الفاصل بين الأندلس والأرض الكبيرة «2» ، ويقرب طرفه الشرقي «3» حتّى يبقي بينه وبين بحر الروم المتقدّم ذكره أربعون ميلا، وهناك مدينة (برديل) «4» التي يضاف البحر إليها. الضرب الثاني من البحار المنبثّة في أقطار الأرض ما ليس له اتصال بالبحر المحيط وهو بحر الخزر «5» (بفتح الخاء والزاي المعجمتين، وراء مهملة في الآخر) . ويسمّى بحر جرجان لوقوع مدينة جرجان على ساحله، وبحر طبرستان لوقوع ناحية طبرستان على ساحله أيضا، وهذا البحر بحر ملح منفرد عن البحار لا اتصال له بغيره البتة. قال ابن حوقل: وهو مظلم القعر، ويقال: إنه متصل ببحر نيطش من تحت الأرض.

قال المسعوديّ: وهو غلط لا أصل له، ولم أدر من أين أخذه قائله، أمن طريق الحسّ، أم من طريق الاستدلال والقياس. قال الشريف الإدريسيّ: وهو مدوّر الشكل إلى الطّول، وقيل مثلث الشكل كالقلع، وعلى ساحله الجنوبيّ بلاد الجيل والدّيلم، وعلى جانبه الشرقيّ بلاد جرجان والمفازة التي بين جرجان وخوارزم، وعلى جانبه الشّمالي بلاد التّرك والخزر وجبال سياه كوه، وعلى جانبه الغربيّ بلاد إيلاق «1» وجبال الفتيق، وابتداؤه من جهة الغرب عند مدينة (باب الحديد) المعروف بباب الأبواب من بلاد أرّان «2» ، حيث الطول ست وستون درجة والعرض نحو إحدى وأربعين درجة على القرب من دربند شروان «3» ، ثم يمتدّ جنوبا من باب الحديد أحدا وخمسين فرسخا، وهناك مصب نهر الكرّفيه، ثم يمتدّ مشرقا بانحراف إلى الجنوب ستة عشر فرسخا، فيمرّ على أراضي موقان من عمل أردبيل من أذربيجان، ثم يمتدّ جنوبا وشرقا حتّى تبلغ غايته في الجنوب حيث العرض سبع وثلاثون درجة قبالة مدينة (آمل) قصبة طبرستان؛ ثم ينعطف ويمتدّ شرقا حتّى يجاوز بلاد الجيل إلى مدينة آبسكون، وهي فرضة جرجان، ثم يمتدّ إلى نهايته في الشرق حيث الطول ثمانون درجة والعرض نحو أربعين عند مدينة جرجان؛ وهي في الشرق منه قريبة من ساحله؛ ثم ينعطف ويمتدّ شمالا وغربا حتّى يبلغ نهايته في الشمال حيث العرض نحو خمسين درجة، والطول تسع وسبعون درجة؛ وفي شماليّه وغربيّه يصبّ نهر إتل «4» الذي عليه مدينة السراي قاعدة مملكة أزبك الآتي ذكرها في مكاتبة قانهم إن شاء الله تعالى. قال في «تقويم البلدان» : وليس في هذا البحر جزيرة مسكونة.

الفصل الثالث من الباب الأول من المقالة الثانية في كيفية استخراج جهات البلدان والأبعاد الواقعة بينها، وفيه طرفان

الفصل الثالث من الباب الأول من المقالة الثانية في كيفية استخراج جهات البلدان والأبعاد الواقعة بينها، وفيه طرفان الطرف الأوّل في كيفية استخراج جهات البلدان إذا كنت في بلد وأردت أن تعرف جهة بلد آخر عن البلد الذي أنت فيه، فالذي أطلقه كثير من المصنّفين أنك تعرف طول «1» البلد الذي أنت فيه وعرضه «2» ، وطول البلد الآخر وعرضه، وتقابل بين الطولين وبين العرضين، فإن كان ذلك البلد أعرض من بلدك مع مساواته له في الطول، فهو عنك في جهة الجنوب، وإن كان أطول من بلدك مع مساواته له في العرض، فهو عنك في جهة الشرق. وإن كان أقلّ طولا مع مساواته في العرض، فهو عنك في جهة الغرب. وإن كان أطول وأعرض من بلدك، فهو عنك بين الشرق والشّمال. وإن كان أقلّ طولا وعرضا، فهو عنك بين المغرب والجنوب. وإن كان أقلّ طولا وأكثر عرضا، فهو عنك بين الجنوب والشّمال. وإن كان أكثر طولا وأقل عرضا، فهو عنك بين الشرق والجنوب. والذي ذكره المحققون من علماء الهيئة أن البلد إذا كان أطول من بلدك مع مساواته له في العرض، يكون عنك في جهة الشرق بميلة إلى الشّمال. وإذا كان

الطرف الثاني في معرفة الأبعاد الواقعة بين البلدان

أقلّ طولا مع مساواته له في العرض، يكون في جهة الغرب بميلة إلى الشّمال أيضا. وإذا كان أقلّ طولا وعرضا، يكون بين المغرب والجنوب على ما تقدّم، إلا أن يقلّ الفصل بينهما بأن يكون أقل من درجة، فإنه يحتمل أن يكون كذلك وأن يكون على وسط المغرب، وإذا كان أقلّ طولا وأكثر عرضا، فإنه يكون بين المشرق والمغرب على ما تقدّم، إلا أن يقلّ الفصل بينهما فيحتمل أن يكون كذلك وأن يكون على وسط المشرق. الطرف الثاني في معرفة الأبعاد الواقعة بين البلدان قد تقدّم أن الأطوال والعروض في الأمكنة والبلدان تعتبر بالدّرج والدقائق وأن الدّرجة مقسومة بستين دقيقة، ثم الذي حققه القدماء كبطليموس «1» صاحب المجسطي وغيره تقدير الدرجة بستة وستين ميلا وثلثي ميل، وبه أخذ أكثر المتأخرين وعليه العمل. وما وقع لأصحاب الرّصد المأمونيّ مما يخالف ذلك بنقص عشر درج مما لا تعويل عليه. وقد نقل علاء الدين بن الشاطر من المتأخرين في «زيجه» «2» عن القدماء أنهم قدروا الدرجة بالتقريب بعشرين فرسخا، وبستين ميلا «3» ، وبمائتي ألف وأربعين ألف ذراع، وبخمسة برد، وبمسير يومين. وقدّر الشافعيّ رضي الله عنه ذلك بسير يومين بالأيام المعتدلة دون لياليهما، وقدّر السير بالسير المعتدل؛ وتقدير الدرجة كما بين الفسطاط ودمياط، فإنّ عرض

الحالة الأولى - أن يكون ذلك البلد على سمت بلدك الذي أنت فيه في الطول أو العرض

دمياط يزيد على عرض الفسطاط بدرجة وكسر يسير على ما سيأتي ذكره. فإذا أردت أن تعرف كم بين البلد الذي أنت فيه وبين بلد آخر الخط المستقيم، فلك حالتان: الحالة الأولى- أن يكون ذلك البلد على سمت بلدك الذي أنت فيه في الطول أو العرض ، فانظر كم درجة بينهما بالزيادة والنقص فاضربه في ست وستين، وهو ما لكل درجة من الأميال، فما خرج من الضرب فهو بعد ما بينهما من الأميال على الخط المستقيم، فاعتبره بما شئت من المراحل والفراسخ والبرد على ما تقدّم بيانه. الحالة الثانية- ألّا يكون ذلك البلد على سمت بلدك الذي أنت فيه، فطريقك أن تقابل بين عرض بلدك وطوله، وبين عرض البلد الآخر وطوله، وتنظر كم فضل ما بين الطولين وبين العرضين، وهو ما يزيده أحد الطولين أو أحد العرضين على الآخر فتضرب كلّا من فضل الطولين وفضل العرضين في مثله، وتجمع الحاصل من الضربين فما كان خذ جذره، وهو القدر الذي إذا ضربته في مثله حصل عنه ذلك العدد، فما بلغ مقدار ما بين بلدك والبلد الآخر من الدرج، فاضربه في ست وستين وثلثين على ما تقدّم، فما بلغ فهو أميال، فاعتبره بما شئت من المراحل والفراسخ والبرد على ما تقدّم. مثال ذلك- أن الفسطاط طوله خمس وخمسون درجة، وعرضه ثلاثون درجة ودمشق طولها ستون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة ونصف درجة، ففضل ما بين طوليهما خمس درج، وفضل ما بين عرضيهما ثلاث درج ونصف درجة، فتضرب فضل ما بين الطولين، وهو خمس درج في مثله يبلغ خمسا وعشرين، وتضرب فضل ما بين العرضين، وهو ثلاث ونصف فى مثله يبلغ اثني عشر وربعا، فتجمع ما حصل من الضّربين، وهو خمس وعشرون واثنا عشر وربع ويكون سبعا وثلاثين وربعا فخذ جذرها يكن ستاّ ونصف سدس تقريبا، وهو ما بين الفسطاط ودمشق من الدّرج، فاضربه في ست وستين وثلثين، وهي ما

للدرجة الواحدة من الأميال يكن أربعمائة وخمسة أميال وثلث سدس ميل، فإذا اعتبرت كل أربعة وعشرين ميلا بمرحلة على ما تقدّم، كانت سبع عشرة مرحلة تقريبا، وهو القدر الذي بين الفسطاط ودمشق على الخط المستقيم. أما الطرق المسلوكة إلى البلدان على التعاريج بسبب البحار والجبال والأودية وغيرها، فإنها تقتضي الزيادة على ذلك. وقد ذكر أبو الرّيحان البيرونيّ في كتابه «القانون» : أن زيادة التعاريج على الاستواء يكون بقدر الخمس تقريبا. فإذا كان بين البلدين أربعون ميلا على الخط المستقيم، كانت بحسب سير السائر خمسين ميلا. قلت: وفيه نظر لطول بعض التعاريج على بعض في الزيادة بالبحار والجبال عن الخط المستقيم على ما هو مشاهد في الأسفار، اللهم إلا أن يريد الغالب كما تقدّم بين الفسطاط ودمشق، فقد مرّ أن بينهما على الخط المستقيم سبع عشرة مرحلة بالتقريب، فإذا أضيف إليها مثل خمسها، وهو ثلاثة وخمسان، كانت عشرين مرحلة، وهو القدر المعتاد في سيرها بالسير المعتدل. واعلم أن طول البلدان وعروضها قد وقع في الكتب المصنفة فيها ككتاب «الأطوال» المنسوب للفرس، و «رسم المعمور» «1» ، المترجم للمأمون من اللغة اليونانية، «والزيجات» وغير ذلك اختلاف كثير وتباين فاحش. وممن صرح بذكر ذلك أبو الريحان البيروني في كتابه «القانون» فقال عند ذكرها: ولم يتهيأ لي تصحيح جميعها، وقد صححت ما أمكن منها. قال في «تقويم البلدان» : إلا أن معرفة ذلك بالتقريب خير من الجهل بالكلية.

الباب الثاني من المقالة الثانية في ذكر الخلافة ومن وليها من الخلفاء، ومقراتهم في القديم والحديث،

الباب الثاني من المقالة الثانية في ذكر الخلافة «1» ومن وليها من الخلفاء، ومقرّاتهم في القديم والحديث، وما انطوت عليه الخلافة من الممالك في القديم، وما كانت عليه من الترتيب، وما هي عليه الآن، وفيه فصلان الفصل الأوّل في ذكر الخلافة ومن وليها من الخلفاء : من خلفاء بني أميّة بالشام، وخلفاء بنى العبّاس بالعراق، وخلفاء الفاطميّين بمصر، وخلفاء بني أميّة بالأندلس أما الخلافة، فسيأتي في المقالة الخامسة في الكلام على الولايات أن المراد بها خلافة النبيّ صلّى الله عليه وسلم بعده في أمته، ولذلك كان يقال لأبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه: خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأن الراجح أنه لا يجوز أن يقال في الخليفة خليفة الله إلى تمام القول فيما سيأتي ذكره هناك، إن شاء الله تعالى. وأما من وليها من الخلفاء، فعلى أربع طبقات:

الطبقة الأولى الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم

الطبقة الأولى الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم وأوّلهم: «أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه» بويع بالخلافة في اليوم الذي مات فيه النبي صلّى الله عليه وسلم، على ما سيأتي ذكره في الكلام على البيعات من المقالة الخامسة إن شاء الله تعالى. وبقي حتّى توفّي لتسع ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة ودفن مع النبي صلّى الله عليه وسلم، في حجرة عائشة رضي الله عنها. وبويع بعده «عمر بن الخطاب رضي الله عنه» في اليوم الذي مات فيه أبو بكر رضي الله عنه بعد أن عهد له بالخلافة، وتوفّي يوم السبت سلخ «1» ذي الحجة الحرام سنة ثلاث وعشرين بطعنة أبي لؤلؤة: غلام المغيرة بن شعبة «2» ، ودفن مع النبيّ صلّى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه. وفي أيامه فتحت الأمصار: ففتحت دمشق على يد خالد بن الوليد وأبي عبيدة ابن الجرّاح، وتبعها في الفتح سائر بلاد الشام ففتحت بيسان وطبريّة، وقيساريّة، وفلسطين، وعسقلان، وبعلبكّ، وحمص، وحلب، وقنّسرين، وانطاكيّة؛ وسار إلى بيت المقدس في خلال ذلك، ففتحه صلحا «3» .

وفتح من بلاد الجزيرة الفراتية: الرّقّة، وحرّان، والموصل، ونصيبين، وآمد، والرّها. وفتح من العراق: القادسيّة، والمدائن، على يد سعد بن أبي وقّاص، وزال ملك الفرس، وانهزم ملكهم يزدجرد إلى فرغانة من بلاد التّرك «1» . وفتحت أيضا كور دجلة، والأبلّة «2» ، على يد عتبة بن غزوان «3» . وفتحت كور الأهواز على يد أبي موسى الأشعري «4» . وفتحت نهاوند، وإصطخر، وأصبهان، وتستر، والسّوس، وأذربيجان، وبعض أعمال خراسان. وفتحت مصر، والإسكندريّة، وأنطابلس «5» ، وهي برقة، وطرابلس الغرب، على يد عمرو بن العاص. وبويع بالخلافة بعده «عثمان بن عفّان رضي الله عنه» لثلاث بقين من المحرّم سنة أربع وعشرين؛ وقتل بالمدينة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة

الطبقة الثانية خلفاء بني أمية

سنة خمس وثلاثين، وقيل يوم الأضحى، وقيل غير ذلك. وبويع بالخلافة بعده «عليّ كرّم الله وجهه» يوم قتل عثمان، وقتل لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة أربعين من الهجرة بالعراق، ودفن بالنّجف على الصحيح المشهور. وبويع بالخلافة لابنه «الحسن» بالكوفة من العراق يوم قتل أبيه، وسلم الأمر لمعاوية لخمس بقين من ربيع الأوّل سنة إحدى وأربعين، وقيل في ربيع الآخر، وقيل في جمادى الأولى، ولحق بالمدينة فأقام بها إلى توفي بها في ربيع الأوّل سنة تسع وأربعين، وقيل ست وخمسين. الطبقة الثانية خلفاء بني أمية أوّلهم: «معاوية بن أبي سفيان» كان أميرا على الشام في خلافة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، واستمر بها إلى أن سلّم الحسن إليه الأمر، فاستقلّ بالخلافة وبقي حتّى توفّي بدمشق مستهلّ رجب الفرد سنة ستين من الهجرة، وقيل في النصف من رجب، وهو أوّل من رتب أمور الملك في الإسلام «1» . وقام بالأمر بعده ابنه «يزيد» بالعهد من أبيه، وبويع له بعد وفاته في رجب سنة ستين، وتوفي لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة أربع وستين. وقام بالأمر بعده ابنه «معاوية» وبويع له بالخلافة في النصف من شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين، فأقام بالخلافة أربعين يوما، وقيل ثلاثة أشهر، وقيل عشرين يوما «2» .

وقام بالأمر بعده «مروان بن الحكم» وبويع له بالخلافة بالجابية «1» في رجب سنة أربع وستين، ثم جدّدت له البيعة في ذي القعدة من السنة المذكورة وتوفّي بالطاعون بدمشق في شهر رمضان سنة خمس وستين. وقام بالأمر بعده ابنه «عبد الملك» بالعهد من أبيه، وبويع له بالخلافة في الثالث من شهر رمضان المذكور، وتوفي بدمشق منتصف شوّال سنة ست وثمانين. وقام بالأمر بعده ابنه «الوليد» بالعهد من أبيه، وبويع له بالخلافة يوم موت أبيه، وتوفي بدمشق في منتصف جمادى الآخرة سنة ست وتسعين. وقام بالأمر بعده أخوه «سليمان بن عبد الملك» وبويع له يوم موت أخيه الوليد، وكان أبوه قد عهد أن يكون هو الخليفة بعد أخيه الوليد، وتوفي بدابق «2» لعشر خلون من صفر سنة تسع وتسعين. وقام بالأمر بعده ابن عمه «عمر بن عبد العزيز» بعهده له؛ وبويع له بالخلافة يوم موته؛ وتوفيّ بخناصرة «3» لخمس وقيل لستّ بقين من رجب سنة إحدى ومائة. وقام بالأمر بعده «يزيد بن عبد الملك بن مروان» بعهد من أخيه سليمان أن يكون له الأمر من بعد عمر بن عبد العزيز، وقيل: بعهد من أبيه أن يكون له الأمر بعد أخيه سليمان، ولكنه سلم لابن عمه عمر؛ وبويع له يوم موت عمر، وتوفي بجولان «4» لخمس بقين من شعبان سنة خمس ومائة.

الطبقة الثالثة خلفاء بني العباس بالعراق

وقام بالأمر بعده أخوه «هشام بن عبد الملك» بعهد من أخيه يزيد، بويع له بالخلافة في يوم موته، وتوفي بالرّصافة «1» لستّ خلون من ربيع الأوّل سنة خمس وعشرين ومائة. وقام بالأمر بعده «الوليد بن يزيد بن عبد الملك» بويع له بالخلافة لثلاث خلون من ربيع الآخر سنة خمس وعشرين ومائة، وقيل لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين «2» . وقام بالأمر بعده ابنه «يزيد» المعروف بالناقص؛ سمي بذلك لنقصه الجند ما كان زادهم يزيد؛ بويع له بالخلافة يوم قتل الوليد، وتوفي بدمشق لعشر بقين من ذي الحجة من السنة المذكورة. وقام بالأمر بعده أخوه «إبراهيم بن الوليد» بويع له بالخلافة بعد وفاة أخيه في ذي الحجة المذكور، فمكث أربعة أشهر، وقيل أربعين يوما ثم خلع نفسه. وقام بالأمر بعده «مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الجعدي» «3» بتسليم إبراهيم بن الوليد الأمر إليه؛ وفي أيامه ظهرت دعوة بني العبّاس، وقصدته جيوشهم فهرب إلى مصر، فأدرك وقتل بقرية يقال لها بوصير من الفيّوم، وبزواله زالت دولة بني أمية. الطبقة الثالثة خلفاء بني العبّاس بالعراق وأوّل من قام بالأمر منهم بعد خلفاء بني أميّة «السّفّاح» وهو أبو العبّاس عبد

الله بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن العباس، عمّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم؛ بويع له بالخلافة بالكوفة لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وتوفي بالأنبار «1» لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة. وقام بالأمر بعده أخوه «المنصور» أبو جعفر عبد الله؛ بويع له بالخلافة يوم موت أخيه السّفّاح، وتوفي بطريق مكة وهو محرم بالحج سنة ثمان وخمسين ومائة، ودفن بالحجون «2» . وقام بالأمر بعده ابنه «المهديّ» أبو عبد الله محمد؛ بويع له بالخلافة يوم مات أبوه بطريق مكة وهو يومئذ ببغداد، وتوفي «3» بماسبذان في المحرّم سنة تسع وستين ومائة. وقام بالأمر بعده ابنه «الهادي» «4» أبو محمد موسى؛ بويع له بعد أبيه يوم موته وهو غائب، فسار إلى بغداد ودخلها بعد عشرين يوما، وتوفي لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل سنة سبعين ومائة. وقام بالأمر بعده «الرشيد» أبو محمد هرون بن المهديّ؛ بويع له بالخلافة ليلة مات أخوه الهادي، وتوفي «5» ليلة السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة. وقام بالأمر بعده ابنه «الأمين» أبو عبد الله محمد، ويقال أبو موسى،

ويقال أبو العبّاس، بالعهد من أبيه هرون الرشيد؛ وبويع له صبيحة الليلة التي توفي فيها أبوه الرشيد، وقتل لخمس بقين من المحرّم سنة ثمان وتسعين ومائة «1» . ثم قام بالأمر بعده أخوه «المأمون» أبو العباس، ويقال أبو جعفر عبد الله، بالعهد له من أبيه الرشيد أن يكون له الأمر بعد أخيه الأمين، وبويع له بالخلافة يوم قتل أخيه الأمين ببغداد وهو غائب؛ وبويع له البيعة العامة لخمس بقين من المحرّم سنة ثمان وتسعين ومائة، وتوفي بأرض الروم «2» لليلة بقيت من رجب، وقيل لثمان خلون منه سنة ثماني عشرة ومائتين، ودفن بطرسوس. وقام بالأمر بعده أخوه «المعتصم بالله» أبو إسحاق محمد بن هرون الرشيد؛ بويع له بالخلافة يوم موت أخيه المأمون وهو يومئذ بطرسوس، فسار إلى بغداد، فدخلها مستهل رمضان سنة ثماني عشرة ومائتين، وتوفي بسامرّا «3» لثماني عشرة ليلة مضت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين. وقام بالأمر بعده ابنه «الواثق بالله» أبو جعفر هرون؛ بويع له بالخلافة يوم موت أبيه، وتوفّي بسرّ من رأى لستّ بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.

وقام بالأمر بعده أخوه «المتوكل على الله» أبو الفضل جعفر، بويع له بالخلافة يوم موت أخيه الواثق، وقتل «1» لثلاث خلون من شوّال سنة سبع وأربعين ومائتين. وقام بالأمر بعده ابنه «المستنصر بالله» «2» أبو جعفر محمد؛ بويع له بالخلافة صبيحة قتل أبيه المتوكل، وتوفي بسامرّا لثلاث خلون من ربيع الآخر، وقيل لخمس خلون من ربيع الأوّل سنة ثمان وأربعين ومائتين. وقام بالأمر بعده «المستعين بالله» أبو العباس أحمد بن المعتصم بالله المتقدّم ذكره؛ بويع له بالخلافة في اليوم الثاني من موت المستنصر، وخلع نفسه لأربع خلون من ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين، وجهّز إلى واسط، فقتل بها «3» في آخر رمضان من السنة المذكورة. وقام بالأمر بعده «المعتزّ بالله» أبو عبد الله محمد، وقيل أبو الزبير بن المتوكل على الله المتقدّم ذكره؛ بويع له ببغداد حين خلع المستعين نفسه، وبايعه المستعين فيمن بايع، وخلع لثلاث بقين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين، ثم قتل «4» بعد ذلك.

وقام بالأمر بعده «المهتدي بالله» أبو عبد الله، ويقال أبو جعفر محمد بن الواثق بالله المتقدّم ذكره؛ بويع له بالخلافة بعد ليلتين من خلع المعتز بالله، وقتل «1» لأربع عشرة ليلة خلت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين، وكان يقال هو في بني العباس مثل عمر بن عبد العزيز في بني أميّة «2» . وقام بالأمر بعده «المعتمد على الله» أبو العباس، ويقال أبو جعفر أحمد ابن جعفر المتوكل المتقدّم ذكره؛ بويع له بالخلافة يوم قتل المهتدي بالله، وتوفي «3» لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين. وقام بالأمر بعده «المعتضد بالله» «4» أبو العباس أحمد بن الموفق، طلحة ابن جعفر المتوكل؛ بويع له بالخلافة يوم قتل المعتمد على الله، وتوفي ببغداد لسبع وقيل لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين. وقام بالأمر بعده ابنه «المكتفي بالله» أبو محمد علي؛ بويع له بالخلافة يوم موت أبيه المعتضد وهو غائب بالرّقّة، وكتب إليه بذلك فأخذ البيعة على من عنده وسار إلى بغداد، فدخلها لثمان خلون من جمادى الأولى من سنته، وتوفي ببغداد

لثلاث عشرة ليلة، وقيل لثنتي عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة خمس وتسعين ومائتين. وقام بالأمر بعده أخوه «المقتدر بالله» أبو الفضل جعفر بن المعتضد بالله المتقدم ذكره، وخلع «1» لعشر بقين من ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين. وبويع «المرتضى بالله» أبو محمد عبد الله بن المعتز، فأقام يوما وليلة ثم اضطرب عليه الأمر فاختفى، وعاد الأمر إلى المقتدر «2» فظفر بابن المعتز فصادره، ثم أخرج من دار السلطان ميّتا لليلتين خلتا من ربيع الآخر من السنة المذكورة، ثم خلع المقتدر بالله نفسه «3» ؛ وبويع بالخلافة أخوه القاهر بالله أبو منصور محمد بن المعتضد فأقام يومين، ثم عاد الأمر «4» إلى المقتدر بالله وبقي حتّى قتل لثلاث خلون من شوال سنة عشرين وثلاثمائة. وقام بالأمر بعده أخوه «القاهر بالله» المتقدّم ذكره، لليلتين بقيتا من شوال سنة عشرين وثلاثمائة، ثم خلع وسملت عيناه لستّ خلون من جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة «5» .

وقام بالأمر بعده ابن أخيه «الراضي بالله» أبو العباس أحمد بن المقتدر بالله المتقدّم ذكره، وتوفي لست عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة تسع وعشرين وثلاثمائة. وقام بالأمر بعده أخوه «المتقي بالله» أبو إسحاق إبراهيم بن المقتدر بالله المتقدّم ذكره؛ بويع له بالخلافة لعشر بقين من ربيع الأول سنة تسع وعشرين وثلاثمائة. وخلع وسملت عيناه «1» لعشر بقين من صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة. وقام بالأمر بعده ابن عمه «المستكفي بالله» أبو القاسم «2» عبد الله بن المكتفي بالله المتقدّم ذكره؛ بويع له بالخلافة يوم خلع المتقي بالله بمشاركته له، ثم خلع «3» وسملت عيناه في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة. وقام بالأمر بعده ابن عمه «المطيع لله» أبو القاسم، ويقال أبو العباس الفضل بن المقتدر بالله المتقدّم ذكره، بويع له بالخلافة يوم خلع المستكفي، وخلع نفسه منها للعجز بالمرض في الثالث عشر من ذي القعدة سنة ثلاث وستين وثلاثمائة «4» . وولي الخلافة بعده ابنه «الطائع لله» أبو بكر عبد الكريم؛ بويع له بالخلافة يوم خلع أبيه المطيع لله، وقبض عليه لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شعبان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة فخلع نفسه «5» .

وقام بالأمر بعده «القادر بالله» أبو العباس أحمد بن إسحاق؛ بويع له بالخلافة يوم خلع الطائع، وكان غائبا بالبطائح فأحضر، وجددت له البيعة ببغداد في شهر رمضان من السنة المذكورة، وتوفي حادي عشر ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة. وقام بالأمر بعده ابنه «القائم بأمر الله» أبو جعفر عبد الله بالعهد من أبيه، وجدّدت له البيعة بعد موت أبيه، توفي ثالث عشر شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة. وقام بالأمر بعده ابن ابنه «المقتدي بأمر الله» عبد الله [بن] «1» ذخيرة الدّين محمد بن القائم بأمر الله المتقدّم ذكره، وتوفي فجأة في الخامس والعشرين من المحرّم سنة سبع وثمانين وأربعمائة. وقام بالأمر بعده ابنه «المستظهر بالله» أبو العباس أحمد؛ بويع له بالخلافة بعد وفاة أبيه، وتوفي سادس عشر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة. وقام بالأمر بعده ابنه «المسترشد بالله» أبو منصور الفضل؛ بويع له بالخلافة بعد وفاة أبيه المستظهر، وقتل في قتال الباطنية «2» سابع عشر ذي القعدة سنة تسع وعشرين وخمسمائة. وقام بالأمر بعده ابنه «الراشد بالله» أبو جعفر المنصور، بالعهد من أبيه،

وجدّدت له البيعة يوم قتله، وخلع «1» في منتصف ذي القعدة سنة ثلاثين وخمسمائة. وقام بالأمر بعده «المقتفي لأمر الله» أبو عبد الله محمد بن المستظهر المتقدّم ذكره؛ بويع بالخلافة يوم خلع الراشد بالله، وتوفي ثاني ربيع الأول سنة خمس وخمسين وخمسمائة. وقام بالأمر بعده ابنه «المستنجد بالله» أبو المظفّر يوسف؛ بويع له بالخلافة يوم وفاة أبيه المقتفي، وتوفي تاسع ربيع الآخر سنة ست وستين وخمسمائة. وقام بالأمر بعد ابنه «المستضيء بالله» أبو محمد الحسن؛ بويع له بالخلافة يوم وفاة أبيه المستنجد من أقاربه بيعة خاصة، وفي عشره «2» بيعة عامة، وتوفي ثاني ذي القعدة سنة خمس وسبعين وخمسمائة. وقام بالأمر بعده ابنه «الناصر لدين الله» أبو العباس أحمد؛ بويع له بالخلافة يوم موت أبيه المستضيء، وتوفي أول شوّال سنة اثنتين وعشرين وستمائة. وقام بالأمر بعده ابنه «الظاهر بأمر الله» أبو نصر محمد؛ بويع له بالخلافة يوم موت أبيه الناصر، وتوفي رابع عشر رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة. وقام بالأمر بعد ابنه «المستنصر بالله» أبو جعفر المنصور؛ بويع له بالخلافة يوم موت أبيه الظاهر، وتوفي لعشر خلون من جمادى الأولى سنة أربعين وستمائة. وقام بالأمر بعده ابنه «المستعصم بالله» أبو أحمد عبد الله؛ بويع له

الطبقة الرابعة خلفاء بني العباس بالديار المصرية من بقايا بني العباس

بالخلافة يوم موت أبيه المستنصر بالله، وقتله هولاكو «1» ملك التّتار في العشرين من المحرّم سنة ست وخمسين وستمائة. وبقتله انقرضت الخلافة العباسية من بغداد «2» ؛ وهو الثامن والثلاثون من خلفاء بني العباس ببغداد إذا عدّت خلافة ابن المعتز، وحسبت خلافة القاهر أولا وثانيا خلافة واحدة. الطبقة الرابعة خلفاء بني العبّاس بالديار المصرية من بقايا بني العبّاس وأول من قام بأمر الخلافة بها «المستنصر بالله» أبو القاسم أحمد بن الظاهر بالله «3» أبي نصر محمد المتقدّم ذكره، وذلك أنه لما قتل التتر المستعصم المتقدّم ذكره، وبقيت الخلافة شاغرة نحوا من ثلاث سنين ونصف ثم قدم جماعة من عرب الحجاز إلى مصر في رجب سنة تسع وخمسين وستمائة أيام الظاهر بيبرس «4» ، ومعهم المستنصر المذكور، وذكروا أنه خرج من دار الخلافة ببغداد لمّا ملكها التّتر، فعقد الملك الظاهر له مجلسا حضره جماعة من العلماء، منهم الشيخ عز الدّين بن عبد السلام «5» شيخ الشافعية، وقاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز

الشافعي «1» وهو يومئذ قاضي الديار المصرية بمفرده، وشهد أولئك العرب بنسبه، ثم شهد جماعة من الشهود على شهادتهم بحكم الاستفاضة، وأثبت ابن بنت الأعز نسبه، ثم بايعه الملك الظاهر بالخلافة وأهل الحلّ والعقد، واهتم الملك الظاهر بأمره، واستخدم له عسكرا عظيما، وتوجه الملك الظاهر إلى الشام وهو صحبته فجهّزه من هناك بعسكره إلى بغداد طمعا أن يستولي عليها وينتزعها من التتار، فخرج إليه التتار قبل أن يصل بغداد فقتلوه، وقتلوا غالب عسكره في العشر الأول من المحرم سنة ستين وستمائة، فكانت خلافته دون السنة؛ وهو أوّل خليفة لقب بلقب خليفة قبله، وكانوا قبل ذلك يلقبون بألقاب مرتجلة. وقام بالأمر بعده «الحاكم بأمر الله» أبو العباس أحمد بن حسين بن أبي بكر ابن الامير أبي علي القبّي ابن الأمير حسن بن الراشد بالله أبي جعفر المنصور المتقدّم ذكره في الخلفاء ببغداد. قدم مصر سنة تسع وخمسين وستمائة، وهو ابن خمس عشرة سنة في سلطنة الظاهر بيبرس، وقيل إن الظاهر بعث من أحضره إليه من بغداد، وجلس له مجلسا عامّا أثبت فيه نسبه، وبايعه بالخلافة في سنة ست وستين وستمائة، وأشركه معه في الدعاء في الخطبة على المنابر، إلا أنه منعه التصرف والدخول والخروج. ولم يزل كذلك إلى أن ولي السلطنة الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون، فأسكنه بالكبش بخط الجامع الطولوني «2» ، فكان يخطب أيام الجمعة في جامع القلعة ويصلي، ولم يطلق تصرفه إلى أن تسلطن المنصور لاجين «3» ، فأباح له التصرف حيث شاء وأركبه معه في الميادين؛ وتوفي

في شهور سنة إحدى وسبعمائة. وقام بالأمر بعده ابنه «المستكفي بالله» أبو الربيع سليمان بالعهد من أبيه الحاكم، وبويع له بالخلافة يوم موت أبيه، واستقرّ على ما كان عليه أبوه من الركوب والنزول وركوب الميادين مع السلطان إلى أن أعيد السلطان الملك الناصر محمد ابن قلاوون «1» إلى السلطنة المرّة الثانية بعد خلع الملك المظفر بيبرس الجاشنكير «2» في شهور سنة تسع وسبعمائة، فحصل عند السلطان منه وحشة، فجهزه إلى قوص «3» ليقيم بها، وبقي بقوص حتّى توفي في سنة أربعين وسبعمائة. وولي الخلافة بعده ابنه «المستعصم بالله» أبو العباس أحمد بعهد من أبيه المستكفي بأربعين شاهدا بمدينة قوص، ودعي له على المنابر في العشر الأخير من شوال سنة أربعين وسبعمائة. ثم خلعه الناصر محمد بن قلاوون، وبايع بالخلافة «الواثق بالله» أبا إسحاق إبراهيم بن الحاكم بأمر الله المتقدّم ذكره، وأمر بأن يدعي له على المنابر، وتحمل له راية الخلافة، فجرى الأمر على ذلك. وكان قد هم بمبايعته بعد موت المستكفي فلم يتم له. فلما توفي الملك الناصر في العشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، أعيد المستعصم بالله أحمد المتقدّم ذكره إلى الخلافة

بعد خلع الواثق إبراهيم، وبقي حتّى توفي رابع شعبان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة. ثم ولي الخلافة بعده أخوه «المعتضد بالله» أبو الفتح أبو بكر بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان سابع عشر شعبان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة؛ وتوفي عاشر جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة. وولي الخلافة بعده ابنه «المتوكل على الله» أبو عبد الله محمد بن المعتضد بالله المتقدّم ذكره بالعهد من أبيه المعتضد، واستقرّ له الأمر بعد وفاة أبيه يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وبقي حتّى خلعه الأمير أيبك «1» أتابك «2» العساكر في سلطنة الملك المنصور «3» عليّ بن الأشرف شعبان بن حسين. وولي الخلافة مكانه «المستعصم بالله» أبو يحيى زكريا بن الواثق إبراهيم المتقدّم ذكره، فأقام في الخلافة دون ثلاثة أشهر. ثم أعيد المتوكل على الله محمد ابن أبي بكر إلى الخلافة ثانيا في أواخر المحرّم أو أوائل صفر سنة تسع وسبعين وسبعمائة، واستمر حتّى قبض عليه الظاهر برقوق «4» واعتقله بقلعة الجبل «5» في

مستهلّ شهر رجب سنة خمس وثمانين وسبعمائة. وولّى الخلافة مكانه «الواثق بالله» «1» أبو حفص عمر بن الواثق بالله إبراهيم المتقدم ذكره، فبقي حتّى توفي في العشر الأول من شوال سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، فأعاد الظاهر برقوق المستعصم بالله زكريا المتقدم ذكره ثانيا إلى الخلافة، والمتوكل على الله في الاعتقال والناس لا يرون في كل ذلك الخليفة غيره. ثم عنّ للملك الظاهر برقوق بعد ذلك فأطلق المتوكّل على الله من الاعتقال، وأكرمه وأحسن إليه في ثاني جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وبقي في الخلافة حتى توفي سابع عشري شهر رجب الفرد سنة ثمان وثمانمائة. وولي الخلافة بعده ابنه «أبو الفضل العباس ولقّب المستعين بالله» وبقي في الخلافة على سنن من تقدّمه من الخلفاء العبّاسيين بالديار المصرية من قصور أمره على العهد إلى السلطان والدعاء له على المنابر قبل السلطان إلى أن قبض على الناصر فرج بن برقوق «2» بالشام في الثاني عشر من ربيع الأوّل من سنة خمس عشرة

وثمانمائة، فاستقلّ بالأمر واستبدّبه، وأجمع له أمر الخلافة: من ضرب اسمه على السّكّة «1» في الدّنانير والدراهم والدعاء له على المنابر بمفرده، والعلامة «2» على التقاليد والتواقيع والمكاتبات وغيرها، وفوّض أمر تدبير دولته للأمير «شيخ» «3» وكتب له تفويض في ورق، عرضه ذراع ونصف بذراع البز، يزيد عما كان يكتب فيه للسلاطين نصف ذراع بقلم مختصر الطومار. وكان المتولي لأمر كتابته المقرّ الشمسيّ محمد العمري عين أعيان كتّاب الدّست «4» الشريف بالأبواب الشريفة «5» السلطانية، ونائب كاتب السر «6» . وسيأتي

وأما مقرات الخلفاء، فهي أربع مقرات:

ذلك في الكلام على التواقيع في المقالة الخامسة إن شاء الله تعالى. وأما مقرّات الخلفاء، فهي أربع مقرّات: المقرّة الأولى المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام كانت مقرّة الخلفاء الراشدين إلى حين انقراضهم؛ وذلك أن مبدأ النبوة كان بمكة ثم هاجر النبيّ صلّى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأقام بها حتّى توفّي في الثالث «1» عشر من ربيع الأوّل سنة إحدى عشرة من الهجرة. ثم كان بعده في الخلافة أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم عليّ، ثم الحسن إلى حين سلّم الأمر لمعاوية، وإنما كان مقام عليّ والحسن بالعراق زمن القتال بينهما وبين معاوية. المقرّة الثانية الشأم وهي دار خلفاء بني أميّة إلى حين انقراضهم قد تقدّم أن معاوية كان أميرا على الشأم قبل الخلافة، ثم استقل بالأمر حين سلّم إليه الحسن، وبقي في الشام هو ومن بعده إلى حين انقراض خلافتهم، فقتل مروان بن محمد على ما تقدّم ذكره. وكانت دار إقامتهم دمشق، وإن نزلوا غيرها فليس لإقامة.

المقرة الثالثة العراق وهي دار خلفاء بني العباس

المقرّة الثالثة العراق وهي دار خلفاء بني العباس وكان أوّل مبايعة السّفّاح به بالكوفة على ما تقدّم، ثم بنى بعد ذلك بالأنبار مدينة وسماها الهاشمية «1» ونزلها. فلما ولي أخوه أبو جعفر المنصور الخلافة بعده بنى بغداد وسكنها وصارت منزلا لخلفاء بني العباس بعده إلى حين انقراض الخلافة منها بقتل التتر المستعصم آخر خلفائهم بها. المقرّة الرابعة الديار المصرية وهي دار الخلافة الآن وقد تقدّم سبب انتقال الخلافة إليها بعد انقراضها من بغداد في الكلام على من ولي الخلافة من الخلفاء، فأغنى عن إعادته هنا. وقد تقدّم أن الحاكم بأمر الله ثاني خلفائهم بمصر أسكنه الأشرف خليل بن قلاوون بالكبش بخط الجامع الطّولونيّ «2» . أما الآن فاستقرّت دار الخلافة بخطّ المشهد النفيسيّ «3» بين مصر والقاهرة، ولا أخلى الله هذه المملكة من آثار النبوّة.

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الثانية فيما انطوت عليه الخلافة من الممالك في القديم، وما كانت عليه من الترتيب، وما هي عليه الآن

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الثانية فيما انطوت عليه الخلافة من الممالك في القديم، وما كانت عليه من الترتيب، وما هي عليه الآن أما ما انطوت عليه من الممالك، فاعلم أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قد فتح مكة وما حول المدينة من القرى كخيبر ونحوها. وفتح خالد بصرى من الشام في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وهي أوّل فتح فتح بالشام، ثم كانت الفتوح الكثيرة في خلافة عمر رضي الله عنه، ففتح بلاد الشام، وكور دجلة والأبلّة، وكور الأهواز، وإصطخر، وأصبهان، والسّوس، وأذربيجان، والرّي، وجرجان، وقزوين، وزنجان، وبعض أعمال خراسان، وكذلك فتحت مصر، وبرقة، وطرابلس الغرب. ثم فتح في خلافة عثمان رضي الله عنه: كرمان، وسجستان، ونيسابور، وفارس، وطبرستان، وهراة، وبقية أعمال خراسان. وفتحت أرمينية، وحرّان، وكذلك فتحت إفريقية، والأندلس، وسد الإسلام ما بين المشرق والمغرب، وكانت الأموال تجبى من هذه الأقطار النائية والأمصار الشاسعة، فتحمل إلى الخليفة، وتوضع في بيت المال بعد تكفية الجيوش وما يجب صرفه من بيت المال. ولم يزل الأمر على ذلك إلى أثناء خلافة بني العباس، ما عدا الأندلس فإن بقايا خلفاء بني أمية استولوا عليه حتّى يقال: إن الرشيد كان يستلقى على ظهره وينظر إلى السحابة مارّة يقول: «اذهبي إلى حيث شئت يأتني خراجك» ثم اضطرب أمر الخلافة بعد ذلك وتقاصر شأنها واستبدّ أكثر أهل الأعمال بعمله من خلافة الراضي على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب الخلافة فيما بعد إن شاء الله تعالى.

الحالة الأولى ما كان عليه الحال في الزمن القديم

وأما ترتيب الخلافة، فله حالتان: الحالة الأولى ما كان عليه الحال في الزمن القديم اعلم أن الخلافة لابتداء الأمر كانت جارية على ما ألف من سيرة النبيّ صلّى الله عليه وسلم: من خشونة العيش، والقرب من الناس، واطّراح الخيلاء، وأحوال الملوك، مع ما فتح الله تعالى على خلفاء السلف من الأقاليم، وجبى إليهم من الأموال التي لم يفز عظماء الملوك بجزء من أجزائها. وناهيك أنهم فتحوا عدّة من الممالك العظيمة التي كانت يضرب بها المثل في عظم قدرها، وارتفاع شأن ملوكها، من ممالك المشرق والمغرب، حتّى ذكر عظماء الملوك عند بعض السلف فقال: «إنما الملك الذي يأكل الشعير ويعسّ «1» على رجليه بالليل ماشيا وقد فتحت له مشارق الأرض ومغاربها» يريد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن سلّم الحسن رضي الله عنه الأمر لمعاوية؛ وإلى ذلك الإشارة بقوله صلّى الله عليه وسلم: «الخلافة في أمّتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك» فكان آخر الثلاثين خلافة الحسن. فلما سلّم الحسن رضي الله عنه لمعاوية بعد وقوع الاختلاف وتباين الآراء، اقتضى الحال في زمانه إقامة شعار الملك، وإظهار أبهة الخلافة، فأخذ في ترتيب أمور الخلافة على نظام الملك لما في ذلك من إرهاب العدو وإخافته. بل كان ذلك شأنه وهو أمير بالشأم قبل أن يلي الخلافة، حتّى حكى صاحب «العقد» وغيره أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قدم الشأم في خلافته، وهو راكب على حمار، ومعه عبد الرحمن بن عوف، ومعاوية أمير على

الشام، فخرج معاوية لملاقاته في موكب عظيم، فلقيه في طريقه في خفّ «1» من القوم فلم يشعر به وتعدّاه طالبا له؛ ثم عرّف ذلك فيما بعد، فرجع وسلّم على أمير المؤمنين عمر، ومشى إلى جانبه، فلم يلتفت إليه وطال به ذلك، فقال له عبد الرحمن بن عوف: أتعبت الرجل يا أمير المؤمنين، فالتفت إليه حينئذ، وقال: أنت صاحب الموكب الآن مع ما يبلغني من وقوف ذوي الحاجات ببابك؟ - فقال: يا أمير المؤمنين، إنا بأرض يكثر فيها جواسيس العدوّ فأحتاج أن أظهر لهم من أبّهة الملك والسلطان ما يزعهم «2» ، فإن أمرتني به، ائتمرت، وإن نهيتني عنه، انتهيت- فقال: إن كان ما قلت حقّا، فإنّه لرأي أديب، وإن كان غير حق، فإنه لخدعة أريب، لا آمرك ولا أنهاك- فقال عبد الرحمن: لحسن يا أمير المؤمنين، ما صدر به هذا الفتى عما أوردته فيه- فقال: لحسن مصادره وموارده جشّمناه ما جشمناه. فلما صارت الخلافة إليه، زاد في حسن الترتيب وإظهار الأبّهة، وأخذ الخلفاء بعده في مضاعفة ذلك والاحتفال به حتّى أمست الخلافة في أغي «3» ما يكون من ترتيب الملك، وفاقت في ذلك الأكاسرة والقياصرة، بل اضمحلّ في جانب الخلافة سائر الممالك العظام، وانطوى في ضمنها ممالك المشارق والمغارب، خصوصا في أوائل الدولة العباسية في زمن الرشيد ومن والاه. حتّى يحكى أن صاحب عمّوريّة من ملوك الروم كانت عنده شريفة مأسورة في خلافة المعتصم فعذّبها، فصاحت وامعتصماه! فقال لها: لا يأتي المعتصم لخلاصك إلا على أبلق «4» . فبلغ ذلك المعتصم، فنادى في عسكره بركوب الخيل البلق، وخرج وفي مقدّمة عسكره أربعة آلاف أبلق، وأتى عمّوريّة فحاصرها

وخلص الشريفة، وقال: اشهدي لي عند جدّك المصطفي صلّى الله عليه وسلم أني جئت لخلاصك، وفي مقدّمة عسكري أربعة آلاف أبلق. وقد حكى ابن الأثير في تاريخه: أنه لما وصلت رسل ملك الروم إلى بغداد في سنة خمس وثلاثمائة في خلافة المقتدر، رتّب من العسكر في دار الخلافة مائة وستون ألفا ما بين راكب وراجل، ووقف بين يدي الخليفة سبعمائة حاجب، وسبعة آلاف خادم خصيّ: أربعة آلاف بيض وثلاثة آلاف سود، ووقف الغلمان المجريّة الذين هم بمثابة مماليك الطباق «1» الآن بالباب، بتمام الزينة والمناطق «2» المحلّاة، وزينت دار الخلافة بأنواع الأسلحة، وغرائب الزينة، وغشّيت جدرانها بالستور، وفرشت أرضها بالبسط، وكان عدّة البسط اثنين وعشرين ألف بساط، وعدّة الستور المعلقة ثمانية وثلاثين ألف ستر، منها اثنا عشر ألف ستر من الديباج المذهب «3» ؛ وكان من جملة الزينة شجرة من الذهب والفضة بأغصانها وأوراقها، وطيور الذهب والفضة على أغصانها، وأغصانها تتمايل بحركات موضوعة، والطيور تصفّر بحركات مرتبة، وألقيت المراكب والدبادب «4» في دجلة

وأما شعار الخلافة:

بأحسن زينة. وكان هناك مائة سبع مع مائة سبّاع، إلى غير ذلك من الأحوال الملوكية التي يطول شرحها. هذا مع تقهقر الخلافة وانحطاط رتبتها يومئذ. ولم تزل الخلافة قائمة على ترتيب واحد في النفقة والجرايات والمطابخ وإقامة العساكر إلى آخر أيام الراضي بالله. فلما ولي المتّقي لله، تقاصر أمر الخلافة وتناقص، وقنع الخلفاء من الخلافة بالدعاء على المنابر وضرب اسمهم على الدنانير والدراهم، وربما خطب الواحد منهم بنفسه، ومع ذلك فكان الخليفة هو الذي يولّي أرباب الوظائف من القضاة وغيرهم، وتكتب عنه العهود والتقاليد وغيرها لا يشاركه في ذلك سلطان. وأما شعار الخلافة: فمنها «الخاتم» : والأصل فيه ما ثبت في الصحيح «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قيل له: إن الملوك لا يقرأون كتابا غير مختوم فاتّخذ خاتما من ورق، وجعل نقشه محمد رسول الله» فلما توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لبسه أبو بكر بعده ثم لبسه عمر بعد أبي بكر، ثم لبسه عثمان بعد عمر، فوقع منه في بئر فلم يقدر عليه. واتخذ الخلفاء بعد ذلك خواتيم، لكل خاتم نقش يخصه، وبقي الأمر على ذلك إلى انقراض الخلافة من بغداد. ومنها «البردة» «1» وهي بردة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان الخليفة يلبسها في المواكب.

قال ابن الأثير: «1» وهي شملة مخطّطة، وقيل كساء أسود مربّع فيه صغر؛ وقد اختلف في وصولها إلى الخلفاء. فحكى الماورديّ «2» في الأحكام السلطانية عن أبان بن تغلب «3» أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان وهبها لكعب بن زهير حين امتدحه بقصيدته التي أوّلها: «بانت سعاد» «4» فاشتراها منه معاوية. والذي ذكره غيره أن كعبا لم يسمح ببيعها لمعاوية، وقال: لم أكن لأوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا. فلما مات كعب اشتراها معاوية من ورثته بعشرة آلاف درهم. وحكى الماوردي أيضا عن حمزة بن ربيعة أن هذه البردة كان النبيّ صلى الله عليه وسلم أعطاها لأهل أيلة «5» أمانا لهم، فأخذها منهم عبد الله بن خالد بن أبي أوفى وهو عامل من قبل مروان بن محمد آخر خلفاء بني أميّة وبعث بها إليه، وكانت في

خزانته حتّى أخذت بعد قتله. وقيل اشتراها أبو العبّاس السفّاح، أوّل خلفاء بني العبّاس بثلاثمائة دينار. ومنها «القضيب» : وهو عود كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يأخذه بيده. قال الماورديّ: وهو من تركة النبيّ صلى الله عليه وسلم التي هي صدقة. قلت: وكان القضيب والبردة المتقدّما الذكر عند خلفاء بني العبّاس ببغداد إلى أن انتزعهما السلطان سنجر السّلجوقيّ «1» من المسترشد بالله، ثم أعادهما إلى المقتفي عند ولايته في سنة خمس وثلاثين وخمسمائة. والذي يظهر أنها بقيت عندهم إلى انقضاء الخلافة من بغداد سنة ست وخمسين وستمائة فإن مقدار ما بينهما مائة وإحدى وعشرون سنة، وهي مدة قريبة بالنسبة إلى ما تقدم من مدتهما. ومنها «ثياب الخلافة» : وقد ذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة «2» في تاريخه في الكلام على ترجمة الملك السعيد إسماعيل أحد ملوك بني أيوب باليمن أنه كان به هوج فادّعى أنه من بني أمية ولبس ثياب الخلافة، ثم قال: وكان طول الكم يومئذ عشرين شبرا، فيحتمل أنه أراد زمن بني أمية، وأنه أراد زمن بني أيوب. ومنها «اللون» في الأعلام والخلع ونحوها. وكان شعار بني أمية من الألوان الخضرة، فقد حكى صاحب حماة عن الملك السعيد إسماعيل المتقدم ذكره: أنه حين ادّعى الخلافة وأنه من بني أميّة لبس الخضرة؛ وهذا صريح في أنه شعارهم.

أما بنو العباس فشعارهم السّواد؛ وقد اختلف في سبب اختيارهم السّواد فذكر القاضي الماورديّ في كتابه «الحاوي الكبير» في الفقه: أن السبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم حنين ويوم الفتح عقد لعمه العبّاس رضي الله عنه راية سوداء. وحكى أبو هلال العسكريّ «1» في كتابه «الأوائل» : أن سبب ذلك أن مروان ابن محمد آخر خلفاء بني أميّة حين أراد قتل إبراهيم بن محمد العبّاسيّ أوّل القائمين من بني العبّاس بطلب الخلافة قال لشيعته: لا يهولنكم قتلي، فإذا تمكنتم من أمركم فاستخلفوا عليكم أبا العبّاس يعني السّفّاح؛ فلما قتله مروان، لبس شيعته عليه السّواد، فلزمهم ذلك وصار شعارا لهم. ومن غريب ما وقع مما يتعلق بذلك ما حكاه ابن سعيد في «المغرب» «2» أن الظافر الفاطميّ «3» أحد خلفاء مصر لما قتله وزيره عباس، بعث نساء الخليفة شعورهن طيّ الكتب إلى الصالح طلائع بن رزيك «4» ، وهو يومئذ وال بمنية بني خصيب «5» ، فحضر إليهم وقد رفع تلك الشعور على الرماح، وأقام الرايات السود

إظهارا للحرب على الظافر، ودخل القاهرة على ذلك، فكان ذلك من الفأل العجيب، وهو أن مصر انتقلت إلى بني العباس بعد خمسة عشرة سنة، ورفعت راياتهم السّود بها. وأما تولية الملوك عن الخلفاء، فكان الحال فيه مختلفا باعتبار السلطان بحضرة الخلافة وغيره، فإن كان الذي يوليه الخليفة هو السلطان الذي بحضرة الخلافة، كبني بويه وبني سلجوق وغيرهم، فقد حكى ابن الأثير وغيره أن السلطان طغرلبك بن ميكائيل السّلجوقيّ لما تقلد السلطنة عن «القائم بأمر الله» «1» في سنة تسع وأربعين وأربعمائة، جلس له الخليفة على كرسيّ ارتفاعه عن الأرض نحو سبعة أذرع، وعليه البردة، ودخل عليه طغرلبك في جماعة، وأعيان بغداد حاضرون، فقبّل طغرلبك الأرض ويد الخليفة، ثم جلس على كرسيّ نصب له، ثم قال رئيس الرؤساء وزير الخليفة عن لسان الخليفة: «إن أمير المؤمنين قد ولّاك جميع ما ولّاه الله تعالى من بلاده، وردّ إليك أمر عباده، فاتق الله فيما ولّاك، واعرف نعمته عليك» ثم خلع على طغرلبك سبع جبّات سود بزيق واحد «2» ، وعمامة سوداء، وطوّق بطوق من ذهب، وسوّر بسوارين من ذهب وأعطى سيفا بغلاف من ذهب، ولقبه الخليفة، وقريء عهده عليه فقبل الأرض ويد الخليفة ثانيا وانصرف، وقد جهّز له فرس من إصطبلات الخليفة بمركب من ذهب مقندس فركب وانصرف إلى داره، وبعث إلى الخليفة خمسين ألف دينار، وخمسين مملوكا من

وأما الوظائف المعتبرة عندهم، فعلى ضربين:

الترك بخيولهم وسلاحهم مع ثياب وغيرها. ولعل هذا كان ترتيبهم في لبس جميع ملوك الحضرة «1» . وإن كان الذي يوليه الخليفة من ملوك النواحي البعيدة عن حضرة الخليفة كملوك مصر إذ ذاك ونحوهم، جهز له التشريف من بغداد صحبة رسول من جهة الخليفة، وهو جبّة أطلس أسود بطراز مذهب وطوق من ذهب يجعل في عنقه، وسواران من ذهب يجعلان في يده، وسيف قرابه ملبّس بالذهب، وفرس بمركب من ذهب، وعلم أسود مكتوب عليه بالبياض اسم الخليفة ينشر على رأسه، كما كان يبعث إلى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ثم أخيه العادل. فإذا وصل ذلك إلى سلطان تلك الناحية، لبس الخلعة والعمامة، وتقلد السيف وركب الفرس وسار في موكبه حتى يصل إلى محل ملكه. وربما جهز مع خلعة السلطان خلع أخرى لولده أو وزيره أو أحد من أقاربه بحسب ما يقتضيه الحال حينئذ. وآخر من وصلت إليه الخلعة والطوق والتقليد من ملوك بني أيوب من بغداد الناصر يوسف بن العزيز بن السلطان صلاح الدين عن المستعصم في سنة خمس وخمسين وستمائة. وأما الوظائف المعتبرة عندهم، فعلى ضربين:

الضرب الأول وظائف أرباب السيوف؛ وهي عدة وظائف

الضرب الأوّل وظائف أرباب السيوف؛ وهي عدّة وظائف منها «الوزارة» «1» في بعض الأوقات دون بعض. وقد ذكر القضاعيّ «2» وغيره أن أوّل من لقّب بالوزارة في الإسلام، أبو سلمة حفص بن سليمان الخلال «3» وزير أبي العبّاس السّفّاح أوّل خلفاء بني العبّاس، ولم يكن ذلك قبله، ثم جرى الأمر على ذلك في اتخاذ الخلفاء الوزراء إلى

ومنها «الحجابة»

انقراض الخلافة ببغداد بقتل التتار المستعصم في سنة ست وخمسين وستمائة، ووزيره يومئذ مؤيد الدين بن العلقميّ، وقتله «1» هولاكو ملك التتار بعد قتل المستعصم لممالأته على المستعصم مع التتار، وهو آخر وزراء الخلافة ببغداد. ومنها «الحجابة» «2» : وكان موضوعها عندهم حفظ باب الخليفة والاستئذان للداخلين عليه، لا التّصدي للحكم في المظالم كما هو الآن. وقد ذكر القضاعيّ في «تاريخ الخلائف» «3» ما يقتضي أن الخلفاء لم تزل تتخذ الحجّاب من لدن الصّدّيق رضي الله عنه فمن بعده، خلا الحسن بن عليّ فإنه لم يكن له حاجب.

ومنها «ولاية المظالم»

ومنها «ولاية المظالم» «1» : وموضوعها قود المتظالمين إلى التناصف بالرّهبة، وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة، كما قاله الماورديّ في «الأحكام السلطانية» وهي شبيهة بالحجوبية «2» الآن في هذا المعنى؛ وكانت عندهم من أعلى الوظائف وأرفعها رتبة لا يتولّاها إلا ذوو الأقدار الجليلة، والأخطار الحفيلة. ومنها «النّقابة على ذوي الأنساب» «3» : كالطالبيين والعباسيين ومن في معناهم، كما في نقابة الأشراف الآن بالديار المصرية وأعمالها؛ وكانت لديهم من وظائف أرباب السيوف، ولذلك استصحب هذا المعنى في نقيب الأشراف الآن، فيكتب في ألقابه الأميريّ، وإن كان من أرباب الأقلام على ما سيأتي ذلك في كتابة

الضرب الثاني وظائف أرباب الأقلام، وهي نوعان: دينية وديوانية

توقيعه إن شاء الله تعالى. الضرب الثاني وظائف أرباب الأقلام، وهي نوعان: دينية وديوانية فأما الديوانية - فأجلّها «الوزارة» إذا كان الوزير صاحب قلم. وقد مرّ القول في ابتداء وزارة الخلفاء وانتهائها في الكلام على وزارة أرباب السيوف في الضرب الأوّل. وأما الدينية - فمنها «القضاء» «1» وكانت ولاية القضاء عن الخليفة تارة تكون عامّة لبغداد وأعمالها، وتارة قاصرة على بغداد أو أحد جانبيها. ومنها «الحسبة» «2» وأمرها معروف. ومنها «ولاية «3» الأوقاف» والنظر عليها. ومنها «الولاية على المساجد» والنظر في أمر الصلاة.

الحالة الثانية

ومن الوظائف الخارجة عن حضرة الخلافة لأرباب السيوف الإمارة على الجهاد، والإمارة على الحج وغيرها. ومن الوظائف الخارجة عن الحضرة لأرباب الأقلام ولاية قضاء النواحي، والحسبة بها إلى غير ذلك من ولايات زعماء الذمة وغيرهم. الحالة الثانية ما صار إليه الأمر بعد انتقال الخلافة إلى الديار المصرية عند استيلاء التتار على بغداد لما بايع الملك الظاهر بيبرس البندقداريّ في سنة تسع وخمسين وستمائة «المستنصر بن الظاهر» أوّل الخلفاء بمصر على ما تقدم ذكره وكتب له عهد عنه بالسلطنة من إنشاء القاضي محي الدين بن عبد الظاهر، «1» وعمل له السلطان الدّهاليز «2» وآلات الخلافة ورتب له الجمدارية «3» ، واستخدم له عسكرا عظيما وجهزه إلى بغداد للاستيلاء عليها فقتله التتار على ما تقدّم.

ثم لما بايع الظاهر «1» أيضا الإمام «الحاكم بأمر الله» ثاني خلفائهم أيضا في سنة تسع وخمسين وستمائة على ما تقدّم ذكره، بقي مدّة، ثم أشركه معه في الدّعاء في الخطبة على المنابر في سنة ست وستين وستمائة، إلا أنه منعه من التصرف والدخول والخروج. ولم يزل كذلك إلى أن ولي السلطنة الملك الأشرف «خليل ابن المنصور قلاوون» فأطلق سبيله، وأسكنه في الكبش على القرب من الجامع الطّولونيّ؛ وكان يخطب أيام الجمع بجامع القلعة إلى أن ولي السلطنة الملك المنصور حسام الدّين لاجين، فأباح له التصرف والركوب إلى حيث شاء؛ وبقي الأمر على ذلك إلى أن ولي الخلافة «المستعصم بالله» أبو العباس أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان المرّة الثانية بعد موت الملك الناصر محمد بن قلاوون، ففوّض إليه السلطان نظر المشهد النفيسيّ «2» واستقرّ بأيدي الخلفاء إلى الآن. والذي استقرّ عليه حال الخلفاء بالديار المصرية أن الخليفة يفوّض الأمور العامة إلى السلطان، ويكتب له عنه عهد بالسلطنة ويدعى له قبل السلطان على المنابر إلا في مصلّى السلطان خاصة في جامع مصلاه بقلعة الجبل المحروسة، ويستبد السلطان بما عدا ذلك: من الولاية والعزل وإقطاع الإقطاعات حتى للخليفة نفسه، ويستأثر بالكتابة في جميع ذلك. قلت: ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن قبض على السلطان الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق بالشام في أوائل سنة خمس عشرة وثمانمائة على ما تقدّم ذكره، فاستقل الإمام «المستعين بالله» خليفة العصر بأمر الخلافة: من الكتابة على العهود ومناشير الإقطاعات، والتقاليد، والتواقيع، والمكاتبات وغيرها، وأفرد

بالدعاء على المنابر، وضرب اسمه على الدنانير والدراهم والطرز «1» على ما تقدّم ذكره في الكلام على ترتيب الخلفاء، وهيئته في لبسه عند ركوبه المدينة في المواكب أو غيرها. فعمامته مدوّرة لطيفة عليها رفرف من خلفه تقدير نصف ذراع في ثلث ذراع مرسل من أعلى عمامته إلى أسفلها، وفوق ثيابه كاملية «2» ضيقة الكمّ مفرّجة الذيل من خلف وتحتها قباء ضيق الكمّ. أما تقليده السلطان السلطنة، فالذي رأيته في بعض التواريخ في عهد الإمام الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد بن أبي الربيع سليمان، إلى السلطان الملك المنصور أبي بكر بن الملك الناصر محمد بن قلاوون بعد مبايعة الحاكم المذكور عند موت أبيه في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة: أنه طلع القضاة والأمراء إلى القلعة واجتمعوا بدار العدل، وجلس الخليفة على الدرجة الثالثة من التخت، وعليه خلعة خضراء، وعلى رأسه طرحة سوداء مرقومة بالبياض، وخرج السلطان من القصر إلى الإيوان من باب السرّ على العادة، فقام له الخليفة والقضاة والأمراء، وجاء السلطان فجلس على الدرجة الأولى من التخت دون الخليفة، ثم قام الخليفة فقرأ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ «3» إلى آخر الآية، وأوصى السلطان بالرفق بالرعية، وإقامة الحق، وإظهار شعائر الإسلام ونصرة الدّين؛ ثم قال: «فوّضت إليك جميع أمر المسلمين، وقلّدتك ما تقلدته من أمور الدين» . ثم قرأ: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ «4» إلى آخر الآية، ثم أتي الخليفة بخلعة سوداء وعمامة

سوداء مرقومة الطرف بالبياض، فألبسها السلطان وقلّده سيفه، ثم أتي بالعهد المكتوب عن الخليفة للسلطان فقرأه القاضي علاء الدين بن فضل الله «1» كاتب السر إلى آخره، فلما فرغ من قراءته، تناوله الخليفة فكتب عليه ما صورته- فوّضت إليه ذلك- وكتب- أحمد بن عم محمد صلى الله عليه وسلم- وكتب القضاة الأربعة شهادتهم بالتولية، ثم أتي بالسماط على العادة. وأخبرني من حضر تقليد السلطان الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق عن الإمام المتوكل على الله أبي الفتح محمد المشار إليه فيما تقدّم: أنه حضر الخليفة وشيخ الإسلام سراج الدين البلقينيّ «2» ، والقضاة «3» الأربعة وأهل العلم، وأمراء الدولة إلى مقعد بالإصطبلات السلطانية يعرف بالحرّاقة، وجلس الخليفة في صدر المكان على مقعد مفروش له، ثم أتى السلطان وهو يومئذ حدث، فجلس بين يديه، وسأله شيخ الإسلام عن بلوغه الحلم فأجاب بالبلوغ، فخطب الخليفة خطبة، ثم خاطب السلطان بتفويض الأمر إليه على نحو ما تقدّم ذكره، ثم أتي الخليفة بخلعة سوداء وعمامة سوداء مرقومة فوقها طرحة سوداء مرقومة، ثم جلس الخليفة في مكانه الذي كان جالسا فيه، ونصب للسلطان كرسيّ إلى جانب مقعد الخليفة فجلس عليه، وجلس الأمراء والقضاة حوله على قدر منازلهم، وقد استقرت جائزة تقليد السلطنة للخليفة ألف دينار مع قماش سكندري.

أما حضوره بمجلس السلطان في عامة الأيّام، عند حضوره إلى السلطان لسلام أو مهمّ أو غير ذلك، فقد أخبرني بعض جماعة الخليفة أن الإمام المتوكل المتقدّم ذكره كان إذا حضر إلى مجلس السلطان الظاهر، قام له، وربما مشى إليه خطوات وجلس على طرف المقعد وأجلس الخليفة إلى جانبه.

الباب الثالث من المقالة الثانية في ذكر مملكة الديار المصرية ومضافاتها، وفيه ثلاثة فصول

الباب الثالث من المقالة الثانية في ذكر مملكة الدّيار المصرية ومضافاتها، وفيه ثلاثة فصول الفصل الأوّل في مملكة الدّيار المصرية ومضافاتها، وفيه طرفان الطرف الأوّل في الدّيار المصرية، وفيه اثنا عشر مقصدا المقصد الأوّل في فضلها ومحاسنها أما فضلها فقد ورد في الكتاب والسنة ما يشهد لها بالفضيلة، ويقضي لها بالفخر، قال تعالى: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها «1» يريد بالقوم بني إسرائيل، وبالأرض أرض مصر؛ ووصفها بالبركة إما بمعنى الفضل كما في قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ «2» . وإما من الخصب وسعة الرزق بدليل قوله تعالى مخبرا عن قوم فرعون: فأخرجناهم مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ «3» . وقال جل

وعز: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً «1» فأمر بالعبادة في بيوتها إشارة إلى شرف أرضها ورفعة قدرها. وقد ذكر الله تعالى اسمها في غير موضع من كتابه العزيز في ضمن قصص الأنبياء عليهم السلام، فقال تعالى إخبارا عن يوسف عليه السلام: وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ «2» وفي موضع آخر: وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ «3» وقال حكاية عن فرعون لعنه الله: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي «4» وفي معناه قوله تعالى خطابا لبني إسرائيل: اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ «5» على قراءة الحسن «6» والأعمش «7» مصر غير مصروف. قال القضاعيّ: وكذلك قراءة من قرأ اهْبِطُوا مِصْراً مصروفا بناء على أن مصر مذكر سمي به مذكرا فلم يمنع الصرف فيه، والتصريح بذكرها دون غيرها من الأقاليم دليل الشرف والفضل. وقد ورد أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «8» : «إنّكم ستفتحون بلادا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لأهلها نسبا وصهرا» أراد بالنسب هاجر أم إسماعيل عليه السلام، وكان بعض ملوك مصر قد وهبها لزوجته سارة وأراد بالصّهر مارية أمّ إبراهيم، ولد النبيّ صلى الله عليه وسلم، كان المقوقس قد أهداها للنبيّ صلى الله عليه وسلم في جملة هديته.

ويروى أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا فتح الله عليكم مصر فاتّخذوا بها جندا كثيفا، فذاك خير جند الأرض، قيل: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: لأنهم في رباط إلى يوم القيامة» . وعن أبي هريرة» رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مصر أطيب الأرضين ترابا وعجمها أكرم العجم نصابا» «2» . ويقال في التوراة: «مصر خزائن الله، فمن أرادها بسوء قصمه الله» . وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه «ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة» . ومن كلام كعب الأحبار «3» : «مصر بلد معافى من الفتن، فمن أرادها بسوء كبّه الله على وجهه» . ووصفها الكنديّ «4» فقال: «جبلها مقدس، ونيلها مبارك، وبها الطّور الذي كلّم الله تعالى عليه موسى عليه السلام» . قال كعب الأحبار: «كلم الله تعالى موسى من الطور إلى طوى» وفي التوراة «واد مقدّس أفيح» «5» يريد وادي موسى عليه السلام. ودخلها جماعة من الأنبياء عليهم السلام، منهم إبراهيم ويعقوب، ويوسف، وإخوته عليهم السلام.

ونقل في «الروض المعطار» عن الجاحظ أن عيسى بن مريم عليه السلام ولد بها بكورة «1» أهناس الآتي ذكرها في كور مصر المقدّسة، وأن نخلة مريم كانت بأهناس قائمة إلى زمانه. وذكر أيضا أن موسى عليه السلام ولد بها بمدينة أسكر شرقيّ النيل، وهي الآن قرية من الأعمال الإطفيحية الآتي ذكرها في أعمال الدّيار المصرية. وبها سجن يوسف عليه السلام بمدينة بوصير الخراب «2» من الأعمال الجيزية على القرب من البدرشين «3» . قال القضاعيّ: أجمع أهل المعرفة من أهل مصر على صحة هذا المكان، وأن الوحي كان ينزل عليه به، وسطحه معروف بإجابة الدّعاء. سأل كافور الإخشيديّ «4» الإمام أبا بكر بن الحدّاد «5» الفقيه الشافعي عن موضع يستجاب فيه الدّعاء فأشار عليه بالدّعاء على سطح هذا السجن.

قال القضاعيّ: وعلى القرب منه مسجد موسى عليه السلام، وهو مسجد مبارك. وبسفح المقطّم بالقرافة الصغرى «1» قبر (يهوذا وروبيل) من إخوة يوسف عليه السلام. وقد روي أنه دخلها من الصحابة رضوان الله عليهم ما يزيد على مائة رجل، ودفن بقرافتها جماعة «2» منهم فيما ذكره ابن عبد الحكم «3» عن ابن لهيعة «4» خمسة نفر، وهم: عمرو بن العاص، وعبد الله بن حذافة، وأبو بصرة الغفاريّ، وعقبة بن عامر الجهنيّ، وعبد الله بن الحارث الزبيديّ وهو آخرهم موتا «5» . قال القضاعي: وذكر غير ابن لهيعة أن مسلمة بن مخلّد الأنصاري «6» أيضا مات بها، وهو أميرها. أما محاسنها، فلا شك أن مصر مع ما اشتملت عليه من الفضائل، وحفّت به

من المآثر أعظم الأقاليم خطرا، وأجلّها قدرا، وأفخمها مملكة، وأطيبها تربة، وأخفّها ماء وأخصبها زرعا، وأحسنها ثمارا، وأعدلها هواءا، وألطفها ساكنا. ولذلك ترى الناس يرحلون إليها وفودا، ويفدون عليها من كل ناحية، وقلّ أن يخرج منها من دخلها، أو يرحل عنها من ولجها مع ما اشتملت عليه من حسن المنظر، وبهجة الرّونق لا سيما في زمن الربيع، وما يبدو بها من الزروع التي تملأ العين وسامة وحسنا، وتروق صورة ومعنى. قال المسعوديّ «1» : وصف الحكماء مصر فقالوا: ثلاثة أشهر لؤلؤة بيضاء، وثلاثة أشهر مسكة سوداء، وثلاثة أشهر زمرّدة خضراء، وثلاثة أشهر سبيكة حمراء. فاللؤلؤة البيضاء، زمان النيل، والمسكة السوداء، زمان نضوب الماء عن أرضها والزّمرّدة الخضراء، زمان طلوع زروعها، والسّبيكة الحمراء، زمان هيج الزرع واكتهاله. وقد قيل: لو ضرب بينها وبين غيرها من البلاد سور، لغني أهلها بها عما سواها ولما احتاجوا إلى غيرها من البلاد، وناهيك ما أخبر الله تعالى به عن فرعون مع عتوّه وتجبّره وادعائه الربوبية بافتخاره بملكها بقوله: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ «2» . قال ابن الأثير «3» في «عجائب المخلوقات» «4» : وهي إقليم العجائب،

المقصد الثاني في ذكر خواصها وعجائبها، وما بها من الآثار القديمة

ومعدن الغرائب؛ كان أهلها أهل ملك عظيم، وعز قديم؛ وإقليمها أحسن الأقاليم منظرا، وأوسعها خيرا؛ وفيها من الكنوز العظيمة، ما لا يدخله الإحصاء، حتّى يقال إنه ما فيها موضع إلا وفيه كنز. قلت: أما ما ذكره أحمد بن يعقوب الكاتب «1» في كتابه في «المسالك والممالك» «2» من ذمّه مصر بقوله: هي بين بحر رطب عفن كثير البخارات الرديئة، يولد الأدواء ويفسد الغذاء، وبين جبل وبرّ يابس صلد، لشدّة يبسه لا تنبت فيه خضراء، ولا تتفجر فيه عين ماء؛ فكلام متعصّب خرق الإجماع، وأتى من سخيف القول بما تنفر عنه القلوب وتمجّه الأسماع؛ وكفى به نقيصة أن ذمّ النيل الذي شهد العقل والنقل بتفضيله، وغضّ من المقطّم الذي وردت الآثار بتشريفه. المقصد الثاني في ذكر خواصها وعجائبها، وما بها من الآثار القديمة أما خواصّها، فمن أعظمها خطرا معدن الزّمرّد «3» الذي لا نظير له في سائر أقطار الأرض، وهو في مغارة في جبل على ثمانية أيام من مدينة قوص، يوجد عروقا خضرا في تطابيق حجر أبيض، وأفضله الذّبابيّ وهو أقل من القليل، بل لا يكاد يوجد. ولم يزل هذا المعدن يستخرج منه الزّمرّد إلى أثناء الدولة الناصرية

«محمد بن قلاوون» فأهمل أمره وترك. قال في «مسالك الأبصار» «1» : وجميع ملوك الأرض وأهل الآفاق تستمدّ منه. وقد مرّ القول عليه في جملة الأحجار الملوكية في أواخر المقالة الأولى. وأعظم خطرا منه وأرفع شأنا البلسان الذي تسميه العامّة البلسم «2» ، وهو نبات يزرع ببقعة مخصوصة بأرض المطريّة من ضواحي القاهرة على القرب من عين شمس، ويسقى من بئر مخصوصة هناك، يقال إن المسيح عليه السلام اغتسل بها حين قدمت به أمّه إلى مصر، والنصارى تزعم أنه حفرها بعقبه وهو طفل حين وضعته أمّه هناك. ومن خاصتها أن البلسان لا يعيش إلا بمائها ولا يوجد في بقعة من بقاع الأرض غير هذه البقعة. قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات» : وطول هذه الأرض ميل في ميل، وشأنه أنه يفصد «3» في شهر كيهك «4» من شهور القبط، ويجمع ما يسيل من دهنه ويصفى ويطبخ ويحمل إلى خزانة السلطان، ثم ينقل منه قدر معلوم إلى قلاع

الشام والبيمارستان «1» ليستعمل في بعض الأدوية؛ وملوك النصارى من الحبشة والروم والفرنج يستهدونه من صاحب مصر ويهادونه بسببه، لما يعتقدونه فيه من أثر المسيح عليه السلام في البئر، وله عليهم بذلك اليد الطّولى والمنّة العظمى، لا يساويه عندهم ذهب ولا جوهر. قال في «مسالك الأبصار» : والنصارى كافّة تعتقد فيه ما تعتقد، وترى أنه لا يتم تنصّر نصرانيّ حتّى يوضع شيء من هذا الدهن في ماء المعمودية عند تغطيسه فيها. وبها معدن النّطرون «2» ، وهو منها في مكانين: أحدهما- بركة النّطرون «3» التي بالجبل الغربي غربيّ عمل البحيرة «4» الآتي ذكره في جملة أعمالها المستقرّة، وهي من أعظم المعادن وأكثرها متحصّلا على حقارة النطرون وقلة ثمنه. قال في «التعريف» «5» : لا يعرف في الدنيا بركة صغيرة يستغلّ منها نظيرها، فإنها نحو مائة فدّان تغل نحو مائة ألف دينار.

والثاني- مكان بالخطّارة من الشرقية، ولا يبلغ في الجودة مبلغ البركة الأولى، ولا يبلغ في المتحصّل قريبا من ذلك. وبها أيضا معدن الشّبّ «1» على القرب من أسوان، وهو من المعادن الكثيرة المتحصّل أيضا إلى غير ذلك من الخواصّ. وبها معدن النّفط على ساحل بحر القلزم، يسيل دهنه من أعلى جبل قليلا قليلا وينزل إلى أسفله فيتحصل في دبار قد وضعها له الأوّلون، وتأتي العرب فتحمله إلى خزائن السلاح السلطانية. وأما عجائبها فكثيرة: (منها) جبل الطير «2» شرقيّ النيل، مقابل منية أبي خصيب، فيه صدع يأتي إليه جنس البواقير من الطير، وهو المعروف بالبحّ في يوم من السنة فيضعون مناقيرهم في ذلك الصدع واحدا بعد واحد حتى يتعلق منها واحد في ذلك الصدع فيتركونه ويذهبون «3» . قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات» : قال أبو بكر الموصلي: سمعت من أعيان تلك البلاد أنه إذا كان العام مخصبا، يقبض على طائرين، وإن كان متوسطا، يقبض على طائر واحد، وإن كان جدبا، لم يقبض على شيء.

(ومنها) مكان بالجبل الشرقيّ عن النيل، على القرب من أنصنا «1» به تلال رمل إذا صعد إلى أعلاها وكسح الرمل إلى أسافلها سمعت له أصوات كالرعد، يسمع من البر الغربيّ من النيل. وقد أخبرني بعض أهل تلك البلاد أنه إذا كان الذي صعد على ذلك المكان جنبا أو كانوا جماعة فيهم جنب، لم يسمع شيء من تلك الأصوات لو كسح الرمل. (ومنها) مكان بالجبل المذكور على القرب من إخميم به تلال رمل إذا كسحها الإنسان من أعلى إلى أسفل، عادت إلى ما كانت عليه وارتفع الرمل من أسفلها إلى أعلاها. قال في «الروض المعطار» : وعلى النيل جبل يراه أهل تلك الناحية من انتضى سيفه وأولجه فيه وقبض على مقبضه بيديه جميعا، اضطرب السيف في يديه وارتعد فلا يقدر على إمساكه ولو كان أشدّ الناس؛ وإذا حدّ بحجارة هذا الجبل سكّين أو سيف لا يؤثر فيه حديد أبدا، وجذب الإبر والمسالّ أشدّ جذبا من المغناطيس، ولا يبطل فعلها بالثوم كما يبطل المغناطيس، أما الحجر نفسه فإنه لا يجذب. قال القضاعيّ: وبجبل زماخير الساحرة «2» يقال إن فيه خلقة من الجبل ظاهرة مشرفة على النيل لا يصل إليها أحد يلوح فيها خط مخلوق «باسمك اللهم» . وعلى القرب من الطّور عين ماء في أجمة رمل ينبع الماء من وسطها فوّارات لطيفة وينبسط ماؤها حولها نحو الذراع، ثم يغوص في الرمل فلا يظهر له

المقصد الثالث في ذكر نيلها ومبدئه وانتهائه، وزيادته ونقصه وما تنتهي إليه زيادته، وما تصل إليه في النقص، وقاعدته

أثر، ولا يعرف أحد إلى أين يذهب، وهي على ذلك مدى الدهور والأيام لا ينقطع نبعها، ولا يجتمع ماؤها في مكان يدركه البصر؛ وعجائبها أكثر من أن تذكر. المقصد الثالث في ذكر نيلها ومبدئه وانتهائه، وزيادته ونقصه وما تنتهي إليه زيادته، وما تصل إليه في النقص، وقاعدته أمّا ابتداؤه وانتهاؤه، فاعلم أن ابتداءه من أوّل الخراب الذي هو جنوبي خط الاستواء المقدّم ذكره، ولذلك عسر «1» الوقوف على حقيقة خبره. وقد ذكر الحكماء أنه ينحدر من جبل القمر، إما (بفتح القاف والميم كما هو المشهور، وإما بضم وسكون الميم) كما نقله في «تقويم البلدان» «2» عن ضبط ياقوت «3» في «المشترك» وابن سعيد في «معجمه» . قال في «رسم المعمور» «4» : وطرفه الغربي عند طول [ست وأربعين] ونصف وعرض إحدى عشرة ونصف في الجنوب، وطرفه الشرقي حيث الطول إحدى وستون درجة ونصف والعرض بحاله. قال في الرسم: ولونه أحمر. وذكر الطوسيّ «5» أنهم شاهدوه على بعد، ولونه أبيض لما غلب عليه من الثلج. واعترضه

في «تقويم البلدان» بأن عرض إحدى عشرة في غاية الحرارة لا سيّما في الجنوب لحضيض الشمس. قال بطليموس «1» : والنيل ينحدر من الجبل المذكور من عشرة مسيلات، بين كل مسيلين منها درجة في الطول المقدّم بيانه، والغربيّ منها وهو الأوّل، عند طلوع ثمان وأربعين درجة، والثاني عند طلوع تسع وأربعين، وعلى ذلك حتّى يكون العاشر منها عند طلوع سبع وخمسين، كل مسيل منها نهر، ثم تجتمع العشرة وتصب في بطيحتين «2» كلّ خمسة منها تصب في بطيحة، ثم يخرج من كل واحدة من البطيحتين أربعة أنهار، ثم تتفرّع إلى ستة أنهار، وتسير الستة في جهة الشمال حتّى تصب في بحيرة مدوّرة عند خط الاستواء تعرف ببحيرة كوري، فيفترق النيل منها ثلاث فرق، ففرقة تأخذ شرقا وتذهب إلى مقدشو «3» من بلاد الحبشة المسلمين على ساحل البحر الهنديّ مقابل بلاد اليمن. وفرقة تأخذ غربا وتذهب إلى التّكرور «4» وغانة من مملكة مالي من بلاد السّودان، وتمرّ حتى تصب في البحر المحيط الغربيّ عند جزيرة أوليل «5» وتسمّى نيل السودان وفرقة تأخذ شمالا- وهي نيل مصر- فيمر في الشّمال على بلاد زغاوة «6» ، وهي أوّل ما يلقى من

بلاد السودان. ثم يمرّ على بلاد النّوبة حتّى ينتهي إلى مدينتها دنقلة «1» الآتي ذكرها في الكلام على ممالك السّودان. ثم يمرّ شمالا بميلة إلى الغرب إلى طول إحدى وخمسين، وعرض سبع عشرة على حاله. ثم يمرّ مغرّبا بميلة قليلة إلى الشّمال إلى طول اثنتين وثلاثين، وعرض تسع عشرة. ثم يرجع مشرّقا إلى طول إحدى وخمسين. ثم يمرّ في الشمال إلى الجنادل، وهو الجبل الذي ينحدر عليه النيل بين منتهى مراكب النّوبة في انحدارها ومراكب مصر في صعودها، حيث الطول ست وخمسون درجة، والعرض اثنتان وعشرون درجة. ثم يمرّ شمالا إلى مدينة أسوان الآتي ذكرها في أعمال الدّيار المصرية على القرب من الجنادل المقدّمة الذكر. ويمرّ شمالا بميلة إلى الغرب إلى طول ثلاث وخمسين، وعرض أربع وعشرين ثم يشرق الى طول خمس وخمسين. ثم يأخذ في الشمال حتى ينتهي إلى مدينة الفسطاط الآتي ذكرها في قواعد مصر المستقرّة. ويمتدّ في جهة الشّمال أيضا حتّى يصير بالقرب من قرية تسمّى شطّنوف «2» من قرى مصر، من عمل منوف فيفترق بفرقتين: فرقة شرقية وفرقة غربية. فأما

الفرقة الشرقية، فتمرّ في الشّمال حتّى تأتي على قرية تسمّى المنصورة من عمل المرتاحية «1» ، فتتشعب شعبتين، وتمرّ الغربية منهما وهي العظمى إلى دمياط من شرقيها، وتصب في بحر الروم حيث الطول ثلاث وخمسون درجة وخمسون دقيقة، والعرض إحدى وثلاثون وخمس وعشرون دقيقة؛ وتمر الشرقية منهما على أشموم طناح «2» ، من غربيها حتّى تجاوز بلاد المنزلة «3» ، وتصب في بحيرة شرقيّ دمياط حتّى بحيرة تنّيس حيث الطول أربع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة. وأما الفرقة الغربية، فتمر من شطّنوف المقدّم ذكرها حتّى تأتي بالقرب من قرية تسمى بأبي نشّابة «4» من عمل البحيرة فتتشعب شعبتين، الغربية منهما وهي العظمى تأخذ شمالا بين عمل البحيرة من شرقيها وبين جزيرة بني نصر «5» من غربيها، والشرقية تأخذ شمالا أيضا بين جزيرة بني نصر من شرقيها، وبين عمل الغربية من غربيها. ويسمّى هذا البحر بحر أبيار «6» ، ويمر حتّى يلتقي مع الفرقة الغربية عند قرية تسمّى الفرستق من الغربية بالقرب من مدينة أبيار المنسوب إليها البحر المقدّم ذكره، ويصير شعبة واحدة ويمرّ حتّى يصب في البحر الروميّ غربي قرية تسمّى رشيد «7» حيث الطول ثلاث وخمسون، والعرض إحدى وثلاثون.

ومن هذه الفرقة يتفرّع خليج صغير يدخل إلى بحيرة نستروه «1» الآتي ذكرها في جملة البحيرات، ويتفرع من كل فرقة من هذه الفرق وما يليها من أعلى النيل خلجان يأتي ذكر المشهور منها فيما بعد إن شاء الله تعالى. وأما زيادته ونقصه، فقد اختلف في مدد زيادته، فنقل المسعوديّ عن العرب أنه يستمد من الأنهار والعيون. ولذلك تغيض الأنهار والعيون عند زيادته. وإذا غاض زادت؛ ويؤيده ما روى القضاعيّ بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: «إنّ نيل مصر سيّد الأنهار، سخر الله له كلّ نهر بين المشرق والمغرب أن يمدّه فأمدّته الأنهار بمائها، وفجّر الله له الأرض عيونا فانتهى جريه إلى ما أراد الله فأوحى الله إلى كل منها أن يرجع إلى عنصره» . ويقال عن أهل الهند: زيادته ونقصه بالسيول، ويعرف ذلك بتوالي الأنواء وكثرة الأمطار، وركود السحاب. وقالت القبط: زيادته من عيون في شاطئه رآها من سافر ولحق بأعاليه؛ ويؤيده ما رواه القضاعي بسنده إلى يزيد بن أبي حبيب «2» «أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال لكعب الأحبار أسألك بالله! هل تجد لهذا النيل في كتاب الله عز وجل خبرا؟ قال: إي والله! إن الله عز وجل يوحي إليه في كل عام مرتين، يوحي إليه عند خروجه فيقول إن الله يأمرك أن تجري، فيجري ما كتب الله له، ثم يوحي إليه بعد ذلك فيقول: يا نيل إن الله يأمرك أن تنزل، فينزل» . ولا شك أن جميع الأقوال المتقدّمة فرع لهذا القول، وهو أصل لجميعها. وبكل حال فإنه يبدأ بالزيادة في الخامس من بؤنه «3» من شهور القبط. وفي

ليلة الثاني عشر منه يوزن الطّين، ويعتبر به زيادة النيل بما أجرى الله تعالى العادة به، بأن يوزن من الطين الجافّ الذي يعلوه ماء النيل زنة ستة عشر درهما «1» على التحرير، ويرفع في ورقة أو نحوها ويوضع في صندوق أو غير ذلك، ثم يوزن عند طلوع الشمس فمهما زاد اعتبرت زيادته كل حبة خروب بزيادة ذراع» على الستة عشر درهما. وفي السادس والعشرين منه يؤخذ قاع البحر وتقاس عليه قاعدة المقياس التي تبنى عليها الزيادة. وفي السابع والعشرين ينادى عليه بالزيادة، ويحسب كل ذراع ثمانية وعشرين أصبعا إلى أن يكمل اثني عشر ذراعا، فيحسب كل ذراع أربعا وعشرين أصبعا، فإذا وفّى ستة عشر ذراعا، وهو المعبر عنه بماء السلطان، كسر خليج القاهرة، وهو يوم مشهود، وموسم معدود، ليس له نظير في الدنيا؛ وفيه تكتب البشارات بوفاء النيل إلى سائر أقطار المملكة، وتسير بها البرد «3» ، ويكون وفاؤه في الغالب في مسرى «4» من شهور القبط، وفيها جلّ زيادته.

وفي النيروز «1» ، وهو أول يوم من توت «2» يكثر قطع الخلجان والتّرع عليه، وربما اضطرب لذلك ثم عاد. وفي عيد الصليب، وهو السابع عشر من توت المذكور يقطع عليه غالب بقية التّرع. وقد حكى القضاعيّ عن ابن عفير «3» وغيره عن القبط المتقدّمين أنه إذا كان الماء في اثني عشر يوما من مسرى اثني عشر ذراعا، فهي سنة ماء، وإلا فالماء ناقص، وإذا تمّ الماء ستة عشر ذراعا قبل النيروز فالماء يتم، ثم غالب وفائه يكون في النصف الأول من مسرى، وربما وفى في النصف الثاني منها، وقد يتأخر عن ذلك. وفي الثامن من بابه «4» يكون نهاية زيادته. ورأيت في «تاريخ النيل» «5» أنه تأخر وفاؤه في سنة ثمان وسبعمائة إلى تاسع عشر بابه فوفى ستة عشر ذراعا، وزاد أصبعين بعد ذلك في يومين: كل يوم أصبع بعد أن استسقى الناس أربع مرات، وهذا مما لم نسمع بمثله في دهر من الدهور. وقد جرت عادته أنه من حين ابتداء النداء بزيادته في السابع والعشرين من بؤنه إلى آخر أبيب «6» تكون زيادته خفيفة ما بين أصبعين فما حولهما إلى نحو

العشرة، وربما زاد على ذلك. فإذا دخلت مسرى، اشتدّت زيادته وقويت، فيزيد العشرة فما فوقها، وربما زاد دون ذلك. وأعظم ما تكون زيادته على القرب من الوفاء حتّى ربما بلغ سبعين أصبعا. ومن العجيب أنه يزيد في يوم الوفاء سبعين أصبعا مثلا، ثم يزيد في صبيحة يوم الوفاء أصبعين فما حولهما، ويتم على ذلك. وله في آخر بابه زيادة قليلة يعبر عنها بصبّة بابه لما ينصبّ إلى النيل من ماء الأملاق «1» . وقد ذكر عبد الرحمن بن عبد الله بن الحكم «2» وغيره: أنه لما فتح المسلمون مصر أتى أهلها إلى عمرو بن العاص حين دخل شهر بؤنة، فقالوا: أيّها الأمير إن لنيلنا هذا سنّة لا يجري إلا بها، وهو أنه إذا كان اثنا عشر من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر من أبويها فأرضيناهما فيها، وزيناها بأفضل الزينة، وألقيناها فيه. فقال: هذا مما لا يكون في الإسلام، فأقاموا أبيب ومسرى وهو لا يزيد قليلا ولا كثيرا، فلما رأى عمرو ذلك كتب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعرّفه ذلك، فكتب إليه أن أصبت، وكتب رقعة إلى النيل فيها: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر. أما بعد، فإن كنت تجري من قبلك، فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهّار الذي يجريك، فنسأل الله أن يجريك. وبعث بها إليه، فألقاها في النيل، وقد تهيأ أهل مصر للخروج منها، فأصبحوا يوم الصليب، وقد بلغ في ذلك اليوم ستة عشر ذراعا.

ويروى أنه وقع مثل ذلك في زمن موسى عليه السلام، وهو أن موسى عليه السلام دعا على آل فرعون، فحبس الله عنهم النيل حتّى أرادوا الجلاء، فرغبوا إلى موسى فدعا لهم بإجراء النيل رجاء أن يؤمنوا، فأصبحوا وقد أجراه الله في تلك الليلة ستة عشر ذراعا. ورأيت في «تاريخ النيل» المتقدّم ذكره: أنه في زمن المستنصر «1» أحد خلفاء الفاطميين بمصر مكث النيل سنتين لم يطلع، وطلع في السنة الثالثة وأقام إلى الخامسة لم ينزل، ثم نزل في وقته ونضب الماء عن الأرض، فلم يوجد من يزرعها لقلة الناس؛ ثم طلع في السنة السادسة وأقام حتّى فرغت السابعة، ولم يبق إلا صبابة «2» من الناس، ولم يبق في الأقاليم ما يمشي على أربع غير حمار يركبه الخليفة المستنصر، وأنه وفّى ست عشرة ذراعا «3» في ليلة واحدة بعد أن كان يخاض من برّ إلى برّ؛ وأقل ما انتهى إليه قاع النيل في النقص ذراع واحد وعشرة أصابع، ووقع ذلك من سنة الهجرة وإلى آخر الثمانمائة مرتين فقط: المرّة الأولى- في سنة خمس وستين ومائة من الهجرة. وبلغ النيل فيها أربع عشرة ذراعا وأربعة عشر أصبعا. والمرة الثانية- في سنة خمس وثمانين وأربعمائة. وبلغ فيها سبع عشرة ذراعا وخمسة أصابع. وقد وقع مثل ذلك في زماننا، في سنة ست وثمانمائة. وأغي ما انتهى إليه القاع في الزيادة مما رأيته مسطورا إلى آخر سنة خمس وعشرين وسبعمائة تسعة أذرع. وسمعت بعض الناس يقول إنه في سنة خمس وستين وسبعمائة كان القاع اثنتي عشرة ذراعا.

وأقل ما بلغ النقص في نهاية الزيادة اثنا عشر ذراعا وأصبعان، وذلك في سنة أربع وعشرين وأربعمائة، وأغي ما كان ينتهي إليه في الزمن المتقدّم ثمانية عشر ذراعا حتّى تعجب الناس من نيل بلغ تسع عشرة ذراعا في زمن عمر بن عبد العزيز، ثم انتهى في المائة السابعة إلى أن صار يجاوز العشرين في بعض الأحيان. ومن العجيب أنه في سنة تسع وسبعين وثلاثمائة كان القاع على تسع أذرع، ولم يوف بل بلغ خمس عشرة ذراعا وخمس أصابع؛ وفي سنين كثيرة كان القاع فيها دون الذراعين، وجاوز الوفاء إلى ثماني عشرة ذراعا فما دونها. ولا عبرة بقول المسعوديّ في «مروج الذهب» إن أقل ما يكون القاع ثلاثة أذرع، وإنه في مثل تلك السنة يكون متقاصرا، فقد تقدّم ما يخالف ذلك وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ «1» . قلت: وقد جرت عادة صاحب المقياس، أنه يعتبر قياسه زمن الزيادة في كل يوم وقت العصر، ثم ينادي عليه من الغد بتلك الزيادة أصابع من غير تصريح بذرع إلا أنه يكتب في كل يوم رقاعا لأعيان الدولة من أرباب السيوف والأقلام، كأرباب الوظائف من الأمراء، وقضاة القضاة «2» من المذاهب الأربعة، وكاتب السرّ وناظر

الخاص «1» ؛ وناظر الجيش «2» ، والمحتسب «3» ، ومن في معناهم؛ فيذكر زيادته في ذلك اليوم من الشهر العربيّ وموافقه من القبطيّ من الأصابع وما صار إليه من الأذرع ويذكر بعد ذلك ما كانت زيادته في العام الماضي في ذلك اليوم من الأصابع وما صار إليه من الأذرع والبعادة بينهما بزيادة أو نقص، ولا يطلع على ذلك عوامّ الناس ورعاعهم؛ فإذا وفّى ستة عشر ذراعا صرح في المناداة في كل يوم بما زاد من الأصابع، وما صار إليه من الأذرع، ويصير ذلك مشاعا عند كل أحد. وأما مقاييسه، فقد ذكر إبراهيم بن وصيف شاه في كتاب «4» «العجائب» أن أول من وضع مقياسا للنيل (خصليم) السابع من ملوك مصر بعد الطوفان: صنع بركة لطيفة وركب عليها صورتي عقاب من نحاس: ذكر وأنثى، يجتمع عندها

كهنتهم وعلماؤهم في يوم مخصوص من السنة، ويتكلمون بكلام فيصفّر أحد العقابين. فإن صفّر الذكر استبشروا بزيادة النيل، وإن صفّرت الأنثى استشعروا عدم زيادته فهيّأوا ما يحتاجون إليه من الطعام لتلك السنة. قال المسعودي: وقد سمعت جماعة من أهل الخبرة يقولون: إن يوسف عليه السلام حين بنى الأهرام اتخذ مقياسا لمعرفة زيادة النيل ونقصانه. قال القضاعيّ: وذلك بمدينة منف «1» وقيل: إن النيل كان يقاس بأرض يقال لها علوة «2» إلى أن بني مقياس منف، وأن القبط كانت تقيس عليه إلى أن بطل. قلت: وموضع المقياس بمنف إلى الآن معروف على القرب من الأهراء اليوسفية من جهة البلدة المعروفة بالبدرشين، وقيل كانوا يقيسونه بالرّصاصة «3» . قال المسعوديّ: ووضعت دلوكة العجوز ملكة مصر بعد فرعون مقياسا بأنصنا صغير الأذرع، ووضعت مقياسا آخر بإخميم، ووضعت الرّوم مقياسا بقصر الشّمع «4» . قال القضاعيّ: وكان المقياس قبل الفتح بقيساريّة الأكسية بالفسطاط إلى أن ابتنى المسلمون أبنيتهم بين الحصن والبحر؛ ثم جاء الإسلام وفتحت مصر والمقياس بمنف.

كان النيل يقاس بمنف ويدخل القيّاس إلى الفسطاط فينادي به، ثم بنى عمرو بن العاص مقياسا بأسوان، ثم بنى مقياسا بدندرة «1» ، ثم بنى في أيام معاوية مقياسا بأنصنا. فلما ولي عبد العزيز بن مروان «2» مصر، بنى مقياسا صغير الأذرع بحلوان من ضواحي الفسطاط؛ ثم لما ولي أسامة بن زيد التّنوخي بنى مقياسا في جزيرة الصّناعة المعروفة الآن بالروضة بأمر سليمان بن عبد الملك أحد خلفاء بني أميّة سنة سبع وتسعين من الهجرة، وهو أكبرها ذرعا؛ ثم بنى المتوكّل «3» مقياسا أسفل الأرض بالجزيرة المذكورة في سنة سبع وأربعين ومائتين في ولاية يزيد بن عبد الله «4» على مصر، وهو المعمول عليه إلى زماننا هذا. وكانت النصارى تتولّى قياسه فعزلهم المتوكل عنه ورتّب فيه أبا الردّاد عبد الله بن عبد السلام بن أبي الردّاد المؤدّب «5» ، وكان رجلا صالحا، فاستقرّ قياسه في بنيه إلى الآن؛ ثم أصلحه أحمد بن طولون في سنة تسع وخمسين ومائتين. ثم كل ذراع يعتبر بثمانية وعشرين أصبعا إلى تمام اثنتي عشرة ذراعا، ثم

يكون كل ذراع أربعة وعشرين أصبعا، فلما أرادوا وضعه على ستة عشر ذراعا، وزعوا الذراعين الزائدين، وهما ثمانية وأربعون أصبعا على اثني عشر ذراعا لكل ذراع منها أربعة أصابع، فصار كل ذراع ثمانية وعشرين أصبعا، وبقي الزائد على ذلك كل ذراع أربعة وعشرون أصبعا. قال القضاعي: وكان سبب ذلك فيما ذكره الحسن «1» بن محمد بن عبد المنعم في رسالة له أن المسلمين لما فتحوا مصر عرض على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يلقاه أهلها من الغلاء عند وقوف النيل في حدّ المقياس لهم فضلا عن تقاصره، ويدعوهم ذلك إلى الاحتكار، والاحتكار يدعوهم إلى زيادة الأسعار، فكتب عمر إلى عمرو بن العاص يسأله عن حقيقة ذلك، فأجابه: إني وجدت ما تروى به مصر حتّى لا يقحط أهلها أربع عشرة ذراعا، والحد الذي يروى منه سائرها حتّى يفضل عن حاجتهم ويبقى عندهم قوت سنة أخرى ست عشرة ذراعا، والنهايتان المخوفتان في الزيادة والنقصان، في الظمأ والاستبحار «2» ، اثنتا عشرة ذراعا في النقصان وثماني عشرة ذراعا في الزيادة. فاستشار عمر رضي الله عنه عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه في ذلك، فأشار بأن يكتب إليه أن يبني مقياسا، وأن يفضّ ذراعين على اثنتي عشرة ذراعا، ويبقي ما بعدهما على الأصل. قال القضاعيّ: وفي هذا نظر في وقتنا لزيادة فساد الأنهار، وانتقاض الأحوال، وشاهد ذلك أن المقاييس القديمة الصعيدية من أولها إلى آخرها أربعة وعشرون أصبعا كل ذراع بغير زيادة على ذلك. قال المسعوديّ: فإذا تم النيل خمس عشرة ذراعا، ودخل في ست عشرة، كان فيه صلاح لبعض الناس ولا يستسقى فيه، وكان فيه نقص من خراج السلطان. وإذا انتهت الزيادة إلى ستة عشر ذراعا، ففيه تمام خراج السلطان وأخصب الناس،

المقصد الرابع في ذكر خلجانها وخلجانها القديمة ستة خلج:

وفيه ظمأ ربع البلد، وهو ضارّ للبهائم لعدم المرعى. قال: وأتم الزيادات العامة النافعة للبلد كله سبع عشرة ذراعا، وذلك كفافها وريّ جميع أرضها. وإذا زاد على السبع عشرة ذراعا وبلغ ثماني عشرة، استبحر من مصر الربع، وفي ذلك ضرر لبعض الضيّاع. قال: وذلك أكثر الزيادات. قلت: هذا ما كان عليه الحال في زمانه وما قبله وكان الحال جاريا على ما ذكره في غالب السنين إلى ما بعد السبعمائة. أما في زماننا، فقد علت الأرض مما يرسب عليها من الطين المحمول مع الماء في كل سنة وضعفت الجسور، وصار النيل بحكمة الله تعالى إلى ثلاثة أقسام: متقاصرة وهي ست عشرة ذراعا فما حولها؛ ومتوسطة وهي سبع عشرة ذراعا إلى ثمان عشرة ذراعا فما حولها؛ وعالية وهي ما فوق ثمان عشرة، وربما زادت على العشرين. المقصد الرابع في ذكر خلجانها «1» وخلجانها القديمة ستة خلج: الخليج الأول المنهى وهو الخليج الذي حفره «يوسف الصدّيق عليه السلام» ومخرجه بالقرب من دروة سربام «2» ، من عمل الأشمونين الآتي ذكرها، وهي المعروفة بدروة

الشّريف، ويأخذ شمالا إلى مدينة البهنسى، ثم إلى قرية اللاهون «1» من عمل البهنسى، ويمرّ في الجبل حتّى يجاوزه إلى إقليم الفيّوم، ويمرّ بمدينته وينبثّ في نواحيه. وهذا النهر من غرائب أنهار الدنيا تجفّ فوّهته في أيام نقص النيل، وباقيه يجري في موضع ويجف في آخر إلى إقليم الفيّوم، فيجري شتاء وصيفا من أعين تتفجر منه ولا يحتاج إلى حفر قطّ. ويقال: إن «يوسف عليه السلام» حفره بالوحي ومياهه منقسمة على استحقاق مقدّر، كما في دمشق من البلاد الشامية. وقال في «الروض المعطار» : وكانت مقاسمه بحجر اللّاهون على القرب من القرية المنسوبة إليه المتقدّمة الذكر. قال: وهو من عجائب الدنيا، وهو شاذروان بين قبتين من أحكم صنعة، مدرّج على ستين درجة، فيها فوّارات في أعلاها وفي وسطها وفي أسفلها، يسقي الأعلى الأرض العليا، والأوسط الأرض الوسطى، والاسفل الأرض السّفلى بوزن وقدر معلوم. قال: ويقال إن يوسف عليه السلام عمله بالوحي، وإنّ ملك مصر يومئذ لما عاينه قال هذا من ملكوت السماء. ويقال إنه عمل من الفضّة والنّحاس والرخام. قلت: قد ذهبت معالم هذا اللاهون وبقي بعض بنائه ونقلت المقاسم الى مكان آخر بالفيوم تسقى الآن الأراضي على حكمها.

الخليج الثاني خليج القاهرة الذي يكسر سده يوم وفاء النيل

ومن غرائب أمره أن به التماسيح التي لا تحصى كثرة، ولم يشتهر في زمن من الأزمان أنها آذت أحدا قطّ. الخليج الثاني خليج القاهرة الذي يكسر سدّه يوم وفاء النيل حفره عمرو بن العاص وهو أمير مصر، في خلافة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه. قال القضاعيّ: أمر بحفره عام الرّمادة «1» في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وساقه إلى بحر القلزم، فلم يتم عليه الحول حتّى جرت فيه السفن وحمل فيها الزاد والأطعمة إلى مكّة والمدينة، ونفع الله بذلك أهل الحجاز. وذكر الكنديّ في كتاب «الجند العربي» أن حفره كان سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وفرغ منه في ستة أشهر، وجرت فيه السفن ووصلت إلى الحجاز في الشهر السابع. قال الكنديّ: ولم يزل يحمل فيه الطعام حتّى حمل فيه عمر بن العزيز، ثم أضاعته الولاة فترك وغلب عليه الرمل، وصار منتهاه إلى ذنب التّمساح من ناحية الطّور والقلزم «2» .

وذكر ابن قديد: أن أبا جعفر المنصور أمر بسده حين خرج عليه محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ليقطع عنه الطعام. ولم يكن عليه قنطرة إلى أن بنى عليه عبد العزيز بن مروان قنطرة في سنة تسع [وستين] «1» . وقد ذكر «2» المسعودي في «مروج الذهب» أنه انقطع جريان هذا الخليج عن الإسكندرية إلى سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة لردم جميعها وصار شرب أهلها من الآبار. قال ابن عبد الظاهر: وليس لها أثر في هذا الزمان. قال: وإنما بنى السلطان الملك الصالح أيوب ابن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب هاتين القنطرتين الموجودتين الآن على بستان الخشاب وباب الخرق «3» ، يعني قنطرة السدّ وقنطرة باب الخرق في سنة نيف وأربعين وستمائة. وذكر في موضع آخر من خططه أن القنطرة التي عليه خارج باب القنطرة بناها القائد جوهر «4» سنة ستين وثلاثمائة؛ وقنطرة اللؤلؤة- وهي التي كانت بالقرب من ميدان القمح، وبعضها باق إلى الآن- من بناء الفاطميين أيضا؛ واللؤلؤة التي تنسب هذه القنطرة إليها منظرة «5» على برّ الخليج القبليّ، بناها الظاهر لإعزاز دين

الخليج الثالث خليج السردوس

الله الفاطميّ «1» ، كانت مستنزها لخلفاء الفاطميين ينزلون فيها في أيام النيل ويقيمون بها إلى آخر النيل. قلت: أما باقي القناطر التي على هذا الخليج: كقنطرة عمر شاه، وقنطرة سنقر، وقنطرة أمير حسين، فكلها مستحدثة في الدولة التركية، وغالبها في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون. قال ابن أبي المنصور في «تاريخه» : وأوّل من رتب حفره على الناس المأمون بن البطائحي «2» ، وكذلك البساتين في دولة الأفضل «3» ، وجعل عليه واليا بمفرده. الخليج الثالث خليج السّردوس ويقال السّردوسي بزيادة ياء في آخره، وهو الذي حفره هامان لفرعون. قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات» : ويقال: إنه لما حفره سأله أهل البلاد أن يجريه إليهم على أن يجعلوا له على ذلك مالا، فتحصّل له من ذلك مائة ألف دينار فحملها إلى فرعون، فقال: ويحك! إنه ينبغي للسيد أن يعطف على عبيده ولا ينظر إلى ما في أيديهم، وأمر بردّ المال إلى أربابه.

الخليج الرابع خليج الإسكندرية

قال «1» : وكان هذا الخليج أحد نزهات الدنيا يسار فيه يوما بين بساتين مشتبكة وأشجار ملتفّة وفواكه دانية. قلت: أما الآن فقد ذهب ذلك، وبطل الخليج وعوّض عنه ببحر أبي المنجا «2» الآتي ذكره. الخليج الرابع خليج الإسكندرية وهو خليج مخرجه من الفرقة الغربية من النيل عند قرية تسمّى العطف «3» تقابل فوّة «4» ، مدينة المزاحمتين، ويميل غربا حتّى يتصل بجدران الإسكندرية، وتدخل منه قناة تحت الأرض إلى داخلها، ويتشعب منها شعب كثيرة تدخل دورها، وتخرج من دار إلى أخرى، ويخالط آبارها فيحلو ماؤها وتملأ منها صهار يجها حينئذ فتمكث من السنة إلى السنة. وكانت فوّهة هذا الخليج فيما تقدم جنوبي فوّهته الآن عند قرية تسمّى الظاهرية «5» من عمل البحيرة، وكان يمرّ على دمنهور مدينة البحيرة، ثم نقل إلى مكانه الآن ويقال إن أرضه في القديم كانت مفروشة بالبلاط.

الخليج الخامس خليج سخا

قال في «تقويم البلدان» : وهو من أحسن المنتزهات لأنه مخضرّ الجانبين بالبساتين؛ وفيه يقول ظافر الحدّاد «1» الشاعر السكندريّ: صو عشيّة أهدت لعينك منظرا ... جاء السّرور به لقلبك وافدا روض كمخضرّ العذار وجدول ... نقشت عليه يد الشّمال مباردا والنّخل كالغيد الحسان تزيّنت ... ولبسن من أثمارهنّ قلائدا وقد ذكر المسعوديّ في «مروج الذهب» : أنه انقطع جريان هذا الخليج عن الإسكندرية إلى سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة لردم جميعها، وصار شرب أهلها من الآبار. الخليج الخامس خليج سخا «2» ويقال إن الذي حفره برصا: أحد ملوك مصر بعد الطوفان. الخليج السادس خليج دمياط ولم أقف على تفاصيل أحواله «3» .

[بحر أبي المنجا] أما بحر أبي المنجا، فإنه وإن عظم شأنه مستحدث، حفره الأفضل «1» بن أمير الجيوش وزير المستعلي بالله الفاطميّ. قال ابن أبي المنصور في «تاريخه» : وكان سبب حفره أن البلاد الشرقية كانت جارية في ديوان الخلافة، وكان معظمها لا يروى في أكثر السنين ولا يصل الماء إليها إلا من خليج السّردوس المتقدّم ذكره، أو من غيره من الأماكن البعيدة. وكان يشارف العمل يهوديّ اسمه أبو المنجا، فرغب أهل البلاد إليه في فتح ترعة يصل الماء منها إليهم في ابتدائه فرفع الأمر إلى الأفضل، فركب في النيل في ابتدائه في مركب ورمى بحزم من البوص «2» في النيل وجعل يتبعها بمركبه إلى أن رماها النيل إلى فم ذلك البحر فحفر من هناك، وابتدأ حفره يوم الثلاثاء السادس من شعبان سنة ست وخمسمائة، وأقام الحفر فيه سنتين وغرم فيه مال كثير. وكان في كل سنة تظهر فائدته، ويتضاعف ارتفاع البلاد التي تحته، وغلب عليه إضافته إلى أبي المنجا لتكلمه فيه. فلما عرض على الأفضل ما صرف عليه استعظمه وقال: غرمنا عليه هذا المال العظيم والاسم لأبي المنجا، فسماه البحر الأفضليّ فلم يتم له ذلك ولم يعرف إلا بأبي المنجا، ثم سطى «3» بأبي المنجا المذكور بعد ذلك ونفي إلى الإسكندرية. ولما ولي المأمون بن البطائحي الوزارة تحدّث معه الأمراء في أن يتخذ لفتحه يوما كفتح خليج القاهرة، فابتنى عند سدّه منظرة متسعة ينزل فيها عند فتحه «4» .

المقصد الخامس في ذكر بحيرات الديار المصرية، وهي أربع بحيرات

قلت: وكانت فيه معدّية «1» يعدّى فيها بين قليوب وبيسوس، وكان يحصل للناس بها مشقة عظيمة لكثرة المارّين، فعمر عليها الظاهر بيبرس رحمه الله قنطرة عظيمة بحجر صلد، من غرائب البناء، تمرّ عليها الناس والدواب، فحصل للناس بها الارتفاق العظيم، وهي باقية على جدّتها إلى زماننا. وكان سدّه يقطع في عيد الصليب في سابع عشر توت، ثم استقر الحال على أن يقطع يوم النّوروز، في أوّل يوم من توت حرصا على ريّ البلاد. وأما بقية خلج الديار المصرية المستحدثة وترعها بالوجهين: القبليّ والبحري، فأكثر من أن تحصر، ولكل منها زمن معروف يقطع فيه. المقصد الخامس في ذكر بحيرات الديار المصرية، وهي أربع بحيرات الأولى منها- «بحيرة الفيّوم» «2» ويعبّر عنها بالبركة، وهي بحيرة حلوة «3» بالقرب من الفيوم بين الشمال والغرب عنه، على نحو نصف يوم، يصب فيها فضلات مائه المنصب إليه من خليجه المنهى المتقدّم ذكره، وليس لها مصرف تنصرف إليه لإحاطة الجبل بها، ولذلك غلبت على كثير من قرى الفيّوم وعلا ماؤها على أرضها. قال في «تقويم البلدان» : وطولها شرقا بغرب نحو يوم، وبها أسماك كثيرة تتحصل من صيدها جملة كثيرة من المال؛ وبها من آجام القصب والطّرفاء «4» والبرديّ «5» ما يتحصل منه المال الكثير.

الثانية - «بحيرة بوقير»

الثانية- «بحيرة بوقير» (بضم الباء الموحّدة وسكون الواو وكسر القاف وسكون الياء المثناة تحت وراء مهملة في الآخر) وهي بحيرة ماء ملح يخرج من البحر الرومي بين الإسكندرية ورشيد، ولها خليج صغير مشتق من خليج الإسكندرية المتقدّم ذكره، يأتيها ماء النيل منه عند زيادته؛ وبها من صيد السمك ما يتحصل منه المال الكثير، وفيها من أنواع الطير كلّ غريب، وبجوانبها الملّاحات الكثيرة التي يحمل منها الملح إلى بلاد الفرنج وغيرها. قلت: وقد وقع للسلطان عماد الدين صاحب حماة، رحمه الله، وهم فجعل هذه البحيرة هي بحيرة نستروه الآتي ذكرها؛ على أن هذه البحيرة قد انقطع مددها من البحر الملح في زماننا بواسطة غلبة الرمل على أشتونها «1» الموصل إليها الماء من بحر الروم فجفّت وصارت سبخة «2» طويلة عريضة؛ ومات ما كان يصاد منها من السمك البوريّ، وما يتحصل منها من الملح المنعقد بسواحلها، وعاد على الإسكندرية بواسطة ذلك ضرر كبير لأنه كان الغالب على أهلها أكل السمك ويحصل لهم بالملح رفق «3» كبير. الثالثة- «بحيرة نستروه» (بفتح النون وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة فوق وضم الراء المهملة وسكون الواو وهاء في الآخر) وهي بحيرة ماء ملح أيضا بالقرب من البرلّس في آخر بلاد الأعمال الغربية الآتي ذكرها، متسعة الأرجاء إذا توسطها المركب لا ترى جوانبها لعظمها، لبعد مركزها عن البر، وبالقرب منها قرية تسمّى نستروه، وهي التي تضاف إليها، وداخلها قرية أخرى تسمّى سنجار لا

الرابعة - «بحيرة تنيس»

زرع فيهما ولا نفع، وليس بهما غير صيد السمك، وهي الغاية القصوى فيما يتحصل من المال. قال صاحب حماة: يبلغ متحصل صيد سمكها في كل سنة فوق عشرين ألف دينار مصرية، وليس يساويها بحيرة من البحيرات في ذلك. قلت: وأخبرني بعض مباشريها أنها في زماننا قد تميز متحصلها عن ذلك نحو مثله للاجتهاد في الصيد، وكثرة الضبط وارتفاع السعر. الرابعة- «بحيرة تنّيس» قال السمعانيّ (بكسر التاء المثناة فوق والنون المشدّدة المكسورة ثم ياء مثناة تحت وسين مهملة في الآخر) وهي بحيرة متصلة بالبحر الروميّ أيضا بآخر عمل الدقهلية والمرتاحية الآتي ذكره، وفيها مصبّ بحر أشموم المنفرق من الفرقة الشرقية من النيل، ولذلك يعذب ماؤها في أيام زيادة النيل، وبوسطها تنّيس الآتي ذكرها في الكلام على الكور القديمة. قال صاحب «الروض المعطار» : طمى عليها البحر قبل الفتح الإسلامي بمائة سنة فغرّقها وصارت بحيرة، ويتصل بهذه البحيرة من جهة الغرب «بحيرة دمياط» وهما في الحقيقة كالبحيرة الواحدة «1» . المقصد السادس في ذكر جبالها اعلم أن وادي مصر يكتنفه جبلان شرقا وغربا، يبتدئان من الجنادل المتقدمة الذكر فوق أسوان آخذين من جهة الشّمال على تقارب بينهما بحيث يرى كل منهما من الآخر والنيل مارّ بين جنبتيهما.

فأما الشرقيّ منهما فيمرّ بين النيل وبحر القلزم المتقدّم الذكر حتّى يجاوز الفسطاط فينعطف ويأخذ شرقا حتّى يأتي على آخر بحر القلزم من الشّمال، يرتفع في موضع وينخفض في آخر؛ وفي أوائل هذا الجبل من جهة الجنوب على القرب من مدينة قوص (معدن الزّمرّد) المتقدّم ذكره في خواص الدّيار المصرية، في مغارة طويلة في قطعة جبل عالية، تسمّى قرشنده ليس هناك أعلى منها، وعلى القرب من ذلك (مقطع الرّخام) الملوّن من الأبيض والسّمّاقي وسائر الألوان المستحسنة التي لا تساوى حسنا. ويسمّى الجبل المطلّ منه على النيل مقابل المراغات من عمل إخميم «جبل الساحرة» وأظنه جبل زماخير الساحرة المتقدّمة الذكر في عجائب الدّيار المصرية. ويسمّى الجبل المطل منه على النيل مقابل مدينة منفلوط «جبل أبي فيدة» بفاء وياء مثناة تحت. ويسمّى الجبل المطل منه على النيل مقابل منية بني خصيب من الأشمونين. «جبل الطيلمون» ويعرف الآن بجبل الطّير؛ وقد تقدّم ذكره في جملة عجائب الديار المصرية. ويسمّى ما سامت الفسطاط والقرافة منه «المقطّم» «1» وربما أطلق المقطّم على جميع المقطّم «2» ؛ وقد اختلف «3» في سبب تسميته بذلك، فقيل سمي باسم مقطّم الكاهن كان مقيما فيه لعمل الكيميا. وقال أبو عبد الله اليمني «4» : سمي بالمقطّم بن مصر بن بيصر، وكان عبدا

صالحا انفرد فيه لعبادة الله تعالى. وذكر الكندي في كتاب «فضائل مصر» ما يوافق ذلك: وهو أن عمرو بن العاص رضي الله عنه سار في سفح المقطّم ومعه المقوقس، فقال له عمرو: ما بال جبلكم هذا أقرع ليس عليه نبات كجبال الشام؟ فلو شققنا في أسفله نهرا من النيل وغرسناه نخلا؛ فقال المقوقس: وجدنا في الكتب أنه كان أكثر البلاد أشجارا ونبتا وفاكهة، وكان ينزله المقطّم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام، فلما كانت الليلة التي كلم الله تعالى فيها موسى عليه السلام، أوحى الله تعالى إلى الجبال: إني مكلّم نبيّا من أنبيائي على جبل منك، فسمت الجبال كلّها وتشامخت إلا جبل بيت المقدس فإنه هبط وتصاغر، فأوحى الله تعالى إليه: لم فعلت ذلك؟ وهو به أخبر، فقال: إعظاما وإجلالا لك يا رب! فأمر الله تعالى الجبال أن يحيّوه كل جبل مما عليه من النبت، فجاد له المقطّم بكل ما عليه من النبت حتّى بقي كما ترى، فأوحى الله تعالى إليه إني معوضك على فعلك بشجر الجنة أو غرس الجنة «1» . وأنكر القضاعي وغيره أن يكون لمصر ولد اسمه المقطم، وجعلوه مأخوذا من القطم وهو القطع، لكونه منقطع «2» الشجر والنبات. قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات» : وفيه كنوز عظيمة، وهياكل كثيرة، وعجائب غريبة. ولملوك مصر فيه من الجواهر والذهب والفضة والأواني، والآلات النفيسة، والتماثيل العجيبة، وتراب الصنعة ما يخرج عن حدّ الإحصاء. قال في «الروض المعطار» : وإذا دبّرت تربته حصل منها ذهب صالح. ويلي المقطّم من جهة الشّمال «اليحاميم» «3» وهي الجبال المتفرقة المطلة

على القاهرة من جانبها الشرقي وجبّانتها. قال القضاعي: وقيل لها اليحاميم لاختلاف ألوانها، واليحموم في كلام العرب: الأسود المظلم، ولعله يريد الجبل الأحمر وما والاه. وفي شرقيّ المقطّم على بحر القلزم «طور سينا» «1» الذي كلّم الله تعالى موسى عليه السلام عليه، وهو جبل مرتفع للغاية، داخل في البحر. قال الأزهري «2» : وسمي الطّور بطور بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام. قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات» : ومن خاصّته أنه كيفما كسر، ظهر فيه صورة شجر العليق، وقد بني هناك دير بأعلى الجبل، وغرس بواديه بساتين وأشجار. وأما الغربيّ منهما، فإنه يبتديء من الجنادل أيضا ويمرّ في الشّمال فيما بين

المقصد السابع في ذكر زروعها، ورياحينها، وفواكهها، وأصناف المطعوم بها

بلاد الصعيد والصحراء، ثم فيما بين بلاد الصعيد والواحات، ثم فيما بين بلاد الصعيد والفيّوم حتّى ينتهي إلى مقابل الفسطاط. وهناك موقع الهرمين العظيمين المقدّم ذكرهما على القرب من بوصير؛ ثم ينعطف ويأخذ غربا بشمال فيما بين بلاد ريف الوجه البحري والبرّيّة حتى يجاوز بركة النّطرون، ويمضي إلى قريب من الإسكندرية. ويسمّى فيما سامت الواحات «جبل جالوت» نسبة إلى جالوت البربري «1» . ويتصل به من جنوبي الواحات «جبل الازورد» قيل إن به معدن لازورد، وإنه امتنع استخراجه لانقطاع العمارة هناك. المقصد السابع في ذكر زروعها، ورياحينها، وفواكهها، وأصناف المطعوم بها أما زروعها - فيزرع فيها من أنواع الحبوب المقتاتة وغيرها كالبرّ، والشعير، والذّرة، والأرز، والباقلّى، والحمّص، والعدس، والبسلّا «2» ، والجلبان «3» ، واللّوبيا، والسمسم، والقرطم «4» ، والخشخاش «5» ، والخروع،

وأما رياحينها

والسّلجم «1» ، وبزر الكتّان، والبرسيم «2» ، وغير ذلك. وبها قصب السّكّر في غاية الكثرة، والبطّيخ، والقثّاء على اختلاف أنواعها، والملوخيّا، والقلقاس، واللّفت، والباذنجان، والدّبّاء «3» ، والهليون، والقنّبيط، وأنواع البقول المختلفة، كالثّوم، والبصل، والكرّاث، والفجل وغيرها؛ وعامة زرع حبوبها على النيل عند نزوله عن أرضها من أثناء بابه من شهور القبط إلى أثناء طوبه منها بحسب ما يقتضيه حال الزرع. وربما زرع فيها على السواقي والدواليب «4» ؛ وأكثر ما يكون ذلك في بلاد الصّعيد خصوصا في سني الجدب؛ ويزرع في الفيوم في غير زمن النيل على نهره المنهى المتقدّم ذكره في جملة الأنهار. ولا زرع فيها على المطر إلا القليل النادر بأطراف البحيرة مما لا عبرة به على قلة المطر بها بل فقده بصعيدها. وأما رياحينها - ففيها الآس، والورد، والبنفسج، والنّرجس، والياسمين، والنّسرين، والبان، واللّينوفر، وأزهار المحمضات، والرّيحان الفارسيّ على اختلاف أنواعه، والمنثور فيها بقلة، وإنما كثر بالإسكندرية، إلى غير ذلك من بقايا الأنواع التي يشق استيعابها. وأما فواكهها - ففيها الرّطب، والعنب، والتّين، والرّمّان، والخوخ، والمشمش، والقراصيا، والبرقوق، والتّفّاح، والكمّثرى، والسّفرجل بقلّة، واللّوز

وأما أصناف المطعوم

الأخضر، والنّبق «1» ، والتّوت، والفرصاد «2» ، والموز، ولا يوجد فيها الجوز، والفستق، والبندق، والإجّاص إلّا مجلوبا بعد جفافه، وإن زرع بأرضها شيء من ذلك، لم يفلح؛ والزيتون فيها بقلّة، ولا يستخرج منه زيت البتة وإنما يؤكل ملحا «3» . وفيها من المحمضات: الأترجّ «4» ، والحمّاض، والكباد «5» ، والنّارنج «6» ، واللّيمون، على اختلاف أنواعها. وأما أصناف المطعوم - ففيها ما يستطاب من الألبان، والأجبان، والعسل، الذي لا يساوى حسنا، ولا يشبهه غيره من سائر الأعسال، والسّكّر الكثير: من المكرّر، والتبع، والوسط، والنبات. ومنها يجلب إلى أكثر البلاد. قال في «مسالك الأبصار» : وقد نسي به ما كان يذكر من سكّر الأهواز. وبها من أنواع الحلوى والأشربة المتخذ ذلك من السّكّر، والأشربة الفائقة ما لا يوجد في غيرها من الأقاليم. وبها من لحم الضأن، والبقر، والمعز، ما لا يعادله غيره في قطر من الأقطار لطافة ولذّة. قلت: ومن محاسنها أن فاكهتها لا يدوم نوع منها في جميع السنة فيملّ، بل يأتي كل نوع منها في وقت دون وقت، فتتشوّف النفوس إلى طلبه، ويكون لقدومه بهجة. ولا يعترض ذلك بدوام أكل الجنة، فإن الجنة أكلها لا يملّ بخلاف

المقصد الثامن في ذكر مواشيها، ووحوشها، وطيورها

مآكل الدنيا. ولأهل الرفاهيّة بذلك فرحة، وتتغالى فيه في ابتدائه مع أنه يجتمع في الحين الواحد من الفواكه والرياحين ما لا يحتاج معه في زمنه إلى غيره. قال المهذّب بن ممّاتي «1» في «قوانين الدواوين» : بعثت غلاما لي ليحضر من فكّاهى القاهرة ما وجد بها من أنواع الفاكهة والرياحين فأحضر لي منها الورد، والنّرجس، والبنفسج، والياسمين، والمنثور، والمرسين، والرّيحان، والطّلح، والبلح والجمّار «2» والخيار، والبطّيخ الأخضر، والباقلّى، والتّفّاح، والفقّوس، والأترجّ، والنّارنج، والأشباه «3» ، واللّيمون، والتّمر هندي الأخضر، والعنب، والحصرم. وقال بعض الجوّالين في الآفاق: طفت أكثر المعمور من الأرض فلم أر مثل ما بمصر من ماء طوبه «4» ، ولبن أمشير، وخرّوب برمهات، وورد برموده، ونبق بشنس، وتين بؤنة، وعسل أبيب، وعنب مسرى، ورطب توت، ورمّان بابه، وموز هتور، وسمك كيهك. المقصد الثامن في ذكر مواشيها، ووحوشها، وطيورها أما مواشيها - فمنها الإبل المستجادة، والبقر العظيمات القدود، والأغنام المستطابة اللحوم، والخيول المسوّمة، والبغال النفيسة، والحمر الفارهة مما ليس له نظير في إقليم من الأقاليم، ولا مصر من الأمصار. وأما وحوشها - ففي براريّها: الغزلان، والنّعام، والأرانب، والثّعالب،

وأما طيورها

والضّباع، والذّئاب، وغير ذلك. ويجلب إلى سلطانها الفيلة، والزّرافات، وغيرها من الوحوش من البلاد القاصية، والسّباع من بلاد الشام من مملكته لتكون في إصطبلاته زينة لمملكته. وأما طيورها - ففيها من الطيور الدّواجن في البيوت: الدّجاج، والإوزّ، والحمام؛ ومن الطيور البرّيّة: الصّقر، والعقاب، والنّسر، والكرّكيّ «1» ، واللّغلغ «2» ، والإوزّ التّركي، والمرزم «3» ، والبجع، والبلشون «4» ، والحبرج «5» ، والحجل، والكروان، والسّماني، والبلبل، وسائر أنواع العصافير، والأنواع المختلفة من طيور الماء. ويجلب إلى سلطانها سائر أنواع الجوارح الصائدة على اختلاف أجناسها من أقاصي البلدان، ويقع التغالي في أثمانها للغاية القصوى على ما يأتي ذكره في الكلام على أوصافها إن شاء الله تعالى. المقصد التاسع في ذكر حدودها قد اضطربت عبارات المصنّفين في المسالك والممالك في تحديدها، [حدّها الشّماليّ] والذي عليه الجمهور أن حدّها الشّماليّ، وهو المعبّر عنه عند المصريين بالبحري، يبتديء مما بين الزعقة ورفح عند حدّها من الشام والبحر شماله، ويمتدّ غربا على ساحل البحر المذكور حيث الشجرتان عند الشجرة التي يعلق فيها

وحدها الغربي

العوامّ الخرق وتقول هذه مفاتيح الرمل، عند الكثب المجنبة عن البحر الروميّ، إلى رفح ثم إلى العريش آخذا على الجفار «1» ، إلى الفرما، إلى الطينة، إلى دمياط، إلى ساحل رشيد، إلى الإسكندرية، وهي آخر العمارة بهذا الحدّ. ثم يأخذ على اللينونة، على العميدين، إلى برقة، إلى العقبة الفاصلة بين الديار المصرية وإفريقيّة على ما تقدّم ذكره في الكلام على سواحل البحر الروميّ. وحدّها الغربي - يبتديء من ساحل البحر الروميّ حيث العقبة، ويمتدّ جنوبا، وأرض إفريقيّة غربيه، على ظاهر الفيّوم والواحات حتّى يقع على صحراء الحبشة على ثمان مراحل من أسوان. وحدّها الجنوبيّ - وهو المعبر عنه عند المصريين بالقبليّ، يبتديء من آخر هذا الحدّ بصحراء الحبشة ويمتدّ شرقا، وبلاد الروم من بلاد البرّيّة جنوبيّه حتّى يأتي إلى أسوان، ثم يمتدّ من أسوان شرقا حتّى ينتهي إلى بحر القلزم مقابل أسوان على خمس عشرة مرحلة منها. وحدّها الشرقي - يبتديء من آخر هذا الحدّ ويمتدّ شمالا وبحر القلزم شرقيّه، إلى عيذاب، إلى القصير «2» ، إلى القلزم، إلى السّويس، ثم يأخذ شرقا عن بركة الغرندل التي أغرق الله تعالى فيها فرعون من بحر القلزم إلى تيه بني إسرائيل؛ ثم يعطف شمالا ويمرّ على أطراف الشام حتّى ينحطّ على ما بين الزعقة ورفح ساحل البحر الروميّ حيث وقعت البداءة. وعلى هذا التحديد جرى السلطان عماد الدين صاحب حماة في «تقويم البلدان» والمقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف» إلا أنه في «تقويم البلدان»

جعل ابتداء الحدّ الشماليّ نفس رفح، ونهاية الحدّ الغربيّ حدود بلاد النّوبة؛ وفي «التعريف» جعل ابتداء الحدّ الشمالي ما بين الزعقة ورفح، ونهاية الحدّ الغربي صحراء بلاد الحبشة على ما تقدم في التحديد، والأمر في ذلك قريب. وخالف في ذلك القضاعيّ فجعل ابتداء الحدّ الشّماليّ من العريش، وليس فيه بعد عن رفح بل في الآثار ما يدل عليه، كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى. وجعل الحدّ الجنوبيّ يقطع بحر القلزم وينتهي إلى ساحل الحجاز بالحوراء «1» : أحد منازل طريق الحجاز من مصر؛ والحدّ الشرقيّ يمتدّ على ساحل البحر الشرقيّ إلى مدين، إلى أيلة، إلى تيه بني إسرائيل «2» ، إلى العريش. فأدخل بحر القلزم من حدّ الحوراء إلى نهايته في الشّمال، وما على ساحله من برّ الحجاز مما يسامت العريش كأيلة ومدين ونحوها في أرض مصر. قلت: وفيه نظر، والظاهر ما تقدّم لأن البر الشرقيّ من القلزم معدود من ساحل الحجاز من جملة جزيرة العرب، وهي ناحية على انفرادها؛ وكأن الذي حمل القضاعيّ على ذلك مسامتة هذا الساحل لحدّها بساحل البحر الروميّ على ما تقدّم. واعلم أن جميع المحدّدين لها وإن اختلفت عباراتهم في ابتداء الحدّ الشّمالي الفاصل بينها وبين الشام، هل هو من العريش أو من رفح، أو بين الزعقة ورفح، متفقون على أن ابتداء الحدّ حيث الشجرتان «3» ، وكأنهما شجرتان قديمتان حدّد في الأصل بهما.

المقصد العاشر في ابتداء عمارتها، وتسميتها مصر، وتفرع الأقاليم التي حولها عنها:

قال في «التعريف» : وما إخال الآن بقاء الشجرتين، وإنما هو موضع الشجرة التي تعلّق فيها العوامّ الخرق، ويقولون هذه مفاتيح الرمل عند الكثب المجنبة عن البحر الروميّ قريبا من الزّعقة. قال: فأما الأشجار التي بالمكان المعروف الآن بالخرّوبة «1» ، ويعرف قديما بالعشّ، فهي وإن عظمت محدثة من زمن من حدّد الأقاليم، وليست في موضع ما ذكروه. ثم لها طول وعرض، فطولها ما بين جهتي الشّمال والجنوب، وعرضها ما بين جهتي المشرق والمغرب. وقد قيل: إن طولها مسيرة شهر وعرضها مسيرة شهر. وذكر القضاعي أن ما بين العريش إلى برقة أربعون ليلة. المقصد العاشر في ابتداء عمارتها، وتسميتها مصر، وتفرّع الأقاليم التي حولها عنها: أما ابتداء عمارتها - فقد ذكر المؤرّخون أنها عمرت مرتين: المرّة الأولى- قبل الطّوفان ؛ وأوّل من عمرها قبل الطوفان نقراووس بن مصريم بن براجيل «2» بن رزائيل بن غرباب بن آدم عليه السلام، نزلها في سبعين رجلا من بني غرباب جبابرة، فعمرها. وهو الذي هندس نيلها وحفره حتّى أجراه ووجه إلى البرية جماعة هندسوه وأصلحوه، وبنى المدن وأثار المعادن، وعمل الطلسمات «3» .

المرة الثانية - بعد الطوفان

المرّة الثانية- بعد الطّوفان ، وأوّل من عمرها بعد الطوفان مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام، قدم إليها هو وأبوه بيصر في ثلاثين رجلا من قومه حين قسم نوح الأرض بين بنيه، فنزلوا بسفح المقطّم، ونقروا فيه منازل كبيرة نزلوا بها ثم ابتنوا مدينة منف وسكنوها على ما يأتي ذكره في الكلام على قواعد مصر القديمة إن شاء الله تعالى. قال ابن لهيعة: وكان نوح عليه السلام قد دعا لمصر أن يسكنه الله تعالى الأرض الطيّبة المباركة التي هي أمن البلاد وغوث العباد، ونهرها أفضل الأنهار، ويجعل له فيها أفضل البركات، ويسخّر له الأرض ولولده ويذلّلها لهم، ويقوّيهم عليها. فسأله عنها فوصفها له، وأخبره بها. وأما تسميتها مصر - فقيل: إن نقراووس بن مصريم أوّل ملوكها قبل الطوفان حين عمرها سماها باسم أبيه مصريم تبركا، وإن مصر بن بيصر إنما سمّي باسمه. وأكثر المؤرّخين على أنها سميت بمصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام. وعلى الوجهين تكون علما منقولا عن اسم رجل. وقال الجاحظ في رسالة له في مدح مصر: إنما سميت مصر [بمصر] «1» لمصير الناس إليها. قلت: ويجوز أن تكون سميت مصر لكونها حدّا فاصلا بين بلاد المشرق والمغرب، إذ المصر «2» في أصل لغة العرب اسم للحدّ بين الأرضين كما قاله القضاعي، ومنه قول أهل هجر «3» : اشتريت الدار بمصورها، أي بحدودها.

وأما تفرع الأقاليم التي حولها عنها

قال القضاعيّ: وكيف ما ... «1» أما إن أريد بالمصر البلد العظيم فإنه ينصرف ويجمع على أمصار. وأما تفرّع الأقاليم التي حولها عنها - فعن ابن لهيعه أنه لما استقرّ مصر بن بيصر بهذه البلاد هو وأبوه بيصر وإخوته: فارق، وماح، وياح وكثر أولادهم، قال له إخوته: قد علمت أنك أكبرنا وأفضلنا، وأن هذه الأرض أسكنك إياها جدّك نوح، ونحن نضيّق عليك أرضك، ونحن نطلب إليك بالبركة التي جعلك فيها جدّك نوح أن تبارك لنا في أرض نلحق بها ونسكنها، وتكون لنا ولأولادنا، فقال: نعم عليكم بأقرب البلاد إليّ، لا تباعدوا منيّ، فإن لي في بلادي هذه مسيرة شهر من أربعة وجوه أحوزها لنفسي، وتكون لي ولولدي وأولادهم. فحاز مصر لنفسه ما بين الشجرتين اللتين بالعريش إلى أسوان طولا، ومن برقة إلى أيلة عرضا. وحاز فارق لنفسه ما بين برقة إلى إفريقيّة، فكان ولده الأفارقة، وبذلك سميت «2» إفريقيّة، وذلك مسيرة شهر. وحاز ماح ما بين الشجرتين من منتهى حدّ مصر إلى الجزيرة، مسيرة شهر، وهو أبو نبط الشام. وحاز ياح ما وراء الجزيرة كلها من البحر إلى الشرق مسيرة شهر، فهو أبو نبط العراق. وقد قال القضاعي بعد ذكر حدود مصر الأربعة: وما كان بعد هذا من

المقصد الحادي عشر في ذكر قواعدها القديمة، والمباني العظيمة الباقية على ممر الأزمان، والقواعد المستقرة، وما فيها من الأبنية الحسنة

الجانب الغربي فهو من فتوح أهل مصر وثغورهم من برقة إلى الأندلس. قلت: وذلك أن المسلمين بعد فتح مصر توجهت طائفة «1» منهم إلى إفريقيّة ففتحتها، ثم توجهت طائفة من إفريقيّة إلى الأندلس ففتحته «2» على ما سيأتي ذكره في الكلام على مكاتبات ملوك الغرب إن شاء الله تعالى. المقصد الحادي عشر في ذكر قواعدها القديمة، والمباني العظيمة الباقية على ممرّ الأزمان، والقواعد المستقرّة، وما فيها من الأبنية الحسنة وقواعدها القديمة على ضربين: الضرب الأوّل ما قبل الطوفان والمعروف لها إذ ذاك قاعدتان: القاعدة الأولى- مدينة «أمسوس» وهي أوّل مدينة بنيت بالديار المصرية قبل الطوفان، بناها نقراووس بن مصريم بن براجيل بن رزائيل بن غرباب بن آدم عليه

القاعدة الثانية - مدينة «برسان»

السلام، أوّل ملوك مصر قبل الطوفان، وموضعها خارج الإسكندرية تحت البحر الرومي كما ذكره بعض المؤرّخين، وشقّ لها نهرا يتّصل بها من النيل. القاعدة الثانية- مدينة «برسان» وهي مدينة بناها نقراووس المتقدّم ذكره لابنه مصرايم وأسكنه فيها، ولم أقف على مكانها. الضرب الثاني قواعدها فيما بعد الطوفان والمشهور منها ثلاث قواعد: القاعدة الأولى- مدينة «منف» قال في «تقويم البلدان» : (بكسر الميم وسكون النون وفاء في الآخر) والجاري على الألسنة منف (بفتح الميم) وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» «1» : طولها ثلاث وخمسون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها ثلاثون درجة وعشرون دقيقة، وهي أوّل مدينة بنيت بمصر بعد الطوفان، بناها مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام حين نزل مصر. قال في «الروض المعطار» : وأصلها بالسريانية مافه، ومعناها بالعربية ثلاثون؛ وذلك أن مصر حين نزلها كان في ثلاثين رجلا من أهل بيته، فسماها بعددهم. قال ابن الأنباري في كتابه «الزاهر» «2» : وهي على اثني عشر ميلا من الفسطاط. قلت: ومنف هذه في جنوبي الفسطاط على القرب من البلدة المعروفة

بالبدرشين من عمل الجيزة، وهي المعروفة بمصر القديمة، وقد خربت وصارت كيمانا «1» ، وبها آثار بنيان من الحجر الكذّان «2» يوجد تحت الردم، على القرب من أحجار الأهرام في العظمة والمقدار، وبوسطها آثار برباة «3» بها صنمان عظيمان من حجر صوّان أبيض، طول كل صنم منهما نحو عشرين ذراعا، وهما مطروحان على الأرض، وقد غطّى الطين أسفلهما. وكان على القرب منهما بيت عظيم من حجر أخضر، قطعة واحدة: جوانبه الأربعة وأرضه وسقفه، ولم يزل على ذلك إلى الدولة الناصرية حسن بن الناصر محمد بن قلاوون، وأراد الأمير شيخو أتابك العساكر نقله إلى القاهرة صحيحا فعولج فانكسر فأمر بأن تنحت منه أعتاب فنحتت وجعل منها أعتاب خانقاه «4» وجامعه بصليبة الجامع الطولوني؛ وشرقي هذه المدينة معالم سور مبني بالحجر الكذّان النحيت فصوصا صغارا بالطين والجير الذي قد علمت، لونه لون الحجر. ويقال: إنه سور الأهراء التي بناها يوسف عليه السلام لادخار الحنطة في سنبلها. ويذكر بعض أهل البلاد أنه يوجد بعض السّنبل الذي أخبر به يوسف عليه السلام تحت تلك الأرض إلى الآن. وأنه في المقدار فوق مقدار الحنطة المتعارفة بقليل.

القاعدة الثانية - مدينة «الإسكندرية»

وفي شماليّ هذه المدينة بلدة صغيرة تعرف بالعزيزية، يقال إنها كانت منزلة العزيز وزير الملك، وهناك مكان على القرب منها يعرف بزليخا، وفي غربيّها إلى الشّمال في سفح جبل مصر الغربيّ سجن يوسف عليه السلام، وإلى جانبه مسجد موسى عليه السلام، وعلى القرب من السّور المقدّم ذكره مسجد يعقوب عليه السلام. ويقال: إن النيل كان تحت هذا السّور، وهناك مكان يعرف بالمقياس إلى الآن. القاعدة الثانية- مدينة «الإسكندرية» نسبة إلى الإسكندر بن فيلبس المقدوني ملك اليونان المقدّم ذكره. وقد ذكر القضاعي: أنه كان بها عدة عجائب، من أعجبها المنارة «1» ، وهي منارة مبنية بالحجر والرصاص ارتفاعها في الهواء ثلاثمائة ذراع كل ذراع ثلاثة أشبار، وقيل أربعمائة ذراع، وقيل مائة وثمانون ذراعا، وقيل بالحجر «2» لغلبة الجير فيه، وعلى رأسها مرآة من أخلاط يرى فيها من حضر إليها على بعد؛ وتهتدي بها المراكب السائرة إلى الإسكندرية إذ برها منخفض لا جبال فيها، تحرق بشعاعها ما أرادوا إحراقه من المراكب الواصلة، احتال عليها النصارى في أوائل الإسلام في خلافة الوليد بن عبد الملك الأمويّ فكسروها «3» ، وتداعى هدم المنارة شيئا فشيئا إلى أوساط المائة الثامنة فاستؤصلت وبقي أثرها.

(ومنها) الملعب الذي كانوا يجتمعون فيه في يوم من السنة ثم يرمون بكرة فلا تقع في حجر أحد إلا ملك مصر؛ وإن حضر فيه ألف ألف من الناس كان كل منهم ناظرا في وجه صاحبه، وإن قريء كتاب، سمعوه جميعا، أو أتي بنوع من اللعب رأوه عن آخرهم لا يتظالمون فيه بأكثر من مراتب العلية والسّفلة. وكان من غريب هذا الملعب أن عمرو بن العاص رضي الله عنه حضر فيه في الجاهلية في يوم لعب الكرة فوقعت الكرة في حجره، وهم لا يعرفونه، فتعجب القوم منه وقالوا: ما رأينا هذه الكرة كذبت قطّ إلا هذه المرة، فاتفق أن ملكها في الإسلام. و (عمود السّواري) «1» الذي بظاهر الإسكندرية الآن أحد عمد هذا الملعب، وهو عمود عظيم يرمي الرجل القويّ السهم عن قوس قويّ فلا يبلغ رأسه. (ومنها) عمودا الإعياء، وهما عمودان ملقيان وراء كل منهما جبل حصباؤه كصبر «2» الجمار يقبل العييّ بسبع حصيات حتّى يستلقي على أحدهما، ثم يرمي وراءه بالسبع ويقوم ولا يلتفت، ويمضي لطلبته فلا يحسّ بشيء من تعبه. (ومنها) القبة الخضراء «3» ، وهي قبة ملبسة نحاسا كأنه ذهب إبريز لا يبليه القدم ولا تخلقه الدهور. (ومنها) المسلّتان «4» ، وهما جبلان «5» قائمان على سرطانات نحاس في

أركانهما كل ركن على سرطان، فلو أراد مريد أن يدخل تحتها شيئا إلى الجانب الآخر لفعل. قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات» : وهاتان المسلّتان إحداهما في الركن الشرقي من البلد، والثانية ببعض البلد، وهما عمودان مربّعان من حجر أحمر، وعرض قواعدهما من الجهات الأربع أربعون شبرا، طول كل واحدة منهما خمس قامات، وأعلاها مستدقّ، وعرض «1» قاعدتهما من الجهات الأربع أربعون شبرا. ويقال: إن عليهما مكتوب بالسريانية: «أنا يعمر بن شدّاد، بنيت هذه المدينة وأردت أن أجعل فيها من الآثار المعجزة، والعجائب الباهرة، فأرسلت البتون بن مرة العاديّ ومقدام بن يعمر بن أبي رغال الثمودي إلى جبل بريم الأحمر، فاقتطعوا منه حجرين وحملاهما على أعناقهما، فانكسرت ضلع البتون، فوددت أن أهل مملكتي كانوا فداء له، فأقامهما القطن بن حازم «2» المؤتفكي في يوم السعادة» . وقد قيل فيها: إنها إرم ذات العماد، ولم تزل عامرة إلى الفتح الإسلامي، فلما فتحها «3» عمرو بن العاص كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أما بعد. فإني فتحت مدينة لا أصف ما فيها، غير أني أصبت فيها أربعة آلاف بنية، وأربعة آلاف حمّام، وأربعون ألف يهودي عليهم الجزية، وأربعمائة ملهى للملوك» «4» . ويقال: إنه وجد فيها أربعة آلاف بقّال يبيعون البقل،

القاعدة الثالثة - «قصر الشمع»

وكان فيها من الروم يومئذ مائة ألف من أهل القوّة لحقوا بأرض الروم في المراكب وكان من بقي ستمائة ألف سوى النساء والصبيان. قلت: وقد ذهب جلّ ذلك وزال أكثره، ولم يبق من عجائبها ظاهرا إلا عمود السّواري، وهو عمود عظيم من حجر صوّان خارج المدينة لا يكاد يكون له نظير في الدنيا، ويقال: إنه كان قبلها مدينة في مكانها تسمّى رقودة «1» بناها مصر بن بيصر بن حام بن نوح المتقدّم ذكره حين بنى مدينة منف، وعلى منوالها نسج الإسكندر مدينته. القاعدة الثالثة- «قصر الشّمع» الذي هو داخل مدينة الفسطاط الآن، وهو المعبر عنه في كتب الفتوح بالحصن، بناه كسرجوس الفارسي أحد نواب ملك الفرس عند استيلائهم على مصر بعد غلبة بخت نصّر الآتي ذكره في الكلام على ملوكها. قال القضاعيّ: ولم يكمله وإنما كمله الروم، بعد ذلك «2» ... التي فتحت مصر وهي مقرّة الملوك بها. وقد قيل: إن المقوقس كان يقيم بالإسكندرية أربعة أشهر من السنة، وبمدينة منف أربعة أشهر، وبقصر الشمع أربعة أشهر. واعلم أنه قد كان بالديار المصرية مستقرّات أخرى عظام كانت قواعد

وأما المباني العظيمة الباقية على ممر الأزمان

لبعض ملوكها في بعض الأزمان، ومدن دون ذلك يأتي الكلام على جميعها بعد ذكر الكور القديمة والأعمال المستقرّة إن شاء الله تعالى. وأما المباني العظيمة الباقية على ممرّ الأزمان - فاعلم أن ملوك مصر الأقدمين كان لهم من العناية بالبناء ما ليس لغيرهم، وكانوا يتفاخرون بذلك لإخباره على طول الزمن بعظمة ملكهم واقتدارهم على ما لم يبلغه غيرهم. ومن أعظم أبنيتهم (الأهرام) «1» وهي قبور اتخذوها في غاية الوثاقة حفظا لأجسامهم، وكان لهم بها العناية التامة، وابتنوا منها عدة بالجبل الغربي من النيل، بعضها مقابل الفسطاط، وبعضها ببوصير السّدر وسقّارة ودهشور من الأعمال الجيزية، وبعضها بميدوم من البهنساوية؛ وأعظمها خطرا وأجلّها قدرا الهرمان المقابلان للفسطاط «2» ، يقال إن طول عمود كل هرم منهما ثلاثمائة وسبعة عشر ذراعا «3» ، تحيط بها أربعة سطوح متساوية الأضلاع، طول كل ضلع منها أربعمائة وستون ذراعا. قال أبو الصلت: ليس على وجه الأرض بناء باليد حجر على حجر بهذا المقدار. ويقال: إن لها أبوابا في أزج «4» في الأرض طول كل درج مائة وخمسون ذراعا. وباب الهرم الشرقي من الجهة البحرية، وباب الهرم الغربي من الناحية الغربية. والصابئة «5» تحجّ هذين الهرمين ويقولون: إن أحدهما قبر إدريس عليه السلام، والآخر قبر ابنه صابىء الذي إليه ينتسبون.

وقد اختلف في بانيها فأكثر المؤرخين على أن بانيها سوريد «1» بن سهلوق أحد ملوك مصر قبل الطوفان، الآتي ذكره في الكلام على ملوكها فيما بعد إن شاء الله تعالى، جعلها قبورا لأجسادهم، وكنوزا لأموالهم، حين أخبره منجّموه وكهنته بما دلهم عليه الرّصد النجوميّ من حدوث حادثة تعمّ الأرض؛ ورجحه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وقال: لو بنيت الأهرام بعد الطوفان، لكان علمها عند الناس. وذكر ابن عفير عن أشياخه أن بانيها جيّاد بن مياد بن شمر بن شدّاد بن عاد ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام. قال: ولم تزل مشايخ مصر يقولون: إن الذي بناها شدّاد بن عاد، وذهب المسعودي وغيره إلى أنه بناها يوسف عليه السلام. وقال ابن شبرمة: بنتها العمالقة حين ملكوا مصر. وبالجملة فهما من أعظم الآثار وأقدمها وأجلّ المباني وأدومها؛ ولله القائل: انظر إلى الهرمين واسمع منهما ... ما يرويان عن الزّمان الغابر لو ينطقان لخبّرانا بالّذي ... صنع الزمان بأوّل وبآخر

وكيفما كان فمآلهما إلى الخراب، شأن الدنيا ومبانيها. وقد كان المأمون، أحد خلفاء بني العباس، حين دخل إلى مصر في سنة ست عشرة ومائتين قصد هدمهما فلم يقدر، فأعمل الحيلة في فتح طاقة في أحدهما يتوصل منها إلى مزلقان «1» ، يصعد في أعلاه إلى قاعة بأعلى الهرم، بها ناووس «2» من حجر، وينزل في أسفله إلى بئر تحت الأرض لم يعلم ما فيها. ويقال: إنه وجد في أعلاه مالا فاعتبره فإذا هو قدر المال الذي صرفه من غير زيادة ولا نقص «3» ؛ وقد أخذ الآن في قطع حجارتهما الظاهرة لاتخاذ البلاط منها، فإن طال الزمان يوشك أن يخربا كغيرهما من المباني. ولله المتنبي حيث يقول: أين الذي الهرمان من بنيانه؟ ... ما قومه؟ ما يومه؟ ما المصرع؟ تتخلّف الآثار عن أصحابها ... دهرا، ويدركها الفناء فتتبع قال إبراهيم بن وصيف شاه في كتاب «العجائب» : وقد قيل إن هوجيب أحد ملوك مصر قبل الطوفان أيضا بنى الهرم الكبير الذي بدهشور «4» ؛ والثاني بناه قفطريم، بن قفط، بن قبطيم، بن مصر، بن بيصر، بن حام، بن نوح عليه السلام بعد الطّوفان. قال القضاعيّ: أما الهرم الذي بدير أبي هرميس «5» ، وهو الهرم المدرّج، يعني الذي شماليّ أهرام دهشور؛ فإنه قبر قرياس، وهو فارس أهل مصر، كان يعدّ

فيهم بألف فارس، فلما مات جزع عليه ملكه وبنى له هذا الهرم فدفنه فيه. قال: وقبر الملك نفسه الهرم الكبير من الأهرام التي غربيّ دير أبي هرميس، وعلى بابه لوح من الحجر الكذّان طوله ذراع في ذراع مكتوب بالخط البرباويّ «1» . ومن عظيم بنيانهم أيضا ولطيف حكمهم (البرابي) «2» وهي بيوت عبادة كانت لهم، زبروا «3» فيها حكمهم، ورقموا تواريخ ملوكهم، وصوّروا فيها صور الأمم التي حولهم. فمتى قصدتهم أمة من الأمم، أوقعوا بصورهم المصوّرة من النّكال ما أرادوا، فيصيب تلك الأمة على البعد ما أوقعوه بتلك الصور، إلى غير ذلك من الحكم التي أودعوها والطّلّسمات التي وضعوها بجدرانها. ويقال: إن أوّل من بنى البرابي بمصر دلوكة العجوز، التي ملكت مصر بعد فرعون لعنه الله!. قال في «مسالك الأبصار» : وقد أخبرني الحكيم شمس الدين محمد بن سعد الدمشقيّ «4» أنه رآها وتأملها، فوجدها مشتملة على جميع أشكال الفلك، وأن الذي ظهر له أنه لم يعملها حكيم واحد بل تولّى عليها قوم بعد قوم حتّى تكاملت في دور، وهو ثلاثون ألف سنة، لأن مثل هذه الأعمال لا تعمل إلا بالأرصاد ولا يكمل رصد المجموع في أقل من هذه المدّة. قلت: ويجوز أن يكون الرّصد حصل على الوجه المذكور، وزبر ورقم في الكتب، فلما بنى الثاني هذه البرابي، نقل منها ما زبر فى الكتب من ذلك الزمن المتقدّم.

واعلم أن أكثر البرابي بالوجه القبليّ من الديار المصرية، وبالوجه البحري القليل منها، وقد استولى الخراب على جميعها، وذهبت معالمها ولم يبق إلا آثارها، والذي وقفت عليه في التواريخ، ووقفت على آثار غالبه ورسومه سبع براب: (منها) بربا سمنّود «1» ؛ كانت بظاهر سمنّود من الأعمال الغربية بالوجه البحريّ. قال الكنديّ: رأيتها وقد خزّن فيها بعض عمّالها قرضا «2» فرأيت الجمل إذا دنا من بابها بحمله وأراد أن يدخلها، سقط كل دبيب «3» في القرظ «4» فلا يدخل منها شيء إلى البربا. قال القضاعي: ثم خربت عند الخمسين وثلاثمائة. (ومنها) بربا تميّ «5» بالمرتاحية من الوجه البحري على القرب من مدينة تميّ الخراب، وعامة أهل تلك الناحية يقولون بربا عاد، وهي باقية بجدرانها، وسقوفها من أعظم الحجارة العظيمة، إلى الآن باقية، وبأعلى بابها قطعة مبنية بالطوب الآجرّ والجصّ، وداخلها أحواض عظيمة من الصوّان غريبة الشأن. (ومنها) بربا إخميم «6» ، وهي بربا بظاهر مدينة إخميم من الوجه القبليّ؛ كانت من أعظم البرابي وأحسنها صنعة وأكبرها حكمة، ولم تزل عامرة إلى أوساط

المائة الثامنة، فأخذ في هدمها والعمارة بأحجارها خطيب إخميم، ولم يبق إلا آثارها، وبعض جدرانها قائمة إلى الآن. (ومنها) بربا دندرة «1» من الأعمال القوصية. قال القضاعي: وهي بربا عجيبة فيها مائة وثمانون كوّة تدخل الشمس في كل يوم في كوّة منها، ثم تكرّ راجعة إلى الموضع الذي بدأت منه، وهي الآن خراب لم يبق إلا آثارها. (ومنها) بربا الأقصر «2» : وكانت بربا عظيمة فهدمت أيضا، ولم يبق منها إلا آثارها. ومن بقايا الآثار بها صنم عظيم من حجر صوّان أملس، قائم على باب ضريح الشيخ أبي الحجاج الأقصريّ «3» على حاله إلى الآن، ومر عليه زمن الشيخ وهو على ذلك، ولعله إنما أراد ببقائه التنبيه على ضعف عقول عبدة الأصنام لكونهم يعبدون حجرا مثل هذا. (ومنها) بربا أرمنت «4» ، وهي بربا صغيرة قد ذهبت معالمها، ولم يبق بها إلا عمد صوّان قائمة من غير شيء محمول عليها. (ومنها) بربا إسنا «5» ، وهي متوسطة القدر بين الكبر والصغر، وقد بقي منها

المقصد الثاني عشر في ذكر قواعدها المستقرة وهي ثلاث قواعد، قد تقاربت واختلطت حتى صارت كالقاعدة الواحدة.

قطعة جيدة جعلت شونة «1» للغلال، وأهل إسنا يذكرون أن الفأر لا يدخلها، وإن دخلها مات. ومن الآثار العجيبة بمصر أيضا مسلّتان بعين شمس على القرب من المطريّة من ضواحي القاهرة من حجر صوّان أحمر محدّدتا الرأسين. ذكر القضاعي: أن الشمس تطلع على الجنوبية منهما في أقصر يوم في السنة، وعلى الشّمالية في أطول يوم في السنة، وتتردّد فيما بينهما في بقية السنة. وذكر أنه كان عليهما صومعتان «2» من نحاس، إذا كان زمن زيادة النيل تقاطر الماء من أعلاهما إلى أسفلهما، فينبت حولهما العوسج، وما في معناه من الحشيش. ومن العجائب حائط العجوز، وهو حائط من لبن، بنتها دلوكة ملكة مصر بعد فرعون، من العريش إلى أسوان، دائرة على أراضي مصر من شرقيّها وغربيّها في لحف جبليها؛ وجعلت بين كل ثلاثة أميال محرسا، وشقّت خليجا من النيل إلى جانبها، وآثارها باقية إلى الآن بالجانب الشرقي والجانب الغربي. المقصد الثاني عشر في ذكر قواعدها المستقرّة وهي ثلاث قواعد، قد تقاربت واختلطت حتّى صارت كالقاعدة الواحدة. القاعدة الأولى مدينة الفسطاط (بفاء مضمومة وسين مهملة ساكنة وطاء مهملة مفتوحة بعدها ألف ثم طاء ثانية في الآخر) . ويقال فيه فسطاط بإبدال الطاء الأولى تاء وفسّاط. قال الجوهري:

وكسر الفاء لغة فيهن؛ وهي المدينة المعروفة بين العامة بمصر واسمها القديم باب أليون «1» . قال أبو السعادات بن الأثير «2» في نهايته: (بفتح الهمزة وسكون اللام وضم الياء المثناة تحت وسكون الواو ونون في الآخر) . قال القضاعي: وهو اسمها بلغة الرّوم والسّودان ولذلك يعرف القصر الذي بالشرق بباب أليون، وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «كتاب الأطوال» : وطولها ثلاث وخمسون درجة، وعرضها ثلاثون درجة وعشر دقائق. وقال في «القانون» «3» : طولها أربع وخمسون درجة وأربعون دقيقة، وعرضها تسع وعشرون درجة وخمس وخمسون دقيقة. وقال ابن سعيد: طولها ثلاث وخمسون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها تسع وعشرون درجة وخمس وخمسون دقيقة. وقال في «رسم المعمور» : طولها أربع وخمسون درجة وأربعون دقيقة والذي عليه عمل أهل زماننا في وضع الآلات وغيرها طول خمس وخمسين درجة، وعرض ثلاثين.

واختلف في سبب «1» تسميتها بالفسطاط، فقال ابن قتيبة: إن كل مدينة تسمّى فسطاطا ولذلك سميت مصر الفسطاط. وقال الزّمخشريّ: الفسطاط اسم لضرب من الأبنية، في القدر دون السّرادق «2» والذي عليه الجمهور أنه يسمّى بذلك لمكان فسطاط عمرو بن العاص رضي الله عنه يعني خيمته، وذلك أن عمر لما فتح الحصن المعروف بقصر الشمع في سنة إحدى وعشرين من الهجرة واستولى عليه ضرب فسطاطه على القرب منه، فلما قصد التوجه إلى الإسكندرية لفتحها، أمر بنزع فسطاطه للرحيل، فإذا بحمام قد أفرخ فيه فقال: لقد تحرّم منا بحرم، وأمر بإقرار الفسطاط مكانه، وأوصى على الحمام، وسار إلى الإسكندرية ففتحها، ثم عاد إلى فسطاطه ونزل به ونزل الناس حوله، وابتنى داره الصغرى التي هي على القرب من الجامع العتيق مكان فسطاطه وأخذ الناس في الاختطاط حوله فتنافست القبائل في المواضع والاختطاط، فولّى عمرو على الخطط معاوية بن حديج التّجيبيّ، وشريك بن سميّ الغطيفيّ، وعمرو بن قحزم الخولانيّ، وحيويل بن ناشرة المعافري، ففصلوا بين القبائل وأنزلوا الناس منازلهم «3» ، فاختطّوا «4» الخطط «5» وبنوا الدور والمساجد، وعرفت كل خطة بالقبيلة أو الجماعة التي اختطتها أو بصاحبها الذي اختطها. فأما الخطط والآدر التي عرفت بالقبائل والجماعات: (فمنها) خطّة أهل الراية، وهم جماعة من قريش، والأنصار، وخزاعة، وأسلم، وغفار، ومزينة، وأشجع، وجهينة، وثقيف، ودوس، وعبس بن

بغيض، وجرش من بني كنانة، وليث بن بكر «1» ؛ لم يكن لكل منهم من العدد ما ينفرد به بدعوة من الديوان فجعل لهم عمرو بن العاص راية لم ينسبها إلى أحد، وقال: يكون وقوفكم تحتها، فكانت لهم كالنسب الجامع، وكان ديوانهم عليها فعرفوا بأهل الراية، وانفردوا بخطّة وحدهم، وخطّتهم من أعظم الخطط وأوسعها. (ومنها) خطّة مهرة، وهم بنو مهرة بن حيدان بن عمرو بن إلحاف بن قضاعة ابن مالك بن حمير، من قبائل اليمن. (ومنها) خطّة تجيب، وهم بنو عديّ وسعد ابني الأشرس بن شبيب بن السّكن بن الأشرس بن كندة؛ وتجيب اسم أمهما عرفت القبيلة بها. (ومنها) خطط لخم، وهي ثلاث: الأولى، بنو لخم «2» بن عديّ «3» بن مرّة بن أدد، ومن خالطهم من جذام «4» . والثانية، بنو عبد ربه بن عمرو بن الحارث بن وائل بن راشدة بن لخم. والثالثة، بنو راشدة بن أذبّ بن «5» جزيلة بن لخم. (ومنها) خطط اللّفيف، وهم جماعة من القبائل تسارعوا إلى مراكب الرّوم حين بلغ عمرا قدومهم الإسكندرية عند فتحها، فقال لهم عمرو «6» ، وقد استكثرهم: إنكم لكما قال الله: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً «7» فسمّوا اللّفيف من يومئذ.

(ومنها) خطط أهل الظاهر، وهم جماعة من القبائل قفلوا من الإسكندرية بعد قفول عمرو بن العاص، فوجدوا الناس قد أخذوا منازلهم، فتحاكموا إلى معاوية بن حديج الذي جعله عمرو على الخطط، فقال لهم: إني أرى لكم أن تظهروا على هذه القبائل فتتخذوا لكم منازل، فسميت منازلهم الظاهر «1» . (ومنها) خطط غافق «2» ، وهم بنو غافق بن الحارث «3» بن عكّ بن عدثان بن عبد الله بن الأزد. (ومنها) خطط الصّدف (بفتح الصاد وكسر الدال المهملتين) . وهم بنو مالك ابن سهل بن عمرو بن حمير من قبائل اليمن، وقيل بنو مالك بن مرقّع بن كندة، سمّي الصّدف لأنه صدف بوجهه عن قومه حين أتاهم سيل العرم. (ومنها) خطط خولان، وهم بنو خولان بن عمرو بن «4» مالك بن زيد بن عريب. (ومنها) خطط الفارسيين «5» ، وهم بقايا جند باذان، عامل كسرى ملك الفرس على اليمن. (ومنها) خطط مذحج، وهم بنو مالك «6» بن مرّة بن أدد بن زيد بن كهلان بن عبد الله.

(ومنها) خطّة يحصب، وهم بنو يحصب بن «1» مالك بن أسلم بن زيد بن غوث بن حمير. (ومنها) خطّة رعين، وهم بنو رعين بن زيد بن سهل بن يعفر بن مرّة بن أدد. (ومنها) خطّة بني الكلاع، وهو الكلاع بن شرحبيل بن سعد بن حمير. (ومنها) خطّة المعافر، وهم بنو المعافر بن يعفر «2» بن مرّة بن أدد. (ومنها) خطط سبإ؛ وهم بنو مالك بن زيد بن «3» وليعة بن معبد بن سبإ. (ومنها) خطّة بني وائل، وهو وائل بن زيد مناة بن أفصى بن إياس بن حرام ابن جذام بن عديّ. (ومنها) خطّة القبض، وهم بنو القبض بن مرثد. (ومنها) خطط الحمراوات، وهي ثلاث «4» ، سميت بذلك لنزول الروم «5» بها، وهم حمر الألوان: الأولى- الحمراء الدّنيا، وبها خطة بليّ، وهم بنو بليّ بن عمرو بن إلحاف بن قضاعة إلا من كان منهم في أهل الراية، وخطّة ثراد من الأزد، وخطة فهم، وهم بنو فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان، وخطة بني بحر بن سوادة من الأزد «6» . الثانية- الحمراء الوسطى، وبها خطة بني نبه، وهم قوم من الروم حضروا

الفتح؛ وخطّة هذيل، وهم بنو هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر وخطّة بني سلامان «1» من الأزد. الثالثة- الحمراء القصوى، وهي خطة بني الأزرق من الرّوم وحضر الفتح منهم أربعمائة رجل، وخطّة بني يشكر بن جزيلة «2» من لخم، وإليهم ينسب جبل يشكر الذي بني عليه جامع أحمد بن طولون الآتي ذكره مع جوامع الفسطاط إن شاء الله تعالى. (ومنها) خطط حضر موت، وهم بنو حضر موت بن عمرو بن قيس بن معاوية بن حمير إلى غير ذلك من الخطط «3» التي درست قبل الاهتمام بالتأليف في الخطط. واعلم أنه كان في خلال هذه الخطط دور جماعة كثيرة من الصحابة رضوان الله عليهم ممن حضر الفتح. (منها) دار عمرو بن العاص «4» ، ودار الزّبير بن العوام «5» ، ودار قيس بن سعد بن عباد الأنصاري «6» ، ودار مسلمة بن مخلّد الأنصاري «7» ، ودار عبد

الرحمن بن عديس البلويّ «1» ، ودار وهب بن عمير بن وهب بن خلف الجمحي، ودار نافع بن عبد القيس بن لقيط الفهري، ودار سعد بن أبي وقّاص «2» ، ودار عقبة بن عامر الجهنيّ «3» ، ودار القاسم وعمرو ابني قيس بن عمرو، ودار عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامريّ، ودار مسعود بن الأسود بن عبد شمس بن حرام البلويّ، ودار المستورد بن شداد الفهريّ، ودار حييّ بن حرام اللّيثيّ، (وفي صحبته خلاف) ، ودار الحارث بن مالك اللّيثي المعروف بابن البرصاء، ودار بشر بن أرطاة العامريّ، ودار أبي ثعلبة الخشني، ودار إياس بن البكير الليثيّ، ودار معمر بن عبد الله بن نضلة القرشيّ العدويّ، ودار أبي الدّرداء الأنصاريّ، ودار يعقوب القبطيّ «4» رسول المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مارية: أم ولده إبراهيم وأختها شيرين، ودار مهاجر مولى أم سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم، ودار علبة بن زيد الأنصاريّ، ودار محمد بن مسلمة الأنصاريّ، ودار أبي الأسود مسروح بن سندر الخصيّ «5» ، ودار عبد الله بن عمر «6» بن الخطّاب، ودار خارجة بن حذافة بن غانم العدويّ «7» ، ودار عقبة بن الحارث «8» ، ودار عبد الله بن حذافة السهميّ «9» ، ودار محمية بن جزء الزّبيديّ، ودار المطّلب بن أبي

وداعة السّهميّ، ودار هبيب بن معقل الغفاريّ، وبه يعرف وادي هبيب بالقرب من الإسكندرية، ودار عبد الله بن السائب المخزوميّ، ودار جبر القبطيّ رسول المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودار يزيد بن زياد الأسلميّ، ودار عبد الله بن ريّان الأسلميّ «1» ، (وفي صحبته خلاف) ، ودار أبي عميرة رشيد بن مالك المزنيّ، ودار سباع بن عرفطة الغفاريّ «2» ، ودار نضلة بن الحارث الغفاريّ، ودار الحارث بن أسد الخزاعيّ (وفي صحبته خلاف) ، ودار عبد الله بن هشام بن زهرة «3» من ولد تميم بن مرّة، ودار خارجة «4» بن حذافة بن غانم العدويّ، وهو أوّل من ابتنى غرفة بالفسطاط، فكوتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أمرها فكتب إلى عمرو بن العاص: أن ادخل غرفة خارجة وانصب فيها سريرا، وأقم عليه رجلا ليس بالطويل ولا بالقصير، فإن اطّلع من كواها فاهدمها، ففعل عمرو فلم يبلغ الكوى فأقرّها، ودار محمد بن حاطب الجمحي «5» ، ودار رفاعة الدّوسيّ، ودار فضالة بن عبيد الأنصاريّ، ودار المطلب «6» بن أبي وداعة السهميّ. إلى غير ذلك من الدور التي أغفلت ذكرها أصحاب الخطط «7» . قلت: وكان أمراء مصر القائمون مقام ملوكها الآن ينزلون بالفسطاط، ولم يكن لهم في ابتداء الأمر مقرّة معيّنة، ولا دار للإمارة مخصوصة. فنزل عمرو بن

العاص أوّل أمرائها بداره على القرب من الجامع، ولم يزل كلّ أمير بعده ينزل بالدار التي يكون بها سكنه إلى آخر الدولة الأمويّة، وكان عبد العزيز بن مروان، وهو أمير مصر في خلافة أخيه عبد الملك بن مروان قد بنى دارا عظيمة بالفسطاط سنة سبع وستين من الهجرة وسماها دار الذهب، وجعل لها قبّة مذهبة إذا طلعت عليها الشمس لا يستطيع الناظر التأمل فيها خوفا على بصره، وكانت تعرف بالمدينة لسعتها وعظمها وكان عبد العزيز ينزلها، ثم نزلها بنوه بعده، فلما هرب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أميّة إلى مصر، نزل هذه الدار فلما رهقه القوم، أمر بإحراقها، فلامه في ذلك بعض بني عبد العزيز بن مروان فقال: إن أبق، أبنها لبنة من ذهب ولبنة من فضّة، وإلا فما تصاب به في نفسك أعظم، ولا يتمتع بها عدوّك من بعدك. فلما غلب بنو العبّاس على بني أميّة وهرب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أميّة إلى الديار المصرية، وتبعه عليّ بن صالح بن عليّ الهاشميّ إلى أن أدركه بمصر وقتله «1» واستقر أميرا على مصر في خلافة السّفّاح أوّل خلفاء بني العباس، ابتنى دارا للإمارة ونزلها، وصارت منزلة للأمراء بعده إلى أن ولي «2» أحمد بن طولون الديار المصرية فنزل بها في أوّل أمره، ثم اختطّ بعد ذلك قصره المعروف بالميدان فيما بين قلعة الجبل الآن والمشهد النّفيسي وما يلي ذلك في سنة ست وخمسين ومائتين، وكان له عدّة أبواب: بعضها عند المشهد النفيسيّ، وبعضها «3» عند جامعه الآتي ذكره، واختطّ الناس حوله واقتطع كل أحد قطيعة ابتنى بها، فكان يقال: قطيعة هارون بن خمارويه، وقطيعة السّودان، وقطيعة الفرّاشين، فعرف ذلك المكان بالقطائع، وتزايدت العمارة حتّى اتّصلت بالفسطاط، وصار الكلّ بلدا واحدا، ونزل أحمد بن طولون بقصره المذكور، وكذلك بنوه بعده، وأهملت

دار الإمارة التي ابتناها عليّ بن صالح بالفسطاط، واستقرّ الأمر على ذلك بعده أيام ابنه خمارويه «1» وولديه جيش وهارون، وزادت العمارة بالقطائع في أيامهما، وكثرت الناس فيها حتّى قتل هارون بن خمارويه بعد قتل أبيه وأخيه، وسار محمد بن سليمان «2» الكاتب بالعساكر من العراق من قبل المستكفي بالله، ووصل إلى مصر في سنة اثنتين وتسعين ومائتين، وقد ولّى الطّولونيّة عليهم ربيعة بن أحمد بن طولون، فتسلم البلد منه وخرّب القطائع وهدم القصر وقلع أساسه، وخرب موضعه حتّى لم يبق له أثر. وكان بدر الخفيفي غلام أحمد بن طولون قد بنى دارا عظيمة بالفسطاط عند المصلّى القديمة، وقيل اشتراها له أحمد بن طولون، ثم سخط عليه أحمد فنكبه، وسكنها بعده طاهر بن خمارويه ثم سكنها بعده الحمامي غلام أحمد بن طولون. فلما هدم محمد بن سليمان الكاتب قصر بني طولون بالقطائع، سكن هذه الدار، ثم سكنها عيسى النّوشريّ «3» أمير مصر بعده، واستقرّت منزلة للأمراء إلى أن ولي الإخشيد «4» مصر فزاد فيها وعظّمها، وعمل لها ميدانا وجعل له بابا من حديد، وذلك في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، ولم تزل منزلة للأمراء إلى أن غلبت الخلفاء الفاطميون الإخشيديّة على مصر وبنى القائد جوهر القاهرة والقصر فنقل باب هذه الدار إلى القاهرة، وصار القصر منزلة لهم على ما سيأتي ذكره في الكلام على خطط القاهرة إن شاء الله تعالى.

وصار الفسطاط في كل وقت تتزايد عمارته حتّى صار في غاية العمارة ونهاية الحسن، به الآدر الأنيقة، والمساجد القائمة، والحمامات الباهية، والقياسر الزاهية، والمستنزهات الرائقة، ورحل الناس إليه من سائر الأقطار، وقصدوه من جميع الجهات، وغصّ بسكّانه، وضاق فضاؤه الرحيب عن قطّانه، حتّى حكى صاحب «إيقاظ المتغفّل» «1» عن بعض سكّان الفسطاط أنه دخل حمّاما من بناء الروم في أيام خمارويه بن طولون في سنة سبع وثلاثمائة فلم يجد فيها صانعا يخدمه، وكان فيها سبعون صانعا قلّ منهم من معه ثلاثة نفر يغسلهم، وأنه دخل بعدها حمّاما ثم حمّاما فلم يجد من يخدمه إلا في الحمّام الرابعة «2» ، وكان الذي خدمه معه ثان «3» . وحكى في موضع آخر عمن يثق به عن أبيه أنه شاهد من مسجد الوكرة «4» بالفسطاط إلى جامع ابن طولون قصبة سوق متصلة، فعدّ ما بها من مقاعد الحمّص المصلوق «5» فكانت ثلاثمائة وتسعين مقعدا غير الحوانيت وما بها. وحكى أيضا عمن أخبره أنه عدّ الأسطال النّحاس المؤبدة في البكر لاستقاء الماء في الطاقات المطلّة على النيل، فكانت ستة عشر ألف سطل. قال: وبلغ أجرة مقعد يكرى عند البيمارستان الطولونيّ «6» بالفسطاط في كل يوم اثني عشر درهما.

وذكر ابن حوقل «1» أنه كان بالفسطاط في زمانه دار تعرف بدار ابن عبد العزيز بالموقف «2» يصبّ لمن فيها من السكان في كل يوم أربعمائة راوية ماء، وفيها خمسة مساجد وحمّامان وفرنان. قلت: ولم يزل الفسطاط زاهي البنيان، باهي السّكّان إلى أن كانت دولة الفاطميين بالديار المصرية، وعمرت القاهرة على ما سيأتي ذكره فتقهقر حاله وتناقص، وأخذ الناس في الانتقال عنه إلى القاهرة وما حولها، فخلا من أكثر سكّانه، وتتابع الخراب في بنيانه، إلى أن غلب «3» الفرنج على أطراف الديار المصرية في أيام العاضد، آخر خلفاء الفاطميين، ووزيره يومئذ شاور السعديّ «4» ، فخاف على الفسطاط أن يملكه الفرنج ويتحصنوا به، فأضرم في مساكنه النار فأحرقها فتزايد الخراب فيه وكثر الخلق. ولم يزل الأمر على ذلك في تقهقر أمره إلى أن كانت دولة الظاهر بيبرس أحد ملوك التّرك بالديار المصرية، فصرف الناس همتهم إلى هدم ما خلا من أخطاطه

والبناء بنقضه بساحل النيل بالفسطاط والقاهرة، وتزايد الهدم فيه واستمرّ إلى الآن، حتّى لم يبق من عمارته إلا ما بساحل النيل، وما جاوره إلى ما يلي الجامع العتيق وما دانى ذلك، ودثرت أكثر الخطط القديمة وعفا رسمها، واضمحلّ ما بقي منها وتغيرت معالمه. وإذا نظرت إلى خطط الكنديّ والقضاعي والشريف النّسّابة، عرفت ما كان الفسطاط عليه من العمارة وما صار إليه الآن؛ وإنما أجرينا ذكر بعض الخطط المتقدّمة، حفظا لأسمائها وتنبيها على ما كانت عليه، إلا أن في ساحله المطلّ على النيل الآن وما جاور ذلك المباني الحسنة، والدور العظيمة، والقصور العالية، التي تبهج الناظر، وتسرّ الخاطر. وكان أكثر بنيانه بالآجرّ المحكوك والجبس والجير من أوثق بناء وأمكنه، وآثاره الباقية تشهد له بذلك، وقد صار ما خرب منه ودثر كيمانا كالجبال العظيمة، وهجر غالبها وترك، وسكن في بعضها رعاع الناس ممن لا يعبأ به في جوانب منها لا تعدّ في العامر. ومن كيمانه المشهورة التي ذكرها القضاعيّ: كوم الجارح، وكوم دينار «1» ، وكوم السمكة «2» ، وكوم الزينة «3» ، وكوم الترمس؛ وزاد صاحب «إيقاظ المتغفل» كوم بني وائل، وكوم ابن غراب، وكوم الشقاق، وكوم المشانيق «4» . ويقابل الفسطاط من الجهة البحرية جزيرة الصّناعة المعروفة الآن بالرّوضة «5» ، كانت صناعة العمائر «6» أوّلا بها فنسبت إليها.

قال الكندي: وكان بناؤها في سنة أربع وخمسين ثم غلب عليها اسم الروضة لحسنها ونضارتها وإطافة الماء بها، وما بها من البساتين والقصور، وهي جزيرة قديمة كانت موجودة في زمن الروم. وكان بها حصن عليه سور وأبراج، وبين الفسطاط وبينها جسر ممتدّ من المراكب على وجه النيل كما في جسر بغداد على الدجلة ولم يزل قائما إلى أن قدم المأمون مصر فأحدث عليه جسرا من خشب تمر عليه المارة وترجع، وبعد خروج المأمون من مصر هبّت ريح عاصفة في الليل فقطعت الجسر القديم، وصدمت بسفنه الجسر المحدث فذهبا جميعا، ثم أعيد الجسر المحدث وبطل القديم. وقد ذكر القضاعيّ: أنه كان موجودا إلى زمنه، وكان في الدولة الفاطمية، ثم جدّد الحصن المذكور أحمد بن طولون أمير مصر في خلافة المعتمد في سنة ثلاث ومائتين، ثم استهدم بعد ذلك بتأثير النيل في أبراجه ومرور الزمان عليه، ثم بنى الصالح نجم الدين أيوب قلعة مكانه في سنة ثمان وثلاثين وستمائة «1» ، وبقيت حتّى هدمها المعز أيبك التركماني أوّل ملوك الترك. وعمر من نقضها مدرسته المعزّية برحبة الخروب، واتخذ الناس مكانها أملاكا، وهي على ذلك إلى زماننا، ولم يبق بها إلا بعض أبراج اتخذها الناس أملاكا وعمروا عليها بيوتا. فلما ملك الظاهر بيبرس، همّ بإعادتها فلم يتفق له ذلك وبقيت على حالها. قلت: وكانت أرفة «2» النيل التي بين جزيرة الصناعة وبين الفسطاط هي أقوى الفرقتين والتي بين الجزيرة والجيزة هي الضعيفة، ثم انعكس الأمر إلى أن صار ما بين الجزيرة والفسطاط يجف ولا يعلوه الماء إلا في زيادة النيل، ويبدو بين آخر الفسطاط وهذه الجزيرة على فوّهة خليج القاهرة. [ويوجد في أوّل

الخليج] «1» حيث السدّ الذي يفتح عند وفاء النيل مكان كالجزيرة، يعرف بمنشأة المهراني كان كوما يحرق فيه الآجرّ يعرف بالكوم الأحمر، عدّه القضاعي في جملة كيمان الفسطاط. قال صاحب «إيقاظ المتغفل» : وأوّل من ابتدأ فيه العمارة بلبان المهراني «2» في الدولة الظاهرية بيبرس فنسبت المنشأة إليه. ويلي الفسطاط من غربيّه بركة تعرف ببركة الحبش «3» ، وهي أرض مزدرعة، قال القضاعيّ: كانت تعرف ببركة المعافر وحمير، وكان في شرقيها جنّات تعرف بالحبش فنسبت إليها. وذكر ابن يونس «4» في تاريخه: أن تلك الجنات تعرف بقتادة بن قيس بن حبشي الصدفي، وهو ممن شهد فتح مصر. قلت: وهي الآن موقوفة على الأشراف من ولد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقفها عليهم الصالح طلائع بن رزيك وزير الفائز والعاضد من الخلفاء الفاطميين. ويليه من قبليّه حيث القرافة المكان المعروف بالخندق، كان قد احتفره عبد الرحمن بن عيينة خندقا في سنة خمس وستين من الهجرة عند مسير مروان بن الحكم إلى مصر، فعرف بذلك.

وأما جوامعه فستة:

وأما جوامعه فستة: الأول الجامع العتيق المعروف بجامع عمرو «1» وذلك أن عمرا لما بني داره الصغرى مكان فسطاطه على ما تقدّم ذكره، اختط الجامع المذكور في خطّة أهل الراية المتقدّمة الذكر. قال القضاعيّ: وكان جنانا فيما ذكر الليث بن سعد «2» . قال: وكان الذي حاز موضعه قيسبة بن كلثوم التّجيبيّ أحد بني سوم، فنزله في حصار الحصن المعروف بقصر الشّمع، فلما رجع عمرو من الإسكندرية، سأل قيسبة فيه ليجعله مسجدا فسلمه إليه، وقال: تصدّقت به على المسلمين، واختط له خطّة مع قومه في بني سوم في تجيب «3» ؛ فبني في سنة إحدى وعشرين، وكان طوله خمسين ذراعا في عرض ثلاثين ذراعا، ويقال: إنه وقف على قبلته ثمانون رجلا من الصحابة رضوان الله عليهم: منهم الزّبير بن العوّام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصّامت، وأبو الدّرداء، وأبو ذرّ الغفاريّ، وأبو بصرة الغفاريّ وغيرهم؛ ولم يكن له يومئذ محراب مجوّف بل عمد قائمة بصدر الجدار، وكان له بابان يقابلان دار عمرو بن العاص، وبابان في بحريّه، وبابان في غربيّه، وطوله من قبليّه إلى بحريّه «4» مثل

طول دار عمرو، وبينه وبين دار عمرو سبعة أذرع. ولما فرغ من بنائه، اتخذ عمرو بن العاص له منبرا يخطب عليه، فكتب إليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعزم عليه في كسره، ويقول: أما يكفيك أن تقوم قائما والمسلمون جلوس تحت عقبيك؟ فكسره. ويقال: إنه أعاده إليه بعد وفاة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه. وقيل إن زكريا بن مرقيا «1» ملك النّوبة أهدى لعبد الله بن أبي سرح العامريّ في إمارته على مصر منبرا «2» فجعله في الجامع؛ ثم زاد فيه مسلمة بن مخلّد الأنصاري «3» في سنة ثلاث وخمسين من الهجرة، وهو يومئذ أمير مصر من قبل معاوية بن أبي سفيان زيادة من بحريّه، وزخرفه؛ وهو أول من صلّى على الموتى داخل الجامع «4» ، وتوالت فيه الزيادات والتجديدات إلى زماننا. وأول من رتب فيه قراءة المصحف عبد العزيز بن مروان «5» في إمارته في سنة ست وسبعين، ورفع عبد الله بن عبد الملك سقفه في سنة تسع وثمانين بعد أن كان مطأطأ، ثم جعل فيه المحراب المجوّف قرّة بن شريك العبسيّ اتّباعا لعمر بن عبد العزيز في

محراب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وأحدث فيه المقصورة تبعا لمعاوية حيث فعل ذلك بالشأم. وفي سنة اثنتين وثلاثين ومائة أمر موسى بن نصير اللخميّ وهو أمير «1» مصر باتخاذ المنابر في جميع جوامع قرى مصر. وأول من نصب اللوح الأخضر فيه عبد الله بن طاهر «2» ، وهو أمير مصر في سنة اثنتي عشرة ومائتين؛ ثم احترق الرّواق الذي فيه اللوح الأخضر في ولاية خمارويه بن أحمد بن طولون، فعمره «3» خمارويه في سنة خمس وسبعين ومائتين. ثم جدّد اللوح «الظاهر بيبرس» في سنة ست وستين وستمائة. ثم جدّد اللوح الأخضر برهان الدين المحلّي التاجر في سلطنة «الظاهر برقوق» في أواخرها «4» . وقد وصف صاحب «إيقاظ المتغفل» الجامع على ما كان في زمانه في حدود ثلاث عشرة وسبعمائة فقال: إن ذرعه ثمانية وعشرون ألفا بذراع العمل «5» ، مقدّمه ثمانية آلاف ذراع وتسعمائة ذراع وخمسون ذراعا، ومؤخّره ثمانية آلاف ذراع وتسعمائة وخمسون ذراعا، وصحنه خمسة آلاف ذراع، جانبه الشرقيّ ألفا ذراع وخمسمائة ذراع وخمسون ذراعا، وجانبه الغربيّ كذلك؛ وأبوابه ثلاثة عشر بابا لكل باب منها اسم يخصّه في جانبه القبلي باب واحد «6» ، وبه أربعة وعشرون

رواقا، سبعة في مقدمه، وسبعة في مؤخّره، وخمسة في شرقيه، وخمسة في غربيّه؛ وفيه ثلاثمائة عمود وثمانية وستون «1» عمودا، بعضها منفرد وبعضها مضاف مع غيره؛ وبصدره ثلاثة محاريب: المحراب الكبير المجاور للمنبر، والمحراب الأوسط، ومحراب الخمس؛ وفيه خمس صوامع «2» : إحداها في ركنه القبليّ مما يلي الغربي، وهي الغرفة، والثانية في ركنه القبلي مما يلي الشرقيّ، وهي المنارة الكبرى، والثالثة في ركنه البحريّ مما يلي الشرقيّ، وتعرف بالجديدة؛ والرابعة فيما بين هذه المنارة والمنارة الآتي ذكرها، وتعرف بالسعيدة؛ والخامسة في الركن البحريّ مما يلي الغربي «3» مقابل باب السطح، وتعرف بالمستجدّة. وهو على هذه الصفة إلى الآن لكنه قد استهدم رواق اللوح الأخضر والرواقات التي داخله، فأمر السلطان الملك الظاهر ببنيانها، فعلقت جدره على الخشب، فاخترمته «4» المنية قبل الشروع في البناء، وأخذ القاضي برهان الدين المحلّي تاجر الخاص في عمارة ذلك، فهدم رواق اللوح الأخضر وما داخله، وجدّد اللوح الذي كان قد نصبه الظاهر بيبرس، وعمر الرواقات المستهدمة أنفس عمارة وأحسنها. قلت: ومما يجب التنبيه عليه أنه قد تقدّم أنه وقف على إقامة محراب هذا الجامع ثمانون رجلا من الصحابة، وحينئذ فيلحق بمحاريب البصرة والكوفة على الوجه الصائر إليه بعض أصحابنا الشافعية في أنه لا يجتهد في التيامن والتياسر «5» في محاريبهما كما نبه عليه الشيخ تقيّ الدين السبكي «6» في شرح منهاج النوويّ في

الثاني الجامع الطولوني

الفقه، لكن قد ذكر القضاعي في خططه عن الليث بن سعد وابن لهيعة أنهما كانا يتيامنان في صلاتهما فيه، وأن محرابه كان مشرقا جدّا، وأن قرّة بن شريك حين هدمه وبناه، تيامن به قليلا. وقد حكى الشيخ تقيّ الدين السبكي في شرح المنهاج أيضا عن بعض علماء الميقات: أنه أخبره أن فيه الآن انحرافا قليلا. قال: ولعله من تغيير البناء، وقد سألت بعض علماء هذا الشأن عن ذلك، فأخبرني عن الشيخ تقيّ الدين أبي الطاهر رأس علماء الميقات في زماننا أنه كان يقول: من الدلالة على صحة عملنا في استخراج القبلة موافقته لمحراب الجامع العتيق. الثاني الجامع الطّولوني «1» بناه أحمد بن طولون في سنة «2» تسع وخمسين ومائتين على الجبل المعروف بجبل يشكر. قال القضاعيّ: وينسب إلى يشكر بن جزيلة «3» من لخم، كان خطّة لهم. قال ابن عبد الظاهر: وهو جبل مبارك معروف بإجابة الدعاء فيه.

قال: ويقال: إن الله تعالى كلم موسى عليه السلام عليه. ويقال: إن ابن طولون أنفق على هذا الجامع مائة ألف دينار وعشرين ألفا من كنز وجده. ويقال: إنه لما فرغ من بنائه أمر بتسمع ما يقوله الناس فيه من العيوب، فسمع رجل يقول: محرابه صغير، وآخر يقول: ليس فيه عمود، وآخر يقول: ليس فيه ميضأة، فقال: أما المحراب، فإني رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد خطه لي، فأصبحت فرأيت النّمل قد أطافت بالمكان الذي خطه لي. وأما العمد، فإني بنيته من مال حلال، وهو الكنز الذي وجدته فما كنت لأشوبه بغيره، والعمد لا تكون إلا من مسجد أو كنيسة فنزهته عن ذلك. وأما الميضأة، فأردت تطهيره من النجاسات، وها أنا أبنيها خلفه، ثم أمر ببنائها على القرب. ويحكى أنه كان لا يبعث بشيء قط، وأنه أخذ يوما درج ورق أبيض وأخرجه ومده كالحلزون، ثم استيقظ لنفسه وظن أنه فطن له، فأمر بعمارة المنارة على تلك الهيئة، وعلى نظير العشاري الذي على رأسها عمل العشاري على رأس قبة الإمام الشافعي رضي الله عنه. ولما فرغ من بناء الجامع رأى في منامه كأن نارا نزلت من السماء فأحرقت الجامع دون ما حوله فقصّ «1» رؤياه على عابر فقال له: بشراك قبوله، فإن الأمم الخالية كانوا إذا قرّبوا قربانا فتقبّل، نزلت نار من السماء فأكلته، كما في قصة هابيل وقابيل؛ ورأى مرة أخرى كأن الحق سبحانه وتعالى تجلّى على ما حول الجامع فعبره له عابر بأنه يخرب ما حول الجامع ويبقي هو، بدليل قوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا «2» وكان الأمر كذلك، فهدمت «3» منازل بني طولون في نكبتهم ولم يبق منها إلا الجامع.

الثالث جامع راشدة

الثالث جامع راشدة «1» بناه الحاكم بأمر الله الفاطميّ جنوبيّ الفسطاط، على القرب من الرصد «2» ، وأدخله في وقفه مع الجامع الأزهر وجامع المقس «3» . قال في «إيقاظ المتغفل» : ليس هو بجامع راشدة حقيقة، وإنما جامع راشدة كان بالقرب منه، وهو جامع قديم بنته قبيلة يقال لها راشدة «4» عند الفتح الإسلامي، فلما بنى الحاكم هذا سمي باسمه. قال: وقد أدركت بعضه ومحرابه، وكان فيه شجر كثير من شجر المقل «5» . الرابع جامع الرصد بناه الأمير عز الدين أيبك الأفرم «6» أمير جاندار «7» الصالحيّ النجميّ في

الخامس جامع الشعيبية بظاهر مصر أيضا

شهور سنة ثلاث وستين وستمائة، عمر منظرته المعروفة به هناك، وعمر رباطا «1» بجانبه قرّر فيه عددا تنعقد به الجمعة مقيمين فيه ليلا ونهارا. الخامس جامع الشعيبية «2» بظاهر مصر أيضا بناه الأمير عز الدين الأفرم المذكور في سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وسكنه الشيخ شمس الدين بن اللبان الفقيه الشافعيّ الصوفيّ فعرف به الآن. السادس الجامع الجديد «3» بناه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون بالقرب من موردة الحلفاء «4» ، وبدأ بعمارته في التاسع من المحرّم في سنة إحدى عشر «5» وسبعمائة، وانتهت عمارته في ثامن صفر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وخطب به قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة الشافعي «6» ، وصلّى فيه الجمعة في التاسع «7» من الشهر المذكور، ورتب فيه صوفية يحضرونه بعد العصر كما في الخوانق «8» ، وهو من

وأما مساجد الخمس

أحسن الجوامع وأنزهها بقعة خصوصا في أيام زيادة النيل. وأما مساجد الخمس - فكانت على العدد «1» الذي لا يحصى لكثرتها، وخطط القضاعي شاهدة بذلك. وقد رأيت في بعض التواريخ أن الفناء وقع في أيام كافور الإخشيدي حتى لم يجدوا من يقبل الزكاة، فأتوا بها إلى كافور فلم يقبلها، وقال: ابنوا بها المساجد واتخذوا لها الأوقاف، فكان ذلك سبب زيادة الكثرة فيها، ولكنها الآن قد خربت بخراب الفسطاط ودثرت ولم يبق إلا آثار القليل منها. وأما المدارس «2» - فكان المتقدّمون يجلسون للعلم بالجامع العتيق؛ وأول من أحدث المدارس بالفسطاط بنو أيوب، فعمر السلطان صلاح الدين رحمه الله مدرستين: إحداهما- مدرسة المالكية «3» ، المعروفة بالقمحية في المحرم سنة ست وستين وخمسمائة، وسميت بالقمحية لأن معلومها يصرف للمدرسين والطلبة قحما.

والثانية - المدرسة المعروفة بابن زين التجار

قال العماد الكاتب «1» : وكانت قبل ذلك سوقا يباع فيه الغزل «2» . والثانية- المدرسة المعروفة «3» بابن زين التجار ، وكانت سجنا يسجن فيه فبناها السلطان صلاح الدين مدرسة ووقفها «4» على الشافعية، ووقف عليها الصاغة المجاورة لها ثم عمر الملك المظفر تقيّ الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب بالمكان المعروف بمنازل العز بالقرب من باب القنطرة قبلي الفسطاط مدرسة «5» ووقف عليها أوقافا من جملتها جزيرة الصّناعة المعروفة بالرّوضة. ثم بنى السلطان الملك المعزّ أيبك التركماني أول ملوك الترك مدرسته المعزية برحبة الخرّوب في شهور سنة أربع وخمسين وستمائة. وعمر الصاحب شرف الدين بن الفائزي مدرسته الفائزية قبل وزارته في شهور سنة سبع وثلاثين وستمائة. وعمر الصاحب بهاء الدين بن حنّا المدرسة الصاحبية بزقاق القناديل بعد «6» ذلك. وأما الخوانق والرّبط - فلم «7» تعهد بالفسطاط، غير أن الصاحب بهاء الدين

وأما البيمارستان

ابن حنّا عمر رباط الآثار الشريفة النبوية بظاهر قبليّ الفسطاط واشترى الآثار الشريفة وهي ميل «1» من نحاس، وملقط من حديد، وقطعة من العنزة «2» ، وقطعة من القصعة بجملة مال وأثبتها بالاستفاضة وجعلها بهذا الرباط للزيارة. وأما البيمارستان «3» - فأول من أنشأه بالفسطاط أحمد بن طولون في سنة تسع وخمسين ومائتين «4» وأنفق عليه ستين ألف دينار. قال القضاعيّ: ولم يكن قبله بيمارستان بمصر، وشرط ألا يعالج فيه جنديّ ولا مملوك. القاعدة الثانية القاهرة (بألف ولام لازمين في أولها وقاف مفتوحة بعدها ألف ثم هاء مكسورة وراء مهملة مفتوحة ثم هاء في الآخر) ويقال فيها القاهرة المعزّيّة نسبة إلى المعزّ الفاطميّ الذي بنيت له، وربما قيل المعزية القاهرة، سميت بذلك تفاؤلا، وهي المدينة العظمى التي ليس لها نظير في الآفاق، ولا يسمع بمثلها في مصر من الأمصار. بناها القائد جوهر المعزيّ لمولاه المعزّ لدين الله أبي تميم معدّ بن المنصور أبي الطاهر إسماعيل بن القائم أبي القاسم محمد بن المهديّ بالله أبي محمد عبيد الله الفاطميّ في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، عند وصوله إلى الديار المصرية

من المغرب، واستيلائه عليها، وموقعها شمالي الفسطاط المتقدّم ذكره على القرب منه. قال في «الروض المعطار» : وبينهما ثلاثة أميال. وكأنه يريد ما كان عليه الحال في ابتداء عمارة القاهرة وهو ما بين سور الفسطاط وسور القاهرة. أما الآن فقد انتشرت الأبنية واتصلت العمارة حتى كادت المدينتان تتصلان أو اتصلتا. قال القاضي محي الدين بن عبد الله الظاهر في خطط القاهرة: والذي استقرّ عليه الحال أن حدّ القاهرة من السبع سقايات إلى مشهد السيدة رقيّة عرضا، وكان قبل ذلك من المجنونة. قال ابن سعيد: وكان مكانها قبل العمارة بستانا لبني «1» طولون على القرب من منازلهم المعروفة بالقطائع. وكيفما كان، فطولها وعرضها في معنى طول الفسطاط وعرضه أو أكثر عرضا بقليل، وكان ابتداء عمارتها أنّ أمر إفريقيّة وغيرها من بلاد المغرب كان قد أفضى إلى المعزّ المذكور، وقوي طمعه في مصر بعد موت كافور الإخشيدي وهي يومئذ والشأم والحجاز بيد أحمد بن علي بن الإخشيد أستاذ كافور وهو صبيّ لم يبلغ الحلم، والمتكلم في المملكة أهل دولته، والحسين بن عبد الله في الشأم كالنائب أو الشريك له، يدعى له بعده على المنابر. وكانت مصر قد ضعف عسكرها لما دهمها من الغلاء والوباء، فجهز المعزّ قائده جوهر. المتقدّم ذكره، فبرز جوهر إلى مدينة رقّادة «2» من بلاد إفريقيّة في أكثر من مائة ألف وما يزيد على ألف صندوق من المال، وخرج المعزّ لتشييعه، فقال للمشايخ الذين معه: «والله لو خرج جوهر هذا وحده لفتح مصر، وليدخلنها

فأما القصر وكان له تسعة أبواب

بالأردية من غير حرب، ولينزلن في خرابات ابن طولون، ويبني مدينة تسمّى القاهرة تقهر الدنيا» وكان للمعز غلام ببرقة اسمه أفلح، فكتب إليه المعزّ أن يترجّل لجوهر إذا عبر عليه ويقبل يديه، فبذل مائة ألف دينار على أن يعفى من ذلك، فأبى المعزّ إلا ذلك، فترجّل من مكانه وقبّل يديه، وسار جوهر حتّى دخل مصر وتسلمها لسبع عشرة ليلة بقيت من شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، ونزل في مناخه من سفره موضع القاهرة الآن ليلا، واختط القصر في بنائه وعمارة القاهرة، واختط الناس حوله. فأما القصر [وكان له تسعة أبواب] - فإنه اختطه في الليلة التي أناخ فيها قبل أن يصبح، فلما أصبح رأى فيه ازورارات غير معتدلة فلم يعجبه، ثم قال: قد حفر في ليلة مباركة وساعة سعيدة، فتركه على حاله وتمادي في بنيانه حتّى أكمله. ومكانه الآن المدرسة الصالحية بين القصرين إلى رحبة الأيدمريّ طولا، ومن السبع خوخ إلى رحبة باب العيد عرضا، والحدّ الجامع لذلك أن تجعل باب المدرسة الصالحية على يسارك وتمضي إلى السبع خوخ، ثم إلى مشهد الحسين، ثم إلى رحبة الأيدمري، ثم إلى الركن المخلّق، ثم إلى بين القصرين حتّى تأتي إلى باب المدرسة الصالحية من حيث ابتدأت؛ فما كان على يسارك في جميع دورتك فهو موضع القصر. وكان له تسعة أبواب بعضها أصلي وبعضها مستحدث: أحدها- باب الذهب «1» ، ويقال إنه كان مكان المدرسة الظاهرية الآن. الثاني- باب البحر ، ويقال إن مكانه باب قصر بشتاك «2» . قال ابن عبد الظاهر

الثالث - باب الزهومة

وهو من بناء الحاكم. الثالث- باب الزّهومة ، ومكانه قاعة شيخ الحنابلة بالمدرسة الصالحية، وكانت الصاغة مطبخا للقصر، وكانوا يدخلون بالطعام إلى القصر من ذلك الباب فسمي باب الزهومة لذلك، والزّهومة: الذّفر. الرابع- باب التربة ؛ ويقال إن مكانه بين باب الزّهومة المتقدّم الذكر ومشهد الحسين. الخامس- باب الدّيلم ، وهو باب مشهد الحسين. السادس- باب قصر الشوك ، ومكانه بالموضع المعروف بقصر الشوك على القرب من رحبة الأيدمريّ. السابع- باب العيد ، وهو باب البيمارستان العتيق، سمي بذلك لأن الخليفة كان يخرج منه لصلاة العيد، وإليه تنسب رحبة باب العيد. الثامن- باب الزّمرّد ، وهو إلى جانب باب العيد المتقدّم ذكره. التاسع- باب الريح ، وقد ذكر ابن الطّويّر أنه كان في ركن القصر الذي يقابل سور دار سعيد السعداء التي هي الخانقاه الآن. ثم استجد المأمون بن البطائحي وزير الآمر تحت القوس الذي بين باب الذهب وباب البحر ثلاث مناظر، وسمى إحداها الزاهرة، والثانية الفاخرة، والثالثة الناضرة. وكان «الآمر» يجلس فيها لعرض العساكر في عيد الغدير، والوزير واقف في قوس باب الذهب، وكان مكان السيوفيين الآن سلسلة ممتدّة إلى ما يقابلها تعلق في كل يوم من وقت الظهر حتى لا يجوز تحت القصر راكب، ولذلك يعرف هذا المكان بدرب السلسلة. ومما هو داخل في حدود القصر «مشهد الحسين» . وسبب بنائه أن رأس الإمام الحسين عليه السلام كانت بعسقلان، فخشي الصالح طلائع بن رزّيك عليها من الفرنج فبني جامعه خارج باب زويلة، وقصد

نقل الرأس إليه فغلبه الفائز على ذلك، وأمر بابتناء هذا المشهد، ونقل الرأس إليه في سنة تسع وأربعين وخمسمائة. ومن غريب ما اتفق من بركة هذه «1» الرأس الشريفة ما حكاه القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب حتى استولى على هذا القصر بعد موت العاضد، آخر خلفاء الفاطميين بمصر، قبض على خادم من خدّام القصر وحلق رأسه وشدّ عليها طاسا داخله خنافس فلم يتأثر بها، فسأله السلطان صلاح الدين عن ذلك وما السر فيه، فأخبر أنه حين أحضرت الرأس الشريفة إلى المشهد حملها على رأسه، فخلّى عنه السلطان وأحسن إليه. وكان بجوار القصر قصر صغير يعرف بالقصر النافعيّ من جهة السبع خوخ فيه عجائز الفاطميين. قلت: ولم يزل هذا القصر منزلة الخلفاء الفاطميين من لدن المعزّ أوّل خلفائهم بمصر وإلى آخر أيام العاضد آخر خلفائهم، وكان الوزراء ينزلون بدار الوزارة التي ابتناها أمير الجيوش بدر الجمالي داخل باب النصر مكان الخانقاه الركنية بيبرس الآن. فلما ولي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب الوزارة عن العاضد بعد عمه أسد الدين شير كوه، نزل بدار الوزارة المذكورة، وبقي بها حتّى مات العاضد فتحوّل إلى القصر وسكنه؛ ثم سكنه بعده أخوه العادل أبو بكر. فلما ملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر انتقل منه إلى قلعة الجبل على ما سيأتي ذكره في الكلام على القلعة إن شاء الله تعالى. وصارت دار الوزارة المتقدّمة الذكر منزلا للرسل الواردين من الممالك إلى أن عمر مكانها السلطان الملك المظفر بيبرس الجاشنكير الخانقاه المعروفة به، وخلا القصر من حينئذ من ساكنيه، وأهمل أمره فخرب. قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: قال لي بوّاب لباب الزّهومة اسمه

مرهف في سنة ثلاثين وستمائة: كان لي على هذا الباب المدّة الطويلة ما رأيته دخل فيه حطب ولا رمي منه تراب. قال: وهذا أحد أسباب خرابه لوقود أخشابه وتكويم ترابه؛ ثم أخذ الناس بعد ذلك في تملكه واستحكاره، وعمرت فيه المدارس والآدر، فبنى السلطان الملك الصالح «نجم الدين أيوب» فيه مدرسته الصالحية، ثم بنى «الظاهر بيبرس» فيه مدرسته الظاهرية، وبنى فيه بشتاك أحد أمراء الدولة الناصرية محمد بن قلاوون فيه قصره المعروف به، وجعلت دار الضرب في وسطه، ولم يبق من آثاره إلا البيمارستان العتيق، فإنه كان قاعة بناها العزيز بالله بن المعزّ الفاطمي على ما سيأتي ذكره. وكذلك القبة التي على رأس السالك من هذا البيمارستان إلى رحبة باب العيد، وبعض جدر لا يعتدّ بها قد دخلت في جملة الأملاك. وأما (أبواب القاهرة وأسوارها) فإن القائد جوهرا حين اختطّها جعل لها أربعة أبواب: بابين متقاربين، وبابين متباعدين. فالمتقاربان (باب زويلة) نسبة إلى زويلة: قبيلة من قبائل البربر الواصلين مع جوهر من المغرب، ولذلك يقع في عبارة الموثّقين وغيرهم بابا زويلة؛ وأحد هذين البابين القوس الموجود الآن المجاور للمسجد المعروف بسام بن نوح عليه السلام. والثاني كان موضع الحوانيت التي يباع فيها الجبن على يسرة القوس المتقدّم ذكره يدخل منه إلى المحمودية. وكان سبب إبطاله وسدّه أن المعزّ الذي بنيت له القاهرة لما دخلها عند وصوله من المغرب، دخل من القوس الموجود الآن هناك فازدحم الناس فيه وتجنبوا الدخول من الباب الآخر، واشتهر بين الناس أن من دخل منه لم تقض له حاجة، فرفض وسدّ وجعل زقاق جنوبيّه يتوصل منه إلى المحمودية، وزقاق شماليّه يتوصل منه إلى الأنماطيين وما يليها. والبابان المتباعدان هما القوس الذي داخل باب الفتوح خارج حارة بهاء الدين وقوس آخر كان على حياله داخل باب النصر بالقرب من وكالة قيسون الآن،

فهدم ثم ابتنى أمير الجيوش بدر الجمالي المتقدّم ذكره في سنة ثمانين وأربعمائة سورا من لبن دائرا على القاهرة، وبعضه باق إلى زماننا بخط سوق الغنم داخل الباب المحروق؛ ثم ابتنى «1» الأفضل بن أمير الجيوش باب زويلة، وباب النصر، وباب الفتوح الموجودين الآن فيما ذكره القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في خططه، إلا أنه ذكر في مواضع أخر منها أن باب زويلة بناه «2» العزيز بالله وأكمله بدر الجمالي، وهو من أعظم الأبواب وأشمخها، وليس له باشورة «3» على الأبواب، وفيه يقول علي بن محمد النيلي: يا صاح لو أبصرت باب زويلة ... لعلمت قدر محلّه بنيانا باب تأزّر بالمجرّة وارتدى الشّعرى ... «4» ولاث برأسه كيوانا لو أنّ فرعونا رآه لم يرد ... صرحا ولا أوصى به هامانا قال ابن عبد الظاهر: (وباب سعادة) ربما ينسب إلى سعادة بن حيان غلام المعزّ، وكان قد ورد من عنده في جيش إلى جوهر وولي الرملة بعد ذلك. قال: (وباب القنطرة) منسوب إلى القنطرة التي أمامه، وهي من بناء القائد جوهر بناها عند خوفه من القرامطة ليجوز عليها إلى المقس. والقوس الذي بالشارع الأعظم خارج باب زويلة على رأس المنجبية عند الطيوريين الآن كان بابا بناه الحاكم بأمر الله خارج القاهرة، وكان يعرف بالباب الجديد.

(وباب الخوخة) الذي على القرب من قنطرة الموسكي أظنه من بناء الفاطميين أيضا. ولما ملك السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» الديار المصرية انتدب لعمارة أسوار القاهرة ومصر في سنة تسع وستين وخمسمائة الطواشي بهاء الدين قراقوش الأسدي الرومي على كثرة من أسرى الفرنج عندهم يومئذ، بنى سورا دائرا عليها وعلى قلعة الجبل والفسطاط، ولم يزل البناء به حتّى توفي السلطان صلاح الدين رحمه الله وهو الموجود الآن؛ وجعل فيها عدّة أبواب: منها: باب البحر، وباب الشعرية، وباب البرقية، والباب المحروق؛ وابتنى برجين عظيمين أحدهما بالمقس على القرب من جامع باب البحر، وهو الذي هدمه الصاحب شمس الدين المقسيّ وزير الأشرف شعبان بن حسين على رأس السبعين والسبعمائة، وأدخله في حقوق الجامع المذكور حين جدّد بناءه؛ والثاني بباب القنطرة جنوبي الفسطاط. قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: وقياس هذا السور من أوّله إلى آخره تسعة وعشرون ألف ذراع وثلاثمائة وذراعان بالهاشميّ، من ذلك من باب البحر إلى البرج بالكوم الأحمر «1» ، يعني رأس منشأة المهراني المتقدّم ذكرها في الكلام على خطط الفسطاط عند فوّهة خليج القاهرة عشرة آلاف ذراع؛ ومن الكوم الأحمر المذكور إلى قلعة الجبل من جهة مسجد سعد الدولة سبعة آلاف ذراع ومائتا ذراع؛ ومن مسجد سعد الدولة المذكور إلى باب البحر ثمانية آلاف ذراع وثلاثمائة واثنان وتسعون ذراعا، ودائرة القلعة ثلاثة آلاف ذراع ومائة وعشرة أذرع.

أما خططها المشهورة داخل السور

واقتصر السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه على ذرع السّور من غير تفصيل ولم يتعرّض للذراعين الزائدين. قلت: وهذا السور قد دثر أكثره، وتغيرت معالم غالبه، للصوق عمائر الأملاك به حتّى إنه لا يتميز في غالب الأماكن من الأملاك، وسقط ما بين باب البحر إلى الكوم الأحمر حتّى لم يبق له أثر. على أن ما هو داخل سور القاهرة الأوّل من الأماكن أرضه سبخة وماؤه زعاق «1» . قال ابن عبد الظاهر: ولذلك عتب المعزّ عند وصوله إلى الديار المصرية ودخوله القاهرة على جوهر لكونه لم يعمرها مكان المقس على القرب من باب البحر أو جنوبي الفسطاط على القرب من الرصد لتكون قريبة من النيل، عذبة مياه الآبار. واعلم أن خطط القاهرة قد اتسعت وزادت العمارة حولها، وصار ما هو خارج سورها أضعاف ما هو داخله. ثم منها ما هو منسوب إلى دولة الفاطميين ومنها ما هو منسوب إلى من تقدّمهم من الملوك، إما لدروس اسمه الأوّل وغلبة اسمه الثاني عليه، وإما لاستحداثه بعد أن لم يكن؛ ومنها ما هو مجهول لانقطاع شهرته بطول الأيام ومرور الليالي. وإنما يقع التعرّض هنا للأماكن الظاهرة الشّهرة، الدائرة على الألسنة دون غيرها؛ وأنا أذكرها على ترتيب الأماكن لا على ترتيب القدم والحدوث. أما خططها المشهورة داخل السور : (فمنها) «حارة بهاء الدين» داخل باب الفتوح، وتعرف بالطواشي بهاء الدين قراقوش باني سور القاهرة المتقدّم ذكره، وكانت في دولة الفاطميين تعرف

(ومنها) «حارة برجوان»

ببين الحارتين؛ ثم اختطها قوم في الدولة الفاطمية يعرفون بالرّيحانية والعزيزية فعرفت بهم. فلما سكنها بهاء الدين قراقوش المذكور، اشتهرت به ونسي ما قبل ذلك. (ومنها) «حارة برجوان» وتعرف ببرجوان الخادم، كان خادم القصور في أيام العزيز بالله من المعزّ ثاني خلفاء الفاطميين بمصر، ووصّاه على ابنه الحاكم فعظم شأنه، ثم قتله الحاكم بعد ذلك. ويقال إنه خلف في تركته ألف سراويل بألف تكة حرير. وبهذه الحارة كانت دار المظفر ابن أمير الجيوش بدر الجمالي. (ومنها) «خط الكافوريّ» كان بستانا لكافور الإخشيديّ، وبنيت القاهرة وهو بستان، وبقي إلى سنة إحدى وخمسين وستمائة، فاختطته طائفة البحرية والعزيزية إصطبلات، وأزيلت أشجاره وبقيت نسبته إلى كافور على ما كانت عليه. (ومنها) «خط الخرنشف» «1» كان ميدانا للخلفاء الفاطميين، وكان لهم سرداب تحت الأرض إليه من باب القصر يمرون فيه إلى الميدان المذكور راكبين، ثم جعل مصرفا للماء لما بنيت المدرسة الصالحية، ثم بنى به الغزّ بعد الستمائة إصطبلات بالخرنشف وسكنوها فسمي بذلك. (ومنها) «درب شمس الدولة» على القرب من باب الزّهومة، وكان في الدولة الفاطمية يعرف بحارة الأمراء، وبها كانت دار الوزير عباس وزير الظافر، وبها المدرسة المسرورية بناها مسرور الخادم، وكان أحد خدّام القصر في الدولة الفاطمية وبقي إلى الدولة الأيوبية، واختص بالسلطان صلاح الدين وتقدّم عنده،

(ومنها) «حارة زويلة»

ثم سكنها شمس الدولة توران شاه بن أيوب أخو السلطان صلاح الدين يوسف، وعمر بها دربا فعرف به ونسب إليه. (ومنها) «حارة زويلة» وتنسب إلى زويلة: قبيلة من البربر الواصلين صحبة «1» القائد جوهر على ما تقدّم ذكره في الكلام على باب زويلة، وهي حارة عظيمة متشعبة. (ومنها) «الجودرية» وتعرف بطائفة يقال لهم الجودريّة من الدولة الفاطمية نسبة إلى جودر خادم عبيد الله المهدي أبي الخلفاء الفاطميين، اختطوها وسكنوها حين بنى جوهر القاهرة، ثم سكنها اليهود بعد ذلك إلى أن بلغ الحاكم الفاطميّ أنهم يهزأون بالمسلمين ويقعون في حق الإسلام، فسدّ عليهم أبوابهم وأحرقهم ليلا، وسكنوا بعد ذلك حارة زويلة المتقدّمة الذكر. (ومنها) «الوزيرية» وتعرف بالوزير أبي الفرج يعقوب بن كلّس وزير المعز بالله الفاطمي، وكان يهوديّ الأصل يخدم في الدولة الإخشيدية، ثم هرب إلى المعزّ الفاطميّ بالمغرب لمال لزمه، فلقي عسكر المعز مع جوهر فرجع معه، وعظمت مكانته عند المعزّ حتّى استوزره، وكانت داره مكان مدرسة الصاحب صفيّ الدين بن شكر، وزير العادل أبي بكر بن أيوب، المعروفة بالصاحبية بسويقة الصاحب، وكانت قبل ذلك تعرف بدار الديباج. (ومنها) «المحموديّة» قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: ولعلها منسوبة إلى الطائفة المعروفة بالمحمودية القادمة في أيام العزيز بالله الفاطميّ إلى مصر. (ومنها) «حارة الروم» داخل بابي زويلة، اختطها الرّوم الواصلون صحبة جوهر القائد حين بنائه القاهرة فعرفت بهم ونسبت إليهم إلى الآن. (ومنها) «الباطلية» قال ابن عبد الظاهر: تعرف بقوم أتوا المعزّ باني

(ومنها) «حارة الديلم»

القاهرة وقد قسم العطاء في الناس فلم يعطهم شيئا، فقالوا: نحن على باطل؟ فسميت الباطلية. (ومنها) «حارة الدّيلم» وتعرف بالديلم الواصلين صحبة أفتكين المعزّي غلام المعز بن بويه الديلميّ، وكان قد تغلب على الشام أيام المعزّ الفاطميّ وقاتل القائد جوهرا واستنصر بالقرامطة، وخرج إليهم العزيز بالله فأسره في الرملة وقدم به إلى القاهرة فأجزل له العطاء، وأنزله هو وأصحابه بهذه الخطّة. وبها كانت دار الصالح طلائع بن رزّيك باني الجامع الصالحيّ خارج باب زويلة، وكان يسكنها قبل الوزارة؛ وخوخته بها معروفة إلى الآن بخوخة الصالح. (ومنها) «حارة كتامة» على القرب من الجامع الأزهر بجوار الباطلية، وتعرف بقبيلة كتامة من البربر الواصلين صحبة جوهر من الغرب. (ومنها) «إصطبل الطارمة» بظاهر مشهد الحسين، كان إصطبلا للقصر، وبهذا الخط كانت دار الفطرة «1» التي يعمل فيها فطرة العيد، بناها المأمون بن البطائحي وزير الآمر، وكانت الفطرة قبل ذلك تعمل أبواب القصر، وسيأتي الكلام على الفطرة مستوفى في الكلام على ترتيب المملكة في الدولة الفاطمية فيما بعد إن شاء الله تعالى. (ومنها) «حارة الصالحية» قبليّ مشهد الحسين، كانت طائفة من غلمان الصالح طلائع بن رزّيك قد سكنوها فعرفت بهم ونسبت إليهم. (ومنها) «البرقية» قال ابن عبد الظاهر: اختطها قوم من أهل برقة قدموا صحبة جوهر فعرفت بهم. ورأيت بخطّ بعض الفضلاء بحاشية خطط ابن عبد الظاهر أن الصالح طلائع بن رزّيك لما قتل عباسا وزير الظافر وتقلد الوزارة عن

(ومنها) «قصر الشوك»

الآمر، أقام جماعة من الأمراء يقال لهم البرقية عونا له وأسكنهم هذه الخطّة فنسبت إليهم. (ومنها) «قصر الشوك» على القرب من رحبة الأيدمري، قال ابن عبد الظاهر: كان قبل عمارة القاهرة منزلة لبني عذرة تعرف بقصر الشوك. (ومنها) [ «خزانة البنود» «1» ] وكانت خزانة السلاح في الدولة الفاطمية، ثم جعلت سجنا في الأيام المستنصرية، ثم احتكرت بعد ذلك وجعلت آدرا. (ومنها) «رحبة باب العيد» تنسب إلى باب العيد: أحد أبواب القصر المسمى بباب العيد المقدّم ذكره. (ومنها) «درب ملوخيّة» ينسب لملوخيّة صاحب ركاب الحاكم، وبه مدرسة القاضي الفاضل وزير السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وبه كانت داره. (ومنها) «العطوف» وأصل اسمها العطوفية: نسبة إلى عطوف خادم الحاكم. (ومنها) «الجوّانية» قال ابن عبد الظاهر: وهي صفة لمحذوف، وأصلها حارة الرّوم الجوّانية، وذلك أن الرّوم الواصلين صحبة جوهر اختطوا حارة الروم المتقدّمة الذكر وهذه الحارة، وكان الناس يقولون: حارة الروم الجوّانية فثقل ذلك عليهم، فأطلقوا على هذه الجوّانية وقصروا اسم حارة الروم على تلك.

وأما خططها المشهورة خارج السور:

قال: والورّاقون إلى هذا الوقت يقولون حارة الروم السفلى، وحارة الروم العليا المعروفة بالجوّانية، ثم قال: ويقال إنها منسوبة إلى الأشراف الجوّانيين الذين منهم الشريف الجوّاني النّسّابة. وأما خططها المشهورة خارج السور: (فمنها) «الحسينيّة» كانت في الأيام الفاطمية ثماني حارات خارج باب الفتوح أوّلها: الحارة المعروفة بحارة بهاء الدين المتقدّم ذكرها، وهي حارة حامد، والمنشأة الكبرى، والحارة الكبيرة، والمنشأة الصغيرة، وحارة عبيد الشراء، والحارة الوسطى، وسوق الكبير بمصر، والوزيرية، وكان يسكنها الطائفة المعروفة بالوزيرية والريحانية من الأرمن والعجمان وعبيد الشراء. قال ابن عبد الظاهر: وكان بها من الأرمن قريب من سبعة آلاف نفس، ثم سكنها جماعة من الأشراف الحسينيين قدموا في أيام الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب من الحجاز إلى مصر، فنزلوا بهذه الأمكنة واستوطنوها فسميت «1» بهم، ثم سكنها الأجناد بعد ذلك وبنوا بها الأبنية العظيمة والآدر الضخمة. قال ابن عبد الظاهر: هي أعظم حارات الأجناد. قلت: وذلك بحسب ما كان الحال عليه في زمانه، ولكنها قد خربت في زماننا هذا، وانتقل الأجناد إلى الأماكن القريبة من القلعة بصليبة الجامع الطولوني ونحوها. وبنى بهاء الدين قراقوش خانا للسبيل تنزله المارّة وأبناء السبيل فعرف خطه به.

(ومنها) «الخندق»

(ومنها) «الخندق» خارج الحسينية بالخندق؛ كان عنده خندق احتفره العزيز بالله الفاطمي، وكان المعزّ قد أسكن المغاربة هناك في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة حين تبسطوا في القرافة والقاهرة وأخرجوا الناس من منازلهم، وأمر مناديا ينادي لهم كل ليلة: من بات منهم في المدينة استحقّ العقوبة. (ومنها) «أرض الطّبّالة» «1» منسوبة لامرأة مغنية اسمها نشب «2» ، وقيل طرب، كانت مغنية للمستنصر الفاطميّ واسمه معدّ. قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: ولما ورد الخبر عليه بأنه خطب له ببغداد في نوبة «3» البساسيري قريب السنة غنته نشب هذه: يا بني العبّاس صدّوا ... قد ولي الأمر معدّ ملككم كان معارا ... والعواري تستردّ فوهبها هذه الأرض في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة فحكرت وبنيت آدرا فعرفت بها. قال: وكانت من ملح القاهرة وبهجتها؛ وفيها يقول ابن سعيد المغربي مجانسا بين القرط الذي ترعاه الدوابّ والقرط الذي يكون في الأذن:

(ومنها) «خط باب القنطرة»

سقى الله أرضا كلّما زرت روضها ... كساها وحلّاها بزينته القرط تجلّت عروسا والمياه عقودها ... وفي كلّ قطر من جوانبها قرط (ومنها) «خط باب القنطرة» قال ابن عبد الظاهر: ذكر لي علم الدين بن ممّاتي أنه في كتب الأملاك القديمة يسمّى بالمرتاحية. (ومنها) «المقس» «1» قال القضاعي في «خططه» : كانت ضيعة تعرف بأمّ دنين وكان العاشر الذي يأخذ المكس يقعد بها لاستخراج المال، فقيل المكس بالكاف ثم أبدلت الكاف في الألسنة قافا. قال ابن عبد الظاهر: ومن الناس من يقول فيه المقسم لأن قسمة الغنائم في الفتوح كانت فيه. قال: ولم أر ذلك مسطورا، وكانت الدكة من نواحيه بستانا إذا ركب الخليفة من الخليج يوم الكسر أتى إليه في البر الغربي من الخليج في مركبة ويدخله بمفرده فيسقي منه فرسه، ثم يخرج إلى قصره على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب المملكة في الدولة الفاطمية، إن شاء الله تعالى. قال ابن عبد الظاهر: والدكة الآن آدر وحارات شهرتها تغني عن وصفها فسبحان من لا يتغير. قلت: وقد خرب أكثر تلك الآدر والحارات حتّى لم يبق منها إلا الرسوم، وبعضها باق يسكنه آحاد الناس. (ومنها) «ميدان القمح» كان قديما بستانا سلطانيّا يسمّى بالمقسيّ يدخل الماء إليه من الخليج المعروف بالخليج الذكر الذي بناه كافور الإخشيدي، ثم أمر الظاهر الفاطميّ بنقل أنشابه «2» وحفره وجعله بركة قدّام اللؤلؤة، وأبقى الخليج

(ومنها) «بر ابن التبان»

المذكور مسلطا على البركة ليستنقع الماء فيها. فلما ضعف أمر الخلافة الفاطمية، وهجرت رسومها القديمة في التفرج في اللؤلؤة وغيرها، بنت السّودان المعروفون بالطائفة الفرحية الساكنون بالمقس عند ضيقه عليهم قبالة اللؤلؤة حارة سميت حارة اللّصوص بسبب تعدّيهم فيها مع غيرهم، ثم تنقلت بها الحال حتّى صار على ما هو عليه الآن. (ومنها) «بر ابن التبان» غربيّ خليج القاهرة، وينسب إلى ابن التبان رئيس حرّاقة «1» الخلافة الفاطمية، وكان الآمر الفاطميّ قد أمر بالعمارة قبالة الخرق غربيّ الخليج، فأوّل من عمر به ابن التّبّان المذكور، أنشأ به مسجدا وبستانا ودارا فعرفت الخطّة به إلى الآن. (ومنها) «خط اللوق» وهو خط قديم متسع ينتهي إلى الميدان المعدّ لركوب السلطان عند وفاء النيل، قد عمر بالأبنية وسكنه رعاع الناس وأوباشهم والمكان المعروف الآن بباب اللّوق جزء منه. (ومنها) «بركة الفيل» «2» وهي بركة عظيمة متّسعة جنوبيّ سور القاهرة عليها الأبنية العظيمة المستديرة بها. قال ابن عبد الظاهر: وتنسب إلى رجل من أصحاب ابن طولون يعرف بالفيل؛ وما أحسن قول ابن سعيد المغربيّ: أنظر إلى بركة الفيل التي اكتنفت ... بها المناظر كالأهداب للبصر

(ومنها) «خط الجامع الطولوني»

كأنّما هي والأبصار ترمقها ... كواكب قد أداروها على القمر (ومنها) «خط الجامع الطولوني» من الصليبة وما والاها، وقد تقدّم في الكلام على خطط الفسطاط أن هذه الأرض كانت منازل لأحمد بن طولون وعسكره، والجبل الذي في جانبها البحريّ يعرف بجبل يشكر، وعليه بناء الجامع الطولوني المذكور، واستحدث الملك الصالح نجم الدين أيوب رحمه الله عليه قصورا جاءت في نهاية الحسن والإتقان، وهي المعروفة بالكبش، ولم يزل يسكنها أكابر الأمراء إلى أن خرّبها العوامّ في وقعة الجلبان قبل السبعين والسبعمائة، وهي على ذلك إلى الآن، وقد شرع الناس الآن في استحكار أماكنها للعمارة فيها في حدود سنة ثمانمائة. (ومنها) «خط حارة المصامدة» وتنسب لطائفة المصامدة من البربر الذين قدموا مع المعزّ من المغرب، وكان المقدّم عليهم عبد الله المصموديّ، وكان المأمون بن البطائحيّ وزير الآمر قد قدّمه ونوّه بذكره، وسلم إليه أبوابه للمبيت عليها، وأضاف إليه جماعة من أصحابه. (ومنها) «الهلالية» قال ابن عبد الظاهر: أظنها الحارة التي بناها المأمون بن البطائحيّ خارج الباب الجديد الذي بناه الحاكم بالشارع على يسرة الخارج منه للمصامدة لما قدّمهم ونوّه بذكرهم، وحذر أن يبني بينها وبين بركة الفيل حتّى صارت هذه الحارة مشرفة على شاطيء بركة الفيل إلى بعض أيام الحافظ. (ومنها) «المنتجبية» قال ابن عبد الظاهر: بلغني أنها منسوبة لشخص في الدولة الفاطمية يعرف بمنتجب الدولة. (ومنها) «اليانسيّة» قال ابن عبد الظاهر: أظنها منسوبة ليانس وزير الحافظ، وكان يلقب بأمير الجيوش سيف الإسلام، ويعرف بيانس الفاصد لأنه فصد حسن ابن الحافظ، وتركه محلول الفصادة حتّى مات.

وأما جوامعها

قال: وكان في الدولة من اسمه يانس العزيزي، واليانسيّة: جماعة كانوا في زمن العزيز بالله، ومنهم يانس الصقلّي، ونسبة هذه الحارة محتملة لأن تكون لكل منهم، وقد ذكر ابن عبد الظاهر عدة حارات كانت للجند خارج باب زويلة غير ما لعله ذكره سردا، منها ما هو مشهور معروف، وهو حارة حلب، والحبانية، ومنها ما ليس كذلك وهو الشوبك، والمأمونية، والحارة الكبيرة، والمنصورة الصغيرة، وحارة أبي بكر. وأما جوامعها - فأقدمها [الجامع الأول] «الجامع الأزهر» «1» بناه القائد جوهر بعد دخول مولاه المعزّ إلى القاهرة وإقامته بها، وفرغ من بنائه وجمّعت فيه الجمعة في شهر رمضان لسبع خلون من سنة إحدى وستين وثلاثمائة، ثم جدّد العزيز بن المعزّ فيه أشياء وعمر به أماكن وهو أوّل جامع عمر بالقاهرة. قال صاحب «نهاية الأرب» : وجدّده العزيز بن المعزّ، ولما عمر الحاكم جامعه نقل الخطبة إليه وبقي الجامع الأزهر شاغرا، ثم أعيدت إليه الخطبة وصلي فيه الجمعة في ثامن شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين وستمائة في سلطنة الظاهر بيبرس، وتزايد أمره حتّى صار أرفع الجوامع بالقاهرة قدرا.

الجامع الثاني الجامع الحاكمي

قال ابن عبد الظاهر: وسمعت جماعة يقولون إن به طلسما لا يسكنه عصفور «1» . الجامع الثاني الجامع الحاكمي بناه الحاكم الفاطميّ على القرب من باب الفتوح وباب النصر، وفرغ من بنائه في سنة ست وتسعين وثلاثمائة، وكان حين بنائه خارج القاهرة إذ كان بناؤه قبل بناء باب الفتوح وباب النصر الموجودين الآن، وكان هو خارج القوسين اللذين هما باب الفتوح وباب النصر الأوّلان. ثم قال: وفي سيرة العزيز أنه اختط أساسه في العاشر من رمضان سنة تسع وسبعين وثلاثمائة، وفي سيرة الحاكم أنه ابتدأه بعض الوزراء وأتمه الحاكم؛ وعلى البدنة «2» المجاورة لباب الفتوح أنها بنيت في زمن المستنصر في أيام أمير الجيوش سنة ثمانين وأربعمائة، ثم استولى عليها من ملكها والزيادة التي إلى جانبه بناها الظاهر بن الحاكم ولم يكملها، ثم ثبت في الدولة الصالحية نجم الدين أيوب أنها من الجامع وأن بها محرابا، فانتزعت ممن هي معه وأضيفت للجامع، وبني بها ما هو موجود الآن في الأيام المعزية أيبك التّركمانيّ ولم تسقف. الجامع الثالث الجامع الأقمر «3» بناه الآمر الفاطميّ بوساطة وزيره المأمون بن البطائحي؛ وكمل بناؤه في

الجامع الرابع الجامع بالمقس بباب البحر

سنة تسع عشرة وخمسمائة؛ ويذكر أن اسم الآمر والمأمون عليه. قلت: ولم يكن به خطبة إلى أن جدّد الأمير يلبغا السالمي، أحد أمراء الظاهر برقوق عمارته في سنة إحدى وثمانمائة ورتّب فيه خطبة. الجامع الرابع الجامع بالمقس بباب البحر ، وهو المعروف بالجامع الأنور بناه الحاكم الفاطميّ أيضا في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة. الجامع الخامس الجامع الظافريّ، وهو المعروف الآن بجامع الفكّاهين «1» بناه الظفر الفاطميّ داخل بابي زويلة في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وكان زريبة للكباش، وسبب بنائه جامعا أن خادما كان في مشترف «2» على الزريبة فرأي ذبّاحا وقد أخذ رأسين من الغنم فذبح أحدهما ورمى سكّينه وذهب لقضاء حاجة له، فأتى رأس الغنم الآخر فأخذ السكين بفمه ورماها في البالوعة، وجاء الذّبّاح فلم يجد السكّين، فاستصرخ الخادم وخلصه منه، فرفعت القصة إلى أهل القصر فأمروا بعمارته. الجامع السادس الجامع الصالحي بناه الصالح طلائع بن رزّيك وزير الفائز والعاضد من الفاطميين خارج باب زويلة، بقصد نقل رأس الحسين عليه السلام من عسقلان إليه، عند خوف هجوم الفرنج عليها، فلما فرغ منه لم يمكّنه الفائز من ذلك، وابتنى له المشهد المعروف بمشهد الحسين بجوار القصر، ونقله إليه في سنة تسع وأربعين وخمسمائة؛ وبنى

وأما مدارسها

به صهريجا وجعل له ساقية تنقل الماء إليه من الخليج أيام النيل على القرب من باب الخرق. ولم يكن به خطبة، وأوّل ما أقيمت الجمعة فيه في الأيام المعزّيّة أيبك التّركمانيّ في سنة اثنتين وخمسين وستمائة، وخطب به أصيل الدين أبو بكر الإسعرديّ؛ ثم كثرت عمارة الجوامع بالقاهرة في الدولة التركية خصوصا في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون وما بعدها، فعمر بها من الجوامع ما لا يكاد يحصى كثرة: كجامع المارديني، وجامع قوصون خارج باب زويلة وغيرهما من الجوامع، وأقميت الجمعة في كثير من المدارس والمساجد الصّغار المتفرّقة في الأخطاط لكثرة الناس وضيق الجوامع عنهم. وأما مدارسها - فكانت في الدولة الفاطمية وما قبلها قليلة الوجود بل تكاد أن تكون معدومة، غير أنه كان بجوار القصر دار تعرف «بدار العلم» «1» خلف خان مسرور، كان داعي الشيعة «2» يجلس فيها، ويجتمع إليه من التلامذة من يتكلم في العلوم المتعلقة بمذهبهم، وجعل الحاكم لها جزءا من أوقافه التي وقفها على الجامع الأزهر وجامع المقس وجامع راشدة؛ ثم أبطل الأفضل بن أمير الجيوش هذه الدار لاجتماع الناس فيها والخوض في المذاهب خوفا من الاجتماع على

المذهب النّزاريّ؛ ثم أعادها لآمر بواسطة خدام القصر بشرط أن يكون متولّيها رجلا ديّنا والداعي هو الناظر فيها، ويقام فيها متصدّرون برسم قراءة القرآن. وقد ذكر المسبحيّ «1» في تاريخه: أن الوزير أبا الفرج يعقوب بن كلّس «2» سأل العزيز بالله في حمله رزق جماعة من العلماء، وأطلق لكل منهم كفايته من الرزق، وبنى لهم دارا بجانب الجامع الأزهر، فإذا كان يوم الجمعة حلقوا بالجامع بعد الصلاة وتكلموا في الفقه، وأبو يعقوب قاضي الخندق رئيس الحلقة والملقي عليهم إلى وقت العصر، وكانوا سبعة وثلاثين نفرا. ثم جاءت الدولة الأيوبية فكانت الفاتحة لباب الخير، والغارسة لشجرة الفضل، فابتنى الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر «3» (دار الحديث الكاملية) «4» بين القصرين في سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وقرّر بها مذاهب الأئمة الأربعة وخطبة، وبقي إلى جانبها خراب حتّى بني آدرا في الأيام المعزّيّة

أيبك التّركمانيّ في سني خمسين وستمائة، ووقف على المدرسة المذكورة، وبنى من بنى من أكابر دولتهم مدارس لم تبلغ شأو هذه، وشتّان بين الملوك وغيرهم. ثم جاءت الدولة التركية فأربت على ذلك وزادت عليه، فابتنى الظاهر بيبرس (المدرسة الظاهرية) «1» بين القصرين بجوار المدرسة الصالحية، ثم ابتنى المنصور قلاوون (المدرسة المنصورية) «2» من داخل بيمارستانه الآتي ذكره وجعل قبالتها تربة سنية. ثم ابتنى الناصر محمد بن قلاوون (المدرسة الناصرية) بجوار البيمارستان المذكور. ثم ابتنى الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون (مدرسته العظمى) «3» تحت القلعة، وهي التي لم يسبق إلى مثلها، ولا سمع في مصر من الأمصار بنظيرها، ويقال إن إيوانها يزيد في القدر على إيوان كسرى بأذرع.

ثم ابتنى ابن أخيه الأشرف شعبان بن حسين (المدرسة الأشرفية) «1» بالصّوّة تحت القلعة ومات ولم يكملها، ثم هدمها الناصر فرج بن الظاهر برقوق لتسلطها على القلعة في سنة أربع عشرة وثمانمائة، ونقل أحجارها إلى عمارة القاعات التي أنشأها بالحوش بقلعة الجبل؛ ولم تعهد مدرسة قصدت بالهدم قبلها. ثم ابتنى الظاهر برقوق (مدرسته الظاهرية) بين القصرين بجوار المدرسة الكاملية فجاءت في نهاية الحسن والعظمة، وجعل فيها خطبة، وقرر فيها صوفية على عادة الخوانق ودروسا للأئمة، وتغالى «2» في ضخامة البناء؛ ونظم الشعراء فيها، فكان مما أتى به بعضهم من أبيات: وبعض خدّامه طوعا لخدمته ... يدعو الصّخور فتأتيه على عجل وتواردوا كلهم على هذا المعنى، فاقترح عليّ بعض الأكابر نظم شيء من هذا المعنى فنظمت أبياتا جاء منها: وبالخليليّ قد راجت عماراتها ... في سرعة بنيت من غير ما مهل كم أظهرت عجبا أسواط حكمته ... وكم غدت مثلا ناهيك من مثل وكم صخور تخال الجنّ تنقلها ... فإنّها بالوحا «3» تأتي وبالعجل وفي خلال ذلك ابتنى أكابر الأمراء وغيرهم من المدارس ما ملأ الأخطاط وشحنها.

وأما الخوانق والربط

وأما الخوانق والرّبط - فمما لم يعهد بالديار المصرية قبل الدولة الأيوبية، وكان المبتكر لها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله، فابتنى (الخانقاه الصلاحية) المعروفة بسعيد السعداء، وسعيد السعداء لقب لخادم للمستنصر الفاطميّ اسمه قنبر كانت الدار له، ثم صارت آخر الأيام سكن الصالح طلائع بن رزّيك، ولما ولي الوزارة فتح من دار الوزارة إليها سردابا تحت الأرض، وسكنها شاور السعدي وزير العاضد ثم ولده الكامل. فلما ملك السلطان صلاح الدين جعلها خانقاه، ووقف عليها قيساريّة الشّرب داخل القاهرة، وبستان الحبّانية بزقاق البركة. وأما مساجد الصلوات الخمس - فأكثر من أن تحصى وأعزّ من أن تستقصى، بكل خط منها مسجد أو مساجد لكل منها إمام راتب ومصلّون. وأما البيمارستان - فقال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: بلغني أن البيمارستان كان أوّلا بالقشّاشين، يعني المكان المعروف الآن بالخرّاطين على القرب من الجامع الأزهر، وهناك كانت دار الضرب بناها المأمون بن البطائحي وزير الآمر قبالة البيمارستان المذكور، وقرر دور الضرب بالإسكندرية وقوص وصور وعسقلان؛ ثم لما ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب الديار المصرية واستولى على القصر، كان في القصر قاعة بناها العزيز بن المعزّ في سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، فجعلها السلطان صلاح الدين بيمارستانا، وهو البيمارستان العتيق الذي داخل القصر، وهو باق على هيئته إلى الآن، ويقال إن فيها طلسما لا يدخلها نمل، وإن ذلك هو السبب الموجب لجعلها بيمارستانا. قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: ولقد سألت المباشرين

بالبيمارستان المذكور عن ذلك في سنة سبع وخمسين و [ستما] «1» ئة فقالوا صحيح. ثم ابتنى السلطان الملك «المنصور قلاوون» رحمه الله دار ستّ الملك أخت الحاكم، المعروفة «بالدار القطبية» بيمارستانا في سنة ثلاث وثمانين وستمائة بمباشرة الأمير علم الدين الشجاعيّ، وجعل من داخله المدرسة المنصورية والتربة المتقدّم ذكرهما، فبقّى معالم بعض الدار على ما هو عليه، وغيّر بعضها. وهو من المعروف العظيم الذي ليس له نظير في الدنيا، ونظره رتبة سنية يتولاه الوزراء ومن في معناهم. قال في «مسالك الأبصار» : وهو الجليل المقدار، الجليل الآثار، الجميل الإيثار، العظيم بنائه، وكثرة أوقافه، وسعة إنفاقه، وتنوع الأطباء والكحّالين والجرائحية فيه «2» . قلت: ولم تزل القاهرة في كل وقت تتزايد عمارتها، وتتجدّد معالمها، خصوصا بعد خراب الفسطاط، وانتقال أهله إليها على ما تقدّم ذكره حتّى صارت على ما هي عليه في زماننا: من القصور العليّة، والدور الضخمة، والمنازل الرحيبة، والأسواق الممتدّة، والمناظر النزهة، والجوامع البهجة، والمدارس

الرائقة، والخوانق الفاخرة، مما لم يسمع بمثله في قطر من الأقطار، ولا عهد نظيره في مصر من الأمصار. وغالب مبانيها بالآجرّ؛ وجوامعها ومدارسها وبيوت رؤسائها مبنية بالحجر المنحوت، مفروشة الأرض بالرخام، مؤزّرة الحيطان به، وغالب أعاليها من أخشاب النخل والقصب المحكم الصنعة؛ وكلها أو أكثرها مبيّضة الجدر بالكلس الناصع البياض، ولأهلها القوّة العظيمة في تعلية بعض المساكن على بعض حتّى إن الدار تكون من طبقتين إلى أربع طبقات «1» بعضها على بعض، في كل طبقة مساكن كاملة بمنافعها ومرافقها، وأسطحة مقطعة بأعلاها بهندسة محكمة، وصناعة عجيبة. قال في «مسالك الأبصار» : لا يرى مثل صنّاع مصر في هذا الباب، وبظاهرها البساتين الحسان، والمناظر النّزهة، والآدر المطلّة على النيل، والخلجان الممتدّة منه ومن مدّه؛ وبها المستنزهات المستطابة، خصوصا زمن الربيع لغدرانها الممتدّة من مقطعات النيل وما حولها من الزروع المختلفة وأزهارها المائسة التي تسرّ الناظر وتبهج الخاطر. قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات» : وأجمع المسافرون برّا وبحرا أنه لم يكن أحسن منها منظرا، ولا أكثر ناسا، وإليها يجلب ما في سائر أقاليم الأرض من كل شيء غريب وزيّ عجيب؛ وملكها ملك عظيم، كثير الجيوش،

حسن الزّيّ لا يماثله في زيّه ملك من ملوك الأرض؛ وأهلها في رفاهية عيش وطيب مأكل ومشرب؛ ونساؤه في غاية الجمال والظّرف. قال في «مسالك الأبصار» : أخبرني غير واحد ممن رأى المدن الكبار أنه لم ير مدينة اجتمع فيها من الخلق ما اجتمع في القاهرة. قال: وسألت الصدر مجد الدين إسماعيل عن بغداد وتوريز «1» هل يجمعان خلقا مثل مصر؟ فقال: في مصر خلق قدر من في جميع البلاد. قال في «التعريف» : (والقاهرة اليوم أمّ الممالك، وحاضرة البلاد، وهي في وقتنا دار الخلافة، وكرسيّ الملك، ومنبع الحكماء، ومحطّ الرحال، ويتبعها كل شرق وغرب خلا الهند فإنه نائي المكان، بعيد المدى، يقع لنا من أخباره ما نكبره، ونسمع من حديثه ما لا نألفه. قال: وكان يخلق لنا أن نجعل كل النطق بالقاهرة دائرة، وإنما نفردها بما اشتملت عليه حدود الديار المصرية، ثم ندير بأمّ كل مملكة نطاقها، ثم إليها مرجع الكل وإلى بحرها مصب تلك الخلج) . قال في «مسالك الأبصار» : إلا أن أرضها سبخة، ولذلك يعجل الفساد إلى مبانيها. وذكر القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر نحو ذلك وأن المعزّ لام القائد جوهرا على بنائها في هذا الموضع، وترك جانب النيل عند المقس أو جنوبيّ الفسطاط حيث الرصد الآن.

القاعدة الثالثة القلعة

القاعدة الثالثة القلعة (بفتح القاف) ويعبر عنها بقلعة الجبل، وهي مقرّة السلطان الآن ودار مملكته. بناها الطواشي بهاء الدين قراقوش المتقدّم ذكره للملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله، وموقعها بين ظاهر القاهرة والجبل المقطّم والفسطاط، وما يليه من القرافة المتصلة بعمارة القاهرة والقرافة «1» وطولها وعرضها على ما تقدم في الفسطاط أيضا، وهي على نشز «2» مرتفع من تقاطيع الجبل المقطّم، ترتفع في موضع وتنخفض في آخر. وكان موضعها قبل أن تبنى، مساجد من بناء الفاطميين «3» : منها مسجد رديني الذي هو بين آدر الحريم السلطانية. قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: قال لي والدي رحمه الله: عرض عليّ الملك الكامل إمامته، فامتنعت لكونه بين آدر الحريم. ولم يسكنها «4» السلطان صلاح الدين رحمه الله، ويقال: إن ابنه الملك العزيز سكنها مدّة في حياة أبيه، ثم انتقل منها إلى دار الوزارة.

قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: قال لي والدي رحمه الله: كنا نطلع إليها قبل أن تسكن في ليالي الجمع نبيت متفرّجين كما نبيت في جواسق «1» الجبل والقرافة. وأول من سكنها الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب انتقل إليها من قصر الفاطميين سنة أربع وستمائة، واستقرّت بعده سكنا للسلاطين إلى الآن. ومن غريب ما يحكى أن السلطان صلاح الدين رحمه الله طلع إليها ومعه أخوه العادل أبو بكر، فقال السلطان لأخيه العادل: هذه القلعة بنيت لأولادك، فثقل ذلك على العادل وعرف السلطان صلاح الدين ذلك منه، فقال: لم تفهم عني إنما أردت أني أنا نجيب فلا يكون لي أولاد نجباء، وأنت غير نجيب فتكون أولادك نجباء فسرّي عنه، وكان الأمر كما قال السلطان صلاح الدين، وبقيت خالية حتّى ملك العادل مصر والشام، فاستناب ولده الملك الكامل محمدا في الديار المصرية فسكنها. وذكر في «مسالك الأبصار» أن أول من سكنها العادل أبو بكر، ولما سكنها الكامل المذكور، احتفل بأمرها واهتم بعمارتها وعمر بها أبراجا، منها البرج الأحمر وغيره. وفي أواخر سنة اثنتين وثمانين وستمائة عمر بها السلطان الملك المنصور قلاوون برجا عظيما على جانب باب السر الكبير، وبنى عليه مشترفات حسنة البنيان، بهجة الرخام، رائقة الزّخرفة. وسكنها في صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة. ثم عمر بها السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ثلاثة أماكن، كملت بها معانيها، واستحق بها القلعة على بانيها:

أحدها- القصر الأبلق «1» الذي يجلس به السلطان في عامة أيامه، ويدخل عليه فيه أمراؤه وخواصّه، وقد استجدّ به السلطان الملك الأشرف «شعبان بن حسين» رحمه الله في جانبه مقعدا بإزاء الإسطبلات السلطانية جاء في نهاية من الحسن والبهجة. والثاني- الإيوان الكبير الذي يجلس فيه السلطان في أيام المواكب للخدمة العامة وإقامة العدل في الرعية. والثالث- جامع الخطبة الذي يصلي فيه السلطان الجمعة، وستأتي صفة هذه الأماكن كلها. وهذه القلعة ذات سور وأبراج، فسيحة الأفنية، كثيرة العمائرة، ولها ثلاثة أبواب يدخل منها إليها: أحدها- من جهة القرافة والجبل المقطّم، وهو أقل أبوابها سالكا وأعزّها استطراقا. والثاني- باب السر. ويختص الدخول والخروج منه بأكابر الأمراء وخواصّ الدولة: كالوزير وكاتب السر ونحوهما، يتوصل إليه من الصوّة «2» ، وهي بقية النّشر الذي بنيت عليه القلعة من جهة القاهرة، بتعريج يمشي فيه مع جانب جدارها البحري حتّى ينتهي إليه بحيث يكون مدخله منه مقابل الإيوان الكبير الذي يجلس فيه السلطان أيام المواكب، وهذا الباب لا يزال مغلقا حتى ينتهي إليه من يستحق الدخول أو الخروج منه فيفتح له ثم يغلق. والثالث- وهو بابها الأعظم الذي يدخل منه باقي الأمراء وسائر الناس، يتوصل إليه من أعلى الصوّة المتقدّم ذكرها، يرقى إليه في درج متناسبة حتّى يكون

مدخله في أول الجانب الشرقيّ من القلعة؛ ويتوصل منه إلى ساحة مستطيلة ينتهي منها إلى دركاه «1» جليلة يجلس بها الأمراء حتّى يؤذن لهم بالدخول؛ وفي قبليّ هذه الدركاه (دار النيابة) «2» وهي التي يجلس بها النائب الكافل «3» للحكم إذا كان ثمّ نائب، و (قاعة الصاحب) «4» وهي التي يجلس بها الوزير وكتّاب الدولة، و (ديوان الإنشاء) وهو الذي يجلس فيه كاتب السر وكتّاب ديوانه، وكذلك (ديوان الجيش) وسائر الدواوين السلطانية. وبصدر هذه الدّركاه باب يقال له «باب القلّة» يدخل منه إلى دهاليز فسيحة، على يسرة الداخل منها باب يتوصل منه إلى جامع الخطبة المتقدّم «5» ذكره؛ وهو من أعظم الجوامع، وأحسنها وأبهجها نظرا، وأكثرها زخرفة، متسع الأرجاء، مرتفع البناء، مفروش الأرض بالرخام الفائق، مبطّن السّقوف بالذهب؛ في وسطه قبة يليها مقصورة يصلّي فيها السلطان الجمعة، مستورة هي والرواقات المشتملة عليها بشبابيك من حديد محكمة الصنعة، يحفّ بصحنه رواقات من جميع جهاته ويتوصل من ظاهر هذا الجامع إلى باب الستارة، ودور الحريم السلطانية.

وبصدر الدهاليز المتقدّمة الذكر مصطبة يجلس عليها مقدّم المماليك «1» ، وعندها مدخل باب السر المتقدّم ذكره، وفي مجنبة ذلك ممرّ يدخل منه إلى ساحة يواجه الداخل إليها باب الإيوان الكبير المتقدّم ذكره، وهو إيوان عظيم عديم النظير، مرتفع الابنية، واسع الأفنية، عظيم العمد، عليه شبابيك من حديد عظيمة الشأن محكمة الصنعة؛ وبصدره سرير الملك، وهو منبر من رخام مرتفع، يجلس عليه السلطان في أيام المواكب العظام لقدوم رسل الملوك ونحو ذلك. ويتامن عن هذا الإيوان إلى ساحة لطيفة بها باب القصر الأبلق المتقدّم ذكره، وبنواحيها مصاطب يجلس عليها خواصّ الأمراء قبل دخولهم إلى الخدمة؛ ويدخل من باب القصر إلى دهاليز عظيمة الشأن، نبيهة القدر، يتوصّل منها إلى القصر المذكور، وهو قصر عظيم البناء، شاهق في الهواء، به إيوانان في جهتي الشّمال والجنوب، أعظمهما الشّماليّ، يطلّ منهما على الإصطبلات السلطانية، ويمتدّ النظر منهما إلى سوق الخيل والقاهرة والفسطاط وحواضرها، إلى مجرى النيل، وما يلي ذلك من بلاد الجيزة والجبل وما والى ذلك؛ وبصدره منبر من رخام كالذي في الإيوان الكبير يجلس عليه السلطان أحيانا في وقت الخدمة على ما يأتي ذكره. والإيوان الثاني وهو القبليّ خاص بخروج السلطان وخواصّه منه، من باب السر إلى الإيوان الكبير خارج القصر للجلوس فيه أيام المواكب العامّة، ويدخل من القصر المتقدّم ذكره إلى ثلاثة قصور جوّانية: واحد منها مسامت لأرض القصر الكبير، واثنان مرفوعان، يصعد إليهما بدرج؛ في جميعها شبابيك من حديد تشرف على ما يشرف عليه القصر، ويدخل من القصور الجوّانية إلى دور الحريم وأبواب الستور السلطانية؛ وهذه القصور جميعها ظاهرها بالحجر الأسود

والأصفر، وداخلها مؤزّر بالرخام والفصّ المذهب المشجر بالصّدف وأنواع الملونات، والسقوف المبطّنة بالذهب واللّازورد تخرق لضوء «1» في جدرانها بطاقات من الزجاج القبرسيّ الملوّن كقطع الجوهر المؤلفة في العقود، وجميع أرضها مفروشة بالرخام المنقول من أقطار الأرض مما لا يوجد مثله. قال في «مسالك الأبصار» : فأما الآدر السلطانية فعلى ما صح عندي خبره أنها ذوات بساتين وأشجار ومناخات للحيوانات البديعة والأبقار والأغنام والطيور الدّواجن. وخارج هذه القصور طباق واسعة للماليك السلطانية، ودور عظام لخواص الأمراء من مقدّمي الألوف، ومن عظم قدره من امراء الطّبلخاناه والعشرات، ومن خرج عن حكم الخاصكية إلى حكم البرانيين. وبها بيوت ومساكن لكثير من الناس، وسوق للمآكل؛ ويباع بها النّفيس من السلاح والقماش مع الدّلالين يطوفون به. وبهذه القلعة مع ارتفاع أرضها وكونها مبنية على جبل بئر ماء «2» معين منقوبة في الحجر، احتفرها بهاء الدين قراقوش المتقدّم ذكره حين بناء القلعة، وهي من أعجب الآبار، بأسفلها سواق تدور فيها الأبقار، وتنقل الماء في وسطها، وبوسطها سواق تدور فيها الأبقار أيضا وتنقل الماء إلى أعلاها؛ ولها طريق إلى

الماء ينزل البقر فيه إلى معينها في مجاز، وجميع ذلك نحت في الحجر ليس فيه بناء. قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: وسمعت من يحكي من المشايخ أنها لما نقرت، جاء ماؤها عذبا فأراد قراقوش أو نوّابه الزيادة في مائها فوسع نقرا في الجبل، فخرجت منه عين مالحة غيرت عذوبتها. ويقال: إن أرضها تسامت أرض بركة الفيل؛ وهذه البئر ينتفع بها أهل القلعة فيما عدا الشرب من سائر أنواع الاستعمالات. أما شربهم فمن الماء العذب المنقول إليها من النيل بالرّوايا «1» على ظهور الجمال والبغال مع ما ينساق إلى السلطان ودور أكابر الأمراء المجاورين للسلطان من ماء النيل في المجاري، بالسواقي النّقّالات والدواليب التي تديرها الأبقار وتنقل الماء من مقرّ إلى آخر حتّى ينتهي إلى القلعة، ويدخل إلى القصور والآدر في ارتفاع نحو خمسمائة ذراع. وقد استجدّ السلطان الملك الظاهر برقوق بهذه القلعة صهريجا عظيما يملأ في كل سنة زمن النيل من الماء المنقول إلى القلعة من السواقي النّقّالات، ورتب عليه سبيلا بالدّركاه التي بها دار النيابة يسقى فيه الماء وحصل به للناس رفق عظيم. وتحت مشترف هذه القلعة مما يلي القصور السلطانية ميدان عظيم يحول بين الإصطبلات السلطانية وسوق الخيل، ممرّج بالنجيل الأخضر، فسيح المدى، يسافر النظر في أرجائه، به أنواع من الوحوش المستحسنة المنظر، وتربط به الخواصّ من الخيول السلطانية للتفسح؛ وفيه يصلي السلطان العيدين على ما سيأتي ذكره؛ وفيه تعرض الخيول السلطانية في أوقات الإطلاقات ووصول التقادم والمشترى، وربما أطعم فيه الجوارح السلطانية؛ وإذا أراد السلطان النزول إليه خرج من باب إيوان القصر وركب من درج تليه إلى إصطبل الخيول الخاص، ثم

نزل إليه راكبا وخواصّ الأمراء في خدمته مشاة، ثم يعود إلى القصر كذلك. قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في «خططه» : وكان هذا الميدان وما حوله يعرف قديما بالميدان، وبه قصر أحمد بن طولون وداره التي يسكنها، والأماكن المعروفة بالقطائع حوله على ما تقدّم ذكره في خطط الفسطاط، ولم يزل كذلك حتّى بنى الملك الكامل بن العادل بن أيوب هذا الميدان تحت القلعة حين سكنها، وأجرى السواقي النّقالات من النيل إليه، وعمر إلى جانبه ثلاث برك تملأ لسقيه؛ ثم تعطل في أيامه مدّة، ثم اهتم به الملك العادل ولده، ثم اهتم به الصالح نجم الدين أيوب اهتماما عظيما، وجدّد له ساقية أخرى، وغرس في جوانبه أشجارا فصار في نهاية الحسن. فلما توفّي الصالح تلاشى حاله إلى أن هدم في سنة خمسين وستمائة، أو سنة إحدى وخمسين في الأيام المعزّيّة أيبك التركماني، وهدمت السواقي والقناطر وعفت آثارها، وبقي كذلك حتّى عمره «1» السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون رحمه الله، فأحسن عمارته ورصّفه أبدع ترصيف، وهو على ذلك إلى الآن. أما الميدان السلطانيّ الذي بخطّ اللوق، وهو الذي يركب إليه السلطان عند وفاء النيل للعب الكرة، فبناه الملك الصالح نجم الدين أيوب، وجعل به المناظر الحسنة ونصب الطّوارق على بابه كما تنصب على باب القلاع وغيرها، ولم تزل الطوارق منصوبة عليه إلى ما بعد السبعمائة؛ وسيأتي الكلام على كيفية الركوب إليه في المواكب في الكلام على ترتيب المملكة فيما بعد إن شاء الله تعالى. والقلعة التي بالرّوضة تقدم الكلام عليها [في الكلام] «2» على خطط الفسطاط.

ومما يتصل بهذه القواعد الثلاث ويلتحق بها «القرافة» التي هي مدفن أمواتها، وهي تربة عظيمة ممتدّة في سفح المقطّم، موقعها بين المقطم والفسطاط وبعض القاهرة، تمتدّ من قلعة الجبل المتقدّم ذكرها آخذة في جهة الجنوب إلى بركة الحبش وما حولها. وكان سبب جعلها مقبرة ما رواه ابن الحكم عن الليث بن سعد: أن المقوقس سأل عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار، فتعجب عمرو من ذلك، وكتب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك، فكتب إليه عمر: أن سله لم أعطاك به ما أعطاك وهي لا تزرع ولا يستنبط بها ماء ولا ينتفع بها؛ فسأله، فقال: إنا لنجد صفتها في الكتب أن فيها غراس الجنة، فكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك، فكتب إليه عمر: «إنّي لا أرى غرس الجنة إلا للمؤمنين فاقبر بها من مات قبلك من المسلمين ولا تبعها بشيء» فقال المقوقس لعمر: ما على ذا عاهدتنا، فقطع لهم قطعة تدفن فيها النصارى، وهي التي على القرب من بركة الحبش، وكان أول من قبر بسفح المقطم من المسلمين رجلا من المعافر اسمه عامر، فقيل عمرت. ويروى أن عيسى عليه السلام مرّ على سفح المقطم في سياحة ومعه أمّه، فقال: «يا أمّاه! هذه مقبرة أمّة محمد صلى الله عليه وسلم» . وفيها ضرائح الأنبياء عليهم السلام كإخوة يوسف وغيرهم. وبها قبر آسية امرأة فرعون، ومشاهد جماعة من أهل البيت والصحابة والتابعين والعلماء والزّهّاد والأولياء. وقد بنى الناس بها الأبنية الرائقة، والمناظر البهجة، والقصور البديعة، يسرح الناظر في أرجائها، ويبتهج الخاطر برؤيتها؛ وبها الجوامع والمساجد والزوايا والرّبط والخوانق، وهي في الحقيقة مدينة عظيمة إلا أنها قليلة الساكن «1» .

الفصل الثاني من المقالة الثانية في ذكر كور الديار المصرية؛ وهي على ضربين

الفصل الثاني من المقالة الثانية في ذكر كور الديار المصرية؛ وهي على ضربين الضرب الأول في ذكر كورها القديمة وقد جعلها القضاعيّ في «خططه» ثلاثة أحياز، وتشتمل على خمس وخمسين كورة، إلا أنه ذكرها سردا غير مبنيّة ولا مرتّبة، وقد أوردتها هنا مبيّنة مرتبة، ونبهت على ما هو مستمرّ منها على حكمه، وما تغيّر حكمه بإضافته إلى غيره من الأعمال المستمرة مع بقاء أسمائه، وما درس اسمه ونسي، أو تغير ولم تعلم له حقيقة. الحيّز الأول أعلى الأرض، وهو الصعيد والمراد ما هو من كورها جنوبيّ الفسطاط إلى نهايته في الجنوب، وسمي صعيدا لأن أرضه كلّما ولجت في الجنوب، أخذت في الصّعود والارتفاع. وقد ذكر القضاعيّ فيه عشرين كورة: الأولى- (كورة الفيوم) وهي كورة باقية مستمرة الحكم إلى الآن، وسيأتي ذكرها في الكلام على الأعمال المستقرة فيما بعد إن شاء الله تعالى. الثانية- (كورة منف) «1» ومنف هي مدينة مصر القديمة المتقدّمة الذكر،

الثالثة - (كورة وسيم)

التي بناها مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام. وقد تقدّم أنها على اثني عشر ميلا من الفسطاط في جنوبيّه على القرب من البلدة المعروفة الآن بالبدرشين. الثالثة- (كورة وسيم) ووسيم بفتح الواو وكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة تحت وميم في الآخر، بلدة من عمل الجيزة معروفة؛ والثابت في الدواوين أو سيم بزيادة ألف في أولها وسكون الواو «1» . الرابعة- (كورة الشرقية) وكأن المراد بها عمل إطفيح الآن إذ هو شرقيّ النيل وليس بالوجه القبليّ عمل مستقلّ شرقيّ النيل سواه. الخامسة- (كورة دلاص وبوصير) أما دلاص فبدال مهملة مفتوحة ولام ألف ثم صاد مهملة؛ قال في «الروض المعطار» : كانت مدينة عظيمة بها عجائب الأبنية وبها كان مجتمع سحرة مصر. وأما بوصير فالمراد هنا بوصير قوريدس التي قتل بها مروان الحمار، آخر خلفاء بني أميّة، ودلاص وبوصير هذه كلاهما الآن من عمل البهنسى، وسيأتي ذكره في الأعمال المستقرّة. قال في «الروض المعطار» : قال الجاحظ: بها ولد عيسى بن مريم عليه السلام. وذكر أن نخلة مريم كانت قائمة بها إلى زمانه. قلت: والمعروف أن مولد عيسى عليه السلام كان بالقدس من أرض الشام على ما سيأتي ذكره في الكلام على الإيمان في أواخر الكتاب إن شاء الله تعالى. السادسة- (كورة أهناس) وأهناس بفتح الهمزة، وسكون الهاء وفتح النون وألف وسين مهملة في الآخر، وتعرف بأهناس المدينة، كانت مدينة في القديم، وهي الآن من جملة عمل البهنسى الآتي ذكره في الأعمال المستقرّة.

السابعة - (كورة القيس)

السابعة- (كورة القيس) والقيس بفتح القاف وسكون الياء المثناة تحت وسين مهملة في الآخر، كانت مدينة في القديم، وهي الآن قرية معدودة من عمل البهنسى أيضا. الثامنة- (كورة البهنسى) وهي ذات عمل مستقرّ، وسيأتي ذكرها في الكلام على الأعمال المستقرّة فيما بعد إن شاء الله تعالى. التاسعة- (كورة طحا وجير «1» شنودة) . أما طحا فبفتح الطاء والحاء المهملتين وألف في الآخر، كانت في القديم مدينة ذات عمل، ولذلك تعرف بطحا المدينة، وهي الآن من عمل الأشمونين الآتي ذكرها في الكلام على الأعمال المستقرّة، وإليها ينسب أبو جعفر الطّحاويّ إمام الحنيفة ومحدّثهم. وأما جير «2» شنودة، فمن الأسماء التي درست ولم تعلم حقيقتها. العاشرة- (كورة بويط) قال ابن خلكان: بويط بضم الباء الموحدة وفتح الواو وسكون الياء المثناة تحت وطاء مهملة في الآخر. وقال في «تقويم البلدان» بهمزة مفتوحة في أوّله وباء ساكنة، وهو اسم واقع على بلدتين بالديار المصرية: إحداهما بعمل البهنسى في لحف الجبل على طريق المارّة، وإليها ينسب أبو يعقوب البويطي: أحد رواة الجديد عن الإمام الشافعيّ رضي الله عنه. والثانية من عمل سيوط وتعرف ببويط البتينة، وإليها ينسب شرق بويط والظاهر أنها المرادة هنا. الحادية عشرة- (كورة الأشمونين وأنصنا وشطب) . أما مدينة الأشمونين، فذات عمل مستقرّ، وسيأتي ذكرها في الكلام على الأعمال المستقرّة فيما بعد أن شاء الله تعالى.

الثانية عشرة - (كورة سيوط)

وأما (أنصنا) فقال في «تقويم البلدان» : هي بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الصاد المهملة وفتح النون وألف في الآخر، وهي مدينة قديمة خراب في البر الشرقي من النيل قبالة الأشمونين. وقد ذكر ابن هشام في السيرة: أن ماريّة القبطية التي أهداها المقوقس النبيّ صلى الله عليه وسلم من كورتها من قرية يقال لها حفن، وأنصنا الآن من جملة عمل الأشمونين. وأما (شطب) فبضم الشين المعجمة وسكون الطاء المهملة، وباء موحدة في الآخر، وهي مدينة قديمة بنيت في زمن شدّاد بن عديم أحد ملوك مصر بعد الطوفان قد خربت وعمر عليها قرية صغيرة سميت باسمها، وهي الآن من جملة عمل سيوط الآتي ذكره في الأعمال المستقرّة. الثانية عشرة- (كورة سيوط) وهي مستقرّ الحكم وسيأتي ذكرها في الأعمال المستقرّة. الرابعة عشرة- (كورة قهقوه) وهي من الأسماء التي درست ونسيت ولم أعلم بالصعيد بلدة تسمى الآن بهذا الاسم «1» . الخامسة عشرة- (كورة إخميم والدّير وأبشاية) أما كورة إخميم، فمن الكور المستمرّة الحكم، وسيأتي الكلام عليها في الكور المستقرّة. وأما (الدير) فيجوز أن يكون المراد به الدّير والبلّاص «2» ، وهي بلدة في شرقيّ النيل شماليّ قنا، هي الآن من عمل قوص الآتية الذكر.

السادسة عشرة - (كورة هو ودندرة وقنا)

وأما (أبشاية) فمن الأسماء التي جهلت. السادسة عشرة- (كورة هو ودندرة وقنا) أما هو، فبضم الهاء وسكون الواو، وهي مدينة صغيرة على ساحل البر الغربيّ الجنوبيّ من النيل، ويضاف إليها في الدواوين الكوم الأحمر، فيقال هو والكوم الأحمر. وأما (دندرة) فبفتح الدال المهملة وسكون النون وفتح الدال الثانية والراء المهملة وهاء في الآخر، وهي مدينة قديمة خراب على الساحل الغربيّ الجنوبي من النيل في شرقيّ هو، وبها كانت «1» البرباة العظيمة المتقدّم ذكرها في عجائب الديار المصرية. وأما (قنا) فبكسر القاف وفتح النون وألف في الآخر، وهي مدينة شرقيّ النيل، وبها ضريح السيد الجليل عبد الرحيم القنائي «2» ، المعروف بالبركة وإجابة الدعاء عنده وهذه البلاد الثلاث الآن من جملة عمل قوص الآتي ذكره في الكلام على الأعمال المستقرّة. السابعة عشرة- (كورة قفط والأقصر) . أما قفط، فبكسر القاف وسكون الفاء وطاء مهملة في الآخر، كانت مدينة قديمة بالبر الشرقي من النيل جنوبي قنا المتقدّمة الذكر، بناها قفط بن قبطيم بن «3» مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام أحد ملوك مصر بعد الطوفان، فخربت وبقيت آثارها وعمرت على القرب منها مدينة صغيرة سميت باسمها.

الثامنة عشرة - (كورة قوص)

وأما (الأقصر) فبضم الهمزة وسكون القاف وضم الصاد المهملة وراء مهملة في الآخر، وتسمّى الأقصرين أيضا على التثنية، وهي مدينة خراب بالبر الشرقي من النيل، قد عمر على القرب منها قرية سميت باسمها، وبها ضريح السيد الجليل أبو الحجّاج الأقصري «1» ، وكانت بها بربارة عظيمة فخربت «2» ، واعلم أن بين قفط والأقصر مدينة قوص، وقد ذكر القضاعيّ كورتها في جملة الكور، فكيف يستقيم أن تذكر قفط والأقصر كورة واحدة! الثامنة عشرة- (كورة قوص) وهي مستمرّة الحكم، وسيأتي الكلام عليها في جملة الأعمال المستقرّة إن شاء الله تعالى. التاسعة عشرة- (كورة أسنا وأرمنت) أما أسنا، فبفتح «3» الهمزة وسكون السين المهملة وفتح النون وألف في الآخر، وهي مدينة حسنة بالبر الغربيّ من النّيل، ويقال: إنه لم يسلم من تخريب بخت نصّر من مد «4» الديار المصرية سواها، وذلك أن أهلها هربوا منه إلى الجبل بالقرب منها فتبعهم وقتلهم هناك وترك البلد على حالها. وأما (أرمنت) فبفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح الميم وسكون النون وتاء مثناة فوق في الآخر، وهي مدينة صغيرة بالبرّ الغربيّ الشّماليّ من النيل بينها وبين أسنا مرحلة، وكلاهما الآن من عمل قوص، وقد جرى على الألسنة

العشرون - (كورة أسوان)

الجمع بينهما في اللفظ فيقال: أسنا وأرمنت، وكان ذلك لكثرة اجتماعهما في إقطاع واحد. العشرون- (كورة أسوان) وسيأتي ذكرها في الكلام على الأعمال المستقرّة مع الأعمال القوصية إن شاء الله تعالى. الحيّز الثاني أسفل الأرض وقد ذكر القضاعيّ: أنها ثلاث وثلاثون كورة في أربع نواح: الناحية الأولى كور الحوف الشرقيّ، وبها ثمان كور الأولى- (كورة عين شمس) وعين شمس مدينة قديمة خراب على القرب من المطريّة من ضواحي القاهرة الآتي ذكرها في الأعمال المستقرّة. قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: رأيت على حاشية بعض كتب التواريخ أن ملكها كان عظيم الشأن، وعاش إلى زمن يوسف عليه السلام وتزوّج ابنته. الثانية- (كورة أتريب) وأتريب مدينة خراب على القرب من بنها العسل من أعمال الشرقية الآتي ذكرها في الأعمال المستقرّة، بناها أتريب بن قبطيم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام. الثالثة- (كورة نتا «1» وتميّ) أمانتا، فلا يعرف بالحوف الآن بلدة اسمها نتا، وإنما نتا بعمل الغربية، وسيأتي ذكرها مع بوصير هناك. وأمّا (تميّ) فبضم التاء المثناة فوق وفتح الميم وياء مثناة تحت في آخرها،

الرابعة - (كورة بسطة)

وهي مدينة خراب بعمل المرتاحيّة، بها آثار عظام رأيت فيها أبوابا من حجر صوّان قطعة واحدة، ارتفاعها نحو عشرة أذرع قائمة على قاعدة من صوّان أيضا. الرابعة- (كورة بسطة) وبسطة بفتح الباء الموحدة وسكون السين وفتح الطاء المهملتين وهاء في الآخر، وهي مدينة خراب تعرف الآن بتلّ بسطة من عمل الشرقية. الخامسة- (كورة طرابية) «1» وهي من الأسماء التي درست ولم تعرف. السادسة- (كورة فربيط) «2» وهي من المجهول أيضا. السابعة- (كورة صان وإبليل) «3» وهي من المجهول. الثامنة- (كورة الفرما والعريش) . أما الفرما، فقال في «تقويم البلدان» : هي بفاء وراء مهملة وميم مفتوحات ثم ألف، وهي بلدة خراب على شاطيء بحر الروم، على بعد يوم من قطية. قال ابن حوقل: وبها قبر جالينوس الحكيم. وأما (العريش) فبفتح العين المهملة وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة تحت وشين معجمة في الآخر قال في «الروض المعطار» : كانت مدينة ذات جامعين مفترقي البناء، وثمار وفواكه. قال في «تقويم البلدان» : وهي الآن منزلة على شطّ بحر الرّوم، وبها آثار قديمة من الرّخام وغيره.

الناحية الثانية بطن الريف

قال في «الروض المعطار» : وكان بينها وبين قبرس «1» طريق مسلوكة في البر. الناحية الثانية بطن الريف وأصل الرّيف في لغة العرب موضع الزّرع والشجر، إلا أنه غلب بالديار المصرية على أسفل الأرض منها؛ وفيها سبع كور: الأولى- (كورة بنا وبوصير) أمّا بنا، فبفتح الباء الموحدة والنون وألف في الآخر. وبوصير تقدّم ضبطها في الكلام على بوصير المعروفة بمصر يوسف بالجيزيّة عند ذكر قواعد مصر القديمة، وبنا وبوصير هذه كلاهما من عمل الغربية الاتي ذكره في الأعمال المستقرّة. الثانية- (كورة سمنّود) وسمنود بفتح السين المهملة وضم النون المشدّدة والواو ودال مهملة في الآخر وهي مدينة صغيرة من الأعمال الغربية، كان لها عمل مستقرّ في أوّل الأمر ثم أضيفت إلى عمل الغربية. الثالثة- (كورة نوسا) ونوسا بفتح النون والواو والسين المهملة «2» في الآخر، وهي الآن قرية من قرى المرتاحية. الرابعة- (كورة الأوسيّة) وهي من الأسماء التي درست وجهلت. الخامسة- (كورة البجوم) بالباء الموحدة والجيم، وهي من الأسماء المندرسة أيضا، ولا يعرف مكان بالديار المصرية اسمه البجوم إلا أرض بأسفل

السادسة - (كورة دقهلة)

عمل البحيرة على القرب من الإسكندرية صارت مستنقعا للمياه المنصرفة عن البحيرة. السادسة- (كورة دقهلة) ودقهلة بفتح الدال المهملة والقاف وسكون الهاء وفتح اللام وهاء في الآخر، وهي مدينة قديمة بالجزيرة بين فرقة النيل المارّة إلى دمياط والفرقة التي تصب ببحيرة تنّيس، وإليها ينسب عمل الدقهلية، وهي الآن قرية من عمل أشموم الآتي ذكرها في الأعمال المستقرّة، وإن كان العمل في الأصل منسوبا إليها. السابعة- (كورة تنّيس ودمياط) أمّا تنيس، فقال في اللّباب: هي بكسر المثناة فوق والنون المشدّدة وسكون الياء المثناة تحت وسين مهملة في الآخر، والجاري على الألسنة فتح التاء؛ كانت مدينة عظيمة فطمى عليها الماء قبل الفتح الإسلامي بمائة سنة، فأغرق ما حولها وصارت بحيرة وسيأتي الكلام عليها في الكلام على بحيرتها، وهي الآن قرية صغيرة بوسط البحيرة والماء محيط بها. قال في «الروض المعطار» : وكانت تربتها من أطيب التّرب، وبها تحاك الثياب النفيسة التي ليس لها نظير في الدنيا، وقد قيل: إن الجنتين اللتين أخبر الله تعالى عنهما في سورة الكهف بقوله: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ «1» الآية، كانتا بتنيس. وأمّا دمياط، فسيأتي ذكرها في الكلام على الأعمال المستقرّة ان شاء الله تعالى. الناحية الثالثة الجزيرة بين فرقتي النيل الشرقية والغربية، وفيها خمس كور: الأولى- (كورة دمسيس «2» ومنوف) أمّا دمسيس، فبفتح الدال المهملة

الثانية - (كورة طوة منوف)

وسكون الميم وكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة تحت وسين مهملة في الآخر، وهي الآن بلدة من عمل الغربية. وأمّا منوف «1» فمن الأسماء التي نسيت وجهلت. الثانية- (كورة طوّة منوف) وهي من الأسماء التي جهلت ولا يعلم بالديار المصرية الآن بلدة اسمها طوّة غير بلدين بالوجه القبليّ إحداهما بالأشمونين، والثانية بالبهنساوية. الثالثة- (كورة سخا وتيدة والفرّاجون) . أما سخا، فبفتح السين المهملة والخاء المعجمة وألف في آخرها، وهي بلد حسنة كانت ذات عمل، ثم استقرت من عمل الغربية الآن. وأما تيدة، فبفتح التاء المثناة فوق وسكون الياء المثناة تحت وفتح الدال المهملة وهاء في آخرها، وهي الآن قرية من قرى الغربية. وأما الفرّاجون، فبالألف واللام في أوّلها، ثم فاء مفتوحة وراء مهملة مشدّدة بعدها ألف وجيم مضمومة وواو ساكنة ونون في الآخر؛ وهي بلدة مضافة إلى تيدة، فيقال: تيدة والفرّاجون. الرابعة- (كورة نقيزة «2» وديصا) وهما من الأسماء التي نسيت وجهلت. الخامسة- (كورة البشرود) وهي من الأسماء التي جهلت «3» .

الناحية الرابعة الحوف الغربي وفيها إحدى عشرة كورة:

الناحية الرابعة الحوف الغربيّ وفيها إحدى عشرة كورة: الأولى- (كورة صا) وصا بصاد مهملة مفتوحة وألف في الآخر، وهي مدينة خراب شرقيّ الفرقة الغربية من النيل، بناها صا بن قبطيم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام، أحد ملوك مصر بعد الطوفان، وبها الآن آثار عظيمة، وقد عمرت بالقرب منها قرية سميت باسمها، وكأن عملها كان من البرّ الغربيّ. الثانية- (كورة شباس) وشباس بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة وألف ثم سين مهملة اسم لثلاث بلاد من عمل الغربية الآن، وهي شباس الملح وشباس أنبارة، وشباس سنقر، وتعرف بشباس الشهداء، وكأنّ المراد الثالثة فإنها أعظمها. الثالثة- (كورة البذقون) وهي من الأسماء التي درست وجهلت. الرابعة- (كورة الخيس والشّراك) أما الخيس فلا تعرف بالبحيرة الآن بلدة تسمّى الخيس، وإنما الخيس بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء وسين مهملة في الآخر، بلدة من عمل الشرقية. وأما الشّراك فبكسر الشين المعجمة المشدّدة وفتح الراء المهملة وألف ثم كاف، وهي بلدة من عمل البحيرة. الخامسة- (كورة خربتا) بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء المهملة وكسر الباء الموحدة وفتح التاء المثناة فوق وهي قرية معروفة من عمل البحيرة، ومنها سار من سار من المصريين لقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه. السادسة- (كورة قرطسا ومصيل) . أما قرطسا فبفتح القاف وسكون الراء المهملة وفتح الطاء والسين المهملتين وألف في الآخر، وهي قرية من عمل البحيرة الآن، وأما مصيل، فمن الأسماء التي جهلت.

الثامنة - (كورة إجنا ورشيد والبحيرة)

السابعة- (كورة المليدس) وهي من الأسماء التي جهلت. الثامنة- (كورة إجنا «1» ورشيد والبحيرة) أما إجنا، فمن الأسماء التي جهلت ولا يعرف بالبحيرة بلد اسمها إجنا، وإنما أخنويه من عمل الغربية، والعامّة تقول إخنا «2» . وأما رشيد، بفتح الراء المهملة وكسر الشين المعجمة وسكون الياء المثناة تحت ودال مهملة في الآخر، فبلدة عند مصبّ الفرقة الغربية التي يقع الاعتناء بحفظها. وفي ذلك نظر لاعتباره الغربية ورشيد من سواحل البحيرة، وبينهما بعد يبعد معه أن يجتمعا في كورة واحدة. وأما البحيرة، فالظاهر أنه يريد بحيرة بوقير المتقدّم ذكرها في الكلام على القواعد القديمة، ويأتي بقية الكلام عليها في الأعمال المستقرّة إن شاء الله تعالى. العاشرة «3» - (كورة مريوط) ومريوط بفتح الميم وسكون الراء المهملة وضم الياء المثناة تحت وسكون الواو وطاء مهملة في الآخر، وهي ناحية غربيّ الاسكندرية داخلة الآن في عملها بها الأشجار والبساتين، وفواكهها تحمل للإسكندرية. الحادية عشرة- (كورة لوبية ومراقية) أما لوبية فبلام وواو وباء موحدة ثم

الحيز الثالث كور القبلة، وفيها خمس كور:

ياء مثناة تحت وهاء في الآخر قال في «الروض المعطار» : وهي كورة من كور مصر الغربية، متصلة بالإسكندرية. قال: وقد قيل: إن الاسكندر كان منها. وأما مراقية، فبميم وراء مهملة وألف وقاف وياء مثناة تحت وهاء في الآخر. وقد ذكر القضاعي في تحديد الديار المصرية ما يقتضي أنهما بجوار برقة، فقال إن الذي يقع عليه اسم مصر من العريش إلى لوبية ومراقية، ثم قال: وفي آخر أرض مراقية تلقى أرض انطابلس، وهي برقة، والظاهر أن لوبية غربيّ مريوط، ومراقية غربي لوبية، وهي آخر أرض الديار المصرية من جهة الغرب. الحيّز الثالث كور القبلة، وفيها خمس كور: الأولى- (كورة الطّور وفاران) . أما الطّور فضبطه معروف. قال في المشترك: والطور في اللغة العبرانية اسم لكل جبل، ثم صار علما لجبال بعينها، منها: جبل طور زيتا بلفظ الزيت، وهو اسم لجبل برأس عين من بلاد الجزيرة «1» ، وجبل بالقدس، وجبل مطلّ على طبريّة، وطور هارون بالقدس، وطور سينا، وهو المراد هنا، وهو جبل داخل في بحر القلزم على رأسه دير عظيم، وفي واديه بساتين وأشجار، وهو على مرحلة من فرضة الطور المتقدّمة الذكر في تحديد بحر القلزم، وكأنها سميت باسمه لقربها منه. قال ابن الأنباريّ في «كتابه الزاهر» : وسمى الطّور بطور بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. وأما فاران، فبفاء مفتوحة بعدها ألف ثم راء مهملة بعدها ألف ثانية ثم نون، قال في «الروض المعطار» : وهي مدينة صغيرة من بر الحجاز على جون على

الثانية - (كورة راية والقلزم)

البحر. قال: ولجبال فاران ذكر في التوراة «1» . الثانية- (كورة راية والقلزم) . أما راية فمن الأسماء التي جهلت، وقد ذكرها ابن سعيد مقرونة بالقلزم فقال: وراية والقلزم من كور مصر. وأما القلزم، فقال في المشترك: هو بضم القاف وسكون اللام وضم الزاي المعجمة ثم ميم في الآخر، وهي مدينة قديمة على ساحل بحر القلزم وإليها ينسب البحر المذكور. قال في «القانون» : وطولها ست وخمسون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها ثمان وعشرون درجة وعشرون دقيقة، وعلى القرب منها غرق فرعون. الثالثة- (كورة أيلة وحيّزها، ومدين وحيّزها، والعونيد وحيّزها، والحوراء وحيّزها) . أما أيلة، فقال في «تقويم البلدان» : وهي بفتح الهمزة وسكون الياء المثناة تحت وفتح اللام وهاء في الآخر، قال: وهي كانت مدينة صغيرة خرابا على ساحل بحر القلزم. قال في «القانون» : طولها ست وخمسون درجة وأربعون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وبها زرع يسير، وهي مدينة اليهود الذين جعل منهم القردة والخنازير، وعليها طريق حجّاج مصر. قال: وهي في زماننا برج وبه وال من مصر وليس بها مزدرع، وكان بها قلعة البحر فبطلت ونقل الوالي إلى البرج. وأما مدين، فضبطها معروف؛ وهي في الأصل اسم لقبيلة شعيب عليه السلام وكانوا مقيمين بها فسميت البلد بهم، وهي مدينة خراب على بحر القلزم

الرابعة - كورة بدا

محاذية لتبوك من بلاد الشام على نحّوست مراحل منها، وعدّها في «الروض المعطار» من بلاد الشام، وبها البئر التي استقى منها موسى عليه السلام لبنات شعيب وسقى غنمهنّ. قال ابن سعيد: وسعة البحر عندها نحو مجرى. وأما العونيد، فبعين مهملة وواو وياء مثناة تحت ونون ودال. قال في «الروض المعطار» : وهي مدينة قريبة من نصف الطريق بين جدّة والقلزم. قال: وعلى القرب منها مرسى صنا، ينحدر الماء بها عن أثر قدم من أوسط الأقدام بينة الكعب والأخمص والأصابع لم يعفها الزمان، ولا تنمحي بمرور الماء عليها. وأما الحوراء، فبحاء مهملة مفتوحة بعدها واو ساكنة وراء مهملة مفتوحة ثم ألف في الآخر. قال في «الروض المعطار» «1» : وهي مدينة على ساحل وادي القرى بها مسجد جامع، وبها ثمانية آبار عذبة، وبها ثمار ونخل وأهلها عرب من جهينة وبليّ. قلت: والمعروف في زماننا أن الحوراء منزلة بطريق حجّاج مصر، ولعلها على القرب منها. الرابعة- كورة بدا «2» يعقوب وشعيب، ولم أعلم حقيقة مكانهما. قلت: ذكر القضاعي أيلة ومدين وما والاهما مما على ساحل بحر القلزم من بر الحجاز في أعمال مصر جريا على ما قدّمه من إدخال ذلك في تحديد الديار المصرية، على أنه قد أهمل من جملة الديار المصرية حيّزين آخرين:

الحيز الرابع الحيز الأول بلاد ألواح

[الحيّز الرابع] الحيّز الأوّل بلاد ألواح إذ هي داخلة في حدود الديار المصرية على ما حدّده هو وغيره. قال في «اللّباب» : «1» وهي بفتح الهمزة وسكون اللام وفتح الواو وفي آخره حاء مهملة، وقال في «المشترك» » : واح بغير ألف ولام ويجمع على واحات، وهي ناحية غربيّ بلاد الصعيد منقطعة عنه خلف الجبل الغربيّ من جبلي مصر المتقدّم ذكرهما. قال في «مسالك الأبصار» : وهي بين مصر والإسكندرية والصعيد والنّوبة والحبشة. قال في «تقويم البلدان» «3» : والبراري محيطة بها من جميع جهاتها، وهي بينها كالجزيرة، بين رمال ومفاوز. قال البكريّ: وهو إقليم مستقلّ غير مفتقر إلى سواه قال في «الروض المعطار» : وهي آخر بلاد الإسلام، وبينها وبين بلاد النّوبة ستّ مراحل. قال: وفي هذه الأرض «4» شبّية وزاجيّة وعيون حامضة الطعوم، ولكل نوع منها منفعة وخاصة، وبها العيون الجارية، والبساتين، والثمار، والتمر الكثير؛ وبها مدن كثيرة مسوّرة وغير مسوّرة. قال في «المشترك» : وهي ثلاث كور: واح الأولى، وواح الوسطى، وواح القصوى.

الأولى منها - مقابل الأعمال البهنساوية

قلت: والأولى منها- مقابل الأعمال البهنساوية ، وهي أعمرها وأكثرها ثمرة، ومنها يجلب التمر والزبيب الكثير، وتعرف بواح البهنسى وبألواح الخاصّ. والثانية- مقابل شماليّ الأعمال الأسيوطية ، وتعرف بألواح الداخلة، وهي تلو ألواح الأولى في العمارة؛ بها مدن مشهورة، منها السلمون والهنداو والقلمون والقصير وغيرها. والثالثة- مقابل جنوبيّ ألواح الثانية ، وتعرف بألواح الخارجة؛ وبين ريف الصعيد وبين جميعها عرض جبل مصر الغربي، ومسيرته ثلاث مراحل فما دونها بحسب اختلاف الأماكن والطرق. قال في «التعريف» : وهي جارية في إقطاع أمراء مصر، وهم يولّون عليها من قبلهم. قال: ومغلّها كأنه مصالحة لعدم التمكن من استغلاله أسوة بقية ديار مصر، لوقوعه منقطعا في البلاد النائية والقفار النازحة. قال في «مسالك الأبصار» : ولا تعدّ في الولايات ولا الأعمال، ولا يحكم عليها من قبل السلطان «1» . [الحيز الخامس] الحيّز الثاني برقة بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح القاف وهاء في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : وهي من الإقليم الثالث. قال في «كتاب الأطوال» : وطولها اثنتان وأربعون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة.

وهي أرض متّسعة الأرجاء، مديدة الفضاء، وهي من أزكى الأراضي دوابّ، وأمراها مرعى. قال في «مسالك الأبصار» : أخبرني بعض من رآها أنها شبيهة بأطراف الشام وجبال نابلس في منابت أشجارها وكيفية أرضها وما هي عليه، وأنها لو عمرت بالسكان وتأهلت بالزّرّاع، كانت إقليما كبيرا يقارب نصف الشأم، قال: وبها الماشية والسائمة الكثيرة: من الإبل والغنم والخيل، وخيلها من أقوى الخيل وأصلبها حوافر، وصورها بين العراب «1» والبراذين، وقد جمعت بين حسن العراب وكمال تخاطيطها، وصلابة البراذين وثباتها على الوعور، وهي إلى محاسن العراب أقرب، ولكنها لا تبلغ شأو خيل البحرين والحجاز؛ وفحولها أنجب من إناثها. قال: وكذلك بها المدن المبنية، والقصور العلية، والآثار الدالة على ما كانت عليه من الجلالة. قال ابن سعيد: وهي سلطنة طويلة، وإن لم يكن لها استقلال لاستيلاء العرب عليها، وهي إلى إفريقيّة أقرب منها إلى مصر. قال: وكان سريرها في القديم بمدينة (طبرقة) «2» . وذكر صاحب «الروض المعطار» : أن قاعدتها كانت مدينة (أنطابلس) ، وقد تقدّم من كلام القضاعيّ في تحديد الديار المصرية في آخر الحدّ الشمالي ما يوافقه. قال في «مسالك الأبصار» : ومن مدنها طلميثا. قلت: والتحقيق أن برقة قسمان: قسم محسوب من الديار المصرية، وهو ما دون العقبة الكبرى إلى الشرق، وقسم محسوب من إفريقيّة، وهو ما فوق العقبة المذكورة إلى الغرب، وهذه المدن الثلاث مما يلي جهة المغرب، والقسمان كلاهما اليوم بيد العرب

الضرب الثاني من كور الديار المصرية نواحيها وأعمالها المستقرة، ولها وجهان:

أصحاب الماشية. قال في «مسالك الأبصار» : وربما زرع بعضهم في بعض أرضها فأنجب، ولكنهم أهل بادية لا عناية لهم بعمارة ولا زرع. قال: وأمرها إلى صاحب مصر يقطعها بالمناشير تارة لبعض الأمراء وتارة للعرب يأخذون عدادها، وكأنه يريد القسم الذي هو من مصر «1» . الضرب الثاني من كور الديار المصرية نواحيها وأعمالها المستقرّة، ولها وجهان: الوجه الأوّل القبليّ وهو المعبر عنه بالصعيد؛ وقد تقدّم بيانه في الكلام على الكور القديمة، وبه تسعة أعمال: العمل الأوّل- الجيزيّة . وهو أقربها إلى الفسطاط والقاهرة، ومقرّ ولايته مدينة الجيزة (بكسر الجيم وإسكان الياء المثناة تحت وفتح الزاى المعجمة وبعدها هاء) وموقعها في الإقليم موقع الفسطاط، وطولهما وعرضهما واحد؛ وإليها ينسب الربيع الجيزيّ «2» راوي الأمّ عن الشافعيّ رضي الله عنه. قال في «الروض المعطار» : ويقال إن بها قبر كعب الأحبار، وهي مدينة لطيفة على ضفّة النيل الغربية مقابل جزيرة المقياس المتقدّمة الذكر والنيل بينهما، وبعض هذا العمل يأخذ في جهة الشّمال إلى الوجه البحريّ الآتي ذكره.

العمل الثاني - الإطفيحية

قال في «الروض المعطار» : والجيزة اختطها عمرو بن العاص رضي الله عنه «1» . العمل الثاني- الإطفيحيّة . وهو شرقيّ النيل في جنوب الفسطاط، مصاقب بركة الحبش وبساتين الوزير. ومقرّ ولايته مدينة «إطفيح» (بكسر الهمزة وإسكان الطاء المهملة والفاء والياء والحاء المهملة) وربما قلبت الطاء تاء مثناة فوق، وهي مدينة لطيفة في البر الشرقيّ، وموقعها في الإقليم الثالث، ولم يتحرّر لي «2» طولها وعرضها، وعملها ما بين المقطم والنيل آخذا عنها جنوبا وشمالا، وليس لعملها كبير ذكر. العمل الثالث- البهنساويّة . وهو مما يلي عمل الجيزة من الجهة الجنوبية، ومقرّ ولايته مدينة البهنسى. قال في «المشترك» : (بفتح الباء وسكون الهاء وفتح النون وسين مهملة مفتوحة وألف مقصورة) وهي مدينة لطيفة قديمة بالصعيد الأدنى بالبر الغربيّ من النيل تحت الجبل بطوق المزدرع مركبة على ضفّة بحر الفيوم. وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : طولها إحدى وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ثمان وعشرون درجة. العمل الرابع- الفيّوميّة . وهو مصاقب لعمل البهنسى من غربيه، وبينهما منقطع رمل. وهو من أعظم الأعمال وأحسنها عمارة، كثير البساتين، غزير الفواكه، دارّ الأرزاق. ويقال إنه كان مصل «3» مياه الديار المصرية فاستخرجه

يوسف عليه السلام وجعله ثلاثمائة وستين قرية لتمير «1» كلّ قرية منها بلد مصر يوما من أيام السنة. قلت: وأما الآن فقد نقصت عدّة قراه بسبب ما عراها من ركوب ماء البركة التي هي مصل «2» مياهه، المتقدّم ذكرها في جملة بحيرات الديار المصرية، وركوب مائها على أكثر القرى المجاورة لها، ولولا ما هو شامل له من بركة الصدّيق عليه السلام، لكانت قد غطّت جميع بلاده، إذ المياه تنصبّ إليها شتاء وصيفا على ممرّ الدهور وتعاقب الأيام، وليس لها مصرف تتصرف منه ضرورة إحاطة الجبال بها من الجهات التي هي بصدد أن تصرف منها، ولقد اجتهد بعض حكّام الزمان على أن يتحيل في عمل مصرف يقطع في الجبل لتتصرف منه مياهها فلم يجد إلى ذلك سبيلا. ولو كان ذلك في حيّز الإمكان، لفعله يوسف عليه السلام. قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات» : ويقال إنه على جميع الفيّوم سور دائر، ومقرّ ولايته (مدينة الفيّوم) وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» : وطولها أربع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ثمان وعشرون درجة وعشرون دقيقة. وقال في «تقويم البلدان» : القياس أن طولها ثلاث وخمسون درجة، وعرضها تسع وعشرون درجة، وهي مدينة حسنة على ضفّة البحر المنهى «3» حسنة الأبنية، زاهية المعالم. وبها الجوامع والرّبط والمدارس، وهي راكبة على الخليج المنهى من جانبيه، وهو مخترق وسطها. قال في «العزيزي» «4» : وبين الفيّوم

العمل الخامس - عمل الأشمونين والطحاوية

والفسطاط ثمانية وأربعون ميلا. العمل الخامس- عمل الأشمونين والطحاوية . وهو مضاقب لعمل البهنسي من جنوبيه، وهو عمل واسع كثير الزرع، واسع الفضاء، متقارب القرى. ومقرّ الولاية به (مدينة الأشمونين) «1» بضم الألف وسكون الشين المعجمة وضم الميم وسكون الواو في الآخر نون. وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة على ما ذكره في «تقويم البلدان» والإقليم الثاني على ما يقتضيه كلام المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «مسالك الأبصار» حيث جعل آخر الإقليم الثاني دهروط من البهنساوية. قال في «القانون» : طولها ست وخمسون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها ست وعشرون درجة؛ وهي مدينة لطيفة بالبر الغربيّ من النيل، كانت في الأصل مدينة قديمة بناها أشمون «2» بن قبطيم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام، ثم خربت ودثرت؛ وبنيت هذه المدينة على القرب منها. وكان هذا العمل فيما تقدّم عملين: أحدهما عمل الأشمونين هذا، والثاني عمل طحا المدينة (بفتح الطاء والحاء المهملتين وألف في الآخر) وقد تقدّم ذكرها في الأعمال القديمة، ثم أضيفا وجعلا عملا واحدا. العمل السادس- المنفلوطيّة «3» . وهو مصاقب لعمل الأشمونين من جنوبيه، وهو من أخصّ خاصّ السلطان الجاري في ديوان وزارته، ومنه يحمل

العمل السابع - الأسيوطية

أكثر الغلال إلى الأهراء السلطانية «1» بالفسطاط. ومقرّ ولايته (مدينة منفلوط) . قال في «تقويم البلدان» : (بفتح الميم وسكون النون وفتح الفاء وضم اللام ثم واو وطاء مهملة في الآخر) . وموقعها الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة فيما ذكره في «تقويم البلدان» ومن أواخر الإقليم الثاني على ما يقتضيه كلام «مسالك الأبصار» . قال في «كتاب الأطوال» : وطولها اثنتان وخمسون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها سبع وعشرون درجة وأربعون دقيقة. وهي مدينة لطيفة بالبرّ الغربيّ من النيل بالقرب من شطّه. العمل السابع- الأسيوطيّة «2» وهو عمل جليل، ومقرّ الولاية به (مدينة أسيوط) «3» بضم «4» الألف وسكون السين وضم المثناة تحت وفي آخرها طاء مهملة. هكذا ضبطه السمعاني «5» في «كتاب الأنساب» : وذكرها «في الروض المعطار» في حرف الهمزة، ووقعت في شعر ابن الساعاتي «6» بغير ألف في قوله: لله يوم في سيوط وليلة ... عمر الزّمان بمثلها لا يغلط

العمل الثامن - (الإخميمية)

بتنا بها، والبدر في غلوائه ... وله بجنح الليل فرع أشمط «1» والطّير تقرأ، والغدير صحيفة؛ ... والرّيح تكتب «2» ، والغمام ينقّط وإثبات الألف فيها هو الجاري على ألسنة العامة بالديار المصرية، والثابت في الدواوين حذفها. موقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : وطولها إحدى وخمسون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها أثنتان وعشرون درجة وعشر دقائق. وهي مدينة حسنة في البر الغربي من النيل على مرحلة من منفلوط، وبها مساجد ومدارس وأسواق وقياسر وحمّامات «3» . العمل الثامن- (الإخميميّة) . وهو مصاقب لعمل أسيوط من جنوبيّه، وهو عمل ليس بالكبير، وبلاده أكثرها بالبر الغربي عن النيل، وحاضرته (مدينة إخميم) . قال في «تقويم البلدان» : (بكسر «4» الألف وسكون الخاء المعجمة والمثناة تحت بين الميمين، والأولى منهما مكسورة) وموقعها في أواخر الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : وطولها إحدى «5» وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ست «6» وعشرون درجة. وهي مدينة لطيفة بالبر الشرقي عن النيل على مرحلتين من أسيوط، وبها كانت البرابي العظام المتقدّمة الذكر، ويقال إن ذا

العمل التاسع - القوصية

النّون» المصريّ العابد الزاهد منها، وولايتها مضافة إلى قوص «2» . العمل التاسع- القوصيّة «3» . وهو مصاقب لعمل أسيوط من جنوبه، وهو عمل متسع الفضاء بعيد ما بين القرى، ينتهي آخره إلى أسوان، آخر الديار المصرية في البرّ الشرقيّ والغربيّ، وهي بلاد الثّمر، ومنها يجلب إلى سائر البلاد المصرية، ومقرّ ولايته (مدينة قوص) . قال في «المشترك» : (بضم القاف وسكون الواو، وفي الآخر صاد مهملة) وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: طولها سبع وخمسون درجة، وعرضها ست وعشرون درجة «4» وهي مدينة جليلة في البر الشرقيّ عن النيل، ذات ديار فائقة، ورباع أنيقة، ومدارس وربط وحمّامات، يسكنها العلماء والتّجار وذوو الأموال، وبها البساتين والحدائق المستحسنة إلا أنها شديدة الحرّ، كثيرة العقارب، حتّى إنه يقيّض لها من يدور في الليل في شوارعها بالمسارج لقتلها، ويقاربها في الكثرة أيضا سامّ أبرص «5» . قال المقر الشهابيّ بن فضل الله في «مسالك الأبصار» : أخبرني عز الدين حسن بن أبي المجد الصّفديّ أنه عدّ في يوم صائف على حائط الجامع بها سبعين سامّ أبرص على صفّ واحد. ومما يدخل في عملها مما له ولاية مستقلة مدينة أسوان قال السمعاني: (بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وفتح الواو وبعدها ألف

الوجه الثاني البحري

ونون) وخالف ابن خلّكان «1» في «تاريخه» فضبطه بضم «2» الهمزة، وغلّط السمعانيّ في فتحها. وهي مدينة في أوائل الحدّ الجنوبيّ من الديار المصرية؛ وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : طولها اثنتان وخمسون درجة، وعرضها اثنتان وعشرون درجة وثلاثون دقيقة. قال في «القانون» : طولها سبع وخمسون درجة، وعرضها اثنتان وعشرون درجة وثلاثون دقيقة «3» . وهي في البر الشرقيّ من النيل، ذات نخيل وحدائق، وهي من قوص على نحو خمس مراحل. قال في «التعريف» : وواليها وإن كان من قبل السلطان فإنه نائب لوالي قوص. قلت: أما الآن، فقد صار لها وال مستقلّ بنفسه لا حكم لوالي قوص عليه، وسيأتي الكلام عليها في مراكز البريد؛ ويأتي الكلام على ولايتها في جملة الولايات بالديار المصرية إن شاء الله تعالى. الوجه الثاني البحريّ وهو كل ما سفل عن القاهرة إلى البحر الرومي حيث مصبّ النيل. وإنما سمى بحريّا لأن منتهاه البحر الروميّ، ولا يلزم من ذلك تسمية الجانب الشرقي من الديار المصرية بحريّا لأن نهايته إلى بحر القلزم، لأن انتهاءه إليه ليس حقيقيّا لانقطاع بحر القلزم عن بلاد الديار المصرية بالجبال والبراري المقفرة، بخلاف

الشعبة الأولى شرقي الفرقة الشرقية من النيل وفيها أربعة أعمال:

بحر الروم فإنه متصل بالبلاد مجاور لها فناسب النسبة إليه. قلت: وقد وقع للمقرّ الشهابي بن فضل الله في «التعريف» في بلاده وأعماله من الوهم ما لا يليق بمصريّ على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى. وهذا الوجه هو أرطب الوجهين وأقلّهما حرّا، وأكثرهما فاكهة وأحسنهما مدنا ويشتمل على ثلاث شعب تحوي سبعة أعمال «1» . الشعبة الأولى شرقيّ الفرقة الشرقية من النيل وفيها أربعة أعمال: العمل الأوّل- الضواحي : جمع ضاحية، وهي في أصل اللغة البارزة للشمس «2» ، وكأنها سميت بذلك لبروز قراها للشمس، بخلاف المدينة لغلبة الكنّ بها، وهو ما يجاور القاهرة من جهة الشّمال من القرى «3» ، وولايتها مضافة إلى ولاية القاهرة وداخلة في حكمها، وليست منفردة بمقرّ ولاية غيرها. العمل الثاني- القليوبيّة «4» . وهو مصاقب للضواحي من شماليها مما يلي جهة النيل، وهو عمل جليل، حسن القرى، كثير البساتين، غزير الفواكه. ومقرّ الولاية «5» به (مدينة قليوب) بفتح القاف وإسكان اللام وضم المثناة تحت وسكون الواو وباء موحدة في آخرها- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها، غير أنها من القاهرة في جهة الشّمال على نحو فرسخ ونصف من القاهرة.

قلت: ومن بلادها بلدتنا (قلقشنده) وهي بلدة حسنة المنظر، غزيرة الفواكه، وإليها ينسب الليث بن سعد «1» الإمام الكبير، وقد ذكر ابن يونس في «تاريخه» : أنه ولد بها. قال: وأهل بيته يذكرون أن أصله من فارس، وليس لما يقولونه ثبات عندنا. قال ابن خلّكان: (بفتح القاف وسكون اللام وفتح القاف الثانية والشين المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة وبعدها هاء ساكنة) وهكذا هي مكتوبة في دواوين الديار المصرية، وأبدل ياقوت في «معجم البلدان» «2» اللام راء، وهو الجاري على ألسنة العامّة، وعليه جرى القضاعيّ فيما رأيته مكتوبا في «خططه» : قال ابن خلكان: وهي على ثلاثة فراسخ من القاهرة [وهي بلدة حسنة المنظر، كثيرة البساتين، غزيرة الفواكه وإليها ينسب الليث بن سعد الإمام الكبير. قال ابن يونس في «تاريخه» : ولد بها، ثم قال: وأهل بيته يذكرون أن أصله من فارس وليس لما يقولونه ثبات عندنا. وذكر] «3» . وقال القضاعي في «خططه» في الكلام على دار الليث بالفسطاط: وكان له دار بقرقشندة بالرّيف، بناها فهدمها ابن رفاعة «4» أمير مصر عنادا له، وكان ابن عمه، فبناها الليث ثانيا فهدمها، فلما كانت الثالثة، أتاه آت في منامه فقال له يا ليث: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ «5» فأصبح وقد أفلج ابن رفاعة فأوصى إليه ومات بعد ثلاث. وبقي اللّيث حتّى توفي في منتصف شعبان سنة خمس وسبعين ومائة، وصلّى عليه موسى بن عيسى الهاشمي أمير مصر للرشيد.

العمل الثالث - الشرقية

وترجم له ابن خلكان بالأصبهانيّ، ثم قال في آخر ترجمته: ويقال إنه من قلقشندة. قلت: وما قاله ابن يونس أثبت، ويجب الرجوع إليه لأمرين: أحدهما أنه مصريّ وأهل البلد أخبر بحال أهل بلدهم من غيرهم. والثاني أنه قريب من زمن الليث فهو به أدرى، إذ يجوز أن يكون أصله من أصبهان، ثم نزل آباؤه قلقشندة المذكورة وولد بها وسكنها، فنسب إليها كما وقع في كثير من النّسب؛ وإعادة داره بها بعد هدمها ثلاث مرات على ما تقدّم ذكره في كلام القضاعي دليل اعتنائه بشأنها وميله إليها، وحينئذ فلا منافاة بين النسبتين. وذكر في «الروض المعطار» «1» أنه كان له ضيعة على القرب من رشيد من بلاد الديار المصرية، يدخل عليه منها في كل سنة خمسون ألف دينار لم تجب عليه فيها زكاة. العمل الثالث- الشرقية «2» . وهو مصاقب للضواحي من شماليها مما يلي جهة المقطّم، والقليوبية من جهة الشمال أيضا، وهو من أعظم الأعمال وأوسعها. إلا أن البساتين فيه قليلة بل تكاد أن تكون معدومة، لاتصاله بالسّباخ وبداوة غالب أهله، وآخر العمران فيها من جهة الشّمال الصّالحيّة، وما وراء ذلك منقطع رمال على ما تقدّم ذكره في المنقطع عنها من جهة الشرق، ومقرّ ولايته مدينة بلبيس. قال في «تقويم البلدان» : (بكسر الباء الموحدّة وسكون اللام وفتح الباء «3» الموحدّة وسكون المثناة تحت ثم سين مهملة) . كذا ذكره، والجاري على الألسنة ضم الباء

العمل الرابع - (الدقهلية والمرتاحية)

في أوّلها، وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة «1» . قال في «تقويم البلدان» : والقياس أن يكون طولها أربعا وخمسين درجة وثلاثين دقيقة، وعرضها ثلاثين درجة وعشر دقائق. وهي مدينة متوسطة بها المساجد والمدارس والأسواق «2» ، وهي محطّ رحال الدرب الشامي. وفي الركن الشمالي الجنوبيّ من هذا العمل (بنها) «3» . قال النوويّ في شرح مسلم: بكسر الباء والمعروف فتحها، وهي البلدة التي أهدى المقوقس إلى النبي صلى الله عليه وسلم من عسلها «4» ؛ وفي آخره من جهة الشرق (قطيا) بفتح القاف وسكون الطاء المهملة وفتح الياء المثناة تحت وألف في الآخر. كذا وقع في «التعريف» و «مسالك الأبصار» . وفي «تقويم البلدان» : إبدال الألف في آخره بهاء، وهي قرية بالرمل المعروف بالجفار على طريق الشأم على القرب من ساحل البحر الروميّ. قال في «التعريف» : وقد جعلت لأخذ الموجبات، وحفظ الطّرقات، وأمرها مهمّ، ومنها يطالع بكل صادر ووارد. العمل الرابع- (الدّقهليّة والمرتاحية) «5» . وهو مصاقب لعمل الشرقية من جهة الشّمال، وأواخره تنتهي إلى السّباخ وإلى بحيرة تنّيس المتصلة بالطينة من طريق الشام، ومقرّ الولاية به (مدينة أشموم) بضم الهمزة وإسكان الشين المعجمة

وبعدها ميم ثم واو وميم ثانية، كما ضبطه في «تقويم البلدان» ونقله عن خط ياقوت في «المشترك» والذي في «اللّباب» إبدال الميم في آخرها بنون، وعزاه في «تقويم البلدان» للعامة «1» . قال في «تقويم البلدان» : والقياس أن طولها أربع وخمسون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وأربع وخمسون دقيقة. وهي مدينة صغيرة على ضفّة الفرقة التي تذهب إلى بحيرة تنّيس من فرقة النيل الشرقية من الجهة «2» ؛ وبآخر هذا العمل (مدينة دمياط) «3» بكسر الدال المهملة وسكون الميم وياء مثناة من تحت وألف وطاء، قال في «الأطوال» : طولها ثلاث وخمسون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة. وقال ابن سعيد: طولها أربع وخمسون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وعشرون دقيقة، وهي واقعة في الإقليم الثالث؛ وهي مدينة حسنة عند مصبّ الفرقة الشرقية من النيل في بحر الروم، ذات أسواق وحمّامات، وكان عليها أسوار من عمارة المتوكل: أحد خلفاء بني العبّاس، فلما تسلطت عليها الفرنج وملكتها مرّة بعد مرّة «4» خرّبت المسلمون أسوارها في سنة ثمان وأربعين وستمائة خوفا من استيلائهم عليها، وهي على ذلك إلى الآن، ولها ولاية خاصّة بها.

الشعبة الثانية غربي فرقة النيل الغربية؛ وفيها عملان:

الشّعبة الثانية غربيّ فرقة النيل الغربية؛ وفيها عملان: العمل الأوّل- عمل البحيرة . وهو مما يلي عمل الجيزة المقدّم ذكره من الجهة البحرية، وهو عمل واسع، كثير «1» القرى، فسيح الأرضين. ومقرّ ولايته (مدينة دمنهور) «2» - بفتح الدال المهملة والميم وسكون النون وضم الهاء وسكون الواو وفي آخرها راء مهملة- وتعرف بدمنهور الوحش. وهي مدينة متوسطة ذات مساجد ومدارس وأسواق وحمامات. وموقعها في الإقليم الثالث، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها، غير أنها على نحو مرحلة من الإسكندرية بين الشرق والجنوب فليعتبر طولها وعرضها منها بالتقريب. قلت: ويدخل في هذا العمل حوف رمسيس والكفور الشاسعة. العمل الثاني- عمل المزاحمتين . وهو ما جاور خليج الإسكندريّة من جهة الشمال إلى البحر الروميّ وبعضه بالبر الشرقيّ من النيل، وحاضرته (مدينة فوّة) «3» . قال في «تقويم البلدان» : بضم الفاء وتشديد الواو، وهي مدينة متوسطة بالبر الشرقيّ من فرقة النيل الغربية يقابلها جزيرة لها تعرف بجزيرة الذهب ذات بساتين وأشجار ومنظر رائق، وليس بها ولاية، وإنما يكون بها شاد «4» للخاص، يتحدّث في كثير من أمور الولاية، وهي في الحقيقة كإخميم مع قوص. ويلي هذين العملين غربا بشمال (مدينة الإسكندريّة) بكسر الهمزة

وسكون السين المهملة وفتح الكاف وسكون النون وفتح الدال وكسر الراء المهملتين وتشديد الياء المثناة تحت المفتوحة وهاء في الآخر- وموقعها في الإقليم الثالث. قال في كتاب «الأطوال» : طولها إحدى وخمسون درجة وأربع وخمسون دقيقة، وعرضها ثلاثون درجة وثمان وخمسون دقيقة، وقد تقدّم القول على أصل عمارتها في الكلام على قواعد الديار المصرية قبل الإسلام. وهي الآن بالنسبة إلى ما تشهد به التواريخ من بنائها «1» القديم جزء من كلّ، وهي مع ذلك مدينة رائقة المنظر، حسنة الترصيف، مبنية بالحجر والكلس، مبيّضة البيوت ظاهرا وباطنا كأنها حمامة بيضاء، ذات شوارع مشرعة، كلّ خط قائم بذاته كأنها رقعة الشّطرنج، يستدير بها سوران منيعان، يدور عليهما من خارجهما خندق في جوانب البلد المتصلة بالبر، ويتصل البحر بظاهرها من الجانب الغربيّ مما يلي الشّمال إلى المشرق حيث دار النيابة؛ وبهما أبراج حصينة عليها الستائر المسترة والمجانيق المنصوبة. قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات» : ويقال إن منارها كان في وسط البلد وإن المدينة كانت سبع محجّات، وإنما أكلها البحر، ولم يبق إلا محجّة واحدة، وهي المدينة الباقية الآن وصار مكان المنار منها على مسيرة ميل. قال: ويقال إن مساجدها أحصيت في وقت من الأوقات فكانت عشرين ألف مسجد؛ وبها الجوامع والمساجد، والمدارس، والخوانق، والرّبط، والزوايا، والحمّامات والدّيار الجليلة، والأسواق الممتدّة. وفيها ينسج القماش الفائق الذي ليس له نظير في الدنيا، وإليها تهوي ركائب التجار في البر والبحر، وتمير من قماشها

جميع أقطار الأرض، وهي فرضة بلاد المغرب، والأندلس، وجزائر الفرنج، وبلاد الروم، والشام وشرب أهلها من ماء النيل، من صهاريج تملأ من الخليج الواصل إلى داخل دورها، واستعمال الماء لعامة الأمر من آبارها، وبجنبات تلك الآبار والصهاريج بالوعات تصرف منها مياه الأمطار ونحوها؛ وبها البساتين الأنيقة، والمستنزهات الفائقة، ولهم بها القصور والجواسق «1» الدقيقة البناء، المحكمة الجدر والأبواب، وبها من الفواكه والثمار ما يفوق فواكه غيرها من الديار المصرية حسنا مع رخص الثمن؛ وليس بها مزارع ولا لها عمل واسع، وإن كان متحصّلها يعدل أعمالا: من واصل البحر وغيره؛ وهي أجلّ ثغور الديار المصرية، لا يزال أهلها على يقظة من أمور البحر والاحتراز من العدوّ الطارق؛ وبها عسكر مستخدم لحفظها. قال في «مسالك الأبصار» : وليس بالديار المصرية مدينة حاكمها موسوم بنيابة السلطنة «2» سواها. قلت: وهذا فيما تقدّم حين كانت النيابة بها صغيرة في معنى ولاية. أما من حين طرقها العدوّ المخذول من الفرنج في سنة سبع وستين وسبعمائة واجناح أهلها وقتل وسبى، فإنها استقرت من حينئذ نيابة كبرى تضاهي نيابة طرابلس وحماة وما في معناهما، وهي على ذلك إلى الآن؛ وسيأتي الكلام على نيابتها في الكلام على ترتيب المملكة فيما بعد إن شاء الله تعالى.

الشعبة الثالثة ما بين فرقتي النيل الشرقية والغربية، وهو جزيرتان:

الشّعبة الثالثة ما بين فرقتي النيل الشرقية والغربية، وهو جزيرتان: الجزيرة الاولى - جانبها الشرقي يمتدّ في طول فرقة النيل الشرقية إلى مصبه في البحر الملح حيث دمياط بالقرب منها، وجانبها الغربي يمتدّ في طول فرقة النيل الغربية إلى تجاه أبي نشّابة من عمل الجيزة فينشأ بحر أبيار المتقدّم ذكره، ويمتدّ في طولها إلى قرية الفرستق خارج الجزيرة من الغرب فيتصل بفرقة النيل التي تفرّع منها على ما تقدّم، ويمتدّ في طولها إلى مصبه في البحر الملح حيث رشيد. وتشتمل هذه الجزيرة على عملين: العمل الأول- المنوفية «1» . وأوّله من الجنوب من القرية المعروفة بشطّنوف على أوّل الفرقة الغربية من النيل؛ ومقرّ ولايته (مدينة منوف) بضم الميم «2» والنون وسكون الواو وفاء في الآخر- وهي مدينة إسلامية بنيت بدلا من مدينة قديمة كانت هناك قد خربت الآن وبقيت آثارها كيمانا، وولايتها من أنفس الولايات، وقد أضيف إليها عمل أبيار، وهو جزيرة بني نصر الآتي ذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى، وهي مدينة حسنة ذات أسواق ومساجد، ومسجد جليل للخطبة، وحمّام، وخانات. قلت: وربما غلط فيها بعض الناس فظن أنها منف المتقدّمة الذكر في الكلام على قواعد مصر القديمة، وبينهما بعد كثير، إذ منف المتقدّمة الذكر جنوبي الفسطاط على اثني عشر ميلا منه كما تقدّم ذكره، وهذه شماليّ الفسطاط والقاهرة في أسفل الأرض. العمل الثاني- الغربيّة . وهو مصاقب للمنوفية من جهة الشمال، ويمتدّ إلى

البحر الملح بين مصبي النيل إلا ما هو من عمل المزاحمتين على فرقة النيل الغربية من الشرق وهو عمل جليل القدر، عظيم الخطر، به البلاد الحسنة، والقرى الزاهية، والبساتين المتراكبة وغير ذلك؛ وفي آخره مما يلي بحر الروم موقع ثغر البرلّس «1» . ويندرج فيه ثلاث أعمال أخر كانت قديمة، وهي القويسنيّة، والسّمنّودية، والدّنجاوية «2» ، ومقرّ ولايته (مدينة المحلّة) «3» . قال في «المشترك» :- بفتح الميم والحاء المهملة وتشديد اللام ثم هاء في الآخر- وتعرف بالمحلّة الكبرى، وقد غلب عليها اسم المحلة حتّى صار لا يفهم عند الإطلاق إلا هي. قلت: ووقع في «التعريف» التعبير عنها بمحلّة المرحوم وهو وهم، وإنما هي قرية من قراها. قال في «المشترك» : ويقال لها محلة الدّقلا (بفتح الدّال المهملة والقاف) وهي مدينة عظيمة الشأن، جليلة المقدار، رائقة المنظر، حسنة البناء، كثيرة المساكن، ذات جوامع، ومدارس، وأسواق، وحمّامات؛ وهي تعادل قوص من الوجه القبليّ في جلالة قدرها، ورياسة أهلها، ويفرق بينهما بما يفرق به بين الوجه القبلي والوجه البحري من الرطوبة واليبوسة.

الجزيرة الثانية

الجزيرة الثانية - ما بين بحر أبيار المتقدّم ذكره وبين الفرقة الغربية من النيل، وتعرف بجزيرة بني نصر؛ وهي عمل واحد «1» ، وحاضرته (مدينة أبيار) بفتح الهمزة كما قاله في «الروض المعطار» «2» وإسكان الباء الموحدة وفتح المثناة تحت وبعدها ألف ثم راء مهملة- وهي مدينة لطيفة حسنة المنظر يعمل فيها القماش الفائق من المحررات وغيرها، وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة؛ ولم يتحرّر لي طولها ولا عرضها، وهي مضافة إلى ولاية منوف، وليس بها الآن ولاية مستقلة.

الفصل الثالث فيمن ملك الديار المصرية، جاهلية وإسلاما

الفصل الثالث فيمن ملك الديار المصرية، جاهلية وإسلاما قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في «تاريخه» : وكانت أهل مصر أهل ملك عظيم في الدهور الخالية والأزمان السالفة، ما بين قبطيّ ويونانيّ وعمليقيّ «1» ، وأكثرهم القبط. قال: وأكثر من تملّك مصر الغرباء. وهم على ثلاث مراتب: المرتبة الأولى من ملكها قبل الطّوفان، وقلّ من تعرّض له من المؤرّخين قد تقدّم في الكلام على ابتداء عمارة مصر أن أوّل من عمرها قبل الطوفان نقراووس بن «2» مصريم بن براجيل بن رزائيل بن غرباب بن آدم عليه السلام، ومعنى نقراووس بالسريانية ملك قومه، وهو الذي عمر مدينة أمسوس أوّل قواعد مصر المتقدّم ذكرها؛ ثم ملكها بعده ابنه نقراووس الثاني مائة وسبع سنين؛ ثم ملكها بعده أخوه مصرام بن نقراووس الأوّل؛ ثم ملكها بعده عنقام الكاهن ولم تطل مدّة ملكه؛ ويقال إنّ إدريس عليه السلام رفع في زمانه؛ ثم ملكها بعده ابنه غرناق؛ ثم ملك بعده رجل من بني نقراووس اسمه لو جيم؛ ثم ملك بعده رجل اسمه خصليم، وهو أوّل من عمل المقياس للنيل على ما تقدّم ذكره؛ ثم ملك بعده ابنه هرصال، ومعناه بالسريانية خادم الزّهرة، وهي مدينة شرق النيل، وعمل

المرتبة الثانية من ملكها بعد الطوفان إلى حين الفتح الإسلامي

سربا «1» تحت النيل إليها، وهو أوّل من عمل ذلك وأقام في الملك مائة وأربعا وثلاثين سنة، ويقال إن نوحا عليه السلام ولد في زمانه؛ ثم ملك بعده ابنه بدرسان؛ ثم ملك بعده أخوه شمرود، وكان طوله فيما يقال عشرين ذراعا؛ ثم ملك بعده فرسيدون بن بدرسان المتقدّم ذكره مائة وستين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه شرناق مائة وثلاث سنين ثم ملك بعده ابنه سهلوق مائة وتسع سنين؛ ثم ملك بعده ابنه سوريدين، وهو الذي بنى الأهرام العظام بمصر على ما تقدّم ذكره في الكلام على عجائب مصر وخواصّها؛ ثم ملك بعده ابنه هرجيب نيّفا وسبعين سنة، وهو الذي بنى الهرم الأوّل من أهرام دهشور؛ ثم ملك بعده ابنه مناوش ثلاثا وسبعين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه أقروس أربعا وستين سنة؛ وفي أيامه حصل القحط العظيم، وسلطت الوحوش والتماسيح على الناس، وأعقمت الأرحام حتّى يقال إن الملك تزوّج ثلاثمائة امرأة يبغي الولد فلم يولد له، وذلك مقدّمة الطوفان؛ ثم ملك بعده رجل من أهل بيت الملك اسمه أرمالينوس؛ ثم ملك بعده ابن عمه فرعان، وهو أوّل من لقب بلقب الفراعنة «2» ، وكان قد كتب إلى ملك بابل يشير عليه بقتل نوح عليه السلام، وفي زمنه كان الطوفان وهلك فيمن هلك. المرتبة الثانية من ملكها بعد الطوفان إلى حين الفتح الإسلاميّ وللمؤرّخين في ذلك خلف كثير، وقد جمعت بين كلام التواريخ التي وقفت عليها في ذلك، وهم على طبقات:

الطبقة الأولى ملوكها من القبط

الطبقة الأوّلى ملوكها من القبط «1» قد تقدّم في الكلام على ابتداء عمارتها أن أوّل من عمرها بعد الطوفان بيصر ابن حام بن نوح عليه السلام، وكان بيصر قد كبر سنه وضعف، فأقام يسيرا ثم مات، فدفن في موضع دير أبي هرميس غربيّ الأهرام. قال القضاعي: ويقال إنها أوّل مقبرة دفن فيها بأرض مصر؛ وملك بعده ابنه مصر فعمر وطالت مدّة ملكه، وعمرت البلاد في أيامه وكثر خيرها، ثم مات؛ وملك بعده ابنه (قبطيم) ، وإليه ينسب القبط، ويقال إنه أدرك بلبلة الألسن التي كانت بعد نوح عليه السلام، وهي ريح خرجت عليهم ففرّقت بينهم وصار كل منهم يتكلم بلغة غير لغة الآخر، وخرج منها باللغة القبطيّة «2» ؛ ثم ملك بعده ابنه (قفط) ، وهو الذي بنى مدينة قفط «3» بالصعيد الأعلى وسماها باسمه، وآثارها باقية «4» إلى الآن؛ ثم ملك بعده أخوه (أشمن) ، وهو الذي بنى مدينة الأشمونين المتقدّم ذكرها بالوجه القبليّ، وطالت مدّته حتّى نقل أنه بقي ثمانمائة سنة، وقيل ثمانمائة وثلاثين؛ ثم ملك بعده أخوه (أتريب) ، وهو الذي بنى مدينة أتريب المتقدّمة الذكر بالوجه البحريّ من الديار المصرية؛ ثم ملك بعده أخوه (صا) ، وهو الذي بنى مدينة صا «5» المتقدّم ذكرها بالوجه البحريّ أيضا؛ ثم ملك بعده (قفطريم) بن قفط، ويقال: إنه الذي وضع أساس الأهرام الدهشورية غير الهرم الأوّل الذي بناه هرجيب المتقدّم ذكره قبل

الطّوفان، وهو الذي بني مدينة دندرى «1» بالصعيد الأعلى، وآثارها باقية إلى الآن؛ ثم ملك بعده ابنه (بودشير) ، وهو الذي أصلح جنبتي النيل بهندسته؛ ثم ملك بعده ابنه (عديم) ثم ملك بعده ابنه (شدات) ، وهو الذي تمم الأهرام الدهشورية التي وضع أساسها قفطريم المتقدّم ذكره. ويقال: إن مدينة شطب «2» التي بالقرب من مدينة أسيوط بنيت في أيامه، وآثارها باقية إلى الآن، وهو أوّل من ولع بالصيد واتخذ الجوارح والكلاب السّلوقية «3» ، وعمل البيطرة من ملوك مصر، ومات عن أربعمائة وأربعين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه (منقاوش) ، ويقال: إنه أوّل من عمل له الحمّام بمصر؛ ثم ملك بعده ابنه (مناوش) وطالت مدّته في الملك حتّى بقي فيما يقال ثمانمائة سنة، وقيل ثمانمائة وثلاثين سنة؛ ثم ملك بعده (منقاوش) بن أشمن نيفا وأربعين سنة، وقيل ستين سنة، وهو أوّل من عمل له الميدان بمصر، وأوّل «4» من بنى البيمارستان لعلاج المرضى، وفي أيامه بنيت مدينة سنتريه بالواحات؛ ثم ملك بعده ابنه (مرقوره) نيفا وثلاثين سنة، وفي كتب القبط أنه أوّل من ذلل السباع وركبها؛ ثم ملك بعده (بلاطس) خمسا وعشرين سنة؛ ثم ملكت بعده بنت من بنات أتريب خمسا وثلاثين سنة، وهي أوّل من ملك مصر من النساء؛ ثم ملك بعدها أخوها (قليمون) تسعين سنة، وفي أيامه بنيت مدينة دمياط على اسم غلام له كانت أمه ساحرة له، وفي أيامه بنيت أيضا مدينة

تنّيس؛ ثم ملك بعده ابنه (فرسون) مائتين وستين سنة؛ ثم ملك بعده ثلاثة ملوك أو أربعة لم يعين اسمهم؛ ثم ملك بعدهم (مرقونس) الكاهن ثلاثا وسبعين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه (أيساد) خمسا وسبعين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه (صا) وأكثر القبط تزعم أنه أخوه، نيفا وثلاثين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه (تدارس) ، وهو الذي حفر خليج سخا المتقدّم ذكره في خلجان مصر القديمة؛ ثم ملك بعده ابنه (ماليق) ، ويقال: إنه خالف دين آبائه في عبادة الأصنام، ودان بدين التوحيد «1» . ولما أحس بالموت، صنع له ناووسا وكنز معه كنوزا عظيمة، وكتب عليها أنه لا يستخرجها إلا أمة النبيّ الذي يبعث في آخر الزمان؛ ثم ملك بعده ابنه (حريا) ، وفي بعض التواريخ حرايا خمسا وسبعين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه (كلكن) ، وفي بعض التواريخ كلكي نحوا من مائة سنة، وهو أوّل من أظهر علم الكيمياء بمصر، وكان قبل ذلك مكتوما، وفي زمنه كان النّمروذ «2» بأرض بابل من العراق؛ ثم ملك بعده أخوه (ماليا) ؛ ثم ملك بعده (حربيا) بن ماليق؛ ثم ملك بعده (طوطيس) بن ماليا، وفي بعض التواريخ طوليس سبعين سنة، وفي بعض التواريخ أنه ملك بعد أبيه ماليا؛ والقبط تزعم أن الفراعنة سبعة هو أوّلهم، وهو الذي أهدى هاجر لإبراهيم عليه السلام، ثم ملكت بعده أخته (حوريا) ، وهي التي بنى لها جيرون المؤتفكيّ صاحب الشام مدينة الإسكندريّة حين خطبها على أحد الأقوال في عمارتها ليجعلها مهرا لها، ثم احتالت عليه فسمّته هو وجميع عسكره في خلع فماتوا؛ ثم ملكت بعدها بنت عمها (زلفى) ويقال دلفة بنت مأموم؛ ثم ملك بعدها (أيمين) الأتريبيّ، وهو آخر ملوك القبط من هذه الطبقة. والذي ذكره القضاعيّ وغيره أنه ملكها بعد وفاة بيصر ابنه مصر، ثم قفط بن مصر،

الطبقة الثانية ملوكها من العماليق ملوك الشام

ثم أخوه أشمن، ثم أخوه أتريب، ثم أخوه صا، ثم ابنه تدراس، ثم ابنه ماليق، ثم ابنه حريا، ثم ابنه كلكن، ثم أخوه ماليا، ثم حربيا، ثم طوطيس بن ماليا، ثم ابنته حوريا، وهي أوّل من ملكها من النساء، ثم ابنة عمها زلفى، ومنها انتزعتها العمالقة الآتي ذكرهم. الطبقة الثانية ملوكها من العماليق «1» ملوك الشام أوّل من ملكها منهم (الوليد) بن دومع العمليقي، وقال السهيليّ «2» : الوليد ابن عمرو بن أراشة، اقتلعها من أيمين: آخر ملوك القبط المتقدّم ذكره، وهو الفرعون الثاني عند القبط، وقيل هو أوّل من سمي بفرعون، وقام في الملك مائة وعشرين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه (الرّيّان) مائة وعشرين سنة، والقبط تسميه نهراوس، وهو الفرعون الثالث عند القبط، ونزل مدينة عين شمس، وكانت الملوك قبله تنزل مدينة منف، وفي أيامه وصل يوسف عليه السلام إلى مصر، وكان من أمره ما قصه الله تعالى في كتابه. ويقال إنه آمن بيوسف عليه السلام؛ ثم ملك بعده ابنه (دارم) ويقال دريوس، وهو الفرعون الرابع عند القبط، وفي أيامه توفّي «3» يوسف عليه السلام، وفي أيامه ظهر بمصر معدن فضة على ثلاثة أيام في النيل؛ ثم ملك بعده ابنه (معدان) ويقال معاديوس، وهو الفرعون الخامس عند القبط، إحدى وثلاثين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه (أقسامس) وهو الفرعون السادس عند القبط، وبعضهم يزعم أن منارة الإسكندريّة بنيت في زمنه،

الطبقة الثالثة ملوكها من القبط بعد العمالقة

وأهل الأثر يسمونه كاسم، وربما قالوا كامس، ثم ملك بعده ابنس (لاطس) ؛ ثم ملك بعده رجل اسمه (ظلما) كان من عمّاله فخرج عليه فقتله وملك مكانه، وهو الفرعون السابع عند القبط، وهو فرعون موسى. قال المسعوديّ: وهو الوليد بن مصعب الموجود في كتب الأثر، والوليد بن مصعب هو فرعون موسى، وهو الوليد بن مصعب بن عمرو بن معاوية بن أراشة، يجتمع مع الوليد بن دومع في أراشة، وهو آخر من ملك مصر من العمالقة، وبعضهم يقول ظلما بن قومس من ولد أشمون أحد ملوك القبط المتقدّم ذكرهم؛ وعلى هذا فيكون فرعون موسى من القبط، وهو أحد الأقوال فيه، وهو الذي يعوّل عليه القبط، ويوردونه في كتبهم، وآخرون يجعلونه من لخم من الشأم، والظاهر الأوّل، وهو أوّل من عرّف العرفاء على الناس، وفي زمنه حفر خليج سردوس المتقدّم ذكره في خلجان النيل، ويقال: إنه عاش دهرا طويلا لم يمرض ولم يشك وجعا إلى أن أهلكه الله تعالى بالغرق «1» . الطبقة الثالثة ملوكها من القبط بعد العمالقة أوّل من ملكها منهم بعد فرعون (دلوكة) وطالت مدّتها في الملك حتّى عرفت بالعجوز، وإليها ينسب حائط العجوز المبنيّ بالطوب اللّبن المستدير على بلاد مصر في لحف الجبلين: الشرقيّ والغربيّ، وأثره باق بالوجه القبليّ إلى الآن، ويقال إنها التي بنت البرابي بمصر، ثم ملك بعدها رجل من أبناء أكابر القبط اسمه (دركون) بن بطلوس، ويقال دركوس بن ملوطس؛ ثم ملك بعده رجل اسمه (تودس) ثم ملك بعده ابنه (لقاش) نحوا من خمسين سنة؛ ثم ملك بعده (مرينا) بن لقاش نحوا من عشرين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه (بلطوس) ويقال

الطبقة الرابعة ملوكها من الفرس

بلوطس بن مياكيل أربعين سنة؛ ثم ملك بعده (مالوس) ويقال فالوس بن توطيس عشر سنين؛ ثم ملك بعده مياكيل. قال المسعوديّ: وهو فرعون الأعرج الذي غزا بني إسرائيل وخرّب بيت المقدس؛ ثم ملك بعده (نوله) وهو الذي غزا رحبعم ابن سليمان عليه السلام بالشام، وقيل إن الذي غزا رحبعم كان اسمه شيشاق. قال السلطان عماد الدين صاحب حماة: وهو الأصح. قال: ثم لم يشتهر بعد شيشاق المذكور غير فرعون الأعرج، وهو الذي غزاه بختنصّر وصلبه، والذي ذكره المسعوديّ أنه ملك بعد مياكيل المتقدّم ذكره (مرنيوس) ؛ ثم ملك بعده ابنه (بغاش) ثمانين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه (قومس) عشرين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه كاييل. قال المسعوديّ: وهو الذي غزاه بختنصر وصلبه وخرب مصر، وبقيت مصر أربعين سنة خرابا. الطبقة الرابعة ملوكها من الفرس أوّل من ملكها في جملة مملكة الفرس (بهراسف) بواسطة أن بختنصّر كان نائبا له ومن حين استولى عليها بختنصّر، توالت عليها الولاة من جهته، وهو ببابل سبعا وخمسين سنة وشهرا كما ذكر صاحب حماة إلى أن مات، فولي بعده ابنه (أولات) سنة واحدة؛ ثم أوليها بعده أخوه (بلطشاش) بن بختنصّر، ثم استقرّت مصر والشام بأيدي نوّاب الفرس عن ملوكهم. فلما مات بهراسف، ملك بعده (كيبستاسف) ؛ ثم ملك بعده ابنه (أردشير) «1» بهمن بن اسفيديار بن كيبستاسف، وأنبسطت يده حتّى ملك الأقاليم السبعة؛ ثم ملك بعده ابنه (دارا) «2» ، وفي زمنه ملك الإسكندر بن

الطبقة الخامسة ملوكها من اليونان

فيلبس على اليونان فقصده، فلما قرب منه قتله جماعة من قومه، ولحقوا بالإسكندر، وهو آخر من ملك مصر من الفرس، ولم أقف على تفصيل نوّاب الفرس بمصر إلا أنه كان منهم (كسرجوس) الفارسيّ، وهو الذي بنى قصر الشّمع بالفسطاط على ما تقدّم ذكره، وبعده (طحارست) الطويل، وفي أيامه كان بقراط الحكيم. الطبقة الخامسة ملوكها من اليونان أوّل من ملكها منهم (الإسكندر بن فيلبس) حين غلب «1» دارا ملك الفرس على ملكه واستولى على ما كان بيده، وكان مقرّ ملكه مقدونية من بلاد الروم القديمة، وانحاز له ملك العراق، والشام، ومصر، وبلاد العرب. فلما مات تفرّقت ممالكه بين الملوك، فملك مصر ونواحي الغرب البطالسة «2» من ملوك اليونان، كان كلّ منهم يلقب بطليموس. فأوّل من ملكها منهم (بطليموس المنطيقي) «3» عشرين سنة، ويقال: إنه أوّل من لعب بالبزاة وضرّاها «4» ؛ ثم ملك بعده (بطليموس محبّ أخيه) «5» أربعين سنة، وقيل ثمانا وثلاثين سنة، وهو الذي نقل التّوراة من العبرانيّة إلى اليونانية؛ وفي أيامه ظهرت عبادة التماثيل والأصنام. ثم ملك بعده (بطليموس الصّائغ) «6» خمسا، وقيل ستا وعشرين سنة؛ ثم ملك بعده

(بطليموس محبّ أبيه) «1» سبع عشرة سنة؛ ثم ملك بعده (بطليموس صاحب علم الفلك) «2» أربعا وعشرين سنة، وهو الذي ألف كتاب المجسطي؛ ثم ملك بعده (بطليموس محبّ أمه) «3» سبعا وعشرين سنة؛ ثم ملك بعده (بطليموس الصائغ الثاني) «4» ثم ملك بعده «5» (بطليموس المخلص) ست عشرة سنة، وقيل سبع عشرة؛ ثم ملك بعده (بطليموس الإسكندراني) تسع سنين، وقيل اثنتي عشرة سنة؛ ثم ملك بعده (بطليموس اسكندروس) ثلاث سنين؛ ثم ملك بعده (بطليموس محبّ أخيه) الثاني ثمان سنين؛ ثم ملك بعده (بطليموس دوتيسوس) ؛ ثم ملكت بعده ابنته (قلوبطرا) «6» اثنتين وعشرين سنة، وبزوالها انقرض ملك اليونان عن مصر وزال.

الطبقة السادسة ملوكها من الروم

الطبقة السادسة ملوكها من الروم أوّل من ملكها منهم (أغشطش) . يقال بشينين معجمتين ومهملتين، ولقبه قيصر، وهو أوّل من تلقب به، ثم صار علما على ملوك الروم. قصد قلوبطرا المتقدم ذكرها، فلما أحسّت بقربه منها، عمدت إلى مجلسها فجعلت فيه الرياحين والمشموم، وأعملت الفكر في تحصيل حية إذا نهشت الإنسان مات لحينه ولم يتغير حاله، فقربت يدها منها حتّى ألقت سمّها في يدها، وانسابت الحية في الرياحين، وجاء أغشطش فوضع يده في الرياحين فنهشته الحية، فبقي يوما ومات بعد أن ملك الروم ثلاثا وأربعين سنة، وفي أيامه ولد المسيح عليه السلام؛ ثم ملك بعده الروم ومصر (طيباريوس) «1» ويقال طبريوس، ويقال طبريس اثنتين وعشرين سنة. قال المسعودي: وفي زمنه رفع المسيح عليه السلام قال: ولما مات أغشطش، اختلف الروم وتحزبوا وتنازعوا في الملك مائتين وثمانيا وتسعين سنة، لا نظام لهم، ولا ملك يجمعهم؛ ثم ملكهم (عانيوس) . قال صاحب حماة: وكان رفع المسيح في زمنه، وهو مخالف لما تقدّم من كلام المسعودي؛ ثم ملك بعده (قلديوس) أربع عشرة سنة؛ ثم ملك بعده (نارون) «2» ثلاث عشرة سنة، وهو الذي قتل بطرس وبولص الحواريّين برومية وصلبهما؛ ثم ملك بعده (ساسانوس) عشر سنين؛ ثم ملك بعده (طيطوس) سبع عشرة سنة؛ ثم ملك بعده (دومطيتوش) ويقال أديطانش خمس عشرة سنة، وكان على عبادة الأصنام فتتبع اليهود والنصارى وقتلهم؛ ثم

ملك بعده (أدريانوس) ستا وثلاثين سنة فأصابته علة الجذام «1» فسار إلى مصر يطلب طبّا لذلك فلم يظفر به ومات بعلّته؛ ثم ملك بعده (ايطيثيوس) ويقال أبطاوليس ثلاثا وعشرين سنة، وهو الذي بنى بيت المقدس بعد تخريبه الثانية وسماه إيليا «2» ، ومعناه بيت الرب، وهو أوّل من سماه بذلك؛ ثم ملك بعده (مرقوس) ويقال قومودوس سبع عشرة سنة؛ ثم ملك بعده (قومودوس) ثلاث عشرة سنة، وكان دين النصارى قد ظهر في أيامه؛ وفي زمنه كان جالينوس الحكيم، ثم ملك بعده (قوطنجوس) ستة أشهر؛ ثم ملك بعده (سيوارس) ثماني عشرة سنة؛ ثم ملك بعده (ايطيثيوس الثاني) أربع سنين، ثم ملك بعده (اسكندروس) ثلاث عشرة سنة؛ ثم ملك بعده (بكسمينوس) ثلاث سنين؛ ثم ملك بعده (خورديانوس) ست سنين؛ ثم ملك بعده (دقيانوس) وقيل دقيوس سنة واحدة، فقتل النصارى وأعاد عبادة الأصنام، ومنه هرب الفتية أصحاب الكهف، وكان من أمرهم ما قص الله تعالى في كتابه العزيز؛ ثم ملك بعده (غاليوس) ثلاث سنين؛ ثم ملك بعده (علينوس) و (ولديانوس) اشتركا في الملك، وقيل إن ولديانوس انفرد بالملك بعد ذلك؛ وأقام فيه خمس عشرة سنة؛ ثم ملك بعده (قلوديوس) سنة واحدة؛ ثم ملك بعده (اردياس) ويقال أردليانوس ست سنين؛ ثم ملك بعده (قروقوس) سبع سنين؛ ثم ملك بعده (ياروس) وشركته سنتين؛ ثم ملك بعده (دقلطيانوس) إحدى وعشرين سنة، وهو آخر عبدة الأصنام من ملوك الروم، وبمهلكه تؤرخ النصارى إلى اليوم، وعصي عليه أهل مصر، فسار إليهم من رومية، وقتل منهم خلقا عظيما، وهم الذين يعبر عنهم النصارى الآن بالشهداء.

ثم ملك بعده قسطنطين «1» المظفر إحدى وثلاثين سنة فسار من رومية إلى قسطنطينيّة وبنى سورها واستقرت دار ملكهم، وأظهر دين النصرانية وحمل الناس عليه؛ ثم ملك بعده ابنه قسطنطين فشيّد دين النصرانية وبنى الكنائس الكثيرة؛ ثم ملك بعده إليانوس، ويقال إليانس سنة واحدة، وهو ابن أخي قسطنطين المتقدّم ذكره، فرفض دين النصرانية ورجع إلى عبادة الأصنام، وبموته خرج الملك عن بني قسطنطين؛ ثم ملك بعده بطريق من بطارقة الروم اسمه بوثيانوس، ويقال سيوتيانوس سنة واحدة فأعاد دين النصرانية، ومنع عبادة الأصنام؛ ثم ملك بعده قالنطيانوس أربع عشرة سنة؛ ثم ملك بعده خرطيانوس ثلاث سنين؛ ثم ملك بعده باردوسيوس الكبير تسعا وأربعين سنة؛ ثم ملك بعده ادقاديوس بقسطنطينيّة وشريكه أويوريوس برومية ثلاث عشرة سنة؛ ثم ملك بعدهما مرقيانوس سبع سنين، وهو الذي بنى دير مارون «2» بحمص؛ ثم ملك بعده واليطيس سنة واحدة؛ ثم ملك بعده لاون الكبير سبع عشرة سنة؛ ثم ملك بعده زيتون ثمان عشرة سنة؛ ثم ملك بعده اسطيسوس سبعا وعشرين سنة، وهو الذي عمر أسوار مدينة حماة؛ ثم ملك بعده بوسيطيتنوس تسع سنين؛ ثم ملك بعده بوسيطيتنوس الثاني ثمانيا وثلاثين سنة؛ ثم ملك بعده طبريوس ثلاث سنين؛ ثم ملك بعده طبريوس الثاني أربع سنين؛ ثم ملك بعده ماريقوس ثمان سنين؛ ثم ملك بعده ماريقوس الثاني، ويقال مرقوس اثنتي عشرة سنة؛ ثم ملك بعده قوقاس ثمان سنين؛ ثم ملك بعده هرقل واسمه بالرومية أوقليس، وهو الذي كتب «3» إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم، يدعوه إلى الإسلام، وكانت الهجرة النبوية في السنة الثانية عشرة من ملكه.

قال المسعوديّ: وفي تواريخ أصحاب السير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هاجر وملك الروم قيصر بن قوق «1» ؛ (ثم ملك الروم بعده) قيصر بن قيصر، وذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وهو الذي حاربه أمراء الإسلام بالشام واقتلعوا الشام منه. والذي ذكره في «التعريف» في مكاتبة الأذفونش «2» صاحب طليطلة من ملوك الفرنج بالأندلس أن هرقل الذي هاجر النبيّ صلى الله عليه وسلم في زمنه وكتب إليه لم يكن الملك نفسه، وإنما كان متسلم الشام لقيصر، وقيصر بالقسطنطينيّة لم يرم، وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما كتب لهرقل لأنه كان مجاورا لجزيرة العرب من الشام، وعظيم بصرى كان عاملا له، ويظهر أن قيصر الأخير الذي ذكره هو الذي كان المقوقس عاملا له على مصر. ويقال: إن المقوقس تقبّل مصر من هرقل بتسعة عشر ألف ألف دينار. واعلم أنه كان الحال يقتضي أن نذكر نوّاب من تقدّم من ملوك الروم واليونان والفرس على مصر، ولكن أصحاب التواريخ لم تعتن بأمر ذلك، فتعذر العلم به. وإذا ذكر الأصل، استغني به عن الفرع. وذكر القضاعيّ: أنه بعد عمارة مصر من خراب بختنصّر «3» ظهرت الروم

المرتبة الثالثة من وليها في الإسلام: من بداية الأمر إلى زماننا، وهم على ضربين:

وفارس على سائر الملوك التي وسط الأرض فقاتلت الروم أهل مصر ثلاث سنين إلى أن صالحوهم على شيء في كل عام، على أن يكونوا في ذمتهم ويمنعوهم من ملوك فارس، ثم ظهرت فارس على الروم وغلبوهم على الشأم وألحّوا على مصر بالقتال، ثم استقرّ الحال على خراج مصر أن يكون بين فارس والروم في كل عام، وأقاموا على ذلك تسع سنين؛ ثم غلبت الروم فارس وأخرجوهم من الشأم وصار ما صولحت عليه أهل مصر كله خالصا للروم، وجاء الإسلام والأمر على ذلك. المرتبة الثالثة من وليها في الإسلام: من بداية الأمر إلى زماننا، وهم على ضربين: الضرب الأول فيمن وليها نيابة، وهو الصدر الأول، وهم على ثلاث طبقات: الطبقة الأولى عمّال الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم قد تقدّم أنها لم تزل بيد الروم والمقوقس عامل عليها إلى خلافة عمر رضي الله عنه، ولم تزل كذلك إلى أن فتحها عمرو بن العاص والزّبير بن العوّام «1» في سنة عشرين من الهجرة، وقيل سنة تسع عشرة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ ووليها (عمرو بن العاص) من قبل عمر، وهو أول من وليها في الإسلام، وبقي عليها إلى سنة خمس وعشرين؛ وبنى الجامع العتيق بالفسطاط؛ ثم وليها عن عثمان بن عفان رضي الله عنه (أبو يحيى العامري «2» ) فمكث فيها

الطبقة الثانية عمال خلفاء بني أمية بالشام

إحدى عشرة سنة، وتوفي سنة ست «1» وثلاثين؛ ثم «2» وليها عن عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه (قيس بن سعد) الخزرجيّ في أول سنة سبع وثلاثين؛ ثم وليها عنه (مالك بن الحارث النخعيّ) المعروف بالأشتر في وسط سنة سبع وثلاثين، وكتب له عنه عهدا يأتي ذكره في الكلام على العهود إن شاء الله تعالى، فسمّ ومات قبل «3» دخوله إلى مصر؛ ثم وليها عنه (محمد بن أبي بكر الصدّيق) رضي الله عنه في آخر سنة سبع وثلاثين فمكث دون السنة؛ ثم وليها عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه (عمرو بن العاص ثانيا) سنة ثمان وثلاثين خمس سنين، وتوفي بها سنة ثلاث وأربعين؛ ثم «4» وليها عنه (عقبة بن عامر الجهنيّ) في سنة أربع وأربعين فمكث فيها ثلاث سنين وكسرا؛ ثم وليها عنه (مسلمة بن مخلّد الخزرجيّ) سنة سبع وأربعين فمكث فيها خمس عشرة سنة. الطبقة الثانية عمّال خلفاء بني أميّة بالشام لما أفضت الخلافة بعد معاوية إلى ابنه يزيد، وليها عنه (سعيد بن يزيد بن علقمة الأزديّ) في سنة اثنتين وستين، فمكث فيها سنتين وكسرا؛ ثم

وليها عنه «1» (عبد الرحمن الفهريّ) في سنة أربع وستين، وأقرّه على الولاية بعد يزيد ابنه معاوية ثم مروان بن الحكم «2» ، فمكث فيها اثنتين وعشرين «3» سنة؛ ثم وليها عن عبد الملك بن مروان (عبد الله بن عبد الملك بن مروان) في أول سنة ست وثمانين، فمكث فيها خمس سنين؛ ثم وليها عنه (قرّة بن شريك) «4» في سنة تسعين، وأقره عليها الوليد بن عبد الملك بعده، فمكث فيها سبع سنين، ثم وليها عن «5» سليمان بن عبد الملك (عبد الملك بن رفاعة) في سنة سبع وتسعين، فمكث فيها ثلاث سنين وكسرا؛ ثم وليها عن عمر بن عبد العزيز (أيوب بن شرحبيل الأصبحي) آخر سنة «6» تسع وتسعين، فمكث فيها سنتين وستة أشهر؛ ثم كانت خلافة يزيد بن عبد الملك؛ فوليها عنه ( [بشر «7» بن] صفوان الكلبيّ) سنة إحدى ومائة، فمكث فيها سنتين وستة أشهر أيضا؛ ثم «8» وليها عن هشام بن عبد الملك (محمد بن عبد الملك) أخو هشام في سنة خمس

ومائة، فمكث فيها أشهرا؛ ثم وليها عنه (عبد الله بن يوسف الثقفيّ) في ذي الحجة سنة خمس ومائة، فمكث فيها أربع سنين وستة أشهر؛ ثم «1» وليها عنه (عبد الملك [بن رفاعة ثانيا] ) «2» في سنة تسع ومائة وعزل فيها؛ ثم وليها عنه (الوليد) أخو عبد الملك [بن رفاعة] «3» في سنة تسع المذكورة، فمكث فيها عشر سنين وكسرا، وتوفّي سنة تسع عشرة ومائة؛ ثم وليها عنه (عبد الرحمن الفهري «4» ) ثانيا «5» في آخر سنة تسع عشرة ومائة، فأقام بها سبعة أشهر، ثم وليها عنه (حنظلة) بن صفوان ثانيا «6» في سنة عشرين ومائة، فمكث فيها سنين وكسرا وعزل؛ ثم «7» وليها عن مروان بن محمد الجعديّ؛ فوليها عنه ( [حسان بن] «8» عتابة «9» التّجيبي) سنة سبع وعشرين ومائة، فمكث فيها خمس «10» سنين أو دونها؛ ثم وليها عنه (حفص بن الوليد) «11» سنة ثمان وعشرين ومائة، فمكث فيها ثلاث «12» سنين وستة أشهر؛ ثم وليها عنه (الفزاريّ) «13» سنة أحدى وثلاثين ومائة،

الطبقة الثالثة عمال خلفاء بني العباس بالعراق

فمكث فيها سنة واحدة؛ ثم وليها عنه (عبد الملك بن مروان) مولى لخم سنة إحدى «1» وثلاثين ومائة، وهو آخر من وليها عن بني أمية. الطبقة الثالثة عمّال خلفاء بني العبّاس بالعراق أول من وليها في الدولة العباسية عن أبي العبّاس السفّاح: أوّل خلفائهم، (صالح بن عليّ) بن عبد الله بن عباس سنة ثلاث وثلاثين ومائة، فمكث فيها أشهرا قلائل؛ ثم وليها عنه (عبد الملك) «2» مولى بني أسد آخر سنة ثلاث وثلاثين ومائة، فمكث فيها ثلاث سنين؛ ثم وليها عنه (صالح بن عليّ) ثانيا في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة. ثم وليها عن أبي جعفر المنصور (عبد الملك) سنة تسع وثلاثين ومائة، فمكث فيها ثلاث سنين؛ ثم وليها عنه (النّقيب التميميّ) «3» سنة إحدى وأربعين ومائة، فمكث فيها سنتين «4» ؛ ثم وليها عنه (حميد الطائيّ: «5» سنة ثلاث وأربعين ومائة، فمكث فيها سنة واحدة؛ ثم وليها عنه (يزيد المهلّبيّ) «6» سنة أربع وأربعين ومائة، فمكث فيها تسع سنين؛ ثم وليها عنه (عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية) سنة اثنتين وخمسين ومائة، فمكث فيها سنتين وستة أشهر؛ ثم وليها عنه (محمد بن عبد الرحمن بن معاوية) سنة أربع وخمسين ومائة، فمكث فيها سنة واحدة؛ ثم وليها عنه (موسى بن علي اللخميّ)

في سنة خمس وخمسين ومائة، فمكث فيها سنتين وستة أشهر. ثو وليها عن المهدي (عيسى الجمحيّ) «1» سنة إحدى وستين ومائة، فمكث فيها سنة واحدة؛ ثم وليها عنه (واضح) «2» مولى المنصور في سنة اثنتين وستين ومائة؛ ثم وليها عنه (زيد بن منصور) «3» الحميري في وسط سنة اثنتين وستين ومائة؛ ثم وليها عنه (يحيى أبو صالح) «4» في ذي الحجة من السنة المذكورة؛ ثم وليها عنه (سالم بن سوادة التميميّ) سنة أربع وستين ومائة؛ ثم وليها عنه (إبراهيم العباسيّ) «5» في سنة خمس وستين ومائة؛ ثم وليها عنه (معين الدين ختهم) «6» في سنة ست «7» وستين ومائة. ثم وليها عن الهادي (أسامة بن عمرو العامري) «8» في سنة ثمان وستين ومائة، ثم وليها عنه (الفضل بن صالح العباسيّ) في سنة تسع وستين ومائة؛ ثم وليها عنه (على بن سليمان العباسيّ) آخر السنة المذكورة. ثم وليها عن الرشيد (موسى العباسي) «9» في سنة اثنتين وسبعين ومائة؛ ثم «10» وليها عنه (محمد بن زهير) الأزدي سنة ثلاث وسبعين ومائة؛ ثم وليها عنه

داود بن يزيد المهلبي سنة أربع وسبعين ومائة؛ ثم وليها عنه (موسى بن عيسى العباسي) «1» سنة خمس وسبعين ومائة ومات بها؛ ثم وليها عنه (عبد الله بن المسيب الضبيّ) «2» في أول سنة سبع وسبعين ومائة؛ ثم «3» وليها عنه (هرثمة بن أعين) سنة ثمان وسبعين ومائة؛ ثم وليها عنه (عبد الملك العباسيّ) في سلخ ذي الحجة من السنة المذكورة؛ ثم وليها عنه (عبيد الله بن المهديّ العباسيّ) في سنة تسع وسبعين ومائة؛ ثم وليها عنه (موسى بن عيسى) «4» التّنوخيّ في آخر سنة ثمانين ومائة، ثم وليها عنه (عبيد الله بن المهديّ) ثانيا سنة إحدى وثمانين ومائة؛ ثم وليها عنه (إسماعيل بن صالح) في آخر السنة المذكورة؛ ثم وليها عنه (إسماعيل بن عيسى بن موسى) «5» سنة اثنتين وثمانين ومائة؛ ثم وليها عنه (الليث البيورديّ) في آخر السنة المذكورة؛ ثم وليها عنه (أحمد بن إسماعيل) في آخر سنة تسع «6» وثمانين ومائة؛ ثم وليها عنه (عبد الله بن محمد العباسيّ) المعروف بابن زينب في سنة تسعين «7» ومائة؛ ثم وليها «8» عنه (مالك بن دلهم الكلبيّ) سنة اثنتين وتسعين ومائة؛ ثم وليها عنه أو عن الأمين (الحسين بن

الحجاج) «1» سنة ثلاث وتسعين ومائة. ثم وليها عن الأمين (حاتم بن هرثمة بن أعين) سنة خمس وتسعين ومائة؛ ثم وليها عنه (عباد أبو نصر) «2» مولى كندة سنة ست وتسعين ومائة، ثم وليها عنه أو عن المأمون (المطّلب بن عبد الله الخزاعي) سنة ثمان وتسعين ومائة. ثم وليها عن المأمون (العباس بن موسى) سنة ثمان وتسعين ومائة؛ ثم وليها عنه (المطلب بن عبد الله) ثانيا في سنة تسع وتسعين ومائة؛ ثم وليها عنه (السريّ بن الحكم) في سنة مائتين؛ ثم وليها عنه (سليمان بن غالب) في سنة إحدى ومائتين؛ ثم وليها «3» عنه (أبو نصر محمد بن السريّ) في سنة خمس ومائتين؛ ثم وليها عنه (عبيد الله) «4» في سنة ست ومائتين؛ ثم وليها عنه (عبد الله بن طاهر) مولى خزاعة في سنة عشر ومائتين؛ وهو أول من جلب البطّيخ الخراسانيّ المعروف بالعبدليّ من خراسان إلى مصر فنسب إليه؛ ثم وليها عنه (عيسى الجلّوديّ) في سنة ثلاث عشرة ومائتين؛ ثم وليها عنه (عمرو «5» بن الوليد التميميّ) في سنة أربع عشرة ومائتين؛ ثم وليها عنه (عيسى الجلّوديّ) ثانيا في آخر السنة المذكورة؛ ثم وليها عنه (عبدويه بن جبلة) في سنة خمس عشرة ومائتين؛ ثم وليها عنه (عيسى بن منصور) مولى بني نصر في سنة ستّ عشرة ومائتين.

وفي هذه السنة دخل المأمون مصر وفتح الهرم. ثم وليها عن المعتصم بالله «1» المسعوديّ في أول سنة تسع عشرة ومائتين؛ ثم وليها عنه (المظفّر بن كيدر) في وسط السنة المذكورة أشهرا قلائل؛ ثم وليها عنه (موسى بن أبي العباس) «2» في آخر السنة المذكورة؛ ثم وليها عنه (مالك «3» بن كيدر) في سنة أربع وعشرين ومائتين؛ ثم وليها عنه (عليّ بن يحيى) في سنة ست وعشرين ومائتين. ثم وليها عن الواثق بالله (عيسى بن منصور الجلّودي) ثانيا «4» في سنة تسع وعشرين ومائتين؛ ثم «5» وليها عن المتوكل «6» (عليّ بن يحيى) ثانيا في سنة أربع وثلاثين ومائتين؛ ثم وليها عنه (إسحاق الختليّ) في سنة خمس وثلاثين ومائتين؛ ثم وليها عنه «7» (خزاعة) «8» في سنة ست وثلاثين ومائتين، ثم وليها عنه «9» (عنبسة «10» الضّبيّ) في سنة ثمان وثلاثين ومائتين؛ ثم وليها عنه (يزيد بن عبد الله) في سنة اثنتين وأربعين ومائتين، وأقرّه عليها بعده المنتصر بالله، ثم المستعين بالله. ثم وليها عن المستعين «11» بالله (مزاحم بن خاقان) في سنة ثلاث وخمسين

الضرب الثاني من وليها ملكا، وهم على أربع طبقات:

ومائتين؛ ثم وليها عنه (أحمد بن مزاحم) في سنة أربع وخمسين ومائتين وأقرّه عليها المهتدي بالله «1» . الضرب الثاني من وليها ملكا، وهم على أربع طبقات: الطبقة الأولى من وليها عن بني العبّاس قبل دولة الفاطميين وأوّلهم: (أحمد بن طولون) وليها عن «2» عن المعتمد في سنة ست وستين «3» ومائتين، وعمر بها جامعه المتقدّم ذكره في خطط الفسطاط؛ وفي أيامه عظمت نيابة مصر وشمخت إلى الملك؛ وهو أول من جلب المماليك الترك إلى الديار المصرية واستخدمهم في عسكرها. وأقرّه المعتضد «4» بالله بعد المعتمد، وبقي بها حتى مات «5» ، فوليها عن المعتضد «6» (خمارويه بن أحمد بن طولون) في أول سنة اثنتين وثمانين «7»

ومائتين، وقتله جنده في السنة المذكورة؛ ثم وليها عنه (جيش بن خمارويه) في سنة ثلاث «1» وثمانين ومائتين وقتله «2» جنده في السنة المذكورة؛ ثم وليها عنه (هارون بن خمارويه) في آخر سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وقتل في سنة اثنتين وتسعين. ثم وليها عن المكتفي بالله (شيبان بن أحمد بن طولون) في سنة اثنتين وتسعين ومائتين فبقي اثني عشر يوما وعزل «3» ؛ ثم وليها عنه (محمد بن سليمان الواثقي) في آخر سنة اثنتين وتسعين ومائتين، ثم وليها عنه أو عن المقتدر بالله (عيسى النّوشريّ) في سنة خمس «4» وتسعين ومائتين. ثم وليها عن المقتدر بالله (أبو منصور تكين) في سنة سبع وتسعين ومائتين وعزل؛ ثم وليها عنه (أبو الحسن «5» ) في سنة ثلاث وثلاثمائة وعزل، ثم وليها عنه (أبو منصور تكين) ثانيا سنة سبع وثلاثمائة وعزل؛ ثم وليها عنه (هلال) «6» سنة تسع وثلاثمائة؛ ثم وليها عنه (أحمد بن كيغلغ) في سنة إحدى عشرة وثلاثمائة؛ ثم

الطبقة الثانية من وليها من الخلفاء الفاطميين المعروفين بالعبيديين

وليها عنه (أبو منصور تكين) ثالث مرة في السنة المذكورة. ثم وليها عن القاهر بالله (محمد بن طغج) في سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. ثم وليها عنه (أحمد بن كيغلغ) ثانيا في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة. وأقره عليها المكتفي ثم المستكفي بالله بعده. ثم وليها عن المطيع لله (أبو القاسم الإخشيد) «1» في سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، ثم وليها عنه (علي بن الإخشيد) سنة تسع وثلاثين «2» وثلاثمائة؛ ثم وليها عنه (كافور الإخشيدي) الخادم في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وكان يحب العلماء والفقهاء، ويكرمهم، ويتعاهدهم بالنّفقات، ويكثر الصدقات حتّى استغنى الناس في أيامه، ولم يجد أرباب الأموال من يقبل منهم الزكاة فرفعوا أمر ذلك إليه فأمرهم أن يبتنوا بها المساجد ويتخذوا لها الأوقاف ففعلوا؛ ثم وليها عنه (أحمد بن علي الإخشيد) في سنة سبع وخمسين وثلاثمائة، وهو آخر من وليها من العمّال عن خلفاء بني العباس بالعراق. الطبقة الثانية من وليها من الخلفاء الفاطميين المعروفين بالعبيدييّن أول من وليها منهم (المعزّ لدين الله أبو تميم معدّ بن تميم بن إسماعيل بن محمد بن عبيد الله المهديّ) وإليه ينسبون، جهز إليها قائده جوهرا، من بلاد المغرب إلى الديار المصرية ففتحها في شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة على ما تقدّم في الكلام على قواعد الديار المصرية وانقطعت الخطبة العباسية منها؛ ورحل المعزّ من المغرب إلى مصر فوصل إليها ودخل قصره بالقاهرة في سابع رمضان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وصارت مصر والمغرب مملكة واحدة، وبلاد المغرب نيابة من مصر. وتوفّي ثالث ربيع الآخر سنة خمس وستين وثلاثمائة.

ثم ولي بعده ابنه (العزيز بالله أبو المنصور) يوم وفاة أبيه، وإليه ينسب الجامع العزيزيّ بمدينة بلبيس، وتوفّي بالحمّام في بلبيس ثامن رمضان المعظّم قدره سنة ست وثمانين وثلاثمائة. ثم ولي بعده ابنه (الحاكم بأمر الله أبو علي المنصور) ليلة وفاة أبيه، وبنى الجامع الحاكميّ في سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وهو يومئذ خارج سور القاهرة، وفارق مصر وخرج إلى الجبل المقطم فوجدت ثيابه مزرّرة الأطواق وفيها آثار السكاكين ولا جثّة فيها، وذلك في سلخ شوّال سنة إحدى عشرة وأربعمائة ولم يشكّ في قتله. والدّرزيّة من المبتدعة يعتقدون أنه حيّ وأنه سيرجع ويعود على ما سيأتي في الكلام على أيمانهم وتحليفهم إن شاء الله تعالى. ثم ولي بعده ابنه (الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن عليّ) وبقي حتّى توفي في شعبان سنة سبع وعشرين وأربعمائة. ثم ولي بعده ابنه (المستنصر بالله أبو تميم معدّ) بعد وفاة أبيه. وفي أيامه جدّد سور القاهرة الكبير في سنة ثمانين وأربعمائة. وتوفي في ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة. وفي أيامه كان الغلاء الذي لم يعهد مثله، مكث سبع سنين حتّى خربت مصر، ولم يبق بها إلا صبابة من الناس على ما تقدّم في سياقة الكلام على زيادة النيل. ثم ولي بعده ابنه (المستعلي بالله) أبو القاسم أحمد يوم وفاة أبيه. وتوفّي لسبع عشرة ليلة خلت من صفر سنة خمس وتسعين وأربعمائة. ثم ولي بعده (الآمر بأحكام الله أبو عليّ المنصور) في يوم وفاة المستعلي، وقتل بجزيرة مصر في الثالث من ذي القعدة سنة خمس «1» وعشرين وخمسمائة. ثم ولي بعده ابن عمه (الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد الحميد بن الآمر

الطبقة الثالثة ملوك بني أيوب

أبي القاسم محمد) يوم وفاة الآمر. وتوفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة. ثم ولي بعده (الظافر بأمر الله إسماعيل) رابع جمادى الآخرة سنة أربعين «1» وخمسمائة. ثم ولي بعده ابنه (الفائز بنصر الله أبو القاسم عيسى) صبيحة وفاة أبيه. وتوفي في سابع عشر شهر رجب الفرد سنة خمس وخمسين وخمسمائة. ثم ولي بعده (ابنه العاضد لدين الله أبو محمد عبد الله بن يوسف) يوم وفاة الفائز. وتوفّي يوم عاشوراء سنة أربع «2» وستين وخمسمائة بعد أن قطع السلطان صلاح الدين خطبته بالديار المصرية وخطب للخلفاء العبّاسيين ببغداد قبل موته، وهو آخر من ولي منهم. الطبقة الثالثة ملوك بني أيّوب وهم وإن كانوا يدينون بطاعة خلفاء بني العبّاس فهم ملوك مستقلّون وفي دولتهم زاد ارتفاع قدر مصر وملكها. أوّل من ملك مصر منهم الملك الناصر (صلاح الدين يوسف بن أيّوب) كان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام رحمه الله قد جهّزه صحبة عمه أسد الدين شيركوه إلى الديار المصرية حين استغاث به أهل مصر في زمن العاضد الفاطميّ المتقدّم ذكره لغلبة الفرنج عليهم ثلاث مرّات انتهى الحال في آخرها إلى أنّ السلطان صلاح الدين وثب على شاور وزير العاضد المذكور فقتله وتقلد عمّه أسد الدين شيركوه الوزارة مكانه عن العاضد، وكتب له بذلك عهد من إنشاء القاضي الفاضل، فأقام فيها مدّة قريبة ومات، ففوّض العاضد الوزارة مكانه للسلطان صلاح الدين وكتب له عهد من إنشاء القاضي الفاضل أيضا، وبقي في الوزارة حتّى ضعف العاضد وطال ضعفه فقطع السلطان صلاح

الدين الخطبة للعاضد، وخطب للخليفة العباسيّ ببغداد بأمر الملك العادل صاحب الشام، ثم مات العاضد عن قريب فاستقلّ السلطان صلاح الدين بالسلطنة بمصر وقوي جأشه، وثبتت في الدولة قدمه. وتوفي بدمشق في سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وكانت مدّة ملكه بالديار المصرية أربعا وعشرين سنة وملكه الشام تسع عشرة سنة، ثم ملك بعده مصر ابنه (الملك العزيز) وملك معها دمشق وسلّمها إلى عمه العادل أبي بكر في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وتفرّقت بقية الممالك الشامية بيد بني عمه من بني أيوب «1» ملك مصر والشام جميعا في ربيع الأول سنة ست وتسعين وخمسمائة وتوفي بدمشق سنة خمس عشرة وستمائة. ثم ملك بعده ابنه (الملك الكامل) عقيب وفاة أبيه المذكور، وهو أوّل من سكن قلعة الجبل بعد قصر الفاطميين بالقاهرة على ما تقدّم ذكره في الكلام على القلعة، واستمرّ في ذلك عشرين سنة، وفتح حرّان وديار بكر، وكان الفرنج قد استعادوا بعض ما فتحه السلطان صلاح الدين من ساحل الشام وكتب الهدنة بينه وبين الفرنج في سنة ست وعشرين وستمائة على أن يكون بأيدي الفرنج القلاع والنواحي التي ملكوها بعد فتح السلطان صلاح الدين، وهي جبلة «2» ، وبيروت وصيدا، وقلعة الشقيف «3» ، وقلعة تبنين «4» ، وقلعة هواين «5» ، وإسكندرية وقلعة صفد، وقلعة الطور «6» واللجون «7» ، وقلعة كوكب «8» ومجدل «9» يافا، ولدّ،

الطبقة الرابعة ملوك الترك خلد الله تعالى دولتهم

والرملة، وعسقلان، وبيت جبريل، والقدس وأعمال ذلك ومضافاته. وبنى مدرسته الكاملية بين القصرين المعروفة بدار الحديث، وتوفي بدمشق سنة خمس وثلاثين وستمائة. ثم ملك بعده ابنه (الملك العادل أبو بكر) وقبض عليه في العشر الأوسط من ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وستمائة. ثم ملك بعده أخوه الملك الصالح (نجم الدين أيوب) بن الكامل في أوائل سنة ثمان وثلاثين وستمائة. ثم ملك بعده ابنه الملك المعظم (توران شاه) وهو الذي كسر الفرنج على المنصورة في المحرّم سنة ثمان وأربعين وستمائة، وقتل في الثامن والعشرين من المحرّم المذكور. ثم ملكت بعده أمّ خليل (شجرة الدّرّ) «1» في صفر سنة ثمان وأربعين وستمائة، فأقامت ثمانية أشهر، ولم يملك مصر في الإسلام امرأة غيرها. ثم ملك بعدها الأشرف (موسى بن الناصر يوسف بن المسعود بن الكامل بن العادل أبي بكر بن أيوب) في شوال سنة ثمان وأربعين وستمائة وخلع نفسه وهو آخر الملوك الأيوبية بالديار المصرية. الطبقة الرابعة ملوك التّرك خلّد الله تعالى دولتهم أوّل من ملكها منهم (الملك المعزّ أيبك التركماني) بعد خلع الأشرف

موسى، آخر ملوك الأيوبية في شوّال سنة ثمان وأربعين وستمائة؛ وجمع له بين مصر والشام، واستمرّ الجمع بينهما إلى الآن «1» ، وبنى المدرسة المعزّية برحبة الخروب بالفسطاط، وتزوّج بأمّ خليل المقدّم ذكرها، وقتل بحمّام القلعة في سنة أربع وخمسين وستمائة. ثم ملك بعده ابنه (الملك المنصور عليّ) عقيب وفاة والده المذكور. وقتلت أمّ خليل المذكورة، ورميت من سور القلعة، وقبض «2» على المظفّر سنة سبع وخمسين وستمائة. ثم ملك بعده الملك (المظفر قطز) وكان المصافّ بينه وبين التتار على عين جالوت بعد ان استولوا على جميع الشام في رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة، وكسرهم أشدّ كسرة واستقلع الشام منهم، وبقي حتّى قتل «3» في منصرفه بطريق الشام وهو عائد منه بالقرب من قصير الصالحية على أثر ذلك في السنة المذكورة. ثم ملك بعده الملك (الظاهر بيبرس) البندقداريّ في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة، وأخذ في جهاد الفرنج واستعادة ما ارتجعوه من فتوح السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وغير ذلك ففتح البيرة في سنة تسع وخمسين وستمائة والكرك في سنة إحدى وستين، وحمص في آخر سنة اثنتين وستين وستمائة، وقيساريّة وأرسوف في سنة ثلاث وستين، وصفد في سنة أربع وستين، ويافا والشّقيف، وأنطاكية في سنة ست وستين، وحصن الأكراد وعكّا وصافيتا في سنة تسع وستين، وكسر التّتار على البيرة بعد أن عدى الفرات خوضا بعساكره في

سنة إحدى وسبعين؛ وفتح قلاعا من بلاد سيس «1» في سنة ثلاث وسبعين ودخل بلاد الروم، وجلس على كرسي بني سلجوق بقيساريّة الروم، ورجع إلى دمشق في آخر سنة خمس وسبعين، وتوفّي بدمشق في المحرّم سنة ست وسبعين وستمائة، وبنى مدرسته الظاهرية بين القصرين. وملك بعده ابنه (الملك السعيد بركة) في صفر سنة ست وسبعين وستمائة، وخلع وسيّر إلى الكرك. وملك بعده أخوه (الملك العادل سلامش) في ربيع الأوّل سنة ثمان وسبعين وستمائة، وبقي أربعة أشهر ثم خلع. وملك بعده (الملك المنصور قلاوون الصالحيّ) الشهير بالألفيّ في رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة، وسمّي الألفيّ لأن آقسنقر الكامليّ كان قد اشتراه بألف دينار؛ وفتح حصن المرقب بالشأم في تاسع عشر ربيع الأوّل سنة أربع وثمانين وستمائة؛ وفتح طرابلس في ربيع الأوّل سنة ثمان وثمانين وستمائة؛ وهو الذي بنى البيمارستان المنصوريّ والمدرسة المنصورية والقبّة اللتين داخل البيمارستان بين القصرين. وتوفّي بظاهر القاهرة المحروسة، وهو قاصد الغزو في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة ودفن بتربته بالقبة المنصورية داخل البيمارستان المتقدّم ذكره. وملك بعده ابنه (الملك الأشرف خليل) صبيحة وفاة أبيه وأخذ في الغزو ففتح عكّا وصور، وصيدا، وبيروت، وعثليث، والساحل جميعه؛ واقتلعه من الفرنج في رجب سنة تسعين وستمائة. وقتل في متصيّده بالبحيرة في العشر الأوسط من المحرّم سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وهو الذي عمر المدرسة الأشرفية بالقرب من المشهد النفيسيّ. ثم ملك بعده (الملك المعظم بيدرا «2» وخلع من يومه. وملك بعده (الملك الناصر محمد بن قلاوون) في صفر سنة ثلاث

وتسعين وستمائة، وهي سلطنته الأولى. وخلع «1» بعد ذلك وبعث به إلى الكرك فحبس بها. وملك بعده (الملك العادل كتبغا) عقب خلعه، ووقع في أيامه غلاء شديد وفناء عظيم «2» ؛ ثم خلع في صفر سنة ست وتسعين وستمائة، وتولّى بعد ذلك نيابة صرخد ثم حماة، وبقي حتّى توفي بعد ذلك؛ وهو الذي ابتدأ عمارة المدرسة المعروفة بالناصرية بين القصرين وأكمل بناءها الناصر محمد بن قلاوون فنسبت إليه. وملك بعده (الملك المنصور حسام الدين لاچين) في الخامس والعشرين من صفر المذكور، فجدّد الجامع الطّولونيّ وعمل الروك «3» الحساميّ في رجب الفرد سنة سبع وتسعين وستمائة، وقتل في الحادي عشر من شوال من السنة المذكورة «4» ، وبقي الأمر شورى مدّة يسيرة، ثم حضر الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك وأعيد إلى السلطنة في حادي عشر شوال من السنة المذكورة «5» . وملك بعده (الملك المظفر بيبرس الجاشنكير) في الثالث والعشرين من شوّال المذكور وخلع «6» في التاسع والعشرين من شهر رمضان سنة تسع وسبعمائة،

وهو الذي عمر الخانقاه الرّكنيّة بيبرس داخل باب النصر مكان دار الوزارة بالدولة الفاطمية، وجدّد الجامع الحاكمي. وملك بعده (الملك الناصر محمد بن قلاوون) في مستهل شوّال من السنة المذكورة، وهي سلطنته الثالثة. وفيها طالت مدّته وقوي ملكه، وعمل الروك الناصريّ في سنة ست عشرة وسبعمائة، وبنى مدرسته الناصرية بين القصرين، وبقي حتّى توفي في العشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ودفن بتربة والده. ثم ملك بعده ابنه الملك المنصور أبو بكر عقب وفاة والده، وخلع تاسع عشر صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة. ثم ملك بعده أخوه (الملك الأشرف كجك) بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع أخيه المنصور المذكور وخلع في التاسع والعشرين من شهر رجب من السنة المذكورة. ثم ملك بعده أخوه (الملك الناصر أحمد) بن الناصر محمد بن قلاوون بعد أن أحضر من الكرك، واستمرّ في السلطنة حتّى خلع نفسه في أوائل المحرّم سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة. ثم ملك بعده أخوه (الملك الصالح إسماعيل) بن الناصر محمد بن قلاوون في العشرين من المحرّم المذكور، وبقي حتّى توفي في رابع ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة. وملك بعده «1» أخوه (الملك المظفّر حاجّي) «2» بن الناصر محمد بن

قلاوون يوم خلع أخيه الكامل شعبان، وبقي حتّى خلع في ثاني عشر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وقتل من يومه. ثم ملك بعده أخوه (الملك الناصر حسن) بن الناصر محمد بن قلاوون في رابع عشر شهر رمضان المذكور، وخلع في التاسع والعشرين من جمادى الآخر سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة. ثم ملك بعده أخوه (الملك الصالح صالح) بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع أخيه الناصر حسن، وبقي حتّى خلع في ثاني شوّال سنة خمس وخمسين وسبعمائة. ثم ملك بعده أخوه (الملك الناصر حسن) المتقدّم ذكره مرة ثانية يوم خلع أخيه الصالح صالح، وبقي حتّى خلع وقتل «1» في عاشر جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وسبعمائة؛ وبنى مدرسته المعظمة تحت القلعة التي ليس لها نظير في الدنيا، وفي أيامه ضربت الفلوس الجدد على ما سيأتي ذكره، وهو آخر من ملك من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون لصلبه. وملك بعده ابن أخيه (الملك المنصور محمد) بن المظفر حاجّي بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع عمه الناصر حسن، وبقي حتّى خلع «2» في خامس عشر شعبان سنة أربع وستين وسبعمائة. وملك بعده ابن عمه (الملك الأشرف شعبان) بن حسين بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع المنصور المتقدّم ذكره وهو طفل، وبقي حتّى كمل سلطانه وبنى مدرسته «3» بأعلى الصوّة تحت القلعة ولم يتمها، وحج فخرج عليه

مماليكه في عقبة أيلة ففرّ منهم وعاد إلى القاهرة فقبض عليه وقتل في ثالث ذي القعدة الحرام سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، وفي أيامه فتحت مدينة سيس واقتلعت من الأرمن على ما سيأتي ذكره في الكلام على أعمال حلب. وملك بعده ابنه (الملك المنصور عليّ) يوم خلع أبيه وهو طفل، فبقي حتّى توفي في الثالث والعشرين من صفر سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة. وملك بعده أخوه (الملك الصالح حاجّي) بن شعبان بن حسين يوم وفاة أخيه، وبقي حتّى خلع في العشر الأوسط من رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة «1» . وملك بعده (الملك الظاهر برقوق) «2» فعظم أمره، وارتفع صيته وشاع ذكره في الممالك وهابته الملوك وهادته، وساس الملك أحسن سياسة، وبقي حتّى خلع وبعث به إلى السجن «3» بالكرك في شهر رجب أو جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. وملك بعده (الملك المنصور حاجّي) بن شعبان، وهو الملقب أوّلا

بالصالح حاجّي وهي سلطنته الثانية، وبقي «1» حتّى عاد الملك الظاهر برقوق المتقدّم ذكره في سنة [اثنتين] «2» وتسعين وسبعمائة فزاد في التيه وضخامة الملك، وبلغ شأوا لم يبلغه غيره من غالب متقدّمي الملوك، وبقي حتّى توفي في منتصف شوّال المبارك سنة إحدى وثمانمائة. وملك بعده ابنه (الناصر فرج) وسنّه إحدى عشرة سنة بعهد من أبيه، وقام بتدبير أمره أمراء دولته، فبقي حتّى تغير عليه بعض مماليكه وبعض أمرائه، وحضر المماليك بالقلعة، فنزل منها مختفيا على حين غفلة في السادس والعشرين من ربيع الأول سنة ثمان وثمانمائة، ولم يعلم لابتداء أمره أين توجه. ثم ملك بعده أخوه (الملك المنصور عبد العزيز) في التاريخ المذكور. ثم ظهر أن السلطان الملك الناصر فرجا كان مختفيا «3» في بعض أماكن القاهرة، فركب في ليلة السادس من شهر جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانمائة، ومعه جماعة من الأمراء ومماليكه، وخرج الأمراء للقيام بنصرة أخيه عبد العزيز فطلع عليهم السلطان فرج ومن معه، فولّوا هاربين، وطلع السلطان الملك الناصر القلعة في صبيحة النهار المذكور واستقرّ على عادته، وبقي في السلطنة حتّى توجه إلى الشأم لقتال الأمير شيخ والأمير نوروز نائبي دمشق وحلب، ومعه «4» الإمام (المستعين «5» بالله أبو الفضل العباس) بن المتوكل محمد خليفة العصر، ودخل

دمشق وحصر بقلعتها حتّى قبض عليه في ثاني عشر «1» ربيع الأوّل سنة خمس «2» عشرة وثمانمائة، واستبدّ الإمام المستعين بالله بالأمر من غير سلطان، ورجع إليه ما كان يتعاطاه السلطان من العلامة على المكاتبات والتقاليد والتواقيع والمناشير وغيرها، وأفرد اسمه في السكة على الدنانير والدراهم، وأفرد بالدعاء في الخطبة على المنابر؛ ثم عاد إلى الديار المصرية في أوائل ربيع الآخر من السنة المذكورة، وسكن الآدر السلطانية بالقلعة، وقام بتدبير دولته الأمير شيخ المقدّم ذكره وسكن الإصطبلات السلطانية بالقلعة وفوّض إليه الإمام المستعين بالله ما وراء سرير الخلافة، وكتب له تفويض بذلك في قطع كبير، عرضه ذراع ونصف بزيادة نصف ذراع عما يكتب به للسلاطين إلا أنه لم يصرح له فيه بسلطنة ولا إمارة، بل كتب له بدل الأميري الآمري بإسقاط الياء على ما سيأتي ذكره في الكلام على عهود الملوك إن شاء الله تعالى «3» .

الفصل الرابع من الباب الثالث من المقالة الثانية في ذكر ترتيب أحوال الديار المصرية، وفيه ثلاثة أطراف

الفصل الرابع من الباب الثالث من المقالة الثانية في ذكر ترتيب أحوال الديار المصرية، وفيه ثلاثة أطراف الطرف الأول في ذكر معاملاتها، وفيه ثلاثة أركان الركن الأوّل الأثمان، وهي على ثلاثة أنواع النوع الأوّل الدنانير المسكوكة مما يضرب بالديار المصرية، أو يأتي إليها من المسكوك في غيرها من الممالك، وهي ضربان الضرب الأوّل ما يتعامل به وزنا كالذهب المصريّ وما في معناه والعبرة في وزنها بالمثاقيل، وضابطها أن كلّ سبعة مثاقيل زنتها عشرة دراهم من الدراهم الآتي ذكرها، والمثقال معتبر بأربعة «1» وعشرين قيراطا «2» ، وقدر بثنتين وسبعين حبّة شعير «3» من الشعير الوسط باتفاق العلماء، خلافا لابن حزم فإنه قدّره بأربع وثمانين حبة، على أن المثقال لم يتغير وزنه في جاهلية ولا إسلام.

الضرب الثاني ما يتعامل به معادة

قلت: وقد كان الأمير صلاح الدين بن عرام في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين بعد السبعين والسبعمائة ضرب بالإسكندريّة وهو نائب السلطنة بها يومئذ، دنانير زنة كل دينار منها مثقال على أحد الوجهين منه «محمد رسول الله» وعلى الوجه الآخر «ضرب بالإسكندريّة في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين عز نصره» ثم أمسك عن ذلك فلم تكثر هذه الدنانير ولم تشتهر؛ ثم ضرب الأمير يلبغا السالميّ أستادار «1» العالية في الدولة الناصرية فرج بن برقوق دنانير زنة كل واحد منها مثقال، في وسط سكته دائرة فيها مكتوب «فرج» وربما كان منها ما زنته مثقال ونصف أو مثقالان، وربما كان نصف مثقال أو ربع مثقال. إلا أن الغالب فيها نقص أوزانها، وكأنهم جعلوا نقصها في نظير كلفة ضربها. الضرب الثاني ما يتعامل به معادّة وهي دنانير يؤتى بها من البلاد الإفرنجة «2» والروم، معلومة الأوزان، كلّ دينار منها معتبر بتسعة عشر قيراطا ونصف قيراط من المصريّ، واعتباره بصنج

الفضّة المصرية كل دينار زنة درهم وحبتي خرّوب يرجح قليلا، وهذه الدنانير مشخّصة على أحد وجهيها صورة الملك الذي تضرب في زمنه، وعلى الوجه الآخر صورتا بطرس وبوليس الحواريين اللذين بعث بهما المسيح عليه السلام إلى رومية، ويعبر عنها بالإفرنتيّة جمع إفرنتيّ، وأصله إفرنسيّ بسين مهملة بدل التاء المثناة فوق نسبة إلى إفرنسة: مدينة من مدنهم، وربما قيل فيها إفرنجة، وإليها تنسب طائفة الفرنج، وهي مقرّة الفرنسيس ملكهم، ويعبر عنه «1» أيضا بالدوكات. وهذا الاسم في الحقيقة لا يطلق عليه إلا إذا كان ضرب البندقيّة من الفرنجة، وذلك أن الملك اسمه عندهم دوك «2» ، وكأن الألف والتاء في الآخر قائمان مقام ياء النسب. قلت: ثم ضرب الناصر فرج بن برقوق دنانير على زنة الدنانير الإفرنتية المتقدّمة الذكر؛ في أحد الوجهين «لا إله إلا الله محمد رسول الله» وفي الآخر اسم السلطان، وفي وسطه سفط مستطيل بين خطين، وعرفت بالناصرية وكثر وجدانها، وصار بها أكثر المعاملات. إلا أنهم ينقصونها في الأثمان عن الدنانير الإفرنتية عشرة دراهم. ثم ضرب على نظيرها «الإمام المستعين بالله أبو الفضل «3» العباس» حين استبدّ بالأمر بعد الناصر فرج، ولم يتغير فيها غير السّكة، باعتبار انتقالها من

النوع الثاني الدراهم النقرة

اسم السلطان إلى اسم أمير المؤمنين. ثم صرف الذهب بالديار المصرية لا يثبت على حالة بل يعلو تارة ويهبط أخرى بحسب ما تقتضيه الحال، وغالب ما كان عليه صرف الدينار المصريّ فيما أدركناه في التسعين والسبعمائة وما حولها عشرون درهما، والإفرنتيّ سبعة عشر درهما وما قارب ذلك. أما الآن فقد زاد وخرج عن الحدّ خصوصا في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وإن كان في الدولة الظاهرية بيبرس قد بلغ المصريّ ثمانية وعشرين درهما ونصفا فيما رأيته في بعض التواريخ. أما الدينار الجيشيّ، فمسمّى لا حقيقة، وإنما يستعمله أهل ديوان الجيش في عبرة الإقطاعات بأن يجعلوا لكل إقطاع عبرة دنانير معينة من قليل أو كثير، وربما أخليت بعض الإقطاعات من العبرة. على أنه لا طائل تحتها ولا فائدة في تعيينها، فربما كان متحصّل مائة دينار في إقطاع أكثر من متحصّل مائتي دينار فأكثر في إقطاع آخر. على أن صاحب «قوانين الدواوين» قد ذكر الدينار الجيشي في إقطاعات على طبقات مختلفة في عبرة الإقطاعات، فالأجناد من التّرك والأكراد والتركمان دينارهم دينار كامل، والكتانية والعساقلة ومن يجري مجراهم دينارهم نصف دينار، والعربان في الغالب دينارهم ثمن دينار، وفي عرف الناس ثلاثة عشر درهما وثلث، وكأنه على ما كان عليه الحال من قيمة الذهب عند ترتيب الجيش في الزمن القديم، فإن صرف الذهب في الزمن الأول كان قريبا من هذا المعنى، ولذلك جعلت الدية عند من قدّرها بالنّقد من الفقهاء ألف دينار واثني عشر ألف درهم، فيكون عن كل دينار اثنا عشر درهما، وهو صرفه يومئذ. النوع الثاني الدراهم النّقرة وأصل موضوعها أن يكون ثلثاها من فضة وثلثها من نحاس، وتطبع بدور الضرب بالسّكة السلطانية على نحو ما تقدّم في الدنانير، ويكون منها دراهم

النوع الثالث الفلوس، وهي صنفان: مطبوع بالسكة، وغير مطبوع

صحاح وقراضات مكسرة على ما سيأتي ذكره في الكلام على دار الضرب فيما بعد إن شاء الله تعالى. والعبرة في وزنها بالدرهم؛ وهو معتبر بأربعة وعشرين قيراطا؛ وقدّر بستّ عشرة حبة من حب الخروب، فتكون كل خرّوبتين ثمن درهم، وهي أربع حبات من حب البرّ المعتدل؛ والدرهم من الدينار نصفه وخمسه، وإن شئت قلت سبعة أعشاره فيكون كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم. أما الدراهم السّوداء، فأسماء على غير مسمّيات كالدنانير الجيشية، وكل درهم منها معتبر في العرف بثلث درهم نقرة، وبالإسكندرية دراهم سوداء يأتي الكلام عليها في معاملة الإسكندريّة إن شاء الله تعالى. النوع الثالث الفلوس «1» ، وهي صنفان: مطبوع بالسكة، وغير مطبوع فأما المطبوع فكان في الزمن الأول إلى أواخر الدولة الناصرية حسن بن محمد بن قلاوون فلوس لطاف، يعتبر كل ثمانية وأربعين فلسا منها بدرهم من النّقرة على اختلاف السكة فيها، ثم أحدث في سنة تسع وخمسين وسبعمائة في سلطنة حسن أيضا فلوس شهرت بالجدد جمع جديد، زنة كل فلس منها مثقال، وكل فلس منها قيراط من الدرهم، مطبوعة بالسكة السلطانية على ما سيأتي ذكره في الكلام على دار الضرب إن شاء الله تعالى، فجاءت في نهاية الحسن، وبطل ما عداه من الفلوس، وهي أكثر ما يتعامل به أهل زماننا. إلا أنها فسد قانونها في تنقيصها في الوزن عن المثقال حتّى صار فيها ما هو دون الدرهم، وصار تكوينها غير مستدير، وكانت توزن بالقبّان كلّ مائة وثمانية عشر رطلا بالمصريّ بمبلغ

الركن الثاني في المثمنات، وهي على ثلاثة أنواع

خمسمائة درهم، ثم أخذت في التناقص لصغر الفلوس ونقص أوزانها حتّى صار كل مائة وأحد عشر رطلا بمبلغ خمسمائة. قلت: ثم استقرّ الحال فيها [على ذلك] «1» على أنه لو جعل كل أوقية فما دونها بدرهم، لكان حسنا باعتبار غلوّ النّحاس وقلة الواصل منه إلى الديار المصرية، وحمل التجار الفلوس المضروبة من الديار المصرية إلى الحجاز واليمن وغيرهما من الأقاليم متجرا، ويوشك إن دام هذا تنفد الفلوس من الديار المصرية، ولا يوجد ما يتعامل به الناس. وأما غير المطبوعة فنحاس مكسر من الأحمر والأصفر، ويعبر عنها بالعتق؛ وكانت في الزمن الأول كل زنة رطل منها بالمصريّ بدرهمين من النّقرة، فلما عملت الفلوس الجدد المتقدمة الذكر، استقرّ كل رطل منها بدرهم ونصف، وهي على ذلك إلى الآن. قلت: ثم نفدت هذه الفلوس من الديار المصرية لغلوّ النحاس، وصار مهما وجد من النحاس المكسور خلط بالفلوس الجدد وراج معها على مثل وزنها. الركن الثاني في المثمنات، وهي على ثلاثة أنواع النوع الأول الموزونات ورطلها «2» الذي يعتبر بوزنه في حاضرتها من القاهرة والفسطاط وما قاربهما الرطل المصريّ، وهو مائة وأربعة وأربعون درهما، وأوقيته اثنا عشر درهما، وعنه

النوع الثاني المكيلات من الحبوب ونحوها

يتفرّع القنطار المصريّ، وهو مائة رطل؛ وتعتبر أوزان الطيب بها بالمنّ «1» ، وهو مائتان وستون درهما، وأواقيّة ست وعشرون أوقيّة، فتكون أوقيته عشرة دراهم. النوع الثاني المكيلات من الحبوب ونحوها واعلم أن بمصر أقداحا مختلفة المقادير أيضا كالأرطال بحسبه «2» ، ولكل ناحية منها قدح مخصوص بحسب إردبّها، والمستعمل منها بالحاضرة القدح المصريّ، وهو قدح صغير تقديره بالوزن من الحبّ المعتدل مائتان واثنان وثلاثون درهما، وقدّره الشيخ تقيّ الدين بن رزين في الكلام على صاع «3» الفطرة باثنين وثلاثين ألف حبة وسبعمائة واثنتين وستين حبة، وكل ستة عشر قدحا تسمّى ويبة، وكل ستة وتسعين قدحا تسمّى إردبّا «4» ؛ وبنواحيها بالوجهين القبليّ والبحريّ أرادبّ متفاوتة يبلغ مقدار الإردبّ في بعضها إحدى عشرة ويبة «5» بالمصريّ فأكثر. النوع الثالث المقيسات، وهي الأراضي والأقمشة فأما الأراضي فصنفان الصنف الأول أرض الزراعة وقد اصطلح أهلها على قياسها بقصبة «6» تعرف بالحاكمية، كأنها حرّرت في زمن الحاكم بأمر الله الفاطميّ فنسبت إليه، وطولها ستة أذرع بالهاشميّ «7» كما ذكره

الصنف الثاني أرض البنيان من الدور وغيرها

أبو القاسم الزجاجيّ «1» في «شرح مقدّمة أدب الكاتب» وخمسة أذرع بالنجاريّ كما ذكره ابن ممّاتي في «قوانين الدواوين» وثمانية أذرع بذراع اليد كما ذكره غيرهما. وذراع اليد ست قبضات بقبضة إنسان معتدل؛ كلّ قبضة أربعة أصابع بالخنصر والبنصر والوسطى والسّبّابة، كل إصبع ست شعيرات معترضات ظهرا لبطن على ما تقدّم في الكلام على الأميال. وقد تقدّر القصبة بباعين «2» من رجل معتدل؛ وربما وقع القياس في بعض بلاد الوجه البحريّ منها بقصبة تعرف بالسّند فاويّة أطول من الحاكمية بقليل، نسبة إلى بلد تسمّى سندفا بالقرب من مدينة المحلّة، ثم كل أربعمائة قصبة في التكسير يعبر عنها بفدّان، وهو أربعة وعشرون قيراطا، كل قيراط ستّ عشرة قصبة في التكسير. الصنف الثاني أرض البنيان من الدّور وغيرها وقد اصطلحوا على قياسها بذراع يعرف بذراع العمل طوله ثلاثة أشبار بشبر رجل معتدل، ولعله الذراع الذي كان يقاس به أرض السّواد بالعراق «3» ، فقد ذكر الزجاجيّ أنه ذراع وثلث بذراع اليد، وكان ابتداء وضع الذراع لقياس الأرضين أن زياد ابن أبيه حين ولّاه معاوية العراق وأراد قياس السّواد، جمع ثلاثة رجال: رجلا من طوال القوم ورجلا من قصارهم ورجلا متوسطا بين ذلك؛ وأخذ طول ذراع كل منهم، فجمع ذلك وأخذ ثلثه، فجعله ذراعا لقياس الأرضين، وهو المعروف بالذراع الزّياديّ لوقوع تقديره بأمر زياد، ولم يزل ذلك حتّى صارت الخلافة لبني العباس فاتخذوا ذراعا مخالفا لذلك كأنه أطول منه، فسمّي بالهاشمي لوقوعه في خلافة بني العباس، ضرورة كونهم من بني هاشم.

الركن الثالث في الأسعار

وأما الأقمشة- فإنها تقاس بالقاهرة بذراع طوله ذراع بذراع اليد وأربع أصابع مطبوقة، ويزيد عليه ذراع القماش بالفسطاط بعض الشيء، وربما زاد في بعض نواحي الديار المصرية أيضا نحو ذلك. ولغير القماش من الأصناف أيضا كالحصر وغيرها ذراع يخصه «1» . الركن الثالث في الأسعار وقد ذكر المقرّ الشهابي بن فضل الله في «مسالك الأبصار» جملة من الأسعار في زمانه فقال: وأوسط أسعارها في غالب الأوقات أن يكون الإردبّ القمح بخمسة عشر درهما، والشعير بعشرة، وبقية الحبوب على هذا الأنموذج؛ والأرز يبلغ فوق ذلك؛ واللحم أقل سعره الرّطل بنصف درهم، وفي الغالب أكثر من ذلك؛ والدّجاج يختلف سعره بحسب حاله، فجيّده الطائر منه بدرهمين إلى ثلاثة، والدّون منه بدرهم واحد؛ والسّكّر الرطل بدرهم ونصف، وربما زاد، والمكرّر منه بدرهمين ونصف. قلت: وهذه الأسعار التي ذكرها قد أدركنا غالبها وبقيت إلى ما بعد الثمانين والسبعمائة فغلت الأسعار وتزايدت في كل صنف من ذلك وغيره، وصار المثل إلى ثلاثة أمثاله وأربعة أمثاله، فلا حول ولا قوّة إلا بالله ذي المنن الجسيمة القادر على إعادة ذلك على ما كان عليه أو دونه وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا «2» .

الطرف الثاني في ذكر جسورها الحابسة لمياه النيل على أرض بلادها إلى حين استحقاق الزراعة؛ وأصناف أرضها

الطرف الثاني في ذكر جسورها الحابسة لمياه النيل على أرض بلادها إلى حين استحقاق الزّراعة؛ وأصناف أرضها ؛ وما يختص بكل صنف من أرضها من الأسماء الدائرة بين كتّابها؛ ومزارعها؛ وبيان أصناف مزدرعاتها وأحوال زرعها فأمّا جسورها فعلى صنفين: الصّنف الأوّل الجسور «1» السلطانية وهي الجسور العامّة الجامعة للبلاد الكثيرة التي تعمر في كل سنة في الديوان السلطاني بالوجهين: القبليّ والبحريّ، ولها جراريف ومحاريث وأبقار مرتّبة على غالب البلدان بكل عمل من أعمالها. وقد جرت العادة أن يجهز لكل عمل في كل سنة أمير بسبب عمارة جسوره، ويعبر عنه بكاشف الجسور بالعمل الفلالي، ويعرّف بذلك في تعريف مكاتبته عن الأبواب الشريفة، وربما أضيف كشف جسور عمل من الأعمال إلى متولّي جريه، ويقال في تعريفه: والي فلانة وكاشف الجسور بها، إذا كانت المكاتبة بسبب شيء يتعلق بالجسور؛ ولهذه الجسور كاتب منفرد بها مقرّر في ديوانه ما على كل بلد من الجراريف والأبقار، وتكتب التذاكير السلطانية لكاشف كل عمل في الورق الشامي المربّع، ويشملها العلامة الشريفة السلطانية بالاسم الشريف، وللجسور خولة «2» ومهندسون لكل عمل يقومون في خدمة الكاشف في عمارة الجسور إلى أن تنتهي عمارتها.

الصنف الثاني الجسور البلدية

الصنف الثاني الجسور البلدية وهي الخاصة ببلد دون بلد، ويتولّى عمارتها المقطعون بالبلاد: من الأمراء والأجناد وغيرهم، من أموال البلاد الجارية في إقطاعهم؛ ولها ضرائب مقرّرة في كل سنة. قال ابن ممّاتي في «قوانين الدواوين» : والفرق بين السلطانية والبلدية أن السلطانية جارية مجرى سور المدينة الذي يجب على السلطان الاهتمام بعمارته والنظر في مصلحته وكفاية العامة أمر الفكرة فيه، والبلدية جارية مجرى الآدر والمساكن التي داخل السور، كلّ صاحب دار منها ينظر في مصلحتها ويلتزم تدبير أمره فيها. قال: وقد جرت عادة الديوان أن المقطع المنفصل إذا أنفق شيئا من إقطاعه في إقامة جسر لعمارة السنة التي انتقل الخير عنه لها، استعيد له نظير منفقه من المقطع الثاني؛ وكذلك كل ما أنفقه من مال سنته في عمارة سنة غيره كان له استعادة نظيره. قلت: وقد أهمل الاهتمام بأمر الجسور في زماننا، وترك عمارة أكثر الجسور البلدية، واقتصر في عمارة الجسور السلطانية على الشيء اليسير الذي لا يحصل به كبير نفع، ولولا ما منّ الله تعالى به على العباد من كثير الزيادة في النيل من حيث إنه صار يجاوز تسعة عشر ذراعا فما فوقها إلى ما جاوز العشرين، لفات ريّ أكثر البلاد وتعطلت زراعتها فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً «1» وإلا فقد كان النيل في الغالب يقف على سبع عشرة ذراعا فما حولها، بل قد تقدّم من كلام المسعودي أنه إذا جاء النيل ثماني عشرة ذراعا، استبحر من أراضيها الثلث. وأما أنواع أرضها - وما يختص بكل نوع من الأسماء، فإنها تختلف

النوع الأول - الباق

باختلاف الزراعة وعدمها، وبسبب ذلك تتفاوت الرّغبة فيها وتختلف قيمتها باختلاف قيمة ما يزرع فيها، وقد عدّ منها ابن ممّاتي ثلاثة عشر نوعا: النوع الأوّل- الباق ، قال ابن ممّاتي: وهو أثر القرط والقطاني والمقاثيء «1» . قال: وهو خير الأرضين وأغلاها قيمة وأوفاها سعرا وقطيعة، لأنها تصلح لزراعة القمح والكتّان. قلت: والمعروف في زماننا أن الباق أثر القرط والفول خاصة. أما المقاثيء فإن أثرها يسمّى البرش، وسيأتي ذكره فيما بعد. النوع الثاني- ريّ الشّراقي ، قال ابن ممّاتي: وهو يتبع الباق في الجودة، ويلحق به في القطيعة، لأن الأرض قد ظمئت في السنة الماضية واشتدّت حاجتها إلى الماء، فلما رويت حصل لها من الريّ بمقدار ما حصل لها من الظمإ، وكانت أيضا مستريحة فزرعها ينجب. النوع الثالث- البروبية ، وأهل زماننا يقولون البرايب، قال ابن ممّاتي: وهو أثر القمح والشعير، قال: وهو دون الباق لأن الأرض تضعف بزراعة هذين الصّنفين. فمتى زرع أحدهما على الآخر لم تنجب كنجابة الباق وسعرها دون سعره، ويجب أن تزرع قرطا وقطاني ومقاثيء لتستريح الأرض وتصير باقا في السنة الآتية «2» . النوع الرابع- البقماهة ، بضم الباء الموحدة وسكون القاف- وهو أثر الكتّان. قال ابن مماتي: ومتى زرع فيه القمح لم ينجب، وجاء رقيق الحب أسود اللون.

النوع الخامس - الشتونية

النوع الخامس- الشتونية ، وأهل زماننا يقولون الشتاني، وهو أثر ما روي وبار في السنة الماضية؛ قال ابن مماتي: وقطيعته دون قطيعة الشراقيّ. النوع السادس- شوشمس «1» السلايح؛ قال ابن مماتي: وهو عبارة عما روي وبار فحرث وعطّل، وهو يجري مجرى الباق وريّ الشراقي، ويجيء ناجب الزرع. النوع السابع- البرش «2» النقاء؛ قال: وهو عبارة عن كل أرض خلت من أثر ما زرع فيها للسنة الماضية، لا شاغل لها عن قبول ما تودعه «3» من أصناف المزروعات «4» . النوع الثامن- الوسّخ المزروع ؛ قال: وهو عبارة عن كل أرض لم يستحكم وسخها، ولم يقدر المزارعون على استكمال إزالته منها فحرثوها وزرعوها وطلع زرعها مختلطا بوسخها. النوع التاسع- الوسّخ الغالب ، وهو عبارة عن كل أرض حصل فيها من النبات الذي شغلها عن قبول الزراعة ما غلب المزارعين عليها، ومنعهم بكثرته عن الزراعة فيها، وهي تباع مراعي للبهائم. النوع العاشر- الخرس «5» ، وهو عبارة عن فساد الأرض بما استحكم فيها

النوع الحادي عشر - الشراقي

من موانع قبول الزرع، وهو أشدّ من الوسخ الغالب في التنقية والإصلاح، وهي مرعى الدوابّ. النوع الحادي عشر- الشراقي ، وهو عبارة عما لم يصل إليه الماء لقصور النيل وعلوّ الأرض، أو سدّ طريق الماء عنه. النوع الثاني عشر- المستبحر ، وهو عبارة عن أرض واطئة إذا حصل الماء فيها لا يجد مصرفا له عنها فيمضي زمن المزارعة قبل زواله بالنّضوب. قال ابن ممّاتي: وربما انتفع به من ازدرع الأرض بالاستقاء منه بالسواقي لما زرعه في العلوّ. النوع الثالث عشر- السباخ ، وهو أرض غلب عليها الملح فملحت حتّى لم ينتفع «1» بها في زراعة الحبوب، وهي أردى الأرضيين. قال ابن مماتي: وربما زرع فيما لم يستحكم منها الهليون والباذنجان، وربما قطع منها ما بسبح به الكتّان، ويزرع فيها القصب الفارسيّ فينجب «2» . الطرف الثالث في وجوه أموالها الدّيوانية، وهي على ضربين: شرعيّ وغير شرعيّ الضرب الأوّل الشرعيّ وهو على سبعة أنواع النوع الأوّل المال الخراجيّ، وهو ما يؤخذ عن أجرة الأرضين؛ وله حالان الحال الأول- ما كان عليه الأمر في الزمن المتقدّم ، وقد أورد ابن ممّاتي في «قوانين الدواوين» ما يقتضي أنه كان على كلّ صنف من أصناف المزروعات

الحال الثاني - ما الأمر عليه في زماننا

قطيعة مقرّرة في الديوان السلطانيّ لا يختلف أمرها، فذكر أن قطيعة القمح كانت إلى آخر سنة سبع وستين وخمسمائة عن كل فدّان ثلاثة أرادبّ ثم انه تقرّر عند المساحة في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة إردبان ونصف إردب. ثم قال: ومن ذلك ما يباع بعين، ومنه يزرع مشاطرة قال: وقطيعة «1» الشّعير كذلك؛ وقطيعة الفول عن كل فدّان من ثلاثة أرادبّ إلى أردبين ونصف؛ وقطيعة الجلبان والحمّص والعدس عن كل فدّان إردبان ونصف؛ وقطيعة الكتّان تختلف باختلاف البلاد. ثم قال: وهي على آخر ما تقرّر في الديوان عن كل فدّان ثلاثة دنانير إلى ما دونها؛ وقطيعة القرط بالديوان عن كل فدّان دينار واحد، وفيما بين الناس مختلف؛ وقطيعة الثّوم والبصل عن كل فدّان ديناران، وقطيعة التّرمس عن كل فدّان دينار واحد وربع، وقطيعة الكمّون والكراويا والسّلجم الصيفي عن كل فدّان دينار واحد. قال: وكان قبل ذلك دينارين، وقطيعة البطّيخ الأخضر والأصفر واللّوبياء عن كل فدّان ثلاثة دنانير، وقطيعة السّمسم عن كل فدان دينار واحد، وقطيعة القطن كذلك، وقطيعة قصب السّكّر عن كل فدّان ان كان رأسا «2» خمسة دنانير، وان كان خلفة» ديناران وخمسة قراريط، وقطيعة القلقاس عن كل فدّان ثلاثة دنانير، وقطيعة النّيلة عن كل فدّان ثلاثة دنانير؛ وقطيعة الفجل عن كل فدّان دينار واحد، وقطيعة اللّفت كذلك؛ وقطيعة الخسّ عن كل فدّان ديناران، وقطيعة الكرنب كذلك. قال: والقطيعة المستقرّة عن خراج الشّجر والكرم تختلف باختلاف سنينه. ثم قال: وهو يدرك في السنة الرابعة ويترتب على كل فدّان ثلاثة دنانير، وقطيعة القصب الفارسيّ عن كل فدّان ثلاثة دنانير. الحال الثاني- ما الأمر عليه في زماننا ، والحال فيه مختلف باختلاف البلاد. فالوجه القبليّ الذي هو الصعيد أكثر خراجه غلال من قمح وشعير وحمّص وفول وعدس وبسلة وجلبان ويعبّر في عرف الدواوين، عما عدا القمح والشعير

والحمّص بالحبوب، ثم الغالب أن يؤخذ عن خراج كل فدّان من الأصناف المذكورة ما بين إردبين إلى ثلاثة بكيل تلك الناحية، وربما زاد أو نقص عن ذلك، وفي الغالب يؤخذ مع كل إردب درهم أو درهمان أو ثلاثة، ونحو ذلك بحسب قطائع البلاد وضرائبها في الزيادة والنقص في الأرادب والدراهم؛ وربما كان الخراج في بعض هذه البلاد دراهم، وما بار من أرض كل بلد يباع ما ثبت فيه من المرعى مناجزة «1» ، وربما أخذ فيه العداد «2» على حسب عرف البلاد. والوجه البحري غالب خراج بلاده دراهم وليس فيه ما خراج بلاده غلة إلا القليل على العكس من الوجه القبلي. ثم الذي كان عليه الحال إلى نحو التسعين والسبعمائة في غالب البلاد أن يؤجر أثر الباق كلّ فدّان بأربعين درهما فما حولها والبرايب كلّ فدّان بثلاثين درهما فما حولها، ثم غلا السعر بعد ذلك حتّى جاوز الباق المائة والبرايب الثمانين، وبلغ البرش نحو المائتين وذلك عند غلوّ الغلال وارتفاع سعرها. قلت: ثم تزايد الحال في ذلك بعد الثمانمائة إلى ما بعد العشر والثمانمائة حتّى صار يؤخذ في الباق عن كل فدّان نحو الأربعمائة درهم، وربما زادت الأرض الطيبة حتّى بلغت ستمائة درهم، وفي البرايب ونحوه دون ذلك بالنسبة ثم إنه إذا كان المقرّر في خراج بلد من بلاد الديار المصرية غلالا وأعوز صنف من الأصناف أن يؤخذ البدل عنها من صنف آخر من الغلّة. وقد ذكر في «قوانين الدواوين» أن قاعدة البدل أن يؤخذ عن القمح بدل كل إردب من الشعير إردبان، ومن الفول إردب واحد ونصف، ومن الحمّص إردب، ومن الجلبان إردبّ ونصف، والشعير يؤخذ عن كل إردب منه نصف إردب

والجاري في الدواوين على ضربين:

من القمح أو ثلثا إردب من الفول أو نصف إردب من الحمّص أو ثلثا إردب من الجلبان، وفي الفول يؤخذ عن كل إردب منه ثلث إردب من القمح أو [إردب و] «1» نصف إردب من الشعير أو ثلثي «2» إردب من الحمّص أو إردب من الجلبان، وفي الحمّص يؤخذ عن كل إردب منه إردب من القمح أو إردبان من الشعير أو إردب ونصف من الفول أو إردب ونصف من الجلبان، وفي الجلبان يؤخذ عن كل إردب منه ثلثي «3» إردب من القمح أو إردب ونصف من الشعير أو إردب من الفول أو ثلثي «4» إردب من الحمّص؛ ثم قال: والسّمسم والسّلجم والكتّان ما رأيت لها بدلا، والاحتياط في جميع ذلك الرجوع إلى سعره الحاضر، فإنه أسلم طريقة وأحسن عاقبة. واعلم أن بلاد الديار المصرية بالوجهين: القبلي والبحري بجملتها جارية في الدواوين السلطانية وإقطاعات الأمراء وغيرهم من سائر الجند إلا النزر اليسير مما يجري في وقف من سلف من ملوك الديار المصرية ونحوهم على الجوامع والمدارس والخوانق ونحوها مما لا يعتدّ به لقلته. والجاري في الدواوين على ضربين: الضرب الأوّل ما هو داخل في الدواوين السلطانية، وهو الآن على أربعة أصناف: الصنف الأوّل ما هو جار في ديوان الوزارة «5» ؛ وأعظمه خطرا وأرفعه قدرا جهتان: إحداهما- عمل الجيزية المتقدّم ذكره في أعمال الديار المصرية ولها

الثانية - عمل منفلوط

مباشرون بمفردها من ديوان الوزارة ما بين ناظر «1» ومستوف «2» وشهود «3» وصيرفيّ «4» وغيرهم، وغالب خراجه مبلغ دراهم تحمل إلى بيت المال فتثبت فيه وتصرف منه في جملة مصارف بيت المال، وربما حمل من بعضها الغلّة اليسيرة من القمح وغيره للأهراء السلطانية بالفسطاط ومن أرضها تفرد الإطلاقات، ويبذر فيها البرسيم لربيع الخيول بالإصطبلات السلطانية والأمراء والمماليك السلطانية. الثانية- عمل منفلوط ، وله مباشرون كما تقدّم في الجيزيّة بل هي أرفع قدرا وأكثر متحصّلا، وغالب خراجه غلال: من قمح وفول وشعير، وغلالها تحمل إلى الأهراء السلطانية بالفسطاط ويصرف منها في جملة مصارف الأهراء على الطواحين السلطانية والمناخات وغير ذلك، وربما حمل منها المبلغ اليسير إلى بيت المال فيثبت فيه ويصرف منه على ما تقدّم في الأعمال الجيزية، وما عدا هاتين الجهتين من البلاد الجارية في ديوان الوزارة مفرّقة في الأعمال بالوجهين: القبلي والبحري، وهي في الوجه القبلي أكثر، ولكنها قد تناقصت في هذا الزمن حتّى لم يبق فيها إلا بعض بلاد بالوجه القبلي. الصنف الثاني ما هو جار في ديوان الخاص وهو الديوان الذي أحدثه السلطان «الملك الناصر محمد بن قلاوون» حين أبطل الوزارة على ما سيأتي ذكره، وأعظم بلاده وأرفعها قدرا مدينة الإسكندريّة فإنها في الغالب مضافة إليه وبها مباشرون من ناظر ومستوف

الصنف الثالث ما هو جار في الديوان المفرد

وشادّين «1» وغيرهم، وربما أخّرت عنه في جهات أخرى جارية فيه، ويليها تروجة وفوّة ونستروه، ومال جميعها يحمل إلى خزانة الخاص الآتي ذكرها تحت نظر ناظر الخاصّ الآتي ذكره. الصنف الثالث ما هو جار في الديوان المفرد «2» وهو ديوان أحدثه «الظاهر برقوق» في سلطنته، وأفرد له بلادا، وأقام له مباشرين وجعل الحديث فيه لأستاذ داره «3» الكبير، ورتّب عليه نفقة مماليكه من جامكيات «4» وعليف «5» وكسوة وغير ذلك. قلت: وليس هو المخترع لهذا الاسم بل رأيت في ولايات الدولة الفاطمية بالديار المصرية ما يدل على أنه كان للخليفة ديوان يسمى: «الديوان المفرد» . الصنف الرابع ما هو جار في ديوان الأملاك وهو ديوان أحدثه «الظاهر برقوق» المتقدّم ذكره، وأفرد له بلادا سماها أملاكا، وأقام لها أستاذ دار ومباشرين بمفردها، وهذا الديوان خاص بالسلطان ليس عليه مرتب نفقة ولا كلفة.

الضرب الثاني ما هو جار في الإقطاعات

الضرب الثاني ما هو جار في الإقطاعات وهو جلّ البلاد بالوجهين القبليّ والبحريّ، والبلاد النفيسة الكثيرة المتحصّل في الغالب تقطع للأمراء على قدر درجاتهم، فمنهم من يجتمع له نحو العشر بلاد إلى البلد الواحدة، وما دون ذلك من البلدان يقطع للمماليك السلطانية يشترك الاثنان فما فوقهما في البلدة الواحدة في الغالب، وربما انفرد الواحد منهم بالبلد الواحد. وما دون ذلك يكون لأجناد الحلقة «1» تجتمع الجماعة منهم في البلد الواحد بحسب مقداره وحال مقطعيه، وفي معنى أجناد الحلقة المقطعون من العربان بالبحيرة والشرقية من أرباب الأدراك «2» وملتزمي خيل البريد وغيرهم. ثم اعلم أن لبلاد الديار المصرية حالين: الحال الأوّل - أن تنجّز إجارة طين البلد بقدر معين لا يزيد ولا ينقص وطلب الخراج على حكمها. الحال الثاني - أن تكون البلاد مما جرت العادة بمساحة أرضها لسعة طينها واختلاف الريّ فيه بالكثرة والقلة في السنين؛ وقد جرت العادة في ذلك أنّ كاتب خراج الناحية يطلب خولة القانون بذلك البلد وتوريخ الأحواض على المزارعين بفدن مقدّرة، وتكتب بها أوراق تسمّى أوراق المسجل، وتحمل نسختها إلى ديوان صاحب الإقطاع فتخلد فيه، فإذا طلع الزرع خرج من باب صاحب الإقطاع مباشرون، فيمسحون أرض تلك البلد في كل قبالة بأسماء المزارعين، ويكتب

النوع الثاني ما يتحصل مما يستخرج من المعادن

أصل ذلك في أوراق تسمّى الفنداق «1» ، ثم تجمع القبائل «2» بأوراق تسمّى تأريج «3» القبائل، ثم تجمع أسماء المزارعين بأوراق تسمّى تأريج «4» الأسماء، ويقابل بين ما اشتملت عليه أوراق المسجل وما اشتملت عليه مساحته، وفي الغالب يزيد عن أوراق المسجل، ويجمع ذلك وتنظم به أوراق تسمّى المكلّفة «5» ، ويكتب عليها الشهود وحاكم العمل، وتحمل لديوان المقطع نسخا. النوع الثاني ما يتحصّل مما يستخرج من المعادن وقد تقدّم في الكلام على خواصّ الديار المصرية أن الموجود الآن بها ثلاثة معادن: الأول- «معدن الزّمرّد» على القرب من مدينة قوص، ولم يزل مستمرّ الاستخراج إلى أواخر الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون» ، ثم أهمل لقلّة ما يتحصّل منه مع كثرة الكلف وبقي مهملا إلى الآن. وقد ذكر في «مسالك الأبصار» : أنه كان له مباشرون وأمناء من جهة السلطان يتولّون استخراجه وتحصيله، ولهم جوامك «6» على ذلك. ومهما تحصل منه حمل إلى الخزائن السلطانية فيباع ما يباع، ويبقّى ما يصلح للخزائن الملوكية.

الثاني - «معدن الشب»

الثاني- «معدن الشّبّ» (بالباء الموحدة في آخره) قال في «قوانين الدواوين» : ويحتاج إليه في أشياء كثيرة، أهمّها صبغ الأحمر، وللرّوم فيه من الرغبة بمقدار ما يجدون من الفائدة، وهو عندهم مما لا بدّ منه ولا مندوحة عنه؛ ومعادنه بأماكن من بلاد الصعيد والواحات على ما تقدّم في الكلام على خواصّ الديار المصرية. قال: وعاد الديوان أن ينفق في تحصيل كل قنطار «1» منه باللّيثي ثلاثين درهما، وربما كان دون ذلك، وتهبط به العرب [من معدنه] «2» إلى ساحل قوص، وساحل إخميم، وساحل أسيوط، وإلى البهنسى إن كان الإتيان به من الواحات، ثم يحمل من هذه السواحل إلى الإسكندريّة ولا يعتدّ للمباشرين فيه إلا بما يصح فيها عند الاعتبار. قال ابن مماتي: وأكثر ما يباع منه في المتجر بالإسكندرية خمسة آلاف قنطار بالجروي، وبيع منه في بعض السنين ثلاثة عشر ألف قنطار. وسعره من خمسة دنانير إلى خمسة دنانير وربع وسدس كلّ قنطار. قال: أما القاهرة، فأكثر ما يباع فيها في كل سنة ثمانون قنطارا كل قنطار بسبعة دنانير ونصف؛ ثم قال: وليس لأحد أن يبيعه، ولا يشتريه سوى الديوان السلطاني، ومتى وجد مع أحد شيء من صنفه استهلك. قلت: وقد تغير غالب حكم ذلك. الثالث- «معدن النّطرون» «3» وقد تقدّم في الكلام على خواص الديار المصرية أن النّطرون يوجد في معدنين: أحدهما بعمل البحيرة مقابل بلدة تسمّى

الطرّانة على مسيرة يوم منها، وتقدّم في كلام صاحب «التعريف» أنه لا يعلم في الدنيا بقعة صغيرة يستغلّ منها أكثر مما يستغلّ منها، فإنها نحو مائة فدّان تغل نحو مائة ألف دينار كل سنة. والمعدن الثاني بالفاقوسية على القرب من الخطارة، ويعرف بالخطاريّ، وهو غير لاحق في الجودة بالأوّل. قال في «نهاية الأرب» : وأوّل من احتجر النّطرون أحمد بن محمد بن مدبّر «1» نائب مصر قبل أحمد بن طولون، وكان قبل ذلك مباحا. قال في «قوانين الدواوين» : وهو في طور محدود لا يتصرف فيه غير المستخدمين من جهة الديوان، والنفقة على كل قنطار منه درهمان، وثمن كل قنطار منه بمصر والإسكندرية لضيق الحاجة إليه سبعون درهما، قال: والعادة المستقرّة أنه متى أنفق من الديوان في العربان عن أجرة حمولة عشرة آلاف قنطار، ألزموا بحمل خمسة عشر ألف قنطار، حسابا عن كل قنطار قنطار ونصف. ثم قال: وأكثره مصروف في نفقة الغزاة. قلت: أما في زماننا فقد تضاعفت قيمة النّطرون وغلا سعره لاحتجار السلطان له، وأفرط حتّى خرج عن الحدّ، حتّى إنه ربما بلغ القنطار منه مبلغ ثلاثمائة درهم أو نحوها. وقد كان على النّطرون مرتّبون من كتّاب دست وكتّاب درج وأطباء وكحالين «2» وغيرهم وجماعة من أرباب الصدقات يستأدون ذلك، وينفقون على حمولته إلى ساحل النيل بالبلدة المعروفة بالطّرّانة المتقدّمة الذكر، ويبيعونه على من يرغب فيه ليتوجه به في المراكب إلى الوجه القبليّ، ولم يكن لأحد أن يبيع شيئا بالوجه البحريّ جملة، ثم بطل ذلك في أواخر الدولة الظاهرية برقوق، وصار النطرون بجملته خالصا للسلطان جاريا في الديوان المفرد تحت نظر أستاذ دار، يحمل إلى الإسكندرية والقاهرة فيخزن في شون ثم يباع منها،

النوع الثالث الزكاة

وعليه مباشرون يحضرون الواصل والمبيع، ويعملون الحسبانات بذلك، وتميّز بذلك متحصّله للغاية القصوى. النوع الثالث الزكاة «1» قد تقرّر في كتب الفقه أن من وجبت عليه زكاة كان مخيرا بين أن يدفعها إلى الإمام أو نائبه، وبين أن يفرّقها بنفسه. والذي عليه العمل في زماننا بالديار المصرية أن أرباب الزكوات المؤدّين لها يفرّقونها بأنفسهم، ولم يبق منها ما يؤخذ على صورة الزكاة إلا شيئين: أحدهما- ما يؤخذ من التجار وغيرهم على ما يدخلون به إلى البلد من ذهب أو فضة، فإنهم يأخذون على كل مائتي درهم خمسة دراهم، ثم إذا اشترى بها شيئا وخرج به وعاد بنظير المبلغ الأوّل لا يؤخذ منه شيء عليه حتّى يجاوز سنة. إلا أنهم انتقصوا سنة ذلك فجعلوها عشرة أشهر، وخصّوه بما إذا لم يزد في المدّة المذكورة على أربع مرار، فإن زاد عليها استأنفوا له المدّة، ثم إنه إذا كان بالبلد متجر لأحد من تجار الكارم «2» من بهار ونحوه وحال عليه الحول بالبلد، أخذوا عليه الزكاة أيضا. ومجرى ذلك جميعه مجرى سائر متحصّل الإسكندرية في المباشرة وغيرها. الثاني- ما يؤخذ من العداد من مواشي أهل برقة من الغنم والإبل عند وصولهم إلى عمل البحيرة بسبب المرعى، وفي الغالب يقطع لبعض الأمراء، ويخرج قصّادهم لأخذه.

النوع الرابع الجوالي

النوع الرابع الجوالي «1» وهي ما يؤخذ من أهل الذّمّة عن الجزية المقرّرة على رقابهم في كل سنة، وهي على قسمين: ما في حاضرة الديار المصرية من الفسطاط والقاهرة، وما هو خارج عن ذلك. فأما ما بحاضرة الديار المصرية، فإن لهذه الجهة بها ناظرا يولّى من جهة السلطان بتوقيع شريف، ويتبعه مباشرون من شادّ وعامل وشهود، وتحت يده حاشر لليهود وحاشر «2» للنصارى يعرف أرباب الأسماء الواردة في الديوان ومن ينضم إليهم ممن يبلغ في كل عام من الصّبيان، ويعبّر عنهم بالنّشو ومن يقدم إلى الحاضرة من البلاد الخارجة عنها، ويعبّر عنهم بالطارىء، ومن يهتدي أو يموت ممن اسمه وارد الديوان. ويملي على كتّاب الديوان ما يتجدّد من ذلك. قال في «قوانين الدواوين» : إن الجزية كانت في زمانه على ثلاث طبقات: عليا، وهي أربعة دنانير وسدس عن كل رأس في كل سنة، ووسطى وهي ديناران وقيراطان، وسفلى وهي دينار واحد وثلث وربع دينار وحبتان من دينار، وإنه أضيف إلى جزية كل شخص درهمان وربع عن رسم الشادّ والمباشرين. ثم قال: وقد كانت العادة جارية باستخراجها في أوّل المحرّم من كل سنة، ثم صارت تستخرج في أيام من ذي الحجة. قلت: أما الآن فقد نقصت حتّى صار أعلاها خمسة وعشرين درهما، وأدناها عشرة دراهم، ولكنها صارت تستأدى معجّلة في شهر رمضان، ثم ما يتحصّل منها يحمل منه قدر معين في كل سنة لبيت المال،

النوع الخامس ما يؤخذ من تجار الكفار الواصلين في البحر إلى الديار المصرية

وباقي ذلك عليه مرتبون من القضاة وأهل العلم والديانة يوزّع عليهم على قدر المتحصّل. وأما ما هو خارج عن حاضرة الديار المصرية من سائر بلدانها فإن جزية أهل الذمة في كل بلد تكون لمقطع تلك البلد من أمير أو غيره تجري مجرى مال ذلك الإقطاع، وإن كانت تلك البلد جارية في بعض الدواوين السلطانية، كان ما يتحصّل من الجزية من جهل الذمة بها جاريا في ذلك الديوان. النوع الخامس ما يؤخذ من تجّار الكفّار الواصلين في البحر إلى الديار المصرية واعلم أن المقرّر في الشرع أخذ العشر من بضائعهم التي يقدمون بها من دار الحرب إلى بلاد الإسلام إذا شرط ذلك عليهم. والمفتى به في مذهب الشافعيّ رضي الله عنه أن للإمام أن يزيد في المأخوذ عن العشر وأن ينقص عنه إلى نصف العشر للحاجة إلى الازدياد من جلب البضاعة إلى بلاد المسلمين، وأن يرفع ذلك عنهم رأسا إذا رأى فيه المصلحة. وكيفما كان الأخذ فلا يزيد فيه على مرّة من كل قادم بالتجارة في كل سنة، حتّى لو رجع إلى بلاد الكفر ثم عاد بالتجارة في سنته لا يؤخذ منه شيء إلا أن يقع التراضي على ذلك؛ ثم الذي ترد إليه تجّار الكفار من بلاد الديار المصرية ثغر الإسكندرية. وثغر دمياط المحروستين، تأتي إليهما مراكب الفرنج والرّوم بالبضائع فتبيع فيهما أو تمتار منهما ما تحتاج إليه من البضائع، وقد تقرّر الحال على أن يؤخذ منهم الخمس وهو ضعف العشر عن كل ما يصل بهم في كل مرة، وربما زاد ما يؤخذ منهم على الخمس أيضا» «1» . قال ابن مماتي في «قوانين الدواوين» : وربما بلغ قيمة ما يستخرج عما قيمته مائة دينار ما يناهز خمسة وثلاثين دينارا، وربما انحط عن العشرين دينارا. قال: ويطلق على كليهما خمس، قال: ومن الروم من يستأدى منه العشر، إلا أنه

النوع السادس المواريث الحشرية

لما كان الخمس أكثر، كانت النسبة إليه أشهر. ولذلك ضرائب مستقرّة في الدواوين وأوضاع معروفة. النوع السادس المواريث الحشرية «1» وهي مال من يموت وليس له وارث خاص: بقرابة أو نكاح أو ولاء، أو الباقي بعد الفرض من مال من يموت وله وارث ذو فرض لا يستغرق جميع المال ولا عاصب له «2» . وهذه الجهة أيضا على قسمين: ما في حاضرة الديار المصرية، وما هو خارج عنها. فأمّا ما بحاضرة الديار المصرية فإن لهذه الجهة ناظرا يولّى من قبل السلطان بتوقيع شريف ومعه مباشرون من شادّ وكاتب ومشارف وشهود، وهي مضافة إلى ما تحت نظر الوزارة من سائر المباشرات، ومتحصّلها يحمل إلى بيت المال، وربما كان عليها مرتّبون من أرباب جوامك وغيرهم، وقد جرت عادة هذا الديوان أنّ كاتبه في كل يوم يكتب تعريفا بمن يموت بمصر والقاهرة من حشريّ أو أهلي وتفصيله من رجال ونساء وصغار ويهود ونصارى، وتكتب منه نسخ لديوان الوزارة،

النوع السابع ما يتحصل من باب الضرب بالقاهرة

ولنظر الدواوين ومستوفي الدولة، ويسدّ من وقت العصر، فمن أطلق بعد العصر، أضيف إلى النهار القابل. وأما ما هو خارج عن حاضرة الديار المصرية، فلها مباشرون يحصّلونها ويحملون ما يتحصّل منها إلى الديوان السلطانيّ. النوع السابع ما يتحصّل من باب الضرب بالقاهرة والذي يضرب فيها ثلاثة أصناف: الصنف الأوّل الذهب وأصله مما يجلب إلى الديار المصرية من التّبر من بلاد التّكرور وغيرها مع ما يجتمع إليه من الذهب. قال في «قوانين الدواوين» : وطريق العمل فيها أن يسبك ما يجتمع من أصناف الذهب المختلفة حتّى يصير ماء واحدا، ثم يقلب قضبانا ويقطع من أطرافها قطع بمباشرة النائب في الحكم، ويحرّر بالوزن ويسبك سبيكة واحدة، ثم يؤخذ من بعضها أربعة مثاقيل ويضاف إليها من الذهب الحائف المسبوك بدار الضرب أربعة مثاقيل، ويعمل كل منها أربع ورقات وتجمع الثمان ورقات في قدح فخار بعد تحرير وزنها. ويوقد عليها في الأتّون ليلة، ثم تخرج الورقات وتمسح ويعبّر الفرع «1» على الأصل، فإن تساوى الوزن وأجازه النائب في الحكم، ضرب دنانير، وإن نقص أعيد إلى أن يتساوى ويصح التعليق فيضرب حينئذ دنانير. قال ابن الطّويّر في الكلام على ترتيب الدولة الفاطمية بالديار المصرية في سياقه الكلام على وظيفة قضاء القضاة: وسبب خلوص الذهب بالديار المصرية ما

حكى أن أحمد بن طولون صاحب مصر كان له إلمام بمدينة عين شمس الخراب على القرب من المطريّة من ضواحي القاهرة، حيث ينبت البلسان، وأن يد فرسه ساخت بها يوما في أرض صلدة، فأمر بحفر ذلك المكان فوجد فيه خمسة نواويس فكشفها فوجد في الأوسط منها ميتا مصبّرا في عسل، وعلى صدره لوح لطيف من ذهب فيه كتابة لا تعرف، والنواويس الأربعة مملوءة بسبائك الذهب، فنقل ذلك الذهب ولم يجد من يقرأ ما في اللوح، فدلّ على راهب شيخ بدير العربة بالصعيد له معرفة بخط الأوّلين، فأمر بإحضاره فأخبره بضعفه عن الحركة، فوجّه باللوح إليه، فلما وقف عليه قال: إن هذا يقول: أنا أكبر الملوك؛ وذهبي أخلص الذهب. فلما بلغ ذلك أحمد بن طولون، قال: قبح الله من يكون هذا الكافر أكبر منه أو ذهبه أخلص من ذهبه، فشدّد في العيار في دور الضرب، وكان يحضر ما يعلّق من الذهب ويختم بنفسه فبقي الأمر على ما قرّره في ذلك من التشديد في العيار. وكانت دار الضرب في الدولة الفاطمية لا يتولاها إلا قاضي القضاة تعظيما لشأنها، وتكتب في عهده في جملة ما يضاف إلى وظيفة القضاء، ويقيم لمباشرة ذلك من يختاره من نوّاب الحكم، وبقي الأمر على ذلك زمنا بعد الدولة الفاطمية أيضا. أما في زماننا، فنظرها موكول لناظر الخاصّ الذي استحدثه «الملك الناصر محمد بن قلاوون» عند تعطيله الوزارة على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. والسّكّة السلطانية «1» بالديار المصرية فيما هو مشاهد من الدنانير أن يكتب على أحد الوجهين: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره الكافرون) «2» وعلى الوجه الآخر اسم السلطان الذي ضرب في زمنه وتاريخ سنة ضربه.

الصنف الثاني الفضة النقرة

الصنف الثاني الفضّة النّقرة وقد ذكر ابن ممّاتي في «قوانين الدواوين» في عيارها أنه يؤخذ ثلاثمائة درهم فضة فتضاف إلى سبعمائة درهم من النحاس الأحمر، ويسبك ذلك حتّى يصير ماء واحدا فيقلب قضبانا ويقطع من أطرافها خمسة عشر درهما، ثم تسبك، فإن خلص منها أربعة دراهم فضة ونصف حسابا عن كل عشرة دراهم ثلاثة دراهم، وإلا أعيدت إلى أن تصح. وكأن هذا ما كان الأمر عليه في زمانه، والذي ذكره المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «مسالك الأبصار» : أن عيارها الثلثان من فضّة والثلث من نحاس، وهذا هو الذي عليه قاعدة العيار الصحيح كما كان في أيام الظاهر بيبرس وما والاها، وربما زاد عيار النحاس في زماننا على الثلث شيئا يسيرا بحيث يظهره النّقد، ولكنه يروج في جملة الفضة، وربما حصل التوقف فيه إذا كان بمفرده. قلت: أما بعد الثمانمائة فقد قلّت الفضة، وبطل ضرب الدراهم بالديار المصرية إلا في القليل النادر لاستهلاكها في السروج والآنية ونحوها، وانقطاع واصلها إلى الديار المصرية من بلاد الفرنج وغيرها، ومن ثمّ عزّ وجود الدراهم في المعاملة بل لم تكد توجد. ثم حدث بالشأم ضرب دراهم رديئة فيها الثلث فما دونه فضة والباقي نحاس أحمر، وطريقة ضربها أن تقطع القضبان قطعا صغارا كما تقدم في الدنانير، ثم ترصع إلا أن الدنانير لا تكون إلا صحاحا مستديرة والفضة ربما كان فيها القراضات الصغار المتفاوتة المقادير فيما دون الدرهم إلى ربع درهم وما حوله؛ وصورة السكة على الفضة كما في الذهب من غير فرق. الصنف الثالث الفلوس المتخذة من النحاس الأحمر وقد تقدّم أنه كان في الزمن الأوّل فلوس صغار كل ثمانية وأربعين فلسا منها معتبرة بدرهم من النّقرة إلى سنة تسع وخمسين وسبعمائة في سلطنة الناصر حسن

الضرب الثاني من الأموال الديوانية بالديار المصرية غير الشرعي، وهو المكوس، وهي على نوعين

ابن محمد بن قلاوون الثانية، فأحدثت فلوس عبّر عنها بالجدد زنة كل فلس منها مثقال، وهو قيراط من أربعة وعشرين قيراطا من الدرهم، ثم تناقص مقدارها حتّى كادت تفسد وهي على ذلك. وطريق عملها: أن يسبك النّحاس الأحمر حتّى يصير كالماء، ثم يخرج فيضرب قضبانا، ثم يقطّع قطعا صغارا، ثم ترصع وتسك بالسكة السلطانية وسكتها أن يكتب على أحد الوجهين اسم السلطان ولقبه ونسبه، وعلى الآخر اسم بلد ضربه وتاريخ السنة التي ضرب فيها. الضرب الثاني من الأموال الديوانية بالديار المصرية غير الشرعي، وهو المكوس، وهي على نوعين النوع الأوّل ما يختص بالديوان السلطاني وهو صنفان الصنف الأوّل ما يؤخذ على الواصل المجلوب، وأكثره متحصّلا جهتان الجهة الأولى ما يؤخذ على واصل التجار الكارمية من البضائع في بحر القلزم من جهة الحجاز واليمن وما والاهما، وذلك بأربعة سواحل بالبحر المذكور الساحل الأوّل- «عيذاب» وقد كان أكثر السواحد واصلا لرغبة رؤساء المراكب في التعدية من جدّة إليه، وإن كانت باحته متسعة لغزارة الماء وأمن اللّحاق بالشعب الذي ينبت في قعر هذا البحر، ومن هذا الساحل يتوصل إلى قوص بالبضائع ومن قوص إلى فندق الكارم بالفسطاط في بحر النيل. الساحل الثاني- «القصير» وهو في جهة الشمال عن عيذاب، وكان يصل إليه بعض المراكب لقربه من قوص وبعد عيذاب منها؛ وتحمل البضائع منه إلى

الساحل الثالث - «الطور»

قوص؛ ثم من قوص إلى فندق الكارم بالفسطاط على ما تقدّم، وإن لم يبلغ في كثرة الواصل حدّ عيذاب. الساحل الثالث- «الطّور» وهو ساحل في جانب الرأس الداخل في بحر القلزم بين عقبة أيلة وبين بر الديار المصرية، وقد كان هذا الساحل كثير الواصل في الزمن المتقدّم، لرغبة بعض رؤساء المراكب في السير إليه، لقرب المراكب فيه من برّ الحجاز حتّى لا يغيب البر عن المسافر فيه وكثرة المراسي في بره، متى تغير البحر على صاحب المركب وجد مرساة يدخل إليها، ثم ترك قصد هذا الساحل والسفر منه بعد انقراض بني بدير العباسية التجار، ورغب المسافرون عن السفر فيه لما فيه من الشعب الذي يخشى على المراكب بسببه، ولذلك لا يسافر فيه إلا نهارا، وبقي على ذلك إلى حدود سنة ثمانين وسبعمائة، فعمر فيه الأمير صلاح الدين «1» بن عرّام رحمه الله، وهو يومئذ حاجب الحجّاب «2» بالديار المصرية مركبا وسفّرها، ثم أتبعها بمركب آخر فجسر الناس على السفر فيه وعمروا المراكب فيه، ووصلت إليه مراكب اليمن بالبضائع، ورفضت عيذاب والقصير، وحصل بواسطة ذلك حمل الغلال إلى الحجاز، وغزرت فوائد التجار في حمل الحنطة إليه. الساحل الرابع- «السّويس» على القرب من مدينة القلزم الخراب بساحل الديار المصرية. وهو أقرب السواحل إلى القاهرة والفسطاط إلا أن الدخول إليه نادر، والعمدة على ساحل الطّور كما تقدّم.

الجهة الثانية ما يؤخذ على واصل التجار بقطيا في طريق الشام إلى الديار المصرية

قلت: وهذه السواحل على حدّ واحد في أخذ المرتّب السلطاني، وقد ذكر في «قوانين الدواوين» : أن واصل عيذاب كان استقرّ فيه الزكاة. أما الذي عليه الحال في زماننا، فإنه يؤخذ من بضائع التجار العشر مع لواحق أخرى تكاد أن تكون نحو المرتب السلطاني أيضا. واعلم أنه قد تصل البضائع للتجار المسلمين إلى ساحل الإسكندرية ودمياط المتقدّم ذكرهما، فيؤخذ منها المرتّب السلطاني على ما توجبه الضرائب. الجهة الثانية ما يؤخذ على واصل التجار بقطيا «1» في طريق الشام إلى الديار المصرية وعليها يرد سائر التجار الواصلين في البر من الشام والعراق وما والاهما، وهي أكثر الجهات متحصّلا وأشدّها على التجار تضييقا وعندهم ضرائب مقرّرة لكل نوع يؤخذ عن نظيرها. الصنف الثاني ما يؤخذ بحاضرة الديار المصرية: بالفسطاط والقاهرة وهو جهات كثيرة، يقال إنها تبلغ اثنتين وسبعين جهة «2» ؛ منها ما يكثر متحصّله ومنها ما يقلّ، ثم بعضها ما يتحصّل من قليل وكثير، وبعضها له ضمان «3» بمقدار معين لكل جهة، يطلب بذلك المقدار إن زادت الجهة فله وإن نقصت فعليه. قلت: وقد عمت البلوى بهذه المكوس، وخرجت في التزيّد عن الحدّ، ودخلت الشبهة في أموال الكثير من الناس بسببها. وقد كان السلطان صلاح الدين

النوع الثاني ما لا اختصاص له بالديوان السلطاني

يوسف بن أيوب رحمه الله في سلطنته قد رفع «1» هذه المكوس ومحا آثارها، وعوّضه الله عنها بما حازه من الغنائم وفتحه من البلاد والأقاليم، وربما وقع الإلهام من الله تعالى لبعض ملوك المملكة برفع المظلمة الحاصلة منها. ومن أعظم ذلك خطرا وأرفعه أجرا ما فعله السلطان الملك الأشرف «شعبان بن حسين» ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون تغمده الله تعالى برحمته من بطلان مكوس الملاهي «2» والقراريط على الأملاك المبيعة. النوع الثاني ما لا اختصاص له بالديوان السلطانيّ وهي المكوس المتفرقة ببلاد الديار المصرية فتكون تابعة للإقطاع إن كانت تلك البلد جارية في ديوان من الدواوين السلطانية فمتحصّلها لذلك الديوان، أو جارية في إقطاع بعض الأمراء ونحوهم فمتحصّلها لصاحب الإقطاع، ويعبّر عنها في الدواوين بالهلالي «3» كما يعبّر عما يؤخذ من أجرة الأرضين بالخراجيّ. المقصد الثالث «4» في ترتيب المملكة، ولها ثلاث حالات: الحالة الأولى - ما كانت عليه في زمن عمّال الخلفاء من حين الفتح

الحالة الثانية

إلى آخر الدولة الإخشيدية «1» ؛ ولم يتحرر لي ترتيبها، والظاهر أنه لم يزل نوّابها وأمراؤها حينئذ على هيئة العرب إلى أن وليها أحمد بن طولون وبنوه وأحدثوا فيها ترتيب الملك. على أنه كان أكثر عسكره من السودان، حتّى يقال إنه كان في عسكره اثنا عشر ألف أسود، وتبعتهم الدولة الإخشيدية على ذلك إلى آخر دولتهم. الحالة الثانية - من أحوال الديار المصرية ما كانت عليه في زمن الخلفاء الفاطميين؛ وينحصر المقصود من ترتيب مملكتهم في سبع «2» جمل. الجملة الأولى في الآلات الملوكية المختصة بالمواكب العظام وهي على أصناف متعدّدة: منها «التاج» «3» . وكان ينعت عندهم بالتاج الشريف، ويعرف بشدّة الوقار. وهو تاج يركب به الخليفة في المواكب العظام، وفيه جوهرة عظيمة تعرف باليتيمة زنتها سبعة دراهم ولا يقوّم عليها لنفاستها؛ وحولها جواهر أخرى دونها؛ يلبس الخليفة هذا التاج في المواكب العظام مكان العمامة. ومنها «قضيب الملك» . وهو عود طول شبر ونصف، ملبّس بالذهب المرصّع بالدرّ والجوهر، يكون بيد الخليفة في المواكب العظام. ومنها «السيف الخاص» . الذي يحمل مع الخليفة في المواكب. يقال إنه كان من صاعقة وقعت وحصل الظّفر بها فعمل منها هذا السيف، وحليته من ذهب

مرصعة بالجواهر، وهو في خريطة مرقومة بالذهب لا يظهر إلا رأسه، وله أمير من أعظم الأمراء يحمله عند ركوب الخليفة في الموكب. ومنها «الدواة» . وهي دواة متخذة من الذهب وحليتها مصنوعة من المرجان على صلابته ومناعته، تلف في منديل شرب «1» أبيض [مذهب] «2» ، ويحملها شخص من الأستاذين «3» في الموكب أمام الخليفة تكون بينه وبين السرج، ثم جعل حملها لعدل من العدول المعتبرين. ومنها «الرمح» . وهو رمح لطيف في غلاف منظوم باللؤلؤ؛ وله سنان مختصر بحلية الذهب؛ وله شخص مختص بحمله. ومنها «الدّرقة» «4» . وهي درقة كبيرة بكوابج «5» من ذهب؛ يقولون إنها درقة حمزة عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعليها غشاء من حرير؛ ويحملها في الموكب أمير من أكابر الأمراء، له عندهم جلالة. ومنها «الحافر» . وهي قطعة ياقوت أحمر في شكل الهلال، زنتها أحد عشر مثقالا، ليس لها نظير في الدنيا، تخاط خياطة حسنة على خرقة من حرير، وبدائرها قضب زمرد ذبابيّ «6» عظيم الشأن، تجعل في وجه فرس الخليفة عند ركوبه في المواكب.

ومنها «المظلّة» التي تحمل على رأس الخليفة عند ركوبه. وهي قبّة على هيئة خيمة على رأس عمود كالمظلّة التي يركب بها السلطان الآن. وكانت اثني عشر شوزكا عرض سفل كل شوزك شبر، وطوله ثلاثة أذرع وثلث، وآخره من أعلاه دقيق للغاية بحيث يجتمع الاثنا عشر شوزكا في رأس عمود بدائرة، وعمودها قنطارية «1» من الزّان ملبّسة بأنابيب الذهب، وفي آخر أنبوبة ثلثي رأس العمود فلكة «2» بارزة مقدار عرض إبهام تشدّ آخر الشوازك «3» في حلقة من ذهب، وتنزل في رأس الرمح. ولها عندهم مكانة جليلة لعلوّها رأس الخليفة، وحاملها من أكبر الأمراء. قال ابن الطوير: وكان من شرطها عندهم أن تكون على لون الثياب التي يلبسها الخليفة في ذلك الموكب، لا تخالف ذلك. ومنها «الأعلام» . وأعلاها اللواءان المعروفان بلواءي الحمد، وهما رمحان طويلان ملبّسان بأنابيب من ذهب إلى حدّ أسنّتهما، وبأعلاهما رايتان من الحرير الأبيض المرقوم بالذهب، ملفوفتان على الرمحين غير منشورتين، يخرجان لخروج المظلة إلى أميرين معدّين لحملها، ودونهما رمحان برؤوسهما أهلّة من ذهب صامت، في كل واحد منهما سبع من ديباج أحمر وأصفر، وفي فمه طارة مستديرة يدخل فيها الرمح فيفتحان فيظهر شكلهما، يحملهما فارسان من صبيان الخاصّ، ووراءهما رايات لطاف ملوّنة من الحرير المرقوم ومكتوب عليها: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ «4» طول كلّ راية منها ذراعان في عرض ذراع ونصف، في كل

واحدة ثلاث طرازات على رماح من القنا، عدّتها أبدا إحدى وعشرون راية؛ يحملها أحد وعشرون فارسا من صبيان الخليفة؛ وحاملها أبدا راكب بغلة. ومنها «المذبّتان» وهما مذبّتان عظيمتان كالنخلتين ملويتان محمولتان عند رأس فرس الخليفة في الركوب. ومنها «السلاح» الذي يحمله الركابية «1» حول الخليفة. وهو صماصم «2» مصقولة، ودبابيس ملبّسة بالكيمخت «3» الأحمر والأسود، ورؤوسها مدوّرة، ولتوت «4» حديد كذلك ورؤوسها [مستطيلة وآلات يقال لها المستوفيات] «5» وهي عمد حديد طول ذراعين مربعات الأشكال بمقابض مدوّرة بعدّة معلومة من كل صنف، وستّمائة حربة بأسنة مصقولة، تحتها جلب «6» الفضة؛ وثلاثمائة درقة بكوابج فضة؛ يحمل ذلك في الموكب ثلاثمائة عبد أسود كل عبد حربتان ودرقة واحدة؛ وستون رمحا طول كل واحد منها سبع أذرع، برأسها طلعة وعقبها من حديد؛ يحملها قوم يقال لهم «السريرية» يفتلونها بأيديهم اليمنى فتلا متدارك الدوران؛ ومائة درقة لطيفة؛ ومائة سيف بيد مائة رجل، كل رجل درقة وسيف يسيرون رجّالة في الموكب؛ وعشرة سيوف في خرائط ديباج أحمر وأصفر بشراريب يقال لها سيوف الدم، تكون في أعقاب الموكب برسم ضرب الأعناق إذا أراد الخليفة قتل أحد. وذلك كله خارج عما يخرج من خزانة التجمل برسم الوزير وأكابر الأمراء وأرباب الرتب وأزمّة «7» العساكر لتجملهم في الموكب، وهي نحو أربعمائة راية

مرقومة الأطراف، وبأعلاها رمامين الفضة المذهبة، وعدة من العمّاريّات «1» ، وهي شبه الكنجاوات ملبسة بالحرير الأحمر والأصفر والقرمزيّ وغير ذلك، وعليها كوابج «2» الفضة المذهبة، لكل أمير من أصحاب القضب منها عمّاريّة، ويختص لواءان على رمحين منقوشين بالذهب غير منشورين يكونان أمامه في الموكب الى غير ذلك من الآلات التي يطول ذكرها، ويعسر استيعابها. ومنها «النّقّارات» «3» . وكانت على عشرين بغلا، على كل بغل ثلاث مثل نقارات الكوسات «4» بغير كوسات، تسير في الموكب اثنتين اثنتين ولها حسّ حسن. ومنها «الخيام والفساطيط» وكان من أعظم خيمهم خيمة تعرف بالقاتول، طول عمودها سبعون ذراعا، بأعلاه سفرة «5» فضة تسع راوية «6» ماء، وسعتها ما يزيد على فدانين في التدوير، وسميت بالقاتول لأن فرّاشا «7» سقط من أعلاها فمات. قلت: ولعمري إن هذه لأثرة عظيمة تدل على عظيم مملكة وقوّة قدرة، وأنّى

الجملة الثانية في حواصل الخليفة، وهي على خمسة أنواع

يتأتي مثل هذه الخيمة لملك من الملوك وإن جلّ قدره وعظم شأنه. الجملة الثانية في حواصل الخليفة، وهي على خمسة أنواع النوع الأوّل الخزائن، وهي ثمان «1» خزائن: الأولى- «خزانة الكتب» . وكانت من أجل الخزائن وأعظمها شأنا عندهم، وكان فيها من المصاحف الشريفة المكتوبة بالخطوط المنسوبة الفائقة عدّة كثيرة، ومن الكتب ما يزيد على مائة ألف مجلد، مشتملة على أنواع العلوم مما يدهش الناظر ويحيره، وربما اجتمع من المصنّف الواحد فيها عشر نسخ فما دونها «2» ، وكان فيها من الدّروج المكتتبة بالخطوط المنسوبة كخط ابن مقلة وابن البوّاب، ومن جرى مجراهما. الثانية- «خزانة الكسوة» وهي في الحقيقة خزانتان، إحداهما- الخزانة الظاهرة ، وهي المعبر عنها في زماننا بالخزانة الكبرى على ما كانت عليه أوّلا، والمعبر عنها بخزانة الخاصّ على ما استقرّ عليه الحال آخرا، وكان فيها من الحواصل من الديباج الملوّن على اختلاف ضروبها، والشرب الخاص الدّبيقيّ «3»

الثانية - معدة للباس الخليفة خاصة

والسّقلاطون «1» ، وغير ذلك من أنواع القماش الفاخرة ما يدل على عظم المملكة، وإليها يحمل ما يعمل بدار الطّراز «2» بتنّيس ودمياط والإسكندريّة من مستعملات الخاص، وفيها يفصّل ما يؤمر به من لباس الخليفة، وما يحتاج إليه من الخلع والتشاريف وغير ذلك. الثانية- معدّة للباس الخليفة خاصة ، وهي المعبر عنها في زماننا بالطشت خاناه، وإليها ينقل القماش المفصّل بالخزانة الأولى من قماش الخليفة وغيره. الثالثة- «خزانة الشراب» . وهي المعبر عنها في زماننا بالشراب خاناه، وكان فيها من أنواع الأشربة والمعاجين النفيسة والمربيات الفاخرة وأصناف الأدوية والعطريّات الفائقة التي لا توجد إلا فيها؛ وفيها من الآلات النفيسة والآنية الصّينيّ من الزبادي «3» والصّحون والبرانيّ «4» والأزيار «5» ما لا يقدر عليه غير الملوك. الرابعة- «خزانة الطّعم» . وهي المعبّر عنها في زماننا بالحوائج خاناه، وكانت تحتوي على عدّة أصناف من جميع أصناف القلويّات من الفستق وغيره والسّكّر والقند «6» والأعسال على أصنافها والزيت والشّمع وغير ذلك، ومنها يخرج راتب المطابخ خاصّا وعامّا، وينفق لأرباب الخدم وأصحاب التوقيعات في

الخامسة - «خزانة السروج»

كل شهر، ولا يحتاج إلى غيرها إلا في اللحم والخضر. الخامسة- «خزانة السّروج» . وهي المعبّر عنها في زماننا بالرّكاب خاناه، وكانت قاعة كبيرة بالقصر، بها السروج واللّجم من الذهب والفضّة، وسائر آلات الخيل مما يختص بالخليفة؛ ثم منها ما هو قريب من الخاص، ومنها ما هو وسط برسم من هو من أرباب الرّتب العالية، ومنها ما هو دون برسم من هو برسم العواري أيام المواكب لأرباب الخدم. السادسة- «خزانة الفرش» . وهي المعبّر عنها في زماننا بالفراش خاناه؛ وكان موضعها بالقصر بالقرب من دار الملك؛ وكان الخليفة يحضر إليها من غير جلوس ويطوف فيها، ويسأل عن أحوالها، ويأمر بإدامة عمل الاحتياجات وحملها إليها «1» . السابعة- «خزانة السلاح» . وهي المعبّر عنها في زماننا بالسلاح خاناه، فيها من أنواع السلاح المختلفة ما لا نظير له: من الزّرديّات المغشّاة بالديباج المحكمة الصّنعة المحلّاة بالفضة، والجواشن «2» المذهبة، والخوذ المحلّاة بالذهب والفضة، والسيوف العربيات والقلجوريّة، والرّماح القنا والقنطاريات المدهونة والمذهبة، والأسنّة العظيمة والقسيّ المخبورة المنسوبة إلى أفاضل الصّنّاع، وقسيّ الرجل والركاب، وقسيّ اللولب التي تبلغ زنة نصله خمسة أرطال بالمصري، والنّبل الذي يرمى به عن القسيّ العربية في المجاري المصنوعة لذلك. قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: كان يصرف فيها في كل سنة سبعون ألف دينار إلى ثمانين ألف دينار.

الثامنة - «خزانة التجمل»

الثامنة- «خزانة التجمّل» «1» . وهي خزانة فيها أنواع من السلاح يخرج منها للوزير والأمراء في المواكب الألوية والقضب الفضة والعمّاريّات وغيرها. قال ابن الطوير: هي من حقوق خزائن السلاح. وأما «خزائن المال» فكان فيها من الأموال والجواهر النفيسة، والذخائر العظيمة، والأقمشة الفاخرة ما لا تحصره الأقلام. وناهيك أن المستنصر لما وقع الغلاء العظيم بمصر، أخرج من خزانته في سنة اثنتين وستين وأربعمائة ذخائر تسعها للإعانة على قيام أمر المملكة والجند، فكان مما أخرجه ثمانون ألف قطعة بلّور كبار، وسبعون ألف قطعة من الدّيباج، وعشرون ألف سيف محلّى. ولما استولى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على القصر بعد وفاة العاضد، آخر خلفائهم، وجد فيه من الأعلاق الثمينة والتّحف ما يخرج عن حدّ الإحصاء، من جملته الحافر الياقوت المقدّم ذكره. ويقال إنه وجد فيه قضيب زمرّد يزيد على قامة الرجل على ما تقدّم ذكره في الكلام على الأحجار الملوكية في أثناء المقالة الأولى، ووجد فيه أيضا الهرم العنبر الذي عمله الأمين زنته ألف رطل بالمصريّ. النوع الثاني حواصل المواشي المعبر عنها عند كتّاب زماننا بالكراع «2» ؛ وهي حاصلان: الأوّل- «الإصطبلات» . وهي حواصل الخيول والبغال وما في معناها، قال ابن الطوير: وكان لهم إصطبلان «3» . قال: وكان للخليفة برسم الخاصّ في كل

الثاني - «المناخات»

إصطبل ما يقرب من الألف رأس، النصف من ذلك برسم الخاصّ، والنصف برسم العواري في المواكب لأرباب الرّتب والمستخدمين، وكان لكل ثلاثة أرؤس منها سائس واحد، لكل واحد منها شدّاد برسم تسييرها، وبكل من الإصطبلين رائض كأمير آخور «1» . ومن غريب ما يحكى أن أحدا من خلفاء الفاطميين لم يركب حصانا أدهم قطّ، ولا يرون إضافته إلى دوابّهم بالإصطبلات. الثاني- «المناخات» «2» . وهي حواصل «3» الجمال، وكان لهم من الجمال الكثيرة بالمناخات وعددها الفائقة ما يقصر عند الحدّ. النوع الثالث حواصل الغلال وشون الأتبان أما الغلال - فكانت لهم الأهراء في عدّة أماكن: بالقاهرة، وبالفسطاط، والمقسم؛ ومنها تصرف الإطلاقات لأرباب الرواتب والخدم والصدقات وأرباب الجوامع والمساجد والجرايات والطواحين السلطانية، وجرايات رجال الأسطول وغير ذلك، وربما طال زمن الغلال فيها حتّى تقطع بالمساحي «4» . وأما شون الأتبان - فكان بطريق الفسطاط شونتان عظيمتان مملوءتان بالتبن معبأتان تعبئة المراكب كالجبلين الشاهقين، وينفق منها للإصطبلات والمواشي

النوع الرابع حواصل البضاعة

الديوانية وعوامل بساتين الملك، وكانت ضريبة كل شليف «1» عندهم ثلاثمائة وستين رطلا. النوع الرابع حواصل البضاعة قال ابن الطوير: وكان فيها ما لا يحصره إلا القلم من الأخشاب والحديد والطواحين النجدية والغشيمة، وآلات الأساطيل من القنّب والكتّان، والمنجنيقات والصّنّاع الكثيرة من الفرنج وغيرهم من أهل كل صنعة، وكانت الصناعة أوّلا بالجزيرة المعروفة الآن بالرّوضة، ولذلك كانت تعرف بينهم بجزيرة الصّناعة قاله القضاعيّ. النوع الخامس ما في معنى الحواصل، لوقوع الصرف والتفرقة منه، وهو الطواحين، والمطبخ «2» ، ودار الفطرة «3» فأما الطواحين - فإنها كانت معلقة، مداراتها أسفل وطواحينها فوق كما في السواقي حتّى لا يقارب الدقيق زبل الدوابّ الدائرة لاختصاصه بالخليفة. وأما المطبخ - فقد تقدّم في الكلام على خطط القاهرة، وكان يدخل بالطعام

الجملة الثالثة في ذكر جيوش الدولة الفاطمية، وبيان مراتب أرباب السيوف وهم على ثلاثة أصناف:

منه إلى القصر من باب الزّهومة مكان قاعة الحنابلة من المدرسة الصالحية الآن على ما تقدّم في خطط القاهرة. قال ابن الطوير: ولم يكن لهم أسمطة عامّة في سوى العيدين وشهر رمضان. الجملة الثالثة في ذكر جيوش الدولة الفاطمية، وبيان مراتب أرباب السيوف وهم على ثلاثة أصناف: الصنف الأوّل الأمراء وهم على ثلاث مراتب المرتبة الأولى- مرتبة الأمراء المطوّقين . وهم الذين يخلع عليهم بأطواق الذهب في أعناقهم، وكأنهم بمثابة الأمراء مقدّمي الألوف في زماننا. المرتبة الثانية- مرتبة أرباب القضب ، وهم الذين يركبون في المواكب بالقضب الفضّة التي يخرجها لهم الخليفة من خزانة التجمل تكون بأيديهم، وهم بمثابة الطبلخاناه في زماننا. المرتبة الثالثة- أدوان الأمراء ممن لم يؤهّل لحمل القضب . وهم بمثابة أمراء العشرات والخمسات في زماننا. الصنف الثاني خواص الخليفة، وهم على ثلاثة أنواع: النوع الأوّل الأستاذون وهم المعروفون الآن بالخدّام وبالطواشيّة، وكان لهم في دولتهم المكانة الجليلة، ومنهم كان أرباب الوظائف الخاصة بالخليفة، وأجلهم المحنّكون، وهم الذين يدوّرون عمائمهم على أحناكهم كما تفعل العرب والمغاربة الآن،

النوع الثاني صبيان الخاص

وهم أقربهم إليه وأخصهم به، وكانت عدّتهم تزيد على ألف. قال ابن الطوير: وكان من طريقتهم أنه متى ترشح أستاذ منهم للحنك وحنك «1» ، حمل إليه كل أستاذ من المحنّكين بدلة كاملة من ثيابه وسيفا وفرسا فيصبح لاحقا بهم، وفي يده مثل ما في أيديهم. النوع الثاني صبيان الخاص وهم جماعة من أخصاء الخليفة نحو خمسمائة نفر منهم أمراء وغيرهم، ومقامهم مقام المعروفين بالخاصكية «2» في زماننا. النوع الثالث صبيان الحجر وهم جماعة من الشّباب يناهزون خمسة آلاف نفر مقيمون في حجر منفردة لكل حجرة منها اسم يخصها، يضاهون مماليك الطباق السلطانية الآن المعبر عنهم بالكتانية إلا أن عدّتهم كاملة وعللهم مزاحة، ومتى طلبوا لمهمّ لم يجدوا عائقا، وللصّبيان منهم حجرة منفردة يتسلمها بعض الأستاذين؛ وكانت حجرتهم بمعزل عن القصر داخل باب النصر مكان الخانقاه الركنية بيبرس الآن. الصنف الثالث طوائف الأجناد وكانوا عدّة كثيرة، تنسب كلّ طائفة منهم إلى من بقي من بقايا خليفة من

الجملة الرابعة في ذكر أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية، وهم على قسمين:

الخلفاء الماضين منهم، كالحافظية والآمرية من بقايا الحافظ والآمر، أو إلى من بقي من بقايا وزير من الوزراء الماضين كالجيوشية والأفضلية من بقايا أمير الجيوش بدر الجماليّ وولده الأفضل، أو إلى من هي منتسبة إليه في الوقت الحاضر كالوزيرية أو غير ذلك من القبائل والأجناس كالأتراك والأكراد والغز والدّيلم والمصامدة، أو من المستصنعين كالروم والفرنج والصّقالبة، أو من السّودان من عبيد الشراء، أو العتقاء وغيرهم من الطوائف، ولكل طائفة منهم قوّاد ومقدّمون يحكمون عليهم. الجملة الرابعة في ذكر أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية، وهم على قسمين: القسم الأوّل ما بحضرة الخليفة، وهم أربعة أصناف الصنف الأوّل أرباب الوظائف من أرباب السيوف، وهم نوعان: النوع الأوّل وظائف عامّة الجند، وهي تسع وظائف: الوظيفة الأولى- «الوزارة» وهي أرفع وظائفهم وأعلاها رتبة. واعلم أن الوزارة في الدولة الفاطمية كانت تارة تكون في أرباب السّيوف، وتارة في أرباب الأقلام، وفي كلا الجانبين تارة تعلو فتكون وزارة تفويض تضاهي السلطنة الآن أو قريبا منها، ويعبر عنها حينئذ بالوزارة؛ وتارة تنحطّ فتكون دون ذلك، ويعبر عنها حينئذ بالوساطة. قال في «نهاية الأرب» «1» : وأوّل من خوطب منهم بالوزارة يعقوب بن كلّس

الوظيفة الثانية - وظيفة «صاحب الباب»

وزير العزيز، وأوّل وزارتهم من عظماء أرباب السيوف بدر الجماليّ وزير المستنصر، وآخرهم صلاح الدين يوسف بن أيوب، ومنها استقل بالسلطنة على ما تقدّم. الوظيفة الثانية- وظيفة «صاحب الباب» وهي ثاني رتبة الوزارة. قال ابن الطوير: وكان يقال لها الوزارة الصغرى، وصاحبها في المعنى يقرب من النائب الكافل في زماننا، وهو الذي ينظر في المظالم إذا لم يكن وزير صاحب سيف، فإن كان ثمّ وزير صاحب سيف، كان هو الذي يجلس للمظالم بنفسه، وصاحب الباب من جملة من يقف في خدمته. الوظيفة الثالثة- «الاسفهلارية» «1» . قال ابن الطوير: وصاحبها زمام كلّ زمام، وإليه أمر الأجناد والتحدّث فيهم، وفي خدمته وخدمة صاحب الباب تقف الحجّاب على اختلاف طبقاتهم. الوظيفة الرابعة- «حمل المظلّة» في المواسم العظام: كركوب رأس العام ونحوه. وهي من الوظائف العظام، وصاحبها يسمّى حامل المظلة، وهو أمير جليل، وله عندهم التقدّم والرفعة، لحمل ما يعلو رأس الخليفة. الوظيفة الخامسة- «حمل سيف الخليفة» في المواكب التي تحمل فيها المظلة، ويعبر عن صاحبها بحامل السيف. الوظيفة السادسة- «حمل رمح الخليفة» في المواكب التي تحمل فيها المظلة. وهو رمح صغير يحمل مع الخليفة في المواكب، وصاحبها يعبر عنه بحامل الرمح. الوظيفة السابعة- «حمل السّلاح» حول الخليفة في المواكب. وأصحاب هذه الوظيفة يعبر عنهم لزيهم بالركابية وبصبيان الركاب الخاص أيضا، وهم الذين

الوظيفة الثامنة - «ولاية القاهرة»

يعبر عنهم في زماننا بالسّلاح دارية والطّبردارية «1» ، وكانت عدّتهم تزيد على ألفي رجل، ولهم اثنا عشر مقدّما، وهم أصحاب ركاب الخليفة، ولهم نقباء موكّلون بمعرفتهم، والأكابر من هؤلاء الرّكابيّة تندب في الأشغال السلطانية، وإذا دخلوا عملا كان لهم فيه الصّيت المرتفع. الوظيفة الثامنة- «ولاية «2» القاهرة» . وكان لصاحبها عندهم الرتبة الجليلة والحرمة الوافرة، وله مكان في الموكب يسير فيه. الوظيفة التاسعة- «ولاية مصر» . وهي دون ولاية القاهرة في الرتبة كما هي الآن، إلا أن مصر كانت إذ ذاك عامرة آهلة، فكان مقدارها أرفع مما هي عليه في زماننا. النوع الثاني وظائف خواصّ الخليفة من الأستادين؛ وهي عدة وظائف؛ وهي على ضربين: الضرب الأوّل ما يختص بالأستاذين المحنّكين، وهي تسع وظائف: الأولى- «شدّ التاج» . وموضوعها أن صاحبها يتولّى شدّ تاج الخليفة الذي يلبسه في المواكب العظيمة بمثابة اللّفّاف في زماننا، وله ميزة على غيره بلمسه التاج الذي يعلو رأس الخليفة، وكان لشدّه عندهم ترتيب خاص لا يعرفه كل أحد، يأتي به في هيئة مستطيلة، ويكون شده بمنديل من لون لبس الخليفة، ويعبّر عن هذه الشدّة بشدّة الوقار كما تقدّم.

الثانية - وظيفة «صاحب المجلس»

الثانية- وظيفة «صاحب المجلس» . وهو الذي يتولّى أمر المجلس الذي يجلس فيه الخليفة الجلوس العامّ في الموكب، ويخرج إلى الوزير والأمراء بعد جلوس الخليفة على سرير الملك يعلمهم بذلك، وينعت (بأمين الملك) ، وهو بمثابة أمير خازندار في زماننا. الثالثة- وظيفة «صاحب الرسالة» . وهو الذي يخرج برسالة الخليفة إلى الوزير وغيره. الرابعة- وظيفة «زمام القصور» «1» . وهو بمثابة زمام الدّور في زماننا. الخامسة- وظيفة «صاحب بيت المال» «2» . وهو بمثابة الخازندار في زماننا. السادسة- وظيفة «صاحب الدفتر» «3» المعروف بدفتر المجلس. وهو المتحدّث على الدواوين الجامعة لأمور الخلافة. السابعة- وظيفة «حامل الدواة» . وهي دواة الخليفة المتقدّم ذكرها، وصاحب هذه الوظيفة يحمل الدواة المذكورة قدّامه على السّرج ويسير بها في المواكب. الثامنة- وظيفة «زمّ الأقارب» . وصاحبها يحكم على طائفة الأشراف الذين هم أقارب الخليفة وكلمته نافذة فيهم.

التاسعة - «زم الرجال»

التاسعة- «زمّ الرجال» . وهو الذي يتولى أمر طعام الخليفة كأستادار الصحبة. الضرب الثاني ما يكون من غير المحنّكين، ومن مشهوره وظيفتان: [الوظيفة] الأولى- «نقابة الطالبيّين» . وهي بمثابة نقابة الأشراف الآن، ولا يكون إلا من شيوخ هذه الطائفة وأجلّهم قدرا؛ وله النظر في أمورهم، ومنع من يدخل فيهم من الأدعياء؛ وإذا ارتاب بأحد أخذه بإثبات نسبه. وعليه أن يعود مرضاهم، ويمشي في جنائزهم، ويسعى في حوائجهم، ويأخذ على يد المتعدّي منهم، ويمنعه من الاعتداء، ولا يقطع أمرا من الأمور المتعلقة بهم إلا بموافقة مشايخهم ونحو ذلك. الوظيفة الثانية- «زم الرجال» . وصاحبها يتحدّث على طوائف الرجال والأجناد كزمّ صبيان الحجر، وزمّ الطائفة الآمرية والطائفة الحافظية، وزمّ السودان وغير ذلك؛ وهو بمثابة مقدّم المماليك في زماننا. الصنف الثاني من أرباب الوظائف بحضرة الخليفة أرباب الأقلام، وهم على ثلاثة أنواع: النوع الأول أرباب الوظائف الدينية، والمشهور منهم ستة: الأول- «قاضي القضاة» . وهو عندهم من أجلّ أرباب الوظائف وأعلاهم شأنا وأرفعهم قدرا. قال ابن الطوير: ولا يتقدّم عليه أحد أو يحتمي عليه، وله النظر في الأحكام الشرعية ودور الضّرب وضبط عيارها، وربما جمع قضاء الديار المصرية وأجناد الشأم وبلاد المغرب لقاض واحد وكتب له به عهد واحد كما سيأتي في الكلام على الولايات إن شاء الله تعالى. ثم إن كان الوزير صاحب سيف، كان تقليده من قبله نيابة عنه، وإن لم

الثاني - «داعي الدعاة»

يكن، كان تقليده من الخليفة. ويقدّم له من إصطبلات الخليفة بغلة شهباء يركبها دائما، وهو مختص بهذا اللون من البغال دون أرباب الدولة، ويخرج له من خزانة السروج مركب ثقيل وسرج برادفتين من الفضة، وفي المواسم الأطواق، وتخلع عليه الخلع المذهبة؛ وكان من مصطلحهم أنه لا يعدّل شاهدا إلا بأمر الخليفة، ولا يحضر إملاكا ولا جنازة إلا بإذن، وإذا كان ثمّ وزير لا يخاطب بقاضي القضاة لأن ذلك من نعوت الوزير، ويجلس يوم الاثنين والخميس بالقصر أول النهار للسلام على الخليفة، ويوم السبت والثلاثاء يجلس بزيادة الجامع العتيق بمصر، وله طرحة ومسند للجلوس وكرسيّ توضع عليه دواته. وإذا جلس بالمجلس، جلس الشهود حواليه يمنة ويسرة على مراتبهم في تقدّم تعديلهم. قال ابن الطوير: حتى يجلس الشابّ المتقدّم التعديل أعلى من الشيخ المتأخر التعديل، وبين يديه أربعة موقعون اثنان مقابل اثنين، وببابه خمسة حجّاب: اثنان بين يديه واثنان على باب المقصورة وواحد ينفذ الخصوم. ولا يقوم لأحد وهو في مجلس الحكم البتّة. الثاني- «داعي الدّعاة» «1» . وكان عندهم يلي قاضي القضاة في الرتبة ويتزيّا بزيه في اللباس وغيره. وموضوعه عندهم أنه يقرأ عليه مذاهب أهل البيت بدار تعرف بدار العلم، ويأخذ العهد على من ينتقل إلى مذهبهم. الثالث- «المحتسب» . وكان عندهم من وجوه العدول وأعيانهم، وكان من شأنه أنه إذا خلع عليه قريء سجلّه بمصر والقاهرة على المنبر؛ ويده مطلقة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على قاعدة الحسبة؛ ولا يحال بينه وبين مصلحة أرادها؛ ويتقدّم إلى الولاة بالشدّ منه، ويقيم النوّاب عنه بالقاهرة ومصر

الرابع - «وكالة بيت المال»

وجميع الأعمال كنوّاب الحكم؛ ويجلس بجامعي القاهرة ومصر يوما بيوم، وباقي أمره على ما الحال عليه الآن. قلت: ورأيت في بعض سجلاتهم إضافة الحسبة بمصر والقاهرة إلى صاحبي الشّرطة بهما أحيانا. الرابع- «وكالة بيت المال» . وكانت هذه الوكالة لا تسند إلا لذوي الهيبة من شيوخ العدول، ويفوّض إليه عن الخليفة بيع ما يرى بيعه من كل صنف يملك ويجوز التصرف فيه شرعا، وعتق المماليك، وتزويج الإماء، وتضمين ما يقتضي الضمان، وابتياع ما يرى ابتياعه، وإنشاء ما يرى إنشاءه من البناء والمراكب وغير ذلك مما يحتاج إليه في التصرف عن الخليفة. الخامس- «النائب» . والمراد نائب صاحب الباب المتقدّم ذكره المعبّر عنه في زماننا بالمهمندار «1» . قال ابن الطوير: ويعبّر عن هذه النيابة بالنيابة الشريفة. قال وهي رتبة جليلة، يتولاها أعيان العدول وأرباب الأقلام؛ وصاحبها ينوب عن صاحب الباب في تلقّي الرّسل الواردين على الخليفة على مسافة وقفة نوّاب الباب في خدمته، وينزل كلّا منهم في المكان اللائق به، ويرتّب لهم ما يحتاجون إليه، ولا يمكّن أحدا من الاجتماع بهم، ويتولّى افتقادهم، ويذكّر صاحب الباب بهم، ويسعى في نجاز أمرهم، وهو الذي يسلّم بهم على الخليفة أو الوزير ويتقدّمهم ويستأذن عليهم، ويدخل الرسول وصاحب الباب قابض على يده اليمنى، والنائب قابض على يده اليسرى فيحفظ ما يقولون وما يقال لهم، ويجتهد في انفصالهم على أحسن الوجوه، وإذا غاب أقام عنه نائبا إلى أن يعود. ومن شريطته أنه لا يتناول من أحد من الرسل تقدمة ولا طرفة إلا بإذن.

السادس - «القراء»

قال ابن الطوير: وهو المسمّى الآن بالمهمندار، وسيأتي في الكلام على ترتيب المملكة المستقّر أن المهمندار الآن من أصحاب السيوف، وكأنّ ذلك لموافقة الدولة في اللسان والهيئة. السادس- «القرّاء» . وكان لهم قرّاء يقرأون بحضرة الخليفة في مجالسه وركوبه في المواكب وغير ذلك، وكان يقال لهم «قرّاء الحضرة» يزيدون في العدّة على عشرة نفر، وكانوا يأتون في قراءتهم في المجالس ومواكب الركوب بآيات مناسبة للحال بأدنى ملابسة، قد ألفوا ذلك وصار سهل الاستحضار عليهم، وكان ذلك يقع منهم موقع الاستحسان عند الخليفة والحاضرين، حتّى إنه يحكى أن بعض الخلفاء غضب على أمير فأمر باعتقاله، فقرأ قاريء الحضرة: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ «1» فاستحسن ذلك وأطلقه إلا أنهم كانوا ربما آتوا بآيات إذا روعي قصدهم فيها، أخرجت القرآن عن معناه: كما يحكى أنه لما استوزر المستنصر بدر الجماليّ قرأ قارئهم: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ «2» ولما استوزر الحافظ رضوان قرأ قارئهم: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ «3» إلى غير ذلك من الوقائع. النوع الثاني من أرباب الأقلام أصحاب الوظائف الديوانية، وهي على أربعة «4» أضرب: الضرب الأول الوزارة إذا كان الوزير صاحب قلم اعلم أن أكثر وزرائهم في ابتداء دولتهم إلى أثناء خلافة المستنصر كانوا من

أرباب الأقلام: تارة وزارة تامة وتارة وساطة «1» ، وهي رتبة دون الوزارة؛ وممن اشتهر من وزرائهم أرباب الأقلام فيما ذكره ابن الطوير: يعقوب بن كلّس «2» وزير العزيز، والحسن بن عبد الله اليازوريّ «3» وزير المستنصر، وأبو سعيد التّستري «4» ، والجرجراني «5» ، وابن أبي كدينة «6» ، وأبو الطاهر أحمد بن بابشاذ «7» صاحب المقدّمة في النحو، ووزير الوزراء علي بن فلاح «8» ، والمغربيّ وزير

المستنصر «1» ، وهو آخر من وزّر لهم من أصحاب الأقلام، وعليه قدّم أمير الجيوش بدر الجماليّ «2» فوزّر للمستنصر على ما تقدّم ذكره؛ وربما تخلل تلك المدّة الأولى في الوساطة أرباب السيوف، كبرجوان «3» الخادم، وقائد القوّاد الحسين بن جوهر «4» ، وثقة ثقات السيف والقلم عليّ بن صالح «5» كلهم في أيام الحاكم. وربما ولي الوساطة بعض النصارى، كعيسى بن نسطورس «6» في أيام العزيز، ومنصور بن عبدون «7» الملقب بالكافي، وزرعة بن نسطورس «8» الملقب بالشافي كلاهما في أيام الحاكم. وربما كان الأمر شورى في أهل المروادني «9» ؛ وكان من زيّ وزرائهم أصحاب الأقلام أنهم يلبسون المناديل الطبقيات بالأحناك تحت حلوقهم كالعدول، وينفردون بلبس الدراريع مشقوقة من النحر إلى أسفل الصدر بأزرار وعرى؛ وهذه علامة الوزارة؛ ومنهم من تكون أزراره من ذهب مشبك، ومنهم من تكون أزراره من لؤلؤ، وعادته أن تحمل له الدواة المحلاة بالذهب من خزانة الخليفة ويقف بين يديه الحجّاب، وأمره نافذ في أرباب السيوف من الأجناد وفي أرباب الأقلام.

الضرب الثاني ديوان الإنشاء، وكان يتعلق به عندهم ثلاث وظائف:

الضرب الثاني ديوان الإنشاء، وكان يتعلق به عندهم ثلاث وظائف: الأولى- «صحابة ديوان الإنشاء والمكاتبات» وكان لا يتولّاه إلا أجل كتاب البلاغة، ويخاطب بالأجلّ؛ وكان يقال له عندهم كاتب الدّست الشريف، وإليه تسلّم المكاتبات الواردة مختومة فيعرضها على الخليفة من يده، وهو الذي يأمر بتنزيلها والإجابة عنها؛ ويستشيره الخليفة في أكثر أموره؛ ولا يحجب عنه متى قصد المثول بين يديه، وربما بات عنده الليالي، ولا سبيل إلى أن يدخل إلى ديوانه ولا يجتمع بكتّابه أحد إلا خواصّ الخليفة. وله حاجب من أمراء الشّيوخ، وله مرتبة عظيمة للجلوس عليها بالمخادّ والمسند، ودواته من أخصّ الدّويّ وأحسنها إلا أنه ليس لها كرسيّ توضع عليه كدواة قاضي القضاة، ويحملها له أستاذ من الأستاذين المختصين بالخليفة إذا أتى إلى حضرته «1» . الثانية- «التوقيع بالقلم الدقيق في المظالم» وهي رتبة جليلة تلي رتبة صاحب ديوان الإنشاء والمكاتبات، يكون صاحبها جليسا للخليفة في أكثر أيام الاسبوع في خلوته، يذاكره ما يحتاج إليه من كتاب الله تعالى أو أخبار الأنبياء والخلفاء الماضين، ويقرأ عليه ملح السّير، ويكرر عليه ذكر مكارم الأخلاق، ويقوّي يده في تجويد الخط وغير ذلك. وصحبته للجلوس دواة محلّاة، فإذا فرغ من المجالسة ألقى في الدواة كاغدة فيها عشرة دنانير، وقرطاس فيه ثلاثة مثاقيل ندّ مثلّث خاصّ ليتبخر به عند دخوله على الخليفة ثاني دفعة. وإذا جلس الوزير صاحب السيف للمظالم، كان إلى جانبه يوقّع بما يأمر به في المظالم. وله موضع من حقوق ديوان المكاتبات لا يدخل إليه أحد إلا بإذن، وفرّاش لتقديم القصص؛ ويرفع إليه هناك قصص المظالم ليوقّع عليها بما يقتضيه الحال كما يفعل كاتب السر الآن.

الثالثة - «التوقيع بالقلم الجليل»

الثالثة- «التوقيع بالقلم الجليل» وكان يسمّى عندهم الخدمة الصغيرة لجلالتها، ولصاحبها الطّرّاحة والمسند في مجلسه بغير حاجب. وموضوعها الكتابة بتنفيذ ما يوقّع به صاحب القلم الدقيق، وبسطه. وصاحب القلم الدقيق في المعنى ككاتب السر أو كاتب الدّست في زماننا، وصاحب القلم الجليل ككاتب الدّرج. فإذا رفعت قصص المظالم، حملت إلى صاحب القلم الدقيق فيوقّع عليها بما يقتضيه الحال بأمر الخليفة أو أمر الوزير أو من نفسه، ثم تحمل إلى الموقّع بالقلم الجليل لبسط ما أشار إليه صاحب القلم الدقيق، ثم تحمل في خريطة إلى الخليفة فيوقّع عليها، ثم تخرج في خريطتها إلى الحاجب فيقف على باب القصر، ويسلّم كلّ توقيع لصاحبه. أمّا توقيع الخليفة بيده على القصص، فإنه إن كان ثمّ وزير صاحب سيف وقّع الخليفة على القصة بخطه: «وزيرنا السيد الأجل (ونعته بالمعروف به) أمتعنا الله تعالى ببقائه يتقدّم بكذا وكذا إن شاء الله تعالى» ويحمل إلى الوزير فإن كان يحسن الكتابة، كتب تحت خط الخليفة: «أمتثل أمر مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه» وإن كان لا يحسن الكتابة، كتب أمتثل فقط؛ وإن لم يكن وزير صاحب سيف: فإن أراد الخليفة نجاز الأمر لوقته، وقّع في الجانب الأيمن من القصة «يوقّع بذلك» فتخرج إلى صاحب ديوان المجلس فيوقّع عليها بالقلم الجليل ويخلى موضع العلامة «1» ، ثم تعاد إلى الخليفة فيكتب في موضع العلامة (يعتمد) وتثبت في الدواوين بعد ذلك. وإن كان يوقع في مساحة أو تسويغ أو تحبيس، كتبت لرافعها بذلك «وقد أمضينا ذلك» وإن أراد علم حقيقة القصة، وقّع على جانب القصة «ليخرج الحال في ذلك» وتحمل إلى الكاتب فيكتب الحال وتعاد إلى الخليفة فيفعل فيها ما أراد من توقيع ومنع، والله أعلم.

الضرب الثالث ديوان الجيش والرواتب، وهو على ثلاثة أقسام:

الضرب الثالث ديوان الجيش والرواتب، وهو على ثلاثة أقسام: الأول- «ديوان الجيش» . ولا يكون صاحبه إلا مسلما، وله الرتبة الجليلة والمكانة الرفيعة؛ وبين يديه حاجب، وإليه عرض الأجناد وخيولهم، وذكر حلاهم وشيات خيولهم. وكان من شرط هذا الديوان عندهم ألا يثبت لأحد من الأجناد إلا الفرس الجيد من ذكور الخيل وإناثها دون البغال والبراذين، وليس له تغيير أحد من الأجناد ولا شيء من إقطاعهم إلا بمرسوم. وبين يدي صاحب هذا الديوان نقباء الأمراء، يعرّفونه أحوال الأجناد من الحياة والموت والغيبة والحضور وغير ذلك، على ما الحال عليه الآن. وكان قد فسح للأجناد في المقايضة بالإقطاعات لما لهم في ذلك من المصالح كما هو اليوم، بتوقيعات من صاحب ديوان المجلس من غير علامة؛ ولم يكن لأمير من أمرائهم بلد كاملة، وإن علا قدره إلا في النادر. ومن هذا الديوان كان يعمل أوراق أرباب الجرايات، وله خازنان برسم رفع الشواهد. الثاني- «ديوان الرواتب» . وكان يشتمل على اسم كل مرتزق في الدولة وجار وجراية «1» ؛ وفيه كاتب أصيل بطرّاحة ونحو عشرة معينين «2» ، والتعريفات واردة عليه من كل عمل باستمرار من هو مستمرّ ومباشرة من استجدّ وموت من مات، وفيه عدّة عروض يأتي ذكرها في الكلام على إجراء الأرزاق والعطاء. الثالث- «ديوان الإقطاع» . وكان مختصّا عندهم بما هو مقطع للأجناد، وليس للمباشرين فيه تنزيل حلية جنديّ ولا شية دابته، وكان يقال لإقطاعات العربان في أطراف البلاد وغيرها الاعتداد، وهي دون عبرة الأجناد.

الضرب الرابع نظر الدواوين

الضرب الرابع نظر الدواوين وصاحب هذه الوظيفة هو رأس الكل، وله الولاية والعزل، وإليه عرض الأرزاق في أوقات معروفة على الخليفة والوزير، وله الجلوس بالمرتبة والمسند، وبين يديه حاجب من أمراء الدولة؛ وتخرج له الدواة من خزانة الخليفة بغير كرسيّ، وإليه طلب الأموال واستخراجها والمحاسبة عليها، ولا يعترض فيما يقصده من أحد من الدولة. قال ابن الطوير: ولم ير في هذا الوظيفة نصرانيّ إلا الأحرم «1» . الثانية «2» - «ديوان التحقيق» . وموضوعه المقابلة على الدواوين، وكان لا يتولاه إلا كاتب خبير، وله الخلع ومرتبة يجلس عليها وحاجب بين يديه، ويفتقر إليه في كثير من الأوقات، ويلحق برأس الدواوين المتقدّم ذكره. الثالثة- «ديوان المجلس» . قال ابن الطوير: وهو أصل الدواوين قديما، وفيه معالم «3» الدولة بأجمعها، وفيه عدّة كتّاب، وعنده «4» معين أو معينان، وصاحب هذا الديوان هو المتحدّث في الإقطاعات، ويخلع عليه وينشأ له سجلّ بذلك لا حق بديوان النظر، وله دواة تخرج له من خزانة الخليفة وحاجب يقف بين يديه، وكان يتولاه عندهم أحد كتّاب الدولة ممن يكون مترشحا لأن يكون رأس الدواوين، ويسمى استيماره «5» دفتر المجلس، وهو متضمن للعطاء والظاهر من الرسوم التي تقرّر في غرّة السنة والضحايا، وما ينفق في دار الفطرة في عيد الفطر،

الرابعة - «ديوان خزائن الكسوة»

وفي فتح الخليج والأسمطة المستعملة في رمضان وغيره، وسائر المآكل والمشارب والتشريفات، وما يطلق من الأهراء من الغلّات، وما لأولاد الخليفة وأقاربه وأرباب الرواتب على اختلاف الطبقات من المرتّب، وما يرد من الملوك من الهدايا والتحف، وما يبعث به إليه من الملاطفات، ومقادير صلات الرسل الواردين بالمكاتبات، وما يخرج من الاكفان لمن يموت من الحريم، وضبط ما ينفق في الدولة من المهمّات ليعلم ما بين السنة والأخرى من التفاوت وغير ذلك من الأمور المهمة. وهذا الديوان في زماننا قد تفرق إلى عدّة دواوين كالوزارة ونظر الخاص والجيش وغيرها. الرابعة- «ديوان خزائن الكسوة» . وكان لها عندهم رتبة عظيمة في المباشرات. وقد تقدّم ذكر حواصلها في جملة الخزائن فيما سبق. الخامسة- «الطّراز» . وكان يتولاه الأعيان من المستخدمين، من أرباب الأقلام، وله اختصاص بالخليفة دون كافة المستخدمين، ومقامه بدمياط وتنّيس وغيرهما من مواضع الاستعمالات، ومن عنده تحمل المستعملات إلى خزانة الكسوة المقدّمة الذكر. السادسة- «الخدمة في ديوان الأحباس» قال ابن الطوير: وهي أوكد الدواوين مباشرة ولا يخدم فيها إلا أعيان كتّاب المسلمين من الشهود المعدّلين، وفيها عدّة مدراء بسبب أرباب الرواتب، وكان فيه كاتبان ومعينان لنظم الاستيمارات، ويورد في استيماره كل ما في الرقاع والرواتب، وما يجبى له من جهات كلّ من الوجهين القبليّ والبحريّ. السابعة- «الخدمة بديوان الرواتب» . وفيه مرتّبات الوزير فمن دونه إلى الضوّي «1» قال ابن الطوير: بلغ في بعض السنين ما يزيد على مائة ألف دينار ونحوا من مائتي ألف، ومن القمح والشعير عشرة آلاف إردب، وكان استيمار الرواتب يعرض في كل سنة على الخليفة فيزيد من يزيد، وينقص من ينقص، وإنه عرض

الثامنة - «الخدمة في ديوان الصعيد»

سنة على المستنصر بالله فلم يعترض أحدا من المرتّبين بنقص، ووقّع على ظاهر الاستيمار بخطه «الفقر مرّ المذاق، والحاجة تذلّ الأعناق، وحراسة النّعم بإدرار الأرزاق، فليجروا على رسومهم في الإطلاق، ما عندكم ينفد، وما عند الله باق» وأمر وليّ الدولة ابن خيران «1» كاتب الإنشاء بإمضاء ذلك. الثامنة- «الخدمة في ديوان الصعيد» من الصعيد الأعلى والصعيد الأدنى. وكان فيه عدة كتّاب فروع، والاستيفاء مقسوم بينهم، وعليهم عمل التذاكر بطلب ما تأخر من الحساب. وصاحب هذا الديوان يترجمها بخطه، ويحملها إلى صاحب الديوان الكبير فيوقّع عليها بالاسترفاع، ويندب لها من الحجّاب أو غيرهم من يراه، وله مياومة يأخذها من المستخدمين مدّة بقائه عندهم ويحضرها نسخا للدّواوين الأصول. التاسعة- «الخدمة في ديوان أسفل الأرض» . وهو الوجه البحريّ خلا الثّغور، وحكمه فيما تقدّم من الكتّاب وما يلزم كلّا منهم حكم ديوان الصعيد المتقدّم الذكر من غير فرق. العاشرة- «الخدمة في ديوان الثّغور» . وهي الإسكندرية ودمياط ونستروه والبرلّس والفرما، وحكمه حكم ما تقدّم من ديوان الصعيد وأسفل الأرض. الحادية عشرة- «الخدمة في الجوالي والمواريث الحشرية» . قال ابن الطوير: كان لا يتولاه إلا عدل، وفيه جماعة من الكتّاب على ما تقدّم في غيره من الدواوين أيضا. الثانية عشرة- «الخدمة في ديواني الخراجيّ والهلاليّ» وتجري فيه الرباع والمكوس وعليه حوالات أكثر المرتزقين. الثالثة عشرة- «الخدمة في ديوان الكراع» . وفيه معاملة الإصطبلات،

الرابعة عشرة - «الخدمة في ديوان الجهاد»

وما فيها من الدوابّ الخاص وغيرها والبغال والجمال ودوابّ المرمّة «1» المرصدة للعمائر ورباع الديوان، وعدد ذلك وآلاته، وعلوفات ذلك مع ما ينضم إليه من علوفة الفيلة والزّراريف «2» والوحوش وراتب من يخدمها. وكان في هذا الديوان كاتبا أصل ومستوفي ومعينان. الرابعة عشرة- «الخدمة في ديوان الجهاد» . ويقال له ديوان العمائر، وكان محله بالصّناعة «3» بمصر، وفيه إنشاء المراكب للأسطول وحمل الغلال السلطانية والأحطاب وغيرها، ومنه ينفق على رؤساء المراكب ورجالها، وإذا لم يف ارتفاقه بما يحتاج إليه استدعي له من بيت المال بما يكفيه. الصنف الثالث من أرباب الوظائف أصحاب الوظائف الصناعية وأعظمها وظائف الأطباء، وكان للخليفة طبيب يعرف بطبيب الخاصّ يجلس على باب دار الخليفة كلّ يوم، ويجلس على الدكك التي بالقاعة المعروفة بقاعة الذهب بالقصر دونه أربعة أطباء أو ثلاثة فيخرج الأستاذون فيستدعون منهم من يجدونه للدخول على المرضى بالقصر لجهات الأقارب والخواص فيكتب لهم رقاعا على خزانة الشراب فيأخذون ما فيها، وتبقى الرقاع عند مباشريها شاهدا لهم. ولكل منهم الجاري والراتب على قدره. الصنف الرابع الشعراء وكانوا جماعة كثيرة من أهل ديوان الإنشاء وغيره، وكان منهم أهل سنّة لا

القسم الثاني من أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية ما هو خارج عن حضرة الخلافة، وهو صنفان:

يغلون في المديح؛ وشيعة يغلون فيه. فمن أحسن مدح فيهم لسنّيّ قول عمارة «1» اليمنى رحمه الله: أفاعليهم في الجود أفعال سنّة ... وإن خالفوني في اعتقاد التّشيّع ومن الذي وقعت فيه المغالاة قول بعضهم «2» : هذا أمير المؤمنين بمجلس ... أبصرت فيه الوحي والتّنزيلا وإذا تمثّل راكبا في موكب ... عانيت تحت ركابه جبريلا قلت: وهذه المغالاة من المغالاة الفاحشة التي لا يجوز الإقدام عليها لسنيّ ولا متشيّع، وإنما هي من اقتحام الشعراء البوائق «3» . القسم الثاني من أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية ما هو خارج عن حضرة الخلافة، وهو صنفان: الصنف الأوّل النّوّاب والولاة واعلم أن مملكتهم كانت قد [انحصرت] في ثلاث ممالك فيها نوّابهم وولاتهم: المملكة الأولى «الديار المصرية» وهي التي كانت قد استقرّت قاعدة ملكهم، ومحطّ رحالهم، وكان بها أربع ولايات: الأولى- «ولاية قوص» وكانت هي أعظم ولايات الديار المصرية، وواليها يحكم على جميع بلاد الصعيد، وربما ولّي بالأشمونين ونحوها من يكون دونه.

الثانية - «ولاية الشرقية»

الثانية- «ولاية الشّرقية» وكانت دون ولاية قوص في الرتبة، وكان متوليها يحكم على عمل بلبيس وعمل قليوب وعمل أشموم. الثالثة- «ولاية الغربية» وكانت دون ولاية الشرقية في المرتبة، وكان متوليها يحكم على عمل المحلّة، وعمل منوف، وعمل أبيار. الرابعة- «ولاية الإسكندريّة» وهي دون الغربية في الرتبة، وكان متوليها يحكم على أعمال البحيرة بأجمعها. قال ابن الطوير: وهؤلاء الأربعة كان يخلع عليهم من خزانة الكسوة بالبدنة، وهو النوع الذي يلبسه الخليفة في يوم فتح الخليج «1» . قلت: لعل هذه الولايات الأربع ولايات الولاة التي تدخل تحت حكمها الولايات الصّغار، أو تكون هي التي استقرّ عليه الحال في آخر دولتهم، وإلا فقد رأيت في تذكرة أبي الفضل الصوريّ، أحد كتّاب الإنشاء في أيام القاضي الفاضل سجلات كثيرة لولاة الوجهين القبليّ والبحريّ «2» . الجملة الخامسة من ترتيب مملكتهم، في هيئة الخليفة في مواكبه وقصوره؛ وهي على ثلاثة أضرب الضرب الأوّل جلوسه في المواكب، وله ثلاثة جلوسات: الجلوس الأوّل جلوسه في المجلس العامّ أيام المواكب واعلم أن جلوس الخليفة أوّلا كان بالإيوان الكبير الذي كان بالقصر على

سرير الملك الذي كان بصدره إلى آخر أيام المستعلي «1» . فلما ولي ابنه الآمر الخلافة بعده، نقل الجلوس من الإيوان الكبير إلى القاعة المعروفة بقاعة الذهب بالقصر أيضا، وصار يجلس من مجالسها على سرير الملك به، وجعل الإيوان الكبير خزانة للسلاح، ولم يتعرّض لإزالة سرير الملك منه حتّى جاءت الدولة الأيوبية، وهو باق، وكان جلوس الخليفة في هذه الحالة لا يتعدّى يومي الاثنين والخميس، وليس ذلك على الدوام بل على التقرير بحسب ما يقتضيه الحال. فإذا أراد الجلوس فإن كان في الشتاء علّق المجلس الذي يجلس فيه بستور الديباج، وفرش بالبسط الحرير؛ وإن كان في الصيف، علق بالستور الدّبيقية وفرش بطبريّ طبرستان المذهب الفائق، وهيئت المرتبة المعدّة لجلوسه على سرير الملك بصدر المجلس، وغشّي السرير بالقرقوبيّ «2» ، ثم يستدعى الوزير من داره بصاحب الرسالة على حصان رهوان «3» في أسرع حركة على خلاف الحركة المعتادة، فيركب الوزير في هيئته وجماعته وبين يديه الأمراء، فإذا وصل إلى باب القصر ترجّل الأمراء، وهو راكب إلى أوّل باب باب من الدّهاليز الطّوال عند دهليز يعرف بدهليز العمود، ويمشي وبين يديه أكابر الأمراء إلى مقطع الوزارة بقاعة الذهب، فإذا تهيأ جلوس الخليفة، استدعى الوزير من مقطع الوزارة إلى باب المجلس الذي فيه الخليفة وهو مغلق، وعلى بابه ستر معلّق، فيقف زمام القصر عن يمين باب المجلس وزمام بيت المال عن يساره، والوزير واقف أمام باب المجلس وحواليه الأمراء المطوّقون «4» وأرباب الخدم الجليلة، وفي خلال القوم قرّاء الحضرة؛ ويضع صاحب المجلس الدواة مكانها من المرتبة أمام الخليفة، ثم

يخرج كم من أكمامه يعرف بفرد الكم ويشير إلى زمام القصر وزمام بيت المال الواقفين بباب المجلس، فيرفع كل منهما جانب الستر فيظهر الخليفة جالسا على سرير الملك مستقبل القول بوجهه، ويستفتح القرّاء بالقرآن، ويدخل الوزير المجلس ويسلم بعد دخوله، ثم يقبّل يدي الخليفة ورجليه، ويتأخر مقدار ثلاثة أذرع ويقف ساعة زمانية، ثم تخرج له مخدّة عن الجانب الأيمن من الخليفة ويؤمر بالجلوس إليها، ويقف الأمراء في أماكنهم المقرّرة لهم، فصاحب الباب واسفهسلار من جانبي الباب يمينا ويسارا، ويليهم من خارجه ملاصقا للعتبة زمام الآمرية والحافظية وباقي الأمراء على مراتبهم إلى آخر الرواق، وهو إفريز عال عن أرض القاعة، ثم أرباب القضب «1» والعماريّات يمنة ويسرة كذلك، ثم الأماثل والأعيان من الأجناد المترشحين للتقدمة، ويقف مستندا بالقدر الذي يقابل باب المجلس نوّاب الباب والحجاب، فإذا انتظم الأمر على ذلك، فأوّل ماثل للخدمة بالسلام قاضي القضاة والشهود المعروفون بالاستخدام فيجيز صاحب الباب القاضي دون من معه فيسلم على الخليفة بأدب الخلافة، بأن يرفع يده اليمنى ويشير بالمسبحة، ويقول بصوت مسموع: «السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته» يتخصص بهذا الكلام دون غيره من أهل السلام، ثم يسلم بالأشراف الأقارب زمامهم، وبالأشراف الطالبيين نقيبهم، فتمضي عليهم كذلك ساعتان زمانيتان أو ثلاث، ثم يسلم عليه من خلع عليه بقوص أو الشرقية أو الغربية أو الإسكندرية، ويشرّفون بتقبيل العتبة، وإذا دعت حاجة الوزير إلى مخاطبة الخليفة في أمر، قام من مكانه وقرّب منه منحنيا على سيفه، ويخاطبه مرة أو مرتين أو ثلاثا، ثم يأمر الحاضرون بالانصراف فينصرفون، ويكون آخرهم خروجا الوزير بعد تقبيل يد الخليفة ورجله. فإذا خرج إلى الدهليز الذي ترجل فيه، ركب

الجلوس الثاني جلوسه للقاضي والشهود في ليالي الوقود الأربع من كل سنة

منه إلى داره، وفي خدمته من حضر في خدمته إلى القصر، ويدخل الخليفة إلى سكنه مع خواصّ الأستاذين، ثم يغلق باب المجلس ويرخى الستر إلى أن يحتاج إلى حضور موكب آخر فيكون الأمر كذلك. الجلوس الثاني جلوسه للقاضي والشهود في ليالي الوقود «1» الأربع من كل سنة وهي: ليلة أوّل رجب، وليلة نصفه، وليلة أوّل شعبان، وليلة نصفه. إذا مضى النصف من جمادى الآخرة حمل إلى القاضي من حواصل الخليفة ستون شمعة، زنة كل شمعة منها سدس قنطار بالمصري ليركب بها في أوّل ليلة من شهر رجب؛ فإذا كان أوّل ليلة منه جلس الخليفة في منظرة عالية كانت عند باب الزّمرّد من أبواب القصر المتقدّم ذكره، وبين يديه شمع يوقد في العلوّ يتبيّن شخصه على إرتفاعه. ويركب القاضي من داره بعد صلاة المغرب وبين يديه الشمع المحمول إليه من خزانة الخليفة موقودا، من كل جانب ثلاثون شمعة، وبين الصّفّين مؤذنو الجوامع، يعلنون بذكر الله تعالى، ويدعون للخليفة والوزير بترتيب مقرّر محفوظ ويحجبه ثلاثة من نوّاب الباب، وعشرة من حجّاب الخليفة، خارجا عن حجّاب الحكم المستقرّين وهم خمسة في زيّ الأمراء؛ وفي ركابه القرّاء يقرأون القرآن، والشهود وراءه على ترتيب جلوسهم بمجلس الحكم الأقدم فالأقدم؛ وحول كل منهم ثلاث شمعات أو شمعتان أو شمعة واحدة إلى بين القصرين في جمع عظيم حتى يأتي باب الزّمرّد من أبواب القصر، فيجلسون في رحبة تحت المنظرة التي فيها الخليفة، ويحضر بين يديه بسمت ووقار وتشوّف لانتظار ظهور الخليفة، فيفتح الخليفة إحدى طاقات المنظرة فيظهر منها رأسه

ووجهه وعلى رأسه عدة من خواص الأستاذين من المحنّكين وغيرهم، فيفتح بعض الأستاذين طاقة أخرى فيخرج منها رأسه ويده اليمنى، ويشير بكمه قائلا: «أمير المؤمنين يردّ عليكم السلام» فيسلم بقاضي القضاة أوّلا بنعوته، وبصاحب الباب بعده كذلك، وبالجماعة الباقية جملة من غير تعيين أحد؛ ويستفتح قرّاء الحضرة بالقراءة وهم قيام في الصّدر، ظهورهم إلى حائط المنظرة ووجوههم للحاضرين. ثم يتقدّم خطيب الجامع الأنور (وهو الذي بباب البحر) فيخطب كما يخطب فوق المنبر، وينبه على فضيلة ذلك الشهر، وأن ذلك الركوب علامته ثم يختم كلامه بالدعاء للخليفة؛ ثم يتقدّم خطيب الجامع الأزهر فيخطب كذلك؛ ثم يتقدّم خطيب جامع الحاكم فيخطب كذلك، والقرّاء في خلال تلك الخطب يقرأون، فإذا انتهت خطابة الخطباء، أخرج الأستاذ الأوّل يده من تلك الطاقة فيرد على الجماعة السلام؛ ثم تغلق الطاقاتان وينفضّ الناس، ثم يركب القاضي والشهود إلى دار الوزير فيجلس لهم ليسلموا عليه، ويخطب الخطباء الثلاثة عنده بأخّف من مقام الخليفة ويدعون له، ثم ينصرفون ويذهب القاضي والشهود صحبته إلى مصر، ووالي القاهرة في خدمته، ويمرّ بجامع ابن طولون فيصلّي فيه ويخرج منه فيجد والي مصر في تلقّيه فيمضي في خدمته، ويمرّ على المشاهد فيتبرك بها، ويمضي إلى الجامع العتيق ويدخل من باب الزيادة التي يحكم فيها فيصلى في الجامع ركعتين، ويوقد له التنّور «1» الفضة الذي بالجامع، وهو تنّور عظيم حسن التكوين، فيه نحو ألف وخمسمائة براقة، وبسفله نحو مائة قنديل؛ ثم يخرج من الجامع فإن كان ساكنا بمصر استقرّ بها، وإن كان ساكنا بالقاهرة انتظره والي القاهرة في مكانه حتّى يعود من مصر فيذهب في خدمته إلى داره. وكذلك يركب في ليلة الخامس عشر من رجب إلا أنه بعد صلاته في جامع

الجلوس الثالث جلوسه في مولد النبي صلى الله عليه وسلم في الثاني عشر من شهر ربيع الأول

مصر يتوجه إلى القرافة فيصلّي في جامعها؛ ثم يركب في أوّل شعبان كذلك، ثم في نصفه كذلك. الجلوس الثالث جلوسه في مولد النبي صلى الله عليه وسلم في الثاني عشر من شهر ربيع الأوّل وكان عادتهم فيه أن يعمل في دار الفطرة عشرون قنطارا من السّكّر الفائق حلوى من طرائف الأصناف، وتعبّى في ثلاثمائة صينية نحاس. فإذا كان ليلة ذلك المولد، تفرّق في أرباب الرسوم: كقاضي القضاة، وداعي الدعاة، وقرّاء الحضرة، والخطباء، والمتصدّرين بالجوامع القاهرة ومصر، وقومة المشاهد وغيرهم ممن له اسم ثابت بالديوان، ويجلس الخليفة في منظرة قريبة من الأرض مقابل الدار القطبيّة المتقدّمة الذكر (وهي البيمارستان المنصوريّ الآن) ثم يركب القاضي بعد العصر ومعه الشهود إلى الجامع الأزهر ومعهم أرباب تفرقة الصواني المتقدّمة الذكر، فيجلسون في الجامع مقدار قراءة الختمة الكريمة، وتسدّ الطريق تحت القصر من جهة السّيوفيين وسويقة أمير الجيوش، ويكنس ما بين ذلك ويرشّ بالماء رشّا، ويرشّ تحت المنظرة بالرمل الأصفر. ويقف صاحب الباب ووالي القاهرة على رأس الطّرق لمنع المارّة، ثم يستدعي القاضي ومن معه فيحضرون ويترجّلون على القرب من المنظرة ويجتمعون تحتها وهم متشوّفون لانتظار ظهور الخليفة، فيفتح إحدى طاقات المنظرة فيظهر منها وجهه، ثم يخرج أحد الاستاذين المحنّكين يده ويشير بكمه بأن الخليفة يردّ عليكم السلام، ويقرأ القرّاء ويخطب الخطباء كما تقدّم في ليالي الوقود فإذا انتهت خطابة الخطباء أخرج الأستاذ يده مشيرا بردّ. السلام كما تقدّم، ثم تغلق الطاقتان وينصرف الناس إلى بيوتهم، وكذلك شأنهم في مولد عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه الخاص في أوقات معلومة عندهم من السنة.

الضرب الثاني ركوبه في المواكب، وهو على نوعين

الضرب الثاني ركوبه في المواكب، وهو على نوعين النوع الأوّل ركوبه في المواكب العظام، وهي ستة مواكب الموكب الأوّل ركوب أوّل العام وكان من شأنهم فيه أنه إذا كان العشر الآخر من ذي الحجة من السنة، وقع الاهتمام بإخراج ما يحتاج إليه في المواكب من حواصل الخليفة، فيخرج من خزائن السلاح ما يحمله الرّكابية وغيرهم حول الخليفة كالصّماصم، والدّبابيس، واللّتوت، وعمد الحديد، والسيوف، والدّرق، والرماح، والألوية، والأعلام. ومن خزانة التجمل برسم الوزير والأمراء وأرباب الخدم الألوية والقضب، والعماريات، وغير ذلك مما تقدّم ذكره. ومن الإصطبلات مائة فرس مسوّمة برسم ركوب الخليفة وما بجنبه. ويخرج من خزانة السروج مائة سرج بالذهب والفضة مرصّع بعضها بالجواهر بمراكب من ذهب، وفي أعناق الخيل أطواق الذهب وقلائد العنبر، وفي أرجل أكثرها خلاخل الذهب والفضة مسطحة، قيمة كل فرس وما عليها من العدّة ألف دينار، يدفع للوزير منها عشرة بعدّتها برسم ركوبه وركوب أخصّائه، وتسلّم إلى المناخات أغشية العماريات لتحمل على الجمال، إلى غير ذلك من الآلات المستعملة في المواكب مما تقدّم ذكره في الكلام على الخزائن، ويبعث إلى أرباب الخدم من الإصطبلات بخيول عادية ليركبوها في الموكب. فإذا كان يوم التاسع والعشرين من ذي الحجة، استدعى الخليفة الوزير من داره على الرسم المعتاد في الإسراع، فإذا عاد صاحب الرسالة من استدعاء الوزير، خرج الخليفة من مكانه راكبا في القصر، فينزل في السدلّى «1» ، بدهليز باب الملك

الذي فيه الشباك، وعليه ستر من ظاهره، فيقف من جانبه الأيمن زمام القصر، ومن جانبه الأيسر صاحب بيت المال؛ ويركب الوزير من داره وبين يديه الأمراء، فإذا وصل إلى باب القصر ترجّل الأمراء وهو راكب، ويدخل من باب العيد، ولا يزال راكبا إلى أوّل باب من الدهاليز الطّوال، فينزل ويمشي فيها وحواليه حاشية ومن يرابّه «1» من أولاده وأقاربه. فإذا وصل إلى الشّبّاك، وجد تحته كرسيّا كبيرا من حديد فيجلس عليه ورجلاه تطأ الأرض، فإذا جلس، رفع كلّ من زمام القصر وصاحب بيت المال الستر من جانبه فيرى الخليفة جالسا على مرتبة عظيمة، فيقف ويسلم ويخدم بيده في الأرض ثلاث مرّات، ثم يؤمر بالجلوس على كرسيه فيجلس. ويستفتح القرّاء بقراءة آيات لائقة بذلك المكان مقدار نصف ساعة؛ ثم يسلم الأمراء، ويشرع في عرض خيول الخاص المقدّم ذكرها واحدة واحدة إلى آخرها. فإذا تكمل عرضها، قرأ القرّاء ما يناسب ختم ذلك المجلس. فإذا فرغوا أرخى الستر وقام الوزير فدخل عليه فقبل يديه ورجليه، ثم ينصرف عنه فيركب من مكان نزوله ويخرج الأمراء معه إلى خارج فيمضون معه إلى داره ركبانا ومشاة على حسب مراتبهم. فإذا صلّى الخليفة الظهر، جلس لعرض خزانة الكسوة الخاص وتعيين ما يلبس في ذلك الموكب ولباسه فيه، فيعين منديلا لشدّ التاج وبدلة من هذا النوع، والجوهرة الثمينة وما معها من الجواهر المتقدّمة الذكر لشدّ التاج وتشدّ مظلّة تشبه تلك البذلة، وتلف في منديل دبيقيّ فلا يكشفها إلا حاملها عند ركوب الخليفة، ثم يشدّ لواءي الحمد المتقدّمي الذكر. فإذا كان أوّل يوم من العام، بكّر أرباب الرّتب من ذوي السيوف والأقلام فلا يصبح الصبح إلا وهم بين القصرين منتظرين ركوب الخليفة (وهو يومئذ فضاء واسع خال من البناء) ويبكر الأمراء إلى دار الوزير ليركبوا معه، فيخرج من داره ويركب إلى القصر من غير استدعاء وأمامه ما شرّفه به الخليفة من الألوية والأعلام، والأمراء بين يديه ركبانا ومشاة، وأولاده وإخوته قدّامه، وكل منهم مرخى الذؤابة بلا حنك، وهو في هيئة عظيمة

من الثياب الفاخرة والمنديل والحنك متقلدا بالسيف الذهب. فإذا وصل إلى باب القصر، ترجّل الأمراء ودخل هو راكبا إلى محل نزوله بدهليز القصر المعروف بدهليز العمود فيترجّل هناك ويمشي في بقية الدهاليز حتّى يصل إلى مقطع الوزارة بقاعة الذهب هو وأولاده وإخوته وخواصّ حاشيته، ويجلس الأمراء بالقاعة على دكك معدّة لهم، ويدخل فرس الخليفة إلى باب المجلس الذي هو فيه، وعلى باب المجلس كرسيّ يركب من عليه. فإذا استوت الدابة إلى ذلك الكرسيّ، أخرجت المظلة إلى حاملها فيكشفها مما هي ملفوفة فيه ويتسلمها بإعانة أربعة معدّين لخدمتها فيركزها في آلة من حديد تشبه القرن المصطحب مشدودة في ركاب حاملها الأيمن بقوّة، ويمسك العمود بحاجز فوق يده؛ ثم يخرج السيف فيتسلمه حامله، فإذا تسلمه أرخى ذؤابته فلا تزال مرخاة ما دام حاملا له، ثم تخرج الدواة فيتسلمها حاملها ويجعلها قدّامه بينه وبين السرج، ثم يخرج الوزير عن المقطع وينضم إليه الأمراء ويقفون إلى جانب فرس الخليفة، ويرفع صاحب المجلس الستر فيخرج من كان عند الخليفة للخدمة من الأستاذين، ويخرج الخليفة في أثرهم في ثيابه المختصة بذلك اليوم وعلى رأسه التاج الشريف والدرّة اليتيمة على جبهته، وهو محنّك مرخيّ الذؤابة مما يلي جانبه الأيسر متقلد بالسيف العربيّ وقضيب الملك بيده، ويسلم على الوزير قوم مرتّبون لذلك، ثم على القاضي وعلى الأمراء بعدهما، ثم يخرج الأمراء وبعدهم الوزير فيركب ويقف قبالة باب القصر، ويخرج الخليفة راكبا وفرسه ماشية على بسط خشية أن تزلق على الرخام والأستاذون حوله. فإذا قارب الباب وظهر وجهه، ضرب رجل ببوق لطيف معوجّ الرأس متّخذ من الذهب يقال له الغريبة مخالف لصوت الأبواق، فتضرب البوقات في المواكب، وتنشر المظلة، ويخرج الخليفة من باب القصر فيقف وقفة يسيرة بمقدار ركوب الأستاذين المحنكين وغيرهم من أرباب الرتب الذين كانوا في الخدمة بالقاعة، ثم يسير الخليفة في الموكب وصاحب المظلة على يساره، وهو يحرص ألّا يزول ظلها عن الخليفة، ثم يكتنف الخليفة مقدّمو صبيان الركاب،

اثنان منهم في شكيمتي لجام «1» فرسه، واثنان في عنق الفرس من الجانبين، واثنان في ركابه من الجانبين أيضا، والأيمن منهما هو صاحب المقرعة «2» الذي يناولها للخليفة ويتناولها منه، وهو الذي يؤدي عن الخليفة مدّة ركوبه الأوامر والنواهي، واللواءان المعروفان بلواءي الحمد «3» عن جانبيه، والمذبّتان عند رأس فرس الخليفة، والركابية «4» يمينه وشماله نحو ألف رجل مقلد والسيوف مشدود والأوساط بالمناديل والسلاح، وهم من جانبي الخليفة كالجناحين المادّين، بينهما فرجة لوجه الفرس ليس فيها أحد، وبالقرب من رأسها الصقلبيان الحاملان للمذبتين، وهما مرفوعتان كالنخلتين «5» . (ويترتب الموكب) : أجناد الأمراء وأولادهم وأخلاط العسكر أمام الموكب وأدوان الأمراء يلونهم، وبعدهم أرباب القضب الفضة من الأمراء، ثم أرباب الأطواق منهم، ثم الأستاذون المحنكون، ثم أهل الوزير المتقدّم ذكرهم، ثم الحاملان للواءي الحمد من الجانبين، ثم حامل الدواة وحامل السيف بعده، وهما من الجانب الأيسر، وكل واحد ممن تقدّم ذكره بين عشرة إلى عشرين من أصحابه، ثم الخليفة بين الركابية، وهو سائر على تؤدة ورفق، وفي أوائل العسكر ومتقدّميه والي القاهرة ذاهبا وعائدا لفسح الطرقات وتسيير من يقف، وفي وسط العسكر اسفهسلار يحث الأجناد على الحركة ويزجر المتازحمين والمعترضين في العسكر ذاهبا وعائدا، وفي زمرة الخليفة صاحب الباب لترتيب العسكر وحراسة طرقات الخليفة ذاهبا وعائدا، يلقى صاحب الباب اسفهسلار، واسفهسلار يلقى والي القاهرة، وفي يد كل منهم دبّوس، وخلف الخليفة جماعة من الركابية لحفظ أعقابه، ثم عشرة يحملون عشرة سيوف في

خرائط ديباج أحمر وأصفر يقال لها سيوف الدم برسم ضرب الأعناق، وبعدهم الحاملون للسلاح الصغير المتقدّم الذكر؛ ووراءه الوزير في هيئة عظيمة، وفي ركابه نحو خمسمائة رجل ممن يختاره لنفسه من أصحابه «1» ، وقوم يقال لهم صبيان الزّرد من أقوياء الأجناد من جانبيه بفرجة لطيفة أمامه دون فرجة الخليفة مجتهدا ألّا يغيب الخليفة عن نظره، وخلفه الطّبول والصّنوج والصفافير في عدّة كثيرة تدوي من أصواتها الدنيا، ووراء ذلك حامل الرمح المقدّم ذكره والدرقة المنسوبة إلى حمزة «2» ، ثم رجال الأساطيل مشاة ومعهم القسيّ العربية، وتسمّى قسيّ الرّجل والركاب، ما يزيد على خمسمائة رجل؛ ثم طوائف الرجال من المصامدة، ثم الريحانية والجيوشية، ثم الفرنجية، ثم الوزيرية «3» : زمرة بعد زمرة في عدة وافرة تزيد على أربعة آلاف؛ ثم أصحاب الرايات والسبعين، ثم طوائف العساكر: من الآمرية والحافظية والحجرية الكبار والحجريّة الصّغار والأفضلية والجيوشية، ثم الأتراك المصطنعون، ثم الديلم، ثم الأكراد، ثم الغزّ المصطنعة وغيرهم ما يزيد على ثلاثة آلاف فارس. قال ابن الطوير: وهذا كله بعض من كلّ. وإذا ترتب الموكب على ذلك، سار من باب القصر الذي خرج منه بين القصرين، يسير بموكبة حتّى يخرج من باب النصر ويصل إلى حوض كان هناك يعرف بعزّ الملك على القرب من باب

النصر، ثم ينعطف على يساره طالبا باب الفتوح، وربما عطف عند خروجه من باب النصر على يساره، وسار بجانب السّور حتّى يأتي باب الفتوح فيدخل منه. وكيفما كان فإنه يدخل منه، ويسير الموكب حتّى ينتهي بين القصرين فيقف العسكر هناك على ما كان عليه عند الركاب ويترجّل الأمراء. فإذا انتهى الخليفة إلى الجامع الأقمر وقف هناك في جماعته وينفرج الموكب للوزير فيتحرّك مسرعا ليصير أمام الخليفة. فإذا مرّ بالخليفة، سكع «1» له سكعة ظاهرة، فيشير الخليفة بالسلام عليه إشارة خفيفة، وهذه أعظم كرامة تصدر من الخليفة، ولا تكون إلا للوزير صاحب السيف. فإذا جاوز الوزير الخليفة، سبقه إلى باب القصر ودخل راكبا على عادته والأمراء أمامه مشاة إلى الموضع الذي ركب منه بدهليز العمود المقدّم ذكره، فيترجل هناك ويقف هو والأمراء لانتظار الخليفة. فإذا انتهى الخليفة إلى باب القصر، ترجل الأستاذون المحنّكون ودخل الخليفة القصر وهو راكب والأستاذون محدقون به. فإذا انتهى إلى الوزير، مشى الوزير أمام وجه فرسه إلى الكرسيّ الذي ركب من عليه فيخدمه الوزير والأمراء، وينصرفون ويدخل الخليفة إلى دوره. فإذا خرج الوزير إلى مكان ترجّله ركب، والأمراء بين يديه، وأقاربه حواليه إلى خارج باب القصر، فيركب منهم من يستحق الركوب، ويمشي من يستحق المشي، ويسيرون في خدمته إلى داره، فيدخل راكبا وينزل على كرسيّ فيخدمه الجماعة وينصرفون، وقد رأى الناس من حسن الموكب ما أبهجهم وراق خواطرهم، ويتفرّق الناس إلى أماكنهم فيجدون الخليفة قد أرسل إليهم الغرّة: وهي دنانير رباعية ودراهم خفاف مدوّرة، ويكون الخليفة قد أمر بضربها في العشر الأخير من ذي الحجة برسم التفرقة في هذا اليوم، لكل واحد من الوزير والأمراء وأرباب المراتب من حملة السيوف والأقلام قدر مخصوص من ذلك، فيقبلونها على سبيل التبرك من الخليفة، ويكتب إلى البلاد والأعمال مخلّقات بالبشائر بركوب أوّل العام كما يكتب بوفاء النيل وركوب الميدان الآن.

الموكب الثاني ركوب أول شهر مضان

الموكب الثاني ركوب أول شهر مضان وهو قائم عند الشيعة مقام رؤية الهلال، والأمر في العرض واللباس والآلات والركوب والموكب وترتيبه والطرق المسلوكة على ما تقدّم في أوّل العام من غير فرق، ويكتب فيه المخلّقات بالبشائر كما يكتب في أوّل العام. الموكب الثالث ركوبه في أيام الجمع الثلاث من شهر رمضان وهي الجمعة الثانية [والثالثة] «1» والرابعة، وذلك أنه إذا ركب إلى الجامع الأنور بباب البحر، بكّر صاحب بيت المال إلى الجامع بالفرش المختص بالخليفة محمولا على أيدي أكابر الفرّاشين ملفوفا في العراضي الدبيقية «2» ، فيفرش في المحراب ثلاث طرّاحات إمّا شاميات، وإمّا دبيقي أبيض، منقوشة بالحمرة، وتفرش واحدة فوق واحدة، ويعلّق ستران يمنة ويسرة، في الستر الأيمن مكتوب برقم حرير أحمر سورة الفاتحة وسورة الجمعة، وفي الستر الأيسر سورة الفاتحة وسورة المنافقين كتابة واضحة مضبوطة، ويصعد قاضي القضاة المنبر، وفي يده مدخنة لطيفة خيزران يحضرها إليه صاحب بيت المال وفيها ندّ «3» مثلّث لا يشم مثله إلا هناك، فيبخر ذروة المنبر التي عليها القنا كالقبة لجلوس الخليفة للخطابة ثلاث دفعات، ويركب الخليفة في هيئة ما تقدّم في أوّل العام وأوّل رمضان: من المظلّة والآلات، ولباسه فيه الثياب البياض غير المذهبة توقيرا للصلاة، والمنديل والطيلسان المقوّرة. وحول ركابه خارج الركابية قرّاء الحضرة من الجانبين يرفعون أصواتهم بالقراءة نوبة بعد نوبة من حين ركوبه من القصر إلى حين دخوله قاعة الخطابة، فيدخل من باب الخطابة فيجلس فيها، وإن احتاج إلى تجديد وضوء

فعل، وتحفظ المقصورة من خارجها بترتيب أصحاب الباب واسفهسلار وصبيان الخاصّ، وغيرهم ممن يجري مجراهم من أوّلها إلى آخرها، وكذلك من داخلها من باب خروجه إلى المنبر. فإذا أذّن للجمعة دخل إليه قاضي القضاة، فقال: «السلام على أمير المؤمنين الشريف القاضي الخطيب ورحمة الله وبركاته، الصلاة يرحمك الله» فيخرج ماشيا وحواليه الأستاذون المحنّكون والوزير وراءه، ومن يليهم من الأمراء من صبيان الخاص، وبأيديهم الأسلحة حتّى ينتهي إلى المنبر فيصعد حتّى يصل إلى الذّروة تحت القبة المبخّرة، والوزير على باب المنبر ووجهه إليه. فإذا استوى جالسا أشار إلى الوزير بالصعود فيصعد إلى أن يصل إليه، فيقبّل يديه ورجليه بحيث يراه الناس، ثم يزرّ عليه تلك القبة وتصير كالهودج، ثم ينزل مستقبلا للخليفة ويقف ضابطا للمنبر فإن لم يكن وزير صاحب سيف، كان الذي يزرّ عليه قاضي القضاة، ويقف صاحب الباب ضابطا للمنبر، فيخطب خطبة قصيرة من سفط يأتي إليه من ديوان الإنشاء، ويقرأ فيها آية من القرآن الكريم، ثم يصلي فيها على أبيه وجده يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ويعظ الناس وعظا بليغا قليل اللفظ، ويذكر من سلف من آبائه حتّى يصل إلى نفسه فيقول: «اللهم وأنا عبدك وابن عبديك لا أملك لنفسي ضرّا ولا نفعا» ويتوسل بدعوات فخمة تليق به، ويدعو للوزير إن كان ثمّ وزير وللجيوش بالنصر والتآلف، وللعساكر بالظّفر، وعلى الكافرين والمخالفين بالهلاك والقهر، ثم يختم بقوله اذكروا الله يذكركم «1» فيطلع إليه من زرّ عليه فيفكّ ذلك التزرير عنه، وينزل القهقرى، فيدخل المحراب ويقف على تلك الطراحات إماما والوزير وقاضي القضاة صفّا، ومن ورائهما الأستاذون المحنكون والأمراء المطوّقون وأرباب الرّتب من أصحاب السيوف والأقلام والمؤذّنون وقوف وظهورهم لحائط المقصورة، والجامع مشحون بالعالم للصلاة وراءه فيقرأ في الركعة الأولى ما هو مكتوب في الستر الأيمن، وفي الثانية ما في الستر الأيسر. فإذا

الموكب الرابع ركوبه لصلاة عيدي الفطر والأضحى

سمّع الخليفة، سمّع القاضي المؤذنين، فيسمّع المؤذّنون الناس. فإذا فرغ خرج «1» الناس وركبوا أوّلا فأوّلا وعاد إلى القصر والوزير وراءه حتّى يأتي إلى القصر، والطبول والبوقات تضرب ذهابا وإيابا. فإذا كانت الجمعة الثالثة من الشهر، ركب إلى الجامع الأزهر كذلك وفعل كما فعل في الجمعة الأولى، لا يختلف في ذلك غير الجامع. فإذا كانت الجمعة الرابعة منه، ركب إلى الجامع العتيق بمصر ويزيّن له أهل القاهرة من باب القصر إلى الجامع الطّولوني، ويزين له أهل مصر من الجامع الطولوني إلى الجامع العتيق، وقد ندب الواليان بالبلدين من يحفظ الناس والزينة ويركب من باب القصر ويسير في الشارع الأعظم بمصر، يمشي في شارع واحد بين العمارة إلى الجامع العتيق بمصر فيفعل كما فعل في الجامعين الأوّلين من غير مخالفة. فإذا قضى الصلاة، عاد إلى القاهرة من طريقه تلك إلى أن يصل إلى قصره، وفي خلال ذلك كلّه لا يمرّ بمسجد إلا أعطى أهله دينارا على كثرة المساجد في طريقه. الموكب الرابع ركوبه لصلاة عيدي الفطر والأضحى أما عيد الفطر - فيقع الاهتمام بركوبه في العشر الأخير من رمضان، وتعبّى أهبة المواكب على ما تقدّم في أوّل العام وغيره، وكان خارج باب النصر مصلّى على ربوة وجميعها مبنيّ بالحجر، ولها سور دائر عليها وقلعة على بابها، وفي صدرها قبّة كبيرة في صدرها محراب، والمنبر إلى جانب القبة وسط المصلّى مكشوفا تحت السماء، ارتفاعه ثلاثون درجة وعرضه ثلاثة أذرع، وفي أعلاه مصطبة. فإذا كمل رمضان، وهو عندهم ثلاثون يوما من غير نقص، فإذا كان اليوم الأوّل من شوّال، سار صاحب بيت المال إلى المصلّى خارج باب النصر، وفرش

الطراحات بمحراب المصلّى، كما تقدّم في الجوامع في أيام الجمع، ويعلق سترين يمنة ويسرة، في الأيمن الفاتحة وسبّح اسم ربّك الأعلى، وفي الأيسر الفاتحة، وهل أتاك حديث الغاشية، ويركز في جانبي المصلّى لواءين مشدودين على رمحين ملبسين بأنابيب الفضة، وهما منشوران مرخيان، ويوضع على ذروة المنبر طرّاحة من شاميات أو دبيقي، ويفرش باقيه بستر من بياض، على مقداره في تقاطيع درجه مضبوطة لا تتغيّر بالمشي وغيره، ويجعل في أعلاه لواءان مرقومان بالذهب يمنة ويسرة، ثم سار الوزير من داره إلى قصر الخليفة على عادته المتقدّمة الذكر، ويركب الخليفة بهيئة المواكب العظيمة على ما تقدّم في أوّل العام: من المظلّة والتاج وغير ذلك من الآلات، ويكون لباسه في هذا اليوم الثياب البيض الموشّحة المجومة «1» ، وهي أجلّ لباسه ومظلته كذلك، ويخرج من باب العيد على عادته في ركوب المواكب إلا أن العساكر في هذا اليوم من الأمراء والأجناد والركبان والمشاة تكون أكثر من غيره، وينتظم القوم له صفّين من باب القصر إلى المصلّى، ويركب الخليفة إلى المصلّى فيدخل من شرقيّها إلى مكان يستريح فيه دقيقة، ثم يخرج محفوظا بحاشيته كما في صلاة الجمع المتقدّمة الذكر فيصير إلى المحراب، والوزير والقاضي وراءه كما تقدّم، فيصلي صلاة العيد بالتكبيرات المسنونة، ويقرأ في الركعة الأولى ما في الستر الذي على يمينه، وفي الثانية ما في الستر الذي على يساره. فإذا فرغ وسلم، صعد المنبر لخطابة العيد، فإذا انتهى إلى ذروة المنبر، جلس على تلك الطرّاحة بحيث يراه الناس، ويقف أسفل المنبر الوزير، وقاضي القضاة، وصاحب الباب واسفهسلار، وصاحب السيف، وصاحب الرسالة «2» ، وزمام القصر، وصاحب دفتر المجلس، وصاحب المظلّة، وزمام الأشراف الأقارب، وصاحب بيت المال، وحامل الرمح، ونقيب الأشراف

الطالبيين. ووجه الوزير إليه [فيشير إليه فيصعد ويقرب وقوفه منه ويكون وجهه موازيا رجليه] «1» فيقبلهما بحيث يراه الناس، ثم يقوم فيقف على يمنة الخليفة. فإذا وقف أشار إلى قاضي القضاة بالصعود فيصعد إلى سابع درجة، ثم يتطلع إليه منتظرا ما يقول، فيشير إليه فيخرج من كمّه درجا قد أحضر إليه في أمسه من ديوان الإنشاء بعد عرضه على الخليفة والوزير، فيعلن بقراءة مضمونة [ويقول] «2» بعد البسملة: [ثبت بمن] «3» شرّف بصعود [5] «4» المنبر الشريف في يوم كذا، وهو عيد الفطر من سنة كذا من عند أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين بعد صعود السيد الأجل ... » (يذكر نعوت الوزير المقررة والدعاء له) ثم ذكر من يشرّفه الخليفة بصعود المنبر من أولاد الوزير «5» ، ثم ذكر القاضي ولكنه يكون هو القاريء للثّبت فلا يسعه ذكر نعوته فيقول: المملوك فلان بن فلان ونحو ذلك، ثم الواقفين على باب المنبر ممن تقدّم ذكره بنعوتهم واحدا واحدا، وكلما ذكر واحدا استدعاه وطلع المنبر، كل منهم يعرف مقامه في المنبر يمنة ويسرة. فإذا لم يبق أحد ممن أطلع إلى المنبر، أشار الوزير إليهم فأخذ كل من هو في جانب بيده نصيبا من اللواء الذي بجانبه فيستتر الخليفة ويستترون، وينادي في الناس بالإنصات، فيخطب الخليفة خطبة بليغة مناسبة لذلك المقام، يقرؤها من السّفط «6» الذي يحضر إليه مسطّرا من ديوان الإنشاء كما جمع رمضان المتقدّمة الذكر. فإذا فرغ من الخطبة، ألقى كلّ من في يده شيء من اللواء خارج المنبر، فينكشفون وينزلون القهقرى أوّلا بأوّل الأقرب فالأقرب. فإذا خلا المنبر للخليفة، هبط ودخل المكان الذي خرج منه، فيلبث قليلا ثم يركب في هيئته التي أتى فيها إلى المصلّى، ويعود في طريقه التي أتى

وأما عيد الأضحى

منها. فإذا قرب من القصر، تقدّمه الوزير على العادة، ثم يدخل من باب العيد الذي خرج منه، فيجلس في الشّبّاك الذي في الإيوان الكبير، وقد مدّ منه إلى فسقية «1» في وسط الإيوان مقدار عشرين قصبة سماط فيه من الخشكنان «2» والبستندود «3» ، وغير ذلك مما يعمل في العيد مثل الجبل الشاهق، كل قطعة ما بين ربع قنطار إلى رطل واحد، فيأكل من يأكل وينقل من ينقل لا حجر عليه ولا مانع دونه، ثم يقوم من الإيوان فيركب إلى قاعة الذهب فيجد سرير الملك قد نصب، ووضع له مائدة من فضة، ومدّ السماط تحت السرير فيترجل عن السرير، ويجلس على المائدة، ويستدعي الوزير فيجلس معه، ويجلس الأمراء على السّماط ولا يزال كذلك حتّى يستهدم «4» السّماط قريب صلاة الظهر؛ ثم يقوم وينصرف الوزير إلى داره والأمراء في خدمته فيمدّ لهم سماطا يأكلون منه وينصرفون. وأما عيد الأضحى - فإنه إذا دخل ذو الحجة وقع الاهتمام بركوبه. فإذا كان يوم العيد، ركب الخليفة على ما تقدم في عيد الفطر من الزّيّ والترتيب والركوب إلى المصلّى، ويكون لباس الخليفة فيه الاحمر الموشح، ومظلّته كذلك، ويخرج إلى المصلّى خارج باب النصر ويخطب، ثم يعود إلى القصر كما في عيد الفطر من غير زيادة ولا نقص؛ ثم بعد دخوله إلى القصر يخرج من باب الفرج، وهو باب القصر الذي كان مسامتا لدار سعيد السّعداء «5» التي هي الخانقاة الآن، فيجد

الوزير راكبا على الباب المذكور، فيترجّل الوزير، ويمشي في خدمته إلى المنحر «1» ، وهو خارج الباب المذكور. وكان إذ ذاك الفضاء واسعا لابناء فيه، وهناك مصطبة مفروشة فيطلع عليها الخليفة والوزير وقاضي القضاة والأستاذون المحنّكون وأكابر الدولة، ويكون قد سبق إلى المنحر أحد وثلاثون فصيلا وناقة للأضحية، وبيده حربة، وقاضي القضاة ممسك بأصل سنانها، وتقدم إليه الأضحية رأسا رأسا فيجعل القاضي السنان في نحر النحيرة ويطعن به الخليفة في لبّتها «2» ، فتخرّ بين يديه حتّى يأتي على الجميع، ثم يسيّر رسوم الأضحية إلى أرباب الرسوم المقررة، وفي اليوم الثاني يساق إلى المنحر سبعة وعشرون رأسا، ويركب الخليفة فيفعل بها كذلك، وفي اليوم الثالث يساق إليه ثلاث وعشرون رأسا فيفعل بها كذلك. فإذا انقضى ذلك في اليوم الثالث وعاد الخليفة إلى القصر خلع على الوزير ثيابه الحمر التي كانت عليه يوم العيد، ومنديلا بغير اليتيمة والعقد المنظوم بالجوهر، ويركب الوزير بالخلعة من القصر، ويشق القاهرة بالشارع سالكا إلى الخليج فيسير عليه حتّى يدخل من باب القنطرة إلى دار الوزارة، وبذلك انفصال العيد. ثم أول نحيرة تنحر تقدّد وتسيّر إلى داعي اليمن فيفرّقها على المعتقدين من وزن نصف درهم إلى وزن ربع درهم، وباقي ذلك يفرّق على أرباب الرسوم في أطباق للبركة، وأكثره يفرّقه قاضي القضاة وداعي الدّعاة على الطلبة بدار العدل والمتصدّرين بجوامع القاهرة، وفي اليوم الأول يمدّ السماط بقاعة الذهب على ما تقدّم في عيد الفطر من غير فرق.

الموكب الخامس ركوبه لتخليق المقياس عند وفاء النيل

الموكب الخامس ركوبه لتخليق المقياس عند وفاء النيل قد تقدّم عند ذكر النيل في الكلام على الديار المصرية ابتداء زيادة النيل ووفاؤه وانتهاؤه، وذكر المناداة عليه على ما الأمر مستقرّ عليه. إلا أنه في زمن هؤلاء الخلفاء لم يكن ينادى عليه قبل الوفاء، وإنما يؤخذ قاعه وتكتب به رقعة للخليفة والوزير، ثم ينزل بديوان الرسائل في مسير معدّ له في الديوان، ويستمر الحال على ذلك في كل يوم ترفع رقعة إلى ديوان الإنشاء بالزيادة لا يطّلع عليها غير الخليفة والوزير، وأمره مكتوم إلى أن يبقى من ذراع الوفاء (وهو السادس عشر) أصبع أو أصبعان، فيؤمر بأن يبيت في جامع المقياس تلك الليلة قرّاء الحضرة والمتصدرون بالجوامع بالقاهرة ومصر ومن يجري مجراهم لختم القرآن الكريم في تلك الليلة هناك، ويمدّ لهم السماط بالأطعمة الفاخرة، وتوقد عليهم الشموع إلى الصبح. فإذا أصبح الصبح وأذن الله تعالى بوفاء النيل في تلك الليلة، طلعت رقعة ابن أبي الردّاد إلى الخليفة، فتحضر إليه بالقصر، فيركب الخليفة في هيئة عظيمة من الثياب الفاخرة والموكب العظيم، إلا أنه لا يلبس التاج الذي فيه اليتيمة، ولا يخلّي المظلة على رأسه في ذلك اليوم؛ ويركب الوزير وراءه في الجمع العظيم على ترتيب الموكب؛ ويخرج من القصر شاقّا القاهرة إلى باب زويلة فيخرج منه، ويسلك الشارع إلى أن يجاوز البستان المعروف بعباس عند رأس الصّليبة بالقرب من الخانقاه الشيخونية الآن، فيعطف سالكا على الجامع الطولونيّ والجسر الأعظم حتّى يأتي مصر، ويدخل من الصناعة، وهي يومئذ في غاية العمارة، وبها دهليز ممتد بمصاطب مفروشة بالحصر العبداني مؤزّر بها، ويخرج من بابها شاقّا مصر حتّى يأتي المنظرة المعروفة برواق الملك على القرب من باب القنطرة، فيدخلها من الباب المواجه له والوزير معه ماشيا إلى المكان المعدّ له، ويكون العشاريّ «1» الخاصّ المعبر عنه الآن بالحرّاقة واقفا هناك

بشاطيء النيل، وقد حمل إليه من القصر بيت مثمن من العاج والآبنوس كل جانب منه ثلاثة أذرع، وطوله قامة رجل تام، فيركب في العشاريّ المذكور وعليه قبة من خشب محكم الصنعة، وهو وقبّته ملبّس صفائح الفضة المذهبة، ثم يخرج الخليفة من دار الملك المذكور ومعه من الاستاذين المحنّكين من يختاره من ثلاثة إلى أربعة، ثم يطلع خواصّ الخليفة إلى العشاريّ والوزير ومعه من خواصّه اثنان أو ثلاثة لا غير، فيجلس الوزير في رواق بظاهر البيت المذكور، بفوانيس من خشب مخروط مدهونة مذهبة، بستور مسدلة عليه، ويسير العشاريّ من باب المنظرة إلى باب المقياس العالي على الدّرج، فيطلع من العشاريّ، ويدخل إلى الفسقية التي فيها المقياس، والوزير والأستاذون المحنكون بين يديه، فيصلّي هو والوزير كلّ منهما ركعتين بمفرده، ثم يؤتى بالزّعفران والمسك فيديفه في إناء بيده بآلة معه، ويتناوله صاحب بيت المال فيناوله لابن أبي الرّداد، فيلقي نفسه في الفسقية بثيابه فيتعلق في العمود برجليه ويده اليسرى ويخلّقه بيده اليمنى، وقرّاء الحضرة من الجانب الآخر يقرأون القرآن؛ ثم يخرج على فوره راكبا في العشاري المذكور، ثم يعود إلى دار الملك، ويركب منها عائدا إلى القاهرة؛ وتارة ينحدر في العشاريّ إلى المقس، ويتبعه الموكب فيسير من هناك إلى القاهرة. ويكون في البحر ذلك اليوم نحو ألف مركب مشحونة بالناس للتفرّج وإظهار الفرح. فإذا كان اليوم الثاني من التخليق أتى ابن أبي الردّاد إلى الإيوان الكبير الذي فيه الشّبّاك بالقصر فيجد خلعة مذهبة بطيلسان مقوّر، ويدفع إليه خمسة أكياس في كل كيس خمسمائة درهم مهيأة له، فيلبس الخلعة، ويخرج من باب العيد المتقدّم ذكره في أبواب القصر، وقد هييء له خمسة بغال على ظهورها الأحمال المزيّنة بالحليّ، على ظهر كل منها راكب وبيده أحد الأكياس الخمسة المتقدّمة الذكر ظاهر في يده، وأقاربه وبنو عمه يحجبونه وأصدقاؤه حوله، وأمامه حملان من النّقّارات

الموكب السادس ركوبه لفتح الخليج

السلطانية، والأبواق تضرب أمامه، والطبل وراءه مثل الأمراء؛ فيشق بين القصرين، وكلما مر على باب من أبواب القصر يدخل منه الخليفة أو يخرج، نزل فقبّله، ويخرج من باب زويلة في الشارع الأعظم حتّى يأتي مصر فيشقّ وسطها ويمرّ بالجامع العتيق، ويجاوزه إلى شاطىء النيل فيعدّي إلى المقياس بخلعته وما معه من الأكياس، فيأخذ من الأكياس قدرا مقرّرا له، ويفرّق باقي ذلك على أرباب الرسوم الجارية من قديم الزمان من بني عمه وغيرهم. الموكب السادس ركوبه لفتح الخليج وهو في اليوم الثالث أو الرابع من يوم التخليق المتقدّم ذكره، وليس كما في زماننا من فتحه في يوم التخليق؛ وكان يقع الاهتمام عندهم بركوب هذا اليوم من حين يأخذ النيل في الزيادة، وتعمل في بيت المال موائد من التماثيل المختلفة: من الغزلان، والسباع، والفيلة، والزّراريف عدّة وافرة، منها ما هو ملبّس بالعنبر، وما هو ملبّس بالصندل «1» ، مفسرة الأعين والأعضاء بالذهب، وكذلك يعمل أشكال التّفّاح والأترجّ وغير ذلك، وتخرج الخيمة العظيمة المعروفة بالقاتول المتقدّمة الذكر فتنصب للخليفة في برّ الخليج الغربيّ على حافته عند منظرة يقال لها السكّرة على القرب من فم الخليج، ويلفّ عمود الخيمة بديباج أحمر أو أبيض أو أصفر من أعلاه إلى أسفله، وينصب فيها سرير الملك مستندا إليه ويغشّى بقرقوبي، وعرانيسه «2» ذهب ظاهرة، ويوضع عليه مرتبة عظيمة من الفرش للخليفة؛ ويضرب لأرباب الرّتب من الأمراء بحريّ هذه الخيمة خيم كثيرة على قدر مراتبهم في المقدار والقرب من خيمة الخليفة؛ ثم يركب الخليفة على عادته في المواكب العظيمة بالمظلّة وتوابعها من السيف والرمح والألوية والدواة وسائر الآلات، ويزاد

فيه أربعون بوقا: عشرة من الذهب وثلاثون من الفضة، يكون المنفّرون بها ركبانا، والمنفّرون بالأبواق النّحاس مشاة، ومن الطبول العظام عشرة طبول. فإذا كان يوم الركوب، حضر الوزير من دار الوزارة راكبا في هيئة عظيمة، ويركب حينئذ إلى باب القصر الذي يخرج منه الخليفة، ويخرج الخليفة من باب القصر راكبا والأستاذون المحنّكون مشاة حوله، وعليه ثوب يسمّى البدنة حرير مرقوم بذهب، لا يلبسه غير ذلك اليوم، والمظلة بنسبته؛ فيركب الأستاذون المحنّكون ويسير الموكب على الترتيب المتقدّم في ركوب أول العام سائرا في الطريق التي ذهب فيها للتخليق حتى يأتي الجامع الطولوني؛ ويكون قاضي القضاة وأعيان الشهود جلوسا ببابه من هذه الجهة، فيقف لهم الخليفة وقفة لطيفة، ويسلم على القاضي، فيتقدّم القاضي ويقبّل رجله التي من جانبه، ويأتي الشهود أمام وجه فرس الخليفة، ويقفون بمقدار أربعة أذرع عن الخليفة فيسلم عليهم، ثم يركبون ويسير الموكب حتّى يأتي ساحل الخليج، فيسير حتّى يقارب الخليفة الخيمة، فيتقدّمه الوزير على العادة، فيترجل على باب الخيمة، ويجلس على المرتبة الموضوعة له فوقه «1» ويحيط به الأستاذون المحنكون والأمراء المطوّقون بعدهم؛ ويوضع للوزير كرسيّه الجاري به العادة على ما تقدّم في جلوسه في القصر، فيجلس ورجلاه يحكّان الأرض، ويقف أرباب الرّتب صفّين من سرير الملك إلى باب الخيمة، وقرّاء الحضرة يقرأون القرآن ساعة زمانية. فإذا فرغوا من القراءة، استأذن صاحب الباب على حضور الشعراء للخدمة، فيؤذن لهم فيتقدّمون واحدا بعد واحد على مقدار منازلهم المقرّرة لهم، وينشد كلّ منهم ما وقع له نظمه مما يناسب الحال. فإذا فرغ أتى غيره وأنشد ما نظمه إلى أن يفرغ إنشادهم، والحاضرون ينتقدون على كل شاعر ما يقوله، ويحسّنون منه ما حسن ويوهّون منه وما هى. فإذا انقضى هذا المجلس، قام الخليفة عن السرير فركب إلى المنظرة المعروفة بالسكّرة بقرب الخيمة والوزير بين يديه، وقد فرشت بالفرش المعدّة لها، فيجلس الخليفة بمكان

معدّ له منها، ويجلس الوزير بمكان منها بمفرده، ويجلس القاضي والشهود في الخيمة البيضاء الدبيقية، فيطلّ منها أستاذ من الأستاذين المحنكين فيشير بفتح السدّ فيفتح بالمعاول، وتضرب الطبول والأبواق من البّرين، وفي أثناء ذلك يصل السّماط من القصر صحبة صاحب المائدة القائم مقام أستاذ دار الصحبة الآن، وعدّتها مائة شدّة في الطيافير الواسعة في القواوير «1» الحرير، وفوقها الطرّاحات النفيسة، وريح المسك والأفاويه تفوح منها، فتوضع في خيمة وسيعة معدّة لذلك؛ ويحمل منها للوزير وأولاده ما جرت به عادتهم، ثم لقاضي القضاة والشهود، ثم إلى الأمراء على قدر مراتبهم: على أنواع الموائد من التماثيل المقدّمة الذكر خلا القاضي والشهود، فإنه لا يكون في موائدهم تماثيل. فإذا اعتدل الماء في الخليج دخلت فيه العشاريات اللطاف ووراءها العشاريات الكبار، وهي سبعة: الذهبيّ المختص بالخليفة، وهو الذي يركب فيه يوم التخليق، والفضّيّ، والأحمر، والأصفر، والأخضر، واللّازورديّ، والصّقلّي، وهو عشاريّ أنشأه نجّار من صقلّية على الإنشاء المعتاد فنسب إليه، وعليها الستور الدبيقي الملونة، وفي أعناقها الأهلة وقلائد العنبر والخرز الأزرق، وتسير حتّى ترسو على بر المنظرة التي فيها الخليفة. فإذا صلّى الخليفة العصر، ركب لابسا غير الثياب التي كانت عليه في أول النهار، ومظلّته مناسبة لثيابه التي لبسها، وباقي الموكب على حاله، ويسير في البر الغربيّ من الخليج شاقّا للبساتين حتّى يصل إلى باب القنطرة فيعطف على يمينه ويسير إلى القصر، والوزير تابعه على الرسم المعتاد، فيدخل الخليفة قصره، ويمرّ الوزير إلى داره على عادته في مثل ذلك اليوم. وذكر القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: أنه إذا ركب من المنظرة المعروفة بالسكرة، سار في بر الخليج الغربيّ على ما تقدم ذكره حتّى يأتي بستان

النوع الثاني من مواكبهم المواكب المختصرة في أثناء السنة

الدكة «1» ، وقد علّقت دهاليزه بالزينة فيدخله وحده ويسقي منه فرسه، ثم يخرج حتّى يقف على الرعنة «2» المعروفة بخليج الدار، ويدخل من باب القنطرة ويسير إلى قصره. النوع الثاني من مواكبهم المواكب المختصرة في أثناء السنة وهي أربعة أيام أو خمسة فيما بين أول العام ورمضان ولا يتعدّى ذلك يومي السبت والثلاثاء. فإذا عزم على الركوب في يوم من هذه الأيام، قدّم تفرقة السلاح على الركابية على ما تقدم ذكره في أول العام، وأكثر ما يكون ركوبه إلى مصر، فيركب والوزير وراءه على أخصر من النظام المتقدّم له في المواكب العظام وأقلّ جمعا، ولبسه في هذه الأيام الثياب المذهبة من البياض والملون ومنديل من نسبة ذلك مشدودة بشدّة غير شدّات غيره، وذوائبه مرخاة تقرب من جانبه الأيسر، وهو مقلد بالسيف العربي المجوهر بغير حنك ولا مظلة، ويخرج شاقّا القاهرة في الشارع الأعظم حتّى يجاوز الجامع الطولوني على المشاهد «3» إلى الجامع العتيق. فإذا وصل إلى بابه، وجد الخطيب قد وقف على مصطبة بجانبه فيها محراب، مفروشة بحصير وعليها سجادة معلقة، وفي يده المصحف الكريم المنسوب خطه إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه، فيناوله المصحف من يده فيقبله ويتبرك به ويأمر له بعطاء يفرّق على أهل الجامع. الضرب الثالث من هيئة الخليفة هيئته في قصوره قال ابن الطوير: كان له ثياب يلبسها في الدور أكمامها على النصف من

الجملة السادسة في اهتمامهم بالأساطيل وحفظ الثغور واعتنائهم بأمر الجهاد، وسيرهم في رعاياهم، واستمالة قلوب مخالفيهم

أكمام ثيابه التي يلبسها في المواكب، وكان من شأنه أنه لا ينصرف من مكان إلى مكان في القصر في ليل أو نهار إلا وهو راكب، ولا يقتصر في القصر على ركوب الخيل بل يركب البغال والحمير الإناث لما تدعوه الضرورة إليه من الجواز في السراديب القصيرة والطلوع على الزلاقات إلى أعلى المناظر والمساكن، وله في الليل نسوة برسم شدّ ما يحتاج إلى ركوبه من البغال والحمير، وفي كل محلة من محلات القصر فسقيّة مملوءة بالماء خيفة من حدوث حريق في الليل، ويبيت خارج القصر في كل ليلة خمسون فارسا للحراسة. فإذا أذّن بالعشاء الآخرة داخل قاعة الذهب وصلّى الإمام الراتب فيها بالمقيمين من الأستاذين وغيرهم، ووقف على باب القصر أمير يقال له سنان الدولة- مقام أمير جاندار الآن- فإذا علم بفراغ الصلاة تضرب البوقية من الطبول والبوقات وتوابعها على طريق مستحسنة ساعة زمانية، ثم يخرج أستاذ برسم هذه الخدمة فيقول: «أمير المؤمنين يرد على سنان الدولة السلام» فيغرز سنان الدولة حربة على الباب ثم يرفعها بيده، فإذا رفعها أغلق الباب، ودار حول حول القصر سبع دورات. فإذا انتهى ذلك جعل على الباب البوّابين والفرّاشين وأوى المؤذّنون إلى خزائن لهم هناك وترمى السلسلة عند المضيق، آخر بين القصرين عند السيوفيين فينقطع المارّ من ذلك المكان إلى أن تضرب البوقية سحرا قرب الفجر فترفع السلسلة ويجوز الناس من هناك. الجملة السادسة في اهتمامهم بالأساطيل وحفظ الثغور واعتنائهم بأمر الجهاد، وسيرهم في رعاياهم، واستمالة قلوب مخالفيهم أما اهتمامهم بالأساطيل وحفظ الثغور - واعتناؤهم بأمر الجهاد، فكان ذلك من أهم أمورهم، وأجلّ ما وقع الاعتناء به عندهم. وكانت اساطيلهم «1» مرتبة بجميع بلادهم الساحلية كالإسكندرية ودمياط من الديار المصرية، وعسقلان وعكّا

وأما سيرهم في رعيتهم

وصور وغيرها من سواحل الشام، حين كانت بأيديهم، قبل أن يغلبهم عليها الفرنج؛ وكانت جريدة قوّادهم تزيد على خمسة آلاف مقاتل مدونة، وجوامكهم في كل شهر من عشرين دينارا إلى خمسة عشر دينارا إلى عشرة إلى ثمانية إلى دينارين، وعلى الأسطول أمير كبير من أعيان الأمراء وأقواهم جأشا، وكان أسطولهم يومئذ يزيد على خمسة وسبعين شينيّا وعشر مسطحات وعشر حمالات «1» ، وعمارة المراكب متواصلة بالصناعة لا تنقطع. فإذا أراد الخليفة تجهيزها للغزو، جلس للنفقة بنفسه حتى يكملها، ثم يخرج مع الوزير إلى ساحل النيل بالمقسم، فيجلس في منظرة كانت بجامع باب البحر والوزير معه للموادعة «2» ، ويأتي القوّاد بالمراكب إلى تحت المنظرة، وهي مزينة بالأسلحة والمنجنيقات واللعب منصوبة في بعضها، فتسيّر بالمجاديف ذهابا وعودا كما يفعل حالة القتال، ثم يحضر إلى بين يدي الخليفة المقدّم والريّس فيوصيهما ويدعو لهما بالسلامة، وتنحدر المراكب إلى دمياط وتخرج إلى البحر الملح فيكون لها في بلاد العدوّ الصّيت والسّمعة. فإذا غنموا مركبا اصطفى الخليفة لنفسه السبي الذي فيه من رجال أو نساء أو أطفال، وكذلك السلاح، وما عدا ذلك يكون للغانمين لا يساهمون فيه. وكان لهم أيضا أسطول بعيذاب يتلقّى به الكارم «3» فيما بين عيذاب وسواكن، وما حولها خوفا على مراكب الكارم من قوم كانوا بجزائر بحر القلزم هناك يعترضون المراكب، فيحميهم الأسطول منهم، وكان عدّة هذا الأسطول خمسة مراكب، ثم صارت إلى ثلاث، وكان والي قوص هو المتولّي لأمر هذا الأسطول، وربما تولاه أمير من الباب، ويحمل إليه من خزائن السلاح ما يكفيه. وأما سيرهم في رعيتهم - واستمالة قلوب مخالفيهم، فكان لهم الإقبال على من يفد عليهم من أهل الأقاليم جلّ أو دقّ، ويقابلون كل أحد بما يليق به من

الجملة السابعة في إجراء الأرزاق والعطاء لأرباب الخدم بدولتهم وما يتصل بذلك من الطعمة

الإكرام، ويعوّضون أرباب الهدايا بأضعافها. وكانوا يتألّفون أهل السّنّة والجماعة ويمكنونهم من إظهار شعائرهم على اختلاف مذاهبهم، ولا يمنعون من إقامة صلاة التراويح في الجوامع والمساجد على مخالفة معتقدهم في ذلك «1» بذكر الصحابة رضوان الله عليهم، ومذاهب مالك والشافعي وأحمد ظاهرة الشّعار في مملكتهم، بخلاف مذهب أبي حنيفة، ويراعون مذهب مالك، ومن سألهم الحكم به أجابوه، وكان من شأن الخليفة أنه لا يكتب في علامته إلا «الحمد لله رب العالمين» ولا يخاطب أحدا في مكاتبته إلا بالكاف حتّى الوزير صاحب السيف، وإنما المكاتبات عن الوزير هي التي تتفاوت مراتبها، ولا يخاطب عنهم أحد إلا بنعت مقرّر له ودعاء معروف به، ويراعون من يموت في خدمتهم في عقبه، وإن كان له مرتب نقلوه إلى ذرّيته من رجال أو نساء. الجملة السابعة في إجراء الأرزاق والعطاء لأرباب الخدم بدولتهم وما يتصل بذلك من الطعمة أمّا إجراء الأرزاق والعطاء - فقد تقدّم أن ديوان الجيوش كان عندهم على ثلاثة أقسام: قسم يختص بالعرض وتحلية الأجناد وشيات دوابّهم، وقسم يختص بضبط إقطاعات الأجناد، وقسم يختص بمعرفة ما لكل مرتزق في الدولة من راتب وجار وجراية، ولكل من الثلاثة كتّاب يختصون بخدمته. والقسم الثالث هو المقصود هنا؛ وكان راتبهم فيه بالدنانير الجيشية وكان يشتمل على ثمانية أقسام: الأوّل- فيه راتب الوزير وأولاده وحاشيته. فراتب الوزير في كل شهر خمسة آلاف دينار، ومن يليه من ولد أو أخ من ثلاثمائة دينار إلى مائتي دينار، ولم يقرّر لولد وزير خمسمائة دينار سوى

الثاني - فيه حواشي الخليفة.

الكامل «1» بن شاور، ثم حواشيه «2» من خمسمائة دينار، إلى أربعمائة دينار، إلى ثلاثمائة دينار خارجا عن الإقطاعات «3» . الثاني- فيه حواشي الخليفة. فأوّلهم الأستاذون المحنكون على رتبهم. فزمام القصر، وصاحب بيت المال، وحامل الرسالة، وصاحب الدفتر، وشادّ التاج، وزمام الأشراف الأقارب، وصاحب المجلس، لكل واحد منهم في الشهر مائة دينار، ثمّ من دونهم من تسعين دينارا إلى عشرة دنانير على تفاوت الرّتب. وفي هذا طبيبا الخاص، ولكل واحد منهما في الشهر خمسون دينارا، ولمن دونهما من الأطباء المقيمين بالقصر لكل واحد عشرة دنانير. الثالث- فيه أرباب الرّتب بحضرة الخليفة. فأوّل مسطور فيه كاتب الدّست- وهو المعبّر عنه الآن بكاتب السرّ؛ وله في الشهر مائة وخمسون دينارا، ولكل واحد من كتّابه ثلاثون دينارا؛ ثم الموقّع بالقلم الدقيق، وله مائة دينار، ثم صاحب الباب، وله مائة وعشرون دينارا؛ ثم حامل السيف وحامل الرمح، ولكل منهما سبعون دينارا، وبقيّة الأزمّة على العساكر والسودان من خمسين دينارا، إلى أربعين دينارا، إلى ثلاثين. الرابع- فيه قاضي القضاة ، وله في الشهر مائة دينار، وداعي الدّعاة وله مثله؛ وقرّاء الحضرة، ولكل منهم عشرون دينارا، إلى خمسة عشر دينارا، إلى عشرة.

الخامس - فيه أرباب الدواوين ومن يجري مجراهم.

الخامس- فيه أرباب الدواوين ومن يجري مجراهم. فأوّلهم متولّي ديوان النظر، وله في الشهر سبعون دينارا، ثم متولي ديوان التحقيق، وله خمسون دينارا، ثم متولي ديوان المجلس، وله أربعون دينارا، ثم متولي ديوان الجيوش، وله أربعون دينارا، ثم صاحب دفتر المجلس، وله خمسة وثلاثون دينارا، ثم الموقّع بالقلم الجليل القائم مقام كاتب الدّرج الآن، وله ثلاثون دينارا. ولكل معين عشرة دنانير، إلى سبعة، إلى خمسة. السادس- فيه المستخدمون بالقاهرة ومصر في خدمة واليهما ، ولكل واحد منهما خمسون دينارا، وللحماة بالأهراء والمناخات والجوالي والبساتين والأملاك وغيرها لكل منهم ما يقوم به من عشرين دينارا، إلى خمسة عشر، إلى عشرة، إلى خمسة. السابع- فيه عدّة الفرّاشين برسم خدمة الخليفة والقصور وتنظيفها خارجا وداخلا ونصب الستائر المحتاج إليها والمناظر الخارجة عن القصر، ولكل منهم في الشهر ثلاثون دينارا فما حولها؛ ثم من يليهم من الرشّاشين داخل القصر وخارجه وهم نحو ثلاثمائة رجل، ولكل منهم من عشر دنانير إلى خمسة. الثامن- فيه الركابية «1» ومقدّموهم ، ولكل من مقدّميهم في الشهر خمسون دينارا؛ وللركابية من خمسة عشر دينارا إلى عشرة إلى خمسة. وأما الطّعمة- فعلى ضربين: الضرب الأوّل الأسمطة التي تمدّ في شهر رمضان والعيدين أما شهر رمضان - فإن الخليفة كان يرتّب بقاعة الذهب بالقصر «2» سماطا في

وأما سماط العيدين

كل ليلة من استقبال الرابع منه، وإلى آخر السادس والعشرين منه، ويستدعي الأمراء لحضوره في كل ليلة بالنّوبة، يحضر منهم في كل ليلة قوم كي لا يحرمهم الإفطار في بيوتهم طول الشهر، ولا يكلّف قاضي القضاة الحضور سوى ليالي الجمع توقيرا له، ولا يحضر الخليفة هذا السّماط، ويحضر الوزير فيجلس على رأس السماط، فإن غاب قام ولده أو أخوه مقامه، فإن لم يحضر أحد منهم، كان صاحب الباب عوضه. وكان هذا السّماط من أعظم الأسمطة وأحسنها، ويمدّ من صدر القاعة إلى مقدار ثلثيها بأصناف المأكولات والأطعمة الفاخرة، ويخرجون من هنا لك بعد العشاء الآخرة بساعة أو ساعتين، ويفرّق فضل السماط كلّ ليلة، ويتهاداه أرباب الرسوم حتّى يصل إلى أكثر الناس، وإذا حضر الوزير بعث الخليفة إليه من طعامه الذي يأكل منه تشريفا له، وربما خصه بشيء من سحوره. وأما سماط العيدين - فإنه يمدّ في عيد الفطر وعيد الأضحى تحت سرير الملك بقاعة الذهب المذكورة أمام المجلس الذي يجلس فيه الخليفة الجلوس العامّ أيام المواكب، وتنصب على الكرسيّ مائدة من فضة تعرف بالمدوّرة، وعليها من الأواني الذهبيات والصينيّ الحاوية للأطعمة الفاخرة ما لا يليق إلا بالملوك، وينصب السّماط العامّ تحت السرير من خشب مدهون في طول القاعة في عرض عشرة أذرع، وتفرش فوقه الأزهار المشمومة، ويرصّ الخبز على جوانبه كل شابورة «1» ثلاثة أرطال من نقيّ الدقيق؛ ويعمر داخل السماط على طوله بأحد وعشرين طبقا عظاما، في كل طبق أحد وعشرون خروفا من الشّويّ، وفي كل واحد منها ثلاثمائة وخمسون طيرا من الدّجاج والفراريج وأفراخ الحمام، ويعبّى مستطيلا في العلوّ حتّى يكون كقامة الرجل الطويل، ويسوّر بتشاريح الحلواء اليابسة على اختلاف ألوانها، ويسدّ خلل تلك الأطباق على السماط نحو من

الضرب لثاني فيما كان يعمل بدار الفطرة في عيد الفطر

خمسمائة صحن من الصحون «1» الخزفية المترعة بالألوان الفائقة، وفي كل منها سبع دجاجات من الحلواء المائعة والأطعمة الفاخرة؛ ويعمل بدار الفطرة الآتي ذكرها قصران من حلوى زنة كل منها سبعة عشر قنطارا في أحسن شكل، عليها صور الحيوان المختلفة، ويحملان إلى القاعة فيوضعان في طرفي السماط. ويأتي الخليفة راكبا فيترجّل على السرير الذي قد نصبت عليه المائدة الفضة، ويجلس على المائدة وعلى رأسه أربعة من كبار الأستاذين المحنكين، ثم يستدعي الوزير وحده فيطلع ويجلس على يمينه بالقرب من باب السرير، ويشير إلى الأمراء المطوّقين فمن دونهم من الأمراء، فيجلسون على السّماط على قدر مراتبهم فيأكلون وقرّاء الحضرة في خلال ذلك يقرأون القرآن، ويبقى السماط ممدودا إلى قريب من صلاة الظهر حتّى يستهلك جميع ما عليه أكلا وحملا، وتفرقة على أرباب الرسوم. الضرب لثاني فيما كان يعمل بدار الفطرة «2» في عيد الفطر وكان لهم بها الاهتمام العظيم. وقد ذكر ابن عبد الظاهر أصنافها فقال: كانت ألف حملة دقيق، وأربعمائة «3» قنطار سكّر، وستة قناطير فستق، وأربعمائة وثلاثين إردب زبيب، وخمسة عشر قنطارا عسل نحل، وثلاثة قناطير خل وإردبين سمسم وإردبين أنيسون «4» وخمسين رطلا ماء ورد، وخمس نوافج «5» مسك، وكافور قديم عشرة مثاقيل، وزعفران مطحون مائة وخمسون درهما، وزيت برسم الوقود ثلاثون قنطارا. في أصناف أخرى يطول ذكرها. قال ابن الطوير:

الجملة الثامن في جلوس الوزير للمظالم إذا كان صاحب سيف، وترتيب جلوسه

ويندب لها مائة صانع من الحلاويين، ومائة فرّاش برسم تفرقة الطوافير على أصحاب الرسوم خارجا عمن هو مرتّب فيها، ويحضرها الخليفة والوزير معه فيجلس الخليفة على سريره فيها، ويجلس الوزير على كرسي له، في النصف الأخير من رمضان، وقد صار ما لها من المستعملات كالجبال الرواسي، فتفرّق الحلوى من ربع قنطار إلى عشرة أرطال إلى رطل واحد، والخشكنان من مائة حبة إلى خمس وسبعين حبة، إلى ثلاث وثلاثين، إلى خمس وعشرين، إلى عشرين، ويفرّق على السودان على يد مقدّمهم بالأفراد من تسعة أفراد إلى سبعة إلى خمسة، إلى ثلاثة، كل طائفة على مقدارها «1» بسماط يوم الفطر ما يمدّ في الإيوان الكبير قبل مدّ سماط الطعام بقاعة الذهب. وقد وقع في كلام ابن الطوير خلف في وقته، فذكر في موضع من كتابه أن ذلك يكون قبل ركوب الخليفة لصلاة العيد، وذكر في موضع آخر أن ذلك يكون بعد حضوره من الصلاة. [الجملة الثامن في جلوس الوزير للمظالم إذا كان صاحب سيف، وترتيب جلوسه] (الطرف الثامن) «2» في جلوس الوزير للمظالم إذا كان صاحب سيف، وترتيب جلوسه يجلس الوزير في صدر المكان، وقاضي القضاة مقابله، وعن جانبيه شاهدان من المعتبرين، وكاتب الوزير بالقلم الدقيق، ويليه صاحب ديوان المال، وبين يديه صاحب الباب واسفهسلار، وبين أيديهما النوّاب والحجّاب على طبقاتهم. وذلك يومان في الاسبوع. وقد رثاهم عمارة اليمنيّ بعد انقراضهم واستيلاء السلطان صلاح الدين بن أيوب على المملكة بقصيدة وصف فيها مملكتهم، وعدّ مواكبهم، وحكى مكارمهم، وجلّى محاسنهم، وهي: رميت يا دهر كفّ المجد بالشّلل ... وجيده بعد حسن الحلي بالعطل

سعيت في منهج الرّأي العثور فإن ... قدرت من عثرات الدّهر فاستقل جدعت مارنك «1» الأقنى فأنفك لا ... ينفكّ ما بين أمر الشين «2» والخجل هدمت قاعدة المعروف عن عجل ... شقيت، مهلا أما تمشي على مهل لهفي ولهف بني الآمال قاطبة ... على فجيعتها في أكرم الدّول قدمت مصر فأولتني خلائفها ... من المكارم ما أربى على أملي «3» قوم عرفت لهم «4» كسب الألوف ومن ... كمالها أنها جاءت ولم أسل وكنت من وزراء الدّست حيث «5» سما ... رأس الحصان بهاديه على الكفل ونلت من عظماء الجيش تكرمة «6» ... وخلّة حرست من عارض الخلل يا عاذلي في هوى أبناء فاطمة ... لك الملامة إن قصّرت في عذلي بالله! زر ساحة القصرين وابك معي ... عليهما لا على صفّين والجمل! وقل لأهليهما: والله ما التحمت ... فيكم جروحي ولا قرحي بمندمل ماذا ترى «7» كانت الإفرنج فاعلة ... في نسل آل أمير المؤمنين علي [هل كان في الأمر شيء غير قسمة ما ... ملكتمو بين حكم السّبي والنّفل] «8» وقد حصلتم عليها واسم جدّكم ... محمد وأبوكم خير منتعل «9» مررت بالقصر والأركان خالية ... من الوفود، وكانت قبلة القبل

فملت عنها بوجه خوف منتقد ... من الأعادي، ووجه الودّ لم يمل أسبلت من أسفي دمعي غداة خلت ... رحابكم وغدت مهجورة السّبل أبكي على مأثرات «1» من مكارمكم ... حال الزّمان عليها وهي لم تحل (دار الضّيافة) كانت أنس وافدكم ... واليوم أوحش من رسم ومن طلل و (فطرة الصّوم) إذ أضحت مكارمكم ... تشكو من الدّهر حيفا غير محتمل و (كسوة الناس) في الفصلين قد درست ... ورثّ منها جديد عندهم وبلي وموسم كان في (يوم الخليج) لكم ... يأتي تجمّلكم فيه على الجمل و (أوّل العام) و (العيدين) كم لكم ... فيهنّ من وبل جود ليس بالوشل «2» والأرض تهتزّ في (يوم الغدير) كما ... يهتز ما بين قصريكم من الأسل والخيل تعرض في وشي وفي شية ... مثل العرائس في حلي وفي حلل وما حملتم قرى الأضياف من سعة الأطباق ... إلا على الأكتاف والعجل وما خصصتم ببرّ أهل مملكة «3» ... حتّى عممتم به الأقصى من الملل كانت رواتبكم للوافدين وللضيف ... المقيم والطّارى «4» من الرّسل ثم (الطّراز) بتنّيس الذي عظمت ... منه الصّلات لأهل الأرض والدّول وللجوامع من أخماسكم «5» نعم ... ممن تصدّر في علم وفي عمل وربّما عادت الدّنيا فمعقلها ... منكم وأضحت بكم محلولة العقل والله! لا فاز يوم الحشر مبغضكم ... ولا نجا من عذاب النّار «6» غير ولي ولا سقي الماء من حرّ ومن ظمأ ... من كفّ خير البرايا خاتم الرّسل [ولا رأى جنة الله التي خلقت ... من خان عهد الإمام العاضد بن علي «7» ]

أئمّتي وهداتي والذخيرة لي ... إذا ارتهنت بما قدّمت من عمل والله «1» لم نوفهم في المدح حقّهم ... لأنّ فضلهم كالوابل الهطل ولو تضاعفت الأقوال واستبقت «2» ... ما كنت فيهم بحمد الله بالخجل باب النّجاة هم دنيا وآخرة ... وحبّهم فهو أصل الدّين والعمل نور الدّجى ومصابيح الهدى وهم ... من نور خالص نور الله لم يغل «3» والله لا «4» زلت عن حبّي لهم أبدا ... ما أخّر الله لي في مدّة الأجل قلت: وعمارة هذا لم يكن على معتقد الشّيعة بل فقيها شافعيا، قدم مصر برسالة عن القاسم بن هاشم بن أبي فليتة أمير مكة إلى الفائز أحد خلفائهم في سنة خمسين وخمسمائة في وزارة الصالح طلائع بن رزّيك، فأحسنوا له وبالغوا في بره، فأقام عندهم وتألف بهم، وأتى فيهم من المدح بما بهر العقول، ولم يزل مواليا هم حتّى زالت دولتهم واستولى «5» السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله، فرثاهم بهذه القصيدة، فكانت آخر أسباب حتفه، فصلب فيمن صلب بين القصرين من أتباع الدولة الفاطمية. تم الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع؛ وأوّله «الحالة الثالثة من أحوال المملكة، ما عليه ترتيب المملكة من ابتداء الدولة الأيوبية وإلى زماننا»

مصادر تحقيق وحواشي الجزء الثالث من صبح الأعشى

مصادر تحقيق وحواشي الجزء الثالث من صبح الأعشى 1- «ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم» تأليف أبي الحسن الدارقطني مؤسسة الكتب الثقافية- بيروت تحقيق بوران الضناوي وكمال يوسف الحوت 2- «أطلس العالم» 3- «الأعلام» قاموس تراجم تأليف خير الدين الزركلي- دار العلم للملايين- الطبعة الخامسة 1980 4- «الانتصار لواسطة عقد الأمصار» تأليف ابن دقماق تحقيق لجنة إحياء التراث العربي منشورات دار الآفاق الجديدة- بيروت 5- «بدائع الزهور في وقائع الدهور» تأليف ابن أياس الحنفي دار الكتب العلمية- بيروت الطبعة الأولى 1982 6- «بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب» تأليف محمود شكري الآلوسي البغدادي شرح وتصحيح وضبط محمد بهجه الأثري دار الكتب العلمية- بيروت 7- «تاريخ الإسلام» تأليف حسن إبراهيم حسن دار إحياء التراث العربي- الطبعة السابعة 1964 8- «تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل» تأليف أحمد السعيد سليمان دار المعارف مصر 9- «التعريف بمصطلحات صبح الأعشى» تأليف محمد قنديل البقلي الهيئة المصرية للكتاب- 1984 10- «تهذيب الأسماء واللغات» تأليف محي الدين بن شرف النووي دار الكتب العلمية- بيروت 11- «الجغرافيا في الصفوف الثانوية» 12- «جمهرة الأمثال» تأليف أبي هلال العسكري تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش المؤسسة العربية الحديثة- الطبعة الأولى 1964 13- «جمهرة رسائل العرب» في عصور

1 العربية الزاهرة تأليف أحمد زكي صفوت المكتبة العلمية- بيوت. 14- «الحياة العقلية في عصر الحروب الصليبية بمصر والشام» تأليف أحمد أحمد بدوي دار نهضة مصر للطبع والنشر 15- «الحياة الفكرية والأدبية بمصر من الفتح العربي حتى آخر الدولة الفاطمية» تأليف محمد كامل حسين مكتبة النهضة المصرية. 16- «الخطط التوفيقية الجديدة لمصر القاهرة» تأليف علي باشا مبارك الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1980 17- «الخطط المقريزية» منشورات دار صادر- بيروت 18- «الخط العربي وتطوره في العصور العباسية في العراق» تأليف سهيلة ياسين الجبّوري المكتبة الأهلية بغداد 1962 19- «الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جنّي» تأليف حسام سعيد النعيمي منشورات وزارة الثقافة والإعلام العراقية 20- «دائرة المعارف الإسلامية» تأليف مجموعة من المستشرقين أعداد وتحرير: إبراهيم زكي خورشيد- أحمد الشنتناوي- عبد الحميد يونس- منشورات كتاب الشعب- القاهرة 21- «الروض المعطار في خبر الأقطار» تأليف محمد بن عبد المنعم الحميري تحقيق إحسان عباس مكتبة لبنان- الطبعة الثانية 1984 22- «شرح قصيدة كعب بن زهير» تأليف محمد بن هشام الأنصاري تحقيق محمد حسن أبو ناجي منشورات مؤسسة علوم القرآن- الطبعة الثانية 1982 23- «صبح الأعشى في صناعته الإنشا» للقلقشندي- الطبعة الأميرية 24- «صفة جزيرة الأندلس» منتخبة من كتاب الروض المعطار عني بتصحيحها وتعليق حواشيها: ليفي بروفنسال- مطبعة لجنة التأليف والنشر والترجمة بمصر 25- «الشعر والشعراء أو طبقات الشعراء» تأليف ابن قتيبة الدينوري تحقيق مفيد قميحة دار الكتب العلمية- بيروت 26- «طبقات الشافعية» تأليف أبي بكر الحسيني تحقيق عادل نويهض دار الآفاق الجديدة بيروت- الطبعة الثالثة 1982 27- «فتوح البلدان» للبلاذري تحقيق عبد الله أنيس الطباع وعمر أنيس الطباع دار النشر للجامعيين 1957 28- «الفرق بين الضاد والظاء» تأليف الصاحب بن عباد تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين منشورات مكتبة النهضة والمكتبة العلمية- بغداد الطبعة الأولى- 1958 28- «فهرسة المخطوط العربي»

تأليف ميري عبودي فتوحي منشورات وزارة الإعلام والثقافة العراقية- 1980 30- «الفهرست» لابن النديم دار المعرفة بيروت 31- «فوات الوفيات» تأليف محمد بن شاكر الكتبي تحقيق إحسان عباس دار صادر- بيروت 32- «في التراث العربي» صدر منه الجزء الأول فقط تأليف مصطفى جواد تحقيق محمد جليل شلش وعبد الحميد العلوجي منشورات وزارة الإعلام العراقية 1975 33- «القاموس المحيط» للفيروز آبادي المؤسسة العربية للطبعة والنشر 34- «قضايا لغوية في ضوء القراءات القرآنية» تأليف صبحي الصالح منشورات كلية الآداب في الجامعة اللبنانية 35- «القلقشندي وكتابه صبح الأعشى» تأليف نخبة من الأساتذة منشورات وزارة الثقافة المصرية 36- «كتاب التعريفات» للجرجاني دار الكتب العلمية- بيروت- 1983 37- «كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون» لحاجي خليفة مع الذيول لإسماعيل باشا البغدادي منشورات دار الفكر 38- «الكلّيات» لأبي البقاء أيوب بن موسى الكفوي منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي- دمشق- الطبعة الثانية 1982 39- «لسان العرب» لابن منظور منشورات دار صادر 40- «معجم الألفاظ والأعلام القرآنية» تأليف محمد إسماعيل إبراهيم دار الفكر العربي- الطبعة الثانية 41- «معجم البلدان» لياقوت الحموي دار إحياء التراث العربي- بيروت 42- «المعجم الجغرافي» تأليف محمد محمود الصياد منشورات مجمع اللغة العربية بمصر 43- «معجم الشعراء للمرزباني ومعه «المؤتلف والمختلف» للآمدي. تصحيح وتعليق: د. ف. كرنسكو- دار الكتب العلمية- بيروت. 44- «معجم عبد النور المفصل» تأليف جبور عبد النور دار العلم للملايين- الطبعة الأولى 1983 45- «معجم قبائل العرب» تأليف عمر رضا كحالة مؤسسة الرسالة- بيروت 46- «معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع» للبكري تحقيق مصطفى السقّا منشورات عالم الكتب بيروت- الطبعة الثالثة 1983 47- «معجم مقاييس اللغة» لأحمد بن فارس تحقيق عبد السلام محمد هارون منشورات دار الفكر 1979 48- «معجم المؤلفين»

تأليف عمر رضا كحالة مكتبة المثنّى- بيروت ودار إحياء التراث العربي 49- «المعجم الوسيط» إخراج: إبراهيم أنيس- عبد الحليم منتصر- عطية الصوالحي- محمد خلف الله أحمد صادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة- الطبعة الثانية. 50- «مقدمة ابن خلدون» منشورات مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني- الطبعة الثانية 1979 51- «المنهل» قاموس فرنسي عربى تأليف جبور عبد النور وسهيل إدريس دار العلم للملايين ودار الآداب 1983 52- «المؤرخ ابن تغري بردي» تأليف مجموعة من الأساتذة منشورات وزارة الثقافة المصرية 53- «الموسوعة العربية الميسرة» بإشراف محمد شفيق غربال دار الشعب، ومؤسسة فرنكلين للطباعة والنشر 1965 54- «نزهة النفوس والأبدان في تواريخ الزمان» للخطيب الصيرفي تحقيق حسين حبشي منشورات وزارة الثقافة العراقية 1971 55- «نشأة الخط العربي وتطوره» تأليف محمود شكر الجبّوري مكتبة الشرق الجديد- بغداد 1974 56- «نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي» تأليف ظافر القاسمي دار الثقافة- الطبعة الثالثة 1980 58- «النظم الإسلامية» تأليف صبحي الصالح دار العلم للملايين- بيروت الطبعة الثانية 1968 58- «نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب» للقلقشندي دار الكتب العلمية- بيروت 59- «الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة» جمعها محمد حميد الله- دار النفائس- الطبعة الخامسة 1985 60- «الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي» تأليف محمد حمدي المناوي دار المعارف بمصر 61- «ولاة مصر» لمحمد بن يوسف الكندي تحقيق حسين نصار دار صادر- بيروت 62- «ياقوت المستعصمي» تأليف صلاح الدين المنجد دار الكتاب الجديد- بيروت0891.essuoraI L -63 L I» :UIago Agnago LL L «Les Arabes m jamais envahi LL-64 «Petit Iarousse illustre» Librairie LL

فهرس الجزء الثالث من كتاب صبح الأعشى

فهرس الجزء الثالث من كتاب صبح الأعشى الفصل الثاني- من الباب الثاني من المقالة الأولى في الكلام على نفس الخط؛ وفيه ثمانية أطراف 3 الطرف الأوّل- في فضيلة الخط 3 الطرف الثاني- في بيان حقيقة الخط 6 الطرف الثالث- في وضع الخط؛ وفيه جملتان 7 الجملة الأولى- في بيان المقصود من وضعه، والموازنة بينه وبين اللفظ 7 الجملة الثانية- في أصل وضعه؛ وفيه مسلكان 9 المسلك الأوّل- في وضع مطلق الحروف 9 المسلك الثاني- في وضع حروف العربية 10 الطرف الرابع- في عدد الحروف وجهة ابتدائها وكيفية ترتيبها؛ وفيه خمس جمل 20 الجملة الأولى- في مطلق الحروف في جميع اللغات 20 الجملة الثالثة- في حروف العربية 21 الجملة الثالثة- في بيان جهة ابتداءات الحروف 23 الجملة الرابعة- في كيفية ترتيب الحروف 23 الجملة الخامسة- في كيفية صور الحروف العربية؛ وتداخل أشكالها 24 الطرف الخامس- في تحسين الخط؛ وفيه جملتان 25 الجملة الأولى- في الحث على تحسين الخط 25 الجملة الثانية- في الطريق إلى تحسين الخط 27

الطرف السادس- في قواعد تتعلق بالكتابة لا يستغني الكاتب المجيد عن معرفتها، وفيه جملتان 28 الجملة الأولى- في هندسة الحروف، ومعرفة اعتبار صحتها 28 الجملة الثانية- في معرفة ما يقع به ابتداء الحروف وانتهاؤها من نقطة أو شظية أو غير ذلك. أما الابتداء فعلى ثلاثة أضرب 39 الضرب الأوّل- ما يبتدأ بنقطة 39 الضرب الثاني- ما يبتدأ بشظية 39 الضرب الثالث- ما يبتدأ بجلفة 40 الضرب الأوّل-[من ضروب الاختتام] ما يختم بقطة القلم 40 الضرب الثاني- ما يختم بشظية 40 الضرب الثالث- ما يرسل في ختمه إرسالا 40 الطرف السابع- في مقدّمات تتعلق بأوضاع الخط وقوانين الكتابة؛ وفيه ثلاث جمل 41 الجملة الأولى- في كيفية إمساك القلم عند الكتابة، ووضعه على الورق 41 الجملة الثانية- في كيفية الاستمداد ووضع القلم على الدرج 42 الجملة الثالثة- في وضع القلم على الأذن حال الكتابة عند التفكر 43 الطرف الثامن- في ذكر قوانين يعتمدها الكاتب في الخط؛ وفيه ست جمل 44 الجملة الأولى- في كيفية حركة اليد بالقلم في الكتابة 44 الجملة الثانية- في تناسب الحروف ومقاديرها في كل قلم 45 الجملة الثالثة- فيما يجب اعتماده لكل ناحية من نواحي القلم 49 الجملة الرابعة- في الترويس 50 الجملة الخامسة- فيما يطمس من الحروف ويفتح 50 الجملة السادسة- في ذكر الأقلام المستعملة في ديوان الإنشاء في زمان المؤلف 51 القلم الأوّل- قلم الطومار 54

القلم الثاني- قلم مختصر الطومار 61 القلم الثالث- قلم الثلث؛ وهو على نوعين 64 النوع الأوّل- الثلث الثقيل، وصوره مفرده ومركبة 64 الألف على ضربين: مفردة ومركبة الضرب الأوّل- المفردة 64 الضرب الثاني- المركب مع غيره من الحروف 65 الصورة الثانية- صورة الباء، وهي على ضربين 66 الضرب الأوّل- المفردة 66 وأما المركبة فعلى نوعين: متوسطة ومتطرفة 67 الصورة الثالثة- صورة الجيم وما شاكلها 68 الصورة الرابعة- صورة الدال وأختها؛ وهي على ضربين 72 الضرب الأوّل- المفردة 72 الضرب الثاني- المركبة 72 الصورة الخامسة- صورة الراء وأختها، وهي على ضربين 74 الضرب الأوّل- المفردة 74 الضرب الثاني- المركبة 75 الصورة السادسة- صورة السين 76 الصورة السابعة- صورة الصاد 77 الصورة الثامنة- صورة الطاء وأختها 78 الصورة التاسعة- صورة العين وأختها 80 الصورة العاشرة- صورة الفاء 84 الصورة الحادية عشرة- صورة القاف 85 الصورة الثانية عشرة- صورة الكاف 85 الصورة الثالثة عشرة- صورة اللام؛ وهي على ضربين 87 الضرب الأول- المفردة 87

الضرب الثاني- المركبة 87 الصورة الرابعة عشرة- صورة الميم، وهي على خمسة أضرب 88 الضرب الأوّل- المحققة 88 الضرب الثاني- المعلقة 89 الضرب الثالث- المسبلة 90 الضرب الرابع- المبسوطة 91 الضرب الخامس- المفتولة 91 الصورة الخامسة عشرة- صورة النون 91 الصورة السادسة عشرة- صورة الهاء؛ وهي على ضربين 93 الضرب الأول- المفردة 93 الضرب الثاني- المركبة 94 الصورة السابعة عشرة- صورة الواو 98 الصورة الثامنة عشرة- صورة اللام ألف 99 الصورة التاسعة عشرة- صورة الياء؛ وهي على ضربين 101 الضرب الأول- المفردة 101 الضرب الثاني- المركبة 102 النوع الثاني- قلم الثلث الخفيف 103 القلم الرابع- قلم التوقيع 104 القلم الخامس- قلم الرقاع 116 القلم السادس- قلم الغبار 125 الجملة السابعة- في كتابة البسملة؛ وفيها مهيعان 127 المهيع الأوّل- في ذكر قواعد جامعة للبسملة في جميع الأقلام 127 المعيع الثاني- في بيان صورة البسملة في كل قلم من الأقلام التي تستعمل في ديوان الإنشاء 128 الجملة الثامنة- في وجوه تجويد الكتابة وتحسينها؛ وهي على ضربين 137

الضرب الأول- حسن التشكيل 137 الضرب الثاني- حسن الوضع 137 الكلمة الأصلية- اسما كانت أو حرفا أو فعلا، لا تخرج عن أربعة أصناف 139 الصنف الأوّل- الثنائية 139 الصنف الثاني- الثلاثية 139 الصنف الثالث- الرباعية 140 الصنف الرابع- الخماسية 140 مراعاة فواصل الكلام 143 حسن التدبير- في قطع الكلام ووصله في أواخر السطور وأوائلها 144 الفصل المستقبح- في آخر السطر وأوّل الذي يليه صنفان 144 الصنف الأوّل- فصل بعض حروف الكلمة الواحدة عن بعض وتفريقها في السطر والذي يليه 145 الصنف الثاني- فصل الكلمة التامة وصلتها 146 الفصل الثالث- من الباب الثاني من المقالة الأولى في لواحق الخط وفيه مقصدان 147 المقصد الأوّل- في النقط؛ وفيه أربع جمل 147 الجملة الأولى- في مسيس الحاجة إليه 147 الجملة الثانية- في ذكر أوّل من وضع النقط 149 الجملة الثالثة- في بيان صورة النقط وكيفية وضعه 150 الجملة الرابعة- فيما يختص بكل حرف من النقط وما لا نقط له 150 المقصد الثاني- في الشكل؛ وفيه خمس جمل 154 الجملة الأولى- في اشتقاقه ومعناه 154 الجملة الثانية- في أوّل من وضع الشكل 154 الجملة الثالثة- في الترغيب في الشكل والترهيب عنه 156 الجملة الخامسة- فيما ينشأ عنه الشكل ويترتب عليه 158 الجملة الخامسة- في صور الشكل ومحال وضعه على طريقة المتقدّمين

والمتأخرين 159 الأولى- علامة السكون 160 الثانية- علامة الفتح 161 الثالثة- علامة الضم 161 الرابعة- علامة الكسر 162 الخامسة- علامة التشديد 162 السادسة- علامة الهمزة 163 السابعة- علامة الصلة في ألفات الوصل 165 الفصل الرابع- من الباب الثاني من المقالة الأولى في الهجاء؛ وفيه مقصدان 168 المقصد الأوّل- في مصطلحه الخاص؛ وهو على ضربين 168 الضرب الأوّل- المصطلح الرسميّ 168 الضرب الثاني- المصطلح العروضيّ 168 المقصد الثاني- في المصطلح العام؛ وفيه جملتان 169 الجملة الأولى- في الإفراد والحذف والإثبات والإبدال 169- المكتوب على المصطلح المعروف على قسمين 170 القسم الأول- ما له صورة تخصه من الحروف؛ وهو على ضربين 170 الضرب الأوّل- ما هو على أصله المعتبر فيه في ذوات الحروف وعددها الخ 170- اللفظ الذي يكتب على نوعين 173 النوع الأوّل- أن يكون أسما لحرف من حروف الهجاء 173 النوع الثاني- ألا يكون اسما لحرف من حروف المعجم 174 الضرب الثاني- ما تغير عن أصله؛ وهو على ثلاثة أنواع 175 النوع الأوّل- ما تغير بالزيادة 175 النوع الثاني- ما يغير بالنقص 180

النوع الثالث- ما يغير بالبدل 197 القسم الثاني- ما ليس له صورة تخصه، وهو الهمزة؛ ولها ثلاثة أحوال 204 الحال الأوّل- أن تكون في أوّل الكلمة 205 الحال الثاني- أن تكون متوسطة؛ ولها حالتان 206 الحال الثالث- أن تكون الهمزة آخرا؛ ولها حالتان 208 الجملة الثانية- في حالة التركيب والفصل والوصل 212 الفصل الخامس- من الباب الثاني من المقالة الأولى فيما يكتب بالظاء مع بيان ما يقع الاشتباه فيه مما يكتب بالضاد 220 المقالة الثانية في المسالك والممالك؛ وفيها أربعة أبواب 228 الباب الأوّل- في ذكر الأرض على سبيل الإجمال؛ وفيه ثلاثة فصول 228 الفصل الأوّل- في معرفة شكل الأرض وإحاطة البحر بها الخ؛ وفيه طرفان 228 الطرف الأوّل- في شكل الأرض وإحاطة البحر بها 228 الطرف الثاني- فيما اشتملت عليه الأرض من الأقاليم الطبيعية 232 الفصل الثاني- في البحار التي يتكرر ذكرها بذكر البلدان؛ وفيه طرفان 237 الطرف الأوّل- في البحر المحيط 237 الطرف الثاني- في البحار المنبثّة في أقطار الأرض؛ وهي على ضربين 239 الضرب الأوّل- الخارج من البحر المحيط وما يتصل به 239 الضرب الثاني- من البحار المنبثة في أقطار الأرض، ما ليس له اتصال بالبحر المحيط 257 الفصل الثالث- في كيفية استخراج جهات البلدان والأبعاد الواقعة بينها، وفيه طرفان 259 الطرف الأوّل- في كيفية استخراج جهات البلدان 259

الطرف الثاني- في معرفة الأبعاد الواقعة بين البلدان 260 الباب الثاني- في ذكر الخلافة ومن وليها من الخلفاء، ومقرّاتهم في القديم والحديث الخ؛ وفيه فصلان 263 الفصل الأوّل- في ذكر الخلافة ومن وليها من الخلفاء؛ وهم على أربع طبقات 263 الطبقة الأولى- الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم 264 الطبقة الثانية- خلفاء بني أمية 266 الطبقة الثالثة- خلفاء بني العباس بالعراق 268 الطبقة الرابعة- خلفاء بني العباس بالديار المصرية 277 وأما مقرّات الخلفاء، فهي أربع مقرّات: المقرّة الأولى- المدينة النبوية 283 المقرّة الثانية- الشام 283 المقرّة الثالثة- العراق 284 المقرّة الرابعة- الديار المصرية 284 الفصل الثاني- فيما انطوت عليه الخلافة من الممالك في القديم، وما كانت عليه من الترتيب، وما هي عليه الآن؛ ولها حالتان 285 الحالة الأولى- ما كان عليه الحال في الزمن القديم 286 شعار الخلافة 289 الوظائف المعتبرة عندهم على ضربين 294 الضرب الأوّل- وظائف أرباب السيوف 295 الضرب الثاني- وظائف أرباب الأقلام 298 الحالة الثانية- ما صار إليه الأمر بعد انتقال الخلافة إلى الديار المصرية 299 الباب الثالث- في ذكر مملكة الديار الصمرية، وفيه ثلاثة فصول 304 الفصل الأوّل- في مملكة الديار المصرية ومضافاتها، وفيه طرفان 304 الطرف الأوّل- في الديار المصرية؛ وفيه اثنا عشر مقصدا 304

المقصد الأوّل- في فضلها ومحاسنها 304 المقصد الثاني- في ذكر خواصها وعجائبها، وما بها من الآثار القديمة 310 المقصد الثالث- في ذكر نيلها ومبدئه وانتهائه وزيادته ونقصه الخ 315 المقصد الرابع- في ذكر خلجانها؛ وهي ستة 329 الخليج الأوّل- المنهى 329 الخليج الثاني- خليج القاهرة 331 الخليج الثالث- خليج السردوس 333 الخليج الرابع- الإسكندرية 334 الخليج الخامس- خليج سخا 335 الخليج السادس خليج دمياط 335 المقصد الخامس- في ذكر بحيرات الديار المصرية وهي أربع بحيرات 337 المقصد السادس- في ذكر جبالها 339 المقصد السابع- في ذكر زروعها ورياحينها وفواكهها وأصناف المطعوم بها 343 المقصد الثامن- في ذكر مواشيها ووحوشها وطيورها 346 المقصد التاسع- في ذكر حدودها 347 المقصد العاشر- في ابتداء عمارتها، وتسميتها مصر وتفرّع الأقاليم التي حولها عنها 350 المقصد الحادي عشر- في ذكر قواعدها القديمة والمباني العظيمة الباقية الخ وقواعدها القديمة على ضربين 353 الضرب الأوّل- ما قبل الطوفان 353 الضرب الثاني- قواعدها فيما بعد الطوفان 353 الضرب الثاني عشر- في ذكر قواعدها المستقرّة؛ وهي ثلاث 366 القاعدة الأولى- مدينة الفسطاط 366 (جوامعها) 382 القاعدة الثانية- القاهرة 392

(جوامعها) 410 القاعدة الثالثة- القلعة 421 الفصل الثاني- في ذكر كور الديار المصرية؛ وهي على ضربين 430 الضرب الأوّل- في ذكر كورها القديمة؛ وهي ثلاثة أحياز 430 الحيز الأوّل- أعلى الأرض؛ وهو الصعيد 430 الحيز الثاني- أسفل الأرض؛ وهو أربع نواح 436 الناحية الأولى- كور الحوف الشرقي؛ وبها ثمان كور 436 الناحية الثانية- بطن الريف، وفيها سبع كور 438 الناحية الثالثة- الجزيرة بين فرقتي النيل الشرقية والغربية؛ وفيها خمس كور 439 الناحية الرابعة- الحوف الغربي؛ وفيها إحدى عشرة كورة 441 الحيز الثالث- كور القبلة؛ وفيها خمس كور 443 الحيز الأوّل-[مما لم يذكره القضاعي] بلاد الواح 446 الحيز الثاني- برقة 447 الضرب الثاني- من كور الديار المصرية نواحيها وأعمالها المستقرّة ولها وجهان 449 الوجه الأوّل- القبلي 449 الوجه الثاني- البحري؛ ويشتمل على ثلاث شعب 456 الشعبة الأولى- شرقي الفرقة الشرقية من النيل؛ وفيها أربعة أعمال 457 الشعبة الثانية- غربي فرقة النيل الغربية؛ وفيها عملان 462 الشعبة الثالثة- ما بين فرقتي النيل الشرقية والغربية؛ وهو جزيرتان 465 الفصل الثالث- فيمن ملك الديار المصرية جاهلية وإسلاما، وهم على ثلاث مراتب 468 المرتبة الأولى- من ملكها قبل الطوفان 468 المرتبة الثانية- من ملكها بعد الطوفان إلى حين الفتح الاسلامي؛

وهم على طبقات 469 الطبقة الأولى- ملوكها من القبط 470 الطبقة الثانية- ملوكها من العماليق ملوك الشام 473 الطبقة الثالثة- ملوكها من القبط بعد العمالقة 474 الطبقة الرابعة- ملوكها من الفرس 475 الطبقة الخامسة- ملوكها من اليونان 476 المرتبة الثالثة- من وليها في الإسلام من بداية الأمر إلى زمن المؤلف وهم على ضربين 482 الضرب الأوّل- فيمن وليها نيابة، وهو الصدر الأوّل؛ وهم على ثلاث طبقات 482 الطبقة الأولى- عمال الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم 482 الطبقة الثانية- عمال خلفاء بني أمية بالشام 483 الطبقة الثالثة- عمال خلفاء بني العباس بالعراق 486 الضرب الثاني- من وليها ملكا؛ وهم على أربع طبقات 490 الطبقة الأولى- من وليها عن بني العباس قبل دولة الفاطميين 490 الطبقة الثانية- من وليها من الخلفاء الفاطميين 493 الطبقة الثالثة- ملوك بني أيوب 495 الطبقة الرابعة- ملوك الترك 497 الفصل الرابع- في ذكر ترتيب أحوال الديار المصرية، وفيه ثلاثة أطراف 506 الطرف الأوّل- في ذكر معاملاتها؛ وفيه ثلاثة أركان 506 الركن الأوّل- الأثمان؛ وهي على ثلاثة أنواع 506 النوع الأوّل- الدنانير المسكوكة؛ وهي ضربان 506 الضرب الأوّل- ما يتعامل به وزنا 506 الضرب الثاني- ما يتعامل به معادّة 507

النوع الثاني- الدراهم النقرة 509 النوع الثالث- الفلوس 510 الركن الثاني- في المثمنات؛ وهي على ثلاثة أنواع 511 النوع الأوّل- الموزونات 511 النوع الثاني- المكيلات 512 النوع الثالث- المقيسات؛ وهي الأراضي والأقمشة 512 أما الأراضي فصنفان: الصنف الأوّل- أرض الزراعة 512 الصنف الثاني- أرض البنيان 513 الركن الثالث- في الأسعار 514 الطرف الثاني- في ذكر جسورها وأصناف أرضها؛ وما يختص بكل صنف الخ 515 أما جسورها فعلى صنفين: الصنف الأوّل- الجسور السلطانية 515 الصنف الثاني- الجسور البلدية 516 الطرف الثالث- في وچوه أموالها الديوانية؛ وهي على ضربين 519 الضرب الأوّل- الشرعي، وهو على سبعة أنواع 519 النوع الأوّل- المال الخراجي 519 والجاري في الدواوين منه على ضربين: الضرب الأوّل- ما هو داخل في الدواوين السلطانية، وهو الآن (زمن المؤلف) على أربعة أصناف 522 الصنف الأول- ما هو جار في ديوان الوزارة 522 الصنف الثاني- ما هو جار في ديوان الخاص 523 الصنف الثالث- ما هو جار في الديوان المفرد 524 الصنف الرابع- ما هو جار في ديوان الأملاك 524

الضرب الثاني- ما هو جار في الإقطاعات 525 النوع الثاني- ما يتحصل مما يستخرج من المعادن 526 النوع الثالث- الزكاة 529 النوع الرابع- الجوالي 530 النوع الخامس- ما يؤخذ من تجار الكفار الواصلين في البحر إلى الديار المصرية 531 النوع السادس- المواريث الحشرية 532 النوع السابع- ما يتحصل من دار الضرب بالقاهرة، والذي يضرب فيها ثلاثة أصناف 533 الصنف الأوّل- الذهب 533 الصنف الثاني- الفضة النقرة 535 الصنف الثالث- الفلوس المتخذة من النحاس الأحمر 535 الضرب الثاني- من الأموال الديوانية بالديار المصرية غير الشرعي، وهو المكوس؛ وهي على نوعين 536 النوع الأوّل- ما يختص بالديوان السلطاني، وهو صنفان 536 الصنف الأوّل- ما يؤخذ على الواصل المجلوب وأكثره متحصلا جهتان 536 الجهة الأولى- ما يؤخذ على واصل التجار الكارمية من البضائع في بحر القلزم من جهة الحجاز واليمن وما والاهما 536 الجهة الثانية- ما يؤخذ على واصل التجار بقطيا في طريق الشام 538 الصنف الثاني- ما يؤخذ بحاضرة الديار المصرية بالفسطاط والقاهرة 538 النوع الثاني- ما لا اختصاص له بالديوان السلطاني 539 في ترتيب المملكة؛ ولها ثلاث حالات 539 الحالة الأولى- ما كانت عليه من حين الفتح إلى آخر الدولة الاخشيدية 539 الحالة الثانية- ما كانت عليه في زمن الخلفاء الفاطميين، وتنحصر في ثلاث جمل 539

الجملة الأولى- في الآلات الملوكية المختصة بالمواكب العظام 540 الجملة الثانية- في حواصل الخليفة؛ وهي على خمسة أنواع 545 النوع الأوّل- الخزائن 545 النوع الثاني- حواصل المواشي 548 النوع الثالث- حواصل الغلال وشون الأتبان 549 النوع الرابع- حواصل البضاعة 550 النوع الخامس- ما في معنى الحواصل 550 الجملة الثالثة- في ذكر جيوش الدولة الفاطمية وبيان مراتب أرباب السيوف؛ وهم على ثلاثة أصناف 551 الصنف الأوّل- الأمراء 551 الصنف الثاني- خواص الخليفة؛ وهم على ثلاثة أنواع 551 النوع الأوّل- الأستاذون 551 النوع الثاني- صبيان الخاص 552 النوع الثالث- صبيان الحجر 552 الصنف الثالث- طوائف الأجناد 552 الجملة الرابعة- في ذكر أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية، وهم على قسمين 553 القسم الأوّل- ما بحضرة الخليفة، وهم أربعة أصناف 553 الصنف الأوّل- أرباب الوظائف من أرباب السيوف؛ وهم نوعان 553 النوع الأوّل- وظائف عامة الجند 553 النوع الثاني- وظائف خواص الخليفة من الأستاذين، وهي على ضربين 555 الضرب الأوّل- ما يختص بالأستاذين المحنكين 555 الضرب الثاني- ما يكون من غير المحنكين 557 الصنف الثاني- من أرباب الوظائف بحضرة الخليفة أرباب الأقلام؛ وهم على ثلاثة أنواع 557

النوع الأوّل- أرباب الوظائف الدينية 557 النوع الثاني- من أرباب الأقلام أصحاب الوظائف الدينية، وهي على أربعة أضرب 560 الضرب الأوّل- الوزارة إذا كان الوزير صاحب قلم 560 الضرب الثاني- ديوان الإنشاء 563 الضرب الثالث- ديوان الجيش والرواتب 565 الضرب الرابع- نظر الدواوين 566 الصنف الثالث- من أرباب الوظائف أصحاب الوظائف الصناعية 569 الصنف الرابع- الشعراء 569 القسم الثاني- من أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية ما هو خارج عن حضرة الخلافة وهو صنفان 570 الصنف الأوّل- النوّاب والولاة 570 الجملة الخامسة- من ترتيب مملكتهم في هيئة الخليفة في مواكبه وقصوره؛ وهي على ثلاثة أضرب 571 الضرب الأوّل- جلوسه في المواكب؛ وله ثلاثة جلوسات 571 الجلوس الأوّل- جلوسه في المجلس العام أيام المواكب 571 الجلوس الثاني- جلوسه للقاضي والشهود في ليالي الوقود الأربع من كل سنة 574 الجلوس الثالث- جلوسه في مولد النبي صلى الله عليه وسلم 576 الضرب الثاني- ركوبه في المواكب؛ وهو على نوعين 577 النوع الأوّل- ركوبه في المواكب العظام، وهي ستة مواكب 577 الموكب الأوّل- ركوب أوّل العام 577 الموكب الثاني- ركوب أوّل شهر رمضان 583 الموكب الثالث- ركوبه في أيام الجمع الثلاث من شهر رمضان 583 الموكب الرابع- ركوبه لصلاة عيدي الفطر والأضحى 585

الموكب الخامس- ركوبه لتخلق المقياس عند وفاء النيل 590 الموكب السادس- ركوبه لفتح الخليج 592 النوع الثاني- من مواكبهم المواكب المختصرة في أثناء السنة 595 الضرب الثالث- من هيئة الخليفة هيئته في قصوره 595 الجملة السادسة- في اهتمامهم بالأساطيل، وحفظ الثغور، واعتنائهم بأمر الجهاد، وسيرهم في رعاياهم، واستمالة قلوب مخالفيهم 596 الجملة السابعة- في إجراء الأرزاق والعطاء لأرباب الخدم بدولتهم وما يتصل بذلك من الطعمة 598 وأما الطعمة- فعلى ضربين 600 الضرب الأوّل- الأسمطة التي تمدّ في شهر رمضان والعيدين 600 الضرب الثاني- فيما كان يعمل بدار الفطرة في عيد الفطر 602 في جلوس الوزير للمظالم الخ 603

الجزء الرابع

الجزء الرابع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ صلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه [تتمة المقالة الثانية] [تتمة الباب الثالث] [تتمة الفصل الأول] الحالة الثالثة من أحوال المملكة، ما عليه ترتيب المملكة من ابتداء الدولة الأيوبية وإلى زماننا واعلم أن الدولة الأيوبية لما طرأت على الدولة الفاطمية وخلفتها في الديار المصرية، خالفتها في كثير من ترتيب المملكة، وغيّرت غالب معالمها «1» ، وجرت على ما كانت عليه الدولة الأتابكية عماد الدين زنكي بالموصل، ثم ولده الملك العادل نور الدين محمود بالشام وما معه؛ وكان من شأنهم أنهم يلبسون الكلوتات «2» الصّفر على رؤوسهم مكشوفة بغير عمائم، وذوائب شعورهم مرخاة

تحتها سواء في ذلك المماليك والأمراء وغيرهم، حتّى يحكى عن الملك المعظم عيسى بن العادل أبي بكر صاحب دمشق في اطّراح التكلّف: أنه كان يلبس الكلوتة الصفراء بلا شاش، ويخترق الأسواق من غير أن يطرّق بين يديه كغيره من الملوك، وكان سيف الدين غازي بن عماد الدين زنكي حين ملك الموصل بعد أبيه أحدث حمل السّنجق «1» على رأسه، فتبعه الملوك على ذلك؛ وألزم الأجناد أن يشدّوا السيوف في أوساطهم، ويجعلوا الدّبابيس تحت ركبهم عند الركوب كما حكاه السلطان عماد الدين «2» صاحب حماة في تاريخه. فلما ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله الديار المصرية، جرى على هذا المنهج أو ما قاربه، وجاءت الدولة التركية «3» ، وقد تنقحت المملكة وترتّبت، فأخذت في الزيادة في تحسين الترتيب وتنضيد الملك وقيام أبّهته، ونقلت عن كل مملكة أحسن ما فيها، فسلكت سبيله ونسجت على منواله حتّى تهذّبت وترتبت أحسن ترتيب، وفاقت سائر الممالك، وفخر ملكها على سائر الملوك. ولم يزل السلطان والجند يلبسون الكلوتة الصفراء بغير عمامة إلى أن ولي السلطان «الملك الأشرف خليل» «4» بن السلطان الملك الناصر محمد بن

المقصد الأول في ذكر رسوم الملك وآلاته؛ وهو أنواع كثيرة، بعضها عام في الملوك أو أكثرهم، وبعضها خاص بهذه المملكة

قلاوون السلطنة، فأحدث الشاش عليها فجاءت في نهاية من الحسن، وصاروا يلبسونها فوق الذّوائب الشعر المرخاة على ما كان عليه الأمر أوّلا إلى أن حجّ السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سلطنته الثالثة «1» ، فحلق رأسه وحلق الناس رؤوسهم، واستداموا حلق رؤوسهم وتركت ذوائب الشعر إلى الآن. ويتعلق القول من ذلك بعشرة مقاصد. المقصد الأوّل في ذكر رسوم الملك وآلاته؛ وهو أنواع كثيرة، بعضها عامّ في الملوك أو أكثرهم، وبعضها خاصّ بهذه المملكة منها: (سرير الملك) ويقال له تخت «2» الملك. وهو من الأمور العامة للملوك، وقد تقدّم أن أوّل من اتخذ مرتبة للجلوس عليها في الإسلام معاوية رضي الله عنه حين بدّن «3» ، ثم تنافس الخلفاء والملوك بعده في الإسلام في ذلك حتّى اتخذوا الأسرّة، وكانت أسرّة خلفاء بني العبّاس ببغداد يبلغ علوّها نحو سبعة أذرع. وهو في هذه المملكة منبر من رخام بصدر إيوان السلطان الذي يجلس فيه، وهو على هيئة منابر الجوامع إلا أنه مستند إلى الحائط، وهذا المنبر يجلس عليه السلطان في يوم مهمّ كقدوم رسل عليه ونحو ذلك؛ وفي سائر الأيام يجلس على كرسيّ من خشب مغشى بالحرير، إذا أرخى رجليه كادتا أن تلحقا الأرض، وفي داخل قصوره يجلس على كرسيّ صغير من حديد يحمل معه إلى حيث يجلس. ومنها: (المقصورة) للصلاة في الجامع. وقد تقدّم في الكلام على ترتيب الخلافة أن أوّل من اتخذها في الإسلام معاوية، وقد صارت سنّة لملوك الإسلام بعد ذلك تمييزا للسلطان عن غيره من الرعية، وهي في هذه المملكة

مقصورة بجامع قلعة الجبل «1» على القرب من المنبر متّخذة من شباك حديد محكمة الصنعة، يصلّي فيها السلطان ومن معه من أخصاء خاصكيته «2» يوم الجمعة. ومنها: (نقش اسم السلطان) على ما ينسج ويرقم من الكسوة والطّرز المتخذة من الحرير أو الذهب بلون مخالف للون القماش أو الطرز لتصير الثياب والطّرز السلطانية مميّزة عن غيرها، تنويها بقدر لابسها: من السلطان أو من يشرّفه بلبسها عند ولاية وظيفة أو إنعام أو غير ذلك. ولذلك دار مفردة بعمله بالإسكندريّة تعرف بدار الطّراز، وعلى ذلك كانت خلفاء الدولتين: بني أميّة وبني العباس حين كانت الخلافة قائمة. ومنها: (الغاشية) . وهي غاشية سرج من أديم مخروزة بالذهب، يخالها الناظر جميعها مصنوعة من الذهب، تحمل بين يديه عند الركوب في المواكب الحفلة كالميادين والأعياد ونحوها، يحملها الرّكاب داريّة «3» ، رافعا لها على يديه يلفتها يمينا وشمالا، وهي من خواص هذه المملكة. ومنها: (المظلّة) . ويعبر عنها بالچتر «4» (بجيم مكسورة، قد تبدل شينا معجمة، وتاء مثناة فوق) ؛ وهي قبّة من حرير أصفر مزركش بالذهب؛ على

أعلاها طائر من فضّة مطليّة بالذهب، تحمل على رأسه في العيدين. وهي من بقايا الدولة الفاطمية، وقد تقدّم الكلام عليها مبسوطا في الكلام على ترتيب مملكتهم. ومنها: (الرّقبة) . وهي رقبة من أطلس أصفر مزركشة بالذهب بحيث لا يرى الأطلس لتراكم الذهب عليها؛ تجعل على رقبة الفرس في العيدين والميادين من تحت أذني الفرس إلى نهاية عرفه؛ وهي من خواصّ هذه المملكة. ومنها: (الجفتة) وهما اثنان من أوشاقية «1» إصطبله قريبان في السنّ، عليهما قباءان أصفران من حرير بطراز من زركش، وعلى رأسيهما قبّعتان من زركش، وتحتهما فرسان أشهبان برقبتين وعدّة، نظير ما السلطان راكب به كأنهما معدّان لأن يركبهما يركبان أمامه في أوقات مخصوصة كالركوب للعب الكرة في الميدان الكبير ونحو ذلك، وهما من خواصّ هذه المملكة. ومنها: (الأعلام) . وهي عدّة رايات، منها راية عظيمة من حرير أصفر مطرّزة بالذهب، عليها ألقاب السلطان واسمه، وتسمّى العصابة؛ وراية عظيمة في رأسها حصلة من الشعر تسمّى الچاليش؛ ورايات صفر صغار تسمّى السّناجق. قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه: وأوّل من حمل السنجق على رأسه من الملوك في ركوبه غازي بن زنكي، وهو أخو السلطان نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشأم. ومنها: (الطبلخاناه) . وهي طبول متعدّدة معها أبواق وزمر «2» تختلف أصواتها على إيقاع مخصوص، تدقّ في كل ليلة بالقلعة بعد صلاة المغرب، وتكون صحبة الطلب في الاسفار والحروب، وهي من الآلات العامّة لجميع

المقصد الثاني في حواصل السلطان، وهي على أربعة أنواع.

الملوك. ويقال إن الإسكندر كان معه أربعون حملا طبلخاناه، وقد كتب أرسطو في «كتاب السياسة» الذي كتبه للإسكندر أن السرّ في ذلك إرهاب العدوّ في الحرب. والذي ذهب إليه بعض المحققين أن السرّ في ذلك أن في أصواتها تهييجا للنفس عند الحرب وتقوية الجأش كما تنفعل الإبل بالحداء ونحو ذلك. ومنها: (الكوسات) وهي صنوجات من نحاس شبه التّرس الصغير، يدقّ بأحدها على الآخر بإيقاع مخصوص، ومع ذلك طبول وشبّابة، يدق بها مرتين في القلعة في كل ليلة، ويدار بها في جوانبها مرة بعد العشاء الآخرة، ومرة قبل التسبيح على الموادن «1» ، وتسمّى الدّورة بذلك في القلعة، وكذلك إذا كان السلطان في السفر تدور حول خيامه. ومنها: (الخيام والفساطيط) في الأسفار. ولهذا السلطان من ذلك المدد الكبير، تتخذ له الخيام العظيمة الشأن المختلفة المقادير والصنعة من القطن الشاميّ الملوّن بالأبيض والأحمر والأزرق وغيرها، وكذلك من الجوخ المختلف الألوان مما يدهش بحسنه العقول: لينوب مناب قصورهم في الإقامة، وسيأتي ذكر أمور أخرى من آلات الملك سوى ما تقدّم منفردة في أماكنها إن شاء الله تعالى. المقصد الثاني في حواصل السلطان، وهي على أربعة أنواع «2» . النوع الأوّل الحواصل المعبّر عنها بالبيوت وذلك أنهم يضيفون كل واحد منها إلى لفظ خاناه كالطشت خاناه، والشراب خاناه ونحوهما؛ وخاناه لفظ فارسيّ معناه البيت، والمعنى بيت كذا إلا أنهم

يؤخرون المضاف عن المضاف إليه على عادة العجم في ذلك، وهي ثمانية بيوت: الأوّل- (الشّراب خاناه) . ومعناه بيت الشراب، وتشتمل على أنواع الأشربة المرصدة لخاصّ السلطان، والمشروب الخاص من السكر والأقسما «1» وغير ذلك، وفيها يكون السكر المخصوص بالمشروب، وبها الأواني النفيسة من الصّينيّ الفاخر من اللازورديّ وغيره مما تساوي السّكرّجة «2» الواحدة اللطيفة منه ألف درهم فما حوله. ووظيفة الشادّ «3» بها تكون لأمير من أكابر أمراء المئين الخاصكية المؤتمنين، ولها مهتار «4» يعرف بمهتار الشراب خاناه متسلم لحواصلها، له مكانة علية، وتحت يده غلمان عنده برسم الخدمة، يطلق على كل منهم شراب دار، وسيأتي في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة معنى الإضافة إلى الدار في ذلك ونحوه. الثاني- (الطّشت خاناه) . ومعناه بيت الطشت، سميت بذلك لأنّ فيها يكون الطّشت الذي تغسل فيه الأيدي والطّشت الذي يغسل فيه القماش، وقد غلب عليهم استعمال لفظ الطشت بشين معجمة مع كسر الطاء، وصوابه بالسين المهملة مع فتح الطاء، وأصله طسّ بسين مشدّدة فأبدلت من إحدى السينين تاء

للاستثقال. فإذا جمع أو صغّر، ردّت السين إلى أصلها، فيقال في الجمع طساس وطسوس، وفي التصغير طسيس. قال الجوهريّ: ويقال فيه أيضا طسّة، ويجمع على طسّات، والناس الآن يقولون طاسة ويجمعونه على طاسات، ويجعلون الطّست اسما لنوع خاص، والطاسة اسما لنوع خاص. وفي الطّشت خاناه يكون ما يلبسه السلطان من الكلوتة والأقبية «1» وسائر الثياب والسيف والخفّ والسّرموزة «2» وغير ذلك. وفيها يكون ما يجلس عليه السلطان من المقاعد والمخادّ والسّجّادات التي يصلّي عليها وما شاكل ذلك، ولها أيضا مهتار من كبار المهتارية، يعرف بمهتار الطّشت خاناه، وتحت يديه عدّة غلمان بعضهم يعرفون بالطشت دارية، وبعضهم يعرف بالرختوانية «3» . وله التحدّث في تفرقة اللحم على المماليك السلطانية من الحوائج خاناه وإقامة قبّاض اللحم، ويطلق على كلّ من غلمان الطشت خاناه وقباض اللحم بابا، وهي لفظة رومية بمعنى الأب، أطلقوها على مهتار الطّشت خاناه تعظيما له، غلبت على من عداه، ولغلمانها دربة بترتيب الأحمال التي تحمل على ظهور البغال للزينة في المواكب العظيمة ونحوها، يأتون فيها من بديع الصّنعة والتعاليق الغربية بكل عجيب، وهم يتباهون بذلك، ويسامي بعضهم بعضا فيه. الثالث- (الفراش خاناه) . ومعناها بيت الفراش، وتشتمل على أنواع الفرش من البسط والخيام؛ ولها مهتار يعرف بمهتار الفراش خاناه، وتحت يده جماعة من الغلمان مستكثرة مرصدون للخدمة فيها في السفر والحضر يعبر عنهم

بالفرّاشين، وهم من أمهر الغلمان وأنهضهم، ولهم دربة عظيمة في نصب الخيام حتّى إن الواحد منهم ربما أقام الخيمة العظيمة ونصبها وحده بغير معاون له في ذلك، ولهم معرفة تامّة بشدّ الأحمال التي تحمل في المواكب على ظهور البغال، يبلغ الحمل منها نحو خمسة عشر ذراعا. الرابع- (السّلاح خاناه) . ومعناها بيت السلاح، وربما قيل الزّردخاناه ومعناها بيت الزّرد لما فيها من الدروع الزّرد؛ وتشتمل على أنواع السلاح: من السيوف، والقسيّ العربية، والنّشّاب، والرماح، والدروع المتخذة من الزرد الماتع «1» ، والقرقلات «2» المتخذة من صفائح الحديد المغشّاة بالديباج الأحمر والأصفر، وغير ذلك من الأطبار «3» وسائر أنواع السلاح، ويقلّ بها قسيّ الرّجل والرّكاب لعدم معاناتها بالديار المصرية، وإنما تكثر بالثغور كالإسكندريّة وغيرها، وفي كل سنة يحمل إليها ما يعمل بخزائن السلاح من الأسلحة، يجعل على رؤوس الحمّالين ويزفّ إلى القلعة ويكون يوما مشهودا، وفي هذه السلاح خاناه من الصّنّاع المقيمين بها لإصلاح العدد وتجديد المستعملات جماعة كبيرة، ويسمّى صانع ذلك الزردكاش، وهي لفظة عجمية وكأن «4» معناها صانع الزرد، ولها غلمان أخرى وفرّاشون بسبب خدمة القماش وافتقاده. الخامس- (الرّكاب خاناه) . ومعناها بيت الركاب، وتشتمل على عدد

الخيل من السروج، واللجم، والكنابيش «1» ، وعبي «2» المراكيب، والعبي الإصطبليات، والأجلال، والمخالي وغير ذلك من الأصناف التي يطول ذكرها؛ وفيها من السّروج المغشّاة بالذهب والفضة المطلية والساذجة والكنابيش المتخذة من الذهب المزركش المزهّرة بالريش، وغير المزهرة، والعبي المتّخذة من الحرير وصوف السهك «3» ، وغير ذلك من نفائس العدد والمراكيب ما يحير العقول ويدهش البصر، مما لا يقدر على مثله إلا عظماء الملوك. ولها مهتار متسلم لحواصلها يعبر عنه بمهتار الركاب خاناه، وتحت يده رجال لمعاضدته على ذلك. السادس- (الحوائج خاناه) . ومعناها بيت الحوائج، وليست على هيئة البيوت المتقدّمة مشتملة على حاصل معيّن، وإنما لها جهة تحت يد الوزير منها يصرف اللّحم الراتب «4» للمطبخ السلطانيّ والدور السلطانية ورواتب الأمراء والمماليك السلطانية وسائر الجند والمتعمّمين، وغيرهم من أرباب الرواتب الذين تملأ أسماؤهم الدفاتر، وكذلك توابل الطعام للمطبخ السلطانيّ والدور السلطانية، ومن له توابل مرتّبة من الأمراء وغيرهم، والزيت للوقود، والحبوب، وغير ذلك من الأصناف المتعدّدة؛ ولها مباشرون منفردون بها يضبطون أسماء أرباب المستحقّات ومقادير استحقاقهم، وهي من أوسع جهات الصرف حتّى إن ثمن اللحم وحده يبلغ ثلاثين ألف درهم في كل يوم خارجا عما عداه من الأصناف، وربما زاد على ذلك. السابع- (المطبخ) . وهو الذي يطبخ فيه طعام السلطان الراتب في الغداء والعشاء والطاريء في الليل والنهار والأسمطة التي تمدّ بالإيوان الكبير بدار العدل

في أيام المواكب، ويحمل إليه اللّحم والتوابل وسائر الأصناف من الحوائج خاناه المتقدّمة الذكر بقدر معلوم مرتب؛ يستهلك فيه في كل يوم قناطير مقنطرة من اللحم والدّجاج والإوزّ والأطعمة الفاخرة؛ وله أمير من الأمراء يحكم عليه يسمّى أستادار الصحبة «1» وتحت يده آخر يعبر عنه بالمشرف؛ وله طبّاخ كبير معتبر يعبر عنه باسباسلار «2» . الثامن- (الطبلخاناه) . ومعناه بيت الطبل، ويشتمل على الطبول والأبواق وتوابعها من الآلات؛ ويحكم على ذلك أمير من أمراء العشرات يعرف بأمير علم، يقف عليها عند ضربها في كل ليلة، ويتولّى أمرها في السّفر؛ ولها مهتار متسلم لحواصلها يعرف بمهتار الطبلخاناه؛ وله رجال تحت يده ما بين دبندار: وهو الذي يضرب على الطبل، ومنفّر وهو الذي يضرب بالبوق، وكوسيّ، وهو الذي يضرب بالصنوج النحاس بعضها على بعض وغير أولئك من الصّنّاع.

المقصد الثالث في ذكر أعيان المملكة وأرباب المناصب الذين بهم انتظام المملكة وقيام الملك، وهم على أربعة أضرب

المقصد الثالث في ذكر أعيان المملكة وأرباب المناصب الذين بهم انتظام المملكة وقيام الملك، وهم على أربعة أضرب الضرب الأوّل أرباب السيوف؛ والنظر فيهم من وجهين الوجه الأوّل مراتبهم على سبيل الإجمال؛ وهي على نوعين النوع الأوّل الأمراء؛ وهم على أربع طبقات الطبقة الأولى- أمراء المئين مقدّمو الألوف، وعدّة كل منهم مائة فارس. قال في «مسالك الأبصار» «1» : وربما زاد الواحد منهم العشرة والعشرين؛ وله التّقدمة على ألف فارس ممن دونه من الأمراء، وهذه الطبقة هي أعلى مراتب الأمراء على تقارب درجاتهم، ومنهم يكون أكابر أرباب الوظائف والنوّاب. ثم الذي كان استقرّ عليه قاعدة المملكة في الروك «2» الناصري محمد بن قلاوون، وما بعده إلى آخر الدولة الأشرفية شعبان بن حسين، أن يكون بالديار المصرية أربعة وعشرون مقدّما، ولما استجدّ في الدولة الظاهرية الديوان المفرد لخاص السلطان وأفرد له عدّة كثيرة من المماليك السلطانية والمستخدمين، نقصت عدّة المقدّمين عما كانت عليه، وصارت دائرة بين الثمانية عشر والعشرين مقدّما بما في ذلك من نائب الإسكندريّة ونائبي الوجهين: القبليّ والبحريّ.

النوع الثاني الأجناد؛ وهم على طبقتين

الطبقة الثانية- أمراء الطبلخاناه، وعدّة كل منهم في الغالب أربعون فارسا. قال في «مسالك الأبصار» : وقد يزيد بعضهم على ذلك إلى سبعين فارسا، بل ذكر في «التعريف» «1» في أواخر المكاتبات أنه يكون للواحد منهم ثمانون فارسا. قال في «مسالك الأبصار» : ولا تكون الطبلخاناه لأقل من أربعين، وهذه الطبقة لا ضابط لعدّة أمرائها بل تتفاوت بالزيادة والنقص لأنه مهما فرقت إمرة الطبلخاناه فجعلت إمرتي عشرين أو أربع عشرات، أو ضم بعض العشرات ونحوها إلى بعض وجعلت «2» طبلخاناه، ومن أمراء الطبلخاناه تكون الرتبة الثانية من أرباب الوظائف والكشّاف بالأعمال، وأكابر الولاة. الطبقة الثالثة- أمراء العشرات، وعدّة كل منهم عشرة فوارس. قال في «مسالك الأبصار» : وربما كان فيهم من له عشرون فارسا ولا يعدّ إلا في أمراء العشرات، وهذه الطبقة أيضا لا ضابط لعدد أمرائها بل تزيد وتنقص كما تقدّم في الكلام على أمراء الطبلخاناه، ومن هذه الطبقة يكون صغار الولاة ونحوهم من أرباب الوظائف. الطبقة الرابعة- أمراء الخمسات. وهم أقل من القليل خصوصا بالديار المصرية، وأكثر ما يقع ذلك في أولاد الأمراء المندرجين بالوفاة رعاية لسلفهم، وهم في الحقيقة كأكابر الأجناد. النوع الثاني الأجناد؛ وهم على طبقتين الطبقة الأولى- المماليك السلطانية «3» . وهم أعظم الاجناد شأنا، وأرفعهم

قدرا وأشدّهم إلى السلطان قربا، وأوفرهم إقطاعا؛ ومنهم تؤمّر الأمراء رتبة بعد رتبة، وهم في العدّة بحسب ما يؤثره السلطان من الكثرة والقلة، وقد كان لهم في زمن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ثم في أيام السلطان الملك الظاهر برقوق العدد «1» الجمّ والمدد الوافر لطول مدّة ملكهما واعتنائهما بجلب المماليك ومشتراها. الطبقة الثانية- أجناد الحلقة «2» . وهم عدد «3» جمّ وخلق كثير، وربما دخل فيهم من ليس بصفة الجند من المتعمّمين وغيرهم، بواسطة النزول عن الإقطاعات، وقد جرت عادة ديوان الجيش عدم الجمع على الجند كي لا يحاط بعدّته ويطلع إليه. قال في «مسالك الأبصار» : ولكل أربعين نفسا منهم مقدّم منهم، ليس له عليهم حكم إلا إذا خرج العسكر كانت مواقفهم معه، وترتيبهم في موقفهم إليه. ومن الأجناد طائفة ثالثة يقال لهم البحرية يبيتون بالقلعة وحول دهاليز السلطان في السفر كالحرس، وأول من رتبهم وسماهم بهذا الاسم السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب.

الوجه الثاني في ذكر أرباب الوظائف من أرباب السيوف المتقدم ذكرهم؛ وهم على نوعين

الوجه الثاني في ذكر أرباب الوظائف من أرباب السيوف المتقدّم ذكرهم؛ وهم على نوعين النوع الأول من هو بحضرة السلطان، وهي خمسة وعشرون وظيفة الأولى- النّيابة. ويعبر عن صاحبها بالنائب الكافل، وكافل الممالك الإسلامية «1» . قال في «التعريف» : وهو يحكم في كل ما يحكم فيه السلطان ويعلّم في التقاليد والتواقيع والمناشير، وغير ذلك مما هو من هذا النوع على كل ما يعلّم عليه السلطان؛ وسائر النوّاب لا يعلم الرجل منهم إلا على ما يتعلّق بخاصة نيابته. قال: وهذه رتبة لا يخفى ما فيها من التمييز. قال في «مسالك الأبصار» : وجميع نواب الممالك تكاتبه فيما تكاتب فيه السلطان ويراجعونه فيه كما يراجع السلطان، ويستخدم الجند من غير مشاورة السلطان، ويعيّن «2» أرباب الوظائف الجليلة كالوزارة وكتابة السر، وقل أن لا يجاب فيمن يعيّنه؛ وهو سلطان مختصر بل هو السلطان الثاني. وعادته أن يركب بالعسكر في أيام المواكب وينزل الجميع في خدمته. فإذا مثل في حضرة السلطان، وقف في ركن الإيوان. فإذا انقضت الخدمة، خرج إلى دار النيابة بالقلعة والامراء معه ويجلس جلوسا عاما للناس، ويحضره أرباب الوظائف، ويقف قدّامه الحجّاب، وتقرأ عليه القصص، ثم يمدّ السماط للأمراء كما يمدّ لهم السلطان فيأكلون وينصرفون. وإذا كانت النيابة قائمة على هذه الصورة، لم يكن السلطان يتصدّى لقراءة القصص، وسماع الشّكاوى

بنفسه، ويأمر في ذلك بما يرى من كتابة مثال ونحوه، ولكنه لا يستبدّ بما يكتب من الأبواب السلطانية بنفسه بل يكتب بإشارته وينبه على ذلك، وتشمله العلامة الشريفة بعد ذلك. أما ديوان الجيش فإنه لا يكون له خدمة إلا عنده ولا اجتماع إلا به، ولا اجتماع لهم بالسلطان في أمر من الأمور، وما كان من الأمور المعضلة التي لا بدّ من إحاطة علم السلطان بها فإنه يعلمه بها تارة بنفسه وتارة بمن يرسله إليه. هذا آخر كلامه في «المسالك» غير أن هذا النائب تارة ينصّب وتارة يعطّل جيد المملكة منه، وعلى هذا كان الحال في الأيام الناصرية ابن قلاوون تارة وتارة وكذا الحال في زماننا. وإذا كان منتصبا، اختصّ بإخراج بعض الإقطاعات دون بعض، ويكون صاحب ديوان الجيش هو الملازم له وناظر الجيش ملازم السلطان. قال في «التعريف» : أما نائب الغيبة: وهو الذي يترك «1» إذا غاب السلطان والنائب الكافل، وليس إلا لإخماد الثوائر وخلاص الحقوق، فحكمه في رسم الكتابة إليه رسم مثله من الأمراء. الثانية- الأتابكيّة. ويعبر عن صاحبها بأتابك العساكر. قال السلطان عماد الدين في «تاريخه» : وأصله أطابك ومعناه الوليد الأمير، وأول من لقب بذلك نظام الدولة وزير ملكشاه بن ألب أرسلان السّلجوقيّ حين فوّض إليه ملكشاه تدبير المملكة سنة خمس وستين وأربعمائة، ولقبه بألقاب منها هذا؛ وقيل أطابك معناه أمير أب، والمراد أبو الأمراء «2» ، وهو أكبر الأمراء المقدّمين بعد النائب الكافل، وليس له وظيفة ترجع إلى حكم وأمر ونهي، وغايته رفعة المحلّ وعلوّ المقام. الثالثة- وظيفة رأس نوبة. وموضوعها الحكم على المماليك السلطانية

والأخذ على أيديهم، وقد جرت العادة أن يكونوا أربعة أمراء: واحد مقدّم ألف وثلاثة طبلخاناه «1» . الرابعة- إمرة مجلس. وموضوعها «2» وهو يتحدّث على الأطباء والكحّالين «3» ، ومن شاكلهم، ولا يكون إلا واحدا. الخامسة- إمرة سلاح. وأصل موضوعها حمل السلاح للسلطان في المجامع الجامعة، وصاحبها هو المقدّم على السّلاح دارية من المماليك السلطانية والمتحدث في السلاح خاناه السلطانية، وما يستعمل لها ويقدّم إليها، ولا يكون إلا واحدا من الأمراء المقدمين «4» . السادسة- إمرة أخورية «5» . وموضوعها التحدّث على إصطبل السلطان وخيوله، وعادتها مقدّم ألف يكون متحدّثا فيها حديثا عاما، وهو الذي يكون ساكنا بإصطبل السلطان، ودونه ثلاثة من أمراء الطبلخاناه. أما أمراء العشرات والجند، فغير محصورين. السابعة- الدّواداريّة «6» . قال في «مسالك الأبصار» : وموضوعها تبليغ الرسائل عن السلطان وإبلاغ عامة الأمور، وتقديم القصص إليه، والمشاورة على من يحضر إلى الباب الشريف وتقديم البريد، هو وأمير جاندار وكاتب السر، ويأخذ الخط على عامة المناشير والتواقيع والكتب. وإذا خرج عن السلطان بكتابة

شيء بمرسوم، حمل رسالته وعينت فيما يكتب، وسيأتي بيان ذلك فيما يكتب بالرسائل في الكلام على قوانين ديوان الإنشاء إن شاء الله تعالى. وفي هذه الوظيفة عدة من الأمراء والجند، وقد كانت في أيام الناصر محمد ابن قلاوون وما تلاها ليس فيها أمير مقدّم ألف، ثم آل الأمر إلى أن صار الأعلى منهم مقدّم ألف، ونائبه طبلخاناه. وأول من استقرّ في وظيفة الدّوادارية من الأمراء الألوف طغيتمر النجميّ في الدولة الناصرية حسن «1» ، ثم صار غالب من يليها ألوف، وربما كان طبلخاناه أحيانا. الثامنة- الحجوبية «2» . قال في «مسالك الأبصار» : وموضوعها أن صاحبها ينصف بين الأمراء والجند تارة بنفسه وتارة بمراجعة النائب إن كان، وإليه تقديم من يعرض ومن يردّ، وعرض الجند وما ناسب ذلك؛ والذي جرت به العادة خمسة حجّاب، اثنان من مقدّمي الألوف: وهما حاجب الحجّاب «3» هو المشار إليه من الباب الشريف، والقائم مقام النائب في كثير من الأمور. واعلم أن هذا الاسم أول ما حدث في الدولة الأمويّة في خلافة عبد الملك بن مروان، وكان موضوعها إذ ذاك حجب السلطان عن العامة، ويغلق بابه دونهم أو يفتحه لهم على قدره في مواقيته، ثم تبعهم بنو العبّاس على ذلك. وقد ذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة: أنه كان للمقتدر سبعمائة حاجب. هذا وكانت الخلافة قد أخذت في الضعف، وهو خلاف موضوعها الآن، وفيها بممالك المغرب معان أخرى يأتي ذكرها عند الكلام على ممالكها إن شاء الله تعالى. التاسعة- إمرة جاندار. وموضوعها أن صاحبها يستأذن على دخول الأمراء للخدمة ويدخل أمامهم إلى الديوان. قال في «مسالك الأبصار» : ويقدّم البريد

مع الدوادار وكاتب السر. قال: وصاحبها كالمتسلم للباب، وله به البرددارية وطوائف الركابية والخازندارية. وإذا أراد السلطان تعزير أحد أو قتله كان ذلك على يد صاحب هذه الوظيفة؛ وهو المتسلم للزّردخاناه التي هي أرفع قدرا في الاعتقالات، ولا تطول مدة المعتقل بها، بل إما يعجل بتخلية سبيله أو إتلاف نفسه؛ وصاحب هذه الوظيفة هو الذي يطوف بالزّفّة حول السلطان في سفره، وقد جرت العادة أن يكون فيها أميران: مقدّم ألف، وطبلخاناه، والمشار إليه هو المقدّم «1» . العاشرة- الاستادريّة. قال في «مسالك الأبصار» : وموضوعها التحدّث في أمر بيوت السلطان كلها من المطابخ والشّراب خاناه والحاشية والغلمان وهو الذي يمشي بطلب السلطان، ويحكم في غلمانه وباب داره، وإليه أمر الجاشنكيرية، وإن كان كبيرهم نظيره في الإمرة من ذوي المئين، وله حديث مطلق وتصرف تامّ في استدعاء ما يحتاجه كلّ من في بيت السلطان من النفقات والكساوي «2» وما يجري مجرى ذلك للمماليك وغيرهم. وقد جرت العادة أن يكونوا أربعة: واحد مقدّم ألف وثلاثة طبلخاناه، وربما نقصوا عن ذلك. الحادية عشرة- الجاشنكيريّة. وموضوعها التحدّث في أمر السّماط مع الأستادار على ما تقدّمت الإشارة إليه، ويقف على السّماط مع أستادار الصحبة، وأكبرهم يكون من الأمراء المقدّمين. الثانية عشرة- الخازندارية. وموضوعها التحدّث في خزائن الأموال السلطانية من نقد وقماش وغير ذلك، وكانت عادتها طبلخاناه، ثم استقرّت تقدمة ألف، ويطالبه في حساب ذلك ناظر الخاصّ الآتي ذكره.

الثالثة عشرة- شدّ الشراب خاناه. وموضوعها التحدّث في أمر الشراب خاناه السلطانية وما عمل إليها من السّكّر والمشروب والفواكه وغير ذلك، وتارة يكون مقدّما، وتارة يكون طبلخاناه. الرابعة عشرة- أستادارية الصحبة. وموضوعها التحدّث على المطبخ السلطانيّ والإشراف على الطعام والمشي أمامه والوقوف على السّماط؛ والعادة أن يكون صاحبها أمير عشرة. الخامسة عشرة- تقدمة المماليك. وموضوعها التحدّث على المماليك السلطانية والحكم فيهم، ولا يكون صاحبها إلا من الخدّام، والعادة أن تكون إمرة طبلخاناه، وله نائب أمير عشرة. السادسة عشرة- زمامية «1» الدور السلطانية. وصاحبها من أكبر الخدّام، وهو المعبر عنه بالزّمام، وعادته أن يكون أمير طبلخاناه. السابعة عشرة- نقابة الجيوش. قال في «مسالك الأبصار» : وهي موضوعة لتحلية الجند في عرضهم، ومعه يمشي النّقباء. وإذا طلب السلطان أو النائب أو الحاجب أميرا أو غيره، أحضره. قال: وهو كأحد الحجّاب الصغار، وله التطلب بالحراسة في الموكب والسفر «2» . الثامنة عشرة- المهمندارية «3» . وموضوعها تلقّي الرسل الواردين وأمراء العربان وغيرهم ممن يرد من أهل المملكة وغيرها.

الصنف الأول ولاة الشرطة، المعروفون في الديار المصرية بولاة الحرب؛ وهم ثلاثة، بالقاهرة، والفسطاط المعروف بمصر، والقرافة

التاسعة عشرة- شدّ الدواوين. وموضوعها أن يكون صاحبها رفيقا للوزير متحدّثا في استخلاص الأموال، وما في معنى ذلك؛ وعادتها إمرة عشرة. العشرون- إمرة طبر «1» . وموضوعها أن يكون صاحبها حاملا الطّبر في المواكب، ويحكم على من دونه من الطّبردارية، وعادتها إمرة عشرة أيضا. الحادية والعشرون- إمرة علم. وموضوعها أن يكون صاحبها متحدّثا على الطبلخاناه السلطانية وأهلها، متصرفا في أمرها؛ وعادتها إمرة عشرة. الثانية والعشرون- إمرة شكار. وموضوعها أن يكون صاحبها متحدّثا في الجوارح السلطانية من الطّيور وغيرها والصّيود السلطانية وأحواش الطيور وغيرها؛ وهي إمرة عشرة. الثالثة والعشرون- حراسة الطير. وموضوعها أن يكون صاحبها متحدّثا على حراسة الطيور من الكراكيّ التي هي بصدد أن يصيدها السلطان في الأماكن التي تنزل بها الطيور من المزارع وغيرها؛ وهي إمرة عشرة. الرابعة والعشرون- شدّ العمائر. وموضوعها أن يكون صاحبها متكلما في العمائر السلطانية مما يختار السلطان إحداثه أو تجديده من القصور والمنازل والأسوار؛ وهي إمرة عشرة. الخامسة والعشرون- الولاية. والولاة بالحاضرة على صنفين: الصنف الأوّل ولاة الشّرطة، المعروفون في الديار المصرية بولاة الحرب؛ وهم ثلاثة، بالقاهرة، والفسطاط المعروف بمصر، والقرافة فأما والي القاهرة، فيحكم في القاهرة وضواحيها، وهو أكبر الثلاثة وأعلاهم رتبة؛ وعادته إمرة طبلخاناه.

الصنف الثاني ولاة القلعة، وهم اثنان

وأما والي الفسطاط، فيحكم في خاصّة مصر على نظير ما يحكم والي القاهرة في بلده؛ وعادته إمرة عشرة. وأما والي القرافة، فيحكم في القرافة التي هي تربة هاتين المدينتين بمراجعة والي مصر؛ وعادته إمرة عشرة. وقد أضيفت الآن القرافة إلى مصر، وصارت ولاية واحدة وجعلت إمرة طبلخاناه ولكنها لا تبلغ شأو القاهرة. الصنف الثاني ولاة القلعة، وهم اثنان أحدهما- والي القلعة، وهو أمير طبلخاناه، وله التحدّث على باب القلعة الكبير «1» الذي منه طلوع عامّة العسكر ونزولهم في الفتح والغلق ونحو ذلك. الثاني- والي باب القلة «2» ، وهو أمير عشرة، وله التحدّث على الباب المذكور وأهله كما لوالي القلعة التحدّث على الباب الكبير المتقدّم ذكره. النوع الثاني ما هو خارج عن الحضرة السلطانية، وهم على ثلاث طبقات الطبقة الأولى نوّاب السلطنة والذي بمصر الآن ثلاث نيابات، جميعها مستحدثة عن قرب. الأولى- نيابة الإسكندرية. وهي نيابة جليلة تضاهي نيابة طرابلس وحماة وصفد من المملكة الشامية الآتي ذكرها، وبها كرسيّ سلطنة ونمجاه «3» سلطانية

توضع على الكرسيّ، ونائبها من الأمراء المقدّمين يركب في المواكب بالشبّابة «1» السلطانية، ومعه أجناد الحلقة المرتّبون بها، ويخرج في موكبه إلى ظاهر الإسكندريّة خارج باب البحر، ويجتمع إليه الأمراء المسيّرون بها هناك، ثم يعود وهم معه إلى دار النيابة، ويمدّ السماط السلطانيّ، ويأكل عليه الأمراء والأجناد، ويحضره القضاة، وتقرأ القصص على عادة النيابات ثم ينصرفون. وكان ابتداء ترتيب هذه النيابة في سنة سبع وستين وسبعمائة في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين حين طرق العدوّ «2» المخذول من الفرنج الإسكندرية وفتكوا بأهلها وقتلوا منهم الخلق العظيم ونهبوا الأموال الجمّة، وكانت قبل ذلك ولاية تعدّ في جملة الولايات، وكان لواليها الرتبة الجليلة والمكانة العلية من أكابر أمراء الطبلخاناه. الثانية- نيابة الوجه القبليّ. وهي مما استحدث في الدولة الظاهرية برقوق، وهو في رتبة نيابة الوجه البحريّ بل أعظم خطرا منه، ومقرّ نيابته مدينة أسيوط «3» المتقدّم ذكرها، وحكمه على جميع بلاد الوجه القبليّ بأسرها، وهي في الترتيب على ما تقدّم من نيابة الوجه البحريّ، وكانت قبل ذلك كاشفا يطلق عليه والي الولاة كما كان في الوجه البحريّ. الثالثة- نيابة الوجه البحريّ. وهي مما استحدث في الدولة الظاهرية أيضا، ونائبها من الأمراء المقدّمين، وهو في رتبة مقدّم العسكر بغزّة الآتي ذكرها، ومقرّ نائبها دمنهور مدينة البحيرة المتقدّم ذكرها؛ وليست على قاعدة النيابات بل هي في الحقيقة ولاية حرب كبيرة، وقد كان القائم بها قبل ذلك كاشفا يطلق عليه والي الولاة ولم يكن له مقرّة خاصة.

الطبقة الثانية الكشاف

الطبقة الثانية الكشّاف «1» قد تقدّم أنه قبل النيابة بالوجهين القبليّ والبحريّ كان بهما كاشفان، ولما استقرّت النيابة بهما جعل للوجه البحريّ كاشف من أمراء الطبلخاناه على العادة المتقدّمة، يتحدّث في بلاده ما عدا عمل البحيرة لقربه من نائب الوجه البحريّ، وجعل كاشف آخر من رتبته لعمل الفيّوم «2» وعطّل من الوالي، وأضيف إليه عمل البهنسى «3» أيضا؛ وسائر الوجه القبليّ أمره راجع إلى نائبه المتقدّم ذكره. الطبقة الثالثة الولاة بالوجهين: القبليّ والبحريّ وقد تقدّم ذكر أعمالهما. ومراتب الولاة بهما لا تخرج عن مرتبتين. المرتبة الأولى أمراء الطبلخاناه؛ وهي سبع» ولايات بالوجهين: القبليّ والبحريّ فأما الوجه القبليّ ففيه أربع ولاة من هذه الرتبة. الأوّل- والي البهنسى، وهي أقرب ولاة الطبلخاناه بهذا الوجه الآن إلى القاهرة. الثاني- والي الأشمونين. الثالث- والي قوص وإخميم، وهو أعظم ولاة الوجه القبليّ حتّى إنه يركب في المواكب بالشّبّابة السلطانية أسوة النوّاب بالممالك.

المرتبة الثانية من الولاة أمراء العشرات، وهي سبعة ولاة بالوجهين

الرابع- والي أسوان، وهو محدث في الدولة الظاهرية برقوق، وكانت قبل ذلك مضافة إلى والي قوص، وكانت ولاية الفيّوم طبلخاناه استقرت كشفا على ما تقدّم. أما أسيوط، فلم يكن بها ولاية لكونها كانت مستقرّ والي الولاة بالوجه القبليّ، ثم صارت مستقرّ النائب به، وسيأتي بيان ما كان ولاية طبلخاناه، ثم نقل إلى العشرات. وأما الوجه البحريّ ففيه أربعة ولاة من هذه الرتبة: الأوّل- والي الشرقية وهو والي بلبيس. الثاني- والي منوف. الثالث- والي الغربية، وهو والي المحلة، ورتبته في الوجه البحريّ في رفعة القدر تضاهي رتبة والي قوص في الوجه القبليّ. الرابع- والي البحيرة، وهو والي دمنهور. وقد تقدّم أن الإسكندرية قبل أن تستقرّ نيابة كان بها وال من أمراء الطبلخاناه. المرتبة الثانية من الولاة أمراء العشرات، وهي سبعة ولاة بالوجهين فأما الوجه القبليّ ففيه ثلاثة ولاة: الأوّل- والي الجيزة، وقد كان قبل ذلك طبلخاناه، ثم نقل إلى العشرات. الثاني- والي إطفيح، ولم يزل عشرة. الثالث- والي منفلوط، وهو وإن كان الآن أمير عشرين فقد تقدّم أن من دون الأربعين معدود في العشرات. على أنها كانت قبل ذلك ولاية طبلخاناه وحطّت عن ذلك. وقد كان بعيذاب في الأيام الناصرية وال أمير عشرة يولّى من قبل السلطان

الضرب الثاني من أعيان المملكة وأرباب المناصب حملة الأقلام، وهم على نوعين

ويراجع والي قوص في الأمور المهمة. وأما الوجه البحريّ، ففيه أربعة ولاة من هذه الرتبة. الأوّل- والي قليوب، ولم تزل ولايتها إمرة عشرة. الثاني- والي أشموم، ولم تزل عشرة أيضا. الثالث- والي دمياط. الرابع- والي قطيا، وكان قبل ذلك طبلخاناه. الضرب الثاني من أعيان المملكة وأرباب المناصب حملة الأقلام، وهم على نوعين النوع الأوّل أرباب الوظائف الدّيوانية، وهي كثيرة للغاية لا يسع استيفاؤها والمعتبر منها مما يجب الاقتصار عليه تسع وظائف «1» الأولى- الوزارة. وهي أجلّ الوظائف وأرفعها رتبة في الحقيقة لو لم تخرج عن موضوعها ويعدل بها عن قاعدتها. قال في «مسالك الأبصار» : وربها ثاني السلطان لو أنصف وعرف حقّه، لكنها لما حدثت عليها النيابة تأخرت وقعد بها مكانها حتّى صار المتحدّث فيها كناظر المال لا يتعدّى الحديث فيه، ولا يتسع له في التصرف مجال، ولا تمتدّ يده في الولاية والعزل لتطلّع السلطان إلى الإحاطة بجزئيّات الأحوال. قال: وقد صار يليها أناس من أرباب السيوف والأقلام بأرزاق على قدر الإنفاق، وقطيعتها أشهر من أن تذكر. قال: وكان هذا السلطان (يعني الناصر محمد بن قلاوون رحمه الله) قد أبطلها، وصار ما كان يتحدّث فيه الوزير منقسما إلى ثلاثة: ناظر المال، ومعه شادّ الدواوين لتحصيل المال وصرف النفقات، وناظر الخاص لتدبير الأمور العامّة وتعيين المباشرين، وكاتب السر للتوقيع في دار العدل مما كان يوقّع فيه الوزير

مشاورة واستقلالا. قلت: ولما عادت الوزارة بعد ذلك، صارت إلى ما كانت عليه من الاقتصار على التحدّث في المال، وبقيت كتابة السر على ما صارت إليه من التوقيع على القصص بدار العدل وغيرها. ثم إن كان الوزير صاحب قلم «1» ، فهو المستقلّ بمباشرة الوظيفة نظرا وتنفيذا ومحاسبة على الأموال، وإن كان صاحب سيف، كان مقتصرا على النظر والتنفيذ، وكان أمر الحساب في الأموال راجعا إلى ناظر الدولة معه. ثم لوظيفة الوزارة أتباع كثيرة أجلها نظر الدولة واستيفاء الصّحبة واستيفاء الدولة. فأما نظر الدولة: وهو المعبر عنه في مصطلح الدواوين المعمورة بالصّحبة الشريفة فموضوعها أن صاحبها يتحدّث مع الوزير في كل ما يتحدّث فيه ويشاركه في الكتابة في كل ما يكتب فيه، ويوقع في كل ما يوقّع فيه الوزير تبعا له. وإن كان الوزير صاحب سيف، كان ناظر الدولة هو المتحدّث في أمر الحسبانات، وما يتعلق بها والوزير مقتصر على النظر والتنفيذ. وأما استيفاء الصحبة- فهي وظيفة جليلة رفيعة القدر. قال في «مسالك الأبصار» : وصاحبها يتحدّث في جميع المملكة مصرا وشاما، ويكتب مراسيم يعلّم عليها السلطان، تارة تكون بما يعمل في البلاد، وتارة بإطلاقات «2» ، وتارة باستخدامات كبار في صغار الأعمال، وما يجري مجراه. قال: وهذا الديوان هو أرفع دواوين الأموال، وفيه تثبت التواقيع والمراسيم السلطانية، وكلّ من دواوين الأموال فهو فرع هذا الديوان وإليه يرجع حسابه وتتناهى أسبابه.

وأما استيفاء الدولة- فهي وظيفة رئيسية، وعلى متوليها مدار أمور الدولة في الضبط والتحرير ومعرفة أصول الأموال ووجوه مصارفها، ويكون فيها مستوفيان فأكثر. الوظيفة الثانية- كتابة السر. قال في «مسالك الأبصار» : وموضوعها قراءة الكتب الواردة على السلطان وكتابة أجوبتها وأخذ خطّ السلطان عليها وتسفيرها، وتصريف المراسيم ورودا وصدرا، والجلوس لقراءة القصص بدار العدل والتوقيع عليها. وقد تقدّم في الكلام على الوزارة أنه صار يوقّع فيما كان يوقع عليه بقلم الوزارة مع مراجعة السلطان فيما يحتاج إلى المراجعة فيه، في أمور أخرى من التحدّث في أمر البريد وتصريف البريدية والقصّاد، ومشاركة الدّوادار في أكثر الأمور السلطانية مما تقدّم ذكره مفصلا. وبديوانه كتّاب الدّست: وهو الذين يجلسون معه في دار العدل ويقرأون القصص على السلطان ويوقّعون عليها بأمر السلطان، وكتّاب الدّرج: وهم الذين يكتبون الولايات والمكاتبات ونحوها مما يكتب عن الأبواب الشريفة «1» ، وربما شاركهم كتّاب الدست في ذلك. الوظيفة الثالثة- نظر الخاصّ. وهي وظيفة محدثة «2» ، أحدثها السلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» رحمه الله حين أبطل الوزارة على ما تقدّم ذكره، وأصل موضوعها التحدّث فيما هو خاصّ بمال السلطان. قال في «مسالك الأبصار» : وقد صار كالوزير لقربه من السلطان وتصرّفه، وصار إليه تدبير جملة الأمور وتعيين المباشرين يعني في زمن تعطيل الوزارة. قال: وصاحب هذه الوظيفة لا يقدر على الاستقلال بأمر إلا بمراجعة السلطان. ولناظر الخاصّ أتباع من كتّاب ديوان الخاصّ كمستوفي الخاص، وناظر خزانة الخاص ونحو ذلك مما لا يسع استيعابه.

الوظيفة الرابعة- نظر الجيش. وموضوعها التحدّث في أمر الإقطاعات بمصر والشأم والكتابة بالكشف عنها ومشاورة السلطان عليها وأخذ خطّه؛ وهي وظيفة جليلة رفيعة المقدار، وديوانها أوّل ديوان وضع في الإسلام بعد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في خلافة عمر. قال الزّهريّ «1» : قال سعيد بن المسيب «2» : وذلك في سنة عشرين من الهجرة، وسيأتي الكلام على ما يتعلق بها في الكلام على كتابة المناشير في المقالة السادسة إن شاء الله تعالى. ولناظر الجيش أتباع بديوانه يولّون عن السلطان، كصاحب ديوان الجيش وكتّابه وشهوده، وكذلك صاحب ديوان المماليك، وكاتب المماليك وشهود المماليك. فإن المماليك السلطانية فرع من الجيش ونظرهم راجع إلى ناظر الجيش. الوظيفة الخامسة- نظر الدواوين المعمورة والصحبة الشريفة. وهو المعبر عنه بناظر الدولة «3» . وموضوعها التحدّث في كل ما يتحدّث فيه الوزير، وكلّ ما كتب فيه الوزير كتب فيه هو، يكتب فيه بمثل ما رسم به. الوظيفة السادسة- نظر الخزانة. قال في «مسالك الأبصار» : وكانت أوّلا كبيرة الوضع لأنها مستودع أموال المملكة، فلما استحدثت وظيفة الخاص، صغر أمر الخزانة، وسميت بالخزانة الكبرى، وهو اسم فوق مسماه. قال: ولم يكن بها الآن إلا خلع تخلع منها أو ما يحضر إليها ويصرف أوّلا فأوّلا، وفي الغالب يكون ناظرها من القضاة أو من يلتحق بهم، ولناظر الخزانة أتباع يولّون عن السلطان كصاحب ديوان الخزانة. الوظيفة السابعة- نظر البيوت والحاشية. وهو نظر جليل، وكلّ ما يتحدّث

فيه الأستادار له فيه مشاركة في التحدّث فيه، وقد تقدّم تفصيل حال وظيفة الأستادارية. الوظيفة الثامنة- نظر بيت المال. وموضوعها حمل حمول المملكة إلى بيت المال والتصرف فيه تارة قبضا وصرفا وتارة بالتسويغ محضرا وصرفا. قال في «مسالك الأبصار» : ولا يليها إلا ذو العدالة البارزة من أهل العلم والديانة «1» . الوظيفة التاسعة- نظر الإصطبلات السلطانية «2» . وموضوعها مباشرة إصطبلات السلطان والتحدّث في أنواع الخيول والبغال والدواب والجمال السلطانية، وعليفها وعدّتها، وما لها من الاستعمالات والإطلاقات، وكل ما يبتاع لها أو يباع منها، وأرزاق المستخدمين بها ونحو ذلك. الوظيفة العاشرة- نظر دار الضيافة والأسواق. وموضوعها التحدّث في أمر ما يتحصّل من سوق الخيل والرقيق ونحوهما، وصرف ذلك في كلفة من يرد إلى الأبواب السلطانية من رسل الملوك ونحوهم، وصرف مرتبات مقررة لأناس في كل شهر؛ والتحدّث فيها ولاية وعزلا وتنفيذا راجع إلى الدّوادار؛ وللوزير المشاركة معه في المتحصّل في شيء مخصوص. الوظيفة الحادية عشرة- نظر خزائن السلاح. وموضوعها التحدّث على كل ما يستعمل من السلاح السلطانيّ، وعادته أن يجمع ما يتحصّل من عمل كل سنة ويجهّز في يوم معين، ويحمل على رؤوس الحمّالين إلى خزائن السلاح بالقلعة المحروسة، ويخلع عليه وعلى رفقته من المباشرين. الوظيفة الثانية عشرة- نظر الأملاك السلطانية. وموضوعها التحدّث على الأملاك الخاصّة بالسلطان من ضياع ورباع وغير ذلك.

الوظيفة الثالثة عشرة- نظر البهار والكارميّ «1» . وموضوعها التحدّث على واصل التجار الكارميّة «2» من اليمن من أصناف البهار وأنواع المتجر، وهي وظيفة جليلة تارة تضاف إلى الوزارة وتجعل تبعا لها، وتارة تضاف إلى الخاص وتجعل تبعا لها، وتارة تنفرد عنهما بحسب ما يراه السلطان. الوظيفة الرابعة عشرة- نظر الأهراء «3» بمصر بالصناعة. وهي شونة الغلال السلطانية التي يتكلم عليها الوزير، وموضوعها التحدّث فيما يصل إليها من النواحي من الغلال وغيرها، وما يصرف منها على الإصطبلات الشريفة والمناخات السلطانية وغير ذلك. الوظيفة الخامسة عشرة- نظر المواريث الحشريّة «4» . وموضوعها التحدّث على ديوان المواريث الحشرية ممن يموت ولا وارث له، أو وله وارث لا يستغرق ميراثه، مع التحدّث في إطلاق جميع الموتى من المسلمين وغيرهم. الوظيفة السادسة عشرة- نظر الطواحين السلطانية «5» بمصر بالصناعة أيضا. وهو مغلق عظيم فيه عشرة حجارة يخرج منها في كل يوم نحو خمسين تليسا «6» .

الوظيفة السابعة عشرة- نظر الحاصلات. وهو المعبّر عنه بنظر الجهات؛ وموضوعه التحدّث في أموال جهات الوزارة من متحصّل ومصروف أو حمل لبيت المال وغيره. الوظيفة الثامنة عشرة- نظر المرتجعات «1» . وموضوعها التحدّث على ما يرتجع ممن يموت من الأمراء ونحو ذلك، وقد رفضت هذه الوظيفة وتعطّلت ولايتها في الغالب وصار أمر المرتجع موقوفا على مستوفي المرتجع، وهو الذي يحكم في القضايا الديوانية ويفصلها على مصطلح الديوان، وهو المعبر عنه بديوان السلطان. الوظيفة التاسعة عشرة- نظر الجيزة. وموضوعها التحدّث على ما يتحصّل من عمل الجيزيّة التي هي خاص السلطان، وهي فرع من فروع الدواوين. الوظيفة العشرون- نظر الوجه القبليّ. وموضوعها التحدّث على بلاد الصعيد بأسرها مما يتحصّل فيها من ميراث وغيره. الوظيفة الحادية والعشرون- نظر الوجه البحريّ. وموضوعها كموضوع نظر الوجه القبليّ المتقدّم ذكره. الوظيفة الثانية والعشرون- صحابة ديوان الجيش «2» . وموضوعها التحدّث في كل ما يتحدّث فيه ناظر الجيش من أمر الإقطاعات.

النوع الثاني أرباب الوظائف الدينية، وهم صنفان

الوظيفة الثالثة والعشرون- صحابة ديوان البيمارستان «1» . وموضوعها التحدّث في كل ما يتحدّث فيه ناظر البيمارستان. الوظيفة الرابعة والعشرون- صحابة ديوان الأحباس «2» . وصاحبها يكتب في كل ما يكتب فيه ناظر الأحباس إلا أنها بطلت. الوظيفة الخامسة والعشرون- استيفاء الصحبة «3» . استيفاء الدولة «4» النوع الثاني أرباب الوظائف الدينية، وهم صنفان الصنف الأول من له مجلس بالحضرة السلطانية بدار العدل الشريف، وهو منحصر في خمس وظائف الوظيفة الأولى- قضاء القضاة. وموضوعها التحدّث في الأحكام الشرعية وتنفيذ قضاياها، والقيام بالأوامر الشرعية، والفصل بين الخصوم، ونصب النوّاب للتحدّث فيما عسر عليه مباشرته بنفسه؛ وهي أرفع الوظائف الدينية وأعلاها قدرا وأجلّها رتبة. واعلم أن الأمر في الزمن الأول كان قاصرا على قاض واحد بالديار المصرية من أيّ مذهب كان، بل كان في الدولة الفاطمية قاض واحد بالديار

المصرية، وأجناد «1» الشام، وبلاد المغرب، مضاف إليه التحدّث في أمر الصلاة ودور الضرب وغير ذلك على ما ستقف عليه في تقاليد بعض قضاتهم في الكلام على تقاليد القضاة إن شاء الله تعالى، ثم استقرّ الحال في الأيّام الظاهرية بيبرس في سنة ثلاث «2» وستين وستمائة على أربعة قضاة من مذاهب الأئمة الأربعة: الشافعيّ ومالك وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم، وكان السبب في ذلك فيما ذكره صاحب «نهاية الأرب» «3» أن قضاء القضاة بالديار المصرية كان يومئذ بيد القاضي تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز «4» بمفرده؛ وكان الأمير جمال الدين ايدغدي أحد أمراء السلطان الملك الظاهر المتقدّم ذكره يعانده في أموره، ويغضّ منه عند السلطان، لتثبّته في الأمور وتوقفه في الأحكام. فبينما السلطان ذات يوم جالس بدار العدل إذ رفعت إليه قصة بسبب مكان باعه القاضي بدر الدين السنجاريّ، ثم ادّعي ذرّيته بعد وفاته أنه موقوف، فأخذ الأمير ايدغدي يغضّ من القضاة بحضرة السلطان، فسكت السلطان لذلك، ثم قال للقاضي تاج الدين: ما الحكم في ذلك؟ قال: إذا ثبتت الوقفية يستعاد الثمن من تركة البائع، قال: فإن عجزت التركة عن ذلك، قال: يوقف على حاله، فامتعض لها السلطان وسكت، ثم جرى في المجلس ذكر أمور أخرى توقف القاضي في تمشيتها، وكان آخر الأمر أن الأمير ايدغدي حسّن للسلطان نصب أربعة قضاة من المذاهب الأربعة ففعل، وأقرّ القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز في قضاء الشافعية، وولّي الشيخ شهاب

الدين أبو حفص عمر بن عبد الله بن صالح السبكيّ قضاء المالكية، والقاضي بدر الدين بن سلمان قضاء الحنفية، والقاضي شمس الدين محمد ابن الشيخ عماد الدين إبراهيم القدسيّ قضاء الحنابلة، وجعل لهم الأربعة أن يولّوا النوّاب بأعمال الديار المصرية، وأفرد القاضي تاج الدين بالنظر في مال الأيتام والأوقاف، وكتب له بذلك تقليد من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر أوله «الحمد لله مجرّد سيف الحق على من اعتدى» . ثم كل من الأربعة له التحدّث فيما يقتضيه مذهبه بالقاهرة والفسطاط، ونصب النوّاب، وإجلاس الشهود، ويستقلّ الشافعيّ منهم بتولية النوّاب بنواحي الوجهين القبليّ والبحريّ لا يشاركه فيه غيره. الوظيفة الثانية- قضاء العسكر. وهي وظيفة جليلة قديمة كانت في زمن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وكان قاضي عسكره بهاء الدين بن «1» وموضوعها أن صاحبها يحضر بدار العدل مع القضاة المتقدّم ذكرهم، ويسافر مع السلطان إذا سافر؛ وهم ثلاثة نفر: شافعيّ، وحنفيّ، ومالكيّ، وليس للحنابلة منهم حظ، وجلوسهم في دار العدل دون القضاة الأربعة المتقدّمي الذكر على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. الوظيفة الثالثة- إفتاء دار العدل. وموضوعها على نحو ما تقدّم في قضاء العسكر، وبها أربعة نفر، من كل مذهب واحد، وجلوسهم دون قضاة العسكر على ما يأتي ذكره. الوظيفة الرابعة- وكالة بيت المال. وهي وظيفة عظيمة الشأن رفيعة القدر، وموضوعها التحدّث فيما يتعلق بمبيعات بيت المال ومشترياته من أراض وآدر وغير ذلك، والمعاقدة على ذلك وما يجري هذا المجرى. قال في «مسالك

الصنف الثاني من أرباب الوظائف الدينية من لا مجلس له بالحضرة السلطانية

الأبصار» : ولا يليها إلا أهل العلم والديانة، ومجلسه بدار العدل: تارة يكون دون المحتسب، وتارة فوقه بحسب رفعة قدر كل منهما في نفسه. الوظيفة الخامسة- الحسبة. وهي وظيفة جليلة رفيعة الشأن، وموضوعها التحدّث في الأمر والنهي، والتحدّث على المعايش والصنائع، والأخذ على يد الخارج عن طريق الصلاح في معيشته وصناعته. وبالحضرة السلطانية محتسبان: أحدهما بالقاهرة، وهو أعظمهما قدرا وأرفعهما شأنا؛ وله التصرف بالحكم والتولية بالوجه البحري بكماله خلا الإسكندريّة، فإن لها محتسبا يخصها، والثاني بالفسطاط ومرتبته منحطة عن الأول؛ وله التحدّث والتولية بالوجه القبليّ بكماله، والذي يجلس منهما بدار العدل في أيام المواكب محتسب القاهرة فقط دون محتسب مصر؛ ومحلّ جلوسه دون وكيل بيت المال، وربما جلس أعلى منه إذا كان أرفع منه بعلم أو نحوه. الصنف الثاني من أرباب الوظائف الدينية من لا مجلس له بالحضرة السلطانية وهذه الوظائف لا حصر لعددها على التفصيل، ولا سبيل إلى استيفاء ذكرها على تفاوت المراتب فوجب الاقتصار على ذكر المهمّ منها. ثم هذه الوظائف منها ما هو مختصّ بشخص واحد، ومنها ما هو عامّ في أشخاص. فأما التي هي مختصة بشخص واحد. فمنها (نقابة الأشراف) وهي وظيفة شريفة، ومرتبة نفيسة؛ موضوعها التحدّث على ولد عليّ بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه من فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وهم المراد بالأشراف، في الفحص عن أنسابهم والتحدّث في أقاربهم والأخذ على يد المتعدّي منهم ونحو ذلك، وكان يعبّر عنها في زمن الخلفاء المتقدّمين بنقابة الطالبيّين.

ومنها (مشيخة الشيوخ) والمراد بها مشيخة الخانقاه «1» التي أنشأها الملك الناصر محمد بن قلاوون بسرياقوس من ضواحي القاهرة. أما مشيخة الخانقاه الصلاحية بالقاهرة المعروفة بسعيد السعداء، فإنها وإن قدم زمنها وعظم قدرها دون تلك في المشيخة. ومنها (نظر الأحباس المبرورة) وهي وظيفة عالية المقدار، وموضوعها أن صاحبها يتحدّث في رزق الجوامع والمساجد والرّبط والزوايا والمدارس من الأرضين المفردة لذلك من نواحي الديار المصرية خاصة، وما هو من ذلك على سبيل البرّ والصدقة لأناس معيّنين، وأصل هذه الوظيفة أن اللّيث بن سعد «2» رحمه الله اشترى أراضي من بيت المال في نواح من البلدان وحبّسها على وجوه البرّ، وهي المسماة بديوان الأحباس بوجوه العين، ثم أضيف إلى ذلك الرّباع والدور المعروفة بالفسطاط وغيره، ثم أضيف إليها رزق الخطابات «3» ، ثم كثرت الرّزق من الأرضين في الدولة الظاهرية بيبرس بواسطة الصاحب بهاء الدين بن حنا وأخذت في الزيادة إلى زماننا؛ وهي تارة يتحدّث فيها السلطان بنفسه، وتارة النائب، وفي غالب الوقت يتحدّث فيها الدّوادار الكبير على ما استقرّ عليه الحال آخرا. ومنها (نظر البيمارستان) والمراد البيمارستان المنصوريّ الذي أنشأه المنصور قلاوون بين القصرين، وكان دارا لستّ الملك أخت الحاكم الفاطميّ فغيّر معالمه وزاد فيه، وليس له نظير في الدنيا في برّه ومعروفه؛ وهي من أجلّ

الوظائف وأعلاها؛ وعادة النظر فيه من أصحاب السيوف لأكبر الأمراء بالديار المصرية. وأما التي هي عامّة في أشخاص. فمنها (الخطابة) وهي في الحقيقة أجلّ الوظائف وأعلاها رتبة، إذ كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يفعلها بنفسه، ثم فعلها الخلفاء الراشدون فمن بعدهم، وهي على كثرة الجوامع بالديار المصرية بحيث إنها لا تحصى كثرة- لا يتعلق منها بولاية السلطان إلا القليل النادر: كجامع القلعة إلا إذا كان مفردا عن القضاء ونحو ذلك مما لا ناظر له خاصّ. ومنها (التداريس) «1» وهي على اختلاف أنواعها من الفقه والحديث والتفسير والنحو واللغة وغير ذلك لا يولّي السلطان فيها إلا فيما يعظم خطره ويرتفع شأنه مما لا ناظر له خاصّ كالمدرسة الصلاحية «2» بجوار تربة الإمام الشافعي رضي الله عنه، والزاوية الصلاحية «3» بالجامع العتيق بالفسطاط، وهي المعروفة بالخشابية، والمدرسة المنصورية «4» بالبيمارستان المنصوريّ المتقدّم ذكره بين القصرين؛ ودرس الجامع الطولوني «5» ونحو ذلك.

المقصد الرابع في زي أعيان المملكة من أرباب المناصب السلطانية بالديار المصرية في لبسهم وركوبهم، وهم أربع طوائف

المقصد الرابع في زيّ أعيان المملكة من أرباب المناصب السلطانية بالديار المصرية في لبسهم وركوبهم، وهم أربع طوائف الطائفة الأولى أرباب السّيوف، وزيّهم راجع إلى أمرين الأمر الأول (لبسهم) . ويختلف الحال فيه باعتبار مواضع اللّبس من البدن. فأما ما به تغطية رؤوسهم، فقد تقدّم أنهم كانوا في الدولة الأيوبية يلبسون كلّوتات صفر بغير عمائم، وكانت لهم ذوائب شعر يرسلونها خلفهم. فلما كانت الدولة الأشرفية «خليل بن قلاوون» رحمه الله، غير لونها من الصّفرة إلى الحمرة وأمر بالعمائم من فوقها، وبقيت كذلك حتّى حجّ الملك الناصر «محمد بن قلاوون» رحمه الله في أواخر دولته فحلق رأسه فحلق الجميع رؤوسهم، واستمرّوا على الحلق إلى الآن، وكانت عمامتهم صغيرة فزيد في قدرها في الدولة الأشرفية «شعبان بن حسين» فحسنت هيئتها وجادت، وهي على ذلك إلى زماننا. وأما ثياب أبدانهم فيلبسون الأقبية التتريّة والتكلاوات فوقها ثم القباء الإسلاميّ فوق ذلك، يشدّ عليه السيف من جهة اليسار والصولق «1» والكزلك من جهة اليمين. قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في «تاريخه» : وأول من أمر بذلك غازي بن زنكي أخو العادل نور الدين الشهيد حين ملك الموصل بعد أبيه، ثم

الأمراء والمقدّمون وأعيان الجند تلبس فوقه أقبية قصيرة الأكمام أقصر من القباء التحتانيّ بلا تفاوت كبير في قصر الكمّ وطوله، مع سعة الكم القصير وضيق الأكمام الطويلة. ثم إن كان زمن الصيف كان جميع القماش من الفوقانيّ وغيره أبيض من النصافي ونحوه، وتشدّ فوق القباء الإسلاميّ المنطقة، وهي الحياصة «1» ، ومعظم مناطقهم من الفضة المطلية بالذهب، وربما جعلت من الذهب، وقد ترصّع باليشم «2» . قال في «مسالك الأبصار» : ولا ترصّع بالجواهر إلا في خلع السلطان لأكابر أمراء المئين. وإن كان زمن الشتاء كانت فوقانياتهم ملوّنة من الصوف النفيس والحرير الفائق، تحتها فراء السّنجاب الغض. ويلبس أكابر الأمراء السّمّور، والوشق «3» ، والقاقم «4» والفنك «5» ، ويجعل في المنطقة منديلا لطيفا مسدلا على الصولق، ومعظمهم يلبس المطرّز على الكمّين من الزركش أو الحرير الأسود المرقوم. قال في «مسالك» : ولا يلبس المطرّز إلا من له إقطاع في الحلقة، أما من هو بعد بالجامكية «6» ، فلا يتعاطى ذلك.

الطائفة الثانية أرباب الوظائف الدينية من القضاة وسائر العلماء، وزيهم راجع أيضا إلى أمرين

وأما ما يجعل في أرجلهم، فإن كان في الصيف لبسوا الخفاف البيض العلوية، وإن كان في الشتاء لبسوا الخفاف الصفر من الأديم الطائفيّ، ويشدّون المهاميز المسقّطة بالفضة في القدم على الخف. قال في «مسالك الأبصار» : ولا يكفّت «1» مهمازه بالذهب إلا من له إقطاع في الحلقة على ما تقدّم في لبس المطرّز. الأمر الثاني (ركوبهم) . أما ما يركبون، فالخيل المسوّمة النفيسة الأثمان خصوصا الأمراء ومن يلحق بشأوهم، ولا يركبون البغال بحال بل تركبها غلمانهم خلفهم بالقماش النفيس والهيئة الحسنة والقوالب المحلّاة بالفضة، وربما غشّي جميعها بالفضة بل ربما غشّي جميعها بالذهب للسلطان وأعيان الأمراء، ومعها العبي السابلة الملوّنة من الصوف الفائق، وربما جعلت من الحرير لأعيانهم، وقد يتخذ بدلها الكنابيش بالحواشي المخايش «2» ، وربما كانت زركشا للسلطان والأمراء، وتحلّى لجمهم وتسقّط بالفضة بحسب اختيار صاحبها، ويجعل الدّبّوس في حلقة متصلة بالسرج تحت ركبته اليمنى. قال صاحب حماة: وأول من أمرهم بذلك غازي بن زنكي حين أمرهم بشدّ السيوف في أوساطهم على ما تقدّم ذكره. قال في «مسالك الأبصار» : وعلى الجملة فزيّهم ظريف وعددهم فائقة نفيسة. الطائفة الثانية أرباب الوظائف الدينية من القضاة وسائر العلماء، وزيّهم راجع أيضا إلى أمرين الأمر الأول (ملبوسهم) ويختلف ذلك باختلاف مراتبهم، فالقضاة والعلماء منهم يلبسون العمائم من الشاشات الكبار للغاية، ثم منهم من يرسل بين

الطائفة الثالثة مشايخ الصوفية

كتفيه ذؤابة تلحق قربوس «1» سرجه إذا ركب، ومنهم من يجعل عوض الذّؤابة الطيلسان الفائق، ويلبس فوق ثيابه دلقا «2» متسع الأكمام طويلها مفتوحا فوق كتفيه بغير تفريج، سابلا على قدميه. ويتميز قضاة القضاة الشافعيّ والحنفيّ بلبس طرحة تستر عمامته وتنسدل على ظهره، وكان قبل ذلك مختصّا بالشافعيّ؛ ومن دون هذه منهم تكون عمامته ألطف، ويلبس بدل الدلق فرجيّة مفرجة من قدّامه من أعلاها إلى أسفلها مزرّرة بالأزرار، وليس فيهم من يلبس الحرير، ولا ما غلب فيه الحرير؛ وإن كان شتاء كان الفوقاني من ملبوسهم من الصوف الأبيض المطليّ، ولا يلبسون الملوّن إلا في بيوتهم، وربما لبسه بعضهم من الصوف في الطرقات، ويلبسون الخفاف من الأديم الطائفيّ بغير مهاميز. الأمر الثاني (مركوبهم) . أما أعيان هذه الطائفة من القضاة ونحوهم فيركبون البغال النفيسة المساوية في الأثمان لمسوّمات الخيول، بلجم ثقال وسروج مدهونة غير محلّاة بشيء من الفضة، ويجعلون حول السرج قرقشينا من جوخ. قال في «مسالك الأبصار» : وهو شبيه بثوب السرج مختصر منه، ويجعلون بدل العبي الكنابيش من الصوف المرقوم محاذية لكفل البغلة، ويمتاز قضاة القضاة بأن يجعل بدل ذلك الزناريّ من الجوخ، وهو شبيه بالعباءة مستدير من وراء الكفل ولا يعلوه بردعة ولا قوش، وربما ركبوا بالكنابيش «3» . وأما من دون هؤلاء من هذه الطائفة فربما ركبوا الخيول بالكنابيش والعبي. الطائفة الثالثة مشايخ الصوفية وهم مضاهون لطائفة العلماء في لبس الدلق إلا أنه يكون غير سابل، ولا

الطائفة الرابعة أرباب الوظائف الديوانية

طويل الكمّ؛ ويرخون ذؤابة لطيفة على الأذن اليسرى لا تكاد تلحق الكتف، ويركبون البغال بالكنابيش على نحو ما تقدّم. الطائفة الرابعة أرباب الوظائف الديوانية أما أعيانهم كالوزراء ومن ضاهاهم، فيلبسون الفراجي المضاهية لفراجي العلماء المتقدّمة الذكر، وربما لبسوا الجباب المفرجة من ورائها. وقد ذكر في «مسالك الأبصار» : أن أكابرهم كانوا يجعلون في أكمامهم بادهنجات «1» مفتوحة، وقد صار ذلك الآن قاصرا على ما يلبسونه من التشاريف. ومن دون هؤلاء يلبسون الفرجيات المفرجة من ورائها على ما تقدّم. وأما ركوبهم فيضاهي ركوب الجند أو يقاربه. قال في «مسالك الأبصار» : وتجمّل هذه الطائفة بمصر أكمل مما هم بالشام في زيّهم وملبوسهم،، إلا ما يحكى عن قبط مصر في بيوتهم من اتساع الأحوال والنفقات، حتّى إن الواحد منهم يكون في ديوانه بأدنى اللباس ويأكل أدنى المآكل، ويركب الحمار، حتّى إذا صار في بيته انتقل من حال إلى حال وخرج من عدم إلى وجود، قال: ولقد تبالغ الناس فيما تحكي من ذلك عنهم. المقصد الخامس في هيئة السلطان في ترتيب الملك، وله ثلاث «2» هيئات الهيئة الأولى هيئته في جلوسه بدار العدل لخلاص المظالم عادة هذا السلطان إذا كان بالقلعة في غير شهر رمضان أن يجلس بكرة يوم

الاثنين بإيوانه الكبير المسمّى بدار العدل المتقدّم ذكره مع ذكر القلعة في الكلام على حاضرة الديار المصرية؛ ويكون جلوسه على الكرسيّ الذي هو موضوع تحت سرير الملك. قال في «مسالك الأبصار» : ويجلس على يمينه قضاة القضاة من المذاهب الأربعة، ثم وكيل بيت المال، ثم الناظر في الحسبة. ويجلس على يساره كاتب السّر، وقدّامه ناظر الجيش وجماعة الموقّعين تكملة حلقة دائرة. قال: وإن كان الوزير من أرباب الأقلام، كان بينه وبين كاتب السر، وإن كان من أرباب السيوف، كان واقفا على بعد مع بقية أرباب الوظائف. وكذلك إن كان ثمّ نائب وقف مع أرباب الوظائف. ويقف من وراء السلطان مماليك صغار عن يمينه ويساره من السلاح دارية والجمدارية والخاصكية؛ ويجلس على بعد بقدر خمسة عشر ذراعا عن يمنته ويسرته ذو والسنّ من أكابر أمراء المئين، وهم أمراء المشورة؛ ويليهم من أسفل منهم أكابر الأمراء، وأرباب الوظائف وقوف، وباقي الأمراء وقوف من وراء المشورة؛ ويقف خلف هذه الحلقة المحيطة بالسلطان الحجّاب والدّوادارية لإحضار قصص أرباب الضرورات وإحضار المساكين، وتقرأ عليه القصص فما احتاج فيه إلى مراجعة القضاة راجعهم فيه، وما كان متعلقا بالعسكر تحدّث فيه مع الحاجب وناظر الجيش، ويأمر في البقية بما يراه. قلت: وقد استقرّ الحال على أن يكون عن يمينه قاضيان من القضاة الأربعة: وهما الشافعيّ والمالكيّ، وعن يساره قاضيان وهما الحنفيّ ثم الحنبليّ؛ ويلي القاضي المالكيّ من الجانب الأيمن قضاة العسكر الثلاثة المتقدّم ذكرهم الشافعيّ ثم الحنفيّ ثم المالكي؛ ويليهم مفتو دار العدل على هذا الترتيب؛ ويليهم وكيل بيت المال ثم الناظر في الحسبة بالقاهرة، وربما جلس المحتسب فوق وكيل بيت المال إذا علا قدره عليه بعلم أو رياسة. وكل هؤلاء صفّ واحد عن يمين السلطان مستدبرين جدار صدر الإيوان مستقبلين بابه، والقاضيان الحنفيّ والحنبليّ كذلك من الجانب الأيسر، والوزير إن كان من أرباب الأقلام إلى جانب الكرسيّ من الجانب الأيسر بانحراف، وكاتب السرّ يليه، وتستدير

الهيئة الثانية هيئته في بقية الأيام

الحلقة حتّى يصير الجالس بها مستدبرا باب الإيوان على ما تقدّمت الإشارة إليه في كلام «مسالك الأبصار» . الهيئة الثانية هيئته في بقيّة الأيام عادته فيما عدا الاثنين والخميس من الأيام أن يخرج من قصوره الجوّانية المتقدّم ذكرها إلى قصره الكبير المشرف على إصطبلاته، ثم تارة يجلس على تخت الملك الذي بصدره، وتارة يجلس على الأرض، ويقف الأمراء حوله على ما تقدّم في الجلوس في الإيوان، خلا أمراء المشورة والغرباء منه فليس لهم عادة بحضور هذا المجلس إلا من دعت الحاجة إلى حضوره، ثم يقوم في الثالثة من النهار فيدخل إلى قصوره الجوّانية لمصالح ملكه، ويعبر عليه خاصته من أرباب الوظائف كالوزير، وكاتب السر، وناظر الخاص، وناظر الجيش في الأشغال المتعلقة به على ما تدعو الحاجة إليه. الهيئة الثالثة هيئته في صلاة الجمعة والعيدين أما صلاة الجمعة فإن عادته أن يخرج إلى الجامع المجاور لقصره المتقدّم ذكره من القصر، ومعه خاصة أمرائه، فيدخل من أقرب أبواب الجامع للقصر، ويصلّي في مقصورة في الجامع عن يمين المحراب خاصة، ويصلّي عنده فيها أكابر خاصته، ويجيء بقية الأمراء: خاصّتهم وعامّتهم فيصلون خارج المقصورة عن يمينها ويسارها على مراتبهم، فإذا فرغ من الصلاة دخل إلى دور حريمه وذهب الأمراء كلّ أحد إلى مكانه. وأما صلاة العيدين، فعادته أن يركب من باب قصره وينزل من منفذة من الإصطبل إلى الميدان الملاصق له، وقد ضرب له فيه دهليز على أكمل ما يكون من الهيئة، ويحضر خطيب جامع القلعة إلى الميدان فيصلي به العيد ويخطب؛ فإذا فرغ من سماع الخطبة ركب وخرج من باب الميدان والأمراء والمماليك

الهيئة الرابعة هيئته للعب الكرة بالميدان الأكبر

يمشون حوله، وعلى رأسه العصائب السلطانية، والغاشية محمولة أمامه، والچتر وهو المظلة محمول على رأسه مع أحد أكابر الأمراء المقدّمين وهو راكب فرسا إلى جانبه، والأوشاقيّان الجفتة المتقدّم ذكرهما راكبان أمامه، وخلفه الجنائب، وعلى رأسه «1» العصائب السّلطانية، وأرباب الوظائف من السلاح دارية كلّهم خلفه، والطّبردارية أمامه مشاة بأيديهم الأطبار، ويطلع من باب الإصطبل ويطلع إلى الإيوان الكبير المقدّم ذكره، ويمدّ السماط ويخلع على حامل الچتر، وأمير سلاح، والأستادار، والجاشنكير، وجماعة من أرباب الوظائف ممن لهم خدمة في مهمّ العيد كنوّاب أستادار، وصغار الجاشنكيرية «2» ، وناظر البيوت ونحوهم. الهيئة الرابعة هيئته للعب الكرة بالميدان الأكبر عادته أن يركب لذلك بعد وفاء النيل ثلاثة مواكب متوالية في كل سبت ينزل من قصره أوّل النهار من باب الإصطبل، وهو راكب على الهيئة المذكورة في العيد ما عدا الچتر فإنه لا يحمل على رأسه، وتحمل الغاشية «3» أمامه في أوّل الطريق وآخره، ويصير إلى الميدان فينزل في قصوره، وينزل الأمراء منازلهم على قدر طبقاتهم، ثم يركب للعب الكرة بعد صلاة الظهر والأمراء معه، ثم ينزل فيستريح، ويستمرّ الأمراء في لعب الكرة إلى أذان العصر، فيصلي العصر ويركب على الهيئة التي كان عليها في أوّل النهار ويطلع إلى قصره. الهيئة الخامسة هيئته في الركوب لكسر الخليج عند وفاء النيل واعلم أن السلطان قد يركب لكسر الخليج، ولم تجر العادة بركوبه فيه بمظلة ولا رقبة فرس، ولا غاشپة، ولا ما في معنى ذلك مما تقدّم ذكره في ركوب

الهيئة السادسة هيئته في أسفاره

الميدان والعيدين، بل يقتصر على السناجق، والطّبردارية، والجاويشية «1» ونحو ذلك؛ ويركب من القلعة عند طلوع صاحب المقياس بالوفاء في أيّ وقت كان، ويتوجه إلى المقياس فيدخله من بابه ويمدّ هناك سماطا يأكل منه من معه من الأمراء والمماليك، ثم يذاب زعفران في إناء ويتناوله صاحب المقياس ويسبح في فسقيّة «2» المقياس حتّى يأتي العمود والإناء الزعفران بيده فيخلّق «3» العمود، ثم يعود ويخلّق جوانب الفسقية وتكون حرّاقة السلطان قد زيّنت بأنواع الزينة، وكذلك حراريق «4» الأمراء، وقد فتح شبّاك المقياس المطلّ على النيل من جهة الفسطاط وعلّق عليه ستر، فيؤتى بحرّاقة السلطان إلى ذلك الشباك فينزل منه ويسبح وحراريق الأمراء حوله وقد شحن البحر بمراكب المتفرّجين، ويسيرون خلف الحراريق حتّى يدخل إلى فم الخليج، وحراقة السلطان العظمى المعروفة بالذّهبيّة وحراريق الأمراء يلعب بها في وسط امتدادها، ويرمى بمدافع النّفط على مقدامها، ويسير السلطان في حراقته الصغيرة حتّى يأتي السدّ فيقطع بحضوره، ويركب وينصرف إلى القلعة. الهيئة السادسة هيئته في أسفاره ولم تجر العادة فيها بإظهار ما تقدّم من الزينة في موكب العيد والميدان، بل يركب في عدّة كبيرة من الأمراء: الأكابر والأصاغر، والخواصّ، والغرباء،

وخواصّ مماليكه. ولا يركب في السّير برقبة ولا عصائب، ولا تتبعه جنائب، ويقصد في الغالب تأخير النزول إلى الليل. فإذا دخل الليل حملت أمامه فوانيس كثيرة ومشاعل، فإذا قارب مخيّمه، تلقّي بالشموع المركبة في الشمعدانات المكفّتة، وصاحت الجاويشية بين يديه، وترجل الناس كافة إلا حملة السلاح والأوشاقية وراءه، ومشت الطبردارية حوله حتّى يدخل الدهليز الأوّل من مخيّمه فينزل ويدخل إلى الشقة، وهي خيمة مستديرة متسعة، ثم منها إلى شقة مختصرة، ثم إلى لاجوق «1» . وبدائر كل خيمة من جميع جوانبها من داخلها سور خركاه «2» من خشب، وفي صدر اللاجوق قصر صغير من خشب ينصب للمبيت فيه، وينصب بإزاء الشقة حمّام بقدور من رصاص وحوض على هيئة الحمامات بالمدن إلا أنه مختصر. فإذا نام طافت به المماليك دائرة وطاف بالجميع الحرس، وتدور الزّفّة حول الدهليز في كل ليلة مرتين: عند نومه وعند استيقاظه من النوم، ويطوف مع الزّفّة أمير من أكابر الأمراء وحوله الفوانيس والمشاعل، ويبيت على باب الدهليز أرباب الوظائف من النقباء وغيرهم. فإذا دخل إلى المدينة، ركب على هيئة ركوبه لصلاة العيد بالمظلة وغيرها، هذا ما يتعلق بخاصته. أما موكبه الذي يسير فيه جمهور مماليكه، فشعاره أن يكون معهم مقدّم المماليك والأستادار، وأمامهم الخزائن «3» والجنائب «4» والهجن، ويكون بصحبته في السفر من كل ما تدعو الحاجة إليه من الأطباء والكحّالين والجرائحية وأنواع

الهيئة السابعة النوم

الأدوية والأشربة والعقاقير وما يجري مجرى ذلك، يصرف ذلك لمن يعرض له مرض بالطريق. الهيئة السابعة النوم وقد جرت العادة أنه يبيت عنده خواصّ مماليكه من الأمراء وأرباب الوظائف من الجمدارية وغيرهم، يسهرون بالنّوبة بقسمة بينهم على بناكيم الرمل «1» ، كلما انقضت نوبة قوم أيقظوا أصحاب النوبة الذين يلونهم، ويتعانى كل منهم ما يشاغله عن النوم فقوم يقرأون في المصاحف، وقوم يلعبون بالشّطرنج والأكل «2» وغير ذلك. المقصد السادس في عادته في إجراء الأرزاق؛ وهو على ضربين الضرب الأوّل الجاري المستمرّ؛ وهو على نوعين النوع الأوّل الإقطاعات والإقطاعات في هذه المملكة تجري على الأمراء والجند، وعامّة إقطاعاتهم بلاد وأراض يستغلّها مقطعها ويتصرف فيها كيف شاء، وربما كان فيها نقد يتناوله من جهات وهو القليل، وتختلف باختلاف حال أربابها. فأما الأمراء بالديار المصرية فقد ذكر في «مسالك الأبصار» أنّ أكابر الأمراء

يبلغ إقطاع الواحد منهم مائتي ألف دينار جيشية «1» ، وربما زاد على ذلك. ويتناقص باعتبار انحطاط الرتبة إلى ثمانين ألف دينار وما حولها، ويبلغ إقطاع الواحد من أمراء الطبلخاناه ثلاثين ألف دينار فأكثر، وينقص إلى ثلاثة وعشرين ألف دينار؛ ويبلغ إقطاع الواحد من أمراء العشرات تسعة آلاف دينار إلى ما دون ذلك؛ ويبلغ إقطاع الواحد من مقدّمي الحلقة إلى ألف وخمسمائة دينار، وكذلك أعيان جند الحلقة إلى مائتين وخمسين دينارا. وأما إقطاعات الشام فلا تقارب هذا المقدار بل تكون بقدر الثلثين في جميع ما تقدم، خلا أكابر المقدّمين بالديار المصرية، فليس بالشام من يبلغ شأوهم إلا نائب الشام فإنه يقاربهم في ذلك. قال في «مسالك الأبصار» : وليس للنوّاب في الممالك مدخل في تأمير أمير عوض أمير بل إذا مات أمير صغير أو كبير طولع به السلطان فأمّر مكانه من أراد ممن في خدمته، ويخرجه إلى مكان الخدمة، وأما من كان في مكان الخدمة أو ينقل إليه من بلد آخر فعلى ما يراه في ذلك. أما جند الحلقة، فمن مات منهم استخدم النائب عوضه، وكتب بذلك رقعة في ديوان جيش تلك المملكة، ويجهّز مع بريديّ إلى الأبواب السلطانية فيقابل عليها من ديوان الجيش بالحضرة، ثم إن أمضاها السلطان كتب عليها (يكتب) ويكتب بها مربعة «2» من ديوان الجيش، ويكتب عليها منشور. ولجميع الأمراء بحضرة السلطان الرواتب الجارية في كل يوم: من اللحم، والتّوابل، والخبز، والعليق، والزيت؛ ولأعيانهم الكسوة والشّمع؛ وكذلك

النوع الثاني رزق أرباب الأقلام

المماليك السلطانية وذوو الوظائف من الجند مع تفاوت مقادير ذلك بحسب مراتبهم وخصوصيّتهم عند السلطان وقربهم إليه. قال في «مسالك الأبصار» : وإذا نشأ لأحد الأمراء ولد، أطلق له دنانير وخبز ولحم وعليق إلى أن يتأهل للإقطاع في جملة الحلقة، ثم منهم من ينقل إلى العشرة أو الطبلخاناه على حسب الحظوظ والأرزاق. النوع الثاني رزق أرباب الأقلام وهو مبلغ يصرف إليهم مشاهرة. قال في «مسالك الأبصار» : وأكبرهم كالوزير له في الشهر مائتان وخمسون دينارا جيشية، ومن الرواتب والغلّة ما إذا بسط وثمن كان نظير ذلك، ثم دون ذلك ودون دونه، ولأعيانهم الرواتب الجارية: من اللحم، والخبز، والعليق، والشّمع، والسّكّر، والكسوة ونحو ذلك، إلى غير ذلك مما هو جار على العلماء وأهل الصلاح من الرواتب والأراضي المؤبدة، وما يجري مجراها مما يتوارثه الخلف عن السلف مما لا يوجد بمملكة من الممالك، ولا مصر من الأمصار. الضرب الثاني الإنعام وما يجري مجراه: مما يقع في وقت دون وقت؛ وهو على خمسة أنواع النوع الأوّل الخلع والتّشاريف «1» قال في «المسالك» : ولصاحب مصر في ذلك اليد الطّولى حتّى بقي بابه سوقا ينفق فيه كل مجلوب، ويحضر الناس إليه من كل قطر حتّى كاد ذلك ينهك

الصنف الأول تشاريف أرباب السيوف

المملكة ويودي بمتحصّلاتها عن آخرها. قال: وغالب هذا مما قرّره هذا السلطان، ولقد أتعب من يجيء بعده من كثرة الإحسان. وهي على ثلاثة أصناف: الصنف الأوّل تشاريف أرباب السيوف وهي على طبقات، أعلاها ما هو مختص بالأمراء المقدّمين من النوّاب وغيرهم فوقانيّ أطلس أحمر بطرز زركش مفرّى بسنجاب، بدائرة سجف من ظاهره مع غشاء قندس، وتحته قباء أطلس أصفر، وكلوتة زركش بكلاليب ذهب، وشاش رفيع موصول به طرفان من حرير أبيض، مرقومان بألقاب السلطان مع نقوش باهرة من الحرير الملوّن، ومنطقة ذهب مركّبة على حاشية حرير تشدّ في وسطه؛ ويختلف حال المنطقة بحسب المراتب. فأعلاها أن يعمل من عمدها [بواكير] «1» وسطا ومحبسين، مرصّعة بالبلخش «2» والزّمرّد واللّؤلؤ، ثم ما كان ببيكارية واحدة من غير ترصيع، فإن كان التشريف لتقليد ولاية مفخّمة، زيد سيفا محاّى بذهب وفرسا مسرجا ملجما بكنبوش زركش؛ وربما زيد أكابر النوّاب كنائب الشام تركيبة زركش على الفوقاني، وشاش حرير سكندريّ مموّج بالذهب. ويعرف ذلك بالمتمر. وعلى ذلك كان شاش صاحب حماة، ويكون عوض كنبوشه زناريّ أطلس أحمر؛ ودون ذلك من التشاريف أقبية طرد وحش من عمل الإسكندرية ومصر والشام، مجوّخ: جاخات مكتوبة بألقاب السلطان، وجاخات صور وحوش أو طيور صغار، وجاخات ملوّنة مموّجة بقصب مذهب، يفصل بين جاخاته نقوش، يركب على القباء طراز زركش، وعليه السنجاب والقندس كما تقدّم، وتحته قباء من الطرح السكندريّ المفرج، وكلوتة زركش بكلاليب وشاش كما تقدّم، وحياصة ذهب تارة

تكون ببيكارية وتارة لا تكون، وهذه لأصاغر أمراء المئين ومن يلحق بهم، وكذلك أصحاب الوظائف المختصة بذلك كالجوكندار «1» والولاة ومن يجري مجراهم «2» . ثم للتشاريف أماكن: منها إذا ولي أمير أو صاحب منصب وظيفة فإنه يلبس تشريفا يناسب ولايته التي وليها على حسب ما تقتضيه الرتبة علوّا وهبوطا. ومنها عيد الفطر، يخلع فيه على جميع أرباب الوظائف: من الأمراء وأرباب الأقلام كالأستادار والدّوادار وأمير سلاح والوزير وكاتب السر وناظر الخاص وناظر الجيش ونحوهم، كلّ منهم بما يناسبه. قال في «مسالك الأبصار» : ومن عادة السلطان أن يعدّ لكل عيد خلعة على أنها لملبوسه من نسبة خلع أكابر المئين فلم يلبسها، ولكن يختص بها بعض أكابر المئين يخلعها عليه. ومنها الميادين، يخلع فيها على أكابر الأمراء كل ميدان يختص بأمير أو أكثر يلبس فيه خلعة من المفرّج المذهب. ومنها دوران المحمل «3» في شوّال، يخلع فيه على أرباب الوظائف بالمحمل كالقاضي والناظر والمحتسب والشاهد والمقدّمين والأدلة وناظر الكسوة ومباشريها ومن في معناهم.

النوع الثاني الخيول

النوع الثاني الخيول قد جرت عادة صاحب مصر أن ينعم على أمرائه بالخيول مرتين في كل سنة: المرة الأولى عند خروجه إلى مرابط خيوله على القرط «1» في أواخر ربيعها، فينعم على الأخصّاء من أمرائه بما يختاره من الخيول على قدر مراتبهم، وتكون خيول المقدّمين منهم مسرجة ملجمة بكنابيش من زركش، وخيول أمراء الطبلخانات عريا من غير قماش. المرة الثانية عند لعبه الكرة بالميدان، وتكون خيول المقدّمين والطبلخانات مسرجة ملجمة بفضة يسيرة بلا كنابيش؛ وكذلك يرسل إلى نوّاب الممالك الشامية كل أحد بحسبه، وليس لأمراء العشرات في ذلك حظ إلا ما يتفقدهم به على سبيل الإنعام. قال المقرّ الشهابيّ بن فضل الله: ولخاصة المقرّبين من الأمراء المقدّمين والطبلخانات زيادات كثيرة في ذلك بحيث يصل بعضهم إلى فرس في كل سنة؛ وله أوقات أخرى يفرّق فيها الخيل على مماليكه وربما أعطى بعض مقدّمي الحلقة؛ وكلّ من مات له فرس من ممالكيه دفع إليه عوضه، وربما أنعم بالخيول على ذوي السّنّ من أكابر الأمراء عند الخروج إلى الصيد ونحوه. ولخيول الأمراء في كل سنة إطلاقات أراض بالأعمال الجيزية لزرع القرط لخيولهم من غير خراج؛ وللمماليك السلطانية البرسيم المزدرع على قدر مراتبهم، وما يدفع إليهم من القرط يكون بدلا من عليق الشعير المرتّب لهم في غير زمن الربيع عوضا عن كل عليقة نصف فدّان من القرط القائم على أصله في مدّة ثلاثة أشهر. النوع الثالث الكسوة والحوائص قد جرت عادة السلطان أنه ينعم على ممالكيه وخواصّ أهل المناصب من

النوع الرابع الإنعام والأوقاف

حملة الأقلام في كل سنة بكسوة في الشتاء وكسوة في الصيف على قدر مراتبهم، ومن عاداته أنه إذا ركب للعب الكرة بالميدان فرّق حوائص «1» من ذهب على بعض الأمراء المقدّمين، يفرّق في كل موكب ميدان على أميرين بالنّوبة حتّى يأتي على آخرهم في ثلاث سنين أو أربع بحسب ما تقع نوبته في ذلك. قال في «المسالك» : أما أمراء الشأم فلا حظّ لهم من الإنعام في أكثر من قباء واحد يلبس في وقت الشتاء إلا من تعرّض لقصد السلطان فإنه ينعم عليه بما يقتضيه حاله. النوع الرابع الإنعام والأوقاف وأكثر الأوقات لا ضابط لعطائه إنما يكون بحسب مزية المنعم عليه عند السلطان وقربه منه. قال في «مسالك الأبصار» : ولخاصة الأمراء المقدّمين أنواع من الإنعامات كالعقار والأبنية الضّخمة التي ربما أنفق على بعضها فوق مائة ألف دينار، وكساوي القماش المنوّع، وفي أسفارهم في وقت خروجهم إلى الصيد وغيره العلوفات والأموال. النوع الخامس المأكول والمشروب أعظم أسمطة هذا السلطان تكون بالإيوان الكبير أيام المواكب. إذا خرجت القضاة وسائر أرباب الأقلام من الخدمة، مدّ السماط بالإيوان الكبير من أوّله إلى آخره بأنواع الأطعمة المنوّعة الفاخرة، ويجلس السلطان على رأس الخوان والأمراء يمنة ويسرة على قدر مراتبهم من القرب من السلطان، فيأكلون أكلا خفيفا ثم يقومون، ويجلس من دونهم طائفة بعد طائفة، ثم يرفع الخوان. وأما في بقية الأيام فيمدّ الخوان في طرفي النهار لعامّة الأمراء خلا البرّانيين فإنه لا يحضره منهم

المقصد السابع في اختصاص صاحب هذه المملكة بأماكن داخلة في نطاق مملكته، يمتاز بها على ملوك الأرض من المسلمين وغيرهم

إلا القليل النادر. ففي أوّل النهار يمدّ سماط أوّل لا يأكل منه السلطان شيئا، ثم سماط ثان بعده قد يأكل منه السلطان وقد لا يأكل، ثم سماط ثالث بعده يسمى الطاريء، ومنه مأكول السلطان. وفي أخريات النهار يمدّ سماطان الأوّل والثاني المسمى بالخاص، ثم إن استدعي بطاريء حضر، وإلا فبحسب ما يؤمر به، وفي كل هذه الأسمطة يسقى بعدها المشروب من الأقسما السكّرية عقب الأكل. وأما في الليل فيبيت بالقرب من مبيته أطباق من أنواع المآكل المختلفة والمشروب الفائق ليتشاغل أصحاب النّوب بالمأكول والمشروب عن النوم. قال في «مسالك الأبصار» : ولكل ذي إمرة بمصر من خواص السلطان عليه السكر والحلوى في شهر رمضان، والضّحية على مقادير رتبهم. المقصد السابع في اختصاص صاحب هذه المملكة بأماكن داخلة في نطاق مملكته، يمتاز بها على ملوك الأرض من المسلمين وغيرهم منها الكعبة المعظمة داخلة في نطاق هذه المملكة، واختصاصه بكسوتها ودوران المحمل في كل سنة. أما كسوة الكعبة، فإنها كانت في الزمن الأوّل مختصّة بالخلفاء، وكانت خلفاء بني العبّاس يجهزونها من بغداد في كل سنة، ثم صارت إلى ملوك الديار المصرية يجهزونها في كل سنة، واستقرّت على ذلك إلى الآن. ولا عبرة بما وقع من استبداد بعض ملوك اليمن في بعض الأعصار بذلك في بعض السنين، وهذه الكسوة تنسج بالقاهرة المحروسة بمشهد الحسين من الحرير الأسود مطرّزة بكتابة بيضاء في نفس النسج، فيها: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ «1» الآية.

ثم في آخر الدولة الظاهرية برقوق استقرّت الكتابة صفراء مشعّرة بالذهب. ولهذه الكسوة ناظر مستقلّ بها، ولها وقف أرض بيسوس من ضواحي القاهرة يصرف منها على استعمالها. وأما دوران المحمل، فقد جرت العادة أنه يدور في السنة مرتين: المرّة الأولى في شهر رجب بعد النصف منه، يحمل وينادى لأصحاب الحوانيت التي في طريق دورانه بتزيين حوانيتهم قبل ذلك بثلاثة أيام، ويكون دورانه في يوم الاثنين أو الخميس لا يتعدّاهما، ويحمل المحمل على جمل وهو في هيئة لطيفة من خركاه وعليه غشاء من حرير أطلس أصفر، وبأعلاه قبّة من فضة مطلية ويبيت في ليلة دورانه داخل باب النصر بالقرب من باب جامع الحاكم، ويحمل بعد الصبح على الجمل المذكور ويسير إلى تحت القلعة، فيركب أمامه الوزير والقضاة الأربعة والمحتسب والشهود وناظر الكسوة وغيرهم، ويركب جماعة من المماليك السلطانية الرمّاحة ملبسين المصفّات «1» الحديد المغشّاة بالحرير الملوّن، وخيولهم ملبسة البركستوانات «2» والوجوه الفولاذ كما في القتال، وبأيديهم الرماح، عليها الشطفات السلطانية فيلعبون تحت القلعة كما في حالة الحرب، ومنهم جماعة صغار بيد كل منهم رمحان يديرهما في يده وهو واقف على ظهر الفرس، وربما كان وقوفه في نعل من خشب على ذباب سيفين من كل جهة؛ وهو يفعل كذلك ويهيئوا من أزيار النفط وغيرها جملة مستكثرة، ويطلق تحت القلعة في خلال ذلك، ثم يذهب إلى الفسطاط فيمرّ في وسطه، ثم يعود إلى تحت القلعة ويفعل كما في الأوّل إلّا أنه أقل من ذلك؛ ثم يحمل من «3» من جامع الحاكم ويوضع في مكان هناك إلى شوّال؛ وفي خلال ذلك كله الطبلخانات والكوسات السلطانية تضرب خلفه، ويخلع فيه على جماعة مستكثرة؛ وكذلك يفعل في نصف شوّال إلا

المقصد الثامن في انتهاء الأخبار إليه، وهو على ثلاثة أنواع

أنه يرجع من تحت القلعة إلى باب النصر ويخرج إلى الرّيدانيّة للسفر ولا يتوجه إلى الفسطاط. المقصد الثامن في انتهاء الأخبار إليه، وهو على ثلاثة أنواع النوع الأوّل أخبار الملوك الواردة عليه مكاتبات منهم وقد جرت العادة أنه إذا وصل رسول من ملك من الملوك إلى أطراف مملكته كاتب نائب تلك الجهة السلطان عرّفه بوفوده، واستأذنه في إشخاصه إليه، فتبرز المراسيم السلطانية بحضوره فيحضر. فإذا وقع الشّعور بحضوره فإن كان مرسله ذا مكانة عظيمة من الملوك: كأحد القانات من ملوك الشرق، خرج بعض أكابر الأمراء كالنائب وحاجب الحجّاب ونحوهما للقائه، وأنزل بقصور السلطان بالميدان الذي يلعب فيه بالكرة، وهو أعلى منازل الرسل. وإن كان دون ذلك تلقاه المهمندار واستأذن عليه الدّوادار وأنزله دار الضيافة أو ببعض الأماكن على قدر رتبته، ثم يرتقب يوم موكب فيجلس السلطان بإيوانه، وتحضر أعيان المملكة الذين شأنهم الحضور من أرباب السيوف والأقلام، ويحضر ذلك الرسول وصحبته الكتاب الوارد معه، فيقبّل الأرض ويتناول الدوادار الكتاب منه فيمسحه بوجه الرسول، ثم يدفعه إلى السلطان فيفضّه ويدفعه إلى كاتب السر فيقرؤه على السلطان ويأمر فيه أمره. النوع الثاني الأخبار التي ترد عليه من جهة نوّابه عادة هذا السلطان أن يطالعه نوّابه في مملكته بكل ما يتجدّد عندهم من مهمّات الأمور أو ما قاربها، وتؤخذ أوامره وتعود أجوبته عليهم من ديوان الإنشاء بما يراه في ذلك، أو يبتدئهم هو بما يقتضيه رأيه، وينفّذ على البرد أو أجنحة

النوع الثالث أخبار حاضرته

الحمام الرسائليّ على ما يأتي ذكره في المقالة الثالثة من الكتاب إن شاء الله تعالى. وقد جرت العادة أنه إذا ورد بريد من بلد من بلاد المملكة أو عاد المجهّز من الأبواب الشريفة بجواب، أحضره أمير جاندار والدوادار وكاتب السر بين يدي السلطان فيقبّل الأرض، ثم يأخذ الدوادار الكتاب فيمسحه بوجه البريديّ، ثم يناوله للسلطان فيفضّه ويجلس كاتب السر فيقرؤه عليه ويأمر بأمره. وأما بطائق الحمام، فإنه إذا وقع طائر من الحمام الرسائليّ ببطاقة أخذها البرّاج وأتى بها الدّوادار، فيقطع الدوادار البطاقة عن الحمام بيده، ثم يحملها إلى السلطان ويحضر كاتب السرّ فيقرؤها كما تقدّم. النوع الثالث أخبار حاضرته جرت العادة أن والي الشّرطة يستعلم متجدّدات ولاياته من قتل أو حريق كبير أو نحو ذلك في كل يوم من نوّابه، ثم تكتب مطالعة جامعة بذلك وتحمل إلى السلطان صبيحة كل يوم فيقف عليها. قال في «مسالك الأبصار» : وأما ما يقع للناس في أحوال أنفسهم فلا. المقصد التاسع في هيئة الأمراء بالديار المصرية وترتيب إمرتهم واعلم أن كل أمير من أمراء المئين أو الطبلخانات سلطان مختصر في غالب أحواله، ولكل منهم بيوت خدمة كبيوت خدمة السلطان من الطّشت خاناه، والفراش خاناه، والرّكاب خاناه، والزّردخاناه، والمطبخ، والطبلخاناه، خلا الحوائج خاناه فإنها مختصة بالسلطان، ولكل واحد من هذه البيوت مهتار متسلم حاصله، وتحت يده رجال وغلمان لكل منهم وظيفة تخصه، وكذلك لكل منهم الحواصل من إصطبلات الخيول ومناخات الجمال وشون الغلال؛ وله من أجناده

أستادار، ورأس نوبة «1» ، ودوادار، وأمير مجلس، وجمدارية، وأمير اخور، وأستادار صحبة، ومشرف. وتوصف البيوت في دواوين الأمراء بالكريمة، فيقال البيوت الكريمة كما يقال في بيوت السلطان البيوت الشريفة، وكذلك كل فرد منها فيقال: الطّشت خاناه الكريمة والفراش خاناه الكريمة، وكذا في الباقي؛ ويوصف الإصطبل بالسعيد فيقال: الإصطبل السعيد، وكذلك المناخ؛ وتوصف الشّون بالمعمورة فيقال للشّونة المعمورة. قال في «مسالك الأبصار» : ومن رسم الأمراء أن يركب الأمير منهم حيث ركب وخلفه جنيب «2» مسرج ملجم، وربما ركب الأمير من أكابرهم بجنيبين سواء في ذلك الحاضرة والبرّ. قال: ويكون لكل منهم طلب مشتمل على أكثر مماليكه، وقدّامهم خزانة محمولة للطبلخاناه على جمل واحد، يجرّه راكب على جمل آخر، والألف على جملين وربما زاد بعضهم على ذلك. وأمام الخزانة عدّة جنائب تجرّ على أيدي مماليك ركّاب خيل وهجن، وركّابه من العرب على هجن، وأمامهم الهجن بأكوارها مجنوبة، للطبلخاناه قطار واحد وهو أربعة، ومركوب الهجّان والألف قطاران وربما زاد بعضهم. قال: وعدد الجنائب في كثرتها وقلتها إلى رأي الأمير وسعة نفسه، والجنائب المذكورة منها ما هو مسرج ملجم، ومنها ما هو بعباءة لا غير. انتهى كلامه. ومن عادتهم أيضا أن الأمير إذا ركب يكون أكابر أجناده من أرباب الوظائف: كرأس نوبة والدّوادار، وأمير مجلس، ومشاة الخدمة أمامه؛ وكلّ من كان منهم أكبر كان إليه أقرب؛ وتكون الجمدارية من مماليكه الصّغار خلفه وأميراخوره خلف الجميع، ومعه الجنائب والأوشاقية على قاعدة السلطان في ذلك. ومن عادة أكابر مجالس بيوتهم أنه ينصب للأمير بشتميخ «3» خلف ظهره من

الجوخ الأحمر المزهر بالجوخ الملوّن، برنك «1» ذلك الأمير وطراز فيه ألقابه، ويجلس على مقعد مسندا ظهره إلى البشتميخ، وربما جلس أكابرهم على مدوّرة من جلد ورجلاه على الأرض، وتكون الناس في مجلسه في القرب إليه على حسب مراتبهم. ومن عادة كل أمير من كبير أو صغير أن يكون له رنك يخصه ما بين هناب أو دواة أو بقجة أو فرنسيسية ونحو ذلك، بشطفه واحدة أو شطفتين، بألوان مختلفة، كل أمير بحسب ما يختاره ويؤثره من ذلك، ويجعل ذلك دهانا على أبواب بيوتهم والأماكن المنسوبة إليهم كمطابخ السّكّر، وشون الغلال، والأملاك والمراكب وغير ذلك، وعلى قماش خيولهم من جوخ ملوّن مقصوص، ثم على قماش جمالهم من خيوط صوف ملوّنة تنقش على العبي والبلاسات ونحوها، وربما جعلت على السيوف والأقواس والبركصطوانات «2» للخيل وغيرها. ومن عوائد أمراء العسكر بالحضرة السلطانية أنهم يركبون في يومي الاثنين والخميس في المواكب منضمين على نائب السلطنة الكافل «3» إن كان، وإلا فعلى حاجب الحجّاب، ويسيرون تحت القلعة مرّات، ثم يقفون بسوق الخيل وتعرض عليهم خيول المناداة، وربما نودي على كثير من آلات الخيل والخيم والخركاوات والأسلحة. قال في «مسالك الأبصار» : وقد ينادى على كثير من العقارات، ثم يطلعون إلى الخدمة السلطانية على ما تقدّم. ومن قاعدة هذه المملكة أن أجناد الأمراء كافة تعرض بديوان الجيوش السلطانية وتثبت أسماؤهم مفصّلة فيه، وكانوا فيما تقدّم يحلون بالديوان. أما

المقصد العاشر في ولاة الأمور من أرباب السيوف بأعمال الديار المصرية، وهم على أربع طبقات

الآن، فقد ترك ما هنالك واكتفي بأوراق تكتب من دواوين الأمراء بأسماء أجناده وتخلّد بديوان الجيوش، ثم كلما مات واحد منهم أو فصل من الخدمة عرض بديوان الجيش واحد مكانه يعبر فيه عرض من ديوان ذلك الأمير. ومن عادتهم أن من مات من الأمراء والجند قبل استكمال سنة خدمته حوسب في مستحق إقطاعه على مقدار مدّته، وكتب له بذلك محاسبة من ديوان الجيوش، ويكون ما يتحصّل من المغل شركة بين المستقرّ وبين الميت أو المنفصل على حسب استحقاق القراريط، كل شهر من السنة بقيراطين. ومن عادة الأمراء أنه إذا مر السلطان في متصيّداته بإقطاع أمير كبير، قدّم له من الإوزّ والدّجاج وقصب السكر والشعير ما تسمو إليه همة مثله فيقبله منه، ثم ينعم عليه بخلعة كاملة يلبسها، وربما أمر لبعضهم بشيء من المال فيقبضه. المقصد العاشر في ولاة الأمور من أرباب السيوف بأعمال الديار المصرية، وهم على أربع طبقات الطبقة الأولى النّواب، والمستقرّ بها ثلاث نيابات الأولى- نيابة الإسكندريّة: وهي نيابة جليلة، نائبها من الأمراء المقدّمين يضاهي في الرتبة نيابة طرابلس وما في معناها أو يقاربها، وبها حاجب أمير عشرة، وحاجب جنديّ، ووال للمدينة، وأجناد حلقة عدّتهم مائتا نفر، يعبر عنهم بأجناد المائتين، وبها قاضي قضاة مالكيّ، وقاض حنفيّ مستحدث، وربما كان بها قاض شافعيّ، والمالكيّ أكبر الكل بها، وهو المتحدّث في أموال الأيتام والأوقاف. على أنه ربما ولي قضاء قضاتها في الزمن الماضي شافعيّ، وبها موقّع يعبر عنه في البلد بكاتب السر، وناظر متحدّث في الأموال الديوانية، ومعه مستوف، وتحت يده كتّاب وشهود؛ وبها محتسب؛ وليس بها قضاة عسكر ولا مفتو دار عدل؛ ووكيل بيت المال بها نائب عن نائب بيت المال بالقاهرة، وتركّز بها أمراء المقدّمين والطبلخانات في غير الزمن الذي يمتنع سير المراكب الحربية في البحر بشدّة

الريح منها، ووال للتركيز يسمّى الحاجب. وقد مرّ القول على معاملتها، وذكر أحوالها في الكلام على قواعد الديار المصرية المستقرة فأغنى عن إعادته هنا. وهذه النيابة مع جلالة قدرها ورفعة محلّها ليس لها عمل يحكم فيه نائبها ولا قاضيها ومحتسبها، بل حكمهم قاصر على المدينة وظواهرها لا يتعدّى ذلك، بخلاف غيرها من سائر نيابات المملكة؛ وبها كرسيّ سلطنة بدار النيابة؛ وعادة الخدمة السلطانية بها في أيام المواكب أن يركب نائب السلطنة من دار النيابة وفي خدمته مماليكه وأجناد المائتين المتقدّم ذكرهم، ويخرج من دار النيابة عند طلوع الشمس، ويسير في موكبه والشّبّابة السلطانية بين يديه حتّى يخرج من باب البحر، ويخرج الأمراء المركّزون على حدتهم أيضا، ويجتمعون في الموكب ويسيرون خارج باب البحر ساعة ثم يعودون، ويتوجه النائب إلى دار النيابة في مماليكه وأجناد المائتين، وقد فارقه الأمراء المركّزون وتوجه كلّ منهم إلى منزله. فإذا صار إلى دار النيابة: فإن كان في ذلك الموكب سماط، وضع الكرسيّ في صدر الإيوان مغشّى بالأطلس الأصفر ووضع عليه سيف نمجاة سلطانية ومدّ السماط تحته وأكل مماليك النائب وأجناد المائتين وجلس النائب بجنبة من الإيوان والشباك مطلّ على مينا البلد، ويجلس القاضي المالكيّ عن يمينه، والقاضي الحنفيّ عن يساره، والناظر تحته، والموقّع بين يديه، ورؤوس البلد على قدر منازلهم، وترفع القصص فيقرؤها الموقّع على النائب فيفصلها بحضرة القضاة ثم ينصرف الموكب. قلت: وهذه النيابة مستحدثة، وكان ابتداء ترتيبها في سنة سبع وستين وسبعمائة في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين حين طرقها الفرنج وفتكوا بأهلها وقتلوا ونهبوا وأسروا، وكانت قبل ذلك ولاية تعدّ في جملة الولايات الطبلخاناه، وكان لواليها الرتبة الجليلة والمكانة العلية. الثانية- نيابة الوجه البحريّ. وهي مما استحدث في الدولة الظاهرية برقوق، ونائبها من الأمراء المقدّمين، وهو في رتبة مقدّم العسكر بغزّة الآتي ذكره في المماليك الشامية، ومقرّ نيابتها مدينة دمنهور بالبحيرة، وحكمه على جميع بلاد

الطبقة الثانية الكشاف

الوجه البحريّ المتقدّم ذكرها في الكلام على أعمال الديار المصرية المستقرة خلا الإسكندريّة، وليست على قاعدة النيابات في ركوب المواكب وما في معناها؛ بل نائبها في الحقيقة كاشف كبير «1» ، وليس فيها من رسوم النيابة سوى لبس التشريف وكتابة التقليد والمكاتبة بما يكاتب به مثل نائبها من النوّاب، وقد كان القائم بها في الزمن الأول قبل استقرارها نيابة يعبر عنه بوالي الولاة. الثالثة- نيابة الوجه القبليّ. وهي مما استحدث في الدولة الظاهرية برقوق أيضا، وكان مقرّ نائبها مدينة أسيوط، وحكمه على جميع بلاد الوجه القبليّ، وهي في الترتيب والرتبة على ما تقدّم من نيابة الوجه البحريّ، غير أنها أعظم خطرا في النفوس وكان القائم بها قبل ذلك يسمّى والي الولاة كما تقدّم في الوجه البحريّ. الطبقة الثانية الكشّاف قد تقدّم أنه قبل استحداث النيابة بالوجهين القبليّ والبحريّ كان بهما كاشفان يعبّر عن كل منهما بوالي الولاة، ولما استقرّا نيابتين جعل للوجه البحريّ كاشف من أمراء الطبلخاناه على العادة المتقدّمة، وهو في الحقيقة تحت أمر نائب الوجه البحريّ، ومقرّته منية غمر من الشرقية، وجعل كاشف آخر للبهنساوية والفيّوم، وعطّل الفيّوم من الوالي، وباقي الوجه القبليّ أمره راجع إلى نائبه؛ وللجيزية كاشف يتحدث في جسورها وسائر متعلّقاتها، ولا يتعدّى أمره إلى غيرها من النواحي. الطبقة الثالثة الولاة بالوجهين القبليّ والبحريّ وقد تقدّم ذكر أعمالها؛ ومراتب الولاة بهما لا تخرج عن مرتبتين:

المرتبة الأولى- الولاة من أمراء الطبلخاناه. وهي سبع «1» ولايات بالوجهين القبليّ والبحريّ على ما استقرّ عليه الحال. فأما الوجه القبليّ ففيه أربع ولايات من هذه الرتبة: وهي ولاية البهنسى، وولاية الأشمونين، وولاية قوص، وهي أعظمها حتّى إن واليها كان يركب بالشبّابة أسوة النوّاب بالممالك، وولاية أسوان: وهي مستحدثة في الدولة الظاهرية برقوق، وكانت قبل ذلك مضافة إلى والي قوص يجعل فيها نائبا من تحت يده، وكانت ولاية الفيّوم طبلخاناه، ثم استقرّت كشفا على ما تقدّم. أما أسيوط، فلم يكن بها وال لكونها مقرّ نائب الوجه القبليّ ومقرّ والي الولاة من قبله، وسيأتي ما كان ولاية طبلخاناه من الوجه القبليّ ثم نقل. وأما الوجه البحريّ ففيه أربع ولايات من هذه الرتبة، وهي ولاية الشرقية، ومقرّ واليها بلبيس؛ وولاية المنوفية ومقرّ واليها مدينة منوف؛ وولاية الغربية، ومقرّ واليها المحلة الكبرى؛ وهي تضاهي ولاية قوص من الوجه القبليّ إلا أن واليها لم يركب بالشبابة قط؛ وولاية البحيرة، ومقرّ واليها مدينة دمنهور، وربما عطلت ولايتها لكونها مقرّة النائب، وقد تقدّم أن ولاية النائب قبل أن تستقرّ نيابة كانت ولاية طبلخاناه. المرتبة الثانية- من الولاة أمراء العشرات. وهي سبع ولايات بالوجهين: فأما القبليّ ففيه من هذه الرتبة ثلاث ولايات: ولاية الجيزة، وكانت قبل ذلك طبلخاناه؛ وولاية إطفيح ولم تزل عشرة؛ وولاية منفلوط وولايتها عشرون، وكانت قبل ذلك ولاية طبلخاناه، وقد كان بعيذاب في الأيام الناصرية ابن قلاوون وما بعدها وال أمير عشرة يولّى من قبل السلطان ويراجع والي قوص في الأمور المهمة. وأما الوجه البحريّ، ففيه أربع ولايات من هذه الرتبة، ولاية منوف، وولاية

الطبقة الرابعة أمراء العربان بنواحي الديار المصرية

أشموم، وولاية دمياط، وولاية قطيا، وكانت قبل ذلك طبلخاناه. الطبقة الرابعة أمراء العربان بنواحي الديار المصرية قد تقدّم في الكلام على ما يحتاج إليه الكاتب في المقالة الأولى ذكر أصول أنساب العرب، وانقسامهم إلى قحطانيّة وهم العاربة، وإلى عدنانيّة وهم المستعربة، وبيان رجوع كل بطن من بطون العرب الموجودين الآن بالديار المصرية وغيرها إلى قبيلتهم التي إليها ينتسبون، وبيان من بوجهي الديار المصرية القبليّ والبحريّ من القبائل، وأفخاذ كل قبيلة المتشعّبة منها. والمقصود بيان أمراء العربان بالوجهين المذكورين في القديم والحديث. فأما الوجه القبليّ، فقد ذكر الحمداني «1» أن الإمرة كانت بالوجه القبليّ في ثلاثة أعمال: العمل الأول- عمل قوص، وكانت الإمرة به في بيتين من بليّ «2» من قضاعة بن حمير بن سبإ من القحطانيّة. الأول- بنو شاد المعروفون ببني شادي «3» . وكانت منازلهم بالقصر الخراب المعروف بقصر بني شادي بالأعمال القوصيّة، وتقدّم هناك أنه قيل إنهم من بني أميّة بن عبد شمس من قريش.

الثاني- العجالة. وهم بنو العجيل بن الذئب منهم أيضا، وكانوا معهم هناك. العمل الثاني- عمل الأشمونين. وكانت الإمرة به في بني ثعلب من السّلاطنة، وهم أولاد أبي جحيش من الحيادرة من ولد إسماعيل بن جعفر الصادق، من عقب الحسين السّبط ابن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه، وكانت منازلهم بدروت سربام «1» ، وغلب عليها الشريف حصن الدين بن ثعلب فعرفت بدروت الشّريف من يومئذ، واستولى عليها وعلى بلاد الصعيد. وقد تقدم أنه كان في آخر الدولة الأيوبية. فلما ولي المعزّ أيبك التّركمانيّ: أول ملوك الترك بالديار المصرية السلطنة، أنف من سلطته وسمت نفسه إلى السلطنة فجهز إليه المعز جيوشا، فجرت بينهم حروب لم يظفروا به فيها، وبقي على ذلك إلى أن كانت دولة الظاهر بيبرس، فنصب له حبائل الحيل وصاده بها وشنقه بالإسكندريّة. العمل الثالث- البهنسى، وكانت الإمرة فيه في بيتين: الأول- أولاد زعازع. (بضم الزاي) من بني جديدي من بني بلار من لواثة «2» من البربر أو من قيس عيلان على الخلاف السابق عند ذكر نسبهم في المقالة الأولى. قال الحمدانيّ: وهم أشهر من في الصعيد. الثاني- أولاد قريش. قال الحمدانيّ: وهم أمراء بني زيد، ومساكنهم نويرة دلاص. قال: وكان قريش هذا عبدا صالحا كثير الصدقة، ومن أولاده سعد الملك المشهور بنوه هناك.

وذكر المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف» : أن الإمرة بالوجه القبليّ في زمانه (وهو سلطنة الناصر محمد بن قلاوون وما وليها) كانت لناصر الدين عمر بن فضل، ولم يذكر مقرّته ولا من أيّ العرب هو، وذكر أيضا أن إمرة فيما فوق أسوان كانت في عرب يقال لهم الحدارية «1» في سميرة بن مالك. قال: وهو ذو عدد جمّ وشوكة منكية، يغزو الحبشة وأمم السودان ويأتي بالنهاب والسبايا، وله أثر محمود وفضل مأثور، وفد على السلطان «2» فأكرم مثواه، وعقد له لواء وشرّف بالتّشريف، وقلّد، وكتب إلى ولاة الوجه القبليّ عن آخرهم وسائر العربان بمساعدته ومعاضدته والركوب للغزو معه متى أراد، وكتب له منشور بما يفتحه من البلاد، وتقليد بإمرة عربان القبلة مما يلي قوص إلى حيث تصل غايته، وتركز رايته. قلت: أما في زماننا فمذ وجّهت عرب هوّارة «3» وجوهها من عمل البحيرة إلى الوجه القبليّ ونزلت به انتشرت في أرجائه انتشار الجراد، وبسطت يدها من الأعمال البهنساوية إلى منتهاه حيث أسوان وما والاها، وأذعنت لهم سائر العربان بالوجه القبليّ قاطبة، وانحازوا إليهم وصاروا طوع قيادهم. والإمرة الآن فيهم في بيتين: الأول- بنو عمر: محمد وإخوته. ومنازلهم بجرجا ومنشأة إخميم، وأمرهم نافذ إلى أسوان من القبلة وإلى آخر بلاد الأشمونين من بحري. الثاني- أولاد غريب. وبيدهم بلاد البهنسى، ومنازلهم دهروط وما حولها.

وأما الوجه البحريّ، فقد ذكر الحمدانيّ أن الإمرة فيهم في خمسة أعمال: العمل الأول- الشرقيّة. قال: والإمرة فيها في قبيلتين. الأولى- ثعلبة «1» ، وذكر أن الإمرة كانت فيهم في شقير بن جرجي من المصافحة من بني زريق، وفي عمر بن نفيلة من العليميين «2» . الثانية- جذام «3» : وقد ذكر أن الإمرة كانت فيهم في خمسة بيوت. الأول- بيت أبي رشد بن حبشي، بن نجم، بن إبراهيم من العقيليّين: بني عقيل بن قرّة، بن موهوب، بن عبيد، بن مالك، بن سويد، من بني زيد بن حرام، بن جذام؛ أمّر بالبوق والعلم. الثاني- طريف بن مكنون «4» ، من بني الوليد، بن سويد المقدّم ذكره، وإلى طريف هذا ينسب بنو طريف من بلاد الشرقية. قال الحمدانيّ: وكان من أكرم العرب، كان في مضيفته أيام الغلاء اثنا عشر ألفا تأكل عنده، وكان يهشم الثريد في المراكب. قال: ومن بنيه فضل بن سمح بن كمّونة، وإبراهيم بن عالي؛ أمّر كل منهما بالبوق والعلم. الثالث- بيت أولاد منازل من ولد الوليد المذكور، كان منهم معبد بن مبارك، أمّر بالبوق والعلم. الرابع- بيت نميّ بن خثعم من بني مالك، بن هلبا بن مالك بن سويد، أقطع خثعم بن نميّ المذكور وأمّر، واقتنى عددا من المماليك الأتراك والروم

وغيرهم، وبلغ من الملك الصالح أيوب منزلة، ثم حصل عند الملك المعز أيبك التّركماني على الدرجة الرفيعة، وقدّمه على عرب الديار المصرية، ولم يزل على ذلك حتّى قتله غلمانه، فجعل المعز ابنيه: سلمى ودغش عوضه، فكانا له نعم الخلف، ثم قدم دغش دمشق فأمّره الملك الناصر صاحب دمشق يومئذ من بني أيوب ببوق وعلم، وأمّر الملك أيبك أخاه سلمى كذلك. الخامس- بيت مفرّج بن سالم بن راضي من هلبا بعجة، ابن زيد، بن سويد، بن بعجة، من بني زيد بن حرام بن جذام، أمره المعزّ أيبك التركماني بالبوق والعلم. وذلك أنه حين أراد المعزّ تأمير سلمى بن خثعم المقدّم ذكره امتنع أن يؤمّر حتى يؤمّر مفرّج بن غانم «1» فأمّر. العمل الثاني- المنوفية. والأمرة فيها لأولاد نصير الدين من لواتة، ولكن إمرتهم في معنى مشيخة العرب. العمل الثالث- الغربية. والامرة فيه في أولاد يوسف من الخزاعلة من سنبس من طيّء من كهلان من القحطانية، ومقرّتهم مدينة سخا من الغربية. العمل الرابع- البحيرة. وقد ذكر في «التعريف» : أن الإمرة في الدولة الناصرية ابن قلاوون كانت لخالد بن أبي سليمان وفائد بن مقدم. قال في «مسالك الأبصار» : وكانا أميرين سيدين جليلين ذوي كرم وإفضال وشجاعة وثبات رأي وإقدام. العمل الخامس- برقة. قال في «التعريف» : ولم يبق من أمراء العرب ببرقة يعني في زمانه إلا جعفر بن عمر، وكان لا يزال بين طاعة وعصيان، ومخاشنة وليان، والجيوش في كل وقت تمدّ اليه، وقلّ أن تظفر منه بطائل أو رجعت منه بمغنم، وإن أصابته نوبة من الدهر. قال: وآخر أمره أن ركب طريق الواح حتى خرج من الفيّوم وطرق باب السلطان لائذا بالعفو، ووصل ولم يسبق به خبر، ولم

يعلم السلطان به حتى أستأذن له عليه وهو في جملة الوقوف بالباب، فأكرم أتمّ الكرامة وشرّف بأجلّ التشاريف، وأقام مدّة في قرى الإحسان وإحسان القرى وأهله لا يعلمون ما جرى، ولا يعلمون أين يمّم ولا أيّ جهة نحا، حتى أتتهم وافدات البشائر وجاءت منه. فقال له السلطان: لم لا أعلمت أهلك بقصدك إلينا؟ قال: خفت أن يقولوا: يفتك بك السلطان فأتثبّط، فاستحسن قوله، وأفاض عليه طوله، ثم أعيد إلى أهله، فانقلب بنعمة من الله لم يمسسه سوء ولا رثى له صاحب ولا شمت به عدوّ. قلت: والإمرة اليوم في برقة في عمر بن عريف، وهو رجل ديّن وكان أبوه [عريف ذا دين متين رأيته] «1» في الإسكندرية بعد الثمانين والسبعمائة، واجتمعت به فوجدت آثار الخير ظاهرة عليه.

الفصل الثاني من المقالة الثانية في المملكة الشامية، وما يتصل بها: من بلاد الأرمن والروم وبلاد الجزيرة بين الفرات والدجلة مما هو مضاف إلى هذه المملكة، وفيه أربعة أطراف

الفصل الثاني من المقالة الثانية في المملكة الشامية، وما يتصل بها: من بلاد الأرمن والروم وبلاد الجزيرة بين الفرات والدّجلة مما هو مضاف إلى هذه المملكة، وفيه أربعة أطراف الطرف الأول في فضل الشام وخواصّه وعجائبه؛ وفيه مقصدان المقصد الأول في فضل الشام أعظم شاهد لذلك ما أخرجه الترمذيّ «1» من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: «كنّا يوما عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نؤلّف القرآن من الرّقاع. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: طوبى لأهل الشام. فقلت: لم ذاك يا رسول الله؟ قال: لأن الملائكة باسطة أجنحتها عليه» . هذا وقد بعث به الكثير من الأنبياء عليهم السلام، وفيه ضرائحهم الشريفة، والمسجد الأقصى الذي هو أحد المساجد الثلاثة التي تشدّ إليها الرّحال، وهو أول القبلتين؛ وبه ينزل المسيح عليه السلام بمنارة جامع دمشق، وبه يقتل الدجّال بمدينة لدّ «2» . وفي الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله بارك فيما

المقصد الثاني في خواصه وعجائبه

بين العريش إلى الفرات وخصّ فلسطين بالتقديس» . المقصد الثاني في خواصّه وعجائبه أما خواصّه فإنّ به الأماكن التي تعظّمها الأمم على اختلاف عقائدهم كالصّخرة التي هي قبلة اليهود، والقمامة «1» التي يحجّها النصارى من سائر أقطار الأرض، وطور نابلس «2» الذي تحجّه السامرة؛ وبمدينة صور كنيسة تعتقد طائفة من النصارى أنه لا يصح تمليك ملوكهم إلا منها، على ما سيأتي ذكره في الكلام على أعمال صفد إن شاء تعالى، وغير ذلك مما تنقاد به الأمم إلى صاحب هذه المملكة وتذعن لمسالمته. وأما عجائبه فكثيرة. منها: (حمّة طبريّة) المشهورة: وهي عين تنبع ماء شديد الحرارة يكاد يسلق البيضة، يقصدها المتردّدون للاستشفاء بالاغتسال فيها. قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات» «3» : وليس فيها حمّام يوقد فيه النار إلا الحمّام الصغير. ومنها: (قبّة العقارب) بمدينة حمص. وهي قبّة بالقرب من مسجدها الجامع، إذا أخذ شيء من تراب حمص وجبل بالماء وألصق بداخل تلك القبّة وترك حتّى يجفّ ويسقط بنفسه من غير أن يلقيها «4» أحد ثم أخذت ووضع منها

شيء في بيت لم يدخله عقرب، أو في قماش لم يقربه، وإن ذرّ على عقرب منه شيء أخذها مثل السّكر فربما زاد عليها فقتلها، بل قيل إن ذلك لا يختصّ بالقبة بل عامّة أرض البلد كذلك حتّى لا يدخلها عقرب إلا مات، بل لا يقرب ثيابا ولا أمتعة عليها غبارها، وإلى ذلك أشار القاضي الفاضل «1» في البشرى بفتوحها بقوله: «ودبّت إليها عقارب المجانيق فخالفت عادة حمص في العقارب، ورميت الحجارة بالحجارة فوقعت العداوة المعروفة بين الأقارب» . ومنها: (عين فوّارة) داخل البحر الملح على القرب من ساحل مدينة طرابلس على قدر رمية حجر عن البئر، تنبع ماء عذبا يطفو على وجه الماء قدر ذراع أو أكثر يتبين عند سكون الريح. ومنها: (وادي الفوّار) وهو واد بالقرب من حصن الأكراد من عمل طرابلس غربا عنه بشمال على الطريق السالكة. قال في «مسالك الأبصار» : وهي صفة بئر قائمة في الأرض، وفي سفل الأرض سرداب ممتدّ إلى الشّمال يفور في كل أسبوع يوما واحدا لا غير، فتسقى به أرض ومزدرعات، وينزل عليه التّركمان ويردونه؛ ويسمع له قبل فورانه دويّ كالرعد، وهو في بقية الأيام يابس لا ماء فيه. قال: وذكر لي من دخل السّرداب أن في نهايته نهرا كبيرا آخذا من الغرب إلى الشرق تحت الأرض؛ له جريان قويّ، وبه موج وريح عاصف، لا يعرف إلى أين يجري ولا من أيّ جهة يأتي. ومنها: (حمّام القدموس) «2» من قلاع الدعوة من عمل طرابلس يخرج منها «3» أنواع كثيرة من الحيات تظهر من أنابيب مائها وتدخل في ثياب داخلها، ولم يشتهر أنها أضرّت أحدا قطّ على ممرّ الدّهور وتطاول الأزمنة، حكاه

الطرف الثاني في حدوده، وابتداء عمارته، وتسميته شاما؛ وفيه مقصدان

في «مسالك الأبصار» . ومنها: (صدع) في سور الخوابي «1» من قلاع الدعوة من عمل طرابلس أيضا. إذا لدغ أحد بحيّة فأتى إلى ذلك الموضع فشاهده بعينه أو أرسل رسوله فشاهده، سلم من تلك اللّدغة، ولم يضره السّمّ. إلى غير ذلك من العجائب الظاهرة والمندرسة بمرور الزمان عليها. قال ابن الأثير: وبقرى حلب قرية تسمّى براق، يقال إن بها معبدا يقصده أصحاب الأمراض ويبيتون به. فإما أن يرى المريض في منامه من يقول له استعمل كذا وكذا فيبرأ، أو يمسح عليه بيده فيبرأ. قال في تاريخه: وبقرية مبرون من قرى صفد مغارة يظهر فيها الماء في يوم من السنة تجتمع إليه اليهود في ذلك اليوم، ويجلبون منه الماء إلى البلاد البعيدة؛ وبوادي دلسه من عملها عين تعرف بعين الجن تفور لحظة كالنهر ثم تغور حتّى لا يبقى فيها ماء، ثم تفور كذلك ليلا ونهارا؛ وبقرية بكوزا من قرى صفد عنب داخل العنبة عنبة أخرى؛ وبقرية عدشيب من قراها بلّوط يؤخذ الواحد منه من الشجرة فيوجد حضنها حجر؛ وبقرية عياض تراب الجير إذا عمل منه كوز وسقي فيه الكسير من آدميّ أو غيره، جبر عظمه؛ وبالناصرة من أعمالها كنيسة بها عمود إذا اجتمع عنده جماعة وعملوا سماعا عرق العمود حتّى يظهر عرقه. الطّرف الثاني في حدوده، وابتداء عمارته، وتسميته شاما؛ وفيه مقصدان المقصد الأوّل في حدوده وقد اختلف في تحديده، فذكر في «التعريف» أن حدّه من القبلة إلى البرّ المقفر: تيه بني إسرائيل وبرّ الحجاز والسّماوة إلى مرمى الفرات بالعراق. قال:

وهذه المحادّات كلّها من جزيرة العرب. وحدّه من الشرق طرف السّماوة والفرات. وحدّه من الشّمال البحر الروميّ «1» . وحدّه من الغرب حدّ مصر المتقدّم ذكره، وذكر في «تقويم البلدان» : أن حدّه من الجنوب من أوّل رفح التي في أوّل الجفار بين مصر والشام إلى حدود تيه بني إسرائيل إلى ما بين الشّوبك وأيلة من البلقاء؛ وحدّه من الشرق من البلقاء إلى مشاريق صرخد، آخذا على أطراف الغوطة، إلى سلمية، إلى مشاريق حلب، إلى بالس؛ وحدّه من الشمال من بالس مع الفرات إلى قلعة نجم، إلى البيرة، إلى سميساط إلى حصن منصور، إلى بهسنى، إلى مرعش، إلى بلاد سيس، إلى طرسوس، إلى بحر الروم؛ وحدّه من الغرب من طرسوس المذكورة آخذا على ساحل البحر الروميّ إلى رفح المتقدّمة الذكر حيث وقع الابتداء. قلت: والخلف بينهما في شيئين: أحدهما- أنه في «التعريف» جعل حدّه الشّماليّ إلى البحر الروميّ، وحدّه الغربيّ حدّ مصر المتقدّم ذكره، وفي «تقويم البلدان» جعل حدّه الشماليّ البلاد التي بين الفرات والبحر الروميّ، وحدّه الغربيّ البحر الروميّ من طرسوس إلى رفح فيدخل حدّ مصر الذي حدّ به الجانب الغربيّ في «التعريف» في هذا الحدّ، وكأن الموقع لهما في ذلك أن البحر الروميّ عن الشام غربا بشمال، فجنح كل منهما إلى جهة. الثاني- أنه في «تقويم البلدان» أدخل بلاد الأرمن المتصلة بآخر بلاد حلب من الشمال في حدود الشام، وفي «التعريف» أخرجها وهو التحقيق. وقد صرّح بذلك في «التعريف» فيما بعد فقال بعد أن أفرد الفتوحات الجاهانيّة التي هي أوّل بلاد الأرمن من جهة حلب بالذكر: «وأتيت بها ههنا إذ لم يكن لها تعلّق

بمملكة تذكر فيها، وليست من الشامات في شيء وإنما هي من بلاد الأرمن المسماة قديما ببلاد العواصم والثّغور» ، وسيأتي الكلام على بلاد الأرمن بمفردها في جملة أعمال حلب في الكلام على قواعد المملكة الشامية إن شاء الله تعالى. على أن ما ذكره من التحديد في «التعريف» و «تقويم البلدان» لا يخلو عن تساهل، فقد قال في «التعريف» بعد ذكر الحدود التي أوردها: وهذه الحدود هي الجامعة على ما يحتاج إليه، وإذا فصّلت تحتاج إلى زيادة إيضاح. وقال في «تقويم البلدان» بعد ذكر الحدود التي أوردها أيضا: وبعض هذه الحدود قد تقع شرقيّة عن بعض الشام وهي بعينها جنوبيّة عن بعض آخر، مثل البلقاء فإنها جنوبية عن حلب وما على سمتها، وشرقيّة عن مثل غزّة وما على سمتها فليعلم العذر في ذلك «1» . قال ابن حوقل «2» : وطول الشام من ملطية إلى رفح «3» خمس وعشرون مرحلة «4» . فمن ملطية إلى منبج أربع مراحل، ومن منبج إلى حلب مرحلتان، ومن حلب إلى حمص خمس مراحل، ومن حمص إلى دمشق خمس مراحل، ومن دمشق إلى طبريّة أربع مراحل، ومن طبريّة إلى الرملة ثلاث مراحل، ومن الرملة إلى رفح مرحلتان.

المقصد الثاني في ابتداء عمارته وتسميته شاما وما يلتحق بذلك

قال التيفاشيّ في «سرور النفس» «1» : وطوله أكثر من شهر. قال ابن حوقل: وأعرض ما فيه طرفاه. فأحد طرفيه من الفرات من جسر منبج على منبج على قورس في حدّ قنّسرين؛ ثم على العواصم في حدّ إنطاكية، ثم يقع على جبل اللّكام، ثم على المصّيصة، ثم على أذنة، ثم على طرسوس، وذلك نحو عشر مراحل وهذا هو السّمت المستقيم. والطرف الآخر يأخذ في البحر من حدّ يافا من جند فلسطين حتّى ينتهي إلى الرملة إلى بيت المقدس، ثم إلى أريحا، ثم إلى زغر، ثم إلى جبل الشّراة إلى أن يأتي إلى معان، وتقدير ذلك ستّ مراحل. ثم قال: أما ما بين هذين الطرفين من الشام فلا يكاد بين الأردنّ ودمشق وحمص يزيد على أكثر من ثلاثة أيام، لأن من دمشق إلى طرابلس على بحر الروم غربا يوما وإلى أقصى الغوطة شرقا حتّى يتصل بالبادية يوما، ومن حمص إلى أنطرطوس على بحر الروم غربا يومين، ومن حمص إلى سلمية على البادية شرقا يوما، ومن طبريّة من جند الأردنّ إلى صور على البحر الروميّ غربا يوما، ومنها إلى أريحا على حدود بني فزارة شرقا يوما. المقصد الثاني في ابتداء عمارته وتسميته شاما وما يلتحق بذلك أما إبتداء عمارته، فقد روى الحافظ بن عساكر «2» في تاريخ الشام عن هشام

ابن محمد عن أبيه: أن نوحا عليه السلام لما قسم الأرض بين بنيه لحق قوم من بني كنعان بن حام بن نوح عليه السلام بالشام فسميت الشام، حين تشاءموا إليها، يعني من أرض بابل كما جاء في الرواية الأخرى. قال: فكانت الشأم يقال لها لذلك أرض كنعان: وجاء بنو إسرائيل فأجلوهم عنها، وبقيت الشام لبني إسرائيل إلى أن غلب عليه الروم وانتزعوه منهم فأجلوهم إلى العراق إلا قليلا منهم، ثم جاء العرب فغلبوا على الشام (يعني في الفتح الإسلاميّ) ثم الشأم مهموز مقصور. قال النّوويّ «1» في «تهذيب الأسماء واللغات» وغيره: ويجوز فيه فتح الشين والمدّ. قال: وهي ضعيفة وإن كانت مشهورة قال الجوهريّ: ويجوز فيه التذكير والتأنيث. قال النوويّ: والمشهور التذكير. وقد اختلف في سبب تسميته شاما فقيل لتشاؤم بني كنعان إليه كما تقدّم في كلام ابن عساكر، وقيل سمي بسام بن نوح لأنه نزل به، واسمه بالسريانية شام بشين معجمة، والعرب تنقلها إلى السين المهملة. وقيل لأن أرضه مختلفة الألوان بالحمرة والسّواد والبياض فسمّي شاما لذلك كما يسمّى الخال في بدن الإنسان شامة. وقيل سميت شاما لأنها عن شمال الكعبة، والشام لغة في الشمال. قال أبو بكر بن محمد «2» : ويجوز فيه وجهان، أحدهما أن يكون من اليد الشؤمى وهي اليسرى، والثاني أن يكون فعلا من الشّؤم «3» .

الطرف الثالث في أنهاره وبحيراته وجباله المشهورة وزروعه وفواكهه ورياحينه ومواشيه، ووحوشه وطيوره؛ وفيه ستة مقاصد

الطّرف الثالث في أنهاره وبحيراته وجباله المشهورة وزروعه وفواكهه ورياحينه ومواشيه، ووحوشه وطيوره؛ وفيه ستة مقاصد المقصد الأوّل في ذكر الأنهار العظام بالشام وما هو مضاف إليه مما يتكرر ذكره بذكر البلدان، وهي أربعة «1» أنهار الأوّل- نهر الفرات وهو أعظمها، وقد تقدّم في الكلام على النيل أنه شقيقه في الخروج من الجنّة. وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) قال: «لا تقوم الساعة حتّى يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كلّ رجل منهم لعلّي أنا الذي أنجو به» وأوّل ابتدائه من شماليّ مدينة (أرزن الرّوم) «2» وشرقيّها، وهي آخر بلاد الروم من جهة الشرق حيث الطول أربع وستون درجة والعرض اثنتان وأربعون درجة ونصف، ثم يأخذ إلى قرب (ملطية) ثم يأخذ إلى (سميساط) «3» ثم يأخذ مشرقا ويتجاوز (قلعة الروم) من شماليّها وشرقيها، ثم يسير إلى (البيرة) من جنوبيها، ثم يمرّ مشرقا حتّى يجاوز بالس، ثم قلعة جعبر ويتجاوزها إلى الرّقّة، ثم يسير مشرّقا ويتجاوز الرّحبة من شماليّها ويسير إلى عنّة، ثم يمتدّ إلى هيت، ويمتدّ حتّى يجاوز مخرج (نهر كوثى) الآتي ذكره، فينقسم قسمين ويمرّ أحدهما: وهو الجنوبيّ إلى (الكوفة) ويتجاوزها، ويصبّ في بطائح العراق، ويمرّ الآخر: وهو أعظمها بإزاء (قصر ابن هبيرة) ويعرف هذا القسم بنهر سورا (بضم السين المهملة وآخره ألف يمدّ ويقصر) وهي قرية على النهر نسب إليها،

ويتجاوز قصر ابن هبيرة ويسير جنوبا إلى (مدينة بابل) القديمة، ويتفرّع منه بعد أن يجاوز بابل عدة أنهر، ويمرّ عموده إلى (مدينة النيل) «1» ويجاوزها حتّى يصب في دجلة ويسمّى من بعد مجاوزة النيل (نهر الصّراة) . وعلى الفرات أنهار تصبّ فيه وأنهار تخرج منه ليس بنا حاجة إلى تفصيلها. الثاني- نهر حماة: ويسمّى العاصي «2» لأن غالب الأنهر تسقي الأرض بغير دواليب ولا نواعير بل تركب البلاد بأنفسها، ونهر حماة لا يسقي إلا بنواعير تنزع الماء منه، ويسمّى أيضا النهر المقلوب: لجريه من الجنوب إلى الشمال، وغالب الأنهر إنما تجري من الشمال إلى الجنوب، واسمه القديم نهر الأرنط «3» ، وأوّله نهر صغير من ضيعة قريبة من بعلبكّ في الشمال عنها على نحو مرحلة، تسمّى الرأس «4» ، ويمتدّ من الرأس شمالا حتّى يصل إلى مكان يسمّى قائم الهرمل بين قرية جوسية والرأس، ويمرّ في واد هناك وينبع من هناك أكثر ماء النهر من موضع يسمّى مغارة الراهب، ويمتدّ شمالا حتّى يتجاوز (جوسية) ويمتدّ حتّى يصب في (بحيرة قدس) «5» غربيّ حمص، ويخرج من البحيرة ويتجاوز حمص إلى الرّستن، ويمتدّ إلى حماة، ثم إلى شيزر، ثم إلى بحيرة أفامية، ثم يخرج من بحيرة أفامية، ويمرّ على دركوش، ويمتدّ إلى جسر الحديد، وذلك جميعه شرقيّ جبل اللّكام. فإذا وصل إلى جسر الحديد انقطع الجبل المذكور هناك، ويستدير النهر المذكور ويرجع ويسير جنوبا بغرب ويمرّ على سور أنطاكية، ويسير كذلك مغرّبا بجنوب حتّى يصب في بحر الروم عند السّويديّة «6» . ويصب في العاصي عدّة أنهر:

منها: نهر منبعه من تحت أفامية «1» يسير مغرّبا حتّى يصل إلى بحيرة أفامية ويختلط بالعاصي. ومنها: نهر في شمال أفامية على نحو ميلين يعرف بالنهر الكبير يسير مدى قريبا ويصب في بحيرة أفامية، ويخرج منها مع العاصي. ومنها: النهر الأسود، يجري من الشمال ويمرّ تحت دربساك ويمتدّ حتّى يصبّ في بحيرة أنطاكية ويخرج منها ويصب في العاصي. ومنها: نهر يغرا- بفتح الياء المثناة تحت وسكون الغين المعجمة وفتح الراء المهملة ثم ألف مقصورة- بلدة هناك يمرّ عليها ويصب في النهر الأسود المذكور. ومنها: عفرين- بكسر العين المهملة وسكون الفاء وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة تحت ونون في الآخر- وهو نهر يأتي من بلاد الروم ويمرّ على الرّاوندان إلى الجومة ويمرّ في الجومة إلى العمق ويختلط بالنهر الأسود. الثالث- نهر الأردنّ. والأردنّ بضم الهمزة وسكون الراء المهملة وضم الدال المهملة أيضا وتشديد النون. كذا ضبطه السمعانيّ في «اللّباب» «2» قال: وهي بلدة من بلاد الغور من الشام نسب إليها النهر ويسمى الشريعة أيضا، وأصله من أنهار تصب من جبل الثلج إلى بحيرة بانياس، ثم يخرج من البحيرة المذكورة ويصب في بحيرة طبريّة، ويمتدّ جنوبا، وهناك يصب في اليرموك بين بحيرة طبريّة المذكورة وبين القصير، ويمتدّ في وسط الغور جنوبا حتّى يجاوز بيسان، ويمتدّ في الجنوب كذلك إلى أريحا، ولا يزال يمتدّ في الجنوب حتّى يصب في بحيرة زغر

وهي البحيرة المنتنة المعروفة ببحيرة لوط. الرابع- نهر العوجاء- بفتح العين المهملة وسكون الواو وفتح الجيم وبعدها ألف- ويسمّى نهر أبي فطرس (بضم الفاء وبالطاء والراء والسين المهملات) وهو نهر شماليّ مدينة الرملة من فلسطين باثني عشر ميلا، ومنبعه من تحت جبل الخليل عليه السلام مقابل قلعة خراب هناك تسمّى مجد اليابا «1» ، ويجري هذا النهر من الشرق إلى الغرب، ويصب في بحر الروم جنوبيّ غابة أرسوف، ومن منبعه إلى مصبه دون مسافة يوم. قال في «العزيزي» : وما التقى عليه جيشان إلا غلب الغربيّ وانهزم الشرقيّ؛ وسيأتي الكلام على أنهار دمشق في الكلام على حاضرتها إن شاء الله تعالى إذ لا يتعدّاها إلى غيرها من البلاد. الخامس- نهر جيحان «2» . بفتح الجيم وسكون الياء المثناة تحت وفتح الحاء المهملة وبعد الألف نون- وتسميه العامّة جهان- بجيم وهاء مفتوحتين وألف ثم نون، وربما زادوا ألفا بعد الجيم فقالوا جاهان «3» ، وإليه تنسب الفتوحات الجاهانية «4» الآتي ذكرها. قال: في «رسم المعمور» «5» : وأوّله عند طول ستين درجة وعرض أربعين درجة، وهو نهر يقارب الفرات في الكبر، ويمرّ بسيس، ويسير من الشّمال إلى الجنوب بين جبال في حدود الروم حتّى يبلغ المصيّصة من شماليّها حيث الطول تسع وخمسون وكسر والعرض ست وثلاثون درجة، وعرض «6» خمس عشرة؛ وجريانه عندها من المشرق إلى المغرب، ويتجاوز

المقصد الثاني في ذكر بحيراته، وهي ثمان بحيرات

المصّيصة ويصبّ بالقرب منها في بحر الروم. السادس- نهر سيحان. بفتح السين المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الحاء المهملة وبعدها ألف ثم نون. قال في «رسم المعمور» : وأوّله عند طول ثمان وخمسين، وعرض أربع وأربعين؛ ويمرّ ببلاد الروم إلى الجنوب عند مجرى جيحان المتقدّم ذكره، ويسير حتّى يمرّ ببلاد الأرمن، ويمرّ على سور أذنة من شرقيها حيث الطول تسع وخمسون بغير كسر، والعرض ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، ويتجاوز أذنة ويلتقي مع جيحان المتقدّم ذكره ويصيران نهرا واحدا، ويصبّان في بحر الروم بين آياس وطرسوس على ما تقدّم ذكره. المقصد الثاني في ذكر بحيراته، وهي ثمان بحيرات الأولى- بحيرة طبريّة. قال الزجاجي «1» : سميت طبريّة بطباري ملك من ملوك الروم، وهي في أول الغور، يدخل إليها نهر الشريعة المنصبّ في بحيرة بانياس الآتي ذكرها، ودورها نحو مسيرة يومين، ووسطها حيث الطول ثمان وخمسون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون، وهي قرعاء، ليس بها قصب نابت. وطبريّة مدينة خراب على شاطيء البحيرة المذكورة من جانبها الغربيّ، قال العثماني «2» في «تاريخ صفد» : ويقال إن قبر سليمان بن داود عليهما السلام بهذه البحيرة. الثانية- بحيرة زغر وتعرف ببحيرة سدوم وبحيرة لوط، وهي بحيرة منتنة ليس لها سمك ولا يأوي إليها طير، وفيها مصب نهر الأردنّ المسمّى بالشريعة عند

نهايته، ويغيض الماء فيها ولا يخرج منها شيء من الأنهار، وهي في آخر الغور من جهة الجنوب، ودورها فوق مسيرة يومين، ووسطها حيث الطول تسع وخمسون درجة والعرض إحدى وثلاثون. الثالثة- بحيرة بانياس. وهي بحيرة بالقرب من بانياس من مقابلة دمشق تصبّ فيها عدّة أنهار من جبل هناك، ويخرج منها نهر الشريعة ويصبّ في بحيرة البريّة المتقدّم ذكرها، وبها غابة قصب. الرابعة- بحيرة البقاع. وهي مستنقع ماء في جهة الغرب عن بعلبك على مسيرة يوم منها. بها هيش «1» وغابات قصب. الخامسة- بحيرة دمشق. وهي بحيرية في شرقيّ غوطة دمشق بميلة يسيرة إلى الشمال يصب إليها فضلة نهر بردى وغيره، وتتسع في أيام الشتاء وتضيق في أيام الصيف، وبها غابات قصب، وفيها أماكن تحمي من العدوّ. السادسة- بحيرة قدس. بفتح القاف والدال وفي آخرها سين مهملة. وهي بحيرة في أرض مستوية، عن حمص في جهة الغرب على بعض يوم منها، وطولها من الشمال إلى الجنوب نحو ثلث مرحلة وفي طرفها الشمالي سدّ ممتدّ في طولها مبنيّ بالحجر من بناء الأوائل ينسب بناؤه إلى الإسكندر طوله شرقا وغربا ألف ومائتان وسبعة وثمانون ذراعا، وعرضه ثمانية عشر ذراعا ونصف ذراع، وعلى وسط السدّ برجان من حجر أسود. السابعة- بحيرة أفامية. وهي عدّة بطائح في الغرب بميلة إلى الشمال عن أفامية بين غابات من القصب، يصب فيها النهر العاصي من جهة الجنوب. وبها بحيرتان جنوبية وشمالية يصاد فيهما السمك، فالجنوبية منهما بحيرة أفامية المذكورة، وسعتها بالتقريب نحو نصف فرسخ، وقعرها قريب قامة، وأرضها

المقصد الثالث في ذكر جباله المشهورة التي يتعلق بها كثير من المقاصد؛ وهي عدة أجبل

موحلة لا يقدر الإنسان على الوقوف فيها، وبوسطها جمم قصب وبرديّ وحولها القصب والصّفصاف، وبها من أنواع الطير مالا يحصى كثرة، وينبت بها في زمن الربيع اللّينوفر الأصفر حتّى يستر الماء عن آخره بورقه وزهره. والبحيرة الشمالية من عمل حصن برزوية بقدر بحيرة أفامية أربع مرات، ووسطها مكشوف، وينبت اللّينوفر بجانبيها الجنوبيّ والشماليّ وبينها وبين بحيرة أفامية المذكورة زقاق تسير فيه المراكب من إحداهما إلى الأخرى. قال في «تقويم البلدان» : ويعتبر طول هذه البطائح وعرضها بأفامية. الثامنة- بحيرة أنطاكية. وهي بحيرة بين أنطاكية وبغراس وحارم في أرض تعرف بالعمق (بفتح العين المهملة وسكون الميم) من معاملة حلب شماليّ أنطاكية على مسيرة يومين من حلب في جهة الغرب عنها. وفيها مصبّ نهر عفرين والنهر الأسود ونهر يغرا المتقدّم ذكرها، ودورها نحو مسيرة يوم، وآجام القصب محيطة بها وفيها من الطير والسمك نحو ما تقدّم ذكره في بحيرة أفامية. قال في «تقويم البلدان» : وطولها طول أنطاكية تقريبا، وعرضها أكثر من عرضها بدقائق. المقصد الثالث في ذكر جباله المشهورة التي يتعلق بها كثير من المقاصد؛ وهي عدة أجبل منها: (جبل الثّلج) بالثاء المثلثة والجيم، وما يتصل به. قال في «تقويم البلدان» : والطرف الجنوبيّ لهذا الجبل بالقرب من صفد. قال في «رسم المعمور» حيث الطول تسع وخمسون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة. قال: في «تقويم البلدان» : ثم يمتدّ إلى الشمال ويتجاوز دمشق. فإذا صار في شماليّها، سمّي جبل (سنير) ويسمى جانبه المطل على دمشق جبل (قاسيون) ويتجاوز دمشق ويمرّ غربيّ بعلبكّ، ويسمى الجبل المقابل لبعلبك جبل (لبنان) بلام «1» مكسورة وباء موحدة ساكنة ونون مفتوحة

بعدها ألف ونون ثانية- وإذا تجاوز بعلبكّ وصار شرقيّ طرابلس سمي جبل (عكّار) بعين مهملة مفتوحة وكاف مشدّدة وراء مهملة في الآخر- إضافة إلى حصن بأعلاه يسمى عكّارا، ثم يمرّ شمالا ويتجاوز طرابلس إلى حصن الأكراد من عمل طرابلس، ويسامت حمص من غربيها على مسيرة يوم ويمتدّ حتى يجاوز سمت حماة، ثم سمت شيزر، ثم سمت أفامية، ويسمّى قبالة هذه البلاد جبل (اللّكام) «1» بضم اللام. قال في «رسم المعمور» : وجبل اللّكام يمتدّ إلى أن يصير بينه وبين جبل شحشبو، اتساعه نصف يوم حتى يتجاوز صهيون والشّغر وبكاس والقصير؛ وينتهي إلى أنطاكية فينقطع هناك ويصير قبالة جبال الأرمن. قال في «تقويم البلدان» : ويقابل جبل اللّكام المذكور عند مسامتته لأفامية المتقدّمة الذكر جبل آخر من شرقيه، يسمّى جبل (شحشبو) بشين معجمة مفتوحة وحاء مهملة ساكنة وشين ثانية مفتوحة بعدها باء موحدة مضمومة ثم واو- إضافة إلى قرية هناك تسمّى بذلك، ويمرّ من الجنوب إلى الشّمال على غربيّ المعرّة وسرمين وحلب، ثم يأخذ غربا ويتصل بجبال الروم. ومنها: (جبل عاملة) وهو جبل ممتدّ في شرقيّ ساحل بحر الروم وجنوبيّة، حتّى يقرب من مدينة صور، وعليه شقيف أرنون «2» ، نزله بنو عاملة بن سبإ من عرب اليمن عند تفرّقهم بسيل العرم فعرف بهم. ومنها: (جبل عوف) وهو جبل بالقرب من عجلون. كان ينزله قوم من بني عوف من جرم قضاعة فعرف بهم، وكانوا عصاة لا يدخلون تحت طاعة حتّى بنى عليهم أسامة أحد أمراء السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب قلعة عجلون فدخلوا تحت الطاعة على ما سيأتي ذكره. ومنها: (جبل الصّلت) إضافة إلى مدينة الصّلت الآتي ذكرها في أعمال

المقصد الرابع في ذكر زروعه وفواكهه ورياحينه

دمشق. وهو جبل في شرقيّ جبل عوف وشماليّه، كان أهله عصاة حتى بنى عليهم المعظّم عيسى بن العادل حصن الصّلت فدخلوا في الطاعة. المقصد الرابع في ذكر زروعه وفواكهه ورياحينه أما زروعه فغالبها على المطر. قال في «مسالك الأبصار» : ومنها ما هو على سقي الأنهار وهو قليل، وفيه من الحبوب من كل ما يوجد في مصر من البرّ والشعير والذرة والأرزّ والباقلّا والبسلّة والجلبان، واللّوبياء والحلبة، والسّمسم والقرطم، ولا يوجد فيه الكتان والبرسيم، وبه من أنواع البطّيخ والقثّاء ما يستطاب ويستحسن، وكذلك غيرها من المزدرعات كالقلقاس والملوخيّا والباذنجان واللّفت والجزر والهليون والقنّبيط والرّجلة «1» والبقلة اليمانية، وغير ذلك من أنواع الخضروات المأكولة؛ وقصب السّكّر في أغواره إلا أنه لم يبلغ في الكثرة حدّ مصر. وأما فواكهه، ففيه من كل ما يوجد في مصر كالتين والعنب والرّمّان والقراصيا والبرقوق والمشمش والخوخ- وهو المسمّى بالدّراقن- والتوت والفرصاد، ويكثر بها «2» التّفّاح والكمّثرى والسّفرجل مع كونها أكثر أنواعا وأبهج منظرا، ويزيد عليه فواكه أخر لا توجد بمصر، وربما وجد بعضها في مصر على الندور الذي لا يعتدّ به كالجوز والبندق والإجّاص والعنّاب والزّعرور، والزّيتون فيه الغاية في الكثرة، ومنه يعتصر الزيت وينقل إلى أكثر البلدان وغير ذلك، وبأغوارها أنواع المحمّضات كالأترجّ «3» واللّيمون والكبّاد «4» والنّارنج ولكنه لا يبلغ

المقصد الخامس في ذكر مواشيه ووحوشه وطيوره

في ذلك حدّ مصر، وكذلك الموز ولا يوجد البلح والرّطب فيه أصلا. قال في «مسالك الأبصار» : وفيه فواكه تأتي في الخريف وتبقى إلى الربيع كالسّفرجل والتّفّاح والعنب. وأما رياحينه، ففيه كلّ ما في مصر من الآس والورد والنّرجس والبنفسج والياسمين والنّسرين، ويزيد على مصر في ذلك خصوصا الورد حتى إنه يستقطر منه ماء الورد وينقل منه إلى سائر البلدان. قال في «مسالك الأبصار» : وقد نسي به ما كان يذكر من ماء ورد جور ونصيبين. المقصد الخامس في ذكر مواشيه ووحوشه وطيوره أما مواشيه ففيه جميع ما تقدّم من مواشي مصر من الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير، إلا أن أبقاره لا تبلغ في العظم مبلغ أبقار مصر، وأغنامه لا تبلغ في طيبة اللحم مبلغ أغنامها، وحميرة لم تبلغ في الفراهة مبلغ حميرها. وأما وحوشه، ففيه الغزلان والأرانب والأسود وكثير من أنواع الوحوش المختلفة مما لا يوجد مثله في مصر. وأما طيوره، ففيه الإوزّ والدّجاج والحمام وأنواع طيور الماء المختلفة الأنواع. قال في «مسالك الأبصار» : ولا تكون الفراريج فيها إلا بحضانة ولا تنجع فيها المعامل التي تعمل لإخراج الفراريج في مصر. قال: ويذكر أن رجلا من أهل مصر عمل فيها معملا في حاضرة العقيبة فصعد له العمل فيه في الصيف دون الخريف. المقصد السادس في ذكر النفيس من مطعوماتها فيها العسل بقدر متوسط، ويعمل فيها السّكّر الوسط والمكرر، والشراب

الطرف الرابع في ذكر جهاته وكوره القديمة وقواعده المستقرة وأعمالها، وفيه مقصدان

موجود فيها دون مصر، وأكثر حلواها من العسل والمنّ «1» . الطّرف الرابع في ذكر جهاته وكوره القديمة وقواعده المستقرّة وأعمالها، وفيه مقصدان المقصد الأول في ذكر جهاته وكوره القديمة قد قسّم المتقدّمون الشام إلى خمسة أجناد- جمع جند بضم الجيم وإسكان النون ودال مهملة في الآخر كما ضبطه الجوهريّ وغيره. الأول- (جند فلسطين) وفلسطين بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين وكسر الطاء المهملتين وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر. قال الزجاجيّ: سميت بفلسطين بن كلثوم من ولد فلان بن نوح، بلدة كانت قديما نسبت الكورة إليها. قال ابن حوقل: وهو أول الأجناد الخمسة من جهة الغرب من رفح إلى حدّ اللّجّون، وعرضه من يافا إلى أريحا نحو يومين. قال ابن الأثير: هي كورة كبيرة تشتمل على بلاد المقدس وغزّة وعسقلان. قال ابن حوقل: وهي أرخى بلاد الشام. الثاني- (جند الأردنّ) والأردنّ بلدة قديمة من بلاد الغور نسبت الكورة إليها، وقد مرّ ضبطها في الكلام على نهر الأردنّ عند ذكر الأنهار، وقد نسبت الكورة إليها كما نسب إليها النهر المتقدّم ذكره. قال ابن حوقل: وديار قوم لوط والبحيرة المنتنة وزغر إلى بيسان وإلى طبريّة تسمّى الغور: لأنه بين جبلين، وسائر بلاد الشام مرتفعة عليه. قال: وبعضها من الأردنّ وبعضها من فلسطين. الثالث- (جند دمشق) وسيأتي الكلام عليها في قواعد الشام المستقرّة. الرابع- (جند حمص) وسيأتي الكلام عليها في الصفقة الشرقية من

صفقات دمشق. الخامس- (جند قنّسرين) . قال في «اللّباب» : بكسر القاف وفتح النون المشددة وسكون السين وكسر الراء المهملتين ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ونون في الآخر. قال الزجاجيّ: وقد روي أنها سميت برجل من قيس «1» يقال له ميسرة، نزلها فمرّ به رجل فقال له: ما أشبه هذا الموضع بقنّ سيرين «2» ! فبني منه اسم للمكان فقيل: قنّسرين. وقيل: دعا أبو عبيدة ميسرة بن مسروق القيسيّ «3» فوجهه في ألف فارس في أثر العدوّ فمرّ على قنّسرين فجعل ينظر إليها فقال: ما هذه؟ فسمّيت له بالرومية. فقال: والله كأنها قنّسرين. قال: وهذا يدل على أن قنّسرين اسم مكان آخر عرفه ميسرة فشبّه به هذا فسميت به. قال ابن الأنباريّ: وفي إعرابها قولان: أحدهما- أنها تجري مجرى قولك الزيدون فتجعلها في الرفع بالواو فيقول هذه قنّسرون وفي الخفض والنصب بالياء فتقول مررت بقنّسرين ودخلت قنسرين. القول الثاني- أن تجعلها بالياء على كل حال وتجعل الإعراب في النون ولا تصرفها. وهي قاعدة من قواعد الشأم القديمة على القرب من حلب؛ كان الجند ينزلها في ابتداء الإسلام، ثم ضعفت بحلب وخربت وصارت قرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على حلب إن شاء الله تعالى. قال ابن الأثير: وكل جند منها عرضه من ناحية الفرات إلى ناحية فلسطين، وطوله من الشرق إلى البحر، وحكاه في «التعريف» على وجه آخر فقال: للناس

المقصد الثاني في ذكر قواعده المستقرة وأعمالها، وهي ست قواعد، كل قاعدة منها تعد مملكة بل كانت كل قاعدة منها مملكة مستقلة بسلطان في زمن بني أيوب

في الشأم أقوال، فمنهم من لا يجعله إلا شاما واحدا [ومنهم من يجعله شامات، فيجعلون بلاد فلسطين والأرض المقدّسة إلى الأردنّ شاما] «1» ويقولون الشام الأعلى؛ ويجعلون دمشق وبلادها من الأردنّ إلى الجبال المعروفة بالطّوال شاما، ويقع على قرية النّبك وما هو على خطها؛ ويجعلون سوريّا: وهي حمص وبلادها إلى رحبة مالك بن طوق شاما، ويجعلون حماة وشيزر من مضافاتها. وثمّ من يجعل منها حماة دون شيزر؛ ويجعلون قنّسرين وبلادها وحلب مما يدخل في هذا إلى جبال الروم وبلاد العواصم والثّغور وهي بلاد سيس شاما. ثم قال: أما عكّا وطرابلس وكل ما هو على ساحل البحر فكلّ ما قابل منه شيئا من الشامات حسب منه. قال: ونبهنا على ذلك كله ليعرف. ثم قال: أما ما هو في زماننا وعليه قانون ديواننا فإنه إذا قال سلطاننا بلاد الشام ونائب الشام لا يريد به إلا دمشق ونائبها. وسيأتي الكلام على حدود ولايته في الكلام على نيابة دمشق إن شاء الله تعالى. المقصد الثاني في ذكر قواعده المستقرّة وأعمالها، وهي ستّ قواعد، كلّ قاعدة منها تعدّ مملكة بل كانت كلّ قاعدة منها مملكة مستقلة بسلطان في زمن بني أيوب القاعدة الأولى دمشق؛ وفيها جملتان الجملة الأولى في حاضرتها وهي بكسر الدال المهملة وفتح الميم وسكون الشين المعجمة وقاف في الآخر. وتسمى أيضا جلّق- بجيم مكسورة ولام مشدّدة مفتوحة وقاف في الآخر. وبذلك ذكرها حسّان بن ثابت رضي الله عنه في مدحه لبني غسّان: ملوك العرب بالشأم بقوله:

لله درّ عصابة نادمتهم ... يوما بجلّق في الزّمان الأوّل وحكى في «الروض المعطار» تسميتها جيرون- بفتح الجيم وسكون الياء المثناة تحت وضم الراء المهملة وسكون الواو ونون في الآخر- وسماها في موضع آخر العذراء- بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة وفتح الراء المهملة وألف بعدها- وموقعها في أواخر الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» «1» : وطولها ستون درجة وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. وقد اختلف في بانيها: فقيل بناها نوح عليه السلام؛ وذلك أنه لما نزل من السفينة أشرف فرأى تلّ حراف «2» بين نهري حراف وديصاف «3» ، فأتاه فبنى حراف، ثم سار فبنى دمشق، ثم رجع إلى بابل فبناها. وقيل بناها جيرون بن سعد بن عاد، وبه سميت جيرون. ويقال إن جيرون وبريدا كانا أخوين وهما ابنا سعد بن لقمان بن عاد، وبهما يعرف باب جيرون وباب البريد من أبوابها. وقيل بناها العازر: غلام إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام، وكان حبشيّا وهبه له نمرود بن كنعان حين خرج إبراهيم من النار، وكان اسمه دمشق فسماها باسمه. وفي «كتاب فضائل الفرس» لأبي عبيد «4» أن بيوراسب ملك الفرس بناها. وقيل إن الذي بناها ذو القرنين عند فراغه من السدّ ووكّل بعمارتها غلاما له اسمه دمشقش وسكنها دمشقش ومات فيها فسميت به. وهي مدينة عظيمة البناء ذات سور «5» شاهق ولها سبعة «6» أبواب: باب كيسان، وباب شرقيّ، وباب توما،

وباب الصغير، وباب الجابية، وباب الفراديس، والباب المسدود. وروى الحافظ بن عساكر عن أبي القاسم تمّام بن محمد «1» : أن بانيها جعل كل باب من هذه لكوكب من الكواكب السبعة، وصوّر عليه صورته، فجعل باب كيسان لزحل، وباب شرقيّ للشمس، وباب توما للزّهرة، وباب الصغير للمشتري، وباب الجابية للمرّيخ، وباب الفراديس لعطارد، والباب المسدود للقمر. وعلى كل حال فهي مدينة حسنة الترتيب، جليلة الأبنية، ذات حواجز بنيت من جهاتها الأربع؛ وغوطتها أحد مستنزهات الدنيا العجيبة المفضلة على سائر مستنزهات الأرض، وكذلك الرّبوة وهي كهف في فم واديها الغربيّ، عنده تنقسم مياهها، يقال إن به مهد عيسى عليه السلام. وبها الجوامع والمدارس، والخوانق والرّبط والزوايا والأسواق المرتبة والديار الجليلة المذهبة السّقف المفروشة بالرخام المنوّع، ذات البرك والماء الجاري. وربما جرى الماء في الدار الواحدة في أماكن منها والماء محكّم عليها من جميع نواحيها بإتقان محكم؛ وهي في وطاءة مستوية من الأرض بارزة عن الوادي المنحطّ عن منتهى ذيل الجبل، مكشوفة الجوانب لممر الهواء إلا من الشّمال فإنه محجوب بجبل قاسيون، وبذلك تعاب وتنسب إلى الوخامة. قال في «مسالك الأبصار» : ولولا جبلها الغربيّ «2» الملبّس بالثلوج صيفا وشتاء، لكان أمرها في ذلك أشدّ، وحال سكّانها أشقّ؛ ولكنه درياق «3» ذلك السم، ودواء ذلك الداء. وهي مستديرة به من جميع نواحيه. قال في «مسالك الأبصار» : وغالب بنائها بالحجر ودورها أصغر مقادير من دور مصر لكنها أكثر زخرفة منها وإن كان الرخام بها أقل، وإنما هو أحسن أنواعا. قال: وعناية أهلها بالمباني كثيرة، ولهم في بساتينهم منها ما تفوق به وتحسن بأوضاعه؛ وإن كانت حلب أجلّ بناء لعنايتهم بالحجر، فدمشق أزين وأكثر رونقا لتحكم الماء على مدينتها وتسليطه على جميع نواحيها، ويستعمل في عماراتها خشب

الحور- بالحاء والراء المهملتين- بدلا من خشب النخل إلا أنه لا يغشّى بالبياض ويكتفى بحسن ظاهره. وأشرف دورها ما قرب، وأجلّ حاضرتها ما هو في جانبيها: الغربيّ والشّماليّ. فأما جانبها الغربيّ ففيه قلعتها؛ وهي قلعة حسنة مرجلة على الأرض، تحيط بها وبالمدينة جميعها أسوار عالية، يحيط بها خندق يطوف الماء منه بالقلعة. وإذا دعت الحاجة إليه أطلق على جميع الخندق المحيط بالمدينة فيعمها؛ وتحت القلعة ساحة فسيحة بها سوق الخيل، على جانب واد ينتهي فيه مما يلي القلعة إلى شرفين محيطين به في جهتي القبلة والشّمال، في ذيل كل منهما ميدان ممرّج بالنجيل الأخضر، والوادي يشق بينهما. وفي الميدان القبليّ منهما القصر الأبلق- وهو قصر عظيم مبنيّ من أسفله إلى أعلاه بالحجر الأسود والأصفر بتأليف غريب، وإحكام عجيب؛ بناه الظاهر بيبرس البندقداريّ في سلطنته، وعلى مثاله بنى الناصر محمد بن قلاوون القصر الأبلق بقلعة الجبل بمصر، وأمام هذا القصر دركاه «1» يدخل منها إلى دهليز القصر، وهو دهليز فسيح يشتمل على قاعات ملوكية مفروشة بالرّخام الملون البديع الحسن، مؤزّر بالرخام المفصل بالصّدف والفصّ المذهب إلى سجف السقوف، وبالدار الكبرى به إيوانان متقابلان تطل شبابيك شرقيهما على الميدان الأخضر، وغربيهما على شاطىء واد أخضر يجري فيه نهر، وله رفارف عالية تناغي السّحب، تشرف من جهاتها الأربع على جميع المدينة والغوطة. والوادي كامل المنافع بالبيوت الملوكية والإصطبلات السلطانية والحمّام وغير ذلك من سائر ما يحتاج إليه؛ وبالدركاه التي أمام القصر المتقدّم ذكرها جسر معقود على جانب الوادي يتوصّل منه إلى إيوان برانيّ يطلّ منه على الميدان القبليّ، استجدّه أقوش الأفرم في نيابته في الأيام الناصرية ابن قلاوون، وتجاه باب القصر

باب يتوصّل من رحبته إلى الميدان الشماليّ؛ وعلى الشرفين المتقدّم ذكرهما أبنية جليلة من بيوت ومناظر ومساجد ومدارس وربط وخوانق وزوايا وحمّامات ممتدة على جانبين ممتدّين طول الوادي. ولهذه القلعة نائب بمفردها غير نائب بمفردها غير نائب دمشق يحفظها للسلطان ولا يمكّن أحدا من طلوعها من النائب أو غيره. وإذا دخل السلطان دمشق نزل بها. وبها تخت ملك لغيرها من ديار الملك. وأما جانبها الشّماليّ ويسمّى العقيبة، فهو مدينة مستقلة بذاتها ذات أبنية جليلة وعمائر ضخمة، يسكنها كثير من الأمراء والجند، وبإزاء المدينة في سفح جبل قاسيون مدينة (الصالحية) : وهي مدينة ممتدّة في سفح الجبل بإزاء المدينة في طول مدى يشرف على دمشق وغوطتها، ذات بيوت «1» ومدارس وربط وأسواق وبيوت جليلة، وبأعاليها مع ذيل الجبل مقابر دمشق العامّة، ولكل من دمشق والصالحية البساتين الأنيقة بتسلسل جداولها وتغنّي دوحاتها، وبتمايل أغصانها وتغرّد أطيارها، وفي بساتين النّزهة بها العمائر الضّخمة، والجواسق «2» العليّة، والبرك العميقة، والبحيرات الممتدّة، تتقابل بها الأواوين والمجالس، وتحفّ بها الغراس والنصوب المطرّزة بالسّر والملتفّ، والحور الممشوق القدّ والرياحين المتأرجة الطيب، والفواكه الجنيّة، والثمرات الشّهيّة، والأشياء البديعة، التي تغني شهرتها عن الوصف، ويقوم الإيجاز فيها مقام الإطناب. ومسقى دمشق وبساتينها من نهر يسمّى بردى- بفتح الباء الموحدة والراء والدال المهملتين وبآخره ألف. أصل مخرجه من عينين: البعيدة منهما دون قرية تسمّى الزّبدانيّ، ودونها عين بقرية تسمّى الفيجة، بذيل جبل يخرج الماء من صدع في نهاية سفله قد عقد على مخرج الماء منه عقد روميّ البناء، ثم ترفده منابع في مجرى النهر؛ ثم يقسم النهر على سبعة أنهر: أربعة غربية: وهي نهر داريّا،

ونهر المزّة، ونهر القنوات، ونهر باناس. واثنان شرقية وهما نهر يزيد، ونهر ثورا؛ ونهر بردى ممتدّ بينهما. فأما نهر باناس ونهر القنوات، فهما نهرا المدينة حاكمان عليها ومسلّطان على ديارها، يدخل نهر باناس القلعة، ثم ينقسم قسمين: قسم للجامع وقسم للقلعة، ثم ينقسم كلّ قسم منهما على أقسام كثيرة ويتفرّق في المدينة بأصابع مقدّرة معلومة، وكذلك ينقسم نهر القنوات في المدينة، ولا مدخل له في القلعة ولا الجامع، ويجري في قنيّ مدفونة في الأرض إلى أن يصل إلى مستحقاتها بالدور والأماكن على حسب التقسيم، ثم تنصبّ فضلات الماء والبرك ومجاري الميضآت «1» إلى قنيّ معقودة تحت الأرض، ثم تجتمع وتتنهّر «2» وتخرج إلى ظاهر المدينة لسقي البساتين. وأما نهر يزيد، فإنه يجري في ذيل الصالحية المتقدّم ذكرها ويشقّ في بعض عمارتها. وأما بقية الأنهار، فإنها تتصرف إلى البساتين والغيطان لسقيها، وعليها القصور والبنيان خصوصا ثورا فإنه نيل دمشق، عليه جلّ مبانيها وبه أكثر تنزهات أهلها، من يخاله يراه زمرّدة خضراء، لالتفاف الأشجار عليه من الجانبين «3» . وبها (جامع بني أميّة) وهو جامع عظيم، بناه الوليد بن عبد الملك بن مروان في سنة ثمان وثمانين من الهجرة، وأنفق فيه أموالا جمّة حتّى يقال إنه أنفق فيه أربعمائة صندوق في كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار، وإنه اجتمع في ترخيمه اثنا عشر ألف مرخّم. قال في «الروض المعطار» : وذرعه في الطول من المشرق إلى المغرب مائتا خطوة وهي ثلاثمائة ذراع، وعرضه من القبلة إلى الشمال مائة خطوة وخمس وثلاثون خطوة وهي مائتا ذراع، وقد زخرف بأنواع الزّخرفة من

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها وما يدخل تحت حكم الولايات

الفصوص المذهبة والمرمر المصقول، وتحت نسره عمودان مجزّعان «1» بالحمرة لم ير مثلهما، يقال إن الوليد اشتراهما بألف وخمسمائة دينار، وفي المحراب عمودان صغيران يقال إنهما كانا في عرش بلقيس، وعند منارته الشرقية حجر يقال إنه قطعة من الحجر الذي ضربه موسى عليه السلام فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا. وقد ورد أن المسيح عليه السلام ينزل على المنارة الشرقية منه، ويقال إن القبّة التي فيها المحراب لم تزل معبدا لابتداء عمارتها وإلى آخر وقت. بناها الصابئة متعبّدا لهم، ثم صارت إلى اليونانيين فكانوا يعظّمون فيها دينهم، ثم انتقل إلى اليهود فقتل يحيى بن زكريا عليه السلام، ونصب رأسه على باب جيرون من أبوابه فأصابته بركته، ثم صار إلى النصارى فجعلتها كنيسة، ثم افتتح المسلمون دمشق فاتخذوه جامعها، وعلق رأس الحسين عليه السلام عند قتله في المكان الذي علق عليه رأس يحيى بن زكريا إلى أن جدّده الوليد، ويقال إن رأس يحيى عليه السلام، مدفون به، وبه مصحف عثمان الذي وجّه به إلى الشام. قال في «الروض المعطار» : ويقال إن أول من وضع جداره الأول هود عليه السلام. وقد ورد في أثر أنه يعبد الله تعالى فيه بعد خراب الدنيا أربعين سنة. الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها وما يدخل تحت حكم الولايات وقد ذكر في «التعريف» أن ولايتها من لدن العريش: حدّ مصر إلى آخر سلمية مما هو شرق بشمال وإلى الرّحبة مما هو شرق بجنوب. قال: وقد أضيف إليها في زمن سلطاننا بلاد جعبر «2» ، وكان من حقها أن تكون مع حلب. وحينئذ فتكون ولايتها مشتملة على الشام الأعلى المتقدّم ذكره وما يليه وما يلي ما يليه،

الصفقة الأولى الساحلية والجبلية

وبعض الشام الأدنى، وليس يخرج عنه من ذلك إلا حماة وما خرج مع صفد وطرابلس والكرك. قال: ويكون في نيابة نائبها نيابة غزّة ونيابة حمص وبعض شيء مما يقتضي الحقّ أن يكون مع حلب. وتشتمل على برّ وأربع صفقات «1» : فأما البرّ فالمراد به ضواحيها. قال في «التعريف» : وحدّها من القبلة قرية الخيارة المجاورة للكسوة وما هو على سمتها طولا، ومن الشرق الجبال الطّوال إلى النّبك وما على سمتها من القرى آخذا على عسّان «2» وما حولها من القرى إلى الزّبدانيّ، ومن الغرب ما هو من الزّبدانيّ إلى قرى القران المسامتة للخيارة المقدّم ذكرها. قال: ويدخل في ذلك مرج دمشق وغوطتها. وأما صفقاتها، فأربع صفقات: الصفقة الأولى الساحلية والجبلية وهي الصّفقة الغربية عن دمشق. قال في «مسالك الأبصار» : وهي عبارة عن بلاد غزّة وما جاورها سهلا ووعرا. قال في «التعريف» : وهذه الصفقة هي الشام الأعلى، ينتقص منه ما هو من نهر الأردن إلى حدّ قاقون «3» . ثم هذه الصفقة لها جهتان:

الجهة الأولى الساحلية؛ وهي التي بساحل بحر الروم المتقدم ذكره، وتشتمل على أربعة أعمال

الجهة الأولى الساحلية؛ وهي التي بساحل بحر الروم المتقدّم ذكره، وتشتمل على أربعة أعمال الأول- (عمل غزّة) - بفتح الغين المعجمة وتشديد الزاي المعجمة أيضا وفي آخرها هاء- وهي مدينة من جند فلسطين، في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» «1» : طولها ست وخمسون درجة وعشر دقائق، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة. وقال ابن سعيد «2» : طولها سبع وخمسون درجة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة، وهي على طرف الرمل بين مصر والشأم؛ آخذة بين البر والبحر بجانبيها، مبنية على نشز عال على نحو ميل من البحر الروميّ، متوسطة في العظم، ذات جوامع، ومدارس، وزوايا، وبيمارستان، وأسواق؛ صحيحة الهواء؛ وشرب أهلها من الآبار؛ وبها أمكنة يجتمع بها المطر إلا أنه يستثقل في الشرب فيعدل منه إلى الآبار لخفّة مائها؛ وبساحلها البساتين الكثيرة، وأجلّ فاكهتها العنب والتّين؛ وبها بعض النخيل، وبرّها ممتد إلى تيه بني إسرائيل من قبليها، وهو موضع زرع وماشية إلا أن أهل برّها عشران «3» بعضهم أعداء بعض، ولولا خوف سطوة السلطنة لما أغمد سيف الفتنة بينهم ولا جتاحوا المدينة ومن فيها. قلت: والحال فيها مختلف: فأكثر الأحيان هي تقدمة عسكر مضافة إلى دمشق، يأتمر مقدّم العسكر فيها بأمر نائب السلطنة القائم بدمشق، ولا يمضي أمرا دون مراجعته وإن كانت ولايته من الأبواب السلطانية، وتارة تكون نيابة مستقلّة

وتضاف إليها الصفقة الساحلية بكمالها فيكون لها حكم النيابات. الثاني- (عمل الرّملة) . بفتح الراء المهملة وسكون الميم وفتح اللام وفي آخرها هاء- وهي مدينة من جند الأردنّ، موقعها في الإقليم الثالث. قال في «الأطوال» : طولها ست وخمسون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وعشر دقائق. وقال في «القانون» : طولها ست وخمسون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. وقال في «تقويم البلدان» : القياس أن طولها ست وخمسون درجة وست وعشرون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلاث وعشرون دقيقة. وهي مدينة إسلامية بناها سليمان بن عبد الملك في خلافة أبيه عبد الملك. قال في «الروض المعطار» : وسميت الرّملة لغلبة الرمل عليها. وقال في «مسالك الأبصار» : سميت بامرأة اسمها رملة، وجدها سليمان بن عبد الملك هناك في بيت شعر حين نزل مكانها يرتاد بناءها، فأكرمته وأحسنت نزله، فسألها عن اسمها فقالت رملة، فبنى البلد وسماها باسمها. قال في «العزيزي» «1» : وهي قصبة فلسطين، وهي في سهل من الأرض، وبينها وبين القدس مسيرة يوم. قال في «الروض المعطار» : وبينها وبين نابلس يوم، وبينها وبين قيساريّة مرحلة، وكان عبد الملك قد أجرى إليها قناة ضعيفة للشرب منها، وأكثر شربهم الآن من الآبار ومن صهاريج يجتمع فيها ماء المطر، وهي مقرّة الكاشف بتلك الناحية. وميناها مدينة يافا- بفتح المثناة من تحت وألف وفاء ثم ألف في الآخر- وهي مدينة صغيرة بالساحل، وهي في الغرب عن الرملة وبينهما ستة أميال. الثالث- (عمل لدّ) - بضم اللام وتشديد الدال المهملة- وهي بلدة من

الجهة الثانية الجبلية، وبها ثلاثة أعمال

جند فلسطين واقعة في الإقليم الثالث شرقا بشمال عن الرملة، وبينهما ثلاثة فراسخ، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها، غير أنها نحو الرّملة في ذلك: لقربها منها أو أطول وأعرض بقليل. وهي مدينة قديمة كانت هي قصبة فلسطين في الزمن الأول إلى أن بنيت الرّملة فتحوّل الناس إليها وتركوا لدّا، وقد ثبت في الصحيح أن المسيح عليه السلام يقتل الدّجّال ببابها. الرابع- (عمل قاقون) - بفتح القاف وبعدها ألف ثم قاف ثانية مضمومة- وهي مدينة لطيفة غير مسوّرة، بها جامع وحمّام وقلعة لطيفة، وشربها من ماء الآبار، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها، إلا أن بينها وبين لدّ مسيرة يوم فلتعتبر بها بالتقريب. الجهة الثانية الجبليّة، وبها ثلاثة أعمال الأول- (عمل القدس) . والقدس بضم القاف والدال لفظ غلب على مدينة بيت المقدس- بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال المهملة- وهو المسجد الأقصى، وأصل التقديس التطهير، والمراد المطهّر من الأدناس. وهي مدينة من جند فلسطين واقعة في الإقليم الثالث. قال في «الأطوال» : طولها ست وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أن طولها سبع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ثلاثون درجة. وهي مبنية على جبل مستدير، وعرة المسلك؛ وبناؤها بالحجر والكلس؛ وغالب حجرها أسود؛ وشرب أهلها من ماء المطر المجتمع بصهاريج المسجد الأقصى وعين تجري إليها عن بعد، وكذلك عين سلوان وليس ماؤها بالكثير، وكان بها آثار قلعة قديمة خربت فجدّدها الناصر «محمد بن قلاوون» في سنة ستّ عشرة وسبعمائة، وليس بها حصانة، وكانت المدينة كلّها قد غلب عليها الخراب من حين استيلاء الفرنج عليها، ثم تراجع أمرها للعمارة، وصارت في نهاية الحسن، بها المدارس والرّبط والحمّامات

والأسواق وغيرها. والمسجد الأقصى هو أحد المساجد الثلاثة التي تشدّ إليها الرحال، وهو القبلة الأولى. قال في «الروض المعطار» : وأول من بنى بيت المقدس وأري موضعه يعقوب عليه السلام، وقيل داود. والذي ذكره في «تقويم البلدان» أن الذي بناه سليمان بن داود عليهما السلام وبقي حتّى خرّبه بختنصّر، فبناه بعض ملوك الفرس وبقي حتّى خرّبه طيطوس ملك الروم، ثم بقي ورمّم؛ وبقي حتّى تنصر قسطنطين ملك الروم وأمّه هيلانة وبنت أمّه قمامة على القبر الذي يزعم النصارى أن المسيح عليه السلام دفن فيه، وخرّبت البناء الذي كان على الصخرة وجعلتها مطرحا لقمامات البلد عنادا لليهود؛ وبقي الأمر على ذلك حتّى فتح أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه القدس فدلّ على الصخرة فنظّف مكانها وبنى مسجدا، وبقي حتّى ولي الوليد بن عبد الملك الخلافة فبناه على ما هو عليه الآن، على أن المسجد الأقصى على الحقيقة جميع ما هو داخل السور، وعلى القرب من المسجد الصخرة التي ربط النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بها البراق ليلة الإسراء، وهي حجر مرتفع مثل الدكة ارتفاعها من الأرض نحو قامة، وتحتها بيت طوله بسطة في مثلها، ينزل إليها بسلّم وعليها قبة عالية، بناها الوليد بن عبد الملك حين بنى المسجد الأقصى. قال المهلّبي في كتابه «العزيزي» : ولما بناها الوليد بنى هناك عدّة قباب وسمّى كل واحد منها باسم: وهي قبّة المعراج، وقبة الميزان، وقبّة السّلسلة، وقبة المحشر. قال في «مسالك الأبصار» : وإلى الصخرة المتقدّمة الذكر قبلة اليهود الآن، وإليها حجّهم. وبه القمامة التي تحجها النصارى من أقطار الأرض، وبيت لحم الذي هو من أجلّ أماكن الزيارة عندهم، وكان به كنيسة للروم يقال إن بها قبر حنّة أمّ مريم بنت عمران عليها السلام ثم صارت في الإسلام دار علم. فلما ملك الفرنج القدس في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة أعادوها كنيسة، فلما فتح السلطان

صلاح الدين القدس بنى بها مدرسة. وكان اسمها في الزمن الأول إيليا. والأرض المقدّسة مشتملة على بيت المقدس وما حوله، إلى نهر الأردنّ المسمّى بالشريعة، إلى مدينة الرّملة طولا، ومن البحر الشاميّ إلى مدائن لوط عليه السلام، وغالبها جبال وأودية إلا ما هو في جنباتها. الثاني- (عمل بلد الخليل عليه السلام) . واسمها بيت حبرون بإضافة بيت واحد البيوت إلى حبرون (بحاء مفتوحة وباء موحدة ساكنة وراء مهملة مضمومة بعدها واو ساكنة ونون) كذا ضبطه في «تقويم البلدان» . وفي كلام صاحب «الروض المعطار» ما يدل على إبدال «1» الحاء بجيم والباء الموحدة بمثناة تحت، فإنه ذكرها في حرف الجيم في سياقة الكلام على تسمية دمشق جيرون. وهي بلدة من جند فلسطين في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة، طولها في بعض الأزياج ست وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وبها قبر «2» إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام ونسائهم، وهي إحدى القرى التي أقطعها «3» النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لتميم الداريّ كما سيأتي ذكره في الكلام على المناشير إن شاء الله تعالى. الثالث- (عمل نابلس) - بفتح النون وألف وضم الباء الموحدة واللام

الصفقة الثانية القبلية

وسين مهملة في آخرها- مدينة من جند الأردنّ من الإقليم الثالث. قال في «كتاب الأطوال» : طولها سبع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ثلاثون درجة. وقال في «تقويم البلدان» : القياس أن طولها ست وخمسون درجة وأربع وعشرون دقيقة، وعرضها على ما تقدّم. قال في «مسالك الأبصار» : وهي مدينة يحتاج إليها ولا تحتاج إلى غيرها. قال ابن حوقل: وليس بفلسطين بلدة فيها ماء جار سواها، وباقي ذلك شرب أهله من المطر وزرعهم عليه، وبها البئر التي حفرها يعقوب عليه السلام؛ وهي مدينة السامرة، وكانت السامرة في الزمن المتقدّم لا توجد إلا بها؛ وبها الجبل الذي يحج إليه السامرة، وسيأتي الكلام على الموجب لتعظيمه عندهم عند الكلام على تحليفهم في باب الأيمان إن شاء الله تعالى. الصفقة الثانية القبلية سميت بذلك لأنها قبليّ دمشق. قال في «مسالك الأبصار» : وتشتمل على بلاد حوران والغور وما مع ذلك. قال في «التعريف» : وحدّها من القبلة جبال الغور القبلية المجاورة لمرج بني عامر، ومن الشرق البرّيّة؛ ومن الشّمال حدود ولاية برّ دمشق القبليّ؛ ومن الغرب الأغوار إلى بلاد الشّقيف «1» . قال: والأغوار كلّها داخلة في هذه الصفقة خلا ما يختص بالكرك. وتشتمل هذه الصفقة على عشرة أعمال: الأول- (عمل بيسان) - بفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وفتح السين المهملة وألف ونون- مدينة من جند الأردنّ من الإقليم الثالث. قال في «الأطوال» : طولها ثمان وخمسون درجة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وقال في «تقويم البلدان» : القياس أن طولها سبع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وسبع وعشرون دقيقة. وهي

مدينة صغيرة بلا سور، ذات بساتين وأشجار وأنهار وأعين، كثيرة الخصب واسعة الرزق، ولها عين تشقّ المدينة، وهي على الجانب الغربيّ من الغور. قال في «التعريف» : وهي مدينة الغور، وبها مقرّ الولاية. قال في «مسالك الأبصار» : ولها قليعة من بناء الفرنج. قال في «الروض المعطار» : ويقال إن طالوت قتل جالوت هنالك. الثاني- (عمل بانياس) - بباء موحدة وألف ونون وياء مثناة تحت وألف ثم سين مهملة- مدينة من جند دمشق واقعة في الإقليم الثالث. قال في «تقويم البلدان» : طولها ثمان وخمسون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة. قال: وهي على مرحلة ونصف من دمشق من جهة الغرب بميلة إلى الجنوب. قال في «العزيزي» : وهي في لحف جبل الثلج، وهو مطلّ عليها والثلج على رأسه كالعمامة لا يعدم منه شتاء ولا صيفا. قال في «مسالك الأبصار» : وهي مدينة الجولان، وبها قلعة الصّبيبة (بضم الصاد المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الباء الموحدة وهاء في الآخر) . قال في «التعريف» : وهي من أجلّ القلاع وأمنعها. الثالث- (عمل الشّعرا) - بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة وفتح الراء المهملة وبعدها ألف- وهي عن بانياس المتقدّمة الذكر شرق بجنوب، وطوله ما بين بانياس إلى جبل الثلج. قال في «التعريف» : والولاية بها تكون تارة بقرية حان (بالحاء المهملة) وتارة بقرية القنيطرة تصغير قنطرة، ولم يتحرّر لي طولهما وعرضهما فلتعتبرا بما قاربهما من الأعمال. الرابع- (عمل نوى) «1» - بفتح النون والواو وألف في الآخر- وهي بلدة صغيرة، عن دمشق في جهة الغرب إلى الجنوب على نحو مرحلة، وهي مدينة قديمة من أعمال دمشق، بها قبر أيوب النبيّ عليه السلام، وإليها ينسب الشيخ

محيي الدين النوويّ «1» الشافعيّ رحمه الله، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها فلتعتبر بما قاربها أيضا، وهي عن يمين الشّعرا المتقدّم ذكرها شرق بجنوب أيضا. الخامس- (عمل أذرعات) - بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة وفتح «2» الراء والعين المهملتين وألف ثم تاء مثناة من فوق في الآخر- قال في «الروض المعطار» : ويجوز فيها الصرف وعدمه. قال: والتاء في الحالين مكسورة. وقال الخليل بن أحمد: من كسر الألف لم يصرف «3» ؛ وهذا صريح في حكاية كسر الألف في أوّلها. ويقال لها يذرعات بياء مثناة تحت بدل الألف- وهي مدينة من أعمال دمشق من الإقليم الثالث. قال في «كتاب الأطوال» : طولها ستون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة- وهي مدينة البثنيّة، وبينها وبين الصّنمين ثمانية عشر ميلا. قال في «التعريف» : وبها ولاية الحاكم على مجموع الصّفقة، وقد كان قديما بغيرها. السادس- (عمل عجلون) - بفتح العين وسكون الجيم وضم اللام وسكون الواو ونون في آخره- قلعة من جند الأردنّ في الإقليم الثالث، طولها ثمان وخمسون درجة وعشر دقائق، وعرضها ثلاثون درجة وعشر دقائق. مبنية على جبل يعرف بجبل عوف المتقدّم ذكره في جبال الشام المشهورة تشرف على الغور. وهي محدثة البناء بناها عزّ الدين أسامة بن منقذ: أحد أكابر أمراء السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة ثمانين وخمسمائة. قال في «مسالك الأبصار» : وكان مكانها [ديربه] راهب اسمه عجلون فسميت به. قال في «التعريف» : وهو حصن جليل على صغره، وله حصانة ومنعة منيعة. ومدينة هذه القلعة الباعونة (بفتح الباء الموحدة وألف بعدها ثم عين مضمومة وواو ساكنة ونون مفتوحة وفي آخرها هاء) وهي على شوط فرس من عجلون. قال في «المسالك» : وكان مكانها دير أيضا به راهب اسمه باعونة فسميت المدينة به، وهما شرقيّ بيسان

المتقدّم ذكرها. السابع- (عمل البلقاء) . قال في «الروض المعطار» : سميت بالبلقاء ابن سورية من بني عمّان «1» بن لوط، وهو الذي بناها. قال في «تقويم البلدان» : وهي إحدى كور الشّراة؛ وهي عن أريحا في جهة الشرق على مرحلة، ومدينة هذا العمل حسبان (بضم الحاء وإسكان السين المهملتين وفتح الباء وبعدها ألف ونون) وهي بلدة صغيرة ولها واد وأشجار وأرحية وبساتين وزروع. قال في «مسالك الأبصار» : ومن هذا العمل (الصّلت) - وهي بألف ولام لازمين في أوله وفتح الصاد المهملة المشدّدة وسكون اللام وبعدها تاء مثناة- بلدة لطيفة من جند الأردنّ في جبل الغور الشرقيّ في جنوب عجلون على مرحلة منها، وبها قلعة بناها المعظم عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب، وتحت القلعة عين واسعة يجري ماؤها حتّى يدخل البلد، وهي بلدة عامرة آهلة ذات بساتين وفواكه. قلت: وكلامه في «التعريف» قد يخالف كلامه في «مسالك الأبصار» في جعل الصّلت من عمل حسبان، فإنه قال: وأولها من جهة القبلة البلقاء ومدينتها حسبان، ثم الصّلت، ثم عجلون؛ وعجلون عمل مستقلّ كما تقدّم، ومقتضاه أن يكون الصّلت أيضا عملا مستقلّا. وكذا رأيته في «التذكرة الآمدية» نقلا عن شهاب الدين بن الفارقيّ أحد كتّاب الإنشاء بدمشق في الدولة الناصرية ابن قلاوون؛ وأخبرني بعض كتّاب الإنشاء أن المستقرّ الصّلت فقط والبلقاء مضافة إليها، وعليه يدل كلام القاضي تقيّ الدين بن ناظر الجيش في «التثقيف» «2» فإنه قال: وممن كتب إليه من الولاة بالممالك الشامية في قديم الزمان- ولعله في الأيام الشهيدية- والي الصّلت والبلقاء فيما نقل عن خط المرحوم نصر الدين بن النشائي كاتب الدست الشريف.

الثامن- (عمل صرخد) - بفتح الصاد وإسكان الراء المهملتين وفتح الخاء المعجمة ودال مهملة في آخره- بلدة صغيرة ذات بساتين وكروم وليس بها ماء سوى ما يجتمع من ماء المطر في الصهاريج والبرك. قال ابن سعيد: وليس وراء عملها من جهة الجنوب وإلى الشرق إلا البرّيّة، ومنها تسلك طريق تعرف بالرصيف إلى العراق يصل المسافرون منها إلى بغداد في نحو عشرة أيام. قال في «التعريف» : وبها قلعة وكان بها ملك من المماليك المعظمية. قال في «مسالك الأبصار» : وهي محدثة البناء بدئت قبل نور الدين الشهيد بقليل، ولما وصلت عساكر هولاكو ملك التتار إلى الشأم هدموا شرفاتها وبعض جدرانها فجدّدها الظاهر بيبرس، وهي على ذلك إلى الآن. التاسع- (عمل بصرى) - بضم الباء الموحدة وسكون الصاد المهملة وألف في الآخر- هكذا هو مقيد بالشكل في كتب اللغة والحديث والمسالك والممالك وجار على الألسنة، ووقع في «تقويم البلدان» ضبطه بفتح «1» أوله فلا أدري أهو سبق قلم أو غلط من النسخة أو أخذه من كلام غيره، وهي مدينة بحوران من أعمال دمشق واقعة في الإقليم الثالث. قال في «كتاب الأطوال» و «القانون» : طولها تسع وخمسون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال في «مسالك الأبصار» : وهي مدينة حوران السفلى، بل حوران كلها «2» ، بل الصفقة جميعها؛ وكلامه في «التعريف» يوافقه، وهي مدينة أزليّة مبنية بالحجارة السود، ولها قلعة ذات بناء متين شبيه ببناء قلعة دمشق. قال في «التعريف» : وكانت دار ملك لبني أيوب، وقد ثبت في الصحيح من حديث الخندق أنه صلّى الله عليه وسلّم قال «ثم ضربت الضربة الثالثة فلاحت لي منها قصور بصرى كأنها أنياب الكلاب» وهي التي وجد النبي صلّى الله عليه وسلّم بها بحيرا الراهب وآمن به حين قدم تاجرا لخديجة بنت خويلد قبل البعثة، وقبر بحيرا هناك

الصفقة الثالثة الشمالية

مشهور يزار، وقد تقدّم الكلام عليها فأغنى عن إعادته هنا. العاشر- (عمل زرع) - بضم الزاي المعجمة وفتح الراء المهملة وعين مهملة في الآخر- وهي بلدة من بلاد حوران لها عمل مستقلّ، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها. قال في «التعريف» : وقد يتصل عمل بصرى بأذرعات لوقوع زرع متشاملة. الصفقة الثالثة الشمالية سميت بذلك لأنها عن شمال دمشق. قال في «مسالك الأبصار» : وهي ساحليّة وجبليّة. قال في «التعريف» : وحدّها من القبلة حدّ ولاية دمشق الشماليّ وبعض الغربيّ؛ وحدّها من الشرق قرية جوسية التي بين القرية المعروفة بالقصب من عمل حمص وبين القرية المعروفة بالفيجة من عمل بعلبكّ؛ وحدّها من الشمال مرج الأسل المستقل عن قائم الهرمل حيث يمدّ العاصي بطرابلس، وكل ما تشامل عن جبل لبنان إلى البحر؛ وحدّها من المغرب ما هو على سمت البحر منحدرا عن صور إلى حدّ ولاية برّ دمشق القبليّ والغربيّ. وتشتمل هذه الصفقة على خمسة أعمال: الأول- (عمل بعلبكّ) - بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة وفتح اللام والباء الموحدة الثانية وفي آخرها كاف- هكذا ضبطه في «تقويم البلدان» والجاري على ألسنة الناس فتح العين وإسكان اللام. قال في «الروض المعطار» : وكان لأهلها صنم يدعى بعلا، فالبعل اسم للصنم، وبكّ اسم الموضع فسميت «1» بعلبك لذلك. قال: وإليهم بعث النبيّ إلياس عليه السلام،

وكأنه يشير بذلك إلى ما قصه الله تعالى في سورة الصافّات بقوله: أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ «1» وكان فتحها في سنة أربع عشرة من الهجرة؛ وهي مدينة من أعمال دمشق واقعة في الإقليم الرابع طولها ستون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، وهي مدينة شماليّ دمشق، جليلة البناء، نبيهة الشان، قديمة البنيان، يقال إنها من بناء سليمان عليه السلام. قال في «مسالك الأبصار» : وهي مختصرة من دمشق في كمال محاسنها وحسن بنائها وترتيبها؛ بها المساجد والمدارس والرّبط والخوانق والزوايا والبيمارستان والأسواق الحسنة، والماء جار في ديارها وأسواقها، وفيها يعمل الدهان الفائق من الماعون وغيره ويحمل منها إلى غالب البلدان مع كونها واسعة الرزق رخيصة السّعر، وكانت دار ملك قديم، ومن عشّها درج «نجم الدين أيوب» والد الملوك الأيوبية رحمه الله، وبها قلعة حصينة جليلة المقدار من أجلّ البنيان وأعظمه، وهي مرجلة على وجه الأرض كقلعة دمشق. قال في «التعريف» : بل إنما بنيت قلعة دمشق على مثالها، وهيهات لا تعدّ من أمثالها! وأين قلعة دمشق منها وحجارتها تلك الجبال الثوابت، وعمدها تلك الصخور النوابت. قد يبعد الشّيء من شيء يشابهه ... إنّ السّماء نظير الماء في الزّرق وبهذه القلعة من عمارة من نزل بها من الملوك الأيوبية آثار ملوكية جليلة، ويستدير بالمدينة والقلعة جميعا سور عظيم البناء مبنيّ بالحجارة العظيمة المقدار الشديدة الصّلابة، ويحف بذلك غوطة عظيمة أنيقة ذات بساتين مشتبكة الأشجار بها الثمار الفائقة، والفواكه المختلفة. وبظاهرها عين «2» ماء متسعة الدائر ماؤها في غاية الصفاء بين مروج وبساتين، يمتدّ منها نهر يتكسّر على الحصباء في خلال تلك المروج إلى أن يدخل المدينة، وينقسم في بيوتها وجهاتها. وعلى البعد منها عين أخرى تعرف بعين اللحوج (؟) في طرف بساتينها، منها فرع إلى الجانب

الشماليّ من المدينة، ويصب في قناة هناك ويدخل منه إلى القلعة، وبخارجها جبل لبنان المعروف بعشّ الأولياء. الثاني- (عمل البقاع البعلبكّيّ) - يوصف البقاع- بكسر الباء الموحدة وفتح القاف وبعدها ألف ثم عين مهملة- بالبعلبكيّ، نسبة إلى بعلبك لقربه منها. قال في «التعريف» : وليس له مقر ولاية. الثالث- (عمل البقاع العزيزيّ) - يوصف البقاع بالعزيزيّ نسبة إلى العزيز عكس الذليل، وكأنه نسبة «1» إلى الملك العزيز ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله. قال في «التعريف» : ومقرّ الولاية به كرك نوح عليه السلام. قال: وهاتان الولايتان الآن منفصلتان عن بعلبكّ، وهما مجموعتان لوال جليل مفرد بذاته. الرابع- (عمل بيروت) - بفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وضم الراء المهملة وواو وتاء مثناة من فوق في آخرها- وهي مدينة من الإقليم الثالث بساحل دمشق. قال في «كتاب الأطوال» : طولها ثمان وخمسون درجة وخمس وخمسون دقيقة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. وهي مدينة جليلة على ضفّة البحر الروميّ، عليها سوران من حجارة؛ وفيه كان ينزل الأوزاعيّ الفقيه المشهور، وبها جبل فيه معدن حديد، ولها غيضة من أشجار الصّنوبر سعتها اثنا عشر ميلا في التكسير، تتصل إلى تحت لبنان المقدّم ذكره. قال في «تقويم البلدان» : وشرب أهلها من قناة تجري إليها. وقال في «مسالك الأبصار» : شرب أهلها من الآبار. قال ابن سعيد: وهي فرضة دمشق ولها مينا جليلة، وفي شماليها على الساحل مدينة جبيل «2» تصغير جبل. قال في «الروض

الصفقة الرابعة الشرقية؛ وهي على ضربين

المعطار» : بينهما ثمانية عشر ميلا. قال في «العزيزي» : وبينها وبين بعلبكّ على عقبة المغيثة ستة وثلاثون ميلا. الخامس- (عمل صيدا) - بفتح الصاد المهملة وسكون المثناة تحت وفتح الدال المهملة وألف مقصورة في الآخر- وهي مدينة بساحل البحر الروميّ، واقعة في الإقليم الثالث، ذات حصن حصين. قال ابن القطاميّ سميت بصيدون ابن صدقا بن كنعان بن حام بن نوح عليه السلام، وهو أول من عمرها وسكنها. وقال في «الروض المعطار» : سميت بامرأة. وشرب أهلها من ماء يجري إليهم من قناة. قال في «العزيزيّ» : وبينها وبين دمشق ستة وثلاثون ميلا. قال في «مسالك الأبصار» : وكورتها كثيرة الأشجار، غزيرة الأنهار. قال في «الروض المعطار» : وبها سمك صغار له أيد وأرجل صغار إذا جفّف وسحق وشرب بالماء، أنعظ إنعاظا شديدا. قال في «المسالك» : وهي ولاية جليلة واسعة العمل ممتدّة القرى، تشتمل على نيف وستمائة ضيعة «1» . الصفقة الرابعة الشرقية؛ وهي على ضربين الضرب الأول ما هو داخل في حدود الشام، وهو غربيّ الفرات قال في «التعريف» : وحدّها من القبلة قرية القصب المجاورة لقرية

جوسية المقدّم ذكرها، آخذا على النّبك إلى القريتين؛ وحدّها من الشرق السّماوة إلى الفرات وينتهي إلى مدينة سلمية إلى الرّستن؛ وحدّها من الغرب نهر الأرنط وهو العاصي، وتشتمل على خمسة أعمال أيضا: الأول- (عمل حمص) - بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وصاد مهملة في الآخر. قال في «الروض المعطار» : ولا يجوز فيها الصرف كما يجوز في هند لأن هذا اسم أعجميّ. قال: وسميت برجل من العماليق اسمه حمص هو أول من بناها. قال الزجاجيّ: هو حمص بن المهر بن حاف «1» بن مكنف، وقيل برجل من عاملة هو أول من نزلها، واسمها القديم سوريا (بسين مهملة مضمومة وواو ساكنة وراء مهملة مكسورة وياء مثناة تحت مفتوحة وألف في الآخر) . وبه كانت تسميها «2» الروم، وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أن طولها إحدى وستون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة، وهي مدينة جليلة، وقاعدة من قواعد الشام العظام. قال في «التعريف» : وكانت دار ملك للبيت الأسديّ يعني أسد الدين شير كوه عمّ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب. قال: ولم يزل لملكها في الدولة الأيوبية سطوة تخاف وبأس يخشى، وهي في وطاءة من الأرض ممتدّة على القرب من النهر العاصي، ومنه شرب أهلها، ولها منه ماء مرفوع يجري إلى دار النيابة بها وبعض مواضع بها. قال في «مسالك الأبصار» : وبها القلعة المصفحة وليست بالمنيعة، ويحيط بها وبالبلد سور حصين هو أمنع من القلعة. قال في «العزيزيّ» : وهي من أصحّ بلاد الشام هواء، وبوسطها بحيرة صافية الماء، ينقل السمك إليها من الفرات حتّى يتولد فيها، والطير مبثوث في نواحيها. قال ابن حوقل: وليس بها عقارب ولا حيّات. وقد تقدّم في الكلام على خواصّ الشام وعجائبها أن بها قبّة بالقرب من جامعها إذا ألصق بها طين من طينها وترك حتّى

يسقط بنفسه ووضع في بيت أو ثياب لم يقربها عقرب، وإن ذرّ منه على العقرب شيء أخذه مثل السّكر وربما قتله؛ ولها من برّ بعلبكّ أنواع الفواكه وغيرها؛ وقماشها يقارب قماش الإسكندريّة في الجودة والحسن، وإن لم يبلغ شأوه في ذلك. قال في «الروض المعطار» : ويقال إن بقراط الحكيم منها. وإن أهلها أول من ابتدع الحساب؛ وبها قبر خالد بن الوليد رضي الله عنه، ومقامه مشهور بها يزار. الثاني- (عمل مصياف) بكسر الميم وسكون الصاد- وهي بلدة جليلة، ولها قلعة حصينة في لحف جبل اللّكام الشرقيّ عن حماة وطرابلس، في جهة الشّمال عن بارين على مسافة فرسخ، وفي جهة الغرب عن حماة على مسيرة يوم، وبها أنهر صغار من أعين، وبها البساتين والأشجار. وهي قاعدة قلاع الدعوة الآتي ذكرها في أعمال طرابلس ودار ملكها، وكانت أولا مضافة إلى طرابلس ثم أفردت عنها وأضيفت إلى دمشق. الثالث- (عمل قارا) - بقاف مفتوحة بعدها ألف ثم راء مهملة وألف ثانية. هكذا هو مكتوب في «التعريف» وغيره وهو الجاري على الألسنة. ورأيتها مكتوبة في «تقويم البلدان» بهاء «1» في الآخر بدل الألف الأخيرة. وهي قرية كبيرة قبليّ حمص، بينها وبين دمشق على نحو منتصف الطريق، تنزلها قوافل السفارة، وبينها وبين حمص مرحلة ونصف، وبينها وبين دمشق مرحلتان، وغالب «2» أهلها نصارى. الرابع- (عمل سلميّة) - بفتح السين المهملة واللام وكسر «3» الميم وياء مثناة تحت مشدّدة «4» مفتوحة وهاء في الآخر- وهي بلدة من عمل حمص من الإقليم الرابع. قال في «الأطوال» : طولها إحدى وستون درجة وعشرون دقيقة،

وعرضها أربع وثلاثون درجة. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أن يكون العرض أربعا وثلاثين ونصفا. قال أحمد الكاتب «1» : بناها عبد الله بن صالح بن عليّ بن عبد الله بن عباس بن عبد المطّلب وأسكن بها ولده. وهي بلدة على طرف البادية نزهة خصبة كثيرة المياه والشجر، ومياهها من قنيّ. قال في «الروض المعطار» : وبينها وبين حمص مرحلة. الخامس- (عمل تدمر) - بفتح التاء المثناة فوق وسكون الدال المهملة وضم الميم وراء مهملة في الآخر- كذا ضبطه السمعانيّ في «الأنساب» : والجاري على ألسنة الناس ضم أولها. قال في «التعريف» : وهي بين القريتين والرّحبة، وهي معدودة من جزيرة العرب واقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : طولها اثنتان وستون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة. قال صاحب حماة: وهي من أعمال حمص من شرقيها، وغالب أرضها سباخ؛ وبها نخيل وزيتون؛ وبها آثار عظيمة أزليّة من الأعمدة والصخور، ولها سور وقلعة. قال في «الروض المعطار» : وهي في الأصل مدينة قديمة بنتها الجنّ لسليمان عليه السلام، ولها حصون لا ترام. قال: وسميت تدمر بتدمر بنت حسّان ابن أذينة، وفيها قبرها. وإنما سكنها سليمان عليه السلام بعدها. قال في «العزيزيّ» : وبينها وبين دمشق تسعة وخمسون ميلا، وبينها وبين الرّحبة مائة ميل وميلان. قال صاحب حماة: وهي عن حمص على ثلاث مراحل.

الضرب الثاني من هذه الصفقة ما هو من بلاد الجزيرة، بين الفرات والدجلة على القرب من الفرات

الضرب الثاني من هذه الصفقة ما هو من بلاد الجزيرة، بين الفرات والدجلة على القرب من الفرات وهو مدينة الرّحبة. قال في «اللّباب» : بفتح الراء والحاء «1» المهملتين والباء الموحدة وهاء في الآخر- وهي مدينة على الفرات بين الرّقّة وعانة، واقعة في الإقليم الرابع. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أن طولها أربع وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ستّ وثلاثون درجة، وتعرف برحبة مالك بن طوق، وهو قائد من قوّاد هارون الرشيد، قيل إنه أول من عمرها فنسبت إليه. قال السلطان عماد الدين صاحب حماة: وقد خربت الرّحبة المذكورة وصارت قرية، وبها آثار المدينة من المآذن الشواهق وغيرها، واستحدث شير كوه بن محمد بن شير كوه بن شادي صاحب حمص من جنويها الرحبة الجديدة على نحو فرسخ من الفرات، وهي بلدة صغيرة ولها قلعة على تلّ تراب، وشرب أهلها من قناة من نهر سعيد، الخارج من الفرات. قال: وهي اليوم محطّ القوافل من الفرات والشام، وهي أحد الثغور الإسلامية في زماننا. قال في «التعريف» : وبها قلعة نيابة، وفيها بحرية وخيّالة وكشّافة وطوائف من المستخدمين، ولم تزل إمرتها طبلخاناه، بمرسوم شريف من الأبواب الشريفة من الأيام الناصرية ابن قلاوون إلى الآن. تنبيه- قال في «التعريف» : ومما أضيف إلى دمشق في زمن سلطاننا يعني الناصر بن قلاوون بلاد جعبر. قال: وحقها أن تكون مع حلب، وهي مستمرّة على ذلك إلى زماننا، وسيأتي الكلام عليها في الأعمال الحلبية إن شاء الله تعالى. وقد ذكر القاضي تقيّ الدين بن ناظر الجيش في كتابه «التثقيف» : أنه كان قد استقرّ بتدمر وسلميّة والسّخنة والقريتين نوّاب، واستقر الحال على أن مكاتبة كل

القاعدة الثانية من قواعد البلاد الشامية حلب، وفيها جملتان

منهم إن كان مقدّما نظير النائب بالرّحبة، يعني «صدرت» و «العالي» وإن كان طبلخاناه فالاسم «والسامي» بالياء. القاعدة الثانية من قواعد البلاد الشامية حلب، وفيها جملتان الجملة الاولى في حاضرتها قال في «اللّباب» : هي بفتح الحاء المهملة واللام وباء موحدة في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : وطولها اثنتان وستون درجة وعشر دقائق، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. واختلف في سبب تسميتها حلب على قولين حكاهما صاحب «الروض المعطار» : أحدهما أنه كان مكان قلعتها ربوة، وكان إبراهيم الخليل عليه السلام يأوي إليها ويحلب غنمه ويتصدّق بلبنها فسميت حلب بذلك. والثاني أنها سميت برجل من العماليق اسمه حلب. قال الزجاجيّ: حلب بن المهر من ولد جان «1» بن مكنّف. قال في «مسالك الأبصار» : وهي مدينة عظيمة من قواعد الشام القديمة؛ وهي في وطاءة حمراء ممتدّة، مبنية بالحجر الأصفر الذي ليس له نظير في الآفاق؛ وبها المساكن الفائقة، والمنازل الأنيقة، والأسواق الواسعة، والقياسر الحسنة، والحمامات البهجة، ذات جوامع ومساجد ومدارس وخوانق وزوايا وغير ذلك من سائر وجوه البر، وبها بيمارستان حسن لعلاج المرضى. قال في «مسالك الأبصار» : ولها نهران: أحدهما يعرف بنهر قويق، وهو نهرها القديم، والثاني يعرف بنهر الساجور، وهو نهر مستحدث، ساقه إليها السلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» في سلطنته وحكمه عليها.

وقد ذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة: أن الملك الظاهر غازي بن العادل «أبي بكر بن أيوب» ساق إليها نهرا في سنة خمس وستمائة، ولعله نهر قويق المذكور. قال في «مسالك الأبصار» : ويجري إلى داخلها فرع ماء يتشعّب في دورها ومساكنها ولكنه لا يبلّ صداها ولا يشفي غلّتها، وبها الصهاريج المملوءة من ماء المطر، ومنها شرب أهلها؛ ويدخل إليها الثلج من بلادها، وليس لأهلها إليه كثير التفات لبرد هوائهم وقرب اعتدال صيفهم وشتائهم؛ وبها الفواكه الكثيرة وأكثرها مجلوب إليها من نواحيها لقلّة البساتين بها؛ وبظاهرها المروج الفيح والبرّ الممتدّ حاضرة وبادية؛ وبها عسكر كثيف وأمم من طوائف العرب والأكراد والتّركمان. قال في «اللباب» : وكان الجند في ابتداء الاسلام ينزلون قنّسرين، وهي المدينة التي تنسب الكورة إليها على ما تقدّم ذكره ولم يكن لحلب معها ذكر. قال ابن سعيد: ثم ضعفت بقوة حلب عليها، وهي الآن قرية صغيرة. قال في «مسالك الأبصار» : وكانت حلب قد عظمت في أيام بني حمدان، وتاهت بهم شرفا على كيوان. جاءت الدولة الأتابكية فزادت فخارا، واتخذت لها من بروج السماء منطقة وأسوارا؛ ولم تزل على هذا يشار إليها بالتعظيم، ويأبى أهلها في الفضل عليها لدمشق التسليم؛ حتّى نزل هولاكو بحوافر خيله فهدمت أسوارها وخربت حواضرها، ولم تزل خالية من الأسوار، عريّة من الأبواب، إلى أن كانت فتنة منطاش «1» في سلطنة الظاهر برقوق والنائب بها من قبله الأمير كمشبغا، فجدّد أسوارها، ورتب أبوابها، وهي سبعة أبواب: باب قنّسرين من

القبلة، وباب المقام «1» من القبلة أيضا، وباب النّيرب «2» من الشرق، وباب الأربعين من الشرق أيضا، وباب النصر «3» من بحريّها، وباب الجنان من غربيها، وباب أنطاكية من غربيها أيضا؛ وهي الآن في غاية ما يكون من العمارة وحسن الرونق والبهجة، ولعلها قد فاقت أيام بني حمدان؛ ولم يزل نائبها من أكابر الأمراء المتقدّمين من الدولة الناصرية فما قبلها إلى الآن، وقد زادت رتبته عما كان عليه في الأيام الناصرية؛ وهي ثانية دمشق في الرتبة؛ ومعاملاتها على ما تقدّم في دمشق من الدراهم والدنانير والفلوس وصنجة الذهب والفضة. غير أن الفلوس الجدد «4» لم ترج بها بعد، ورطلها سبعمائة وعشرون درهما بالصّنجة الشامية «5» ، كلّ أوقية ستون درهما، ومعاملاتها معتبرة بالمكّوك «6» ، ولا تعرف فيها الغرارة «7» ، ولا في شيء من أعمالها؛ وتختلف بلادها في المكّوك اختلافا متباينا في الزيادة والنقص. قال في «مسالك الأبصار» : والمعدّل فيها أن يكون كل مكّوكين ونصف غرارة وما بين ذلك وكل ذلك تقريبا. قلت: وأخبرني بعض أهلها أن المكّوك بنفس مدينة حلب معتبر بسبع

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها

ويبات «1» بالكيل المصريّ، والذراع القماش ذراع وسدس بذراع القماش القاهريّ، ويزيد على ذراع دمشق بقيراطين، وقياس دور أرضها بذراع العمل المعروف بالديار المصرية. الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها قال في «مسالك الأبصار» : هي أوسع الشام بلادا، متصلة ببلاد سيس والرّوم وديار بكر وبرّيّة العراق. قال في «التعريف» : ويحدّها من القبلة المعرّة وما وقع على سمتها إلى الدّمنة الخراب والسلسلة الرومية ومجرى القناة القديمة الواقع ذلك بين الحيار (يعني بكسر الحاء المهملة والياء المثناة تحت وألف وراء مهملة) والقرية المعروفة بقبّة ملاعب؛ ويحدّها من الشرق [البر] حيث يحدّ بردى آخذا على جبل الثلج، ثم الجلّاب على أطراف بالس إلى الفرات دائرة بحدّها. قال: وبهذا التقسيم تكون بلاد جعبر داخلة في حدودها؛ ويحدّها من الشّمال بلاد الروم مما وراء بهسنى وبلاد الأرمن على البحر الشاميّ. ثم أعمالها على ثلاثة أقسام: القسم الأول ما هو داخل في حدود بلاد الممالك الشامية، ولها برّ وأعمال فأما برّها فهو ضواحيها على ما تقدّم في دمشق، وهو كالعمل المنفرد بنفسه. وأما أعمالها، فقد ذكر المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في كتابيه «التعريف» و «مسالك الأبصار» بها ستة «2» عشر عملا على أكثرها «3» ، وربما انفرد أحد الكتابين عن الآخر بالبعض دون البعض.

الأول- (عمل قلعة المسلمين) - المسماة في القديم بقلعة الروم وهي قلعة من جند قنّسرين في البرّ الغربيّ الجنوبي من الفرات، في جهة الغرب الشماليّ عن حلب على نحو خمس مراحل منها، وفي الغرب عن البيرة على نحو مرحلة، والفرات بذيلها. وموقعها في الإقليم الرابع. قال بعض أصحاب الأزياج «1» : وطولها اثنتان وستون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وهي من القلاع الحصينة التي لا ترام ولا تدرك، ولها ربض «2» وبساتين، ويمرّ بها نهر يعرف بمرزبان يصب في الفرات. قال في «التعريف» : وكان بها خليفة الأرمن ولا يزال بها طاغوت الكفر، فقصدها الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون فنزل عليها، ولم يزل بها حتّى فتحها، وسماها قلعة المسلمين. قال: وهي من جلائل القلاع. الثاني- (عمل الكختا) - بفتح الكاف وسكون الخاء المعجمة وفتح التاء المثناة فوق ثم ألف في الآخر، والألف واللام فيه غير لازمتين- هي قلعة في أقاصي الشأم من جهة الشّمال بشرق من حلب، على نحو خمس مراحل منها؛ وموقعها في الإقليم الرابع. قال بعض أصحاب الأزياج: طولها إحدى وستون درجة وعشر دقائق، وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وهي قلعة عالية البناء لا ترام حصانة، ولها بساتين ونهر، وملطية عنها في جهة الغرب على مسيرة يومين؛ وكركر منها في جهة الشرق، وكانت أحد ثغور الإسلام في وجوه التتار عند قيامهم. قال في «التعريف» : وهي ذات عمل متسع، وعسكر تطوّع مجتمع. الثالث- (عمل كركر) بفتح الكاف وسكون الراء المهملة ثم كاف مفتوحة ثانية بعدها راء مهملة ثانية أيضا- وهي قلعة من أقاصي الشأم في الشّمال

عن حلب على نحو خمس مراحل أيضا، وفي الغرب من الكختا المتقدّمة الذكر على نحو يوم منها؛ وموقعها في الإقليم الرابع. قال في بعض الأزياج: طولها إحدى وستون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي قلعة حصينة شاهقة في الهواء يرى الفرات منها كالجدول الصغير، وهو منها في جهة الشرق؛ وكانت من أعظم الثغور في زمان التّتار. الرابع- (عمل بهسنى) - بفتح الباء الموحدة والهاء وسكون السين المهملة ثم نون وألف- وهي قلعة في شماليّ حلب على نحو أربع مراحل منها، وموقعها في الإقليم الرابع. قال في بعض الأزياج: طولها إحدى وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي قلعة حصينة مرتفعة لا ترام حصانة، بها بساتين ونهر صغير وأسواق ورستاق «1» متسع، وبها مسجد جامع. ثم قال: وهي بلدة واسعة، كثيرة الخير والخصب؛ وهي في الغرب والشّمال عن عينتاب؛ وبينهما نحو مسيرة يومين، وبينها وبين سيس نحو ستة أيام. قال في «التعريف» : وهي الثغر المتاخم لبلاد الدّروب «2» ، والمشتعل في جمرة الحروب؛ وبها عسكر من التّركمان والأكراد. ولا يزال لهم آثار في الجهاد. قال: ولنائبها مكانة جليلة، وإن كان لا يلتحق بنائب البيرة. الخامس- (عمل عينتاب) - بفتح العين وسكون الياء المثناة تحت والنون وفتح التاء المثناة فوق ثم ألف وباء موحدة- وهي مدينة من جند قنّسرين شماليّ حلب على نحو مرحلتين منها؛ وموقعها في الإقليم الرابع. قال في بعض

الأزياج: طولها اثنتان وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. وهي مدينة حسنة، واسعة الأرجاء، كثيرة المياه والبساتين، ذات أسواق جليلة مقصودة للتجار والمسافرين؛ وبها قلعة حصينة منقوبة في الصخر. وهي عن حلب في الشّمال على نحو ثلاث مراحل منها، وعن قلعة الرّوم في الجنوب على نحو ثلاث مراحل أيضا، وعن بهسنى في جهة الشرق والجنوب على نحو ثلاث مراحل. السادس- (عمل الرّاوندان) - بألف ولام لازمتين وراء مهملة بعدها ألف ثم واو مفتوحة ونون ساكنة ودال مهملة ثم ألف ونون- وهي قلعة من جند قنّسرين واقعة في الإقليم الرابع طولها اثنتان وستون درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة. وهي قلعة حصينة على جبل مرتفع أبيض، ذات أعين وبساتين وفواكه، وواد حسن؛ ونهرها من تحتها نهر عفرين المتقدّم ذكره آخذا من الشّمال إلى الجنوب، وهي في الغرب والشّمال عن حلب، وبينهما نحو مرحلتين، وفي الشمال عن حارم. السابع- (عمل الدّربساك) - بفتح الدال المهملة وسكون الراء المهملة وفتح الباء الموحدة والسين المهملة ثم ألف وكاف، والألف واللام فيه غير لازمتين- وهي قلعة من جند قنّسرين واقعة في الإقليم الرابع شماليّ حلب على نحو ثلاث مراحل أو أربع منها. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أن يكون طولها إحدى وستين درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة. وهي قلعة حصينة ذات أعين وبساتين، وبها مسجد جامع، ولها من شرقيّها مروج متسعة، حسنة المنظر، كثيرة العشب، يمرّ بها النهر الأسود المتقدّم ذكره. الثامن- (عمل بغراس) - بفتح الباء الموحدة وسكون الغين المعجمة وراء مهملة وألف ثم سين مهملة- كذا ضبطه السمعانيّ في «الأنساب» ووقع في «التعريف» و «مسالك الأبصار» بالصاد المهملة بدل السين. والجاري على ألسنة الناس ضم أوله؛ وهي قلعة من جند قنّسرين، واقعة في الإقليم الرابع شماليّ حلب على نحو أربع مراحل منها. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أن طولها

ستون درجة وخمس وخمسون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وثلاث وخمسون دقيقة، وهي في الجبل المطلّ على عمق حارم. قال ابن حوقل: وكان بها دار ضيافة لزبيدة. قال في «تقويم البلدان» : وهي ذات أعين وبساتين وأشجار، وبينها وبين الدّربساك نحو بعض مرحلة، وهي في جهة الجنوب عن الدّربساك. قال في «العزيزيّ» : وبينها وبين أنطاكية اثنا عشر ميلا، وبينها وبين إسكندرونة كذلك، وبينها وبين حارم نحو مرحلتين. وبغراس في الجنوب عن دربساك وبينهما بعض مرحلة، وحارم في جهة الشرق عنها. قال في «التعريف» : وكانت هي الثّغر في بحر الأرمن حتّى استضيفت الفتوحات الجاهانية «1» . قال: وبها رصص وهي عضو من أعضائها وجزء من أجزائها. ورصص المذكورة براء مهملة مضمومة وصادين مهملتين الصاد الأولى مفتوحة، وهي بلدة على الساحل، وقد مر ذكرها في الكلام على بحر الروم على سواحل الأرمن. التاسع- (عمل القصير) تصغير قصر. قال في «مسالك الأبصار» : وهي قلعة غربيّ حلب على نحو أربع مراحل منها. قال في «التعريف» : وهي لأنطاكية ولم يتحرّر لي طولها وعرضها. العاشر- (عمل الشّغر وبكاس) - اسمان لقلعتين بينهما رمية سهم. فالشّغر- بضم الشين وسكون الغين المعجمتين ثم راء مهملة. وبكاس- بفتح الباء الموحدة والكاف ثم ألف وسين مهملة في الآخر. وهما من جند قنّسرين، وموقعهما في الإقليم الرابع. قال في بعض الأزياج: طولهما إحدى وستون درجة، وعرضهما خمس وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة، وهما مبنيان على جبل مستطيل، وتحتهما نهر يجري، وبهما بساتين وأشجار وفواكه كثيرة، ولهما رستاق ومسجد جامع. قال في «تقويم البلدان» : وهما في

الجنوب عن أنطاكية وبينهما الجبال. الحادي عشر- (عمل شيزر) - بفتح الشين المعجمة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الزاي المعجمة وفي آخرها راء مهملة. وهي مدينة من جند حمص غربيّ حلب على نحو ثلاث مراحل منها، واقعة في الإقليم الرابع. قال في «تقويم البلدان» : القياس أن طولها إحدى وستون درجة وعشر دقائق، وعرضها أربع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وهي مدينة ذات أشجار وبساتين وفواكه كثيرة وأكثرها الرمّان، ولها ذكر في شعر «1» امرىء القيس مع حماة. قال «في العزيزيّ» : وبينها وبين حماة تسعة أميال، وبينها وبين حمص ثلاثة وثلاثون ميلا، وبينها وبين أنطاكية ستة وثلاثون ميلا. الثاني عشر- (عمل حجر شغلان) بلفظ حجر واحد الحجارة وإضافته إلى شغلان (بضم الشين وسكون الغين المعجمتين ثم لام ألف ونون) . وهي قلعة شماليّ حلب على نحو ثلاث مراحل منها. قال في «مسالك الأبصار» : وهي بالقرب من بغراس في جهة الشّمال على مسافة قريبة جدّا، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها ولكنها تعتبر ببغراس المتقدّمة الذكر لقربها منها- وهي الآن خراب. الثالث عشر- (عمل قلعة أبي قبيس) - بهمزة مفتوحة وباء موحدة مكسورة بعدهما ياء ساكنة ثم قاف مضمومة وباء موحدة مفتوحة وياء مثناة تحت ساكنة ثم سين مهملة في الآخر- وهي قلعة حصينة غربيّ حلب مما يلي الساحل، على نحو ثلاث مراحل قصيرة من حلب، كذا أخبرني به بعض أهل البلاد، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها، وسيأتي في الكلام على ترتيب المملكة أنها استقرّت ولاية، وربما أضيفت إلى غيرها. الرابع عشر- (عمل قلعة حارم) - بحاء مهملة مفتوحة وألف ثم راء مهملة

مكسورة وميم في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أن طولها ستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وهي قلعة حصينة في جهة الغرب من حلب على نحو مرحلتين منها، ذات بساتين وأشجار، وبها نهر صغير وبينها وبين أنطاكية مرحلة؛ وربضها بلد صغير. قال ابن سعيد: وقد خصّت بالرّمّان الذي يرى باطنه من ظاهره مع عدم العجم وكثرة الماء. الخامس عشر- (عمل كفر طاب) - بفتح الكاف وسكون الفاء وراء مهملة ثم طاء مهملة بعدها ألف وباء موحدة- على إضافة كفر إلى طاب. هذا هو الجاري على الألسنة وهو الصواب، وأصله من الكفر بمعنى التغطية، والمراد مكان الزرع والحرث لتغطية الحبّ بالزراعة كما في قوله تعالى: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ «1» يريد الزّرّاع، ووقع في كلام صاحب حماة بفتح «2» الفاء وهو وهم. وظاهر كلام صاحب «الروض المعطار» أن طاب في معنى الصفة لكفر فإنه قال: وسمي بذلك لأن حوله أرض كريمة. قال: وأرضه صحيحة الهواء ومن سكنها لا يكاد يمرض، وقيل إنه منسوب إلى رجل اسمه طاب- وهي بلدة صغيرة من جند حمص غربيّ حلب، على نحو ثلاث مراحل منها، واقعة في الإقليم الرابع. قال في «كتاب الأطوال» : طولها إحدى وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. وقال في «تقويم البلدان» : القياس أن طولها إحدى وستون درجة وخمس عشرة دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة- وهي على الطريق بين المعرّة وشيزر. قال في «العزيزي» : وبينها وبين المعرّة وشيزر اثنا عشر ميلا. السادس عشر- (عمل فامية) - بفتح الفاء وألف بعدها ثم ميم مكسورة

وياء مثناة تحت وهاء في الآخر. قال في «المشترك» «1» : ويقال لها أفامية بهمزة في أولها يعني مفتوحة. وهي مدينة من أعمال شيزر، غربيّ حلب، على نحو أربع مراحل منها واقعة في الإقليم الرابع. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أن طولها إحدى وستون درجة وثلاث دقائق، وعرضها خمس وثلاثون درجة. قال في «العزيزيّ» : وكورة فامية لها مدينة كانت عظيمة قديمة، على نشز من الأرض، ولها بحيرة حلوة يشقّها النهر المقلوب «2» . السابع عشر- (عمل سرمين) - بفتح السين وسكون الراء المهملتين وكسر الميم ثم ياء مثناة تحت ساكنة ونون بعدها. وهي مدينة في الغرب من حلب على نحو مرحلتين صغيرتين منها، واقعة في الإقليم الرابع. قال في «كتاب الأطوال» : طولها إحدى وستون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. وهي مدينة غير مسوّرة؛ وبها أسواق ومسجد جامع؛ وشرب أهلها من الماء المجتمع في الصهاريج من الأمطار، وهي كثيرة الخصب، وبها الكثير من شجر التين والزيتون، وهي في جهة الجنوب عن حلب على مسيرة يوم منها وعملها متسع. ومن مضافاتها مدينة الفوعة (بضم الفاء وفتح العين المهملة) . وهي مدينة على القرب من سرمين في الغرب منها، وتسمّى هذه الولاية الغربيّات (بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وكسر الباء الموحدة وفتح الياء المثناة تحت المشددة وألف ثم تاء مثناة فوق في الآخر) . قال في «التعريف» : وهي أجلّ ولايات حلب. الثامن عشر- (عمل الجبّول) - بفتح الجيم وضم الباء الموحدة المشدّدة ثم واو ساكنة ولام في الآخر- وهي بلدة شرقيّ حلب على نحو مرحلة كبيرة منها،

وهي بالقرب من الفرات، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها. قال في «تقويم البلدان» : ومنها ينقل الملح إلى سائر أعمال حلب؛ وقد أخبرني بعض أهلها أن أصل هذا الملح نهر يصل إليها يعرف بنهر الذّهب فيبقى ماء فيما يمرّ عليه من البلدان حتّى ينتهي إليها فينعقد ملحا لوقته. التاسع عشر- عمل (جبل سمعان) - وضبطه معروف. وهي في جهة الشّمال من حلب على [يوم] «1» منها، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها. العشرون- (عمل عزاز) - بفتح العين المهملة والزاي المعجمة وألف ثم زاي ثانية مكسورة- كذا ضبطه في «اللباب» والجاري على الألسنة أعزاز بهمزة مفتوحة في أولها وسكون العين والزاي الأخيرة في الوقف؛ وهي بلدة شماليّ حلب بشرق على نحو مرحلة منها. قال في «كتاب الأطوال» : وطولها إحدى وستون درجة وخمس وخمسون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة. وهي في شماليّ حلب بميلة إلى الغرب. قال ابن سعيد: ولأعزاز جهات في نهاية الحسن والطّيبة والخصب، وهي من أنزه الأماكن. الحادي والعشرون- (عمل تلّ باشر) - بفتح التاء المثناة فوق وتشديد اللام ثم فتح الباء الموحدة وألف بعدها شين معجمة مكسورة وراء مهملة في الآخر- وهي حصن شماليّ حلب على مرحلتين منها بالقرب من عينتاب المتقدّم ذكرها. قال ابن سعيد: وهي ذات مياه وبساتين. الثاني والعشرون- (عمل منبج) - بفتح الميم وسكون النون وفتح الباء «2» الموحدة وفي آخرها جيم- كذا ضبطه ابن الأثير في «اللباب» : وهي بلدة من جند قنّسرين شرقيّ حلب على نحو مرحلتين منها واقعة في الإقليم الرابع. قال

في «تقويم البلدان» : والقياس أن طولها اثنتان وستون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال ابن سعيد: بناها «1» بعض الأكاسرة الذين غلبوا على الشأم وسمّاها منبه فعرّبت منبج، وكان بها بيت نار للفرس، وهي كثيرة القنيّ السارحة والبساتين، وغالب شجرها التوت، وأكثرها خراب. الثالث والعشرون- (عمل تيزين) - بكسر التاء المثناة فوق وسكون الياء المثناة تحت وكسر الزاي المعجمة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر- وهي بليدة صغيرة من أعمال حلب في جهة الغرب على نحو مرحلة منها. الرابع والعشرون- (عمل الباب وبزاعا) . وضبط الباب معروف، وبزاعا بضم الباء الموحدة وفتح الزاي المعجمة وألف بعدها عين مهملة وألف مقصورة في الآخر. كذا ضبطه في «تقويم البلدان» : والجاري على الألسنة إبدال الألف في آخره بهاء. وهما بلدتان متقاربتان، من جند قنّسرين على مرحلة من حلب في الجهة الشمالية الشرقية في الإقليم الرابع. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أن طولها اثنتان وستون درجة وعشر دقائق، والعرض خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. أما الباب: فبليدة صغيرة. قال في «تقويم البلدان» : بها مشهد به قبر عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه، وبها أسواق وحمام ومسجد جامع، وبها البساتين الكثيرة والنزه. وأما بزاعا- فضيعة من أعمال الباب. الخامس والعشرون- (عمل دركوش) - بفتح الدال وسكون الراء

المهملتين وضم الكاف وسكون الواو وشين معجمة في الآخر- وهي بلدة على النهر العاصي غربيّ حلب على نحو ثلاث مراحل منها، وأكثر زرع أرضها العنب. أخبرني بعض أهل تلك البلاد أن حبّة العنب بها ربما بلغت في الوزن عشرة دراهم، وبها قلعة عاصية استولى هولاكو على قلاع الشام ما عداها فإنه لم يصل إليها. السادس والعشرون- (عمل أنطاكية) . قال في «اللباب» : بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الطاء المهملة. قال في «تقويم البلدان» : ثم ألف وكاف مكسورة ثم ياء مثناة تحت وهاء في الآخر. قال ابن الجواليقيّ «1» في «المعرّب» : وياؤها مشدّدة. وخالف في «الروض المعطار» : فذكر أنها مخففة الياء- وهي مدينة عظيمة غربيّ حلب بشمال يسير على نحو مرحلتين منها. قال في «تقويم البلدان» : وهي قاعدة بلاد العواصم «2» . قال في «تقويم البلدان» : والقياس أن طولها ستون درجة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وهي مدينة عظيمة قديمة، على ساحل بحر الروم، بناها «3» بطليموس الثاني من ملوك اليونان؛ وقيل بناها ملك يقال له أنطاكين فعرفت به، ولها سور عظيم من صخر ليس له نظير في الدنيا. قال في «العزيزيّ» : مساحة دوره اثنا عشر «4» ميلا. قال في «الروض المعطار» : عدد شرفاته أربع وعشرون ألفا، وعدد أبراجه مائة وستة وثلاثون «5»

القسم الثاني من الأعمال الحلبية البلاد المتصلة بذيل البلاد المتقدم ذكرها في الأعمال الحلبية من الشمال، وهي المعروفة ببلاد الأرمن

برجا. قال ابن حوقل: وهي أنزه بلاد الشام بعد دمشق، ويمرّ بظاهرها العاصي والنهر الأسود مجموعين، وتجري مياههما في دورها ومساكنها ومسجدها الجامع، وماؤها يستحجر في مجاريه حتّى لا يؤثر فيه الحديد، وشربه يحدث رياح القولنج «1» ، والسلاح بها يسرع إليه الصّدأ ويذهب ريح الطّيب بالمكث فيها، وهي أحد كراسيّ بطاركة النصارى، ولها عندهم قدر عظيم. وقد قيل في قوله تعالى: وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ «2» إنها أنطاكية وان ذلك الرجل «حبيب النّجّار» وقبره بها مشهور يزار. قلت: وحينئذ فتصير ولايتها «3» المذكورة في «التعريف» و «مسالك الأبصار» : اثنتي عشرة ولاية. ومينا أنطاكية المذكورة (السّويديّة) بضم السين المشدّدة وفتح الواو وسكون الياء المثناة تحت وكسر الدال المهملة وفتح الياء المثناة تحت المشدّدة وهاء في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : وموضعها حيث الطول ستون درجة وخمس وأربعون دقيقة. وعندها مصبّ النهر العاصي، وهناك ينعطف البحر الروميّ ويأخذ غربا بشمال على سواحل بلاد الأرمن. القسم الثاني من الأعمال الحلبية البلاد المتصلة بذيل البلاد المتقدّم ذكرها في الأعمال الحلبية من الشّمال، وهي المعروفة ببلاد الأرمن قال في «التعريف» في مكاتبة متملك سيس: وهذه البلاد منها بلاد تسمى العواصم، ومنها بلاد كانت تسمى قديما بالثّغور، سميت بذلك لمثاغرتها الروم،

وإلى مثل ذلك أشار في «تقويم البلدان» أيضا. فالعواصم (بفتح العين المهملة والواو وكسر الصاد المهملة وميم في الآخر) . قال ابن حوقل: وهي اسم للناحية وليست موضعا بعينه يسمّى العواصم. قال: وقصبتها أنطاكية. قال: وعدّ ابن خرداذبه «1» العواصم فكثّرها وجعل منها كورة منبج، وكورة تيزين وبالس ورصافة هشام، وكورة جومة وكذا شيزر وأفامية، وإقليم معرّة النّعمان، وإقليم صوران، وإقليم تلّ باشر وكفر طاب، وإقليم سلميّة، وإقليم جوسية، وإقليم لبنان إلى أن بلغ إقليم قسطل بين حمص ودمشق. قلت: وأول من سماها بذلك الرشيد هارون حين بنى بها مدينة طرسوس الآتي ذكرها في سنة سبعين ومائة، والذي يظهر أنها سميت بذلك لعصمتها ما دونها من بلاد الإسلام من العدو، إذ كانت متاخمة لبلاد الكفر، واقعة في نحر العدو، وعساكر المسلمين حافظة لها. والثّغور جمع ثغر (بفتح الثاء المثلثة وسكون الغين المعجمة وفي آخره راء مهملة) . قال في «المشترك» وهو اسم لكل موضع يكون في وجه العدو؛ قال: وثغور الشام كانت أذنة وطرسوس وما معهما فاستولى عليها الأرمن. وذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه: أن الرشيد في سنة سبعين ومائة عزل الثغور كلّها من الجزيرة وقنّسرين وجعلها حيّزا واحدا وسماها العواصم. قلت: ومقتضى ذلك أن تكون الثغور والعواصم اسما على مسمّى واحد، وعليه ينطبق كلام المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف» . وقد حدّد في «التعريف» هذه البلاد بجملتها فقال: وحدّها من القبلة وانحراف للجنوب بلاد

الضرب الأول الأعمال الكبار؛ وهي صفقتان: ساحلية وجبلية

بغراس وما يليها؛ وحدّها من الشرق جبال الدّربندات؛ وحدّها من الشمال بلاد ابن قرمان؛ وحدّها من الغرب سواحل الروم المفضية إلى العلايا وأنطاليا «1» . وسيأتي الكلام على أصل استيلاء الأرمن على هذه البلاد وانتزاعها منهم وعودها إلى الإسلام في الكلام على مكاتبة متملك سيس، على ما كان عليه الأمر قبل عودتها إلى الإسلام في مكاتبات ملوك الكفر إن شاء الله تعالى. ويشتمل على عدّة نيابات، بعضها ذكره في «التعريف» وبعضها استجدّ بعد ذلك، وهي على ضربين أيضا: الضرب الأول الأعمال الكبار؛ وهي صفقتان: ساحلية وجبلية فأما الجبلية، فثلاثة أعمال: الأول- (عمل ملطيّة) - بفتح الميم «2» واللام وكسر الطاء المهملة وبعدها ياء مثناة تحت مشدّدة مفتوحة وهاء في الآخر. وهي مدينة شماليّ حلب بميلة إلى الشرق على نحو سبع مراحل منها. قال ابن سعيد: وهي قاعدة بلاد الثّغور، وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : وطولها إحدى وستون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة، ووافقه في «القانون» على الطول وجعل العرض ثمانيا وثلاثين درجة؛ وقد عدّها ابن حوقل من جملة بلاد الشام وقال إنها من قرى بلاد الروم على مرحلة. قال صاحب حماة: والأليق عدّها من بلاد الروم. ثم قال: وعدّها بعضهم من الثّغور الجزرية. قال في «الروض المعطار» : وكانت قديمة فخربتها الروم، فبناها أبو جعفر المنصور يعني ثاني

خلفاء بين العبّاس في سنة تسع وثمانين «1» ومائة، وجعل عليها سورا محكما- وهي بلدة ذات أشجار وفواكه وأنهار، وهي مسوّرة في بسيط من الأرض والجبال محتفة بها من بعد، ولها نهر صغير يمرّ بسورها، ولها قنيّ تدخلها وتجري في دورها إلا أنها شديدة البرد- وهي في شماليّ الجبل الدائر الذي بسيس في غربيّه في الجنوب عن سيواس، وبينهما نحو ثلاث مراحل، وفي الغرب عن كختا وبينهما نحو مرحلتين. وقد ذكر في «تقويم البلدان» : أنها فتحت في سنة خمس عشرة وسبعمائة. الثاني- (عمل درندة) - بفتح الدال والراء المهملتين وسكون النون وفتح الدال الثانية وهاء في الآخر- وهي مدينة في جهة الغرب عن ملطيّة على نحو مرحلة، ذات بساتين وأنهار وعيون ماء تجري، وبينها وبين حلب نحو عشرة أيام. الثالث- (عمل دبركي) - بفتح الدال المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح الراء المهملة وكسر الكاف وياء مثناة تحت في الآخر. وقد يقال دوركي بإبدال الباء واوا. وهي مدينة في جهة الشمال والغرب من حلب، على نحو عشر مراحل منها، بها بساتين وأشجار، وبينها وبين حلب نحو اثني عشر يوما. وأما الساحلية، فإن بها خمسة أعمال: الأول- (آياس) - بفتح الهمزة الممدودة والياء المثناة تحت ثم ألف وسين مهملة في الآخر. وهي مدينة من بلاد الأرمن على ساحل البحر، وموقعها في الإقليم الرابع. قال في «الزيج» «2» : طولها تسع وخمسون درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة، وهي فرضة تلك البلاد، وبينها وبين بغراس المتقدّم ذكرها مرحلتان. قال في «التعريف» : وقد جعلت نيابة جليلة نحو حمص، وجعل أمرها إلى نائب الشام، ثم جعلت إلى نائب حلب، وهي المعبر عنها بالفتوحات الجاهانية إضافة إلى نهر جاهان المجاور لها، وهو جيحان المتقدّم ذكره؛ وكانت

استعادتها من الأرمن في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، ولذلك قال في «التعريف» : والعهد بفتحها قريب. الثاني- (عمل طرسوس) - بفتح الطاء والراء المهملتين جميعا وضم السين المهملة وسكون الواو ثم سين ثانية- هكذا ضبطه في «اللباب» والجاري على الألسنة سكون «1» رائها، وهي مدينة من بلاد الأرمن على ساحل بحر الروم شمالا بغرب عن حلب، وموقعها في الإقليم الرابع. قال في «تقويم البلدان» : القياس أن طولها ثمان وخمسون درجة وأربعون «2» دقيقة، وعرضها ستّ وثلاثون درجة وخمسون «3» دقيقة. قال في «الروض المعطار» : وهي مدينة مسوّرة، بناها الرشيد في سنة سبعين ومائة وأكملها في سنة اثنتين وسبعين؛ ولها خمسة أبواب: باب الجهاد، وباب الصّفصاف، وباب الشام، وباب البحر، والباب المسدود. والنهر يشق في وسطها وعليه قنطرتان داخل البلد. قال ابن حوقل: وهي في غاية الخصب، وبينها وبين حدّ الروم جبال هي الحاجز بين الروم والمسلمين، وبها دفن المأمون بن الرشيد، وكانت استعادتها من الأرمن في الدولة الناصرية حسن بن محمد بن قلاوون. الثالث- (عمل أدنة) - بهمزة ودال مهملة «4» ونون مفتوحات وهاء في الآخر. وهي مدينة من بلاد الأرمن واقعة في الإقليم الرابع. قال في بعض الأزياج: طولها تسع وخمسون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال أحمد بن يعقوب «5» الكاتب في كتابه «المسالك والممالك» : وهي

من بناء الرشيد. قال ابن حوقل: وهي مدينة حصينة عامرة، وبينها وبين طرسوس ثمانية عشر ميلا. الرابع- (عمل سرفند كار) - بكسر السين وسكون الراء المهملتين وفتح الفاء وسكون النون وفتح الدال المهملة والكاف ثم ألف وراء مهملة- هكذا ضبطه صاحب حماة، ثم قال: وقد يجعل موضع الفاء واوا فيقال سروندكار والموجود في الدساتير إسفندكار بهمزة في الأول وسقوط الراء الأوّلة؛ وهي قلعة من بلاد الأرمن واقعة في الإقليم الرابع. قال في «الزيج» : طولها ستون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي قلعة حصينة في واد على صخر، وبعض جوانبها ليس له سور للاستغناء عنه بالصخر، وهي على القرب من نهر جيحان من البر الجنوبيّ، في الشرق عن تل حمدون على نحو أربعة أميال. الخامس- (عمل سيس) بكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة تحت ثم سين مهملة ثانية- هذا هو المعروف في زماننا، ووقع في كلام الصاحب كمال الدين بن العديم «1» أن اسمها سيسة باثبات هاء في آخرها، وكلامه في «العزيزيّ» يوافقه. وهي قاعدة بلاد الأرمن وموقعها في الإقليم الرابع. قال في «الزيج» : طولها ستون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة. وهي بلدة كبيرة ذات بساتين وأشجار، ولها قلعة حصينة عليها ثلاثة أسوار على جبل مستطيل، بناها بعض خدّام الرشيد وهو الذي سماها. قال ابن سعيد: وكانت قاعدة الثغور الشّمالية. قال في «العزيزيّ» : وبينها وبين المصّيصة أربعة وعشرون ميلا، وكانت استعادتها من الأرمن في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين. قلت: وقد كانت سيس في أعقاب الفتح نيابة مستقلة، ثم صارت تقدمة عسكر مضافة إلى حلب كما يقع في غزّة في كونها تارة تكون نيابة مستقلة، وتارة تقدمة عسكر مضافة

الضرب الثاني من الأعمال الصغار بلاد الأرمن

إلى دمشق على ما تقدّم ذكره. الضرب الثاني من «1» الأعمال الصّغار بلاد الأرمن وهي ثلاثة عشر عملا لثلاث عشرة قلعة، لم تجر العادة بمكاتبة أحد من نوّابها عن الأبواب السلطانية، ذكر بعضها في «التعريف» وبعضها في «التثقيف» وبعضها في غيرهما من الدساتير. الأول- (عمل قلعة باري كروك) بفتح الباء الموحدة وألف بعدها راء مهملة مكسورة ثم ياء ساكنة ثم كاف مفتوحة وراء مهملة وواو ساكنة ثم كاف في الآخر. وهي قلعة على رأس جبل بالقرب من طرسوس في الشّمال، على نحو نصف مرحلة قال في «التثقيف» : استجدّت في سنة ستين وسبعمائة. قلت: افتتحها بيدمر الخوارزميّ نائب سيس في سلطنة الناصر محمد بن قلاوون. الثاني- (عمل كاورّا) بفتح الكاف وبعدها ألف وواو وراء مفتوحة مشدّدة وألف في الآخر. وهي قلعة في الشمال عن آياس على جبل مطلّ على البحر الروميّ على نحو ساعة. قال في «التثقيف» : استجدّت سنة تسع وستين وسبعمائة. الثالث- (عمل كولاك) بفتح الكاف وسكون الواو ولام ألف بعدها كاف ثانية. وهي قلعة مدوّرة على رأس جبل في الشمال عن طرسوس على نحو مرحلة يسكنها طائفة من التّركمان. الرابع- (عمل كرزال) بكاف مكسورة وراء مهملة ساكنة وزاي معجمة مفتوحة وبعدها ألف ثم لام. وهي قلعة صغيرة على رأس جبل بالقرب من كولاك المتقدّم ذكرها على نحو مرحلة. قال في «التثقيف» : استجدّت في سنة نيّف وسبعين وسبعمائة.

الخامس- (عمل كومي) «1» بضم الكاف وسكون الواو وكسر الميم وياء مثناة تحت في الآخر. السادس- (عمل تلّ حمدون) بفتح التاء المثناة فوق وتشديد اللام وفتح الحاء المهملة وإسكان الميم وضم الدال المهملة وسكون الواو ونون في الآخر. وهي قلعة ببلاد الأرمن، وموقعها في الإقليم الرابع. قال ابن سعيد: طولها تسع وخمسون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة. قال صاحب حماة: كانت قبل أن يخرّبها المسلمون قلعة حصينة حسنة البناء على تلّ عال، ولها سور مانع وربض وبساتين ونهر يجري، وعلى القرب من جيحان في جهة الجنوب على نصف مرحلة، وبينها وبين آياس نحو مرحلة، وبينها وبين سيس نحو مرحلتين. السابع- (عمل الهارونيّتين) - بفتح الهاء وألف بعدها ثم راء مهملة مضمومة ونون مكسورة بعدها ياء مثناة تحت مشدّدة مفتوحة ثم تاء مثناة فوق بعدها ألف «2» ونون. قال في «التعريف» : وهما حصنان بناهما هارون الرشيد. وقال في «المشترك» : الهارونيّة مدينة صغيرة اختطها هارون الرشيد بالثّغور في طرف جبل اللّكام. وقال في «العزيزيّ» : الهارونية آخر حدود الثغور الشامية مما يتصل بالحدود الجزرية، وبينها وبين الكنيسة السّوداء «3» اثنا عشر ميلا. قال في «كتاب الأطوال» : وطولها ستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. الثامن- (عمل قلعة نجمة) بفتح النون وسكون الجيم وفتح الميم وهاء «4»

القسم الثالث من الأعمال الحلبية البلاد المجاورة للفرات من شرقية من بلاد الجزيرة الواقعة بين الفرات ودجلة؛ وهي ثلاثة أعمال

في الآخر. وهي قلعة على القرب من الفرات بينها وبين جسر منبج خمسة وعشرون ميلا. قال في «تقويم البلدان» : وهذه القلعة في السحاب. قال: وكان يقال لذلك المكان حصن منبج فصارت تعرف بقلعة نجمة. ثم قال: وهي من بناء السلطان محمود بن زنكي. قلت: وفي «التعريف» ما يقتضي أنها من جملة بناء المأمون. التاسع- (عمل قلعة حميمص) . وهي قلعة خراب صغيرة بالقرب من نهر جيحان. العاشر- (عمل قلعة لؤلؤة) - وهي قلعة شماليّ كولاك استعادها ابن عثمان. الحادي عشر- (عمل قلعة تامرون) شماليّ طرسوس، بيد عيسى بن ألاس البرسقي التركماني. الثاني عشر- (عمل سنياط كلا) شماليّ طرسوس. كانت داخل المملكة استولى عليها ابن قرمان في أيام المنصور بن الأشرف شعبان. الثالث عشر- (عمل بلسلوص) غربيّ طرسوس على ساحل البحر، بيد حسن بن قوسي البرسقي التركماني. القسم الثالث من الأعمال الحلبية البلاد المجاورة للفرات من شرقيّة من بلاد الجزيرة الواقعة بين الفرات ودجلة؛ وهي ثلاثة أعمال الأول- (عمل البيرة) بكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الراء المهملة وألف «1» في الآخر. وهي قلعة في البر الشرقيّ في الشّمال عن الفرات، في الشرق عن قلعة الروم المتقدّم ذكرها على نحو مرحلة والفرات بينهما.

وقد عدّها في «تقويم البلدان» من جند قنّسرين من أعمال الشام، وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في بعض الأزياج: طولها اثنتان وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، وهي قلعة ذات ارتفاع وحصينة لا ترام. قال في «تقويم البلدان» : ولها سوق وعمل. قال ابن سعيد: وقلعتها على صخرة. قال في «التعريف» : ولها منعة وعسكر. الثاني- (عمل قلعة جعبر) - بفتح الجيم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة وراء مهملة في الآخر. وهي قلعة من ديار بكر في البر الشرقيّ الشماليّ من الفرات أيضا، وموقعها في الإقليم الرابع. قال في «الأطوال» : طولها اثنتان وستون درجة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال القاضي جمال الدين بن واصل «1» : وكانت هذه القلعة تعرف قديما بالدّوسريّة نسبة إلى دوسر: عبد النعمان بن المنذر، وهو الذي بناها أوّلا لما جعله النعمان على أفواه الشأم، ثم تملّكها سابق الدين جعبر القشيريّ في أيام الملوك السّلجوقية فعرفت به، ثم انتزعها منه السلطان ملكشاه السلجوقيّ. قال صاحب حماة: وهي في زماننا خراب ليس بها ديار. قلت: وذلك في أثناء الدولة الناصرية محمد بن قلاوون، ثم عمرت بعد ذلك في آخر الدولة الناصرية أو بعدها بقليل؛ وقد أشار إلى ذلك في «التعريف» حين تعرّض لذكرها في آخر مضافات الشأم قبل ذكر حلب بقوله: وهي مجدّدة البنيان، مستجدّة الآن، لأنها جدّدت منذ سنوات، بعد أن طال عليها الأمد، وأخنى عليها الذي أخنى على لبد «2» وكان قد ذكر قبل ذلك في الكلام على تقاسيم الشأم أنها مضافة إلى دمشق ثم قال: وحقّها أن تكون مع

القاعدة الثالثة من قواعد المملكة الشامية حماة

حلب، وقد صارت الآن من مضافات حلب. الثالث- (عمل الرّها) - بضم الراء المهملة وفتح الهاء وألف في الآخر. وهي مدينة من ديار مضر في البر الشرقيّ الشماليّ عن الفرات، وموقعها في الإقليم الرابع بالقرب من قلعة الروم. قال في «الأطوال» : طولها اثنتان وستون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها سبع وثلاثون درجة. قال في «العزيزيّ» : وهي مدينة عظيمة رومية، فيها آثار عجيبة. قال في «الروض المعطار» : وهي مدينة ذات عيون كثيرة تجري منها الأنهار، وبها البساتين والأشجار الكثيرة، وعليها سور من حجارة، ولها أربعة أبواب: باب حرّان، والباب الكبير، وباب سبع، وباب الماء. قال: وليس في بلاد الجزيرة أحسن منتزهات منها ولا أكثر فواكه؛ والفرات منها في ناحية الغرب على مسيرة يومين، وفي ناحية الشّمال على مسيرة يوم. قال في «تقويم البلدان» : وكان بها كنيسة عظيمة، وفيها أكثر من ثلاثمائة دير للنصارى. قال: وهي اليوم خراب يعني في أثناء الدولة الناصرية، ثم عمرت بعد ذلك. قلت: وهي اليوم عامرة آهلة، والله سبحانه وتعالى أعلم. القاعدة الثالثة من قواعد المملكة الشامية حماة وقد ذكرها في «مسالك الأبصار» بعد دمشق؛ وهو أليق لقربها منها، ولكنه قد ذكرها في «التعريف» بعد حلب فتبعته على ذلك؛ وفيها جملتان: الجملة الاولى في حاضرتها وهي بفتح الحاء المهملة والميم وألف ثم هاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الرابع بين حمص وقنّسرين. قال في «تقويم البلدان» : وطولها إحدى وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة؛ وهي مدينة قديمة أزليّة. قال في «تقويم البلدان» : ولها ذكر في التوراة،

وهي على ضفّة العاصي مكينة البناء، ولها سور جليل، وبيوت ملوكها وشرفاتها مطلة على النهر العاصي؛ وبها القصور الملوكية، والدور الأنيقة والجوامع والمساجد والمدارس والرّبط والزوايا والأسواق التي لا تعدم نوعا من الأنواع؛ وبها قلعة مبنية بالحجارة الملونة؛ وغالب مبانيها العلية، وآثار الخير والبرّ الباقية فيها من فواضل نعم الدولة الأيوبية؛ وبها نواعير مركّبة على العاصي، تدور بجريان الماء، وترفع الماء إلى الدّور السلطانية ودور الأمراء والأكابر والبساتين؛ وفي بساتينها الغراس الفائق والثمار الغريبة؛ ولم يكن لها في القديم نباهة ذكر، وكان الصّيت لحمص دونها، ثم تنبه ذكرها في الدولة الأتابكية زنكي؛ فلما آلت إلى ملوك بني أيوب مصّروها «1» بالأبنية العظيمة، والقصور الفائقة، والمساكن الفاخرة، وتأمير الأمراء، وتجنيد الأجناد فيها؛ وعظّموا أسواقها وزادوا في غراسها، وجلبوا إليها من أرباب الصنائع كلّ من فاق في فنّه إلى أن كملت محاسنها، وصارت معدودة من أمهات البلاد وأحاسن الممالك؛ وهي في غاية رفاهة العيش إلا أنها شديدة الحرّ محجوبة الهواء، ويعرض لها في الخريف تغير تنسب به إلى الوخامة، ولا يبقى بها الثلج إلى الصيف كما يبقى في بقية الشام، وإنما يجلب إليها مما يجاورها؛ وحولها مروج فيح ممتدّة يكثر فيها مصايد الطير والوحش؛ وليس بالممالك الشامية بعد دمشق لها نظير، ولا يدانيها في لطف ذاتها من مجاورتها قريب ولا بعيد. قال في «الروض المعطار» : وبينها وبين حمص أربعون ميلا، ولم تزل بأيدي بقايا الملوك الأيوبية من جهة صاحب مصر، يقيم ملوكهم فيها ملكا بعد ملك إلى أن كان بها منهم آخر الأيام الناصرية محمد بن قلاوون المتقدّم ذكره، واستقرّ فيها بالأمير «2» طغيتمر الحمويّ: أحد مقدّمي الألوف بالديار المصرية نائبا؛ واستمرت بأيدي النوّاب يليها مقدّم ألف بعد مقدّم ألف إلى الآن.

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها قال في «التعريف» : وحدّها من القبلة مدينة الرّستن وماسامتها آخذا بين سلمية وقبة ملاعب، إلى حيث مجرّ النهر «1» والآثار القديمة؛ وحدّها من الشرق البرّ آخذا على سلمية إلى ما استفل عن قبّة ملاعب؛ وحدّها من الشمال آخر حدّ المعرّة من العرابا «2» ، وحدّها من الغرب مضافات مصياف وقلاع الدعوة؛ وليس بها نوّاب قلاع البتة ولها ثلاثة أعمال: الأول- (عمل برّها) - وهو ظاهرها وما حولها كما تقدّم في دمشق وحلب. الثاني- (عمل بارين) - بفتح الباء الموحدة وألف بعدها وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر- وهي بلدة على مرحلة من حماة في الغرب عنها بميلة يسيرة إلى الجنوب؛ وموقعها في الإقليم الرابع. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أن طولها إحدى وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة «3» الثالث- (عمل المعرّة) - بفتح الميم والعين المهملة ثم راء مهملة مشدّدة مفتوحة وهاء في الآخر- وهي مدينة من جند حمص واقعة في الإقليم الرابع. قال في «كتاب الأطوال» : طولها إحدى وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة. وقال في «تقويم البلدان» : القياس أن طولها إحدى وستون درجة وأربعون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس

القاعدة الرابعة من قواعد المملكة الشامية أطرابلس؛ وفيها جملتان

وأربعون دقيقة، وتعرف بمعرّة النّعمان. قال البلاذريّ «1» : إضافة «2» إلى النّعمان بن بشير الأنصاريّ رضي الله عنه. قال في «العزيزيّ» : وهي مدينة جليلة عامرة كثيرة الفواكه والثّمار والخصب، وشرب أهلها من الآبار. قال في «الروض المعطار» : ولها سبعة أبواب: باب حلب، والباب الكبير، وباب شيث، وباب الجنان، وباب حمص، وباب كذا «3» . قال: ويذكر أن قبر شيث بن آدم عليه السلام عند الباب المنسوب إليه فيها، وداخلها قبر يوشع بن نون عليه السلام، وعلى ميل منها دير سمعان الذي به قبر عمر بن عبد العزيز. قال السمعانيّ: والنسبة إليها معرنميّ. قال: وبالشام بلدة أخرى تسمّى معرّة نسرين بالنون والسين المهملة، والنسبة إليها معرنسيّ. قال صاحب حماة: والمشهور في الثانية أنها معرّة مصرين «4» بميم وصاد مهملة. القاعدة الرابعة من قواعد المملكة الشامية أطرابلس؛ وفيها جملتان الجملة الأولى في حاضرتها وهي بفتح الهمزة وسكون الطاء وفتح الراء المهملتين ثم ألف وباء موحدة ولام مضمومتين وسين مهملة في الآخر. قال السمعانيّ: وقد تسقط الألف منها فرقا بينها وبين أطرابلس التي في الغرب، وأنكر ياقوت في «المشترك» سقوطها وعاب على المتنبي حذفها منها في بعض شعره. قال في «الروض المعطار» :

ومعنى أطرابلس فيما قيل ثلاث مدن، وقيل مدينة الناس «1» . وهي مدينة من سواحل حمص واقعة في الإقليم الرابع. قال في «كتاب الأطوال» : طولها تسع وخمسون درجة وأربعون دقيقة، وعرضها أربع وثلاثون درجة؛ وكانت في الأصل من بناء الروم فلما فتحها المسلمون في سنة ثمان وثمانين وستمائة في الأيام الأشرفية «خليل بن قلاوون» رحمه الله، خرّبوها وعمروا مدينة على نحو ميل منها وسمّوها باسمها، وهي الموجودة الآن؛ ولما بنيت هذه المدينة الجديدة كانت وخيمة البقعة، ذميمة السكن. فلما طالت مدّة سكنها وكثر بها الناس والدوابّ وصرّفت المياة الآسنة التي كانت حولها وعملت بساتين، ونصبت بها النصوب والغروس، خفّ ثقلها وقل وخمها. قال في «مسالك الأبصار» : ولما ولي نيابتها أستدمر الكرجيّ كان لا ينفك عن كونه وخما فشكا ذلك إلى سليمان بن داود المتطبب، فأشار عليه أن يستكثر فيها من الإبل وسائر الدوابّ ففعل فخفّ وخمها. قال: وقد سألت عن علة ذلك الكثير من الاطباء فلم يجيبوا فيه بشيء. قلت: لا خفاء أن المعنى في الإبل ما أشار به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أمر العرنيّين «2» حين استوخموا المدينة «أنهم يقيمون في إبل الصّدقة ويشربون من ألبانها وأبوالها ففعلوا ذلك فصحّوا» فكأن ذلك من خاصة الإبل. ولعل التأثير في ذلك للإبل خاصة دون سائر الدواب. وهي الآن مدينة متمدّنة كثيرة الزحام؛ وبها مساجد، ومدارس، وزوايا، وبيمارستان، وأسواق جليلة، وحمامات حسان؛ وجميع بنائها بالحجر والكلس مبيضا ظاهرا وباطنا، وغوطتها محيطة بها، وتحيط بغوطتها مزدرعاتها؛ وهي بديعة المشترف؛ ولها نهر يحكم على ديارها وطباقها

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها

يتخرّق الماء في مواضع من أعالي بيوتها التي لا يرقى إليها إلا بالدرج العلية؛ وحولها جبال شاهقة، صحيحة الهواء، خفيفة الماء، ذات أشجار وكروم ومروج ومواش، وميناها مينا جليلة، تهوي إليها وفود البحر الروميّ وترسو بها مراكبهم، وتباع بها بضائعهم. وهي بلدة متجر وزرع، كثيرة الفائدة. وقد تقدّم في الكلام على عجائب الشام أن داخل البحر بالقرب منها على نحو رمية حجر عن البر عينا فوّارة عذبة الماء تطفو على وجه الماء قدر ذراع أو أكثر، يتبين ذلك عند سكون الريح. الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها قال في «التعريف» : وحدّها من القبلة جبل لبنان ممتدّا على ما يليه من مرج الأسد، حيث يمتدّ النهر العاصي؛ وحدّها من الشّمال قلاع الدّعوة؛ وحدّها من الغرب البحر الروميّ. وأعمالها على قسمين: القسم الأول الأعمال الكبار التي يكاتب نوّابها عن الأبواب السلطانية؛ وهي على ضربين الضرب الأول مضافاتها نفسها، وهي ست نيابات الأول- (عمل حصن الأكراد) - بإضافة حصن واحد الحصون إلى الأكراد الطائفة المشهورة؛ وهي قلعة من جند حمص، موقعها في الإقليم الرابع. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أن طولها ستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها أربعة وثلاثون درجة. قال في «المشترك» : وهي قلعة حصينة مقابل حمص من غربيها، على الجبل المتصل بجبل لبنان نحو مرحلة من حمص. قال في «التعريف» : وهي حصن جليل وقلعة شمّاء، لا تبعد منها السماء. قال: وكانت محل النيابة ومقرّ العسكر قبل فتح طرابلس.

الثاني- (عمل حصن عكّار) - بإضافة حصن إلى عكّار- بفتح العين المهملة وتشديد الكاف المفتوحة وبعدها ألف ثم راء مهملة- وهي قلعة على مرحلة من طرابلس في جهة الشرق بوسط جبل لبنان في واد والجبل محيط بها، وشرب أهلها من عين تجري إليها من ذيل لبنان المذكور، ولها ربض ليس بالكبير. الثالث- (عمل بلاطنس) «1» - بفتح الباء الموحدة وبعدها لام ألف ثم طاء مهملة ونون مضمومتان وسين مهملة في الآخر- وهي قلعة بالقرب من مدينة مصياف في جهة الغرب منها على نصف مرحلة، وفي جهة الشمال من طرابلس على نحو مرحلتين. الرابع- (عمل صهيون) - بفتح «2» الصاد المهملة وسكون الهاء وضم الياء المثناة تحت وسكون الواو ثم نون في الآخر- وهي قلعة من جند قنّسرين في الإقليم الرابع. قال في «الزيج» : طولها ستون درجة وعشر دقائق، وعرضها خمس وثلاثون درجة وعشر دقائق. وهي من القلاع المشهورة، ذات حصانة ومنعة، مبنية على صخر أصمّ، في ذيل جبل يظهر من اللاذقية وبينهما نحو مرحلة، وهي في الشرق عن اللاذقية بميلة إلى الجنوب، وبها المياه الكثيرة حاصلة من الأمطار. الخامس- (عمل اللّاذقيّة) - بألف ولام لازمتين وذال معجمة وقاف مكسورتين وياء مثناة تحت مشدّدة مفتوحة وهاء في آخرها. وهي مدينة من سواحل الشأم واقعة في الإقليم الرابع. قال في «الأطوال» : طولها ستون درجة وأربعون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. وعدّها في

الضرب الثاني قلاع الدعوة، بفتح الدال

«العزيزيّ» من أعمال حمص ثم قال: وهي مدينة جليلة بل هي أجلّ مدينة بالساحل منعة وعمارة، ولها مينا حسنة، ومنها إلى أنطاكية ثمانية وأربعون ميلا، وقد عدّها في «التعريف» في جملة ولايات طرابلس على ما كانت عليه إذ ذاك، ثم استقرّت بعد ذلك نيابة، وهي الآن أعظم نيابات طرابلس. السادس- (عمل المرقب) - بفتح الميم وسكون الراء المهملة وفتح القاف وباء موحدة في الآخر. وهي قلعة بالقرب من ساحل البحر الروميّ، وموقعها في الإقليم الرابع. قال في «الزيج» : طولها ستون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وهي قلعة حصينة حسنة البناء مشرفة على البحر وعلى نحو فرسخ منها مدينة (بلنياس) بكسر الباء «1» الموحدة واللام وسكون النون وياء مثناة تحت وألف وسين مهملة- وفي الغالب تضاف إليها فيقال المرقب وبلنياس، وهي مدينة حسنة على الساحل، ذات مياه وأعين تجري وفواكه كثيرة. قال في «العزيزيّ» : وبينها وبين أنطرطوس اثنا عشر ميلا؛ ولم يتعرض لذكر المرقب في «التعريف» ولا في «مسالك الأبصار» . الضرب الثاني قلاع الدّعوة، بفتح الدال سميت بذلك لأنها كانت بيد الإسماعيلية من الشّيعة المنتسبين إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، وهم يسمون أنفسهم أصحاب الدعوة الهاديّة؛ وهؤلاء هم المعروفون في ديوان الإنشاء بالقصّاد، وبين العامة بالفداوية؛ وسيأتي الكلام على معتقدهم في الكلام على القصّاد، ثم في الكلام على تحليف أهل البدع في باب الأيمان إن شاء الله تعالى- وهي سبع قلاع، عظيمة الشأن، رفيعة المقدار؛ لا تسامى منعة ولا ترام حصانة، وكانت أولا كلها مضافة إلى طرابلس ثم نقلت مصياف منها إلى دمشق على ما تقدم ذكره، والبقية على ما كانت عليه من إضافتها إلى طرابلس.

وهي ستة أعمال: الأول- (عمل الرّصافة) - بألف ولام لازمتين في أولها وراء مهملة مضمومة وصاد مفتوحة بعدها ألف ثم فاء وهاء- وهي قلعة بالقرب من مصياف، وبالشأم بلدة أخرى يقال لها الرّصافة أيضا وتعرف برصافة هشام، على أقلّ من مسافة يوم من الجانب الغربيّ من الفرات. الثاني- (عمل الخوابي) - بفتح الخاء المعجمة والواو ثم ألف وباء موحدة مكسورة وياء في الآخر- وهي قلعة في جهة الشّمال من طرابلس على نحو مرحلتين، وقد تقدّم في الكلام على خواصّ الشأم أن بسورها مكانا لا ينظره ملسوع أو رسوله إلا برأ ذلك الملسوع ولم يضره السم. الثالث- (عمل القدموس) - بفتح القاف والدال المهملة وضم الميم وسكون الواو وسين مهملة في الآخر- وهي قلعة بالقرب من الخوابي المقدّمة الذكر، وقد تقدّم في الكلام على خواصّ الشأم أن بها حمّاما يظهر منه أنواع من الحيّات وتمشي بين الناس لا تضر أحدا البتة. الرابع- (عمل الكهف) - بفتح الكاف وسكون الهاء وفاء في الآخر. وهي قلعة بالقرب من القدموس على نحو ساعة على نشز جبل مرتفع عال يرى على بعد. الخامس- (عمل المينقة) - بفتح الميم وسكون الياء المثناة تحت وفتح النون والقاف وهاء في الآخر- وهي قلعة بالقرب من الكهف على نحو ساعة على جبل مرتفع أيضا. السادس- (عمل العلّيقة) - بضم العين المهملة وفتح اللام المشدّدة وسكون الياء المثناة تحت وفتح القاف وهاء في الآخر- وهي قلعة على الجبل المذكور على نحو ساعة من المينقة.

القسم الثاني من أعمال طرابلس الأعمال الصغار؛ وهي ستة أعمال

القسم الثاني من أعمال طرابلس الأعمال الصغار؛ وهي ستة أعمال قال في التعريف: سوى ما نقل في تلك القلاع مما له ولاية. الأول- (عمل أنطرطوس) - قال في «اللباب» : بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الطاء وسكون الراء المهملتين وضم الطاء المهملة وسكون الواو وسين مهملة في الآخر. قال في «كتاب الأطوال» : وموضعها حيث الطول ستون درجة، والعرض أربع وثلاثون درجة وعشر دقائق. وهي بلدة بالساحل. قال في «تقويم البلدان» : وهي ثغر لأهل حمص فتحها المسلمون وخرّبوا أسوارها، وهي الآن آهلة. قال: وكان بها مصحف عثمان بن عفّان رضي الله عنه. الثاني- عمل (جبّة المنيطرة) بإضافة جبّة (بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة المفتوحة وتاء التأنيث) إلى المنيظرة (بضم الميم وفتح النون وسكون الياء المثناة تحت وفتح الظاء «1» المعجمة والراء المهملة وهاء في الآخر) . الثالث- (عمل الظّنّيين) - بألف ولام لازمتين وظاء معجمة مفتوحة مشددة ونون مشدّدة مكسورة وياء مثناة تحت مكسورة بعدها ياء ثانية ساكنة ثم نون- وهي كورة بين مصياف وفامية، وليس بها مقرّ ولاية. الرابع- (عمل بشرّيه) - بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة وفتح الراء المهملة المشددة وسكون الياء المثناة تحت وهاء في الآخر- هكذا مكتوب في «التعريف» : والجاري على الألسنة بشراي بابدال الهاء ياء مثناة تحت. الخامس- (عمل جبلة) - بفتح الجيم والباء الموحدة واللام ثم هاء في الآخر- وهي بلدة صغيرة بساحل البحر الروميّ من الإقليم الرابع. قال في «الأطوال» : طولها ستون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وخمس

القاعدة الخامسة من قواعد المملكة الشامية صفد، وفيها جملتان

وخمسون دقيقة. وقال في «تقويم البلدان» : القياس أن طولها ستون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال في «العزيزيّ» : ولها أعمال واسعة، وبينها وبين اللاذقيّة اثنا عشر ميلا، وبينها وبين أنطاكية ثمانية وأربعون ميلا، وبها «1» مقام إبراهيم بن أدهم رحمه الله. السادس- (عمل أنفة) - بفتح الهمزة المقصورة والنون والفاء وبهاء في الآخر- وهي «2» بلدة على البحر الروميّ تردها المراكب بقلّة. القاعدة الخامسة من قواعد المملكة الشامية صفد، وفيها جملتان الجملة الأولى في حاضرتها وهي بفتح الصاد المهملة والفاء وتاء مثناة فوق في آخرها. هكذا ضبطه في «تقويم البلدان» : ثم قال: والمشهور على ألسنة الناس أن مكان التاء دالا مهملة؛ وهي مدينة من جند الأردنّ، واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «الزيج» : طولها سبع وخمسون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي بلدة متوسطة بين الكبر والصّغر، وذكر العثمانيّ «3» في «تاريخ صفد» : أنه كان مكانها أولا قرية وأصل الصّفت في لغتهم العطية، سميت بذلك لأن الفرنج أعطتها

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها

للطائفة الدموية منهم لا يشاركهم فيها أحد. قال: وقد تكون سميت بذلك أخذا من الصّفد، وهو الغلّ لأن صاحب الغل يمتنع من الحركة ويلزم موضعه، وكذلك هذا البلد لأنها في جبل عال لا يتمكن ساكنه من الحركة في كل وقت، إن ركب تعب وإن مشى على قدمه اختلط لحمه بدمه لصعود الربوة وهبوط الوهدة، فيستقرّ في مكانها ويقنع بالنظر، وربضها منتشر العمارة على ثلاثة أجبل، وأكثر ما يدخل أهلها حمامات الوادي لقلة الماء بها وسوء بناء حمّاماتها، وبساتينها تحتها في الوادي إلى جهة طبريّة، وكل ما يوجد في دمشق يوجد فيها: إما من بلادها، وإما مجلوب إليها من دمشق؛ ونيابتها نيابة جليلة ونائبها من أكبر الأمراء المقدّمين؛ ولها قلعة حصينة ذات بساتين تشرف على بحيرة طبريّة، يحفّ بها جبال وأودية. قال ابن الواسطي «1» : بنتها الفرنج سنة خمس وتسعين وأربعمائة، ولما فتحها الظاهر بيبرس رحمه الله عظم شأنها ورفع مقدارها. قال في «مسالك الأبصار» : وهي جديرة بالتعظيم فقلّ أن يوجد لها شبيه، ولا يعلم لها نظير. ولهذه القلعة نائب مستقلّ من قبل السلطان يولّى من الأبواب الشريفة بمرسوم شريف؛ وعادته أن يكون من أمراء الطبلخاناه، ولا حكم لنائب السلطنة بالبلد عليه بل هو مستقل بنفسه كما في نائب قلعتي دمشق وحلب. الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها قال في «التعريف» : وحدّها من القبلة الغور حيث جسر الصّنّبرة «2» من وراء طبريّة؛ وحدها من المشرق الملّاحة الفاصلة بين بلاد الشقيف وبين حولة بانياس؛ وحدّها من الشمال نهر ليطا «3» ، وحدّها من الغرب البحر. وليس في

أعمالها نيابة أصلا. وقد ذكر لها في «مسالك الأبصار» أحد عشر عملا: الأول- (عمل برّها) - كما في دمشق وحلب وغيرهما من القواعد المتقدّمة. الثاني- (عمل النّاصرة) - بالألف واللام اللازمتين ونون مفتوحة بعدها ألف ثم صاد مهملة مكسورة وراء مهملة مفتوحة وهاء في الآخر- وهي بليدة صغيرة قال في «الروض المعطار» : على ثلاثة عشر ميلا من طبريّة. قال: ويقال: إن المسيح عليه السلام ولد بها، وأهل القدس ينكرون ذلك ويذكرون أنها ولدته بالقدس، والمعروف أن أمه حين عادت به من مصر إلى الشأم وعمره يومئذ اثنتا عشرة سنة نزلت به القرية المذكورة، وهي اليوم منبع الطائفة النصيرية. والذي ذكره العثمانيّ في «تاريخ صفد» : أن أهل هذه البلاد منسوبون إلى الدين. الثالث- (عمل طبريّة) - بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة وكسر المهملة وفتح الياء المثناة تحت وتشديدها وهاء في الآخر- وهي مدينة من جند الأردنّ بناها طبريون «1» أحد ملوك اليونان البطالسة فعرفت به ثم عربت طبرية، والنسبة إليها طبرانيّ للفرق بينها وبين طبرستان من نواحي بلاد الشرق حيث ينسب إليها طبريّ؛ وموقعها في الإقليم الثالث. قال في «الأطوال» : وطولها ثمان وخمسون درجة وخمس وخمسون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وقال في «رسم المعمور» : طولها سبع وخمسون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة، وتبعه ابن سعيد على ذلك. وقال في «تقويم البلدان» : القياس أن طولها سبع وخمسون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة، وهي في الغور في سفح جبل على بحيرتها المتقدّمة الذكر في بحيرات الشام. قال في «مسالك الأبصار» : ومن

عملها قدس. قال: وكان معها قديما السّواد وبيسان ثم خرجا عنها. قال العثمانيّ في «تاريخ صفد» : ومن ولايتها البطيحة وكفر عاقب. الرابع- (عمل تبنين وهونين) - بعطف الثاني على الأول. فأما تبنين، فبتاء مثناة فوق مكسورة وباء موحدة ساكنة ونون مكسورة وياء مثناة تحت ساكنة ونون في الآخر. وأما هونين «1» ، فبهاء مضمومة وواو ساكنة ونون مكسورة بعدها ياء مثناة تحت ساكنة ونون في الآخر. قال في «مسالك الأبصار» : وهما حصنان بنيا بعد الخمسمائة بين صور وبانياس بجبل عاملة المتقدّم ذكره في جبال الشام المشهورة، وجعل العثمانيّ في «تاريخ صفد» قلعة هونين من عمل الشّقيف، وأهل هذا العمل شيعة رافضة. الخامس- (عمل عثليث) «2» - بفتح العين المهملة وإسكان الثاء المثلثة وكسر اللام وسكون الياء المثناة تحت وثاء مثلثة في الآخر- وهي كورة بين قاقون وعكّا، فيها قرى متسعة وليس بها مقرّ ولاية معلوم. قال العثمانيّ في «تاريخ صفد» : وفي آخر هذا العمل بلاد قاقون وهو آخر الأعمال الصفديّة. السادس- (عمل عكّا) - بفتح العين المهملة وتشديد الكاف المفتوحة وألف في الآخر- وهي مدينة من سواحل الشام. قال العثمانيّ في «تاريخ صفد» : بناها عبد الملك بن مروان، ثم غلبت عليها الفرنج، ثم انتزعها منهم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، ثم غلبوا عليها ثانيا، ثم استرجعت. وهي واقعة في الإقليم الثالث. قال في «الأطوال» : طولها ثمان وخمسون درجة

وخمس وعشرون دقيقة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. وقال في «تقويم البلدان» : القياس أن طولها سبع وخمسون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وعشرون دقيقة، وقيل غير ذلك؛ وقد خربت بعد أن استرجعها المسلمون من الفرنج في سنة تسعين وستمائة في الدولة الأشرفية «خليل بن قلاوون» ؛ وبها مسجد ينسب لصالح عليه السلام، وبينها وبين طبريّة أربعة وعشرون ميلا، وكانت هي قاعدة هذا الساحل قبل صفد. فلما خربت أقيمت صفد مقامها وصارت هي ولاية. السابع- (عمل صور) - بضم الصاد المهملة وسكون الواو وراء مهملة في الآخر- وهي مدينة قديمة بساحل دمشق، واقعة في الإقليم الثالث. قال في «الأطوال» : طولها ثمان وخمسون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثنتان وثلاثون دقيقة. وقال في «تقويم البلدان» : القياس أن طولها سبع وخمسون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وخمس دقائق. وبناؤها من أعظم أبنية الدنيا؛ وكانت من أحصن الحصون التي على ساحل البحر؛ فلما فتحها المسلمون في سنة تسعين وستمائة مع عكّا خرّبوها خوفا أن يتحصن بها العدو، وهي خراب إلى الآن. ويقال إنها أقدم بلد بالساحل، وإن عامة حكماء اليونان منها. قال الشريف الإدريسيّ «1» : وكان بها مرسى، يدخل إليه من تحت قنطرة عليها سلسلة تمنع المراكب من الدخول. قال في «التعريف» : وبصور كنيسة يقصدها ملوك من البحر عند تمليكهم فيملّكون ملوكهم بها، إذ لا يصح تمليكهم إلا منها. قال: وشرطهم أن يدخلوها عنوة، ولذلك لا يزال عليها الرّقبة، ومع ذلك يأتونها مباغتة فيقضون أربهم منها ثم ينصرفون، وسكّان هذا العمل رافضة لا يشهدون جمعة ولا جماعة. الثامن- (عمل الشّاغور) - بألف ولام لازمتين وشين معجمة مشدّدة

مفتوحة بعدها ألف ثم غين معجمة مضمومة بعدها واو ساكنة وراء مهملة في الآخر- وهي كورة بين عكّا وصفد والناصرة؛ بها قرى متسعة، وليس بها مقرّ ولاية معروف، وعدّها العثمانيّ في «تاريخ صفد» شاغورين. أحدهما- شاغور التعبة «1» . وهو جبل به قرى عامرة. قال: وبالتعبه «2» دير به مصطبة إذا بات عليها من به جنون شفي بإذن الله. والثاني- شاغور غرابة، وفيه عدة قرى؛ وبه مقام أولاد يعقوب عليه السلام، وهو من المزارات المشهورة. التاسع- (عمل الإقليم) - بكسر الهمزة وسكون القاف وكسر اللام وسكون الياء المثناة تحت وميم في الآخر- وهي كورة بين دمشق والشّغر والخربة، بها قرى متسعة وليس بها مقرّ ولاية. العاشر- (عمل الشّقيف) - بفتح الشين المعجمة وكسر القاف وسكون الياء المثناة تحت ثم فاء- ويعرف بشقيف أرنون «3» (بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وضم النون وسكون الواو ثم نون في الآخر) . قال في «المشترك» : وهو اسم رجل أضيف الشقيف إليه، ويعرف أيضا بالشّقيف الكبير. وهو حصن بين دمشق والساحل، بعضه مغارة منحوتة في الصخر، وبعضه له سور. وهو في غاية الحصانة وعلى القرب منه شقيف آخر يعرف بشقيف تيرون «4» بكسر التاء المثناة فوق وسكون الياء المثناة تحت وضم الراء المهملة وسكون الواو ونون في الآخر) وهي قلعة حصينة من جند الأردنّ على مسيرة يوم من صفد في سمت الشمال. قال في «مسالك الأبصار» : وليست من بلاد صفد، وأهل هذا العمل رافضة.

الحادي عشر- (عمل جينين) - بجيم مكسورة وياء مثناة تحت ساكنة ونون مكسورة ومثناة تحت ثانية ساكنة ونون في الآخر- وهي بلدة قديمة متسعة، وهي مركّبة على كتف واد لطيف به نهر ماء يجري؛ وهي في الشمال عن قاقون على نحو مرحلة، في رأس مرج بني عامر، وبها مقام دحية الكلبيّ: صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ومن أعمالها (اللّجّون) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح اللام المشدّدة وضم الجيم المشددة. وهي قرية قديمة في جهة الغرب عن بيسان، على نصف مرحلة منها. قال في «كتاب الأطوال» : موضعها حيث الطول سبع وخمسون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة؛ وباللجّون مقام الخليل عليه السلام، وبها ينزل الملوك على مصطبة هناك معدة لذلك. قال في «مسالك الأبصار» : ومن عملها (قدس) . وكان معها قديما (السّواد وبيسان) وخرجا عنها، ثم قال: ومما يذكر فيها (حيفا) ، وهي خراب على الساحل، و (قلعة كوكب) ، وهي التي يقول فيها العماد الأصفهاني «1» : راسية راسخة، شمّاء شامخة. وقلعة (الطور) وهي مفردة على جبل الطّور؛ بناها العادل أبو بكر بن أيوب ثم غلبه عليها الفرنج فهدمها. قلت: واقتصر في «التعريف» : على ولاية برّ صفد وولاية الشّقيف، وولاية جينين، وولاية عكّا، وولاية النّاصرة، وولاية صور، من غير زيادة على ذلك.

القاعدة السادسة من قواعد المملكة الشامية الكرك، وفيها جملتان

القاعدة السادسة من قواعد المملكة الشامية الكرك، وفيها جملتان الجملة الأولى في حاضرتها وهي بفتح الكاف والراء المهملة ثم كاف ثانية، والألف واللام في أولها غير لازمتين. وتعرف بكرك الشّوبك لمقاربتها لها. قال في «تقويم البلدان» : وهي من البلقاء وهما؛ وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: وطولها سبع وخمسون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. وقال في «تقويم البلدان» : القياس أن طولها سبع وخمسون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وخمس دقائق. وهي مدينة محدثة البناء كانت ديرا يتديّره رهبان، ثم كثروا فكبّروا بناءه وأوى إليهم من يجاورهم من النصارى، فقامت لهم به أسواق ودرّت لهم فيه معايش، وأوت إليه الفرنج فأداروا أسواره فصارت مدينة عظيمة، ثم بنوا به قلعة حصينة من أجلّ المعاقل وأحصنها، وبقي الفرنج مستولين عليه حتّى فتحه السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» رحمه الله على يد أخيه العادل أبي بكر. قال في «التعريف» : وكانوا قد عملوا فيه مراكب ونقلوها إلى بحر القلزم لقصد الحجاز الشريف لأمور سوّلتها لهم أنفسهم، فأوقع الله تعالى بهم العزائم الصلاحية، والهمم العادلية، فأخذوا، وأمر بهم السلطان صلاح الدين فحملوا إلى منى ونحروا بها على جمرة العقبة حيث تنحر البدن بها، واستمرّت بأيدي المسلمين من يومئذ واتخذها ملوك الإسلام حرزا، ولأموالهم كنزا؛ ولم يزل الملوك يستخلفون بها أولادهم ويعدّونها لمخاوفهم؛ وهو بلد خصب، بواديه حمّام وبساتين كثيرة وفواكه مفضّلة. قال البلاذريّ في «فتوح البلدان» : وكانت مدينة هذه الكورة في القديم الغرندل.

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها قال في «التعريف» : وحدّها من القبلة عقبة الصّوّان؛ وحدّها من الشرق بلاد البلقاء؛ وحدّها من الشّمال بحيرة سذوم المتقدّم ذكرها؛ وحدّها من الغرب تيه بني إسرائيل. ولها أربعة أعمال: الأول- (عمل برّها) المختص ببلادها كما في غيرها من القواعد المتقدّمة. الثاني- (عمل الشّوبك) «1» - بألف ولام لازمتين وفتح الشين المعجمة المشدّدة وسكون الواو وفتح الباء الموحدة وكاف في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : وهي من جبل الشّراة «2» ، وموقعها في الإقليم الثالث. قال ابن سعيد: طولها ست وخمسون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة. وقال في «تقويم البلدان» : القياس أن طولها ثمان وخمسون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة. وهي بلدة صغيرة أكثر دخولا في البر من الكرك، ذات عيون وجداول تجري، وبساتين وأشجار، وفواكه مختلفة. قال في «العزيزيّ» : ولها قلعة مبنية بالحجر الأبيض على تلّ مرتفع أبيض مطلّ على الغور من شرقيه. قال في «تقويم البلدان» : وينبع من تحت قلعتها عينان: إحداهما عن يمينها والأخرى عن يسارها كالعينين للوجه يجريان للبلد، ومنهما شرب أهلها وبساتينها. قال: وكانت بأيدي الفرنج مع الكرك وفتحت بفتحها، وأقطعها السلطان صلاح الدين مع الكرك لأخيه العادل فأعطاهما لابنه المعظّم عيسى؛ فاعتنى بأمرهما وجلب إلى الشّوبك

الطرف الخامس من الفصل الثاني، من الباب الثالث، من المقالة الثانية، فيمن ملك البلاد الشامية، وملوكها على قسمين

غرائب الأشجار حتّى تركها تضاهي دمشق في بساتينها وتدفّق أنهارها وتزيد بطيب مائها. قلت: وذكر في «مسالك الأبصار» لها عملين آخرين. الثالث- (عمل زغر) - بضم الزاي وفتح الغين المعجمتين وفي آخرها راء مهملة- وهي مدينة قديمة متصلة بالبادية سميت بزغر بنت لوط عليه السلام. قال في «تقويم البلدان» : وهي حيث الطول سبع وخمسون درجة وعشر دقائق، والعرض ثلاثون درجة وكسر. الرابع- (عمل معان) بضم الميم «1» وفتح العين المهملة وألف ثم نون. قال ابن حوقل: وهي مدينة صغيرة كان يسكنها بنو أميّة ومواليهم. قال في «مسالك الأبصار» : وقد خربت هي وعملها ولم يبق بها أحد، وتعرف بمعان بن لوط عليه السلام. قال في «كتاب الأطوال» : وهي حيث الطول سبع وخمسون درجة والعرض ثلاثون درجة. قال في «تقويم البلدان» : وبينها وبين الشّوبك مرحلة. الطّرف الخامس من الفصل الثاني، من الباب الثالث، من المقالة الثانية، فيمن ملك البلاد الشامية، وملوكها على قسمين القسم الأول ملوكها قبل الإسلام ولم يزل مجموعا قبل الإسلام لملك واحد: إما بمفرده وإما مع غيره. وملوكه في الجاهلية على أربع «2» طبقات.

الطبقة الأولى ملوكها من الكنعانيين

الطبقة الأولى ملوكها من الكنعانيّين وهم بنو كنعان بن مازيع بن حام بن نوح عليه السلام، وقيل هم من ولد سام ابن نوح. وكان كنعان قد نزل الشأم بجهة فلسطين عند تبلبل الألسنة بعد الطّوفان، وتوارثها بنوه بعد ذلك، وكان كل من ملك منهم يلقب بجالوت إلى أن انتهى الملك إلى رجل منهم اسمه كلياذ، وهو جالوت الذي قتله داود عليه السلام، وبقتله تفرّق بنو كنعان وباد ملكهم وزال. وكان في خلال ذلك بتيماء من أطراف الشأم ملوك من العمالقة، وهم بنو عمليق بن لاوذ بن سام «1» بن نوح عليه السلام، انتقلوا إليه من الحجاز، وهم الذين قاتلهم موسى عليه السلام؛ وكان آخر من ملك منهم الشأم والحجاز الأرقم بن الأرقم الذي قتله بنو إسرائيل حين وجّههم موسى عليه السلام في آخر عمره إلى الحجاز على ما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك المدينة إن شاء الله تعالى. الطبقة الثانية ملوكها من بني إسرائيل وأولهم (طالوت) الذي ذكره الله تعالى في القرآن بقوله: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً «2» واسمه شاول بن قيس، ولم يكن لهم قبل ذلك ملك بل حكّام وقضاة يحكمون؛ وبقي حتّى قتل في قتال الفلسطينيّين. وملك بعده (داود عليه السلام) وكانت دار ملكه بالقدس؛ وفتح فتوحات كثيرة من أرض فلسطين وعمان ومأرب وحلب ونصيبين وغير ذلك، فأقام في الملك أربعين سنة.

وتولى ذلك بعده ابنه (سليمان عليه السلام) وعمره اثنتا عشرة سنة، وعمر بيت المقدس وفرغ منه في سبع سنين، وتوفّي لأربعين سنة من ملكه. وملك بعده ابنه (رحبعم) على سبطين من بني إسرائيل خاصّة، وخرج عنه عشرة أسباط فملّكوا عليهم غيره، وبقي في الملك سبع عشرة سنة. [وملك بعده ابنه (أثيا) وهلك لثلاث سنين «1» ] . وملك بعده ابنه (أسا) إحدى وأربعين سنة وتوفي. فملك بعده ابنه (يهو شافاظ) خمسا وعشرين سنة وتوفي. فملك بعده ابنه (يهورام) ثمان سنين وتوفي. فملك بعده ابنه (أحزياهو) ستين سنة، وتوفّي فبقي الملك شاغرا فحكمت فيه امرأة ساحرة اسمها غثليا «2» فأقامت في الملك سبع سنين. ثم ملك بعدها (بؤاش) فأقام في الملك أربعين سنة ومات. فملك بعده ابنه (أمصياهو) تسعا وعشرين سنة وتوفّي. فملك بعده (عزّياهو) اثنتين وخمسين سنة وتوفي. فملك بعده ابنه (يؤثم) «3» ستّ عشرة سنة؛ ويقال إن يونس عليه السلام كان في زمنه. ثم ملك بعده ابنه (آحاز) ستّ عشرة سنة أيضا، وكانت الحرب بينه وبين ملك دمشق؛ وفي زمنه كان شعيب «4» عليه السلام، وتوفي. فملك بعده ابنه (هو حزقيّا) وانقاد له بقية الأسباط فملك جميعهم، وأقام في الملك تسعا وعشرين سنة ثم توفي.

الطبقة الثالثة ملوكها من الفرس

فملك بعده ابنه (منشّا) خمسا وخمسين سنة ثم توفي. فملك بعده ابنه (أمون) سنتين [وقيل ثنتي عشرة] «1» سنة وتوفي. فملك بعده ابنه (يوشيا) إحدى وثلاثين سنة، وجدّد عمارة بيت المقدس، ثم توفي. فملك بعده ابنه (يهوياجور) ثلاثة أشهر، وغزاه فرعون مصر فأخذه أسيرا. وملك بعده أخوه (يهو ياقيم) إحدى عشرة سنة ودخل تحت طاعة بخت نصّر، ثم استخلف بخت نصّر مكانه ابنه (يخنيو) بن يهو ياقيم فأقام مائة يوم. ثم استخلف مكانه عمّه (صدقيا) إحدى عشرة سنة، فأقام على طاعة بخت نصّر تسع سنين، ثم عصى عليه فجهز إليه جيشا ففتح المقدس بالسيف وحرّقه وهدم بيت المقدس الذي بناه سليمان عليه السلام وأخذ صدقيا المذكور أسيرا، وهو آخر من ملك منهم. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ «2» الآية. الطبقة الثالثة ملوكها من الفرس قد تقدّم في الكلام على ملوك مصر أن بخت نصّر كان نائبا لبهراسف ملك الفرس إلى حين غلبته على الشام فاستقر الشأم في مملكة الفرس مع مصر من لدن بهراسف المذكور إلى غلبة الإسكندر على دارا ملك الفرس على ما تقدّم في الكلام على ملوك مصر، وفي خلال ذلك عمر بيت المقدس بعد أن بقي سبعين سنة خرابا من تخريب بخت نصّر. واختلف فيمن عمره، فقيل أردشير، وقيل ابنه

الطبقة الرابعة ملوكها من اليونان

دارا؛ واليهود تسمّي الذي عمره من الفرس كيرش ويقال كورش «1» . الطبقة الرابعة ملوكها من اليونان وأول من ملك الشّأم منهم الإسكندر بن فيلبس حين ظهر على ملوك الفرس مضافا إلى مصر، وبقي على ذلك حتّى مات، فملك بعض الشام مع العراق انطياخس، وملك بعضه مع مصر البطالسة من ملوك اليونان من ولد بطليموس المنطيقي إلى حين انقراضهم بقتل أغشطش ملك الروم قلوبطرا آخر ملوكهم بمصر على ما تقدّم ذكره في الكلام على ملوك الديار المصرية. الطبقة الخامسة ملوكها من الروم وأول من ملكها منهم أغشطش المقدّم ذكره حين غلب على قلوبطرا آخر ملوكهم، وبقي بأيدي الرّوم إلى حين الفتح الإسلامي، يتداولونه مع مصر ملكا بعد ملك على ما تقدّم في الكلام على ملوك الديار المصرية. القسم الثاني من ملوك الشام ملوكه «2» في الإسلام؛ وهم على ضربين الضرب الأول عمّال الصحابة رضوان الله عليهم فمن بعدهم من نوّاب الخلفاء إلى حين استيلاء الملوك عليه وأول من وليه في الإسلام (أبو عبيدة بن الجرّاح) رضي الله عنه، عند فتحه في خلافة أمير المؤمنين: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم صرف عنه ووليه

الضرب الثاني من وليها ملكا

(معاوية بن أبي سفيان) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضا، فبقي إلى أن سلّم الحسن إليه الأمر ونزل له عن الخلافة في سنة إحدى وأربعين من الهجرة، وتوالت عليه خلفاء بني أميّة، واختاروه دارا لخلافتهم من لدن معاوية وإلى انقراض دولتهم بقتل (مروان بن محمد) آخر خلفائهم على ما تقدّم ذكره في الكلام على من ولي الخلافة. ثم كانت دولة بني العباس فوليها في خلافة السّفّاح عمّه (عبد الله بن عليّ ابن عبد الله بن عباس) في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، فبقي أيام السفّاح وبعض أيام المنصور بعده، ثم صرفه المنصور بولاية (أبي مسلم الخراساني) الشام ومصر في سنة سبع وثلاثين ومائة، ثم قتله المنصور بعد ذلك في السنة المذكورة. وتوالى عليه بعد ذلك عمّال خلفاء بني العباس إلى أن وليها (عبد الصمد) «1» بن عليّ، ثم عزله الرشيد «2» وولّى مكانه (إبراهيم بن صالح بن عليّ) ثم توالت عليه العمّال إلى أن غلب عليه (أحمد بن طولون) مع مصر على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. الضرب الثاني من وليها ملكا قد تقدّم أن القواعد العظام بالشأم ستّ قواعد: وهي دمشق، وحلب، وحماة، وأطرابلس، وصفد، والكرك. وكل قاعدة من القواعد الست تشتمل على مملكة. فأما (دمشق) فأول ملوكها (أحمد بن طولون) صاحب مصر بعد موت مقطعها أماجور في سنة أربع وستين ومائتين؛ وذلك أول اجتماع مصر والشأم

لملك واحد في الإسلام؛ ثم ملكها بعده مع مصر ابنه (خمارويه) ؛ ثم (هارون «1» بن خمارويه) ، وكان طغج بن جف نائبا عنهما بها، وفي أيام هارون تغلبت القرامطة على دمشق؛ ثم انتزعها منهم (المكتفي بالله) خليفة بغداد في سنة إحدى وتسعين ومائتين، وأقام عليها (أحمد بن كيغلغ) أميرا، فبقي بها بقية أيام المكتفي، ثم أيام المقتدر، ثم أيام الظاهر. فلما ولي الراضي الخلافة، عزله عنها في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وولّى عليها (الأخشيد) وهو محمد بن طغج بن جف، وذلك قبل أن يلي مصر في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة فاستناب على دمشق بدرا الأخشيديّ، فانتزعها منه (محمد بن رائق) في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، واستخلف عليها (أبا الحسين أحمد بن عليّ بن مقاتل) في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، ثم انتزعها منه (الأخشيد) المقدّم ذكره بعد ذلك وبقيت معه حتّى مات في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، فوليها بعده ابنه (أنوجور) وهو صغير، وقام بتدبير دولته كافور الأخشيديّ الخادم، ثم انتزعها منه (سيف الدولة بن حمدان) صاحب حلب الآتي ذكره، ثم انتزعها منه (كافور الأخشيديّ) المقدّم ذكره وولّى عليها بدرا الأخشيديّ الذي كان بها أولا، فأقام بها سنة؛ ثم وليها (أبو المظفّر بن طغج، ثم لما مات أنوجور بن طغج، ملكها مع مصر أخوه (عليّ بن طغج) ثم (كافور) بعده، ثم (أحمد بن عليّ بن الأخشيد) بعده، وهو آخر من ملك منهم على ما تقدّم في الكلام على ملوك مصر. ثم كانت الدولة الفاطمية بمصر: فملكها «2» (جوهر) قائد المعزّ الفاطميّ وخطب بها لمولاه المعز وأذّن بحيّ على خير العمل في سنة تسع وخمسين

وثلاثمائة، وقطعت الخطبة العباسية منها، وأقام بها جعفر بن فلاح نائبا، ثم تغلبت القرامطة عليها في سنة ستين وثلاثمائة، ثم اقتلعها منهم (المعزّ) وولّى عليها ريّان الخادم؛ ثم غلب عليها (افتكين) «1» مولى معز الدولة بن بويه الدّيلميّ، وقطع الخطبة منها للمعزّ الفاطميّ، وخطب لخليفة بغداد في سنة أربع وستين وثلاثمائة؛ ثم انتزعها (المعز الفاطميّ) يعد ذلك وقبض عليه وأحضره معه إلى مصر؛ ثم بعد موت المعز وولاية ابنه العزيز تغلب عليها شخص اسمه (قسام) «2» إلا أنه كان يخطب فيها للعزيز؛ ثم انتزعها منه (العزيز) وقرر فيها (بكتكين) «3» في سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة؛ ثم انتزعها منه (بكجور) «4» مولى قرعويه صاحب حلب بأمر العزيز الفاطميّ صاحب مصر في سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة؛ ثم انتزعها منه وقرر فيها (منيرا الخادم) » في سنة سبع وسبعين وثلاثمائة؛ ثم استعمل الحاكم بن العزيز الفاطميّ عليها (أبا محمد الأسود) في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، ثم انتزعها منه (أنوش تكين) الدّزبريّ «6» بأمر المستنصر الفاطميّ في سنة تسع وعشرين وأربعمائة، ثم أمر «7» بالخروج عن

طاعته في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة؛ فخرج عنها وفسد أمرها بذلك؛ ثم تغلب عليها (أتسز بن أرتق) الخوارزميّ أحد أمراء السلطان ملكشاه السّلجوقيّ في سنة ثمان وستين وأربعمائة، وقطع الخطبة بها للمستنصر الفاطميّ وخطب للمقتدي العباسيّ، ومنع من الأذان بحيّ على خير العمل، ولم يخطب بعد ذلك بالشام لأحد من الفاطميين «1» ، ثم غلب عليها (تتش بن ألب أرسلان) بن داود بن ميكائيل بن سلجوق، وملكها في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وتوفي؛ فملكها بعده ابنه (دقاق) وأشرك معه في الخطبة أخاه رضوان صاحب حلب مقدّما لرضوان في الذكر في الخطبة بعد حرب جرت بينهما، وتوفي دقاق سنة تسع وتسعين وأربعمائة، فخطب طغتكين أتابك دولته لابن دقاق، وهو طفل عمره سنة واحدة، ثم قطع الخطبة له وخطب لعمه بلتاش بن تتش، ثم قطع الخطبة لبلتاش وأعاد الخطبة للطفل، وهو آخر من خطب له بدمشق من بني سلجوق؛ ثم استقر (طغتكين) المقدّم ذكره في ملك دمشق بنفسه، وبقي حتّى توفي في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، وملك بعده ابنه (تاج الملوك توري) بعهد من أبيه، وتوفي سنة ست وعشرين وخمسمائة؛ وملك بعده ابنه (شمس الملوك إسماعيل) بعهد من أبيه. ثم ملك بعده أخوه (شهاب الدين محمود بن توري) فبقي حتّى قتل في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وملك بعده ابنه (مجير الدين أرتق) وفي أيامه تغلبت الفرنج على ناحية دمشق.

ثم انتزعها منهم الملك العادل (نور الدين محمود بن زنكي) المعروف بنور الدين الشهيد وملكها في سنة تسع وأربعين وخمسمائة، واجتمع له ملك سائر الشام معها، وهو الذي بنى أسوار مدن الشام حين وقعت بالزلازل كدمشق وحماة وحمص وحلب وشيزر وبعلبكّ وغيرها؛ وتوفي فملك بعده ابنه (الملك الصالح إسماعيل) وعمره إحدى عشرة سنة، وبقي بها حتّى انتزعها منه السلطان (صلاح الدين يوسف بن أيوب) صاحب مصر في سنة سبعين وخمسمائة، وقرر فيها أخاه سيف الإسلام طغتكين بن أيوب؛ ثم استخلف عليها السلطان صلاح الدين بعد ذلك ابن أخيه عزّ الدين (فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب) في سنة ست وسبعين وخمسمائة؛ ثم صرفه عنها وقرّر فيها ابنه الملك الأفضل (نور الدين عليّا) ؛ وهو الذي وزّر له الوزير ضياء الدين بن الأثير صاحب «المثل السائر» . ثم انتزعها منه أخوه الملك العزيز (عثمان ابن السلطان صلاح الدين) صاحب مصر بعد وفاة أبيه بمعاضدة عمه العادل أبي بكر في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، والخليفة يومئذ ببغداد الناصر لدين الله، وكان يميل إلى التشيّع، فكتب إليه الأفضل عليّ يستجيشه على أخيه العزيز عثمان وعمه العادل أبي بكر؛ من شعره: مولاي! إنّ أبا بكر وصاحبه ... عثمان قد غصبا بالسّيف حقّ علي فانظر إلى حظّ هذا الاسم كيف لقي ... من الأواخر ما لاقى من الأول فكتب إليه الناصر لدين الله في جوابه: غصبوا عليّا حقّه إذ لم يكن ... بعد النبيّ له بيثرب ناصر فاصبر فإنّ غدا عليك حسابهم ... وابشر فناصرك الإمام النّاصر ولكنه لم يجاوز القول إلى الفعل؛ ثم سلمها العزيز بعد ذلك لعمه (العادل أبي بكر) فقرّر فيها ابنه الملك المعظم عيسى مضافة إلى ما بيده من الكرك والشّوبك، وكان يخطب فيها لأبيه العادل، ثم لأخيه الكامل محمد صاحب مصر، وبقي حتّى توفي في سنة أربع وعشرين وستمائة، وملك بعده ابنه (الملك الناصر

صلاح الدين داود) ، وهو صغير. ثم انتزعها منه الملك الناصر (محمد بن العادل أبي بكر) صاحب مصر واستخلف فيها أخاه الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن العادل أبي بكر، فبقي حتّى توفي في سنة خمس وثلاثين وستمائة. وملكها بعده أخوه (الملك الصالح إسماعيل بن العادل أبي بكر) بعهد منه [فانتزعها منه الملك الكامل بن العادل أبي بكر] «1» في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وستمائة وتوفي «2» في السنة المذكورة. فملك بعده الملك الجواد (يونس بن مودود) «3» بن العادل أبي بكر. ثم انتزعها منه الملك الصالح (نجم الدين أيوب) بن العادل أبي بكر في سنة ست وثلاثين وستمائة، ثم أقام فيها الملك المغيث فتح الدين عمر نائبا عنه. ثم انتزعها منه (الملك الصالح إسماعيل بن العادل أبي بكر) صاحب بعلبكّ في سنة سبع وثلاثين وستمائة. ثم انتزعها منه الملك الصالح (نجم الدين أيوب) بن الكامل محمد صاحب مصر وتسلمها له (معين الدين بن الشيخ) في سنة ثلاث وأربعين وستمائة وتوفي قبل أن يتسلمها فتسلّمها له حسام الدين بن أبي عليّ في السنة المذكورة، ولم تزل بيد نوّاب الصالح أيوب حتّى مات في سنة سبع وأربعين وستمائة. ثم ملكها بعد وفاته (الملك الناصر يوسف) بن العزيز محمد صاحب حلب في سنة ثمان وأربعين وستمائة، فبقي بها إلى أن غلب عليها هولاكو في سنة

ثمان وخمسين وستمائة، وكان آخر أمر الناصر المذكور أنه لحق «1» بهولاكو المذكور فأقام عنده مدّة ثم قتله. ثم كانت الدولة التركية فملكها منهم (الملك المظفّر قطز) صاحب مصر حين غلبته التتار على عين جالوت، ثم توالى عليها نوّاب ملوك الترك من لدن المظفر قطز وإلى سلطنة (الناصر فرج) بن الظاهر برقوق في زماننا على ما تقدّم ذكره في الكلام على ملوك الديار المصرية؛ ولم أقف على أسماء نوّابها لطول المدة وقلة اعتناء المؤرّخين بذكر أسمائهم. وأما حلب فقد تقدّم أن منزل الجند في ابتداء الإسلام كان بقنّسرين، ثم طرأت عليها حلب بعد ذلك وأضعفتها. ولعل ابتداء أمرها كان في ابتداء الدولة الطّولونية، وقد كان أحمد بن طولون استولى عليها حين استيلائه على دمشق وصارت في ملكه تبعا للديار المصرية كدمشق. وكان بها نوّابه ثم نوّاب ابنه خمارويه، ثم نواب جيش بن خمارويه، ثم هارون بن خمارويه في نيابة طغج ابن جفّ عن هارون وجيش المذكورين؛ ثم كانت مع دمشق في نيابة أحمد بن كيغلغ، ثم في نيابة الأخشيد محمد بن طغج بن جف قبل أن يلي مصر، ثم في نيابة بدر الأخشيدي على ما تقدّم في الكلام على مملكة دمشق. ثم انتزعها من بدر الأخشيدي (سيف الدولة بن حمدون) التغلبي الربعيّ؛ وملكها في سنة ثلاث وثلاثمائة، وبقي بها حتّى توفي في سنة ست وخمسين وثلاثمائة؛ وملكها بعده ابنه (سعد الدولة أبو المعالي شريف) . ثم انتزعها منه (قرعويه) غلام أبيه في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، ثم غلب عليها (بكجور) غلام قرعويه المذكور بعد ذلك واقتلعها منه.

ثم انتزعها منه (سعد الدولة) المقدّم ذكره، ثم تقلد بها أبو عليّ بن مروان من الخليفة الفاطميّ يومئذ بمصر في سنة ثمانين وثلاثمائة ولم يدخلها، وبقيت بيد سعد الدولة المذكور حتّى توفي بالفالج في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة. ثم ملك بعده ابنه (أبو الفضل) مكانه. ثم انتزعها منه (أبو نصر بن لؤلؤ) وخطب بها للحاكم الفاطميّ، ثم أمره الحاكم بتسليمها إلى نوابه بها فتسلموها منه واستقرّت بأيديهم حتّى انتهت إلى نائب من نوابه اسمه (عزيز الملك) فبقي بها بقية أيام الحاكم وبعض أيام ابنه الظاهر؛ ثم وليها عن الظاهر رجل يقال له (ابن شعبان) ثم تغلب عليها (صالح بن مرداس) أمير بني كلاب في سنة أربع وعشرين وأربعمائة؛ ثم قتل في أيام الظاهر الفاطميّ فملكها بعده (شبل الدولة نصر بن صالح) . ثم انتزعها منه (أنوش تكين الدّزبريّ) بأمر المستنصر العلويّ في شعبان سنة تسع وعشرين وأربعمائة، وبقي حتى توفي في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة؛ وملكها بعده (معز الدولة ثمال بن صالح بن مرداس) ثم ملك قلعتها بعد ذلك في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة؛ ثم تسلمها منه مكين الدولة (الحسن بن عليّ بن ملهم) في سنة تسع وأربعين وأربعمائة بصلح وقع بينه وبين الفاطميين على ذلك. ثم انتزعها منه (محمود بن شبل الدولة) بن صالح المقدّم ذكره، وملك قلعتها في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة. ثم انتزعها منه (معز الدولة ثمال بن صالح) في ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وبقي بها حتّى توفي في ذي القعدة سنة أربع وخمسين وأربعمائة. وملكها بعده أخوه (عطية بن صالح) في السنة المذكورة. ثم انتزعها منه ابن اخيه (محمود بن شبل الدولة) المقدّم ذكره في رمضان

سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وبقي بها حتّى توفي في ذي الحجّة سنة ثمان وستين وأربعمائة. وملكها بعده ابنه (نصر بن محمود) ثم قتله التّركمان. وملكها بعده أخوه (سابق بن محمود) . ثم انتزعها منه شرف الدولة (مسلم بن قريش) صاحب الموصل، وقتل في صفر سنة سبع وسبعين وأربعمائة. وملكها بعده أخوه (إبراهيم بن قريش) . ثم انتزعها منه (تتش بن ألب أرسلان) السّلجوقيّ صاحب دمشق في السنة المذكورة. ثم انتزعها منه (السلطان ملكشاه السلجوقيّ) وسلمها إلى قسيم الدولة آقسنقر؛ ثم استعادها (تتش بن ألب أرسلان) المقدّم ذكره بعد موت ملكشاه واستضافها إلى دمشق، وانبسط ملكه حتّى ملك بعد ذلك أذربيجان، وبقي حتّى قتل في صفر سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. وملكها بعده ابنه (رضوان) «1» في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وبقي حتّى توفي في سنة سبع وخمسمائة. وملكها بعده ابنه (سلطان شاه بن رضوان) . ثم انتزعها منه (ايلغازي بن أرتق) صاحب مادرين وسلمها إلى ولده حسام

الدين تمرتاش؛ ثم غلب عليها (سليمان بن أرتق) وعصى بها على أبيه فانتزعها أبوه منه وسلّمها إلى ابن أخيه (سليمان بن عبد الجبّار بن أرتق) في رمضان سنة ست عشرة وخمسمائة. ثم انتزعها منه عمه (بلك بن بهرام بن أرتق) ، وبقي بها حتّى قتل في سنة سبع عشرة وخمسمائة؛ وملكها بعده ابن عمه (تمرتاش بن ايلغازي) في ربيع الأول من السنة المذكورة؛ ثم حاصرها الفرنج، وهي في يده فخلصها منهم آقسنقر البرسقيّ صاحب الموصل، وملكها مع ماردين في السنة المذكورة، وبقي حتّى قتلته الباطنية في سنة عشرين وخمسمائة. وملكها بعده ابنه (عز الدين مسعود) واستخلف بها أميرا من أمرائه اسمه قايماز، ثم استخلف عليها بعده رجلا اسمه كيغلغ. ثم انتزعها منه (سليمان بن عبد الجبار) بن أرتق المقدّم ذكره. ثم انتزعها منه (عماد الدين زنكي) صاحب الموصل في المحرّم سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، وملك معها حماة وحمص وبعلبكّ، وبقي حتّى قتله غلمانه في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وخمسمائة. ثم ملك بعده ابنه الملك العادل (نور الدين محمود) وبقي إلى أن توفّي. وملك بعده ابنه (الصالح إسماعيل) فبقي بها بعد ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب دمشق حتّى توفّي بها في سنة سبع وسبعين وخمسمائة. وملكها بعده بوصية منه ابن عمه (عز الدين مسعود) بن مودود بن زنكي بن مودود في السنة المذكورة. ثم انتزعها منه السلطان (صلاح الدين يوسف بن أيوب) في سنة تسع وسبعين وخمسمائة، وقرّر فيها ابنه الظاهر غياث الدين غازي. ثم انتزعها منه وسلمها لأخيه (العادل أبي بكر بن أيوب) في السنة المذكورة، ثم أعاد إليها ابنه الظاهر غازي المقدّم ذكره في سنة اثنتين وثمانين

وخمسمائة، فبقي بها حتّى توفّي في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وستمائة. وملكها بعده ابنه (الملك العزيز محمد) فبقي بها حتّى توفّي في ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وستمائة. ثم ملكها بعده ابنه الملك (الناصر يوسف) وعمره سبع سنين ولم تزل بيده حتّى استولت عليها التتار في سنة ثمان وخمسين وستمائة. ثم كانت الدولة التركية. فكان أول من ملكها من ملوك الترك (المظفّر قطز) حين كسر التتار على عين جالوت على ما تقدّم ذكره في الكلام على مملكة دمشق، ثم توالى عليها نواب ملوك الترك من لدن المظفر قطز وإلى زماننا في سلطنة الناصر فرج بن الظاهر برقوق على ما تقدّم ذكره في الكلام على مملكة الديار المصرية. وأما حماة. فقد تقدّم في الكلام على قواعد الشام أن الذكر في القديم إنما كان لحمص، وإنما تنبّهت حماة في الذكر في الدولة الأتابكية: عماد الدين زنكي. وذلك أن حماة كانت تبعا لغيرها من الممالك، تارة تضاف إلى دمشق، وتارة إلى حلب. فكانت مع دمشق بيد (طغتكين) أتابك دولة رضوان بن تتش السلجوقيّ في سنة تسع وخمسمائة. ثم انتزعها منه السلطان (محمد بن ملكشاه السلجوقيّ) في السنة المذكورة، وسلمها للأمير (فيرخان بن قراجا) . ثم ملكها (توري بن طغتكين) وقرر بها ابنه سونج فبقيت بيده حتّى انتزعها منه عماد الدين زنكي في سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة. ثم انتزعها منه بعد ذلك (تاج الملوك إسماعيل بن توري) بن طغتكين السلجوقيّ في سنة سبع وعشرين وخمسمائة. ثم ملكها (العادل نور الدين محمود بن زنكي) مع دمشق وحلب وغيرهما

في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة؛ ثم صارت بعده مع غيرها من البلاد الشامية إلى ابنه (الصالح إسماعيل) فبقيت بيده حتّى انتزعها منه السلطان (صلاح الدين يوسف بن أيوب) في سنة سبعين وخمسمائة، وقرّر فيها خاله شهاب الدين الحارمي، ثم قرّر فيها أخاه تقيّ الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب في سنة أربع وسبعين وخمسمائة، فبقيت بيده حتّى توفّي في سنة سبع وثمانين وخمسمائة. فوليها بعده ابنه الملك المنصور (ناصر الدين محمد) فبقي بها حتّى انتزعها منه أخوه (الملك المظفر محمود) في سنة ست وعشرين وستمائة، فبقي بها حتّى توفي في سنة ثلاث وأربعين وستمائة. ووليها بعده ابنه (الملك المنصور محمد) فبقي حتّى غلب عليها هولاكو ملك التتار مع دمشق وحلب وغيرهما، فقرّر «1» بها المظفر قطز صاحب مصر بعد هزيمة التتار، فبقي بها حتّى توفي في سنة ثلاث وثمانين وستمائة. فوليها بعده ابنه (المظفر شادي) عن المنصور قلاوون صاحب مصر بعهد منه، وبقي بها حتّى توفي في سنة ثمان وتسعين وستمائة في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون في سلطنته الثانية. فولّى الملك الناصر مكانه (قراسنقر) أحد أمرائه نائبا عليها، وكان العادل كتبغا بعد خلعه من السلطنة قد استقر نائبا بصرخد فنقله الملك الناصر محمد بن قلاوون اليها بعد هزيمة غازان ملك التتار، وجعله نائبا بها في سنة اثنتين وسبعمائة، ومات بعد ذلك. فولّى الملك الناصر مكانه في نيابتها (قبجق) أحد أمرائه ثم صرفه عنها وولّى مكانه (أستدمر الكرجي) ثم صرفه عنها بعد عوده من الكرك. وولّى فيها الملك المؤيد (عماد الدين إسماعيل) بن الأفضل عليّ، بن المظفر عمر سلطنة على عادة من تقدّمه فيها من الملوك الأيوبية، وكتب له بذلك عهدا عنه، فبقي بها إلى أن توفّي في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة.

فولّى السلطان الملك الناصر مكانه ابنه (الملك الأفضل محمد) وكتب له بذلك عهدا أيضا، فبقي بها حتّى أزاله قوصون أتابك العساكر في سلطنة المنصور أبي بكر بن الناصر محمد بن قلاوون في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة. وولّى مكانه الأمير (طقزدمر) نائبا بها، واستقرت نيابة إلى الآن، يتوالى عليها نواب ملوك مصر نائبا بعد نائب إلى زماننا كغيرها من الممالك الشامية، وانقطعت مملكة بني أيوب من الشام بذلك. وأما أطرابلس، فكان قد تغلب عليها قاضيها أبو عليّ بن عمّار وملكها وطالت مدّته فيها. ثم انتزعها منه (المستنصر الفاطميّ) خليفة مصر مع غيرها من السواحل الشامية، فبقيت بيده حتّى غلب عليها القومص «1» فملكها في سنة ثلاث وخمسمائة، فبقيت في أيدي الفرنج من حينئذ إلى أن فتحها «الملك المنصور قلاوون» أحد ملوك الديار المصرية في سنة ثمان وثمانين وستمائة بعد أن مضى عليها في يد الفرنج مائة وخمس وثمانون سنة وأعجز فتحها من مضى من ملوك بني أيوب فمن بعدهم. ومن حين فتحها جعلت نيابة، وتوالى عليها نواب ملوك مصر من لدنه إلى زماننا. وأما صفد، فقد تقدّم في الكلام على قواعد الممالك الشامية أنها كانت في القديم قرية وأن الفرنج الدّموية بنتها واستحدثت حصنها في سنة خمس وسبعين وأربعمائة.

ثم فتحها (الظاهر بيبرس) بعد ذلك في رابع عشر شوال سنة أربع وستين وستمائة، وقرّر بها الأمير كيغلدي العلائيّ نائبا، وتوالى عليها بعد ذلك نواب ملوك مصر من لدن الظاهر بيبرس وإلى زماننا في سلطنة الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق. وأما الكرك، فقد تقدّم أن قلعتها كانت ديرا لرهبان، وكانت بيد الفرنج، وأن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة أربع وثمانين وخمسمائة فتحها، وقرّر فيها أخاه (الملك العادل أبا بكر بن أيوب) فبقيت بيده إلى أن مات السلطان صلاح الدين، فقرّر فيها ابنه (الملك المعظم عيسى) فبقيت في يده إلى أن استضاف إليها دمشق، وتوفّي في سنة أربع وعشرين وستمائة. وملكها بعده ابنه (الملك الناصر صلاح الدين داود) في سنة ست وعشرين وستمائة، وبقي إلى سنة سبع وأربعين وستمائة، فاستخلف عليها ابنه (الملك المعظم عيسى) بعد أن أخذ منه غالب بلاده وفرّ بنفسه «1» . ثم انتزع (الصالح نجم الدين أيوب) الكرك من المعظم عيسى بن الناصر داود في السنة المذكورة، وأقام بها بدر الدين الصوابي نائبا عنه، وبقي الناصر داود بعد ذلك مشرّدا في البلاد إلى أن مات في سنة خمس وخمسين وستمائة، وكان من أهل العلم والورع، وله شعر رائق، منه: ألا ليت أمّي أيّم طول دهرها ... ولم يقضها ربّي لمولى ولا بعل! ويا ليتها لما قضاها لسيّد ... لبيب أريب طيّب الفرع والأصل، قضاها من اللاتي خلقن عواقرا ... ولا بشّرت يوما بأنثى ولا فحل ويا ليتها لمّا غدت بي حاملا ... أصيب من احتفّت عليه من الحمل

ويا ليتني لمّا ولدت وأصبحت ... تشدّ إليّ الشّدقميّات «1» بالرّحل، لحقت بأسلافي فكنت ضجيعهم ... ولم أر في الإسلام ما فيه من ثكل وكان الملك المغيث فتح الدين عمر بن العادل أبي بكر بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب معتقلا بالشّوبك، فأخرجه الصوابي نائب الملك الصالح وملّكه الكرك فبقي بها حتّى قبض عليه الملك الظاهر بيبرس وقتله في سنة إحدى وسبعين وستمائة، وهو آخر من ملكها من بني أيوب. قلت: وأما غير هذه الممالك كحمص وبعلبكّ فإنما كانت في الغالب تبعا لغيرها حتّى إن حمص وبعلبكّ حين استولت التتار على الشام في آخر الدولة الايوبية كانتا مضافتين إلى دمشق. واعلم أن غالب أطراف البلاد الشامية ومضافاتها كانت بأيدي ملوك متفرّقة من قديم الزمان وبعضها حدث انفراده، ثم تنقلت بها الأحوال حتّى استولى على كثير منها أهل الكفر، وصارت بأيديهم إلى أن قيّض الله تعالى لها من فتحها؛ ثم استعاد أهل الكفر منها ما استعادوا، ثم فتح ثانيا على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى. من ذلك القدس «2» - كانت بيد تتش بن ألب أرسلان السّلجوقيّ صاحب دمشق المتقدّم ذكره. كان قد أقطعها للأمير أرتق جدّ ملوك ماردين الآن. فلما توفّي أرتق المذكور صار القدس لولديه ايلغازي وسقمان، وبقي بيديهما إلى أن انتزعه منهما (المستنصر الفاطميّ) في سنة تسع وثلاثين وأربعمائة، وبقي بيده إلى أن ملكه الفرنج منه في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، بعد أن بذلوا السيف في المسلمين نحو سبعة أيام وقتلوا في المسجد الأقصى ما يزيد على تسعين ألف

نفس، وبقي بيديهم حتّى فتحه السلطان (صلاح الدين يوسف بن أيوب) في سنة أربع وثمانين وخمسمائة، ثم استعاده الفرنج من الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب بمهادنة جرت بينهم في سنة ست وعشرين وستمائة. ثم انتزعه منهم (الملك الناصر داود) صاحب الكرك في سنة سبع وثلاثين وستمائة. ثم سلمه (الصالح إسماعيل) صاحب دمشق (والناصر داود) صاحب الكرك المتقدّم ذكره للفرنج بعد ذلك ليكونوا عونا لهما على الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر في سنة إحدى وأربعين وستمائة. ثم فتحه الصالح (نجم الدين أيوب) صاحب مصر واقتلعه من أيديهم في سنة اثنتين وأربعين وستمائة؛ فاستمر بأيدي المسلمين إلى الآن. ومن ذلك بلاد السواحل الشامية كانت بأيدي أناس متفرّقة. فأما أطرابلس وصفد، فقد تقدّم الكلام عليهما في الكلام على ملوك الممالك الشامية. وأما غيرهما من بلاد السواحل وما والاها، فإن غالبها كان بيد الفاطميين خلفاء مصر إلى أن ضعفت دولتهم في أيام المستنصر أحد خلفائهم، فقصدت الفرنج هذه السواحل من كل جهة واستولوا على بلادها شيئا فشيئا. فاستولوا على عكّا وجبيل في سنة تسع وتسعين وأربعمائة، وعلى صيدا في سنة أربع وخمسمائة، واستشرى فسادهم حتّى ملكوا بيروت وعسقلان وصور وأنطرسوس والمرقب وأرسوف واللاذقيّة ولداّ والرملة ويافا ونابلس وغزّة وبيت لحم وبيت جبريل، وغير ذلك من بلاد السواحل وما جاورها، فبقيت في أيديهم حتّى فتحها السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» فيما بين الثلاث والثمانين والخمسمائة إلى الثمان والثمانين والخمسمائة. ثم عقد الهدنة بينه وبين الفرنج في سنة ثمان وثمانين على أن تكون يافا وأرسوف وعكّا وقيساريّة وأعمالها بيد الفرنج، وأن تكون لدّ والرملة مناصفة بينهم

وبين المسلمين. ثم استولوا على بيروت في سنة أربع وتسعين وخمسمائة؛ ثم وقعت الهدنة بعد ذلك بين الفرنج وبين العادل أبي بكر بن أيوب في سلطنته في سنة إحدى وستمائة على أن تستقرّ بيد الفرنج يافا وتترك لهم مناصفة لدّ والرملة. ثم استعاد الفرنج عكّا في سنة أربع عشرة وستمائة في أيام العادل أبي بكر المذكور. ثم استولوا على صيدا وما معها في أيام ابنه الكامل محمد في سنة ست وعشرين وستمائة قبل تسليمه القدس لهم. ثم سلمهم الصالح إسماعيل صاحب دمشق صفد والشّقيف على أن يعاونوه على الصالح أيوب صاحب مصر في سنة ثمان وثلاثين وستمائة. ثم سلمهم الصالح إسماعيل والناصر داود صاحب الكرك عسقلان وطبريّة حين سلماهم القدس في سنة إحدى وأربعين وستمائة. ثم فتح «الصالح أيوب» صاحب مصر غزّة واستولى عليها في سنة اثنتين وأربعين وستمائة. ثم فتح (الظاهر بيبرس) في سنة اثنتين وستين وستمائة قيساريّة وأرسوف؛ وصفد ويافا في سنة أربع وستين وستمائة. وفتح صهيون في سنة ست وستين وستمائة، وأطرابلس في سنة ثمان وثمانين. ثم فتح ابنه (الأشرف خليل) عكّا في سنة تسعين وستمائة، وتتابعت فتوحه ففتح صيدا وبيروت وعثليث في السنة المذكورة. وبفتوحه تكاملت بلاد السواحل بأجمعها. ولما فتحت هدمت جميعها خوفا أن يملكها الفرنج ثانيا وبقيت بأيدي المسلمين إلى الآن.

ومن ذلك أنطاكية- التي هي قاعدة العواصم. فإنها كانت بيد باغي سيان «1» ابن محمد بن ألب أرسلان السلجوقي إلى أن غلب عليها الفرنج في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، وقتلوا باغي سيان المذكور، وقتل فيها ما يزيد على مائة ألف نفس بعد حصار تسعة أشهر، وملكوا معها كفر طاب، وصهيون، والشّغر وبكاس، وسرمين والدّر بساك وغيرها من بلاد حلب، وبالغوا حتّى جاوزوا الفرات إلى بلاد الجزيزة؛ وملكوا الرّها وسروج وغيرهما من بلادها حتّى فتح السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب الشّغر وبكاس وسرمين وغيرها في سنة أربع وثمانين وخمسمائة. ثم استعادتها الفرنج بعد فتحه؛ ثم فتح أنطاكية «الظاهر بيبرس» في سنة ست وستين وستمائة، فبقيت في أيدي المسلمين إلى الآن. ومن ذلك- باقي بلاد الثّغور والعواصم كآياس وأذنة والمصّيصة وطرسوس وبغراس وبهسنى والدّر بساك وسيس وغيرها من بلاد الثغور. فإن الأرمن وثبوا عليها قبل الأربعمائة واستولوا على نواحيها ومنعوا ما كانوا يؤدّونه من الإتاوة للمسلمين، واستضافوا إلى ذلك قلعة الروم وما قاربها، فبقيت في أيديهم حتّى فتح الظاهر بيبرس بغراس وبهسنى والدّر بساك وغيرها، وانتزعها من الأرمن في سنة ثمان وستين وستمائة. وفتح الأشرف «خليل بن قلاوون» قلعة الرّوم، وانتزعها من يد خليفتهم في سنة إحدى وتسعين وستمائة، وسمّاها قلعة المسلمين على ما تقدّم في الكلام على الأعمال الحلبية. وفتح «الناصر محمد بن قلاوون» في سلطنته الثالثة آياس «2» ، وما والاها

الطرف السادس من الفصل الثاني، من الباب الثالث، من المقالة الثانية في ذكر أحوال المملكة الشامية؛ وفيه مقصدان

في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. وفتح «الأشرف شعبان بن حسين» بن الناصر محمد بن قلاوون سيس وسائر بلاد الأرمن على يد قشتمر المنصوريّ نائب حلب. ومن ذلك- قلاع الدعوة، التي هي الآن من أعمال طرابلس: وهي مصياف والعلّيقة والمنيقة والكهف والقدموس والخوابي. فإنها كانت بأيدي الإسماعيلية المعروفين الآن بالفداوية، قبل دخلوهم في طاعة ملوك الديار المصرية، فبقيت بأيديهم حتّى انتزعها منهم الملك «الظاهر بيبرس» في سنة ثمان وستين وستمائة، وانتزع منهم العلّيقة في سنة تسع وستين. ثم انتزعت منهم باقي القلاع في سنة إحدى وسبعين ودخلوا تحت طاعة ملوك مصر من حينئذ، وصاروا شيعة لهم. وهذا آخر ما يحتمله الكتاب مما يحتاج إلى معرفته. الطّرف السادس من الفصل الثاني، من الباب الثالث، من المقالة الثانية في ذكر أحوال المملكة الشامية؛ وفيه مقصدان قد تقدّم أن الممالك المعتبرة بالبلاد الشامية ستّ ممالك في ست قواعد، وكلّ مملكة منها قد صارت نيابة سلطنة مضاهية للمملكة المستقلة.

النيابة الأولى نيابة دمشق؛ وفيها جملتان

النيابة الأولى نيابة دمشق؛ وفيها جملتان «1» المقصد الأول في ترتيب نياباتها على ما هي مستقرة عليه الجملة الأولى في ذكر أحوالها في المعاملات ونحوها أما الأثمان المتعامل بها فيها، فعلى ما تقدّم في الكلام على معاملات الديار المصرية من المعاملة بالدنانير المصرية ونحوها وزنا، والدنانير الافرنتية «2» عدّا، والدراهم النّقرة «3» وزنا لا تختلف النقود في ذلك، إلا أن الصّنجة «4» في أوزان الذهب بالديار المصرية تخالف الصنجة الشامية في ذلك، فتنقص الصنجة الشامية عن المصرية كل مائة مثقال مثقال وربع مثقال، وتنقص صنجة الدراهم الشامية عن الصّنجة المصرية كل مائة درهم درهم؛ والمعاملة فيها بفلوس صغار، وكان يتعامل بها في الديار المصرية في الزمن الأول قبل ضرب الفلوس الجدد «5» ، حسابا عن كل درهم أربعة وستون فلسا، وكل أربعة فلوس منها يعبّر عنها عندهم بحبة، ثم راجت الفلوس الجدد عندهم بعد سنة ثنتين وثمانمائة. إلا أن كلّ «6» بدرهم بخلاف ما تقدّم في الديار المصرية من أن كل أربعة وعشرين فلسا منها بدرهم.

الجملة الثانية في ترتيب مملكتها؛ وهو ضربان

وأما رطلها الذي يعتبر به موزوناتها فستمائة درهم بدرهمهم المتقدّم تقديره، وأواقيّه إثنتا عشرة أوقية، كلّ أوقية خمسون درهما. وأما كيلها الذي يعتبر به مكيلاتها فبالغرارة، وهي اثنا عشر كيلا، كلّ كيل ستة أمداد، ينقص قليلا عن ربع الويبة المصريّ، ونسبة الإردب من الغرارة أن كل غرارة ومدّ ونصف ثلاثة أرادب بالكيل المصريّ تحريرا على الدمشقيّ. ثم قال «1» : لكن كيل دمشق ورطلها هو المعتبر وإليه المرجع. وأما قياس قماشها فبذراع يزيد على ذراع القماش بالقاهرة بنصف سدس ذراع وهو قيراطان. وأما قياس أرض الدّور بها وما في معناها، فإنه يعتبر بذراع العمل «2» المتقدّم الذكر في الديار المصرية. وأما سعرها فقال في «مسالك الأبصار» : سعر اللحم بها أرخص من مصر والدّجاج والإوزّ أغلى من مصر، وكذلك السّكّر؛ ولم يتعرّض لغير ذلك. ولا خفاء في أن الفاكهة فيها أرخص من مصر بالقدر الكبير، والقمح والشعير والباقلاء نحو من سعر مصر؛ وذلك كله عند اعتدال الأسعار. أما حالة الغلاء فيختلف الحال بحسبه. الجملة الثانية في ترتيب مملكتها؛ وهو ضربان الضرب الأول في ترتيب حاضرتها أما جيوشها، فعلى ما تقدّم في الديار المصرية في اجتماعها من الترك

والجركس والروم والروس والآص «1» ، وغير ذلك من الأجناس المضاهية للترك في الزّيّ، ويزيد بها التّركمان المتميزون عن صفة الترك وزيّهم، وجندها ينقسمون إلى ما تقدّم في الديار المصرية: من الأمراء المقدّمين والطبلخانات والعشرات، ومن بين المقدّمين والطبلخانات: كأمراء السبعين والخمسين، وما بين العشرات والطبلخانات كالعشرينات ونحوهم؛ وكذلك مقدّمو الحلقة «2» وجندها، ولا وجود فيها للمماليك السلطانية لأنهم لا يكونون إلا بحضرة السلطان. وقد أخبرني من له خبرة بحال مملكتها أن الأمراء المقدّمين بها كانوا في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون عشرة غير النائب بها، وربما نقصوا الآن عن ذلك، وأن أمراء الطبلخانات بها كانوا إذ ذاك أربعين وأنهم الآن نيّف وخمسون، وأن أمراء العشرات كانوا بها ألفين ومائة وخمسين بما فيهم من البحرية «3» . وأما إقطاعاتها- فقال في «مسالك الأبصار» : إن إقطاعاتها لا تقارب إقطاعات مصر، بل تكون على الثلثين منها، إلا في أكابر الأمراء المقرّبين بحضرة السلطان فإن إقطاعاتهم خارجة عن العادة فلا يعتدّ بها. قال: ولا أعرف بالشأم ما يقارب ذلك إلا ما هو لنائب دمشق. وأما بيوتاتها السلطانية- فقال في «مسالك الأبصار» : بها خزانة تخرج منها الإنعامات والخلع، وخزائن سلاح، وزردخاناه «4» ، وبيوت تشتمل على

الضرب الثاني في بيان أرباب الوظائف بدمشق على تباين مراتبهم؛ ووظائفها المعتبرة على خمسة أصناف

حاشية سلطانية مختصرة، حتّى لو جهز السلطان إليها «1» جريدة وجد بها من كل الوظائف القائمة بدولته. قال: وكل أمير أمّر فيها أو في غيرها من الشام أو ربّ وظيفة ولّي وظيفة من عادة متوليها لبس خلعة أو خدم أحد خدمة في مهم من المهمات أو أمر من الأمور يستوجب خلعة أو إنعاما ولم يخلع عليه من مصر كان من دمشق خلعته وإنعامه، ومنها تخرج أعلام الإمرة وطلائعهن وشعار الطبلخاناة. وفي خزائن السلاح بها تعمل المجانيق والسلاح، ويحمل إلى الشام وتعمر به البلاد والقلاع، ومن قلعتها تجرّد الرجال وأرباب الصنائع إلى جميع قلاع الشام، وتندب في التجاريد «2» والمهمات. قلت: أما باقي البيوت كالفراش خاناه «3» والإصطبلات السلطانية وما شاكلها، فلا وجود لها فيها مما ينسب إلى السلطان، بل يكون ذلك للنائب قائما مقام السلطان لأنه في الحقيقة السلطان الحاضر؛ وكان بها مطابخ السكّر السلطانية فأضيفت إلى من يتحدّث في الأغوار من النائب أو غيره من الأمراء الأكابر. الضرب الثاني في بيان أرباب الوظائف بدمشق على تباين مراتبهم؛ ووظائفها المعتبرة على خمسة أصناف الصنف الأول وظائف أرباب السيوف وهي مضاهية لوظائف أرباب السّيوف بالحضرة السلطانية في كثير منها؛ وهي عدّة وظائف: (منها) نيابة السلطنة بها- وهي أجلّ نيابات المملكة الشامية وأرفعها في

الرتبة، ونائبها يضاهي النائب الكافل بالحضرة السلطانية في الرتبة والألقاب والمكاتبة، ويعبّر عنه في المكاتبات السلطانية وغيرها «بكافل السلطنة الشريفة بالشام المحروس» ويكتب له من الأبواب السلطانية تقليد شريف من ديوان الإنشاء الشريف؛ وهو قائم بدمشق مقام السلطان في أكثر الأمور المتعلقة بنيابته، ويكتب عنه التواقيع الكريمة، ويكتب عنه المربّعات بتعيين إقطاعات الجند، وتجهّز إلى الأبواب الشريفة فيشملها الخطّ الشريف السلطانيّ، ويترتب حكم المربعات المصرية والمناشير على حكمها كما سيأتي في الكلام على المناشير في موضعها إن شاء الله تعالى؛ وهو يكتب على كل ما يتعلق بنيابته من المناشير والتواقيع والمراسيم الشريفة بالاعتماد؛ ومعه يكون نظر البيمارستان النّوري «1» بدمشق كما يكون نظر البيمارستان المنصوريّ «2» بالقاهرة مع أتابك العساكر؛ وكذلك يكون معه نظر الجامع الأمويّ بها. (ومنها) نيابة القلعة بها- وهي نيابة منفردة عن نيابة السلطنة، ليس لنائب السلطنة عليها حديث، وولايتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف يكتب من ديوان الإنشاء الشريف. قال في «التثقيف» : وكان عادة نائبها في الأيام المتقدّمة مقدم ألف، ثم استقرت بعد ذلك طبلخاناه، وهي على ذلك إلى الآن. ومن شأنه حفظ القلعة وصونها، ولا يسلّم مفتاحها لأحد إلا لمن يتولاها مكانه أو لمن يأمره السلطان بتسليمه له. ولنائبها أجناد بحريّة مقيمون في القلعة لخدمته، ولا يحضر هو ولا أحد منهم دار النيابة بالمدينة، ولا يركبون في الغالب. وقد أخبرني بعض أهل المملكة أن بالقلعة طبلا مرتّبا لاستعلام أوقات الليل إذا أذّن للعشاء الآخرة ضرب عليه عند مضيّ كل أربع درج ضربة واحدة إلى أن ينقضي ثلث الليل الأول. فإذا دخل الثلث الثاني ضرب عليه عند مضيّ كل أربع درج ضربتين إلى إلى انقضاء الثلث الثاني. فإذا دخل الثلث الثالث ضرب عليه عند مضيّ كل أربع

درج ثلاث ضربات إلى أن يؤذّن للصبح. قال: وهكذا شأن سائر القلاع بالممالك الشامية. (ومنها) الحجوبية- وكان بها في الأيام الناصرية ابن قلاوون فيما يقال ثلاثة حجّاب، أحدهم حاجب الحجّاب، ويعبر عنه في ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بأمير حاجب؛ وعادته أن يكون مقدّم ألف من الزمن القديم وهلمّ جرّا؛ وهو الرتبة الثانية من النائب؛ ومن شأنه الجلوس بدار العدل، ولا يقف كما يقف حاجب الحجّاب بين يدي السلطان بالديار المصرية، وإذا خرج النائب عن دمشق في مهمّ أو غيره، كان هو نائب الغيبة عنه. وإذا برز مرسوم السلطان بالقبض على نائب السلطنة بها، كان هو الذي يقبض عليه ويفعل فيه ما يؤمر به من سجن أو غيره، ويقوم بأمر البلد إلى أن يقام نائب آخر. والحاجبان الآخران طبلخانتان أو طبلخاناه وعشرة، وربما كانوا أربعة: حاجب الحجّاب وثلاث طبلخانات أو طبلخانتان وعشرون أو عشرة أو غير ذلك؛ ورتبهم في المواكب أن يكون حاجب الحجّاب والذي يليه في الرتبة ميمنة والثاني ميسرة. ثم صاروا في الأيام الظاهرية برقوق خمسة أو ستة. ولم تجر العادة بأن يكتب لأحد منهم مرسوم شريف من الأبواب الشريفة عند ولايته، ولا مدخل للنائب بها في كتابة ما يوقع لأحد منهم. (ومنها) شدّ المهمّات- وهي رتبة جليلة، وموضوعها التحدّث في أمور الاحتياجات السلطانية، وتارة لنائب السلطنة بدمشق، وتارة لحاجب الحجاب، وتارة لبعض الأمراء من المقدّمين والطبلخانات بحسب ما يقتضيه رأي السلطان. (ومنها) نقابة القلعة بها- وهي إمرة عشرة بمرسوم شريف، يكتب له من الأبواب الشريفة. (ومنها) نقابة النّقباء- وهما نقيبان: نقيب للميمنة ونقيب للميسرة. (ومنها) الخزنداريّة- وموضوعها التحدّث على الخلع والتشاريف السلطانية بالقلعة وعادتها أربعة طواشيّة خصيان بعضهم أعلى من بعض، أحدهم في رتبة أمير طبلخاناه أو أمير عشرين، والثاني دونه، والثالث دونه، والرابع دونه؛

وكل منهم له توقيع كريم من نائب السلطنة بدمشق على قدر رتبته. (ومنها) نقابة الجيش- وفيها ثلاثة نفر، أكبرهم يعبر عنه بنقيب النقباء، تارة يكون أمير طبلخاناه، وفي غالب الأوقات أمير عشرة، ودونه اثنان من جند الحلقة. ويكتب لكل منهم توقيع كريم عن النائب على قدر رتبته. (ومنها) شدّ الدواوين- وموضوعها التحدّث في استخراج الأموال السلطانية رفيقا للوزير كما في الديار المصرية، وكانت في الأيام المتقدّمة إمرة طبلخاناه، ثم استقرّت إمرة عشرة. وهي الآن جنديّ من أجناد الحلقة، ويكتب لمتوليها توقيع كريم عن النائب. (ومنها) شدّ الأوقاف- وموضوعها التحدّث على أوقاف المسلمين بدمشق، وعادتها إمرة عشرة، وربما كانت طبلخاناه، ويكتب لمتوليها توقيع كريم عن النائب. (ومنها) شدّ الخاصّ- وعادته طبلخاناه أو عشرة أيضا. (ومنها) شدّ الزكاة- وموضوعها التحدّث على متجر الكارم «1» ونحوه، وكانت في الزمن المتقدّم إمرة عشرة، وهي الآن جنديّ، ويكتب لمتوليها توقيع كريم عن النائب. (ومنها) شدّ العشر «2» - وموضوعها التحدّث في واصل «3» الفرنج، وكانت إمرة عشرة، وهي الآن جنديّ، ويكتب لمتوليها توقيع كريم عن النائب. (ومنها) شدّ الطّعم- وهي بمثابة الوكالة بالديار المصرية، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم، وعادتها إمرة عشرة أو مقدّم حلقة أو جنديّ، ويكتب بها توقيع كريم عن النائب.

(ومنها) ولاية المدينة- وموضوعها التحدّث في أمر الشّرطة كما في سائر الولايات، وعادتها إمرة عشرة، وربما وليها جنديّ، ويكتب بها توقيع كريم عن النائب. (ومنها) المهمنداريّة «1» - وموضوعها تلقي الرّسل الواردين، في أمور أخرى كما في الديار المصرية. وقد أخبرني بعض أهل المملكة أنه كان بها في الأيام الناصرية ابن قلاوون في نيابة الأمير تنكز مهمندار واحد مقدّم ألف، ثم استقرّت في الدولة الأشرفية «شعبان بن حسين» نفرين، وهي على ذلك إلى زماننا، وهما الآن أمير عشرة، وجنديّ، ويكتب لكل منهما توقيع كريم عن النائب على قدر رتبته. (ومنها) أمير اخورية البريد- وموضوعها التحدّث على خيول البريد بدمشق ونواحيها. وأخبرني بعض أهل هذه المملكة أنه لم يزل بها أمير عشرة من الأيام الناصرية ابن قلاوون وإلى الآن. (ومنها) تقدمة البريد- وموضوعها التحدّث على جماعة البريدية بدمشق. وأخبرني بعض أهل المملكة أنها كانت في الأيام الناصرية ابن قلاوون منحصرة في واحد من جملة البريدية، ثم استقر فيها الآن اثنان إما إمرة عشرة وإمرة خمسة، أو إمرة خمسة وجنديّ، أو نحو ذلك؛ ويكتب لكل منهما توقيع كريم عن النائب على قدر مرتبته. (ومنها) شدود صغار متعدّدة، يولّى بها أجناد بتواقيع لهم عن النائب: كشدّ دار البطّيخ والفاكهة، وشدّ المسابك من الحديد والنّحاس والزّجاج وغير ذلك، وشدّ المواريث الحشرية «2» ونحو ذلك. وكان لمطابخ السّكّر شدّ مفرد يولّى بتوقيع كريم عن النائب، ثم استقر ذلك مضافا لمن يتحدّث على الأغوار من النائب أو غيره.

الصنف الثاني الوظائف الديوانية؛ وهي عشر وظائف

قلت: أما سائر أرباب الوظائف من الأمراء المستقر مثلهم بالحضرة السلطانية: كرأس نوبة، وأمير مجلس، وأمير سلاح، وأمير اخور، وأمير جاندار، وأستادار المباشرة، وأستادار الصحبة، وشادّ الشراب خاناه، والجاشنكير، ومقدّم المماليك ونحوهم «1» ، فلا وجود لهم هناك. وإنما يكون للنائب مثلهم من أجناده كغيره من سائر الأمراء. الصنف الثاني الوظائف الدّيوانية؛ وهي عشر وظائف (منها) الوزارة- وهي تارة تعلو رتبة صاحبها بأن يكون جليل القدر، كما إذا كان قد تقدّمت له ولاية وزارة بالديار المصرية أو نحو ذلك فيصرّح له بالوزارة، وتارة تقصر رتبته عن ذلك فيطلق عليه ناظر المملكة الشامية، ولا يسمح له من ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية باسم الوزارة، وإن كان الجاري على ألسنة العامة إطلاق لفظ الوزير عليه. وكيفما كان فإنما يوليه السلطان من الأبواب الشريفة، إن كان وزيرا كتب له تقليد، وإن كان ناظر المملكة كتب له مرسوم. قلت: وقلّ أن يليها أرباب السيوف، فإن وقع ذلك احتاج معه إلى ناظر مملكة كما يكون ناظر الدولة مع الوزير ربّ السيف بالديار المصرية. (ومنها) كتابة السّرّ- ويعبر عن متوليها في ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بصاحب ديوان الإنشاء بالشام المحروس، ولا يقال فيه: صاحب دواوين الإنشاء كما في الديار المصرية. على أنها تضاهي كتابة السر بالديار المصرية في الرياسة ورفعة القدر. وموضوعها على نحو ما تقدّم في الديار المصرية. وكيفما كان فإنما يولّى من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف، ويحترز السلطان فيها على أن يكون كاتب السر من خاصته الموثوق بهم ليطالعه بخفيات أمور المملكة وما

يحدث بها مما لعل النائب قد يخفيه «1» عن السلطان. وبديوانه كتّاب الدّست «2» وكتّاب الدّرج «3» كما بالديار المصرية، ويقال إنه كان عدّة كتّاب الدست في الأيام الناصرية ابن قلاوون نفرين وكتّاب الدّرج جماعة يسيرة، ثم زاد الأمر كما في الديار المصرية. وولايات كتّاب الدّست وكتّاب الدّرج بتواقيع كريمة عن النائب دون الأبواب الشريفة. وأخبرني بعض أهل دمشق العارفين بأحوال المملكة أن كاتب السرّ في الزمن المتقدّم لم يكن يحضر دار العدل مع النائب، وإنما كان يحضر كتّاب الدست فقط فيوقّعون بما يحتاج إليه في المجلس وينصرفون إلى كاتب السر فيخبرونه بما اتّفق، وكاتب السر يجتمع بالنائب في أوقات مخصوصة فيما يتعلق «4» بالأمور السلطانية فقط، وكان كاتب السرّ ربما داجى «5» عليه الموقّعون فيما يقع بدار العدل فيلحقه بعض الخلل. فلما ولي كتابة السرّ القاضي «6» سعى السعي العظيم حتّى أذن له في الحضور بدار العدل والتوقيع فيه، واستمر ذلك إلى الآن. (ومنها) نظر الجيش- وموضوعه التحدّث في الإقطاعات: إما في كتابة مربّعات تكتب بما يعينه النائب من الإقطاعات المتوفّرة عن أربابها بالموت ونحوها وتكميلها بخطوط ديوانه، ويجهزها النائب إلى الأبواب الشريفة ليشملها الخطّ الشريف السلطانيّ، وتحمل إلى ديوان الجيوش بالديار المصرية فتجعل

شاهدا مخلّدا فيه، وتكتب منه مربعة، بمقتضاها يخرج المنشور على نظيرها كما تقدّمت الإشارة إليه، وإما في إثبات المناشير الشريفة التي تصدر إليه من الأبواب السلطانية بديوانه حفظا لحسبانات المقطعين. وليس بالشام كتابة مناشير أصلا، بل ذلك مختص بالأبواب السلطانية، فإن كان فيه كتابة الدست وقّع بدار العدل في جملة الموقعين وإلا فلا، وإذا كان موقعا جلس مجلس ناظر الجيش وإن كان متأخرا في القدمة عن غيره من الموقّعين، وولاية هذا الناظر من الأبواب الشريفة السلطانية بتوقيع شريف. وبديوانه عدّة مباشرين من صاحب ديوان وكتّاب وشهود، ولايتهم عن النائب بتواقيع كريمة. وناظر الجيش هو الذي يحكم في المحاكمات الديوانية كما يحكم فيها مستوفي المرتجع «1» بالديار المصرية. (ومنها) نظر المهمّات الشريفة- وهي وظيفة جليلة يكون متوليها من أرباب الاقلام رفيقا لشادّ المهمات المتقدّم ذكره من أرباب السيوف: من النائب أو حاجب الحجّاب أو غيرهما. وهي تارة تضاف إلى الوزارة، وتارة تفرد عنها بحسب ما يراه السلطان. وولايتها من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف. وبهذا الديوان عدّة مباشرين من كتّاب وشهود؛ فيوليهم النائب بتواقيع كريمة. (ومنها) نظر الخاص- وموضوعه هناك التحدّث فيما يتعلق بالمستأجرات السلطانية وغيرها من الأغوار وما يجري مجراها، وربما أضيف نظرها للوزير. (ومنها) نظر الخزانة، ويعبر عنها بالخزانة العالية. ومتوليها يكون رفيقا للخازندارية من الطواشيّة المتقدّم ذكرهم، فيكون متحدّثا في أمر التشاريف والخلع وما معها؛ وهي وظيفة جليلة يوليها النائب بتوقيع كريم. (ومنها) نظر البيمارستان النّوريّ- وقد صار النظر عليه معدوقا «2» بالنائب،

يفوّض التحدّث فيه إلى من يختاره من أرباب الأقلام. (ومنها) نظر الجامع الأمويّ- وفي الغالب يكون مع قاضي القضاة الشافعيّ. (ومنها) نظر خزائن السّلاح- وموضوعها كما في الديار المصرية، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم. (ومنها) نظر البيوت- وموضوعها على ما تقدّم في الديار المصرية، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم. وأخبرني بعض الدّمشقيّين أن هذه الوظيفة اسم على غير مسمّى لا حقيقة لها ولا مباشرة، لعدم البيوت السلطانية هناك. (ومنها) نظر بيت المال- وحكمها كما في الديار المصرية. (ومنها) نظر ديوان الأسرى- وهو التحدّث في الأوقاف التي تفدى بها الأسرى. (ومنها) نظر الأسواق- وموضوعها كما تقدّم في الديار المصرية من التحدّث على سوق الرقيق والخيل ونحوها، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم. (ومنها) نظر مراكز البريد- ومتوليها يكون رفيقا لأمير اخور البريد المقدّم ذكره، وولايته عن النائب بتوقيع كريم. (ومنها) نظر الحوطات- وهو على نحو من استيفاء المرتجع بالديار المصرية في تحصيل الأموال السلطانية. أما الحكم في المحاكمات الديوانية، فيختص بناظر الجيش كما تقدّم ذكره. (ومنها) نظر المسابك- ومتوليه يكون رفيقا لشادّ المسابك المتقدّم ذكره في أرباب السيوف، وولايته عن النائب بتوقيع كريم. قلت: ويضم إلى كل نظر من هذه الأنظار مباشرون: من شهود وغيرهم، يكتب لذوي الصوب منهم تواقيع كريمة عن النائب بوظائفهم، في أنظار أخرى لا يسع استيفاؤها: كنظر المواريث

الصنف الثالث من الوظائف بدمشق الوظائف الدينية؛ وهي عدة وظائف أيضا

الحشرية وغيرها. ومما أهمل من الأنظار بها نظر مطابخ السّكّر كما أهمل شدّها لإضافتها إلى المتحدّث في الأغوار على ما تقدّم ذكره في الكلام على وظائف أرباب السيوف. الصنف الثالث من الوظائف بدمشق الوظائف الدينية؛ وهي عدّة وظائف أيضا (منها) قضاء القضاة- وبها أربع قضاة من المذاهب الأربعة على الترتيب المتقدّم في الديار المصرية. فأعلاهم الشافعيّ وهو المتحدّث على الموازع الحكمية والأوقاف وأكثر الوظائف؛ ويختص بتولية النواب في النواحي والأعمال بجميع أعمال دمشق حتّى في غزّة، ويليه في الرتبة الحنفيّ، ثم المالكيّ، ثم الحنبليّ. وكان استقرار القضاة الأربعة بها بعد حدوث ذلك بالديار المصرية، لكن لم تستقر الأربعة دفعة واحدة كما وقع في الديار المصرية في الدولة الظاهرية بيبرس، بل على التدريج. وأقدمهم فيها الشافعيّ؛ وولاية الأربعة من الأبواب الشريفة بتواقيع شريفة. (ومنها) قضاء العسكر- وموضوعه كما تقدم في الديار المصرية، وبها قاضيا عسكر شافعيّ، وحنفيّ؛ وليس بها مالكيّ، ولا حنبليّ؛ وولايتهما من الأبواب الشريفة السلطانية بتواقيع شريفة. (ومنها) إفتاء دار العدل- وهي على ما تقدّم في الديار المصرية أيضا، وبها مفتيان شافعيّ وحنفيّ، كما في قضاء العسكر، وولايتهما عن النائب بتواقيع كريمة. (ومنها) وكالة بيت المال- وموضوعها ما تقدّم في الديار المصرية، وولايتها من الأبواب الشريفة السلطانية بتوقيع شريف ووكالته مثبوتة «1» على الحكام منفّذة. ولكن لا جلوس له بدار العدل كما يجلس وكيل بيت المال بالديار

الصنف الرابع من الوظائف بدمشق وظائف أرباب الصناعات

المصرية، إلا أن يكون كاتب دست فيجلس بواسطتها في جملة الموقّعين لا بالوكالة. (ومنها) نقابة الأشراف- والأمر فيها كما في الديار المصرية، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم. وقد تقدّم عليها في الديار المصرية أنه كان من حقها أن تورد في جملة وظائف أرباب السيوف إذ يكتب في توقيع متوليها «الأميري» وإن كان متعمما، وإنما التغليب العرفيّ اقتضى ذكرها في جملة وظائف أرباب الأقلام. (ومنها) مشيخة الشيوخ- وموضوعها كما في الديار المصرية: من التحدّث على جميع الخوانق والفقراء بدمشق وأعمالها؛ والعادة أن يكون متوليها شيخ الخانقاه الشّميصاتية بدمشق، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم. (ومنها) الحسبة- وهي كما تقدّم في الديار المصرية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم. ولا مجلس لمتوليها بدار العدل كما يجلس محتسب القاهرة بدار العدل في الديار المصرية، وإليه ولاية نوّاب الحسبة بجميع أعمال دمشق. (ومنها) الخطابات المعدوقة بنظر النائب- فيولّى فيها بتواقيع كريمة حتّى إنه ربما كتب عنه التواقيع بخطابة الجامع الأمويّ، وإن كان الغالب أنها لا تولّى إلا من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف، وقد صارت مضافة لقاضي القضاة الشافعيّ. (ومنها) التداريس- وتختلف باختلاف حال من يتولاها في الرّفعة وغيرها، وولاياتها عن النائب بتواقيع كريمة غالبا والله أعلم. الصنف الرابع من الوظائف بدمشق وظائف أرباب الصنّاعات (فمنها) رياسة الطّبّ، ورياسة الكحّالين، ورياسة الجرائحية- وكلّها على نحو ما تقدّم في الديار المصرية، وولاية كل منها بتوقيع كريم عن النائب. أما مهتارية «1» البيوت وما في معناها، فهناك تختص بالنائب لقيامه مقام السلطان

الصنف الخامس وظائف زعماء أهل الذمة بها

واختصاص البيوت به. الصنف الخامس وظائف زعماء أهل الذمة بها وفيها بطرك النصارى اليعاقبة «1» ، وبطرك النصارى الملكانية «2» ، ورئيس اليهود القرّايين «3» والربّانيين، ورئيس السامرة «4» ، ولكنه مقيم بمدينة نابلس التي هي مدينتهم المعظمة عندهم، وإلى طورها حجّهم، وله نائب مقيم بدمشق. قلت: وربما كتب عن السلطان من الأبواب الشريفة بتواقيع ومراسيم بالحلّ «5» على ما تصدر ولايته عن النائب، وربما كتب به عنه ابتداء. الجملة الثالثة في ترتيب النيابة بها وتوافق ترتيب السلطنة في الديار المصرية في بعض الأمور، وتخالفها في

بعض. وكان عادة النائب بها في المواكب أن يركب في العسكر من الأمراء ومقدّمي الحلقة وأجنادها في كل يوم اثنين وخميس، ويخرجون إلى سوق الخيل تحت القلعة فيسيّرون خيولهم، وتعرض عليهم خيول المناداة وغيرها من آلات السلاح ونحوها، وينادى بينهم على العقار من الدور والضّياع وغيرها، ولا يتعدّون سوق الخيل إلى غيره. أما الآن فإنهم قد رفضوا التسيير بسوق الخيل، وصار النائب يخرج بالعسكر إما إلى ميدان ابن أتابك، وإما إلى قبة يلبغا: قبليّ دمشق، وإما إلى المزّة غربيّ دمشق، وإما إلى القابون شماليّ دمشق على حسب ما يختاره، فيسيّرون هناك بدلا من تسيرهم بسوق الخيل، ولا يسيّرون بسوق الخيل إلا في يوم مهمّ من حضور رسل من بعض الملوك الغرباء ونحو ذلك. فإذا فرغوا من التسيير عند ارتفاع النهار، عاد النائب في موكبه حتّى يأتي باب الحديد من أبواب القلعة، ويقف الأمراء على ترتيب منازلهم، وينادى بينهم على العقار والدّور وغيرها، وكذلك الخيول والسلاح. ثم يسير النائب إلى دار النيابة، فإن كان في المواكب سماط تقدّم الأمراء في خدمته، ويترجل مماليكه من سوق الخيل، ثم الأمراء على القرب من دار النيابة على ترتيب منازلهم حتّى يكون ترجل المقدّمين على باب النيابة، ويبقى النائب راكبا وحده حتّى ينتهي إلى قاعة عظيمة معدّة للجلوس في المواكب بمثابة الإيوان الذي يجلس فيه السلطان بقلعة الجبل بالديار المصرية، ويصدّر بها كرسي من خشب مغشّى بغشاء من الحرير الأطلس الأصفر، وعليه سيف نمجاه «1» ، مسند إلى صدره، فيجلس النائب بصدر القاعة على مقعد مختصّ به، لا يشاركه أحد في الجلوس عليه، وخلفه بشتميخ «2» منصوب وراء ظهره كعادة الأمراء، ويكون الكرسيّ المذكور على نحو ثلاثة أذرع منه؛ ويجلس قاضي القضاة الشافعيّ عن يمين النائب على نحو ثلاثة أذرع منه، مسندا ظهره إلى جدار صدر القاعة، ويجلس قاضي القضاة الحنفيّ عن يمينه، وقاضي القضاة المالكيّ عن يمين الحنفيّ، وقاضي القضاة الحنبليّ عن يمين

المالكيّ، وقاضي العسكر الشافعيّ عن يمين قاضي القضاة الحنبليّ، وقاضي العسكر الحنفيّ عن يمين قاضي العسكر الشافعيّ، صفّا مساويا للنائب في صدر القاعة؛ ويجلس كاتب السر من جهة يسار النائب ملاصقا لمقعده الذي هو جالس عليه، جاعلا يمينه إلى جدار صدر القاعة وظهره إلى جهة الكرسيّ بانحراف قليل لمواجهة النائب؛ وكتّاب الدست بالميسرة تحته بالتدريج على حسب القدمة صفّا ممتدا من كاتب السر إلى جهة باب القاعة، ويجلس الوزير مقابل كاتب السر من الجانب الآخر على سمت يمين قاضي القضاة الحنبليّ، ويجلس ناظر الجيش تحته، وكتّاب الدست بالميمنة تحت ناظر الجيش على الترتيب بالقدمة أيضا، آخذا من الوزير إلى جهة باب القاعة، فيصير كاتب السر والوزير ومن يسامتهما صفين متقابلين، ويجلس أتابك العساكر من الأمراء في رأس الميمنة خلف الوزير على بعد، وبقية الأمراء المقدّمين تحته على الترتيب بحسب القدمة، وأمراء الطبلخاناه بالميمنة تحتهم كذلك حتّى يصيروا صفّا آخر كصف الوزير ومن معه؛ ويجلس المقدّمون من أمراء الميسرة خلف كاتب السر ومن معه وتحتهم الطبلخاناه على الترتيب المتقدّم صفّا آخر مقابلا لصف الميمنة بحيث يكون أوّله خارجا عن يسار الكرسيّ. ويكون بين النائب ورأس الميمنة نحو خمسة أذرع، وبينه وبين رأس الميسرة نحو عشرة أذرع، وتقف طائفة من أمراء العشرات والخمسات ومقدّمي الحلقة بالميمنة صفّا مستقيما خلف الأتابك والأمراء الجلوس في صفّه على ترتيب منازلهم، ويقف مماليك النائب عن يسار الكرسيّ صفّا آخذا من خلف أوّل مقدّمي الميسرة بانحراف فيه إلى خلف، وطائفة من مقدّمي الحلقة خلف الأمراء الجالسين في الفرجة الواقعة بينهم وبين مماليك النائب؛ ويجلس حاجب الحجّاب أمام النائب في آخر صفي الموقعين الممتدّين من كاتب السر والوزير بميلة إلى صف الميمنة؛ ويقف بقية الحجاب خلفه، ونقباء الجيش خلفهم. وترفع القصص فيتناولها نقباء الجيش ويوصلونها إلى حاجب الحجّاب فيتناولها ويقوم فيوصّلها إلى كاتب السر فيفرّقها على الموقّعين، ويبتديء هو بالقراءة فيقرأ ما بيده من القصص ويوقّع عليها بما يرسم به النائب، ثم يقرأ الذي

المقصد الثاني في ترتيب ما هو خارج عن حاضرة دمشق وهو على ضربين

يليه، ثم الذي يليه إلى آخر صفه. فإذا فرغ ذلك الصف من القراءة، قرأ من هو أوّل الصف الذي في جانب الوزير، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه إلى آخر الصف. فإذا انتهت القراءة، قام القضاة ومن في صفهم وكاتب السر والوزير وناظر الجيش وسائر أرباب الأقلام فينصرفون، فإذا انقضى المجلس وانصرف القضاة ومن معهم، مدّ السّماط، ويجلس النائب على رأس السماط والأمراء ومقدّمو الحلقة على ترتيب منازلهم فيأكلون، ثم يرفع السماط ويتحوّل النائب إلى طرف الإيوان فيجلس فيه، ويجلس قدّامه كاتب السر وناظر الجيش وتأتي المحاكمات فيفصلها، ويقرأ عليه كاتب السر ما يرفع في ذلك المجلس من القصص؛ ويتكلم مع ناظر الجيش فيما يتعلق بأمر الجيش والإقطاعات، ثم يقوم من مجلسه ذلك وينصرف كاتب السر وناظر الجيش. قال في «مسالك الأبصار» : وتزيد عساكر الشام على غيرها ركوب يوم السبت. قلت: وهو ركوب مجرّد ليس فيه دار عدل ولا سماط. على أنه ربما أهمل حضور دار العدل ومدّ السماط في يومي الاثنين والخميس أيضا كما في الديار المصرية. المقصد الثاني في ترتيب ما هو خارج عن حاضرة دمشق وهو على ضربين الضرب الأوّل ما هو خارج عن حاضرتها من النّيابات والولايات قد تقدّم أن لدمشق أربع صفقات: غربية (وهي الساحلية) . وقبلية وشمالية. وشرقية. ففي الصفقة الأولى وهي الغربية نيابتان وخمس ولايات. فأما النيابتان: فالأولى- (نيابة غزّة) أو تقدمة العسكر بها على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

ومعاملاتها بالدنانير وبالدراهم النّقرة، وصنجتها في الذهب والفضة كصنجة الديار المصرية. وكان بها فلوس كل ثمانين منها بدرهم، ويعبّر عن كل أربعة منها بحبّة، ثم راجت بها الفلوس الجدد في أوائل الدولة الناصرية «فرج بن برقوق» ولكن كل ستة وثلاثين فلسا منها بدرهم، ورطلها سبعمائة وعشرون درهما بالدرهم المصريّ، وأواقيّة اثنتا عشرة أوقية، كل أوقية ستون درهما. ومكيلاتها معتبرة بالغرارة. وكل غرارة من غرائرها ثلاثة أرادبّ بالمصريّ؛ وقياس قماشها بالذراع المصريّ؛ وأرضها معتبرة بالفدّان الإسلاميّ والفدّان الروميّ على ما تقدم في دمشق؛ وجيوشها مجتمعة من الترك ومن في معناهم ومن العرب والتّركمان؛ وبها من الوظائف النيابة ثم تارة يصرح لنائبها بنيابة السلطنة. وبكل حال فنائبها أو مقدّم العسكر بها لا يكون إلا مقدّم ألف؛ وبها أمراء الطبلخاناه والعشرات والخمسات ومن في معناهم، وفيها من وظائف أرباب السيوف الحجوبية وحاجبها أمير طبلخاناه، وولاية المدينة وولاية البر، وشدّ الدواوين، والمهمندارية، ونقابة النقباء وغير ذلك. وبها من الوظائف الديوانية كاتب درج، وناظر جيش، وناظر مال، وولايتهم من الأبواب السلطانية. ومن الوظائف الدينية قاض شافعيّ، وولايته من قبل قاضي دمشق إذا كانت غزة تقدمة عسكر وإلا فهي من الأبواب السلطانية، وقاض حنفيّ قد استحدث، وولايته من الأبواب السلطانية، وبها المحتسب، ووكيل بيت المال ومن في معناهم وكلهم نوّاب لأرباب هذه الوظائف بدمشق كما في القاضي الشافعيّ. وليس بها قضاء عسكر ولا إفتاء دار عدل. الثانية- (نيابة القدس) - وقد تقدّم أنها كانت في الزمن المتقدّم ولاية صغيرة وأن النيابة استحدثت فيها في سنة سبع وسبعين وسبعمائة، ونيابتها إمرة طبلخاناه، وقد جرت العادة أن يضاف إليها نظر القدس ومقام الخليل عليه السلام؛

ومعاملتها بالذهب والفضة والفلوس على ما تقدّم في معاملة دمشق؛ ورطلها «1» وكيلها يعتبر بالغرارة، وغرارتها «2» وقياس قماشها بذراع «3» ، وبها من الوظائف غير النيابة ولاية قلعة القدس، وواليها جنديّ وكذلك ولاية المدينة، وكانت توليتها أوّلا من جهة نائب السلطنة بدمشق، ثم أخبرني بعض أهل المملكة الشامية أن ولاية والي القلعة وولاية البلد صارتا إلى نائب القدس من حين استقرّ نيابة، وكذلك ولاية بلد الخليل عليه السلام. وبها قاض شافعيّ ومحتسب نائبان عن قاضي دمشق ومحتسبها، وكذلك جميع الوظائف بها نيابات عن أرباب الوظائف بدمشق. وأما الولايات: فالأولى- (ولاية الرّملة) - وكانت في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون من الولايات الصّغار بها جنديّ، ثم استقرّ بها في دولة الظاهر برقوق كاشف أمير طبلخاناه، ثم حدثت مكاتبته عن الأبواب السلطانية بعد ذلك. الثانية- (ولاية لدّ) - وقد كانت في الأيام الناصرية ابن قلاوون ولاية صغيرة بها جنديّ، ثم أضيفت إلى الرملة حين استقر بها الكاشف المقدّم ذكره. الثالثة- (ولاية قاقون) - وكان بها في الأيام الناصرية جنديّ، ثم أضيفت إلى كاشف الرملة عند استقراره. الرابعة- (ولاية بلد الخليل عليه السلام) - وكان في الأيام الناصرية بها جنديّ، ثم أضيفت إلى القدس حين استقرّ النائب به. الخامسة- (ولاية نابلس) - وهي باقية على حالها في الانفراد بالولاية، وواليها تارة يكون أمير طبلخاناه، وتارة أمير عشرين، وتارة أمير عشرة. وأما الصفقة الثانية وهي القبلية، فبها نيابتان وثمان «4» ولايات.

فأما النيابتان: فالأولى منهما (نيابة قلعة صرخد) - قال في «التعريف» : قد يجعل فيها من ينحطّ عن رتبة السلطنة أو تكون نيابة معظمة، وذكر نحوه في «مسالك الأبصار» وكأنه يشير إلى ما كانت عليه في زمانه، فإنه من جملة من كان نائبا بها العادل كتبغا بعد خلعه من السلطنة، ثم انتقل منها إلى نيابة حماة. واعلم أن بصرخد المذكورة قلعة لها وال خاصّ. قال في «التثقيف» : وهي من القلاع التي يستقل نائب الشأم بالتولية فيها. الثانية- (نيابة عجلون) - وقد أشار في «التثقيف» إلى أنها نيابة حيث قال: وعجلون إن كانت نيابة فإن نائب الشأم يستقل بالتولية فيها ولم تجر له عادة بمكاتبة من الأبواب الشريفة. وأما الولايات: فالأولى- (ولاية بيسان) - وواليها جنديّ. الثانية- (ولاية بانياس) - وواليها جنديّ تارة، وتارة إمرة عشرة. الثالثة- (ولاية قلعة الصّبيبة) - وكانت ولاية صغيرة وبها جنديّ ثم أضيفت إلى بانياس. الرابعة- (ولاية الشّعرا) - وكانت في الأيام الناصرية مضافة إلى بانياس، وهي الآن ولاية مفردة، وواليها جنديّ. الخامسة- (ولاية أذرعات) «1» - قال في «التعريف» : وبها مقرّ ولاية الحاكم على جميع الصفقة؛ ثم الحاكم على جميع الصفقة تارة يكون طبلخاناه وتكون ولايته عن نائب الشأم، وتارة يكون مقدّم ألف فتكون ولايته من الأبواب السلطانية. أخبرني بعض كتّاب دست دمشق أنه إن كان مقدّم ألف، سمّي كاشف الكشّاف وإن كان طبلخاناه سمّي والي الولاة وهو الغالب.

السادسة- (ولاية حسبان والصّلت) - من البلقاء. أخبرني القاضي ناصر الدين بن أبي الطيب كاتب السر بدمشق أنهما إن جمعا لوال واحد كان أمير طبلخاناه أو أمير عشرة، وإن أفرد كل منهما لوال كان جنديّا. السابعة- (ولاية بصرى) - وواليها جنديّ أيضا. الصفقة الثانية الشمالية. وفيها نيابة واحدة وثلاث ولايات: فأما النيابة (فنيابة بعلبكّ) - وقد كانت في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون إمرة عشرة، ثم صارت الآن إمرة طبلخاناه، وبكل حال فنائب الشأم هو الذي يستقل بولايتها، وربما وليت من الأبواب السلطانية. قال في «التعريف» : ولها ولاية خاصة يعني غير ولاية المدينة؛ وقد كانت في الدولة الأيوبية مفردة في الغالب بملك بمفردها. وأما الولايات: فالأولى- منها (ولاية البقاع البعلبكيّ) - قال في «التعريف» : وهاتان الولايتان «1» الآن منفصلتان عن بعلبكّ وهما مجموعتان لوال واحد جليل مفرد بذاته؛ وهما على ما ذكره من جمعهما لوال واحد إلى الآن، إلا أنه تارة يليهما مقدّم حلقة وتارة جنديّ. الثانية- (ولاية بيروت) » - وولايتها الآن إمرة طبلخاناه. الثالثة- (ولاية صيدا) «3» - قال في «مسالك الأبصار» : وهي ولاية جليلة؛ وهي على ما ذكره إلى زماننا، تارة يليها أمير طبلخاناه، وتارة أمير عشرة. الصفقة الرابعة الشرقية. وبها ثلاث نيابات وأربع ولايات.

فأما النيابات: فالأولى- (نيابة حمص) - وهي نيابة جليلة، وقد كانت في الأيام الناصرية فما بعدها تقدمة ألف. قال في «التثقيف» : ثم استقرت طبلخاناه بعد ذلك. قال: ونائب قلعتها من المماليك السلطانية. وقد تقدّم أن الذّكر في الزمن القديم كان لها دون حماة، وقد كانت في الدولة الأيوبية مملكة منفردة تارة، وتضاف إلى غيرها أخرى. الثانية- (نيابة مصياف) - وقد تقدّم أنها كانت أوّلا من مضافات أطرابلس في جملة قلاع الدعوة، ثم أضيفت بعد ذلك إلى دمشق واستمرّت على ذلك إلى الآن. ونيابتها تارة تكون إمرة طبلخاناه، وتارة تكون إمرة عشرة، وبكل حال فتوليتها من الأبواب السلطانية، ونائبها لا يكتب له إلا في المهمّات دون خلاص الحقوق أيضا. الثالثة- (ولاية صيدا) «1» - والغالب في نيابتها أن تكون تقدمة ألف، وأشار في «التثقيف» إلى أنها قد تكون طبلخاناه، قال في «التعريف» : وبقلعتها بحرية وخيّالة وكشّافة وطوائف من المستخدمين.

الضرب الثاني من الخارج عن حاضرة دمشق العربان؛ والإمرة بها في بطون من العرب

الضرب الثاني من الخارج عن حاضرة دمشق العربان؛ والإمرة بها في بطون من العرب «1» البطن الأولى آل ربيعة من طيّىء من كهلان من القحطانية وهم بنو ربيعة «2» بن حازم، بن عليّ، بن مفرج، بن دغفل، بن جراح، وقد تقدّم نسبه مستوفى مع ذكر الاختلاف فيه في الكلام على ما يحتاج إليه الكاتب في المقالة الأولى «3» . قال في «العبر» : وكانت الرياسة عليهم في زمن الفاطميين: خلفاء مصر لبني جراح، كان كبيرهم مفرج بن دغفل بن جراح، وكان من إقطاعه الرملة. ومن ولده حسّان وعليّ ومحمود وحرار، وولي حسّان بعده فعظم أمره وعلا صيته، وهو الذي مدحه الرّياشيّ الشاعر في شعره. قال الحمدانيّ «4» : وكان مبدأ ربيعة أنه نشأ في أيام الأتابك زنكي صاحب الموصل، وكان أمير عرب الشام أيام طغتكين السّلجوقيّ صاحب دمشق ووفد على السلطان نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشأم فأكرمه وشاد بذكره. قال: وكان له أربعة أولاد، وهم فضل، ومرا، وثابت، ودغفل، ووقع في كلام المسبحيّ «5» أنه كان له ولد اسمه بدر. قال الحمدانيّ: وفي آل ربيعة جماعة كثيرة أعيان لهم مكانة وأبّهة، أوّل من رأيت منهم ماتع بن حديثة وغنام بن الطاهر، على أيام الملك الكامل

محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب. قال: ثم حضر بعد ذلك منهم إلى الأبواب السلطانية في دولة المعز أيبك وإلى أيام المنصور قلاوون زامل بن عليّ بن حديثة، وأخوه أبو بكر بن عليّ، وأحمد بن حجي وأولاده، وإخوته، وعيسى بن مهنّا وأولاده وأخوه؛ وكلهم رؤساء أكابر وسادات العرب ووجوهها، ولهم عند السلاطين حرمة كبيرة وصيت عظيم، إلى رونق في بيوتهم ومنازلهم. من تلق منهم تقل: لاقيت سيّدهم ... مثل النّجوم التي يسري بها السّاري ثم قال: إلا أنّهم مع بعد صيتهم قليل عددهم، قال في «مسالك الأبصار» : لكنهم كما قيل: تعيّرنا أنّا قليل عديدنا ... فقلت لها: إنّ الكرام قليل وما ضرّنا أنّا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل ولم يزل لهم عند الملوك المكانة العلية والدرجة الرفيعة، يحلّونهم فوق كيوان، وينوّعون لهم أجناس الإحسان. قال الحمدانيّ: وفد فرج بن حيّة على المعز أيبك فأنزله بدار الضيافة وأقام أياما، فكان مقدار ما وصل إليه من عين وقماش وإقامة له ولمن معه- ستة وثلاثين ألف دينار. قال: واجتمع أيام «الظاهر بيبرس» جماعة من آل ربيعة وغيرهم فحصل لهم من الضيافة خاصة في المدّة اليسيرة أكثر من هذا المقدار، وما يعلم ما صرف على يديّ من بيوت الأموال والخزائن والغلال للعرب خاصّة إلا الله تعالى. واعلم أن آل ربيعة قد انقسموا إلى ثلاثة أفخاذ، هم المشهورون منهم ومن عداهم أتباع لهم وداخلون في عددهم، ولكل من الثلاثة أمير مختص به. الفخذ الأول- (آل فضل) - وهو فضل بن ربيعة المقدّم ذكره؛ وهم رأس الكل وأعلاهم درجة وأرفعهم مكانة. قال في «مسالك الأبصار» : وديارهم من حمص إلى قلعة جعبر إلى الرّحبة، آخذين على شقّي الفرات وأطراف العراق حتّى ينتهي

حدّهم قبلة بشرق إلى الوشم «1» ، آخذين يسارا إلى البصرة؛ ولهم مياه كثيرة ومناهل مورودة: ولها منهل على كلّ ماء ... وعلى كلّ دمنة آثار وقد ذكر في «مسالك الأبصار» نقلا عن محمود بن عرام، من بني ثابت ابن ربيعة: أن آل فضل تشعّبوا شعبا كثيرة، منهم آل عيسى، وآل فرج، وآل سميط، وآل مسلم، وآل عليّ «2» . قال: وأما من ينضاف إليهم ويدخل فيهم، فرعب، والحريث، وبنو كلب، وبعض بني كلاب، وآل بشّار، وخالد حمص، وطائفة من سنبس وسعيدة، وطائفة من بربر وخالد الحجاز، وبنو عقيل من كدر، وبنو رميم، وبنو حيّ، وقران، والسراجون. ويأتيهم من البرية من عربه غالب، وآل أجود، والبطنين، وساعدة؛ ومن بني خالد آل جناح، والصبيات من مياس، والحبور، والدغم، والقرسة، وآل منيحة، وآل بيوت، والعامرة، والعلجات من خالد، وآل يزيد من عابد، والدوامر، إلى غير هؤلاء ممن يخالفهم في بعض الأحيان. قال المقرّ الشهابيّ بن فضل الله «3» : «على أنّي لا أعلم في وقتنا من لا يؤثر صحبتهم ويظهر محبّتهم» . وسيأتي ذكر قبائل أكثر هذه العربان التي تنضاف إليهم في مواضعها إن شاء الله تعالى. قال في «مسالك الأبصار» : وأسعد بيت في وقتنا آل عيسى، وقد صاروا بيوتا: بيت مهنّا بن عيسى، وبيت فضل بن عيسى، وبيت حارث بن عيسى، وأولاد محمد بن عيسى، وأولاد حديثة بن عيسى، وآل هبة بن عيسى. قال: وهؤلاء آل

عيسى في وقتنا هم ملوك البر فيما بعد واقترب، وسادات الناس ولا تصلح إلا عليهم العرب. وأما الإمرة عليهم فقد جرت العادة أن يكون لهم أمير كبير منهم يولّى من الأبواب السلطانية، ويكتب له تقليد شريف بذلك، ويلبس تشريفا أطلس أسوة النوّاب إن كان حاضرا، أو يجهّز إليه إن كان غائبا؛ ويكون لكل طائفة منهم كبير قائم مقام أمير عليهم، وتصدر إليه المكاتبات من الأبواب الشريفة إلا أنه لا يكتب له تقليد ولا مرسوم. قال في «مسالك الأبصار» : ولم يصرّح لأحد منهم بإمرة على العرب بتقليد من السلطان إلا من أيام العادل أبي بكر: أخي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، أمّر منهم حديثة يعني ابن عقبة «1» بن فضل بن ربيعة، والذي ذكره قاضي القضاة وليّ الدين بن خلدون في تاريخه أن الإمرة عليهم في أيام العادل أبي بكر بن أيوب كانت لعيسى بن محمد بن ربيعة، ثم كان بعده ماتع ابن حديثة بن عقبة «2» بن فضل، وتوفي سنة ثلاثين وستمائة، وولّي عليهم بعده ابنه مهنا، وحضر مع المظفر قطز قتال هولاكو ملك التتار وانتزع سلميّة من المنصور ابن المظفر صاحب حماة وأقطعها له؛ ثم ولّى الظاهر بيبرس عند مسيره إلى دمشق لتشييع الخليفة المستعصم إلى بغداد عيسى بن مهنا بن ماتع ووفّر له الإقطاعات على حفظ السابلة وبقي حتّى توفّي سنة أربع وثمانين وستمائة؛ فولّى المنصور قلاوون مكانه ابنه مهنا بن عيسى، ثم سافر الأشرف «خليل بن قلاوون» إلى الشام فوفد عليه مهنا بن عيسى في جماعة من قومه فقبض عليهم، وبعث بهم إلى قلعة الجبل بمصر فاعتقلوا بها وبقوا في السجن حتّى أفرج عنهم العادل كتبغا عند جلوسه على التخت سنة أربع وتسعين وستمائة ورجع إلى إمارته؛ ثم كان له في أيام الناصر بن قلاوون نصرة واستقامة تارة وتارة، وميل إلى التتر بالعراق، ولم يحضر شيئا من وقائع غازان؛ ووفد أخوه فضل بن عيسى على السلطان الملك الناصر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة فولاه مكانه وبقي مهنا مشرّدا، ثم لحق سنة ست

عشرة بخدابندا ملك التتار بالعراق فأكرمه وأقطعه بالعراق وهلك خدابندا في تلك السنة فرجع مهنا إلى الشأم، وبعث ابنيه محمدا وموسى وأخاه محمد بن عيسى إلى الملك الناصر، فأكرمهم وأحسن إليهم، وردّ مهنا إلى إمارته وإقطاعه؛ ثم رجع إلى موالاة التتر فطرد السلطان الملك الناصر آل فضل بأجمعهم من الشأم وجعل مكانهم آل عليّ، وولّى منهم على أحياء العرب محمد بن أبي بكر بن عليّ، وصرف إقطاع مهنا وأولاده إليه وإلى أولاده، وأقام الحاسب على ذلك مدّة. ثم وفد مهنا على السلطان الملك الناصر صحبة الأفضل بن المؤيد صاحب حماة فرضي عنه السلطان وأعاد إمرته إليه ورجع إلى أهله، فتوفي سنة أربع وثلاثين وسبعمائة؛ وولي مكانه أخوه «1» سليمان فبقي حتّى توفّي سنة أربع وأربعين وسبعمائة عقب موت الملك الناصر؛ وولي مكانه أخوه سيف بن فضل فبقي حتّى عزله السلطان الملك الكامل «شعبان بن قلاوون» سنة ست وأربعين، وولّى مكانه أحمد بن مهنا بن عيسى فبقي حتّى توفّي في سنة سبع وأربعين وسبعمائة في سلطنة الناصر «حسن بن محمد بن قلاوون» المرة الأولى؛ وولي مكانه أخوه فيّاض فبقي حتّى مات سنة ستين وسبعمائة، وولي مكانه أخوه جبار من جهة الناصر حسن في سلطنته الثانية، ثم حصلت منه نفرة في سنة خمس وستين وسبعمائة وأقام على ذلك سنتين إلى أن تكلم بسببه مع السلطان نائب حماة يومئذ فأعيد إلى إمارته؛ ثم حصل منه نفرة ثانية سنة سبعين في الدولة الأشرفية «شعبان بن حسين» فولّى مكانه ابن عمه زامل بن موسى بن عيسى فكانت بينهم حروب، قتل في بعضها قشتمر المنصوريّ نائب حلب فصرفه الأشرف وولّى مكانه ابن عمه معيقل بن فضل بن عيسى، ثم بعث معيقل في سنة إحدى وسبعين يستأمن لجبار المتقدّم ذكره من السلطان الملك الأشرف فأمّنه، ووفد جبار على السلطان في سنة خمس وسبعين فرضي عنه وأعاده إلى إمرته فبقي حتّى توفّي سنة سبع وسبعين، فولّي مكانه أخوه قنارة، وبقي حتّى مات سنة إحدى وثمانين، فولّي مكانه معيقل بن فضل بن

عيسى وزامل بن موسى بن عيسى المتقدّم ذكرهما شريكين في الإمارة؛ ثم عزلا في سنتهما وولّي مكانهما محمد بن جبار بن مهنّا وهو نعير، ثم وقعت منه نفرة في الدولة الظاهرية برقوق، فولّى مكانه بعض آل زامل، ثم أعيد نعير المذكور إلى إمرته وهو باق على ذلك إلى الآن، وهو محمد بن جبار بن مهنا بن عيسى بن مهنا ابن ماتع بن حديثة بن عقبة «1» بن فضل بن ربيعة. وقد ذكر المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «مسالك الأبصار» أمراء آل فضل في زمانه، فذكر أن أمير آل عيسى وسائر آل فضل أحمد بن مهنا؛ وأمير بيت فضل ابن عيسى سيف بن فضل؛ وأمير بيت حارث بن عيسى قناة بن حارث. ثم قال: أما أولاد محمد بن عيسى، وأولاد حديثة بن عيسى، وآل هبة بن عيسى فأتباع «2» . وذكر القاضي تقيّ الدين بن ناظر الجيش في «التثقيف» «3» : أنهم صاروا بيتين: وهما بيت مهنا بن عيسى وفضل بن عيسى. وذكر من أكابرهم عسّاف بن مهنا وأخاه عنقا، وزامل بن موسى بن مهنا، ومحمد بن جبار وهو نعير قبل الإمرة، وعوّاد بن سليمان بن مهنا، وعليّ بن سليمان بن مهنا؛ وأما بنو فضل بن عيسى فذكر منهم فضل بن عيسى، ومعيقل بن فضل، وقال: كان قبلهما سيف وأبو بكر. ثم قال: وممن لم يكاتب أولاد فيّاض وبقية أولاد جبار ورقيبة بن عمر بن موسى ونحوهم. الفخذ الثاني- (من آل ربيعة آل مرا) - نسبة إلى مرا بن ربيعة، وهو أخو فضل المتقدّم ذكره. قال في «التعريف» : ومنازلهم حوران. وقال في «مسالك الأبصار» : ديارهم من بلاد الجيدور والجولان إلى الزرقاء والضليل إلى بصرى، ومشرّقا إلى الحرّة المعروفة بحرّة كشت قريبا من مكّة المعظمة إلى شعباء إلى نيران

مزيد إلى الهضب المعروف بهضب الراقي، وربما طاب لهم البر وامتدّ بهم المرعى أوان خصب الشتاء فتوسعوا في الأرض وأطالوا عدد الأيام والليالي حتّى تعود مكة المعظمة وراء ظهورهم، ويكاد سهيل يصير شامهم، ويصيرون مستقبلين بوجوههم الشام. وقد تشعب آل مرا أيضا شعبا كثيرة، وهم آل أحمد بن حجّي وفيهم الإمرة، وآل مسخر «1» ، وآل نميّ، وآل بقرة، وآل شمّاء. وممن ينضاف إليهم ويدخل في إمرة أمرائهم حارثة، والحاص، ولام، وسعيدة، ومدلج، وقرير، وبنو صخر، وزبيد حوران: وهم زبيد صرخد، وبنو غنيّ، وبنو عزّ قال: ويأتيهم من عرب البرية آل طفير، والمفارجة، وآل سلطان، وآل غزيّ، وآل برجس، والخرسان، وآل المغيرة، وآل أبي فضيل، والزرّاق، وبنو حسين الشرفاء، ومطين «2» ، وخثعم، وعدوان، وعنزة. قال: وآل مرا أبطال مناجيد، ورجال صناديد، وأقيال قل «كونوا حجارة أو حديدا» ، لا يعدّ معهم عنترة العبسيّ، ولا عرابة الأوسيّ «3» ، إلا أن الحظ لحظ بني عمهم [ «4» ] مما لحظهم، ولم تزل بينهم نوب الحرب، ولهم في أكثرها الغلب. قال الشيخ شهاب الدين أبو الثناء محمود الحلبيّ رحمه الله: كنت في نوبة حمص في واقعة التتار جالسا على سطح باب الإصطبل السلطانيّ بدمشق إذ أقبل آل مرا زهاء أربعة آلاف فارس شاكين في السلاح على الخيل المسوّمة، والجياد المطهمة، وعليهم الكزغندات الحمر الأطلس المعدنيّ، والديباج الروميّ، وعلى رؤوسهم البيض، مقلّدين بالسيوف، وبأيديهم الرماح كأنهم صقور على صقور، وأمامهم العبيد تميل على الركائب، ويرقصون بتراقص المهارى، وبأيديهم الجنائب، التي إليها عيون الملوك صورا؛ ووراءهم الظعائن والحمول، ومعهم مغنّية لهم تعرف بالحضرمية

طائرة السّمعة، سافرة من الهودج وهي تغني: وكنّا حسبنا كلّ بيضاء شحمة ... ليالي لاقينا جذاما وحميرا ولمّا لقينا عصبة تغلبيّة ... يقودون جردا للمنيّة ضمّرا فلما قرعنا النّبع بالنّبع بعضه ... ببعض أبت عيدانه أن تكسّرا سقيناهم كأسا سقونا بمثله ... ولكنّهم كانوا على الموت أصبرا وكان الأمر كذلك، فإن الكسرة أوّلا كانت على المسلمين ثم كانت لهم الكرّة على التتار، فسبحان منطق الألسنة ومصرّف الأقدار. الفخذ الثالث- من آل ربيعة (آل عليّ) - وهم فرقة من آل فضل المقدّم ذكرهم ينتسبون إلى عليّ بن حديثة بن عقبة بن فضل بن ربيعة. قال في «مسالك الأبصار» : وديارهم مرج دمشق وغوطتها، بين إخوتهم آل فضل وبني عمهم آل مرا، ومنتهاهم إلى الحوف «1» والجبابنة «2» ، إلى السكة «3» ، إلى البرادع «4» . قال في «التعريف» : وإنما نزلوا غوطة دمشق حيث صارت الإمرة إلى عيسى بن مهنّا وبقي جار الفرات في تلابيب التتار. قال في «مسالك الأبصار» : وهم أهل بيت عظيم الشأن مشهور السادات، إلى أموال جمة ونعم ضخمة ومكانة في الدول علية. وأما الإمرة عليهم فقد ذكر في «مسالك الأبصار» أنه كان أميرهم في زمانه رملة بن جماز بن محمد بن أبي بكر بن عليّ بن حديثة بن عقبة «5» بن فضل بن ربيعة. ثم قال: وقد كان جدّه أميرا ثم أبوه. قلد الملك الأشرف «خليل بن قلاوون» جدّه محمد بن أبي بكر إمرة آل فضل، حين أمسك «6» مهنا بن عيسى.

البطن الثانية

ثم تقلدها من الملك الناصر أخيه أيضا حين طرد مهنا وسائر إخوته وأهله. قال: ولما أمّر رملة كان حدث السنّ فحسده أعمامه بنو محمد بن أبي بكر، وقدموا على السلطان بتقادمهم وتراموا على الأمراء، وخواصّ السلطان، وذوي الوظائف فلم يحضرهم السلطان إلى عنده ولا أدنى أحدا منهم، فرجعوا بعد معاينة الحين، بخفّي حنين؛ ثم لم يزالوا يتربصون به الدوائر وينصبون له الحبائل والله تعالى يقيه سيئات ما مكروا حتّى صار سيد قومه؛ وفرقد دهره، والمسوّد في عشيرته، المبيّض لوجوه الأيام بسيرته. وله إخوة ميامين كبرا، هم أمراء آل فضل وآل مرا. وقد ذكر القاضي تقيّ الدين بن ناظر الجيش في «التثقيف» : أن الأمير عليهم في زمانه في الدولة الظاهرية برقوق كان عيسى بن زيد بن جماز. البطن الثانية جرم (بفتح الجيم وسكون الراء المهملة) . قال الحمدانيّ: واسمه ثعلبة وجرم اسم أمه، وقد تقدّم ذكر نسبه في الكلام على ما يحتاج إليه الكاتب في المقالة الأولى. قال في «مسالك الأبصار» : وهم ببلاد غزّة والدّاروم مما يلي الساحل إلى الجبل وبلد الخليل عليه السلام. قال الحمدانيّ: وجرم المذكورة شمجان «1» ، وقمران، وجيّان «2» . قال: والمشهور منهم الآن جذيمة، ويقال إن لهم نسبا في قريش، وزعم بعضهم أنها ترجع إلى مخزوم. وقال آخرون: بل من جذيمة بن مالك بن حنبل «3» بن عامر بن لؤيّ بن غالب بن فهر. ثم قال: وجذيمة هذه هم آل عوسجة، وآل أحمد، وآل محمود، وكلهم في إمارة شاور بن سنان ثم في بنيه، وكان لسنان المذكور أخوان فيهما سودد: وهما غانم وخضر. ومن جذيمة جابع «4»

البطن الثالثة

الرايديين. وبنو أسلم، ويقال إن أسلم من جذام لا من جذيمة «1» ولكنها اختلطت بها؛ ومن جذيمة أيضا شبل، ورضيعة جرم ونيفور، والقذرة، والأحامدة، والرفثة وكور» جرم، وموقّع، وكان كبيرهم مالك الموقعيّ؛ وكان مقدّما عند السلطان صلاح الدين بن أيوب وأخيه العادل؛ ومنهم بنو غور «3» ، ويقال إنهم من جرم بن جرمز من سنبس؛ ومن هؤلاء العاجلة، والضمان، والعبادلة، وبنو تمام، وبنو جميل؛ ومن بني جميل بنو مقدام؛ ومن بني غور «4» آل نادر؛ ومن بني غوث بنو بها «5» ، وبنو خولة، وبنو هرماس، وبنو عيسى، وبنو سهيل. وأرضهم الدّاروم، وكانوا سفراء بين الملوك، وجاورهم قوم من زبيد يعرفون ببني فهيد ثم اختلطوا بهم. قال الحمدانيّ: فهذه جرم الشام وحلفاؤهم، ومن جاورهم ولاذ بهم. وأما الإمرة عليهم، فقد ذكر في «التعريف» أن الإمرة على عرب غزّة في زمانه كانت لفضل بن حجي، وعرب غزة هم جرم المذكورون، والمعروف أن جرما يكون لهم مقدّم لا أمير. وعليه جرى القاضي تقيّ الدين بن ناظر الجيش في «التثقيف» وذكر أن مقدّمهم في زمانه في الدولة الظاهرية برقوق كان عليّ بن فضل. البطن الثالثة ثعلبة «6» من طيىء أيضا. قال في «مسالك الأبصار» : وديارهم مما يلي

البطن الرابعة

مصر إلى الخرّوبة. وقد تقدّم في سياقة الكلام على جرم أن ثعلبة هذه من بقايا ثعلبة المنتقلين إلى مصر، وتقدّم في الكلام على عرب الديار المصرية أن ثعلبة الذي ينسبون إليه ثعلبة بن سلامان، وأن سلامان بطن من بطون طيّيء، وأن ثعلبة المذكورين بطنان: وهما درما وزريق ابنا عوف بن ثعلبة وقيل ابنا ثعلبة لصلبه، وأن اسم درما عمرو، ودرما اسم أمه فغلب عليه، وأن من درما الجواهرة والحنابلة والصّبيحيين. قال الحمدانيّ: وثعلبة الشام من درما آل غياث الجواهرة ومن الحنابلة ومن بني وهم من الصّبيحيّين، ومن أحلافهم فرقة من النعيميين ومن العار والجمان؛ وتقدّم في الكلام على ثعلبة مصر أيضا أن بكل من ثعلبة مصر والشام قوما من خندف وقيس ومراد ويمن. قلت: ولم يكن في «التعريف» ولا «التثقيف» لثعلبة المذكورين ذكر لعدم من يكاتب منهم إذ لم يكونوا في معنى من تقدّم. البطن الرابعة بنو مهديّ (بفتح الميم وسكون الهاء والدال المهملة) قد تقدّم في الكلام على عرب الديار المصرية أنهم أخو لخم وهو جذام بن عديّ بن عمرو بن سبإ من العرب العاربة، إما من عمرو بن سبإ من القحطانية كما يقتضيه كلام «مسالك الأبصار» وإما من عذرة من قضاعة من حمير بن سبإ من القحطانية أيضا كما صرح به في «التعريف» . قال في «التعريف» : ومنازلهم البلقاء. وقال في «مسالك الأبصار» : منازلهم البلقاء إلى باين «1» إلى الصوّان، إلى علم أعفر. قال الحمدانيّ: ومن بني مهديّ المشابطة الذين منهم أولاد عسكر، والعناترة، والنترات «2» ، واليعاقبة، والمطارنة، والعفير، والرّويم، والقطاربة، وأولاد الطائية «3» وبنو دوس، وآل يسار «4» ، والمخابرة، والسماعة، والعجارمة من بني

البطن الخامسة

طريف، وبنو خالد والسلمان والقرانسية «1» والدرالات والحمالات والمساهرة والمغاورة، وبنو عطا، وبنو ميّاد وآل شبل، وآل رويم، وهم غير الرويم المتقدّم ذكرهم، والمحارقة وبنو عياض؛ ومنهم طائفة حول الكرك يأتي ذكرهم في الكلام على عرب الكرك. قال الحمدانيّ: ويجاورهم بالبلقاء طائفة من حارثة ولهم نسب بقرى بني عقبة. وأما الإمرة عليهم فقد ذكر في «التعريف» أن إمرتهم مقسومة في أربعة منهم، لكل واحد منهم الربع، ولم يسم أمراء زمانه منهم. وذكر في «التثقيف» مثل ذلك، وسمّى أمراءهم في زمانه. فقال: وهم برّ بن ذئب بن محفوظ العنبسي، وسعيد بن بحري بن حسن العنبسي، وزامل بن عبيد بن محفوظ العنبسي، ومحمد ابن عباس بن قاسم بن راشد العسري. البطن الخامسة زبيد (بضم الزاي) . قال في «مسالك الأبصار» : وهم فرق شتّى. وذكر من بالشام وغيره ولم يتعرض لنسبهم في أيّ أحياء العرب. وذكر الجوهريّ أن زبيدا اسم قبيلة، ولم يزد على ذلك. قلت: والموجود في كتب التاريخ عدّ زبيد من بطون سعد العشيرة من مذحج بن كهلان بن سبإ من العرب العاربة، وهم عرب اليمن على ما تقدّم ذكره. وقد ذكر في «مسالك الأبصار» أن بالشام منهم فرقة بصرخد، وفرقة بغوطة دمشق. وذكر في «التعريف» منهم زبيد المرج وزبيد حوران وزبيد الأحلاف. وذكر مثله في «التثقيف» . ومقتضى الجمع بين كلامه في «المسالك» و «التعريف» ، أن تكون زبيد خمس فرق: زبيد المرج، وزبيد الغوطة، وزبيد صرخد، وزبيد حوران، وزبيد الأحلاف وليس كذلك، بل زبيد الغوطة وزبيد المرج واحدة، فإن المراد غوطة دمشق ومرجها، وهما متصلان والنازلون فيهما كالفرقة الواحدة، وزبيد صرخد هي زبيد حوران كما صرح به في موضع آخر من «مسالك الأبصار» ، إذ صرخد من جملة بلاد حوران. أما زبيد

الأحلاف فديارهم بالقرب من الرّحبة بجوار آل فضل. قال الحمدانيّ: والذين بصرخد منهم آل ميّاس، وآل صيفي، وآل برة، وآل محسن، وآل جحش، وآل رجاء. والذين بالمرج والغوطة آل رجاء «1» ، وآل بدال، والدوس، والحريث، وهم في عداد آل ربيعة المتقدّم ذكرهم وذكر معهم المشارقة جيرانهم. ثم قال: وإمرة زبيد هؤلاء في نوفل، وليس للمشارقة إمرة، ولكن لهم شيوخ منهم؛ وأمر الفريقين إلى نوّاب الشأم ليس لأحد من أمراء العرب عليهم إمرة؛ وديارهم متصلة في المرج والغوطة إلى أمّ أوعال إلى الدريشدان؛ وعليهم الدّرك وحفظ الأطراف. وأما العرب المستعربة، (وهم بنو إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام، على ما تقدّم بيانه في الكلام على عرب الديار المصرية) ، فالمشهور بأعمال دمشق منهم قبيلة واحدة، وهم بنو خالد عرب حمص. قال الحمدانيّ: وهم يدّعون النسب إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه، وقد أجمع أهل العلم بالنسب على انقراض عقبه «2» قال في «مسالك الأبصار» : ولعلهم من ذوي قرابته من مخزوم، وكفاهم ذلك فخارا أن يكونوا من قريش. وقد تقدّم ذكر نسب مخزوم في قريش في الكلام على بني خالد في جملة عرب الديار المصرية فأغنى عن إعادته هنا. قلت: ومن جملة من عدّه في «التعريف» من عرب الشام غزيّة، ولم يتحرّر لي هل هي من العرب العاربة أو العرب المستعربة فلذلك ذكرتها بمفردها. وقد ذكر الحمدانيّ أنهم متفرّقون في الشأم والحجاز وبغداد، وفيما بين العراق والحجاز، ولم يذكر واحد منهما منازلهم من الشأم، بل ذكر الحمدانيّ منازلهم بالبرّية والعراق خاصة، وقال: هم بطون وأفخاذ، ولهم مشايخ منهم من وفد على السلاطين في زماننا، وأشار في «التعريف» إلى أن الغالب عليهم عدم الطاعة، ومنهم أحلاف لآل فضل قد تقدّم ذكرهم وهم غالب وآل أجود والبطنين، وسأذكرها

النيابة الثانية من نيابات السلطنة بالممالك الشامية، نيابة حلب؛ وفيها جملتان

ببطونها ومنازلها ومياهها من البرّية في جملة عرب الحجاز. النّيابة الثانية من نيابات السلطنة بالممالك الشامية، نيابة حلب؛ وفيها جملتان الجملة الأولى في ذكر أحوالها في المعاملات ونحوها أما الأثمان المتعامل بها من الدنانير والدراهم والصّنجة، فعلى ما تقدّم في دمشق من غير فرق، ولم ترج الفلوس الجدد فيها إلى الآن وإنما يتعامل فيها بالفلوس القديمة، ورطلها سبعمائة وعشرون درهما، وأواقيّة اثنتا عشرة أوقية، كل أوقية ستون درهما، وفي أعمالها ربما زاد الرطل على ذلك؛ وتعتبر مكيلاتها بالمكّوك في حاضرتها وسائر أعمالها؛ والمكّوك المعتبر في حاضرتها سبع ويبات بالكيل المصريّ، وأما في نواحيها وبلادها، فيختلف اختلافا متباينا في الزيادة والنقص. قال في «مسالك الأبصار» : والمعتدل منها أن يكون كل مكّوكين ونصف «1» غرارة، وما بين ذلك كل ذلك تقريبا؛ ويقاس القماش بها بذراع يزيد على ذراع القماش المصريّ سدس ذراع، وهو أربعة قراريط؛ وتعتبر أرض دورها بذراع العمل كما في الديار المصرية وأرض زراعتها بالفدّان الإسلاميّ والفدّان الروميّ كما في دمشق، وخراج أرض الزراعة بها كما في دمشق؛ وأسعارها على نحو سعر دمشق إلا في الفواكه فإنها في دمشق أرخص لكثرتها بها. الجملة الثانية في ترتيب مملكتها؛ وهي على ضربين الضرب الأول ترتيب حاضرتها أما جيوشها فعلى ما تقدّم في دمشق من اشتمال عسكرها على التّرك

الصنف الأول وظائف أرباب السيوف؛ وهي عدة وظائف

والجركس والروم والروس وغير ذلك من الأجناس المشابهة للترك، وانقسامها إلى الأمراء المقدّمين والطبلخانات والعشرات ومن في معناهم من العشرينات والخمسات، وكذلك أجناد الحلقة ومقدّموها؛ وإقطاعاتها على نحو ما تقدّم في دمشق في المقدار؛ وربما زاد إقطاع الحلقة بها على إقطاع الحلقة بالديار المصرية بخلاف إقطاعات الأمراء بها فإنها لا تساوي إقطاعات الأمراء بالديار المصرية. وأما وظائفها فعلى أربعة أصناف. الصنف الأول وظائف أرباب السيوف؛ وهي عدة وظائف (منها) نيابة السلطنة- وهي نيابة جليلة في الرتبة الثانية من نيابة دمشق، ويعبر عنها في ديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة بنائب السلطنة الشريفة، ولا يقال فيه كافل السلطنة كما يقال لنائب دمشق، ويكتب عن نائبها التواقيع الكريمة بأكثر وظائف حلب وأعمالها، وكذلك يكتب عنه المربّعات الجيشية بالديار المصرية، والمناشير الإقطاعية على حكمها كما تقدّم في دمشق، وكذلك يكتب على كل ما يتعلق بنيابته من المناشير والتواقيع والمراسيم الشريفة بالاعتماد، ويزيد على نائب دمشق بسرحتين يسرحهما للصيد، الأولى منها يسرحها في بلاد حلب من جانب الفرات الغربيّ يتصيد فيها الغزلان، يقيم فيها نحو عشرة أيام؛ والثانية وهي العظمى يعبر فيها الفرات إلى بر الجزيرة شرقيّ الفرات، ويتنقّل في نواحيها مما هو داخل في مملكة الديار المصرية وما حولها، يتصيد فيها الغزلان وغيرها من سائر الوحوش، ويقيم فيها نحو شهر. (ومنها) نيابة القلعة بحلب- وهي نيابة منفردة عن نيابة السلطنة بها، وليس لنائب السلطنة على القلعة ولا على نائبها حكم كما تقدّم في قلعة دمشق، وعادة نائبها أن يكون أمير طبلخاناه، وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف، وفيها من الأجناد البحرية المعدّين لحراستها نحو أربعين نفسا، مقيمون

بها لا يظعنون عنها بسفر ولا غيره، يجلس منهم في كل نوبة عدة في الباب الثاني منها من حين فتح الباب في أول النهار وإلى حين قفله في آخر النهار، وبها الحرس في الليل، وضرب الطّبلة على مضيّ كل أربع درج كما تقدّم في قلعة دمشق. (ومنها) الحجوبية- والعادة أن يكون بها أربعة حجّاب. أحدهم مقدّم ألف: وهو حاجب الحجّاب، ويعبر عنه في ديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة في المكاتبات وغيرها بأمير حاجب بحلب كحاجب الحجّاب بدمشق، وهو ثاني نائب السلطنة في الرتبة ولا يدخل أحد دار النيابة راكبا غير النائب وغيره، وهو نائب الغيبة إذا خرج نائب السلطنة في مهمّ أو متصيّد أو غير ذلك؛ وإليه ترد المراسيم السلطانية بقبض نائب السلطنة إذا أراد السلطان القبض عليه، ويكون هو المتصدّي لحال البلد إلى أن يقام لها نائب؛ والثلاثة الباقون إما ثلاث طبلخانات، أو طبلخانتان وعشرة، أو ما في معنى ذلك، وولاية حاجب الحجّاب والحاجب الثاني من الأبواب الشريفة السلطانية بغير تقليد ولا مرسوم، ومن عداهما ولايته عن نائب حلب، وفيها اثنان واحد بالميمنة وواحد بالميسرة، فالذي في الميمنة في الغالب يكون أمير عشرة وربما كان أمير خمسة، والذي بالميسرة جنديّ من أجناد الحلقة، وولايتهما عن النائب كل منهما بتوقيع كريم. (ومنها) شدّ الأوقاف- وهي بها رتبة جليلة أعلى من شدّ الأوقاف بدمشق، وعادتها تقدمة ألف أو طبلخاناه، تولّى من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف، كذا أخبرني بعض أهلها؛ ومتوليها يتحدّث على سائر أوقاف المملكة الحلبية. (ومنها) المهمنداريّة- وموضوعها على ما تقدّم في الديار المصرية ودمشق، وبها اثنان: فأحدهما تارة يكون أمير طبلخاناه وتارة يكون أمير عشرة، والآخر جنديّ حلقة، وولاية كل منهما بكل حال عن النائب بتوقيع كريم. (ومنها) شدّ الدّواوين- وموضوعها كما تقدّم في الديار المصرية ودمشق، وعادته إمرة عشرة، وربما وليها جنديّ، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم. (ومنها) شدّ مراكز البريد- وموضوعها كما تقدّم في دمشق، وعادتها إمرة

عشرة، وربما كان مقدّم حلقة أو جنديّا، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم. (ومنها) ولاية المدينة- وموضوعها التحدّث في الشّرطة كما تقدّم في الديار المصرية ودمشق، وعادتها إمرة عشرة، وربما وليها مقدّم حلقة، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم. (ومنها) شدّ الأقواد- وموضوعها التحدّث على الأموال التي تساق قودا من المملكة في كل سنة، وعادتها إمرة عشرة، وربما وليها مقدّم حلقة، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم. قلت: وسائر وظائف الأمراء أرباب السيوف المستقرّ مثلهم بالحضرة السلطانية كرأس نوبة وأمير مجلس ومن في معناهما ممن يجري هذا المجرى المختص بالنائب يكون له مثلها من أجناده لقيامه مقام السلطان هناك كما تقدّم في دمشق. وأما الوظائف الديوانية بها لأرباب الأقلام: (فمنها) - الوزارة- ويعبّر عنها في ديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة بنظر المملكة ليس إلا، ولا يصرّح له باسم الوزارة بحال، وإن كان الجاري على ألسنة العامة تلقيب متوليها بالوزير، ولم تجر العادة بأن يتولاها إلا أرباب الأقلام، وولايتها من الأبواب الشريفة السلطانية بتوقيع شريف؛ ولديوان هذا النظر عدّة مباشرين أتباع لناظرها كصاحب الديوان والمستوفي والكتّاب والشهود وسائر فروع الوزارة، والنائب يولّي كلّا من هؤلاء المباشرين بتواقيع كريمة. (ومنها) كتابة السر- ويعبّر عن متوليها في ديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة بصاحب ديوان المكاتبات بحلب، ولا يسمح له بصاحب ديوان الإنشاء بحلب كما في دمشق، وولايته من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف؛ وبديوانه كتّاب الدّست وكتّاب الدّرج كما في دمشق والديار المصرية. (ومنها) نظر الجيش- والحكم فيه كما تقدّم في دمشق من كتابة المربّعات

الصنف الثاني الوظائف الدينية

بما يعيّنه النائب من الإقطاعات وتجهيزها للأبواب الشريفة لتشمل بالخط الشريف وتخلّد شاهدا بديوان الجيوش بالديار المصرية، وكذلك إثبات ما يصدر إليه من المناشير من الأبواب الشريفة؛ وولايته من الأبواب الشريفة. (ومنها) نظر المال- وهو بمعنى الوزارة كما في دمشق إلا أنه لا يطلق على متوليه وزير البتة، وولايته من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف. ولديوانه كتّاب أتباع له: كصاحب الديوان والكتّاب والشهود وغيرهم؛ وولاية كل منهم عن النائب بتواقيع لهم كما في دمشق. (ومنها) نظر الأوقاف- وحكمها التحدّث على الأوقاف بمدينة حلب وأعمالها كما في دمشق؛ وولايتها عن النائب بتوقيع كريم. (ومنها) نظر الجامع الكبير- ومتوليها يكون رفيقا للنائب في التحدّث فيه؛ وولايتها عن النائب بتوقيع كريم. (ومنها) نظر البيمارستان- وقد تقدّم في الكلام على مدينة حلب أن بها بيمارستانين أحدهما يعرف بالعتيق والآخر بالجديد، ولكل منهما ناظر يخصّه؛ وولاية كل منهما عن النائب بتوقيع كريم. (ومنها) نظر الأقواد- ومتوليها يكون رفيقا لشادّ الأقواد المتقدّم ذكره في أرباب السيوف، وولايته عن النائب بتوقيع كريم. الصنف الثاني الوظائف الدينية (فمنها) القضاء- وبها أربعة قضاة من المذاهب الأربعة كما في دمشق، إلا أن استقرار الأربعة بها كان بعد استقرارها بدمشق، وولاية كل منهم من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف. ويختص الشافعيّ منهم بعموم تولية النواب بالمدينة وجميع أعمالها، ويقتصر من عداه على التولية في المدينة خاصة كما تقدّم في دمشق والديار المصرية.

الصنف الثالث وظائف أرباب الصناعات

(ومنها) قضاء العسكر- وبها قاضيا عسكر: شافعيّ وحنفيّ كما في دمشق؛ وولايتهما من الأبواب الشريفة، ويكتب لكل منهما توقيع شريف. (ومنها) إفتاء دار العدل- وبها اثنان أيضا: شافعيّ وحنفيّ كما في دمشق؛ وولاية كل منهما عن النائب بتوقيع كريم. (ومنها) وكالة بيت المال- وولايتها من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف، ووكالته عن السلطان بمصر مثبوتة «1» فتنفذ بالمملكة كما تقدّم في دمشق. (ومنها) نقابة الأشراف- والأمر فيها على ما تقدّم في دمشق والديار المصرية، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم. (ومنها) مشيخة الشّيوخ «2» - والحكم فيها كما في دمشق؛ وعادتها أن يكون متوليها هو شيخ الخانقاه المعروفة بالقديم؛ وولايتها عن النائب بتوقيع كريم، وربما كانت من الباب الشريف. (ومنها) الحسبة «3» - وهي على ما تقدّم في دمشق والديار المصرية؛ وولايتها عن النائب بتوقيع كريم؛ ومتوليها يولّي نواب الحسبة بسائر الأعمال الحلبية. (ومنها) الخطابة بالجامع الكبير- وولايتها عن النائب بتوقيع كريم. (ومنها) التداريس «4» والتّصادير المعدوقة بنظر النائب- وولايتها بتواقيع كريمة على قدر مراتب أصحابها. الصنف الثالث وظائف أرباب الصناعات (فمنها) رياسة الطب، ورياسة الكحّالين، ورياسة الجرائحية كما في

دمشق والديار المصرية؛ وولاية كل منهم بتوقيع كريم عن النائب. أما مهتاريّة البيوت ومن في معناهم فمفقودون هناك لفقد البيوت السلطانية، وإنما مهتاريّة البيوت بها للنائب خاصة لقيامه مقام السلطان بها كما في دمشق. وأما ترتيب النيابة بها فعلى نحو ما تقدّم في دمشق؛ وعادة النائب بها أن يركب في المواكب في يومي الاثنين والخميس من دار النيابة، ويخرج من باب يقال له باب القوس، في وسط البلد على القرب من القلعة، ويمر منه إلى سوق الخيل، ويخرج من سور البلد من باب النّيرب، ويتوجه إلى مكان يعرف بالميدان ويعرف بالقبّة أيضا على القرب من المدينة بطريق القرية المعروفة بجبريل، في جهة الجنوب عن المدينة، ثم يعود من حيث ذهب، وقد وقف الأمراء في انتظاره بسوق الخيل، وآخر خيولهم إلى القلعة ورؤوس خيولهم إلى الجهة التي يعود منها أمراء الخمسات، ثم أمراء العشرات ومن في معناهم على ترتيب منازلهم، ثم أمراء الطبلخانات، ثم الأمراء المقدّمون. فإذا حاذى النائب في عوده أمراء الخمسات والعشرات في طريقه، سلم وهو سائر فيسلّمون عليه وهم وقوف في أمكنتهم لا يتحركون ولا يبرحون عنها. فإذا حاذى أمراء الطبلخانات، سلم عليهم فيتقدّمون بخيولهم إليه نحو قصبتي قياس فيسلمون عليه ثم يعودون إلى أمكنتهم فيقفون فيها. فإذا حاذى الامراء المقدّمين سلم عليهم فيفعلون كما فعل أمراء الطبلخانات من التقدّم اليه والسلام عليه ثم يعودون إلى أمكنتهم، ويمرّ النائب حتّى ينتهي إلى آخر سوق الخيل فيعطف رأس فرسه ويقف مستقبلا للجهة التي عاد منها في الجنوب، والعسكر واقفون على حالهم، وينادى بينهم على العقارات من الأملاك والضياع وكذلك الخيول والسلاح قدر خمس درج، ثم يمرّ إلى دار النيابة: فإن كان ذلك الموكب فيه سماط، سار في خدمته إلى دار النيابة من كان معه في ركوب الموكب من الأمراء الأكابر والأصاغر من الحجّاب وغيرهم؛ ويمرّ بباب القلعة وقد نزل نائب القلعة إلى بابها فوقف فيه مماليك في خدمته من الأجناد البحرية المقيمين بالقلعة، فإذا مرّ بهم النائب، سلّم على نائب القلعة فيسلم عليه، ويطلع نائب القلعة إلى قلعته، ويمرّ النائب في طريقه إلى دار النيابة، ويكون مماليك

النائب قد ترجلوا عن خيولهم، ويترجل أمراء الخمسات والعشرات بعدهم، ثم يترجل الطبلخانات على القرب من دار النيابة، ثم الأمراء المقدّمون على باب دار النيابة، كلّ منهم على قدر منزلته؛ ويستمرّ النائب راكبا حتّى يأتي المقعد المذكور «1» ، وهو مقعد مربّع مرتفع عن الأرض عليه قبة مرتفعة ودرابزين من خشب دائر، وفيه دكة من خشب صغيرة في جانبه مرتفعة عن المقعد قدر ذراع، تسع جالسا فقط معدّة لجلوس النائب، فينزل النائب على باب من أبواب المقعد الثلاثة مخصوص به، ويجلس حاجب الحجّاب على مصطبة لطيفة أعلى السّلّم خارج الدرابزين معدّة لجلوسه عن يمين النائب، ويكون القضاة الأربعة وقاضيا العسكر ومفتيا دار العدل وكاتب السر وكتّاب الدّست وناظر الجيش قد حضروا قبل حضور النائب وحاجب الحجّاب وطلعوا من سلّم مخصوص بهم وأخذوا مجالسهم وجلسوا في انتظار النائب، فإذا حضر قاموا وجلسوا بجلوسه، ويكون جلوسهم بترتيب خاصّ يوافق دمشق في بعض الأمور ويخالف في بعضها فيجلس عن يسار النائب قاضي القضاة الشافعيّ، ويليه قاضي القضاة الحنفيّ، ويليه قاضي القضاة المالكيّ، ويليه قاضي القضاة الحنبليّ، ويليه قاضي العسكر الشافعيّ، ويليه قاضي العسكر الحنفيّ، ويليه مفتي دار العدل الشافعيّ، ويليه مفتي دار العدل الحنفيّ، ويليه الوزير صفّا مستقيما، ويجلس كاتب السر أمام النائب على القرب منه، ويليه عن يمينه ناظر الجيش، ويليه كتّاب الدّست على ترتيب منازلهم حتّى يساووا في المقابلة الصفّ الذي فيه قضاة القضاة ومن معهم، ويجلس باقي الموقّعين بين الصفين مقابل حاجب الحجّاب حتّى يصلوهما فيصيرون كالحلقة المستديرة، ويقف الحجّاب الصغار أسفل السّلّم الذي يصعد منه، وحاجب الحجاب ونقباء الجيش خلفهم، والولاة خلف نقباء الجيش. فإن كان الأمراء قد حضروا لأجل السّماط، جلس المقدّمون والطبلخاناه على مصاطب معدّة لهم على القرب من المقعد الذي يجلس فيه النائب ومن معه من أرباب

الأقلام المتقدّم ذكرهم، وترفع القصص فيتناولها نقباء الجيش ويناولونها الحجّاب فيناولونها لحاجب الحجاب فيناولها لكاتب السر فيفرّقها على الموقّعين ويبقي بعضها معه، فيقرأ ما معه ثم يقرأ من بعده على الترتيب إلى آخر الموقعين. فإذا انقضت قراءة القصص قام من المجلس القضاة ومن في معناهم وكتّاب الدست فانصرفوا. فإذا انقضى المجلس، فإن كان في الموكب سماط قام النائب والأمراء من أماكن جلوسهم فدخلوا إلى قاعة عظيمة قد وضع بصدرها كرسيّ سلطنة مغشّى بالحرير الأطلس الأصفر وعليه نمجاه مسندة إلى صدره كما تقدّم في دمشق، وقد مدّ السماط السلطانيّ فيجلس النائب على رأس السماط والأمراء على ترتيب منازلهم في الإمرة والقدمة ويأكلون ويرفع السماط؛ ثم يقوم الأمراء فينصرفون؛ ويقوم النائب ومعه كاتب السر وناظر الجيش فيدخل إلى قاعة صغيرة فيها شبّاك مطلّ على دوار بإصطبل النائب، فيجلس في ذلك الشباك، ويجلس كاتب السر وناظر الجيش فينصرفان «1» . قلت: ويخالف دمشق في أمور: أحدها- أن كرسيّ السلطنة ليس بدار العدل حيث يجلس النائب والمتعمّمون كما في دمشق بل في مكان آخر. الثاني- أن الأمراء لا يجلسون مع النائب بدار العدل كما في دمشق بل في مكان منفرد. الثالث- أن النائب يجلس على دكة مرتفعة عن جلسائه بخلاف دمشق، فإنه يجلس مساويا لهم، وكأن المعنى فيه عدم جلوس الأمراء في مجلس النائب بحلب بخلاف دمشق. الرابع- أن الوزير بحلب يجلس في آخر صف القضاة ومن في معناهم تحت مفتيي دار العدل، وبدمشق يجلس في رأس صف يقابل كاتب السر، وكأن

الجملة الثالثة الثانية في ترتيب ما هو خارج عن حاضرة حلب؛ وهو ثلاثة أنواع

المعنى فيه أن كاتب السر بحلب يجلس أمام النائب فلو جلس الوزير فوقه لخالف قاعدة جلوس كاتب السر، أو جلس تحته لكان نقصا في رتبته. ولا شك أنه يجلس فوقه القضاة ومن في معناهم لرفعة رتبة الشرع. الخامس- أن السماط بحلب لا يمدّ بدار العدل كما في دمشق بل في مكان آخر مخصوص. السادس- أن النائب بحلب له موضع مخصوص يجلس فيه للمحاكمات ومدّ السماط، وفي دمشق يجلس على طرف الإيوان بدار العدل بعد رفع السماط منه. الجملة [الثالثة] الثانية في ترتيب ما هو خارج عن حاضرة حلب؛ وهو ثلاثة «1» أنواع النوع الأول ولاة الأمور من أرباب السيوف؛ وهو ثلاثة أصناف الصنف الأول النوّاب؛ وهم على ضربين الضرب الأول ما هو داخل في حدود البلاد الشامية، وهي إحدى عشرة نيابة الأولى- (نيابة قلعة المسلمين المسمّاة في القديم بقلعة الروم) - وعادة نائبها أن يكون مقدّم ألف يولّى من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف. الثانية- (نيابة الكختا) - ونيابتها تارة تكون طبلخاناه وتارة عشرة؛ وتوليتها من نائب حلب. الثالثة- (نيابة كركر) - ونيابتها تارة طبلخاناه وتارة عشرة؛ وتوليتها من

نائب حلب. الرابعة- (نيابة بهسنى) - وقد ذكر في «التثقيف» ما يقتضي أن نيابتها طبلخاناه، لكن أخبرني بعض كتّاب السر بحلب أنها ربما كانت تقدمه ألف. وقد ذكر في «التعريف» ما يقتضي ذلك فقال: ولنائبها مكانة جليلة، وإن كان لا يلتحق بنائب البيرة؛ وبكل حال فتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف. الخامسة- (نيابة عينتاب) - وقد أوردها في «التثقيف» في جملة أمراء العشرات وذكر أنه رأى بخط ابن النشائي «1» ما يقتضي أنها كانت طبلخاناه. وقد أخبرني بعض كتّاب سر حلب أنها استقرّت تقدمه ألف في أواخر الدولة الظاهرية برقوق، واستقرت توليتها من الأبواب السلطانية. السادسة- (نيابة الرّاوندان) - وقد أوردها في «التثقيف» في جملة نيابات العشرات. وقد أخبرني بعض كتّاب السر بحلب أنها استقرّ بها آخرا جنديّ؛ وتوليتها من نائب حلب. السابعة- (نيابة الدّربساك) - وقد أوردها في «التثقيف» في جملة العشرات. وأخبرني بعض كتّاب سر حلب أنها ربما أضيفت لنائب بغراس الآتي ذكرها وأنها الآن بيد ابن صاحب الباز التّركماني وتوليتها من نائب حلب. الثامنة- (نيابة بغراس) - وقد أوردها في «التثقيف» في جملة العشرات؛ وولايتها من نائب حلب. وهي بيد أولاد داود الشيباني التركماني من تقادم السنين، وولايتها من نائب حلب. التاسعة- (نيابة القصير) - وقد أوردها في «التثقيف» في جملة العشرات. وأخبرني بعض كتّاب سر حلب أن بها الآن جنديّا. العاشرة- (نيابة الشّغر وبكاس) - وقد أوردها في «التثقيف» في جملة

الضرب الثاني النيابات الخارجة عن حدود البلاد الشامية، وهي قسمان

العشرات، وقد أخبرت أنها استقرّ بها آخرا جنديّ، وتوليتها من نائب حلب. الحادية عشرة- (نيابة شيزر) - كانت في الزمن المتقدّم إمرة عشرة يستقل نائب حلب بتوليتها فلما تسلطت عليها العربان بعد وقعة منطاش والناصري استقرّت تقدمة بولاية من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف. الضرب الثاني النيابات الخارجة عن حدود البلاد الشامية «1» ، وهي قسمان القسم الأوّل بلاد الثغور والعواصم وما والاها، والمعتبر فيها ثمان نيابات الأولى- (نيابة ملطيّة) «2» - ونيابتها طبلخاناه، وتوليتها من الأبواب السلطانية. الثانية- (نيابة دبركي) - وقد ذكر في «التثقيف» أنها تارة تكون طبلخاناه وتارة تكون عشرة، وبكل حال فولايتها من نائب حلب. الثالثة- (درندة) - ونيابتها في الغالب إمرة عشرة، وربما كانت طبلخاناه، وولايتها في الحالتين من نائب حلب. الرابعة- (نيابة الأبلستين) - ونيابتها تقدمة ألف من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف. الخامسة- (نيابة آياس) - وهي المعبر عنها بالفتوحات الجاهانية «3» - ونيابتها تقدمة ألف، وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف. السادسة- (نيابة طرسوس) - ونيابتها تقدمة ألف، وتوليتها من الأبواب

القسم الثاني ما هو في حدود بلاد الجزيرة شرقي الفرات، والمعتبر فيها ثلاث نيابات

السلطانية بمرسوم شريف. السابعة- (نيابة أذنة) «1» - ونيابتها تقدمة ألف؛ وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف. الثامنة- (نيابة سرفندكار) - ونيابتها إمرة عشرة، ووقع في «التثقيف» نقلا عن ابن النشائي ما يقتضي أنها كانت أوّلا طبلخاناه، وبكل حال فولايتها من نائب حلب. التاسعة- (نيابة سيس) «2» - وقد تقدّم أن فتحها قريب في الدولة الأشرفية «شعبان بن حسين» ولم تزل نيابتها منذ فتحت تقدمة ألف، وكانت قد جعلت نيابة مستقلة عند الفتح ثم جعلت بعد ذلك تقدمة عسكر كغزّة إلا أن مقدّم العسكر بها لا يكاتب في خلاص الحقوق بخلاف مقدّم العسكر بغزّة. قلت: وبعد ذلك نيابات صغار يولّي بها نائب حلب أجنادا، ولا مكاتبة لها من الأبواب السلطانية: وهي نيابة قلعة باري كروك، ونيابة كاورّا، ونيابة كولاك، ونيابة كرزال، ونيابة كومي، ونيابة تل حمدون، ونيابة الهارونيّتين، ونيابة قلعة نجمة، ونيابة حميمص، ونيابة قلعة لؤلؤة. القسم الثاني ما هو في حدود بلاد الجزيرة شرقيّ الفرات، والمعتبر فيها ثلاث نيابات الأولى- (نيابة البيرة) «3» - ونيابتها تقدمة ألف، وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف. الثانية- (نيابة قلعة جعبر) - ونيابتها طبلخاناه، وتوليتها من الأبواب

الصنف الثاني من أرباب السيوف بخارج حلب الولاة، وولاية جميعها من نائب حلب بتواقيع كريمة، والمشهور منها اثنتا عشرة ولاية

السلطانية بمرسوم شريف. الثالثة- (نيابة الرّها) «1» - قال في «الثقيف» : وقد جرت العادة أن تكون نيابتها طبلخاناه، ثم استقرّ بها في الدولة المنصورية في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة مقدّم ألف. الصنف الثاني من أرباب السيوف بخارج حلب الولاة، وولاية جميعها من نائب حلب بتواقيع كريمة، والمشهور منها اثنتا عشرة ولاية الأولى- (ولاية برّ حلب كما في دمشق) - إلا أن والي برّ حلب هو والي الولاة. الثانية- (ولاية كفرطاب) «2» - وواليها جنديّ. الثالثة- (ولاية سرمين) - وواليها في الغالب جنديّ، وربما كان أمير عشرة. الرابعة- (ولاية الجبّول) «3» - وواليها جنديّ. الخامسة- (ولاية جبل سمعان) - وواليها جنديّ، وهو مقيم بمدينة حلب، يحضر المواكب مع والي المدينة ووالي البرّ: لقربه منها. السادسة- (ولاية عزاز) «4» - وواليها جنديّ، وربما كان أمير عشرة. السابعة- (ولاية تلّ باشر) «5» - وكان لها وال بمفردها جنديّ، ثم أضيفت آخرا لعينتاب.

النوع الثاني مما هو خارج عن حاضرة حلب العربان

الثامنة- (ولاية منبج) «1» - وواليها جنديّ. التاسعة- (ولاية تيزين) «2» - وهي تارة تفرد بوال يكون جنديّا، وتارة تضاف إلى حارم، ويقال والي حارم وتيزين. العاشرة- (ولاية الباب «3» وبزاعا) - وواليها جنديّ. الحادية عشرة- (ولاية دركوش) «4» - وواليها جنديّ. الثانية عشرة- (ولاية أنطاكية) - وواليها تارة يكون جنديّا وتارة أمير عشرة، وأخبرني بعض كتّاب السر بحلب أنها ربما أضيفت إلى نائب القصير. قلت: ووراء ذلك ولايات أخر ببلاد الأرمن ونحوها لم يتحرر لي حالها. والظاهر أن ولاية جميعها أجناد. النوع الثاني مما هو خارج عن حاضرة حلب العربان واعلم أنه قد تقدّم في الكلام على آل فضل من عربان دمشق أن منازلهم ممتدّة بأراضي الشام إلى الرّحبة وجعبر في جانب الفرات، وتقدّم في الكلام على قواعد الشام المستقرة نقلا عن المقرّ الشهابيّ ابن فضل الله في «التعريف» أن جعبر كانت في زمانه من مضافات دمشق، وأن الواجب أن تكون من مضافات حلب، فإنها أضيفت بعده إلى حلب وحينئذ فيكون في بلاد حلب بعض عرب آل فضل المتقدّم ذكرهم هناك. والمختصّ بأعمال حلب من العرب المشهورين قبيلتان: القبيلة الأولى- (بنو كلاب) قال في «مسالك الأبصار» : وهم عرب

أطراف حلب والروم، ولهم غزوات عظيمة معلومة وغارات لا نعدّ، ولا تزال تباع بنات الروم وأبناؤهم من سباياهم، ويتكلمون بالتركية ويركبون الأكاديش، وهم عرب غزو، ورجال حروب، وأبطال جيوش، وهم من أشدّ العرب باسا، وأكثرهم ناسا. قال: ولإفراط نكايتهم في الرّوم صنّفت السيرة المعروفة «بدلهمة «1» والبطّال» منسوبة إليهم بما فيها من ملح الحديث ولمح الأباطيل «2» ؛ ولكنهم لا يدينون لأمير منهم يجمع كلمتهم، ولو انقادوا لأمير واحد لم يبق لأحد من العرب بهم طاقة. قال الحمدانيّ: وكان بنو كلاب قد ظهروا على آل ربيعة، وذلك أن الملك الكامل كان طلب من ماتع «3» بن حديثة «4» وغنّام بن الظاهر جمالا يحمل عليها غلالا إلى خلاط يقوتها «5» بها، فاحتج بغيبة جماله في البرية، وكان بعض بني كلاب حاضرا فتكفّل له بحاجته من الجمال ووفى له بذلك، فحقد بها الملك الكامل على ماتع بن حديثة وغنام بن الظاهر واستوحشا منه ثم أتياه عند أخذه آمد، فوبّخهما فخرجا خائفين منه إلى أن فتح دمشق فأتياه بأنواع التّقادم وتقرّبا إليه بالخدمة. قال: وكانت بنو كلاب تخدم الملك الأشرف موسى «6» وتصحبه لمتاخمة بلاد الروم. قال في «مسالك الأبصار» : وكان سلطاننا يعني الناصر محمد بن قلاوون لا يزال ملتفتا إلى تألّف بني كلاب هؤلاء، وكان أحمد بن نصير المعروف بالتّتريّ قد عاث في البلاد والأطراف واشتدّ في قطع الطريق، فأمّنه وخلع عليه وأقطعه فانقادت بنو كلاب للطاعة، وكان الملك الناصر قد أمّر عليهم سليمان بن مهنّا

النيابة الثالثة نيابة أطرابلس، وفيها جملتان

وجعل عليه حفظ جعبر وما جاورها. القبيلة الثانية- (آل بشّار) «1» - قال في «مسالك الأبصار» : وديارهم الجزيرة والأخصّ ببلاد حلب. قال: والأحلاف منهم حالهم في عدم الانقياد لأمير واحد حال بني كلاب. ولو اجتمعوا لما أمن بأسهم نقيم على تفرّق كلمتهم، وبسبب «2» جماعتهم لا يزال آل فضل منهم على وجل، وطالما باتوا وقلوبهم منهم ملأى من الحذر، وعيونهم وسنى من السهر؛ وبينهم دماء؛ وهم وبنو ربيعة وبنو عجل جيران، وديارهم من سنجار وما يدانيها إلى البارة «3» أو قريب الجزيرة العمرية إلى أطراف بغداد. النيابة الثالثة نيابة أطرابلس «4» ، وفيها جملتان الجملة الأولى في ذكر أحوالها ومعاملاتها أما معاملاتها فبالدنانير والدراهم النّقرة على ما مر في الديار المصرية ودمشق وحلب؛ وصنجتها كصنجة دمشق في الذهب والفضة؛ وبها الفلوس العتق «5» فلسا بدرهم؛ ورطلها ستمائة درهم كما في دمشق، وأواقيّه اثنتا عشرة

أوقية كل أوقية خمسون درهما. وتعتبر مكيلاتها بالمكّوك كما في حلب؛ ويقاس القماش بها بذراع كلّ عشرة أذرع منه إحدى عشرة ذراعا بالمصريّ؛ وتقاس أرض دورها بذراع العمل كما في الديار المصرية وغيرها من البلاد الشامية؛ وتعتبر أرض زراعتها بالفدّان الإسلاميّ والفدّان الروميّ كما في دمشق وغيرها من البلاد الشامية؛ وخراجها على ما تقدّم في دمشق وغيرها من بلاد الشام. وأما جيوشها فمن الترك ومن في معناهم على ما تقدّم في غيرها من الممالك الشامية، وبها أمير واحد مقدّم ألف غير النائب، وباقي أمرائها طبلخاناه وعشرات وخمسات ومن في معناهم من العشرينات وغيرها؛ وبها من وظائف أرباب السيوف نيابة السلطنة: وهي نيابة جليلة، نائبها من أكبر مقدّمي الألوف، وهو في الرتبة الثانية من حلب كما في حماة؛ وليس بها قلعة يكون لها نائب بل نائب السلطنة هو المتسلم لجميعها والمتصرف فيما لديها من أمر العسكر وغيره. ومنها الحجوبية، وبها ثلاثة حجّاب أكبرهم طبلخاناه وهو حاجب الحجّاب، والحاجبان الآخران كل منهما أمير عشرة. ومنها المهمندارية، وشدّ الدواوين، وشدّ الخاص، وشدّ مراكز البريد، وشدّ المينا، ونقابة النقباء، وأمير اخوريّة، وشدّ الأوقاف، وتقدمة البريدية، وأمير اخوريّة البريد، وولاية المدينة، وتقدمة التّركمان وغير ذلك، وكلها يوليها النائب بها. وبها من أرباب الوظائف الديوانية ناظر المملكة، وناظر الجيش، وصاحب ديوان المكاتبات، وولاية الثلاثة من الأبواب السلطانية بتواقيع شريفة، وكتّاب دست، وكتّاب درج، ولايتهم من نائبها. وبها من الوظائف الدينية قضاء القضاة من المذاهب الأربعة، وقاضيا عسكر شافعيّ، وحنفيّ، ومفتيا دار عدل كذلك، ومحتسب، ووكيل بيت المال، إلى غير أولئك من أرباب الوظائف.

الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها، وهو على ضربين

وأما ترتيب النيابة بها فإن النائب يركب في يومي الاثنين والخميس من دار النيابة، ويخرج في موكبه من الأمراء والأجناد حتّى يأتي ساحل البحر، ثم يعود إلى دار النيابة ومعه جميع الأمراء والأجناد، خلا الأمير المقدّم فإنه لا يحضر معه إلى دار النيابة. وإذا حضر النائب إلى دار النيابة جلس في دار العدل بصدر الإيوان وليس بها كرسيّ سلطنة، ويجلس قاضيان: شافعيّ وحنفيّ عن يمينه، ومالكيّ وحنبليّ عن يساره، ووكيل بيت المال تحت القاضي المالكيّ، ويجلس كاتب السر أمامه على القرب من يساره وكتّاب الدّست خلفه، وحاجب الحجّاب جالس أمام النائب على القرب منه، ويأخذ الحجّاب الصّغار القصص ويناولونها إلى حاجب الحجّاب فيدفعها لكاتب السر، ويفصل المحاكمات، ثم ينفض المجلس ويمدّ السّماط فيأكلون وينصرفون كما في غيرها. الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها، وهو على ضربين الضرب الأوّل النوّاب، وهم على قسمين القسم الأوّل النيابات بمضافات نفس أطرابلس، وبها خمس نيابات كلّهم يكاتبون عن الأبواب السلطانية في المهمات ونحوها، دون خلاص الحقوق، فإنه يختص بنائب السلطنة بها. الأولى- (نيابة حصن الأكراد) - ونيابته إمرة عشرة. الثانية- (نيابة حصن عكّار) - ونيابته إمرة عشرة. الثالثة- (نيابة بلاطنس) - ونيابتها إمرة عشرة. الرابعة- (نيابة صهيون) - ونيابتها إمرة عشرة. الخامسة- (نيابة اللّاذقيّة) - ونيابتها إمرة عشرة.

القسم الثاني نيابات قلاع الدعوة، وهي ست نيابات خارجا عن مصياف حيث أضيفت إلى دمشق

القسم الثاني نيابات قلاع الدعوة «1» ، وهي ستّ نيابات خارجا عن مصياف حيث أضيفت إلى دمشق الأولى- (نيابة الرّصافة) - وأصل نيابتها إمرة عشرة. الثانية- (نيابة الخوابي) - وأصل نيابتها إمرة عشرة. الثالثة- (نيابة القدموس) - وأصل نيابتها إمرة عشرة. الرابعة- (نيابة الكهف) - وأصل نيابتها إمرة عشرة. الخامسة- (نيابة المنيقة) - وأصل نيابتها إمرة عشرة. السادسة- (نيابة القلعة) - وأصل نيابتها إمرة عشرة. قلت: وقد أخبرني بعض كتّاب المملكة أن هذه النيابات كلّها استقر فيها أجناد، وبالجملة فإنما يولّي فيها نائب طرابلس بكل حال. الضرب الثاني الولاة وبها ولايات ست، وولاة جميعها أجناد، عن نائب طرابلس. الأولى- ولاية أنطرطوس. الثانية- ولاية جبّة المنيظرة. الثالثة- ولاية الظّنّيّين. الرابعة- ولاية بشرّيه. الخامسة- ولاية جبلة. السادسة- ولاية أنفة.

النيابة الرابعة نيابة حماة، وفيها جملتان

النيابة الرابعة نيابة حماة، وفيها جملتان الجملة الأولى في ذكر أحوالها ومعاملاتها أما معاملاتها فعلى ما تقدّم في غيرها من الممالك الشامية من المعاملة بالدنانير والدراهم، وصنجتها كصنجة دمشق وحلب وطرابلس، تنقص عن الصّنجة المصرية كل مائة مثقال مثقال وربع، وكل مائة درهم درهم وربع، ورطلها سبعمائة وعشرون درهما بصنجتها؛ ومكيلاتها معتبرة بالمكّوك كما في حلب وبلادها، ومكّوكها، مقدّر كل مكوكين وربع مكوك غرارة بالدّمشقيّ؛ وقياس قماشها بذراع «1» وقياس أرضها بذراع العمل المعروف. الجملة الثانية في ترتيب نيابتها، وهي على ضربين الضرب الأوّل ما بحاضرتها أما جيوشها فمن التّرك ومن في معناهم، وبها عدّة من أمراء الطبلخاناه والعشرات والخمسات ومقدّمي الحلقة وأجنادها، وليس بها مقدّم ألف. وقد تقدّم في الكلام على قواعد الشأم المستقرّة أنها كانت بيد بقايا الملوك الأيوبية إلى آخر الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون» في سلطنته الأخيرة. قال في «مسالك الأبصار» : إن صاحبها كان يستقل فيها بإعطاء الإمرة والإقطاعات وتولية القضاة والوزراء وكتّاب السر وسائر الوظائف بها، وتكتب المناشير والتواقيع من جهته

ولكنه لا يمضي أمرا كبيرا في مثل إعطاء إمرة أو وظيفة كبيرة حتّى يشاور صاحب مصر، وهو لا يجيبه إلا بأن الرأي ما تراه ومن هذا ومثله، وربما كتب له مرسوم شريف بالتصرف في مملكته. قال في «مسالك الأبصار» : ومع ذلك فصاحب مصر متصرف في ولاية صاحبها وعزله، من شاء ولّاه ومن شاء عزله، ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن خلع الأفضل محمد «1» بن المؤيد المتقدّم ذكره من سلطنتها، بعد موت السلطان الملك الناصر وملك ابنه أبي بكر؛ ونائبها من أكابر الأمراء المقدّمين، ولكنه في الرتبة دون نائب طرابلس وإن كان مساويا له في المكاتبة من الأبواب السلطانية؛ ويظهر ذلك في كتابة المطلقات الكبار حيث يذكر نائب طرابلس قبله. وبها من وظائف أرباب السيوف الحجوبية؛ وبها حاجبان: الكبير منهما طبلخاناه والثاني عشرة؛ والمهمندارية، وبها اثنان وهما جنديّان؛ وشدّ مراكز البريد، وبه جنديّ؛ وأمير اخورية البريد، ومتوليها جنديّ؛ وولاية المدينة، وواليها جنديّ؛ ونقابة العساكر، وبها اثنان وهما جنديان أحدهما أكبر من الآخر. وجميع أرباب الوظائف يوليهم النائب بها بتواقيع كريمة، وليس بها قلعة لها نائب. وبها من الوظائف الدينية من أرباب الأقلام أربعة قضاة من المذاهب الأربعة، وولايتهم من الأبواب السلطانية بتواقيع شريفة، وقاضي عسكر حنفيّ، وليس بها قضاة عسكر من المذاهب الثلاثة الأخر ولا مفتو دار عدل؛ وبها وكيل بيت المال، وولايته من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف ووكالة شرعية؛ ومحتسب بولاية عن النائب بتوقيع كريم. وبها من الوظائف الديوانية من أرباب الأقلام كاتب سر، ويعبّر عنه في ديوان الإنشاء بصاحب ديوان المكاتبات بحماة المحروسة، وولايته من الأبواب

الضرب الثاني ما هو خارج عن حاضرتها

السلطانية بتوقيع شريف، وله أتباع من كتّاب الدست وكتّاب الدّرج وولايتهم عن النائب بتواقيع كريمة؛ وبها ناظر المملكة القائم مقام الوزير، وولايته من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف، وله أتباع من كتّاب وشهود، وولايتهم عن النائب بتواقيع كريمة. إلى غير ذلك من وظائف صغار يوليها النائب بتواقيع كريمة. وترتيب الموكب بها أن النائب بها يركب من دار النيابة في يومي الخميس والاثنين وصحبته العسكر من الأمراء وأجناد الحلقة، ويخرج إلى خارج المدينة من قبليها ويسير في الموكب إلى ضيعة تسمّى بقرين على القرب من حماة، ثم يعود في موكبه حتّى يقف بسوق الخيل بمكان خارج المدينة يعرف بالموقف، وينادى بينهم على الخيول، وربما نودي على بعض العقارات، ثم تصيح الجاويشية، وينصرف عن ذلك المكان ويدخل المدينة، ويأتي دار النيابة ويدخل أوّل العسكر من داخل باب يعرف بباب العسرة «1» ، ثم يترجل الناس على الترتيب على قدر منازلهم حتّى لا يبقى راكب سوى النائب بمفرده، ولا يزال راكبا حتّى يترجل بشبّاك بدار النيابة معدّ للحكم فيجلس فيه ويجلس عنده داخل الشّبّاك القضاة الأربعة: الشافعيّ والحنفيّ عن يمينه، والمالكيّ عن يساره والحنبليّ يليه؛ ويجلس الأمراء على قدر منازلهم، وكاتب السر وناظر الجيش أمام النائب خارج الشّبّاك؛ ويقف هناك الحاجبان والمهمندار ونقيب النقباء، وترفع القصص فيقرؤها كاتب السر عليه ويرسم فيها بما يراه، ثم يقوم من مجلسه ذلك وينصرف القضاة ويدخل إلى قبّة معدّة لجلوسه ومعه كاتب السر وناظر الجيش والأمراء فيفصل بقية أموره مما يتعلق بالجيش وغيره، ثم يمد السّماط بعد ذلك فيأكلون وينصرفون. الضرب الثاني ما هو خارج عن حاضرتها وليس بخارجها نيابات، بل يقتصر فيه على ثلاث ولايات، ولاتها أجناد

النيابة الخامسة نيابة صفد، وفيها جملتان

يوليهم النائب بها. الأولى- ولاية برّها كما في دمشق وحلب. الثانية- ولاية بارين. الثالثة- ولاية المعرّة. وليس بها عرب ولا تركمان تنسب إليها. النيابة الخامسة نيابة صفد، وفيها جملتان الجملة الأولى فيما هو بحاضرتها أما معاملاتها فكما في دمشق وغيرها من البلاد الشامية؛ وصنجتها كصنجتها ورطلها......... «1» وأواقيه اثنتا عشرة أوقية كل أوقية......... «2» وتعتبر مكيلاتها...... «3» وتقاس أرض دورها بذراع العمل كما في غيرها، وتعتبر أرض زراعتها بالفدّان الإسلاميّ والفدّان الروميّ كما في غيرها من البلاد الشامية. وأما جيوشها ووظائفها الديوانية ووظائفها الدينية، فكما في طرابلس. وأما ترتيب النيابة بها....... «4» . الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها وليس بأعمالها نيابة بل كلها ولايات، يليها أجناد من قبل نائب صفد؛ وهي إحدى عشرة ولاية: الأولى- ولاية برّها كما في غيرها من الممالك المتقدّمة. الثانية- ولاية الناصرة.

النيابة السادسة نيابة الكرك، وفيها جملتان

الثالثة- ولاية طبريّة. الرابعة- ولاية تبنين وهونين. الخامسة- ولاية عثليث. السادسة- ولاية عكّا. السابعة- ولاية صور. الثامنة- ولاية الشاغور. التاسعة- ولاية الإقليم. العاشرة- ولاية الشّقيف. الحادية عشرة- ولاية جينين. النيابة السادسة نيابة الكرك، وفيها جملتان الجملة الأولى فيما هو بحاضرتها أما معاملاتها فكما في غيرها: من المعاملة بالدنانير والدراهم، وصنجتها «1» ورطلها «2» وأواقيّة أثنتا عشرة أوقية كل أوقية «3» ويقاس قماشها بذراع «4» وتقاس أرض دورها بذراع العمل كما في غيرها، وتعتبر أرض زراعتها بالفدّان الإسلاميّ والفدّان الروميّ كما في غيرها من بلاد الشام، وكذلك خراج أرضها. وأما جيوشها فعلى ما تقدّم في غيرها من الممالك من اجتماعها من الترك ومن في معناهم؛ وبها من الأمراء الطبلخانات والعشرات والخمسات ومن في معناهم، وليس بها مقدّم ألف غير النائب كما تقدّم والحجوبية والمهمندارية

الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها، وهو على ضربين

وتقدمة البريد، وولاية القلعة؛ وبها من الوظائف الديوانية ناظر المال وناظر الجيش وكاتب درج؛ وولاية هؤلاء الثلاثة من الأبواب السلطانية. وأما ترتيب الموكب بها «1» .. الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها، وهو على ضربين الضرب الأوّل الولايات، وفيها أربع ولايات الأولى- ولاية برّها كما في غيرها. الثانية- ولاية الشّوبك. الثالثة- ولاية زغر. الرابعة- ولاية معان. الضرب الثاني العرب وعرب الكرك فيما ذكره في «مسالك الأبصار» : بنو عقبة، وعقبة من جذام. قال في «مسالك الأبصار» : وكان آخر أمرائهم شطى بن عتبة «2» وكان سلطاننا الملك الناصر محمد بن قلاوون قد أقبل عليه إقبالا أحلّه فوق السّماكين وألحقه بأمراء آل فضل وأمراء آل مرا، وأقطعه الإقطاعات الجليلة، وألبسه التشريف الكبير، وأجزل له الحباء، وعمر له ولأهله البيت والخباء. وكذلك ممن ينسب إلى عرب الكرك بنو زهير عرب الشّوبك، وآل عجبون، والعطويون، والصونيون «3» وغيرهم.

الفصل الثالث من الباب الثالث من المقالة الثانية في المملكة الحجازية، وفيه سبعة أطراف

الفصل الثالث من الباب الثالث من المقالة الثانية في المملكة الحجازية، وفيه سبعة أطراف الطّرف الأوّل في فضل الحجاز وخواصّه وعجائبه أما فضله ففي «صحيح مسلم» من حديث جابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي الله عنه أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «غلظ القلوب والجفاء في المشرق، والإيمان في أهل الحجاز» . قلت: وفي ذلك دليل صريح لفضل الحجاز نفسه، وذلك أن هواء كل بلد يؤثّر في أهله بحسب ما يقتضيه الهواء، ولذلك تجد لأهل كل بلد صفات وأحوالا تخصهم، وقد أخبر صلّى الله عليه وسلّم عن أهل الحجاز بالرقّة كما أخبر عن أهل المشرق بالغلظة والجفاء؛ وناهيك بفضل الحجاز وشرفه أن به مهبط الوحي ومنبع الرسالة، وبه مكة والمدينة اللتين هما أشرف بلاد الله تعالى وأجلّ بقاع الأرض، ولكل منهما فضل يخصه يأتي الكلام عليه عند ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى. وأما خواصه فيختص من جهة الشرع بأمرين: أحدهما- أنه لا يستوطنه مشرك من ذمّي ولا معاهد، وإن دخله لم يمكّن من الإقامة في موضع منه أكثر من ثلاثة أيام ثم يصرف إلى غيره، فإن أقام بموضع أكثر من ثلاثة أيام، عزّر إن لم يكن له عذر. قال أصحابنا الشافعية: ولو عقد الإمام عقدا لكافر على الإقامة بالحجاز على مسمّى بطل العقد ووجب المسمّى.

الطرف الثاني في ذكر حدوده، وابتداء عمارته، وتسميته حجازا

الثاني- أنه لا تدفن فيه موتاهم وإن دفن أحد منهم فيه نقل إلى غيره. وأما عجائبه فمنها مقام إبراهيم عليه السلام، وهو الحجر الذي كان يقوم عليه لبناء البيت فأثّرت فيه قدماه وصار أثرهما فيه ظاهرا كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ «1» وهو باق على ذلك أمام البيت من جهة الباب إلى الآن. (ومنها) ما ذكره في «الروض المعطار» من أنّ أثر قدم إسماعيل عليه السلام بمسجد بمنى في حجر فيه أثر عقبه حين رفس إبليس برجله عند اعتراضه له في ذهابه مع أبيه للذّبح «2» . (ومنها) حصى الجمار، وهو أنه في كل سنة يرمي الحجّاج عند الجمرات الثلاث في أيام منى ما تتحصّل منه التلال العظيمة على طول المدى، ومع ذلك لم يكن موجودا بمنى منها إلا الشيء القليل على تطاول السنين، يقال إن مهما تقبّل منها رفع والباقي منها ما لم يتقبل. الطرف الثاني في ذكر حدوده، وابتداء عمارته، وتسميته حجازا أما حدوده فاعلم أن الحجاز عبارة عن مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها على خلاف في بعض ذلك، يأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى، وهو بجملته قطعة من جزيرة العرب، وهو ما بين بحر القلزم وبحر الهند وبحر فارس والفرات وبعض بادية الشام. قال المدائني: جزيرة العرب خمسة أقسام: تهامة، ونجد، والحجاز، والعروض، واليمن. وزاد ابن حوقل في أقسامها بادية العراق وبادية الجزيرة فيما

الطرف الثالث في ابتداء عمارته وتسميته حجازا

بين دجلة والفرات وبادية الشام، وفيها خلاف يطول ذكره. قال النوويّ «1» في «تهذيب الأسماء واللّغات» : وسميت جزيرة العرب جزيرة لانجزار الماء عنها حيث لم يمدّ عليها وإن كان مطيفا بها. والحجاز عندهم عبارة عن جبل السّراة- بالسين والراء المهملتين- على ما أورده في «الروض المعطار» «2» ؛ وضبط في «تقويم البلدان» «3» في الكلام على البلقاء من الشأم بالشين المعجمة، وهو جبل يقبل من اليمن حتّى يتصل ببادية الشأم، وهو أعظم جبال العرب. وحدّه من الجنوب تهامة: وهي ما بينه وبين بحر الهند في غربيّ بلاد اليمن؛ وحدّه من الشرق بلاد اليمن وهي بينه وبين فارس؛ وحدّه من الشّمال نجد، وهو ما بينه وبين العراق؛ وحدّه من الغرب بحر القلزم وما في جنوبيه من بادية الشام. الطرف الثالث في ابتداء عمارته وتسميته حجازا أما ابتداء عمارته فإنه لما انبثّ أولاد سام بن نوح عليه السلام وهم العرب في أقطار هذه الجزيرة حين قسم نوح الأرض بين بنيه، نزل الحجاز منهم من العرب البادية طسم وجديس [ومنزلهم] اليمامة ومنزلة جرهم على القرب من مكة فكان ذلك أوّل عمارة الحجاز بعد الطّوفان؛ ثم بادت هذه العرب وهلكوا عن آخرهم، ودرست أخبارهم وانقطعت آثارهم. وعمر الحجاز بعدهم جرهم الثانية، وهم بنو جرهم بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام. ولما أسكن إبراهيم الخليل عليه السلام ولده إسماعيل بمكة كما

الطرف الرابع في ذكر مياهه وعيونه وجباله المشهورة

أخبر تعالى عنه بقوله: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ «1» كانت جرهم الثانية نازلين بالقرب من مكة فاتصلوا بإسماعيل عليه السلام، وتزوّج منهم وكثر ولده وتناسلوا فعمروا الحجاز إلى الآن. وأما تسميته حجازا، فقال الأصمعيّ: سمي بذلك لأنه حجز بين نجد وتهامة ولا متداده بينهما على ما تقدّم. وقال ابن الكلبيّ: سمّي بذلك لما احتجز به من الجبال. قلت: ووهم في «الروض المعطار» فقال «2» : سمي حجازا لأنه حجز بين الغور والشام، وقيل لأنه حجز بين نجد والسّراة، وما أعلم ما الذي أوقعه في ذلك. الطّرف الرابع في ذكر مياهه وعيونه وجباله المشهورة أما مياهه وعيونه، فقال المتكلمون في المسالك والممالك: ليس بالحجاز بل بجزيرة العرب جملة نهر يجري فيه مركب، وإنما فيه العيون الكثيرة المتفجرة من الجبال المعتضدة بالسيول والأمطار، الممتدّة من واد إلى واد، وعليها قراهم وحدائقهم وبساتينهم مما لا يحصى ذلك كثرة، كما في الطائف وبطن مرّ، وبطن نخل، وعسفان وبدر وغير ذلك. وأما جباله المشهورة، فاعلم أن جميع أرض الحجاز جبال وأودية ليس فيها بسيط من الأرض، وجباله أكثر من أن تدخل تحت العدّ أو يأخذها الحصر، وقد ذكر الأزرقيّ في «تاريخ مكة» «3» أن لمكة «4» اثني عشر ألف جبل لكل جبل منها اسم يخصه ولكن قد شهرت جبال مكة والمدينة والينبع.

الطرف الخامس في زروعه وفواكهه ورياحينه ومواشيه ووحوشه وطيوره

فمن جبال مكة المشهورة (جبل أبي قبيس) وهو الجبل الذي في جنوبيّ مكة ممتدّا على شرقيها. قال الأزرقيّ: وهو أول جبل وضع بالأرض ولذلك كان أقرب الجبال إلى البيت. (ومنها) جبل قينقاع «1» - بقاف مفتوحة وياء مثناة تحت ساكنة ونون مضمومة وقاف ثانية مفتوحة بعدها ألف وعين مهملة- وهو الجبل الذي غربيّ مكة، سمي بذلك لمكان سلاح تبّع منه، والقعقعة صوت السلاح، كما سمي جياد جيادا لمكان خيله منها. (ومنها) جبل حراء- بحاء مهملة مكسورة وراء مهملة مفتوحة بعدها ألف- وهو جبل يشرف على مكة من شرقيها يرى البيت من أعلاه، وفيه الغار الذي كان يتعبّد فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفيه جاءه جبريل عليه السلام في أول النبوّة. (ومنها) جبل ثور- بفتح الثاء المثلثة وسكون الواو وراء مهملة في الآخر- وهو جبل مشرف على مكة من جنوبيها، وفيه الغار الذي اختفى فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المشركين ومعه أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه. (ومنها) جبل تبير «2» - بفتح التاء المثناة فوق وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وراء مهملة في الآخر- وهو جبل مشرف يرى من منى والمزدلفة. الطّرف الخامس في زروعه وفواكهه ورياحينه ومواشيه ووحوشه وطيوره أما زروعه ففيه من الحبوب المزدرعة البرّ والشعير والذّرة والسّلت «3» ،

الطرف السادس في قواعده وأعماله؛ وفيه ثلاث قواعد

وجميعها تزرع على المطر، وربما زرع بعضها على ماء العيون، والشعير والذرة أكثر الحبوب وجودا، ويزرع فيه على العيون البطّيخ: الأخضر والأصفر، والقثّاء، والباذنجان، والدّبّاء، والملوخيا، والهندبا، والفجل، والكرّاث، والبصل، والثّوم. وأما فواكهه ففيه الرّطب، والعنب، والموز والتّفّاح، والسّفرجل، واللّيمون وغير ذلك. وأما رياحينه ففيه التامر حنّاء، ويسمّى عندهم الفاغية: بالفاء وغين معجمة وياء مثناة تحت وهاء في الآخر. وأما مواشيه ففيه الإبل والضّان، والمعز بكثرة، والبقر بقلّة. وبه من الخيل ما يفوق الوصف حسنه، ويعجز البرق إدراكه. وأما وحوشه ففيه الغزلان، وحمر الوحش، والذّئاب، والضّباع، والثعالب، والأرانب وغيرها. وأما طيوره ففيه الحمام، والدجاج، والحدأة، والرّخم. الطرف السادس في قواعده وأعماله؛ وفيه ثلاث قواعد القاعدة الأولى مكة المشرفة، وفيها جملتان الجملة الأولى في حاضرتها وقد ذكر العلماء رحمهم الله لها ستة عشر اسما. «مكّة» بفتح الميم وتشديد الكاف المفتوحة وهاء في الآخر. كما نطق به القرآن الكريم في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ «1» ؛ سميت

بذلك لقلة مائها أخذا من قولهم امتكّ الفصيل ضرع أمه إذا امتصه، وقيل لأنها تمكّ الذنوب بمعنى أنها تذهب بها، ويقال لها أيضا (بكّة) بإبدال الميم باء موحدة. وبه نطق القرآن أيضا في قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ «1» قال الليث: «2» سميت بذلك لأنها تبكّ أعناق الجبابرة أي تدقّها والبك الدّق؛ وقيل بالميم الحرم كلّه وبكّة المسجد خاصة، حكاه الماورديّ عن الزهريّ وزيد بن أسلم؛ وقيل بالباء اسم لموضع الطواف، سمي بذلك لازدحام الناس فيه والبكّ الازدحام. ومن أسمائها أيضا (أمّ القرى) و (البلد الأمين) و (أم رحم) بضم الراء وإسكان الحاء المهملتين لأن الناس يتراحمون فيها ويتوادعون؛ و (صلاح) مبنيّ على الكسر كقطام ونحوه؛ و (الباسّة) لأنها تبسّ الظالم أي تحطمه؛ و (الناسّة) بالنون لأنها تنسّ الملحد فيها أي تطرده؛ و (النّسّاسة) لذلك أيضا؛ و (الحاطمة) لأنها تحطم الظالم كما تقدّم؛ و (الرأس) و (كوثى) بضم الكاف وفتح المثلثة؛ و (القدس) و (القادس) و (المقدّسة) . قال النوويّ: وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، ولذلك كثرت أسماء الله تعالى وأسماء رسوله صلّى الله عليه وسلّم وقد تقدّم أنها من جملة الحجاز. وحكى ابن حوقل عن بعض العلماء أنها من تهامة ورجحه في «تقويم البلدان» . وموقعها في الإقليم الثاني من الاقاليم السبعة. قال في «كتاب الأطوال» «3» : طولها سبع وستون درجة وثلاث عشرة دقيقة، وعرضها إحدى وعشرون درجة وأربعون دقيقة. وقال في «القانون» «4» : طولها سبع وستون درجة فقط، وعرضها إحدى وعشرون درجة وعشرون دقيقة. وقال في «رسم المعمور» «5» : طولها سبع وستون درجة، وعرضها إحدى وعشرون. وقال كوشيار: «6»

طولها سبع وستون درجة وعشر دقائق، وعرضها إحدى وعشرون درجة وأربعون دقيقة. وقال ابن سعيد: طولها سبع وستون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة، وعرضها إحدى وعشرون درجة وعشرون دقيقة. وهي مدينة في بطن واد والجبال محتفّة بها، فأبو قبيس مشرف عليها من شرقيها وأجياد بفتح الهمزة مشرف عليها من غربيها. قال الجوهريّ: سمي بذلك لموضع خيل تبّع منه. قال في «الروض المعطار» : وسعتها من الشمال إلى الجنوب نحو ميلين، ومن أسفل أجياد إلى ظهر جبل قعيقعان مثل ذلك. قال الكلبيّ: ولم يكن بها منازل مبنية في بدء الأمر؛ وكانت جرهم والعمالقة حين ولايتهم على الحرم ينتجعون جبالها وأوديتها ينزلون بها؛ ثم جاءت قريش بعدهم فمشوا على ذلك إلى أن صارت الرياسة في قريش لقصيّ بن كلاب فبنى دار النّدوة، يحكم فيها بين قريش؛ ثم صارت لمشاورتهم وعقد الألوية في حروبهم؛ ثم تتابع الناس في البناء، فبنوا دورا وسكنوها، وتزايد البناء فيها حتى صارت إلى ما صارت. وبناؤها بالحجر وعليها سور قديم قد هدم أكثره وبقي أثره والمسجد في وسطها. وقد ذكر الأزرقيّ في «تاريخ مكة» أن الكعبة كانت قبل أن تدحى الأرض رابية حمراء مشرفة على وجه الماء، ولما أهبط الله آدم عليه السلام وجاء إلى مكة، استوحش فأنزل الله تعالى إليه قبّة من الجنة من درّة بيضاء لها بابان فوضعت مكان البيت فكان يتأنّس بها، وجعل حولها ملائكة يحفظونها من أن يقع بصر الشياطين عليها. قال في «الروض المعطار» : وكان الحجر الأسود كرسيّا يجلس عليه. قال: وطوله ذراع. والذي ذكره الماورديّ وغيره أن الملائكة لما قالوا: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها «1» لاذوا بالعرش خوفا من غضب الله تعالى فطافوا حوله سبعا فرضي عنهم وقال: ابنوا في الأرض بيتا يعوذ به من سخطت عليه من بني آدم فبنوا هذا البيت، وهو أول بنائه؛ ثم بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كما أخبر الله تعالى بقوله: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ «2» قال في «الروض المعطار» : ولم يجعل لها سقفا. قال:

ثم انهدمت الكعبة فبنتها العمالقة، ثم انهدمت فبنتها جرهم، ثم انهدمت فبناها قصيّ بن كلاب وسقفها بخشب الدّوم وجريد النخل وجعل ارتفاعها خمسا وعشرين ذراعا، ثم استهدمت وكانت فوق القامة فأرادت قريش تعليتها فهدمتها وبنتها، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم عمره خمس وعشرون سنة، وشهد بناءها معهم، وكان بابها بالأرض فقال أبو حذيفة بن المغيرة: يا قوم ارفعوا باب الكعبة حتى لا يدخل إلا مسلم «1» ففعلوا ذلك وسقفوها بخشب سفينة ألقاها البحر إلى جدّة. قال في «الروض المعطار» : وكان طولها ثماني عشرة ذراعا، ثم احترق البيت حين حوصر ابن الزّبير بمكة وتأثّرت حجارته بالنار، فهدمه ابن الزبير وأدخل فيه ستة أذرع من الحجر، وقيل سبعة، وجعل له بابين ملصقين بالأرض: شرقيّا وغربيّا يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر، وجعل على بابها صفائح الذهب، وجعل مفاتيحه من ذهب. قال في «الروض المعطار» : وبلغ بها في العلوّ سبعا وعشرين ذراعا. فلما قتل ابن الزبير كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجّاج يأمره بإعادته على ما كان عليه في زمن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من بناء قريش فهدم جانب الحجر وأعاده إلى ذلك، وسدّ الباب الغربي ورفع الشرقيّ عن الأرض إلى حدّه الذي هو عليه الآن؛ وكان عبد الملك بن مروان بعد ذلك يقول: «وددت أني كنت حمّلت ابن الزبير من بناء الكعبة ما تحمّل» . ثم جدّد المتوكل رخام الكعبة فأزّرها بفضة وألبس سائر حيطانها وسقفها الذهب، وهو على ذلك إلى الآن. وهو مبنيّ بالحجر الأسود مستطيل البناء على التربيع، في ارتفاع خمسة وعشرين ذراعا. وله أربعة أركان: الأول- ركن الحجر الأسود. وهو ما بين الشرق والجنوب، ومنه يبتدأ الطواف.

الثاني- الشاميّ. وهو ما بين الشرق والشمال، سمّي بذلك لمسامتته بعض بلاد الشام، وداخله باب المطلع إلى سطح الكعبة. الثالث- الغربيّ. وهو ما بين الشمال والغرب، سمي بذلك لمسامتته بلاد المغرب، ولو سميّ بالمصريّ لكان جديرا به لمسامتته بلاد مصر. الرابع- اليماني. وهو ما بين الغرب والجنوب، سمي بذلك لمسامتته بلاد اليمن ولذلك خففت الياء في آخره نسبة إلى اليمن. وقال ابن قتيبة: سميّ بذلك لأنه بناه رجل من اليمن يقال له ابن أبي سالم، وقد يطلق عليه وعلى ركن الحجر الأسود اليمانيان، وعلى الشاميّ والغربيّ الشاميّان تغليبا. ثم بين ركن الحجر الأسود وبين الركن الشاميّ أربعة وعشرون ذراعا، وبالقرب من الركن الأسود في هذا الجدار باب الكعبة على أربعة أذرع وشيء من الأرض يرقى إليه بدرج من خشب توضع عند فتح الباب؛ والملتزم بين الركن الأسود والباب الشرقيّ؛ وبالقرب من الركن الشاميّ منه مصلّى آدم عليه السلام. وهذا الجدار مقسوم بثلاث جهات: الأولى- من الركن الاسود إلى باب الكعبة. وهي في جهة القبلة لأهل البصرة، والأهواز، وفارس، وأصبهان، وكرمان، وسجستان، وشمال بلاد الصّين وما على سمت ذلك. الثانية- من الباب إلى مصلى آدم عليه السلام. وهي جهة القبلة لأهل الكوفة، وبغداد، وحلوان، والقادسيّة، وهمذان، والرّيّ، ونيسابور، ومرو، وخوارزم، وبخارا، ونسا، وفرغانة، والشاش، وخراسان، وما على سمت ذلك. الثالثة- من مصلى آدم عليه السلام إلى الركن الشاميّ. وهي جهة القبلة لأهل الرّها، والموصل، وملطيّة، وشمشاط، والحيرة، وسنجار، وديار بكر، وأرمينية إلى باب الأبواب، وما على سمت ذلك. وبين الركن الشاميّ والركن الغربيّ أحد وعشرون ذراعا، وبأعلى هذا

الجدار الميزاب في الوسط منه وخارجه الحجر (بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم) مستديرا به على سمت الركنين، يفصل بينه وبين البيت فرجتان. وهذا الجدار مقسوم بثلاث جهات أيضا: الأولى- من الركن الشاميّ إلى دون الميزاب. وهي جهة القبلة لدمشق، وحماة، وسلميّة، وحلب، ومنبج، وميّافارقين، وما سامت ذلك. الثانية- وسط الجدار من الميزاب وما إلى جانبه. وهي جهة القبلة للمدينة النبوية (على ساكنها أفضل الصلاة والسلام) وجانب الشام الغربيّ، وغزّة، والرّملة، وبيت المقدس، وفلسطين، وعكّا، وصيدا. الثالثة- ما يلي هذه الجهة إلى الركن الغربيّ. وهي جهة القبلة لمصر بأسرها من أسوان إلى دمياط، والإسكندريّة، وبرقة، وكذلك طرابلس الغرب، وصقلّية، وسواحل الغرب، والأندلس وما على سمت ذلك. وبين الركن الغربيّ والركن اليماني في هذا الجدار الباب المسدود تجاه الباب المفتوح. وهذا الجدار مقسوم بثلاث جهات أيضا: الأولى- من الركن الغربيّ إلى ثلث الجدار. وهي جهة القبلة لأهل الشمال من بلاد البجاوة، والنّوبة، وأوسط الغرب من جنوب الواحات إلى بلاد الجريد «1» إلى البحر المحيط وما على سمت ذلك من عيذاب، وسواكن، وجنوب أسوان، وجدّة، ونحو ذلك. الثانية- من ثلث الجدار إلى دون الباب المسدود. وهي جهة القبلة لأهل الجنوب من بلاد البجاوة ودهلك وسواكن والنوبة والتّكرور وما وراء ذلك وعلى سمته.

الثالثة- من دون الباب المسدود إلى الركن اليماني. وهي جهة القبلة لأهل الحبشة، والزّنج، والزّيلع، وأكثر بلاد السودان وما والاها من البلاد أو كان على سمتها. وبين الركن اليماني وركن الحجر الأسود عشرون ذراعا، أنقص من مقابله بذراع، وبالقرب من ركن الحجر الأسود من هذا الجدار مصلّى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل الهجرة. وهذا الجدار مقسوم بثلاث جهات: الأولى- الركن اليماني إلى سبعة أذرع من الجدار. وهي جهة القبلة لتدمر، وحضر موت، وعدن، وصنعاء، وعمان، وصعدة، والشّحر، وسبإ، وزبيد وما والاها أو كان على سمتها. الثانية- من حدّ الجهة المتقدّمة إلى دون مصلّى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل الهجرة. وهي جهة القبلة لجنوب بلاد الصّين، والسّند، والتّهائم، والبحرين، وما سامت ذلك. الثالثة- من مصلّى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل الهجرة إلى ركن الحجر الأسود. وهي جهة القبلة لأهل واسط، وبلاد الصّين، والهند، والمرجان، وكابل، والقندهار. والمعبر، وما والاها من البلاد أو كان على سمتها. ويقابل الجدار الشرقيّ من البيت مما يلي ركن الحجر الأسود زمزم وسقاية العبّاس، ويقابله مما يلي الركن الشاميّ مقام إبراهيم عليه السلام. وقد تقدّم الكلام عليه في عجائب الحجاز فيما مرّ؛ ويسمّى ما بين الكعبة وزمزم والمقام الحطيم (بالحاء والطاء المهملتين) . قال في «الروض المعطار» : سمي بذلك لأنه كان من لم يجد من الأعراب ثوبا من ثياب أهل مكة يطوف فيه رمى ثيابه هناك وطاف عريانا. وخارج المسجد الصّفا والمروة اللذان يقع السعي بينهما.

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها، وهي على ضربين

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها، وهي على ضربين الضرب الأول الحرم ومشاعر الحج الخارجة عن مكة أما الحرم فهو ما يطيف بمكة مما يحرم صيده وقطع شجره وحشيشه ونحو ذلك، وقد تقدّم أن الله تعالى جعل ملائكة يحرسون القبّة التي أنزلها الله تعالى إلى آدم من الجنة ووضعت له مكان الكعبة وجعلت الملائكة حرسا لها كي لا يقع عليها بصر الشياطين، فكانت مواقف الملائكة هي حدود الحرم. قال ابن حوقل: وليس بمكة والحرم شجر يثمر إلا شجر البادية، أما خارج الحرم ففيه عيون وثمار. واعلم أن مقادير جهات الحرم تتفاوت في القرب والبعد عن مكة، وعلى حدوده أعلام منصوبة في كل جهة تدلّ عليه. قال في «الروض المعطار» : قال الزبير: وأول من وضع علامات الحرم ونصب العمد عليه عدنان بن أدّ، خوفا من أن تندرس معالم الحرم أو تتغير. قال: وحدّه من التنعيم على طريق سرف إلى مرّ الظّهران خمسة أميال، وذكر في موضع آخر أنّها ستة أميال، وحدّه من طريق جدّة عشرة أميال، ومن طريق اليمن ستة أميال، ودوره سبعمائة وثلاثة وثلاثون ميلا. ثم بحدود هذا الحرم أماكن مشهورة، يخرج إليها من مكة من أراد أن يهلّ بعمرة فيحرم منها. أحدها- (التّنعيم) - بألف ولام لازمتين وفتح التاء المثناة فوق وسكون النون وكسر العين المهملة وسكون الياء المثناة تحت وميم في الآخر- وهو موضع على حدّ الحرم على طريق السالك من بطن مرّ وإلى مكة. قال في «الروض المعطار» : وسمّي التنعيم لأن الجبل عن يمينه اسمه نعيم والذي عن يساره اسمه ناعم والوادي الذي هو فيه اسمه نعمان؛ ومنه اعتمرت عائشة رضي الله عنها مع عبد الرحمن بن أبي بكر، وهناك مسجد يعرف بمسجد عائشة إلى الآن.

الثاني- (الحديبيّة) - بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وسكون الياء المثناة تحت وكسر الباء الموحدة وفتح الياء المشدّدة وفي آخرها تاء- ونقل في «الروض المعطار» عن الأصمعي تخفيف الياء الثانية. قال في «تقويم البلدان» : وهو موضع بعضه في الحلّ وبعضه في الحرم، وفيه صدّ المشركون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن البيت؛ وهي أبعد أطراف الحرم عن البيت؛ وهي على مسيرة يوم؛ وهي في مثل زاوية للحرم. وذكر في «الروض المعطار» أن الحديبية اسم لبئر في ذلك المكان، ومذهب الشافعيّ أن العمرة منه أفضل من التنعيم. الثالث- (الجعرّانة) - بكسر الجيم والعين المهملة وفتح الراء المهملة المشدّدة بعدها ألف ونون مفتوحة وهاء في الآخر- ونقل في «الروض المعطار» عن الأصمعي سكون العين وتخفيف الراء. قال: وهو مكان بين مكة والطائف ولكنه إلى مكة أقرب، ومنه أحرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالعمرة في «1» وجهته تلك، ومذهب الشافعيّ أن العمرة منه أفضل من الحديبية. وأما مشاعر الحج الخارجة عن مكة فثلاثة: أحدها- منى بكسر الميم وفتح النون وألف مقصورة- سميت بذلك لما يمنى فيها من الدماء أي يراق. قال في «المشترك» : وبينها وبين مكة ثلاثة أميال- وهي تشبه القرية مبنية على ضفتي الوادي. وبها مسجد الخيف- بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء المثناة تحت وفي آخره فاء- وهو مسجد عظيم متّسع الأرجاء بغير سقف. الثاني- (المزدلفة) - بضم الميم وسكون الزاي المعجمة وفتح الدال المهملة وكسر اللام وفتح الفاء وآخرها هاء- وهي موضع على يسرة الذاهب من منى إلى عرفة. قال النوويّ: سميت بذلك من التزلف والازدلاف وهو التقرّب، لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها أي تقرّبوا ومضوا إليها، وتسمى

الضرب الثاني قراها ومخاليفها

جمعا أيضا بفتح الجيم وسكون الميم وعين مهملة- لأنه يجمع بها بين المغرب والعشاء؛ وبها مسجد متسع. قال في «الروض المعطار» : طوله ثلاثة وستون ذراعا، وعرضه خمسون ذراعا، وارتفاع جداره عشرة أذرع. الثالث- (عرفة) - بفتح العين والراء المهملتين والفاء وهاء في الآخر- ويقال فيه أيضا عرفات على الجمع، وبه جاء القرآن في قوله تعالى: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ «1» وهو موقف الحج، وسمي عرفات لتعارف آدم عليه السلام وحوّاء به. قال كعب الاحبار «2» : أهبط آدم عليه السلام بالهند، وحواء بعرفة، وإبليس بجدّة، والحيّة بأصبهان، وأمر الله تعالى آدم بحج البيت فحج، فكان حيث وضع قدمه تتفجر الأنهار وتبنى المساجد. فلما وصل إلى عرفة، وجد بها حواء فتعارفا بها. الضرب الثاني قراها ومخاليفها واعلم أن أكثر جبال مكة وأوديتها مسكونة معمورة إلا أنه ليس بها قرية مقرّاة إلا حيث المياه والعيون الجارية والحدائق المحدّقة، والمشهور من ذلك عشرة أماكن: الأول- (جدّة) - بضم الجيم وتشديد الدال المهملة ثم هاء- وهي فرضة مكة على ساحل بحر القلزم، وموقعها في أول الاقليم الثاني من الأقاليم السبعة، وهي في الغرب عن مكة بميلة إلى الشمال. قال في «الأطوال» : طولها ست وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها إحدى وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة. ووافقه على ذلك في «القانون» . وقال في «رسم المعمور» : طولها خمس وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها على ما تقدم. وهي مينا عظيمة محلّ

حطّ وإقلاع، إليها تنتهي المراكب من مصر واليمن وغيرهما، وعنها تصدر من مكة. قال في «تقويم البلدان» : وهي من مكة على مرحلتين. وقال الإدريسي: بينهما أربعون ميلا، وهي ميقات من قطع البحر من جهة عيذاب إليها. الثاني- (بطن نخل) - وضبطه معروف، ويقال فيه أيضا وادي نخلة على التوحيد ونخلة بإسقاط لفظ وادي. قال الجوهريّ: وبه كانت العزّى التي هي أحد طواغيت قريش، وبعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليها خالد بن الوليد فهدمها، وهي الآن بيد هذيل، وهي قرى مجتمعة ذات عيون وحدائق ومزدرع. أخبرني بعض أهل الحجاز أن بها نحو أربعة عشر نهرا على كل نهر قرية، وغالب فواكه مكة وقطانيّها وبقولها منها، ومنها يصب الماء إلى بطن مرّ الآتي ذكره. الثالث- (الطّائف) - بألف ولام لازمتين فطاء مهملة مشدّدة مفتوحة بعدها ألف وياء مثناة تحت مكسورة ثم فاء- وهو بلد شرقيّ بطن نخل المتقدّم ذكرها، وبطن نخل بينه وبين مكة. قيل سميت الطائف لأنها في طوفان نوح انقطعت من الشام وحملها الماء وطافت بالأرض حتّى أرست في هذا الموضع. وقال في «الروض المعطار» : اسمها القديم وجّ يعني بواو مفتوحة وجيم مشدّدة- سميت برجل من العمالقة، ثم سكنها ثقيف فبنوا عليها حائطا مطيفا بها فسميت الطائف قال: وهي إحدى القريتين المذكورتين في قوله تعالى: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ «1» . قال في «تقويم البلدان» : وهي من الحجاز تقريبا، وموقعها في أوائل الإقليم الثاني. وقال ابن سعيد: طولها ثمان وستون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة، وعرضها إحدى وعشرون درجة وأربعون دقيقة، وهو بلد خصيب كثير الفواكه المختلفة مما يشابه فواكه الشام وغيرها، وهي طيّبة الهواء إلا أنها شديدة البرد حتّى إنه ربما جمد الماء بها لشدّة بردها. الرابع- (بطن مرّ) - بفتح الباء الموحدة وسكون الطاء المهملة ونون بعدها ثم ميم مفتوحة وراء مهملة مشدّدة- وهو واد من أودية الحجاز في الشّمال

عن مكة على مرحلة منها على طريق حجّاج مصر والشام. قال في «الأطوال» : طولها سبع وستون درجة وعرضها إحدى وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي بقعة بها عدّة عيون ومياه تجري ونخيل كثير، والنخل والمزدرع متصل من وادي نخلة إليها. وذكر غيره أن بها نحو أربعة وعشرين نهرا على كل نهر قرية، ومنها تحمل الفواكه والبقولات إلى مكة كما تحمل من نخلة والطائف، وهي بيد بني حسن أمراء مكة. الخامس- (الهده) - بألف ولام ثم هاء ودال مهملة مفتوحتين وهاء ساكنة في الآخر- وهو واد على القرب من بطن مرّ، على مرحلة ونصف من مكة، به أربعة عشر نهرا على كل نهر قرية، وهي بيد بني جابر. السادس- (عسفان) - بضم العين وسكون السين المهملتين وفتح الفاء ثم ألف ونون- وهو واد معروف على طريق حجّاج مصر، على ثلاث مراحل من مكة، كان بها حدائق ومياه تنصب إليها من الهده المذكورة، وهي الآن خراب ليس بها عمارة. السابع- (البرزة) - بألف ولام ثم باء موحدة مفتوحة وراء مهملة ساكنة وزاي معجمة مفتوحة وهاء في الآخر- وهي واد بالقرب من عسفان على مرحلتين من مكة؛ به أربعة عشر نهرا على كل نهر قرية؛ وهي الآن بيد بني سلول وبني معبّد بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة المفتوحة. الثامن- (خليص) - بضم الخاء المعجمة وفتح اللام وإسكان الياء المثناة تحت والصاد المهملة- وهو واد على طريق حجّاج مصر على أربع مراحل من مكة؛ به نحو تسعة أنهر على كل نهر قرية. التاسع- (وادي كليّة) - بضم الكاف وفتح اللام وتشديد الياء المثناة تحت المفتوحة وهاء في الآخر- وهو واد بالقرب من خليص به نحو سبعة أنهر على كل نهر قرية، وكان بيد سليم، وقد خرب من مدّة قريبة بعد الثمانين والسبعمائة. العاشر- (مرّ الظّهران) - بفتح الميم وتشديد الراء المهملة ثم ألف ولام

الطرف السابع في ذكر ملوك مكة، وهم على ضربين

وظاء معجمة مفتوحة وهاء ساكنة وراء مهملة مفتوحة بعدها ألف ونون- وهو موضع بينه وبين مكة نحو ستة عشر ميلا، وهو الذي نزل به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند صلحه مع قريش، كان به ضياع كثيرة وهو الآن خراب. قال في «الروض المعطار» : وبه حصن كبير كان يسكنه شكر بن الحسن بن عليّ بن جعفر الحسني، يعني أمير مكة الآتي ذكره في جملة أمرائها. الطرف السابع في ذكر ملوك مكة، وهم على ضربين الضرب الأوّل ملوكها قبل الإسلام اعلم أن مكة بعد الطّوفان كان ملكها في عاد، وكان بها منهم معاوية بن بكر ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، وكان مع معاوية بن بكر (وهو عاد الآخرة فيما يقال) يعرب ثم غلبهم العمالقة عليها. فلما غلب ابن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عادا على اليمن وفرّق ملك اليمن في إخوته، استولى على الحجاز وأخرج العمالقة منه وولّى أخاه جرهم بن قحطان على الحجاز، فبقي به حتّى مات. فملك بعده ابنه عبد ياليل. ثم ملك من بعده ابنه جرهم؛ ثم ملك بعده ابنه عبد المدان؛ ثم ملك بعده ابنه بقيلة؛ ثم ملك بعده ابنه عبد المسيح؛ ثم ملك بعده ابنه مضاض؛ ثم ملك بعده ابنه الحرث؛ ثم ملك بعده ابنه عمرو؛ ثم ملك بعده أخوه بشر بن الحرث، ثم ملك بعده مضاض بن عمرو بن مضاض. قال ابن سعيد: وجرهم هذه هم الذين بعث إليهم إسماعيل عليه السلام وتزوّج فيهم، وكانت قبلهم جرهم أخرى مع عاد. قال في «الروض المعطار» : وفي ذلك يقول عمرو بن الحرث بن مضاض، وهو التاسع من ملوك جرهم المتقدّم ذكرهم:

وصاهرنا من أكرم النّاس والدا ... فأبناؤه منّا ونحن الأصاهر قال صاحب حماة في «تاريخه» : وقد اختلف المؤرّخون في أمر الملك على الحجاز بين جرهم وبين إسماعيل فبعضهم يقول: كان الملك في جرهم، ومفاتيح الكعبة وسدانتها في يد ولد إسماعيل، وبعضهم يقول: إن قيدار بن إسماعيل توّجته أخواله من جرهم وعقدوا له الملك عليهم بالحجاز. وأما سدانة البيت ومفاتيحه فكانت مع بني إسماعيل بلا خلاف حتّى انتهى ذلك إلى نابت من ولد إسماعيل، فصارت السّدانة بعده لجرهم؛ ويدل على ذلك قول عمرو بن الحرث: وكنّا ولاة البيت من بعد نابت ... نطوف بذاك البيت والأمر ظاهر وذكر في «الروض المعطار» : أنه كان مع جرهم بمكة قطورا «1» ، وجرهم وقطورا أخوان، وكان منزل جرهم أعلى مكة بقعيقعان فما حاز، ومنزل قطورا أسفل مكة بأجياد فما حاز، وانتهت رياسة قطورا في زمن مضاض بن عبد المسيح المتقدّم ذكره إلى السّميدع، وكان مضاض يعشّر من دخل مكة من أعلاها، والسّميدع يعشر من دخلها من أسفلها، ثم بغى بعضهم على بعض وتنافسوا الملك واقتتلوا فقتل السميدع، واستقلّ مضاض بالأمر، وبقيت جرهم ولاة البيت نحو ثلاثمائة سنة فأكلوا مال الكعبة الذي يهدى إليها واستحلّوا حرمها، وبلغ من أمرهم أن الرجل إذا لم يجد مكانا يزني فيه «2» الكعبة فزنى فيها، ولم يتناهوا حتّى يقال إن إساف بن سهيل زنى بنائلة بنت عمرو بن ذؤيب في جوف الكعبة فمسخا حجرين، ونضب ماء زمزم لكثرة البغي ودرست معالمها؛ ثم جاء عمرو بن لحيّ فغيّر دين إبراهيم عليه السلام وبدّله وبعث العرب على عبادة التماثيل، وعمّر ثلاثمائة سنة وخمسا وأربعين سنة، وبلغ من الولد وولد الولد ألفين.

ثم صارت سدانة البيت ومفاتيحه إلى خزاعة بن الأزد من بني كهلان بن سبإ من العرب العاربة، وكانت منازلهم من حين تفرّق عرب اليمن بسبب سيل العرم ببطن مرّ على القرب من مكة؛ وصارت لهم الرياسة بسدانة البيت، وبقيت السّدانة بيدهم إلى أن انتهت إلى أبي غبشان: سليمان بن عمرو الخزاعيّ في زمن بهرام جور بن يزدجرد من ملوك الفرس؛ ورئيس قريش يومئذ قصيّ بن كلاب، فاجتمع قصيّ مع أبي غبشان على شراب بالطائف، فلما سكر أبو غبشان اشترى قصيّ سدانة البيت منه بزقّ خمر وتسلم مفاتيحه وأشهد عليه بذلك، وأرسل ابنه عبد الدار بها إلى البيت فرفع صوته وقال: يا معشر قريش! هذه المفاتيح: مفاتيح بيت أبيكم إسماعيل، قد ردّها الله عليكم من غير عار «1» ولا ظلم. فلما صحا أبو غبشان ندم حيث لا ينفعه النّدم. ويقال «أخسر من صفقة أبي غبشان» وأكثر الشعراء القول في ذلك حتّى قال بعضه: باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت ... بزقّ خمر، فبئست صفقة البادي باعت سدانتها بالنّزر وانصرفت ... عن المقام وظلّ البيت والنّادي ولما وقع ذلك عدت خزاعة على قصيّ فظهر عليهم وأجلاهم عن مكة؛ وكان بمكة عرب يجيزون الحجيج إلى الموقف، وكان لهم بذلك رياسة فأجلاهم قصيّ عن مكّة أيضا وانفرد بالرياسة. قال العسكريّ في «الأوائل» : وكان أوّل من نال الملك من ولد النّضر بن كنانة. ولما تم لقصيّ ذلك بنى دار النّدوة بمكة، فكانت قريش تقضي فيها أمورها فلا تنكح ولا تشاور في أمر حرب ولا غيره إلا فيها؛ ولم تزل الرياسة فيه وفي بنيه بعد ذلك. فولد له من الولد عبد مناف وعبد الدّار وعبد العزّى. ثم انتقلت الرياسة العظمى بعد ذلك لبني عبد مناف، وكان له من الولد هاشم وعبد شمس والمطّلب ونوفل؛ وكان هاشم أرفعهم قدرا وأعظمهم شأنا،

وإليه انتهت سيادة قومه؛ وكانت إليه الرّفادة وسقاية الحجيج بمكة؛ وكانت قريش تجّارا، وكانت تجارتهم لا تعدو مكة وما حولها فخرج هاشم إلى الشأم حتّى نزل بقيصر ملك الروم فسأله كتابة أمان لتجّار قريش، فكتب له كتابا لكل من مرّ عليه، فخرج هاشم فكلّما مرّ بحيّ من العرب أخذ من أشرافهم أمانا لقومه حتّى قدم مكة، فأتاهم بأعظم شيء أتوا به قطّ بركة، فخرجوا بتجارة عظيمة وخرج معهم حتّى أوردهم الشام؛ وخرج أخوه المطلب إلى اليمن فأخذ لهم أمانا من ملكه؛ وخرج أخوهما عبد شمس إلى ملك الحبشة فأخذ لهم أمانا كذلك؛ وخرج أخوهم نوفل إلى كسرى ملك الفرس فأخذ لهم منه أمانا. وكانت قريش يرحلون في الشتاء للشام وفي الصيف لليمن، واتسعت معايشهم بسبب ذلك، وكثرت أموالهم حتّى امتن الله عليهم بذلك بقوله: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ «1» والإيلاف الأمان. ثم ولد لهاشم عبد المطلب وبقيت الرياسة فيه؛ وكانت بئر زمزم قد انطمّت ونضب ماؤها فحفرها عبد المطلب، حتّى أكمل الله تعالى بنبوّة نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم. وأما سدانة البيت ومفاتيحه، فبقيت بيد بني عبد الدار بن قصيّ المتقدّم ذكره من حين تسلّمها عبد الدار عند أخذها من أبي غبشان الخزاعيّ حتى صارت لبني شيبة من بني عبد الدار، وانتهت في زمن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى عثمان بن طلحة ابن عبد الدار. فلما دخل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مكة يوم الفتح، أغلق عثمان باب الكعبة وصعد السطح وأبى أن يدفع المفتاح إليه، وقال: لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه، فلوى عليّ بن أبي طالب يده وأخذه منه وفتح ودخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الكعبة فصلّى ركعتين، فلما خرج سأله العبّاس أن يعطيه المفتاح ويجمع له السّقاية والسّدانة فنزل قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها «2» فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّا أن يردّ المفتاح إلى عثمان ويعتذر إليه، فقال عثمان: أكرهت

الضرب الثاني ملوكها في الإسلام، وهم على طبقات

وآذيت ثم جئت ترفق؟ فقال له عليّ: لقد أنزل الله تعالى في شأنك قرآنا، وقرأ عليه الآية، فقال عثمان: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فهبط جبريل عليه السلام على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره أن السّدانة في أولاد عثمان أبدا، فهي باقية فيهم إلى الآن. الضرب الثاني ملوكها في الإسلام، وهم على طبقات الطبقة الثالثة «1» عمال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء الراشدين هاجر منها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة قبل وفاته، وحجّ حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة، وتوفّي سنة إحدى عشرة من الهجرة وعلى مكة عثمان بن أسيد، وتوالت عليها عمّال الخلفاء بعده إلى آخر أيام الحسن بن عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه. الطبقة الرابعة عمال بني أميّة من لدن معاوية رضي الله عنه إلى انقراضهم ثم ولّى عليها معاوية بن أبي سفيان في خلافته في سنة اثنتين وأربعين من الهجرة (خالد بن العاص بن هشام) ثم أضيفت إلى عمّال المدينة إلى أيام الوليد ابن عبد الملك فكان من وليها منهم (الوليد بن عتبة) ثم (عمرو بن سعيد الأشدق) ثم (الوليد بن عتبة) ثانيا؛ ثم (مصعب بن الزبير) من جهة أخيه عبد الله بن الزبير لما بويع له بالخلافة؛ ثم (جابر بن الأسود) ثم (طلحة بن عبد الله بن عوف) ثم (طارق بن عمرو بن عثمان) ثم (الحجّاج بن يوسف

الطبقة الخامسة عمال بني العباس

الثقفيّ) ثم (أبان بن عثمان) ثم (هشام بن إسماعيل المخزوميّ) ثم (عمر «1» ابن عبد العزيز) . ثم أفردها الوليد بن عبد الملك عن المدينة وولّى عليها (خالد بن عبد الله القسري) بعد عمر «2» بن عبد العزيز؛ ثم وليها (عبد العزيز بن خالد بن أسيد) أيام سليمان بن عبد الملك؛ ثم عزله يزيد سنة ثلاث ومائة وأضافها مع المدينة إلى (عبد الرحمن بن الضحّاك) ، ثم عزله عن مكة والمدينة لثلاث سنين من ولايته وولّى مكانه (عبد الواحد النضريّ) ، ثم عزله هشام بن عبد الملك في خلافته وولّى مكانه على مكة والمدينة (إبراهيم بن هشام بن إسماعيل) ثم عزله هشام سنة أربع عشرة ومائة وولّى مكانه على مكة والطائف دون المدينة (محمد ابن هشام المخزوميّ) ؛ ثم ولّى الوليد بن زيد في خلافته خاله (يوسف بن محمد الثقفيّ) على مكة مع سائر أعمال الحجاز؛ ثم ولّى مروان على مكة وبرّ الحجاز (عبد العزيز بن عمر، بن عبد العزيز) ثم عزله في سنة تسع وعشرين ومائة وولّى مكانه على مكة والحجاز (عبد الواحد) «3» ثم توالت عليها عمّال بني أمية إلى أن انقرضت دولتهم. الطبقة الخامسة عمّال بني العبّاس وأوّلهم أبو العباس السّفّاح، فولّى عليها وعلى المدينة وسائر الحجاز عمّه (داود) ثم توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائة؛ فولّى مكانه في جميع ذلك (زياد بن عبد الله بن عبد الدار الحارثيّ) . ثم ولّى السّفّاح على ذلك سنة ثلاث وأربعين ومائة (السّريّ بن عبد الله بن

الطبقة السادسة السليمانيون من بني الحسن

الحارث بن العبّاس) . ثم عزله أبو جعفر المنصور سنة ست وأربعين ومائة وولّى مكانه عمه (عبد الصمد بن عليّ) ثم عزله عنها سنة تسع وأربعين ومائة وولّى مكانه (محمد بن إبراهيم الإمام) ثم عزله وولّى مكانه (إبراهيم ابن أخيه) ثم ولّى على مكة وسائر الحجاز واليمامة (جعفر بن سليمان) ؛ ثم توالت عليها العمال إلى أن ولّى الرشيد في خلافته على مكة واليمن (حمادا اليزيدي) «1» سنة أربع وثمانين ومائة. ثم وليها في زمان الأمين (داود بن عيسى) . ثم وليها (محمد بن عيسى) ثم عزله المتوكل سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وولّى مكانه ابنه (المنتصر) بن المتوكل. ثم وليها (عليّ بن عيسى بن جعفر بن المنصور) ثم عزله المتوكل سنة سبع وثلاثين ومائتين وولّى مكانه (عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى بن موسى) ثم عزله المتوكل سنة ثنتين وأربعين ومائتين وولّى مكانه (عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام) ثم توالت عليها العمال من قبل خلفاء بني العبّاس إلى أن غلب عليها السّليمانيّون الآتي ذكرهم آنفا. الطبقة السادسة السليمانيون من بني الحسن نسبة إلى سليمان بن داود بن الحسن المثنّى بن الحسن السّبط. وكان سليمان هذا في أيام المأمون بالمدينة وحدثت الرياسة فيها لبنيه بعد أيام، وكان كبيرهم آخر المائة الثالثة محمد بن سليمان الربذيّ. قال البيهقيّ «2» : خلع طاعة العبّاسيين وخطب لنفسه بالإمامة في سنة إحدى وثلاثمائة في خلافة المقتدر؛ ثم اعترضه أبو طاهر القرمطيّ في سنة ثنتي عشرة

وثلاثمائة، فانقطع حجيج العراق بسبب ذلك. ثم أنفذ المقتدر الحجيج من العراق في سنة سبع عشرة وثلاثمائة فوافاهم القرمطيّ بمكة فنهبهم، وخطب لعبيد الله المهديّ صاحب إفريقية وقلع الحجر الأسود وباب الكعبة وحملهما إلى الأحساء، وتعطل الحج من العراق إلى أن ولي الخلافة القاهر في سنة عشرين وثلاثمائة فحجّ بالناس أميره في تلك السنة. ثم انقطع الحج من العراق بعدها إلى أن صولحت القرامطة على مال يؤدّيه الحجيج إليهم، فحجوا في سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، وخطب بمكة للراضي بن المقتدر، وفي سنة تسع وعشرين لأخيه المتّقي من بعده. ثم انقطع الحج من العراق بسبب القرامطة إلى سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة؛ فخرج ركب العراق بمهادنة القرامطة في خلافة المستكفي؛ ثم خطب بمكة لمعز الدولة بن بويه مع المقتدر في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة؛ ثم تعطل الحج بسبب القرامطة؛ ثم برز أمر المنصور الفاطميّ صاحب إفريقيّة لأحمد بن أبي سعيد أمير القرامطة بعد موت أبي طاهر بإعادة الحجر الأسود إلى مكانه فأعاده في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة. وفي سنة ثنتين وأربعين وثلاثمائة حاول أمير الركب المصريّ الخطبة لابن الأخشيد صاحب مصر فلم يتأتّ له ذلك وخطب لابن بويه، واتصلت وفود الحج من يومئذ. وفي سنة ثلاث وخمسين خطب للقرمطيّ بمكة مع المطيع. وفي سنة ست وخمسين وثلاثمائة خطب بمكة لبختيار بن معزّ الدولة بعد موت أبيه. ثم في سنة ستين وثلاثمائة جهز المعزّ الفاطميّ عسكرا من إفريقيّة لإقامة الخطبة له بمكة وعاضدهم بنو الحسين أهل المدينة فمنعهم بنو الحسن أهل مكة من ذلك واستولوا على مكة.

فلما ملك مصر المعزّ كان الحسن بن جعفر بن الحسن بن سليمان بالمدينة فبادر فملك مكة ودعا للمعزّ وكتب له المعزّ بالولاية؛ ثم مات الحسن فولّي مكانه أخوه عيسى. ثم ولّي بعده أبو الفتوح الحسن بن جعفر بن أبي هاشم، ثم الحسن بن محمد بن سليمان بن داود سنة أربع وثمانين وثلاثمائة؛ ثم جاءت عساكر عضد الدولة بن بويه ففرّ الحسن وترك مكة. ولما مات المعز وولي ابنه العزيز، بعث إلى مكة أميرا علويّا فخطب له بالحرمين واستمرّت الخطبة بمكة للعلويين إلى سنة سبع وستين وثلاثمائة. وفي سنة ثمان وستين خطب لعضد الدولة بن بويه، ثم عادت الخطبة بمكة إلى الخلفاء الفاطميين بمصر؛ ثم كتب الحاكم سنة ثنتين وأربعين وأربعمائة إلى عمّاله بالبراءة من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فأنكر ذلك أبو الفتوح أمير مكة وحمله ذلك على أن استبدّ بالأمر في مكة وخطب لنفسه وتلقب بالراشد بالله، وقطع الحاكم الميرة عن الحرمين فرجع أبو الفتوح إلى طاعته فأعاده إلى إمارته بمكة. وفي سنة ثنتي عشرة وأربعمائة خطب بمكة للظاهر بن الحاكم؛ ثم خطب بمكة سنة سبع وعشرين وأربعمائة للمستنصر بن الظاهر؛ ثم توفي أبو الفتوح أمير مكة المتقدّم ذكره سنة ثلاثين وأربعمائة لستّ وأربعين سنة من إمارته. وولي بعده إمارة مكة ابنه شكر وملك معها المدينة واستضافها لمكة، وجمع بين الحرمين كله «1» ثلاثا وعشرين سنة ومات سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة. قال ابن حزم «2» : وكانت وفاته عن غير ولد وانقرضت بموته دولة بني سليمان بمكة.

الطبقة السابعة الهواشم

الطبقة السابعة الهواشم نسبة إلى أبي هاشم: محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون بن عبد الله بن حسن بن الحسن السّبط. كان رئيس الهواشم لما مات شكر آخر أمراء السليمانيين (محمد بن جعفر) بن أبي هاشم المذكور فاستولى على إمارة مكة في سنة أربع وخمسين وأربعمائة بعد موت شكر، وخطب للمستنصر الفاطميّ صاحب مصر، ثم خطب لبني العبّاس في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة فقطعت ميرة مصر عن مكة فعذله أهله على ذلك فأعاد الخطبة للمستنصر الفاطميّ، ثم استماله القائم العباسيّ وبذل له الأموال فخطب له سنة ثنتين وستين بالموسم فقط، وكتب للمستنصر بمصر يعتذر إليه، ثم بعث إليه السلطان ألب أرسلان السّلجوقيّ بأموال كثيرة في سنة ثلاث وستين فخطب له بنفسه. ثم جمع محمد بن جعفر المتقدّم ذكره وزحف إلى المدينة فأخرج منها بني الحسين وملكها وجمع بين الحرمين. ثم مات القائم وانقطع ما كان يصل إلى أمير مكة منه فقطع الخطبة للعباسيين. ثم أرسل المقتدي بالله العباسيّ بمال فأعاد الخطبة للعباسيين فاستمرت الخطبة لهم إلى أن مات السلطان ملكشاه السلجوقيّ سنة ست «1» وثمانين وأربعمائة فانقطعت الخطبة بمكة للعباسيين وبطل الحاجّ من العراق، ومات المقتدي وبويع ابنه المستظهر، ومات المستنصر العبيديّ بمصر وبويع ابنه المستعلي فخطب له بمكة.

ثم مات محمد بن جعفر أمير مكة المتقدّم ذكره سنة سبع وثمانين وأربعمائة لثلاث وثلاثين سنة من إمارته؛ وولي بعده ابنه (قاسم) فكثر اضطرابه، ثم توفي سنة ثمان عشرة وخمسمائة لثلاثين سنة من إمارته. وولي بعده ابنه أبو فليتة فافتتح بالخطبة العباسية وحسن الثناء عليه؛ ثم مات سنة سبع وعشرين وخمسمائة لعشر سنين من إمارته وولي بعده ابنه قاسم والخطبة مستمرّة للعباسيين. ثم صنع المقتفي بابا للكعبة وأرسله إليها في سنة ثنتين وخمسين وخمسمائة وحمل الباب العتيق إليه فاتخذه تابوتا يدفن فيه، واتصلت الخطبة لبني العبّاس إلى سنة خمس وخمسين «1» ، وبويع المستنجد فخطب له كما كان يخطب لأبيه المقتفي. ثم قتل قاسم بن أبي فليتة سنة ست وخمسين وخمسمائة، وولي بعده ابنه (عيسى) في أيام العاضد: آخر خلفاء الفاطميين بمصر، وتوفي المستنجد وبعث المستضيء بالركب العراقيّ وانقضت دولة الفاطميين بمصر، ووليها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فخطب له بالحرمين الشريفين. والذي ذكره السلطان عماد الدين صاحب حماة في «تاريخه» أن عيسى عمّ قاسم سيّر الحاجّ في سنة ست وخمسين وخمسمائة وقام مكان ابن أخيه قاسم المذكور، ثم عاد قاسم فملك مكة، ثم هرب وعاد عمه عيسى فملكها وهرب قاسم إلى جبل أبي قبيس فوقع عن فرسه فأمسكه عيسى وقتله. ثم مات المستضيء وبويع ابنه الناصر وخطب له بالحرمين، وحجت أمه وعادت فأنهت إليه من أحوال عيسى بن قاسم أمير مكة ما عزله به؛ وولّى مكانه أخاه (مكثر بن قاسم) وكان جليل القدر، وهو الذي بنى القلعة على جبل أبي

الطبقة الثامنة بنو قتادة

قبيس، ومات سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وبموته انقرضت دولة الهواشم بمكة. وذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة في «تاريخه» أن أمير حاج العراق في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة توجه من عند الخليفة بعزله، فجرى بينهما حرب انتهى الأمر فيها إلى انهزام مكثر المذكور، وأقيم أخوه داود مكانه. وما زالت الإمرة فيه تارة، وفي أخيه مكثر تارة حتّى مات داود في سنة تسع وثمانين وخمسمائة. وقال: إنه داود بن عيسى بن محمد بن أبي هاشم. الطبقة الثامنة بنو قتادة نسبة إلى قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون بن عبد الله بن حسن بن الحسن السّبط بن عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه. وكان السبب في ولايته مكة أنها لما كانت مع الهواشم كان بنو حسن مقيمين بنهر العلقمية من وادي ينبع، فجمع قتادة قومه بني مطاعن وأسالف بني أحمد وبني إبراهيم وتأمر عليهم وملك ينبع، ثم ملك الصفراء، وسار إلى مكة فانتزعها من الهواشم المتقدّم ذكرهم وملكها، وخطب للناصر لدين الله العباسيّ: خليفة بغداد، وتعاظم أمره حتّى ملك مع مكة والينبع أطراف اليمن وبعض أعمال المدينة وبلاد نجد، ولم يفد على أحد من الخلفاء ولا من الملوك، وتوفي سنة سبع عشرة وستمائة؛ وولّي مكانه ابنه الحسن فامتعض لذلك أخوه راجح بن قتادة، ثم قدم الملك المسعود أقسر بن الكامل صاحب اليمن سنة عشرين وستمائة من اليمن إلى مكة وملك مكة وقتل جماعة من الأشراف ونصب رايته وأزال راية أمير الركب الذي من جهة الخليفة، فكتب الخليفة من بغداد إلى أبيه الكامل يعاتبه في ذلك، فكتب الكامل إلى ابنه أقسر: برئت يا أقسر من ظهر العادل إن لم أقطع يمينك! فقد نبذت وراء ظهرك دنياك ودينك! ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم! وذهب

حسن بن قتادة إلى بغداد صريخا فمات بها سنة ثنتين وعشرين وستمائة، ومات أقسر بمكة سنة ست وعشرين ودفن بالمعلى، وبقي على مكة قائده فخر الدين بن الشيخ؛ وقصد راجح بن قتادة مكة مع عساكر عمر بن رسول فملكها من يد فخر الدين بن الشيخ سنة تسع وعشرين وستمائة. ثم جاءت عساكر مصر سنة ثنتين وثلاثين مع الأمير جبريل فملكوا مكة وهرب راجح إلى اليمن، ثم عاد ومعه عمر بن رسول صاحب اليمن بنفسه فهربت عساكر مصر، وملك راجح مكة وخطب لعمر بن رسول بعد الخليفة المستنصر. ثم غلب على مكة سنة سبع وأربعين وستمائة أبو سعد الحسن بن عليّ بن قتادة ولحق راجح باليمن؛ وسار جمّاز بن حسن بن قتادة سنة إحدى وخمسين وستمائة إلى الناصر بن العزيز بن الظاهر بن أيوب بدمشق مستجيشا على أبي سعد أن يقطع ذكر صاحب اليمن، فجهز له عسكرا وسار إلى مكة فقتل أبا سعد في الحرم وملك مكة، ثم وصل راجح من اليمن إلى مكة وهو شيخ كبير السن وأخرج منها جماز بن حسن فلحق بالينبع. ثم دار أمر مكة بين أبي نمي محمد بن أبي سعد عليّ بن قتادة وبين غالب ابن راجح بن قتادة، ثم استبدّ أبو نمي بإمرة مكة ونفى قبيلة أبيه أبي سعد إلى الينبع. ولما هلك أبو نمي قام بأمر مكة من بعده ابناه رميثة وحميضة ونازعهما أخواهما عطيفة وأبو الغيث فاعتقلاهما، ووافق ذلك وصول بيبرس الجاشنكير كافل المملكة المصرية في الأيام الناصرية فأطلق عطيفة وأبا الغيث وولاهما، وأمسك رميثة وحميضة وبعث بهما إلى مصر، ثم ردّ السلطان رميثة وحميضة إلى إمارتهما بمكة مع عسكره وبعثا إليه بعطيفة وأبي الغيث، وبقي التنازع بينهم، وهم يتعاقبون في إمرة مكة مرة بعد أخرى وهلك أبو الغيث في بعض حروبهم ببطن مرّ. ثم تنازع حميضة ورميثة وسار رميثة إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون

صاحب مصر سنة خمس عشرة وسبعمائة فأمدّه بعساكر وجّه بها إلى مكة واصطلحوا. ثم خالفهم عطيفة سنة ثمان عشرة وسبعمائة ووصل إلى السلطان فأمدّه بالعساكر فملك مكة وقبض على رميثة فسجن ثم أطلق سنة عشرين وأقام بمصر، وبقي حميضة مشرّدا إلى أن استأمن السلطان فأمنه، ثم وثب بحميضة مماليك كانوا معه وقتلوه، وأطلق رميثة من السجن واستقر شريكا لأخيه عطيفة في إمارتها. ثم مات عطيفة وأقام أخوه رميثة بعده مستقلّا بإمارة مكة إلى أن كبر وهرم. وإلى ذلك أشار في «التعريف» بقوله: وأوّل «1» إمرة في رميثة وهو آخر من بقي من بيته، وعليه كان النص من أبيه دون البقية مع تداولهم لها، وكان ابناه بقية وعجلان قد اقتسما معه إمارة مكة برضاه، ثم أراد الرجوع فلم يوافقاه عليه واستمرّا معه في الولاية. ولما مات رميثة تنازع ولداه: بقية وعجلان، وخرج بقية وبقي عجلان بمكة، ثم غلبه عليها بقيّة، ثم اجتمعا بمصر سنة ست وخمسين وسبعمائة فولّى السلطان عجلان، وفرّ بقية إلى الحجاز فأقام هناك منازعا لعجلان من غير ولاية، وعجلان هو المستبدّ بها مع سلوك سيرة العدل والإنصاف والتجافي عن أموال الرعية والتعرّض للمجاورين إلى أن توفي سنة سبع وسبعين وسبعمائة. وولّي بعده ابنه أحمد، وكان قد فوّض إليه الأمر في حياته وقاسمه في أمره، فقام أحمد بأمر مكة جاريا على سنن أبيه في العدل وحسن السيرة، ومات في رمضان سنة ثمان وثمانين وسبعمائة في الدولة الظاهرية برقوق. فولّي مكانه ابنه محمد، وكان صغيرا في كفالة عمه كبيش بن عجلان فبقي حتّى وثب عليه فداويّ «2» عند ملاقاة المحمل فقتله؛ ودخل أمير الركب إلى مكة

الطرف الثامن في ترتيب مكة المشرفة؛

فولّى عنان بن مغامس بن رميثة مكانه. ثم لحق عليّ بن عجلان بالأبواب السلطانية بمصر فولاه الظاهر برقوق سنة تسع وثمانين وسبعمائة شريكا لعنان وسار مع أمير الركب إلى مكة فهرب عنان ودخل عليّ بن عجلان مكة فاستقل بإمارتها؛ ثم وفد عليّ بن عجلان على السلطان بمصر سنة أربع وتسعين فأفرده بالإمارة وأنزل عنان بن مغامس عنده وأحسن إليه؛ ثم اعتقله بعد ذلك وبقي عليّ بن عجلان في إمارة مكة حتّى قتل ببطن مرّ في سنة سبع وتسعين وسبعمائة. فولّى السلطان ابن أخيه حسن بن أحمد مكانه واستبدّ بإمرة مكة وهو بها إلى هذا العهد. وهو حسن، بن أحمد، بن عجلان، بن رميثة، بن أبي نميّ محمد، بن أبي سعد، عليّ، بن أبي عزيز قتادة، بن إدريس، بن مطاعن، بن عبد الكريم، بن موسى، بن عيسى، بن سليمان، بن عبد الله، بن أبي الكرام، بن موسى الجون، بن عبد الله، بن حسن، بن الحسن السّبط، بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. الطرف الثامن في ترتيب مكة المشرفة؛ [القاعدة الأولى] وفيه جملتان الجملة الأولى فيما هو بحاضرتها أما معاملاتها فعلى ما تقدّم في الديار المصرية والبلاد الشامية من المعاملة بالدنانير والدراهم النّقرة، وصنجتها في ذلك كصنجة الديار المصرية، ويعبّر عن الدرهم النّقرة فيها بالكامليّ؛ نسبة إلى الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب صاحب مصر، وعندهم درهم آخر من فضة خالصة، مربع الشكل، زنته نحو نصف، ثم نقص حتّى صار نحو سدس، يعبرون عنه بالمسعوديّ نسبة إلى الملك المسعود صاحب اليمن، وهو في المعاملة بثلثي درهم كامليّ.

ولم يكن بها في الزمن المتقدّم فلوس يتعامل بها ثم راجت الفلوس الجدد بها في أيام الموسم فيما قبل الدولة الظاهرية برقوق. ثم راجت في سائر الأوقات آخرا، إلا أن كل درهم بها ثمانية وأربعون فلسا على الضّعف من الديار المصرية، حيث كلّ درهم فيها أربعة وعشرون فلسا؛ ويعبر عن كل خمسة قراريط من الدرهم الكامليّ فيها بجائز، وعن الربع والسدس منه بجائزين، وتعتبر أوزانها بالمن: وهو مائتان وستون درهما. وأواقيه عشرة، كل أوقية عشرة دراهم؛ وكيلها بالغرارة وكل غرارة من غرائرها «1» ... وقياس قماشها بالذراع المصري وأسعارها في الغالب مرتفعة عن سعر مصر والشام. وأما إمرتها فإنها إمرة أعرابية يمشي أميرها في إمرته على قاعدة أمراء العرب دون عادة الملوك في المواكب وغيرها، وأتباعه عرب، وأكثرهم من بني الحسن أشراف مكة، ويعبّر عن أكابرهم بالقوّاد، وهم بمثابة الأمراء للملوك، وربما استخدم المماليك الترك ومن في معناهم. وأكثر متحصّله مما يؤخذ من التجار الواردين إلى مكة من الهند واليمن وغيرهما. وأما تجهيز ركب الحجيج إليها ففي كل سنة يجهز إليها المحمل من الديار المصرية بكسوة البيت مع أمير الركب ويكسى البيت بالكسوة المجهزة مع المحمل، ويأخذ سدنة البيت الكسوة التي كانت على البيت، فيهادون بها الملوك وأشراف الناس، وداخل البيت كسوة أخرى من حرير منقوش لا تحتاج إلى التغيير إلا في السنين المتطاولة لعدم وصول الشمس ولمس الأيدي إليها. ومن عادة أمير مكة أنه إذا وصل المحمل إلى ظاهر مكة خرج لملاقاته، فإذا وافاه ترجل عن فرسه وأتى الجمل الحامل للمحمل فقلب خفّ يده اليمنى وقبّله خدمة لصاحب مصر، وقد روى ابن النجار «2» في تاريخ المدينة النبوية من طريق

الحافظ أبي نعيم إلى حسين بن مصعب أنه أدرك كسوة الكعبة يؤتى بها المدينة قبل أن تصل إلى مكة فتنشر على الرّضراض «1» في مؤخّر المسجد، ثم يخرج بها إلى مكة. وذلك في سنة إحدى وثلاثين أو اثنتين وثلاثين ومائة. واعلم أن كسوة الكعبة لها حالان: الحال الأولى- ما كان الأمر عليه في الجاهلية. قد روى الأزرقيّ في «أخبار مكة» بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، «نهى عن سبّ أسعد الحميريّ وهو تبّع» وكان أوّل من كسا الكعبة. وذكر ابن إسحاق عن غير واحد من أهل العلم أن أوّل من كسا الكعبة كسوة كاملة تبّع وهو أسعد أري في منامه أن يكسوها فكساها الأنطاع «2» ، ثم أري أن اكسها فكساها الوصائل ثياب حبرة «3» من عصب اليمن؛ وعن ابن جريح «4» نحوه. وعن ابن أبي مليكة «5» أنه قال: بلغني أن الكعبة كانت تكسى في الجاهلية كسى شتّى، كانت البدن تجلّل الحبر والبرود والأكسية وغير ذلك من عصب اليمن، وكان يهدى للكعبة هدايا من كسى شتّى سوى جلال البدن: حبر وخزّ وأنماط فتكسى منه الكعبة، ويجعل ما بقي في خزانة الكعبة، فإذا بلي منها شيء أخلف عليها مكانه ثوب آخر، ولا ينزع مما عليها شيء. وعن عبد الجبار بن الورد قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: كانت قريش في الجاهلية ترافد في كسوة الكعبة، فيضربون ذلك على القبائل بقدر احتمالها، من عهد قصيّ بن كلاب حتّى نشأ أبو ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وكان يختلف إلى اليمن يتّجر فيها فأثرى في المال، فقال

لقريش: أنا أكسو الكعبة وحدي سنة وجميع قريش سنة، فكان يفعل ذلك حتّى مات: يأتي بالحبر الجندية «1» من الجند فيكسو الكعبة، فسمته قريش العدل لأنه عدل فعله بفعل قريش. وروى الواقديّ «2» عن النّوار بنت مالك أم زيد بن ثابت رضي الله عنه أنها قالت: رأيت قبل أن ألد زيد بن ثابت على الكعبة مطارف خزّ أخضر وأصفر، وكرار وأكسية الأعراب وشقاق شعر. وعن ابن جريج أن الكعبة فيما مضى إنما كانت تكسى يوم عاشوراء إذا ذهب آخر الحاج، حتّى كان بنو هاشم فكانوا يعلّقون القميص يوم التروية «3» من الديباج لأن يرى الناس ذلك عليها بهاء وجمالا فإذا كان يوم عاشوراء علّقوا عليها الإزار. وعن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم قال: نذرت أمّي بدنة «4» تنحرها عند البيت وجللتها شقّتين من شعر ووبر فنحرت البدنة وسيّرت للكعبة بالشّقّتين والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم يومئذ بمكة لم يهاجر، فنظرت إلى البيت يومئذ وعليه كسى شتّى من وصائل وأنطاع وكرار «5» وخزّ ونمارق «6» عراقية، كل هذا قد رأيته عليه. قلت: حاصل الأمر أن الذي كسيته الكعبة الأنطاع وحبرات اليمن والبرود والكرار والأنماط والنمارق ومطارف الخزّ الأحضر والأصفر والأكسية وشقاق الشعر والوبر وغير ذلك.

الحال الثانية- ما كان الأمر عليه في صدر الإسلام وهلم جرا إلى زماننا. أما في صدر الإسلام فقد روى الواقديّ عن إبراهيم بن أبي حبيبة عن أبيه أن البيت كان في الجاهلية يكسى الأنطاع فكساه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الثياب اليمانية ثم كساه عمر وعثمان رضي الله عنهما القباطيّ «1» . وعن ابن أبي نجيح «2» أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كسا الكعبة القباطيّ من بيت المال، كان يكتب فيها إلى مصر، ثم عثمان من بعده. فلما كان معاوية بن أبي سفيان كساها كسوتين: كسوة عمر القباطيّ وكسوة ديباج. وكانت تكسى الدّيباج يوم عاشوراء، وتكسى القباطيّ في آخر شهر رمضان. وروى الأزرقيّ عن نافع قال: كان ابن عمر يكسو بدنه إذا أراد أن يحرم القباطيّ والحبر، وفي رواية الأنماط، فإذا كان يوم عرفة ألبسها إياها وإذا كان يوم النحر نزعها عنها ثم أرسل بها إلى شيبة بن عثمان الحجبيّ فناطها على الكعبة. وروى الواقديّ عن إسحاق بن عبد الله أن الناس كانوا ينذرون كسوة الكعبة ويهدون إليها البدن عليها الحبرات، فيبعث بالحبرات إلى البيت كسوة. فلما كان يزيد بن معاوية كساها الديباج الخسروانيّ، فلما كان ابن الزبير اتبعه على ذلك، فكان يبعث إلى أخيه مصعب بن الزبير يبعث بالكسوة كل سنة وكانت تكسى يوم عاشوراء. قال الأزرقيّ: وقد قيل إن ابن الزبير أوّل من كساه الديباج. قال أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» : وهو الصحيح. وذكر الواقديّ عن أشياخه أن عبد الملك بن مروان كان يبعث في كل سنة بالدّيباج من الشام فيمرّ به على المدينة فينشر يوما في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على

الأساطين «1» ها هنا وها هنا، ثم يطوى ويبعث به إلى مكة. وقد قيل إن عبد الملك أوّل من كسا الكعبة الديباج. قال الماورديّ: وكساه بنو أمية في بعض أيامهم الحلل التي كانت على أهل نجران في جزيتهم، والديباج من فوقها. قال الأزرقيّ: ولما حجّ المهديّ في سنة ستين ومائتين «2» ، رفع إليه أن ثياب الكعبة قد أثقلتها ويخاف على جدرانها من ثقل الكسوة، فجرّدها حتّى لم يبق عليها شيء من الكسوة، ثم أفرغ عليها ثلاث كسى: قباطيّ وخز وديباج. ولما غلب حسين بن حسن الطالبيّ على مكة في سنة مائتين، وجد ثيابها قد ثقلت عليها أيضا فجرّدها في أوّل يوم من المحرّم وكساها كسوتين من قزّ رقيق إحداهما صفراء والأخرى بيضاء مكتوب بينهما: «بسم الله الرحمن الرحيم، وصلّى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الأخيار. أمر أبو السّرايا الأصغر بن الأصغر راعية آل محمد صلوات الله عليه وسلامه بعمل هذه الكسوة لبيت الله الحرام» . وذكر الأزرقيّ عن جدّه أن الكعبة كانت تكسى في كل سنة كسوة ديباج يعني أحمر وكسوة قباطيّ. فأما الديباج فتكساه يوم التروية، فيعلّق القميص ويدلّى ولا يخاط، وإذا صدر الناس من منى خيط القميص وترك الإزار حتّى يذهب الحاج لئلا يخرّقوه. فإذا كان يوم عاشوراء علق عليها الإزار يوصل بالقميص؛ وكأن المراد بالإزار ما تدركه الأيدي في الطواف وبالقميص ما فوق ذلك إلى أعلى الكعبة، فلا تزال هذه الكسوة الديباج عليها حتّى يوم سبع وعشرين من شهر رمضان فتكسى القباطيّ القطن. فلما كانت خلافة المأمون رفع إليه أنّ الديباج يبلى ويتخرّق قبل أن يبلغ الفطر، فسأل المأمون صاحب بريد مكة في أيّ الكسوة الكعبة أحسن؟ فقال له:

في البياض، فأمر بكسوة من ديباج أبيض، عملت سنة ست ومائتين وبعث بها إلى الكعبة، فصارت الكعبة تكسى ثلاث كسى: تكسى الديباج الأحمر يوم التّروية، وتكسى القباطيّ يوم هلال رجب، وتكسى الديباج الأبيض يوم سبع وعشرين من شهر رمضان للفطر. ثم رفع إلى المأمون أيضا أن إزار الديباج الأبيض يتخرّق ويبلى في أيام الحج من مسّ الحاج قبل أن يخاط عليها إزار الديباج الأحمر في عاشوراء، فزادها إزار ديباج أبيض تكساه يوم التّروية، فيستر به ما تخرّق من الإزار الذي كسيته. ثم رفع إلى المتوكل في سنة أربعين ومائتين أن إزار الديباج الأحمر يبلى قبل هلال رجب من مسّ الناس ومسحهم بالكعبة، فزادها إزارين مع الإزار الأوّل، فأذال قميصها الديباج الأحمر وأسبله حتّى بلغ الأرض، ثم جعل الإزار فوقه، في كل شهرين إزار، ثم نظر الحجبة فإذا الإزار الثاني لا يحتاج إليه، فوضع في تابوت الكعبة وكتبوا إلى المتوكل أن إزارا واحدا مع ما أذيل من قميصها، فصار يبعث بإزار واحد فتكسى بعد ثلاثة أشهر، فيكون الذيل ثلاثة أشهر. ثم في سنة ثلاث وأربعين ومائتين أمر المتوكل بإذالة القميص القباطيّ حتّى بلغ الشاذروان «1» الذي تحت الكسوة. قال الماورديّ: ثم كسا المتوكل أساطينه الديباج. وقد حكى المؤيد صاحب حماة في «تاريخه» أن الفاطميين خلفاء مصر في إمارة أبي الحسن جعفر من السليمانيين على مكة في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة كسوا الكعبة البياض. قلت: ثم رفع «2» الأمر في خلفاء بني العبّاس ببغداد إلى شعارهم من السواد، فألبسوا الكعبة الدّيباج الأسود؛ ثم جرى ملوك مصر عند استيلائهم على

الحجاز على إلباسها السواد. والذي جرى عليه الحال في زماننا إلى آخر الدولة الظاهرية برقوق وأوائل الدولة الناصرية ولده أن الكعبة تكسى الديباج الأسود كسوة مسبلة من أعلى الكعبة إلى أسفلها مرقوما بأعاليها طراز رقم بالبياض من أصل النسج مكتوب فيه إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً «1» الآيات، وعلى الباب برقع من نسبة ذلك مرقوم فيه بالبياض...... «2» ... ثم في سنة......... «3» وثمانمائة في الدولة الناصرية فرج بن برقوق غير الطّراز من لون البياض إلى لون الصّفرة، فصار الرقم في السواد بحرير أصفر مقصّب بالذهب، ولا يخفى أنه أنفس من الأوّل والثاني أبهج منه لشدّة مضادّة ما بين البياض والسواد، ثم جعل بعض جوانب الكسوة ديباجا أسود على العادة، وبعضها كمخا أسود بجامات مرقوم فيها بالبياض «لا إله إلا الله محمد رسول الله» . ثم جعل بعد ذلك برقع البيت من حرير أسود منشورا عليه المخايش الفضة الملبسة بالذهب فزاد نفاسة وعلا قيمة. ثم في سنة أربع عشرة وثمانمائة جعل واجهة الباب من الكسوة كمخا أزرق بجامات مكتوب فيها ... «4» ... والله العالم ما كان وما يكون. قلت: وحاصل ما تقدّم أن الذي اشتملت عليه أصناف الكسوة في الإسلام الثياب اليمانية، والقباطيّ المصرية، والحبر والأنماط والحلل النّجرانية، والديباج الأبيض، والديباج الأحمر، والديباج الأخضر، والديباج الأصفر، والديباج الأسود، والديباج الأزرق. وأما تجريد الكعبة من ثيابها، فقد ذكر الأزرقيّ أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينزع كسوة الكبيت في كل سنة فيقسمها على الحاج. وعن ابن أبي مليكة أنه قال: كانت على الكعبة كسى كثيرة من كسوة أهل الجاهلية: من الأنطاع والأكسية والكرار والأنماط، فكانت ركاما بعضها فوق بعض. فلما كسيت في الإسلام من بيت المال، كان يخفف عنها الشيء بعد

الشيء إلى أن كانت أيام معاوية فكتب إليه شيبة بن عثمان الحجبيّ يرغب إليه في تخفيفها من كسى الجاهلية حتّى لا يكون عليها شيء مما مسته أيديهم لنجاستهم، فكتب إليه معاوية أن جرّدها، وبعث إليه بكسوة من ديباج وقباطيّ وحبرة، فجرّدها شيبة حتّى لم يبق عليها شيء، وكساها الكسوة التي بعث بها معاوية، وقسم الثياب التي كانت عليها بين أهل مكة؛ وكان ابن عباس حاضرا في المسجد وهم يجرّدونها فلم ينكر ذلك ولا كرهه. وروي أن عائشة رضي الله عنها أنكرت على شيبة ذلك، وقالت له بعها واجعل ثمنها في سبيل الله، وكذلك ابن عبّاس. وروى الواقديّ عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: إذا نزعت عن الكعبة ثيابها فلا يضرها من لبسها من الناس من حائض أو جنب. وقد تقدّم أن المهديّ جردها حين حج في سنة ستين ومائتين «1» ؛ وحسين الطالبيّ جرّدها في سنة مائتين. قلت: والذي استقر عليه الحال في زماننا أنها لا تلبس في كل سنة غير كسوة واحدة على ما تقدّم بيانه، وذلك أن الكسوة تعمل بمصر على النّمط المتقدّم، ثم تحمل صحبة الرّكب إلى مكة فيقطع ذيل الكسوة القديمة على قدر قامة من جدار الكعبة ويظهر من الجدار ما كان تحته، ويبقى أعلاها معلقا حتّى يكون يوم ... ...... «2» ...... فتخلع الكسوة العتيقة وتعلّق الجديدة مكانها، ويكسى المقام من نسبة كسوة الكعبة، ويأخذ بنو شيبة الحجبة الكسوة العتيقة فيهدونها للحجّاج ولأهل الآفاق. وقد زاد رفدهم فيها من حين حصلت المغالاة في كسوة الكعبة وبرقعها على ما تقدم. اللهمّ زد هذا البيت تشريفا وتعظيما، وتكريما ومهابة. واعلم أن جدار الكعبة كان عزيز الرؤية حين كانت الكسوة تتراكم عليها ولا

الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها

يجرّد عنها شيء، حتّى إن الأزرقيّ حكى عن جدّه أنه تبجح برؤية جدارها حين جرّدت في سنة ثلاث وستين ومائتين، وأنه رأى جدار الباب المسدود الذي كان عمله ابن الزّبير في ظهرها وسدّه الحجّاج، وشبّه لون جدارها بالعنبر الأشهب. الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها أكثر من هو بباديتها وأوديتها القريبة منها بنو الحسن الأشراف. وقد ذكر في «التعريف» من عرب الحجاز لأم، وخالد، والمنتفق، والعايد، وزاد في «مسالك الأبصار» ذكر زبيد، وبنو عمرو، والمضارجة «1» ، والمساعيد، والزراق، وآل عيسى، وآل دغم، وآل جناح، والجبور. ثم قال: وديارهم يتلو بعضها بعضا. قال الحمدانيّ: وشرقيّ مكة خليجة، وبنو هزر ومنازلهم بيشة «2» . ومنهم من خثعم بنو منبه، وبنو فضيلة، ومعاوية، وآل مهديّ، وبنو نضر، وبنو حاتم «3» ، والموركة، وآل زياد، وآل الصعافير، والشما وبلوس «4» . ثم قال: ومنازلهم غير متباعدة. أما العربان بالدرب المصريّ إلى مكة، فمن بركة الحجّاج «5» إلى عقبة أيلة للعائد «6» من عرب الشرقية، ومن العقبة إلى الدأماء دون عيون القصب لبني عقبة، ومن الدأماء إلى أكدى لبليّ، ومن أكدى إلى آخر الوعرات لجهينة، ومن آخر الوعرات إلى نهاية بدر وإلى نهاية الصفراء، «7» ونقب عليّ لبني حسن أصحاب الينبع؛ ويليهم من أقاربهم من بني حسن أصحاب بدر إلى رملة عالج في طرف

القاعدة الثانية المدينة الشريفة النبوية، على ساكنها أشرف الخلق محمد أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام؛ وفيها ثلاث جمل

قاع البزوة «1» ، ومن الصفراء إلى الجحفة ورابغ لزبيد، ومن الجحفة على قديد وما حولها إلى الثّنيّة المعروفة بعقبة السّويق لسليم، ومن الثّنيّة على خليص إلى «2» الثّنيّة المشرفة على عسفان إلى الفجّ المسمّى بالمحاطب لبني جابر؛ وهم في طاعة صاحب مكة، ومن المحاطب إلى مكة المعظمة لصاحب مكة وبني الحسن. القاعدة الثانية المدينة الشريفة النبوية، على ساكنها أشرف الخلق محمد أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام؛ وفيها ثلاث جمل الجملة الأولى في حاضرتها المدينة ضبطها معروف، وهو اسم غلب عليها، وبه نطق القرآن الكريم في قوله تعالى: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ «3» . وقوله: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ «4» . واسمها القديم يثرب وبه نطق القرآن في قوله تعالى: يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ «5» . قال الزجاجيّ: وهو يثرب، بن قانية، بن مهلائيل، بن إرم، بن عبيل، بن عوص، بن إرم، بن سام، بن نوح؛ هو الذي بناها، وورد ذكره في الحديث أيضا. قال الشيخ عماد الدين بن كثير في «تفسيره» : وحديث النهي عن تسميتها بذلك ضعيف؛ وسمّاها الله تعالى الدار بقوله: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ «6» . وسماها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم طيبة (بفتح الطاء المهملة وسكون الياء وفتح الباء

الموحدة بعدها هاء) وطابة بإبدال الياء بعد الطاء بألف. قال النوويّ: وهما من الطيب وهو الرائحة الحسنة، وقيل من الطيب خلاف الرديء، وقيل من الطيب بمعنى الطاهر؛ وقيل من طيب العيش. وزاد السهيليّ في أسمائها الجابرة بالجيم والباء الموحدة، والمحبّة، والمحبوبة، والقاصمة، والمجبورة، والعذراء، والمرحومة؛ وكانت تدعى في الجاهلية غلبة لأن اليهود غلبوا عليها العماليق، والأوس والخزرج غلبوا عليها اليهود. قال صاحب حماة: وهي من الحجاز، وقيل من نجد، وموقعها قريب من وسط الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة. قال في كتاب «الأطوال» : وطولها خمس وستون درجة وثلث، وعرضها إحدى وعشرون درجة. وقال في «القانون» : طولها سبع وستون درجة ونصف، وعرضها إحدى وعشرون درجة وثلث. وقال ابن سعيد: طولها خمس وستون درجة وثلث، وعرضها خمس وعشرون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة. وقال في «رسم المعمور» : طولها خمس وستون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها خمس وعشرون درجة. وقد ذكر صاحب «الهناء الدائم، بمولد أبي القاسم» «1» أن أوّل من بناها تبّع الأوّل، وذكر أنه مرّ بمكانها وهي يومئذ منزلة بها أعين ماء، فأخبره أربعمائة عالم من علماء أهل الكتاب لهم عالم يرجعون إليه أن هذا موضع مهاجر نبيّ يخرج في آخر الزمان من مكة اسمه محمد، وهو إمام الحق؛ فآمن بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبنى المدينة، وأنزلهم بها وأعطى كلّا منهم مالا يكفيه وكتب كتابا فيه: «أما بعد يا محمد فإنّي آمنت بك وبربّك، وبكل ما جاء من ربك من شرائع الإسلام والإيمان، وإني قلت ذلك فإن أدركتك فيها ونعمت، وإن لم أدركك فاشفع لي يوم القيامة، ولا تنسني فإني من أمتك الأوّلين وتابعتك قبل مجيئك، وقبل أن يرسلك الله، وأنا على ملة أبيك إبراهيم» . وختم الكتاب ونقش عليه: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ

الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ «1» . وكتب عنوانه: «إلى محمد بن عبد الله خاتم المرسلين، ورسول رب العالمين، صلّى الله عليه وسلّم من تبّع الأوّل حمير، أمانة الله في يد من وقع إليه أن يدفعه إلى صاحبه» . ودفع الكتاب إلى رئيس العلماء المذكورين، وتداوله بنوه بعده إلى أن هاجر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة فتلقاه به بعض أولاد ذلك العالم بين مكّة والمدينة، وتاريخ الكتاب يومئذ ألف سنة بغير زيادة ولا نقص. وقيل في بنائها غير ذلك، وهي مدينة متوسطة في مستو من الأرض، والغالب على أرضها السباخ، وفي شماليّها جبل أحد، وفي جنوبها جبل عير؛ وكان عليها سور قديم وبخارجها خندق محفور؛ وهو الذي حفره النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب. وفي سنة ست وثلاثين ومائتين بنى عليها إسحاق بن محمد الجعديّ سورا منيعا، وجدّده عضد الدولة بن بويه الديلميّ في سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، وهو باق عليها إلى الآن؛ ولها أربعة أبواب: باب في الشرق يخرج منه إلى البقيع؛ وباب في الغرب يخرج منه إلى العقيق وقباء، وبين يدي هذا الباب جداول ماء جارية، وبوسطها مسجد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو مسجد متسع إلا أنه لم يبلغ في القدر مبلغ مسجد مكة. قال ابن قتيبة في «كتاب المعارف» : وكان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مبنيّا باللّبن وسقفه الجريد وعمده النخل، ولم يزد فيه أبو بكر شيئا، وزاد فيه عمر، ثم غيّره عثمان وزاد فيه عثمان زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة وبالقصّة «2» ، وجعل عمده من حجارة منقوشة؛ ووسعه المهدي سنة ستين ومائة؛ وزاد فيه المأمون زيادة كبيرة في سنة اثنتين ومائتين؛ ولم تزل الملوك تتداوله بالعمارة إلى زماننا.

وبه الحجرة الشريفة التي بها قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما بحجرته الشريفة دائر عليه مقصورة مرتفعة إلى نحو السقف، عليه ستر من حرير أسود؛ وخارج المقصورة بين القبر والمنبر الروضة التي أخبر صلّى الله عليه وسلّم أنها روضة من رياض الجنة. وقد ذكر أهل الأثر: أن المنبر كان في زمن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثلاث درجات بالمقعد، وارتفاعه ذراعان وثلاث أصابع، وعرضه ذراع راجح، وارتفاع صدره وهو الذي يستند إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذراع، وارتفاع رمّانتيه اللتين كان يمسكهما صلّى الله عليه وسلّم بيديه الكريمتين إذا جلس شبر وأصبعان، وفيه خمسة أعواد من جوانبه الثلاثة؛ وبقي على ذلك إلى أيام معاوية فكتب إلى مروان عامله على المدينة أن ارفعه عن الأرض فزاد من أسفله ست درجات ورفعه عليها فصار له تسع درجات بالمجلس. قيل: وصار طوله أربعة أذرع وشبرا. ولما حج المهديّ بن المنصور العباسيّ سنة إحدى وستين ومائة، أراد أن يعيده إلى ما كان عليه فأشار عليه الإمام مالك بتركه خشية التهافت فتركه؛ ويقال: إن المنبر الذي صنعه معاوية ورفع منبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عليه، تهافت على طول الزمان، وجدّده بعض خلفاء بني العباس واتخذ من بقايا أعواد منبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمشاطا للتبرك، ثم احترق هذا المنبر لما احترق المسجد في مستهلّ رمضان سنة أربع وخمسين وستمائة أيام المستعصم بالله، وشغل المستعصم عن عمارته بقتال التتار، فعمل المظفّر صاحب اليمن المنبر، وبعث به إلى المدينة سنة ست وخمسين وستمائة، فنصب في موضع منبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبقي إلى سنة ست وستين وستمائة، فأرسل الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر المنبر الموجود الآن فأزيل ذاك ووضع هذا وطوله أربعة أذرع، ومن رأسه إلى عتبته سبعة أذرع تزيد قليلا، ودرجاته سبع بالمقعد والأمر على ذلك إلى الآن.

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها، وهي على ضربين

الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها، وهي على ضربين الضرب الأول حماها ومرافقها واعلم أن للمدينة الشريفة حمى، حماه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وحرّمه كما حرّم إبراهيم عليه السلام مكة. قال في «الروض المعطار» : حماها اثنا عشر ميلا؛ وخارج بابها الشرقيّ البقيع المتقدّم ذكره، وهو مدفن أكثر أمواتها، وهو بالباء الموحدة في أوله، ويسمى بقيع الغرقد- بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وفتح القاف ودال مهملة في الآخر. قال «الأصمعيّ» : سمي بذلك لأنه قطع ما به من شجر الغرقد يوم مات عثمان رضي الله عنه. وبه قبر إبراهيم بن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من مارية القبطية، وقبر الحسن بن عليّ بن أبي طالب؛ وإلى جانبه قبر العبّاس: عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ وقبر عثمان بن عفّان رضي الله عنه في قبة دونهما، وقبر مالك بن أنس إمام المذهب المعروف؛ وحول المدينة حدائق النخل الأنيقة؛ وثمرها من أطيب الثمر وأحسنه، وغالب قوت أهلها منه. الضرب الثاني في مخاليفها وقراها، والمشهور منها ثمانية أماكن الأول- (قباء) - بضم القاف وفتح الباء الموحدة وألف في الآخر- ويروى بالمدّ والقصر والمدّ أشهر. قال في «الروض المعطار» : ومن العرب من يذكّره فيصرفه، ومنهم من يؤنثه فلا يصرفه. قال: وسميت قباء ببئر كانت بدار توبة ابن الحسن بن السائب بن أبي لبابة يقال لها قباء، وهي قرية غربيّ المدينة على ميلين منها، وبها مسجد التّقوى الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ «1» . وقد روي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان

يأتي قباء كل يوم سبت راكبا وماشيا؛ ومصلّاه بها مشهور. الثاني- (خيبر) - بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الباء الموحدة وراء مهملة في الآخر- قال الزجاجيّ: سميت بخيبر بن قانية وهو أول من نزلها، وهي بلدة بالقرب من المدينة الشريفة. قال ابن سعيد: طولها أربع وستون درجة وست وخمسون دقيقة، وعرضها سبع وعشرون درجة وعشرون دقيقة. وهي بلدة عامرة آهلة ذات نخيل وحدائق ومياه تجري. قال في «تقويم البلدان» : وهي بلدة بني عنزة من اليهود، والخيبر في لغة اليهود الحصن، وهي في جهة الشّمال والشرق عن المدينة على نحو ست مراحل وقيل أربع مراحل. قال الإدريسيّ: وهي ذات نخيل وزرع، وكانت في صدر الإسلام دارا لبني قريظة والنّضير، وبها كان السّموءل بن عاديا الشاعر المشهور. الثالث- (فدك) - بفتح الفاء والدال المهملة وكاف في الآخر- قال الزجاجيّ: سميت بفدك بن حام، وقيل: سميت بفيد بن حام، وهو أول من نزلها. قال في «الروض المعطار» : وبينها وبين المدينة يومان، وحصنها يقال له الشمروخ على القرب من خيبر، وكان أهلها قد صالحوا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على النصف من ثمارها في سنة أربع من الهجرة، ولم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب فكانت له صلّى الله عليه وسلّم خالصة؛ وكان معاوية بن أبي سفيان قد وهبها لمروان بن الحكم، ثم ارتجعها منه لموجدة وجدها عليه. فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، ردّها إلى ما كانت عليه في زمن «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكانت تغلّ في أيام إمرته عشرة آلاف دينار، يتجافى عنها. الرابع- (الصّفراء) - مؤنث أصفر- وهو واد على ستّ مراحل من المدينة كثير المزارع والمياه والحدائق. أخبرني بعض أهل الحجاز أن به أربعة وعشرين نهرا على كل نهر قرية، وعيونه تصب فضلها إلى ينبع؛ وهو بيد بني حسن الشرفاء.

الخامس- (ودّان) - بفتح الواو وتشديد الدال المفتوحة وألف ثم نون- وهو واد به قرى خراب لا تحصى كثرة. السادس- (الفرع) - بضم الفاء وسكون الراء المهملة وبالعين المهملة- وهو واد في جنوبيّ المدينة على أربعة أيام منها يشتمل على عدّة قرى آهلة، أخبرني بعض أهل الحجاز أن به أربعة عشر نهرا على كل نهر قرية، وماؤها يصب في رابغ حيث يحرم حجّاج مصر، وعليها طريق المشاة من مكة إلى المدينة. قال في «الروض المعطار» : ويقال إنها أول قرية مارت إسماعيل عليه السلام التمر بمكة، وهي الآن بيد بني حرب. السابع- (الجار) - قال في «اللباب» : بفتح الجيم وألف وراء مهملة- وهي فرضة المدينة الشريفة على ثلاث مراحل منها. قال ابن حوقل: وبينها وبين ساحل الجحفة نحو ثلاث مراحل، منه عن أيلة على نحو عشرين مرحلة. الثامن- (وادي القرى) - بضم القاف وفتح الراء المهملة وألف في الآخر جمع قرية. قال في «الروض المعطار» : وهي مدينة كثيرة النخيل والبساتين والعيون، وبها ناس من ولد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وهم الغالبون عليها، وتعرف بالواديين، والذي أخبرني به بعض أهل الحجاز أنه كان بها عيون كثيرة عليها عدّة قرى فخربت لاختلاف العرب، وهي الآن خراب لا عامر بها ولو عمرت أغنت أهل الحجاز عن الميرة من غيرها. قلت: وبالغ الإدريسيّ في «نزهة المشتاق» فعدّ من مخاليفها تيماء ودومة الجندل، ومدين، والتحقيق خلاف ذلك. فأمّا تيماء- بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء المثناة من تحت وميم ثم ألف في الآخر- فقد عدّها في «تقويم البلدان» من بادية الشأم تقريبا. قال في «العزيزيّ» : وهي حاضرة طيىء وبها الحصن المعروف بالأبلق المنسوب إلى السّموءل بن عاديا. قال في «تقويم البلدان» : وهي الآن أعمر من تبوك، وبها نخيل قائمة.

الجملة الثالثة في ذكر ملوك المدينة وأمرائها، وهم على ضربين

وأما دومة الجندل فقال في «تقويم البلدان» : هو موضع فاصل بين الشأم والعراق على سبع مراحل من دمشق، وبينه وبين المدينة الشريفة ثلاث عشرة مرحلة. وأما مدين فقد تقدّم ذكرها في الكلام على كور مصر القديمة، ووقع الكلام عليها هناك وإن كان الحق أنها من ساحل الحجاز. الجملة الثالثة في ذكر ملوك المدينة وأمرائها، وهم على ضربين الضرب الأول من قبل الإسلام؛ وهم ثلاث طبقات الطبقة الأولى التّبابعة قد تقدّم في الكلام على بنائها نقلا عن صاحب «الهناء الدائم» : أن تبّعا الأول هو الذي بناها وأسكنها جماعة من علماء أهل الكتاب، وكتب كتابا «1» وأودعه عندهم ليوصّله من أدركه من أبنائهم إليه، وبقي الكتاب عندهم يتوارثونه حتّى هاجر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة فتلقاه من صار إليه الكتاب منهم وأوصل الكتاب إليه. وحينئذ فيكون أول من ملكها التبابعة. الطبقة الثانية العمالقة من ملوك الشام قال السهيليّ: وأول من نزلها منهم يثرب، بن عبيل، بن مهلائيل، بن عوص، بن عملاق، بن لاوذ، بن إرم، بن سام، بن نوح عليه السلام فسميت به. قال في «الروض المعطار» : وكانت هذه الأمة من العماليق يقال لها جاسم،

الطبقة الثالثة ملوكها من بني إسرائيل ومن انضم إليهم من الأوس والخزرج

وكانوا قد استولوا على مكة وسائر الحجاز، وكانت قاعدة ملكهم تيماء، وكان آخر ملوكهم الأرقم بن أبي الأرقم. الطبقة الثالثة ملوكها من بني إسرائيل ومن انضم إليهم من الأوس والخزرج قال في «الروض المعطار» : لما ظهر موسى عليه السلام على فرعون، بعث بعثا من بني إسرائيل إلى الحجاز وأمرهم أن لا يستبقوا منها «1» أحدا بلغ الحلم، فقتلوهم حتّى انتهوا إلى ملكهم الأرقم بتيماء فقتلوه وأبقوا له ابنا «2» صغيرا ليرى موسى عليه السلام فيه رأيه. فلما رجعوا به إلى الشأم وجدوا موسى عليه السلام قد توفّي، فقال لهم الناس: عصيتم وخالفتم أمر نبيكم؛ وحالوا بينهم وبين الشام، فقال بعضهم لبعض: خير من بلدكم البلد الذي خرجتم منه، فعادوا إلى الحجاز فنزلوه، فكان ذلك أول سكنى اليهود الحجاز، فنزل جمهور هم بمكان يقال له يثرب بمجتمع السيول واتخذوا الآطام والمنازل، ونزل معهم جماعة من أحياء العرب من بليّ وجهينة. وكانت يثرب أمّ قرى المدينة وهي ما بين طرف قباء إلى الجرف؛ ثم لما كان من سيل العرم باليمن ما كان، تفرّق أهل مأرب، فأتى الأوس والخزرج يثرب لليهود فحاربوهم، وكان آخر الأمر أن عقدوا بينهم وبينهم جوارا واشتركوا وتحالفوا، فلم يزالوا على ذلك زمانا طويلا، فصارت للأوس والخزرج ثروة ومال وعز جانبهم فخافهم اليهود، فقطعوا الحلف، وخافهم الأوس والخزرج فبعثوا إلى من لهم بالشام فأعانوهم حتّى أذلوا اليهود وغلبوهم عليها، وبقيت بأيديهم حتّى جاء الإسلام وهاجر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليها وهم رؤساؤها وحكّامها.

الضرب الثاني من في زمن الإسلام، وهم أربع طبقات

الضرب الثاني من في زمن الإسلام، وهم أربع طبقات الطبقة الأولى من كان بها في صدر الإسلام كان بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أن توفّي في سنة إحدى عشرة من الهجرة. ثم أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه إلى أن توفّي سنة اثنتي عشرة من الهجرة. ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أن قتل في سنة ثلاث وعشرين. ثم عثمان بن عفّان رضي الله عنه إلى أن قتل في سنة خمس وثلاثين. ثم عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى أن قتل سنة أربعين. ثم الحسن بن عليّ بن أبي طالب إلى أن سلّم الأمر لمعاوية سنة إحدى وأربعين من الهجرة النبوية. الطبقة الثانية عمّال الخلفاء من بني أميّة ولّى عليها معاوية سنة اثنتين وأربعين من الهجرة (مروان بن الحكم) . ثم عزله سنة تسع وأربعين وولّى مكانه (سعيد بن العاص) . ثم عزله سنة أربع وخمسين وردّ إليها (مروان بن الحكم) . ثم عزله سنة تسع وخمسين وولّى مكانه (الوليد بن عتبة بن أبي سفيان) . ثم عزله يزيد بن معاوية عن المدينة والحجاز وولّى مكانه (عمرو بن سعيد الأشدق) ثم عزله سنة إحدى وستين وأعاد (الوليد بن عتبة) . ثم استعمل ابن الزبير عند غلبته على المدينة أخاه (مصعبا) سنة خمس وستين؛ ثم نقله إلى البصرة وولّى مكانه (جابر بن الأسود) بن عوف الزهري؛ ثم ولّى مكانه (طلحة بن عبد الله) بن عوف. ثم غلب عبد الملك بن مروان على الخلافة فبعث على المدينة (طارق بن عمرو) فغلب عليها طلحة بن عبد الله وانتزعها منه. ثم انفرد عبد الملك

بالخلافة وولّى على المدينة والحجاز واليمن واليمامة (الحجّاج بن يوسف) وعزل طارقا عن المدينة وجعله من جنده. ثم ولّى عليها سنة سبع وسبعين (أبان ابن عثمان) . ثم عزله في سنة اثنتين وثمانين وولّى مكانه (هشام بن إسماعيل المخزوميّ) . ثم كانت خلافة الوليد بن عبد الملك فعزل هشام بن إسماعيل وولّى مكانه (عثمان بن حيّان) . ثم تولّى عليها (أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) أيام سليمان بن عبد الملك. ثم استعمل عليها عمر بن عبد العزيز في خلافته (عبد العزيز بن أرطاة) . ثم عزله يزيد بن عبد الملك سنة ثلاث ومائة وولّى مكانه (عبد الرحمن بن الضحّاك) وأضاف إليه مكة؛ ثم عزله لثلاث سنين من ولايته وولّى مكانه على مكة والمدينة (عبد الواحد النّضريّ) . ثم عزله هشام بن عبد الملك وولّى عليها وعلى مكة (إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزوميّ) . ثم عزله هشام سنة أربع عشرة ومائة وولّى مكانه بالمدينة خاصة (خالد بن عبد الملك بن الحرث بن الحكم) . ثم عزله سنة ثمان عشرة ومائة وولّى مكانه (محمد بن هشام بن إسماعيل) . ثم ولّى الوليد بن يزيد في خلافته خاله (يوسف بن محمد بن يوسف الثقفيّ) على المدينة وسائر الحجاز في سنة أربع وعشرين ومائة. ثم عزله يزيد في خلافته في سنة ست وعشرين ومائة وولّى مكانه (عبد العزيز بن عمرو بن عثمان) . ثم ولّى مروان «1» على المدينة وسائر الحجاز. ثم عزله في سنة سبع وعشرين ومائة وولّى مكانه (عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز) . ثم عزله في

الطبقة الثالثة عمالها في زمن خلفاء بني العباس

سنة تسع وعشرين ومائة وولّى مكانه على المدينة وسائر الحجاز (عبد الواحد) . الطبقة الثالثة عمّالها في زمن خلفاء بني العبّاس لما ولي السفّاح الخلافة ولّى على المدينة والحجاز واليمن واليمامة عمّه (داود) . ثم توفّي داود سنة ثلاث وثلاثين ومائة فولّى مكانه في جميع ذلك (زياد ابن عبد الله بن عبد المدان الحارثيّ) . ثم ولّى سنة ثلاث وأربعين ومائة على المدينة (محمد بن خالد بن عبد الله القسريّ) . ثم اتهمه في أمر فعزله وولّى مكانه (رياح بن عثمان المرّيّ) فقتله أصحاب محمد المهديّ؛ فولّى مكانه (عبيد الله بن الربيع الحارثيّ) . ثم عزله المنصور سنة ست وأربعين ومائة وولّى مكانه على المدينة (جعفر ابن سليمان) . ثم عزله في سنة خمسين ومائة وولّى مكانه (الحسن بن زيد بن الحسن) . ثم عزله المنصور في سنة خمس وخمسين ومائة وولّى مكانه عمّه (عبد الصمد بن عليّ) . ثم عزله المهدي في خلافته سنة تسع وخمسين ومائة وولّى مكانه (محمد ابن عبد الله الكثيريّ) . ثم عزله وولّى مكانه (عبد الله «1» بن محمد بن عبد الرحمن بن صفوان) . ثم عزله وولّى مكانه (زفر بن عاصم) . ثم تولّى على المدينة والحجاز (جعفر بن سليمان) . ثم كان بها (محمد بن عيسى) بعد مدّة. وعزله المتوكل وولّى مكانه (المستنصر بن المتوكل) . وتوالى عليها عمّال بني العباس إلى عشر الستين والمائة.

الطبقة الرابعة أمراء الأشراف من بني حسين الذين منهم الأمراء المستقرون في إمارتها إلى الآن

الطبقة الرابعة أمراء الأشراف من بني حسين الذين منهم الأمراء المستقرّون في إمارتها إلى الآن كانت الرياسة بالمدينة آخرا لبني الحسن بن عليّ. وكان منهم أبو جعفر عبد الله، بن الحسين الأصغر، بن عليّ زين العابدين، بن الحسين السّبط، بن عليّ، بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان من جملة ولده جعفر حجة الله، ومن ولده الحسن، ومن ولد الحسن يحيى الفقيه النّسّابة، كانت له وجاهة عظيمة وفخر ظاهر، وتوفي سنة ست وسبعين ومائتين؛ ومن ولده أبو القاسم طاهر بن يحيى، ساد أهل عصره وبنى دارا بالعقيق ونزلها، وتوفّي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة. وكان من ولده الحسن بن طاهر رحل إلى الأخشيد بمصر، وهو يومئذ ملكها، فأقام عنده وأقطعه الأخشيد ما يغلّ في كل سنة مائة ألف دينار واستقر بمصر؛ وكان له من الولد طاهر بن الحسن، وتوفي سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وخلف ابنه محمدا الملقب بمسلم، وكان صديقا لكافور الأخشيدي صاحب مصر، ولم يكن في زمنه بمصر أوجه منه. ولما اختل امر الأخشيدية دعا مسلم هذا للمعز صاحب إفريقية يومئذ. ولما قدم المعز إلى الديار المصرية بعد فتح جوهر القائد لها، تلقاه مسلم بالجمال بأطراف برقة من جهة الديار المصرية، فأكرمه وأركبه معدلا له واختص به؛ ثم توفي سنة ست وستين وثلاثمائة فصلى عليه المعز، وكانت له جنازة عظيمة. وكان من ولد مسلم هذا طاهر أبو الحسين فلحق طاهر بالمدينة الشريفة فقدّمه بنو الحسين على أنفسهم واستقلّ بإمارتها سنين، وكان يلقب بالمليح، وتوفي سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة؛ وولي بعده ابنه (الحسين بن طاهر) وكنيته أبو محمد. قال العتبيّ «1» : وكان موجودا في سنة سبع وتسعين وثلاثمائة وغلبه على

إمارتها بنو عم أبيه أبي أحمد القاسم بن عبيد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر حجة الله واستقلوا بها. وكان لأبي أحمد القاسم من الولد داود ويكنى أبا هاشم. وقال العتبي: الذي ولي بعد طاهر بن مسلم صهره وابن عمه داود بن القاسم بن عبيد الله بن طاهر، وكناه أبا عليّ. وقال ابن سعيد: ملك أبو الفتوح الحسن بن جعفر من بني سليمان إمرة مكة والمدينة سنة تسعين وثلاثمائة بأمر الحاكم العبيدي وأزال إمرة بني الحسين منها، وحاول الحاكم نقل الجسد الشريف النبويّ إلى مصر ليلا فهاجت بهم ريح عظيمة أظلم منها الجو، وكادت تقتلع المباني من أصلها، فردّهم أبو الفتوح عن ذلك وعاد إلى مكة ورجع أمراء المدينة إليها. وكان لداود بن القاسم من الولد مهنّا وهانيء والحسن. قال العتبيّ: ولي هانيء ومهنا وكان الحسن زاهدا. وذكر الشريف الحرّانيّ «1» النسابة هنا أميرا آخر منهم وهو أبو عمارة مدّة كان بالمدينة سنة ثمان وأربعمائة. قال: وخلّف الحسن بن داود ابنه هاشما وولي المدينة سنة ثمان وعشرين وأربعمائة من قبل المستنصر. قال: وخلف مهنا بن داود عبيد الله والحسين وعمارة فولي بعده ابنه عبيد الله وكان بالمدينة سنة ثمان وأربعمائة وقتله موالي الهاشميين بالبصرة، ثم ولي الحسين وبعده ابنه مهنا بن الحسين. قال الشريف الحرّاني: وكان لمهنا بن الحسين من الولد الحسين وعبد الله

وقاسم فولي الحسين المدينة وقتل عبد الله في وقعة نخلة. وذكر صاحب حماة من أمرائها منصور بن عمارة الحسينيّ وأنه مات في سنة خمس وتسعين وأربعمائة وقام ولده مقامه ولم يسمه؛ ثم قال وهم من ولد مهنا. [وذكر منهم أيضا القاسم بن مهنا] «1» حضر مع صلاح الدين بن أيوب فتح أنطاكية سنة أربع وثمانين وخمسمائة. وذكر ابن سعيد عن بعض مؤرّخي الحجاز أنه عدّ من جملة ملوكها قاسم بن مهنا وأنه ولاه المستضيء فأقام خمسا وعشرين سنة ومات سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وولي ابنه سالم بن قاسم. قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في «تاريخه» : وكان «2» مع السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في فتوحاته يتبرك به ويتيمن بصحبته ويرجع إلى قوله. وبقي «3» إلى أن حضر إلى مصر للشكوى من قتادة فمات في الطريق قبل وصوله إلى المدينة. وولي بعده ابنه شيحة وقتل سنة سبع وأربعين وستمائة، وولي ابنه عيسى مكانه. ثم قبض عليه أخوه جمّاز سنة تسع وأربعين وستمائة وملك مكانه، وهو الذي ذكر المقر الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف» : أن الإمرة في بيته إلى زمانه. قال ابن سعيد: وفي سنة إحدى وخمسين وستمائة، كان بالمدينة أبو الحسين بن شيحة بن سالم. وقال غيره كان بالمدينة سنة ثلاث وخمسين وستمائة. وولي أخوه جمّاز فطال عمره وعمي ومات سنة أربع أو خمس بعد السبعمائة. وولي بعده ابنه منصور بن جمّاز، ثم وفد أخوه مقبل بن جماز على الظاهر بيبرس بمصر، فأشرك بينهما في الإمرة والإقطاع، ثم غاب منصور عن المدينة

واستخلف ابنه كبيشة فهجم عليه مقبل وملكها من يده ولحق كبيشة بأحياء العرب فاستجاشهم وهجم المدينة على عمه مقبل فقتله سنة تسع وسبعمائة، ورجع منصور إلى إمارته؛ وبقي ماجد بن مقبل يستجيش العرب على عمه منصور بالمدينة ويخالفه إلى المدينة كلما خرج منها، ثم زحف ماجد سنة سبع عشرة وسبعمائة، وملكها من يد عمه منصور، فاستصرخ منصور بالملك الناصر محمد ابن قلاوون صاحب مصر، فأنجده بالعساكر وحاصروا ماجدا بالمدينة ففرّ عنها وملكها منصور؛ ثم سخط عليه السلطان الملك الناصر فعزله؛ وولّى أخاه وديّ بن جمّاز أياما، ثم أعاد منصورا إلى ولايته، ثم هلك منصور سنة خمس وعشرين وسبعمائة؛ فولّي ابنه كبيشة مكانه فقتله عسكر ابن عمه وديّ وعاد وديّ إلى الإمرة، ثم توفي وديّ؛ فولّي طفيل بن منصور بن جماز وانفرد بإمرتها، وهو الذي ذكر المقر الشهابيّ في «التعريف» : أنه كان أميرها في زمانه، وبقي إلى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة فوقع النهب في الركب، فقبض عليه الأمير طاز أمير الركب؛ وولّى مكانه سيفا من عقب جمّاز، ثم ولي بعده فضل من عقب جماز أيضا، ثم ولي بعد فضل ماتع من عقب جماز، ثم ولي جماز بن منصور، ثم قتل بيد الفداوية أيام الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون؛ واتفق أمراء الركب على تولية ابنه هبة إلى حين يرد عليهم من السلطان ما يعتمدونه، ثم ورد أمر السلطان بتولية هبة من عقب وديّ فعزل ودي «1» وولي مكانه، ثم ولي بعده عطية بن منصور بن جماز، فأقام سنين، ثم عزل وولي هبة بن جماز، ثم عزل وأعيد عطية، ثم توفي عطية وهبة وولي جماز بن هبة بن جماز؛ ثم عزل وولي نعير بن منصور بن جماز، ثم قتل، فوثب جماز بن هبة على إمارة المدينة واستولى عليها، فعزله السلطان؛ وولّى ثابت بن نعير، وهو بها إلى الآن في سنة تسع وتسعين وسبعمائة. وهو ثابت، ابن جماز، بن هبة، بن جماز، بن منصور، بن جماز، بن شيحة، بن سالم، بن

الجملة الرابعة في ترتيب المدينة النبوية

قاسم، بن جماز، بن قاسم، بن مهنا، بن الحسين، بن مهنا، بن داود، بن القاسم، بن عبيد الله، بن طاهر، بن يحيى، بن الحسن، بن جعفر حجة الله، بن عبد الله بن الحسين الأصغر، بن عليّ زين العابدين، بن الحسين السّبط، بن عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه. وإمرتها الآن متداولة بين بني عطية وبين بني جمّاز، وهم جميعا على مذهب الإمامية الرافضة يقولون بإمامة الاثني عشر إماما وغير ذلك من معتقدات الإمامية، وأمراء مكة الزيدية أخف في هذا الباب شأنا منهم. الجملة الرابعة في ترتيب المدينة النبوية أما معاملاتها فعلى ما تقدّم في الديار المصرية من المعاملة بالدنانير والدراهم، والأمر في الفلوس على ما تقدّم في مكة؛ ويعتبر وزنها في المبيعات بالمنّ وهو مائتان وستون درهما على ما تقدّم في مكة؛ ويعتبر كيلها بالمدّ، وقياس قماشها بالذراع الشاميّ؛ وأسعارها نحو أسعار مكة، بل ربما كانت مكة أرخى سعرا منها لقربها من ساحل البحر بجدّة. وأما إمارتها فإمارة أعرابية كما في مكة من غير فرق. وأما وفود الحجيج عليها، فقد جرت العادة أن كل من قصد السبق في العود إلى الديار المصرية من الجند وغيرهم يزور النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند ذهاب الركب إلى مكة ثم يعود بعد الحج إلى مصر من غير تعريج على المدينة، وباقي الحجيج وأمير الركب لا يأتونها للزيارة إلا بعد انقضاء الحج. واعلم أن كسوة الحجرة الشريفة ليست مما يجدّد في كل سنة كما في كسوة الكعبة، بل كلّما بليت كسوة جدّدت أخرى، ويقع ذلك في كل نحو سبع سنين أو ما قاربها، وذلك أنها مصونة عن الشمس، بخلاف كسوة الكعبة فإنها بارزة للشمس فيسرع بلاؤها.

وقد حكى ابن النجار في «تاريخ المدينة» «1» أن أوّل من كسا الحجرة الشريفة الثياب الحسين بن أبي الهيجاء صهر الصالح طلائع بن رزيك وزير العاضد، والعاضد آخر الخلفاء الفاطميين، عمل لها ستارة من الدبيقيّ «2» الأبيض عليها الطرز والجامات «3» المرقومة بالإبريسم «4» الأصفر والأحمر، مكتوب عليها سورة يس بأسرها؛ والخليفة العباسيّ يومئذ المستضيء بأمر الله. ولما جهزها إلى المدينة، امتنع قاسم بن مهنا أمير المدينة يومئذ من تعليقها حتّى يأذن فيه المستضيء فنفّذ الحسين بن أبي الهيجاء قاصدا إلى بغداد في استئذانه في ذلك فأذن فيه، فعلقت الستارة على الحجرة الشريفة نحو سنتين. ثم بعث المستضيء ستارة من الإبريسم البنفسجيّ عليها الطرز والجامات البيض المرقومة، وعلى دور جاماتها مرقوم «أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ» وعلى طرازها اسم الإمام المستضيء بالله، فقلعت الأولى ونفذت إلى مشهد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه بالكوفة، وعلقت ستارة المستضيء مكانها. ثم عمل الناصر لدين الله في خلافته ستارة أخرى من الإبريسم الأسود فعلّقت فوق تلك. ثم عملت أمّ الخليفة الناصر بعد حجها ستارة على شكل ستارة ابنها المتقدّمة الذكر فعلقت فوق الستارتين السابق ذكرهما. قال ابن النجار: ولم يزل الخلفاء في كل سنة يرسلون ثوبا من الحرير الأسود عليه علم ذهب يكسى به المنبر. قال: ولما كثرت الكسوة عندهم أخذوها فجعلوها ستورا على أبواب الحرم، ولم يزل الأمر على ذلك إلى حين انقراض الخلافة من بغداد، فتولى ملوك الديار المصرية ذلك كما تولّوا كسوة الكعبة على ما تقدّم ذكره.

قلت: والستارة الآن من حرير أسود عليها طرز مرقوم بحرير أبيض، وآخر من عملها في العشر الأوّل من الثمانمائة السلطان الملك الظاهر برقوق. وقد ذكر ابن النجار في «تاريخ المدينة» أيضا أن الناصر لدين الله العباسيّ كان يرسل في كل سنة أربعة آلاف دينار للصدقة وألفا وخمسمائة ذراع قطن لتكفين من يموت من الفقراء، خارجا عما يجهزه للعمارة، وما يعدّه من القناديل والشيرج «1» والشّمع والندّ والغالية المركّبة والعود: لأجل تبخير المسجد. وذكر عن يوسف بن مسلم أن زيت قناديل مسجد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يحمل من الشام حتّى انقطع في ولاية جعفر بن سليمان الأخيرة على المدينة فجعله على سوق المدينة. ثم لما ولي داود بن عيسى في سنة ثمان وسبعين ومائة، أخرجه من بيت المال، ثم ذكر أنه كان في زمانه في خلافة الناصر لدين الله يصل الزيت من مصر من أوقاف بها سبعة وعشرين قنطارا، كل قنطار مائة وثلاثون رطلا بالمصريّ، ومائة وستون شمعة ما بين كبيرة وصغيرة، وعلبة فيها مائة مثقال ندّ.

الباب الرابع من المقالة الثانية في الممالك والبلدان المحيطة بمملكة الديار المصرية؛ وفيه أربعة فصول

الباب الرابع من المقالة الثانية في الممالك والبلدان المحيطة بمملكة الديار المصرية؛ وفيه أربعة فصول الفصل الأوّل في الممالك والبلدان الشرقية عنها، وما ينخرط في سلكها من شمال أو جنوب؛ وفيه أربعة مقاصد المقصد الأوّل في الممالك الصائرة إلى بيت جنكز خان؛ وفيه جملتان الجملة الأولى في التعريف باسم جنكزخان ومصير الملك إليه، وما كان له من الأولاد، وتقسيمه الملك فيهم أما اسمه فقد ذكر في «مسالك الأبصار» : عن الشيخ شمس الدين الأصفهانيّ أن اسمه في الأصل تمرجين «1» ، وأنه لما عظم شأنه سمي جنكزخان. وقد ذكر في «مسالك الأبصار» عن بعضهم: أن الصواب في النطق به جنكص

خان بالصاد بدل الزاي. وأما نسبه فقد ذكر في «مسالك الأبصار» أيضا أنه جنكزخان، بن بيسوكي «1» ، بن بهادر، بن تومان، بن برتيل خان، بن تومنيه، بن بادسنقر، بن تيدوان ديوم، بن بغا، بن بودنجه، بن ألان قوا، وألان قوا هذه امرأة من قبيلة من التتر تسمّى قبات من أعظم قبائلهم شهرة، كانت متزوّجة بزوج أولدها ولدين اسم أحدهما بكتوت، والآخر بلكتوت؛ ومن عقبهما الطائفة المعروفة في قبائل التتر بالدلوكة إلى الآن؛ ثم مات زوج ألان قوا أبو هذين الاثنين وبقيت ألان قوا أيّما فحملت فأنكر عليها الحمل، وحملت إلى وليّ أمرهم حينئذ فسألها ممن حملت؟ فقالت: إني كنت جالسة وفرجي مكشوف، فنزل نور ودخل في فرجي ثلاث مرات فحملت منه هذا الحمل، وأنا حامل بثلاثة ذكور، كل مرة من دخول ذلك النور بذكر، فأمهلوني حتّى أضع، فإن وضعت ثلاثة ذكور فاعلموا صدقي، وإلا فدونكم وما ترون؛ فأمهلوها حتّى ولدت فأتت بثلاثة ذكور، فسمّت أحدهم يوقن «2» قوتاغي، والثاني بوسن ساغي، والثالث بودنجر، وهو جدّ جنكزخان. وأولاد هذه الثلاثة يعرفون بين التتر بالنورانيين نسبة إلى النور الذي زعمت أنه دخل فرجها فحملت منه. قال في «مسالك الأبصار» : «وهذه أكذوبة قبيحة، وأحدوثة غير صحيحة؛ وإن صحت عن المرأة فلعلها كانت قد سمعت بقصة مريم البتول عليها السلام، فاحتالت لسلامة نفسها بالتشبه بشأنها» . وأما مصير الملك إليه فقد اختلف فيه على مذهبين: أحدهما- ما حكاه في «مسالك الأبصار» عن الصاحب علاء الدين بن عطاء ملك الجويني: أنه كان يملك الترك ملك من عظماء الملوك يدعى أزبك خان، فتردّد إليه جنكزخان في حال صغره وخدمه، فتوسم فيه النجابة فقرّبه وأدناه وزاده في الارتقاء على أقاربه، فحسدوه فوشوا به إلى الملك حتّى غيروه عليه فأضمر له المكايد؛ وكان بالقرب من أزبك خان ملكهم صغيران يخدمانه فاطلعا على ما

أضمره الملك لجنكزخان وعرّفاه ما أضمره الملك له وحذّراه؛ وكان جنكزخان قد لفّ لفيفا عظيما فجمع لفيفه من قبائل التتر وقصد ذلك الملك في جيوشه، وكان من أعظم القبائل المجيبة لدعوته قبيلتان: إحداهما تدعى إديرات والأخرى فيقورات مع قبيلته قبات المقدّم ذكرها، فجرّد العساكر لأزبك خان وجرت الحرب بينهما فقتل أزبك خان وملك جنكزخان وقرب كلّا من الصغيرين وجعل كلّا منهما ترخانا، وكتب لهما بفراغهما من جميع المؤن والكلف إلى سبعة أبطن من أولادهما. والثاني- ما حكاه السلطان عماد الدين صاحب حماة في «تاريخه» عن محمد بن أحمد بن على المنشئي: كاتب إنشاء السلطان جلال الدين محمد بن خوارزم شاه: أن مملكة الصّين كانت منقسمة من قديم الزمان إلى ستة أجزاء كل جزء منها مسيرة شهر، يتولّى أمر كل جزء منها خان نيابة عن خانهم الأعظم بطمغاج قاعدة الصين «1» . إلى أن كان خانهم الأكبر في زمان السلطان خوارزم شاه يسمّى الطرخان، وكان من جملة الخانات الستة الذين ينوبون عنه شخص يسمّى دوشي خان، وكان متزوجا بعمة جنكزخان فمات دوشي خان زوج عمة جنكزخان، فحضر جنكزخان إلى عمته معزّيا، وكان يجاور دوشي خان خان من الخانات الستة يسمّى أحدهما كشلوخان والآخر قلان؛ فأرسلت زوجة دوشي خان إليهما بنعي زوجها إليهما وتلاطفهما في استقرار جنكزخان ابن أخيها مكانه في الخانية على أن يكونا معاضدين له، فأجاباها إلى ذلك. فاستقر جنكزخان في الخانية مكان دوشي خان زوج عمته، فبلغ ذلك الخان الأعظم الطرخان فأنكر ذلك على كشلوخان وقلان المذكورين، فاتصل ذلك بهما فاجتمعا هما وجنكزخان وخلعوا طاعة الطرخان، ثم مات أحد الخانين وخلف ابنا اسمه كشلوخان فغلب جنكزخان على ملكه، ثم مات الخان الآخر واستقل جنكزخان بالملك، ثم غلب على خوارزم شاه، ثم على ابنه جلال الدين واستقل بما وراء النهر «2» .

وأما أولاد جنكز خان فقد ذكر في «مسالك الأبصار» عن الصاحب علاء الدين الجويني المقدّم ذكره أنه كان له عدة أولاد ذكور وإناث من الخواتين والسراري، وكان أعظم نسائه أو بولي، من تيكي «1» ، ومن رسم المغل تعظيم الولد بنسب والدته، وكان له من هذه أربعة أولاد معدّين للأولاد «2» الخطيرة، هم لتخت ملكه بمنزلة أربع قوائم؛ وهم توشي «3» وجفطاي «4» ، وهو أصغرهم، وأوكداي «5» ، وأوتكين نويان «6» ، وأنه جعل موضعه نقطة دائرة ملكه وبنيه حوله كمحيط الدائرة، فجعل ابنه أوكداي «7» وليّ عهده ورتّبه لما يتعلق بالعقل والرأي والتدبير والولاية والعزل واختيار الرجال والأعمال وعرض الجيوش وتجهيزها، وكان موضعه في حياة أبيه حدود ايمك وقراباق. فلما جلس بعد أبيه على تخت الملك، انتقل إلى الموضع الأصلي بين الخطا وبلاد الايغور، وأعطى ذلك الموضع لولده كيوك. وجعل لابنه أوتكين «8» حدود بلاد الخطا «9» ؛ وعين لابنه الكبير توشي «10» حدود قيالق (؟) إلى أقصى سفسفين (؟) وبلغار، ورتبه على الصيد والقنص؛ وجعل لابنه جفطاي حدود بلاد الأيغور إلى سمرقند وبخارا، ورتبه لتنفيذ النائبات والأمور والمقابلات وما أشبه ذلك. قال ابن عطاء ملك: وكانت أولاده وأحفاده تزيد على عشرة آلاف. وذكر عن الشيخ شمس الدين الأصفهاني أن جنكز خان أولد أربعة أولاد، وهم جوجي: وهو أكبرهم، وكداي، وطولي، وأوكداي، فقتل جوجي في حياة أبيه وخلف أولادا. قال ابن الحكيم الطياري: وهم باتو ويقال باطو، وأورده، وبركه، وتولي، وحمتي. قال الشيخ شمس الدين المذكور: والمشهور باتو وبركة،

وأوصى بأن يكون تخته لولده الصغير أوكداي وأن تكون مملكة ما وراء النهر وما معه لولده الآخر كداي، وجعل لابنه جوجي دشت القبجاق وما معه وأضاف إليه إيران وتبريز وهمذان ومراغة، ولم يحصل لطولي شيء. فلما مات جنكز خان استقل أوكداي بتخت أبيه، واستقل جوجي بدشت القبجاق وما معه، واستقل باتو ابن جوجي فيما جعله جدّه جنكز خان لأبيه جوجي من إيران وتبريز وما مع ذلك، ولم يتمكن كداي من مملكة ما وراء النهر، ثم مات أوكداي مالك التخت وملك بعده ولده كيوك، وكان جبارا قويّ النفس فحكم على بني أبيه فقهرهم وانتزع ما بيد باتو بن جوجي من إيران وسائر ما معها، وأقام بها أميرا اسمه الجكراي. ثم جرى بينهم اختلاف كان آخر الأمر فيه أن أمسك الجكراي وقتل وحمل إلى باتو بن جوجي وطبخه وأكله، فبلغ ذلك كيوك صاحب التخت فشق عليه وجمع ستمائة ألف فارس، وجمع باتو للقائه وسار كل منهما لمحاربة الآخر حتّى كان بينهما عشرة أيام مات كيوك فكتب خواتينه إلى باتو يعلمونه بموته ويسألونه في أن يكون عوضه على تخت جنكز خان، فلم يرض ذلك وميزله منكوتان بن تولي بن جوجي بن جنكز خان، وجهز معه إخوته قبلاي خان وهولاكو: ولدا تولي، ووجّه معهم باتو أخاه بركة بن جوجي في مائة ألف فارس للجلسة على التخت ثم يعود، فتوجه بركة بمنكوتان فأجلسه على التخت، ثم عاد فمرّ في طريقه ببخارا، فاجتمع فيها بالشيخ شمس الدين الباخرزيّ من أصحاب شيخ الطريقة نجم الدين كيزي وحادثه فحسن موقع كلامه منه فأسلم على يده، وهو أول من أسلم من بيت جنكز خان، وأشار الباخرزي على بركة بموالاة المستعصم خليفة بني العباس ببغداد يومئذ، فكاتبه وهاداه وتردّدت الرسل والمكاتبات بينهما. ثم إن منكوتان بعد استقلاله بتخت جدّه جنكز خان ملّك أولاد جفطاي مملكة ما وراء النهر تنفيذا لما كان جنكز خان أوصى به لأبيهم جفطاي كما تقدّم ومات دونه، وعلت كلمة منكوتان صاحب التخت ووصلت إليه كتب أهل قزوين وبلاد الجبال يشكون من سوء مجاورة الملاحدة: وهم الإسماعيلية فجهز إليهم منكوتان أخاه مكوقان «1» لقتال

الجملة الثانية في عقيدة جنكز خان وأتباعه في الديانة إلى أن أسلم من أسلم منهم وما جرت عليه عادتهم في الآداب وحالهم في طاعة ملوكهم

الملاحدة وأخذ قلاعهم، وأن يضم إلى ذلك بلاد الخليفة المستعصم فبلغ ذلك بركة بن جوجي فشق عليه لصداقته مع الخليفة، وكلم أخاه باتو في ذلك فكتب باتو إلى هولاكو يمنعه من التعرّض لممالك الخليفة، فوافاه الكتاب قبل أن يعبر نهر جيحون، فأقام هناك سنتين حتّى مات باتو وتسلطن أخوه بركة بعده فكتب هولاكو إلى أخيه منكوتان يستأذنه في إنفاذ ما كان عزم عليه من أخذ ممالك الخليفة وحسّن له ذلك فلم يأذن له فيه فأصرّ هولاكو على عزمه فأوقع بالملاحدة وقتل جماعة اتهمهم بممالأة بركة، واشتد في البلاد وقصد دشت القبجاق بلاد بركة فدهمه بركة بعساكره فكانت الدائرة على هولاكو فكر راجعا ودخل بلاد الخليفة وقبض عليه وقتله وملك بلاده. وكان أمر الله قدرا مقدورا! الجملة الثانية في عقيدة جنكز خان وأتباعه في الديانة إلى أن أسلم من أسلم منهم وما جرت عليه عادتهم في الآداب وحالهم في طاعة ملوكهم أما عقيدتهم فقد قال الصاحب علاء الدين بن عطاء ملك الجويني: إن الظاهر من عموم مذاهبهم الإدانة بوحدانية الله تعالى، وأنه خلق السموات والأرض، وأنه يحيي ويميت، ويغني ويفقر، ويعطي ويمنع، وأنه على كل شيء قدير، وأن منهم من دان باليهودية، ومنهم من دان بالنصرانية، ومنهم من اطّرح الجميع، ومنهم من تقرّب بالأصنام. قال: ومن عادة بني جنكز خان أن كل من انتحل منهم مذهبا لم ينكره الآخر عليه؛ ثم الذي كان عليه جنكز خان في التديّن وجرى عليه أعقابه بعده الجري على منهاج ياسة «1» التي قررها، وهي قوانين خمنها من عقله وقرّرها من ذهنه، رتب فيها أحكاما وحدّد فيها حدودا بما وافق القليل منها الشريعة المحمدية، وأكثرها مخالف لذلك سماها الياسة الكبرى، وقد اكتتبها وأمر أن تجعل في خزانته تتوارث عنه في أعقابه وأن يتعلمها صغار أهل بيته. منها أن من زنى قتل، ومن أعان أحد خصمين على الآخر قتل، ومن بال في

الماء قتل، ومن أعطي بضاعة فخسر ثم أعطي ثانيا فخسر ثم أعطي ثالثا فخسر قتل، ومن وقع حمله أو قوسه فمرّ عليه غيره ولم ينزل لمساعدته قتل، ومن وجد أسيرا أو هاربا أو عبدا ولم يرده قتل، ومن أطعم أسير قوم أو سقاه أو كساه بغير إذنهم قتل، إلى غير ذلك من الأمور التي رتبها مما هم دائنون به إلى الآن، وربما دان به من تحلّى بحلية الإسلام من ملوكهم. ومن معتقدهم في ذبح الحيوان أن تلفّ قوائمه ويشق جوفه ويدخل أحدهم يده إلى قلبه فيمرسه بيده حتّى يموت أو يخرج قلبه. ومن ذبح ذبحة المسلمين ذبح. وأما عاداتهم في الأدب فكان من طريق جنكز خان أن يعظم رؤساء كل ملة ويتخذ تعظيمهم وسيلة إلى الله تعالى؛ ومن حال التتر في الجملة إسقاط المؤن والكلف عن العلويين وعن الفقهاء والفقراء والزهاد والمؤذنين والأطباء وأرباب العلوم على اختلافهم ومن جرى هذا المجرى. ومن آدابهم المستعملة أن لا يأكل أحد من يد أحد طعاما حتّى يأكل المطعم منه ولو كان المطعم أميرا والآكل أسيرا، ولا يختص أحد بالأكل وحده بل يطعم كل من وقع بصره عليه، ولا يمتاز أمير بالشّبع من الزاد دون أصحابه بل يقسمونه بالسوية، ولا يخطوا أحد موقد نار ولا طبقا «1» رآه، ومن اجتاز بقوم يأكلون فله أن يجلس إليهم ويأكل معهم من غير إذن. وأن لا يدخل أحد يده في الماء بل يأخذ منه ملء فيه ويغسل يديه ووجهه «2» ، ولا يبول أحد على الرّماد. ويقال إنهم كانوا لا يرون «3» غسل ثيابهم البتة، ولا يميزون بين طاهر ونجس. ومن طرائقهم أنهم لا يتعصبون لمذهب، وأن لا يتعرّضوا لمال ميت أصلا،

المقصد الثاني في ذكر ممالك بني جنكز خان على التفصيل، وهي مملكتان

ولو ترك ملء الأرض، ولا يدخلونه خزانة السلطان. ومن عاداتهم أنهم لا يفخّمون الألفاظ، ولا يعظّمون في الألقاب حتّى يقال في مراسيم السلطان «القان بكذا» من غير مزيد ألقاب. وأما حالهم في طاعة ملكهم فإنهم من أعظم الأمم طاعة لسلاطينهم، لا لمال ولا لجاه بل ذلك دأب لهم حتّى إنه إذا كان أمير في غاية من القوة والعظمة وبينه وبين السلطان كما بين المشرق والمغرب متى أذنب ذنبا يوجب عقوبة وبعث السلطان إليه من أخس أصحابه من يأخذه بما يجب عليه ألقى نفسه بين يدي الرسول ذليلا ليأخذه بموجب ذنبه، ولو كان فيه القتل. ومن طريق أمرائهم أنه لا يترّدد أمير إلى باب أمير آخر، ولا يتغير عن موضعه المعين له. فإن فعل ذلك عوقب أو قتل، وإذا عرضوا آلات الحرب على أمرائهم وفّوا في العرض حتّى بالخيط والإبرة، ورعاياهم قائمون بما يلزمون به من جهة السلطان طيّبة به نفوسهم، وإن غاب أحد من الرجال قام النساء بما عليهم «1» . المقصد «2» الثاني في ذكر ممالك بني جنكز خان على التفصيل، وهي مملكتان المملكة الأولى مملكة أيران بفتح الهمزة «3» وسكون الياء المثناة تحت والراء المهملة وألف ثم نون. وهي مملكة الفرس، وتعرف بأيران بن أشور بن سام بن نوح عليه السلام، وهو

الجانب الأول الجنوبي

أول من ملكها وأضيفت إليه وعرفت به. قال في «التعريف» : وهي مملكة الأكاسرة. ثم قال: وهي من الفرات إلى نهر جيحون حيث بلخ، ومن البحر الفارسيّ وما صاقبه من البحر الهنديّ إلى البحر المسمى بالقلزم بحر طبرستان، وهي المملكة الصائرة إلى بيت هولاكو. قال: وقد دخل فيها مملكة الهياطلة، وهي مملكة مازندران وما يليها إلى آخر كيلان، وطبرستان واقعة بين مازندران وكيلان، ومازندران الآخذة شرقا، وكيلان الآخذة غربا. وقال في «مسالك الأبصار» : هذه المملكة طولا من نهر جيحون المحيط بآخر خراسان إلى الفرات القاطع بينها وبين الشام، وعرضها من كرمان المتصل بالبحر الفارسيّ المنقسم من البحر الهنديّ إلى نهاية ما كان بيد بقايا الملوك السّلجوقية بالروم على نهاية حدود العلايا وأنطاليا من البحر الروميّ. قال: ويفصل في الجانب الشّماليّ بين هذه المملكة وبين بلاد القبجاق النهر المجاور لباب الحديد المسمى باللغة التركية دقرقبو، وبحر طبرستان المسمّى بحر الخزر. ثم قال: وأخبرني الفاضل نظام الدين أبو الفضل يحيى بن الحكيم الطياريّ أن هذه المملكة تكاد تكون مربّعة، فيكون طولها بالسير المعتاد أربعة أشهر، وعرضها أربعة أشهر. وهي من أجلّ ممالك الأرض، وأوسطها في الطول والعرض، متوسطة في الطول والعرض. وإذا أنصفت كانت هي قلب الدنيا على الحقيقة، ذات أقاليم كثيرة ومدن كبيرة، مشتملة على رساتيق وأعمال وخطط وجهات، وهي ممتدة من بلاد الشأم وما على سمتها إلى بلاد السّند والهند وما والاهما. ولها جانبان: جنوبيّ وشماليّ. الجانب الأول الجنوبي ويشتمل على ستة أقاليم: الإقليم الأول الجزيرة الفراتية وهي أقرب أقطار هذه المملكة لمملكة الديار المصرية والشامية لمجاورتها

بلاد الشام. قال في «تقويم البلدان» : ويحيط بها الفرات من حدود بلاد الروم، وهو طرف الحد الغربيّ الجنوبيّ للجزيرة. فيمتدّ الحدّ الجنوبيّ الغربيّ مع الفرات إلى ملطية، إلى شمشاط، إلى قلعة الروم، إلى البيرة، إلى قبالة منبج، إلى السّنّ، إلى الرّقّة، إلى قرقيسيا، إلى الرّحبة، إلى هيت، إلى الأنبار. ثم يخرج الفرات عن تحديد الجزيرة ويعطف الحدّ من الأنبار إلى تكريت، وهي على نهر دجلة، إلى بالس، إلى الحديثة على دجلة إلى الموصل. ثم يعطف من الموصل إلى جزيرة ابن عمر، إلى آمد. ثم يصير الحدّ غربيّا ممتدّا بعد أن يتجاوز آمد على حدود إرمينية، إلى حدود بلاد الروم، إلى الفرات عند ملطية من حيث وقع الابتداء. قال: فعلى هذا يكون بعض إرمينية وبعض الروم غربيّ الجزيرة، وبعض الشام وبعض البادية جنوبيّها، والعراق شرقيّها، وبعض إرمينية شماليها. قال في «تقويم البلدان» : وتشتمل الجزيرة على ديار ربيعة وديار مضر (يعني بالضاد المعجمة) وبعض ديار بكر، وهم القبائل الذين كانوا ينزلونها في القديم على ما تقدّم ذكره في الكلام على أحوال العرب في المقالة الأولى. قال في «مسالك الأبصار» : وقد كانت هذه الجزيرة مجموعها مملكة جليلة باقية بذاتها في الدولة الأتابكية يعني دولة الأتابك زنكي صاحب الموصل والد نور الدين الشهيد صاحب دمشق، وقاعدتها (الموصل) . قال في «اللباب» : بفتح الميم وسكون الواو وكسر الصاد المهملة ولام في الآخر- وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : حيث الطول سبع وثلاثون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. وهي على دجلة من الجانب الغربيّ، ويقابلها من الجانب الشرقيّ مدينة نينوى التي بعث يونس عليه السلام إلى أهلها. وهي الآن خراب. وفي جنوبيّ الموصل مصبّ الزّاب الأصغر في دجلة، وهي في مستو من الأرض؛ ولها سوران قد خرب بعضهما، وسورها أكبر من سور دمشق. قال المؤيد صاحب حماة: والعامر منها في زماننا نحو ثلثيها، ولها قلعة قد صارت في جملة الخراب. قال قاضي القضاة

وليّ الدين بن خلدون «1» : وهي قاعدة ملك قديم يعرف قديما بمملكة الجرامقة، وكانت قد صارت إلى عماد الدين زنكي: والد نور الدين الشهيد، ثم اتفق بها الحال إلى أن دخلت في مملكة التتر من بني هولاكو. قال ابن خرداذبه في كتابه في المسالك والممالك: ومن أقام بها سنة ثم...... «2» عقله وجده قد نقص «3» ، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. وذكرها في «التثقيف» وذكر أنه كان بها الأمير أردبغا قبل أن يحصل عليها من بيرم خواجا ثم أبو القان أويس. ثم بها عدّة مدن وقلاع مشهورة. (منها) ماردين. قال في «اللباب» : بفتح الميم وسكون الألف وكسر الراء والدال المهملتين ثم ياء مثناة من تحتها ونون- وهي قلعة بديار ربيعة من هذه الجزيرة المذكورة من الإقليم الرابع. قال في «الأطوال» : حيث الطول أربع وستون درجة، والعرض سبع وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي على جبل عال، من الأرض إلى ذروته نحو فرسخين. قال ابن حوقل: وهي قلعة منيعة لا يستطاع فتحها عنوة، وبجبلها جواهر الزجاج، وبه حيّات تفوق غيرها بسرعة القتل. واعلم أن ماردين هذه بيد ملوكها من بني أرتق، لها بيدهم الأمد الطويل، لم تزل أيديهم عنها مذ ملكوها. قال القاضي وليّ الدين بن خلدون في «تاريخه» : وأول من ملكها منهم ياقوتي بن أرتق بعد السبع والأربعمائة؛ تملكها من يد مغنّ كان ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي أقطعها له، ثم ملكها بعد ياقوتيّ المذكور أخوه عليّ، ثم عمه سقمان، ثم أخوه إيلغازي، ثم ابنه حسام الدين تمرتاش، ثم

ابنه قطب الدين البي، ثم ابنه نظام الدين إيلغازي، ثم ابنه حسام الدين بولق أرسلان، ثم أخوه ناصر الدين أرتق أرسلان بن إيلغازي، ثم ابنه نجم الدين غازي، ثم أخوه قرا أرسلان، ثم ابنه شمس الدين داود، ثم أخوه نجم الدين غازي، وتلقب بالمنصور وهو أول من تلقب بألقاب السلطنة منهم، ثم ابنه شمس الدين صالح وتلقب بالصالح، ثم ابنه أحمد وتلقب بالمنصور، ثم ابنه محمود وتلقب بالصالح، ثم ابنه فخر الدين داود، وتلقب بالمظفر، ثم ابنه نور الدين عيسى، وتلقب بالظاهر، وهو القائم بملكها إلى الآن، وهو الظاهر عيسى، بن المظفّر داود، بن الصالح [محمود، بن المنصور أحمد، بن الصالح] «1» صالح ابن المنصور غازي، بن المظفر قرا أرسلان، بن المنصور أرتق أرسلان [بن بولق أرسلان] «2» بن إيلغازي، بن ألبي، بن تمرتاش، بن إيلغازي، بن أرتق. ولما ملك هولاكو بغداد وأعمالها كان القائم بملك ماردين يومئذ المظفّر قرا أرسلان فأعطاه الطاعة وخطب له في جميع أعماله، وتبعه على ذلك من بعده من ملوكها إلى حين موت القان أبي سعيد من بقايا الملوك الهولاكوية، فقطع الخطبة لصاحب بغداد وما معها وخطب لنفسه، والأمر على ذلك إلى الآن، وملوكها موادّون لملوك الديار المصرية والمكاتبات بينهم متواصلة. (ومنها) حصن كيفا. قال في «تقويم البلدان» : بحاء وصاد مهملتين ثم نون ثم كاف وياء مثناة من تحت وفاء وألف- وهي مدينة من الجزيرة المذكورة من الإقليم الرابع. قال في «الأطوال» : حيث الطول أربع وستون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض سبع وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة. قال في «اللباب» : وهي من ديار بكر. قال في «المشترك» : وهي على دجلة بين جزيرة ابن عمر وبين ميّا فارقين. قال في «اللباب» : والنسبة إليها حصكفيّ- بفتح الحاء وسكون الصاد وفتح الكاف وفاء ثم ياء النسب. قال في «التعريف» : وملكها من بقايا الملوك الأيوبية وممن ينظر إليه ملوك مصر بعين الإجلال، لمكان ولائهم

القديم لهم، واستمرار الوداد الآن. قال في «التثقيف» : وأخبرني المقرّ السيفيّ منجك كافل الممالك الشريفة أن الملك الناصر محمد بن قلاوون كان يعظم سلفه فإنه كان أستاذ قلاوون والده. قال في «التعريف» : وكان آخر وقت منهم الملك الصالح قصد الأبواب السلطانية. فلما أتى دمشق عقبته الأخبار بأن أخاه قد ساور سريره، وقصد بسلطته سلطانه. فكر راجعا ولم يعقّب، فما لبثت الأخبار أن جاءت بأنه حين صعد قلعته، وكرّ نحو سريره رجعته، وثب عليه أخوه المتوثب فقتله وسفك دمه، ثم أظهر عليه ندمه. وكتب إلى السلطان فأجيب بأجوبة دالة على عدم القبول لأعذاره والسرائر مكدّرة، والخواطر بعضها من بعض منفّرة. وذكر في «التثقيف» أن الذي اتّضح له آخرا في رمضان سنة ست وسبعين وسبعمائة أن صاحبها الملك الصالح سيف الدين أبو بكر، ابن الملك العادل شهاب الدين غازي، ابن الملك العادل مجد الدين محمد، ابن الملك الكامل سيف الدين أبي بكر، ابن الملك الموحد تقيّ الدين عبد الله، ابن الملك المعظم سيف الدين توران شاه، ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب، ابن الملك الكامل ناصر الدين محمد، بن العادل أبي بكر بن أيوب. ثم قال: وما يبعد أن الصالح المذكور هو ابن عم العادل مجد الدين محمد، وأن العادل غازي لا حقيقة له. ثم قال: وهو غلط لأن المستقرّ إلى آخر سنة ثنتين وستين وسبعمائة وما بعدها بمدّة هو العادل مجد الدين، وكتبت إليه في هذه المدة بهذا الاسم واللقب، ولم يبلغنا أنه استقر بعده سوى ولده، ثم نقل أنه الصالح ونقل الناقل أنه ابن العادل وهو صحيح لكنه قال: إن اسمه شهاب الدين غازي بن العادل مجد الدين وفيه بعد: كون الولد يلقب بلقب والده الملوكي. انتهى كلامه. قلت: والذي أخبرني به بعض قصّاد صاحبها في سنة تسع وتسعين وسبعمائة أن الملك القائم بها يومئذ اسمه سليمان بن داود، وذكر لي لقبه الملوكيّ فنسيته، وذكر أنه يقول الشعر، وأحضر معه بيتا مفردا من نظمه وهو: وجارية تعير البدر نورا ... ولولا نورها عاد الظّلام

فنظمت له أبياتا وبعثت بها إليه صحبة قاصده أولها: سليمان الزّمان بحصن كيفا ... له في الملك آثار كرام زكا أصلا فطاب الفرع منه ... وطاب الغصن إذ طاب الكمام بنو أيّوب أبقوا منه ذخرا ... ونعم الذّخر والقيل الهمام وأثبت البيت الذي قاله في آخر هذه. (ومنها) حرّان. قال في «المشترك» : بفتح الحاء وتشديد الراء المهملتين وفي آخرها نون بعد الألف- وهي مدينة من ديار مضر من الجزيرة المذكورة من الإقليم الرابع. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أنها حيث الطول ثلاث وستون درجة، والعرض سبع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وكانت حرّان مدينة عظيمة أما اليوم فخراب. قال ابن حوقل: وهي مدينة الصابئين، وبها سدنتهم السبعة عشر، وبها تلّ عليه مصلّى للصابئين يعظّمونه وينسبونه إلى إبراهيم عليه السلام، وهي قليلة الماء والشجر. قال في «العزيزيّ» : والجبل منها في سمت الجنوب والشرق على فرسخين، وتربتها حمراء، وشرب أهلها من قناة تجري من العيون خارج المدينة ومن الآبار، وحاكمها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما سيأتي في المكاتبات إن شاء الله تعالى. (ومنها) شمشاط. قال في «اللباب» : بكسر الشين المعجمة وسكون الميم وفتح الشين الثانية ثم ألف فطاء مهملة- وهي بلدة من ديار مضر، وقيل من ديار بكر من بلاد الجزيرة من الإقليم الرابع. قال في «رسم المعمور» حيث الطول اثنتان وستون «1» درجة وأربعون دقيقة، والعرض ثمان «2» وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال في «اللباب» : وهي بلدة الثّغور الجزيرية بين آمد وبين خرت برت. وقال ابن حوقل: هي بنحر «3» الجزيرة، وبها حاكم يكاتب عن

الأبواب السلطانية بالديار المصرية. (ومنها) حيزان. قال في «اللباب» : بكسر الحاء المهملة وسكون المثناة من تحتها وفتح الزاي المعجمة وألف ونون- وهي مدينة من ديار بكر من الجزيرة من الإقليم الرابع. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أن طولها خمس وستون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال في «اللباب» : وهي كثيرة الأشجار خصوصا شجر البندق. قال: وهي بين جبال، ولها مياه سارحة، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. وذكر في «التثقيف» أنه كان اسمه في زمانه عز الدين، ثم استقر بعده ابنه أسد الدين. (ومنها) رأس عين. قال في «تقويم البلدان» : بفتح الراء المهملة ثم سين وعين مفتوحة مهملتان ومثناة تحت ونون في الآخر- وتسمّى عين وردة أيضا، وهي مدينة من ديار ربيعة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة في مستو من الأرض. قال ابن حوقل: يخرج منها فوق ثلاثمائة عين كلّها صافية، ويصير من هذه الأعين نهر الخابور، ووهم السمعانيّ فجعلها منبع دجلة. قال في «العزيزيّ» : وهي أوّل مدن ديار ربيعة من جهة ديار مضر، وذكر السمعانيّ أنها من ديار بكر، وأنكره ابن الأثير وقال: ليست من ديار بكر [بل هي] من الجزيرة. قال في «اللباب» : وهي على يومين من حرّان. النسبة إليها رسعنيّ، وإليها ينسب الرّسعنيّ «1» المفسّر. (ومنها) ميّا فارقين. قال في «اللباب» : بفتح الميم وتشديد المثناة من تحتها وسكون الألفين بينهما فاء مفتوحة وبعدهما راء مهملة ثم قاف وياء آخر الحروف ونون. وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «رسم المعمور» : حيث الطول خمس وستون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي قاعدة

ديار بكر. وقال ابن حوقل: هي بين الجزيرة وبين إرمينية: قال في «اللباب» : وعليها سور حجر دائر، وهي دون حماة في القدر، وهي في ذيل جبل، في شماليّها وهي في ذيله. قال في «اللباب» : والمياه والبساتين محدقة بها، ولها نهر صغير على شوط فرس منها، من عين تسمّى عين حنبوص بين الغرب والشمال، تتخرق دورها وتسقي بساتينها، وبينها وبين الموصل على حصن كيفا نحو ستة أيام وعلى ماردين نحو ثمانية أيام، والنسبة إليها فارقيّ. قال في «اللباب» «1» : أسقطوا بعضها لكثرة حروفها، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. (ومنها) قرقيسيا. قال في «تقويم البلدان» : المشهور بفتح القاف الأولى وكسر الثانية وبينهما راء مهملة ساكنة ثم ياء آخر الحروف ساكنة ثم سين مهملة ثم ياء ثانية وألف- وهي مدينة من ديار مضر من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أنها حيث الطول أربع وستون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة. قال في «اللباب» : وهي على الفرات والخابور، على القرب من الرّقّة. قال في «العزيزي» : وهي شرقيّ الفرات والخابور الخارج من رأس عين فيصب في الفرات على القرب منها. قال: وهي مدينة الزّبّاء صاحبة جذيمة الأبرش، يعني التي قتلته. قال في «اللباب» : وبها مات جرير بن عبد الله البجليّ الصحابيّ رضي الله عنه. قال: والنسبة إليها قرقيسيانيّ وقد تحذف النون وتجعل الياء عوضها. (ومنها) ماكسين. قال في «اللباب» : بفتح الميم وسكون الألف وكسر الكاف والسين المهملة وسكون المثناة من تحت ونون في الآخر- وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «اللباب» : وهي على الخابور. قال في «العزيزيّ» : وبينها وبين قرقيسيا سبعة فراسخ، وبينها وبين سنجار اثنان وعشرون فرسخا.

(ومنها) نصيبين. قال في «اللباب» : بفتح النون وكسر الصاد المهملة وسكون المثناة من تحتها ثم باء موحدة وياء ثانية ونون- وهي مدينة من ديار ربيعة من الجزيرة من الإقليم الرابع. قال ابن سعيد: وهي قاعدة ديار ربيعة. قال: وهي مخصوصة بالورد الأبيض لا يوجد فيها وردة حمراء، وفي شماليها جبل عظيم يقال إنه الجوديّ الذي استقرّت عليه سفينة نوح عليه السلام، ومنه ينزل نهرها حتّى يمرّ على سورها وعليه بساتينها، ونهرها يسمّى الهرماس، وبها عقارب قتّالة. (ومنها) جزيرة ابن عمر- وضبطها معروف- وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» : حيث الطول ست وستون درجة وعشر دقائق، والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي مدينة صغيرة على دجلة من غربيها ذات بساتين كثيرة. وقال في «المشترك» : هي في شماليّ الموصل ودجلة محيطة بها مثل الهلال، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. (ومنها) سنجار. قال في «اللباب» : بكسر السين المهملة وسكون النون وفتح الجيم وألف وراء مهملة- وهي مدينة من ديار ربيعة من الجزيرة، من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أنها حيث الطول ست وستون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي في جنوبيّ نصيبين- وهي من أحسن المدن وجبلها من أخصب الجبال. قال ابن حوقل: وهي في وسط برّيّة ديار ربيعة بالقرب من الجبل والجبل من عاليها، وليس بالجزيرة بلد فيه نخيل سواها. وهي في جهة الغرب عن الموصل على ثلاث مراحل عنها؛ وهي على قدر المعرّة من البلاد الشامية؛ ولها قلعة وبساتين كثيرة؛ وشربها من القنيّ؛ وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. (ومنها) تلّ أعفر- وضبط التل معروف، وأعفر بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وفتح الفاء وراء مهملة في الآخر- وهي من الجزيرة من الإقليم الرابع من

ومن عانة أم من مراشفك الخمر؟

الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ست وستون درجة، والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال في «المشترك» : وتلّ أعفر قلعة بين سنجار وبين الموصل. وذكر في «تقويم البلدان» عن بعض أهلها أنها غربيّ الموصل فيما بينها وبين سنجار، وربما تكون إلى سنجار أقرب. وذكر في «العزيزيّ» أن بينها وبين سنجار خمسة فراسخ، ولها أشجار كثيرة؛ وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. (ومنها) الحديثة. قال في «تقويم البلدان» : بفتح الحاء وكسر الدال المهملتين ثم مثناة من تحت وثاء مثلثة وهاء في الآخر وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول سبع وستون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة. قال في «المشترك» : وهي في وسط الفرات والماء محيط بها، وتعرف بحديثة النّورة. وهي غير حديثة الموصل: بليدة صغيرة، إلا أن لها ذكرا في القديم. قال في «المشترك» : وهي على فراسخ من الأنبار، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. (ومنها) عانة. قال في «اللباب» : بفتح العين المهملة وألف ونون وهاء في الآخر- وهي بلدة من بلاد الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ست وستون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض أربع وثلاثون درجة. وهي بلدة صغيرة على جزيرة في وسط الفرات. قال في «اللباب» : وهي تقارب الحديثة. وقال ابن حوقل: يطوف بها خليج من الفرات. قال ابن سعيد: وخمرها مذكور في الأشعار، واستشهد بقول بعض الشعراء: ومن عانة أم من مراشفك الخمر؟ وكثيرا ما تقرن في الذكر مع الحديثة لقربها فيقال عانة والحديثة، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.

(ومنها) آمد. قال في «اللباب» : بمدّ الألف وكسر الميم وفي آخرها دال مهملة. وهي مدينة من ديار بكر، من الجزيرة، من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول سبع وستون درجة وعشرون دقيقة، والعرض سبع وثلاثون درجة. قال في «تقويم البلدان» : وهي مدينة أزليّة على الدجلة. قال ابن حوقل: وعليها سور في غاية الحصانة. قال في «العزيزيّ» : وسورها من الحجارة السّود التي لا يعمل فيها الحديد، ولا تضرّ بها النار، وهو مشتمل عليها وعلى عيون ماء؛ ولها بساتين ومزارع كثيرة. قال ابن حوقل: وهي كثيرة الخصب. (ومنها) سعرت. قال في «تقويم البلدان» نقلا عن صالح: بكسر السين والعين وسكون الراء المهملات وفي آخرها مثناة من فوق، وقيل إسعرد بكسر الهمزة وسكون السين وكسر العين وسكون الراء المهملات ودال مهملة في الآخر- وهي مدينة من ديار ربيعة، من الجزيرة، من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» : وهي مبنية على جبل تحيط بها الوطاة، على القرب من شطّ دجلة من جهة الشّمال والشرق، وهي في المقدار أكبر من المعرّة، وبها الأشجار الكثيرة من التين والرّمان والكروم، جميع ذلك عذي لا يسقى، وشرب أهلها من بئار قريبة من وجه الأرض؛ وهي عن ميّافارقين على مسيرة يوم ونصف في جهة الجنوب، وعن آمد على مسيرة أربعة أيام في جهة الشّمال منها، وعن الموصل على خمسة أيام في جهة الشرق والشمال عنها. (ومنها) تكريت. قال في «اللباب» : بكسر «1» المثناة من فوق وسكون الكاف وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة من تحت في آخرها تاء مثناة من فوق- وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» : حيث الطول تسع وستون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمس وثلاثون درجة واثنتا عشرة دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي آخر مدن الجزيرة مما يلي العراق

على غربيّ دجلة في برّ الموصل. قال في «اللباب» : وسميت تكريت بتكريت بنت وائل أخت بكر بن وائل. أما قلعتها فبناها سابور بن أردشير بن بابك، وهي الآن خراب. قال ابن سعيد: وفي جنوبيها وشرقيها النهر الإسحاقيّ، حفره إسحاق بن إبراهيم صاحب شرطة المتوكل، وهو أوّل حدود سواد العراق، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. (ومنها) برقعيد- بفتح الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح القاف وكسر العين المهملة وسكون المثناة من تحتها ودال مهملة في الآخر. قال في «العزيزيّ» : وهي [مدينة] لها سور وأسواق كثيرة. (ومنها) العماديّة- بكسر العين المهملة وفتح الميم وبعدها ألف ثم دال مهملة مكسورة وياء مثناة تحت مشدّدة مفتوحة وهاء في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : وهي قلعة عامرة على ثلاث مراحل من الموصل في الشرق والشمال، وهي على جبل من الصخر، وتحتها مياه جارية وبساتين؛ وهي في جهة الشّمال عن إربل، بناها عماد الدين زنكي صاحب الموصل فنسبت إليه؛ وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بديار المصرية. (ومنها) قلعة كشاف. قال في «تقويم البلدان» : بضم الكاف وبالشين المعجمة ثم ألف وفاء في الآخر- وهي قلعة عامرة بين الزّاب والشّطّ، قريبة من مصبه في الشط [وهي في الشرق] والجنوب عن الموصل. قلت: وقد ذكرها في «تقويم البلدان» أوّلا في جملة بلاد الجزيرة ووصفها بهذا الوصف ولم يضبطها، ثم ذكرها في بلاد الجبل المعروفة بعراق العجم بهذا الوصف أيضا وضبطها على ما تقدّم، والظاهر أنها «1» من بلاد الجزيرة؛ وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.

(ومنها) قلعة فنك. قال في «تقويم البلدان» نقلا عن أبي المجد في «كتاب التمييز» «1» : بفتح الفاء والنون- وهي قلعة حصينة فويق جزيرة ابن عمر. (ومنها) الشّوش. قال في «المشترك» : بضم الشين المعجمة وسكون الواو ثم شين ثانية. قال: وهي قلعة مشهورة من أعمال الموصل في الجبال شرقيّ دجلة، وإليها ينسب حب الرّمان الشّوشيّ. (ومنها) عقر الحميدية. قال في «المشترك» : بفتح العين المهملة وسكون القاف ثم راء مهملة- وهي قلعة حصينة مشهورة، والحميديّة قبيلة من الأكراد بتلك البلاد. (ومنها) الهتّاخ. قال في «مزيل الارتياب» «2» : بفتح الهاء وتشديد التاء المثناة من فوقها وفتحها وبعد الألف خاء معجمة. قال في «تقويم البلدان» : وهي قلعة حصينة. (ومنها) حاني. قال في «اللباب» : على وزن داعي، يعني بفتح الحاء المهملة وبعدها ألف ثم نون مكسورة وياء مثناة تحت في الآخر. قال: هذا ما تعرف به الآن، ولكن السمعانيّ قد قال فيها حنا، بفتح الحاء المهملة والنون؛ وهي مدينة من ديار بكر من الجزيرة [من الإقليم الرابع] من الأقاليم السبعة، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية معدود في الأكراد. واعلم أن هذه الجزيرة مجاورة لمملكة الديار المصرية من حيث اتصالها بالبلاد الشامية من الجهة الشرقية، وقد تقدّم أن بعض بلادها داخلة في أعمال حلب من ممالك الديار المصرية كالرّها وقلعة جعبر وما والاهما، والمسافة ما بين

الإقليم الثاني العراق

حلب والرّها معلومة؛ ومن الرّها إلى حرّان يوم واحد؛ ومن حرّان إلى رأس عين ثلاثة أيام، ومن رأس عين إلى نصيبين ثلاث مراحل؛ ومن نصيبين إلى الموصل أربع مراحل. وقد تقدّم أن الموصل هي قاعدة الجزيرة في القديم، ومن الموصل إلى تكريت سبعة أيام، وقد تقدّم أن تكريت هي آخر مدن الجزيرة مما يلي العراق، ومن الموصل أيضا إلى آمد أربعة أيام؛ ومن آمد إلى شمشاط ثلاثة أيام. الإقليم الثاني العراق قال في «اللباب» : بكسر العين وفتح الراء المهملتين ثم ألف وقاف. قال الجوهريّ: وهو يذكّر ويؤنّث. قال أبو المجد إسماعيل الموصليّ في كتابه المسمّى «بالتمييز والفصل» «1» : وإنما سمي عراقا لأنه سفل عن نجد ودنا من البحر، أخذا من عراق القربة، وهو الخرز الذي في أسفلها؛ ويعرف بعراق العرب لأن العرب كانت تنزله لقربه من بلادهم. قال في «تقويم البلدان» : ويحيط به من جهة الغرب الجزيرة والبادية؛ ومن الجنوب البادية وبحر فارس وحدود خوزستان؛ ومن الشرق حدود بلاد الجبال إلى حلوان؛ ومن الشّمال من حلوان إلى الجزيرة من حيث وقع الابتداء. قال: والعراق على ضفّتي دجلة مثل ما بلاد مصر على ضفّتي النيل، ويجري دجلة من الشمال بميلة إلى الغرب، إلى الجنوب بميلة إلى الشرق، وامتداد العراق طولا وشمالا وجنوبا من الحديثة على دجلة إلى عبّادان على مصبّ دجلة في بحر فارس، وامتداده غربا وشرقا من القادسيّة إلى حلوان. فالحديثة في وسط الحدّ الشماليّ بميلة إلى الغرب، والقادسيّة في وسط الحدّ الغربيّ بميلة إلى الجنوب، وعبّادان في وسط الحدّ الجنوبيّ بميلة إلى الشرق، وحلوان في وسط الحدّ الشرقيّ بميلة إلى الشّمال، ووسط العراق الذي من القادسية إلى حلوان هو أعرض ما في

القاعدة الأولى بابل

العراق. وأمّا رأس العراق الذي عند عبّادان، فيدق عن ذلك. ثم قال: والذي يستدير على العراق- يعني والعراق على شماله- إذا ابتدأ من تكريت من بلاد الجزيرة المتقدّمة، يمر منها إلى حدود شهر زور؛ وهي بين الشرق والشمال عن العراق، ثم إلى السّيروان، وهي في الشرق، إلى حدود جبّا، وهي في الشرق والجنوب، ثم إلى البحر يعني بحر فارس، وهو في الجنوب عن العراق. وفي هذا الحدّ من تكريت إلى البحر تقويس، ثم من البحر إلى البصرة، وهي في الجنوب عن العراق، ثم من البصرة إلى البادية على سواد البصرة، ثم إلى بطائح البصرة، ثم إلى واسط، ثم إلى سواد الكوفة وبطائحها، ثم على ظهر الفرات إلى الأنبار، ثم من الأنبار إلى تكريت حيث وقع الابتداء. ثم للمدن «1» قواعد ومدن. القاعدة الأولى بابل بفتح الباء الموحدة ثم ألف وباء موحدة ثانية مكسورة ولام في الآخر- وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث. قال في «الأطوال» حيث الطول سبعون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي أقدم أبنية العراق، وإليها ينسب إقليم بابل لقدمها، وكانت ملوك الكنعانيّين وغيرهم يقيمون بها. قال في «تقويم البلدان» : وبها آثار أبنية أحسبها أن تكون في قديم الأيام مصرا عظيما؛ ويقال إنها من بناء الضحّاك: أحد ملوك الفرس الذي ملك الأقاليم السبعة. قال: وفيها ألقي إبراهيم الخليل عليه السلام في النار؛ وقد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز أن بها هاروت وماروت الملكين اللذين يعلمان الناس السّحر، ويقال إنهما بها في بئر وإن البئر ظاهرة بها إلى الآن. قال صاحب حماة: وهي اليوم مدينة خراب، وقد صار في موضعها قرية صغيرة.

القاعدة الثانية المدائن

القاعدة الثانية المدائن جمع مدينة وضبطها معروف. قال في «تقويم البلدان» : واسمها بالفارسية طيسفون- بفتح الطاء المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح السين المهملة وضم الفاء وبعدها واو ونون- ثم قال: وكل ذلك سماعا وقد تبدل الفاء باء. وهي واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول سبعون درجة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة وعشر دقائق. قال في «تقويم البلدان» : وهي على دجلة من شرقيها تحت بغداد على مرحلة منها. قال في «العزيزي» : والمدائن في جنوبيّ بغداد، وكان بالمدينة الكبرى منها إيوان كسرى في شرقي دجلة ارتفاعه ثمانون ذراعا. ونقل في «تقويم البلدان» عن بعض الثقات في سعته من ركنه إلى ركنه خمسة وتسعون ذراعا. وكانت هي قاعدة ملوك الفرس، فلما ولد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، انشق هذا الإيوان ثم خرب هو وسائر المدائن في الإسلام. القاعدة الثالثة بغداذ قال في «اللباب» : بفتح الباء الموحدة وسكون الغين المعجمة وفتح الدال المهملة وفي آخرها ذال معجمة. وموقعها في آخر الإقليم الثالث. قال في «القانون» : حيث الطول سبعون درجة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وسميت بغداذ بهذا الاسم لأن كسرى أهدي إليه خصي من المشرق فأقطعه بغداذ، وكان له صنم يعبده بالمشرق يقال له البغ فقال ذلك الخصي بغ داذ يعني أعطاني الصنم، وكان عبد الله بن المبارك يكره أن يقال لها بغداذ بالذال المعجمة في آخرها، فإن بغ شيطان وداذ عطية فمعناه عطية الشيطان وهو شرك. قال: وإنما يقال بغداد بالدالين المهملتين، وقد قال بعضهم: إن بغ بالفارسية البستان وداذ بإهمال الأولى وإعجام الثانية اسم

رجل ومعناه بستان داذ؛ ويقال فيها أيضا بغدان بإبدال الدال الأخيرة، نونا؛ ومغدان بإبدال الياء الأولى ميما. وكان المنصور يسميها مدينة السلام لأن دجلة كان يقال لها وادي السّلام. وبغداذ على جانبي دجلة من الشرق والغرب، والجانب الغربيّ منها يسمّى الكرخ، وبه كان سكنى أبي جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس، والجانب الشرقيّ منها بناه المهديّ بن المنصور المقدّم ذكره وسكنه بعسكره فسمي عسكر المهدي، ثم بنى فيه الرشيد بن المهدي قصرا سماه الرّصافة فأطلق على الجانب كله الرّصافة. ويسمّى جانب الطاق أيضا نسبة إلى رأس الطاق، وهو موضع السوق الأعظم منها. وبهذا الجانب محلّة تسمّى (الحريم) يعني حريم دار الخلافة. قال في «المشترك» : بفتح الحاء وكسر الراء المهملتين ثم مثناة من تحتها ساكنة وفي آخره ميم. قال: وهي قريب من ثلث الجانب الشرقيّ، وعليه سور ابتداؤه من دجلة وانتهاؤه إليها أيضا كهيئة الهلال أو كنصف دائرة؛ وله أبواب «1» أوّلها باب الغربة، وهو على دجلة، ثم يليه باب سوق التمر، وهو باب شاهق ولكنه أغلق في خلافة الناصر لدين الله، ثم استمرّ غلقه، ثم باب البدريّة، ثم باب النوبى. وفيه العتبة التي كانت تقبلها الملوك والرّسل، ثم باب العامّة، ويقال له أيضا باب عمّوريّة، ثم يمتد السور نحو ميل لا باب فيه إلا باب بستان تحت المنظرة التي تنحر تحتها الضحايا، ثم باب المراتب بينه وبين دجلة نحو رميتي سهم. وبهذا الحريم محالّ وأسواق ودور كثيرة للرعيّة وهو كأكبر مدينة تكون، قال: وبين دور الرعيّة التي داخل هذا السّور وبين دجلة سور آخر، وداخل السور الثاني دور الخلافة لا يدخلها شيء من دور العامّة. قال في «مسالك الأبصار» : وبين الجانبين جسران منصوبان على دجلة شرقا بغرب على سفن وزوارق أوقفت في الماء ومدّت بينها السلاسل الحديد المكعبة بالمكعبات الثقال، وفوقها الخشب الممدود، وعليها التراب يمرّ عليها أهل كل جانب إلى الآخر بالحمر والجمال

والحمول، وعلى ضفّتي دجلة قصور الخلافة والمدارس والأبنية العلية بالشبابيك والطاقات المطلة على دجلة وبناؤها بالآجرّ. ومن بيوتها ما هو مفروش بالآجرّ أيضا ملصق بالقير وهو الزّفت، ولهم الصنائع العجيبة في التزويق بالآجرّ وبها وجوه الخير من الجوامع والمساجد والمدارس والخوانق والرّبط والبيمارستانات والصدقات الجارية ووجوه المعونة وناهيك أنها كانت دار الخلافة ومقرّ ملوك الأرض. ومنها قلائد الأعناق، وترابها لمى القبل وإثمد الأحداق. قال في «مسالك الأبصار» : قال الحكيم نظام الدين بن الطياري «1» : وأوقافها جارية في مجاريها، لم تعترضها أيدي العدوان في دولة هولاكو ولا فيما بعدها، بل كل وقف مستمرّ بيد متوليه، ومن له الولاية عليه، وإنما نقصت الأوقاف من سوء ولاة أمورها لا من سواها. وبها البساتين المونقه، والحدائق المحدّقة، وبها ثمر النخل المفضلة على ما سواها من الرطب والثّمر وبها أنواع الرّياحين والخضراوات والغلال، وسعرها متوسط في الغالب لا يكاد يرخص. قال المقرّ الشهابيّ بن فضل الله: سألت الصدر مجد الدين بن الدوريّ عن السبب في قلة الغلال ببلاد العراق مع امتداد سوادها، فقال: قلة الزرع مع ما استهلكه القتل زمن هولاكو وحيزه «2» للعراق وما جاوره من البلاد. قلت: وبغداد وإن كانت أمّ الممالك ودار الخلافة، فقد أغفل ملوك التتر الالتفات إليها، وصرفوا عنايتهم إلى تبريز والسّلطانية وصيروهما قاعدتين لهذه المملكة على ما سيأتي ذكره في الكلام على إقليم أذربيجان فيما بعد إن شاء الله تعالى.

القاعدة الرابعة سر من رأى

القاعدة الرابعة سرّ من رأى من السرور والرؤية، ثم خففها الناس فقالوا سامرّا. قال في «اللباب» : بفتح السين المهملة وسكون الألف وفتح الميم وفي آخرها راء مهملة مشدّدة- وهي مدينة واقعة في الإقليم الرابع. قال في «القانون» حيث الطول ثمان وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض أربع وثلاثون درجة. قال في «العزيزي» : وهي على شاطىء الدجلة من الشرق. قال ابن سعيد: بناها المعتصم، وأضاف إليها الواثق المدينة الهارونيّة والمتوكل المدينة الجعفريّة فعظم قدرها، قال في «اللباب» : ثم خربت عن قريب من عمارتها. قال في «العزيزي» : ولم يبق فيها عامر سوى مقدار يسير كالقرية. وأما المدن التي بالعراق: (فمنها) هيت. قال في «المشترك» : بكسر الهاء وسكون المثناة تحت وتاء مثناة من فوق في الآخر- وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ثمان وستون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال في «العزيزي» : وهي من حدود العراق. قال ابن سعيد: وإليها ينتهي حدّ الجزيرة. قال في «تقويم البلدان» : وهي على شماليّ الفرات، ووهم في «العزيزي» فجعلها غربيّ الفرات. قال في «المشترك» : وهي من أعمال بغداذ. قال في «اللباب» : وهي فوق الأنبار، قال صاحب «التهذيب» : وسمّيت هيت لكونها في هوّة من الأرض. قال في «اللباب» : وبها قبر عبد الله بن المبارك رحمه الله؛ وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. (ومنها) حيرة. قال في «اللباب» : بكسر الحاء المهملة وسكون المثناة من تحت وراء مهملة وهاء في الآخر- وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث. قال في «القانون» حيث الطول ثمان وستون درجة وخمس وعشرون دقيقة، والعرض

اثنتان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. [والحيرة مدينة جاهلية كثيرة الأنهار، وهي عن الكوفة على نحو فرسخ. وقال في «العزيزيّ» : مدينة قديمة على ثلاثة أميال من الكوفة؛ وكانت منازل آل النّعمان بن المنذر، وبها تنصر المنذر بن امرىء القيس وبنى بها الكنائس العظيمة، والحيرة على موضع يقال له النّجف، زعم الأوائل أن بحر فارس كان يتصل به؛ وبينهما اليوم مسافة بعيدة. قال في «اللباب» : والحيرة مدينة قديمة عند الكوفة، وبها الخورنق. قال في «الترتيب» : إن تبّعا لما سار من اليمن إلى خراسان وانتهى إلى موضعها ليلا فتحير ونزل وأمر ببنائها فسميت الحيرة. (ومنها) الأنبار. قال في «المشترك» : بفتح الهمزة وسكون النون ثم باء موحدة مفتوحة وراء مهملة بعد الألف- وهي من آخر الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. طولها تسع وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ثمان وثلاثون درجة وخمس عشرة دقيقة. قال في «المشترك» : والأنبار عن بغداد «1» ] على عشر فراسخ منها. قال في «المشترك» : وهي من نواحي بغداذ على شاطىء الفرات. قال ابن حوقل: وهي أوّل بلاد العراق، وبها كان مقام السّفّاح أوّل خلفاء بني العباس حتّى مات، ويقال إن أوّل ما نقلت الكتابة العربية إلى مكة من الأنبار على ما تقدّم في المقالة الأولى في الكلام على الخط. (ومنها) الكوفة. قال في «اللباب» : بضم الكاف وسكون الواو ثم فاء وهاء- وهي مدينة إسلامية بنيت في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «رسم المعمور» حيث الطول ثمان وستون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، وهو على ذراع «2» من الفرات خارج منه جهة الجنوب والمغرب.

قال في «الترتيب» : وسميت كوفة لاستدارتها، أخذا من قول العرب رأيت كوفانا إذا رأوا رملة مستديرة، وقيل لاجتماع الناس، أخذا من قولهم تكوّف الرمل إذا ركب بعضه بعضا، وهي واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «رسم المعمور» حيث الطول ثمان وستون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، قال في «العزيزي» : وهي قدر نصف بغداذ وعلى القرب منها مشهد أمير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه حيث دفن يقصده الناس من أقطار الأرض. (ومنها) البصرة. قال في «اللباب» : بفتح الباء الموحدة وسكون الصاد وفتح الراء المهملتين- وهي مدينة إسلامية بنيت في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضا. واقعة في الإقليم الثالث. قال في «القانون» حيث الطول أربع وستون «1» درجة، والعرض إحدى وثلاثون درجة، وسميت بالبصرة أخذا من البصرة وهي الحجارة السود، وفي جنوبيها وغربيّها والبرّيّة، وليس في برّيتها ماء، يزرع على المطر. قال في «المشترك» : وبالبصرة محلّة يقال لها المربد- بكسر الميم وسكون الراء المهملة وفتح الباء الموحدة ثم دال مهملة- وهي محلة عظيمة من جهة البريّة كانت العرب تجتمع فيها من الأقطار ويتناشدون الأشعار ويبيعون ويشترون. (ومنها) واسط. قال السمعاني في «الأنساب» : بفتح الواو وسكون الألف وكسر السين المهملة وطاء في الآخر- وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول إحدى وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : سميت واسط لتوسطها بين مدن العراق إذ منها إلى البصرة خمسون فرسخا، ومنها إلى الكوفة خمسون فرسخا، ومنها إلى الأهواز خمسون فرسخا، ومنها إلى بغداذ خمسون فرسخا. وهي نصفان على جانبي دجلة بينهما

جسر من السّفن كما تقدّم في بغداذ. قال في «المشترك» : وهي من بناء الحجّاج اختطها بين الكوفة والبصرة في سنة أربع وسبعين من الهجرة وفرغ منها في سنة ست وسبعين. (ومنها) حلوان. قال في «المشترك» : بضم الحاء المهملة وسكون اللام. قال في «اللباب» ثم ألف وواو ونون- وهي مدينة من أوّل الإقليم الرابع. قال في «القانون» حيث الطول إحدى وسبعون درجة، والعرض أربع وثلاثون درجة. قال في «تقويم البلدان» : وهي آخر مدن العراق، ومنها يصعد إلى الجبال، وقيل هي من الجبال، وليس بالعراق مدينة بالقرب من الجبل غيرها. قال ابن حوقل: وبها شجر النخل والتين الموصوف، وأكثر ثمارها التين، والثلج يسقط على جبلها دائما، وهو منها على مرحلة، وبينها بين بغداذ خمس مراحل. (ومنها) الحلّة. قال في «المشترك» : بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام- وهي واقعة في الإقليم الثالث. قال في «تقويم البلدان» حيث الطول ثمان وستون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال ياقوت الحمويّ: وتعرف بحلّة بني مزيد وأوّل من اختط بها المنازل وعمرها سيف الدولة صدقة بن دبيس بن عليّ بن مزيد الأسديّ في سنة خمس وتسعين وأربعمائة، وكان موضعها قبل ذلك يسمّى بالجامعين. (ومنها) النّهروان. قال في «اللباب» : بفتح «1» النون وسكون الهاء وضم الراء المهملة وفتح الواو وبعد الألف نون. وهي مدينة في آخر الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة على ضفّتي نهر. قال في «الأطوال» حيث الطول سبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة. قال ابن حوقل: النّهروان اسم للمدينة والنهر الذي يشقها، وهي مدينة صغيرة على أربعة

فراسخ من بغداذ. قال في «اللباب» : ولها عدة [نواح] خرب أكثرها. وقال السمعاني في «الأنساب» : هي على أربعة فراسخ من دجلة، والنّهروان هذه هي التي انحاز إليها الخوارج عند فراقهم لعليّ بعد وقعة صفّين على ما تقدم ذكره في الكلام على النّحل والملل في المقالة الأولى. (ومنها) الأبلّة. قال في «تقويم البلدان» : بضم الهمزة والباء الموحدة وتشديد اللام وهاء في الآخر- وهي مدينة في فوّهتها نهر طوله أربعة فراسخ بينها وبين البصرة على جانبيه قصور وبساتين ومدن على خط واحد كأنها بستان واحد، وهو أحد متنزّهات الدنيا. (ومنها) القادسيّة- بفتح القاف ثم ألف ودال مهملة مكسورة وياء مثناة من تحت ثم هاء. وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث. قال في «الأطوال» حيث الطول ثمان وستون درجة وخمس وعشرون دقيقة، والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. وهي مدينة صغيرة ذات نخيل ومياه، وهي على حافة البادية وحافة سواد العراق. البادية من جهة الغرب والسواد من جهة الشرق. قال في «المشترك» : وبينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخا في طريق الحاج. قال في «تقويم البلدان» : وسميت القادسية لنزول أهل «1» قادس بها، وقادس قرية بمرو الرّوذ، وعليها كانت الوقعة المعروفة بوقعة القادسيّة. (ومنها) عبّادان- بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة ثم دال مهملة بين ألفين وفي آخرها نون- وهي بلدة من آخر العراق من الإقليم الثالث. قال في «الزيح» : حيث الطول خمس وسبعون درجة وخمس وخمسون دقيقة، والعرض إحدى وثلاثون درجة. قال ابن سعيد: وعبّادان على بحر فارس، وهو محيط بها لا يبقى منها في البر إلا القليل، وعندها مصبّ دجلة في جنوبيّ عبّادان وشرقيها، وهي عن البصرة على مرحلة ونصف، وفي جنوبيها وشرقيها علامات للمراكب

الإقليم الثالث خوزستان والأهواز

ببحر فارس لا تتجاوزها المراكب، وهي خشب منصوبة حيث يكون البحر عند الجزر في بعض البحر. قال في «العزيزي» : في طريق العراق من الغرب القادسية وهيت، ومن الشرق حلوان، ومن الشّمال سرّ من رأى، ومن الجنوب الأبلّة. الإقليم الثالث خوزستان والأهواز بضم الخاء وسكون الواو وضم «1» الزاي المعجمة وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة فوق وألف ثم نون. قال في «المشترك» : ويقال لها أيضا الخوز بضم الخاء المعجمة ثم واو وزاي معجمة. قال: وخوزستان إقليم واسع بين البصرة وفارس يشتمل على مدن كثيرة، قال في «تقويم البلدان» : والذي يحيط به من الغرب رستاق واسط ودور الراسبيّ، ومن جهة الجنوب من عبّادان على البحر إلى مهروبان، إلى الدّورق، إلى حدود فارس؛ ومن الجهة الشرقية التي إلى جهة الجنوب حدود فارس؛ ومن الجهة الشرقية التي إلى جهة الشّمال حدود أصفهان وبلاد الجبل، ومن جهة الشّمال حدود الصّيمر والكرجة، وجبال اللّور، وبلاد الجبل إلى أصفهان، قال: وخوزستان في مستو من الأرض ليس بها جبال، وهي كثيرة المياه الجارية، وتجتمع مياهه وتعرض وتتصل ببحر فارس عند حصن مهديّ. وقاعدتها على ما ذكره صاحب حماة في «تاريخه» (تستر) ، قال في «اللباب» : بضم المثناة من فوق وسكون السين المهملة وفتح التاء الثانية وفي آخرها راء مهملة، والعامة تسميها شستر بإبدال التاء الأولى شينا- وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث. قال في «القانون» حيث الطول خمس وسبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض إحدى وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة، وجعلها في «تقويم البلدان» من الأهواز، ولها نهر معروف بها، وبنى فيها سابور أحد

ملوك الفرس بناء عظيما حتّى ارتفع الماء إلى المدينة على مرتفع من الأرض، ويقال إنه ليس على وجه الأرض مدينة أقدم منها. قال في «اللباب» : وبها قبر البراء بن مالك الصحابيّ رضي الله عنه. وقد ذكر في «تقويم البلدان» : بخوزستان عدّة مدن: (منها) السّوس. قال في «المشترك» : بضم السين المهملة وسكون الواو ثم سين ثانية. قال أبو الرّيحان: وهي بالفارسية معجمة. وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث. قال في «الأطوال» حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة، قال في «المشترك» : وهي بلدة قديمة، قال: وبها قبر دانيال النبيّ عليه السلام. قال في «تقويم البلدان» : ولها بساتين وفيها ترنج كالأصابع. (ومنها) الطّيب. قال في «المشترك» : بكسر الطاء المهملة وسكون المثناة من تحتها وفي آخرها باء موحدة، وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال في «المشترك» : وهي بلدة بين واسط وبين الأهواز. ثم قال: وفيها عجائب ولم يذكر ما هي؛ وإلى الطّيب هذه ينسب الطّيبيّ «1» صاحب الحواشي على «كشّاف الزمخشريّ» «2» . (ومنها) جبّى. قال في «المشترك» : بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة وياء «3» آخر الحروف في الآخر- وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم العرفية. قال في «الأطوال» حيث الطول أربع وسبعون درجة وخمس وثلاثون

دقيقة، والعرض ثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي كثيرة النخل. قال: وإليها ينسب «1» أبو عليّ الجبّائي المعتزليّ. (ومنها) مهروبان. قال في «تقويم البلدان» : بفتح الميم وسكون الهاء وضم الراء المهملة وسكون الواو ثم باء موحدة وألف ونون. وعدّها ابن حوقل وابن سعيد من فارس؛ وهي مدينة من فارس صغيرة واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول ست وسبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ثلاثون درجة. وهي فرضة أرجان وما والاها. قال في «العزيزيّ» : وهي على البحر. (ومنها) أرجان. قال في «اللباب» : بفتح الألف وسكون الراء المهملة وفتح الجيم وفي آخرها نون بعد الألف. وقال ابن الجواليقيّ في المعرّب من العجمية للعربية: إنها بتشديد «2» الراء. وقال ابن حوقل: هي من آخر فارس من جهة خوزستان. وقال في «العزيزي» : هي أول مدن فارس- وهي مدينة كبيرة كثيرة الخير، وبها النخل والزيتون بكثرة، برّيّة بحرية، سهليّة جبليّة، على مرحلة من البحر. قال في «العزيزي» : وهي مدينة جليلة لها كورة وأعمال نفيسة؛ وإليها ينسب القاضي الأرّجانيّ الأديب الشاعر. وأما الأهواز. فقال في «اللباب» : هي بفتح الألف وسكون الهاء وفي آخرها زاي معجمة. وهي كورة من كور خوزستان المقدّم ذكرها كما ذكره في «تقويم البلدان» وإن كان قد ذكر في أول الكلام على إقليم فارس أن خوزستان هي الأهواز إلا أنها غلب ذكرها فصارت كالإقليم المنفرد بذاته. ولها عدّة مدن تعرف بها:

(منها) سوق الأهواز- وهي مدينتها، فقد قال في «المشترك» : وسوق الأهواز هي مدينة الأهواز، وذكر مثله في «العزيزيّ» . قال في «المشترك» : وقد خرب أكثرها. قال في «العزيزيّ» : ومنها إلى أصفهان ثمانون فرسخا. (ومنها) قرقوب. قال في «اللباب» : بضم القافين وبينهما راء مهملة ثم واو وفي الآخر باء- وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث، قال في «القانون» حيث الطول أربع وسبعون درجة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة. وهي مدينة مشهورة. قال في «اللباب» قريبة من الطّيب قال في «العزيزي» وبينهما سبعة فراسخ ومنها إلى مدينة السّوس عشرة فراسخ. (ومنها) جندي سابور. قال في «اللباب» : بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة بعدها مثناة من تحتها وفتح السين المهملة وألف وباء موحدة وواو وراء مهملة. وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول أربع وسبعون درجة وخمس دقائق، والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي مدينة خصبة كثيرة الخير. قال ابن حوقل: وبها نخيل وزروع كثيرة ومياه. قال في «العزيزيّ» : منها إلى تستر ثمانية فراسخ، ومنها إلى السّوس ستة فراسخ. (ومنها) عسكر مكرم. قال في «اللباب» : بفتح العين وسكون السين المهملتين وفتح الكاف وفي آخرها راء مهملة. قال في «تقويم البلدان» عن الثقات أن مكرم بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء المهملة ثم ميم- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول ست وسبعون درجة وثمان دقائق، والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة. قال في «العزيزيّ» : وهي مدينة محدثة، وكانت قرية ينزلها مكرم بن الفزر «1» أحد بني جعونة بعسكر كان قد أنفذه به الحجاج لمحاربة خرداذ «2» بن

بارس، فأقام بها مدّة وابتنى بها البنايات فسميت عسكر مكرم. قال: وليس بالأهواز مدينة محدثة سواها، وبها عقارب صغار مشهورة بالقتل. (ومنها) رامهرمز. قال في «اللباب» : بفتح الراء المهملة والميم وضم الهاء وسكون الراء المهملة وضم الميم الثانية وفي آخرها زاي معجمة- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ست وسبعون درجة والعرض ثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال في «اللباب» : وهي كورة من كور الأهواز. قال ويقال إن سلمان الفارسيّ رضي الله عنه منها. قال المهلّبيّ «1» : وبينها وبين سوق الأهواز تسعة عشر فرسخا. (ومنها) الدّورق. قال في «المشترك» : بفتح الدال المهملة وسكون الواو وفتح الراء المهملة وفي آخرها قاف- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول خمس وسبعون درجة وخمس وخمسون دقيقة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال ابن حوقل» : وهي مدينة كبيرة. قال في «العزيزيّ» : ومنها إلى أرّجان ثمانية عشر فرسخا. (ومنها) حصن مهديّ. وضبطه معروف، وموقعه في الإقليم الثالث. قال في «الأطوال» حيث الطول أربع وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض ثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. وهو حصن تجتمع فيه مياه خوزستان ثم تصير نهرا وتصب في بحر فارس، وبينه وبين البصرة خمسة عشر فرسخا. (ومنها) جرخان. قال في «اللباب» : بضم الجيم وسكون الراء المهملة وخاء معجمة ثم ألف ونون. قال: وهي بلدة بقرب السّوس.

الإقليم الرابع فارس

(ومنها) جبال اللّور. قال في «اللباب» : بضم اللام وسكون الواو وفي آخرها راء مهملة. قال: وبها جبال يقال لها لورستان من بلاد خوزستان. وقال ابن حوقل: غالب بلاد اللّور جبال وكانت قديما من خوزستان. قال في «تقويم البلدان» : وهي بلاد خصبة والغالب عليها الجبال، وهي متصلة بخوزستان ولكن أفردت عنها. قال في «الأطوال» : وهي بين تستر وأصبهان، وامتدادها طولا نحو ستة أيام، وفيها خلق عظيم من الأكراد. قال: وهي حيث الطول أربع وسبعون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة. قال في «مسالك الأبصار» : وهم طائفة كثيرة العدد ومنهم فرق مفرّقة في البلاد؛ وفيهم ملك وإمارة، ولهم خفّة في الحركات يقف الرجل منهم إلى جانب البناء المرتفع ويلصق بطنه باحدى زواياه القائمة ثم يصعد فيه إلى أن يرتقي صهوته العليا. ومما يحكى أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب حضره رجل منهم وصعد في جدار كذلك، فأنعم عليه الإنعام الجزيل وأمره أن يحضر كل من قدر عليه من أصحابه فأحضر منهم جماعة، وهو يحسن إليهم إلى أن لم يبق منهم أحد فقتلهم عن آخرهم خشية مما لهم من قوة التسوّر؛ ومن هؤلاء طوائف بمصر والشأم يعرفون بالنّورة، يجالس أحدهم الرجل فيسرق ماله وهو لا يدري، ويمشون على الحبال المرتفعة ولنسائهم في ركوب الخيل الفروسية العظيمة. الإقليم الرابع فارس بفاء مفتوحة بعدها ألف ثم راء مهملة مكسورة وسين مهملة في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : ويحيط ببلاد فارس من جهة الغرب حدود خوزستان، وتمام الحدّ الغربي إلى جهة الشّمال حدود أصفهان والجبال؛ ويحيط بها من جهة الجنوب بحر فارس، ومن جهة الشرق حدود كرمان، ومن جهة الشّمال المفازة التي بين فارس وخراسان، وتمام الحدّ الشّماليّ حدود أصفهان وبلاد الجبال؛ قال في «العزيزيّ» : وعلى نهاية فارس الشرقية ناحية يزد، وعلى نهايتها من الجنوب

سيراف والبحر؛ وحدّها من الشمال الرّي. قال ابن حوقل: وقاعدتها فيما ذكره صاحب حماة في تاريخه: (شيراز) . قال في «اللباب» : بكسر الشين المعجمة وسكون المثناة من تحت وفتح الراء المهملة وفي آخرها زاي معجمة بعد الألف- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ثمان وسبعون درجة، والعرض ثمان وعشرون درجة وست وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة إسلامية محدثة، بناها محمد بن القاسم بن أبي «1» عقيل الثّقفي، وهو ابن عم الحجاج بن يوسف. قال: وسميت بشيراز تشبيها بجوف الأسد لأن عامّة الميرة بتلك النواحي تحمل إلى شيراز ولا يحمل منها شيء إلى غيرها. قال المهلّبي: وهي مدينة واسعة سرية «2» كثيرة المياه؛ وشربهم من عيون تتخرّق البلد وتجري في دورهم، وليس تكاد تخلو دار بها من بستان حسن ومياه تجري، وأسواقها عامرة جليلة؛ وإليها ينسب الشيخ أبو إسحاق الشيرازيّ صاحب «التنبيه» «3» رحمه الله؛ وبها قبر سيبويه النحويّ، وبينها وبين أصبهان اثنان وسبعون فرسخا، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. (ومنها) جور. قال في «اللباب» : بضم الجيم ثم واو وراء مهملة- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد حيث الطول ثمان وسبعون درجة، والعرض إحدى وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» وهي من قواعد فارس. قال ابن حوقل: وعليها سور من طين وخندق؛ ولها أربعة أبواب وفيها المياه جارية- وهي مدينة نزهة كثيرة البساتين جدّا ويرتفع منها ماء ورد يعمّ البلاد، وهي في ذلك كدمشق. قال «العزيزيّ» : ومنها إلى شيراز أربعة وعشرون فرسخا، وقال في موضع آخر عشرون فرسخا. (ومنها) كازرون. قال في «اللباب» : بفتح الكاف وسكون الألف وفتح

الزاي المعجمة وضم الراء المهملة وواو ساكنة وفي آخرها نون- وهي مدينة من كورة سابور واقعة في الإقليم الثالث. قال في «القانون» حيث الطول سبع وسبعون درجة، والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي أعظم مدينة في كورة سابور. وقال المهلّبيّ: هي مدينة لطيفة صالحة العمارة. قال ابن حوقل: وهي صحيحة التّربة والهواء وماؤها من الآبار. قال في «اللباب» : وخرج منها جماعة من العلماء. (ومنها) فيروز اباذ. قال في «المشترك» : بفتح الفاء وكسرها وسكون المثناة من تحت وضم الراء المهملة ثم واو ساكنة وزاي معجمة ثم ألف وباء موحدة وألف ثانية وذال «1» - وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول سبع وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثمان وعشرون درجة وعشر دقائق. قال في «المشترك» : وكانت تسمّى في القديم جور ثم غيّر اسمها، وهي بلدة مشهورة على القرب من شيراز، وهي أصل بلد الشيخ أبي إسحاق الشيرازيّ المقدّم ذكره في شيراز. (ومنها) سيراف. قال في «اللباب» : بكسر السين المهملة وسكون المثناة من تحت وفتح الراء المهملة وفاء في الآخر- وهي بلدة على البحر واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ثمان وسبعون درجة، والعرض ست وعشرون درجة. قال في «تقويم البلدان» : وهي أعظم فرضة لفارس، وليس لها زرع ولا ضرع بل هي مدينة حطّ وإقلاع للمراكب؛ وهي مدينة آهلة، ولهم عناية بالبنيان حتّى إن الرجل من التجار ينفق في عمارة داره ثلاثين ألف دينار؛ وليس حولها بساتين ولا أشجار؛ وبناؤهم بالساج «2» والخشب، يحمل إليهم من بلاد الزّنج؛ وهي شديدة الحرّ. (ومنها) البيضاء- بفتح الموحدة وسكون الياء المثناة من تحت وفتح

الضاد المعجمة وألف في الآخر. وهي مدينة من عمل إصطخر واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» : حيث الطول ثمان وسبعون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ثلاثون درجة. قال ابن حوقل: وهي من أكبر مدن كورة إصطخر. قال: وسميت البيضاء لأن لها قلعة بيضاء ترى من بعد، واسمها بالفارسية نشانك، ويقال إن الحسين الحلّاج «1» منها، وإليها ينسب القاضي ناصر الدين البيضاويّ «2» صاحب «المنهاج» في أصول الفقه، و «الطوالع» في علم الكلام وغير ذلك. قال المهلبيّ: وبينها وبين شيراز ثمانية فراسخ. (ومنها) إصطخر. قال في «اللباب» : بكسر الألف وسكون الصاد وفتح الطاء المهملتين وفي آخرها راء مهملة قبلها خاء معجمة- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد حيث الطول تسع وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثلاثون درجة واثنتان وثلاثون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي من أقدم مدن فارس، وبها كان سرير الملك في القديم؛ وبها آثار عظيمة من الأبنية حتّى يقال إنها من عمل الجنّ كما يقال عن تدمر وبعلبكّ من بلاد الشام. قال في «العزيزيّ» : وبينها وبين شيراز اثنا عشر فرسخا. قال [وينسب إليها] «3» أبو سعيد الإصطخريّ «4» أحد أصحابنا الشافعية. (ومنها) بسا. قال في «اللباب» : بفتح الباء الموحدة والسين المهملة ثم ألف- وهي مدينة من كورة دارا بجرد واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ثمان وسبعون درجة وخمس وخمسون دقيقة، والعرض تسع وعشرون درجة. قال ابن حوقل: وهي تقارب شيراز في الكبر وأكثر خشب أبنيتها السّرو، ويجتمع فيها الثّلج (؟) والرّطب والجوز والأترجّ، وإليها ينسب البساسيريّ الذي خطب لخلفاء مصر في بغداد.

الإقليم الخامس كرمان

(ومنها) يزد. قال السمعانيّ في «الأنساب» : بفتح المثناة التحتية وسكون الزاي المعجمة وفي آخرها دال مهملة- وهي مدينة من كورة إصطخر. قال في «الأطول» حيث الطول ثمان وسبعون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة. خرج منها جماعة من العلماء وإليها ينسب القماش اليزديّ. (ومنها) : (دارا بجرد) «1» . قال في «اللباب» : بفتح الدال المهملة وسكون الألفين بينهما راء ثم باء موحدة وجيم مكسورة وراء مهملة ساكنة وفي آخرها دال مهملة- وهي مدينة من فارس واقعة في الإقليم الثالث. قال في «القانون» حيث الطول ثمان وسبعون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة. قال ابن حوقل: ومعنى دارا بجرد عمل دارا، وهي مدينة لها سور وخندق تتولد المياه فيه، وفيه حشيش يلتف على السابح فيه حتّى لا يكاد يسلم من الغرق، وفي وسط المدينة جبل كالقبّة ليس له اتصال بشيء من الجبال، وبنواحيها جبال من الملح الأبيض والأسود والأصفر والأحمر والأخضر، ينحت منه ويحمل منها إلى البلاد. قال في «المشترك» : وعملها من أجلّ كور فارس. قال في «العزيزيّ» : وبأعمالها معدن موميا ومعدن زئبق. الإقليم الخامس كرمان كما قاله في «مسالك الأبصار» . قال في «المشترك» : بفتح الكاف، ومنهم من يكسرها. قال: وهو صقع كبير بين فارس وسجستان ومكران من بلاد الهند. ويحيط به من جهة الغرب حدود فارس؛ ومن جهة الجنوب بحر فارس؛ ومن جهة الشرق أرض مكران من وراء البلوص إلى البحر؛ ومن الشمال المفازة التي هي فيما بين فارس وكرمان وبين خراسان. قال في «تقويم البلدان» : وأرض كرمان داخلة في البحر، وللبحر ساعدان قد اعتنقا أرض كرمان، فالبحر على

ساحل كرمان قطعة قوس من دائرة. وقاعدتها فيما ذكره المؤيد صاحب حماة في «تاريخه» السّيرجان. قال في «اللباب» : بكسر السين المهملة وسكون المثناة من تحتها والراء المهملة وفتح الجيم وبعد الألف نون- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «رسم المعمور» حيث الطول ثلاث وثمانون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة. قال ابن حوقل: وهي أكبر مدينة بكرمان، وأبنيتها أقباء لقلة الخشب بها وداخلها قنيّ الماء. قال في «اللباب» : وهي مما يلي فارس. وتشتمل كرمان على عدّة مدن: (منها) جيرفت. قال في «اللباب» : بكسر الجيم وسكون المثناة تحت وضم «1» الراء المهملة وسكون الفاء وفي آخرها تاء مثناة من فوق- وموقعها في الإقليم الثالث. قال في «الأطوال» : حيث الطول ثلاث وثمانون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة. قال ابن حوقل: وهي مدينة مجمع للتجار الواصلين من خراسان وسجستان، وهي حصينة للغاية. قال المهلبيّ: وهي من أعظم المدن بكرمان كثيرة النخل والأترجّ وبينها وبين السّيرجان مرحلتان. (ومنها) زرند. قال في «المشترك» : بفتح الزاي المعجمة والراء المهملة وسكون النون وفي آخرها دال مهملة- وموقعها في الإقليم الثالث. قال في «القانون» حيث الطول ثلاث وثمانون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة. قال في «المشترك» : وهي مدينة مشهورة. قال «المهلّبيّ» : وبينها وبين مدينة السيرجان تسعة وعشرون فرسخا. (ومنها) بمّ. قال في «اللباب» : بفتح الباء الموحدة وتشديد الميم- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «العزيزيّ» : وهي من

الإقليم السادس سجستان والرخج

كبار مدن كرمان، وهي مصر من الأمصار. قال ابن حوقل: وهي أكبر من جيرفت «1» ، وبها ثلاثة جوامع. (ومنها) هرمز. قال في «المشترك» : بضم الهاء وسكون الراء المهملة وضم الميم وفي آخرها زاي معجمة- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول خمس وثمانون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي فرضة كرمان. قال في «المشترك» : تدخل إليها المراكب من بحر الهند في خليج. قال صاحب حماة: وهي مدينة كثيرة النخل شديدة الحر. ثم قال: أخبرني من رآها في زماننا يعني في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون أن هرمز العتيقة خربت من غارات التّتر وأن أهلها انتقلوا عنها إلى جزيرة في البحر تسمّى زرون- بفتح الزاي المعجمة وضم الراء المهملة ثم واو وفي الآخر نون- وهي جزيرة قريبة من البر غربيّ هرمز العتيقة، ولم يبق بهرمز العتيقة إلا قليل من أطراف الناس؛ ومنها إلى أول حدود فارس نحو سبع مراحل. قلت: وفي سنة ثلاث عشرة وثمانمائة كتب إلى صاحبها عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية في الدولة الناصرية أبي السعادات فرج بن السلطان الشهيد الظاهر برقوق، وسيأتي الكلام على صورة المكاتبة إليه في المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى. الإقليم السادس سجستان والرّخّج أما سجستان فقال في «المشترك» : بكسر السين المهملة وكسر الجيم وسكون السين الثانية ثم مثناة من فوقها وألف ونون. قال: وسجستان إقليم عظيم بين خراسان وبين مكران والسند وبين كرمان. قال ابن حوقل: ويحيط بسجستان

من جهة الغرب خراسان، ومن جهة الجنوب المفازة التي بين سجستان وفارس وكرمان، ومن جهة الشرق مفازة بين سجستان وبين مكران، وهي المفازة الواصلة بين مكران والهند «1» ، وتمام الحدّ الشرقيّ في شيء من عمل الملتان من الهند، ومن جهة الشّمال أرض الهند، وفيما يلي خراسان والغور والهند تقويس. وقال في «العزيزيّ» : سجستان شرقيّ كرمان إلى الشمال. قال ابن حوقل: وأراضي سجستان بها الرمال والنخيل، وهي أرض سهلة لا يرى فيها جبل، وتشتدّ بها الريح وتدوم، وبها أرحية تطحن بالريح، والرياح تنقل رمالهم من مكان إلى مكان، وإذا أرادوا نقل الرمل عن مكان، عملوا هناك حائطا من خشب أو غيره وجعلوا في أسفله طوقا وأبوابا فتدخل فيها الريح من تلك الأبواب وتطيّر الرمل وترميه بعيدا؛ وسجستان خصبة كثيرة الطعام والتمر والأعناب وأهلها ظاهر واليسار. وقال في «اللباب» : والنسبة إلى سجستان سجزيّ بكسر السين المهملة وسكون الجيم ثم زاي معجمة على غير قياس. قال: وينسب إليها سجستانيّ أيضا يعني على الأصل. وقاعدتها (زرنج) . قال في «اللباب» : بفتح الزاي المعجمة والراء المهملة وسكون النون وجيم في الآخر- وهي مدينة كبيرة واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول سبع وثمانون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وقد يطلق على زرنج نفسها سجستان. قال في «المشترك» : بل أنسي اسم زرنج وأطلق اسم الإقليم وهو سجستان على المدينة. وجعل في «اللباب» زرنج ناحية بسجستان. قال ابن حوقل: ولها سور وخندق ينبع فيه الماء، وأبنيتها عقود لأن الخشب فيها يسوّس ولا يثبت. وفيها مياه تجري في البيوت والأزقّة وأرضها سبخة. قال في «اللباب» : وخرج منها جماعة من العلماء منهم محمد بن كرّام

الزّرنجيّ «1» صاحب المذهب المشهور. ولها مدن: (منها) حصن الطاق- وضبطه معروف. قال ابن سعيد: وهو حصن واقع في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول ثمان وثمانون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض أربع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة، على جبل عند التواء النهر في غاية المنعة لا يرام بحصار. قال وبه يعتصم ملوك هذه البلاد ويجعلون فيه خزائنهم. أما الطاق المضاف إليها فمدينة صغيرة لها رستاق، وبها أعناب كثيرة يتسع بها أهل سجستان. (ومنها) سروان. قال في «تقويم البلدان» : قال بعض الثّقات- بفتح السين وسكون الراء المهملتين وفتح الواو ثم ألف ونون- وهي مدينة من آخر الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول تسعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثمان وعشرون درجة وخمس وعشرون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة صغيرة بها فواكه كثيرة ونخيل وأعناب. (ومنها) بست. قال في «اللباب» : بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وفي آخرها تاء مثناة من فوقها- وهي مدينة على شط نهر الهندمند. قال في «القانون» حيث الطول إحدى وتسعون درجة وثمان وثلاثون دقيقة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة كبيرة خصبة كثيرة النخل والأعناب. وقال في «اللباب» : هي مدينة حسنة كثيرة المياه والخضرة. وقال في «العزيزيّ» : مدينة جليلة بها عدّة منابر ورباطات كثيرة عظيمة. وذكر في «اللباب» : أنها من بلاد كابل بين هراة وغزنة. قال ابن حوقل: وبينها وبين غزنة نحو أربع عشرة مرحلة.

الجانب الثاني من مملكة إيران الشمالي

وأما (الرّخّج) فقال في «اللباب» : بضم الراء المهملة وفتح الخاء المعجمة المشدّدة وفي آخرها جيم. قال ابن حوقل: وهو إقليم عظيم متصل بسجستان فيه عدّة مدن وهي على غاية الخصب والسّعة. قال: ومن مدنها بنجوان (؟) ولم يزد على ذلك. الجانب الثاني من مملكة إيران الشّماليّ ويشتمل على عدّة أقاليم من الأقاليم العرفية. الإقليم الأوّل إرمينية قال ياقوت «1» : بكسر الهمزة وسكون الراء المهملة وكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وكسر النون ثم ياء ثانية مخففة وقد تشدّد- وضبطها في «اللباب» : بفتح الهمزة. قال في «تقويم البلدان» : وقد جمع أرباب المسالك والممالك إرمينية وأرّان وأذربيجان لعسر إفراد إحداها عن الأخرى. قال: ويحيط بها على سبيل الإجمال من الغرب حدود بلاد الروم وشيء من حدود الجزيرة؛ ومن جهة الجنوب بعض حدود الجزيرة وحدود العراق؛ ومن جهة الشرق بلاد الجيل «2» والدّيلم، إلى بحر الخزر؛ ومن جهة الشمال بلاد القيتق؛ ثم أفرد أذربيجان بحدود تخصها فقال: يحدّها من جهة الشرق بلاد الجيل وتمام الحدّ الشرقيّ بلاد الدّيلم؛ ويحدّها من جهة الجنوب العراق عند ظهر حلوان وشيء من حدود الجزيرة. وذكر في «مسالك الأبصار» نحوه إلا أنه ذكر أن حدّها الغربيّ إلى بلاد الأرمن. قال ابن حوقل: والغالب على إرمينية الجبال. وقاعدتها (الدّبيل) فيما ذكره ابن حوقل والمهلّبي. قال في «المشترك» :

وهي بفتح الدال المهملة وكسر الباء الموحدة ثم مثناة من تحتها ساكنة وفي آخرها لام- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول اثنتان وسبعون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ثمان وثلاثون درجة. قال ابن حوقل: وهي مدينة كبيرة والنصارى فيها كثيرة، وبها جامع للمسلمين إلى جانب كنيسة النصارى. قال في «العزيزيّ» : وهي من أجلّ البلاد وأنفسها وهي مستقرّ سلطانها وبها عدّة مدن: (منها) أرزنجان. قال في «تقويم البلدان» : بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح الزاي المعجمة وسكون النون وفتح الجيم ثم ألف ونون، ويقال بالكاف أيضا عوضا من الجيم- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ثلاث وستون درجة، والعرض تسع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي بين سيواس وبين أرزن الروم؛ وبينها وبين كل واحدة منهما أربعون فرسخا، وما بينها وبين أرزن كلّه مروج ومرعى، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. (ومنها) أرزن. قال في «المشترك» : بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح الزاي المعجمة ثم نون في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : وهي من أطراف إرمينية- وموقعها في الإقليم الخامس «1» من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول خمس وستون «2» درجة، والعرض ثمان «3» وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي غير أرزن الروم، وهي عن خلاط على ثلاثة أيام. قال: ووهم في «اللباب» فجعلها من ديار بكر من الجزيرة، والصحيح ما تقدّم. وصاحبها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الثانية فيما بعد

إن شاء الله تعالى. (ومنها) بدليس. قال في «تقويم البلدان» : بكسر الباء الموحدة ثم دال مهملة ساكنة ولام وياء مثناة من تحت ساكنة وسين مهملة. قال: وعن بعضهم أنها بفتح «1» الباء الموحدة- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول خمس وستون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وعن بعض أهل تلك البلاد أنها بين ميّافارقين وبين خلاط. قال: وهي مدينة مسوّرة، وقد خرب نصف سورها؛ والمياه تخترق المدينة من عيون في ظاهرها؛ ولها بساتين في واد وهي بين جبال تحفّ بها. قال وهي دون حماة في القدر. وقال ابن حوقل: بلد صغير عامر خصب كثير الخير؛ وهي شديدة البرد كثيرة الثّلوج، وصاحبها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى. (ومنها) أخلاط. قال في «تقويم البلدان» : بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام ثم ألف وطاء مهملة، ويقال فيها خلاط بفتح «2» الخاء من غير همز- وموقعها في الإقليم الخامس. قال في «الأطوال» حيث الطول خمس وستون درجة وخمسون دقيقة، والعرض تسع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» عن بعض أهلها إنها في مستو من الأرض، ولها بساتين كثيرة، وبها عدّة أنهار على شبه أنهار دمشق، وليس يدخل المدينة منها إلا الشيء اليسير، ولها سور خراب، وهي قدر دمشق، والجبال عنها على أكثر من مسيرة يوم، وبردها شديد. قال ابن سعيد: وهي أجل مدينة بإرمينية، وذكرها جليل الشهرة. وقال ابن حوقل: وهي بلدة صغيرة عامرة كثيرة الخير. قال في «العزيزيّ» : وبينها وبين بدليس سبعة فراسخ.

الإقليم الثاني أذربيجان

(ومنها) خرت برت «1» - بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء وتاء مثناة فوق ثم باء موحدة مكسورة بعدها راء مهملة ساكنة وتاء مثناة فوق في الآخر، وتعرف بحصن زياد. قال في «تقويم البلدان» : وهي بلدة بإرمينية على القرب من خلاط. وحاكمها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. الإقليم الثاني أذربيجان قال ابن الجواليقيّ في «المعرّب من العجمة إلى العربية» بقصر الألف وإسكان الذال المعجمة. قال ابن حوقل: الغالب عليها الجبال أيضا. قال في «مسالك الأبصار» : وهي أجلّ الأقاليم الثلاثة، وهي كانت قرار ملوك بني جنكز خان. وبها ثلاث قواعد. القاعدة الأولى أردبيل قال في «اللباب» : بفتح الهمزة وسكون الراء وضم «2» الدال المهملتين وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة من تحت ولام في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وخمسون دقيقة، والعرض ثمان وثلاثون درجة. قال في «اللباب» : لعله بناها أردبيل بن أردميني «3» بن لمطي «4» بن يونان فنسبت إليه. قال في «العزيزيّ» : وهي في الجهة الشمالية من أذربيجان. قال: وهي مدينة كثيرة الخصب، وعلى فرسخين منها جبل عظيم الارتفاع لا يفارقه الثلج. قال المهلّبيّ:

القاعدة الثانية تبريز

وأهلها غليظو الطبع شرسو الأخلاق. قال: وبينها وبين تبريز خمسة وعشرون فرسخا. قال في «مسالك الأبصار» : وأعمالها تكون ثلاثين فرسخا. قال. وبها كانت دار الإمارة في صدر الإسلام. القاعدة الثانية تبريز قال في «اللباب» : بكسر المثناة من فوق وسكون الباء الموحدة وكسر الراء المهملة ثم مثناة من تحت وفي آخرها زاي معجمة. والجاري على ألسنة العامّة توريز بالواو بدل الموحدة- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول ثلاث وسبعون درجة، والعرض تسع وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي قاعدة أذربيجان في عصرنا. قال في «اللباب» : وهي أشهر بلدة بأذربيجان؛ وبها كان كرسي بيت هولاكو من التتر، ثم انتقل بعد ذلك إلى السّلطانية الآتي ذكرها. ومبانيها بالقاشانيّ والجصّ والكلس، وبها مدارس حسنة ولها غوطة رائقة. قال في «مسالك الأبصار» : وهي مدينة أعرقت في السعادة أنسابها، وثبتت في النّعمة قواعدها. قال: وهي مدينة غير كبيرة المقدار، والماء منساق إليها؛ وبها أنواع الفواكه لكن ليست بغاية الكثرة، وأهلها من أكبر الناس حشمة، وأكثرهم تظاهرا بنعمة؛ ولهم الأموال المديدة، والنعم الوافرة، والنفوس الأبيّة؛ ولهم التجمل في زيّهم: من المأكول والمشروب، والملبوس والمركوب؛ وما منهم إلا من يأنف أن يذكر الدرهم في معاملته، بل لا معاملة بينهم إلا بالدينار. وسيأتي ذكر مقدار دينارهم في الكلام على معاملة هذه المملكة فيما بعد إن شاء الله تعالى- وهي اليوم أمّ إيران جميعا لتوجّه المقاصد من كل جهة إليها، وبها محطّ رحال التّجّار والسّفّار؛ وبها دور أكثر الأمراء الكبراء المصاحبين لسلطانها لقربها من أرّجان محلّ مشتاهم. قال: ويشتدّ البرد بتوريز كثيرا، وتتوالى الثلوج بها حتّى إن

القاعدة الثالثة السلطانية

سروات أهلها يجدّون في آدرهم، ليس فيها فرجة ولا يدخلها ضوء إلا ما يرونه من طاقات حيطانها من وراء الزجاج المركب عليها. القاعدة الثالثة السّلطانيّة نسبة إلى السلطان، واسمها قنغرلان. قال في «تقويم البلدان» : بضم القاف وسكون النون وضم الغين المعجمة وسكون الراء المهملة ولام ألف ونون- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أنها حيث الطول ست وسبعون درجة، والعرض تسع وثلاثون درجة. قال: وهي عن توريز في سمت المشرق بميلة يسيرة إلى الجنوب على مسيرة ثمانية أيام منها- وهي مدينة محدثة، بناها خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو، على القرب من جبال كيلان، على مسيرة يوم منها، وجعلها كرسيّ مملكته، وهي في مستو من الأرض، ومياهها قنيّ، قليلة البساتين والفواكه، وإنما تجلب إليها الفواكه من البلاد المصاقبة لها. قال في «مسالك الأبصار» : وهي مدينة قد رفع بناؤها، واتسع فناؤها، وأتقنت قسمتها في الخطط والأسواق، وجلب إليها بانيها الناس من أقطار مملكته، واستجلبهم إليها بما بسط لسكّانها من العدل والإحسان. قال: وهي الآن عامرة آهلة كأنما مر عليها مئون سنين لكثرة من استوطنها وتأهّل بها وأولد من الولد فيها، وقد مضت عليها مدّة بنوها «1» مبالغ الرجال، وفيهم من جاز إلى الاكتهال. وبها عدّة مدن غير هذه القواعد: (منها) سلماس. قال في «اللباب» : بفتح السين المهملة واللام والميم وفي آخرها سين مهملة- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول ثلاث وسبعون درجة، والعرض ثمان وثلاثون درجة

وخمس وعشرون دقيقة. قال المهلّبيّ: وهي على آخر حدود أذربيجان من الغرب، وهي مصر من الأمصار جليل والمتاجر بها وإليها متصلة. (ومنها) خويّ. قال في «اللباب» : بضم الخاء وفتح الواو وتشديد المثناة من تحت- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول تسع وستون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال في «اللباب» : وهي آخر مدن أذربيجان، وبينها وبين سلماس أحد وعشرون ميلا. (ومنها) أرمية «1» . قال في «اللباب» : بضم الألف وسكون الراء المهملة والميم في آخرها هاء بعد ياء مثناة من تحتها. قال ابن الجواليقيّ في «المعرّب» : ويجوز في قياس العربية تخفيف الياء منها وتشديدها- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض سبع وثلاثون درجة. قال المهلّبيّ: وهي آخر حدود أذربيجان، وهي مدينة جليلة. قال: ويقال إن زرادشت نبيّ المجوس منها. قال في «تقويم البلدان» : وعن بعض أهلها أنها مدينة وسطى عامرة، وهي في أوّل الجبال «2» وآخر الوطاة، في الغرب عن سلماس على ستة عشر فرسخا منها، وبينها وبين الموصل قاعدة الجزيرة أربعون فرسخا، والموصل في سمت الغرب عنها؛ ولأرمية قلعة على جبل تسمّى قلعة تلا في غاية الحصانة، كان هولاكو قد جعل أمواله فيها لحصانتها والنسبة إلى أرمية أرمويّ. (ومنها) مراغة. قال في «المشترك» : بفتح الميم والراء المهملة وألف وغين معجمة وهاء- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في

الإقليم الثالث أران

«القانون» حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وعشر دقائق، والعرض سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال المهلّبيّ: وهي مدينة محدثة كانت قرية، فنزل بها مروان بن محمد وكان هناك سرجين فمرّغ الناس فيه دوابهم فبناها مدينة فسميت مراغة. قال ابن حوقل: وهي من قواعد أذربيجان، وهي حصينة «1» ، نزهة كثيرة البساتين والرساتيق. (ومنها) ميانج. قال في «المشترك» : بفتح الميم والمثناة من تحتها وسكون الألف وكسر النون وفي آخرها جيم- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول ثلاث وسبعون درجة، والعرض سبع وثلاثون درجة. قال في «المشترك» : وهي مدينة كبيرة على مسيرة يومين من مراغة. وسماها في «اللباب» : ميانه بفتح الميم والمثناة من تحتها وألف ونون وهاء. وقال: خرج منها جماعة من العلماء. (ومنها) مرند. قال في «اللباب» : بفتح الميم والراء المهملة وسكون النون وفي آخرها دال مهملة- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول ثلاث وسبعون درجة، والعرض سبع وثلاثون درجة. قال في «اللباب» : وهي قرية من تبريز في جهة الشرق عنها بميلة يسيرة إلى الشّمال. وقال المهلبيّ: هي عن تدمر على أربعة عشر فرسخا. قال في «تقويم البلدان» : وذكر من رآها أنها بلدة صغيرة ذات أنهار وأشجار. الإقليم الثالث أرّان «2» قال في «المشترك» : بفتح الهمزة وتشديد الراء المهملة ثم ألف ونون. ولها قاعدتان:

القاعدة الأولى بردعة

القاعدة الأولى بردعة قال في «اللباب» : بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الدال «1» المهملتين ثم عين مهملة وهاء في الآخر- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول ثلاث وسبعون درجة، والعرض ثلاث وأربعون درجة. قال في «تقويم البلدان» : وهي قاعدة مملكة أرّان. وقال في «اللباب» : هي من أقاصي أذربيجان. قال ابن حوقل: وهي مدينة كبيرة كثيرة الخصب نزهة. قال: وعلى أقل من فرسخ منها موضع [يسمّى الاندراب يكون] «2» مسيرة يوم في يوم بساتين مشتبكة كلها فواكه. قال المؤيد صاحب حماة: هذا ما كانت عليه في زمان «3» ابن حوقل، أما في زماننا فأخبرني من رآها أنها خربت ولم يبق منها معمور إلا دون المعرّة في القدر، وهي في مستو من الأرض، ذات بساتين ومياه، وهي على القرب من نهر الكرّ «4» . القاعدة الثانية تفليس «5» قال في «اللباب» : بفتح المثناة فوق وسكون الفاء وكسر اللام وسكون المثناة التحتية وفي آخرها سين مهملة- وموقعها في آخر الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» : وهي قصبة كرجستان. وقال في «اللباب» : هي آخر بلدة من أذربيجان. قال ابن حوقل: وهي مدينة مسوّرة

عليها سوران ولها ثلاثة أبواب، وبها حمّامات مثل حمّامات طبريّة ماؤها ينبع سخنا بغير نار، وهي كثيرة الخصب. قال ابن سعيد: وكان المسلمون قد فتحوها وسكنوها مدّة طويلة، وخرج منها جماعة من العلماء، ثم استرجعها الكرج وهم نصارى، وهي بأيدي الكرج إلى الآن، وملك الكرج صاحبها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة فيما بعد إن شاء الله تعالى. وبها عدّة مدن: (منها) نشوى. قال السمعانيّ في «الأنساب» : بفتح النون والشين المعجمة وفي آخرها واو ثم ياء «1» آخر الحروف. وسماها ابن سعيد نقجوان «2» - بفتح النون وسكون القاف وفتح الجيم والواو وبعد الألف نون- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول إحدى وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض تسع وثلاثون درجة. قال ابن سعيد: وهي من المدن المذكورة في شرقيّ أرّان. «قال السمعانيّ» : وهي بلدة متصلة بإرمينية وأذربيجان. قال ابن سعيد: وهي في شماليّ نهر الكرّ. قال في «الأنساب» : وبينها وبين تبريز ستّة فراسخ. وقال ابن سعيد: وقد خرّبها التتر وقتلوا جميع أهلها. (ومنها) موقان. قال في «اللباب» : بضم الميم وسكون الواو وفتح القاف وسكون الألف وفي آخرها نون، والعامّة تبدل القاف غينا معجمة فيقولون موغان. قال في «الأطوال» حيث الطول ثلاث وسبعون درجة، والعرض ثمان وثلاثون درجة. قال السمعاني: وهي بدر بند فيما أظن، وقال المهلّبيّ: هي من عمل أردبيل. وقال المهلبيّ: موقان في نهاية بلاد كيلان في جهة الغرب. قال ابن حوقل: وبينها وبين باب الأبواب يومان. قال في «تقويم البلدان» : لم يبق

لمدينة موقان في هذا الزمان شهرة بل المشهور أراضي موقان وهي أراض كثيرة المياه والأقصاب والمراعي في ساحل بحر طبرستان على القرب من البحر، وهي في سمت الشّمال والغرب عن تبريز، على نحو عشر مراحل منها، وبها يشتي أردو «1» التتر في غالب السنين. (ومنها) شمكور «2» . قال في «اللباب» : بفتح الشين المعجمة وسكون الميم وضم الكاف وسكون الواو وفي آخرها راء مهملة- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ثلاث وسبعون درجة، والعرض إحدى وأربعون درجة وخمسون دقيقة. قال في «اللباب» : وهو حصن من أعمال أرّان. قال في «تقويم البلدان» : وشمكور بقرب بردعة، وبها منارة في غاية الارتفاع والشّهوق. (ومنها) البيلقان. قال في «اللباب» : بفتح الباء الموحدة وسكون المثناة من تحت وفتح اللام والقاف ثم ألف ونون. قال في «القانون» حيث الطول أربع وستون درجة، والعرض تسع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وهي عند شروان. قال: ولعلها بناها بيلقان بن أرميني بن لمطي بن يونان فنسبت إليه. قال في «اللباب» : وهي مدينة من دربند خزران. قال في «المشترك» : وهي من مشاهير «3» البلدان. قال ابن حوقل: وهي كثيرة الخير. (ومنها) كنجة. قال في «تقويم البلدان» : بفتح الكاف وسكون النون وفتح الجيم ثم هاء ساكنة- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال: والقياس أنها حيث الطول أربع وسبعون درجة، والعرض ثلاث وأربعون درجة

وعشر دقائق. قال في «المشترك» : وهي من مشاهير بلاد أرّان. قال المؤيد صاحب حماة: وأخبرني من أقام هناك أنها على مرحلتين من بردعة، وبردعة عنها في جهة الغرب بميلة يسيرة إلى الشمال، وهي قصبة تلك الناحية، وهي في مستو من الأرض وفيها بساتين كثيرة، وبها التين الكثير، وقد شهر أن من أكل من ذلك التين حمّ. (ومنها) شروان. قال في «اللباب» : بفتح الشين المعجمة وسكون الراء المهملة وفتح الواو ثم ألف ونون في الآخر- وهي واقعة في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: حيث الطول ثمان وستون درجة وست وخمسون دقيقة، والعرض إحدى وأربعون درجة وثلاث وأربعون دقيقة. قال في «اللباب» : بناها أنوشروان فأسقطوا أنو للتخفيف وبقي شروان. قال ابن سعيد: وهي من أرّان. وكانت قاعدة لبلادها، ثم صارت مملكتها مضافة إلى أذربيجان قال: وبشروان الدّربند المشهور. قال السلطان عماد الدين صاحب حماة: وهو المعروف في زماننا بدربند باب الحديد. قال ابن الأثير: وقد خرج منها جماعة من العلماء. (ومنها) باب الأبواب. قال في «تقويم البلدان» : بإضافة الباب المفرد الذي يدخل منه إلى جمعه. قال في «القانون» : ويعرف باب الأبواب بدربند خزران. قال في «تقويم البلدان» : ويعرف هذا المكان في زماننا بباب الحديد بإضافة الذي يغلق إلى الذي يتطرّق. قال ابن حوقل: وهي على بحر طبرستان، وتكون في القدر أصغر من أردبيل قال: ولهم الزرع الكثير وثمار قليلة تحمل إليهم من النواحي. قال: وهي فرضة الخزر والسّرير وسائر بلاد الكفر، وهي أيضا فرضة جرجان والدّيلم وطبرستان ويجلب إليها الرقيق من سائر الأجناس. قال في «تقويم البلدان» : وهذه الصفات التي ذكرها ابن حوقل على ما كانت في زمانه؛ أمّا اليوم فعن بعض المسافرين أن باب الحديد بليدة هي بالقرى أشبه، على بحر الخزر وهي كالحدّ بين التتر الشماليين المعروفين ببيت بركة وبين التتر الجنوبيين المعروفين ببيت هولاكو، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار

الإقليم الرابع بلاد الجبل

المصرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى. الإقليم الرابع بلاد الجبل بفتح الجيم والباء الموحدة ولام في الآخر، وصاحب «مسالك الأبصار» يسمّيها بلاد الجبال على الجمع، والعامة تسميها عراق العجم. قال في «تقويم البلدان» : ويحيط بها من جهة الغرب أذربيجان، ومن جهة الجنوب شيء من بلاد العراق وخوزستان، ومن جهة الشرق مفازة خراسان وفارس، ومن جهة الشّمال بلاد الدّيلم وقزوين والرّيّ عند من يخرجهما عن بلاد الجبل ويضمهما إلى الدّيلم من حيث إن جبال الديلم تحفّ بهما. وقاعدتها فيما ذكره المؤيد صاحب حماة في «تاريخه» (أصبهان) . قال في «اللباب» : بكسر الألف وفتحها وسكون الصاد المهملة وفتح الباء الموحدة والهاء وألف ثم نون في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : وقد تبدل الباء فاء. قال السمعانيّ: وسمعت من بعضهم أنها تسمّى بالعجمية سباهان. قال وسبا العسكر، وهان الجمع. وذلك أن عساكر الأكاسرة كانوا إذا وقع لهم بيكار يجتمعون بها فعربت فقيل أصفهان- وموقعها في الإقليم الثالث. قال في «القانون» حيث الطول سبع وسبعون درجة وخمسون دقيقة. والعرض ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي في نهاية الجبال من جهة الجنوب. قال: وهي مدينتان وإحداهما تعرف باليهوديّة، وهي من أخصب البلاد وأوسعها خطّة، وبها معدن الكحل الذي لا يسامى مصاقبا لفارس، وإلى أصبهان ينسب الليث بن سعد الإمام الكبير. قلت: وقد تقدّم في الكلام على أعمال الديار المصرية من أوّل هذه المقالة عند ذكر الأعمال القليوبية أنه ينسب إلى بلدتنا قلقشندة أيضا وأنه كان له دار بها، فيحتمل أنه كان أوّلا بأصبهان، ثم لما رحل عنها إلى مصر نزل قلقشندة

فنسب إليها على عادة من ينتقل من بلد إلى آخر. ولها عدّة مدن: (منها) إربل. قال في «المشترك» : بكسر الهمزة وسكون الراء المهملة وكسر الباء الموحدة ولام في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : وهي قاعدة بلاد شهرزور «1» ، وموقعها في الإقليم الرابع. قال ابن سعيد حيث الطول سبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض خمس وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال: وهي مدينة محدثة «2» . قال في «المشترك» : بين الزّابين، فيما بين المشرق والجنوب عن الموصل، على مسيرة يومين خفيفين. قال في «تقويم البلدان» : وعن بعض أهلها أنها مدينة كبيرة قد خرب غالبها، ولها قلعة على تلّ عال داخل السور مع جانب المدينة في مستو من الأرض، والجبال منها على أكثر من مسيرة يوم، ولها قنيّ تدخل منها اثنتان إلى المدينة للجامع ودار السلطان؛ وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. (ومنها) شهرزور. قال في «اللباب» : بفتح الشين المعجمة وسكون الهاء وضم الراء «3» المهملة والزاي المعجمة وسكون الواو وفي الآخر راء مهملة- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «رسم المعمور» حيث الطول سبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض سبع وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال في «اللباب» : وهي بلدة بين الموصل وبين همذان بناها زور بن الضّحّاك فقيل شهر زور، يعني مدينة شهر «4» ، قال ابن حوقل: وهي مدينة صغيرة. قال في «العزيزيّ» : وهي خصبة كثيرة المتاجر في عزلة إلا أن في أهلها غلظة وجفاء. قال: وبينها وبين المراغة ست مراحل.

(ومنها) الدّينور. قال في «اللباب» : بفتح الدار المهملة وسكون المثناة من تحت وفتح النون والواو ثم راء مهملة في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول ست وسبعون درجة، والعرض خمس وثلاثون درجة. قال ابن حوقل: وهي غربيّ همذان بميلة إلى الشّمال، وهي مدينة كثيرة المياه والمنازه كثيرة الثمار خصبة. قال في «العزيزيّ» : وبينها وبين الموصل أربعون فرسخا، وبينها وبين مراغة كذلك. (ومنها) : ماسبذان- بفتح الميم وبعد الألف سين مهملة وباء موحدة وذال معجمة بفتح الجميع وبعد الألف نون. وهي مدينة من سيروان- بكسر السين المهملة وسكون المثناة من تحتها وفتح الراء المهملة وواو وألف ونون. كورة من كور عراق العجم. قال أحمد بن يعقوب الكاتب: وهي مدينة قديمة بين جبال وشعاب. قال: وهي في ذلك تشبه مكة شرفها الله تعالى وعظّمها وفيها عيون ماء تجري في وسطها. قال ابن خلّكان: وكان المهديّ العباسيّ يسكنها وبها مات ودفن. (ومنها) قصر شيرين- بإضافة قصر إلى شيرين- بكسر الشين المعجمة ثم ياء آخر الحروف وراء مهملة ثم ياء ثانية بعدها ونون في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول إحدى وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال في «المشترك» : وهو قصر شيرين حظيّة كسرى أبرويز. وقال الإدريسيّ: شيرين امرأة كسرى. قال: وبهذا الموضع آثار لملوك الفرس عجيبة، ومنه إلى شهرزور عشرون فرسخا، ومنه إلى حلوان من بلاد العراق خمسة فراسخ. (ومنها) الصّيمرة. قال في «المشترك» : بفتح الصاد المهملة وسكون المثناة من تحتها وفتح الميم والراء المهملة وهاء في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع، قال في «القانون» : حيث الطول إحدى وسبعون درجة وخمسون دقيقة، والعرض أربع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة صغيرة

نزهة ذات زروع وأشجار، والمياه تجري في دورها ومحالّها. قال أحمد بن يعقوب: وهي في مرج أفيح، فيه عيون وأنهار. (ومنها) قرميسين. قال في «اللباب» : بكسر «1» القاف وسكون الراء المهملة وكسر الميم وسكون المثناة من تحتها وكسر السين المهملة ومثناة تحتية ثانية ونون في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : ووجدناها في كثير من الكتب بإبدال الياء الأولى ألفا «2» . قال في «اللباب» : وهي مدينة بجبال العراق- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ثلاث وسبعون درجة، والعرض أربع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال في «اللباب» : ويقال لها كرمانشاه. قال في «العزيزي» : وهي من أجلّ مدن الجبل وأعظمها خطرا، وهي عامرة غاصّة بالناس. قال: وينبت بها الزعفران. (ومنها) سهرورد. قال في «اللباب» : بضم السين المهملة وسكون الهاء وفتح الواو وسكون الراء الثانية وفي آخرها دال مهملة. قال في «تقويم البلدان» : كذا ضبطها ولم يذكر الراء الأولى- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة، قال ابن حوقل: وهي مدينة صغيرة، والغالب عليها الأكراد. (ومنها) زنجان. قال في «اللباب» : بفتح الزاي المعجمة وسكون النون وفتح الجيم وألف ونون- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي أقصى مدن الجبال في الشمال. قال في «اللباب» : وهي على حدّ أذربيجان من بلاد الجبل، ينسب إليها جماعة من أهل العلم.

(ومنها) نهاوند. قال في «اللباب» : بضم «1» النون وفتح الهاء وسكون الألف وفتح الواو وسكون النون وبعدها دال مهملة- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض أربع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة على جبل ولها أنهار وبساتين، وهي كثيرة الفواكه وفواكهها تحمل إلى العراق لجودتها. قال في «اللباب» : ويقال إنها من بناء نوح عليه السلام، وإنه كان اسمها نوح أوند، فأبدلوا الحاء هاء. (ومنها) همذان. قال في «الأنساب» : بفتح الهاء والميم والذال المعجمة وبعد الألف نون- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول أربع وسبعون درجة، والعرض خمس وثلاثون درجة. قال ابن حوقل: وهي وسط بلاد الجبال، ومنها إلى حلوان أوّل بلاد العراق سبعة وستون فرسخا. قال: وهي مدينة كبيرة، ولها أربعة أبواب، ولها مياه وبساتين وزروع كثيرة. قال في «الأنساب» : وهي على طريق الحاجّ والقوافل. (ومنها) أبهر. قال في «المشترك» : بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الهاء ثم راء مهملة- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول أربع وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال في «المشترك» : وهي مدينة بين قزوين وزنجان قال ابن خرداذبه: ومنها إلى زنجان خمسة عشر فرسخا. (ومنها) ساوة. قال في «اللباب» : بفتح السين المهملة وبعدها ألف ثم واو وهاء- وموقعها في الإقليم الرابع. قال في «الأطوال» حيث الطول خمس وسبعون درجة، والعرض خمس وثلاثون درجة. قال «المهلّبيّ» : وهي مدينة جليلة على جادّة حجّاج خراسان وبها الأسواق الحسنة، وبها المنازل الحسنة.

(ومنها) قزوين. قال في «اللباب» : بفتح القاف وسكون الزاي المعجمة وكسر الواو وسكون المثناة من تحت وفي آخرها نون- وموقعها في الإقليم الرابع. قال في «القانون» و «رسم المعمور» حيث الطول خمس وسبعون درجة، والعرض سبع وثلاثون درجة، قال ابن حوقل: وهي مدينة لها حصن وماؤها من السماء والآبار، ولها قناة صغيرة للشرب فقط، وهي مدينة حصينة وبها أشجار وكروم كلّها عذي «1» لا تسقى وليس بها ماء جار سوى ما يشرب ويجري إلى المسجد. قال ابن حوقل: وماء قناتها وبيء. (ومنها) آبة. قال في «المشترك» : بفتح الهمزة وسكون الألف ثم باء موحدة وهاء- وموقعها في الإقليم الرابع. قال: والعامّة تسميها آوة. قال في «الأطوال» حيث الطول خمس وسبعون درجة وعشر دقائق، والعرض أربع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال المهلّبي: وهي مدينة في الشرق بانحراف إلى الشمال عن همذان وبينهما سبعة وعشرون فرسخا. قال في «المشترك» : وبينها وبين ساوة خمسة أميال. (ومنها) قمّ. قال في «اللباب» : بضم القاف وتشديد الميم- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «رسم المعمور» حيث الطول أربع وسبعون درجة وخمس عشرة دقيقة، والعرض خمس وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال في «اللباب» : وكان بناؤها في سنة ثلاث وثمانين للهجرة، بناها عبد الله بن سعد والأحوص وإسحاق ونعيم وعبد الرحمن بنو سعد بن مالك بن عامر الأشعريّ من أصحاب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث عند انهزامهم من الحجّاج وكان مكانها سبع قرى فأهلكوا أهلها وبنوها مدينة، كل قرية محلة من محلات المدينة، قال ابن حوقل: وهي مدينة غير مسوّرة حصينة البناء، وماؤها من الآبار، وبها البساتين على السّواني «2» وبها شجر الفستق والبندق، وأهلها شيعة. قال المهلّبي: وهي في مرج تقدير سعته عشرة فراسخ في مثلها ثم تفضي

إلى جبالها، وبها من الفستق ما ليس بغيرها. (ومنها) الطّالقان. قال في «المشترك» : بفتح الطاء المهملة واللام والقاف ثم ألف ونون. وقال في «اللباب» : بتسكين اللام- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «المشترك» : وهو مدينة وكورة بين توريز «1» وأبهر. قال ابن حوقل: وهي أقرب إلى الدّيلم من قزوين. وقد أوردها في «كتاب الأطوال» المنسوب للفرس مع بلاد الدّيلم. قال أحمد الكاتب: وهي بين جبلين عظيمين، وهي تمس الطالقان بلاد خراسان. (ومنها) قاشان. قال في «اللباب» : بفتح القاف وسكون الألف وبالشين المعجمة وبعد الألف نون. قال: ويقال: بالسين المهملة أيضا- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ست وسبعون درجة، والعرض أربع وثلاثون درجة، قال المهلبيّ: وهي مدينة لطيفة، قال ابن حوقل: هي أصغر من قمّ وغالب بنائها بالطين، وهي خصبة وقد خرج منها جماعة من العلماء. قال في «اللباب» : وأهلها شيعة. (ومنها) الرّيّ. قال في «اللباب» : بفتح الراء وتشديد الياء آخر الحروف. قال في «القانون» حيث الطول ثمان وسبعون درجة، والعرض خمس وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة كبيرة قدر عمارتها فرسخ ونصف في مثله، وفيها نهران يجريان، وبها قنيّ تجري غير ذلك. وعدّها في «اللباب» من الدّيلم، ويخرج منها قطن كثير للعراق. وبها قبر محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة، والكسائيّ أحد القرّاء السبعة، والنسبة إليها رازيّ على غير قياس، وإليها ينسب الإمام فخر الدين الرازيّ الإمام المشهور. (ومنها) الكرج. قال في «المشترك» : بفتح الكاف والراء المهملة وفي

آخرها جيم- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول ست وسبعون درجة وأربعون دقيقة، والعرض أربع وثلاثون درجة. قال ابن حوقل: وهي مدينة متفرّقة البناء ليس لها اجتماع المدن، وتعرف بكرج أبي دلف، قال في «المشترك» : لأن أوّل من مصرّها أبو دلف القاسم بن عيسى العجليّ وقصده الشعراء. قال ابن حوقل: ولها زروع ومواش، ولكن ليس لها بساتين ولا متنزّهات، والفواكه تجلب إليها. (ومنها) خوار. قال في «المشترك» : بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو وسكون الألف وراء مهملة في الآخر- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول ثمان وسبعون درجة وأربعون دقيقة، والعرض خمس وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال في «المشترك» : وهي مدينة من نواحي الرّيّ تخترقها القوافل. قال في «القانون» وقلّما يذكر إلّا منسوبا إلى الريّ فيقال خوار الرّيّ. (ومنها) جبال الأكراد. قال في «مسالك الأبصار» : والمراد بهذه الجبال الجبال الحاجزة بين ديار العرب وديار العجم، دون أماكن من توغل من الأكراد في بلاد العجم قال: وابتداؤها جبال همذان وشهرزور، وانتهاؤها صياصي الكفرة من بلاد التكفور، وهي مملكة سيس وما هو مضاف إليها مما بأيدي بيت لاون، ثم ذكر منها عشرين مكانا في كل مكان منها طائفة من الأكراد. الأوّل- (دياوشت) من جبال همذان وشهرزور، وهو مقام طائفة من الأكراد ولهم أمير يخصهم. الثاني- (درانتك) . وهو مقام طائفة ثانية من الكورانية أيضا ولهم أمير يخصّهم، قال في «مسالك الأبصار» : والطائفتان جميعا لا تزيد عدّتهم على خمسة آلاف رجل. الثالث- دانترك ونهاوند إلى قرب شهرزور. وهي مقام طائفة منهم تعرف بالكلالية يعرفون بجماعة سيف عدتهم ألف رجل مقاتلة، ولهم أمير يخصهم،

وهو يحكم على من جاورهم من الأكراد. الرابع- مكان بجوار ديار الكلالية المقدّم ذكرهم بجبال همذان. وهو مقام طائفة من الأكراد يقال لهم زنكلية. وعدّتهم نحو ألفين ذوو شجاعة وحيلة، ولهم أمير يخصهم يحكم على بلاد كيكور وما جاورها من البقاع والكور. الخامس- نواحي شهر زور. قال في «مسالك الأبصار» : كان يسكنها طوائف «1» من الأكراد طائفتان إحداهما يقال لها اللوسة والأخرى يقال لها الباسرية، رجال حرب، وأقيال طعن وضرب؛ نزحوا عنها بعد واقعة بغداد ووفدوا إلى مصر والشام، وسكن في أماكنهم قوم يقال لهم الحوسة ليسوا من صميم الأكراد. السادس- مكان بين شهرزور وبين أشنه من أذربيجان، به طائفة من الأكراد يقال لهم السولية، يبلغ عددهم نحو ألفي رجل؛ وهم ذوو شجاعة وحميّة، وهم طائفتان لكل طائفة منهم أمير يخصّهم. السابع- بلاد بسقاد- وهي مقام طائفة من الأكراد يقال لهم القرياوية وبيدهم من بلاد أزبك أماكن أخر، قال: وعددهم يزيد على أربعة آلاف، ولهم أمير يخصّهم. الثامن- بلاد الكركار- وهي مقام طائفة منهم يقال لها الحسنانية، وهم على ثلاثة أبطن: أحدها طائفة عيسى بن شهاب الدين، ولهم خفر قلعة بري والحامي، وثانيها طائفة تعرف بالتلية، وثالثها طائفة تعرف بالجاكية، وجميعهم نحو الألف رجل، ولكل طائفة منهم أمير يخصّهم. التاسع- دربند قراير- وهو مقام الطائفة القرياوية ولهم خفارة الدّربند المذكور، وصاحبه يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. وقد ذكر في «التثقيف» أن صاحبه كان سيف الدين بن سير الحسناني.

العاشر- بلاد الكرحين ودقوق الناقة- وبه طائفة منهم عدتهم تزيد على سبعمائة ولهم أمير يخصهم. الحادي عشر- بين الجبلين، من أعمال إربل. قال في «مسالك الأبصار» : وبها قوم كانوا يدارون التتر وملوك الديار المصرية، ففي الشتاء يعاملون التتر بالمجاملة، وفي الصيف يعينون سرايا الشام في المجاملة، قال: وعددهم كعدد الكلالية، ولهم أمير يخصّهم. وذكر أنه كان لهم في الدولة المنصورية قلاوون أمير يسمّى الخضر بن سليمان، كاتب شجاع، وأنه وفد إلى الديار المصرية فاخترمته المنية قبل عوده، وكان معه أربعة أولاد فعادوا بعد موته في الدولة الزينية كتبغا. الثاني عشر- مازنجان، وبيروه، وسحمة، والبلاد البرانية- وهي مقام طائفة منهم يقال لها المازنجانية لا تزيد عدّتهم على خمسمائة، وهم طائفة ينتسبون إلى المحمدية، والمازنجانية هم طائفة المبارزكك الموجود اسمه ورسم المكاتبة إليه في دساتير المكاتبات القديمة، وقد أضيف إليهم الحميدية، وهم طائفة من الأكراد لا تنقص عدّتهم عن ألف مقاتل، لأن أميرهم مبارز الدين كك، كان من أمراء الخلافة في الدولة العباسية، ومن ديوان الخلافة لقّب بمبارز الدين، وكك اسمه، قال: وكان يدّعي الصلاح وتنذر له النذور، فإذا حملت إليه قبلها وأضاف إليها مثلها من عنده وتصدّق بهما معا، وذكر نحوه في «التعريف» ثم كان له في الدولة الهولاكويّة المكانة العلية، واستنابوه في إربل وأعمالها، وأقطعوه عقرشوش بكمالها وأضافوا إليه هراة وتل حفتون وقدّموه على خمسمائة فارس، وتولّى الإمرة وقوانين «1» نحو عشرين سنة، وبقي حتّى جاوز التسعين وهمته همة الشّبان ثم مات وخلفه ولده عز الدين فكان من أبيه نعم الخلف، وجرى على نهج أبيه في ترتيب المملكة وعلت رتبته عند ملوك التتر وملوك الديار المصرية ثم خلفه أخوه نجم الدين خضر فجرى على سمت أبيه وأخيه. ثم قال: وكانت ترد على الأبواب

السلطانية بمصر ونوّاب الشام كتب تتهلّل بماء الفصاحة كالسّحب وتسرح من أجنابها الأبكار العرب. ثم خلفه ولده فجرى على سننه وبقيت الإمارة في بنيه، والأمير القائم منهم هو المعبر عنه في الدساتير بصاحب عقرشوش، وله مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. الثالث عشر- بلاد شعلاباد إلى خفتيان وما بين ذلك من الدشت والدّربند الكبير- وهو مقام طائفة منهم تعرف بالشهرية معروفون باللصوصية، وهم قوم لا يبلغ عددهم ألفا وجبالهم عاصية، ودربدنهم بين جبلين شاهقين يسقيهما الزاب الكبير. قال في «مسالك الأبصار» : وعليه ثلاث قناطر: اثنتان منها بالحجر والطين، والوسطى مضفورة من الخشب كالحصير، علوّها عن وجه الماء مائة ذراع في الهواء، وطولها بين الجبلين خمسون ذراعا في عرض ذراعين، تمرّ عليها الدوابّ بأحمالها، والخيل برجالها. وهي ترتفع وتنخفض، يخاطر المجتاز عليها بنفسه؛ وهم يأخذون الخفارة عندها؛ وهم أهل غدر وخديعة لا يستطيع المسافر مدافعتهم، ولهم أمير يخصّهم؛ ولصاحبها مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. الرابع عشر- ما ذكرد والرستاق، ومرت، وجبل جنجرين المشرف على أشنه من ذات اليمين- وهو مقام طائفة منهم يقال لهم الزرزارية، ويقال إنهم ممن تكرّد من العجم، ولهم عدد جمّ، يكاد يبلغ خمسة آلاف ما بين أمراء وأغنياء وفقراء وأكّارين وغيرهم، وجبلهم في غاية العلوّ والشّهوق في الهواء، شديد البرد، بأعلاه ثلاثة أحجار طول كل حجر منها عشرة أشبار في عرض دون الثلاثة، متخذة من الحجر الأخضر الماتع، وعلى كل منها كتابة قد اضمحلت لطول السنين، يقال إنها نصبت لمعنى الإنذار والإخبار عمن أهلكه الثلج والبرد هناك في الصيف، وهم يأخذون الخفارة تحته. قال في «مسالك الأبصار» : وكان لهم أمير جامع لكلمتهم اسمه نجم الدين باشاك، ثم تولاهم من بعده ابنه جيدة، ثم ابنه عبد الله. قال: وكان لهم أمراء آخرون منهم الحسام شير الصغير، وابنه باشاك وغيرهم، قال: وينضم إلى الزرزارية شرذمة قليلة تسمّى باسم قريتها بالكان نحو

ثلاثمائة رجل منفردين بمكان مشرف على عقبة الحان يأخذون عليها الخفارة، ولصاحب ما ذكرد مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، ثم قال في «التثقيف» : وهو حنش بن إسماعيل. الخامس عشر- جولمرك- وهو مقام طائفة تسمّى الجولمركية، وهم قوم نسبوا إلى مكانهم ذلك فعرفوا به، ويقال: إنهم طائفة من العرب من بني أميّة اعتصموا بهذه الجبال عند غلبة بني العبّاس عليهم، وأقاموا بها بين الأكراد فانخرطوا في سلكهم، قال في «مسالك الأبصار» : وهم الآن في عدد كثير، يزيدون على ثلاثة آلاف، كان ملكهم في أوائل دولة التتر أسد بن مكلان، ثم خلفه ابنه عماد الدين، ثم ابنه أسد الدين، وببلاده معدن الزّرنيخين: الأحمر والأصفر، ومنها ينقل إلى سائر الأقطار، قال: وكان قد ظهر عنده معدن لا زورد فأخفاه لئلا يسمع به ملوك التتر فيطلبونه، ومعقله من أمنع المعاقل، على جبل مقطوع بذاته، والزاب الكبير محدق به لا محطّ للجيش عليه، ولا وصول للسهام إليه، وسطحه متسع للزراعة، وفي كل ضلع من أضلاعه كهف مرتفع يأوي إليه من أراد الامتناع، وأعلاه مغمور بالثّلج والصعود إليه في بعض الطريق يستدعي العبور على أوتاد مضروبة. ومن لا يستطيع التسلق جرّ بالحبال، وكذلك بغال الطواحين، وملكهم معتمد عند الأكراد، وهو يأخذ الخفارة من جميع الطرقات، من تبريز إلى خويّ ونقجوان وهذا هو المعبر عنه في «التعريف» وغيره من الدساتير في المكاتبات بصاحب جولمرك، وهو يكاتب من الأبواب السلطانية بالديار المصرية. السادس عشر- بلاد مركوان على القرب من الجولمركية كثيرة الثلوج والأمطار، بلاد زرع وضرع- وهي متاخمة لأرمية من بلاد أذربيجان وبها طائفة من الأكراد تبلغ عدّتهم ثلاثة آلاف، وهم أحلاف للجولمركية. السابع عشر- بلاد كواردات- وهي بلاد مجاورة لبلاد الجولمركية من جهة بلاد الروم، وهي بلاد خصبة، وبها طائفة من الأكراد ينتسبون إليها لا إلى قبيلة،

وعدّتهم نحو ثلاثة آلاف، ولهم أمير يخصّهم. الثامن عشر- بلاد الدّينار- وهي بلاد تلي بلاد الجولمركية، وبها طائفة من الأكراد يقال لهم الدينارية نسبة إلى بلدتهم، وعددهم نحو خمسمائة ولهم سوق وبلد، وكان لهم أميران، أحدهما الأمير إبراهيم ابن الأمير محمد، كان له وجه عند الخلفاء، والثاني الشهاب بن بدر الدين، توفي أبوه وخلّفه كبيرا فخلفه في إمرته، وكان بينهم وبين المازنجانية حروب. التاسع عشر- بلاد العمادية وقلعة هارون. وهي بالقرب من بلاد الجولمركية، وبها طائفة منهم يقال لهم الهكّارية يزيد عددهم على أربعة آلاف مقاتل، ولهم إمارة تخصهم، قال في «مسالك الأبصار» : وهم يأخذون الخفارة في أماكن كثيرة من بخارا إلى بلد الجزيرة، وصاحب هارون يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. العشرون- القمرانية وكهف داود- وبها طائفة منهم يقال لهم التنبكية. قال في «مسالك الأبصار» : وقليل ما هم لكنهم حماة رماة وطعامهم مبذول على خصاصة. واعلم أنه بعد أن ذكر في «مسالك الأبصار» ما تقدّم ذكره عقّب ذلك بذكر جماعة من الأكراد تفرّقوا في الأقطار بعد اجتماع منهم التحتية، وهم قوم كانوا يضاهون الحميدية كان لهم أعيان وأمراء وأكابر، فهلك أمراؤهم ونسيت كبراؤهم، ولم يبق منهم إلا شرذمة قليلة تفرّقت بين القبائل والشعوب، ثم قال: وشعبهم كثيرة: منهم السندية وهم أكثر شعبهم عددا، وأوفرهم مددا، كانوا يبلغون ثلاثين ألف مقاتل ومنهم المحمدية، وكان لهم أمير لا يزيد جمعه على ستمائة رجل. ومنهم الراسنية، كانوا أوفى عدد وعدد وجمع ومدد ثم تشتت شملهم، وتفرّق جمعهم؛ وعادت عدّتهم في بلد الموصل لا تزيد على ألف رجل وكان لهم أمير يقال له علاء الدين كورك بن إبراهيم في بلد العقر، ولا ينقص عن خمسمائة؛ ومنهم الدنيكية وهم متفرّقون في البلاد لا يزيد عددهم على ألف رجل.

الإقليم الخامس بلاد الديلم

قلت: وقد ذكر في «التثقيف» عدّة أماكن من بلاد وقلاع يكاتب أصحابها من الأكراد سوى من تقدّم ذكره، وهي خمسة وعشرون موضعا: إحداها- برجو. الثانية- البلهيثة. الثالثة- كرم ليس. الرابعة- اندشت. الخامسة- حردقيل. السادسة- سكراك. السابعة- قبليس. الثامنة- جرموك. التاسعة- شنكوس. العاشرة- بهرمان. الحادية عشرة- حصن أرّان وهو حصن الملك. الثانية عشرة-..... «1» الثالثة عشرة- سونج، الرابعة عشرة- اكريسا. الخامسة عشرة- يزاركد. السادسة عشرة- الزّاب. السابعة عشرة- الزيتية. الثامنة عشرة- الدّربندات العرابلية. التاسعة عشرة- قلعة الجبلين. العشرون- سيدكان. الحادية والعشرون- صاحب رمادان. الثانية والعشرون- الشّعبانية. الثالثة والعشرون- نمرية. الرابعة والعشرون- المحمدية. الخامسة والعشرون- كزليك. الإقليم الخامس بلاد الدّيلم بفتح الدال المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفتح اللام وميم في الآخر. وهم جيل من الأعاجم سكنوا هذه البلاد فعرفت بهم، وبعض الناس يزعم أنهم من العرب من بني ضبّة «2» ومنهم كان بنو بويه القائمون على خلفاء بني العبّاس ببغداد. قال ابن حوقل: وهي جبال متسعة إلى الغاية، وبها غياض ومياه مشتبكة في الوجه الذي يقابل طبرستان والبحر، وبين ذيل الجبل وبين البحر مسيرة يوم، وربما نقص عن ذلك، وربما زاد حتّى بلغ يومين. وقاعدتها (روذبار) . قال في «المشترك» : بضم الراء المهملة وسكون

الإقليم السادس الجيل

الواو وفتح الذال المعجمة والباء الموحدة ثم ألف وراء مهملة في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع. قال في «الأطوال» حيث الطول خمس وسبعون درجة وسبع وثلاثون دقيقة، والعرض ستّ وثلاثون درجة وإحدى وعشرون دقيقة. قال ابن حوقل: وبه مقام ملوكهم. ومن بلادها (كلار) . قال في «تقويم البلدان» : بكاف ولام وألف وفي الآخر راء- وموقعها في الإقليم الرابع. قال في «القانون» حيث الطول سبع وسبعون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة. قال المهلبيّ: وهي مدينة الديلم، وهي في جهة الشرق والجنوب عن لاهجان من بلاد كيلان. الإقليم السادس الجيل قال في «المشترك» : بكسر الجيم وسكون المثناة من تحت ثم لام- وهو اسم لصقع واسع مجاور لبلاد الدّيلم، ليس فيه قرى كثيرة، وليس فيه مدينة عظيمة. وقال في «اللباب» : الجيل اسم لبلاد متفرّقة وراء طبرستان. قال: ويقال لها أيضا كيلان وكيل، فلما عرّبت قيل جيلان وجيل، ومنها كوشيار الحكيم الجيليّ فيما ذكره ياقوت، وإليها ينسب الشيخ عبد القادر الكيلاني، وبالجملة فهما صقعان متلاصقان يعسر تمييز أحدهما عن الآخر. قال في «مسالك الأبصار» عن الشريف محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد الجيليّ: إن بلاد كيلان في وطاة من الأرض، وإنه يحيط بها أربعة حدود؛ من الشرق إقليم مازندران «1» ، ومن الغرب موقان، ومن الجنوب عراق العجم، يفصل بينهما جبل يعرف باشناده، ومن الشمال «2» بحر القلزم يعني بحر طبرستان. قال: وطول مجموع كيلان مما بأيدي ملوكها، وهو شرق بغرب نحو عشرة أيام، وعرضها وهو

فأما الكبار فأربع قواعد:

جنوب بشمال نحو ثلاثة أيام تزيد وتنقص، وهي شديدة الأمطار، كثيرة الأنهار، كثيرة الفواكه خلا النخل والموز وقصب السّكّر والمشمش، ويجلب إليها المحمضات من مازندران. قال: ومدن كيلان غير مسوّرة، ولملوكهم قصور علية، وجميع مبانيها بالآجرّ مفروشة به أيضا كما في بغداد، مسقّفة بالخشب، وبعضها معقودة أقباء وعليها قشّ مضفور، وفي غالب ديارها آبار قريبة المستقى نحو ذراعين أو ثلاثة أو أقل، والأنهار حاكمة على مدنها، وبها حمّامات يجري إليها الماء من الأنهار، وبها المساجد والمدارس وتسمّى بها الخوانق، وغالب أقواتهم الأرزّ يعمل منه الخبز والرّقاق مع تيسر القمح والشعير عندهم، والبقر والغنم عندهم بكثرة؛ وأسعارهم متوسطة إلى الرّخص، وبها الحرير الكثير؛ ولها حصون في نواحي مازندران وجزائر في بحر طبرستان، وبها الرمان والبلوط والفواكه، وفيها تحصّنهم عند مغالبة العدوّ لهم، ولباسهم الأقبية الإسلامية الضّيّقة الأكمام وتخافيف صغار على رؤوسهم، ويشدّون المناطق والبنود، وخيلهم براذين، وفي سروجهم المحلّى بالفضة وغيره، ولملوكهم زيّ جميل على ضيق بلادهم وقلة متحصّلها، ويركب الملك بالرّقبة السلطانية والحجّاب والسّلاح دارية والجمدارية، والجنائب المجرورة، ويتّخذ بظواهر قصور ملوكهم ميادين خضر في أوساطها قصور صغار من الخشب فيها جلوسهم للخدم والمظالم. ولا يزال بين ملوكهم الخلف فإذا قصدهم عدوّ خارجيّ عنهم تألفوا واجتمعوا عليه، حتّى إن هولاكو جهز إليهم جيشا عدّته سبعون ألفا صحبة نائبة قطلوشاه فلم ينل منهم قصدا، وكان آخر الأمر أن قتل قطلوشاه وهلك جلّ من معه. وقد ذكر في «مسالك الأبصار» أن بها ثمان قواعد بكل قاعدة منها ملك وبعضهم أكبر من بعض، وموقع جميعها في الإقليم الرابع. فأما الكبار فأربع «1» قواعد:

القاعدة الأولى پومن

القاعدة الأولى پومن «1» قال في «تقويم البلدان» : بضم الباء الموحدة التي بين الفاء والباء الموحدة وسكون الواو وكسر الميم ثم نون في الآخر. قال: وهي قريبة من البحر، وبها فيما يحاذيها معدن حديد، وبها من معمولات القماش، قال في «مسالك الأبصار» : وصاحبها شافعيّ المذهب دون غيره من ملوك الجيل، مذهب نشأ عليه ملوكها. قال: وعسكره يزيد على ألف فارس، وبلاده قليلة ولكن غالب دخله من التّجّار، والحرير بها كثير، قال: وصاحبها يدّعي النسبة إلى بيت الشرف، وله اعتناء بأهل العلم والفضل؛ ولباس الملك والجند بها نوع من لباس التّتر؛ ولباس غلمانها قريب من زيّ التجار، ولهم عذبات كالصوفية قدّامهم، وعامة أهلها كغيرهم ممن جاورهم. القاعدة الثانية تولم قال في «تقويم البلدان» : بضم المثناة الفوقية وواو ولام وميم، وصاحب «مسالك الأبصار» يثبت فيها ياء مثناة تحتية بين اللام والميم- وهي قريبة من البحر أيضا. قال في «مسالك الأبصار» : وأمر صاحبها قريب من صاحب پومن «2» ولكن لا حرير في بلاده؛ وهو حنبليّ المذهب، وعدّة عسكره نحو ألف فارس وهم أفرس إخوانهم، ولهم على ملوك الجيل استظهار لما ظهر من نكايتهم في عسكر التتر. قال: وزيّها كزيّ پومن «3» .

القاعدة الثالثة كسكر

القاعدة الثالثة كسكر قال في «تقويم البلدان» : بفتح الكافين وسكون السين المهملة بينهما وراء مهملة في الآخر. وقد ذكر أنها دولاب- بضم الدال المهملة وسكون الواو ولام ألف وباء موحدة في الآخر. قال: وعن السمعانيّ فتح «1» الدال وأنه أفصح وأنها من حدود الدّيلم. وذكر في «اللباب» أنها قرية من أعمال الرّيّ. قال في «مسالك الأبصار» : وصاحبها له صولة في ملوك تولم، وجيشه أكثر عددا من غيره من ملوك الجيل، وبلاده أوسع، وأرضه أخصب وأكثر حبّا وفاكهة وأغناما وأبقارا مما حولها، وهي كثيرة السمك والطير. ومنها الشيخ العارف السيد عبد القادر الكيلاني قدس الله روحه. وأما الصّغار فأربع أيضا: القاعدة الأولى لاهجان قال في «تقويم البلدان» : بفتح اللام وبعدها ألف وهاء وجيم مفتوحتان ثم ألف بعدها نون، ثم قال: وهي من الدّيلم أو كيلان. قال في «الأطوال» حيث الطول أربع وسبعون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة وخمس عشرة دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : ومنها يجلب الحرير المشهور إلى البلاد. قال في «مسالك الأبصار» : وهي في حال الحرير كما في پومن بخلاف غيرهما من سائر بلاد الجيل. القاعدة الثانية- (سخام) . القاعدة الثالثة- (مرست) . القاعدة الرابعة- (تنفس) .

الإقليم السابع طبرستان

ولها عدّة مدن غير القواعد: (منها) كوتم. قال في «تقويم البلدان» : بضم الكاف «1» وواو ساكنة ثم تاء مثناة فوقية مضمومة ثم ميم في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول ست وسبعون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة. قال في «تقويم البلدان» : قال من رآها إنها مدينة لها بساتين، وهي ناقلة عن البحر مسيرة يوم. قال المهلبيّ: وهي مدينة كبيرة للجيل. (ومنها) سالوس. قال في «تقويم البلدان» : المشهور بالسين المهملة وألف ولام مضمومة وواو ساكنة ثم سين ثانية وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ست وسبعون درجة. والعرض سبع وثلاثون درجة. قال ابن حوقل: وهي على البحر ولها منعة وهي صعبة المسلك. قال المهلبيّ: وهي آخر حدّ طبرستان من جهة الغرب. الإقليم السابع طبرستان بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة والراء المهملة «2» وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة فوق وألف ثم نون. قال في «تقويم البلدان» : وهي في جهة الشرق عن بلاد الديلم وكيلان قال: وإنما سميت طبرستان لأن طبر بالفارسية الفأس، وهي من كثرة اشتباك أشجارها لا يسلك فيها الجيش إلا بعد أن تقطع الأشجار بالطّبر من بين أيديهم، واستان بالفارسية الناحية، فسميت طبرستان أي ناحية الطّبر. قال في «العزيزي» : وهي في غاية المنعة والحصانة بالجبال المنيعة المحيطة بها من كل جانب، وفي وسط الجبال الأراضي السهلة، وفيها من كثرة المياه والغياض ما لا يساويها فيه بلد آخر، وهي عن قزوين في الشرق بانحراف إلى الشّمال. قال ابن حوقل: وهي بلاد كثيرة المياه والأشجار والغالب عليها

الغياض، وأبنيتها بالخشب والقصب. وهي بلاد كثيرة الأمطار. ويرتفع منها حرير يعمّ الآفاق. وغالب خبزهم الأرزّ. قال: وليس بجميع طبرستان نهر تجري فيه السفن، إلا أن البحر قريب منهم على أقلّ من يوم. قال ابن خلّكان: والنسبة إليها طبريّ. وقاعدتها (آمل) . قال في «المشترك» : بهمزة مفتوحة بعدها ألف ثم ميم مضمومة ولام في الآخر- وهي مدينة من طبرستان واقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول سبع وسبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة. قال في «القانون» : وهي قصبة طبرستان، وهي أكبر من قزوين، مشتبكة بالعمارة لا يعلم على قدرها أعمر منها في تلك النواحي. قال أحمد الكاتب: وهي على بحر الدّيلم. وقال في «المشترك» : هي أكبر مدينة بطبرستان. ومنها أبو جعفر محمد بن جرير الطّبريّ الإمام الكبير المشهور. ولها عدة مدن: (منها) رويان. قال في «المشترك» : بضم الراء المهملة وسكون الواو ثم ياء مثناة من تحت وألف ونون- وهي مدينة من طبرستان واقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «رسم المعمور» حيث الطول ست وسبعون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وخمس عشرة دقيقة. قال في «المشترك» : وهي مدينة كبيرة في جبال طبرستان، ولها كورة عظيمة وعمل قال في «اللباب» : وخرج منها جماعة كثيرة من العلماء. (ومنها) مامطير. قال في «اللباب» : بفتح الميمين وكسر الطاء المهملة وسكون المثناة من تحت وراء مهملة في الآخر. قال في «اللباب» : وهي بلدة من عمل آمل، خرج منها جماعة من العلماء. (ومنها) دهستان. قال في «اللباب» : بكسر الدال المهملة والهاء وسكون السين المهملة وفتح المثناة من فوق ثم ألف ونون. قال ابن حوقل: وهي مدينة من طبرستان، وقيل هي من خراسان- وموقعها في الإقليم الخامس من

الإقليم الثامن مازندران

الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول إحدى وثمانون درجة وعشر دقائق، والعرض ثمان وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي مدينة مشهورة عند مازندران، بناها عبد الله بن طاهر، ومعناها بالفارسية موضع القرى، وهي آخر حدّ طبرستان بين جرجان وخوارزم. الإقليم الثامن مازندران بفتح الميم وبعدها ألف وفتح الزاي المعجمة وسكون النون وفتح الدال والراء المهملتين وألف ثم نون، وهو إقليم على القرب من طبرستان وقاعدتها (جرجان) . قال في «اللباب» : بضم الجيم وسكون الراء المهملة وجيم ثانية وألف وفي آخرها نون. قال في «المشترك» : والعجم تسميها كركان بضم الكاف وسكون الراء المهملة. وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ثمانون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال «المهلّبيّ» : وهي مدينة جليلة بين خراسان وبين طبرستان، فخوارزم منها في جهة الشرق وطبرستان منها في جهة الغرب. قال: وهي بلدة كثيرة الأمطار، متصلة الشتاء، وفي وسطها نهر يجري، وهي قريبة من بحر الخزر، والجبال محتفّة بها فهي سهلية جبلية يجتمع فيها فواكه الغور والنّجد، قال: وبها من خشب الخلنج ما ليس في بلد آخر مثله. ولها مدن أخرى: (منها) سارية. قال في «اللباب» : بفتح السين المهملة وألف وراء مهملة ومثناة من تحتها وهاء. قال في «اللباب» : وهي مدينة من مازندران. قال ابن سعيد: من طبرستان- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. وفي شرقيها خوار الرّيّ وبينهما نحو ثمانين ميلا. (ومنها) أستراباذ. قال في «المشترك» : بفتح الهمزة. وقال في

الإقليم التاسع قومس

«اللباب» : بفتح الهمزة «1» وسكون السين المهملة وكسر «2» المثناة من فوق وفتح الراء المهملة وبالباء الموحدة بين ألفين وفي آخرها ذال معجمة. قال في «اللباب» : وقد يلحقون فيها ألفا أخرى بين التاء والراء. قال في «المشترك» : أستر اسم رجل «3» وأباذ اسم عمارة، فكأنه قال عمارة أستر. وهي مدينة من مازندران. وقيل من خراسان. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول تسع وسبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض سبع وثلاثون درجة وخمس دقائق. قال في «العزيزيّ» : وهي على حدّ طبرستان وبينها وبين آمل قصبة طبرستان تسعة وثلاثون فرسخا. (ومنها) آبسكون. قال في «اللباب» : بفتح الألف الممدودة وضم «4» الباء الموحدة وسكون السين المهملة وضم الكاف وفي آخرها نون- وهي بلدة على ساحل بحر الخزر واقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول تسع وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض سبع وثلاثون درجة وعشر دقائق. قال في «القانون» : وهي فرضة جرجان. قال ابن حوقل: وإليها ينسب بحر آبسكون «5» ، ومنها يركب إلى الخزر وإلى باب الأبواب والجيل والدّيلم وغير ذلك الإقليم التاسع قومس قال في «اللباب» : بضم القاف وسكون الواو وفتح الميم «6» وفي آخرها

الإقليم العاشر خراسان

سين مهملة. قال: ويقال لها بالفارسية كومس بإبدال القاف كافا. قال: وهي من بسطام إلى سمنان، وهما من قومس بين خراسان وبين الجبال، أوّلها من ناحية الغرب سمنان. قال أحمد الكاتب: وقومس بلد واسع جليل القدر. وقال في «المشترك» : قومس موضع كبير فيه بلاد كثيرة وقرى- وقاعدتها (سمنان) قال في «المشترك» : بكسر السين المهملة وسكون الميم ونونين بينهما ألف. وقال في «القانون» حيث الطول تسع وسبعون درجة وخمس عشرة دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة. قال في «المشترك» وهو بلد مشهور بين الرّيّ والدّامغان. وبها مدن أيضا: (منها) الدّامغان. قال في «اللباب» : بفتح الدال المهملة وألف وفتح الميم والغين المعجمة وألف ثانية ثم نون- وموقعها في الإقليم الرابع. قال في «القانون» حيث الطول تسع وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. (ومنها) بسطام «1» . قال في «اللباب» : بفتح الباء الموحدة وسكون السين وفتح الطاء المهملتين وفي الآخر ميم- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «اللباب» : وهي بلدة مشهورة. قال ابن حوقل: ولها البساتين الكثيرة، وهي كثيرة الفواكه، وإليها ينسب أبو يزيد البسطاميّ الزاهد. الإقليم العاشر خراسان قال في «اللباب» : بضم الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة وألف ثم سين مهملة وألف ونون- وهي بلاد كثيرة. قال: وأهل العراق يقولون إنها من الرّيّ إلى مطلع الشمس، وبعضهم يقول من حلوان إلى مطلع الشمس، ومعنى خر اسم

للشمس، واسان موضع الشيء ومكانه، وقيل معنى خراسان كل بالرّفاهية. قال في «تقويم البلدان» : ويحيط بها من جهة الغرب المفازة التي بينها وبين بلاد الجيل وجرجان، ومن جهة الجنوب مفازة فاصلة بينها وبين فارس وقومس، ومن الشرق نواحي سجستان وبلاد الهند، ومن جهة الشّمال بلاد ما وراء النهر وشيء من تركستان. قال: وخراسان تشتمل على عدّة كور كل كورة منها نحو إقليم. ومن كورها المشهورة (جوين) بضم الجيم وفتح الواو وسكون المثناة من تحت ونون في الآخر. (وقوهستان) بضم القاف وسكون الواو وفتح «1» الهاء وسكون السين المهملة وفتح المثناة فوق وألف ثم نون. و (بغشور) بفتح الباء الموحدة والغين المعجمة الساكنة ثم شين معجمة وواو وراء مهملة في الآخر. و (مرو) بفتح الميم وسكون الراء المهملة وواو في الآخر. و (طوس) بضم الطاء المهملة وسكون الواو وسين مهملة في الآخر. و (بيهق) بفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة التحتية وفتح الهاء وقاف في الآخر. و (باخرز) بفتح الباء الموحدة ثم ألف وخاء معجمة وراء مهملة ساكنة وزاي معجمة؛ وإليها ينسب الباخرزيّ «2» الذي أسلم على يديه بركة. وقاعدتها فيما ذكره المؤيد صاحب حماة في تاريخه (نيسابور) . قال في «اللباب» : بفتح النون وسكون المثناة من تحتها وفتح السين المهملة وسكون الألف وضم الباء الموحدة وبعدها واو وراء مهملة. قال في «اللباب» : وسميت نيسابور لأن سابور الملك لما رآها، قال: يصلح أن يكون ها هنا مدينة، وكانت قصبا فأمر بقطع القصب وأن تبنى مدينة، فقيل نيسابور والنّي هو القصب. قال ابن سعيد: والعجم تسميها نشاور. قال في «تقويم البلدان» : واسمها الآن نشاور؛

يعني بفتح النون والشين المعجمة وألف وفتح الواو وراء مهملة في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ثمانون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة مشهورة في أرض سهلة، وهي مفترشة البناء مقدار فرسخ في فرسخ، وبها قنيّ ماء، وهي صحيحة الهواء. قال في «اللباب» : وهي أحسن مدن خراسان وأجمعها للخير. قال أحمد بن يعقوب الكاتب: وبينها وبين كلّ من مرو ومن هراة ومن جرجان ومن الدّامغان عشر مراحل. وبها مدن عديدة: (منها) الطّابران. قال في «اللباب» : بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة والراء المهملة وبعد الألف نون. قال في «القانون» : وهي قصبة طوس من كور خراسان- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ثمانون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمس وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال في «العزيزيّ» : وهي من أجلّ مدن خراسان. (ومنها) نوقان. قال في «اللباب» : بفتح «1» النون وسكون الواو وفتح القاف وبعد الألف نون- وهي مدينة من أعمال طوس من خراسان، وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول اثنتان وثمانون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض ثمان وثلاثون درجة. قال المهلّبي: وهي من أجلّ مدن خراسان وأعمرها، وبظاهرها قبر الإمام عليّ بن موسى بن جعفر الصادق، وقبر هارون الرشيد الخليفة العباسيّ؛ وبها معدن الفيروزج والدّهنج. (ومنها) إسفراين. قال في «اللباب» : بكسر «2» الألف وسكون السين

المهملة وفتح الفاء والراء المهملة وكسر المثناة التحتية ونون في الآخر- وهي بلدة بنواحي نيسابور من خراسان- موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول إحدى وسبعون درجة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة. قال في «تقويم البلدان» : وتسمى المهرجان أيضا بكسر الميم وسكون الهاء وفتح الراء المهملة والجيم وألف ونون في الآخر. يقال إن كسرى سماها بذلك تشبيها بالمهرجان أحد أعياد الفرس: لأن المهرجان أطيب أوقات الفصول، شبهها بذلك لخضرتها ونضارتها، وإليها ينسب الأستاذ أبو إسحاق الإسفراينيّ الإمام الكبير المشهور. (ومنها) خسروجرد. قال في «اللباب» : بضم الخاء المعجمة وسكون السين وفتح الراء المهملتين وسكون الواو وكسر الجيم ثم راء ودال مهملتان- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول إحدى وثمانون درجة وخمس دقائق، والعرض ست وثلاثون درجة. قال في «المشترك» : وهي قصبة ناحية بيهق من خراسان. وقال في «اللباب» : كانت قصبتها ثم صارت القصبة سبروار. (ومنها) نسا. قال في «المشترك» : بفتح النون والسين المهملة وألف مقصورة «1» - وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد حيث الطول اثنتان وثمانون درجة، والعرض تسع وثلاثون درجة. قال في «المشترك» : وهي مدينة من خراسان بين أبيورد وسرخس. قال ابن حوقل: وهي مدينة حصينة، ومنها الإمام أحمد النسائيّ «2» صاحب السّنن. (ومنها) أزاذوار. قال في «تقويم البلدان» : بالهمزة والزاي المعجمة ثم ألف وذال معجمة وواو مفتوحتين وألف وراء مهملة في الآخر. وهي قصبة جوين

من خراسان. وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ثمانون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة؛ ومنها إمام الحرمين الإمام الشافعيّ المشهور. (ومنها) قاين. قال في «اللباب» : بفتح القاف وبعد الألف ياء مثناة تحتية مكسورة ثم نون. وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول أربع وثمانون درجة وخمس وثلاثون دقيقة [والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة] «1» . قال ابن حوقل: وهي قصبة قوهستان، من خراسان على مفازة. قال: وهي مثل سرخس في الكبر، وماؤها من القنيّ، وبساتينها قليلة، وقراها متفرّقة. قال في «اللباب» : وإليها ينسب جماعة من العلماء. (ومنها) سرخس. قال في «تقويم البلدان» : بفتح السين والراء المهملتين ثم خاء معجمة ساكنة وسين مهملة ساكنة- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول خمس وثمانون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة بين نيسابور وبين مرو في أرض سهلة، وليس لها ماء جار إلا نهر يجري في بعض السنة، وهو فضلة مياه هراة؛ والغالب على نواحيها المراعي؛ ومعظم مال أهلها الحمال، وماؤهم من الآبار، وأرحيتهم على الدوابّ. قال المهلبيّ: والرمال محتفّة بها. (ومنها) بوشنج. قال في «اللباب» : بضم الباء الموحدة وسكون الواو وفتح الشين «2» المعجمة وسكون النون وجيم في الآخر. قال في «اللباب» : ويقال لها أيضا فوشنج بالفاء بدل الباء. قال في «تقويم البلدان» : ويقال لها أيضا بوشنك بالكاف بدل الجيم. قال ابن حوقل: وهي مدينة على نحو النصف من هراة

في مستو من الأرض، ولها مياه وأشجار كثيرة، وماؤها من نهر بهراة، وهو يجري من هراة إلى بوشنج إلى سرخس. (ومنها) هراة. قال في «اللباب» : بفتح الهاء والراء المهملة ثم ألف وهاء في الآخر. قال في «التعريف» : ولا يسمع عجميّ يقول إلا هرى- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول خمس وثمانون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمس وثلاثون درجة. قال ابن حوقل: وهي من خراسان، ولها أعمال، وداخلها مياه جارية، والجبل منها على نحو فرسخين، ومنه تعمل حجارة الأرحية وغيرها، وليس به محتطب ولا مرعى، وعلى رأسه بيت نار كان للفرس، وخارج هراة المياه والبساتين. قال في «المشترك» : وكانت مدينة عظيمة فخرّبها التّتر. قال في «اللباب» : وكان فتحها في خلافة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه. قال: والنسبة إليها هرويّ. قال في «مسالك الأبصار» : ومن الناس من يعدّ هراة مفردة بذاتها عن خراسان؛ وصاحبها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. (ومنها) مرو الرّوذ. قال في «المشترك» : بفتح الميم وسكون الراء المهملة وفي آخرها واو. وقال في «اللباب» بفتح الواو وألف ولام وضم الراء الثانية وسكون الواو وذال معجمة، والرّوذ بالعجمية النهر، ومعناه مرو النهر. وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول سبع وثمانون درجة وأربعون دقيقة، والعرض أربع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي أكبر من بوشنج، ولها نهر كبير وعليه البساتين، وهي طيّبة التربة والهواء، والجبل عنها في جهة الغرب على ثلاثة فراسخ. قال في «اللباب» : وهي من أشهر مدن خراسان، والنسبة إليها مرورّوذيّ ومرّوذيّ أيضا. (ومنها) مرو الشّاهجان. قال في «المشترك» : بفتح الميم وسكون الراء المهملة وواو في الآخر، وهو مضاف إلى الشّاهجان بفتح الشين وألف بعدها هاء ثم جيم وألف ونون- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في

«المشترك» : ومرو الشّاهجان معناه روح الملك. قال في «الأطوال» حيث الطول سبع وثمانون درجة، والعرض سبع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة قديمة يقال إنها من بناء طهمورث: أحد ملوك الفرس. قال في «مسالك الأبصار» : ويقال إنها من بناء ذي القرنين. قال: وهي في أرض مستوية بعيدة عن الجبال لا يرى منها الجبل، وأرضها كثيرة الرمل وفيها سبوخة، ويجري على بابها نهر يدخل منه الماء إلى حياض المدينة، ومنه شرب أهلها؛ ولها ثلاثة أنها أخر؛ وبها الفواكه الحسنة تقدّد وتحمل إلى البلاد؛ وبها الزبيب الذي لا نظير له؛ ولها من النظافة وحسن الترتيب وتقسيم الأبنية والغروس على الأنهار، وتمييز كل سوق عن غيره ما ليس لغيرها من البلاد. قال في «المشترك» : والنسبة إليها مروزيّ. قال في «تقويم البلدان» : وبها كان مقام المأمون لما كان بخراسان؛ وبها قتل يزدجرد آخر ملوك الفرس؛ ومنها ظهرت دولة بني العباس، وبها صبغ أوّل سواد لبسته المسوّدة؛ ومنها يرتفع الحرير الكثير والقطن. قال في «المشترك» : وبينها وبين كلّ من نيسابور وهراة وبلخ وبخارا مسيرة اثني عشر يوما. (ومنها) الطّالقان. قال في «المشترك» : بفتح الطاء المهملة واللام والقاف ثم ألف ونون. وقال في «اللباب» : بتسكين اللام- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ثمان وثمانون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة نحو مرو الرّوذ في الكبر؛ ولها مياه جارية وبساتين قليلة؛ وهي في جبل، ولها رستاق في الجبل، وهي غير الطّالقان المقدّم ذكرها في عراق العجم. (ومنها) بلخ. قال في «اللباب» : بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وفي آخرها خاء معجمة- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» و «القانون» حيث الطول احدى وتسعون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة وإحدى وأربعون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة في مستو من الأرض، بينها وبين أقرب جبل إليها أربعة فراسخ؛ والمدينة نصف فرسخ في

الإقليم الحادي عشر زابلستان

مثله؛ ولها نهر يسمّى الدهاش «1» يجري في ربضها، وهو نهر يدير عشر أرحية؛ والبساتين تحتف بها من جميع جهاتها؛ وبها الأترجّ وقصب السّكّر؛ وتقع في نواحيها الثلوج. قال في «اللباب» : فتحها الأحنف بن قيس التميميّ في خلافة عثمان رضي الله عنه؛ وخرج منها ما لا يحصى من الأئمة والعلماء والصلحاء. (ومنها) شهرستان. قال في «اللباب» : بفتح الشين المعجمة وسكون الهاء وفتح الراء وسكون السين المهملتين وفتح التاء المثناة من فوق وبعد الألف نون- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» و «القانون» حيث الطول إحدى وتسعون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة وإحدى وأربعون دقيقة. قال في «المشترك» : شهر بلغة الفرس المدينة، واستان الناحية، فمعنى اسمها مدينة الناحية. قال: وهي مدينة مشهورة بين نيسابور وخوارزم في آخر حدود خراسان وأوّل حدود رمال خوارزم. الإقليم الحادي عشر زابلستان بفتح الزاي المعجمة ثم ألف بعدها باء موحدة ولام مضمومتان وسين مهملة ساكنة وتاء مثناة فوق مفتوحة ثم ألف ونون- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول اثنتان وتسعون درجة وخمسون دقيقة، والعرض أربع وثلاثون درجة وخمس عشرة دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة لها بلاد وأعمال، وهي عن بلخ على عشر مراحل، وعندها نهر كبير يجري؛ وليس لها بساتين بل هي مدينة على جبل، والفواكه تأتيها مجلوبة. قال في «اللباب» : وبها قلعة حصينة.

الإقليم الثاني عشر الغور

ولها مدن غيرها: (منها) غزنة. قال في «اللباب» : بفتح الغين وسكون الزاي المعجمتين وفتح النون- وموقعها في آخر الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» و «القانون» حيث الطول أربع وتسعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: هي من عمل الباميان؛ وقد تقدّم أن الباميان من زابلستان. وقال في «اللباب» : هي من أوّل بلاد الهند. وقال في «مزيل الارتياب» : هي في طرف خراسان وأوّل بلاد الهند، وهي كالحدّ بينهما. قال ابن حوقل: وهي فرضة الهند وموطن التجار، ولها دربند مشهور. (ومنها) بنجهير. قال في «اللباب» : بفتح الباء الموحدة وسكون النون وفتح الجيم وكسر الهاء وسكون المثناة تحت وراء مهملة في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول أربع وتسعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض خمس وثلاثون درجة. قال ابن حوقل: وهي مدينة من أعمال الباميان على جبل، والغالب على أهلها العيث والفساد. قال في «اللباب» : وبها جبل الفضة، والدراهم بها كثيرة، لا يشترون ولو باقة بقل بأقلّ من درهم، وقد جعلوا السّوق كهيئة الغربال لكثرة الحفر. قال: وإنما يتبعون عروقا يجدونها تفضي إلى الفضّة، فإذا وجدوا عرقا حفروا أبدا إلى أن يصيروا إلى الفضة، والرجل منهم ينفق الأموال الكثيرة في الحفر، وربما خرج له من الفضة ما يستغني به هو وعقبه، وربما خاب عمله لقلة المال وغير ذلك، وربما وقف رجل على العرق ووقف آخر عليه في موضع آخر فيأخذان جميعا في الحفر؛ والعادة عندهم أن من سبق فاعترض على صاحبه فقد استحق. الإقليم الثاني عشر الغور قال في «اللباب» : بضم الغين المعجمة وسكون الواو وراء مهملة في

الجملة الثالثة في الأنهار المشهورة

الآخر. قال: وهي بلاد في الجبال بخراسان قريبة من هراة، وهي مملكة كبيرة، وغالبها جبال عامرة ذات عيون وبساتين وأنهار، وهي بلاد حصينة منيعة، وتحيط بها خراسان من ثلاث جهات ولذلك حسبت من خراسان، والحدّ الرابع لها قبليّ سجستان. وقاعدتها فيما قاله في «تقويم البلدان» (بيروز كوه) . قال في «المشترك» : بكسر الباء الموحدة وسكون المثناة التحتية وضم الراء المهملة وواو ثم زاي معجمة وضم الكاف وواو وهاء- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «المشترك» : معنى بيروز كوه الجبل الأزرق؛ وهي قلعة حصينة دار مملكة جبال الغور. قال: وبها كان مستقرّا بنو سابحان «1» ملوك الغور. قلت: وبلاد الغور وغزنة وما والاها وإن عدّها في «مسالك الأبصار» من مملكة التورانيين، فإنها ليست من أصل مملكة توران، وإنما تغلب ملوكها عليها من مملكة إيران، فلذلك أثبتّها في مملكة إيران؛ وما غلب عليه بنو هولاكو من مملكة الروم، وهو قونية وما معها ليس من مملكة إيران بل هو مملكة مستقلة بذاتها كما سيأتي، ولذلك لم أثبتها في مملكة إيران والله أعلم. الجملة الثالثة في الأنهار المشهورة واعلم أن بهذه المملكة عدّة أنهار، والمشهور منها ثلاثة عشر نهرا: الأوّل- الفرات وما يصب فيها «2» ويخرج منها «3» . فأما نهر الفرات فأوّله من شماليّ مدينة أرزن الروم وشرقيها، وأرزن هذه آخر حدّ بلاد الروم من جهة الشرق؛ ثم يأخذ إلى قرب ملطية ثم إلى شمشاط، ثم يأخذ مشرّقا ويتجاوز قلعة

الرّوم ويمرّ مع جانبها من شماليها وشرقيها؛ ثم يسير إلى البيرة، ويمرّ من جنوبيها، ثم يمرّ مشرّقا حتّى يتجاوز بالس وقلعة جعبر ويتجاوزها إلى الرّقّة؛ ثم يمرّ مشرّقا ويتجاوز الرّحبة من شمالها ويسير إلى عانة ثم إلى هيت، ثم يسير إلى الكوفة. فإذا جاوز نهر كوثى بستة فراسخ انقسم نصفين، ومرّ الجنوبيّ منهما إلى الكوفة ويجاوزها ويصبّ في البطائح. ويمرّ القسم الآخر وهو أعظمهما ويعرف بنهر سورا، ويمرّ بإزاء قصر ابن هبيرة، ويتجاوزه إلى مدينة بابل القديمة، ويتفرّع منه عدّة أنهر ويمرّ عموده إلى النيل ويسمّى من بعد النيل نهر الصّراة؛ ثم يتجاوز النيل ويصب في دجلة «1» . وأما الأنهار التي تصب فيه، فمنها نهر شمشاط، ونهر البليخ، ونهر الخابور، ونهر الهرماس، وغيرها. وأما الأنهار التي تخرج من الفرات، فمنها نهر عيسى، ونهر صرصر، ونهر الملك، ونهر كوثى، وغير ذلك. الثاني- دجلة وما يصب إليها ويخرج منها. فأما دجلة فقال في «المشترك» : بكسر الدال المهملة وسكون الجيم. قال: وهي نهر عظيم مشهور مخرجه من بلاد الرّوم؛ ثم يمرّ على آمد، وحصن كيفا، وجزيرة ابن عمر، والموصل، وتكريت، وبغداد، وواسط، والبصرة؛ ثم يصبّ في بحر فارس «2» . وذكر في «العزيزي» : أن رأس دجلة شماليّ ميّافارقين من تحت حصن يعرف بحصن ذي القرنين. ويجري من الشمال والغرب إلى جهة الجنوب والشرق؛ ثم يشرّق ويرجع إلى جهة الشّمال؛ ثم يغرّب بميلة إلى الجنوب إلى مدينة آمد، ثم يأخذ جنوبا إلى جزيرة ابن عمر؛ ثم يأخذ شرقا وجنوبا إلى مدينة بلد؛ ثم يشرق إلى الموصل، ثم يسير مشرقا إلى تكريت؛ ثم يأخذ مشرقا نصبا إلى سرّ من رأى؛ ثم يأخذ جنوبا على عكبرى؛ ثم يأخذ مشرقا إلى البردان، ثم يأخذ جنوبا بميلة إلى

الشرق إلى بغداد؛ ثم يسير جنوبا إلى كلواذا، ويأخذ إلى المدائن ويتجاوز إلى دير العاقول؛ ثم يسير مشرقا إلى النّعمانيّة؛ ثم يسير جنوبا ومشرقا إلى فم الصّلح، ثم يسير مغرّبا إلى واسط؛ ثم يشرّق إلى بطائح واسط؛ ثم يخرج من البطائح ويسير بين الشرق والجنوب حتّى يتجاوز البصرة، ويمرّ على فوّهة الأبلّة ثم يسير إلى عبّادان ويصبّ في بحر فارس. وأما الأنهار التي تصب في دجلة «1» : فمنها نهر أرزن، ونهر الثّرثار، ونهر الفرات الأعلى وهو الأكبر، ونهر الزّاب الأصغر، وغيرها. وأما الأنهار التي تخرج «2» من دجلة فعدة أنهار، من أشهرها نهر الأبلّة ونهر معقل المقدّم ذكرهما في الكلام على متنزهات هذه المملكة. الثالث- دجلة الأهواز. وهو نهر ينبعث من الأهواز، ويمرّ في جهة الغرب إلى عسكر مكرم؛ وهو قرب دجلة بغداد في المقدار، وعليه مزارع عظيمة من قصب السّكّر وغيره. الرابع- نهر شيرين. وهو نهر يخرج من جبل دينار من ناحية بازرع «3» ، ويخترق بلاد فارس، ويقع في بحر فارس عند جنّابة، من بلاد فارس. الخامس- نهر المسرقان. وهو نهر عظيم من بلاد خوزستان، يجري من ناحية تستر، ويمرّ على عسكر مكرم، ويسقي بجميع مائه النخل والزرع وقصب السكر، ولا يضيع شيء من مائه. السادس- نهر تستر. وهو نهر يخرج من وراء عسكر مكرم، ويمرّ على الأهواز، ثم ينتهي إلى نهر السّدرة إلى حصن مهديّ، ويصب في بحر فارس.

السابع- نهر طاب. ومخرجه من جبال أصفهان من قرب المرج، وينضم إليه نهر آخر ويسير حتّى يمرّ على باب أرّجان، ويقع في بحر فارس عند شينير. الثامن- نهر سكّان. وهو نهر يخرج من رستاق الرونجان «1» من قرية تدعى ساركري «2» ، ويسقي شيئا كثيرا من كور فارس؛ ثم يصب في بحر فارس؛ وعليه من العمارة ما ليس على غيره. التاسع- نهر زندورذ، بفتح الزاي المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة والواو ثم راء مهملة ساكنة وذال معجمة في الآخر. وهو نهر كبير على باب أصفهان. العاشر- نهر الهندمند، قال ابن حوقل: وهو أعظم أنهار سجستان، ويخرج من ظهر الغور، ويمرّ على حدود الرّخّج، ثم يعطف ويمرّ على بست، حتّى يصير على مرحلة من سجستان، ثم يصب في بحيرة زره؛ وإذا تجاوز بست يتشعب منه أنهار كثيرة؛ وعلى باب مدينة بست على هذا النهر جسر من السفن كما في دجلة. الحادي عشر- نهر الرّسّ. وهو نهر يخرج من جبال قاليقلا ويمرّ إلى ورثان؛ ثم يلتقي مع نهر الكرّ الآتي ذكره بالقرب من بحر الخزر فيصيران نهرا واحدا ويصبّان في بحر الخزر المذكور. قال في «تقويم البلدان» : وخلف نهر الرّسّ فيما يقال ثلاثمائة وستون مدينة خراب، يقال إنها المراد في القرآن بقوله تعالى وَأَصْحابَ الرَّسِّ* «3» . الثاني عشر- نهر الكرّ. وهو نهر فاصل بين أرّان وأذربيجان كالحدّ بينهما، وأوّله عند جبل باب الأبواب، ويخترق بلاد أرّان ويصب في بحر الخزر. وذكر ابن

الجملة الرابعة في الطرق الموصلة إلى قواعد هذه المملكة وذكر شيء من المسافات بين بلادها

حوقل أن نهر الكرّ يمرّ على ثلاثة فراسخ من بردعة. وبفارس أيضا نهر يقال له نهر الكرّ إلا أنه دون هذا في القدر والشهرة. الثالث عشر- نهر جرجان ومخرجه من جبل جرجان، ويسير غربا بجنوب إلى آبسكون ثم يفترق من آبسكون نهرين ويصب في بحر الدّيلم. الجملة الرابعة في الطرق الموصلة إلى قواعد هذه المملكة وذكر شيء من المسافات بين بلادها واعلم أن آخر المملكة المضافة إلى الديار المصرية من جهة الشرق مملكة حلب. فتعين الابتداء منها. ونحن نورد ذلك على ما يقتضيه كلام عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبة في كتابه «المسالك والممالك» مقتصرا على ذكر مشاهير البلاد. (الطريق من حلب إلى الموصل) - من حلب إلى منبج، ومن منبج إلى الرّستن، ومن الرستن إلى الرّقّة إلى رأس عين سبعة عشر فرسخا، ومن رأس عين إلى كفرتوثا سبعة فراسخ، ومن كفرتوثا إلى دارا خمسة فراسخ، ومن دارا إلى نصيبين أربعة فراسخ، ثم إلى بلد ثلاثون فرسخا، ثم إلى الموصل سبعة فراسخ. (الطريق من الموصل إلى بغداد) - من الموصل إلى الحديثة أحد وعشرون فرسخا، ثم إلى السّنّ خمسة فراسخ، ثم إلى سرّ من رأى ثلاثة فراسخ، ثم إلى القادسيّة تسعة فراسخ، ثم إلى عكبرى ثمانية فراسخ، ثم إلى البردان أربعة فراسخ، ثم إلى بغداد [خمسة فراسخ] «1» وأخبرني بعض أهل تلك البلاد أن الطريق من حلب إلى البيرة يومان. ومن البيرة إلى الرّها يومان، ومن الرّها إلى ماردين أربعة أيام، ثم من ماردين إلى جزيرة ابن عمر ثلاثة أيام، ثم من جزيرة ابن عمر إلى الموصل يومان، ومن الموصل إلى تكريت يومان، ومن تكريت إلى خويّ يومان، ومن خويّ إلى بغداد يومان.

(الطريق إلى نيسابور: قاعدة خراسان) - من بغداد إلى النّهروان أربعة فراسخ. ثم إلى الدّسكرة اثنا عشر فرسخا. ثم إلى جلولاء، سبعة فراسخ، ثم إلى خانقين سبعة فراسخ، ثم إلى قصر شيرين ستة فراسخ، ثم إلى حلوان خمسة فراسخ، ثم إلى مرج القلعة عشرة فراسخ، ثم إلى قصر يزيد أربعة فراسخ، ثم إلى قصر عمرو ثلاثة عشر فرسخا، ثم إلى قصر اللّصوص سبعة عشر فرسخا، ثم إلى قرية العسل ثلاثة فراسخ، ثم إلى همذان خمسة فراسخ، ثم إلى الأساورة اثنان وعشرون فرسخا، ثم إلى ساوة خمسة عشر فرسخا، ثم إلى الرّيّ أربعة وعشرون فرسخا، ثم إلى قصر الملح أحد وثلاثون فرسخا، ثم إلى رأس الكلب سبعة فراسخ، ثم إلى سمنان ثمانية فراسخ، ثم إلى يومن سبعة عشر فرسخا، ثم إلى أسد اباذ أربعون فرسخا، ثم إلى خسروجرد اثنا عشر فرسخا، ثم إلى نيسابور خمسة عشر فرسخا. (الطريق من نيسابور إلى بلخ ثم إلى نهر جيحون) - من نيسابور إلى طوس ثلاثة عشر فرسخا، ثم إلى مرو الرّوذ أحد عشر فرسخا، ثم إلى سرخس، ثم إلى قصر النجار ثلاثة فراسخ، ثم إلى مرو الشّاهجان سبعة وعشرون فرسخا، ثم إلى القريتين خمسة وعشرون فرسخا، ثم إلى أسد اباذ على النهر سبعة فراسخ، ثم إلى قصر الأحنف على النهر عشرة فراسخ، ثم إلى مرو الرّوذ خمسة فراسخ، ثم إلى الطّالقان ثلاثة وعشرون فرسخا، ثم إلى ارعين تسعة فراسخ، ثم إلى العاديات عشرة فراسخ، ثم إلى السّدرة من عمل بلخ أربعة وعشرون فرسخا، ثم إلى الغور تسعة فراسخ، ثم إلى بلخ ثلاثة فراسخ، ثم إلى شطّ جيحون اثنا عشر فرسخا. فذات اليمين كورة ختّل ونهر الضّرغام، وذات اليسار خوارزم، وسيأتي ذكرهما في الكلام على مملكة توران فيما بعد إن شاء الله تعالى. (الطريق إلى شيراز قاعدة فارس) - قد تقدّم الطريق من حلب من مضافات الديار المصرية إلى بغداد، ومن بغداد إلى واسط خمسة وعشرون سكّة، ومن واسط إلى الأهواز عشرون سكة، ثم إلى النّوبند جان تسع عشرة سكة، ثم إلى شيراز اثنتا عشرة سكة.

الجملة الخامسة في بعض مسافات بين بلاد هذه المملكة

(الطريق من شيراز إلى السّيرجان قاعدة كرمان) - من شيراز إلى إصطخر خمس سكك، ثم من إصطخر إلى البحيرة ثلاثة عشر فرسخا، ثم إلى شاهك الكبرى سبعة عشر فرسخا، ثم إلى قرية الملح تسعة فراسخ، ثم إلى مرزبانة ثمانية فراسخ، ثم إلى اروان ثلاثة فراسخ، ثم إلى المرمان وهو آخر عمل فارس إلى السّيرجان ستة عشر فرسخا. (الطريق إلى أصبهان) - من پومن المقدّم ذكرها إلى الرّباط ثلاثة عشر فرسخا، ثم إلى أصبهان أربعة عشر فرسخا. (الطريق إلى البصرة) - قد تقدّم الطريق من حلب إلى بغداد ثم إلى واسط، ثم إلى الفاروث، ثم إلى دير العمال، ثم إلى الحوانيت، ثم يسير في البطائح، ثم إلى نهر أبي الأسد، ثم في دجلة العورا، ثم في نهر معقل، ثم يمضي إلى البصرة. (الطريق إلى تبريز) «1» - قد تقدّم الطريق من حلب إلى ماردين، ثم من ماردين إلى حصن كيفا يومان، ومن الحصن إلى سعرت يومان، ومن سعرت إلى وان يومان، ومن وان إلى وسطان ثلاثة أيام، ومن وسطان إلى سلماس يومان، ومن سلماس إلى تبريز أربعة أيام؛ فيكون بين حلب وتبريز ثلاثة وعشرون يوما. (الطريق إلى السّلطانيّة) - من تبريز إليها سبعة أيام؛ فيكون من حلب إلى السّلطانيّة ثلاثون يوما. الجملة الخامسة في بعض مسافات بين بلاد هذه المملكة (بعض مسافات بلاد الجزيرة) - من الأنبار إلى تكريت «2» مرحلتان، ومن

تكريت إلى الموصل ستة أيام، ومن الموصل إلى آمد أربعة أيام، ومن آمد إلى سميساط ثلاثة أيام، ومن الموصل إلى نصيبين أربع مراحل، ومن نصيبيين إلى رأس عين ثلاث مراحل، ومن رأس عين إلى الرّقّة أربعة أيام، ومن رأس عين إلى حرّان ثلاثة أيام، ومن حرّان إلى الرّها يوم واحد. (بعض مسافات خوزستان) - من عسكر مكرم إلى الأهواز مرحلة، ومن الأهواز إلى الدّورق أربع مراحل، [وكذلك من عسكر مكرم إلى الدّورق] «1» ومن عسكر مكرم إلى سوق الأربعاء مرحلة، ومن سوق الأربعاء إلى حصن مهديّ مرحلة، ومن السّوس إلى بصنّى «2» مرحلة خفيفة، ومن السّوس إلى متّوث مرحلة. (بعض مسافات فارس) - قال ابن حوقل: من شيراز إلى سيراف نحو ستين فرسخا، ومن شيراز إلى إصطخر نحو اثني عشر فرسخا، ومن شيراز إلى كازرون نحو عشرين فرسخا، ومن كازرون إلى جنّابة أربعة وأربعون فرسخا، ومن شيراز إلى أصبهان اثنان وسبعون فرسخا، ومن شيراز مغرّبا إلى أوّل حدود خوزستان ستون فرسخا، ومن شيراز إلى بسا سبعة وعشرون فرسخا، ومن شيراز إلى البيضاء ثمانية فراسخ، ومن شيراز إلى دارابجرد «3» خمسون فرسخا، ومن مهروبان إلى حصن ابن عمارة نحو مائة وستين فرسخا. (بعض مسافات كرمان) - من السّيرجان إلى المفازة مرحلتان، ومن السّيرجان إلى جيرفت مرحلتان، ومن السّيرجان إلى مدينة الزّرند تسعة وعشرون فرسخا. (بعض مسافات إرمينية وأرّان وأذربيجان) - قال ابن حوقل: من بردعة «4»

إلى شمكور أربعة عشر فرسخا، ومن بردعة إلى تفليس «1» ثلاثة وأربعون فرسخا، ومن أردبيل إلى المراغة أربعون فرسخا، ومن المراغة إلى أرمية أربع مراحل، ومن أرمية إلى سلماس مرحلتان، ومن سلماس إلى خويّ سبعة فراسخ، ومن خويّ إلى بركري ثلاثون فرسخا، ومن بركري إلى أرجيش يومان، ومن أرجيش إلى خلاط ثلاثة أيام، ومن خلاط إلى بدليس ثلاثة أيام، ومن بدليس إلى ميّافارقين أربعة أيام. [ذكر الطريق من المراغة إلى أردبيل، من مراغة إلى أرمية ثلاثون فرسخا] «2» ، ومن أرمية إلى سلماس أربعة عشر فرسخا، ومن خويّ إلى نشوى [ثلاثة أيام، ومن نشوى] «3» إلى دبيل أربع مراحل، ومن المراغة إلى الدّينور ستون فرسخا، ومن خونج إلى مراغة [ثلاثة عشر فرسخا] «4» ، ومن بردعة إلى ورثان سبعة فراسخ، ومن ورثان إلى بيلقان سبعة فراسخ، ومن شروان إلى باب الأبواب نحو سبعة أيام، ومن بردعة إلى تفليس نحو اثنين وستين فرسخا. (بعض مسافات عراق العجم) - من همذان إلى الدّينور ما ينيف على عشرين فرسخا، ومن همذان إلى ساوة ثلاثون فرسخا، ومن ساوة إلى الرّيّ ثلاثون فرسخا أيضا؛ ومن همذان إلى زنجان على شهر زور ثلاثون فرسخا، ومن همذان إلى أصبهان ثمانون فرسخا، ومن همذان إلى أوّل خراسان نحو سبعين فرسخا، ومن ساوة إلى قمّ نحو اثني عشر فرسخا، ومن قمّ إلى قاشان نحو اثني عشر فرسخا أيضا، ومن الرّيّ إلى قزوين ثلاثون فرسخا، ومن الدّينور إلى شهر زور أربع مراحل، ومن أصبهان إلى قاشان ثلاث مراحل. (بعض مسافات طبرستان ومازندران وقومس) - قال ابن حوقل: بين آمل وسارية مرحلتان، ومن سارية إلى أستر اباذ نحو أربع مرحل، ومن أستر اباذ إلى جرجان نحو مرحلتين، ومن آمل إلى مامطير مرحلة، ومن مامطير إلى سارية مرحلة، ومن جرجان إلى بسطام مرحلتان.

الجملة السادسة فيما بهذه المملكة من النفائس العلية القدر، والعجائب الغريبة الذكر، والمنتزهات المرتفعة الصيت

(بعض مسافات خراسان) - قال في «تقويم البلدان» : من أوّل أعمال نيسابور إلى وادي جيحون ثلاث وعشرون مرحلة، ومن سرخس إلى نسا سبعة وعشرون فرسخا، ومن هراة إلى نيسابور أحد عشر يوما، ومن هراة إلى مرو كذلك ومن هراة إلى سجستان كذلك، ومن مرو الرّوذ إلى مرو الشّاهجان أربعة أيام، ومن بلخ إلى فرغانة ثلاثون مرحلة مشرقا، ومن بلخ إلى الرّيّ ثلاثون مرحلة مغرّبا، ومن بلخ إلى سجستان ثلاثون مرحلة جنوبا، ومن بلخ إلى كرمان ثلاثون مرحلة ومن بلخ إلى خوارزم ثلاثون مرحلة. الجملة السادسة فيما بهذه المملكة من النفائس العليّة القدر، والعجائب الغريبة الذكر، والمنتزهات المرتفعة الصيت وقد ذكر في «مسالك الأبصار» بها عدّة نفائس وعجائب. أما النفائس فإن بها مغاص اللؤلؤ ببحر فارس بجزيرة كيش وعمان، وهما من أحسن المغاصات وأشرفها وأعلاها قدرا في حسن اللؤلؤ على ما تقدّم ذكره في الكلام على الأحجار النفيسة فيما يحتاج الكاتب إلى معرفته في المقالة الأولى. وبالدّامغان في جبلها معدن ذهب. قال الشيخ شمس الدين الأصفهانيّ: وهو قليل المتحصّل لكثرة ما يحتاج إليه من الكلف حتّى يستخرج وببذخشان «1» شرقيّ عراق العجم البازهر الحيوانيّ الذي لا يباريه شيء في دفع السّموم يوجد في الاياييل التي هناك، وقد مرّ ذكره في الكلام على ما يحتاج الكاتب إلى معرفته في المقالة الأولى. وبها الإثمد «2» الأصفهانيّ الذي لا يساوى رتبة، وقد مرّ ذكره في الكلام على

ما يحتاج الكاتب إلى معرفته في المقالة الأولى، ولكنه قد عزّ الآن حتّى لا يكاد يوجد قال المقرّ الشهابيّ بن فضل الله: سألت الشيخ شمس الدين الأصفهانيّ عن سبب قلّته، فقال: لا نقطاع عرقه فما بقي يوجد منه إلا ما لا يرى. قال في «مسالك الأبصار» : وبهذه المملكة مستعملات القماش الفاخر من النخ «1» والمخمل، والكمخا، والعتابي، والنصافي، والصوف الأبيض الماردينيّ، وتعمل بها البسط الفاخرة في عدّة مواضع مثل شيراز وأقصرا وتوريز إلى غير ذلك من الأشياء النفيسة التي لا يضاهيها غيرها فيها. وأما العجائب، فقد ذكر الشيخ شمس الدين الأصفهانيّ أن بمدينة قشمير «2» على ثلاثة أيام عن أصفهان عين ماء سارحة يسمّى ماؤها بماء الجراد، إذا حمل ماؤها في إناء وعلق في تلك الأرض على عال، أتاها طير يقال له سار فأكل ما فيها من الجراد حتّى لا يدع منه شيئا بشرط أن لا يوضع على الأرض حتّى يؤتى به إلى مكان الجراد فيعلّق. وحكى محمد بن حيدر الشيرازيّ في مصنف له: أن بين الدّامغان وأستر اباذ من خراسان عينا ظاهرة إذا ألقيت فيها نجاسة فار ماؤها وأزبدت شيئا «3» تبعته دودة طول أنملة الإنسان حتّى لو حمل الماء تسعة وكان معهم عاشر لم يحمل الماء، تبع كلّ واحد ممن حمل الماء دودة، ولم يتبع الآخر منها شيء، فلو قتل واحد منهم تلك الدودة استحال الماء مرّا لوقته، وكذلك ماء كلّ من هو وراءه، ولا يستحيل ماء من هو إلى جانبه مرّا. قال ابن حوقل: وبكورة سابور من بلاد فارس جبل فيه صورة كل ملك وكلّ مرزبان معروف للعجم وكل مذكور من سدنة النّيران. وفي كورة أرجان في قرية يقال لها طبريان [بئر] «4» يذكر أهلها أنهم امتحنوا قعرها بالمثقلات فلم يلحقوا لها قعرا، ويفور منها ماء بقدر ما يدير رحى تسقي أرض تلك القرية. قال: وفي كورة رستاق [بئر] «5» تعرف بالهنديجان بين

الجملة السابعة في ذكر من ملك مملكة إيران جاهلية وإسلاما

جبلين يخرج منها دخان لا يستطيع أحد أن يقربها، وإذا طار عليها طائر سقط فيها واحترق. وبناحية داذين نهر ماء عذب يعرف بنهر أخشين، يشرب منه الناس وتسقى به الأرض، وإذا غسلت به الثياب خرجت خضرا. وأما المنتزهات فبها نهر الأبلّة وشعب بوّان- وهما نصف منتزهات الدنيا الأربعة: وهي نهر الأبلّة وشعب بوّان المذكوران وصغد سمرقند وغوطة دمشق. وقد تقدّم أن نهر الأبلّة نهر شقّه زياد مقابلة نهر معقل، وبينهما البساتين والقصور العالية والمباني البديعة، يتسلسل مجراه، وتتهلل بكره وعشاياه، ويظله الشجر وتغنّي به زمر الطير. وفيه يقول القاضي التنوخيّ من أبيات: وإذا نظرت إلى الأبلّة خلتها ... من جنّة الفردوس حين تخيّل كم منزل في نهرها آلى السّرو ... ربأنّه في غيرها لا ينزل وكأنّما تلك القصور عرائس ... والرّوض حلي وهي فيه ترفل وشعب بوّان- وهو عدّة قرى مجتمعة ومياه متصلة، والأشجار قد غطّت تلك القرى فلا يراها الإنسان حتّى يدخلها، وهو بظاهر همذان يشرف عليها من جبل، وهو في سفح الجبل والأنهار تنحطّ عليه من أعلى الجبل، وهو من أبدع بقاع الأرض منظرا. قال المبرد: أشرفت على شعب بوّان فنظرت فإذا بماء ينحدر كأنه سلاسل فضة، وتربة كالكافور، وثريّة كالثوب الموشّى، وأشجار متهادلة، وأطيار متجاوبة. وفيه يقول أبو الطّيّب المتنبي حين مرّ به: مغاني الشّعب طيبا في المغاني ... بمنزلة الرّبيع من الزّمان ولكنّ الفتى العربيّ فيها ... غريب الوجه واليد واللّسان الجملة السابعة في ذكر من ملك مملكة إيران جاهلية وإسلاما وهم على ضربين:

الضرب الأول ملوكها قبل الإسلام

الضرب الأوّل ملوكها قبل الإسلام واعلم أن هذه المملكة لم تزل بيد ملوك الفرس لابتداء الأمر وإلى حين انقراض دولتهم بالإسلام على ما سيأتي ذكره. قال المؤيد صاحب حماة: وهم أعظم ملوك الأرض من قديم الزمان، ودولتهم وترتيبهم لا يماثلهم في ذلك أحد. وهم على أربع طبقات: الطبقة الأولى القيشداذية سمّوا بذلك لأنه كان يقال لكل من ملك منهم قيشداذ ومعناه سيرة العدل. وأوّل من ملك منهم (أوشهنج) وهو أوّل من عقد على رأسه التاج وجلس على السرير ورتّب الملك ونظّم الأعمال ووضع الخراج. وكان ملكه بعد الطّوفان بمائة «1» سنة، وهو «2» الذي بني مدينتي بابل والسّوس «3» ، وكان محمود السيرة، حسن السياسة. ثم ملك بعده «4» (طهمورث) وهو من عقب أوشهنج المقدّم ذكره، وبينهما عدّة آباء، وسلك سيرة جدّه، وهو أوّل من كتب بالفارسية. ثم ملك بعده أخوه «5» (جمشيذ) ومعناه شعاع القمر، وسار سيرة من تقدّمه

وزاد عليها، وملك الأقاليم السبعة، ورتب طبقات الحجّاب والكتّاب ونحوهم؛ وهو الذي أحدث النّيروز وجعله عيدا؛ ثم حاد عن سيرة العدل فقتله الفرس. وملك بعده (بيوراسب) ويعرف بالدّهّاك، ومعناه عشر آفات، والعامة تسميه الضحاك؛ وملك جميع الأرض فسار بالجور والعسف، وبسط يده بالقتل، وأحدث المكوس والعشور، واتخذ المغنّين والملاهي. وسيأتي خبر هلاكه مع كابي الخارج عليه في الكلام على النّحل والملل، ويقال إنه هو ومن قبله كانوا قبل الطّوفان. ثم ملك بعده (إفريدون) ويقال إنه التاسع من ولد «جمشيذ» المقدّم ذكره، وفي أوّل ملكه كان إبراهيم الخليل عليه السلام، وهو ذو القرنين المذكور في القرآن على أحد الأقوال، وملك جميع الأرض أيضا وقسمها بين بنيه ومات. فملك بعده ابنه (إيراج) بعهد من أبيه، ثم ملك بعده أخوه (شرم) و (طوج) ثم غلبهما على الملك (منوجهر بن إيراج) وفي أيامه ظهر موسى عليه السلام. ويقال إن فرعون موسى كان عاملا له على مصر داخلا تحت أمره. ثم تغلب على المملكة (فراسياب بن طوج) فأفسد وخرّب؛ ثم غلبه عليها (زو بن طهماسب) من أولاد منوجهر، فأحسن السيرة وعمر البلاد، وشقّ نهر الزّاب وبنى مدينة على جانبه. ثم ملك بعده (كرشاسف) من أولاد طوج بن إفريدون، وهو آخر ملوك هذه الطبقة.

الطبقة الثانية الكيانية

الطبقة الثانية الكيانية سمّوا بذلك لأن في أوّل اسم كل واحد منهم لفظة كي، ومعناه الرّوحاني وقيل الجبّار. وأوّل من ملك منهم بعد كرشاسف المقدّم ذكره (كيقباذ) بن زو، فسار سيرة أبيه في العدل ومات؛ فملك بعده (كيكاؤوس) بن كينيه بن كيقباذ ومات؛ فملك بعده ابنه (كيخسرو بن سياووس بن كيكاؤوس) بولاية من جدّه، ثم أعرض عن الملك. وملك بعد (كيهراسف بن أخي كيكاؤوس) واتخذ سريرا من ذهب مرصعا بالجوهر، كان يجلس عليه، وبنى مدينة بلخ بأرض خراسان وسكنها لقتال الترك؛ وفي زمنه كان بختنصّر فجعله نائبا له ثم مات. وملك بعده (كيبشتاسف) وبنى مدينة نسا، وفي أيامه ظهر زرادشت صاحب «كتاب المجوس» الآتي ذكره في الكلام على النّحل والملل، وتبعه كيبشتاسف على دينه ثم فقد. وملك بعده (أردشير بهمن) ومعنى بهمن الحسن النية ابن إسفنديار بن كيبشتاسف، واسمه بالعبرانية كورش؛ وملك الأقاليم السبعة، وهو الذي أمر بعمارة البيت المقدّس بعد أن خربه بختنصّر. ثم ملك بعده ابنه (دارا بن أردشير) وفي زمنه ملك (الإسكندر بن فيلبس) وغلب دارا على ملك فارس، واستناب به عشرين رجلا، وهم المسمّون بملوك الطوائف، فأقاموا على ذلك خمسمائة واثنتي عشرة سنة، ثم بطل حكم ذلك.

الطبقة الثالثة الإشغانية، يقال لك منهم اشغا

الطبقة الثالثة الإشغانية «1» ، يقال لك منهم اشغا وأوّل من ملك منهم بعد ملوك الطوائف (اشغا بن اشغان) . ثم ملك بعده ابنه «2» (سابور بن اشغان) عشر سنين. ثم ملك بعده (بسين بن اشغا) ستّين سنة. ثم ملك بعده (جور بن اشغان) عشر سنين. ثم ملك بعده (بيرن الاشغانيّ) إحدى وعشرين سنة ومات. فملك بعده (جوذرز الاشغانيّ) تسع عشرة سنة ومات. فملك بعده (نرسي الاشغانيّ) أربعين سنة ومات. فملك بعده (هرمز الاشغاني) تسع عشرة سنة ومات. فملك بعده (اردوان الاشغاني) اثنتي عشرة سنة ومات. فملك بعده (خسرو الاشغاني) أربعين سنة ومات. فملك بعده (بلاش الاشغاني) أربعا وعشرين سنة ومات. فملك بعده (اردوان الأصغر) وهو آخر ملوكهم من هذه الطبقة. الطبقة الرابعة الأكاسرة وأوّل من ملك منهم (أردشير بن بابك) من عقب ساسان بن «أردشير بهمن» قتل «اردوان» واستولى على ملكه، فأقام أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وكتب عهدا بالملك في عقبه ومات. فملك بعده ابنه (سابور) إحدى وثلاثين سنة وستة أشهر، وفي أيامه ظهر «ماني الزنديق» وادّعى النبوّة، واعتنى بنقل كتب الفلسفة من اللغة اليونانية إلى اللغة الفارسية، ويقال إن العود الذي يتغنّى به حدث

في أيامه ومات. فملك بعده ابنه (هرمز) سنة واحدة وستة أشهر ومات. فملك بعده ابنه (بهرام) ثلاث سنين وثلاثة أشهر ومات؛ فملك بعده ابنه (بهرام بن بهرام) سبع عشرة سنة ومات. فملك بعده ابنه (بهرام بن بهرام بن بهرام) أربع سنين ثم مات. فملك بعده أخوه (نرسي بن بهرام) تسع سنين ثم مات. وملك بعده ابنه (هرمز) تسع سنين أيضا ومات. فملك بعده ابنه (سابور) وهو الذي عمل الجسر الثاني لدجلة ليكون أحد الجسرين للذاهبين، والآخر للآئبين. وفي زمنه كان قسطنطين ملك الروم ومات. فملك بعده أخوه (أردشير) بوصية منه، ثم مات. فملك بعده ابنه «1» (سابور بن سابور) ثم ملك بعده أخوه (بهرام بن سابور) ثم ملك بعده ابنه (يزدجرد) المعروف بالأثيم؛ ثم ملك بعده (كسرى) من ولد «أردشير» [ثم ملك بعده (بهرام جور بن يزدجرد الأثيم) وكانت مدة ملكه] «2» ثلاثا وعشرين سنة ومات. فملك بعده ابنه (يزدجرد) ثمانيا وعشرين سنة ومات. فملك بعده ابنه (هرمز) ثم مات. فملك بعده أخوه (فيروز) سبعا وعشرين سنة، وظهر في أيامه غلاء شديد. ثم ملك بعده ابنه (بلاش) أربع سنين ومات. فملك بعده أخوه (قباذ) ثلاثا وأربعين سنة «وفي أيامه ظهر مزدك الزّنديق وادّعى النبوّة» ثم خلع. وملك بعده أخوه (جاماسف) [ثم تغلب عليه قباذ واستمر في الملك] «3» ثم مات. وملك بعده (أنوشروان) ثمانيا وأربعين سنة، وقتل مزدك الزّنديق وأتباعه وجماعة من المانويّة، وغلب على اليمن وانتزعها من الحبشة. وفي زمانه ولد عبد الله أبو النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثم ولد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في آخر أيامه؛ ثم مات. وملك بعده ابنه (هرمز) نحو ثلاث عشرة

الضرب الثاني ملوكها بعد الإسلام، وهم على ثلاث طبقات

سنة ونصف. ثم ملك (أبرويز بن هرمز) ؛ ثم غلبه على الملك (بهرام جوبين) من غير أهل بيت الملك؛ ثم عاد أبرويز إلى الملك وملك ثمانيا وثلاثين سنة، وتزوّج شيرين المغنية وبنى لها القصر المعروف بقصر شيرين. ثم ملك بعده ابنه (شيرويه) تغلّبا على أبيه ثمانية أشهر. ثم ملك بعده ابنه (أردشير) سنة وستة أشهر. ثم ملك بعده (شهريران) من غير بيت الملك ثم قتل. وملك بعده (بوران) بنت أبرويز سنة وأربعة أشهر. ثم ملك بعدها (خشنشده) من بني عمّ أبرويز أقلّ من شهر. ثم ملك بعده (أزرميدخت) بنت أبرويز أخت بوران. ثم قتلت؛ وملك بعدها (كسرى بن مهر خشنش) ؛ ثم قتلوه بعد أيام؛ ثم ملك بعده فرخ زاد خسرو [من أولاد أنو شروان وملك ستة أشهر «1» وقتلوه؛ ثم ملك] (يزدجرد) وهو آخرهم. الضرب الثاني ملوكها بعد الإسلام، وهم على ثلاث طبقات الطبقة الأولى عمّال الخلفاء قد تقدّم أن فتحها كان في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فتوالت عليها عمّال الخلفاء في بقية خلافة عمر، ثم في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومقامهما يومئذ بالمدينة النبوية؛ ثم لما بويع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بالخلافة بعد قتل عثمان، جعل إقامته بالعراق، ثم كان بعده ابنه الحسن السّبط رضي الله عنه، فأقام بالعراق إلى أن سلّم الأمر إلى (معاوية بن أبي سفيان) فصارت الخلافة إلى بني أميّة، وجعلوا دار إقامتهم بالشأم وتوالت على هذه المملكة نوّابهم في خلافة معاوية؛ ثم (ابنه يزيد) ؛ ثم (ابنه معاوية بن يزيد) ؛ ثم (مروان بن الحكم) ؛ ثم (عبد

الطبقة الثانية خلفاء بني العباس

الملك بن مروان) ؛ ثم (الوليد بن عبد الملك) ؛ ثم (سليمان بن عبد الملك) ؛ ثم (عمر بن عبد العزيز) ؛ ثم (يزيد بن عبد الملك) ؛ ثم (هشام بن عبد الملك) ؛ ثم (الوليد بن يزيد بن عبد الملك) ؛ ثم (يزيد بن الوليد بن عبد الملك) ؛ ثم (إبراهيم بن الوليد) ؛ ثم (مروان بن محمد بن مروان بن الحكم) وهو آخرهم. الطبقة الثانية خلفاء بني العبّاس وقد تقدّم في أوّل هذه [المقالة] «1» أن دار مقامهم كانت بالعراق، وأن أوّل من ولي منهم الخلافة (أبو العبّاس السّفّاح) ، فبنى المدينة الهاشمية ونزلها، ثم انتقل منها إلى الأنبار فكانت دار مقامه إلى أن مات؛ ثم كان بعده أخوه (أبو جعفر المنصور) فبنى بغداد وسكنها؛ ثم سكنها بعده ابنه (المهديّ) بن المنصور؛ [ثم ابنه (الهادي) ] «2» ؛ ثم أخوه (هارون الرشيد) بن المهديّ؛ ثم ابنه (الأمين) ؛ ثم أخوه (المأمون) ؛ ثم أخوه (المعتصم) بن الرشيد؛ ثم (الواثق) بن المعتصم، ثم أخوه (المتوكل) ؛ ثم ابنه (المنتصر) ؛ ثم (المستعين بن المعتصم) ؛ ثم (المعتز بن المتوكل) ؛ ثم (المهتدي) بن الواثق؛ ثم (المعتمد بن المتوكل) ؛ ثم (المعتضد بن الموفق طلحة) بن المتوكل؛ ثم ابنه (المكتفي) بن المعتضد؛ ثم أخوه (المقتدر) ؛ ثم (المرتضي) بن المعتز؛ ثم أخوه (القاهر) ؛ ثم (المقتدر) المقدّم ذكره؛ ثم أخوه (القاهر) المقدّم ذكره؛ ثم ابن أخيه (الراضي) ؛ ثم أخوه (المتقي) ؛ ثم ابن عمه (المستكفي) ؛ ثم ابن عمه (المطيع) ؛ ثم ابنه (الطائع) ؛ ثم (القادر) ؛ ثم ابنه (القائم) ثم ابن ابنه (المقتدي) ؛ ثم ابنه (المستظهر) ثم ابنه (المسترشد) ؛ ثم ابنه (الراشد) ؛ ثم (المقتفي) بن المستظهر؛ ثم ابنه (المستنجد) ؛ ثم ابنه (المستضيء) ؛ ثم ابنه (الناصر) ؛ ثم ابنه (الظاهر) ؛ ثم ابنه (المستنصر) ؛ ثم ابنه (المستعصم) وقتله هولاكو ملك

التتار الآتي ذكره، في العشرين من المحرّم سنة ست وخمسين وستمائة، وهو آخرهم ببغداد. واعلم أن أمر الخلافة كان قد وهى وضعف، وتناهت في الضعف أيام الراضي، وتغلب عمّال الأطراف عليها، فاستولى محمد بن رائق «1» من الفرات على البصرة، والبريديّ على خوزستان، وعماد الدولة بن بويه على فارس، ومحمد بن الياس على كرمان، وركن الدولة بن بويه على الرّيّ وأصفهان «2» ، وبنو حمدان على الموصل وديار بكر وديار مضر وديار ربيعة، وغير أقطار هذه المملكة مع ملوك أخر. ولم يبق للخليفة غير بغداد وأعمالها؛ واستولى ابن رائق على جميع الأمور وخطب باسمه على المنابر، وأقام سنة وعشرة أشهر، ثم صار الأمر بعده إلى (يحكم) «3» مملوك وزير (ماكان) بن كاكي «4» الديلميّ واستمرّ أيام الراضي فقتل؛ واستقرّ (البريديّ) «5» بعده في أيام المتقي وأيام المستكفي، وضربت ألقابه على الدنانير والدراهم، وخطب باسمه على المنابر، واستمرّ ذلك لذويه من بعده؛ ثم ملك بعده (بختيار) ؛ ثم ابن عمه (عضد الدولة) بن ركن الدولة حسن بن بويه؛ ثم ابنه (صمصام الدولة) بن عضد الدولة، ثم أخوه (شرف الدولة شيرزبك) «6» بن عضد الدولة؛ ثم أخوه (بهاء الدولة أبو نصر) بن عضد الدولة؛ ثم ابنه (سلطان الدولة أبو شجاع) ؛ ثم ابنه

(بهاء الدولة) «1» ؛ ثم أخوه (مشرف الدولة بن بهاء الدولة) ؛ ثم أخوه (جلال الدولة) أبو الطاهر بن بهاء الدولة؛ ثم ابن أخيه (أبو كاليجار) بن سلطان الدولة ابن بهاء الدولة؛ ثم ابنه الملك الرحيم (خسرو فيروز) بن كاليجار بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه. وبنو بويه هؤلاء ينسبون إلى يزدجرد ملك الفرس. ثم كانت دولة السّلجوقية. وهي من أعظم الدول الإسلامية، ونسبتهم إلى سلجوق بن دقاق أحد مقدّمي الأتراك، وبهم زالت دولة بني بويه عن بغداد وأعمال الخلافة. وأوّل من ملك منهم (طغرلبك) بن ميكائيل بن سلجوق في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة؛ ثم ملك بعده ابن أخيه (ألب أرسلان) بن داود بن ميكائيل؛ ثم ابنه (ملكشاه) بن ألب أرسلان؛ ثم ابنه (محمود بن ملكشاه) ؛ ثم أخوه (بركيارق) بن ملكشاه؛ ثم أخوه (محمد بن ملكشاه) ؛ ثم ابنه (محمود بن محمد) ؛ ثم ابنه (داود بن محمود) ؛ ثم عمه (طغرلبك) بن محمد؛ ثم أخوه (مسعود) بن محمد؛ ثم ابن أخيه (ملكشاه) بن محمود؛ ثم أخوه (محمد بن محمود) . ثم قام منهم ثلاثة: وهم (ملكشاه بن محمود) أخو محمد المذكور؛ و (سليمان شاه) بن محمد بن ملكشاه، وهو عمّ محمد المذكور؛ و (أرسلان شاه) بن طغرلبك بن محمد بن ملكشاه. ثم قبض على سليمان شاه، ومات ملكشاه، وانفرد أرسلان شاه بن طغرلبك بالسلطنة. ثم ملك بعده ابنه (طغرلبك) بن أرسلان شاه وبقي حتّى قتله علاء الدين تكش صاحب خوارزم وبعض خراسان والرّيّ وغيرها، في خلافة الناصر لدين الله في سنة تسعين وخمسمائة، واشتغل (خوارزم شاه) عن فصل العراق فبقي بيد الخلفاء من لدن الناصر لدين الله، ومن بعده إلى أن انقرضوا بفعلة هولاكو ملك التتر الآتي ذكره.

الطبقة الثالثة ملوكها من بني جنكز خان

الطبقة الثالثة ملوكها من بني جنكز خان وأوّل من ملكها منهم (هولاكو) بن طولي «1» بن جنكز خان المقدّم ذكره، قصدها بأمر أخيه منكوقان «2» بن طولي صاحب التخت في سنة خمسين وستمائة، وقتل المستعصم آخر الخلفاء ببغداد، واستولى على جميع المملكة. قال في «مسالك الأبصار» : قال شيخنا العلامة شمس الدين الأصفهانيّ: إلا أن هولاكو لم يملك ملكا مستقلا بل كان نائبا عن أخيه منكوقان، ولم يضرب باسمه سكة درهم ولا دينار، وإنما كانت تضرب باسم أخيه منكوقان. قال: وكان يكون لصاحب التخت أمير لا يزال مقيما في مملكة إيران مع هولاكو، ومات في تاسع عشر ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وستمائة؛ وملك بعده (ابنه أبغا) . قال الشيخ شمس الدين الأصفهانيّ: ولما ملك أضاف اسمه في السكة إلى اسم صاحب التّخت، وكان قد وجه أخاه منكوتمر إلى الشام والتقى مع الجيوش الإسلامية على حمص، وانكسر عليها؛ ومات سنة إحدى وثمانين وستمائة؛ وملك بعده أخوه (بوكدار بن هولاكو) وأسلم وحسن إسلامه وتلقب أحمد سلطان، وحمل العسكر على الإسلام فقتلوه؛ وملك بعده ابن أخيه (أرغون) بن أبغا بن هولاكو في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وتوفي في ربيع الأوّل سنة تسعين وستمائة؛ وملك بعده أخوه (كيختو) فخرج عن الياسة وأفحش في الفسق بنساء المغل وأبنائهم، فوثب عليه بنو عمه فقتلوه في ربيع الآخر سنة أربع وتسعين وستمائة؛ وملك بعده (بيدو بن طرغاي) بن هولاكو، وبقي حتّى قتل في ذي الحجة من السنة المذكورة؛ وملك بعده (محمود غازان) بن أرغون بن أبغا بن هولاكو، ودخل إلى الشام، وكان بينه وبين الملك الناصر محمد بن قلاوون

وقعات بحمص وغيرها آخرها على شقحب «1» ، كسر فيها كسرة فاحشة، هلك فيها معظم عسكره في سنة اثنتين وسبعمائة، وبقي حتّى توفي في ثالث عشر شوّال سنة ثلاث وسبعمائة؛ وملك بعده أخوه (خدا بندا) والعامة تقول خر بندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو في الثالث والعشرين من ذي الحجة سنة ثلاث وسبعمائة؛ ثم ملك بعده (أبو سعيد بن خدا بندا) وهو آخر من ملك من بني هولاكو، وكان بينه وبين الناصر محمد بن قلاوون مكاتبات ومراسلات وتودّد بعد وحشة، وبموته تفرّقت المملكة بأيدي أقوام، وصارت شبيهة بملوك الطوائف من الفرس. قال في «مسالك الأبصار» بعد ذكر أبي سعيد: ثم هم بعده في دهماء مظلمه، وعمياء مقتمه؛ لا يفضي ليلهم إلى صباح، ولا فرقتهم إلى اجتماع، ولا فسادهم إلى صلاح؛ في كل ناحية هاتف، يدعى باسمه، وخائف، أخذ جانبا إلى قسمه؛ وكل طائفة تتغلب وتقيم قائما تقول هو من أبناء القان، وتنسبه إلى فلان؛ ثم يضمحلّ أمره عن قريب، ولا تلحق دعوته حتّى يدعى فلا يجيب، وما ذلك من الدهر بعجيب. وذكر نحوه في «التعريف» وزاد عليه فقال: «وكان العهد بهذه المملكة لرجل واحد وسلطان فرد مطاع، وعلى هذا مضت الأيام إلى حين وفاة أبي سعيد، فصاح في جنباتها كلّ ناعق وقطع رداءها كل جاذب، وتفرّد كل متغلب منها بجانب؛ فهي الآن نهبى بأيديهم. فأما عراق العرب وهو بغداد وبلادها وما يليها من ديار بكر، وربيعة ومضر، فبيد الشيخ حسن الكبير، وهو الحسن بن الحسين بن أقبغا من طائفة النّورانيين، كان جدّه نوكرا لهولاكو بن طولي بن جنكز خان، والنوكر هو الرفيق. وأما بقيّة ديار بكر، فبيد إبراهيم شاه بن بارنباي بن سوناي. وأما مملكة أذربيجان وهي قطب مملكة إيران، ومقرّ كرسيّ ملوكها من بني جنكز خان؛ فهي الآن بيد أولاد جوبان، وبها القان القائم بها (سليمان شاه) .

الجملة الثامنة في معاملاتها وأسعارها

قال: ولا أعرف صحة نسبه ولا سياقته بالدعوى. وأما خراسان، فبيد القان طغيتمريار. وهو صحيح النسب، غير أني لم أعرف اسم آبائه. وأما بلاد الروم، فقد أضيفت إلى إيران منها قطعة صالحة، وبلاد نازحة، ثم قال: وهي الآن بيد أرتنا، وقد نبه على ذلك ليعرف. قلت: ثم تغيرت الأحوال عن ذلك. الجملة الثامنة في معاملاتها وأسعارها أما معاملاتها فالمعتبر فيها معاملة ثلاث قواعد: الأولى- (بغداد) . قد ذكر في «مسالك الأبصار» : أن ببغداد دينارين. أحدهما يسمّى العوال، عنه اثنا عشر درهما، الدرهم بقيراط وحبتين. وذلك أن الدينار عشرون قيراطا، كل قيراط ثلاث حبات، كل حبة أربعة فلوس من الدرهم النقرة، عن كل فلس فلسان أحمران. والثاني الدينار المرسل، عنه عشرة دراهم، وبه أكثر مبايعاتهم ومعاملات تجّارهم. وقد اختلف أصحابنا الشافعية في رطل بغداد، فذهب الرافعيّ إلى أنه مائة وثلاثون درهما وهو الموجود فيها الآن، وعليه اقتصر في «مسالك الأبصار» . وذهب الشيخ محيي الدين النوويّ إلى أنه مائة وسبعة «1» وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم؛ والمنّ بها رطلان بالتورانيّ. ومكاييلها أكبرها الكرّ، وهو ثلاثون كارة، كل كارة قفيزان، فيكون الكرّ [ستين] قفيزا، والقفيز مكّوكان «2» كل مكّوك خمس عشر «3» اق. وتختلف الكارة في

الجملة التاسعة في ترتيب هذه المملكة على ما كانت عليه في زمن بني هولاكو، آخر أيام أبي سعيد: من الأمراء والوزراء وأرباب الوظائف

الغلال، فالقمح كارته مائتان وأربعون رطلا، وكارة الأرزّ ثلاثمائة رطل، وكارة كلّ من الشعير والحمّص والعدس والهرطمان «1» مائة رطل، وكارة الحبّة السّوداء، وهي الشّونيز مائة رطل. الثانية- (توريز) قاعدة أذربيجان وسائر المملكة غير بغداد وخراسان. فمعاملاتها بدينار يسمّى عندهم بالرابح، عنه ستة دراهم. الثالثة- (نيسابور) قاعدة خراسان. فدينارها أربعة دراهم، وفي بعضها الدينار الرابح المقدّم ذكره. قال في «مسالك الأبصار» : ولا يباع بتوريز وبلادها في الغالب قمح ولا شعير ونحوهما إلا بالميزان، وليس لهم إلا المنّ، وهو بتوريز رطلان بالبغداديّ، فتكون زنته مائتين وستين درهما، وبالسلطانية المنّ ستمائة درهم. وأما أسعارها فنقل في «مسالك الأبصار» عن يحيى بن الحكيم الطياريّ في السعر ببغداد: أن كرّ القمح بتسعة وثلاثين دينارا ونصف دينار، والشعير بخمسة عشر دينارا، كلاهما من العوال. ثم قال: ولعل هذا هو السعر المتوسط، لا يكاد يميل فيه القانون عن معدّله. وذكر أن الأسعار بتبريز والسلطانية إذا لم ينزل عليها السلطان، فأسعارها رخيّة لا إلى غاية، وكلّ بلد نزل عليه السلطان غلت أسعاره، ولعل هذا قد تغير كلها في زماننا كما تغير غيره من الأحوال. الجملة التاسعة في ترتيب هذه المملكة على ما كانت عليه في زمن بني هولاكو، آخر أيام أبي سعيد: من الأمراء والوزراء وأرباب الوظائف أما الأمراء. فقد ذكر في «مسالك الأبصار» أنهم عندهم على أربع طبقات أعلاها النوين، وهو أمير عشرة آلاف، ويعبر عنه بأمير تومان، إذ التّومان عندهم عبارة عن عشرة آلاف، ثم أمير ألف، ثم أمير مائة، ثم أمير عشرة. قال في

«التعريف» : (وحكام دولة هذا السلطان أمراء الألوس، وهم أربعة، أكبرهم بكلاري بك: وهو أمير الأمراء، كما كان قطلو شاه عند غازان، وجوبان عند خدا بندا، ثم عند أبي سعيد) . قال: وهؤلاء الأمراء الأربعة لا يفصل جليل أمر إلا بهم، فمن غاب منهم كتب في اليرالغ: وهي المراسيم كما يكتب لو كان حاضرا، ونائبه يقوم عنه، وهم لا يمضون أمرا إلا بالوزير، والوزير يمضي الأمور دونهم ويأمر نوّابهم فتكتب أسماءهم، والوزير هو حقيقة السلطان، وهو المنفرد بالحديث في المال، والولاية، والعزل، حتّى في جلائل الأمور كما كان بكلاري بك يتحدّث في أمر العسكر بمفرده. فأما الاشتراك في أمور الناس فبهم أجمعين، وليس للأمراء في غالب ذلك من العلم إلا ما علم نوّابهم. قال في «مسالك الأبصار» نقلا عن نظام الدين بن الحكيم الطياريّ: وأمر الجيوش والعساكر إلى كبير أمراء الألوس المسمّى بكلاري بك، كما كان قطلو شاه مع السلطانين محمود غازان وأخيه محمد خدا بندا، وجوبان مع خدا بندا، ثم بعده مع ولده السلطان أبي سعيد بهادر خان، والشيخ حسن بن حسين بن أقبغا مع خانه السلطان محمد بن طشتمر بن اشنتمر بن غبرجي، وإليه يقطع أمر كل ذي سيف. قال: وأمر متحصّلات البلاد ودخلها وخرجها إلى الوزير، وإليه يقطع أمر كل ذي قلم ومنصب شرعيّ، وله التصرف المطلق في الولاية والعزل والعطاء والمنع، لا يشاور السلطان إلا فيما جلّ من المهمات وما قلّ من الأمور، وهو السلطان حقيقة وصاحب البلاد معنى؛ وإليه ترجع الأمور كلها، وإليه عقدها وحلّها. أما السلاطين بها فلا التفات لهم لأمر ولا نهي ولا نظر في متحصّل ولا دخل ولا خرج. قال: وعدّة جيشهم المنزّلة في دواوينهم لا تبلغ عشرين تومانا. أما إذا أرادوا فإنهم يركبون بثلاثين تومانا وما يزيد عليها، وعامة العسكر لا تزال أسماؤهم في دواوينهم على الإفراد، وكلّ طائفة منهم عليهم في الديوان فارس معين، إذا رسم لهم بالركوب ركب العدّة المطلوبة. قال: وقد ذكر أنه كان في هذه المملكة عدّة ملوك كصاحب هراة، وحلول الجبل هم كالعبيد لقانها الأكبر منقادون إليه وداخلون تحت طاعته.

الجملة العاشرة فيما لأرباب المناصب والجند من الرزق على السلطان

وأما القضاة فعادة هذه المملكة أن يكون بها في صحبة السلطان قاضي قضاة الممالك، وهو الذي يولّي القضاة في جميع المملكة على تنائي أقطارها إلا العراق، فإن لبغداد قاضي قضاة مستقلّ بها يولّي فيها وفي بلادها من جميع عراق العرب. وأما الكتّاب وأصحاب الدّواوين: من ديوان الإنشاء ودواوين الأموال، فعلى أتمّ نظام وأعدل قاعدة. الجملة العاشرة فيما لأرباب المناصب والجند من الرزق على السلطان قد نقل في «مسالك الأبصار» عن نظام الدين الطياريّ: أن المقرّر للأمراء في القديم من زمن هولاكو لكل نوين (أمير) تومان: وهو عشرة آلاف دينار رابح، عنها ستون ألف درهم، ثم تزايد الحال بهم حتّى لا يقنع النوين فيهم إلا بخمسين ألف «1» تومان، وهي خمسمائة ألف دينار رابح، عنها ثلاثة آلاف ألف درهم، ومن خمسين تومانا إلى أربعين تومانا. وكان قد استقر لجوبان، وهو يومئذ بكلاري بك ثم لمن بعده ثلاثمائة تومان، وهي ثلاثة آلاف ألف دينار رابح، عنها ثمانية عشر ألف ألف درهم مع ما يحصل لكلّ من أمراء الألوس الأربعة من الخدم الكثيرة في البلاد جميعها عند تقريرات الضمان بها على ضمّانها. قال: وأما أمير ألف ومن دونه، فلا يتجاوز أحد منهم تقريره القديم في الديوان: وهو لأمير الألف ألف دينار رابح، عنها ستة آلاف درهم. وأما أمير المائة وأمير العشرة وكل واحد من العسكرية إلى الجند فمائة دينار رابح، عنها ستمائة درهم لا تفاوت بينهم، وإنما تبقى مزية أمير المائة أو العشرة أنه يأخذ لنفسه شيئا مما هو للعسكرية، ولكل طائفة أرض لنزولهم، توارثها الخلف عن السّلف منذ ملك هولاكو البلاد، فيها منازلهم، ولهم بها مزدرع لأقواتهم، لكنهم لا يعيشون بالحرث والزرع.

وأما الخواتين فإنه يبلغ ما للخاتون «1» الواحدة في السنة مائتي تومان، وهو ألف «2» ألف دينار رابح، عنها اثنا عشر ألف ألف درهم، وما دون ذلك إلى عشرين تومانا، وهو مائتا ألف دينار. عنها ألف ألف ومائتا ألف درهم. وأما الوزير فله مائة وخسمون تومانا، وهو ألف ألف وخمسمائة ألف دينار رابح، عنها تسعة آلاف ألف درهم، ولا يقنع بعشرة أضعاف هذا في تقادير البلاد. وأما الخواجكية «3» من أرباب الأقلام، فمنهم من يبلغ في السنة ثلاثين تومانا، وهي ثلاثمائة ألف دينار، عنها ألف ألف وثمانمائة ألف درهم. ثم قال: والذي للأمراء والعسكرية لا يكتب به مرسوم، لأن كل طائفة ورثت مالها من ذلك عن آبائها، وهم على الجهات التي قررها لهم هولاكو لم تتغير بزيادة ولا نقص، إلا أكابر الأمراء الذين حصلت لهم الزيادات فإنه في ذلك الوقت كتب لهم بها بأمر القان أصدرها الوزراء عنه، ومن الخواتين من أخذ بماله أو ببعضه بلادا فهي له. قال: وفي هذه المملكة ما لا يحصى من الإدرارات والرسومات حتّى إن بعض الرواتب يبلغ ألف دينار. وأما الإدرارات من المبلغ أو القرى، فإنها تبقى لصاحبها كالملك يتصرف فيه كيف شاء من بيع وهبة ووقف لمن أراد.

الجملة الحادية عشرة في ترتيب أمور السلطان بهذه المملكة على ما كان الأمر عليه

الجملة الحادية عشرة في ترتيب أمور السلطان بهذه المملكة على ما كان الأمر عليه حكى في «مسالك الأبصار» عن نظام الدين بن الحكيم الطياريّ أن أهل هذه المملكة من التتر كانوا قد داخلوا العجم وزوّجوهم وتزوّجوا منهم، وخلطوهم بالنفوس في الأمور، فتفخمت قواعدهم، وجرت على عوائد الخلفاء والملوك في غالب الأمور قوانينهم. ثم للسلطان بهذه المملكة مشتى ومصيف: فأما مشتاه فبأوجان بظاهر تبريز، وهو مكان متسع ذو مروج ومياه على ما تقدّم ذكره، وبه قصور لأكابر الأمراء والخواتين. أما عامة الأمراء والخواتين، فإنهم يتخذون زروبا «1» من القصب كالحظائر يتزرّبون بها، وينصبون معها الخركاوات «2» والخيام، فتصير مدينة متسعة الجوانب، فسيحة الأرجاء، حتّى إذا خرجوا لمصيفهم راحلين عنها، أحرقوا تلك الحظائر لكثرة ما يتولد فيما بقي منها من الأفاعي والحيات، ولا يبالون بما يغرم عليها من كثير الأموال. وأما مصيفه فمكان يعرف بقراباغ، ومعناه البستان الأسود، وفيه قرى. ممتدّة، وهو صحيح الهواء، طيب الماء، كثير المرعى، وإذا نزل به الأردو «3» ، وهو وطاق «4» السلطان وأخذت الأمراء والخواتين منازلهم، نصب هناك مساجد جامعة، وأسواق منوّعة، يوجد بها من كل ما في أمهات المدن الكبار حتّى يكون

بها أسواق لا ينكر أحد على أحد، بل كل أحد وما استحسن، إلا أن الأسعار تغلو حتّى يصير الشيء بقيمة مثليه أو أكثر لكلفة الحمل ومشقّة السفر، وذكر أنه كان من عادة سلطانهم أنه لا يعمل موكبا، ولا يجلس لخدمة ولا لقراءة قصص حكمية وإبلاغ مظالم إليه، بل له من أبناء الأمراء خاصة له يقال لهم الإينافية، يكونون حوله لا يكاد منهم من يفارقه. فأما الأمراء فإنهم يركبون في غالب الأيام على نحو عشرين غلوة «1» سهم منها إلى باب الكرباس «2» ، وتنصب لهم هناك كراسيّ صندلية، يجلس كل أمير منهم على كرسيّ منها بحسب مراتبهم: الأعلى ثم الأدنى، ويدخل الوزير في بكرة كل يوم على القان، ويبقى الأمراء على باب الكرباس، فإما أن يخرج لهم القان، وإما أن يأذن لهم في الدّخول، أو لا هذا ولا هذا. فإذا حضر طعام القان بعث إلى كل أمير منهم شيئا للأكل بمفرده يأكله هو ومن انضم معه، فيأكلون ثم يتفرّقون ويذهبون إلى حالهم، ومن تأخر منهم عن الحضور لم يطلب بحضور إلا أن تدعو الحاجة. أما الظّلامات فإن كانت متعلّقة بالعسكرية؛ فإلى أمير الألوس. وإن كانت متعلّقة بالبلاد والأموال أو الرعايا، فإلى الوزير، بل أكثر الظّلامات لا يفصلها إلا الوزير لملازمته باب القان، بخلاف أمير الألوس لقلة ملازمته، ثم قال: وليس في هذه البلاد قاعدة محفوظة، بل كل من انضوى إلى خاتون من الخواتين أو أمير من الأمراء أو كبير من الخواجكية، قام بأمره إما في قضاء حاجة يطلبها. أو إزالة ظلامة يشكوها. حتّى إن من الخواتين والأمراء من يقتل ويوسّط بيده بغير أمر القان ولا أمير الألوس.

الجملة الثانية عشرة فيما يتعلق بترتيب ديوان الإنشاء بهذه المملكة

الجملة الثانية عشرة فيما يتعلق بترتيب ديوان الإنشاء بهذه المملكة أما اليرالغ: وهي المراسيم، فالمتعلق بالأموال تسمّى الطن طمغا «1» ويكون صدورها عن رأي الوزير، وكذلك المتعلق بالبريد. والمتعلق بالعسكرية صادر عن أمير الألوس. وليس لأحد على الجميع خطّ إلا الوزير، وإنما العادة أن يأمر الوزير بكتابة ما يرى، ثم تؤخذ خطوط المتحدّثين فيما يكتب، ثم تحرّر مسودّة وتعرض على الوزير فيأمر بتبييضها، فإذا بيّضت كتب عليها اسم السلطان، ثم تحته اسم الأمراء الأربعة. ويخلّى تحته مكان لخطّ الوزير، ثم يكمل اليرلغ ويختمه بالتاريخ شخص معدّ لذلك غير من يكتب ثم يكتب الوزير في المكان الخالي «فلان شوري» أي هذا كلام فلان يسمي نفسه. ثم إن كان متعلقا بالمال أثبت بالديوان المتعلق به، وإلا فلا. فأما المتعلق بالعسكر، فمنشأ الأمر فيه عن أمير الألوس يأمرهم على بقية الترتيب، ولا خطّ لأمير الألوس بيده. وعادة أصحاب الدواوين عندهم كما هو بمصر والشام لا يعلّم صاحب علامة حتّى يرى خط نائبه عليه أوّلا ليعلم أنه قد ثبت عنده. قلت: وقد اختلفت الأحوال بعد ذلك وتغيرت عما كانت عليه في جل الأمور. المملكة الثانية مما بيد بني جنكزخان مملكة توران «2» قال في «المشترك» : بضم المثناة من فوق وسكون الواو ثم راء مهملة

القسم الأول - منها غزنة وبخارا وسمرقند وعامة ما وراء النهر وتركستان.

وألف ونون. قال في «التعريف» : وهي من نهر بلخ إلى مطلع الشمس على سمت الوسط، فما أخذ عنها جنوبا كان بلاد السّند ثم الهند، وما أخذ عنها شمالا كان بلاد الخفجاخ، وهي طائفة القبجاق، وبلاد الصقلب، والجهاركس، والروس، والماجار، وما جاورهم من طوائف الأمم المختلفة سكّان الشّمال. قال: ويدخل في توران ممالك كثيرة، وبلاد واسعة، وأعمال شاسعة، وأمم مختلفة لا تكاد تحصى، تشتمل على بلاد غزنة، والباميان، والغور، وما وراء النهر الذي هو نهر جيحون، نحو بخارا وسمرقند والصّغد وخجند وغير ذلك، وبلاد تركستان وأشروسنة وفرغانة، وبلاد ساغون وأطرار وصريوم، وبلاد الخطا نحو بشمالق والمالق إلى قراقوم، وهي قرية جنكز خان التي أخرجته، وعرّيسته «1» التي أدرجته. إلى ما وراء ذلك من بلاد الصّين وصين الصّين. ثم قال: وكل هذه ممالك جليلة، وأعمال حفيلة. أما في «المشترك» ، فإنه قد جعل توران اسما لمجموع ما وراء النهر من مملكة الهياطلة وهي جزء مما تقدّم ذكره. وقد قسم في «التعريف» «2» مملكة توران إلى ثلاثة أقسام: القسم الأوّل- منها غزنة وبخارا وسمرقند وعامة ما وراء النهر وتركستان. قال في «مسالك الأبصار» : وما بعده وما معه قال: وهي من أجلّ الممالك وأشهرها. ثم قال: وهي ممالك طائرة السّمعة، طائلة البقعة، أسرّة ملوك، وأفق علماء، ودارة أكابر، ومعقد ألوية وبنود، ومجرى سوابق وجنود؛ كانت بها سلطنة الخانية وآل سامان وبني سبكتكين والغورية، ومن أفقها بزغت شمس آل سلجوق، وامتدت في الإشراق والشّروق، وغير هذه الدول مما طمّ سبهول هذه

الجملة الأولى في ذكر حدودها، وطولها وعرضها، وموقعها من الأقاليم السبعة

الممالك على قربها. كانت قبل انتقالها إلى الإسلام، في ملوك الترك لا ترامى ولا ترام، ولا يشق لها سهام؛ حتّى [إذا] خيم بها الإسلام وحاز ملكها هذه الأمة، برقت بالإيمان أسرّتها، وتطرّزت بالجوامع والمساجد قراها؛ ثم بنيت بها المدارس والخوانق والرّبط والزوايا، وأجريت الأوقاف عليها، وكثر من العلماء أهلها، وسارت لها التصانيف المشهورة في الفقه والحديث والأصول والخلاف، وكان فيهم الرؤساء والأعلام، والكبراء أهل البحث والنظر. ثم قال: هي في أواسط المعمور وأوسع الأرض إذا قيل أنها أخصب بلاد الله تعالى وأكثرها ماء ومرعى، لم يغيّر القائل الحقّ في أوصافها، ذات الأنهار السارحة، والمروج الممتدّة، كأنما نشرت الحلل على آفاقها، ونثرت الحلى على حصبائها. ويرجع المقصود منها إلى سبع جمل: الجملة الأولى في ذكر حدودها، وطولها وعرضها، وموقعها من الأقاليم السبعة أما حدودها وطولها وعرضها، فقال في «مسالك الأبصار» : وهي واقعة بشرق محض آخذة إلى الجنوب؛ يحدّها السّند من جنوبيها، والصّين من شرقيها، وخوارزم وإيران من جنوبيها «1» ، وطولها من ماء السند إلى ماء ايلا المسمّى قراخوجا، وهي تلي بر الخطا، وعرضها من ونج وهو منبع نهر جيحون إلى حدود كركانج قاعدة خوارزم، وحدّها من الجنوب جبال البتّم وماء السّند الفاصل بينها وبين السّند، ومن الشرق أوائل بلاد الخطا، ومن الشّمال مراعي باران وكجند وبعض خراسان إلى بحيرة خوارزم، ومن الغرب بعض خراسان إلى خوارزم إلى مجرى النهر آخذا على الختّل، ثم حكى عن نظام الدين بن الحكيم الطياريّ أن بلاد هذه المملكة متصلة بخراسان متداخلة بعضها ببعض، لا يفصل بينهما بحر ولا نهر ولا جبل ولا مفازة، بل بينها وبين خراسان أنهار جارية ومزارع متصلة.

الجملة الثانية فيما يدخل في هذه المملكة من الأقاليم العرفية، وهي سبعة أقاليم

الجملة الثانية فيما يدخل في هذه المملكة من الأقاليم العرفية، وهي سبعة أقاليم الإقليم الأوّل منها ما وراء النهر قال في «تقويم البلدان» : والذي ظهر لنا في تحديد ما وراء النهر أنه يحيط به من جهة الغرب حدود خوارزم، ومن الجنوب نهر جيحون من لدن بذخشان إلى أن يتصل بحدود خوارزم، فإن جيحون في الجملة يجري من الشرق إلى الغرب، وإن كان يعرض فيه عطفات تجري جنوبا مرة وشمالا أخرى. ثم قال: أما حدوده من الشرق والشّمال فلم تتضح لي. قال صاحب «كتاب أشكال الأرض» : وما وراء النهر من أخصب الأقاليم منزلة، وأنزهها وأكثرها خيرا، وأهلها يرجعون إلى رغبة في الخير، واستجابة لمن دعاهم، مع قلة غائلة، وسلامة ناحية، وسماحة بما ملكت أيديهم؛ مع شدّة شوكة ومنعة وبأس ونجدة وعدّة وعدّة وآلة وكراع وبسالة وعلم وصلاح؛ وليس من إقليم إلا ويقحط أهله مرارا قبل أن يقحط ما وراء النهر مرة واحدة، ثم إن أحسّوا ببرد أو بجراد أو بآفة تأتي على زروعهم وغلاتهم، ففي فضل ما يسلم في عروض بلادهم ما يقوم بأودهم حتّى يستغنوا به عن شيء ينقل إليهم من غير بلدهم، قال: وليس بما وراء النهر مكان يخلو من مدن أو قرى أو مراع لسوائمهم؛ وليس من شيء لا بدّ للناس منه إلا وعندهم منه ما يقيم أودهم ويفضل عنهم لغيرهم؛ ومياههم أعذب المياه وأبردها وأخفّها، وقد عمّت جبالها وضواحيها ومدنها إلى التمكن «1» من الجدّ في جميع أقطارها، والثلوج من جميع نواحيها، والغالب على أهل المال والثروة بها صرف المال في عمل المدارس وبناء الرّبط وعمارة الطرق، والأوقاف على سبل الجهاد ووجوه الخير، وعقد القناطر، إلا القليل من ذوي البطالة.

وفيها من الدّواب الخيل والبغال والحمير والإبل البخت والبقر، والغنم أكثرهم فإنها كما يقال أعوزها للزرائب، وفيها من المباح ما فيه كفايتهم، ولهم من نتاج الغنم الكثير والسائمة المفرطة. وذكر أنه يوجد عند آحاد العامة من عشرين دابة إلى خمسين دابة لا كلفة عليه في اقتنائها لكثرة الماء والمرعى. وفيها من الحبوب القمح والشّعير والحمّص والأرزّ والدّخن «1» وسائر الحبوب خلا الباقلا، وبها من الفواكه المنوّعة الأجناس العنب، والتّين، والرّمّان والتّفّاح، والكمّثرى، والسّفرجل، والخوخ، والمشمش، والتّوت والبطّيخ الأصفر، والبطّيخ الأخضر، والخيار والقثّاء. وفيها من البقول اللّفت والجزر والكرنب والباذنجان، والقرع وسائر أنواع البقول. وفيها من الرياحين الورد والبنفسج والآس واللّينوفر والحبق، ولا يوجد بها الأترجّ والنّارنج واللّيمون والليم «2» ، ولا الموز ولا قصب السّكّر، ولا القلقاس، ولا الملوخيا، فإنها من ذلك عارية الحدائق، خالية المروج، إلا ما أتي به إليها من المحمضات مجلوبا. وفيها أصناف الملبوس: من القزّ والصّوف وطرائف البزّ. وفيها من المعادن معدن زئبق لا يعادله معدن في الغزارة. وقد اشتمل ما وراء النهر على عدة كور: (منها) السّغد. قال في «اللّباب» : بضم السين المهملة وسكون الغين المعجمة ودال مهملة في الآخر، ويقال الصّغد بالصاد بدل السين، ويضاف إلى سمرقند، فيقال سغد سمرقند، وهو أحد منتزهات الدّنيا الأربعة التي هي غوطة

دمشق، ونهر الأبلّة، وشعب بوّان وسغد سمرقند. قال ابن حوقل: وهو أنزه الأربعة لأنه ممتدّ نحو ثمانية أيام، مشتبك الخضرة والبساتين، لا ينقطع ذلك في موضع منه، وقد حفّت تلك البساتين بالأنهار الدائم جريها، ومن وراء الخضرة من الجانبين مزارع، ومن وراء المزارع مراعي السوائم ثم قال: وهي أزكى بلاد الله وأحسنها أشجارا. ومنها أسروشنة. قال في «اللباب» : بضم الألف وسكون السين وضم الراء المهملتين وسكون الواو وفتح الشين المعجمة «1» ثم نون. قال ابن حوقل: والغالب عليها الجبال، ويحيط بها من الشرق بعض فرغانة، ومن الغرب حدود سمرقند، ومن الشّمال بعض فرغانة أيضا، ومن الجنوب بعض حدود كشّ والصّغانيان. قال أحمد الكاتب: ولها عدّة مدن، ويقال إن بها أربعمائة حصن. (ومنها) فرغانة. قال في «المشترك» : بفتح الفاء وسكون الراء المهملة وفتح الغين المعجمة وألف ونون. قال ابن حوقل: وفيها مدن وكور. وإليها ينسب جماعة من العلماء، منهم أبو سعيد الفرغانيّ «2» شارح «تائية ابن الفارض» «3» قال ابن حوقل: وبجبال فرغانة معادن الذهب والفضة والفيروزج والحديد. وقاعدتها بخارا «4» . قال في «اللباب» : بضم الباء الموحدة وفتح الخاء المعجمة ثم ألف وراء مهملة مفتوحة- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول سبع وثمانون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض تسع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة خارجها

نزه كثير البساتين. قال: وليس بتلك البلدان بلد أهلها أحسن قياما على عمارة قراهم منهم. ويحيط بها وبقراها ومزارعها سور واحد اثنا عشر فرسخا، ولها كورة عظيمة تصاقب جيحون على معبر خراسان وبها يتصل سغد سمرقند. قال في «مسالك الأبصار» : وهي أم الأقاليم ويمّ التقاسيم وقد كانت [مستقرّا] للدولة السامانية ومركز أفلاكهم الدائرة، وكانت تلك الممالك كلها تبعا لها، قال صاحب «أشكال الأرض» «1» : ثم لم أر ولم أسمع بظاهر بلد أحسن من بخارا، لأنك إذا علوت لم يقع نظرك من جميع النواحي إلا على خضرة تتصل خضرتها بلون السماء، مكبة زرقاء على بساط أخضر، تلوح القصور فيما بين ذلك كالتّراس التبنية، أو الجحف اللمطيّة «2» ، أو الكواكب العلوية، بين أراض وضياع مقسومة بالاستواء، ممهدة كوجه المرآة في غاية الهندسة، ولها سبعة أبواب حديد: وهي باب المدينة، وباب يون، وباب خضرة، وباب الحديد، وباب قهندر، وباب بني أسد، وباب بني سعد، وليس فيها ماء جار لارتفاعها، ومياههم من النهر الأعظم الجاري من سمرقند وإليها ينسب الإمام الحافظ (أبو عبد الله البخاريّ) صاحب الجامع الصحيح في الحديث. ولها عدّة مدن: (منها) الطّواويس. قال في «اللباب» : بفتح الطاء المهملة والواو وبعد الألف واو ثانية مكسورة ومثناة تحت ساكنة وسين مهملة في الآخر- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول سبع وثمانون درجة وأربعون دقيقة، والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة من مضافات بخارا داخل الحائط الدائر على أعمال بخارا، كثيرة البساتين والماء الجاري. قال: وقد خربت الآن. وقال في «اللباب» : هي

قرية من قرى بخارا خرج منها جماعة من العلماء، وبينها وبين بخارا سبعة فراسخ، وإليها ينسب الطاووسي «1» صاحب «المصباح على الحاوي الصغير» في فقه الشافعية، ردّا لها في النسب إلى المفرد وهو الطاوس. (ومنها) نخشب. قال في «اللباب» : بفتح النون وسكون الخاء وفتح الشين المعجمتين ثم باء موحدة. قال في «تقويم البلدان» : فلما عربت قيل نسف- يعني بفتح النون والسين المهملة وفاء في الآخر. قال ابن حوقل: وهي في مستو من الأرض، والجبال منها على نحو مرحلتين مما يلي كشّ، وبينها وبين جيحون مفازة، ولها نهر يجري في المدينة وينقطع في بعض السنة، والغالب عليها الخصب. قال المهلبيّ: وهي وبيّة. (ومنها) كشّ. قال في «المشترك» : بفتح الكاف ثم شين معجمة مشدّدة- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول تسع وثمانون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض تسع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة قدرها ثلث فرسخ في مثله، وهي خصبة وفواكهها تدرك قبل فواكه غيرها من بلاد ما وراء النهر؛ وطول عملها أربعة أيام في نحوها. قال المهلبيّ: ولها رستاق جليل، ولها نهران، وإليها ينسب جماعة من العلماء. (ومنها) سمرقند. قال في «تقويم البلدان» : بفتح السين المهملة والميم وسكون الراء المهملة وفتح القاف وسكون النون ثم دال مهملة- وموقعها في الإقليم الخامس. قال في «القانون» حيث الطول ثمان وثمانون درجة وعشرون دقيقة، والعرض أربعون درجة. قال ابن حوقل: وهي قصبة السّغد، وهي مبنية على ضفّة واديه، وهي مرتفعة عن الوادي؛ وحول سورها رسم خندق

عظيم؛ ولها نهر يدخل إليها على حمالات في الخندق معمول بالرّصاص وهو نهر جاهليّ يشقّ السوق بموضع يعرف برأس الطاق. قال ابن حوقل: ورأيت على باب من أبوابها يسمّى باب كشّ صفحة من حديد وعليها كتيّبة يزعم أهلها أنها بالحميريّة وأن الباب من بناء تبّع ملك اليمن، وأن من صنعاء إلى سمرقند ألف فرسخ، وأن ذلك مكتوب من أيام تبّع. قال: ثم وقعت فتنة بها في أيام مقامي بها وأحرق الباب وذهبت الكتابة. ثم أعاد عمارة الباب محمد بن لقمان بن نصر السامانيّ ولم يعد الكتابة. قلت: والمراد تبع المسمّى بأسعد أبا كرب؛ وقد أشرت إلى قضية تبّع في بناء سمرقند في الكتاب الذي أنشأته لأن يكتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية إلى تمرلنك عند إرساله بالمفاوضة في الصلح بعد واقعة دمشق والقبض على ابن عثمان صاحب برسا من بلاد الروم بقولي بعد الدعاء: «ولا زال بالنصر تقضي قواضبه، وبالظّفر وحسن الأثر تمضي مقانبه وتشاع مناقبه، وبلسان دولته القاهرة يصاح بتبّع سمرقند لن تبلغ هذه الرتبة حتّى نظّم الجزع ثاقبه» على ما سيأتي ذكره في الكلام على مكاتبة القان صاحب ما وراء النهر، في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى. قال في «مسالك الأبصار» : وسمرقند مدينة مرتفعة يشرف الناظر بها على شجر أخضر، وقصور تزهر، وأنهار تطّرد، وعمارة تتّقد، لا يقع الطّرف بها على مكان إلا ملأه، ولا بستان إلا استحسنه. قال صاحب «أشكال الأرض» : وقد نصصت «1» أسحار السير، وتشبهت بطوائف الحيوان: من الفيلة والإبل والبقر والوحوش المقبل بعضها على بعض. قال: وبها حصن ولها أربعة أبواب: باب مما يلي المشرق يعرف بباب الصّين، مرتفع عن وجه الأرض ينزل إليه «2» بدرج كثيرة، مطل على وادي السّغد، وباب مما يلي المغرب يعرف بباب النّوبهار على نشز من الأرض؛ وباب مما يلي الشّمال يعرف بباب بخارا، وباب مما يلي

الجنوب يعرف بباب كشّ قال: فيها ما في المدن العظام من الأسواق الحسان والحمامات والخانات والمساكن؛ وبناؤها من طين وخشب؛ والبلد كله، طرقه وسككه وأسواقه وأزقّته مفروشة بالحجارة. (ومنها) بنكث «1» . قال في «اللباب» : بكسر الباء الموحدة وسكون النون وفتح الكاف وفي آخرها ثاء مثلثة- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول تسعون درجة، والعرض إحدى وأربعون درجة وعشرون دقيقة، ولها سور وربض وبساتين كثيرة. (ومنها) نوبكت- بنون وواو وباء موحدة ثم كاف ومثناة من فوق. قال ابن حوقل: وهي قصبة «2» ناحية إيلاق، وعليها سور ولها عدّة أبواب، وفيها مياه وبساتين كثيرة. (ومنها) خجندة. قال في «اللباب» : بضم الخاء المعجمة وفتح الجيم وسكون النون ثم دال مهملة- وهي مدينة على طرف سيحون مضمومة إلى فرغانة، واقعة في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول تسعون درجة، والعرض أربعون درجة وخمسون دقيقة. قال في «اللباب» : وهي مدينة كبيرة، وهي في مستو من الأرض، ولها بساتين كثيرة، قال أحمد الكاتب: ومنها إلى سمرقند سبع مراحل، ومنها إلى الشاش كذلك. (ومنها) تنكت. قال في «اللباب» : بضم المثناة من فوق وسكون النون وفتح الكاف وفي آخرها تاء ثانية- وهي مدينة من مدن الساحل، وقيل هي قصبة إيلاق؛ وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول إحدى وتسعون درجة، والعرض ثلاث وأربعون درجة، قال في

«اللباب» : ولها نهر ودار إمارة، وخرج منها جماعة من العلماء. (ومنها) أخسيكث. قال في «اللباب» : بفتح الألف وسكون الخاء المعجمة وكسر السين المهملة وسكون المثناة من تحتها وفتح الكاف وفي آخرها ثاء مثلثة. وهي مدينة من بلاد فرغانة، واقعة في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة، قال في «الأطوال» حيث الطول إحدى وتسعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض اثنتان وأربعون درجة وخمس وعشرون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي على شطّ نهر الشاش في أرض مستوية بينها وبين الجبال نحو فرسخ. (ومنها) ترمذ. قال في «اللباب» : قيل بفتح التاء ثالثة الحروف وقيل بضمها وقيل بكسرها قال: والمتداول على لسان أهلها فتح التاء وكسر الميم، والمشهور في القديم كسر التاء والميم جميعا؛ وقيل بضم التاء والميم وبينهما راء ساكنة وفي آخرها ذال معجمة- وهي مدينة على شطّ جيحون، واقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول إحدى وتسعون درجة وخمس وخمسون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، قال ابن حوقل: ومعظم مساكنها وأسواقها مفروشة بالآجرّ، وهي قصبة تلك النواحي، وأقرب الجبال إليها على مرحلة، وليس لقراها شرب من جيحون بل من نهر الصّغانيان. قال: ولها مدن كثيرة وكور مضافة إليها. قال في «اللباب» : وهي مدينة قديمة. (ومنها) الصّغانيان. قال في «اللباب» : بفتح الصاد المهملة والغين المعجمة وألف ونون ومثناة تحتية ونون في الآخر، جميع ذلك بالتخفيف. قال: ويقال لها بالعجمية جغانيان- وهي مدينة موقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول تسعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثلاث وأربعون درجة وثلاث عشرة دقيقة. قال ابن حوقل: وهي أكبر من ترمذ إلا

الإقليم الثاني تركستان

أن ترمذ أكثر أهلا. ثم قال: وهي كورة كبيرة كثيرة الماء والشجر، والنسبة إليها صغانيّ وصاغانيّ. الإقليم الثاني تركستان بضم التاء المثناة من فوق وسكون الراء المهملة وضم الكاف وسكون السين المهملة وألف بعدها نون، ومعناه ناحية الترك. قال في «مسالك الأبصار» : وهي مملكة لو انفردت لكانت ملكا كبيرا وسلطنة جليلة (زهرة الدّنيا، وطراز الأرض بلاد التّرك) وحقيقة من كناسها رتعت غزلانها، ومن غابها أصحرت «1» ليوثهم. وهي إقليم فسيح المدى، قديم الذكر، منشأ حماه؛ ومنسب كماه. قال: وهو المراد بقولهم بلاد الأتراك؛ ولم تزل الملوك تلحظها لاتقاء بوادرها، والتقاء ذواخرها؛ فأشدّ ما نكّرت الأيام معالمها، وغيرت الغير أحوالها. قال: ولقد صادفت حدّة التتار، في أوّل التّيّار؛ فجاءت قدّامهم في سورة غضبهم، ونفحة نارهم؛ فأمالت السيوف حصائد أحبالهم، ولم يبق إلا من قلّ عديده. ثم قال: حكى لي من جال في رساتيقها، وجاز في قراها، أنه لم يبق من معالمها إلا رسوم داثرة، وأطلال ناتئة، يرى على البعد القرية مشيّدة البناء مخضرّة الأكناف، فيأنس لعله يجد بها أنيسا ساكنا، فإذا جاءها وجدها عالية البنيان، خالية من الأهل والسّكّان؛ إلا أهل العمل وأصحاب السائمة. ليست بذات حرث ولا زرع، وإنما خضرتها مروج أطلعها باريها بها من النباتات البرّية لا بذرها باذر ولا زرعها زارع. ويوجد بها خلف من بقايا العلماء، ويجزى التيمم فيها بالتراب بعد الماء. ومن نواحيها (فاراب) . قال في «المشترك» : بفتح الفاء والراء المهملة بين ألفين وفي آخرها باء موحدة. وقال في «مسالك الأبصار» : الصواب إبدال الفاء باء موحدة؛ لأنه ليس في اللغة التركية فاء. قال ابن حوقل: وهي ناحية لها

غياض ولهم مزارع، ومقدارها في الطول والعرض أقلّ من يوم. قال في «تقويم البلدان» : وتسمّى أطرار. وقاعدتها (قاشغر) . قال في «اللباب» : بفتح القاف وسكون الألف ثم سكون الشين المعجمة أيضا وفتح الغين المعجمة وفي آخرها راء مهملة. قال في «تقويم البلدان» : ويقال لها كاشغر بإبدال القاف كافا- وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ست وتسعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض أربع وأربعون درجة. قال المهلبيّ: وهي مدينة عظيمة آهلة عليها سور وأهلها مسلمون. قال في «القانون» وتسمّى أزدوكند. قال في «مسالك الأبصار» : أما الآن فقاعدتها (قرشي) بقاف وراء مهملة وشين معجمة ثم ياء مثناة من تحت في الآخر. قال في «مسالك الأبصار» : وهي على نهر قراخوجا في نهاية الحدّ. قال: وهي وإن لم تكن شيئا مذكورا، ولا لها على اختلاف حالات الزمان شهرة تذكر، لكن قد شملها في دولة ملوكها الآن «1» من نظر السعادة لنسبتها إلى أنها سكن لهم، وإن كانوا ليسوا بسكّان جدار، ولا متديّرين في ديار، ولكن لاسم وسمت به. وبها عدّة مدن أيضا: (منها) كدر. قال في «الأطوال» : وهي قصبة فاراب. قال في «مسالك الأبصار» : وإليها ينسب فيلسوف الإسلام أبو نصر الفارابيّ. (ومنها) ختن. قال في «اللباب» : بضم الخاء المعجمة وفتح المثناة من فوق ونون في الآخر- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ست وثمانون درجة، والعرض ثنتان وأربعون درجة. قال في «تقويم البلدان» : وهي أقصى تركستان. قال في «العزيزي» : وهي مدينة خصبة آهلة عامرة، بها أنهار كثيرة. (ومنها) جند. قال في «اللباب» : بفتح الجيم وسكون النون وفي آخرها

دال مهملة- وهي بلدة واقعة في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول سبع وثمانون درجة وخمس وأربعون دقيقة. والعرض سبع وأربعون درجة. قال في «اللباب» : وهي في حدود التّرك على طرف سيحون، خرج منها جماعة من الفضلاء. (ومنها) إسفيجاب. قال في «اللباب» : بكسر الألف «1» وسكون السين المهملة وكسر الفاء وسكون المثناة من تحت وفتح الجيم وفي آخرها باء موحدة بعد الألف- ووقع في «مسالك الأبصار» إبدال الفاء باء موحدة- وموقعها في الإقليم السادس «2» من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول تسع وثمانون «3» درجة وخمسون دقيقة، والعرض ثلاث وأربعون «4» درجة. قال في «اللباب» : وهي بلدة كبيرة. قال في «تقويم البلدان» : وهي من ثغور الترك. (ومنها) طراز. قال في «اللباب» : بفتح الطاء «5» والراء المهملتين وألف وزاي معجمة- وهي مدينة على حدّ بلاد التّرك واقعة في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول تسع وثمانون «6» درجة وخمسون دقيقة، والعرض ثلاث وأربعون «7» درجة وخمس وثلاثون دقيقة، قال ابن حوقل: وحولها حصون منسوبة إليها. (ومنها) نيلي. قال في «مسالك الأبصار» : وهي أربعة مدن بين كل مدينة والأخرى فرسخ واحد، ولكل واحدة منها اسم يخصها: فالأولى نيلي، والثانية نيلي مالق، والثالثة كجك، والرابعة تلان. قال: وبينها وبين سمرقند عشرون يوما.

الإقليم الثالث طخارستان

(ومنها) ألمالق- بفتح الهمزة وسكون اللام وفتح الميم وألف بعدها ثم لام مكسورة وقاف في الآخر. قال في «مسالك الأبصار» : وبينها وبين نيلي عشرون يوما. ونقل عن الشيخ محمد الخجنديّ الصوفيّ وغيره أن بها من الخيل والأغنام ما لولا موتان يقع فيها في بعض السنوات، لما بيعت ولا وجد من يشتريها لكثرتها وبركات نتاجها. الإقليم الثالث طخارستان قال في «اللباب» : بضم الطاء «1» المهملة وفتح الخاء المعجمة وألف وضم الراء وسكون السين المهملتين وفتح المثناة من فوق وألف ونون. قال: وهي ناحية مشتملة على بلدان في أعلى نهر جيحون. وقال ابن حوقل: وهو إقليم له مدن كثيرة من مضافات بلخ. وقاعدتها فيما ذكره في «القانون» - ولوالج. قال في «تقويم البلدان» بواوين بينهما لام ساكنة ثم ألف ولام وجيم- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول اثنتان وتسعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال في «القانون» وهي مقرّ مملكة الهياطلة في القديم. قال المهلبيّ: وهي في مستو من الأرض. ولها مدن: (منها) إسكلكند. قال في «اللباب» : بكسر الألف وسكون السين المهملة وفتح الكافين «2» ، بينهما لام ساكنة ثم نون كذلك ودال مهملة في الآخر. قال: وقد تحذف الألف من أوّلها. وهي مدينة صغيرة موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول اثنتان وتسعون درجة وخمسون

الإقليم الرابع بذخشان

دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال في «اللباب» : وهي مدينة صغيرة كثيرة الخير. (ومنها) راون. قال في «اللباب» : بفتح الراء المهملة والواو ونون في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول اثنتان وتسعون درجة وأربعون دقيقة، والعرض سبع وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة. قال في «اللباب» : وهي مدينة من طخارستان ولم يزد «1» . الإقليم الرابع بذخشان «2» قال في «اللباب» : بفتح الباء الموحدة والذال وسكون الخاء وفتح الشين المعجمات ونون في الآخر. قال ابن حوقل: وهو اسم للمدينة والإقليم معا. قال في «اللباب» : وهي في أعلى طخارستان متاخمة لبلاد التّرك. وقال في «مسالك الأبصار» : هي مع مملكة ما وراء النهر وليست حقيقة منها ولا من تركستان، بل هو إقليم قائم بذاته، معدود المجاورة مع أخواته، وقد حوى كل بديع من حيوانه ومعدنه ونباته. ثم حكى عن محمد الخجنديّ الصوفيّ وغيره أن بها معدن البلخش، ومعدن اللّازورد وهما في جبل بها، يحفر عليهما في معادنهما، فيوجد اللّازورد بسهولة، ولا يوجد البلخش إلا بتعب كثير وإنفاق زائد، وقد لا يوجد بعد التعب الشديد والإنفاق الكثير. ولذلك عزّ وجوده، وعلت قيمته، وكثر طالبه، والتفت الأعناق إلى التحلّي به. وقد تقدّم ذكره في المقالة الأولى في الكلام على ما يحتاج الكاتب إلى معرفته ليصفه عند ذكر الأحجار النفيسة. وقد تقدّم هناك أن أنفس قطعة وصلت إلى بلاد الشام منه قطعة زنتها خمسون درهما. وقد ذكر في «اللباب» أن

الجملة الثالثة في الطرق الموصلة إليها وبعض المسافات الواقعة بين بلادها

بها معدن البلّور أيضا، وقد تقدّم ذكره هناك في الكلام على الأحجار النفيسة. الجملة الثالثة في الطرق الموصلة إليها وبعض المسافات الواقعة بين بلادها قد تقدم في الكلام على مملكة إيران الطريق إلى آمل الشطّ بشط جيحون. قال ابن خرداذبه: ومن آمل إلى بخارا تسعة عشر فرسخا، ومن بخارا إلى سمرقند سبعة وثلاثون فرسخا، ومن سمرقند إلى الشّاش اثنان وأربعون فرسخا، ثم إلى باب الحديد ميلان، ثم إلى كار فرسخان، ثم إلى إسفيجاب عشرة فراسخ، ومن إسفيجاب إلى أطرار وهي فاراب ستة وعشرون فرسخا. قال في «تقويم البلدان» : ومن سمرقند إلى خجندة سبع مراحل، ومن خجندة إلى الشّاش أربع مراحل. الجملة الرابعة في عظام الأنهار الواقعة في هذا القسم من مملكة توران، وهي نهران الأوّل- نهر جيحون «1» - بفتح الجيم وسكون الياء المثناة تحت وضم الحاء المهملة وسكون الواو ثم نون؛ ويسمّى نهر بلخ أيضا، إضافة إلى مدينة بلخ من بلاد فارس المقدّم ذكرها. قال في «تقويم البلدان» : وقد اختلف النقل فيه، وأقربه ما نقله ابن حوقل أن عمود نهر جيحون يخرج من حدود بذخشان، ثم تجتمع إليه أنهار كثيرة، ويسير غربا وشمالا حتّى يصل إلى حدود بلخ، ثم يسير إلى ترمذ، ثم غربا وجنوبا إلى زمّ واسمها أمّويه، ويجري كذلك غربا وشمالا إلى خوارزم. قال في «رسم المعمور» : ويخرج جنوبا ويمرّ قرب خجندة ويتجاوزها ويصب في البحر الأخضر «2» .

الجملة الخامسة في معاملاتها وأسعارها

الثاني- نهر سيحون «1» . قال في «تقويم البلدان» : وقد اختلف النقل فيه أيضا. قال: والمختار ما ذكره ابن حوقل، لأنه يحكي ذلك عن مشاهدة. فقال: إن نهر الشاش بقدر الثلثين من نهر جيحون، وهو يجري من حدود بلاد التّرك ويمرّ على أخسيكث، ثم يسير مغرّبا بميلة إلى الجنوب إلى خجندة، ثم يجري إلى فاراب إلى ينغي كنت ثم يقع في بحيرة خوارزم على مرحلتين من ينغي كنت. الجملة الخامسة في معاملاتها وأسعارها أما معاملاتها فبالدينار الرابح، وهو ستة دراهم كما في معظم مملكة إيران. وفي بعضها بالدينار الخراسانيّ وهو أربعة دراهم. قال في «مسالك الأبصار» : ودراهمهم نوعان: درهم بثمانية فلوس، ودرهم بأربعة فلوس. قال: ودراهمها فضّة خالصة غير مغشوشة. وهي وإن قلّ وزنها عن معاملة مصر والشام فإنها تجوز مثل جوازها. وأما أسعارها فأسعارها جميعها رخيّة حتّى إذا غلت الأسعار فيها أعلى الغلوّ، كانت مثل أرخص الأسعار بمصر والشام. الجملة السادسة في من ملك هذا القسم من مملكة توران قد تقدم في الكلام على أصل مملكة توران أنها كانت مملكة التّرك في القديم. وأنه كان بها افراسياب بن «2» شبك بن رستم بن ترك بن كوبر بن يافث بن

الطبقة الأولى ما هو عقيب الفتح، وهم على ضربين

نوح عليه السلام على الخلاف السابق فيه، وكانت تعرف بمملكة الخانية. أما في الإسلام فملوكها على طبقتين: الطبقة الأولى ما هو عقيب الفتح، وهم على ضربين الضرب الأوّل ملوك ما وراء النهر وكانت بيد نوّاب الخلفاء برهة من الزمان في صدر الإسلام، ثم تغلب عليها الملوك بعد ذلك وحازوها، وتوالت عليها أيديهم إلى الآن. وأوّل من تغلب عليها من الملوك السامانية، وهم بنو سامان بن جثمان بن طمغان بن بوشرد بن بهرام چوبين المذكور في أخبار كسرى أبرويز أحد ملوك الفرس. وأوّل من ملكها منهم أولاد أسد بن سامان في خلافة المأمون في سنة أربع ومائتين فتولّى (أحمد بن أسد) فرغانة، و (يحيى بن أسد) الشّاش وأسروشنة «1» و (نوح بن أسد) سمرقند ثم مات نوح بن أسد بسمرقند، ثم مات أحمد بفرغانة واستخلف ابنه نصرا على أعماله؛ وكان إسماعيل بن أحمد يخدم أخاه نصرا فولاه نصر بخارا في السنة المذكورة، وكان إسماعيل رجلا خيرا يحب أهل العلم ويكرمهم، فاستقرّت قدمه ببخارا وملك جميع ما وراء النهر، وملك إسماعيل المذكور خراسان مع ما وراء النهر في سنة سبع وثمانين ومائتين. ثم ملك بعده ما وراء النهر وخراسان (ابنه أحمد بن إسماعيل) حتّى قتل في سنة إحدى وثلاثمائة؛ وولي بعده ما وراء النهر وخراسان ابنه (أبو الحسن نصر ابن أحمد) وتوفي سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة.

وولي بعده ما وراء النهر وخراسان ابنه (نوح بن نصر) وتوفي في سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة. وولي بعده ما وراء النهر وخراسان ابنه (عبد الملك بن نوح) وبقي حتّى قبض عليه إيليك خان ملك الترك، وحبس هو وجميع أقاربه، ومات في الحبس في سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وانقرضت بموته دولة بني سامان، وكانت دولتهم من أحسن الدّول وأعدلها، وكانت ولايتهم إمارة لا ملكا. وملك بعدهم ما وراء النهر (ايليك خان) المقدّم ذكره، وتوالت بأيديهم حتّى ملكها منهم رجل اسمه (أحمد خان) فبقيت بيده حتّى ملكها منه (ملكشاه السّلجوقيّ) في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وأطاعه صاحب تركستان فخطب له وضرب السّكّة باسمه، ثم خرج عنها وعاد أحمد خان إليها، فبقي حتّى ثبتت زندقته وضرب عنقه في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. وملك بعده ابن عمه (مسعود) ، ثم أقيمت الخطبة بما وراء النهر (لبركيارق) ، ثم خطب بركيارق فيما بيده مما وراء النهر وغيره لأخيه محمد بن ملكشاه. ثم غلب عليها الخطا الكفّار في سنة ست وثلاثين وخمسمائة وانتزعوها من يد سنجر بن ملكشاه. ثم صارت بيد الغزّ: وهم طائفة من الترك مسلمون. ثم استولى عليها بنو أنوشتكين ملوك خوارزم الآتي ذكرهم، إلى أن غلب عليها جنكز خان في سنة ستّ عشرة وستمائة. وأمّا غزنة وما معها فكانت بيد بني سامان؛ ثم غلب عليها سبكتكين: وهو أحد مماليك أبي إسحاق بن ألبتكين صاحب جيش غزنة للسامانية المقدّم ذكره في سنة ست وستين وثلاثمائة بعد موت أبي إسحاق المذكور؛ ثم مات وقام بالأمر بها بعده ابنه إسماعيل؛ ثم غلبه عليها أخوه محمود بن سبكتكين، واستضاف إليها بعض خراسان في سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وقطع الخطبة السامانية، وبقي حتّى توفي سنة إحدى وعشرين وأربعمائة. وملك بعده ابنه (محمد بن محمود بعهد من أبيه، ثم قدّم أهل المملكة

عليه أخاه (مسعود بن محمود) وملّكوه عليهم، وبقي حتّى قتل في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة. ثم ملك بعده أخوه محمد المقدّم ذكره وقتل من عامه؛ وملك بعده ابن أخيه (مودود بن مسعود) وتوفي سنة إحدى وأربعين وأربعمائة. وملك بعده عمه (عبد الرشيد بن محمود) وقتل في سنة أربع وأربعين وأربعمائة. وملك بعده أخوه «1» (فرخزاد بن مسعود بن محمود) ، وتوفي سنة إحدى وخمسين وأربعمائة. وملك بعده أخوه الملك المؤيد (إبراهيم بن مسعود) ، وتوفي سنة إحدى وثمانين وأربعمائة. وملك بعده ابنه (مسعود بن إبراهيم) ، وتوفي سنة ثمان وخمسمائة. وملك بعده (أرسلان شاه بن مسعود) . ثم ملك بعده (بهرام شاه بن مسعود) ثم توفي. وملك بعده ابنه (خسرو شاه بن بهرام) ، وتوفي سنة خمس وخمسين وخمسمائة. وملك بعده ابنه (ملكشاه بن خسرو شاه) بن بهرام بن مسعود بن محمد بن سبكتكين، وهو آخرهم. ثم انتقل الملك إلى الغورية. فأوّل من ملك منهم علاء الدين (الحسين بن الحسين) ، ملك عند انقراض الدولة السّبكتكينيّة، واستضافها إلى الغور في سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وتلقّب بالملك المعظم، وتوفي سنة ست وخمسين وخمسمائة. وملك بعده غياث الدين (محمد بن سام بن الحسين) ؛ ثم استولى عليها الغزّ نحو خمس عشرة سنة؛ ثم ملكها (شهاب الدين) أخو غياث الدين المقدّم

الطبقة الثانية ملوكها من بني جنكز خان

ذكره سنة تسع وسبعين وخمسمائة، وقتل سنة اثنتين وستمائة، وفي أيامه كان الإمام فخر الدين الرازي وكان يغشاه ويعظه. ثم ملك بعده علاء الدين (محمد بن سام بن محمد بن مسعود بن الحسين) ؛ ثم غلبه عليها (يلدز) مملوك غياث الدين أخي شهاب الدين؛ ثم غلبه عليها علاء الدين المذكور؛ ثم غلب عليها يلدز أيضا؛ ثم غلب عليها علاء الدين (محمد بن تكش) بن خوارزم شاه في سنة اثنتي عشرة وستمائة، وبقي حتّى غلبه عليها جنكز خان الآتي ذكره في سنة سبع عشرة وستمائة. الطبقة الثانية ملوكها من بني جنكز خان قال في «مسالك الأبصار» : كان جنكز خان قد أوصى بمملكة ما وراء النهر لولده جداي، ويقال له جفطاي فلم يتمكن من ذلك. ثم ملك بعده ابنه قراهولاوو، ثم ولده مبارك شاه؛ ثم غلب عليه قيدو بن قاشي بن يكبوك بن أوكداي بن جنكز خان؛ ثم غلب عليه براق بن بسنطو بن منكوقان بن جفطاي بن جنكز خان. ثم ملك بعده ابنه دوا بن براق، ثم أخوه كنجك، ثم أخوه اسبنغا، ثم أخوه كيوك، ثم أخوه الجكداي، ثم أخوه دراتمر، ثم أخوه ترما شيرين. ثم ملك بعده رجل ليس من أولاد دوا اسمه توزون بن أوياكان. قال: وتخلل في خلال ذلك من وثب على الملك، ولم ينتظم له حال ولا صلت له أعلام دولة، وبقي الملك بعد ترما شيرين غير منتظم حتّى قام جنفصو بن دراتمر بن حلو ابن براق بن بسنطو بن منكوقان بن جفطاي بن جنكز خان. إلى هنا انقضى كلامه في «مسالك الأبصار» . وأوّل من أسلم من ملوك هذه المملكة «ترما شيرين» المقدّم ذكره سنة خمس وعشرين وسبعمائة، فأسلم وحسن إسلامه وأخلص في إسلامه وأيّد

الجملة السابعة في ترتيب هذه المملكة وحال عساكرها

الإسلام، وقام به حق القيام، وأمر به أمراءه وعساكره، فمنهم من كان سبق إسلامه ومنهم من أجاب داعيه فأسلم، وفشا فيهم الإسلام، وعلا لواؤه حتّى لم تمض عشرة أعوام، حتّى اشتمل فيها بملاءته الخاص والعام، وأعان على ذلك من في تلك البلاد من الأئمة العلماء والمشايخ الصلحاء. وصارت التجار من مصر والشام متردّدة إلى تلك الممالك، وهو يكرمهم أتم الإكرام، على أن رعايا هذه المملكة من قدماء الإسلام، السابقين إليه كانوا مع كفر ملوكهم في جانب الإعزاز والإكرام، لا يتطرّق إليهم منهم أذية في دين ولا حال ولا مآل. الجملة السابعة في ترتيب هذه المملكة وحال عساكرها أما ترتيبها فقد أشار في «مسالك الأبصار» إلى أنها على نحو ما تقدّم في مملكة إيران لا تفاق ملوك بني جنكزخان في الترتيب على طريقة واحدة. وأمّا عساكرهم فذكر أن عساكرهم من أهل النّجدة والبأس، لا يجحد ذلك من طوائف الترك جاحد، ولا يخالف فيه مخالف، حتّى حكى في «مسالك الأبصار» عن مجد الدين إسماعيل السلاميّ أنه كان إذا قيل في بيت هولاكو: العساكر تحرّكت من خوارزم والقبجاق، لا يحمل لذلك أحد منهم همّا. وإذا قيل: إن العساكر تحرّكت مما وراء النهر، تأثروا لذلك غاية التأثر، لأن هؤلاء أقوى ناصرا وإن كان أولئك أكثر عددا، لأنه يقال: إن واحدا من هؤلاء بمائة من أولئك، ولذلك كانت خراسان عندهم ثغرا لا يهمل سداده، ولا يزال فيه من يستحق ميراث التخت أو من يقوم مقامه، ولما وقر في صدورهم لهؤلاء من مهابة لا يقلقل طودها، لأنهم طالما بلوهم في الحرب وابتلوهم فيها. القسم الثاني من مملكة توران خوارزم والقبجاق قال في «مسالك الأبصار» : حدّثني الشيخ نجم الدين بن الشّحام الموصليّ: أن هذه المملكة متسعة الجوانب طولا وعرضا، كبيرة الصحراء، قليلة

الجملة الأولى في ذكر حدود هذه المملكة ومسافتها

المدن، وبها عالم كثير لا يدخل تحت حدّ، إلا أنهم ليس لهم كثير نفع لقلة السلاح ورداءة الخيل، وأرضهم سهلة قليلة الحجر، لا تطيق خيل ربّيت فيها الأوعار، فلذلك يقل غناؤها في الحروب. قال في «التعريف» : وكانت هذه المملكة في قديم الزمان زمان الخلفاء وما قبله تعرف بصاحب السرير. قال في «الروض المعطار» : وذلك أنه كان بها سرير من ذهب يجلس عليه ملوكها نقله إليها ملوك الفرس. قال في «التعريف» : وكان صاحبها في الأيام الناصرية (يعني ابن قلاوون) السلطان أزبك خان. قال: وقد خطب إليه السلطان فزوّجه بنتا تقرب إليه، ثم قال: وما زال بين ملوك هذه المملكة، وبين ملوكنا قديم اتحاد، وصدق وداد؛ من أوّل الدولة الظاهرية بيبرس وإلى آخر وقت. ويحصل الغرض من ذلك في ثمان جمل: الجملة الأولى في ذكر حدود هذه المملكة ومسافتها قد ذكر في «مسالك الأبصار» نقلا عن الشيخ علاء الدين بن النّعمان الخوارزميّ أن طول هذه المملكة من بحر اصطنبول إلى نهر أريس ستة أشهر، وعرضها من بلغار إلى باب الحديد أربعة أشهر تقريبا. ثم ذكر عنه في موضع آخر: أن مجموع هذه المملكة من ورعات «1» خوارزم من الشرق إلى باشقرد، وعرضا من خوارزم إلى أقصى بلاد سير، وهي منتهى العمارة في الشّمال. وذكر في موضع آخر عن ابن النعمان أن مبدأ عرض هذه المملكة من ديرقنو، وهي مدينة من بناء الإسكندر، كان عليها باب من حديد قديما، إلى بلاد بوعره (؟) ، وطولها من ماء أريس، وهو أعظم من نيل مصر بكثير من ناحية بلاد الخطا، إلى اصطنبول يعني القسطنطينيّة. قال: ويتجاوز هذا الطول قليلا إلى بلاد تسمّى كمخ مشتركة بين الرّوس والفرنج. وذكر في موضع آخر أن خوارزم إقليم منقطع عن خراسان

الجملة الثانية فيما اشتملت عليه من الأقاليم العرفية

وعن ما وراء النهر، والمفاوز محيطة به من كل جانب، وحدّه متصل بغزنة مما يلي الشمال والغرب وجنوبيه وشرقيه، وهو على جانبي جيحون. قال ابن حوقل: وبلاد خوارزم من أبرد البلاد، ومنها يبتديء الجمود في نهر جيحون. قال في «العزيزيّ» : وبلاد خوارزم في جهة الجنوب والشرق عن بحيرة خوارزم، وبينهما نحو ست مراحل. قال في «مسالك الأبصار» : وأوّل حدّ خوارزم بلدة تسمّى الظاهرية مما يلي آمل، وتمتدّ العمارة في جانبي جيحون معا. وحكى عن حسن الروميّ التاجر السّفّار أن طولها من مدينة باكو المعروفة بالباب الحديد إلى حدود بلاد الخطا، فيكون بسير القوافل خمسة أشهر، وعرضها من نهر جيحون إلى نهر طونا. وقال في «مسالك الأبصار» : وهذه المملكة واقعة في الشمال آخذة إلى الشرق، تحدّها أطراف الصّين من شرقيها، وبلاد الصّقلب وما يليها من شماليها، وخراسان وما سامتها من جنوبيّها، والخليج القاطع من بحر الروم من غربيّها. الجملة الثانية فيما اشتملت عليه من الأقاليم العرفية اعلم أن هذه المملكة قد اشتملت على عدّة أقاليم: الإقليم الأوّل خوارزم بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وألف بعدها راء مهملة ثم زاي معجمة ساكنة وميم في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : وهو إقليم منقطع عن خراسان وعن ما وراء النهر، والمفاوز محيطة به من كل جانب. قال: ويحيط به من الغرب بعض بلاد التّرك؛ ومن جهة الجنوب خراسان؛ ومن الشرق بلاد ما وراء النهر؛ ومن الشمال بلاد الترك أيضا. قال: وإقليم خوارزم في آخر جيحون، وليس بعده على النهر عمارة إلى أن يقع جيحون في بحيرة خوارزم، وهو على جانبي جيحون.

القاعدة الأولى القديمة مدينة كاث

قال ابن حوقل: (وبلاد «1» خوارزم من أبرد البلاد، ويبتديء الجمود في نهر جيحون من جهة خوارزم) . وقال المهلبيّ: بلاد خوارزم في جهة الجنوب والشرق عن بحيرة خوارزم إلى آمل نحو اثنتي عشرة مرحلة، ومن خوارزم إلى بحيرة خوارزم نحو ست مراحل. قال في «مسالك الأبصار» : وبخوارزم جبل يقال له جبل الخير به عين تعرف به، يقصدها ذوو الأمراض المزمنة، ويقيمون عندها سبعة أيام، في كل يوم يغتسلون بها بكرة وعشية، ويشربون منها عقب كل اغتسال حتّى يتضلّعوا «2» ، فيحصل البرء. قال: وخوارزم على جيحون بين شعبتين منه مثل السراويل. قال: ويلي خوارزم أرض مدوّرة تسمّى قسلاع، طولها خمسة أشهر، وعرضها كذلك كلها صحراء، يسكنها أمم كثيرة من البرجان، ويفصل بينها وبين نهر جيحون جبل اسمه أو يلغان شماليّ خراسان. ولها قاعدتان. القاعدة الأولى القديمة مدينة كاث بكاف وألف وثاء مثلثة. قال ابن حوقل: وهو اسمها بالخوارزميّة؛ وهي مدينة واقعة في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول خمس وثمانون درجة، والعرض إحدى وأربعون درجة وست عشرة دقيقة. قال في «القانون» : وهي في شرقيّ جيحون. قال المهلبيّ: وبينها وبين القرية الحديثة من بلاد الترك خمسون فرسخا. قال: وهي من أجلّ مدن خوارزم. قال ابن حوقل: وقد خربها التّتر وبنى الناس لهم مدينة وراءها. قال: وكانت هذه المدينة في الجانب الشماليّ عن جيحون. قال في «مسالك الأبصار» : وبها مائة بيت من اليهود، ومائة بيت من النصارى، لا يسمح لهم بأكثر من ذلك.

القاعدة الثانية كركانج

القاعدة الثانية كركانج قال في «المشترك» : بضم الكاف وسكون الراء المهملة ثم كاف ثانية وألف ونون ساكنة وفي آخرها جيم. قال: ويلتقي فيها ساكنان (يعني الألف والنون) ولذلك يكتبونها كركنج بغير ألف، وتعرف بكركنج الكبرى، والعرب تسميها الجرجانية- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» و «القانون» حيث الطول أربع وثمانون درجة ودقيقة واحدة، والعرض اثنتان وأربعون درجة وسبع وخمسون دقيقة. قال في «المشترك» : وهي على ضفّة جيحون. قال في «القانون» من غربيه. وبها عدّة مدن أيضا: (منها) كركنج الصغرى. وتعرف بالجرجانية أيضا- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة أيضا. قال في «الأطوال» حيث الطول أربع وثمانون درجة وخمس دقائق، والعرض اثنتان وأربعون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال في «المشترك» : وهي مدينة قريبة من كركنج الكبرى، بينهما عشرة أميال، وهي في غربيّ جيحون. (ومنها) زمخشر. قال في «اللباب» : بفتح الزاي المعجمة والميم وسكون الخاء وفتح الشين المعجمتين وراء مهملة في الآخر- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول أربع وثمانون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض إحدى وأربعون درجة وخمس أربعون دقيقة. وإليها ينسب الإمام أبو القاسم محمود الزّمخشريّ «1» صاحب «الكشّاف» في التفسير وغيره من المصنفات الفائقة النافعة. (ومنها) هزار اسب. قال في «اللباب» : بفتح الهاء والزاي المعجمة وسكون الألف وفتح الراء وسكون السين المهملتين وباء موحدة في الآخر- وهي

الإقليم الثاني الدشت

قلعة بخوارزم موقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول خمس وثمانون درجة وعشرون دقيقة، والعرض إحدى وأربعون درجة وعشرون دقيقة. قال السمعانيّ: ويقال لها بالفارسية هزار سف. قال: وهي قلعة حصينة. قال المهلبيّ غربيّ جيحون، وبينها وبين مدينة كاث ستة فراسخ. (ومنها) درعان. بدال وراء وعين «1» مهملات وألف ثم نون- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول ست وثمانون درجة وأربع وعشرون دقيقة، والعرض أربعون درجة وثلاثون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي آخر حدود خوارزم إلى جهة مرو. قال المهلبيّ: وبينها وبين هزار اسب أربعة وعشرون فرسخا. (ومنها) فربر. قال في «اللباب» : بفتح الفاء والراء المهملة وسكون الباء الموحدة. وقال في «مزيل الارتياب» : بفتح الفاء وكسرها «2» ، كل منهما مسموع- وهي مدينة على طرف جيحون مما يلي بخارا- موقعها في آخر الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول سبع وثمانون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال في «القانون» : وهي المعبر من بلاد ما وراء النهر إلى خراسان. وجعلها ابن حوقل من أعمال بخارا. فتكون مما وراء النهر، وهي خصبة ولها قرى عامرة. الإقليم الثاني الدّشت بفتح الدال المهملة وسكون الشين المعجمة وتاء مثناة فوق في الآخر- وهي صحارى في جهة الشّمال، وتضاف إلى القبجاق بفتح القاف وسكون الباء الموحدة وفتح الجيم وألف بعدها ثم قاف- وهم جنس من التّرك يسكنون هذه الصحارى، أهل حلّ وترحال، على عادة البدو.

وقاعدة المملكة بها (صراي) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح الصاد والراء المهملتين وألف وياء مثناة تحتية. ووقع في «مسالك الأبصار» بالسين المهملة بدل الصاد- وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» : وهي مدينة عظيمة في مستو من الأرض على شطّ نهر [الأثل] «1» من الجانب الشماليّ [الشرقيّ] «2» غربيّ بحر الخزر وشماليه على مسيرة نحو يومين، وبحر الخزر شرقيها بجنوبيها، ونهر الأثل عندها يجري من الشّمال والغرب إلى الشرق والجنوب حتّى يصب في بحر الخزر. وهي فرضة عظيمة للتجار ورقيق التّرك. وذكر في «مسالك الأبصار» عن عبد الرحمن الخوارزميّ الترجمان: أنها بناء بركة بن طوجي بن جنكز خان، وأنها في أرض سبخة بغير سور، ودار الملك بها قصر عظيم على عليائه هلال من ذهب زنته قنطاران بالمصريّ، ويحيط بالقصر سور وأبراج فيها الأمراء، وبهذا القصر يكون مشتاهم؛ والسراي مدينة كبيرة ذات أسواق وحمامات ووجوه برّ، مقصودة بالإجلاب، وفي وسطها بركة ماؤها من نهر الحل ماؤها «3» للاستعمال. أما شربهم فمن النهر يسقى لهم في جرار فخّار، وتصفّ على العجلات وتجرّ إلى المدينة وتباع بها. قال: وبعدها عن خوارزم نحو شهر ونصف. قال في «تقويم البلدان» : وقد بنى بها السلطان أزبك مدرسة للعلم. قال في «مسالك الأبصار» : وهم في جهد من قشف العيش لأنهم ليسوا أهل حاضرة، وشدّة البرد تهلك مواشيهم. قال: وهم لشدّة ما بهم من سوء الحال إذا وجد أحدهم لحما صلقه ولم ينضجه وشرب مرقه، وترك اللحم ليأكله مرة أخرى، ثم يجمع العظام ويعاود صلقها مرة أخرى ويشرب مرقها، وقس على هذا بقية عيشهم. ونقل عن جمال الدين عبد الله الحصني التاجر: أنّ لبس كثير منهم الجلود: مذكّاة كانت أو ميتة، مدبوغة أو غير مدبوغة، من حيوان طاهر أو غيره، ولا يعرفون في المآكل ما يعاف مما لا يعاف، ولا التحريم من التحليل؛ وأنهم يبيعون أولادهم في بعض

الإقليم الثالث بلاد الخزر

السنين لضيق العيش. قال: ومع ذلك فليس لهم تمسّك بدين ولا رزانه في عقل؛ ثم عقب ذلك بأن قال: ومع ذلك فهم من خيار التّرك أجناسا لوفائهم وشجاعتهم وتجنبهم الغدر، مع تمام قاماتهم وحسن صورهم وظرافة شمائلهم. ثم قال: ومنهم معظم جيش الديار المصرية من ملوكها وأمرائها وجندها؛ إذ لما رغب الملك الصالح (نجم الدين أيوب) في مشترى المماليك منهم، ثم صار من مماليكه من انتهى إلى الملك والسلطنة، فمالت «1» الجنسية إلى الجنسية، ووقعت الرغبة في الاستكثار منهم حتّى أصبحت مصر بهم آهلة المعالم، محميّة الجوانب؛ منهم أقمار مواكبها، وصدور مجالسها، وزعماء جيوشها، وعظماء أرضها. وحمد الإسلام مواقفهم في حماية الدّين، حتّى إنهم جاهدوا في الله أهليهم. قال: وكفى بالنصرة الأولى يوم عين جالوت في كسر الملك المظفر قطز صاحب مصر إذ ذاك في سنة ثمان وخمسين وستمائة عساكر هولاكو ملك التّتر بعد أن عجز عنهم عساكر الأقطار، واستأصلوا شأفة السلطان (جلال الدين محمد بن خوارزم شاه) وقتلوا عساكره؛ مع أن الجيش المصريّ بالنسبة إلى العساكر الجلالية كالنقطة من الدائرة، والنّغبة من البحر، والله يؤيد بنصره من يشاء. أما في زماننا هذا فإنه منذ قام السلطان الملك الظاهر برقوق من جنس الجركس، رغب في المماليك من جنسه وأكثر من المماليك الجراكسة حتّى صار منهم أكثر الأمراء والجند، وقلّت المماليك الترك من الديار المصرية حتّى لم يبق منهم إلا القليل من بقاياهم وأولادهم. الإقليم الثالث بلاد الخزر بفتح الخاء والزاي المعجمتين وراء مهملة في الآخر. وقاعدته مدينة (بلنجر) . قال في «اللباب» : بفتح الباء الموحدة واللام

الإقليم الرابع القرم

ونون ساكنة وجيم مفتوحة ثم راء مهملة- وهي مدينة بدربند خزران، واقعة في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول خمس وسبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض خمسون درجة وثلاثون دقيقة. قال في «كتاب الأطوال» : وهي إتل. قال في «اللباب» : وهي داخل الباب والأبواب، قيل إنها نسبت إلى بلنجر بن يافث. الإقليم الرابع القرم قال في «تقويم البلدان» : بكسر القاف والراء المهملة وميم في الآخر. قال وهو اسم لإقليم يشتمل على نحو أربعين بلدا. وقاعدتها (صلغات) . قال في «تقويم البلدان» : بضم الصاد المهملة وسكون اللام وفتح الغين المعجمة وألف وتاء مثناة فوقية في الآخر- وقد أطلق الناس اسم القرم عليها حتّى إذا قالوا القرم لا يريدون إلا صلغات- وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال: والقياس أنها حيث الطول سبع وخمسون درجة وعشر دقائق والعرض خمسون درجة. قال: وهي عن البحر على نصف يوم؛ وهي عن الأزق في الغرب والشمال. وبصراي بلاد مضافة إليها: (منها) الأكك. قال في «تقويم البلدان» : بضم الهمزة وفتح الكاف الأولى ثم كاف ثانية- وهي بليدة من بلاد الصّراي، موقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» : القياس حيث الطول ثمان وسبعون درجة، والعرض تسع وأربعون درجة وخمس وخمسون دقيقة، وهي على جانب نهر إتل من الجانب الغربي بين صراي وبلار، على قرب منتصف الطريق بينهما؛ وهي عن كل واحدة منهما على نحو خمس عشرة مرحلة. وإلى الأكك هذه ينتهي أردو القان صاحب هذه المملكة؛ ولها مدن أخر كما تقدم. وهي عن الكفا شمال

الإقليم الخامس بلاد الأزق

بغرب، وعن صوداق شمال بشرق، وبين كل منهما مسيرة يوم؛ وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. (ومنها) صوداق. قال في «تقويم البلدان» : بضم الصاد المهملة وواو، وفتح الدال المهملة وألف وقاف في الآخر، والعامة يقولون: سرداق، فيبدلون الصاد سينا مهملة والواو راء مهملة- وموقعها في آخر الإقليم السابع من الأقاليم السبعة أو في الشمال عنه. قال ابن سعيد: حيث الطول ست وخمسون درجة، والعرض إحدى وخمسون درجة. قال في «تقويم البلدان» : وهي في ذيل جبل على شطّ بحر القرم، وأرضها محجر وهي مسوّرة، وهي فرضة للتجار؛ ويقابلها من البرّ الآخر مدينة سامسون، من سواحل بلاد الروم الآتي ذكرها. قال: وأهلها مسلمون. وقال ابن سعيد: أهلها أخلاط من الأمم والأديان، والأمر فيها راجع إلى النصرانية. وإليها ينسب الجلد السّرداقيّ المعروف. (ومنها) كفا. قال في «تقويم البلدان» : بفتح الكاف والفاء وألف مقصورة. وهي فرضة القرم- وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال: والقياس أنها حيث الطول سبع وخمسون درجة، والعرض خمسون درجة، وهي في وطاة من الأرض؛ وهي على ساحل بحر القرم، ويقابلها من البر الآخر مدينة طرابزون من سواحل بلاد الروم، وهي شرقيّ صوداق، وعليها سور من لبن، ومن شماليها وشرقيها صحراء القبجاق؛ وهي عن صوداق في سمت الشرق، والكفا وصوداق وصلغات كالأثافي. الإقليم الخامس بلاد الأزق قال في «تقويم البلدان» : بفتح الهمزة والزاي المعجمة وقاف في الآخر. وقاعدته مدينة الأزق بالضبط المعروف- موقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أنها حيث الطول خمس وستون درجة، والعرض ثمان وأربعون درجة. قال: وإليها ينسب بحر الأزق

الإقليم السادس بلاد الجركس

المعروف في الكتب القديمة ببحر مانيطش «1» ، وهي فرضة على بحر الأزق في مستو من الأرض عند مصبّ نهر «تان» في بحر الأزق، وبناؤها بالخشب، وبينها وبين القرم نحو خمس عشرة مرحلة، وهي في الشرق والجنوب عن القرم. ولها مدن أخر: (منها) الكرش. قال في «تقويم البلدان» : بفتح الكاف وسكون الراء المهملة وشين معجمة في الآخر- وهي بلدة صغيرة على ساحل بحر الأزق، واقعة في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» : القياس حيث الطول ستون درجة، والعرض سبع وأربعون درجة وثلاثون دقيقة. وهي بلدة صغيرة بين الكفا والأزق على فم بحر الأزق، ويقابلها من البر الآخر الطامان من سواحل أرمينية وبلاد الروم، وأهلها قبجاق كفّار. الإقليم السادس بلاد الجركس بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الكاف وسين مهملة في الآخر. قال المؤيد صاحب حماة في «تاريخه» : وهو على بحر نيطش «2» من شرقيّه، وهم في شظف من العيش. قال: وقد غلب عليهم دين النصرانية، وقد صار في زماننا منهم أكثر عسكر الديار المصرية من لدن ملك الظاهر برقوق فإنه أكثر الإجلاب منهم «3» .

الإقليم السابع بلاد البلغار

الإقليم السابع بلاد البلغار بضم الباء الموحدة وسكون اللام وفتح الغين المعجمة وألف ثم راء مهملة في الآخر. وهم جنس معروف أيضا. قال صاحب حماة في «تاريخه» : وهم منسوبون إلى بلدان يسكنونها. وقاعدتها مدينة (بلار) بضم الباء الموحدة وفتح اللام وألف وراء مهملة في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : ويقال لها بالعربيّ بلغار- وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة، أو في الشّمال عنه. قال في «الأطوال» وطولها ثمانون درجة، والعرض خمسون درجة وثلاثون دقيقة؛ وهي بلدة في نهاية العمارة قريبة من شطّ نهر إتل من البر الشماليّ الشرقيّ، وهي وصراي في برّ واحد، وبينهما فوق عشرين مرحلة، وهي في وطاة والجبال عنها أقل من يوم؛ وأهلها مسلمون حنفيّة، وليس بها شيء من الفواكه ولا أشجار الفواكه لشدّة بردها، والفجل الأسود في غاية الكبر. قال السلطان عماد الدين صاحب حماة: وقد حكى لي بعض أهلها أن في أول الصيف لا يغيب الشّفق عنها ويكون ليلها في غاية القصر. ثم قال: وهذا الذي حكاه صحيح موافق لما يظهر بالأعمال الفلكية، لأن من عرض ثمانية وأربعين ونصف يبتديء عدم غيبوبة الشّفق في أول فصل الصيف، وعرضها أكثر من ذلك، فصح ما تقدّم على كل تقدير. قال في «مسالك الأبصار» : وحكى لي الحسن الإربلي أن أقصر ليلها أربع ساعات ونصف، وهو غاية نقصان الليل. قال حسن الروميّ: وسألت مسعودا المؤقت بها عن هذا فقال: جربناه بالآلات الرّصدية فوجدناه كذلك تحريرا. قال في «مسالك الأبصار» : وقد ذكر المسعوديّ في «مروج الذهب» أنه كان في السّرب والبلغار من قديم دار إسلام ومستقرّ إيمان. فأما الآن فقد تبدّلت بإيمانها كفرا، وتداولها طائفة من عبّاد الصليب، ووصلت منهم رسل إلى حضرة مصر سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة من صاحب السّرب «1» والبلغار، يعرض نفسه على مودّته، ويسأله سيفا يتقلده وسنجقا

يقهر أعداءه به، فأكرم رسله وأحسن نزله؛ وجهز له معه خلعة كاملة: طرد وحش بقصب بسنجاب مقندس «1» على مقرح «2» سكندريّ وكلوتة زركش بطرفين، ومنطقة ذهب، وكلاليب ذهب وسيف محلّى، وسنجق سلطانيّ أصفر مذهب. قال: وهم يدارون سلطان القبجاق لعظيم سلطانه عليهم، وأخذه بخناقهم لقربهم منه. وذكر في «التعريف» قريبا منه؛ ولصاحب السّرب مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، يأتي ذكرها في المكاتبات إن شاء الله تعالى. وبين السّرب والبلغار وبلاد الترك بلاد: (منها) أقجا كرمان- بفتح الهمزة وسكون القاف وفتح الجيم وألف وفتح الكاف والراء المهملة والميم وألف والنون في الآخر- وهي بليدة على بحر نيطش المعروف ببحر القرم، واقعة في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أنها حيث الطول خمس وأربعون درجة، والعرض خمسون درجة، وهي في مستو من الأرض، وأهلها أخلاط من مسلمين وكفّار، وعلى القرب منها يصب نهر طرلو. (ومنها) صاري كرمان. قال في «تقويم البلدان» : بفتح الصاد المهملة وألف وكسر الراء المهملة وياء مثناة تحتية- وكرمان على ما تقدم، منخرطة في أقجا كرمان، وهي بليدة أصغر من أقجا كرمان- وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» حيث الطول خمس وخمسون درجة، والعرض خمسون درجة قياسا، ويقابلها من البر الآخر مدينة سنوب من سواحل بلاد الروم، وهي شرقيّ أقجا كرمان المقدّم ذكرها، وبينهما نحو خمسة عشر يوما، وبينها وبين صلغات نحو خمسة أيام.

الإقليم الثامن بلاد الأولاق

الإقليم الثامن بلاد الأولاق بضم الهمزة وسكون الواو ولام ألف بعدها قاف، ويقال لهم البرغال بضم الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الغين المعجمة وألف ثم لام، وهم جنس معروف. وقاعدتها مدينة (طرنو) . قال في «تقويم البلدان» : بالطاء المكسورة والراء الساكنة المهملتين والنون المفتوحة وواو في الآخر- وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أنها حيث الطول سبع وأربعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمسون درجة. قال: وهي غربيّ صقجي على ثلاثة أيام منها، وأهلها كفّار من الجنس المذكور. ولهم بلاد أخرى: (منها) صقجي. قال في «تقويم البلدان» : قال بعض الفقهاء «1» : بفتح الصاد المهملة وسكون القاف وكسر الجيم المشربة بالشين المعجمة وفي الآخر مثناة تحتية- وهي من أولاق وبلاد القسطنطينيّة. قال في «الأطوال» حيث الطول ثمان وأربعون درجة وسبع وثلاثون دقيقة، والعرض خمسون درجة، وهي متوسطة بين الصّغر والكبر في مستو من الأرض، عند مصب نهر طنا في بحر نيطش المعروف ببحر القرم في الجانب الجنوبيّ الغربيّ منه. وهي عن أقجا كرمان على مسيرة خمسة أيام، وبينها وبين القسطنطينيّة في البحر عشرون يوما، وغالب أهلها مسلمون. الإقليم التاسع بلاد الآص «2» بفتح الهمزة الممدودة وصاد مهملة- وهم جنس معروف.

الإقليم العاشر بلاد الروس

وقاعدته (قرقر) . قال في «تقويم البلدان» : بكسر القاف وسكون الراء المهملة وسكون القاف الثانية (؟) وكسر الراء المهملة في الآخر. ومعنى اسمها بالتركية أربعون رجلا؛ وموقعها في آخر الإقليم السابع. قال في «تقويم البلدان» : القياس أنها حيث الطول خمس وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمسون درجة. قال: وهي قلعة عاصية على جبل لا يقدر أحد على الطلوع إليه، ووسط ذلك الجبل وطاة تسع أهل البلاد؛ وهي بعيدة عن البحر في شماليّ صاري كرمان على نحو يوم، وعندها جبل عظيم شاهق في الهواء يقال له (جاطوطاغ) بفتح الجيم وألف وطاء مكسورة وواو ساكنة وطاء مهملة وألف وغين معجمة، يظهر للمراكب من بحر القرم. الإقليم العاشر بلاد الرّوس بضم الراء المهملة وسكون الواو وسين مهملة في الآخر. وهم جنس معروف. قال في «تقويم البلدان» : في شماليّ مدينة بلار المذكورة. قال صاحب حماة في «تاريخه» : ولهم جزائر أيضا في بحر نيطش وبلار في شماليّه. قال: وقد غلب عليهم دين النصرانية. قال في «مسالك الأبصار» : وإذا سافر المسافر على غربيّ جولمان وصل إلى بلاد الرّوس، ثم إلى بلاد الفرنج وسكّان البحر الغربيّ. قال في «تقويم البلدان» : وفي شماليّ الروس الذين يبايعون مغايبة. ونقل عن بعض من سافر إلى تلك البلاد أنهم يتصلون بساحل البحر الشماليّ، فإذا وصلوا إلى تخومهم، أقاموا حتى يعلموا بهم، ثم يتقدّمون إلى المكان المعروف بالبيع والشراء، ويحطّ كلّ تاجر بضاعته معلّمة ويرجعون إلى منازلهم، فيحضر أولئك القوم ويضعون قبالة تلك البضاعة السّمّور والثعلب والوشّق وما شاكل ذلك، ويدعونه ويمضون، ثم يحضر التّجّار فمن أعجبه ذلك أخذه، وإلا تركه حتّى يتفاصلوا على الرضا. وقد ذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ علاء الدين بن النعمان: أن

الجملة الثالثة في ذكر الأنهار العظام والبحيرات الواقعة في هذه المملكة

البلاد التي يجلب منها السّمّور والسّنجاب هي بلار المقدّمة الذكر. قال ابن النعمان: وتجّار بلادنا لا يتعدّون بلاد البلغار، وتجّار البلغار يسافرون إلى بلاي جقطاي، وتجار جولمان يسافرون إلى بلاد بوغزه، وهي في أقصى الشّمال ليس بعدها عمارة سوى برج عظيم من بناء الإسكندر على هيئة المنارة العالية، ليس وراءه مذهب لأحد إلا الظلمات، فسئل عن الظلمات فقال: صحار وجبال لا يفارقها الثّلج والبرد، ولا تطلع عليها الشمس، ولا ينبت فيها نبات، ولا يعيش فيها حيوان، متصلة ببحر أسود لا يزال يمطر، الغيم منعقد عليه. واعلم أن صاحب «تقويم البلدان» قد ذكر عدّة أماكن من هذه المملكة سوى ما تقدّم ولم ينسبها إلى إقليم. (منها) كومّاجر- بضم الكاف وسكون الواو والميم المشدّدة وألف وجيم وراء مهملة- وهي مدينة قريبة من الوسط ما بين باب الحديد والأزق، شرقيّ الأزق وغربيّ باب الحديد. (ومنها) مدينة لكز- بفتح اللام وسكون الكاف وفي آخرها زاي معجمة- وهي مدينة يسكنها جنس من الترك يقال لهم اللكزى، وهم في الجبل الفاصل بين تتر مملكة بركة، وتتر مملكة هولاكو. (ومنها) بلاد القيتق- بفتح القاف وسكون المثناة تحت وفتح المثناة من فوق وفي آخرها قاف ثانية، وهم جنس من الترك يسكنون الجبل المتصل باللّكز من شماليه. قال في «تقويم البلدان» وهم قطّاع طريق، وجبلهم متحكم على باب الحديد. قلت: وهذه المملكة أوسع من أن يحاط ببلادها، وفيما ذكرناه مقنع لمن تأمله. الجملة الثالثة في ذكر الأنهار العظام والبحيرات الواقعة في هذه المملكة أما الأنهار فقد ذكر في «مسالك الأبصار» أن بهذه المملكة سيحون

وجيحون المقدّم ذكرهما في مملكة ما وراء النهر، وذلك أنهما يمتدّان من هذه المملكة إلى تلك، فيصدق وجودهما في المملكتين جميعا. وقد تقدّم ذكرهما هناك فأغنى عن إعادته هنا. ثم المشهور مما يختص بهذه المملكة خمسة أنهار: أحدها- نهر أثل- بفتح الهمزة «1» وكسر المثلثة ولام في الآخر- فعرف بأثل، وهي مدينة بلنجر المقدّم ذكرها، ويقال فيه نهر الأثل بالألف واللام أيضا، وهو من أعظم الأنهار بتلك البلاد وأشهرها، ذكر في «مسالك الأبصار» عن الفاضل شجاع الدين عبد الرحمن الخوارزميّ الترجمان أنه يكون قدر النيل ثلاث مرات أو أكثر، قال: وأصله من بلاد الصّقلب. قال في «تقويم البلدان» : وهو يأتي من أقصى الشّمال والشرق من حيث لا عمارة، ويمرّ بالقرب من مدينة بلار، وهي بلغار، ويستدير عليها من شماليها وغربيها، ويجري منها إلى بليدة على شطّه يقال [لها أوكك ثم يتجاوزها إلى قرية يقال] «2» لها بلجمن، ويجري جنوبا ثم يعطف، ويجري إلى الشرق والجنوب، ويمرّ على مدينة صراي من جنوبيها وغربيها؛ فإذا تجاوز مدينة صراي افترق، ويصير على ما قيل ألف نهر ونهر، ويصب الجميع في بحر الخزر. قال في «مسالك الأبصار» : وتجري فيه السفن الكبار، ويسافر فيه المسافرون إلى الرّوس والصّقلب. الثاني- نهر طنا «3» . قال في «تقويم البلدان» : بضم الطاء المهملة وفتح النون وألف. قال في «تقويم البلدان» : وهو نهر عظيم يكون أكبر من دجلة والفرات إذا اجتمعا بكثير. قال: ويجري من أقصى الشّمال إلى جهة الجنوب، ويمرّ في شرقيّ جبل يسمّى (قشغا طاغ) . ومعناه الجبل الصّعب، وهو جبل فيه أجناس مختلفة من أمم الكفر مثل الأولاق والماجار والسّرب وغيرهم، فيمرّ في

شرقيه، وكلما جرى جنوبا قرب من بحر نيطش المعروف الآن ببحر القرم، ولا يزال يتقارب منه ويقرب ما بين الجبل والبحر المذكور حتّى يصبّ فيه في شماليّ مدينة صقجي في شماليّ القسطنطينيّة بميلة إلى الغرب. الثالث- نهر أزو. قال في «تقويم البلدان» : بالزاي المعجمة [المفخمة] «1» بعد الألف وواو في الآخر. قال: وهو نهر عظيم يأتي من الشمال شرقيّ نهر طنا المقدّم ذكره، ويمرّ مغرّبا، ثم يعطف ويمرّ مشرقا حتّى يصبّ في خور من بحر القرم بين صاري كرمان وأقجا كرمان المقدّم ذكرهما. الرابع- نهرتان. قال في «تقويم البلدان» : بتاء مثناة من فوق وألف [ممالة] «2» ونون في الآخر. قال: وهو نهر عظيم شرقيّ أزو المقدّم ذكره وغربيّ نهر الأثل يجري من الشّمال إلى الجنوب، ويصب في بحيرة مانيطش المعروفة في زماننا ببحر الأزق عند مدينة الأزق من غربيها. الخامس- نهر طرلو. قال في «تقويم البلدان» بضم الطاء وسكون الراء المهملتين ولام وواو. قال: وهو نحو عاصي حماة، ويصب على القرب من أقجا كرمان في بحر نيطش المعروف ببحر القرم. وأما البحيرات فالمشهورة بها بحيرة خوارزم: وهي بحيرة كبيرة ماؤها ملح. قال ابن حوقل: دورها مائة «3» فرسخ، وفيها يصب نهر جيحون في جانبها الجنوبيّ، وفيها يصب نهر الشّاش أيضا، وبينها وبين البحر عشرون مرحلة، وبينها وبين خوارزم ستّ مراحل.

الجملة الرابعة في الطرق الموصلة إلى هذه المملكة

الجملة الرابعة في الطرق الموصلة إلى هذه المملكة ولها طريقان: طريق في البر، وطريق في البحر. فأما طريق البر فقد تقدّم في الكلام على مملكة إيران الطريق إلى شطّ جيحون. وقد ذكر في «تقويم البلدان» أن بين آمل الشطّ وبين خوارزم نحو اثنتي عشرة مرحلة. وذكر في «مسالك الأبصار» أن بين خوارزم ومدينة صراي نحو شهر ونصف، وأن بين خوارزم ومدينة صراي مدينة وجق ومدينة قطلود. وأما طريق البحر فهو أن يركب المسافر إليها في بحر الرّوم من مدينة الإسكندريّة أو مدينة دمياط من شماليّ الديار المصرية، ويسير إلى خليج القسطنطينيّة المتصل ببحر الرّوم من جهة الشّمال، ويركب فيه ويجاوزه إلى بحر نيطش المعروف ببحر القرم، ثم إلى بحر ما نيطش المعروف ببحر الأزق وينتهي إلى آخره. الجملة الخامسة في الموجود بها قد ذكر في «مسالك الأبصار» أن فيها من الحبوب القمح، والشّعير، والدّخن، ويسمّى عندهم الأرزن، والماش، والجاورس، وهو شبيه بحب البرسيم، على قلة في القمح والشّعير، أما الفول فلا يكاد يوجد عندهم، وأكثر حبوبهم الدّخن ومنه أكلهم، وبها من الفواكه جميع أنواع الفواكه إلا النّخل، والزّيتون، وقصب السّكّر، والموز، والأترجّ، واللّيمون، والنّارنج، وذكر عن بلاد القبجاق أنها كانت قبل استيلاء التّتار عليها معمورة الجوانب، وأنها في بقايا تلك العمارة والغراس، وأن فيها من الفواكه العنب، والرّمّان، والسّفرجل، والتّفّاح، والكمّثرى، والمشمش، والخوخ، والجوز، وفاكهة تسمّى بلغة القبجاق بانيك شبيهة بالتّين، وأن الفواكه كثيرة الوجود في جبالهم مع كثرة ما باد منها. قال: وأما البطّيخ فينجب عندهم نجابة خاصة الأصفر، وهو في غاية صدق الحلاوة يقدّدونه

الجملة السادسة في المعاملات والأسعار بها

ويجفّفونه فيبقى عندهم من السنة إلى السنة، وربما استخرجوا ماءه وصنعوا منه الحلوى؛ وعندهم من الخضراوات اللّفت، والجزر، والكرنب، وغير ذلك، ثم قال: وكذلك مدن الجركس والرّوس والآص، وبها العسل الكثير الأبيض اللّون اللذيذ الطّعم الخالي من الحدّة. الجملة السادسة في المعاملات والأسعار بها أما المعاملات فقد ذكر في «مسالك الأبصار» عن عبد الرحمن الخوارزميّ التّرجمان أن دينارهم رابح كما في غالب مملكة إيران، وهو الذي عنه ستة دراهم، وأن الحبوب تباع كلها عندهم بالرّطل، وذكر أن رطل خوارزم زنته ثلاثمائة وثلاثون درهما. وأما الأسعار فقد ذكر في «مسالك الأبصار» عن الصدر زين الدين عمر بن مسافر أن الأسعار في جميع هذه المملكة رخيّة إلى الغاية إلا كركنج أمّ إقليم خوارزم فإنها متماسكة في أسعار الغلات قلّ أن ترخص، بل إما أن تكون غليّة أو متوسطة لا يعرف [بها] الرّخص أبدا. ثم ذكر عن شجاع الدين عبد الرحمن الخوارزميّ التّرجمان: أن الأسعار في خوارزم والسّراي لا يكاد يتباين ما بينهما. قال: والسعر المتوسط عندهم القمح بدينارين ونصف، وكذلك الماش والشعير بدينارين، وكذلك الدخن والجاورس، وربما زاد، والغالب أن يكون سعره مماثل سعر القمح؛ واللحم الضأن على السعر المتوسط كل ثلاثة أرطال بدرهم. وذكر ابن مسافر أن اللحوم بها رخيصة، وأكثر ما يذبح بها الخيل. وأما سكّان البر فإن اللحم لا يباع لديهم ولا يشترى لكثرته، وغالب أكلهم لحوم الطير واللبن والسمن، وإن تلف لأحد منهم دابة من فرس أو بقرة أو شاة أو غير ذلك، ذبحها وأكل هو وأهله منها، وأهدى لجيرانه، فإذا تلف عند من أهدى إليه شيء من ذلك، ذبحه أيضا وأهدى لجيرانه، فلهذا لا تكاد بيوتهم تخلو من اللحم.

الجملة السابعة في ذكر ملوك هذه المملكة

الجملة السابعة في ذكر ملوك هذه المملكة قد تقدّم أنها قسم من مملكة توران، ومملكة توران كانت في القديم بيد افراسياب ملك التّرك وتداولها ملوك الترك بعده إلى الفتوح الإسلامية وأسلم من أسلم من ملوكهم. أما خوارزم فتوالت عليها الأيدي حتّى صارت إلى (محمود بن سبكتكين) المقدّم ذكره في ملوك غزنة من القسم الأول من هذه المملكة؛ ثم صارت (لمسعود) ابنه، واستناب فيها خوارزم شاه هارون بن الطّيطاش؛ ثم قتله غلمانه عند خروجه إلى الصيد، واستولى عليها رجل يقال له (عبد الجبّار) ثم وثب غلمان هارون بعبد الجبّار فقتلوه، وولّوا مكانه (إسماعيل بن الطيطاش) أخا هارون، ثم غلبه عليها (شاه ملك) بن عليّ، ثم غلبه عليها (طغرلبك) بن ميكائيل بن سلجوق، وبقيت بيد السلجوقية المقدّم ذكرهم في مملكة إيران، إلى أن صارت منهم إلى (بركيارق) بن ملكشاه بن أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق، فاستناب فيها علاء الدين محمد أنوشتكين في أيام بركيارق بن ملكشاه بن ميكائيل بن سلجوق السلجوقي، ولقّب خوارزم شاه في سنة تسعين وأربعمائة. ثم ولي بعده ابنه (أطسز) بن محمد؛ ثم غلبه على ذلك (سنجر) بن ملكشاه أخو علاء الدين محمد، وأقام بها من يحفظها في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، [ثم غلبه عليها أطسز بن محمد المقدّم ذكره] «1» ، وبقي بها حتّى توفي سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. وملك بعده ابنه (أرسلان بن أطسز) وتوفي سنة ثمان وستين وخمسمائة. وملك بعده ابنه (سلطان شاه محمود) صغيرا، وقامت أمه بتدبير دولته؛ ثم

غلب على الملك أخوه (علاء الدين تكش) ثم غلبه أخوه (سلطان شاه) وطرده، ثم مات سلطان شاه وانفرد (تكش بالملك) ثم مات في سنة ست وتسعين وخمسمائة. وولي بعده ابنه (محمد بن تكش) وكان لقبه قطب الدين فتلقب علاء الدين، وبقي حتّى غلبه جنكز خان وهزمه في سنة تسع عشرة وستمائة، ثم مات بعد ذلك. ولما ملك جنكز خان أوصى بدشت القبجاق، وما معه لابنه طوجي، ويقال له دوجي أيضا، فمات طوجي في حياه أبيه جنكز خان. فلما مات جنكز خان استقرّ في مملكة ما وراء النهر وما معه با تو بن طوجي بن جنكز خان، ثم مات با تو. وملك بعده أخوه (بركة بن طوجي) وهو الذي تنسب هذه المملكة إليه، فيقال فيها بيت بركة، بمعنى هذه مملكة بيت بركة، كما يقال في مملكة إيران هي مملكة بيت هولاكو، قال صاحب «الذيل على الكامل» «1» وكانت المكاتبة بينه وبين الظاهر بيبرس لا تنقطع، وبقي حتّى توفي سنة خمس وستين وستمائة عن غير ولد. وملك بعده ابن أخيه (منكوتمر بن طغان) بن باطو بن دوجي خان، بن جنكز خان، وتوفي سنة إحدى وثمانين وستمائة. وملك بعده أخوه (تدان منكوتمر) بن طغان بن باطو بن دوجي خان، ابن جنكز خان وقيل سنة اثنتين «2» وثمانين وستمائة، وكان صاحب مصر قد جهز إلى منكوتمر هديّة فلم تصل إليه حتّى مات، واستقرّ (تدان منكو) فقدّمت إليه فابتهج بها، وعادت الرّسل بجوابه بذلك، وبقي إلى سنة ست وثمانين وستمائة فأظهر الوله وتخلّى عن المملكة وانتمى إلى المشايخ والفقراء.

وملك بعده (تلابغا) باشارته [ابن منكوتمر بن طغان بن باطو] «1» بن دوجي خان بن جنكز خان، وبقي حتّى قتل في سنة تسعين وستمائة. وملك بعده (طقطغا) بن منكوتمر بن طغان بن باطوخان بن جنكز خان. والذي ذكره قاضي القضاة وليّ الدين بن خلدون في «تاريخه» أنه ملك بعد باطوخان أخوه طرطو، ثم أخوه بركة، ثم منكوتمر بن طغان خان بن باطوخان ابن دوشي خان، ثم ابنه تدان منكو، ثم أخوه تلابغا، ثم أخوه جفطاي، ثم ابن أخيه أزبك، وهو الذي كان في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية. قال في «التعريف» : وخطب إليه السلطان فزوّجه بنتا تقرب إليه ثم ابنه جاني بك، ثم ابنه بردي بك، ثم ابنه طقتمش، ثم نائبه ماماي، ثم عبد الله بن أزبك، ثم قطلقتمر، ثم ماماي ثانيا، ثم حاجي جركس، ثم أيبك خان، ثم ابنه قاني بك خان، ثم أرص خان، ثم طقتمش خان بن بردي بك خان. قال: ومنه انتزعها تمر لنك وقتله. قلت: والمعروف أن تمر لنك لم يملك هذه المملكة أصلا ولا قتل طقتمش، وما ذكره وهم فيه. وأوّل من أسلم من ملوك هذه المملكة من بني جنكز خان بركة بن طوجي ابن جنكز خان، وكان إسلامه قبل تملّكه حين أرسله أخوه باطوخان لإجلاس منكوخان على كرسيّ جدّه جنكز خان، فأجلسه، وعاد فمرّ في طريقه على الباخرزيّ شيخ الطريقة، فأسلم على يديه وحسن إسلامه، ولم يملك بعد أخيه باطوخان إلا وهو مسلم، وتلاه من تلاه من ملوكهم بهذه المملكة في الإسلام حتّى كان أزبك خان منهم، فأخلص في الإسلام غاية الإخلاص، وتظاهر بالدّيانة والتمسك بالشريعة، وحافظ على الصلاة وداوم على الصيام. وقد حكى في «مسالك الأبصار» عن زين الدين عمر بن مسافر أن ملوك

الجملة الثامنة في مقدار عسكر هذه المملكة، وترتيبها، ومقادير الأرزاق الجارية عليهم، وزيهم في اللبس

هذه الطائفة مع ظهور الإسلام فيهم وإقرارهم بالشهادتين مخالفون لأحكامها في كثير من الأمور، واقفون مع ياسة جنكز خان التي قرّرها لهم وقوف غيرهم من أتباعه، مع مؤاخذة بعضهم بعضا أشدّ المؤاخذة في الكذب والزّنا ونبذ المواثيق والعهود. وقد جرت عادة ملوكهم أنهم إذا غضبوا على أحد من أتباعهم، أخذوا ماله وباعوا أولاده، وأن في سلطان هذه المملكة طوائف الجركس والرّوس والآص، وهم أهل مدن عامرة آهلة، وجبال مشجرة مثمرة، ينبت عندهم الزرع، ويدرّ لهم الضّرع، وتجري الأنهار، وتجنى الثمار، وهم وإن كان لهم ملوك فهم «1» كالرعايا، فإن داروه بالطاعة والتّحف كفّ عنهم، وإلا شنّ عليهم الغارات، وضايقهم، وحاصرهم، وقتل رجالهم، وسبى نساءهم، وذراريّهم، وجلب رقيقهم إلى أقطار الأرض. ثم قال: والقسطنطينيّة مجاورة لأطراف ملك القبجاق وملك الروم معه في كلب «2» دائم، وافتراءات متعدّدة في كل وقت، وملك الروم، على توقد جمرته، وكثرة حماته وأنصاره، يخاف غارته وشرّه، ويتقرّب إليه، ويداريه، ويدافع معه الأيام من وقت إلى وقت منذ تديّر «3» ملوك بني جنكز خان هذه المملكة. وما تخلو بينهم مدّة عن تجديد عهود ومسالمة إلى مدة تؤجل بينهم، وأشياء تحمل من جهة ملك الروم إلى ملكهم. الجملة الثامنة في مقدار عسكر هذه المملكة، وترتيبها، ومقادير الأرزاق الجارية عليهم، وزيّهم في اللبس أما مقدار عسكرها، فقد ذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ علاء الدين ابن النّعمان أن عساكرها كثيرة تفوت الحصر، لا يعلم لها مقدار إلا أنه خرج مرة عليه وعلى القان الكبير اسنبغا سلطان ما وراء النهر خارج، فجرّد إليه من كل

عشرة واحدا فبلغ عدّة المجرّدين مائتين وخمسين ألفا ممن دخل تحت الإحصاء سوى من انضم إليهم، وألزم كلّ فارس منهم بغلامين وثلاثين رأسا من الغنم وخمسة أرؤس من الخيل وقدرين نحاس وعجلة. وأما ترتيب مملكتهم فحكى عن الشيخ نجم الدين بن الشحام الموصليّ أن ترتيب هذه المملكة في أمر جيوشها وسلطانها كما في ترتيب مملكة العراق والعجم في عدّة الأمراء والأحكام والخدم ولكن ليس لأمير الألوس والوزير بها تصرف أمير الألوس والوزير بتلك المملكة، ولا لسلطان هذه المملكة نظير ما لذلك السلطان من الدخل والمجابي وعدد المدن والقرى، ولا مشى أهل هذه المملكة على قواعد الخلفاء مثل أولئك؛ ولخواتين هؤلاء مشاركة في الحكم معهم وإصدار الأمور عنهم مثل أولئك وأكثر، إلا ما كانت عليه بغداد بنت جوبان امرأة أبي سعيد بهادر بن خدا بندا، فإنه لم ير من يحكم حكمها. قال المقرّ الشهابيّ بن فضل الله: وقد وقفت على كثير من الكتب الصادرة عن ملوك هذه البلاد من عهد بركة وما بعده وفيها «واتفقت آراء الخواتين والأمراء على كذا» أو ما يجري هذا المجرى. وحكي عن الصدر زين الدين عمر بن مسافر عن أزبك خان سلطان هذه المملكة في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون أنه لا التفات له من أمور مملكته، إلا إلى جمليّات «1» الأمور دون تفصيل الأحوال، يقنع بما حمل إليه ولا يبحث عن وجوه القبض والصرف؛ وأن لكل امرأة من خواتينه جانبا من الحمل، وأنه يركب كل يوم إلى امرأة منهنّ، يقيم ذلك اليوم عندها، يأكل من بيتها ويشرب، وتلبسه بدلة قماش كاملة، ويخلع التي كانت عليه من اللبس على من يتفق ممن حوله. ثم قال: وقماشه ليس بفائق الجنس ولا غالي الثمن، مع قربه من الرعايا القاصدين له، إلا أن يده ليست مبسوطة بالعطاء، ولو أراد هذا لما وفى به دخل بلاده، فإن غالب رعاياه أصحاب عمل في الصحراء أقواتهم من مواشيهم. ونقل عن نظام

القسم الثالث من مملكة توران مملكة القان الكبير

الدين بن الحكيم الطياريّ أن لسلطان هذه المملكة على جميعهم خراجا يستأديه منهم، وأنهم ربما طولبوا بالخراج في سنة ممحلة لوقوع الموتان «1» بدوابهم، أو سقوط الثلج ونحوه، فباعوا أولادهم لأداء ما عليهم من الخراج. وأما مقادير أرزاق جندهم، فقد حكى عن شجاع الدين عبد الرحمن أن كل من كان بيد آبائه شيء من الإقطاع فهو بيد أبنائه. ثم قال: والأمراء لهم بلاد، منهم من تغلّ بلاده في السنة مائتي ألف دينار رابح وما دون ذلك إلى مائة ألف دينار رابح. أما الجند فليس لأحد منهم إلا نقود تؤخذ، كلهم فيها على السواء، لكل واحد منهم في السنة مائتا دينار رابح. وأما زيّهم في اللبس، فحكى عن شجاع الدين الترجمان أيضا أنه كان زيهم زيّ عسكر مصر والشام في الدولة الإسلامية وما يناسب ذلك، ثم غلب على زيهم زيّ التتر إلا أنهم بعمائم صغار مدوّرة. القسم الثالث من مملكة توران مملكة القان الكبير قال في «التعريف» : وهو أكبر الثلاثة، (يعني ملوك الأقسام الثلاثة المتقدّمة الذكر) . وهو صاحب الصّين والخطا ووارث تخت جنكز خان. قال: وقد تواترت الأخبار بأنه أسلم ودان بدين الإسلام، ورقم كلمة التوحيد على ذوائب الأعلام. قال: وإن صحّ وهو المؤمل، فقد ملأت الأمة المحمدية الخافقين، وعمرت المشرق والمغرب، وامتدّت بين ضفّتي البحر المحيط. قال في «مسالك الأبصار» : وهو القائم مقام جنكز خان والجالس على تخته. قال: وهو كالخليفة على بني عمّه من بقية ملوك توران: من مملكة إيران، وصاحب القبجاق، وصاحب ما وراء النهر. فإذا تجدّد في مملكة أحد منهم مهمّ كبير، مثل لقاء

عسكر، أو قتل أمير كبير بذنب، أو ما يناسب ذلك، أرسل إليه وأعلمه به، وإن كان لا افتقار إلى استئذانه، ولكنها عادة مرعيّة بينهم. وقد ذكر في «مسالك الأبصار» عن نظام الدين بن الحكيم الطياريّ أنه لم يزل يكتب إلى كلّ من القانات الثلاثة، يأمرهم بالاتحاد والألفة، وإذا كتب إليهم بدأ باسمه قبلهم، وإذا كتبوا إليه بدؤا باسمه قبلهم. قال: وكلهم مذعنون له بالتقدّم عليهم. قال في «مسالك الأبصار» : وأهل هذه المملكة هم أهل الأعمال اللطيفة، والصنائع البديعة؛ التي سلمت إليهم فيها الأمم. وقد تكتب «1» الكتب من أحوالهم بما أغنى عن ذكره. قال: ومن عادة المجيدين في الصنائع أنهم إذا عملوا عملا بديعا، حملوه إلى باب الملك، وعلّق عليه ليراه الناس، ويبقى سنة، فإن سلم من عائب أسدى إلى صاحبه الإحسان، وإن عيب عليه وتوجّه العيب، وضع قدر الصانع ولم يوجه العيب [على] من عابه. وقد حكى المسعوديّ في «مروج الذهب» أن صانعا منهم صوّر عصفورا على سنبلة في نقش ثوب كمخا وعلقه، فاستحسنه كل من رآه، حتّى مرّ به رجل فعابه باستقامة السنبلة، لأن العصفور من شأنه أنه إذا وضع «2» على السنبلة أمالها. وحكى في «مسالك الأبصار» عن بدر الدين حسن الإسعرديّ أن بعض صنّاعهم عمل ثيابا من الورق وباعها على أنها من الكمخاوات «3» الخطائية، لا يشكّ فيها شاكّ، ثم أظهرهم على ذلك فعجبوا منه. وحكي عن الشريف حسن السّمرقنديّ أنه كان بهذه البلاد، فشكا ضرسه، فأراه لرجل من الخطا، فوضع يده عليه، فأخرج منه قطعة متأكلة، ووضع مكانها قطعة من ضرس أجنبيّ، ودهنه بدهن وأمره أن لا يشرب ماء يومه، فالتصق حتّى

الجملة الأولى فيما اشتملت عليه هذه المملكة من الأقاليم

صار كأنه من أصل الخلقة، إلا أن لون الأوّل يبين من اللون الثاني. وذكر المقرّ الشهابيّ أنه أراه له بحضرة الشيخ شمس الدين الأصفهانيّ وجماعة من أهل العلم. قال بدر الدين حسن الإسعرديّ: ولقد رأيت منهم من هذه الأعمال ما يحار فيه العقل. ويحصل الغرض منه في خمس جمل: الجملة الأولى فيما اشتملت عليه هذه المملكة من الأقاليم واعلم أن هذه المملكة هي أوسع ممالك بني جنكز خان وأفسحها جوانب، وأكثرها أقاليم، وأوفرها مدنا، غير أنها بعيدة المسافة، منقطعة الأخبار، فجهلت لذلك أسماء أقاليمها، وتعذرت الإحاطة بأقطارها؛ ونحن نورد منها ما شاع ذكره في سائر الآفاق وانتشر، ونقنع من التفصيل بالجملة، ونكتفي من البحر بالنّغبة. والقول الجمليّ في ذلك أنه يشتمل على إقليمين عظيمين: الإقليم الأوّل الصّين بكسر الصاد المهملة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : ويحيط به من جهة الغرب المفاوز التي بينه وبين الهند، ويحيط به من جهة الجنوب البحر (يعني بحر الهند) ، ويحيط به من جهة الشرق البحر المحيط، ويحيط به من جهة الشّمال أرض يأجوج ومأجوج «1» وغيرها من الأراضي المنقطعة الأخبار عنا. ثم قال: وقد ذكر أصحاب المسالك والممالك في

كتبهم بلادا كثيرة، ومواضع وأنهارا وغيرها في إقليم الصّين؛ ولم يقع لنا ضبط أسمائها، ولا تحقيق أحوالها، فصارت كالمجهولة لنا لعدم من يصل من تلك النواحي من المسافرين إلينا لنستعلم منه أخبارها فأضربنا عن ذكرها. وقد ذكر في «مسالك الأبصار» عن الشريف تاج الدين حسن بن الجلال السّمرقنديّ، وهو من السّفّار، وممن جال الآفاق، ودخل الصّين وجال بلاده، وجاب آفاقه، وجاس خلاله، وجال في أقطاره: أن بالصّين ألف مدينة، وأنه دار الكثير منها. قال: وبلاد الصّين كلها عمارة متصلة من بلد إلى بلد، ومن قرية إلى قرية. وقاعدة هذه المملكة (خان بالق) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح الخاء المعجمة ثم ألف ونون ساكنة وباء موحدة مفتوحة ثم ألف ولام مكسورة وقاف في الآخر. قال: وهي مدينة من أقاصي الشرق عند بلاد الخطا، واقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد حيث الطول مائة وأربع عشرة درجة، والعرض خمس وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة. وهي قاعدة مشهورة على ألسنة التّجّار وأهلها من جنس الخطا، وعندهم معادن الفضة. قال ابن سعيد: ويذكر عن عظم هذه المدينة ما يستبعده العقل. قال في «مسالك الأبصار» نقلا عن الشريف حسن بن الجلال السّمرقنديّ: إن مدينة خان بالق المذكورة مدينتان، قديمة وجديدة، والجديدة منهما اسمها ديدو، بناها (ديدو) آخر ملوكها فسميت باسمه، والقان الكبير ينزل بوسطها في قصر عظيم يسمّى كوك طاق؛ ومعناه بلغة المغل القصر الأخضر، لأن طاق معناه عندهم القصر، وكوك معناه الأخضر؛ ومنازل الأمراء حوله خارج القصر؛ قال: وهي مدينة طيّبة، واسعة الأقوات، رخيّة الأسعار، ويجمد بها الماء في زمن الشتاء فيصير كالثلج، فيرفع إلى أيام الصيف حتّى يبرّد به الماء كما يبرّد بالثلج. ويشق مدينة ديدو المذكورة نهر. وبها أنواع الفواكه إلا العنب فإنه قليل بها؛ وليس بها نارنج ولا ليمون ولا

زيتون، ثم يعمل بها السكر. وبها من الزّرع والجمال والخيل والبقر والغنم ما لا يدخل تحت الإحصاء. وبالصّين مدن مشهورة سواها: (منها) قراقوم. قال في «تقويم البلدان» : بفتح القاف والراء المهملة ثم ألف وقاف مضمومة وواو ساكنة وميم. قال: وهي مدينة في أقاصي بلاد التّرك الشرقية، ومعنى قراقوم باللغة التركية الرمل الأسود، لأن قرا في لغتهم بمعنى الأسود، وقم بمعنى الرمل، ويقع في كثير من الكتب قراقرم بإبدال الواو راء وهو خطأ، وإنما كتبت الواو بها بعد القاف دليلا على الضمة على عادتهم في ذلك- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد حيث الطول مائة وست وخمسون درجة، والعرض خمس وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة. قال: وهي كانت قاعدة التتر، وفي جهاتها بلاد المغل: وهم خالصة التتر. ومنها خاناتهم. قال الشريف حسن بن الجلال السّمرقنديّ «1» : وفيها غالب عساكر القان الكبير. وبها يعمل القماش الفاخر، والصنائع الفائقة، وغالب ما يحتاج إليه القان يستدعى منها لأنها دار استعمال، وأهلها أهل صنائع فائقة. قال في «مسالك الأبصار» : وهي قرية جنكز خان التي أخرجته، وعرّيسته التي أدرجته. (ومنها) الخنساء. قال في «تقويم البلدان» : بالخاء المعجمة والنون والسين المهملة وألف. وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» حيث الطول مائة وخمس وستون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ثمان وعشرون درجة وثلاثون دقيقة. قال: وعن بعض المسافرين من بلادنا أن الخنساء في هذا الزمان أعظم فرض الصّين، وإليها ينتهي وصول التّجّار المسافرين من بلادنا. قال الشريف السّمرقنديّ: وطول الخنساء يوم كامل، وعرضها نصف يوم، وفي وسطها سوق واحد ممتدّ من أوّلها إلى آخرها، وأسواقها

مبلّطة بالبلاط، وبناؤها خمس طبقات بعضها فوق بعض، وكلها مبنية بالأخشاب والمسامير، وشرب أهلها من الآبار، وأهلها في قشف «1» عظيم، وغالب أكلهم لحم الجاموس والإوزّ والدّجاج. وفيها الأرزّ، والموز، وقصب السّكّر، واللّيمون، وقليل الرّمّان؛ وأسعارها متوسطة، وتجلب إليها الغنم والقمح على قلة، ولا يوجد فيها من الخيل إلا ما قلّ عند أعيانها. وأما الجمال فلا توجد فيها البتة، فإن دخلها جمل تعجبوا منه. ونقل في «مسالك الأبصار» أن بينها وبين جالق بالق أربعين يوما. وحكى عن الصدر صدر الدين عبد الوهاب بن الحدّاد البغداديّ أنه وصل إلى الخنساء ووصف عظمة بنائها ومنعة رفعة مدينتها مع تشحّط «2» الأقوات بها ووفور المكاسب فيها ورخص الدّقيق «3» الجيد فيها وفي جميع تلك البلاد. قال: وأهلها يتفاخرون بكثرة الجواري السراري، حتّى إنه ليوجد لأحد التجار وآحاد الناس أربعون سرية فما زاد على ذلك. (ومنها) الزّيتون. قال في «تقويم البلدان» عن بعض المسافرين الثقات: هي بلفظ الزيتون الذي يعتصر منه الزيت، وهي فرضة من فرض الصّين- موقعها في الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد حيث الطول مائة وأربع عشرة درجة، والعرض سبع عشرة درجة. قال: وهي مدينة مشهورة على ألسنة التجار المسافرين إلى تلك البلاد؛ وهي على خور من البحر، والمراكب تدخل إليها من بحر الصّين في الخور المذكور، وقدره نحو خمسة عشر ميلا، ولها نهر عند رأس الخور المذكور. وذكر في «مسالك الأبصار» عن الشريف السّمرقنديّ أن مدينة الزّيتون على البحر المحيط وهي آخر العمارة. قال: وبينها وبين جالق بالق شهر واحد. (ومنها) السّيلي. قال في «تقويم البلدان» : بالسين المهملة والياء المثناة التحتية ولام وياء ثانية. ثم قال: هكذا وجدناه في الكتب. قال: ويقال لها

سيلا يعني باللام ألف، ورأيت في بعض الكتب سيلان بزيادة نون بعد اللام ألف. قال: وهي مدينة في أقصى الصّين الشرقيّ، خارجة عن الإقليم الأوّل إلى الجنوب. قال في «القانون» حيث الطول مائة وسبعون درجة، والعرض خمس درج، وهي في أعالي الصّين من الشرق كجزائر الخالدات في بحر الغرب، لكن هذه معمورة في خصب بخلاف تلك. (ومنها) جمكوت. قال في «تقويم البلدان» : بالجيم والميم والكاف ثم واو وتاء مثناة فوقية في الآخر. قال: كذا وجدناها مكتوبة، واسمها عند الفرس جماكرد. قال: وهي مدينة في أقصى العمارة الشرقية، خارجة عن الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة إلى الجنوب. قال في «الأطوال» : وهي على خط الاستواء لا عرض لها. قال في «تقويم البلدان» : وهي على النهاية الشرقية مثل ما يحكى عن الجزائر الخالدات في النهاية الغربية. قال: وليس شرقيّ جمكوت عمارة أصلا. (ومنها) مدن أخرى مذكورة في الكتب مجهولة الضبط: إحداها مدينة (ينجو) - وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول مائة وخمس وعشرون، والعرض اثنتان وعشرون. وقد ذكر في «القانون» أنها مستقرّ ملكهم الأكبر الملقب بطمغاج. (ومنها) مدينة خانقو. بخاء معجمة وألف ونون وقاف ثم واو- وهي مدينة على النهر واقعة في الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة قال في «القانون» حيث الطول مائة وستون درجة، والعرض أربع عشرة درجة. قال في «تقويم البلدان» : وهي من أبواب الصّين. قال ابن سعيد: وموقعها على شرقيّ نهر خمدان. قال ابن خرداذبه: وهي المرفأ الأكبر، وفيها الفواكه الكثيرة، والبقول، والحنطة، والشعير، والأرزّ، والعنب، والسكّر. (ومنها) مدينة خانجو- بإبدال القاف من المدينة السابقة جيما- وهي مدينة على النهر، واقعة في الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول مائة واثنتان وستون درجة، والعرض أربع عشرة درجة. قال في «القانون» : وهي من أبواب الصّين.

الإقليم الثاني بلاد الخطا

(ومنها) مدينة سوسة- بسينين مهملتين بينهما واو ساكنة وفي الآخر هاء. قال في «تقويم البلدان» : وهي مدينة مشهورة كثيرة التّجّار متصلة العمارة، وبها يصنع الفخّار الصّينيّ الذي لا يفوقه ولا يعدله شيء من أعمال الصّين. قال: وهي على شرقيّ نهر خمدان. الإقليم الثاني بلاد الخطا بكسر الخاء المعجمة وفتح الطاء المهملة وألف في الآخر، وهم جنس من التّرك بلادهم في متاخمة بلاد الصّين. وقد ذكر في «مسالك الأبصار» مدينة (قمجوهي) بقاف وميم وجيم وواو ثم هاء وياء آخر الحروف. وقال: إنها أوّل بلاد الخطا، وإن منها إلى جالق بالق أربعين يوما، بل ذكر أن مدينة جالق بالق التي هي قاعدة هذه المملكة من بلاد الخطا. الجملة الثانية في معاملة هذه المملكة وأسعارها أما معاملتها فقال في «مسالك الأبصار» : حدّثني الفاضل نظام الدين ابن الحكيم أن معاملتهم بقشور من لحاء شجر التّوت مطبوعة باسم القان، فإذا عتق ذلك حمله صاحبه إلى نوّاب هذا القان وأخذ عوضه مع خسارة لطيفة، كما يؤخذ في دار الضرب مما يحمل إليها من الذهب والفضة ليضرب بها. وذكر عن الشريف حسن السّمرقنديّ أن فيها كبارا وفيها صغارا، فمنها ما يقوم في المعاملة مقام الدرهم الواحد، ومنها ما يقوم مقام درهمين، ومنها ما يقوم مقام خمسة دراهم وأكثر إلى ثلاثين وأربعين وخمسين ومائة. وقد تقدّم في الكلام على جالق «1» بالق

الجملة الثالثة في الطريق الموصل إلى هذه المملكة

والخنساء ذكر ما بهما من الحيوان والحبوب والبقول وغير ذلك. الجملة الثالثة في الطريق الموصل إلى هذه المملكة قد حكى في «مسالك الأبصار» عن الشريف تاج الدين السّمرقنديّ: أن من سمرقند من بلاد ما وراء النهر إلى سيلي عشرين يوما، ومن سيلي المذكورة إلى ألمالق عشرين يوما، ومن ألمالق إلى قرا خوجا إلى قمجوهي إلى خان بالق أربعين يوما. ثم قال: ومن خان بالق إلى الخنساء طريقان: طريق في البر، وطريق في البحر، وفي كل من الطريقين من خان بالق إلى الخنساء أربعون يوما. وذكر في الكلام على مملكة بيت بركة عن حسن الإربلي أن المسافر إذا سافر من جولمان على شرقيّها وصل إلى مدينة قراقوم. الجملة الرابعة في ذكر ملوكها قد ذكر المسعوديّ في «مروج الذهب» عدّة ملوك من ملوك الصّين قبل الإسلام وبعده، أسماؤهم أعجمية لا حاجة بذكرها، والمقصود معرفة حالها في أيام بني جنكز خان القائمين بها إلى الآن. قد تقدّم في الفصل الأوّل من هذا الباب الكلام على مبتدإ أمر جنكز خان وكيفية مصير الملك إليه فأغنى عن إعادته هنا. ثم لمّا ملك جنكز خان أوصى بتخته المستولي فيه على هذا القسم من المملكة لولده الصغير أوكداي، ومات جنكز خان فاستقرّ ولده أوكداي، [ثم استقرّ] في هذه المملكة مكانه ابنه كيوك ثم مات. فملك بعده (منكوقان) بن طولي بن جنكز خان، ومات سنة ثمان وخسمين وستمائة.

الجملة الخامسة في عسكره

فملك بعده (أري «1» بكا) ، ثم قبلي خان، ثم دمرياق، ثم قرماي، ثم ترقاي كيزي، ثم قيان قان، ثم سند مرقان «2» بن طولي بن جنكز خان، وهو الذي كان في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية، ثم انقطع خبرهم فلم يعلم من ملك منهم. وملوك هذه المملكة من بني جنكز خان كفّار يدينون بتعظيم الشمس، واقفون في الأحكام مع ياسة جدّهم جنكز خان المقدّم ذكرها في الفصل الأوّل. قال في «مسالك الأبصار» : ذكر لي الفاضل نظام الدين ابن الحكيم الطياريّ الكاتب البوسعيديّ أنهم على ما هم عليه من الجاهلية على السيرة الفاضلة الشاملة لأهل مملكتهم ومن يرد إليها. قال الشريف السّمرقنديّ: ومن عجائب ما رأيت في مملكة هذا القان أنه مع كفره في رعاياه من المسلمين أمم كثيرة وهم عنده مكرمون محترمون، ومتى قتل أحد من الكفار مسلما، قتل القاتل الكافر هو وأهل بيته ونهبت أموالهم، وإن قتل مسلم كافرا لا يقتل به، بل يطلب بديته، ودية الكافر عندهم حمار لا يطلب بغيره. الجملة الخامسة في عسكره قال بدر الدين حسن الإسعرديّ التاجر: وهذا القان ذو عسكر مديد. قال: والذي أعلم من حاله أن له اثني عشر ألف باز دار «3» يركبون الخيل، وعساكره من المغل عشرون تومانا، وهي مائتا ألف فارس، أما من الخطا فمما لا يحصى. الجملة السادسة في ترتيب هذه المملكة قال الشريف تاج الدين السّمرقنديّ: وترتيب هذه المملكة أن لهذا القان أميرين كبيرين هما الوزراء، يسمّى كل من يكون في هذه الرتبة جنكصان،

ودونهما أميران آخران يسمّى كل منهما بنجار، ودونهما أميران آخران يسمّى كل منهما زوجين، ودونهما أميران آخران يسمّى كل منهما بوجين. قال: وله كاتب هو رأس كتّابه يسمّى لنجون، وهو بمنزلة كاتب السر في بلادنا؛ والقان يجلس في كل يوم في صدر دار فسيحة تسمّى شن، بمثابة دار العدل عندنا، ويقف الأمراء المذكورون حوله عن اليمين وعن الشمال على مقادير رتبهم، ورأس الكتّاب المسمّى لنجون، فإذا شكا أحد شكوى أو سأل حاجة، أعطى قصته رأس الكتّاب المذكور فيقف عليها، ثم يوصلها إلى أحد الأميرين اللذين يليانه وهما أصغر الكل فيقف عليها هو ومن معه، ثم يوصلانها إلى من يليهما في الرتبة، وهكذا إلى أن تصير إلى القان، فيأمر فيها بما يراه. وذكر عن الشريف أبي الحسن الكربلاي وكان ممن اجتمع بالقان في هذه البلاد أن لهذا القان أربعة وزراء يصدرون الأمر في مملكته كلها، ولا يراجع القان إلا في القليل النادر. قال: وإذا أراد القان أن يركب ركب في محفّة ولا يظهر للناس إلا في يوم واحد، وهو مثل يوم مولده في كل سنة، فإنه يركب فرسا ويخرج إلى الصحراء ويعمل بها من الأطعمة والسّماطات ما يغمر الناس، ويكون مثل يوم العيد عندهم. تم الجزء الرابع. يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الخامس وأوّله المقصد الثاني في ممالك جزيرة العرب الخارجة عن مضافات الديار المصرية والحمد لله رب العالمين. وصلاته على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وآله وصحبه والتابعين وسلامه. وحسبنا الله ونعم الوكيل

مراجع حواشي الجزء الرابع من صبح الأعشى

مراجع حواشي الجزء الرابع من صبح الأعشى 1- الأعلام (قاموس تراجم) . تأليف خير الدين الزركلي دار العلم للملايين- الطبعة الخامسة 1980 2- الانتصار لواسطة عقد الأمصار تأليف ابن دقمان دار الآفاق الجديدة- بيروت 3- تاريخ ابن خلدون (كتاب العبر ... ) تأليف عبد الرحمن بن خلدون دار الكتاب اللبناني- بيروت 4- تاريخ الأدب العربي تأليف كارل بروكلمان دار المعارف بمصر- الطبعة الرابعة 5- تاريخ الإسلام تأليف حسن إبراهيم حسن مكتبة النهضة المصرية- الطبعة السابعة- 1964 6- تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل تأليف أحمد السعيد سليمان دار المعارف- مصر. 7- التعريف بمصطلحات صبح الأعشى تأليف محمد قنديل البقلي الهيئة المصرية العامة للكتاب- 1983 8- تقويم البلدان تأليف الملك المؤيد أبي الفداء طبع باريس 1840 9- تهذيب الأسماء واللغات تأليف محي الدين النووي إدارة الطباعة المنيرية ودار الكتب العلمية- بيروت 10- الحياة العقلية في عصر الحروب الصليبية بمصر والشام تأليف أحمد أحمد بدوي دار نهضة مصر للطباعة والنشر. 11- الخطط التوفيقية لمصر القاهرة تأليف علي باشا مبارك الهيئة المصرية العامة للكتاب- 1980 12- الخطط المقريزية تأليف أحمد بن علي المقريزي دار صادر- بيروت 13- دائرة المعارف الإسلامية (النسخة العربية) تأليف مجموعة من المستشرقين منشورات دار الشعب- القاهرة 14- دراسة في التراث العربي من الوجهة الجغرافية

تأليف محمد محمود الصياد منشورات دار الشعب- القاهرة 15- الدولة المملوكية تأليف انطوان خليل ضومط منشورات جامعة بيروت العربية- 1971 16- ذكر أسماء التابعين تأليف أبي الحسن الدارقطني مؤسسة الكتب الثقافية- بيروت تحقيق بوران الضناوي وكمال يوسف الحوت. 15- الدولة المملوكية تأليف أنطوان خليل ضومط دار الحداثة- بيروت 17- الروض المطار في خبر الأقطار تأليف محمد بن عبد المنعم الحميري مكتبة لبنان- الطبعة الثانية تحقيق إحسان عباس 18- سفرنامه تأليف ناصر خسرو دار الكتاب الجديد- بيروت 1983- نقله الى العربية يحيى خشاب. 19- صبح الأعشى في صناعة الإنشا تأليف القلقشندي الطبعة الأميرية- مصر 20- طبقات الشافعية تأليف أبي بكر هداية الله الحسيني دار الآفاق الجديدة- بيروت تحقيق عادل نويهض 21- فوات الوفيات تأليف محمد شاكر الكتبي دار صادر- بيروت تحقيق إحسان عباس 22- القاموس المحيط تأليف الفيروز آبادي المؤسسة العربية للطباعة والنشر- بيروت 23- القلقشندي وكتابه صبح الأعشى تأليف مجموعة من الباحثين الهيئة المصرية العامة للكتاب- 1973 24- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون تأليف حاجي خليفة دار الفكر- 1982 ذيل كشف الظنون تأليف إسماعيل باشا البغدادي دار الفكر- 1982 هدية العارفين تأليف إسماعيل باشا البغدادي دار الفكر- 1982 25- لسان العرب تأليف ابن منظور دار صادر- بيروت 26- مسالك الأبصار في ممالك الأمصار تأليف ابن فضل الله العمري المركز الإسلامي للبحوث- 1985 تحقيق دو روتيا كرافولسكي 27- في التراث العربي تأليف مصطفى جواد منشورات وزارة الإعلام العراقية- 1975 تقديم وإخراج محمد جميل شلش وعبد الحميد العالوجي 28- معجم الألفاظ والأعلام القرآنية

تأليف محمد إسماعيل إبراهيم دار الفكر العربي 29- معجم البلدان تأليف ياقوت الحموي دار الكتاب العربي- بيروت 30- معجم عبد النور المفصل تأليف جبور عبد النور دار العلم للملايين- 1983 31- معجم قبائل العرب القديمة والحديثة تأليف عمر رضا كحالة مؤسسة الرسالة- 1985 32- معجم ما استعجم تأليف عبد الله بن عبد العزيز البكري عالم الكتب- بيروت- الطبعة الثالثة- 1983 تحقيق مصطفى السقّا 33- المعجم الوسيط تأليف إبراهيم أنيس وآخرين (لجنة المعجم الوسيط منشورات مجمع اللغة العربية بالقاهرة- الطبعة الثانية 34- مقدمة ابن خلدون تأليف ابن خلدون دار الكتاب اللبناني 1977 35- منطلق تاريخ لبنان تأليف كمال سليمان الصليبي منشورات كارافان نيويورك. 1979 36- المنهل (قاموس فرنسي عربي) تأليف جبور عبد النور وسهيل إدريس دار العلم للملايين ودار الآداب- 1983 37- الموسوعة العربية الميسرة بإشراف محمد شفيق غربال دار الشعب ومؤسسة فرنكلين للطباعة- مصر- 1965 38- نزهة النفوس والابدان في تواريخ الزمان تأليف الخطيب الصيرفي الهيئة المصرية العامة للكتاب- 1980 تحقيق حسن حبشي 39- النظم الإسلامية تأليف صبحي الصالح دار العلم للملايين- الطبعة الثانية 1968 40- نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب تأليف القلقشندي دار الكتب العلمية- بيروت- 1984 41- الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي تأليف حمدي المناوي دار المعارف- مصر.

فهرست الجزء الرابع من كتاب صبح الأعشى للقلقشندي

فهرست الجزء الرابع من كتاب صبح الأعشى للقلقشنديّ صفحة الحالة الثالثة- من أحوال المملكة ما عليه ترتيب المملكة من ابتداء الدولة الأيوبية وإلى زماننا 3 ويتعلق القول من ذلك بعشرة مقاصد 5 المقصد الأول- في ذكر رسوم الملك وآلاته؛ وهو أنواع كثيرة الخ 5 المقصد الثاني- في حواصل السلطان 8 المقصد الثالث- في ذكر أعيان المملكة وأرباب المناصب، الذين بهم انتظام المملكة وقيام الملك؛ وهم على أربعة أضرب 14 الضرب الأول- أرباب السيوف؛ والنظر فيهم من وجهين 14 الوجه الأوّل- مراتبهم على سبيل الإجمال؛ وهي على نوعين 14 النوع الأوّل- الأمراء؛ وهم على أربع طبقات 14 النوع الثاني- الأجناد؛ وهم على طبقتين 15 الوجه الثاني- في ذكر أرباب الوظائف من أرباب السيوف المتقدّم ذكرهم؛ وهم على نوعين 17 النوع الأوّل- من هو بحضرة السلطان 17 النوع الثاني- ما هو خارج عن الحضرة السلطانية؛ وهم على ثلاث طبقات 24 الطبقة الأولى- نوّاب السلطنة 24 الطبقة الثانية- الكشاف 26 الطبقة الثالثة- الولاة بالوجهين: القبلي، والبحري 26

الضرب الثاني- من أعيان المملكة وأرباب المناصب حملة الأقلام؛ وهم على نوعين 28 النوع الأوّل- أرباب الوظائف الديوانية 28 النوع الثاني- أرباب الوظائف الدينية؛ وهم صنفان 35 الصنف الأوّل- من له مجلس بالحضرة السلطانية بدار العدل الشريف 35 الصنف الثاني- من لا مجلس له بالحضرة السلطانية 38 المقصد الرابع- في زيّ أعيان المملكة؛ وهم أربع طوائف 41 الطائفة الأولى- أرباب السيوف 41 الطائفة الثانية- أرباب الوظائف الدينية: من القضاة وسائر العلماء 43 الطائفة الثالثة- مشايخ الصوفية 44 الطائفة الرابعة- أرباب الوظائف الديوانية 45 المقصد الخامس- في هيئة السلطان في ترتيب الملك؛ وله ثلاث (سبع) هيئات 45 الهيئة الأولى- هيئته في جلوسه بدار العدل، لخلاص المظالم 45 الهيئة الثانية- هيئته في بقية الأيام 47 الهيئة الثالثة- هيئته في صلاة الجمعة والعيدين 47 الهيئة الرابعة- هيئته للعب الكرة، بالميدان الأكبر 48 الهيئة الخامسة- هيئته في الركوب لكسر الخليج، عند وفاء النيل 48 الهيئة السادسة- هيئته في أسفاره 49 الهيئة السابعة- في النوم 51 المقصد السادس- في عادته في إجراء الأرزاق؛ وهو على ضربين 51 الضرب الأوّل- الجاري المستمر، وهو على نوعين 51 النوع الأوّل- الإقطاعات 51 النوع الثاني- رزق أرباب الأقلام 53 الضرب الثاني- الإنعام وما يجري مجراه، مما يقع في وقت دون وقت؛ وهو على خمسة أنواع 53 النوع الأوّل- الخلع والتشاريف 53

النوع الثاني- الخيول 56 النوع الثالث- الكسوة والحوائص 56 النوع الرابع- الإنعام والأوقاف 57 النوع الخامس- المأكول والمشروب 57 المقصد السابع- في اختصاص صاحب هذه المملكة بأماكن داخلة في نطاق مملكته يمتاز بها على ملوك الأرض من المسلمين، وغيرهم 58 المقصد الثامن- في انتهاء الأخبار إليه؛ وهو على ثلاثة أنواع 60 النوع الأوّل- أخبار الملوك الواردة عليه مكاتبات منهم 60 النوع الثاني- الأخبار التي ترد عليه من جهة نوّابه 60 النوع الثالث- أخبار حاضرته 61 المقصد التاسع- في هيئة الأمراء بالديار المصرية وترتيب إمرتهم 61 المقصد العاشر- في ولاة الأمور من أرباب السيوف بأعمال الديار المصرية؛ وهم على أربع طبقات 64 الطبقة الأولى- النوّاب 64 الطبقة الثانية- الكشاف 66 الطبقة الثالثة- الولاة بالوجهين: القبلي والبحري 66 الطبقة الرابعة- أمراء العربان بنواحي الديار المصرية 68 الفصل الثاني- من المقالة الثانية في المملكة الشامية، وما يتصل بها من بلاد الأرمن والروم وبلاد الجزيرة بين الفرات والدجلة مما هو مضاف إلى هذه المملكة؛ وفيه أربعة أطراف 74 الطرف الأول- في فضل الشام وخواصه وعجائبه، وفيه مقصدان 74 المقصد الأوّل- في فضل الشام 74 المقصد الثاني- في خواصه وعجائبه 75 الطرف الثاني- في حدوده، وابتداء عمارته، وتسميته شاما؛ وفيه مقصدان 77 المقصد الأوّل- في حدوده 77 المقصد الثاني- في ابتداء عمارته، وتسميته شاما، وما يلتحق بذلك 80 الطرف الثالث- في أنهاره، وبحيراته، وجباله المشهورة، وزروعه،

وفواكهه، ورياحينه، ومواشيه، ووحوشه، وطيوره؛ وفيه ستة مقاصد 82 المقصد الأول- في ذكر الأنهار العظام بالشام 82 المقصد الثاني- في ذكر بحيراته 86 المقصد الثالث- في ذكر جباله المشهورة 88 المقصد الرابع- في ذكر زروعه وفواكهه ورياحينه 90 المقصد الخامس- في ذكر مواشيه ووحوشه وطيوره 91 المقصد السادس- في ذكر النفيس من مطعوماته 91 الطرف الرابع- في ذكر جهاته وكوره القديمة وقواعده المستقرّة وأعمالها؛ وفيه مقصدان 92 المقصد الأوّل- في ذكر جهاته وكوره القديمة 92 المقصد الثاني- في ذكر قواعده المستقرّة وأعمالها؛ وهي ست قواعد 94 القاعدة الأولى- دمشق؛ وفيها جملتان 94 الجملة الأولى- في حاضرتها 94 الجملة الثانية- في نواحيها وأعمالها وتشتمل على برّ وأربع صفقات 100 الصفقة الأولى- الساحلية والجبلية؛ ولها جهتان 101 الجهة الأولى- الساحلية، وهي التي بساحل بحر الروم 102 الجهة الثانية- الجبلية 104 الصفقة الثانية- القبلية 107 الصفقة الثالثة- الشمالية 112 الصفقة الرابعة- الشرقية؛ وهي على ضربين 115 الضرب الأوّل- ما هو داخل في حدود الشام 115 الضرب الثاني- ما هو من بلاد الجزيرة 119 القاعدة الثانية- حلب؛ وفيها جملتان 120 الجملة الأولى- في حاضرتها 120 الجملة الثانية- في نواحيها وأعمالها؛ وهي على ثلاثة أقسام 123 القسم الأوّل- ما هو داخل في حدود بلاد الممالك الشامية 123

القسم الثاني- البلاد المتصلة بذيل البلاد المتقدم ذكرها من الشمال؛ وهي المعروفة ببلاد الأرمن؛ وهو على ضربين 134 الضرب الأول- الأعمال الكبار؛ وهي ساحلية وجبلية 136 الضرب الثاني- الأعمال الصغار 140 القسم الثالث- البلاد المجاورة للفرات من شرقيه 142 القاعدة الثالثة- من قواعد المملكة الشامية حماة؛ وفيها جملتان 144 الجملة الأولى- في حاضرتها 144 الجملة الثانية- في نواحيها وأعمالها 146 القاعدة الرابعة- من قواعد المملكة الشامية أطرابلس؛ وفيها جملتان 147 الجملة الأولى- في حاضرتها 147 الجملة الثانية- في نواحيها وأعمالها؛ وهي على قسمين 149 القسم الأول- الأعمال الكبار؛ وهي على ضربين 149 الضرب الأوّل- مضافاتها نفسها 149 الضرب الثاني- قلاع الدعوة 151 القسم الثاني- الأعمال الصغار 153 القاعدة الخامسة- من قواعد المملكة الشامية صفد؛ وفيها جملتان 154 الجملة الأولى- في حاضرتها 154 الجملة الثانية- في نواحيها وأعمالها 155 القاعدة السادسة- من قواعد المملكة الشامية الكرك؛ وفيها جملتان 161 الجملة الأولى- في حاضرتها 161 الجملة الثانية- في نواحيها وأعمالها 162 الطرف الثاني- من الفصل الثاني من الباب الثالث من المقالة الثانية فيمن ملك البلاد الشامية؛ وملوكها على قسمين 163 القسم الأوّل- ملوكها قبل الإسلام؛ وهم على أربع (خمس) طبقات 163 الطبقة الأولى- ملوكها من الكنعانيين 164 الطبقة الثانية- ملوكها من بني أسرائيل 164 الطبقة الثالثة- ملوكها من الفرس 166

الطبقة الرابعة- ملوكها من اليونان 167 الطبقة الخامسة- ملوكها من الروم 167 القسم الثاني- من ملوك الشام ملوكه في الإسلام، وهم على ضربين 167 الضرب الأول- عمال الصحابة فمن بعدهم من نواب الخلفاء إلى حين استيلاء الملوك عليها 167 الضرب الثاني- من وليها ملكا 168 الطرف الثالث- من الفصل الثاني من الباب الثالث من المقالة الثانية في ذكر أحوال المملكة الشامية؛ وفيه مقصدان 186 المقصد الأول- في ترتيب نياباتها 186 النيابة الأولى- نيابة دمشق؛ وفيها جملتان (ثلاث جمل) 187 الجملة الأولى- في ذكر أحوالها 187 الجملة الثانية- في ترتيب مملكتها؛ وهو ضربان 188 الضرب الأوّل- في ترتيب حاضرتها 188 الضرب الثاني- في بيان أرباب الوظائف بدمشق على تباين مراتبهم؛ والوظائف على خمسة أصناف 190 الصنف الأول- وظائف أرباب السيوف 190 الصنف الثاني- الوظائف الديوانية 195 الصنف الثالث- الوظائف الدينية 199 الصنف الرابع- وظائف أرباب الصناعات 200 الصنف الخامس- وظائف زعماء أهل الذمة بها 201 الجملة الثالثة- في ترتيب النيابة بها 201 المقصد الثاني- في ترتيب ما هو خارج عن حاضرة دمشق، وهو على ضربين 204 الضرب الأوّل- ما هو خارج عن حاضرتها من النيابات والولايات 204 الضرب الثاني- من الخارج عن حاضرة دمشق العربان، والإمرة بها في بطون من العرب 210 البطن الأولى- آل ربيعة من طيىء من كهلان من القحطانية 210

البطن الثانية- جرم 218 البطن الثالثة- ثعلبة 219 البطن الرابعة- بنو مهدي 220 البطن الخامسة- زبيد 221 النيابة الثانية- من نيابات السلطنة بالممالك الشامية نيابة حلب؛ وفيها جملتان 223 الجملة الأولى- في ذكر أحوالها في المعاملات ونحوها 223 الجملة الثانية- في ترتيب مملكتها، وهي على ضربين 223 الضرب الأوّل- في ترتيب حاضرتها؛ ووظائفها على أربعة (ثلاثة) أصناف 223 الصنف الأوّل- وظائف أرباب السيوف 224 الصنف الثاني- الوظائف الدينية 227 الصنف الثالث- وظائف أرباب الصناعات 228 الجملة الثانية- (الثالثة) في ترتيب ما هو خارج عن حاضرة حلب؛ وهو ثلاثة أنواع (نوعان) 232 النوع الأول- ولاة الأمور من أرباب السيوف؛ وهم ثلاثة أصناف 232 الصنف الأول- النواب؛ وهم على ضربين 232 الضرب الأول- ما هو داخل في حدود البلاد الشامية 232 الضرب الثاني- النيابات الخارجة عن حدود البلاد الشامية؛ وهي على قسمين 234 القسم الأول- بلاد الثغور والعواصم وما والاها 234 القسم الثاني- ما هو في حدود بلاد الجزيرة شرقيّ الفرات 235 الصنف الثاني- من أرباب السيوف بخارج حلب الولاة 236 النوع الثاني- مما هو خارج عن حاضرة حلب العربان 237 النيابة الثالثة- نيابة أطرابلس، وفيها جملتان 239 الجملة الأولى- في ذكر أحوالها ومعاملاتها 239 الجملة الثانية- فيما هو خارج عن حاضرتها؛ وهو على ضربين 241 الضرب الأول- النوّاب؛ وهم على قسمين 241

القسم الأوّل- النيابات بمضافات نفس أطرابلس 241 القسم الثاني- نيابات قلاع الدعوة 242 الضرب الثاني- الولاة 242 النيابة الرابعة- نيابة حماة؛ وفيها جملتان 243 الجملة الأولى- في ذكر أحوالها ومعاملاتها 243 الجملة الثانية- في ترتيب نيابتها؛ وهي على ضربين 243 الضرب الأوّل- ما بحاضرتها 243 الضرب الثاني- ما هو خارج عن حاضرتها 245 النيابة الخامسة- نيابة صفد؛ وفيها جملتان 246 الجملة الأولى- فيما هو بحاضرتها 246 الجملة الثانية- فيما هو خارج عن حاضرتها 246 النيابة السادسة- نيابة الكرك؛ وفيها جملتان 247 الجملة الأولى- فيما هو بحاضرتها 247 الجملة الثانية- فيما هو خارج عن حاضرتها؛ وهو على ضربين 248 الضرب الأوّل- الولايات 248 الضرب الثاني- العرب 248 الفصل الثالث- من الباب الثالث من المقالة الثانية في المملكة الحجازية؛ وفيه سبعة أطراف 249 الطرف الأول- في فضل الحجاز وخواصه وعجائبه 249 الطرف الثاني- في ذكر حدوده، وابتداء عمارته، وتسميته حجازا 250 الطرف الثالث- في ابتداء عمارته وتسميته حجازا 251 الطرف الرابع- في ذكر مياهه وعيونه وجباله المشهورة 252 الطرف الخامس- في زروعه وفواكهه ورياحينه ومواشيه ووحوشه وطيوره 253 الطرف السادس- في قواعده وأعماله؛ وفيه ثلاث قواعد 254 القاعدة الأولى- مكة المشرفة؛ وفيها جملتان 254 الجملة الأولى- في حاضرتها 254 الجملة الثانية- في نواحيها وأعمالها؛ وهي على ضربين 261

الضرب الأوّل- الحرم ومشاعر الحج الخارجة عن مكة 261 الضرب الثاني- قراها ومخاليفها 263 الطرف السابع- في ذكر ملوك مكة؛ وهم على ضربين 266 الضرب الأول- ملوكها قبل الإسلام 266 الضرب الثاني- ملوكها في الإسلام؛ وهم على طبقات 270 الطبقة الثالثة- (هكذا) عمال النبي صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء الراشدين 270 الطبقة الرابعة- عمال بني أمية 270 الطبقة الخامسة- عمال بني العباس 271 الطبقة السادسة- السليمانيون من بني الحسن 272 الطبقة السابعة- الهواشم 275 الطبقة الثامنة- بنو قتادة 277 الطرف السابع- (الثامن) في ترتيب مكة المشرفة؛ وفيه جملتان 280 الجملة الأولى- فيما هو بحاضرتها 280 الجملة الثانية- فيما هو خارج عن حاضرتها 289 القاعدة الثانية- المدينة الشريفة النبوية، وفيها ثلاث جمل (أربع) 290 الجملة الأولى- في حاضرتها 290 الجملة الثانية- في نواحيها وأعمالها، وهي على ضربين 294 الضرب الأول- حماها ومرافقها 294 الضرب الثاني- في مخاليفها وقراها 294 الجملة الثالثة- في ذكر ملوك المدينة وأمرائها؛ وهم على ضربين 297 الضرب الأوّل- من قبل الاسلام؛ وهم ثلاث طبقات 297 الطبقة الأولى- التبابعة 297 الطبقة الثانية- العمالقة من ملوك الشام 297 الطبقة الثالثة- ملوكها من بني اسرائيل، ومن انضم اليهم من الأوس والخزرج 298 الضرب الثاني- من في زمن الإسلام؛ وهم أربع طبقات 299 الطبقة الأولى- من كان بها في صدر الإسلام 299

الطبقة الثانية- عمال الخلفاء من بني أمية 299 الطبقة الثالثة- عمالها في زمن خلفاء بني العباس 301 الطبقة الرابعة- أمراء الأشراف من بني حسين 302 الجملة الثالثة- (الرابعة) في ترتيب المدينة المنوّرة 306 الباب الرابع- من المقالة الثانية في الممالك والبلدان المحيطة بمملكة الديار المصرية؛ وفيه أربعة فصول 309 الفصل الأوّل- في الممالك والبلدان الشرقية عنها، وما ينخرط في سلكها من شمال أو جنوب؛ وفيه أربعة مقاصد 309 المقصد الأول- في الممالك الصائرة إلى بيت جنكز خان؛ وفيه جملتان 309 الجملة الأولى- في التعريف باسم جنكز خان ومصير الملك اليه 309 الجملة الثانية- في عقيدة جنكز خان وأتباعه في الديانة إلى أن أسلم من أسلم منهم 314 المهيع الثاني- (لعله المقصد الثاني) في ذكر ممالك بني جنكز خان على التفصيل؛ وهي مملكتان 316 المملكة الأولى- مملكة ايران ولها جانبان: جنوبي وشمالي 316 الجانب الأول- الجنوبي؛ ويشتمل على ستة أقاليم 317 الإقليم الأول- الجزيرة الفراتية 317 الإقليم الثاني- العراق؛ وله قواعد ومدن 330 القاعدة الأولى- بابل 331 القاعدة الثانية- المدائن 332 القاعدة الثالثة- بغداد 332 القاعدة الرابعة- سرّ من رأى 335 الإقليم الثالث- خوزستان والأهواز 340 الإقليم الرابع- فارس 345 الإقليم الخامس- كرمان 349 الإقليم السادس- سجستان والرخج 351 الجانب الثاني- من مملكة إيران- الشمالي؛ ويشتمل على عدة أقاليم 354

الإقليم الأول- أرمينية 354 الإقليم الثاني- أذربيجان؛ وبها ثلاث قواعد 357 القاعدة الأولى- أردبيل 357 القاعدة الثانية- تبريز 358 القاعدة الثالثة- السلطانية، واسمها قنغرلان 359 الإقليم الثالث- أرّان؛ ولها قاعدتان 361 القاعدة الأولى- بردعة 362 القاعدة الثانية- تفليس 362 الإقليم الرابع- بلاد الجبل 366 الإقليم الخامس- بلاد الديلم 379 الإقليم السادس- الجيل؛ وفيه قواعد 380 القاعدة الأولى- پومن 382 القاعدة الثانية- تولم 382 القاعدة الثالثة- كسكر 383 الإقليم السابع- طبرستان 384 الإقليم الثامن- مازندران 386 الإقليم التاسع- قومس 387 الإقليم العاشر- خراسان 388 الإقليم الحادي عشر- زابلستان 395 الإقليم الثاني عشر- الغور 396 الجملة الثالثة- في الأنهار المشهورة 397 الجملة الرابعة- في الطرق الموصلة إلى قواعد هذه المملكة 401 الجملة الخامسة- في بعض مسافات بين بلاد هذه المملكة 403 الجملة السادسة- فيما بهذه المملكة من النفائس العلية القدر، والعجائب الغريبة الذكر، والمتنزهات المرتفعة الصيت 406 الجملة السابعة- في ذكر من ملك مملكة إيران جاهلية وإسلاما؛ وهم على ضربين 408

الضرب الأوّل- ملوكها قبل الإسلام؛ وهم على أربع طبقات 409 الطبقة الأولى- القيشداذية 409 الطبقة الثانية- الكيانية 411 الطبقة الثالثة- الاشغانية 412 الطبقة الرابعة- الأكاسرة 412 الضرب الثاني- ملوكها بعد الإسلام، وهم على ثلاث طبقات 414 الطبقة الأولى- عمال الخلفاء 414 الطبقة الثانية- خلفاء بني العباس 415 الطبقة الثالثة- ملوكها من بني جنكز خان 418 الجملة الثامنة- في معاملاتها وأسعارها 420 الجملة التاسعة- في ترتيب هذه المملكة، على ما كانت عليه، في زمن بني هولاكو 421 الجملة العاشرة- فيما لأرباب المناصب والجند، من الرزق على السلطان 423 الجملة الحادية عشرة- في ترتيب أمور السلطان، بهذه المملكة 425 الجملة الثانية عشرة- فيما يتعلق بترتيب ديوان الإنشاء بهذه المملكة 427 المملكة الثانية- مما بيد بني جنكز خان، مملكة توران؛ وفيها سبع جمل 427 الجملة الأولى- في ذكر حدودها وطولها؛ وعرضها وموقعها من الأقاليم السبعة 429 الجملة الثانية- فيما يدخل في هذه المملكة من الأقاليم العرفية؛ وهي سبعة 430 الإقليم الأول- ما وراء النهر 430 الإقليم الثاني- تركستان 438 الإقليم الثالث- طخارستان 441 الإقليم الرابع- بذخشان 442 الجملة الثالثة- في الطرق الموصلة إليها، وبعض المسافات الواقعة بين بلادها 443 الجملة الرابعة- في عظام الأنهار الواقعة في هذا القسم من مملكة توران 443 الجملة الخامسة- في معاملاتها وأسعارها 444

الجملة السادسة- في من ملك هذا القسم من مملكة توران، وملوكها في الإسلام على طبقتين 444 الطبقة الأولى- ما هو عقيب الفتح 445 الطبقة الثانية- ملوكها من بني جنكزخان 448 الجملة السابعة- في ترتيب هذه المملكة، وحال عساكرها 449 القسم الثاني- من مملكة توران خوارزم والقبجاق؛ وفيه ثمان جمل 449 الجملة الأولى- في ذكر حدود هذه المملكة ومسافتها 450 الجملة الثانية- فيما اشتملت عليه من الأقاليم 451 الجملة الثالثة- في ذكر الأنهار العظام والبحيرات الواقعة في هذه المملكة 464 الجملة الرابعة- في الطرق الموصلة إلى هذه المملكة 467 الجملة الخامسة- في الموجود بها 467 الجملة السادسة- في المعاملات والأسعار بها 468 الجملة السابعة- في ذكر ملوك هذه المملكة 469 الجملة الثامنة- في مقدار عسكر هذه المملكة 472 القسم الثالث- من مملكة توران مملكة القان الكبير؛ وفيها خمس (ست) جمل 474 الجملة الأولى- فيما اشتملت عليه هذه المملكة من الأقاليم 476 الإقليم الأوّل- الصين 476 الإقليم الثاني- بلاد الخطا 481 الجملة الثانية- في معاملة هذه المملكة وأسعارها 481 الجملة الثالثة- في الطريق الموصل إلى هذه المملكة 481 الجملة الرابعة- في ذكر ملوكها 482 الجملة الخامسة- في عسكره 483 الجملة السادسة- في ترتيب هذه المملكة 483 (تم فهرست الجزء الرابع من كتاب صبح الأعشى) ويليه الجزء الخامس وأوّله المقصد الثاني في ممالك جزيرة العرب الخارجة عن مضافات الديار المصرية

الجزء الخامس

الجزء الخامس بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمد وآله وصحبه [تتمة المقالة الثانية] [تتمة الفصل الاول من الباب الرابع من المقالة الثانية] المقصد الثاني (في ممالك جزيرة العرب الخارجة عن مضافات الديار المصرية) قد تقدّم في الكلام على مملكة الديار المصرية ومضافاتها ذكر جزيرة العرب، وأنه يحدّها من جهة الغرب بحر القلزم، ومن جهة الجنوب بحر الهند، ومن جهة الشرق بحر فارس، ومن جهة الشّمال الفرات. وأنها تحتوي الحجاز ونجدا وتهامة واليمن واليمامة والبحرين، وقطعة من بادية الشام، وقطعة من بادية العراق وتقدّم هناك الكلام على ما هو مضاف إلى مملكة الديار المصرية. منها مكة، والمدينة، على الحالّ «1» بها أفضل الصلاة والسلام، والتحية والإكرام، والينبع، وما هو من بادية الشام كتدمر ونحوها. والمقصود هنا الكلام على باقى أقطارها، التي لم تدخل في مضافات الديار المصرية. ويتوجه القصد منها إلى ثلاثة أقطار: القطر الأوّل (اليمن) قال في «اللباب» «2» : بفتح المثناة التحتية والميم وفي آخرها نون. قال: وينسب إليه يمنيّ ويمانيّ. وهو قطعة من جزيرة العرب يحدّها من الغرب بحر

القلزم، ومن الجنوب بحر الهند، ومن الشّمال بحر فارس، ومن الشرق حدود مكة حيث الموضع المعروف بطلحة «1» الملك، وما على سمت «2» ذلك إلى بحر فارس. وقد وردت السّنة بتفضيله بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «الإيمان يمان» «3» واختلف في سبب تسميته باليمن فقيل: سمّي بيمن بن قحطان. وقيل: إن قحطان نفسه كان يسمّى بيمن. وقيل: سمّي بيمن بن قيدار. وقيل: سمّي بذلك لأنه عن يمين الكعبة. قال «ابن الكلبي» «4» : سميت بذلك لتيامنهم «5» إليها. قال «ابن عباس» : استتبّ الناس «6» وهم العرب فتيامنوا إلى اليمن فسمّيت بذلك. وقيل: تيامنت بنو يقطن إليها فسمّيت بذلك. وقيل: لمّا كثر الناس بمكة وتفرّقوا عنها التأمت بنو يمن إلى اليمن وهو أيمن الأرض. وهو إقليم متسع له ذكر في القديم، وبه كان قوم سبإ «7» المنصوص خبرهم في سورة «سبإ» «8» وبلقيس «9» المذكور عرشها في سورة «النمل» «10»

وقد ذكر «البكريّ» «1» أن عرضه ستّ عشرة مرحلة، وطوله عشرون مرحلة. قال في «مسالك الأبصار» «2» : وله ذكر قديم. قال: وهو كثير الأمطار، ولكن لا تنشأ منه السّحب؛ ويمطر في الغالب من وقت الزوال إلى أخريات النهار. قال الحكيم «صلاح الدين محمد بن البرهان» : وأكثر مطره في أخريات الربيع إلى وسط الصيف. وهو إلى الحرّ أميل، وبه الأنهار الجارية، والمروج الفيح، والأشجار المتكاثفة في بعض أماكنه، وله ارتفاع صالح من الأموال، وغالب أمواله موجبات التّجّار الواصلين من الهند ومصر والحبشة؛ مع مالها من دخل البلاد. وذكر عن الحكيم صلاح الدين المذكور، أن لأهل اليمن سيادات بينهم محفوظة، وسعادات عندهم ملحوظة، ولأكابرها حظّ من رفاهية العيش والتنعم والتفنّن في المأكل، يطبخ في بيت الرجل منهم عدّة ألوان، ويعمل فيها السكّر والقلوب، وتطيّب أوانيها بالعطر والبخور، ويكون لأحدهم الحاشية والغاشية، وفي بيته العدد الصالح من الإماء، وعلى بابه جملة من الخدم والعبيد والخصيان من الهند والحبوش، ولهم الدّيارات الجليلة، والمباني الأنيقة، إلا الرّخام ودهان الذهب واللازورد، فإنه من خواصّ السلطان، لا يشاركه فيه غيره من الرّعايا. وإنما تفرش دور أعيانهم بالخافقيّ ونحوه، على أن ابن البرهان قد غضّ من اليمن في أثناء كلامه فقال: واسم اليمن أكبر منه، لا تعدّ في بلاد الخصب بلاده.

القسم الأول (التهائم)

وذكر في «مسالك الأبصار» أنه ليس باليمن أسواق مرضية دائمة، إنما يقام لها سوق يوم الجمعة؛ تجلب فيه الأجلاب «1» ويخرج أرباب الصنائع والبضائع بضائعهم وصنائعهم، فيبيع من يبيع، ويشتري من يشتري، من أعوزه شيء في وسط الجمعة لا يكاد يجده إلا المأكل. ثم اليمن على قسمين: القسم الأوّل (التهائم) وهي المنخفض من بلاده. قال في «مسالك الأبصار» : وهي باردة الهواء طيّبة المسكن. وفيه أربع جمل: الجملة الأولى (في ذكر ما اشتمل عليه من القواعد والمدن) قال في «مسالك الأبصار» : وهو يشتمل على عدّة بلاد، وقلاع، وحصون حصينة، ولكن يفصل البرّ ما بين بعضها عن بعض، وبه قاعدتان: القاعدة الأولى (تعز) وهي مصيف صاحب اليمن. قال في «تقويم البلدان» «2» بكسر «3» المثناة من فوق والعين المهملة وزاى معجمة في الآخر. وموقعها في الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة. قال: والقياس حيث الطول خمس وستون درجة وثلاثون دقيقة،

القاعدة الثانية (زبيد)

والعرض ثلاث عشرة درجة وأربعون دقيقة. قال: وهي في زماننا هذا مقرّ ملوك اليمن (يعني من أولاد رسول الآتى ذكرهم في الكلام على ملوكه) . ثم قال: وهي حصن في الجبال، مطلّ على التهائم وأراضي زبيد «1» ، وفوقها منتزه يقال له مهلة، قد ساق له صاحب اليمن المياه من الجبال التي فوقها، وبنى فيها أبنية عظيمة في غاية الحسن في وسط بستان هناك. قال في «الروض المعطار» «2» : ولم تزل حصنا للملوك. قال: وهو بلد كثير الماء، بارد الهواء، كثير الفاكهة. قال؛ ولسلطانهم بستان يعرف بالينعات، فيه قبّة ملوكية، ومقعد سلطاني، فرشهما وأزرهما من الرّخام الملوّن؛ وبهما عمد قليلة المثل، يجري فيهما الماء من نفثات تملأ العين حسنا، والأذن طربا، بصفاء نميرها «3» ، وطيب خريرها؛ وترمي شبابيكهما على أشجار قد نقلت إليه من كل مكان، تجمع بين فواكه الشام والهند، لا يقف ناظر على بستان أحسن منه جمعا، ولا أجمع منه حسنا، ولا أتم صورة ولا معنى. القاعدة الثانية (زبيد) وهي مشتى صاحب اليمن من بني رسول. قال في «تقويم البلدان» : بفتح الزاى المعجمة وكسر الباء الموحدة وسكون المثناة من تحت ودال مهملة. وهي مدينة من تهائم اليمن. قال في «العبر» : بناها محمد بن إبراهيم، بن عبيد الله، بن زياد، بن أبيه في خلافة المامون. وموقعها في أوائل الإقليم الأول من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول أربع وستون درجة وعشرون دقيقة، والعرض أربع عشرة درجة وعشر دقائق. قال في «العبر» «4» : وهي مدينة مسوّرة،

وبها كان مقام بني زياد ملوك اليمن، وهم الذين بنوها، ثم غلب عليها بنو الصّليحيّ، ثم صارت قاعدة بني رسول. وهي قصبة التهائم؛ وهي مبنيّة في مستو من الأرض، عن البحر على أقلّ من يوم، وماؤها من الآبار، وبها نخيل كثيرة، وعليها سور، وفيها ثمانية أبواب. قال البيروني «1» : وهي فرضة اليمن، وبها مجتمع التّجّار من الحجاز ومصر والحبشة؛ ومنها تخرج بضائع الهند والصين. قال المهلّبي «2» : ولها ساحل يعرف بغلافقة، وبينهما خمسة عشر ميلا. قال في «مسالك الأبصار» : وهي شديدة الحرّ لا يبرد ماؤها ولا هواؤها، وهي أوسع رقعة وأكثر بناء، ولها نهر جار بظاهرها، ومساكن السلطان فيها في نهاية العظمة من فرش الرّخام والسّقوف. وباليمن عدّة مدن سوى القواعد المتقدّمة الذكر منها (عدن) «3» قال في «تقويم البلدان» : بفتح العين والدال المهملتين ونون في الآخر. وهي من تهائم اليمن. قال: وهي خارجة إلى الجنوب عن الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : حيث الطول سبع وستون درجة، والعرض تسع عشرة درجة. قال في «الروض المعطار» : وأوّل من نزلها عدن بن سبإ فعرفت به. قال في «تقويم البلدان» : ويقال لها عدن أبين- بفتح الهمزة

وسكون الباء الموحدة وفتح المثناة التحتية ثم نون- وقال في «المشترك» «1» : عن سيبويه بكسر الهمزة، وهو رجل من حمير أضيفت إليه عدن. قال في «العبر» : وهو أبين بن زهير، بن الغوث، بن أيمن، بن الهميسع، بن حمير. وذكر «الأزهري» أن سبب تسميتها بذلك أن الحبشة [عبرت] «2» في سفنهم إليها، وخرجوا منها فقالوا (عدونه) يريدون خرجنا فسميت عدن لذلك. وقيل مأخوذة من قولهم عدن بالمكان إذا أقام به. وهي على ساحل البحر ذات حطّ وإقلاع. قال في «مسالك الأبصار» : وهي أعظم المراسي باليمن، وتكاد تكون ثالثة تعزّ وزبيد في الذّكر؛ وبها قلعة حصينة مبنية، وهي خزانة مال ملوك اليمن، إلا انه ليس بها زرع ولا ضرع؛ وهي فرضة اليمن، ومحطّ رحال التّجّار، لم تزل بلد تجارة من زمن التّبابعة وإلى زماننا، عليها ترد المراكب الواصلة من الحجاز والسّند والهند والصّين والحبشة؛ ويمتار أهل كل إقليم منها ما يحتاج إليه إقليمهم من البضائع. قال «صلاح الدين بن الحكيم» : ولا يخلو أسبوع من عدّة سفن وتجّار واردين عليها، وبضائع شتى ومتاجر منوّعة، والمقيم بها في مكاسب وافرة، وتجائر مربحة؛ ولحطّ المراكب عليها وإقلاعها مواسم مشهورة، فإذا أراد ناخوذة «3» السفر بمركب إلى جهة من الجهات، أقام فيها علما برنك «4» خاصّ به، فيعلم التجّار بسفره، ويتسامع الناس فيبقى كذلك أيّاما، ويقع الاهتمام بالرحيل، وتسارع التجّار في نقل أمتعتهم، وحولهم العبيد بالقماش السريّ والأسلحة النافعة، وتنصب على شاطيء البحر الأسواق، ويخرج أهل عدن للتفرّج هناك. قال في «العبر» : ويحيط بها من جهة شماليها على بعد جبل دائر إلى البحر

ينثقب فيه من طرفيه ثقبان كالبابين، بينهما على ظهر الجبل مسيرة أربعة أيام، وليس لأهلها دخول ولا خروج إلا على الثّقبين أو من البحر. وكان ملكها لبني معن ابن زائدة «1» ، ثم لبني زياد: أصحاب زبيد؛ ثم انتزعها منهم أحمد بن المكرّم «2» الصّليحي، وصفا الملك فيها لبني الزّريع منهم؛ وبقيت بأيديهم حتّى ملكها منهم (توران شاه) بن أيوب: أوّل ملوك اليمن من الأيّوبيّة؛ ومن الأيّوبيّة انتقلت لبني رسول ملوك اليمن الآن. وذكر في «مسالك الأبصار» عن الحكيم «صلاح الدين بن البرهان» أنه أقام بها مدّة، وقال إن المقيم بها يحتاج إلى كلفة في النّفقات: لارتفاع الأسعار بها في المآكل والمشارب؛ ويحتاج المقيم بها إلى ما يتبرّد به في اليوم مرّات في زمن قوّة الحرّ. قال: ولكنهم لا يبالون بكثرة الكلف، ولا بسوء المقام لكثرة الأموال النامية. ومنها (ظفار) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح الظاء المعجمة والفاء وألف وراء مهملة. قال: وهي من تهائم اليمن، من أوائل الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» : حيث الطول سبع وستون درجة والعرض ثلاث عشرة درجة وثلاثون دقيقة. قال السّهيلي «3» : وهي مدينة عظيمة، بناها مالك بن أبرهة «4» ذي المنار.

وذكر في «العبر» أنها كانت دار ملك التّبابعة؛ وخرّبها أحمد الناخوذة سنة تسع عشرة وستمائة لأنها لم يكن لها مرسى، وبنى على الساحل مدينة ظفار «1» بالضم، وسمّاها الأحمديّة. قال في «تقويم البلدان» : وهي مدينة على ساحل خور «2» قد خرج من البحر الجنوبي وطعن في البر في جهة الشّمال نحو مائة ميل، ومدينة ظفار على طرفه، ولا تخرج المراكب من ظفار في هذا الخور إلا بريح البرّ، ويقلع منها في الخور المذكور إلى الهند. قال: وهي قاعدة بلاد الشّحر، ويوجد في أرضها كثير من نبات الهند كالرّانج والتّنبل «3» ، وشماليّ ظفار رمال الأحقاف التي كان بها قوم عاد «4» وهي المذكورة في القرآن، وبينها وبين صنعاء أربعة وعشرون فرسخا. قال: وعن بعضهم أن لها بساتين على السّواني «5» قال في «مسالك الأبصار» : وهي في زماننا لأولاد الواثق ابن عم صاحب اليمن. قال: وهم وإن أطلق عليهم اسم الملك نوّاب له. وذكر أن البضائع منها تنقل في زوارق حتّى تخرج من خورها، ثم توسق «6» في السّفن. قال في «العبر» : وكانت منزلة الملوك في صدر الدولتين.

ومنها (حلي) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح الحاء المهملة وسكون اللام ثم ياء مثناة من تحت. وهي بلدة من اليمن، واقعة في الإقليم الأوّل. قال في «الأطوال» : حيث الطول ستّ وستون درجة، والعرض ثلاث عشرة درجة وثلاثون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي من أطراف اليمن من جهة الحجاز وتعرف بحلي ابن يعقوب. ومنها (المهجم) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح الميم وسكون الهاء وجيم وميم. وهي مدينة من تهائم اليمن، واقعة في الإقليم الأوّل. قال في «الأطوال» : حيث الطول أربع وستون درجة، والعرض ستّ عشرة درجة. قال في «تقويم البلدان» : وهي من أجلّ مدن اليمن، وهي عن زبيد ثلاثة أيام [وهي] في الشرق والشمال عن زبيد؛ وعن صنعاء على ستّ مراحل. قال الإدريسيّ «1» : ومن عدن على ست مراحل. ومنها (حصن الدّملوة) . قال في «تقويم البلدان» : بكسر «2» الدال المهملة وسكون الميم ثم لام وواو وهاء في الآخر. وهو حصن من حصون اليمن، واقع في الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة. قال أبو العقول: حيث الطول أربع وستون درجة وأربعون دقيقة، والعرض أربع عشرة درجة،. قال في «تقويم البلدان» : وهو حصن في شمال عدن في جبال اليمن. قال ابن سعيد «3» : وهو على الجبل الممتدّ من الجنوب إلى الشمال، وهو خزانة صاحب اليمن؛ ويضرب بامتناعه وحصانته المثل. ومنها (الشّرجة) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح الشين المعجمة

وسكون الراء المهملة وجيم وهاء. وهي ميناء على ساحل البحر، واقعة في الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» : حيث الطول خمس وستون درجة، والعرض سبع عشرة درجة وثلاثون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي صغيرة وبيوتها أخصاص «1» ومنها (جبلة) . قال في «تقويم البلدان» : بضم الجيم وسكون الباء الموحدة ولام مفتوحة وهاء. وهي مدينة بين عدن وصنعاء، واقعة في الإقليم الأوّل. قال: وقياس قول أبي العقول أنها حيث الطول خمس وستون درجة، والعرض ثلاث عشرة درجة وعشر دقائق. قال: وهي على نهرين ولذلك يقال لها مدينة النّهرين. قال بعض الثقات: وبينها وبين تعزّ دون يوم، وهي عن تعزّ في الشرق بميلة يسيرة إلى الشّمال. ومنها (الجند) . قال في «اللباب» : بالجيم والنون المفتوحتين ودال مهملة في الآخر. وهي مدينة شماليّ تعزّ؛ على نحو نصف مرحلة منها؛ واقعة في الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : حيث الطول خمس وستون درجة، والعرض أربع عشرة درجة وثلاثون دقيقة. وهي عن صنعاء على ثمانية وأربعين فرسخا، وعن ظفار على أربعة وعشرين فرسخا. وقال الشريف الإدريسيّ: هي بين ذمار وبين زبيد. وهو بلد جليل به مسجد جامع ينسب لمعاذ بن جبل «2» الصحابيّ رضي الله عنه، وعلى القرب من الجند وادى سحول، ومنه يسير في صحارى إلى جبل عرضه أحد وعشرون فرسخا، ثم يسير في صحراء ورمال إلى مدينة زبيد. والجند بلد وخم في غاية الوخامة.

ومنها (سرّين) . قال في «اللباب» : بكسر السين المهملة وفتح الرّاء المهملة المشدّدة وسكون المثنّاة من تحت ونون في الآخر. وهي بلدة على تسعة عشر فرسخا من حلي، في جهة الشمال منها، واقعة في آخر الإقليم الأوّل. قال في «الأطوال» : حيث الطول ستّ وستون درجة وأربعون دقيقة، والعرض عشرون درجة. وقال المهلّبيّ: هي مدينة على ساحل البحر على أربعة أيام من مكة. قال الإدريسيّ: وهي على القرب من قرية يلملم: ميقات أهل اليمن للإحرام. ومنها (مرباط) . قال في «تقويم البلدان» : بكسر الميم وسكون الراء المهملة ثم باء موحدة وألف بعدها طاء مهملة. وهي بليدة على ساحل خور ظفار المقدّم ذكره. قال: وهي خارجة عن الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة إلى الجنوب أو منه. قال في «الأطوال» : حيث الطول اثنتان وسبعون درجة، والعرض اثنتا عشرة درجة. قال ابن سعيد: وهي في الشرق والجنوب عن ظفار. قال الإدريسي: وقبر هود عليه السّلام منها على خمسة أيّام. قال في «نزهة المشتاق» «1» : وبجبال مرباط ينبت شجر اللّبان «2» ، ومنها يجهّز إلى البلاد. ومنها (بلاد مهرة) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح الميم ثم هاء ساكنة وراء مهملة مفتوحة وهاء في الآخر. والمراد بمهرة بنو مهرة بن حيدان: قبيلة من قبائل اليمن؛ وقد بسطت القول على ذلك في كتابي المسمّى «بنهاية الأرب في معرفة قبائل العرب» . وموقعها في الإقليم الأوّل. قال في «الأطوال» : وآخرها حيث الطول خمس وسبعون درجة، والعرض ستّ عشرة درجة. قال في «تقويم البلدان» : وليس بها نخيل ولا زرع وإنما أموال أهلها الإبل. قال: وألسنتهم مستعجمة لا يكاد يوقف عليها، وينسب إليها البخت «3» المفضّلة، ويحمل منها اللّبان إلى الآفاق.

الجملة الثانية (في ذكر حيوانه، وحبوبه، وفواكهه، ورياحينه ومعاملاته، وأسعاره)

ومنها (الشّحر) «1» بكسر الشين المعجمة وسكون الحاء المهملة وراء مهملة في الآخر. قال ياقوت الحموي: وهي بليدة صغيرة، ولم يزد على ذلك. والذي يظهر أن لها إقليما ينسب إليها، وإليها ينسب العنبر الشّحريّ على ما تقدّم القول عليه في الكلام على ما يحتاج الكاتب إلى وصفه في المقالة الأولى. الجملة الثانية (في ذكر حيوانه، وحبوبه، وفواكهه، ورياحينه ومعاملاته، وأسعاره) وأنا أذكر جملة من ذلك على ما ذكره في «مسالك الأبصار» عن أبى جعفر أحمد بن محمد المقدسيّ المعروف بابن غانم كاتب الإنشاء بها، وأبى محمد عبد الباقى بن عبد المجيد اليمني الكاتب. أما حيوانه- فيه من الحيوان الخيل العربية الفائقة، والبغال الجيّدة للركوب والحمل، والحمر، والإبل، والبقر، والغنم، ومن الطير الدّجاج، والإوزّ، والحمام، وفيها من الوحوش الزرافة والأسد، والغزلان والقردة؛ وغير ذلك. وأما حبوبه- فبه من الحبوب الحنطة والشعير والذّرة والأرزّ والسّمسم؛ وغالب قوتهم الذّرة وأقلّة الحنطة والشعير. وأما فواكهه فيه العنب والرّمان، والسّفرجل، والتّفّاح، والخوخ، والتّوت، والموز، واللّيمون، والأترجّ «2» ، في أنواع أخرى من الفاكهة قليلة المقدار؛ وبه البطّيخ الأخضر والأصفر. قال ابن البرهان «3» : وغالب ما يوجد بمصر من الفواكه يوجد باليمن، إلا أنه

الجملة الثالثة (في الطريق الموصلة إلى اليمن)

بالغ في وصف السّفرجل به. وأما أسعاره فرخيّة في الغالب. وذكر ابن البرهان أن الحنطة فيه تغلو، واللحوم فيه رخيصة. الجملة الثالثة (في الطريق الموصّلة إلى اليمن) وله طريقان: طريق في البرّ، وطريق في البحر. أما طريقه في البر، فالطريق من مصر إلى مكة معروفة. قال في «تقويم البلدان» : ومن مكة إلى عدن نحو شهر. قال: ولها طريقان: أحدهما على ساحل البحر، وهو الأبعد. والثاني على نجران، وجرش، وصعدة، وصنعاء؛ وهو الأقرب. وأما في البحر، فمن مصر إلى السّويس ثلاثة أيام في البرّ، ثم يركب في البحر إلى زبيد وعدن. وربما عدل المسافرون عن السّويس إلى الطّور فتطول الطريق في البر، وتقصر في البحر، وربما وقع السفر إلى قوص في النيل أو في البر؛ ثم من قوص إلى عيذاب أو إلى القصير، فيركب في البحر إلى زبيد أو عدن. الجملة الرابعة (في ذكر ملوكه: جاهليّة وإسلاما) أما ملوكه في الجاهلية فعلى عشر طبقات: الطبقة الأولى (العاديّة) وهم بنو عاد بن عوص، بن إرم، بن سام، بن نوح عليه السّلام. وكانت منازلهم بالأحقاف من اليمن، وعمان من البحرين إلى حضرموت والشّحر.

وأوّل من ملكها منهم (عاد) المقدّم ذكره. ويقال: إنه أوّل من ملك من العرب وطال عمره وكثر ولده، حتّى يقال إنه ولد أربعة آلاف ولد ذكر لصلبه، وتزوّج ألف امرأة، وعاش ألف سنة ومائتي سنة. وقال البيهقي: عاش ثلاثمائة سنة. ثم ملك بعده ابنه (شديد) بن عاد. ثم ملك بعده ابنه الثاني (شدّاد) بن عاد وسار في الممالك، واستولى على كثير من بلاد الشام والعراق والهند ويقال إنه ملك مصر أيضا. ثم ملك بعده ابنه (إرم) بن عاد. والذي ذكره المسعودي أنه ملك بعد عاد بن عوص ابنه عاد بن عاد وأن جيرون بن سعد بن عاد كان من ملوكهم، وأنه الذي اختطّ مدينة دمشق ومصرّها، وإليه ينسب باب جيرون «1» بها كما تقدّم في الكلام عليها في مضافات الديار المصرية. وذكر ابن سعيد: أن شدّاد بن بدّاد، بن هدّاد، بن شدّاد، بن عاد غلب قفط ابن قبط على أسافل الديار المصرية، ثم هلك هناك، ويقال أن ملكهم على عهد هود عليه السّلام كان اسمه الخلجان بن عاد، بن رقيم، بن عاد الأكبر، ولقمان بن عاد بن عاديا بن صداقا بن لقمان، وكفر الخلجان، وأهلك الله من كفر منهم بالريح العقيم «2»

الطبقة الثانية (القحطانية)

وانتقل ملك لقمان إلى ولده (لقيم) واتصل ملك لقمان ورهطه ألف سنة أو أكثر إلى أن غلبهم عليه يعرب بن قحطان الآتى ذكره. الطبقة الثانية (القحطانيّة) وأوّل من ملك منهم (قحطان) بن عابر، بن أرفخشذ، بن سام، بن نوح عليه السّلام. قال المؤيد صاحب حماة: وهو أوّل من ملك اليمن ولبس التاج. ثم ملك بعده ابنه (يعرب) بن قحطان، وغلب عادا على اليمن، وعظم ملكه. وهو أوّل من حيّاه قومه بتحية الملك؛ وولى أخاه حضرموت بن قحطان على بلاد حضرموت فعرفت به؛ وولّى أخاه عمان بن قحطان على بلاد عمان من البحرين فعرفت به. ثم ملك بعده ابنه (يشجب) بن يعرب. ثم ملك بعده ابنه (عبد شمس) وأكثر الغزو والسبي، فسمّي سبأ؛ وبنى قصر سبإ ومدينة مأرب باليمن «1» ويقال: إنه غزا مصر، وبنى بها مدينة عين شمس، التي أثرها بالقرب من المطرية الآن. ثم ملك بعده ابنه (حمير) خمسين سنة، وهو أوّل من تتوّج بالذهب. ثم ملك بعده ابنه (وائل) . وقيل: بل ملك بعده أخوه (كهلان) . ثم ملك بعد وائل ابنه (السّكسك) . ثم ملك بعده ابنه (يعفر) بن السّكسك.

ثم غلب على الملك (عامر) بن باران، بن عوف، بن حمير؛ ويعرف بذى رياش «1» ثم ملك بعده ابنه (المعافر) واسمه النعمان بن يعفر المقدّم ذكره. ثم ملك بعده ابنه (أسمح) بن النعمان؛ فاضطرب أمر حمير، وصار ملكهم في طوائف إلى أن ظهرت ملوك التّبابعة. ويقال: إنه ملك منهم (أبين) بن زهير، بن الغوث، بن أيمن، بن الهميسع، وإليه تنسب عدن أبين على ما تقدّم ذكره «2» وملك منهم أيضا (عبد شمس) بن وائل، بن الغوث، بن حيدان، بن قطن، بن عريب، بن زهير، بن أيمن، بن الهميسع، بن حمير. وملك منهم أيضا (حسّان) بن عمرو، بن قيس، بن معاوية، بن جشم؛ بن عبد شمس. ثم ملك بعده أخوه (لقمان) . ثم أخوه (ذو شدد) : وهو ذو مراثد. ثم ابنه (الصّعب) ويقال: إنه ذو القرنين. ويقال: إن بني كهلان بن سبإ داولوا بني حمير في الملك. وملك منهم (جبّار) بن غالب، بن زيد، بن كهلان؛ وانه ملك من شعوب قحطان أيضا (نجران) بن زيد، بن يعرب، بن قحطان؛ وبه عرفت نجران المقدّم ذكرها.

الطبقة الثالثة (التبابعة)

الطبقة الثالثة (التبابعة) » إمّا بمعنى أن الناس يتبعونهم كما قاله السهيليّ والزمخشريّ، وإما بمعنى يتبع بعضهم بعضا كما قاله ابن سيده. قال في «العبر» : وكانت منازلهم ظفار. وأوّل من ملك منهم (الحارث) بن ذي شدد، بن الملطاط، بن عمرو، بن ذي يقدم؛ بن الصوار، بن عبد شمس، بن وائل، بن الغوث، بن حيدان، بن قطن، بن عريب بن زهير، بن الغوث بن أيمن بن الهميسع، بن حمير، بن سبإ. وسمّى الرائش لأنه لما ملك الناس راشهم بالعطاء. قال السهيليّ وكان مؤمنا. ثم ملك بعده ابنه (أبرهة ذو المنار) «2» مائة وثمانين سنة قاله المسعودى. وقال ابن هشام هو أبرهة بن الصّعب، بن ذي مراثد، بن الملطاط المقدّم ذكره، وسمّى ذا المنار لأنه رفع منارا يهتدى به. ثم ملك بعده ابنه (إفريقش) بن أبرهة مائة وستين سنة. وقال هشام ابن الكلبي هو إفريقش، بن قيس، بن صيفيّ أخي الحارث الرائش وسار إلى بلاد المغرب وفتح أفريقية فعرفت به. ثمّ ملك بعده أخوه (عمرو العبد) بن أبرهة المعروف بذي الأذعار خمسا وعشرين سنة. قال المسعوديّ: وسمّى ذا الأذعار لكثرة ذعر الناس منه، قال وكان على عهد سليمان عليه السّلام أو قبله بقليل. وقال الطبريّ: عمرو بن أبرهة ذي المنار، بن الحارث الرائش، بن قيس، ابن صيفيّ، بن سبإ الأصغر.

ثم ملك بعده (الهدهاد) بن شرحبيل، بن عمرو ذي الأذعار ستّ سنين أو عشر سنين، وهو ذو الصّرح. ثم ملك بعده ابنته (بلقيس) «1» بنت الهدهاد بن شرحبيل سبع سنين وهي صاحبة القصة مع سليمان عليه السّلام. وقال الطبريّ: بلقيس هي يلقمة بنت ليشرح بن الحارث بن قيس. ثم ملك بعدها (سليمان) عليه السلام. ثم أقاموا في ملكه وملك بنيه أربعا وعشرين سنة. ثم ملك (ناشر) بن عمرو ذي الأذعار. ويقال له ناشر ينعم، وربما قيل ناشر أنعم، سمّى بذلك لإنعامه عليهم. وقال السهيليّ: ناشر بن عمرو. ثم قال: ويقال له ناشر النّعم. وقال المسعوديّ ناشر بن عمرو ذي الأذعار. وقيل ناشر بن عمرو، بن يعفر، بن شرحبيل، بن عمرو ذي الأذعار؛ وسار إلى وادي الرمل بأقصى الغرب، فلم يجد وراءه مذهبا، فنصب صنما من نحاس، وزبر «2» عليه بالمسند «3» «هذا الصنم لناشر أنعم، ليس وراءه مذهب، فلا يتكلّف أحد ذلك فيعطب» . ثم ملك بعده ابنه (شمر) مائة وستين سنة. ويقال له شمر مرعش، سمّى بذلك لارتعاش كان به. وقال السهيليّ: شمر بن مالك، ومالك هو الأملوك. ويقال إنه وطيء أرض العراق وفارس وخراسان وافتتح مدائنها، وخرّب مدينة الصّغد وراء نهر جيحون، فقالت العجم: شمر كند أي شمر خرّب، وبنى هناك مدينة فسميت بذلك، ثم عرّبت سمرقند. ويقال: إنه الذي بنى الحيرة بالعراق. وملك بلاد الروم واستعمل عليها ماهان قيصر.

ثمّ ملك بعده (تبّع الأقرن) ثلاثا وخمسين سنة، وقيل ثلاثا وستين سنة واسمه زيد، قال المسعوديّ: وهو ابن شمر مرعش، وقال الطبريّ: ابن عمرو ذى الأذعار. قال السهيليّ: وسمّي الأقرن لشامة كانت في قرنه. ثم ملك بعده ابنه (كليكرب) . ثم ملك بعده (تبان) أسعد أبو كرب، بن قيس، بن زيد الأقرن، بن عمرو ذي الأذعار، وهو تبّع الآخر. ويقال له الرائد، وكان على عهد يستاسف أحد ملوك الفرس الكيانية وحافده «1» أردشير «2» ، وملك اليمن والحجاز والعراق والشام، وغزا بلاد الترك والتبّت والصين، ويقال: إنه ترك ببلاد التبّت قوما من حمير، هم بها إلى الآن، وغزا القسطنطينية ومرّ في طريقه بالعراق فتحير قومه فبنى هناك مدينة سمّاها الحيرة، وقد مرّ الكلام عليها مع العراق في الكلام على مملكة إيران، ويقال إنه أوّل من كسا الكعبة الملاء وجعل لبابها مفتاحا وأوصى ولاتها من جرهم بتطهيرها ودام ملكه ثلاثمائة وعشرين سنة. ثم ملك من بعده (ربيعة) بن نصر، بن الحارث، بن نمارة، بن لخم، ويقال ربيعة، بن نصر، بن أبي حارثة، بن عمرو، بن عامر. وبعضهم يعكس فيقول نصر بن ربيعة، ثم رأى رؤيا هالته فسار بأهله إلى العراق وأقام بالحيرة، ومن عقبه كان النّعمان بن المنذر ملك الحيرة وهو النعمان بن المنذر بن عمرو بن عديّ بن ربيعة بن نصر. ثم ملك بعده (حسّان ذو معاهر) بن تبان أسعد أبي كرب. ثم ملك بعده أخوه (عمرو) بن تبان أسعد أبي كرب ويسمّى الموثبان ثلاثا وستين سنة، ومات عن أولاد صغار وأكبرهم قد استهوته الجنّ، فوثب على ملك

الطبقة الرابعة (الحبشة)

التبابعة (عبد كلال) بن مثوب، فملك أربعا وتسعين سنة وهو تبّع الأصغر، وله مغاز وآثار بعيدة. ثم ملك بعده أخوه لأمه (مرثد) بن عبد كلال سبعا وثلاثين سنة. [ثم ملك من بعده ابنه وليعة بن مرثد] . ثم ملك بعده (أبرهة بن الصّباح) بن لهيعة، بن شيبة، بن مرثد، بن نيف ابن معدى كرب، بن عبد الله، بن عمرو، بن ذي أصبح الحارث، بن مالك؛ وقيل إنما ملك تهامة فقط. ثم ملك بعده (حسّان بن عمرو) بن تبّع، بن كليكرب سبعا وخمسين سنة. ثم ملك بعده (لخيعة) بن ينوف ذو شناتر سبعا وعشرين سنة. ثم ملك بعده (ذو نواس زرعة) تبّع بن تبان أسعد أبي كرب ثمانين سنة، ويسمّى يوسف، وكان يدين باليهودية وحمل الناس عليه. ثم ملك بعده (ذو جدن) واسمه علس بن زيد، بن الحارث، بن زيد الجمهور. وقيل: علس بن الحارث، بن زيد، بن الغرث، بن سعد، بن عوف، ابن عديّ، بن مالك، بن زيد الجمهور، وهو آخر ملوك اليمن من العرب. وقيل غير ذلك من تقديم وتأخير وتبديل اسم باسم. وبالجملة فأخبار التّبابعة غير مضبوطة، وأمورهم غير محقّقة. قال المسعوديّ: ولا يسمى أحد منهم تبّعا حتى يملك اليمن والشّحر وحضرموت؛ على أن الطبري قد ذكر أن الملك من ملوك اليمن لا يتجاوز مخلافه، وإن تجاوزه فبمسافة يسيرة. الطبقة الرابعة (الحبشة) وأوّل من ملك منهم (أرياط) بعثه صاحب الحبشة مقدّما على جيوشه حين تهوّد ذو نواس وأحرق الإنجيل؛ ففتح اليمن واستقرّ في ملكه.

الطبقة الخامسة (الفرس)

ثم ملك بعده (أبرهة الأشرم) وهو صاحب الفيل الذي جاء به لتخريب الكعبة. ثم ملك بعده ابنه (يكسوم) . ثم ملك بعده أخوه (مسروق) وهو آخر ملوك اليمن من الحبشة. الطبقة الخامسة (الفرس) وأوّل من ملك منهم (وهزر) وذلك أن سيف بن ذي يزن، بن عابر، بن أسلم، بن زيد، بن غوث، بن سعد، بن عوف، بن عديّ، بن مالك، بن زيد الجمهور الحميريّ، استجاش كسرى أنو شروان: ملك الفرس على مسروق بن أبرهة آخر ملوك الحبشة باليمن فأسعفه بجيش، ففتح به اليمن واستنابه فيه، فقتله بعض من استخلصه من الحبشة، فولّى كسرى (وهزر) مكانه وهلك، فأقام كسرى مكانه ابنه (المرزبان) ثم هلك، فأقام مكانه (خذخسرو) بن السّيحان بن المرزبان، ثم عزله وولّى على اليمن (باذان) فلم يزل به إلى أن كانت البعثة فأسلم وفشا الإسلام باليمن، وتتابعت الوفود منه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. الطبقة السادسة (عمّال النبي صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء بعده) لما أسلم (باذان) نائب كسرى، ولّاه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على جميع مخاليف اليمن، وكان منزله بصنعاء: دار مملكة التبابعة، وبقى حتّى مات بعد حجّة الوداع فولّى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ابنه (شهر) بن باذان على صنعاء، وولّى على كل جهة واحدا من الصحابة رضوان الله عليهم إلى أن خرج (الأسود «1» العنسيّ) فقتل شهر بن باذان،

وأخرج سائر عمّال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من اليمن. فلما قتل العنسيّ رجع عمّال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أعمالهم، واستولى (قيس بن عبد يغوث) المراديّ على صنعاء، وتوفّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والأمر على ذلك. ثم ولّى أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه (فيروز الدّيلميّ) . ثم ولّى بعده (المهاجر) بن أبى أميّة، و (عكرمة) بن أبي جهل، على قتال أهل الرّدّة، ثم استقرّ في ولاية (يعلى بن منبّه) . ثم ولّى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في خلافته (عبيد الله) بن عباس، ثم أخاه (عبد الله) . ثم ولّى معاوية على صنعاء (فيروز) الديلميّ، ومات سنة ثلاث وخمسين من الهجرة. ثم جعل عبد الملك بن مروان اليمن في ولاية الحجّاج بن يوسف، حين بعثه لقتال ابن الزبير سنة اثنتين وسبعين. ثم كان به (يوسف) بن عمرو سنة ثمان ومائة. ثم لما جاءت دولة بني العبّاس، ولّى السفّاح: أوّل خلفائهم على اليمن عمّه (داود) وتوفي سنة ثلاث وثلاثين ومائة. فولّى مكانه (عمر) بن زيد، بن عبد الله، ابن عبد المدان، وتوفّي سنة أربع وثلاثين ومائة، فولّى السفاح مكانه (عليّ بن الربيع) بن عبيد الله. ثم في سنة ثلاث وخمسين ومائة كان عليها (يزيد) بن منصور؛ ثم عزله المهديّ في خلافته، وولّى مكانه (رجاء بن روح) . ثم ولّى بعده (عليّ بن سليمان) ثم عزله سنة اثنتين وستين ومائة، وولّى مكانه (عبد الله بن سليمان) . ثم عزله سنة ثلاث وستين ومائة، وولّى مكانه (منصور بن يزيد) . ثم عزله في سنة ست وستين ومائة، وولّى مكانه (عبد الله بن سليمان الربعي) . ثم ولّى سليمان بن يزيد ثانيا.

الطبقة السابعة (ملوكها من بني زياد)

ثم ولّى الرشيد سنة أربع وثمانين حمّادا اليزيديّ. الطبقة السابعة (ملوكها من بني زياد) لم تزل نوّاب الخلفاء متوالية على اليمن إلى أيام المأمون، فاضطرب أمر اليمن، فوجّه المأمون إليه (محمد بن إبراهيم) بن عبيد الله، بن زياد، بن أبيه، ففتح اليمن وملكه، وبنى مدينة زبيد في سنة أربع ومائتين؛ وولّى مولاه جعفرا على الجبال، فعرفت بمخلاف «1» جعفر إلى الآن. ثم ملك اليمن بعده ابنه (إبراهيم) بن محمد [ثم ابنه زياد بن إبراهيم] «2» ثم ملك بعده أخوه (أبو الجيش) إسحاق بن إبراهيم وطالت مدّته، وتوفي سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وخلّف طفلا فتولت أخته هند بنت أبى الجيش كفالته، وتولّى معها عبد لأبى الجيش اسمه رشيد فبقي حتّى مات، فتولّى مكانه حسين بن سلامة (وسلامة اسم أمه) وصار وزيرا لهند وأخيها حتى ماتا. ثم ملّكوا عليهم طفلا اسمه (إبراهيم) وقيل (عبد الله) بن زياد، وقام بأمره عمّته وعبد من عبيد حسين بن سلامة اسمه (مرجان) ثم قبض (قيس) عبد مرجان على الطفل وعمته في سنة سبع وأربعمائة واستبدّ بالملك؛ ثم قتل قيس بزبيد. وملك بعده (نجاح) عبد مرجان أيضا وعظم شأنه، وركب بالمظلّة وضربت السكة باسمه، وبقي حتّى توفي سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة. وملك بعده ابنه (سعيد الأحول) بن نجاح. ثم غلب على الملك الملك المكرّم (أحمد بن عليّ الصّليحيّ) في سنة

الطبقة الثامنة (ملوكها من بني مهدي)

إحدى وثمانين وأربعمائة. وقيل سنة ثمانين، وأقام بزبيد. ثم ملكها (جيّاش بن نجاح) في بقايا سنة إحدى وثمانين، ومات سنة ثمان وتسعين وأربعمائة. ثم ملك بعده ابنه فاتك ثم ملك بعده (منصور بن فاتك) بن جيّاش بن نجاح. ثم ملك بعده ابنه (فاتك) بن منصور بن فاتك. ثم ملك بعده ابن عمه (فاتك بن محمد) بن فاتك، بن جيّاش، بن نجاح في سنة احدى وثلاثين وخمسمائة، وقتل في سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة. وهو آخر ملوك بني نجاح. الطبقة الثامنة (ملوكها من بني مهديّ) لما قتل فاتك، ملك بعده (علي بن مهديّ) واستقرّ في دار الملك بزبيد في رابع عشر شهر رجب سنة أربع وخمسين وخمسمائة، ومات بعد شهرين وأحد وعشرين يوما؛ وكان مذهبه التكفير بالمعاصي وقتل من خالف مذهبه. ثمّ ملك بعده ابنه (مهدي بن علي) بن مهدي. ثمّ ملك بعده ابنه (عبد النبي) بن مهدي. ثمّ ملك بعده عمه (عبد الله «1» ) بن مهدي. ثمّ عاد (عبد النبي) ثانيا، وهو آخرهم.

الطبقة التاسعة (ملوكها من بني أيوب ملوك مصر)

الطبقة التاسعة (ملوكها من بني أيوب ملوك مصر) وأوّل من ملكها منهم (شمس الدولة توران «1» شاه بن أيوب) سيّره إليها أخوه السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» «2» صاحب الديار المصرية في سنة تسع وستين وخمسمائة، ففتح زبيد وأسر صاحبها (عبد النبي) . ثم ملك عدن وأسر صاحبها (ياسر) واستولى على اليمن لأخيه صلاح الدين، ثم استناب توران شاه على زبيد حطّان بن كامل بن منقذ الكناني، ورجع إلى الشام في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، فأضاف إليه أخوه السلطان صلاح الدين الإسكندرية، وبقيت نوّابه باليمن يحملون إليه الأموال من زبيد إلى أن توفّي بالإسكندرية في سنة ست وسبعين وخمسمائة فاضطرب أمر اليمن، فوجّه السلطان صلاح الدين إليه أميرا، فعزل عنه حطّان بن كامل وتولّى مكانه، ثم توفي الأمير فعاد حطّان إلى ولايته. ثم بعث السلطان صلاح الدين أخاه (سيف الإسلام «3» طغتكين) بن أيوب إلى اليمن فقبض على حطّان واستقرّ في مملكة اليمن، وبقي به حتّى مات بزبيد في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة. ثم ملك بعده ابنه (الملك العزيز إسماعيل) فأساء السيرة فقتله أمراؤه. وملك بعده أخوه (الناصر) صغيرا، فقام بتدبير مملكته سنقر مملوك أبيه

الطبقة العاشرة (دولة بني رسول، وهم القائمون بها الآن)

أربع سنين ثم مات، فتزوّج أمّ الناصر غازي بن جبريل: أحد أمراء دولته وقام بتدبيرها، ثم مات الناصر وبقي (غازي) في المملكة فقتله جماعة من العرب، فغلبت أم الناصر على زبيد. وكان (سليمان بن شاهنشاه) بن المظفر تقيّ الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب قد خرج فقيرا، فاتفق أن وافى اليمن فتزوّج أمّ الناصر وملك اليمن فأساء السيرة، فبعث إليه عمّه الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر، ابنه (الملك المسعود) أطسر المعروف باقسيس، في جيش فملك اليمن من سليمان، ثم كره المقام فيه فسار قاصدا الشام فتوفي بمكة؛ وهو آخر ملوكها من بني أيوب. الطبقة العاشرة (دولة بني رسول، وهم القائمون بها الآن) وأوّل من ملكها منهم عليّ بن رسول. وذلك أنه لما توفّي الملك المسعود أقسيس ابن الملك الكامل محمد، كان معه أمير اخور لابيه اسمه رسول، فلما خرج الملك المسعود يريد الشام، استخلف على اليمن (عليّ بن رسول) المذكور؛ فاستقرّ نائبا باليمن لبني أيوب حتّى مات سنة ثلاثين وستمائة، ووقع في «التعريف» : أن المستقرّ في اليمن أوّلا هو رسول والد عليّ المذكور، ولم أره في تاريخ. ثم استقر بعد عليّ بن رسول المذكور في النيابة ولده الملك المنصور (عمر بن عليّ) . ثم تغلّب على اليمن وخرج عن طاعة بني أيّوب ملوك مصر، واستقلّ بملك اليمن، وتلقب بالملك المنصور، ثم قتل في سنة ثمان وأربعين وستمائة. وملك بعده ابنه الملك المظفّر شمس الدين (يوسف بن عمر) بن علي بن رسول، وصفا له ملك اليمن وطالت مدّته، وأرسل إلى الملك المنصور «1» قلاوون

صاحب الديار المصرية حينئذ هدية نفيسة، وسأل أن يكتب له أمانا، فقبلت هديته وكتب له بالأمان، وقرّرت عليه إتاوة لملوك مصر، وأعيدت رسله في سنة ثمانين وستمائة. ومات بقلعة تعزّ سنة أربع وتسعين وستمائة. وملك بعده ابنه الأشرف ممهّد الدين (عمر بن المظفّر يوسف) وبقي حتّى مات سنة ست وتسعين وستمائة. ثم ملك بعده أخوه الملك المؤيد (هزبر الدين داود) واستمر على مواصلة ملوك مصر بالهدايا والتّحف والضريبة المقرّرة عليه. وتمذهب بمذهب الشافعى رضي الله عنه واشتغل بالعلم واعتنى بجمع الكتب. حتّى اشتملت خزائنه على مائة ألف مجلّد؛ وبرّ العلماء، وكانت تحفه تصل إلى الشيخ تقيّ الدين بن دقيق العيد رحمه الله في كل وقت؛ وتوفي سنة إحدى وعشرين وسبعمائة. وملك بعده ابنه الملك المجاهد (سيف الدين علي) وكان في الأيام الناصرية «محمد بن قلاوون» صاحب الديار المصرية، فأساء السيرة، فقبض عليه وخلع وحبس في سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة. وملك بعده عمّه الملك المنصور (أيوب بن المظفّر يوسف) ثم قتله شيعة المجاهد، وأعادوا الملك المجاهد. وكان الظاهر أسد الدين عبد الله بن المنصور أيوب بحصن الدّملوة المقدّم ذكره فعصى عليه، وملك عدن وغيرها. وبعث الملك المجاهد للملك الناصر «محمد بن قلاوون» يستصرخه على الظاهر عبد الله. فجهّز إليه العساكر فوصلت إليه سنة خمس وعشرين وسبعمائة، فأوقعوا الصلح بينهما على أن تكون الدّملوة للظاهر المذكور، وتمهّد اليمن للمجاهد، واستنزل الظاهر عن الدّملوة؛ ثم قبض عليه وقتله.

ثم حجّ المجاهد سنة إحدى وخمسين في أيام الملك «الناصر حسن» بن محمد بن قلاوون صاحب مصر. وكان الأمير طاز أحد أكابر أمراء الديار المصرية قد حجّ، وأشيع أن المجاهد يريد كسوة الكعبة في تلك السنة، فوقعت الفتنة بين العسكر المصريّ والمجاهد، فانهزم المجاهد ونهبت عساكره وسائر أهل اليمن، وأسر المجاهد صاحب اليمن وحمل إلى مصر فاعتقل بها؛ ثم أطلق سنة ثنتين وخمسين وسبعمائة في دولة الصالح، ووجّه معه الأمير قشتمر المنصوري ليوصله إلى بلاده، فلما بلغ به الينبع، ارتاب منه في الهرب، فرجع به إلى مصر، فحبس في الكرك من بلاد الشام؛ ثم أطلق وأعيد إلى ملكه، وأقام على مداراة صاحب مصر إلى أن توفي سنة ست وستين وسبعمائة. وملك بعده ابنه الملك الأفضل (عباس) بن المجاهد عليّ، فاستقام له ملك اليمن وبقي حتى مات سنة ثمان وسبعين وسبعمائة. وملك بعده ابنه الملك المنصور (محمد) ومات. وملك أخوه الملك الأشرف (إسماعيل) بن الأفضل عباس، فاستقام أمره بها، ثم مات. وولي بعده ابنه [الملك الناصر أحمد ابن الملك الأشرف إسماعيل] «1» بن الأفضل عباس، بن المجاهد علي، بن المؤيد داود، بن المظفر يوسف، بن المنصور عمر، بن علي، بن رسول، وهو باق باليمن إلى آخر سنة اثنتي عشرة وثمانمائة. وله مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، يأتي ذكرها في المكاتبات إن شاء الله تعالى.

الجملة الخامسة السادسة (في ترتيب هذه المملكة على ما هي عليه في زمن بني رسول: ملوكها الآن: في مقدار عساكرها، وزي جندها، وبيان أرباب وظائفها، وحال سلطانها)

الجملة [الخامسة] السادسة (في ترتيب هذه المملكة على ما هي عليه في زمن بني رسول: ملوكها الآن: في مقدار عساكرها، وزيّ جندها، وبيان أرباب وظائفها، وحال سلطانها) أما مقدار عساكرها. فقد قال في «مسالك الأبصار» : أخبرني أقضى القضاة، أبو الربيع: سليمان بن محمد، بن الصدر سليمان (وكان قد توجه إلى اليمن، وخدم في ديوان الجيوش به) أن جميع جند اليمن لا يبلغ ألفي فارس. قال: وينضاف إليهم من العرب المدافعين في طاعته مثلهم، وأراني جريدة «1» للجيش تشهد بما قال. ذكر أن غالب جنده من الغرباء. ونقل عن الحكيم «صلاح الدين بن البرهان» أن الإمرة عندهم قد تطلق على من ليس بأمير، وأما الإمرة الحقيقية التي ترفع بها الأعلام والكؤوسات «2» ، فإنها لمن قلّ، وربما أنه لا يتعدّى عدّة الأمراء بها عشرة نفر. وأما زيّ السلطان والجند بها، فقد ذكر في «مسالك الأبصار» أن لباس السلطان وعامّة الجند باليمن أقبية إسلامية، ضيّقة الأكمام، مزنّدة على الأيدي، وفي أوساطهم مناطق مشدودة، وعلى رؤوسهم تخافيف لانس، وفي أرجلهم الدلاكسات، وهي أخفاف من القماش الحرير الأطلس والعتّابيّ وغير ذلك. قال المقر الشهابيّ بن فضل الله: وقد حضر عليّ بن عمر بن يوسف الشهابيّ: أحد أمراء الملك المجاهد باليمن إلى الديار المصرية، في وحشة «3» حصلت بينه وبين سلطانه، وهو بهذا الزّيّ خلا الدلاكس فإنه قلعه ولبس الخفّ

المعتاد بالديار المصرية، وكان يحضر الموكب السلطانيّ بالديار المصرية، وهو على هذا الزّيّ. وأما شعار السلطنة، فقد ذكر عن الحكيم بن البرهان أيضا أن شعار سلطان اليمن وردة حمراء في أرض بيضاء. قال المقر الشهابيّ بن فضل الله: ورأيت أنا السّنجق اليمنيّ، وقد رفع في عرفات سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، وهو أبيض فيه وردات حمر كثيرة. وأما أرباب الوظائف، فنقل عن ابن البرهان أن باليمن أرباب وظائف: من النائب، والوزير، والحاجب، وكاتب السر، وكاتب الجيش وديوان المال. وبها وظائف الشادّ والولاية، وأنه يتشبه بالديار المصرية في أكثر أحواله. قال: أما كتّاب الإنشاء ثمّ، فإنه لا يجمعهم رئيس يرأس عليهم يقرأ ما يرد على السلطان ويجاوب عنه ويتلقّى المراسيم وينفّذها، وإنما السلطان إذا دعت حاجته إلى كتابة كتب، بعث إلى كلّ منهم ما يكتبه. فإذا كتب السلطان ما رسم له به، بعثه على يد أحد الخصيان فقدّمه إليه، فيعلّم فيه وينفّذه. قال المقر الشهابيّ بن فضل الله: وعادة ما يكتب عنه في ديوان الإنشاء كعادة الديار المصرية في المصطلح. قال: ورأيت علامة الملك المؤيّد داود على توقيع مثالها «الشاكر لله على نعمائه» في سطر، وتحته «داود» في سطر آخر. وأما ترتيب أحوال السلطان، فقد ذكر في «مسالك الأبصار» : أن صاحب اليمن قليل التصدّي لإقامة رسوم المواكب والخدمة والاجتماع بولاة الأمور ببابه، فإذا احتاج أحد من أمرائه وجنده إلى مراجعته في أمر، كتب إليه قصة يستأمره فيها، فيكتب عليها بخطه ما يراه؛ وكذلك إذا رفعت إليه قصص المظالم هو الذي يكتب عليها بخطه بما فيه إنصاف المظلوم. ونقل عن ابن البرهان: أن ملوك اليمن أوقاتهم مقصورة على لذّاتهم، والخلوة مع حظاياهم وخاصّتهم من النّدماء والمطربين، فلا يكاد السلطان يرى، بل ولا يسمع أحد من أهل اليمن خبرا له على حقيقته، وأهل خاصّته المقرّبون

الخصيان، وله أرباب وظائف للوقوف بأموره، وهو ينحو في أموره منحى صاحب مصر: يتسمّع أخباره، ويحاول اقتفاء آثاره في أحواله، وأوضاع دولته، غير أنه لا يصل إلى هذه الغاية، ولا تخفق عليه تلك الراية، لقصور مدد بلاده، وقلّة عدد أجناده، وللتّجّار عندهم موضع جليل، لأن غالب متحصّلات اليمن منهم وبسببهم، وغالب دخله من التّجّار والجلّابة «1» برّا وبحرا. ولذلك كانت مملكة بني رسول هذه أكثر مالا من مملكة الشّرفاء بصنعاء وما والاها لمجاورة مملكة بني رسول البحر. وصاحب اليمن لا ينزل في أسفاره إلّا في قصور مبنيّة له في منازل معروفة من بلاده، فحيث أراد النزول بمنزلة وجد بها قصرا مبنيّا ينزل به. قال: وإنما تجتمع لهم الأموال لقلة الكلف في الخرج والمصاريف والتكاليف، ولأن الهند يمدّهم بمراكبه، ويواصلهم ببضائعه. قال في «مسالك الأبصار» : ولا تزال ملوك اليمن تستجلب من مصر والشام طوائف من أرباب الصناعات والبضائع ببضائعهم على اختلافها. قال أقضى القضاة أبو الربيع سليمان بن الصدر سليمان: وصاحب هذه المملكة أبدا يرغب في الغرباء، ويحسن تلقيهم غاية الإحسان، ويستخدمهم بما يناسب كلّا منهم، ويتفقّدهم في كل وقت بما يأخذ به قلوبهم ويوطّنهم عنده. وذكر في «مسالك الأبصار» عن ملوك هذه المملكة: أنهم لم يزالوا مقصودين من آفاق الأرض، قلّ أن يبقى مجيد في صنعة من الصنائع إلا ويصنع لأحدهم شيئا على اسمه، ويجيد فيه بحسب الطاقة، ثم يجهّزه إليه ويقصده به فيقدّمه إليه، فيقبل عليه ويقبل منه. ويحسن نزله، ويسني جائزته؛ ثم إن أقام في بابه، أقام مكرما محترما، أو عاد محبوّا محبورا، يجزلون من نعمهم العطايا، ويثقلون بكرمهم المطايا، ما قصدهم قاصد إلا وحصل له من البرّ والإيناس وتنويع الكرامة ما يسليهم عن الأوطان، ولكنهم لا يسمحون بعود غريب، ولا يصفحون

القسم الثاني (من اليمن النجود)

في زلل عن بعيد ولا قريب، فإن أراد الارتحال عن دارهم، مكّنوه من العود كما جاءهم، وخرج عنهم على أسوإ حال. مسلوبا ما استفاد عندهم من نعمة، عقابا له على مفارقته لأبوابهم لا بخلا بما جادوا به. أما من قدّم إليهم القول بأنه أتاهم راحلا لا مقيما، وزائرا لا مستديما، فإنهم لا يكلّفونه المقام لديهم، ولا دواما في النزول عليهم، بل يجزلون إفادته، ويجملون إعادته. ثم بعد أن ذكر ما بين صاحب اليمن هذا وبين إمام الزّيديّة «1» باليمن من المشاجرة والمهادنة تارة والمفاسخة أخرى، قال: وصاحب اليمن لا عدو له، لأنه محجوب ببحر زاخر وبرّ منقطع من كلّ جهة، وللمسالمة بينه وبينهم، فهو لهذا قرير العين، خالي البال، لا يهمّه إلا صيد، ولا يهيجه إلا بلبال. قال: وهم مع ذلك على شدة ضبط لبلادهم ومن فيها، واحترازهم على طرقها برّا وبحرا من كل جهة، لا يخفى عليهم داخل يدخل إليها، ولا خارج يخرج منها، ومع ذلك فهو يداري صاحب مصر ويهاديه «2» ، لمكان إمكان تسلّطه عليه من البرّ والبحر الحجازيّ، ولذلك اكتتب الملك «المؤيد داود» وصية أوصى فيها الملك الناصر «محمد بن قلاوون» صاحب الديار المصرية على ابنه الملك المجاهد عليّ. فلما مات المؤيد نجم على ابنه المجاهد ناجم، فبعث بوصية أبيه إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، فجهز معه عسكرا إلى اليمن فمنعه من عدوّه الناجم عليه، ومكّن له في اليمن وبسط يده فيه. القسم الثاني (من اليمن النّجود) وهي ما ارتفع من الأرض، وبها مستقرّ أئمة الزيدية الآن.

الجملة الأولى (فيما اشتملت عليه من النواحي، والمدن، والبلاد)

قال في «مسالك الأبصار» : وهي شديدة الحرّ، وقد انطوى فيها جزء من اليمن، وإن كان ما بيد أولاد رسول هو الجزء الوافر الأعظم. وفيه أربع جمل: الجملة الأولى (فيما اشتملت عليه من النواحي، والمدن، والبلاد) قال في «مسالك الأبصار» حدّثني الحكيم صلاح الدين بن البرهان: أن اليمن منقسم إلى قسمين: سواحل، وجبال، وأن السواحل كلّها لبني رسول، والجبال كلّها أو غالبها للأشراف. قال: وهي أقلّ دخلا من السواحل: لمدد البحر لتلك واتصال سبيلها عنه، وانقطاع المدد عن هذه البلاد لانقطاع سبيلها من كلّ جهة. قال: وحدثني أبو جعفر بن غانم: أن بلاد الشّرفاء هؤلاء متصلة ببلاد السّراة، إلى الطائف، إلى مكة المعظّمة. قال: وهي جبال شامخة، ذات عيون دافقة ومياه جارية، على قرى متصلة، الواحدة إلى جانب الأخرى، وليس لواحدة تعلّق بالأخرى بل لكل واحدة أهل يرجع أمرهم إلى كبيرهم، لا يضمّهم ملك ملك، ولا يجمعهم حكم سلطان، ولا تخلو قرية منها من أشجار وعروش ذوات فواكه أكثرها العنب واللوز، ولها زروع أكثرها الشعير، ولأهلها ماشية أعوزتها الزرائب، وضاقت بها الحظائر. قال: وأهلها أهل سلامة وخير وتمسّك بالشريعة ووقوف معها، يعضّون على دينهم بالنّواجذ «1» ، ويقرون «2» كلّ من يمرّ بهم، ويضيّفونه مدّة مقامه حتّى

يفارقهم. وإذا ذبحوا لضيفهم شاة، قدّموا له جميع لحمها ورأسها وأكارعها وكبدها وقلبها وكرشها، فيأكل ويحمل معه ما يحمل. ولا يسافر أحد منهم من قرية إلى أخرى إلا برفيق يسترفقه منها فيخفره، لوقوع العداوة بينهم. ثم هي تشتمل على عدّة حصون وبلاد مخصبة. وقاعدتها مدينة (صنعاء) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح الصاد المهملة وسكون النون وعين مهملة وألف ممدودة. وهي مدينة من نجود اليمن، واقعة في أوائل الإقليم الأول من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول سبع وستّون درجة، والعرض أربع عشرة درجة وثلاثون دقيقة. قال في «الروض المعطار» : واسمها الأول «أوال» «1» يعني بضم الهمزة وفتح الواو من الأوّلية بلغتهم. فلما وافتها الحبشة ونظروا إلى بنائها، قالوا: هذه صنعة، ومعناه بلغتهم حصينة فسمّيت صنعاء من يومئذ. قال: والنسبة إليها صنعانيّ على غير قياس. ويقال: إنها أوّل مدينة بنيت باليمن. ثم اختلف: فقيل بناها سام بن نوح عليه السّلام، وذلك أنه طلب مكانا معتدل الحرارة والبرودة فلم يجد ذلك إلّا في مكان صنعاء فبنى هذه المدينة هناك وقيل بنتها عاد. قال في «تقويم البلدان» : وهي من أعظم مدن اليمن، وبها أسواق ومتاجر كثيرة، ولها شبه بدمشق: لكثرة مياهها وأشجارها، وهواؤها معتدل، وتتقارب فيها ساعات الشتاء والصيف، وفي أطول يوم في السنة يكون الشاخص عند الاستواء لا ظلّ له.

وقال في موضع آخر: تشبه بعلبكّ في الشام، لتمامها الحسن وحسنها التّمام، وكثرة الفواكه، تقع بها الأمطار والبرد. وهي كرسيّ ملوك اليمن في القديم، ويقال إنها كانت دار ملك التّبابعة. قال في «الروض المعطار» » : وهي على نهر صغير يأتي إليها من جبل في شماليها، ويمرّ منحدرا إلى مدينة ذمار، ويصبّ في البحر الهنديّ، وعمارتها متصلة، وليس في بلاد اليمن أقدم منها عمارة، ولا أوسع منها قطرا. قال في «تقويم البلدان» : وكانت في القديم كرسيّ مملكة اليمن. قال: وبها تلّ عظيم يعرف بغمدان «1» ، كان قصرا ينزله ملوكها. قال في «الروض المعطار» : هو أحد البيوت السبعة التي بنيت على اسم الكواكب السبعة، بناه الضّحّاك على اسم الزّهرة، وكانت الأمم تحجّه فهدمه عثمان رضي الله عنه فصار تلّا عظيما قال في «تقويم البلدان» : وهي شرقيّ عدن بشمال في الجبال. ولها عدّة بلاد وحصون مضافة إليها؛ جارية في أعمالها. منها (كحلان) بفتح الكاف وسكون الحاء المهملة ثم لام ألف ونون في الآخر. وهي قلعة من عمل صنعاء على القرب منها. قال ابن سعيد: كان بها في أوّل المائة الرابعة بنو يعفر من بقايا التبابعة. قال: ولم يكن لها نباهة في الملك إلى أن سكنها بنو الصّليحيّ، وغلب عليها الزيديّة، ثم السّليمانيّون بعد بني الصّليحيّ. ومنها (نجران) . قال في «اللباب» : بفتح النون وسكون الجيم وراء مهملة وألف ونون في الآخر. قال الأزهري: وسميت بنجران بن زيد، بن سبإ، بن يشجب، بن يعرب، بن قحطان. وهي بلدة من بلاد قبيلة همدان، واقعة في

الإقليم الأول. قال في «الأطوال» حيث الطول سبع وستون درجة، والعرض تسع عشرة درجة. قال في «تقويم البلدان» : وهي بليدة فيها نخيل، بين عدن وحضرموت، في جبال بين قرى ومدائن وعمائر ومياه، تشتمل على أحياء من اليمن، وبها يتّخذ الأدم، وهي شرقيّ صنعاء بشمال، وبها أشجار، وبينها وبين صنعاء عشر مراحل، ومنها إلى مكة عشرون يوما في طريق معتدل. وجعلها صاحب الكمام صقعا مفردا عن اليمن. ومنها (صعدة) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح الصاد وسكون العين المهملتين ودال مهملة وهاء في الآخر. قال في «الروض المعطار» : والنسبة إليها صاعديّ على غير قياس. قال في «القانون» : وتسمى (غيل) أيضا. وهي بلدة على ستين فرسخا من صنعاء، وموقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول سبع وستون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ستّ عشرة درجة. قال في «العزيزيّ» : وهي مدينة عامرة آهلة خصبة، وبها مدابغ الأدم وجلود البقر، التي تتّخذ منها النّعال. ومنها (خيوان) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح الخاء المعجمة وسكون المثناة من تحت وفتح الواو، ثم ألف بعدها نون. وهي صقع معروف باليمن، واقع في الإقليم الأول. قال في «الأطوال» : حيث الطول سبع وستون درجة وإحدى وعشرون دقيقة، والعرض خمس عشرة درجة وعشرون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي بلاد تشتمل على قرى ومزارع ومياه، معمورة بأهلها، وبها أصناف من قبائل اليمن. قال المهلبيّ: وهي طرف منازل بني الضّحّاك من بني يعفر من بقايا التبابعة؛ وماؤها من السماء. قال الإدريسيّ: وبينها وبين صعدة ستة

عشر فرسخا. وقال المهلبيّ: بينهما أربعة وعشرون ميلا. ومنها (جرش) . قال في «تقويم البلدان» : بضم الجيم وفتح الراء المهملة وشين [معجمة] «1» في الآخر. وهي بلدة باليمن، موقعها في الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : حيث الطول سبع وستون درجة وخمسون دقيقة، والعرض سبع عشرة درجة. وهي بلدة بها نخيل، مشتملة على أحياء من اليمن، ويتّخذ بها الأدم الكثير. قال في «العزيزي» : وهي بلدة صالحة، وحولها من شجر القرظ «2» ما لا يحصى، وبها مدابغ كثيرة. قال الإدريسيّ: وهي ومدينة نجران متقاربتان في المقدار والعمارة، ولهما مزارع وضياع وبينهما ستّ مراحل. ومنها (مأرب) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح الميم وهمزة ساكنة وراء مهملة مكسورة وفي آخرها باء موحدة. وذكر أنه رآها مكتوبة في الصحاح كذلك، ثم قال: والمشهور فتح الهمزة ومدّها. وهي مدينة على ثلاث مراحل من صنعاء، واقعة في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : حيث الطول ثمان وستون درجة، والعرض أربع عشرة درجة. قال في «تقويم البلدان» : وهي في آخر جبال حضرموت، ويقال لها مدينة سبإ، تسمية لها باسم بانيها، وبها كان السّد. قال: وكانت قاعدة التبابعة وهي اليوم خراب. ومنها (حضرموت) . قال في «اللباب» : بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء المهملة، وبعدها ميم مفتوحة وواو ساكنة وتاء مثناة من فوقها في الآخر. وهي ناحية من نواحي اليمن، وأعمالها أعمال عريضة، ذات شجر ونخل ومزارع.

الجملة الثانية (في الطرق الموصلة إلى هذه المملكة)

قال الأزهريّ: وسميت حضرموت بحاضر، بن «1» سنان، بن إبراهيم، وكان أوّل من نزلها. قال صاحب «العبر» : وكانت بلاد حضرموت لعاد مع البحرين وعمان، ثم غلبهم عليها بنو يعرب بن قحطان، حين ولّى أولاده البلاد أعطى هذه ابنه حضرموت فعرفت به. والنسبة إليها حضرميّ، وقصبتها مدينة «شبام» . قال في «اللباب» : بكسر الشين المعجمة وفتح الباء الموحدة وألف وميم، ووهم ابن الأثير «2» في «اللباب» : فجعل شبام قبيلة لا بلدا. قال في «تقويم البلدان» : وهي خارجة عن الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة إلى الجنوب. قال في «الأطوال» : وهي حيث الطول إحدى وسبعون درجة، والعرض اثنتا عشرة درجة وثلاثون دقيقة، وهي قلعة فوق جبل منيع فيه قرى ومزارع كثيرة. قال في «العزيزيّ» : وفيه سكّان كثيرة. قال: وفيه معدن العقيق والجزع «3» وبينها وبين صنعاء أحد وعشرون فرسخا، وقيل إحدى عشرة مرحلة، وبينها وبين ذمار مرحلة واحدة. الجملة الثانية (في الطرق الموصلة إلى هذه المملكة) قد تقدّم أن الطريق من مصر إلى مكة معروفة. قال ابن خرداذبه: ثم من مكة إلى بئر ابن المرتفع، ثمّ إلى قرن المنازل: قرية عظيمة، وهي ميقات أهل اليمن للحجّ منه يحرمون، ثمّ إلى الفتق: وهي قرية كبيرة، ثمّ إلى صقر، ثم إلى تربة: وهي قرية كبيرة، ثمّ إلى كديّ، وفيها نخيل وعيون، ثمّ إلى رنية، وفيها نخيل وعيون أيضا، ثم إلى تبالة، وهي مدينة كبيرة فيها عيون جارية، ثمّ إلى

الجملة الثالثة (فيمن ملك هذه المملكة إلى زماننا)

جسدا وفيها بئر ولا أهل فيها، ثمّ إلى كشة، وهي قرية عظيمة فيها عيون وحرس، ثمّ إلى بيشة يقطان، وفيها ماء ظاهر وكرم، والحرس منها على ثلاثة أميال، ثم إلى المهجرة، وهي قرية عظيمة فيها عيون وفيما بين سروم راح والمهجرة طلحة الملك: وهي شجرة عظيمة. وهناك حدّ ما بين عمل مكة المشرفة وعمل اليمن، ثم منها إلى عرقة، وماؤها قليل ولا أهل فيها؛ ثم إلى صعدة، وقد تقدم ذكرها؛ ثم إلى الأعمشيّة، وفيها عين صغيرة ولا أهل فيها، ثم إلى خيوان، وقد تقدّم ذكرها؛ ثم إلى أثافت، وهي مدينة فيها زرع وكرم وعيون، ثم إلى مدينة صنعاء، وهي قاعدة هذه المملكة على ما تقدّم. الجملة الثالثة (فيمن ملك هذه المملكة إلى زماننا) قد تقدّم في الكلام على صنعاء أنها كانت قاعدة ملك التبابعة، وقد مرّ القول عليهم في الكلام على ملوك اليمن في مملكة بني رسول، في القسم الأول من اليمن. أما حضرموت، فقد قال عليّ بن عبد العزيز الجرجاني «1» : إنه كان لهم في الجاهلية ملوك يقاربون ملوك التّبابعة في علوّ الصّيت ونباهة الذّكر. ثم قال: وقد ذكر جماعة من العلماء أوّل من انبسطت يده منهم، وارتفع ذكره (عمرو بن الأشنب) بن ربيعة، بن يرام، بن حضرموت؛ ثم خلفه ابنه (نمر الأزجّ) فملكهم مائة سنة، وقاتل العمالقة. ثم ملك بعده ابنه (كريب، ذو كراب) بن نمر الأزج مائة وثلاثا وثلاثين سنة.

ثم ملك بعده (مرثد ذو مران) بن كريب مائة وأربعين سنة، وكان يسكن مأرب، ثمّ تحوّل إلى حضرموت. ثم ملك بعده ابنه (علقمة ذو قيقان) بن مرثد ذي مرّان ثلاثين سنة. ثم ملك بعده ابنه (ذو عيل) بن ذي قيقان عشرين سنة. ثم تحوّل من حضرموت إلى صنعاء واشتدّت وطأته. وهو أوّل من غزا الرّوم من ملوك اليمن، وأدخل الحرير والدّيباج اليمن. ثم ملك بعده ابنه (بدعيل بن ذي عيل) أربع سنين، وبنى بها حصونا وخلّف آثارا. ثم ملك بعده ابنه (يدنو ذو حمار) بن بدعيل بحضرموت وبحر فارس، وكان في أيام سابور ذي الأكتاف «1» من ملوك الفرس، ودام ملكه ثمانين سنة، وهو أوّل من اتخذ الحجّاب من ملوكهم. ثم ملك بعده ابنه (ليشرح) ذو الملك، بن ودب، بن ذي حمار، بن عاد من بلاد حضرموت مائة سنة، وهو أوّل من رتّب المراتب، وأقام الحرس من ملوكهم. ثم ملك بعده (ينعم) بن ذي الملك دثار بن جذيمة. ثم ملك بعده (ساجي) بن نمر، وفي أيامه تغلبت الحبشة على اليمن، وقد مرّ القول على ملكهم، ثم ملك الفرس بعدهم إلى ظهور الإسلام في الكلام على ملوك اليمن في القسم الأوّل من اليمن، فأغنى عن إعادته هنا. وأما نجران وجرش، فإنهما [كانا] بيد جرهم من القحطانية، ثمّ غلبهم على ذلك بنو حمير، وصاروا ولاة للتبابعة، فكان كلّ من ملك منهم يسمّى أفعى.

ومنهم كان الأفعى الذي حكم بين أولاد نزار بن معدّ بن عدنان في قصتهم المشهورة. ثم نزل نجران بنو مدحج، واستولوا عليها، ثم نزل في جوارهم الحارث بن كعب الأزديّ فغلبهم عليها، وانتهت رياسة بني الحارث فيها إلى بني الدّيّان، ثم صارت إلى بني عبد المدان، إلى أن كان منهم في زمن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يزيد، فأسلم على يد خالد بن الوليد رضي الله عنه. وكان منهم زياد بن عبد الله بن عبد المدان خال السّفّاح، ولّاه نجران واليمامة، وخلّف ابنه محمدا ويحيى، ودخلت المائة الرابعة والملك بها لبني أبي الجود بن عبد المدان، واتصل مجيئهم وكان آخرهم عبد القيس الذي أخذ عليّ بن مهديّ الملك من يده. أما في الإسلام، فقد تقدّم في الكلام على القسم الأوّل من اليمن أيضا أنه لمّا ظهر الإسلام أسلم باذان نائب الفرس على اليمن، وتتابع أهل اليمن في الإسلام، وولّى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على صنعاء شهر بن باذان المذكور، فلما خرج الأسود العنسيّ «1» ، أخرج عمّال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من اليمن على ما تقدّم، وزحف إلى صنعاء فملكها وقتل شهر بن باذان وتزوّج امرأته. فلما قتل العنسيّ ورجع عمّال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن، استبدّ بصنعاء قيس بن عبد يغوث المراديّ، وتوفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والأمر على ذلك. ثم كانت خلافة أبي بكر رضي الله عنه، فولّى على اليمن (فيروز الديلميّ) ثم ولّى بعده (المهاجر بن أبي أميّة) . ثم توالت عمّال الخلفاء على اليمن على ما تقدّم في الكلام على القسم الأوّل من اليمن. ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن كان أوّل المائة الرابعة بعد الهجرة أو ما قاربها. فغلب على صنعاء وما والاها بنو يعفر من بقايا التبابعة. قال ابن سعيد: وكان دار ملكهم كحلان، وهي

قلعة من عمل صنعاء بالقرب منها، ولم أقف على تفاصيل أحوالهم وأسماء ملوكهم. ثم كانت دولة أئمة الزيدية القائمين بها إلى الآن، وهم بنو القاسم الرّسّيّ، ابن إبراهيم طباطبا، بن إسماعيل الديباج، بن عبد الله «1» ، بن الحسن المثنّى، بن الحسن السبط، ابن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه. وكان مبدأ أمرهم أن محمّد بن إبراهيم طباطبا خرج بالكوفة في خلافة المأمون، في سنة تسع وتسعين ومائة ودعا إلى نفسه، وكان شيعته من الزيديّة وغيرهم يقولون: إنه مستحقّ للإمامة بالتوارث من آبائه عن جدّه إبراهيم الإمام، وغلب على كثير من بلاد العراق، ثم خمدت سورته، فتطلّب المأمون أخاه القاسم الرّسّيّ فهرب إلى الهند، ولم يزل به حتى هلك سنة خمس وأربعين ومائتين، فرجع ابنه الحسين بن القاسم الرسيّ بن إبراهيم طباطبا إلى اليمن، فكان من عقبه هؤلاء الأئمة. وأوّل من خرج منهم باليمن (يحيى بن الحسين الزاهد) بن القاسم الرسيّ ودعا لنفسه بصعدة وتلقّب بالهادي، وبويع بالإمامة سنة ثمان وثمانين ومائتين في حياة أبيه الحسين، وجمع الشيعة وغيرهم وحارب إبراهيم بن يعفر، ويقال أسد بن يعفر، القائم من أعقاب التبابعة بصنعاء وكحلان، وملك صنعاء ونجران وضرب السكة باسمه. قال في «مسالك الأبصار» : واستجاب الناس لندائه، وصلّوا بصلاته وأمّنوا على دعائة؛ وقام فيهم مقاما عظيما، وأثّر فيهم من الصلاح أثرا مشهودا، قال: وفي ذلك يقول: (طويل)

بني حسن إنّي نهضت بثاركم ... وثار كتاب الله والحقّ والسّنن وصيّرت نفسي للحوادث عرضة ... وغبت عن الإخوان والأهل والوطن ثم ارتجعهما بنو يعفر منه ورجع هو إلى صعدة، فتوفّي بها سنة ثمان وتسعين ومائتين، لعشر سنين من بيعته. قال ابن المحاب: وله مصنّفات في الحلال والحرام. وقال غيره، كان مجتهدا في الأحكام الشرعية، وله في الفقه آراء غريبة، وتآليف بين الشّيعة مشهورة، قال ابن حزم: ولم يبعد في الفقه عن الجماعة كلّ البعد. قال الصوليّ: ثم ولي بعده ابنه (محمد المرتضى) وتمّت له البيعة، فاضطرب الناس عليه. قال في «أنساب الطالبيين» : واضطرّ إلى تجريد السيف فجرّده. وفي ذلك يقول: (رمل) كدر الورد علينا بالصّدر ... فعل من بدّل حقّا أو كفر أيّها الأمّة عودي للهدى ... ودعي عنك أحاديث البشر عدمتني البيض «1» والسّمر معا ... وتبدّلت رقادا بسهر لأجرّنّ على أعدائنا ... نار حرب بضرام وشرر ومات سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة لثنتين وعشرين سنة من ولايته. وولي بعده أخوه (الناصر) فاستقام ملكه. ثم ولي بعده ابنه (الحسين) المنتجب (بالجيم) ومات سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. وولي بعده أخوه (القاسم المختار) بعهد من أخيه المذكور، وقتله أبو القاسم بن الضحاك الهمدانيّ سنة أربع وأربعين وثلاثمائة. وولي بعده صعدة (جعفر الرشيد) ثم بعده أخوه (المختار) ثم أخوه (الحسن المنتجب) ثم أخوه (محمد المهديّ) .

قال «ابن المحاب» : ولم تزل إمامتهم بصعدة مطردة إلى أن وقع الخلاف بينهم وجاء السليمانيّون أمراء مكة حين غلبة الهواشم عليهم فغلبوا على صعدة في المائة السادسة. قال ابن سعيد: وقام بها منهم (أحمد بن حمزة) بن سليمان، بن داود، ابن عبد الله، بن المثنّى، بن الحسن السبط، وغلب على زبيد وملكها من بني مهديّ، ثمّ انتزعها بنو مهديّ منه، وعاد إلى صعدة ومات. فولي بعده ابنه المنصور (عبد الله) بن أحمد بن حمزة، وامتدت يده مع الناصر «1» لدين الله خليفة بني العباس ببغداد، وبعث دعاته إلى الدّيلم والجبل، فخطب له بهما وأقيم له بهما ولاة، وكان بينه وبين سيف الإسلام بن أيوب «2» ، ثم الملك مسعود ابن الملك الكامل حروب باليمن. وبقي حتى توفي سنة ثلاثين وستمائة عن عمر طويل. وولي بعده ابنه (أحمد) بن المنصور عبد الله بن أحمد بن حمزة، ولقّب بالمتوكل صغيرا ولم يخطب له بالإمامة لصغر سنّه. وكان بنو الرسيّ حين غلب عليهم السليمانيون بصعدة أووا إلى جبل شرقيّ صعدة، فلم يبرحوا عنه، والخبر شائع بأن الأمر يرجع إليهم، إلى أن كان المتوكل أحمد من السليمانيين، فبايع الزيديّة أحمد الموطّىء، بن الحسين المنتجب، بن أحمد الناصر، بن يحيى الهادي، بن الحسين، بن القاسم الرسيّ، بن إبراهيم طباطبا، المقدّم ذكره في سنة خمس وأربعين وستمائة. وكان الموطّىء فقيها أديبا عالما بمذهبهم، قوّاما صوّاما، فأهمّ عمر بن عليّ بن رسول صاحب زبيد شأنه، فحاصره بحصن ملا سنة فلم يصل إليه،

وتمكن أمر الموطّىء وملك عشرين حصنا، وزحف إلى صعدة فغلب السّليمانيين عليها، فنزل أحمد المتوكل: إمام السليمانيين إليه، وبايعه في سنة تسع وأربعين وستمائة، وحجّ سنة خمسين وستمائة وبقي أمر الزيديّة بصعدة في عقبه. وقد ذكر المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «مسالك الأبصار» : أنه سأل تاج الدين عبد الباقي اليمانيّ أحد كتّاب اليمن عن تفاصيل أحوال هذه الأئمة فقال: إن أئمة الزيديين كثيرون، والمشهور منهم المؤيّد بالله، والمنصور بالله، والمهديّ بالله، والمطهّر يحيى بن حمزة. قال: ويحيى بن حمزة هو الذي كان آخرا على عهد الملك المؤيّد داود بن يوسف صاحب اليمن، وكانت الهدنة تكون بينهما. وذكر في «التعريف» أن الإمامة في زمانه كانت في بني المطهّر. ثم قال: واسم الإمام القائم في وقتنا حمزة. ثم قال: ويكون بينه وبين الملك الرسوليّ باليمن مهادنات ومفاسخات تارة وتارة. قال قاضي القضاة وليّ الدين بن خلدون في تاريخه: وقد سمعت بمصر أن الإمام بصعدة كان قبل الثمانين والسبعمائة عليّ ابن محمد من أعقابهم، وتوفي قبل الثمانين، وولي ابنه صلاح، وبايعه الزيديّة، وكان بعضهم يقول فيه: إنه ليس بإمام لعدم اجتماع شروط الإمامة، فيقول: أنا لكم على ما شئتم: إمام أو سلطان. ثم مات صلاح آخر سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وقام بعده ابنه (نجاح) وامتنع الزيدية من بيعته. فقال: أنا محتسب لله تعالى. قلت: وقد وهم في «التعريف» : فجعل هذه الأئمة من بقايا الحسنيين القائمين بآمل الشّطّ من بلاد طبرستان، وأن القائم منهم بآمل الشّطّ بطبرستان هو الداعي المعروف بالعلويّ من الزيدية، وهو الحسن، بن زيد، بن محمد، بن إسماعيل، بن الحسن السبط، بن عليّ، بن أبي طالب رضي الله عنه، خرج سنة خمس وخمسين ومائتين أو ما يقاربها، فملك طبرستان وجرجان وسائر أعمالها ثم مات، وقام أخوه (محمد بن زيد) مقامه. وكان لشيعته من الزيدية دولة هناك، ثم

الجملة الرابعة الثالثة (في ترتيب مملكة هذا الإمام)

انقرضت وورثها الناصر الأطروش وهو (الحسن) بن عليّ، بن الحسين، بن علي، بن عمر، بن على زين العابدين، بن الحسين السبط، بن عليّ، بن أبي طالب، وكان له دولة هناك. ثم خرج على الأطروش من الزيدية الداعي الأصغر، وهو (الحسن) بن القاسم، بن علي، بن عبد الرحمن، بن القاسم، بن محمد البطحائي، بن القاسم، بن الحسن، بن زيد، بن الحسن السبط، وجرى بينه وبين الأطروش حروب إلى أن قتل سنة تسع عشرة وثلاثمائة، ويجتمع الداعي الأصغر مع الداعي الأكبر في الحسن بن زيد، وليس بنو الرسيّ الذين منهم أئمّة اليمن من هؤلاء بوجه. الجملة [الرابعة] الثالثة (في ترتيب مملكة هذا الإمام) قال في «التعريف» بعد أن ذكر إمام زمانه: وهذا الإمام وكلّ من كان قبله على طريقة ما عدوها، وهي إمارة أعرابية، لا كبر في صدورها، ولا شمم في عرانينها، وهم على مسكة من التقوى، وتردّ بشعار الزّهد، يجلس في نديّ قومه كواحد منهم، ويتحدّث فيهم ويحكم بينهم، سواء عنده المشروف والشّريف، والقويّ والضعيف. قال: وربما اشترى سلعته بيده، ومشى بها في أسواق بلده، لا يغلّظ الحجاب، ولا يكل الأمور إلى الوزراء والحجّاب، يأخذ من بيت المال قدر بلغته من غير توسّع، ولا تكثّر [غير مشبع] «1» هكذا هو وكل من سلف قبله، مع عدل شامل، وفضل كامل. وذكر في «مسالك الأبصار» عن تاج الدين عبد الباقي اليمانيّ الكاتب نحو ذلك. فقال: وأئمتهم لا يحجبون ولا يحتجبون، ولا يرون التفخيم والتعظيم، الإمام كواحد من شيعته: في مأكله ومشربه وملبسه، وقيامه وقعوده، وركوبه

ونزوله، وعامّة أموره، يجلس ويجالس، ويعود المرضى، ويصلّي بالناس وعلى الجنائز؛ ويشيّع الموتى ويحضر دفن بعضهم. قال: ولشيعته فيه حسن اعتقاد، ويستشفون بدعائه، ويمرّون يده على مرضاهم، ويستسقون المطر به إذا أجدبوا، ويبالغون في ذلك مبالغة عظيمة، قال «المقرّ الشهابيّ بن فضل الله» : ولا يكبر لإمام هذه سيرته (في التواضع لله وحسن المعاملة لخلقه، وهو من ذلك الأصل الطاهر، والعنصر الطيب) أن يجاب دعاؤه، ويتقبّل منه. وينادى ببلاد هذا الإمام في الأذان «بحيّ على خير العمل» بدل الحيعلتين «1» ، كما كان ينادى بذلك في تأذين أهل مصر في دولة الخلفاء الفاطميين بها. قال في «التعريف» : وأمراء مكة تسرّ طاعته، ولا تفارق جماعته. قال ابن غانم: هذا الإمام يعتقد في نفسه ويعتقد أشياعه فيه أنه إمام معصوم، مفترض الطاعة، تنعقد به عندهم الجمعة والجماعة، ويرون أنّ ملوك الأرض وسلاطين الأقطار يلزمهم طاعته ومبايعته، حتى خلفاء بني العباس، وأن جميع من مات منهم مات عاصيا بترك مبايعته ومتابعته. قال: وهم يزعمون ويزعم لهم أن سيكون لهم دولة يدال بها بين الأمم، وتملك منتهى الهمم، وأن الإمام الحجة المنتظر في آخر الزمان منهم. وذكر عن رسول هذا الإمام، الواصل إلى مصر: أن الأئمة في هذا البيت أهل علم يتوارثونه: إمام عن إمام، وقائم عن قائم. وذكر عن بعض من مرّ بهم أنه فارقهم في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وهم لا يشكّون أنه قد آن أوان ظهورهم، وحان حين ملكهم، ولهم رعايا تختلف إلى البلاد، وتجتمع بمن هو على رأيهم، تصوّن ضعف الدولة في أقطار الأرض. وحكى «المقرّ الشهابيّ بن فضل الله» عن قاضي القضاة كمال الدين محمد ابن الزملكاني قاضي حلب: أنه مات رجل من شيعتهم بحلب، فوجد عنده صندوقان، ضمنهما كتب من أئمة هذه البلاد إلى ذلك الرجل وإلى سلفه، يستعرفون فيها

الأخبار، وأحوال الشّيعة، والسؤال عن أناس منهم، وأن في بعضها: «ولا يؤخّر مدد من هنا من إخوانكم المؤمنين في هذه البلاد الشاسعة، وهو حقّ الله فيه تزكية أموالكم، ومدد إخوانكم من الضعفاء واتّقوا الله واسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً «1» ونقل عن الشيخ شهاب الدين بن غانم: أنه حدّثه عند وصوله من اليمن أنّ هذا الإمام في منعة منيعة، وذروة رفيعة، وأنه يركب في نحو ثلاثة آلاف فارس، وأن عسكره من الرّحالة، خلق لا جسم، وذكر عمن أقام عندهم: أنهم أهل نجدة وبأس، وشجاعة ورأي، غير أن عددهم قليل وسلاحهم ليس بكثير، لضيق أيديهم، وقلّة بلادهم، ونقل عن تاج الدين عبد الباقي اليمني: أن قومه معه على الطّواعية والانقياد، لا يخرج أحد منهم له عن نصّ، ولا يشاركه فيما يتميّز به. قال ابن غانم: وزيّ هذا الإمام وأتباعه زيّ العرب في لباسهم والعمامة والحنك، بخلاف ما تقدّم من زيّ صاحب اليمن من بني رسول، قال الشيخ شهاب الدين بن غانم: وهذا الإمام لا يزال صاحب اليمن يرعى جانبه، وفي كل وقت تعقد بينهما العقود، وتكتب الهدن، وتوثّق المواثيق، وتشترط الشروط. قال في «التعريف» : وقد وصل إلينا بمصر في الأيام الناصرية (سقى الله تعالى عهدها) رسول من هذا الإمام بكتاب أطال فيه الشكوى من صاحب اليمن، وعدّد قبائحه، ونشر على عيون الناس فضائحه، واستنصر بمدد يأتي تحت الأعلام المنصورة لإجلائه عن دياره، وإجرائه مجرى الذين ظلموا في تعجيل دماره. وقال: إنه إذا حضرت الجيوش المؤيّدة قام معها، وقاد إليها الأشراف والعرب أجمعها، ثم إذا استنقذ منه ما بيده أنعم عليه ببعضه، وأعطي منه ما هو إلى جانب أرضه، قال: فكتبت إليه مؤذنا بالإجابة، مؤدّيا إليه ما يقتضي إعجابه،

القطر الثاني (مما هو خارج من جزيرة العرب عن مضافات الديار المصرية «بلاد البحرين» تثنية بحر)

وضمن الجواب أنه لا رغبة لنا في السّلب، وأن النّصرة تكون لله خالصة وله كلّ البلاد لا قدر ما طلب. وسيأتي ذكر المكاتبة إلى هذا الإمام عن الأبواب السلطانية، في الكلام على المكاتبات، في المقالة الرابعة فيما بعد إن شاء الله تعالى. القطر الثاني (مما هو خارج من جزيرة العرب عن مضافات الديار المصرية «بلاد البحرين» تثنية بحر) قال في «تقويم البلدان» : بفتح الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة وفتح الراء المهملة وسكون المثناة من تحت ثم نون، وهي قطعة من جزيرة العرب المذكورة. قال في «تقويم البلدان» : وهي ناحية من نواحي نجد، على شطّ بحر فارس، ولها قرى كثيرة، قال: وهي (هجر) ونهايتها الشرقية الشمالية قال في «الأطوال» ونهايتها من الشمال في الإقليم الثاني حيث الطول أربع وسبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض خمس وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال في «المشترك» : ويقال للبحرين هجر أيضا- بفتح الهاء والجيم ثم راء مهملة وليست هجر مدينة بعينها. قال الأزهريّ: وإنما سمّيت هجر بالبحرين ببحيرة بها عند الأحساء وبالبحر الملح يعنى بحر فارس، والنسبة إلى البحرين بحرانيّ. قال الجوهريّ: والنسبة إلى هجر هاجريّ على غير قياس. قال الأزهريّ: وسمّيت هجر بهجر بنت المكنف، وهي التي بنتها. وفيها ثلاث جمل: الجملة الأولى (فيما تشتمل عليه من المدن) وقاعدتها (عمان) قال في «اللباب» : بضم العين المهملة وفتح الميم ونون

في الآخر بعد الألف. قال الأزهريّ: وسمّيت بعمان بن نعسان «1» بن إبراهيم عليه السلام، وموقعها في الإقليم الأوّل. قال: وهي على البحر تحت البصرة. قال المهلبيّ: وهي مدينة جليلة، بها مرسى السّفن من السّند والهند والزّنج، وليس على بحر فارس مدينة أجلّ منها، وأعمالها نحو ثلاثمائة فرسخ. قال: وهي ديار الأزد قال في «تقويم البلدان» : وهي بلدة كثيرة النخيل والفواكه، ولكنها حارّة جدّا. وكانت القصبة في القديم مدينة صحار. قال في «تقويم البلدان» : بضم الصاد وفتح الحاء المهملتين كما في الصحاح. قال: وهي اليوم خراب. وبها بلاد أخرى غير ذلك. منها (الأحساء) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح الهمزة وسكون الحاء وفتح السين المهملتين وألف في الآخر. قال في «المشترك» : والأحساء جمع حسي، وهو رمل يغوص فيه الماء، حتى إذا صار إلى صلابة الأرض أمسكته فتحفر عنه العرب وتستخرجه. وموقعها في أوائل الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض اثنتان وعشرون درجة. قال في «تقويم البلدان» : ذات نخيل كثير، ومياه جارية، ومنابعها حارّة شديدة الحرارة، ونخيلها بقدر غوطة دمشق، وهو مستدير عليها، وهي في البرية، في الغرب عن القطيف بميلة إلى الجنوب، على مرحلتين منها. قال: وتعرف بأحساء بني سعد. ومنها (القطيف) . قال في «اللباب» : بفتح القاف وكسر الطاء المهملة وسكون المثناة من تحت وفاء في الآخر. وهي بلدة على مرحلتين من الأحساء من جهة الشّرق والشّمال، واقعة في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أنها حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وخمس

الجملة الثانية (في ذكر ملوكها)

وخمسون دقيقة، والعرض اثنتان وعشرون درجة وخمس وثلاثون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي على شطّ بحر فارس، وبها مغاص لؤلؤ، وبها نخيل دون نخيل الأحساء. قال: وعن بعض أهلها أن لها سورا وخندقا ولها أربعة أبواب، والبحر إذا مدّ يصل إلى سورها وإذا جزر ينكشف بعض الأرض، وهي أكبر من الأحساء. قال: ولها خور في البحر تدخل فيه المراكب الكبار الموسقة في حالة المدّ والجزر، وبينها وبين البصرة ستة أيام، وبينها وبين عمان مسيرة شهر. ومنها (كاظمة) . قال في «تقويم البلدان» : بكاف وألف وظاء معجمة مكسورة وميم وهاء. قال: وهي جون على ساحل البحر، بين البصرة والقطيف، في سمت الجنوب عن البصرة، وبينها وبين البصرة مسيرة يومين، وبينها وبين القطيف أربعة أيام. الجملة الثانية (في ذكر ملوكها) قد ذكر صاحب «العبر» : أنها كانت في القديم لعاد مع حضرموت والشّحر وما والاهما، ثم غلب عليها بعد ذلك بنو يعرب بن قحطان. الجملة الثالثة (في الطريق الموصّل إليها) قد تقدّم في الكلام على مملكة إيران الطريق من مملكة مصر إلى البصرة. قال ابن خرداذبه: ثم من البصرة إلى عبّادان، ثم إلى الحدوثة، ثم إلى عرفجاء، ثم إلى الزّابوقة، ثم إلى المغز، ثم إلى عصا، ثم إلى المعرّس، ثم إلى خليجة، ثم إلى حسّان، ثم إلى القرى، ثم إلى مسيلحة، ثم إلى حمض، ثم إلى ساحل هجر، ثم إلى العقير، ثم إلى القطن، ثم إلى السّبخة، ثم إلى عمان. وذكر لها طريقا أخرى من مكة إليها على الساحل: وهي من مكة إلى جدّة؛ إلى منزل، ثم إلى الشّعيبة، ثم إلى المرجاب، ثم إلى أغيار، ثم إلى السّرّين،

القطر الثالث (مما هو خارج من جزيرة العرب عن مضافات الديار المصرية «اليمامة» )

ثم إلى مرسى حلي، ثم إلى مرسى ضنكان، ثم إلى سجّين، ثم إلى مخلاف الحكم، ثم إلى الجودة، ثم إلى مخلاف عكّ؛ ثم إلى غلافقة، ثم إلى مخلاف زبيد، ثم إلى المندب، ثم إلى مخلاف الرّكب، ثم إلى المنجلة، ثم إلى مخلاف بني مجيد، ثم إلى مغاص اللّؤلؤ، ثم إلى عدن، ثم إلى مخلاف لحج، ثم إلى قرية عبد الله بن مذحج، ثم إلى مخلاف كندة؛ ثم إلى الشّحر، ثم إلى ساحل هماه، ثم إلى عوكلان، ثم إلى فرق، ثم إلى عمان. وهي طريق بعيدة. ولعربها مكاتبات عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى. القطر الثالث (مما هو خارج من جزيرة العرب عن مضافات الديار المصرية «اليمامة» ) قال في «تقويم البلدان» : بفتح المثنّاة من تحت والميم وألف وميم وهاء في الآخر. وهي قطعة من جزيرة العرب من الحجاز، وعليه جرى الفقهاء فحكموا بتحريم مقام الكفر بها كما بسائر أقطار الحجاز، وهي في سمت الشرق عن مكة المشرّفة. قال البيهقي: وهي ملك منقطع بعمله، ويحدّها من جهة الشرق البحرين، ومن الغرب أطراف اليمن، ومن الشّمال نجد والحجاز، وأرضها تسمّى العروض: لاعتراضها بين الحجاز والبحرين، وطولها عشرون مرحلة. وهي في جهة الغرب عن القطيف، وبينهما نحو أربع مراحل، وبينها وبين مكة أربعة أيام. وسمّيت اليمامة باسم امرأة: وهي اليمامة بنت سهم بن طسم، كانت تنزلها إلى أن قتلها عبد كلال «1» وصلبها على بابها فسمّيت بها، سمّاها بذلك تبّع الآخر. قال في «تقويم البلدان» : وكان اسمها في القديم جوّا بفتح الجيم وسكون «2» الواو. قال في «تقويم البلدان» : وهي عن البصرة على ستّ عشرة مرحلة، وعن

الجملة الأولى (فيما اشتملت عليه من البلدان)

الكوفة مثل ذلك. قال في «تقويم البلدان» : وبها من القرب عين ماء متّسعة وماؤها سارح، وذكر أنها [أكثر نخيلا من] «1» سائر الحجاز، ثم نقل عمن رآها في زمانه أن بها آبارا وقليل نخل، وكأنه حكى [معبرا] «2» عما كانت عليه في القدم، وبها واد يسمّى- الخرج- بخاء معجمة مفتوحة وراء مهملة ساكنة وجيم في الآخر، كما هو مضبوط في الصّحاح. وفيها ثلاث جمل: الجملة الأولى (فيما اشتملت عليه من البلدان) قد ذكر في «تقويم البلدان» عمن أخبره ممن رآها في زمانه أن بها عدّة قرى. وبها الحنطة والشعير كثير. وقاعدتها دون مدينة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، واقعة في أوائل الإقليم الثاني. قال في «الأطوال» حيث الطول إحدى وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض إحدى وعشرون درجة وثلاثون دقيقة. ومن بلادها (حجر) قال في «المشترك» : بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم وراء مهملة في الآخر. وهي في الغرب عن مدينة اليمامة، على مرحلتين منها، وبعضهم يجعلها قاعدة اليمامة، وموقعها في أوائل الإقليم الثاني. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أنها حيث الطول إحدى وسبعون درجة وعشر دقائق، والعرض اثنتان وعشرون درجة. قال: وبها قبور الشّهداء الذين قتلوا في حرب مسيلمة الكذّاب «3»

الجملة الثانية (في ذكر ملوكها)

الجملة الثانية (في ذكر ملوكها) قال صاحب «العبر» : كانت هي والطائف بيد بني هزّان بن يعفر بن السّكسك، إلى أن غلبهم عليها (طسم) . ثم غلبهم عليها (جديس) «1» ، ومنهم زرقاء اليمامة «2» ثم استولى عليها (بنو حنيفة) وكان منهم هوذة بن عليّ، وهو الذي كتب إليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعوه إلى الإسلام. ثم ملكها من بني حنيفة (ثمامة) بن أثال على عهد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأسر ثمّ أسلم، ثم كان بها منهم (مسيلمة الكذّاب) «3» زمن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه وقتل في حرب المسلمين معه. وكان لبني (الأخيضر) من الطالبيين بها دولة. وأوّل من ملكها منهم (محمد بن الأخيضر) بن يوسف، بن إبراهيم، بن موسى الجون، بن عبد الله، بن الحسن المثنّى، بن الحسن السّبط؛ ابن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان استيلاؤه عليها أيام المستعين الخليفة العبّاسيّ. ثم ملكها بعده ابنه (يوسف) ثم (ابنه الحسن) ثم ابنه (أحمد) ولم يزل ملكها فيهم إلى أن غلب عليهم القرامطة «4» على ما تقدّم ذكره في الكلام على بلاد البحرين. قال ابن سعيد: وسألت عرب البحرين في سنة، لمن اليمامة اليوم؟ فقالوا لعرب من قيس عيلان وليس لبني حنيفة بها ذكر. .

الجملة الثالثة (في الطريق الموصل إليها)

قلت: ولم أقف لعربها على ذكر في المكاتبات السلطانية بالديار المصرية. الجملة الثالثة (في الطريق الموصّل إليها) قد تقدّم أنها في جهة الشرق عن مكة، وانّ بينهما أربعة أيام، وطريق مكة معروف على ما تقدّم. أما ما ذكره ابن خرداذبه من طريقها على البصرة- فمن البصرة إلى المنجشانية، ثم إلى الكفير، ثم إلى الرّحيل، ثم إلى الشّجي، ثم إلى الحفر، ثم إلى ماويّة، ثم إلى ذات العشر، ثم إلى الينسوعة، ثم إلى السّمينة، ثم إلى النّباج؛ ثم إلى العمومية، ثم إلى القريتين، ثم إلى سويقة، ثم إلى صداة، ثم إلى السّد، ثم إلى السقي، ثم إلى المنبية، ثم إلى السّفح، ثم إلى المريقة، ثم إلى اليمامة، والبصرة قد تقدّم أكثر الطريق إليها في الكلام على مملكة إيران. القطر الرابع (مملكة الهند ومضافاتها) قال في «مسالك الأبصار» : وهي مملكة عظيمة الشأن لا تقاس في الأرض بمملكة سواها: لاتساع أقطارها، وكثرة أموالها وعساكرها، وأبّهة سلطانها في ركوبه ونزوله، ودست ملكه، وفي صيتها وسمعتها كفاية. ثم قال: ولقد كنت أسمع من الأخبار الطائحة والكتب المصنّفة ما يملأ العين والسمع، وكنت لا أقف على حقيقة أخبارها لبعدها منا، وتنائي ديارها عنّا، ثم تتبّعت ذلك من الرّواة، فوجدت أكثر مما كنت أسمع، وأجلّ مما كنت أظنّ. وحسبك ببلاد في بحرها الدّرّ، وفي برّها الذّهب، وفي جبالها الياقوت والماس، وفي شعابها العود والكافور، وفي مدنها أسرّة الملوك؛ ومن وحوشها الفيل والكركدّن، ومن حديدها سيوف الهند، وأسعارها رخيّة، وعساكرها لا تعدّ، وممالكها لا تحدّ، ولأهلها

الحكمة ووفور العقل، وهم أملك الأمم لشهواتهم وأبذلهم للنفوس فيما يظن به الزّلفى. قال: وقد وصف محمد بن عبد الرحيم الاقليشي هذه المملكة في كتابه «تحفة الألباب» فقال: الملك العظيم، والعدل الكثير، والنعمة الجزيلة، والسّياسة الحسنة، والرضا الدائم، والأمن الذي لا خوف معه في بلاد الهند. وأهل الهند أعلم الناس بأنواع الحكمة والطّب والهندسة والصّناعات العجيبة ثم قال: وفي جبالهم وجزائرهم ينبت شجر العود والكافور وجميع أنواع الطّيب: كالقرنفل والسّنبل «1» والدار صيني، والقرفة، والسّليخة «2» والقاتلة، والكبابة «3» ، والبسباسة «4» وأنواع العقاقير. وعندهم غزال المسك وسنّور «5» الزّباد، هذا مع ما هذه المملكة عليه من اتساع الأقطار، وتباعد الأرجاء، وتنائي الجوانب. فقد حكى في «مسالك الأبصار» : عن الشيخ مبارك بن محمود الأنباتي: أن عرض هذه المملكة ما بين سومنات وسرنديب إلى غزنة، وطولها من الفرضة المقابلة لعدن إلى سدّ الإسكندر عند مخرج البحر الهندي، من البحر المحيط، وأن مسافة ذلك ثلاث سنين في مثلها بالسير المعتاد، كلّها متصلة المدن ذوات المنابر والأسرة والأعمال، والقرى، والضّياع، والرّساتيق «6» ، والأسواق، لا يفصل بينها خراب، بعد أن ذكر عنه أنه ثقة ثبت عارف بما يحكيه إلا أنه استبعد

الجملة الأولى (فيما اشتملت عليه هذه المملكة من الأقاليم)

هذا المقدار، وقال: إن جميع المعمور لا يفي بهذه المسافة، اللهمّ إلا أن يريد أن هذه مسافة من يتنقّل فيها حتى يحيط بجميعها مكانا، فيحتمل على ما فيه. وفيه إحدى عشرة جملة. الجملة الأولى (فيما اشتملت عليه هذه المملكة من الأقاليم) وتحتوي هذه المملكة على إقليمين عظيمين: الإقليم الأوّل (إقليم السّند وما انخرط في سلكه من مكران، وطوران، والبدهة، وبلاد [القفس] والبلوص) فأما السّند، فبكسر السين المهملة وسكون النون ودال مهملة في الآخر. قال ابن حوقل: ويحيط به من جهة الغرب حدود كرمان، وتمام الحدّ مفازة سجستان؛ ومن جهة الجنوب مفازة هي فيما بين كرمان والبحر الهنديّ، والبحر جنوبيّ المفازة، ومن جهة الشرق بحر فارس أيضا: لأن البحر يتقوّس على كرمان والسّند، حتى يصير له دخلة شرقيّ بلاد السند؛ ومن جهة الشمال قطعة من الهند. قال ابن خرداذبة: وبالسند القسط «1» ، والقنا، والخيزران «2» وقاعدته (المنصورة) - قال في «تقويم البلدان» : بفتح الميم وسكون النون وضم الصاد المهملة وسكون الواو وفتح الراء المهملة وهاء في الآخر. وهي مدينة بالسّند واقعة في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول خمس وتسعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض أربع وعشرون درجة واثنتان وأربعون دقيقة. قال في «القانون» : واسمها القديم يمنهو وإنما سمّيت المنصورة

لأن الذي فتحها من المسلمين قال نصرنا. وقال المهلبي: إنما سمّيت المنصورة لأن عمر بن حفص «1» المعروف بهزارمرد بناها في أيام أبي جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس وسمّاها بلقبه. قال ابن حوقل: وهي مدينة كبيرة يحيط بها خليج من نهر مهران (وهو نهر يأتي من الملتان) فهي كالجزيرة ولكنها بلدة حارّة وليس بها سوى النخيل، وبها قصب السّكّر، وبها أيضا ثمر على قدر التّفّاح شديد الحموضة، يسمى اليمومة. وبها عدّة مدن وبلاد أيضا. منها (الدّيبل) قال في «اللباب» : بفتح الدال المهملة وسكون المثناة من تحتها وضم الباء الموحدة ولام في الآخر. وهي بلدة على ساحل البحر، واقعة في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول اثنتان وتسعون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة، والعرض أربع وعشرون درجة وعشرون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي بلدة صغيرة على ساحل ماء السّند شديدة الحرّ. قال ابن حوقل: وهي شرقيّ مهران، وهي فرضة تلك البلاد. وقال في «اللباب» : إنها على البحر الهندي قريبة من السند. قال ابن سعيد: وهي في دخلة من البرّ في خليج السّند، وهي أكبر فرض السند وأشهرها؛ ويجلب منها المتاع الدّيبليّ. قال في «تقويم البلدان» : وبها سمسم كثير، ويجلب إليها التّمر من البصرة، وبينها وبين المنصورة ست مراحل. ومنها (البيرون) . قال في «اللباب» : بكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وضم الراء المهملة وبعدها واو ونون في الآخر. وهي مدينة من أعمال الدّيبل بينها وبين المنصورة، واقعة في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال في

«القانون» : حيث الطول أربع وتسعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض أربع وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي من فرض بلاد السّند التي عليها خليجهم المالح الخارج من بحر فارس. قال في «العزيزيّ» وأهلها مسلمون، ومنها إلى المنصورة خمسة عشر فرسخا. قال ابن سعيد: وإليها ينسب أبو الرّيحان البيرونيّ، يعنى صاحب «القانون» في أطوال البلاد وعروضها. ومنها (سدوسان) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح السين وضم الدال المهملتين وواو ثمّ سين مهملة ثانية مفتوحة وألف ونون. وهي مدينة غربيّ نهر مهران، واقعة في أوائل الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في «القانون» : حيث الطول أربع وتسعون درجة وخمسون دقيقة، والعرض ثمان وعشرون درجة وعشر دقائق. قال ابن حوقل: وهي خصبة كثيرة الخير وحولها قرى ورستاق، وهي ذات أسواق جليلة. ومنها (المولتان) قال في «تقويم البلدان» : بضم الميم وسكون اللام ثم تاء مثناة فوقية وألف ونون. قال: وهي في أكثر الكتب مكتوبة بواو. وهي مدينة من السند فيما ذكره أبو الرّيحان «1» البيرونيّ، وإن كان ابن حوقل جعلها من الهند وعليه جرى في «مسالك الأبصار» لأن البيرونيّ أقعد بذلك منه: لأن السند بلاده فهو بها أخبر، واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» : حيث الطول ست وتسعون درجة وخمس وعشرون دقيقة، والعرض ثمان وعشرون درجة وأربعون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي أصغر من المنصورة. وقد ذكر في «مسالك الأبصار» عن بعض المصنّفات أن قرى الملتان مائة ألف قرية وستة وعشرون ألف قرية. قال المهلّبيّ: وأعمال الملتان واسعة من

قرب حدّ مكران من الجنوب إلى حدّ المنصورة، وبينها وبين غزنة ثمانية وستون فرسخا. ومنها (أزور) . قال ابن حوقل: وهي مدينة تقارب الملتان في الكبر، وعليها سوران وهي على نهر مهران. وقال في «العزيزيّ» : هي مدينة كبيرة وأهلها مسلمون في طاعة صاحب المنصورة وبينهما ثلاثون فرسخا، قال في «القانون» : حيث الطول خمس وتسعون درجة وخمس وخمسون دقيقة، والعرض ثمان وعشرون درجة وعشر دقائق. وأما مكران، فقال في «اللباب» : بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء المهملة وألف ونون. قال ابن حوقل: وهي ناحية واسعة عريضة، والغالب عليها المفاوز «1» والقحط والضّيق. وقد اختلف كلام صاحب تقويم البلدان فيها فذكر في الكلام على السّند أنها منه، وذكر في كلامه على مكران في ضمن بلاد السند أنها من كرمان. وقاعدتها (التّيز) قال في «اللباب» : بالتاء المثناة الفوقية الممالة ثم ياء آخر الحروف وزاي معجمة في الآخر، وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول ستّ وثمانون درجة، والعرض ست وعشرون درجة وخمس عشرة دقيقة. قال ابن حوقل: وهي فرضة مكران وتلك النواحي، وهي على شطّ نهر مهران في غربيّه بقرب الخليج المنفتح من مهران على ظهر المنصورة.

الإقليم الثاني (إقليم الهند)

وأما طوران. فناحية على خمس عشرة مرحلة من المنصورة. قال في «القانون» : وقصبتها (قندابيل) قال: وهي حيث الطول خمس وتسعون درجة، والعرض ثمان وعشرون درجة. وذكر ابن حوقل أن قصبة طوران (قزدار) قال في «اللباب» : بضم القاف وسكون الزاي المعجمة وفتح الدال المهملة وألف وراء مهملة. وقد نقل في «تقويم البلدان» عن إخبار من رآها أنها قليعة. قال في «تقويم البلدان» : وهي كالقرية لصغرها، وهي في وطاءة «1» من الأرض على تليل» ، وحولها بعض بساتين. وذكر في «اللباب» أن قزدار ناحية من نواحي الهند. قال في «تقويم البلدان» : وبينها وبين الملتان نحو عشرين مرحلة. وأما البدهة، فقال ابن حوقل: وهي مفترشة ما بين حدود طوران ومكران والملتان ومدن المنصورة؛ وهي في غربيّ نهر مهران، وأهلها أهل إبل كالبادية، ولهم أخصاص وآجام. قال في «تقويم البلدان» : ومن المنصورة إلى أوّل البدهة خمس مراحل، ومن أراد البدهة من المنصورة احتاج إلى عبور نهر مهران. الإقليم الثاني (إقليم الهند) قال في «الأنساب» : بكسر الهاء وسكون النون ودال مهملة في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : والذي يحيط به من جهة الغرب بحر فارس، وتمامه حدود السّند، ومن جهة الجنوب البحر الهنديّ، ومن جهة الشرق المفاوز الفاصلة بين الهند والصين، ولم يذكر الحدّ الذي من جهة الشّمال. وذكر في «مسالك

القاعدة الأولى (مدينة دلي)

الأبصار» أن حده من جهة الشّمال بلاد التّرك. وذكر عن الشيخ مبارك الأنباتيّ: أنه ليس في هذه المملكة خراب سوى مسافة عشرين يوما مما يلي غزنة، لتجاذب صاحب الهند وصاحب تركستان وما وراء النهر بأطراف المنازعة، أو جبال معطّلة، أو شعواء «1» مشتبكة. قال صاحب «مسالك الأبصار» : وسألت الشيخ مبارك الأنباتيّ عن برّ الهند وضواحيه فقال: إن به أنهارا ممتدّة تقارب ألف نهر كبار وصغار، منها ما يضاهي النيل عظما، ومنها ما هو دونه، ومنها ما هو مثل بقيّة الأنهار. وعلى صغار الأنهار القرى والمدن؛ وبه الأشجار الكثيفة والمروج الفيح: قال: وهي بلاد معتدلة لا تتفاوت حالات فصولها، ليست مفرطة في حرّ ولا برد، بل كأنّ كلّ أوقاتها ربيع، وتهبّ بها الأهوية والنسيم اللطيف، وتتوالى بها الأمطار مدّة أربعة أشهر، وأكثرها في أخريات الربيع إلى ما يليه من الصيف. ثم لمملكة الهند قاعدتان: القاعدة الأولى (مدينة دلّي) قال في «تقويم البلدان» : بدال مهملة ولام مشدّدة مكسورة ثم مثناة تحتية، ولم يتعرّض لضبط الدال والناس ينطقون بها بالفتح وبالضم. وسمّاها صاحب «تقويم البلدان» في تاريخه دهلي بابدال اللام هاء. وهي مدينة ذات إقليم متّسع، وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في «القانون» : حيث الطول مائة وثمان وعشرون درجة وخمسون دقيقة، والعرض خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي مدينة كبيرة في مستو من الأرض، وتربتها مختلطة بالحجر والرمل، وعليها سور من آجرّ، وسورها أكبر من

سور حماة، وهي بعيدة من البحر، ويمرّ على فرسخ منها نهر كبير دون الفرات، وبها بساتين قليلة وليس بها عنب، وتمطر في الصيف؛ وبجامعها منارة لم يعلم في الدنيا مثلها، مبنية من حجر أحمر ودرجها نحو ثلاثمائة درجة؛ وهي كبيرة الأضلاع، عظيمة الأوضاع واسعة الأسفل وارتفاعها يقارب منارة الإسكندرية. وذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ برهان الدين بن الخلال البزيّ الكوفيّ: أن علوّها في نحو ستّمائة ذراع. وذكر عن الشيخ مبارك الأنباتي أن دلّي مدائن جمعت ولكلّ مدينة منها اسم يخصّها ودلّي واحدة منها. قال الشيخ أبو بكر ابن الخلال: وجملة ما يطلق عليه الآن اسم دلّي إحدى وعشرون مدينة. قال الشيخ مبارك: وهي مميّلة طولا وعرضا، ويكون دور عمرانها أربعين ميلا، وبناؤها بالحجر والآجرّ، وسقوفها بالخشب، وأرضها مفروشة بحجر أبيض شبيه بالرّخام، ولا يبنى بها أكثر من طبقتين وربما اقتصر على طبقة واحدة، ولا يفرش دوره فيها بالرّخام إلا السلطان. قال: وفيها ألف مدرسة، منها مدرسة واحدة للشافعية وباقيها للحنفية، وبها نحو سبعين بيمارستانا، وتسمّى بها دور الشفاء! وبها وببلادها من الرّبط والخوانق نحو ألفين، وفيها الزيارات العظيمة، والأسواق الممتدّة، والحمّامات الكثيرة؛ وشرب أهلها من ماء المطر، تجتمع الأمطار فيها في أحواض وسيعة كلّ حوض قطره غلوة «1» سهم أو أكثر. أما مياه الاستعمال وشرب الدواب فمن آبار قريبة المستقى، أطول ما فيها سبعة أذرع. وقد صارت دلّي قاعدة لجميع الهند [ومستقرّ السلطان] وبها قصور ومنازل خاصّة بسكنه وسكن حريمه، ومقاصير جواريه وحظاياه وبيوت خدمه ومماليكه، لا يسكن معه أحد من الخانات ولا من الأمراء، ولا يكون بها أحد منهم إلا إذا حضر للخدمة ثم ينصرف كلّ واحد منهم إلى بيته. ولها بساتين من جهاتها الثلاث: الشرق، والجنوب، والشّمال على استقامة. كل خط اثنا عشر ميلا، أما الجهة الغربية فعاطلة من ذلك لمقاربة جبل لهابة. ووراء ذلك مدن وأقاليم متعدّدة.

القاعدة الثانية (مدينة الدواكير)

القاعدة الثانية (مدينة الدّواكير) ومدينة الدّواكير بفتح الدال المهملة والواو وألف بعدها كاف مكسورة ثم ياء مثناة تحتية وراء مهملة في الآخر. وهي مدينة ذات إقليم متّسع. وقد ذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ مبارك الأنباتي: أنها مدينة قديمة جدّدها السلطان محمد بن «1» طغلقشاه، وسمّاها «قبة الإسلام» . وذكر أنه فارقها ولم تتكامل بعد، وأن السلطان المذكور كان قد قسمها على أن تبنى محلّات لأهل كل طائفة محلّة: الجند في محلّة، والوزراء في محلّة، والكتّاب في محلّة، والقضاة والعلماء في محلّة، والمشايخ والفقراء في محلّة، وفي كل محلّة ما يحتاج إليه من المساجد، والأسواق، والحمّامات، والطواحين، والأفران، وأرباب الصنائع من كلّ نوع حتى الصّوّاغ والصّبّاغين، والدّبّاغين، بحيث لا يحتاج أهل محلّة إلى أخرى في بيع ولا شراء، ولا أخذ ولا عطاء: لتكون كل محلّة كأنها مدينة مفردة قائمة بذاتها. واعلم أن صاحب «تقويم البلدان» : وقد ذكر عن بعض المسافرين إلى الهند أن بلاد الهند على ثلاثة أقسام. القسم الأوّل- بلاد الجزرات. قال في «تقويم البلدان» : بالجيم والزاي المعجمة والراء المهملة ثم ألف وتاء مثناة فوق. وبها عدّة مدن وبلاد. منها (نهلوارة) بالنون والهاء واللام والواو ثمّ ألف وراء مهملة وهاء. قال ابن سعيد: نهر والة، فقدّم الراء وأخّر اللام، وكذلك نقله في «تقويم البلدان» عن بعض المسافرين. وفي «نزهة المشتاق» نهر وارة براءين.

وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال في «القانون» : حيث الطول ثمان وتسعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. وهي غربيّ إقليم المنيبار الآتي ذكره. قال: وهي أكبر من كنبايت، وعمارتها مفرّقة بين البساتين والمياه، وهي عن البحر على مسيرة ثلاثة أيام. قال صاحب حماة في «تاريخه» : وهي من أعظم بلاد الهند. ومنها (كنبايت) قال في «تقويم البلدان» : بالكاف ونون ساكنة وباء موحّدة ثم ألف وياء مثناة تحتية وتاء مثناة من فوقها، ومقتضى ما في «مسالك الأبصار» : أن يكون اسمها أنبايت بإبدال الكاف همزة، فإنه ينسب إليها أنباتيّ. وهي مدينة على ساحل بحر الهند، موقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال في «القانون» : حيث الطول تسع وتسعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض اثنتان وعشرون درجة وعشرون دقيقة. وذكر في «تقويم البلدان» عمن سافر إليها أنها غربيّ المنيبار على خور من البحر طوله مسيرة ثلاثة أيام. قال: وهي مدينة حسنة، أكبر من المعرّة من الشام في المقدار، وأبنيتها بالآجرّ، وبها الرّخام الأبيض وبها بساتين قليلة. ومنها (تانة) . قال في «تقويم البلدان» : قال أبو العقول نقلا عن عبد الرحمن الريّان الهندي- بفتح المثناة الفوقية ثم ألف ونون وهاء. وهي بلدة على ساحل البحر، واقعة في الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة قال في «القانون» : حيث الطول مائة وأربع عشرة درجة وعشرون دقيقة، والعرض تسع عشرة درجة وعشرون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي من مشارق الجزرات. قال ابن سعيد: وهي مشهورة على ألسن التّجّار. قال: وأهل هذا الساحل جميعهم كفّار يعبدون الأنداد «1» ، والمسلمون ساكنون معهم. قال الإدريسيّ: وأرضها

وجبالها تنبت القنا والطّباشير «1» ويحمل منها إلى الآفاق. قال أبو الرّيحان: والنسبة إليها تانشيّ ومنها الثياب التانشيّة. ومنها (صومنات) قال في «تقويم البلدان» : بالصاد المهملة ويقال بالسين المهملة ثم واو ساكنة وميم ونون مفتوحتين ثم ألف وتاء مثناة فوقية في الآخر، وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال في «القانون» : حيث الطول سبع وتسعون درجة وعشر دقائق، والعرض اثنتان وعشرون درجة وخمس عشرة دقيقة. قال في «القانون» : وهي على الساحل في أرض البوازيج. قال ابن سعيد: وهي مشهورة على ألسنة المسافرين، وتعرف ببلاد اللّار، وموضعها في جهة داخلة في البحر فينطحها كثير من مراكب عدن لأنها ليست في جون، ولها خور ينزل من الجبل الكبير الذي في شماليّها إلى شرقيّها، وكان بها صنم تعظّمه الهنود يضاف إليها، فيقال: «صنم صومنات» فكسره يمين الدولة «محمود بن سبكتكين» «2» عند فتحها كما هو مذكور في التاريخ. ومنها (سندان) بالسين المهملة والنون والدال المهملة والألف والنون، هكذا ذكره في «تقويم البلدان» : ونقل لفظه عن المهلبيّ في «العزيزى» . وقال بعض المسافرين إنها (سندابور) بالسين المهملة والنون والدال المهملة وألف وباء موحدة وواو وراء مهملة في الآخر. وهي مدينة على ثلاثة أيام من تانة، موقعها في الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة قال في «القانون» : حيث الطول مائة وأربع درج وعشرون دقيقة، والعرض تسع عشرة درجة وعشرون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» عن بعض المسافرين: وهي على جون في البحر الأخضر، وهي آخر إقليم الجزرات. قال في «القانون» : وهي على الساحل. قال في

«العزيزي» : وبينها وبين المنصورة خمسة عشر فرسخا، وهي مجمع الطّرق. قال: وهي بلاد القسط والقنا والخيزران، وهي من أجلّ الفرض التي على البحر. ومنها (ناكور) قال في «تقويم البلدان» : بفتح النون وألف وكاف مضمومة وواو وراء مهملة في الآخر. وهي مدينة على أربعة أيام من دلّي. ومنها (جالور) بفتح الجيم ثم ألف ولام مضمومة وواو وراء مهملة. وهي على تلّ تراب نحو قلعة مصياف بين ناكور وبين نهر والة. ويقال إنه لم يعص على صاحب دلّي من الجزرات غير جالور. ومنها (منوري) . قال في «القانون» : وهي بين الفرضة وبين المعبر إلى سرنديب حيث الطول مائة وعشرون درجة، والعرض ثلاث عشرة درجة. القسم الثاني- من إقليم الهند بلاد المنيبار. قال في «تقويم البلدان» : بفتح الميم وكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحّدة ثم ألف وراء مهملة في الآخر. وهي إقليم من أقاليم الهند في الشرق عن بلاد الجزرات المقدّم ذكرها. قال: والمنيبار هي بلاد الفلفل. ثم قال: والفلفل في شجره عناقيد كعناقيد الدّخن «1» ، وشجره ربما التفّ على غيره من الأشجار كما تلتفّ الدّوالي، وبها بلاد [كثيرة] «2» وجميع بلاد المنيبار مخضرّة كثيرة المياه والأشجار الملتفّة. ومنها (هنّور) قال في «تقويم البلدان» : بفتح الهاء والنون المشدّدة والواو ورأء مهملة. وهي غربيّ سند ابور من بلاد الجزرات المقدّم ذكرها، فتكون أوّل بلاد المنيبار من الغرب. قال: ولها بساتين كثيرة. ومنها (باسرور) بالباء الموحدة وبالسين المفتوحة والراءين المهملات.

وهي بلدة صغيرة شرقيّ هنّور المقدّمة الذكر. ومنها (منجرور) قال في «تقويم البلدان» : بفتح الميم وسكون النون وفتح الجيم وضم الراء المهملة ثم واو ساكنة وراء مهملة. وهي شرقيّ باسرور المقدّمة الذكر. قال: وهي من أكبر بلاد المنيبار، وملكها كافر، ووراءها بثلاثة أيام جبل عظيم داخل في البحر، يرى للمسافرين من بعد، يسمى «رأس هيلي» بفتح الهاء وسكون الياء المثناة من تحت وكسر اللام ثم ياء مثناة تحتية في الآخر. ومنها (تنديور) بالتاء المثناة الفوقية المفتوحة وسكون النون ثم دال مهملة وياء آخر الحروف مضمومة وواو وراء مهملة. وهي بليدة شرقى «رأس هيلى» لها بساتين كثيرة. ومنها (الشّاليات) بفتح الشين المعجمة وألف ولام وياء آخر الحروف ثمّ ألف وتاء مثناة فوقية. ومنها (الشّنكلي) بالشين المعجمة المكسورة [وسكون النون] «1» وكاف ولام وياء آخر الحروف. وهي بلدة بالقرب من الشّاليات. ومنها (الكولم) قال في «تقويم البلدان» : بالكاف المفتوحة والواو الساكنة ثم لام مفتوحة وميم في الآخر، وموقعها في الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة قال في «الأطوال» : حيث الطول مائة وعشر درجات، والعرض ثمان عشرة درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي آخر بلاد الفلفل من الشرق، ومنها يقلع إلى عدن. قال صاحب «تقويم البلدان» : وحكى لي بعض المسافرين أنها على خور من البحر في مستو من الأرض وأرضها مرملة، وهي كثيرة البساتين، وبها شجر البقّم «2» : وهو شجر كشجر الرّمان، وورقة يشبه ورق العنّاب، وفيها حارة

للمسلمين وبها جامع. القسم الثالث- من إقليم الهند بلاد المعبر. قال في «تقويم البلدان» : بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحّدة ثم راء مهملة، وهي شرقيّ بلاد الكولم بثلاثة أيام وأربعة، قال في «تقويم البلدان» : وينبغي أن تكون بميلة إلى الجنوب. قال ابن سعيد: وهو مشهور على الألسن، ومنه يجلب اللانس. وبها يضرب المثل في قصّاريها. قال: وفي شماليّها جبال متصلة ببلاد بلهرا ملك ملوك الهند، وفي غربيها يصبّ نهر الصوليان في البحر، وذكر في «مسالك الأبصار» عن قاضي القضاة سراج الدين الهندي: أن بلاد المعبر تشتمل على عدّة جزائر كبار. وبه عدّة مدن وبلاد. منها (بيّرداول) قال في «تقويم البلدان» : بكسر الباء الموحدة وتشديد الياء المثناة التحتية وسكون الرّاء وفتح الدال المهملتين وألف وواو ولام. قال: وهي قصبة بلاد المعبر، وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول مائة واثنتان وأربعون درجة، والعرض سبع عشرة درجة وخمس وعشرون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي مدينة سلطان المعبر، وإليه تجلب الخيول من البلاد. ثم اعلم أن وراء ما تقدّم بلادا أخرى ذكرها في «تقويم البلدان» . منها (ماهورة) قال في «تقويم البلدان» : بفتح الميم والألف والهاء والواو ثم راء مهملة وهاء. وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال في «القانون» حيث الطول مائة درجة وأربع درج، والعرض سبع وعشرون درجة. قال ابن سعيد: وهي على جانبي نهر كنك في انحداره من قنّوج إلى بحر الهند. قال في «تقويم البلدان» : وهي بلد البراهمة، وهم عبّاد الهند ينسبون إلى البرهمن أوّل حكمائهم، قال ابن سعيد: وقلاعهم بها لا ترام. ومنها (لوهور) قال في «اللباب» : بفتح اللام وسكون الواوين بينهما

هاء مفتوحة في الآخر وراء مهملة قال: ويقال لها أيضا لهاور. وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في «الأطوال» : حيث الطول مائة درجة والعرض إحدى وثلاثون درجة. قال في «اللباب» : وهي مدينة كبيرة كثيرة الخير، خرج منها جماعة من أهل العلم. ومنها (قنّوج) قال في «تقويم البلدان» : بكسر القاف وفتح النون المشدّدة والواو ثم جيم. وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول مائة وإحدى وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، والعرض تسع وعشرون درجة. وذكر في «الأطوال» الطول بنقص سبع وعشرين درجة، والعرض بزيادة ستّ درج. قال ابن سعيد: وهي قاعدة لهاور، وهي بين ذراعين من نهر كنك. وقال المهلبيّ: هي في أقاصي الهند في جهة الشرق عن الملتان على مائتين واثنين وثمانين فرسخا. قال: وهي مصر الهند وأعظم المدن بها. ثم قال: وقد بالغ الناس في تعظيمها حتّى قالوا: إن بها ثلاثمائة سوق للجوهر، ولملكها ألفان وخمسمائة فيل، وهي كثيرة معادن الذهب. قال في «نزهة المشتاق» : هي مدينة حسنة، كثيرة التجارات، ومن مدنها قشمير الخارجة، وقشمير الداخلة، قال: وملكها يسمّى القنّوج باسمها. ومنها (جبال قامرون) قال في «تقويم البلدان» : بفتح القاف وألف وميم وراء مهملة ثم واو ونون. وهي حجاز بين الهند والصّين، وعدّها في «القانون» من الجزائر، قال: وهي خارجة عن الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة إلى الجنوب قال في «القانون» و «الأطوال» : حيث الطول مائة وخمس وعشرون درجة، والعرض عشر درج، ومدينة الملك شرقيّها وبها معدن العود القامرونيّ. قلت: وذكر في «مسالك الأبصار» عن قاضي القضاة سراج الدين الهندي: أن في مملكة صاحب الهند ثلاثة وعشرين إقليما، عدّ منها بعض ما تقدّم ذكره، وهي: إقليم دهلي، وإقليم الدّواكير، وإقليم الملتان، وإقليم كهران،

وإقليم سامانا، وإقليم سبوستان، وإقليم وجّا، وإقليم هاسي، وإقليم سرستي، وإقليم المعبر، وإقليم تلنك، وإقليم كجرات، وإقليم بدلون، وإقليم عوض، وإقليم القنّوج، وإقليم لكنوتي، وإقليم بهار، وإقليم كره، وإقليم ملاوه، وإقليم لهاور، وإقليم كلافور، وإقليم جاجنكز، وإقليم تلنج، وإقليم دور سمند. ثم قال: وهذه الأقاليم تشتمل على ألف مدينة ومائتي مدينة، كلّها مدن ذوات نيابات: كبار وصغار، وبجميعها الأعمال والقرى العامرة الآهلة. وقال إنه لا يعرف عدد قراها، إلا أن إقليم القنّوج مائة وعشرون لكّا، كلّ لكّ مائة ألف قرية، فتكون اثني عشر ألف قرية، وإقليم تلنك ستة وثلاثون لكّا، فيكون ثلاثة آلاف ألف وستمائة ألف قرية، وإقليم ملاوه أكبر من إقليم القنّوج في الجملة. وحكي عن الشيخ مبارك الأنباتي: أن على لكنوتي مائتي ألف مركب صغار خفاف للسير، إذا رمى الرامي في إحداها سهما وقع في وسطها لسرعة جريانها، ومن المراكب الكبار ما فيه الطواحين والأفران والأسواق، وربما لم يعرف بعض ركابه بعضا إلا بعد مدّة لاتّساعه وعظمه إلى غير ذلك مما العهدة فيه عليه. واعلم أن ببحر الهند جزائر عظيمة معدودة في أعماله، يكون بعضها مملكة منفردة. منها (جزيرة سرنديب) قال في «تقويم البلدان» : بفتح السين والراء المهملتين وسكون النون وكسر الدال المهملة وسكون الياء المثناة من تحت ثم باء موحدة. قال: ويقال لها جزيرة سنكاديب. كأنه باللسان الهنديّ، وموقعها خارج عن الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة إلى الجنوب قال «في الأطوال» : حيث الطول مائة وعشرون درجة، والعرض عشر درج. قال ابن سعيد: ويشقّ هذه الجزيرة جبل عظيم على خط الاستواء، اسمه جبل الرّهون، يزعمون أن عليه هبوط آدم عليه السّلام. قال ابن خرداذبه: وهو جبل ذاهب في السماء، يراه أهل المراكب على مسيرة عشرين يوما وأقلّ وأكثر. وذكرت البراهمة: أن على هذا الجبل أثر قدم آدم عليه السّلام: قدم واحدة

مغموسة في الحجر، وأنه خطا الخطوة الأخرى إلى الهند، وهو منها على مسيرة يومين أو ثلاثة. قال: وعلى هذا الجبل شبيه بالبرق أبدا، وعليه العود وسائر العطر والأفاويه، وعليه وحواليه الياقوت وألوانه كلّها، وفي واديه الماس والسّنباذج «1» ، وغزال المسك، وسنّور الزّباد، وفي أنهار هذه الجزيرة البلّور، وحولها في البحر مغاصات اللؤلؤ، ونهرها هو المعظّم عند الهنود، وقال ابن سعيد: ومدينتها تسمّى أغنا. وهي حيث الطول مائة وأربع وعشرون درجة. ومنها (جزيرة الرّانج) قال في «تقويم البلدان» : والظاهر أنها بالراء المهملة والألف والنون ثم جيم في الآخر، وموقعها في الجنوب عن الإقليم الأوّل. قال في «الأطوال» وطولها مائة وثلاث عشرة درجة، ولا عرض لها، وفيها عمارة وزرع ونارجيل وغير ذلك. قال في «كتاب الأطوال» : وجبالها ترى من جبال اليمن، وبها جبال تشتعل النار فيها دائما، وترى تلك النار في البحر من مسيرة أيام، وبها حيّات، تبتلع الرجل والجاموس، وفي البحر عند لهاور «دور» وهو مكان يدور فيه الماء، ويخشى على المراكب عنده. قال ابن خرداذبه: وفيها حيّات عظام تبتلع الرجل والجاموس والفيل، وفيها شجر الكافور، تظلّ الشجرة منه مائة إنسان وعجائب لا تحصى. ومنها (جزيرة لامري) قال في «تقويم البلدان» : بلام وألف وميم وراء مهملة ثم ياء آخر الحروف، وموقعها في الجنوب عن الإقليم الأوّل قال في «الأطوال» : حيث الطول مائة وستّ وعشرون درجة، والعرض تسع درج. قال في «تقويم البلدان» : وهي معدن البقّم والخيزران. ومنها (جزيرة كلة) قال في «تقويم البلدان» : بالكاف واللام وهاء في الآخر. وموقعها في الجنوب عن الإقليم الأوّل قال في «القانون» : حيث الطول مائة وثلاثون درجة، ولا عرض لها. قال في «تقويم البلدان» : وهي فرضة ما بين

عمان والصّين، قال المهلبيّ: وفيها مدينة عامرة يسكنها المسلمون وغيرهم وبها معادن الرّصاص ومنابت الخيزران وشجر الكافور، وبينها وبين جزائر المهراج عشرون مجرى. ومنها (جزيرة المهراج) ، قال في «تقويم البلدان» : الظاهر أنها بالميم والهاء والراء المهملة ثم ألف وجيم في الآخر. قال في «كتاب الأطوال» : وهي جزيرة سريرة، وموقعها في الجنوب من خطّ الاستواء قال في الأطوال: حيث الطول مائة وأربعون درجة، والعرض في الجنوب درجة واحدة. قال ابن سعيد: وهي عدّة جزائر، وصاحبها من أغنى ملوك الهند وأكثرهم ذهبا وفيلة. وجزيرته الكبيرة هي التي فيها مقرّ ملكه، وعدّها المهلبيّ في جزائر الصين، وقال: إنها عامرة آهلة، وإنه إذا أقلع المركب منها طالبا للصين واجهه في البحر جبال ممتدّة، داخلة في البحر مسيرة عشرة أيام، فإذا قرب المسافرون منها وجدوا فيها أبوابا وفرجا «1» في أثناء ذلك الجبل، يفضي كلّ باب منها إلى بلد من بلدان الصين. وعدّ ابن سعيد سريرة من جزائر الرّانج، وقال: إن طولها من الشّمال إلى الجنوب أربعمائة ميل، وعرضها في كلّ طرف من الجنوبيّ والشماليّ نحو مائة وستين ميلا؛ وسريرة مدينة في وسطها، ثم يدخل منها جون إلى البحر وهي على نهر. ومنها (جزيرة أندرابي) قال في «تقويم البلدان» : بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الدال والراء المهملتين ثم ألف وباء موحدة وفي الآخر ياء مثناة من تحتها. ومنه (جزيرة الجاوة) . قال في «تقويم البلدان» : وهي جزيرة كبيرة مشهورة بكثرة العقاقير، قال: وطرف هذه الجزيرة الغربيّ حيث الطول مائة وخمس وأربعون درجة والعرض خمس درج. قال: وفي جنوبيّ الجاوة مدينة فنصور، التي ينسب إليها الكافور الفنصوريّ، وهي حيث الطول مائة وخمس

الجملة الثانية (في حيوانها)

وأربعون درجة، والعرض درجة واحدة ونصف. ومنها (جزيرة الصّنف) . التي ينسب إليها العود الصّنفيّ. وهي من أشهر الجزائر الموجودة في الكتب، وطولها من الغرب إلى الشرق نحو مائتي ميل، وعرضها أقلّ من ذلك، ومدينتها حيث الطول اثنتان وستون درجة. ومنها (جزيرة قمار) التي ينسب إليها العود القماريّ وهو دون الصّنفيّ، ومدينتها قمار حيث الطول ستّ وستون درجة، والعرض درجتان، وشرقيّها جزائر الصين. ومنها (جزيرة الرامي) ، قال ابن خرداذبه: وبها الكركدّن وجواميس لا أذناب لها، وبها البقّم، وفيها ناس عراة في غياض لا يفهم ما يقولون، كلامهم صفير، يستوحشون من الناس، طول كلّ إنسان منهم أربعة أشبار، للرجل منهم ذكر صغير، وللمرأة فرج صغير، وشعر رؤوسهم زغب أحمر، يتسلّقون على الأشجار بأيديهم. وفي البحر هناك ناس بيض، يلحقون المراكب سباحة والمراكب في شدة جريها، يبيعون العنبر بالحديد يحملونه في أفواهم، وجزيرة فيها ناس سود يأكلون الناس أحياء، وجبل طينه فضّة تظهر بالنار. الجملة الثانية (في حيوانها) قد ذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ مبارك الأنباتي: أنّ بها الخيل على نوعين: عراب «1» وبراذين «2» وأكثرها ما لا يحمد فعله، قال: ولذلك تجلب الخيل إلى الهند من جميع ما جاوره من بلاد التّرك، وتقاد له العراب من البحرين وبلاد اليمن والعراق، وإن كان في داخل الهند خيل عراب يتغالى في أثمانها

الجملة الثالثة (في حبوبها، وفواكهها، ورياحينها، وخضراواتها، وغير ذلك)

ولكنها قليلة. قال: ومتى طال مكث الخيل بالهند انحلّت. وعندهم البغال والحمير، ولكنها مذمومة الرّكوب عندهم، حتّى لا يستحسن فقيه ولا ذو علم ركوب بغلة. أما الحمار فإن ركوبه عندهم مذلّة وعار عظيم، وخاصّتهم تحمل أثقالهم على الخيل، وعامتهم تحمل على البقر من فوق الأنف «1» ، وهي عندهم كثيرة، وبها الجمال قليلة لا تكون إلّا للسلطان وأتباعه: من الخانات، والأمراء والوزراء، وأكابر الدولة، وبها من المواشي السائمة «2» ما لا يحصى: من الجواميس والأبقار والأغنام والمعز، وبها من دواجن الطير الدّجاج والحمام والإوزّ وهو أقل أنواعه، وإن الدجاج عندهم في قدر خلق الإوزّ. وبها من الوحوش الفيل، والكركدّن، وقد تقدّم ذكرهما في الكلام على الوحوش فيما يحتاج الكاتب إلى وصفه من الحيوان في المقالة الأولى، وفي غير ذلك من الوحوش التي لا تعدّ. الجملة الثالثة (في حبوبها، وفواكهها، ورياحينها، وخضراواتها، وغير ذلك) أما الحبوب فقد ذكر عن الشيخ مبارك الأنباتي أن بها الأرزّ على أحد وعشرين نوعا، وبها من سائر الحبوب الحنطة، والشعير، والحمّص، والعدس، والماش، واللّوبياء، والسّمسم، أما الفول فلا يوجد عندهم. قال في «مسالك الأبصار» : ولعلّ عدمه من حيث إنهم قوم حكماء، والفول عندهم مما يفسد جوهر العقل، ولذلك حرّمت الصابئة «3» أكله. وأما الفواكه ففيه التّين والعنب، على قلّة، والرّمان الكثير: من الحلو

والمزّ، والحامض إلى غير ذلك من الفواكه: كالموز، والخوخ، والتّوت المسمّى بالفرصاد «1» وبها فواكه أخرى لا يعهد مثلها بمصر والشام كالعنباء «2» ، وغيرها، والسّفرجل على قلة، والكمّثرى، والتّفّاح، وهما أقل من القليل، ولكنهما والسفرجل تجلب إليه. وبها من الفواكه المستحسنة الرّانج، وهو المسمّى عندهم بالنارجيل والعامة تسميه جوز الهند، وبه البطّيخ الأخضر والأصفر، والخيار والقثّاء، والعجّور، وبه من المحضمات الأترج، واللّيمون واللّيم، والنّارنج أما الحمر «3» وهو التمر الهنديّ فكثير بباديتها. وأما الخضراوات فقصب السكّر ببلادها كثير للغاية، ومنه نوع أسود صلب المعجم، وهو أجوده للامتصاص لا الاعتصار ولا يوجد في غيرها، ويعمل من بقيّة أنواعه السكّر الكثير: من النّبات وغيره، ولكنه لا يجمد بل يكون كالسّميذ الأبيض. وعندهم من الخضراوات اللّفت والجزر، والقرع، والباذنجان، والهليون، والزّنجبيل، والسّلق، والبصل، والفوم وهو الثّوم، والشّمار والصّعتر. وأما الرياحين فبها الورد، واللّينوفر، والبنفسج، والبان والخلاف، والعبهر «4» والنّرجس، والفاغية وهي التّامر حنّاء. وأما غير ذلك فعندهم العسل أكثر من الكثير، والشّيرج ومنه وقودهم والزيت يأتيهم مجلوبا. أما الشّمع فلا يوجد إلا في دور السلطان، ولا يسمح فيه لأحد، والحلوى على خمسة وستين نوعا، والفقّاع «5» والأشربة، والأطعمة على ما لا يكاد

الجملة الرابعة (في المعاملات)

يوجد في غير ما هنالك. وبه من أرباب الصنائع صنّاع السّيوف، والقسيّ والرّماح والزّرد، وسائر أنواع السلاح، والصّوّاغ، والزّراكشة، وغيرهم من سائر أرباب الصنائع. وللسلطان بدلّي دار طراز، فيها أربعة آلاف قزّاز «1» ، تعمل الأقمشة المنوّعة للخلع والكساوى «2» والإطلاقات، مع ما يحمل إليه من قماش الصين والعراق والإسكندرية. الجملة الرابعة (في المعاملات) أما نقودهم، فقد ذكر الشيخ مبارك الأنباتي: أن لهم أربع دراهم يتعاملون بها. أحدها- الهشتكاني، وهو وزن الدّرهم النّقرة بمعاملة مصر، وجوازه جوازه، لا يكاد يتفاوت ما بينهما، والدّرهم الهشتكاني المذكور عنه ثمان جتيلات كل جتيل أربعة أفلس، فيكون عنه اثنين وثلاثين فلسا. الثاني- الدّرهم السّلطاني. ويسمّى وكاني، وهو ربع درهم من الدراهم المصريّة وكلّ درهم من السلطانية عنه جتيلان، ولهذا الدرهم السلطانيّ نصف يسمّى جتيل واحد. الثالث- الششتكاني. وهو نصف وربع درهم هشتكاني، ويكون تقديره بالدراهم السلطانية ثلاثة دراهم. الرابع- الدرهم الدرازدهكاني، وجوازه بنصف وربع درهم هشتكاني

الجملة الخامسة (في الأسعار)

أيضا، فيكون بمقدار الششتكاني، ثم كلّ ثمانية دراهم هشتكانيّة تسمّى تنكه. أما الذهب عندهم فبالمثقال، وكلّ ثلاثة مثاقيل تسمّى تنكة، ويعبّر عن تنكة الذهب بالتنكة الحمراء، وعن تنكة الفضّة بالتنكة البيضاء، وكل مائة ألف تنكة من الذهب أو الفضة تسمّى لكّا، إلا أنه يعبر عن لكّ الذهب باللّكّ الأحمر، وعن لكّ الفضّة باللّكّ الأبيض. وأما رطلهم فيسمّى عندهم ستر، وزنته سبعون مثقالا، فتكون زنته بالدراهم المصرية مائة درهم ودرهمين وثلثي درهم، وكل أربعين سترا منّ واحد وجميع مبيعاتهم بالوزن أما الكيل فلا يعرف عندهم. الجملة الخامسة (في الأسعار) قد ذكر في «مسالك الأبصار» أسعار الهند في زمانه نقلا عن قاضي القضاة سراج الدين الهنديّ وغيره فقال: إن الجارية الخدّامة لا تتعدّى قيمتها بمدينة دهلي ثمان تنكات «1» ، واللواتي يصلحن للخدمة والفراش خمس عشرة تنكة. وفي غير دهلي أرخص من ذلك حتى قال القاضي سراج الدين: إنه اشترى عبدا مراهقا نقّاعا «2» بأربعة دراهم. ثم قال: ومع هذا الرّخص إن من الجواري الهنديّات من تبلغ قيمتها عشرين ألف تنكة وأكثر لحسنهن ولطفهن. ونقل عن الشيخ مبارك الأنباتي (وكان فيما قبل الثلاثين والسبعمائة) فقال: إن أوساط الأسعار حينئذ أن تكون الحنطة كلّ منّ «3» بدرهم ونصف هشتكانيّ، والشعير كلّ منّ بدرهم واحد هشتكانيّ، والأرزّ كل منّ بدرهم ونصف وربع

الجملة السادسة (في الطريق الموصلة إلى مملكتي السند والهند)

هشتكاني، إلا أنواعا معروفة من الأرزّ فإنها أغلى من ذلك، والحمّص كلّ منّين بدرهم هشتكانيّ، ولحم البقر والمعز كل أربعة أستار «1» بدرهم سلطاني، والإوزّ كل طائر بدرهمين هشتكانية، والدّجاج كلّ أربعة أطيار بدرهم هشتكانيّ، والسكر كلّ خمسة أستار بدرهم هشتكاني، والرأس الغنم الجيدة السمينة بتنكة (وهي ثمانية دراهم هشتكانية) والبقرة الجيدة بتنكتين (وهما ستة عشر درهما هشتكانية) وربما كانت بأقل، والجاموس كذلك. أما الحمام والعصفور وأنواع الطير فبأقلّ ثمن، وأنواع الصيد من الوحش والطير كثيرة، وأكثر مأكلهم لحم البقر والمعز مع كثرة الضأن عندهم إلا إنهم اعتادوا أكل ذلك. وقد حكى في «مسالك الأبصار» عن الخجنديّ أنه قال: أكلت أنا وثلاثة نفر رفاق في بعض بلاد دلّى لحما وخبزا بقريّا وخبزا وسمنا حتى شبعنا بجيتل: وهو أربعة أفلس كما تقدّم. الجملة السادسة (في الطريق الموصلة إلى مملكتي السّند والهند) اعلم أن لهذه المملكة عدّة طرق: الطريق الأوّل: طريق البحر، قد تقدّم في الكلام على الطريق الموصلة إلى اليمن ذكر الطريق من سواحل مصر: من السويس، والطّور، والقصير، وعيذاب إلى عدن من اليمن في هذا البحر، ومن عدن إلى أن يركب في بحر الهند المتصل ببحر القلزم، إلى سواحل السند والهند، ويخرج إلى أيّ البلاد أراد من الفرض الموصلة إليها.

الطريق الثاني- طريق بحر فارس، قد تقدّم في الكلام على مملكة إيران ذكر الطريق الموصّلة من حلب إلى بغداد، ثم من بغداد إلى البصرة. قال ابن خرداذبه: ثم من البصرة إلى عبّادان اثنا عشر فرسخا، ثم إلى الخشبات فرسخان، ومنها يركب في بحر فارس: فمن أراد طريق البرّ إلى السّند والهند، جاز هذا البحر إلى هرمز: مدينة كرمان، ومنها يتوصل إلى السند ثم الهند ثم الصين. ومن أراد الطريق في البحر، فقد ذكر ابن خرداذبه: أن من أبلّة البصرة في نهر الأبلّة إلى جزيرة خارك في نخيل فارس سبعين فرسخا، ومنها إلى جزيرة لابن ثمانين فرسخا، ثم إلى جزيرة أبرون سبعة فراسخ، ثم إلى جزيرة خين سبعة فراسخ، ثم إلى جزيرة كيش سبعة فراسخ، ثم إلى جزيرة أبر كاوان ثمانية عشر فرسخا، ثم إلى جزيرة أرموز سبعة فراسخ، ثم إلى بار سبعة أيام، وهي الحدّ بين فارس والسند، ثم إلى الدّيبل ثمانية أيام، ثم إلى مصبّ مهران في البحر فرسخان، ثم من مهران إلى بكين أوّل أرض الهند أربعة أيام، ثم إلى المند فرسخان، ثم إلى كول فرسخان، ثم إلى سندان ثمانية عشر فرسخا، ثم إلى ملي خمسة أيام، ثم إلى بلّين يومان. ثم يفترق الطريق في البحر: فمن أخذ على الساحل- فمن بلّين إلى باس يومان، ثم إلى السّنجلي وكبشكان يومان، ثم إلى كودا مصب نهر فريد ثلاثة فراسخ، ثم إلى كيلكان يومان، ثم منها إلى سمندر، ومن سمندر إلى أورسير اثنا عشر فرسخا، ثم إلى أبينه أربعة أيام، ثم إلى سرنديب يومان. ومن أراد جهة الصين عدل من بلّين وجعل سرنديب عن يساره. فمن جزيرة سرنديب إلى جزيرة لنكبالوس عشرة أيام إلى خمسة عشر يوما، ثم إلى جزيرة كله ستة أيام. وعن يسارها جزيرة بالوس على يومين، ثم على خمسة عشر يوما بلاد تنبت العطر.

الجملة السابعة (في ذكر ملوك الهند)

الجملة السابعة (في ذكر ملوك الهند) [أما قبل الإسلام فملكها] «1» جماعة منهم ملوك الكفر، أسماؤهم أعجمية لا حاجة إلى ذكرهم، فأضربنا عنهم. وأمّا في الإسلام فأوّل من أخذ في فتح ما فتح من الهند بنو سبكتكين: ملوك غزنة، المتقدّم ذكرهم في مملكة خوارزم والقبجاق وما مع ذلك. ففتح يمين الدولة (محمود بن سبكتكين) «2» منه مدينة بهاطية. وهي مدينة حصينة عالية السور وراء الملتان، في سنة «3» ستّ وتسعين وثلاثمائة وسار إلى بيدا ملك الهند، فهرب منه إلى مدينته المعروفة بكاليجار، فحاصره فيها حتى صالحه على مال، فأخذ المال وألبسه خلعته، واستعفى من شدّ وسطه بالمنطقة فلم يعفه من ذلك، فشدّها على كره. ثم فتح (إبراهيم بن مسعود) منهم حصونا منه في سنة إحدى وخمسين وأربعمائة. ثم كانت دولة الغوريّة بغزنة أيضا. ففتح شهاب الدّين أبو المظفّر (محمد ابن سام) بن الحسين الغوري منه مدينة لهاور في سنة سبع وأربعين وخمسمائة» ، وأتبعها بفتح الكثير من بلادهم، وبلغ من النّكاية في ملوكهم ما لم يبلغه أحد من

ملوك الإسلام قبله، وتمكن من بلاد الهند، وأقطع مملوكه قطب الدين أيبك مدينة دهلي التي هي قاعدة الهند، وبعث أيبك المذكور عساكره، فملكت من الهند أماكن مادخلها مسلم قبله حتّى قاربت جهة الصين. ثم فتح (شهاب الدين محمد) المذكور أيضا بعد ذلك نهرواله في سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وتوالت ملوك المسلمين وفتوحاتهم في الهند إلى أن كان (محمد بن طغلقشاه) في زمن الملك الناصر محمد بن قلاوون «1» صاحب الديار المصرية، فقوي سلطانه بالهند، وكثرت عساكره، وأخذ في الفتوح حتّى فتح معظم الهند. قال «في مسالك الأبصار» قال الشيخ مبارك الأنباتي: وأوّل ما فتح منه مملكة تلنك؛ وهي واسعة البلاد، كثيرة القرى، عدّة قراها تسعمائة ألف قرية وتسعمائة قرية. ثم فتح بلاد جاجنكز، وبها سبعون مدينة جليلة كلّها على البحر، دخلها من الجوهر والقماش المنوّع، والطّيب، والأفاويه؛ ثم فتح بلاد لكنوتي، وهي كرسيّ تسعة ملوك. ثم فتح بلاد دواكير، ويقال لها دكير، ولها أربع وثمانون قلعة جليلات المقدار. ونقل عن الشيخ برهان الدين أبي بكر بن الخلال البزي: أن بها ألف ألف قرية ومائتي ألف قرية. ثم فتح بلاد دور سمند، وكان بها السلطان بلال الدبو وخمسة ملوك كفّار. ثم فتح بلاد المعبر: وهو إقليم جليل له تسعون مدينة بنادر على البحر، يجبى من دخلها الطّيب، واللّانس، والقماش المنوّع، ولطائف الآفاق. وذكر أنه حصل له من الأموال بسبب الفتوح التي فتحها ما لا يكاد السامع يصدّقه. فحكى عن الشيخ برهان الدين أبي بكر بن الخلّال المقدّم ذكره: أنه حاصر ملكا على حدّ بلاد الدواكير، فسأله أن يكفّ عنه على أن يرسل إليه من

الدّوابّ ما يختار ليحمّله له مالا، فسأله عن قدر ما عنده من المال فأجابه فقال: إنه كان قبلي سبعة ملوك، جمع كلّ واحد منهم سبعين ألف صهريج متسعة من المال، فأجابه إلى ذلك، وختم على تلك الصهاريج باسمه وتركها بحالها، وأقرّ الملك باسم ذلك الملك، وأمر بإقامته عنده، وجعل له نائبا بتلك المملكة. وحكى عن عليّ بن منصور العقيلي من عرب البحرين أنه تواتر عندهم من الأخبار أن هذا السلطان فتح مدينة بها بحيرة ماء، وفي وسطها بيت برّ معظّم عندهم يقصدونه بالنذر، وكلما أتي له بنذر رمي في تلك البحيرة، فصرف الماء عنها وأخذ ما كان بها من الذهب، فكان وسق مائتي فيل وآلاف من البقر، إلى غير ذلك ممّا يكاد العقل أن ينكره ولذلك حصل عنده من الأموال ما لا يأخذه الحصر، واتسعت أموال عساكره حتى جاوزت الوصف، حتى حكى الشيخ تاج الدين بن أبي المجاهد السّمرقنديّ: أنه غضب على بعض خاناته لشربه الخمر فأمسكه وأخذ ماله، فكان جملة ما وجد له من الذهب ألف مثقال وسبعة وثلاثين ألف مثقال، ومقدار ذلك ثلاثة وأربعون قنطار وسبعون قنطارا، وهو مع ذلك يعطي العطاء الجزيل ويصل بالأموال الجمّة. فقد حكى ابن الحكيم الطياري: أن شخصا قدم له كتبا، فحثى «1» له حثية من جوهر كان بين يديه، قيمتها عشرون ألف مثقال من الذهب. وحكى الشريف السّمرقنديّ: أن شخصا قدّم له اثنتين وعشرين حبّة من البطّيخ الأصفر، حملها إليه من بخارى، فأمر له بثلاثة آلاف مثقال من الذهب. وحكى الشيخ أبو بكر بن أبي الحسن الملتانيّ أنه استفاض عنه أنه التزم أنه لا ينطق في إطلاقاته بأقلّ من ثلاثة آلاف مثقال، إلى غير ذلك من العطاء الذي يخرق العقول. وحكى عن قاضي القضاة سراج الدين الهندي: أنه مع كثرة البذل وسعة

الجملة الثامنة (في ذكر عساكر هذه المملكة، وأرباب وظائفها على ما ذكره في «مسالك الأبصار» عن دولة السلطان محمد بن طغلقشاه المقدم ذكره، نقلا عن الشيخ مبارك الأنباتي وغيره)

العطاء في هباته وما ينفقه في جيوشه وعساكره لا ينفق نصف دخل بلاده. قلت: ثم بعد محمد شاه ولي هذه المملكة من أقاربه سلطان اسمه (فيروز شاه) وبقي في الملك نحو أربعين سنة. ثم تنقلت المملكة في بيتهم إلى أن كان من تمرلنك «1» ما كان من فتح دلّي ونهبها. ثم آل الأمر بعده إلى سلطان من بيت الملك، اسمه (محمود خان) وهو القائم بها إلى الآن. وقد صارت الدواكير منها لسلطان بمفرده، واسمه اليوم السلطان (غياث الدين) . الجملة الثامنة (في ذكر عساكر هذه المملكة، وأرباب وظائفها على ما ذكره في «مسالك الأبصار» عن دولة السلطان محمد بن طغلقشاه المقدّم ذكره، نقلا عن الشيخ مبارك الأنباتيّ وغيره) أما عساكره، فقد ذكر أنها تشتمل على تسعمائة ألف فارس: منهم من هو بحضرته، ومنهم من هو في سائر البلاد، يجرى عليهم كلّهم ديوانه، وأن عسكره مجتمع من التّرك والخطا والفرس والهنود وغيرهم من الأجناس. وكلّهم بالخيل المسوّمة، والسلاح الفائق، والتجمّل الظاهر؛ وأن أعلى عسكره الخانات، ثم الملوك، ثم الأمراء، ثم الاصفهسلارية، ثم الجند. وذكر أن في خدمته ثمانين خانا أو أكثر، وأن لكلّ واحد منهم من الأتباع ما يناسبه: للخان عشرة آلاف فارس، وللملك ألف فارس، وللأمير مائة فارس، وللاصفهسلارية دون ذلك. وأن الاصفهسلارية لا يؤهّل أحد منهم للقرب من

السلطان، وإنما يكون منهم الولاة ومن يجرى مجراهم، وأن له عشرة آلاف مملوك أتراك، وعشرة آلاف خادم خصيّ، وألف خزندار «1» ، وألف بشمقدار «2» ، وله مائتا ألف عبد ركابيّة، تلبس السلاح وتمشي في ركابه، وتقاتل رجّالة بين يديه، وأن جميع الجند تختصّ بالسلطان، ويجرى عليهم ديوانه حتّى من في خدمة الخانات والملوك والأمراء، لا يجرى عليهم إقطاع من جهة من هم في خدمته كما في مصر والشام. وأما أرباب الوظائف من أرباب السيوف، فله نائب كبير، يسمّى بلغتهم امريت وأربعة نوّاب دونه، يسمّى كل واحد منهم شق، وله الحجّاب ومن يجرى مجراهم من سائر أرباب الوظائف. وأمّا من أرباب الأقلام، فله وزير عظيم، وله أربعة كتّاب سرّ، يسمّى كل واحد منهم بلغتهم دبيران، ولكلّ منهم تقدير ثلاثمائة كاتب. وأما القضاة فله قاضي قضاة عظيم الشأن، وله محتسب وشيخ شيوخ، وله ألف طبيب ومائتا طبيب. وأما غير هؤلاء فله ألف بازدار «3» ، تحمل الطيور الجوارح للصيد راكبة الخيل، وثلاثة آلاف سوّاق لتحصيل الصيد، وخمسمائة نديم، وألفان ومائتان من الملاهي غير مماليكه الملاهي، وهي ألف مملوك برسم تعليم الغناء خاصة، وألف شاعر بالعربيّة، والفارسيّة، والهندية، من ذوى الذّوق اللطيف. يجري على جميع أولئك ديوانه مع طهارة الذّيل والعفّة في الظاهر والباطن.

الجملة التاسعة (في زي أهل هذه المملكة)

الجملة التاسعة (في زيّ أهل هذه المملكة) أمّا أرباب السّيوف فنقل عن الشيخ مبارك الأنباتي: أن لبس السلطان والخانات والملوك، وسائر أرباب السيوف نتريّات، وتكلاوات، وأقبية إسلامية، مخصّرة الأوساط خوارزميّة، وعمائم صغار لا تتعدى العمامة منها خمسة أذرع أو ستة، وأن لبسهم من البياض والجوخ. وحكي عن الشريف ناصر الدين محمد الحسيني الأدمي أن غالب لبسهم نتريّة مزركشة بالذهب، ومنهم من يلبس مطرّز الكمين بزركش، ومنهم من يعمل الطّراز بين كتفيه مثل المغل، وأقباعهم مربّعة الانبساط، مرصّعة بالجواهر، وغالب ترصيعهم بالياقوت والماس، ويضفرون شعورهم ذوائب كما كان يفعل بمصر والشام في أوّل الدولة التركية، إلا أنهم يجعلون في الذوائب شراريب من حرير، ويشدّون في أوساطهم المناطق من الذهب والفضّة، ويلبسون الأخفاف والمهاميز، ولا يشدّون السيوف في أوساطهم إلا في السّفر خاصّة. وأما الوزراء والكتّاب، فزيّهم مثل زيّ الجند، إلا أنهم لا يشدّون المناطق: وربما أرخى بعضهم العذبة الصغيرة من قدّامه كما تفعل الصّوفيّة. وأما القضاة والعلماء، فلبسهم فرجيّات شبيهات بالحندات ودراريع. وحكي عن قاضي القضاة سراج الدين الهندي أنه لا يلبس عندهم ثياب الكتّان المجلوبة من الرّوس والإسكندرية إلا من ألبسه له السلطان، وإنما لباسهم من القطن الرفيع الذي يفوق البغدادي حسنا، وأنه لا يركب بالسّروج الملبّسة والمحلّاة بالذهب إلا من أنعم عليه بها السلطان. الجملة العاشرة (في أرزاق أهل دولة السلطان بهذه المملكة) أما الجند، فنقل عن الشيخ مبارك الأنباتيّ أنه يكون للخانات والملوك

والأمراء والاصفهسلاريّة بلاد مقرّرة عليهم من الديوان إقطاعا لهم. وذكر أن إقطاع النائب الكبير المسمّى بأمريت يكون إقليما عظيما كالعراق. ولكلّ خان لكّان، كلّ لكّ مائة ألف تنكة، كل تنكة ثمانية دراهم؛ ولكلّ ملك من ستين ألف تنكة إلى خمسين ألف تنكة؛ ولكلّ أمير من أربعين ألف تنكة إلى ثلاثين ألف تنكة، وللاصفهسلارية من عشرين ألف تنكة إلى ما حولها، ولكل جندي من عشرة آلاف تنكة إلى ألف تنكة، ولكلّ مملوك من المماليك السلطانية من خمسة آلاف تنكة إلى ألف تنكة، مع الطعام والكسوة وعليق الخيل لجميعهم على السلطان. ولكلّ عبد من العبيد السلطانية في كل شهر عشر تنكات بيضاء، ومنّان من الحنطة والأرزّ، وفي كل يوم ثلاثة أستار من اللحم، وفي كلّ سنة أربع كساو. وأما أرباب الأقلام، فإن الوزير يكون له اقليم عظيم نحو العراق إقطاعا له، ولكلّ واحد من كتّاب السّرّ الأربعة مدينة من المدن البنادر العظيمة الدّخل، ولأكابر كتّابهم قرى وضياع. ومنهم من يكون له خمسون قرية. ولكلّ من الكتّاب الصّغار عشرة آلاف تنكة. ولقاضي القضاة المعبّر عنه بصدر جهان عشر قرى، يكون متحصّلها نحو ستين ألف تنكة، ولشيخ الشيوخ مثله، وللمحتسب قرية يكون متحصّلها نحو ثمانية آلاف تنكة. وأما غير هؤلاء من سائر أرباب الوظائف، فذكر أنه يكون لبعض النّدماء قريتان ولبعضهم قرية، ولكل واحد منهم من أربعين تنكة إلى ثلاثين ألف تنكة إلى عشرين ألف تنكة على مقادير مراتبهم، مع الكساوى «1» والخلع والافتقادات، وليقس على ذلك.

الجملة الحادية عشرة (في ترتيب أحوال هذه المملكة)

الجملة الحادية عشرة (في ترتيب أحوال هذه المملكة) وتختلف الحال في ذلك باختلاف أحوال السلطان. أما الخدمة، فخدمتان: إحداهما الخدمة اليوميّة، فإنه في كلّ يوم يمدّ الخوان «1» في قصر السلطان: ويأكل منه عشرون ألف نفر من الخانات، والملوك، والأمراء، والاصفهسلارية، وأعيان الجند، ويمدّ للسلطان خوان خاصّ، ويحضره معه من الفقهاء مائتا فقيه في الغداء والعشاء ليأكلوا معه ويبحثوا بين يديه. وحكي عن الشيخ أبي بكر بن الخلّال: أنه سأل طبّاخ هذا السلطان عن ذبيحته في كلّ يوم- فقال: ألفان وخمسمائة رأس من البقر، وألفا رأس من الغنم، غير الخيل المسمّنة وأنواع الطير. والثانية- الجمعيّة، فحكي عن الشيخ محمد الخجنديّ أن لهذا السلطان يوم الثّلاثاء جلوسا عامّا في ساحة عظيمة متسعة إلى غاية، يضرب له فيها حير «2» كبير سلطانيّ، يجلس في صدره على تخت عال مصفّح بالذهب، وتقف أرباب الدّولة حوله يمينا وشمالا، وخلفه السّلاح داريّة «3» وأرباب الوظائف قيام بين يديه على منازلهم، ولا يجلس إلا الخانات وصدر جهان «وهو قاضي القضاة» والدبيران «وهو كاتب السرّ الذي تكون له النّوبة» ويقف الحجّاب أمامه، وينادى مناداة عامّة: إن من كان له شكوى أو حاجة فليحضر، فيحضر من له شكوى أو حاجة، فيقف بين يديه فلا يمنع حتّى ينهي حاله، ويأمر السلطان فيه أمره. ومن عادته أن لا يدخل عليه أحد ومعه سلاح البتّة حتّى ولا سكّين صغيرة

ويكون جلوسه داخل سبعة أبواب، ينزل الداخلون عليه على الباب الأوّل، وربما أذن لبعضهم بالركوب إلى الباب السادس. وعلى الباب الأوّل منها رجل معه بوق، فإذا جاء أحد من الخانات أو الملوك أو أكابر الأمراء، نفخ في البوق إعلاما للسلطان أنه قد جاءه رجل كبير: ليكون دائما على يقظة من أمره. ولا يزال ينفخ في البوق حتّى يقارب الداخل الباب السابع، فيجلس كلّ من دخل عند ذلك الباب حتّى يجتمع الكلّ، فإذا تكاملوا أذن لهم في الدخول، فإذا دخلوا جلس من له أهليّة الجلوس ووقف الباقون، وجلس القضاة والوزير وكاتب السرّ في مكان لا يقع فيه نظر السلطان عليهم، ومدّ الخوان. ثم يقدّم الحجّاب قصص أرباب المظالم وغيرهم، ولكلّ قوم حاجب يأخذ قصصهم، ثم يرفعون جميع القصص إلى حاجب مقدّم على الكل، فيعرضها على السلطان ويسمع ما يأمر فيها. فإذا قام السلطان جلس ذلك الحاجب إلى كاتب السرّ فأدّى إليه الرسائل في ذلك فينفّذها. ثم يقوم السلطان من مجلسه ذلك ويدخل إلى مجلس خاصّ، ويدخل عليه العلماء فيجالسهم ويحادثهم ويأكل معهم، ثم ينصرفون، ويدخل السلطان إلى دوره. أما حاله في الركوب، فإنه كان في قصوره يركب وعلى رأسه الچتر والسلاح داريّة وراءه محمولا بأيديهم السلاح. وحوله قريب اثني عشر ألف مملوك، جميعهم ليس فيهم راكب إلا حامل الچتر والسّلاح داريّة والجمداريّة «1» حملة القماش إن كان في غير قصوره. وعلى رأسه أعلام سود في أوساطها تنّين عظيم من الذهب، ولا يحمل أحد أعلاما سودا إلا له خاصّة. وفي ميسرته أعلام حمر، فيها تنّينان ذهب أيضا. وطبوله الذي يدق بها في الإقامة والسّفر على مثل الإسكندر. وهو مائتا حمل نقّارات، وأربعون حملا من الكوسات الكبار، وعشرون بوقا، وعشرة صنوج «2»

قال الشيخ مبارك الأنباتيّ: ويحمل على رأسه الچتر إن كان في غير الحرب، فإن كان في الحرب حمل على رأسه سبعة جتورة، منها اثنان مرصّعان لا يقوّمان لنفاستهما. قال: ولدسته من الفخامة والعظمة والقوانين الشاهنشاهيّة ما لا يكون مثله إلا للإسكندر ذي القرنين أو لملك شاه بن ألب أرسلان. ثم إن كان في الصيد فإنه يخرج في خفّ من اللباس في نحو مائة ألف فارس، ومائتي فيل، ويحمل معه أربعة قصور على ثمانمائة جمل، كلّ قصر على مائتي جمل ملبّسة جميعها بستور الحرير المذهبة، وكل قصر طبقتان غير الخيم والخركاوات. فإن كان يتنقّل من مكان إلى مكان للتنزّه وما في معناه، فيكون معه نحو ثلاثين ألف فارس، وألف جنيب «1» مسرجة ملجمة، ما بين ملبّس بالذهب ومطوّق وفيها المرصّع بالجواهر واليواقيت. وإن كان في الحرب، فإنه يركب وعلى رأسه سبعة جتورة، وترتيبه في الحرب على ما ذكره قاضي القضاة سراج الدين الهنديّ: أن يقف السلطان في القلب وحوله الأئمة والعلماء، والرّماة قدّامه وخلفه، وتمتدّ الميمنة والميسرة موصولة بالجناحين، وأمامه الفيلة الملبّسة البركصطوانات الحديد وعليها الأبراج المستّرة فيها المقاتلة، وفي تلك الأبراج منافذ لرمي النّشّاب وقوارير النّفط، وأمام الفيلة العبيد المشاة في خفّ من اللّباس بالسّتور والسلاح، فيسحبون حبال الفيلة والخيل في الميمنة والميسرة، تضم أطراف [الجيش] «2» من حول الفيلة ومن ورائها حتّى لا يجد هارب له مفرّا. أما غير السلطان من عساكره، فقد جرت عادتهم أنّ الخانات والملوك والأمراء لا يركب أحد منهم في السّفر والحضر إلا بالأعلام، وأكثر ما يحمل الخان معه سبعة أعلام، وأقلّ ما يحمل الأمير ثلاثة، وأكثر ما يجرّ الخان في الحضر عشر

جنائب، وأكثر ما يجرّ الأمير في الحضر جنيبان، وفي السفر يتعاطى كلّ أحد منهم قدر طاقته. وأما اتصال الأخبار بالسلطان، فذكر قاضي القضاة سراج الدين الهنديّ: أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال: فأحوال الرعيّة له ناس يخالطون الرعيّة، ويطّلعون على أخبارهم، فمن اطّلع منهم على شيء أنهاه إلى من فوقه، وينهيه الآخر إلى من فوقه حتى يتّصل بالسلطان. وأحوال البلاد النائية لاتصال الأخبار منها من السرعة ما ليس في غيرها من الممالك، وذلك أن بين أمّهات الأقاليم وبين قصر السلطان أماكن متقاربة، مشبّهة بمراكز البريد بمصر والشأم إلا أن هذه الأماكن قريبة المدى بعضها من بعض، بين كل مكانين نحو أربع غلوات سهم أو دونها، في كلّ مكان عشرة سعاة ممن له خفّة وقوّة، ويحمل الكتب بينه وبين من يليه، ويعدو بأشدّ ما يمكنه إلى أن يوصّله إلى الآخر ليعدو به كذلك إلى مقصده، فيصل الكتاب من المكان البعيد في أقرب وقت. وفي كلّ مكان من هذه الأمكنة مسجد وسوق وبركة ماء. وبين دلّي وقبّة الإسلام اللتين هما قاعدتا المملكة طبول مرتّبة في أمكنة خاصّة، فحيثما كان في مدينة وفتح باب الأخرى أو أغلق يدقّ الطبل، فإذا سمعه ما يجاوره دقّ، فيعلم خبر فتح المدينة وفتح باب الأخرى وغلقه.

الفصل الثاني من الباب الرابع من المقالة الثانية (في الممالك والبلدان الغربية عن مملكة الديار المصرية، وما سامت ذلك ووالاه من الجهة الشمالية. وفيه أربع ممالك)

الفصل الثاني من الباب الرابع من المقالة الثانية (في الممالك والبلدان الغربيّة عن مملكة الديار المصرية، وما سامت ذلك ووالاه من الجهة الشّمالية. وفيه أربع ممالك) المملكة الأولى (مملكة تونس وما أضيف إليها. وفيه اثنتان وعشرون جملة) الجملة الأولى (في بيان موقعها من الأقاليم السبعة [وحدودها] ) [أما موقعها من الأقاليم السبعة] فإن أكثرها واقع في الأقليم الثالث، وبعضها واقع في أواخر الثاني. وأما حدودها فعلى ما أشار إليه في «التعريف» : حدّها من الشرق العقبة الفاصلة بينها وبين الدّيار المصرية، ومن الشّمال البحر الرّوميّ، ومن الغرب جزائر بني مزغنّان الآتي ذكرها، ومن الجنوب آخر بلاد الجريد والأرض السّوّاخة إلى ما يقال إن فيه المدينة المسماة بمدينة النّحاس. قال في «مسالك الأبصار» : وحدّها من الجنوب الصّحراء الفاصلة بينها وبين بلاد جباوة المسكونة بأمم من السّودان. وحدّها من الشرق آخر حدود أطرابلس، وهي داخلة في التحديد. وحدّها من الشمال البحر الشاميّ: وهو الرومي. وحدّها من الغرب آخر حدود بدليس المجاورة لجزائر بني مزغنّان، آخر عمالة صاحب برّ العدوة. وقد نقل في «تقويم البلدان» في الكلام على بونة عن ابن سعيد أنّ آخر سلطنة بجاية من الشرق مدينة بونة الآتي ذكرها، وأنها أوّل سلطنة أفريقيّة من

الجملة الثانية (في بيان ما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال وما انطوى عليه كل عمل)

الغرب. قال في «مسالك الأبصار» : وطولها خمس وثلاثون يوما، وعرضها عشرون يوما. الجملة الثانية (في بيان ما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال وما انطوى عليه كلّ عمل) وهذه المملكة تشتمل على عملين: العمل الأوّل- أفريقيّة . قال في «تقويم البلدان» : بفتح الهمزة وسكون الفاء وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة تحت وكسر القاف ومثناة تحت بعدها هاء في الآخر. وقد اختلف في سبب تسميتها أفريقيّة. فقيل إن أفريقس «1» أحد تبابعة اليمن افتتحها واستولى عليها فسمّيت بذلك. وقيل إنما سمّيت بفارق بن [بيصر بن حام بن نوح عليه السّلام] «2» وكانت قاعدتها القديمة (سبيطلة) بضم السين المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون المثناة من تحتها وفتح الطاء «3» المهملة واللام وفي آخرها هاء. وهي مدينة أزليّة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة، حيث الطول ثلاثون درجة، والعرض ثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. وبها آثار عظيمة تدلّ على عظم أمرها. قال الإدريسيّ: وكانت قبل الإسلام مدينة أفريسيس «4» ملك الروم

الأفارقة، فتحها المسلمون في صدر الإسلام وقتلوا ملكها المذكور. ثم صارت قاعدتها في أوّل الإسلام (القيروان) . بفتح القاف وسكون المثناة تحت وفتح الراء المهملة وواو وألف وفي آخرها نون. وهي مدينة في الإقليم الثالث أيضا حيث الطول ثمان وعشرون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة، بنيت في صدر الإسلام بعد فتح أفريقيّة في جنوبيّ جبل شماليّها؛ وهي في صحراء، وشرب أهلها من ماء الآبار وقال في «العزيزي» : من ماء المطر، وليس لها ماء جار، ولها واد في قبلة المدينة به ماء مالح يستعمله الناس فيما يحتاجونه. قال في «العزيزي» : وهي أجلّ مدن الغرب (يعني في القديم) . وكان عليها سور عظيم هدمه زيادة الله بن الأغلب «1» . قال الإدريسي: وبينها وبين سبيطلة سبعون ميلا. ثم صارت قاعدتها بعد ذلك (المهديّة) بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الدال المهملة نسبة إلى المهديّ. وهي مدينة بناها عبيد الله المهديّ جدّ الخلفاء الفاطميين بمصر في سنة ثلاث وثلاثمائة؛ وموقعها في الإقليم الثالث أيضا من الأقاليم السبعة حيث الطول ثلاثون درجة وأربعون دقيقة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة فيما ذكره ابن سعيد. وهي على طرف داخل في البحر كهيئة كفّ متصل بزند، والبحر محيط بها غير مدخلها، وهو مكان ضيق كما في سبتة. ولها سور حصين شاهق في الهواء، مبنيّ بالحجر الأبيض بأبراج عظام. وبها القصور الحسنة المطلّة على البحر. ثم صارت قاعدتها بعد ذلك (تونس) بضم المثناة من فوق وسكون الواو وضم النون وفي آخرها سين مهملة، وهي قاعدة هذه المملكة الآن، ومستقرّ

سلطانها. وهي مدينة قديمة البناء، واقعة في الإقليم الثالث قال ابن سعيد: حيث الطول اثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة. وهي على بحيرة مالحة خارجة من البحر الرّوميّ، طولها عشرة أميال وتونس على آخرها. قال البكري: ودور هذه البحيرة نحو أربعة وعشرين ميلا. قال في «العزيزي» : وهي مدينة جليلة، لها مياه ضعيفة جارية يزرع عليها، وفيها الخصب وكثرة الغلّات. وهي في وطاءة من الأرض في سفح جبل يعرف بأمّ عمرو، يستدير بها خندق وسور حصين، ولها ثلاثة أرباض كبيرة من جهاتها، وأرضها سبخة «1» ، وجميع بنائها بالحجر والآجرّ، وأبنيتها مسقّفة بالأخشاب، ودور أكابرها مفروشة بالرّخام، وذمّ في «الروض المعطار» بيوتها فقال هي كما يقال: ظاهرها رخام، وباطنها سخام «2» وشرب أهلها من الآبار، وبيوتها صهاريج يجمع فيها ماء المطر لغسل القماش ونحوه، وبها الحمّامات والأسواق الجليلة، وبها ثلاث مدارس: وهي الشماعية والفرضية، ومدرسة الهواء، وبها البساتين البعيدة والقربية منها، والبساتين محيطة ببحيرتها المقدّم ذكرها من جنوبيها. قال في «مسالك الأبصار» : ومذ خلا الأندلس من أهله، وأووا إلى جناح ملوكها، مصّروا إقليمها، ونوّعوا بها الغراس، فكثرت مستنزهاتها، وامتدّ بسيط بساتينها. قال: وبها يعمل القماش الأفريقيّ: وهو ثياب رفاع من القطن والكتّان معا ومن الكتّان وحده، وهو أمتع من النّصافيّ البغداديّ وأحسن، ومنه جلّ كساوى «3» أهل المغرب. وللسلطان بها قلعة جليلة يسكنها، يعبّرون عنها بالقصبة كما هو مصطلح المغاربة في تسمية القلعة بالقصبة، وللسلطان بها

بستانان: أحدهما ملاصق أرباض البلد يسمّى برأس الطابية، والثاني بعيد من البساتين يسمّى بأبي فهر، بينه وبين البلد نحو ثلاثة أميال، والماء منساق إليهما من ساقية بجبل يعرف بجبل زغوان بفتح الزاي وسكون الغين المعجمتين ونون في الآخر، على مسيرة يومين من تونس. وأما ما اشتملت عليه من المدن سوى القواعد المتقدّمة الذكر. فمن مشارق تونس (سوسة) بضم السين المهملة وسكون الواو وفتح السين الثانية ثم هاء. وهي مدينة على ساحل البحر، واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة، حيث الطول أربع وثلاثون درجة وعشر دقائق، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. وهي في جنوبيّ تونس وشرقيّها في طرف داخل في البحر. قال في «العزيزي» : وهي مدينة أزليّة بها سوق وفنادق وحمّامات. قال الإدريسيّ: وهي عامرة بالناس، كثيرة المتاجر، والمسافرون إليها قاصدون وعنها صادرون، وعليها سور من حجر حصين. وذكر في «مسالك الأبصار» : أن عليها سورا من لبن، وأنها قليلة العمارة لاستيلاء العرب عليها. ومنها (صفاقس) بفتح الصاد المهملة ثم فاء وألف وقاف مضمومة وفي آخرها سين مهملة. وهي مدينة على ساحل البحر شرقيّ المهديّة، واقعة في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول خمس وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي مدينة صغيرة في مستو من الأرض، وجنوبيّها جبل يسمّى جبل السبّع بفتح السين المهملة والباء الموحّدة وعين مهملة في الآخر. يستدير عليها سور، وشرب أهلها من الآبار، ولها بساتين قليلة، ومن بحرها يستخرج الصّوف المعروف عند العامّة بصوف السّمك المتّخذ منه الثياب النّفيسة. قال ابن سعيد: أنا رأيته كيف يخرج، يغوص الغوّاصون في البحر فيخرجون كمائم شبيهة بالبصل بأعناق، في أعلاها زويرة، فتنشر في الشمس فتنفتح تلك الكمائم عن وبر، فيمشط ويؤخذ صوفه فيغزل، ويعمل منه طعمة لقيام من الحرير، وتنسج منه الثياب.

ومنها (قابس) بفتح القاف وألف ثم باء موحدة وفي آخرها سين مهملة. وهي مدينة في الإقليم الثالث، حيث الطول اثنتان وثلاثون درجة وأربعون دقيقة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة، على ثلاثة أميال من البحر. قال في «العزيزى» : وعليها سور وخندق. قال في «تقويم البلدان» : وهي في أفريقيّة كدمشق في الشام، ينزل إليها نهران من الجبل في جنوبيّها، يخترقان غوطتها، قال: وقد خصّت من بلاد أفريقيّة بالموز وحبّ العزيز والخيار. ومنها (أطرابلس) بفتح الهمزة وسكون الطاء وفتح الراء المهملتين وألف وباء موحدة بعدها لام مضمومتان وسين مهملة في الآخر. وهي مدينة شرقيّ تونس على البحر، واقعة في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول ثمان وثلاثون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي آخر المدن التي شرقيّ القيروان، وإذا فارقها المسافر مشرّقا لا يجد مدينة فيها حمّام حتّى يصل الإسكندرية. وبناؤها بالصّخر، وهي واسعة الكورة «1» ، وبها الخصب الكثير، وليس بها ماء جار، بل بها جباب «2» عليها سواق. قال في «العزيزي» : وبها مرسّى للمراكب. ومنها (قصر أحمد) وضبطه معروف، وموقعه في أوّل الإقليم الرابع، حيث الطول إحدى وأربعون درجة واثنتان وعشرون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة وسبع وثلاثون دقيقة. قال ابن سعيد: وهو حدّ أفريقيّة من الشرق وحدّ برقة من الغرب. وهو قرية صغيرة، وحوله قصور نحو اثني عشر ميلا، وهي بلاد زيتون ونخيل، وأهلها يجلبون الخيل للإسكندريّة، ومنها يركب المسافر البرّيّة إلى الشرق. ومن مغارب تونس على مسيرة يومين (باجة) قال في «المشترك» بفتح

الباء الموحدة وألف وتخفيف الجيم ثم هاء. وهي مدينة بالإقليم الثالث قال في «الأطوال» حيث الطول تسع وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض إحدى وثلاثون درجة. وهي مدينة كبيرة، ولها بساتين قليلة وعيون ماء، وعليها سور حصين. مبنيّة في مستو من الأرض، على نحو يوم من البحر، ويقابلها على البحر مرسى الخرز. ومنها (بنزرت) بفتح النون وسكون الباء الموحدة وفتح الزاي المعجمة والراء المهملة وفي آخرها تاء مثناة من فوق، وقيل هي بتقديم الموحدة على النون، وهي مرسى تونس، وموقعها في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول ثلاثون درجة وخمسون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. وهي مدينة على نهر يجرى في شرقيّها وعليه مستنزهاتها. قال في «تقويم البلدان» : ولها بحيرة حلوة في جنوبيّها، وبحيرة مالحة في شرقيّها، تصبّ كلّ واحدة منهما في الأخرى ستة أشهر، فلا الحلوة تفسد بالمالحة ولا المالحة تعذب بالحلوة. قال الشيخ عبد الواحد: أما زيادة الحلوة فبكثرة السّيول أيام الشتاء، وتقلّ عنها السيول في أيام الصيف فتعلو عليها المالحة. ومنها (بونة) قال في «اللباب» بضم الباء الموحدة وسكون الواو ثم نون وهاء. قال في «مسالك الأبصار» : وهي المسمّاة الآن بلد العنّاب، وهي مدينة على ساحل البحر في أوّل الإقليم الرابع قال ابن سعيد حيث الطول ثمان وعشرون درجة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال في «العزيزي» : وهي مدينة جليلة عامرة خصبة الزّرع، كثيرة الفواكه، رخيّة، بظاهرها معادن الحديد، ويزرع بها الكتّان الكثير. قال: وحدث بها عن قريب مغاص مرجان، ولكن ليس كمرجان مرسى الخرز. ومن قبلي تونس للجنوب (بلاد الجريد) . ومنها (توزر) . قال في «تقويم البلدان» عن الشيخ عبد الواحد: بضم المثناة من فوق وسكون الواو وفتح الزاي المعجمة وراء مهملة في الآخر. وموقعها

في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول ستّ وثلاثون درجة وسبع دقائق، والعرض تسع وعشرون درجة وثمان دقائق. وهي قاعدة بلاد الجريد، وبها بساتين ومحمضات «1» ونخيل وزيتون؛ ولها نهر يسقي بساتينها، والمطر بها قليل، ويزرع بها الكتّان والحنّاء. قال في «تقويم البلدان» : وبذلك وبقلّة المطر تشبه مصر. وقد عابها في «الروض المعطار» بأن أهلها يبيعون ما يتحصّل في مراحيضهم من رجيع «2» الناس، يفحّلون به بقولهم وبساتينهم، ولكنهم لا يرغبون فيه إلا إذا كان جافّا، فيحملهم ذلك على عدم الاستنجاء في مراحيضهم، ويخرج أحدهم من بيته حتّى يأتي القناة فيستنجي من مائها، وربما اتّخذ أحدهم المراحيض على قارعة الطريق للواردين عليها ليأخذ ما يتحصّل من ذلك فيبيعه. ومنها (قفصة) بفتح القاف وسكون الفاء ثم صاد مهملة وهاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الثالث قال في «الأطوال» حيث الطول إحدى وثلاثون درجة، والعرض ثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي قاعدة مشهورة من بلاد الجريد بها النّخيل والفستق. قال: ولا يكون الفستق ببلاد المغرب إلا في قفصة. وبها من الفواكه والمشمومات أنواع كثيرة، ومنها يجلب دهن البنفسج وخلّ العنصل «3» ، وإليها ينسب جلد الأروى المتخذ منه النّعال الشديدة اللّيونة. ومنها (المسيلة) قال في «تقويم البلدان» عن الشيخ عبد الواحد؛ بكسر الميم والسين المهملة وسكون المثناة من تحت وفي آخرها لام ألف، والجاري على الألسنة فتح الميم وهاء في الآخر، وهي مدينة من بلاد الجريد، موقعها في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول ثلاث وعشرون درجة

وأربعون دقيقة، والعرض تسع وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال في «العزيزي» : وهي مدينة محدثة، بناها القائم الفاطميّ «1» سنة خمس عشرة وثلاثمائة. قال ابن سعيد: ولها نهر يمرّ بغربيّها ويغوص في رمال الصّحارى. ومنها (بسكرة) قال في «اللباب» بكسر الباء الموحدة وقيل بفتحها وسكون السين المهملة وكاف وراء مهملة بعدها هاء. وهي مدينة من بلاد الجريد، في أواخر الإقليم الثاني قال ابن سعيد حيث الطول أربع وعشرون درجة وخمس وعشرون دقيقة، والعرض سبع وعشرون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي قاعدة بلاد الزّاب، ولها بلاد ذات نخيل وفواكه وزروع كثيرة، ومنها يجلب الثمر الطيّب الى تونس وبجاية. ومنها (طرّا) قال في «تقويم البلدان» عن عبد الواحد: بضم الطاء وتشديد الراء المهملتين وفي آخرها ألف، ونقل عن بعضهم إبدال الألف هاء، وهي مدينة من بلاد الجريد في الإقليم الثالث قال ابن سعيد: حيث الطول سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة، والعرض تسع وعشرون درجة، قال في «تقويم البلدان» : وبها يعمل الزّجاج الصافي وتفاصيل الصوف، ومنها يجلب إلى الإسكندرية. ومنها (غذامس) بفتح الغين والذال المعجمتين وألف وميم مكسورة وسين مهملة. وهي مدينة في الصحراء جنوبيّ بلاد الجريد، على طريق السّودان المعروفين بالكانم، قال في «العزيزي» : وهي مدينة جليلة عامرة، وفي وسطها عين أزليّة عليها أثر بنيان روميّ عجيب، يفيض الماء منها ويقتسمه أهل المدينة بأقساط معلومة وعليه يزرعون. وأهلها قوم من البربر مسلمون، قال في «تقويم

العمل الثاني (بلاد بجاية)

البلدان» : وبها الجلود المفضّلة، وليس لهم رئيس سوى مشايخهم. ومنها (قلعة سنان) قال في «مسالك الأبصار» : وهو قصر لا يعرف على وجه الأرض أحصن منه، على رأس جبل منقطع عن سائر الجبال في غاية العلوّ بحيث يقصر سهم العقّار «1» عن الوصول إليه يرتقى إليه من سلّم نقر في الحجر طوله مائة وتسعون درجة، وبه مصانع يجتمع فيها ماء المطر، وبأسفله عين ماء عليها أشجار كثيرة الفواكه. العمل الثاني (بلاد بجاية) وبجاية بكسر الباء الموحدة وفتح الجيم وألف ثم ياء مثناة تحت وهاء في الآخر مدينة من مدن الغرب الأوسط، واقعة في أوائل الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول اثنتان وعشرون درجة، والعرض أربع وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : هي قاعدة الغرب الأوسط، وهي مقابل طرطوشة من الأندلس، وعرض البحر بينهما ثلاث مجار. قال في «مسالك الأبصار» : وهي مدينة قديمة مستورة، أضيف إلى جانبها ربض أدير عليه سور ضامّ لنطاق المدينة فصارا كالشيء الواحد. قال: والرّبض في وطاءة، والمدينة القديمة في سفح جبل، يدخل إليها خور من البحر الروميّ تدخل منه المراكب إليها. قال في «تقويم البلدان» : ولها نهر في شرقيها، على شاطئه البساتين والمنازه. قال في «مسالك الأبصار» : وبها عينان من الماء: إحداهما كبيرة ومنها شرب أهلها، ولها نهر جار على نحو ميلين منها، تحفّ به البساتين والمناظر على ضفّتيه ممتدّة نحو اثني عشر ميلا، متصلا بعضها ببعض لا انفصال بينها إلا ما يسلك عليه إلى البساتين، إلى أن يصبّ في بحر الروم. وبضفّتيه للسلطان بستانان متقابلان شرقا وغربا، الشرقيّ منهما يسمّى الربيع.

وغربيّ بجاية (جزائر بني مزغنّان) بفتح الميم وسكون الزاي، وكسر الغين المعجمتين ثم نونان بينهما ألف الأولى منهما مشدّدة، كما في «تقويم البلدان» عن الشيخ شعيب، وبعضهم يسقط النون الأخيرة، وفي «مسالك الأبصار» : مزغنّانة بزيادة هاء في الآخر. وهي فرضة مشهورة هناك. قال في «مسالك الأبصار» : وهي بلدة حسنة على ساحل البحر، تقابل (ميورقة) من بلاد الأندلس، بانحراف يسير، وبعدها عن بجاية ستة أيام. ومن المدن التي بأعمال البجاية (قسطينة) قال في «تقويم البلدان» : بضم القاف وسكون السين وكسر الطاء المهملتين وسكون المثناة من تحت ثم نون وهاء. قال: وعن بعض المتأخرين أن بعد السين وقبل الطاء نونا، وحينئذ فتكون بضم السين وسكون النون، وهي مدينة من الغرب الأوسط في أواخر الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول ستّ وعشرون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة واثنتان وعشرون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي على آخر مملكة بجاية وأوّل مملكة أفريقيّة. قال الإدريسيّ: وهي على قطعة جبل منقطع مربع فيه بعض استدارة، لا يتوصّل إليه إلا من جهة باب في غربيّها ليس بكثير السّعة، ويحيط بها الوادي من جميع جهاتها. قال في «تقويم البلدان» : ولها نهر يصبّ في خندقها يسمع له دويّ هائل، ويرى النهر في قعر الخندق مثل ذؤابة النجم لشدّة ارتفاع البلد عن الخندق، قال الإدريسيّ: وهي مدينة عامرة، وبها أسواق وتجارات. قال: وتقيم الحنطة في مطاميرها «1» مائة سنة لا تفسد. وشرقيّ قسطينة في آخر مملكة بجاية (مرسى الخرز) بفتح الخاء المعجمة والراء المهملة وزاي معجمة في الآخر. ومنه يستخرج المرجان من قعر البحر على ما تقدّم في الكلام على الأحجار النفيسة فيما يحتاج الكاتب إلى وصفه من المقالة الأولى.

ومنها (سطيف) بفتح السين وكسر الطاء المهملتين ثم ياء مثناة من تحت ساكنة بعدها فاء. وهي مدينة من الغرب الأوسط في الإقليم الثالث قال في «الأطوال» حيث الطول سبع وعشرون درجة، والعرض إحدى وثلاثون درجة. وهي مدينة حصينة، بينها وبين قسطينة أربع مراحل، ولها حصن في جهة الجنوب، عن بجاية على مرحلتين منها، ولها كورة تشتمل على قرى كثيرة غزيرة المياه كثيرة الشجر المثمر بضروب من الفواكه، وبها الجوز الكثير، ومنها يحمل إلى سائر البلاد. ومنها (تاهرت) - قال في «اللباب» : بفتح التاء المثناة فوق وألف وهاء وسكون الراء المهملة وفي آخرها تاء ثانية. قال في «تقويم البلدان» : ونقلت من خط ابن سعيد عوض الألف ياء مثناة تحت، قال وهو الأصح لأن ابن سعيد مغربيّ فاضل. وهي مدينة من الغرب الأوسط، وقيل من أفريقيّة في الإقليم الثالث قال في «الأطوال» حيث الطول خمس وعشرون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض تسع وعشرون درجة. قال ابن حوقل: وهي مدينة كبيرة خصبة، كثيرة الزّرع، كانت قاعدة الغرب الأوسط وبها كان مقام ملوك «بني رستم» حتى انقرضت دولتهم بدولة الفاطميين خلفاء مصر. وذكر الإدريسيّ أنها كانت في القديم مدينتين: القديمة منهما على رأس جبل ليس بالعالي، قال في «العزيزي» : وتاهرت القديمة تسمّى «تاهرت عبد الخالق» وهي مدينة جليلة كانت قديما تسمّى «بغداد المغرب» وتاهرت الجديدة على مرحلة منها، وهي أعظم من تاهرت القديمة، والمياه تخترق دور أهلها. وهي ذات أسواق عامرة، وبأرضها مزارع وضياع جمّة، ويمرّ بها نهر يأتيها من جهة المغرب، ولها نهر آخر يجرى من عيون تجتمع فيه، منه شرب أهلها، وبها البساتين الكثيرة المونقة، والفواكه الحسنة، والسّفرجل الذي ليس له نظير: طعما وشمّا، ولها قلعة عظيمة مشرفة على سوقها. وتاهرت كثيرة البرد، كثيرة الغيوم والثّلج، وسورها من الحجر، ولها ثلاثة «1»

الجملة الرابعة (في ذكر زروعها، وحبوبها، وفواكهها، وبقولها، ورياحينها)

أبواب: باب الصّفا، وهو باب الأندلس، وباب النازل، وباب المطاحن. وأما الطريق الموصل إليها، فقد ذكر صاحب «الذيل» على كامل ابن الأثير في التاريخ عن ايدغديّ التليلي وايدغدي الخوارزمي، حين توجها رسولين إلى الغرب في سنة ست وسبعمائة: أن من إسكندرية إلى طلميثا ومنها إلى سرت، ومنها إلى سراتة، ومنها إلى طهجورة، ومنها إلى طرابلس، ومنها إلى قابس، ومنها إلى صفاقس، ومنها إلى المهديّة، ومنها إلى سوسة، ومنها إلى تونس. وأما طريقها في البحر، فمن إسكندرية إلى تونس. الجملة الرابعة» (في ذكر زروعها، وحبوبها، وفواكهها، وبقولها، ورياحينها) أما زروعها، فقد ذكر في «مسالك الأبصار» : أنها تزرع على الأمطار، وأن بها من الحبوب القمح، والشعير، والحمّص، والفول، والعدس، والذّرة، والدّخن، والجلبان، والبسلّا، واسمها عندهم البسين. أما الأرزّ فمجلوب إليها. وأما فواكهها، فبها من الفواكه العنب والتين، كل منهما على أنواع مختلفة والرّمّان: الحلو والمزّ والحامض، والسّفرجل، والتّفّاح، والكمّثرى، والعنّاب، والزّعرور، والخوخ، والمشمش على أنواع، والتّوت الأبيض، والفرصاد، وهو التّوت الأسود، والقراصيا، والزّيتون، والأترجّ، واللّيمون، والليم «2» ، والنارنج، أما الجوز بها فقليل، وكذلك النّخيل، والفستق، والبندق مفقود بها وكذلك الموز. قال في «مسالك الأبصار» : وبها فاكهة تسمّى مصغ فوق قدر البندقة، لونها بين الحمرة والصّفرة، وطعمها بين الحموضة والقبض شبيه بطعم السّفرجل، يوجد في الشتاء، يقطف من شجره غضّا فيدفّى، ويثقّل كما يفعل بالموز فينضج

الجملة الخامسة (في مواشيها، ووحوشها، وطيورها)

ويؤكل حينئذ. ويوجد بها قصب السّكّر على قلّة ولا يعتصر بها. وبها البطّيخ الأصفر على أنواع، والبطيخ الأخضر مع قلّة، واسمه عندهم الدّلاع، وكذلك الخيار والقثّاء، وبها اللّوبيا، واللّفت، والباذنجان، والقنّبيط، والكرنب «1» ، والرجلة، والبقلة اليمانية واسمها عندهم بلندس، والخسّ والهندباء على أنواع، وسائر البقول والملوخيا على قلّة، والهليون، والصّعتر. وبها من الرّياحين الآس، والورد ومعظمه أبيض، والياسمين، والنّرجس، واللّينوفر الأصفر والتّرنجاني، والمنثور، والمرزنجوش «2» ، والبنفسج والسّوسن، والزعفران، والحبق، والنّمّام. الجملة الخامسة (في مواشيها، ووحوشها، وطيورها) أما مواشيها، ففيها الخيل العراب المشابهة لخيل برقة، والبغال، والحمير والإبل، والبقر، وغنم الضأن والمعز. وأما وحوشها، ففيها الغزلان، وبقر الوحش وحمره، والنّعام، وغير ذلك. وأما طيورها ففيها الدّجاج، والحمام كثيرا، والإوزّ بقلّة، وبها الكراكيّ «3» ، وهي صيد الملوك كما بمصر، وكذلك غيرها من طيور الصيد.

الجملة السادسة (فيما يتعلق بمعاملاتها: من الدنانير، والدراهم، والأرطال، والمكاييل، والأسعار)

الجملة السادسة (فيما يتعلق بمعاملاتها: من الدنانير، والدراهم، والأرطال، والمكاييل، والأسعار) أما الدنانير، فإنها تضرب باسم ملكهم، وزنة كلّ دينار من دنانيرهم «1» .. ...... ويعبّرون عنه بالدينار الكبير، وذهبهم دون الذهب المصريّ في الجودة، فهو ينقص عنه في السّعر. وأما الدراهم، فقد ذكر في «مسالك الأبصار» عن أبي عبد الله بن القويع: أن دراهمهم على نوعين: أحدهما يعرف بالقديم، والآخر بالجديد، ووزنهما واحد إلا أن الجديد منهما خالص الفضّة والقديم مغشوش بالنّحاس للمعاملة، وتفاوت ما بينهما أنّ كل عشرة دراهم عتيقة بثمانية دراهم جديدة، وإذا أطلق الدرهم عندهم فالمراد به القديم دون الجديد، ثم مصطلحهم أن كل عشرة دراهم عتيقة بدينار، وهذا الدّينار عندهم مسمّى لا حقيقة له، كالدينار الجيشي بمصر، والرائج بإيران. وأما أرطالها، فزنة كلّ رطل ستّ عشرة أوقية، كل أوقية أحد وعشرون درهما من دراهمها. وأما كيلها، فلهم كيلان: أحدهما يسمّى القفيز، وهو ستّ عشرة ويبة، كل ويبة اثنا عشر مدّا قرويّا، وهو يقارب المدّ النبويّ، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام. وهو أيضا ثمانية أمداد بالكيل الحفصي: وهو كيل قدّره ملوكها الحفصيّون: آباء ملوكها القائمين بها الآن، بقدر مدّ ونصف من المدّ المقدم ذكره. والثاني يسمّى الصّفحة وكل صحفة اثنا عشر مدّا بالحفصيّ.

الجملة السابعة (في ذكر أسعارها)

الجملة السابعة (في ذكر أسعارها) قد ذكر في «مسالك الأبصار» : أن أوسط الأسعار بها في غالب الأوقات أن يكون كلّ قفيز من القمح بخمسين درهما، والشعير دون ذلك. قال: وغالب سعر اللحم الضأن عندهم كلّ رطل أفريقيّ بدرهم قديم، وبقيّة اللحوم دونه في القيمة، وفي الرّبيع ينحطّ السّعر عن هذا القدر. وذكر أن الدّجاجة الجيّدة عندهم بدرهمين جديدين. ثم قال: وأحوالها مقاربة في ذلك للديار المصرية لقرب المجاورة، وقد ذكر في «مسالك الأبصار» : أن تونس وبجاية في المعاملة والسعر متقاربتان. الجملة الثامنة (في صفات أهل هذه المملكة في الجملة) قال في «مسالك الأبصار» : ولأهل أفريقيّة لطف أخلاق وشمائل بالنسبة إلى أهل برّ العدوة وسائر بلاد المغرب، بمجاورتهم مصر وقربهم من أهلها، ومخالطتهم إيّاهم، ومخالطة من سكن عندهم من أهل إشبيلية «1» من الأندلس. وهم من هم! خفّة روح، وحلاوة بادرة. قال: وهم على كلّ حال أهل انطباع، وكرم طباع، وناهيك من بلاد من شعر ملكها السلطان أبي العبّاس «2» قوله: (طويل) . مواطننا في دهرهنّ عجائب ... وأزماننا لم تعدهنّ الغرائب مواطن لم تحك التواريخ مثلها ... ولا حدّثت عنها اللّيالي الذواهب

الجملة التاسعة (في ذكر من ملكها جاهلية وإسلاما)

وقوله: (بسيط) . انظر إلينا [تجدنا] ما بنا دهش «1» ... وكيف يطرق أسد الغابة الدّهش؟ لا تعرف الحادث المرهوب أنفسنا! ... فإننا بارتكاب الموت ننتعش! وقوله: (طويل) . عسى الله يدني للمحبّين أوبة ... فتشفى قلوب منهم وصدور وكم من قصيّ الدار أمسى بحزنه ... فأعقبه عند الصّباح سرور وإذا كان هذا رقّة طبع السلطان، فما ظنّك بغيره من العلماء والأدباء؟ الجملة التاسعة (في ذكر من ملكها جاهليّة وإسلاما) أما ملوكها في الجاهليّة قبل الإسلام ، فإنّ بلاد المغرب كلّها كانت مع البربر «2» ، ثم غلبهم الرّوم الكيتم عليها، وافتتحوا قاعدتها (قرطاجنّة) «3» وملكوها، ثم جرى بين الرّوم والبربر فتن كثيرة كان آخرها أن وقع الصّلح بينهم على أن تكون المدن والبلاد الساحليّة للرّوم، والجبال والصّحارى للبربر، ثم زاحم الفرنج الرّوم في البلاد، وجاء الإسلام والمستولي على بلاد المغرب من ملوك الفرنجة «جرجيس» «4» ملكهم، وكان ملكه متصلا من طرابلس من جهة الشرق إلى البحر المحيط من جهة الغرب، وكرسيّ ملكه بمدينة (سبيطلة) ،

وأما ملوكها في الإسلام، فعلى أربع طبقات:

وبقيت في يده حتى انتزعها المسلمون منه في سريّة عبد الله بن أبي سرح «1» ، في خلافة عثمان بن عفّان. وأمّا ملوكها في الإسلام، فعلى أربع طبقات: الطبقة الأولى (الخلفاء) قد تقدّم أنّ أوّل من افتتحها (عبد الله بن أبي سرح) في خلافة عثمان بن عفّان رضي الله عنه، زحف إليها في عشرين ألفا من الصحابة وكبار العرب، ففرّق جموع النّصرانية الذين كانوا بها: من الفرنجة، والروم، والبربر، وهدم سبيطلة قاعدتها وخرّبها، وعاثت خيول العرب في ديارهم إلى أن صالحوا عبد الله بن أبي سرح بثلاثمائة قنطار من الذهب، وقفل عنهم سنة سبع وعشرين من الهجرة، بعد فتح مصر بسبع سنين أو ثمان. ثم أغزاها معاوية بن أبي سفيان (معاوية بن حديج السّكوني) «2» سنة أربع وثلاثين. ثم ولّى معاوية (عقبة بن نافع) «3» بن عبد قيس الفهريّ سنة خمس وأربعين، فبنى عقبة القيروان.

ثم استعمل معاوية على مصر وأفريقيّة (مسلمة بن مخلّد) «1» فعزل عقبة عن أفريقيّة وولّى عليها (مولاه أبا المهاجر دينارا) سنة خمس وخمسين. ولما استقلّ يزيد بن معاوية بالخلافة، رجع عقبة بن نافع إلى أفريقيّة سنة اثنتين وستين. [ثم ولّى عبد الملك بن مروان عليها زهير بن قيس البلويّ «2» في سنة سبع وستين إلى أن قتل في سنة تسع وستين فولّى عليها] «3» (حسّان بن «4» النعمان) الغسّاني، فسار ودخل القيروان، وافتتح قرطاجنّة عنوة وخرّبها، فخرجت عليه الكاهنة ملكة الغرب فهزمته، ثم عاد إليها وقتلها، واستولى على بلادها [ثم رجع إلى عبد الملك واستخلف على أفريقية رجلا اسمه صالح. ثم ولّى الوليد بن عبد الملك] «5» (موسى «6» بن نصير) بضم النون، فقدم القيروان وبها صالح، ثم قفل موسى إلى المشرق واستخلف على أفريقيّة ابنه عبد الله. ثم عزله سليمان بن عبد الملك في خلافته، وولّى مكانه (محمد بن يزيد) .

ثم ولّى عمر بن عبد العزيز في خلافته (إسماعيل) بن عبيد الله بن أبي المهاجر. ثم ولّى يزيد بن عبد الملك (يزيد بن أبي مسلم) مولى الحجاج وكاتبه، فقدمها سنة إحدى ومائة فقتله البربر، وردّوا محمد بن يزيد الذي كان عليهم قبله إلى ولايته، وكتبوا إلى يزيد بن عبد الملك بذلك فأقرّه عليهم. ثم ولّى يزيد بن عبد الملك (بشر بن صفوان الكلبيّ) «1» فقدمها سنة ثلاث ومائة؛ ومات سنة تسع ومائة. ثم عزله هشام بن عبد الملك، وولّى مكانه (عبيدة بن عبد الرحمن السّلميّ) فقدمها سنة عشر ومائة، ثم عزل هشام عبيدة، وولّى مكانه (عبد الله بن الحبحاب) مولى بني سلول «2» ، فقدمها سنة أربع عشرة ومائة، وبنى جامع تونس، واتخذ بها دار الصّناعة للمراكب البحريّة. ثم عزله هشام بن عبد الملك وولّى مكانه (كلثوم بن عياض) ثم قتل فبعث هشام بن عبد الملك على أفريقيّة (حنظلة بن صفوان الكلبي) «3» فقدمها سنة أربع وعشرين ومائة، فخرج عليه (عبد الرحمن بن حبيب) «4» سنة ستّ وعشرين ومائة، فقفل حنظلة إلى المشرق سنة سبع وعشرين، واستقل عبد الرحمن بملك أفريقيّة.

وولي مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، فكتب له بولايتها. ثم كانت دولة بني العبّاس فأقرّه عليها السّفّاح، ثم المنصور، ثم قتل سنة سبع وثلاثين لعشر سنين من إمارته واشترك في إمارتها (حبيب بن عبد الرحمن، وعمّه عمران بن حبيب، وأخوه إلياس بن عبد الرحمن) ثم قتله عبد الملك بن أبي الجعد ثم غلب عليها (عبد الأعلى بن السّمح «1» المعافري) . ثم ولّى أبو جعفر المنصور (محمد بن الأشعث) «2» الخزاعي فقدم القيروان سنة خمس وأربعين ومائة، وبنى سورها. ثم ثارت عليه المضريّة وأخرجوه منها سنة ثمان وأربعين، وولّوا عليهم (عيسى بن موسى) الخراساني. ثم ولّى أبو جعفر المنصور عليها (الأغلب بن سالم) بن عقال بن خفاجة بن سوادة التميمي «3» بعده، فقدم القيروان وسكّن الناس، ثم قتل سنة خمسين ومائة، وقام بأمر أفريقيّة المخارق بن غفار. ولما بلغ المنصور قتل الأغلب، بعث مكانه عمر بن حفص بن قبيصة، ابن أبي صفرة التميمي «4» أخي المهلّب، فقدمها سنة إحدى وخمسين. ثم

انتقضت عليه البربر فضعف أمره، فولّى (يزيد بن حاتم) «1» بن قبيصة بن المهلب، بن أبي صفرة التميميّ، ودخل القيروان منتصف سنة خمس وخمسين، وهلك سنة سبعين ومائة في خلافة هارون الرشيد، وقام بأمره بعده ابنه (داود) . ثم ولّى الرشيد أخاه (روح بن حاتم) فقدمها منتصف سنة إحدى وسبعين ومائة، ومات في رمضان سنة أربع وسبعين، فقام حبيب بن نصر مكانه، وسار ابنه (الفضل) إلى الرشيد فولّاه مكان أبيه، فعاد إلى القيروان في المحرّم سنة سبع وسبعين ومائة، ثم قتله ابن الجارود في منتصف سنة ثمان وسبعين ومائة فولّى الرشيد مكانه (هرثمة «2» بن أعين) فسار إلى القيروان، وقدمها سنة تسع وسبعين ومائة، ثم استعفى فأعفاه الرشيد لسنتين ونصف من ولايته. وولّى مكانه (محمد بن مقاتل الكعبي) «3» فقدم القيروان في رمضان سنة إحدى وثمانين، وكان سيّء السيرة. ثم ولّى الرشيد (إبراهيم بن الأغلب) «4» فقدم أفريقيّة منتصف سنة أربع وثمانين ومائة، وابتنى مدينة العبّاسيّة بالقرب من القيروان وانتقل إليها. وفي ولايته ظهرت دعوة الأدراسة من العلويّة بالمغرب الأقصى. ثم مات إبراهيم في شوّال سنة ستّ وتسعين ومائة بعد أن عهد لابنه أبي العبّاس (عبد الله بن إبراهيم) بن

الأغلب بالولاية، فقدم القيروان في صفر سنة سبع وتسعين ومائة. ثم مات في ذي الحجة سنة إحدى ومائتين. وولي مكانه أخوه (زيادة الله بن إبراهيم) وجاءه التقليد من قبل «المأمون» ، وفي ولايته كان ابتداء فتح صقلّية على يد أسد «1» بن الفرات، وتوفّي في رجب سنة ثلاث وعشرين ومائتين لاحدى وعشرين سنة ونصف من ولايته. وولي مكانه أخوه (أبو عقال الأغلب) بن إبراهيم بن الأغلب، وتوفي في ربيع سنة ست وعشرين ومائتين. وولي بعده ابنه (أبو العبّاس محمد بن الأغلب بن إبراهيم) فدانت له أفريقيّة وبنى مدينة بقرب تاهرت وسمّاها العباسيّة، سنة سبع وثلاثين ومائتين، وبنى قصر سوسة وجامعها سنة ست وثلاثين ومائتين، وتوفي سنة ثنتين وأربعين. وولي مكانه ابنه أبو إبراهيم (أحمد بن أبي العباس محمد بن الأغلب) فأحسن السيرة، وكان مولعا بالعمارة، فبنى بأفريقيّة نحوا من عشرة آلاف حصن، وتوفّي آخر سنة تسع وأربعين لثمان سنين من ولايته. وولي مكانه ابنه (زيادة الله الأصغر) بن أبي إبراهيم أحمد، وتوفي آخر سنة خمسين ومائتين. وولي مكانه أخوه (محمد أبو الغرانيق) بن أبي إبراهيم أحمد، ففتح جزيرة مالطة سنة خمس وخمسين ومائتين، وبنى حصونا ومحارس على مسيرة خمسة عشر يوما من برقة في جهة المغرب وهي الآن معروفة به. وفي أيامه كان أكثر فتوح صقلّية. فلما مات حمل أهل القيروان أخاه إبراهيم بن أحمد أخي أبي الغرانيق على الولاية عليهم لحسن سيرته فامتنع، ثم أجاب وانتقل إلى قصر الإمارة

الطبقة الثانية (العبيديون)

وقام بالأمر أحسن قيام. وكان عادلا حازما فقطع أهل البغي والفساد وجلس لسماع الظّلامات، وبنى الحصون والمحارس بسواحل البحر، حتى كانت النار توقد في ساحل سبتة للإنذار بالعدوة فيتصل إيقادها بالإسكندرية في الليلة الواحدة، وبنى سور سوسة وانتقل إلى تونس فسكنها. وفي أيامه ظهرت دعوة العبيديّين بالغرب، ثم مات سنة تسع وثمانين ومائتين. وولي ابنه أبو العبّاس (عبد الله بن إبراهيم) أخي محمد أبي الغرانيق، وكان عادلا، حسن السيرة، بصيرا بالحروب، فنزل تونس مكان أبيه «1» ودخلوا في أمره جملة وجرى بينه وبينه حروب، ثم قتل في شعبان سنة تسعين ومائتين. وولي ابنه أبو مضر (زيادة الله) فأقبل على اللّذّات واللهو، وأهمل أمور الملك، وقتل أخاه وعمومته وأخواته، وقوي حال الدعاة لعبيد الله المهدي جدّ الخلفاء الفاطميين بمصر فحمل زيادة الله أمواله وأثقاله ولحق بمصر، فمنعه عاملها من الدّخول إليها إلا بأمر المقتدر الخليفة، فسار إلى العراق فاستأذن عليه، فأتاه كتاب المقتدر بالرجوع إلى القيروان وإظهار الدّعوة، فوصل إلى مصر فأصابه بها علّة سقط منها شعره، ورجع إلى القدس فمات بها، وانقرضت دولة بني الأغلب بالمغرب. الطبقة الثانية (العبيديّون) وكان مبدأ أمرهم أن محمدا الحبيب بن جعفر المصدّق، بن محمد المكتوم، بن إسماعيل الإمام، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن عليّ زين

العابدين، بن الحسين السّبط، بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، كان مقيما بسلمية من أعمال حمص، وكان أهل شيعتهم بالعراق واليمن وغيرهما يتعاهدونه بالزيارة إذا زاروا قبر الحسين عليه السّلام، فلما أدركته الوفاة عهد إلى ابنه عبيد الله وقال له: أنت المهديّ وتهاجر بعدي هجرة بعيدة وتلقى محنة شديدة، وشاع خبر ذلك في الناس، واتصل بالمكتفي خليفة بني العبّاس ببغداد فطلبه ففرّ من الشام إلى العراق، ثم لحق بمصر ومعه ابنه أبو القاسم غلاما حدثا وخاصّته، وكان أبو عبد الله الشّيعي قد بعث إليه بخبره بما فتح الله عليهم من البلاد الغربيّة فعزم على اللّحوق به، وخرج من مصر إلى أفريقيّة في زيّ التّجّار، وسار حتّى وصل إلى سجلماسة من بلاد المغرب، فورد على عاملها كتاب بالقبض عليه، فقبض عليه وحبسه هو وابنه أبا القاسم. ولما استفحل أمر أبي عبد الله الشّيعي، استخلف على أفريقيّة أخاه أبا العبّاس وارتحل إلى سجلماسة، فأخرج المهديّ وابنه من الحبس وبايع للمهديّ، ثم ارتحلوا إلى أفريقيّة ونزلوا رقادة في ربيع سنة سبع وتسعين ومائتين، وبويع للمهديّ البيعة العامّة واستقام أمره وبعث العمّال على النواحي. وولّى عهده ابنه (أبا القاسم محمدا) ويقال نزار، وبنى مدينة المهديّة، وجعلها دار ملكه. ولما فرغ منها صعد على سورها ورمى بسهم في جهة المغرب، وقال: إلى هنا ينتهي صاحب الحمار [فكان الأمر كذلك. وذلك أنه خرج بالمغرب خارجيّ اسمه أبو يزيد يعرف بصاحب الحمار وتبعه الناس فقصد مدينة المهدية يريد فتحها فانتهى إلى حيث انتهى سهم المهدي ثم رجع من حيث أتى فعظم أمر المهدي] «1» واستولى على فاس، ودخل ملوكها من الأدارسة تحت طاعته في سنة ثمان وثلاثمائة، ومهّد المغرب، ودوّخ أقطاره، وتوفّي في ربيع الأوّل سنة ثنتين وعشرين لأربع وعشرين سنة من خلافته. وولي بعده ابنه (القائم بأمر الله أبو القاسم) المتقدّم ذكره، وفي أيامه خرج

الطبقة الثالثة (ملوكها من بني زيري)

أبو يزيد صاحب الحمار. وتوفّي سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، وكان قد عهد إلى ابنه المنصور بالله إسماعيل، فقام بالأمر بعده، وكتم موت أبيه فلم يتسمّ بالخليفة ولا غيّر السّكة والخطبة والبنود، وتوفّي سلخ رمضان سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة لسبع سنين من خلافته. وولي الأمر بعده ابنه (المعزّ لدين الله معدّ) فاستقام له الأمر، وانتهت مملكته بالغرب إلى البحر المحيط، وافتتح مصر على يد قائده «جوهر» في منتصف شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، واختطّ له القاهرة، ثم قدم المعزّ إلى مصر، ودخل القاهرة لخمس من رمضان سنة ثنتين وستين وثلاثمائة على ما سبق في الكلام على مملكة الديار المصرية. الطبقة الثالثة (ملوكها من بني زيري) كان المعزّ معدّ الفاطميّ حين قدم مصر على ما تقدّم استخلف على أفريقيّة والمغرب (بلكين بن زيري) بن ميّاد البربري، ويقال: الحميريّ وأنزله القيروان، وسمّاه يوسف، وكنّاه أبا الفتوح، ولقّبه سيف الدّولة وبقي حتّى توفّي سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة ومات المعزّ بالقاهرة، وانتقلت الخلافة بعده إلى ابنه العزيز نزار، فولّى على أفريقيّة والمغرب بعد بلكين ابنه (المنصور بن بلكين) بولاية عهد من أبيه وبقي حتى توفّي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة. وقام بأمره بعده (ابنه باديس) بن المنصور فبقي حتى توفّي سنة ست وأربعمائة بمعسكره فجأة وهو نائم بين أصحابه. وبويع ابنه (المعزّ بن باديس) وهو ابن ثماني سنين، واستمرّ ملكه بأفريقيّة وعظم ملكه بها؛ وكان المعزّ منحرفا عن الرّفض والتشيّع، منتحلا للسّنّة، وأعلن بذلك في أوّل ولايته؛ ثم كان آخر أمره أن خلع طاعة العبيديّين، وقطع الخطبة لهم بأفريقيّة سنة أربعين وأربعمائة على عهد المستنصر العبيديّ خليفة مصر، وخطب للقائم بن القادر الخليفة العبّاسيّ ببغداد، فاضطرب لذلك ملكه، وثارت عليه

الثّوّار، وملكوا منه النّواحي؛ ومات المعزّ سنة أربع وخمسين وأربعمائة. وقام بأمره من بعد ابنه (تميم بن المعزّ بن باديس) وغلبه العرب على أفريقيّة، فلم يكن له إلا ما ضمّه السّور، واستمرّت الثّوّار في أيامه وبقي حتى هلك سنة احدى وخمسمائة. وملك بعده ابنه (يحيى بن تميم) فراجع طاعة العبيديّين خلفاء مصر، ووصلته منهم المخاطبات والهدايا والتّحف، وأكثر في غزو النصارى من الفرنجة وغيرهم، حتى لقّبوه بالجرية من وراء البحر، ومات فجأة في قصره سنة تسع وخمسمائة. وملك بعده ابنه (عليّ بن يحيى) وقام بالأمر على طاعة خلفاء العبيديين بمصر، ومات سنة خمس عشرة وخمسمائة. وملك بعده ابنه (الحسن بن عليّ) وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وقام بأمره مولاه صندل، ثم مولاه موفّق وغلبه النصارى على المهديّة وبلاد الساحل كلّها إلى أن استنفذها منهم عبد المؤمن «1» شيخ الموحّدين، ولحق الحسن بالجزائر ونزل بها إلى أن فتح الموحّدون الجزائر سنة سبع وأربعين وخمسمائة بعد ملكهم المغرب والأندلس، فخرج إلى عبد المؤمن فأحسن إليه وبقي معه حتى افتتح المهديّة فأنزله بها، فأقام بها ثماني سنين. ثم سار إلى مرّاكش فمات في طريقه، وانقرضت دولة بني باديس من أفريقية في أيامهم عند وقوع الفتن.

الطبقة الرابعة (الموحدون أصحاب المهدي بن تومرت، وهم القائمون بها إلى الآن)

الطبقة الرابعة (الموحّدون أصحاب المهديّ بن تومرت، وهم القائمون بها إلى الآن) وكان أوّل من افتتحها منهم (عبد المؤمن «1» بن عليّ) أحد أصحاب ابن تومرت والخليفة بعده. وذلك أنه لما وقع بها ما تقدّم من الاضطراب وقيام الثّوّار واستيلائهم على النّواحي، وكان الموحّدون قد استولوا على الأندلس والغرب الأقصى والغرب الأوسط إلى بجاية، بعث عبد المؤمن المذكور العساكر إلى أفريقيّة مع ابنه عبد الله في سنة سبع وأربعين وخمسمائة، فافتتح أفريقيّة، واستكمل فتحها سنة ستّ وخمسين. وولّى عليها ابنه السيد أبا موسى (عمران بن عبد المؤمن) وأسره عليّ بن يحيى المعروف بابن غانية عند فتحه بجاية، واعتقله بها في صفر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. ولما ولي (المنصور يعقوب بن عبد المؤمن) بعد أبيه عبد المؤمن، ولّى على أفريقيّة في أوّل ولايته أبا سعيد ابن الشيخ أبي حفص عمر، ثم غلب ابن غانية على أكثر بلاد أفريقيّة واستولى على تونس، وخطب للخليفة العبّاسي ببغداد، ثم جهز الناصر بن المنصور بن عبد المؤمن الشيخ أبا محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص من مرّاكش إلى أفريقيّة سنة ثنتين وستمائة فانتزعها من ابن غانية، ثم وصل الناصر بن المنصور إلى أفريقيّة بعد ذلك ودخل تونس، وأقام بها إلى منتصف سنة ثلاث وستمائة، وعزم على الرحيل إلى مرّاكش فروّى نظره فيمن يوليه أمرها فوقع اختياره على الشيخ أبي محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص، ورحل الناصر إلى المغرب وقعد مقعد الإمارة بقصبة تونس يوم السبت العاشر من شوّال سنة ثلاث وستمائة وبقي حتى توفّى مفتتح سنة ثمان عشرة وستمائة. وولي بعده ابنه الأمير (أبو زيد عبد الرحمن) وقعد بمجلس أبيه في الإمارة،

وورد كتاب المستنصر بن الناصر خليفة بني عبد المؤمن بعزله لثلاثة أشهر من ولايته. وولّى المستنصر مكانه السيد أبا العلى (إدريس بن يوسف) بن عبد المؤمن، ودخل إلى تونس في ذي القعدة من السنة المذكورة، فنزل بالقصبة ورتّب الأمور؛ ومات بتونس سنة عشرين وستّمائة. ثم مات المستنصر وصار الأمر (لعبد الواحد المخلوع) ابن يوسف بن عبد المؤمن فبعث بولاية أفريقيّة إلى (أبي زيد) بن أبي العلى. ثم صار الأمر إلى العادل فولّى (أبا محمد عبد الله) بن أبي محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص، ودخل تونس سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وأقام في إمارته إلى أن ثار عليه أخوه الأمير (أبو زكريّا يحيى) بن أبي محمد عبد الواحد وولي مكانه ودخل تونس في رجب سنة خمس وعشرين وستمائة، وافتتح قسنطينة وبجاية سنة ست وعشرين وانتزعهما من بني عبد المؤمن. ثم ملك تلمسان من يدهم بعد ذلك وبايعه أهل الأندلس، ومات ببونة لسبع بقين من جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وستمائة لثنتين وعشرين سنة من ولايته. وبويع بعده ابنه ووليّ عهده المستنصر بالله (أبو عبد الله محمد) ودخل تونس في رجب من السنة المذكورة، فجدّد بيعته بها وهو أوّل من تلقب من الحفصيّين بألقاب الخلافة كما سيأتي. وأنتهى أمره إلى أن بويع له بمكّة المعظّمة، وبعث بالبيعة إليه، واستولى على ما كان بيد أبيه من الغرب الأوسط ببجاية وقسنطينة، وفتح الجزائر، وبقي حتى مات يوم الأضحى سنة خمس وسبعين وستمائة.

وبويع بعده ابنه (الواثق يحيى) بن المستنصر ليلة موت أبيه، فأحسن السّيرة، وبسط في الرعية العدل والعطاء؛ وبعث إليه أهل بجاية بالبيعة، وخرج عليه عمّه (أبو إسحاق) أخو المستنصر ودخل بجاية، وبايعه أهلها في ذي القعدة سنة سبع وسبعين وسبعمائة واستولى على قسنطينة، وقوي أمره ببجاية وما معها، وبلغ ذلك الواثق بن المستنصر، فتيقّن ذهاب الملك منه فانخلع عن الأمر لعمه أبي إسحاق إبراهيم بن يحيى، ومن هنالك عرف بالمخلوع وأشهد على نفسه بذلك في أوّل ربيع الأوّل سنة ثمان وسبعين وستمائة، وبلغ ذلك السلطان أبا إسحاق فسار إلى تونس، ودخلها في نصف ربيع الآخر من السنة المذكورة، واستولى على المملكة جميعها واعتقل الواثق وبنيه، ثم دسّ عليهم من ذبحهم في الليل في صفر سنة تسع وسبعين وستمائة، وبقي حتّى خرج عليه (أحمد بن روق) بن أبي عمارة من بيوتات بجاية الطارئين عليها من المسيلة سنة إحدى وثمانين وستمائة، وكان شبيها بالفضل بن يحيى المخلوع فعرف بالدّعيّ، واستولى على تونس بعد خروج السلطان أبي إسحاق منها، ولحق أبو إسحاق ببجاية فمنعه ابنه الأمير أبو فارس (عبد العزيز) من الدّخول إليها فانخلع له عنها وأشهد عليه بذلك، ودعا الناس إلى بيعته في آخر ذي القعدة من السنة المذكورة فبايعوه وتلقّب بالمعتمد، ثم كان بين الدعيّ والأمير أبي فارس واقعة قتل فيها الأمير أبو فارس في سنة ثنتين وثمانين وستمائة. وخرج السلطان أبو إسحاق فلحق بتلمسان ومعه ابنه الأمير أبو زكريا، ودخل أهل بجاية في طاعة الدّعيّ. ثم خرج على الدّعيّ الأمير (أبو حفص عمر بن يحيى) بن عبد الواحد بن أبي حفص، فكانت بينهما حرب انهزم الدّعيّ في آخرها. واستولى أبو حفص على تونس وسائر المملكة، وتلقّب بالمستنصر واختفى الدّعيّ، ثم ظفر به أبو حفص بعد ذلك وقتله، وبايعه أهل تلمسان وطرابلس وما بينهما. وخرج الأمير (أبو زكريا يحيى) ابن السلطان أبي إسحاق على بجاية وقسنطينة فملكهما واقتطعهما عن مملكة أفريقيّة، وقسم دولة الموحدين بدولتين،

ولم يزل السلطان أبو حفص في ملكه إلى أن مرض في ذي الحجة سنة أربع وستين وستمائة ومات آخر ذي الحجة من السنة المذكورة. وكان الواثق بن المستنصر لما قتل هو وأبوه ترك جارية حاملا، فسماه الشيخ محمد المرجانيّ «محمدا» وأطعم الفقراء يومئذ عصيدة من عصيدة البرّ فلقّب بأبي عصيدة «1» ، فلما مات السلطان أبو حفص بايع الناس (أبا عصيدة) المتقدّم ذكره. ومات الأمير أبو زكريا صاحب بجاية وما معها على رأس المائة السابعة. وقام بعده في تلك الناحية وليّ عهده ابنه (أبو البقاء خالد) فاستمرّ في تلك الناحية، وبقي السلطان أبو عصيدة في مملكة أفريقيّة حتى مات في ربيع الآخر سنة تسع وسبعمائة ولم يخلف ابنا. وكان بالقصر (أبو بكر بن عبد الرحمن) بن أبي بكر، بن يحيى، بن عبد الواحد، بن أبي حفص في كفالة السلطان أبي عصيدة فلما مات أبو عصيدة بايعه أهل تونس، ثم ارتحل السلطان أبو البقاء خالد: صاحب بجاية إلى جهة تونس طالبا ملكها بعد أبي عصيدة، فخرج (أبو بكر الشهيد) في أهل تونس للقائة فانهزموا عنه، وقبض على أبي بكر الشهيد واعتقل ثم قتل بعد ذلك فسمّي الشهيد، واستقلّ السلطان أبو البقاء خالد بملك تونس وبجاية وحاز جميع المملكة، وتلقّب الناصر لدين الله وبقي حتى بويع (أبو يحيى زكريّا بن أحمد) بن محمد اللحياني، ابن عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص: فبويع بطرابلس، وخرج على أبي البقاء خالد فخافه فخلع نفسه فاعتقل وجاء السلطان أبو يحيى على أثره في رجب سنة إحدى عشرة وسبعمائة فبويع البيعة العامّة ودخل تونس واستولى عليها؛ ثم اضطرب عليه أمره، فخرج من تونس إلى قابس أوّل سنة سبع عشرة وسبعمائة بعد

أن استخلف بتونس، وانتهى إلى قابس فأقام بها وصرّف [العمّال] في جهاتها؛ وقصد السلطان أبو بكر صاحب بجاية تونس، وكان بينه وبين أهلها وقعة انتهى الحال في آخرها إلى أنّ السلطان أبا بكر رجع إلى بجاية. وبايع أهل تونس محمدا المعروف (بأبي ضربة) ابن السلطان أبي يحيى في سنة سبع عشرة المذكورة. ثم قصد السلطان أبو بكر «1» صاحب بجاية تونس، وبها أبو ضربة فغلبه عليها، ودخلها في ربيع الآخر سنة ثمان عشرة وسبعمائة، وبويع بها البيعة العامّة. ولحق السلطان أبو يحيى اللحيانيّ بمصر في أيام الملك الناصر «محمد بن قلاوون» فأحسن نزله وأقام عنده إلى أن مات، ولحق ابنه أبو ضربة بتلمسان فأقام بها إلى أن مات، واستقلّ السلطان أبو بكر بأفريقيّة وبجاية إلى أن غلبه على تونس (إبراهيم بن أبي بكر) الشهيد المتقدّم ذكره أوّلا، ودخلها في رجب سنة خمس وعشرين وسبعمائة. ثم غلبه عليها السلطان أبو بكر وانتزعها من يده في شوّال من السنة المذكورة واستقرّ في يده ملك أفريقيّة وبجاية إلى أن مات فجأة في جوف الليل في ليلة الأربعاء ثاني رجب الفرد سنة سبع وأربعين وسبعمائة بمدينة تونس. وبويع ابنه (أبو حفص عمر) بن أبي بكر من ليلته، وجلس من الغد وبويع البيعة العامّة. وكان أبوه قد عهد إلى ابنه الآخر أبي العبّاس أحمد، وكان ببلاد الجريد فاستجاش على أخيه وقدم عليه تونس، وكانت بينهما واقعة قتل فيها أبو العباس واستقرّ السلطان أبو حفص على ولايته. وكان السلطان أبو بكر حين عهد لابنه أبي العباس أرسل العهد إلى السلطان أبي الحسن المرينيّ: صاحب تلمسان وسأله في الكتابة عليه، فلما قتل أبو العباس المذكور ثقل ذلك على السلطان أبي الحسن وخرج إلى أفريقيّة في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، ووصل إلى بجاية ثم

إلى قسنطينة فملكهما، ثم سار إلى تونس فلقيه السلطان أبو حفص عمر، وكانت بينهما واقعة قبض فيها على أبي حفص ثم قتل. ودخل السلطان أبو الحسن إلى تونس واستولى على جميع المملكة مضافة إلى مملكته، وكمل له بذلك ملك جميع المغرب. ثم غلب (أبو العباس الفضل) ابن السلطان أبي بكر على بجاية وقسنطينة وملكهما، وسار السلطان أبو الحسن إلى المغرب واستخلف على تونس ابنه أبا الفضل فسار الفضل ابن السلطان أبي بكر من بجاية إلى تونس فخرج منها أبو الفضل بن أبي الحسن فارّا إلى أبيه بالمغرب، ودخلها الفضل ابن السلطان أبي بكر وملكها سنة تسع وأربعين وسبعمائة واستولى على جميع المملكة، وبقي إلى أن قبض عليه في جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة. وبويع بعده أخوه (أبو إسحاق إبراهيم) ابن السلطان أبي بكر، وهي يومئذ غلام قد ناهز الحلم، وقتل الفضل في جوف الليل من الليلة القابلة خنقا، واستولى على أفريقيّة وبجاية وقسنطينة، وبقي حتى غلبه بنو مرين على بجاية وقسنطينة، وملكهما منه أبو عنان سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة. ثم استولى السلطان (أبو العبّاس أحمد) بن محمد بن أبي بكر على قسنطينة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة وبويع بها. ثم غلبه عليها أبو عنان وقفل إلى المغرب سنة سبع وخمسين وقد استخلف بها، فتجهز إليها (أبو إسحاق إبراهيم) صاحب تونس وملكها من يد عامل أبي عنان سنة إحدى وستين، ثم قوي أمر السلطان أبي العبّاس وعاد إلى قسنطينة وملكها في السنة المذكورة. ثم استولى (أبو عبد الله محمد) بن محمد ابن السلطان أبي بكر في رمضان سنة خمس وستين وسبعمائة فأساء السيرة بها، فسار إليه السلطان «أبو العبّاس» من تونس فقتله ودخل بجاية تاسع عشر شعبان سنة سبع وستين وسبعمائة وملكها، وبقيت بيده وتونس بيد السلطان أبي إسحاق إبراهيم ابن السلطان أبي بكر إلى أن

توفّي السلطان أبو إسحاق فجأة في الليل في سنة سبع وسبعين وسبعمائة. وبويع بعده ابنه (أبو البقاء خالد) واستبدّ عليه منصور مولى أبيه، وابن الباليقي حاجب أبيه فلم يكن له في الدولة تحكّم. ثم رحل السلطان أبو العبّاس من بجاية إلى تونس وقبض على السلطان أبي البقاء خالد بن إبراهيم بعد حصاره أيّاما واعتقله وملك تونس وانتظم في ملكه أفريقيّة وبجاية وقسنطينة وأعمالها، وبقي حتى مات في شعبان سنة ستّ وثمانين وسبعمائة. وكان أبو العبّاس هذا له شعر رائق، طلب مرة كاتب إنشائه يحيى بن أجاد، وكان يحيى ثملا، فخافه على نفسه إن هو طلع إليه على تلك الحالة فكتب إليه (مجزوء الخفيف) . أصبح العبد يحيى ... كصباح ابن أكثم شغلته الحميّا «1» ... وهو بالأمر مهتم فخشي من رقيب ... فرأى الدار أكتم فلمّا قرأها وقّع بخطه تحت خطّه: (مجزوء الخفيف) قرّ عينا بعيش ... صفوه بك قد تمّ أنت أزكى عبيدي ... هاهنا كنت أو ثمّ فكان ذلك سبب توبة يحيى. وبويع بعده أبنه أبو فارس (عزّوز) في رابع شعبان من السنة المذكورة واستولى على تونس وبجاية وقسنطينة وسائر أعمالها. وهو السلطان أبو فارس

الجملة العاشرة (في منتمى ملوك هذه المملكة القائمين بها الآن، من الموحدين في النسب، ودعواهم الخلافة، وبيان أصل دولتهم، وتسميتهم الموحدين)

عزّوز ابن السلطان أبي العباس أحمد، ابن السلطان أبي بكر بن يحيى، بن إبراهيم، بن عبد الواحد، ابن الشيخ أبي حفص. قلت: وهو باق إلى زماننا في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وقد شاع ذكر شجاعته وعدله حتّى إنه دوّخ البلاد ومهّدها وقتل العرب وأبادهم، ودخل من بقي منهم في طاعته بعد أن لم يدينوا لطاعة غيره، وقطع المكوس من بلاده، وأزال الحانات من تونس، مع تواضع وقرب من الفقراء، وأخذ بيد المظلومين، ووجوه برّ رتّبها وقرّرها ولم تعهد لأحد ممن قبله، إلى غير ذلك من صفات الملوك المحمودة التي امتاز بها عن الملوك، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. الجملة العاشرة (في منتمى ملوك هذه المملكة القائمين بها الآن، من الموحّدين في النّسب، ودعواهم الخلافة، وبيان أصل دولتهم، وتسميتهم الموحّدين) أما منتماهم في النسب، فقد ذكر في «التعريف» : أن الملك القائم بها في زمانه يدّعي النسب إلى أمير المؤمنين: عمر بن الخطّاب رضي الله عنه؛ ومن أهل النّسب من ينكر ذلك: فمنهم من يجعله من بني عديّ بن كعب رهط عمر، وليس من بني عمر، ومنهم من يقول بل من هنتاتة وليسوا من قبائل العرب [في شيء] . وهم الحفصيّون نسبة إلى أبي حفص: أحد العشرة «1» أصحاب ابن تومرت «2» وهم بقايا الموحّدين إذ كان من تقرير ابن تومرت أن الموحدين هم أصحابه، ولم يبق ملك الموحّدين إلا في بني أبي حفص هذا. واعلم أن النسّابين قد اختلفوا في نسبه على ثلاثة أقوال.

أحدها- نسبته إلى أمير المؤمنين: عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وهؤلاء يقولون: هو أبو حفص عمر بن يحيى، بن محمد، بن وانّودين، بن عليّ، بن أحمد، بن والّال، بن إدريس، بن خالد، بن اليسع، بن إلياس، بن عمر، بن وافتق، بن محمد، بن نجيه، بن كعب، بن محمد، بن سالم، بن عبد الله، بن عمر بن الخطّاب، قال قاضي القضاة «وليّ الدين بن خلدون» ويظهر أن هذا النسب القرشيّ وقع في المصامدة من البربر، والتحم بهم واشتملت عليه عصبيّتهم، شأن الأنساب التي تقع من قوم إلى قوم. الثاني- نسبته إلى بني عديّ بن كعب: رهط عمر بن الخطّاب رضي الله عنه الذي ينتسب فيه، وهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزّى ابن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب جدّ النبي صلّى الله عليه وسلّم وباقي نسبه إلى عدنان معروف. الثالث- نسبته إلى هنتاتة، وهنتاته- بفتح الهاء وإسكان النون وفتح التاء المثنّاة فوق وبعدها ألف ثم تاء مثناة فوق مفتوحة ثم هاء قبيلة من قبائل المصامدة من البربر، بجبال درن المتاخمة لمرّاكش، وهي قبيلة واسعة كبيرة، ويقال لها بالبربرية «ينتي» وكان أبو حفص هذا هو شيخهم وكبيرهم، وهو الذي دعاهم إلى اتباع ابن تومرت والحمل على طاعته. وأما دعواهم الخلافة، فقد قال في «التعريف» عند ذكر سلطان زمانه منهم: لا يدّعي إلا الخلافة ويتلقّب بألقاب الخلفاء، ويخاطب بأمير المؤمنين في بلاده. واعلم أن أوّل من تلقّب منهم المستنصر «1» بالله أبو عبد الله محمد ابن السلطان أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص، على أن أباه كان يمتنع من التلقّب بألقاب الخلافة، ويمنع من يخاطبه بها مقتصرا على التلقّب

بالأمير خاصّة حتّى إن بعض شعرائه رفع إليه قصيدة مدحه بها أوّلها: (وافر) . ألا جل بالأمير المؤمنينا ... فأنت بها أحقّ العالمينا. فأنكر ذلك عليه. وإنما حمل المستنصر على ذلك أن الخلافة في زمنه قد تعطّلت في سائر الأقطار. وذلك أن الخلافة الأمويّة ودعاوى بني عبد المؤمن قد زالت عنها في المغرب بغلبة بني مرين عليهم وانتزاعهم الأمر منهم، وخلافة العبيديّين قد زالت من مصر، وخلافة بني العبّاس قد زالت من بغداد باستيلاء التّتر عليها. وأما مبدأ دولتهم ومصير آخرها إلى بني أبي حفص بأفريقيّة، فإن أصل قيامها ابن تومرت: وهو محمد بن عبد الله تومرت، بن وجلّيد، بن يامصال، بن حمزة، ابن عيسى فيما ذكره محققو المؤرخين. وبعضهم يقول: محمد بن تومرت، بن نيطاوس، بن سافلا، بن مسيعون، بن ايكلديس، بن خالد، أصله من هرغة من بطون المصامدة من البربر. وبعض المؤرّخين يجعل نسبه في أهل البيت ويقول: هو محمد بن عبد الله، بن عبد الرحمن، بن هود، بن خالد، بن تمام، بن عدنان، بن سفيان، بن صفوان، بن جابر، بن عطاء، بن رباح، بن محمد، من ولد سليمان بن عبد الله، بن حسن، بن الحسن، بن عليّ، بن أبي طالب. وسليمان هذا أخو إدريس الأكبر الذي كان لبنيه الدولة بالغرب على ما مرّ «1» في الكلام على مكاتبة صاحب برّ العدوة. ويقال إن سليمان هذا لحق بالمغرب إثر أخيه إدريس. وقيل: بل هو من قرابة إدريس اللاحقين به إلى المغرب ويكون على هذا المقتضى نسبه قد التحم بنسب المصامدة، واتصل بهم وصار في عدادهم كما تقدّم في نسب أبي حفص. وكان أهل بيته أهل دين وعبادة، وشبّ محمد هذا فيهم قارئا محبّا للعلم، وارتحل في طلب العلم إلى المشرق على رأس المائة الخامسة، ومرّ بالأندلس،

ودخل قرطبة وهي إذ ذاك دار علم، ثم لحق بالإسكندريّة وحجّ، ودخل العراق، ولقي أكابر العلماء به يومئذ وفحول النّظّار، ولقي أئمة الأشعريّة من أهل السّنّة وأخذ بقولهم في تأويل المتشابه. ويقال إنه لقي أبا حامد الغزاليّ «1» رحمه الله واستشاره فيما يريده من قيام الدولة بالمغرب. ورجع إلى المغرب وقد حصل على جانب كبير من العلم، وطعن على أهله في الوقوف مع الظاهر وحملهم على القول بالتأويل والأخذ بمذهب الأشعريّة في جميع العقائد، وألّف العقائد على رأيهم مثل المرشدة وغيرها. وكان مع ذلك يقول بعصمة الإمام على مذهب الإمامية من الشّيعة. وانتهى إلى بجاية فأقام بها يدرّس العلم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهناك لقيه عبد المؤمن أحد أصحابه وارتحل معه إلى المغرب وصار إلى بلاد هرغة من البربر، فاجتمع إليه الطلبة ونشر العلم، وأظهر مذهب الأشعرية. وكان الكهّان والمنجّمون يتحدّثون بظهور ملك بالمغرب من البربر، وشاع في الناس أنه ذلك الملك، واختار من أصحابه عشرة فجعلهم خاصّته: وهم عبد المؤمن بن عليّ، وأبو حفص عمر بن علي، ومحمد بن سليمان، وعمر بن تافركين، وعبد الله بن ملويات وغيرهم. ودعا المصامدة إلى بيعته على التوحيد وقتال المجسّمين، فبايعوه على ذلك سنة خمس عشرة وخمسمائة. ولما تكاملت له البيعة لقّبوه بالمهديّ، وكان قبل ذلك يلقب بالإمام، وكان عبد المؤمن أخصّ أصحابه به، وكان يلقّبه بالخليفة، وأبو حفص بعده في الخصوصيّة، وكان يلقّبه بالشيخ، وكان يسمّي أتباعه الموحّدين تعريضا بمن يجنح عن التأويل ويقف مع الظاهر فيوقعه في التجسيم وغيره، ولم تحفظ عليه بدعة إلا ما وافق فيه الإماميّة من القول بعصمة الإمام. وقد مرّ ذكر «2» مدّة ولايته ثم استخلاف

الجملة الحادية عشرة (في ترتيب المملكة بها: من زي الجند، وأرباب الوظائف: من أرباب السيوف والأقلام، ومقادير الأرزاق الجارية عليهم، وزي السلطان، وترتيب حاله في الملك)

عبد المؤمن بعده في الكلام على مكاتبة صاحب برّ العدوة. وقد تقدّم ابتداء انتقال مملكة إفريقيّة إلى أبي حفص وانسحابها فيهم إلى زماننا على الترتيب. الجملة الحادية عشرة (في ترتيب المملكة بها: من زيّ الجند، وأرباب الوظائف: من أرباب السّيوف والأقلام، ومقادير الأرزاق الجارية عليهم، وزيّ السلطان، وترتيب حاله في الملك) أما الجند ، فقد نقل في «مسالك الأبصار» عن أبي عبد الله بن القويع: أن الذي قرّره لهم مهديّهم ابن تومرت، ثم عبد المؤمن وأبناؤه بعده أنّه ليس لهم أمراء ولا أتباع يطلب بعدّتهم كعدّة الأمراء بمصر، وإنما لهم أشياخ من أعيانهم لا عدّة لهم ولا جند، بل المرء منهم بنفسه فقط، ولكلّ طائفة منهم رئيس يتولّى النظر في أحوالهم يسمّونه المزوار. أما الجند فمن الموحّدين والأندلسيّين وقبائل بها من المضافة إليهم ومن قبائل العرب ومن هاجر إليهم من العرب القدماء، الذين هاجروا في مدّة بني عبد المؤمن، والمماليك التّرك المبتاعة من الديار المصرية، ومن الفرنج وغيرهم. وحاصل ما ذكره في «المسالك» أن الجند عندهم على سبع طبقات. الطبقة الأولى- الأشياخ الكبار من الموحّدين الذين هم بقايا أتباع المهديّ ابن تومرت. قال في «مسالك الأبصار» : وهم بمثابة أمراء الألوف بمصر، وبمثابة النّوينات أمراء التوامين بمملكة إيران. الطبقة الثانية- الأشياخ الصّغار من الموحّدين أيضا: وهم دون من تقدّم منهم في الرتبة. الطبقة الثالثة- الوقّافون . قال في «مسالك الأبصار» : سألت ابن القويع عن معنى الوقّافين ما هو؟ فقال: هم قوم لهم خاصّيّة بالسلطان يسكنون معه في القصبة: وهي القلعة، بمنزلة الأمراء الخاصكيّة. قال: وهم طبقتان: وقّافون

الطبقة الرابعة - عامة الجند

كبار، ووقّافون صغار، وكلهم يقفون بين يديه في أوقات جلوسه إذا جلس للناس. الطبقة الرابعة- عامّة الجند . الطبقة الخامسة- الجند من قبائل العرب . الطبقة السادسة- الصّبيان : وهم جماعة من الشّباب بمثابة المماليك الكتّانية بالديار المصرية، يكونون في خدمة السلطان. الطبقة السابعة- الجند من الإفرنج ، ويعبّر عنهم بالعلوج «1» ؛ وهم لخاصة السلطان لا يطمئنّ إلا إليهم. وأما عدّة العسكر. ففي «مسالك الأبصار» عن ابن القويع أنها لا تبلغ عشرة آلاف وإنما العدد الجمّ في العرب أهل البادية ولهم قوّة شوكة. وأما أرباب الوظائف فعلى ثلاثة أضرب. الضرب الأول (أرباب السّيوف، وهم ثمانية) الأوّل- الوزراء : وهم ثلاثة وزراء: وزير الجند وهو المردود إليه الحديث في أمر الجند. قال في «مسالك الأبصار» : وهو بمثابة الحاجب بالدّيار المصرية، ووزير المال: وهو المتحدّث في أمر المال، ويعبّر عنه بصاحب الأشغال، ووزير الفضل وهو كاتب السّرّ. الثاني- شيخ الموحّدين . قال ابن القويع: وشيخ الموحدين كأنه نائب السلطان، ويسمّى الشيخ المعظّم وهو الذي يتولى عرض الموحدين وأمورهم. الثالث- أهل المشورة : وهم ثلاثة من أشياخ الموحدين يجلسون بمجلسه للرأي والمشورة.

الرابع - صاحب الرقاعات

الرابع- صاحب الرّقاعات . قال ابن سعيد: وهو الذي يتولّى إبلاغ الظّلامات إلى السلطان وإيصال قصصهم إليه وعرضها عليه ثم يخرج بجوابها عنه. قال في «مسالك الأبصار» : وهذا بمثابة الدوادار (يعني بالديار المصرية) . الخامس- صاحب العلامات : وهو المتولّي أمور الأعلام، وهو بمثابة أمير علم بالديار المصرية. وفي معناه آخر إليه أمر دقّ الطبول، يأمر بدقّ الطّبول عند ركوب السلطان في المواكب. السادس- الحافظ : وهو صاحب الشّرطة، وعنه يعبّر المصريّون بوالي المدينة. السابع- محرّكو الساقة : وهم قوم يكون بأيديهم العصيّ، يرتّبون الناس في المواكب، بمنزلة النّقباء بالديار المصرية. الثامن- صاحب الطّعام : وهو بمنزلة إستاددار «1» الصّحبة. الضرب الثاني (أرباب الأقلام) وقد ذكر منهم ثلاثة: الأوّل- قاضي الجماعة : وهو مثل قاضي القضاة بالديار المصرية. الثاني- المحتسب : وهو معروف. الثالث- صاحب كتب المظالم . قال في «مسالك الأبصار» : وهو الموقّع على القصص وكأنه بمثابة موقّع الدّست «2» بمصر والشام.

الجملة الثانية عشرة (في ذكر الأرزاق المطلقة من جهة السلطان)

الجملة الثانية عشرة (في ذكر الأرزاق المطلقة من جهة السلطان) ويختلف الحال باختلاف أحوال أربابها. فأما أشياخ الموحدين الكبار، فقد نقل في «مسالك الأبصار» عن القاضي أبي القاسم بن بنّون أنّ لهم أرضا يزرعونها أو يحكّرونها ويكون لهم عشر ما طلع منها. وهذه الأرض بمثابة الإقطاع بمصر، ولكلّ واحد منهم في كل سنة حرث عشرة أزواج بقرا، كل زوج بشعبتين، كل شعبة رأسان من البقر فيكون لكلّ واحد عشرون شعبة. قال في «مسالك الأبصار» : وهذه الشعبة هي المسماة في بلاد دمشق بالفدّان. ولهم مع ذلك راتب يفرّق عليهم في طول السنة، يسمّونه البركات، بمثابة الجوامك بمصر؛ يفرّق أربع مرّات في السنة: في عيد الفطر تفرقة، وفي عيد الأضحى تفرقة، وفي ربيع الأول تفرقة، وفي رجب تفرقة، يصيب كل واحد منهم من ذلك أربعون دينارا مسماة، تكون بثلاثمائة درهم عتيقة، والسلطان يأخذ معهم بسهم كواحد منهم على السّواء، فيكون جملة ما لكلّ واحد منهم في كل سنة مائة وعشرين دينارا مسمّاة، عنها ألف ومائتا درهم مغربية، عنها من نقد مصر والشام ستّمائة وخمسون درهما، وما يتحصّل من مغلّ عشرين فدّانا بقدر مثلها. قال في «مسالك الأبصار» : فيكون تقدير ما لأحد المشايخ الكبار الذين بمثابة أمراء الألوف بمصر والشام في كل سنة ألف وثلاثمائة وعشرة دراهم نقرة بمعاملة مصر في كل سنة. وأما الأشياخ الصّغار، فلكلّ واحد منهم حرث خمسة أزواج من البقر، على النّصف من الأشياخ الكبار؛ والبركات في كل سنة على ما تقدّم في الكبار. قال ابن بنّون: ولعامّة الأشياخ الكبار والصّغار والوقّافين والجند شيء آخر يفرّقه السلطان عليهم، يسمّى المواساة: وهي غلة تفرّق عليهم عند تحصيل الغلّات في المخازن، وشيء ثالث يقال له الإحسان، وهو مبلغ يفرّق عليهم. قال [وكلاهما «1» ] من السنة إلى السنة ليس لها قدر مضبوط ولا قدر مخصوص، بل

الجملة الثالثة عشرة (في لبس سلطان مملكة تونس، ولبس أشياخه، وسائر جنده، وعامة أهل بلده)

على قدر ما يراه السلطان وبحسب أقدار الناس. ومقادير العطايا بينهم متفاوتة. قال: وكذلك القبائل ومزاويرهم على هذا النحو. قال ابن القويع: والجند الغرباء يتميزون في الأعطيات على الموحّدين. قال: وللعرب أهل البادية إقطاعات كثيرة، ومنهم من يخرج مع السلطان إذا استدعاهم السلطان للخروج معه. الجملة الثالثة عشرة (في لبس سلطان مملكة تونس، ولبس أشياخه، وسائر جنده، وعامّة أهل بلده) أما لبسه فقد ذكر في «مسالك الأبصار» عن سلطان زمانه بأفريقيّة: أن له عمامة ليست بمفرطة في الكبر، بحنك وعذبة صغيرة. وقال ابن سعيد: له عمامة كبيرة من صوف وكتّان فيها طراز من حرير. ولا يتعمّم أحد من أهل دولته قدرها في الكبر. وذكر أن عذبة عمامته تكون خلف أذنه اليسرى، وأنها مخصوصة به وباقاربه؛ وله جباب «2» تليها، ولا يلبس هو ولا عامّة جنده وأشياخه خفّا إلا في السّفر. وغالب لبسه ولبس أكابر مشايخه من قماش عندهم يسمّى السّفساريّ، يعمل عندهم من حرير وقطن أو حرير وصوف رفيع جدّا، وقماش يعرف بالتّلمسانيّ يعمل بتلمسان: إما صوف خالص أو حرير خالص: مختّم وغير مختّم. قال ابن بنّون: والسلطان يمتاز بلبس الخزّ «3» ، ولونه لون الخضرة

الجملة الرابعة عشرة (في شعار الملك بما يتعلق بهذا السلطان)

والسّواد. قال: وهذا اللّون هو المسمّى بالجوزيّ، وبالغيار، وبالنّفطيّ. قال ابن سعيد: وهو ما يخرج من البحر بصفاقس. قال في «مسالك الأبصار» : وهو المسمّى بوبر السمك بمصر والشام يعني المعبّر عنه بصوف السمك المقدّم ذكره عند ذكر صفاقس من بلاد أفريقية. قال ابن سعيد: وهي أفخر ثياب السلطان بتونس ونقل في «مسالك الأبصار» عن ابن سعيد: أنه يلبس الثياب الصوف الرفيعة، ذوات الألوان البديعة، وأكثر ما يلبس المختم الممتزج من الحرير والصّوف، بكمين طويلين من غير كثرة طول، ضيقين من غير أن يكونا مزنّدين. وثيابه دون شدّ نطاق إلا أن يكون في الحرب فإنه يشدّ المنطقة، ويلبس الأقبية، وله طيلسان صوف في نهاية اللّطافة، كان يرتدي به ولا يضعه على رأسه. [وأما لبس الأشياخ والدواوين والوقافين والجند والقضاة والوزراء والكتاب وعامة الناس فعلى زيّ واحد، لا تكاد تتفاوت العمائم والجباب ولا يمتاز الأشياخ والوقافون والجند إلا بشيء واحد لا يكاد يظهر ولا يبين وهو صغر العمائم وضيق القماش، ولباس عامة أهل أفريقية من الجوخ ومن الثياب الصوف ومن الأقبية ومن الثياب القطن، فمن لبس غير هذا مما يجلب من طرائف الإسكندرية والعراق كان نادرا شاذّا] «1» . الجملة الرابعة عشرة (في شعار الملك بما يتعلق بهذا السلطان) نقل في «مسالك الأبصار» عن ابن القويع أن له علما أبيض يسمّى العلم المنصور، يحمل معه في المواكب، وذكر أن الأعلام التي تحمل معه في المواكب سبعة أعلام: الأوسط أبيض وإلى جانبه أحمر وأصفر وأخضر. قال: ولا

الجملة الخامسة عشرة (في جلوس سلطان هذه المملكة في كل يوم)

أتحقق كيف ترتيبها وأن ذلك غير أعلام القبائل التي تسير معه فلكلّ قبيلة علم تمتاز به بما عليه من الكتابة، والكتابة مثل لا إله إلا الله، أو الملك لله، وما أشبه ذلك، وأن له الطبول والبوقات والنفير. الجملة الخامسة عشرة (في جلوس سلطان هذه المملكة في كل يوم) قال ابن سعيد: عادة هذا السلطان في مدينة مملكته تونس: أنه يخرج باكر كلّ يوم إلى موضع يعرف بالمدرسة، ويبعث خادما صغيرا يستدعي وزير الجند من موضعه المعيّن له، فيدخل عليه رافعا صوته «بسلام عليكم» عن بعد من غير أن يوميء برأسه، ولا يقوم له السلطان، فيجلس بين يدي السلطان، ويسأله السلطان عما يتعلّق بأمور الجند والحروب، ثم يأمره باستدعاء من يريده من أشياخ الجند أو العرب أو من له تعلّق بوزير الجند؛ ثم يأمر باستدعاء وزير المال وهو المعروف بصاحب الأشغال فيأتي معه ويسلّمان جميعا من بعد على السلطان، وإن كان قد تقدّم سلام وزير الجند، ثم يتقدّم وزير المال إلى ما بين يدي السلطان ويتأخر وزير الجند إلى مكان لا يسمع فيه حديثهما، ثم يخرج وزير المال ويستدعي من يتعلّق به، ثم يحضر صاحب الطعام بطعام الجند ويعرضه على وزيرهم لئلّا يكون فيه تقصير، ثم يقوم السلطان من المدرسة إلى موضع مخصوص ويستدعي وزير الفضل: وهو كاتب السر، ويسأله عن الكتب الواردة من البلاد، وعما تحتاج خزانة الكتب إليه، وعما تجدّد في الحضرة وفي البلاد مما يتعلّق بأرباب العلم وسائر فنون الفضل والقضاة، ويأمر باستدعاء من يخصّه من الكتّاب ويملي عليه وزير الفضل ما أمر بكتابته، ويعلّم عليه وزير الفضل بخطّه؛ ثم يستدعي السلطان من شاء من العلماء والفضلاء ويتحاضرون محاضرة خفيفة. وإن كان وزير الفضل قد رفع قصيدة لشاعر وافد أو مرتّب في معنى استجدّ، أمره السلطان بقراءتها عليه، أو يأمر بحضور الشاعر لينشدها قائما أو قاعدا بحسب ما تقتضيه رتبته، ويتكلّم

الجملة السادسة عشرة (في جلوسه للمظالم)

السلطان مع وزير الفضل ومن حضر من الفضلاء في ذلك ويكتب على كل قصيدة بما يراه. الجملة السادسة عشرة (في جلوسه للمظالم) قال الشيخ شرف الدّين عيسى الزّواويّ: إذا جلس السلطان جلس حوله ثلاثة من كبار أشياخ الموحّدين للرأي والمشورة، ويجلس معهم وزير الجند إن كان كبيرا، وإن لم يكن كبيرا وقف بإزاء أولئك الثلاثة، ويجلس دونهم عشرة من أكابر أشياخه، وربما كان الثلاثة المختصّون بالرأي من جملة العشرة المذكورين، ويقف خمسون وقّافا وراء وزير الجند. فإذا أمر السلطان بأمر بلّغه وزير الجند لآخر واقف وراءه، وبلّغه الآخر لآخر، حتّى ينتهي إلى من هو خارج الباب بنقل ناس عن ناس، ويقف دون الخمسين المذكورين جماعة تسمّى بالوقّافين بأيديهم السيوف حوله، وهم دون الخمسين المذكورين في الرّتبة. وقد ذكر ابن سعيد: أن يوم السبت مخصوص عنده بأن يقعد في قبّة كبيرة في القصبة: وهي القلعة، ويحضر عنده أعيان دولته وأقاربه والأشياخ، ويجلس أقاربه عن جانبه الأيمن، والأشياخ عن جانبه الأيسر؛ ويجلس بين يديه وزير الجند، ووزير المال، وصاحب الشّرطة، والمحتسب، وصاحب كتب المظالم: وهو الموقّع على القصص. ويقرأ الكاتب المعيّن ما وقّع له على قصص المظالم، ويردّ كلّ ما يتعلق بوظيفة إلى ربّ تلك الوظيفة وينفّذ الباقي. الجملة السابعة عشرة (في خروجه لصلاة الجمعة) قال ابن سعيد: من عادة السلطان بأفريقيّة أنه لا يجتمع يوم الجمعة بأحد، بل يخرج عندما ينادى المنادى بالصلاة، ويشقّ رحبة قصره ما بين خواصّ من المماليك الأتراك، فعندما يعاينونه ينادون «سلام عليكم» نداء عاليا على صوت واحد يسمعه من يكون بالمسجد الجامع، ثم يتقدّمه وزير الجند بين يديه في

الجملة الثامنة عشرة (في ركوبه لصلاة العيدين أو للسفر)

ساباط «1» يخرج هناك للجامع، عليه باب مذهب سلطانيّ، ويسبق الوزير فيفتح الباب، ويخرج منه السلطان وحده، ويخرج له جماعة الوقّافين من أعيان الدّولة فلا يقوم له في الجامع غيرهم؛ وليس له مقصورة مخصوصة للصلاة. فإذا انفصل عن الصلاة قعد في قبّة كبيرة له في صدر الرّحبة وحضر عنده أقاربه، ثم يدخل قصره. الجملة الثامنة عشرة (في ركوبه لصلاة العيدين أو للسّفر) قال القاضي شرف الدين عيسى الزّواوي: وعادته في ذلك أن يركب السلطان، وعن يمينه فارس وعن يساره فارس من أكابر أشياخه من العشرة المقدّم ذكرهم، ويمشي إلى جانبه رجلان مقلّدان سيفين رجّالة إلى جانبه: أحدهما ممسك بركابه الأيمن، والثاني ممسك بركابه الأيسر، ويليهما جماعة رجّالة من أكابر دولته: مثل الثلاثة أصحاب الرأي، والعشرة الذين يلونهم، ومن يجري مجراهم من أعيان الجند، وتسمّى هذه الجماعة ايربان، يمشون حوله بالسّيوف وبأيديهم عكاكيز. قال: وربما مشى في هؤلاء قاضي الجماعة: وهو قاضي القضاة. وأمام هؤلاء الجماعة المشّائين نفر كثير من الموحّدين أقارب السلطان بسيوف ومزاريق «2» ، ويسمّون بالمشّائين. وقدّامهم جماعة يقال لهم جفاوة: وهم عبيد سود بأيديهم حراب في رؤوسها رايات من حرير، وهم لابسون جبابا بيضا مقلّدون بالسيوف. وأمام هولاء قوم يعبّر عنهم بعبيد المخزن، وهم عوامّ البلد وأهل الأسواق، وبأيديهم الدّرق «3» والسّيوف، ومعهم العلم الأبيض المسمّى بالعلم

الجملة التاسعة عشرة (في خروج السلطان للتنزه)

المنصور المقدّم ذكره في شعار السّلطنة. وعادتهم أن ينادى فيهم ليلة العيد أو ركوب السلطان لسفر، فيخرج أهل كل صناعة بظاهر البلد، ويكون خلف السلطان صاحب العلامات، وهو أمير علم راكب، ووراءه أعلام القبائل، ووراء الأعلام الطّبول والبوقات، وخلفهم محرّكو الساقة الذين هم بمثابة النّقباء وبأيديهم العصيّ يرتّبون العساكر، وخلف هؤلاء العسكر. والفارس الذي عن يمين السلطان إليه أمر دقّ الطبول يقول: دقّ فلان باسم كبيرهم، ويستمرّ من حول السلطان من المشاة يمشون ثم يركبون، ويطيف بالسلطان جماعة يقرأون حزبا من القرآن الكريم. ثم يقف السلطان ويدعو ويؤمّن وزير الجند على دعائه، ويؤمّن الناس على تأمينه، ويجدّ الناس والسلطان السير. فإن كانوا في فضاء كان مشيهم على هذا الترتيب، وإن ضاق بهم الطريق مشوا كيف جاء على غير ترتيب إلا أنّ الجند لا يتقدّمون على السلطان. فإذا قربوا من المنزلة وقف السلطان ودعا وأمّن على دعائه كما تقدّم، وإن كان في صلاة العيد ذهب في طريق وعاد في أخرى. الجملة التاسعة عشرة (في خروج السلطان للتنزّه) قد تقدّم في الكلام على مدينة تونس أنها على طرف بحيرة خارجة من البحر الروميّ تحدق بها البساتين من كل جانب، وفي تلك البحيرة جزيرة يقال لها سكلة لا ساكن بها ربما ركب السلطان في السّفن وصار إليها في زمن الربيع، وتضرب بها أخبية ويقيم بها للتنزّه أياما ثم يعود. على أنه لا ماء فيها ولا مرعى، ولكن لما تشرف عليه من البساتين المستديرة بتلك البحيرة وما قبلها من الجواسق «1» المشرفة ومنظر البحر. وقد ذكر ابن سعيد: أنه ربما خرج إلى بستانه، فيخرج في نحو

الجملة العشرون (في مكاتبات السلطان)

مائتي فارس من الشباب المعروفين بالصّبيان الذين هم بمثابة المماليك الكتانية بالديار المصرية، يوصّلونه إلى البستان ويرجعون، ويبقى وزراؤه الثلاثة نوّابا له. وكل ما تجدّد عند كل واحد منهم من الأمر طالعه به وجاوبهم بما يراه. قال في «مسالك الأبصار» : وركوبه إلى البستان في زقاق من قصبته إلى البستان، محجوب بالحيطان لا يراه فيه أحد. الجملة العشرون (في مكاتبات السلطان) قال في «مسالك الأبصار» : قال ابن سعيد: قال العلّامة أبو عبد الله بن القويع: إن هذا السلطان لا يعلّم على شيء يكتب عنه، وإنما يعلّم عنه في الأمور الكبار صاحب العلامة الكبرى، وهو كاتب السرّ في الغالب؛ والعلامة «الحمد لله» أو «الشكر لله» بعد البسملة. قال: ومن خاصّيّة كتب هذا السلطان أن تكتب في ورق أصفر. ومن عادته وعادة سائر المغاربة أن لا يطيلوا في الكتب ولا يباعدوا بين السطور كما يفعل في مصر وما ضاهاها. أما في الأمور الصّغار فإنما تكون الكتابة فيها عن وزير الجند، ويكتب عليها صاحب العلامة الصغرى اسم وزير الجند، وتكون هذه الكتب في غير الورق الأصفر. الجملة الحادية والعشرون (في البريد المقرّر في هذه المملكة) قد ذكر في «مسالك الأبصار» : أنه إذا كتب كتاب إلى نواحي هذه المملكة ليوصّل إلى بعض نوابها، جهّز مع من يقع الاختيار عليه من النّقباء أو الوصفان: وهم عبيد السلطان، ويركب على بغل إمّا ملك له أو مستعار ويسافر عليه إلى تلك الجهة. فإن أعيا في مكان تركه عند الوالي بذلك المكان وأخذ منه بغلا عوضه، إما من جهة الوالي أو يسخّره له من الرعايا، إلى أن ينتهي إلى جهة قصده ثم يعود كذلك.

الجملة الثانية والعشرون (في الخلع والتشاريف في هذه المملكة)

الجملة الثانية والعشرون (في الخلع والتّشاريف في هذه المملكة) قال القاضي أبو القاسم بن بنّون: ليس من عادة سلطان افريقيّة إلباس من ولّي ولاية خلعة كما في مصر، وإنما هي كسوة: وهو قماش غير مفصّل يتصرّف فيه كيف شاء. المملكة الثانية (من ممالك بلاد المغرب مملكة تلمسان) وهي مملكة الغرب الأوسط. وفيها جملتان: الجملة الأولى (في ذكر حدودها، وقاعدتها، وما اشتملت عليه من المدن، والطريق الموصّلة إليها) أما حدودها، فحدّها من الشرق حدود مملكة أفريقيّة وما أضيف إليها من جهة الغرب، وحدّها من الشّمال البحر الرومي، وحدّها من الغرب حدود مملكة فاس الآتي ذكرها من الشرق؛ وحدّها من جهة الجنوب المفاوز الفاصلة بين بلاد المغرب وبلاد السّودان. وذكر في «العبر» : أن حدّها من جهة الغرب من وادي ملويّة الفاصل بينها وبين الغرب الأقصى إلى وادي مجمّع في جهة الشرق الفاصل بينها وبين أفريقيّة. وأما قاعدتها، فمدينة (تلمسان) بكسر المثناة من فوق واللام وسكون الميم وفتح السين المهملة وألف ونون. وهي مدينة من الغرب الأوسط. وقال في «تقويم البلدان» : من الغرب الأقصى متاخمة للغرب الأوسط شرقيّ فاس بميلة إلى الشّمال. وموقعها في أوائل الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد:

حيث الطول أربع عشرة درجة وأربعون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة واثنتا عشرة دقيقة. وهي مدينة في سفح جبل، ولها ثلاثة عشر بابا، وماؤها مجلوب من عين على ستة أميال منها، وفي خارجها أنهار وأشجار؛ ويستدير بقبليّها وشرقيّها نهر يصبّ في بركة عظيمة من آثار الأول، ويسمع لوقعه فيها خرير على مسافة، ثم يصبّ في نهر آخر بعد ما يمرّ على البساتين، ثم يصبّ في البحر، وعليه أرحاء دائرة تدخل فيه السفن اللّطاف حيث يصبّ في البحر، وبقعتها شريفة كثيرة المرافق. ولها حصون كثيرة وفرض عديدة: منها (هنين) و (وهران) و (مستغانم) . فهنين تقابل المريّة «1» من الأندلس ووهران في شرقيّ تلمسان بشمال قليل، على مسيرة يوم من تلمسان، ومستغانم تقابل دانية من الأندلس، وعرض البحر بينهما ثلاث مجار ونصف مجرى. قال الإدريسي في «كتاب رجّار» : وبها آثار الأول، ولها أسواق ضخمة ومساجد جامعة. قال في «مسالك الأبصار» : وهي على ما بلغ حدّ التواتر أنها في غاية المنعة والحصانة مع أنها في وطاءة من الأرض ولكنها محصّنة البناء. وبلغ من حصانتها أنّ أبا يعقوب المرينيّ صاحب فاس حاصرها عشر سنين، وبنى عليها مدينة سمّاها فاس الجديدة وأعجزه فتحها ولها ثلاثة أسوار، ومن جهة القصبة وهي القلعة ستة أسوار، وبها أنهار وأشجار، وبها شجر الجوز على كثرة، ومشمشها يقارب في الحسن مشمش دمشق. قال في «مسالك الأبصار» : زكيّة الزرع والضّرع، ويقصدها تجّار الآفاق للتجارة. قال: ويطول مكث المخزونات فيها حتى إنه ربما مكث القمح والشعير في مخازنها ستّ سنين ثم يخرج بعد ذلك فيزرع فينبت.

الجملة الثانية (في حال مملكتها)

وأما مدنها الداخلة في مملكتها، فقد ذكر في «مسالك الأبصار» أن لها ثمان عشرة مدينة: وهي تلمسان، وجده، ومديونة، وتدرومه، وهنين، ووهران، وتميز غزان، وبرسك، وشرشال، وتونت، ومستغانم، وتنس، والجزائر، والقصبات، ومازونة، وتاحجحمت، ومليانة، والمريّة. وأما الطريق الموصل إليها، فقد تقدّم في الكلام على مملكة تونس الطريق من الديار المصرية إلى تونس. وقد ذكر في «الذيل على الكامل» أن من تونس إلى باجة، ومنها إلى تغريه وهي آخر بلاد أفريقية، ومنها إلى قسنطينة وهي أوّل بلاد بجاية، ومنها إلى أوّل بلاد تلمسان، ومنها إلى قليلية، ومنها إلى البقيعة، ومنها إلى تلمسان. الجملة الثانية (في حال مملكتها) لم أقف على شيء من ترتيب مملكتها، والظاهر أنها تشبه مملكة تونس في الحال والترتيب أو قريب من ذلك. فقد ذكر في «مسالك الأبصار» أن بجاية ثانية تونس في الرّتبة والحال، والموجودات، والمعاملات. وقد تقدّم أن بجاية من الغرب الأوسط، فتكون تلمسان في معناها، وإن وقعت مخالفة في ترتيب المملكة فإنما تكون في القدر اليسير. قال في «مسالك الأبصار» وهي مملكة كبيرة، وسلطنة جليلة، قريب الثلثين من مملكة برّ العدوة. وهي وسيعة المدى كثيرة الخيرات، ذات حاضرة وبادية، وبرّ وبحر.

المملكة الثالثة (من بلاد المغرب - الغرب الأقصى، ويقال له بر العدوة، وفيه ثلاثة مقاصد)

المملكة الثالثة (من بلاد المغرب- الغرب الأقصى، ويقال له برّ العدوة، وفيه ثلاثة مقاصد) المقصد الأوّل (في بيان موقعها من الأقاليم السبعة وذكر حدودها وما اشتملت عليه من المدن والجبال المشهورة. وفيه أربع جمل) الجملة الأولى (في بيان موقعها من الأقاليم السبعة) فموقعها في الإقليم الثالث كما في مملكة تونس، وبعضها في الإقليم الثاني، وبعضها في أوائل الإقليم الرابع على ما سيأتي ذكره. وأما حدودها، فقد ذكر صاحب «العبر» : أنه من مدينة آسفي حاضرة البحر المحيط إلى وادي ملويّة ومدينة تازا من جهة الشّرق، يحيط به البحر المحيط من جهة الغرب، وجبال درن وما يليها من جنوبيّه، وجبال تازا من شرقيّة، والبحر الرومي من شماليّه. ثم قال: وهو ديار المصامدة وغيرهم من البربر. وذكر في «مسالك الأبصار» نقلا عن أبي عبد الله محمد بن محمد السلايحي «1» : أن حدّها من الجنوب الصّحراء الكبيرة الآخذة من بلاد البربر إلى جنوب أفريقيّة، ومن الشرق جزائر بني مزغنّانة وما هو آخذ على حدّها إلى الصحراء الكبيرة، ومن الشّمال البحر الشاميّ، ومن الغرب البحر المحيط. وحكى عنه: أن طول هذه المملكة من جزائر بني مزغنّانة، وهي جزائر بني مزغنّان المقدّم ذكرها في بلاد بجاية من مملكة تونس إلى البحر المحيط، وعرضها من بحر الزّقاق بسبتة إلى نهاية بلاد البربر المتّصلة بالصحراء الفاصلة بين هذه المملكة وبين بلاد السّودان ثلاثون يوما.

الجملة الثانية (في بيان قواعدها وما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال وما انطوت عليه من المدن)

الجملة الثانية (في بيان قواعدها وما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال وما انطوت عليه من المدن) أما قواعدها فخمس: «1» القاعدة الأولى (فاس) بفتح الفاء ثم ألف وسين مهملة. وهي مدينة بالغرب الأقصى، واقعة في آخر الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول عشر درج وخمسون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة. قال: وسمّيت بفاس لأنهم لمّا شرعوا في حفر أساسها، وجدوا فأسا في موضع الحفر. قال في «تقويم البلدان» : وهي مدينتان يشقّ بينهما نهر. الأولى (فاس القديمة) والمياه تجري بأسواقها وديارها وحمّاماتها، حتّى يقال إنه ليس بالمشرق ولا بالمغرب مدينة تضاهيها في ذلك، إلا أن أرضها ذات ارتفاع وانخفاض، وفيها عدّة عيون. قال أبو عبد الله العسلي: عدّتها ثلاثمائة وستون عينا. قال ابن سعيد: لم أر قطّ حمّامات في داخلها عين تنبع إلا في فاس. قال: وهي أكثر مياها من دمشق. قال ابن سعيد في «المغرب» وهي مدينتان: إحداهما بناها إدريس «2» بن عبد الله: أحد خلفاء الأدارسة بالمغرب، وتعرف بعدوة الأندلس. والأخرى بنيت بعدها وتعرف بعدوة القرويّين. قال في «الروض المعطار» : وكان بناء عدوة الأندلسيين في سنة اثنتين وتسعين ومائة، وبناء عدوة القرويين في سنة ثلاث وتسعين ومائة. وعدوة القرويين أكثر عيونا وبساتين وأشجارا من عدوة الاندلسيين. ورجال عدوة الأندلسيّين أشجع ورجال

عدوة القرويين أجمل. ونساء عدوة الأندلسيين أجمل. وبعدوة الأندلسيين تفّاح حسن طيّب الطّعم يعرف بالطرابلسيّ لا يفلح بعدوة القرويّين. وبعدوة القرويين أترجّ حسن لا يفلح بعدوة الأندلسيّين مع التقارب على ضفّة النهر الغربية؛ وهي في مستو من الأرض؛ وهي في علو لا يحكم النهر عليها. والثانية (فاس الجديدة) وهي ثلاث مدن بناها آباء ملوكها القائمين بها الآن حين ملكوا الغرب الأقصى. ولما نزلوها بنوا معها ثلاث مدن على ضفّة النهر الغربية. أوّلها (المدينة البيضاء) وتعرف بالجديدة. بناها أبو يوسف «1» يعقوب بن عبد الحق أوّل من استقل بالملك بعد الموحّدين. الثانية (مدينة حمص) ويعرف موضعها بالملّاح. بناها ولده أبو سعيد: عثمان بن أبي يوسف إلى جانب المدينة البيضاء المقدّم ذكرها. الثالثة (ربض النصارى) وهي المتّخذة لسكنى النصارى من الفرنج المستخدمين بخدمة السلطان. وهذه المتجدّدات الثلاث على ضفّة النهر الغربية: فربض النصارى يقابل فاس القديمة على بعد من ضفّة النهر. والبيضاء وهي فاس الجديدة آخذة من شماليّ ربض النصارى إلى ضفّة النهر. وأوّل عمارة فاس الجديدة آخر عمارة فاس العتيقة. وحمص راكبة على النهر بشمال على جانب فاس الجديدة آخذة إلى ربض النصارى، ينصبّ من الجنوب إلى الشّمال، ثم ينعطف على زاوية آخذا من الغرب إلى الشرق حتى يصير كأنه ينحدر من الغرب، وحمص على مجراه هناك؛ ثم يمرّ آخذا إلى الشرق على حاله فوق فاس الجديدة. ثم ينعطف عليها بزاوية إلى الجنوب ثم ينعطف إلى الشرق جائزا بها؛ وهناك فاس العتيقة على الضّفّة الشّمالية، والقصبة وهي القلعة بها في غربيها مرجّلة على الأرض لا تتميز على المدينة برفعة ولا ببناء عال، ويصير النهر مستديرا

بفاس الجديدة من جانب الشّمال على المجرى المركّب عليه حمص، ومن الشرق حيث انعطف النهر عند فاس العتيقة. قال في «مسالك الأبصار» : وهذا النهر متوسّط المقدار. عرضه في المكان المتسع نحو أربعين ذراعا، وفي الضّيّق دون ذلك، وربما تضايق إلى خمسة عشر ذراعا فما دونها، وعمقه في الغالب تقدير قامة رجل. ونقل في «مسالك الأبصار» عن ابن سعيد: أن نهرها يلاقي وادي سبو، وهو من أعظم أنهار المغرب، يصبّ في البحر المحيط بين سلا وقصر عبد الكريم. قال في «تقويم البلدان» قال ابن سعيد: وعلى أنهارها «1» داخل المدينة نحو ستّمائة رحا تدور بالماء دائما. قال في «مسالك الأبصار» : وعليها ناعورة ترفع الماء إلى بستان السلطان. وبناء فاس العتيقة بالآجرّ والجبال مكتنفة بها، وعلى كل من عتيقها وجديدها أسوار دائرة محصّنة ذات بروج وبدنات، وجميع أبنيتها بالحجر والآجرّ والكلس موثّقة البناء مشيّدة الأركان. وتزيد فاس الجديدة على فاس العتيقة في الحصانة والمنعة، والعتيقة بسور واحد من الحجارة والجديدة بسورين من الطين المفرغ بالقالب من التراب والرمل [والكلس المضروب وهو أشد من الحجر ولا تعمل فيه المجانيق ولا تؤثر فيه، وكذلك غالب أبنيتها، وسقوف جميعها الخشب وربما غشيت بعض السقوف بالقصدير والأصباغ الملوّنة، وأرض دور رؤسائها مفروشة بالزّلّيج. وهو نوع من الآجر مدهون بدهان ملوّن كالقاشاني بالأبيض والأسود والأزرق والأصفر والأخضر وما يركب من هذه الألوان وغالبه الأزرق الكحلي وربما اتخذ منه الوزرات بحيطان الدور، قال في «مسالك الأبصار» : وسألت السلائحي عن مقدار عمارة فاس عتيقها وجديدها. فقال: تكون قدر ثلث مصر والقاهرة وحواضرهما. قال في «تقويم البلدان» ] «2» : وللمدينتين ثلاثة عشر بابا؛ وفي

القديمة مخازن الغلال، وهي مكان يستدير عليه سور منيع عليه باب وغلق داخله المطامير. وبفاس العتيقة داخل سورها جنان ورياض ذات أشجار ورياحين في دور الكبراء وبيوت الأعيان. ثم قال: وبكل من فاس القديمة وفاس الجديدة المعروفة بالبيضاء وحمص الجوامع والمساجد والمآذن والحمّامات والأسواق. أما المدارس والخوانق والرّبط فمما خلت صحائف أهل المغرب من أجورها إلا النّزر اليسير جدّا. وبفاس العتيقة مارستان، ودور فاس مجالس متقابلة على عمد من حجر أو آجرّ ورفارف تطلّ على صحن الدار، وفي وسط صحن الدار بركة يصبّ بها الماء ويعبّر عنها عندهم بالصّهريج؛ ولهم عناية باتّخاذ القباب في بيوتهم، حتّى يوجد في دار الكبير قبّتان فأكثر، وحمّاماتهم صحن واحد لا خلاوى فيها، ولذلك يتّخذ غالب رؤساهم الحمّامات في بيوتهم، فرارا من مخالطة العامة في الحمّام. قال ابن سعيد: ومدينة فاس متوسطة بين ملك الغرب، بينها وبين مرّاكش عشرة أيام وبينها وبين تلمسان عشرة أيام، وبينها وبين سبتة عشرة أيام، وبينها وبين سجلماسة عشرة أيام، قال في «مسالك الأبصار» : ولذلك صلحت أن تكون قاعدة الملك. وهي تشبه الإسكندرية في المحافظة على علوم الشريعة وتغيير المنكر والقيام بالناموس، وتشبّه بدمشق في البساتين. وقد ذكر ابن منقذ: رسول السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» «1» إلى بلاد المغرب: أنهم أخرجوا إلى بستان بفاس يقال له البحيرة متحصّله في كل سنة خمسة وأربعون ألف دينار، وبه بركة ذرع كل جانب منها مائتان وستة عشر ذراعا، يكون دورها ثمانمائة ذراع وأربعة وستين ذراعا. قال: وبها ما هو أكبر من ذلك.

القاعدة الثانية (سبتة)

قال في «تقويم البلدان» : وأهلها مخصوصون برفاهية العيش. قال في «مسالك الأبصار» : ولأهلها حسن الصنعة في المخروطات من الخشب والنّحاس. قال أبو عبد الله السلايحي: ولكنها وخمة ثقيلة الماء، تعلو وجوه سكّانها صفرة، وتحدث في أجسادهم كسلا وفتورا. القاعدة الثانية (سبتة) قال في «تقويم البلدان» : بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة وتاء مثناة فوق وهاء في الآخر. قال في «الروض المعطار» : والنسبة إليها سبتيّ بكسر السين. وهي في دخلة في البحر. قال في «تقويم البلدان» : وهي مدينة بين بحرين: بين البحر المحيط وبحر الرّوم. ومدخلها من جهة المغرب وهو مدخل ضيّق، والبحر محيط بأكثرها، ولو شاء أهلها لوصلوا البحر حولها وجعلوها جزيرة. ولها أسوار عظيمة من الصّخر، وعليها أبراج كثيرة، والماء يجلب إليها في الشّواني «1» حتى للحمّامات التي بها، وبها صهاريج من ماء المطر. ويقال إنها أوّل ما بني ببر العدوة. قال في «الروض المعطار» : وهي سبعة أجبل «2» صغار متصلة بعضها ببعض معمورة؛ طولها من الغرب إلى الشرق نحو ميل. وقال في «مسالك الأبصار» : طولها من السور الغربي المحيط بربضها إلى آخر الجزيرة خمسة أميال. قال في «الروض المعطار» : ولها بابان من جهة البرّ، ويتصل بها على ميلين من جهة الغرب جبل يعرف بجبل موسى، وهو موسى بن نصير «3» الذي فتح الأندلس، ويجاوره بساتين وأشجار وقرى كثيرة، وهناك يزرع قصب السكّر ويحمل إلى ما جاورها من البلدان، ولها نهر عذب في البحر، وكان بها كنيسة

جعلت جامعا، وبها يستخرج من البحر شجر المرجان الذي لا يعدله مرجان. ويقابلها من الأندلس الجزيرة الخضراء وبحر الروم بينهما ضيّق، حتّى إنه إذا كان الصحوريئت إحداهما من الأخرى، ولذلك يسمّى بحرها بحر الزّقاق، وميناها شرقيّها، وغالب طرف الدنيا موجودة فيها، والحنطة مجلوبة إليها إذ لا يزكو نباتها فيها، ويصاد بها أسماك مختلفة على نحو مائة نوع. ويقابل هذه المدينة من برّ الأندلس الجزيرة الخضراء. وكانت هذه المدينة قاعدة لهذا القطر قبل الإسلام، وهي يومئذ ديار عمارة من المصامدة، والحاكم عليها ملك الأندلس من القوط، وكان ملك عمارة بها في زمن الفتح يقال له يليان «1» ؛ ولما زحف إليه موسى بن نصير المذكور أمير أفريقيّة في زمن الفتح جاء معه بالهدايا، وأذعن لأداء الجزية فأقرّه عليها، واسترهن ابنه وأبناء قومه، وأنزل طارق بن زياد «2» بطنجة بالعساكر إلى أن أجاز البحر لفتح الأندلس كما سيأتي في الكلام على مكاتبة صاحب الأندلس. ولما هلك يليان استولى المسلمون من العرب على مدينة سبتة بالصّلح من أهلها فعمروها إلى أن كانت فتنة ميسرة الخفير وما دعا إليه من مذهب الخوارج وأخذ به الكثير من البربر من غمارة وغيرهم، فزحف برابرة طنجة إلى سبتة فأخرجوا العرب منها وخرّبوها، وبقيت خالية إلى أن عمرها ماجكس من وجوه غمارة من البربر وبناها وأسلم وصحب أهل العلم، فرجع الناس إليها ومات. فقام بأمره من بعده ابنه (عصام) فأقام بها زمنا إلى أن مات. فولي بعده ابنه (مجير) فأقام بها إلى أن مات.

فوليها أخوه (الرّضيّ) ويقال ابنه، وكانوا يعطون الطاعة لبني إدريس من العلوية ملوك فاس، ولما سما الناصر «1» الأمويّ صاحب الأندلس إلى ملك المغرب وتناول أكثره من يد الأدارسة ببلاد غمارة وغيرها حين أخرجوا من فاس وقاموا بدعوة الناصر في جميع أعمالهم، نزلوا للناصر عن سبتة، فبعث إليها العساكر فانتزعها من يد الرّضيّ بن عصام سنة تسع عشرة وثلاثمائة، وانقرض أمر بني عصام وصارت سبتة للناصر ومن بعده من بني أميّة خلفاء الأندلس. وكان عليّ والقاسم ابنا حمّود بن ميمون، بن أحمد، بن عليّ، بن عبيد الله، بن عمر، بن إدريس العلويّ قد لحقا بالأندلس لما أخرج المستنصر «2» الأمويّ الأدارسة من المغرب، وبقيا بالأندلس إلى أن كانت أيام المستعين سليمان «3» بن الحكم فاختصّ بقاسم وعليّ ابني حمّود، وعقد لعليّ بن حمّود على طنجة وأعمال غمارة فنزلها، ثم خرج عن طاعته ودعا لنفسه، وعاد إلى الأندلس وولي الخلافة بقرطبة كما سيأتي في مكاتبة صاحب الأندلس، وولّى على عمله بطنجة ابنه يحيى بن علي. ثم أجاز يحيى بعد موت أبيه إلى الأندلس واستقلّ أخوه إدريس بن علي بولاية طنجة وسائر أعمال أبيه من مواطن غمارة. ثم أجاز إلى الأندلس بعد مهلك أخيه يحيى، وعقد لحسن ابن أخيه يحيى

على عملهم بسبتة وطنجة وأرسل معه نجا الخادم لتدبير دولته. ثم أجاز (نجا) الخادم إلى الأندلس ومعه حسن بن يحيى المذكور، ثم عقد حسن لنجا الخادم على عملهم في بلاد غمارة. فلما هلك حسن بالأندلس، أجاز (نجا) إلى الأندلس واستخلف على العمل من وثق به من الموالي الصّقالبة، واستمرّت في الموالي واحدا بعد آخر إلى أن استقلّ بسبتة وطنجة من موالي بني حمّود الحاجب (سكّوت البرغوطي) فاستقلّ بسبتة وطنجة وأطاعته قبائل غمارة؛ واتّصلت أيامه إلى أن كانت دولة المرابطين، وغلب أمير المسلمين «يوسف بن تاشفين» «1» على مغراوة بفاس، وسار إلى بلاد غمارة ونازل سكوت الحاجب، وكانت بينهما واقعة قتل فيها سكوت، ولحق ضياء الدولة بن سكوت بسبتة فأقام بها إلى أن نازله المعزّ بن يوسف بن تاشفين بها فقبض عليه ثم قتله؛ وانقرضت دولة بني حمّود من بلاد غمارة وصارت في ملك المرابطين إلى أن فتح بنو عبد المؤمن من الموحّدين مرّاكش، فدخل أهل سبتة وسائر غمارة في طاعتهم؛ وأقامت على ذلك إلى أن ضعفت دولة بني عبد المؤمن: ثار في غمارة محمد بن محمد اللّثاميّ المعروف بابي الطواجن، وكان له يد في السّيمياء، وارتحل إلى سبتة فنزل عليها وادّعى النبوّة وأظهر أنواعا من السيمياء فاتّبعه جماعة، ثم ظهر لهم حقيقة أمره فرجعوا عنه، وقتله بعض البربر غيلة، إلى أن كانت أيام بني مرين وغلبهم على بلاد المغرب فامتنعت عليهم سبتة، وقام بأمرها الفقيه أبو القاسم العزفي من مشيختها فبقيت بيده ويد بنيه إلى أن ملكها منهم بنو مرين سنة تسع وعشرين وسبعمائة في أيام السلطان أبي الحسن، فصارت

القاعدة الثالثة (مدينة مراكش)

تابعة لفاس دار ملك بني مرين جارية في يد ملوكها، وهي باقية بأيديهم إلى زماننا بعد العشر والثمانمائة. القاعدة الثالثة «1» (مدينة مرّاكش) بفتح الميم وتشديد الراء المهملة وفتحها وألف ساكنة ثم كاف ثم شين معجمة. وهي مدينة واقعة في أوّل الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى عشرة درجة، والعرض تسع وعشرون درجة. بناها أمير المسلمين «يوسف بن تاشفين» ملك المرابطين في أرض صحراويّة، وجلب إليها المياه. قال ابن سعيد: وأوّل ما بني بها القصر المعروف (بقصر الحجر) ثم بنى الناس حوله؛ ثم زادها يعقوب بن عبد المؤمن، وكبّرها ومصرّها، وفخّمها وضخّمها؛ وجلب إليها المياه والغراس. قال في «تقويم البلدان» ودورها سبعة أميال، ولها سبعة عشر بابا. قال في «الروض المعطار» : وبنى سورها عليّ بن يوسف بن تاشفين في سنة ستّ وعشرين وخمسمائة، وقيل سنة أربع عشرة وخمسمائة. قال: وطولها مائة وعشرون ميلا، وعرضها قريب من ذلك؛ وهي في وطاءة من الأرض ليس حولها جبال إلا جبل صغير منه قطع الحجر الذي بنى منه عليّ بن يوسف بن تاشفين قصره؛ وعامّة بنائها بالطين والطوب. قال ابن سعيد: وهي مما سكنت بها وعرفتها ظاهرا وباطنا، ولا أرى عبارة تفي بما تحتوي عليه، ويكفي أن كلّ قصر من قصورها مستقلّ بالديار والبساتين والحمّام والإصطبلات والمياه، وغير ذلك حتّى إن الرئيس منهم يغلق بابه على جميع خوله وأقاربه وما يحتاج إليه، ولا يخرج من بابه إلى خارج داره لحاجة يحتاجها، ولا يشترى شيئا من السوق لمأكل، ولا يقريء أولاده في مكتب،

ويخرج من بابه راكبا فلا تقع عليه العين راجلا. قال: ولا أدري كيف أصل إلى غاية من الوصف أصف بها ترتيب هذه المدينة المحدثة؟ فإنها من عجائب همّات السلاطين، ذات أسوار ضخمة وأبواب عالية. وبظاهرها مدينة اختطها المنصور «يعقوب بن عبد المؤمن» له ولخواصّه تعرف بتامرّاكش، وبها قصر الخلافة الذي بناه به دور عظيمة، وبها بستان يعرف بالبحيرة طوله اثنا عشر ميلا، به بركة عظيمة لم يعمل مثلها قال العقيليّ: طولها ثلاثمائة وثمانون باعا، على جانبها الواحد أربعمائة شجرة نارنج، بين كل اثنتين منها ليمونة أو ريحانة. وهي أكثر بلاد الغرب بساتين، وشجرها أكثر منها، وبساتينها تسقى بالبئار «1» وبئارها قريبة الرشاء «2» على نحو قامتين من وجه الأرض، وهي كثيرة الزّرع والضّرع، وبها دار الضيافة المعروفة بدار الكرامة. وفيها يقول محمد بن محمد البربريّ من أبيات يمدحهم ويصفها: (خفيف) . خير قوم دعوا إلى خير دار ... هي للملك نضرة وكمامه عالم السبعة الأقاليم فيها، ... وهم في فنائها كالقلامه وبمرّاكش جامع جليل يعرف بالكتبيّين، طوله مائة وعشرة أذرع، وعلى بابه ساعات مرتفعة في الهواء خمسين ذراعا، كان يرمى فيها عند انقضاء كلّ ساعة صنجة زنتها مائة درهم، تتحرك لنزولها أجراس تسمع على بعد، تسمّى عندهم بالبحّانة. قال في «تقويم البلدان» : إلا أنّ الناس أكثروا فيها البساتين فكثر وخمها. قال في «الروض المعطار» : وقد هجاها أبو القاسم بن أبي عبد الله محمد ابن أيوب بن نوح الغافقيّ من أهل بلنسية بأبيات أبلغ في ذمّها، فقال: (مخلّع البسيط) . مرّاكش إن سألت عنها، ... فإنّها في البلاد عار! هواؤها في الشّتاء ثلج ... وحرّها في المصيف نار!

القاعدة الرابعة (سجلماسة)

وكلّ ما ثمّ وهو خير ... من أهلها عقرب وفار! فإن أكن قد مكثت فيها، ... فإنّ مكثي بها اضطرار! وكانت هذه المدينة دار ملك المرابطين من الملثّمين الذين ملكوا بعد بني زيري، ثم الموحّدين من بعدهم. قال ابن سعيد: وبينها وبين فاس عشرة أيام. وقال في «الروض المعطار» : نحو ثمانية أيام. قال: وبينها وبين جبال درن نحو عشرين ميلا. القاعدة الرابعة (سجلماسة) بكسر السين المهملة وكسر الجيم وسكون اللام وفتح الميم ثم ألف وسين مهملة مفتوحة وهاء في الآخر، وهي مدينة في جنوب الغرب الأقصى في آخر الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: حيث الطول ثلاث عشرة درجة واثنتان وعشرون دقيقة والعرض ستّ وعشرون درجة وأربع وعشرون دقيقة. وهي مدينة عظيمة إسلامية، وبينها وبين البحر الرّوميّ خمس عشرة مرحلة، وليس قبليّها ولا غربيّها عمران، وبينها وبين غابة من بلاد السّودان مسيرة شهرين في رمال وجبال قليلة المياه، لا يدخلها إلا الإبل المصبرة على العطش. اختطّها يزيد «1» بن الأسود من موالي العرب، وقيل: مدرار بن عبد الله. وكان من أهل الحديث، يقال إنه لقي عكرمة مولى ابن عباس بأفريقيّة وسمع منه. وكان صاحب ماشية، وكان ينتجع موضع سجلماسة بالصّحراء ليرعى به ماشيته، فكان يجتمع إليه أهل تلك الصحراء من مكناسة والبربر، وكانوا يدينون بدين الصّفرية من

الخوارج، فاجتمع عليه جماعة منهم فلما بلغوا أربعين رجلا قدّموا عليهم يزيد بن الأسود «1» وخلعوا طاعة الخلفاء، واختطّوا هذه المدينة سنة أربعين ومائة من الهجرة. ولها اثنا عشر بابا، وهي كثيرة العمارة، كثيرة البساتين، رائقة البقاع، ذات قصور ومنازل رفيعة وعمارات متّصلة، على نهر كثير الماء يأتي من جهة المشرق من الصحراء، يزيد في الصيف كزيادة النّيل، ويزرع على مائة كما يزرع على ماء النيل، والزّرع عليه كثير الإصابة، والمطر عندهم قليل: فإذا كانت السنة كثيرة الأمطار، نبت لهم ما حصدوه في العام السابق من غير بذر، وربما حصدوه عند تناهيه وتركوا أصوله فتنبت ثانيا. ويقال: يزرع بها عاما ويحصد ثلاثة أعوام، وذلك أن أرضها مشقّة، وهي بلدة شديدة الحرّ فإذا يبس الزرع تناثر عند الحصاد ودخل في الشّقوق، فإذا كان العام الثاني وعلاه ماء النهر وخرج عنه حرثوه بلا بذر فينبت ما في الشّقوق، ويبقى كذلك ثلاث سنين. وقد حكى ابن سعيد: أن هذا الزرع في السنة الأولى يكون قمحا، وفي باقي السنين سلتا، وهو حبّ بين القمح والشعير. وبها الرّطب، والتمر، والعنب الكثير، والفواكه الجمّة، وليس فيها ذئاب ولا كلاب لأنهم يسمّونها ويأكلونها، وقلمّا يوجد فيها صحيح العينين، ولا يوجد بها مجذوم، ولها ثمانية أبواب من أيّ باب منها خرجت ترى النهر والنخيل وغير ذلك من الشجر، وعليها وعلى جميع بساتينها حائط يمنع غارة العرب مساحته أربعون ميلا، وثمرها يفضل ثمر سائر بلاد المغرب، حتى يقال: إنه يضاهي الثّمر العراقيّ، وأهلها مياسير، ولها متاجر إلى بلاد السّودان، يخرجون إليها بالملح والنّحاس والودع، ويرجعون منها بالذهب التّبر. قال ابن سعيد: رأيت صكّا لأحدهم على آخر مبلغه أربعون ألف دينار. ولمّا قدّموا عليهم عيسى بن الأسود «2» المقدّم ذكره، أقام عليهم أياما ثم قتلوه

سنة خمس وخمسين ومائة، واجتمعوا بعده على كبيرهم (أبي القاسم سمكو) ، بن واسول بن مصلان، بن أبي يزول، بن تافرسين، بن فراديس، بن ونيف، بن مكناس، بن ورصطف، بن يحيى، بن تمصيت، بن ضريس، بن رجيك، بن مادغش، بن بربر. كان أبوه سمكو من أهل العلم ارتحل إلى المدينة النبوية (على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام) فأدرك التابعين، وأخذ عن عكرمة مولى ابن عباس، ومات فجأة سنة سبع وستين ومائة لثنتي عشرة سنة من ولايته. وكان مع ذلك على مذهب الصّفرية، وخطب في عمله للمنصور والمهديّ من خلفاء بني العباس. ولما مات ولي مكانه ابنه (إلياس بن أبي القاسم) [وكان يدعى بالوزير ثم انتقضوا عليه] «1» سنة أربع وسبعين ومائة [فخلعوه] «2» وولي مكانه أخوه (اليسع بن أبي القاسم) وكنيته أبو منصور، فبنى سور سجلماسة، وشيّد بنيانها، واختطّ بها المصانع والقصور لأربع وثلاثين سنة من ولايته. وعلى عهده استفحل ملكهم بسجلماسة، وسكنها آخر المائة الثانية بعد أن كان يسكن الصّحراء وهلك سنة ثمان ومائتين. ووليّ بعده ابنه (مدرار) ولقّب المنتصر وطال أمد ولايته. وكان له ولدان اسم كل منهما ميمون، فوقع الحرب بينهما ثلاث سنين، ثم كان آخر أمرهما أن غلب أحدهما أخاه وأخرجه من سجلماسة، ثم خلع أباه واستقلّ بالأمر، وساءت سيرته في الرعيّة فخلعوه، وأعادوا مدرارا أباه. ثم حدّث نفسه بإعادة ابنه ميمون فخلعوه وولّوا ابنه (ميمونا) الآخر، وكان يعرف بالأمير، ومات مدرار إثر ذلك سنة ثلاث وخمسين ومائتين. [ومات ميمون

سنة ثلاث وستين ومائتين] «1» وولي مكانه ابنه (محمد) فبقي إلى أن توفّي سنة سبعين ومائتين. فولي مكانه (اليسع) بن المنتصر. وفي أيامه وفد عبيد الله المهديّ الفاطميّ وابنه أبو القاسم على سجلماسة في خلافة المعتضد العباسيّ، وكان اليسع على طاعته فبعث المعتضد إليه فقبض عليهما واعتقلهما إلى أن غلب أبو عبد الله الشّيعي داعي المهديّ بني الأغلب أصحاب أفريقية، فقصد سجلماسة فخرج إليه اليسع في قومه مكناسة، فهزمه أبو عبد الله الشيعي واقتحم عليه البلد، وقتله سنة ستّ وتسعين ومائتين، واستخرج عبيد الله وابنه من محبسهما، وبايع (لعبيد الله المهديّ) . وولّى المهديّ «2» على سجلماسة (إبراهيم بن غالب المزاتي) وانصرف إلى أفريقيّة، ثم انتقض أهل سجلماسة على واليهم إبراهيم ومن معه من مكناسة سنة ثمان وتسعين ومائتين. وبايعوا (الفتح بن ميمون) الأمير ابن مدرار المتقدّم ذكره، ولقبه واسول، وهلك قريبا من ولايته على رأس المائة الثالثة. وولي مكانه أخوه (أحمد بن ميمون) الأمير، واستقام أمره إلى أن زحف مصالة بن حيوس «3» في جموع كتامة ومكناسة إلى المغرب سنة تسع وثلاثمائة، فافتتح سجلماسة وقبض على صاحبها أحمد بن ميمون. وولّى عليها ابن عمه (المعتزّ بن محمد) بن يادن بن مدرار، فلم يلبث أن

استبدّ وتلقب المعتزّ، وبقي حتى مات سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة قبل موت المهديّ. وولي من بعده ابنه أبو المنتصر (محمد بن المعتزّ) فأقام عشرا ثم هلك. وولي من بعده ابنه (المنتصر سمكو) شهرين، ودبّرته جدّته لصغره. ثم ثار عليه ابن عمه (محمد بن الفتح) بن ميمون الأمير وتغلّب عليه، وشغل عنه بنو عبيد الله المهديّ بفتنة ابن أبي العافية «1» وغيرها، فدعا لنفسه مموّها بالدعاء لبني العبّاس وتلقّب الشاكر لله، وأخذ بمذاهب أهل السّنّة ورفض الخارجية، وكان جميع من تقدّم من سلفه على رأي الأباضيّة والصّفرية من الخوارج، وضرب السّكّة باسمه ولقبه، وبقي كذلك حتى فرغ بنو عبيد الله من الفتن، فزحف القائد جوهر أيام المعزّ لدين الله معدّ إلى المغرب سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، فغلب على سجلماسة وملكها وفرّ محمد بن الفتح عنها، ثم قبض عليه جوهر بعد ذلك وحمله إلى القيروان. فلما انتقض المغرب على العبيديّين وفشت فيه دعوة الأمويّين بالأندلس، ثار بسجلماسة قائم من ولد الشاكر، وتلقّب (المنتصر بالله) ثم وثب عليه أخوه (أبو محمد) سنة اثنتين وخمسين فقتله وقام بالأمر مكانه، وتلقب (المعتز بالله) وأقام على ذلك مدّة، وأمر مكناسة يومئذ قد تداعى إلى الانحلال، وأمر زناتة قد استفحل بالمغرب إلى أن زحف خزرون بن فلفول من ملوك مغراوة إلى سجلماسة سنة ستّ وستين وثلاثمائة، وبرز إليه أبو محمد المعتزّ فهزمه خزرون وقتله واستولى على بلده، وبعث برأسه إلى قرطبة مع كتابه بالفتح، وكان ذلك لأول حجابة المنصور بن أبي عامر «2» بقرطبة، فعقد لخزرون على

سجلماسة، فأقام دعوة هشام في نواحيها، فكانت أوّل دعوة أقيمت لهم في أمصار المغرب الأقصى، وانقرض أمر مكناسة من المغرب أجمع. وانتقلت الدّولة إلى مغراوة وبني يفرن وعقد هشام (لخزرون) على سجلماسة وأعمالها، وجاءه عهد الخليفة بذلك، وضبطها وقام بأمرها إلى أن هلك. فولي أمر سجلماسة من بعده ابنه (وانّودين بن خزرون) إلى أن غلب زيري ابن مياد على المغرب، فعقد على سجلماسة (لحميد بن فضل) المكناسي، وفرّ وانّودين بن خزرون عنها، ثم أعاده عبد الملك إلى سجلماسة بعد ذلك على قطيعة يؤدّيها إليه، ثم استقلّ بها من أوّل سنة تسعين وثلاثمائة مقيما للدعوة الأمويّة بالأندلس، ورجع المعزّ بن زيري بولاية المغرب عن المظفّر بن أبي عامر، واستثنى عليه ولاية سجلماسة لكونها بيد وانّودين، واستفحل ملك وانّودين، واستضاف إلى سجلماسة بعض أعمال المغرب ومات. فقام بالأمر من بعده ابنه (مسعود بن وانّودين) إلى أن خرج (عبد الله بن ياسين) شيخ المرابطين، فقتل ابن وانّودين سنة خمس وأربعين وأربعمائة، ثم ملك سجلماسة بعد ذلك سنة ست وأربعين، ودخلت في ملك المرابطين لأوّل أمرهم، وانقرضت دولة بني خزرون منها، وتداولها من بعدهم من ملوك الموحّدين، ثم ملوك بني مرين على ما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك الغرب الأقصى إن شاء الله تعالى. وأما ما اشتملت عليه هذه المملكة من المدن المشهورة. فمنها مدينة (آسفي) بفتح الهمزة ومدّها وكسر السين المهملة والفاء وياء مثناة تحت في آخرها. وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول سبع درج، والعرض ثلاثون درجة. قال في «تقويم

البلدان» : وهي من عمل دكّالة، وهي كورة عظيمة من أعمال مرّاكش، قال ابن سعيد: وهي على جون من البحر داخل في البرّ، في مستو من الأرض، وهي فرضة مرّاكش، وبينها وبين مرّاكش أربعة أيام؛ وأرضها كثيرة الحجر، وليس بها ماء إلا من المطر، وماؤها النّبع غير عذب، وبساتينها تسقى على الدّواليب، وكرومها على باب البلد. قال الشيخ عبد الواحد: وهي تشبه حماة ودونها في القدر، ولكن ليس لها نهر يجري. ومنها (سلا) بفتح السين واللام وفي آخرها ألف، وهي مدينة من الغرب الأقصى في آخر الإقليم الثالث قال ابن سعيد: حيث الطول سبع درج وعشر دقائق [والعرض ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة] «1» وهي مدينة قديمة في غربيّها البحر المحيط وفي جنوبيّها نهر عظيم يصبّ في البحر المحيط والبساتين والكروم. وبنى «عبد المؤمن» أمامها من الشّطّ الجنوبيّ على النهر والبحر المحيط قصرا عظيما، وبنى خاصّته حوله المنازل فصارت مدينة عظيمة سماها المهديّة. وسلا متوسّطة بين بلاد المغرب الأقصى قريبة من الأندلس؛ وهي مدينة كثيرة الرّخاء، ولها معاملة كبيرة يقال لها تامسنّا، كثيرة الزّرع والمرعى، وفيها مدن كثيرة. ومنها (لمطة) بفتح اللام وسكون الميم وفتح الطاء المهملة. وهي مدينة من الغرب الأقصى واقعة في آخر الإقليم الثاني قال بعضهم: حيث الطول سبع درج وثلاثون دقيقة، والعرض سبع وعشرون درجة، على ثلاث مراحل من البحر المحيط، ولها نهر كبير ينزل من جبل في شرقيها على مرحلتين منها، يجري على جنوبيّها غربا بميلة إلى الشّمال حتّى يصبّ في البحر المحيط. ومنها (السّوس) بضم السين المهملة وسكون الواو ثم سين ثانية. وهي مدينة من أقصى المغرب في الإقليم الثاني قال ابن سعيد: حيث الطول ثمان درج

والعرض ستّ وعشرون درجة وعشرون دقيقة، وهي على طرف من البرّ داخل في البحر أربعين ميلا، وفي جانبها الشّمالي نهر يأتي من الشرق من جبل لمطة. ومنها (قصر عبد الكريم) وضبطه معروف. وهي مدينة من الغرب الأقصى في أوائل الإقليم الرابع قال ابن سعيد: حيث الطول ثمان درج وثلاثون دقيقة، والعرض أربع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. وهي مدينة على نهر من جهتها الشّمالية، وهو نهر كبير تصعد فيه المراكب من البحر المحيط، وجانباه محفوفان بالبساتين والكروم. وكان قاعدة تلك الناحية قبلها مدينة اسمها (البصرة) يسكنها الأدارسة؛ فلما عمرت هذه المدينة صارت هي القاعدة. ومنها (طنجة) بفتح الطاء المهملة وسكون النون وفتح الجيم ثم هاء في الآخر. وهي مدينة من أقاصي المغرب واقعة في الإقليم الرابع قال ابن سعيد: حيث الطول ثمان درج وإحدى وثلاثون دقيقة، والعرض خمس وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. وهي مدينة على بحر الزّقاق، واتساع البحر عندها ثلث مجرى، فإذا شرّق عنها اتّسع عن ذلك. وهي مدينة أزليّة، واستحدث أهلها لهم مدينة على ميل منها على ظهر جبل ليمتنعوا بها، والماء ينساق إليها في قنيّ. قال في «مسالك الأبصار» : وكانت دار ملك قديم. وهي التي كانت قاعدة تلك الجهات قبل الإسلام إلى حين فتح الأندلس؛ وهي محطّ السّفن؛ وهي كثيرة الفواكه، لا سيما العنب والكمّثرى؛ وأهلها مشهورون بقلة العقل وضعف الرأي، على أن منها أبو الحسن الصّنهاجيّ الطّنجيّ، ترجم له في قلائد العقيان وأثنى عليه، وأنشد له أبياتا منها: (وافر) . وقد تحمي الدّروع من العوالي ... ولا تحمى من الحدق الدّروع! وكذلك أبو عبد الله بن محمد بن أحمد الحضرميّ القائل: (طويل) . وضنّوا بتوديع، وجادوا بتركه ... وربّ دواء مات منه عليل! ومنها (درعة) بفتح الدال وسكون الراء وفتح العين المهملات وهاء في الآخر. وهي مدينة من جنوبيّ المغرب الأقصى واقعة في الإقليم الثاني. نقل في

«تقويم البلدان» عن بعضهم أنّ طولها إحدى عشرة درجة وستّ دقائق، وعرضها خمس وعشرون درجة وعشر دقائق. قال في «نزهة المشتاق» : وهي قرى متصلة، وعمارات متقاربة، وليست بمدينة يحوط بها سور ولا حفير «1» ولها نهر مشهور في غربيها ينزل من ربوة حمراء عند جبل درن، وتنبت عليه الحنّاء، ويغوص ما يفضل منه بعد السّقي في صحارى تلك البلاد. ومنها (أغمات) قال في «اللباب» : بفتح الألف وسكون الغين المعجمة وفتح الميم وألف وتاء مثناة من فوق في آخرها. وهي مدينة من الغرب الأقصى، واقعة في الإقليم الثالث. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أن طولها إحدى عشرة درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثمان وعشرون درجة وخمسون دقيقة. وهي مدينة قديمة في الجنوب بميلة إلى الشرق عن مرّاكش، في مكان أفيح طيّب التّربة، كثير النبات والعشب، والمياه تخترقه يمينا وشمالا. قال ابن سعيد: وهي التي كانت قاعدة ملك أمير المسلمين «يوسف بن تاشفين» «2» قبل بناء مرّاكش. قال الإدريسي: وحولها جنات محدّقة، وبساتين وأشجار ملتفّة؛ وهواؤها صحيح، وفيها نهر ليس بالكبير، يشقّ المدينة يأتيها من جنوبيّها ويخرج من شماليها، وربما جمد في الشتاء حتّى يجتاز عليه الأطفال. ومنها (تادلا) قال في «تقويم البلدان» عن الشيخ عبد الواحد: بفتح المثناة من فوق ثم ألف ودال مهملة مكسورة ولام ألف. ثم قال: وفي خطّ ابن سعيد تادلة في آخرها هاء، وهي مدينة بالمغرب الأقصى في جهة الجنوب في الإقليم الثالث قال ابن سعيد: حيث الطول اثنتا عشرة درجة، والعرض ثلاثون درجة. قال ابن سعيد: وهي مدينة بين جبال صنهاجة، ويقال هي قاعدة

صنهاجة «1» ، وغربيّها جبل درن ممتدّ إلى البحر المحيط، وهي بين مرّاكش وبين أعمال فاس، ولها عمل جليل، وأهلها بربر يعرفون بحراوة. ومنها (أزمّور) قال الشيخ شعيب: بفتح الهمزة «2» والزاي المعجمة وتشديد الميم ثم واو وراء مهملة في الآخر. وهي مدينة على ميلين من البحر أكثر سكّانها صنهاجة. ومنها (المزمّة) وهي فرضة ببر العدوة تقابل فرضة المنكّب من برّ الأندلس من ساحل غرناطة. والمزمّة في الشرق عن سبتة بينهما مائتا ميل. ومنها (مدينة باديس) وهي فرضة مشهورة من فرض غمارة في الجنوب والشرق عن سبتة بينهما نحو مائة ميل. قال في «تقويم البلدان» : وهي قياسا حيث الطول عشر درج وثلاثون دقيقة، والعرض أربع وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة. ومنها (أودغست) قال الشيخ عبد الواحد: بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح الدال المهملة «3» والغين المعجمة وسكون السين المهملة وفي آخرها تاء مثناة فوق. وهي مدينة في المغرب الأقصى في الجنوب في الصّحراء في الإقليم الثاني قال في «الأطوال» : حيث الطول ثمان درج وثمان دقائق. قال في «القانون» : والعرض ستّ وعشرون درجة. قال: وهي في براريّ سودان المغرب. قال في «العزيزي» : وهي جنوبيّ سجلماسة وبينهما ستّ وأربعون مرحلة في رمال ومفاوز على مياه معروفة، ولها أسواق جليلة، والسفن تصل إليها

الجملة الثالثة (في ذكر جبالها المشهورة. وهي عدة جبال)

في البحر المحيط من كلّ بلد، وسكّان هذه المدينة أخلاط من البربر المسلمين، والرّياسة فيها لصنهاجة. قال في «العزيزي» . ولأودغست أعمال واسعة، وهي شديدة الحرارة، وأمطارها في الصيف، ويزرعون عليها الحنطة، والذّرة، والدّخن، واللّوبيا، والكرسنّة، وبها النخل الكثير وليس فيها فاكهة سوى التين، وبها شجر الحجاز كلّه: من السّنط والمقل وغيرهما. قلت: وقد ذكر في «مسالك الأبصار» عدّة مدن غير هذه غير مشهورة يطول ذكرها. الجملة الثالثة (في ذكر جبالها المشهورة. وهي عدّة جبال) منها (جبل درن) بفتح الدال والراء المهملتين ونون في الآخر. قال ابن سعيد: وهو جبل شاهق مشهور لا يزال عليه الثلج، أوّله عند البحر المحيط الغربيّ في أقصى المغرب، وآخره من جهة الشّرق على ثلاث مراحل من إسكندرية من الديار المصرية، ويسمّى طرفه الشرقيّ المذكور رأس أوثان، فيكون امتداده نحو خمسين درجة، وفي غربيّه بلاد تينملك من قبائل البربر، وشرقيها بلاد هنتاتة من البربر أيضا وشرقيها بلاد مشكورة منهم، وشرقيها بلاد المصامدة. ومنها (جبل كزولة) وهي قبيلة من البربر. قال ابن سعيد: وابتداؤه من البحر المحيط الغربيّ، ويمتدّ مشرّقا إلى حيث الطول اثنتا عشرة درجة، وموقعه بين الإقليم الثاني والإقليم الثالث، وبه مدينة اسمها تاعجست. ومنها (جبل غمارة) . بضم الغين المعجمة وفتح الراء بعد الألف. وهي قبيلة من البربر أيضا؛ وهو جبل ببرّ العدوة فيه من الأمم ما لا يحصيه إلا الله تعالى، وهو ركن على البحر الروميّ، فإن بحر الزّقاق إذا جاوز سبتة إلى الشّرق انعطف جنوبا إلى جبل عمارة المذكورة، وهناك مدينة باديس المقدّم ذكرها. ومنها (جبل مديونة) بفتح الميم وسكون الدال المهملة وضم المثناة من

الجملة الرابعة (في ذكر أنهارها المشهورة، وهي عدة أنهار)

تحت وواو ثم نون مفتوحة وهاء في الآخر: وهو جبل ببرّ العدوة شرقيّ مدينة فاس، يمتدّ إلى الجنوب حتّى يتصل بجبال درن، ومديونة قبيلة من البربر واطنون به. ومنها (جبال مدغرة) وهي شرقيّ مديونة، ومعظم أهلها كومية- بضم الكاف وكسر الميم وفتح المثناة تحت وهاء في الآخر. وهي قبيلة من البربر، منها «عبد المؤمن» أحد أصحاب المهديّ بن تومرت. ومنها (جبل يسر) بضم الياء المثناة تحت وسكون السين المهملة. وهو جبل شرقيّ مديونة أيضا منه ينبع نهر يسر المذكور. ومنها (جبل ونشريش) وهو جبل يتصل بجبل يسر من شرقيه، وفيه تعمل البسط الفائقة، ومنه ينبع نهر سلف المشهور. قال ابن سعيد: وهو نهر كبير يزيد عند نقص الأنهار كنيل مصر. الجملة الرابعة (في ذكر أنهارها المشهورة، وهي عدّة أنهار) منها (نهر السّوس الأقصى) وهو نهر يأتي من الجنوب والشرق من جبل يعرف بجبل لمطة، ويجري إلى الشمال، ويمرّ على مدينة السّوس من شماليّها، ويزرع على جانبيه قصب السكّر والحنّاء وغير ذلك كما يزرع في مصر، ويجرى حتى يصبّ في البحر المحيط الغربيّ. ومنها (نهر سجلماسة) الآتي ذكرها، وهو نهر منبعه من جنوبيّ سجلماسة بمسافة بعيدة، ويمرّ من شرقيها ويجري حتّى يصبّ في نهر ملويّة الآتى ذكره. ومنها (نهر ملويّة) قال ابن سعيد: وهو نهر كبير مشهور في المغرب الأقصى، يصبّ إليه نهر سجلماسة ويصيران نهرا واحدا، يجرى حتّى يصب في بحر الروم شرقيّ سبتة. ومنها (نهر فاس) وهو نهر متوسّط يشقّ مدينة فاس كما تقدّم قال في

المقصد الثاني (في ذكر زروعها، وحبوبها، وفواكهها، وبقولها ورياحينها ومواشيها، ومعاملاتها، وصفات أهلها. وفيه خمس جمل)

«تقويم البلدان» ومخرجه على نصف يوم من فاس، يجري في مروج وأزاهر حتّى يدخلها. المقصد الثاني (في ذكر زروعها، وحبوبها، وفواكهها، وبقولها ورياحينها ومواشيها، ومعاملاتها، وصفات أهلها. وفيه خمس جمل) الجملة الأولى (في ذكر زروعها، وحبوبها، وفواكهها، وبقولها، ورياحينها) أما زرعها فعلى المطر كما تقدّم في أفريقيّة. وأما حبوبها: ففيها من أنواع الحبوب: القمح، والشعير، والفول، والحمّص، والعدس، والدّخن، والسّلت وغير ذلك. أما الأرزّ فإنه عندهم قليل، بعضه يزرع في بعض الأماكن من برّ العدوة، وأكثره مجلوب إليهم من بلاد الفرنج. على أنهم لا نهمة لهم في أكله ولا عناية به. وبها السّمسم على قلّة، ولا يعتصر منه بالمغرب شيرج لاستغنائهم عنه بالزّيت حتّى مزورات الضعفاء وكذلك يعملون الحلوى بالعسل والزّيت، وإنما يستعمل الشّيرج عندهم في الأمور الطّبّيّة. وأما فواكهها، فبها أنواع الفواكه المستطابة اللذيذة المختلفة الأنواع: بين النخل، والعنب، والتّين، والرمّان، والزيتون، والسّفرجل، والتّفّاح على أصناف، وكذلك الكمّثرى، وتسمّى عندهم الإنجاص كما بدمشق، وبها المشمش والتين «1» ، والبرقوق، والقراصيا، والخوخ، وغالب ذلك على عدّة أنواع، والتّوت على قلة، والجوز، واللّوز. ولا يوجد بها الفستق والبندق إلا مجلوبا. وبها الأترجّ، واللّيمون، والليم، والنارنج، والزّنبوع، وهو المسمّى

الجملة الثانية (في مواشيها، ووحوشها، وطيورها)

بمصر والشام الكبّاد. وبها البطّيخ الأصفر والأخضر واسمه عندهم الدلاع كما في سائر بلاد المغرب على قلة، والموجود منه غير مستطاب. وبها الخيار، والقثّاء، واللّفت، والباذنجان، والقرع، والجزر، واللّوبيا، والكرنب، والشّمار، والصّعتر وسائر البقول. والموز موجود بها في بعض المواضع نادرا، والقلقاس لا يزرع عندهم إلا للتفرّج على عروقه لا لأن يؤكل، وبها قصب السكر بجزائر بني مزغنّان وبسلا كثير، ويعصر ثم يعمل منه القند ومن القند السّكّر على أنواع لا سيما بمرّاكش، فإنه يقال إن بها أربعين معصرة للسّكّر، وإنّ حمل حمار من القصب يساوي درهما من دراهمهم: وهو ثلث درهم من الدراهم المصرية؛ ويعمل منه المكرّر الفائق، ومع ذلك فليس لهم به اهتمام لاكتفائهم عنه بعسل النحل مع كثرته عندهم، وميلهم إليه أكثر من السكّر، حتّى يقال إنه لا يستعمل السّكّر عندهم إلا الغرباء أو المرضى. وأما رياحينها، فبها الورد، والبنفسج، والياسمين، والآس، والنّرجس، والسّوسن، والبهار، وغير ذلك. الجملة الثانية (في مواشيها، ووحوشها، وطيورها) أما مواشيها، ففيها من الدوابّ الخيل، والبغال، والحمير، والإبل، والبقر، والغنم؛ أما الجاموس فلا يوجد عندهم. وأما الطير، فبها منه الإوزّ، والحمام، والدّجاج ونحوها، والكركيّ عندهم كثير على بعد الدار، واسمه عندهم الغرنوق، وهو صيد الملوك هناك كما بمصر والشام. وأما وحوشها، ففيها من أنواع الوحش الحمر، والبقر، والنّعام، والغزال، والمها وغير ذلك.

الجملة الثالثة (فيما تتعامل به من الدنانير، والدراهم، والأوزان، والمكاييل)

الجملة الثالثة (فيما تتعامل به من الدّنانير، والدراهم، والأوزان، والمكاييل) أما مثاقيل الذهب فأوزانها لا تختلف، وأما الدراهم فذكر في «مسالك الأبصار» عن السلايحي: أن معاملتها درهمان: درهم كبير، ودرهم صغير؛ فالدّرهم الكبير قدر ثلث درهم من الدراهم النّقرة بمصر والشام، والدّرهم الصغير على النّصف من الدرهم الكبير يكون قدر سدس درهم نقرة بمصر والشام. وعند الإطلاق يراد الدرهم الصغير دون الدرهم الكبير إلا بمرّاكش وما جاورها، فإنه يراد بالدرهم عند الإطلاق الدرهم الكبير. قال: وكلّ مثقال ذهب عندهم يساوي ستين درهما كبارا، تكون بعشرين درهما من دراهم النّقرة بمصر. وأما رطلها فعلى ما تقدّم من رطل أفريقيّة، وهي كلّ رطل ستّ عشرة أوقيّة، كل أوقيّة أحد وعشرون درهما من دراهمها. وأما كيلها فأكثره الوسق (ويسمّى الصّحفة) وهو ستّون صاعا بالصاع النبويّ على السواء. الجملة الرابعة (في ذكر أسعارها) قد ذكر في «مسالك الأبصار» عن السلايحي أيضا عن سعر زمانه المتوسّط في غالب الأوقات، (وهي الدولة الناصرية محمد بن قلاوون» وما قاربها) : أنّ سعر كل وسق من القمح أربعون درهما من الدّراهم الصّغار: وهو ثلاثة عشر درهما وثلث درهم من نقرة مصر، والشعير دون ذلك. وكلّ رطل لحم بدرهم واحد من الدراهم الصّغار، وكلّ طائر من الدّجاج بثلاثة دراهم من الصّغار، وعلى نحو ذلك.

الجملة الخامسة (في صفات أهلها في الجملة)

الجملة الخامسة (في صفات أهلها في الجملة) قد تقدّم أن معظم هذه المملكة في الإقليم الثالث. قال ابن سعيد: والإقليم الثالث هو صاحب سفك الدماء، والحسد، والحقد، والغلّ، وما يتبع ذلك. ثم قال: وأنا أقول: إن الإقليم الثالث وإن كثرت فيه الأحكام المرّيخيّة على زعمهم، فإن للمغرب الأقصى من ذلك الحظّ الوافر، لا سيّما في جهة السّوس وجبال درن، فإن قتل الإنسان عندهم كذبح العصفور، قال وكم قتيل قتل عندهم على كلمة وهم بالقتل يفتخرون. ثم قال: إن الغالب على أهل المغرب الأقصى كثرة التنافس المفرط، والمحاققة، وقلة التغاضي، والتهوّر، والمفاتنة. أما البخل فإنما هو في أراذلهم، بخلاف الأغنياء، فإن في كثير منهم السماحة المفرطة والمفاخرة بإطعام والاعتناء بالمفضول والفاضل. المقصد الثالث (في ذكر ملوكها، وما يندرج تحت ذلك: من انتقال الملك من الموحّدين إلى بني مرين والتعريف بالسلطان أبي الحسن الذي أشار إليه في كلامه في «التعريف» . وهم على طبقات) الطبقة الأولى (ملوكها قبل الإسلام) قد تقدّم أن بلاد المغرب كلّها كانت مع البربر، ثم غلبهم الرّوم الكيتم عليها ثم افتتحوا قرطاجنّة وملكوها، ووقع بين البربر والرّوم فتن كثيرة كان آخرها أن وقع الصلح بينهم على أن تكون البلاد والمدن الساحليّة للروم، والجبال والصحارى للبربر، ثم زاحم الفرنج الروم في البلاد، وجاء الإسلام والمستولي عليها من ملوك الفرنجة جرجيس ملكهم، وكان ملكه متصلا من طرابلس إلى البحر المحيط، وكرسيّ ملكه بمدينة سبيطلة، ومن يده انتزعها المسلمون عند الفتح.

الطبقة الثانية (نواب الخلفاء من بني أمية وبني العباس)

الطبقة الثانية (نوّاب الخلفاء من بني أمية وبني العبّاس) كان كرسيّ المملكة بعد الفتح بأفريقيّة، وكان نوّاب الخلفاء يقيمون بها وينزلون القيروان، وكانوا يولّون على ما فتح من بلاد المغرب من تحت أيديهم. فبقي الأمر على ذلك أيّام عبد الله بن أبي سرح «1» ، الذي افتتحها في خلافة عثمان ابن عفّان رضي الله عنه، ثم أيّام معاوية بن صالح، ثم أيام عقبة بن نافع «2» ، ثم أيّام أبي المهاجر «3» ، ثم أيّام عقبة بن نافع ثانيا، ثم أيام زهير بن قيس «4» ، ثم أيّام حسّان بن النعمان، «5» ثم أيام موسى بن نصير «6» ، ثم أيّام محمد بن يزيد، ثم أيام إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر، ثم أيام يزيد بن أبي مسلم، ثم أيام بشر بن صفوان الكلبيّ «7» ، ثم أيام عبيد بن عبد الرحمن السلمي، ثم أيام عبد الله بن الحبحاب «8» ، ثم أيام كلثوم بن عياض «9» ، ثم أيام حنظلة بن صفوان «10» ، ثم أيام

الطبقة الثالثة الأدارسة (بنو إدريس الأكبر بن حسن المثلث، بن حسن المثنى، بن الحسن السبط، بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم)

عبد الرحمن بن حبيب «1» ، ثم أيّام حبيب بن عبد الرحمن، ثم أيام عبد الملك بن أبي الجعد، ثم أيام عبد الأعلى بن السّمح المعافري «2» ، ثم أيام محمد بن الأشعث «3» ، ثم أيّام الأغلب بن سالم «4» ، ثم أيّام عمرو بن حفص «5» ،، ثم أيام يزيد بن حاتم بن قبيصة «6» ، ثم أيام روح بن حاتم «7» ، ثم أيام الفضل «8» بن روح، ثم أيام هرثمة بن أعين «9» ، ثم أيّام محمد بن مقاتل «10» ، ثم أيّام إبراهيم بن الأغلب «11» ، ممّن تقدّم ذكره في ملوك أفريقيّة في خلافة هارون الرشيد. وفي أيامه ظهرت دعوة الأدارسة الآتي ذكرهم بعد هذه الطبقة. وسيأتي بسط القول فيهم بعض البسط في الكلام على مكاتبة صاحب تونس. الطبقة الثالثة الأدارسة (بنو إدريس الأكبر بن حسن المثلث، بن حسن المثنّى، بن الحسن السبط، بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم) وكان مبدأ أمرهم أنه لما خرج حسين بن عليّ بن حسن المثلّث بمكة سنة سبعين ومائة أيّام الهادي واجتمع عليه قرابته وفيهم عمّه إدريس وقتل الحسين، فرّ إدريس ولحق بالمغرب، وصار إلى مدينة وليلي من المغرب الأقصى، فاجتمع

إليه قبائل البربر وبايعوه وفتح أكثر البلاد، وبقي حتى مات سنة خمس وسبعين ومائة. وأقاموا الدعوة بعده لابنه إدريس الأصغر. وكان أبوه قد مات وترك أمّه حاملا به فكفلوه حتّى شبّ، فبايعوه سنة ثمان وثمانين ومائة، وهو ابن إحدى عشرة سنة، وافتتح جميع بلاد المغرب وكثر عسكره، وضاقت عليهم وليلي فاختطّ لهم مدينة فاس سنة ثنتين وتسعين ومائة على ما تقدّم وانتقل إليها، واستقام له الأمر واستولى على أكثر بلاد البربر، واقتطع دعوة العباسيين، ومات سنة ثلاث عشرة ومائتين. وقام بالأمر بعده ابنه (محمد بن إدريس) ومات سنة إحدى وعشرين ومائتين بعد أن استخلف في مرضه ولده (عليشا بن محمد) وهو ابن تسع سنين، ومات سنة أربع وثلاثين ومائتين لثلاث عشرة سنة من ولايته. وكان قد عهد لأخيه (يحيى بن محمد) فقام بالأمر بعده ومات. فولي مكانه ابنه (يحيى بن يحيى) ثم مات فاستدعوا ابن عمه (عليّ بن عمر) ابن إدريس الأصغر فبايعوه بفاس، واستولى على جميع أعمال المغرب، وقتل سنة اثنتين وتسعين ومائتين. وقام بالأمر بعده (يحيى بن إدريس) بن عمر، بن إدريس الأصغر، وملك جميع المغرب وخطب له على منابره، وبقي حتّى وافته جيوش عبيد الله المهديّ الفاطميّ «1» ، فغلبوه على ملكه وخلع نفسه من الأمر وأنفذ بيعته إلى المهديّ سنة خمس وثلاثمائة واستقرّ عاملا للمهديّ على فاس وعملها خاصّة، وبقية المغرب بيد موسى «2» بن أبي العافية كما سيأتي.

الطبقة الرابعة (ملوك بني أبي العافية من مكناسة)

الطبقة الرابعة (ملوك بني أبي العافية من مكناسة) كانت مكناسة من قبائل البربر لأوّل الفتح بنواحي (تارا) «1» من أوساط المغرب الأقصى والأوسط وكانوا يرجعون في رياستهم إلى بني أبي باسل بن أبي الضحّاك وكانت الرياسة في المائة الثالثة لمصالة- بن حيوس، بن منازل، بن أبي الضّحّاك، بن يزّول، بن تافرسين، بن فراديس، بن ونيف، بن مكناس، بن ورصطف، بن يحيى، بن تمصيت، بن ضريس، بن رجيك، بن مادغش، بن بربر-؛ وموسى بن أبي العافية، بن أبي باسل، بن أبي الضحاك المتقدّم ذكره. ولما استولى عبيد الله المهدي على المغرب صار مصالة بن حيوس من أكبر قوّاده وولّاه مدينة تاهرت والغرب الأوسط. ولما زحف مصالة إلى المغرب الأقصى سنة خمس وثلاثمائة واستولى على فاس ثم على سجلماسة واستنزل يحيى بن إدريس بفاس إلى طاعة عبيد الله المهديّ وأبقاه أميرا على فاس على ما تقدّم، عقد لابن عمّه موسى بن أبي العافية أمير مكناسة على سائر ضواحي المغرب وأمصاره مضافة إلى عمله من قبل: تسول وتازا وما معهما وقفل مصالة إلى القيروان. فقام موسى بن أبى العافية بأمر المغرب، وعاود مصالة غزو المغرب سنة تسع وثلاثمائة: أغراه موسى بن أبي العافية بيحيى بن إدريس، فقبض عليه وأخذ ماله وطرده، فلحق ببني عمه بالبصرة والريف، وولّى مصالة مكانه على فاس ريحانا الكتاميّ وقفل إلى القيروان فمات، وعظم ملك موسى بن أبي العافية بالمغرب.

ثم ثار بفاس سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة (الحسن بن محمد) بن القاسم، بن إدريس الملقب بالحجّام، ودخل فاس على حين غفلة من أهلها وقتل ريحانا واليها، واجتمع الناس على بيعته، ثم خرج لقتال ابن أبي العافية والتقوا، فهلك جماعة من مكناسة ثم كانت الغلبة لهم. ورجع الحسن مهزوما إلى فاس فغدر به عامله على عدوة القرويّين: حامد بن حمدان الهمداني، فقبض عليه واعتقله وأمكن ابن أبي العافية من البلد، وزحف إلى عدوة الأندلسيين فملكها وقتل عاملها، وولّى مكانه أخاه محمدا، واستولى ابن أبي العافية على فاس وجميع المغرب وأجلى الأدارسة عنه. ثم استخلف على المغرب الأقصى ابنه (مدين) وأنزله بعدوة القرويّين، واستعمل على عدوة الأندلسيّين طوال بن أبي زيد «1» ، وعزل عنه محمد بن ثعلبة. ونهض إلى تلمسان سنة تسع عشرة وثلاثمائة فملكها، وغلب عليها صاحبها الحسن بن أبي العيش بن عيسى، بن إدريس، بن محمد بن سليمان: من عقب سليمان ابن عبد الله: أخي إدريس الأكبر الداخل إلى المغرب بعده؛ ورجع بعد فتحها إلى فاس وخرج عن طاعة العبيديين، وخطب للناصر الأمويّ خليفة الأندلس على منابر عمله، فبعث عبيد الله المهديّ قائده حميدا المكناسيّ ابن أخى مصالة إلى فاس، ففرّ عنها مدين بن موسى بن أبي العافية إلى أبيه فدخلها حميد، ثم استعمل عليها حامد بن حمدان ورجع إلى أفريقيّة، وقد دوّخ المغرب. ثم انتقض أهل المغرب على العبيديين بعد مهلك عبيد الله، وثار (أحمد بن بكر) بن عبد الرحمن بن سهل الجذاميّ على حامد بن حمدان عامل فاس، فقتله وبعث برأسه إلى موسى بن أبي العافية، فبعث به إلى الناصر الأمويّ بالأندلس واستولى على المغرب، وزحف (ميسور الخصيّ) قائد أبي القاسم بن عبيد الله

المهديّ سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة إلى فاس وحاصرها فأحجم ابن أبي العافية عن لقائه، واستنزل ميسور أحمد بن بكر عاملها وقبض عليه وبعث به إلى المهديّة. ثم خرج أهل فاس عن طاعته، وقدّموا على أنفسهم (حسن بن قاسم اللّواتي) ، ثم حاصرهم ميسور فدخلوا تحت طاعته، واشترطوا على أنفسهم الإتاوة، فقبل ميسور ذلك منهم، وأقرّ حسن بن قاسم على ولايته بفاس، وارتحل إلى حرب بن أبي العافية، فكانت بينهم حروب آخرها أن ظهر ميسور على ابن أبي العافية، وأجلاه عن أعمال المغرب إلى بلاد الصّحراء، ثم قفل ميسور إلى القيروان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. ورجع موسى بن أبي العافية من الصّحراء إلى أعماله بالمغرب، وزحف إلى تلمسان، ففرّ عنها أبو العيش ولحق بتكور، واستفحل أمر ابن أبي العافية بالمغرب الأقصى واتّصل عمله بعمل محمد بن خزر ملك مغراوة وصاحب المغرب الأوسط، وبثّوا دعوة الأمويّة في أعمالها، وبعث ابنه مدين إلى منازلة فاس فحاصرها، وهلك موسى في خلال ذلك سنة سبع وعشرين وثلاثمائة. وقام ابنه (مدين) بأمره، وعقد له الناصر الأمويّ على أعمال أبيه بالمغرب، ثم قسم أعماله بينه وبين أخويه البوري وأبي منقذ، وأجاز البوريّ إلى الناصر بالأندلس سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة فعقد له ثم هلك سنة خمس وأربعين وثلاثمائة وهو محاصر لأخيه مدين بفاس، فعقد الناصر لابنه (منصور) على عمله. ثم توفّي مدين، فعقد الناصر لأخيه أبي منقذ على عمله؛ ثم غلب مغراوة على فاس وأعمالها، واستفحل أمرهم بالمغرب. وأزاحوا مكناسة عن ضواحيه وأعماله؛ وأجاز إسماعيل بن البوري ومحمد بن عبد الله بن مدين إلى الأندلس، فنزلا بها إلى أن أجازوا مع واضح أيّام المنصور بن أبي عامر عند ما خرج زيري بن عطية عن طاعتهم سنة ستّ وثمانين وثلاثمائة.

الطبقة الخامسة (بنو زيري بن عطية من مغراوة من البربر)

الطبقة الخامسة (بنو زيري بن عطيّة من مغراوة من البربر) وهو زيري بن عطية، بن عبد الله، بن خزر، بن محمد، بن خزر، بن حفص، بن صولات، بن رومان، من بطون زناتة من البربر، وكان أوّليّة أمره أنّ زيري هذا كان أمير بني خزر في وقته، وانتهت إليه رياستهم وإمارتهم في البداوة. ولما غلب بلكين بن زيري الصّنهاجيّ صاحب أفريقيّة وقومه صنهاجة على المغرب الأوسط سنة تسع وستّين وثلاثمائة وأجلوا عنه مغرواة الذين كانوا به من تقادم السنين وصار المغرب الأوسط جميعه لصنهاجة، لحق مغراوة فيمن بقي من بني خزر، بالغرب الأقصى؛ وأمراؤهم يومئذ محمد بن الخير، ومقاتل وزيري ابنا عطية بن عبد الله، وخزرون بن فلفول، ووصلوا إلى سبتة وأميرهم المنصور بن أبي عامر حاجب. وبعث العزيز بن نزار العبيديّ من مصر الحسن بن كنّون من الأدارسة لاسترجاع ملكه بالمغرب، فبعث المنصور لحربه أبا الحكم عمرو بن عبد الله بن أبي عامر الملقب بعسكلاجة سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، وانحاش «1» إليه زيري ابن عطية ومن معه من بني خزر في جموع مغراوة، وزحفوا إلى الحسن بن كنّون حتى ألجأوه إلى الطاعة، ثم انصرف أبو الحكم بن أبي عامر إلى الأندلس، فعقد المنصور بن أبي عامر على المغرب الأقصى للوزير (حسن بن أحمد) بن عبد الودود السلمي، وأنفذه إليه سنة ست وسبعين وثلاثمائة، وأوصاه بملوك مغراوة خصوصا زيري؛ فسار الحسن بن أحمد حتى نزل بفاس وضبط أعمال المغرب، ومات مقاتل بن عطية سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة واستقلّ أخوه زيري بن عطية برياسة مغراوة؛ وبقي الحسن بن أحمد إلى أن قتل في بعض الحروب سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وبلغ الخبر المنصور بن أبي عامر فعقد على المغرب (لزيري ابن عطية) المذكور، وكتب إليه بعهده وأمره بضبط المغرب، فاستفحل ملكه

وغلب على تلمسان. فملكها من يد أبي البهار الصنهاجي، وبعث بالفتح إلى المنصور بن أبي عامر فجدّد له العهد، واختطّ مدينة (وجدة) سنة أربع وثمانين، وأنزل بها عساكره. ثم فسد ما بين المنصور بن أبي عامر وبين زيري بن عطية، فعقد المنصور لمولاه واضح على المغرب، وعلى حرب زيري بن عطية، وجهّزه إليه في عساكره؛ ثم أتبعه المنصور ابنه المظفّر عبد الملك فاجتمعا على زيري بن عطية، ودارت بينهم الحرب فكانت الهزيمة على زيري وجرح في المعركة وفرّ إلى فاس فامتنع عليه أهلها، فلحق بالصحراء جريحا؛ وكتب عبد الملك بن المنصور بالفتح إلى أبيه فاستبشر به وكتب إلى ابنه (عبد الملك) بعهده على المغرب. وكان زيري بن عطية لمّا فرّ إلى الصحراء صرف وجهه إلى حرب صنهاجة بالمغرب الأوسط فقصده وفتح تاهرت وتلمسان وأعمالهما، وأقام الدعوة فيها لهشام بن عبد الملك خليفة الأندلس وحاجبه المنصور من بعده، وبقي على ذلك حتى مات سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة. وبويع من بعده ابنه (المعزّ بن زيري) فجرى على سنن أبيه من الدعاء لهشام بن عبد الملك والمنصور من بعده؛ ومات المنصور في خلال ذلك. وقام بأمره من بعده ابنه المظفّر (عبد الملك) وبعث المعزّ بن زيري يرغب إلى المظفّر في عمل فاس والمغرب الأقصى فأجابه إلى ذلك، وكتب له عهده بذلك، خلا سجلماسة فإنها كانت بيد خزرون «1» ؛ وبقي المعزّ في ولايته إلى أن هلك سنة سبع عشرة وأربعمائة. وولي من بعده ابن عمه (حمامة) بن المعز بن عطية واستفحل ملكه؛ ثم

نازعه الأمير أبو الكمال (تميم بن زيري) بن يعلى اليفرني سنة أربع وعشرين وأربعمائة؛ واستقلّ بملك المغرب وبقي حتى مات سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. وولي من بعده ابنه (دوناس) المعروف بأبي العطّاف، واستولى على فاس وسائر عمل أبيه، فاستقامت دولته، واحتفل بعمارة فاس وأدار السّور على أرباضها، وبنى بها المصانع، والحمّامات، والفنادق، وبقي حتى مات سنة إحدى وخمسين وأربعمائة. وولي من بعده ابنه (الفتّوح بن دوناس) ونازعه أخوه الأصغر عجيسة واستولى على عدوة القرويّين من فاس، وبقي الفتّوح بعدوة الأندلسيّين، وافترق أمرهما ووقعت الحرب بينهما؛ وابتنى الفتّوح بعدوة الأندلسيين (باب الفتوح) المعروف به إلى الآن، وابتنى عجيسة بعدوة القرويين (باب الجيسة) المعروف به إلى الآن، وحذفت العين منه لكثرة دورانه على الألسنة، وبقي الأمر على ذلك حتى ظفر الفتوح بأخيه عجيسة، وقتله سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة، ودهم المغرب على إثر ذلك ما دهمه من أمر المرابطين من لمتونة، وخشي الفتّوح عاقبة أمرهم، فرحل عن فاس وتركها. وزحف صاحب القلعة (بلكين) بن محمد بن حمّاد إلى المغرب سنة أربع وخمسين، فدخل فاس واسترهن بعض أشرافهم على الطاعة ورجع إلى عمله، وولّى على المغرب بعد الفتّوح (معتصر) بن حماد، بن معتصر، بن المعز، بن زيري.

الطبقة السادسة (المرابطون من الملثمين من البربر)

وزحف (يوسف بن تاشفين) «1» إلى فاس فملكها صلحا سنة خمس وخمسين وأربعمائة وخلّف عليها عامله، وارتحل إلى غمارة فخالفه معتصر إلى فاس وملكها وقتل العامل ومن معه من لمتونة، وبلغ الخبر يوسف بن تاشفين فأرسل العساكر إلى فاس وحاصرها، وخرج معتصر للقاء عساكره، فكانت الدائرة عليه وقتل في المعركة سنة ستين وأربعمائة. وبايع أهل فاس من بعده ابنه (تميم بن معتصر) فكانت أيامه أيام حصار وفتنة وشدّة وغلاء. ولما فرغ يوسف بن تاشفين من أمر عمارة سنة ثنتين وستين وأربعمائة قصد فاس فحاصرها أيّاما ثم افتتحها عنوة وقتل بها نحو ثلاثة آلاف من مغراوة وبني يفرن ومكناسة وقبائل زناتة وهلك تميم بن معتصر في جملتهم، وأمر يوسف بن تاشفين بهدم الأسوار التي كانت فاصلة بين العدوتين وصيّرهما مصرا واحدا وأدار عليهما سورا واحدا، وفرّ من خلص من القتل من مغراوة من فاس إلى تلمسان «2» ، وانقرض ملكهم من الغرب الأقصى وتصاريف الأمور بيد الله تعالى. الطبقة السادسة (المرابطون من الملثّمين من البربر) كان الملثّمون من البربر من صنهاجة قبل الفتح الإسلامي متوطّنين في القفار وراء رمال الصّحراء: ما بين بلاد البربر وبلاد السّودان، في جملة قبائل صنهاجة على دين المجوسيّة؛ قد اتخذوا اللّثام شعارا يميّز بينهم وبين غيرهم من الأمم؛ والرياسة فيهم يومئذ للمتونة، ولم يزالوا على ذلك إلى أن كان فتح الأندلس واستمر ملكهم أيام عبد الرحمن «3» أوّل خلفاء بني أمية بالأندلس.

قال ابن أبي زرع: أوّل من ملك الصحراء من لمتونة (يتلوثان) وكان يركب في ألف نجيب «1» وتوفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين. وملك بعده (يلتان) فقام بأمرهم وتوفّي سنة سبع وثمانين ومائتين. وقام بأمرهم بعده ابنه (تميم) إلى سنة ستّ وثلاثمائة وقتله صنهاجة. ثم افترق أمرهم بعد تميم مائة وعشرين سنة إلى أن قام فيهم (أبو عبد الله بن نيفاوت) المعروف بتادشت اللّمتوني، وحجّ ومات لثلاثة أعوام من رياسته عليهم. وقام بأمرهم صهره (يحيى بن إبراهيم) فحج في سني أربعين وأربعمائة، وعاد وصحبته عبد الله بن ياسين الجزوليّ» ليعلّمهم الدّين، فلما مات يحيى بن إبراهيم اطّرحوا عبد الله بن ياسين واستعصوا عليه وتركوا الأخذ بقوله فاعتزلهم، ثم اجتمع عليه رجال من لمتونة فخرج فيهم وقاتل من استعصى عليه منهم حتّى أنابوا إلى الحق وسمّاهم «المرابطين» وجعل أمرهم في الحرب إلى الأمير يحيى بن عمر، بن واركوت، بن ورتنطق، بن المنصور، بن مرصالة، بن منصور، بن فرصالة، بن أميت، بن راتمال؛ بن تلميت، وهو لمتونة، فافتتحوا درعة وسجلماسة، واستعملوا عليها منهم، وعادوا إلى الصحراء، وهلك يحيى بن عمر سنة سبع وأربعين وأربعمائة. وولي مكانه أخوه (أبو بكر بن عمر) ثم افتتحوا بلاد السّوس سنة ثمان وأربعين ثم مدينة أغمات سنة تسع وأربعين، ثم بلاد المصامدة وجبال درن سنة خمسين، ثم استشهد عبد الله بن ياسين في بعض الغزوات سنة خمسين، واستمرّ أبو بكر بن عمر في إمارة قومه، وافتتح مدينة لواتة سنة ثنتين وخمسين، ثم ارتحل إلى الصحراء لجهاد السّودان واستعمل على المغرب ابن عمه (يوسف بن

تاشفين) بن إبراهيم بن واركوت، فسار يوسف في عسكره من المرابطين ودوّخ أقطار المغرب، واختط مدينة مرّاكش سنة أربع وخمسين. ثم انتزع جبال زناتة بالمغرب من أيديهم، ثم افتتح فاس صلحا سنة خمس وخمسين ثم استعيدت بعد فتحها، ثم فتحها عنوة سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وأمر بهدم الأسوار التي كانت فاصلة بين عدوتي القرويّين والأندلسيّين وصيرهما مصرا واحدا، ثم افتتح بعد ذلك مدينة تلمسان واستولى على الغرب الأقصى والغرب الأوسط، ثم صار إلى الأندلس واستولى على أكثر ممالكه كما سيأتي في ذكر مكاتبة صاحب الأندلس، ثم توفّي يوسف بن تاشفين على رأس المائة الخامسة. وقام بالأمر بعده ابنه (علي بن يوسف) فاستولى على ما كان بيد أبيه من العدوتين، وسار فيهم بأحسن السّيرة. ولأربع عشرة سنة من ولايته كان ظهور المهدي بن تومرت صاحب دولة الموحّدين. ومات عليّ بن يوسف سنة سبع وثلاثين، وقد ضعفت كلمة المرابطين بالأندلس لظهور الموحّدين. وقام بالأمر بعده ولده (تاشفين بن علي) وأخذ بطاعته وبيعته أهل العدوتين، وقد استفحل أمر الموحّدين وعظم شأنهم، ونزل تلمسان فقصده الموحّدون، ففرّ إلى وهران واتّبعه الموحدون، ففقد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، واستولى الموحدون على الغرب الأوسط. ثم بويع بمرّاكش (إبراهيم بن تاشفين) ، بن علي، بن يوسف بن تاشفين، فألفوه عاجزا فخلعوه. وولّي مكانه عمه (إسحاق بن علي) بن يوسف بن تاشفين، وقد ملك الموحّدون جميع بلاد المغرب وقصدوه في مرّاكش، فخرج إليهم في خاصّته فقتلوه، وأجاز عبد المؤمن والموحّدون إلى الأندلس، فملكوه سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وفرّ أمراء المرابطين في كلّ وجه.

الطبقة السابعة (ملوك الموحدين)

الطبقة السابعة (ملوك الموحّدين) كان أوّل أمرهم أن المهديّ محمد بن تومرت، كان إماما متضلّعا بالعلوم، قد حجّ ودخل العراق واجتمع بأئمته من العلماء والنّظّار، كالغزاليّ [وإلكيا الهرّاسي] «1» وغيرهما، وأخذ بمذهب الأشعريّة أهل السنة، ورجع إلى الغرب وأهله يومئذ على مذهب أهل الظاهر في منع التأويل، فاجتمع إليه قبائل المصامدة من البربر وجعل يبثّ فيهم عقائد الأشعريّة، وينهى عن الجمود على الظاهر، وسمّي أتباعه الموحدين، تعريضا بتكفير القائلين بالتجسيم الذي يؤدّي إليه الوقوف على الظاهر. وكان الكهّان يتحدّثون بظهور دولة بالمغرب لأمّة من البربر، وصرفوا القول في ذلك إليه، ودعا المصامدة إلى بيعته على التوحيد وقتال المجسّمين سنة خمس عشرة وخمسمائة فبايعوه على ذلك. ولما كملت بيعته لقّبوه المهدي، وكان قبل ذلك يلقّب الإمام، وأخذوا في قتال المرابطين من لمتونة حتّى استقاموا على الطاعة. وتوفّي المهديّ سنة ثنتين وعشرين وخمسمائة. وقام بالأمر بعده (عبد المؤمن) بن عليّ بعهده إليه. فكان من أمره ما تقدّم من استيلائه على العدوتين وانقراض ملك المرابطين بهما، وكان ذلك من سنة أربع وثلاثين وخمسمائة إلى سنة إحدى وأربعين. ثم صرف همّه إلى بجاية وأفريقيّة فافتتحهما، واستخلص المهديّة والبلاد الساحلية التي كانت النصارى قد

استولوا عليها من أيديهم واستولى على سائر بلاد أفريقيّة، وعاد إلى الغرب في سنة ستّ وخمسين وخمسمائة. وتوفّي بسلا من الغرب الأقصى في جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين. وبويع بعده ابنه أبو يعقوب (يوسف بن عبد المؤمن) فاستولى على ما كان بيد أبيه من العدوتين وأفريقيّة، واشتغل بإصلاح الممالك وجهاد العدوّ، وأجاز إلى الأندلس لجهاد النصارى، وقتل في بعض غزواته فيه بسهم أصابه. وقيل مرض فمات سنة ثمانين وخمسمائة. وبويع ابنه (يعقوب بن يوسف) بإشبيلية عقب وفاته وتلقّب بالمنصور، فاستولى على ما كان بيد أبيه من الممالك إلى الأندلس، وكان له مع العدو وقائع، ومرض بالأندلس فمات سنة خمس وتسعين وخمسمائة. وبويع ابنه (محمد) وليّ عهده وتلقّب الناصر لدين الله، ورجع إلى بلاد المغرب. وفي أيامه ثار (ابن غانية) «1» على أفريقيّة وتغلّب عليها، وولّى أبا محمد ابن الشيخ أبي حفص عليها، فاستقرّت بها قدم بنيه إلى الآن، وأجاز إلى الأندلس ونزل إشبيلية، والتقى مع العدوّ في صفر سنة تسع وستمائة، وابتلي المسلمون في ذلك اليوم ورجع إلى مرّاكش فمات في شعبان من السنة المذكورة. وبويع ابنه (يوسف بن محمد) سنة إحدى عشرة وستمائة، وهو ابن ستّ عشرة سنة، ولقّب المستنصر بالله، وتأخّر أبو محمد ابن الشيخ أبي حفص عن بيعته لصغر سنه، وغلب عليه مشيخة الموحّدين فقاموا بأمره. وبقي المستنصر حتّى مات يوم الأضحى سنة «2» ست وعشرين وستمائة.

وبويع بعده أبو محمد (عبد الواحد بن يوسف) بن عبد المؤمن، وهو أخو المنصور ويعرف (بالمخلوع) . وكان الوالي بالمرسية من الأندلس أبو محمد عبد الله بن يعقوب بن المنصور، بن يوسف، بن عبد المؤمن. فثار بالأندلس ودعا لنفسه وتلقّب (العادل) . واتصل الخبر بمرّاكش فاضطرب الموحّدون على (المخلوع) وبعثوا ببيعتهم إلى العادل بالأندلس، وبادر العادل إلى مرّاكش فدخلها وبقي حتّى قتل بها أيام الفطر سنة أربع وعشرين وستّمائة. وكان أخوه (إدريس بن المنصور) بإشبيلية من الأندلس فدعا لنفسه وبويع وبعث الموحّدون ببيعتهم إليه، ثم قصد مرّاكش فهلك في طريقه بوادي أمّ ربيع مفتتح سنة ثلاثين وستمائة، وتغلب ابن هود على سبتة. وبويع بعده ابنه (المأمون عبد الواحد بن إدريس) فلقّب الرشيد، ودخل إلى مرّاكش فبايعوه، وبقي حتّى توفّي سنة أربعين وستمائة. وبويع بعده أخوه (أبو الحسن عليّ السعيد) ولقّب المعتضد بالله، وقام بالأمر ثم سار إلى تلمسان فكان بها مهلكه على يد بني عبد الواد في صفر سنة ستّ وأربعين وستمائة، وكان فيها استيلاء النصارى على إشبيلية. ثم اجتمع الموحّدون على بيعة (أبي حفص) عمر «1» بن أبي إسحاق بن يوسف، بن عبد المؤمن، فبايعوه ولقّب (المرتضى) وكان بسلا فقدم إلى مرّاكش. وفي أيامه استولى أبو يحيى بن عبد الحق المرينيّ جدّ السلطان أبي الحسن على مدينة فاس سنة سبع وأربعين وستمائة، واستبدّ العزفيّ بسبتة. ثم انتقض على المرتضى قائد حروبه (أبو العلاء) الملقّب بأبي دبّوس، بن أبي عبد الله محمد، بن أبي حفص، بن عبد المؤمن، ففرّ منه واجتمع عليه جموع

الطبقة الثامنة (ملوك بني عبد الحق من بني مرين، القائمون بها إلى الآن)

من الموحّدين وقصد مرّاكش وبها المرتضى فغلبه عليها، والتقيا وفرّ المرتضى إلى أزمّور فقبض عليه واليها واعتقله إلى أن ورد أمر [أبي دبّوس] «1» بقتله فقتله، واستقلّ أبو دبّوس بالأمر وتلقّب (الواثق بالله) والمعتمد على الله. ثم جمع يعقوب «2» بن عبد الحق وقصد مرّاكش فخرج إليه أبو دبّوس، فكانت الهزيمة على أبي دبوس، ففرّ هاربا فأدرك وقتل، ودخل يعقوب بن عبد الحق مرّاكش وملكها سنة ثمان وستين وستمائة، وفرّ مشيخة الموحدين إلى معاقلهم بعد أن كانوا بايعوا عبد الواحد بن أبي دبّوس ولقّبوه المعتصم، فأقام خمسة أيام، وخرج في جملتهم، وانقرض أمر بني عبد المؤمن، ولم يبق للموحدين ملك إلا بأفريقيّة لبني أبي حفص على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. الطبقة الثامنة (ملوك بني عبد الحق من بني مرين، القائمون بها إلى الآن) وهو عبد الحق بن محيو، بن أبي بكر، بن حمامة، بن محمد، بن ورزيز، ابن فكّوس، بن كوماط، بن مرين، بن ورتاجن، بن ماخوخ، بن جديح، بن فاتن، بن بدر، بن نجفت، بن عبد الله، بن ورتبيص، بن المعز، بن إبراهيم، بن رجيك، بن واشين، بن بصلتن، بن مشد، بن إكيا، بن ورسيك، بن أديدت، بن جانا، وهو زناتة. كانت منازل بني مرين ما بين فيكيك إلى صاوملوية، وكانت الرياسة فيهم (لمحمد) بن ورزيز بن فكّوس. ولما هلك محمد قام بأمره من بعده ابنه (حمامة) ثمّ من بعده أخوه (عسكر) ولما هلك قام برياسته ابنه (المخضب) فلم يزل أميرا عليهم إلى أن قتل في حرب

الموحّدين في سنة أربعين وخمسمائة. وقام بأمرهم من بعده (أبو بكر ابن عمه حمامة بن محمد) وبقي حتّى هلك. فقام من بعده ابنه (محيو) ولم يزل حتّى أصابته جراحة في بعض الحروب، وهو في عداد المنصور بن عبد المؤمن، هلك منها بعد مرجعه إلى الزّاب سنة إحدى وتسعين وخمسمائة. وقام برياسته ابنه (عبد الحق بن محيو) وكان أكبر أولاده، وهو الذي تنسب إليه ملوك فاس الآن. فأحسن السّير في إمارته إلى أن كانت أيام المستنصر يوسف ابن الناصر: خامس خلفاء بني عبد المؤمن فثارت الفتنة بينه وبين بني مرين، وكانت بينهم حروب هلك في بعضها عبد الحق بن محيو. ونصّب بنو مرين بعده ابنه أبا سعيد (عثمان بن عبد الحق) وشهرته بينهم ادرغال، ومعناه بلغتهم الأعور، وقوي سلطانه وغلب على ضواحي المغرب، وضرب الإتاوة عليهم وتابعه أكثر القبائل، وفرض على أمصار المغرب مثل فاس وتازا وغيرهما ضربية معلومة في كل سنة على أن يكفّ الغارة عنهم. ولم يزل على ذلك إلى أن قتله علج من علوجه سنة سبع وثلاثين وستمائة. وقام بأمر بني مرين من بعده أخوه (محمد بن عبد الحق) فجرى على سنن أخيه في الاستيلاء على بلاد المغرب، وضرب الإتاوة على بلاده ومدنه إلى أن كانت أيام السعيد بن المأمون من بني عبد المؤمن، فجهّز عساكر الموحدين لقتال بني مرين، فخرجوا إليهم في جيش كثيف في سنة ثنتين وأربعين وستمائة، ودارت الحرب بينهم فكانت الهزيمة على بنى مرين، وقتل محمد بن عبد الحق. وقام بأمرهم من بعده ابنه «1» أبو يحيى (زكريّا بن عبد الحق) وقسم جبايته ببلاد المغرب في عشائر بنى مرين، ودارت الحرب بينهم وبين الموحّدين، إلى

أن مات السعيد بن المأمون من بني عبد المؤمن، وانتقل الأمر بعده إلى ابنه عبد الله، فضعفت دولة بني عبد المؤمن. واستولى (أبو يحيى) بن عبد الحق على أكثر بلاد المغرب، وقصد فاس وبها بعض بني عبد المؤمن فأناخ عليها وتلطّف بأهلها، ودعاهم إلى الدّعوة الحفصيّة بأفريقيّة، فأجابوه إلى ذلك وبايعوه خارج باب الفتوح. ودخل إلى قصبة فاس لشهرين من موت السعيد في أوّل سنة ستّ وأربعين وستمائة، وبايعه أهل تازا وأهل سلا ورباط الفتح، واستولى على نواحيها، وأقام فيها الدّعوة الحفصيّة، واستبدّ بنو مرين بملك المغرب الأقصى، وبنو عبد الواد بملك المغرب الأوسط. وملك سجلماسة سنة ثلاث وخمسين وستمائة من أيدي عامّة الموحّدين وبقي حتّى هلك بفاس في رجب سنة ستّ وخمسين وستمائة، ودفن بمقبرة باب الفتوح. وتصدّى للقيام بأمره ابنه (عمر) ومال أهل الحلّ والعقد إلى عمّه أبي يوسف يعقوب بن «1» عبد الحق، وكان غائبا بتازا فقدم ثم وقع الصلح بينهما على أن ترك يعقوب الأمر لابن أخيه عمر على أن يكون له تازا وبلادها، ثم وقع الخلف بينهما والتقيا فهزم عمر ثم نزل لعمه يعقوب عن الأمر. ورحل السلطان أبو يوسف (يعقوب بن عبد الحق) فدخل فاس مملّكا، ثم هلك عمر بعد سنة، فكفي يعقوب شأنه واستقام سلطانه، وأخذ في افتتاح أمصار المغرب. وافتتح أمره باستنقاذ مدينة سلا من أيدي النصارى، ثم قصد إلى مرّاكش فخرج إليه الخليفة المرتضى من بني عبد المؤمن، وكانت بينهما حرب هزم فيها المرتضى وقتل، وبايع الموحدون أخاه (إسحاق) ثم قبض عليه سنة أربع وستين وستمائة فقتل فيمن معه، وانقرض أمر بني عبد المؤمن من المغرب. ووصل السلطان أبو يوسف إلى مرّاكش أوّل سنة ثمان وستين وستمائة

فدخلها، وورث ملك الموحدين بها، ثم رجع إلى فاس بعد أن استخلف على مرّاكش في شوّال من سنته، وشرع في بناء المدينة التي استجدّها ملاصقة لمدينة فاس في ثالث شوّال سنة أربع وسبعين وستمائة، ونزل فيها بحاشيته وذويه، وغزا في خلال ذلك النصارى بالأندلس أربع مرّات حتّى أذعن له شانجة بن أدفونش، وسأله في عقد السلّم له فعقد له على شروط اشترطها عليه، وعاد إلى بلاد المغرب فمرض ومات في آخر المحرّم سنة خمس وثمانين وستمائة. وبويع بعده ابنه وليّ عهده أبو يعقوب (يوسف بن يعقوب) فجرى على سنن أبيه في العدل والغزو، وأجاز إلى الأندلس، وجدّد السلم مع شانجة ملك النصارى. وغزا تلمسان مرّات وبقي حتّى طعنه خصيّ من خدمه، وهو نائم على فراشه، فمات سابع ذي القعدة سنة ستّ وسبعمائة. وبويع بعده ابنه أبو ثابت (عامر بن أبي يعقوب يوسف) واختلفت عليه النّواحي، ثم استقام أمره وبقي حتّى انتقض عليه عثمان بن أبي العلاء «1» ، بنواحي طنجة من أقصى الغرب، فخرج لقتاله ومرض في طنجة ومات في ثامن صفر سنة سبع وسبعمائة. وبويع بعده أخوه (أبو الرّبيع بن أبي يعقوب يوسف) فأحسن السّيرة، وأجزل الصّلات، وسار بسيرة آبائه وبقي حتّى مات بمدينة تازا في سلخ جمادى الآخرة سنة عشر وسبعمائة ودفن بصحن جامعها. وبويع بعده أخوه أبو سعيد (عثمان بن أبي يعقوب يوسف) فلما استقام أمره

بالغرب الأقصى سار إلى تلمسان سنة أربع عشرة وسبعمائة فانتزعها من موسى بن عثمان بن يغمراس: سلطان بني عبد الواد بها، وانتقض عليه محمد بن يحيى العزفي صاحب سبتة فسار إليه في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة فأذعن للطاعة، وأحضر عبد المهيمن بن محمد الحضرمي «1» من سبتة وولاه ديوان الإنشاء والعلامة. وفي أيامه قصد بطرة وجوان ملك النصارى بالأندلس غرناطة. فاستغاثوا به، فأجاز البحر إليهم ولقي عساكر النصارى فهلك بطرة وجوان في المعركة وكانت النّصرة للمسلمين. وتوفّي في ذي الحجّة سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة. وبويع بعده ابنه وليّ عهده أبو الحسن (علي بن عثمان) وهو الذي كان في عصر المقرّ الشهابيّ بن فضل الله. وسار إلى تلمسان سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، فملكها من ابن أبي تاشفين سلطان بني عبد الواد بها بعد أن قتله بقصره. وملك تونس من يد أبي يحيى سلطان الحفصيين بها في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، واتصل ملكه ما بين برقة إلى السّوس الأقصى والبحر المحيط الغربي، ثم استرجع الحفصيّون تونس بعد ذلك. وملك بعد ذلك سجلماسة قاعدة من بلاد الصحراء بالغرب الأقصى، وبقي حتّى مات في الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة ثنتين وخمسين وسبعمائة بجبل هنتاتة. وبويع بعده ابنه (أبو عنان بن أبي الحسن) وكان بنو عبد الواد قد استعادوا تلمسان في أيام أبيه فارتجعها منهم في سنة ثلاث وخمسين، ونزل له الأمير محمد ابن أبي زكريا صاحب بجاية عنها فانتظمت في ملكه. وملك قسنطينة من الحفصيّين بعد ذلك بالأمان. ثم ملك تونس من أيديهم سنة ثمان وخمسين. ورجع

إلى المغرب فارتجع الحفصيّون تونس وسائر بلاد أفريقيّة وبقي حتى توفي في ذي الحجة سنة تسع وخمسين. وكان ابنه (أبو زيّان) وليّ عهده فعدل عنه إلى ابنه (السّعيد بن أبي عنان) واستولى عليه الحسن بن عمر وزير أبيه فحجبه في داره، واستقلّ بالأمور دونه. وتغلب أبو حمو سلطان بني عبد الواد على تلمسان فانتزعها من يده في سنة ستين وسبعمائة. ثم خرج على السعيد بن أبي عنان عمّه أبو سالم (إبراهيم بن أبي الحسن) وكان بالأندلس فجاء إليه بالأساطيل، واجتمع إليه العساكر، ووصل إلى فاس، وخلع الحسن بن عمر سلطانه السعيد عن الأمر، وأسلمه إلى عمّه أبي سالم وخرج إليه فبايعه، ودخل فاس في منتصف شعبان سنة ستين وسبعمائة، واستولى على ملك المغرب، وقصد تلمسان فأجفل عنها أبو حمو سلطان بني عبد الواد فدخلها بالأمان في رجب سنة إحدى وستين وسبعمائة، فأقرّ بملكها حفيدا من أحفاد بني عبد الواد يقال له أبو زيّان، ورجع إلى فاس في شعبان من سنته. وعاد أبو حمو إلى تلمسان فملكها من أبي زيّان. وبنى إيوانا فخما بفاس بجانب قصره، وانتقل إليه، وفوّض أمر القلعة إلى عمر بن عبد الله بن عليّ من أبناء وزرائهم، فعمد إلى أبي عمر (تاشفين الموسوس) ابن السلطان أبي الحسن فأجلسه على أريكة الملك، وبايعه في ذي القعدة سنة ثنتين وستين وسبعمائة. وأفاض العطاء في الجند. وأصبح السلطان أبو سالم فوجد الأمر على ذلك ففرّ بنفسه، فأرسل عمر بن [عبد الله بن] «1» عليّ في أثره من قبض عليه واحتزّ رأسه وأتى بها إلى فاس. ثم أنكر أهل الدولة على عمر بن عبد الله ما وقع منه من نصب أبي عمر المذكور لضعف عقله، فأعمل فكره فيمن يصلح للملك فوقع رأيه على (أبي

زيّان محمد ابن الأمير عبد الرحمن) ابن السلطان أبي الحسن. وكان قد فزع إلى ملك النصارى بإشبيلية من الأندلس، فأقام عنده خوفا من السلطان أبي سالم، فبعث إليه من أتى به، وخلع أبا عمر من الملك، وبعث إليه بالآلة والبيعة من تلقّاه بطنجة. ورحل إلى فاس في منتصف شهر صفر سنة ثلاث وستين وسبعمائة، ودخل إلى قصر الملك، فأقام به والوزير عمر بن عبد الله مستبدّ عليه لا يكل إليه أمرا ولا نهيا وحجره من كل وجه، فثقل ذلك على السلطان أبي زيّان، وأمر بعض أصحابه في الفتك بالوزير عمر، فبلغ الخبر الوزير فدخل على السلطان من غير إذن على ما كان اعتادة منه، وألقاه في بئر وأظهر للناس أنه سقط عن ظهر فرسه وهو ثمل في تلك البئر. واستدعى من حينه (عبد العزيز) ابن السلطان أبي الحسن من بعض الدّور بالقلعة، فحضر القصر وجلس على سرير الملك، ودخل عليه بنو مرين فبايعوه وكمل أمره، وذلك في المحرم سنة ثمان وستين وسبعمائة، واستبدّ عليه كما كان مستبدّا على من قبله، فحجره ومنعه من التصرّف في شيء من أمره، ومنع الناس أن يسألوه في شيء من أمورهم، فثقل ذلك عليه غاية الثّقل، وأكنّه في نفسه إلى أن استدعاه يوما فدخل عليه القصر، وكان قد أكمن له رجالا بالقصر، فخرجوا عليه وضربوه بالسيوف حتّى مات. واستقلّ السلطان عبد العزيز بملكه، وقصد تلمسان فملكها من يد أبي حمو سلطان بني عبد الواد بالأمان بعد إجفال أبي حمو عنها. ودخلها يوم عاشوراء سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة. وارتحل عنها آخر المحرّم إلى الغرب ووصل إلى فاس، ثم عاد إلى تلمسان وخرج منها يريد المغرب، فمرض ومات في الثاني والعشرين من ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وسبعمائة. وبويع بعده ابنه (سعيد بن عبد العزيز) وهو طفل، وقام بأمره وزيره أبو بكر بن غازي ورجعوا به إلى المغرب ودخل إلى فاس وجدّدت له البيعة بها، واستبدّ عليه الوزير أبو بكر، وحجره عن التصرّف في شيء من أمره لصغره. ورجع أبو حمو سلطان بني عبد الواد إلى تلمسان فملكها في جمادى سنة أربع وسبعين وسبعمائة.

وخرج عليه (أبو العباس أحمد بن أبي سالم) وكان بالأندلس فأجاز البحر وسار إلى فاس فملكها. ودخلها أوّل المحرّم سنة ستّ وسبعين وسبعمائة، واستقلّ بملك المغرب، وكان ذلك بموالاة ابن الأحمر صاحب الأندلس فاتّصلت بينهما بذلك الصّحبة، وتأكّدت المودّة، وتخلّى عن مرّاكش لعبد الرحمن، وكان بينهما صلح وانتقاض تارة وتارة، وقصد تلمسان فملكها من أبي حمو بعد فراره عنها، وأقام بها أياما وهدم أسوارها وخرج منها في أتباع أبي حمو. وخالفه السلطان (موسى) ابن عمه أبي عنان إلى فاس فملكها، ونزل دار الملك بها في ربيع الأوّل سنة ستّ وثمانين وسبعمائة، وقدم السلطان أبو العباس إلى فاس، فوجد موسى ابن عمه قد ملكها ففرّ عنها إلى تازا، ثم أرسل إلى السلطان موسى بالطاعة والإذعان، فأرسل من أتى به إليه، فقيّده وبعث به إلى الأندلس واستقلّ السلطان موسى بملك المغرب، وتوفي [لثلاث سنين من خلافته] «1» وبويع بعده (المنتصر ابن السلطان أبي العباس) فلم يلبث أن خرج عليه (الواثق محمد بن أبي الفضل) ابن السلطان (أبي الحسن) من الأندلس، فسار إلى فاس ودخلها وحلّ بدار الملك بها، وبويع في شوّال سنة ثمان وثمانين وسبعمائة. وبعث المنتصر إلى أبيه أبي العبّاس بالأندلس فأجاز السلطان أبو العبّاس من الأندلس إلى سبتة، فملكها في صفر سنة تسع وثمانين وسبعمائة، ثم استنزله عنها ابن الأحمر صاحب الأندلس وانتظمها في ملكه، ثم ظهرت دعوة السلطان أبي العبّاس بمرّاكش واستولى جنده عليها، ثم سار إليها ابنه المنتصر وملكها، وسار السلطان أبو العباس إلى فاس فملكها ودخل البلد الجديد بها خامس رمضان سنة تسع وثمانين وسبعمائة لثلاثة أعوام وأربعة أشهر من خلعه، وبعث بالواثق إلى الأندلس ثم أمر بقتله فقتل في طريقه بطنجة.

المقصد الرابع (في بيان ترتيب هذه المملكة، وفيه تسع (عشر) جمل)

وكان أبو حمو صاحب تلمسان قد مات واستولى عليها بعده ابنه (أبو تاشفين) قائما بدعوة أبي العبّاس صاحب فاس، ومات أبو تاشفين وأقيم ابنه طفلا فيها، ثم قتله عمّه يوسف بن أبي حمو، وجهّز السلطان أبو العباس ابنه (أبا فارس عثمان) فملكها وأقام فيها دعوة أبيه، وتوفّي السلطان أبو العباس بمدينة تازا في المحرّم سنة ست وتسعين وسبعمائة، واستدعوا ابنه أبا فارس فبايعوه بتازا، ورجعوا به إلى فاس، وأطلقوا أبا زيّان بن أبي حمو من الاعتقال وبعثوا به إلى تلمسان. وبقي أبو فارس في مملكة الغرب إلى الآن: وهو السلطان أبو فارس: عثمان ابن السلطان أبي العباس أحمد، ابن السلطان أبي سالم إبراهيم، ابن السلطان أبي الحسن علي، ابن السلطان أبي سعيد عثمان، ابن السلطان أبي يوسف يعقوب، بن عبد الحق. المقصد الرابع (في بيان ترتيب هذه المملكة، وفيه تسع (عشر) جمل) الجملة الأولى (في ذكر الجند، وأرباب الوظائف: من أرباب السّيوف والأقلام، ومقادير الأرزاق الجارية عليهم، وزيّ السلطان، وترتيب حاله في الملك) أما الجند، فأشياخ كبار وأشياخ صغار، وهم القائمون مقام الأمراء الطّبلخانات بمصر على ما تقدّم في أفريقيّة، ولا يعرف بها أمير له عدّة كما بمصر والشام وإيران، ولا يطلق اسم الإمرة عندهم على أحد من الجند بحال. ثم بعد الأشياخ عامّة الجند من الأندلسيّين وغيرهم، والعلوج من الفرنج، على ما تقدّم في مملكة أفريقيّة من غير فرق في الترتيب، والوزراء والقضاة وأرباب الوظائف على نحو ما تقدّم في أفريقيّة. الجملة الثانية (في زيّ السلطان والأشياخ وأرباب الوظائف في اللّبس) أما زيّ السلطان والأشياخ وعامّة الجند، فإنهم يتعمّمون بعمائم طوال،

الجملة الثالثة (في الأرزاق المطلقة من قبل السلطان على أهل دولته)

قليلة العرض من كتّان، ويعمل فوقها إحرامات يلفّونها على أكتافهم، ويتقلّدون السّيوف تقليدا بدويّا، ويلبسون الخفاف في أرجلهم (وتسمّى عندهم الأنمقة) كما في أفريقيّة، ويشدّون المهاميز «1» فوقها، ويتّخذون المناطق وهي (الحوائص) ويعبّرون عنها بالمضمّات من فضّة أو ذهب. وربما بلغت كلّ مضمّة منها ألف مثقال، ولكنهم لا يشدّونها إلا في يوم الحرب أو يوم التمييز: وهو يوم عرضهم على السلطان. ويختصّ السلطان بلبس البرنس الأبيض الرفيع، لا يلبسه ذو سيف غيره. أما العلماء وأهل الصّلاح فإنه لا حرج عليهم في ذلك، ولا حرج في غير الملوّن «2» البيض من البرانس على أحد. وأما زيّ القضاة والعلماء والكتّاب وعامّة الناس، فقريب من لبس الجند. إلا أنّ عمائمهم خضر، ولا يلبس أحد منهم الأنمقة: وهي الأخفاف في الحضر ولا يمنع أحد منهم من لبسها في السّفر. الجملة الثالثة (في الأرزاق المطلقة من قبل السلطان على أهل دولته) أما رزق الأجناد ففي «مسالك الأبصار» عن السّلايحي: أن للأشياخ الكبار الإقطاعات الجارية عليهم: لكلّ واحد منهم في كل سنة عشرون ألف مثقال من الذهب، يأخذها من قبائل، وقرى، وضياع، وقلاع، ويتحصّل له من القمح والشعير والحبوب من تلك البلاد نحو عشرين ألف وسق. ولكلّ واحد مع الإقطاع الإحسان في رأس كل سنة وهو حصان بسرجه ولجامه، وسيف ورمح محلّيان، وسبنيّة: وهي بقجة قماش فيها ثوب طرد وحش مذهب سكندريّ، ويعبّرون عن هذا الثوب بالزّردخاناه، وثوبان بياض من الكتّان عمل أفريقيّة،

الجملة الرابعة (في جلوس السلطان في كل يوم)

وإحرام وشاش طوله ثمانون ذراعا، وقصبتان من ملف وهو الجوخ. وربما زيد الأكابر على ذلك، وربما نقص من هو دون هذه الرتبة. وللأشياخ الصّغار من الإقطاع والإحسان نصف ما للأشياخ الكبار مع الحصان المسرج الملجم والسيف والرّمح والكسوة، ومنهم من لا يلحق هذه الرتبة فيكون أنقص. ومن عدا الأشياخ من الجند على طبقات: فالمقرّبون إلى السلطان يكون لكلّ واحد منهم ستّون مثقالا من الذهب في كلّ شهر، وقليل ما هم، ومن دون ذلك يكون له في الشهر ثلاثون مثقالا ثم ما دونها، إلى أن يتناهى إلى أقلّ الطبقات وهي ستة مثاقيل في كل شهر. وليس لأحد منهم بلد ولا مزدرع «1» وأما قاضي القضاة، فله في كلّ يوم مثقال من الذهب، وله أرض يسيرة، يزرع بها ما تجيء منه مؤونته وعلق دوّابه. وأما كاتب السّر، فله في كلّ يوم مثقالان من الذهب، وله محيّران (يعني قريتين) يتحصّل له منهما متحصّل جيّد، مع رسوم كثيرة له على البلاد ومنافع وإرفاقات، ولكلّ واحد من كاتب السّر وقاضي القضاة في كل سنة بغلة بسرجها ولجامها، وسبنيّة قماش برسم كسوته كما للأشياخ. الجملة الرابعة (في جلوس السلطان في كلّ يوم) قال السلايحي: من عادة سلطانهم أن يجلس في بكرة كلّ يوم، ويدخل عليه الأشياخ الكبار فيسلّموا عليه، فيمدّ لهم السماط «2» ثرائد «3» في جفان «4» حولها

الجملة الخامسة (في جلوسه للمظالم)

طوافير: وهي المخافي، فيها أطعمة ملوّنة منوّعة، ومع ذلك الحلوى: بعضها مصنوع بالسّكّر، ومعظمها مصنوع بالعسل والزّيت، فيأكلون ثم يتفرّقون إلى أماكنهم. وربما ركب السلطان بعد ذلك والعسكر معه وقد لا يركب. أما أخريات النهار فإن الغالب أن يركب بعد العصر في عسكره ويذهب إلى نهر هناك، ثم يخرج إلى مكان فسيح من الصّحراء، فيقف به على نشز من الأرض، وتتطارد الخيل قدّامه، وتتطاعن الفرسان، وتتداعى الأقران، وتمثّل الحرب لديه، وتقام صفوفها على سبيل التمرين حتّى كأنها يوم الحرب حقيقة، ثم يعود في موكبه إلى قصره، وتتفرّق العساكر، وتحضر العلماء وفضلاء الناس وأعيانهم إلى محاضرته حينئذ، فيمدّ لهم سماط بين يديه فيأكلون ويؤاكلهم. ثم يأخذ كاتب السرّ في قراءة القصص والرّقاع والكلام في المهمّات، ويبيت عنده من يسامره من الفضلاء في بعض الليالي، وربما اقتضت الحال مبيت كاتب السر فيبيت عنده. الجملة الخامسة (في جلوسه للمظالم) قال السلايحي: قد جرت عادة من له ظلامة أن يرتقب السلطان في ركوبه في موكبه (يعني يوم جلوسه للمظالم) فإذا اجتاز به السلطان صاح من بعد «لا إله إلا الله انصرني نصرك الله!» فتؤخذ قصته وتدفع لكاتب السرّ، فإذا عاد جلس في قبّة معيّنة لجلوسه، ويجلس معه أكابر أشياخه مقلّدين السّيوف، ويقف من دونهم على بعد، مصطفّين متكئين على سيوفهم، ويقرأ كاتب السرّ قصص أصحاب المظالم وغيرها فينظر فيها بما يراه. الجملة السادسة (في شعار السلطان بهذه المملكة) منها علم أبيض حرير مكتوب فيه بالذهب نسيجا بأعلى دائره آيات من القرآن، يسمّونه العلم المنصور كما في أفريقيّة. وربما عبّر عنه هؤلاء بسعد الدولة، يحمل بين يديه في المواكب.

الجملة السابعة (في ركوبه لصلاة العيد)

ومنها- أعلام دونه مختلفة الألوان تحمل معه أيضا. ومنها- سيف ورمح ودرقة. يحملن بين يديه في المواكب أيضا: يحملها ثلاثة من خاصّته من وصفانه أو من أبناء خدم سلفه. ومنها- أطبار تحمل حوله. ويعبّرون عنها بالطّبرزينات، يحملها أكابر قوّاد علوجه من الفرنج ورجال من الأندلسيين خلفه وقدّامه. ومنها- رماح طوال وقصار. يحملها خمسون رجلا مشاة بين يديه مشدودي الأوساط بيد كلّ واحد منهم رمحان: رمح طويل ورمح قصير، وهو متقلّد مع ذلك بسيف. ومنها- الجنائب. وهي خيل تقاد أمامه، عليها سروج مخروزة بالذهب كالزّركش وركبها ذهب كل ركاب زنته ألف دينار، وعليها ثياب سروج من الحرير مرقومة بالذهب، ويعبّرون عن الجنائب بالمقادات، وعن ثياب السّروج بالبراقع. ومنها- الطبول تدقّ خلف ساقته وهي من خصائص السلطان ليس لأحد من الناس أن يضرب طبلة غيره حتّى يمنع من ذلك أصحاب الحلق. ومنها- البوقات مع الطبل على العادة. الجملة السابعة (في ركوبه لصلاة العيد) قال السلايحي: وفي ليلة العيدين ينادي والي البلد في أهلها بالمسير، ويخرج أهل كلّ سوق ناحية، ومع كل واحد منهم قوس أو آلة سلاح، متجمّلين بأحسن الثياب، ويبيت الناس تلك الليلة أهل كل سوق بذاتهم خارج البلد، ومع أهل كل سوق علم يختصّ بهم، عليه رنك أهل تلك الصناعة بما يناسبهم. فإذا ركب السلطان بكرة اصطفّوا صفوفا يمشون قدّامه، ويركب السلطان ويركب العسكر معه ميمنة وميسرة والعلوج خلفه ملتفّون به، والأعلام منشورة وراءه، والطبول خلفها حتّى يصلّي ثم يعود، فينصرف أرباب الأسواق إلى بيوتهم، ويحضر طعام السلطان خواصّه وأشياخه.

الجملة الثامنة (في خروج السلطان للسفر)

الجملة الثامنة (في خروج السلطان للسّفر) من عادة هذا السلطان إذا سافر أن يخرج من قصره وينزل بظاهر بلده، ثم يرتحل من هناك فيضرب له طبل كبير قبيل الصبح إشعارا بالسفر، فيتأهّب الناس ويشتغل كلّ أحد بالاستعداد للرحيل. فإذا صلّى صلاة الصبح ركب الناس على قبائلهم في منازلهم المعلومة، ووقفوا في طريق السلطان صفّا إلى صفّ، ولكل قبيل رجل علم معروف به ومكان في الترتيب لا يتعدّاه، فإذا صلّى السلطان الصبح قعد أمام الناس، ودارت عليه عبيده ووصفانه ونقباؤه، ويجلس ناس حوله يعرفون بالطلبة يجري عليهم ديوانه، يقرأون حزبا من القرآن، ويذكرون شيئا من الحديث النبويّ، على قائله أفضل الصلاة والسلام!. فإذا أسفر الصبح ركب وتقدّم أمامه العلم الأبيض المعروف بالعلم المنصور، وبين يديه الرّجّالة بالسلاح والخيل المجنوبة، بثياب السّروج الموشيّة، ويعبّرون عن ثياب السروج بالبراقع. وإذا وضع السلطان رجله في الرّكاب، ضرب على طبل كبير يقال له تريال ثلاث ضربات إشعارا بركوبه. ثم يسير السلطان بين صفّي الخيل ويسلّم كلّ صفّ عليه بأعلى صوته «سلام عليكم» ويكتنفانه يمينا وشمالا، وتضرب جميع الطبول التي تحت البنود الكبار الملوّنة خلف الوزير على بعد من السلطان، ولا يتقدّم أمام العلم الأبيض إلا من يكون من خواصّ علوج السلطان، وربما أمرهم بالجولان بعضهم على بعض، ثم ينقطع ضرب الطبول إلى أن يقرب من المنزل. وإذا ركب السلطان لا يسايره إلا بعض كبار الأشياخ من بني مرين أو بعض عظماء العرب، وإذا استدعى أحدا لا يأتيه إلا ماشيا، ثم ربما حدّثه وهو يمشي، وربما أكرمه فأكرمه بالركوب. فإذا قرب السلطان من المنزل تقدّمت الزّمّالة: وهم الفرّاشون، ويضربون شقّة من الكتّان في قلبها جلود يقوم بها عصيّ وحبال من القصب في أوتاد، وتستدير على كثير من الأخبية وبيوت الشّعر الخاصّة به وبعياله وأولاده الصّغار، تكون هذه الشّقّة كالمدينة لها أربعة أبواب في كل جهة باب،

الجملة التاسعة (في مقدار عسكر هذه المملكة)

وهذه الشّقّة هي المعبّر عنها في الديار المصرية بالحوش، ويحفّ به عبيده وعلوجه ووصفانه، ويضرب للسلطان أمام ذلك قبّة كبيرة مرتفعة من كتّان تسمّى قبة الساقة لجلوس الناس فيها وحضورهم عنده بها، وهذه هي التي تسمّى بمصر المدوّرة. وإذا عاد السلطان إلى حضرة ملكه ضربت البشائر سبعة أيام، وأطعم الناس طعاما شاملا في موضع يسع كافّتهم. الجملة التاسعة (في مقدار عسكر هذه المملكة) قال في «مسالك الأبصار» : سألت أبا عبد الله السلايحي عن عدّة هذا العسكر في سلطنة أبي الحسن المرينيّ، وكان ابن جرّار قد قال إن عسكره مائة ألف وأربعون ألفا- فقال: الذي نعرفه قبل فتحه تلمسان أن جريدته المثبتة في ديوانه لا تزيد على أربعين ألف فارس غير حفظة المدن والسواحل، إلا أنه [يمكنه] إذا استجاش لحرب عليه أن يخرج في جموع كثيرة لا تكاد تنحصر، وأنه يمكن أن يكون قد زاد عسكره بعد فتح تلمسان مثل ذلك. الجملة العاشرة (في مكاتبات السلطان) قال في «مسالك الأبصار» : جرت العادة أنه إذا إنتهى الكاتب إلى آخر الكتاب وكتب تاريخه، كتب السلطان بخطه في آخره ما صورته «وكتب في التاريخ المؤرّخ به» ونقل عن السلايحي: أن ذلك مما أحدثه أبو حفص «عمر المرينيّ» «1» عم السلطان أبي الحسن في سلطنته، وتبعه السلطان أبو الحسن على ذلك مع وثوقه بكاتب سرّه حينئذ: الفقيه الفاضل أبي محمد عبد المهيمن بن الحضرمي «2» واعتماده عليه ومشاركته له في كل أمره.

المملكة الخامسة (من بلاد المغرب جبال البربر)

المملكة الخامسة (من بلاد المغرب جبال البربر) قال في «مسالك الأبصار» : في جنوب الغرب بين مملكة برّ العدوة وبين بلاد مالّي وما معها من بلاد السّودان ثلاثة ملوك من البربر بيض مسلمون: وهم سلطان (أهير) وسلطان (دمونسة) وسلطان (تادمكة) كلّ واحد منهم ملك مستقلّ بنفسه لا يحكم أحد منهم على الآخر، وأكبرهم ملك (أهير) وزيّهم نحو زيّ المغاربة: يلبسون الدّراريع إلا أنها أضيق، وعمائم بأحناك، وركوبهم الإبل، ولا خيل عندهم ولا للمرينيّ [عليهم حكم ولا لصاحب مالي] «1» ولا خبز عندهم، وعيشهم عيش أهل البرّ من اللحم واللّبن، أما الحبوب عندهم فقليلة، وهم في قلّة أقوات. ونقل عن الشيخ عيسى الزواويّ أن لهم جبالا عامرة، كثيرة الفواكه. وذكر أن ما بأيدي الثلاثة تقدير نصف ما لملك مالّي من ملوك السّودان أو أرجح بقليل، ولكن صاحب مالّي أكثر في تحصيل الأموال لاستيلائه على بلاد الذهب وما يباع بمملكته من السّلع، وما يغنمه في الغزوات من بلاد الكفّار لمجاورته لهم بخلاف هؤلاء فإنه ليس لهم يد تمتدّ إلى كسب، بل غالب أرزاقهم من دوابّهم. ثم قال: ودون هؤلاء فيما بينهم وبين مرّاكش من بلاد المغرب جبال المصامدة، وهم خلق لا يعدّ، وأمم لا تحصى، وهم يفتخرون بالشجاعة والكرم. ثم ذكر أنهم كانوا لا يدينون لسلطان إلا أنهم دانوا للسلطان أبي الحسن المرينيّ ودخلوا تحت ذيل طاعته، على أنهم لا يملّكون أحدا قيادهم، ولا يسلّمون إليه بلادهم. وبكل حال فهم معه بين صحّة واعتلال.

المملكة السادسة (من ممالك بلاد المغرب جزيرة الأندلس)

المملكة السادسة (من ممالك بلاد المغرب جزيرة الأندلس) «1» قال في «تقويم البلدان» : بفتح الألف والدال المهملة وسكون النون بينهما وضمّ اللام ثم سين مهملة. وهي مقابل برّ العدوة من بلاد المغرب، وبينهما بحر الزّقاق الذي هو فم بحر الروم، وقد تقدّم ذكره في الكلام على الأبحر في أوّل هذه المقالة. وقد اختلف في سبب تسمية الأندلس بهذا الاسم: فقيل ملكته أمّة بعد الطّوفان يقال لها الأندلش بالشين المعجمة فسمّي بهم ثم عرب بالسين المهملة، وقيل خرج من رومة ثلاثة طوالع في دين «2» الروم، يقال لأحدهم القندلش بالقاف في أوّله وبالشين المعجمة في آخره، فنزل القندلش هذه الأرض فعرفت به، ثم عرّبت بإبدال القاف همزة والشين المعجمة سينا مهملة. ويقال: إن اسمه القديم أفارية، ثم سمّي باطقة، ثم سمّي أشبانية، ثم سمّي الأندلس باسم الأمّة المذكورة. قال في «تقويم البلدان» : وسمّيت جزيرة لإحاطة البحر بها من الشرق والغرب والجنوب، وإن كان جانبه الشماليّ متصلا بالبرّ كما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى. وفيه ست جمل: الجملة الأولى (في ذكر سمك «3» أرضه وحدوده) قال في «تقويم البلدان» : وجزيرة الأندلس على شكل مثلّث: ركن جنوبي غربيّ، وهناك جزيرة قادس وفم بحر الزّقاق. وركن شرقي بين طرّكونة وبين

برشلونة، وهي في جنوبيه، وبالقرب منه بلنسية وطرطوشة وجزيرة ميورقة. وركن شماليّ بميلة إلى البحر المحيط، حيث الطول عشر درجات ودقائق، والعرض ثمان وأربعون. وهناك بالقرب من الركن المذكور مدينة شنتياقوه، وهي على البحر المحيط في شمالي الأندلس وغربيّها. قال: والضّلع الأوّل من الركن الجنوبي الغربيّ- وهو الذي عند جزيرة قادس- إلى الركن الشّرقيّ الذي عند ميورقة، وهذا الضّلع هو ساحل الأندلس الجنوبي الممتدّ على بحر الزقاق. والضلع الثاني من الركن الشرقيّ المذكور إلى الركن الشماليّ الذي عند شنتياقوه، وهذا الضّلع هو حدّ الأندلس الشمالي، ويمتدّ على الجبل المعروف بجبل البرت الحاجز بين الأندلس وبين أرض تعرف بالأرض الكبيرة، وعلى ساحل الأندلس الممتدّ على بحر برديل والضلع الثالث من الركن الشماليّ المذكور إلى الركن الجنوبي المقدم الذكر، وهذا الضلع هو ساحل الأندلس الغربيّ الممتد على البحر المحيط. قال ابن سعيد: قال الحجاريّ: وطول الأندلس من جبل البرت الفاصل بين الأندلس والأرض الكبيرة وهو نهاية الأندلس الشرقية إلى أشبونة: وهي في نهاية الأندلس الغربية ألف ميل، وعرض وسطه من بحر الزّقاق إلى البحر المحيط عند طليطلة وجبل البرت ستة عشر يوما. قال في «تقويم البلدان» : وقد قيل إن طوله غربا وشرقا من أشبونة: وهي في غرب الأندلس إلى أربونة: وهي في شرق الأندلس مسيرة ستين يوما، وقيل: شهر ونصف. وقيل: شهر. قال: وهو الأصح. واعلم أن جبل البرت المقدّم ذكره متصل من بحر الزّقاق إلى البحر المحيط وطوله أربعون ميلا، وفيه أبواب فتحها الأوائل، حتى صار للأندلس طريق في البرّ من الأرض الكبيرة، وقبل فتحها لم يكن للأندلس من الأرض الكبيرة طريق. وفي وسط الأندلس جبل ممتدّ من الشرق إلى الغرب يقال له جبل الشارة، يقسمه بنصفين: نصف جنوبي ونصف شمالي.

الجملة الثانية (فيما اشتمل عليه من المدن)

الجملة الثانية (فيما اشتمل عليه من المدن) وهو يشتمل على عدّة قواعد ومضافاتها. القاعدة الأولى (غرناطة) قال في «تقويم البلدان» : بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وفتح النون وألف وطاء مهملة وهاء في الآخر. ويقال: أغرناطة بهمزة مفتوحة في أوّلها. وهي مدينة في جنوب الأندلس، موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى عشرة درجة وأربعون دقيقة، والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : ومملكتها في الجنوب والشرق عن مملكة قرطبة، وبينها وبين قرطبة نحو خمسة أيام. قال: وغرناطة في نهاية الحصانة وغاية النّزاهة، تشبه دمشق من الشام، وتفضّل عليها بأنّ مدينتها مشرفة على غوطتها وهي مكشوفة من الشمال، وأنهارها تنصبّ من جبل الثلج الذي هو من جنوبيها وتتخرق فيها، وعليها الأرحي داخل المدينة، ولها أشجار وثمار ومياه مسيرة يومين تقع تحت مرأى العين لا يحجبها شيء. قال في «مسالك الأبصار» ولها ثلاثة عشر بابا: باب إلبيرة وهو أضخمها، وباب الكحل، وباب الرّخاء، وباب المرضى، وباب المصرع، وباب الرملة، وباب الدبّاغين؛ وباب الطّوّابين، وباب الفخّارين، وباب الخندق، وباب الدفاف، وباب البنود؛ وباب الأسدر. وحولها أربعة أرباض «1» : ربض الفخّارين، وربض الأجل، وهو كثير القصور والبساتين، وربض البيازين بناحية باب الدفاف، وهو كثير العمارة يخرج منه نحو خمسة عشر ألف مقاتل، وهو ربض مستقلّ بحكّامه وقضاته وغير ذلك.

وجامعها من أبدع الجوامع وأحسنها منظرا، وهو محكم البناء لا يلاصقه بناء، تحفّ به دكاكين الشّهود والعطّارين، وقد قام سقفه على أعمدة حسان، والماء يجرى داخلة، ومساجدها [ورباطاتها] لا تكاد تحصى لكثرتها. وذكر في «مسالك الأبصار» : أنها قليلة مهبّ الرياح، لا تجري بها الريح إلا نادرا لاكتناف الجبال إيّاها. ثم قال: وأصل أنهارها نهران عظيمان (شنيل) «1» و (حدرّه) . أما شنيل، فينحدر من جبل شكير بجنوبيها ويمرّ على غربيّ غرناطة إلى فحصها، يشقّ فيها أربعين ميلا بين بساتين وقرى وضياع كثيرة البيوت والغلال وأبراج الحمام وغير ذلك. قال: وينتهي فحصها إلى (لوشة) «2» حيث أصحاب الكهف على قول، وجبل شكير المذكور هو طود شامخ لا ينفكّ عنه الثلج شتاء ولا صيفا، فهو لذلك شديد البرد، ويؤثّر برده بغرناطة في الشتاء: لقربه منها إذ ليس بينه وبينها سوى عشرة أميال. وفي ذلك يقول ابن صدرة الشاعر قاتله الله: (طويل) . أحلّ لنا ترك الصلاة بأرضكم، ... وشرب الحميّا «3» وهو شيء محرّم فرارا إلى نار الجحيم لأنّها ... أرقّ علينا من شكير وأرحم! لئن كان ربّي مدخلي في جهنّم ... ففي مثل هذا اليوم طابت جهنّم! وأما حدرّه، فينحدر من جبل بناحية (وادياش) «4» شرقيّ شكير فيمرّ بين

بساتين ومزارع وكروم إلى أن ينتهي إلى غرناطة، فيدخلها على باب الدفاف بشرقيها، يشقّ المدينة نصفين، تطحن به الأرحاء بداخلها، وعليه بداخلها خمس قناطر: وهي قنطرة ابن رشيق، وقنطرة القاضي، وقنطرة حمّام جاس، والقنطرة الجديدة، وقنطرة الفود، وعلى القناطر سواق ومبان محكمة. والماء يجري من هذا النهر في جميع البلد: في أسواقه وقاعاته ومساجده، يبرز في أماكن على وجه الأرض، وتخفى جداوله تحتها في الأكثر، وحيث طلب الماء وجد، وبالمدينة جبلان يشقّان وسطها، يعرف أحدهما بالخزة وموزور. والثاني بالقصبة القديمة، وبالز. وبهما دور حسان، وعلاليّ مشرفة على فحصها، فيرى منهما منظرا بديعا من فروع الأنهار والمزدرعات وغير ذلك مما يقصر عنه التخييل والتشبيه. وقد صارت قاعدة ملك الإسلام بالأندلس بيد ملوكها من بني الأحمر «1» الآتي ذكرهم في الكلام على ملوكها. قال في «مسالك الأبصار» : وبها من الفواكه التّفّاح، والقراصيا البعلبكيّة التي لا تكاد توجد في الدنيا منظرا وحلاوة حتى إنها ليعصر منها العسل. وبها الحوز «2» ، والقسطل، والتين، والأعناب، والخوخ، والبلّوط، وغير ذلك. وبجبل شكير المقدّم ذكره عقاقير الهند وعشب يستعمل في الأدوية، يعرفها الشجّارون لا توجد في الهند ولا في غيره. قال في «التعريف» : ومقرّ سلطانها منها (القصبة الحمراء) قال: ومعنى القصبة عندهم القلعة، وتسمّى حمراء غرناطة. قال في «تقويم البلدان» : وهي قلعة عالية شديدة الامتناع. قال في «مسالك الأبصار» : وهي بديعة متّسعة كثيرة المباني الضخمة والقصور ظريفة جدّا، يجري بها الماء تحت بلاط كما يجري في المدينة، فلا يخلو منه مسجد ولا بيت، وبأعلى برج منها عين ماء، وجامعها من أبدع الجوامع حسنا، وأحسنها بناء، وبه الثّريّات الفضّيّة معلّقة، وبحائط محرابه أحجار ياقوت مرصّفة في جملة مانمّق به من الذهب والفضّة؛ ومنبره من العاج

والآبنوس. قال في «تقويم البلدان» في الكلام على الأندلس: ولم يبق للمسلمين بها غير غرناطة وما أضيف إليها، مثل الجزيرة الخضراء، والمريّة. قال في «مسالك الأبصار» : وطولها عشرة أيام، وعرضها ثلاثة أيام. وهي ممتدّة على بحر الزّقاق وما يلي ذلك. ثم قال: وأوّلها من جهة المشرق المريّة، وهي أوّل مراسي البلاد الإسلامية. قال في «تقويم البلدان» وكانت القاعدة قبل غرناطة حصن إلبيرة، فخرب في زمن الإسلام، وصارت القاعدة غرناطة. وقد عدّ في «مسالك الأبصار» من هذه المملكة عدّة بلاد مضافة إلى مملكة غرناطة الآن. منها (المريّة) قال في «المشترك» : بفتح الميم وكسر الراء المهملة وتشديد المثناة من تحت وفي آخرها هاء. وهي مدينة بين مملكتي مالقة ومرسية، موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أنها حيث الطول أربع عشرة درجة، والعرض خمس وثلاثون درجة واثنتان وأربعون دقيقة. قال: وهي مدينة مسوّرة على حافة الزّقاق، وهي باب الشّرق، ومفتاح الرّزق، ولها برّ فضّيّ، وساحل تبريّ، وبحر زبرجديّ، وأسوارها عالية، وقلعتها منيعة شامخة، وهواؤها معتدل، ويعمل بها من الحرير ما يفوق الجمال. قال في «مسالك الأبصار» : والمريّة ثلاث مدن. الأولى- من جهة الغرب تعرف بالحوض الداخلي. لها سور محفوظ من العدوّ بالسّمّار والحرّاس، ولا عمارة فيها، ويليها إلى الشرق المدينة القديمة، وتليها المدينة الثالثة المعروفة بمصلّى المريّة، وهي أكبر الثلاث. ولها قلعة بجوار القديمة من جهة الشّمال، وتسمّى القصبة في عرفهم. قال: وهما قصبتان في غاية الحسن والمنعة. وساحل المريّة أحسن السّواحل، وحولها حصون وقرى كثيرة وجبال شامخة. وجامعها الكبير بالمدينة القديمة، وهو من بديع الجوامع. وهي مدينة كثيرة الفواكه. وأكثر زرعها بالمطر وعليه يترتب الخصب وعدمه، وإليها تجلب الحنطة من برّ العدوة، وبها دار صناعة لعمارة المراكب، وبينها وبين

غرناطة مسيرة ثلاثة أيام. وكانت في الزمن الأوّل قبل إضافتها إلى غرناطة مملكة مستقلة. ويقال: إن وادي المريّة من أبدع الأودية على أن ماءه يقلّ في الصيف حتى يقسّط على البساتين. قال في «مسالك الأبصار» : وعلى وادى المريّة، (بجّانة) . قال: وهي الآن قرية عظيمة جدّا، ذات زيتون وأعناب وفواكه مختلفة، وبساتين ضخمة كثيرة الثمرات. ومنها (شلوبين) بفتح الشين المعجمة وضم اللام وسكون الواو وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر. وسماها في «تقويم البلدان» : شلوبينية. ثم قال: وهو من حصون غرناطة البحرية على بحر الزّقاق، ومنه أبو علي عمر بن محمد الشّلوبينيّ إمام نحاة المغرب. قال صاحب حماة: وقد غلط من قال الشّلوبيني هو الأشقر بلغة الأندلس. قال في «مسالك الأبصار» : وبها يزرع قصب السكر، وهي معدّة لإرسال من يغضب عليه السلطان من أقاربه. ومنها (المنكّب) . قال في «مسالك الأبصار» : وهي مدينة على القرب من شلوبين دون المريّة، بها دار صناعة لإنشاء السّفن، وبها قصب السكّر، ومنها يحمل السكر إلى البلاد، وبها الموز، ولا يوجد في بلد من البلاد الإسلامية [هنالك] إلا بها إلا ما لا يعتبر، وبها زبيب مشهور الاسم. ومنها (بلّش) . وهي مدينة تلي المنكّب من جهة الغرب، كثيرة التّين والعنب والفواكة. قال أبو عبد الله بن السديد: ليس بالأندلس أكثر عنبا وتينا يابسا منها. ومنها (مالقة) قال في «تقويم البلدان» : بفتح الميم وألف وكسر «1» اللام

وفتح القاف وهاء في الآخر. وهي مدينة من جنوب الأندلس موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. وقياس ابن سعيد أنها حيث الطول عشر درج وثلاثون دقيقة، والعرض ثمان وثلاثون درجة وأربع وخمسون دقيقة: وكانت في القديم مملكة مستقلّة، ثم أضيفت الآن إلى غرناطة وملكها حتّى مملكة قرطبة، وهي بين مملكتي إشبيلية وغرناطة، وهي على بحر الزّقاق، وبها الكثير من التين واللّوز الحسن المنظر. ومنها ينقل يابسا إلى جميع الأندلس. قال في «مسالك الأبصار» : ولها ربضان عامران: أحدهما من علوها والآخر من سفلها وجامعها بديع، وبصحنة نارنج ونخلة نابتة، وبها دار صناعة لإنشاء المراكب، وهي مختصّة بعمل صنائع الجلد: كالأغشية، والحزم، والمدورات، وبصنائع الحديد: كالسّكّين والمقصّ ونحوهما. وبها الفخّار المذهب الذي لا يوجد مثله في بلد. قال ابن السديد: وبها سوق ممتدّ لعمل الخوص من الأطباق وما في معناها، ولها عدّة حصون في أعمالها، وفي أعمالها يوجد الحرير الكثير. ومنها مدينة (مربلّة) بفتح الميم وسكون الراء المهملة وضم الباء الموحدة وفتح اللام المشدّدة وهاء في الآخر. وهي مدينة صغيرة مما يلي مالقة من الغرب على الساحل، وبها الفواكه الكثيرة والسمك. ومنها (أشبونة) . وهي مما يلي مربلّة من جهة الغرب على الساحل، وهي نظيرها في كثرة الفواكه. ومنها (جبل الفتح) . وهو الذي نزله طارق عند فتح الأندلس في أوّل الإسلام، منيع جدّا، يخرج في بحر الزّقاق ستة أميال، وهو أضيق ما يكون عنده، وقد كان هذا الجبل في مملكة الفرنج وأقام بيدهم عدّة سنين، ثم أعاده الله تعالى إلى المسلمين في أيام السلطان أبي الحسن المرينيّ، صاحب الغرب الأقصى في

زمن الملك الناصر «محمد بن قلاوون» «1» صاحب الديار المصرية. ومنها (الجزيرة الخضراء) . وهي مما يلي جبل الفتح من الغرب على الساحل، وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أنها حيث الطول تسع درج، والعرض خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال: وهي مدينة أمام سبتة من برّ العدوة من بلاد الغرب. وهي مدينة طيّبة نزهة، توسّطت مدن الساحل، وأشرفت بسورها على البحر، ومرساها من أحسن المراسي للجواز، وأرضها أرض زرع وضرع، وخارجها المياه الجارية والبساتين النضيرة؛ ونهرها يعرف بوادي العسل، وعليه مكان نزه يشرف عليه وعلى البحر يعرف بالحاجبيّة، ومن مستنزهاتها مكان يعرف بالنّقاء. قال ابن سعيد: وهي من أرشق المدن وأطيبها وأرفقها بأهلها وأجمعها لخير البرّ والبحر. قال في «المشترك» : والنسبة إليها جزيريّ، للفرق بينها وبين إقليم الجزيرة فإنه ينسب إليه جزريّ. قال في «مسالك الأبصار» : وهي آخر البلاد البحريّة الإسلامية للأندلس وليس بعدها [لهم بلاد] . ثم قال: وهي الآن بيد النصارى أعادها الله تعالى وقصمهم، وقد عدّها في «تقويم البلدان» : من كور إشبيلية مما يلي جانب نهرها من الجنوب. ومنها (رندة) بضم الراء وسكون النون وفتح الدال المهملة وهاء في الآخر. وهي بعيدة عن البحر. وعدّها في «تقويم البلدان» من كور إشبيلية. ثم قال: وبها معقل تعمّم بالسحاب، وتوشّح بالأنهار [العذاب] «2» وذكر أنها من كبار البلدان، ثم قال: وهي بلدة جليلة، كثيرة الفواكه والمياه والحرث والماشية، وأهلها موصوفون بالجمال ورقّة البشرة واللّطافة، وبينها وبين الجزيرة الخضراء مسيرة ثلاثة أيّام.

القاعدة الثانية (أشبونة)

ومنها (مدينة لوشة) . قال في «تقويم البلدان» : وهي عن غرناطة على مرحلة بين البساتين والرياض. ومنها (وادياش) بفتح الواو وألف ثم دال مهملة مكسورة بعدها ياء مثناة تحتية وألف ثم شين معجمة. ويقال: (وادآش) بإبدال الياء همزة. قال في «مسالك الأبصار» : وهي بلدة حسنة، بديعة، منيعة جدّا، كثيرة الفواكه والمزارع؛ والمياه تشقّ أمام أبوابها كما في غرناطة، قريبة من جبل شكير المقدّم ذكره مع غرناطة، فلذلك هي شديدة البرد بسبب ما على الجبل المذكور من الثّلج قال: وهي بلدة مملقة، وأهلها موصوفون بالشّعر، ويحكم بها الرؤساء من أقارب صاحب غرناطة أو من يستقلّ بها سلطانا أو من خلع من سلطان لنفسه. ومنها (بسطة) . وهي بلدة تلي وادياش المقدم ذكرها. وعدّها في «تقويم البلدان» من أعمال جيّان. قال في «مسالك الأبصار» : وهي كثيرة الزّرع واختصّت بالزعفران، فيها منه ما يكفي أهل الملّة الإسلامية بالأندلس على كثرة ما يستعملونه منه. ومنها (أندراش) . قال في «مسالك الأبصار» : وهي مدينة ظريفة كثيرة الخصب، وتختصّ بالفخّار لجودة تربتها، فليس في الدنيا مثل فخّارها للطّبخ. إلى غير ذلك من البلدان مثل أرحصونة وأنتقيرة وبرجة وغيرها. قال في «مسالك الأبصار» : وحصون هذه المملكة كثيرة جدّا، فليس بها من بلد إلا وحوله حصون كثيرة محفوظة بولاة السلطان ورجال تحت أيديهم. القاعدة الثانية (أشبونة) قال في «تقويم البلدان» : بضم الهمزة وسكون الشين المعجمة وضم الباء الموحدة ثم واو ونون وفي آخرها هاء. قال: وعن بعض المسافرين أنّ أوّلها لام. وهي مدينة في غرب الأندلس، وموقعها في أواخر الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول ستّ درج وخمس وخمسون دقيقة، والعرض

اثنتان وأربعون درجة وأربعون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي قاعدة مملكة على البحر المحيط في غربيّ إشبيلية وشماليّها، وغربيّ باجة. وهي مدينة أزليّة ولها البساتين والثّمار المفضّلة على غيرها. قال ابن سعيد: وبينها وبين البحر المحيط ثلاثون ميلا. وهي على جانب نهر يودانس. قال في «تقويم البلدان» : وبزاتها خيار البزاة. قال: وكانت في آخر وقت مضافة إلى بطليوس وملكها ابن الأفطس، وذكر في «العبر» : أنها الآن قاعدة مملكة من ممالك النصارى بالأندلس يقال لها مملكة البرتقال، وأنها عمالة صغيرة، وقد أضيفت الآن إلى أعمال جلّيقيّة كما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك الأندلس. ولها مضافات: منها (شنترين) قال في «تقويم البلدان» بفتح الشين المعجمة وسكون النون وكسر المثناة من فوق والراء المهملة وسكون المثناة من تحت وفي آخرها نون فيما هو مكتوب بخط ابن سعيد. وهي مدينة كانت في القديم من جلّيقيّة شماليّ الأندلس، ثم استقرّت من أعمال أشبونة المقدّم ذكرها. موقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول ثمان درج وعشر دقائق، والعرض اثنتان وأربعون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، وهي على بحر برطانية: وهو بحر برديل الخارج من البحر المحيط المقدّم ذكره في الكلام على البحور، وهي على نهر يصبّ في البحر وأرضها طيّبة. ومنها (شنترة) . وهي مدينة ذكرها في «تقويم البلدان» مع أشبونة استطرادا ونسبها إلى عملها، ولم يتعرض لضبطها ولا لطولها وعرضها، وقال: إن بها تفّاحا مفرطا في الكبر والنّبالة. ومنها مدينة (باجة) بفتح الباء الموحدة وألف ثم جيم مفتوحة وهاء في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : وهي شرقيّ أشبونة، وهي من أقدم مدائن الأندلس، وأرضها أرض زرع وضرع، وعسلها في نهاية الحسن، ولها خاصّيّة في حسن دباغ الأدم، وكانت مملكة مستقلّة.

القاعدة الثالثة (بطليوس)

القاعدة الثالثة (بطليوس) قال في «تقويم البلدان» : بفتح الباء الموحدة والطاء المهملة وسكون اللام وفتح المثناة التحتية وسكون الواو وسين مهملة في الآخر. وهي مدينة من غرب الأندلس موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول تسع درج، والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : ومملكتها في الشّمال والغرب عن مملكة قرطبة. وهي في الغرب بميلة إلى الجنوب عن مملكة طليطلة. وهي مدينة عظيمة في بسيط من الأرض مخضرّ على جانب نهر. قال: وهي مدينة عظيمة إسلامية كانت بيد المتوكّل بن عمر الأفطس «1» ، وبنى بها المباني العظيمة وفيها يقول ابن الفلاس: بطليوس لا أنساك ما اتّصل البعد! ... فلله غور من جنابك أو نجد ولله دوحات تحفّك بينها ... تفجّر واديها كما شقّق البرد وبينها وبين قرطبة ستة أيام. ولها مضافات من أعمالها. منها (ماردة) قال في «تقويم البلدان» : بفتح الميم ثم ألف وراء مهملة مكسورة ودال مهملة وهاء في الآخر كما هو في خط ابن سعيد. وهي مدينة على جنوبيّ نهر بطليوس، موقعها في أول الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: حيث الطول تسع درج وخمس وخمسون دقيقة، والعرض تسع عشرة درجة. قال في «تقويم البلدان» : وهي مدينة أزليّة، ولها ماء مجلوب تحير صنعته.

القاعدة الرابعة (إشبيلية)

قال ابن سعيد: قال الرازي: وهي إحدى القواعد التي بنتها ملوك العجم للقرار. قال: وكان قد اتّخذها سلاطين الأندلس قبل الإسلام سريرا لملك الأندلس، وكانت في دولة بني أميّة يليها عظماء منهم ثم صار الكرسيّ بعد ذلك بطليوس، وقد صارت الآن للنصارى. ويحكى أنه كان بكنيستها حجر يضيء الموضع من نوره، فأخذته العرب أوّل دخولها. ومنها (يابرة) بياء آخر الحروف وألف وباء موحدة وراء مهملة وهاء في الآخر وهي مدينة ذكرها في «تقويم البلدان» بعد ذكر بطليوس استطرادا. القاعدة الرابعة (إشبيلية) قال في «تقويم البلدان» : بكسر الألف وسكون الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة وسكون المثناة من تحت ولام وياء ثانية تحتية وفي آخرها هاء. قال: ومعنى اسمها المدينة المنبسطة. وهي مدينة أزليّة في غرب الأندلس وجنوبيّه على القرب من البحر المحيط، موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: حيث الطول تسع درج وعشر دقائق، والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. وهي على شرقيّ نهرها الأعظم وجنوبيه، ولها خمسة عشر بابا، ومملكتها غربيّ مملكة قرطبة، فطول مملكتها من الغرب من عند مصبّ نهرها في البحر المحيط إلى اعلى النهر من الشرق مما يلي مملكة قرطبة نحو خمس مراحل وعرضها من الجزيرة الخضراء على ساحل الأندلس الجنوبيّ إلى مملكة بطليوس في الشّمال نحو خمسة أيام، وبينها وبين قرطبة أربعة أيام، وهي الآن بيد ملوك النصارى. ولها عدّة كور في جنوبي نهرها وشماليّه. فأما كورها التي في جنوبي نهرها وهي الأكثر: فمنها (كورة أركش) قال في «تقويم البلدان» : بالراء المهملة معقل في غاية المنعة.

القاعدة الخامسة (قرطبة)

ومنها (كورة شريش) قال في «تقويم البلدان» : بفتح الشين المعجمة وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة التحتية وشين معجمة في الآخر، وإليها ينسب «الشّريشيّ» «1» شارح «المقامات الحريرية» . ومنها (كورة طريف) بفتح الطاء وكسر الراء المهملتين وسكون المثناة التحتية وفاء في الآخر. وأما التي شماليّ النهر فكورتان: إحداهما (كورة أوتنة) «2» وهي أشهرها وأوتنة مدينة جليلة. قال في «تقويم البلدان» : ومن الممالك المضافة لإشبيلية مملكة «3» شلب. وهي كورة ومدينة في غربيّ إشبيلية وشماليّها على ساحل البحر المحيط، بينها وبين قرطبة تسعة أيام، وبشلب هذه قصر يعرف «بقصر الشّراخيب» وهو الذي يقول فيه بعض شعرائهم: (طويل) . وسلّم على «قصر الشّراخيب» عن فتى ... له أبدا شوق إلى ذلك القصر! القاعدة الخامسة (قرطبة) قال في «اللباب» : بضم القاف وسكون الراء وضم الطاء المهملتين وباء موحدة وهاء في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : هذا هو المشهور. وقال ابن سعيد: هي بلسان القوط بالظاء المعجمة ونقله عن جماعة. وهي مدينة غربيّ نهر

القاعدة السادسة (طليطلة)

إشبيلية في غرب الأندلس بجنوب، وموقعها في أواخر الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: حيث الطول عشر درج، والعرض ثمان وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : ومملكة قرطبة شرقي مملكة إشبيلية. وهي في الجنوب والشرق عن مملكة بطليوس، وفي الجنوب عن مملكة طليطلة، ودور قرطبة ثلاثون ألف ذراع، وهي أعظم مدن الأندلس، وعليها سور ضخم من الحجر، ولها سبعة أبواب؛ وبلغت عدة مساجدها ألفا وستّمائة مسجد، وحمّاماتها تسعمائة حمام. وهي مدينة حصينة. وقد استولت عليها ملوك النصرانية، وهي بأيديهم إلى الآن. ولها مضافات: منها (مدينة الزّهراء) . وهي مدينة بناها الناصر الأمويّ «1» في غربيّ قرطبة، في سفح جبل. ومنها (القصير) . وهو حصن في شرقيّ قرطبة على النهر، وله كورة من أشهر كورها. ومنها (حصن المدور) . وهو المعقل العظيم المشهور، وللروم به اعتناء عظيم. ومنها (حصن مراد) . وهو حصن في غربيّ قرطبة. ومنها (كورة غافق) . وهي معاملة كبيرة. ومنها (كورة إستجة) . وغير ذلك. القاعدة السادسة (طليطلة) قال في «تقويم البلدان» : بضم الطاء المهملة وفتح اللام وسكون المثنّاة

من تحت وكسر الطاء الثانية ثم لام وهاء في الآخر. وموقعها في آخر الإقليم الخامس قال ابن سعيد: حيث الطول خمس عشرة درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثلاث وأربعون درجة وثمان عشرة دقيقة. وهي مدينة أزلية كانت قاعدة الأندلس في القديم، وبها كان كرسيّ ملك «لذريق» : آخر ملوك القوط الذي انتزعها المسلمون منه. وهي الآن قاعدة ملك «الادفونش» «1» أكبر ملوك النصرانية بالاندلس المعروف بالفنش. قال في «تقويم البلدان» : وهي من أمنع البلاد وأحصنها، مبنية على جبل عال، والأشجار محدقة بها من كل جهة، ويصير بها الجلّنار بقدر الرمّانة من غيرها، ويكون بها شجر الرمان عدّة أنواع، ولها نهر يمرّ بأكثرها ينحدر من جبل الشارة من عند حصن هناك يقال له (باجة) وبه يعرف نهر طليطلة، فيقال: نهر باجة؛ ومنها إلى نهاية الأندلس الشرقية عند الحاجز الذي هو جبل البرت نحو نصف شهر، وكذلك إلى البحر المحيط بجهة شلب. ولها مضافات: منها (مدينة وليد) بفتح الواو وكسر اللام وسكون المثناة من تحت ودال مهملة في الآخر. وموقعها في أواخر الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى عشرة درجة واثنتا عشرة دقيقة، والعرض ثمان وثلاثون درجة وثلاث دقائق. قال في «تقويم البلدان» : وهي من أحسن المدن. وهي في الغرب من طليطلة في جنوبيّ جبل الشارة الذي يقسم الأندلس بنصفين. قال: ويحلّها الفنش ملك الفرنج في أكثر أوقاته. ومنها (مدينة الفرج) [بفتح الفاء والراء المهملة ثم جيم] وهي مدينة شرقيّ طليطلة. وشرقيها مدينة سالم. قال ابن سعيد: ويقال لنهرها وادي الحجارة.

القاعدة السابعة (جيان)

ومنها (مدينة سالم) قال ابن سعيد: وهي بالجهة المشهورة بالثغر من شرقيّ الأندلس. قال: وهي مدينة جليلة. قال في «تقويم البلدان» : وبها قبر «المنصور ابن أبي عامر» «1» القاعدة السابعة (جيّان) قال في «تقويم البلدان» : بفتح الجيم وتشديد المثناة من تحت وألف ونون في الآخر. وموقعها في أوّل الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى عشرة درجة وأربعون دقيقة، والعرض ثمان وثلاثون درجة وسبع وخمسون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : ومملكتها بين مملكتي غرناطة وطليطلة. وهي في نهاية من المنعة والحصانة. وهي عن قرطبة في جهة الشرق وبينهما خمسة أيام، وهي من أعظم مدن الأندلس وأكثرها خصبا، وكانت بيد بني الأحمر أصحاب غرناطة فأخذتها الفرنج منهم بالسيف بعد حصار طويل، وبلادها كثيرة العيون، طيبة الأرض، كثيرة الثّمار، وبها الحرير الكثير. ولها مضافات: منها (مدينة قبجاطة) . وهي مدينة نزهة كثيرة الخصب، أخذها النصارى بالسيف أيضا. ومنها (بيّاسة) بفتح الباء الموحدة وتشديد المثناة التحتية وألف ثم سين مهملة مفتوحة وهاء في الآخر. وهي مدينة على نهر إشبيلية فوق إشبيلية، طيّبة الأرض، كثيرة الزّرع، وبها الزّعفران الكثير، ومنها يحمل إلى الآفاق. ومنها (مدينة آبدة) بمدّ الهمزة المفتوحة وكسر الباء الموحدة وفتح الدال المهملة وهاء في الآخر. وهي مدينة إسلامية أحدثت في دولة بني أميّة بالأندلس

القاعدة الثامنة (مرسية)

بجوار بيّاسة إلا أنها ليست على النهر، ولها عين تسقي الزّعفران. ومنها (جبل سمنتان) وهو جبل به حصون وقرى كثيرة. ومنها (معقل شقورة) و (حصن برشانة) . القاعدة الثامنة (مرسية) قال في «تقويم البلدان» : بضم الميم وسكون الراء وكسر السين المهملتين ثم ياء مثناة من تحتها وهاء في الآخر. وموقعها في أوائل الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول ثمان عشرة درجة، والعرض تسع وثلاثون درجة وعشر دقائق. قال في «تقويم البلدان» : وهي مدينة إسلاميّة محدثة، بنيت في أيام الأمويّين الاندلسيين، قال: وهي من قواعد شرق الاندلس. وهي تشبه إشبيلية في غرب الأندلس بكثرة المنازه والبساتين، وهي في الذّراع الشرقيّ الخارج من عين نهر إشبيلية. ولها عدّة منتزهات. منها [ (الرّشاقة) و (الزّتقات) و (جبل إيل) وهو] «1» جبل تحته البساتين، وبسط تسرح فيه العيون. ولها مضافات: منها (مدينة مولة) . وهي في غربيّ مرسية. ومنها (مدينة أريولة) وغير ذلك. القاعدة التاسعة (بلنسية) قال في «تقويم البلدان» : بفتح الباء الموحدة واللام وسكون النون وكسر

السين المهملة وفتح المثناة من تحت وهاء في الآخر. وموقعها في أواخر الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول عشرون درجة، والعرض ثمان وثلاثون درجة وستّ دقائق. قال في «تقويم البلدان» : وهي من شرق الأندلس، شرقيّ مرسية وغربيّ طرطوشة. وهي في أحسن مكان، وقد حفّت بالأنهار والجنان، فلا ترى إلا مياها تتفرّع، ولا تسمع إلا أطيارا تسجع. وهي على جنب بحيرة حسنة على القرب من بحر الزّقاق، يصبّ فيها نهر يجري على شماليّ بلنسية. ولها عدّة منازه. منها (الرّصافة) و (منية ابن عامر) وحيث خرجت منها لا تلقى إلا منازه. قال ابن سعيد: ويقال إن ضوء مدينة بلنسية يزيد على ضوء بلاد الاندلس، وجوّها صقيل «1» أبدا، لا يرى فيه ما يكدّره. ولها مضافات:- وقد صارت الآن من مضافات برشلونة في جملة أعمال صاحبها من ملوك النصارى-. منها (مدينة شاطبة) بفتح الشين المعجمة وألف بعدها طاء مهملة مكسورة ثم باء موحدة مفتوحة وهاء في الآخر. وهي مدينة عظيمة، ولها معقل في غاية الامتناع وعدّة مستنزهات: منها (البطحاء) و (الغدير) و (العين الكبيرة) . وإليها ينسب الشاطبيّ صاحب «القصيدة» في القراءات السبع، وقد صارت الآن مضافة إلى ملك برشلونة في يد صاحبها. ومنها (دانية) بفتح الدال المهملة وألف ثم نون مكسورة ومثناة تحتية مفتوحة وهاء في الآخر. وهي من شرق الأندلس، وموقعها في أوائل الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول تسع عشرة درجة وعشر دقائق. والعرض تسع وثلاثون درجة وستّ دقائق. وهي غربيّ بلنسية على البحر عظيمة

القاعدة العاشرة (سرقسطة)

القدر كثيرة الخيرات، ولها عدّة حصون. وقد صارت الآن من مضافات برشلونة مع بلنسية، على ما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك الأندلس إن شاء الله تعالى. القاعدة العاشرة (سرقسطة) قال في «تقويم البلدان» : بفتح السين والراء المهملتين وضم القاف وسكون السين الثانية وفتح الطاء المهملة وهاء في الآخر. وهي مدينة من شرق الأندلس. موقعها في أواخر الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى وعشرون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض اثنتان وأربعون درجة وثلاثون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي قاعدة الثّغر الأعلى، وهي مدينة أزليّة بيضاء في أرض طيّبة، قد أحدقت بها من بساتينها زمرّدة خضراء، والتفّ عليها أربعة أنهار فأضحت بها مرصّعة مجزّعة. ولها متنزّهات: منها (قصر السّرور) و (مجلس الذّهب) . وفيهما يقول ابن هود «1» من أبيات: (رمل) . قصر السّرور ومجلس الذّهب، ... بكما بلغت نهاية الطّرب! القاعدة الحادية عشرة (طرطوشة) قال في «تقويم البلدان» : بضم الطاءين «2» المهملتين وبينهما راء ساكنة

القاعدة الثانية عشرة (برشنونة)

مهملة ثم واو ساكنة وشين معجمة وهاء في الآخر. وهي مدينة في شرق الأندلس، موقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول اثنتان وعشرون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض أربعون درجة. قال: وهي من كراسيّ ملك شرق الأندلس. وهي شرقيّ بلنسية في الجهة الشرقيّة من النهر الكبير الذي يمرّ على سرقسطة ويصبّ في بحر الزّقاق، على نحو عشرين ميلا من طرطوشة. قال: وشرقيّ طرطوشة (جزيرة مايرقة) في بحر الزّقاق، وإلى طرطوشة هذه ينسب «الطّرطوشيّ» «1» صاحب «سراج الملوك» . القاعدة الثانية عشرة (برشنونة) قال في «تقويم البلدان» : بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الشين المعجمة وضم النون وسكون الواو ثم نون مفتوحة وهاء في الآخر. ويقال (برشلونة) بإبدال النون الأولى لا ما قال في «تقويم البلدان» : وهي خارجة عن الأندلس في بلاد الفرنج، وموقعها في أوائل الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول أربع وعشرون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض اثنتان وأربعون درجة. وهي الآن قاعدة ملك النصارى بشرق الأندلس، وقد أضيف إليها أرغون، وشاطبة، وسرقسطة، وبلنسية، وجزيرة دانية، وميورقة، وغير ذلك. على ما يأتي ذكره في الكلام على ملوك الاندلس فيما بعد إن شاء الله تعالى. القاعدة الثالثة عشرة (ينبلونة) قال في «تقويم البلدان» : بفتح الياء المثناة من تحت وسكون النون وضم

الجملة الثالثة (في ذكر أنهاره)

الباء الموحدة واللام ثم واو ساكنة ونون مفتوحة وهاء في الآخر. وموقعها في أوائل الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول اثنتان وعشرون درجة وخمس عشرة دقيقة، والعرض أربع وأربعون درجة. قال في «تقويم البلدان» : وهي مدينة في غرب الأندلس خلف جبل الشّارة. قال: وهي قاعدة النّبّريّ: أحد ملوك الفرنج. وتعرف هذه المملكة بمملكة نبّرة- بفتح النون وتشديد الباء الموحدة المفتوحة وفتح الراء المهملة وهاء في الآخر. وهي مملكة فاصلة بين مملكتي قشتالة وبرشلونة، وهي مما يلي قشتالة من جهة الشرق، وسيأتي ذكرها في الكلام على ملوك الاندلس فيما بعد إن شاء الله تعالى. الجملة الثالثة (في ذكر أنهاره) اعلم أن بالأندلس أنهارا كثيرة قد تقدّم ذكر الكثير منها، وأعظمها نهران: الأوّل (نهر إشبيلية) . قال ابن سعيد: وهو في قدر دجلة، وهو أعظم نهر بالأندلس، ويسمّيه أهل الأندلس النهر الأعظم. قال في «تقويم البلدان» ومخرجه من جبال شقورة حيث الطول خمس عشرة درجة، والعرض ثمان وثلاثون وثلثان، وهو يجري في ابتدائه من الشرق إلى الغرب، ثم يصبّ إليه عدّة أنهر. منها (نهر شنّيل) الذي يمرّ على غرناطة. ونهر (سوس) الذي عليه مدينة إستجة، ويسير من جبال شقورة إلى جهات جيّان، ويمرّ على مدينة بيّاسة، ومدينة آبدة، ثم يمرّ على قرطبة، ثم إذا تجاوز قرطبة وقرب من إشبيلية ينعطف ويجري من الشمال إلى الجنوب، ويمرّ كذلك على إشبيلية، وتكون إشبيلية على شرقيّه وطريانة على غربيّه مقابل إشبيلية من البر الآخر، ثم ينعطف فيجرى من الشرق إلى الغرب، ثم يجاوز حتّى يصبّ في البحر المحيط الغربيّ عند مكان يعرف ببرّ المائدة، حيث الطول ثمان درج وربع، والعرض ستّ وثلاثون وثلثان، وتكون

الثاني (نهر مرسية)

جزيرة قادس «1» في البحر الروميّ على يسار مصبّه، ويقع في هذا النهر المدّ والجزر من «2» البحر كما في دجلة عند البصرة، ويبلغ المدّ والجزر فيه سبعين ميلا إلى فوق إشبيلية عند مكان يعرف بالأرحى، ولا يملح ماؤه بسبب المدّ عند إشبيلية بل يبقى على عذوبته، وبين إشبيلية وبين مصبّ النهر في البحر خمسون ميلا، فالمدّ يتجاوز أشبيلية بعشرين ميلا، والمدّ والجزر يتعاقبان فيه كلّ يوم وليلة، وكلما زاد القمر نورا زاد المدّ، والمراكب لا تزال فيه منحدرة مع الجزر صاعدة مع المدّ، وتدخل فيه السفن العظيمة الإفرنجيّة بوسقها من البحر المحيط حتّى تحطّ عند سور إشبيلية. قال ابن سعيد: وعلى هذا النهر من الضياع والقرى ما لا يبلغه وصف. الثاني (نهر مرسية) . قال في «تقويم البلدان» : وهو قسيم نهر إشبيلية، يخرجان من جبال شقورة فيمرّ نهر إشبيلية مغرّبا على ما تقدّم ويصبّ في البحر المحيط. ويمرّ نهر مرسية مشرّقا حتّى يصبّ في بحر الروم عند مرسية. الجملة الرابعة (في الموجود بالأندلس) والظاهر أن كل ما يوجد ببلاد المغرب أو غالبه يوجد به. وقد ذكر في «تقويم البلدان» أنه يوجد به من الوحش: الإيّل، والغزال، وحمار الوحش. ولا يوجد به الاسد البتّة. وقد تقدّم ذكر ما ببلدانه من الفواكه والثّمار في الكلام على بلاده فأغنى عن إعادته هنا. قال في «تقويم البلدان» : وبه عدّة مقاطع رخام من الأبيض والأحمر والخمريّ والمجزّع وغير ذلك.

الجملة الخامسة (في ذكر ملوك الأندلس: جاهلية، وإسلاما. وهم على طبقات)

الجملة الخامسة (في ذكر ملوك الأندلس: جاهلية، وإسلاما. وهم على طبقات) الطبقة الأولى (ملوكها بعد الطّوفان) قال الرازي في كتاب «الاستيعاب» في تاريخ الأندلس: أوّل من ملكها بعد الطّوفان على ما يذكره علماء عجمها قوم يعرفون بالأندلش «1» بالشين المعجمة، وبهم سمّي الاندلش، ثم عرّب بالسين المهملة، وكانوا أهل تمجّس فحبس الله عنهم المطر حتّى غارت عيونها ويبست أنهارها فهلك أكثرهم، وفرّ من قدر على الفرار منهم، فأقفرت الاندلس وبقيت خالية مائة عام. وقال «هروشيوش» مؤرخ الروم: أوّل من سكنها بعد الطّوفان قوم يقال لهم الأباريون، وهم من ولد طوبال بن يافث بن نوح عليه السّلام سكنوها بعد الطّوفان. قال في «الروض المعطار» ويقال: إن عدد ملوكهم الذين ملكوا الأندلس مائة وخمسون ملكا. الطبقة الثانية الأشبانيّة (ملكوا بعد طائفة الأندلش المتقدّم ذكرهم) قال الرازي: وأوّل من ملك منهم أشبان بن طيطش «2» ، وهو الذي غزا الأفارقة وحصر ملكهم بطارقة «3» ، ونقل رخامها إلى إشبيلية واتخذها دار ملكه، وبه سميت، وكثرت جموعه فعلا في الأرض، وغزا من إشبيلية إيلياء: وهي بيت المقدس بعد سنتين من ملكه: خرج إليها في السّفن فهدمها وقتل من اليهود مائة

الطبقة الثالثة (الشبونقات)

ألف. واسترقّ مائة ألف، وفرّق في البلاد مائة ألف، ونقل رخام إيلياء وآلاتها وذخائرها إلى الاندلس. ويحكى أن الخضر (عليه السّلام) وقف على أشبان هذا وهو يحرث أرضا له أيام حداثته، فقال له: يا أشبان، إنك لذو شان، وسوف يحظيك زمان، ويعليك سلطان، فإذا أنت تغلّبت على إيلياء، فارفق بورثة الأنبياء! - فقال له أشبان: أساخر بي رحمك الله؟ أنّى يكون هذا وأنا ضعيف مهين، فقير حقير؟ - فقال: قدّر ذاك من قدّر في عصاك اليابسة ما تراه، فنظر أشبان إلى عصاه فرآها قد أورقت، فارتاع لذلك، وذهب الخضر عنه وقد وقر ذلك في نفسه، ووثق بكونه، فترك الامتهان، وداخل الناس، وصحب أهل الباس، وسما به جدّه فارتقى في طلب السلطان حتّى نال منه عظيما، ودام ملكه عشرين سنة، واتصلت المملكة في بنيه إلى أن ملك منهم الأندلس خمسة وخمسون ملكا. الطبقة الثالثة (الشبونقات) «1» وهي طائفة ثارت على الاندلس من رومة في زمن مبعث المسيح عليه السلام، وملكوا الأندلس والإفرنجة معها، وجعلوا دار مملكتهم ماردة واتصل ملكهم إلى أن ملك أربعة «2» وعشرون ملكا. ويقال: إن منهم كان ذو القرنين. والذي ذكره «هروشيوش» مؤرّخ الروم أن الذي خرج عليهم من رومة ثلاث طوالع من الغريقيّين. وهم: الأنبيّون، والشوانيّون، والقندلش، واقتسموا ملكها: فكانت جلّيقيّة لقندلش؛ ولشبونة وماردة وطليطلة ومرسية للشوانيين، وكانت إشبيلية وقرطبة وجيّان ومالقة للأنبيين، حتّى زحف عليهم القوط من رومة كما سيأتي.

الطبقة الرابعة (القوط)

الطبقة الرابعة (القوط) خرجوا على الشبونقات «1» فغلبوا على الأندلس واقتطعوها من صاحب رومة، وانفردوا بسلطانهم، واتخذوا مدينة طليطلة دار ملكهم (دخشوش «2» ) ملك القوط، وهو أوّل من تنصّر من هؤلاء بدعاء الحواريين ودعا قومه إلى النصرانية، وكان أعدل ملوكهم وأحسنهم سيرة. وقال «هروشيوش» : إنه كان قد ولي عليهم ملك يقال له (اطفالش) . ثم ولي عليهم بعده ملك اسمه (طشريك) وقتله الرومانيون. ثم ولي مكانه ملك اسمه (تالبه) ثلاث سنين، وزوّج أخته من طودشيش ملك الرومانيين، وصالحه على أن يكون له ما يفتحه من الأندلس، ثم مات. وولي مكانه ملك اسمه (لذريق) ثلاث عشرة سنة فزحف على الأندلس وقتل ملوكها، وزرد الطوائف الذين كانوا بها، وبقي الحال على ذلك نحوا من ثمانين سنة، ثم هلك لذريق. وولي مكانه ابنه (وريقش) سبع عشرة سنة، وانتقض عليه البشكنس إحدى طوائف القوط فقهرهم وردّهم إلى طاعته، ثم هلك. وولي بعده (الريك) ثلاثا وعشرين سنة، ثم قتل في حرب الفرنج. وولي عليهم (أشتريك بن طودريك) وهلك بعد خمس سنين من ملكه. وولي عليهم بعده (بشليقش) أربع سنين. ثم ملك بعده ملك آخر اسمه (طوذريق) إحدى وستين سنة وقتله بعض أصحابه بإشبيلية.

وولي بعده ملك اسمه (املريق) خمس سنين. ثم ولي بعده ملك اسمه (طودش) ثلاث عشرة سنة. ثم ولي بعده (طودشكل) سنتين. ثم ملك بعده ملك اسمه (أيلة) خمس سنين، وانتقض عليه أهل قرطبة فحاربهم وردّهم إلى طاعته. ثم ولي بعده ملك اسمه (طنجاد) خمس عشرة سنة. ثم ولي بعده ملك اسمه (ليوبة) سنة واحدة. ثم ولي بعده ملك اسمه (لوبيلذه) ثمانى عشرة سنة، وانتقضت عليه الأطراف فحاربهم وسكّنهم؛ ثم قتل. وولي ابنه (رذريق) ستّ عشرة سنة، وهو الذي بنى البلاط المنسوب إليه بقرطبة. ولما هلك ولي بعده ملك اسمه (ليوبة) سنتين. ثم ولي بعده ملك اسمه (بتريق) سبع سنين. ثم ولي بعده ملك اسمه (عندمار) سنتين. ثم ملك بعده ملك اسمه (ششيوط) ثمان سنين، وعلى عهده كان (هرقل) ملك قسطنطينية والشام، ولعهده كانت الهجرة. ثم ملك بعده ملك اسمه (رذريق) ثلاثة أشهر. ثم ملك بعده ملك اسمه (شتنلة) ثلاث سنين. ثم ولي بعده ملك اسمه (ششنادش) خمس سنين. ثم ولي بعده ملك اسمه (خنشوند) سبع سنين. ثم ولي بعده ملك اسمه (جنشوند) ثلاثا وعشرين سنة. ثم ملك بعده ملك اسمه (بانيه) ثمان سنين. ثم ولي بعده ملك اسمه (لوري) ثمان سنين. ثم ملك بعده رجل اسمه (أبقه) ستّ عشرة سنة. ثم ملك بعده رجل اسمه (أيقه) ستّ عشرة سنة. ثم ولي بعده رجل اسمه (غطسه) أربع عشرة سنة.

الطبقة الخامسة (ملوكها على أثر الفتح الإسلامي)

ثم ولي بعده رجل اسمه (لذريق) سنتين، وهو الذي غلبه المسلمون على الأندلس وفتحوها منه، وهو آخر من ملك منهم. قال صاحب «الروض المعطار» : وعدد من ملك منهم إلى آخرهم وهو (لذريق) ستة وثلاثون ملكا. الطبقة الخامسة (ملوكها على أثر الفتح الإسلاميّ) وكان فتحها في خلافة الوليد بن عبد الملك «1» : أحد خلفاء بني أميّة في سنة اثنتين وتسعين، وكان من أمر فتحها أن طليطلة كانت دار الملك بالأندلس يومئذ، وكان بها بيت مغلق متحامى الفتح، يلزمه من ثقات القوط قوم قد وكّلوا به كي لا يفتح، يعهد الأوّل بذلك للآخر، كلّما ملك منهم ملك زاد على ذلك البيت قفلا. فلما ولي «لذريق» الأخير، عزم على فتح الباب والاطّلاع على ما في البيت، فأعظم ذلك أكابرهم وتضرّعوا إليه في الكفّ، فأبى وظنّ أنه بيت مال، ففضّ الأقفال عنه ودخله، فأصابه فارغا لا شيء فيه إلا تابوتا عليه قفل، فأمر بفتحه فألفاه أيضا فارغا ليس فيه إلا شقّة مدرجة قد صوّرت فيها صور العرب على الخيول، وعليهم العمائم متقلّدو السيوف متنكّبو القسيّ، رافعو الرايات على الرّماح، وفي أعلاه كتابة بالعجمية فقرئت فإذا هي «إذا كسرت هذه الأقفال عن هذا البيت، وفتح هذا التابوت، فظهر ما فيه من هذه الصور فإن الأمّة المصوّرة فيه تغلب على الأندلس وتملكها» فوجم لذريق وعظم غمّه وغم الأعاجم، وأمر بردّ الأقفال، وإقرار الحرس على حالهم. وكان من سير الأعاجم أن يبعث أكابرهم بأولادهم ذكورا كانوا أو إناثا إلى بلاط الملك، ليتأدّبوا بأدبه، وينالوا من كرامته حتّى إذا بلغوا أنكح بعضهم بعضا استئلافا لآبائهم. وكان للذريق عامل على سبتة من برّ العدوة يسمّى يليان، وله ابنة

فائقة الجمال، فوجّه بها إلى دار لذريق على عادتهم في ذلك، فوقع نظر لذريق عليها فأعجبته، فاستكرهها على نفسها فاحتالت حتّى أعلمت أباها بذلك سرّا، فشقّ ذلك عليه، وحلف ليزيلنّ سلطان لذريق، ثم تلطّف حتّى اقتلع بنته من بيت لذريق، ثم لم يلبث يليان [أن كتب] إلى موسى بن نصير «1» أمير أفريقيّة من جهة «الوليد بن «2» عبد الملك» يحرّضه على غزو الأندلس، وحثّه على ذلك، ووصف له من حسنها وفوائدها ما دعاه إلى ذلك وهوّن عليه أمر فتحها. فتوثّق منه موسى بن نصير بذلك ودعا مولى له كان على مقدّماته، يقال له «طارق بن زياد» «3» فعقد له وبعثه إليها في سبعة آلاف، وهيّا له يليان المراكب، فعبر البحر وحلّ بجبل هناك يعرف الآن (بجبل طارق) فوجد عجوزا من أهل الأندلس- فقالت له: إنه كان لي زوج عالم بالحدثان، وكان يحدّث عن أمير يدخل بلدنا هذا، ويصفه بأنه ضخم الهامة وأنت كذلك، وكان يقول: إنه بكتفه الأيسر شامة عليها شعر، فكشف طارق ثوبه فإذا بالشامة كما ذكرت العجوز، فاستبشر بذلك. ويحكى أنه رأى (وهو في المركب) النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء الأربعة يمشون على الماء حتّى مرّوا، فبشّره النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالفتح، وأمره بالرّفق بالمسلمين والوفاء بالعهد، فاستيقظ مستبشرا، وتيقّن الفتح، وهجم البلد فملكها. وكان عسكره قد انتهى إلى اثنى عشر ألفا إلا ستة عشر، ولذريق في ستمائة ألف، وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ «4» وأقام طارق بالأندلس حتّى قدم إليها مولاه موسى بن نصير المتقدّم ذكره في رجب من السنة المذكورة. وأقام موسى فيها سنتين ثم انصرف إلى القيروان، واستخلف عليها ابنه (عبد العزيز) فنزل قرطبة واتخذها دار إمارة لهم، وتوجّه موسى سنة ستّ وتسعين بما سباه وما غنمه إلى الوليد بن عبد

الملك، ثم دسّ سليمان بن «1» عبد الملك على عبد العزيز المذكور من قتله بالأندلس لاتّهامه بموالاة أخيه الوليد «2» ثم وليها بعده (عبد العزيز) بن عبد الرحمن القيسيّ سنتين وثلاثة أشهر. ثم وليها (السّمح بن مالك) الخولانيّ سنتين وتسعة أشهر. ثم وليها (عنبسة بن سحيم) الكلبيّ أربع سنين وخمسة أشهر. ثم وليها (يحيى بن مسلمة) سنتين وستة أشهر. ثم وليها (حذيفة بن الأحوص) القيسيّ سنة واحدة. ثم وليها (عثمان بن أبي نسعة) الخثعميّ خمسة أشهر. ثم وليها (الهيثم بن عبيد) خمسة أشهر. ثم وليها (عبد الرحمن بن عبد الله) الغافقي سنتين وثمانية أشهر. ثم وليها (عبد الملك) بن [قطن الفهري] أربع سنين. ثم وليها (عقبة بن الحجّاج) خمس سنين وشهرين. ثم وليها (مفلح بن بشر القيسي) أحد عشر شهرا. ثم وليها (حسام بن ضرار) الكلبيّ سنتين. ثم وليها (ثوابة «3» الجذاميّ) سنة واحدة. ثم وليها (يوسف بن عبد الرحمن) الفهريّ تسع سنين وتسعة أشهر. ثم كانت دولة بني أمية بالأندلس، على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

الطبقة السادسة (بنو أمية، وكانت دار ملكهم بها مدينة قرطبة)

الطبقة السادسة (بنو أميّة، وكانت دار ملكهم بها مدينة قرطبة) وأوّل من ملكها منهم (عبد الرحمن بن «1» معاوية) بن هشام، بن عبد الملك، بن مروان، بن الحكم، ويعرف (بعبد الرحمن الداخل) . وذلك أن بني العبّاس لما تتبّعوا بني أميّة بالقتل، هرب عبد الرحمن المذكور، ودخل الأندلس واستولى عليها في سنة تسع وثلاثين ومائة من الهجرة، وقصده بنو أميّة من المشرق والتجأوا إليه. وتوفّي في ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين ومائة. وملك بعده ابنه (هشام) وتوفّي سنة ثمان وسبعين ومائة. واستخلف بعده ابنه (الحكم) وفي أيامه استعاد الفرنج مدينة برشلونة في سنة خمس وثمانين ومائة، وتوفّي لأربع بقين من ذي الحجة سنة ستّ ومائتين. وأقام في الملك بعده ابنه (عبد الرحمن) وتوفّي في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين ومائتين. وملك بعده ابنه (محمد) وتوفّي في سلخ صفر سنة اثنتين وسبعين ومائتين، وعمره خمس وستون سنة. وملك بعده ابنه (المنذر) وتوفيّ لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة خمس وسبعين ومائتين. وبويع أخوه (عبد الله) يوم موته، وتوفّي في ربيع الأوّل سنة ثلاثمائة. وولي بعده ابن ابنه (عبد الرحمن) بن محمد المقتول ابن عبد الله المتقدّم ذكره، وخوطب بأمير المؤمنين، وتلقب بالناصر بعد أن مضى من ولايته تسع وعشرون سنة، عندما بلغه ضعف خلفاء العباسيين بالعراق وظهور الخلفاء

العلويين بأفريقيّة، ومخاطبتهم بأمير المؤمنين، وتوفّي في رمضان سنة خمسين وثلاثمائة. وولي الأمر بعده ابنه (الحكم) وتلقّب بالمستنصر، وتوفّي سنة ست وستين وثلاثمائة. وعهد إلى ابنه (هشام) ولقّبة المؤيّد، وبايعه الناس بعد أبيه، فأقام إلى سنة تسع وتسعين وثلاثمائة. ثم غلبه (محمد بن هشام) بن عبد الجبّار بن عبد الرحمن الناصر المتقدّم ذكره، وتلقب بالمهديّ في جمادى الآخرة من السنة المذكورة. ثم غلبه (سليمان بن الحكم) بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر المتقدّم ذكره، فهرب محمد بن هشام المذكور واستولى على الخلافة في شوّال من السنة المذكورة. ثم غلبه (محمد بن هشام) المهديّ المذكور في منتصف شوّال من السنة المذكورة. ثم عاد (هشام بن الحكم) المتقدّم ذكره في سابع ذي الحجة من السنة المذكورة. ثم عاد (سليمان بن الحكم) المتقدّم ذكره في منتصف شوّال سنة ثلاث وأربعمائة، ولقّب بالمستعين. ثم غلبه (المهديّ محمد) بن هشام المتقدّم ذكره في أخريات السنة المذكورة. ثم غلبه (المستعين) على قرطبة؛ ثم قتل المهديّ محمد بن هشام المذكور وعاد [هشام المؤيّد] «1» إلى خلافته، هذا كله والمستعين محاصر

الطبقة السابعة ملوك بني حمود من الأدارسة: ملوك الغرب)

لقرطبة، إلى أن افتتحها عنوة سنة ثلاث وأربعمائة، وقتلوا المؤيّد هشاما. ثم جاء (عليّ بن حمّود) وأخوه (قاسم) من الأدارسة: ملوك الغرب في عساكر من البربر فملكوا قرطبة سنة سبع وأربعمائة وقتلوا المستعين وأزالوا ملك بني أميّة من الأندلس، واتصل ذلك في خلفهم سبع سنين. ثم غلب عليّ بن حمّود، المرتضي بالله عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك، ابن المرتضي عبد الرحمن بن الناصر أمير المؤمنين. ثم اجتمعوا على ردّ الأمر لبني أميّة، ثم ولي بعد ذلك المستظهر بالله (عبد الرحمن) بن هشام بن عبد الجبار في رمضان سنة أربع عشرة وأربعمائة. ثم غلب عليه المستكفي بالله (محمد بن عبد الرحمن) بن عبيد الله، بن عبد الرحمن، الناصر أمير المؤمنين. ثم رجع الأمر إلى (يحيى بن عليّ) بن حمّود سنة ست عشرة وأربعمائة. ثم بويع للمعتمد بالله (هشام بن محمد) أخي المرتضي من بني أميّة سنة ثمان عشرة وأربعمائة. توفّي بها سنة ثمان وعشرين، وانقطعت دولة الأمويّة من الأندلس، والله وارث الأرض ومن عليها. الطبقة السابعة ملوك بني حمّود من الأدارسة: ملوك الغرب) كان في جملة جماعة المستعين: سليمان بن الحكم الأمويّ المتقدّم ذكره القاسم وعليّ ابنا حمّود، بن ميمون، بن أحمد، بن عليّ، بن عبيد الله، ابن عمر، بن إدريس بعد انقراض دولتهم بفاس وانتقالهم إلى غمارة وقيام رياستهم بها، فعقد المستعين للقاسم على الجزيرة الخضراء من الأندلس، ولعليّ على طنجة وعملها من برّ العدوة، وطمعت نفس عليّ بن حمود صاحب طنجة في الخلافة، وزعم أن المؤيّد هشاما من بني أميّة عند حصارهم إيّاه كتب له بعهد

الخلافة، فبايعوه بالخلافة وأجاز إلى مالقة فملكها، ودخل قرطبة سنة سبع وأربعمائة، وتلقب بالناصر لدين الله واتصلت دولته إلى أن قتله صقالبته بالحمّام سنة ثمان وأربعمائة. فولي مكانه أخوه (القاسم) بن حمّود الذي كان بطنجة وتلقب بالمأمون. ثم غلبه على ذلك (يحيى ابن أخيه عليّ) وزحف إلى قرطبة فملكها سنة ثنتي عشرة وأربعمائة وتلقب بالمعتلي، وكانت له وقائع كان آخرها أن اتفقوا على تسليم المدائن والحصون له، فعلا سلطانه، واشتدّ أمره، وأخذ في حصار ابن عبّاد «1» بإشبيلية فكبا به فرسه وقتل، وانقطعت دولة بني حمّود بقرطبة. ثم استدعى قومه أخاه (إدريس) بن عليّ بن حمّود من سبتة وطنجة فبايعوه على أن يولّي سبتة (حسن ابن أخيه يحيى) فتم له الأمر بمالقة وتلقّب بالمتأيد بالله، وبايعه أهل المريّة وأعمالها ورندة والجزيرة، ومات سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. وبايع البربر بعده (حسن بن يحيى) المعتلي، ولقّبوه المستنصر، وبايعته غرناطة وجملة من بلاد الأندلس، ومات مسموما سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة. وكان (إدريس بن يحيى) المعتلي معتقلا، فأخرج وبويع له سنة تسع وثلاثين وأربعمائة، وأطاعته غرناطة وقرمونة وما بينهما، ولقّب العالي، ثم قتل محمدا وحسنا ابني عمّه إدريس، فثار السّودان بدعوة أخيهما محمد بمالقة فأسلموه.

الطبقة الثامنة (ملوك الطوائف بالأندلس)

وبويع (محمد بن إدريس) المتأيّد بمالقة سنة ثمان وثلاثين وتلقّب بالمهديّ، وأقام بمالقة، وأطاعته غرناطة وجيّان وأعمالها، ومات سنة أربع وأربعين وأربعمائة. وبويع (إدريس بن يحيى) بن إدريس المتأيد ولقّب الموفّق ولم يخطب له، وزحف إليه إدريس المخلوع الملقب بالعالي ابن يحيى المعتلي من قمارش فبويع له بمالقة إلى أن هلك سنة سبع وأربعين. وبويع (محمد الأصغر) ابن إدريس المتأيد ولقّب المستعلي، وخطب له بمالقة والمريّة ورندة، وهلك سنة ستين وأربعمائة. وكان (محمد بن القاسم) بن حمّود قد لحق بالجزيرة الخضراء سنة أربع عشرة وأربعمائة فملكها وتلقّب بالمعتصم، وبقي بها إلى أن مات سنة أربعين وأربعمائة. ثم ملكها من بعده (ابنه القاسم) ولقب الواثق، وهلك سنة خمسين، وصارت الجزيرة الخضراء للمعتضد بن عبّاد «1» ، وانقرضت دولة بني حمّود بالأندلس. الطبقة الثامنة (ملوك الطّوائف بالأندلس) لما اضمحلّ أمر الخلافة من بني أميّة وبني حمّود بعدهم بالأندلس، وثب الأمراء على الجهات، وتفرّق ملك الأندلس في طوائف من الموالي، والوزراء، وكبار العرب والبربر، وقام كلّ منهم بأمر ناحية، وتغلّب بعضهم على بعض

وضعف أمرهم حتّى أعطوا الإتاوة لملوك الفرنجة من بني أدفونش حتّى أدركهم الله بأمير المسلمين يوسف بن تاشفين. فأما إشبيلية وغرب الأندلس فاستولى عليهما بنو عبّاد. كان أولهم القاضي أبو القاسم (محمد بن ذي الوزارتين) أبي الوليد، ابن إسماعيل، بن قريش، بن عبّاد، بن عمرو، بن أسلم، بن عمرو، بن عطّاف، ابن نعيم اللخمي؛ واستبدّ بإشبيلية بعد فرار القاسم بن حمّود عن قرطبة، انتزعها من أبي زيري وكان واليا عليها من جهة القاسم بن حمّود المذكور، وبقي بها إلى أن مات سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة. ولما مات قام بأمره ابنه (عبّاد) وتلقب المعتضد، وطالت أيامه، وتغلب على أكثر الممالك بغرب الأندلس، وبقي حتّى مات سنة إحدى وستين وأربعمائة. وولي مكانه ابنه (أبو القاسم محمد) الملقّب بالمعتمد؛ فجرى على سنن أبيه واستولى على دار الخلافة بقرطبة من يد ابن جهور، وفرّق أبناءه على قواعد الملك، واستفحل ملكه بغرب الأندلس، وغلب على من كان هناك من ملوك الطوائف، وبقي حتّى غلب أمير المسلمين «يوسف بن تاشفين» على الأندلس فقبض عليه، ونقله إلى أغمات: قرية من قرى مرّاكش سنة أربع وثمانين وأربعمائة، واعتقله بها إلى أن هلك سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.

وأما قرطبة فاستولى عليها بنو جهور. وكان رئيس الجماعة بقرطبة أيام فتنة بني أميّة، أبو الحزم (جهور بن محمد) بن جهور، بن عبد الله، بن محمد، بن الغمر، بن يحيى، بن أبي المعافر، بن أبي عبيدة الكلبيّ، وأبو عبيدة هذا هو الداخل إلى الاندلس، وكانت لهم وزارة بقرطبة بالدولة العامريّة. ولما خلع الجند «المقتدر بالله «1» » آخر خلفاء بني أميّة بالأندلس، استبدّ جهور بالأمر واستولى على المملكة بقرطبة سنة ثنتين وعشرين وأربعمائة، وكان على سنن أهل الفضل، فأسندوا أمرهم إليه إلى أن يوجد خليفة، ثم اقتصروا عليه فدبّر أمرهم إلى أن هلك في المحرّم سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. وولي مكانه ابنه (أبو الوليد محمد بن جهور) فخلعه أهل قرطبة سنة إحدى وستين وأربعمائة، وأخرجوه [ثم فوض التدبير إلى ابنه عبد الملك بن أبي الوليد فأساء السيرة فأخرجوه] «2» عن قرطبة، فاعتقل [بشلطيلش] «3» إلى أن مات سنة ثنتين وستين. وولّى ابن عبّاد على قرطبة ابنه (سراج الدّولة) وقتله ابن عكّاشة سنة سبع وستين، ودعا لابن ذي النّون (يحيى بن إسماعيل) وقدمها ابن ذي النّون من بلنسية وقتل بها مسموما. وزحف المعتمد بن عبّاد بعد مهلكه إلى قرطبة، فملكها سنة أربع وثمانين وأربعمائة.

وأما بطليوس، فكان بها عند فتنة بني أميّة بالاندلس أبو محمد (عبد الله بن مسلمة) التّجيبي المعروف بابن الأفطس، واستبدّ بها سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، ثم هلك. فوليّ من بعده ابنه المظفّر (أبو بكر) وعظم ملكه. وكان من أعظم ملوك الطوائف، ومات سنة ستين وأربعمائة. وولي بعده ابنه المتوكّل «1» (أبو حفص عمر) بن محمد المعروف بساجة، ولم يزل بها إلى أن قتله (يوسف بن تاشفين» «2» سنة تسع وثمانين وأربعمائة بإغراء ابن عبّاد به. وأما «3» غرناطة، فملكها أيام الفتنة (زاري بن زيري) بن ميّاد، ثم ارتحل إلى القيروان واستخلف على غرناطة ابنه، فبدا لأهل غرناطة أن بعثوا إلى ابن أخيه (حيوس بن ماكس) بن زيري من بعض الحصون، فوصل وملك غرناطة واستبدّ بها، وتوفّي سنة تسع وعشرين وأربعمائة. وولي مكانه ابنه (باديس) وكانت بينه وبين بني عبّاد حروب، وتوفّي سنة سبع وستين وأربعمائة. وولي حافده المظفّر أبو محمد (عبد الله بن بلكين بن باديس) وولّى أخاه تميما بمالقة بعهد جدّه إلى أن خلعهما «يوسف بن تاشفين» سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة.

وأما طليطلة، فاستولى عليها بنو ذي النّون. وذلك أن الظافر إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذي النون الهوّاري [تغلّب] «1» أيام الفتنة على حصن أفلنتين سنة تسع وأربعمائة، وكانت طليطلة ليعيش بن محمد بن يعيش وليها في أوّل الفتنة، فلما مات سنة سبع وعشرين مضى إسماعيل الظافر إلى طليطلة فملكها، وامتد ملكه إلى جنجالة من عمل مرسية، ولم يزل بها إلى أن هلك سنة تسع وعشرين. فولي مكانه ابنه المأمون (أبو الحسن يحيى) فاستفحل ملكه، وعظم بين ملوك الطوائف سلطانه، ثم غلب على بلنسية وقرطبة، ومات مسموما سنة سبع وستين وأربعمائة. وولي بعده طليطلة حافده (القادر يحيى) بن إسماعيل بن المأمون يحيى بن ذي النون. وكان الطاغية أدفونش ملك الفرنج بالأندلس قد استفحل أمره عند وقوع الفتنة بين ملوك الأندلس فضايق ابن النون حتّى تغلّب على طليطلة وخرج له عنها (القادر يحيى) سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، وشرط عليه أن يظاهره على أخذ بلنسية، فقبل شرطه وتسلّمها الأدفونش ملك الفرنج، وبقيت معه إلى الآن أعادها الله تعالى إلى نطاق الإسلام. وأما شاطبة وما معها من شرق الأندلس، فاستولى عليها العامريون. بويع للمنصور (عبد العزيز) بن الناصر عبد الرحمن بن أبي عامر بشاطبة سنة إحدى عشرة وأربعمائة، أقامه الموالي العامريّون عند الفتنة البربرية في زمن بني أميّة، فاستبدّ بها، ثم ثار عليه أهل شاطبة فترك شاطبة ولحق ببلنسية فملكها، وفوّض أمره للموالي.

وكان (خيران العامريّ) من مواليهم قد تغلّب قبل ذلك على أربونة سنة أربع وأربعمائة، ثم ملك مرسية سنة سبع، ثم جيّان والمريّة سنة تسع، وبايعوا جميعا للمنصور عبد العزيز «1» ثم انتقض خيران على المنصور وسار إلى مرسية وأقام بها ابن عمّه (أبا عامر محمد بن المظفّر) بن المنصور بن أبي عامر، وجمع الموالي على طاعته، وسماه (المؤتمن) ثم (المعتصم) ثم أخرج منها؛ ثم هلك خيران سنة تسع عشرة وأربعمائة. وقام بأمره بعده الأمير (عميد الدولة أبو القاسم زهير العامريّ) وزحف إلى غرناطة فبرز إليه باديس بن حيوس فقتله بظاهرها سنة تسع وعشرين وأربعمائة، وصار ملكه للمنصور (عبد العزيز) صاحب بلنسية. وكان قائده صمادح وابنه معن يتوليان حروبه مع مجاهد العامريّ «2» صاحب دانية، فولّى على المريّة (معن بن صمادح) سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وغزا الموالي العامريّين بشاطبة فغلبهم عليها. وولّى على بلنسية ابنه (عبد الملك) فقام بأمره وجاهد المأمون بن ذي النون فغلبه على بلنسية وانتزعها منه سنة سبع وخمسين.

ولما مات المأمون وولي حافده القادر على ما تقدّم ذكره، ولّى على بلنسية (أبا بكر) بن عبد العزيز بقيّة وزراء ابن أبي عامر، فحسّن له ابن هود «1» الانتقاض على القادر، ففعل واستبد بها سنة ثمان وستين وأربعمائة حين تغلّب المقتدر على دانية، ثم هلك لسنة ثمان وسبعين لعشر سنين من ولايته. وولي ابنه القاضي (عثمان) فلما سلّم القادر بن ذي النون طليطلة للأدفونش «2» وزحف إلى بلنسية، خلعوا القاضي عثمان خوفا من استيلاء ملك الفرنج عليها. ثم ثار على القادر سنة ثلاث وثمانين القاضي (جعفر بن عبد الله) بن حجاف، فقتله واستبد بها، ثم تغلب النصارى عليها سنة تسع وثمانين وقتلوه، ثم جاءهم (يوسف بن تاشفين) «3» وأما معن بن صمادح «4» قائد عبد العزيز بن أبي عامر، فإنه أقام بالمريّة لما ولّاه المنصور سنة ثلاث وثلاثين، وتسمّى ذا الوزارتين، ثم خلعه. وولّى ابنه (المعتصم أبا يحيى محمد بن معن بن صمادح) «5» سنة أربع وأربعين، ولم يزل بها أميرا إلى أن مات سنة ثمانين وأربعمائة. وولي ابنه (أحمد) وبقي حتّى خلعه يوسف بن تاشفين.

وأما سرقسطة والثّغر فاستولى عليهما بقية بني هود، إذ كان منذر بن يحى بن مطرّف، بن عبد الرحمن، بن محمد، بن هاشم التّجيبيّ صاحب الثّغر الأعلى بالأندلس، وكانت دار إمارته سرقسطة. ولما وقعت فتنة البربر آخر أيام بني أميّة، استقل (منذر) هذا بسرقسطة والثغر، وتلقب بالمنصور، ومات سنة أربع عشرة وأربعمائة. وولي مكانه ابنه (يحيى) وتلقب بالمظفّر. وكان أبو أيّوب (سليمان بن محمد) بن هود بن عبد الله بن موسى، مولى أبي حذيفة الجذاميّ من أهل نسبهم مستقلّا بمدينة (تطيلة) و (لاردة) من أوّل الفتنة. وجدّهم هود هو الداخل إلى الأندلس، فتغلّب سليمان المذكور على المظفّر يحيى ابن المنذر وقتله سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، وملك سرقسطة والثغر من أيديهم، وتحوّل إليها، وتلقّب بالمستعين واستفحل ملكه، ثم ملك بلنسية ودانية. وولّى على لاردة ابنه (أحمد المقتدر) ومات سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة. فولي ابنه (أحمد) الملقّب بالمقتدر سرقسطة وسائر الثغر الأعلى، وولّى ابنه (يوسف) الملقب بالمظفر لاردة. ومات أحمد المقتدر سنة أربع وسبعين لتسع وثلاثين سنة من ملكه. فولي بعده ابنه (يوسف المؤتمن) وكان له اليد الطّولى في العلوم الرياضية، وألف فيها التآليف الفائقة، مثل «المناظر» و «الاستكمال» وغيرهما، ومات سنة ثمان وسبعين وأربعمائة. وولي بعده ابنه (أحمد) الملقب بالمستعين، ولم يزل أميرا بسرقسطة إلى أن مات شهيدا سنة ثلاث وخمسمائة في زحف ملك الفرنج إليها. وولي بعده ابنه (عبد الملك) وتلقّب عماد الدولة، وزحف إليه الطاغية أدفونش ملك الفرنج فملك منه سرقسطة وأخرجه منها، واستولى عليها سنة ثنتي عشرة وخمسمائة، ومات سنة ثلاث عشرة.

وولي ابنه (أحمد) وتلقّب سيف الدولة والمستنصر، وبالغ في النّكاية في الطاغية ملك الفرنج، ومات سنة ست وثلاثين وخمسمائة. وكان من ممالك بني هود هؤلاء طرطوشة، وقد كان ملكها (مقاتل) أحد الموالي العامريين سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، ومات سنة خمس وأربعين. وملكها بعده (يعلى العامريّ) ولم تطل مدّته. وملكها بعده (نبيل) أحدهم إلى أن نزل عنها لعماد الدولة (أحمد بن المستعين) سنة ثنتين وخمسين وأربعمائة، فلم تزل في يده ويد بنيه بعده إلى أن غلب عليها العدو المخذول فيما غلب عليه من شرق الأندلس. وأما دانية وميورقة، فاستولى عليهما (مجاهد بن على) بن يوسف مولى المنصور بن أبي عامر، وذلك أنه بعد الفتنة كان قد ملك طرطوشة ثم تركها وسار إلى دانية واستقرّ بها، وملك ميورقة [ومنورقة] وبيّاسة، واستقلّ بملكها سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وولّى عليها ابن أخيه (عبد الله) ثم ولّى عليها بعد ابن أخيه مولاه (الأغلب) سنة ثمان وعشرين وأربعمائة. وهلك مجاهد سنة ستّ وثلاثين وأربعمائة. وولي ابنه (عليّ) وتلقّب إقبال الدولة، ودام ملكه ثلاثا وثلاثين سنة، ثم غلبه المقتدر بن هود على دانية سنة ثمان وستين وأربعمائة ونقله إلى سرقسطة، فمات قريبا من [وفاة المقتدر «1» ] سنة أربع وسبعين وأربعمائة، وبقي الأغلب مولى مجاهد على ميورقة؛ وكان كثير الغزو في البحر فاستأذن عليّ بن مجاهد في الغزو، واستخلف على ميورقة صهره سليمان بن مشكيان نائبا عنه فأقام سليمان خمس سنين ثم مات فولّى عليّ بن مجاهد مكانه (مبشرا، وتسمّى ناصر الدولة) فأقام

خمس سنين، وانقرض ملك عليّ بن مجاهد وتغلب عليه المقتدر بن هود «1» فاستقلّ (مبشر) بميورقة ولم يزل يردّد الغزو إلى بلاد العدو حتّى جمع له طاغية برشلونة وحاصره بميورقة عشرة أشهر، ثم اقتلعها منه واستباحها سنة ثمان وخمسمائة، وكان مبشر قد بعث بالصّريخ إلى (عليّ بن يوسف) صاحب المغرب، فلم يواف أسطوله بالمدد إلا بعد تغلّب العدوّ عليها وموت مبشر، فلما وصل العساكر والأسطول دفعوا عنها العدوّ وولّى عليّ بن يوسف عليها من قبله (وانّود بن أبي بكر اللّمتوني) ثم عسف بهم فولّى عليها (يحيى بن عليّ بن إسحاق) ابن غانية صاحب غرب الأندلس فبعث إليها أخاه (محمد بن عليّ) فأقام في ولايتها عشر سنين إلى أن هلك أخوه يحيى، وسلطانهم عليّ بن يوسف واستقرّت ميورقة في ملك بني غانية وكانت لهم بها دولة ثم ملكها الموحّدون وانقرض أمر بني غانية وبقيت في أيدي الموحّدين حتى ملكها الفرنج من أيديهم آخر دولتهم. وأما غرناطة فاستولى عليها (زاري بن زيري) بن ميّاد الصنهاجي، ثم عنّ له أن قدم على المعزّ بن باديس صاحب أفريقية وهو حفيد أخيه بلكين، فقدم عليه واستخلف مكانه بغرناطة ابنا له فأساء السيرة فيهم فأرسلوا إلى ابن عمه حيّوس بن ماكس بن زيري فحضر إليهم فبايعوه، وعظم فيها سلطانه إلى أن مات سنة تسع وعشرين وأربعمائة. وولي من بعده ابنه (باديس بن حيّوس «2» ) وتلقب بالمظفّر، وهو الذي مصرّ غرناطة واختطّ قصبتها وشيّد قصورها وحصّن أسوارها، ومات سنة سبع وسبعين وأربعمائة، وقد ظهر أمر المرابطين بالمغرب. وولي من بعده حافده (عبد الله بن بلكين) بن باديس فبقي بها إلى أن أجاز

الطبقة الطائفة التاسعة (ملوك المرابطين من لمتونة: ملوك الغرب المتغلبين على الأندلس)

يوسف بن تاشفين إلى الأندلس، ونزل بغرناطة سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة فقبض على عبد الله المذكور. [الطبقة] الطائفة التاسعة (ملوك المرابطين من لمتونة: ملوك الغرب المتغلبين على الأندلس) لما غلب أمير المسلمين (يوسف بن تاشفين) أمير المرابطين على بلاد المغرب واستولى عليها، وكان الأندلس قد تقسّم بأيدي ملوك الطوائف كما تقدم، وكان الطاغية ابن الأدفونش ملك الجلالقة «1» قد طمع في بلاد الأندلس، بعث أهل الأندلس إلى أمير المسلمين يستصرخون به فلبّى دعوتهم وسار إلى الأندلس. ونزل الجزيرة الخضراء في سنة تسع وسبعين وأربعمائة ودفع الأدفونش، وسار تارة ببلاد المغرب وتارة ببلاد الأندلس، وملك إشبيلية وبلنسية، واستقلّ (عبد الله بن بلكين) عن غرناطة وأخاه تميما عن مالقة وغلب المعتمد بن «2» عبّاد على جميع عمله واستنزل ابنه المأمون عن قرطبة وابنه الراضي عن رندة وقرمونة، وانتزع بطليوس من صاحبها عمر بن «3» الأفطس، وانتزع عامّة حصون الأندلس من أيدي ملوك الطوائف، ولم يبق منها إلا سرقسطة في يد المستعين «4» بن هود، وانتظمت بلاد الأندلس في ملكه وانقرض ملك الطوائف أجمع منها، واستولى على العدوتين وخاطب المستظهر الخليفة العباسيّ ببغداد في زمنه فعقد له على المغرب والأندلس وكتب له بذلك عهدا وأرسله إليه، ولم يزل الأمر على ذلك حتّى توفّي سنة خمسمائة. وقام بالأمر بعده ابنه (عليّ بن يوسف) وفي أيامه تغلب الأدفونش على سرقسطة واستولى عليها.

وعقد عليّ بن يوسف لولده (تاشفين) على غرب الأندلس سنة ستّ وعشرين وخمسمائة وأنزله قرطبة وإشبيلية؛ وعقد (لأبي بكر بن إبراهيم) على شرق الأندلس وأنزله بلنسية، وعقد (لابن غانية) على الجزائر الشرقية: دانية وميورقة ومنورقة. وبقي الأمر على ذلك إلى أن غلب الموحّدون على بلاد المغرب وانتزعوها من يد تاشفين بن علي في سنة إحدى وخمسين وملكوها. ثم عقد عبد المؤمن أمير الموحدين لابنه (أبي يعقوب) على إشبيلية، ولابنه (أبي سعيد) على غرناطة ثم كانت أيّام يوسف بن عبد المؤمن فغزا الأندلس، ثم رجع إلى إشبيلية سنة ثمان وستين وولّى عمّه (يوسف) على بلنسية، وعقد لأخيه (أبي سعيد) على غرناطة، وعقد على قرطبة لأخيه (الحسن) وعلى إشبيلية لأخيه (على) . ثم عقد (لأبى زيد) ابن أخيه أبي حفص على غرناطة ولابن أخيه أبى محمد عبد الله بن أبى حفص على مالقة. ثم عقد لابنه أبى إسحاق على إشبيلية ولابنه يحيى على قرطبة، ولابنه أبى يزيد على غرناطة ولابنه أبي عبد الله على مرسية. وقتل في قتال النصارى في صفر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة. وولي ابنه (أبو يعقوب) ورغب ابن أدفونش في مهادنته فهادنه. وعقد على إشبيلية للسيد أبي زيد بن الخليفة، وعلى بطليوس لأبي الربيع بن أبي حفص، وعلى غرب الأندلس لأبي عبد الله بن أبي حفص. ورجع إلى مرّاكش سنة أربع وتسعين وخمسمائة ومات بعدها. وولي ابنه الناصر (محمد بن المنصور) ونزل إشبيلية، وذلك في صفر سنة تسع وستمائة ثم رجع إلى مرّاكش فمات بها. وولي بعده ابنه (المستنصر يوسف) وكان الوالي بمرسية أبا محمد عبد الله بن المنصور فدعا لنفسه، وتسمّى بالعادل، وكان إخوته أبو العلاء صاحب قرطبة وأبو الحسن صاحب غرناطة وأبو موسى صاحب مالقة فبايعوه سرّا وخرج من مرسية إلى إشبيلية فدخلها وبعث إليه الموحدون بالبيعة، ودخل مرّاكش فكانت

الطبقة الطائفة العاشرة (بنو الأحمر ملوك الأندلس إلى زماننا هذا)

بالأندلس فتن آخرها أن ثار ابن هود على الأندلس واستولى [عليه] وأخرج منه الموحدين. [الطبقة] الطائفة العاشرة (بنو الأحمر ملوك الأندلس إلى زماننا هذا) وقد تعرّض القاضي شهاب الدين بن فضل الله إلى الذي كان في زمانه منهم وهو (يوسف) ولم ينسبه غير أنه قال: إنه من ولد قيس بن سعد بن عبادة. ثم ذكر أنه فاضل، له يد في الموشّحات. واعلم أن بني الأحمر هؤلاء أصلهم من أرجونة من حصون قرطبة وينتسبون إلى سعد بن عبادة سيد الخزرج، ولم أقف على نسبهم إليه، ويعرفون ببني نصر، وكان كبيرهم آخر دولة الموحدين الشيخ أبو دبّوس (محمد بن يوسف) بن نصر المعروف بابن الأحمر وأخوه إسماعيل، وكان لهما وجاهة ورياسة في تلك الناحية. ولما ضعف أمر الموحّدين بالأندلس واستقلّ بالأمر محمد بن يوسف بن هود الثائر بمرسية وقام بدعوة العبّاسيّة بالأندلس وتغلب على جميع شرق الأندلس، ثار محمد بن يوسف بن نصر: جدّ بني الأحمر على محمد بن يوسف بن هود، وبويع له سنة تسع وعشرين وستمائة، على الدعاء للأمير أبي زكريّا يحيى صاحب أفريقيّة من بقية الموحدين، وأطاعته جيّان وشريش في السنة الثانية من مبايعته. ثم بايع لابن هود سنة إحدى وثلاثين عند وصول تقليد الخليفة من بغداد لابن هود. ثم تغلب على إشبيلية سنة اثنتين وثلاثين، واستعيدت منه بعد شهر ورجعت لابن هود [ثم تغلّب] «1» على غرناطة سنة خمس وثلاثين، وبايعوه وهو بجيّان، فقدم إليها ونزلها وابتنى بها حصن الحمراء منزلا له، وهو المعبّر عنه بالقصبة الحمراء: وهي القلعة؛ ثم تغلب على مالقة وأخذها من يد عبد الله بن زنون الثائر بها بعد

مهلك ابن هود، ثم أخذ المريّة من يد محمد بن الرميمي وزير ابن هود الثائر بها سنة ثلاث وأربعين. ثم بايعه أهل لورقة سنة ثلاث وستين [وانتزعها] ممن كانت بيده. وفي أيامه وأيام ابن هود الثائر استعاد العدوّ المخذول من المسلمين أكثر بلاد الأندلس وحصونه، وهي بيدهم إلى الآن، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وبقي حتّى مات سنة إحدى وسبعين وستمائة. وقام بأمره من بعده ابنه الفقيه (محمد) ابن الشيخ محمد بن يوسف، واستجاش بني مرين ملوك المغرب على أهل الكفر فلبّوه بالإجابة، وكان لهم مع طاغية الكفر وقائع أبلغت فيهم التأثير، وبلغت فيهم حدّ النّكاية، وبقي حتّى هلك سنة إحدى وسبعمائة. وولي من بعده ابنه (محمد المخلوع) ابن محمد الفقيه. ثم غلب عليه أخوه (أبو الجيوش نصر بن محمد) الفقيه، واعتقله سنة ثمان وسبعمائة، واستولى على مملكته، فأساء السّيرة في الرعية، والصّحبة لمن عنده من غزاة بني مرين. فبايعوا (أبا الوليد إسماعيل) ابن الرئيس أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر، وزحف من مالقة إلى غرناطة، فهزم عساكر أبي الجيوش، فصالحه على الخروج إلى وادياش ولحق بها، فجدّد له بها ملكا إلى أن مات سنة ثنتين وعشرين وسبعمائة، فدخل أبو الوليد إلى غرناطة وملكها، وكان بينه وبين ملك قشتالة من ملوك النصارى واقعة بظاهر غرناطة ظهرت فيها معجزة من معجزات الدّين لغلبة المسلمين مع قلّتهم المشركين مع العدد الكثير، وغدر به بعض قرابته من بني نصر فطعنه عندما انفضّ مجلسه بباب داره فقتله. وبويع لابنه (محمد بن أبي الوليد إسماعيل) فاستولى عليه وزيره محمد ابن المحروق، وغلب عليه حتّى قتله بمجلسه غدرا في سنة تسع وعشرين وسبعمائة، واستبدّ بأمر ملكه، واستجاش بني مرين على طاغية الكفر حتّى

استرجع جبل الفتح من أيديهم سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة «1» ، وغدروا به بعد رجوعه من الجبل المذكور إلى غرناطة فقتلوه بالرّماح. وقدّموا مكانه أخاه (أبا الحجاج يوسف) بن أبي الوليد إسماعيل وهو الذي ذكر في التعريف أنه كان في زمانه. وفي أيامه تغلّب النصارى على الجزيرة الخضراء، وأخذوها صلحا سنة ثلاث وأربعين بعد حروب عظيمة، قتل ولد السلطان أبي الحسن المرينيّ في بعضها وكان هو بنفسه في بعضها. ولم يزل حتّى مات يوم الفطر سنة خمس وخمسين وسبعمائة «2» ، طعن في سجوده في صلاة العيد، وقتل للحين قاتله. وولي مكانه ابنه (محمد بن يوسف) وقام بأمره مولاهم رضوان الحاجب [فغلبه عليه وحجبه. وكان أخوه إسماعيل ببعض قصور الحمراء وكانت له ذمّة وصهر من محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن محمد ابن الرئيس أبي سعيد، فسلط محمد هذا بعض الزّعانفة فتسوّر حصن الحمراء على الحاجب فقتله، وأخرج صهره إسماعيل ونصّبه للملك] «3» وخلع أخاه السلطان محمدا، وكان بروضة خارج الحمراء ففرّ إلى السلطان أبي سالم بن أبي الحسن المرينيّ: ملك المغرب فأحسن نزله وأكرمه. واستقلّ أخوه (إسماعيل بن يوسف) بالملك في ليلة سبع وعشرين من شهر رمضان المعظم قدره، سنة ستين وسبعمائة، وأقام السلطان إسماعيل في الملك بالأندلس إلى أن مات أوّل سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة. وأقيم مكانه أبو الحجاج (يوسف بن إسماعيل) «4» وبايعه الناس ومات سنة أربع وتسعين وسبعمائة.

وبويع ابنه (محمد) وهو محمد بن يوسف بن محمد المخلوع بن يوسف بن إسماعيل ابن الرئيس أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر، وقام بأمره محمد الخصاصي القائد من جماعة أبيه، وقد شغل الله طاغية الكفر بما وقع بينه وبين أخيه من الفتن المستأصلة، فامتنع صاحب الأندلس عمّا كان يؤدّيه من الإتاوة للنصارى في كان سنة، وامتنع ذلك من استقبال سنة ثنتين وسبعين وسبعمائة وإلى هذا الوقت. وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ » واعلم أنه لما افتتح المسلمون الأندلس، أجفلت أمم النصرانية أمامهم إلى سيف البحر من جانب الجوف، وتجاوزوا الدّروب من وراء قشتالة، واجتمعوا بجلّيقيّة وملّكوا عليهم (بلاية بن قاقلة) فأقام في الملك تسع عشرة سنة، وهلك سنة ثلاث وثلاثين ومائة من الهجرة. وولي ابنه (قاقلة) سنتين ثم هلك، فولّوا عليهم بعده (أدفونش بن بطرة) من الجلالقة أو القوط، واتصل الملك في عقبه إلى الآن، فجمعهم أدفونش المذكور على حماية ما بقي من أرضهم بعد ما ملك المسلمون عامّتها، وانتهوا إلى جلّيقيّة، وهلك سنة ثنتين وأربعين ومائة لثمان عشرة سنة من ملكه. وولي بعده ابنه (فرّويلة) إحدى عشرة سنة قوي فيها سلطانه، وقارنه اشتغال «عبد الرحمن «2» الداخل» : أوّل خلفاء بني أمية بتمهيد أمره، فاسترجع مدينة لكّ، وبرتقال، وسمّورة، وسلمنقة، وشقوبية، وقشتالة، بعد أن فتحها المسلمون وصارت في مملكتهم، وهلك سنة ثنتين وخمسين. وولي ابنه (أور بن فرّويلة) ست سنين، وهلك سنة ثمان وخمسين.

وولي ابنه (شبلون) عشر سنين، وهلك سنة ثمان وستين. فولّوا من بني أدفونش مكانه رجلا اسمه (أدفونش) فوثب عليه (مورفاط) فقتله وملك مكانه سبع سنين. ثم ولي منهم آخر اسمه (أدفونش) ثنتين وخمسين سنة، وهلك سنة سبع وعشرين ومائتين. فولي ابنه (ردمير) واتصل الملك في عقبه على التوالي إلى أن ولي منهم (ردمير) بن أردون آخر ملوكهم المستبدّين بأمرهم. قال ابن حيان في «تاريخ الأندلس» : وكانت ولايته بعد ترهّب أخيه أدفونش الملك قبله، وذلك سنة تسع عشرة وثلاثمائة في زمن الناصر الأمويّ الخليفة بالأندلس، وتهيأ للناصر الظهور عليه إلى أن كانت وقعة الخندق سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وحصل للمسلمين فيها الابتلاء العظيم، وهلك ردمير سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة. وولي أخوه (شانجة) وكان معجبا تيّاها فوهن ملكه، وضعف سلطانه، ووثب عليه قوامس «1» دولته- وهم ولاة الأعمال من قبل الملك الأعظم- فلم ينتظم لبني أدفونش بعدها ملك مستقلّ في الجلالقة إلا بعد حين، وصاروا كملوك الطوائف. قال ابن حيان: وذلك أن فردلند قومس ألية والقلاع- وكان أعظم القوامس- انتقض على شانجة المتقدّم ذكره، ونصّب للملك مكانه ابن عمه (أردون بن أدفونش) واستبدّ عليه، فمالت النصرانية عن شانجة إليه، وظاهرهم ملك البشكنس على شانجة، ووفد شانجة على الناصر الأمويّ بقرطبة صريخا، فجهّز معه عساكر واستولى على سمّورة فملكها وأنزل المسلمين بها، واتصلت الحرب بين شانجة وفردلند القومس. وفي خلال ذلك ولي الحكم المستنصر الأمويّ، ثم هلك شانجة بن أدفونش ببطليوس. وقام بأمرهم بعده ابنه (ردمير) وهلك أيضا فردلند قومس «2» ألية والقلاع،

وقام بأمره بعده ابنه غريسة، ومات الحكم المستنصر فقوي سلطان ردمير، وعظمت نكايته في المسلمين إلى أن قيّض الله لهم المنصور بن أبي «1» عامر حاجب هشام؛ فأثخن في عمل ردمير وغزاه مرارا وحاصره، وافتتح (شنت مانكس) وخرّبها فتشاءمت الجلالقة بردمير، ورجع «2» إلى طاعة المنصور سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، وهلك على أثرها، فأطاعت أمه. واتفقت الجلالقة على (برمند بن أردون) فعقد له المنصور على سمورة وليون وما اتصل بهما من أعمال غليسية إلى البحر الأخضر فقبل؛ ثم انتقض فغزاه المنصور سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، فافتتح ليون وسمورة، ولم يبق بعدها للجلالقة إلا حصون يسيرة بالجبل الحاجز بينهم وبين البحر الأخضر، ولم يزل المنصور به حتّى ضرب عليه الجزية وأنزل المسلمين مدينة سمّورة سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وولّى عليها أبا الأحوص (معن بن عبد العزيز) التّجيبي؛ وسار إلى (غرسية بن فردلند) صاحب ألية فملك عليه لشبونة قاعدة غليسية وخرّبها، وهلك غرسية. فولي ابنه (شانجة) فضرب عليه الجزية، وصارت الجلالقة بأجمعهم في طاعة المنصور وهم كالعمّال له. ثم انتقض برمند بن أردون فغزاه المنصور حتّى بلغ شنت ياقب، مكان حجّ النصارى ومدفن يعقوب الحواريّ من أقصى غليسية، فأصابها خالية فهدمها ونقل أبوابها إلى قرطبة، فجعلها في نصف الزّيادة التي أضافها إلى المسجد الأعظم. ثم افتتح قاعدتهم (شنتمريّة) سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، ثم هلك برمند بن أردون ملك بني أدفونش. وولي ابنه (أدفونش) وهو سبط غرسية بن فردلند صاحب ألية، وكان صغيرا فكفله (منند بن غند شلب) قومس غليسية، إلى أن قتل منند غيلة سنة ثمان

وتسعين وثلاثمائة فاستقلّ أدفونش بأمره، وطلب القواميس المتعذّرين على أبيه وعلى من سلف من قومه مثل بني أرغومس وبني فردلند المتقدّم ذكرهم بالطاعة فأطاعوا ودخلوا تحت أمره. ثم جاءت الفتنة البربرية على رأس المائة الرابعة فضعف أمر المسلمين، وتغلّب النصارى على ما كان المنصور تغلّب عليه بقشتالة وجلّيقيّة، ولم يزل أدفونش بن برمند ملكا على جلّيقيّة وأعمالها، ثم كان الملك من بعده في عقبه إلى أن كان ملوك الطوائف، وتغلب المرابطون ملوك الغرب من لمتونة على ملوك الطوائف بالأندلس، على ما سيأتي في الكلام على مكاتبة ابن الأحمر ملك المسلمين بالأندلس. وفي بعض التواريخ أن ملك قشتالة الذي ضرب الجزية على ملوك الطوائف في سني خمسين وأربعمائة هو (البيطبين) وأنه لما هلك قام بأمره بنوه فردلند، وغرسية، وردمير. وولي أمرهم (فردلند) ثم هلك، وخلّف شانجة وغرسية والفنش فتنازعوا، ثم خلص الملك للفنش، واستولى على طليطلة سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، وعلى بلنسية سنة تسع وثمانين وأربعمائة، ثم ارتجعها المرابطون من يده حتّى استعادها النصارى سنة ست وثلاثين وستمائة. وهلك الفنش سنة إحدى وخمسمائة. وقام بأمر الجلالقة (بنته) وتزوّجت ردمير، ثم فارقته وتزوّجت بعده قمطا من أقماطها فأتت منه بولد كانوا يسمّونه (السليطين) . وأوقع ابن ردمير بابن هود سنة ثلاث وخمسمائة الواقعة التي استشهد فيها، وملك منه سرقسطة. وفي بعض التواريخ أن النصارى في زمن المنصور أبي «1» يعقوب ابن أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن كان دائرا بين ثلاثة من ملوكهم الفنش، والبيبوح، وابن الزند، وكبيرهم الفنش.

ولما فشلت ريح بني عبد المؤمن في زمن المستنصر بن الناصر، استولى الفنش على جميع ما فتحه المسلمون من معاقل الأندلس، ثم هلك الفنش. وولي ابنه (هرّاندة) وكان أحول وبذلك يلقّب، فارتجع قرطبة واشبيلية من أيدي المسلمين. وزحف ملك أرغون في زمنه فاستولى على ماردة، وشاطبة، ودانية، وبلنسية، وسرقسطة، والزّهراء، والزاهرة، وسائر القواعد والثّغور الشرقيّة، وانحاز المسلمون إلى سيف البحر، وملّكوا عليهم ابن «1» الأحمر بعد ولاية ابن هود. وكان استرجاع الطاغية ماردة سنة ستّ وعشرين وستّمائة، وميورقة سنة سبع وعشرين، وبلنسية سنة ستّ وثلاثين، وسرقسطة وشاطبة قبل ذلك بزمن طويل. ثم هلك هرّاندة، وولي ابنه [شانجة] «2» ثم هلك [سنة ثلاث وتسعين] «3» وولي ابنه (هرّاندة) وكان بينه وبين عساكر يعقوب بن عبد الحق: سلطان الغرب الواصلة إلى الأندلس حروب متصلة، الغلب فيها لعساكر ابن عبد الحق، ثم خرج على هرّاندة هذا ابنه (شانجة) فوفد هرّاندة على السلطان يعقوب بن عبد الحق فقبّل يده، واستجاشه على ولده شانجة، فقبل وفادته، وأمدّه بالمال والعساكر، ورهن عنده على المال التاج المعروف من ذخائر سلفهم، فهو عند بني عبد الحق إلى الآن. ثم هلك هرّاندة سنة ثلاث وثلاثين وستّمائة، واستقل ابنه (شانجة) بالملك، ووفد على يوسف بن يعقوب بالجزيرة الخضراء بعد مهلك أبيه يعقوب ابن عبد الحق وعقد معه الهدنة، ثم نقض واستولى على مدينة طريف سنة ثلاث وتسعين وستّمائة؛ ثم هلك سنة ثنتي عشرة وسبعمائة.

فولي ابنه (بطرة) صغيرا، وكفله عمّه جوان وهلكا جميعا على غرناطة عند زحفهما إليها سنة ثمان عشرة وسبعمائة. فولي ابنه (الهنشة بن بطرة) صغيرا وكفله زعماء دولته، ثم استقل بأمره وهلك محاصرا جبل الفتح سنة إحدى وخمسين وسبعمائة في الطاعون الجارف. وولي (ابنه بطرة) وفرّ ابنه القمط إلى برشلونة فاستجاش صاحبها على أخيه بطرة فأجابه، وزحف إليه بطرة فاستولى على كثير من بلاده، ثم كان الغلب للقمط سنة ثمان وستين وسبعمائة، واستولى على بلاد قشتالة، وزحفت إليهم أمم النصرانية، ولحق بطرة بأمم الفرنج الذين وراء قشتالة في الجوف بجهات الليمانية وبرطانية إلى ساحل البحر الأخضر وجزائره فزوّج بنته من ابن ملكهم الأعظم المعروف بالبنس غالس، وأمدّه بأمم لا تحصى فملك قشتالة والقرنتيرة، واتصلت الحرب بعد ذلك بين بطرة وأخيه القمط، إلى أن غلبه القمط وقتله سنة ثنتين وسبعين وسبعمائة، واستولى القمط على ملك بني أدفونش أجمعه، واستقام له أمر قشتالة، ونازعه البنس غالس ملك الإفرنجة بابنه الذي هو من بنت بطرة، وطلب له الملك على عادتهم في تمليك ابن البنت، واتصلت الحرب بينهما، وشغله ذلك عن المسلمين فامتنعوا عن أداء الإتاوة التي كانوا يؤدّونها إلى من كان قبله، وهلك القمط سنة إحدى وثمانين وسبعمائة. فولي ابنه (دن جوان) وفرّ أخوه غريس ولحق بالبرتغال، واستجاش على أخيه بجموع كثيرة، ثم رجع إليه واصطلح عليه، ثم هلك دن جوان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، ونصّب قومه في الملك ابنه بطرة صبيا صغيرا لم يبلغ الحلم وقام بكفالته وتدبير دولته اليركيش خال جدّه القمط بن الهنشه والأمر على ذلك إلى الآن، وفتنهم مع البنس غالس ومع الفرنج متصلة، وأيديهم عن المسلمين مكفوفة

المملكة الأولى (مملكة قشتالة)

وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ «1» قلت: والممالك القائمة بجزيرة الأندلس الآن من ممالك النصرانية أربع ممالك. المملكة الأولى (مملكة قشتالة) التي عليها سياقة الحديث إلى أن صارت إلى بطرة بن دن جوان المتقدّم ذكره. وهي مملكة عظيمة وعمالات متسعة تشتمل على طيطلة، واشبيلية، وقشتالة، وغليسية والقرنبيرة وهي بسط من الغرب إلى الشرق ويقال لملكها الأدفونش والعامة تسميه الفنش. المملكة الثانية (مملكة البرتغال) وهي في الجانب الغربيّ من قشتالة، وهي عمالة صغيرة تشتمل على أشبونة وغرب الأندلس، وهي الآن من أعمال جلّيقيّة، إلا أن صاحبها متميز بسمته وملكه. المملكة الثالثة (مملكة برشلونة) وهي بجهة شرق الاندلس، وهي مملكة كبيرة، وعمالات واسعة، تشتمل على برشلونة، وأرغون، وشاطبة، وسرقسطة، وبلنسية، وجزيرة دانية، وميورقة وكان ملكهم بعد العشرين والسبعمائة اسمه بطرة وطال عمره، وهلك سنة سبع وثمانين وسبعمائة، وانفرد أخوه الدك بملك سرقسطة مقاسما لأخيه ثم سار بعد

المملكة الرابعة (مملكة نبرة مما يلي قشتالة من جهة الشرق، فاصلا بين عمالات ملك قشتالة وعمالات ملك برشلونة)

ذلك في أسطول فملك جزيرة صقلية من أيدي أهلها وصارت داخلة في أعمالهم. المملكة الرابعة (مملكة نبرّة مما يلي قشتالة من جهة الشرق، فاصلا بين عمالات ملك قشتالة وعمالات ملك برشلونة) وهي عمالة صغيرة، وقاعدتها مدينة ينبلونة، وملكها ملك البشكنس. أما ما وراء الأندلس من الفرنج فأمم لا تحصى، وسيأتي الكلام على ذكر ملكهم الأكبر ريدفرنس فيما بعد إن شاء الله تعالى. الجملة السادسة (في ترتيب هذه المملكة) أما مملكة المسلمين فلا يخفى أنها في معنى بلاد المغرب. [وفي كثير من الأوقات يملكهم ملوك المغرب الأقصى، فبالضرورة إن ترتيبهم جار على ترتيب بلاد الغرب] «1» وقد ذكر في «مسالك الأبصار» أن أهل الأندلس في الجملة لا يتعمّمون، بل يتعهّدون شعورهم بالتنظيف والحنّاء ما لم يغلب الشّيب، ويتطيلسون فيلقون الطّيلسان على الكتف أو الكتفين مطويّا طيّا ظريفا [والمتعمم فيهم قليل] ؛ ويلبسون الثياب الرفيعة الملونة من الصّوف والكتّان ونحو ذلك، وأكثر لباسهم في الشتاء الجوخ وفي الصيف البياض. قال: وأرزاق الجند به ذهب بحسب مراتبهم، وأكثرهم من برّ العدوة من بني مرين وبني عبد الواد وغيرهم. والسلطان مسكنه القصور الرفيعة، ويقعد السلطان للناس بدار العدل في مكان يعرف بالسبيكة من القصبة الحمراء التي هي القلعة يوم الاثنين ويوم الخميس صباحا، ويحضر معه المجلس الرؤساء من أقاربه ونحوهم، ويقرأ بمجلسه عشر من القرآن وشيء من الحديث النبويّ، ويأخذ الوزير القصص من الناس فتقرأ عليه. وأما

الحرب فإنهم فيها سجال: تارة لهم وتارة عليهم، والنصر في الأغلب للمسلمين على قلّتهم وكثرة عدوّهم بقوّة الله تعالى. وبالبلاد البحرية أسطول الحراريق المفرّق في البحر الشامي، يركبها الأنجاد من الرّماة والرؤساء المهرة، فيقاتلون العدوّ على ظهر البحر، وهم الظافرون في الغالب، ويغيرون على بلاد النصارى بالساحل وما هو بقربه فيأسرون أهلها ذكورهم وإناثهم، ويأتون بهم بلاد المسلمين، فيبرزون بهم ويحملونهم إلى غرناطة إلى السلطان فيأخذ منهم ما يشاء ويهدي ويبيع. وقد كانت لهم وقيعة في الإفرنج سنة تسع عشرة وسبعمائة على مرج غرناطة قتل فيها من الإفرنج أكثر من ستين ألفا وملكان: وهما بطرة وجوان عمه ففديت جيفة جوان بأموال عظيمة. وحملت جثّة بطرة إلى غرناطة، فعلّقت على باب قلعتها في تابوت، واستمرت معلّقة هناك، وجاز المسلمون غنيمة من أموالهم قلّما يذكر مثلها في تاريخ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ «1» وقد تقدم في المقالة الأولى في الكلام على النوع الرابع مما يحتاج إليه الكاتب: وهو حفظ كتاب الله تعالى: أن بعض ملوك الفرنج كتب إلى ابن الأحمر: صاحب غرناطة كتابا يهدّده فيه، فكان جوابه أن قلبه وكتب على ظهره ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ «2» وأما ملوك الفرنج به فعلى ترتيب سائر ممالك الفرنج مما هو غير معلوم لنا.

الفصل الثالث من المقالة الثانية في الجهة الجنوبية عن مملكة الديار المصرية

الفصل الثالث من المقالة الثانية في الجهة الجنوبيّة عن مملكة الديار المصرية : من مصر والشام والحجاز، ومضافاتها مما هو واقع في الثاني والثالث والرابع من الأقاليم السبعة) اعلم أنه قد دخل في جهتي الشرق والغرب المتقدّمتين ذكر أماكن مما هو في جهة الجنوب عن مملكة الديار المصرية ومضافاتها، انساق الكلام إليها استطرادا واستتباعا: كأطراف اليمن، والهند، والصّين الجنوبية الخارجة عن الإقليم الثاني إلى جهة الجنوب مما استتبعته ممالك الشرق، والمقصود الآن الكلام على ما عدا ذلك، وهو بلاد السّودان. وهي بلاد متّسعة الارجاء رحبة الجوانب، حدّها من الغرب البحر المحيط الغربيّ، ومن الجنوب الخراب مما يلي خطّ الاستواء؛ ومن [الشّرق] بحر القلزم مما يقابل بلاد اليمن والأمكنة المجهولة الحال شرقيّ بلاد الزّنج في جنوبيّ البحر الهنديّ، ومن الشّمال البراريّ الممتدّة فيما بين الديار المصرية وأرض برقة، وبلاد البربر، من جنوبي المغرب إلى البحر المحيط. والمشهور منها ستّ ممالك. المملكة الأولى (بلاد البجا) والبجا بضم الباء الموحدة وفتح الجيم وألف في الآخر. وهم من أصفى السودان لونا. قال ابن سعيد: وهم مسلمون ونصارى وأصحاب أوثان، ومواطنهم

المملكة الثانية (بلاد النوبة)

في جنوبي صعيد مصر مما يلي الشرق، فيما بين بحر القلزم وبين نهر النيل، على القرب من الديار المصرية. وقاعدتهم (سواكن) بفتح السين المهملة والواو وكسر الكاف ونون في الآخر. قال في «تقويم البلدان» في الكلام على بحر القلزم: وهي بليدة للسّودان، حيث الطول ثمان وخمسون درجة، والعرض إحدى وعشرون درجة. قلت وقد أخبرني من رآها أنها جزيرة على طرف بحر القلزم من جهته الغربيّة قريبة من البرّ يسكنها التّجّار. وصاحبها الآن من العرب المعروفين بالحداربة- بالحاء والدال المهملتين المفتوحتين وألف ثم راء مهملة وباء موحدة مفتوحة وهاء في الآخر، وله مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، ويقال في تعريفه الحدربيّ بضم الحاء وسكون الدال وضم الراء، على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة فيما بعد، إن شاء الله تعالى. وقد عدّ في «تقويم البلدان» من مدن البجا (العلّاقي) بفتح العين المهملة واللام المشدّدة ثم ألف وقاف مكسورة ثم ياء مثناة من تحت. من آخر الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : حيث الطول ثمان وخمسون درجة، والعرض ستّ وعشرون درجة. قال في «تقويم البلدان» : وهي بالقرب من بحر القلزم، ولها مغاص ليس بالجيّد، وبجبلها معدن ذهب، يتحصّل منه بقدر ما ينفق في استخراجه. قال المهلّبي: إذا أخذت من أسوان في سمت المشرق تصل إلى العلّاقي بعد اثنتي عشرة مرحلة. قال: وبين العلّاقي وعيذاب ثمان مراحل ومن العلّاقي يدخل إلى بلاد البجا. المملكة الثانية (بلاد النّوبة) بضم النون وسكون الواو وفتح الباء الموحدة وهاء في الآخر. ولون بعضهم يميل إلى الصّفاء، وبعضهم شديد السّواد. قال في «مسالك الأبصار» : وبلادهم مما يلي مصر في نهاية جنوبيّها مما يلي المغرب على ضفتي النيل الجاري

إلى مصر. قال في «تقويم البلدان» في الكلام على الجانب الجنوبيّ: وبينها وبين بلاد النّوبة جبال منيعة. وقاعدتها مدينة (دنقلة) . قال في «تقويم البلدان» : الظاهر أنها بضم الدال المهملة وسكون النون وقاف مضمومة ولام مفتوحة وهاء في الآخر. وما قاله هو الجاري على ألسنة أهل الديار المصرية، ورأيتها في «الروض المعطار» مكتوبة (دمقلة) بإبدال النون ميما، مضبوطة بفتح الدال، وباقي الضبط على ما تقدّم. وأنشد بيت شعر شاهدا لذلك. وموقعها في الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: حيث الطول ثمان وخمسون درجة وعشر دقائق، والعرض أربع عشرة درجة وخمس عشرة دقيقة. قال: وفي جنوبيّها وغربيّها مجالات زنج النّوبة الذين قاعدتهم (كوشة) خلف الخطّ، وفي غربي دنقلة وشماليّها مدنهم المذكورة في الكتب. قال الإدريسيّ: وهي في غربيّ النيل على ضفّته وشرب أهلها منه. قال: وأهلها سودان لكنهم أحسن السّودان وجوها، وأجملهم شكلا، وطعامهم الشعير والذّرة والتمر يجلب إليهم. واللحوم التي يستعملونها لحوم الإبل: طريّة ومقدّدة، ومطبوخة. وفي بلادهم الفيلة، والزّراريف، والغزلان. قال في «مسالك الأبصار» : ومدنها أشبه بالقرى والضيّاع من المدن، قليلة الخير والخصب، يابسة الهواء. قال: وحدّثني غير واحد ممن دخل النّوبة: أن مدينة دنقلة ممتدّة على النيل، وأهلها في شظف من العيش، والحبوب عندهم قليلة إلا الذّرة، وإنما تكثر عندهم اللحوم والألبان والسّمك. وأفخر أطبختهم أن تطبخ اللّوبيا في مرق اللحم، ويثرد ويصفّ اللحم واللّوبيا على وجه الثّريد. وربما عملت اللّوبيا بورقها وعروقها. قال: ولهم انهماك على السّكر بالمزر «1» وميل عظيم إلى الطّرب.

ولما خاف بنو أيّوب نور الدّين الشهيد صاحب الشام على أنفسهم حين همّ بقصدهم، بعث السلطان صلاح الدّين أخاه شمس الدولة «1» إلى (النّوبة) ليأخذها لتكون موئلا لهم إذا قصدهم، فرأوها لا تصلح لمثلهم، فعدلوا إلى اليمن واستولوا عليها، وجعلوها كالمعقل لهم. قال ابن سعيد: ودين أهل هذه البلاد النصرانية. قال في «مسالك الأبصار» : ومن هذه البلاد نجم «لقمان الحكيم» ثم سكن مدينة أيلة، ثم دخل إلى بيت المقدس. ومنها أيضا «ذو النون المصريّ» «2» الزاهد المشهور، وإنما سمي المصريّ لأنه سكن مصر فنسب إليها. وكان ملوكها في الزمن القديم وسائر أهلها على دين النّصرانية، فلما فتح عمرو بن العاص «3» رضي الله عنه مصر غزاهم. قال في «الروض المعطار» : فرآهم يرمون الحدق بالنّبل، فكفّ عنهم، وقرّر عليهم إتاوة في كل سنة. قال صاحب «العبر» وعلى ذلك جرى ملوك مصر بعده، وربما كانوا يماطلون بذلك ويمتنعون من أدائه، فتغزوهم عساكر المسلمين من مصر حتى يطيعوا، إلى أن كان ملكهم في أيام الظاهر بيبرس «4» رحمه الله، رجلا اسمه (مرقشنكز) وكان له ابن أخ اسمه (داود) فتغلب عليه، وانتزع الملك من يده، واستفحل ملكه بها، وتجاوز حدود مملكته قريب (أسوان) من آخر صعيد الدّيار المصرية؛ فقدم (مرقشنكز) المذكور على الظاهر بيبرس بالدّيار المصرية، واستنجده على ابن أخيه (داود) المذكور، فجهّز معه العساكر إلى بلاد النّوبة، فانهزم (داود) ولحق بمملكة الأبواب من بلاد السّودان، فقبض عليه ملكها وبعث به مقيّدا إلى الظاهر بيبرس،

فاعتقل بالقلعة حتى مات، واستقرّ (مرقشنكز) في ملك النّوبة على جزية يؤدّيها في كل سنة، إلى أن كانت دولة المنصور (قلاوون) ثم استقرّ بمملكة دنقلة في الدولة المنصورية (قلاوون) رجل اسمه سيمامون وغزته عساكر قلاوون سنة ثمانين وستّمائة. ثم ملكهم في أيام الناصر «محمد بن قلاوون» «1» رجل اسمه (أمي) وبقي حتى توفّي سنة ستّ عشرة وسبعمائة. وملك بعد دنقلة أخوه (كرنبس) . ثم خرج من بيت الملك منهم رجل اسمه (نشلى) فهاجر إلى مصر، وأسلم وحسن إسلامه، وأقام بمصر بالأبواب السّلطانية؛ وأجرى عليه السلطان الملك الناصر رزقا، ولم يزل حتى امتنع (كرنبس) من أداء الجزية سنة ستّ عشرة وسبعمائة، فجهّز إليه السلطان العساكر مع نشلى المقدّم ذكره، وقد تسمّى عبد الله ففرّ كرنبس إلى بلاد الأبواب، فاستقرّ (عبد الله نشلى) في ملك دنقلة على دين الإسلام، ورجعت العساكر إلى مصر، وبعث الملك الناصر إلى ملك الأبواب في أمر كرنبس فبعث به إليه، فأسلم وأقام بباب السلطان، وبقي نشلى في الملك حتى قتله أهل مملكته سنة تسع عشرة وسبعمائة، فبعث السلطان كرنبس إليهم فملكهم وانقطعت الجزية عنهم من حين أسلم ملوكهم. قال في «العبر» : ثم انتشرت أحياء جهينة «2» من العرب في بلادهم واستوطنوها، وعاثوا فسادا، وعجز ملوك النّوبة عن مدافعتهم فصاهروهم مصانعة لهم، وتفرّق بسبب ذلك ملكهم حتى صار لبعض جهينة من أمّهاتهم على رأي العجم في تمليك الأخت وابن الأخت، فتمزّق ملكهم واستولت جهينة على بلادهم، ولم يحسنوا سياسة الملك، ولم ينقد بعضهم إلى بعض، فصاروا شيعا ولم يبق لهم رسم ملك، وصاروا رحّالة بادية

المملكة الثالثة (بلاد البرنو)

على عادة العرب إلى هذا الزمان. وذكر في «مسالك الأبصار» : أن ملكها الآن مسلم من أولاد (كنز الدولة) قال: وأولاد الكنز هؤلاء أهل بيت ثارت لهم ثوائر مرّات. فيحتمل أن أولاد الكنز من جهينة أيضا جمعا بين المقالتين. وقد ذكر في «مسالك الأبصار» : أنّ سلطانهم كواحد من العامّة، وأنه تأوي الغرباء إلى جامع دنقلة فيرسل إليهم؛ فيأتونه فيضيفهم وينعم عليهم هو وأمراؤه، وأن غالب عطائهم الدّكاديك: وهي أكسية غلاظ غالبها سود: وربما أعطوا عبدا أو جارية. (وقد ذكر في «الروض المعطار» : أن عمرو بن العاص «1» رضي الله عنه قصد قتال النّوبة فرآهم يرمون الحدق بالنّبل فكفّ عنهم، وقرّر عليهم إتاوة من الرّقيق في كل سنة) ، ولم تزل ملوك مصر تأخذ منهم هذه الإتاوة في أكثر الأوقات حتى ذكر في «مسالك الأبصار» أنه كان عليهم في زمنه مقرّر لصاحب مصر في كلّ سنة من العبيد، والإماء، والحراب، والوحوش النّوبية- قلت: أمّا الآن فقد انقطع ذلك. وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ «2» المملكة الثالثة (بلاد البرنو) وبلاد البرنو- بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وضم النون وسكون الواو. وهم مسلمون والغالب على ألوانهم السواد قال في «التعريف» : وبلاده تحدّ بلاد التّكرور من الشرق، ثم يكون حدّها من الشّمال بلاد أفريقيّة، ومن الجنوب الهمج.

المملكة الرابعة (بلاد الكانم)

وقاعدتهم مدينة (كاكا) بكافين بعد كلّ منهما ألف فيما ذكر لي رسول سلطانهم الواصل إلى الدّيار المصرية صحبة الحجيج في الدولة الظاهرية (برقوق) «1» وقد تعرّض إليها في «مسالك الأبصار» في تحديد مملكة مالّي على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى. ومن مدنهم أيضا مدينة (كتنسكي) بكاف مضمومة وتاء مثناة فوقية ساكنة ونون مكسورة وسين مهملة ساكنة وكاف مكسورة بعدها ياء مثناة تحتية. وهي شرقيّ (كاكا) على مسيرة يوم واحد منها. قلت: وقد وصل كتاب ملك البرنو في أواخر الدولة الظاهرية (برقوق) يذكر فيه أنه من ذرّية «سيف بن ذي يزن» «2» إلا أنه لم يحقق النسب فذكر أنه من قريش وهو غلط منهم فإن «سيف بن ذي يزن» من أعقاب تبابعة اليمن من حمير. على ما يأتي ذكره في الكلام على المكاتبات، في المقالة الرابعة فيما بعد، إن شاء الله تعالى. ولصاحب البرنو هذا مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، يأتي ذكرها هناك إن شاء الله تعالى. المملكة الرابعة (بلاد الكانم) والكانم بكاف بعدها ألف ثم نون مكسورة وميم في الآخر. وهم مسلمون أيضا والغالب على ألوانهم السّواد. قال في «مسالك الأبصار» : وبلادهم بين

أفريقيّة وبرقة، ممتدّة في الجنوب إلى سمت الغرب الأوسط. قال: وهي بلاد قحط، وشظف، وسوء مزاج مستول عليها. وغالب عيشهم الأرزّ، والقمح، والذّرة، وببلادهم التّين، والليمون، واللّفت، والباذنجان، والرّطب. وذكر عن أبي عبد الله السلايحي، عن الشيخ عثمان الكانميّ وغيره أن الأرزّ ينبت عندهم من غير بذر. ومعاملتهم بقماش ينسج عندهم اسمه دندي، طول كلّ ثوب عشرة أذرع فأكثر. قال: ويتعاملون أيضا بالودع، والخرز، والنّحاس المكسور، والورق، لكنه جميعه يسعر بذلك القماش. وذكر ابن سعيد: أن في جنوبيّها صحارى فيها أشخاص متوحّشة، كالغول أقرب الحيوانات إلى الشّكل الآدميّ، تؤذي بني آدم ولا يلحقها الفارس. وذكر أبو عبد الله المرّاكشيّ في كتابه «التكملة» عن أبي اسحاق إبراهيم الكانميّ الأديب الشاعر: أنه يظهر ببلاد الكانم في الليل أمام الماشي بالقرب منه قلل نارتضيء، فإذا مشى بعدت منه، فلا يصل إليها ولو جرى، بل لا تزال أمامه. وربما رماها بحجر فأصابها، فيتشظّى منها شرارات. قال في «مسالك الأبصار» : وأحوالها وأحوال أهلها حسنة، وربما كان فيهم من أخذ في التعليم، ونظر من الأدب نظرة النجوم فقال إني سقيم، فما يزال يداوي عليل فهمه، ويداري جامح علمه، حتّى تشرق عليه أشعتها، ويطرّز بديباجه أمتعتها. وقاعدتها (مدينة جيمي) . قال في «تقويم البلدان» : بكسر الجيم وبالياء المثناة تحت الساكنة وكسر الميم ثم ياء مثناة تحتية في الآخر. حسب ما هو في خط ابن سعيد. وموقعها في الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول ثلاث وخمسون درجة، والعرض تسع درج، وبها مقرّة سلطانهم. قال في «مسالك الأبصار» : ومبدأ هذه المملكة من جهة مصر بلدة اسمها (دلا) وآخرها طولا بلدة يقال لها (كاكا) وبينهما نحو ثلاثة أشهر. وقد تقدّم أن كاكا هي قاعدة سلطان البرنو. وبينها وبين جيمي أربعون ميلا. قال وبها فواكه لا تشبه فواكه بلادنا، وبها الرّمان، والخوخ، وقصب السّكّر. قال في «مسالك الأبصار» :

المملكة الخامسة (بلاد مالي ومضافاتها)

وسلطان هذه البلاد رجل مسلم. قال في «تقويم البلدان» : وهو من ولد «سيف بن ذي «1» يزن» . قال في «مسالك الأبصار» : وأوّل من بثّ الإسلام فيهم الهادي العثمانيّ، ادّعى أنه من ولد «عثمان بن عفّان» رضي الله عنه وملكها، ثم صارت بعده لليزنيّين. وذكر في «التعريف» : أن سلطان الكانم من بيت قديم في الإسلام، وقد جاء منهم من ادّعى النسب العلويّ في بني الحسن. ثم قال: وتمذهب بمذهب «الشافعيّ» رضي الله عنه. قال في «مسالك الأبصار» : وملكهم على حقارة سلطانه، وسوء بقعة مكانه، في غاية لا تدرك من الكبرياء، يمسح برأسه عنان السماء، مع ضعف أجناد، وقلة متحصّل بلاد، لا يراه أحد إلا في يوم العيدين بكرة وعند العصر. أما في سائر السنة فلا يكلمه أحد ولو كان أميرا إلا من وراء حجاب. قال: والعدل قائم في بلادهم، ويتمذهبون بمذهب الإمام «مالك» رضي الله عنه، وهم ذوو اختصار في اللباس، يابسون في الدّين، وعسكرهم يتلثمون، وقد بنوا مدرسة للمالكية بالفسطاط ينزل بها وفودهم. المملكة الخامسة (بلاد مالّي ومضافاتها) و (مالّي) بفتح الميم وألف بعدها لام مشدّدة مفخّمة وياء مثناة تحت في الآخر. وهي المعروفة عند العامّة ببلاد (التّكرور) . قال في «مسالك الأبصار» : وهذه المملكة في جنوب المغرب، متّصلة بالبحر المحيط. قال في «التعريف» : وحدّها في الغرب البحر المحيط؛ وفي الشرق بلاد البرنو وفي الشّمال جبال البربر، وفي الجنوب الهمج. ونقل عن الشيخ سعيد الدّكّالي: أنها تقع في جنوب مرّاكش ودواخل برّ العدوة جنوبا بغرب إلى البحر المحيط. قال في «مسالك الأبصار» : وهي شديدة الحرّ، قشفة المعيشة، قليلة أنواع الأقوات، وأهلها طوال

الجملة الأولى (في ذكر أقاليمها ومدنها)

في غاية السواد وتفلفل الشّعور، وغالب طول أهلها من سوقهم، لا من هياكل أبدانهم. قال ابن سعيد: والتّكرور قسمان: قسم حضر يسكنون المدن وقسم رحّالة في البوادي. وقد حكى في «مسالك الأبصار» عن الشيخ سعيد الدّكّالي: أن هذه المملكة مربّعة، طولها أربعة أشهر أو أزيد، وعرضها مثل ذلك، وجميعها مسكونة إلا ما قلّ، وهذه المملكة هي أعظم ممالك السّودان المسلمين. وتشتمل على ثمان جمل: الجملة الأولى (في ذكر أقاليمها ومدنها) وقد ذكر صاحب «العبر» : أنها تشتمل على خمسة أقاليم كل إقليم منها مملكة بذاتها. الإقليم الأوّل (مالّي) وقد تقدم ضبطه. وهو إقليم واسطة الأقاليم السبعة الداخلة في هذه المملكة، واقع بين إقليم صوصو وإقليم كوكو: صوصو من غربيه، وكوكو من شرقيّه. وقاعدته على ما ذكره في «مسالك الأبصار» : مدينة (بني) «1» قال في «مسالك الأبصار» : بالباء الموحدة والنون ثم الباء الموحدة أيضا. قال: وهي ممتدّة تقدير طول بريد في عرض مثل ذلك، ومبانيها متفرّقة، وبناؤها بالبالستا. وهو أنه يبنى بالطين بقدر ثلثي ذراع، ثم يترك حتّى يجفّ، ثم يبنى عليه مثله، وكذلك حتّى

الإقليم الثاني (صوصو)

ينتهي، وسقوفها بالخشب والقصب، وغالبها قباب أو جملونات كالأقباء، وأرضها تراب مرمل، وليس لها سور، بل يستدير بها عدّة فروع من النيل من جهاتها الأربع، بعضها يخاض في أيام قلّة الماء، وبعضها لا يعبر فيه إلا في السّفن. وللملك عدّة قصور يدور بها سور واحد. الإقليم الثاني (صوصو) بصادين مهملتين مضمومتين، بعد كلّ منهما واو ساكنة. وربما أبدلوا الصاد سينا مهملة سمّي بذلك باسم سكّانه. قال في «العبر» : وهم يسمّونها الانكارية. وهو في الغرب عن إقليم مالّي المقدّم ذكره فيما ذكره في «العبر» عن بعض البقلة. الإقليم الثالث (بلاد غانة) بفتح الغين المعجمة وألف ثم نون مفتوحة وهاء في الآخر. وهي غربيّ إقليم صوصو المقدّم ذكره تجاور البحر المحيط الغربيّ. وقاعدته (مدينة غانة) التي قد أضيف إليها. قال في «تقويم البلدان» : وموقعها خارج الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة إلى الجنوب. قال ابن سعيد: حيث الطول [تسع وعشرون «1» درجة] والعرض عشر درج. قال في «تقويم البلدان» : وهي محلّ سلطان بلاد غانة. وقد حكى ابن سعيد: أن لغانة نيلا شقيق نيل مصر، يصب في البحر المحيط الغربي عند طول عشر درج ونصف، وعرض أربع عشرة. وإليها تسير التّجّار المغاربة من سجلماسة في برّ مقفر ومفاوز عظيمة في جنوب الغرب نحو خمسين يوما، فيكون بين غانة وبين مصبّه نحو أربع درج. وهي مبنيّة على ضفّتي

الإقليم الرابع (بلاد كوكو)

نيلها هذا. قال في «العبر» : وكان أهلها قد أسلموا في أوّل الفتح الإسلامي. وقد ذكر في «تقويم البلدان» : أنها مدينتان على ضفّتي نيلها، إحداهما يسكنها المسلمون والثانية يسكنها الكفّار. وقد ذكر في «الروض المعطار» : أن لصاحب غانة معلفين من ذهب، يربط عليهما فرسان له أيام مقعده. الإقليم الرابع (بلاد كوكو) وهي شرقيّ إقليم مالّي المقدّم ذكره. قال في «الروض المعطار» : وملكها قائم بنفسه، له حشم وقوّاد وأجناد وزيّ كامل؛ وهم يركبون الخيل والجمال، ولهم بأس وقهر لمن جاورهم من الأمم. قال: وبها ينبت عود الحيّة: وهو عود يشبه العاقر قرحا، إلا أنه أسود؛ من خاصّته أنه إذا وضع على جحر الحيّة خرجت إليه بسرعة، ومن أمسكه بيده أخذ من الحيّات ما شاء من غير جزع يدركه أو يقع في نفسه. ثم قال: والصحيح عند أهل المغرب الأقصى أن هذا العود إذا أمسكه ممسك بيده أو علّقه في عنقه لم تقربه حية البتّة. وقاعدته (مدينة كوكو) بفتح الكاف وسكون الواو وفتح الكاف الثانية وسكون الواو بعدها. وموقعها في الجنوب عن الإقليم الأول قال ابن سعيد: حيث الطول أربع وأربعون درجة، والعرض عشر درج. قال: وهي مقرّ صاحب تلك البلاد. قال: وهو كافر يقاتل من غربيّه من مسلمي غانة ومن شرقيّة من مسلمي الكانم. وذكر المهلّبي في العزيزي أنهم مسلمون، وبينهما وبين مدينة غانة مسيرة شهر ونصف. قال في «الروض المعطار» : وهي مدينة كبيرة على ضفّة نهر يخرج من ناحية الشمال، يمرّ بها ويجاوزها بأيام كثيرة، ثم يغوص في الصّحراء في رمال كما يغوص الفرات في بطائح العراق. قال ابن سعيد: وكوكو في شرقيّ النهر، ولباس عامّة أهلها الجلود يسترون بها عوراتهم، وتجّارهم يلبسون الأكسية، وعلى

الإقليم الخامس (بلاد تكرور)

رؤوسهم الكرازين، ولبس خواصّهم الأزرق. قال في «مسالك الأبصار» : وسكانها قبائل يرنان من السّودان. الإقليم الخامس (بلاد تكرور) وهي شرقيّ إقليم (كوكو) المقدّم ذكره، ويليه من جهة الغرب مملكة (البرنو) المتقدّمة الذكر، وبها عرفت هذه المملكة على كبرها واشتهرت. وقاعدتها (مدينة تكرور) بفتح التاء المثناة فوق وسكون الكاف وضم الراء المهملة وسكون الواو وراء مهملة في الآخر. قال في «الروض المعطار» : وهي مدينة على النّيل على القرب من ضفافه أكبر من مدينة سلا من بلاد المغرب، وطعام أهلها السمك، والذّرة، والألبان، وأكثر مواشيهم الجمال، والمعز، ولباس عامّة أهلها الصّوف، وعلى رؤوسهم كرازين صوف، ولباس خاصّتهم القطن والمآزر. قال: وبينها وبين سجلماسة من بلاد المغرب أربعون يوما بسير القوافل، وأقرب البلاد إليها من بلاد لمتونة بالصحراء آسفي بينهما خمس وعشرون مرحلة. قال: وأكثر ما يسافر به تجّار الغرب الأقصى إليها الصّوف، والنّحاس، والخرز، ويخرجون منها بالتّبر، والخدم. قلت: وذكر في «مسالك الأبصار» : أن هذه المملكة تشتمل على أربعة عشر إقليما وهي: غانة، وزافون، وترنكا، وتكرور، وسنغانة، وبانبغو، وزرنطابنا، وبيترا، ودمورا، وزاغا، وكابرا، وبراغودي، وكوكو، ومالّي. فذكر أربعة من الأقاليم الخمسة المتقدّمة الذكر، وأسقط إقليم صوصو، وكأنها قد اضمحلّت وزاد باقي ذلك، فيحتمل أنها انضافت إلى صاحبها يومئذ بالفتح والاستيلاء عليها. قال في «مسالك الأبصار» : وفي شماليّ بلاد مالّي قبائل من البربر بيض تحت حكم سلطانها: وهم نيتصر، ونيتغراس، ومدوسة، ولمتونة، ولهم أشياخ تحكم عليهم إلا نيتصر، فإنهم يتداولهم ملوك منهم تحت حكم صاحب مالّي. قال: وكذلك في طاعته قوم من الكفار بعضهم يأكل لحم الآدميين. ونقل عن

الجملة الثانية (في الموجود بهذه المملكة)

الشيخ سعيد الدّكّالي: أن في طاعة سلطانها بلاد مغارة الذهب. وهم بلاد همج، وعليهم إتاوة من التبر تحمل إليه في كل سنة، ولو شاء أخذهم ولكن ملوك هذه المملكة قد جرّبوا أنه ما فتحت مدينة من هذه المدن وفشا بها الإسلام، ونطق بها داعي الأذان، إلا قلّ بها وجود الذهب ثم يتلاشى حتّى يعدم، ويزداد فيما يليه من بلاد الكفار، فرضوا منهم ببذل الطاعة، وحمل قرّر عليهم. وذكر نحو ذلك في «التعريف» في الكلام على غانة. الجملة الثانية (في الموجود بهذه المملكة) قد ذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ سعيد الدّكّالي: أن بها الخيل من نوع الأكاديش التتريّة. قال: وتجلب الخيل العراب إلى ملوكهم، يتغالون في أثمانها، وكذلك عندهم البغال، والحمير، والبقر، والغنم، ولكنّها كلّها صغيرة الجثّة، وتلد الواحدة من المعز عندهم السبعة والثمانية، ولا مرعى لمواشيهم، إنما هي جلّالة على المقامات والمزابل. وبها من الوحوش الفيلة، والآساد والنّمورة، وكلّها لا تؤذي من بني آدم إلا من تعرّض لها. وعندهم وحش يسمّى (ترمّي) بضم التاء المثناة والراء المهملة وتشديد الميم، في قدر الذئب، يتولد بين الذئب والضّبع لا يكون إلا خنثى: له ذكر وفرج، متى وجد في الليل آدميّا صغيرا أو مراهقا أكله. ولا يتعرّض إلى أحد في النهار، وهو ينعر كالثور، وأسنانه متداخلة. وعندهم تماسيح عظام منها ما يكون طوله عشرة أذرع وأكثر، ومرارته عندهم سمّ قاتل تحمل إلى خزانة ملكهم. وعندهم بقر الوحش، وحمير الوحش، والغزلان. وفيما يسامت سجلماسة من بلادهم جواميس متوحّشة تصاد كما يصاد الوحش. وبها من الطيور الدّواجن الإوزّ، والدّجاج، والحمام. وبها من الحبوب الأرزّ، والغوثي: وهو دق مزغّب، يدرس فيخرج منه حبّ أبيض شبيه بالخردل في المقدار

أو أصغر منه، فيغسل ثم يطحن ويعمل منه الخبز، وهذا الحب هو والأرزّ هما غالب قوتهم، وعندهم الذّرة وهي أكثر حبوبهم، ومنها قوتهم وعليق خيولهم ودوابّهم، وعندهم الحنطة على قلّة فيها، أما الشعير فلا وجود له عندهم البتة، وعندهم من الفواكه البستانية الجمّيز «1» وهو كثير لديهم؛ وعندهم أشجار برّية ذوات ثمار مأكولة مستطابة، منها شجر يسمّى تادموت يحمل شيئا مثل القواديس كبرا في داخلها شيء شبيه بدقيق الحنطة، ساطع البياض، طعمه مزّ لذيذ يأكلون منه، وإذا جف جعلوه على الحنّاء فيسوّده كالنوشادر، ومنها شجر يسمّى زبيزور تخرج ثمرته مثل قرون الخرّوب فيخرج منها شيء شبيه بدقيق التّرمس حلو لذيذ الطعم، له نوى. ومنها شجر يسمّى قومي، يحمل شبيه السفرجل، لذيذ الطعم يشبه طعم الموز، وله نوى شبيه بغضروف العظم، يأكله بعضهم معه. ومنها شجر اسمه فاريتي، حمله شبيه بالليمون وطعمه يشبه طعم الكمّثرى بداخله نوى ملحم، يؤخذ ذلك النوى وهو طريّ، فيطحن فيخرج منه شيء شبيه بالسمن يجمد، وتبيّض به البيوت، وتوقد منه السّرج، ويعمل منه الصابون، وإذا قصد أكله وضع في قدر على نار ليّنة، ويسقى الماء حتّى يقوى غليانه وهو مغطّى الرأس، ويسارق كشف الغطاء في افتقاده، فإنه متى كشف القدر فار ولحق بالسقف. وربما انعقد منه نار فأحرق البيت، فإذا نضج برّد، وجعل في ظروف القرع، وصار يستعمل في المأكل كالسّمن. ومتى جعل في غير ظروف القرع من الآنية خرقها. ويوجد بها من الثمرات البرّيّة ما هو شبيه بكل الفواكه البستانيّة على اختلاف أنواعها، ولكنها حرّيفة لا تستطاب، يأكلها الهمج من السّودان، وهي قوت كثير منهم. وبها من الخضراوات اللّوبياء، واللّفت، والثّوم، والبصل، والباذنجان، والكرنب، أما الملوخيّة فلا تطلع عندهم إلا برّية، والقرع عندهم بكثرة. وعندهم شيء شبيه بالقلقاس إلا أنه الذّ من القلقاس، يزرع في الخلاء فإن سرق منه

سارق، قطع الملك رأسه وعلّقه مكان ما قطع منه، عادة عندهم يتوارثونها خلفا عن سلف، لا توجد فيها رخصة، ولا تنفع فيها شفاعة. وجبالها ذوات أشجار مشتبكة، غليظة السّوق إلى الغاية، تظلّ الواحدة منها خمسمائة فارس. وفيها بغانة وما وراءها في الجنوب من بلاد السّودان الهمج معادن الذهب. وقد حكى في «مسالك الأبصار» عن الأمير أبي الحسن عليّ بن أمير حاجب عن السلطان (منسا موسى) سلطان هذه المملكة: أنه سأله عند قدومه الديار المصرية حاجّا عن معادن الذهب عندهم- فقال: توجد على نوعين: نوع في زمان الربيع ينبت في الصحراء، له ورق شبيه بالنجيل «1» ، أصوله التبر. والثاني يوجد في أماكن معروفة على ضفّات مجارى النيل، تحفر هناك حفائر فيوجد فيها الذهب كالحجارة والحصى، فيؤخذ. قال: وكلاهما هو المسمّى بالتّبر. ثم قال: والأوّل «2» أفحل في العيار، وأفضل في القيمة. وذكر في «التعريف» نحوه. وذكر عن الشيخ عيسى الزواويّ عن السلطان (منسا موسى) المقدّم ذكره أيضا أنه يحفر في معادن الذهب كلّ حفيرة عمق قامة أو ما يقاربها، فيوجد الذهب في جنباتها. وربما وجد مجتمعا في سفل الحفيرة، وأنّ في مملكته أمما من الكفّار لا يأخذ منهم جزية، إنما يستعملهم في إخراج الذهب من معادنه. ثم قد ذكر في «مسالك الأبصار» : أن النوع الأوّل من الذهب يوجد في زمن الربيع عقيب [الأمطار] «3» ينبت في مواقعها، والثاني يوجد في جميع السنة في ضفّات مجارى النّيل. وذكر في «التعريف» : أن نبات الذهب بهذه البلاد يبدأ في شهر

(أغشت) » حيث سلطان الشمس قاهر، وذلك عند أخذ النّيل في الارتفاع والزيادة. فإذا انحطّ النيل تتبّع حيث ركب عليه من الأرض، فيوجد منه ما هو نبات يشبه النجيل وليس به. ومنه ما يوجد كالحصى. فجعل الجميع مما يحدث في هذا الزمن في أماكن النيل خاصّة، وفيه مخالفة لما تقدّم. بل قد قال: إن شهر (أغشت) الذي يطلع فيه الذهب وهو من شهور الروم، ويقع- والله أعلم- أنه يركّب من (تمّوز) و (آب) يعني من شهور السريان، وهذا غلط فاحش. فقد تقدّم في المقالة الأولى أن شهور الروم منطبقة على شهور السّريان في الابتداء والانتهاء، دون ابتداء أوّل السنة، وشهر (أغشت) من شهور الروم هو شهر (آب) من شهور السريان بعينه. ثم قد حكى في «مسالك الأبصار» عن والي مصر عن (منسا موسى) المقدم ذكره: أن الذهب ببلاده حمّى له، يجمع له متحصله كالقطيعة، إلا ما يأخذه أهل تلك البلاد منه على سبيل السّرقة. وحكي عن الشيخ سعيد الدّكّاليّ: أنه إنما يهادى بشيء منه كالمصانعة، وأنه يتكسّب عليهم في المبيعات لأنّ بلادهم لا شيء بها. ثم قال: وكلام الدّكّالي أثبت وعليه ينطبق كلامه في «التعريف» حيث ذكر غانة ثم قال: وله عليها إتاوة مقرّرة تحمل إليه في كلّ سنة. وبهذه البلاد أيضا معدن نحاس وليس يوجد في السّودان إلا عندهم. قال الشيخ عيسى الزواوي: قال لي السلطان موسى: إن عنده في مدينة اسمها (نكوا) معدن نحاس أحمر، يجلب منه قضبان إلى مدينة بنبى قاعدة مالّي فيبعث منه إلى بلاد السّودان الكفّار، فيباع وزن مثقال بثلثي وزنه من الذهب، يباع كلّ مائة مثقال من هذا النحاس بستة وستين مثقالا وثلثي مثقال من الذهب. وبهذه البلاد (معدن ملح) وليس في شيء من السّودان الوالجين في الجنوب والمسامتين لسجلماسة وما وراءها ملح سواه. قال «المقرّ الشهابيّ بن

الجملة الثالثة (في معاملة هذه المملكة)

فضل الله» : حدّثني أبو عبد الله بن الصائغ، أن الملح معدوم في داخل بلاد السّودان، فمن الناس من يغرّر ويصل به إلى أناس منهم يبذلون نظير كلّ صبرة ملح مثله من الذهب. قال ابن الصائغ: وحدّثت أن من أمم السودان الداخلة من لا يظهر لهم بل إذا جاء التّجّار بالملح وضعوه ثم غابوا، فيجيء السّودان فيضعون إزاءه الذهب، فإذا أخذ التجّار الذهب، أخذ السّودان الملح. قال في «مسالك الأبصار» : قال لي الدّكّاليّ: وأهل هذه المملكة كثير فيهم السحر، ولهم به عناية حتّى إنهم في بلاد الكفّار منهم يصيدون الفيل بالسحر حقيقة لا مجازا، وفي كلّ وقت يتحاكمون عند ملكهم بسببه، ويقول أحدهم: إن فلانا قتل أخي أو ولدي بالسّحر، والسلطان يحكم على القاتل بالقصاص وقتل الساحر. وحكى عنه أيضا: أن السّموم بهذه المملكة كثيرة، فإن عندهم حشائش وحيوانات يركّبون منها السموم القتّالة، ولا سيما من سمك يوجد عندهم. قال الشيخ سعيد الدّكّالي: ومن خصّيصة هذه البلاد أن يسرع فيها فساد المدّخرات لا سيما السّمن فإنه يفسد وينتن فيها في يومين. الجملة الثالثة (في معاملة هذه المملكة) ذكر في «مسالك الأبصار» عن ابن أمير حاجب: أن المعاملة عندهم بالودع وأن التّجّار تجلبه إليهم كثيرا، فتربح فيه الرّبح الكثير. وكأن هذا في المعاملات النازلة من مثل المآكل وما في معناها، وإلا فالذهب عندهم على ما تقدّم من الكثرة.

الجملة الرابعة (في ذكر ملوك هذه المملكة)

الجملة الرابعة (في ذكر ملوك هذه المملكة) قد تقدّم أن هذه المملكة قد اجتمع بها خمسة «1» أقاليم، وهي: إقليم مالّي، وإقليم صوصو، وإقليم غانة من الجانب الغربيّ عن مالّي، وإقليم كوكو، وإقليم تكرور في الجانب الشرقي عن مالّي، وأن كلّ إقليم من هذه الخمسة كان مملكة مستقلة، ثم اجتمع الكلّ في مملكة صاحب هذه المملكة، وأن مالّي هي أصل مملكته. قال في «مسالك الأبصار» : وهو وإن غلب عليه عند أهل مصر اسم سلطان التّكرور فإنه لو سمع هذا أنف منه، لأن التّكرور إنما هو إقليم من أقاليم مملكته، والأحبّ إليه أن يقال (صاحب مالّي) لأنه الإقليم الأكبر، وهو به أشهر. ونقل عن الشيخ سعيد الدّكّاليّ: أنه ليس بمملكته من يطلق عليه اسم ملك إلا صاحب غانة وهو كالنائب له وإن كان ملكا. وكأنه إنما بقي اسم الملك على صاحب غانة دون غيره لعدم انتزاعها منه والاستيلاء عليها استيلاء كلّيّا. فقد قال في «التعريف» : وأما غانة فإنه لا يملكها وكأنه مالكها، يتركها عن قدرة عليها: لأن بها وبما وراءها جنوبا منابت الذهب. وذكر ما تقدّم من أن بلاد منابت الذهب متى فشا فيها الإسلام والأذان، عدم فيها نبات الذهب، وصاحب مالّي يتركها لذلك لأنه مسلم، وله عليها إتاوة كبيرة مقرّرة تحمل إليه في كل سنة. وقد ذكر صاحب «العبر» : أن هذه الممالك كانت بيد ملوك متفرّقة، وكان من أعظمها مملكة غانة. فلما أسلم الملثّمون من البربر، تسلّطوا عليهم بالغزو حتّى دان كثير منهم بالإسلام، وأعطى الجزية آخرون، وضعف بذلك ملك غانة واضمحلّ، فتغلّب عليهم أهل صوصو المجاورون لهم، وملكوا غانة من أيدي أهلها. وكان ملوك مالّي قد دخلوا في الإسلام من زمن قديم.

قال: ويقال: إن أوّل من أسلم منهم ملك اسمه (برمندانّة) بباء موحدة وراء مهملة مفتوحتين وميم مكسورة ونون ساكنة ودال مهملة بعدها ألف ثم نون مشدّدة مفتوحة وهاء في الآخر فيما ضبطه بعض علمائهم. ثم حجّ بعد إسلامه، فاقتفى سننه في الحج ملوكهم من بعده. ثم جاء منهم ملك اسمه (ماري جاظة) ومعنى (ماري) الأمير الذي يكون من نسل السلطان ومعنى (جاظة) الأسد، فقوي ملكه وغلب على صوصو، وانتزع ما كان بأيديهم من ملكهم القديم وملك غانة الذي يليه إلى البحر المحيط. ويقال: إنه ملك عليهم خمسا وعشرين سنة. ثم ملك بعده ابنه (منساولي) ومعنى (منسا) بلغتهم السلطان، ومعنى (ولي) عليّ، وكان من أعظم ملوكهم، وحجّ أيام الظاهر بيبرس صاحب مصر. ثم ملك من بعده أخوه (والي) . ثم ملك من بعده أخوه (خليفة) وكان أحمق، يغلب عليه الحمق فيرمي الناس بالسّهام فيقتلهم، فوثب به أهل مملكته فقتلوه. وملك بعده سبط من أسباط «ماري جاظة» المقدّم ذكره، اسمه (أبو بكر) على قاعدة العجم في تمليك البنت وابن البنت. ثم تغلّب على الملك مولى من مواليهم اسمه (ساكبورة) . ويقال (سيكره) فاتسع نطاق مملكته وغلب على البلاد المجاورة له، وفتح بلاد كوكو واستضافها إلى مملكته، واتّصل ملكه من البحر المحيط الغربيّ إلى بلاد التّكرور، فقوي سلطانه، وهابه أمم السّودان ورحل إليه التّجّار من بلاد الغرب وأفريقيّة. وحجّ أيام السلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» «1» ورجع فقتل في أثر عوده. وملك بعده (قو) ابن السلطان «ماري جاظة» .

ثم ملك من بعده (محمد بن قو) ثم انتقل الملك من ولد ماري جاظة إلى ولد أخيه أبي بكر. فولي منهم (منسا موسى) بن أبي بكر. قال في «العبر» : وكان رجلا صالحا، وملكا عظيما، له أخبار في العدل تؤثر عنه، وعظمت المملكة في أيامه إلى الغاية، وافتتح الكثير من البلاد. قال في «مسالك الأبصار» : حكى ابن أمير حاجب والي مصر عنه، أنه فتح بسيفه وحده أربعا وعشرين مدينة من مدن السّودان ذوات أعمال وقرى وضياع. قال في «مسالك الأبصار» : قال ابن أمير حاجب: سألته عن سبب انتقال الملك إليه- فقال: إن الذي قبلي كان يظنّ أن البحر المحيط له غاية تدرك، فجهز مئين سفن، وشحنها بالرجال والأزواد التي تكفيهم سنين، وأمر من فيها أن لا يرجعوا حتّى يبلغوا نهايته أو تنفد أزوادهم، فغابوا مدّة طويلة، ثم عاد منهم سفينة واحدة وحضر مقدّمها، فسأله عن أمرهم. فقال: سارت السفن زمانا طويلا حتّى عرض لها في البحر في وسط اللّجة واد له جرية عظيمة، فابتلع تلك المراكب وكنت آخر القوم فرجعت بسفينتي، فلم يصدّقه: فجهّز ألفي سفينة ألفا للرجال وألفا للأزواد، واستخلفني وسافر بنفسه ليعلم حقيقة ذلك، فكان آخر العهد به وبمن معه. قال في «العبر» : وكان حجّه في سنة أربع وعشرين وسبعمائة في الأيام الناصرية «محمد بن قلاوون» . قال في «مسالك الأبصار» : قال لي المهمندار خرجت لملتقاه من جهة السلطان فأكرمني إكراما عظيما، وعاملني بأجمل الآداب، ولكنه كان لا يحدّثني إلا بترجمان مع إجادته اللسان العربيّ. قال: ولما قدم، قدّم للخزانة السلطانية حملا من التّبر؛ ولم يترك أميرا ولا ربّ وظيفة سلطانيّة إلا وبعث إليه بالذهب. وكنت أحاوله في طلوع القلعة للاجتماع بالسلطان حسب الأوامر السلطانية فيأبى خشية تقبيل الأرض للسلطان ويقول: جئت للحجّ لا لغيره، ولم أزل به حتّى وافق على ذلك.

فلما صار إلى الحضرة السلطانية. قيل له: قبّل الأرض، فتوقف وأبى إباء ظاهرا. وقال: كيف يجوز هذا؟ فأسرّ إليه رجل كان إلى جانبه كلاما- فقال: أنا أسجد لله الذي خلقني وفطرني ثم سجد، وتقدّم إلى السلطان، فقام له بعض القيام وأجلسه إلى جانبه وتحدّثا طويلا، ثم قام السلطان موسى فبعث إليه السلطان بالخلع الكاملة له ولأصحابه، وخيلا مسرجة ملجمة. وكانت خلعته طرد وحش بقصب كثير، بسنجاب مقندس، مطرّز بزركش، على مفرج إسكندري، وكلّوتة زركش، وكلاليب ذهب، وشاش بحرير، ورقم خليفتيّ، ومنطقة ذهب مرصّعة، وسيف محلّى، ومنديل مذهب خزّ، وفرسين مسرجين ملجمين بمراكب بغل محلّاة وأعلام، وأجرى عليه الأنزال والإقامات الوافرة مدّة مقامه. ولما آن أوان الحج بعث إليه بمبلع كبير من الدراهم، وهجن «1» جليلة كاملة الأكوار والعدّة لمركبه، وهجن أتباع لأصحابه وأزواد جمة، وركز له العليق في الطّرق، وأمر أمير الركب بإكرامه واحترامه. ولما عاد، بعث إلى السلطان من هديّة الحجاز تبرّكا، فبعث إليه بالخلع الكاملة له ولأصحابه، والتّحف والألطاف، من البزّ السّكندريّ والأمتعة الفاخرة، وعاد إلى بلاده. وذكر عن ابن أمير حاجب والي مصر أنه كان معه مائة حمل ذهبا أنفقها في سفرته تلك على من بطريقه إلى مصر من القبائل ثم بمصر، ثم من مصر إلى الحجاز توجّها وعودا حتّى احتاج إلى القرض، فاستدان على ذمّته من تجّار مصر بمالهم عليه فيه المكاسب الكثيرة، بحيث يحصل لأحدهم في كلّ ثلاثمائة دينار سبعمائة دينار ربحا، وبعث إليهم بذلك بعد توجّهه إلى بلاده. قال في «العبر» ويقال: إنه كان يحمل آلته اثنا عشر ألف وصيفة لا بسات أقبية الدّيباج.

قال في «مسالك الأبصار» : وذكر لي عنه ابن أمير حاجب: أنه حكى له أن من عادة أهل مملكته أنه إذا نشأ لأحد منهم بنت حسناء، قدّمها له أمة موطوءة، فيملكها بغير تزويج مثل ملك اليمن- فقلت له: إن هذا لا يحل لمسلم شرعا- فقال: ولا للملوك؟ - فقلت: ولا للملوك واسأل العلماء. فقال: والله ما كنت أعلم ذلك! وقد تركته من الآن. قال في «العبر» : ودام ملكه عليهم خمسا وعشرين سنة ومات. فملك بعده ابنه (منسا مغا) ومعنى مغا عندهم محمد، يعنون السلطان محمدا، ومات لأربع سنين من ولايته. وملك بعده أخوه (منسا سليمان) بن أبي بكر، وهو أخو منسا موسى المقدّم ذكره. قال في «مسالك الأبصار» : واجتمع له ما كان أخوه افتتحه من بلاد السّودان وأضافه إلى يد الإسلام، وبنى به المساجد والجوامع والمنارات، وأقام به الجمع والجماعات والأذان، وجلب إلى بلاده الفقهاء من مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، وتفقّه في الدين. قال في «العبر» ودام ملكه أربعا وعشرين سنة، ثم مات. وولي بعده ابنه (قنبتا بن سليمان) ومات لتسعة أشهر من ملكه. وملك بعده (ماري جاظه) بن منسا مغا بن منسا موسى فأقام أربع عشرة سنة أساء فيها السيرة، وأفسد ملكهم، وأتلف ذخائرهم بسرفه وتبذيره، حتّى انتهى به الحال في السّرف أنه كان بخزائنهم حجر ذهب، زنته عشرون قنطارا منقولا من المعدن من غير سبك ولا علاج بالنار. وكانوا يرونه من أنفس ذخائرهم لندور وجود مثله في المعدن، فباعه على تجّار مصر المتردّدين إليه بأبخس ثمن، وصرف ذلك كله في الفسوق، وكان آخر أمره أن أصابته علّة النوم وهو مرض كثيرا ما يصيب أهل تلك البلاد لا سيّما الرؤساء منهم، يأخذ أحدهم النوم حتّى لا يكاد يفيق،

الجملة الخامسة (في أرباب الوظائف بهذه المملكة)

فأقام به سنتين حتّى مات سنة خمس وسبعين وسبعمائة. وملك بعده ابنه (موسى) فنكّب عن طريق أبيه، وأقبل على العدل وحسن السيرة. وتغلب على دولته وزيره (ماري جاظه) فحجره وقام بتدبير الدولة، وكان له فيها أحسن تدبير، وبقي منسا موسى حتّى مات سنة تسع وثمانين وسبعمائة. وملك بعده أخوه (منسا مغا) وقتل بعده بسنة أو نحوها. وملك بعده (صندكي) زوج أم موسى المقدّم ذكره، ومعنى (صندكي) الوزير، ووثب عليه بعد أشهر رجل من بيت ماري جاظة. ثم خرج من ورائهم من بلاد الكفرة رجل اسمه (محمود) ينسب إلى (منساقو) بن منساولي، بن ماري جاظة، ولقبه منسا مغا، وغلب على الملك في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة. قال في «التعريف» : وصاحب التّكرور هذا يدّعي نسبا إلى عبد الله بن صالح، بن الحسن، بن عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجوههم. قلت: هو صالح ابن عبد الله بن موسى، بن عبد الله أبي الكرام، بن موسى الجون، بن عبد الله، بن حسن المثنّى، ابن الحسن السبط، ابن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. وقد ذكر في «تقويم البلدان» : أن سلطان غانة يدّعي النسب إلى الحسن ابن عليّ عليهما السلام، فيحتمل أنه أراد صاحب هذه المملكة لأنّ من جملة من هو في طاعته غانة، أو من كان بها في الزمن القديم قبل استيلاء أهل الكفر عليها. الجملة الخامسة (في أرباب الوظائف بهذه المملكة) قد ذكر في «مسالك الأبصار» أن بهذه المملكة: الوزراء، والقضاة، والكتّاب، والدّواوين، وأن السلطان لا يكتب شيئا في الغالب، بل يكل كلّ أمر

الجملة السادسة (في عساكر سلطان هذه المملكة، وأرزاقهم)

إلى صاحب وظيفته من هؤلاء فيفصله. وكتابتهم بالخط العربيّ على طريقة المغاربة. الجملة السادسة (في عساكر سلطان هذه المملكة، وأرزاقهم) أما مقدار العساكر، فقد ذكر الشيخ سعيد الدّكّاليّ: أن مقدار عسكره مائة ألف نفر، منهم خيّالة نحو عشرة آلاف فارس، وباقيهم رجّالة لا خيل لهم. وأما الإقطاعات لأمراء هذا السلطان وجنده والإنعامات عليهم، فقد قال الدّكّالي: إن من أكابرهم من يبلغ جملة ماله على الملك في كلّ سنة خمسين ألف مثقال من الذهب، وأنه يتفقّدهم مع ذلك بالخيل والقماش، وإن همته كلها في تجميل زيّهم وتمصير مدنهم. الجملة السابعة (في زيّ أهل هذه المملكة) قال الدكاليّ لباسهم عمائم بحنك مثل الغرب، وقماشهم بياض من ثياب قطن تنسج عندهم في نهاية الرقة واللطف تسمّى الكمصيا ولبسهم شبيه بلبس المغاربة جباب ودراريع بلا تفريج والأبطال من فرسانهم تلبس أساور من ذهب، فمن زادت فروسيّته لبس معها أطواقا من ذهب فإن زادت لبس مع ذلك خلاخل من ذهب، وكلما زادت فروسيّة البطل ألبسه الملك سراويل متسعة وسراويلاتهم ضيقة أكمام الساقين متّسعة الشرج، وأهل هذه المملكة يركبون بالسّروج وهم في غالب أحوالهم في الركوب كأنهم من العرب، إلا أن هؤلاء يبدأون في الركوب بأرجلهم اليمنى بخلاف غيرهم من سائر الناس جميعا، ولا يعرف عندهم ركوب جمل بكور.

الجملة الثامنة (في ترتيب هذه المملكة)

الجملة الثامنة (في ترتيب هذه المملكة) أما جلوس السّلطان في قصره فإنه يجلس على مصطبة كبيرة، على دكّة كبيرة من آبنوس، كالتخت على قدر المجلس العظيم المتسع، عليها أنياب الفيلة في جميع جوانبها، الناب إلى الناب، وعنده سلاح له من ذهب كلّه: سيف، ومزراق، وقوس، وتركاش، ونشّاب، وعليه سراويل كبير، مفصّل من نحو عشرين نصفية، لا يلبس مثله أحد منهم، بل هو من خصوصيته، ويقف خلفه نحو ثلاثين مملوكا من التّرك وغيرهم ممن تبتاع له من مصر، بيد واحد منهم جتر من حرير عليه قبّة، وطائر من ذهب صفة بازي يحمل على يساره، وأمراؤه جلوس حوله يمينا وشمالا، ثم دونهم أعيان من فرسان عسكره جلوس، وبين يديه شخص يغنّي له وهو سيّافه، وآخر سفير بينه وبين الناس يسمّى الشاعر، وتنهى إليه الشّكاوى والمظالم فيفصلها بنفسه، ولا يكتب شيئا في الغالب، بل يأمر بالقول بلسانه، وحوله أناس بأيديهم طبول يدقّون بها، وأناس يرقصون وهو يضحك منهم، وخلفه صنجقان منشوران، وأمامه فرسان مشدودان محصّلان لركوبه متى أحبّ، ومن عطس في مجلسه ضرب ضربا مؤلما، لا يسامح أحد في مثل ذلك، فإن بغت أحدا منهم العطاس، انبطح في الأرض وعطس حتّى لا يعلم به. أما الملك فإنه إذا عطس ضرب الحاضرون بأيديهم على صدورهم. ولا يدخل أحد دار السلطان منتعلا كائنا من كان، ومن لم يخلع نعليه قتل بلا عفو: عامدا كان أو ساهيا، وإذا قدم عليه أحد من أمرائه أو غيرهم، وقف أمامه زمانا، ثم يومى القادم بيده اليمنى مثل من يضرب الجوك ببلاد توران وإيران من بلاد المشرق. وصفة ذلك أن يكشف مقدّم رأسه ويرفع الذي يضرب الجوك يده اليمنى إلى قريب أذنه، ثم يضعها وهي قائمة منتصبة، ويلقيها بيده اليسرى فوق فخذه، واليد اليسرى مبسوطة الكفّ لتلقي مرفق اليمنى مبسوطة الكف مضمومة الأصابع بعضها إلى جانب بعض كالمشط، تماسّ شحمة الأذن. قال ابن أمير حاجب: وقد رأيت هذا عند خدمتهم للسلطان «موسى» لما قدم الديار المصرية. فإذا أنعم على أحد بإنعام أو وعده وعدا

المملكة السادسة (من ممالك بلاد السودان، مملكة الحبشة)

جميلا أو شكره على فعل، تمرّغ المنعم عليه بين يديه من أوّل المكان إلى آخره، فإذا وصل إلى آخر المكان، أخذ غلمان المنعم عليه أو من هو من أصحابه من رماد يكون موضوعا في آخر مجلس الملك معدّا لهذا الشأن، فيذرّ في رأس المنعم عليه، ثم يعود ويتمرّغ، إلى أن يصل بين يدي الملك، ويضرب جوكا آخر بيده ثم يقوم. وأما في الركوب فقد جرت عادة سلطان هذه المملكة أنه إذا قدم من سفر أن يحمل على رأسه الجتر راكب، وينشر على رأسه علم، وتضرب أمامه الطّبول، والطّنابير «1» ، والبوقات بقرون لهم فيها صناعة محكمة. قال ابن أمير حاجب: وشعار هذا السلطان أعلام وألوية كبار جدّا، ورنكه أصفر في أرض حمراء. وأما غير ذلك من سائر أموره، فقد ذكر الشيخ سعيد الدّكّاليّ: أن من عادة هذا السلطان أنه إذا عاد إليه أحد ممّن بعثه في شغل له أو أمر مهمّ أن يسأله عن كلّ ما حدث له من حين مفارقته له وإلى حين عوده مفصّلا. قال ابن أمير حاجب: وقد رأيت السلطان موسى وهو بمصر لا يأكل إلا منفردا وحده، لا يحضره عند الأكل أحد البتّة. المملكة السادسة (من ممالك بلاد السّودان، مملكة الحبشة) بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة والشين المعجمة وهاء في الآخر. وهي مملكة عظيمة جليلة المقدار، متسعة الأرجاء، فسيحة الجوانب. قال في «مسالك الأبصار» : وأرضها صبعة المسلك: لكثرة جبالها الشامخة، وعظم أشجارها، واشتباك بعضها ببعض، حتّى إنّ ملكها إذا أراد الخروج إلى جهة من جهاتها، تقدّمه قوم مرصدون لإصلاح الطّرق بآلات لقطع الأشجار وإحراقها بالنار.

قال: وهم قوم كثير عددهم، ولم يملك بلادهم غيرهم من النوع الإنسانيّ، لأنهم أجبر بني حام، وأخبر بالتّوغّل في القتال والاقتحام، طول زمنهم في الأسفار، وصيد الوحش، وقتالهم إنما يكون عريا من غير لأمة «1» تدفع عنهم ولا عن خيلهم. ثم وصفهم بعد ذلك بأوصاف لولا ما هم عليه من الشرك لكانوا في الرّتبة العليا من مراتب بني آدم: فذكر أنّ المشهور عنهم مع ما هم عليه من المجاعة أنهم يقبلون الحسب ويصفحون عن الجرائم. ومن عادتهم أن من رمى سلاحه في القتال حرم قتاله، ويكرمون الضيف، ولا ينقض الصديق منهم عهد صديقه، وإذا أحبّوا أظهروا المحبة، وإذا أبغضوا أظهروا البغض، والغالب عليهم الذّكاء والفطنة وصدق الحدس، ولهم علوم وصناعات خاصّة بهم، ولهم قلم يكتبون به من اليمين إلى الشّمال كما في العربيّ، عدّة حروفه ستّة عشر حرفا، لكل حرف منها سبعة فروع، فيكون عدّتها مائة واثنين وثمانين حرفا، سوى حروف أخر مستقلّة بذاتها لا تفتقر إلى حرف من الحروف المذكورة، مضبوطة بحركات نحوية متصلة بالخط لا منفصلة عنه. ومع كونهم جنسا واحدا فلغاتهم تزيد على خمسين لسانا، ويميل الكثير من ألوانهم إلى الصّفاء، ولكل طائفة منهم وسم في وجوههم يعبر عنه بالتلعيط، بعضهم يسم في الخدّين وسما خفيفا، وأمحرا يسمون في الخدّين والجبهة إلى الأنف خطوطا طوالا. ويقال: إن أوّل بلادهم من الجهة الغربيّة بلاد التّكرور مما يلي جهة اليمن، وأوّلها من الجهة الشرقية المائلة إلى بعض الجهة الشمالية بحر الهند واليمن، وفيها يمرّ النهر المسمّى سيحون الذي يرفد منه نيل مصر. وقد عدّ منها أحد عشر إقليما من جهة الغرب بمفازة بمكان يسمّى (وادي بركة) يتوصّل منه إلى إقليم يسمّى (سحرت) ويسمّى قديما تكراي، وكان به في الزمن القديم مدينة اسمها (احسرم) بلغة أخرى من لغاتهم، وتسمّى أيضا (زرفرتا) . بها كان كرسيّ ملك النّجاشيّ، وكان مستوليا على أقاليم الحبشة. ويليه من جهة الشرق إقليم (أمحرا) الذي به الآن مدينة المملكة، ثم

القسم الأول (بلاد النصرانية)

إقليم شاوة، ثم إقليم داموت، ثم إقليم لامنان، ثم إقليم السّيهو، ثم إقليم الزلح، ثم إقليم عدل الأمراء، ثم إقليم حماسا، ثم إقليم باريا، ثم إقليم الطّراز الإسلامي. قال: وبها أقاليم كثيرة العدد، مجهولة الأسماء، غير مشهورة ولا معلومة. ثم هي على قسمين: القسم الأوّل (بلاد النّصرانية) وهي القسم الأوفر عددا، الأوسع مجالا، وهو الذي يملكه ملك (أمحرا) بفتح الألف وسكون الميم وفتح الحاء والراء المهملتين وألف في الآخر. وهم جنس من الحبشة. ويشتمل على ستّ جمل: الجملة الأولى (في ذكر قواعدها) وقاعدتها مدينة (مرعدي) بفتح الميم وكسر الراء وسكون العين وكسر الدال المهملتين وياء مثناة تحت في الآخر. وهي مدينة بإقليم أمحرا المقدّم ذكره فيما ذكره في «مسالك الأبصار» إلا أنه لم يذكر صفتها، والذي ذكره في «تقويم البلدان» : أن قاعدة الحبشة (مدينة جرمي) بالجيم المفتوحة والراء المهملة الساكنة ثم ميم مكسورة ثم ياء مثناة تحتية في الآخر كما ضبطه ابن سعيد. وموقعها في الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : حيث الطول خمس وخمسون درجة، والعرض تسع درج وثلاثون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي مدينة ذكرها أكثر المصنّفين في كتب المسالك والممالك والأطوال والعروض، وأنها كرسيّ مملكة الحبشة وقاعدتهم، ولم يزد على ذلك، فيحتمل أنها قاعدة قديمة، ويحتمل أنها القاعدة المستقرّة.

الجملة الثانية (في الموجود بها)

الجملة الثانية (في الموجود بها) قد ذكر في «مسالك الأبصار» : أنّ بها من المواشي ذوات الأربع: الخيل، والبغال، والبقر، والغنم وما في معناها، وأغنامهم تشبه أغنام عيذاب واليمن. ومن الوحوش الأسد، والنّمر، والفهد، والفيل، والزّرافة، والغزال، وبقر الوحش، وحمار الوحش، والقردة، وغيرها من الوحوش. وبها من الطّيور الجوّية: الصّقورة، والبزاة بكثرة، والنّسور البيض والسّود، والغراب، والحجل، وطير الواجب بجملته، والحمام، والعصفور، وغير ذلك مما لم يوجد بالديار المصرية. ومن الطيور البرّية دجاج الحبش وأمثالها. ومن الطيور المائية البطّ، وعندهم بنهرهم سمك يشبه البوريّ، وسمك يشبه الثّعبان، يطول إلى مقدار ذراعين ونصف، ويغلظ إلى مقدار كبار الخشب، وبنهرهم أيضا التّمساح وفرس البحر، وغير ذلك. وبها من الحبوب: الحنطة، والشّعير، والحمّص، والعدس، والبسلّا، والذّرة، وبعض الباقلا، وحبوب أخرى غير ذلك منها حبّ يسمّى (قنابهول) يستعملونه قوتا كالحنطة. والحنطة عندهم على مثال الحنطة الشاميّة، والشعير حبّه عندهم أكبر من حبّ الشعير المصرية والشامية، ومنه ضرب يسمّى طمجة. ولون الحمّص عندهم إلى الحمرة. والباسلّا عندهم عزيز الوجود في أكثر البلاد، ولكنهم لا يفتقرون إليه للعلف لكثرة المراعي ببلادهم. وعندهم حبّ يسمّى (طافي) على قدر الخردل، ولونه إلى الحمرة، ومكسره إلى السّواد، يتخذون منه الخبز. وعندهم ببعض الأقاليم حبّ شبيه بالحنطة إلا أنّ له قشرين، ينزع قشره بالهرس كالأرزّ، ويتّخذون منه طعاما يكون مغنيا عن الحنطة. وعندهم بزر الكتّان وحبّ الرّشاد، وهم يزرعون على المطر في كل سنة مرتين: مرة في الصيف، ومرّة في الشتاء، تتحصل في كل مرة الغلّات.

ونقل البطرك (بنيامين) أنه يقع عندهم المطر الكثير، وتحصل مع المطر الصواعق العظيمة. وعندهم من أصناف المقاثيء القرع، وفي بعض الأقاليم بطّيخ صغير. وعندهم من البقول: الثّوم، والبصل، والكزبرة الخضراء، ومن الرياحين الرّيحان، والقرنفل، ونبات أبيض يسمّى بعتران. وعندهم الياسمين البرّيّ، ولكنه ليس بمشموم لهم. وعندهم من الفواكه العنب الأسود على قلّة، والتّين الوزيريّ، وأصناف الحوامض خلا النّارنج. وعندهم شجر يسمّى (جان) بجيم بين الجيم والشين لا ثمر له، وإنما له قلوب تشبه قلوب النارنج تؤكل فتزيد في الذّكاء والفهم، وتفرّح، إلا أنها تقلّل الأكل، والنّوم، والجماع. وعنايتهم به عناية أهل الهند بالتّنبل وإن كان بينهما مبانية. وأيّ نفع فيما فائدته تقليل النّوم والأكل والجماع، اللاتي هي لذّات الدنيا، حتّى يحكى أنه وصف لبعض ملوك اليمن- فقال: أنا لا يذهب متحصّل ملكي إلا على هذه الثلاث، فكيف أسعى في ذهابها بأكل هذا؟ ومن أشجارهم الزّيتون، والصّنوبر، والجمّيز، وفي بعض بلادهم الآبنوس، وفي بعضها المقل «1» ، وفي بعضها القنا المجوّف والمسدود. ومأكلهم شحوم البقر والمعز، وبعض شحوم الضأن، ومشروبهم اللّبن البقريّ، وفي ضعفهم يتداوون باللبن المداف بالماء وسمن البقر. وعندهم عسل النحل بكثرة في جميع الأقاليم، تختلف ألوانه باختلاف المراعي: منه ما يوجد في الجبال فيؤخذ من غير حجر على أخذه. ومنه ماله خلايا

الجملة الثالثة (في ذكر معاملاتهم وأسعار بلادهم)

من خشب منقورة، له ملّاك يختصّون به. ووقود مصابيحهم شحوم البقر. أما الزّيت الطّيّب فيجلب إليهم. وادّهانهم بالسّمن. وأواني طعامهم فخّار مدهون أسود. واغتسالهم بالماء البارد، وربما استعملوا الحارّ منه. وحكى البطرك (بنيامين) أن عندهم من المعادن معدن الذهب، ومعدن الحديد. وحكي عن الشريف عز الدين التاجر: أن في بعض بلادهم يوجد معدن الفضّة. ومصاغهم الذّهب، والفضّة، والنّحاس، والرّصاص، كل أحد منهم بحسبه. الجملة الثالثة (في ذكر معاملاتهم وأسعار بلادهم) أما معاملاتهم، فقد ذكر في «مسالك الأبصار» أن معاملتهم مقايضة بالأبقار والأغنام والحبوب وغير ذلك. وأما الأسعار فالقمح والشعير اللذان هما أصل المطعومات ليس لهما عندهم قيمة تذكر، لاستغنائهم عن ذلك باللحم واللّبن. وسيأتي ذكر معاملة الطّراز الإسلاميّ فيما بعد إن شاء الله تعالى. الجملة الرابعة (في ذكر زيّهم وسلاحهم) أما زيّهم، فقد ذكر في «المسالك» أن لباسهم في الشتاء والصيف واحد: لكلّ واحد منهم ثوبان غير مخيطين: أحدهما يشدّ به وسطه، والآخر يلتحف به، ولا يعرفون لبس المخيط جملة، إلا أن الخواصّ والأجناد يفضّلون في اللّبس، فيلبسون الحرير والأبراد اليمنيّة، والعوامّ يلبسون ثياب القطن على ما تقدّم. وأما سلاح المقاتلة منهم، فالسيوف، والحراب، والمزاريق، والقسيّ، يرمون عنها بالنّبل: وهو نشّاب صغير، وربما رمى بعضهم بالنّبل عن قوس طويل يشبه قوس البندق، ولهم درق مدوّرة، ودراق طوال يتّقون بها.

الجملة الخامسة (في ذكر بطاركة الإسكندرية، الذين عن توليتهم تنشأ ولاية ملوك الحبشة)

الجملة الخامسة (في ذكر بطاركة الإسكندريّة، الذين عن توليتهم تنشأ ولاية ملوك الحبشة) اعلم أنه قد تقدّم في المقالة الأولى في الكلام على ما يحتاج إليه الكاتب عند ذكر النحل والملل أن البطاركة عند النّصارى عبارة عن خلفاء الحواريّين الذين هم أصحاب المسيح عليه السّلام، وأنه كان لهم في القديم أربعة كراسيّ: كرسيّ برومية: قاعدة الروم، وكرسيّ بالإسكندرية من الديار المصرية، وكرسيّ بأنطاكية: قاعدة العواصم من بلاد الشام، وكرسيّ ببيت المقدس. وأن كرسيّ رومية قد صار لطائفة الملكانيّة وبه بطركهم المعبّر عنه بالبابا إلى الآن. وكرسيّ الإسكندرية قد صار آخرا لبطرك اليعاقبة تحت ذمّة المسلمين بالديار المصرية من لدن الفتح الإسلاميّ وهلمّ جرّا إلى زماننا. وأن كرسيّ بيت المقدس وكرسيّ أنطاكية قد بطلا باستيلاء دين الإسلام عليهما. ثم كرسيّ الإسكندرية بعد مصيره إلى اليعاقبة قد تبع البطرك القائم به على مذهب اليعاقبة الحبشة والنّوبة وسائر متنصّرة السّودان، وصار لديهم كالخليفة على دين النصرانية عندهم، يتصرّف فيهم بالولاية والعزل، لا تصحّ ولاية ملك منهم إلا بتوليته، حتّى قال في «التعريف» في الكلام على مكاتبة ملك الحبشة: ولولا أنّ معتقد دين النصرانية لطائفة اليعاقبة أنه لا يصحّ تعمّد معموديّ إلّا باتّصال من البطريرك، وأن كرسيّ البطريرك كنيسة الإسكندرية، فيحتاج إلى أخذ مطران [بعد مطران] «1» من عنده، وإلا كان شمخ بأنفه على المكاتبة، لكنه مضطرّ إلى ذلك. قال: ولأوامر البطريرك عنده ما لشريعته من الحرمة، وإذا كتب إليه كتابا فأتى ذلك الكتاب إلى أوّل مملكته، خرج عميد تلك الأرض فحمل الكتاب على رأس علم، ولا يزال يحمله بيده حتّى يخرجه من أرضه وأرباب الدولة في تلك الأرض كالقسوس والشّمامسة حوله مشاة بالأدخنة، فإذا خرجوا من حدّ أرضهم تلقّاهم من يليهم أبدا كذلك في كل أرض

بعد أرض حتّى يصلوا إلى أمحرا، فيخرج صاحبها بنفسه، ويفعل مثل ذلك الفعل الأوّل، إلا أن المطران هو الذي يحمل الكتاب لعظمته لا لتأبّي الملك، ثم لا يتصرف الملك في أمر ولا نهي ولا قليل ولا كثير حتّى ينادى للكتاب ويجمع له يوم الأحد في الكنيسة، ويقرأ والملك واقف، ثم لا يجلس مجلسه حتّى ينفّذ ما أمره به. ولما تعذر الوقوف على معرفة تواريخ ملوكهم، اكتفينا بذكر البطاركة الذين عنهم تنشأ ولاياتهم، فكانوا هم ملوكهم حقيقة. اعلم أنّ أوّل من ولي من البطاركة كنيسة الإسكندرية مرقص الإنجيليّ: تلميذ بطرس الحواريّ، الذي أرسله المسيح عليه السّلام إلى رومية. وإنما سمّي بمرقص الإنجيليّ لأن بطرس الحواريّ حين كتب إنجيله كتبه بالرّوميّة ونسبه إلى مرقص المذكور فتلقّب بالإنجيلي، وأقام مرقص المذكور في بطركية الإسكندرية سبع سنين يدعو إلى النصرانية بالإسكندرية ومصر وبرقة والمغرب ثم قتله نيرون قيصر بن اقليوديش قيصر سادس القياصرة. وولي مكانه (حنانيا) ويسمّى بالعبرانية أنانيو ثم مات لسبع وثمانين سنة للمسيح. وولي مكانه (فلبو) فأقام ثلاث عشرة سنة ثم مات. فولي مكانة (كرتيانو) ومات لإحدى عشرة سنة من ولايته في أيام (طرنبش قيصر) . وولي مكانه (إيريمو) ثنتي عشرة سنة. ثم ولي بعده (نسطس) في أيام (أندريانوس قيصر) ، وكان حكيما فاضلا فأقام في البطركية إحدى عشرة سنة ثم مات. وولي مكانه (أرمانيون) إحدى عشرة سنة أيضا [ومات] في أيام (أندريانوس) قيصر أيضا. وولي بعده (موقيانو) فلبث تسع سنين ومات في أيام (أنطونيس قيصر)

في الخامسة من ملكه. وولي بعده (كلوتيانو) فأقام أربع عشرة سنة في أيام أنطونيس قيصر ومات. وولي بعده (أغريتوس) فبقي اثنتي عشرة سنة ومات. وولي بعده (يليانس) في أيام [أوراليانس] «1» قيصر فلبث عشر سنين ومات. فولي مكانه في أيام أوراليانس (ديمتريوس) فأقام ثلاثا وثلاثين سنة. وولي بعده (تاوكلا) فأقام ستّ عشرة سنة ومات. فولي بعده (دونوشيوش) فلبث تسع عشرة سنة [ومات] . وولي مكانه (مكسيموس) فأقام ثنتي عشرة سنة ومات. وولي مكانه (ثاونا) فلبث عشر سنين [ومات] وكان النصارى إذ ذاك يقيمون الدّين خفية فلما صار بطركا صانع الروم ولاطفهم بالهدايا فأذنوا له في بناء كنيسة مريم، وأعلنوا فيها بالصلاة. ثم ولي بعده (بطرس) فلبث عشر سنين وقتله (ديقلاديانوس قيصر) . وولّي مكانه تلميذه (اسكندروس) وكان كبير تلامذته فلبث ثلاثا وعشرين سنة. وقيل ثنتين وعشرين سنة، وقيل ستّ عشرة سنة، وكسر صنم النّحاس الذي كان في هيكل زحل بالإسكندرية وبنى مكانه كنيسة، وبقيت حتّى هدمها العبيديّون عند ملكهم الإسكندرية، ومات لإحدى وعشرين سنة من ملك (قسطنطين) ملك الروم. وولي مكانه تلميذه (ايناسيوس) ووثب عليه أهل إسكندرية ليقتلوه لانتحاله مذهبا غير مذهبهم فهرب. وتولى مكانه (لوقيوش) ثم ردّ (ايناسيوس) المتقدّم ذكره إلى كرسيه بعد

خمسة أشهر وطرد لوقيوس، وأقام ايناسيوس بطركا إلى أن مات. فتولّى بعده تلميذه (بطرس) سنتين ووثب عليه أصحاب لوقيوس فهرب وردّ لوقيوس إلى كرسيه، فأقام ثلاث سنين، ثم وثبوا عليه وردّوا بطرس ومات لسنة من إعادته، وقيل إنه حبس وأقيم مكانه (أريوس) من أهل سميساط. ثم ولي (طيماناواس) أخو بطرس، فلبث فيهم سبع سنين ومات. ويقال: إن ايناسيوس المتقدّم ذكره ردّ إلى كرسيه ثم مات. فولي مكانه كاتبه (تاوفينا) [فأقام سبعا وعشرين سنة] «1» ومات. وتولّى مكانه (كيرلس) ابن أخته [فأقام اثنتين وثلاثين سنة] «2» ومات. فولي مكانه (ديسقرس) فأحدث بدعة في الأمانة التي يعتقدونها فأجمعوا على نفيه. وولّوا مكانه (برطارس) وافترقت النصارى من حينئذ إلى يعقوبيّة وملكانية «3» ووثب أهل الإسكندرية على برطارس البطرك فقتلوه لستّ سنين من ولايته وأقاموا مكانه (طيماناوس) وكان يعقوبيا، وهو أوّل من ولي البطركية من اليعاقبة بالإسكندرية فأقام فيها ثلاث سنين ثم جاء قائد من القسطنطينية فنفاه وأقام مكانه (سوريس) من الملكية، فأقام تسع سنين. ثم عاد (طيماناوس) المتقدّم ذكره إلى كرسيه بأمر لاون قيصر. ويقال أنه بقي في البطركية اثنتين وعشرين سنة ومات. فولي مكانه (بطرس) وهلك بعد ثمان سنين. وولي مكانه (اثناسيوس) وهلك لسبع سنين، وكان قيّما ببعض البيع في بطركية بطرس ومات.

فولي مكانه (يوحنا) وكان يعقوبيا، ومات بعد سبع سنين. وولي مكانه (يوحنا الحبيس) ومات بعد إحدى عشرة سنة. فولي مكانه (ديسقرس الجديد) ومات بعد سنتين ونصف. ثم ولي مكانه (طيماناوس) وكان يعقوبيّا، فمكث فيهم ثلاث سنين، وقيل سبع عشرة سنة، ثم نفي. وولي مكانه (بولص) وكان ملكيا فلم تقبله اليعاقبة، وأقام على ذلك سنتين. ثم ولّى قيصر قائدا من قوّاده اسمه (أثوليناريوس) فدخل الكنيسة على زيّ الجند، ثم لبس زيّ البطاركة وحملهم على رأي اليعقوبيّة، وقتل من امتنع وكانوا مائتين، ومات لسبع عشرة سنة من ولايته. وولي مكانه (يوحنا) وهلك لثلاث سنين. وانفرد اليعاقبة بالإسكندرية وكان أكثرهم القبط وقدّموا عليهم طودوشيوش بطركا، فمكث فيهم ثنتين وثلاثين سنة. ثم جعل الملكية بطركهم داقيانوس وطردوا طودوشيوش عن كرسيّة ستة أشهر، ثم أمر قيصر بأن يعاد فأعيد، ثم نفاه بعد ذلك. وولّى مكانه (بولس التّنّيسي) فلم يقبله أهل الإسكندرية ولا ما جاء به، ثم مات وغلّقت كنائس القبط اليعقوبية، ولقوا شدّة من الملكية، ومات (طودوشيوش) الذي كان قد نفي. وتولّى البطركية (بطرس) ومات بعد سنتين. وولي مكانه (داميّانو) فمكث ستّا وثلاثين سنة، وخربت الدّيرة في أيامه. ثم ولي على الملكية بالإسكندرية ومصر (يوحنا الرّحوم) وهو الذي عمل البيمارستان للمرضى بالإسكندرية، ولما سمع بمسير الفرس إلى مصر هرب إلى

قبرس فمات بها لعشر سنين من ولايته، وخلا كرسيّ الملكية بعده بالإسكندرية سبع سنين. وكانت اليعاقبة بالإسكندرية قدّموا عليهم (انسطانيوس) فمكث فيهم ثنتي عشرة سنة، واستردّ ما كانت الملكية استولوا عليه من كنائس اليعقوبيّة ومات. ثم ولي (اندرانيكون) بطركا على اليعاقبة فأقام ستّ سنين خربت فيها الدّيرة، ثم مات. وولي مكانه لأوّل الهجرة (بنيامين) فمكث تسعا وثلاثين سنة. وفي خلال أيامه غلب هرقل ملك الروم على مصر وملكها. وولّى أخاه (منانيا) بطركا على الاسكندرية وواليا وكان ملكيّا. ورأى بنيامين البطرك في نومه من يأمره بالاختفاء فاختفى، ثم غضب (هرقل) على أخيه (منانيا) لمعتقد في الدين فأحرقه بالنار ثم رمى بجثّته في البحر، وبقي (بنيامين) مختفيا إلى أن فتح المسلمون الإسكندرية فكتب له عمرو بن العاص بالأمان، فرجع إلى الإسكندرية بعد أن غاب عن كرسيّه ثلاث عشرة سنة، وبقي حتّى مات في سنة تسع وثلاثين من الهجرة، واستمرت البطركية بعده في اليعقوبيّة بمفردهم وغلبوا على مصر، وأقاموا بجميع كراسيّهم أساقفة يعاقبة، وأرسلوا أساقفتهم إلى النّوبة والحبشة فصاروا يعاقبة. وخلفه في مكانه (أغاثوا) فمكث سبع عشرة سنة، ثم مات في سنة ستّ وخمسين من الهجرة، وهو الذي في «1» أيامه قد انتزعت كنائس الملكية من اليعاقبة، وولّي عليهم بطرك بعد أن أقاموا من لدن خلافة عمر بغير بطرك نحوا من مائة سنة ورياسة البطرك لليعاقبة وهم الذين يبعثون الأساقفة إلى النّواحي. ومن هنا

صارت النّوبة ومن وراءهم من الحبشة يعاقبة، وهو الذي بنى كنيسة مرقص وبقيت حتّى هدمت أيام العادل أبي بكر بن أيّوب «1» وولي مكانه بطرك اسمه (يوحنا) . ثم ولي البطركية بعده (ايساك) فأقام سنتين وأحد عشر شهرا [ومات] . وكانت تقدمته في الثامنة عشرة ليوشطيان ملك الروم، وتقرّر أن لا يقدّم بطرك إلا يوم الأحد. وقدّم عوضه (سيمون السرياني) فأقام سبع سنين ونصفا، ومات في الرابع والعشرين من أبيب سنة أربعمائة وستّ عشرة للشهداء في خلافة عبد الملك بن مروان. ويقال: إنه وصل إليه رسول من الهند يطلب منه أن يقدّم لهم أسقفّا وقسوسا فامتنع إلى أن يأمره صاحب مصر، فمضى إلى غيره ففعل له ذلك. وقدّم بعده في البطركية (الاسكندروس) في سنة إحدى وثمانين من الهجرة في يوم عيد مرقص الإنجيليّ سنة أربعمائة وعشرين للشهداء، فمكث أربعا وعشرين سنة ونصفا، وقيل خمسا وعشرين سنة، وقاسى شدّة عظيمة، وصودر دفعتين، أخذ منه في كل دفعة ثلاثة آلاف دينار، ومات في سنة ثمان ومائة، وكانت وفاته بالإسكندرية. وقدّم عوضه (قسيما) فأقام خمسة عشر شهرا ومات. فقدّم مكانه (تادرس) في سنة تسع ومائة فأقام إحدى عشرة سنة ومات.

فقدّم مكانه (ميخائيل) في سنة عشرين ومائة فأقام ثلاثا وعشرين سنة ولقي شدائد من عبد الملك بن موسى نائب مروان الجعديّ على مصر ثم من مروان لما دخل إلى مصر إلى أن قتل في أبي صير وأطلق البطرك والنصارى نائب أبي العباس السّفّاح. وفي سنة إحدى وثلاثين ومائة رسم بإعادة ما استولى عليه اليعاقبة من كنائس الملكية بالديار المصرية إليهم، فأعيدت وأقيم لهم بطرك، وكانت الملكيّة قد أقاموا بغير بطرك سبعا وتسعين سنة من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين الفتح الإسلاميّ إلى خلافة هشام بن عبد الملك. وفي سنة سبع وأربعين ومائة صرف أبو جعفر المنصور (ميخائيل) بطرك اليعاقبة، وأقام عوضه (مينا) فأقام تسع سنين، ومات في خلافة الهادي «محمد بن المهدي» . وقدّم مكانه (يوحنا) فاقام ثلاثا وعشرين سنة، ومات سادس عشر طوبة سنة خمسمائة وخمس عشرة للشهداء. ثم في سنة اثنتين وسبعين ومائة في خلافة الرشيد قدّم في البطركية (مرقص الجديد) فأقام عشرين سنة وسبعين يوما. وفي أيامه رسم الرشيد بإعادة كنائس الملكية التي استولى عليها اليعاقبة ثانيا إليهم، وثارت العربان والمغاربة وخرّبوا الدّيرة بوادي هبيب «1» ولم يبق فيها من الرّهبان إلا اليسير ثم مات في سنة إحدى عشرة ومائتين. وقدّم عوضه في البطركيّة (يعقوب) قيل في السنة الثالثة من خلافة المأمون. وفي أيامه عمرت الديارات وعادت الرهبان إليها، ومات في سنة اثنتين وعشرين ومائتين.

وقدّم عوضه (سيماون) في السنة المذكورة في خلافة المعتصم «1» فأقام سنة واحدة. وقيل سبعة شهور وستة عشر يوما. وخلا الكرسيّ بعده سنة واحدة وتسعة وعشرين يوما. وفي سنة سبع وعشرين ومائتين قدّم في البطركية (بطرس) ويقال (يوساب) وكانت تقدمته في دير (بومقار) بوادي هبيب حادي عشري هاتور سنة خمسمائة وسبعة وأربعين للشهداء. وقيل: إنه قدّم في أيام المأمون، وإنه أقام ثماني عشرة سنة، وسيّر أساقفة إلى أفريقيّة والقيروان، ومات سنة اثنتين وأربعين ومائتين، وخلا الكرسيّ بعده ثلاثين يوما. وقدّم عوضه (جاتيل) في السنة العاشرة من خلافة المتوكل. ويقال: إنه كان قسّا بدير بوحنس، فأقام سنة واحدة وخمسة أشهر، ثم مات ودفن بدير بومقار، وهو أوّل من دفن [فيه] من البطاركة. وخلا الكرسيّ بعده أحدا وثمانين يوما. وقدّم عوضه (قسيما) في سنة أربع وأربعين ومائتين من الهجرة، وهي الثانية عشرة من خلافة المتوكل «2» ، وكان شمّاسا بدير بومقار، فأقام سبع سنين وخمسة شهور ثم مات ودفن بدنوشر، وخلا الكرسيّ بعده أحدا وخمسين يوما. وقدّم مكانه بطرك اسمه (اساسو) ويقال (سالوسو) في أوّل سنة من خلافة

المعتزّ «1» وأحمد بن طولون «2» بمصر، فأقام إحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر ومات، وهو الذي عمل مجاري المياه التي تجري تحت الأرض من خليج الإسكندرية إلى آدرها. ولما مات قدّم مكانه (ميخائيل) في خلافة المعتمد «3» في سنة ثلاث وستين ومائتين، فأقام خمسا وعشرين سنة. وصادره أحمد بن طولون في عشرين ألف دينار، فباع في المصادرة رباع الكنائس بالإسكندرية، وبركة الحبش بظاهر مصر، ومات. فبقي الكرسيّ بعده أربع عشرة سنة شاغرا إلى سنة ثلاثمائة. [وفي يوم الاثنين ثالث شوّال سنة ثلاثمائة] احترقت الكنيسة العظمى بالإسكندرية التي كانت بنتها (كلابطره) ملكة مصر هيكلا لزحل. ثم قدّم البطرك (غبريال) في السنة السابعة من خلافة المقتدر، وهي سنة إحدى وثلاثمائة، فأقام إحدى عشرة سنة ومات. فقدّم مكانه البطرك (قسيما) فأقام اثنتي عشرة سنة ومات. وفي السنة الأخيرة من رياسته (وهي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة) أحرق المسلمون كنيسة مريم بدمشق ونهبوا ما فيها وتتبّعوا كنائس اليعاقبة والنّساطرة.

ولما مات قسيما المذكور قدّموا عليهم بطركا لم أقف على اسمه، فأقام عشرين سنة، ثم مات. وقدّم في البطركية (تاوفانيوس) من أهل اسكندرية في السنة الحادية عشرة من خلافة المطيع «1» فأقام أربع سنين وستة أشهر، ومات مقتولا في سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة. وقدّم مكانه البطرك (مينا) في السنة الخامسة عشرة من خلافة المطيع، والأخشيد «2» نائب بمصر، فأقام إحدى عشرة سنة ثم مات. وخلا كرسيّ اليعاقبة بعد موته سنة واحدة. ثم قدّم مكانه بطرك اسمه (أفراهام السرياني) في سنة ست وستين وثلاثمائة، فأقام ثلاث سنين وستة أشهر، ومات في أيام العزيز الفاطمي بمصر مسموما من بعض كتّاب النصارى: لإنكاره عليه التسرّى، وقطعت يد ذلك الكاتب بعد موته، ومات لوقته. وخلا الكرسيّ بعده ستة أشهر. وقدّم عوضه بطرك اسمه (فيلاياوس) في سنة تسع وستين وثلاثمائة. وقيل: في السنة الخامسة للعزيز الفاطميّ فأقام أربعا وعشرين سنة وسبعة أشهر ومات. وقدّم بعده بطرك اسمه (دخريس) في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة في أيام الحاكم الفاطميّ، فأقام ثمانا وعشرين سنة، ثم مات ودفن ببركة الحبش. وخلا كرسيّ اليعاقبة بعده أربعة وسبعين يوما. [ثم قدّم اليعاقبة بعده (سابونين) بطركا في سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، فأقام خمس عشرة سنة ومات، فخلا الكرسيّ

بعده سنة وخمسة أشهر] «1» ثم قدّم بعده بطرك اسمه (اخرسطوديس) في سنة سبع وثلاثين وأربعمائة في خلافة المستنصر الفاطميّ، فأقام ثلاثين سنة، ومات في السنة الحادية والأربعين من خلافة المستنصر المذكور بالكنيسة المعلّقة بمصر. وهو الذي جعل كنيسة بومرقورة بمصر وكنيسة السيدة بحارة الروم بطركية. وخلا الكرسيّ بعده اثنين وسبعين يوما. ثم قدّم بعده البطرك (كيرلص) فأقام أربع عشرة سنة وثلاثة أشهر ونصفا، ومات بكنيسة المختارة بجزيرة مصر سلخ ربيع الآخر سنة خمس وثمانين وأربعمائة. وخلا الكرسيّ بعده مائة وأربعة وعشرين يوما. وقدّم عوضه بطرك اسمه (ميخائيل) في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، في أيام المستنصر الفاطمي صاحب مصر، وكان قبل ذلك حبيسا بسنجار، فأقام تسع سنين وثمانية أشهر، ومات في المعلّقة بمصر. وقدّموا عوضه بطركا اسمه (مقاري) سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة بدير بومقار، ثم كمل بالإسكندرية، وعاد إلى مصر وقدّس بدير بومقار ثم في الكنيسة المعلّقة. وفي أيامه هدم الأفضل بن أمير الجيوش كنيسة بجزيرة مصر كانت في بستان اشتراه. ولما مات قدّم عوضه بطرك اسمه (غبريال) أبو العلا صاعد، سنة خمس وعشرين وخمسمائة في أيام الحافظ الفاطمي، وكان قبل ذلك شمّاسا بكنيسة بومرقورة، فقدّم بالمعلّقة، وكمّل بالإسكندرية، فأقام أربع عشرة سنة، ومات بكنيسة بومرقورة. وخلا الكرسيّ بعده ثلاثة أشهر. وقدّم بعده بطرك اسمه (ميخائيل) بن التقدوسيّ في السنة الخامسة عشرة من

خلافة الحافظ أيضا؛ وكان قبل ذلك راهبا بقلّاية دنشري، قدّم بالمعلّقة وكمّل بالإسكندرية، ومات بدير بومقار في رابع شوّال سنة إحدى وأربعين وخمسمائة. وخلا الكرسيّ بعده سنة واحدة وسبعين يوما. وقدّم عوضه بطرك اسمه (يونس) بن أبي الفتح بالمعلّقة بمصر وكمّل بالإسكندرية، فأقام تسع عشرة سنة، ومات في السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. وخلا الكرسيّ بعده ثلاثة وأربعين يوما. وقدّم بعده بطرك اسمه (مرقص) أبو الفرج بن زرعة في سنة إحدى وستين وخمسمائة بمصر وكمّل بالإسكندرية، فأقام اثنتين وعشرين سنة وستة أشهر وخمسة وعشرين يوما، وفي أيامه أحرقت كنيسة بومرقورة بمصر، ثم مات. وخلا الكرسيّ بعده سبعة وعشرين يوما. وقدم بعده بطرك اسمه (يونس) بن أبي غالب في عاشر ذي الحجّة سنة أربع وثمانين وخمسمائة بمصر وكمّل بالإسكندرية، وأقام ستّا وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وثلاثة عشر يوما، ومات في رابع عشر رمضان المعظّم قدره، سنة اثنتي عشرة وستمائة بالمعلّقة بمصر، ودفن ببركة الحبش. وقدّم بعده بطرك اسمه (داود) بن يوحنا، ويعرف بابن لقلق بأمر العادل بن الكامل، فلم يوافق عليه المصريون فأبطلت بطركيته، وبقي الكرسيّ بغير بطرك تسع عشرة سنة. ثم قدّم بطرك اسمه (كيرلس) داود بن لقلق في التاسع والعشرين من رمضان المعظم سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، فأقام سبع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيام، ومات في السابع عشر من رمضان المعظم سنة أربعين وستمائة، ودفن بدير الشّمع بالجيزة. وخلا الكرسيّ بعده سبع سنين وستة أشهر وستة وعشرين يوما. وقدّم بعده بطرك اسمه (سيوس) بن القسّ أبي المكارم، في رابع رجب سنة ثمان وأربعين وستمائة وكمّل بالإسكندرية، وأقام إحدى عشرة سنة وخمسة

وخمسين يوما، ومات في ثالث المحرم سنة ستين وستمائة. وخلا الكرسيّ من بعده خمسة وثلاثين يوما. ثم قدّم، بعده في الدولة الناصريّة محمد بن قلاوون «1» البطرك (بنيامين) وهو الذي كان معاصرا للمقرّ الشهابيّ بن فضل الله، ونقل عنه بعض أخبار الحبشة. ثم قدّم بعده المؤتمن (جرجس) بن القس مفضّل في شهور سنة أربع وستين وسبعمائة. ثم قدّم بعده البطرك متّى وطالت مدّته في البطركية ثم مات في شهور سنة اثنتي عشرة وثمانمائة. واستقرّ بعده الشيخ الأمجد (رفائيل) في أواخر السنة المذكورة، وهو القائم بها إلى الآن. أما ملوكهم القائمون ببلادهم، فلم يتّصل بنا تفاصيل أخبارهم، غير أنّ المشهور أنّ ملكهم في الزمن المتقدّم كان يلقّب النّجاشيّ، سمة لكلّ من ملك عليهم، إلى أن كان آخرهم (النجاشيّ) الذي كان في زمن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأسلم وكتب إليه بإسلامه، ومات وصلّى عليه صلاة الغائب، وكان اسمه بالحبشية (أصحمة) ويقال (صحمة) ومعناه بالعربية عطيّة. وقد ذكر المقر الشهابيّ بن فضل الله في «مسالك الأبصار» : أن الملك الأكبر الحاكم على جميع أقطارهم يسمّى بلغتهم (الحطّي) بفتح الحاء المهملة وتشديد الطاء المهملة المكسورة وياء مثناة تحت في الآخر. ومعناه السلطان اسما موضوعا لكل من قام عليهم ملكا كبيرا. ثم قال: ويقال: إن تحت يده تسعة وتسعين ملكا، وهو لهم تمام المائة. وذكر أن الملك القائم بمملكتهم في زمانه

الجملة السادسة (في ترتيب مملكتهم)

اسمه (عمدسيون) ومعناه ركن صهيون. قال: وصهيون بيعة قديمة البناء بالإسكندرية معظّمة عندهم. قال: ويقال: إنه من الشجاعة على أوفر قسم، وإنه حسن السّيرة، عادل في رعيته. قال في «التعريف» : وقد بلغنا أن الملك القائم عليهم أسلم سرّا، واستمرّ على إظهار دين النصرانية إبقاء لملكه. فيحتمل أنه (عمدسيون) المقدّم ذكره، ويحتمل أنه غيره. قال في «التعريف» : ومدبّر دولته رجل يقرب إلى بني الأرشي الأطباء بدمشق. قال في «مسالك الأبصار» : ومع ما هم عليه من سعة البلاد، وكثرة الخلق والأجناد، مفتقرون إلى العناية والملاحظة من صاحب مصر. لأن المطران الذي هو حاكم شريعتهم في جميع بلادهم من أهل النصرانية لا يقام إلا من الأقباط اليعاقبة بالديار المصرية، بحيث تخرج الأوامر السلطانية من مصر للبطرك المذكور بإرسال مطران إليهم. وذلك بعد تقدّم سؤال ملك الحبشة الذي هو الحطّي وإرسال رسله وهداياه. قال: وهم يدّعون أنهم يحفظون مجاري النيل المنحدر إلى مصر، ويساعدون على إصلاح سلوكه تقرّبا لصاحب مصر. وقد ذكر ابن العميد مؤرّخ النصارى في تاريخه: أنه لما توقف النيل في زمن المستنصر بالله «1» الفاطميّ، كان ذلك بسبب فساد مجاريه من بلادهم، وأنّ المستنصر أرسل البطرك الذي كان في زمانه إلى الحبشة حتّى أصلحوه واستقامت مجاريه. لكن قد تقدّم في الكلام على النيل عند ذكر مملكة الديار المصرية من هذه المقالة ما يخالف ذلك. الجملة السادسة (في ترتيب مملكتهم) قال في «مسالك الأبصار» : يقال إن الحطّي المذكور وجيشه لهم خيام

القسم الثاني (من بلاد الحبشة ما بيد مسلمي الحبشة)

ينقلونها معهم في الأسفار والتنزّهات، وإنه إذا جلس الملك يجلس على كرسيّ، ويجلس حول كرسيه أمراء مملكته وكبراؤها على كراسيّ من حديد: منها ما هو مطعّم بالذهب، ومنها ما هو ساذج على قدر مراتبهم. قال: ويقال إن الملك مع نفاذ أمره فيهم يتثّبت في أحكامه. ولم يزد في ترتيب مملكتهم على ذلك. ولملك الحبشة هذا مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، يأتي ذكرها في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى. القسم الثاني (من بلاد الحبشة ما بيد مسلمي الحبشة) وهي البلاد المقابلة لبرّ اليمن على أعالي بحر القلزم، وما يتصل به من بحر الهند، ويعبّر عنها «بالطّراز الإسلامي» لأنها على جانب البحر كالطّراز له. قال في «مسالك الأبصار» : وهي البلاد التي يقال لها بمصر والشام بلاد الزّيلع. قال: والزّيلع إنما هي قرية من قراها، وجزيرة من جزائرها، غلب عليها اسمها. قال الشيخ عبد المؤمن الزّيلعيّ الفقيه: وطولها برّا وبحرا خاصّا بها نحو شهرين، وعرضها يمتدّ أكثر من ذلك، لكن الغالب في عرضها أنه مقفر، أما مقدار العمارة فهو ثلاثة وأربعون يوما طولا، وأربعون يوما عرضا. قال في «مسالك الأبصار» : وبيوتهم من طين وأحجار وأخشاب، مسقّفة بجملونات وقباب، وليست بذوات أسوار ولا لها فخامة بناء، ومع ذلك فلها الجوامع، والمساجد، وتقام بها الخطب والجمع والجماعات، وعند أهلها محافظة على الدّين، إلا أنه لا تعرف عندهم مدرسة، ولا خانقاه، ولا رباط، ولا زاوية. وهي بلاد شديدة الحرّ، وألوان أهلها إلى الصّفاء، وليست شعورهم في غاية التفلفل كما في أهل مالّي وما يليها من جنوب المغرب، وفطنهم أنبه من غيرهم من السّودان، وفطرهم أذكى، وفيهم الزّهّاد، والأبرار، والفقهاء والعلماء، ويتمذهبون بمذهب أبي حنيفة، خلا وفات «1» فإن ملكها وغالب أهلها شافعيّة.

الجملة الأولى (فيما اشتملت عليه من القواعد والأعمال)

وتشتمل على ستّ جمل: الجملة الأولى (فيما اشتملت عليه من القواعد والأعمال) مقتضى ما ذكره في «مسالك الأبصار» و «التعريف» أن هذه البلاد تشتمل على سبع قواعد، كلّ قاعدة منها مملكة مستقلّة بها ملك مستقل. القاعدة الأولى (وفات) قال في «تقويم البلدان» : بالواو المفتوحة والفاء ثم ألف وتاء مثناة فوق في الآخر، والعامّة تسميها (أوفات) . ويقال لها أيضا (جبرة) بفتح الجيم والباء الموحدة والراء المهملة ثم هاء في الآخر، والنسبة إلى جبرة جبرتيّ. وموقعها بين الإقليم الأوّل وخط الاستواء. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أنها حيث الطول سبع وخمسون درجة، والعرض ثمان درج. قال: وعن بعض المسافرين أنها من أكبر مدن الحبشة. وهي على نشز من الأرض، وعمارتها متفرّقة، ودار الملك فيها على تلّ والقلعة على تلّ، ولها واد فيه نهر صغير، وتمطر في الليل غالبا مطرا كثيرا، وبها قصب السّكّر. قال في «مسالك الأبصار» : وقال الشيخ عبد الله الزّيلعيّ: وطول مملكتها خمسة عشر يوما وعرضها عشرون يوما بالسير المعتاد. قال: وكلّها عامرة آهلة بقرى متصلة، وهي أقرب أخواتها إلى الديار المصرية وإلى السّواحل المسامتة لليمن، وهي أوسع الممالك السّبع أرضا، والإجلاب إليها أكثر لقربها من البلاد. قال في «مسالك الأبصار» : وعسكرها خمسة عشر ألفا من الفرسان، ويتبعهم عشرون ألفا فأكثر من الرّجّالة، وسيأتي الكلام على سائر أحوالها عند ذكر أحوال سائر أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى. ومن مضافاتها (زيلع) . قال في «تقويم البلدان» : الظاهر أنها بفتح الزاي المعجمة وسكون الياء المثناة التحتية وفتح اللام ثم عين مهملة في الآخر.

القاعدة الثانية (دوارو)

وهي فرضة من فرض هذه البلاد، وموقعها بين الإقليم الأوّل وخطّ الاستواء. قال في «القانون» : حيث الطول إحدى وستون درجة، والعرض ثمان درج. قال في «تقويم البلدان» : وهي في جهة الشرق عن (وفات) وبينهما نحو عشرين مرحلة. قال ابن سعيد: وهي مدينة مشهورة وأهلها مسلمون، وهي على ركن من البحر في وطاءة من الأرض. قال في «تقويم البلدان» : وعن بعض من رآها أنها مدينة صغيرة نحو عيذاب في القدر، وهي على الساحل والتّجّار تنزل عندهم فيضيفونهم ويبتاعون لهم. قال ابن سعيد: وهي شديدة الحرّ وماؤها عذيبي من جفارات «1» وليس لهم بساتين، ولا يعرفون الفواكه. قال في «القانون» : وفيها مغاص لؤلؤ. وقد ذكر في «مسالك الأبصار» أنها في مملكة صاحب أوفات. وذكر في «تقويم البلدان» عن بعض من رآها أن فيها شيوخا يحكمون بين أهلها، وقال: إن بينها وبين عدن من اليمن في البحر ثلاث مجار، وهي عن عدن في جهة الغرب بميلة إلى الجنوب. القاعدة الثانية (دوارو) بفتح الدال المهملة وواو ثم ألف وراء مهملة وواو وهي مدينة ذكرها في «مسالك الأبصار» و «التعريف» . ولم يتعرّض لصفتها. وذكر في «مسالك الأبصار» : أنها تلي أوفات المقدّمة الذكر، وأن مملكتها طولها خمسة أيام، وعرضها يومان. ثم قال: وهي على هذا الضيّق ذات عسكر جمّ، نظير عسكر أوفات في الفارس والراجل. وسيأتي الكلام على تفصيل أحوالها مع أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى.

القاعدة الثالثة (أرابيني)

القاعدة الثالثة (أرابيني) وهي مدينة ذكرها في «المسالك» و «التعريف» أيضا، ولم يذكر شيئا من صفتها. ثم ذكر أن مملكتها مربّعة: طولها أربعة أيام، وعرضها كذلك، وعسكرها يقارب عشرة آلاف فارس. أما الرجّالة فكثيرة للغاية. القاعدة الرابعة (هدية) قال في «تقويم البلدان» : بالهاء والدال المهملة والياء المثناة التحتية ثم هاء في الآخر على ما ذكره بعض من رآها. وموقعها بين الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة وبين خطّ الاستواء. قال: والقياس أنها حيث الطول سبع وخمسون درجة، والعرض سبع درج. وذكر عن بعض المسافرين أنها جنوبيّ (وفات) . قال في «مسالك الأبصار» : وهي تلي أرابيني المقدّم ذكرها، وطول مملكتها ثمانية أيام، وعرضها تسعة أيام، وصاحبها أقوى إخوانه من ملوك هذه الممالك السبعة، وأكثر خيلا ورجالا، وأشدّ بأسا على ضيق بلاده عن مقدار أوفات. قال: ولملكها من العسكر نحو أربعين ألف فارس سوى الرّجّالة، فإنهم خلق كثير مثل الفرسان مرتين أو أكثر. قال في «تقويم البلدان» : ومنها تجلب الخدّام، وذكر أنهم يخصونهم بقرية قريبة منها. وذكر في «مسالك الأبصار» : أن الخدّام تجلب إليها من بلاد الكفّار. ثم حكى عن الحاج فرج الفوّي التاجر: أنه حدّثه أن ملك أمحرا يمنع من خصي العبيد وينكر ذلك ويشدّد فيه. وإنما السّرّاق تقصد بهم مدينة اسمها (وشلو) بفتح الواو والشين المعجمة واللام، أهلها همج لا دين عندهم فتخصى بها العبيد، لا يقدم على هذا في جميع بلاد الحبشة سواهم. قال: ولذلك التّجّار إذا اشتروا العبيد يخرجون بهم إلى (وشلو) فيخصونهم بها لأجل زيادة الثمن، ثم يحمل من خصي منهم إلى مدينة (هدية) لقربها من (وشلو) فتعاد عليهم الموسى مرة ثانية لينفتح مجرى البول لأنه يكون قد استدّ عند الخصي

القاعدة الخامسة (شرحا)

بالقيح، فيعالجون بهدية إلى أن يبرءوا، ولأن أهل (وشلو) وإن كان لهم معرفة بالخصي فليس لهم معرفة بالعلاج، بخلاف أهل هدية فإنهم قد درّبوا [على] ذلك وعرفوه. ثم قال: ومع هذا فالذي يموت منهم أكثر من الذي يعيش، وأضرّ ما عليهم حملهم بلا معالجة من مكان إلى مكان، فإنهم لو عولجوا في مكان خصيهم كان أرفق بهم. القاعدة الخامسة (شرحا) بفتح الشين المعجمة وسكون الراء المهملة وحاء ثم ألف. وهي مدينة تلي (هدية) المقدّمة الذكر. ذكرها في «مسالك الأبصار» و «التعريف» ولم يصرّح لها بوصف. قال في «مسالك الأبصار» : وطول مملكتها ثلاثة أيام، وعرضها أربعة أيام. قال: وعسكرها ثلاثة آلاف فارس، ورجّالة مثل ذلك مرتين فأكثر، وسيأتي الكلام على سائر أحوالها مع سائر أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى. القاعدة السادسة (بالي) بفتح الباء الموحدة وألف ثم لام وياء آخر الحروف. وهي مدينة تلي شرحا المقدّمة الذكر ذكرها في «المسالك» و «التعريف» قال في المسالك: ولكنها أكثر خصبا، وأطيب سكنا، وأبرد هواء، وسيأتي الكلام على سائر أحوالها مع سائر أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى. القاعدة السابعة (دارة) بفتح الدال المهملة وألف بعدها راء ثم هاء. وهي مدينة تلي (بالي) المقدّمة الذكر، ذكرها في «المسالك» و «التعريف» . قال في «المسالك» :

الجملة الثانية (في الموجود بهذه الممالك، على ما ذكره في «مسالك الأبصار» )

وطولها ثلاثة أيام، وعرضها كذلك. وهي أضعف أخواتها حالا، وأقلها خيلا ورجالا. قال: وعسكرها لا يزيد على ألفي فارس، ورجّالة كذلك، وسيأتي الكلام على سائر أحوالها في الكلام على سائر أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى. الجملة الثانية (في الموجود بهذه الممالك، على ما ذكره في «مسالك الأبصار» ) قد ذكر أنّ عندهم من المواشي الخيل العراب، والبغال، والحمير، والبقر، والغنم بكثرة. أما المعز فقليل عندهم. ومن الوحش: البقر، والحمر، والغزلان، والمها، والإيّل، والكركدّن، والفهد، والأسد، والضّبعة العرجاء، وتسمّى عندهم مرعفيف، وعندهم جواميس برّيّة تصاد كما تقدّم في إقليم مالّي. وعندهم من الطيور الدّواجن الدّجاج، ولكن لا رغبة لهم في أكله استقذارا له: لأكله القمامات والزّبالات، ودجاج الحبش يصيدونه ويأكلونه، وهو عندهم مستطاب. وعندهم من الحبوب الحنطة، والشعير، والذّرة، والطّافي: وهو حبّ نحو الخردل أحمر اللون على ما تقدّم ذكره في الكلام على القسم الأوّل من بلاد الحبشة. وعندهم الخردل أيضا. وعندهم من الفواكه العنب الأسود على قلّة، والموز، والرمّان الحامض، والتوت الأسود على قلّة فيه، والجمّيز بكثرة. وعندهم من المحمّضات: الأترجّ، واللّيمون، والقليل من النارنج. وعندهم تين برّي، وخوخ برّيّ، ولكنهم لا يأكلون الخوخ دون التين. وعندهم فواكه أخرى لا تعرف بمصر والشأم والعراق، منها شجر يسمى كشباد، ثمره أحمر على صفة البسر، وهو حلو ماويّ، وشجر يسمّى كوشى، ثمره مستدير كالبرقوق، ولونه أصفر خلوقيّ كالمشمش، وهو مزّماويّ، وشجر يسمّى طانة، ثمره أصغر من البسر، وفي وسطه شبه النّوى، وهو حلو صادق الحلاوة ونواه يؤكل معه لعدم صلابته. وشجر اسمه أوجاق- بفتح الواو والجيم- ثمره أكبر من حبّ الفلفل وطعمه شبيه به في الحرافة مع بعض حلاوة. وعندهم شجرجان المقدّم ذكره في القسم الأوّل من بلاد الحبشة، وهو الذي يؤكل عندهم للذّكاء والفطنة، ولكنه يقل النوم والنكاح على ما تقدّم ذكره هناك. وعندهم من أنواع المقاثيء البطّيخ الأخضر، والخيار، والقرع.

الجملة الثالثة (في معاملاتهم وأسعارهم)

ومن الخضروات اللّوبيا، والكرنب، والباذنجان، والشّمار، والصّعتر. أما الملوخيا فإنها تطلع عندهم برّية. الجملة الثالثة (في معاملاتهم وأسعارهم) أما معاملاتهم فعلى ثلاثة أنواع. منها ما هو بالأعراض مقايضة: تباع البقر بالغنم ونحو ذلك كما في القسم الأول من بلاد الحبشة. ومنها ما هو بالدّنانير والدراهم كمصر والشأم ونحوهما، وهو (وفات) وأعمالها خاصّة. قال في «مسالك الأبصار» : وليس بأوفات سكّة تضرب بل معاملاتهم بدنانير مصر ودراهمها الواصلة إليهم صحبة التّجّار. وذلك أنه لو ضرب أحد منهم سكّة في بلاده لم ترج في بلد غيره. ومنها ما هو بالحكنات، جمع حكنة- بفتح الحاء المهملة وضم الكاف والنون- كما ضبطه في «مسالك الأبصار» وهي قطع حديد في طول الإبرة، ولكنها أعرض منها بحيث تكون في عرض ثلاث إبر، يتعامل بها في سائر هذه البلاد سوى ما تقدّم ذكره. قال: وليس لهذه الحكنة عندهم سعر مضبوط بل تباع البقرة الجيدة بسبعة آلاف حكنة، والشاة الجيدة بثلاثة آلاف حكنة. وتكال غلّتهم بكيل اسمه الرابعيّة، بمقدار ويبة من الكيل المصريّ. وزنة أرطالهم اثنتا عشرة أوقية كل أوقية عشرة دراهم بصنجة مصر. وأما الأسعار فكلّها رخيّة حتّى قال في «مسالك الأبصار» : إنه يباع بالدرهم الواحد عندهم من الحنطة بمقدار حمل بغل، والشعير لا قيمة له. وعلى هذا فقس. الجملة الرابعة (في ملوكهم) قد تقدّم في الكلام على القسم الأول من بلاد الحبشة أن الحطّي الذي هو سلطانهم الأكبر تحت يده تسعة وتسعون ملكا وهو لهم تمام المائة. وقد ذكر في

«التعريف» : أن هذه السبعة من جملة التسعة والتسعين الذين هم تحت يده. قال في «مسالك الأبصار» : والملك منهم في بيوت محفوظة إلّا بالي اليوم، فإن الملك بها صار إلى رجل ليس من أهل بيت الملك، تقرّب إلى سلطان أمحرا حتّى ولّاه مملكة بالي فاستقلّ ملكا بها. على أنه قد وليها من أهل بيت الملك رجال أكفاء، ولكنّ الأرض لله يورثها من يشاء. قال: وجميع ملوك هذه الممالك وإن توارثوها لا يستقلّ منهم بملك إلا من أقامه سلطان أمحرا، وإذا مات منهم ملك ومن أهله رجال قصدوا جميعهم سلطان أمحرا، وتقرّبوا إليه جهد الطاقة، فيختار منهم رجلا يولّيه، فإذا ولّاه سمع البقيّة له وأطاعوا، فهم له كالنّواب، وأمرهم راجع إليه. ثم كلّهم متفقون على تعظيم صاحب أوفات، منقادون إليه. ثم قال: وهذه الممالك السبع ضعيفة البناء، قليلة الغناء، لضعف تركيب أهلها، وقلّة محصول بلادهم، وتسلّط الحطّي سلطان أمحرا عليهم، مع ما بينهم من عداوة الدّين، ومباينة ما بين النصارى والمسلمين. قال: وهم مع ذلك كلمتهم متفرّقة، وذات بينهم فاسدة. ثم حكي عن الشيخ عبد الله الزّيلعيّ وغيره: أنه لو اتفقت هذه الملوك السبعة واجتمعت ذات بينهم، قدروا على مدافعة الحطّي أو التماسك معه، ولكنهم مع ما هم عليه من الضّعف وافتراق الكلمة بينهم تنافس. قال: وهم على ما هم عليه من الذّلّة والمسكنة للحطّي سلطان أمحرا عليهم قطائع مقرّرة، تحمل إليه في كل سنة من القماش الحرير والكتان، مما يجلب إليهم من مصر واليمن والعراق. ثم قال: قد كان الفقيه «عبد الله الزيلعيّ» قد سعى في الأبواب السلطانية بمصر عند وصول رسول سلطان أمحرا إلى مصر في تنجّز كتاب البطريرك إليه، بكف أذيّته عمّن في بلاده من المسلمين وعن أخذ حريمهم. وبرزت المراسيم السلطانية للبطريرك لكتابة ذلك، فكتب إليه عن نفسه كتابا بليغا شافيا، فيه معنى الإنكار لهذه الأفعال، وأنه حرّم هذا على من يفعله، بعبارات أجاد فيها، ثم قال: وفي هذا دلالة على الحال. قلت: وقد كتب في أوائل الدولة الظاهرية «برقوق» كتاب عن السلطان في معنى ذلك، وقرينه كتاب من البطريرك (متّى) بطريرك الإسكندرية يومئذ بمعناه.

الجملة الخامسة (في زي أهل هذه المملكة)

وتوجّه به إلى الحطّي سلطان الحبشة، «برهان الدين الدّمياطيّ» فذهب وعاد بالحباء من جهة الملك، لكن ذكر عنه أنه أتى أمورا هناك تقدح في عقيدة ديانته، والله أعلم بحقيقة ذلك. وستأتي الإشارة إلى المكاتبة إلى هؤلاء الملوك السبعة في المقالة الرابعة في الكلام على المكاتبات إن شاء الله تعالى. الجملة الخامسة (في زيّ أهل هذه المملكة) أما لبسهم، فإنه قد جرت عادتهم أن الملك يعصّب رأسه بعصابة من حرير، تدور بدائر رأسه، ويبقى وسط رأسه مكشوفا، والأمراء والجند يعصّبون رؤوسهم كذلك بعصائب من قطن، والفقهاء يلبسون العمائم، والعامّة يلبسون كوافي بيضا طاقيات، والسلطان والجند يتّزرون بثياب غير مخيطة: يشدّ وسطه بثوب، ويتّزر بآخر، ويلبسون مع ذلك سراويلات. ومن عداهم من الناس يقتصرون على شدّ الوسط والاتّزار خاصّة بلا لبس سراويل. وربما لبس القمصان منهم بعض الفقهاء وأرباب النّعم. وأما ركوبهم الخيل، فإنهم يركبونها بغير سروج، بل يوطّا لهم على ظهورها بجلود مرعزّى حتّى ملوكهم. وأما سلاحهم فغالبه الحراب والنّشّاب. الجملة السادسة (في شعار الملك وترتيبه) أما شعار الملك، فقد جرت عادتهم أن الملك إذا ركب تقدّم قدّامه الحجّاب والنّقباء لطرد الناس، ويضرب بالشّبّابة «1» أمامه، ويضرب معها ببوقات من خشب، في رؤوسها قرون مجوّفة، ويدقّ مع ذلك طبول معلّقة في أعناق

الرجال تسمّى عندهم الوطواط. ويتقدّم أمام الكل بوق عظيم يسمّى الجنبا، وهو بوق ملويّ من قرن وحش عندهم من نوع بقر الوحش اسمه (عجرين) في طول ثلاثة أذرع، مجوّف يسمع على مسيرة نصف يوم، يعلم من سمعه ركوب الملك، فيبادر إلى الركوب معه من له عادة به. وأما ترتيب الملك عندهم، فإن من عادتهم أن الملك يجلس على كرسيّ من حديد مطعّم بالذهب، علوّه أربعة أذرع من الأرض، ويجلس أكابر الأمراء حوله على كراسيّ أخفض من كرسيّه، وبقية الأمراء وقوف أمامه، ويحمل رجلان السلاح على رأسه. ويختصّ صاحب (وفات) بأنه إذا ركب حمل على رأسه جتر على عادة الملوك. ثم إن كان الملك راكبا فرسا، كان حامل الجتر ماشيا بازائه والجتر بيده، وإن كان راكبا بغلا، كان حامل الجتر رديفه والجتر بيده على رأس الملك. وبالجملة فإنه يعد من حشمة الملك أو الأمير عندهم أنه إذا كان راكبا بغلا أن يردف غلامه خلفه، بخلاف ما إذا كان راكبا فرسا فإنه لا يردف خلفه أحدا. ومما يعدّ ب (وفات) من حشمة الملك أو الأمير أنه إذا مشى يتوكّا على يدي رجلين. وملوكهم تتصدّى للحكم بأنفسهم وإن كان عندهم القضاة والعلماء. وليس لأحد من الأمراء ولا سائر الجند إقطاعات على السلطان ولا نقود كما بمصر والشام، بل لهم الدوابّ السائمة. ومن شاء منهم زرع واستغلّ ولا يعارض في ذلك. وليس لأحد من ملوكهم سماط عامّ، بل إنما يمد سماطه له ولخاصّته، ولكنه يفرّق على أمرائة بقرا عوضا عن أمر أكلهم على السّماط. وأكثر ما يعطى الأمير الكبير منهم مائتا بقرة. قلت: وأهمل المقرّ الشهابي بن فضل الله في «مسالك الأبصار» و «التعريف» عدّة بلاد من ممالك الحبشة المسلمين. منها (جزيرة دهلك) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح الدال المهملة وسكون الهاء ثم لام مفتوحة وكاف. وهي جزيرة في بحر القلزم، واقعة في الإقليم

الأول من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : حيث الطول إحدى وستون درجة، والعرض أربع عشرة درجة. قال في «تقويم البلدان» : وهي جزيرة مشهورة على طريق المسافرين في بحر عيذاب إلى اليمن. قال ابن سعيد: غربي مدينة (حلي) في بلاد اليمن، فطولها نحو مائتي ميل، وبينها وبين برّ اليمن نحو ثلاثين ميلا [وملك دهلك من الحبش المسلمين «1» ] وهو يداري صاحب اليمن. ومنها (مدينة عوان) بفتح العين المهملة والواو وألف ثم نون. وهي مدينة على ساحل بحر القلزم مقابل (تهامة اليمن) حيث الطول ثمان وسبعون درجة، والعرض ثلاث عشرة درجة ونصف درجة. قال في «تقويم البلدان» : وإذا كان وقت الضحى ظهر منها (الجناح) وهو جبل عال في البحر. ومنها (مدينة مقدشو) بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال «2» المهملة ثم شين معجمة وواو في الآخر كما نقله في «تقويم البلدان» عن ضبطه في «مزيل الارتياب» بالشكل. وموقعها بين الإقليم الأول من الأقاليم السبعة وخطّ الاستواء. قال ابن سعيد: حيث الطول اثنتان وسبعون درجة، والعرض درجتان. قال في «مزيل الارتياب» : وهي مدينة كبيرة بين الزّنج والحبشة. قال: وهي على [بحر] الهند، ولها نهر عظيم شبيه بنيل مصر في زيادته في الصيّف. قال: وقد ذكر أنه شقيق لنيل مصر في مخرجه من بحيرة كورا، ومصبّه ببحر الهند على القرب من مقدشو. قلت: وقد أتى الحطّي ملك الحبشة النصارى على معظم هذه الممالك بعد الثمانمائة وخرّبها وقتل أهلها وحرّق ما بها من المصاحف وأكره الكثير منهم على الدخول في دين النصرانية، ولم يبق من ملوكها سوى ابن مسمار المقابلة بلاده

لجزيرة دهلك تحت طاعة الحطّي ملك الحبشة وله عليه إتاوة مقرّرة، والسلطان سعد الدين صاحب زيلع وما معها وهو عاص له خارج عن طاعته بينه وبينه الحروب لا تنقطع، وللسلطان سعد الدين في كثير من الأوقات النصرة عليه والغلبة والله يؤيد بنصره من يشاء. واعلم أن ما تقدّم ذكره من ممالك السودان هو المشهور منها، وإلا فوراء ذلك بلاد نائية الجوانب بعيدة المرمى منقطعة الأخبار. منها (بلاد الزنج) . وهي بلاد شرقيّ الخليج البربريّ المقدّم ذكره في الكلام على البحار تقابل بلاد الحبشة من البر الآخر. وقاعدتها (سفالة الزّنج) . قال في «تقويم البلدان» بالسين المهملة والفاء ثم ألف ولام وهاء في الآخر. وموقعها جنوبيّ خط الاستواء. قال في «القانون» : حيث الطول خمسون درجة، والعرض في الجنوب درجتان. قال في «القانون» : وأهلها مسلمون. قال ابن سعيد: وأكثر معايشهم من الذهب والحديد، ولباسهم جلود النّمور. وذكر المسعوديّ أن الخيل لا تعيش عندهم، وعسكرهم رجّالة، وربما قاتلوا على البقر. ومنها (بلاد الهمج) جنوبيّ بلاد التّكرور. فقد ذكر ابن سعيد أنه خرج على أصناف السّودان طائفة منهم يقال لهم [الدّمادم] «1» يشبهون التتر، خرجوا في زمن خروجهم فأهلكوا ما جاورهم من البلدان. وذكر في «مسالك الأبصار» عن ابن أمير حاجب والي مصر عن منسا موسى ملك التّكرور أنهم كالتتر في تدوير وجوههم، وأنهم يركبون خيولا مشقّقة الأنوف كالأكاديش، وأن همج السودان عدد لا يستوعبهم الزمان وأن منهم قوما يأكلون لحم الناس.

الفصل الرابع من الباب الرابع من المقالة الثانية في الجهة الشمالية عن ممالك الديار المصرية ومضافاتها،

الفصل الرابع من الباب الرابع من المقالة الثانية في الجهة الشّمالية عن ممالك الدّيار المصرية ومضافاتها، (خلا ما تقدّم ذكره مما انضمّ إلى ممالك المشرق من شماليّ الشرق، نحو أرمينية، وأرّان، وأذربيجان، وشماليّ خراسان، وشماليّ مملكة توران: من خوارزم، وما وراء النهر، وبلاد الأزق، وبلاد القرم، وما والى ذلك وما انضم إلى ممالك المغرب من شماليّ الغرب، وهو الأندلس) وينقسم ذلك إلى قسمين: القسم الأوّل (ما بيد المسلمين مما في شرقيّ الخليج القسطنطينيّ فيما بينه وبين أرمينية وهي البلاد المعروفة ببلاد الرّوم) قال في «التعريف» : وتعرف الآن ببلاد الدّربندات. وقد سمّاها في «التعريف» و «مسالك الأبصار» بلاد الأتراك، وكانه يريد بالأتراك التّركمان، فإنهم هم الذين انضاف ملكها بعد ذلك إليهم، على ما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى. وقد ذكر في «تقويم البلدان» أنه يحيط بهذه البلاد من جهة الغرب بحر الرّوم، وعامّة الخليج القسطنطيني، وبحر القرم. ومن جهة الجنوب بلاد الشام

والجزيرة. ومن جهة الشرق أرمينية. ومن جهة الشّمال بلاد الكرج وبحر القرم. وذكر في «التعريف» ما يخالف ذلك فقال: إنها منحصرة بين بحرى القرم والخليج القسطنطيني، تنتهي من شرقيها إلى بحر القرم المسمّى ببحر نيطش وما نيطش، وفي الغرب إلى الخليج القسطنطيني، وتنتهي متشاملة إلى القسطنطينيّة، وتنتهي جنوبا إلى بلاد لاون: وهي بلاد الأرمن يحدّها البحر الشاميّ. وبالجملة فإنها مفارقة ما يسامت شرقيها من بلاد الأرمن المضافة إلى بلاد الشام من ممالك الدّيار المصرية. والحاصل أن هذه البلاد مبتدؤها من الشرق مما يلي المغرب حدود أرمينية في شماليّ بلاد الجزيرة وما والاها من بلاد الأرمن المضافة الآن إلى مملكة حلب، وتأخذ في جهة الغرب إلى بحر الرّوم، فيصير البحر في جانبها من الجنوب ويمتدّ عليها حتّى يتصل بالخليج القسطنطينيّ، فيدور عليها الخليج وما يتصل به من بحر القرم من جهة الغرب ثم من جهة الشمال كالجزيرة ويحيط بها البحر من جميع جوانبها خلا جهة الشرق. وقد كانت هذه البلاد في زمان الرّوم من مضافات القسطنطينيّة وأعمالها. قال في «مسالك الأبصار» : وقد كانت هذه البلاد على عهد الرّوم محتكّ الأعنّة، ومشتبك الأسنّة، دار القياصرة، ومكسر الأكاسرة. ثم وصفها بأتمّ الأوصاف، فقال بعد أن ذكر أنها أثرى البلاد: صخورها تتفجّر ماء، وجوّها يسخّر أنواء، تعقد دون السماء سماء، فيخصب زرعها، ويخصم المحل ضرعها، ويخصف ورق الجنّة على الحدائق ثمرها وينعها، ويطرب ورقها منظرها البديع، ويحبّرها من صناعة صنعاء الرّبيع، فلا تسمع إلا كلّ مطربة تناجي النّجيّ، وتشجي الشّجيّ، وتخلب قلب الخليّ، وتهب الغواني ما في أطواقها من الحليّ، يعجب ثوبها السّندسيّ، ونباتها المتعلّق بذيل البهار بسجافها القندسيّ. فلا تجول في أرضها إلا على أرائك، ولا تنظر إلا نساء كالحور العين وولدانا كالملائك. ثم قال بعد كلام طويل: وهي شديدة البرد لا يوصف شتاؤها، إلا أن سكّانها تستعدّ للشّتاء بها قبل دخوله، وتحصّل ما تحتاج إليه، وتدّخره في بيوتها، وتستكثر من القديد والأدهان والخمور، فتأكل وتشرب مدّة أيام الشتاء، ولا تخرج من بيوتها، ولو أرادت ذلك

الجملة الأولى (فيما اشتملت عليه من القواعد، وهي على ضربين)

لم تقدر عليه، حتّى تذوب الثّلوج. قال وهذه الأيام هي بلهنية «1» العيش عندهم. وينحصر المقصود من ذلك في خمس جمل: الجملة الأولى (فيما اشتملت عليه من القواعد، وهي على ضربين) الضرب الأول (القواعد المستقرّة بها الملوك والحكّام ممن يكاتب عن الأبواب السّلطانية بالديار المصرية) فأما ما ذكره المقرّ الشهابيّ بن فضل الله من ذلك في «التعريف» و «مسالك الأبصار» ، فستّ عشرة قاعدة عبّر عنها في «مسالك الأبصار» : بممالك. ونحن نوردها على ما أوردها وإن كان قد أخلّ بها في الترتيب. القاعدة الأولى- (كرميان) بكسر الكاف وسكون الراء المهملة والميم وفتح المثناة تحت وألف ثم نون في الآخر. وهي مدينة في شرق هذه البلاد، متوسطة في المقدار، مبنيّة بالحجر، عليها سور دائر. وبها مساجد وأسواق وحمّامات، وبوسطها قلعة حصينة على جبل مرتفع، وخارجها أنهار تجري وبساتين ذات أشجار وفواكه متنوعة، وأراض مزدرعة. القاعدة الثانية- (طنغزلو) بضم الطاء المهملة وسكون النون وضم الغين المعجمة وسكون الزاي المعجمة وضم اللام وواو في الآخر. وهي مدينة متوسّطة في أوساط هذه البلاد، وبناؤها بالحجر، وليس لها سور. وبها المساجد والأسواق والحمامات. وخارجها أنهار تجري وبساتين محدّقة ذات فواكه وثمار. القاعدة الثالثة- (توازا) بضم التاء المثناة فوق وواو مفتوحة بعدها ألف ثم

القاعدة الرابعة - (حميدلي)

زاي معجمة وألف في الآخر وهي مدينة عظيمة. قال في «مسالك الأبصار» : وهذه المملكة تقع شرقي كرميان محضا، وموقعها ما بين جنوبي بركى إلى قوله، وكرسيه توازا. قال: ولصاحبها أربع قلاع ونحو ستمائة قرية، وعساكره نحو أربعة آلاف فارس وعشرة آلاف راجل. وقد عدّها في «مسالك الأبصار» من جملة مضافات كصطمونية الآتي ذكرها. وذكر أنه كان بها إذ ذاك أمير من قبل صاحبها اسمه (مراد بك) وذكر في «التعريف» أن اسمه أرينة. القاعدة الرابعة- (حميدلي) . قال في «مسالك الأبصار» وحميدلي اسم للإقليم، وقاعدته مدينة (بركو) وموقعها من قوله إلى قراصار. قال: ولصاحبها أيضا إقليم بلواج وإقليم قراغاج وإقليم اكرى دوز. قال: وهذه البلاد مدنها قليلة وقراها كثيرة، وبها خمس عشرة قلعة، وعسكر صاحبها خمسة عشر ألف فارس ومثلهم رجّالة وهي نهاية ما أخذ إلى الشمال وقد ذكر في «التعريف» : أن صاحبها كان اسمه في زمانه دندار. قال: وهو أخو يونس صاحب أنطاليا» ، وحينئذ فتكون من مملكة بني الحميد. القاعدة الخامسة- (قسطمونية) قال في «تقويم البلدان» : بفتح القاف وسكون السين وبالطاء المهملتين وضم الميم وسكون الواو وكسر النون وبالياء المثناة من تحت وهاء في الآخر، وربما أبدلوا القاف كافا، وعليه جرى في «التعريف» و «مسالك الأبصار» : وهي مدينة في شرقيّ هذه البلاد داخلة في حدودها، موقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول خمس وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ستّ وأربعون درجة وثمان وأربعون دقيقة. قال: وهي قاعدة التّركمان، وتراكمتها يغزون (القسطنطينيّة) وهي شرقيّ (هرقلة) وفي الجنوب عن سنوب على ثلاث مراحل منها، وقيل

القاعدة السادسة - (فاويا)

خمس مراحل، وهي في الشرق عن أنكوريه على خمسة أيام منها. وقد أخبرني بعض أهل تلك النواحي أنها مدينة متوسطة المقدار، مبنية بالحجر، ذات مساجد وأسواق وحمّامات، وليس عليها سور، وخارجها أنهر وبساتين ذات فواكه. قال في «مسالك الأبصار» : وبها الأكاديش الرّوميّة الفائقة، المفضّل بعضها على كلّ سابق من الخيل العراب، ولها أنساب محفوظة عندهم كخيل العرب، يتغالى في أثمانها لا سيّما في بلادها، حتّى تبلغ قيمة الواحد منها ألف دينار فما فوقه، بل لا يستكثر فيها من يعرفها بذل مال. قال في «التعريف» : وكانت آخر وقت (لسليمان باشاه) وكان أميرا كبيرا كثير العدد، موفور المدد ذا هيبة وتمنّع، ثم مات. وورث ملكه ابنه (إبراهيم شاه) وكان عاقّا لأبيه، خارجا عن مراضيه، وكان في حياته ينفرد بمملكة سنوب. قال: وهي الآن داخلة في ملكه، منخرطة في سلكه، قال: وعسكره على ما يقال لنا ويبلغنا نحو ثلاثين ألف فارس. القاعدة السادسة- (فاويا) . قال في «مسالك الأبصار» : ومملكتها تجاور سمسون من غربيها. قال: ولصاحبها عشر مدن ومثلها قلاع، وعسكره نحو سبعة آلاف فارس، أما الرجّالة فكثير عددهم ودرهمها نصف درهم فضة خالصة، ورطلها ستة عشر رطلا بالمصري، ومدّها نحو إردب «1» بالمصري، وأسعارها رخيّة وقد ذكر في «التعريف» : أن اسم صاحبها في زمانه (مراد الدين حمزة) قال: وهو ملك مضعوف، ورجل بمجالس أنسه مشغوف. القاعدة السابعة- (برسا) بضم الباء الموحدة وسكون الراء وفتح السين المهملتين وألف في الآخر. وربما أبدلت السين صادا مهملة. والموجود في «التعريف» و «مسالك الأبصار» وغيرهما إثبات السين دون الصاد. وهي مدينة كبيرة في شماليّ هذه البلاد، مبنية بالطّوب والحجر، وسقوفها من الخشب،

القاعدة الثامنة - (أكيرا)

وغالبها جملونات، وبها مساجد وأسواق وحمّامات، وبعض حمّاماتها من أعين حارّة تنبع من الأرض كذلك كما في طبريّة بالشام، ولها سور عظيم، وبوسطها قلعة شاهقة مرتفعة البناء بها سكن سلطانها، وفيها قصور عظيمة متعدّدة وجامع وثلاث حمّامات. وخارج ربض المدينة نهران: أحدهما- يسمّى (ككدرا) بضم الكاف الأولى وسكون الثانية وفتح الدال والراء المهملتين وألف في الآخر، ومعناه واد أزرق، سمّي بذلك لأنه يخرج من جبل أزرق، وتقطع منه الحجارة بشدّة جريه، فتجري منه بجريان الماء فيأخذها من عليه من أهل تلك النواحي فيعمّر بها، ومعظم عمارة برسا منها. والنهر الثاني- يسمّى (منرباشي) في قدر الفرات، يشقّ المدينة ويمرّ في جامعها، وبها جبل عظيم اسمه (كمش) به معدن فضّة سمّي باسم الفضّة. وبرسا هذه هي مقرّ مملكة أولاد (عثمان جق) الذين هم الآن رؤوس ملوكها. وقد ذكر في «التعريف» : أن صاحبها في زمانه كان أرخان بن عثمان، وذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ حيدر العريان: أن عسكره نحو خمسة وعشرين ألفا، وأن بينه وبين صاحب القسطنطينيّة الحروب، وأيّامها بينهم تارات، له في غالبها على صاحب القسطنطينيّة الغلب، وملك الروم يداريه، على مال، يحمله إليه في كلّ هلال. قال: ولقد جاز الجزيرة إلى بلاد النصارى وعاث في نواحيها، وشدّ على بطارقتها لا على فلّاحيها، وألقى علوجها بحيث تعتلج سيول الدماء، وتختلج سيوف النصر من الأعداء، وسيأتي ذكر ما انتهى إليه فتحه من برّ القسطنطينيّة بعد هذا في الكلام على ملوك هذه المملكة فيما بعد إن شاء الله تعالى. القاعدة الثامنة- (أكيرا) . قال في «مسالك الأبصار» : وهي تجاور مملكة برسا آخذة إلى الشمال وجبل القسيس جنوبيها وسنوب شماليها وهي طريق من طرق سنوب وقلاعها وعساكرها كثيرة. ومنها يخرج الحرير الكثير واللاذن إلى

القاعدة التاسعة - (مرمرا)

غيرها من البلاد، ورطلها ثمانية أرطال بالمصري، ومدّها نحو إردب ونصف وأسعارها رخية وقد ذكر في «التعريف» : أن صاحبها في زمانه كان (صارو خان ابن قراسي) ولم يبيّن من أيّ طوائف التّركمان هو. القاعدة التاسعة- (مرمرا) بفتح الميم وسكون الراء المهملة وفتح الميم الثانية والراء المهملة الثانية وألف في الآخر. وهي مدينة في شماليّ هذه البلاد، بها جبل فيه مقطع رخام. قال في «الروض المعطار» : والروم تسمّي الرخام مرمرا، فسميت بذلك. وذكر في «التعريف» : أن صاحبها في زمانه كان اسمه (بخشى بن قراسي) ولم يبين من أيّ طوائف التّركمان هو. وقد أخبرني بعض أهل تلك البلاد أنها قد خربت ودثرت، ولم يبق بها عمارة. القاعدة العاشرة- (مغنيسيا) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وكسر النون وسكون الياء المثناة تحت وكسر السين المهملة وفتح الياء الثانية وألف في الآخر. وهي مدينة في أوساط هذه البلاد، متوسّطة في المقدار، مبنية بالحجر، وعليها سور دائر، وبها مساجد وأسواق وحمامات وبساتين ومروج. وقد ذكر في «التعريف» : أنه كان اسم صاحبها في زمانه (صارو خان) ولم يزد على ذلك. القاعدة الحادية عشرة- (نيف) بكسر النون وسكون الياء المثناة تحت وفاء في الآخر. وهي مدينة لطيفة بأوساط هذه البلاد، بالقرب من (مغنيسيا) المقدّم ذكرها على نحو مرحلتين منها. وهي مبنيّة بالحجر، وبها المساجد والأسواق والحمّامات وخارجها الأنهار والزّروع والبساتين المختلفة الفواكه. القاعدة الثانية عشرة- (بركي) بفتح الباء الموحدة وكسر الراء المهملة وكسر الكاف وياء مثناة تحت في الآخر. وهي مدينة متوسطة القدر على القرب من نيف المقدّم ذكرها على نحو مرحلتين منها، وبها المساجد والأسواق والحمّامات والمياه والبساتين والزروع. القاعدة الثالثة عشرة- (فوكه) . وقد ذكر في «التعريف» : أن صاحبها في زمانه كان اسمه (أرخان بن منتشا) واقتصر على ذلك.

القاعدة الرابعة عشرة - (أنطاليا)

القاعدة الرابعة عشرة- (أنطاليا) «1» قال في «تقويم البلدان» : بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الطاء المهملة وألف ولام مكسورة وهاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أنها حيث الطول أربع وخمسون درجة واثنتان وثلاثون دقيقة، والعرض إحدى وأربعون درجة وأربعون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي بلدة مشهورة. وقال ابن حوقل: هي حصن [للروم على شطّ البحر منيع واسع الرّستاق كثير الأهل «2» ] . قال في «تقويم البلدان» : وهي على دخلة في البحر، وسورها من حجر في غاية الحصانة، ولها بابان: باب إلى البحر، وباب إلى البر. وأخبرني من رآها أنها ذات أشجار وبساتين ومياه تجري. وبها قلعة حصينة بوسطها، وبها نهر يعرف بالصّبّاب، قال في «تقويم البلدان» : وهي كثيرة المحمضات: من الأترجّ، والنارنج، والليمون، وما أشبه ذلك. قال ابن سعيد: وكانت للروم فاستولى عليها المسلمون في عصرنا. قال: وبها أسطول صاحب الدّروب، وميناها غير مأمونة في الأنواء «3» قال في «تقويم البلدان» : وكان الحاكم بها شخصا من أهل تلك البلاد فخرج منها إلى بعض جهاتها، فكبسها التّركمان وملكوها ثم أمسكوه فقتلوه. قال: وصاحبها في زماننا واحد من بني الحميد ملوك التّركمان. وقد ذكر في «التعريف» : أن صاحبها في زمانه كان اسمه (خضر بن يونس) . وذكر في «مسالك الأبصار» : أن صاحبها في زمانه كان اسمه (خضر بن دندار) من أولاد (منتشا) . وقال: إن عسكره نحو أربعين ألف فارس. ثم قال: إن لبني دندار هؤلاء إلى ملوك مصر انتماء وكان بمصر منهم من له إمرة ثم عاد إلى بلاده. القاعدة الخامسة عشرة- (قراصار) بفتح القاف والراء المهملة وألف ثم صاد مهملة مفتوحة بعدها ألف ثم راء مهملة في الآخر. وتعرف بقراصار التّكا بفتح

القاعدة السادسة عشرة - (أرمناك)

التاء المثناة فوق. وهي قلعة على جبل مرتفع يحفّ بها ربض بأعلى الجبل، وحول الرّبض في الجبل زراعاتهم وبساتينهم. وقد ذكر في «التعريف» : أن اسم صاحبها في زمانه (زكريا) ولم يزد على ذلك. وهي غير مدينة قراصار الصاحب. وهي مدينة لطيفة بأوساط بلاد الروم في الغرب عن قراصار هذه وفي الشمال عن أنطاليا. القاعدة السادسة عشرة- (أرمناك) بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وكسر الميم وفتح النون وألف ثم كاف في الآخر. وهي مدينة في مشارق الروم، مبنيّة بالحجر غير مسوّرة، وبها مساجد وأسواق وحمّامات، وبها بساتين كثيرة وفواكه جمّة إلا أنها شديدة البرد. وقد ذكر في «التعريف» : أنها بيد أولاد قرمان. وذكر في «مسالك الأبصار» : أن المملكة كانت بيد (محمد بن قرمان) . وذكر في «التثقيف» : أن آخر من استقرّ بها في شوّال سنة سبع وستين وسبعمائة، (علاء الدّين على بك) بن قرمان. وأما ما زاد ذكره في «التثقيف» : فخمس قواعد: القاعدة الأولى- (العلايا) بفتح العين المهملة واللام وألف بعدها ثم ياء مثناة تحت وألف في الآخر. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان» : والقياس أنها حيث الطول اثنتان وخمسون درجة، والعرض تسع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال: وهي بلدة محدثة أنشأها (علاء الدّين عليّ) بعض ملوك بني سلجوق بالروم فنسبت إليه. وقيل لها (العلائيّة) على النسب، ثم خفّفها الناس، فقالوا: (العلايا) ثم قال: والذي تحقّق عندي من جماعة قدموا منها أنها بليدة صغيرة أصغر من أنطاليا على دخلة في بحر الروم. وهي من فرض تلك البلاد. وذكر أنها في الجنوب عن أنطاليا على مسيرة يومين، وعليها سور دائر، وأنها كثيرة المياه والبساتين. وقد ذكر في «التثقيف» : أن الحاكم بها في زمانه كان اسمه (حسام الدين محمود) بن علاء الدين. وقال: إنه كتب إليه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية في شوّال سنة سبع وستين

وسبعمائة، ولم يبيّن من أيّ طوائف التّركمان هو. وذكر في «مسالك الأبصار» : أنها في ساحل بلاد بني قرمان، وأن الحاكم بها من قبلهم حينئذ كان اسمه (يوسف) . القاعدة الثانية- (بلاط) بفتح الباء الموحدة واللام وألف ثم طاء مهملة في الآخر. وهي بلدة بأوساط الروم على نحو ثمان مراحل من برسا، وهي مدينة صغيرة، بغير سور، وبها قلعة خراب كانت مبنيّة بالرّخام، وبها مساجد وأسواق وأربع حمّامات. ذكر لي بعض أهل تلك البلاد أنها بيد أولاد (منتشا) من ملوك التّركمان. القاعدة الثالثة- (أكردور) بفتح الهمزة والكاف وسكون الراء وضم الدال المهملتين وسكون الواو وراء مهملة في الآخر. قال في «التثقيف» : ويقال أكردون بالنون بدل الراء الأخيرة. وهي بلدة غير مسوّرة بها قلعة عظيمة على جبل شاهق، وبها مساجد وأسواق وحمّامات، إلا أنّ بساتينها قليلة، وبها برج عظيم. القاعدة الرابعة- (أياس لوق) بفتح الهمزة والياء المثناة تحت وألف ثم سين مهملة ساكنة ولام مضمومة بعدها واو ساكنة ثم قاف في الآخر. وهي مدينة عظيمة على ساحل البحر الروميّ، بها المساجد والأسواق والحمّامات، وبها أعين وأنهار تجري وبساتين ذات فواكه. وقد أخبرني بعض أهل تلك البلاد أنها في ملك بني أيدين. القاعدة الخامسة- (سنوب) . قال في «تقويم البلدان» : بالسين المهملة والنون والواو وباء موحدة في الآخر ولم يقيّدها بالضبط وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول سبع وخمسون درجة، والعرض ستّ وأربعون درجة وأربعون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي فرضة مشهورة (يعني على بحر القرم) . ثم قال: وهي في الشّمال عن كسطمونية وفي الغرب عن سامسون. قال: وعن بعض الثّقات أن بسنوب سورا حصينا، يضرب البحر في بعض أبراجه. ولها بساتين كثيرة إلى الغاية، وبينها.

الضرب الثاني (من هذه البلاد ما لم يسبق إلى صاحبه مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، ممن هو بصدد أن تطرأ له مكاتبة، فيحتاج إلى معرفته)

وبين سامسون نحو أربع مراحل. ثم قال: وصاحب سنوب في زماننا من ولد البرواناه، وله شوان يغزو بها في البحر ولا يكاد أن ينقهر. وذكر في «مسالك الأبصار» : أنها من مضافات كسطمونية المقدّم ذكرها، وأنه كان بها في زمانه نائب من جهة (إبراهيم بن سليمان باشاه) صاحب كسطمونية اسمه غازي چلبي. وقال في «التثقيف» : يقال إن بها إبراهيم بك بن سليمان باشاه، فإن كان يريد الذي كان في زمن صاحب «مسالك الأبصار» : بكسطمونية، فقد أبعد المرمى. وإن كان آخر بعده كان سمّي باسمه، فيحتمل أنه في «التعريف» قد ذكر صاحبها في جملة ملوك الكفر وكأن ذلك كان قبل أن تفتح. الضرب الثاني (من هذه البلاد ما لم يسبق إلى صاحبه مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، ممن هو بصدد أن تطرأ له مكاتبة، فيحتاج إلى معرفته) وهي عدّة قواعد: منها (سيواس) . قال في «تقويم البلدان» : بكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الواو ثم ألف وسين مهملة في الآخر. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول إحدى وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض أربعون درجة وعشر دقائق. قال ابن سعيد: وهي من أمّهات البلاد مشهورة على ألسنة التّجّار، وهي في بسيط من الأرض. قال في «تقويم البلدان» : وهي بلدة كبيرة مسوّرة، وبها قلعة صغيرة ذات أعين، والشجر بها قليل، ونهرها الكبير بعيد عنها بمقدار نصف فرسخ. قال: ويقول المسافرون: إن فيها [أربعا] «1» وعشرين خانا للسبيل، وهي شديدة البرد، وبينها وبين قيساريّة ستون ميلا، وكانت سيواس هذه قد غلب عليها في

الأيام الظاهرية «برقوق» صاحب الديار المصرية قاضيها (القاضي إبراهيم) وملكها. ومنها (أماسية) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح الهمزة والميم وألف وكسر السين المهملة ثم ياء مثناة تحتية مفتوحة وهاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في «رسم المعمور» : حيث الطول سبع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمس وأربعون درجة. قال في «تقويم البلدان» : ذكر بعض من رآها أنها بلدة كبيرة ذات سور وقلعة، وفيها بساتين ونهر كبير عليه نواعير يمرّ عليها ثم يصبّ في بحر سنوب يعني بحر القرم. قال ابن سعيد: وهي من مدن الحكماء، وهي مشهورة بالحسن وكثرة المياه والبساتين والكروم، وهي في الشرق عن سنوب وبينهما ستة أيام، ثم قال: وذكر بعض من رآها أن بها معدن فضّة. ومنها (هرقلة) قال في «تقويم البلدان» : بكسر الهاء وفتح الراء المهملة وسكون القاف وفتح اللام ثم هاء في الآخر. وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة قال في «الأطوال» : حيث الطول سبع وخمسون درجة وعشرون دقيقة، والعرض إحدى وأربعون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي في شرقيّ نهر ينزل من جبل العلايا إلى نحو سنوب وهرقلة عليه في قرب البحر. قال: وهي التي هدمها الرشيد. قال: وفي شرقيها جبل الكهف. وقد حكى ابن خرداذبة في كتابه «المسالك والممالك» عن بعضهم أنه سار إلى هذا الكهف ودخل بمساعدة صاحب الروم فوجد به أمواتا برواق في كهف في جبل عليهم مسوح قد طال عليها الزمن حتّى صارت تنفرك باليد، وقد طليت أجسادهم بالمرّ والصّبر فلم يبلوا، ولصقت جلودهم بعظامهم، وجفّت، وعندهم سادن يخدمهم، وأنه أنكر أن يكون أولئك هم أهل الكهف المذكورون في القرآن، للاختلاف في محلّ الكهف هل هو في هذه البلاد أو غيرها. ومنها (أقسرا) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح الهمزة وسكون القاف

وفتح السين والراء المهملتين وألف في الآخر، وربّما أبدلت السين صادا مهملة. قال: ويقال إن أصلها (أخ سرا) يعني بالخاء المعجمة بدل القاف. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : حيث الطول خمس وسبعون درجة، والعرض أربعون درجة. قال في «تقويم البلدان» : وهي مدينة ذات أشجار وفواكه، ولها نهر كبير ينجرّ وسط البلد ويدخل الماء منه بعض بيوتها، ولها قلعة حصينة في وسطها. قال ابن سعيد، وبها تعمل البسط الأقصريّة الفائقة، ومنها إلى قونية ثمانية وأربعون فرسخا، وكذلك بينها وبين قيساريّة. ومنها (قيساريّة) . قال في «اللباب» : بفتح القاف وسكون المثناة من تحتها وفتح السين المهملة وألف ثم راء مهملة وياء مثناة تحتية مفتوحة مشدّدة وهاء في الآخر قال في «تقويم البلدان» : وتقال بالصاد المهملة بدل السين. قال ابن سعيد: وهي منسوبة إلى قيسر، وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : حيث الطول ستون درجة والعرض أربعون درجة. قال ابن سعيد: وهي مدينة جليلة يحلّها سلطان البلاد. قال في «تقويم البلدان» وهي بلدة كبيرة ذات أشجار وبساتين وفواكه وعيون تدخل إليها. وداخلها قلعة حصينة وبها دار للسلطنة. وقيساريّة هذه كان بها تخت السلطنة لبني سلجوق بهذه البلاد. ولما ملك التتر هذه البلاد بقوا بقاياهم في الملك إلى أن دخلها السلطان الملك (الظاهر «1» بيبرس) صاحب الديار المصرية، وجلس على تخت آل سلجوق بها، ثم عاد إلى الديار المصرية فزال ملك السّلجوقيّة منها من حينئذ، على ما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك هذه البلاد.

ومنها (قونية) . قال في «تقويم البلدان» : بضم القاف وسكون الواو وكسر النون وبعدها ياء مثناة من تحت مفتوحة وهاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في «الأطوال» : حيث الطول ستّ وخمسون درجة، والعرض تسع وثلاثون درجة. قال ابن سعيد: وهي مدينة مشهورة، وبها دار للسلطنة، والجبال مطيفة بها من كل جانب، وتبعد عنها من جهة الشمال. وينزل من الجبل الجنوبيّ منها نهر يدخل إليها من غربيّها؛ وبها البساتين من جهة الجبل على نحو ستة فراسخ، ونهرها يسقي بساتينها، ثم يصير بحيرة ومروجا، وبها الفواكه الكثيرة، وفيها يوجد المشمش المعروف بقمر الدّين، وهي ثاني قاعدة مملكة السّلجوقيّة ببلاد الروم، كان الملك ينتقل منها إلى قيساريّة، ومن قيساريّة إليها. قال ابن سعيد [وبقلعتها تربة] «1» أفلاطون الحكيم. ومنها (أق شهر) بفتح الهمزة ثم قاف ساكنة وشين معجمة مفتوحة وهاء ساكنة وراء مهملة في الآخر، كما في «تقويم البلدان» : عمّن يوثق به من أهل المعرفة، وربما أبدلوا الهاء ألفا فقالوا (أقشار) . وفي كتاب «الأطوال» : (أخ شهر) بإبدال القاف خاء معجمة. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة، قال في «الأطوال» : حيث الطول خمس وخمسون درجة، والعرض إحدى وأربعون درجة. قال ابن سعيد: وهي من أنزه البلدان، وبها بساتين كثيرة وفواكه مفضّلة. قال في «تقويم البلدان» : وأخبرني من رآها أنها على ثلاثة أيام من قونية شمالا بغرب. ومنها (عمّورية) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح العين المهملة وميم مشدّدة مضمومة وواو ساكنة وراء مهملة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت مفتوحة وهاء في الآخر. قال: وهي بلدة كبيرة، ولها قلعة داخلها حصينة، وأكثر ساكنيها التركمان وبها بساتين قليلة، ولها نهر وأعين جارية، وهي التي فتحها «المعتصم

ابن الرشيد» «1» ، أحد خلفاء بني العبّاس، وكان المنجّمون قد زعموا أنها لا تفتح إلا في زمان التّين والعنب، فلما فتحها أنشده أبو تمّام قصيدته التي أوّلها: (بسيط) . السّيف أصدق إنباء من الكتب ... في حدّه الحدّ بين الجدّ واللّعب «2» ! ومنها (أنكورية) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح الهمزة وسكون النون وضم الكاف وسكون الواو وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة تحتية مكسورة وهاء في الآخر. ويقال لها (أنقرة) أيضا بفتح الهمزة وسكون النون ثم قاف وراء مهملة وهاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : حيث الطول أربع وخمسون درجة، والعرض إحدى وأربعون درجة. قال ابن سعيد: وهي بلدة لها قلعة على تلّ عال، وهي بين الجبال، وليس بها بساتين ولا ماء، وشرب أهلها من الآبار، وهي عن قسطمونية في جهة الغرب على خمسة أيام. ومنها (فلك بار) . قال في «تقويم البلدان» : الفلك معروف، وبار بباء موحدة وألف وراء مهملة في آخرها. قال: وهي مدينة أنشأها ملك من ملوك بني الحميد اسمه (فلك الدين) وهي في مستو من الأرض في وسط الجبال على قريب من منتصف الطريق بين قونية والعلايا، في الغرب من قونية على مسيرة خمسة أيام، وهي في الشرق عن أنطاليا على مسيرة خمسة أيام. قال: وليس في تلك الجبال الآن مدينة أكبر منها، وقد صارت قاعدة لبني الحميد: ملوك التّركمان بتلك الناحية. ومنها (لارندة) . قال في «تقويم البلدان» : بلام وألف وراء مهملة مفتوحة ونون ساكنة ثم دال مهملة وهاء في الآخر. قال: وهي قريبة من قونية على

مسافة يوم من الشرق والشمال، حيث الطول سبع وخمسون درجة، والعرض أربعون درجة وثلاثون دقيقة. وقد تقدّم في الكلام على مملكة الشام من مضافات الديار المصرية أن مدينة ملطية دخلت في مملكة مصر ومضافاتها فصارت في معاملة حلب. واعلم أنه قد تقدّم أن خليج القسطنطينيّة وما اتصل به من بحر نيطش- المعروف ببحر القرم- يطيف بهذه البلاد من غربيّها وشماليها، وعلى ساحل هذا البحر عدّة فرض منتظمة في سلك هذه البلاد قد ذكرها في «تقويم البلدان» في الكلام على مملكة أرمينية وما معها، وأشار إليها في الكلام على هذا البحر عند ذكره له في جملة البحار على ما تقدّمت الإشارة إليه في الكلام على البحار في أوّل هذه المقالة، غالبها في مملكة ابن عثمان صاحب برسا. أوّلها (الجرون) . وهي قلعة خراب عند فم الخليج القسطنطيني من الجهة الشّمالية مقابل القسطنطينيّة، حيث الطول خمسون درجة، والعرض خمس وأربعون درجة وعشر دقائق. ويليها من جهة الشّمال بميلة إلى الشرق مدينة اسمها (كربي) بكاف وراء مهملة ثم باء موحدة وياء مثناة تحت في الآخر. ويليها في الشرق مدينة اسمها (بنتر) بباء موحدة ونون وتاء مثناة فوق وراء مهملة. ويليها في الشرق والشّمال بلدة اسمها (سامصرى) بسين مهملة وألف ثم ميم وصاد وراء مهملتين وألف في الآخر. ويليها في الشرق أيضا مدينة اسمها (كترو) بكاف وتاء مثناة من فوق ثم راء وواو في الآخر وهي آخر أعمال قسطنطينيّة. ويليها في الشرق مدينة اسمها (كينولي) بكسر الكاف وسكون المثناة التحتية وضم النون وسكون الواو وكسر اللام وياء مثنّاة من تحت في الآخر.

الجملة الثانية (في ذكر الموجود بهذه البلاد)

ويليها في جهة الغرب (فرضة سنوب) المقدّم ذكرها في الكلام على ما زاده في «التثقيف» . ويليها من جهة الشرق مدينة (سامسون) المقدّم ذكرها في الكلام على الضرب الثاني من هذه البلاد. ويليها في جهة الشرق أيضا مدينة (أطرابزون) بألف وطاء وراء مهملتين وباء موحدة بعدها زاي معجمة ثم واو ونون. وهي آخر مدن هذه البلاد على الساحل، ومنها ينتهى إلى ساحل بلاد الكرج على ما تقدّم الكلام عليه في الكلام على بحر نيطش. الجملة الثانية (في ذكر الموجود بهذه البلاد) قد ذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ حيدر العريان الرّومي: أن بها من المواشي الخيل، والبقر، والغنم ما لا يقع عليه عدد ولا يدخل تحت الإحصاء، ونتاج بلادهم من الخيل هي البراذين الرّوميّة الفائقة. وقد تقدّم الكلام على القسطمونيات منها في الكلام على قسطمونية، وتجلب إليهم العربيّات من بلاد الشأم وغيرها، وأكثر مواشيهم نتاجا الغنم. قال في «مسالك الأبصار» : وهي مما يبسط فرش الأرض [منها] . قال: ومنها المعز المرعزّى، ذوات الأوبار المضاهية لأنعم الحرير. ثم قال: وغالب قنية أهل الشام وديار بكر والعراق وبلاد العجم وذبائحهم مما يفضل عنها ويجلب إليها منها، وهي أطيب أغنام البلاد لحما، وأشهاها شحما، ويترتب على ذلك في كثرة الوجود الألبان وما يتحصّل عنها من السمن والجبن وغير ذلك. وبها من الحبوب القمح، والشعير، والباقلّا ونحوها، ويزرع بها الكتّان، والقطن الكثير، وبها من الفواكه كلّ ما يوجد بمصر والشأم من التّفّاح، والسّفرجل، والكمّثرى، والقراصيا، والإجّاص، والرمّان: الحلو والمزّ والحامض، وغير ذلك. أما المحمضات فلا توجد إلا ببلاد السواحل من بلادهم على ما تقدّم ذكره، والموز والنّخيل لا يوجد ببلادهم؛ وبها من العسل ما يضاهي

الجملة الثالثة (في معاملاتها وأسعارها)

الثلج بياضا والسّكّر لذاذة وطعما، لا حدّة فيه ولا إفراط حلاوة توقف الأكل عنه، إلى غير ذلك من الأشياء التي يطول ذكرها. وقد تقدّم أنّ بها معدن فضة بمدينة برسا، ومعدن فضة بأماسية. وذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ حيدر العريان أن بها ثلاثة معادن فضّة مستمرّة العمل: معدن بمدينة ركوة، ومعدن بمدينة كش، ومعدن بأراضي مدينة تاخرت. الجملة الثالثة (في معاملاتها وأسعارها) أما معاملاتها، فقد ذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ حيدر العريان أن لملوك التّركمان هؤلاء نقودا ولكن لا يروج نقد واحد منهم في بلاد الآخر. قال: ودرهمهم في الغالب تقدير نصف وربع درهم من نقد مصر، وأرطالهم مختلفة، وأكثرها بالتقريب زنة اثني عشر رطلا بالمصريّ، وأقلّها ثمانية أرطال، وكيلهم الذي تباع به الغلّات يسمّى الوط تقدير إردبّ ونصف بالمصريّ. وأما أسعارها، فقد ذكر أنها رخيّة رخيصة الأسعار للغاية لقلّة المكوس وكثرة المراعي واتّساع أسباب التجارة واكتناف البحر لها من كل جانب بحيث يحمل إليها على ظهره كلّ شيء مما لا يوجد فيها. قال: وقيمة الغلّات بها دون قيمتها بمصر والشام أو مثلهما في الغالب. والأغنام في غاية الرّخص، حتّى إن الرأس الغنم الجيّد لا يجاوز اثني عشر درهما من دراهمهم، يكون بنحو تسعة دراهم من دراهم مصر إلى ما دون ذلك، ويترتب على ذلك رخص اللحم. أما اللبن وما يعمل منه فإنه لا يكاد يوجد من يشتريه: لاستغناء كلّ أحد بما عنده من لبن مواشيه، لا سيما في زمن الربيع. قال: والعسل لا يتجاوز الرطل منه ثلاثة دراهم برطلهم ودرهمهم، وهو (ذلك الرطل الكبير والدرهم الصغير) والفواكه في أوانها في حكم اللبن وما في معناه في زمن الربيع، في عدم وجود من يشتريه. ثم قال: وبالجملة فبلاد الروم إذا غلت وأقحطت كانت كسعر الشام إذا أقبل وأرخص.

الجملة الرابعة (في ذكر من ملك هذه البلاد)

الجملة الرابعة (في ذكر من ملك هذه البلاد) قد ذكر ابن سعيد: أن هذه البلاد كانت بيد اليونان، وهم بنو يونان بن علجان بن يافث بن نوح عليه السّلام من جملة ما بيدهم قبل أن يغلب عليهم الرّوم، ثم غلب عليها الرّوم بعد ذلك فيما غلبوهم عليه، واستمرت بأيديهم في مملكة صاحب القسطنطينيّة على ما سيأتي ذكره في الكلام على مملكة القسطنطينيّة فيما بعد إن شاء الله تعالى. وكان كلّ من ملك هذه البلاد التي شرقيّ الخليج القسطنطيني يسمّى (الدّمستق) بضم الدال المهملة وفتح الميم وسكون السين المهملة والتاء المثناة فوق وقاف في الآخر، وله ذكر في حروب الإسلام. قال في «العبر» : وكان ثغور المسلمين حينئذ من جهة الشام (ملطية) ومن جهة أذربيجان (أرمينية) إلى أن دخل بعض قرابة (طغرلبك) أحد ملوك السّلجوقيّة في عسكر إلى بلاد الروم هذه فلم يظفروا منها بشيء. ثم دخلها بعد ذلك (مماني) أحد أمرائهم بعد الثلاثين وأربعمائة، ففتح وغنم وانتهى في بلادهم حتّى صار من القسطنطينيّة على خمس عشرة مرحلة، وبلغ سبيه مائة ألف رأس، والغنائم عشرة آلاف عجلة، والظّهر ما لا يحصى. ثم فتح (قطلمش) بن إسرائيل بن سلجوق قونية، وأقصرا، وأعمالهما، ثم وقعت الفتنة بين قطلمش وبين (ألب أرسلان) السّلجوقيّ بعد طغرلبك، وقتل قطلمش في حربه في سنة ست وخمسين وأربعمائة. وملك البلاد من بعده (ابنه سليمان) ثم كان بين سليمان ومسلم بن قريش صاحب الشأم حروب انهزم سليمان في بعضها وطعن نفسه بخنجر فمات في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة. وملك بعده ابنه (قليج أرسلان) تلك البلاد، ثم قتل قليج أرسلان في

بعض الوقائع. وولي مكانه بقونية وأقصرا وسائر بلاد الروم ابنه (مسعود) واستقام له ملكها، ثم توفّي مسعود بن قليج أرسلان سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. وملك بعده ابنه (قليج أرسلان) . ثم قسم قليج أرسلان المذكور هذه البلاد بين أولاده: فأعطى قونية وأعمالها لابنه (غياث الدين كيخسرو) وأقصرا وسيواس لابنه (قطب الدين) ودوفاط لابنه (ركن الدين سليمان) وأنكورية لابنه (محيي الدين) وملطية لابنه (عزّ الدين قيصر شاه) والأبلستين لابنه (غيث الدين) وقيساريّة لابنه (نور الدين محمود) وأعطى أماسية لابن أخيه. ثم ندم على هذه القسمة، وأراد انتزاع الأعمال من أولاده فخرجوا عن طاعته إلا ابنه غياث الدين كيخسرو صاحب قونية فإنه بقي معه. وحاصر ابنه محمودا في قيساريّة فتوفّي وهو محاصر لها في منتصف شعبان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. واستقلّ (غياث الدين كيخسرو) بقونية وما والاها. ثم ملكها من يده أخوه (نور الدين محمود) . ثم ملك (قطب الدين) صاحب أقصرا وسيواس قيساريّة من يد أخيه محمود غدرا، ثم مات قطب الدين في أثر ذلك. فملك أخوه (ركن الدين سليمان) صاحب دوفاط ما كان بيد أخيه قطب الدين من سيواس وأقصرا وقيساريّة. ثم ملك قونية بعد ذلك من يد أخيه غياث الدين. ثم ملك أماسية، ثم سار إلى ملطية، فملكها من يد عز الدين قيصر شاه سنة سبع وتسعين وخمسمائة. ثم ملك أنكورية بعد ذلك في سنة إحدى وستمائة، واجتمع لركن الدين سليمان سائر أعمال إخوته وتوفي عقب ذلك. وتولّى بعده ابنه (قليج أرسلان) فأقام يسيرا ثم قبض عليه أهل قونية وملّكوا عمه غياث الدين كيخسرو مكانه فقوي ملكه وعظم شأنه، وبقي حتّى قتل في حرب صاحب القسطنطينيّة سنة سبع وستمائة.

وملك بعده ابنه (كيكاوس) وتلقب الغالب بالله، وبقي حتّى مات سنة ستّ عشرة وستمائة، وخلّف بنين صغارا. وملك بعده أخوه (علاء الدين كيقباد محمد شاه) وبقي حتّى توفي سنة أربع وثلاثين وستمائة. وملك بعده ابنه (غياث الدين كيخسرو) وتوفي سنة أربع وخمسين وستمائة. وملك بعده ابنه (علاء الدين كيقباد) بعهد من أبيه. وفي أيامه أرسل القان (منكوقان بن جنكزخان) صاحب التخت بقراقوم عسكرا فاستولوا على قيساريّة ومسيرة شهر معها ورجعوا إلى بلادهم. ثم عادوا في سنة خمس وخمسين وستمائة واستولوا على ما كانوا استولوا عليه أوّلا وزادوا عليه، فسار علاء الدين كيقباد إلى القان بهدايا استصحبها معه مصانعا له فمات في طريقه، فوصل رفقته بما معهم من الهدايا إلى القان، فأخبروه الخبر، ورغبوا إليه في ولاية (عز الدين كيكاوس) أخي كيقباد المذكور فكتب القان إليه بالولاية، ثم أشرك بعد ذلك بينه وبين أخيه (ركن الدين قليج أرسلان) على أن يكون من سيواس إلى تخوم القسطنطينيّة غربا لعز الدين كيكاوس. ومن سيواس إلى أرزن الرّوم شرقا متصلا ببلاد التتر، لركن الدين قليج أرسلان، على إتاوة تحمل إلى القان بقراقوم، وجهّز القان من أمرائه أميرا اسمه (بيدو) على أن يكون شحنة له ببلاد الروم، لا ينفّذون في شيء إلا عن رأيه، ورجعوا إلى بلادهم، وقد حملوا معهم جثّة كيقباد إلى قونية فدفنوه بها. ولم يزل الأمر على ذلك حتّى سار هولاكو «1» بن طولى بن جنكزخان بعد استيلائه على بغداد إلى الشام في سنة ثمان وخمسين وستمائة، بعث إلى عز الدين كيكاوس، وركن الدين قليج أرسلان المذكورين بالطّلب، فحضرا إليه وحضرا معه فتح حلب، ومعهما معين الدين سليمان البرواناه صاحب دقليم، فاختار هولاكو

أن يكون البرواناه المذكور سفيرا بينه وبينهما، ثم هلك بيدو الشّحنة ببلاد الروم. وولي بعده ابنه (صمغان) ثم غلب ركن الدين قليج أرسلان على أخيه (عز الدين كيكاوس) وبقي في الملك وحده، وفرّ كيكاوس إلى (ميخائيل اللشكري) صاحب القسطنطينيّة، فأقام عنده حتّى بلغه عنه ما غيّر خاطره عليه فقبض عليه واعتقله حتّى مات. واستبدّ ركن الدين قليج أرسلان بسائر بلاد الروم، فغلب على أمره معين الدين سليمان البرواناه المقدّم ذكره، ولم يزل حتّى قتله. وأقام ابنه (غياث الدين كيخسرو) بن قليج أرسلان مكانه واستولى عليه وحجره، وصار البرواناه هو المستولي على بلاد الروم والقائم بملكها. ثم دخل (الظاهر «1» بيبرس) صاحب الديار المصرية إلى بلاد الروم في سنة خمس وسبعين وستمائة، ولقيه صمغان بن بيدو الشّحنة من جهة التتار على بلاد الروم في جيش التّتر، فهزمهم وقتل وأسر، وسار إلى قيساريّة فملكها وجلس على تخت آل سلجوق بها، ثم رجع إلى بلاده. وبلغ ذلك (أبغا) بن هولاكو صاحب إيران، فسار في جموعه إلى قيساريّة ورأى مصارع قومه فشقّ عليه، واتهم البرواناه في ممالأة الظاهر، فقبض عليه وقتله. واستقلّ (غياث الدّين كيخسرو) بن ركن الدين قليج أرسلان بالملك بعده. ثم لمّا ولي (أرغون) بن أبغا مملكة إيران بعد أبيه، قبض على غياث الدين كيخسرو وقتله في سنة إحدى وثمانين وستمائة. وأقام مكانه (مسعودا) ابن عمه كيكاوس، وعزل صمغان بن بيدو

الشّحنة. وولّى مكانه أميرا اسمه (أولاكو) وبقي مسعود بن كيخسرو في الملك وليس له منه سوى الاسم، والمتحدّث هو الشّحنة الذي من جهة التتر إلى أن مات في سنة ثمان عشرة وسبعمائة، واستقلّ الشّحنة بالمملكة. وبقي أمراء التتر يتغالبون على الشّحنكيّة واحدا بعد واحد إلى أن كان منهم الأمير (سلامش) وبقي بها مدّة. ثم انحرف عن طاعة بيت هولاكو صاحب إيران، وكتب إلى الملك المنصور لاچين صاحب الديار المصرية يطلب تقليدا بأن يكون حاكما بجميع بلاد الرّوم، وأن يكون (أولاد قرمان) ومن عداهم في طاعته، فكتب له تقليد بذلك بإنشاء الشيخ شهاب الدين «محمود الحلبي» على ما سيأتي ذكره في الكلام على التقاليد فيما بعد إن شاء الله تعالى في المقالة الخامسة. ثم خاف على نفسه من (غازان) صاحب إيران، ففرّ إلى الديار المصرية في الدولة المنصورية لاچين، ثم عاد إلى بلاد الروم لإحضار من تأخّر من أهله فقبضت عليه عساكر غازان وحملته إليه فقتله. ولم يزل أمرهم على التنقل من أمير إلى أمير من أمراء التتر إلى أن كان منهم الأمير (برغلي) وهو الذي قتل هيتوم ملك الأرمن صاحب سيس. ثم كان بعده في سنة عشرين وسبعمائة الأمير (إبشبغا) . ثم ولّى أبو سعيد صاحب إيران بعد ذلك على بلاد الرّوم هذه (دمرداش) ابن جوبان سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة فقوي بها ملكه. ثم قتل أبو سعيد جوبان والد دمرداش المذكور، فهرب دمرداش إلى الملك الناصر محمد بن «1» قلاوون صاحب الديار المصرية. وكان سنقر الأشقر أحد أمراء الملك الناصر قد هرب إلى السلطان أبي سعيد فوقع الصلح بين السلطانين على أن كلّا منهما يقتل الذي عنده ففعلا ذلك. وكان قد بقي ببلاد الروم أمير من أمراء دمرداش اسمه (أرتنا) فبعث إلى

أبي سعيد بطاعته، فولّاه البلاد فملكها، فنزل سيواس واتخذها كرسيّا لملكه، ثم خرج عن طاعة أبي سعيد وكتب إلى الناصر «محمد بن قلاوون» صاحب الديار المصرية، وسأله كتابة تقليد بالبلاد، فكتب إليه بذلك وجهّزت إليه الخلع، فأقام دعوة الخطبة الناصريّة على منابر البلاد الرّوميّة، وضرب السّكّة باسمه، وجهّز بعض الدراهم المضروبة إلى الديار المصرية، وصارت بلاد الروم هذه من مضافات الديار المصرية، ولم يزل (أرتنا) على ذلك إلى أن توفّي سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة. واستولى على الروم أولاده من بعده إلى أن كان بها (محمد بن أرتنا) في سنة ست وستين وسبعمائة، وبقي حتّى توفّي في حدود الثمانين والسبعمائة وخلّف ابنا صغيرا. فاستولى عليه الأمير (قليج أرسلان) أحد أمراء دولتهم وكفله. ثم غدر به (القاضي إبراهيم) صاحب سيواس وقتله في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة واستولى على مملكة سيواس. قال في «العبر» : وكان من طوائف التّركمان ببلاد الروم جموع كثيرة، كانوا يستعينون بهم في حروبهم على أعدائهم، وكان كبيرهم في المائة الرابعة أميرا من أمرائهم اسمه (جق) فلما ملك سليمان بن قطلمش المقدّم ذكره قونية وأقصرا بعد أبيه على ما تقدّم ذكره، خرج جق هذا مع «مسلم بن قريش» صاحب الموصل على سليمان بن قطلمش، فلما التقي الجمعان مال (جق) بمن معه من التّركمان إلى سليمان بن قطلمش، فانهزم مسلم بن قريش وقتل، وأقام أولئك التّركمان أيام سليمان بن قطلمش بجبال تلك البلاد وسواحلها. فلما ملك التتر هذه البلاد وصار الملك لقليج أرسلان بعد غلبة أخيه كيكاوس، كان أمراء التّركمان يومئذ (محمد بك) وأخوه (إلياس بك) وصهره (علي بك) وقريبه (سونج) فخرجوا عن طاعة قليج أرسلان وبعثوا بطاعتهم إلى هولاكو صاحب إيران وتقرير إتاوة عليهم على أن يبعث إليهم بلواء الملك على عادة

الطائفة الأولى (أولاد قرمان)

الملوك، وأن يبعث شحنة من التتر تختصّ بهم، فأجابهم إلى ذلك وقلّدهم الملك وبعث إليهم بلواء. فملّكوا عليهم (محمد بك) . ثم أرسل هولاكو يطلب محمد بك، فامتنع عليه وخالفه صهره عليّ بك فقدم على هولاكو فقدّمه على قومه مكان محمد بك. ثم جاء محمد بك إلى قليج أرسلان صاحب بلاد الروم مستأمنا فأمّنه ثم قتله، واستقرّ علي بك في امرة التّركمان. ولما تناقص أمر التتر وضعف ببلاد الروم المذكورة واستقرّ بنو أرتنا بسيواس وأعمالها، غلب هؤلاء على ما وراء الدروب وما كان فتحه التتر من نواحي الشمال إلى خليج القسطنطينيّة. واشتهر من ملوكهم ستّ طوائف: الطائفة الأولى (أولاد قرمان) وهم أصحاب أرمناك وقسطمونية وما والاها من شرق هذه البلاد كما تقدم. قال في «مسالك الأبصار» : وهم أهل بيت توارثوا هذه البلاد، ولا يخاطب قائم منهم إلا بالإمارة. قال في «التعريف» : وهم أجلّ من لدى ملوكنا من التّركمان: لقرب ديارهم، وتواصل أخبارهم، ولنكايتهم في متملّك سيس وأهل بلاد الأرمن، واجتياحهم لهم من ذلك الجانب، مثل اجتياح عساكرنا لهم من هذا الجانب. قال: وأكبرهم قدرا، وأفتكهم نابا وظفرا، الأمير (بهاء الدين موسى) وحضر إلى باب السلطان وتلقّي بالإجلال، وأحلّ في ممتدّ الظّلال، وأورد موارد الزّلال، وأري ميامن أسعد من طلعة الهلال، وحجّ مع الركب المصريّ وقضى المناسك، وأسبل في ثرى تلك الرّبا بقيّة دمعه المتماسك، وشكر أمراء الركب دينه المتين، وذكروا ما فيه من حسن اليقين، وعاد إلى الأبواب السلطانية، وأجلس في المرتين مع أمراء المشورة، فأشرك في الرأي وسأل السلطان في منشور يكتب له بما يفتح

بسيفه من بلاد الأرمن ليقاتل بعلمه المنشور، ويجتني من شجر المرّان جنى عسله المشور، فكتبه له. ثم قال: وهم على ما هم عليه يدارون ملوك التتار، وهو ومن سلف من أهل بيته مع ملوك مصر لا تغبّ المكاتبات بينهم، ولا ينقطع بذل خدمته لهم، وإقبالهم عليه، واعتدادهم بموالاته. قال في «مسالك الأبصار» : وهم عصبة ذات أيد ويد، وجيوش كثيرة العدد، وهم أصحاب الحروب التي ضعضعت الجبال، ولهم مع الأرمن وبلاد التّكفور، وقائع لا يجحدها إلا الكفور، يتخطّفهم عقبانهم القشاعم «1» [وتلتهمهم] «2» أسودهم الضّراغم. قال: وهم أهل بيت ألقى الله عليهم محبة منه، وإذا شاء أميرهم جمع أربعين ألفا. ثم ذكر بعد ذلك بكلام طويل أنهم هم الذين كانوا ألّفوا بين سلامش وبين المنصور لاچين، وأنهم هم الذين لا يرتاب في رأيهم، ولا يطعن في دينهم، بل مهما ورد من جهتهم تلقّي بالقبول، وحمل على أحسن المحامل. ثم قال: وحكي عمّن تردّد إليهم وعرف ما هم عليه أنهم رجال صدق، وقوم صبر، لا تستخفّ لهم حفيظة، ولا تردّ بحنقها لهم صدور مغيظة، ولهذا أمراء الرّوم لا يطأون لهم موطئا يغيظ، ولا يواطئون لهم عدّة شهور في مشتى ولا مقيظ؛ وما أحد ممن يحسدهم على ما آتاهم الله من فضله إلا من يستجيش عليهم بالتتار، ويعدّد عليهم عظام الذنوب الكبار، ووقاية الله تكفيهم، وحياطته عن عيون القوم تخفيهم، ولذلك كان السلطان (محمود غازان) يقول: أنا أطلب الباغي شرقا وغربا، والباغي في ثوبي، يريد أولاد قرمان وتركمان الروم [ومع هذا لم يسلّط عليهم] . وحكي عن الصدر شمس الدين عبد اللطيف أخي النجيب أنه قال يوما: لولا الأكراد وأولاد قرمان وتركمان الروم، دست بخيلي مغرب الشمس.

الطائفة الثانية (بنو الحميد)

الطائفة الثانية (بنو الحميد) وهم أصحاب أنطاليا وفلك بار على ما تقدّم ذكره، وهم من عظماء ملوك التركمان. الطائفة الثالثة (بنو أيدين) وهم أصحاب بركي وما معها، على ما تقدّم ذكره. قال في «مسالك الأبصار» وقد ذكر محمد بن أيدين صاحب بركي المذكورة: وهذا ابن أيدين ما أعرف أن له بمن حوله من ملوك الممالك إلماما، ولا أنّ له أخبارا ترد طروقا ولا إلماما، بل هو في عزلة من كل جانب، لا مخالط ولا مجانب. الطائفة الرابعة (بنو منتشا. وهم أصحاب فوكة وما معها) وقد ذكر في «مسالك الأبصار» : أن منهم أولاد دندار. ثم قال: ولهؤلاء بني دندار إلى ملوك مصر انتماء، ولهم من تحف سلاطينها نعماء. قال: وكان بمصر منهم من له إمرة فيها ثم عاد إلى بلاده بعد مهلك تمرتاش بن جوبان، لأنه كان قد ترك بلاده لأجله، وفرّ هاربا من يده لعداوة كان قد اضطرمت بينهما شرورها، واضطربت أمورها، فلمّا خلت من مجاورة تمرتاش تلك البلاد، عاد. ويقال: إنه قتل ولم يصل إلى بلاده. الطائفة الخامسة (بنو أورخان بن عثمان جق) وهو صاحب برسا على ما تقدّم ذكره. قال في «العبر» : وكان قد اتخذ برسا دارا لملكه، ولكنه لم يفارق الخيام إلى القصور، وإنما كان ينزل بخيامه في بسيطها وضواحيها ولم يزل على ذلك إلى أن مات.

وملك بعده ابنه (مراد بك) وتوغّل في بلاد النصرانية فيما وراء الخليج القسطنطينيّ في الجانب الغربيّ، وفتح بلادهم إلى أن قرب من خليج البنادقة، وجبال جنوة، وصير أكثرهم أمراء ورعايا له، وعاث في بلاد الكفّار بما لم يعهد قبله من مثله، وأحاط بالقسطنطينيّة من كل جانب حتّى أعطاه صاحبها الجزية. ولم يزل على ذلك حتّى قتل في حرب الصّقالبة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. وملك بعده ابنه (أبو يزيد) فجرى على سنن أبيه، وغلب على قطعة من بلاد الروم هذه فيما بين سيواس وأنطاليا والعلايا، بساحل البحر إلى قريب مدينة بني قرمان، ثم تزوّج في بني قرمان بنت أحدهم وغلب على ما بيده من تلك النواحي، ودخل بنو قرمان وسائر التّركمان في طاعته، ولم يبق خارجا عن ملكه إلا سيواس التي كانت بيد قاضيها (إبراهيم) المتغلّب عليها وملطية الداخلة في مملكة الديار المصرية ومضافاتها على ما تقدّم. ولم يزل على ذلك حتّى قصده تمرلنك «1» بعد تخريب الشام في سنة ثلاث وثمانمائة وقبض عليه، فبقي في يده حتّى مات. وملك بعده ابنه (سليمان جلبي) وبقي حتّى مات. فملك بعده أخوه (محمد بن أبي يزيد) بن مراد بك بن عثمان جق، وهو القائم بمملكتها إلى الآن. قال في «مسالك الأبصار» : ولو قد اجتمعت هذه البلاد لسلطان واحد، وكفّت بها أكفّ المفاسد، لما وسع ملوك الأرض إلا انتجاع سحابه، وارتجاع كل زمان ذاهب في غير جنابه، ثم قال: الله أكبر إن ذلك لملك عظيم، وسلك نظيم، وسلطنة كبرى ودنيا أخرى (ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) * «2»

الجملة الخامسة (في زي أهل هذه المملكة، وترتيب الملك بها)

الجملة الخامسة (في زيّ أهل هذه المملكة، وترتيب الملك بها) أما زيّ أهلها فإن لبس السلطان والأمراء والجند أقبية تتريّة ضيقة الأكمام، مزنّدة على الأكفّ، والأمراء منهم يلبسون فوق ذلك أقبية قصار الأكمام من رقيق الخام مضرّبة تضريبا واسعا، وعلى رؤوسهم عمائم من لانس متوسطة المقدار بين الكبر والصّغر، مكوّرة تكويرا خاصّا، حسن الصّنعة، متداخل بعض اللفّات في بعض، ويلبسون خفافا من أدم، وقد شاهدت أميرا من أمرائهم ورد رسولا عن أبي يزيد بن مراد بك بن عثمان إلى الظاهر «برقوق» «1» صاحب الديار المصرية وهو على هذه الهيئة، وكثير من الجند يلبسون الطراطير البيض والحمر المتخذة من اللبد. وأما ترتيب مملكتهم فلم تتحرّر لي كيفية ذلك إلا أنه قد تقدّم نقلا عن صاحب «العبر» أنهم كانوا يسكنون الخيم ثم نزلوا المدن بعد ذلك، فلا يبعد أن يكون ترتيب ملكهم على نحو من ترتيب التتر والله أعلم. القسم الثاني (من الجهة الشمالية عن الديار المصرية، ما بيد ملوك النصارى) وهو ثلاثة أضرب: الضرب الأوّل (جزائر بحر الروم) وهو البحر الشاميّ الممتدّ من البحر المحيط الغربيّ، المسمّى (بحر أوقيانوس) إلى ساحل الشام وما على سمته من بلاد الأرمن الممتدّ ساحله الجنوبيّ

إحداها - جزيرة (قبرس)

على ساحل الديار المصرية، ثم على ساحل برقة، ثم على ساحل أفريقيّة، ثم على ساحل الغرب الأوسط، ثم على ساحل الغرب الأقصى إلى البحر المحيط. وساحله الشّماليّ على بلاد الرّوم التي شرقيّ الخليج القسطنطينيّ، ثم على سواحل بلاد الروم والفرنجة من غربيّ الخليج المذكور إلى ساحل الأندلس إلى البحر المحيط، على ما تقدّم ذكره في الكلام على البحار في أول هذه المقالة. وبه إحدى عشرة جزيرة: إحداها- جزيرة (قبرس) . قال في «اللباب» : بضم القاف وسكون الباء الموحدة وضم الراء المهملة وفي آخرها سين مهملة. وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في «الأطوال» : حيث الطول سبع وخمسون درجة، والعرض خمس وثلاثون درجة. وهي جزيرة في مشارق هذا البحر. قال ابن سعيد: على القرب من ساحل الشام بينها وبين الكرك (بضم الكاف وسكون الراء المهملة من بلاد الأرمن) نحو نصف مجرى. قال: وطولها من الغرب إلى الشرق مائتا ميل، ولها ذنب دقيق في شرقيها. قال الإدريسي: ودورها مائتان وخمسون ميلا ولصاحبها مكاتبة تخصه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات، في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى. الثانية- (جزيرة رودس) . قال في «تقويم البلدان» : بضم الراء المهملة ثم واو ساكنة ودال مهملة ويقال معجمة مكسورة ثم سين مهملة. وموقعها في الإقليم [الرابع] «1» من الأقاليم السبعة قال في «الأطوال» : حيث الطول إحدى وخمسون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ستّ وثلاثون درجة. قال في «تقويم البلدان» : وهي على حيال الإسكندرية، بين جزيرة المصطكى وجزيرة أقريطش. قال: وامتدادها من الشّمال إلى الجنوب بانحراف نحو خمسين ميلا، وعرضها نصف ذلك. وبين هذه الجزيرة وبين ذنب جزيرة أقريطش مجرى واحد، وهي من الغرب عن جزيرة قبرس بانحراف إلى الشمال. قال: وبعضها للفرنج، وبعضها

الثالثة - (جزيرة أقريطش)

لصاحب اصطنبول (وهي القسطنطينيّة) ومن رودس يجلب العسل الطيب العديم النظير، ولصاحبها مكاتبة تخصه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. الثالثة- (جزيرة أقريطش) . قال في «اللباب» : بفتح الألف وسكون القاف وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة من تحت وكسر الطاء وشين معجمة في الآخر. قال في «الروض المعطار» : سميت بذلك لأن أوّل من عمرها كان اسمه (قراطي) قال: وتسمى أيضا (أقريطش البترليش) ومعناها بالعربية مائة مدينة. وهي على سمت برقة، وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة، قال ابن سعيد: ومدينتها حيث الطول سبع وأربعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض أربعون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي جزيرة عظيمة مشهورة، وامتدادها من الغرب إلى الشرق ودورها ثلاثمائة وخمسون ميلا. وقيل: هذه الأميال إنما هي طولها شرقا بغرب لا دورها، وذكر في «كتاب الأطوال» أن دورها سبعة عشر يوما. قال في «تقويم البلدان» : ومنها يجلب إلى الإسكندرية العسل والجبن وغير ذلك. قال في «الروض المعطار» : وهي جزيرة عامرة، كثيرة الخصب، ذات كروم وأشجار، وبها معدن ذهب. وأكثر مواشيها المعز، وليس بها إبل، ولم يكن بها سبع ولا ثعلب ولا غيرهما من الدوابّ الدابّة بالليل، وكذلك ليس بها حيّة، وإن دخلت إليها حيّة ماتت في عامها. ويقال: إن صناعة الموسيقى أوّل ما ظهرت بها، وبينها وبين ساحل برقة يوم وليلة، وبينها وبين قبرس أربعة مجار، وإليها ينسب الأنتيمون الأقريطشيّ المستعمل في الأدوية. وكان «عبد الله بن أبي سرح» «1» أمير مصر قد افتتحها في زمان إمارته في خلافة «عثمان» رضي الله عنه، وبقيت بأيدي المسلمين حتّى تغلب عليها النصارى في سنة خمس وأربعين وثلاثمائة. قال في «الروض المعطار» : وهي بيد صاحب القسطنطينيّة. الرابعة- (جزيرة المصطكى) بفتح الميم وسكون الصاد وفتح الطاء

الخامسة - (جزيرة التغريب)

المهملة والكاف وألف في الآخر. وسمّيت بذلك لأنه ينبت بها شجر المصطكى. قال في «تقويم البلدان» : وهي جزيرة بالقرب من فم الخليج القسطنطيني. وقال ابن سعيد: هي داخلة في بحر الروم على مائة وخمسين ميلا من فم الخليج القسطنطيني. قال: وطولها من الشّمال إلى الجنوب نحو ستين ميلا. قال: وهي شرقيّ (جزيرة التغريب) وبينهما نحو ثلاثين ميلا. قال في «تقويم البلدان» : وبها ديورة وقرى، ومنها تجلب المصطكى إلى البلاد، وهي صمغ شجر ينبت بها يشبه شجر الفستق الصغار، يشرط في فصل الربيع بمشاريط فتسيل منها المصطكى، ثم تجمد على الشجر، وربما قطر منه شيء على الأرض، والأوّل أجود. الخامسة- (جزيرة التّغريب) بالتاء المثناة فوق المفتوحة وسكون الغين المعجمة وكسر الراء المهملة وياء مثناة تحت وباء موحدة في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : وهي من الغربة، وموقعها في أواخر الإقليم السادس من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: وطرفها الشرقيّ حيث الطول ثمان وأربعون درجة وخمسون دقيقة، والعرض اثنتان وأربعون درجة وخمس وخمسون دقيقة. وهي جزيرة كبيرة في الغرب عن جزيرة المصطكى المقدّم ذكرها، وامتدادها من المغرب إلى المشرق بانحراف إلى الجنوب مائة وخمسون ميلا، وفي العرض من عشرين ميلا إلى نحو ذلك. قال في «تقويم البلدان» : وهي معروفة بخروج الشّواني والقطائع منها. السادسة- (جزيرة لمريا) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح اللام وسكون الميم وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة تحتية وألف في الآخر. قال: وعن بعض المسافرين أن بعد المثناة هاء. قال ابن سعيد: وتعرف في الكتب بجزيرة بلونس، وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: ووسطها حيث

السابعة - (جزيرة صقلية)

الطول خمس وأربعون درجة واثنتان وأربعون دقيقة، والعرض ثلاث وأربعون درجة وثلاث عشرة دقيقة. قال: وهي أكبر جزائر الرّوم ودورها على التحقيق سبعمائة ميل، وفيها أخوار وتعريجات، ومدينتها في وسطها. السابعة- (جزيرة صقلّية) . قال في «اللباب» : بفتح «1» الصاد المهملة والقاف ولام وياء مثناة من تحت وهاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة، وبين ذنبها الغربيّ وبين تونس مجرى وستون ميلا، ودورها خمسمائة ميل. وهي على صورة شكل مثلّث حادّ الزاوية: فالزاوية الأولى شمالية، وهناك المجاز الضيق إلى الأرض الكبيرة (يعني التي وراء الأندلس) وهو نحو ستة أميال. والزاوية الثانية جنوبيّة، وهي تقابل برّ طرابلس من أفريقيّة من بلاد الغرب. والزاوية الثالثة غربيّة، وهناك (بركان النار) في جزيرة صغيرة منقطعة شماليّ الزاوية المذكورة، وشماليّ صقلّية بلاد قلفرية الآتي ذكرها في الكلام على الضرب الثاني. قال في «تقويم البلدان» : وصاحب صقلّية في زماننا هذا فرنجيّ من الكيتلان اسمه الريد افريك. وقاعدتها مدينة (بلزم) بفتح الباء الموحدة واللام وسكون الزاي المعجمة وميم في الآخر. قال ابن سعيد: وهي حيث الطول خمس وثلاثون درجة، والعرض ستّ وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. وبها عدّة مدن غير هذه القاعدة. منها مدينة (مازر) . قال في «المشترك» : بفتح الزاي المعجمة وبعدها راء مهملة، وإليها ينسب «الإمام المازريّ المالكي» «2» شارح «موطإ مالك» وغيره. ومنها (قصر يانّة) بلفظ قصر المعروف، ويانّة بفتح الياء المثناة تحت وألف

الثامنة - (جزيرة سردانية)

ونون مشدّدة، وهي مدينة كبيرة على سنّ جبل. الثامنة- (جزيرة سردانية) . قال في «تقويم البلدان» : بضم السين «1» وكسر الراء وفتح الدال المهملات ثم ألف ونون مكسورة وياء مثناة تحت مفتوحة وهاء في الآخر. قال: واسمها بالفرنجية صرداني، يعني بابدال السين صادا مهملة وحذف الهاء من الآخر. وهي غربيّ الجزر المتقدّمة الذكر. وموقعها في الإقليم الرابع بين مرسى الخرز من البر الجنوبيّ وبين مملكة بيزة من البرّ الشماليّ. قال في «الأطوال» : وطولها إحدى وثلاثون درجة، وعرضها ثمان وعشرون درجة. قال ابن سعيد: وامتدادها من الطول من الشمال إلى الجنوب مجرى ونصف، وفي غربيها مغاص المرجان الفائق الذي ليس له نظير، وبها معدن فضّة، وهي الآن بيد الفرنج الكيتلانيين، ولملك الكيتلان نائب بها. التاسعة- (جزيرة قرسقة) بفتح القاف وسكون الراء المهملة وفتح السين المهملة والقاف وهاء في الآخر. وهي مقابل (جنوة) الآتي ذكرها في الضرب الثاني، وبينها وبين سردانية المتقدّمة الذكر مجاز نحو عشرة أميال، وامتدادها من الشّمال إلى الجنوب مجرى ونصف، ووسطها متّسع، ورأسها من جهة جنوة ضيّق. العاشرة- (جزيرة أنكلطرة) بألف ونون ساكنة وكاف مفتوحة ولام مفتوحة وطاء مهملة ساكنة وراء مهملة مفتوحة وهاء في الآخر. قال ابن سعيد: ويقال (أنكلترة) بإبدال الطاء تاء مثناة من فوق. قال: وطول هذه الجزيرة من الجنوب إلى الشمال بانحراف قليل أربعمائة وثلاثون ميلا، واتساعها في الوسط نحو مائتي ميل، وفيها معدن [الذهب] «2» والفضّة والنّحاس [والقصدير] وليس فيها كروم لشدة

الحادية عشرة - (جزيرة السناقر)

البرد بها، وأهلها يحملون الذهب إلى بلاد الفرنج، ويعتاضون عنه الخمر لعدمه عندهم. وقاعدتها (مدينة لندرس) بلام ونون ودال وراء وسين مهملات. وصاحب هذه الجزيرة يسمى (الانكتار) بنون وكاف وتاء مثناة فوقية وألف وراء مهملة في الآخر. وهو الذي عقد الهدنة بينه وبين الملك العادل «أبي بكر بن أيوب» في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، والملك العادل على عسقلان. وكان من أمره أنه لم يحلف على الهدنة بل أخذت يده وعاهدوه، واحتج بأن الملوك لا يحلفون، وكانت الهدنة بينهما ثلاث سنين وثلاثة أشهر، أولها كانون الأوّل الموافق لحادي عشري شعبان من السنة المذكورة. الحادية عشرة- (جزيرة السّناقر) . جمع سنقر وهو الجارح المعروف المقدّم ذكره في الكلام على ما يحتاج الكاتب إلى وصفه في المقالة الأولى. وهي جزيرة على القرب من (جزيرة انكلترة) المقدّمة الذكر. قال ابن سعيد: وامتدادها في الطّول شرقا بغرب سبعة أيام، وفي العرض أربعة أيام. قال في «تقويم البلدان» : ومنها ومن الجزائر التي شماليها تجلب السّناقر التي هي أشرف أنواع الجوارح، وإلى ذلك أشار في «التعريف» في الكلام على أوصاف السّناقر بقوله وهي مجلوبة من البحر الشاميّ. قلت: وجزيرة جربة تقدّم ذكرها مع بلاد أفريقيّة. وجزيرة ميورقة وجزيرة يانسة وجزيرة قادس تقدّم ذكرها مع جزيرة الاندلس.

الضرب الثاني (ما شمالي بحر الروم المقدم ذكره من غربي الخليج القسطنطيني مما يمتد غربا إلى البحر المحيط الغربي، وما يتصل بذلك مما شمالي بحر نيطش المعروف ببحر القرم إلى أقصى الشمال، وهو جهتان)

الضرب الثاني (ما شماليّ بحر الروم المقدّم ذكره من غربيّ الخليج القسطنطينيّ مما يمتدّ غربا إلى البحر المحيط الغربيّ، وما يتصل بذلك مما شماليّ بحر نيطش المعروف ببحر القرم إلى أقصى الشمال، وهو جهتان) الجهة الأولى (ما هو في جهة الغرب عن الخليج القسطنطينيّ. وهو قطران) القطر الأوّل (ما بين الخليج المذكور وبين جزيرة الأندلس، وما على سمت ذلك. ويشتمل على ممالك كبار وممالك صغار) فأما الممالك الكبار، فالمشهور منها خمس ممالك : المملكة الأولى (مملكة القسطنطينية) قال في «اللباب» : بضم القاف وسكون السين المهملة وفتح الطاء المهملة وسكون النون وكسر الطاء الثانية وسكون المثناة من تحت ثم نون (يعني مفتوحة) ثم هاء في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : وتسمّى بوزنطيا يعني بالباء الموحدة والواو والزاي المعجمة والنون والطاء المهملة ثم ياء مثناة من تحت وألف في الآخر. وربما قالوا: بوزنطية بابدال الألف هاء. وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال في «رسم المعمور» : حيث الطول ثمان وأربعون درجة، والعرض خمس وأربعون درجة، وواقفه على ذلك صاحب «الأطوال» وصاحب «القانون» وابن سعيد: وهي قاعدة الرّوم بعد رومية وعمّورية، وهي المستقرّة قاعدة ملك لهم إلى الآن. قال في «الروض المعطار» : نزل رومية من ملوك الروم عشرون ملكا، ثم نزل عمّورية منهم ملكان، ثم عادت المملكة إلى رومية فنزلها منهم ملكان، ثم

ملك (قسطنطين) بن هيلاني، فجدّد بناء بوزنطية وزاد في بنائها، وسمّاها قسطنطينيّة نسبة إليه ونزل بها فصارت دار ملك للرّوم بعده إلى الآن. قال: وهي على ضفّة الخليج المنصبّ من بحر نيطش ومانيطش إلى بحر الرّوم، وقد صار هذا الخليج مشهورا بها. فيقال فيه (الخليج القسطنطينيّ) كما تقدّم. وجهاتها الثلاث من الشرق والغرب والجنوب إلى البحر، والجهة الرابعة وهي الشّمال إلى البرّ، وقطرها من الشرق إلى الغرب ثمانية وعشرون ميلا، ولها سوران من حجارة بينهما فضاء ستّون ذراعا، وعرض السّور الداخل اثنا عشر ذراعا، وارتفاعه اثنان وسبعون ذراعا، وعرض السّور الخارج ثمانية أذرع، وارتفاعه اثنان وأربعون ذراعا، وفيما بين السّورين نهر يسمّى (قسطنطينيانوس) مغطّى ببلاط من نحاس، يشتمل على اثنين وأربعين ألف بلاطة، طول كلّ بلاطة ستة وأربعون ذراعا، وعمق النهر اثنان وأربعون ذراعا. ولها نحو مائة باب أكبرها باب الذهب: وهو باب في شماليّها، طوله أحد وعشرون ذراعا، وهو مضبّب «1» بالحديد، وبه أعمدة من ذهب، وبها قصر في غاية الكبر والعلوّ، وطريقة الذي يتوصل إليه منه يعرف بالبدندون. وهو من عجائب الدنيا، يمشى فيه بين سطرين من صور مفرّغة من النّحاس البديع الصّناعة على صور الآدميين وأنواع الخيل والسّباع وغير ذلك، وفي القصر ضروب من عجائب المصنوعات. قال في «تقويم البلدان» : وحكى لي بعض من سافر إليها أن داخلها مزدرع وبساتين، وبها خراب كثير، وأكثر عمارتها في الجانب الشرقيّ الشّمالي، وكنيستها مستطيلة، وإلى جانب الكنيسة عمود عال دوره أكثر من ثلاثة باعات، وعلى رأسه فارس وفرس من نحاس، وفي إحدى يديه حربة كبيرة، وقد فتح أصابع يده الأخرى وهو مشير بها. قيل: إن ذلك صورة (قسطنطين) باني المدينة. قال في العزيزيّ: ولها أربع عشرة معاملة. واعلم أن هذه المملكة كانت أوّلا بيد اليونان. قال البيهقي: وهم بنو يونان

ابن علجان، بن يافث، بن نوح عليه السّلام. وفي التوراة أن يونان ابن يافث لصلبه، واسمه فيها (يافان) بفاء تقرب من الواو. وخالف الكنديّ فنسبهم إلى عابر بن فالغ فجعل يونان أخا لقحطان، وذكر أنه خرج من اليمن بأهله وولده مغاضبا لأخيه قحطان فنزل ما بين إفرنجة والرّوم، فاختلط نسبه بنسبهم. وردّ عليه أبو «1» العبّاس الناشي في ذلك بقوله: (طويل) [و] تخلط يونانا بقحطان ضلّة ... لعمري لقد باعدت بينهما جدّا! وقيل إنهم إنما نجموا من رجل يقال له (الكن) ولد سنة سبع وأربعين لوفاة موسى عليه السّلام. وكانت قاعدة ملكهم الأولى (مدينة أغريقية) . وهي مدينة بناها (أغريقش) ابن يونان المقدّم ذكره على الجانب الغربيّ من الخليج القسطنطيني، وهي أوّل مدنهم، ثم هدمها هيليوس أحد ملوكهم وبنى (مدينة مقدونية «2» ) في وسط المملكة بالجانب الغربيّ أيضا ونزلها فصارت منزلا لملوكهم من بعده، وإليها ينسب ملوكهم فيقال ملوك مقدونية، وقد كان يقال للإسكندر بن فيلبس المقدوني نسبة إلى مقدونية هذه. ومن طائفة اليونان كان معظم الحكماء الذين عنهم أخذت علوم الفلسفة، ومنهم بقراط وسقراط وأفلاطن وأرسطو طاليس وإقليدس وغيرهم من الحكماء.

وكان لهم عدّة ملوك، أوّلهم (يونان) بن يافث بن نوح. ثم ملك بعده ابنه (أغريقش) وهو الذي بنى مدينة أغريقيّة المتقدّم ذكرها. وتوالى الملك في ولده، وقهروا اللّطينيّين ودال ملكهم في أرمينية. ثم ملك (هرقل الجبّار) بن ملكان، بن سلقوس، بن أغريقش. ثم ملك بعده ابنه (بلاق) وإليه تنسب الأمّة البلاقيّة التي هي الآن على بحر سوداق، واتصل الملك في عقب بلاق المذكور إلى أن ظهر عليهم إخوانهم الروم واستبدوا بالملك. فكان أوّلهم (هردوس) بن مطرون، بن رومي، بن يونان، فملك الأمم الثلاثة، وصار اسمه لقبا لكل من ملك بعده. ثم ملك بعده ابنه (هرمس) وحاربه الفرس فقهروه وضربوا عليه الإتاوة. ثم ملك بعده ابنه (مطرنوس) فحمل الإتاوة للفرس. ثم ملك بعده (فيلبوس) فظهر على الأعداء وهدم مدينة أغريقيّة، وبنى مدينة مقدونية المتقدّم ذكرها، وكان محبّا في الحكمة فكثر الحكماء في دولته. ثم ملك بعده ابنه (الإسكندر) فاستقام له الأمر وملك الشام، وبيت المقدس، والهند، والسّند، وبلاد الصين، والتّبّت، وخراسان، وبلاد التّرك، وذلّت له سائر الملوك، وهاداه أهل المغرب والأندلس والسّودان، وبنى مدينة الإسكندريّة بالديار المصرية عند مصبّ النيل على ساحل البحر الرّومي، وبنى بالسّند أيضا مدينة سماها الإسكندريّة، ورجع إلى بابل فمات بها، وعرض الملك على ابنه إسكندروس فأبى واختار الرّهبانيّة. ثم ملك بعده (لوغوس) من بيت الملك، وتلقب (بطليموس) فصار ذلك علما على كل من ملك منهم. وقيل: هو بطليموس بن لاوى صاحب عسكر الإسكندرية. وهلك لأربعين سنة من ملكه.

وملك بعده ابنه (فلديفش) فأقام ثمانيا وثلاثين سنة، وترجمت له التوراة من العبرانيّ إلى الرّومي. ثم ملك بعده ابنه (أنطرطيش) فأقام ستّا وعشرين سنة وهلك. فملك بعده أخوه (قلوباظر) فأقام سبع عشرة سنة وهلك. فملك بعده ابنه (أبيفانش) فأقام أربعا وعشرين سنة. وملك بعده ابنه (قلوماظر) فأقام خمسا وثلاثين سنة. وكان مقرّه الإسكندرية وهلك. فملك بعده ابنه (إبرياطش) فأقام سبعا وعشرين سنة. وعلى عهده استفحل ملك رومة، وملكوا الأندلس وأفريقيّة وهلك. فملك بعده ابنه (شوظا) فأقام سبع عشرة سنة، وهلك. فملك بعده أخوه (الإسكندر) فأقام عشر سنين وهلك. فملك بعده (دنونشيش) بن شوظا، فأقام ثمانيا وثلاثين سنة، وفي أيامه ملك الرّوم بيت المقدس وأنطاكية، وهلك. فملك بعده بنته (كلابطرة) فأقامت سنتين، وكان سكنها الإسكندرية. وكان الملك على الروم يومئذ أغشطش قيصر ملك الروم، فقصدها، فاحتالت بأن اتخذت حيّة توجد بين الحجاز والشام، فلمست الحية فيبست مكانها، وبقيت الحية في رياحين حولها، وحضر أغشطش فوجدها جالسة ولم يشعر بموتها، فتناول من الرياحين ليشمّها فلسعته الحية فمات. وزالت دولة اليونان بزوالها. هكذا رتّبهم (هروشيوش مؤرّخ الروم) وسبب ذلك أن الروم واليونان كانوا متجاورين متلاصقين لعلاقة النّسب فقد نقل ابن سعيد عن البيهقي أن الرّوم من ولد روميّ بن يونان المقدّم ذكره. وقيل هم بنو لطين بن يونان أخي روميّ المذكور، ولذلك يقال لهم اللّطينيّون. وقيل هم من بني كيتم بن ياثان وهو يونان. وقيل بل هم من بني عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليه السّلام.

الطبقة الأولى (من ملك منهم قبل القياصرة)

قال صاحب حماة في تاريخه: وكان أوّل ظهورهم في سنة ستّ وتسعين وثلاثمائة لوفاة موسى عليه السّلام. قال: وهم يعرفون ببني الأصفر، والأصفر هو رويم بن العيص. قال في «العبر» : وذلك أنه لما خرج يوسف عليه السّلام من مصر بأبيه يعقوب ليدفنه بالشأم عند الخليل عليه السّلام، اعترضه بنو عيصو فحاربهم وهزمهم، وأسر منهم صفوا بن إليفار بن عيصو، وبعث به إلى أفريقيّة، فأقام بها واتصل بملكها واشتهر بالشجاعة، ثم هرب من أفريقيّة إلى أسبانية، فزوّجوه وملّكوه عليهم، فأقام في الملك خمسا وخمسين سنة، وبقي الملك في عقبه إلى أن كان منهم ملك اسمه (روميش) فبنى مدينة رومية وسكنها فعرفت به. وبالجملة فإنهم كانوا مجاورين لهم: الروم في المغرب، واليونان في المشرق، فوقعت الحرب بينهم، وكانت الغلبة للروم على اليونان مرة بعد أخرى إلى أن كانت غلبة أغشطش على قلوبطرا على ما تقدّم ذكره. ثم ملوك الرّوم على طبقات: الطبقة الأولى (من ملك منهم قبل القياصرة) قال «هروشيوش» مؤرّخ الرّوم: وأوّل من ملك منهم (بيقش) بن شطونش ابن يوب، في آخر الألف الرابع من أوّل العالم على زمن تيه بني إسرائيل. ثم ملك بعده ابنه (بريامش) واتصل الملك في عقب بيقش المذكور وإخوته إلى أن كان منهم كرمنش بن مرسية بن شبين بن مزكة، بعد أربعة آلاف وخمسين لأوّل العالم في زمن بار بن كلعاد من ملوك بني إسرائيل، وهو الذي ألّف حروف اللسان اللّطينيّ ولم تكن قبله. ثم كان منهم (أناش) من عقب بريامش بن بيقش المتقدّم ذكره لأربعة آلاف ومائة وعشرين للعالم. وفي أيامه خرّب الأغريقيّون مدينة طروبة المتقدّم ذكرها في قواعد مملكتهم.

الطبقة الثانية (القياصرة قبل ظهور دين النصرانية فيهم)

ثم ملك بعده ابنه (أشكنانيش) وهو الذي بنى مدينة ألبا، ثم اتصل الملك فيهم إلى أن افترق أمرهم، ثم كان من أعقابهم برقاش على عهد عزيا بن أمصيا من ملوك بني إسرائيل. واتصل الملك لابنه ثم لحافديه روملش وراملش لأربعة آلاف وخمسمائة سنة للعالم. وهما اللذان اختطّا مدينة رومية، وكان الرّوم بعد روملش وراملش وانقراض عقبهم قد سئموا ولاية الملوك عليهم، فصيّروا أمرهم شورى بين سبعين وزيرا. وقال ابن العميد: كانوا يقدّمون شيخا بعد شيخ، ولم يزل أمرهم على ذلك مدّة سبعمائة سنة، تقترع الوزراء في كلّ سنة، فيخرج قائد منهم إلى كل ناحية على ما توجبه القرعة، فيحاربون الأمم والطوائف، ويفتحون الممالك حتّى ملكوا الاندلس وأثخنوا في الجلالقة، وملكوا سمّورية «1» مدينة القوط، واستولوا على الشأم وأرض الحجاز، وافتتحوا بيت المقدس وأسروا ملكها، وكانت الحرب بينهم وبين الفرس سجالا إلى أن كانت القياصرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى. الطبقة الثانية (القياصرة قبل ظهور دين النّصرانية فيهم) قال ابن العميد: لم يزل تدبير المشايخ الذين رتّبوهم نافذا فيهم، إلى أن كان آخرهم أغانيوش فدبّرهم أربع سنين وتسمّى قيصر، وهو أوّل من تسمّى بذلك من ملوكهم، ثم صار سمة لمن بعده. وسيأتي الكلام على معنى هذه اللفظة. ثم ملك بعده (بوليوش قيصر) ثلاث سنين. ثم ملك بعده (أوغشطش قيصر) بن مونوخس، وهروشيوش يسمّيه (أكتبيان قيصر) وهو الثاني من القياصرة، وهو الذي سلب ملك كلابطرا آخر ملوك اليونان المقدّم ذكرها. واستولى على مصر والإسكندرية وسائر ممالك اليونان الرّوم.

ويقال: إنه كان آخر قوّاد الشيخ مدبّر رومة، وإنه توجه بالعساكر لفتح الاندلس ففتحها ثم عاد إلى رومة فملكها وطرد الشيخ عنها، ووافقه الناس على ذلك، ثم قتل نائبه بناحية المشرق واستولى عليها لثنتي عشرة سنة من ملكه [ولثنتين وأربعين سنة من ملك أغشطش ولد المسيح بعد مولد يحيى بثلاثة أشهر وذلك] «1» لتمام خمسة آلاف وخمسمائة سنة شمسيّة للعالم. ثم ملك من بعده ابنه (طباريش قيصر) فاستولى على النّواحي، وفي أيامه كان رفع المسيح عليه السّلام وافتراق الحواريّين في الآفاق لإقامة الدّين وحمل الأمم على عبادة الله تعالى. ومات لثلاث وعشرين سنة من ملكه بعد أن جدّد مدينة طبريّة واشتقّ اسمها من اسمه. ثم ملك من بعده (غابيش قيصر) وهو الرابع من القياصرة. وقال هروشيوش: وهو أخو طباريش، وسماه غابيش قليفة بن أكتبيان. قال ابن العميد: ووقعت في أيامه شدّة على النصارى، وقتل يعقوب أخاه يوحنّا من الحواريّين، وحبس بطرس رأسهم، ثم وثب عليه بعض قوّاده فقتله. وملك من بعده (فلوديش قيصر) وهو الخامس من القياصرة. قال هروشيوش: هو ابن طباريش المتقدّم ذكره فيكون أخا «2» غابيش، وعلى عهده كتب متّى الحواريّ إنجيله في بيت المقدس بالعبرانية، ونقله يوحنّا بن زندي إلى الروميّة، وكتب بطرس رأس الحواريّين إنجيله بالروميّة وبعث به إلى بعض أكابر الرّوم، وهلك فلوديش قيصر لأربع عشرة سنة من ملكه. وملك بعده ابنه (نيرون قيصر) وهو السادس من القياصرة، وكان غشوما

فاسقا، فأنكر على من أخذ بدين المسيح وقتلهم، وقتل بطرس وبولس الحواريّين، وقتل مرقص الإنجيليّ: بطرك الإسكندرية لثنتي عشرة سنة من ملكه. وفي أيامه هدم اليهود كنيسة النصارى بالقدس، ودفنوا خشبتي الصّليب بزعمهم في الزّبالة. قال هروشيوش: وقتله جماعة من قوّاده لأربع عشرة سنة من ملكه، وانقطع ملك آل يوليوش قيصر لمائة وستّ عشرة سنة من أوّل ملكهم، قال هروشيوش: وكان نيرون قيصر قد وجّه قائدا إلى جهة الأندلس فافتتحها وعاد إلى رومة بعد مهلك نيرون قيصر فملّكه الروم عليهم. وكان لنيرون قيصر صهر على أخته يسمّى (يشبشيان) ، وابن العميد يسميه (إشبا شيانس) وكان نيرون قيصر قد وجهه لفتح بيت المقدس ففتحه وعاد فقتل ذلك القائد الذي استولى على المملكة بعد نيرون قيصر، وملك مكانه، وتسمّى قيصر كمن كان قبله واستقام له الملك، هكذا ذكره هروشيوش. والذي ذكره ابن العميد أنه لما هلك نيرون قيصر وإشباشيانس الذي سماه هروشيوش يشبشيان [محاصر للقدس] «1» ملّك الروم عليهم غلياش قيصر، فأقام تسعة أشهر وكان رديء السيرة فقتله بعض خدمه. ثم ملّكوا عوضه (أنون) ثلاثة أشهر، وملّكوا (بطالس) ثمانية أشهر، وسار إليه اشباشيانس الذي يسمّيه هروشيوش يشبشيان فقتله وهلك اشباشيانس المذكور لتسع سنين من ملكه. وملك بعده ابنه (طيطش قيصر) لأربعمائة سنة من ملك الإسكندر، فأقام فيهم سنتين وقيل ثلاثا وقيل أربعا، وكان حسن السيرة متفنّنا في العلوم. ثم ملك بعده أخوه (دومريان قيصر) وقيل اسمه دوسطيانوس، وقيل

دوماطيانوس، فأقام خمس عشرة سنة، وقيل ستّ عشرة سنة، وقيل تسع سنين، وهو ابن أخت نيرون قيصر المتقدّم ذكره، وكان ظلوما غاشما فحبس يوحنّا الحواريّ، وأمر بقتل النصارى ونفيهم، وقتل اليهود من نسل داود حذار أن يملكوا وهلك في حرب الفرنج. وملك بعده (نربا) ابن أخيه طيطش، وقيل اسمه تاوداس، وقيل قارون، وقيل: برسطوس، فأقام نحوا من سنتين أو سنة ونصفا، فأحسن السّيرة وأمر بردّ من نفي من النصارى وخلّاهم ودينهم، ولم يكن له ولد. فعهد بالملك إلى (طريانش) من عظماء قوّاده، وقيل: اسمه أنديانوش، وقيل طرينوس، فملك بعده وتسمّى قيصر، فأقام تسع عشرة سنة، ولقي النصارى في أيامه شدّة وتتبع أئمّتهم بالقتل واستعبد عامّتهم، وفي زمنه كتب يوحنّا إنجيله برومة في بعض الجزائر، وهلك طريانش المذكور لتسع عشرة سنة من ولايته. وملك بعده (أندريانوس) فأقام إحدى «1» وعشرين سنة، وقيل عشرين سنة وهو الذي بنى مدينة القدس وسماها إيليا، وكان شديدا على النصارى وقتل منهم خلقا كثيرا، وأخذ الناس بعبادة الأوثان، وألزم أهل مصر حفر خليج من النيل إلى القلزم «2» فحفروه وأجروا فيه ماء النيل ثم ارتدم بعد ذلك. ولما جاء الفتح الإسلاميّ ألزمهم عمرو بن العاص «3» رضي الله عنه حفره

فحفروه وجرى فيه الماء ثم ارتدم أيضا، وبقي على ذلك مردوما إلى زماننا. ومات أندريانوس لإحدى وعشرين سنة من ملكه. فملك بعده ابنه (انطونيش) وتسمّى (قيصر الرحيم) فأقام ثنتين وعشرين سنة، وقيل إحدى وعشرين سنة وهلك. فملك بعده أخوه (أوراليانس) وقيل اسمه اورالش، وقيل اسمه أنطونيش الأصغر، وأصاب الأرض في زمنه قحط ووباء عظيم، وأصاب النصارى في أيامه شدّة عظيمة، وقتل منهم خلقا كثيرا، وهلك لتسع عشرة سنة من ملكه. وملك من بعده ابنه (كمودة) ويقال بالقاف بدل الكاف، فأقام ثلاث عشرة سنة، وقيل اثنتي عشرة سنة. وفي عاشرة ملكه ظهر «أردشير «1» بن بابك» أوّل ملوك الساسانية من الفرس. وفي زمنه كان «جالينوس» اليونانيّ المشهور بالطّب، و «بقراطس» الحكيم، ومات كمودة المذكور. فملك بعده (ورمتيلوش قيصر) وقيل اسمه برطنوش، وقيل اسمه فرطيخوس، وقيل برطانوس، وقيل ألبيش بن طنجيش فأقام ثلاثة أشهر، وقيل شهرين، وقيل سنة، وقتله بعض قوّاده. فملك بعده (يوليانوس قيصر) فأقام شهرين ومات. فملك بعده (سوريانوس قيصر) وقيل اسمه سورس، وقيل طباريش، فأقام تسع عشرة سنة، وقيل ثمان عشرة، وقيل ستّ عشرة، وقيل ثلاث عشرة، وقيل ستّ سنين، واشتدّ على النصارى وفتك فيهم وسار إلى مصر والإسكندرية فقتلهم، وهدم كنائسهم وشرّدهم في البلاد، وهلك. فملك من بعده (أنطونيش قيصر) وقيل أنطونيش قسطس لخمس وعشرين سنة وخمسمائة لغلبة الإسكندر، فأقام ستّ سنين، وقيل سبع سنين،

وضعف عن مقاومة الفرس فغلبوا على أكثر مدن الشأم، ونواحي أرمينية، وهلك في حروبهم. فملك بعده (مقرين قيصر) بن مزكة، وقيل اسمه مقرونيوس، وقيل مرقيانوس، فأقام سنة وقتله قوّاد رومة. ثم ملك من بعده (أنطونيش) قيل ثلاث سنين، وقيل أربع سنين، وفي أوّل سنة من ملكه بنيت مدينة عمواس بأرض فلسطين من الشأم وملك سابور بن أردشير مدنا كثيرة من الشام؛ ومات. فملك من بعده (اسكندروس) فأقام ثلاث عشرة سنة، وقيل عشرين سنة، وكانت أمّه نصرانيّة، فكانت النصارى معه في سعة من أمرهم. قال هروشيوش: ولعشر من ملكه غزا فارس وقتل سابور بن أردشير ملك الفرس، وثار عليه أهل رومة فقتلوه. وملك بعده (مخشميان) بن لوجيه، وقيل اسمه نقيموس، فأقام ثلاث سنين ولقي النصارى منه شدّة عظيمة. قال ابن العميد: وفي ثالثة ملكه مات سابور ابن أردشير، وهو خلاف ما تقدّم من كلام هروشيوش أنه قتله [اسكندروس] في العاشرة من ملكه، وهلك. فملك بعده (يونيوش) وقيل اسمه لوكيوش قيصر، وقيل بلينايوس، فأقام ثلاثة أشهر وقتل. ثم ملك بعده (غرديانوس قيصر) وقيل اسمه فودينوس، وقيل فرطانوس وقيل غرديان بن بلنسيان، فأقام ستّ سنين، وقيل سبع سنين، وطالت حروبه مع الفرس، وقتله أصحابه على نهر الفرات. وملك بعده (فلفش قيصر) بن أوليان بن أنطونيش، فأقام سبع سنين، وقيل ستّ سنين، وقيل تسع سنين، ودان بدين النصرانية، وهو أوّل من تنصرّ من ملوك الروم، وقتله قائد من قوّاده.

وملك ذلك القائد الذي قتله مكانه، وكان من أولاد الملوك. واسمه داجية ابن مخشميان فأقام خمس سنين، وقيل سنتين، وقيل سنة، وكان يعبد الأصنام، ولقي النصارى منه شدّة قيل وفي أيامه كانت قصّة أهل الكهف مع ملكهم؛ وهلك. فملك من بعده (غالش قيصر) فأقام سنتين، وقيل ثلاث سنين، واستتبع في قتل النصارى، وكان في أيامه وباء عظيم أقفرت منه المدن، ومات. فملك بعده (والاريانس) لسبعين وخمسمائة لغلبة الإسكندر، وقيل اسمه غاليوش، وقيل أقيوس وغاليوش ابنه، وقيل أورليوس، وقيل غليوش، وقيل أدرياليانوس، فأقام إحدى عشرة سنة، وقيل خمس عشرة سنة، وقيل أربع عشرة سنة، وقيل خمس سنين، وكان يعبد الأصنام فلقي النصارى منه شدّة عظيمة، ووقع في أيامه وباء عظيم فرفع الطلب عن النصارى بسببه. وفي أيامه خرج القوط من بلادهم وتغلّبوا على بلاد مقدونية وبلاد النّبط واقتلعوها منه، وقتله بعض قوّاد رومة. وملك بعده (افلوديوش قيصر) لثمانين وخمسمائة للإسكندر، فأقام سنة واحدة، وقيل سنة وتسعة أشهر، وقيل هو فلوديش بن بلاريان، ولم يكن من بيت الملك وأقام سنتين، وقيل ملك [بعده أخوه] «1» قنطل فأقام سبعة عشر يوما، ودفع القوط عن مقدونية وأرمينية وقتله بعض قوّاده. ثم ملك (أوريليانس) وقيل اسمه أوراليوس، وقيل أورينوس، وقيل أروليوس، وقيل أوراليان بن بلنسيان، فأقام ستّ سنين، وقيل خمس سنين، وأشتدّ على النصارى وجدّد بناء رومة وفي سادسة ملكه ولد قسطنطين، ثم قتل. وملك بعده (طافيش بن اليش) وقيل اسمه طافسيوس، وقيل طافساس، فأقام نحو سنة، وقيل تسعة أشهر، وقيل ستة أشهر.

الطبقة الثالثة (القياصرة المتنصرة إلى الفتح الإسلامي)

ثم ملك بعده (فروفش قيصر) وقيل اسمه فرويس، وقيل برويش، وقيل ولاكيوش، وقيل ارفيون، فأقام خمس سنين، وقيل ستّ سنين وقيل سبع سنين، وقتله قوّاد رومة. ثم ملك بعده (قاريوش قيصر) وقيل اسمه قوروش، وقيل قاروش لخمسمائة وثنتين وتسعين للإسكندر في زمن سابور ذي الأكتاف: أحد ملوك الساسانيّة من الفرس، فأقام سنتين، وقيل ثلاث سنين، وتغلّب على كثير من بلاد الفرس، واشتدّ على النصارى وقتل منهم خلقا كثيرا وهلك في الحرب. فملك بعده ابنه (مناريان) وقتل لوقته. ثم ملك من بعده (ديقلاديانوس) لخمسمائة وخمس وتسعين سنة للإسكندر، وقيل اسمه دقلطيانوس، وقيل غرنيطا، فأقام إحدى وعشرين سنة، وقيل عشرين سنة، وقيل ثمان عشرة ولقي النصارى منه شدّة وأمر بغلق الكنائس، وقتل جملة من أعيان النصارى، وهلك. فملك بعده ابنه (مقسيمانوس قيصر) فأقام سبع سنين، وقيل سنة واحدة. وكان شريكه في الملك (مفطوس) وهو أشدّ كفرا منه، ولقي النصارى منهما شدّة عظيمة وقتل منهم خلقا كثيرا، ووقع في كلام هروشيوش ما يخالف هذا الترتيب، ولا حاجة بنا إلى ذكره. الطبقة الثالثة (القياصرة المتنصّرة إلى الفتح الإسلاميّ) وكانوا يدينون أوّلا بدين الصابئة، ثم دانوا بدين المجوسية، ثم بعد ظهور الحواريّين، وتسلّطهم عليهم مرة بعد أخرى أخذوا بدين النّصرانية، وكان أوّل من أخذ منهم به قسطنطين بن قسطنش بن وليتنوش، وكان قد خرج على مقسيمانوس قيصر: آخر القياصرة من الطبقة الثانية، فهزمه ورجع مقسيمانوس إلى رومة، فازدحم عسكره على الجسر فغرق فيمن غرق، ودخل قسطنطين رومة وملكها فبسط العدل، ورفع الجور، وتنصّر لثنتي عشرة سنة من ملكه، وهدم بيوت

الأصنام، وتوجهت أمّه (هلانة) إلى القدس واستخرجت خشبة الصّلبوت بزعمهم من تحت القمامات وبنت مكانها كنيسة قمامة، وذلك لثلاثمائة وثمان وعشرين سنة من مولد المسيح عليه السّلام. وفي السنة التاسعة عشرة من ملكه كان مجمع الأساقفة بنيقية، ولما تنصّر قسطنطين وخرج عن دين المجوسيّة، خاف من قومه فارتحل من رومة إلى مدينة بوزنطية فجدّدها وزاد فيها وسمّاها القسطنطينيّة باسمه وأقام في الملك خمسين سنة: منها ببوزنطية ستّ وعشرون سنة قبل غلبة مقسيمانوس، وأربع وعشرون بعد استيلائه على الرّوم وهلك لستمائة وخمسين للإسكندر. وملك بعده ابنه (قسطنطين الأصغر) بن قسطنطين، بن قسطنطين، بن قسطنش فأقام أربعا وعشرين سنة ومات. فملك بعده ابن عمه (يوليانش) فأقام سنة واحدة، وقيل سنتين، فكان على غير دين النصرانية، فقتل النصارى وعزلهم عن الكنائس واطرحهم من الدّيوان وسار لقتال الفرس فمات من سهم أصابه، وقيل ضلّ في مفازة فقتله أعداؤه. وملك بعده (يليان) بن قسطنطين سنة واحدة وهلك. فملك بعده (بوشانوش) فأقام سنة واحدة، وقيل إنما هو بلنسيان بن قسطنطين، وقيل واليطينوش، وانه ملك ثنتي عشرة سنة أو خمس عشرة سنة ثم هلك بالفالج. وملك بعده أخوه (واليش) وقيل اسمه والاش فأقام أربع سنين، وقيل ثلاث سنين، وقيل سنتين، وقيل إنه كان شريك واليطينوش المتقدّم ذكره في الملك، ثم خرج على واليش خارج من العرب وقتل في حربه. وملك بعده (اغراديانوس قيصر) وهو أخو واليش، ويقال إن ولنطيانش ويقال والنطوش بن واليش كان شريكا له في الملك فأقام سنة واحدة، وقيل سنتين، وقيل ثلاث سنين، ومات اغراديانوس وابن أخيه في سنة واحدة.

وملك بعدهما (تاوداسيوس) ويقال إنه طودوشيوش لستمائة وتسعين من ملك الإسكندر، فأقام سبع عشرة سنة، وفي الخامسة عشرة من ملكه ظهر أهل الكهف وأفاقوا من نومهم، فأرسل في طلبهم فوجدهم قد ماتوا فأمر أن تبنى عليهم كنيسة ويتّخذ يوم ظهورهم عيدا، وفي أيامه كان المجمع بقسطنطينيّة لمائتين وخمسين سنة من [مجمع] نيقية. ثم ملك (اركاديش) بن تاوداسيوس، فأقام ثلاث عشرة سنة، وولد له ولد سماه طودوشيوش، فلما كبر هرب إلى مصر وترهّب، وأقام في مغارة في الجبل المقطّم ومات فبنى الملك على قبره كنيسة وديرا يسمّى دير القيصر، وهو دير البغل، وهلك. فملك بعده ابنه (طودوشيش قيصر) الأصغر، فأقام ثنتين وأربعين سنة. وفي أيامه كان المجمع الثالث للنصارى بمدينة أفسس، وولّى أخاه أنوريش على رومة واقتسما الملك بينهما، وقيل إن أركاديش بن طودوشيوش ولّى أخاه أنوريش على رومة واقتسما الملك وإنه لما هلك أركاديش استبدّ أخوه أنوريش قيصر بالملك خمس عشرة سنة، وإنه لما هلك ملك من بعده طودوشيش المقدّم ذكره. ثم ملك (مرقيان قيصر) ويقال بالكاف بدل القاف، فأقام ستّ سنين. وفي أيامه كان المجمع الرابع بخلقدونية وانقسم النصارى إلى يعقوبيّة وملكية. ونسطوريّة. وفي أيامه سكن شمعون الحبيس الصّومعة بأنطاكية وترهّب فيها وهو أوّل من فعل ذلك من النصارى، ثم مات مرقيان. وملك بعده (لاون قيصر) ويعرف بلاون الكبير لسبعمائة وسبعين سنة من ملك الإسكندر، وقيل اسمه ليون بن شميخلية، وكان ملكيّا فأقام ستّ عشرة سنة ومات. وملك بعده (لاون قيصر) ويعرف بلاون الصغير، وكان يعقوبيّا فأقام سنة واحدة وهلك.

فملك بعده (زينون قيصر) وقيل اسمه سينون بالسين المهملة بدل الزاي، وكان يعقوبيّا فأقام سبع عشرة سنة وهلك. فملك بعده (نشطاش قيصر) لثمانمائة وثلاث سنين للإسكندر، فأقام سبعا وعشرين سنة، وكان يعقوبيّا وسكن حماة من الشام، وأمر أن تشاد وتحصّن فبنيت في سنتين، وأمر بقتل كلّ امرأة قارئة كاتبة، وهلك. فملك بعده (يشطيانش قيصر) لثمانمائة وثلاثين للإسكندر، وكان ملكيّا فأقام تسع سنين، وقيل سبع سنين، ويقال إنه كان معه شريك في ملكه يقال له يشطيان، وهلك. فملك بعده (يشطيانش قيصر) لثمانمائة وأربعين للإسكندر، وكان ملكيّا وهو ابن عم يشطيانش الملك قبله، وقيل كان شريكه فأقام أربعين سنة، وقيل ثلاثا وثلاثين سنة، وأمر بأن يتّخذ عيد الميلاد في الرابع والعشرين من كانون، والغطاس في ستّ منه، وكانا قبل ذلك جميعا في سادسه، وكانت كنيسة بيت لحم بالقدس صغيرة فزاد فيها ووسّعها حتّى صارت على ما هي عليه الآن. وفي أيامه كان المجمع الخامس للنصارى بالقسطنطينيّة وهلك. فملك بعده (يوشطونش قيصر) لثمانمائة وثمانين سنة للإسكندر في زمن كسرى أنوشروان فأقام ثلاث عشرة سنة، وقيل إحدى عشرة سنة، وهلك. فملك بعده (طباريش قيصر) لثمانمائة وثنتين وتسعين للإسكندر فأقام ثلاث سنين، وقيل أربع سنين، وهلك. فملك بعده (موريكش قيصر) لثمانمائة وخمس وتسعين للإسكندر، فأقام عشرين سنة، وكان حسن السّيرة، ووثب عليه بعض مماليكه فقتله. وملك بعده (قوقاص قيصر) قريب موريكش الملك قبله، وكان هو الذي بعث مملوكه على قتله. وفي أيامه ثار كسرى أبرويز على بلاد الروم، وملك الشام ومصر. فأقاما في ملكة الفرس عشر سنين، وحاصر القسطنطينيّة طلبا لثأر

الطبقة الرابعة (ملوك الروم بعد الفتح الإسلامي إلى زماننا)

موريكش لمصاهرة كانت بينهما، فثار الرّوم على قوقاص فقتلته بسبب ما جلبه إليهم من الفتنة. وملك بعده (هرقل) بن أنطونيش، وقيل هرقل بن هرقل بن أنطونيش لستمائة وإحدى عشرة من تاريخ المسيح، ولألف ومائة من بناء رومة، ولتسعمائة وثنتين وعشرين سنة للإسكندر، ولأوّل سنة من الهجرة، وقيل لإحدى عشرة سنة منها، وقيل لتسع سنين. فارتحل أبرويز عن القسطنطينيّة راجعا إلى بلاده، وأقام هرقل في الملك إحدى وثلاثين سنة ونصفا، وقيل ثنتين وثلاثين سنة، وثار على بلاد الفرس فخرّبها في غيبة كسرى، وضعفت مملكة الفرس بسبب ذلك، واستولى هرقل على ما كان كسرى استولى عليه من بلاده: وهو مصر والشأم، وأعاد بناء ما كان خرّب «1» من الكنائس فيهما، وكتب إليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعوه للإسلام. قال المسعوديّ، وقيل إن مولد النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم كان في أيام يوشطيانش، وإن ملكه كان عشرين سنة. ثم ملك (هرقل بن نوسطيونس) خمس عشرة سنة، وإليه تنسب الدراهم الهرقليّة. ثم ملك بعده (مورق بن هرقل) . قال: والمشهور بين الناس أن الهجرة وأيام الشيخين، كان ملك الروم لهرقل. قال: وفي كتب السير أن الهجرة كانت على عهد قيصر بن مورق، ثم كان بعده قيصر بن قيصر [ايام أبي بكر ثم هرقل بن قيصر] «2» أيام عمر، وعليه كان الفتح وهو المخرج من الشأم. الطبقة الرابعة (ملوك الروم بعد الفتح الإسلاميّ إلى زماننا) قد تقدّم أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعث وهاجر وهرقل ملك الروم، وكتب إليه يدعوه إلى

الإسلام. وبقي هرقل إلى أن افتتح المسلمون الشأم في خلافة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه. فلما غلب المسلمون على أكثر بلاد الشأم، خرج إلى الرّها، ثم علا على نشز من الأرض والتفت إلى الشأم وقال: «السلام عليك يا سور يا سلام لا اجتماع بعده، ولا يعود إليك روميّ بعدها إلا خائفا» وسار حتّى بلغ القسطنطينيّة فأقام بها، واستولى المسلمون على الشأم ومصر والإسكندرية وأفريقيّة والأندلس، وأستولوا على جزائر البحر الرّومي: مثل صقلّيّة، ودانية، وميورقة وغيرها مما كان بيد الرّوم. وأقام في الملك إحدى وثلاثين سنة، وهلك لإحدى وعشرين سنة من الهجرة. وملك بعده على الرّوم بقسطنطينيّة ابنه (قسطنطين) بن هرقل فأقام ستة أشهر وقتله بعض نساء أبيه. وملك بعده أخوه (هرقل) بن هرقل، فتشاءم به الروم فخلعوه وقتلوه. وملّكوا عليهم (قسطينو بن قسطنطين) فأقام ستّ عشرة سنة. وفي أيامه غزا معاوية بن أبي سفيان بلاد الرّوم وهو أمير على الشأم من قبل عمر بن الخطاب في سنة أربع وعشرين من الهجرة فدوّخ البلاد وفتح منها مدنا كثيرة، ثم أغزى عساكر المسلمين إلى قبرص في البحر في سنة سبع وعشرين، ففتح منها حصونا، وضرب الجزية على أهلها. ومات قسطينو سنة سبع وثلاثين من الهجرة. فملك بعده ابنه (يوطيانس) فأقام اثنتي عشرة سنة، ومات سنة ثمان وأربعين من الهجرة. وملك بعده ابنه (لاون) فأقام ثلاث سنين، ومات سنة خمسين من الهجرة. فملك بعده (طيباريوس قيصر) فمكث سبع سنين. وفي أيامه غزا يزيد بن معاوية القسطنطينية في عساكر المسلمين وحاصرها مدّة، ثم أفرج عنها واستشهد أبو أيّوب الأنصاريّ «1» في حصارها ودفن في ساحتها، وقتل طيباريوس المذكور

سنة ثمان وخمسين من الهجرة. وملك بعده (أغشطش قيصر) فذبحه بعض عبيده. وملك بعده ابنه (إصطفانيوس) في أيام عبد الملك بن مروان ثم خلع. وملك بعده (لاون) ومات سنة ثمان وسبعين من الهجرة. وملك بعده (طيباريوس) سبع سنين، ومات سنة ستّ وثمانين من الهجرة. وملك بعده (سطيانوس) في أيام الوليد بن عبد الملك باني الجامع الأمويّ بدمشق. ثم ملك بعده (تداوس) في سنة إحدى ومائة من الهجرة، فأقام سنة ونصفا. ثم ملك بعده (لاون) فأقام أربعا وعشرين سنة. وملك بعده ابنه (قسطنطين) . وفي أيامه غزا هشام بن عبد الملك الصائفة اليسرى من بلاد الروم، وأخوه سليمان الصائفة اليمنى في سنة ثلاث عشرة ومائة، فلقيهم قسطنطين المذكور في جموع الرّوم فانهزم وأخذ أسيرا ثم أطلق. ثم ملك بعده رجل اسمه (جرجس) من غير بيت الملك فبقي أيام السّفّاح والمنصور وأمره مضطرب ثم مات. وملك بعده (قسطنطين) بن لاون، وبنى المدن وأسكنها أهل أرمينية وغيرهم، ثم مات. وملك بعده ابنه (لاون) وهلك. فملك بعده (نقفور) وهلك في خلافة الأمين بن الرّشيد. وملك بعده ابنه (استيراق قيصر) وأقام إلى خلافة المأمون. وفي أيام المأمون غلب قسطنطين [بن فلفط] «1» على مملكة الروم، وطرد ابن نقفور،

هكذا رتبه ابن العميد. وفي كلام المسعوديّ ما يخالفه. قال المسعوديّ: ثم ملك بعد قسطنطين (نوفيل) أيّام المعتصم «1» ثم ملك من بعده (ميخائيل) بن نوفيل أيّام الواثق «2» والمتوكل «3» ، والمنتصر «4» ، والمستعين «5» ثم تنازع الروم وملّكوا عليهم (نوفيل بن ميخائيل) أيام المعتز «6» ، والمهتدي «7» ، وبعض أيام المعتمد «8» ثم ملك من بعده ابنه (أليون) بن نوفيل [بقية] أيام المعتمد وصدرا من أيام المعتضد «9»

ثم ملك من بعده (الإسكندروس) بن أليون، فنقموا سيرته، فخلعوه. وملّكوا عليهم أخاه [لاوي] بن أليون، فأقام [بقية] أيام المعتضد والمكتفي «1» ، وصدرا من أيام المقتدر «2» ثم هلك. وملك ابنه (قسطنطين) صغيرا، وقام بتدبير دولته أرمنوس بطريق البحر، وزوّجه ابنته وتسمّى بالدمستق، والدمستق هو الذي يلي شرق الخليج القسطنطينيّ واتصل ذلك أيام المقتدر «3» والقاهر «4» ، والراضي «5» ، والمتقي «6» ثم افترق أمر الروم. ثم ظاهر كلام ابن الأثير أن أرمنوس المتقدّم ذكره صار إليه الملك بعد قسطنطين. قال: وكان الدّمستق على عهده قوقاس فملك ملطية من يد المسلمين بالأمان في سنة ثنتين وعشرين وثلاثمائة، وولّى تقفور دمستقا، وهلك أرمنوس وترك ولدين صغيرين وكان تقفور الدمستق غائبا ببلاد المسلمين فلما رجع اجتمع إليه زعماء الروم وقدّموه لتدبير أمر الصغيرين وألبسوه التاج، ثم دسّت عليه أم

زوجة أرمنوس أم الصغيرين، فقتلته في سنة ستين وثلاثمائة. وقام ابنها الأكبر وهو (بسيل بن أرمنوس) بتدبير ملكه فطالت مدّته، وأقام في الملك نيّفا وسبعين سنة، وهلك بسيل سنة عشر وأربعمائة. وملك بعده أخوه (قسطنطين) فأقام تسع سنين، ثم هلك عن ثلاث بنات. فملّك الروم عليهم الكبرى منهن، وقام بأمرها ابن خالها (أرمانوس) وتزوّجت به فاستولى على مملكة الرّوم، ثم مالت زوجته إلى المتحكّم في دولته، واسمه ميخائيل فدسّته عليه فقتله واستولى على الأمر، ثم أصابه الصّرع ودام به. فعهد لابن أخت له اسمه (ميخائيل) فأحسن السّيرة وطلب من زوجة خاله أن تخلع نفسها عن الملك فأبت فنفاها إلى بعض الجزر، واستولى على المملكة سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وأنكر عليه البطرك خلع المرأة فهمّ بقتله، فنادى البطرك في النصارى بخلعه فخلعوه، واستدعى الملكة التي خلعها وأعادها إلى الملك، ونفت ميخائيل كما نفاها؛ ثم اتفق البطرك والروم على خلعها فخلعت. وملّكوا عليهم أختها (ندورة) وسملوا ميخائيل فوقع الخلف بسبب ذلك، فأقرعوا بين المترشّحين للملك منهم فخرجت على رجل منهم اسمه (قسطنطين) فملّكوه عليهم وزوّجوه بندورة الملكة في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، ثم توفّي قسطنطين المذكور سنة ستّ وأربعين وأربعمائة. وملّك على الروم (أرمانوس) وذلك لأوّل دولة السّلجوقيّة، وخرج لبلاد الإسلام [فزحف إليه ألب أرسلان من أذربيجان فهزمه وحصل في أسره، ثم فاداه على مال يعطيه وأجروه عليه وعقد معه صلحا] «1» فوثب (ميخائيل) بعده على مملكة الروم. فلما انطلق من الأسر وعاد إلى

قسطنطينيّة، دفعه ميخائيل عن الملك، والتزم لألب أرسلان ما انعقد عليه الصلح. وترهّب أرمانوس وترك الملك. إلى هنا انتهى كلام ابن الأثير. ثم توالت عليها ملوك الروم واحدا بعد واحد إلى آخر المائة السادسة. وكان ملك القسطنطينيّة يومئذ قد تزوّج أخت الفرنسيس ملك الفرنجة، فولد له منها ابن ذكر. ثم وثب بالملك أخوه فسمله وملك مكانه، ولحق الابن بخاله الفرنسيس، فوجده قد جهّز الأساطيل لارتجاع بيت المقدس وفيها ثلاثة من ملوك الفرنجة وهم كيدقليس: أحد ملوكهم، وهو أكبرهم، ودوقس البنادقة، والمركين مقدّم الفرنسيس، فأمرهم الفرنسيس بالجواز على القسطنطينية ليصلحوا بين ابن أخته وبين عمه ملك الروم. فلما وصلوا إلى مرسى القسطنطينيّة خرج إليهم عمّه وحاربهم فهزموه ودخلوا البلد، وأجلسوا الصبيّ على سرير الملك، وساء أمرهم في البلد، وصادروا أهل النّعم، وأخذوا أموال الكنائس، وثقلت وطأتهم على الرّوم، فعقلوا الصبيّ وأخرجوهم من البلد، وأعادوا عمّ الصبيّ إلى الملك. ثم هجم الفرنج البلد وأستباحوها ثمانية أيام حتّى أقفرت، وقتلوا من بها من القسّيسين والرّهبان والأساقفة، وخلعوا الصبيّ، واقترع ملوك الفرنج الثلاثة على الملك، فخرجت القرعة على كيدقليس كبيرهم فملّكوه على القسطنطينية وما يجاورها. وجعلوا لدوقس البنادقة الجزائر البحريّة: مثل أقريطش ورودس وغيرهما، وللمركين البلاد التي في شرقيّ الخليج: مثل أرسوا ولارتو في جوار سليمان بن قليج أرسلان، فلم يحصل لأحد منهم شيء من ذلك إلا لمن أخذ شرقيّ الخليج. ثم تغلّب على القسطنطينية بطريق من بطارقة الرّوم شهرته لشكريّ واسمه (ميخائيل) فدفع عنها الفرنج وملكها وقتل الذي كان ملكا قبله، وعقد معه الصّلح الملك المنصور «قلاوون الصالحيّ» صاحب مصر والشام، وتوفّي سنة إحدى وثمانين وستّمائة. وملك بعده ابنه (ياندر) وتلقّب الدوقس، وشهرتهم جميعا اللشكري،

المملكة الثانية (مملكة الألمان)

وبقي بنوه في ملكها إلى الآن. ولم أقف على تفاصيل أخبارهم غير أنه لم يبق بيدهم سوى قسطنطينيّة وبعض أعمالها المجاورة لها. وقد استولى الفرنج على جهاتها الغربية، واستولى المسلمون على ما هو شرقيّ الخليج القسطنطيني وعلى أعمال كثيرة من غربيّه إلى ما يقارب خليج البنادقة على ما تقدّم بيانه في الكلام على القسم الأوّل من هذا المقصد، مع تسلّط صاحب السّراي ملك تتر الشمال من بني جنكزخان عليه بالبعوث والسّرايا قبل ذلك. حتّى إن القان أزبك صاحب هذه المملكة قرّر عليه إتاوة تحمل إليه في كل سنة ليكفّ عنه، كما أشار إليه في «التعريف» في الكلام على مكاتبة صاحب القسطنطينيّة. قال ابن سعيد: ومنتهى حكم اللشكريّ صاحب القسطنطينيّة الآن إلى إيثنية. قال في «تقويم البلدان» : بالهمزة والياء المثناة التحتية والثاء المثلثة ونون ثم ياء مثناة تحتية ثانية وهاء في الآخر. قال ابن سعيد: وهي غربيّ الخليج القسطنطيني بشمال. قال ابن حوقل: وهي مدينة بها مجمع النصارى بقرب البحر، وهي دار حكمة اليونان في القديم، وبها تحفظ علومهم، وحكمهم. ولصاحب القسطنطينية المستقرّ بها مكاتبة تخصّه من الأبواب السلطانية بالديار المصرية، على ما يأتي بيانه في الكلام على مكاتبات ملوك الكفر في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى. المملكة الثانية (مملكة الألمان) قال المؤيد صاحب حماة في تاريخه: وهم من أكبر أمم النصارى، يسكنون في غربيّ القسطنطينيّة إلى الشّمال، وملكهم كثير الجنود. قال: وهو الذي سار إلى الشأم في زمن السلطان صلاح الدين «يوسف بن أيوب» في سنة ستّ وثمانين وخمسمائة، فهلك قبل وصوله إلى الشام. وكان قد خرج بمائة ألف مقاتل فسلّط الله عليهم الغلاء والوباء فمات أكثرهم في الطريق، ولما وصل إلى بلاد الأرمن نزل يغتسل في نهر هناك فغرق فيه، وبقي من عسكره قدر ألف مقاتل

المملكة الثالثة (مملكة البنادقة)

لا غير فعادوا إلى بلادهم. وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً «1» وقاعدتهم فيما ذكر ابن سعيد (مدينة برشان) . قال في «تقويم البلدان» : بضم الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الشين المعجمة ثم ألف ونون في الآخر. قال: ويقال لها أيضا (برجان) بالجيم وذكر ابن سعيد: أنه كان بها الأمّة المسماة برجان في قديم الزمان فاستولت عليهم الألمانيّة وأبادوهم حتّى لم يبق منهم أحد، ولم يبق لهم أثر. وهؤلاء البرجان هم الذين كان يقاتلهم قسطنطين ورأى في منامه أعلاما عليها صلبان فتنصّر. المملكة الثالثة (مملكة البنادقة) وهم طائفة مشهورة من الفرنج، وبلادهم شرقيّ بلاد (الأنبردية) الآتي ذكرهم. وقاعدة مملكتهم (البندقيّة) . قال في «تقويم البلدان» : بضم الباء الموحدة وسكون النون ثم دال مهملة وقاف ومثناة تحتية وهاء في الآخر. وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول اثنتان وثلاثون درجة، والعرض أربع وأربعون درجة. قال ابن سعيد: وهي على طرف الخليج المعروف بجون البنادقة، وقد تقدّم الكلام عليه عند ذكره في الكلام على بحر الرّوم. قال: وعمارتها في البحر، وتخترق المراكب أكثرها، تتردّد بين الدّور، ومركب الإنسان على باب داره، وليس لهم مكان يتمشّون فيه إلا الساباط الذي فيه سوق الصّرف، صنعوه لراحتهم إذا أرادوا التمشّي، وملكهم من أنفسهم يقال له الدّوك، يعني بضم الدال المهملة وسكون الواو وكاف في الآخر. ودنانيرهم أفضل دنانير الفرنجة، وقد تقدّم في الكلام على معاملة الديار المصرية في أوّل هذه المقالة أن دينارهم يقال له (دوكات) نسبة إلى الدّوك الذي هو

المملكة الرابعة (مملكة الجنويين)

ملكهم، وإليها ينسب الجوخ البندقيّ الفائق لكل نوع من الجوخ. قال السلطان عماد الدّين صاحب حماة في تاريخه: وهي قريبة من جنوة في البر، وبينهما نحو ثمانية أيام. أما في البحر فبينهما أمد بعيد أكثر من شهرين. وذلك أنهم يخرجون إلى بحر الرّوم في جهة الشرق ثم يسيرون في بحر الرّوم إلى جهة الغرب. قال في «تقويم البلدان» : ومن أعمال البندقية (جزائر النّقر بنت) بفتح النون وسكون القاف والراء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون النون وتاء مثناة فوقية في الآخر. قال: وكثيرا ما يكمن بين تلك الجزائر شواني الحراميّة. ثم قال: وفي شماليّ هذه الجزائر مملكة (أستيب) بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وكسر المثناة الفوقية وسكون المثناة التحتية وباء موحّدة في الآخر. وفي مملكة أستيب هذه يعمل الأطلس المعدنيّ. المملكة الرابعة (مملكة الجنويين) وهم طائفة من الفرنج مشهورة أيضا. وقاعدة مملكتهم (مدينة جنوة) . قال في «تقويم البلدان» : بفتح الجيم والنون والواو ثم هاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى وثلاثون درجة. والعرض إحدى وأربعون درجة وعشرون دقيقة. قال: وهي على غربيّ جون عظيم من البحر الروميّ، والبحر فيما بينها وبين الأندلس يدخل في الشّمال. وهي غربيّ (بلاد البيازنة) . قال الشريف الإدريسيّ: وبها جنّات وأودية، وبها مرسى جيّد مأمون، ومدخله من الغرب. قال في «تقويم البلدان» : وعن بعض أهلها أنها في ذيل جبل عظيم، وهي على حافة البحر، وميناها عليها سور، وأنها مدينة كبيرة إلى الغاية، وفيها أنواع الفواكه، ودور أهلها عظيمة، كلّ دار بمنزلة قلعة، ولذلك اغتنوا عن عمل سور

المملكة الخامسة (بلاد رومية)

عليها، ولها عيون ماء، منها شربهم وشرب بساتينهم. قال المؤيّد صاحب حماة في تاريخه: ولها بلاد كثيرة. المملكة الخامسة (بلاد روميّة) بضم الراء المهملة وسكون الواو وكسر الميم وفتح الياء المثناة تحت المشدّدة «1» وهاء في الآخر. قال في «تقويم البلدان» : ويقال لها أيضا رومة (يعني بضم الراء وسكون الواو وفتح الميم وهاء في الآخر) . وهي مدينة واقعة في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في «القانون» : حيث الطول خمس وثلاثون درجة وعشرون دقيقة، والعرض أربعون درجة وخمسون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي مدينة مشهورة في جنوبيّ جون البنادقة على جانبي نهر يعرف بنهر الصّفر. وقد ذكر «هروشيوش» مؤرّخ الروم أنها بنيت لأربعة آلاف وخمسمائة سنة من أوّل العالم، على زمن حزقيا بن احاز رابع عشر ملوك بني إسرائيل. وذكر ابن كريون: أنها بنيت في زمن داود عليه السّلام، وبينهما تفاوت كثير في المدّة. قال في «الروض المعطار» : وهي من أعظم المدن وأحفلها. يقال: إنه كان طولها من الشّمال إلى الجنوب عشرين ميلا، وعرضها من الشرق إلى الغرب اثني عشر ميلا. وقيل: دورها أربعون ميلا، وقطرها اثنا عشر ميلا، وارتفاع سورها ثمانية وأربعون ذراعا. وقيل اثنان وسبعون ذراعا، في عرض اثني عشر شبرا مبنيّ بالحجر، وهي في سهل من الأرض تحيط بها الجبال على بعد، وبينها وبين البحر الروميّ اثنا عشر ميلا، ويشقّها نهر ينقسم داخلها قسمين ثم يلتقيان آخرها، وأرضه مفروشة بالنّحاس الأصفر مسافة عشرين ميلا، وفي وسطها صحن في صخرة مرتفعة لم يظفر به عدوّ قط.

وفي داخلها كنيسة طولها ثلاثمائة ذراع وارتفاعها مائتا ذراع، لها أربعة أبواب من فضّة سبكا واحدا، مسقّفة بالنحاس الأصفر الملصق بالقصدير، وحيطانها ملبّسة بصفائح النّحاس، وبها كنيسة أخرى بها برج طوله في الهواء مائة ذراع، وعلى رأس ذلك البرج قبّة مبنية بالرّصاص، وعلى رأس القبة زرزور من نحاس إذا أدرك الزيتون انحشرت إليه الزّرازير من الأقطار البعيدة، في منقار كل زرزور زيتونة وفي رجليه زيتونتان، فيطرحها على ذلك البرج فيعصر ويؤخذ زيته، فيستصبح به في الكنيسة جميع السنة. قال: وأهل رومية أجبن خلق الله تعالى، ومن سنّتهم أنهم لا يدفنون موتاهم، وإنما يدخلونهم في مغائر «1» ويتركونهم فيها فيستوبيء هواؤهم ويقع الذّباب على الموتى، ثم يقع على ثمارهم فيفسدها، ولذلك هم أكثر بلاد الله تعالى طواعين، حتّى إن الطاعون يقع فيها ولا يتعدّاها إلى غيرها فوق عشرين ميلا، وجميع أهلها يحلقون لحاهم، ويزعمون أن كلّ من لا يحلق لحيته فليس نصرانيّا كاملا، زاعمين أن سبب ذلك أن شمعون الصفا والحواريّين جاءوهم وهم قوم مساكين ليس مع كل واحد منهم إلا عصا وجراب، فدعوهم إلى النّصرانية فلم يجيبوهم، وأخذوهم فعذّبوهم وحلقوا رؤوسهم ولحاهم. فلما ظهر لهم صدق قولهم واسوهم بأن فعلوا بأنفسهم مثل ذلك. ولم تزل رومية هي القاعدة العظمى للرّوم حتّى بنيت القسطنطينيّة وتحوّل إليها قسطنطين، وصارت قسطنطينيّة هي دار ملك الروم على ما تقدّم ذكره في الكلام عليها، مع بقاء رومية عندهم على رفعة المحلّ وعظم الشأن إلى أن غلب عليها الفرنج وانتزعوها من أيديهم، ورفعوا منها قواعدهم واستولوا على ما وراءها من النواحي والبلدان والجزائر: كجنوة، والبندقيّة، وأقريطش، ورودس، واسترجعوا كثيرا مما كان المسلمون استولوا عليه من بلاد الروم كغالب الأندلس. ثم حدثت الفتن بينهم وبين الروم بالقسطنطينيّة، وعظمت الفتن بينهم ودامت نحوا من مائة سنة «وملك الروم بالقسطنطينيّة معهم في تناقص» حتّى إن رجّار

وأما الممالك الصغار فسبع ممالك:

صاحب جزيرة صقلّية صار يغزو القسطنطينيّة بأساطيله ويأخذ ما يجد في ميناها من سفن التّجّار وشواني المدينة، وانتهى أمره أن جرجا بن ميخائيل صاحب أساطيله دخل إلى مينا القسطنطينية في سنة أربع وأربعين وخمسمائة ورمى قصر الملك بالسّهام، فكان ذلك أنكى على الروم من كلّ نكاية. ثم تزايد الحال إلى أن استولى الفرنج على القسطنطينيّة نفسها في آخر المائة السادسة، وأوقعوا بأهلها وفتكوا وخرّبوا على ما تقدّم بيانه في الكلام على ملوك القسطنطينية. وبالجملة فرومية اليوم من قواعد الفرنج، وهي مقرّ (بابهم) الذي هو خليفة النصارى الملكانية وإليه مرجعهم في التحليل والتحريم. ولهذا الباب مكاتبة تخصّه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، كما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى. وأما الممالك الصغار فسبع ممالك: الأولى (مملكة المرا) قال في «تقويم البلدان» : بفتح الميم والراء المهملة وألف. وهي مملكة تبتديء من الخليج القسطنطينيّ من الغرب على ساحل بحر الروم وتمتدّ مغرّبا [وتشتمل على قطعة من «1» ] ساحل بحر الروم وعلى بلاد وجبال خارجة عن البحر. قال: وهذه المملكة مناصفة بين صاحب قسطنطينيّة وبين جنس من الفرنج يقال لهم (القيتلان) بالقاف والياء الساكنة آخر الحروف والمثناة الفوقية ولام ألف ونون، ويقال (الكيتلان) بإبدال القاف كافا، وهذا هو الجاري على ألسنة الناس في النطق بهم.

الثانية (بلاد الملفجوط)

الثانية (بلاد الملفجوط) قال في «تقويم البلدان» : بفتح الميم وسكون اللام وفتح الفاء وضم الجيم وسكون الواو وطاء مهملة في الآخر. وهم جنس من الروم لهم لسان ينفردون به، وبلادهم من أعمال قسطنطينيّة على ساحل بحر الروم مما يلي مملكة المرا المقدّم ذكرها من جهة الغرب في مقابلة مشاريق برقة من البر الآخر، على ما تقدّم ذكره في الكلام على بحر الروم في أوّل هذه المقالة. الثالثة (بلاد إقلرنس) قال في «تقويم البلدان» : بكسر الهمزة وسكون القاف وكسر اللام والراء المهملة وسكون النون وسين مهملة في الآخر. وهي بلاد على ساحل بحر الروم غربيّ بلاد الملفجوط المقدّم ذكرها وشرقيّ بلاد الباسليسة الآتي ذكرها، وهم في مملكة الباسليسة المذكورة. الرابعة (مملكة بولية) بضم الباء الموحدة وسكون الواو ولام وياء آخر الحروف وهاء. قال: ويقال لها أنبولية أيضا يعني بزيادة همزة في أوّلها ونون ساكنة بعدها. وهي مملكة على بحر الروم عند فم جون البنادقة من غربيّة، في مقابل مملكة الباسليسة من بر الجون المذكور من الجهة الشرقية، وببولية هذه يعرف الزيت المعروف بالبولية. قال في «تقويم البلدان» : وملك بولية هذه في زماننا يقال له الريدشار. الخامسة (بلاد قلفرية) قال في «تقويم البلدان» : بفتح القاف واللام وسكون الفاء وكسر الراء

السادسة (بلاد التسقان)

المهملة وفتح المثناة تحت وهاء في الآخر. قال: ويقال لها قلورية أيضا بإبدال الفاء واوا. وهي من جملة بولية المقدّمة الذكر، واقعة في غربيها وشرقيّ مملكة رومية المتقدّمة الذكر، وقد تقدّم في الكلام على بحر الروم أنه يقابلها طرابلس الغرب من البر الآخر. السادسة (بلاد التّسقان) قال في «تقويم البلدان» : بضم المثناة الفوقيّة وسكون السين المهملة وقاف وألف ونون. قال: وهم جنس من الفرنج ليس لهم ملك بعينه يحكم عليهم بل لهم أكابر يحكمون بينهم، ثم قال: وبتلك البلاد يكون نبات الزّعفران، وقد تقدّم في الكلام على البحر الروميّ أنه يقابلها مدينة تونس من البرّ الآخر. السابعة (بلاد البيازنة) بفتح الباء الموحدة والياء المثناة تحت وألف ثم زاي معجمة مكسورة ونون مفتوحة وهاء في الآخر. وهم فرقة من الفرنج. وقاعدة ملكهم (مدينة بيزة) . قال في «تقويم البلدان» : بباء موحدة مكسورة وياء آخر الحروف ساكنة وزاي معجمة يعني وهاء في الآخر. قال: وقد تبدل الزاي شينا معجمة. وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال: والقياس أنها حيث الطول اثنتان وثلاثون درجة، والعرض ستّ وأربعون درجة وسبع وعشرون دقيقة. وقد ذكر في «تقويم البلدان» أنها على الركن الشّماليّ من بلاد الاندلس في مقابل جزيرة سردانية المقدّمة الذكر. وهي غربيّ بلاد رومية وليس لهم ملك وإنما مرجعهم إلى الباب: خليفة النصارى، وإلى بيزة هذه تنسب الفرنج البيازنة والحديد البيزانيّ. وقد تقدّم في الكلام على البحر الروميّ أنه يقابلها من البر الآخر مرسى الخرز.

القطر الثاني (مما غربي الخليج القسطنطيني الأرض الكبيرة)

القطر الثاني (مما غربيّ الخليج القسطنطينيّ الأرض الكبيرة) قال صاحب حماة: وهي أرض متسعة في شماليّ الاندلس، بها ألسن كثيرة مختلفة. وقد ذكر في «التعريف» أنها في شرق الاندلس، ولا يصح ذلك إلا أن يريد منها ما هو شرق شمالي الأندلس. ويتعلق الغرض منها بثلاث ممالك: المملكة الأولى (مملكة الفرنج القديمة) وقاعدتها (مدينة فرنجة) بالفاء والراء المهملة المفتوحتين وسكون النون وفتح الجيم وهاء في الآخر، وقد تبدل الجيم منها سينا مهملة فيقال فرنسة. ويقال لملكهم ريدإفرنس، ومعناه ملك إفرنس، والعامة تقول الفرنسيس. وهو الذي قصد ديار مصر وأخذ دمياط وأسره المسلمون ثم أطلقوه. يشير بذلك إلى قضية تاريخية، وهي أن الفرنج في سنة خمس عشرة وستّمائة وهم مستولون على سواحل الشام يومئذ سار منهم نحو عشرين ملكا من عكّا وقصدوا دمياط في أيام الملك العادل «أبي بكر بن أيّوب» «1» رحمة الله، وسار العادل من مصر إليهم فنزل مقابلهم، وأقاموا على ذلك أربعة أشهر، ومات العادل في أثناء ذلك، واستقرّ بعده في الملك ابنه الملك «الكامل محمد» فوقع في عسكره اختلاف تشاغل به، فهجم الفرنج دمياط وملكوها عنوة في سنة ستّ عشرة وستّمائة، وطمعوا بذلك في مملكة الديار المصرية، فبنى الملك الكامل بلدة عند مفرق النيل: الفرقة الذاهبة إلى دمياط، والفرقة الذاهبة إلى أشموم طناح، وسمّاها (المنصورة) ونزلها بعساكره، ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن دخلت سنة ثمان عشرة وستّمائة، وقد اشتدّ طمع الفرنج في الديار المصرية، وتقدّموا عن دمياط إلى المنصورة وضايقوا المسلمين

إلى أن سألهم الملك الكامل في الصّلح على أن يكون لهم القدس، وعسقلان، وطبريّة، واللاذقيّة، وجبلة، وسائر ما فتحه السلطان صلاح الدين من سواحل الشأم، خلا الكرك والشّوبك، فأبوا إلا أن يكون لهم الكرك والشّوبك أيضا، وأن يعطوا مع ذلك ثلاثمائة ألف دينار في نظير ما خرّبوه من سور القدس، فاعمل المسلمون حينئذ الحيلة في إرسال فرع من النيل في إبّان زيادته، حال بين الفرنج وبين دمياط، انقطع بسببه الميرة عنهم، وأشرفوا على الهلاك، وكان آخر أمرهم أن أعرضوا عن جميع ما كانوا سئلوا به من الأماكن المتقدّمة الذكر ونزلوا عن دمياط للمسلمين، وتسلّمها الملك الكامل منهم، ثم عاد إلى مصر وبقيت دمياط بيد المسلمين إلى أن قصدها الفرنسيس في خمسين ألف مقاتل، ومعه الأدفونش صاحب طليطلة في أيام الملك «الصالح أيوب» بن الكامل محمد، بن العادل أبي بكر، بن أيّوب في سنة سبع وأربعين وستمائة، وهجم دمياط، وملكها عنوة، وسار الملك الصالح فنزل بالمنصورة، وسار الفرنج فنزلوا مقابله ثم قصدوا دمياط فتبعهم المسلمون وبذلوا فيهم السيف، فقتلوا منهم نحو ثلاثين ألفا، وأسر الفرنسيس وحبس بالمنصورة بدار الصاحب «فخر الدين إبراهيم بن لقمان» صاحب ديوان الإنشاء، ووكّل به الطّواشيّ صبيح «المعظميّ» ومات الصالح في أثناء ذلك، واستقر ابنه الملك المعظّم مكانه في الملك؛ ثم قتل عن قريب، وفوّض الأمر إلى «شجرة الدّرّ» «1» زوجة الملك الصالح، وقام بتدبير المملكة معها «أيبك التّركمانيّ» ثم تسلّم المسلمون دمياط من الفرنسيس وأطلقوه فسار إلى بلاده فيمن بقي معه من جماعته. وفي ذلك يقول جمال الدّين يحيى «2» بن مطروح الشاعر: (سريع) .

المملكة الثانية (مملكة الجلالقة)

قل للفرنسيس إذا جئته ... مقال صدق من قؤول نصوح: أتيت مصرا تبتغي ملكها ... تحسب أنّ الزّمر يا طبل ريح وكلّ أصحابك أودعتهم ... بحسن تدبيرك بطن الضّريح! خمسين ألفا لا ترى منهم ... غير قتيل أو أسير جريح! وفّقك الله لأمثالها ... لعلّ عيسى منكم يستريح آجرك الله على ما جرى ... أفنيت عبّاد يسوع المسيح فقل لهم إن أضمروا عودة ... لأخذ ثار أو لقصد صحيح! دار «ابن لقمان» على حالها ... والقيد باق، والطّواشي صبيح! وقد تعرّض في «التعريف» للإشارة لهذه الواقعة في الكلام على مكاتبة الأدفونش صاحب طليطلة من الاندلس، واقتصر من هذه الأبيات على الأوّل والأخير فقط. المملكة الثانية (مملكة الجلالقة) قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه: وهم أمّة كالبهائم، يغلب عليهم الجهل والجفاء. ومن زيّهم أنهم لا يغسلون ثيابهم، بل يتركونها عليهم إلى أن تبلى، ويدخل أحدهم دار الآخر بغير إذن. قال: وهم أشدّ من الفرنج، ولهم بلاد كثيرة شماليّ الاندلس، ونسبتهم إلى مدينة لهم قديمة تسمى جلّيقيّة. قال في «اللباب» : بكسر الجيم واللام المشدّدة وبعدها ياء آخر الحروف وقاف. قال في «تقويم البلدان» : [ثم ياء ثانية] » وهاء. وقاعدتها (مدينة سمّورة) بسين مهملة وميم مشدّدة مضمومة وراء مهملة مفتوحة وهاء في الآخر. وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن

المملكة الثالثة (مملكة اللنبردية)

سعيد: حيث الطول عشر درج، والعرض ستّ وأربعون درجة. قال في «اللباب» : وهي من بلاد الرّوم المتاخمة للأندلس، وكأنه يريد أنها كانت للروم أوّلا. قال في «تقويم البلدان» : وعن بعضهم أنها مدينة جليلة معظّمة عندهم، قال ابن سعيد: وهي قاعدة جلّيقيّة، أكبر مدن الفنش، في جزيرة بين فرعين من نهر يعرف بها. قال: وكان المسلمون قد ملكوها ثم استرجعها الجلالقة زمن الفتنة، ونهرها يصبّ في البحر المحيط الغربيّ حيث الطول خمس درج وثلاثون دقيقة من الجزائر الخالدات، والعرض ستّ وأربعون درجة. المملكة الثالثة (مملكة اللّنبرديّة) قال في «تقويم البلدان» : باللام المشددة المضمومة والنون الساكنة والباء الموحدة المفتوحة والراء المهملة الساكنة والدال المهملة والياء المثناة التحتية والهاء، قال: ويقال لها النّوبرديّة، والأنبرديّة. وموقعها في أوّل الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول ثلاثون درجة وسبع وثلاثون دقيقة، والعرض ثلاث وأربعون درجة وخمسون دقيقة. قال في «تقويم البلدان» : وهي ناحية من الأرض الكبيرة، وبلادها تحيط بها جبال إلى حدّ جنوة، قال: وملكها في زماننا صاحب القسطنطينيّة، ورثها من خاله المركيش. ثم قال: وغربيّ هذه البلاد (الرّيدراقون) بكسر الراء المهملة وسكون المثناة التحتية ثم دال مهملة وراء مهملة [وألف] «1» وقاف مضمومة وواو ونون في الآخر. ومعناه ملك راقون، وقد تبدل القاف غينا معجمة. فيقال ريدراغون وهو الموجود في مكاتبات أهل الأندلس وهدنهم.

الجهة الثانية (ما شمالي مدينة القسطنطينية وبحر نيطش إلى نهاية المعمور في الشمال)

الجهة الثانية (ما شماليّ مدينة القسطنطينية وبحر نيطش إلى نهاية المعمور في الشّمال) ويشتمل على عدّة ممالك وبلاد: منها (بلاد الجركس) : قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه: وهم على بحر نيطش من شرقيّه، وهم في شظف من العيش. قال والغالب عليهم دين النصرانية. قلت: وقد جلب منهم «الظاهر برقوق» «1» صاحب الديار المصرية من المماليك أيام سلطنته ما يربو على العدد حتّى صار منهم معظم جند الديار المصرية، وصار بهم جمال مواكبها، والملك باق فيهم بالديار المصرية إلى الآن. ومنها (بلاد الآص) : بفتح الهمزة الأولى والثانية وصاد مهملة في الآخر وهم طائفة، وبلادهم على بحر نيطش. وقاعدتهم (مدينة قرقر) . قال في «تقويم البلدان» : بكسر القاف وسكون الراء المهملة وسكون القاف الثانية وكسر الراء المهملة في الآخر. وموقعها في الشّمال عن الإقليم السابع أو في آخره. قال: والقياس أنها حيث الطول خمس وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمسون درجة. وهي قلعة عاصية منيعة في جبل لا يقدر أحد على الطلوع إليه، وفي وسط الجبل وطاءة تسع [أهل] «2» تلك البلاد. وعندها جبل عظيم شاهق يقال له (جاطر طاغ) يظهر لأهل السفن من بحر القرم. وهي في شماليّ صاري كرمان على نحو يوم منها.

ومنها (بلاد البرغال) بضم الموحدة وسكون الراء وفتح الغين المعجمة وألف ثم لام في الآخر. ويقال لهم أولاق أيضا بقاف في الآخر. وقاعدتهم (مدينة طرنو) . قال في «تقويم البلدان» : بالطاء المكسورة والراء الساكنة المهملتين والنون المفتوحة وواو في الآخر، وموقعها في الإقليم السابع. قال: والقياس أنها حيث الطول ستّ وأربعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمسون درجة. وهي غربيّ صقجي على ثلاثة أيام وأهلها كفّار. قال بعض المسافرين وهي على خور البرغال. ومنها (بلاد البلغار والسّرب) وهما طائفتان على بحر نيطش. فأما البلغار فبضم الباء الموحدة وسكون اللام وفتح الغين المعجمة وألف ثم راء مهملة. قال المؤيّد صاحب حماة في تاريخه: وهم منسوبون إلى المدينة التي يسكنونها، وقد سمّاها في كتابه «تقويم البلدان» : بلار بضم الباء وفتح اللام وألف وراء مهملة في الآخر. ثم قال: ويقال لها بالعربية (بلغار) . وأما السّرب فبفتح السين وسكون الراء المهملتين وباء موحدة في الآخر. وهم في مملكة صاحب البلغار. وقاعدة ملكهم مدينة بلغار المذكورة، وموقعها في الشّمال عن الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : حيث الطول ثمانون درجة، والعرض خمسون درجة وثلاثون دقيقة. قال: وهي بلدة في نهاية العمارة الشمالية قريبة من شط إثل من الجانب الشماليّ الشرقيّ، وهي وصراي في برّ واحد، وبينهما فوق عشرين مرحلة، وهي في وطاءة، والجبل عنها أقلّ من يوم، وبها ثلاث حمّامات، ولا يكون بها شيء من الفواكه ولا أشجار الفواكه من العنب وغيره لشدّة بردها، وبها الفجل الأسود في غاية الكبر، قال المؤيّد صاحب حماة: وحكى لي بعض أهلها أنّ في أوّل فصل الصيف لا يغيب الشّفق عنها ويكون ليلها في غاية القصر. ثم قال: وهذا الذي حكاه صحيح موافق لما يظهر بالأعمال الفلكيّة، لأن من عرض ثمانية وأربعين ونصف يبتديء

[عدم] «1» غيبوبة الشّفق في أوّل فصل الصيف، وعرضها أكثر من ذلك، فصحّ ذلك على كل تقدير. وقد حكى في «مسالك الأبصار» عن حسن الرومي عن مسعود الموقّت بها: أن أقصر ليلها أربع ساعات ونصف تحريرا، وأنهم جرّبوه بالآلات الرّصدية فوجدوه كذلك. قال صاحب حماة في تاريخه: وكان الغالب عليهم النصرانية ثم أسلم منهم جماعة. وذكر في «تقويم البلدان» أن أهلها مسلمون حنفيّة، وذكر المسعودي في «مروج الذهب» أنه كان بالسّرب والبلغار دار إسلام من قديم. قال في «مسالك الأبصار» : أما الآن فقد تبدّلت بإيمانها كفرا، وتداولها طائفة من عبّاد الصليب، ووصلت منهم رسل إلى صاحب مصر سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة بكتاب من صاحب السّرب والبلغار، يعرض نفسه على مودّته ويسأله سيفا يتقلّده، وسنجقا يقهر أعداءه به، فأكرم رسوله، وأحسن نزله، وجهّز له معه خلعة كاملة: طردوحش بقصب بسنجاب مقندس، على مفرّج إسكندري، وكلّوته زركش، وشاش بطرفين رقم، ومنطقة ذهب، وكلاليب كذلك، وسيف محلّى، وسنجق سلطانيّ أصفر مذهب، قال في «التعريف» : وجهّز له أيضا الخيل المسرجة الملجمة. وربما أنه يظهر لصاحب السراي الانقياد والطاعة. قال في «مسالك الأبصار» : وذلك لعظمة سلطانه عليهم، وأخذه بخناقهم لقربهم منه. ولصاحب السّرب والبلغار مكاتبة تخصّه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. ومنها (بلاد أفتكون) بألف وفاء وتاء مثناة ثم كاف وواو ونون. وهي بلاد تلي بلاد البلغار في جهة الشّمال. وقاعدتهم مدينة تسمّى (قصبة أفتكون) والقصبة في مصطلحهم المدينة الصغيرة. قال في «مسالك الأبصار» : وبينها وبين البلغار مسافة عشرين يوما

بالسير المعتاد. وحكي عن مسعود الموقّت بالبلغار أنه حرّر ليلها فوجد أقصر ليلها ثلاث ساعات ونصف، أقصر من ليل البلغار بساعة واحدة. ومنها (بلاد الصّقالبة) بفتح الصاد المهملة والقاف وألف وكسر اللام وفتح الباء الموحدة وهاء في الآخر. ويقال لبعض بلادها بلاد سبراوير. وهي تلي بلاد أفتكون في جهة الشمال، قال في «مسالك الأبصار» : وهي بلاد شديدة البرد، لا يفارقها الثلج مدّة ستة أشهر لا يزال يسقط على جبالهم وبيوتهم، ولهذا تقلّ المواشي عندهم. وحكى عن الفاضل شجاع الدين: عبد الرحمن الخوارزمي الترجمان أن منها يجلب السّمّور والسّنجاب، ثم قال: وليس بعدهم في العمارة شيء. وذكر أنه جاء جدّه فتيا من بعض أهلها يسأل فيها كيف تكون صلاة أهل بلد لا يغيب عندهم الشفق حتّى يطلع الصبح؟ لسرعة انقضاء الليل وهذا ظاهر في أن هذه البلاد مسلمون أو فيهم المسلمون. ومنها (بلاد جولمان) بجيم وواو ولام ثم ميم وألف ونون. وهي تلي بلاد سبراوير المقدّمة الذكر في جهة الشمال. وهي على مثل حال بلاد سبراوير في شدّة البرد وكثرة الثلج وأشدّ من ذلك. قال في «مسالك الأبصار» قال حسن الروميّ: وهؤلاء هم سكّان قلب الشّمال، والواصل إليهم من الناس قليل، والأقوات عندهم قليلة حتى يحكى عنهم أنّ الإنسان منهم يجمع عظام أيّ حيوان كان، ثم يغلي عليه بقدر كفايته ثم يتركها، وبعد سبع مرات لا يبقى فيها شيء من الودك «1» قال: وهم مع ضيق العيش ليس في أجناس الرّقيق أنعم من أجسامهم، ولا أحسن من بياضهم، وصورتهم تامة الخلقة في حسن وبياض ونعومة عجيبة، ولكنهم زرق العيون. وإذا سافر المسافر من جولمان إلى جهة الشرق، وصل إلى مدينة قراقوم قاعدة القان الكبير القديمة. قال: وهي من بلاد الصين، وإذا سافر منها إلى جهة الغرب وصل إلى بلاد الرّوس، ثم إلى بلاد الفرنج.

ومنها (بلاد الرّوس) بضم الراء المهملة وسكون الواو وسين مهملة في الآخر. قال في «مسالك الأبصار» وهي بلاد واغلة في الشمال، في غربيّ بلاد جولمان المقدّمة الذكر. قال صاحب حماة في تاريخه: ولهم جزائر أيضا في بحر نيطش. ومنها (بلاد الباشقرد) قال صاحب حماة في تاريخه: وهم أمة كبيرة ما بين بلاد الباب وبلاد فرنجة. قال: وغالبهم نصارى وفيهم مسلمون، وهم شرسو الأخلاق. قال في «مسالك الأبصار» : وهي مصاقبة لبلاد جولمان ثم قال: وفي باشقرد قاض مسلم معتبر. ومنها (بلاد البرجان) بضم الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الجيم وألف ونون، وقد تبدل الجيم شينا. قال صاحب حماة في تاريخه: وهم أمم كثيرة طاغية قد فشا فيهم التثليث. قال: وبلادهم واغلة في الشّمال، وأخبارهم وسير ملوكهم منقطعة عنّا لبعدهم وجفاء طباعهم، وقد تقدّم أن البرجان غلب على مكانهم الألمانيّة، فيحتمل أنهم هؤلاء، ويحتمل أنهم طائفة أخرى منهم غير هؤلاء. ومنها (بلاد بمخ) بباء موحدة وميم ثم خاء معجمة. قال في «مسالك الأبصار» : وهي بلاد مشتركة بين بلاد الروس والفرنج. ومنها (بلاد بوغزة) بباء موحدة ثم واو وغين وزاي ثم هاء في الآخر. قال في «مسالك الأبصار» : قال الشيخ علاء الدين بن النّعمان الخوارزميّ: وهي بلاد في أقصى الشّمال، وليس بعدها عمارة غير برج عظيم من بناء الإسكندر على هيئة المنارة العالية، ليس وراءه مذهب إلا الظلمات، وهي صحار وجبال لا يفارقها الثلج والبرد، ولا تطلع عليها الشمس، ولا ينبت فيها نبات، ولا يعيش فيها حيوان أصلا، متصلة ببحر أسود لا يزال يمطر والغيم منعقد عليه، ولا تطلع عليه الشمس أبدا. قال ابن النعمان: ويقال: إن الاسكندر مرّ بأطراف أوائل جبال الظّلمات الغربية من العمارة فرأى فيه أناسا من جنس التّرك أشبه شيء بالوحوش لا يعرف أحد بلغتهم، وإذا أمسكهم أحد فرّوا من يده، يأكلون من نبات الجبال المجاورة

لهم فإذا أقحطوا أكل بعضهم بعضا، فمرّ بهم ولم يعترضهم. واعلم أنه قد ذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ علاء الدين بن النّعمان أن التّجار المتردّدين إلى بلاد الديار المصرية لا يتعدّون في سفرهم بلاد البلغار، ثم يرجعون من هناك، ثم تجّار بلغار يسافرون منها إلى بلاد جولمان، وتجّار جولمان يسافرون إلى بلاد بوغزة التي ليس بعدها عمارة. وقد ذكر في «تقويم البلدان» أن شماليّ بلاد الرّوس مما هو متصل بالبحر المحيط الشماليّ قوما يبايعون مغايبة. وذكر عن بعض من سافر إلى تلك البلاد أنه إذا وصل التّجّار إلى تخومهم أقاموا حتّى يعلموا بهم، ثم يتقدمون إلى مكان معروف عندهم بالبيع والشراء، فيضع كلّ تاجر بضاعته ويعلّمها بعلامة، ثم يرجعون إلى منازلهم، ثم يحضر أولئك القوم ويضعون مقابل تلك البضائع السّمّور «1» ، والوشق، والثعلب، وما شاكل ذلك، ويدعونه ويمضون ثم يحضر التجّار من الغد فمن أعجبه ذلك أخذه وإلا تركه، حتّى يتفاصلوا على الرضا. وقد تقدّم ذكر مثل ذلك عن قوم بالهند وعن قوم ببلاد السّودان في الكلام على مملكة مالّي. قلت: وقد تقدّم في الكلام على مملكة خوارزم والقبجاق من مملكة التورانيين في القسم الثاني منها أن الجركس والرّوس والآص أهل مدن عامرة آهلة، وجبال مشجرة مثمرة، ينبت عندهم الزرع، ويدرّ الضّرع وتجري الأنهار، وتجنى الثّمار، ولا طاقة لهم بسلطان تلك البلاد. وإن كان فيهم ملوك فهم كالرّعايا لصاحب السراي إن داروه بالطاعة والتّحف والطّرف كفّ عنهم وإلا شنّ عليهم الغارات وضايقهم وحاصرهم.

المقالة الثالثة في ذكر أمور تشترك فيها أنواع المكاتبات، والولايات، وغيرهما من الأسماء، والكنى، والألقاب،

المقالة الثالثة في ذكر أمور تشترك فيها أنواع المكاتبات، والولايات، وغيرهما من الأسماء، والكنى، والألقاب، (ومقادير قطع الورق، وما يناسب كلّ مقدار منها من الأقلام، ومقادير البياض في أوّل الدّرج وحاشيته، ومقدار بعد ما بين السّطور في الكتابات، وبيان المستندات التي يصدر عنها ما يكتب من ديوان الإنشاء بهذه المملكة: من مكاتبات، وولايات، وكتابة الملخّصات «1» ، وكيفية تعيين صاحب الدّيوان لها، وبيان الفواتح، والخواتم، وفيه أربعة أبواب) . الباب الأوّل (في الأسماء والكنى والألقاب، وفيه فصلان) الفصل الأوّل (في الأسماء والكنى، وفيه طرفان) الطّرف الأوّل (في الأسماء) والاسم عند النّحاة ما دلّ على مسمّى دلالة إشارة، واشتقاقه من السّمة وهي العلامة لأنه يصير علامة على المسمّى يميزه عن غيره، أو من السموّ لأن الاسم يعلو المسمّى باعتبار وضعه عليه. ثم المراد هنا بالاسم أحد أقسام الكلم، وهو ما ليس بكنية ولا لقب وفيه جملتان:

الجملة الأولى (في أصل التسمية والمقصود منها، وتنويع الأسماء، وما يستحسن منها، وما يستقبح)

الجملة الأولى (في أصل التسمية والمقصود منها، وتنويع الأسماء، وما يستحسن منها، وما يستقبح) أما أصل التسمية فهي لا تخرج عن أمرين: أحدهما أن يكون الاسم مرتجلا: بأن يضعه الواضع على المسمّى ابتداء، كأدد اسم رجل، وسعاد اسم امرأة، فإنهما ليسا بمسبوقين بالوضع على غيرهما، والرجوع في معرفة ذلك إلى النقل والاستقراء. والثاني أن يكون الاسم منقولا عن معنى آخر، كاسد إذا سمّي به الرجل نقلا عن الحيوان المفترس، وزيد إذا سمّي به نقلا عن معنى الزيادة وما أشبه ذلك. وهذا هو أكثر الأسماء الأعلام وقوعا، والرجوع في معرفته إلى النقل والاستقراء أيضا كما تقدّم في المرتجل. وأما المقصود من التسمية، فتمييز المسمّى عن غيره، بالاسم الموضوع عليه ليتعرّف. وأما تنويع الأسماء، فيختلف باختلاف المسمّين وما يدور في خزائن خيالهم مما يألفونه ويجاورونه ويخالطونه. فالعرب- أكثر أسمائهم منقولة عمّا لديهم مما يدور في خزائن خيالهم إما من أسماء الحيوان كبكر: وهو ولد الناقة، وأسد: وهو الحيوان المفترس المعروف، وإما من أسماء النّبات كحنظلة: وهو اسم لواحدة الحنظل الذي هو النبات المعروف من نبات البادية، وطلحة: وهو اسم لشجرة من شجر الغضى، وعوسجة: وهم اسم لشجرة من شجر البادية. وإما من أجزاء الأرض كحزن: وهو الغليظ من الأرض، وصخر: وهو الصّلد من الحجارة. وإما من أسماء الزّمان

كربيع: وهو أحد فصول السنة الأربعة. وإمّا من أسماء النّجوم كسماك «1» : اسم لنجم معروف. وإما من أسماء الفاعلين: كحارث فاعل من الحرث، وهمّام فاعل من همّ أن يفعل كذا، إلى غير ذلك من المنقولات التي لا تحصى. وكان من عادتهم أن يختاروا لأبنائهم من الأسماء ما فيه البأس والشّدّة ونحو ذلك: كمحارب، ومقاتل، ومزاحم، ومدافع ونحو ذلك، ولمواليهم ما فيه معنى التّفاؤل: كفرح، ونجاح، وسالم، ومبارك، وما أشبهها، ويقولون: أسماء أبنائنا لأعدائنا، وأسماء موالينا لنا، وذلك أن الإنسان أكثر ما يدعو في ليله ونهاره مواليه للاستخدام دون أبناءه فإنه إنما يحتاج إليهم في وقت القتال ونحوه. والتّرك- راعوا في أسمائهم ما يدلّ على الجلادة والقوّة مما يألفونه ويجاورونه، وغالب ما يسمّون باسم بغا، ومعناه بلغتهم الفحل: إما مفردا كما تقدّم وهو قليل، وإما موصوفا بحيوان من الحيوانات، مقدّمين الصفة على الموصوف على قاعدة لغتهم في ذلك، كطيبغا بمعنى فحل مهر. وإما بمعدن من المعادن: كالطنبغا بمعنى فحل ذهب، وكمشبغا بمعنى فحل فضة، وتمربغا بمعنى فحل حديد. وربما أبدل اسم الفحل باسم الحديد، واسمه بلغتهم دمركبى دمر بمعنى أمير حديد، وطي دمر بمعنى مهر حديد. وربما أفردوا الاسم بالوصف كدمر بمعنى حديد، وأرسلان بمعنى أسد، وتنكز بمعنى بحر، ونحو ذلك إلى غير ذلك من المفردات والمركّبات التي لا يأخذها حصر. وكذلك كلّ أمة من أمم الأعاجم تراعي في التسمية ما يدور في خزانة خيالها مما يخالطونه ويجاورونه.

فالمسلمون

وأما الأمم المتديّنة فإنهم راعوا في أسمائهم التسمية بأسماء أنبيائهم وصحابهم. فالمسلمون - تسمّوا باسمي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الواردين في القرآن وهما «محمد» و «أحمد» إذ يقول صلّى الله عليه وسلّم، تسمّوا باسمي. وكذلك تسمّوا باسم غيره من الأنبياء عليهم السلام: إما بكثرة: كإبراهيم، وموسى، وهارون، وإما بقلّة: كآدم، ونوح، ولوط. وأخذوا بوافر حظّ من أسماء الصّحابة رضوان الله عليهم: كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وحسن، وحسين، وما أشبه ذلك. والنصارى - تسمّوا باسم عيسى وغيره من الأنبياء عليهم السلام ممن يعتقدون نبوّته: كإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وموسى، وكذلك أسماء الحواريّين: كبطرس، ويوحنّا، وتوما، ومتّى، ولوقا، وسمعان، وبرتلوما، وأندراوس، ونحوها: كمرقص، وبولص، وغيرهما. واليهود - تسمّوا باسم موسى عليه السّلام وغيره من الأنبياء الذين يعتقدون نبوّتهم: كإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، ولم يتسمّوا باسم عيسى عليه السلام لإنكارهم نبوّته. وأما ما يستحسن من الأسماء فما وردت الشريعة بالنّدب إلى التسمية به: كأسماء الأنبياء عليهم السلام، وعبد الله، وعبد الرحمن، ففي سنن أبي داود والتّرمذيّ من رواية أبي وهب الجشميّ أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «تسمّوا بأسماء الأنبياء، وأحبّ الأسماء إلى الله عبد الله، وعبد الرحمن، وأصدقها حارث، وهمّام، وأقبحها حرب، ومرّة» . وأما ما يستقبح فما وردت الشريعة بالنهي عنه: إما لكراهة لفظه كحرب ومرّة، وإما للتطيّر به كرباح، وأفلح، ونجيح، وراجح، ورافع، ونحوها. ففي

الجملة الثانية (في مواضع ذكر الأسماء في المكاتبات والولايات)

صحيح مسلم وغيره النهي عن التسمية بمثل ذلك معلّلا بأنك تقول: أثمّ هو؟ فيقال لا، وإما لعظمة فيه: كالتسمية بشاهنشاه، ومعناه بالفارسية ملك الأملاك. ففي الصحيحين من رواية أبي هريرة أنه أخنع اسم. وقد ورد في جامع الترمذيّ من حديث عائشة رضي الله عنها، «أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يغيّر الاسم القبيح» . الجملة الثانية (في مواضع ذكر الأسماء في المكاتبات والولايات) أما المكاتبات، فالأسماء التي تذكر فيها على أربعة أنواع: النوع الأوّل (اسم المكتوب عنه) وذكره إنما يقع في المكاتبات في موضع الخضوع والتواضع، إذ من شأن المكتوب عنه ذلك، وله محلّان: المحل الأوّل - في نفس المكاتبة وذلك فيما إذا كانت المكاتبة بصورة «من فلان إلى فلان» كما كان يكتب عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: من محمّد رسول الله إلى فلان، وكما كان يكتب عن الخلفاء: من عبد الله فلان أمير المؤمنين إلى فلان، وكما يكتب الآن في المكاتبات السلطانية إلى ملوك المغرب، وما يكتب عنهم إلى الأبواب السلطانية ونحو ذلك. المحل الثاني - العلامة في المكاتبات كما يكتب المملوك فلان، أو أخوه فلان، أو شاكره فلان، أو فلان فقط، ونحو ذلك على اختلاف المراتب الآتية على ما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. النوع الثاني (اسم المكتوب إليه، وله محلّان) المحل الأوّل - ابتداء المكاتبة كما يكتب في بعض المكاتبات «من فلان إلى فلان، أو إلى فلان من فلان» ونحو ذلك، وكما يكتب في مكاتبات القانات،

المحل الثاني

فلان خان، وكما يذكر اسم ملوك الكفر في مكاتباتهم عن الأبواب السلطانية ونحو ذلك. وفيما عدا ذلك من المكاتبات المصدّرة بالتقبيل والدعاء وغيرهما من المصطلح عليه في زماننا وما قاربه لا يصرّح باسم المكتوب إليه غالبا تعظيما له عن التفوّه بذكره، إذ ترك التصريح بالاسم دليل التعظيم والتوقير والتبجيل، بخلاف الكنية واللّقب، فإنهما بصدد التعظيم للملقّب أو المكنيّ على ما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى ولذلك لم يخاطب الله تعالى نبيّه محمدا صلّى الله عليه وسلّم في كتابه العزيز باسمه تشريفا لمقامه، ورفعة لمحله، فلم يقل يا محمد ويا أحمد كما قال يا آدم، يا نوح، يا إبراهيم، يا موسى، يا عيسى. بل قال يا أَيُّهَا الرَّسُولُ* يا أَيُّهَا النَّبِيُّ* وقد صرح أصحابنا الشافعية وغيرهم أنه لا يجوز نداؤه صلّى الله عليه وسلّم باسمه احتجاجا بالآية الكريمة. وفي كتاب ابن السنيّ عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلا معه غلام فقال للغلام: من هذا؟ - قال أبي- قال: فلا تمش أمامه ولا تستسبّ له، ولا تجلس قبله، ولا تدعه باسمه» . المحل الثاني - العنوان من الأدنى إلى الأعلى. كما يكتب في عنوان بعض المكاتبات «مطالعة المملوك فلان» على ما سيأتي في الكلام على العنوان. وإذا كان من تعظيم المخاطب أن لا يخاطب باسمه فكذلك في مكاتبته: لأن المكاتبة الصادرة إلى الشخص قائمة مقام خطابه، بل المكاتبة أجدر بالتعظيم لاصطلاحهم في القديم والحديث على ذلك. النوع الثالث (اسم المكتوب بسببه) وهو مما لا نقص فيه بسبب ذكره، إذ لا بدّ من التصريح باسمه ليعرف، اللهم إلا أن يشتهر حتّى تغني شهرته عن ذكر اسمه، وله محلان: المحل الأوّل - في الطرّة «1» بأن يقال «هذا ما عهد به فلان» إما الخليفة في

المحل الثاني

عهده بالخلافة أو السّلطنة، أو السلطان في عهده بالسلطنة على ما سيأتي بيانه. وفي معنى ذلك البيعات بأن يقال «مبايعة شريفة لفلان» ونحو ذلك. المحل الثاني - صدر الولاية حيث يقال: هذا ما عهد عبد الله ووليّه فلان، أو من عبد الله ووليّه فلان، ونحو ذلك على اختلاف المذاهب في الابتداء على ما سيأتي. النوع الرابع (اسم من تصدر إليه الولاية، وله محلان) المحل الأوّل - في الطّرّة إما في العهود حيث يقال. هذا ما عهد فلان إلى فلان. وإما في التقاليد والتواقيع والمراسيم، حيث يقال: أن يفوّض إلى فلان، أو أن يستقرّ فلان، أو أن يرتّب فلان. المحل الثاني - أثناء الولاية حيث يقال: أن يفوّض إلى فلان، أو أن يستقرّ فلان، أو أن يرتّب فلان، على نظير ما في الطرّة، أما المولّى عليه فقلّ أن يذكر كما في التحدّث على شخص معيّن ونحوه. الطّرف الثاني (في الكنى) والكنية عند النّحاة أحد أقسام العلم أيضا، والمراد بها ما صدّر بأب أو أمّ، مثل أبي القاسم، وأمّ كلثوم وما أشبه ذلك. وقد كان للعرب بالكنى أتمّ العناية، حتى إنهم كنّوا جملة من الحيوان بكنى مختلفة: فكنّوا الأسد بأبي الحارث، والثعلب بأبي الحصين، والدّيك بأبي سليمان، وكنّوا الضّبع بأمّ عامر، والدّجاجة بأمّ حفصة، والجرادة بأمّ عوف ونحو ذلك. وفيه ثلاث جمل:

الجملة الأولى (في جواز الكنية، وهي على نوعين)

الجملة الأولى (في جواز الكنية، وهي على نوعين) النوع الأوّل (كنى المسلمين) قال الشيخ محيي الدين النوويّ رحمه الله في كتابه «الأذكار» : وجواز التكنّي أشهر من أن نذكر فيه شيئا منقولا، فإن دلائله يشترك فيها الخواصّ والعوامّ. قال: والأدب أن يخاطب أهل الفضل ومن قاربهم بالكنية، وكذلك إن كتب إليه رسالة، أو روى عنه رواية. فيقال: حدثنا الشيخ أو الإمام أبو فلان فلان بن فلان وما أشبهه. واعلم أن الأوّلين أكثر ما كانوا يعظّمون بعضهم بعضا في المخاطبات ونحوها بالكنى، ويرون ذلك في غاية الرّفعة ونهاية التعظيم حتّى في الخلفاء والملوك: فيقال: أبو فلان فلان، وبالغوا في ذلك حتّى كنّوا من اسمه في الأصل كنية فقالوا في أبي بكر «أبو المناقب» اعتناء بشأن الكنية، وربما وقف الأمر في الزمن القديم في تكنية خاصّة الخليفة وأمرائه على ما يكنّيه به الخليفة، فيكون له في الرّفعة منتهى ينتهي إليه، ثم رجع أمرهم بعد ذلك إلى التعظيم بالألقاب. على أن التعظيم بالكنى باق في الخلفاء والملوك فمن دونهم إلى الآن على ما ستقف عليه في مواضعه إن شاء الله تعالى، وكذلك القضاة والعلماء، بخلاف الأمراء والجند والكتّاب، فإنه لا عناية لهم بالتكنّي. ثم لا فرق في جواز التكنّي بين الرجال والنساء، فقد كانت «عائشة» أمّ المؤمنين رضي الله عنها تكنّى «بأمّ عبد الله» وكذلك غيرها من نساء الصحابة والتابعين كان لهنّ كنى يكتنين بها. النوع الثاني (كنى أهل الكفر والفسقة والمبتدعين) قال النوويّ: والكافر والفاسق والمبتدع إن كان لا يعرف إلا بالكنية جاز

الجملة الثانية (فيما يكنى به، وهو على نوعين)

تكنيته. قال تعالى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ «1» واسمه عبد العزّى، قيل: إنه ذكر تكنيته لكونه كان لا يعرف إلا بها، وقيل: كراهة لاسمه حيث جعل عبدا للصّنم، وقد تكرر في الحديث ذكر أبي طالب بكنيته، واسمه عبد مناف. وفي الصحيح أنه صلّى الله عليه وسلّم «لمّا مرّ بأرض الحجر من الشأم، قال هذا قبر أبي رغال» لعاقر الناقة من قوم ثمود. قال: وكذلك إذا خيف من ذكره باسمه فتنة، كما ثبت في الصحيحين «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركب على حمار ليعود سعد بن عبادة «2» رضي الله عنه، فمرّ في طريقه على عبد الله بن أبيّ ابن سلول المنافق «3» ، وما كان من بذاءته على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين مرّ عليه، وأن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سار حتّى دخل على سعد بن عبادة- فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب؟ (يريد عبد الله بن أبيّ ابن سلول) قال كذا وكذا. وذكر الحديث. قال: فإن كان يعرف بغير الكنية ولم تخف فتنة لم يزد على الاسم كما ثبت في الصحيحين أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كتب «من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل» فسمّاه باسمه ولم يكنّه ولا لقّبه بملك الرّوم. قال: ونظائر هذا كثيرة، وقد أمرنا بالإغلاظ عليهم، ولا ينبغي لنا أن نكنّيهم، ولا نرفق بهم، ولا نلين لهم قولا، ولا نظهر لهم ودّا ولا مؤالفة. الجملة الثانية (فيما يكنى به، وهو على نوعين) النوع الأوّل (كنى الرجال، ولها حالان) الحال الأوّل- أن يكون للرجل ولد أو أولاد . قال النوويّ: فإن كان له ولد

الحال الثاني - أن لا يكون للرجل ولد بأن لم يولد له ولد أصلا

يكنّى به، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الولد ذكرا أو أنثى، فيجوز تكنية الرجل بأبي فلانة كما يجوز بأبي فلان. فقد تكنّى جماعة من أفاضل السّلف من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم بأبي فلانة، فمن الصحابة أبو ليلى: والد عبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو فاطمة الليثيّ، وأبو مريم الأزديّ، وأبو رقيّة تميم الداريّ، وأبو زرعة المقداد بن معدى كرب. ومن التابعين أبو عائشة مسروق بن الأجدع وخلائق لا يحصون. وإن كان له أولاد يكنّى بأكبرهم: فقد كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يكنّى بأبي القاسم، وكان القاسم أكبر بنيه. وفي سنن أبي داود والنّسائيّ عن شريح الحارثيّ أنه وفد على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع قومه فسمعهم يكنّونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ الله هو الحكم وإليه الحكم! فلم تكنّى أبا الحكم؟ - فقال: إنّ قومي اختلفوا في شيء فأتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما أحسن هذا! فما لك من الولد؟ - قال: شريح، ومسلم، وعبد الله- قال: فمن أكبرهم؟ - قال- شريح- قال: فأنت أبو شريح» . فلو تكنّى بغير أولاده فلا بأس به قاله النوويّ. ثم قال: وهذا الباب واسع لا يحصى من يتّصف به. وقد اختلف في جواز التكنّي بأبي القاسم: فنص الشافعيّ رضي الله عنه على أنّه لا يجوز التكنّي بذلك مطلقا، لما ورد أنه صلّى الله عليه وسلّم قال «تسمّوا باسمى ولا تكتنوا بكنيتي» . وذهب ذاهبون إلى تخصيص ذلك بحياته صلّى الله عليه وسلّم احتجاجا بأن المنع فيه كان لعلّة: وهي أن اليهود كانوا ينادون يا أبا القاسم! فإذا التفت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالوا: لم نعنك، قصدا لإيذائه صلّى الله عليه وسلّم وقد زالت هذه العلّة بوفاته صلّى الله عليه وسلّم، واختاره النوويّ من أصحابنا الشافعية. وذهب آخرون إلى تخصيص المنع بما إذا جمع لواحد بين الاسم والكنية، بأن يتسمّى محمدا ويتكنّى بأبي القاسم، بخلاف ما إذا لم يكن اسمه محمدا فإنه يجوز، وهو وجه قويّ. الحال الثاني- أن لا يكون للرجل ولد بأن لم يولد له ولد أصلا ، قال

النوع الثاني (كنى النساء)

النوويّ: فيجوز تكنيته حتّى الصّغير. ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير (قال الراوي) : أحسبه فطيما، وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا جاء يقول يا أبا عمير، ما فعل النّغير؟ لنغير كان يلعب به» . قال النوويّ: وكان من الصحابة رضوان الله عليهم جماعات لهم كنّى قبل أن يولد لهم، كأبي هريرة وخلائق لا يحصون من التابعين فمن بعدهم. قال: ولا كراهة فيه بل هو محبوب بشرطه. واعلم أن الرجل قد يكون له كنيتان فأكثر، فقد كان لأمير المؤمنين عثمان ابن عفّان رضي الله عنه ثلاث كنّى: أبو عمرو، وأبو عبد الله، وأبو ليلى. النوع الثاني (كنى النساء) والحال فيه أنه إن كان للمرأة ولد تكنّت به ذكرا أو أنثى، كما تقدّم في الرجل. وإن كان لها أولاد تكنّت بأكبرهم مع جواز الكنية بغير أولادها كما في الرجل أيضا. قال النوويّ: ويجوز تكنيتها ولو لم يولد لها، ففي سنن أبي داود وغيره بأسانيد صحيحة عن عائشة رضي الله عنها قالت: «يا رسول الله كلّ صواحبي لهن كنّى، قال: فاكتني بابنك عبد الله- يعني عبد الله بن الزّبير، وهو ابن أختها أسماء، وكانت عائشة رضي الله عنها تكنى أمّ عبد الله» قال: هذا هو الصحيح المعروف. وما رواه ابن السنيّ عن عائشة أنها قالت «أسقطت من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سقطا فسمّاه عبد الله» فحديث ضعيف. ثم كما تجوز تكنية الرجل بأبي فلانة، يجوز تكنية المرأة بأمّ فلانة من باب أولى. الجملة الثالثة (في التكنّى في المكاتبات والولايات) فأما الكنية في المكاتبات فعلى ثلاثة أنواع:

النوع الأول (تكني المكتوب عنه)

النوع الأوّل (تكنّي المكتوب عنه) قال محمد بن عمر المدايني في كتاب «القلم والدواة» : أوّل من اكتنى في كتبه «الوليد بن عبد الملك» . قال النوويّ في «الأذكار» : والأدب أن لا يذكر الرجل كنيته في كتابه ولا في غيره إلا أن لا يعرف إلا بكنيته، أو كانت الكنية أشهر من اسمه. وقال أبو جعفر النحاس: إذا كانت الكنية أشهر، يكنّى على نظيره ويسمّى لمن فوقه ثم يلحق «المعروف أبا فلان، أو بأبي فلان» . ثم الكنية من المكتوب عنه قد تكون في صدر الكتاب كما يكتب عن الخلفاء «من عبد الله ووليه أبي فلان فلان أمير المؤمنين» أو في موضع العلامة كما يكتب في الطغراة من السلطان لملوك الكفر بعد سياقه ألقاب السلطان «أبو فلان فلان» أو في العنوان كما كان يكتب في المصطلح القديم «من أبي فلان فلان إلى فلان» . النوع الثاني (تكنية المكتوب إليه) وبه كان الاعتناء في الزمن المتقدّم لا سيّما إذا كان المكتوب إليه ممّن يستحقّ التعظيم بالتكنية. وكنية المكتوب إليه تارة تكون في عنوان الكتاب كما يكتب «إلى أبي فلان فلان» وتارة تكون في صدر الكتاب كما كان يكتب «من فلان إلى أبي فلان فلان» . النوع الثالث (تكنية المكتوب بسببه) وهي تارة تذكر في طرّة الكتاب فيقال فيمن قصد تعظيمه «بما قصده أبو فلان فلان» واستعماله قليل. وتارة تذكر في أثناء الكتاب حيث يجري ذكره. وأما الكنية في الولايات فلها محلان:

أحدهما- في طرّة الولاية، حيث يقال: «عهد شريف [لأبي فلان] «1» فلان» أو «تقليد شريف بأن يفوّض إلى [أبي فلان] «2» فلان» . والثاني- في أثناء الولايات حيث يجري ذكره على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة الثالثة (في الألقاب، وفيه طرفان)

الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة الثالثة (في الألقاب، وفيه طرفان) الطّرف الأوّل (في أصول الألقاب، وفيه جملتان) الجملة الأولى (في معنى اللّقب والنّعت، وما يجوز منه ويمتنع) أما اللقب «1» فأصله في اللغة النّبز- بفتح الباء. قال ابن حاجب النعمان في «ذخيرة الكتّاب» : والنّبز ما يخاطب به الرجل الرجل من ذكر عيوبه وما ستره عنده أحبّ إليه من كشفه، وليس من باب الشّتم والقذف. وأما النعت فأصله في اللغة الصّفة. يقال: نعته ينعته نعتا إذا وصفه. قال في «ذخيرة الكتّاب» : وهو متّفق على أنه ما يختاره الرجل ويؤثره ويزيد في إجلاله ونباهته، بخلاف اللّقب. قال: لكن العامّة استعملت اللقب في موضع النّعت الحسن، وأوقعوه موقعه لكثرة استعمالهم إيّاه، حتّى وقع الاتّفاق والاصطلاح على استعماله في التشريف والإجلال والتعظيم والزيادة في النّباهة والتّكرمة. قلت: والتحقيق في ذلك أن اللّقب والنعت يستعملان في المدح والذمّ جميعا: فمن الألقاب والنّعوت ما هو صفة مدح ومنها ما هو صفة ذمّ. وقد عرّفت النحاة اللقب بأنه ما أدّى إلى مدح أو ذمّ، فالمؤدّي إلى المدح كأمير المؤمنين، وزين العابدين، والمؤدّي إلى الذمّ كأنف الناقة وسعيد كرز وما أشبه ذلك.

والنعت تارة يكون صفة مدح، وتارة يكون صفة ذمّ، ولا شكّ أن المراد هنا من اللقب والنّعت ما أدّى إلى المدح دون الذمّ. وقد اصطلح الكتّاب على أن سمّوا صفات المدح التي يوردونها في صدور المكاتبات ونحوها بصيغة الإفراد كالأمير والأميريّ والأجلّ والأجلّيّ والكبير والكبيريّ ونحو ذلك ألقابا، وصفات المدح التي يوردونها على صورة التركيب كسيف أمير المؤمنين وظهير الملوك والسّلاطين ونحو ذلك نعوتا، ولا معنى لتخصيص كلّ واحد منهما بالاسم الذي سمّوه به إلا مجرّد الاصطلاح، ولا نزاع في إطلاق اللقب والنعت عليهما باعتبارين: فمن حيث إنها صفات مؤدّية إلى المدح يطلق عليها اسم اللقب، ومن حيث إنها صفات لذوات قائمة بها يطلق عليها اسم النعت. وأما ما يجوز من ذلك ويمتنع، فالجائز منه ما أدّى إلى المدح مما يحبّه صاحبه ويؤثره، بل ربما استحبّ، كما صرح به النوويّ في «الأذكار» للإطباق على استعماله قديما وحديثا. والممتنع منه ما أدّى إلى الذمّ والنّقيصة مما يكرهه الإنسان ولا يحبّ نسبته إليه. قال النوويّ: وهو حرام بالاتفاق، سواء كان صفة له: كالأعمش، والأجلح، والأعمى، والأحول، والأشجّ، والأصفر، والأحدب، والأصمّ، والأزرق، والأشتر، والأثرم، والأقطع، والزّمن، والمقعد، والأشلّ، وما أشبه ذلك. أو كان صفة لأبيه: كابن الأعمى، أو لأمّه: كابن الصّوراء ونحو ذلك مما يكرهه قال تعالى: وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ «1» قال: واتفقوا على جواز ذكره بذلك على جهة التعريف لمن لا يعرفه إلا بذلك، ودلائل ذكره كثيرة مشهورة، وهو أحد المواضع التي تجوز فيها الغيبة.

الجملة الثانية (في أصل وضع الألقاب والنعوت المؤدية إلى المدح)

الجملة الثانية (في أصل وضع الألقاب والنّعوت المؤدّية إلى المدح) واعلم أن ألقاب المدح ونعوته لم تزل واقعة على أشراف الناس وجلّة الخلق في القديم والحديث؛ فقد ثبت تلقيب إبراهيم عليه السّلام ب «الخليل» وتلقيب موسى عليه السّلام ب «الكليم» وتلقيب عيسى عليه السّلام ب «المسيح» وتلقيب يونس عليه السّلام ب «ذي النّون» وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يلقّب قبل البعثة ب «الأمين» ووردت التواريخ بذكر ألقاب جماعة من العرب في الجاهليّة: كذي يزن، وذي المنار، وذي نواس، وذي رعين، وذي جدن، وغيرهم مما هو مشهور شائع. وكذلك وقعت ألقاب المدح على كثير من عظماء الإسلام وأشرافه كالصحابة رضوان الله عليهم فمن بعدهم من الخلفاء والوزراء وغيرهم: فكان لقب أبي بكر «عتيقا» ثم لقّب ب «الصّدّيق» بعد ذلك، ولقب عمر «الفاروق» ولقب عثمان «ذا النّورين» ولقب عليّ «حيدرة» ولقب حمزة بن عبد المطلب «أسد الله» ولقب خالد بن الوليد «سيف الله» ولقب عمرو بن عمرو «ذا اليدين» ولقب مالك بن التّيّهان الأنصاريّ «ذا السّيفين» ولقب خزيمة بن ثابت الأنصاريّ «ذا الشّهادتين» ولقب جعفر بن أبي طالب بعد استشهاده «ذا الجناحين» . وأما الخلفاء، فخلفاء بني أميّة لم يتلقب أحد منهم، فلما صارت الخلافة إلى بني العبّاس وأخذت البيعة لإبراهيم بن محمد، لقّب ب «الإمام» ثم تلقب من بعده من خلفائهم: فتلقب محمد بن عليّ ب «السّفّاح» لكثرة ما سفح من دماء بني أميّة. واختلف في لقبه بالخلافة: فقيل «القائم» وقيل «المهتدي» وقيل «المرتضي» وألقاب الخلفاء بعده وإلى زماننا معروفة مشهورة على ما مرّ ذكره في المقالة الثانية. وعلى ذلك كانت ألقاب خلفاء بني أميّة بالاندلس إلى حين انقراضهم على ما هو مذكور في مكاتبة صاحب الاندلس، على ما سيأتي في المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى. ثم تعدّت ألقاب الخلافة إلى كثير من ملوك الغرب بعد ذلك، وتلا الخلفاء

في الألقاب الوزراء لاستقبال الدولة العباسيّة وما بعد ذلك: فلقّب أبو سلمة الخلّال وزير السّفّاح ب «وزير آل محمد» ولقّب المهديّ وزيره يعقوب بن داود بن طهمان «الأخ في الله» ولقّب المأمون الفضل بن سهل حين استوزره «ذا الكفايتين» ولقّب أخاه الحسن بن سهل «ذا الرّياستين» ولقّب المعتمد على الله وزيره صاعد ابن مخلد «ذا الوزارتين» إشارة إلى وزارة المعتمد والموفّق، وكان لقب إسماعيل ابن بلبل الشكور «الناصر لدين الله» كألقاب الخلفاء. وكذلك وقع التلقيب لجماعة من أرباب السّيوف وقوّاد الجيوش: فتلقب أبو مسلم الخراسانيّ صاحب الدعوة ب «أمير آل محمد» . وقيل «سيف آل محمد» وتلقب أبو الطيّب طاهر بن الحسين ب «ذي اليمينين» ولقّب المعتصم بالله حيدر ابن كاووس ب «الأفشين» لأنه أشروسنيّ والأفشين لقب على الملك بأشرو سنة ولقّب إسحاق بن كيداح أيام المعتمد ب «ذي السّيفين» ولقّب مؤنس في أيام المقتدر ب «المظفّر» ولقّب سلامة أخو نجح أيام القاهر ب «المؤتمن» ولقّب أبو بكر بن محمد بن طغج الراضي بالله ب «الأخشيد» والأخشيد لقب على الملك بفرغانة. ثم وقع التلقيب بالإضافة إلى الدّولة في أيام المكتفي «1» بالله: فلقّب المكتفي أبا الحسين بن القاسم بن عبيد الله وليّ الدولة، وهو أوّل من لقّب بالإضافة إلى الدولة، ولقّب المقتدر بالله عليّ بن أبي الحسين المتقدّم ذكره «عميد الدولة» . ووافت الدولة البويهيّة أيام المطيع لله والأمر جار على التلقيب بالإضافة للدولة، فافتتحت ألقاب الملوك بالإضافة إلى الدولة، فكان أوّل من لقّب بذلك من الملوك بنو بوية الثلاثة: فلقّب أبو الحسن عليّ بن بويه ب «عماد الدولة» ولقّب أخوه أبو عليّ الحسن ب «- ركن الدولة» وأخوهما أبو الحسين أحمد ب «- معزّ الدولة»

ثم وافى «عضد الدولة» من بعدهم فاقترح أن يلقب ب «- تاج الدّولة» فلم يجب إليه وعدل به إلى «عضد الدولة» ، فلما بذل نفسه للمعاونة على الأتراك، اختار له أبو إسحاق الصابي صاحب ديوان الإنشاء «تاج الملّة» مضافا إلى عضد الدولة، فكان يقال «عضد الدولة وتاج الملّة» ولقّب أبو محمد الحسن بن حمدان أيام المتقي لله «ناصر الدولة» ولقّب أخوه أبو الحسن عليّ بن حمدان «سيف الدولة» . وبقي الأمر على التلقيب بالإضافة إلى الدولة إلى أيام القادر بالله فافتتح التلقيب بالإضافة إلى الدين. وكان أوّل من لقّب بالإضافة إليه أبو نصر بهاء الدولة ابن عضد الدولة بن بويه، زيد على لقبه بهاء الدولة «نظام الدّين» فكان يقال «بهاء الدولة ونظام الدّين» قال ابن حاجب النعمان: ثم تزايد التلقيب به وأفرط، حتّى دخل فيه الكتّاب والجند والأعراب والأكراد، وسائر من طلب وأراد، وكره (؟) حتّى صار لقبا على الأصل. ولا شك أنه في زماننا قد خرج عن الحدّ حتّى تعاطاه أهل الأسواق ومن في معناهم، ولم تصر به ميزة لكبير على صغير، حتى قال قائلهم: (خفيف) طلع الدّين مستغيثا إلى الله ... وقال العباد قد ظلموني يتسمّون بي، وحقك لا أعرف ... منهم شخصا ولا يعرفوني أما الديار المصرية فكان جريهم في الألقاب على ما ينتهي إليهم خبره من ألقاب الدولة العباسية ببغداد، فتلقب خلفاء الفاطميّين بها بنحو ألقاب خلفاء بني العبّاس ببغداد، فكان لقب أوّل خلفائهم بها «المعزّ لدين الله» وثانيهم بها «العزيز بالله» وعلى ذلك إلى أن كان لقب آخرهم «العاضد لدين الله» على ما تقدم في المقالة الثانية في الكلام على ملوك الديار المصرية. وتلقب وزراؤهم وكتّابهم بالإضافة إلى الدولة، وممن لقّب بذلك في دولتهم «وليّ الدولة» بن أبي كدينة وزير المستنصر، وأيضا «وليّ الدولة» بن خيران كاتب الإنشاء المشهور. ولما صارت الوزارة لبدر الجماليّ تلقّب ب «أمير الجيوش» . ثم تلقب الوزراء بعده بنحو «الأفضل» و «المأمون» . ثم تلقبوا بالملك

الطرف الثاني (في بيان معاني الألقاب، وفيه تسع جمل)

الفلانيّ، ك «الملك الأفضل» و «الملك الصالح» ونحو ذلك على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وكان الكتّاب في أواخر الدولة الفاطميّة إلى أثناء الدولة الأيّوبيّة يلقبون ب «الفاضل» و «الرّشيد» و «العماد» وما أشبه ذلك، ثم دخلوا في عموم التلقيب بالإضافة إلى الدين، واختص التلقيب بالإضافة إلى الدولة كوليّ الدولة بكتّاب النصارى، والأمر على ذلك إلى الآن. الطرف الثاني (في بيان معاني الألقاب، وفيه تسع جمل) الجملة الأولى (في الألقاب الخاصّة بأرباب الوظائف المعتبرة التي بها انتظام أمور المملكة وقوامها، وهي قسمان) القسم الأوّل (الألقاب الإسلاميّة، وهي نوعان) النوع الأوّل (الألقاب القديمة المتداولة الحكم إلى زماننا، وهي صنفان) الصنف الأوّل (ألقاب أرباب السيوف، وهي سبعة ألقاب) الأوّل- الخليفة . وهو لقب على الزعيم الأعظم القائم بأمور الأمّة، وقد اختلف في معناه، فقيل: إنه فعيل بمعنى مفعول، كجريح بمعنى مجروح، وقتيل بمعنى مقتول ويكون المعنى أنه يخلفه من بعده، وعليه حمل قوله تعالى إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً «1» على قول من قال: إن آدم عليه السّلام أوّل من عمر

الأرض وخلفه بنوه من بعده. وقيل: فعيل بمعنى فاعل، ويكون المراد أنه يخلف من بعده، وعليه حمل الآية من قال إنه كان قبله في الأرض الجنّ وإنه خلفهم فيها، واختاره النّحّاس «1» في «صناعة الكتّاب» : وعليه اقتصر البغويّ في «شرح السّنّة» والماورديّ في «الأحكام السّلطانية» . قال النّحاس: وعليه خوطب أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه بخليفة رسول الله. وقد أجازوا أن يقال في الخليفة «خليفة رسول الله» لأنه خلفه في أمّته. واختلفوا هل يجوز أن يقال فيه خليفة الله: فجوّز بعضهم ذلك لقيامه بحقوقه في خلقه محتجّين بقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ «2» وامتنع جمهور الفقهاء من ذلك محتجّين بأنه إنما يستخلف من يغيب أو يموت والله تعالى باق موجود إلى الأبد لا يغيب ولا يموت. ويؤيّد ما نقل عن الجمهور بما روي أنه قيل لأبي بكر رضي الله عنه: يا خليفة الله- فقال: لست بخليفة الله ولكنّي خليفة رسول الله، وقال رجل لعمر بن عبد العزيز: يا خليفة الله- فقال: ويلك! لقد تناولت متناولا بعيدا! إنّ أمّي سمّتني عمر، فلو دعوتني بهذا الاسم قبلت، ثم كبرت فكنّيت أبا حفص، فلو دعوتني به قبلت، ثم ولّيتمونى أموركم فسمّيتموني أمير المؤمنين، فلو دعوتني به كفاك. وخصّ البغويّ جواز إطلاق ذلك بآدم وداود عليهما السلام، محتجّا بقوله تعالى في حق آدم: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً «3» وقوله في حقّ داود: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ «4» ثم قال: ولا يسمّى أحد خليفة الله بعدهما. قال في «شرح السنة» : ويسمّى خليفة وإن كان مخالفا لسيرة أئمة العدل. ثم قد كره جماعة من الفقهاء منهم «أحمد بن حنبل» إطلاق اسم الخليفة

على ما بعد خلافة «الحسن بن عليّ» رضي الله عنهما فيما حكاه النحاس وغيره، محتجّين بحديث «الخلافة بعدي ثلاثون» يعني ثلاثين سنة، وكان انقضاء الثلاثين بانقضاء خلافة الحسن، ولما انقضت الخلافة صارت ملكا. قال المعافى بن إسماعيل في تفسيره: وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل طلحة والزّبير وكعبا وسلمان عن الفرق بين الخليفة والملك- فقال طلحة والزبير لا ندري- فقال سلمان: الخليفة الذي يعدل في الرعيّة، ويقسم بينهم بالسّويّة، ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهله والوالد على ولده، ويقضي بينهم بكتاب الله تعالى- فقال كعب: ما كنت أحسب أن في هذا المجلس من يفرّق بين الخليفة والملك، ولكنّ الله ألهم سلمان حكما وعلما!. واختلف في الهاء في آخره: فقيل أدخلت فيه للمبالغة كما أدخلت في رجل داهية وراوية وعلّامة ونسّابة وهو قول الفرّاء، واستحسنه النحاس ناقلا له عن أكثر النحويين وخطّأه عليّ بن سليمان محتجّا بأنه لو كان كذلك لكان التأنيث فيه حقيقيّا، وقيل: الهاء فيه لتأنيث الصّيغة. قال النحاس: وربما أسقطوا الهاء منه وأضافوه فقالوا «فلان خليف فلان» يعنون خليفته. ثم الأصل فيه التذكير نظرا للمعنى لأن المراد بالخليفة رجل وهو مذكّر، فيقال أمر الخليفة بكذا على التذكير، وأجاز الكوفيّون فيه التأنيث على لفظ خليفة فيقال أمرت الخليفة بكذا، وأنشد الفرّاء: أبوك خليفة ولدته أخرى ومنعه البصريون محتجين بأنه لو جاز ذلك لجاز قالت طلحة في رجل اسمه طلحة وهو ممتنع. فإن ظهر اسم الخليفة تعين التذكير باتّفاق فتقول قال أبو جعفر الخليفة أو قال الراضي الخليفة ونحو ذلك. ويجمع على خلفاء ككريم وكرماء، وعليه ورد قوله تعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ «1» وعلى

الثاني - الملك

خلائف كصحيفة وصحائف، وعليه جاء قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ «1» والنسبة إليه خلفيّ كما ينسب إلى حنيفة حنفيّ، وقول العامة درهم خليفتيّ ونحوه خطأ، إذ قاعدة النسب أن يحذف من المنسوب إليه الياء وهاء التأنيث على ما هو مقرّر في علم النحو. وممن وهم في ذلك المقرّ الشهابيّ بن فضل الله رحمه الله في كتابه «التعريف» حيث قال: وأوّل ما نبدأ بالمكاتبة إلى الأبواب الشريفة الخليفتيّة، ولعله سبق قلم منه، وإلا فالمسألة أظهر من أن يجهلها أو تخفى عليه. الثاني- الملك . وهو الزّعيم الأعظم ممن لم يطلق عليه اسم الخلافة، وقد نطق القرآن بذكره في غير موضع كما في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً «2» (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ* «3» إلى غير ذلك من الآيات. ويقال فيه ملك بكسر اللام وملك بإسكانها ومليك بزيادة ياء، ومنه قوله تعالى: عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ «4» قال الجوهري: والملك مقصور من مالك أو مليك، ويجمع على ملوك وأملاك. ويقال لموضع الملك المملكة. الثالث- السّلطان ، وهو اسم خاصّ في العرف العامّ بالملوك. ويقال: إن أوّل من لقّب به «خالد بن برمك» وزير الرشيد، لقّبه به الرشيد تعظيما له، ثم انقطع التلقيب به إلى أيام بني بويه فتلقب به ملوكهم فمن بعدهم من الملوك السّلاجقة وغيرهم وهلمّ جرّا إلى زماننا. وأصله في اللغة الحجّة قال تعالى: وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ «5» يعني من حجّة. وسمّي السلطان بذلك لأنه حجّة على الرعية يجب عليهم الانقياد إليه.

الرابع - الوزير

واختلف في اشتقاقه: فقيل إنه مشتقّ من السّلاطة وهي القهر والغلبة: لقهره الرعية وانقيادهم له، وقيل مشتقّ من السليط وهو الشّيرج في لغة أهل اليمن لأنه يستضاء به في خلاص الحقوق، وقيل من قولهم لسان سليط أي حادّ ماض لمضيّ أمره ونفوذه. وقال محمد بن يزيد البصريّ: السّلطان جمع واحده سليط كقفيز وقفزان وبعير وبعران. وحكى صاحب «ذخيرة الكتّاب» «1» : أنه يكون واحدا ويكون جمعا، ثم هو يذكّر على معنى الرجل، ويؤنّث على معنى الحجّة. وحكى الكسائيّ والفرّاء على التأنيث عن بعض العرب قضت به عليك السلطان. قال العسكريّ في كتابه «الفروق» في اللغة: والفرق بينه وبين الملك أن الملك يختصّ بالزعيم الأعظم، والسّلطان يطلق عليه وعلى غيره. وعلى ما ذكره العسكريّ عرف الفقهاء في كتبهم، إذ يطلقونه على الحاكم من حيث هو حتّى على القاضي فيقولون فيمن ليس لها وليّ خاصّ يزوجها السلطان ونحو ذلك. ومن حيث إن السلطان أعمّ من الملك يقدّم عليه في قولهم السلطان الملك الفلانيّ: ليقع السلطان أوّلا على الملك وعلى غيره ثم يخرج غير الملك بعد ذلك بذكر الملك. الرابع- الوزير ، وهو المتحدّث للملك في أمر مملكته. واختلف في اشتقاقه: فقيل مشتق من الوزر بفتح الواو والزاي وهو الملجأ، ومنه قوله تعالى: كَلَّا لا وَزَرَ «2» سمّي بذلك لأن الرعية يلجأون إليه في حوائجهم، وقيل مشتق من الأوزار وهي الأمتعة، ومنه قوله تعالى: وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ «3» سمّي بذلك لأنه متقلّد بخزائن الملك وأمتعته، وقيل مشتق من الوزر بكسر الواو وإسكان الزاي وهو الثّقل، ومنه قوله تعالى: حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ «4»

الخامس - الأمير

أَوْزارَها سمّي بذلك لأنه يتحمل أثقال الملك وقيل مشتق من الأزر: وهو الظّهر، سمّي بذلك لأن الملك يقوى بوزيره كقوة البدن بالظهر، وتكون الواو فيه على هذا التقدير منقلبة عن همزة. وقد أوضحت القول في ذلك في «النفحات النّشرية في الوزارة البدرية» . قال القضاعي في «عيون المعارف في أخبار الخلائف» : وأوّل من لقّب بالوزارة في الإسلام أبو سلمة: حفص بن سلمان الخلّال وزير السفّاح. قال: وإنما كانوا قبل ذلك يقولون كاتب. ثم هو إما وزير تفويض: وهو الذي يفوّض الإمام إليه تدبير الأمور برأيه وإمضاءها على اجتهاده كما كانت الوزراء بالديار المصرية من لدن وزارة بدر الجماليّ وإلى حين انقراضها، وإما وزير تنفيذ: وهو الذي يكون وسيطا بين الإمام والرّعايا معتمدا على رأي الإمام وتدبيره. وهذه هي التي كان أهل الدولة الفاطمية يعبّرون عنها بالوساطة، أما الوزارة في زماننا فقد تقاصرت عن ذلك كلّه حتّى لم يبق منها إلا الاسم دون الرّسم، ولم تزل الوزارة في الدّول تتردّد بين أرباب السيوف والأقلام تارة وتارة إلا أنها في زماننا في أرباب الأقلام. الخامس- الأمير . وهو زعيم الجيش أو الناحية ونحو ذلك ممن يولّيه الإمام. وأصله في اللغة ذو الأمر وهو فعيل بمعنى فاعل فيكون أمير بمعنى آمر. سمّي بذلك لامتثال قومه أمره يقال: أمر فلان إذا صار أميرا، والمصدر الإمرة والإمارة بالكسر فيهما، والتأمير تولية الأمير، وهي وظيفة قديمة. السادس- الحاجب . وهو في أصل الوضع عبارة عمن يبلّغ الأخبار من الرعيّة إلى الإمام ويأخذ لهم الإذن منه، وهي وظيفة قديمة الوضع كانت لابتداء الخلافة فقد ذكر القضاعيّ في «عيون المعارف» لكل خليفة حاجبا من ابتداء الأمر وإلى زمانه: فذكر أنه كان حاجب أبي بكر الصّديق رضي الله عنه «شديدا» مولاه، وحاجب عمر «يرفأ» مولاه، وحاجب عثمان «حمران» مولاه، وحاجب عليّ «قنبرا» مولاه، وعلى ذلك في كل خليفة، ما عدا الحسن ابن عليّ رضي الله عنهما فإنه لم يذكر له حاجبا. وسمّي الحاجب بذلك لأنه يحجب الخليفة أو الملك عمّن يدخل إليه بغير إذن. قال زياد لحاجبه: «ولّيتك

السابع - صاحب الشرطة

حجابي وعزلتك عن أربع: هذا المنادي إلى الله في الصلاة والفلاح فلا تعوجنّه عنّي ولا سلطان لك عليه، وطارق الليل فلا تحجبه فشرّ ما جاء به ولو كان خيرا ما جاء في تلك الساعة، ورسول الثّغر فإنه إن أبطأ ساعة أفسد عمل سنة فأدخله عليّ وإن كنت في لحافي وصاحب الطعام فإن الطعام إذا أعيد تسخينه فسد» . ثم تصرّف الناس في هذا اللقب ووضعوه في غير موضعه، حتّى كان في أعقاب خلافة بني أمية بالأندلس ربما أطلق على من قام مقام الخليفة في الأمر، وكانوا في الدولة الفاطميّة بالديار المصرية يعبّرون عنه بصاحب الباب كما سبق بيانه في المقالة الثانية في الكلام على ترتيب دولتهم. أما في زماننا فإنه عبارة عمن يقف بين يدي السلطان ونحوه في المواكب، ليبلّغ ضرورات الرعية إليه، ويركب أمامه بعصا في يده، ويتصدّى لفصل المظالم بين المتداعيين خصوصا فيما لا تسوغ الدعوى فيه من الأمور الدّيوانية ونحوها. وله ببلاد المغرب والأندلس أوضاع تخصّه في القديم والحديث، على ما سيأتي ذكره في الكلام على مكاتباتهم في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى. السابع- صاحب الشّرطة . بضم الشين المعجمة وإسكان الراء: وهو المعبّر عنه في زماننا بالوالي، وتجمع الشّرطة على شرط بضم الشين المعجمة وفتح الراء. وفي اشتقاقه قولان: أحدهما أنه مشتق من الشّرط بفتح الشين والراء وهي العلامة، لأنهم يجعلون لأنفسهم علامات يعرفون بها، ومنه أشراط الساعة يعني علاماتها، وقيل من الشّرط بالفتح أيضا: وهو رذال المال، لأنهم يتحدثون في أرذال الناس وسفلتهم ممن لا مال له من اللّصوص ونحوهم. الصّنف الثاني (ألقاب أرباب الأقلام، وفيه ثلاثة ألقاب) الأوّل- القاضي . وهو عبارة عمن يتولّى فصل الأمور بين المتداعيين في الأحكام الشرعيّة. وهي وظيفة قديمة كانت في زمن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقد ذكر القضاعيّ

الثاني - المحتسب

أنه صلّى الله عليه وسلّم ولّى القضاء باليمن عليّ بن أبي طالب ومعاذ بن جبل «1» وأبا موسى الأشعريّ «2» ؛ وأن أبا بكر رضي الله عنه ولّى القضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ثم هو مشتقّ من القضاء، واختلف في معناه فقال أبو عبيد: هو إحكام الشيء والفراغ منه، ومنه قوله تعالى: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ «3» أي أخبرناهم بذلك وفرغنا لهم منه. قال أبو جعفر النحاس: وسمّي القاضي قاضيا لأنه يقال قضى بين الخصمين إذا فصل بينهما وفرغ. وقيل معناه القطع، يقال قضى الشيء إذا قطعه، ومنه قوله تعالى: فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ «4» وسمّي القاضي بذلك لأنه يقطع الخصومة بين الخصمين بالحكم. على أن كتّاب الزمان يطلقون هذا اللقب والألقاب المتفرّعة منه كالقضائيّ والقاضويّ على أرباب الأقلام في الجملة، سواء كان صاحب اللّقب متصدّيا لهذه الوظيفة أو غيرها، كسائر العلماء والكتّاب ومن في معناهم، وعلى ذلك عرف العامّة أيضا. الثاني- المحتسب ، وهو عبارة عمن يقوم بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والتحدّث في أمر المكاييل والموازين ونحوهما. قال الماورديّ في «الأحكام السلطانية» : وهو مشتقّ من قولهم حسبك بمعنى اكفف، سمّي بذلك لأنه يكفي الناس مؤونة من يبخسهم حقوقهم. قال النحاس: وحقيقته في اللغة المجتهد في كفاية المسلمين ومنفعتهم إذ حقيقة افتعل عند الخليل وسيبويه بمعنى اجتهد.

الثالث - الكاتب

وأوّل من قام بهذا الأمر وصنع الدّرّة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في خلافته. وقد كانوا في الأيام الفاطميّة بالديار المصرية يضيفونها إلى الشّرطة في بعض الأحيان، كما هو موجود في تقاليد الحسبة في زمانهم. الثالث- الكاتب . وقد تقدّم اشتقاقه ومعناه في مقدّمة الكتاب، وأنه كان في الزمن الأوّل عند الإطلاق إنما يراد به كاتب الإنشاء ثم تغيّر الحال بعد ذلك إلى أن صار في العرف العامّ بالديار المصرية عند الإطلاق يراد به كاتب المال ومن في معناه، وهو من الألقاب القديمة فقد تقدّم في الكلام على الوزارة من كلام القضاعيّ أنهم قبل التلقيب بالوزارة في الدولة العباسيّة في خلافة السفّاح إنما كانوا يقولون كاتب. قلت: ووراء ما تقدّم من الألقاب القديمة المتداولة ألقاب أخرى كانت مستعملة في الأيام الفاطمية ثم رفضت الآن وتركت. ك «صاحب المظالم» وهو المتحدّث في فصل الخصومات. وصاحب الصّلاة: وهو المتحدّث في أمر المساجد والصلوات. وكالمتحدّث في الوساطة، وهي القيام بوظيفة الوزارة ممن لم يؤهّل لإطلاق اسم الوزارة عليه. وصاحب الباب كنحو الحاجب. وداعي الدّعاة للشّيعة ونحو ذلك. النوع الثاني (الألقاب المحدثة) وهي إما عربيّة، وإما عجميّة. والعجميّة منها إما فارسيّة، وإما تركيّة، وأكثرها الفارسيّة. والسبب في استعمال الفارسيّ منها وإن كانت الفرس لم تلها في الإسلام أن الخلافة كانت ببغداد وغالب كلام أهلها الفارسية، والوظائف منقولة عنها إلى هذه المملكة، إما مضاهاة كما في الدولة الفاطمية على قلّة، كما في

الصنف الأول (المفردة، وهي ضربان)

الاسفهسلار، وإما تبعا كما في الدولة الأيوبية فما بعدها. وهي أربعة أصناف: الصنف الأوّل (المفردة، وهي ضربان) الضرب الأوّل (ما لفظه عربيّ، وهو ثلاثة ألقاب) الأوّل- النائب : وهو لقب على القائم مقام السلطان في عامّة أموره أو غالبها، والألف فيه منقلبة عن واو. يقال: ناب فلان عن فلان ينوب نوبا ومنابا إذا قام مقامه فهو نائب. ويطلق هذا اللقب في العرف العامّ على كل نائب عن السلطان أو غيره بحضرته أو خارجا عنها في قرب أو بعد، إلا أن النائب عن السلطان بالحضرة يوصف في عرف الكتّاب بالكافل: فيقال «النائب الكافل» وفي حال الإضافة «كافل الممالك الإسلاميّة» على ما سيأتي ذكره في النّعوت إن شاء الله تعالى. والنائب عنه بدمشق يقال فيه «كافل السّلطنة» ومن دونه من أكابر النّوّاب: كنائب حلب ونائب طرابلس ونائب حماة ونائب صفد ونائب الكرك من الممالك الشامية، ونائب الإسكندريّة ونائبي الوجهين: القبلي والبحريّ بالديار المصرية. [يقال فيه نائب السلطنة الشريفة بكذا ليس إلا] «1» ويقال فيمن دونهم من النّوّاب بالممالك الشامية كنائب حمص ونائب الرّحبة وغيرهما «النائب بفلانة» . الثاني- الساقي . وهو لقب على الذي يتولّى مدّ السّماط وتقطيع اللحم وسقي المشروب بعد رفع السّماط، ونحو ذلك. وكأنه وضع في الأوّل لسقي المشروب فقط ثم استحدث له هذه الأمور الأخرى تبعا. ويجوز أن يكون لقّب

الثالث - المشرف

بذلك لأنّ سقي المشروب آخر عمله الذي يختم به وظيفته. الثالث- المشرف . وهو الذي يتولّى أمر المطبخ ويقف على مشارفة الأطبخة في خدمة إستادار «1» الصّحبة الآتي ذكره، ومعناه ظاهر. الضرب الثاني (ما لفظه عجميّ وهو لقب واحد) وهو «الأوجاقيّ» وهو لقب على الذي يتولّى ركوب الخيول للتسيير والرياضة، ولم أقف على معناه «2» الصنف الثاني (المركّبة، وهي ثلاثة أضرب) الضرب الأوّل (ما تمحّض تركيبه من اللفظ العربيّ، وفيه سبعة ألقاب) الأوّل- ملك الأمراء . وهو من الألقاب التي اصطلح عليها لكفّال الممالك من نوّاب السلطنة، كأكابر النّوّاب بالممالك الشامية ومن في معناهم. وذلك أنه قام فيهم مقام الملك في التصرّف والتنفيذ، والأمراء في خدمته كخدمة السلطان. وأكثر ما يخاطب به النوّاب في المكاتبات، وذلك مختصّ بغير المخاطبات السلطانية، أما السلطان فلا يخاطب عنه أحد منهم بذلك. الثاني- رأس نوبة . وهو لقب على الذي يتحدّث على مماليك السلطان أو الأمير، وتنفيذ أمره فيهم، ويجمع على رؤوس نوب. والمراد بالرأس هنا الأعلى

الثالث - أمير مجلس

أخذا من رأس الإنسان لأنه أعلاه. والنّوبة واحدة النّوب وهي المرّة بعد الأخرى، والعامّة تقول لأعلاهم في خدمة السلطان «رأس نوبة النّوب» وهو خطأ لأن المقصود علوّ صاحب النّوبة لا النوبة نفسها، والصواب فيه أن يقال: «رأس رؤوس النّوب» أي أعلاهم. الثالث- أمير مجلس . وهو لقب على من يتولّى أمر مجلس السلطان أو الأمير في الترتيب وغيره، ويجمع على أمراء، ومعناه ظاهر، والأحسن فيه أن يقال أمير المجلس بتعريف المضاف إليه، وتكون الألف واللام فيه للعهد الذّهني، إما مجلس السلطان أو غيره. الرابع- أمير سلاح . وهو لقب على الذي يتولّى أمر سلاح السلطان أو الأمير. ويجمع على أمراء سلاح، والسلاح آلة القتال. قال الجوهريّ: وهو مذكّر ويجوز تأنيثه. الخامس- مقدّم المماليك . وهو لقب على الذي يتولّى أمر المماليك للسلطان أو الأمير- من الخدّام الخصيان المعروفين الآن بالطّواشيّة. ومقامه فيهم نحو مقام رأس النّوبة، ولفظ المقدّم والمماليك معروف. السادس- أمير علم . وهو لقب على الذي يتولّى أمر الأعلام السلطانية والطّبلخاناه وما يجري مجرى ذلك. والعلم في اللغة يطلق بإزاء معان أحدها الراية، وهو المراد هنا. السابع- نقيب الجيش . وهو الذي يتكفّل بإحضار من يطلبه السلطان من الأمراء وأجناد الحلقة ونحوهم، والنقيب في اللغة العريف الذي هو ضمين القوم وفي التنزيل حكاية عن بني إسرائيل: وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً «1» ويقال:

الضرب الثاني (ما تمحض تركيبه من اللفظ العجمي)

نقب على قومه ينقب نقبا مثل كتب يكتب كتبا. والجيش العسكر ويجمع على جيوش. أما بالممالك الشامية فإنه يقال في مثله نقيب النّقباء. الضرب الثاني (ما تمحّض تركيبه من اللفظ العجميّ) وقاعدة اللّغات العجميّة تقديم المضاف إليه على المضاف، والصّفة على الموصوف، بخلاف اللغة العربية. ولهذا الضرب حالتان: الحالة الأولى (أن تكون الإضافة إلى لفظ دار) وهي لفظة فارسية معناها ممسك فاعل من الإمساك. وكثير من كتّاب الزمان أو أكثرهم بل كلّهم يظنّون أن لفظ دار في ذلك عربيّ بمعنى المحلة، كدار السلطان أو الأمير ونحو ذلك، وهو خطأ كما سيأتي بيانه في الكلام على إستدّار، وخزندار وغيرهما. والمضاف إلى لفظ دار من وظائف أرباب السيوف تسعة ألقاب: الأوّل- الإستدّار . بكسر الهمزة وهو لقب على الذي يتولّى قبض مال السلطان أو الأمير وصرفه، وتمتثل أوامره فيه. وهو مركّب من لفظتين فارسيتين: إحداهما إستذ «1» ، بهمزة مكسورة وسين مهملة ساكنة بعدها تاء مثناة من فوق ثم ذال معجمة ساكنة، ومعناها الأخذ. والثانية دار، ومعناها الممسك كما تقدّم، فأدغمت الذال الأولى وهي المعجمة في الثانية وهي المهملة فصار إستدّار. والمعنى المتولّي للأخذ، سمّي بذلك لما تقدّم من أنه يتولّى قبض المال. ويقال فيه أيضا: ستدّار بإسقاط الألف من أوّله وكسر السين والمتشدّقون من الكتّاب

الثاني - الجوكاندار

يضمّون الهمزة في أوّله ويلحقون فيه ألفا بعد التاء، فيقولون: «أستادّار» وربما قالوا: «أستاذ الدار» بإدخال الألف واللام على لفظ الدار ظنّا منهم أن المراد حقيقة الدار في اللفظ العربيّ، وأن أستاذ بمعنى السيد أو الكبير، ولذلك يقولون «أستادّار العالية» : أو «أستاذ الدّار العالية» وهو خطأ صريح لما تقدّم بيانه. على أن العامة تنطق به على الصواب، من كسر الهمزة وحذف الألف بعد التاء. ثم قد يزاد في هذا اللقب لفظ الصّحبة، فيصير «إستدّار الصّحبة» ويكون لقبا على متولّي أمر المطبخ، وكأنه لقّب بذلك لملازمته الباب سفرا وحضرا. الثاني- الجوكاندار . وهو لقب على الذي يحمل الجو كان مع السلطان في لعب الكرة، ويجمع على جو كان داريّة، وهو مركّب من لفظتين فارسيّتين أيضا: إحداهما جو كان، وهو المحجن «1» الذي تضرب به الكرة، ويعبر عنه بالصّولجان أيضا: والثانية دار، ومعناه ممسك كما تقدّم. فيكون المعنى ممسك الجو كان. والعامّة تقول: «جكندار» بحذف الواو بعد الجيم والألف بعد الكاف. الثالث- الطّبردار . وهو الذي يحمل الطّبر حول السلطان عند ركوبه في المواكب وغيرها. وهو مركّب من لفظين فارسيين: أحدهما طبر ومعناه الفأس، ولذلك يقولون في السّكّر الصّلب الشديد الصّلابة طبرزذ بمعنى يكسر بالفأس. والثاني دار ومعناه ممسك كما تقدم، فيكون المعنى ممسك الطّبر. الرابع- السّنجقدار . وهو الذي يحمل السّنجق خلف السلطان. وهو مركّب من لفظين: أحدهما تركيّ وهو سنجق، ومعناه الرّمح وهو في لغتهم مصدر طعن، فعبّر به عن الرّمح الذي يطعن به. والثاني دار ومعناه ممسك كما تقدّم، ويكون المعنى ممسك السّنجق وهو الرمح. والمراد هنا العلم الذي هو الراية كما تقدّم، إلا أنه لما كانت الراية إنما تجعل في أعلى الرمح عبّر بالرمح نفسه عنها.

الخامس - البندقدار

الخامس- البندقدار . وهو الذي يحمل جراوة «1» البندق خلف السلطان أو الأمير. وهو مركّب من لفظتين فارسيتين إحداهما بندق، وإن كان الجوهريّ قد أطلق ذكره في الصحاح من غير تعرّض لأنه معرّب فقال: والبندق الذي يرمى به. ثم هو منقول عن البندق الذي يؤكل وهو الجلّوز بكسر الجيم والزاي المعجمة في آخره. فقد قال أبو حنيفة في كتاب «النبات» الجلّوز عربيّ وهو البندق والبندق فارسيّ. اللفظة الثانية دار ومعناها ممسك كما تقدّم، ويكون المعنى ممسك البندق. السادس- الجمدار «2» وهو الذي يتصدّى لإلباس السلطان أو الأمير ثيابه. وأصله جاما دار فحذفت الألف بعد الجيم وبعد الميم استثقالا وقيل جمدار. وهو في الأصل مركّب من لفظين فارسيين أحدهما جاما، ومعناه الثوب. والثاني دار، ومعناه ممسك كما تقدّم فيكون المعنى ممسك الثوب. السابع- البشمقدار . وهو الذي يحمل نعل السلطان أو الأمير، وهو مركّب من لفظين: أحدهما من اللغة التركية وهو بشمق ومعناه النعل. والثاني من اللغة الفارسية وهو دار ومعناه ممسك على ما تقدّم. ويكون المعنى ممسك النعل. على أن صاحب «الأنوار الضوّية في إظهار غلط الدرّة المضية في اللغة التركية» قد ذكر أن الصواب في النعل بصمق بالصاد المهملة «3» بدل الشين المعجمة، وحينئذ فيكون صوابه على ما ذكر بصمقدار. والمعروف في ألسنة الترك بالديار المصرية ما تقدّم. الثامن- المهمندار . وهو الذي يتصدّى لتلقي الرّسل والعربان الواردين على

التاسع - الزنان دار المعبر عنه «بالزمام دار»

السلطان وينزلهم دار الضيافة ويتحدّث في القيام بأمرهم. وهو مركب من لفظين فارسيين: أحدهما مهمن بفتح الميمين ومعناه الضيف، والثاني دار ومعناه ممسك كما تقدّم، ويكون معناه ممسك الضيف، والمراد المتصدّي لأمره. التاسع- الزّنان دار المعبر عنه «بالزّمام دار» . وهو لقب على الذي يتحدّث على باب ستارة السلطان أو الأمير من الخدّام الخصيان. وهو مركّب من لفظين فارسيين: أحدهما زنان بفتح الزاي ونونين بينهما ألف، ومعناه النساء. والثاني دار، ومعناه ممسك كما تقدّم فيكون معناه ممسك النّساء، بمعنى أنه الموكّل بحفظ الحريم إلا أن العامّة والخاصة قد قلبوا النونين فيه بميمين فعبّروا عنه بالزّمام دار كما تقدّم، ظنّا أن الدار على معناها العربيّ والزّمام بمعنى القائد، أخذا من زمام البعير الذي يقاد به. الحالة الثانية (أن تكون الإضافة إلى غير لفظ دار، وفيها لقبان) الأوّل- الجاشنكير . وهو الذي يتصدّى لذوقان «1» المأكول والمشروب قبل السلطان أو الأمير خوفا من أن يدسّ عليه فيه سمّ ونحوه. وهو مركّب من لفظين فارسيين: أحدهما جاشنا بجيم في أوّله قريبة في اللفظ من الشين، ومعناه الذّوق، ولذلك يقولون في الذي يذوق الطعام والشراب الشّيشنيّ. والثاني كير وهو بمعنى المتعاطي لذلك، ويكون المعنى الذي يذوق. الثاني- السّراخور . وهو الذي يتحدّث على علف الدّوابّ من الخيل وغيرها. وهو مركّب من لفظين فارسيين: أحدهما سرا ومعناه الكبير. والثاني خور، ومعناه العلف «2» ، ويكون المعنى كبير «3» العلف والمراد كبير الجماعة الذين يتولّون

الضرب الثالث (ما تركب من لفظ عربي ولفظ عجمي، وله حالتان)

علف الدّوابّ. والعامّة يقولون سراخوريّ بإثبات ياء النسب في آخره ولا وجه له. ومتشدّقو الكتّاب يبدلون الراء فيه لاما فيقولون سلاخوريّ وهو خطأ «1» الضرب الثالث (ما تركّب من لفظ عربيّ ولفظ عجميّ، وله حالتان) الحالة الأولى (أن يصدّر بلفظ أمير وهو لفظ عربيّ كما تقدّم في الكلام على ألقاب أرباب الوظائف، وفيها أربعة ألقاب) الأوّل- أمير آخور . وهو الذي يتحدّث على إصطبل السلطان أو الأمير، ويتولّى أمر ما فيه من الخيل والإبل وغيرهما مما هو داخل في حكم الإصطبلات، وهو مركّب من لفظين: أحدهما عربيّ وهو أمير، والثاني فارسيّ وهو آخور بهمزة مفتوحة ممدودة بعدها خاء معجمة ثم واو وراء مهملة ومعناه المعلف، والمعنى أمير المعلف: لأنه المتولّي لأمر الدوابّ على ما تقدّم وأهمّ أمورها المعلف. الثاني- أمير جاندار . وهو لقب على الذي يستأذن على الأمراء وغيرهم في أيام المواكب عند الجلوس بدار العدل. وهو مركّب من ثلاثة ألفاظ: أحدها عربيّ وهو أمير وقد تقدّم معناه. والثاني جان بجيم وألف ونون، ومعناه الروح بالفارسيّة والتركية جميعا. والثالث دار، ومعناه ممسك كما تقدّم، فيكون المعنى «الأمير الممسك للروح» ولم يظهر لي وجه ذلك إلا أن يكون المراد أنه الحافظ لدم السلطان فلا يأذن عليه إلا لمن يأمن عاقبته «2» الثالث- أمير شكار . وهو لقب على الذي يتحدّث على الجوارح من الطيور

الرابع - أمير طبر

وغيرها وسائر أمور الصيد. وهو مركّب من لفظين: أحدهما عربيّ وهو أمير والثاني فارسيّ وهو شكار بكسر الشين المعجمة وكاف وألف ثم راء مهملة في الآخر، ومعناه الصيد فيكون المراد «أمير الصيد» . الرابع- أمير طبر . وهو لقب على الذي يتحدّث على الطّبرداريّة الذين يحملون الأطبار حول السلطان في المواكب ونحوها. وهو مركّب من لفظين: أحدهما عربيّ وهو أمير، والثاني طبر وهو بالفارسية الفأس كما تقدّم في الكلام على الطّبردار. الحالة الثانية (أن لا يصدّر اللقب بلفظ أمير، وفيها خمسة ألقاب) الأوّل- الدّوادار «1» وهو لقب على الذي يحمل دواة السلطان أو الأمير أو غيرهما، ويتولّى أمرها مع ما ينضمّ إلى ذلك من الأمور اللازمة لهذا المعنى من حكم وتنفيذ أمور وغير ذلك بحسب ما يقتضيه الحال. وهو مركّب من لفظين: أحدهما عربيّ وهو الدّواة، والمراد التي يكتب منها. والثاني فارسيّ وهو دار، ومعناه ممسك كما تقدّم. ويكون المعنى «ممسك الدّواة» وحذفت الهاء من آخر الدواة استثقالا. أما في اللغة العربية فإنه يقال لحامل الدواة «داو» على وزن قاض، فتثبت الياء فيه مع الألف واللام فتقول جاء الدّاوي ورأيت الداوي ومررت بالدّاوي، ويجوز حذفها كما في سائر الأسماء المنقوصة. الثاني- السّلاح دار . وهو لقب على الذي يحمل سلاح السلطان أو الأمير ويتولّى أمر السّلاح خاناه وما هو من توابع ذلك. وهو مركّب من لفظين: أحدهما عربيّ وهو السّلاح، وقد تقدّم معناه في الكلام على أمير سلاح. والثاني فارسيّ وهو دار ومعناه ممسك كما تقدّم، ويكون المعنى «ممسك السّلاح» .

الثالث - الخزندار

الثالث- الخزندار بكسر الخاء وفتح الزاي المعجمتين. وهو لقب على الذي يتحدّث على خزانة السلطان أو الأمير أو غيرهما. وهو مركّب من لفظين: أحدهما عربيّ وهو خزانة: وهي ما يخزن فيه المال. والثاني فارسيّ وهو دار، ومعناه ممسك كما تقدّم فحذفت الألف والهاء من خزانة استثقالا فصار خزندار ويكون المعنى «ممسك الخزانة» والمراد المتولّي لأمرها، ومتشدّقو الكتّاب يسقطون الألف والهاء من خزانة على ما تقدّم ويلحقون بعد الخاء ألفا فينقلون لفظ خزانة إلى خازن فاعل من الخزن ويضيفونه إلى دار، ظنّا منهم أن الدار على معناها العربيّ كما تقدّم في الاستدّار والزّنان دار، وهو خطأ كما تقدّم بيانه هناك. على أن العامّة تنطق بحروفه على الصواب إلا أنهم يكسرون الزاي بعد الخاء والصواب فتحها. الرابع- العلم دار . وهو لقب على الذي يحمل العلم مع السلطان في المواكب. وهو مركّب من لفظين: أحدهما عربيّ وهو العلم، وقد تقدّم أن معناه الراية. والثاني فارسيّ وهو دار ومعناه ممسك كما تقدّم، ويكون المعنى «ممسك العلم» . الصنف [الثالث] الثاني «1» (ألقاب أرباب الأقلام، وهي على خمسة أضرب) الضرب الأوّل (ألقاب أرباب الوظائف من العلماء، وفيه خمسة ألقاب) الأوّل- الخطيب . وهو الذي يخطب الناس ويذكّرهم في الجمع والأعياد

الثاني - المقريء

ونحوهما. وقد كان ذلك في الزّمن المتقدّم مختصّا بالخلفاء والأمراء بالنّواحي على ما تقدّم في الكلام على ترتيب الخلافة في المقالة الثانية. الثاني- المقريء . وهو الذي يقريء القرآن العظيم، وقد غلب اختصاصه في العرف على مشايخ القراءة من قرّاء السبعة المجيدين المتصدّين لتعليم علم القراءة. الثالث- المحدّث . والمراد به من يتعاطى علم حديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بطريق الرّواية والدّراية، والعلم بأسماء الرجال وطرق الأحاديث، والمعرفة بالأسانيد ونحو ذلك. الرابع- المدرّس . وهو الذي يتصدّى لتدريس العلوم الشرعية: من التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والتصريف ونحو ذلك. وهو مأخوذ من درست الكتاب دراسة إذا كرّرته للحفظ. الخامس- المعيد . وهو ثاني رتبة المدرّس فيما تقدّم، وأصل موضوعه أنه إذا ألقى المدرّس الدرس وانصرف أعاد للطلبة ما ألقاه المدرّس إليهم ليفهموه ويحسنوه. الضرب الثاني (ألقاب الكتّاب، وهي نمطان) النمط الأوّل (ألقاب أرباب الوظائف من كتّاب الإنشاء. وفيه ثلاثة ألقاب) الأوّل- كاتب السّر . وهو صاحب ديوان الإنشاء وقد تقدّم الكلام عليه مستوفى عند الكلام على الكتابة والكتّاب في مقدّمة الكتاب. الثاني- كاتب الدّست . وهو الذي يجلس مع كاتب السرّ بدار العدل أمام السلطان أو النائب بمملكة من الممالك، ويوقّع على القصص. وهم جماعة وقد تقدّم الكلام عليهم في المقدّمة أيضا.

الثالث - كاتب الدرج

الثالث- كاتب الدّرج . وهو الذي يكتب المكاتبات والولايات وغيرها في الغالب وربما شاركه في ذلك كتّاب الدّست، ويعبّر الآن عنه بالموقّع، وقد تقدّم الكلام عليه هناك أيضا «1» الضرب الثالث (ألقاب أرباب الوظائف من كتّاب الأموال ونحوها، وفيه تسعة ألقاب) الأول- الوزير إذا كان من أرباب الأقلام، وقد تقدّم الكلام عليه في ألقاب أرباب السّيوف في الصّنف الأول «2» الثاني- الناظر . وهو من ينظر في الأموال وينفّذ تصرّفاتها ويرفع إليه حسابها لينظر فيه ويتأمّله فيمضي ما يمضي ويردّ ما يردّ. وهو مأخوذ إمّا من النظر الذي هو رأي العين: لأنه يدير نظره في أمور ما ينظر فيه، وإما من النظر الذي هو بمعنى الفكر: لأنه يفكّر فيما فيه المصلحة من ذلك. ثم هو يختلف باختلاف ما يضاف إليه ك (ناظر الجيش) وهو الذي يتحدّث في أمر الجيوش وضبطها. أو (ناظر الخاصّ) وهو الذي ينظر في خاصّ أموال السلطان. أو (ناظر الدّواوين) وهو الذي يعبّر عنه بناظر الدّولة ويشارك الوزير في التصرف. أو (ناظر النّظّار بدمشق) وهو الذي يقوم بها مقام الوزير بالديار المصرية. أو (ناظر المملكة) بحلب، أو طرابلس، أو حماة ونحوها. أو (ناظر أوقاف أو جهات برّ) وما يجري مجرى ذلك. الثالث- صاحب الديوان . وكانوا في الزمن الأوّل يعبّرون عنه بمتولّي الدّيوان، وهو ثاني رتبة الناظر في المراجعة. وله أمور تخصّه كترتيب الدّرج ونحو ذلك. الرابع- الشاهد . وهو الذي يشهد بمتعلّقات الديوان نفيا وإثباتا. الخامس- المستوفي . وهو الذي يضبط الديوان، وينبّه على ما فيه مصلحته

السادس - العامل

من استخراج أمواله ونحو ذلك. ولعظم موقعه أشار إليه الحريريّ «1» في مقاماته بقوله: «منهم المستوفي الذي هو قطب الدّيوان» إلى آخره. ثم في بعض المباشرات قد ينقسم إلى مستوفي أصل ومستوفي مباشرة، ولكلّ منهما أعمال تخصّه. السادس- العامل . وهو الذي ينظّم الحسبانات ويكتبها. وقد كان هذا اللقب في الأصل إنما يقع على الأمير المتولّي العمل ثم نقله العرف إلى هذا الكاتب وخصّه به دون غيره «2» السابع- الماسح . وهو الذي يتصدّى لقياس أرض الزّراعة، وهو فاعل من مسح الأرض يمسحها مساحة إذا ذرعها. الثامن- المعين . وهو الذي يتصدّى للكتابة إعانة لأحد من المباشرين المذكورين، ومعناه واشتقاقه ظاهر. التاسع- الصّيرفيّ . وهو الذي يتولى قبض الأموال وصرفها. وهو مأخوذ من الصّرف: وهو صرف الذهب والفضّة في الميزان. وكان يقال له فيما تقدّم الجهبذ. الضرب الرابع (ألقاب أرباب الوظائف من أهل الصّناعات، وفيه خمسة ألقاب) الأوّل- مهندس العمائر . وهو الذي يتولّى ترتيب العمائر وتقديرها ويحكم على أرباب صناعاتها. والهندسة علم معروف فيه كتب مفردة بالتصنيف. الثاني- رئيس الأطبّاء . وهو الذي يحكم على طائفة الأطبّاء ويأذن لهم في

الثالث - (رئيس الكحالين)

التطبيب ونحو ذلك. وسيأتي الكلام على ضبط ذلك ومعناه في الكلام على الرئيس في الألقاب المفردة في حرف الراء فيما بعد إن شاء الله تعالى. الثالث- (رئيس الكحّالين) . وحكمه في الكلام على طائفة الكحّالين «1» حكم رئيس الأطبّاء في طائفة الأطبّاء. الرابع- رئيس الجرائحيّة . وحكمه في الكلام على طائفة الجرائحيّة والمجبّرين كالرئيسين المتقدّمين. الخامس- رئيس الحرّاقة . وهو الذي يحكم على رجال الحرّاقة «2» السلطانية ويتولّى أمرها. وكان في الزمن المتقدّم يقال له رئيس الخلافة جريا على ما كان الأمر عليه في الخلافة الفاطمية بالديار المصرية. الضرب الخامس (ألقاب أرباب الوظائف من الأتباع والحواشي والخدم، وهم طائفتان) الطائفة الأولى (الأعوان، وهم نمطان) النمط الأوّل (ما تمحّضت ألفاظه عربية، وفيه ثلاثة ألقاب) الأوّل- مقدّم الدّولة . وهو الذي يتحدّث على الأعوان والمتصرّفين لخدمة الوزير. والمراد المقدّم على الدولة، والدولة لفظ قد خصه العرف بمتعلّقات الوزارة. كما يقال لناظر الدّواوين ناظر الدولة على ما تقدّم ذكره. الثاني- مقدّم الخاصّ . وهو المتحدّث على الأعوان والمتصرفين بديوان

الثالث - مقدم التركمان

الخاص «1» المختصّ بالسلطان، كمقدّم الدولة بالنسبة إلى أعوان الوزارة. الثالث- مقدّم التّركمان . ويكون بالبلاد الشاميّة والحلبية متحدّثا على طوائف التّركمان الذين يقدّم عليهم. النمط الثاني (ما تمحّض لفظه عجميا، وفيه لقب واحد) وهو (البرددار) . وهو الذي يكون في خدمة مباشري الدّيوان في الجملة متحدّثا على أعوانه والمتصرّفين فيه، كما في مقدّم الدولة والخاصّ المقدّم ذكرهما. وأصله (فردادار) بفاء في أوله وهو مركّب من لفظين فارسيين: أحدهما فردا، ومعناه الستارة. والثاني دار، ومعناه ممسك، والمراد «ممسك السّتارة» وكأنه في أوّل الوضع كان يقف بباب السّتارة ثم نقل إلى الديوان. الطائفة الثانية (أرباب الخدم، وهم نمطان) النمط الأوّل (ما يضاف إلى لفظ الدار كما تقدّم في أرباب السّيوف، وهي سبعة ألقاب) الأوّل- الشّربدار . وهو لقب على الذي يتصدّى للخدمة بالشّراب خاناه، التي هي أحد البيوت. وهو مركب من لفظين: أحدهما شراب وهو ما يشرب من ماء وغيره، فحذفوا الألف فيه استثقالا. والثاني دار، ومعناه ممسك على ما تقدّم، والمعنى «ممسك الشّراب» . الثاني- الطّست دار . وهو لقب على بعض رجال الطّشت خاناه. وهو مركب

الثالث - البازدار

من لفظين أحدهما طست بفتح الطاء وإسكان السين المهملة في اللغة العربية، وهو الذي يغسل فيه، ويجمع على طسوس بسينين من غير تاء، ويقال فيه أيضا طسّ بإسقاط التاء، إلا أن العامة أبدلوا السين المهملة بشين معجمة. والثاني دار ومعناه ممسك على ما تقدّم، فيكون معناه «ممسك الطّست» . الثالث- البازدار . وهو الذي يحمل الطيور الجوارح المعدّة للصيد على يده. وخصّ بإضافته إلى الباز الذي هو أحد أنواع الجوارح دون غيره لأنه هو المتعارف بين الملوك في الزمن القديم، على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. الرابع- الحوندار . وهو الذي يتصدّى لخدمة طيور الصيد من الكراكيّ والبلشونات ونحوها، ويحملها إلى موضع تعليم الجوارح. وأصله «حيوان دار» أطلق الحيوان في عرفهم على هذا النوع من الطيور، كما أطلق على من يتعانى معامل الفرّوج الحيوانيّ. الخامس- المرقدار . وهو الذي يتصدّى لخدمة ما يحوز المطبخ وحفظه. سمّي بذلك لكثرة معاطاته لمرق الطعام عند رفع الخوان ونحو ذلك. السادس- المحفّدار بكسر الميم. وهو الذي يتصدّى لخدمة المحفّة. وهو مركب من لفظين. أحدهما محفّة فحذفت التاء منها استثقالا، والثاني دار، ومعناه ممسك على ما تقدّم، فيكون بمعنى «ممسك المحفّة» . النمط الثاني (ما لا يتقيّد بالإضافة إلى دار ولا غيرها، وفيه خمسة ألقاب) الأوّل- المهتار . وهو لقب واقع على كبير كلّ طائفة من غلمان البيوت، كمهتار الشّراب خاناه، ومهتار الطّست خاناه، ومهتار الرّكاب خاناه. ومه بكسر الميم معناه بالفارسية الكبير، وتار بمعنى أفعل التفضيل، فيكون معنى المهتار الأكبر.

الثاني - البابا

الثاني- البابا . وهو لقب لجميع رجال الطّست خاناه ممن يتعاطى الغسل والصّقل وغير ذلك. وهو لفظ روميّ، ومعناه أبو الآباء على ما سيأتي بيانه في لقب الباب في الكلام على ألقاب أهل الكفر. وكأنه لقّب بذلك لأنه لما تعاطى ما فيه ترفيه مخدومه: من تنظيف قماشه وتحسين هيئته أشبه الأب الشفيق فلقّب بذلك. الثالث- الرّختوان . وهو لقب لبعض رجال الطست خاناه يتعاطى القماش. والرّخت بالفارسية اسم للقماش «1» ، والواو والألف والنون بمعنى ياء النسب، ومعناه «المتولّي لأمر القماش» . الرابع- الخوان سلار . وهو لقب مختصّ بكبير رجال المطبخ السلطانيّ، القائم مقام المهتار في غير المطبخ من البيوت. وهو مركّب من لفظين: أحدهما خوان، وهو الذي يؤكل عليه. قال الجوهريّ: وهو معرّب. والثاني سلار، وهي فارسية ومعناها المقدّم وكأنه يقول مقدّم الخوان. والعامة تقول: «إخوان سلار» بألف في أوّله وهو لحن. الخامس- المهمرد . وهو الذي يتصدّى لحفظ قماش الجمال أو قماش الإصطبل والسقائين ونحو ذلك. ومعناه باللغة الفارسية «الرجل الكبير» فمه اسم للكبير، ومرد اسم للرجل. السادس- (الغلام) . وهو الذي يتصدّى لخدمة الخيل، ويجمع على غلمان وغلمة بكسر الغين وسكون اللام. وهو في أصل اللغة مخصوص بالصبيّ الصغير والمملوك ثم غلب على هذا النوع من أرباب الخدم، وكأنهم سمّوه بذلك لصغره في النّفوس. وربما أطلق على غيره من رجال الطّست خاناه ونحوهم.

القسم الثاني (من ألقاب أرباب الوظائف ألقاب أرباب الوظائف من أهل الكفر، والمشهور منهم طائفتان)

القسم الثاني (من ألقاب أرباب الوظائف ألقاب أرباب الوظائف من أهل الكفر، والمشهور منهم طائفتان) الطائفة الأولى النصارى (والمشهور من ألقاب أرباب وظائفهم ثمانية ألقاب) الأول- الباب - بباءين موحدتين مفخمتين في اللفظ. وهو لقب على القائم بأمور دين النصارى الملكانيّة بمدينة رومية. وما ذكره في «التثقيف» من أنه عندهم بمثابة القان عند التتار فخطأ ظاهر: لأن الباب قائم في النصارى مقام الخليفة، بل به عندهم يناط التحليل والتحريم، وإليه مرجعهم في أمر دياناتهم بخلاف القان فإن أمره قاصر على أمر الملك، وأصله البابا بزيادة ألف في آخره، والكتّاب يثبتونها في بعض المواضع ويحذفونها في بعض، وربما قيل فيه البابه بابدال الألف هاء. وهي لفظة روميّة معناها أبو الآباء. وأوّل ما وضع هذا اللقب عندهم على بطرك الإسكندرية الآتي ذكره فيما بعد، وذلك أن صاحب كلّ وظيفة من وظائفهم الآتي ذكرها كان يخاطب من فوقه منهم بالأب، فالتبس ذلك عليهم فاخترعوا لبطرك الإسكندرية البابا دفعا للاشتراك في اسم الباب، وجعلوه أبا للكلّ، ثم رأوا أن بطرك رومية أحقّ بهذا اللقب: لأنه صاحب كرسيّ بطرس كبير الحواريّين ورسول المسيح عليه السّلام إلى رومية، وبطرك الإسكندرية صاحب كرسيّ مرقص الإنجيلي تلميذ بطرس الحواريّ المقدّم ذكره فنقلوا اسم البابا إلى بطرك رومية، وأبقوا اسم البطرك على بطرك الإسكندرية. الثاني- البطرك - بباء موحدة مفتوحة ثم طاء مهملة ساكنة وبعدها راء مهملة مفتوحة ثم كاف في الآخر. وهو لقب على القائم بأمور دين النّصرانية. وكراسيّ البطاركة عندهم أربعة: كرسيّ برومية وهو مقر الباب المقدّم ذكره، وكرسيّ بأنطاكية من بلاد العواصم، وكرسيّ بالقدس، [وكرسيّ بالإسكندرية «1» ] وقد

الثالث - الأسقف

غلب الآن بالديار المصرية على رئيس النصارى اليعقوبيّة بالديار المصرية وهو المعبر عنه في الزمن القديم ببطرك الإسكندرية، ومقرّه الآن بالكنيسة المعلقة بالفسطاط «1» على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. وأصله البطريرك بزيادة ياء مثناة تحت مفتوحة بعدها راء ساكنة وهو لفظ روميّ معناه...... «2» ........ ورأيت في ترسّل العلاء بن موصلايا كاتب القائم بأمر الله العباسيّ في تقليد أنشأه «الفطرك» بإبدال الباء الموحدة فاء. وقد تقدّم أن هذا البطرك هو الذي كان يدعى أوّلا بالبابا ثم نقل ذلك إلى بابا رومية، على أن بطرك الإسكندرية لم يكن في الزمن المتقدّم مختصّا ببطرك اليعقوبية بل كان تارة يكون يعقوبيا وتارة يكون ملكانيّا وإنما حدث اختصاصه باليعقوبية في الدولة الإسلامية على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى. الثالث- الأسقفّ - بضم الهمزة والقاف. وهو عندهم عبارة عن نائب البطرك. الرابع- المطران - بكسر الميم. وهو عبارة عن القاضي الذي يفصل الخصومات بينهم. الخامس- القسّيس - بكسر القاف. وهو القاريء الذي يقرأ عليهم الإنجيل والمزامير وغيرها. السادس- الجاتليق - بجيم بعدها ألف ثم تاء مثناة «3» فوق ولام ثم ياء مثناة تحت وقاف في الآخر. وهو عندهم عبارة عن صاحب الصّلاة.

السابع - الشماس

السابع- الشّمّاس - بشين معجمة في الأوّل وسين مهملة في الآخر وميم مشدّدة. وهو عبارة عندهم عن قيّم الكنيسة. الثامن- الراهب . وهو عبارة عن الذي حبس نفسه على العبادة في الخلوة. الطائفة الثانية اليهود (والمشهور من ألقاب أرباب وظائفهم ثلاثة ألقاب) الأول- الرئيس . وهو القائم فيهم مقام البطرك في النصارى، وقد تقدّم الكلام على لفظ الرئيس وأنه يقال بالهمز وبتشديد الياء. الثاني- الحزّان - بحاء مهملة وزاي معجمة مشدّدة وبعد الألف نون. وهو فيهم بمثابة الخطيب يصعد المنبر ويعظهم. الثالث- الشّليحصبّور - بكسر الشين المعجمة واللام وفتح الياء المثناة تحت وبعدها حاء مهملة ساكنة ثم صاد مهملة مفتوحة وباء موحدة مشدّدة مضمومة بعدها راء مهملة. وهو الإمام الذي يصلّي بهم. الجملة الثانية (في ذكر الألقاب المرتّبة على الأصول العظام من ألقاب أرباب الوظائف المتقدّمة، وهي نوعان) النوع الأوّل (ألقاب الخلفاء المرتّبة على لقب الخليفة، وهي صنفان) الصنف الأول (ما جرى منها مجرى العموم، وهو لقبان) الأول- أمير المؤمنين . وهو لقب عامّ للخلفاء. وأوّل من لقّب به منهم عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في أثناء خلافته، وكانوا قبل ذلك يدعون أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه بخليفة رسول الله، ثم دعوا عمر بعده لابتداء خلافته بخليفة خليفة رسول الله.

الثاني - عبد الله ووليه

واختلف في أصل تلقيبه بأمير المؤمنين فروى أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتّاب» بسنده إلى أبي وبرة، أن أصل تلقيبه بذلك أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يجلدان في الشراب أربعين، قال فبعثني خالد إلى عمر في خلافته أسأله عن الجلد في الشراب فجئته، فقلت: يا أمير المؤمنين إن خالدا بعثني إليك- قال فيم؟ قلت: إن الناس قد تخافوا العقوبة وانهمكوا في الخمر فما ترى في ذلك فقال عمر لمن حوله ما ترون في ذلك فقال عليّ نرى يا أمير المؤمنين ثمانين جلدة فقبل ذلك عمر فكان أبو وبرة ثم عليّ بن أبي طالب أوّل من لقّبه بذلك. وذكر أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» أن أصل ذلك أن عمر رضي الله عنه بعث إلى عامله بالعراق أن يرسل إليه رجلين عارفين بأمور العراق يسألهما عما يريد فأنفذ إليه لبيد بن ربيعة وعديّ بن هشام «1» فلما وصلا المدينة دخلا المسجد فوجدا عمرو بن العاص فقالا له: استأذن لنا على أمير المؤمنين- فقال لهما عمرو: أنتما أصبتما اسمه! ثم دخل على عمر فقال السلام على «أمير المؤمنين» - فقال: ما بدا لك يا ابن العاص؟ لتخرجنّ من هذا القول! فقصّ عليه القصة فأقرّه على ذلك، فكان ذلك أوّل تلقيبه بأمير المؤمنين، ثم استقرّ ذلك لقبا على كلّ من ولي الخلافة بعده أو ادّعاها خلا خلفاء بني أميّة بالأندلس فإنهم كانوا يخاطبون بالإمارة فقط إلى أن ولي منهم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله «2» ، ابن عبد الرحمن، وهو الثالث عشر من خلفائهم إلى زماننا. الثاني- عبد الله ووليّه . وهو لقب عامّ للخلفاء أيضا، إذ يكتب في نعت الخليفة في المكاتبات ونحوها «من عبد الله ووليّه أبي فلان فلان أمير المؤمنين»

الصنف الثاني (ألقاب الخلافة الخاصة بكل خليفة)

فأما عبد الله فأوّل من تلقب به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضا، فكان يكتب في مكاتباته «من عبد الله عمر» ولزم ذلك من بعده من الخلفاء حتّى إن المأمون كان اسمه عبد الله فكان يكتب من «عبد الله عبد الله بن هارون» مكرّرا لعبد الله على الاسم الخاص واللقب العامّ، وأما إردافها بقوله «ووليّه» فأحدث بعد ذلك. الصنف الثاني (ألقاب الخلافة الخاصة بكل خليفة) والمتلقّبون بألقاب الخلافة خمس طوائف: الطائفة الأولى (خلفاء بني العبّاس) قد تقدّم في الجملة الثانية من الطّرف الأوّل من هذا الفصل في الكلام على أصل وضع الألقاب والنّعوت أن خلفاء بني أميّة لم يتلقّب أحد منهم بألقاب الخلافة، وأن ذلك ابتديء بابتداء الدولة العبّاسية فتلقب إبراهيم بن محمد حين أخذت له البيعة ب «الإمام» وأن الخلف وقع في لقب السفّاح: فقيل «القائم» وقيل «المهتدي» وقيل «المرتضي» ثم تلقب أخوه بعده ب «المنصور» واستقرّت الألقاب جارية على خلفائهم كذلك إلى أن ولي الخلافة أبو إسحاق إبراهيم بن الرشيد بعد أخيه المأمون فتلقّب ب «المعتصم بالله» فكان أوّل من أضيف في لقبه من الخلفاء اسم الله. وجرى الأمر على ذلك فيمن بعده من الخلفاء ك «الواثق بالله» و «المتوكّل على الله» و «الطائع لله» و «القائم بأمر الله» و «الناصر لدين الله» وما أشبه ذلك من الألقاب المتقدّمة في الكلام على ترتيب الخلافة في المقالة الثانية. وكان من عادتهم أنه لا يتلقّب خليفة بلقب خليفة قبله إلى أن صارت الخلافة إلى الديار المصرية فترادفوا على الألقاب السابقة، واستعملوا ألقاب من سلف من الخلفاء على ما تقدّمت الإشارة إليه في الكلام على ترتيب الخلفاء، إلى أن تلقب

الطائفة الثانية (خلفاء بني أمية بالأندلس) (حين غلب بنو العباس على الأمر بالعراق، وانتزعوا الخلافة منهم)

أمير المؤمنين محمد بن أبي بكر خليفة العصر؛ ب «المتوكل على الله» وهو من أوائل ألقاب الخلافة العباسية. الطائفة الثانية (خلفاء بني أميّة بالأندلس) (حين غلب بنو العباس على الأمر بالعراق، وانتزعوا الخلافة منهم) وأوّل من ولي الخلافة منهم بالأندلس «عبد الرحمن» بن معاوية، بن هشام، بن عبد الملك، بن مروان، المعروف (بالداخل) لدخوله الأندلس في سنة تسع وثلاثين ومائة على ما سيأتي ذكره في مكاتبة صاحب الأندلس. ولم يتلقّب بلقب من ألقاب الخلافة جريا على قاعدتهم الأولى في الخلافة. وجرى على ذلك من بعده من خلفائهم إلى أن ولي منهم «عبد الرحمن» بن محمد، المعروف ب «المقبول» فتلقب ب «الناصر» بعد أن مضى من خلافته تسع وعشرون سنة، وتبعه من بعده منهم على ذلك إلى أن ولي عبد الرحمن بن محمد، بن عبد الملك، بن الناصر عبد الرحمن المقدّم ذكره، فتلقب ب «المرتضي بالله» وهو أوّل من أضيف في لقبه بالخلافة منهم اسم الله، مضاهاة لبني العباس، وذلك في حدود الأربعمائة، وبقي الأمر على ذلك في خلفائهم إلى أن كان آخرهم هشام ابن محمد فتلقب ب «المعتمد بالله» وانقرضت خلافتهم من الأندلس بعد ذلك بانقراضه في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة. الطائفة الثالثة (الخلفاء الفاطميّون ببلاد الغرب ثم بالديار المصرية) وأوّل ناجم نجم منهم ببلاد الغرب (أبو محمد عبيد الله) في سنة ست وتسعين ومائتين من الهجرة، وتلقب ب «المهديّ» ثم تلقب بنوه من بعده بألقاب الخلافة المضاف فيها اسم الله ك «القائم بأمر الله» و «المنصور بالله» إلى أن كان منهم المعزّ لدين الله أبو تميم معدّ، وهو الذي انتزع الديار المصريّة من أيدي الأخشيديّة، وصار إليها في سنة تسع وخمسين وثلاثمائة. وتداول خلفاؤهم بها مثل

الطائفة الرابعة (الخلفاء الموحدون الذين ملوك أفريقية بتونس الآن من بقاياهم)

هذه الألقاب إلى أن كان آخرهم العاضد لدين الله عبد الله وانقرضت خلافتهم بالدولة الأيوبية على ما تقدّم ذكره في المقالة الثانية في الكلام على ملوك الديار المصرية. الطائفة الرابعة (الخلفاء الموحّدون الذين ملوك أفريقيّة بتونس الآن من بقاياهم) وأوّلهم في التلقيب بألقاب الخلافة إمامهم محمد بن تومرت البربريّ، القائم ببلاد الغرب في أعقاب الفاطميين المتقدّم ذكرهم، تلقب ب «المهديّ» وآل الأمر من جماعته إلى الشيخ أبي حفص أحد أصحابه، ومن عقبه ملوك تونس المتقدّم ذكرهم فلم يتلقب أحد منهم بألقاب الخلافة إلى أن ولي منهم أبو عبد الله محمد بن أبي زكريّا يحيى فتلقب ب «المستنصر بالله» وتبعه من بعده من ملوكها على التلقيب بألقاب الخلافة إلى زماننا، ولذلك قال المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في كتابه «التعريف» في الكلام على مكاتبة صاحب تونس «لا يدّعي إلا الخلافة» وشبهتهم في ذلك أنهم يدّعون انتسابهم إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو من صميم قريش. الطائفة الخامسة (جماعة من ملوك الغرب ممن لا شبهة لهم في دعوى الخلافة) كملوك الطوائف القائمين بالأندلس بعد انقراض الدولة الأمويّة منها: من بني عبّاد وبني هود وغيرهم حيث كانوا يلقّبون ب «المعتمد» وغيره.

النوع الثاني (ألقاب الملوك المختصة بالملك، وهي صنفان)

النوع الثاني (ألقاب الملوك المختصة بالملك، وهي صنفان) الصنف الأوّل (الألقاب العامة، وهي التي تقع بالعموم على ملوك ممالك مخصوصة تصدق على كلّ واحد منهم، وهي ضربان) الضرب الأوّل (الألقاب القديمة، والمشهور منها ألقاب ستّ طوائف) الطائفة الأولى (التّبابعة ملوك اليمن) كان يقال لكل منهم «تبّع» قال السّهيليّ في «الروض الأنف» : سمّوا بذلك لأن الناس يتبعونهم، ووافقه الزمخشريّ على ذلك. وقال ابن سيده في «المحكم» : سمّوا بذلك لأنهم يتبع بعضهم بعضا. قال المسعوديّ في «مروج الذهب» : ولم يكونوا ليسمّوا أحدا منهم تبّعا حتّى يملك اليمن والشّحر وحضرموت. وقيل: حتّى يتبعه بنو جشم بن عبد شمس، أما إذا لم يكن كذلك فإنما يسمّى ملكا. وأوّل من لقّب منهم بذلك «الحارث بن ذي شمر» وهو الرائش. ولم يزل هذا اللقب واقعا على ملوكهم إلى أن زالت مملكتهم بملك الحبشة اليمن. الطائفة الثانية (ملوك الفرس، وهم على أربع طبقات) الطبقة الأولى- القيشداديّة، كان يقال لكل من ملك منهم قيشداد، ومعناه «سيرة العدل» وأوّلهم كيومرث، والفرس كلهم مطبقون على أنه مبدأ نسل البشر، وكأنهم يريدون به آدم عليه السّلام. وحكى الغزاليّ في «نصيحة الملوك» : أن كيومرث ابن آدم لصلبه، وأن

الطائفة الثالثة (ملوك مصر من بعد الطوفان من القبط)

آدم عهد إلى شيث بأمر الدّين وإلى كيومرث بأمر الملك، وبعضهم يقول إنه كامر ابن يافث بن نوح عليه السّلام. الطبقة الثانية- (الكيانيّة) . سمّوا بذلك لأن في أوّل اسم كل واحد منهم لفظ كي، وأوّلهم (كيقباذ) . الطبقة الثالثة- (الأشغانيّة) . كان يقال لكل منهم «أشغان» «1» قال المسعوديّ: بالغين المعجمة ويقال بالكاف. الطبقة الرابعة- (الأكاسرة) ، كان يقال لكل منهم «كسرى» بكسر الكاف وفتحها، وربما قيل فيهم «الساسانيّة» نسبة إلى جدّهم ساسان بن أردشير بن كي بهمن. وأوّلهم أردشير بن بابك وآخرهم يزدجرد الذي انقرض ملكهم بانتزاع المسلمين الملك من يديه في خلافة عثمان رضي الله عنه. الطائفة الثالثة (ملوك مصر من بعد الطّوفان من القبط) كان كلّ من ملكها منهم يسمّى «فرعون» قال إبراهيم بن وصيف شاه في «كتاب العجائب» : والقبط تزعم أن الفراعنة من ملكها من العمالقة دون القبط، كالوليد بن دومغ ونحوه. ويقال: إن أوّل من تسمّى بهذا الاسم منهم (فرعان) آخر ملوكها قبل الطّوفان ثم تسمّى من بعده ب «فرعون» قال المؤيد صاحب حماة في تاريخه: ولم أدر لأيّ معنى سمّي بذلك. والمذكور في القرآن منهم هو الذي بعث موسى عليه السّلام في زمانه.

الطائفة الرابعة (ملوك الروم، وهم طبقتان)

الطائفة الرابعة (ملوك الروم، وهم طبقتان) الطبقة الأولى منهما ليس لهم لقب يعمّ كلّ ملك ، بل لكلّ ملك منهم اسم يخصّه. الطبقة الثانية- القياصرة . كان يقال لكلّ من ملك منهم قيصر، وأصل هذه اللفظة في اللغة الروميّة جاشر بجيم وشين معجمة فعرّبتها العرب قيصر ولها في لغتهم معنيان: أحدهما الشّعر، والثاني الشيء المشقوق. واختلف في أوّل من تلقّب بهذا اللقب منهم: فقيل أغانيوش أوّل ملوك الطبقة الثانية منهم. سمّي بذلك لأن أمه ماتت وهو حمل في بطنها فشقّ جوفها وأخرج فأطلق عليه هذا اللفظ أخذا من معنى الشقّ، ثم صار علما على كل من ملكهم بعده، وقيل أوّل من لقّب بذلك يوليوش الذي ملك بعد أغانيوش المذكور، وقيل أوّل من لقّب به أغشطش «1» ، واختلف في سبب تسميته بذلك: فقيل لأن أمه ماتت وهو في جوفها فشقّ عنه وأخرج كما تقدّم القول في أغانيوش، وقيل لأنه ولد وله شعر تامّ فلقّب بذلك أخذا من معنى الشعر كما تقدّم. ولم يزل هذا اللقب جاريا على ملوكهم إلى أن كان منهم هرقل الذي كتب إليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. وزعم القاضي شهاب الدين بن فضل الله في كتابه «التعريف» في الكلام على مكاتبة الأدفونش «2» أن هرقل لم يكن الملك نفسه وإنما كان متسلّم الشأم لقيصر، وقيصر بالقسطنطينية لم يرم، وإنما كتب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل لقربه من جزيرة العرب وبقي هذا اللقب عليهم بعد الإسلام إلى أن كان آخر من تلقّب به منهم (إستيراق قيصر) ملك القسطنطينية في خلافة المأمون بن الرّشيد.

الطائفة الخامسة (ملوك الكنعانيين بالشأم)

الطائفة الخامسة (ملوك الكنعانيّين بالشأم) كان كلّ من ملك منهم لقب «بجالوت» إلى أن كان آخرهم جالوت الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ «1» الطائفة السادسة (ملوك الحبشة) كان كلّ من ملك منهم يلقّب ب «النّجاشيّ» ولم يزل ذلك لقبا على ملوكهم إلى أن كان منهم النجاشيّ الذي كتب إليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصلّى عليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد موته، وهو الذي هاجر إليه من هاجر من الصحابة رضوان الله عليهم الهجرة الأولي، واسمه صحمة ويقال أصحمة، ومعناه بالعربية عطيّة. الضرب الثاني (الألقاب المستحدثة، والمشهور منها ألقاب ستّ طوائف) الطائفة الأولى (ملوك فرغانة) «2» كان كلّ من ملك منهم يلقّب «الأخشيد» ولذلك لقّب الراضي «3» بالله العباسيّ محمد «4» بن طغج صاحب الديار المصرية والبلاد الشامية، ب «الأخشيد» لأنه كان فرغانيّا.

الطائفة الثانية (ملوك أشروسنة)

الطائفة الثانية (ملوك أشروسنة) «1» كان كلّ من ملكها يقال له «الأفشين» . قال في «ذخيرة الكتّاب» : وبه لقّب المعتصم «2» بالله حيدر بن كاووس ب «الأفشين» لأنه أشروسنيّ. الطائفة الثالثة (ملوك الجلالقة من الفرنج) الذين قاعدة ملكهم طليطلة وبرشلونة من الأندلس، يقال لكلّ من ملك منهم «أدفونش» بدال مهملة ثم فاء بعدها واو ثم نون مفتوحة وشين معجمة في آخره. وهذا اللقب جار على ملوكهم إلى زماننا، وهو الذي تسمّيه العامة «الفنش» . الطائفة الرابعة (ملوك فرنسة، ويقال فرنجة بالجيم) وهو ملك الأرض الكبيرة بظاهر الأندلس، يقال لكلّ من ملكها «ريد أفرنس» ومعنى ريد بلغتهم الملك، والأفرنس اسم للجنس الذين يملّك عليهم. والمعنى ملك الأفرنس. وهو الذي تسميه العامّة «الفرنسيس» وهذا اللقب جار على ملوكهم إلى الآن. الطائفة الخامسة (ملوك البندقيّة من بلاد الفرنج) كلّ من ملك منهم يسمّونه «دوك» بالكاف المشوبة بالجيم فيقال: «دوك البندقيّة» . وهذا اللقب جار على ملوكهم إلى آخر وقت.

الطائفة السادسة (ملوك الحبشة في زماننا)

الطائفة السادسة (ملوك الحبشة في زماننا) كلّ من ملك منهم يقال له «حطّي» بفتح الحاء المهملة وكسر الطاء المهملة المشدّدة. وهذا اللقب يذكر في مكاتباتهم عن الأبواب السلطانية على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. الصنف الثاني (من النوع الثاني الألقاب الخاصة) وهي التي يخصّ كلّ ملك من ملوك الإسلام منها بلقب، وهو المعبّر عنه عند الكتّاب باللقب الملوكيّ. ويختلف الحال فيه باختلاف البلاد والزمان. فأما بلاد المشرق فأوّل افتتاح تلقيب ملوكهم بالإضافة إلى الدولة، وكان أوّل من تلقّب منهم بذلك بنو حمدان ملوك حلب، فتلقب أبو محمد الحسن بن حمدان في أيام المتّقي لله «ناصر الدولة» «1» وتلقّب أخوه أبو الحسن عليّ «سيف الدولة» «2» وعلى ذلك جرى الحال في ملوك بني بويه على ما تقدّم ذكره في الكلام على أصول الألقاب، وتوالى ذلك فيهم إلى انقراض دولتهم. ثم وقع التلقيب بالسلطان فيما بعدهم من الدّول كدولة بني سبكتكين وبني ساسان، وبني سلجوق، إلى أن غلبت التتار على بلاد المشرق فجرت ملوكهم في التلقيب بألقاب على عادة ملوكهم.

وأما بلاد المغرب: فأوائل ملوكهم على عموم ملوكهم لجميعها وخصوصه ببعضها ما بين مدّع للخلافة، كبني أميّة بالأندلس، وأتباع المهديّ «1» بن تومرت، فيدور أمر أحدهم بين التلقيب بألقاب الخلافة والاقتصار على اسمه أو كنيته، وما بين غير مدّع للخلافة، فيقتصر على اسمه أو كنيته فقط إلى أن غلب يوسف «2» بن تاشفين في أوائل دولة المرابطين من الملثّمين من البربر على بلاد المغرب والأندلس، ودان بطاعة الخلافة العباسيّة ببغداد، فتلقّب ب «أمير المسلمين» خضوعا عن أن يتلقّب ب «أمير المؤمنين» الذي هو من خصائص الخلافة، وتبعه على ذلك من جاء بعده من ملوك الغرب من البربر: فتلقّب به بنو مرين: ملوك فاس، وبنو عبد الواد ملوك تلمسان، وبقي الأمر على ذلك إلى أن ملك فاس وما معها من بلاد المغرب أبو عنان من أحفاد السلطان أبي الحسن، فتلقب ب «أمير المؤمنين» وصارت مكاتباته ترد إلى الديار المصرية بذلك، وتبعه من بعده من ملوكهم على ذلك. أما ملوك تونس من بقايا الموحّدين، فلم يزالوا يلقّبون بألقاب الخلافة على ما سبق ذكره في الكلام على ألقاب الخلفاء. وأما الديار المصرية، فمضى الأمر فيها على نوّاب الخلفاء من حين الفتح الإسلاميّ وإلى انقراض الدولة الأخشيديّة ولم يتلقب أحد منهم بلقب من الألقاب الملوكية. ثم كانت دولة الفاطميين فتلقّبوا بألقاب الخلفاء على ما مر ذكره. ولم يتلقب أحد من وزرائهم أرباب السيوف لابتداء أمرهم بالألقاب الملوكية إلى أن ولي الوزارة المستنصر بدر الجماليّ وعظم أمر الوزارة، وصارت قائمة مقام السلطنة الآن فتلقب ب «أمير الجيوش» وتلقب ابنه في وزارته بعده

ب «الأفضل» وتلقب ابن السّلار بعد ذلك ب «العادل» وتلقّب ابن البطائحيّ وزير الآمر ب «المأمون» ثم وزّر بعد ذلك الحافظ بهرام الأرمنيّ النصرانيّ فتلقب ب «تاج الدولة» ثم وزّر بعده وزير اسمه رضوان، فلقبه ب «الملك الأفضل» . قال المؤيد صاحب حماة: وهو أوّل من لقّب من وزرائهم بالملك، وجرى الأمر على ذلك في وزارتهم حتّى كان منهم الملك الصالح طلائع بن رزّيك وزير الفائز ثم العاضد، ثم وزّر للعاضد آخرا أسد الدّين شيركوه عمّ السلطان صلاح الدين يوسف «1» بن أيوب ولقّب ب «الملك المنصور» ثم وزّر له بعده ابن أخيه صلاح الدين، فلقّب ب «الملك الناصر» ثم استقلّ بالملك بعد ذلك، وبقي في السلطنة على لقبه الأوّل. وتداول ملوك الدولة الأيّوبية بعده مثل هذه الألقاب: كالملك العزيز ابن السلطان صلاح الدين، والملك العادل أبي «2» بكر بن أيوب، والملك الكامل محمد ابنه، والأفضل صاحب دمشق، والمعظّم صاحب الكرك، وغيرهم إلى حين انقراض دولتهم ودخول الدولة التركيّة. فتلقب أيبك التّركمانيّ أوّل ملوكهم ب «الملك المعزّ» واستمرّ التلقيب مثل ذلك في الدولة التركية إلى أن صارت المملكة آخرا إلى الظاهر «3» برقوق، ثم ابنه الناصر فرج، وهم على ذلك. وعلى نحو ذلك ملوك البلاد المجاورة لهذه المملكة: كماردين «4» ، وحصن «5» كيفا ونحوهما.

الجملة الثالثة (في الألقاب المفرعة على الأسماء، على ما استقر عليه الحال من التلقيب بالإضافة إلى الدين، وهي على أربعة أنواع)

الجملة الثالثة (في الألقاب المفرّعة على الأسماء، على ما استقرّ عليه الحال من التلقيب بالإضافة إلى الدّين، وهي على أربعة أنواع) النوع الأوّل ((ألقاب أرباب السّيوف، وهم صنفان) الصنف الأوّل (ألقاب الجند من التّرك ومن في معناهم) واعلم أن الغالب في ألقاب التّرك من الجند التلقيب ب «سيف الدّين» لما فيه من مناسبة حالهم وانتسابهم إلى القوّة والشّدّة: كيلبغا، ومنكلي بغا، وبي خجا، وأسن خجا، وتغري بردي، وتغري برمش، ونحو ذلك. وقد يخرج ذلك في بعض الأسماء فيلقّب بألقاب خاصّة، كما يلقّبون طيبغا، والطنبغا، وقرابغا «علاء الدين» وأيدمر وبيدمر «عزّ الدّين» ولاچين «حسام الدين» وأرسلان «بهاء الدّين» وأقوش «جمال الدّين» وسنجر «علم الدين» ونحو ذلك. وفي المولدين يقولون في لقب محمد: «ناصر الدين» ولقب أبي بكر «سيف الدّين» ولقب عمر «ركن الدين» ولقب عليّ «علاء الدين» ولقب إبراهيم «صارم الدّين» ولقب إسماعيل «تاج الدين» ولقب حسن وحسين «حسام الدين» ولقب خالد «شجاع الدين» ونحو ذلك. الصنف الثاني (ألقاب الخدّام الخصيان المعبّر عنهم الآن بالطّواشيّة، وفي زمن الفاطميين بالأستاذين) ولهم ألقاب تخصهم: فيقولون في هلال ومرجان «زين الدّين» وفي دينار «عزّ الدين» وفي بشير «سعد الدين» وفي شاهين «فارس الدين» وفي جوهر «صفيّ الدين» وفي مثقال «سابق الدين» وفي عنبر «شجاع الدين» وفي لؤلؤ

النوع الثاني (ألقاب أرباب الأقلام، وهي على صنفين)

«بدر الدين» وفي صواب «شمس الدين» وفي محسن «جمال الدين» ونحو ذلك. النوع الثاني (ألقاب أرباب الأقلام، وهي على صنفين) الصنف الأوّل (ألقاب القضاة والعلماء) قد كان في الزمن الأوّل لغالب أسمائهم ألقاب لا يتعدّونها، كقولهم في محمد: «شمس الدين» وفي أحمد «شهاب الدين» وفي أبي بكر «زين الدّين» وفي عمر «سراج الدين» وفي عثمان «فخر الدين» وفي عليّ «نور الدين» وفي يوسف «جمال الدين» وفي عبد الرحمن «زين الدين» وفي إبراهيم «برهان الدّين» ونحو ذلك. ثم ترك أعيانهم ذلك لابتذاله بكثرة الاستعمال، وعدلوا إلى ألقاب أخر ابتدعوها على حسب أغراضهم فقالوا في محمد «بدر الدين» و «صدر الدين» و «عزّ الدين» ونحوها، وفي أحمد «بهاء الدين» و «صدر الدّين» و «صلاح الدين» وفي عليّ «تقيّ الدين» وفي عبد الرحمن «جلال الدّين» ونحو ذلك، ولم يتوقّفوا في ذلك على لقب مخصوص، بل صاروا يقصدون المخالفة لما عليه جادّة من تقدّمهم في ذلك. الصنف الثاني (ألقاب الكتّاب من القبط) ولهم ألقاب تخصّهم أيضا: فيقولون في عبد الله «شمس «1» الدين» وفي عبد الرزاق «تاج الدين» وربما قالوا «سعد الدين» وفي إبراهيم «علم الدين» وفي ماجد «مجد الدين» وفي وهبة «تقيّ الدين» ونحو ذلك.

النوع الثالث (ألقاب عامة الناس من التجار والغلمان السلطانية ونحوهم)

النوع الثالث (ألقاب عامة الناس من التّجّار والغلمان السّلطانية ونحوهم) وهم على سنن الفقهاء في ألقابهم، وربما مال من هو منهم في الخدم السلطانية إلى التلقيب بألقاب الجند. النوع الرابع (ألقاب أهل الذّمّة من الكتّاب والصّيارف ومن في معناهم من اليهود والنصارى) وقد اصطلحوا على ألقاب يتلقبون بها غالبها مصدّرة بالشيخ، ثم منهم من يجري على الرسم الأوّل في التلقيب بالإضافة إلى الدولة فيتلقب بوليّ الدولة ونحوه، ومنهم من يحذف المضاف إليه في الجملة ويعرّف اللقب بالألف واللام فيقولون «الشيخ الشمسيّ» و «الشيخ الصفيّ» و «الشيخ الموفّق» وما أشبه ذلك. فإذا أسلم أحدهم أسقطت الألف واللام من أوّل لقبه ذلك، وأضيف إلى لفظ الدين. فيقال في الشيخ الشمسي «شمس الدين» وفي الصفيّ «صفي الدين» وفي وليّ الدولة «وليّ الدين» وما أشبه ذلك. وربما كان لقب الذميّ ليس له موافقة في شيء مما يضاف إلى الدين من ألقاب المسلمين، فيراعى فيه إذا أسلم أقرب الألقاب إليه، مثل أن يقال في الشيخ السعيد مثلا إذا أسلم «سعد الدين» ونحو ذلك. الجملة الرابعة (في أصل وضع الألقاب الجارية بين الكتّاب، ثم انتهائها إلى غاية التعظيم ومجاوزتها الحدّ في التكثير) أما أصل وضعها ثم انتهاؤها إلى غاية التعظيم فإنّ ألقاب الخلافة في ابتداء الأمر- على جلالة قدرها وعظم شأنها- كانت في المكاتبات الصادرة عن ديوان الخلافة وإليه، والولايات الناشئة عنه «عبد الله ووليّه الإمام الفلانيّ أمير المؤمنين» ولم يزل الأمر على هذا الحدّ في الألقاب إلى أن استولى بنو بويه من

الدّيلم على الأمر، وغلبوا على الخلفاء، واستبدّوا عليهم احتجبت الخلفاء ولم يبق إليهم فيما يكتب عنهم غالبا سوى الولايات، وفوّض الأمر في غالب المكاتبات إلى وزرائهم، وصارت الحال إذا اقتضت ذكر الخليفة كني عنه ب «المواقف المقدّسة» و «المقامات الشريفة» و «السرّة النبويّة» و «الدار العزيزة» و «المحل الممجّد» يعنون «بالمواقف» الأماكن التي يقف فيها الخليفة، وكذلك المقامات، وبالسرة الأنماط التي يجلس عليها الخليفة، و «بالدار» دار الخلافة، و «بالمحل» محلّ الخليفة. قال في «ذخيرة الكتّاب» : وليت شعري أيّ شيء قصد من كنى عن أمير المؤمنين بهذه الكنايات، وبدّل نعوته وصفاته المعظمة المكرّمة بهذه الألفاظ المحقّرات؟ وإذا استجيز ذلك ورضي به وأغضي عنه كان لآخر أن يقول «المجالس الطاهرة» و «المقاعد المقدّسة» و «المراكب المعظّمة» و «الأسرّة الممجّدة» وما يجري هذا المجرى مما ينبو عنه السمع وينكره لاستحداثه واستجداده. على أنه لو توالى على الأسماع كتوالي تلك الألفاظ لم تنكره بعد إذ لا فرق. قال: ولم يستسنّه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا اختاره لنفسه، ولا استحدثه الخلفاء من بعده. فما وجه العمل بموضعه والاقتفاء لأثره؟ وكيف يجوز أن يكنى عن الجمادات، بما يكنى به عن الإنسان الحيّ الناطق الكامل الصفات. ولما انتهى الحال بالخلفاء إلى التعظيم بهذه الألقاب والنعوت المستعارة، تداعى الأمر إلى تعظيم الملوك والوزراء بالتلقيب ب «المجلس العالي» و «الحضرة السامية» وما أشبه ذلك. قال: وهذا مما لم يكن في زمان، ولا جرى في وقت، ولا كتب به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا استعمله الخلفاء بعده. ثم تزايد الحال في ذلك إلى أن كنوا ب «المقام» و «المقرّ» و «الجناب» و «المجلس» ونحو ذلك على ما سيأتي ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى. وأما مجاوزتها الحدّ في الكثرة، فقد تقدّم أن اللقب الواحد كان يلقّب به الشخص دون تعدّد ألقاب، إلى أن وافت أيام القادر بالله «1» والتلقيب بالإضافة إلى

الجملة الخامسة (في بيان الألقاب الأصول وذكر معانيها واشتقاقها، وهي صنفان)

الدولة فزيد في لقب عضد الدولة بن بويه (تاج الملة) فكان يقال «عضد الدولة وتاج الملّة» وكان أوّل من زيد في لقبه على الإفراد، وأن ابنه «بهاء الدولة» زيد في لقبه في الأيام القادريّة أيضا «نظام الدين» فكان يقال: «بهاء الدولة ونظام الدين» ويقال: إنه زاده من بعد بهاء الدولة لفظ «في الأمة» فكان يقال: «بهاء الدّولة في الأمة ونظام الدّين» ثم لقّب محمود بن سبكتكين في الأيام القادريّة أيضا «يمين الدولة، وأمين الملّة، وكهف الإسلام والمسلمين، وليّ أمير المؤمنين» وتزايد الأمر بعد ذلك في تكثير الألقاب حتّى جاوز الحدّ وبلغ النهاية، وصارت الكتّاب في كل زمن يقترحون ألقابا زيادة على ما سبق إلى أن صارت من الكثرة في زماننا على ما ستقف عليه إن شاء الله تعالى فيما بعد. الجملة الخامسة (في بيان الألقاب الأصول وذكر معانيها واشتقاقها، وهي صنفان) الصنف الأوّل (ما يقع في المكاتبات والولايات، وهي ثمانية ألقاب) الأوّل- الجانب . وهو من ألقاب ولاة العهد بالخلافة ومن في معناهم: كإمام الزّيديّة باليمن في مكاتبته عن الأبواب السلطانية. وربّما وقع في الخطاب في أثناء المكاتبة: فيقال «الجانب الأعلى» و «الجانب الشريف العالي» [والجانب الكريم العالي] «1» و «الجانب العالي» مجرّدا عنهما، رتبة بعد رتبة. ثم الجانب في أصل اللغة اسم للناحية، والمراد الناحية التي صاحب اللقب فيها، كني بها عنه تعظيما له من أن يتفوّه بذكره، وكذا في غيره مما يجري هذا المجرى من الألقاب المكتتبة: كالمقام والمقرّ ونحوهما.

الثاني - المقام

الثاني- المقام بفتح الميم. وهو من الألقاب الخاصّة بالملوك. وأصل المقام في اللغة اسم لموضع القيام، أخذا من قام يقوم مقاما. وقد ورد [في] التنزيل بمعنى موضع القيام في قوله تعالى: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ «1» يريد موضع قدميه في الصّخرة التي كان يقوم عليها البيت، ثم توسّع فيه فأطلق على ما هو أعمّ من موضع القيام من محلّة الرجل أو مدينته ونحو ذلك، ومن ثمّ قال الزمخشريّ في الكلام على قوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ «2» إنه خاصّ استعمل في معنى العموم، يعني أنه يستعمل في موضع الإقامة في الجملة. أما المقام بالضم فاسم لموضع الإقامة أخذا من أقام يقيم، إذ الفعل متى جاوز الثلاثة فالموضع منه مضموم كقولهم في المكان الذي يدحرج فيه مدحرج كما نبّه عليه الجوهريّ وغيره. وقد قريء قوله تعالى: يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ «3» بالفتح والضم جميعا على المعنيين. قال الجوهريّ: وقد يكون المقام بالفتح بمعنى الإقامة والمقام بالضم بمعنى موضع القيام. وجعل من الثاني قوله تعالى: حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً «4» أي موضعا. وبالجملة فالذي يستعمله الكتّاب في المقام الفتح خاصة، يكنون بذلك عن السلطان تعظيما له عن التفوّه باسمه. قال المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «عرف التعريف» : ويقال فيه «المقام الأشرف» و «المقام الشريف العالي» وربّما قيل فيه «المقام العالي» ولم يتعرّض لذكر «المقام الكريم» ولو عمل عليه تأسّيا بلفظ القرآن الكريم حيث قال تعالى: وَمَقامٍ كَرِيمٍ* «5» لكان حسنا. الثالث- المقرّ - بفتح الميم والقاف. قال في «عرف التعريف» : ويختص بكبار الأمراء، وأعيان الوزراء، وكتّاب السّر ومن يجري مجراهم: كناظر

الرابع - الجناب

الخاصّ، وناظر الجيش، وناظر الدّولة، وكتّاب الدّست ومن في معناهم. قال: ولا يكتب لأحد من العلماء والقضاة، وكأنه يريد العرف العامّ. والتحقيق في ذلك أن الحال فيه يختلف بحسب المكتوب عنه، فلا يقال فيما يكتب عن السلطان إلا لأكابر الأمراء وبعض الملوك المكاتبين عن هذه المملكة: كصاحب ماردين ونحوه. بل قد ذكر ابن شيث في «معالم الكتابة» أن المقرّ من أجلّ ألقاب السلطان. وقد رأيت ذلك في العهد المكتتب بالسلطنة للمنصور قلاوون من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر. أما عمّن عدا السلطان كالنّوّاب ونحوهم فإنه يكتب به لأكابر أرباب السيوف والأقلام: من القضاة والعلماء والكتّاب. على أن ابن شيث في «معالم الكتابة» قد جعله من الألقاب الملوكيّة كالمقام، بل جعلهما على حدّ واحد في ذلك. قال في «عرف التعريف» : ويقال فيه «المقرّ الأشرف» و «المقرّ الشريف العالي» و «المقرّ الكريم العالي» و «المقرّ العالي» مجرّدا عن ذلك. وأصله في اللغة لموضع الاستقرار، والمراد الموضع الذي يستقرّ فيه صاحب ذلك اللقب. ولا يخفى أنه من الخاصّ الذي استعمل في العموم كما تقدّم في لفظ المقام عن الزمخشريّ. إذ يجوز أن يقال فلان مقرّه محلّة كذا وبلدة كذا، كما يقال مقامه محلّة كذا وبلد كذا. الرابع- الجناب . وهو من ألقاب أرباب السّيوف والأقلام جميعا فيما يكتب به عن السلطان وغيره، من النوّاب ومن في معناهم. قال في «عرف التعريف» : وهو أعلى ما يكتب للقضاة والعلماء من الألقاب. قال: ويكتب لمن لا يؤهّل للمقرّ من الأمراء وغيرهم ممن يجري مجرى الوزراء ويزيد على ما قد ذكره أنه يكتب به لبعض الملوك المكاتبين عن الأبواب السلطانية. قال في «عرف التعريف» : ويقال فيه: «الجناب الشريف العالي» و «الجناب الكريم العالي» و «الجناب العالي» مجرّدا عنهما. وأصل الجناب في اللغة الفناء أو ما قرب من محلّة القوم، ومنه قولهم: لذنا بجناب فلان وفلان خصيب الجناب، فيعبّر عن الرجل بفنائه وما قرب من محلّته تعظيما له، ويجمع على أجنبة كمكان وأمكنة وعلى جنابات كجماد وجمادات.

الخامس - المجلس

الخامس- المجلس . وهو من ألقاب أرباب السّيوف والأقلام أيضا ممن لم يؤهّل لرتبة الجناب، وربما لقّب به بعض الملوك في المكاتبات السلطانية. على أنه كان في الدولة الأيّوبية لا يلقّب به إلا الملوك ومن في معناهم. ومكاتبات القاضي الفاضل والعماد الأصفهانيّ وغيرهما من كتّاب الدولة الأيّوبيّة ومن عاصرها مشحونة بذلك، حتّى قال صاحب «معالم الكتابة» : وقد كانوا لا يكتبون المجلس إلا للسلطان خاصّة. قال: ولم يكن السلطان يكاتب به أحدا من الداخلين تحت حكمه والمنسحب عليهم أمره. ثم ذكر أنه كان يكتب به في زمانه إلى كبار الأمراء والوزراء وولاة العهد بالسلطنة. أما في زماننا فقد صار في أدنى الرّتب وجعل الجناب والمقرّ فوقه على ما تقدّم. ويقال فيه: «المجلس العالي» و «المجلس السامي» رتبة بعد رتبة. ويقال في المجلس السامي الساميّ بالياء، والسامي بغير ياء، رتبة بعد رتبة. واعلم أن العالي والسامي اسمان منقوصان كالقاضي والوالي وقد تقرّر في علم النحو أنه إذا دخلت الألف واللام على الاسم المنقوص جاز فيه إثبات الياء وحذفها فيقال القاض والقاضي ونحو ذلك، وحينئذ فيجوز في العالي والسامي إثبات الياء وحذفها ولكن الكتّاب لا يستعملونهما إلا بالياء. فأما في العالي فيجوز أن تكون الياء التي تثبتها الكتّاب في آخره هي الياء اللاحقة للاسم المنقوص على ما تقدّم وتكون حينئذ ساكنة، ويجوز أن تكون ياء النّسب نسبة إلى العالي وتكون مشدّدة، وكذلك في الساميّ بالياء. أما السامي بغير ياء فيجوز أن يكون المراد حذف ياء النسب لا الياء اللاحقة للاسم المنقوص، لما تقدّم من أن الكتّاب لم يستعملوها إلا بإثبات الياء، وحينئذ فتحذف الياء من الألقاب التي تنعت بها. ويحتمل أن يكون المراد حذف الياء اللاحقة للاسم المنقوص وهو بعيد. وأصل المجلس في اللغة لموضع الجلوس، ويشار بذلك إلى الموضع الذي يجلس فيه تعظيما له على ما تقدّم في غيره. ولا يخفى أنه ليس للمجلس ما

السادس - مجلس

للمقرّ والمقام من العموم حتّى يعمّ ما فوق موضع الجلوس، إذ لا يحسن أن يقال مجلس فلان محلّة كذا ولا بلد كذا كما يحسن أن يقال: مقرّه أو مقامه محلّة كذا أو بلد كذا. السادس- مجلس - مجرّدا عن الألف واللام مضافا إلى ما بعده، وله في الاصطلاح أربع حالات: الأولى- أن يضاف إلى الأمير : فيقال «مجلس الأمير» وهو مختصّ بأرباب السيوف على اختلاف أنواعهم من التّرك والعرب وغيرهم. الثانية- أن يضاف إلى القاضي : فيقال «مجلس القاضي» وهو مختصّ بأرباب الأقلام من القضاة والعلماء والكتّاب ومن في معناهم. الثالثة- أن يضاف إلى الشيخ : فيقال «مجلس الشيخ» ويختصّ ذلك بالصّوفيّة وأهل الصّلاح ومن في معناهم. الرابعة- أن يضاف إلى الصّدر : فيقال «مجلس الصّدر» وهو مختصّ بالتجّار وأرباب الصّنائع ومن في معناهم، وربما كتب به في الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون» وما قاربها لكتّاب الدّرج ومن في معناهم. والمراد بالصّدر صدر المجلس الذي هو أعلى أماكنه وأرفعها، والمضاف والمضاف إليه فيه كالمتعاكسين، والتقدم صدر المجلس. السابع- أن يقتصر على المضاف إليه من مجلس الأمير ، أو مجلس القاضي، ومجلس الشيخ، أو مجلس الصّدر ويقال فيه: «الأمير الأجلّ» و «القاضي الأجلّ» و «الشيخ الصالح» و «الصدر الأجلّ» . الثامن- الحضرة ، والمراد بها حضرة صاحب اللّقب. قال الجوهري: حضرة الرجل قربه وفناؤه. قال ابن قتيبة في «أدب الكاتب» : وتقال بفتح الحاء

وكسرها وضمها وأكثر ما تستعمل في المكاتبات. وهي من الألقاب القديمة التي كانت تستعمل في مكاتبات الخلفاء، وكان يقال فيها «الحضرة العالية» و «الحضرة السامية» وتستعمل الآن في المكاتبات الصادرة عن الأبواب السلطانية إلى بعض الملوك. ويقال فيها: «الحضرة الشريفة العالية» و «الحضرة الكريمة العالية» و «الحضرة العليّة» بحسب ما تقتضيه الحال. قال ابن شيث في «معالم الكتابة» : كانت مما يكتب بها لأعيان الدولة من الوزراء وغيرهم، ولم يكن السلطان يكاتب بها أحدا من الداخلين تحت حكمه والمنسحب عليهم أمره. وتستعمل أيضا في مكاتبات ملوك الكفر، ويقال فيه بعد الدعاء للحضرة: «حضرة الملك الجليل» ونحو ذلك على ما سيأتي بيانه في موضعه. وقد تستعمل في الولايات في نحو ما يكتب للبطرك. فيقال: «حضرة الشيخ» أو «حضرة البطرك» ونحو ذلك. قلت: وكثير من كتّاب الزمان يظنّون أن هذه الألقاب الأصول أو أكثرها أحدثها القاضي شهاب الدين بن فضل الله وليس كذلك، بل المجلس مذكور في مكاتبات القاضي الفاضل ومن عاصره بكثرة بل لا تكاد مكاتبة من مكاتباته الملوكيّة تخلو عن ذلك. ومقتضى كلام ابن حاجب النّعمان في «ذخيرة الكتّاب» أنّه أوّل ما ابتدع في أيّام بني بويه ملوك الدّيلم والجناب موجود في مكاتبات القاضي الفاضل أيضا بقلّة. وقد ذكره ابن شيث في مصطلح كتابة الدولة الأيوبية. والمقرّ موجود في كلام القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر. والمقام موجود في مكاتبات من قبل القاضي شهاب الدّين المذكور، نعم هذا الترتيب الخاصّ: وهو جعل أعلاها المقام، ثم المقرّ، ثم الجناب، ثم المجلس، ثم مجلس الأمير أو القاضي أو الشيخ، لم أره إلا في كلام المقرّ الشهابيّ المشار إليه ومتابعيه، ولا أدري أهو المقترح لهذا أم سبقه إليه غيره؟ وقد أولع الفضلاء بالسؤال عن وجه هذا الترتيب، بل أخذوا في إنكاره على مرتّبه من حيث إن هذه الألقاب متقاربة المعاني في اللغة، فلا يتجه تقديم بعضها على بعض في الرتبة، ولا يخفى أن واضع ذلك من المقرّ الشهابيّ أو غيره لم يضعه عن جهل على سبيل التشهّي إذ لا يليق ذلك بمن عنده أدنى مسكة من العلم، وقد ظهر لي عن ذلك

أجوبة يستحسنها الذهن السليم إذا تلقّيت بالإنصاف، ولا بدّ من تقديم مقدّمة على ذلك: وهي أن تعلم أن الخطاب في المكاتبات، والوصف في الولايات، مبنيّ على التفخيم والتعظيم، على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى، ومن ثمّ أتي فيهما بالألقاب المؤدّية إلى الرّفعة كما تقدّمت الإشارة إليه في أوّل الكلام على الألقاب، ثم أثبتوا هذه الألقاب بمعنى الأماكن كناية عن أصحابها من باب مجاز المجاورة وجعلوها رتبة بعد رتبة بحسب ما تقتضيه معانيها اللائحة منها على ما سيأتي بيانه، فجعلوا أدناها رتبة الأمير والقاضي والشيخ، التي وقع فيها التصريح بذكر الشخص، وجعلوا فوق تلك المجلس لتجرّده عن الاضافة إلى ما هو في معنى القريب من التصريح، وجعلوا فوق ذلك الجناب الذي هو الفناء من حيث إن فناء الرجل أوسع من مجلسه ضرورة، بل ربما اشتمل على المجلس واستضافه إليه، وجعلوا فوق ذلك المقرّ الذي هو موضع الاستقرار مع ما يقتضيه من شمول جميع المحلّة أو البلد الذي هو مقيم فيه، من حيث إنه يسوغ أن يقال مقرّه محلّة كذا أو بلد كذا، وتضمنت معنى القرار الذي هو ضد الزّوال على ما قال تعالى: وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ «1» وجعلوا فوق ذلك المقام لاستعماله في المعنى العامّ، الذي هو أعم من موضع القيام كما أشار إليه الزمخشريّ، مع ما في معنى القيام من النّهضة والشّهامة الزائدة على معنى الاستقرار، من حيث إن القعود دليل العجز والقصور. قال تعالى: وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ «2» وقال: الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا «3» فكان المقام باعتبار ذلك أعلى من المقرّ ويوضّح ما ذكرناه أنهم جعلوا المجلس أدنى المراتب والمقام أعلاها. أما تخصيصه خطاب الخليفة بالدّيوان فلبعد تعلّقه مع كونه عنه تصدر المخاطبات وعليه ترد على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.

الصنف الثاني (من الألقاب الأصول ما يختص بالمكاتبات دون الولايات، وفيه تسعة ألقاب)

الصنف الثاني (من الألقاب الأصول ما يختص بالمكاتبات دون الولايات، وفيه تسعة ألقاب) الأوّل- الدّيوان . وقد تقدّم الكلام على ضبطه ومعناه في الكلام على ترتيب ديوان الإنشاء في مقدّمة الكتاب، ويصدّر بالدعاء له في المكاتبة إلى أبواب الخلافة المقدّسة، ويقال فيه «الدّيوان العزيز» على ما سيأتي في الكلام على المكاتبات فيما بعد إن شاء الله تعالى، قال المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في كتابه «التعريف» . والمعنيّ به ديوان الإنشاء إذ الكتب وأنواع المخاطبات إليه واردة، وعنه صادرة. قال: وسبب الخطاب بالدّيوان العزيز الخضعان عن خطاب الخليفة نفسه. ثم كتّاب الزمان قد يستعملون ذلك في غير المكاتبات مثل أن يكتب عن السلطان منشور إقطاع للخليفة فيقال: «أن يجرى في الديوان العزيز» ونحو ذلك على ما سيأتي في الكلام على المناشير في موضعه إن شاء الله تعالى. الثاني- الباسط ، وهو مما يستعمل في المكاتبات بالتقبيل على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وأصله في اللغة فاعل من البسط، والمراد بسط الكفّ بالبذل والعطاء. ومنه قوله تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ «1» وهو من ألقاب اليد، ويشترك فيه أرباب السيوف والأقلام وغيرهم. قال في «عرف التعريف» ويقال فيه: «الباسط الشّريف العالي» و «الباسط الكريم العالي» . الثالث- الباسطة بلفظ التأنيث. وهو بمعنى الباسط إلا أن الباسطة دون الباسط في الرتبة لميزة التذكير على التأنيث. الرابع- اليد . وهي في معنى الباسطة إلا أنها دونها لفوات الوصف بالبسط فيها. قال في «عرف التعريف» : ويقال فيها «اليد الشريفة العالية» و «اليد

الخامس - الدار

الكريمة العالية» واليد العالية مجرّدة عنهما. الخامس- الدار ، وهي معروفة. وتجمع على آدر، وديار، ودور والمراد دار المكتوب إليه، تنزيها له عن التصريح بذكره كما في الجناب وغيره. وكانت مما يكتب به في الزمن القديم في ألقاب الخلفاء ويقال: «الدار العزيزة» وما أشبه ذلك، وربما كتب بها في القديم أيضا للخواتين من نساء الملوك وغيرهم، وممن كتب به لهنّ العلاء بن موصلايا صاحب ديوان الإنشاء في أيام القائم العباسيّ، وعلى ذلك الأمر في زماننا في الكتب الصادرة إليهنّ من الأبواب السلطانية وغيرها، وإنما كتب إليهنّ بذلك إشارة إلى الصّون لملازمتهن الدّور، وعدم البروز عنها. السادس- السّتارة ، وكتّاب الزمان يستعملونها في نحو ما تستعمل فيه الدار، ويكنون بها عن المرأة الجليلة القدر، التي هي بصدد أن تنصب على بابها السّتارة حجابا. السابع- الجهة ، وهو مستعمل في معنى الدار والسّتارة من المكاتبات، ويعنى بها المرأة الجليلة القدر. وهي في أصل اللغة اسم للناحية، فكنوا بها عن المرأة الجليلة، كما كنوا عن الرجل الجليل بالجناب. الثامن- الباب . وهو من الألقاب المختصة بالعنوان في جليل المكاتبات، وأصل الباب في اللغة لما يتوصّل منه إلى المقصود، ويجمع على أبواب: كحال وأحوال، وعلى بيبان: كجار وجيران، والمراد باب دار المكتوب إليه، وكأنه أجلّ صاحب اللّقب عن الوصول إليه والقرب منه، لعلوّ مكانه ورفعة محلّه، ويقال فيه «الباب الشريف العالي» و «الباب الكريم العالي» و «الباب العالي» مجرّدا عنهما، واستعماله بلفظ الجمع على أبواب أعلى منه بلفظ الإفراد لما في معنى الجمع من الشّرف، أما الجمع على بيبان فلا يستعمله الكتّاب أصلا. التاسع- المخيّم . وهو من الألقاب المختصة بالعنوان للمسافر، والمراد المكان الذي تضرب فيه خيام المكتوب إليه، أخذا من قولهم خيّم بالمكان إذا أقام به، أو خيّمه إذا جعله كالخيمة والخيمة في أصل اللغة اسم لبيت تنشئه العرب من

الجملة السادسة (في بيان الألقاب المفرعة على الأصول المتقدمة، وفيها مهيعان)

عيدان ثم توسّع فيه فاستعمل فيما يتّخذ من الجلود والقطن المنسوج ونحوه، ويوصف بما يوصف به الباب: من الشريف والكريم، والعالي. قلت: وقد يستعمل بعض هذه الألقاب كالدار والسّتارة والجهة في غير المكاتبات من الولايات وغيرها ولكن بقلة، والغالب استعمالها في المكاتبات، فلذلك خصّصتها بها. الجملة السادسة (في بيان الألقاب المفرّعة على الأصول المتقدّمة، وفيها مهيعان) المهيع الأوّل (في بيان أقسامها، وهي على نوعين) النوع الأوّل (المفردة، وهي صنفان) الصنف الأوّل (المجرّدة عن ياء النسب) كالسلطان، والملك، والأمير، والقاضي، والشيخ، والصّدر، والأجلّ، والكبير، والعالم، والعامل، والأوحد، والأكمل، وما أشبه ذلك. الصنف الثاني (الملحق بها ياء النسب) كالسلطانيّ، والملكيّ، والأميريّ، والقضائيّ، والقاضويّ، والشّيخيّ، والصّدريّ، والأجلّيّ، والكبيريّ، والعالميّ، والعامليّ، والأوحديّ، والأكمليّ. ونحو ذلك.

ثم الألقاب الملحقة بها ياء النسب تارة يراد بالنسب فيها النسب الحقيقيّ على بابه: كالقضائيّ، لأنه منسوب إلى القضاء الذي هو موضوع الوظيفة التي مناطها فصل الحكومات الشرعية على ما تقدّم، وتارة يراد به المبالغة كالقاضويّ، فإنه منسوب إلى القاضي نفسه مبالغة. وفي معناه الأميريّ نسبة إلى الأمير، والوزيريّ نسبة إلى الوزير، والشيخيّ نسبة إلى الشيخ، والكبيريّ نسبة إلى الكبير، والعالميّ نسبة إلى العالم، وما أشبه ذلك. والأصل فيه أنّ عادة العرب أنهم إذا أرادوا المبالغة في وصف شيء أدخلوا عليه ياء النسب في آخره للمبالغة في وصفه فيقولون في الأحمر إذا قصدوا المبالغة في وصفه بالحمرة أحمريّ ونحو ذلك على ما هو مقرّر في كتب النحو المبسوطة كالتسهيل ونحوه، ثم منها ما يستعمل بالتجريد عن ياء النسب أو إثباتها: كالعالم، والعالميّ، ومنها ما يستعمل مجرّدا عنها فقط كالقطب والغوث من ألقاب الصّوفيّة، ومنها ما يستعمل بإثباتها فقط كالغياثيّ، وبكلّ حال فالألقاب التي قد تثبت ياء النسب في آخرها وقد لا تثبت كالأمير والأميريّ إن كانت من ألقاب المجلس الساميّ بالياء فما فوقه من المجلس العالي والجناب العالي، والمقرّ والمقام على مراتبها تثبت الياء في آخرها، وإن كانت من ألقاب المجلس السامي بغير ياء فما دونه من مجلس الأمير ومجلس القاضي، ومجلس الشيخ، ومجلس الصّدر، والأمير، والقاضي، والشيخ، والصدر، لم تثبت الياء في آخرها. والألقاب المضافة إلى الدين، مثل «ناصر الدّين» و «شمس الدين» و «نور الدين» و «عز الدين» و «وليّ الدين» و «سيف الدين» وما أشبه ذلك إن كانت في ألقاب من تثبت الياء في ألقابه من المجلس الساميّ بالياء فما فوقه حذف المضاف إليه وأدخلت الألف واللام على المضاف وألحقت به ياء النّسب، فيقال في ناصر الدين «الناصريّ» وفي شمس الدين «الشّمسيّ» وفي نور الدين «النّوريّ» وفي عز الدين «العزّيّ» وفي وليّ الدين «الولويّ» وفي سيف الدين «السيفيّ» وما أشبه ذلك.

النوع الثاني (المركبة)

النوع الثاني (المركّبة) وهي المعبّر عنها بالنّعوت. وأكثر ما يكون التركيب فيها بالإضافة ثم تارة تكون باضافة واحدة نحو «ممهّد الدّول» وتارة تكون باضافتين نحو «سيّد أمراء العالمين» وتارة تكون بثلاث إضافات نحو «حاكم أمور ولاة الزّمان» وربما زيد على ذلك، وتارة تكون بوصف المضاف، نحو «بقيّة السّلالة الطاهرة» وتارة تكون بالعطف على المضاف إليه: إما بعطف واحد، نحو «سيد الملوك والسلاطين» وإما بأكثر، نحو «فاتح الممالك والأقاليم والأقطار» وتارة تكون بجارّ ومجرور بعد المضاف إليه، نحو «سيّد الأمراء في العالمين» وربما توسط النعت بين المضاف إليه والجارّ والمجرور، نحو «سيد الأمراء الأشراف في العالمين» . وقد يكون التركيب بغير الإضافة إما بالجارّ والمجرور، نحو «المجاهد في سبيل ربّ العالمين» وإما بغير ذلك مثل المعفّي آل ساسان وغير ذلك مما يجرى هذا المجرى. [واعلم أنه إذا كان لقب الأصل مفردا نحو المقرّ والجناب، جاءت ألقابه ونعوته مفردة فيقال «المقرّ الشّريف» و «الجناب الشريف» و «المقرّ الكريم» وفي نعوته «سيد الأمراء في العالمين» ونحو ذلك. ثم إن كان مذكّرا جاء بصيغة التذكير، كما تقدّم في ألقاب المقرّ] «1» وإذا كان لقب الأصل فيه مؤنّثا كالجهة في ألقاب النساء، أتت ألقابه ونعوته مؤنّثة تبعا له، فيقال في ألقاب الجهة «الجهة الشريفة أو الجهة الكريمة العالية» وفي النعوت «سيدة الخواتين في العالمين» ونحو ذلك. وإن كان اللقب في الأصل مجموعا، نحو «مجالس الأمراء» كما يكتب

في المطلقات، جاءت الألقاب والنّعوت مجموعة فيقال في الألقاب الأجلّاء الأكابر وما أشبه ذلك. وفي النعوت إن كان ذلك اللقب اسم جنس نحو «عضد الملوك والسلاطين» أو مصدرا، نحو «عون الأمّة» جاز إبقاؤه على الإفراد كذلك: لأن المصدر واسم الجنس لا يثنّيان ولا يجمعان، وإن لوحظ فيه معنى التعدّد، جاز الجمع فيقال «أعوان الأمة» و «أعضاد الملوك والسلاطين» ونحو ذلك، وقد أشار إلى ذلك المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في كتابه «التعريف» في الكلام على كتابة المطلقات فقال ونحو عضد وأعضاد. تم الجزء الخامس يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء السادس وأوّله المهيع الثاني (في ذكر الألقاب والنعوت المستعملة عند كتّاب الزمان، وبيان معانيها، ومن يقع عليه كل واحد منها من أرباب السّيوف وغيرهم، وهي نوعان) والحمد لله رب العالمين، وصلاته على سيّدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه والتابعين وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل

مصادر ومراجع الجزء الخامس

مصادر ومراجع الجزء الخامس 1 1- إتمام أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس لعبد الرحمن بن زيدان. طبع في الرباط سنة 1347 هـ. 2- الآثار الأندلسية الباقية في اسبانية والبرتغال. لمحمد عبد الله عنّان. طبع في مؤسسة الخانجي بالقاهرة. طبعة ثانية سنة 1961. 3- الإحاطة في أخبار غرناطة. للسان الدين بن الخطيب. طبع بمصر سنة 1319 هـ. 4- أخبار الراضي بالله والمتقي لله، من كتاب الأوراق لأبي بكر محمد بن يحيى الصولي. طبع بمصر 1935 م. 5- أزهار الرياض في أخبار عياض. لأحمد بن محمد المقريّ أربعة أجزاء. طبع بمصر 1358 هـ. 6- الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى. لأحمد بن خالد الناصري السلاوي. أربعة أجزاء. طبع بمصر سنة 1312 هـ. 2 7- الإسلام والحضارة العربية لمحمد كرد علي. جزآن. طبع بمصر سنة 1934 م. 8- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير. خمسة مجلدات. طبع بمصر 1280 هـ. الأعلام للزركلي. دار العلم للملايين. طبعة سادسة 1984 م. 9- أعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام وما يجرّ ذلك من شجون الكلام. للسان الدين بن الخطيب. طبع في بالرمو سنة 1900 م. 10- أعمال الأعلام. القسم الثاني في أخبار الجزيرة الأندلسية. لابن الخطيب. طبع في رباط الفتح سنة 1353 هـ/ 1934 م وطبعة بيروت 1956 م. 11- الأغاني لأبي فرج الأصبهاني. طبعة دار الكتب المصرية. 12- الانبساط بتلخيص الاغتباط بتراجم أعلام الرباط.

1 لمحمد بن محمد بن عبد الله. رسالة استخلصها من كتاب الاغتباط لمحمد بن أبي جنيدار. طبعت بمصر سنة 1347 هـ. 13- الأنيس المطرب القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاج مدينة فاس. لأبي عبد الله محمد بن عبد الحليم المعروف بابن أبي زرع. مطبوع على الحجر بفاس سنة 1305 هـ. 14- بدائع الزهور في وقائع الدهور لابن إياس، ثلاثة أجزاء. طبع بمصر سنة 1310 هـ. 15- البداية والنهاية في التاريخ لابن كثير. أربعة عشر جزءا. طبع بمصر سنة 1351 هـ. 16- البدء والتاريخ. المنسوب لأحمد بن سهل البلخي وهو لمطهر بن طاهر المقدسي. ستة أجزاء. طبع في شالون سنة 1966 م. 17- بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس. لابن عميرة الضبي. طبع في مجريط سنة 1884. 18- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة. للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي. تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم. الطبعة الثانية 1398 هـ. 19- البيان المغرب في أخبار الأندلس لابن عذارى المراكشي. أربعة أجزاء. 2 الأول والثاني طبعة ليدن 1948 و 1951 م. والثالث طبعة باريس 1930 م. والرابع طبعة تطوان 1956 م. وتحقيق د. إحسان عباس. دار الثقافة بيروت لبنان. طبعة ثانية 1980 م. 20- تاريخ آداب اللغة العربية. لجرجي زيدان أربعة أجزاء. طبع بمصر سنة 1913- 1914 م. 21- تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام للذهبي طبع بمصر 22- تاريخ الأمم والملوك. للطبري. طبع بمصر 1336 هـ. 23- تاريخ أبي الفداء. دار المعرفة ببيروت. 24- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي. أربعة عشر مجلدا. طبع بمصر سنة 1365 هـ. 25- تاريخ الجزائر في القديم والحديث. لمبارك بن محمد الهلالي المسيلي. جزآن. طبع في المطبعة الجزائرية الاسلامية بالقسطنطينية. 26- تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس. لحسين بن محمد الديار بكري. مجلدان. طبع في مصر 1283 هـ. 27- تاريخ سني ملوك الأرض والأنبياء. لحمزة بن الحسن الأصفهاني. طبع في برلين 1340 هـ. 28- تاريخ الشعوب الإسلامية.

1 لكارل بروكلمن. ترجمة نبيه أمين فارس. ومنير بعلبكي. خمسة أجزاء. طبع في بيروت 1948- 1950 م. 29- تاريخ طرابلس الغرب المسمى التذكار فيمن ملك طرابلس، وما كان بها من الأخبار وهو شرح لمحمد بن خليل غلبون الطرابلسي. على قصيدة أحمد بن عبد الدائم الأنصاري. طبع بمصر سنة 1349 هـ. 30- تاريخ العرب السياسي والثقافي. لفيليب حتى وجبرائيل جبور. طبع في مطابع الغندور. طبعة رابعة سنة 1965 م. 31- تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وايطاليا وجزائر البحر المتوسط. لشكيب ارسلان. طبع بمصر سنة 1352 هـ. 32- تاريخ الفكر الأندلسي لآنخل بالنثيا. ترجمة حسين مؤنس. ط. أولى مكتبة النهضة المصرية. 33- التاريخ الكامل لابن الأثير. دار صادر دار بيروت 1979 م. وطبعة أخرى القاهرة بولاق 1290 هـ ودار صادر 1965 م. وليدن 1851 م. 34- تأصيل الدخيل 35- تراجم اسلامية وشرقية وأندلسية. لمحمد عبد الله عنّان. طبع بمصر سنة 1947 م. 36- التعريف بمصطلحات الصبح. 37- التكملة لكتاب الصلة لابن الابار. طبع في مجريط سنة 1886 م. 2 38- تهذيب تاريخ ابن عساكر. لعبد القادر بدران. طبع بدمشق سنة 1329- 1351 هـ. 39- تهذيب التهذيب. لابن حجر العسقلاني. اثنا عشر جزءا. طبع في حيدرآباد الدكن سنة 1325- 1327 هـ. 40- التيجان في ملوك حمير. لأبي محمد بن عبد الملك بن هشام. طبع في حيدرآباد سنة 1347 هـ. 41- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب للثعالبي وعبد الملك بن محمد. طبع بمصر سنة 1326 هـ. 42- جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس. للحميدي. طبع بمصر سنة 1372 هـ. 43- جذوة الاقتباس فيمن حلّ من الأعلام مدينة فاس. لابن القاضي. طبع بفاس على الحجر سنة 1309 هـ. 44- جمهرة أنساب العرب. لابن حزم. دار الكتب العلمية بيروت لبنان. طبعة أولى 1403 هـ. 45- الحلة السيراء. لابن الابار. طبع في ليدن سنة 1847- 1851 م. 46- الحلل الموشية في ذكر الاخبار المراكشية. للسان الدين بن الخطيب. طبع في تونس سنة 1329 هـ. 47- الحور العين. لنشوان الحميري.

1 طبع بمصر سنة 1948 م. 48- خلاصة تاريخ تونس. لحسن حسني عبد الوهاب. طبع بتونس سنة 1373 هـ. 49- الخلاصة النقية في أمراء إفريقية. لأبي عبد الله محمد الباجي المسعودي. طبع بمطبعة الدولة التونسية سنة 1283 هـ. 50- دائرة المعارف. للمعلم بطرس البستاني. طبع بدار المعارف بيروت سنة 1880 م. 51- الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة. لابن حجر العسقلاني. أربعة أجزاء. طبع في حيدرآباد سنة 1945- 1950 م. 52- دول الإسلام. للذهبي. جزآن في مجلد. طبع في حيدرآباد سنة 1337 هـ. 53- الديارات للشابستي. طبع في بغداد سنة 1951 م. 54- الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب (المالكي) . لابن فرحون. طبع بمصر 1329 هـ. 55- الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة. لأبي الحسن علي بن بسام الشنتريتي. تحقيق د. إحسان عباس. دار الثقافة بيروت لبنان- 1399 هـ. 56- ذيل الروضتين. 2 لعبد الرحمن بن إسماعيل. المعروف بأبي شامة المقدسي الدمشقي. طبع بمصر سنة 1366 هـ. 57- رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية للمالكي. طبع في مصر سنة 1951 م. 58- السلوك لمعرفة دول الملوك. للمقريزي. الجزء الأول منه في ثلاثة أقسام. علّق عليه محمد مصطفى زيادة طبع بمصر سنة 1934- 1939 م. ثم القسم الأول من الجزء الثاني طبع بمصر أيضا 1941 م. 59- السّير في رجال الإباضية. لأحمد بن سعيد بن عبد الواحد الشماخي طبع على الحجر في الجزائر. 60- صفة جزيرة الأندلس، منتخبة من كتاب الروض المعطار في خبر الأقطار. عني بنشرها. د. ليفي بروفنسال. القاهرة. مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1937 م. 61- صورة الأرض. لابن حوقل النصيبي أبو القاسم. دار مكتبة الحياة بيروت. 62- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع. للسخاوي اثنا عشر جزء. طبع بمصر سنة 1353- 1355 هـ. 63- طبقات الأطباء والحكماء. لأبي داود سليمان بن حسان الأندلسي المعروف بابن جلجل. طبع بمصر سنة 1955 م. 64- طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي ستة أجزاء.

1 طبع بمصر سنة 1324 هـ. 65- طبقات الشافعية. لأبي بكر بن هداية الحسيني الملقب بالمنف. طبع في بغداد. 66- طبقات علماء إفريقية. لأبي العرب محمد بن أحمد بن تميم ورسائل أخرى في موضوعه جمعها محمد بن أبي شنب. طبع في الجزائر سنة 1914 م. 67- الطبقات الكبرى. لابن سعد ثمانية مجلدات، عدا الفهرس. طبع في ليدن سنة 1321 هـ. 68- العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر. لابن خلدون. طبع بمصر سنة 1284 هـ. وطبعة أخرى. طهران 1337 هـ. ولجنة البيان العربي 1957 م. وبيروت- دار الكتاب اللبناني 1956- 1959 م. وبيروت- دار الكتاب اللبناني 1966- 1968 م. 69- العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية. لعلي بن الحسن الخزرجي. مجلدان. طبع في مصر سنة 1329 هـ. 70- عيون الأنباء في طبقات الأطباء. لأحمد بن القاسم بن أبي أصيبعة. مجلدان. 2 طبع بمصر سنة 1300 هـ. 71- فتوح البلدان للبلاذري. طبع بمصر سنة 1319 هـ. 72- الفهرست لابن النديم. طبع في ليبسك سنة 1871 م. 73- فوات الوفيات. لابن شاكر الكتبي. مجلدان. طبع بمصر 1299 هـ وطبعة ثانية بمصر سنة 1324 هـ. 74- القاموس المحيط. للفيروز آبادي. المطبعة المصرية. ط ثالثة. 1352 هـ. 75- لسان العرب. لابن منظور. طبع بدار صادر- بيروت لبنان. 76- لسان الميزان. لابن حجر العسقلاني ستة أجزاء. طبع في حيدرآباد سنة 1330 هـ. 77- اللمحة البدرية في الدولة الناصرية. للسان الدين بن الخطيب. طبع بمصر سنة 1347 هـ. 78- مرآة الجنان. لليافعي. أربعة أجزاء. طبع في حيدرآباد سنة 1337 هـ. 79- المسلمون في جزيرة صقلية وجنوب ايطاليا. لأحمد توفيق المدني. طبع في الجزائر سنة 1365 هـ. 80- مختصر أخبار الخلفاء. لابن السالمي. طبع بمصر 1309.

1 المختصر في أخبار البشر، القسطنطينية- دار الطباعة 1286 هـ طبعة ثانية المطبعة الحسينية المصرية سنة 1325 هـ. 81- المغرب في أشعار أهل المغرب. لابن دحية. طبع بمصر سنة 1954 م. 82- مطمح الأنفس للفتح بن خاقان. طبع بمطبعة الجوائب سنة 1302 هـ. 83- المعارف لابن قتيبة الدينورى. 84- معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان. لعبد الرحمن بن محمد الدباغ مع استدراكات عليه لأبي القاسم عيسى بن ناجي. طبع في تونس 1320 هـ. 85- المعجب في تلخيص أخبار المغرب. لعبد الواحد المراكشي. طبع بمصر سنة 1368 هـ. 86- معجم البلدان. لياقوت الحموي. دار صادر- دار بيروت 1376 هـ. 87- معجم ما استعجم. للبكري الأندلسي. طبع بمطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر في القاهرة سنة 1366 هـ. 88- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم. وضعه محمد فؤاد عبد الباقي. طبع بمطابع الشعب 1378 هـ. 89- مورد اللطافة. لابن تغري بردي. طبع في كمبردج 1792 م. 90- ميزان الاعتدال في نقد الرجال. للذهبي. 2 طبع بمصر سنة 1325 هـ. 91- النبراس في تاريخ خلفاء بني العباس. لابن دحية. طبع في بغداد سنة 1365 هـ. 92- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة. لابن تغري بردي. طبع في دار الكتب المصرية سنة 1348- 1375 هـ. 93- النحو الوافي. لعباس حسن. طبع بدار المعارف بمصر. الطبعة الخامسة. 94- نفح الطيب. للمقري. تحقيق د. إحسان عباس. دار صادر- بيروت سنة 1388 هـ. 95- نكت الهميان في نكت العميان. لابن أبيك الصفدي. طبع بمصر 1329 هـ. 96- نهاية الأرب في معرفة انساب العرب. للقلقشندي. طبع في بغداد. 97- الوافي بالوفيات. لابن أيبك الصفدي. طبع في المطبعة الهاشمية بدمشق سنة 1953 م. وطبعة أخرى في استانبول سنة 1931 م. 98- وفيات الأعيان. لابن خلكان. طبع في مصر سنة 1310 هـ. 99- الولاة والقضاة. لمحمد بن يوسف الكندي. طبع في بيروت سنة 1908 م.

فهرس الجزء الخامس

فهرس الجزء الخامس المقصد الثاني- في ممالك جزيرة العرب الخارجة عن مضافات الديار المصرية، ويتوجه القصد منها إلى ثلاثة أقطار 3 القطر الأوّل- اليمن...... وهو على قسمين 3 القسم الأوّل- التهائم؛ وفيه أربع جمل (والصواب خمس) 6 الجملة الأولى- في ذكر ما اشتمل عليه من القواعد والمدن، وبه قاعدتان 6 القاعدة الأولى- تعز 6 القاعدة الثانية- زبيد 7 الجملة الثانية- في ذكر حيوانه، وحبوبه، وفواكهه، ورياحينه ومعاملاته وأسعاره 15 الجملة الثالثة- في الطريق الموصلة إلى اليمن 16 الجملة الرابعة- في ذكر ملوكه جاهلية وإسلاما أما ملوكه في الجاهلية فعلى عشر طبقات 16 الطبقة الأولى- العادية 16 الطبقة الثانية- القحطانية 18 الطبقة الثالثة- التبابعة 20 الطبقة الرابعة- الحبشة 23 الطبقة الخامسة- الفرس 24 الطبقة السادسة- عمال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء بعده 24 الطبقة السابعة- ملوكها من بني زياد 26 الطبقة الثامنة- ملوكها من بني مهديّ 27 الطبقة التاسعة- ملوكها من بني أيوب ملوك مصر 28 الطبقة العاشرة- دولة بني رسول 29

الجملة السادسة- (والصواب الخامسة) في ترتيب هذه المملكة على ما هي عليه في زمن بني رسول الخ 32 القسم الثاني- من اليمن النجود؛ وفيه أربع جمل 35 الجملة الأولى- فيما اشتملت عليه من النواحي والمدن والبلاد 36 الجملة الثانية- في الطرق الموصلة إلى هذه المملكة 41 الجملة الثالثة- فيمن ملك هذه المملكة إلى زمن المؤلف 42 الجملة الرابعة- (وكتبت الثالثة) في ترتيب مملكة هذا الإمام 49 القطر الثاني- مما هو خارج من جزيرة العرب عن مضافات الديار المصرية «بلاد البحرين» وفيه ثلاث جمل 52 الجملة الأولى- فيما تشتمل عليه من المدن 52 الجملة الثانية- في ذكر ملوكها 54 الجملة الثالثة- في الطريق الموصل إليها 54 القطر الثالث- مما هو خارج من جزيرة العرب عن مضافات الديار المصرية «اليمامة» ، وفيها ثلاث جمل 55 الجملة الأولى- فيما اشتملت عليه من البلدان 56 الجملة الثانية- في ذكر ملوكها 57 الجملة الثالثة- في الطريق الموصل إليها 58 القطر الرابع- مملكة الهند ومضافاتها، وفيه إحدى عشرة جملة 58 الجملة الأولى- فيما اشتملت عليه هذه المملكة من الأقاليم 60 الإقليم الأول- إقليم السند وما انخرط في سلكه 60 الإقليم الثاني- إقليم الهند؛ وفيه قاعدتان 64 القاعدة الأولى- مدينة دلّي 65 القاعدة الثانية- مدينة الدواكير 67 الجملة الثانية- في حيوانها 77 الجملة الثالثة- فى حبوبها وفواكهها ورياحينها وخضراواتها وغير ذلك 78 الجملة الرابعة- في المعاملات 80 الجملة الخامسة- في الأسعار 81

الجملة السادسة- في الطريق الموصلة إلى مملكتي السند والهند 82 الجملة السابعة- في ذكر ملوك الهند 84 الجملة الثامنة- في ذكر عساكر هذه المملكة وأرباب وظائفها 87 الجملة التاسعة- في زيّ أهل هذه المملكة 89 الجملة العاشرة- في أرزاق أهل دولة السلطان بهذه المملكة 89 الجملة الحادية عشرة- في ترتيب أحوال هذه المملكة 91 الفصل الثاني- من الباب الرابع من المقالة الثانية في الممالك والبلدان الغربية عن مملكة الديار المصرية، وفيه أربع (ست) ممالك 95 المملكة الأولى- مملكة تونس، وفيها اثنتان وعشرون جملة 95 الجملة الأولى- في بيان موقعها من الأقاليم السبعة 95 الجملة الثانية- في بيان ما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال، وهو عملان 96 العمل الأوّل- افريقية 96 العمل الثاني- بلاد بجاية 104 الجملة الرابعة «1» - في ذكر زروعها وحبوبها وفواكهها وبقولها ورياحينها. 107 الجملة الخامسة- في مواشيها ووحوشها وطيورها 108 الجملة السادسة- فيما يتعلق بمعاملاتها من الدنانير والدراهم والأرطال «2» والمكاييل والأسعار 109 الجملة السابعة- في ذكر أسعارها 110 الجملة الثامنة- في صفات أهل هذه المملكة في الجملة 110 الجملة التاسعة- في ذكر من ملكها جاهلية وإسلاما 111 الطبقة الأولى- الخلفاء 112 الطبقة الثانية- العبيديون 118 الطبقة الثالثة- ملوكها من بني زيري 120 الطبقة الرابعة- الموحدون 122 الجملة العاشرة- في منتمى ملوك هذه المملكة القائمين بها من الموحدين 129 الجملة الحادية عشرة- في ترتيب المملكة بها من زيّ الجند وأرباب الوظائف 133

الجملة الثانية عشرة- في ذكر الأرزاق المطلقة من جهة السلطان 136 الجملة الثالثة عشرة- في لبس سلطان مملكة تونس ولبس أشياخه وسائر جنده وعامّة أهل بلده 137 الجملة الرابعة عشرة- في شعار الملك بما يتعلق بهذا السلطان 138 الجملة الخامسة عشرة- في جلوس سلطان هذه المملكة في كل يوم 139 الجملة السادسة عشرة- في جلوسه للمظالم 140 الجملة السابعة عشرة- في خروجه لصلاة الجمعة 140 الجملة الثامنة عشرة- في ركوبه لصلاة العيدين أو للسفر 141 الجملة التاسعة عشرة- في خروج السلطان للتنزه 142 الجملة العشرون- في مكاتبات السلطان 143 الجملة الحادية والعشرون- في البريد المقرّر في هذه المملكة 143 الجملة الثانية والعشرون- في الخلع والتشاريف في هذه المملكة 144 المملكة الثانية- من ممالك بلاد المغرب مملكة تلمسان، وفيها جملتان 144 الجملة الأولى- في ذكر حدودها وقاعدتها وما اشتملت عليه من المدن والطريق الموصلة إليها 144 الجملة الثانية- في حال مملكتها 146 المملكة الثالثة- من بلاد المغرب الغرب الأقصى، ويقال له بر العدوة، وفيه ثلاثة [أربعة] مقاصد 147 المقصد الأوّل- في بيان موقعها من الأقاليم السبعة وذكر حدودها وما اشتملت عليه من المدن والجبال المشهورة، وفيه أربع جمل 147 الجملة الأولى- في بيان موقعها من الأقاليم السبعة 147 الجملة الثانية- في بيان قواعدها وما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال الخ 148 القاعدة الأولى- فاس 148 القاعدة الثانية- سبتة 152 القاعدة الثالثة- مدينة مراكش 156 القاعدة الرابعة- سجلماسة 158

الجملة الثالثة- في ذكر جبالها المشهورة 168 الجملة الرابعة- في ذكر أنهارها المشهورة 169 المقصد الثاني- في ذكر زروعها وحبوبها وفواكهها الخ، وفيه خمس جمل 170 الجملة الأولى- في ذكر زروعها وحبوبها الخ 170 الجملة الثانية- في مواشيها ووحوشها وطيورها 171 الجملة الثالثة- فيما تتعامل به من الدنانير والدراهم والأوزان والمكاييل 172 الجملة الرابعة- في ذكر أسعارها 172 الجملة الخامسة- في صفات أهلها في الجملة 173 المقصد الثالث- في ذكر ملوكها وما يندرج تحت ذلك؛ وهم على طبقات 173 الطبقة الأولى- ملوكها قبل الإسلام 173 الطبقة الثانية- نوّاب الخلفاء من بني أميّة وبني العباس 174 الطبقة الثالثة- الأدارسة 175 الطبقة الرابعة- ملوك بني أبي العافية من مكناسة 177 الطبقة الخامسة- بنو زيري بن عطية 180 الطبقة السادسة- المرابطون من الملثمين من البربر 183 الطبقة السابعة- ملوك الموحدين 186 الطبقة الثامنة- ملوك بني عبد الحق من بني مرين 189 المقصد الرابع- في بيان ترتيب هذه المملكة، وفيه عشر جمل 197 الجملة الأولى- في ذكر الجند وأرباب الوظائف الخ 197 الجملة الثانية- في زيّ السلطان والأشياخ الخ 197 الجملة الثالثة- في الأرزاق المطلقة من قبل السلطان على أهل دولته 198 الجملة الرابعة- في جلوس السلطان في كل يوم 199 الجملة الخامسة- في جلوسه للمظالم 200 الجملة السادسة- في شعار السلطان بهذه المملكة 200 الجملة السابعة- في ركوبه لصلاة العيد 201 الجملة الثامنة- في خروج السلطان للسفر 202 الجملة التاسعة- في مقدار عسكر هذه المملكة 203

الجملة العاشرة- في مكاتبات السلطان 203 المملكة الخامسة- من بلاد المغرب جبال البربر 204 المملكة السادسة- من ممالك بلاد المغرب جزيرة الأندلس، وفيها ست جمل 205 الجملة الأولى- في ذكر سمك أرضه وحدوده 205 الجملة الثانية- فيما اشتمل عليه من المدن، ويشتمل على عدّة قواعد 207 القاعدة الأولى- غرناطة 207 القاعدة الثانية- أشبونة 214 القاعدة الثالثة- بطليوس 216 القاعدة الرابعة- إشبيلية 217 القاعدة الخامسة- قرطبة 218 القاعدة السادسة- طليطلة 219 القاعدة السابعة- جيان 221 القاعدة الثامنة- مرسية 222 القاعدة التاسعة- بلنسية 222 القاعدة العاشرة- سرقسطة 224 القاعدة الحادية عشرة- طرطوشة 224 القاعدة الثانية عشرة- برشنونة 225 القاعدة الثالثة عشرة- ينبلونة 225 الجملة الثالثة- في ذكر أنهارها 226 الجملة الرابعة- في الموجود بالأندلس 227 الجملة الخامسة- في ذكر ملوك الأندلس؛ وهم على طبقات 228 الطبقة الأولى- ملوكها بعد الطوفان 228 الطبقة الثانية- الاشبانية 228 الطبقة الثالثة- الشبونقات 229 الطبقة الرابعة- القوط 230 الطبقة الخامسة- ملوكها على أثر الفتح الإسلامي 232 الطبقة السادسة- بنو أمية 235

الطبقة السابعة- ملوك بني حمود من الأدارسة 237 الطبقة الثامنة- ملوك الطوائف بالأندلس 239 الطائفة (وصوابه الطبقة) التاسعة ملوك المرابطين من لمتونة 249 الطائفة (وصوابه الطبقة) العاشرة بنو الأحمر 251 مملكة قشتالة 260 مملكة البرتغال 260 مملكة برشلونة 260 مملكة نبرة مما يلي قشتالة 261 الجملة السادسة- في ترتيب هذه المملكة (مملكة الأندلس) 261 الفصل الثالث- (أي من الباب الرابع) من المقالة الثانية في الجهة الجنوبية عن مملكة الديار المصرية: من مصر والشام والحجاز ومضافاتها، والمشهور منها ست ممالك 263 المملكة الأولى- بلاد البجا 263 المملكة الثانية- بلاد النوبة 264 المملكة الثالثة- بلاد البرنو 268 المملكة الرابعة- بلاد الكانم 269 المملكة الخامسة- بلاد مالي ومضافاتها، وفيها ثمان جمل 271 الجملة الأولى- في ذكر أقاليمها ومدنها 272 الجملة الثانية- في الموجود بهذه المملكة 276 الجملة الثالثة- في معاملة هذه المملكة 280 الجملة الرابعة- في ذكر ملوك هذه المملكة 281 الجملة الخامسة- في أرباب الوظائف بهذه المملكة 286 الجملة السادسة- في عساكر سلطان هذه المملكة وأرزاقهم 287 الجملة السابعة- في زيّ أهل هذه المملكة 287 الجملة الثامنة- في ترتيب هذه المملكة 288 المملكة السادسة- من ممالك بلاد السودان مملكة الحبشة، وهي على قسمين 289 القسم الأوّل- بلاد النصرانية؛ ويشتمل على ست جمل 291

الجملة الأولى- في ذكر قواعدها 291 الجملة الثانية- في الموجود بها 292 الجملة الثالثة- في ذكر معاملاتهم وأسعار بلادهم 294 الجملة الرابعة- في ذكر زيهم وسلاحهم 294 الجملة الخامسة- في ذكر بطاركة الإسكندرية الذين عن توليتهم تنشأ ولاية ملوك الحبشة 295 الجملة السادسة- في ترتيب مملكتهم 309 القسم الثاني- من بلاد الحبشة ما بيد مسلمي الحبشة، ويشتمل على ست جمل 310 الجملة الأولى- فيما اشتملت عليه من القواعد والأعمال 311 الجملة الثانية- في الموجود بهذه الممالك (أي ممالك السودان) 315 الجملة الثالثة- في معاملاتهم وأسعارهم 316 الجملة الرابعة- في ملوكهم 316 الجملة الخامسة- في زيّ أهل هذه المملكة 318 الجملة السادسة- في شعار الملك وترتيبه 318 الفصل الرابع- من الباب الرابع من المقالة الثانية في الجهة الشمالية عن ممالك الديار المصرية ومضافاتها خلا ما تقدّم ذكره، وينقسم إلى قسمين 322 القسم الأوّل- ما بيد المسلمين مما في شرقيّ الخليج القسطنطيني فيما بينه وبين أرمينية وهي البلاد المعروفة ببلاد الروم، وفيه خمس جمل 322 الجملة الأولى- فيما اشتملت عليه من القواعد، وهي على ضربين 324 الضرب الأول- القواعد المستقرّة بها الملوك والحكام 324 الضرب الثاني- من هذه البلاد ما لم يسبق إلى صاحبه مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية 332 الجملة الثانية- في ذكر الموجود بهذه البلاد 338 الجملة الثالثة- في معاملاتها وأسعارها 339 الجملة الرابعة- في ذكر من ملك هذه البلاد، واشتهر من ملوكهم طوائف 340 الطائفة الأولى- أولاد قرمان 346

الطائفة الثانية- بنو الحميد 348 الطائفة الثالثة- بنو أيدين 348 الطائفة الرابعة- بنو منتشا 348 الطائفة الخامسة- بنو أورخان بن عثمان جق 348 الجملة الخامسة- في زيّ أهل هذه المملكة وترتيب الملك بها 350 القسم الثاني- من الجهة الشمالية عن الديار المصرية ما بيد ملوك النصارى، وهو ثلاثة أضرب 350 الضرب الأول- جزائر بحر الروم 350 الضرب الثاني- ما شماليّ بحر الروم، وهو جهتان 357 الجهة الأولى- ما هو في جهة الغرب عن الخليج القسطنطيني، وهو قطران 357 القطر الأوّل- ما بين الخليج المذكور وبين جزيرة الأندلس، ويشتمل على ممالك كبار وممالك صغار 357 المملكة الأولى- (من الممالك الكبار) مملكة القسطنطينية، وملوكها طبقات 357 الطبقة الأولى- من ملك منهم قبل القياصرة 362 الطبقة الثانية- القياصرة قبل ظهور النصرانية فيهم 363 الطبقة الثالثة- القياصرة المتنصرة إلى الفتح الإسلامي 370 الطبقة الرابعة- ملوك الروم بعد الفتح الإسلامي 374 المملكة الثانية- مملكة الألمان 381 المملكة الثالثة- مملكة البنادقة 382 المملكة الرابعة- مملكة الجنويين 383 المملكة الخامسة- بلاد رومية 384 المملكة الأولى- (من الممالك الصغار) مملكة المرا 386 المملكة الثانية- بلاد الملفوط 387 المملكة الثالثة- بلاد إقلرنس 387 المملكة الرابعة- مملكة بولية 387 المملكة الخامسة- بلاد قلفرية 387 المملكة السادسة- بلاد التسقان 388

المملكة السابعة- بلاد البيازنة 388 القطر الثاني- مما غربي الخليج القسطنطيني الأرض الكبيرة، وفيه ثلاث ممالك 389 المملكة الأولى- مملكة الفرنج القديمة 389 المملكة الثانية- مملكة الجلالقة 391 المملكة الثالثة- مملكة اللنبردية 392 الجهة الثانية- ما شماليّ مدينة القسطنطينية وبحر نيطش الخ 393 المقالة الثالثة- في ذكر أمور تشترك فيها أنواع المكاتبات والولايات، وفيها أربعة أبواب 399 الباب الأوّل- في الأسماء والكنى والألقاب، وفيه فصلان 399 الفصل الأوّل- في الأسماء والكنى، وفيه طرفان 399 الطرف الأوّل- في الأسماء، وفيه جملتان 399 الجملة الأولى- في أصل التسمية والمقصود منها وتنويع الأسماء وما يستحسن منها وما يستقبح 400 الجملة الثانية- في مواضع ذكر الأسماء في المكاتبات والولايات، وفيها أربعة أنواع 403 النوع الأوّل- اسم المكتوب عنه 403 النوع الثاني- اسم المكتوب إليه 403 النوع الثالث- اسم المكتوب بسببه 404 النوع الرابع- اسم من تصدر إليه الولاية 405 الطرف الثاني- في الكنى؛ وفيه ثلاث جمل 405 الجملة الأولى- في جواز الكنية، وهي على نوعين 406 النوع الأوّل- كنى المسلمين 406 النوع الثاني- كنى أهل الكفر والفسقة والمبتدعين 406 الجملة الثانية- فيما يكنى به، وهو على نوعين 407 النوع الأوّل- كنى الرجال 407 النوع الثاني- كنى النساء 409

الجملة الثالثة- في التكني في المكاتبات والولايات، وهو على ثلاثة أنواع 409 النوع الأوّل- تكني المكتوب عنه 410 النوع الثاني- تكنية المكتوب إليه 410 النوع الثالث- تكنية المكتوب بسببه 410 الفصل الثاني- من الباب الأوّل من المقالة الثالثة في الألقاب، وفيه طرفان 412 الطرف الأوّل- في أصول الألقاب، وفيه جملتان 412 الجملة الأولى- في معنى اللقب والنعت وما يجوز منه وما يمتنع 412 الجملة الثانية- في أصل وضع الألقاب والنعوت المؤدّية إلى المدح 414 الطرف الثاني- في بيان معاني الألقاب، وفيه تسع جمل 417 الجملة الأولى- في الألقاب الخاصة بأرباب الوظائف المعتبرة التي بها انتظام امور المملكة وقوامها، وهي قسمان 417 القسم الأوّل- الألقاب الإسلامية؛ وهي نوعان 417 النوع الأوّل- الألقاب القديمة المتداولة الحكم إلى زمان المؤلف، وهي صنفان 417 الصنف الأوّل- ألقاب أرباب السيوف 417 الصنف الثاني- ألقاب أرباب الأقلام 423 النوع الثاني- الألقاب المحدثة، وهي أربعة أصناف 425 الصنف الأوّل- المفردة؛ وهي ضربان 426 الضرب الأوّل- ما لفظه عربيّ 426 الضرب الثاني- ما لفظه عجميّ 427 الصنف الثاني- المركبة؛ وهي ثلاثة أضرب 427 الضرب الأوّل- ما تمحض تركيبه من اللفظ العربيّ 427 الضرب الثاني- ما تمحض تركيبه من اللفظ العجميّ؛ ولهذا الضرب حالتان 429 الحالة الأولى- أن تكون الاضافة إلى لفظ دار 429 الحالة الثانية- أن تكون الاضافة إلى غير لفظ دار 432 الضرب الثالث- ما تركب من لفظ عربيّ ولفظ عجميّ؛ وله حالتان 433 الحالة الأولى- أن يصدّر بلفظ أمير 433 الحالة الثانية- أن لا يصدّر اللقب بلفظ أمير 434

الصنف الثاني- ألقاب أرباب الأقلام، وهي على خمسة أضرب 435 الضرب الأوّل- ألقاب أرباب الوظائف من العلماء 435 الضرب الثاني- ألقاب الكتاب 436 الضرب الثالث- ألقاب أرباب الوظائف من كتاب الأموال 437 الضرب الرابع- ألقاب أرباب الوظائف من أهل الصناعات 438 الضرب الخامس- ألقاب أرباب الوظائف من الأتباع والحواشي والخدم، وهم طائفتان 439 الطائفة الأولى- الأعوان، وهم نمطان 439 النمط الأوّل- ما تمحضت ألفاظه عربية 439 النمط الثاني- ما تمحض لفظه عجميا 440 الطائفة الثانية- أرباب الخدم؛ وهم نمطان 440 النمط الأوّل- ما يضاف إلى لفظ الدار 440 النمط الثاني- ما لا يتقيد بالاضافة إلى دار ولا غيرها 441 القسم الثاني- من ألقاب أرباب الوظائف ألقاب أرباب الوظائف من أهل الكفر، والمشهور منهم طائفتان 443 الطائفة الأولى- النصارى 443 الطائفة الثانية- اليهود 445 الجملة الثانية- في ذكر الألقاب المرتبة على الأصول العظام؛ وهي نوعان 445 النوع الأوّل- ألقاب الخلفاء المرتبة على لقب الخليفة؛ وهي صنفان 445 الصنف الأوّل- ما جرى منها مجرى العموم 445 الصنف الثاني- ألقاب الخلافة الخاصة بكل خليفة؛ وهي خمس طوائف 447 الطائفة الأولى- خلفاء بني العباس 447 الطائفة الثانية- خلفاء بني أمية بالأندلس 448 الطائفة الثالثة- الخلفاء الفاطميون ببلاد الغرب ثم بالديار المصرية 448 الطائفة الرابعة- الخلفاء الموحدون الذين ملوك إفريقية بتونس من بقاياهم على عهد المؤلف 449 الطائفة الخامسة- جماعة من ملوك الغرب ممن لا شبهة لهم في دعوى الخلافة 449

النوع الثاني- ألقاب الملوك المختصة بالملك؛ وهي صنفان 450 الصنف الأوّل- الألقاب العامة؛ وهي ضربان 450 الضرب الأوّل- الألقاب القديمة؛ والمشهور منها ألقاب ست طوائف 450 الطائفة الأولى- التبابعة ملوك اليمن 450 الطائفة الثانية- ملوك الفرس 450 الطائفة الثالثة- ملوك مصر من بعد الطوفان من القبط 451 الطائفة الرابعة- ملوك الروم 452 الطائفة الخامسة- ملوك الكنعانيين بالشام 453 الطائفة السادسة- ملوك الحبشة 453 الضرب الثاني- الألقاب المستحدثة؛ والمشهور منها ألقاب ست طوائف 453 الطائفة الأولى- ملوك فرغانة 453 الطائفة الثانية- ملوك أشروسنة 454 الطائفة الثالثة- ملوك الجلالقة 454 الطائفة الرابعة- ملوك فرنسة 454 الطائفة الخامسة- ملوك البندقية 454 الطائفة السادسة- ملوك الحبشة في زماننا 455 الصنف الثاني- من النوع الثاني الألقاب الخاصة 455 الجملة الثالثة- في الألقاب المفرّعة على الأسماء؛ وهي أربعة أنواع 458 النوع الأوّل- ألقاب أرباب السيوف؛ وهم صنفان 458 الصنف الأوّل- ألقاب الجند من الترك ومن في معناهم 458 الصنف الثاني- ألقاب الخدام الخصيان 458 النوع الثاني- ألقاب أرباب الأقلام؛ وهي على صنفين 459 الصنف الأوّل- ألقاب القضاة والعلماء 459 الصنف الثاني- ألقاب الكتاب من القبط 459 النوع الثالث- ألقاب عامة الناس من التجار والغلمان السلطانية ونحوها 460 النوع الرابع- ألقاب أهل الذمة من الكتاب والصيارف 460 الجملة الرابعة- في أصل وضع الألقاب الجارية بين الكتاب ثم انتهائها إلى

غاية التعظيم ومجاوزتها الحدّ في التكثير 460 الجملة الخامسة- في بيان الألقاب الأصول، وذكر معانيها واشتقاقها؛ وهي صنفان 462 الصنف الأوّل- ما يقع في المكاتبات والولايات 462 الصنف الثاني- من الألقاب الأصول ما يختص بالمكاتبات دون الولايات 469 الجملة السادسة- في بيان الألقاب المفرّعة على الأصول المتقدّمة؛ وفيها مهيعان 471 المهيع الأوّل- في بيان أقسامها؛ وهي على نوعين 471 النوع الأوّل- المفردة؛ وهي صنفان 471 الصنف الأوّل- المجرّدة عن ياء النسب 471 الصنف الثاني- الملحق بها ياء النسب 471 النوع الثاني- المركبة 473 تم فهرس الجزء الخامس من كتاب صبح الأعشى)

الجزء السادس

الجزء السادس (بسم الله الرحمن الرحيم) وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمد وآله وصحبه [تتمة المقالة الثالثة] [تتمة باب الاول من المقالة الثالثة] [تتمة الجملة السادسة] المهيع الثاني في ذكر الألقاب والنعوت المستعملة عند كتّاب الزمان، وبيان معانيها، ومن يقع عليه كل واحد منها من أرباب السّيوف وغيرهم (وهي نوعان) النوع الأوّل (الألقاب الإسلامية، وهي صنفان) الصنف الأوّل (المذكّرة، وهي ضربان) الضرب الأوّل (الألقاب المفردة المختصة في اصطلاح الكتّاب باسم الألقاب) وهذه جملة منها مرتبة على حروف المعجم ليسهل استخراجها. حرف الألف (الأتابكيّ) وهو من ألقاب أمير الجيوش ومن في معناه، كالنائب «1»

الكافل ونحوه، وهو بالأتابك أخصّ. وقد تقدّم معنى الأتابك في الكلام على ألقاب أرباب الوظائف، وأنّ أصله بالطاء فقلبت تاء في الاستعمال، وأن معناه «الأب الأمير» وحينئذ فتكون النسبة فيه للمبالغة. نعم إن نسب إليه غيره من أتباعه كانت النسبة إليه حقيقيّة على بابهما. (الأتقى) من ألقاب ملوك المغرب التي يكتب إليهم بها من الأبواب السلطانية، مضاهاة لما يوجد في مكاتباتهم من الألقاب، وهو أفعل التفضيل من التّقوى. (الأثير) بالثاء المثلّثة من ألقاب أرباب الأقلام: من القضاة والعلماء والكتّاب ونحوهم؛ وربما استعمل في ألقاب الصّلحاء أيضا. وأصله في اللغة المخالص، وحينئذ فيصلح أن يكون لقبا لكلّ من نسب إلى المخالصة من أرباب السيوف والأقلام جميعا، والأثيريّ نسبة إليه للمبالغة. (الأثيل) بالمثلثة أيضا من ألقاب أرباب الأقلام: كالأثير، ومعناه في اللغة الأصيل، ومنه قيل مجد مؤثّل وأثيل أي أصيل. وحينئذ فيصلح أن يكون لقبا لكلّ ذي أصالة من أرباب السيوف والأقلام؛ والأثيليّ نسبة إليه للمبالغة. (الأجلّ) يكون في الاصطلاح من ألقاب السلطان كما يقال السلطان السيّد الأجلّ ويكون من ألقاب السامي بغير ياء فما دونه فيقال: «السامي الأمير الأجلّ» ونحو ذلك؛ وهو مما ينكر على كتّاب الزمان: لاستعماله في الأعلى والأدنى على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. على أن هذا اللقب في الدولة الفاطميّة كان هو أعلى الألقاب وأرفعها قدرا، حتى قال ابن شيث «1» في «معالم

الكتابة» : إنه محظور على غير الوزير. وقد كانت الوزارة في زمانهم بمثابة السّلطنة في زماننا، فتصرّف فيه الكتّاب حتّى استعملوه في أدنى الرّتب أيضا؛ والأجلّيّ نسبة إليه للمبالغة. (الأخصّ) من ألقاب أرباب «1» السّيوف، والكتّاب يستعملونه في أدنى الألقاب مما تسقط فيه ياء النسب: من السامي بغير ياء فما دونه، على أن معناه رفيع، لأخذه من الخصوصية، وهي الانفراد بالشيء، وكان الأحقّ أن يكون مختصّا بالألزام المقرّبين دون غيرهم، والأخصّيّ نسبة إليه للمبالغة. (الأخويّ) من الألقاب المختصة في الغالب بالمكاتبات الإخوانيّة، وربما وقعت في المكاتبات الملوكية إذا كان قدر الملكين المتكاتبين متقاربا، وهو نسبة إلى الاخوة، وكأنه جعله أخاه حقيقة. (الأريب) من ألقاب أرباب الأقلام. وهو في اللّغة العاقل، ومنه قيل للدّهاء إرب بكسر الهمزة وإسكان الراء لأنّ الدّهاء من جملة العقل؛ والأريبيّ نسبة إليه للمبالغة. (الأرقى) من ألقاب ملوك المغرب. وهو مأخوذ من الرّقيّ: وهو الارتفاع والعلوّ في الدّرج. (الأزكى) من ألقاب ملوك المغرب أيضا. وهو مأخوذ من الزّكاة: وهي الزيادة، كأنه نسبه إلى الزيادة في الرّفعة ونحوها. (الأسرى) بالسين المهملة من ألقاب ملوك المغرب. وهو مأخوذ من

السّرو وهو سخاء في مروءة، ومنه قيل لمن اشتمل على ذلك سريّ، وبه لقّب من لقّب «سريّ الدّين» . (الاسفهسلار) بسينين مهملتين بينهما فاء ثم هاء من ألقاب أرباب السيوف؛ وكان في الدولة الفاطمية لقبا على صاحب وظيفة تلي صاحب الباب، على ما تقدّم بيانه في الكلام على ترتيب الدولة الفاطمية في المقالة الثانية. ومعناه «مقدّم العسكر» وهو مركّب من لفظين: فارسيّ، وتركيّ، فأسفه بالفارسية بمعنى المقدّم، وسلار بالتركية بمعنى العسكر، والعامة تقول لبعض من يقف بباب السلطان من الأعوان (أسباسلار) بالباء الموحدة، وكأنهم راعوا فيه معنى المقدّم في الجملة، والباء تعاقب الفاء في اللغة الفارسية كثيرا، ولذلك قالوا: أصبهان وأصفهان بالباء والفاء جميعا؛ والأسفهسلاريّ نسبة إليه للمبالغة. وقد ذكر المقرّ الشهابيّ «1» بن فضل الله في بعض دساتيره أن هذا اللقب يختصّ بأمراء الطّبلخاناه «2» على أنه قد ترك استعماله في زماننا، وكأنهم كرهوا مشاركة بعض الأعوان فيه فأضربوا عنه لذلك، أو لم يفهموا معناه فتركوه. (الأسنى) من ألقاب ملوك المغرب. وهو مأخوذ من السّناء بالمدّ: وهو الرفعة؛ ويجوز أن يكون من السّنا بالقصر: وهو الضّياء. (الأشرف) من ألقاب المقام والمقرّ «3» في مصطلح كتّاب الزّمان على ما

تقدّم ذكره؛ وربما وقع أيضا في ألقاب ملوك المغرب. وهو أفعل التفضيل من الشّرف بمعنى العلوّ. (الأصعد) من ألقاب ملوك المغرب، وهو أفعل التفضيل من الصّعود ضدّ الهبوط. (الأصيل) من ألقاب أرباب الأقلام غالبا. وربما وقع في ألقاب أرباب السّيوف إذا كان لصاحب اللقب عراقة نسب؛ وهو فعيل من الأصل بمعنى الحسب؛ والأصيليّ نسبة إليه للمبالغة. قال في «عرف «1» التعريف» : ويختصّ بمن له ثلاثة في الرّياسة، ابن عن أب عن جدّ. (الأضخم) من ألقاب ملوك المغرب، وهو مأخوذ من الضّخامة؛ والمراد بها هنا العظمة. وهي في أصل اللغة الغلظ واستعملت في العظمة تجوّزا. (الأعزّ) من ألقاب ملوك المغرب؛ وقد يستعمل في ألقاب من لم يثبت فيه ياء النسب من السامي بغير ياء فما دونه كالأخصّ: فيقال «الأعزّ الأخصّ» ونحو ذلك؛ وهو أفعل التفضيل من العزّ. (الأعظم) من ألقاب السلطان، يقال فيه «السلطان الأعظم» ويقع في ألقاب ملوك المغرب أيضا. وهو أفعل التفضيل من العظمة: وهي الكبرياء. (الأعلى) من ألقاب ملوك المغرب، وهو أفعل التفضيل من العلوّ: وهو الارتفاع.

(الأعلم) من ألقاب ملوك المغرب. وهو أفعل التفضيل من العلم الذي هو خلاف الجهل. (الأفخم) من ألقاب ملوك المغرب. وهو أفعل التفضيل من الفخامة: وهي العظمة والقوّة. (الأفضل) من ألقاب السلطان؛ ويستعمل في ألقاب ملوك المغرب أيضا وهو أفعل التفضيل [من الفضل] بمعنى الزيادة، والمراد الزيادة في الفضيلة. (الأكمل) من ألقاب السلطان أيضا؛ ويستعمل في ألقاب ملوك المغرب، وفي ألقاب من لم تثبت فيه ياء النسب من السامي بغير ياء فما دونه؛ والأكمليّ نسبة إليه للمبالغة. (الإمام) من ألقاب الخلفاء كما يقال في المكاتبات عنهم «من عبد الله ووليّه الإمام الفلانيّ» وقد تقدّم أن أوّل من تلقّب به «إبراهيم بن محمد» أوّل من بويع له بالخلافة من بني العبّاس، ويقع أيضا في ألقاب أكابر العلماء. وأصل الإمام في اللغة الذي يقتدى به، ولذلك وقع على المجتهدين كالأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المشهورة: وهم الشافعيّ، ومالك، وأبو حنيفة وأحمد «1» . والإماميّ نسبة إليه للمبالغة. (الأمجد) من ألقاب ملوك المغرب؛ وربما كتب به للتّجّار ونحوهم في ألقاب الصّدر الأجلّ. وهو أفعل التفضيل من المجد: وهو الشّرف أو الأصالة. (الأميرىّ) من ألقاب أرباب السيوف. قال في «عرف «2» التعريف» : ويكتب به لكبار..... «3» ... وإن كانوا من أرباب الأقلام. وذكر في دستور

حرف الباء

له آخر أنه يكتب به لنقيب الأشراف ولا يكتب له القضائيّ أصلا وإن كان من أرباب الأقلام؛ وقد تقدّم لقب الأمير مجرّدا عن ياء النسب وأصله المأخوذ منه في الكلام على ألقاب أرباب الوظائف فأغنى عن إعادته هنا. واعلم أنهم لم يستعملوا فيه النسبة لنفس الإمرة فلم يقولوا في النسبة إليه الإمريّ كما قالوا في النسبة إلى القضاء القضائيّ. (الأمين) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة «1» وألقاب الخدّام المعروفين في زماننا بالطّواشية «2» ، خصّوا بذلك لائتمان التجّار على الجواري والمماليك في حال جلبهم إلى الملوك، وائتمان الخدّام على الحريم والمماليك بأبواب الملوك؛ وهو مأخوذ من الأمانة ضدّ الخيانة والأمينيّ نسبة إليه للمبالغة. (الأوحد) يقع في الألقاب السلطانية، ويكون من ألقاب أرباب الأقلام لمن لا تثبت الياء في ألقابه من السامي بغير ياء فما دونه، وفيه ما تقدّم في الكلام على الأجل من الاعتراض على الكتّاب في جمعهم الأعلى والأدنى في لقب واحد؛ والأوحديّ نسبة إليه للمبالغة. حرف الباء (البارع) من ألقاب أرباب الأقلام، وهو فاعل من البراعة: وهي النّهضة بالشيء والتقدّم فيه؛ والبارعيّ نسبة إليه للمبالغة. (البليغ) من ألقاب أرباب الأقلام، وأحسن ما يقع في ألقاب ذوي البلاغة من الكتّاب ونحوهم، وهو فعيل من البلاغة: وهي تأدية كنه المراد بإيجاز لا يخلّ وإطناب لا يملّ، والبليغيّ نسبة إليه للمبالغة.

حرف التاء

حرف التاء (التّقيّ) من ألقاب ملوك المغرب، يقال التقيّ الزّكيّ ونحو ذلك؛ وربما استعمل بالديار المصرية في ألقاب أرباب الأقلام وأهل الصلاح، وهو مأخوذ من التقوى كما تقدّم في الأتقى. حرف الجيم (الجليل) من ألقاب من يكتب له الحاجّ كمقدّمي الدولة ونحوهم، ويقال فيه: «الحاجّ الجليل» ونحو ذلك؛ والجليل في أصل اللغة العظيم، وكان مقتضى الوضع أن يكون لأعلى من هذه الرّتبة. حرف الحاء المهملة (الحاجّ) من ألقاب مقدّمي الدّولة ومهتاريّة «1» البيوت ومن في معناهم وإن لم يكن قد حجّ، وإن كان موضوع الحاجّ في العرف العامّ إنما هو لمن حجّ البيت وإنما اصطلح لهم على ذلك حتّى صار كالعلم عليهم. (الحافظ) من ألقاب المحدّثين، وأصله من الحفظ ضدّ النّسيان، واختصّ بالمحدّثين لاحتياجهم إلى كثرة الحفظ لمتون الأحاديث وأسماء الرجال ونحو ذلك؛ والحافظيّ نسبة إليه للمبالغة. (الحافل) من ألقاب ملوك المغرب، ومعناه الكثير الجمع، أخذا من قولهم واد حافل إذا كثر سيله. (الحاكم) من ألقاب القضاة. قال أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتّاب» : وأصله من الحكمة بفتح الكاف، وهي حديدة مستديرة في اللّجام

تمنع الدابّة من الجري والشّباب «1» ؛ سمّي بذلك لأنه يردّ الناس عن الظّلم؛ وأكثر ما يستعمله كتّاب الزمان في عنوان المكاتبات في تعريف المكتوب إليهم، وفي أثنائها في وصف المكتوب بسببه، والحاكميّ نسبة إليه للمبالغة. (الحائز) من ألقاب ملوك المغرب، وهو فاعل من الحيازة، وهي الحياطة، والمراد الحائز للملك، أو الحائز للفضائل ونحو ذلك. (الحبر) من ألقاب أكابر العلماء- وهو بفتح الحاء وكسرها لغتان، والذي اختاره ابن قتيبة «2» في «أدب الكاتب» الكسر، وبه سمّي الحبر الذي يكتب به، ولكن الجاري على ألسنة الناس الفتح؛ والحبريّ نسبة إليه للمبالغة. (الحجّيّ) بضم الحاء وكسر الجيم المشدّدة وفي الآخر ياء النسب من ألقاب أكابر القضاة والعلماء، وهو منسوب إلى الحجّة بحذف تاء التأنيث منه على قاعدة النّسب، كما تحذف من طلحة ونحوه على ما هو مقرّر في علم النحو، وبعض جهلة الكتّاب يثبت فيه تاء التأنيث مع النسب فيقول الحجّتيّ وهو خطأ. ثم النسبة فيه حقيقيّة لأن المنسوب إليه وهو الحجة غير من له اللقب، ويجوز أن تكون للمبالغة بأن يجعل صاحب اللقب هو نفس الحجة تجوّزا وهو أبلغ. (الحسيب) من ألقاب الشّرفاء من ولد عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه من فاطمة رضي الله عنها، أخذا من الحسب؛ وهو ما يعدّه الإنسان من مفاخر آبائه على ما ذكره جماعة من أهل اللغة ولذلك اختص في الاصطلاح بالشّرفاء، إذ كان آباؤهم أعظم الناس مفاخر، لكن قد ذكر ابن السّكّيت في «إصلاح

حرف الخاء المعجمة

المنطق» أن الحسب يكون في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف؛ وعلى هذا فلا يختص هذا اللقب بذوي الأنساب التي فيها عراقة؛ والحسيبيّ نسبة إليه للمبالغة. حرف الخاء المعجمة (الخاشع) من ألقاب الصّوفيّة وأهل الصّلاح، وربما استعمل في العلماء، بل ربما استعمل في أرباب السّيوف إذا كان المكتوب له متّصفا بذلك، بل ربما استعمل في ألقاب بطاركة النصارى من الباب وغيره، على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. والخاشع في اللغة الخاضع والمتذلّل، والخاشعيّ نسبة إليه للمبالغة. (الخواجا) من ألقاب أكابر التّجّار الأعاجم من الفرس ونحوهم. وهو لفظ فارسيّ، ومعناه السيّد، والخواجكيّ بزيادة كاف نسبة إليه للمبالغة، وكأنّ الكاف في لغتهم تدخل مع ياء النسب. (الخيّر) بفتح الخاء وتشديد الياء المثناة تحت، من ألقاب أهل الدّين والصّلاح، وهو في أصل اللغة خلاف الشّرّير، ثم غلب استعماله فيمن غلب عليه الخير، والخيّريّ نسبة إليه للمبالغة، وقلّ أن يستعمله الكتّاب إلا بإثبات الياء في آخره. حرف الذال المعجمة (الذّخر) بضم الذال وإسكان الخاء من ألقاب أرباب السيوف، وربما أطلق على غيرهم. وأصله في اللغة لما يذخر من النفائس، وهو مصدر ذخرت الشيء أذخره، وكثيرا ما يغلط فيه فيجعل بالدال المهملة. وممّن وقع له الوهم في ذلك الشيخ جمال الدين الإسنويّ «1» في «طبقات الفقهاء» «2» فأورد صاحب

حرف الراء المهملة

«الذّخائر» في الدال المهملة، والذّخريّ نسبة إليه للمبالغة وأكثر ما يستعمله الكتّاب كذلك. حرف الراء المهملة (الرّبّانيّ) من ألقاب الصّوفيّة وأهل الصّلاح، وربما لقّب به العالم فيقال «العالم الرّبّانيّ» قال الجوهريّ، وهو المتألّه والعارف بالله تعالى. قال تعالى: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ «1» . (الرّحلة) بضم الراء من ألقاب أكابر العلماء والمحدّثين، والرّحلة في اللغة ما يرحل إليه، لقّب بذلك لأنه في حيّز أن يرحل إليه للأخذ عنه. أما الرّحلة بالكسر فالارتحال؛ والرّحليّ بالضم أيضا نسبة إليه للمبالغة. (الرّئيس) بالهمزة على وزن فعيل من ألقاب علية الناس وأشرافهم، ويقال فيه ريّس على وزن قيّم قاله الجوهريّ. وأصله من الرّياسة وهي رفعة القدر وعلوّ الرّتبة؛ والرئيسيّ نسبة إليه للمبالغة، وغالب ما يستعمله الكتّاب كذلك، وهو من ألقاب أرباب الأقلام من العلماء والكتّاب. حرف الزاي (الزاهد) من ألقاب الصّوفيّة وأهل الصّلاح، وهو في اللغة خلاف الراغب، والمراد هنا من أعرض عن الدنيا فلم يلتفت إليها، والزاهديّ نسبة إليه للمبالغة.

حرف السين المهملة

(الزّعيميّ) من ألقاب أكابر أرباب السيوف «1» كنوّاب «2» السلطنة ومن في معناهم؛ وهو نسبة إلى الزّعيم، بمعنى السيد والكافل وكأنّه بولايته على القوم سادهم أو كفلهم وتولّاهم؛ ولم يستعملوا فيه الزعيم بغير ياء؛ لأنه إذا كان مختصا بكبار أرباب السيوف دون أدانيهم «3» ، وجب إثبات الياء للمبالغة. (الزّكيّ) من ألقاب المتدينين من أرباب الأقلام وغيرهم، يقال التقيّ الزكيّ ونحو ذلك. وهو في أصل اللغة بمعنى الزاكي وهو الزائد وقد تقدّم مثله في الأزكى في حرف الألف. حرف السين المهملة (السالك) من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح، وهو فاعل من السلوك، والمراد سلوك سبيل الرشاد الموصل إلى الله تعالى، والسالكيّ نسبة إليه للمبالغة. (السامي) من ألقاب المجلس، وقد تقدّمت الإشارة إليه في الكلام على الألقاب الأصول وأنه ينقسم إلى الساميّ بالياء والسامي بغير ياء فليراجع منه. (السّفيريّ) قال في «عرف التعريف» : وهو من الألقاب الخاصة بالدّوادار «4» ،

حرف الشين المعجمة

على أني قد رأيته في بعض الدساتير الشامية قد كتب به لبعض التجار الخواجكيّة لسفارتهم بين الملوك وتردّدهم في الممالك لجلب المماليك والجواري ونحو ذلك وهو منسوب إلى السفير: وهو الرسول والمصلح بين القوم نسبة مبالغة ولم يستعمله الكتاب مجرّدا عن الياء؛ لأنه إذا كان خاصّا بهذين ورتبتهما علية لا يليق بها حذف الياء لم يناسب استعماله مجرّدا عنها. (السلطانيّ) من ألقاب الملوك فيثبت في ألقاب المقام الشريف ونحوه، فيقال المقام الشريف العالي السلطانيّ ونحو ذلك؛ وهو منسوب إلى السلطان وقد تقدّم الكلام عليه في الكلام على أرباب الوظائف. (السيّد) من الألقاب السلطانية؛ يقال: السلطان السيّد الأجلّ ونحو ذلك؛ ويقع في اللغة على المالك والزّعيم ونحوهما؛ والسيّديّ نسبة إليه للمبالغة، وهو من الألقاب الخاصة بالجناب الشريف فما فوقه. قال في «عرف التعريف» ولا يكتب به عن السلطان لأحد. حرف الشين المعجمة (الشّاهنشاه) من الألقاب الملوكية المختصة بالسلطان وأكابر الملوك. وهو لفظ فارسيّ معناه بالعربية «ملك الأملاك» وقد ورد النهي عن التسمّي به؛ وفي الحديث أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أخنع اسم عند الله رجل تسمّى ملك الأملاك؛ لا ملك الأملاك إلا الله» . قال سفيان بن عيينة «1» : معناه شاهنشاه، ولذلك يحذفه المتديّنون من الكتّاب من الألقاب السلطانية، وقد أشار إلى ذلك في «التثقيف» «2» في مكاتبة صاحب المغرب.

واعلم أنّه كان قد وقع في تلقيب الملوك بهذا اللّقب نزاع بين العلماء في سلطنة السلطان «جلال الدولة» «1» السّلجوقيّ في سنة تسع وعشرين وأربعمائة كما حكاه ابن الأثير في تاريخه «الكامل» «2» وذلك أن السلطان جلال الدولة كان قد سأل أمير المؤمنين (القائم بأمر الله) الخليفة يومئذ في «3» أن يخاطب بملك الملوك فامتنع، فكتب فتوى للفقهاء في ذلك، فكتب «4» القاضي أبو الطيّب الطبريّ، والقاضي أبو عبد الله الصّيمريّ، والقاضي ابن البيضاويّ، وأبو القاسم الكرخيّ بجوازه، ومنع «5» منه أقضى القضاة أبو الحسن الماورديّ، وجرى بينه وبين من أفتى بجوازه مراجعات، وخطب لجلال الدولة ب «ملك الملوك» . وكان الماورديّ من أخصّ الناس بجلال الدولة، وكان يتردّد إلى دار المملكة كلّ يوم، فلما أفتى في ذلك «6» بالمنع، انقطع ولزم بيته خائفا، وأقام منقطعا من شهر رمضان إلى يوم النحر، فاستدعاه جلال الدولة، فحضر خائفا، فأدخله عليه وحده، وقال له: قد علم كلّ أحد أنك من أكثر الفقهاء مالا وجاها وقربا منا وقد خالفتهم فيما خالف هواي، ولم تفعل ذلك إلا لعدم المحاباة منك واتّباع الحقّ، وقد بان لي موضعك من الدّين ومكانك من العلم، وجعلت جزاء ذلك إكرامك بأن أدخلتك إليّ وحدك، وجعلت إذن الحاضرين إليك، ليتحقّقوا عودي إلى ما تحب. فشكره ودعا له وأذن لكل من حضر للخدمة بالانصراف «7» .

حرف الصاد المهملة

(الشريف) من ألقاب المقرّ والجناب، من حيث إنه يقال المقرّ الشريف والجناب الشريف، وذكر في «عرف التعريف» أنه مختصّ بالأشراف أبناء فاطمة من عليّ رضي الله عنهما، وكأنه يريد في الألقاب المطلقة التي لا تلي المقرّ والجناب وهو فعيل من الشرف وهو العلوّ والرفعة، قال ابن السكيت «1» : ولا يكون إلا لمن له آباء يتقدّمونه في الشرف بخلاف الحسيب ومن هنا جعله الكتّاب أعلى رتبة من الكريم لاشتماله على قدر زائد لا يعتبر في الكريم من عراقة الأصل وشرف المحتد «2» ، والشّريفيّ نسبة إليه للمبالغة. (الشهير) من ألقاب ملوك المغرب، ومعناه المشهور الظاهر، والمراد هنا من اشتهر علوّ قدره ورفعته. (الشيخ) من ألقاب العلماء والصلحاء وأصله في اللغة الطاعن في السّن، ولقّب به أهل العلم والصّلاح توقيرا لهم كما يوقّر الشيخ الكبير، والشيخيّ نسبة إليه للمبالغة. حرف الصاد المهملة (الصاحب) من ألقاب الوزراء. قال في «عرف التعريف» : وهو مختص بأرباب «3» الأقلام منهم دون أرباب السّيوف. وهو في أصل اللغة اسم للصّديق، وأوّل من لقّب به من الوزراء كافي الكفاة إسماعيل «4» بن عبّاد، وذلك

أنه كان يصحب الأستاذ ابن العميد «1» فكان يقال له بذلك «صاحب ابن العميد» ثم غلب عليه حتّى استعمل فيه بالألف واللام، ثم صار لقبا على كل من ولي الوزارة بعده. على أن كتّاب الإنشاء بالممالك الشامية يلقّبون العلماء من قضاة القضاة ومن في معناهم بذلك، وهم على ذلك إلى الآن، بخلاف كتّاب الديار المصرية، فإنهم يقصرونه على الوزراء دون غيرهم كما تقدّمت الإشارة إليه. والصاحبيّ نسبة إليه للمبالغة وهو المستعمل عند كتّاب الإنشاء، وبغير الياء في العرف العامّ. (الصالح) من ألقاب أهل الصّلاح والصّوفية؛ يقال: الشيخ الصالح ونحو ذلك. وهو مأخوذ من الصّلاح ضدّ الفساد، ولم يستعملوه بإثبات ياء النسب فلم يقولوا الصالحيّ، وكأنهم تركوا ذلك خوفا من الالتباس بالنسبة إلى البلد المعروف أو غيره. (الصّدر) من ألقاب التّجّار ونحوهم، والمراد من يكون صدرا في المجالس؛ وصدر كلّ شيء في اللغة أوّله، وعبّر عن صدر المجلس بأوّله لأنه في الحقيقة أوّل المجلس وكل جانب من جانبيه تلو له، والصّدريّ نسبة إليه للمبالغة.

حرف الطاء

حرف الطاء (الطاهر) من ألقاب ملوك المغرب، والمراد المتنزّه عن الأدناس. حرف الظاء (الظّهيريّ) من ألقاب كبار أرباب السّيوف كأعيان الأمراء من نوّاب السلطنة وغيرهم، وهو نسبة إلى الظّهير بمعنى العون للمبالغة، ومنه قوله تعالى: لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً «1» ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب لاختصاص المظاهرة بأكابر أرباب السّيوف، وهو بغير الياء لا يقع إلا على الأدوان منهم. حرف العين (العابد) من ألقاب الصّوفية وأهل الصّلاح، وهو فاعل من العبادة وهي الطاعة. وربما استعمل في أرباب السيوف والأقلام أيضا؛ لاتصاف متّصف منهم بذلك أو وقوعه أوّلا على متصف به منهم ثم لزومه من بعده من أهل تلك المرتبة كما في نائب الشام، حيث كتب لبيدمر «2» الخوارزمي في نيابته بذلك، ثم لزم من بعده من نوّاب الشام والنائب الكافل على ما سيأتي ذكره في المكاتبات إن شاء الله تعالى. (العادل) من ألقاب السّلطان، وهو خلاف الجائر، وذلك أعلى ما وصف به الملك ونحوه من ولاة الأمور: لأن العدل به تقع عمارة الممالك؛ والعادليّ نسبة إليه للمبالغة؛ وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف من النّواب ونحوهم.

(العارف) من ألقاب أكابر أهل الصّلاح، وهو خلاف الجاهل؛ ومنهم من يفرّق بينه وبين العالم بأن المعرفة قد يتقدّمها جهل والعلم لا يتقدّمه جهل، ولذلك لم يطلق اسم العارف على الباري سبحانه وتعالى بخلاف العالم فإنه يطلق عليه؛ والعارفيّ نسبة إليه للمبالغة. (العاضد) من ألقاب ملوك المغرب؛ وهو في أصل اللغة اسم للمعين؛ يقال: عضدته أعضده إذا أعنته. (العالم) من ألقاب السّلطان، وهو خلاف الجاهل، ثم هو في الحقيقة إنما هو من ألقاب العلماء إلا أنهم نعتوا به الملوك تعظيما؛ إذ العلم كلّ أحد يزاحم على الاتصاف به؛ والعالميّ نسبة إليه للمبالغة. وهو من الألقاب المشتركة في الاصطلاح بين أرباب السيوف والأقلام وإن كان المختصّ بها في الحقيقة العلماء. (العالي) من الألقاب التي يشترك فيها أرباب السيوف والأقلام، ويوصف به المقام والمقرّ والجناب والمجلس في إحدى حالتيه؛ وهو من العلاء بالمدّ وهو الشرف. يقال علي بكسر اللام يعلى بفتحها إذا شرف، ومنه قيل في عليّ ونحوه «علاء الدّين» ويحتمل أن يكون من العلوّ في المكان، يقال فيه: علا بفتح اللام يعلو علوّا؛ وسيأتي معنى الفرق بينه وبين السامي وإن كان بمعناه في اللغة. (العامل) من ألقاب أهل الصّلاح، والمراد المجدّ في العمل المجتهد في العبادة؛ والعامليّ نسبة إليه للمبالغة، وهو من الألقاب المشتركة بين أرباب السيوف والأقلام كالعالميّ. (العريق) من ألقاب ذوي الأصالة، وأكثر ما يقع على أرباب الأقلام، والمراد من له عراقة في كرم الأصل، والعريقيّ نسبة إليه للمبالغة. (العزيز) من ألقاب ديوان الخلافة، يقال فيه: «الدّيوان العزيز» على

حرف الغين المعجمة

ما سيأتي بيانه في المكاتبة إلى أبواب الخلافة، وربما استعملوه في الولد فقالوا: الولد العزيز؛ ولم يستعملوه مضافا إلى النّسب. (العضد) من ألقاب أرباب السّيوف؛ وهو في الأصل اسم للساعد: وهو ما بين المرفق والكتف، واستعمل في المعين والمساعد لقيامه في المساعدة مقام العضد الحقيقيّ من الإنسان؛ ثم الأفصح فيه فتح العين مع ضم الضاد، ويجوز فيه كسر الضاد وإسكانها مع الفتح أيضا وضمّ العين مع إسكان الضاد؛ والعضديّ نسبة إليه للمبالغة. (العونيّ) من الألقاب المختصة بأكابر أرباب السيوف، وهو نسبة إلى العون وهو الظّهير على الأمر المعاون عليه. ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب لوقوع العون على الواحد من أعوان صاحب الشّرطة ونحوه. (العلّامة) بالتشديد من ألقاب أكابر العلماء. قال الجوهريّ: وهو العالم للغاية، وقلّ أن يستعملوه إلا في ألقاب المكتوب بسببه ونحو ذلك، وحذف الهاء منه لغة، وليست بمستعملة بين الكتّاب أصلا؛ والعلّاميّ نسبة إلى العلّام أو العلّامة للمبالغة. قال في «عرف التعريف» : ويختص بالمفتي. حرف الغين المعجمة (الغازي) من ألقاب أرباب السّيوف، وهو من الأسماء المنقوصة كالقاضي ونحوه، وقلّ أن يستعمل إلا في ألقاب السامي بغير ياء فما دونه. (الغوث) بالثاء المثلثة من ألقاب الصّوفيّة، وهو عندهم لقب على القطب الذي هو رأس الأولياء؛ وأصله في اللغة من قول الرجل: واغوثاه، وقلّ أن تستعمله الكتّاب بل لم يستعملوه مضافا إلى ياء النسب أصلا. (الغياثي) من ألقاب أرباب السيوف، وأكثر ما يستعمل في الملوك، وهو في اللغة الاسم من استغاثني فأغثته. وأصله الغواثيّ بالواو فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.

حرف الفاء

حرف الفاء (الفاتح) من ألقاب ملوك المغرب، وهو فاعل من الفتح بمعنى النّصر، والمراد فتح الأمصار وتملّكها. (الفاضل) من ألقاب أرباب الأقلام، وأكثر ما يقع في ألقاب العلماء، وربما وقع في ألقاب الكتّاب، وهو خلاف الناقص، والمراد زائد الفضل، وبه لقّب القاضي الفاضل «عبد الرحيم البيسانيّ» «1» الكاتب المشهور؛ والفاضليّ نسبة إليه للمبالغة. (الفائز) من ألقاب ملوك المغرب؛ وهو فاعل من الفوز بمعنى النّجاة أو الظّفر، وقد يشاحح في التلقيب به فإن الفوز يطلق على الهلاك أيضا على ما هو مقرّر في كتب اللغة، ومثل ذلك يجب اجتنابه لما فيه من الاشتراك بين المحمود والمذموم، إلا أنه غلب استعماله في النّجاة حتّى إنه لم يرد في القرآن إلا بمعناها، ولذلك عوّل الكتّاب على استعماله. (الفقيه) من ألقاب العلماء وهو اسم فاعل من فقه بضم القاف إذا صار الفقه له سجيّة، ككرم إذا صار الكرم له سجيّة. قال المسيليّ «2» في «شرح مختصر ابن الحاجب» : وإنما يقع على المجتهد دون المقلّد؛ أما إطلاقه على فقهاء المكاتب ونحوهم فعلى سبيل المجاز. على أن الكتّاب بالديار المصرية لم يستعملوا هذا اللقب إلا في القليل النادر، بل كثير من جهلة الكتّاب وغيرهم

حرف القاف

يستصغرون التلقيب به ويعدّونه نقصا، وإنما يعظّم به جدّ التعظيم أهل المغرب، والفقيهيّ نسبة إليه للمبالغة، وهو مستعمل في ألقاب العلماء. (الفريديّ) من ألقاب أكابر العلماء، وهو نسبة إلى الفريد بمعنى المنفرد للمبالغة، والمراد المنفرد بما لم يشاركه فيه غيره، ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النّسب. حرف القاف (القاضويّ) من ألقاب أرباب الأقلام، وهو نسبة إلى القاضي للمبالغة ثم في الحقيقة كان يجب أن يختص بالقضاة الذين هم حكّام الشريعة دون غيرهم إلا أنه توسّع فيه حتّى استعمل في غيرهم من ألقاب أرباب الأقلام. (القدوة) بكسر القاف وضمها، لغة من ألقاب العلماء والصّلحاء، وهو بمعنى الأسوة، يقال: فلان قدوة يقتدى به، والقدويّ نسبة إليه للمبالغة، وحذفت منه تاء التأنيث المبدلة من الهاء على قاعدة النسب عند النحاة، وكثير من جهلة الكتّاب يثبتون فيه تاء التأنيث مع النسب فيقولون: القدوتيّ، وهو خطأ كما تقدّم في الكلام على الحجّة في حرف الحاء. (القضاميريّ) من الألقاب التي يستعملها بعض الكتّاب في ألقاب من اجتمع له رياسة السيف والقلم؛ وهو نسبة إلى القضاء والأمير تشبيها بمذهب من يرى النسبة إلى المضاف والمضاف إليه جميعا فيقول في النسبة إلى عبد شمس عبشميّ، وإلى عبد الدّار عبدريّ، ونحو ذلك، وهو مذهب مرجوح على ما تقدّم بيانه في المقالة الأولى في الكلام على النحو، والأحسن فيه النسبة إلى كلّ منهما على انفراده، فيقال القضائيّ الأميريّ، أو الأميريّ القضائيّ، وعلى العمل به فاللائق بعلوّ الرّتبة أن يقال: القاضميريّ ليكون مركبا من القاضويّ والأميريّ، إذ كان القاضويّ في المعنى أبلغ من القضائيّ لما في القاضويّ من المبالغة على ما تقدّم بيانه.

حرف الكاف

(القضائيّ) من ألقاب أرباب الأقلام، وهو نسبة إلى القضاء فلا مبالغة فيه. (القطب) من ألقاب الصّوفية وأهل الصّلاح، وهو عندهم عبارة عن رأس الأولياء الذي عليه مدارهم كما تقدّم في الغوث، وقلّ أن يستعمله الكتّاب ولم يستعملوه مضافا إلى ياء النسب فيما وقفت عليه أصلا. والقطب في أصل اللغة كوكب بين الجدي والفرقدين يدور عليه الفلك فيما قاله الجوهري. والتحقيق أنه نقطة متوهّمة بالقرب من هذا الكوكب على ما هو مقرّر في علم الهيئة، ولذلك قيل لسيّد القوم الذي عليه مدار أمرهم: قطب بني فلان، ومن هنا عبّروا عن مدار الأولياء بالقطب. وقلّ أن يستعمله الكتّاب، ولم يستعملوه مضافا إلى ياء النسب فيما وقفت عليه. (القواميّ) بفتح القاف من ألقاف أرباب السيوف. وهو نسبة إلى القوام وهو العدل. ومنه قوله تعالى: وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً «1» ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب. حرف الكاف (الكافل) من الألقاب المختصّة بنائب السلطنة بالحضرة، يقال فيه: النائب الكافل ونحو ذلك، والكافل في اللغة الذي يكفل الإنسان ويعوله، ومنه قوله تعالى: وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا «2» ولقّب بذلك لأنه يكفل الرعية ويعولهم؛ والكافليّ نسبة إليه للمبالغة. قال في «عرف التعريف» : وهو مختص بنائب سلطان أو وزير كبير. وذكر في دستور آخر أنه لا يكتب به لغير هما. (الكبير) من الألقاب المشتركة بين أرباب السيوف والأقلام، وهو في الأصل لخلاف الصغير، والمراد هنا الرفيع الرّتبة؛ والكبيريّ نسبة إليه للمبالغة.

حرف اللام

(الكريم) من ألقاب المقرّ والجناب، ويشترك فيه أرباب السيوف والأقلام، والكريم خلاف اللئيم فيما يقتضيه كلام الجوهريّ حيث قال: الكرم نقيض اللّؤم وحينئذ فيكون المراد بالكريم الخالص من اللّؤم، ومن ثمّ جعل دون الشريف في الرّتبة، إذ في الشّرف قدر زائد على ذلك، وهو اعتبار ثبوت رفعة القدر، بل اعتبار ذلك في آبائه أيضا كما قاله ابن السكيت على ما تقدّم ذكره في الكلام على لقب الشريف، ويوضّح ذلك أن الفقهاء قالوا: يستحبّ في الزوجة أن تكون نسيبة فحمله بعضهم على الصحيحة النّسب احترازا بذلك عن بنت الزّنا، وحمله آخرون على العراقة في النّسب، والأوّل في معنى الكرم الذي لم يعتبر فيه سوى خلوصه من اللّؤم، والثاني بمعنى الشريف الذي اعتبر فيه قدر زائد؛ ثم هو فعيل من كرم بضم الراء إذا صار الكرم له سجية كما تقدّم في الفقيه. (الكفيليّ) من ألقاب أكابر نوّاب السلطنة، وهو أعلى من الكافل، لأن صيغة فعيل أبلغ من صيغة فاعل على ما هو مقرّر في علم النحو والتصريف. حرف اللام (اللّبيب) من ألقاب أرباب الأقلام، وهو فعيل من اللّبّ وهو العقل؛ واللّبيبيّ نسبة إليه للمبالغة. (اللّوذعيّ) بالذال المعجمة من ألقاب أرباب الأقلام، وهو الذّكيّ القلب. حرف الميم (الماجد) من ألقاب أرباب الأقلام غالبا، وربما أطلق على غيرهم، وهو مختص بذوي الأصالة فقد قال ابن السكيت: إن المجد لا يكون إلّا بالآباء؛ والماجديّ نسبة إليه للمبالغة. (المالكيّ) من الألقاب المختصّة بأكابر أرباب السيوف والأقلام. قال

في «عرف التعريف» : ولا يكتب به عن السلطان لأحد، وهو نسبة إلى المالك الذي هو خلاف المملوك للمبالغة، ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب. (المثاغر) بالثاء المثلثة من ألقاب السلطان، والمراد القائم بسدّ الثّغور، وهي البلاد التي في نحر العدوّ، أخذا من الثّغر وهو السّنّ، لأنه كالباب على الحلق الذي يمتنع الوصول إليه إلا منه؛ والمثاغريّ نسبة إليه للمبالغة. وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنوّاب السلطنة ونحوهم. (المتصرّفيّ) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم، والمراد من ينفذ تصرّفه في الأمور، ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب. (المجاهد) من الألقاب السلطانية، والمراد المجاهد في سبيل الله تعالى، وربما استعمل في ألقاب السامي من غير ياء فما دونه كما تقدّم في الغازي؛ والمجاهديّ نسبة إليه للمبالغة. وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنوّاب السلطنة ونحوهم. (المجتهد) من ألقاب العلماء، والمراد به في الأصل من يستنبط الأحكام الشرعية من الكتاب «1» والسّنّة والإجماع والقياس، وقلّ أن يستعمله الكتّاب؛ والمجتهديّ نسبة إليه للمبالغة. وأكثر استعماله كذلك. (المحترم) من ألقاب العامّة ممن يلقّب بالصّدر الأجلّ. فيقال: «الصّدر الأجلّ الكبير المحترم» ونحو ذلك. (المحقّق) من ألقاب العلماء، وربما استعمل في ألقاب الصّوفية، والمراد أنه يأتي بالأشياء على حقائقها لحدّة ذهنه وصحّة حدسه؛ والمحقّقيّ نسبة إليه للمبالغة. (المختار) من ألقاب أرباب السّيوف غالبا، ويختصّ بالسامي بغير ياء

فما دونه، وهو اسم مفعول من الاختيار، بمعنى أن الملوك وأرباب الأمور يختارونه، على أن اسم الفاعل منه أيضا المختار كلفظ المفعول على السّواء وإنما ترشد إليه القرائن. (المخدوم) من الألقاب المختصّة بالمكاتبات، والمراد من هو في رتبة أن يكون مخدوما لعلوّ رتبته وسموّ محلّه؛ والمخدوميّ نسبة إليه للمبالغة. قال في «عرف التعريف» : ولا يكتب به عن السّلطان لأحد. (المدبّريّ) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم ككتّاب السرّ ونحوهم، وهو نسبة إلى المدبّر بكسر الباء الموحدة: وهو الذي ينظر في الأمر وما تؤول إليه عاقبته، ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النّسب. (المدقّق) من ألقاب العلماء، وهو الذي ينعم النظر في المسائل ويدقّقه؛ والمدقّقيّ نسبة إليه للمبالغة. (المرابط) من الألقاب السّلطانية، وهو مفاعل من الرّباط، وهو ملازمة ثغر العدوّ؛ والمرابطيّ نسبة إليه للمبالغة. وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف، كنوّاب السلطنة ونحوهم. (المربّي) من ألقاب الصوفية، والمراد من يربّي المريدين «1» ويسلّكهم ويعرّفهم الطريق إلى الله تعالى. (المرتضى) من ألقاب أرباب السّيوف والأقلام، ويختصّ بالسامي بغير ياء فما دونه، والمراد من يرضاه ولاة الأمور ويختارونه. (المرشد) من ألقاب ملوك المغرب، وربما استعمل في ألقاب الصوفيّة، والمراد من يرشد الناس إلى الحق ويهديهم السبيل؛ والمرشديّ نسبة إليه للمبالغة.

(المسدّديّ) من ألقاب أرباب السيوف وألقاب الوزراء ومن في معناهم، وهو بفتح الدال المشدّدة نسبة إلى المسدّد، وهو اسم مفعول من السّداد بالفتح: وهو الصّواب والقصد من القول والعمل. ويجوز أن يكون بالكسر على أنه اسم فاعل منه بمعنى أنه يسدّد غيره، ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب. (المسلّك) بتشديد اللام المكسورة من ألقاب الصوفيّة، وهو اسم فاعل من تسليك الطريق وهو تعريفها، والمراد تعريف المريدين الطريق إلى الله تعالى؛ وأصل التسليك إدخال الشيء في الشيء، ومنه قيل للخيط: سلك، لقب بذلك لإدخاله المريدين في الطريق؛ والمسلّكيّ نسبة إليه للمبالغة. (المشيّديّ) بتشديد الياء المكسورة من ألقاب أكابر أرباب السيوف، كنوّاب السلطنة ونحوهم، وهو نسبة إلى المشيّد فاعل من التشييد، وهو رفع البناء، ومنه قوله تعالى: وَقَصْرٍ مَشِيدٍ «1» أي مرتفع، والمراد أنه يشيّد قواعد المملكة ويرفعها؛ ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب إذ لا يليق بالأدنين «2» . (المشيريّ) من ألقاب الوزراء وأكابر الأمراء ومن ضاهاهم ممن يؤخذ رأيه. واختلف في أصله المأخوذ منه فقيل: من شرت العسل إذا استخرجته من كوّارة النحل، لأن الرأي يستخرج من المشير. وقيل من شرت الناقة إذا عرضتها على الحوض؛ لأن المستشير يعرض ما عنده على المشير، ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب لانحطاطه عن رتبة الأكابر. (المظاهر) من ألقاب ملوك المغرب، ومعناه المعاون أخذا من المظاهرة: وهي المعاونة.

(المظفّر) من الألقاب السلطانية، أخذا من الظّفر وهو النّصر؛ والمظفّريّ نسبة إليه للمبالغة، وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف. (المعرق) بضم الميم وإسكان العين وكسر الراء من ألقاب ملوك المغرب، والمراد به من أعرق في الكرم. على أن المعرق قد يطلق في اللغة على المعرق في اللّؤم أيضا فهو من الأضداد، ومثل ذلك يجتنب في التلقيب. (المعزّز) بزاءين معجمتين؛ الأولى منهما مشدّدة مفتوحة من ألقاب ملوك المغرب، وهو اسم مفعول من العزّ خلاف الذّلّ، ومنه قراءة من قرأ (ويعزّزوه ويوقّروه) «1» بزاءين معجمتين. (المعظّم) بفتح الظاء المشدّدة من ألقاب ملوك المغرب أيضا، وهو اسم مفعول من العظمة وهي الجلالة، وربما استعمل في ألقاب بعض ملوك الكفر على ما سيأتي ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى. (المفخّم) بفتح الخاء المعجمة المشدّدة من ألقاب ملوك المغرب، وهو مأخوذ من الفخامة وهي الضّخامة. (المفوّه) بفتح الواو المشدّدة من ألقاب البلغاء من الكتّاب وغيرهم. وهو البليغ اللّسن؛ والمفوّهيّ نسبة إليه للمبالغة. (المفيد) من ألقاب العلماء، وهو اسم فاعل من الإفادة وهي إنالة الشخص ما لم يكن حاصلا عنده؛ والمفيديّ نسبة إليه للمبالغة. (المقدّمي) بفتح الدال المشدّدة من ألقاب أرباب السيوف. ويختص بمقدّمي الألوف من الأمراء، والمراد أنه مقدّم على مضاهيه من الأمراء والأجناد، ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النّسب.

(المقرّب) بفتح الراء المشدّدة من ألقاب الخدّام والخواجكيّة، والمراد أنه مقرّب عند الملوك ومن في معناهم، وهو من القرب خلاف البعد؛ والمقرّبيّ نسبة إليه للمبالغة. (المكرّم) بفتح الراء المشدّدة من ألقاب ملوك المغرب. وهو مفعّل من الكرامة. (الملكيّ) بفتح اللام من ألقاب الملك وألقاب أتباعه المنسوبين إليه من الأمراء والوزراء ومن في معناهم؛ وهو نسبة إلى الملك بكسر اللام وإنما فتحت لامه في النسب جريا على قاعدة النسب في نمر فإنه ينسب إليه نمريّ بفتح الميم على ما هو مقرّر في علم النحو. على أن كثيرا من كتّاب الزمان يغلطون فيه فيكسرون لامه في النسب أيضا وهو خطأ. ثم النسبة إن كانت في حق الملك نفسه كقولهم في ألقاب الملك الملكيّ، فالنسبة فيه للمبالغة، وإن كانت في حق أحد من أتباعه كقولهم في حق بعض الأمراء ونحوهم الملكيّ الفلاني فالنسبة فيه على حقيقة النسب. (الممجّد) بفتح الجيم المشدّدة، من ألقاب ملوك المغرب، وهو مفعّل من المجد، وهو الشرف. وقد تقدّم في الكلام على الماجد عن ابن السكّيت أنه يكون «1» المجد للرجل وإن لم يتقدّمه شرف آباء. (الممهّديّ) بكسر الهاء المشدّدة من ألقاب أكابر أرباب السيوف، نسبة إلى الممهّد، وهو الذي يمهّد الممالك ويدوّخها، والنسبة فيه للمبالغة، ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب. (المنتخب) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة: وهو المختار؛ والمنتخبيّ نسبة

إليه للمبالغة. (المنفّذيّ) بكسر الفاء المشدّدة وبالذال المعجمة من ألقاب الوزراء ومن في معناهم نسبة إلى المنفّذ: وهو الذي له معرفة بتنفيذ الأمور ووضع الأشياء في مواضعها، والنسبة فيه للمبالغة؛ ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب. (المنصفيّ) من ألقاب الوزراء وولاة الأمور، نسبة إلى المنصف، وهو الذي ينصف المظلوم من الظالم، والنسبة فيه للمبالغة؛ ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب. (المنصور) من الألقاب السلطانية، يقال منه «المؤيّد المنصور» ونحو ذلك، ومعناه ظاهر، والمنصوريّ نسبة إليه للمبالغة؛ وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنوّاب السلطنة ونحوهم. (المؤتمن) من ألقاب الخدّام والتّجّار الخواجكيّة، والمراد أن الخدّام يؤتمنون على الحريم والمماليك في الحضر، والتّجّار يؤتمنون على المماليك والجواري في السّفر، أو يؤتمنون على أخبار الممالك وأحوالها، فلا يخبرون عن مملكة بمملكة أخرى إلا بما فيه السّداد. (المولى) من ألقاب الكتّاب، وأكثر ما يجري ذلك في تعيين كاتب السرّ ونحوه. فيقال: «المولى فلان الدّين» والمراد هنا السيّد، والمولويّ نسبة إليه للمبالغة. وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف والأقلام. قال في «عرف التعريف» : ولا يكتب به عن السلطان لأحد. على أن المولى لفظ مشترك يقع في اللغة على السيد كما تقدّم ويعبّر عنه بالمولى من أعلى؛ ويقع على المملوك والعتيق ويعبّر عنه بالمولى من أسفل؛ ويقع على المنضمّ إلى القبيلة من غير أنفسها، كما يقال في الإمام البخاريّ «1» : «الجعفيّ مولاهم» بمعنى أنه ليس

حرف النون

من صلب القبيلة؛ ويطلق على غير ذلك أيضا. وإذا كان مشتركا بين المولى من أعلى والمولى من أسفل فكان الأحسن الإضراب عنه. (المؤيّد) بفتح الياء المشدّدة من الألقاب السلطانية، وبالكسر من ألقاب الساميّ بالياء فما دونه، والمراد أنه يؤيّد الملك وينصره، وكلاهما مأخوذ من الأيد وهو القوّة، والمراد أن الله تعالى يؤيّده ويقوّيه، ومنه قولهم في الدعاء: «أيّده الله تعالى» أي قوّاه؛ والمؤيّديّ بالفتح من الألقاب الملوكية نسبة إلى المؤيّد بالفتح للمبالغة؛ وبالكسر من ألقاب أكابر أرباب السيوف نسبة إلى المؤيّد بالكسر للمبالغة. (الملاذيّ) بالذال المعجمة من ألقاب الوزراء ومن في معناهم من ولاة الأمور. وهو منسوب إلى الملاذ بمعنى الملجإ نسبة مبالغة؛ ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب. حرف النون (الناسك) من ألقاب الصّوفية وأهل الصلاح، ومعناه العابد أخذا من النّسك وهو العبادة؛ والناسكيّ نسبة إليه للمبالغة. وهو من ألقاب الصّلحاء أيضا، وربما كتب به لأرباب السيوف والأقلام إذا كان فيهم من ينسب إلى الصّلاح. (النّبويّ) من ألقاب ديوان الخلافة وما في معناه من متعلّقاتها، يقال فيه: «الدّيوان العزيز النبويّ» ونحو ذلك. ويقع أيضا في ألقاب ولاة العهد بالخلافة؛ وربما وقع في ألقاب الأشراف. وهو نسبة إلى النبوّة لانتساب الخلافة العبّاسيّة إلى العبّاس عمّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وانتساب الأشراف إلى ابنته فاطمة رضي الله عنها.

(النّسيب) من ألقاب الشّرفاء أبناء فاطمة من عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما، والمراد العريق في النّسب؛ لقّبوا بذلك لأنهم أعرق الناس نسبا، لانتسابهم إلى بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ومن خصائصه صلّى الله عليه وسلّم جواز نسبة أولاد بناته إليه بخلاف غيره، على ما هو مقرّر في كتب الفقه. وقد أوضحت ذلك في كتابي المسمّى ب «الغيوث الهوامع، في شرح جامع المختصرات ومختصر الجوامع» في أوائل النكاح؛ والنّسيبيّ نسبة إليه للمبالغة. (النّصير) من ألقاب أرباب السيوف للمجلس الساميّ بالياء فمن دونه. وهو بمعنى الناصر إلا أنه أبلغ منه، لأن صيغة فعيل أبلغ من صيغة فاعل على ما تقدّم، والنّصيريّ نسبة إليه للمبالغة في نصره. (النّظاميّ) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم، وهو نسبة إلى النّظام، وهو صورة الاجتماع والالتئام، ومنه نظم اللّؤلؤ وغيره، والمراد أنه يكون به انتظام الأمور والتئامها، وحينئذ فيكون النسب فيه على حقيقته، لأنه نسبة إلى غير صاحب اللّقب؛ ويجوز أن تكون النسبة فيه للمبالغة على معنى أن صاحب اللقب قد جعل «1» عن النظام تجوّزا؛ ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب. (النّوين) بضم النون وفتح الواو وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر من ألقاب كفّال الممالك بالممالك القانيّة، كنائب «2» السّلطنة، وأمراء «3»

حرف الهاء

الألوس، والوزير، ونحوهم فيما كان عليه مملكة إيران إلى آخر مملكة أبي «1» سعيد، والنّوينيّ نسبة إليه للمبالغة. قال في «التثقيف» «2» : وهو بمثابة الكافليّ في ألقاب النّوّاب. قال: وهو نعت يستعمل دائما لأهل تلك البلاد ولا يستعملون الكافليّ أصلا. حرف الهاء (الهمام) من ألقاب أرباب السّيوف، والمراد الشّجاع؛ والهماميّ نسبة إليه للمبالغة. حرف الواو (الوالديّ) من ألقاب المسنّين من الأكابر، وهو نسبة إلى الوالد، وكأنه جعله والدا له فتكون النسبة إليه على حقيقة النسب، لأن النسبة فيه ليست «3» إلى صاحب اللقب نفسه، وربما قصد بذلك الوالد حقيقة؛ وأكثر ما يقع هذا اللقب في المكاتبات. (الورع) من ألقاب الصّوفيّة وأهل الصلاح، وربما لقّب به أرباب السيوف والأقلام أيضا إذا اتصفوا بذلك؛ والمراد من يتنزّه عن الوقوع في الشّبهات. وهو في اللغة التقيّ، يقال منه: ورع يرع بكسر الراء فيهما ورعا فهو ورع؛ والورعيّ نسبة إليه للمبالغة. (الوزيريّ) من الألقاب الخاصة بالوزراء من أرباب السيوف والأقلام.

حرف اللام ألف

وهو نسبة إلى الوزير، وقد تقدّم معناه واشتقاقه في الكلام على ألقاب أرباب الوظائف. (الولديّ) من ألقاب الأحداث من الرؤساء، وهو نسبة إلى الولد، كأنه جعله ولدا له، وربما وقع على الولد حقيقة؛ وأكثر ما يقع في المكاتبات كما تقدّم في الوالديّ. حرف اللام ألف (الألمعيّ) من ألقاب الأذكياء. قال الجوهريّ: ومعناه الذّكيّ المتوقّد. حرف الياء (اليمينيّ) من ألقاب الدوادار «1» وكاتب السرّ والحاجب. قال في «عرف التعريف» ولا يقال لغيرهم، وهو نسبة إلى اليمين كأنه يمين السلطان الذي يتناول به الأشياء، وإلا فمجلس كاتب السرّ بدار العدل عن يسار السلطان، والدّوادار والحاجب قائمان أمامه. الضرب الثاني (المركّبة المعبّر عنها في اصطلاح الكتّاب بالنّعوت) (وهذه جملة منها مرتّبة على حروف المعجم أيضا) حرف الألف (أتابك العساكر) من نعوت الأمير الأتابك ومن في معناه كالنائب الكافل ومن في رتبته. وذكر في «عرف التعريف» أنه مما يختصّ بالنائب الكافل. وقد تقدّم ذكر معنى الأتابك في الكلام على الألقاب الأصول؛ والعساكر جمع عسكر وهو الجيش.

(إسكندر الزّمان) من الألقاب السلطانية، والمراد بالإسكندر هنا الإسكندر بن فيلبس اليونانيّ، وهو الذي يؤرّخ بظهوره على الفرس وغلبته إياهم على ما سيأتي في الكلام على التاريخ في أواخر هذه المقالة. كان ملكا عظيما ملك الشأم، وبيت المقدس، والعراقين، والسّند، والهند، وبلاد الصّين، والتّبّت، وخراسان، وبلاد التّرك؛ وذلّت له سائر الملوك؛ وهاداه أهل الغرب، والأندلس، والسّودان؛ وهو الذي بنى مدينة الإسكندريّة، ويقال: إنه ذو القرنين الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز. قال المؤيّد صاحب «1» حماة في تاريخه: والصحيح أن ذا القرنين ملك عظيم كان قبل الإسكندر بزمن طويل. (أثير الإمام) من ألقاب أرباب الأقلام غالبا، وهو أثير بمعنى مأثور، والمراد أن الإمام يؤثره على غيره فيقدّمه عليه. (إعتضاد صناديد الزمان) من ألقاب أرباب السّيوف؛ وقد يكتب به لبعض الملوك. والاعتضاد الاستعانة، يقال: اعتضدت بفلان إذا استعنت به، والصّناديد جمع صنديد، وهو الشّجاع. (أكرم نجباء الأبناء في العالمين) من ألقاب الرؤساء من أرباب الأقلام، وأكرم أفعل التفضيل من الكرم خلاف اللّؤم، والنّجباء جمع نجيب، وهو الكريم. (أجمل البلغاء في العالمين) من ألقاب أرباب البلاغة من الكتّاب وغيرهم، ومعناه ظاهر. (الذّابّ عن حوزة المؤمنين) من ألقاب ملوك المغرب، ويصلح لكل

ملك مسلم يقوم بفرض الجهاد. والذابّ الدافع، والحوزة بفتح الحاء المهملة والزاي المعجمة الناحية. (القائم في مصالح المسلمين) من ألقاب ملوك المغرب. ذكر في «التعريف» أنه يكتب به إلى صاحب تونس، ويصلح لكل متّصف بذلك من ملوك الإسلام، ومعناه ظاهر. (المجاهد عن الدّين) من ألقاب ملوك المغرب، ومعناه ظاهر أيضا. (المعفّي ملوك آل ساسان، وبقايا فراسياب وخاقان) من ألقاب عظماء ملوك الأعاجم. وقد ذكره في «التعريف» «1» في ألقاب صاحب الهند. والمعفّي بتشديد الفاء المكسورة الماحي للأثر، يقال: عفّت الريح كذا بالتشديد إذا درسته ومحت أثره، وشدّد للمبالغة. وآل ساسان ملوك الأكاسرة وهم الطبقة الرابعة من ملوك الفرس الساسانيّة إلى أن غلبهم الإسلام وانتزع الملك من أيديهم، ينسبون إلى جدّهم ساسان، وهو ساسان «2» بن أردشير بهمن بن كيبستاسف من ملوك الطبقة الثانية فيهم، على ما سيأتي بيانه في الكلام على مكاتبة ملوك إيران، في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى. وفراسياب بفاء في أوّله ثم سين مهملة بعدها ياء ثم ألف وباء موحدة ملك عظيم من ملوك الترك، ويقال: إن أصله من أبناء ملوك الفرس، وهو فراسياب «3» بن طوج بن أفريدون، من الطبقة الأولى من ملوك الفرس، وإن

ابن عمه منوشهر غلب عليه بعد أن قتل أباه طوجا ففرّ إلى بلاد الترك وتزوّج منهم، وانتهت به الحال إلى أن ملكهم وعظم ملكه فيهم. وخاقان بخاء معجمة وقاف ونون ملك من ملوك الترك أيضا كان في زمن كسرى أنو شروان فيما يقتضيه كلام أبي هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» حيث ذكر أنه كان بينه وبينه حرب. (المواقف المقدّسة) من ألقاب الخلفاء في مخاطباتهم في المكاتبات ونحوها، والمراد الأماكن التي يقف فيها الخليفة، كني بها عن الخليفة تنويها عن التصريح بذكره؛ والمقدّسة المطهّرة، والمراد طهارتها عن الأدناس المعويّة. (إمام الأئمة) من ألقاب العلماء، وربما قيل «إمام الأئمة في العالمين» . (إمام البلغاء) من ألقاب أهل البلاغة من الكتّاب ومن في معناهم. (إمام المتكلّمين) من ألقاب العلماء، وهو بأهل المعقول أليق لإطلاق علم الكلام «1» على أصول الدّين، وإنما سمّي بذلك لأنه لما وقع القول بخلق القرآن في صدر الإسلام ممن وقع كثر الكلام والخوض في ذلك فأطلق على أصول الدين علم الكلام وبقي علما عليه. (أوحد الأشراف) من ألقاب الشّرفاء، وربما قيل «أوحد الأشراف في العالمين» أو «أوحد الأشراف الطاهرين» أو «أوحد الأشراف الماجدين» ونحو ذلك.

(أوحد الأصحاب) من ألقاب الوزراء من أرباب الأقلام ومن في معناهم ككاتب السّر ونحوه وإن كان الصاحب يختصّ بالوزير في عرف [كتّاب الديار المصرية «1» ] على ما تقدّم. (أوحد الأكابر) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة، وربما كتب به لغيرهم من الرؤساء، وربما قيل «أوحد الأكابر في العالمين» . (أوحد الأمّة) من ألقاب العلماء، وربما أطلق على غيرهم. (أوحد الأمناء في العالمين) من ألقاب الكتّاب، والأمناء جمع أمين، وهو خلاف الخائن. (أوحد الأئمة العلماء في العالمين) من ألقاب العلماء، وربما اقتصر على أوحد العلماء. (أوحد البلغاء) من ألقاب أرباب الأقلام، وربما قيل «أوحد البلغاء في العالمين» ونحو ذلك والبلغاء جمع بليغ وقد تقدّم معناه. (أوحد الرّؤساء) وربما قيل «أوحد الرّؤساء في العالمين» أو «أوحد الرؤساء في الأنام» «2» ونحو ذلك، ومعناه ظاهر. (أوحد الحفّاظ) من ألقاب المحدّثين، وربما قيل «أوحد الحفّاظ في العالمين» ونحو ذلك. (أوحد الخطباء في العالمين) من ألقاب الخطباء. (أوحد العلماء الأعلام) من ألقاب العلماء، وربما قيل «أوحد العلماء في العالمين» .

حرف الباء

(أوحد الفضلاء) من ألقاب العلماء، وربما استعمل في غيرهم من أرباب الأقلام، وربما قيل «أوحد الفضلاء المفيدين» أو «أوحد الفضلاء العارفين» ونحو ذلك. (أوحد الكبراء) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة، ويجوز أن يستعمل في غيرهم. (أوحد الكتّاب) من ألقاب الكتّاب سواء كتّاب الإنشاء وغيرهم. (أوحد المتصرّفين) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم. (أوحد المجاهدين) من ألقاب أرباب السّيوف. (أوحد المحقّقين) من ألقاب العلماء. (أوحد المتكلّمين) من ألقاب العلماء، وهو بعلماء المعقول أنسب. (أوحد المفيدين) من ألقاب العلماء. (أوحد الملوك والسلاطين) من الألقاب السلطانية. (أوحد الوعّاظ) من ألقاب أهل التذكير والوعظ. (أوحد الوقت) من ألقاب أرباب الأقلام، وربما قيل «أوحد الوقت والأوان» والوقت معروف، والأوان الحين، ويجمع على آونة مثل زمان وأزمنة. حرف الباء (بركة الأنام) من ألقاب الصّلحاء، وقد تستعمل للعلماء أيضا. (بركة الدّولة) من ألقاب الصّلحاء أيضا، وقد يقال «بركة الدّول» على الجمع، وربما كتب به لأرباب الأقلام من العلماء وغيرهم. والمراد بالدولة المملكة القائمة، وأصلها من الدّولة في الحرب وهي النّصر والغلبة. (بركة المسلمين) من ألقاب الصّلحاء، وقد تستعمل لأهل العلم أيضا. (بقيّة الأكابر) من ألقاب بقايا البيوت الرئيسية من أهل الأقلام وغيرهم، وربما قيل «بقيّة الأكابر في العالمين» .

(بقيّة البيت النبويّ) من ألقاب الأشراف، وبه يكتب إلى إمام الزيدية باليمن. (بقيّة السّلف) من ألقاب العلماء والصّلحاء، وربما قيل «بقية السّلف الصالح» أو «بقيّة السّلف الكرام» والمراد بالسّلف الآباء المتقدّمون، أخذا من قولهم سلف إذا مضى، وربما أطلق على من تقدّم في صدر الإسلام من الصّحابة والتابعين. (بقيّة السّلالة الطاهرة) من ألقاب الأشراف، وقد يقال فيه بقيّة السّلالة الطاهرة الزّكيّة، وربما أطلق على غيرهم. وبذلك يكتب لصاحب تونس لادّعائه أنه من نسل أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه. والسّلالة في الأصل ما استلّ من الشيء، والمراد هنا النّطفة لأنها مستلّة من الإنسان. (بقيّة الملوك والسلاطين) من ألقاب من له سلف من الملك، كصاحب حصن كيفا «1» من بقايا الملوك الأيّوبيّة. (بقيّة الأصحاب) من ألقاب الوزراء أرباب الأقلام ومن في معناهم. (بقيّة شجرة الفخار) من ألقاب ذوي الأصالة العريقين في النّسب، وبه يكتب لابن الأحمر «2» صاحب الأندلس. (بهاء الأعيان) من ألقاب أرباب الأقلام، والبهاء الحسن، والأعيان جمع

حرف التاء المثناة من فوق

عين تجمع على أعين وعيون وأعيان، والمراد هنا الخيار، إذ عين كلّ شيء خياره. (بهاء الأنام) من ألقاب أرباب السيوف غالبا، وربما أطلق على غيرهم؛ والأنام الخلق. (بهاء العصابة العلويّة) من ألقاب الأشراف، وبه يكتب لأميري مكة والمدينة المشرّفتين، والعصابة بالكسر الجماعة من الناس وتجمع على عصائب. والعلويّة نسبة إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. حرف التاء المثناة من فوق (تاج العلماء والحكّام) من ألقاب القضاة، والتاج ما يوضع على الرأس وهو معروف. (تاج الأمناء) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة، ويصلح لكتّاب الأموال أيضا. (تاج المتصرّفين) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم. (تاج الفضلاء) من ألقاب أرباب الأقلام. ورأيت في بعض الدّساتير الشاميّة «تاج الفضلاء المنشئين» وهو مناسب لمن هو في أوّل نشأته وابتداء رياسته، وحداثة سنّه. (تاج الملّة) من الألقاب التي يشترك فيها أرباب السيوف والأقلام جميعا. والملّة في أصل اللغة الدين والشّريعة، والمراد هنا ملّة الإسلام، والألف واللام فيها للعهد الذّهنيّ. حرف الثاء المثلثة (ثقة الدّول) من ألقاب التّجار الخواجكيّة، وربما قيل «ثقة الدولتين» والثّقة في اللغة الأمين وخصّ ذلك بالتّجّار لتردّدهم في الممالك، ويحسن أن

حرف الجيم

يلقّب به المتردّدون في الرسائل بين الملوك. حرف الجيم (جامع كلمة الإيمان) من الألقاب السلطانية. (جامع طرق الواصفين) من ألقاب الصّوفيّة وأهل الصّلاح، وربما قيل «جامع الطّرق» ويصلح أن يكون من ألقاب العلماء أيضا. (جمال الإسلام) من ألقاب العلماء، وربما قيل جمال الأكابر من ألقاب التجّار الخواجكيّة، وقد يستعمل لأرباب الأقلام، والجمال في اللغة الحسن. (جمال الذّرّية) والمراد ذرّيّة النبي صلّى الله عليه وسلّم، لأن الذرّيّة تشمل أولاد البنات، وقد عدّ الله تعالى عيسى عليه السّلام [من ذرّيّة إبراهيم عليه السّلام] «1» وهو ابن بنته. (جمال الصّدور) من ألقاب أرباب الأقلام، والصّدور جمع صدر، والمراد صدور المجالس. (جمال الأئمة) من ألقاب العلماء، وربما قيل «جمال الأئمة العارفين» . (جمال البارعين) من ألقاب أرباب الأقلام، «والبارعين» جمع بارع وهو الناهض. (جمال البلغاء) من ألقاب كتّاب الإنشاء ونحوهم. (جمال الطائفة الهاشميّة) من ألقاب الشّرفاء، والطائفة في أصل اللغة

اسم للقطعة من الشيء. قال ابن «1» عباس وتطلق على الواحد فما فوقه، والهاشميّة نسبة إلى هاشم: وهو هاشم بن عبد مناف جدّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. (جمال العترة الطاهرة) من ألقاب الشّرفاء أيضا، وربّما اقتصر على جمال العترة فقط. وعترة الرجل نسله وأهله الأدنون، والمراد عترة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. (جمال العصبة الفاطميّة) من ألقاب الشّرفاء أيضا، والعصبة بفتح العين والصاد واحدة العصبات، وهي في أصل اللغة البنون والقرابة للأب. قال الجوهريّ: سمّوا عصبة لأنهم عصبوا بالشخص بمعنى أنهم أحاطوا به: فالأمّ طرف، والأب طرف، والعمّ جانب، والأخ جانب. والمراد هنا أبناء فاطمة رضي الله عنها وهم أحد أفراد العصبة. ولا يجوز أن يقال العصبة بضم العين وإسكان الصاد: لأن المراد بذلك الرجال ما بين العشرة والأربعين كما قاله الجوهريّ. وبنو فاطمة رضي الله عنها قد أربوا عن العدد في الشّرق والغرب. (جمال العلماء) من ألقاب أهل العلم. (جمال الفضلاء) من ألقاب أرباب الأقلام من العلماء والكتّاب، وربما قيل «جمال الفضلاء المفيدين» ونحو ذلك ويختصّ حينئذ بالعلماء. (جمال الكتّاب) من ألقاب كتّاب الإنشاء وغيرهم من الكتّاب. (جمال المملكة) من ألقاب الكتّاب. (جمال الورعين) من ألقاب الصّوفية وأهل الصّلاح. (جمال أهل الإفتاء) من ألقاب أكابر العلماء. (جلال الإسلام) من ألقاب أرباب الأقلام، ويصلح أن يكون لقبا لبعض

الملوك، وبه يكتب لإمام الزّيديّة باليمن، وربما قيل «جلال الإسلام والمسلمين» . (جلال الأصحاب) من ألقاب الوزراء، ومن في معناهم. (جلال الأكابر) من ألقاب أرباب الأقلام، وبه يكتب لناظر «1» الخاصّ. (جلال الحكّام) من ألقاب أكابر القضاة، والجلال في اللغة العظمة. (جلال العترة الطاهرة) من ألقاب الشرفاء، وبه يكتب لأميري مكة والمدينة المشرّفتين. (جلال العلماء في العالمين) من ألقاب أهل العلم، وربما قيل «جلال العلماء العاملين» ونحو ذلك. (جلال الكبراء) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام. (جلال الأسرة الزاهرة) من ألقاب الأشراف. والأسرة بضم الهمزة الرّهط، والمراد رهط بني هاشم، والزاخرة المضيئة، وبه سمّي الكوكب المعروف بالزّهرة. (جهبذ الحذّاق) من ألقاب الكتّاب، وربما قيل «جهبذ الحذّاق المتصرّفين» والجهبذ بفتح «2» الجيم وإسكان الهاء وفتح الموحدة النّقّاد للذّهب والفضّة، ولذلك يقال للصيرفيّ جهبذ، والمراد هنا أنه ينقد الأمور فيستخرج جيدها من رديئها كما يفعل الصيرفي.

حرف الحاء المهملة

حرف الحاء المهملة (حاكم الحكّام) من ألقاب قضاة القضاة. (حاكم أمور ولاة الزمان) من ألقاب أرباب السّيوف، وربما كتب به لبعض الملوك. (حافظ الأسرار) من ألقاب كاتب السرّ. (حجّة الأمة) من ألقاب قضاة القضاة وأكابر العلماء، والحجّة في اللغة البرهان ومنه قوله تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ «1» والأمّة في أصل اللغة الجماعة، والمراد هنا أمّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والمعنى أنه تقوم به الحجة لأهل الإسلام على غيرهم. (حجّة الأئمة) من ألقاب أكابر العلماء؛ والأئمة جمع إمام، وقد تقدّم أنه الذي يقتدى به. (حجّة البلغاء) من ألقاب أرباب الأقلام، وهو بالكتّاب أمسّ. (حجّة العرب) من ألقاب النّحاة واللّغويين ومن في معناهم، كأنهم يحتجّون به للغتهم. (حجّة المذاهب) من ألقاب أكابر العلماء، وربما قيل «حجّة المذهب» إذا أريد مذهبه خاصّة، وهو دون الأوّل. (حجّة المفتين) من ألقاب أكابر العلماء، والمراد بالمفتين من هم أهل للفتوى في الأحكام الشرعيّة. (حرز الإمام) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم من حفظة الأموال. والحرز في اللغة الموضع الحصين، والمراد بالإمام السلطان ومن في معناه. (حسام أمير المؤمنين) من ألقاب أرباب السيوف كنوّاب السلطنة

حرف الخاء المعجمة

ونحوهم. والحسام من أسماء السّيف، سمّي بذلك أخذا من الحسم، وهو القطع. (حسنة الأيّام) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام من الوزراء والقضاة ومن في معناهم. والحسنة خلاف السيئة، والمراد أنّ الأيام أحسنت بالامتنان به. وقد ذكر القاضي «شهاب الدين «1» بن فضل الله» في بعض دساتيره أنه يصلح لكل من له سلف في الكتابة، وهو بعيد المأخذ. (حكم الملوك والسلاطين) من ألقاب قضاة القضاة، والحكم بمعنى الحاكم. حرف الخاء المعجمة (خادم الحرمين الشريفين) من الألقاب السلطانية، والمراد حرم مكة المشرّفة، والمدينة النبويّة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسّلام والتحية والإكرام. (خالصة الدولة) من ألقاب الوزراء، والخالصة في اللغة بمعنى الخاصّة. يقال هذا لي خالصة يعني خاصّة. ومنه قوله تعالى: خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ «2» وعليه [حمل] قوله تعالى: وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي «3» . (خالصة الملوك والسلاطين) من ألقاب أرباب الأقلام. قال في «عرف

التعريف» : وهو في حقّ من لم يكن حاكما في مقام حكم الملوك والسلاطين لمن هو حاكم. (خالصة أمير المؤمنين) من ألقاب أرباب الأقلام. (خالصة الإمام) من ألقاب الصّوفيّة، وربما جعل من ألقاب العلماء أيضا، والمراد بالإمام الخليفة أو السلطان. (خالصة سلف الأنصار) من الألقاب التي يكتب بها لابن الأحمر «1» صاحب الأندلس؛ لأنه يذكر أنه من ذرّية «سعد بن عبادة» الأنصاريّ رضي الله عنه، ويصلح لكل من وافقه في ذلك، وكان الأحسن أن يقال: «خلاصة» بدل «خالصة» ، لما تقدّم من أن المراد بالخالصة الخاصّة. والمراد بالأنصار أنصار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهم الأوس والخزرج الذين هاجر إليهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة. (خطيب الخطباء) من ألقاب أكابر الخطباء، وربما كتب به لقضاة القضاة، إذا أضيف له خطابة جليلة، كخطابة جامع القلعة بالديار المصرية، وخطابة الجامع الأمويّ بدمشق. (خلف الأولياء) من ألقاب أولاد الصالحين. (خليفة الأئمة) من ألقاب الشّيعة، والمراد من يعتقدونه من الأئمة المعصومين كالإمامية ونحوهم. وبه يكتب لإمام الزيديّة باليمن. (خليل أمير المؤمنين) من ألقاب أولاد السلطان، وربما كتب به لبعض الملوك، والخليل بمعنى الصّديق. (خلاصة الخلافة المعظّمة) من ألقاب بعض الملوك، والخلاصة: الذي خلص من الثّفل «2» ونحوه. ويقال فيه خلاص أيضا بغير هاء.

حرف الدال المهملة

(خلاصة سلف القوم) من ألقاب الصّوفية وأهل الصّلاح، والقوم يختصّ في اللّغة بالرجال دون النساء قال تعالى: لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ «1» ثم قال: وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ «2» . (خيرة الإسلام) من ألقاب أهل الصّلاح فيما ذكره في «عرف التعريف» : ويصلح لأهل العلم أيضا. والخيرة الاسم من قولك: اختار فلان فلانا، والمراد أنّ الإسلام اختاره. حرف الدال المهملة (دليل المريدين إلى أوضح الطّرائق) من ألقاب مشايخ الصّوفيّة، والمراد بالمريدين طلّاب الطّريق إلى الله تعالى. (داعي الدّعاة بالبراهين الظاهرة إلى استعلام الحقائق) من ألقاب العلماء. حرف الذال المعجمة (ذخر الإسلام والمسلمين) من ألقاب الملوك، وبه يكتب لصاحب تونس وملك التّكرور «3» . والذّخر في اللغة مصدر ذخرت الشيء أذخره بفتح الخاء إذا جعلته دخيرة. (ذخر الأمّة) من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنوّاب السلطنة ونحوهم. (ذخر الدّولة) من ألقاب أرباب السيوف، وقد يقع في ألقاب الصّلحاء والعلماء. (ذخر الغزاة والمجاهدين) من ألقاب أرباب السيوف أيضا.

حرف الراء المهملة

(ذخر الطالبين) من ألقاب الصّلحاء والعلماء، والمراد طالبو الوصول إلى الحق أو نحو ذلك. (ذخر المسلمين) من ألقاب الملوك، وبه يكتب لإمام الزيديّة باليمن فيما ذكره في «التعريف» . (ذخر الملّة) من ألقاب أرباب السيوف، وقد تقدّم معنى الملّة. (ذخر الممالك) من ألقاب بعض الملوك. وربّما قيل ذخر المملكة. (ذخر الموحّدين) من ألقاب أكابر أرباب السيوف كالنائب الكافل ونحوه، وجعله في «عرف التعريف» خاصّا بالكافل دون غيره. (ذخر أمير المؤمنين) من ألقاب الملوك، وهو دون خليل أمير المؤمنين. حرف الراء المهملة (رأس البلغاء) من ألقاب أكابر كتّاب الإنشاء ككاتب السّرّ ومن يجري مجراه. (رأس الصّدور) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام في الجملة من أهل العلم والكتّاب ومن يجري مجراهم. والمراد رأس صدور المجالس. (رأس العلياء) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام من العلماء والوزراء ومن في معناهم، ويصلح لكلّ عليّ القدر في الجملة، وبه يكتب إلى إمام الزّيديّة باليمن. (رحلة الحفّاظ) من ألقاب المحدّثين، وقد تقدّم أن الرّحلة بضم الراء ما يرحل إليه، والحفّاظ جمع حافظ، والمراد حفظ الحديث. (رحلة القاصدين) من ألقاب كبار أرباب الأقلام، وهو بأهل الكرم والجود أخصّ، والمراد من يقصد بالتّرحال إليه. (رحلة المحصّلين) من ألقاب العلماء، والمراد من يرحل إليه لتحصيل

العلم بالأخذ عنه. (رحلة الوقت) من ألقاب العلماء والمراد من انفرد في الوقت بالرحيل إليه لأخذ العلم عنه. (رضيّ الدولة) من ألقاب الكتّاب، والمراد من يرضيه أعيان الدولة بالتقريب. ثم الظاهر أنه بكسر الضاد بمعنى مرضيّ عند أعيان أهل الدولة. ويجوز أن يكون بفتح الضاد على جعله هو نفس الرّضا تجوّزا. (رضيّ أمير المؤمنين) من ألقاب أرباب الأقلام. والكلام فيه كالكلام في الذي قبله. (ركن الإسلام والمسلمين) من ألقاب أكابر أرباب السيوف. وبه كان يكتب للنائب الكافل على ما هو مذكور في «التعريف» والرّكن واحد الأركان وهو معروف. (ركن الأمّة) من ألقاب الملوك، وبه يكتب لملك التكرور «1» . (ركن الملوك والسلاطين) من الألقاب الملوكيّة وما في معنى ذلك من أرباب السيوف. ونقل في «التثقيف» أنه كتب به لبعض مشايخ التصوّف ثم أنكره وقال: الأولى أن يكون بدله (بركة الملوك والسلاطين) وما ذكره واضح. على أنه في «عرف التعريف» قد أورده في ألقاب الصلحاء، وكأنهم راعوا في ذلك أنه ركن لهم من حيث البركة والدعاء إلا أن الأوّل أظهر. (ركن الأولياء) من ألقاب أهل الصلاح على أن المراد أولياء الله تعالى ويجوز أن يكون من ألقاب أرباب السيوف وأرباب الأقلام أيضا على معنى أن المراد أولياء الدولة.

حرف الزاي المعجمة

(رئيس الكبراء) من ألقاب الوزراء من أرباب الأقلام ومن في معناهم. وأهل الشأم يستعملونه في أرباب الأقلام من قضاة القضاة ونحوهم، وقد تقدّم «1» المراد بالصاحب في الكلام على الألقاب المفردة. حرف الزاي المعجمة (زعيم الجنود) من ألقاب أكابر أرباب السّيوف كالنائب الكافل، والزّعيم الكفيل. والمراد هنا التكفّل بالجنود والقيام بأمرها. ويجوز أن يكون بمعنى السيّد، يقال لسيّد القوم زعيمهم، والأوّل أليق بالمقام، والجنود جمع جند، وهم الأعوان على ما تقدّم. (زعيم الجيوش) من ألقاب أكابر أرباب السّيوف كنوّاب السلطنة ونحوهم، والجيوش جمع جيش، وهو العسكر. (زعيم الموحّدين) من ألقاب صاحب تونس على تخصيص الموحّدين، والمراد بالموحّدين فيه أتباع المهدي «2» بن تومرت الذين من بقاياهم ملوك تونس. كان المهديّ المذكور قد سمّاهم الموحّدين تعريضا بذمّ من كان قبله ببلاد المغرب ممن يدّعي التجسيم على ما سيأتي ذكره في الكلام على مكاتبة صاحب تونس في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى. ويجوز أن يراد بالموحّدين هنا عامة أهل الإيمان ويكون المراد بالموحدّين جميع المؤمنين. ويصح وقوع هذا اللقب حينئذ على غير صاحب تونس من الملوك ونحوهم، ولذلك يكتب به

لملك التّكرور على ما ذكره في «التعريف» . (زعيم المؤمنين) من الألقاب التي يكتب بها لإمام الزيديّة باليمن. ويصحّ وقوعه على غيره من ملوك المسلمين أيضا كما في «زعيم الموحّدين» إذا جعل عامّا في حق كل موحّد على ما تقدّم بيانه. (زعيم جيوش الموحّدين) من ألقاب أكابر أرباب السيوف، كنائب السلطنة بحلب، وبه يكتب لصاحب حصن كيفا «1» فيما ذكره في «التعريف» . (زين الإسلام والمسلمين) من ألقاب أرباب الأقلام، والزّين في اللغة نقيض الشّين. (زين الأعيان) من ألقاب أرباب الأقلام، والأعيان جمع عين، وقد تقدّم الكلام عليه. (زين الأكابر) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة ومن في معناهم. (زين الأنام) من ألقاب صغار أرباب السيوف، وربما كتب به لغيرهم. (زين الأئمة) من ألقاب العلماء، وربما قيل «زين الأئمة العلماء» . (زين البلغاء) من ألقاب الكتّاب ونحوهم. (زين الحكّام) من ألقاب القضاة. (زين الذّوائب الهاشميّة) من ألقاب الشرفاء، والذّوائب بالذال المعجمة جمع ذؤابة بالهمز، وهي ما يرخى من الشّعر. قال الجوهريّ: وكان الأصل ذائب [لأن الألف التي في ذؤابة] «2» كالألف التي في رسالة، حقّها أن تبدل

حرف السين المهملة

منها همزة في الجمع، ولكنهم استثقلوا أن تقع ألف الجمع بين الهمزتين فأبدلوا من الأولى واوا. وإنما اختصّ هذا اللقب بالشّرفاء لأنهم من صميم عرب الحجاز، وعادة عرب الحجاز إرخاء الرجال الذّوائب. (زين الزّهّاد) من ألقاب الصّوفيّة وأهل الصلاح. (زين العبّاد) من ألقاب أهل الصّلاح أيضا. (زين العترة الطاهرة) من ألقاب الشّرفاء، وبه يكتب لأميري مكة والمدينة. وقد تقدّم معنى العترة. (زين الكتّاب) من ألقاب كتّاب الإنشاء وغيره. (زين المجاهدين) من ألقاب أرباب السيوف، وربما قيل «زين الأمراء المجاهدين» وربما كتب به لبعض صغار الملوك، كصاحب ذنقلة «1» ونحوه. (زين المنشئين) رأيته في بعض الدساتير الشاميّة في ألقاب الكتّاب ونحوهم، وهو صالح لكل حدث مترقّ في العلوّ. حرف السين المهملة (سداد الثّغور) من ألقاب الوزراء، وهو بكسر السين وتخفيف الدال بعدها، بمعنى أنه الذي تسدّ به الثّغور، أخذا من سداد القارورة، وهو ما يسدّ به فمها، ومنه قول الشاعر «2» : (وافر) أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر!

ويحكى أنّ المأمون نطق بمثل ذلك بفتح «1» السين بحضرة النضر «2» بن شميل فردّه عليه فأمر له بثمانين ألف درهم، فكان النضر يفتخر بذلك ويقول: أخذت بإفادة حرف واحد ثمانين ألف درهم. (سفير الأمة) من ألقاب الدّوادار وكاتب السرّ، وقد تقدّم معنى السّفير. (سفير الدولة) من ألقاب المذكورين. (سفير الممالك) من ألقاب من تقدّم، وربما قيل «سفير المملكة» . (سفير الملوك والسلاطين) كذلك. (سلطان الإسلام والمسلمين) من ألقاب السلطانية. (سلطان الأوان) من الألقاب السلطانية الجليلة. (سلطان البسيطة) من الألقاب السلطانية، والبسيطة الأرض أخذا من البسطة، وهي السّعة ومنه قيل: تبسّط فلان في البلاد إذا سار فيها طولا وعرضا. (سلطان العرب والعجم والتّرك) من الألقاب السلطانية أيضا. وهو غير محرّر الوضع لأن العجم في اللغة يقع على من عدا العرب في الجملة ولا يختص بالفرس على ما هو المعروف بين العامة وهو مقصودهم هنا، فالتّرك من جملة العجم فكان يكفي أن يقال سلطان العرب والعجم، وإنما حملهم على ذلك زيادة الإطراء والمدح. (سليل الأطهار) من ألقاب الشّرفاء، والسّليل الولد، والمراد بالأطهار المبرّؤون عن الأدناس.

(سليل الأكابر) من ألقاب أولاد الأكابر والرؤساء. (سليل الطيّبين) من ألقاب أرباب الأقلام من ذوي الأصالة. (سليل الملوك والسلاطين) من ألقاب أولاد الملوك ومن مضى له سلف في الملك. (سيد الأمراء المقدّمين) من ألقاب الأمراء مقدّمي الألوف، في الرتبة المتوسطة. (سيّد الأمراء في العالمين) من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنوّاب السلطنة ونحوهم، وربما كتب به لبعض الملوك عن الأبواب السلطانية. (سيّد الرؤساء في العالمين) من ألقاب أكابر أصحاب الأقلام ككاتب السّر ونحوه. (سيد العلماء والحكّام في العالمين) من ألقاب القضاة. (سيّد الكبراء في العالمين) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام كناظر الخاصّ ونحوه. (سيد الوزراء في العالمين) من الألقاب الخاصّة بالوزراء. (سيّد أمراء العالمين) من ألقاب النّواب المتوسطين. (سيف الإسلام والمسلمين) من ألقاب أرباب السيوف، وربما كتب به لبعض الملوك. (سيف الحقّ) من ألقاب العلماء وأهل النّظر. (سيف الخلافة) من الألقاب الملوكية، وبه يكتب لملك التّكرور. (سيف المناظرين) من ألقاب العلماء، والمراد بالمناظرين أهل البحث والجدل، أخذا من النّظر وهو الفكر المؤدّي إلى الدّليل. (سيف النّظر) بمعناه أيضا. (سيف أمير المؤمنين) من ألقاب أرباب السيوف كنوّاب السلطنة، وهو في الرّتبة المتوسطة.

حرف الشين المعجمة

(سيف جماعة الشاكرين) من الألقاب الخاصّة بصاحب تونس، وهذا اللّقب رأيته واردا في «التثقيف» ولم أعرف له معنى؛ وسألت «قاضي القضاة وليّ الدين بن خلدون» هل يعرف لذلك معنى؟ فقال: لا. حرف الشين المعجمة (شرف الأصفياء المقرّبين) من ألقاب كبار التّجّار الخواجكيّة. (شرف الدّول) من ألقاب بعض الملوك، ويصلح لغير الملوك أيضا. (شرف الأمراء في العالمين) من ألقاب أرباب السيوف، وربما قيل شرف الأمراء الأشراف في العالمين إذا كان شريفا، أو شرف الأمراء العربان في العالمين إذا كان غير «1» أمير عرب، وربما قيل «شرف الأمراء المقدّمين» إذا كان مقدّم ألف، وقد يقتصر على شرف الأمراء فقط. (شرف الرّؤساء في العالمين) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام كوزير الشأم ونحوه، وربما اقتصر على «شرف الرؤساء» ويكون من ألقاب التجّار الخواجكيّة ونحوهم. (شرف الصّلحاء في العالمين) من ألقاب أهل الصّلاح. (شرف العلماء العاملين) من ألقاب أكابر العلماء كقضاة القضاة ونحوهم، وربما قيل «شرف العلماء في العالمين» . (شرف الكتّاب في العالمين) من الألقاب الكتابية. (شرف الملوك والسلاطين) من الألقاب الملوكية. (شمس الأفق) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام، وهو بالعلماء أليق، لأن بهم يحصل النّور كما يحصل بالشمس. وهو ما يتخيّل انطباق السماء على الأرض بالنظر في كل ناحية فيه. وأصل الأفق الناحية ومنه قيل للنّواحي آفاق، وإنما

حرف الصاد المهملة

خصّ الشمس هنا بالإضافة للأفق لأنها عند مطلعها تكون في النظر أعظم صورة. (شمس الشّريعة) من ألقاب أكابر العلماء، والمراد بالشريعة هنا شريعة الإسلام، استعيرت الشمس لها لمشابهتها لها في النّور. (شمس العصر) من ألقاب العلماء والصّلحاء ونحوهم. (شمس المذاهب) من ألقاب العلماء الأكابر، والمذاهب جمع مذهب، وهو ما يذهب إليه المجتهد، وأصله في اللغة لموضع الذّهاب. (شيخ المشايخ) من ألقاب العلماء وأهل الصّلاح، وربما قيل «شيخ شيوخ الإسلام» . (شيخ الملوك والسلاطين) من ألقاب المسنّين من الملوك. وهذا اللقب رأيته في كتاب وقف عن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيّوب، بعث به نجم الدين أيوب والد السلطان صلاح الدين يوسف. (شيخ شيوخ العارفين) من ألقاب الصّوفية وأهل الصلاح، ومرادهم بالعارفين العارفون بالله تعالى. حرف الصاد المهملة (صالح الأولياء) من ألقاب إمام الزيديّة باليمن، ويصلح لأهل الصلاح أيضا. (صدر المدرّسين) من ألقاب العلماء. (صدر مصر والشام) من ألقاب أكابر العلماء كقضاة القضاة ونحوهم، وإنما خصّ هذان القطران بالذكر لكثرة علمائهما، وربما قيل «صدر مصر والعراق والشام» وربما اقتصر على صدر الشام فقط إذا كان برسم وظيفة في الشأم ونحو ذلك.

حرف الضاد المعجمة

(صفوة الدّولة) من ألقاب من في معنى الوزراء كناظر الخاصّ ونحوه. (صفوة الصّلحاء) من ألقاب أهل الصّلاح. (صفوة الأتقياء) من ألقاب الصّلحاء أيضا. (صفوة الملوك والسلاطين) من ألقاب أرباب الأقلام كناظر الشام «1» ونحوه، وربما كتب به للتّجّار الخواجكيّة. (صلاح الإسلام) من ألقاب الصّوفيّة والعلماء. (صلاح الإسلام والمسلمين) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام، كالوزراء ومن في معناهم. (صلاح الدول) من ألقاب بعض الملوك، وبه يكتب لصاحب تونس. ويصلح أيضا لأكابر أرباب الأقلام من الوزراء وغيرهم. (صلاح الملّة) من ألقاب العلماء والصلحاء. حرف الضاد المعجمة (ضياء الإسلام) من ألقاب العلماء والصّلحاء، وربما قيل «ضياء الإسلام والمسلمين» والضّياء خلاف الظّلام، وهو مخصوص بما كان مضيئا لذاته، بخلاف النور فإنه يقع على ما هو مكتسب النّور، ولذلك قال تعالى: جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً «2» فخصّ الضياء بالشمس لأنّ نورها لذاتها، والنور بالقمر لأن نوره مكتسب من الشمس، على ما هو مقرّر في علم الهيئة. (ضياء الأنام) من ألقاب من تقدّم ذكره.

حرف الطاء المهملة

حرف الطاء المهملة (طراز العصابة العلويّة) من ألقاب الأشراف كأميري مكة والمدينة المشرّفتين. والطّراز «1» في أصل اللغة علم الثوب. قال الجوهريّ: وهو فارسيّ معرّب، كأن صاحب اللقب جعل علما لتلك الطائفة كما جعل الطّراز علما للثوب. حرف الظاء المعجمة (ظلّ الله في أرضه) من الألقاب السلطانية، والظل ما يحصل عن الشاخص في ضوء الشمس، والمراد أن الخلق يستظلّون بالسلطان من حرّ الجور كما يستظلّ المستظلّ بظلّ الشجرة ونحوها من حرّ الشمس. وقال ابن قتيبة في «أدب الكاتب» أصل الظّلّ السّتر ومنه قولهم: أنا في ظلّك أي في سترك، ثم اسم الظلّ مخصوص بما قبل الزوال؛ أما بعد الزوال فإنه يسمّى فيئا لأنه يرجع من جهة الغرب إلى جهة الشرق أخذا من قولهم فاء إذا رجع. (ظهير الملوك والسلاطين) من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنوّاب السلطنة. (ظهير أمير المؤمنين) من ألقاب أرباب السيوف أيضا، وربما كتب به لبعض الملوك كصاحب الأندلس ونحوه. (ظهير الإمامة) من ألقاب بعض الملوك، وبه يكتب إلى صاحب التّكرور.

حرف العين المهملة

حرف العين المهملة (عاقد البنود) من ألقاب النائب الكافل ونحوه، والعاقد فاعل من العقد نقيض الحلّ، والبنود جمع بند- بفتح الباء وإسكان النون- وهو العلم الكبير. قال الجوهريّ: وهو فارسيّ معرب. (عزّ الإسلام) من ألقاب بعض الملوك، وبه يكتب إلى ملك التّكرور. (عزّ الإسلام والمسلمين) من ألقاب الرّتبة الوسطى من نوّاب السلطنة ومن في معناهم، وربما كتب به لبعض الملوك. (عدّة الدنيا والدّين) من ألقاب الملوك، وبه يكتب لصاحب تونس. والعدّة بالضم في اللغة ما أعددته لحوادث الدهر من المال والسلاح ونحو ذلك وهو المراد هنا، وربما أطلق على نفس الاستعداد. (عدّة الملوك والسلاطين) من ألقاب أصاغر أرباب السيوف. (عضد الملوك والسلاطين) من ألقاب متوسّطي أرباب السيوف، وقد تقدّم «1» أن أصل العضد لما بين الساعد والكتف. (عضد أمير المؤمنين) من ألقاب أكابر أرباب السيوف من نوّاب السلطنة وغيرهم. وربما كتب به إلى بعض الملوك كملك التّكرور. (علم الدولة) من ألقاب الأمراء والوزراء ومن في معناهم. وقد تقدّم معنى العلم ومعنى الدولة. (علم الزّهّاد) من ألقاب الصّوفيّة وأهل الصّلاح، وقد تقدّم أن المراد بالعلم الراية وبالزّهد الإقلاع عن الدنيا. (علم العلماء الأعلام) من ألقاب أكابر أهل العلم، وربما قيل «علم

المفسّرين» أو «علم النّحاة» ونحو ذلك. (علم الهداة) من ألقاب إمام الزيديّة باليمن، ويصلح لأكابر العلماء والصلحاء. والهداة جمع هاد، وهو المرشد. (علم الأعلام) من ألقاب العلماء والصلحاء، ويصلح لأرباب السيوف أيضا. (عماد الحكّام) من ألقاب أكابر القضاة، وربما قيل «عماد الحكّام البارعين» أو «عماد الحكّام في العالمين» ونحو ذلك. وأصل العماد في اللغة الأبنية الرفيعة، واحدها عمادة، ومنه قيل: فلان طويل «1» العماد كأنّ بناءه بالارتفاع صار علما لزائريه. (عماد العرب) من ألقاب أكابر أمراء العربان، كأمير آل فضل ونحوه. (عماد الدّولة) من ألقاب الأمراء وأكابر الوزراء ونحوهم. (عماد الملّة) كذلك. (عماد المملكة) نحوه، وهو دونه في الرّتبة. (عماد المحدّثين) من ألقاب علماء الحديث النبويّ على صاحبه أفضل الصلاة والسّلام، وبه يكتب لقضاة القضاة ومن في معناهم. (عمدة الملوك والسلاطين) من ألقاب صغار أرباب السيوف، وهو دون عدّة الملوك والسلاطين والعمدة في اللغة ما يعتمد عليه. (عون العساكر) من ألقاب ناظر الجيش ونحوه، والعون في اللغة الظّهير والمعاون. (عون جيوش الموحّدين) من ألقاب بعض الملوك، وبه يكتب لملك

حرف الغين المعجمة

التّكرور، ويصلح لكبار أرباب السيوف من أهل المملكة أيضا. (علاء الإسلام والمسلمين) من ألقاب العلماء والصلحاء ويصلح لأرباب السيوف أيضا. والعلاء بالفتح والمدّ مصدر علا في الشرف ونحوه يعلى بفتح اللام. (عين المملكة) من ألقاب أرباب الأقلام ونحوهم. (عين الأعيان) نحوه. حرف الغين المعجمة (غرّة الزمان) من ألقاب أرباب الأقلام، والغرّة في أصل اللغة بياض في جبهة الفرس فوق الدّرهم، شبّه بالغرّة في وجه الفرس لظهورها وتحسين الفرس بها. (غوث الأنام) من ألقاب أكابر أرباب السيوف كالنائب الكافل ونحوه وقد تقدّم معنى الغوث. (غياث الأنام) من ألقاب أكابر الملوك كصاحب الهند ونحوه. وقد تقدّم «1» معنى الغياث. (غياث الأمّة) نحوه. حرف الفاء (فاتح الأقطار) من الألقاب السلطانية، والفاتح فاعل من الفتح وهو معروف، والأقطار جمع قطر، وهو الناحية والجانب، والمراد نواحي الممالك. (فارس المسلمين) من ألقاب أكابر أرباب السيوف، ذكره ابن شيث من كتّاب الدولة الأيّوبية في «معالم الكتابة» .

(فخر الأنام) من ألقاب أرباب الأقلام، ويجوز أن يكون من ألقاب أرباب السيوف أيضا. (فخر الأسرة الزاهرة) من ألقاب الشرفاء كأميري مكة والمدينة المشرّفتين، وأسرة الرجل بضم الهمزة رهطه. (فخر الأعيان) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة، ويصلح لغيرهم من الرّؤساء أيضا. (فخر الرّؤساء) من ألقاب التجّار الخواجكيّة. (فخر السّلالة الزاهرة) من ألقاب الأشراف، كأميري مكة والمدينة المشرّفتين، والسّلالة الزاهرة تقدّم الكلام على معناها. (فخر الصّدور) من ألقاب أرباب الأقلام، وربما كتب به للتّجّار الخواجكيّة. (فخر الصّلحاء) من ألقاب الصّوفيّة وأهل الصّلاح. (فخر العبّاد) من ألقاب أهل الصّلاح أيضا. (فخر المجاهدين) من ألقاب أرباب السيوف. (فخر المحدّثين) من ألقاب أصحاب الحديث. (فخر المدرّسين) من ألقاب العلماء، وبه يكتب لقضاة القضاة ونحوهم. (فخر المفيدين) من ألقاب العلماء أيضا. (فخر الملوك والسلاطين) من ألقاب بعض الملوك. (فخر الشّجرة الزكيّة) من ألقاب الشرفاء، والمراد شجرة نسبهم الشريف. (فخر النّسب العلويّ) من ألقاب الشرفاء أيضا، وبه يكتب لإمام الزيديّة باليمن.

حرف القاف

(فرد السالكين) من ألقاب أهل الصلاح. (فرد الزمان) من ألقاب العلماء والصلحاء. (فرد الوجود) من ألقاب العلماء وأهل الصلاح. (فرد الشّجرة الزّكيّة) من ألقاب الشرفاء. حرف القاف (قامع البدعة) من ألقاب أكابر العلماء، وربما قيل «قامع البدع» وقد يقال «قامع البدع ومخفي أهلها» والقامع فاعل من قمعه إذا ضربه بالمقمعة، وهي محجن من حديد يضرب به على رأس الفيل، والبدعة واحدة البدع، وهي خلاف السّنّة النبويّة وما عليه الجماعة. (قدوة الأولياء) من ألقاب أهل الصلاح. (قدوة البارعين) من ألقاب أرباب الأقلام، وهو بالكتّاب أليق، والبارع الماهر. (قدوة البلغاء) من ألقاب أرباب الأقلام. وهو بكتّاب الإنشاء ومن في معناهم أخصّ. (قدوة الخلف) من ألقاب العلماء وأهل الصلاح، والخلف في اللغة الذي يجيء بعد غيره ويقوم مقامه؛ والمراد خلف من سلف من علماء الأمة أو صالحيها. (قدوة العبّاد) من ألقاب أهل الصلاح، وربما قيل «قدوة العبّاد والزّهّاد» أو نحو ذلك. (قدوة العلماء) من ألقاب أكابر أهل العلم، وربما قيل «قدوة العلماء العاملين» ونحو ذلك. (قدوة الفرق) من ألقاب العلماء، والمراد فرق أهل الحقّ من أرباب المذاهب والعقائد الصحيحة، والفرق جمع فرقة.

(قدوة الفضلاء) من ألقاب أكابر العلماء، والفضلاء جمع فاضل، وهو خلاف الناقص. (قدوة الكتّاب) من ألقاب أكابر الكتّاب كالوزراء من أرباب الأقلام ومن في معناهم من كاتب السرّ ونحوه. (قدوة المجتهدين) من ألقاب كبار العلماء، وقد تقدّم في الألقاب أنّ الاجتهاد عبارة عن استنباط الأحكام الشرعية من الكتاب والسّنّة والإجماع والقياس. (قدوة المحقّقين) من ألقاب أكابر العلماء، وقد تقدّم معنى التحقيق. (قدوة المسلّكين) من ألقاب الصّوفيّة وأهل الصّلاح، والمراد بالمسلّكين المعرّفون الطريق إلى الله تعالى كما تقدّم بيانه. (قدوة المشتغلين) من ألقاب أهل العلم، والمراد الاشتغال بالعلم. (قدوة الموحّدين) من الألقاب الخاصّة بصاحب تونس؛ لوقوع الموحّدين في اصطلاحهم على أتباع المهديّ «1» بن تومرت؛ وصاحب تونس الآن من بقاياهم كما تقدّم. (قسيم أمير المؤمنين) من الألقاب السلطانية، وهو فعيل بمعنى فاعل فيكون معناه يقاسم أمير المؤمنين، والمراد مقاسمته الأمر. (قطب الزهّاد) من ألقاب أهل الصلاح؛ والقطب «2» تقدّم معناه. (قطب الأولياء) من ألقابهم أيضا، والأولياء جمع وليّ، وهو خلاف العدوّ، والمراد أولياء الله تعالى. (قوام الأمة) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم، والقوام بالكسر نظام

حرف الكاف

الشيء وعماده وملاكه؛ يقال فلان قوام أهل بيته، ومنه قوام الأمر بمعنى نظامه. (قوام الجمهور) قال في «عرف التعريف» : هو من ألقاب الوزراء؛ والجمهور من الناس جلّهم، أخذا من الجمهور، وهي الرملة المجتمعة المشرفة على ما حولها. (قوام الدّولة) من ألقاب الكتّاب وهو بالكسر أيضا. (قوام المصالح) من ألقاب أكابر الكتّاب من الوزراء ومن في معناهم، وهو بالكسر أيضا، والمصالح جمع مصلحة، وهي خلاف المفسدة. (قوام الإسلام) من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح، وهو بالكسر كالذي قبله. حرف الكاف (كافل السّلطنة) من ألقاب كبار النّواب كنائب دمشق، وقد تقدّم معنى الكافل في الكلام على ألقاب أرباب الوظائف. (كافل الممالك الإسلاميّة) من ألقاب النائب الكافل: وهو النائب بحضرة السلطان. (كافي الدّولة) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم، والكافي اسم فاعل من الكفاية. (كنز التّقى) من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح، والكنز في أصل اللغة المال المدفون، استعير لصاحب اللّقب لأنه كالشيء المكنوز لذلك الباب. (كنز الطالبين) من ألقاب العلماء. (كنز العلماء) من ألقاب أهل العلم وربما قيل «كنز المفسّرين» أو «كنز المتفقّهين» ونحو ذلك. (كنز المسلّكين) من ألقاب الصوفيّة وأهل الصّلاح.

حرف اللام

(كهف الأسرة الزاهرة) من ألقاب الشرفاء، والكهف الملجأ، ومنه قولهم: فلان كهف. والأصل في الكهف البيت المنقور في الجبل ويجمع على كهوف؛ وقد تقدّم الكلام على الأسرة والزاهرة. (كهف الكتّاب) من ألقاب أكابر الكتّاب كالوزير من أرباب الأقلام وكاتب السرّ ومن في معناهم. (كهف الملّة) من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنوّاب السلطنة ونحوهم. (كوكب الأسرة الزاهرة) من ألقاب الأشراف كأميري مكة والمدينة المشرّفتين والكوكب واحد الكواكب، وهو يقع على النّجوم والشمس والقمر. (كوكب الذّرّيّة) من ألقاب الشرفاء أيضا، والمراد الذّرّية العلويّة. حرف اللام (لسان الحقيقة) من ألقاب الصوفية، واللسان هنا جارحة الكلام، والحقيقة خلاف المجاز، وهي في الأصل عين الحق، والمراد هنا معرفة الأمر على ما هو عليه. (لسان الحفّاظ) من ألقاب المحدّثين والوعّاظ، والمراد المتكلم عنهم، يقال: فلان لسان القوم إذا كان متكلّما عنهم، ويجوز أن يكون المراد اللسان الذي هو جارحة الكلام ويكون المعنى آلتهم للكلام كما أن اللسان آلة الكلام للمتكلّم، ويجوز أن يكون من اللسان بمعنى اللّغة، كما في قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ «1» ويكون المعنى أنه المترجم عنهم والمتكلّم بلغاتهم المختلفة. (لسان الدّولة) من ألقاب كاتب السرّ ومن في معناه، واللسان فيه يحتمل المعنيين.

حرف الميم

(لسان السلطنة) من ألقاب كاتب السرّ. (لسان المتكلّمين) من ألقاب العلماء، والمتكلّمون يجوز أن يراد بهم كلّ متكلم في الجملة تعميما للمدح؛ ويجوز أن يراد العلماء بعلم الكلام وهو أصول الدّين، لأن أصحابه هم أرباب النظر الدّقيق والبحث لدقّة متعلّقه، وهو الظاهر. (لسان الممالك) من ألقاب كتّاب السرّ، والممالك جمع مملكة، وهي «1» موضع الملك، والمعنى أنه يتكلم بلسان ملوك الممالك. (لسان ملوك الأمصار) من ألقاب كاتب السرّ. حرف الميم (مالك زمام الأدب) من ألقاب البلغاء من الكتّاب ونحوهم، ويصلح لكاتب السرّ ومن في معناه. (مانح الممالك والأقاليم والأمصار) من الألقاب السلطانية، والمانح المعطي، والممالك تقدّم بيانها، والأقاليم جمع إقليم وله معنيان أحدهما واحد الأقاليم السبعة التي تسمّيها الحكماء، ممتدّة في طول الأرض ما بين المغرب والمشرق، والثاني الواحد من الأقاليم العرفيّة، كمصر والشام والعراق وما أشبه ذلك وقد مرّ القول فيهما. (متعمّد المصالح) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم، والمراد بالمتعمّد المتقصّد. (مجد الإسلام) من ألقاب صغار أرباب السيوف. (مجد الإسلام والمسلمين) من ألقاب متوسطيهم. (مجد الأمراء) من ألقاب أصاغر أرباب السيوف كأمراء العشرين ونحوهم.

(مجد الرّؤساء) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة. (مجلّي الغياهب) من ألقاب أكابر العلماء، والمجلّي بالتشديد الكاشف؛ يقال: جلا الأمر إذا أوضحه وكشفه، ومنه جلوت السيف ونحوه إذا كشفته من الصّدإ؛ والغياهب جمع غيهب، وهو الظّلمة الشديدة، يقال: فرس أدهم غيهب إذا اشتدّ سواده. (مجد الصّدور) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة. (مجمّل الأمصار) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام، والمجمّل فاعل الجمال، والأمصار جمع مصر، وهو الإقليم. (مجهد نفسه في رضا مولاه) من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح [والمراد به] المعمل نفسه للغاية. يقال: اجهد جهدك في هذا الأمر أي أبلغ غايتك، والمراد بالمولى هنا الخالق سبحانه وتعالى. (محيي السّنّة) من ألقاب العلماء والصلحاء. (محيي العدل في العالمين) من الألقاب السلطانية. (مدبّر الجيوش) من ألقاب ناظر الجيش. (مدبّر الممالك) من ألقاب الوزراء، وربما قيل «مدبّر الدولة» والمدبّر فاعل التدبير، وقد تقدّم معناه في الكلام على المدبّريّ في جملة الألقاب المفردة. (مدبّر أمور السلطنة) من ألقاب الوزراء وكتّاب السّرّ وغيرهم. (مذكّر القلوب) من ألقاب الخطباء والوعّاظ، والمذكّر فاعل التذكير، وهو الأخذ بالذكرى، ومنه قوله تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ «1» . (مذلّ البدعة) من ألقاب علماء السنة، والمذلّ نقيض المعزّ. (مذلّ حزب الشيطان) من ألقاب العلماء والصلحاء، والحزب الطائفة،

وحزب الرجل أصحابه. (مربّي المريدين) من ألقاب الصلحاء. (مرتّب الجيوش) من ألقاب ناظر الجيش. (مرتضى الدولة) من ألقاب الكتّاب، والمرتضى بمعنى المرضيّ المقبول. (مرتضى الملوك والسلاطين) من ألقاب أرباب السيوف والأقلام جميعا. (مستخدم أرباب الطّبل والعلم) من ألقاب النائب الكافل ونحوه. (مشيّد الممالك) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم، والمشيّد فاعل التشييد، وهو رفع البناء. (مشير الدّولة) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم، والمشير الذي يشير على غيره بالرأي. (مشير السلطنة) مثله. (مشير الملوك والسلاطين) مثله. (مظهر أنباء الشريعة) من ألقاب العلماء، وهو بضم الميم وإسكان الظاء على أنه فاعل من الظّهور «1» ، والأنباء جمع نبأ، وهو الخبر، والمراد أنه يظهر أخبار الشريعة ويذيعها، ويجوز أن يكون بفتح الميم على أنه هو نفس المظهر وهو أبلغ. (معزّ الإسلام والمسلمين) من ألقاب النائب الكافل ومن في معناه. (معزّ السّنّة) من ألقاب العلماء، والسّنّة خلاف البدعة. (معين الحقّ وناصره) من ألقاب الحكّام من أرباب السيوف وغيرهم. (مفتي المسلمين) من ألقاب العلماء. (مفيد البلغاء) من ألقاب أهل البلاغة من الكتّاب وغيرهم.

(مفيد الطالبين) من ألقاب العلماء. (مفيد المناحج) من ألقاب الوزراء، والمناجح جمع منجح أخذا من لنجاح وهو الظّفر بالحوائج. (مفيد أهل مصر والعراق والشام) من ألقاب العلماء. (مفيد كلّ غاد ورائح) من ألقابهم أيضا. (مقرّب الحضرتين) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة إذا كان متردّدا بين مملكتين. (مقرّب الدّول) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة، وهو أعمّ من الأوّل. (ملجأ الفقراء والمساكين) من ألقاب النائب الكافل ونائب الشأم على ما استقرّ عليه الحال آخرا. (ملجأ المريدين) من ألقاب الصوفيّة وأهل الصلاح. (ملك البحرين) من الألقاب السلطانية، والمراد بحر الرّوم وبحر القلزم، لأنهما يتقاربان بين مصر والشام على القرب من العريش. (ملك البلغاء) من ألقاب أهل البلاغة من الكتّاب وغيرهم. (مملّك الممالك والتّخوت والتّيجان) من الألقاب السلطانية أيضا، والمراد بالتّخوت هنا تخوت الملك، يريد أنه مملّك الملوك من تحت يده. (ممهّد الدّول) من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنوّاب السلطنة ونحوهم، وربما كتب به لبعض الملوك أيضا، وقد تقدّم الكلام على التمهيد عند الكلام على الممهّديّ في جملة الألقاب المفردة. (منبّه الخواطر) من ألقاب الخطباء والوعّاظ، والمنبّه الموقظ، والخواطر جمع خاطر. (منجد الملوك والسلاطين) من ألقاب النائب الكافل، وبه يكتب لإمام الزيديّة باليمن. والمنجد المعين أخذا من قولهم: استنجدني فلان فأنجدته أي استعان بي فأعنته.

حرف النون

(منشي العلماء والمفتين) من ألقاب أكابر العلماء. (منصف المظلومين من الظالمين) من الألقاب السلطانية. (مورد الجود) من ألقاب الكرماء. (موصّل السالكين) من ألقاب الصوفية والصّلحاء. (موضّح الطّريقة) من ألقاب الصوفيّة والصلحاء أيضا، وربما قيل «موضّح الطّرائق» وقد تقدّم أن المراد الطريق إلى الله تعالى. (مولي الإحسان) من الألقاب السلطانية، والمراد بالمولي المنيل. (مؤمّن الأرض المحيطة) من الألقاب السلطانية أيضا، وكأنهم يريدون الأرض المحيطة لاتساعها، ويكون المراد أرض المملكة، وإلّا فالأرض محوطة من حيث استدارة الماء عليها لا محيطة بغيرها. (ملاذ الطالبين) من ألقاب العلماء والصلحاء، والمراد الملجأ. (ملاذ العبّاد) من ألقاب الصلحاء، وفيه نظر؛ لأن العبّاد لا يلوذون إلّا بالله تعالى ولا يلجأون إلّا إليه. (ملاذ الكتّاب) من ألقاب أكابر الكتّاب، ككاتب السرّ ونحوه. (مؤيّد الحقّ) من ألقاب أرباب السيوف وغيرهم، والمؤيّد المقوّي أخذا من الأيد، وهو القوّة. (مؤيّد الملّة) من ألقاب العلماء. (مؤيّد أمور الدّين) كذلك. وبه يكتب لإمام الزيديّة باليمن. حرف النون (ناصح الملوك والسلاطين) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة. (ناصر السّنّة) من ألقاب العلماء. (ناصر الغزاة والمجاهدين) من ألقاب أكابر أرباب السيوف كالنائب الكافل ونحوه، وربما كتب به لبعض الملوك كملك التّكرور ونحوه.

(ناصر الشّريعة) من ألقاب العلماء، والشريعة ما شرعه الله تعالى من الدّين، يقال شرع لهم شرعا، وأصله من الشّريعة التي هي مورد الماء. (ناشر لواء العدل والإحسان) من الألقاب السلطانية. (نجل السلطنة) من ألقاب أولاد الملوك، والمراد أنه ولد في السلطنة. (نجل الأكابر) من ألقاب ذوي الأصالة، والنجل النسل، يقال: نجله أبوه إذا ولده. (نسيب الإمام) من ألقاب الشرفاء كأميري مكة والمدينة المشرّفتين والنّسيب القريب؛ يقال: فلان نسيب فلان أي قريبه، وذلك أن مرجع بني العبّاس والعلويّين إلى بني هاشم. (نسيب أمير المؤمنين) مثله. (نصر الغزاة والمجاهدين) من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنوّاب السلطنة ونحوهم، وهو عندهم [فوق] ناصر الغزاة. (نصر الغزاة والمجاهدين) كذلك، وهو عندهم دون الأوّل وفوق الثاني، وفيه كلام يأتي ذكره. (نظام الدولة) من ألقاب أكابر أرباب السيوف والكتّاب، وقد تقدّم «1» الكلام على النّظام في الألقاب المفردة. (نظام الممالك) من ألقاب الوزراء وكتّاب السرّ ونحوهم. (نظام المناجح) من ألقابهم أيضا. (نور الزّهّاد) من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح.

حرف الهاء

حرف الهاء (همام الدولة) من ألقاب أرباب السيوف وقد تقدّم «1» في الكلام على الألقاب المفردة أن الهمام بمعنى الشجاع. حرف الواو (وارث الملك) من الألقاب السلطانية. (وليّ أمير المؤمنين) من الألقاب التي يشترك فيها أرباب السيوف والأقلام كالوزراء وقضاة القضاة وكاتب السرّ ومن في معناهم، والوليّ في اللغة خلاف العدوّ. حرف اللام ألف (لابس ثوب الفخار) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام. (لافت الغواة إلى طريق الرّشاد) من ألقاب الصلحاء والوعّاظ، واللافت الصارف؛ يقال: لفت وجهه عني إذا صرفه، وأصل اللّفت اللّيّ، والغواة جمع غاو، وهو الضالّ، يقال: غوى يغوي غيّا إذا ضلّ فهو غاو. حرف الياء (يمين الملوك والسلاطين) قال في «عرف التعريف» : يختصّ بالدّوادار وكاتب السّرّ، وقد تقدّم الكلام على معنى ذلك في الكلام على اليمينيّ في الألقاب المفردة، وأن المراد يمين السلطان التي يتناول بها، وإلا فمجلس كاتب السرّ عن يسار السلطان والدّوادار واقف أمامه. (يمين المملكة) مثله. (يمين الدولة) كذلك.

الصنف الضرب الثاني (من الألقاب المفردة المؤنثة، ولتأنيثها سببان)

[الصنف] الضرب الثاني (من الألقاب المفردة المؤنّثة، ولتأنيثها سببان) السبب الأوّل (الجمع) بأن يجمع شيء من الألقاب المذكّرة المفردة أو المركّبة فتنتقل من التذكير إلى التأنيث، فإنّ الجموع كلّها مؤنّثة على ما هو مقرّر في علم النحو، ويتأتّى ذلك في المطلقات مثل أن يجمع في صدر المطلق بين المقرّ الكريم والجناب الكريم والجناب العالي والمجلس العالي؛ ثم يتبعها بالألقاب التي تليق بها مما يأتي ذكره، فيأتي بتلك الألقاب مجموعة بلفظ التأنيث مفردة ومركبّة، مثل أن يكتب إلى المقرّ والجناب الكريمين، والجنابات العالية، والمجلس العالي: الأميريّة، الكبيريّة، العالميّة، العادليّة، المؤيّديّة، الزّعيميّة، العونيّة، الغياثية، المثاغرية، المرابطيّة، الممهّديّة، المشيّدية، الظّهيريّة، الكافليّة، الفلانية، إعزاز الإسلام والمسلمين، سادات الأمراء في العالمين، أنصار الغزاة والمجاهدين، زعماء الجيوش، مقدّمي العساكر، ممهّدي الدول، مشيّدي الممالك، عمادات الملّة، أعوان الأمّة، ظهيري الملوك والسلاطين، سيوف أمير المؤمنين، ونحو ذلك. واعلم أن هذه الألقاب كلّها من جملة الألقاب المفردة والمركبة المتقدّم ذكرها، فيستغنى عن بيان مشكلها وتعريف أحوالها هنا اكتفاء بما تقدّم، إلا أنّ من الألقاب المجموعة ما يقوم لفظ الإفراد مقامه بأن يكون اللقب اسم جنس، مثل عضد ومجد ونحو ذلك مما لا يجوز جمعه لأنه يقصد به الجنس، فيجوز للكاتب حينئذ أن يأتي بذلك بلفظ الجمع ولفظ الإفراد الذي معناه الجمع، وقد أشار إلى ذلك القاضي شهاب الدين بن فضل الله في «التعريف» في الكلام على المطلقات، فقال عند ذكره اعتضاد الملوك والسلاطين، ويجوز فيه أعضاد الملوك وعضد الملوك، إطلاقا للافراد على الجمع.

السبب الثاني (تأنيث اللقب الأصل الذي تتفرع عليه الألقاب الفروع. وله حالتان)

السبب الثاني (تأنيث اللقب الأصل الذي تتفرّع عليه الألقاب الفروع. وله حالتان) الحالة الأولى- أن يكون اللقب الأصل لمؤنّث غير حقيقيّ كالحضرة واليد والباسطة، فتأتي الألقاب المفرّعة عليها مؤنثة بناء على أن الصفة تتبع الموصوف في تذكيره وتأنيثه، على ما هو مقرّر في علم النحو. أما نعوت الحضرة فمثل أن يقال: «الحضرة الشريفة، العليّة، السنيّة، العالميّة، العامليّة، العادليّة، الأوحديّة، المؤيّديّة، المجاهديّة، المرابطيّة، المثاغريّة، المظفّريّة، المنصوريّة، وما أشبه ذلك» وأما نعوت الباسطة فمثل أن يقال: «الباسطة الشريفة، العالية، المولويّة، الأميريّة، الكبيريّة، العالميّة، العادليّة، المؤيّديّة، المحسنيّة، السّيديّة المالكيّة، الفلانية» وفي معناها نعوت اليد. وألقاب هذه الحالة كلّها في معنى ما تقدّم من الألقاب المذكّرة لا تختلف الحال فيها إلا في التذكير والتأنيث، وأنه ليس فيها ألقاب مركّبة، فيستغنى بما تقدّم عن ذكر معانيها وأحوالها أيضا. الحالة الثانية- أن يكون اللقب الأصل لمؤنّث حقيقيّ، كالدّار والسّتارة، والجهة إذا كني بها عن المرأة في الكتابة إليها مثل أن يقال: «الدار الكريمة» و «الستارة الرفيعة» و «الجهة المصونة» ونحو ذلك، فتتبعها الألقاب المفرّعة عليها أيضا في التأنيث إلا أنّ لها معاني تخصها. وهي على ضربين: مفردة ومركبة كما تقدّم في المذكّرة، وإن لم تبلغ شأوها في الكثرة. فأما المفردة فكالشريفة، والكبرى، والعالية، والمعظّمة، والمكرّمة، والمحجّبة، والمصونة، والخاتونيّة، والخوند، وربما قيل الوالديّة اذا كانت والدة حقيقة أو في مقامها، والولدية إذا كانت بنتا حقيقة أو قائمة مقامها، والحاجّيّة إذا كانت حاجّة ونحو ذلك. ثم الألقاب المفردة تارة تكون مجرّدة عن ياء النسب، كالألقاب المتقدّم ذكرها؛ وقد تلحقها ياء النسب للمبالغة في التعظيم فيما تدخل فيه ياء النسب في

النوع الصنف الثاني (من الألقاب المفرعة على الأصول ألقاب من يكتب إليه من أهل الكفر، مما اصطلح عليها لمكاتباتهم)

المذكّر، مثل أن يقال: المعظّميّة والمكرّميّة، والمحجّبيّة، وما أشبه ذلك. وهذه الألقاب أكثرها منقول عن المذكر، فيستغنى عن ذكر معانيها وأحوالها؛ وفيها ألقاب لم يتقدّم ذكر مثلها في المذكر كالمحجّبيّة، وهو مأخوذ من الحجاب كأنها محجوبة عن أن يراها الناس؛ ومنها المصونة وهو مأخوذ من الصّيانة، وهي جعل الشيء في الصّوان وقاية له عن مثل النظر والمسّ ونحو ذلك؛ ومنها الخاتون، وهو لفظ تركيّ معناه السيدة؛ ومنها الخوند، وهي لفظة عجمية بمعنى السيادة أيضا. وأما المركّبة فمثل جلال النساء، وسيدة الخواتين في العالمين، وشرف الخواتين، وجميلة المحجّبات، وجليلة المصونات، وقرينة الملوك والسلاطين، وسليلة الملوك والسلاطين، إذا كانت بنتا لسلطان أو في معناها، وكريمة الملوك والسلاطين إذا كانت أخت سلطان. ومعاني هذه الألقاب ظاهرة معلومة. [النوع] الصنف «1» الثاني (من الألقاب المفرّعة على الأصول ألقاب من يكتب إليه من أهل الكفر، مما اصطلح عليها لمكاتباتهم) واعلم أنه لم يكن ملك من ملوك الكفر ممن يكتب له عن الأبواب السلطانية غير النصارى؛ لأنه لم يكن لغيرهم من أهل الملل بالقرب من هذه المملكة مملكة قائمة، بل اليهود ليس لهم مملكة قائمة في قطر من الأقطار بعد غلبة الإسلام، إنما يؤدّون الجزية حيث حلّوا، إذ يقول تعالى في حقهم: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ «2» . ثم من يلقّب من أهل الكفر في المكاتبات إن كان من متديّنتهم كالباب «3»

الضرب الأول (الألقاب المذكرة، وهي نمطان)

والبطرك، ناسبه من الألقاب ما فيه معنى التنسّك والتعبّد، وإن كان من الملوك ناسبه ما فيه معنى الشّجاعة والرّياسة والقيام بأمر دينه وتحمّله أعباء رعيّته وما في معنى ذلك. فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كتب إلى هرقل: «من محمّد رسول الله إلى هرقل عظيم الرّوم» وفي كتب السيرة أنه صلّى الله عليه وسلّم كتب إلى كسرى: «من رسول الله إلى كسرى عظيم فارس» وأنه كتب إلى المقوقس: «من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط» فعبّر عن كلّ من الملوك الثلاثة بعظيم قومه لمناسبة ذلك لهم. وبالجملة فالألقاب التي تكتب إليهم على ضربين: الضرب الأوّل (الألقاب المذكّرة، وهي نمطان) النمط الأوّل (المفردة) وأكثر ما تبنى على صفات الشّجاعة وما في معناها. وهذه جملة منها مرتبة على حروف المعجم أيضا، مقفّاة عليها. حرف الألف (الأسد) من الألقاب التي اصطلح عليها بمعنى الشجاعة، وهو في الأصل للحيوان المفترس، ثم استعمل في الرجل الشجاع مجازا لعلاقة ما بينهما من الشّجاعة. (الأصيل) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم أيضا، وقد تقدّم في الكلام على الألقاب الإسلامية نقلا عن «عرف التعريف» أنه يختصّ بكلّ من له ثلاثة آباء في الرياسة، وحينئذ فيكون هنا مختصا بمن له ثلاثة آباء في الملك، على أنهم الآن لا يقفون مع ذلك بل يراعون من له أدنى نسب. (الانجالوس) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وهي لفظة

حرف الباء

يونانيّة معناها الملك، واحد الملائكة، وإنما كتب إليهم بذلك مضاهاة للكتب الواردة عنهم، ولعلّ الكاتب لم يعلم معنى ذلك، وكذلك غيرها من الألفاظ التي في معناها. حرف الباء (البالالوغس) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وهي لفظة يونانيّة أصلها البالي لوغس، ومعناها «الكلمة القديمة» . حرف الجيم (الجليل) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، ومعنى الجليل في اللغة العظيم، لكن قد استعمل في ألقابهم في المكاتبات لملوكهم، فيقال: «الملك الجليل» والمراد الجليل بالنسبة إلى ملوك الكفر، وإلا فالكافر لا يوصف بالعظمة. وكان الأحسن أن لا يكتب به إليهم، لا سيّما وهو اسم من أسمائه تعالى. حرف الخاء المعجمة (الخاشع) من الألقاب التي اصطلح عليها لمتديّنتهم: كالباب والبطرك. وقد تقدّم في الألقاب الإسلامية أنه يكون من ألقاب الصّلحاء والصوفية، وأن معنى الخاشع المتذلّل. (الخطير) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، والخطير في اللغة الكبير الجليل القدر، ومنه قولهم: أمر له خطر أي مقدار كبير. حرف الدال المهملة (الدّوقس) بضم الدال وكسر القاف من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم. وقد يقال (الضّوقس) بالضاد بدل الدال، وهي لفظة يونانيّة أصلها دقستين، ومعناها المشكور.

حرف الراء المهملة

حرف الراء المهملة (الرّوحانيّ) من الألقاب التي اصطلح عليها للمتديّنين منهم، وهو بضم الراء نسبة إلى الرّوح التي بها مناط الحياة للمخلوقين، ومنه نسب إلى الملائكة والجنّ روحانيّ، وبالفتح نسبة إلى الرّوح بمعنى الرائحة، والمعنى الأوّل أقرب إلى مراد الكتّاب. حرف السين (السّميدع) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم. قال الجوهري: وهو بضم السين، وقال في «كفاية المتحفّظ» بفتحها، ومعناه السيّد، وكأن المراد: سيد قومه وزعيمهم. حرف الضاد المعجمة (الضّرغام) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وهو من أسماء الأسد، لقّب به ملوكهم لما فيه من معنى الشجاعة. حرف الغين المعجمة (الغضنفر) بفتح الغين والضاد المعجمتين وسكون النون وفتح الفاء من أسماء الأسد، اصطلح الكتّاب على تلقيبهم بذلك لما فيه من معنى الشجاعة كالأسد والضّرغام. على أنه قد يطلق في اللغة على الرجل الغليظ كما حكاه الجوهريّ، ولا بأس باستعمال الألفاظ التي لها كامل؟؟؟ «1» في المكاتبات إلى الكفّار. حرف القاف (القدّيس) بكسر القاف، من الألقاب التي اصطلح عليها لمتديّنتهم من

حرف الكاف

الباب والبطريرك ونحوهما، وأصله من التقديس وهو التنزيه. حرف الكاف (الكرّار) بتشديد الراء من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، والكرّار صيغة مبالغة من الكرّ خلاف الفرّ. والمراد أنه يرجع في المحاربة على قرنه المرّة بعد المرّة ولا ينهزم عنه. (الكمينيوس) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وهو لفظ روميّ معناه........ «1» . حرف الميم (المتبتّل) من الألقاب التي اصطلح عليها لمتديّنتهم، ومعناه المنقطع عن الدنيا. (المتخّت) بفتح الخاء المعجمة المشدّدة من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، والمراد أنه ممن يجلس مثله على تخت الملك لاستحقاقه له. (المتوّج) بفتح الواو المشدّدة من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، والمراد أنه ممن يلبس التاج لاستحقاقه له. (المحتشم) من الألقاب التي اصطلح عليها لتجّار الروم والفرنج، والمراد بالمحتشم هنا الرئيس الذي له حشم، وهو خوله وخدمه. وأصل الحشمة في اللغة الغضب، وسمي خول الرجل وخدمه حشما لأنهم يغضبون له؛ وبعضهم يطلق المحتشم على المستحيي وعليه عرف العامة وهو المراد هنا، وأنكره ابن قتيبة وغيره حتّى قال النحاس إنه لا يعرف احتشم إلا بمعنى غضب وإن كان الجوهريّ قد حكاه.

حرف الهاء

(المعزّز) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم [وهو اسم مفعول من العز خلاف الذل. (الممجد) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم] «1» وهو مفعّل من المجد. وقد تقدّم الكلام عليه في الألقاب الإسلامية. حرف الهاء (الهمام) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وقد تقدّم «2» في الألقاب الإسلامية أنّ معناه الشجاع. النمط الثاني (من الألقاب التي يكتب بها لملوك الكفر الألقاب المركّبة) وهذه جملة منها مرتّبة على حروف المعجم أيضا. حرف الألف (آخر ملوك اليونان) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وهي تصلح لكل ملك ينتسب إلى اليونان أو قام مقامهم في الملك. واليونان أمّة معروفة مشهورة، وكانت مملكتهم أوّلا في الجانب الشرقيّ من الخليج القسطنطينيّ المعروف الآن ببلاد الرّوم ثم ملكوا بعدها العراق، والتّرك، والهند، وبلاد أرمينية، والشام، ومصر، والإسكندرية. ومنهم أكثر الحكماء والفلاسفة، وكانت دولتهم من أعظم الدّول؛ واختلف في نسبهم، فنقل ابن سعيد عن البيهقيّ وغيره من المحقّقين أنهم من ولد أفريقش بن يونان، بن علجان، بن يافث، بن نوح عليه السّلام، والمنقول عن التوراة أن يونان هو ابن يافث لصلبه، واسمه فيها ياقان بفاء تقرب في اللفظ من الواو فعرّبت يونان،

وخالف كثير من المؤرّخين فنسبوا يونان إلى عابر بن فالغ، فجعله أخا لقحطان جدّ العرب العاربة، وأنه خرج من اليمن مغاضبا لأخيه قحطان فنزل ما بين الأفرنجة والروم واختلط نسبه بنسبهم. وقيل: بل اليونان «1» من جملة الرّوم من ولد صوفر بن العيص، بن إسحاق، بن إبراهيم عليه السّلام. (أسوة الملوك والسلاطين) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، والإسوة بكسر الهمزة وضمها بمعنى القدوة ومنه قولهم: لي في فلان إسوة يعني قدوة، وكأنهم جعلوه إسوة لملوك الكفر يقتدون به وإلا فلا يجوز إطلاق ذلك على الملوك من حيث هم لدخول ملوك الإسلام فيهم. (العادل في ملّته) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وقد تقدّم معنى العادل والملّة في الكلام على الألقاب الإسلامية. (العادل في مملكته) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وقد تقدّم معنى العادل، والمملكة في الأصل موضع الملك ثم أطلقت على الرعيّة مجازا. (الرّيد أرغون) من الألقاب التي اصطلح عليها لبعض ملوكهم ممن يملك البلاد المعروفة بأرغون «2» وقد ذكر في «الروض المعطار» بلاد أرغون، وقال: هو اسم بلاد غرسيه بن شانجة، تشتمل على بلاد ومنازل وأعمال، ولم يذكر في أيّ حيّز هي ولا في أيّ قطر. وقد رأيت هذا اللقب في «التعريف» للمقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في ألقاب صاحب القسطنطينية وفي «التثقيف»

حرف الباء

لابن ناظر الجيش في ألقاب الأذفونش صاحب طليطلة من الأندلس، ويحتاج إلى تحقيق من يملك هذه الطائفة منهما فيكتب به إليه. والرّيد في لغتهم بمعنى الملك كما تقدّم في الكلام على ريد أفرنس في ألقاب الملوك. (المنصف لرعيّته) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، والرعيّة من يسوسه الملك، سمّوا بذلك تشبيها لهم بالغنم وله بالراعي. (أوحد الملوك العيسويّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، ويصلح للملكانيّة واليعقوبية جميعا؛ لأنه لم يقيد بمذهب من مذاهب النصارى. (أوحد ملوك اليعقوبيّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوك الحبشة: لأن ملكها من طائفة اليعقوبيّة. حرف الباء (بطل النّصرانيّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وهو صالح لكل واحد منهم؛ ومعنى البطل في اللغة الشجاع، سمّي بذلك لأنه يبطل حركة قرنه. (بقيّة أبناء التّخوت والتّيجان) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وهي تصلح لكلّ منهم أيضا من الملكانية واليعاقبة جميعا. (بقيّة الملوك الأغريقيّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لبعض الملوك من بقايا طائفة الأغريقية من اليونان، وهم طائفة من اليونان تنسب إلى أغريقش ابن يونان المقدّم ذكره، وهم اليونان الأول، وقد ذكره في «التعريف» في ألقاب ملك الكرج، ولعله اطّلع على أنه من بقايا هذه الطائفة، وهو مما يحتاج إلى تحرير. (بقيّة سلف قيصر) من الألقاب التي اصطلح عليها لبعض ملوكهم ممن انتسب إلى القياصرة ملوك الروم أو قام مقامهم. وقيصر اسم قديم لكل من ملك الروم، وأصل هذه اللفظة في اللغة الرومية جاشر بجيم وشين معجمة فعرّبت

حرف الجيم

قيصر؛ ولها عندهم معنيان: أحدهما الشيء المشقوق عنه، والثاني الشّعر. واختلف في أوّل من لقّب بذلك منهم فقيل: أغانيوش قيصر، أوّل الطبقة الثانية من ملوك الروم؛ ماتت أمّه وهو حمل فشقّ بطنها وأخرج فسمّي بذلك لما فيه من الشق عليه، وقيل يوليوش قيصر، وهو الذي ملك بعد أغانيوش المقدّم ذكره، وقيل أغشطش قيصر وهو الذي ولد المسيح عليه السّلام في زمانه، فقد قيل إنه الذي ماتت أمّه وهو حمل فشقّ جوفها وأخرج فسمّي بذلك، وقيل لأنه ولد وله شعر تامّ فسمي قيصر لوجود الشعر فيه حينئذ. حرف الجيم (جامع البلاد الساحليّة) من الألقاب التي تصلح لكل ملك [مملكة] متسعة على ساحل البحر كصاحب القسطنطينيّة ونحوه. حرف الحاء المهملة (حافظ البلاد الجنوبيّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لملك الحبشة من النصارى، على أنه يصلح لغيره من ملوك السّودان أيضا ممن أخذ في الجنوب من المسلمين وغيرهم. (حامل راية المسيحيّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وهي تصلح لكل ملك كبير من ملوك النصارى والمراد بالمسيحيّة الملة المسيحيّة، فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، يريدون ملّة المسيح وهو عيسى عليه السّلام. واختلف في [سبب] تسميته بالمسيح، فقيل لأنه كان ممسوح القدمين بمعنى أنه لا أخمص له. وقيل لأنه مسح الأرض بالسّياحة، وقيل غير ذلك. أما تسمية الدّجّال بالمسيح فلأنه ممسوح العين لأنه أعور، وقيل لأنه يمسح الأرض بالسير فيها. (حامي البحار والخلجان) من الألقاب التي تصلح لكل من مملكته منهم على البحر، والبحار جمع بحر، وأصله في اللغة الشّقّ، ومنه سمّيت البحيرة

حرف الخاء المعجمة

المذكورة في القرآن، وهي الناقة التي تشقّ أذنها فلا تعارض؛ والخلجان جمع خليج؛ وهو الجدول الصغير، والمراد ما يتشعّب من البحر كخليج القسطنطينية وجون البنادقة ونحوهما. (حامي حماة بني الأصفر) من الألقاب التي تصلح لملوك الرّوم والفرنج بالممالك العظام، كصاحب القسطنطينية وغيره، والمراد ببني الأصفر الروم فإنهم من ولد صوفر بن العيص، بن إسحاق، بن إبراهيم عليه السّلام، والمؤرّخون يعبّرون عن صوفر بالأصفر. وإنما خصّه بحماية الحماة تفخيما له فإنه إذا حمى الحماة كان بحماية غيرهم أجدر. حرف الخاء المعجمة (خالصة الأصدقاء) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، والمراد بالخالصة هنا من ليس في صداقته شائبة. (خلاصة ملوك السّريان) من الألقاب التي تصلح لكل من ينسب إلى بقايا السّريانيين من الملوك. والسّريان «1» أقدم الأمم في الخليفة، وكانوا يدينون بدين الصابئة «2» ، وينتسبون إلى صابيء بن إدريس عليه السّلام. قال ابن حزم: ودينهم أقدم الأديان على وجه الأرض، ومدار مذاهبهم على تعظيم الرّوحانيّات والكواكب. وكانت منازلهم أرض بابل من العراق. قال المسعوديّ «3» : وهم أوّل

حرف الذال المعجمة

ملوك الأرض بعد الطّوفان. حرف الذال المعجمة (ذخر ملوك البحار والخلج) من الألقاب التي تصلح لكل ملك منهم على ساحل البحر، وقد تقدّم معنى الذّخر والبحار، والخلج هي الخلجان؛ وقد تقدّم معناها. (ذخر الأمة النصرانيّة) من الألقاب التي تصلح لجميع ملوك النصرانية من الملكانيّة واليعاقبة، وقد تقدم معنى الذّخر والأمّة في الكلام على الألقاب الإسلامية. حرف الراء المهملة (رضيّ الباب بابا رومية) يجوز أن يكون بفتح الراء وكسر الضاد بمعنى مرضيّ الباب، ويجوز أن يكون بكسر الراء وفتح الضاد بمعنى أنه يجعل نفس رضا الباب وهو أبلغ. وهو من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم؛ وقد تقدّم في الألقاب الأصول معنى البابا، ورومية اسم لرومية التي بها الباب مقيم، إضافة إليها لإقامته بها، وقد مرّ القول عليها في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية. وتأتي الإشارة إليها في الكلام على مكاتبة الباب في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى. (ركن الأمّة العيسويّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لكبار ملوكهم كملك الحبشة ونحوه، ويصلح للملكانيّة واليعاقبة جميعا. حرف الشين المعجمة (شبيه مريحنّا المعمدان) من الألقاب التي تصلح لكبار ملوكهم، ومريحنّا بفتح الميم وسكون الراء المهملة وضم الياء المثناة تحت وبعدها حاء مهملة ونون. ومعنى مر السيد، ويحنّا بلغتهم يحيى، والمراد شبيه السيد يحيى، والمعمدان بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة صفة عندهم ليحيى فهم يزعمون

حرف الصاد المهملة

أن مريم عليها السّلام خرجت بعيسى عليه السّلام من الشأم إلى مصر وعادت به إلى الشأم وهو ابن اثنتي عشرة سنة، فتلقّاه يحيى عليه السّلام وهو ابن خالته، فغمسه في نهر الأردنّ وهو عندهم أصل ماء المعموديّة الذي لا يصح عندهم تنصّر نصرانيّ إلا به فأطلقوا على يحيى عليه السّلام المعمدان لمعنى ذلك؛ وكأنه شبّهه به من حيث إنه أصل المعموديّة بزعمهم. حرف الصاد المهملة (صديق الملوك والسلاطين) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، والمراد أن فيه صداقة وودّا لملوك الإسلام وسلاطينهم. حرف الضاد المعجمة (ضابط الممالك الرّوميّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لصاحب القسطنطينيّة، وهو نظير حافظ البلاد الجنوبية لملك الحبشة. حرف الظاء المعجمة (ظهير الباب بابا رومية) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وقد تقدّم معنى الباب والبابا. حرف العين المهملة (عزّ الملّة النّصرانية) من الألقاب التي اصطلح عليها لأكابر ملوكهم. (عماد بني المعموديّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لكبار ملوكهم، والعماد في اللغة الأبنية الرفيعة، يذكّر ويؤنّث، وقد مرّ بيان معنى المعمودية في حرف الشين. حرف الفاء (فارس البرّ والبحر) يصلح لمن يكون مجاورا للبرّ والبحر من الملوك كأصحاب الجزائر، وقد يصلح لغيرهم أيضا.

حرف الميم

(فخر الملّة المسيحيّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وتصلح للملكانيّة واليعاقبة منهم. حرف الميم (متّبع الحواريّين والأحبار الرّبّانيّين والبطاركة القدّيسين) من ألقاب عظماء ملوكهم، والمراد بالحواريّين أصحاب عيسى عليه السّلام الذين بعثهم إلى أقطار الأرض للبشارة به وللدّعاية إلى الله تعالى، وعنهم أخبر تعالى بقوله قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ* «1» وهم اثنا عشر نفسا، أسماؤهم يونانيّة. أحدهم- بطرس، ويقال له شمعون الصّفا، وهو الذي بشّر بالقدس وأنطاكية وما حولها. والثاني- أندراوس. وهو الذي بشّر ببلاد الحبشة والسّودان. والثالث- يعقوب بن «2» زيري. وهو الذي بشر بمدينة........... «3» والرابع- يوحنّا الإنجيليّ، وهو الذي بشّر ببلاد أفسس وما معها. والخامس- فيلبّس، ولم أقف على موضع بشارته. والسادس- برتلوما، وهو الذي بشّر في الواحات والبربر. والسابع- توما، ويعرف بتوما الرسول، وهو الذي بشّر في السّند والهند. والثامن- متّى، وهو الذي بشّر بأرض فلسطين، وصور، وصيدا، ومصر، وقرطاجنّة «4» من بلاد المغرب.

والتاسع- يعقوب بن حلفا، وهو ممن بشّر ببلاد الهند أيضا. والعاشر- سمعان، ويقال شمعون الصّفا، وهو الذي بشر بشمشاط «1» وحلب ومنبج وبزنطية: وهي القسطنطينيّة. والحادي عشر- بولس، ويقال له تداوس، وهو الذي بشّر بدمشق وبالقدس أيضا وبلاد الروم والجزائر ورومية. والثاني «2» عشر- يهوذا الأسخر يوطيّ «3» ، وهو الذي خرج عن طاعة المسيح ودلّ عليه اليهود ليقتلوه فألقى الله تعالى شبه المسيح عليه فأمسكه اليهود وقتلوه وصلبوه ورفع الله تعالى المسيح إليه، وليس هذا من المراد بالحواريّين هنا؛ لأنه قد خرج عن دائرتهم. فلفظ الحواريين مأخوذ من الحور، وهو شدّة البياض، سمّوا بذلك لصفائهم وتفانيهم في اتّباع المسيح عن الدّخل، وقيل لأنهم كانوا في الأوّل قصّارين يبيّضون الثياب. والأحبار جمع حبر، بفتح الحاء وكسرها، وهو العالم. والرّبّانيّون جمع ربّانيّ، وقد تقدّم معناه في الألقاب الإسلامية. والبطاركة جمع بطرك، وقد تقدّم الكلام عليه في الألقاب الأصول وأن أصله بطريرك، وأنه يقال فيه فطرك بالفاء بدل الباء، وكان لهم خمسة كراسيّ كرسيّ برومية، وهو الذي قعد فيه الباب، وكرسيّ بالإسكندرية، وهو الذي استقرّ لبطرك اليعقوبية الآن، وكرسيّ ببزنطية وهي القسطنطينية، وكرسيّ بأنطاكية وكان فيه بطرك النسطوريّة، وكرسيّ بالقدس وهو أصغرها عندهم. (محيي طرق الفلاسفة والحكماء) من الألقاب التي اصطلح عليها

لصاحب القسطنطينية؛ لأن مملكته منبع حكماء اليونان وفلاسفتهم. والفلاسفة جمع فيلسوف بكسر الفاء، وهي لفظ يوناني مركّب من مضاف ومضاف إليه، معناه محبّ الحكمة، فلفظ فيل بمعنى محبّ، وسوف بمعنى الحكمة، وهم يطلقون الفلسفة على من يحيط بالعلوم الرياضية، وهي: الهيئة والهندسة والحساب واللحون وغيرها، والحكماء جمع حكيم، وهو من يحسن دقائق الصناعات ويتقنها أو من يتعاطى الحكمة، وهي معرفة أفضل الأشياء وأفضل العلوم، وأوّل ما صارت الحكمة فيهم في زمن بختنصّر «1» ، ثم اشتهرت فيهم بعد ذلك، ولذلك عبّر بالفلاسفة القدماء إشارة إلى أوّل زمن الحكماء. (مخوّل التّخوت والتّيجان) من الألقاب التي اصطلح عليها لصاحب القسطنطينيّة لعظم مملكته في القديم والحديث، والمخوّل المملّك، والتّخوت جمع تخت، وهو كرسيّ الملك الذي يجلس عليه الملك في مجلسه العامّ؛ والتيجان جمع تاج، وهو الذي يوضع على رأس الملك إذا جلس على تخته، والمعنى أنه يعطي الملوك الممالك من تحت يده لسعة مملكته وعظمتها، وقد كانت القسطنطينيّة قبل غلبة الفرنج وقوّة شوكتهم ملكا عظيما. (مسيح الأبطال المسيحيّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لأكابر ملوكهم كصاحب القسطنطينيّة. أضاف المسيح إلى الأبطال ثم وصفها به جمعا له بين رتبتي الشجاعة والتديّن بدينه. (مصافي المسلمين) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم،

والمصافي مفاعل من الصّفاء، والمراد أنه صافي النية للمسلمين، والمسلمون صافو النية له. (معزّ النّصرانية) من الألقاب التي اصطلح عليها لأكابر ملوكهم، والمراد بالنصرانية ملة النصرانية، حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه، والنصرانية في الأصل منسوبة إلى الناصرة، وهي القرية التي نزلها المسيح وأمه عليهما السّلام من بلاد القدس عند عودهما إلى مصر، وقيل مأخوذة من قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السّلام مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ* «1» . (معظّم البيت المقدّس) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وربّما زيد فيها فقيل: «معظّم البيت المقدّس بعقد النية» لموافقة الرويّ في السّجعة التي تقارنها؛ ويصلح لكل ملك من ملوكهم لأن جميعهم يعتقدون تعظيم البيت المقدّس، والبيت المقدّس معروف، والتقديس التنزيه والتطهير. (معظّم كنيسة صهيون) من الألقاب المختصة بملك الحبشة لأنه يعقوبيّ، وكنيسة صهيون بالإسكندرية، وهي كنيسة بطرك اليعاقبة الآن. ومعتقدهم أنه لا يصح ولاية ملك منهم إلّا باتصال من هذا البطرك؛ على أنه في ابتداء البطركية في زمن الحواريّين لم يكن بكرسيّ الإسكندرية أحد من الحواريين، إنما كان بها مرقص الإنجيلي تلميذ بطرس الحواريّ صاحب كرسيّ رومية، والنصارى يومئذ على طريقة واحدة قبل ظهور الملكية واليعقوبية، فلما افترق دين النصرانية إلى الملكانيّة واليعاقبة وغيرهم، كانت بطركية الإسكندرية يتداولها الملكية واليعقوبية تارة وتارة بحسب انتحال الملوك والميل إلى كلّ من المذهبين، ثم استقرّت آخرا في بطرك اليعاقبة إلى زماننا، وتبعه ملوك الحبشة لانتحالهم مذهب اليعاقبة، كما تبع الروم والفرنجة الباب «2»

حرف النون

برومية، لانتحالهم مذهب الملكانية، وسيأتي الكلام على طرف من ذلك في الكلام على مكاتبة ملك الحبشة إن شاء الله تعالى. (ملك ملوك السّريان) من الألقاب التي اصطلح عليها لصاحب القسطنطينية لعظمته عندهم، وقد تقدّم ذكر السّريان فيما قبل. (موادّ المسلمين) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وهو بتشديد الدال أخذا من المودّة. (مؤيّد المسيحيّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، والمؤيّد المقوّي، والمراد بالمسيحية الملّة المسيحيّة، كما تقدّم بيانه، وربما قيل «مؤيّد العيسويّة» : والأمر فيهما كذلك. حرف النون (ناصر الملّة المسيحيّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لأكابر ملوكهم، وقد تقدّم معنى هذه الألقاب في مواضعها. حرف الواو (وارث التّيجان) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وقد تقدّم «1» معنى التّيجان، والمراد أنه انتقل إليه الملك وراثة من آبائه. (وارث آبائه في الأسرّة والتّيجان) من الألقاب التي اصطلح عليها لمن يكون عريقا في الملك، وهو قريب من اللّقب الذي قبله. (وارث القياصرة العظماء) من الألقاب التي اصطلح عليها لصاحب القسطنطينية التي هي قاعدة القياصرة، وقد تقدّم أوّل من سمّي قيصر فيما سلف من الألقاب.

الضرب الثاني (من ألقاب أهل الكفر الألقاب المؤنثة: بأن يكون اللقب الأصل مؤنثا فتتبعه الألقاب الفروع في التأنيث. ولها حالتان)

الضرب الثاني (من ألقاب أهل الكفر الألقاب المؤنّثة: بأن يكون اللقب الأصل مؤنّثا فتتبعه الألقاب الفروع في التأنيث. ولها حالتان) الحالة الأولى- أن يكون اللقب الأصل لمؤنّث غير حقيقيّ كالحضرة مثلا، فترد ألقابه مؤنّثة، وفي الغالب إنما يقع التأنيث في اللّقب الأوّل ثم ينتقل إلى الألقاب المذكّرة، مثل أن يقال: «الحضرة العالية أو السامية أو العلية، حضرة الملك الجليل» ويؤتى بما يناسبه من الألقاب بعد ذلك؛ وربما أتي للحضرة بلقبين فأكثر طلبا للتفخيم، ثم يعدل إلى الألقاب المذكّرة، مثل «الحضرة العالية المكرّمة» ثم يقال «حضرة الملك الجليل» وما أشبه ذلك. الحالة الثانية- أن يكون اللقب الأصل لمؤنّث حقيقيّ بأن يكون لامرأة كما إذا كانت ملكة في بعض ممالكهم، على قاعدة الأعاجم في إسناد الملك إلى بنات الملوك، فيؤتى بألقابها المفردة والمركّبة مؤنثة، فيكتب مثلا «الملكة الجليلة المكرّمة المبجّلة الموقّرة المفخّمة المعزّزة فلانة العادلة في مملكتها، كبيرة دين النّصرانية، نصرة الأمّة العيسوية، حامية الثّغور، صديقة الملوك والسلاطين» وما أشبه ذلك، ومعاني هذه الألقاب معلومة مما تقدّم. قلت: قد أتيت من ألقاب أهل الإسلام وألقاب أهل الكفر: المفردة والمركّبة على ما تضمنه «التعريف بالمصطلح الشريف» للمقرّ الشهابي بن فضل الله، و «عرف التعريف» في الإخوانيّات له، و «تثقيف التعريف» للقاضي تقيّ الدين ابن ناظر الجيش إلا ما شرد عنه القلم، مع ما ضممته إلى ذلك مما وجدته في غيرها من الدساتير المجموعة في السلطانيات والإخوانيات المصريّة والشامية جاريا على عرفهم مما استعمله أهل الزمان ومن قاربه؛ والكاتب الماهر إذا فهم أصلها وعرف طرقها، اخترع ما شاء من الألقاب والنّعوت؛ والضابط في وضع الألقاب أن يراعى فيها أحوال المكتوب له، فيؤتى منها بما يناسب حاله في الوظيفة والرّياسة وسائر أوصاف المدح اللائقة به، فيؤتى لصاحب السيف

الجملة السابعة (في تفاوت الألقاب في المراتب، وهي قسمان)

بالألقاب المقتضية للشّجاعة والبسالة مثل المجاهديّ والمثاغريّ والمرابطيّ وما أشبه ذلك. وربما أضيف له بعض الألقاب المقتضية للعلم والصّلاح، كالعالميّ والعامليّ ونحو ذلك، لاشتراك الناس في المدح بمثل ذلك. ويؤتى للعالم والقاضي ونحوهما بالألقاب المقتضية للعلم كالعالميّ والمحقّقيّ ونحو ذلك. وربما أضيف إليها الألقاب المقتضية للصّلاح لتمدّح العلماء به. ويؤتى للصوفية وأهل الصّلاح بالألقاب المقتضية للصلاح والتعبّد كالعابديّ والزاهديّ ونحوهما. ويؤتى لكتّاب الإنشاء بالألقاب المقتضية للبلاغة كالبليغ والمفوّهيّ ونحو هما. ويؤتى للنساء بالألقاب المقتضية للصّيانة والعفّة كالمصونة والمحجّبة وما أشبههما. ويؤتى لأهل الكفر من الملوك ونحوهم بما لا حرج فيه على الكاتب كالشجاعة وما في معناها، والتقدّم على ملوك طائفته وأهل ملّته وما في معنى ذلك. فإن اجتمع في شخص واحد أوصاف متعدّدة من الممادح جمعت له، على أن أكثر ما يستعمله الكتّاب من الألقاب غير موجودة في صاحبها، وإنما هي ألقاب حفظوها لرتب معيّنة لا يسعهم الإخلال بشيء منها وإن كانت كذبا محضا وإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ «1» . وقد كان في القديم قاعدة مستقرّة: وهو أنه لا يلقّب أحد بلقب ولا يكنى بكنية إلا أن يكون الخليفة هو الذي يلقّب بذلك أو يكني. الجملة السابعة (في تفاوت الألقاب في المراتب، وهي قسمان) القسم الأوّل (ما يقع التفاوت فيه بالصّعود والهبوط، وهو نوعان) النوع الأوّل (ما يقع التفاوت فيه بحسب القلّة والكثرة، وله حالتان) الحالة الأولى - أن يكون المكتوب إليه من أتباع المكتوب عنه، كنوّاب

الحالة الثانية -

السلطنة فيما يكتب عن الأبواب السلطانية من مكاتبات وولايات، فزيادة الألقاب وكثرتها في هذه الحالة علوّ وشرف في حقّ المكتوب إليه، لأنها من باب المدح والإطراء، ولا شكّ أن كثرة المدح من المتبوع للتابع أعلى من قلّته، ولذلك تقع الإطالة في ألقاب كبار النّوّاب والاختصار في صغارهم، وتأتي في غاية الاختصار في نحو ولاة النّواحي ومن في معناهم. الحالة الثانية- أن يكون المكتوب له أجنبيّا عن المكتوب عنه، كالملوك الذين تكتب إليهم المكاتبات عن السلطان، فقلّة الألقاب في حقّه أرفع لأن الإكثار من ذلك يرى أنه من باب الملق المذموم بين الأكابر في المكاتبات، فوجب تجنّبه كما يجب تجنّب المدح وكثرة الدعاء، ولذلك يقع الاختصار في الألقاب فيما يكتب لهم عن السلطان إجلالا لقدرهم عن رتبة رعاياه الذين يكثر من ألقابهم. النوع الثاني (ما يقع فيه التفاوت في العلوّ والهبوط بحسب ما يقتضيه جوهر اللفظ أو ما وقع الاصطلاح عليه. وهو صنفان) الصنف الأوّل (الألقاب المفردة. وهي على أربعة أنماط) النّمط الأوّل (التوابع) وهي التي تلي الألقاب الأصول كالتي تلي المقام والمقرّ والجناب والمجلس، فيلي المقام لفظ الأشرف ولفظ الشريف ولفظ العالي، فالمقام يقال فيه «المقام الأشرف العالي» و «المقام الشريف العالي» و «المقام العالي» . ويلي المقرّ لفظ الأشرف ولفظ الشريف ولفظ الكريم ولفظ العالي. فيقال «المقرّ الأشرف العالي» و «المقرّ الشريف العالي» و «المقرّ الكريم العالي» و «المقرّ العالي» .

ويلي الجناب لفظ الكريم ولفظ العالي، فيقال «الجناب الكريم العالي» و «الجناب العالي» . ويلي المجلس لفظ العالي والسامي، فيقال «المجلس العالي» و «المجلس السامي» . والألفاظ التي تتبع، وهي الأشرف والشريف والكريم والعالي والسامي، بعضها أرفع من بعض على الترتيب. فالأشرف أرفع من الشريف؛ لأن أشرف أفعل تفضيل يقتضي الترجيح على غيره كما هو مقرّر في علم النحو؛ والشريف أرفع رتبة من الكريم لما تقدّم عن ابن السّكّيت أن الكرم يكون في الرجل وإن لم يكن له آباء شرفاء، والشّرف لا يكون إلا لمن له آباء شرفاء. ومقتضى ذلك ترجيح الشريف على الكريم لاقتضائه الفضل في نفس الشخص وفي آبائه، بخلاف الكرم؛ ولذلك اختير الشرف لأبناء فاطمة رضي الله عنها دون الكرم. والكريم أرفع رتبة من العالي، لأن الكريم يحتمل أن يكون من الكرم الذي هو خلاف اللّؤم ويحتمل أن يكون من الكرم الذي هو خلاف البخل، وكلاهما مقطوع بأنه صفة مدح، وإن الأقرب إلى مراد الكتاب المعنى الأوّل. والعالي يحتمل أن يكون من علي بكسر اللام يعلى بفتحها علاء بفتح العين والمدّ إذا شرف؛ ويحتمل أن يكون من علا يعلو علوّا إذا ارتفع في المكان؛ وليس العلوّ في المكان مما يدلّ على صفة المدح إلا أن يستعار للارتفاع في الشرف فيكون صفة مدح حينئذ على سبيل المجاز وإن كان مراد الكتّاب هو المعنى الأوّل؛ وما كان مقطوعا فيه بالمدح من الجانبين أعلى مما يكون مقطوعا فيه بالمدح من جانب دون جانب. وقد اصطلحوا على أن جعلوا العالي أرفع من السامي، وهو مما أنكر على واضعه، إذ لا فرق بينهما من حيث المعنى، لأن السموّ بمعنى العلوّ. والذي يظهر أن الواضع لم يجهل ذلك ولعله إنما جعل العالي أرفع رتبة من السامي وإن كان بمعناه لأن العالي لفظ واضح المعنى يفهمه الخاصّ والعامّ، فيكون المدح به أعمّ باعتبار من يفهمه، بخلاف السامي فإنه لا يفهم معنى العلوّ منه إلا الخاصة، فيكون المدح به أخصّ لاقتصار الخاصّة على معرفته دون العامّة.

النمط الثاني (ما يقع التفاوت فيه بحسب لحوق ياء النسب وتجرده منها)

النمط الثاني (ما يقع التفاوت فيه بحسب لحوق ياء النسب وتجرّده منها) قد تقدّم أن الألقاب المفردة منها ما تلحق به ياء النسب ومنها ما يتجرّد عنها، وأن الذي تلحقه ياء النسب منها منه ما هو منسوب إلى شيء خارج عن صاحب اللقب كالقضائيّ فإنه منسوب إلى القضاء الذي هو نفس الوظيفة، فيكون النسب فيه على بابه، ومنه ما هو منسوب إلى صاحب اللّقب نفسه كالأميريّ فإنه نسبة إلى الأمير وهو عين صاحب اللقب فدخلت فيه ياء النسب للمبالغة، كما في قولهم لشديد الحمرة أحمريّ على ما تقدّم بيانه. وبالجملة فقد اصطلحوا على أن يكون ما لحقت به ياء النسب ارفع رتبة مما تجرّد عنها، سواء منسوبا إلى نفس صاحب اللقب أو غيره، فيجعلون الأميريّ أعلى رتبة من الأمير، والقضائيّ أرفع رتبة من القاضي؛ ثم يجعلون المنسوب إلى نفس صاحب اللقب أرفع رتبة من المنسوب إلى شيء خارج عنه؛ ومن أجل ذلك جعلوا القاضويّ «1» أرفع رتبة من القضائيّ. أما كون ما لحقت به ياء النسب «2» أرفع رتبة من المجرّد عنها فظاهر؛ لأن المبالغة تقتضي الرفعة ضرورة؛ وأما كون المنسوب إلى شيء آخر غير المنسوب إليه يقتضي الرفعة وإن لم يكن فيه مبالغة، فللإلحاق بما فيه المبالغة استطرادا، لئلا يلتبس الحال في النسبتين على الضعيف الفهم فلا يفرق بين ما هو منسوب إلى هذا وبين ما هو منسوب إلى ذاك. على أنهم لم يقفوا مع (الحكم في كون ما دخلت عليه ياء النسب أرفع مما لم تدخل عليه فقد استعملوا الأجل ونحوه في الألقاب السلطانية التي هي أعلى الألقاب، فقالوا: «السلطان الأجلّ العالم العادل» إلى آخر ألقابه المفردة من غير إلحاق ياء النسب بها؛ ثم استعملوا مثل ذلك في ألقاب السامي بغير ياء فما دونه مما هو أدنى الألقاب رتبة. وكأنهم اكتفوا بمكانة

النمط الثالث (ما يقع التفاوت فيه بصيغة مبالغة غير ياء النسب)

السلطان من الرّفعة عن المبالغة في ألقابه بإلحاق ياء النسب، من حيث إنّ المعرّف لا يحتاج إلى تعريف. النمط الثالث (ما يقع التفاوت فيه بصيغة مبالغة غير ياء النسب) فيكون أرفع رتبة لمعنى المبالغة كما في الكفيلّي فإنه أرفع رتبة من الكافليّ، لأن صيغة فعيل أبلغ في المعنى من صيغة فاعل من حيث أن فعيلا لا يصاغ إلّا من فعل بضم العين إذا صار ذلك الفعل له سجية؛ كما يقال: كرم فهو كريم وعظم فهو عظيم وحلم فهو حليم، بخلاف فاعل؛ ومن أجل ذلك كان لفظ فقيه أبلغ من لفظ فاقه لأن فاقه يصاغ من فقه بكسر القاف إذا فهم، ومن فقه بفتحها إذا سبق غيره إلى الفهم. وفقيه إنما يصاغ من فقه بضمها إذا صار الفقه له سجيّة كما مرّ القول عليه في الكلام على الفقيه والفقيهيّ في الألقاب الإسلامية المفردة. النمط الرابع (ما يقع فيه التفاوت بحسب ما في ذلك اللّقب من اقتضاء التشريف لعلوّ متعلّقه ورفعته) كالممهّديّ والمشيّديّ، فإن المراد ممهّد الدول ومشيّد الممالك على ما مرّ في الألقاب المركّبة؛ فإنّ من ينتهي في الرّتبة إلى تمهيد الدّول وتشييد الممالك فلا نزاع في أنه من علوّ الرتبة بالمكان الأرفع، وكذلك ما يجري هذا المجرى كالمدبّريّ بالنسبة إلى الوزراء ومن في معناهم، والمحقّقيّ بالنسبة إلى العلماء، والأصيليّ بالنسبة إلى العريق في كرم الأصل ونحو ذلك.

الصنف الثاني (الألقاب المركبة، وهي على ضربين)

الصنف الثاني (الألقاب المركّبة، وهي على ضربين) الضرب الأوّل (ما يترتّب بعضه على بعض لقبا بعد لقب، وله اعتباران) الاعتبار الأوّل (أن يشترك في رعاية الترتيب أرباب السيوف والأقلام وغيرهم، وهو على ثلاثة أنماط) النمط الأوّل (ما يضاف إلى الإسلام، وله ثلاثة أحوال) الحال الأوّل- أن يكون ذلك في ألقاب أرباب السّيوف . وقد اصطلح المقرّ الشّهابي بن فضل الله على أن جعل أعلاها ركن الإسلام والمسلمين فذكر ذلك في المكاتبة إلى النائب الكافل، ومكاتبته يومئذ بالجناب الكريم، ثم أبدل الكتّاب ذلك بعده بمعزّ الإسلام والمسلمين، وجعلوه مع المكاتبة إليه بالمقرّ الكريم على ما استقرّ عليه الحال آخرا في المكاتبة إلى النائب الكافل ونائب الشام، وجعلوا دون ذلك عزّ الإسلام والمسلمين فأوردوه مع الجناب الكريم والجناب العالي على ما استقرّ عليه مصطلحهم في السلطانيات. وجعل في «عرف التعريف» في الإخوانيّات عزّ الإسلام والمسلمين أعلى الألقاب فأورده في ألقاب المقرّ الشريف، ثم طرده فيما بعد ذلك من المقرّ الكريم والمقرّ العالي ولم يعده إلى ما بعد، ثم جعل دونه مجد الإسلام والمسلمين، فأورده مع المجلس العالي مطلقا مع الدعاء وصدرت، ثم جعل دون ذلك مجد الإسلام فقط من غير عطف المسلمين عليه، فأورده في المجلس الساميّ بالياء والسامي بغير ياء، ولم يعده إلى مجلس الأمير بل أعاضه بمجد الأمراء على ما سيأتي ذكره، وتابعه على ذلك في التثقيف.

الحال الثاني - أن يكون ذلك في ألقاب الوزراء من أرباب الأقلام

الحال الثاني- أن يكون ذلك في ألقاب الوزراء من أرباب الأقلام ومن في معناهم ككاتب السّر، وناظر الجيش، وناظر الخاصّ فمن دونهم من الكتاب. وقد ذكر المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في بعض دساتيره السامية أن أعلاها لهم ركن الإسلام والمسلمين، وجعل في «عرف التعريف» أعلاها للوزراء صلاح الإسلام والمسلمين، ولمن في معنى الوزراء عزّ الإسلام والمسلمين أو جلال الإسلام والمسلمين وأورد ذلك مع المقرّ الشريف وما بعده: من المقرّ الكريم، والمقرّ العالي والجناب الشريف، والجناب الكريم، وجعل دون ذلك مجد الإسلام مجرّدا عن عطف المسلمين عليه، وأورده مع المجلس العالي، والمجلس السامي. أما تخصيص صلاح الإسلام والمسلمين بالوزراء، وعز الإسلام والمسلمين وجلال الإسلام والمسلمين بمن في معناهم فلأنّ الصلاح فيه معنى السّداد والقصد، والعزّ والجلال فيهما معنى العظمة والهيبة، ولا شك أن وظيفة الوزارة التي مناطها تدبير الملك بالصلاح أجدر؛ على أنه إذا حصل الصلاح تبعته العظمة والهيبة ضرورة. وأما كون جلال الإسلام والمسلمين أعلى من مجد الإسلام، فلأمرين؛ أحدهما أنّ الجلال بمعنى العظمة، والمجد بمعنى الشرف، والعظمة أبلغ من الشرف لما في العظمة من نفاذ الكلمة. والثاني أن الإضافة في جلال الإسلام والمسلمين في المعنى إلى شيئين وفي مجد الإسلام إلى أحدهما. الحال الثالث- أن يكون في ألقاب القضاة والعلماء ، وقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها حجّة الإسلام أو ضياء الإسلام، فأوردهما مع الجناب الشريف الذي هو عنده أعلى الرّتب لهذه الطائفة، وجعل دون ذلك بهاء الإسلام فأورده مع الجناب الكريم، وجعل دونه مجد الإسلام فأورده مع المجلس العالي والساميّ بالياء وبغير ياء. أما كون حجة الإسلام وضياء الإسلام أعلى رتبة من مجد الإسلام فلأن

الحال الرابع - أن يكون في ألقاب الصلحاء

الحجة في اللغة بمعنى البرهان وهو الدليل القاطع، وبه تتقرّر قواعد الإسلام ومبانيه، والضياء في أصل اللغة خلاف الظلمة، ثم استعير للهداية وما في معناها، ولا شكّ أن الوصف بهذين الأمرين أبلغ من الوصف بالمجد الذي هو بمعنى الشرف. الحال الرابع- أن يكون في ألقاب الصلحاء ، وقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها صلاح الإسلام وأورده مع الحضرة؛ ومع الجناب الشّريف، والجناب الكريم، وجعل دونه جلال الإسلام وأورده مع الجناب العالي، ودونه ضياء الإسلام وأورده مع المجلس العالي، وجعل دونه جلال الإسلام فأورده مع المجلس الساميّ بالياء فما دونه. أمّا كون صلاح الإسلام والمسلمين أعلى من جلال الإسلام والمسلمين فقد تقدّم بيانه. وأمّا كون جلال الإسلام والمسلمين أعلى من ضياء الإسلام والمسلمين فلأنّ الجلال معناه العظمة، وهي أعلى من الضياء على ما فيه من التعسّف. النمط الثاني (من الألقاب المركّبة ما يضاف إلى الأمراء والوزراء ونحوهم، من أرباب المراتب السّنيّة، وهو على الأحوال الأربعة المتقدّمة الذكر فيما يضاف إلى الإسلام) الحال الأوّل- أن يكون في ألقاب أرباب السيوف . قد جعل في «عرف التعريف» أعلاها سيّد الأمراء في العالمين، وأورده مع المقرّ الشريف، والمقرّ الكريم، والمقرّ العالي. وجعل دونه سيّد الأمراء المقدّمين، وأورده مع الجناب الشريف، والجناب الكريم، والجناب العالي. ودونه شرف الأمراء المقدّمين، وأورده مع المجلس العالي والدّعاء. ودونه شرف الأمراء في الأنام «1» ، وأورده مع الساميّ بالياء. ودونه زين الأمراء المجاهدين، وأورده مع

الحال الثاني - أن يكون في ألقاب الوزراء ومن في معناهم

السامي بغير ياء. ودونه مجد الأمراء، وأورده مع مجلس الأمير. والذي في «التثقيف» بعد سيّد الأمراء في العالمين سيّد أمراء العالمين، وأورده مع الجناب العالي. ودونه شرف الأمراء في العالمين، وأورده مع المجلس العالي والدعاء. ودونه شرف الأمراء المقدّمين، وأورده مع صدرت والعالي. ودونه شرف الأمراء فقط، وأورده مع الساميّ بالياء. ودونه فخر الأمراء، وأورده مع السامي بغير ياء. ودونه مجد الأمراء، وأورده مع مجلس الأمير. ولا يخفى ما بينهما من الاختلاف. ولا مشاحّة في الاصطلاح بعد فهم المعنى، ولا نزاع في أن الترتيب الذي في التثقيف أحسن. وإذا تأمّلت ذلك وعرضته على ما تقدّم من التوجيه في النمط الأوّل ظهر لك حقيقة ذلك. الحال الثاني- أن يكون في ألقاب الوزراء ومن في معناهم . فقد ذكر في «عرف التعريف» أن أعلاها للوزراء سيد الوزراء في العالمين، ولمن في معناهم من كاتب السرّ ونحوه سيّد الكبراء في العالمين، وأورد ذلك مع المقرّ الشريف، والمقرّ الكريم، والمقرّ العالي، والجناب الشّريف، والجناب الكريم، والجناب العالي، وجعل دونه لمن دون هؤلاء من الكتّاب فخر الأنام، وأورده في المجلس العالي والدعاء مع ما بعده. الحال الثالث- أن يكون من ألقاب القضاة والعلماء. وقد جعل في «عرف التعريف» : أعلاها شرف الأنام. وأورده مع الجناب الشريف الذي جعله أعلى المكاتبات لهم، ومع الجناب الكريم والجناب العالي وجعل دونه فخر الأنام، فأورده مع المجلس العالي بالدعاء. ودونه بهاء الأنام، وأورده مع صدرت والعالي، ومع الساميّ بالياء والسامي بغير باء. الحال الرابع- أن يكون من ألقاب الصلحاء وقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها خالصة الأنام، وأورده مع الحضرة الشريفة التي جعلها أكبر رتبهم، ومع الجناب الشريف، والجناب الكريم، والجناب العالي؛ وجعل دونه

النمط الثالث (من الألقاب المركبة ما يضاف إلى الملوك والسلاطين، وهو على الأحوال الأربعة المتقدمة الذكر)

شرف الأنام وأورده مع المجلس العالي. ودونه زين الأنام، وأورده مع الساميّ بالياء وبغير ياء. النّمط الثالث (من الألقاب المركّبة ما يضاف إلى الملوك والسّلاطين، وهو على الأحوال الأربعة المتقدّمة الذكر) الحال الأوّل- أن يكون من ألقاب أرباب السّيوف . وقد ذكر في «عرف التعريف» أن أعلاها ظهير الملوك والسلاطين، وأورده مع المقرّ الشريف والمقرّ الكريم، والمقرّ العالي، والجناب الشريف، والجناب الكريم، والجناب العالي؛ وجعل دونه عضد الملوك والسلاطين، وأورده مع المجلس العالي والمجلس الساميّ بالياء. ودونه عمدة الملوك والسلاطين، وجعله مع مجلس الأمير. والذي في «التثقيف» إيراد ظهير الملوك والسلاطين مع المقرّ الكريم وما بعده إلى آخر المجلس العالي؛ وجعل عضد الملوك والسلاطين مع الساميّ بالياء، وعمدة الملوك والسلاطين مع السامي بغير ياء، وعدّة الملوك والسلاطين مع مجلس الأمير. والحاصل أنه في «التثقيف» زاد رتبتين في ظهير الملوك والسلاطين، فجعله في المجلس السامي مع الدعاء ومع صدرت، على أن التحقيق أن عضد الملوك والسلاطين أعلى في الحقيقة من ظهير الملوك والسلاطين؛ لأن العضد عضو من أعضاء الإنسان، وهو ما بين المرفق والكتف، والظّهير خارج عنه، وما كان من نفس الإنسان كيف يجعل ما هو خارج عنه أرفع منه بالنسبة إلى ذلك الشخص؟. الحال الثاني- أن يكون من ألقاب الوزراء ومن في معناهم . وقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها ظهير الملوك والسلاطين أيضا، وأورده مع المقرّ الشريف، والمقرّ الكريم، والمقرّ العالي، والجناب الشريف، والجناب الكريم، والجناب العالي؛ وجعل دونه صفوة الملوك والسلاطين، وأورده مع

الحال الثالث - أن يكون من ألقاب القضاة والعلماء

المجلس العالي فما دونه. الحال الثالث- أن يكون من ألقاب القضاة والعلماء . وقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها للقضاة حكم الملوك والسلاطين، ولغيرهم من العلماء خالصة الملوك والسلاطين، وهو عنده للجناب الشريف فما فوقه. ودونه بركة الملوك والسلاطين، وأورده مع الجناب الكريم، والجناب العالي، والمجلس العالي، مع الدّعاء. وجعل دونه صفوة الملوك والسلاطين، وأورده في صدرت والعالي فما دون ذلك. الحال الرابع- أن يكون في ألقاب الصّلحاء . ولم يزد في «عرف التعريف» على أنه يكتب لهم بركة الملوك والسلاطين، وحينئذ فيقتصر عليها لجميعهم ممن يستحقّ ذلك بحسب ما يقتضيه حال المكتوب بسببه. النمط الرابع (من الألقاب المركّبة ما يضاف لأمير المؤمنين، وهو على الأحوال الأربعة «1» المتقدّم ذكرها) الحال الأوّل- أن يكون من ألقاب أرباب السيوف ، وأعلاها قسيم أمير المؤمنين، وهو من الألقاب الخاصّة بالسلطان كما تقدّم ذكره في موضعه. ودونه خليل أمير المؤمنين، وهو من ألقاب أولاد الملوك وألقاب بعض الملوك الأجانب المكتوب إليهم عن الأبواب السلطانية. ودونه عضد أمير المؤمنين، وهو أعلى ما يكتب لنوّاب السلطنة عن الأبواب السلطانية؛ وجعله في «عرف التعريف» مع المقرّ الشريف خاصّة. ودونه سيف أمير المؤمنين، وأورده مع المقرّ الكريم والمقرّ العالي؛ ودونه حسام أمير المؤمنين، وجعله في «عرف التعريف» مع الجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي؛ ولم يورد بعد ذلك لقبا بالإضافة إلى أمير المؤمنين بل اقتصر على ما يضاف إلى الملوك والسّلاطين.

الحال الثاني - أن يكون من ألقاب الوزراء ومن في معناهم

وأما في التثقيف فجعله مع المقرّ الكريم والمقرّ العالي. ودونه حسام أمير المؤمنين، وأورده مع المجلس العالي والدّعاء، ولم يورد فيما بعد ذلك لقبا بالإضافة إلى أمير المؤمنين. والحاصل أنه في «عرف التعريف» زاد رتبة فيما يضاف إلى أمير المؤمنين، وهي حسام أمير المؤمنين. الحال الثاني- أن يكون من ألقاب الوزراء ومن في معناهم . ولم يزد في «عرف التعريف» على وليّ أمير المؤمنين، وأورده مع المقرّ الشريف، والمقرّ الكريم، والمقرّ العالي والجناب الشريف؛ ويحسن أن يجيء مع الجناب الكريم خالصة أمير المؤمنين، ومع الجناب العالي صفيّ أمير المؤمنين أو صفوة أمير المؤمنين، ولا يضاف إلى أمير المؤمنين مع المجلس العالي فما دونه شيء من الألقاب اكتفاء بما يضاف إلى الملوك والسلاطين كما تقدّم في أرباب السيوف. الحال الثالث- أن يكون من ألقاب القضاة والعلماء . فقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها وليّ أمير المؤمنين، وجعله مع الجناب الشريف فما فوقه، ويحسن أن يجيء مع الجناب الكريم خالصة أمير المؤمنين، ومع الجناب العالي صفيّ أمير المؤمنين أو صفوة أمير المؤمنين، كما تقدّم في الوزراء ومن في معناهم ومن دونهم من الكتّاب. الاعتبار الثاني (في الألقاب المركّبة أن يختصّ الترتيب في الألقاب بنوع من المكتوب لهم، وهو أربعة أنماط) النمط الأوّل (ما يختصّ بأرباب السيوف، وله حالان) الحال الأوّل- أن تقع الإضافة فيه إلى الغزاة والمجاهدين . وقد جعل

الحال الثاني - أن يكون اللقب مضافا إلى الجيوش

المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في «التعريف» ناصر الغزاة والمجاهدين أعلاها، فأورده في المكاتبة إلى نائب الشام، والمكاتبة إليه يومئذ دون المكاتبة إلى النائب الكافل؛ وهو خلاف مقتضى تركيب لغة العرب لما تقدّم من أن صيغة فعيل أعلى من صيغة فاعل، ولذلك جعلوا الكفيل أعلى من الكافل على ما تقدّم بيانه. وحينئذ فيكون نصير الغزاة والمجاهدين أعلى من ناصر الغزاة والمجاهدين على خلاف ما ذكره. أما في «عرف التعريف» فإنه أعرض عن ذكر الألقاب المضافة إلى الغزاة والمجاهدين مع المقرّ الشريف الذي هو أعلى الألقاب لأرباب السيوف من النّوّاب ومن في معناهم، وأتى بعده مع المقرّ الكريم بنصير الغزاة والمجاهدين، ثم أتى بعده مع الجناب الشريف إلى آخر المجلس العالي بنصرة الغزاة والمجاهدين، فجعل نصير الغزاة أبلغ من نصرة الغزاة؛ لما في نصير من التذكير وفي نصرة من لفظ التأنيث، والتذكير أعلى رتبة من التأنيث؛ ثم أتى مع الساميّ بالياء بذخر الغزاة والمجاهدين، ثم مع السامي بغير ياء بزين الأمراء المجاهدين على وصف الأمراء بالمجاهدين دون عطف المجاهدين على الأمراء؛ ثم مع مجلس الأمير بزين المجاهدين. وجعل في «التثقيف» أعلاها ناصر الغزاة والمجاهدين تبعا «للتعريف» وأورده مع المقرّ الكريم؛ ودونه نصرة الغزاة والمجاهدين، وأورده مع الجناب الكريم وما بعده إلى آخر المجلس العالي؛ ثم أتى مع الساميّ بالياء بأوحد المجاهدين، ومع السامي بغير ياء ومجلس الأمير بزين المجاهدين، والحال في ذلك قريب. الحال الثاني- أن يكون اللقب مضافا إلى الجيوش . وقد جعل في «التعريف» أعلاها أتابك الجيوش، وأورده في ألقاب النائب الكافل؛ وجعل دونه زعيم الجيوش وأورده في ألقاب نائب الشام، وهو يومئذ دون النائب الكافل؛ ثم جعل دونه زعيم جيوش الموحّدين، وأورده في ألقاب نائب حلب.

النمط الثاني (ما يختص بالوزراء ومن في معناهم: من كاتب السر ونحوه فمن دونهم من الكتاب)

وعلى نحو من ذلك جرى في «عرف التعريف» فجعل أعلاها زعيم الجيوش وأورده مع المقرّ الشريف، والمقرّ الكريم والمقرّ العالي؛ ودونه زعيم جيوش الموحّدين، وأورده مع الجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي؛ ولم يورد شيئا في هذا المعنى فيما بعد ذلك، وعلى نحو ذلك جرى في التثقيف. النمط الثاني (ما يختص بالوزراء ومن في معناهم: من كاتب السرّ ونحوه فمن دونهم من الكتّاب) وقد ذكر في «عرف التعريف» أن أعلاها للوزراء سيّد الوزراء في العالمين، ولمن في معناهم سيّد الكبراء في العالمين، وأورد ذلك مع المقرّ الشريف والمقرّ الكريم والمقرّ العالي والجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي؛ وجل دونه لمن دونهم من الكتّاب شرف الرؤساء، وأورده مع المجلس العالي، ولا شكّ أنه يجيء بعده أوحد الكتّاب أو شرف الكتّاب مع المجلس الساميّ بالياء، ثم جمال الكتّاب للسامي بغير الياء فما دونه. النمط الثالث (ما يختصّ بالقضاة والعلماء) وقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها سيّد العلماء والحكّام، ولغيرهم أوحد العلماء الأعلام، وجعله للجناب الشريف فما فوقه، ثم للجناب الكريم، والجناب العالي؛ وجعل دونه تاج العلماء والحكّام، أو شرف العلماء والحكّام، وأورده مع المجلس العالي، ودونه جمال العلماء أوحد الفضلاء، وأورده مع الساميّ بالياء؛ ودونه جمال الأعيان مع السامي بغير ياء فما دونه. النّمط الرابع (ما يختصّ بالصّلحاء) وقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها لهم شيخ شيوخ العارفين،

وأورده مع الحضرة الطاهرة، وجعل دون ذلك أوحد المحقّقين، فأورده مع الجناب الكريم؛ ودونه أوحد النّاسكين، فأورده مع الجناب العالي. قلت: وليس وضع هذه الألقاب على الترتيب في العلوّ والهبوط راجعا إلى مجرّد التّشهّي من غير تقصّ لعلوّ أو هبوط يدلّ عليه جوهر اللفظ، بل لا بدّ أن يكون لتقدّم كلّ لقب منها على الآخر ورفعته عليه في الرّتبة سبب يقتضيه اللفظ وتوجبه دلالته الظاهرة أو الخفيّة. وما وقع فيها مما يخالف ذلك فلعدم تأمّل الواضع لذلك، أو وقوعه من بعض المدّعين الظانّين أن القلم في ذلك مطلق العنان، يتصرّف في وضعه كيف شاء من غير نظر إلى ما يوجب تقديما ولا تأخيرا. ومما يوضّح ذلك ويبيّنه أنك إذا اعتبرت الألقاب المضافة إلى الإسلام المتقدّمة الذكر في أرباب السيوف مثلا، رأيت أعلاها ركن الإسلام والمسلمين، على ما هو مذكور في «التعريف» وغيره من سائر دساتير المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله؛ وأعلاها على ما ذكره في «التثقيف» معزّ الإسلام والمسلمين، ودون ذلك في الرتبة عزّ الإسلام والمسلمين، ودونه مجد الإسلام والمسلمين، ودونه مجد الإسلام فقط من غير عطف، على ما تقدّم ذكره. أمّا كون ركن الإسلام والمسلمين أعلى من عز الإسلام والمسلمين، فلأنّ ركن الشيء في اللغة جانبه الأقوى، وقد قال الأصوليّون «1» : إن الرّكن ما كان داخل الماهيّة، وحينئذ فيكون ركن الشيء بعضا منه بخلاف العزّ فإنه معنى من المعاني خارج عنه، وما كان بعضا للشيء كان أخصّ به مما هو خارج عنه. وأما وجه إبدالهم ركن الإسلام والمسلمين بمعزّ الإسلام والمسلمين فلأن في الرّكن معنى العزّ والقوّة، وقد فسر قوله تعالى حكاية عن لوط عليه السّلام: أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ «2» بالعزّ والمنعة، فجعل المعزّ لهذا الاعتبار في

الألقاب قائما مقام الركن. وأمّا كون عزّ الإسلام والمسلمين أعلى من مجد الإسلام والمسلمين؛ فلأن العزّ أجدى في النّفع من المجد، فقد تقدّم أنّ ابن السكّيت «1» قال: إن المجد لا يكون إلا بشرف الآباء، ولا نزاع في أن العزّ في تعارف الملوك أكثر جدوى وأوفر نفعا في تحصيل المقاصد. وقد ذكر أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتّاب» أن الكتّاب في الزمن القديم كانوا يجعلون الدّعاء بالعزّ عقب الدعاء بطول البقاء، فإنه يكون بالعز مصونا عاليا آمنا غنيّا. وأمّا كون مجد الإسلام والمسلمين أعلى من مجد الإسلام، فلأنّ الشيء كلّما تعدّى فعله إلى غيره كان أرفع رتبة، ومجد الإسلام والمسلمين يتعدّى إلى شيئين، وهما الإسلام والمسلمين، ومجد الإسلام لا يتعدّى إلا إلى شيء واحد وهو الإسلام. فلذلك «2» إذا اعتبرت الألقاب المضافة إلى أمير المؤمنين، رأيت أعلاها في أرباب السيوف قسيم أمير المؤمنين، ودونه خليل أمير المؤمنين، ودونه عضد أمير المؤمنين ودونه سيف أمير المؤمنين، ودونه حسام أمير المؤمنين. أمّا كون قسيم أمير المؤمنين أعلى من خليل أمير المؤمنين، فلأنّ القسيم بمعنى المقاسم، والمراد أنه قاسم أمير المؤمنين الملك وساهمه في الأمر فصارا فيه مشتركين، وخليل أمير المؤمنين مأخوذ من الخلّة بضم الخاء، وهي الصّداقة، وفرق بين من يقاسم الخليفة فيصير عديله في الأمر، وبين من يكون خليله وصاحبه. على أنه قد تقدّم أنّ الملوك قد أربت «3» بأنفسها عن هذا اللقب لاستبدادهم بالملك واستيلائهم عليه. وأمّا كون خليل أمير المؤمنين أعلى من عضد أمير المؤمنين؛ فلأن العضد

ليس المراد منه العضو الحقيقيّ الذي هو بين الكتف والمرفق، وإنما استعير للناصر وكأنه ينصره بنفسه كما ينصره عضده، ومثل هذا الوصف لا يكون إلا للأتباع، بخلاف الخليل والصّديق فإنه لا تكاد رتبته عند الشخص تنحطّ عن رتبة نفسه. وأمّا كون عضد أمير المؤمنين أعلى من سيف أمير المؤمنين، فلأن العضد وإن قصد به الناصر فإنه منقول عن العضو للناصر كما تقدّم وعضو الإنسان عنده في العزّة وقوّة النّصر فوق سيفه في ذلك. وأمّا كون سيف أمير المؤمنين أعلى من حسام أمير المؤمنين- وإن كان الحسام متضمّنا لوصف القطع الذي هو المقصود الأعظم من السيف من حيث إنه مأخوذ من الحسم، وهو القطع- فلأن السيف مأخوذ من ساف إذا هلك كما صرح به الشيخ «جمال الدين بن هشام» في شرح قصيدة كعب بن زهير، ولا شكّ أن معنى الإهلاك أبلغ من معنى القطع؛ لأن القطع قد يقع في بعض البدن مما لا يتضمّن الإهلاك، وهذا مما يجب التنبّه له فإنه ربما توهّم أن الحسام أبلغ من السيف لتضمّن وصف القطع كما تقدّم. وبالجملة فلا سبيل إلى استيعاب جميع ما يرد من هذا الباب بالتوجيه؛ لأن ذلك يؤدّي إلى الإسهاب والملل. والقول الجامع في ذلك أنه ينظر إلى الألفاظ الواقعة في الألقاب وما تقتضيه من أصناف المدح، وما تنتهي إليه رتبتها فيه من أعلى الدرجات أو أوسطها أو أدناها فيرتبها على هذا الترتيب، ويوجّهها بما يظهر له من التوجيه على نحو ما تقدّم. كما إذا اعتبرت رتبة الجلال والجمال فإنك تجد الجلال أعلى رتبة؛ لأن معنى الجلال العظمة، ومعنى الجمال الحسن، ولا نزاع في أن العظمة أبلغ وأعلى موقعا من الحسن. وكما إذا اعتبرت الضّياء والبهاء، فإن الضّياء يكون أبلغ؛ لأن الضياء معناه النّور الذاتيّ، وهو متعدّي النفع عامّ الفضيلة، والبهاء معناه الحسن، وهو قاصر على صاحبه. وفيما ذكر إرشاد إلى ما لم يذكر.

القسم الثاني (مما تتفاوت فيه مراتب الألقاب ما يقع التفاوت فيه بالتقديم والتأخير، وهو نوعان)

القسم الثاني (مما تتفاوت فيه مراتب الألقاب ما يقع التفاوت فيه بالتقديم والتأخير، وهو نوعان) النوع الأوّل (الألقاب المفردة، وهي على ستة أنماط) النّمط الأوّل (الألقاب التي تلي الألقاب الأصول) وهي التي تلي المقام والمقرّ والجناب والمجلس، كالأشرف والشريف والكريم والعالي والسامي. فالأشرف يلي المقام والمقرّ، فيقال: المقام الأشرف، والمقرّ الأشرف، والشريف يلي المقام والمقرّ والجناب، فيقال: المقام الشريف، والمقرّ الشريف، والجناب الشريف. والكريم يلي المقرّ والجناب، فيقال: المقرّ الكريم، والجناب الكريم. والعالي يلي المقام والمقرّ والجناب والمجلس، فيقال: المقام العالي، والمقرّ العالي، والجناب العالي، والمجلس العالي. والسامي يلي المجلس خاصّة، فيقال: المجلس السّامي. والعالي يلي الأشرف والشريف والكريم، فيقال: الأشرف العالي، والشريف العالي، والكريم العالي. النمط الثاني (ما يلي العالي أو السامي من الألقاب) وهو اللقب الذي يميّز نوع المكتوب له، كالأميريّ لأرباب السيوف، والصاحبيّ للوزراء من أرباب الأقلام، والقضائيّ والقاضويّ لسائر أرباب الأقلام، والشّيخيّ للصوفيّة وأهل الصّلاح، والصّدريّ للتّجّار ومن في معناهم، مثل أن يقال: المقرّ الكريم العالي [الأميريّ] «1» والجناب العالي الصاحبيّ، أو

النمط الثالث (ما يلي لقب الوظيفة)

الجناب العالي القاضويّ، أو المجلس العالي، أو المجلس السامي الشّيخيّ، أو المجلس السامي الصّدريّ، وما أشبه ذلك. والمعنى في وضع هذه الألقاب في هذا الموضع أن يدلّ أوّل لقب يذكر بعد اللقب الأصل وتابعه على الوظيفة كما تدلّ براعة الاستهلال على صورة الحال في المكاتبة أو الولاية أو غيرهما، وربما كان المحلّ مما يقتضي التلقيب بالمولويّ فيقدّم لقب المولويّ على لقب الوظيفة، مثل أن يقال: المقرّ الشريف العالي المولويّ الأميريّ، فإن كان اللقب الأصل مضافا لمجلس الأمير أو مجلس القاضي أو مجلس الشيخ أو مجلس الصّدر، قام المضاف إليه مقام لقب الوظيفة؛ فيقوم الأمير من مجلس الأمير مقام الأميريّ، والقاضي من مجلس القاضي مقام القضائيّ، والشيخ من مجلس الشيخ مقام الشّيخيّ، والصّدر من مجلس الصدر مقام الصّدريّ. ثم لا ينعت بعد ذلك في هذه الحالة إلّا بالأجلّ، ويؤتى بعده بما يناسبه من الألقاب. النمط الثالث (ما يلي لقب الوظيفة «1» ) وهو الكبير أو الكبيريّ، فيؤتى به تلو اللقب الدالّ على الوظيفة، مثل أن يقال: المقرّ العالي الأميريّ الكبيريّ، أو الجناب العالي القضائيّ الكبيريّ، أو المجلس الساميّ الكبيريّ إذا كان بالياء، أو الكبير إذا كان بغير الياء. النمط الرابع (ما يقع قبل لقب التعريف الذي هو الفلانيّ أو فلان الدّين) وهو اللقب الدالّ على الوظيفة دلالة خاصّة، كالكافليّ والكفيليّ للنوّاب، والوزيريّ للوزراء، والحاكميّ للقضاة. فإن كان المكتوب له نائب سلطنة كتب له قبل الفلاني الكافليّ أو الكفيليّ بحسب ما يقتضيه الحال، وإن كان حاكما

النمط الخامس (ما يقع فصلا بين الألقاب المفردة والمركبة)

كتب الحاكميّ. قال في «التثقيف» : وإن كان وزيرا كتب في آخر ألقابه الوزيريّ. والذي ذكره في «عرف التعريف» أن الوزيريّ يلي لقب الوظيفة، فإذا كان الوزير من أرباب السيوف كتب الأميريّ الوزيريّ؛ وإن كان من أرباب الأقلام كتب الصاحبيّ الوزيريّ. وما ذكره في «التثقيف» متّجه فيما إذا كان الوزير صاحب قلم، فإن التعريف في الوظيفة يعرف أولا من قوله الصاحبيّ. وما ذكره في «التعريف» ظاهر فيما إذا كان الوزير من أرباب السيوف، فإنه يتعين تقديم الوزيريّ فيذكر بعد الأميريّ ليدل من الابتداء على الوظيفة، إذ مطلق الإمرة لا يدلّ على وزارة ولا عدمها، فلو أخّر إلى آخر الألقاب لما عرف أنها ألقاب وزير إلى حين ذكر هذا اللقب، وإنما رتّب هذا الترتيب ليدلّ باللقب الذي هو أوّل الألقاب بعد العالي أو السامي على حال صاحب تلك الألقاب هل هو من أرباب السيوف أو الأقلام أو غير ذلك، وباللقب الذي هو آخر الألقاب المفردة على وظيفته الخاصّة به. النمط الخامس (ما يقع فصلا بين الألقاب المفردة والمركّبة) وهو لقب التعريف كالفلانيّ وفلان الدين، فقد جعلوه فاصلا بينهما. النمط السادس (ما ليس له موضع مخصوص من الألقاب المفردة) وهو ما بين اللقب الذي يقع به التمييز بين الأميريّ ونحوه، وبين اللقب الذي قبل لقب التعريف كالعالميّ والعادليّ ونحوهما، فالقلم في ذلك مطلق العنان بالتقديم والتأخير على ما يقتضيه الحال بحسب ما يراه الكاتب.

النوع الثاني (مما تتفاوت فيه مراتب الألقاب بالتقديم والتأخير، الألقاب المركبة المعبر عنها بالنعوت، وهي على ثلاثة أنماط)

النوع الثاني (مما تتفاوت فيه مراتب الألقاب بالتقديم والتأخير، الألقاب المركبة المعبّر عنها بالنّعوت، وهي على ثلاثة أنماط) النمط الأوّل (ما يلي لقب التعريف الذي هو الفلانيّ أو فلان الدين) وهو ما يضاف إلى الإسلام مثل ركن الإسلام والمسلمين وعزّ الإسلام والمسلمين وما أشبه ذلك، فقد اصطلحوا على أن يكون ذلك أوّل الألقاب المركّبة، وتوجيهه ظاهر لأن المضاف يشرف بشرف المضاف إليه، ولا أشرف عند أهل الإسلام من الإسلام فوجب تقديم ما يضاف إليه على غيره. النمط الثاني (ما يقع في آخر الألقاب المركّبة) ويختلف الحال فيه باختلاف حال المكتوب له، فإن كان ممن يكتب له المجلس السامي بغير ياء فما دونه جعل آخر الألقاب فيه ما يضاف إلى الملوك والسلاطين، مثل أن يقال: صفوة الملوك والسلاطين، أو اختيار الملوك والسلاطين وما أشبه ذلك. وإن كان ممن يكتب له الساميّ بالياء فما فوقه جعل آخر الألقاب فيه ما يضاف إلى أمير المؤمنين، مثل عضد أمير المؤمنين، ووليّ أمير المؤمنين، وخالصة أمير المؤمنين، وما أشبه ذلك على ما تقتضيه رتبة المكتوب له. والمعنى فيه أنّ حسن الاختتام بالإضافة إلى الملوك والسلاطين الذين هم ثاني رتبة الخلافة. النمط الثالث (ما بين أوّل الألقاب المركّبة وبين آخرها) فقد اصطلحوا على أن يكون المقدّم منها مما يقتضي تقديم المكتوب له على أبناء جنسه، مثل: سيّد الأمراء في العالمين، وسيّد العلماء والحكّام في

الجملة الثامنة (في بيان محل اللقب المضاف إلى الملك ولقب التعريف الخاص به الواقع تلو اللقب الملوكي، مثل الملكي الناصري الزيني وما أشبه ذلك؛ وله ثلاثة أحوال)

العالمين، وما أشبه ذلك، ثم في حقّ كل أحد من أرباب الأقلام والسيوف بحسب ما يقتضيه حاله على نحو ما تقدّم في الكلام على ما تتفاوت رتبه بالعلوّ والهبوط. الجملة الثامنة (في بيان محل اللّقب المضاف إلى الملك ولقب التعريف الخاصّ به الواقع تلو اللقب الملوكيّ، مثل الملكيّ الناصريّ الزّينيّ وما أشبه ذلك؛ وله ثلاثة أحوال) الحالة الأولى- أن يكون ذلك في ألقاب السلطان نفسه ، كما يقع في التقاليد والمناشير ونحوهما، فموضعه بعد رسم بالأمر الشريف، أو خرج الأمر الشريف، مثل أن يكتب رسم بالأمر الشريف العالي المولويّ السلطانيّ الملكيّ الناصريّ الزّينيّ، أو- فلذلك رسم بالأمر الشريف الفلانيّ، أو خرج الأمر الشريف العالي المولويّ السلطانيّ الملكيّ الفلانيّ الفلانيّ، وما أشبه ذلك. الحالة الثانية- أن يكون اللقب المضاف إلى الملك في ألقاب المكتوب له ، كما لو كتب في تقليد أو نحوه. ومحلّه بعد ذكر اسم المكتوب له بعد الألقاب، مثل أن يقال بعد انتهاء الألقاب: فلان الظاهريّ أو الناصريّ ونحو ذلك، ولا يقال له: الملكيّ حينئذ. الحالة الثالثة- أن يكون في ألقاب المكتوب عنه كما يكتب في أوّل المكاتبات الملكيّ الفلانيّ، وقد اصطلحوا على أن يكتب ذلك تحت جرّة البسملة على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

الجملة التاسعة (في ترتيب جملة الألقاب الفروع على الألقاب الأصول على قدر طبقاتها

الجملة التاسعة (في ترتيب جملة الألقاب الفروع على الألقاب الأصول على قدر طبقاتها ، وهي قسمان) القسم الأوّل (الألقاب الإسلاميّة) واعلم أن ترتيب الألقاب تارة يكون في السّلطانيّات، وتارة يكون في الإخوانيّات وما يكتب عن النّواب. وقد كانوا في الأيّام الناصريّة «محمد بن قلاوون» يستعملون في الإخوانيّات وما يكتب عن النّواب النّعوت المركّبة كما في السّلطانيات، لا يفرق بينهما إلا ما في الإخوانيات وما في معناها من الألقاب التي لا تصلح للسلطانيات، كالمولويّ والسيّديّ والمخدوميّ ونحوها. أما الآن فقد وقع الاقتصار فيها على المفردات دون المركّبات، وصارت المركّبات مختصة بالسلطانيّات. ثم الألقاب الإسلامية الفروع المرتّبة على الألقاب الأصول على سبعة أضرب: الضرب الأوّل (الألقاب المتعلّقة بالخلافة وما يلتحق بها، ومبناها على الاختصار؛ وهي ثلاثة أنواع) النوع الأوّل (ألقاب الخلفاء، وهي صنفان) الصنف الأوّل- أن تكون لنفس الخليفة ، فكان يقال فيها في الزمن القديم «عبد الله فلان أمير المؤمنين» [فإن كان اسم الخليفة عبد الله كالمأمون كرّر الاسم مرتين: مرة للاسم العلم ومرة للقب الخلافة، فيقال: «عبد الله عبد الله

الصنف الثاني - أن تكون الألقاب للديوان في مكاتبة أو غيرها

أمير المؤمنين» ] «1» ثم زيد فيها الكنية بعد ذلك، فقيل «عبد الله فلان أبو فلان أمير المؤمنين» ثم زيد لفظ الإمام فقيل «عبد الله فلان أبو فلان [الإمام] «2» الفلانيّ- بلقب الخلافة مثل المتوكل على الله ونحوه- أمير المؤمنين» ثم زيد ووليّه بعد عبد الله، فقيل: «عبد الله ووليّه فلان أبو فلان الإمام الفلانيّ أمير المؤمنين» وهو ما استقرّ عليه الحال آخرا. الصنف الثاني- أن تكون الألقاب للدّيوان في مكاتبة أو غيرها . والذي اصطلح عليه أن يقال «الدّيوان العزيز المولويّ السيّديّ. النّبويّ الإماميّ الفلانيّ» بلقب الخلافة. النوع الثاني (ألقاب ولاة العهد بالخلافة) وهي «الجانب الشريف، المولويّ السيّديّ، النّبويّ، الفلانيّ» بلقبه المنسوب إلى الخلافة. وربما قيل فيه الجناب بدل الجانب، وبقيّة الألقاب على ما تقدّم. النوع الثالث (ألقاب إمام الزيدية باليمن) وهي «الجناب الكريم، العالي، السيّديّ، الإماميّ، الشّريفيّ، النّسيبيّ، الحسيبيّ، الفلانيّ» بلقب التعريف «سليل الأطهار، جلال الإسلام، سيف الإمام، بقيّة البيت النبويّ، فخر الحسب العلويّ، مؤيّد أمور الدين، خليفة الأئمة، رأس العلياء، صالح الأولياء، علم الهداة، زعيم المؤمنين، ذخر المسلمين، منجد الملوك والسلاطين» .

الضرب الثاني (الألقاب الملوكية، وهي نوعان)

الضرب الثاني (الألقاب الملوكية، وهي نوعان) النوع الأوّل (الألقاب التي اصطلح عليها للسلطان بالدّيار المصرية على ما الحال مستقرّ عليه، وقد ذكر فيها في التعريف مذهبين) المذهب الأوّل- أن يقال «السّلطان السيّد الأجلّ الملك الفلانيّ العالم العادل المجاهد المرابط المثاغر المؤيّد المظفّر المنصور الشاهنشاه فلان الدنيا والدّين، سلطان الإسلام والمسلمين، محيي العدل في العالمين، وارث الملك، ملك العرب والعجم والتّرك، ظلّ الله في أرضه، القائم بسنّته وفرضه، إسكندر الزمان، مملّك أصحاب المنابر والأسرّة والتّيجان، واهب الأقاليم والأمصار، مبيد الطّغاة والبغاة والكفّار، حامي الحرمين الشريفين والقبلتين، جامع كلمة الإيمان، لواء العدل والإحسان، سيّد ملوك الزمان، أبو فلان فلان، ابن السلطان الشهيد الملك الفلاني، والد الملوك والسلاطين، أبي فلان فلان» . أما في «التثقيف» فإنه ذكر ذلك بزيادة وتغيير، وتقديم وتأخير- فقال: «السلطان الأعظم، المالك الملك الأشرف السيد الأجلّ العالم العادل المؤيّد المجاهد المرابط المثاغر المظفّر الشاهنشاه ناصر الدّنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، محيي العدل في العالمين، منصف المظلومين من الظالمين، وارث الملك، سلطان العرب والعجم والترك، فاتح الأقطار، مانح الممالك والأمصار، إسكندر الزمان، مولي الإحسان، جامع كلمة الإيمان، مملّك أصحاب المنابر والتّخوت والتّيجان، ملك البحرين، مسلّك سبل القبلتين، خادم الحرمين الشريفين، ظلّ الله في أرضه، القائم بسنّته وفرضه، سلطان البسيطة، مؤمّن الأرض المحيطة، سيد الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين، أبو فلان فلان بن فلان» . وذكر أن الغالب أن تحذف الشاهنشاه، لأن معناها ملك

النوع الثاني (الألقاب التي يكتب بها عن السلطان لغيره من الملوك، وهي على ثلاثة أصناف)

الأملاك، وقد تقدّم النهي عن التسمّي بذلك. ثم قال: والواجب أن يكون بدل وليّ أمير المؤمنين، قسيم أمير المؤمنين. المذهب الثاني- أن يكتب المقام الشريف أو الكريم أو العالي مجرّدا عنهما، ويقتصر على المفردة دون المركّبة، مثل أن يكتب «المقام الشريف العالي، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ، أبو فلان فلان» . قال في «التعريف» : وإلى هذا ذهب المتأخرون من الكتّاب؛ ثم قال: وأنا على الأوّل أعمل. النوع الثاني (الألقاب التي يكتب بها عن السلطان لغيره من الملوك، وهي على ثلاثة أصناف) الصنف الأوّل (ألقاب ولاة العهد بالسّلطنة) «وهي المقام العالي، العالميّ، العادليّ، الملكيّ، الفلانيّ، الفلانيّ- بلقب الملك واللقب المتعارف» . قال في «التثقيف» : فإن كان أخا للسلطان زيد فيه الأخويّ، أو ولدا زيد فيه الولديّ. الصنف الثاني (ألقاب الملوك المستقلّين بصغار البلدان) كما كان صاحب حماة في الدولة الناصرية، محمد «1» بن قلاوون، وكان

الصنف الثالث (ألقاب المكتوب إليهم من الملوك عن الأبواب السلطانية، وهي نمطان)

يكتب له: «المقام الشريف العالي السّلطانيّ الملكيّ الفلانيّ، بلقب الملك» . وربما كتب له قبل لقب الملك «الأصيليّ» لعراقته في الملك. الصنف الثالث (ألقاب المكتوب إليهم من الملوك عن الأبواب السلطانية، وهي نمطان) النمط الأوّل (ما يصدّر بالألقاب المذكّرة. وهي على أربع طبقات) الطبقة الأولى- ما يصدّر بالمقام . وأعلاها «المقام الأشرف» كألقاب صاحب الهند، وهي: «المقام الأشرف العالي المولويّ السلطانيّ الأعظميّ الشاهنشاهيّ العالميّ العادليّ المجاهديّ المثاغريّ المظفّريّ المؤيّديّ المنصوريّ إسكندر الزمان، سلطان الأوان، منبع الكرم والإحسان، المعفّي آل ساسان، وبقايا فراسياب وخاقان، ملك البسيطة، سلطان الإسلام، غياث الأنام، أوحد الملوك والسلاطين» . ودونه «المقام الشريف» كألقاب الشيخ حسن الكبير صاحب بغداد كان، وهي: «المقام الشريف العالي الكبيريّ السلطانيّ العالميّ العادليّ المجاهديّ المؤيّديّ المرابطيّ المنصوريّ الملكيّ الفلانيّ- بلقبي الملك والتعارف. ودونه «المقام العالي» كألقاب القان ببلاد أزبك فيما ذكره في «التثقيف» وهي: «المقام العالي السلطانيّ الكبيريّ الملكيّ الأكرميّ الفلانيّ- بلقب التعريف- فلان الدّنيا والدين مؤيّد الغزاة والمجاهدين قاتل الكفرة والمشركين، وليّ أمير المؤمنين» . وكألقاب صاحب المغرب فيما ذكره في «التعريف» وهي: «المقام العالي السلطانيّ السيد الأجلّ العالم العادل المجاهد المرابط المثاغر المؤيّد المظفّر المنصور على أعداء الله أمير المسلمين، قائد الموحّدين، مجهّز الغزاة والمجاهدين، مجنّد الجنود، عاقد

الطبقة الثانية - ما يصدر بالمقر

البنود، ماليء صدور البراري والبحار، مزعزع أسرّة الكفّار، مؤيّد السنّة، معزّ الملّة، شرف الملوك والسلاطين، بقيّة السلف الكريم، والنّسب الصّميم، ربيب الملك القديم، أبو فلان فلان» . الطبقة الثانية- ما يصدّر بالمقرّ ، وأعلاها فيما رأيت «المقرّ الكريم» كألقاب صاحب هراة «1» فيما ذكره في «التعريف» وهي: «المقرّ الكريم» العالي العالميّ العادليّ المجاهديّ المؤيّديّ المرابطيّ المثاغريّ الأوحديّ الفلانيّ، شرف الملوك والسلاطين، خليل أمير المؤمنين» . وكألقاب صاحب كرمينان [من بلاد الروم] «2» فيما ذكره في «التثقيف» وهي: «المقرّ الكريم العالي الملكيّ الأجلّيّ العالميّ [العادليّ] «3» المجاهديّ المؤيّديّ المرابطيّ المثاغريّ المظفّريّ المنصوريّ الفلانيّ، عزّ الإسلام والمسلمين، فخر الملوك والسلاطين، نصير الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش مقدّم العساكر ظهير أمير المؤمنين» . ودونه «المقر العالي» كألقاب صاحب مالّي من بلاد التّكرور «4» فيما ذكره في «التعريف» ، وهي: «المقرّ العالي السلطانيّ الجليل الكبير العالم العادل المجاهد المؤيّد الأوحد؛ عزّ الإسلام، شرف ملوك الأنام، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، جمال الملوك والسلاطين؛ سيف الخلافة، ظهير الإمامة، عضد أمير المؤمنين» . الطبقة الثالثة- ما يصدّر بالجناب . وأعلاها «الجناب الكريم» كألقاب ملك التّكرور فيما ذكره في «التثقيف» أنه استقرّ عليه الحال، وهي: «الجناب

الطبقة الرابعة - ألقاب المجلس

الكريم، العالي الملك الجليل العالم العادل المجاهد المؤيّد المثاغر المرابط العابد الخاشع الناسك الأوحد فلان، ذخر الإسلام» . وكألقاب ملكي البرنو والكانم «1» فيما ذكره في «التعريف» وهي: «الجناب الكريم العالي الملك الجليل الكبير العالم العادل الغازي المجاهد الهمام الأوحد المظفّر المنصور عزّ الإسلام» . ثم بقيّة الألقاب من نسبة ألقاب ملك التّكرور. الطبقة الرابعة- ألقاب المجلس . وأعلاها «المجلس العالي» كألقاب صاحب حصن كيفا «2» فيما ذكره في «التعريف» وهو: «المجلس العالي الملكيّ الفلانيّ الأجلّيّ العالميّ العادليّ المجاهديّ المؤيّديّ المرابطيّ المثاغريّ الأوحديّ الأصيليّ الفلاني- بلقب التعريف- عزّ الإسلام والمسلمين، بقيّة الملوك والسلاطين، نصير الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، شرف الدول، ذخر الممالك، خليل أمير المؤمنين أو عضد أمير المؤمنين» على مخالفة فيه فيما أورده في «التثقيف» تأتي في المكاتبة إليه. ودونه المجلس الساميّ بالياء- كألقاب صاحب أرزن «3» ، وهي «المجلس الساميّ الملكيّ الفلانيّ- بلقب الملك- الأصيليّ الكبيريّ العالميّ المجاهديّ المؤيّديّ المرابطيّ الأوحديّ الفلاني- بلقب التعريف- عزّ الإسلام، شرف الملوك في الأنام، بقيّة السلاطين، نصرة الغزاة والمجاهدين، وليّ أمير المؤمنين» . ودونه المجلس بغير ياء في ألقابه كألقاب صاحب دنقلة «4» إذا كان

النمط الثاني (ما يصدر بالألقاب المؤنثة، وهي الحضرة)

مسلما، فيما ذكره في «التعريف» وهي: «المجلس الكبير الغازي المجاهد المؤيّد الأوحد العضد، مجد الإسلام، زين الأنام، فخر المجاهدين، عمدة الملوك والسلاطين» ولم يذكر فيه السامي ولا لقبا مضافا إلى الملك، وهو الملكيّ: إلا أنهم أوردوه في عدّة الملوك. قلت وأكثر هذه الألقاب يؤتى فيها بالألقاب المختصّة بالملك، إما في المفردة كالملكيّ الفلانيّ، وإما في المركّبة مثل «بقيّة الملوك والسلاطين» ونحو ذلك، لتدلّ على أن المكتوب له ملك فيمتاز عن غيره. وربما أتي فيها بالألقاب الإماريّة دون الملوكية لوقوع اصطلاح أهل تلك المملكة على ذلك. كما يكتب في ألقاب صاحب تونس «أمير المؤمنين» لادّعائه الخلافة، وفي ألقاب صاحب فاس «أمير المسلمين» اتباعا ليوسف «1» بن تاشفين صاحبها في القديم، إذ كان أوّل من تلقب بذلك خضوعا عن أن يتلقّب بأمير المؤمنين، لاختصاصه بالخلافة كما سيأتي الكلام عليه في المكاتبة إليه إن شاء الله تعالى. النمط الثاني (ما يصدّر بالألقاب المؤنّثة، وهي الحضرة) ويختلف الحال فيها باختلاف الممالك؛ فألقاب القان بمملكة إيران على ما كان عليه الحال في أيام السلطان أبي سعيد وما قبله «الحضرة، الشريفة، العالية، السلطانيّة، الأعظميّة، الشاهنشاهيّة، الأوحدية، القانيّة، الفلانية» . قال في «التعريف» : ولا يخلط فيها الملكية لهوانها لديهم وإن كان صاحب «التثقيف» قد أثبت فيها الملكية أيضا على ما سيأتي في الكلام على المكاتبة

الضرب الثالث (من الألقاب الإسلامية الألقاب العامة لسائر الطوائف مما يكتب به عن الأبواب [السلطانية] ، وهي ثمانية أنواع)

إليه في موضعه إن شاء الله تعالى. وألقاب صاحب تونس فيما ذكره في «التثقيف» «الحضرة، العلية، السّنيّة، السّريّة، المظفّرية، الميمونة، المنصورة، المصونة، حضرة الأمير العالم» إلى آخر الألقاب المذكورة. الضرب الثالث (من الألقاب الإسلامية الألقاب العامّة لسائر الطوائف مما يكتب به عن الأبواب [السلطانية] «1» ، وهي ثمانية أنواع) النوع الأوّل (ألقاب أرباب السيوف من أهل المملكة وغيرهم: من الأمراء والعربان والأكراد والتّركمان. وهي على خمس درجات) الدرجة الأولى (درجة المقرّ، وفيها ثلاث مراتب) المرتبة الأولى- مرتبة المقرّ الشريف ، وهو مختصّ في عرف الزمان بما يكتب عن نوّاب السلطنة. وصورتها على ما أورده في «عرف التعريف» : «المقرّ الشريف، العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الزّعيميّ، المقدّميّ، الغوثيّ، الغياثيّ، المرابطيّ، المثاغريّ، الظّهيريّ، المالكيّ، المخدوميّ، الفلاني؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، زعيم الجيوش، مقدّم العساكر، عون الأمة، غياث الملّة، ممهّد الدّول، مشيّد الممالك، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين» . المرتبة الثانية- مرتبة المقرّ الكريم ، وهي مستعملة في السّلطانيات وما

يكتب عن النّوّاب. فأما في السّلطانيات فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في الألقاب المستقرّة للنائب الكافل ونائب الشام: «المقرّ الكريم، العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الزّعيميّ، الغوثيّ، الغياثيّ، المثاغريّ، المرابطيّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظّهيريّ، العابديّ، الناسكيّ، الأتابكيّ، الكفيليّ، الفلانيّ؛ معزّ الإسلام والمسلمين، سيّد أمراء العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، ممهّد الدّول، مشيّد الممالك، عماد الملّة، عون الأمّة، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين» . وأما فيما يكتب عن النّواب فقد ذكر في «التعريف» أنّ ألقابها من نسبة ما تقدّم في ألقاب المقرّ الشريف. وصورتها على ما أورده شهاب الدين الفارقي في دستوره عن نائب الشام: «المقرّ الكريم، العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الممهّديّ، الغوثيّ، المقدّميّ، الذّخريّ، الغياثيّ، الفلاني؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيد الأمراء في العالمين، زعيم جيوش الموحّدين، مقدّم العساكر المجاهدين، ذخر الدولة، بهاء الملّة، ممهّد المملكة، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين» . وصورتها على ما أورده الصّلاح الصّفديّ «1» في دستوره عن نائب الشام أيضا: «المقرّ الكريم، العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ،

المرتبة الثالثة - مرتبة المقر العالي

العادليّ، المؤيّديّ، المجاهديّ، الذّخريّ، العضديّ، النّصيريّ، المقدّميّ، الغوثيّ، الغياثيّ، الفلانيّ، ركن الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، غياث الملّة، كهف الأمّة، ذخر الملوك والسلاطين» . ثم قال: وإن كان المكتوب إليه نائب سلطنة زيد في ألقابه «الممهّديّ، المشيّديّ، الزّعيميّ، المدبّريّ، الكافليّ، الفلانيّ» . وصورتها على ما أورده غيره: «المقرّ الكريم، العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، الغوثيّ، الغياثيّ، الذّخريّ، الزّعيميّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، جمال الدولة، ذخر الملّة، زين المملكة، عين السلطنة، سفير الأمة، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين» . وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير عن نائب حلب: «المقرّ الكريم، العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الذّخريّ، المشيّديّ، الزّعيميّ، الظّهيريّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، مقدّم العساكر، عون الأمّة، ظهير الملوك والسلاطين» . المرتبة الثالثة- مرتبة المقرّ العالي . وقد ذكر في «عرف التعريف» أن ألقابها من نسبة ما تقدّم في المقرّ الشريف. وذكر الصّلاح الصّفديّ في دستوره عن نائب الشام في ألقابه ما تقدّم له في ألقاب المقرّ الكريم ثم قال: إلا أنه لا يقال فيه الذّخريّ. وصورتها على ما رأيته في توقيع نقيب الأشراف بحلب عن النائب بها: «المقرّ العالي، الأميريّ، الكبيريّ، النّقيبيّ، الشّريفيّ، الحسيبيّ، النّسيبيّ، العريقيّ، الأصيليّ، الفاضليّ، العلّاميّ، الحجّيّ، القدويّ، الناسكيّ، الزاهديّ، العابديّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، جلال العلماء العاملين، جمال الفضلاء البارعين، حجّة الأمراء الحاكمين، زين العترة

الدرجة الثانية (درجة الجناب، وفيها ثلاث مراتب)

الطاهرة، شرف الأسرة الزاهرة، حجّة العصابة الهاشمية، قدوة الطائفة العلويّة، نخبة الفرقة الناجية الحسينية، شرف أولي المراتب، نقيب أولي المناقب، ملاذ الطّلّاب الراغبين، بركة الملوك والسلاطين» . الدرجة الثانية (درجة الجناب، وفيها ثلاث مراتب) المرتبة الأولى- مرتبة الجناب الشريف ، وليست مستعملة في السلطانيات، وهي مستعملة فيما يكتب عن النّواب. وصورتها على ما أورده في «عرف التعريف» : «الجناب الشريف العالي، المولويّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الممهّديّ، الذّخريّ، الأوحديّ، العونيّ، الظّهيريّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء المقدّمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، عماد الملة، عون الأمّة، ذخر الملّة، ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين» . المرتبة الثانية- مرتبة الجناب الكريم ، وهي مستعملة في السّلطانيات وما يكتب عن النّواب. فأما في السلطانيات فصورتها على ما أورده في «التعريف» في ألقاب النائب الكافل في الزّمن المتقدّم: «الجناب الكريم العالي، الأميريّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الزّعيميّ، الذّخريّ، المقدّميّ، العونيّ، الغياثيّ، المرابطيّ، المثاغريّ، المظفّريّ، المنصوريّ، الأتابكيّ؛ ركن الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، أتابك الجيوش، مقدّم العساكر، زعيم الجنود، عاقد البنود، ذخر الموحّدين، ناصر الغزاة والمجاهدين، غياث الأمّة، عون الملّة، مشيّد الدّول، كافل الممالك، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين» . وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب النائب الكافل أيضا على ما كان الحال عليه أوّلا: «الجناب الكريم العالي، الأميريّ، الكبيريّ،

العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الزّعيميّ، العونيّ، الغياثيّ، المثاغريّ، المرابطيّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظّهيريّ، الكافليّ، الفلانيّ؛ مؤيّد الإسلام والمسلمين، سيّد أمراء العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، مقدّم العساكر، ممهّد الدول، مشيّد الممالك، عماد الملّة، عون الأمّة، كافل السلطنة، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين» . وصورتها على ما أورده في «التعريف» في ألقاب نائب الشام على ما كان الحال عليه أوّلا: «الجناب الكريم العالي، الأميريّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الممهّديّ، المشيّديّ، العونيّ، الغياثيّ، الذّخريّ، الزّعيميّ، المقدّميّ، الظّهيريّ، الكافليّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، مقدّم العساكر، عون الأمّة، غياث الملّة، ممهّد الدول، مشيّد الممالك، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين» . وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في المكاتبة لنائب الشام على ما كان عليه الحال أيضا: «الجناب الكريم العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الزّعيميّ، العونيّ، الغياثيّ، المثاغريّ، المرابطيّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظّهيريّ، الكافليّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، مقدّم العساكر، ممهّد الدول، مشيّد الممالك، عماد الملّة، عون الأمّة، ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين» . وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في المكاتبة إلى أحد الأمراء الألوس بمملكة إيران في دولة السلطان أبي سعيد: «الجناب الكريم العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الزّعيميّ، العونيّ، الغياثيّ، المثاغريّ، المرابطيّ، الممهّديّ، المشيّديّ، النّوينيّ، الفلانيّ؛ عون الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، ممهّد الدّول، عماد الملّة، عون الأمّة، كافي الدولة

القانيّة، كافل المملكة الشرقية، أمير التّوامين، أمير الألوس، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين» . وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب ابن المظفّر اليزدي: «الجناب الكريم العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، العونيّ، الزّعيميّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظّهيريّ، الغياثيّ، المثاغريّ، المرابطيّ، النّوينيّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، مقدّم العساكر، ممهّد الدول، مشيّد الممالك، عماد الملّة، عون الأمّة، حاكم أمور ولاة الزمان، موضّح قوانين العدل والإحسان، اعتضاد صناديد الأوان، مستنيب ملوك العجم، مستخدم أرباب الطّبل والعلم، ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين» . وأمّا فيما يكتب عن النواب وما كان يكتب به في الإخوانيات في الزمن المتقدّم، فقد ذكر في «عرف التعريف» أن ألقابه من نسبة ما تقدم في ألقاب الجناب الشريف. وصورتها على ما أورده القاضي شهاب الدين الفارقيّ في دستوره عن نائب الشام: «الجناب الكريم العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، العضديّ، النّصيريّ، المؤيّديّ، المقدّميّ، الذّخريّ، الفلانيّ؛ مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، ظهير الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما أورده الصّلاح الصفديّ في دستوره عن نائب الشام: «الجناب الكريم العالي، المولويّ، الأميريّ، العالميّ، العادليّ، العونيّ، الغياثيّ، الظّهيريّ، المقدّميّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، ظهير الملوك والسلاطين» .

المرتبة الثالثة - مرتبة الجناب العالي

وصورتها على ما أورده الصّلاح الصفدي في دستوره عن نائب الشام: «الجناب الكريم العالي، المولويّ، الأميريّ، العالميّ، العادليّ، العونيّ، الغياثيّ، الظّهيريّ، المقدّميّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، ظهير الملوك والسلاطين» . المرتبة الثالثة- مرتبة الجناب العالي ، وهي مستعملة في السلطانيات وما يكتب عن النواب وما كان في الإخوانيّات قديما. فأمّا في السلطانيات فلها رتبتان: الرتبة الأولى- مع الدعاء بمضاعفة النعمة . وصورتها على ما أورده في «التعريف» في ألقاب نائب حلب على ما كان الحال عليه أوّلا: «الجناب العالي، الأميريّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، الممهّديّ، المشيّديّ، العونيّ، الذّخريّ، الزّعيميّ، المقدّميّ، الظّهيريّ، المرابطيّ، المثاغريّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيد الأمراء في العالمين، نصير الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، عماد الأمّة، ذخر الدولة، ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين» . وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب نائب طرابلس ومن في رتبته: «الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، العونيّ، الزّعيميّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظّهيريّ، الكافليّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد أمراء العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، مقدّم العساكر، ممهّد الدّول، مشيّد الممالك، عماد الملّة، عون الأمّة، ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين» . وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب قطلوبغا إيناق أحد أمراء الألوس ببلاد أزبك: «الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، العونيّ، الزعيميّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظهيريّ، النّوينيّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، مقدّم العساكر، كهف الملّة، ذخر الدولة،

الرتبة الثانية - مع الدعاء بدوام النعمة.

ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين» . الرتبة الثانية- مع الدعاء بدوام النعمة. وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب مقدّم العسكر بغزّة ومن في رتبته: «الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الأوحديّ، النّصيريّ، العونيّ، الهماميّ، المقدّميّ، الظّهيريّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، مقدّم العساكر، كهف الملّة، ذخر الدّولة، عماد المملكة، ظهير الملوك والسلاطين، حسام أمير المؤمنين» . وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب مماي، أحد الحكّام ببلاد أزبك كان: «الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الذّخريّ، النّصيريّ، الهماميّ، المقدّميّ، النّوينيّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، مقدّم العساكر، ذخر الدولة، عضد الملوك والسلاطين، حسام أمير المؤمنين» . وأمّا ما يكتب عن النواب وما كان يكتب في الإخوانيات قديما، فقد ذكر في «عرف التعريف» أن ألقابه من نسبة ما تقدّم في ألقاب الجناب الشريف. وصورتها على ما أورده الصّلاح الصفديّ في دستوره عن نائب الشام في الرتبة الأولى منها: «الجناب العالي، الأميريّ، الأجليّ، الكبيريّ، المؤيّديّ، المجاهديّ، العونيّ، المقدّميّ، الاسفهسلاريّ، الظّهيريّ، الفلانيّ؛ مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء المقدّمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، عضد الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما أورده في «التذكرة الآمديّة» عن نائب الشام أيضا في الرتبة الثانية من هذه المرتبة: «الجناب العاليّ، الأميريّ، الكبيريّ، العضديّ، الذّخريّ، النّصيريّ، المؤيّديّ، المقدّميّ، الظّهيريّ، الفلانيّ، مجد الإسلام

الدرجة الثالثة (درجة المجلس وفيها ثلاث مراتب)

والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، ظهير الملوك والسلاطين» . الدرجة الثالثة (درجة المجلس وفيها ثلاث مراتب) المرتبة الأولى (مرتبة المجلس العالي) وهي مستعملة في السلطانيات وما يكتب عن النواب وما كان يكتب في الإخوانيات قديما. فأما في السلطانيات فلها رتبتان: الرتبة الأولى- مع الدعاء للمجلس. وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب نائب الكرك: «المجلس العاليّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، المقدّمي، الأوحديّ، النّصريّ، الهماميّ، الظّهيريّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، مقدّم العساكر، كهف الملّة، ذخر الدولة، ظهير الملوك والسلاطين، حسام أمير المؤمنين» . وصورتها على ما أورده في «التثقيف» أيضا في ألقاب وزير القان ببلاد أزبك: «المجلس العاليّ الأميريّ، الكبيريّ، الذّخريّ، الأوحديّ، الأكمليّ، المتصرّفيّ، العونيّ، الوزيريّ، الفلانيّ؛ مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء والوزراء في العالمين، جمال المتصرّفين، أوحد الأولياء المقرّبين، ذخر الدولة، مشير الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما أورده في «التثقيف» أيضا في ألقاب حافظ أخي علي باشاه: «المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الأوحديّ، النّصيريّ، العونيّ، الهماميّ، المقدّميّ، الظّهيريّ،

الرتبة الثانية - المجلس العالي مع صدرت.

النّوينيّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، مقدّم العساكر، كهف الملّة، عماد الأمّة، ظهير الملوك والسلاطين، حسام أمير المؤمنين» . وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب أمير مكة المشرفة: «المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، الشريفيّ، الحسيبيّ، النّسيبيّ، العالميّ، المجاهديّ، المقدّميّ، الأوحديّ، النّصيريّ، العونيّ، الهماميّ، الظّهيريّ، الأصيليّ، العريقيّ، الشّهابيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء الأشراف في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، كهف الملّة، عون الأمّة، فخر السّلالة الزاهرة، زين العترة الطاهرة، بهاء العصابة العلوية، جمال الطائفة الهاشمية، ظهير الملوك والسلاطين، نسيب أمير المؤمنين» . وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب أمير آل فضل من عرب الشام: «المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الأوحديّ، النّصيريّ، العونيّ، الهماميّ، المقدّميّ، الظهيريّ، الأصيليّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء العربان في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، مقدّم العساكر، كهف الملّة، ذخر الدولة، عماد العرب، ظهير الملوك والسلاطين، حسام أمير المؤمنين» . الرتبة الثانية- المجلس العالي مع صدرت. وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب نائب الرّحبة ومن في رتبته: «المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العضديّ، الذّخريّ، النّصيريّ، الأوحديّ، المؤيّديّ، العونيّ، الهماميّ، المقدّميّ، الظهيريّ، الفلانيّ؛ مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء المقدّمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، مقدّم العساكر، ذخر الدولة، كهف الملّة، ظهير الملوك والسلاطين.

المرتبة الثانية (مرتبة المجلس السامي بالياء)

وأما فيما يكتب عن النّواب وما كان يكتب في الإخوانيّات أوّلا، فصورتها على ما أورده في «عرف التعريف» : «المجلس العالي، الأميريّ، الأسفهسلاريّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، النّصيريّ، الظّهيريّ، الفلانيّ؛ مجد الإسلام والمسلمين، زين الأمراء المقدّمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، عضد الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما أورده الصلاح الصّفديّ في دستوره عن نائب الشام: المجلس العالي، الأميريّ، الأجليّ، الكبيريّ، المؤيّديّ، المجاهديّ، الاسفهسلاريّ، العونيّ، الظّهيريّ، الفلانيّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء المقدّمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، عضد الملوك والسلاطين. وصورتها على ما أورده في «التذكرة الآمديّة» عن نائب الشام: «المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العضديّ، النّصيريّ، المؤيّديّ، المجاهديّ، الذّخريّ؛ مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء المقدّمين، ذخر الغزاة والمجاهدين، عضد الملوك والسلاطين» . المرتبة الثانية (مرتبة المجلس الساميّ بالياء) وهو مستعمل في السلطانيات وغيرها. فأما في السلطانيات، فصورتها على ما ذكره المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في بعض دساتيره في توقيع نقيب الأشراف: «المجلس الساميّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الشريفيّ، الحسيبيّ، النّسيبيّ، الذّخريّ، النّصيريّ، الأوحديّ، الأصيليّ؛ عزّ الإسلام، زين الأنام، نسيب الإمام، شرف الأمراء، نقيب النّقباء، جمال العترة الطاهرة، جلال الأسرة الزاهرة، ذخر الغزاة والمجاهدين، ظهير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين» .

وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب الكشّاف بالوجهين القبليّ والبحريّ بالديار المصرية: «المجلس الساميّ، الأميريّ، الكبيريّ، الذّخريّ، النّصيريّ، الأوحديّ، المؤيّديّ، الفلانيّ؛ مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الأمراء، أوحد المجاهدين، عضد الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما رأيته في بعض المراسيم لأمير آل «1» مرا من عرب الشام: «المجلس الساميّ، الأميريّ، الكبيريّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، العضديّ، الذّخريّ، النّصيريّ، الأوحديّ، الأصيليّ، العريقيّ؛ مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الأمراء، زين القبائل، فخر العشائر، ملاذ العرب، عضد الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب وزير الشيخ أويس ببغداد: «المجلس الساميّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، الأوحديّ، المقدّميّ، المنتخبيّ، الفلانيّ؛ مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الرؤساء، أوحد الأعيان، صفوة الملوك والسلاطين» . وصورتها في ألقاب أمراء العرب: «المجلس الساميّ، الأميريّ، الكبيريّ، الذّخريّ، المؤيّديّ، الفلانيّ؛ مجد الإسلام، بهاء الأنام، زين القبائل، فخر العشائر، عماد الملوك والسلاطين» . وأما فيما يكتب عن النّواب ونحوهم، فصورتها على ما أورده في «عرف التعريف» : «المجلس الساميّ، الأميريّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، المؤيّديّ، العضديّ، النّصيريّ، الأوحديّ، الهماميّ، الفلانيّ؛ مجد الإسلام، زين الأمراء في الأنام؛ ذخر الغزاة والمجاهدين، عضد الملوك والسلاطين» .

المرتبة الثالثة (مرتبة المجلس السامى بغير ياء)

وصورتها على ما أورده شهاب الدين الفارقيّ في دستوره عن نائب الشام: «المجلس الساميّ، الأميريّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، العضديّ، النّصيريّ، المؤيّديّ، الفلانيّ؛ مجد الإسلام، جمال الأمراء، نصرة الغزاة والمجاهدين، عضد الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما أورده الصّلاح الصّفديّ في دستوره عن نائب الشام أيضا: «المجلس الساميّ، الأميريّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، المؤيّديّ، المجاهديّ، العضديّ، النّصيريّ، الهماميّ، الفلانيّ؛ مجد الإسلام، شرف الأمراء، نصرة الغزاة، عمدة الملوك والسلاطين» . المرتبة الثالثة (مرتبة المجلس السامى بغير ياء) وهي مستعملة في السلطانيّات وغيرها. فأما في السّلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب الولاة الطّبخاناه بالوجهين القبليّ والبحريّ: المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، الكبير، الغازي، المجاهد، المؤيّد، الأوحد، المرتضى؛ فلان الدين، مجد الإسلام، بهاء الأنام، فخر الأمراء، زين المجاهدين، عمدة الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما رأيته في بعض نسخ التّواقيع: ترتيب الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي «1» : «المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، الكبير، الحسيب، النّسيب، الطاهر، الكامل، العالم، العامل، الفاضل، الزاهد، الورع، الزّكيّ، التقيّ، فلان الدين، جلال الإسلام، شرف السادة الأشراف، فخر العترة الطاهرة، زين السّلالة الزاهرة، نقيب نقباء الشّرفاء، مجد العصبة

الدرجة الرابعة (درجة مجلس الأمير)

العلويّة، جمال العصبة الفاطميّة، صدر الأئمة العلماء، مجتبى الدولة، بهاء الملّة، خالصة الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما في ألقاب النائب بالينبع: «المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، المجاهد، المؤيّد، الشريف، الحسيب، النّسيب، مجد الإسلام، بهاء الأنام، زين العترة، فخر الأسرة، جمال الذّرّية، فخر الشجرة الزّكيّة، عمدة الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب أكابر عربان آل فضل من عرب الشام: «المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، الكبير، الغازي، المجاهد، المؤيّد، الأوحد، الأصيل؛ فلان الدين، مجد الإسلام، بهاء الأنام، فخر القبائل، زين العشائر، عماد الملوك والسلاطين» . وأما فيما يكتب عن النّواب ومن في معناهم، فصورتها على ما أورده في «عرف التعريف» : «المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، الكبير، الغازي، المجاهد، المؤيّد؛ فلان الدين، مجد الإسلام، زين الأمراء، فخر الأنام، ذخر الغزاة والمجاهدين، عضد الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما أورده في «التذكرة الآمديّة» عن نائب الشام: «المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، الكبير، المؤيّد، المجاهد، العضد، النّصير، فلان الدين، مجد الأمراء، شرف الخواصّ، زين الغزاة، عدّة الملوك والسلاطين» . الدرجة الرابعة (درجة مجلس الأمير) وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها على مرتبة واحدة. فأما في السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب

الدرجة الخامسة (درجة الأمير مجردا عن مضاف إليه)

الولاة العشرات بالوجهين القبليّ والبحريّ: «مجلس الأمير، الأجلّ، الكبير، الغازي، المجاهد، المؤيّد، الأوحد، المرتضى؛ فلان الدين، مجد الأمراء، زين المجاهدين، عدّة الملوك والسلاطين» . وأما فيما يكتب عن النّوّاب ومن في معناهم، فصورتها على ما أورده في «عرف التعريف» : «مجلس الأمير، الأجلّ، الكبير، الغازي، المجاهد، المرتضى، فلان الدين، فخر الأمراء، زين المجاهدين، عمدة الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما أورده الفارقيّ في دستوره عن نائب الشام: «مجلس الأمير، الأجلّ، الكبير، الأخصّ، الأكمل، الغازي، المجاهد، المرتضي، المختار، فلان الدين، مجد الأمراء، زين الغزاة، عدّة الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما أورده في «التذكرة الآمديّة» : «مجلس الأمير، الأجلّ، الكبير، المؤيّد، المجاهد، الأعزّ، الأخصّ، الأكمل، المجتبى، المختار؛ فلان الدين، مجد الأمراء، زين الغزاة، عدّة الملوك والسلاطين» . الدرجة الخامسة (درجة الأمير مجرّدا عن مضاف إليه) وأكثر ما يأتي ذلك في الولايات أو فيمن يكتب بسببه كتاب وما أشبه ذلك. وصورتها في السلطانيات: «الأمير الأجلّ» وربما زيد على ذلك فقيل: «الكبير الغازي» . وصورتها في غير السّلطانيات على ما أورده في «التذكرة الآمديّة» : «الأمير، الأجلّ، الأخصّ، الأكمل» .

النوع الثاني (من الألقاب الإسلامية الألقاب الديوانية، وهي أيضا على خمس درجات)

النوع الثاني (من الألقاب الإسلامية الألقاب الدّيوانية، وهي أيضا على خمس درجات) الدرجة الأولى (درجة المقرّ) وليست مستعملة في السلطانيات جملة لأنه لا يكتب لأحد من هذا النوع عن السلطان بالمقرّ، وهي مستعملة فيما يكتب عن النّوّاب ومن في معناهم، ولها ثلاث مراتب: المرتبة الأولى- مرتبة المقرّ الشريف ، وصورتها على ما أورده في «عرف التعريف» في ألقاب الوزراء من أرباب الأقلام،: «المقرّ الشريف، العالي، المولويّ، الصاحبيّ، الوزيريّ، المنفّذيّ، العالميّ، الممهّديّ، المشيّديّ، العونيّ، الغياثيّ، المالكيّ، المخدوميّ، الفلانيّ؛ صلاح الإسلام والمسلمين، سيّد الوزراء في العالمين، رئيس الأصحاب، قوام الأمّة، نظام الملّة، مدبّر الدولة، ذخر الممالك، ظهير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين» . وصورتها على ما أورده في «عرف التعريف» أيضا في ألقاب غير الوزراء من الكتّاب: «المقرّ الشريف، العالي، المولويّ، القضائيّ، السّيّديّ، العالميّ، العادليّ، الممهّديّ، المشيّديّ، العونيّ، الغياثيّ، المالكيّ، المخدوميّ، الفلانيّ، صلاح الإسلام والمسلمين، سيّد الرؤساء في العالمين، رئيس الأصحاب، قوام الأمّة، نظام الملّة، زين الدولة، ذخر الممالك، ظهير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين» . وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير عن نائب الشام في ألقاب بعض كتّاب السّرّ العلماء: «المقرّ الشريف، العالي، المولويّ، القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، العلّاميّ، الأكمليّ، الأفضليّ، المفيديّ،

المرتبة الثانية - مرتبة المقر الكريم

الفريديّ، القدويّ، المحقّقيّ، المسلّكيّ، الأصيليّ، العريقيّ، المدبّريّ، المشيريّ، اليمينيّ، السّفيريّ، المالكيّ، المخدوميّ، الشيخيّ، العلّاميّ، ضياء الإسلام والمسلمين، سيّد العلماء والرؤساء والمشايخ في العالمين، رئيس الأصحاب، فخر الكتّاب، حسنة الأيّام، بقيّة السّلف الكرام، صدر مصر والشام، لسان السلطنة، سفير المملكة، شيخ شيوخ العارفين، جامع طرق الواصفين، صدر المدرّسين، مشير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين» . المرتبة الثانية- مرتبة المقرّ الكريم . قال في «عرف التعريف» : والألقاب فيها من نسبة ما تقدّم في ألقاب المقرّ الشريف. وصورتها على ما أورده الصّلاح الصّفديّ في دستوره عن نائب الشام: «المقرّ الكريم، العالي، المولويّ، القضائيّ، العالميّ، القواميّ، النّظاميّ، المدبّريّ، المشيريّ، الملاذيّ، الفلانيّ؛ جلال الإسلام والمسلمين، سيّد الأكابر في العالمين، عون الأمّة، ذخر الملّة، مدبّر الدّول، جمال الممالك، حسنة الوجود، خالصة الملوك والسلاطين» . المرتبة الثالثة- مرتبة المقرّ العالي . وقد جعلها في «عرف التعريف» من نسبة ما تقدّم من ألقاب المقرّ الشريف أيضا. وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير عن نائب الشام فيما كتب به للقاضي شرف الدين عبد الوهاب بن أبي الطيب كاتب السرّ بالشام: «المقرّ العالي، المولويّ، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الكامليّ، البارعيّ، الأوحديّ، الماجديّ، القواميّ، النّظاميّ، المفوّهيّ، الرئيسيّ، الأثيريّ، الأثيليّ، الأصيليّ، العريقيّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، شرف الرؤساء في العالمين، أوحد الفضلاء الماجدين، حجّة المنتشئين، صدر الرؤساء، رأس الصدور، عين الأعيان، خالصة الملوك والسلاطين» .

الدرجة الثانية (درجة الجناب، وفيها ثلاث مراتب)

الدرجة الثانية (درجة الجناب، وفيها ثلاث مراتب) المرتبة الأولى- مرتبة الجناب الشريف ، وهي مستعملة «1» في غير السلطان دون السّلطانيات، قال في «عرف التعريف» : وهي من نسبة الألقاب المتقدّمة في المقرّ الشريف. المرتبة الثانية- مرتبة الجناب الكريم . وجعلها في «عرف التعريف» من نسبة ما تقدّم في المقرّ الشريف. وصورتها على ما أورده الصّلاح الصّفديّ في دستوره عن نائب الشام: «الجناب الكريم العالي، المولويّ، القضائيّ، العالميّ، الأوحديّ، الرئيسيّ، الأجلّيّ، الأثيريّ، البارعيّ، الماجديّ، الفلانيّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الرؤساء في العالمين، جمال الأكابر، فخر الأعيان، أوحد الكتّاب، خالصة الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير عن نائب الشام في توقيع باسم شهاب الدين بن أبي الطيب بكتابة الدّست «2» بالشام: «الجناب الكريم، العالي، المولويّ، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، البارعيّ، الكامليّ، الماجديّ، القواميّ، النّظاميّ، الرئيسيّ، الأصيليّ، العريقيّ، الأوحديّ، الفلانيّ، جلال الإسلام والمسلمين، أوحد الرؤساء في العالمين، تاج الفضلاء المنتشئين، جهبذ الحذّاق المتصرّفين، سلالة الأتقياء العارفين، خالصة الملوك والسلاطين» .

المرتبة الثالثة - مرتبة الجناب العالي

المرتبة الثالثة- مرتبة الجناب العالي ، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها. فأما في السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب الوزارة بالديار المصرية: «الجناب العالي، الصاحبيّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، الأوحديّ، الأكمليّ، القواميّ، النّظاميّ، الأثيريّ، البليغيّ، المنفّذيّ، المسدّديّ، المتصرّفيّ، الممهّديّ، العونيّ، المدبّريّ، المشيريّ، الوزيريّ، الفلانيّ، صلاح الإسلام والمسلمين، سيّد الوزراء في العالمين، رئيس الكبراء، كبير الرؤساء، أوحد الأصحاب، ملاذ الكتّاب، قوام الدّول، نظام الملك، مفيد المناجح، معتمد المصالح، مرتّب الجيوش، عماد الملّة، عون الأمّة، مشير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين» . وأما في غير السلطانيات، فصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير عن نائب الشام في ألقاب كاتب دست بالشام: «الجناب العالي، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الأكمليّ، البارعيّ، الأوحديّ، القواميّ، النظاميّ، المفوّهيّ، الرئيسيّ، الماجديّ، الفلانيّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الرؤساء في العالمين، أوحد الفضلاء الماجدين، قدوة البلغاء، جمال الكتّاب، زين المنتشئين، خالصة الملوك والسلاطين» . الدرجة الثالثة (درجة المجلس، وفيها ثلاث مراتب) المرتبة الأولى- مرتبة المجلس العالي ، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها. فأما في السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب كاتب السرّ بالأبواب السلطانية: «المجلس العالي، القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، العلّاميّ، الأفضليّ، الاكمليّ، البليغيّ، المسدّديّ،

المنفّذيّ، المشيّديّ، العونيّ، المشيريّ، اليمينيّ، السّفيريّ، الأصيليّ، العريقيّ، الفلانيّ، صلاح الإسلام والمسلمين، سيّد الرؤساء في العالمين، قدوة العلماء العاملين، جمال البلغاء، أوحد الفضلاء، جلال الأصحاب، كهف الكتّاب، يمين المملكة، لسان السّلطنة، سفير الأمّة، سليل الأكابر، مشير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين» . وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب ناظر الخواصّ الشريفة: «المجلس العالي، القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الأوحديّ، الأكمليّ، الرئيسيّ، البليغيّ، البارعيّ، القواميّ، النّظاميّ، الماجديّ، الأميريّ، المنفّذيّ، المسدّديّ، المتصرّفيّ، الفلانيّ، جمال الإسلام والمسلمين، سيّد الرؤساء في العالمين، قوام المصالح، نظام المناجح، جلال الأكابر، قدوة الكتّاب، رئيس الأصحاب، عماد الملّة، صفوة الدولة، خالصة الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين» . وصورتها على ما أورده في ألقاب وزير دمشق إذا صرّح له بالوزارة: «المجلس العالي، الصاحبيّ، الوزيريّ، الأصيليّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الأوحديّ، القواميّ، النظاميّ، الماجديّ، الأثيريّ، المشيريّ، الفلانيّ؛ صلاح الإسلام والمسلمين، سيّد الوزراء في العالمين، رئيس الكبراء، كبير الرّؤساء، بقيّة الأصحاب، ملاذ الكتّاب، عماد الملّة، خالصة الدولة، مشير الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين» . وصورتها على ما أورده في ألقابه إذا لم يصرّح له بالوزارة، بل كان ناظر النّظّار بالمملكة الشامية: «المجلس العالي، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، الأوحديّ، الرئيسيّ، الأثيريّ، القواميّ، النّظاميّ، المنفّذيّ، المتصرفيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، أوحد الفضلاء، جلال الكبراء، حجّة الكتّاب، صفوة الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين» .

المرتبة الثانية - مرتبة المجلس السامي بالياء

وأما في غير السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التذكرة الآمديّة» في بعض التواقيع من ترتيب المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله بكتابة الدّست بالشام: «المجلس العالي، القضائيّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، الرئيسيّ، العالميّ، العامليّ، البارعيّ، الأوحديّ، الماجديّ، الأثيريّ، الأثيليّ، الأفضليّ، الأصيليّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الرؤساء، أوحد الكبراء، صدر الأعيان، جمال الكتّاب، جلال الحسّاب، صفوة الدولة، خالصة الملوك والسلاطين» . المرتبة الثانية- مرتبة المجلس الساميّ بالياء ، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها. فأما في السلطانيات فلم يذكر صورتها في «التثقيف» . وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير: «المجلس الساميّ، القضائيّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الكافليّ، الرئيسيّ، الأوحديّ، الأصيليّ، الأثيريّ، البليغيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، شرف الرؤساء، فخر الأنام، زين البلغاء، جمال الفضلاء، أوحد الكتّاب، فخر الحسّاب، صفوة الملوك والسلاطين» . وأما في غير السلطانيات فصورتها على ما رأيته في «التذكرة الآمديّة» في توقيع بكتابة «1» الدّرج عن نائب الشام: «المجلس الساميّ، القضائيّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الكامليّ، البليغيّ، الأصيليّ، الرئيسيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، شرف الرؤساء، أوحد الكتّاب، جمال

المرتبة الثالثة - مرتبة المجلس السامي بغير ياء

البلغاء، مرتضى الملوك والسلاطين» . المرتبة الثالثة- مرتبة المجلس السامي بغير ياء ، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها. فأما في السلطانيات، فلم يذكر لها صورة في «التثقيف» أيضا. وصورتها على ما رأيته في «التذكرة الآمديّة» في توقيع شريف بكتابة الدّرج: المجلس السامي، القاضي، الأجلّ، الكبير، الصدر، الرئيس، الأوحد، البارع، الكامل، الأصيل، الفاضل؛ فلان الدين، جمال الإسلام بهاء الأنام، شرف الأكابر، زين الرؤساء، أوحد الفضلاء، زين الكتّاب، صفوة الملوك والسلاطين» . وأما في غير السلطانيات، فصورتها على ما رأيته في «التذكرة الآمديّة» في توقيع كريم عن نائب الشام بكتابة الدّرج بالشام، ترتيب مؤلّف «التذكرة» المذكورة: «المجلس السامي، القاضي، الأجلّ، الكبير، الفاضل، البارع، الكامل، الأوحد، الرئيس، الأثير، فلان الدين، مجد الإسلام، شرف الصّدور، أوحد الفضلاء، زين الكتّاب، جمال الحسّاب، صفوة الملوك والسلاطين» . الدرجة الرابعة (درجة مجلس القاضي، وهي مستعملة في السلطانيّات وغيرها) فأما في السلطانيات، فلم يورد لها في «التثقيف» أيضا صورة. وصورتها على ما يقتضيه عرف الدّيوان: «مجلس القاضي، الأجلّ، الكبير، الفاضل، الأوحد، الأثير، الرئيس، البليغ، العريق، الأصيل؛ فلان الدين، مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الرؤساء» . وأما في غير السلطانيات، فعلى نحو ذلك.

الدرجة الخامسة (درجة القاضي، وهي مستعملة في السلطانيات [وغيرها] )

الدرجة الخامسة (درجة القاضي، وهي مستعملة في السلطانيات [وغيرها] ) «1» وصورتها فيهما: «القاضي الأجل» وربما زيد في تعظيمه فقيل: «الكبير الصدر الرئيس» ونحو ذلك. النوع الثالث (من الألقاب الإسلامية ألقاب أرباب الوظائف الدّينية، وهي على خمس درجات أيضا) الدرجة الأولى (درجة المقرّ) وهي مختصّة بغير السلطانيات، لأنه لا يكتب لأحد من أهل هذا النوع عن السلطان بالمقرّ أيضا، بل قال في «عرف التعريف» : إنه لا يكتب به لأحد من هذا النوع في غير السلطانيات أيضا ولكنّي رأيته مستعملا فيما يكتب عن النّواب بالممالك. وهي على ثلاث مراتب: المرتبة الأولى- مرتبة المقرّ الشريف . وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير في توقيع عن نائب الشام للقاضي جمال الدين إبراهيم بن العديم ببعض الأنظار والتداريس بالشام: «المقرّ الشريف، العالي، المولويّ، القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، الأصيليّ، العريقيّ، القواميّ، النّظاميّ، الإماميّ، العلّاميّ، القدويّ، المفيديّ، الشيخيّ، الصاحبيّ، الحاكميّ، المحسنيّ، الفلانيّ؛ جمال الإسلام والمسلمين، سيّد الفضلاء العاملين، قدوة العلماء في العالمين، لسان المتكلّمين، برهان المناظرين، صدر المدرّسين، جلال الطالبين، بقيّة السلف الكرام الدّارجين، بركة الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين» .

المرتبة الثانية - مرتبة المقر الكريم.

المرتبة الثانية- مرتبة المقرّ الكريم. وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير عن نائب الشام في توقيع ببعض الوظائف الدّينيّة بدمشق: «المقرّ الكريم العالي، المولويّ، القضائيّ، الصاحبيّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، العلّاميّ، المفيديّ، الفريديّ، البليغيّ، الأوحديّ، المحقّقيّ، القواميّ، النّظاميّ، العريقيّ، الحاكميّ، المحسنيّ، الفلانيّ، جمال الإسلام والمسلمين، جلال العلماء العاملين، أوحد المتكلّمين، أكمل البلغاء في العالمين، قدوة المحقّقين، بركة الملوك والسلاطين» . المرتبة الثالثة- مرتبة المقرّ العالي. وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير عن نائب حلب بتدريس بها: «المقرّ العالي، المولويّ، الشيخيّ، الكبيريّ، الإماميّ، العالميّ، العلّاميّ، المفيديّ، القدويّ، الفريديّ، المحقّقيّ، القواميّ، النّظاميّ، الحاكميّ، الفلانيّ؛ علاء الإسلام والمسلمين، أوحد الفضلاء العارفين، رحلة «1» الطالبين، نخبة المحقّقين، جمال العلماء في العالمين، خالصة الملوك والسلاطين» . الدرجة الثانية (درجة الجناب) وقد جعلها في «عرف التعريف» أعلى ما يكتب لهذا النوع، وهي على ثلاث مراتب: المرتبة الأولى- مرتبة الجناب الشريف ، وهي مختصة بغير السلطانيات. وصورتها على ما أورده في «عرف التعريف» «الجناب الشريف العالي،

المرتبة الثانية - مرتبة الجناب الكريم

المولويّ، القضائيّ، السيديّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، العلّاميّ، الكامليّ، الأصيليّ، الأوحديّ، المفيديّ، القدويّ، الفريديّ، الحجّيّ، المجتهديّ، الفلانيّ، حجّة الإسلام، أو ضياء الإسلام، شرف الأنام، أثير الإمام، صدر الشام، سيّد العلماء والحكّام، أو أوحد العلماء الأعلام، بقيّة السلف الكرام، شيخ المذاهب، مجلّي الغياهب، قدوة الفرق، رئيس الأصحاب، مفتي السّنّة، مؤيّد الملّة، شمس الشريعة، سيف النّظر، مفيد الطالبين، لسان المتكلّمين، وليّ أمير المؤمنين» . فإن كان حاكما قيل قبل الفلانيّ «الحاكمي» وقبل وليّ أمير المؤمنين «حكم الملوك والسلاطين» . المرتبة الثانية- مرتبة الجناب الكريم ، وهي مختصّة بغير السلطانيات أيضا. وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير الشامية في توقيع القاضي جمال الدين بن أبي جرادة الحنفيّ ببعض الوظائف الدينية: «الجناب الكريم العالي، المولويّ، القضائيّ، الكبيريّ، الصاحبيّ، الإماميّ، العالميّ، الفاضليّ، الكامليّ، الأريبيّ، اللّبيبيّ، الأصيليّ، العريقيّ، القواميّ، النظاميّ، الفلانيّ، جمال الإسلام والمسلمين، أوحد الفضلاء في العالمين، أكمل نجباء الأبناء العالمين، خالصة الملوك والسلاطين» . المرتبة الثالثة- مرتبة الجناب العالي ، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها. فأما في السلطانيات، فصورتها على ما استقرّ عليه الحال في ألقاب قاضي القضاة الشافعي بالديار المصرية: «الجناب العالي، القاضويّ، الشيخيّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، الأفضليّ، الأكمليّ، الأوحديّ، البليغيّ، الفريديّ، المفيديّ، النّجيديّ، القدويّ، الحجّيّ، المحقّقيّ، الورعيّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، الإماميّ، العلّاميّ، الأصيليّ، العريقيّ، الحاكميّ،

الدرجة الثالثة (درجة المجلس وفيها ثلاث مراتب)

الفلانيّ، جمال الإسلام والمسلمين، شرف العلماء العاملين، أوحد الفضلاء المفيدين، قدوة البلغاء، حجّة الأمّة، عمدة المحقّقين، فخر المدرسين، مفتي المسلمين، جلال الحكّام، بركة الدولة صدر مصر والشام، معزّ السنّة، مؤيّد الملّة، شمس الشريعة، رئيس الأصحاب، لسان المتكلمين، حكم الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين» . وأما في غير السلطانيات، فصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير في توقيع عن نائب الشام ببعض الوظائف الدينية لبعض العلماء: «الجناب العالي، الشيخيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الكامليّ، الأوحديّ، الماجديّ، القواميّ، النّظاميّ، الفلانيّ؛ ضياء الإسلام والمسلمين، أوحد الفضلاء العارفين، جلال الأئمة في العالمين، خالصة الملوك والسلاطين» . الدرجة الثالثة (درجة المجلس وفيها ثلاث مراتب) المرتبة الأولى- مرتبة المجلس العالي ، وهي مستعملة في السّلطانيات وغيرها. فأمّا في السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب القضاة الثلاثة بالديار المصرية غير الشافعي: «المجلس العالي، القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، الأفضليّ، الأكمليّ، الأوحديّ، البليغيّ، الفريديّ، المفيديّ، النّجيديّ، القدويّ، الحجّيّ، المحقّقيّ، الإماميّ، الأصيليّ، العريقيّ، الحاكميّ، الفلانيّ، جمال الإسلام والمسلمين، سيّد العلماء العاملين، أوحد الفضلاء المفيدين، قدوة البلغاء، حجّة الأمّة، عمدة المحدّثين، فخر المدرّسين، مفتي المسلمين، جلال الحكّام، حكم الملوك والسلاطين» .

المرتبة الثانية - مرتبة المجلس السامي بالياء

وأما في غير السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «عرف التعريف» : «المجلس العالي، القضائيّ، الأجلّيّ، الإماميّ، الصّدريّ، الرّئيسيّ، الفقيهيّ، العالميّ، العلّاميّ، الكامليّ، الأوحديّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، فخر الأنام، تاج العلماء والحكّام أو شرف العلماء والحكّام جمال الأمّة، أوحد الأئمة، صدر المدرّسين، خالصة الملوك والسلاطين» . المرتبة الثانية- مرتبة المجلس الساميّ بالياء ، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها. فأمّا في السلطانيات، فلم يذكر لها في «التثقيف» صورة. وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع: «المجلس الساميّ، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الأوحديّ، الرئيسيّ، المفيديّ، البليغيّ، القدويّ، الأثيريّ، مجد الإسلام والمسلمين؛ جمال العلماء العاملين، أوحد الفضلاء، صدر المدرّسين، عمدة المفتين، خالصة الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما رأيته في بعض تواقيع بعض الخطباء «المجلس الساميّ، القضائيّ، الشّيخيّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، العابديّ، الزاهديّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، الخطيبيّ، الفلانيّ، ضياء الإسلام والمسلمين، أوحد الخطباء في العالمين، جمال الأئمة الفصحاء البارعين، لسان البيان، ترجمان الزمان، بركة الملوك والسلاطين» . وأمّا في غير السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «عرف التعريف» : «المجلس الساميّ، القضائيّ، الأجليّ، الإماميّ، الصّدريّ، الفقيهيّ، العالميّ، الكامليّ، الفاضليّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، بهاء الأنام، جمال العلماء، أوحد الفضلاء، شرف النّبلاء، صفوة الملوك والسلاطين» . المرتبة الثالثة- مرتبة المجلس السامي بغير ياء ، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها.

الدرجة الرابعة (درجة مجلس القاضي، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها)

فأما في السلطانيات فلم يذكر لها صورة في «التثقيف» . وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع: «المجلس السامي، القاضي، الأجلّ، الكبير، الصدر، الرئيس، العالم، الفاضل، الكامل، فلان الدين، مجد الصدور، زين الأعيان، مرتضى الملوك والسلاطين» . وأمّا في غير السلطانيات، فصورتها على ما ذكره في «عرف التعريف» : «المجلس السامي، القاضي، الأجلّ، الكبير، العالم، الفاضل، الكامل، الأوحد، الأثير، البارع؛ فلان الدين، مجد الإسلام، بهاء الأنام، فخر الصدور، جمال الأعيان، مرتضى الدولة، صفوة الملوك والسلاطين» . الدرجة الرابعة (درجة مجلس القاضي، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها) فأمّا في السلطانيات فلم يذكر لها صورة في «التثقيف» . وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع: «مجلس القاضي، الأجلّ الكبير، العالم، الفاضل، الأوحد، الكامل، الصدر، الرئيس؛ مجد الإسلام؛ بهاء الأنام، زين الأعيان، فخر الصدور، مرتضى الملوك والسلاطين» . وأمّا في غير السلطانيات فعلى نحو من ذلك. الدرجة الخامسة (درجة القاضي، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها) وصورتها فيهما: «القاضي، الأجلّ» وربما زيد في التعظيم نحو «الكبير الصدر الرئيس» ونحو ذلك.

النوع الرابع (من الألقاب الإسلامية ألقاب مشايخ الصوفية وأهل الصلاح، وهي على خمس درجات)

النوع الرابع (من الألقاب الإسلامية ألقاب مشايخ الصوفيّة وأهل الصّلاح، وهي على خمس درجات) الدرجة الأولى (درجة المقرّ، وليس لها استعمال في السلطانيات؛ وفي غير السلطانيات لها ثلاث مراتب) المرتبة الأولى- مرتبة المقرّ الشّريف. وصورتها: «المقرّ الشريف، العالي، المولويّ، الشّيخيّ، السّيديّ، الإماميّ، العالميّ، الكافليّ، الفاضليّ، الورعيّ، الزاهديّ، العابديّ، الناسكيّ، السالكيّ، الخاشعيّ، المسلّكيّ، المحقّقيّ، المدقّقيّ، الفلانيّ، صلاح الإسلام والمسلمين، جمال الأصفياء العاملين، خالصة الأنام، صفوة الأتقياء، قطب العبّاد، الملك على الحقيقة، والمالك لأزمّة الطريقة، بقيّة السّلف، قدوة الخلف، مفيد الطالبين، أوحد المحقّقين، ركن الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين» . وقد تقدّم أنّ الأحسن في اللقب المضاف إلى السلاطين هنا «بركة الملوك والسّلاطين» . المرتبة الثانية- مرتبة المقرّ الكريم ، وألقابها من نسبة الألقاب المتقدّمة. المرتبة الثالثة- مرتبة المقرّ العالي ، وألقابها نحو ذلك. الدرجة الثانية (درجة الجناب، وفيها ثلاث مراتب) المرتبة الأولى- مرتبة الجناب الشريف ، وهي مختصّة بغير السلطانيات. وصورتها: «الجناب الشريف، العالي، المولويّ، الشيخيّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، الكافليّ، الفاضليّ، الزاهديّ، العابديّ، الخاشعيّ،

المرتبة الثانية - مرتبة الجناب الكريم

الناسكيّ، الورعيّ، جلال الإسلام، سيف الإمام، قطب الزّهّاد، علم العبّاد، أوحد الناسكين، فرد السالكين، بركة الملوك والسلاطين» . المرتبة الثانية- مرتبة الجناب الكريم ، وهي مختصة بغير السلطانيات أيضا. وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع عن نائب الشام: «الجناب الكريم، العالي، الشيخيّ، العالميّ، العامليّ، العلّاميّ، الأوحديّ، القدويّ، العابديّ، الناسكيّ، الخاشعيّ، المسلّكيّ، المربّيّ، الربانيّ، الأصيليّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، حسنة الأيام، قدوة الزّهاد، ملاذ العبّاد، جمال الورعين، مربّي المريدين، أوحد المسلّكين، خلف الأولياء، بركة الملوك والسلاطين» . المرتبة الثالثة- مرتبة الجناب العالي ، وهي مختصّة بغير السلطانيات. وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع عن نائب الشام: «الجناب العالي، الشيخيّ، العالميّ، العامليّ، الأوحديّ، العابديّ، الناسكيّ، الورعيّ، الزاهديّ، الخاشعيّ، المسلّكيّ، الأصيليّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، بهاء الأنام، قدوة العبّاد، جمال الزّهّاد، أوحد المسلّكين، بركة الملوك والسلاطين» . الدرجة الثالثة (درجة المجلس، وفيها ثلاث مراتب) المرتبة الأولى- مرتبة المجلس العالي ، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها. فأمّا في السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب شيخ الشّيوخ بخانقاه سرياقوس: «المجلس العالي، الشيخيّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، السالكيّ، الأوحديّ، الزاهديّ، العابديّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، المفيديّ، القدويّ، الإماميّ، النّظاميّ، الملاذيّ، جلال الإسلام

المرتبة الثانية - مرتبة المجلس السامي بالياء

والمسلمين، شرف الصلحاء في العالمين، شيخ شيوخ الإسلام، أوحد العلماء في الأنام، قدوة السالكين، بركة الملوك والسلاطين» . وأمّا في غير السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «عرف التعريف» : «المجلس العالي، الشيخيّ، الأجلّيّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، الزاهديّ، العابديّ، الورعيّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، القدويّ، الفلانيّ، خيرة الإسلام، شرف الأنام، زين العبّاد، نور الزّهّاد، ذخر الطالبين، كنز التّقى، ملجأ المريدين، بركة الملوك والسلاطين» . المرتبة الثانية- مرتبة المجلس الساميّ بالياء ، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها. أمّا في السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب الشيخ شمس الدين الطّوطي ممّن كان يكتب إليه قديما: «المجلس الساميّ، الشيخيّ، الأجلّيّ، العالميّ، العامليّ، الكامليّ، الفاضليّ، الزاهديّ، الورعيّ، العابديّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، القدويّ، الأوحديّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، ضياء الأنام، بقيّة السلف الكرام، فخر الصّلحاء، أوحد الكبراء، زين الزّهّاد، عماد العبّاد، قدوة المتورّعين، ذخر الدّول، ركن الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع الشريفة: «المجلس الساميّ، الشيخيّ، الكبيريّ، الأوحديّ، الأكمليّ، العابديّ، الخاشعيّ، الناسكيّ؛ جمال الإسلام، زين الأنام، صفوة الصلحاء، فخر العبّاد، بركة الملوك والسلاطين» . وأمّا في غير السلطانيات، فصورتها على ما ذكره المقرّ الشّهابي بن فضل الله في بعض التواقيع عن نائب الشام: «المجلس الساميّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، الخاشعيّ، الورعيّ، الناسكيّ، السالكيّ، العارفيّ، القدويّ،

المرتبة الثالثة - مرتبة المجلس السامي بغير ياء

البليغيّ، الأصيليّ، الشيخيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، شرف العلماء، قدوة الفضلاء، فخر الصّلحاء، جمال النّسّاك، قدوة السّلّاك، أوحد العارفين، بركة الملوك والسلاطين» . المرتبة الثالثة- مرتبة المجلس السامي بغير ياء ، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها. فأما في السلطانيات فلم يورد لها صورة في «التثقيف» . وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع الشريفة: «المجلس السامي، الشيخ، الصالح، الزاهد، العابد، الورع، الخاشع، الناسك، السالك، فلان الدين مجد الصلحاء، زين المشايخ، قدوة السالكين، بركة الملوك والسلاطين» . وأمّا في غير السلطانيات، فصورتها على نحو من ذلك. الدرجة الرابعة (درجة مجلس الشيخ) وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها. ولم يورد لها صورة في «التثقيف» . وصورتها على ما في بعض الدّساتير: «مجلس الشيخ، الصالح، الزاهد، العابد، الناسك، السالك، فلان الدين، مجد الصّلحاء، زين المشايخ، بركة الملوك والسلاطين» . الدرجة الخامسة (درجة الشيخ) وهي «الشيخ، الصالح، الورع، الزاهد» ونحو ذلك.

النوع الخامس (ألقاب التجار الخواجكية، والمستعمل فيه أربع درجات)

النوع الخامس (ألقاب التّجّار الخواجكيّة، والمستعمل فيه أربع درجات) الدرجة الأولى (درجة الجناب) ولم أر فيها غير مرتبة الجناب العالي فيما عدا السلطانيّات. وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير الشاميّة فيما كتب به لبعض الخواجكيّة، «الجناب العالي، الصّدريّ، الكبيريّ، المحترميّ، المؤتمنيّ، الأوحديّ، الأكمليّ، الرئيسيّ، العارفيّ، المقرّبيّ، الخواجكيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأكابر في العالمين، أوحد الأمناء المقرّبين، صدر الرؤساء، رأس الصّدور، عين الأعيان، كبير الخواجكيّة، ثقة الدولة، مؤتمن الملوك والسلاطين» . فإن اتفق أن يكتب لأحد من الخواجكيّة بأعلى من الجناب العالي، كتب له من نظير هذه الألقاب وأعلى منها. الدرجة الثانية (درجة المجلس، وفيها ثلاث مراتب) المرتبة الأولى- مرتبة المجلس العالي ، وهي مختصة بغير السلطانيات. وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير الشاميّة: «المجلس العالي، الصدريّ، الرئيسيّ، الكبيريّ، المحترميّ، المؤتمنيّ، الأوحديّ، الأكمليّ، المقرّبيّ، الخواجكيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، شرف الأكابر، أوحد الأمناء، صدر الرؤساء، زين الأعيان، ثقة الدولة، مؤتمن الملوك والسلاطين» . المرتبة الثانية- مرتبة المجلس الساميّ بالياء ، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها. فأمّا في السلطانيات، فصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب خواجا عسّاف بن مسافر، ونظام الدّين الإسعرديّ: المجلس الساميّ،

المرتبة الثالثة - مرتبة المجلس السامي بغير ياء

الصّدريّ، الكبيريّ، الكامليّ، الماجديّ، الأوحديّ، المقرّبيّ، المنتخبيّ، الأمينيّ، الأثيريّ، الخواجكيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، زين الأنام، شرف الرؤساء، أوحد الكبراء، تاج الأمناء، فخر الأعيان، مقرّب الحضرتين، مؤتمن الدّول، صفوة الملوك والسلاطين» . وأمّا في غير السلطانيات، فصورتها على نحو من ذلك. المرتبة الثالثة- مرتبة المجلس السامي بغير ياء ، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها. فأمّا في السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب بعض الخواجكيّة: «المجلس السامي، الصدر، الأجلّ، الكبير، الكامل، الماجد، الأوحد، المقرّب، المنتخب، الأمين، الأثير، الخواجا؛ فلان الدين، مجد الرؤساء، زين الأكابر، مجد الصّدور، جمال الأعيان، مقرّب الدولة، صفوة الملوك والسلاطين» . وأمّا في غير السلطانيات فعلى نحو من ذلك. الدرجة الثالثة (درجة مجلس الصّدر، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها) فأمّا في السلطانيات، فصورتها على ما ذكره في «التثقيف» : «مجلس الصدر، الأجلّ، الكبير، المحترم، المقرّب، الأوحد، فلان الدين» . وأمّا في غير السلطانيات، فلا تخرج عن ذلك.

الدرجة الرابعة (درجة الصدر، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها)

الدرجة الرابعة (درجة الصّدر، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها) فأمّا في السلطانيات فصورتها على ما أشار إليه في «التثقيف» : «الصّدر الأجلّ، الكبير، المحترم، المقرّب، الأوحد، فلان الدين» . وأمّا في غير السلطانيات، فلا تبعد من ذلك. النوع السادس (من الألقاب الإسلامية ألقاب أرباب الصناعات الرئيسيّة، كرياسة الطب، ورياسة الكحّالين «1» ، ورياسة الجرائحية، ونحو ذلك، والمستعمل فيه درجتان) الدرجة الأولى (درجة المجلس، وفيها ثلاث مراتب) المرتبة الأولى- مرتبة المجلس العالي ، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها. فأمّا في السلطانيات، فكألقاب رئيس الأطبّاء، وهي «المجلس العالي، [القضائيّ، العالميّ، الفاضليّ، الكامليّ، الأوحديّ، الفلانيّ، جمال الإسلام والمسلمين، سيّد الرؤساء في العالمين، أوحد الفضلاء المقرّبين، خاصّة الملوك والسلاطين» «2» ] .

المرتبة الثانية - مرتبة المجلس السامي

وأمّا في غير السلطانيات فعلى نحو من ذلك. المرتبة الثانية- مرتبة المجلس الساميّ ، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها. فأمّا في السلطانيات، فصورتها: «المجلس الساميّ، الصدريّ، الأجليّ، الكبيريّ، الرئيسيّ، الفلانيّ» . وأمّا في غير السلطانيات فعلى نحو منه. المرتبة الثالثة- مرتبة المجلس السامي بغير ياء ، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها. فأما في السلطانيات، فصورتها: «المجلس الساميّ، الصدر، الأجلّ، الكبير، الرئيس، المحترم» . وأما في غير السلطانيات، فعلى نحو ذلك. الدرجة الثانية (درجة الصّدر، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها) وصورتها فيهما: «الصدر الأجلّ» فإن زيد في تعظيمه، قيل: «الكبير المحترم» . النوع السابع (من الألقاب الإسلامية ألقاب الحاشية السلطانية، كمهتاريّة البيوت، ومهندس العمائر، ورئيس الحرّاقة ونحوهم، وفيه درجتان) الدرجة الأولى (درجة مجلس الصّدر، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها)

الدرجة الثانية (درجة الصدر، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها)

فأما في السلطانيات، فصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب المهندس والرئيس: «مجلس الصّدر، الأجلّ، الكبير، المحترم، المؤتمن، فلان الدين» . وفي ألقاب مهتاريّة البيوت: من مهتار الشّراب خاناه، والطّشت خاناه، والفراش خاناه، وإخوان سلار ونحوهم،: «مجلس الصّدر، الأجلّ، الكبير، المحترم، المؤتمن، الحاج فلان» . وأما في غير السلطانيات، فكذلك أو أزيد. الدرجة الثانية (درجة الصّدر، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها) وصورتها فيهما: «الصّدر الأجلّ» فإن زيد في رعايته قيل بعد ذلك: «الكبير المحترم» . النوع الثامن (من الألقاب الإسلامية ألقاب النساء، وفيه درجتان) الدرجة الأولى (درجة الجهة، وفيها مرتبتان) المرتبة الأولى- مرتبة الجهة الشريفة ، وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب إلى «1» بنت الملك الناصر محمد بن قلاوون عن والدتها: «الجهة الشريفة، العالية المحجّبة، المصونة، الولديّة، العصميّة، عصمة الدين، جلال النساء، شرف الخواتين، سليلة الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» أيضا في المكاتبة إلى أم آنوك،

المرتبة الثانية - مرتبة الجهة الكريمة.

زوجة السلطان الملك «1» الناصر عنه: «الجهة الشريفة العالية المعظّمة، المحجّبة، المصونة، الكبرى، خوند خاتون؛ جلال النساء في العالمين، قرينة الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما ذكره في المكاتبة إلى أخت السلطان الملك الناصر حسن عنه: «الجهة الشريفة، العالية، المكرّمة، المحجّبة، المصونة، الكبرى الخاتون، جلال النساء في العالمين، جميلة المحجّبات، جليلة المصونات، كريمة الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما ذكره في ألقاب الستّ حدق: «الجهة الشريفة، العالية الكبيريّة، المحجّبيّة، المصونيّة، الحاجّيّة، الوالديّة؛ جلال النساء في العالمين، بركة الدولة، والدة الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير في ألقاب والدة الأشرف «2» شعبان بن حسين: «الجهة الشريفة العالية، الكبرى، المعظّمة، المحجّبة، العصميّ، الخاتونيّ، جلال النساء في العالمين، سيّدة الخواتين، جميلة المحجّبات، جليلة المصونات، والدة الملوك والسلاطين» . المرتبة الثانية- مرتبة الجهة الكريمة. وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب دلشاه، زوج الشيخ حسن الكبير ببغداد: الجهة الكريمة، المحجّبة المصونة، العصميّة، الخاتونيّة، المعظّمة، سيدة الخواتين، زينة النّساء في العالمين، جميلة المحجّبات، جليلة المصونات، قرينة نوين الملوك والسلاطين.

الدرجة الثانية (درجة الدار

الدرجة الثانية (درجة الدار ، وهي على نحو المرتبتين المتقدّمتين في الألقاب السابقة) الدرجة الثالثة (درجة الستارة ، وهي لا تكاد تخرج عما تقدّم من المرتبتين المتقدّمتين) القسم الثاني (من الألقاب المرتّبة ألقاب أهل الكفر، وهي على ثلاثة أضرب) الضرب الأوّل (ألقاب متدينتهم، وهي نوعان) النوع الأوّل (ألقاب بطاركة النصارى) وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب الباب برومية: «الباب، الجليل، القدّيس، الرّوحانيّ، الخاشع، العامل، بابا رومية؛ عظيم الملّة المسيحيّة، قدوة الطوائف العيسويّة، مملّك ملوك النصرانية، حافظ البحار والخلجان، ملاذ البطاركة والأساقفة والقسوس والرّهبان، تالي الإنجيل، معرّف طائفته التحريم والتحليل، صديق الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب البطريرك بالديار المصرية: «البطريرك الجليل، القدّيس، الخاشع، قدوة النصرانية» . ثم قال: ومن نسبة ذلك. وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع له: «الحضرة السامية، الشيخ، الرئيس، المبجّل، المكرّم، الكافي، المعزّز، المفخّر، القدّيس، شمس الرياسة، عماد بني المعمودية، كنز الطائفة الصّليبيّة، اختيار الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير الشاميّة عن نائب الشام للبطريرك

النوع الثاني (ألقاب رؤساء اليهود)

بها: «البطريرك، المحتشم، المبجّل، العارف، الحبر، فلان، العالم بأمور دينه، المعلّم لأهل ملّته، ذخر الملّة المسيحية، كنز الطائفة العيسوية، المشكور بعقله عند الملوك والسلاطين» . النوع الثاني (ألقاب رؤساء اليهود) وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع لرئيس اليهود بالشام من إنشاء القاضي محيي الدين بن «1» الزكي في سنة ست وعشرين وستمائة: «الرئيس، الأوحد، الأعزّ، الأخصّ، الكبير، شرف الطائفة الإسرائيلية فلان» . الضرب الثاني (ألقاب ملوكهم وتختصّ بالنصارى، وهو نمطان) النمط الأوّل (الألقاب المذكّرة، وهي على ثلاثة أنواع) النوع الأوّل (ما يصدّر بالألف واللام، وهي على خمس مراتب) المرتبة الأولى- مرتبة الحضرة العالية. وصورتها على ما أورده في «التعريف» في ألقاب ملك الحبشة: «الحضرة العالية، حضرة الملك الجليل، الهمام، الضّرغام، الأسد، الغضنفر، الخطير، الباسل، السّميدع «2» ؛ العالم في ملّته، العادل في

المرتبة الثانية - مرتبة الحضرة العلية.

مملكته، المنصف لرعيّته، المتّبع لما يجب في أقضيته، عزّ الأمّة النصرانية، ناصر الملّة المسيحية، ركن الأمّة العيسويّة، عماد بني المعمودية، حافظ البلاد الجنوبية، متّبع الحواريّين، والأحبار السّريانيّين، والبطاركة القدّيسين، معظّم كنيسة صهيون، أوحد ملوك اليعقوبية، صديق الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما أورده في «التعريف» أيضا في ألقاب صاحب القسطنطينيّة: «الحضرة العالية، المكرّمة، حضرة الملك الجليل، الخطير، الهمام، الأسد، الغضنفر، الباسل، الضّرغام، المعرق، الأصيل، الممجّد، الأثيل، البلالاوس، الرّيد أرغون، ضابط الممالك الرّوميّة، جامع البلاد الساحلية، وارث القياصرة القدماء، محيي طرق الفلاسفة والحكماء، العالم بأمور دينه، العادل في ممالكه، معزّ النّصرانيّة، مؤيّد المسيحية، أوحد ملوك العيسوية، مخوّل التّخوت والتّيجان، حامي البحار والخلجان، ملك ملوك السّريان، عماد بني المعموديّة، رضي الباب بابا رومية، ثقة الأصدقاء، صديق المسلمين، أسوة الملوك والسلاطين فلان» . المرتبة الثانية- مرتبة الحضرة العليّة. وصورتها على ما أورده في «التعريف» في ألقاب ملك الكرج «1» : «الحضرة العليّة، حضرة الملك الجليل، الهمام، الباسل، الضّرغام، السّميدع، الكرّار، الغضنفر، المتخّت، المتوّج؛ العالم في ملّته، العادل في رعيّته، بقيّة الملوك الإغريقيّة، سلطان الكرج، ذخر ملوك البحار والخلج، حامي حمى الفرسان، وارث آبائه في الأسرة والتّيجان، سياج بلاد الرّوم وإيران، سليل اليونان، خلاصة ملوك السّريان، بقية أبناء التّخوت والتّيجان، معزّ النصرانية،

المرتبة الثالثة - مرتبة الحضرة السامية.

مؤيّد العيسويّة، مسيح الأبطال المسيحيّة، معظّم البيت المقدّس بعقد النية، عماد بني المعموديّة، ظهير الباب بابارومية، موادّ المسلمين، خالصة الأصدقاء المقرّبين، صديق الملوك والسلاطين» . المرتبة الثالثة- مرتبة الحضرة السامية. وصورتها على ما أورده في «التعريف» في ألقاب الأدفونش صاحب طليطلة وإشبيلية من الأندلس: «الحضرة السامية، الملك الجليل، الهمام، الأسد، الباسل، الضّرغام، الغضنفر؛ بقيّة سلف قيصر، حامي حماة بني الأصفر، الممنّع السلوك، وارث لذريق «1» وذراريّ الملوك؛ فارس البرّ والبحر، ملك طليطلة وما يليها من البلاد الأندلسية، بطل النصرانية، عماد بني المعموديّة، حامل راية المسيحيّة، وارث التّيجان، شبيه مريحنّا المعمدان، محبّ المسلمين، صديق الملوك والسلاطين» . المرتبة الرابعة- مرتبة الحضرة المكرّمة. وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير الشامية في ألقاب صاحب قبرس: «الحضرة المكرّمة، حضرة الملك الجليل، البطل، الباسل، الهمام، السميدع الضّرغام، الغضنفر، القمقام؛ مؤيّد الملّة المسيحية، عماد بني المعموديّة، ذخر الملّة النّصرانية، حامي الجزائر القبرسيه، موادّ المسلمين، صديق الملوك والسلاطين، الملك فلان» . المرتبة الخامسة- مرتبة الحضرة الموقّرة. وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب الأدفونش المقدّم ذكره: «الحضرة الموقّرة، الملك الجليل، المكرم، المبجّل، الخطير، البطل، الباسل، الهمام، الضّرغام، الرّيد أرغون؛ نصر النصرانية، فخر الأمّة العيسوية. ذخر الملّة المسيحية، حامي الثّغور، متملّك السواحل والبحور، عماد بني

النوع الثاني (ما يصدر بحضرة مع الإضافة)

المعمودية، ظهير بابا رومية، ملاذ الفرسان، جمال التّخوت والتّيجان، صديق الملوك والسلاطين» . النوع الثاني (ما يصدّر بحضرة مع الإضافة) وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب صاحب القسطنطينيّة: «حضرة الملك، الجليل، المكرّم، المبجّل، الأسد، الخطير، البطل، الباسل، الهمام، الضّرغام، فلان؛ العالم في ملّته، العادل في أهل مملكته، عزّ الأمّة المسيحية، كنز الطائفة الصّليبيّة، جمال بني المعمودية، صمصام الملوك اليونانيّة، حسام المملكة المالوصية، صاحب أمصار الرّوس والعلّان، معزّ اعتقاد الكرج والسّريان، وارث الأسرّة والتّيجان، الحاكم على الثّغور والبحور والخلجان، الدّوقس الأنجالوس الكمينيوس البالالوغس، صديق الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب ملك الكرج: «حضرة الملك الجليل، المكرّم، الخطير، الباسل، القمقام «1» ، القدّيس، الرّوحانيّ، فلان، عزّ الأمّة المسيحية، كنز الطائفة الصليبية، فخر دين النّصرانية، ملك الجبال والكرج والجرجان، صديق الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير في ألقاب ملك الكرج أيضا: «حضرة الملك الجليل، العالم في ملّته، العادل في مملكته؛ المتوّج من الله فلان؛ سيد ملوك النّصرانية، أكبر زعماء الملّة المسيحية، ضابط الممالك الكرجية، ... «2» ... خليل الملوك والسلاطين» .

وصورتها على ما ذكره في «التعريف» في ألقاب متملّك سيس «1» قبل فتحها: «حضرة الملك الجليل، البطل، الباسل، الهمام، السّميدع، الضّرغام، الغضنفر فلان، فخر الملّة المسيحية، ذخر الأمّة النصرانية، عماد بني المعمودية، صديق الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب متملّك سيس المذكور أيضا: «حضرة الملك الجليل، المكرّم، المبجّل، المعزّز، الهمام، الباسل، فلان، عزّ دين النصرانية، كبير الطائفة الصّليبية، عماد بني المعمودية، صديق الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» أيضا في ألقاب صاحب البندقيّة: «حضرة الدّوك الجليل، المكرّم، الخطير، الباسل، الموقّر، المفخّم، فلان، فخر الملّة المسيحة، جمال الطائفة الصليبيّة، دوك البندقيّة والمانسية، فلان، زين بني المعمودية، صديق الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب ملك السّرب والبلغار: «حضرة الملك الجليل، المكرّم، المبجّل، الهمام، الضّرغام، الباسل، الدّوقس، الأنجالوس، الكمينيوس، فلان، عماد النصرانية، مالك السّرب والبلغار، فخر الأمّة العيسويّة، ذخر الملّة المسيحية، فارس البحور، حامي الحصون والثّغور» . وصورتها على ما أورده في ألقاب ملك مونفراد: «حضرة الملك الجليل، المكرّم، البطل، الهمام، الأسد، الضّرغام، فلان، مجد النصرانية، فخر

النوع الثالث (ما يصدر بالملك وما في معناه)

العيسوية، عماد بني المعموديّة، جمال الطائفتين الرّومية والفرنجيّة، ملك منفراد، وارث التاج، معزّ الباب» . وصورتها على ما أورده في ألقاب لدوك البندقيّة غير ما تقدّم: «حضرة المحتشم، الجليل، المبجّل، الموقّر، المكرّم، المفخّم، الباسل، الضّرغام، فلان، عزّ الملّة المسيحية، جمال الطائفة العيسويّة، ذخر الملة الصّليبيّة، صديق الملوك والسلاطين» . النوع الثالث (ما يصدّر بالملك وما في معناه) وصورته على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب ملك الحبشة: «الملك الجليل، المكرّم، الخطير، الأسد، الضّرغام، الباسل، فلان، العالم في ملّته، العادل في مملكته، حطّي ملك أمحرا، أكبر ملوك الحبشان، نجاشيّ عصره، سند الملّة المسيحيّة، عضد دين النصرانية، عماد بني المعمودية، صديق الملوك والسلاطين» . وصورتها على ما ذكر في «التثقيف» في ألقاب دوك البندقية غير ما تقدّم: «الدّوك الجليل، المكرّم، المبجّل، الموقّر، البطل، الهمام، الضّرغام، الغضنفر، الخطير، مجد الملّة النصرانيّة، فخر العيسويّة، عماد بني المعمودية، معزّ بابا رومية، صديق الملوك والسلاطين فلان» . النمط الثاني (من ألقاب ملوك الكفر [الألقاب المؤنّثة] ) وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب صاحبة بابل «1» :

الضرب الثالث (ألقاب نواب ملوكهم وكناصلتهم ومن في معنى ذلك. وهو على نوعين)

«الملكة الجليلة، المكرّمة، المبجّلة، الموقّرة، المفخّمة، المعزّزة، فلانة، العالمة في ملّتها، العادلة في مملكتها، كبيرة دين النّصرانية، نصيرة الملّة العيسويّة، حامية الثغور، صديقة الملوك والسلاطين» . الضرب الثالث (ألقاب نوّاب ملوكهم وكناصلتهم ومن في معنى ذلك. وهو على نوعين) النوع الأوّل (ألقاب النّوّاب) وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب النائب بالأبواب: «النائب الجليل، المبجّل، الموقّر، القدّيس، الرّوحانيّ» والنّعوت من نسبة ألقاب متملّك سيس. وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب صاحب دنقلة «1» : «النائب الجليل، المبجّل، الموقّر، الأسد، الباسل، فلان، مجد الملّة المسيحية، كبير الطائفة الصّليبيّة، غرس الملوك والسلاطين» . النوع الثاني (ألقاب الكناصلة) وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب الكنصل بانكفا «2» كألقاب متملّك سيس «3» المنقولة عن التثقيف فيما تقدّم.

الأصل الأول

وصورتها على ما أشار إليه في «التثقيف» في ألقاب المطران نائب الباب بالابقية «1» وهي قبرس نحو ما تقدّم في ألقاب البطرك بالديار المصرية. قال: ويزاد عليه «المطران فلان» ويقال في نعوته «ناصح الملوك والسّلاطين» . وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير الشامية في ألقاب إبراهيم كري، أحد كتّاب الفرنج عن نائب دمشق: «المحتشم، الكبير، المخوّل، الأسد، الهمام، الغضنفر، موادّ المسلمين، متّبع الحواريّين، جمال العيسويّة، أوحد بني المعمودية، صاحب الملوك والسلاطين» . قلت: قد تبيّن مما تقدّم من الألقاب والنّعوت الإسلاميّة وألقاب أهل الكفر ونعوتهم أنها ليست واقفة عند حدّ، بل هي راجعة إلى اصطلاح الكتّاب واختيارهم في زيادة الألقاب ونقصها، والإتيان بلقب دون لقب، مع رعاية المناسبة لكلّ مقام وما يحتمله من الألقاب، إلا أن لذلك (أصولا يرجع إليها) وقوانين يوقف عندها، إذا اعتمدها الكاتب ومشى على نهجها ونسج على منوالها، أصاب سواء الثّغرة من الصّناعة، وطبّق المفصل بالمفصل في الإتيان بالمقصد، ومتى أهملها وفرّط في مراعاتها ضلّ سواء السبيل، وخرج عن جادّة الصواب: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ* «2» . الأصل الأوّل - أن يقف على ما رتّبه البلغاء من أرباب الصنعة من الألقاب والنّعوت لكلّ صنف من ذوي الألقاب والنعوت، لأهل الإسلام وأهل الكفر. ويجري ذلك منه مجرى الحفظ والاستحضار، ليسهل عليه إيراده في موضعه، ولا يشذّ عنه شيء منها عند الاحتياج إليه. وقد تقدّم من ذلك جملة مستكثرة يهتدى بنجمها، ويستضاء في ظلمة اللّبس بضوئها. الأصل الثاني - أن يعرف ما هو من الألقاب والنّعوت حقيقيّ لصاحب

الأصل الثالث

اللّقب الذي يستعمله فيه، كالعالميّ لأهل العلم، والعابديّ لأهل الصّلاح، والعادليّ للحكّام من أرباب السيوف وغيرهم؛ وما هو منها مجازيّ، كالعالميّ لأرباب السّيوف والكتّاب حيث لا اتصاف لصاحب اللّقب بالعلم، والأصيليّ لمن ليس له آباء في الرّياسة ولا عراقة في النّسب، ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى. الأصل الثالث - أن يعرف الألقاب الخاصّة ببعض دون بعض، كالشّريفيّ، والحسيبيّ، والنّسيبيّ، للأشراف أولاد فاطمة رضي الله عنها، والكافليّ لنائب السلطنة أو وزير كبير، والنّوينيّ لأمير التّوامين بالشرق، والمدبّريّ للوزير ونحوه من ناظر الخاص ومن في معناه، والمشيريّ لمن يؤخذ رأيه من أكابر أرباب السيوف والأقلام، والسّفيريّ للحاجب والدّوادار وكاتب السرّ، واليمينيّ للدّوادار وكاتب السرّ، والعريقيّ لذي العراقة في النسب، والأصيليّ لمن له ثلاثة آباء في الرياسة. وكذلك النعوت كوالد الملوك والسلاطين لمن يكون له أولاد من الملوك، وولد الملوك والسلاطين لأولاد الملوك، وعضد الملوك والسلاطين للأمراء ونحوهم، وكافل الممالك للنائب الكافل، وسفير الدولة ولسان المملكة للدّوادار وكاتب السرّ، ويمين الملوك والسلاطين لهما أيضا، ووالدة الملوك والسلاطين لمن يكون من أولادها ملك، وكريمة الملوك والسلاطين لمن يكون من إخوتها سلطان، وقرينة الملوك والسلاطين لمن تكون زوجة ملك، وصديق الملوك والسلاطين، أو موادّ الملوك والسلاطين لملوك الكفر، وقرين الملوك والسلاطين لنّوابهم، ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى، فيوقع كلّ لقب أو نعت منها في موضعه ولا يجاوزه إلى غيره. وأنت إذا تأمّلت ما سلف من ترتيب الألقاب والنّعوت على الأصول المتقدّمة، ظهر لك منها ما تستعين به على ترتيبها وإيقاعها مواقعها. الأصل الرابع - أن يعرف الألقاب والنّعوت الرفيعة المقدار، فيلحقها بما يناسبها من الألقاب الأصول؛ كإلحاق العالميّ والعادليّ وممهّد الدّول ومشيّد

الأصل الخامس

الممالك وما شاكل ذلك بالمقرّ والجناب الكريم ونحو ذلك. ويعرف الألقاب النازلة، فيخرج منها ما يجرّده عن الياء ويلحقه بالسامي بغير الياء فما دونه كالعضد والذّخر وما أشبه ذلك. الأصل الخامس - أن يعرف مراتب الألقاب في التقديم والتأخير، مثل أن يعلم أن الشريف والكريم يليان المقرّ والجناب، والعالي يليهما؛ ثم العالي يلي المقرّ والجناب والمجلس، والسامي يلي المجلس حيث لا يليه العالي. وأن النعت المضاف إلى أمير المؤمنين مثل عضد أمير المؤمنين، وسيف أمير المؤمنين، وحسام أمير المؤمنين، يكون آخر النّعوت. وأن المضاف إلى الملوك والسلاطين مثل عضد الملوك والسلاطين، وظهير الملوك والسلاطين، يكون قبله المضاف إلى أمير المؤمنين إن كان في رتبة يثبت فيها ما يضاف إلى أمير المؤمنين، وإلا يكون المضاف إلى الملوك والسلاطين هو آخر الألقاب. وأن يعلم أن لقب التّعريف، وهو الفلانيّ أو فلان الدين يكون واسطة بين الألقاب والنعوت، فاصلا بينهما. وأن لقب الوظيفة كالكافليّ والحاكميّ وما أشبههما يكون قبل لقب التعريف غالبا على ما تقدّم بيانه؛ فيضع هذه الألقاب في مواضعها ولا يخرجها عنها، بخلاف ما يجوز فيه التقديم والتأخير من الألقاب والنّعوت. الجملة العاشرة (في ذكر ألقاب تقع على أشياء متفرّقة قد جرت في عرف الكتّاب، وهي على ضربين) الضرب الأوّل (فيما يجري من ذلك مجرى التفاؤل، ويختلف باختلاف الأحوال والوقائع، ويتنوع إلى أنواع) النوع الأول (ما يوصف بالنّصر، كالجيوش والعساكر والقلاع والبريد ونحو ذلك) فيقال في الجيوش والعساكر: «الجيوش المنصورة، والعساكر

النوع الثاني (ما يوصف بالحراسة، كالمدن والثغور)

المنصورة» ويقال في القلاع المنصورة «وقلعة دمشق المنصورة وقلعة حلب المنصورة» ونحو ذلك، وكذلك يقال «القلاع المنصورة» على الجمع تفاؤلا بحصول النّصر لها؛ ويقال في البريد: «البريد المنصور» على ما اصطلح عليه كتّاب الزمان، على أن في وصف البريد بالمنصور نظرا؛ لأنه إنما وضع ليوصّل الأخبار ونحو ذلك، وكان الأحسن أن يوصف بالسّعيد ونحوه اللهم إلا أن يراد أنه ربما وصل به خبر النصر على العدوّ، وهو من أهم المهمات، وكأنه وصف بأشرف متعلّقاته. النوع الثاني (ما يوصف بالحراسة، كالمدن والثّغور «1» ) فيقال في المدن «مصر المحروسة» و «القاهرة المحروسة» و «دمشق المحروسة» و «حلب المحروسة» ونحو ذلك. ويقال في الثغور «الثّغر المحروس» و «ثغر الإسكندريّة المحروس» و «ثغر رشيد المحروس» و «ثغر دمياط المحروس» و «ثغر أسوان المحروس» ونحو ذلك تفاؤلا بوقوع الحراسة لها. على أنه لو وصفت القلاع أيضا بالحراسة فقيل «القلعة المحروسة» و «القلاع المحروسة» ونحو ذلك لكان له وجه ظاهر. وبكل حال فكلّ ما كان محلّ خوف مما ينبغي حراسته والاحتفاظ به، حسن وصفه بالحراسة. وقد رأيت من يذكر ضابطا لذلك في البلاد: وهو أن كل مدينة مسوّرة يقال فيها محروسة وإلا فلا، وهو بعيد، والظاهر ما قدّمنا ذكره. النوع الثالث (ما يوصف بالعمارة، كالدواوين) وهي المواضع التي يجلس فيها الكتّاب على ما تقدّم بيانه في مقدّمة الكتاب وغير ذلك. فيقال: «الدّيوان المعمور» و «الدّواوين المعمورة» تفاؤلا بأنها لا تزال معمورة بالكتّاب، أو بدوام عزّ صاحبها وبقاء دولته.

النوع الرابع (ما يوصف بالسعادة، كالدواوين أيضا)

النوع الرابع (ما يوصف بالسّعادة، كالدواوين أيضا) فيقال: «الدّيوان السعيد» و «الدّواوين السعيدة» تفاؤلا بدوام سعادتها بدوام سعادة صاحبها. النوع الخامس (ما يوصف بالقبول) كالضّحايا المقبولة تفاؤلا بأنّ الله تعالى يتقبّلها، وهو في الحقيقة بمعنى الدعاء، كأنه يقال تقبّلها الله تعالى. النوع السادس (ما يوصف بالبرّ، كالصّدقة والأحباس) فيقال في الأحباس: «الأحباس المبرورة» وفي الصّدقة «الصدقة المبرورة» تفاؤلا بأنها تكون جارية مجرى البرّ الذي يلحق به الثواب. وكتّاب الجيش ونحوهم يستعملون ذلك في وصف الرّزقة أيضا، وهي القطعة من الأرض ترصد لمصالح المسجد أو الرّباط أو الشخص المعيّن. فيقولون: «الرّزقة المبرورة» لجريانها مجرى الصدقة. النوع السابع (ما يوصف بالخذلان، كالعدوّ ونحوه) فيقال: «العدوّ المخذول» على الإجمال و «فلان المخذول» بالتصريح باسمه «وأهل الكفر المخذولون» ونحو ذلك تفاؤلا بأنّ الله تعالى يوقع بالعدوّ الخذلان ويرميه به.

الضرب الثاني (ما يجري من ذلك مجرى التشريف ويختلف أيضا باختلاف الأحوال، ويتنوع أنواعا)

الضرب الثاني (ما يجري من ذلك مجرى التشريف ويختلف أيضا باختلاف الأحوال، ويتنوّع أنواعا) النوع الأوّل (ما يوصف بالعزّ، كالكتاب بمعنى القرآن) فيقال فيه: «الكتاب العزيز» ومن ثمّ يقولون في قاريء القرآن: «من حملة كتاب الله العزيز» وربما وصف بذلك الدّيوان أيضا، كما يقال في ديوان الخلافة: «الدّيوان العزيز» على ما تقدّم ذكره في الكلام على الألقاب. النوع الثاني (ما يوصف بالشريف، كالمصحف والعلم) فيقال في المصحف: «المصحف الشريف» وفي العلم «العلم الشريف» ولذلك يقولون «فلان من طلبة العلم الشريف» ونحو ذلك، وكذا في الأماكن الرفيعة، كمكّة والمدينة النبويّة والقدس. فيقال: «مكّة المشرّفة» و «المدينة الشريفة» و «القدس الشريف» والحرم الشريف تارة لحرم مكّة وتارة لحرم المدينة. فإذا جمعا قيل: «الحرمان الشّريفان» وربما أطلق، في عرف الكتّاب، الحرمان على القدس الشريف ومقام الخليل عليه السّلام، وهو مراد المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في كتابه «التعريف» في قسم الوصايا بناظر الحرمين الشريفين دون حرم مكة والمدينة المشرّفتين. وقد اصطلح كتّاب الزمان على أن وصفوا أكثر ما يضاف إلى السلطان بالشريف، فيقولون فيما يصدر عن السلطان من عهد وتقليد وتوقيع ومرسوم ومثال وتذكرة: «عهد شريف» و «تقليد شريف» و «توقيع شريف» و «مرسوم شريف» و «مثال شريف» و «تذكرة شريفة» ونحو ذلك.

النوع الثالث (ما يوصف بالكريم، كالقرآن)

النوع الثالث (ما يوصف بالكريم، كالقرآن) فيقال: «القرآن الكريم» والأصل فيه قوله تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ «1» وقد اصطلح كتّاب الزمان على أن جعلوه دون الشريف في الوصف، فوصفوا به ما يصدر عمّن دون السلطان من أكابر الدولة من النّواب والأمراء والوزراء: من توقيع ومرسوم ومثال وتذكرة ونحو ذلك. فيقولون: «توقيع كريم» و «مرسوم كريم» و «مثال كريم» و «تذكرة كريمة» . وقد توصف به المكاتبة أيضا فيقال: «إنّ مكاتبته الكريمة وردت» ونحو ذلك، وقد ورد في التنزيل: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ «2» على أنه قد تقدّم أنه كان ينبغي أن يكون أرفع رتبة من الشريف لورود التنزيل بوصف القرآن به. النوع الرابع (ما يوصف بالعلوّ، وهو في معنى الكرم في اصطلاحهم) فيقال: «توقيع عال» و «مرسوم عال» ونحو ذلك، وقد يوصف به الرأي فيقال: «الرأي العالي» ، وقد يوصف به أمر السلطان أيضا من ذي الرّتبة الرفيعة، مثل كتابة الوزير على المراسيم الشريفة ونحوها «أمتثل الأمر العالي» . النوع الخامس (ما يوصف بالسعادة) ك «الرأي السّعيد» و «الآراء السعيدة» وربما وصف بذلك الدّيوان فقيل: «الدّيوان السعيد» ونحو ذلك.

النوع السادس (ما يوصف بالبركة، كالكعب)

النوع السادس (ما يوصف بالبركة، كالكعب) فيقال: «كعب مبارك» وقد يوصف به المنزل فيقال: «منزل مبارك» وقد يوصف به الأمر لمن دون العالي، فيقال: «يتقدّم أمره المبارك» وكذلك المكاتبة، فيقال: «إن مكاتبته المباركة وردت» ونحو ذلك.

الباب الثاني من المقالة الثالثة (في مقادير قطع الورق، وما يناسب كل مقدار منها من الأقلام، ومقادير البياض في أول الدرج وحاشيته، وبعد ما بين السطور في الكتابات، وفيه فصلان)

الباب الثاني من المقالة الثالثة (في مقادير قطع الورق، وما يناسب كلّ مقدار منها من الأقلام، ومقادير البياض في أوّل الدّرج «1» وحاشيته، وبعد ما بين السطور في الكتابات، وفيه فصلان) الفصل الأوّل (في مقادير قطع الورق، وفيه طرفان) الطرف الأوّل (في مقادير قطع الورق في الزّمن القديم) قد ذكر محمد بن عمر المدائني في كتاب «القلم والدواة» أن الخلفاء لم تزل تستعمل القراطيس امتيازا لها على غيرها من عهد معاوية بن أبي سفيان. وذاك أنه يكتب للخلفاء في قرطاس من ثلثي طومار «2» ، وإلى الأمراء من نصف طومار، وإلى العمّال والكتّاب من ثلث، وإلى التّجّار وأشباههم من ربع، وإلى الحسّاب والمسّاح من سدس. فهذه مقادير لقطع الورق في القديم، وهي الثلثان والنصف والثلث والربع والسّدس. ومنها استخرجت المقادير الآتي ذكرها. ثم المراد بالطّومار الورقة الكاملة، وهي المعبّر عنها في زماننا بالفرخة،

الطرف الثاني (في بيان مقادير قطع الورق المستعمل في زماننا، وفيه ثلاث جمل)

والظاهر أنه أراد القطع البغداديّ؛ لأنه الذي يحتمل هذه المقادير، بخلاف الشاميّ، لا سيما وبغداد إذ ذاك دار الخلافة، فلا يحسن أن يقدّر بغير ورقها مع اشتماله على كمال المحاسن. وقد تقدّم في الكلام على آلات الكتابة في المقالة الأولى بيان الخلاف في أوّل من صنع الورق. الطرف الثاني (في بيان مقادير قطع الورق المستعمل في زماننا، وفيه ثلاث جمل) الجملة الأولى (في مقادير الورق المستعمل بديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بالديار المصرية، وهي تسعة مقادير) المقدار الأول- قطع البغداديّ الكامل ، وعرض درجه عرض البغداديّ بكماله، وهو ذراع واحد بذراع القماش المصريّ؛ وطول كلّ وصل من الدّرج المذكور ذراع ونصف بالذراع المذكور. وفيه كان تكتب عهود الخلفاء وبيعاتهم. وفيه تكتب الآن عهود أكابر الملوك، والمكاتبات إلى الطبقة العليا من الملوك، كأكابر القانات من ملوك الشّرق. المقدار الثاني- قطع البغداديّ الناقص ، وعرض درجه دون عرض البغداديّ الكامل بأربعة أصابع مطبوقة. وفيه يكتب للطبقة الثانية من الملوك، وربما كتب فيه [للطبقة العليا «1» ] لإعواز البغداديّ الكامل. المقدار الثالث- قطع الثلثين من الورق المصريّ ، والمراد به ثلثا الطّومار من كامل المنصوريّ، وعرض درجه ثلثا ذراع بذراع القماش المصريّ أيضا. وفيه تكتب مناشير الأمراء المقدّمين، وتقاليد النّواب الكبار والوزراء وأكابر القضاة ومن في معناهم. ولم تجر العادة بكتابة مكاتبة عن الأبواب السلطانية فيه.

المقدار الرابع - قطع النصف

المقدار الرابع- قطع النصف ، والمراد به قطع النّصف من الطّومار المنصوريّ؛ وعرض درجه نصف ذراع بالذراع المذكور. وفيه تكتب مناشير الأمراء الطّبلخاناه، ومراسيم الطبقة الثانية من النّواب، والمكاتبات إلى الطبقة الثانية من الملوك. المقدار الخامس- قطع الثلث . والمراد به ثلث القطع المنصوريّ؛ وعرض درجة ثلث ذراع بالذراع المذكور. وفيه تكتب مناشير أمراء العشرات، ومراسيم صغار النّواب، والمكاتبات إلى الطبقة الرابعة من الملوك. المقدار السادس- القطع المعروف بالمنصوريّ ، وعرضه تقدير ربع ذراع بالذراع المذكور. وفيه تكتب مناشير المماليك السلطانية ومقدّمي الحلقة، ومناشير عشرات التّركمان ببعض الممالك الشامية، وبعض التواقيع وما في معنى ذلك. المقدار السابع- القطع الصغير ، ويقال فيه قطع العادة، وعرض درجه تقدير سدس ذراع بالذراع المذكور. وفيه تكتب عامة المكاتبات لأهل المملكة وحكّامها، وبعض التواقيع والمراسيم الصّغار، والمكاتبات إلى حكّام البلاد بالممالك، وما يجري هذا المجرى. وقد كان هذا القطع والذي قبله في أوّل الدّولة التركية، طول كلّ وصل منه شبران وأربعة أصابع مطبوقة فما حول ذلك. المقدار الثامن- قطع الشاميّ الكامل ، وعرض درجه عرض الطّومار «1» الشاميّ في طوله. وهو قليل الاستعمال بالدّيوان، إلا أنه ربما كتب فيه بعض المكاتبات، كما كتب فيه عن الأشرف شعبان «2» بن حسين لوالدته حين سافرت

المقدار التاسع - القطع الصغير

إلى الحجاز الشريف. المقدار التاسع- القطع الصغير ، وهو في عرض ثلاثة أصابع مطبوقة من الورق المعروف بورق الطّير، وهو صنف من الورق الشاميّ رقيق للغاية، وفيه تكتب ملطفات الكتب وبطائق الحمام. الجملة الثانية (في مقادير الورق المستعملة بدواوين الإنشاء بالممالك الشامية: دمشق، وحلب، وطرابلس، وحماة، وصفد، والكرك. في المكاتبات والولايات الصادرة عن النّواب بالممالك، وهي لا تخرج عن أربعة مقادير) المقدار الأوّل- قطع الشاميّ الكامل ، وهو الذي يكون عرضه عرض الطّومار الشاميّ الكامل في طوله على ما تقدّم فيه. وفيه يكتب عن النّواب لأعلى الطبقات من أرباب التّواقيع والمراسيم ليس إلّا. المقدار الثاني- قطع نصف الحمويّ ، وعرض درجه عرض نصف الطّومار الحمويّ، وطوله بطول الطّومار. وفيه يكتب للطبقة الثانية من أرباب التواقيع والمراسيم الصادرة عن النّواب. المقدار الثالث- قطع العادة من الشاميّ ، وعرض درجه سدس ذراع بذراع القماش المصريّ في طول الطّومار أو دونه. وفيه يكتب للطبقة الثالثة من أرباب التواقيع والمراسيم الصادرة عن النّواب وعامّة المكاتبات الصادرة عن النّوّاب إلى السلطان فمن دونه من أهل المملكة وغيرهم، إلا أن نائب الشام ونائب الكرك قد جرت عادتهما بصدور المكاتبات عنهما في الورق الأحمر دون غيرهما من النّواب. المقدار الرابع- قطع ورق الطير المقدّم ذكره في آخر المقادير المستعملة بالأبواب السلطانية بالديار المصرية. وفيه تكتب الملطّفات والبطائق على ما تقدّم.

الجملة الثالثة (في مقادير قطع الورق الذي تجري فيه مكاتبات أعيان الدولة من الأمراء والوزراء وغيرهم بالديار المصرية والبلاد الشامية)

قلت: هذه مقادير قطع الورق بالديار المصرية والبلاد الشاميّة. أما غير مملكة الديار المصرية من الممالك، فالحال فيها يختلف في مقادير الورق المستعمل بدواوينها. فأمّا بلاد المشرق فعلى نحو المقادير المتقدّمة. وأما بلاد المغرب والسّودان وبلاد الفرنج، فعادة كتابتهم في طومار واحد، يزيد طوله على عرضه قليلا، ما بين صغير وكبير بحسب ما يقتضيه حال المكتوب. الجملة الثالثة (في مقادير قطع الورق الذي تجري فيه مكاتبات أعيان الدّولة من الأمراء والوزراء وغيرهم بالديار المصرية والبلاد الشامية) وهو قطع العادة من البلديّ بالديار المصرية، ومن الشامي بالبلاد الشامية.

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الثالثة (في بيان ما يناسب كل مقدار من مقادير قطع الورق المتقدمة الذكر من الأقلام، ومقادير البياض الواقع في أعلى الدرج وحاشيته، وبعد ما بين السطور في الكتابة. وفيه طرفان)

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الثالثة (في بيان ما يناسب كلّ مقدار من مقادير قطع الورق المتقدّمة الذكر من الأقلام، ومقادير البياض الواقع في أعلى الدّرج وحاشيته، وبعد ما بين السّطور في الكتابة. وفيه طرفان) الطرف الأوّل (فيما يناسب كلّ مقدار منها من قطع الورق من الأقلام) قد ذكر المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في كتابه «التعريف» في آخر القسم الثاني ما يناسب كلّ مقدار من مقادير الورق المستعملة بديوان الإنشاء بالديار المصرية من أقلام الخطّ المنسوب فقال: إن لقطع البغداديّ قلم مختصر الطّومار، ولقطع الثلثين قلم الثلث الثقيل، ولقطع النّصف قلم الثلث الخفيف، ولقطع الثلث قلم التوقيعات، ولقطع العادة قلم الرّقاع. ومن ذلك يعلم ما يناسب كلّ قطع من مقادير القطع المستعملة بدواوين الإنشاء بالممالك الشامية. فيناسب الشاميّ الكامل قلم التوقيعات، لأنه في مقدار قطع الثّلث البلديّ أو قريب منه. ويناسب نصف الحمويّ والعادة من الشاميّ قلم الرّقاع؛ لأنهما في معنى القطع المنصوريّ والعادة بالديار المصرية. أما قلم «1» الجناح لكتابة بطائق

الطرف الثاني (في مقادير البياض الواقع في أول الدرج، وحاشيته وبعد ما بين السطور في الكتابة)

الحمام به. وأما ما كان يكتب به الخلفاء أسماءهم في الزمن القديم وبه يكتب الملوك أسماءهم الآن، فقلم الطّومار، وهو القلم الجليل الذي لا قلم فوقه. وقد تقدّم الكلام على هذه الأقلام في بيان ما يحتاج إليه الكاتب في أواخر المقالة الأولى. الطرف الثاني (في مقادير البياض الواقع في أوّل الدّرج، وحاشيته وبعد ما بين السّطور في الكتابة) أما مقدار البياض قبل البسملة، فيختلف في السلطانيات باختلاف قطع الورق، فكلّما عظم قطع الورق، كان البياض فيه أكثر؛ فقطع البغداديّ يترك فيه ستة أوصال بياضا، وتكتب البسملة في أوّل السابع، وقطع الثلثين يترك فيه خمسة أوصال، وقطع النصف يترك فيه أربعة أوصال، وقطع الثلث يترك فيه ثلاثة أوصال، وقطع المنصوريّ والعادة تارة يترك فيه ثلاثة أوصال، وتارة يترك فيه وصلان، بحسب ما يقتضيه الحال. وقطع الشاميّ الكامل في معنى قطع الثلث، وقطع نصف الحمويّ والعادة من الشاميّ في معنى القطع المنصوريّ والعادة في البلديّ. وربما اجتهد الكاتب في زيادة بعض الأوصال ونقصانها بحسب ما تقتضيه الحال. وفي المكاتبات الصادرة عن سائر أرباب الدولة مصرا وشاما يترك في جميعها قبل البسملة وصل واحد فقط. وفي كتابة الأدنى إلى الأعلى يترك بعض وصل. وأما حاشية الكتاب، فبحسب اجتهاد الكاتب فيه في السّعة والضّيق. وقد رأيت بعض الكتّاب المعتبرين يقدّر حاشية الكتاب بالرّبع من عرض الدّرج، وهو اعتبار حسن لا يكاد يخرج عن القانون. وأما بعد ما بين السطور، فيختلف باختلاف حال المكتوب واختلاف قطع

الورق؛ ففي السلطانيات كلّها على اختلاف قطع الورق فيها «1» تكتب البسملة في أوّل الفصل بعد ما يترك من أوصال البياض في أعلى الدّرج بحسب ما تقتضيه الحال، ثم يكتب تحت البسملة سطر ملاصق لها بحسب ما يقتضيه وضع القلم المكتوب به في القرب والبعد، بحسب الدّقّة والغلظ؛ ثم يكتب السطر الثاني في آخر الوصل الذي كتبت البسملة في أوّله، بحيث يبقى من الوصل ثلاثة أصابع مطبوقة أو نحوها في القطع الكبير، وقدر إصبعين في القطع الصغير، وما بينهما بحسبه. وقد قدّر صاحب «موادّ البيان» البياض الباقي بين السطر «2» الأوّل والثاني أيضا. وهذا إنما يقارب في القطع الكبير. وقد ذكر ابن شيث في «معالم الكتابة» - وكان في آخر الدولة الأيّوبية فيما أظنّ- أنّ مقدار ما بين كلّ سطرين يكون ثلاثة أصابع أو أربعة أصابع. والذي جرت به عادة الكتّاب في زماننا أنه يكون في قطع العادة والمنصوريّ في كلّ وصل من أوصال «3» الزمان ثلاثة أسطر، وفيما عداه سطران. وربما وقع التفاوت في القطع الصغير بحسب الحال حتّى يكون في التواقيع التي على ظهور القصص ونحوها بين كلّ سطرين بعد بيت العلامة قدر إصبعين؛ وربما تواصلت الأسطر كما في الملطفات ونحوها. أمّا ما يكتب عن النّواب من الولايات والمكاتبات من سائر أعيان الدولة، فدون السلطانيات في مقدار خلوّ موضع العلامة، وهو ما بين قدر خمس أصابع مطبوقة ونحوها؛ وقدر [بعد] «4» السطور فيما بعد بيت العلامة من قدر إصبعين إلى ما دونهما.

الباب الثالث من المقالة الثالثة (في بيان المستندات، وكتابة الملخصات، وكيفية التعيين، وفيه فصلان)

الباب الثالث من المقالة الثالثة (في بيان المستندات، وكتابة الملخّصات، وكيفيّة التعيين، وفيه فصلان) الفصل الأوّل (في بيان المستندات، وهي التوقيع على القصص وما يجري مجراه، وما يحتاج فيه إلى كتابة المستندات، وهو على ضربين) الضرب الأوّل (السّلطانيات، وهي صنفان) الصنف الأوّل (ما يصدر عن متولّي ديوان الإنشاء، كولايات النّوّاب والقضاة وغيرهما من أرباب الوظائف، والتواقيع التي تكتب في المسامحات والإطلاقات، ومكاتبات البريد الخاصّة بالأشغال السلطانية، وأوراق الطريق وما يجري مجرى ذلك) وجميعها معدوقة «1» بنظر صاحب ديوان الإنشاء. فما كان منها جليل الخطر كولايات النّوّاب والقضاة وأكابر أرباب الوظائف والمكاتبات المتعلّقة

بمهمّات السلطنة، فلا بدّ من مخاطبة صاحب ديوان الإنشاء فيها واعتماد ما يبرز به أمره. وما كان منها حقيرا بالنسبة إلى مخاطبة السلطان فيه استقلّ فيه بما يقتضيه رأيه. ثم من ذلك ما يكتب به صاحب الديوان رقاعا «1» لطيفة بخطه ويعيّنها على الكاتب الذي يكتبها وتدفع إليه لتخلّد عنده شاهدا له، كالولايات والمسامحات والإطلاقات والمكاتبات المتعلّقة بأمور المملكة ونحو ذلك. ومن ذلك ما يبرز به أمر صاحب الديوان مشافهة فيكتبه من غير شاهد عنده، وذلك في الأمور التي لا درك فيها على الكاتب، كتقاليد النّوّاب وبعض المكاتبات، إذ لا تهمة تلحق كاتب الإنشاء في مثل ولاية نائب كبير أو قاض حفيل؛ لأن مثل ذلك لا يخفى على السلطان، فأشبه خطاب صاحب الديوان فيها الكاتب خطاب السلطان صاحب الديوان حيث لا شاهد عليه إلا الله تعالى، بخلاف الأمور التي يلحق كاتبها الدّرك، فإنه لا بدّ في كتابتها من تخليد شاهد. وكان الواجب أن لا يكتب حقير ولا جليل إلا بشاهد من صاحب الديوان، فإن الأمور تتراكم وتكثر، والإنسان معرّض للنسيان، وربما عرض إنكار بسبب ما يكتبه الكاتب ونسيه صاحب الديوان فيكون الكاتب قد عرّض نفسه لأمر عظيم. ولا يقاس الكاتب على صاحب الديوان في عدم أخذه شاهدا بخطّ السلطان، فإن صاحب الديوان هو المتصرّف حقيقة، والسلطان وكلّ جميع أمور المملكة إليه، فلا يتّهم في شيء منها، بخلاف الكاتب. وقد ذكر أبو الفضل الصّوريّ في «تذكرته» أن المكتوب من الديوان إن كان مكاتبة فالواجب أن يكون عنوانها بخط متولّي الديوان، وإن كان منشورا فالواجب أن يكون التاريخ بخطّه ليدلّ على أنه وقف على المكتوب وأمضى حكمه ورضيه، ويكون ذلك قد قام مقام كتابة اسمه فيه. ثم قال: وقد كان

الرسم بالعراق- وفيه الكتّاب الأفاضل- أن يكتب الكتّاب ما يكتبون ثم يقولون في آخره: «وكتب فلان بن فلان» باسم متولّي ديوان الرسائل. وما ذكره عن أهل العراق قد ذكر نحوه أبو جعفر النّحاس في «صناعة الكتّاب» إلا أنه قد جعل بدل اسم متولّي الديوان اسم الوزير [فقال] ويكتب في آخر الكتاب «وكتب فلان بن فلان» باسم الوزير واسم أبيه. وقد رأيت نسخا عدّة من سجلّات الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية مستشهدا فيها باسم الوزير على النّهج المذكور. على أنه كان الواجب أن يكون الاستشهاد في آخر كل كتاب باسم كتابه الذي يكتبه ليعلم من كتبه، فإن الخطوط كثيرة التشابه، لا سيما وقد كثر كتّاب الإنشاء في زماننا وخرجوا عن الحدّ، حتّى أنه لم يعرف بعضهم بعضا فضلا عن أن يعرف خطّه. وقد كان كتّاب النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، إذا سجّلوا عنه سجلّا أو نحوه كتب الكاتب في آخره «وكتب فلان بن فلان» . وهذه الرّقعة التي كتبها النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، لتميم «1» الداريّ بإقطاع قرى من قرى الشام موجودة بأيدي التميميّين إلى الآن مستشهدا فيها بخطّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه. وإنما عدلوا عن اسم الكاتب نفسه إلى اسم متولّي الديوان أو الوزير استصغار للكاتب أن يستشهد للكتاب باسمه فيما يكتب به عن الخليفة. قال أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» : وقد قالوا إن أوّل من كتب في آخر الكتاب «وكتب فلان بن فلان» أبيّ «2» بن كعب رضي الله عنه.

الصنف الثاني (ما يصدر عن غير صاحب ديوان الإنشاء، كالأمور التي يكتب بها من الدواوين السلطانية غير ديوان الإنشاء وتلتمس الكتب من ديوان الإنشاء على مقتضاها، كالمكاتبات الخاصة بتعلقات شيء من الدواوين المذكورة، وبعض التواقيع التي أصلها من ديوان ال

الصّنف الثاني (ما يصدر عن غير صاحب ديوان الإنشاء، كالأمور التي يكتب بها من الدواوين السلطانية غير ديوان الإنشاء وتلتمس الكتب من ديوان الإنشاء على مقتضاها، كالمكاتبات الخاصّة بتعلّقات شيء من الدواوين المذكورة، وبعض التواقيع التي أصلها من ديوان الوزارة) وينحصر ذلك في أربعة دواوين: الديوان الأوّل- ديوان الوزارة : وهو أعظمها خطرا، وأجلّها قدرا. وقد جرت العادة أنه إذا دعت الضرورة إلى كتابة كتاب من ديوان الإنشاء يتعلّق بديوان الوزارة أن تكتب به قائمة من ديوان الوزارة في ورقة ديوانيّة بما مثاله: «رسم بالأمر الشريف- شرّفه الله تعالى وعظّمه- أن يكتب مثال شريف إلى فلان الفلاني بكذا وكذا» . وكيفية وضع هذه القائمة أن يكون السطر الأوّل في رأس الورقة من الوجه الأوّل منها، وآخره «شرّفه الله تعالى وعظّمه» وبينه وبين السطر الثاني قدر إصبعين معترضين بياضا، وباقي السطور مسترسلة متقاربة بقلم الرقاع؛ ويكتب الوزير في البياض الذي بين السطر الأوّل والثاني بقلم الثلث ما مثاله: «يكتب» . ويوجّه بالقائمة إلى ديوان الإنشاء صحبة مدير من ديوان الوزارة أو غيره، فيكتب على حاشيتها يكتب بذلك، ويعيّنها على بعض كتّاب الإنشاء فيكتب مثالا بما فيها، ويخلّد القائمة عنده شاهدا له، وربما خلّدت بديوان الإنشاء في جملة ما يخلّد في الأضابير «1» شاهدا لديوان الإنشاء، والأوّل هو الأليق. وإن كان الذي يكتب من ديوان الوزارة توقيعا بإطلاق أو نحوه مما أصله من ديوان الوزارة، كتب الوزير على حاشية قصة صاحبه ما مثاله «يكتب بذلك، أو

الديوان الثاني - ديوان الخاص

يوقّع بذلك» وتبعث إلى ديوان الإنشاء فيكتب عليها صاحب ديوان الإنشاء بالتعيين. ثم إن كان التوقيع ملصقا بقصة فذاك، وإلا خلّد الكاتب القصة شاهدا عنده على ذلك؛ وربما كتب بالإطلاقات من ديوان الوزارة مربّعات بخطّ مستوفي الصّحبة. الديوان الثاني- ديوان الخاصّ : وهو في كتابة الأمثلة الشريفة على ما مرّ من كتابة القائمة ليخرج المثال على نظيرها، على ما تقدّم في ديوان الوزارة؛ فتكتب القائمة على لحكم المتقدّم من غير فرق، ويكتب ناظر الخاص عليها نظير كتابة الوزير السابقة، ويوجّه إلى ديوان الإنشاء فيكتب عليها بالتعيين كما تقدّم، ويخلّد الكاتب القائمة عنده شاهدا له، أو تخلّد بديوان الإنشاء على ما تقدّم في ديوان الوزارة. ولا يكتب من ديوان الخاصّ تواقيع بإطلاقات ونحوها بل تكتب بها مراسيم مربّعة في ورق شاميّ بخطّ مباشري ديوان الخاصّ. الديوان الثالث- ديوان الإستدّرايّة : وحكمه في ذلك حكم ديوان الخاصّ من غير فرق، ويكتب الإستدّار عليها كما يكتب الوزير وناظر الخاص، ويبعث بها إلى ديوان الإنشاء، فيجري الحكم فيها على ما تقدّم في الديوانين المذكورين. الديوان الرابع- ديوان الجيش : والذي يرد إلى ديوان الإنشاء منه ابتداء هي المربّعات التي تكتب بالإقطاعات لتخرج المناشير على نظيرها. وصورتها أن يكتب في نصف فرخة مكسورة في القطع البلديّ بعد البسملة الشريفة ما مثاله «المرسوم بالأمر العالي، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ، الفلانيّ، أعلاه الله تعالى وشرّفه، وأنفذه وصرّفه؛ أو أعلاه الله تعالى وأسماه، وشرّفه وأمضاه، أن يقطع باسم فلان الفلاني- أحد الأمراء المقدّمين، أو الطبلخانات، أو العشرات، أو الخمسات- بالمكان الفلاني؛ أو

الضرب الثاني (ما يتعلق بالكتب في المظالم، والنظر فيه من وجهين)

أحد المماليك السلطانية، أو مقدّمي الحلقة، أو أجناد الحلقة، بالمكان الفلانيّ المرسوم استقراره في أمراء العشرات، أو الطّبلخانات، أو المقدّمين، أو نحو ذلك- ما رسم له به الآن من الإقطاع» . فإن كان أميرا قيل بعد ذلك: «لخاصّته ولمن يستخدمه من الأجناد الجياد للخدمة الشريفة، والبرك التام، والعدّة الكاملة، بمقتضى المثال الشريف، أو الخطّ العالي الكافليّ؛ أو بمقتضى الإشهاد المشمول بالخطّ الشريف، أو الخط الكافليّ على نظير ما تقدّم» أو «بمقتضى المربّعة المكتتبة من المملكة الفلانية المشمولة بالخط الشريف» إن كان أصله مربّعة من بعض الممالك وما أشبه ذلك. فإن كان أميرا ذكرت عدّته على ما سيأتي في الكلام على المناشير في المقالة الخامسة. ثم يقال: «حسب الأمر الشريف» ويكمل التاريخ «والحمد لله، والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم» ويبعث بها إلى ديوان الإنشاء فيكتب عليها صاحب الديوان بالتعيين على بعض كتّاب الإنشاء، فيكتبها ويخلّد المربعة شاهدا عنده. الضرب الثاني (ما يتعلق بالكتب في المظالم، والنظر فيه من وجهين) الوجه الأوّل (فيما يتعلّق بالقصص) وهي ترفع إلى ولاة الأمور بحكاية صورة الحال المتعلّق بتلك الحاجة، وسمّيت قصصا على سبيل المجاز، من حيث إن القصّة اسم للمحكيّ في الورقة لا لنفس الورقة. وربما سمّيت في الزمن القديم رقاعا لصغر حجمها، أخذا من الرّقعة في الثوب. ثم الذي يجب في هذه القصص الإيجاز والاختصار مع تبليغ الغرض المطلوب والقرب من فهم المخاطب، فإنها متى كانت خارجة عن الحدّ في الطول، أدّت إلى الإضجار والسّآمة المنفّرين للرؤساء. وربما كان في ذلك حرمان الطالب ودفعه عن حاجته، إما للإعراض عنها استثقالا، وإما لعدم فهم

المقصود منها لطولها واختلاط بعض مقاصدها ببعض. وأما كونها مبلّغة للغرض المطلوب وفهم المخاطب، فلأنها إذا كانت بصدد الاختصار المجحف والتعقيد، نبا عنها فهم الرئيس ومجّها سمعه، فإما أن يعرض عنها فيفوت على صاحبها المطلوب، وإما أن يسأل غيره عن معناها فيكون سببا لتنزّله عن عزّ الرياسة إلى ذلّ السؤال، وكلاهما غير مستحسن. وقد جرت العادة في مثل ذلك أن يخلّى من أوّل الورقة قليلا، ويجعل لها هامش بحسب عرضها، ويبتدأ فيها بالبسملة ثم يكتب تحت أوّل البسملة: «المملوك فلان يقبّل الأرض، وينهي كذا وكذا» إلى آخر إنهائه، ثم يقال: «وسؤاله كذا وكذا» فإن كان السؤال لغير للسلطان قال: «وسؤاله من الصّدقات الشريفة كذا وكذا» وإن كان السؤال لغير السلطان قال: «وسؤاله من الصّدقات العميمة كذا وكذا» . ثم إن كان المسؤول كتابا؛ فإن كان عن السلطان قال: وسؤاله مثال شريف بكذا وكذا، وإن كان عن غير السلطان قال: «مثال كريم بكذا وكذا» ثم يقول إن شاء الله تعالى، ويحمد الله تعالى ويصلّي على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويحسبل «1» . وربما كتب «المملوك فلان» بحاشية القصّة، خارجا عن سمت «2» البسملة. وربما أبدل لفظ المملوك بلفظ الفقير إلى الله تعالى. ويقال حينئذ بدل «يقبّل الأرض» «يبتهل إلى الله تعالى بالأدعية الصالحة» أو «يواصل بالأدعية الصالحة» ونحو ذلك. وقد جرت العادة في كتابة القصص أن صاحبها إن كان أميرا ونحوه كتب تحت البسملة «الملكيّ الفلانيّ» بلقب سلطانه، مخليا بياضا من جانبيها. على أنه قد تصدّى لكتابة القصص من لا يفرّق بين حسنها وقبيحها، ولا ينظر في دلالتها، ولا يراعي مدلولها. وذلك كسنّة الزمان في أكثر أحواله. قلت: وقد جرت عادة أكثر الناس في القصص أنه إذا فرغ الكاتب من

الوجه الثاني (فيما يتعلق بالنظر في المظالم، وما يكتب على القصص، وما ينشأ عنها من المساءلات وغيرها)

كتابة القصّة يقطع قليلا من زاويتها اليمنى من الجهة السّفلى، مستندين في ذلك إلى كراهة التّربيع. ومن غريب ما يحكى في ذلك أن بعض الوزراء قال يوما بمجلس ... ...... «1» ...... وأنا ولّيت الوزارة رابع ربيع الأوّل سنة أربع وأربعين وأربعمائة- فقال له بعض جلسائه: إن تفاءلت أنت به فقد تطيّرنا نحن به. ولا شكّ أن مستندهم في ذلك التشاؤم بالتربيع في القرآن النّجوميّ، ولا يعوّل عليه. وقد ورد أنّ حوض النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، في القيامة زواياه على التربيع، ولولا أن التربيع أحسن الأشكال لما وضع عليه حوض النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. الوجه الثاني (فيما يتعلق بالنّظر في المظالم، وما يكتب على القصص، وما ينشأ عنها من المساءلات وغيرها) وهو أمر مهمّ، به يقع إنصاف المظلوم من الظالم، وخلاص المحقّ من المبطل، ونصرة الضعيف على القويّ، وإقامة قوانين العدل في المملكة. وقد نبّه أبو الفضل الصّوري في «تذكرته» على جلالة هذا القدر وخطره، ثم قال: ومن المعلوم أن أكثر المتظلّمين يصلون من أطراف المملكة ونواحيها، وفيهم الحرم والمنقطعات والأيتام والصّعاليك، وكلّ من يفد منهم معتقد أنه يصير إلى من ينصره ويكشف ظلامته «2» ويعديه على خصمه. فيجب أن يتلقّى كلّ منهم بالتّرحاب واللّطف، ويندب لهم من يحفظ رقاعهم ويتنجّز التوقيع فيها من غير التماس رشوة ولا فائدة منهم، وأن تكون التوقيعات لهم شافية في معانيها، مستوعبة لكشف ظلاماتهم، مؤذنة بإنجاح طلباتهم. قال أبو هلال العسكري في كتابه «الأوائل» : كان المهديّ يجلس للمظالم

النوع الأول منها (ما يرفع إلى السلطان في آحاد الأيام)

وتدخل القصص إليه، فارتشى بعض أصحابه بتقديم بعضها، فاتخذ بيتا له شبّاك حديد على الطريق تطرح فيه القصص، وكان يدخله وحده فيأخذ ما يقع بيده من القصص أوّلا فأوّلا فينظر فيه لئلّا يقدّم بعضها على بعض. قال: وقدم عليه رجل فتظلّم فأنصفه فاستخفّه الفرح حتّى غشي عليه، فلمّا أفاق قال: ما حسبت أني أعيش حتى أرى هذا العدل فلما رأيته داخلني من السرور ما زال معه عقلي- فقال له المهديّ: كان الواجب أن ننصفك في بلدك، وكان قد صرف في نفقة طريقه عشرين دينارا فأمر له بخمسين دينارا وتحلّل منه. قال أبو الفضل الصّوريّ: ومهما كان من الرّقاع يحتاج إلى العرض على السلطان، عرضه عليه، وأحسن السّفارة والتلطّف فيه، ووقّع بما يؤمر به، فقد تحدث في هذه الرقاع الأمور المهمّة التي تنتفع بها الدولة، وتستضرّ بتأخير النظر فيها، ويفهم من طيّ هذه الرقاع من جور بعض الولاة والمستخدمين ما توجب السياسة صرفهم عمّا ولّوه منها. ومهما كان منها مما يشكّ السلطان في صحته، ندب من يثق به للكشف مع رافعه، فإن صحّ قوله أنصف من خصمه، وإن بان تمحّله قوبل بما يردع أمثاله عن الكذب والتمرّد، ويعلم الولاة والمشارفون وسائر المستخدمين أنّ السلطان متفرّغ للنظر في قصص الناس وشكاويهم، وقد نصب لذلك من يتفرّغ له ويطالعه بالمهمّ منه فيكفّ أيديهم عن الظلم، ويحذرون سود عاقبة فعلهم، ويقلّ المتظلّمون قولا واحدا، وتحسن سمعة الدولة بذلك فيكون لها به الجمال الكبير. قلت: والذي يرفع من القصص في معنى ذلك في زماننا على ستة أنواع. النوع الأوّل منها (ما يرفع إلى السلطان في آحاد الأيّام) وقد جرت العادة فيه أن يقرأ على السلطان: فما أمضاه منه كتب على ظهر

النوع الثاني (ما يرفع لصاحب ديوان الإنشاء)

القصّة ما مثاله «يكتب» ثم تحمل إلى كاتب السر فيعيّنها على بعض كتّاب الإنشاء، فيكتب بمقتضاها ويخلّدها عنده شاهدا له. النوع الثاني (ما يرفع لصاحب ديوان الإنشاء) وقد جرت العادة في ذلك أنّ رافع القصّة والمحتاج إلى الأمثلة الشريفة السلطانية في مهمّاته ومتعلّقاته إن كان من الأعيان والمعتبرين كأحد من الأمراء أو المماليك السلطانية وأكابر أرباب الأقلام، بعث بقصّته لديوان الإنشاء، فيقف عليها صاحب ديوان الإنشاء ويتأمّلها وينظر ما تضمّنته، فإن كان مما يحتاج فيه إلى مخاطبة السلطان ومؤامرته، أخذها ليقرأها عليه عند حضوره بين يديه، ويمتثل ما يأمر به فيها، فيكتب بمقتضاه، سواء طابق سؤال السائل أم لا، ويعيّنها على كاتب من كتّاب الإنشاء، فيكتب بمقتضاها ويخلّد القصة شاهدا عنده. وهذه المثالات ورقها من ديوان الإنشاء من المرتّب السلطاني، وإن كان رافع القصة من غير المعتبرين كآحاد الناس، دفع القصة إلى مدير من مدراء ديوان الإنشاء فيجعل عليها علامة له، ويجمع كلّ مدير ما معه من القصص، وترفع إلى صاحب ديوان الإنشاء، فما كان منها غير سائغ للكتابة عليه قطعه أو ردّه؛ وما كان منها سائغا كتب عليه وعيّنه. وربما استشكل بعضها فأخّره ليقرأه على السلطان وينظر ما يأمر به فيه فيعتمده. وإذا عيّنها على كاتب من كتّاب الإنشاء كتب بمقتضاها وخلّد القصّة عنده شاهدا. النوع الثالث (ما يرفع من القصص بدار العدل عند جلوس السلطان للحكم في المواكب) وقد جرت العادة في ذلك أنه إذا ترتّب مجلس السلطان على ما تقدّم في ترتيب المملكة أن القصص تفرّق على كاتب السرّ ومن حضر من كتّاب

النوع الرابع (ما يرفع منها للنائب الكافل، إذا كان ثم نائب)

الدّست «1» ، فيقرأ كاتب السرّ منها ما عنّ له قراءته؛ ثم يقرأ الذي يليه من كتّاب الدّست، ثم الذي يليه إلى آخرهم، ويشير السلطان برأسه أو يده بإمضاء ما شاء منها؛ فيكتب كاتب السرّ أو كاتب الدّست على تلك القصّة بما فيه خلاص قلمه، ثم تحمل إلى ديوان الإنشاء فيعيّنها على من يشاء من كتّاب الإنشاء فيكتبها، ويخلّد تلك القصص عنده شاهدا. النوع الرابع (ما يرفع منها للنائب الكافل، إذا كان ثمّ نائب) وقد جرت العادة أن النائب يكون عنده كاتب من كتّاب الدّست يجلس بين يديه لقراءة القصص عليه، وتنفيذ ما يكتب عنه. فإذا رفعت القصة إلى النائب الكافل قرأها عليه كاتب الدّست وامتثل أمره فيها، وأصلح في القصّة ما يجب إصلاحه، وضرب على ما يجب الضرب عليه، وزاد بين سطوره ما تقتضيه الزيادة؛ ثم تدفع القصة إلى النائب الكافل، فيكتب على حاشيتها في الوسط آخذا من جهة أسفلها إلى جهة أعلاها بقلم مختصر الطّومار «2» ما مثاله «يكتب» ثم تحمل بعد ذلك إلى كاتب السر فيعيّنها على بعض كتّاب الإنشاء فيكتبها. النوع الخامس (ما يرفع من القصص إلى الأتابك؛ إذا كان في الدولة أتابك عسكر، وهو الأمير الكبير) وغالب ما يكون ذلك إذا كان السلطان طفلا أو نحو ذلك. وقد جرت العادة أن يكون عند الأتابك كاتب من كتّاب الدّست أيضا، فإذا رفعت القصة إلى الأتابك، وإن «3» كان الأمر فيها واضحا كخلاص حقّ أو نحوه، كتب كاتب الدّست

النوع السادس (ما يرفع منها للدوادار لتعلق عنه الرسالة عن السلطان به)

على حاشيتها ما تقتضيه الحال في ذلك من غير قراءتها على الأتابك. وإن كان الأمر فيها غير واضح كما إذا كان الأمر راجعا إلى منازعة خصمين ونحو ذلك، قرأها على الأتابك وامتثل أمره فيها، وكتب عليها ما برز به مرسومه. وفي كلتا الحالتين جرت العادة في زماننا [أنه يعمد] إلى أشهر حرف في اسم الأتابك فيرقمه في آخر ما يكتبه أو تحته؛ كما كان يكتب عن برقوق قبل السلطنة (ق) وعن إيتمش (ش) وعن نوروز (ن) ونحو ذلك. النوع السادس (ما يرفع منها للدّوادار لتعلّق عنه الرسالة عن السلطان به) واعلم أن العادة كانت جارية في الزمن المتقدّم أن السلطان إذا أمر بكتابة شيء على لسان أحد من الدّواداريّة، حمل بريديّ من البريديّة الرسالة لذلك عن ذلك الدّوادار إلى كاتب السرّ فيسمع كلام البريديّ ويكتب على القصّة إن كانت، أو ورقة مفردة ما مثاله: «حضرت رسالة على لسان فلان البريديّ بكذا وكذا» ويعيّنه على من يكتبه من كتّاب الإنشاء. ولم يزل الأمر على ذلك إلى الدولة الناصرية «محمد «1» بن قلاوون» فأفرد المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله صاحب ديوان الإنشاء كاتبا من كتّاب الإنشاء لتعليق الرسالة؛ فصار يكتب ما كان كاتب السرّ يكتبه من ذلك على القصص أو الورقة المفردة ثم ترفع إلى كاتب السرّ فيكتب عليها بالأمر بكتابتها؛ ويعيّنها على من يكتب بمقتضاها، وتخلّد القصة أو الورقة التي علّقت فيها الرسالة عنده شاهدا له. واستمرّ ذلك إلى مباشرة القاضي فتح الدين بن شاس أحد كتّاب الدّست عند الدّوادار؛ والدّوادار يومئذ الأمير يونس النّوروزي، فأذن له كاتب السرّ في تعليق الرسالة عن الأمير يونس الدّوادار على ظهور القصص وغيرها ففعل. وكان يكتب على حواشي

القصص في وسط القصّة آخذا من جهة اليمين إلى جهة اليسار بميلة إلى الأعلى بقلم دقيق متلاصق الأسطر ما مثاله: «رسم برسالة الجناب العالي الأميري الكبيريّ الشّرفيّ يونس الدّوادار الظاهريّ- ضاعف الله تعالى نعمته- أن يكتب مثال شريف بكذا أو توقيع شريف بكذا» وما أشبه ذلك، ويؤرخه بيوم الكتابة، ثم تحمل إلى كاتب السرّ فيكتب عليها بالأمر بالكتابة، ويعيّنها على كاتب من كتّاب الإنشاء، فيكتب بمقتضاها ويخلّدها شاهدا عنده، وجرى الأمر على ذلك بعده إلى آخر وقت. قلت: وقد كان في الدولة الفاطميّة كاتب مفرد لتعليق الرسالة عن الخليفة، يسمّى صاحب القلم الدقيق، يعلّق ما تبرز به أوامر الخليفة في الرّقاع وحواشي القصص، وتحمل إلى ديوان الوزارة، فيعتمدها الوزير، ويبرز أمره إلى ديوان الإنشاء باعتمادها وكتابة ما فيها، على ما تقدّم ذكره في ترتيب الخلافة الفاطمية بالديار المصرية في المقالة الثانية.

الفصل الثاني (في التعيين وكيفية كتابة صاحب ديوان الإنشاء على الرقاع والقصص، وتعيينها على كتاب الإنشاء)

الفصل الثاني (في التعيين وكيفية كتابة صاحب ديوان الإنشاء على الرّقاع والقصص، وتعيينها على كتّاب الإنشاء) [الطرف الاول] ويختلف الحال في ذلك باختلاف حال الكاتب المعيّن عليه وحال الرّقعة المعيّنة. فأما اختلافه باختلاف حال من يعيّن عليه. فإنه إن كان المعيّن عليه كاتبا من كتّاب الدّست، كتب له كاتب السرّ في التعيين: «المولى القاضي، فلان الدين، أعزّه الله تعالى» وربما رفع قدره على ذلك فيكتب له: «المولى، الأخ، القاضي، فلان الدين؛ أعزّه الله تعالى» . وإن كان من كتّاب الدّرج: فإن كان كبيرا كتب له: «المولى فلان الدين» . وإن كان صغيرا، كتب له: «الولد فلان الدين» وربما وقع التمييز لبعض كتّاب الدّست أو كتّاب الدّرج للتقدّم بالفضل فكتب له: «المولى، الشيخ فلان الدين» أو «الشيخ فلان الدين» تارة مع الدعاء وتارة دونه. وأمّا اختلافه باختلاف حال المكتوب الذي يعيّن، فإنه إن كان قصّة بظاهرها خط السلطان «يكتب» فموضع كتابة التعيين تحت خط السلطان بظاهر القصّة، ولا كتابة له عليها غير ذلك. وإن كان رقعة جميعها بخط كاتب السرّ، فإنه يكتب فيها «يكتب بكذا وكذا» ثم يكتب التعيين بأوّل ذيلها. وإن كان قصة رفعت إلى كاتب السرّ، فإنه يكتب على حاشيتها في أعاليها آخذا من جهة أسفل القصة إلى أعلاها ما مثاله: «يكتب بذلك» أو «يكتب بكذا

وكذا» ثم يكتب التعيين بحاشيتها أسفل ذلك في عرض الحاشية مميلا للكتابة إلى جهة الأعلى قليلا. وإن كان قصة عليها خطّ النائب الكافل، فإنه يكتب عليها بالتعيين ليس إلّا، وموضع التعيين فيها بحاشية القصّة أسفل خط النائب. وإن كان قصة قد كتب بهامشها مرسوم الأتابك أو علّق بحاشيتها رسالة الدّوادار، كتب في جهة أعلى القصة: «يكتب بذلك» وعلى القرب منه التعيين. وإنما يكتب هنا في جهة أعلى القصة وفيما عليه خطّ النائب الكافل في جهة أسفلها؛ لأنّ التعليق الذي على الهامش فيما علّق عن مرسوم الأتابك أو رسالة الدّوادار بخط كاتب الدّست الذي في خدمته، بخلاف ما عليه خطّ النائب بنفسه. وإن كان الذي يقع فيه التعيين قائمة من ديوان الوزارة، أو ديوان الخاصّ أو ديوان الإستدّار، كتب بهامش القائمة من أعلاها مقابل كتابة المتحدّث على ذلك الديوان ما مثاله: «يكتب بذلك» ثم يكتب التعيين تحته على القرب منه. وإن كان الذي يقع فيه التعيين مربعّة إقطاع من ديوان الجيش، كتب بالتعيين في آخرها مقابل التاريخ من الجهة اليمنى، ولا كتابة له عليها غير ذلك. قلت: وقد جرت عادة كتّاب السرّ في زماننا أنه يكتب على القصص ونحوها، «يكتب بذلك» أو «يكتب بكذا وكذا» على ما تقدّم بيانه بغير لام في أوّله. وكذلك الوزير وناظر الخاصّ والإستدّار يكتبون بغير لام في الأوّل. أما القضاة في الإذن بكتابة المحاضر ونحو ذلك فإنهم يكتبون «ليكتب» بإثبات اللام في أوّله، وهذه اللام تسمى لام الأمر وقد صرّح الإمام أبو «1» جعفر النحاس في

الطرف الثاني (في كتابة الملخصات والإجابة عنها من الدواوين السلطانية)

«صناعة الكتّاب» أنه لا يجوز حذفها. وعلى ذلك ورد لفظ القرآن الكريم كما في قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ «1» . وقوله: ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ «2» ونحو ذلك. وحكى جمال الدين بن هشام في المغني «3» [وقد تحذف اللام في الشعر ويبقى عملها كقوله (طويل) : فلا تستطل منّي بقائي ومدّتي ... ولكن يكن للخير منك نصيب! وقوله (وافر) : محمّد، تفد نفسك كلّ نفس ... إذا ما خفت من شيء تبالا! ] «4» الطّرف الثاني «5» (في كتابة الملخّصات والإجابة عنها من الدواوين السلطانية) قد تقدّم في الكلام على ما ينظر فيه صاحب الديوان أنه لما كان صاحب ديوان الإنشاء يضيق زمنه عن استيعاب حال الكتب الواردة من المملكة لوفورها واتّساع الدولة وكثرة المكاتبين، ناسب أن يتّخذ كاتبا يتصفّح الكتب الواردة ويتأملها، ويلخّص مقاصدها؛ قال أبو الفضل الصّوري في «تذكرته» : والرسم في ذلك أنّ الكاتب الذي يقيمه صاحب الديوان يتسلّم الكتب الواردة ويخرج معانيها على ظهورها، ملخّصا الألفاظ الكثيرة في اللفظ، غير مخلّ بشيء من

المعنى ولا محرّف له، مسقطا فضول القول وحشوه، كالدعاء والتصدير والألفاظ المتردّدة. قال: ويخرج أيضا ما يختصّ بديوان الخراج «1» ، من الأمور التي ترد ضمن الكتب في معنى الخراج في أوراق يعيّن فيها الكتب التي وصلت فيها وتاريخها والجهة التي وردت منها، وينصّها على هيئتها، ويوجّهها إلى ديوان الخراج، فيجاب عنها منه، ويستدعي من متولّي ديوان الخراج الجواب عنها؛ ثم يعرض جميع ذلك على الملك، ويستخرج أمره بإمضاء المكاتبة به أو بغيره. فإن كان بخطّ مخالف للعربيّ، كالرّوميّ والفرنجيّ والأرمنيّ وغيرها، أحضر من يعرف ذلك الخطّ ممن يوثق به ليترجمه في ظهره، فإن كان ذلك المترجم يحسن الخطّ العربيّ، كتب بخطه في ظهر الكتاب ما مثاله «يقول فلان: إني حضرت إلى ديوان الإنشاء وتسلّمت الرّقعة أو الكتاب الذي هذا الخط بظاهره، وسئلت عن تفسيره فذكرت أنه كذا وكذا» ويسرده إلى آخره «وبذلك أشهدت على نفسي» ويشهد عليه شاهدان: «هذا الذي ذكره بلا زيادة ولا نقص» . وإن كان الكتاب مشحونا بالكلام بطنا وظهرا، نقله بخطه بالقلم الذي هو مكتوب به، وترجمه على ظاهره بخطّه بالعربيّ. وإن لم يحسن الكتابة بالعربيّ، كتب عنه الكاتب بمحضر من الشاهدين وأشهد عليه ليهاب أو يحجم فيما يقول، أو يغيّره أو ينقصه لأن أكثر من يترجم على مذهب صاحب الخط، فربما كتم عنه أوداجى فيه. فإذا خوّف بالإشهاد عليه وخشي أنّ غيره قد يقرأه على غير الوجه الذي أشهد به على نفسه ربما أدّى الأمانة فيه، فإذا لخّصت المكاتبة بظاهرها، سلّمت إلى متولّي الديوان ليقابل ظاهرها بباطنها؛ فإن وجده أخلّ فيها بشيء، أضافه بخطه وأنكر عليه إهماله ليتنبّه في المستقبل. فإن لم يكن فيها خلل عرضه على الملك واعتمد أمره فيه، وكتب تحت كل فصل منها ما يجب أن يكون

جوابا عنه على أحسن الوجوه وأفضلها؛ ثم يسلّمها إلى من يكتب الجواب عنها ممن يعرف اضطلاعه بذلك، ثم يقابل الجواب بالتخريج وما وقّع به تحته؛ فإن وجد فيها خللا سدّه، أو مهملا ذكره، أو سهوا أصلحه. وإن رآها قد كتبت على أفضل الوجوه وأسدّها، لم يفوّت فيها معنى ولم يزد إلا لفظا ينمّق به كتابه ويؤكّد به قوله، عرضها «1» على الملك حينئذ ليعلّم، ثم استدعى من يتولّى الإلصاق فألصقها بحضرته، وجعل على كلّ منها بطاقة يشير فيها إلى مضمونها؛ لئلّا يسأل عن ذلك بعد إلصاقها فلا يعلم ما هو؛ ثم يسلّمها إلى من يتولّى تنفيذها إلى حيث أهّلت له؛ وتسلّم النسخ الملخّصة إلى من يؤهّله لحفظها وترتيبها. قلت: قد تبيّن بما تقدّم من كلام أبي الفضل الصّوريّ [ما كان عليه الحال في زمنه] والذي عليه حال الديوان في زماننا فيما يتعلق بذلك أن الكتب الواردة إلى الأبواب السلطانية من أهل المملكة وغيرها من سائر الممالك يتلقّاها أكبر الدّواداريّة، وهو مقدّم ألف على ما تقدّم ذكره في الكلام على ترتيب الدّيار المصرية؛ ويحضر القاصد المحضر للكتاب من بريديّ أو غيره، ثم يناوله للسلطان فيفضّ ختامه، وكاتب السرّ جالس بين يديه، فيدفعه السلطان إليه فيقرأه عليه ويستصحبه معه إلى الديوان؛ فإن كان الكتاب عربيّا دفعه كاتب السرّ إلى نائبه أو من يخصّه بذلك ليلخّص معناه، فينعم النظر فيه، ويستوفي فصوله، ويلخّص مقاصدها، ويكتب لكلّ ديوان من الدواوين التي يرفع إليها متعلّق ذلك الكتاب ملخّصا بالفصول المتعلّقة به في ورقة مفردة، ليجاوب عليها متولّي ذلك الديوان بما رسم له من الجواب عنها. واعلم أن الذي تكتب له الملخّصات في زماننا من الدواوين السلطانية خمسة دواوين، وهي: ديوان الإنشاء، وديوان الوزارة، وديوان الجيش، وديوان الخاصّ، وديوان الإستدّاريّة، وهو الديوان المفرد.

والطريق إلى كتابة الملخّصات أن يحذف ما في صدر الكتب من الحشو على ما تقدّم في كلام أبي الفضل الصّوري، ثم يعمد إلى مقاصد الكتاب فيستوفي فصوله ويتصوّرها بذهنه، ثم ينظر في متعلّقات تلك الفصول، ويكتب لكل ديوان من الدواوين المتقدّمة ملخّصا بما يتعلق به من الفصول في فصل واحد أو أكثر، بحسب ما تقتضيه قلّة الكلام وكثرته. وكيفية كتابته أن يترك من رأس الوصل قدر ثلاثة أصابع بياضا، ثم قدر إصبعين بياضا عن يمينه، وقدر إصبعين بياضا عن يساره؛ ويكتب في صدره ما مثاله: «ذكر فلان في مكاتبته الواردة على يد فلان المؤرّخة بكذا وكذا» يمدّ لفظ «ذكر» بين جانبي الوصل، ويكتب باقي الكلام تحتها في أوّل الوصل إلى آخره في العرض من غير خلوّ بياض «أنه اتفق من الأمر ما هو كذا وكذا» أو «أنه سأل في كذا وكذا» . ثم يخلّي بياضا قدر أربعة أصابع مثلا ويكتب في وسط الدّرج بخلوّ بياض من الجانبين، «وذكر» على نحو ما تقدّم؛ ثم يكتب باقي الكلام من أوّل الوصل إلى آخره، ويفعل ذلك بكل فصل في الكتاب يتعلّق بذلك الديوان المختص بذلك الملخّص؛ ويكتب في آخر كل فصل «وقد عرض على المسامع الشريفة» و «مهما برزت به المراسيم الشريفة كان العمل بمقتضاه» ونحو ذلك. ثم إن كان الملخّص لديوان الإنشاء، كتب بأعلى الوصل من ظاهره من الجانب الأيسر منه ما مثاله «ديوان الإنشاء» . وإن كان لديوان الجيش كتب هناك ما مثاله «ديوان الجيش» . وكذا ديوان الخاصّ وسائر الدواوين المتقدّمة الذكر. فإذا كملت الملخّصات، وقف عليها كاتب السرّ؛ فما كان منها متعلّقا بديوان الإنشاء عرضه على السلطان واستمطر جوابه عنه، فيكتب مقابله في الملخص «يكتب بذلك» أو «يكتب بكذا وكذا» أو «رسم بذلك» أو «رسم بكذا وكذا» . وما كان منها متعلّقا بديوان الوزارة بعث به إلى الوزير؛ وما كان منها متعلقا بديوان الجيش بعث به إلى ناظر الجيش؛ وما كان منها متعلقا بديوان الخاص بعث به إلى ناظر الخاصّ: ليقرأ كلّ منهم ملخّصه على السلطان وينظر ما يأمر به فيه، فما كان كتب به بجانب الفصل الذي كتب به في الملخّص «أمضي ذلك» أو «لم

يمض» أو «رسم بكذا وكذا» ونحو ذلك، وسائر الدواوين على هذا النمط. وإن كان الكتّاب غير عربيّ؛ فإن كان بالتركية المغلية ونحوها كالكتب الواردة عن بعض القانات من ملوك الشّرق فإنه يتولى ترجمتها من يوثق به من أخصّاء الدولة، من الأمراء أو الخاصكيّة ونحوهم، ممن يعرف ذلك اللسان؛ ثم يقرأ ترجمته على السلطان، ويعتمد ما يأمر به في جوابه ليكتب به. وإن كان بالرومية أو الفرنجية ونحوهما من اللغات المختلفة، ترجم على نحو ما تقدّم، وكتب ملخّصه وقريء على السلطان والتمس جوابه، وكتب كاتب السرّ على الملخّص بما رسم فيه.

الباب الرابع من المقالة الثالثة (في الفواتح والخواتم واللواحق، وفيه فصلان)

الباب الرابع من المقالة الثالثة (في الفواتح والخواتم واللّواحق، وفيه فصلان) الفصل الأوّل (في الفواتح، وفيه ستة أطراف) الطّرف الأوّل (في البسملة، وفيه ثلاث جمل) الجملة الأولى (في أصل الافتتاح بها) كانت قريش قبل البعثة تكتب في أوّل كتبها «باسمك اللهم» والسبب في كتابتهم ذلك ما ذكره المسعوديّ في «مروج الذهب» عن جماعة من أهل المعرفة بأيّام الناس وأخبار من سلف، كابن دأب، والهيثم بن عديّ، وأبي مخنف لوط ابن يحيى، ومحمد بن السائب الكلبيّ، أن أميّة بن أبي الصّلت «1» الثّقفيّ خرج إلى

الشأم في نفر من ثقيف وقريش في عير لهم «1» ، فلما قفلوا راجعين [نزلوا منزلا واجتمعوا لعشائهم، إذ] «2» أقبلت حيّة صغيرة حتّى دنت منهم فحصبها «3» بعضهم بحجر في وجهها فرجعت، فشدّوا سفرتهم، ثم قاموا فشدّوا على إبلهم وارتحلوا من منزلهم، فلما برزوا من المنزل» ، أشرفت عليهم عجوز من كثيب رمل متوكّئة على عصا «5» ، فقالت: ما منعكم أن تطعموا رحيبة «6» ، اليتيمة الصغيرة التي باتت لطعامكم عليلة، قالوا: وما «7» أنت؟ قالت أمّ العوام، أرملت «8» منذ أعوام؛ أما وربّ العباد، لتفرّقنّ «9» في البلاد، ثم ضربت بعصاها الأرض وأثارت بها الرمل، وقالت: أطيلي إيابهم، وفرّقي ركابهم! فوثبت الإبل كأنّ على ذروة كلّ منها شيطانا، ما يملكون منها شيئا حتّى افترقت في الوادي، فجمعوها من آخر النهار إلى غدوة، فلما أناخوا الرّواحل طلعت عليهم العجوز وفعلت كما فعلت أوّلا وعادت لمقالها الأوّل، فخرجت الإبل كما خرجت في اليوم الأوّل، فجمعوها من غد. فلما أنا خوها ليرحلوها، فعلت العجوز مثل فعلها في اليوم الأوّل والثاني فنفرت الإبل؛ وأمسوا في ليلة مقمرة ويئسوا من ظهورهم؛ فقالوا لأميّة بن أبي الصّلت: أين ما كنت تخبرنا به عن نفسك وعلمك؟

[فقال: اذهبوا أنتم في طلب الإبل ودعوني] «1» . فتوجّه إلى الكثيب الذي كانت تأتي منه العجوز حتّى هبط من ثنيّته «2» الأخرى، ثم صعد كثيبا آخر حتّى هبط منه؛ ثم رفعت له كنيسة فيها قناديل ورجل معترض مضطجع على بابها، وإذا رجل جالس أبيض الرأس واللحية. قال أميّة: فلمّا وقفت قال لي: [إنك لمتبوع. قلت أجل. قال: فمن أين يأتيك صاحبك؟ قلت: من أذني اليسرى. قال: فبأيّ الثّياب يأمرك؟ قلت: بالسّواد. قال: هذا خطيب الجنّ، كدت ولم تفعل، ولكن صاحب هذا الأمر يكلّمه في أذنه اليمنى، وأحبّ الثياب إليه البياض. فلما جاء بك وما «3» ] . حاجتك؟ فحدّثته حديث العجوز. فقال «4» : هي امرأة يهوديّة هلك زوجها منذ أعوام، وإنها لن تزال تفعل بكم ذلك حتّى تهلككم إن استطاعت- قال أميّة: قلت فما الحيلة- قال: اجمعوا ظهركم فإذا جاءتكم وفعلت ما كانت تفعل، فقولوا سبعا من فوق وسبعا من أسفل «باسمك اللهمّ» فإنها لن تضرّكم. فرجع أميّة إلى أصحابه فأخبرهم بما قيل له وجاءتهم العجوز ففعلت كما كانت تفعل فقالوا سبعا من فوق وسبعا من أسفل باسمك اللهمّ فلم تضرّهم. فلما رأت الإبل لا تتحرّك، قالت: قد علّمكم صاحبكم، ليبيّضنّ الله أعلاه وليسوّدنّ أسفله. وساروا فلما أدركهم الصبح، نظروا إلى أميّة قد برص في غرّته «5» ورقبته وصدره واسودّ أسفله. فلما قدموا مكة ذكروا هذا الحديث، فكتبت «6» قريش في أوّل كتبها «باسمك اللهمّ» فكان أوّل ما كتبها أهل مكة وجاء الإسلام والأمر على ذلك.

قال إبراهيم بن محمد الشيبانيّ: ولم تزل الكتب تفتتح «باسمك اللهم» حتّى نزل قوله تعالى: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «1» فاستفتح بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصارت سنّة بعده. وروى محمد بن سعد في طبقاته، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كات يكتب كما تكتب قريش «باسمك اللهمّ» حتّى نزل عليه وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها «2» . فكتب باسم الله، حتّى نزل قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ «3» . فكتب «بسم الله الرحمن» حتّى نزل إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «4» فكتب «بسم الله الرحمن الرحيم» . وذكر في «موادّ البيان» نحوه. وعن سفيان الثوريّ أنه كان يكره للرجل أن يكتب شيئا حتّى يكتب «بسم الله الرحمن الرحيم» . وعن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يكره أن يكتب كتابا أو غيره حتّى يبدأ ب «بسم الله الرحمن الرحيم» . وعن سعيد بن جبير أنه كان يقول: لا يصلح كتاب إلا أن يكون أوّله «بسم الله الرحمن الرحيم» . وهذه الأحاديث والآثار كلّها ظاهرة في استحباب الابتداء بالبسملة فيما يكتب به من أصناف المكاتبات والولايات وغيرها، وعلى ذلك مصطلح كتّاب الإنشاء في القديم والحديث، إلا أنهم قد اصطلحوا على حذفها من أوائل التّواقيع والمراسيم الصّغار، كالتي على ظهور القصص ونحوها، وكأنهم أخذوا ذلك من مفهوم ما رواه أبو داود وابن ماجة في سننهما وأبو عوانة الأسفرايينيّ في مسنده عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع» يعني ناقص البركة، وما يكتب في التواقيع والمراسيم الصغار ليس من الأمور المهمّة فناسب ترك البسملة في أوّلها

الجملة الثانية (في الحث على تحسينها في الكتابة وما يجب من ترتيبها في الوضع)

لكن قد ذكر محمد بن عمر المدائني في كتاب «القلم والدواة» أنّ أهل العلم كرهوا حذف البسملة من التواقيع والسّراحات وذمّوه. وقد كان القاضي علاء الدّين الكركيّ كاتب السرّ في الدولة الظاهرية «برقوق» في أوّل سلطنته الثانية أمر بأن يكتب في أوّلها بسملة بقلم دقيق، ثم بطل ذلك بعد موته وبقي الأمر على ما كان عليه أوّلا. ثم قد اختلف في كتابتها أمام الشّعر، فذهب سعيد بن المسيّب والزّهريّ إلى منع ذلك. وذهب سعيد بن جبير وإبراهيم النّخعيّ إلى جوازه. ويروى مثله عن ابن عباس، رضي الله عنه، قال أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتّاب» ورأيت عليّ بن سليمان يميل إليه. قال محمد بن عمر المدائنيّ: ولا بأس إن يكن «1» بين الشّعر وبينها كلام، مثل أنشدني فلان الفلانيّ وشبه ذلك، فأما أن يصله بها فلا يجوز. الجملة الثانية (في الحثّ على تحسينها في الكتابة وما يجب من ترتيبها في الوضع) أما الحثّ على تحسينها في الكتابة، فينبغي للكتاب أن يبالغ في تحسينها في الكتابة ما استطاع تعظيما لله تعالى. فقد روي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كتب بسم الله الرحمن الرحيم فحسّنه أحسن الله إليه» . وعن واصل مولى أبي عيينة قال: سمعت حمّادا يقول: كانوا يحبّون أن تحسّن بسم الله الرحمن الرحيم. وأما ما يجب من ترتيبها، فأوّل ما يجب من ذلك إطالة الباء لتدلّ على الألف المحذوفة منها لكثرة الاستعمال، ثم إثبات السين بأسنانها الثلاث، غير مرسل لها إرسالا كما يفعله بعض الكتّاب، فقد كره ذلك أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب، رضي الله عنه، وزيد بن ثابت والحسن وابن سيرين، حتّى يروى أن عمر رضي الله عنه ضرب كاتبا على حذف السين منها- فقيل له: فيم ضربك

الجملة الثالثة (في بيان موضعها من المكتوب ويتعلق به أمران)

عمر» - فقال: في سين، فجرى مثلا. ويروى أن غلاما لعمر بن عبد العزيز كتب إليه من مصر كتابا ولم يجعل لبسم الله الرحمن الرحيم سينا، فكتب إليه عمر يأمره بالقدوم عليه، فلما قدم قال: اجعل لبسم الله الرحمن الرحيم سينا وانصرف إلى مصر. وكذلك لا يمدّ الباء قبل السين ثم يكتب السين بعد المدّة كما يفعله بعض كتّاب المغاربة، فقد روى محمد بن عمر المدائنيّ من حديث شعيب بن [أبي] الأشعث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيم فلا يمدّها قبل السين. يعني الباء» وعن ليث عن مجاهد يرفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم نحوه. ويروى مثله عن ابن عمر، وابن سيرين. وعن عبد العزيز ابن عبد الله وعبد الله بن دينار وغيرهما أن العلماء كانوا يكرهون ذلك وينهون عنه أشدّ النهي حتّى روي عن الضحّاك بن مزاحم أنه قال: وددت أنّي لو رأيت الأيدي تقطع فيه. نعم يستحبّ المدّبين السين والميم كما هو عادة كتّاب المصريين وأهل المشرق. وكذلك استحسنوا مدّ الحاء من الرحمن قبل الميم وقالوا: إنه من حسن البيان، حتّى يروى أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عمّاله إذا كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيم فليمدّ الرحمن. وهذا مما يتعاطاه كتّاب المغرب دون كتّاب مصر وأهل المشرق. أما غير ذلك من وجوه التحسين فيأتي الكلام «1» عليه في الكلام على الخط إن شاء الله تعالى. الجملة الثالثة (في بيان موضعها من المكتوب ويتعلّق به أمران) الأمر الأوّل (تقدّمها في الكتابة) فيجب تقديمها في أوّل الكلام المقصود، من مكاتبة أو ولاية أو منشور إقطاع أو

غير ذلك، تبرّكا بالابتداء بها وتيمّنا بذكرها، وعملا بالأخبار والآثار المتقدمة في الجملة الأولى. على أنه قد اختلف في معنى قوله تعالى حكاية عن بلقيس حين ألقي إليها كتاب سليمان عليه السّلام: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ «1» : فذهب بعض المفسرين إلى أن قوله إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ من كلام بلقيس، وإنها حكت الكتاب بقولها: وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إلى آخر الآية، فيكون ابتداء الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم، ويكون ذلك احتجاجا على وجوب تقديمها. وذهب آخرون إلى أن قوله إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ بداية كتاب سليمان، فيكون سليمان عليه السّلام، قد بدأ في كتابه باسمه. فإن قيل كيف ساغ على ذلك تقديم اسمه على اسم الله تعالى في الذّكر مع أنّ الأنبياء عليهم السّلام أشدّ الناس أدبا مع الله تعالى؟ فالجواب ما قيل: إنه كان عادة ملوك الكفر أنه إذا ورد عليهم كتاب بما يكرهون ربما مزّقوا أعلاه أو تفلوا «2» فيه، فجعل سليمان عليه السّلام اسمه تقيّة لاسم الله تعالى فذكره أوّلا. ومن هنا اصطلح الكتّاب في الكتب الصادرة عن ملوك الإسلام إلى ملوك الكفر بكتابة ألقاب الملك المكتوب عنه في وصل فوق البسملة، تأسّيا بسليمان عليه السّلام. أما ما يكتب في طرّة الولايات من العهود والتقاليد وغيرها، فإنه في الحقيقة جزء من المكتوب، فلا يوصف بأنه شيء مقدّم على البسملة. وأما الطغراة «3» التي كانت توضع في مناشير الإقطاعات في وصل بين وصل الطّرّة والبسملة فيها ألقاب السلطان على ما سيأتي في الكلام على كتابة المناشير في موضعه إن شاء الله تعالى، فإنها كتابة أجنبيّة مكتوبة بخطّ غير الكاتب فلم تنسب

الأمر الثاني (إفرادها في الكتابة)

في الحقيقة إلى التقديم. على أن ذلك قد بطل في زماننا. وهاتان المسألتان المتعلّقتان بالطّغراة المكتوبة في المناشير ومكاتبات أهل الكفر مما سأل عنه الشيخ جمال الدين بن نباتة في رسالته التي كتبها إلى كتّاب ديوان الإنشاء بالشام، في مباشرة الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ، حين بلغه أن بعضهم وقع فيه. الأمر الثاني (إفرادها في الكتابة) قال محمد بن عمر المدائني في كتاب «القلم والدواة» : ينبغي للكاتب أن يفرد البسملة في سطر وحدها، تبجيلا لاسم الله تعالى وإعظاما وتوقيرا له؛ ثم ساق بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «نهى أن يكتب في سطر بسم الله الرحمن الرحيم غيرها» . وعلى هذه الطريقة جرى كتّاب الإنشاء في مكاتبتهم وسائر ما يصدر عنهم. أما النّسّاخ وكتّاب الوثائق فربما كتبوا بعدها في سطرها «الحمد لله» أو «الصّلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ونحو ذلك. وكذلك يكتب القضاة «الحمدلة» في علامات الثّبوت في المكاتيب الشرعيّة. الطرف الثاني (في الحمدلة) لما كان الحمد مطلوبا في أوائل الأمور طلبا للتيمّن والتبرّك، عملا بما رواه الراوون لحديث البسملة المتقدّم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ أمر ذي بال لايبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم» «1» اصطلح الكتّاب على الابتداء به في الكثير مما يكتبونه من المكاتبات والولايات وغيرهما مما له شأن وبال، كمكاتبات أكثر الملوك من قانات الشّرق، وكلّ ما تضمّن نعمة من المكاتبات ونحو ذلك، وكالبيعات والعهود والتقاليد على رأي من يرى افتتاحها

بالخطب، وغير ذلك مما يأتي ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى. بل ربما كرّروا الحمد المرّات المتعددة إلى السّبع في الخطبة الواحدة، على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى، وأتوا بالحمد لله بعد البسملة تأسّيا بكتاب الله تعالى، من حيث أن البسملة آية من الفاتحة كما هو مذهب الشافعيّ «1» رضي الله عنه، أو فاتحة لها- وإن لم تكن منها- كما هو مذهب غيره. أما سائر المكاتبات والولايات المفتتحة بغير الحمد، فإنما حذف منها الحمد استصغارا لشأنها، إذ كان الابتداء بالحمد إنما يكون في أمر له بال كما دل عليه الحديث المتقدّم، وسيأتي الكلام على كل شيء من ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى. قال في «الصناعتين» : وإنما افتتح الكلام بالحمد لأن النفوس تتشوّف للثناء على الله تعالى، والافتتاح بما تتشوّف النفوس إليه مطلوب. وربما أتى الكتّاب بالحمد بعد البعديّة فكتبوا: أما بعد حمد الله، أو «أما بعد فالحمد لله» فأما الصيغة الأولى فالحمد مقدّم فيها معنى وإن لم يذكر لفظا لأن قوله أما بعد حمد الله يقتضي تقدّم حمد الله، وأما الصيغة الثانية فإنها تقتضي تقدّم شيء على الحمد، ولا شك أنّ المقدّم هنا هو البسملة على ما سيأتي في الكلام على أما بعد فيما بعد إن شاء الله تعالى. ثم قد يستعمل الحمد بصيغة الفعل كقولهم في المكاتبات: فإني أحمد إليك الله. وقد اختلف في أيّ الصيغتين أبلغ؛ صيغة الحمد لله، أو صيغة أحمد الله، فذهب المحقّقون إلى أن صيغة الحمد لله أبلغ، لما فيها من معنى الاستغراق والثبوت والاستمرار على ما هو مقرّر في علم المعاني. وذهب ذاهبون

الصيغة الأولى

إلى أن صيغة أحمد الله أبلغ؛ لأن القائل «الحمد لله» حاك لكون الحمد لله، بخلاف القائل «أحمد الله» فإنه حامد بنفسه، ولذلك يؤتى بالتحميد ثانيا في الخطب بصيغة الفعل. وله في الاستعمال ثلاث صيغ: الصيغة الأولى - «يحمده أمير المؤمنين» فيما إذا كان ذلك صادرا عن الخليفة في مكاتبة أو غيرها. الصيغة الثانية - «نحمده» إما بنون الجمع الحقيقية كما إذا كان ذلك صادرا عن......... «1» مثل أن يؤتى بذلك في بيعة لخليفة أو نحوها، أو بنون الجمع للتعظيم كما إذا كان ذلك صادرا عن السلطان نحو ما يقع في خطب التقاليد والتواقيع في زماننا. الصيغة الثالثة - «أحمده» بلفظ الإفراد، كما إذا كان ذلك صادرا عن واحد فقط حيث لا تعظيم له. الطرف الثالث (في التشهد في الخطب) قد جرت عادة المتأخّرين بالإتيان بالتشهّد بعد التحميد في الخطب ويكون تابعا لصيغة التحميد، فإن كان قد قيل يحمده أمير المؤمنين، قيل بعده: ويشهد؛ وإن كان قد قيل نحمده، قيل بعده: ونشهد؛ وإن كان بعد أما بعد حمد الله، قيل والشهادة له بالجرّ عطفا على حمد. على أن الخطب الموجودة في مكاتبات المتقدّمين لا تشهّد فيها. ومستند المتأخّرين في ذلك ما رواه أبو داود والترمذي وصحّحه البيهقي أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ خطبة ليس فيها تشهّد فهي كاليد الجذماء» .

الطرف الرابع (في الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه في أوائل الكتب)

الطرف الرابع (في الصلاة والسّلام على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله وصحبه في أوائل الكتب) لا نزاع في أن الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مطلوبة في الجملة، وناهيك في ذلك قوله تعالى في محكم التنزيل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً «1» والأحاديث الواردة في الحثّ على ذلك أكثر من أن تحصر، فناسب أن تكون في أوائل الكتب، تيمّنا وتبرّكا. وقد جاء في تفسير قوله تعالى: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ «2» أن المعنى ما ذكرت إلا وذكرت معي. فإذا أتي بالحمد في أوّل كتاب، ناسب أن يؤتى بالصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أوّله، إتيانا بذكره بعد ذكر الله تعالى. وقد روي من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من صلّى عليّ في كتاب لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب» . قال الشيخ عماد الدين في تفسيره: إلا أنه ضعيف، ضعّفه المحدّثون. قال محمد بن عمر المدائنيّ في «كتاب القلم والدواة» : وقد رأينا بعض الكتّاب لا يرى الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الكتب، فباءوا بأعظم الوزر مع ما فاتهم من الثواب. وأمّا السّلام عليه صلّى الله عليه وسلّم بعد التصلية، فقد قال الشيخ محيي الدين النوويّ في كتابه «الأذكار» : وإذا صلّى على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فليجمع بين الصلاة والتسليم ولا يقتصر على أحدهما فلا يقال صلّى الله عليه فقط، ولا عليه السلام فقط. قال الشيخ عماد الدين بن كثير: وهذا منتزع من قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ الآية «3» . وأما الصلاة على الآل والصحب بعد الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقد نقل

الشيخ عماد الدين بن كثير في تفسيره الإجماع على جواز الصلاة على غير الأنبياء عليهم السّلام بطريق التبعيّة، مثل أن يقال: اللهمّ صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريّته ونحو ذلك. ثم قال: وعلى هذا يخرج ما يكتبونه من قولهم: وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه فلا نزاع فيه، وإنما الخلاف في جواز إفراد غير الأنبياء عليهم السّلام بالصلاة: فأجازه قوم محتجّين بنحو قوله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ «1» وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى» . ومنعه آخرون احتجاجا بأن الصلاة صارت شعارا للأنبياء عليهم السّلام فلا يلحق بهم غيرهم، فلا يقال: أبو بكر صلّى الله عليه وسلّم وإن كان المعنى صحيحا، كما لا يقال: محمد عزّ وجلّ، وإن كان عزيزا جليلا. ثم الصحيح من مذهب الشافعيّ، رضي الله عنه، أن ذلك لا يجوز في غير التبعية. وحكى النوويّ في «الأذكار» فيه قولا بأنه كراهة تحريم، وقولا بأنه كراهة تنزيه، وقولا بأنه خلاف الأولى، ورجّح كونه كراهة تنزيه، لأنه شعار أهل البدع «2» . وأما السّلام على غير الأنبياء فحكى النوويّ عن أبي محمد الجوينيّ منعه في الغائب من حيّ وميّت وأنه لا يفرد به غير الأنبياء، فلا يقال: عليّ عليه السّلام، بخلاف الحاضر فإنه يخاطب به. إذا علمت ذلك فالصلاة وتوابعها في أوائل الكتب قد تكون بعد التحميد في الخطبة كما في الولايات [والمكاتبات] المفتتحة بالخطب من البيعات والعهود والتقاليد والتفاويض والتّواقيع والمراسيم وغيرها، وكما في الكتب المفتتحة بالخطب. وقد تكون في صدور المكاتبات المفتتحة بغير الخطب، كما كان يكتب في القديم في صدور المكاتبات «وأسأله أن يصلّي على محمد

الطرف الخامس (في السلام في أول الكتب)

عبده ورسوله» وهو مما أحدثه الرشيد في المكاتبات. قال في «ذخيرة الكتّاب» : وكان ذلك من أجلّ مناقبه. وكان الخلفاء الفاطميون بمصر يقولون عن لسان الخليفة: ويسأله أن يصلّي على جدّه محمد، ويخصون الصلاة بعده بأمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه على طريقة الشّيعة. الطرف الخامس (في السّلام في أوّل الكتب) إنما جعل السّلام في ابتداء الكتب وصدورها لأنه تحية الإسلام المطلوبة لتأليف القلوب، فكما أنه يفتتح به الكلام طلبا للتأليف كذلك تفتتح به المكاتبات وتصدّر طلبا للتأليف، إذ يقول صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أنبّئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم! أفشوا السّلام بينكم» . قال في «الصناعتين» : وتقول في أوّل كتابك: «سلام عليك» وفي آخره «والسّلام عليك «والمعنى فيه أن الأوّل نكرة إذ لم يتقدّم له ذكر والثاني معرفة يشار به إلى السّلام الأوّل على حدّ قوله تعالى: كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ «1» فأتى في الأوّل بتنكير الرسول وفي الثاني بتعريفه. وكذلك قال تعالى في سورة مريم في قصة يحيى عليه السّلام: وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا «2» لعدم تقدّم ذكر السّلام؛ ثم قال بعد ذلك في قصّة عيسى عليه السّلام: وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا «3» وإلى ذلك يشير أحمد بن يوسف بقوله: اكتب في أوّل كتابك سلام عليك واجعله تحية، وفي آخره «والسّلام عليك» واجعله وداعا. وذلك أن سلام التحية يكون ابتداء فيكون نكرة، وسلام الوداع يكون انتهاء فيكون معرفة لرجوعه إلى الأوّل. وقد

الطرف السادس (في أما بعد)

كره بعض العلماء أن يقال في الإبتداء: عليك السّلام، احتجاجا بما روي عن أبي مكعت الأسديّ أنه قال «أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنشدته» : (متقارب) يقول أبو مكعت صادقا: ... عليك السّلام أبا القاسم! فقال: يا أبا مكعت عليك السّلام تحيّة الموتى» . وجعل ابن حاجب النّعمان من ذلك قول عبدة «1» بن الطّبيب: (طويل) عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحّما «2» قال ابن حاجب النعمان: ويكتب السّلام بإسقاط الألف في صدر الكتاب وعجزه. قال أبو جعفر النحاس: وقولهم في أوّل الكتاب سلام عليك، بالرفع ويجوز فيه النصب والاختيار الرفع وإن كان النّحاة قد قالوا: إنّ ما كان مشتقّا من فعل فالاختيار فيه النصب نحو قولك سقيا لك؛ لأن معنى السّلام في الرفع أعمّ، إذ ليس يريد أفعل فعلا، فيكون المعنى تحية عليك بنصب تحية. وقيل: سلام عليك بمعنى سلام لك. وسيأتي الكلام على إتباع السّلام الرحمة في الكلام على الخواتم فيما بعد إن شاء الله تعالى. الطّرف السادس (في أما بعد) اعلم أن «أما بعد» تستعمل في صدور المكاتبات والولايات وربما استعملت في ابتدائها. وهي مركّبة من لفظين أحدهما «أما» والثاني «بعد» . فأما «أما» فحرف شرط و «بعد» ظرف زمان إذا أفرد بني على الضم، قال تعالى:

لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ «1» وأجاز الفرّاء أما بعدا بالنصب والتنوين، وأما بعد بالرفع والتنوين. وأجاز هشام أما بعد بفتح الدال ومنعه النحاس وقال: إنه غير معروف. ثم «أمّا» تقع في كلام العرب لتوكيد الخبر، والفاء لازمة لها لتصل ما بعدها بالحرف الملاصق لما قبلها، فتقول أما بعد أطال الله بقاءك! فإنّي قد نظرت في الأمر الذي ذكرته. ويجوز أمّا بعد فأطال الله بقاءك إني نظرت في ذلك، فتثبت الفاء في أطال وإن كان معترضا لقربه من أما، ويجوز أما بعد فأطال الله بقاءك فإنّي نظرت، ويجوز أما بعد ثمّ أطال الله بقاءك فإنّي نظرت حكى ذلك كلّه النحاس، ثم قال: وأجودها الأوّل وهو اختيار النحويين. قال: وأجود منه أما بعد فإني نظرت أطال الله بقاءك. فإن أضيفت بعد إلى ما بعدها فتحت فتقول أما بعد حمد الله ونحو ذلك. قال في «ذخيرة الكتاب» وإذا كانت بعد البسملة فمعناه أما بعد قولنا «بسم الله الرحمن الرحيم» فقد كان كذا وكذا. وقد اختلف في أوّل من قال أما بعد: فقيل داود عليه السلام، وبه فسّر فصل الخطاب في قوله تعالى: وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ «2» على أحد الأقوال، وقيل أوّل من قالها كعب بن لؤيّ جدّ النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقيل أوّل من قالها قسّ بن «3» ساعدة الإياديّ. قال سيبويه: ومعناها مهما يكن من شيء.

الفصل الثاني (في الخواتم واللواحق، وفيه سبعة أطراف)

الفصل الثاني (في الخواتم واللّواحق، وفيه سبعة أطراف) الطرف الأوّل (في الاستثناء بالمشيئة، بأن يكتب إن شاء الله تعالى، وفيه جملتان) الجملة الأولى (في الحثّ على كتابة إن شاء الله تعالى) اعلم أنه يستحبّ للكاتب عند انتهاء ما يكتبه، من مكاتبة أو ولاية أو غيرهما أن يكتب «إن شاء الله تعالى» تبرّكا ورغبة في نجاح مقصد الكتاب، فقد ورد الحثّ على التعليق بمشيئة الله تعالى والنّدب إليه؛ قال تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «1» . وذمّ قوما [على ترك الاستثناء] «2» فقال: إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ «3» إلى آخر القصّة. قال أصحاب السّير: كان باليمن رجل له جنّة يأخذ منها قوت سنته ويتصدّق بالباقي، وكان يترك للمساكين ما أخطأ المنجل من الزّرع أو القطّاف من العنب والنّخل وما بقي على البساط الذي يبسط تحت النّخلة، فلمّا مات شحّ بنوه على المساكين بما كان يتركه أبوهم وحلفوا على قطعها في الغلس «4» كيلا يدركهم الفقراء؛ فأصابتها نار في الليل فاحترقت

الجملة الثانية (في محل كتابتها وصورة وضعها في الدرج)

وأصبحت كالصّريم يعني الليل المظلم. قال المفسرون: والمراد بقوله: وَلا يَسْتَثْنُونَ أنهم لم يقولوا إن شاء الله تعالى. قال الزمخشريّ: وسمّي استثناء وإن كان بمعنى الشرط لأنه يؤدّي مؤدّى الاستثناء من حيث أن معنى قولك لأخرجنّ إن شاء الله ولا أخرج إلا أن يشاء الله واحد. واعلم أن الاستثناء لا يدخل على ماض، فلا يقال: ما فعلت ذلك إن شاء الله، وإنما يدخل على مستقبل فتقول لا أفعل ذلك إن شاء الله، على حدّ قوله تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ «1» . وكذلك كلّ ما فيه معنى الاستقبال، كما قال تعالى حكاية عن يوسف عليه السّلام: وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ «2» ونحو ذلك. أما ما ورد من ذلك بلفظ المضيّ مثل قول القائل لزوجته أنت طالق إن شاء الله فإنه وإن لم يكن مستقبلا لفظا، فإنه مستقبل معنى، إذ معناه الإنشاء وإلا لما وقع به الطلاق. إذا علمت ذلك، فلفظ «إن شاء الله تعالى» في آخر المكاتبة أو الولاية ونحوهما يكون معلّقا بآخر المكتوب مما يناسب ذلك، كتعلّقها بالتأييد من قوله والله تعالى يؤيّده بمنّه وكرمه إن شاء الله تعالى، ونحو ذلك. الجملة الثانية (في محل كتابتها وصورة وضعها في الدّرج) لا نزاع في أنها أوّل خاتمة تكتب من خواتم المكتوب، فمحلّها من الدّرج أسفل المكتوب، في وسط الوصل، مكتنفة ببياض عن يمينها وشمالها، وبينها وبين السّطر الآخر من المكتوب كما بين سطرين أو دونه. وقد جرت عادة الكتّاب في كتابتها بأنها إن كانت بقلم الرّقاع كما في

الطرف الثاني (في التاريخ، وفيه ثماني جمل)

القطع الصغير، كتبت معلّقة مسلسلة على هذه الصورة الله تعالى أو ما قاربها، وإن كانت بقلم جليل كالثلث ونحوه، كتبت واضحة مبينّة، والغالب فيها أن تكون على هذه الصورة ان شالله تعالى. قال جمال الدّين بن شيث في «معالم الكتابة» : ولا يضيف الكاتب إليها شيئا في سطرها، بل تكون مفردة في سطر واحد. الطّرف الثاني (في التاريخ، وفيه ثماني «1» جمل) الجملة الأولى (في معناه) وقد اختلف في أصل لفظه؛ فذهب قوم إلى أنه عربيّ، وأن معناه نهاية الشيء وآخره، يقال فلان تاريخ قومه إذا انتهى إليه شرفهم، وعليه يدلّ كلام صاحب «موادّ البيان» وابن حاجب النعمان في «ذخيرة الكتّاب» ونقل الشيخ علاء الدين بن الشاطر في «زيجه» عن بعض أهل اللّغة أن معناه التأخير فيكون مقلوبا منه. وذهب آخرون إلى أنه فارسيّ، وأن أصله «ماه زور» فعرّب مورخ، ثم جعل اسمه التاريخ، وإليه يرجع كلام السلطان عماد الدين صاحب حماة رحمه الله في تاريخه، ويقال منه أرّخت وورّخت بالهمزة والواو لغتان، ولذلك قالوا في مصدره تأريخ وتوريخ، كما يقال تأكيد وتوكيد. قال في «ذخيرة الكتّاب» : «أرّخت» لغة قيس، و «ورّخت» لغة تميم. قال أبو هلال العسكريّ في كتاب «الأوائل» : ولا تكاد «ورّخت» تستعمل اليوم، وكأنّ الكتّاب كانوا قد رفضوا هذه اللغة في زمانه وإلا فهي لغة مستعملة إلى الآن، إلا أنها لما غلبت في ألسنة العوامّ ابتذلت. قال الشيخ «أثير الدين أبو حيان» في شرح التسهيل: والتاريخ هو عدد الليالي والأيام بالنظر إلى ما مضى من السنة أو الشهر

الجملة الثانية (في وجه الاحتياج إليه)

وإلى ما تبقّى منهما، قال في «موادّ البيان» : وهو محقّق للخبر، دالّ على قرب عهد الكتاب وبعده. الجملة الثانية (في وجه الاحتياج إليه) قال محمد بن عمر المدائني في كتاب «القلم والدواة» : أجمعت العلماء والحكماء والأدباء والكتّاب والحسّاب على كتابة التاريخ في جميع المكتتبات. قال صاحب «1» «نهاية الأرب» : ولا غنية عنه، لأن التاريخ يستدلّ به على بعد مسافة الكتاب وقربها، وتحقيق الأخبار على ما هي عليه. وقد قال بعض أئمة الحديث: لما استعملوا الكذب استعملنا لهم التاريخ. وقد اصطلح الكتّاب على أنهم يؤرّخون المكاتبات والولايات ونحوها مما يصدر عن الملوك والنّواب والأمراء والوزراء وقضاة القضاة ومن ضاهاهم، بخلاف المكاتبات الصادرة عن آحاد الناس، فإنه لم تجر العادة فيها بكتابة تاريخ. الجملة الثالثة (في بيان أصول التواريخ) [وهو على قسمين] قال القضاعيّ في «عيون المعارف في تاريخ الخلائف» : كانت الأمم السالفة تؤرّخ بالحوادث العظام وبملك الملوك، فكان التاريخ بهبوط آدم عليه السّلام، ثم بمبعث نوح، ثم بالطّوفان، ثم بنار إبراهيم عليه السّلام. ثم تفرق بنو أبراهيم؛ فأرّخ بنو إسحاق بنار إبراهيم إلى يوسف؛ ومن يوسف إلى مبعث موسى عليه السّلام؛ ومن موسى إلى ملك سليمان عليه السّلام. ثم بما كان من الكوائن. ومنهم من أرّخ بوفاة يعقوب عليه السّلام، ثم

بخروج موسى من مصر ببني إسرائيل، ثم بخراب بيت المقدس. وأما بنو إسماعيل، فأرّحوا ببناء الكعبة، ولم يزالوا يؤرّخون بذلك حتّى تفرّقت بنو معدّ، وكان كلّما خرج قوم من تهامة «1» أرّخوا بخروجهم. ثم أرّخوا بيوم «2» الفجار، ثم بعام الفيل «3» . وكان بنو معدّ بن عدنان يؤرّخون بغلبة جرهم العماليق وإخراجهم إيّاهم من الحرم. ثم أرّخوا بأيّام الحروب: كحرب بني وائل، وحرب «4» البسوس، وحرب «5» داحس.

القسم الأول (ما قبل الهجرة، وقد أوردت منه تسعة عشر تاريخا)

وكانت حمير وكهلان يؤرّخون بملوكهم التّبابعة، وبنار ضرار «1» ، وهي نار ظهرت ببعض خراب اليمن، وبسيل «2» العرم، ثم أرّخوا بظهور الحبشة على اليمين. وأما اليونان والرّوم «3» ، فكانوا يؤرّخون بملك بختنصّر؛ ثم أرّخوا بملك دقلطيانوس القبطيّ. وأما الفرس فكانوا يؤرّخون بآدم عليه السّلام، ثم أرّخوا بقتل دارا وظهور الإسكندر عليه، ثم بملك يزدجرد «4» . والذي ذكره السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه في دائرة اتصال التواريخ القديمة بالهجرة عشرون تاريخا، ذكر ما بينها وبين الهجرة من السنين، إلا أنه لم يراع الترتيب في بعضها، وأهمل منها تاريخ يزدجرد لوقوعه بعد الهجرة. وبالجملة فالتواريخ على قسمين: القسم الأوّل (ما قبل الهجرة، وقد أوردت منه تسعة عشر تاريخا) الأوّل- من هبوط آدم عليه السّلام . وقد اختلف فيما بينه وبين الهجرة

الثاني - من الطوفان

اختلافا فاحشا؛ فمقتضى ما في التوراة اليونانيّة على اختيار المؤرّخين أنّ بينهما ستة آلاف سنة ومائتين وستّ عشرة سنة «1» ، وعلى اختيار المنجّمين أنّ بينهما خمسة آلاف وسبعمائة «2» وتسعا وستين سنة. ومقتضى ما في التوراة السامريّة على اختيار المؤرّخين خمسة آلاف ومائة وسبع وثلاثون سنة، وعلى اختيار المنجّمين ينقص عن ذلك. ومقتضى ما في التوراة العبرانيّة، على اختيار المؤرّخين أن بينهما أربعة آلاف وسبعمائة وإحدى وأربعين سنة، وعلى اختيار المنجّمين ينقص مائتين وتسعا وأربعين «3» سنة. الثاني- من الطّوفان . وبينه وبين الهجرة ثلاثة آلاف وتسعمائة وأربع وتسعون «4» سنة على اختيار المؤرّخين، وعلى اختيار المنجّمين ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وعشرون سنة وثلاثمائة «5» وستة أيامّ. الثالث- من تبلبل الألسن . وبينه وبين الهجرة على اختيار المؤرّخين ثلاثة آلاف وثلاثمائة وأربع وستون «6» سنة، وعلى اختيار المنجّمين ينقص عن ذلك مائتين وتسعا وأربعين سنة. الرابع- من مولد إبراهيم عليه السّلام . وبينه وبين الهجرة على اختيار المؤرّخين ألفان وثمانمائة وثلاث وتسعون سنة، وعلى اختيار المنجّمين ينقص عن ذلك مائتين وتسعا وأربعين سنة.

الخامس - من بناء إبراهيم الكعبة

الخامس- من بناء إبراهيم الكعبة . وبينه وبين الهجرة ألفان وسبعمائة وثلاث وسبعون «1» سنة. السادس- من وفاة موسى عليه السّلام . وبينه وبين الهجرة على اختيار المؤرّخين ألفان وثلاثمائة وثمان وأربعون سنة. السابع- من عمارة سليمان عليه السّلام بيت المقدس . وبينه وبين الهجرة ألف وثمانمائة وستّون سنة «2» . الثامن- من ابتداء ملك بختنصّر . وبينه وبين الهجرة ألف وثلاثمائة وتسع وستون سنة. قال صاحب حماة: بلا خلاف. التاسع- من تخريب بختنصّر بيت المقدس . وبينه وبين الهجرة ألف وثلاثمائة وخمسون سنة. العاشر- من ملك فيلبس أبي الإسكندر . وبينه وبين الهجرة تسعمائة وخمس «3» وأربعون سنة ومائة وسبعة عشر يوما. الحادي عشر- من غلبة الإسكندر على ملك فارس وقتل دارا ملك الفرس . وبينه وبين الهجرة تسعمائة واثنتان «4» وثلاثون سنة ومائتان وتسعون يوما. الثاني عشر- من مولد المسيح عليه السّلام . وبينه وبين الهجرة ستّمائة وإحدى وثلاثون سنة. الثالث عشر- من ملك أرديالونص «5» . وبينه وبين الهجرة خمسمائة وتسع

الرابع عشر - من ملك أردشير أول ملوك الأكاسرة من الفرس

وستون «1» سنة. الرابع عشر- من ملك أردشير «2» أوّل ملوك الأكاسرة من الفرس . وبينه وبين الهجرة أربعمائة واثنتان وعشرون سنة. الخامس عشر- من خراب بيت المقدس المرّة الثانية ، وبينه وبين الهجرة ثلاثمائة «3» وستّ وأربعون سنة. السادس عشر- من ملك دقلطيانوس «4» ، آخر عبدة الأصنام من ملوك الروم على القبط . وبينه وبين الهجرة ثلاثمائة «5» وسبع وثلاثون سنة وأحد وعشرون يوما. السابع عشر- من غلبة أغشطش ملك الروم على قلوبطرا ملكة اليونان ومصر . وبينه وبين الهجرة مائتان «6» وخمسون سنة ومائتان وستة وأربعون يوما. الثامن عشر- من عام الفيل ، وهو العام الذي ولد فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم. وبينه وبين الهجرة ثلاث وخمسون سنة وشهران وثمانية أيام. التاسع عشر- من مبعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم . وبينه وبين الهجرة ثلاث «7» عشرة سنة وشهران وثمانية أيام.

القسم الثاني (ما بعد الهجرة)

القسم الثاني (ما بعد الهجرة) وفيه تاريخ واحد، وهو من هلاك يزدجرد آخر ملوك الفرس. وكان بعد الهجرة بعشر سنين وثمانية وسبعين يوما. الجملة الرابعة (في أصل وضع التاريخ الإسلاميّ وبنائه على الهجرة دون غيرها) وقد اختلف في أصل ذلك، فحكى أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتّاب» عن محمد بن جرير، أنه روى بسنده إلى ابن شهاب أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا قدم المدينة- وقدمها في شهر ربيع الأوّل- أمر بالتاريخ. وعلى هذا فيكون ابتداء التاريخ في عام الهجرة. قال النحاس: والمعروف عند العلماء أن ابتداء التاريخ بالهجرة كان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ثم اختلف في السبب الموجب لذلك، فذكر النحاس أن السبب فيه أن عامل عمر بن الخطاب رضى الله عنه باليمن قدم عليه فقال: أما تؤرّخون كتبكم؟ فاتخذوا التاريخ. ووافقه على ذلك صاحب «موادّ البيان» . وذكر أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» أن السبب فيه أن أبا موسى الأشعريّ كتب إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه: إنه يأتينا من قبل أمير المؤمنين كتب لا ندري على أيّها نعمل قد قرأنا [كتابا منها] «1» محلّه شعبان، فما ندري في أيّ الشّعبانين ألماضي أو الآتي، فأحدث عمر التاريخ. وتبعه على ذلك ابن حاجب النعمان في «ذخيرة الكتّاب» . وذكر صاحب حماة في تاريخه، أنه رفع إلى عمر رضي الله عنه صكّ محلّه شعبان فقال: أيّ شعبان، لا ندري ألذي نحن فيه أم الذي هو آت، ثم جمع وجوه الصحابة وقال: إنّ الأموال قد كثرت، وما

الجملة الخامسة (في بيان صورة ابتدائهم وضع التاريخ من الهجرة)

قسمناه منها غير مؤقّت فكيف التوصّل إلى ما يضبط به ذلك؟ - فقالوا: يجب أن نعرف ذلك من أمور الفرس، فاستحضر الهرمزان «1» وسأله- فقال: إن لنا حسابا نسمّيه (ماه زور) ومعناه حساب الشّهور والأيام فعمل عمر التاريخ. الجملة الخامسة (في بيان صورة ابتدائهم وضع التاريخ من الهجرة) قال في «ذخيرة الكتّاب» : لما أراد عمر التأريخ، جمع الناس للمشورة، فقال بعضهم: نؤرّخ بمبعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم- وقال بعضهم: بل بوفاته- وقال بعضهم: بل بهجرته من مكة إلى المدينة؛ لأنها أوّل ظهور الإسلام وقوّته. فصوّبه عمر واجتمع رأيه عليه؛ وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد ولد في عام الفيل المقدّم ذكره في التواريخ القديمة. قال في «ذخيرة الكتّاب» : وكان وقوع ذلك في اليوم الثاني عشر من شباط سنة ثمانمائة واثنتين وثمانين لذي القرنين. وبعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على رأس أربعين سنة من ولادته، وأقام بمكة بعد النبوّة عشر «2» سنين؛ ثم هاجر إلى المدينة في شهر ربيع الأوّل بعد عشر من النبوّة، وقدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة منه. ثم بعد اتفاقهم على التأريخ من الهجرة اختلفوا في الشهر الذي تقع البداءة «3» به، فأشار بعضهم بالبداءة برمضان لشرفه وعظمه- فقال عمر بل بالمحرّم؛ لأنه منصرف الناس من حجّهم، فرجعوا «4» القهقرى ثمانية وستين يوما، وهي القدر الذي مضى من أوّل المحرّم [إلى ذلك الوقت] «5» واستقر تاريخ الإسلام من الهجرة.

الجملة السادسة (في كيفية تقييد التاريخ في الكتابة بزمن معين، وهو ضربان)

قال القضاعي في «عيون المعارف» : وكان ذلك في سنة تسع عشرة أو ثماني عشرة من الهجرة. قلت: واستقرّت تواريخ الأمم على أربعة تواريخ، ابتداء بعضها مقدّم على ابتداء بعض. أوّلها- غلبة الإسكندر على الفرس. وعليه تاريخ السّريان والرّوم إلى زماننا. والثاني- ملك دقلطيانوس ملك الروم على القبط. وعليه تاريخ القبط إلى زماننا. والثالث- الهجرة النبوّية على صاحبها أفضل الصلاة والسّلام. وعليها مدار التاريخ الإسلاميّ. والرابع- هلاك يزدجرد آخر ملوك الفرس. وبه تؤرّخ الفرس إلى زماننا، وقد تقدّم بيان بعد ما بين تاريخ كلّ من غلبة الإسكندر وملك دقلطيانوس وبين الهجرة في القبلية، وبعد ما بين تاريخ يزدجرد وبين الهجرة في البعدية في الكلام على أصول التواريخ، مع ما سبق في المقالة الأولى في بيان ما يحتاج إليه الكاتب من ذكر مقدار سنة كلّ منها وعددها من الأيام، وسيأتي الكلام على استخراج بعضها من بعض فيما بعد إن شاء الله تعالى. الجملة السادسة (في كيفيّة تقييد التاريخ في الكتابة بزمن معيّن، وهو ضربان) الضرب الأوّل (التاريخ العربيّ) ومداره الليالي دون الأيام؛ لأن سني العرب قمريّة، والقمر أوّل ما يظهر للأبصار هلالا في الليل، فتكون الليالي بهذا الاعتبار سابقة للأيّام، إذ اليوم عندهم عبارة عن النهار، وهو إما من طلوع الفجر على ما ورد به الشرع في

الاعتبار الأول (أن يؤرخ ببعض ليالي الشهر، وله ست حالات)

الصوم ونحوه، وإما من طلوع الشمس على رأي المنجّمين. قال أبو إسحاق الزجاجيّ في كتابه «الجمل» : وإنما حمل على الليالي دون الأيام لأن أوّل الشهر ليله، فلو حمل على الأيام سقطت منه ليلة. قال الشيخ أثير الدين أبو حيّان في «شرح التسهيل» : واستغني بالليالي عن الأيام للعلم أن مع كلّ ليلة يوما، فإذا مضى عدد من الليالي مضى مثله من الأيام، فيجوز أن يستغنى بذكر أحدهما عن الآخر. وقد ذكر جمال الدين عبد الرحيم بن شيث في كتابه «معالم الكتابة» ، أن كتب السلطان والأعيان تؤرّخ بالليالي، والكتب من الأدنى إلى الأعلى تؤرّخ بالأيام. ولم أعلم من أين أخذ ذلك ولا ما مستنده فيه. إذا علم ذلك فلكتابة التاريخ ثلاثة اعتبارات: الاعتبار الأوّل (أن يؤرّخ ببعض ليالي الشهر، وله ستّ حالات) الحالة الأولى (أن تقع الكتابة في الليلة الأولى من الشهر، أو في اليوم الأوّل منه) فإن كانت الكتابة في الليلة الأولى منه فقد ذكر أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتاب» أنه يكتب «كتب غرّة شهر كذا، أو [أوّل] «1» ليلة من كذا، أو مستهلّ شهر كذا، أو مهلّ شهر كذا» . وحكى الشيخ أثير الدين أبو حيّان مثل ذلك عن بعضهم، وزاد أنه يكتب أيضا «كتب أوّل شهر كذا» . قال النحاس: لا يجوز حينئذ لليلة خلت ولا مضت لأنهم في الليلة بعد. قال في «ذخيرة الكتّاب» : وربما كتب بعض الكتّاب ليلة الاستهلال «لليلة [تخلو] «2» » .

الحالة الثانية (أن تقع الكتابة فيما بعد مضي اليوم الأول من الشهر إلى آخر العشر)

وإن كانت الكتابة في اليوم الأوّل، وهو النهار الذي يلي الليلة الأولى من الشهر، كتب «ليلة خلت أو مضت من شهر كذا» . قال النحاس: ويجوز «كتب لغرّة الشهر أو لأوّل يوم من الشهر» ومنع أن يقال حينئذ: أوّل ليلة من شهر كذا، أو مستهلّ شهر كذا، أو مهلّ شهر كذا، موجّها لذلك بأن الاستهلال إنما يقع في الليل. وتبعه على ذلك ابن حاجب النعمان في «ذخيرة الكتّاب» وصاحب «موادّ البيان» وبه جزم الشيخ جمال الدين بن هشام في ورقاته في الوراقة. وكلام ابن مالك في التسهيل يوهم جواز ذلك فإنه قد قال: فيقال أوّل الشهر، كتب لأوّل ليلة منه، أو لغرّته أو مهلّه أو مستهلّه. وأوّل الشهر أعمّ من اليوم والليلة بل هو إلى الليلة أقرب؛ لأن الليلة سابقة بالأوّلية. قال الشيخ أثير الدين: ومفتتح الشهر أوّل يوم منه. ومقتضى كلامه أنه يؤرّخ بالمفتتح في اليوم الأوّل من الشهر دون الليلة وفيه نظر، بل الظاهر جواز استعماله فيهما، بل الليلة بالمفتتح أولى لسبقها اليوم كما تقدّم، أللهم إلا أن يراعى فيه موافقة المفتتح لليوم في التذكير دون الليلة لتأنيثها. قال في «موادّ البيان» : والعرب تسمّي أوّل ليلة من الشهر النّحيرة، ولكن لا تستعمله الكتّاب في التواريخ. الحالة الثانية (أن تقع الكتابة فيما بعد مضيّ اليوم الأوّل من الشهر إلى آخر العشر) فإن كان قد مضى منه ليلتان، كتب «لليلتين خلتا من شهر كذا، أو لليلتين مضتا منه» قال في «ذخيرة الكتّاب» : ولا يكتب ليوم خلا ولا ليومين خلوا؛ لأن ذكر الليالي في باب التأريخ أغلب، كما تقول ليلة السبت وليلة الأحد، فتضيف الليلة إلى اليوم لأنها أسبق، ولا تضيف اليوم إلى الليلة. وحكى الشيخ أثير الدين أبو حيّان أنه إذا مضى من الشهر يوم كتب «ليوم مضى» وإذا مضى يومان كتب «ليومين مضيا» . والتحقيق في ذلك أنه يختلف الحال فيه باختلاف الكتابة في الليل والنهار؛ فإن كتب في الليلة الثانية، ناسب

الحالة الثالثة (أن تقع الكتابة فيما بعد العشر إلى النصف)

أن يكتب «ليوم خلا من شهر كذا» ؛ لأنه إن كتب لليلتين خلتا فهو في الليلة الثانية بعد، وإن كتب لليلة خلت لم يظهر الفرق بينه وبين الكتابة في اليوم الأوّل من الشهر. وإن كتب في اليوم الثاني من الشهر، ناسب أن يكتب لليلتين خلتا أو مضتا. وإن كان قد مضى من الشهر ثلاث ليال، كتب لثلاث خلون أو مضين من شهر كذا، أو لثلاث ليال خلون أو مضين. ويجوز فيه لثلاث خلت أو لثلاث ليال خلت على قلّة؛ وكذا في الباقي إلى العشر فتقول: لعشر خلون أو مضين، أو لعشر ليال خلون أو مضين، أو لعشر، أو لعشر ليال خلت أو مضت على اللغة القليلة. الحالة الثالثة (أن تقع الكتابة فيما بعد العشر إلى النصف) فيكتب لأحدى عشرة خلت أو مضت من شهر كذا. أو لإحدى عشرة ليلة خلت أو مضت، ويجوز فيه لإحدى عشرة خلون أو لإحدى عشرة ليلة خلون على قلة. وكذا في الباقي إلى النصف من الشهر. قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: فإن صرّح بالمميز وكان مذكّرا، أعيد الضمير عليه فيقال: لأحد عشر يوما خلا أو مضى ونحو ذلك. الحالة الرابعة (أن تقع الكتابة في الخامس عشر من الشهر) فيكتب: «كتب لنصف شهر كذا» . قال النحاس: وأجازوا لخمس عشرة ليلة خلت أو مضت. وكلام ابن مالك في «التسهيل» يشير إلى جواز لخمس عشرة ليلة خلت أو مضت [أو بقيت] «1» على رأي من يجوّز التاريخ بالباقي. ولو حذف ذكر الليلة فقال: لخمس عشرة خلت أو مضت أو بقيت صحّ. قال في «التسهيل» والتاريخ بالنصف أجود.

الحالة الخامسة (أن تقع الكتابة فيما بعد النصف من الشهر إلى الليلة الأخيرة منه)

الحالة الخامسة (أن تقع الكتابة فيما بعد النصف من الشهر إلى الليلة الأخيرة منه) وفيه لأهل الصناعة مذهبان: المذهب الأوّل - أن يؤرّخ بالماضي من الشهر كما في قبل النصف، فيقال: لستّ عشرة خلت أو مضت، أو لستّ عشرة ليلة خلت أو مضت. وكذا إلى العشرين فيقال: لعشرين خلت أو مضت، أو لعشرين ليلة خلت أو مضت، وكذا في البواقي إلى آخر التاسع والعشرين، فيكون التاريخ في جميع الشهر من أوّله إلى آخره بالماضي دون الباقي فرارا من المجهول إلى المحقّق، وهو مذهب الفقهاء؛ لأنه لا يعرف هل الشهر تامّ أو ناقص. قال النحاس: ورأيت عليّ بن سليمان يختاره. قال في «ذخيرة الكتّاب» : وهو أثبت وحجّته أقوى. ثم لا شكّ أنّ من يرى التاريخ باليوم يجوّز لستة عشر خلا أو مضى من شهر كذا، وكذا فيما بعده. المذهب الثاني - أن يؤرّخ بما بقي من الشهر. وللمؤرّخين فيه طريقان: الطريق الأوّل - أن يجزم بالتاريخ بالباقي فيكتب لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر كذا، ثم لثلاث عشرة ليلة بقيت، وهكذا إلى الليلة الأخيرة من الشهر؛ فيكتب لليلة بقيت، وهو مذهب الكتّاب. قال النحاس: ورأيت بعض العلماء وأهل النظر يصوّبونه، لأنهم إنما يكتبون ذلك على أن الشهر تامّ، وقد عرف معناه وأن كاتبه وقارئه إنما يريد إذا كان الشهر تامّا فلا يحتاج إلى التلفّظ به. قال محمد بن عمر المدائنى: واحتجّوا لذلك بأن معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه، حين كتب عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لابن الحضرميّ كتب في آخر الكتاب: «وكتب معاوية بن أبي سفيان لثلاث ليال بقين من ذي القعدة «1» بعد فتح مكة سنة

الطريق الثاني

ثمان» ثم قرأه عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، والناس حوله. قال النحاس: وقد وقع مثل ذلك في كلام النّبوّة. فقد ورد في الحديث أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال في ليلة القدر: «التمسوها في العشر الأواخر لسابعة تبقى أو لخامسة تبقى» . وهذا الحديث الذي استشهد به النحاس ثابت في الصحيح فلا نزاع في العمل به. الطريق الثاني - أن يعلّق التاريخ بالباقي على شرط، فيكتب لأربع عشرة إن بقيت، أو لأربع عشرة ليلة إن بقيت، وعلى ذلك في الباقي، فرارا من إطلاق التاريخ بما لا يعلم تمامه أو نقصه وتعليقا له على حكم التمام؛ وكأنه يقول: لأربع عشرة ليلة بقيت من الشهر إن كان تماما. ومن يرى التاريخ بالأيام يجوّز لأربعة عشر يوما تبقى من شهر كذا، وكذا في الجميع. الحالة السادسة (أن تقع الكتابة في الليلة الأخيرة من الشهر أو في اليوم الأخير منه) فإن كان في الليلة الأخيرة منه كتب «لآخر ليلة من شهر كذا، أو في سلخ شهر كذا، أو في انسلاخه» . وإن كان في اليوم الآخر منه كتب «لآخر يوم من شهر كذا، أو في سلخه أو انسلاخه أيضا» . ولم يختلفوا هنا في جواز التاريخ باليوم. قال ابن حاجب النعمان: وذلك أن الشهر يبتديء بابتداء اللّيالي وينقضي بانقضاء النهار. وذكر صاحب «موادّ البيان» أن الذي كان كتّاب مصر يستعملونه بالديار المصرية أن يجعل شهر ثلاثين يوما وشهر تسعة وعشرين، وهذا جنوح منهم إلى الاعتبار النّجوميّ، ولا معوّل على ذلك في الشريعة. قلت: وكتّاب زماننا قد أهملوا النظر في ذلك جملة وعوّلوا على التاريخ بالأيّام، واقفين عند حدّ اليوم الذي ينتهي إليه العدد من الشهر عند الكتابة فيكتبون في اليوم الأوّل: كتب في مستهلّ شهر كذا، ثم في ثاني شهر كذا أو ثالثه إلى العشر؛ ثم في حادي عشرة وثاني عشرة إلى العشرين، ثم في العشرين من شهر كذا، أو الحادي والعشرين، والثاني والعشرين إلى التاسع والعشرين. وفي اليوم الأخير من الشهر يكتبون في سلخ شهر كذا لا يعرفون غير ذلك.

الاعتبار الثاني (أن يؤرخ بجملة من أيام الشهر)

ثم مما يستحسن في التاريخ أنه إذا وقعت الكتابة في يوم مشهور- كأيام المواسم- أرّخ به، مع قطع النظر عن عدد ما مضى من الشهر أو بقي منه. فيكتب في اليوم الأوّل من شوّال «كتب في يوم عيد الفطر» وفي تاسع ذي الحجّة «كتب في يوم عرفة» وفي عاشره «كتب في يوم عيد النّحر، أو في يوم عيد الأضحى» وفي حادي عشر «كتب في يوم القرّ» - بفتح القاف، سمي بذلك؛ لأن الناس يستقرّون فيه بمنى «1» ، وفي ثاني عشره «كتب في يوم النّفر الأوّل» لأن الحجيج ينفرون فيه من منى، وفي ثالث عشره «كتب في يوم النّفر الثاني» . الاعتبار الثاني (أن يؤرّخ بجملة من أيام الشهر) فإن أرّخ بعشر من الشهر، بناه على التأنيث، فيكتب «كتب في العشر الأولى، أو في العشر الأوّل- بضم الهمزة وفتح الواو، جمع أوّلة «2» . أو كتب في العشر الوسطى أو في العشر الوسط- بضم الواو وفتح السين، جمع وسطى، أو كتب في العشر الأخرى أو في العشر الأخر- بضم الهمزة وفتح الخاء، جمع آخرة. قال الشيخ أثير الدين أبو حيّان: ولا يكتب العشر الأوّل ولا الأوسط ولا الآخر. وقال بعض النحويين: يكتب «وكتب في العشر الآخرة أو الأواخر» ولا يكتب الأخرى ولا الأخر؛ لئلا يلتبس بالآخر بمعنى الثاني أو الأخر بمعنى الثواني. وقد تقدّم في الكلام على أيام الشهر أن العرب تسمّي ليالي الشهر كلّ ثلاث منها باسم، وقد تقدّم ذكر أسمائها هناك. فإذا وقعت الكتابة في ثلاث

الاعتبار الثالث (أن يؤرخ بأجزاء اليوم أو الليلة)

منها، كالغرر، وهي الثلاث الأولى من الشهر، والدّآدي، وهي الثلاث الأخيرة منه، كان للكاتب أن يؤرّخ بها كما يؤرّخ بعشر من الأعشار الثلاث، بل الثلاث أقرب لمعرفة التاريخ في العشر. وقد أشار إلى ذلك الشيخ أثير الدين في «شرح التسهيل» فقال: وإن أرّخ بالثلاث الأخيرة من الشهر كتب الدّآدي. وإذا كان في السنّة أيام مشهورة، أرّخ «1» بها كالأيام المعلومات، وهي العشر الأول من ذي الحجّة، والأيام المعدودات، وهي أيام التشريق على ما تقدّم ذكره في موضعه، كان للكاتب أن يؤرّخ بها. الاعتبار الثالث (أن يؤرّخ بأجزاء اليوم أو الليلة) وأكثر ما يحتاج الكاتب إلى ذلك في تاريخ بطائق الحمام، وقد سبق في الكلام على الأيام أنّ كلّ واحد من الليل والنهار اثنتا عشرة ساعة زمانيّة، تطول بطول أحدهما وتقصر بقصره، ولكلّ ساعة منها اسم يخصّها، كالشّروق، وهو أوّل ساعات النهار، والغروب، وهو آخر ساعاته، والشّفق، وهو أوّل ساعات الليل، والصّباح، وهو آخر ساعاته. فينبغي للكاتب إذا كتب بطاقة من بطائق الحمام أن يكتب الساعة التي كتبت فيها من ساعات النهار، أما ساعات الليل فلا يتأتّى فيها ذلك، لأن الحمام لا يسرّح في الليل، اللهم إلا أن تدعو الضرورة إلى التاريخ بساعة من ساعات الليل في بعض المكاتبات فيؤرخ بها. قلت: وهذا الترتيب قد تركه كتّاب زماننا، وصاروا يؤرّخون بالساعات المشهورة عندهم، كالاولى من النهار، أو الثانية، أو وقت الظهر، أو وقت العصر، ونحو ذلك.

الضرب الثاني (التاريخ العجمي)

الضرب الثاني (التاريخ العجميّ) ومداره الأيام دون الليالي؛ لأن سنتهم مع اختلافها في الشهور ومبادئها ومقاطعها شمسيّة، والشمس محلّ ظهورها النهار دون الليل، فلذلك أرّخوا بالأيام. قال أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» : قال أحمد بن يحيى البلاذريّ: حضرت مجلس المتوكّل، وإبراهيم بن العبّاس يقرأ الكتاب الذي أنشأه في تأخير النّوروز «1» ، والمتوكّل يتعجّب من حسن عبارته ولطف معانيه والجماعة تشهد له بذلك، فدخلتني نفاسة «2» فقلت: يا أمير المؤمنين، في هذا الكتاب خطأ! فأعادوا النظر، وقالوا: ما نراه فما هو؟ - قلت: أرّخ السنة الفارسيّة بالليالي، والعجم تؤرّخ بالأيام، واليوم عندهم أربع وعشرون ساعة تشتمل على الليل والنهار، وهو جزء من ثلاثين جزءا من الشهر؛ والعرب تؤرّخ بالليالي؛ لأن سنيهم وشهورهم قمريّة، وابتداء الهلال بالليل- قال: فشهدوا بصحّة ما قلته، واعترف به إبراهيم. وقال: ليس هذا من علمي. قلت: وأكثر ما يحتاج إلى ذلك في تحويل السّنين ونقل النّيروز عند دوران السنين، كما في كتاب إبراهيم بن العباس المقدّم ذكره، وكذلك في كتابة الهدن «3» فسيأتي أنه يجمع فيها بين التاريخ العربيّ والعجميّ جميعا، ويجب فيه تقديم العربيّ على العجميّ، مثل أن يكتب «كتب لعشر خلون من المحرّم سنة ثمانمائة، موافقا للعاشر من توت من شهور القبط» أو العاشر من تشرين الأوّل من شهور السريان، أو العاشر من ينير من شهور الروم، أو العاشر من أفرودين ماه، من شهور الفرس ونحو ذلك.

الجملة السابعة (في تقييد التاريخ بالسنة)

الجملة السابعة (في تقييد التاريخ بالسنة) قد علمت أن فائدة التاريخ إنما تتحقّق بذكر السنة بعد اليوم والشّهر، وإلا فلا يعلم من أيّ السنين. فإذا كتب يوم كذا من شهر كذا كتب بعد ذلك، سنة كذا، سواء كان التاريخ عربيّا أو عجميّا، أو مركّبا منهما، مثل أن يكتب سنة كذا من الهجرة الموافق لكذا من سني الرّوم أو سني الفرس. ثم للكاتب في كتابة تاريخ السنة مصطلحان. المصطلح الأوّل- أن يكتب «سنة كذا» فيحتاج إلى حذف الهاء من العدد، على قاعدة حذفها من عدد المؤنّث، مثل أن يكتب سنة ستّ وثمانمائة ونحو ذلك، وعلى هذا اصطلح كتّاب الديار المصرية وبلاد المشرق. المصطلح الثاني- أن يكتب «عام كذا» فيحتاج إلى إثبات الهاء في العدد على قاعدة إثباتها في عدد المذكّر، مثل أن يكتب «عام ستّة وثمانمائة» وعلى نحو ذلك يجري كتّاب الغرب غالبا، لما يقال: إن العام يختصّ بالخصب، والسنة تختص بالمحل على ما تقدّم ذكره في الكلام على السّنين فيما يحتاج إليه الكاتب في المقالة الأولى. الجملة الثامنة (في معرفة بعض التواريخ من بعض) قد ذكر في «موادّ البيان» أن من جملة أدب الكاتب العلم بتواريخ سني العالم واستخراج بعضها من بعض في كل وقت من أوقات اليوم الذي هو فيه من كل شهر وسنة من سني الأمم. وقد تقدّم أيضا أن المستعمل من التواريخ في زماننا بين الأمم أربعة تواريخ، بعضها أقدم من بعض. أوّلها- تاريخ غلبة الإسكندر ، وهو التاريخ الذي تؤرّخ به السّريان والروم والفرنجة ومن في معناهم إلى الآن، وهو بعد الطّوفان فيما حرّره الشيخ علاء

الثاني - التاريخ من ملك دقلطيانوس

الدين بن الشاطر في «زيجه» بثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وثلاثين سنة وثلاثمائة وعشرين يوما. الثاني- التاريخ من ملك دقلطيانوس ، وهو الذي يؤرّخ به القبط الى الآن، وربما عبّروا عنه بتاريخ الشّهداء، إشارة إلى تسميتهم الذين قتلهم دقلطيانوس من القبط شهداء؛ وهو بعد غلبة الإسكندر بخمسمائة وأربع وتسعين سنة وثلاثمائة واثنين وثلاثين يوما. الثالث- التاريخ من الهجرة ، وعليه تاريخ الإسلام. وهي بعد ملك دقلطيانوس بثلاثمائة وست وثلاثين سنة وثلاثمائة وأحد وعشرين يوما. الرابع- التاريخ من هلاك يزدجرد آخر ملوك الفرس . وقد تقدّم أنه بعد الهجرة بعشر سنين وثمانية وسبعين يوما. فأما التاريخ السّريانيّ والروميّ وهو الذي مبدأه من غلبة الإسكندر فقد تقدّم أن شهور السّريانيين اثنا عشر شهرا؛ وهي: تشرين الأول- تشرين الثاني- كانون الأول- كانون الثاني- شباط- أذار- نيسان- أيّار- حزيران- تمّوز- آب- أيلول. منها سبعة أشهر؛ كلّ شهر منها أحد وثلاثون يوما، وهي: تشرين الأوّل، وكانون الأوّل، وكانون الثاني، وأذار، وأيّار، وتمّوز، وآب، وأربعة أشهر كل شهر منها ثلاثون يوما، وهي: تشرين الثاني، ونيسان، وحزيران، وأيلول. ومنها واحد ثمانية وعشرون يوما: وهو شباط، فتكون أيام سنيه ثلاثمائة وخمسة وستين يوما، ويضاف إليه ربع يوم مراعاة للسنة الشمسيّة، فتصير ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم ينقص جزءا يسيرا. ومن أجل ذلك يعدّون ثلاث سنين بسائط يكون «1» شباط فيها تسعة وعشرين يوما؛ لإضافة ربع اليوم في السنين الأربع

إليه، وتكون السنة فيها ثلاثمائة وستة وستين يوما. وقد تقدّم أيضا أن شهور السنة الرّومية تضاهي شهور السنة السّريانية في عدد الأيام، بل هي هي، إلا أن الرّوم يسمّون أشهر هم بأسماء غير أسماء شهور السّريان، ويكون أوّل شهورهم موافقا لكانون الثاني، وهو الشهر الرابع من شهور السّريان، ويكون آخر شهورهم موافقا لكانون الأوّل. وأسماء شهورهم: ينيّر، فبراير، مارس، إبريل، مايه، يونيه، يوليه، أغشت، شتنبر، أكتوبر، نونمبر، دجنبر. ولا فرق في شيء منها سوى اختلاف الأسماء وابتداء رأس السنة، وحينئذ فيكون الكلّ فيها في التاريخ واحدا. وأما التاريخ القبطيّ، وهو الذي مبدأه من ملك دقلطيانوس، فقد تقدّم أن شهور السنة القبطية اثنا عشر شهرا؛ وهي: توت، بابه، هتور، كيهك، طوبه، أمشير، برمهات، برموده، بشنس، بؤونة، أبيب، مسرى. وكل شهر منها ثلاثون يوما من غير اختلاف، ثم بعد مسرى خمسة أيام يسمّونها أيام النسيء، فتكون أيام سنتهم ثلاثمائة وخمسة وستين يوما، وتزيد بعد ذلك ربع يوم في كل سنة كما في التاريخ الروميّ، وقد اصطلحوا على أن يعدّوا منها ثلاث سنين بسائط، كلّ سنة منها ثلاثمائة وخمسة وستون يوما لا زيادة فيها، والرابعة كبيسة تكون أيام النسيء فيها ستة أيام وزيادة ربع يوم؛ وتصير أيّام تلك السنة ثلاثمائة وستة وستين يوما، على نحو ما تقدّم في السّريانيّ والرّوميّ. وأما التاريخ العربيّ: وهو الذي مبدأه الهجرة، فقد تقدّم في الكلام على الشهور في المقالة الأولى أن شهور سنة العرب اثنا عشر شهرا. وهي: المحرّم، صفر، ربيع الأول، ربيع الآخر، جمادى الأولى، جمادى الآخرة، رجب، شعبان، رمضان، شوّال، ذو القعدة، ذو الحجّة. وأنها قمرية مدارها رؤية الهلال، إلا

أن المنجّمين اعتمدوا فيها على الحساب دون الرؤية لتصحيح حساب التواريخ ونحوها، وجعلوا فيها شهرا تامّا عدده ثلاثون يوما، وشهرا ناقصا عدده تسعة وعشرون يوما، على ترتيب شهور السنة، فالمحرّم عندهم تامّ، وصفر ناقص، وربيع الأوّل تامّ، وربيع الآخر ناقص، وجمادى الأولى تامّ، وجمادى الآخرة ناقص، ورجب تام، وشعبان ناقص، ورمضان تام، وشوّال ناقص، وذو القعدة تامّ، وذو الحجّة ناقص. فيكون من السنة ستة أشهر تامة وستة أشهر ناقصة، وتكون السنة حينئذ ثلاثمائة يوم وأربعة وخمسين يوما؛ ويلحقها بعد ذلك كسر في كل سنة، وهو خمس يوم وسدس يوم، فتصير السنة ثلاثمائة يوم وأربعة وخمسين يوما وخمس يوم وسدس يوم «1» مفرّقة في ثلاثين سنة؛ ويجعلون الكبيسة سنة بعد سنة ثم سنة بعد سنتين، ثم سنة بعد سنة، وعلى هذا الترتيب إلى آخر الثلاثين، فتكون الكبائس هي: الثانية، والخامسة، والسابعة، والعاشرة، والثالثة عشرة، والخامسة عشرة، والثامنة عشرة، والحادية والعشرين، والرابعة والعشرين، والسادسة والعشرين، والتاسعة والعشرين. فتكون كل سنة منها ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوما، ويجعل الزائد فيها في ذي الحجة، فيكون فيها ثلاثين يوما وباقي سني الثلاثين بسائط، كلّ سنة منها ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما، وذو الحجة فيها تسعة وعشرون يوما، بناء على الأصل في أن يكون شهر تامّا وشهر ناقصا. وأما التاريخ الفارسيّ: وهو الذي مبدأه من هلاك يزدجرد، فقد تقدّم في الكلام على الشهور أن سني الفرس اثنا عشر شهرا؛ كلّ شهر منها ثلاثون يوما.

وهي: أفرودين ماه، أرديهشتماه، حردادماه، تير ماه، ترد ماه، شهريرماه، مهر ماه، أبان ماه، أدرماه، ذي ماه، بهمن ماه، اسفندار ماه. وبين أبان ماه وأدر ماه خمسة أيام تسمّى المسترقة بمثابة أيام النسيء في آخر سنة القبط؛ وبمقتضى ذلك تكون سنتهم ثلاثمائة وخمسة وستين يوما، وليس فيها زيادة ولا نقص. فلا بدّ من معرفة هذه الأصول لاستخراج تواريخ بعض السنين المذكورة من بعض. ثم مما يجب تعرّفه بعد ذلك أن تعلم أن التاريخ السّريانيّ والروميّ سنونه سريانية أو رومية على ما تقدّم، فيعتبر فيها ما يعتبر في السنين السّريانية والروميّة من عدد الأيام والكبائس، والتاريخ القبطيّ سنونه قبطية فيعتبر فيها ما يعتبر في السنين القبطيّة من الأيام والكبائس، والتاريخ العربيّ سنونه عربية فيكون على ما تقدّم في السّنين العربية من عدد الأيام والكبائس، والتاريخ الفارسيّ سنونه فارسيّة فيعتبر فيها ما يعتبر في السنين الفارسية من عدد الأيام، ولا كبيسة فيها. إذا علمت ذلك فإذا أردت استخراج بعض هذه التواريخ من بعض، فانظر التاريخ المعلوم عندها عندك، كالتاريخ العربيّ مثلا عند الإسلاميين فاجعل السنين التامّة من التاريخ المعلوم أيّاما، وزد عليها ما مضى من السنة المكسورة من الشهور والأيام إلى اليوم الذي تريد أن تعلم موافقته لمثله من التاريخ المجهول، ثم انظر، فإن كان التاريخ المعلوم أقدم من التاريخ المجهول، فانقص من أيام التاريخ المعلوم ما بين التاريخين من الأيام فما بقي فهو أيام التاريخ المجهول، وإن كان التاريخ المجهول أقدم، فزد ما بين التاريخين من الأيام فما بقي فهو أيام التاريخ المعلوم، فما بلغ فهو أيام التاريخ المجهول. فإذا علمت أيام التاريخ المجهول بزيادة ما بين التاريخين على أيام التاريخ المعلوم أو نقصانها منه على ما تقدّم، فاجعل ما حصل معك من أيام التاريخ

المجهول الذي تريد استخراجه، فما كان فهو السّنون التامّة للتاريخ الذي تريد استخراجه، فإن بقي شيء من الأيام بعد السنين التامّة، فخذ منها لكل شهر عدد أيامه، وما بقي من الأيام دون شهر فهو الماضي من أيام الشهر الذي يلي ذلك. مثال ذلك إذا أردت أن تستخرج التاريخ السّريانيّ أو الروميّ الموافق لآخر سنة ثمانمائة من الهجرة، فقد تقدّم لك أن التاريخ السريانيّ والروميّ مبدأه من غلبة الإسكندر على الفرس، وهو قبل الهجرة بتسعمائة سنة واثنتين وثلاثين سنة ومائتين «1» وسبعة وثمانين يوما، وذلك ثلاثمائة ألف يوم وأربعون ألف يوم وسبعمائة يوم، فاحفظ ذلك، ثم ابسط الماضي من سني الهجرة وهو ثمانمائة سنة أياما، بأن تضرب الثمانمائة في عشرة آلاف وستمائة وأحد وثلاثين يوما، وهي بسط السنة العربية من حين كسرها الزائد على أيامها، وهو خمس يوم وسدس يوم، يكون ثمانية آلاف ألف وخمسمائة ألف وأربعة آلاف وثمانمائة؛ فاقسمه على ثلاثين وهي مخرج الكسر الذي هو الخمس والسدس، يخرج بالقسمة مائتا ألف وثلاثة وثمانون ألفا وأربعمائة وثلاثة وتسعون، وهو عدد أيام الثمانمائة سنة، فأضفه على ما بين غلبة الإسكندر والهجرة من الأيام، وهو ثلاثمائة ألف وأربعون ألفا وسبعمائة يوم، ويكون الجميع ستّمائة ألف وأربعة وعشرين ألفا ومائة وثلاثة وتسعين، فاجعل تلك الأيام سنين سريانية، بأن تضرب تلك الأيام في أربعة، يحصل منها ألفا ألف وأربعمائة ألف وستة وتسعون ألفا وسبعمائة واثنان وسبعون يوما؛ فاقسمه على ألف وأربعمائة وأحد وستين، يخرج بالقسمة ألف وسبعمائة وثمانية، وهي سنون تامّة؛ ويفضل بعد ذلك ألف وثلاثمائة وأربعة وثمانون، فاقسمها على أربعة، يخرج ثلاثمائة وستة وأربعون يوما، يكون ذلك أحد عشر شهرا، من أوّل تشرين الأوّل وأحد عشر يوما من الشهر الثاني عشر من الشهور السريانية وهو أيلول؛ فيكون آخر يوم من سنة

ثمانمائة هجرية موافقا لليوم الحادي عشر من أيلول سنة ألف وسبعمائة وتسع من السريانية. وإن أردت أن تستخرج التاريخ القبطيّ لآخر سنة ثمانمائة، فقد تقدّم أن التاريخ القبطيّ ابتداؤه من ملك دقلطيانوس على القبط، وهو قبل الهجرة بثلاثمائة وسبع وثلاثين سنة وثلاثمائة وعشرين يوما، وجملة أيامه مائة ألف يوم وثلاثة وعشرون ألف يوم وأربعمائة يوم وتسعة أيام، فأضف أيام الماضي من سني الهجرة، وهو مائتا ألف وثلاثة وثمانون ألفا وأربعمائة وثلاثة وتسعون على ما تقدّم في التاريخ السريانيّ [على ما قبل الهجرة] «1» وهو مائة ألف وثلاثة وعشرون ألفا وأربعمائة وتسعة أيام، يكون المجموع أربعمائة ألف وستّة آلاف وتسعمائة يوم ويومين؛ فاجعله سنين قبطية، بأن تضرب ذلك في أربعة عدد مخرج كسر السنة القبطية، وهو الربع الزائد على الخمسة وستين، يكون ألف ألف وستمائة ألف وسبعة وعشرين ألفا وستمائة وثمانية؛ فاقسمه على ألف وأربعمائة وأحد وستين، يخرج بالقسمة ألف ومائة وأربعة عشر، وهو عدد السنين القبطية التامة، ويبقى بعد ذلك أربعة وخمسون؛ فاقسمه على الأربعة المذكورة يخرج بالقسمة أربعة عشر، وهي أيام من الشهر الأوّل من السنة القبطية الناقصة، فيكون آخر يوم من سنة ثمانمائة للهجرة موافقا لرابع عشر شهر توت سنة ألف ومائة وخمس عشرة من السنين القبطية. وإن أردت أن تستخرج التاريخ الفارسيّ لآخر سنة الثمانمائة المذكورة، فقد تقدّم أن ابتداء التاريخ الفارسيّ بعد الهجرة بعشر سنين وثمانين يوما، وجملة أيامه ثلاثة آلاف يوم وستّمائة يوم وأربعة وعشرون يوما؛ فأسقطها من الحاصل من أيام النّسيء «2» الماضي من الهجرة آلى آخر الثمانمائة، يكون الباقي بعد ذلك مائتي ألف وتسعة وسبعين ألفا وثمانمائة وتسعة وستين يوما؛

فاقسمها على ثلاثمائة وخمسة وستين، يخرج لك سبعمائة وستة وستون سنة، وهو عدد السنين الفارسية التامة؛ ويفضل بعد ذلك مائتان وتسعة وسبعون يوما، فخذ لكل شهر عدد أيامه، وهو ثلاثون يوما ويبقى تسعة أيام، منها خمسة أيام في نظير الخمسة الأيام الزائدة في آخر أبان ماه المعروفة بالمسترقة، يبقى أربعة أيام من شهر ذي ماه، وهو الشهر العاشر من شهورهم، فيكون آخر يوم من ثمانمائة من الهجرة موافقا لليوم الرابع من ذي ماه من شهور الفرس سنة سبعمائة وسبع وستين. فلو فرض أنه مضى من سنة إحدى وثمانمائة ستة أشهر مثلا، فاجعل الأشهر شهرا تامّا وشهرا ناقصا على ما تقدّم، تكون أيامها مائة وسبعة وسبعين يوما فأضفها على أيام الثمانمائة؛ وافعل فيها ما تقدّم ذكره، لا يتغير العمل في شيء من ذلك. مثال ذلك: إذا أردت استخراج التاريخ السّريانيّ في آخر جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانمائة، فأضف مائة وسبعة وسبعين، وهي أيام ستة أشهر على أيام الثمانمائة، وهي مائتا ألف وثلاثة وثمانون ألفا وأربعمائة وثلاثة وتسعون، يكون المجموع مائتي ألف وثلاثة وثمانين ألفا وستمائة وستين يوما، فأضف إليه ما بين الهجرة والتاريخ السّريانيّ، وهو ثلاثمائة ألف وأربعون ألفا وسبعمائة، يحصل من ذلك ستمائة ألف وأربعة وعشرون ألفا وثلاثمائة وسبعون؛ فاضربه في أربعة يخرج ألف وستّمائة وتسعة، ويفضل من الأيام مائة وثمانية وخمسون يوما، تكون سابع أذار من شهور السريان، فيكون آخر يوم من جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانمائة موافقا للسابع من شهر أذار سنة ألف وسبعمائة وعشر من سني السريان. قلت: وفي كتب الزّيجات وغيرها طرق مختلفة لاستخراج التواريخ، وجداول موضوعة لا يحتملها هذا الكتاب فليراجعها من احتاج إلى زيادة على ذلك.

الجملة الثامنة (في موضع كتابة التاريخ من الكتاب، وصورة وضعه في الكتابة)

الجملة الثامنة (في موضع كتابة التاريخ من الكتاب، وصورة وضعه في الكتابة) أمّا موضعه من الكتاب، فقال محمد بن عمر المدائني في كتاب «القلم والدّواة» : رسموا تاريخ الكتب في آخرها، وجعلته العامّة في صدورها. والتحقيق في ذلك ما ذكره صاحب «موادّ البيان» وغيره أن الكتب التي تؤرّخ على ضربين: الضرب الأوّل- الكتب السلطانية، ولها حالان : الحالة الأولى - أن يكون الكتاب في أمر تتشوّف النّفوس إلى معرفة اليوم الذي وقع ذلك الأمر فيه، كالحوادث العظام، والفتوحات والمواسم ونحوها، فيؤرّخ الكتاب في صدره، مثل أن يكتب في صدر الكتاب «كتاب أمير المؤمنين إليك، أو كتابنا إليك يوم كذا من سنة كذا» كما كان يكتب في الزمن المتقدّم في مثل ذلك. الحالة الثانية - أن يكون الكتاب في أمر لا تتشوّف النفوس إلى معرفة اليوم الذي يقع ذلك الأمر فيه، فيؤرّخ الكتاب في آخره. الضرب الثاني- كتب الأتباع إلى الرؤساء . والرسم فيها أن تؤرّخ في صدورها. قال في «موادّ البيان» : وذلك مثل أن يقال: كتب العبد من مقرّ خدمته يوم كذا. قلت: والذي استقرّ عليه حال كتّاب الزمان كتابة التاريخ في آخر الكتاب بكل حال، سواء كان المكتوب ولاية أو مكاتبة أو غير ذلك؛ ولعلّ الولايات وما في معناها لم يقع الاختلاف في كتابتها في آخر المكتوب في زمن من الأزمان. وأمّا صورة وضع التاريخ في الكتابة، فقد اصطلح الكتّاب على أن جعلوا التاريخ بعد كتابة إن شاء الله تعالى في سطرين، فيكتبون «كتب في كذا من

الطرف الثالث (في المستندات، وفيه جملتان)

شهر كذا» في سطر، ثم يكتبون «سنة كذا» في سطر تحته؛ وفي الكتب عن قضاة القضاة يجعل كتّابهم جميع التاريخ في سطر واحد. الطّرف الثالث (في المستندات، وفيه جملتان) الجملة الأولى (في صورة ما يكتب، وهو على ضربين) الضرب الأوّل (أن يضاف إلى مرسوم السلطان، وله خمس حالات) الحالة الأولى- أن يكون بتلقّي كاتب السرّ ، إما بما يأمر به السلطان عند قراءته القصة عليه، أو بما يكتبه كاتب السر ويمضيه من نفسه، كما في خلاص الحقوق ونحوها؛ فيكتب فيه «حسب المرسوم الشريف» في سطر واحد لا غير. الحالة الثانية- أن يكون بتلقّي كاتب السرّ أو أحد من كتّاب الدّست «1» بدار العدل، عند جلوس السلطان في المواكب بالإيوان وقراءة كاتب السرّ وكتّاب الدّست قصص المظالم ونحوها عليه. فيكتب فيه «حسب المرسوم الشريف من دار العدل الشريف» سطرين أحدهما تحت الآخر، ويكون في السطر الأوّل «حسب المرسوم الشريف» والباقي في السطر الثاني. الحالة الثالثة- أن يكون برسالة الدّوادار . فيكتب فيه «حسب المرسوم الشريف» سطرا واحدا، ثم يكتب تحته «برسالة الجناب العالي الأميريّ الدّوادار، الفلانيّ» باللقب المضاف إلى الملك كالناصريّ ونحوه «ضاعف الله تعالى نعمته» ويكون آخر السطر الأوّل «الأميريّ الفلانيّ» .

الحالة الرابعة - أن يكون من ديوان الخاص

الحالة الرابعة- أن يكون من ديوان الخاص . فيكتب فيه «حسب المرسوم الشريف من ديوان الخاص الشريف» ويكون «حسب المرسوم الشريف» سطرا، وباقي الكلام سطرا. الحالة الخامسة- أن يكون بخط السلطان بظاهر قصّة . فيكتب «حسب المرسوم الشريف بالخطّ الشريف» سطرين، ويكون «حسب المرسوم الشريف» سطرا على ما تقدّم، وما بعده سطرا. قلت: ومما يجب التنبّه له أنّ لفظ حسب الواقع في المستندات منقول اللغة فيه بفتح السين كما تقول: فعلت ذلك حسب أمرك، ولا يجوز تسكينها بحال كما أطبق عليه علماء اللغة، إلا ما حكاه الجوهريّ في «صحاحه» من جواز تسكينها في ضرورة الشعر، على أن جلّ كتّاب الزمان يغلطون في ذلك فلا ينطقون بها إلا ساكنة السين، وربما ضبطوه كذلك في الكتابة. الضرب الثاني (أن يجعل مستنده الإشارة، وله ثلاث حالات) الحالة الأولى- أن يكون بإشارة النائب الكافل ، فيكتب «بالإشارة العالية الأميرية الكبيرية الكافلية، كافل الممالك الشريفة الإسلامية، أعلاها الله تعالى!» سطرين، ويكون آخر السطر الأوّل الكافلية الفلانية. الحالة الثانية- أن يكون بإشارة الوزير ، فيكتب «بالإشارة العالية الوزيرية الفلانية، مدبّر الممالك الشريفة أعلاها الله تعالى!» سطرين، ويكون آخر السطر الأوّل الوزيرية الفلانية. الحالة الثالثة- أن يكون بإشارة الإستدّار ، فيكتب «بالإشارة العالية الأميريّة الكبيرية الفلانية، إستدّار العالية، أعلاها الله تعالى!» سطرين، ويكون آخر السطر الأوّل الكبيرية الفلانية. وقد تقدّم في الكلام على الألقاب ما جرى عليه الكتّاب في لفظ إستدّار من التحريف، واستعملوه بلفظ إستادار، أو استاد

الجملة الثانية (في موضع كتابة المستند)

الدار، وتجب موافقتهم عليه وإن كان خطأ جريا على المصطلح. الجملة الثانية (في موضع كتابة المستند) وقد اصطلح الكتّاب على أن يكتب المستند في الغالب بعد التاريخ، ويكون الظرف أو الجارّ والمجرور فيه متعلّقا من التاريخ بلفظ كتب، وكأنه يقول: كتب في تاريخ كذا، حسب الأمر الشريف، أو بالإشارة الفلانية. وربما كتب بحاشية المكتوب في المراسيم الصّغار التي تكتب على ظهور القصص ونحوها، وكذلك أوراق الطّريق؛ وموضع كتابته يقابل بين السطرين الأوّلين آخذا من جهة الأسفل إلى جهة الأعلى بحيث يكون آخر كتابة المستند مسامتا للسطر الأوّل، فإن كان «حسب المرسوم الشريف» فقط، كتبه سطرا واحدا، وإن كان «من دار العدل» كتب «حسب المرسوم الشريف» سطرا، و «من دار العدل الشريف» سطرا تحته، وكذلك إن كان «من ديوان الخاص» كما يكتب في أسفل الكتاب. وإن كان برسالة الدوادار، فقد جرت العادة أن يكتب «حسب المرسوم الشريف» في أسفل الكتاب تحت التاريخ سطرا واحدا، ويكتب «برسالة الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، الفلانيّ، الدّوادار، الفلانيّ ضاعف الله تعالى نعمته!» بالهامش في المحل المتقدّم، سطرين كما كان يكتب بآخر الكتاب. وإن كان المستند الإشارة كتب جميعه بحاشية الكتاب في المحل المقدّم ذكره سطرين على ما تقدّم بيانه. الطرف الرابع (في الحمدلة في آخر الكتاب، وفيه جملتان) الجملة الأولى (في الأصل في كتابتها) والأصل في ذلك أنّ الله سبحانه كما جعل الحمد مفتاحا للأمور تيمّنا

الجملة الثانية (في بيان ما يكتب وصورة وضعه في الكتابة)

بالافتتاح به، جعله ختاما لها تيمّنا بالاختتام به، قال تعالى: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «1» وقال جلّت قدرته: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «2» . وكان النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، إذا رجع من السفر قال: «آئبون تائبون لربّنا حامدون» . قال السهيليّ: ومن ثمّ سمّي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم (أحمد) إشارة إلى أنه خاتم الأنبياء وآخر المرسلين. ولما كان الأمر كذلك، اصطلح الكتّاب على اختتام الكتب بالحمد تبرّكا. قال ابن شيث في «معالم الكتابة» : ولا يختم بالحمد لله في التواقيع في المظالم؛ وربما ختم بها في تواقيع الإطلاقات. وقد اصطلح كتّاب الزمان على حذفها من آخر ما لا تكتب في أوّله البسملة، كالتواقيع الصّغار ونحوها، على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى. وكأنهم يشيرون بذلك إلى أنّ مثل ذلك لا يهتمّ بشأنه، فكما حذفوا البسملة من أوّلها حذفوا الحمدلة من آخرها إشارة إلى عدم الاهتمام بها كما حذفت من أوّل الكلام الذي لا يهتمّ به لأجل ذلك على ما تقدّم بيانه. الجملة الثانية (في بيان ما يكتب وصورة وضعه في الكتابة) أمّا ما يكتب، فقد اصطلحوا على أن يكتبوا في حمدلة آخر الكتاب «الحمد لله وحده» وربما كتبوا: «الحمد لله ربّ العالمين» . على أنهم لو أطبقوا على كتابتها لكان أولى. فقد ذكر النوويّ في كتابه «الأذكار» أنها أفضل صيغ الحمد ومن أجل ذلك افتتحت بها فاتحة الكتاب التي هي أمّ القرآن.

الطرف الخامس (في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الكتاب، وما يلتحق بذلك، وفيه جملتان)

وأما وضعها في الكتابة، فقد اصطلحوا على أن جعلوها بعد كتابة المستند عن يمنة الدّرج «1» ، على بعد قدر ما بين إن شاء الله تعالى والسطر الآخر من المكتوب. قال في «معالم الكتابة» وقد تحتمل الخروج عن سمت السّطور. الطرف الخامس (في الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في آخر الكتاب، وما يلتحق بذلك، وفيه جملتان) الجملة الأولى (في أصل إثباتها في آخر الكتب) والأصل في ذلك مع ما تقدّم في الكلام على الصلاة على النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، في أوّل الكتب في الكلام على الفواتح أنه كما ذكرت في أوائل الكتب تبرّكا، كذلك ذكرت في آخرها تبرّكا. وقد قال تعالى في حقّه صلّى الله عليه وسلّم: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ «2» فإنّ معناه ما ذكرت إلا ذكرت معي، ولما اختتمت الكتب بالحمد لله، ناسب أن يقرن الحمد بالصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، جمعا بين ذكره وذكر الله تعالى. وقد ذكر ابن هشام في «سيرته» أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كتب في آخر عهده لعمرو بن حزم حين وجّهه إلى اليمن «صلّى الله على محمد» . ثم الكلام في الجمع بين الصلاة والسّلام، والصلاة على الآل والصّحب بعده صلّى الله عليه وسلّم في آخر الكتاب على ما مرّ في الصلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم في أوّل «3» الكتاب. قلت: فلو كتب كتاب لسلطان أو غيره من المسلمين إلى أحد من أهل الكفر، فهل يؤتى بالصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما يؤتى بها في الكتاب إلى المسلم

الجملة الثانية (في بيان ما يكتب في التصلية في آخر الكتب، وصورة وضعه في الكتابة)

إرغاما للكافر بالصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أو لا يؤتى بها صيانة لاسمه صلّى الله عليه وسلّم عن حصوله في يد كافر، كما يمنع من السّفر بالمصحف إلى بلاد الكفر؟ لم أر من تعرّض له، والظاهر أنه يؤتى بها إرغاما للكافر، ومواجهة له بما يكره. وقد حكى أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» أن عبد الملك بن مروان، حين أحدث كتابة سورة الإخلاص وذكر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، على الدّنانير والدّراهم، كتب إليه ملك الروم: إنكم قد أحدثتم في طواميركم «1» شيئا من ذكر نبيّكم، فاتركوه وإلا أتاكم في دنانيرنا ذكر ما تكرهون؛ فعظم ذلك في صدر عبد الملك، فأرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية يستشيره في ذلك، وكان أديبا عالما فقال له خالد: فرّخ روعك «2» يا أمير المؤمنين، حرّم دنانيرهم واضرب للناس سككا فيها ذكر الله تعالى وذكر رسوله صلّى الله عليه وسلّم ولا تعفهم مما يكرهون في الطّوامير، ففعل. الجملة الثانية (في بيان ما يكتب في التصلية في آخر الكتب، وصورة وضعه في الكتابة) أما صورة ما يكتب، فقد اصطلح الكتّاب على أن يكتبوا في التصلية في آخر الكتاب بعد «الحمد لله وحده» ما صورته «وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه» . وهي صيغة مستحسنة للإتيان بالصلاة فيها بصيغة الجمع، والجمع بين الصلاة والسّلام، وإتباع الصلاة والسّلام عليه صلّى الله عليه وسلّم، بالصلاة والسّلام على الآل والصّحب. وربما أتى بعض الكتّاب بالصلاة بلفظ الإفراد، فيكتب وصلاته. واعلم أن الصلاة يجوز كتابتها بالألف على هذه الصورة «الصّلاة» ويجوز كتابتها بالواو على هذه الصورة «الصّلوة» إلا أن محلّ ذلك ما إذا لم

الطرف السادس (في الحسبلة في آخر الكتاب، وفيه جملتان)

تضف إلى ضمير نحو صلاته وصلاتك. فإن أضيفت إلى الضمير تعيّنت كتابتها بالألف دون الواو، وربما غلط فيها بعض الكتّاب فكتبها بالواو. وأما موضعها في الكتابة، فقد اصطلحوا على أن يكتبوا ذلك تلو «الحمد لله وحده» ، يفصل بياض بينهما لتكون الحمدلة في أوّل السطر، والتصلية في آخره. الطرف السادس (في الحسبلة في آخر الكتاب، وفيه جملتان) الجملة الأولى (في أصل كتابتها) والأصل في ذلك ما دلّ عليه قوله تعالى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ «1» فجعل قولهم: حسبنا الله ونعم الوكيل سببا لحسن المنقلب والصّون عن السوء. وقد قيل: من قال حسبنا الله ونعم الوكيل لم يخب في قصده. الجملة الثانية (في بيان ما يكتب في ذلك، وكيفيّة وضعه في الكتابة) أما ما يكتب، فقد اصطلح الكتّاب على أن يكتبوا «حسبنا الله ونعم الوكيل» بلفظ الجمع، على أن المتكلم يتكلّم بلسانه ولسان غيره من الأمّة، لا أنّ الجمع للتعظيم؛ لأنه ليس بلائق بالمقام. وكان بعض الكتّاب يستحبّ أن يكتب «حسبي الله» بلفظ الوحدة فرارا من اللّبس في لفظ الجمع بين التّعظيم

والجمع الحقيقيّ. وقد أشار في «صناعة الكتّاب» إلى بعض ذلك. قال ابن شيث في «معالم الكتابة» : وقد يتأدّب الأدنى مع الأعلى، فيأتي بالآية على نصّها فيقول: وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ «1» فرارا من نون الجمع التي هي للعظمة. قال: وقد يقال في مكانها: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ «2» ثم قال: فأما الأعلى إذا كتب للأدنى فلا يخرج عن «حسبنا الله ونعم الوكيل» . ثم بعض الكتّاب قد يكتب مع الحسبلة واوا بأن يكتب: وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا معنى للواو هنا، إذ لا علاقة بين الحسبلة وما قبلها حتّى يسوغ العطف عليه، فالواجب حذفها كما نبّه عليه الشيخ جمال الدين بن هشام في «ورقاته في الوراقة» . وأما موضع وضعها في الكتابة، فقد اصطلحوا على أن يكتبوها سطرا واحدا بعد سطر الحمدلة والتصلية، ويكون بينهما في البعد قدر ما بين إن شاء الله تعالى وبين السطر الآخر من البياض. قال ابن شيث: وموضعها ثلث السطر من الجانب الأيمن إلى حيث ينتهي. واعلم أن الكتّاب قد اصطلحوا على أن يكتبوا تحت الحسبلة صورة حاء لطيفة منكبة على هذه الصورة «حر» ولا معنى لها، إذا هي في الأصل إشارة إلى الحسبلة نفسها، وكأنّ بعض الكتّاب كان يكتفي بها عن الحسبلة، ثم التبس ذلك على بعض الكتّاب فأثبتها مع الحسبلة على ظنّ أن فيها قدرا زائدا عليها؛ ويحتمل أنها إنما وضعت في الأصل لسدّ البياض كما يكتب بعض الدّوائر لسدّ البياض أو الفصل بين الكلامين وغير ذلك.

الطرف السابع (في اللواحق، وفيه جملتان)

الطرف السابع (في اللّواحق، وفيه جملتان) الجملة الأولى (في التتريب، ويتعلّق به أمران) الأمر الأوّل (في النّدب إلى التتريب) لا نزاع في أن تتريب الكتاب بعد الفراغ منه بإلقاء الرّمل ونحوه عليه مطلوب، وفيه معنيان: المعنى الأول- التبرّك طلبا لنجح القصد ؛ فقد روى محمد بن عمر المدائني في كتاب «القلم والدواة» بسنده عن إسماعيل بن محمد بن وهب عن هشام بن خالد وهو أبو مروان الأزديّ، عن بقيّة بن الوليد، عن عطاء، عن ابن جريج، عن ابن عباس عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «ترّبوا «1» الكتاب ونحّوه من أسفله فإنه أعظم للبركة وأنجح للحاجة» . وفي حديث «إذا كتب أحدكم كتابا فليترّبه فإنّه مبارك وهو أنجح لحاجته» . ومن كلام أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضى الله عنه: ترّبوا «2» الكتاب تنجحوا. ويؤيد ذلك ما روي أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كتب كتابين إلى أهل قريتين فترّب أحدهما ولم يترّب الآخر، فأسلمت القرية التي ترّب كتابها. وهذا المعنى موجود في المكاتبات والولايات وغيرهما لطلب البركة والنّجاح في جميع ذلك. وقد حكي أنّ أبا دهمان مرض مرضا أشفى فيه، فأوصى وأملى وصيته

المعنى الثاني - التجفيف

على ابنه، فكتبها وأتربها فقال: نعم ترّبها فإنه أنجح للحاجة. ولا فرق في ذلك بين أن يكون المكتوب قد جفّ أم لا؛ لأن القصد إنما هو النّجح والبركة. المعنى الثاني- التجفيف لما كتبه بطرح التّراب عليه كي لا ينمحي بما يصيبه قبل الجفاف، وهذا المعنى أضعف من الأوّل، ومقتضاه أنه إذا جفّ الكتاب لا يترّب، وعليه عمل كتّاب الزمان. ومن هنا يضعون التراب على آخر الكتاب من حيث أنه أقرب عهدا بالكتابة فيحتاج إلى التجفيف، بخلاف أوّل الكتاب فإنه يكون قد جفّ عند نهاية الكتاب غالبا، لا سيما في الزمن الحارّ، أو مع طول الكتاب وامتداد زمن كتابته. على أن صاحب «مواد البيان» وغيره من قدماء الكتّاب قد صرّحوا بأنه يستحبّ وضع التّراب أوّلا على البسملة، ثم يمرّه الكاتب منها على سائر المكتوب ليعمّ الكتاب بركة البسملة. ولقائل أن يقول إن التتريب من آخر الكتاب إلى أعلاه لا يخلو أيضا من بركة؛ لملامسة التراب أوّلا الحمدلة والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والحسبلة. وربما بلغ بالتراب من أسفل الكتاب إلى البسملة ثم أعاده فيجمع فيه بين البركتين. الأمر الثاني (فيما يترّب به الكتاب) وقد اصطلح كتاب الزمان على التتريب بالرّمل الأحمر. أما تخصيصهم التتريب بالرمل؛ فلأنه لا غبار فيه يعلق بالكتاب فيذهب بهجة الورق. وأما اختيارهم الأحمر دون غيره فلأنه أبهج إذا لصق بالكتاب، قال محمد بن عمر المدائنيّ: وكرهوا ونهوا عن تراب الحيطان، ومالوا إلى النّشارة والأشنان «1» . قال: وبلغنا أن بعض الأئمة من أهل العلم كان يترّب الحديث بالصّندل ويقول: لا أطرح على حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، التراب. وكان حيوة بن شريح يخرج إلى

الجملة الثانية (في نظر الكاتب في الكتاب وتأمله بعد الفراغ منه)

الصّحراء فيأخذ الطّين الأسود فيدقّه وينخله فيترّب به. وقد صرّح الرافعيّ وغيره من أصحابنا الشافعية أنه يحرم التتريب من جدار الغير، ومعناه ظاهر لما فيه من الاغتصاب والاعتداء. وقد سبق في المقالة الأولى في الكلام على الخط ذكر أنواع الرمل، وأن من أحسنه رملا يؤتى به من صحراء ماردين «1» ، فيه شذور صفر كشذور الذهب، يلقى في الرمل الأحمر فيترّب به الأمراء والوزراء ومن في معناهم. الجملة الثانية (في نظر الكاتب في الكتاب وتأمّله بعد الفراغ منه) قد نصّوا على أنه إذا فرغ الكاتب من كتابة الكتاب ينبغي له أن يتأمّله من أوّله إلى آخره ويتتّبع ألفاظه ويتأمّل معانيه ويصلح منها ما لعلّه وهم فيه الفكر أو سبق إليه القلم؛ ليسلم من قدح القادح وطعن الطاعن. وقد تقدّم في مقدّمة الكتاب أن صاحب الديوان لا يكتفي بنظر الكاتب في ذلك، بل يكله إلى نظر كاتب كامل ينصبه لذلك، ثم يتأمّله هو بنفسه بعد ذلك ليتنقّح الكتاب ويتهذّب.

المقالة الرابعة (في المكاتبات، وفيها بابان)

المقالة الرابعة (في المكاتبات، وفيها بابان) الباب الأوّل (في أمور كلّية في المكاتبات، وفيه فصلان) الفصل الأوّل (في مقدّمات المكاتبات، وفيه ثلاثة أطراف) الطرف الأوّل (في أصول يعتمدها الكاتب في المكاتبات) ويتعلّق المقصود منها بعشرة أصول «1» : الأصل الأوّل (أن يأتي الكاتب في أوّل المكاتبة بحسن الافتتاح المطلوب في سائر أنواع الكلام، من نثر ونظم مما يوجب التحسين؛ ليكون داعية لاستماع ما بعده، على ما تقدّم بيانه في الكلام على علوم البلاغة في المقالة الأولى) ويرجع حسن الافتتاح في المكاتبات إلى معنيين. المعنى الأوّل- أن يكون الحسن فيه راجعا إلى المبتدإ به . إما بالافتتاح بالحمد لله كما في بعض المكاتبات؛ لأن النّفوس تتشوّف إلى الثناء على الله تعالى، أو بالسلام الذي جعله الشارع مفتتح الخطاب أو نحو ذلك. وإما بالافتتاح بما فيه تعظيم المكتوب إليه، من تقبيل الأرض أو اليد أو الدّعاء له أو غير ذلك، فإنّ أمر المكاتبات مبنيّ على التملّق واستجلاب الخواطر وتألّف

القلوب، إلى غير ذلك مما يجري هذا المجرى، على ما يقتضيه اصطلاح كلّ زمن في الابتداآت. المعنى الثاني- أن يكون الحسن فيه راجعا إلى ما يوجب التحسين. من سهولة اللفظ، وصحة السبك، ووضوح المعنى، وتجنّب الحشو، وغير ذلك من موجبات التحسين؛ كما كتب الأستاذ أبو الفضل بن العميد عن ركن الدولة بن بويه، إلى من عصى عليه، مفتتحا كتابه بقوله: «كتابي إليك، وأنا متردّد بين طمع فيك وإياس منك، وإقبال عليك وإعراض عنك؛ فإنك تدلّ بسالف خدم أيسرها يوجب رعاية، ويقتضي محافظة وعناية؛ ثم تشفعها بحادث غلول وخيانة، وتتبعها بألف خلاف ومعصية، أدنى ذلك يحبط أعمالك، ويسقط كل ما يرعى لك» . وكما كتب أبو حفص «1» بن برد الاندلسيّ عن ملكه إلى من عصى عليه ثم عاد إلى الطاعة كتابا افتتحه بقوله: «أما بعد فإن الغلبة لنا والظّهور عليك جلبابك إلينا على قدمك، دون عهد ولا عقد يمنعان من إراقة دمك. ولكنّا لما «2» وهب الله تعالى لنا من الإشراف على سرائر الرياسة، والحفظ لشرائع السّياسة؛ تأمّلنا من ساس جهتك قبلنا، فوجدنا يد سياسته خرقاء، وعين خدامته «3» عوراء، وقدم مداراته شلّاء، لأنه مال عن ترغيبك فلم ترجه، وعن ترهيبك فلم تخشه؛ فأدّتك حائجتك إلى طلاب المطاعم «4» الدّنيّة، وقلّة مهابتك إلى التّهالك على

الأصل الثاني (أن يأتي في ابتداء المكاتبة ببراعة الاستهلال المطلوبة في كل فن من فنون الكلام)

المعاصي الوبيّة «1» » ونحو ذلك من الافتتاحات البهجة، والابتداآت الرائقة، مما ستقف على الكثير منه في خلال هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. الأصل الثاني (أن يأتي في ابتداء المكاتبة ببراعة الاستهلال المطلوبة في كلّ فنّ من فنون الكلام) بأن يأتي في صدر المكاتبة بما يدلّ على عجزها؛ فإن كان الكتاب بفتح، أتى في أوّله بما يدلّ على التهنئة، أو بتعزية أتى في أوّله بما يدلّ على التعزية، أو في غير ذلك من المعاني أتى في أوّله بما يدلّ عليه؛ ليعلم من مبدإ الكتاب ما المراد منه. كما يحكى أن عمرو بن مسعدة كاتب المأمون أمر كاتبه أن يكتب إلى الخليفة كتابا يعرّفه فيه أن بقرة ولدت عجلا وجهه وجه إنسان، فكتب: «أمّا بعد حمد الله خالق الأنام، في بطون الأنعام» . وفضلاء الكتّاب وأئمتهم يعتنون بذلك كلّ الاعتناء، ويرون تركه إخلالا بالصنعة، ونقصا في الكتابة، حتّى أن الوزير ضياء الدين بن الأثير في المثل السائر قد عاب أبا إسحاق الصابي على جلالة قدره في الكتابة، واعترافه له بالتقدّم في الصناعة، بكتاب كتبه بفتح بغداد وهزيمة التّرك فقال في أوّله: «الحمد لله ربّ العالمين، الملك الحقّ المبين؛ الوحيد الفريد، العليّ المجيد؛ الذي لا يوصف إلا بسلب الصّفات، ولا ينعت إلا برفع النّعوت؛ الأزليّ بلا ابتداء، الأبديّ بلا انتهاء، القديم لا منذ أمد محدود، الدائم لا إلى أجل معدود، الفاعل لا من مادّة امتدّها، الصانع لا بآلة استعملها، الذي لا تدركه الأعين بألحاظها، ولا تحدّه الألسن بألفاظها، ولا تخلقه العصور بمرورها، ولا تهزمه الدّهور بكرورها، ولا تجاريه أقدام النّظراء والأشكال، ولا تزاجمه مناكب القرناء والأمثال، بل هو الصّمد الذي لا كفء له، والفرد الذي

لا توءم معه، والحيّ الذي لا تخترمه المنون، والقيّوم الذي لا تشغله الشّؤون، والقدير الذي لا تؤوده المعضلات، والخبير الذي لا تعييه المشكلات» ثم قال: إن هذه التحميدة لا تناسب الكتاب الذي افتتحه بها، ولكنها تصلح أن توضع في صدر مصنّف من مصنّفات أصول الدين ككتاب «الشامل» للجويني، أو كتاب «الاقتصاد» للغزاليّ، وما جرى مجراهما. فأما أن توضع في أوّل كتاب فتح فلا. واعلم أن براعة الاستهلال في المكاتبات قد تقع مع الابتداء بالتحميد، كما في كتاب عمرو بن مسعدة المتقدّم ذكره، وكما كتب إبو إسحاق الصابي عن الطائع إلى بعض ولاة الأطراف، عند زوال الوحشة بينه وبين الأمراء، ووقوع الصّلح والاتفاق: «أمّا بعد، فالحمد لله ناظم الشّمل، بعد شتاته، وواصل الحبل، بعد بتاته؛ وجابر الوهن إذا انثلم، وكاشف الخطب إذا أظلم» . وقد تقع مع الابتداء بالتقبيل كما كتبت «1» إلى بعض الرّؤساء بثغر الإسكندرية، ملوّحا إلى التعبير عنه بالثّغر، وعن الرّيح التي تهبّ عليه من جانب البحر بالملثم «2» ، وعن مستنزه من مستنزهاته بالرمل، وعن المساكن التي به بالقصور «3» ، مع قربه من البحر، ومناسبة ذكر النّسيم بالثّغر بما صورته: يقبّل أرض ثغر قد رقّ ملثمه، وراق مبسمه؛ باثّا لشكر يعترف الرّمل بالقصور عن حدّه، وتقف أمواج البحر المحيط دون عدّه» . وقد تقع مع الابتداء بالدعاء، وتكون براعة الاستهلال في الدعاء المعطوف على المبتدإ به، بأن يكون الدّعاء مناسبا للحالة المكتوب فيها، كما

الأصل الثالث (أن يأتي في المكاتبة المشتملة على المقاصد الجليلة بمقدمة يصدر بها تأسيسا لما يأتي به في مكاتبته)

نبّه عليه صاحب «المثل السائر» وغيره، وسيأتي الكلام على أمثلة ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى. ثم من المكاتبات ما يعسر معه الإتيان ببراعة الاستهلال «1» فيما يلي ذلك من الكلام في مقدّمة المكاتبة قبل الخوض في المقصود ولا يهملها جملة. على أن الشيخ شهاب الدين محمودا الحلبيّ، رحمه الله، قد ذكر في كتابه «حسن التوسل» أنه إن عسر عليه براعة الاستهلال، أتى بما يقارب المعنى. وبكل حال فإذا أتى ببراعة استهلال في أوّل مكاتبته استصحبها إلى الفراغ من الخطبة إن كان الكتاب مفتتحا بخطبة، وإلّا استصحبها إلى الفراغ من مقدّمة الكتاب الآتي بيانها. الأصل الثالث (أن يأتي في المكاتبة المشتملة على المقاصد الجليلة بمقدّمة يصدّر بها تأسيسا لما يأتي به في مكاتبته) مثل أن يأتي في صدور كتب الحثّ على الجهاد بذكر افتراضه على الأمّة، وما وعد الله تعالى به من نصر أوليائه، وخذلان أعدائه، وإعزاز الموحّدين، وقمع الملحدين. وفي صدور كتب الفتح بإنجاز وعد الله الذي وعده أهل الطاعة من النّصر والظّفر، وإظهار دينه على الدّين كلّه. وفي صدور كتب جباية الخراج «2» ، يصدّر بحاجة قيام الملك وأسّ السلطنة إلى الاستعانة بما يستخرج من حقوق السلطان في عمارة الثّغور، وتحصين الأعمال، وتقوية الرّجال، ونحو ذلك مما يجري على هذا النمط مما سيأتي بيانه في مقاصد المكاتبات في الكلام على الابتداآت والجوابات فيما بعد إن شاء الله تعالى. فقد قيل: إنه لا يحسن بالكاتب أن يخلي كلامه- وإن كان وجيزا- من مقدّمة يفتتحه بها وإن وقعت في حرفين أو ثلاثة، ليوفّي التأليف حقّه. قال في

الأصل الرابع (أن يعرف الفرق بين الألفاظ المستعملة في المكاتبات فيضعها في مواضعها)

«موادّ البيان» : وعلى هذا السبيل جرت سنّة الكتّاب في جميع الكتب كالفتوح، والتّهاني، والتّعازي، والتّهادي، والاستخبار، والاستبطاء، والإحماد، والإذمام، وغيرها؛ ليكون ذلك بساطا لما يريد القول فيه، وحجّة يستظهر بها السلطان؛ لأن كلّ كلام لا بدّ له من فرش يفرش قبله: ليكون منه بمنزلة الأساس من البنيان. قال: ويرجع في هذه المقدّمات إلى معرفة الكاتب ما يستحقّه كلّ نوع من أنواع الكلام من المقدّمات التي تشاكلها. ثم قال: والطريق إلى إصابة المرمى في هذه المقدّمات أن تجعل مشتملة على ما بعدها من المقاصد والأغراض، وأن يوضع للأمر الخاصّ مقدّمة خاصّة، وللأمر العامّ مقدّمة عامّة، ولا يطوّل في موضع الاقتصار، ولا يقصّر في موضع الإيجاز، ولا يجعل أغراضها بعيدة المأخذ، معتاصة «1» على المتصفّح؛ وذلك أن الكاتب ربّما قصد إظهار القدرة على الكلام والتّصرّف في وجوه المنطق، فخرج إلى الإملال والإضجار الذي تتبرّم منه النّفوس، ولاسيما نفوس الملوك وذوي الأخطار الجليلة. أما الأمور التي لا تشتمل على المقاصد الجليلة، كرقاع التّحف والهدايا ونحوهما. فقد ذكر في «موادّ البيان» أنه لا يجعل لها مقدّمة تكون أمامها، فإنّ ذلك غير جائز ولا واقع موقعه. قال: ألا ترى أنهم استحسنوا قول بعضهم في صدر رقعة مقترنة بتحفة في يوم مهرجان أو نحوه: «هذا يوم جرت فيه العادة، بأن تهدي فيه العبيد إلى السادة» واستظرفوا الكاتب لإيجازه وتقريب المأخذ. الأصل الرابع (أن يعرف الفرق بين الألفاظ المستعملة في المكاتبات فيضعها في مواضعها) قال في «ذخيرة الكتّاب» : يجب على الكاتب الرئيس أن يعرف مرتبة

الألفاظ ومواقعها؛ ليرتّبها ويفرق بينها فرقا يقفه على الواجب وينتهي به إلى الصواب، فيخاطب كلّا في مكاتبته بما يستحقّه من الخطاب؛ فإنه قبيح به أن يكون خطابه أوّلا خطاب الرئيس للمرؤوس، ويتبع ذلك بخطاب المرؤوس للرئيس، أو يبدأ بخطاب المرؤوس للرئيس ثم يتبعه بخطاب الرّئيس للمرؤوس. قال: ومتى استمرّ الكاتب على هذه المخالفة من الألفاظ والمناقضة، نقصت المعاني، ورذلت الألفاظ، وسقطت المقاصد، وكان الكاتب قد أخلّ من الصّناعة بمعظمها، وترك من البلاغة غاية محكمها. بل يجب أن يبدأ بخطاب رئيس أو نظير أو مرؤوس، ويكون ما يتخلل مكاتبته من الألفاظ على اتساق إلى آخرها واطّراد من غير مخالفة بينها ولا مضادّة ولا مناقضة. فمن ذلك الفرق بين أصدرنا هذه المكاتبة أو أصدرناها، وبين أصدرت، وبين صدرت. فأصدرناها أعلى بالنسبة إلى المكتوب إليه؛ للتصريح فيها بالضمير العائد على الرئيس التي صدرت المكاتبة عنه، إذ الشيء يشرف بشرف متعلّقه. ويلي ذلك في الرتبة أصدرت، لاقتضائها إصدارا في الجملة، والإصدار لا بدّ له من مصدر، وذلك المصدر هو الرئيس الصادرة عنه في الحقيقة. وإنما كانت دون الأولى للتصريح بالضمير هناك دون هنا. ودون ذلك في الرتبة صدرت لاقتضاء الحال صدورها بنفسها دون دلالة على المصدر أصلا. ومن ذلك الفرق بين «ونبدي لعلمه» وبين «ونوضّح لعلمه» : فنبدي لعلمه أعلى بالنسبة إلى المكتوب إليه؛ لأن الإبداء يرجع في المعنى إلى إظهار شيء خفيّ، والإيضاح يرجع إلى بيان مشكل، وحصول الإشكال المحتاج إلى الإيضاح ربما دلّ على بعد فهم المخاطب عن المقصود، بخلاف إظهار الخفيّ فإنه لا ينتهي إلى هذا الحدّ. ومن ذلك الفرق بين «علمه الكريم» وبين «علمه المبارك» فالكريم

أعلى من المبارك؛ لأن في الكريم عراقة أصل وشرف قد توجد في المبارك وقد تتخلف عنه. ومن ذلك الفرق بين «ومرسومنا لفلان بكذا» وبين «والمرسوم له بكذا» ؛ فمرسومنا أعلى بالنسبة إلى المكتوب عنه لاشتماله على نون الجمع المقتضية للتعظيم، ولذلك اختصّت بالملوك دون غيرهم؛ بخلاف والمرسوم له بكذا فإنه عار عن ذلك. ومن ذلك الفرق بين «والمسؤول» وبين «والمستمدّ» : فإن المسؤول أعلى بالنسبة إلى المكتوب إليه «1» ، فإن المسؤول يتضمّن نوع ذلّة بخلاف الاستمداد فإنه لا يستلزم ذلك. ومن ذلك الفرق بين «بلغنا» وبين «أنهي إلى علمنا» وبين «اتصل بنا» . فاتصل بنا أعلى من أنهي إلى علمنا، لما في معنى الاتصال من التلاصق، بخلاف الإنهاء؛ وأنهي إلى علمنا أعلى من بلغنا؛ لأن البلوغ قد يكون على لسان آحاد الناس. ومن ذلك الفرق بين «أنهى فلان كذا» وبين «عرّفنا كذا» : فعرّفنا أعلى بالنسبة إلى رافع الخبر، لأن في التعريف مزيّة قرب من الرئيس، بخلاف الإنهاء فإنه لا يقتضي ذلك. ومن ذلك الفرق بين «وردت مكاتبته» وبين «وردت علينا مكاتبته» ؛ فوردت علينا أعلى بالنسبة إلى صاحب المكاتبة الواردة؛ لتخصيصها بالورود على الرئيس بخلاف الورود المطلق. ومن ذلك الفرق بين «عرضت علينا مكاتبتك» وبين «وقفنا على مكاتبتك» فوقفنا أعلى بالنسبة إلى صاحب المكاتبة؛ لأن الوقوف عليها يكون بنفسه،

والعرض يكون من غيره. ومن ذلك الفرق بين «وشكرت الله تعالى على سلامته» وبين «وتوالى شكري لله تعالى» ؛ فتوالى شكري أعلى بالنسبة إلى المكتوب إليه؛ لما فيه من معنى التكرار ومزيد الشكر المعدوق بالاحتفال. ومن ذلك الفرق بين «ورغبت إلى الله تعالى» وبين «وضرعت إلى الله تعالى» ؛ فضرعت أعلى من رغبت؛ لما في الضّراعة من مزيد التأكيد في الطّلب، بخلاف الرّغبة فإنها لا تبلغ هذا المبلغ. ومن ذلك الفرق بين «وقابلت أمره بالطاعة» وبين «وامتثلت أمره بالطاعة» ؛ فامتثلت أمره أعلى من قابلت أمره؛ لما في الامتثال من معنى الإذعان والانقياد، بخلاف المقابلة. ومن ذلك الفرق بين «وشفعت له» وبين «وسألت فيه» ؛ فالسؤال أعلى في حق المسؤول من الشّفاعة؛ لما «1» في الشفاعة من رفعة المقام المؤدّي إلى قبول الشفاعة. ومن ذلك الفرق بين «وخاطبت فلانا في أمره» وبين «وتحدّثت في أمره» ؛ فتحدّثت أشدّ في تواضع المتكلّم من خاطبت؛ لأن الخطاب من الألفاظ الخاصة التي لا يتعاطاها كلّ أحد بخلاف التحدّث. ومن ذلك الفرق بين «تشريفي بكذا» وبين «إسعافي بكذا» [وبين «إتحافي بكذا» ] «2» فالإسعاف أعلى رتبة من التشريف لما فيه من دعوى الحاجة والفاقة إلى المطلوب، بخلاف التشريف، وإتحافي دون تشريفي؛ لأن

الأصل الخامس (أن يعرف مواقع الدعاء في المكاتبات، فيدعو بكل دعاء في موضعه)

الإتحاف قد لا يقتضي تشريفا. ومن ذلك الفرق بين قوله: «نزل عنده» وبين قوله: «نزل بساحته» ؛ فالساحة أعلى لما فيها من معنى الفسحة والاتساع. ومن ذلك الفرق بين «فيحيط علمه بذلك» وبين «فيعلم ذلك» ؛ فيحيط علمه أعلى من يعلم ذلك؛ لأن في قوله «فيحيط علمه بذلك» نسبته إلى سعة العلم؛ لما فيه من معنى الإحاطة بخلاف «فيعلم ذلك» . الأصل الخامس (أن يعرف مواقع الدّعاء في المكاتبات، فيدعو بكل دعاء في موضعه) ويتعلق النظر فيه بستة أوجه: الأوّل- أن يعرف مراتب الدّعاء ليوقعها في مواقعها ، ويوردها في مواردها، ويتأتّى ذلك في عدّة أدعية. (منها) الدّعاء بإطالة البقاء، والدّعاء بإطالة العمر؛ فالدعاء بإطالة البقاء أرفع من الدّعاء بإطالة العمر؛ وذلك أن البقاء لا يدلّ على مدّة تنقضي لأنه ضدّ الفناء، والعمر يدلّ على مدّة تنقضي؛ ولذلك يوصف الله تعالى بالبقاء ولا يوصف بالعمر. قال في «موادّ البيان» : ومن هنا جعل الدعاء بإطالة البقاء أوّل مراتب الدعاء وخصّ بالخلفاء، وجعل ما يليه لمن دونهم، ويتلوه الدعاء بالمدّ في العمر، فيكون دون الدعاء بالإطالة؛ لأن الوصف بطول الزمان أبلغ من الوصف بالمدّ فيه من حيث إن المدّ قابل للمدّة الطويلة والمدّة القصيرة؛ ولذلك صارت مرتبة الطّول أقرب إلى مرتبة البقاء من مرتبة المدّ. (ومنها) الدعاء بدوام النّعمة، والدعاء بمضاعفتها؛ فالدعاء بالمضاعفة أعلى؛ لأن الدوام غايته استصحاب ما هو عليه، والمضاعفة مقتضية للزيادة على ذلك. (ومنها) الدعاء بعزّ الأنصار، وبعزّ النّصر، وبعزّ النّصرة. وقد اصطلح

الثاني - أن يعرف ما يناسب كل واحد من أرباب المناصب الجليلة من الدعاء فيخصه به

كتّاب الزمان على أن جعلوا أعلاها الدعاء بعز الأنصار؛ لأن عزّ أنصاره عزّ له بالضرورة مع ما فيه من تعظيم القدر ورفعة الشأن؛ إذ الأنصار لا تكون إلا لملك عظيم أو أمير كبير. والدعاء بعزّ النصر أعلى من الدعاء بعزّ النّصرة؛ لما في الأوّل من معنى التذكير وهو أرفع رتبة من التأنيث. على أنه لو جعل الدعاء بعز النصر أعلى من الدعاء بعز الأنصار، لكان له وجه؛ لما في عزّ النصر من الغناء عن عزّ الأنصار. (ومنها) الدّعاء بعزّ الأحكام، والدعاء بتأييد الأحكام؛ فالدعاء بعزّ الأحكام أعلى؛ لأن المراد بالتأييد التقوية، فقد توجد القوّة ولا عزّ معها. وينبغي للكاتب أن يحترز في تنزيل كلّ أحد من المكتوب إليهم منزلته في الدعاء، فلا ينقص أحدا عن حقّه، ولا يزيده فوق حقّه، فقد قال في «موادّ البيان» : إن الملوك تسمح ببدرات المال ولا تسمح بالدّعوة الواحدة. الثاني- أن يعرف ما يناسب كلّ واحد من أرباب المناصب الجليلة من الدعاء فيخصّه به . فيأتي بالدعاء في المكاتبة للملوك بإطالة البقاء، ودوام السلطان، وخلود الملك، وما أشبه ذلك. ويأتي في المكاتبة إلى الأمراء بالدعاء بعزّ الأنصار، وعزّ النّصر، ومضاعفة النّعمة، ومداومتها وما شاكل ذلك. على أن ابن شيث قد ذكر في «معالم الكتابة» أن الدعاء بعزّ النّصر ومضاعفة الاقتدار كان في الدولة الأيوبية مما يختصّ بالسلطان دون غيره. ويأتي في المكاتبات للوزراء من أرباب الأقلام ومن في معناهم بالدعاء بسبوغ النّعماء، وتخليد السّعادة، ودوام المجد، وما يضاهي ذلك. ويأتي في المكاتبات للقضاة والحكّام بالدعاء بعزّ الأحكام، وتأييد الأحكام وما يطابق ذلك.

ويأتي في المكاتبة إلى التّجّار بالدعاء بمزيد الإقبال، وخلود السعادة وشبه ذلك. ويأتي في المكاتبة في الإخوانيّات ومكاتبات النّظراء من الدعاء بما يقتضيه الحال بينهم من الودّ والإدلال، بحسب ما يراه الكاتب ويؤدّي إليه اجتهاده. قال في «موادّ البيان» : وقد كانوا يختارون في الدعاء للأدباء، أبقاك الله، وأكرمك الله. وفي الدعاء للابن والحرمة «أبقاك الله» و «أمتع بك» . أمّا أهل الكفر فقد اصطلحوا على الدعاء لهم بطول البقاء وما في معناه. أمّا جواز أصل الدعاء لهم فلما روي أنّ النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، استسقى فسقاه يهوديّ، فقال له: جمّلك الله، فما رؤي الشيب في وجهه حتّى مات، فدلّ على جواز الدعاء للكافر بما لا ضرر فيه على المسلمين ما لم تنضمّ إليه قوّة ونحو ذلك، بل ربما كان في طول بقائه حمل جزية أو غنيمة أو ثواب جهاد ونحو ذلك. وقد حكى أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتّاب» أن الشافعيّ، رضي الله عنه، قال لنصرانيّ: أعزّك الله! فعوتب في ذلك، فقال.......... «1» ... واعلم أنه يجب مع ذلك أن يعرف مرتبة المكتوب إليه من الدعاء، فيدعو بعزّ الأنصار لواحد، ويدعو بعزّ النصر لمن دونه؛ لأن عزّ الأنصار مستلزم لعزّ النصر. على أنه لو قيل: إنّ عزّ النصر أعلى لكونه دعاء لنفس الشيء بخلاف الدعاء بعزّ الأنصار فإنه دعاء لشيء خارجيّ لكان له وجه. ويدعو بعز النّصرة لمن دون من يدعى له بعز النصر؛ لأن النصر مذكّر ورتبة التذكير أعلى من رتبة التأنيث. ويدعو بدوام النعمة لواحد ويدعو بمضاعفة النّعمة لمن دونه «2» ؛ لأن

الثالث - أن يعرف ما يناسب كل حالة من حالات المكاتبات

الصيغة تقتضي مزيدا على القدر الحاصل، بخلاف الدّوام فإنه يقتضي استصحاب القدر الحاصل فقط، وعلى هذا النهج. قال في «معالم «1» الكتابة» : ولا يكتب عن السلطان إلى أحد ممن في ممالكه بلا زال، ولا برح، بل يختصّ ذلك بملك مثله. قال: ولا حرج في الكتابة بذلك عن السلطان إلى ولده إذا كان نائبا عنه في الملك. قال: وكذلك لا يدعو الأعلى للأدنى بلا زال، ولا برح. قلت: والذي استقرّ عليه الحال الكتابة عن السلطان بذلك لأكابر النّوّاب، ويكتب به أكابر الدّولة بعضهم إلى بعض. الثالث- أن يعرف ما يناسب كلّ حالة من حالات المكاتبات ، فيأتي لكل حالة بما يناسبها من الدّعاء. قال في «موادّ البيان» : يبغي أن تكون الأدعية دالّة على مقاصد الكتاب؛ فإن كان في الهناء كان بما راجت معرفته، وإن كان في العزاء كانت مشتقّة من وصفه، وكذلك سائر فنون المكاتبات، فإنه متى خرج الدعاء عن المناسبة وباين المقصود، خرج عن جادّة الصناعة وتوجّه اللوم على الكاتب، لا سيّما إذا أتى بما يضادّ المراد. كما حكى أبو هلال العسكريّ في «الصناعتين» أن بعضهم كتب إلى محبوبته: عصمنا الله وإيّاك مما يكره. فكتبت إليه: يا غليظ الطّبع، إن استجيب لك لم نلتق أبدا. ويختلف الحال في ذلك باختلاف حال المكاتبات؛ فتارة تكون باعتبار الشيء المكتوب بسببه. كما يكتب في معنى البشارة بجلوس الملك على تخت الملك: لا زال أمره! وأمتعه من البشائر بما يتوضّح على جبين الصّباح بشره، وما يترجّح على ميزان الكواكب قدره، وما ينفسح من أوقات أمن لا يختلف فيها زيده وعمره. وكما يكتب في البشرى بفتح: ولا زالت آيات النصر تتلى عليه من

صحف البشائر، ونفائس الظّفر تجلى على سرّه في أسعد طائر، وفواتح الفتح تزهى به الأسرّة وتزهو بنوره المنابر. وكما يكتب في التهنئة بعافية، ولا برح في برد الصحة رافلا...... «1» بعزمه وحزمه كافلا، والإقبال لجنابه العالي بالهناء بعافيته واصلا. وتارة تكون باعتبار حال المكتوب إليه التي هو بصددها. كما يكتب لمن خرج إلى الغزو: وحفّه بلطفه فلا يخيب، وهيّأ له النصر والفتح القريب، وجعل على يديه دمار الكفّار حتّى لا يبقى لهم بشدّة بأسه من السلامة نصيب. وكما يكتب إلى من خرج إلى الصّيد: وأمتعه بصيوده، وجعل الأقدار من جنوده، وأراه من مصارع أعدائه بسيوفه ورماحه ما يراه من مصارع صيده ببزاته «2» وفهوده. وكما يكتب لمن خرج في سفر: وقضى بقرب رجعته، وجعله كالهلال في مسيره سبب رفعته، وسكّن بقدومه أشواق أوليائه وأهل محبّته. وكما يكتب لمن خرج لتخضير «3» البلاد: وألبس البلاد بقدومه أخضر الأثواب، وأحلّه أشرف محلّ وأخصب جناب. وتارة تكون باعتبار وظيفة المكتوب إليه التي هو قائم بها. كما يكتب إلى كافل المملكة: ولا زالت كفاية كفالته تزيد على الآمال، وتتقرّب إلى الله تعالى بصالح الأعمال، وتكفل ما بين أقصى الجنوب وأقصى الشّمال.

وكما يكتب إلى قاض: وفصل بين الخصوم بأحكامه المسدّدة، وأقضيته التي بها قواعد الإسلام ممهّدة، وأبنية الشرع المطهّر وأركانه مشيّدة. وكما يكتب إلى متصوّف: وأعاد من بركات تهجّداته، وأنار الليالي بصالح دعواته. وتارة تكون باعتبار بلد المكتوب إليه وناحيته. كما يكتب إلى نائب الشام: ولا زال النّصر حلية أيّامه وشامة شامه، وغمامة ما يحلّق على بلده المخصب من غمامه. وكما يكتب إلى نائب حلب في زمن الحروب: ولا زال يعدّ ليوم تشيب فيه الولدان، ويصدّ دونه كلّ محارب بين الشّهباء «1» والميدان، ويعمّ حلب من حلى أيامه ما لا يفقد معه إلا اسم ابن حمدان، ونحو ذلك مما ينخرط في هذا السلك. وتارة تكون باعتبار اسم المكتوب إليه أو لقبه. كما يكتب إلى من لقبه سيف الدين: ولا زال سيفه في رقاب أعدائه مغمدا، وحدّه يذر كلّ ملحدا ملحدا. وكما يكتب إلى من لقبه عزّ الدين: ولا زال عزّه دائما، والزمان في خدمته قائما، وطرف الدهر عن مراقبة سعادته نائما. وكما يكتب إلى من لقبه شمس الدين: ولا زالت شمس سعادته مشرقة، وأغصان فضله بالعوارف مورقة، وعيون طوارق الغير عنه في كلّ زمن مطرقة. وكما يكتب إلى من لقبه ناصر الدين: ونصر عزائمه، وشكر مكارمه، ووفّر من الحسنات مغانمه. إلى غير ذلك من الأمور التي ستقف على الكثير منها في

الرابع - أن يعرف مواضع الدعاء على المكتوب إليه

الكلام على مقاصد المكاتبات إن شاء الله تعالى. الرابع- أن يعرف مواضع الدعاء على المكتوب إليه ، ومن الذي يصرّح بذلك في المكاتبة إليه. وقد ذكر ابن شيث في «معالم الكتابة» أن الدّعاء على الأعداء في صدور الكتب كان من عوائد مكاتبة الأدنى إلى الأعلى، مثل: وقصم، وأذلّ، وقهر، وخضد «1» . وكذلك المماثل والمقارب؛ فأما من الأعلى إلى الأدنى فلم يكن ذلك معروفا عند المتقدّمين، لا سيما إذا كان الكتاب عن السلطان. ثم قال: ولكن قد أفلت الحبل في ذلك الآن [إلى أن] قال: ولا يقال للأدنى غير كبت عدوّه، أو ضدّه، أو حسوده خاصة. ومنها «2» - أن يعرف ما كرهه الكتّاب من الدعاء فيتجنبه. وهو على ضربين: الضرب الأوّل (ما كرهوه في المكاتبة إلى كل أحد) قال في «موادّ البيان» : كانت عادتهم جارية أن يتجنّبوا من الأدعية مالا محصول له، كقولهم: جعلني الله فداك، وقدّمني إلى السّوء دونك؛ لما في ذلك من التصنّع والملق الذي لا يرضاه السلطان؛ لأن نفس الداعي لا تسمح باستجابته. ويؤيّد ما ذكره ما كتب به ابن عبد كان إلى بعض أصدقائه: جعلت فداك على الصحة والحقيقة، لا على مجرى المكاتبة ومذهب العادة. قال في «موادّ البيان» : وإنما يحسن ذلك من الخواصّ الذين يتحقّقون أن بقاءهم معذوق «3» ببقاء رؤسائهم، وثبات نعمهم مقرون بثبات أيام سلاطينهم؛ لأنه يصدر عن عقائد مستحكمة من بذل الأنفس دونهم. وما ذهب إليه من كراهة ذلك قد نقل

الضرب الثاني (ما تختص كراهته بالبعض دون البعض، وهو نوعان)

في «صناعة الكتّاب» مثله عن مالك «1» بن أنس، واحتجّ له بما روي عن الزبير رضي الله عنه أنه قال للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «جعلت فداك- فقال له أما تركت أعرابيّتك بعد!» على أن بعضهم قد أجاز ذلك احتجاجا بقوله، صلّى الله عليه وسلّم لسعد بن مالك يوم أحد «2» : «ارم فداك أبي وأمّي» وبما روي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال له: «ألا أعلّمك كلمات ينفعك الله بهنّ؟ قال نعم جعلني الله فداك!» ولم ينكر عليه، ونحو ذلك؛ وفي معنى ذلك كلّ ما يجري هذا المجرى ونحوه. الضرب الثاني (ما تختصّ كراهته بالبعض دون البعض، وهو نوعان) النوع الأوّل- ما يختص بالرجال ، فمن ذلك ما ذكره في «موادّ البيان» أنهم كانوا لا يستحسنون الدعاء بالإمتاع نحو «أمتع الله بك» و «أمتعني الله بك» في حق الإخوان. ومما يحكى في ذلك أن محمد بن عبد الملك الزّيات، كتب إلى عبد الله بن طاهر في كتاب: وأمتع بك؛ فكتب إليه عبد الله بن طاهر [منسرح] أحلت عمّا عهدت من أدبك؟ ... أم نلت ملكا فتهت في كتبك؟ أتعبت كفّيك في مكاتبتي ... حسبك مما «3» يزيد في تعبك! إنّ جفاء «4» كتاب ذي مقة ... يكون في صدره: «وأمتع بك» .

النوع الثاني - ما يختص بالنساء

فأجابه محمد بن عبد الملك الزيّات معتذرا بقوله [منسرح] كيف أخون الإخاء يا أملي؟ ... وكلّ شيء أنال من سببك! إن يك جهل أتاك من قبلي، ... فعد بفضل عليّ من أدبك «1» . على أن في كراهة الدعاء للإخوان بذلك نظرا فسيأتي في الكلام على ترتيب المكاتبات على سبيل الإجمال أن أمّ حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم [قالت] : اللهم أمتعني بزوجي رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية- في حديث طويل يأتي ذكره هناك إن شاء الله تعالى. أما الدعاء بالإمتاع للأتباع، فقد أجازه جماعة من محقّقي الكتّاب، محتجّين على ذلك بأنّه، صلّى الله عليه وسلّم دعا لأبي اليسر: كعب بن عبيد «2» الله بقوله «اللهمّ أمتعنا به» . قال ابن عفير: فكان آخر أهل بدر وفاة، مات سنة خمس وخمسين من الهجرة. النوع الثاني- ما يختصّ بالنساء . فقد ذكر «أبو جعفر النحاس» أنه لا يقال في مكاتبتهنّ «وأدام كرامتك» ولا «وأتمّ نعمته عليك» ولكن لديك، ولا «فضله عندك» ولا «وأدام سعادتك» . أما منع الدعاء لهنّ بالكرامة، فلما حكى محمد بن عمر المدائني أن بعض عمال زبيدة كتب إليها كتابا بسبب ضياع لها فوقّعت له على ظهر كتابه: أردت أن تدعو لنا فدعوت علينا، فأصلح خطأك في كتابك وإلّا صرفناك عن جميع أعمالك! فأدركه القلق، وجعل يتصفّح الكتاب ويعرضه على الكتّاب فلا يجد فيه شيئا، إلى أن عرضه على بعض أهل المعرفة فقال: إنما

الخامس - أن يتجنب الخلاف في الدعاء في فصول الكتاب

كرهت دعاءك في صدر كتابك بقولك: وأدام كرامتك؛ لأنّ كرامة النساء دفنهنّ- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دفن البنات من المكرمات» فغير ذلك الحرف من كتابه وأعاده إليها فوقّعت له على ظهره- أحسنت ولا تعد- وأما كراهة «وأتمّ نعمته عليك» وإبدال ذلك بلفظ و «أتم نعمته لديك» ، فكأنه لما يلمح فيه من ذكر العلوّ على النساء. وأما منع «وأتمّ فضله عندك» ، أو «وأتم سعادتك» فيحتاج إلى تأمل. الخامس- أن يتجنب الخلاف في الدعاء في فصول الكتاب ، ولا يوالي بين دعوتين منه [متفقين] . فأما الخلاف في الدعاء، فقال أبو جعفر النحاس: هو مثل أن يقول: أطال الله بقاء سيّدي- بلفظ الغيبة، ثم يقول بعد ذلك: وبلّغك أملك- بلفظ الخطاب. وأما الموالاة بين «1» دعوتين ولا يأتي بهما متفقتين، فقال في «موادّ البيان» : هو مثل «حرس الله الأمير أعزّه الله» ؛ ثم يقول في الفصل الذي بعده: أعزّه الله تعالى، وما أشبه ذلك. السادس- أن يتجنب وقوع اللّبس في الدعاء . فإذا ذكر الرئيس مع عدوّه مثلا، لم يدع للرئيس حينئذ، فإنه لو ذهب يقول وقد كان من عدوّ سيّدي- أبقاه الله- كذا، لاحتمل عود الدعاء إلى الرئيس وإلى عدوّه فيقع اللّبس. أما إذا ذكر الرئيس وحده كما إذا قال: وقد كنت عرّفت سيّدي- أبقاه الله- كذا، فإنه لا التباس. الأصل السادس (أن يعرف ما يناسب المكتوب إليه من الألقاب فيعطيه حقّه منها) ويتعلق الغرض من ذلك بثلاثة أمور. أحدها- أن يعرف ما يناسب من الألقاب الأصول - المتقدّمة الذكر في

الثاني - أن يعرف ما يناسب كل لقب من الألقاب الأصول من الألقاب والنعوت التابعة لذلك

المقالة الثالثة عند الكلام على الألقاب المصطلح عليها بحسب ذلك الزمان، كالمقام، والمقرّ، والجناب، والمجلس- في زماننا؛ فيعطي كلّ أحد من المكتوب إليهم ما يليق به من ذلك؛ فيجعل المقام لأكابر الملوك، والمقرّ لمن دونهم من الملوك، وللرّتبة العليا من أهل المملكة. والجناب للرتبة الثالثة من الملوك والرّتبة الثانية من أهل الدّولة. والمجلس للرتبة الرابعة من الملوك والرتبة الثالثة من أهل الدولة. ومجلس الأمير لمن دون ذلك من أهل الدولة على المصطلح المستقرّ عليه الحال. الثاني- أن يعرف ما يناسب كلّ لقب من الألقاب الأصول من الألقاب والنّعوت التابعة لذلك ، فيتبع كلّ واحد من الأصول بما يناسبه من الفروع. الثالث- أن يعرف مقدار المكتوب إليه ، فيوفّيه قسطه من الألقاب في الكثرة والقلّة بحسب ما يجري عليه الاصطلاح. فقد ذكر في «معالم الكتابة» أن السلطان لا يكثر في المكاتبة إليه من نعوته، بل يقتصر على الأشياء التي تكون فيه مثل العالم العادل. أما غير ذلك فيقع باللقبين المشهورين وهما نعته المفرد، ونعته المضاف إلى الدّين. وأنه في الكتابة عن السلطان كلّما زيد في النّعوت كان أمير؛ لأنها على سبيل التشريف من السلطان، ويجعل المضاف إلى الدين متوسّطا بين الألقاب لا في أوّلها. الأصل السابع (أن يراعي مقاصد المكاتبات، فيأتي لكل مقصد بما يناسبه) ومدار ذلك على أمرين: الأمر الأوّل- أن يأتي مع كل كلمة بما يليق بها ، ويتخير لكل لفظة ما يشاكلها. قال ابن عبد ربه «1» : وليكن ما تختم به فصولك في موضع ذكر البلوى بمثل: نسأل الله رفع المحذور، وصرف المكروه، وأشباه ذلك. وفي موضع

الأمر الثاني - أن يتخطى التصريح إلى التلويح

ذكر المصيبة: إنّا لله وإنا إليه راجعون. وفي موضع ذكر النّعمة: الحمد لله خالصا، والشّكر لله واجبا، وما شاكل ذلك. قال في «موادّ البيان» : وإذا ذكر البلوى شفعها بالاستعانة بالله تعالى والرّجوع إليه فيها، وردّ الأمر إلى حوله وقوّته. قال ابن عبد ربه «1» : فإن هذه المواضع مما يتعيّن على الكاتب أن يتفقّدها ويتحفّظ فيها، فإن الكاتب إنما يصير كاتبا بأن يضع كلّ معنى في موضعه، ويعلّق كلّ لفظ على طبقه في المعنى. ومما يلتحق بذلك أيضا أنه إذا ذكر الرئيس في أثناء المكاتبة، دعا له، مثل أن يقول عند ذكر السلطان: خلّد الله ملكه. وعند ذكر الأمير الكبير: عزّ نصره، أو: أعزّ الله تعالى أنصاره. وعند ذكر الحاكم: أيّد الله تعالى أحكامه، وما أشبه ذلك مما يجري هذا المجرى. الأمر الثاني- أن يتخطّى التصريح إلى التلويح والإشارة إذا ألجأته الحال إلى المكاتبة بما لا يجوز كشفه وإظهاره على صراحته، مما في ذكره على نصّه هتك ستر، أو في حكايته اطّراح مهابة السلطان، وإسماعه ما يلزم منه إخلال الأدب في حقه؛ كما لو أطلق عدوّه لسانه فيه بلفظ قبيح يسوءه سماعه. قال في «موادّ البيان» : فيحتاج المنشيء إلى استعمال التّورية «2» في هذه المواضع، والتلطّف في العبارة عن هذه المعاني، وإبرازها في صورة تقتضي توفية حقّ السلطان في التوقير والإجلال والإعظام، والتنزيه عن المخاطبة بما لا يجوز إمراره على سمعه، وإيصال المعنى إليه من غير خيانة في طيّ ما لا غنى به عن علمه. قال: وهذا مما لا يستقلّ به إلا المبرّز في الصناعة، المتصرّف في تأليف الكلام. الأصل الثامن (أن يعرف مقدار فهم كل طبقة من المخاطبين في المكاتبات من اللسان فيخاطب كلّ أحد بما يناسبه من اللفظ، وما يصل إليه فهمه من الخطاب) .

قال أبو هلال العسكري في كتابه «الصناعتين» : أوّل ما ينبغي أن تستعمل في كتابك مكاتبة كل فريق على مقدار طبقتهم في الكلام وقوّتهم في المنطق. قال: والشاهد على ذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا أراد أن يكتب إلى أهل فارس، كتب إليهم بما يمكنهم ترجمته فكتب إليهم: «من محمد رسول الله إلى كسرى أبرويز عظيم فارس، سلام على من اتّبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وأدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافّة لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ «1» فأسلم تسلم، وإن أبيت فإثم المجوس عليك» فسهّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الألفاظ غاية التسهيل حتّى لا يخفى منها شيء على من له أدنى معرفة بالعربيّة. ولما أراد «2» أن يكتب إلى قوم من العرب، فخّم اللفظ لما عرف من قوّتهم على فهمه، وعادتهم بسماع مثله؛ فكتب لوائل «3» بن حجر الحضرميّ: «من محمد رسول الله إلى الأقيال «4» العباهلة «5» من أهل «6» حضر موت بإقامة الصلاة وإيتاء الزّكاة. على التّيعة «7» الشاة، والتّيمة «8» لصاحبها، وفي السّيوب «9» الخمس، لا خلاط «10» ولا وراط «11» ولا شناق «12» ولا شغار «13» ، ومن

أجبى «1» فقد أربى، وكلّ مسكر حرام» . وقد ذكر العسكريّ أيضا في باب الإطناب ما يحسن أن يكون شاهدا لذلك من القرآن الكريم- فقال: قد رأينا أنّ الله تعالى إذا خاطب العرب والأعراب، أخرج الكلام مخرج الإشارة والوحي كما في قوله تعالى خطابا لأهل مكة إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ «2» وقوله: إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ «3» وقوله: أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ «4» في أشباه كثيرة لذلك. وإذا خاطب بني إسرائيل أو حكى عنهم، جعل الكلام مبسوطا، كما في سورة طه وأشباهها، حتّى إنه قلّما تجد قصّة لبني إسرائيل في القرآن إلا مطوّلة مشروحة ومكررة في مواضع معادة، لبعد فهمهم، وتأخّر معرفتهم. قال في «موادّ البيان» : فيجب على الكاتب أن يتنقّل في استعمال الألفاظ على حسب ما تقتضيه رتب الخطاب والمخاطبين، وتوجبه الأحوال المتغايرة، والأوقات المختلفة؛ ليكون كلامه مشاكلا لكلّ منها، فإنّ أحكام الكلام تتغيّر بحكم تغيّر الأزمنة والأمكنة ومنازل المخاطبين والمكاتبين. قال: ولتحرّي الصّدر الأوّل من الكتّاب إيقاع المناسبة بين كتبهم وبين الأشياء المتقدّمة الذكر استعمل كتّاب الدولة الأمويّة من الألفاظ العربية الفحلة، والمتينة الجزلة، ما لم تستعمل مثله الدولة العباسيّة؛ لأن كتّاب الدولة الأمويّة

قصدوا ما شاكل زمانهم الذي استفاضت فيه علوم العرب ولغاتها، حتّى عدّت في جملة الفضائل التي يثابر على اقتنائها، والأمكنة التي نزلها ملوكهم من بلاد العرب، والرجال الذين كانت الكتب تصدر إليهم؛ وهم أهل الفصاحة واللّسن والخطابة والشّعر. أما زمان بني العباس، فإن الهمم تقاصرت عمّا كانت مقبلة على تطلّبه فيما تقدّم من العلوم المقدّم ذكرها، وشغلت بغيرها من علوم الدين؛ ونزل ملوكهم ديار العراق وما يجاورها من بلاد فارس، وليس استفاضة لغة العرب فيها كاستفاضتها في أرض الحجاز والشام. ومن المعلوم أن القوم الذين كانوا يكاتبون عنهم لا يجارون تلك الطبقة في الفصاحة والمعرفة بدلالات الكلام؛ فانتقل كتّابها من اللفظ المتين الجزل، إلى اللفظ الرّقيق السّهل، وكذلك انتقل متأخّر والكتّاب عن ألفاظ المتقدّمين إلى ما هو أعذب منها وأخفّ، للمعنى المتقدّم ذكره. قال: وحينئذ ينبغي للكاتب أن يراعى هذه الأحوال، ويوقع المشاكلة بين ما يكتبه وبينها، فإذا احتاج إلى إصدار كتاب إلى ناحية من النواحي، فلينظر في أحوال قاطنيها؛ فإن كانوا من الأدباء البلغاء العارفين بنظم الكلام وتأليفه، فليودع كتابه الألفاظ الجزلة، التي إذا حلّيت بها المعاني زادتها فخامة في القلوب، وجلالة في الصّدور، وإن كانوا ممن لا يفرّق بين خاص الكلام وعامّه، فليضمّن كتابه الألفاظ التي يتساوى سامعوها في إدراك معانيها، فإنه متى عدل عن ذلك ضاع كلامه، ولم يصل معنى ما كتب فيه إلى من كاتبه؛ لأن الكلام البليغ إنما هو موضوع بإزاء أفهام البلغاء والفصحاء، فأما العوامّ والحشوة «1» ، فإنما يصل إلى أفهامهم الكلام العاطل من حلى النّظم، العاري من كسوة التأليف، فيجب على الكاتب أن يستعمل في مخاطبة من هذه صورته أدنى رتب البلاغة وأقربها من أفهام العامة والأمم الأعجميّة إذا كتب إليهم. ثم قال: فأما الكتب المعتدّة عن السلطان، فإنّ منها كتب الفتوحات

والسلامات ونحوها، وهي محتملة للألفاظ الفصيحة الجزلة، والإطالة القاضية بإشباع المعنى، ووصوله إلى أفهام كافّة سامعيه من الخاص والعام، ومنها كتب الخراج وجبايته وأمور المعاملات والحساب، وهي لا تحتمل اللفظ الفصيح، ولا الكلام الوجيز؛ لأنها مبنيّة على تمثيل ما يعمل عليه، وإفهام من لا يصل المعنى إلى فهمه إلا بالبيان الشافي في العبارة. ومنها مخاطبته السلطان عن نفسه، فيجب فيها مخاطبته على قدر مكانه من الخدمة من الألفاظ المتوسّطة، ولا يجوز أن يستعمل فيها الفصيحة التي لا تحتمل من تابع في حقّ متبوع؛ لما فيه من تعاطي التفاصح على سلطانه، وهو غير جائز في أدب الملوك، وكذلك لا يجوز فيه تعاطي الألفاظ المبتذلة الدائرة بين السّوقة؛ لما في ذلك من الوضع من السلطان بمقابلته إيّاه بما لا يشبه رتبته. وأما الكتب الإخوانيّات النافذة في التّهاني والتّعازي، فإنها تحتمل الألفاظ الغريبة القويّة الأخذ بمجامع القلوب، الواقعة أحسن المواقع من النّفوس؛ لأنها مبنيّة على تحسين اللفظ، وتزيين النظم؛ وإظهار البلاغة فيها مستحسن واقع موقعه. قلت: والذي تراعى الفصاحة والبلاغة فيه من المكاتبات عن الأبواب السلطانية في زماننا مكاتبات ملوك المغرب كصاحب تونس، وصاحب تلمسان، وصاحب فاس، وصاحب غرناطة من الأندلس، وكذلك القانات العظام من ملوك المشرق ومن يجري هذا المجرى، ممن تشتمل بلاده على العلماء بالبلاغة وصناعة الكتابة. ويظهر ذلك بالاستخبار عن بلادهم، وبالاطّلاع على كتبهم الصادرة عن ملوكهم إلى الأبواب السلطانية، بخلاف من لا عناية له بذلك كحكّام أصاغر البلدان وأصحاب اللّغات العجمية من الرّوم والفرنج والسّودان ومن في معناهم؛ فإنه يجب خطابهم بالألفاظ الواضحة، إلا أن يكون في بعض بلادهم من يتعاطى البلاغة من الكتّاب ووردت كتبهم على نهجها فإنه ينبغي مكاتبتهم على سنن البلغاء.

الأصل التاسع (أن يراعي رتبة المكتوب عنه والمكتوب إليه في الخطاب، فيعبر عن كل واحد منهما في كل مكاتبة بما يليق به، ويخاطب المكتوب إليه بما يقتضيه مقامه)

الأصل التاسع (أن يراعي رتبة المكتوب عنه والمكتوب إليه في الخطاب، فيعبّر عن كل واحد منهما في كلّ مكاتبة بما يليق به، ويخاطب المكتوب إليه بما يقتضيه مقامه) فأما المكتوب عنه، فيختلف الحال فيه باختلاف منصبه ورتبته. فإن كان المكتوب عن خليفة، فقد جرت عادة من تقدّم من الكتّاب بالتعبير عنه في الكتب الصادرة عن أبواب الخلافة بأمير المؤمنين، مثل أن يقال: فجرى أمر أمير المؤمنين في كذا على كذا وكذا، وأوعز أمير المؤمنين إلى فلان بكذا، واقتضى رأي أمير المؤمنين كذا، وخرج أمر أمير المؤمنين بكذا، وتقدّم أمر أمير المؤمنين إلى فلان بكذا، وما شاكل ذلك. وربما عبّر عنه بالسلطان، مثل أن يقال في حقّ المخالفين: وحاربوا عساكر السلطان، أو ومنعوا خراج السلطان وما أشبه ذلك، يريدون الخليفة، على ما ستقف عليه في الكتب التي نوردها في المكاتبات عن الخلفاء فيما بعد إن شاء الله تعالى. وقال ابن شيث في «معالم الكتابة» : ويخاطب بالمواقف المقدّسة الشريفة، والعتبات العالية، ومقرّ الرحمة، ومحلّ الشرف. وذكر المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف» نحوه، فقال: ويخاطب بالديوان العزيز، والمقام الأشرف، والجانب الأعلى أو الشريف، وبأمير المؤمنين، مجرّدة عن سيّدنا ومولانا ومرّة غير مجرّدة، مع مراعاة المناسبة، والتسديد والمقاربة. قال: وسبب الخطاب بالديوان العزيز الخضعان عن مخاطبة الخليفة نفسه، وتنزيل الخطاب منزلة من يخاطب نفس الديوان، والمعنيّ به ديوان الإنشاء، إذ الكتب وأنواع المخاطبات إليه واردة وعنه صادرة. وقد سبق في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة نقلا عن ابن حاجب النعمان في «ذخيرة الكتاب» إنكار هذه الاستعارات والمخترعات «1» ، وسيأتي في

المكاتبة إلى الخلفاء ذكر ترتيبها إن شاء الله تعالى. وإن كان المكتوب عنه ملكا، فقد جرت العادة أن يعبّر عنه بنون الجمع للتعظيم فيقال: فعلنا كذا، وأمرنا بكذا، واقتضت آراؤنا الشريفة كذا، وبرزت مراسيمنا بكذا، ومرسومنا إلى فلان أن يتقدّم بكذا، أو يتقدم أمره بكذا، وما أشبه ذلك. وذلك أن ملوك الغرب كانوا يجرون على ذلك في مخاطباتهم، فجرت الملوك على سننهم في ذلك. وفي معنى الملوك في ذلك سائر الرؤساء، من الأمراء، والوزراء، والعلماء، والكتّاب، ونحوهم من ذوي الأقدار العلية، والأخطار الجليلة، والمراتب السنيّة في الدّين والدنيا، ممّن يصلح أن يكون آمرا وناهيا، إذا كتبوا إلى أتباعهم ومأموريهم، إذ كانت هذه النون مما يختصّ بذوي التعظيم دون غيرهم. وشاهد ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ «1» فدعاه دعاء المفرد لعدم المشاركة له في ذلك الاسم، وسأله سؤال الجمع لمكان العظمة، إلى غير ذلك من الآيات الواردة مورد الاختصاص له كما في قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها «2» وقوله: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى «3» وقوله: نَحْنُ الْوارِثُونَ «4» وغير ذلك من الآيات. قال في «معالم الكتابة» : وقد أخذ كتّاب المغرب بهذا مع ولاة أمورهم في الجمع بالميم فخاطبوا الواحد مخاطبة الجمع مثل: أنتم، وفعلتم، وأمرتم، وما أشبه ذلك. قلت: والأمر في ذلك عندهم مستمرّ إلى الآن. قال ابن شيث: وهو غير ما صوّر به عند غيرهم.

وإن كان المكتوب عنه مرؤوسا بالنسبة إلى المكتوب إليه كالتابع ومن في معناه، فقال في «موادّ البيان» : ينبغي أن يتحفّظ في شأن الكتب النافذة عنه من الإتيان بنون العظمة وغيرها من الألفاظ التي فيها تعظيم شأن المكتوب عنه مثل أن يقول: أمرت بكذا، أو نهيت عن كذا، أو أوعزت بكذا، أو تقدّم أمري إلى فلان بكذا، أو أنهي إليّ كذا، أو خرج أمري بكذا، وما في معنى ذلك مما لا يخاطب به الأتباع رؤساءهم، بل يعدل عن مثل هذه الألفاظ إلى ما يؤدّي إلى معناها مما لا عظمة فيه، مثل أن يقول: وجدت صواب الرأي كذا ففعلته، ورأيت السياسة تقتضي كذا فأمضيته، وما أشبه ذلك، إن كان عرف الكتّاب على الخطاب بالتاء، وإلا قال: وجد المملوك صواب الرأي كذا ففعله، ورأى السياسة تقتضي كذا فأمضاه، وما يجري هذا المجرى. وأما المكتوب إليه، فقال أبو هلال العسكريّ في كتابه «الصناعتين» : ينبغي أن يعرف قدر المكتوب إليه من الرؤساء، والنّظراء، والعلماء، والوكلاء؛ ليفرّق بين من يكتب إليه «أنا أفعل كذا» ومن يكتب إليه «نحن نفعل كذا» (فأنا) من كلام الأشباه والإخوان، (ونحن) من كلام الملوك؛ ويفرّق بين من يكتب إليه «فإن رأيت أن تفعل كذا» وبين من يكتب إليه: (فرأيك) . قال في «موادّ البيان» : وذلك إنّ قولهم فإن رأيت أن تفعل كذا لفظ النّظراء والمساوين، بخلاف فرأيك، فإنه لا يكتبه إلا جليل معظّم؛ لتضمنها معنى الأمر والتقدير فر رأيك، بخلاف فإن رأيت، فإنه لا أمر فيه، إذ يقال: فإن رأيت أن تفعل كذا فافعله. على أنّ الأخفش قد أنكر هذا على الكتّاب؛ لأن أقل الناس يقول للسلطان: انظر في أمري، ولفظه لفظ الأمر ومعناه السؤال. وذكر مثله في «صناعة الكتّاب» عن النحويين. قال في «موادّ البيان» : وحجّة الكتّاب أن المشافهة تحتمل ما لا تحتمله المكاتبة؛ لأن المشافهة حاضر يحضر الإنسان لا يمكنه تقييده وترتيبه، والمكاتبة بخلاف ذلك، فلا عذر لصاحبها في الإخلال بالأدب. قال ابن شيث: وقد اصطلحوا على أن يكتب في أواخر الكتب:

«وللآراء العالية فضل السموّ والقدرة إن شاء الله تعالى» . ودون ذلك: «وللرأي السامي حكمه» ودونه: «والرأي أعلى» . ودونه: «والرأي موفّق» وموفّقا بالرفع والنصب. ودونه: «ورأيه» للمجلس: «ورأيها» للحضرة. قال: وربما قالوا: «فإن رأى مولانا أن يكون كذا وكذا أمر به أو فعل» إلا أنها لا تقوم مقام قوله: والرأي أعلى. فأما لمن دونه فمحتمل. وذكر أنه كان مصطلحهم أن يقال في آخر كتب السلطان: «فاعلم ذلك واعمل به إن شاء الله تعالى» . وإن أعيان أصحاب الأقلام كانوا يكتبونه إلى من دونهم. قلت: والذي استقرّ عليه الحال أن يكتب في مثل ذلك: «وللآراء العالية مزيد العلوّ» وأن تختم الكتابة للأكابر بمثل: «فنحيط علمه بذلك» ولمن دونهم: «فنحيط بذلك علما» وللأصاغر: «فليعلم ذلك ويعتمده» ونحو ذلك. قال محمد بن إبراهيم الشيبانيّ: إن احتجت إلى مخاطبة الملوك والوزراء والعلماء والكتّاب والأدباء والخطباء وأوساط الناس وسوقتهم، فخاطب كلّا منهم على قدر أبّهته وجلالته وعلوّه وارتفاعه وفطنته وانتباهه. ولكل طبقة من هذه الطّبقات معان ومذاهب يجب عليك أن ترعاها في مراسلتك إيّاهم في كتبك؛ وتزن كلامك في مخاطبتهم بميزانه، وتعطيه قسمته، وتوفيّه نصيبه، فإنه متى أهملت ذلك وأضعته، لم آمن عليك أن تعدل بهم عن طريقتهم، وتسلك بهم غير مسلكهم، وتجري شعاع بلاغتك في غير مجراه، وتنظم جوهر كلامك في غير سلكه، فلا تعتدّ بالمعنى الجزل ما لم تكسه لفظا مختلفا على قدر المكتوب إليه؛ فإنّ إلباسك المعنى- وإن صح إذا أشرب «1» - لفظا لم تجربه عادة المكتوب إليه تهجين للمعنى، وإخلال لقدر المكتوب إليه، وظلم يلحقه، ونقص مما يجب له، كما أنّ في اتباع متعارفهم، وما انتشرت به عادتهم، وجرت به سنّتهم، قطعا لعذرهم، وخروجا عن حقّهم، وبلوغا إلى غاية مرادهم،

وإسقاطا لحجّة أدبهم. قال ابن عبد ربه: فامتثل هذه المذاهب وأجر عليها القوم «1» . قال في «موادّ البيان» : وذلك أن المعاني التي يكتب فيها وإن كان كلّ منها جنسا بعينه، كالتهنئة والتّعزية والاعتذار والعتاب والاستظهار ونحو ذلك، فإنه لا يجوز أن يخرج المعنى لكلّ مخاطب على صيغة واحدة من اللفظ، بل ينبغي أن يخرج في الصيغة المشاكلة للمخاطب، اللائقة بقدره ورتبته. ألا ترى أنك لو خاطبت سلطانا أو وزيرا بالتعزية عن مصيبة من مصائب الدنيا، لما جاز أن تبني الكلام على وعظه وتبصيره وإرشاده وتذكيره وحضّه على الأخذ بحظّ من الصبر، ومجانبة الجزع، وتلقّي الحادثات بالتسليم والرّضا؛ وإنما الصواب أن تبني الخطاب على أنه أعلى شانا، وأرفع مكانا، وأصحّ حزما، وأرجح حلما، من أن يعزّى؛ بخلاف المتأخّر في الرتبة، فإنه إنما يعزّى تنبيها وتذكيرا، وهداية وتبصيرا، ويعرّف الواجب في تلقّي السّرّاء بالشّكر، والضّرّاء بالصبر، ونحو ذلك. وكذلك إذا كاتبت رئيسا في معنى الاستزادة والشّكوى، لا يجوز أن تأتي بمعناهما في ألفاظهما الخاصّة، بل يجب أن تعدل عن [ألفاظ] الشكوى إلى ألفاظ الشّكر، وعن ألفاظ الاستزادة إلى ألفاظ الاستعطاف والسّؤال في النّظر، لتكون قد رتّبت كلامك في رتبته، وأخرجت معناك مخرج من يستدعي الزيادة لا من يشكو التقصير. قال ابن شيث في «معالم الكتابة» : ولا يخاطب السلطان في خلال الكتابة إليه بسيّدنا مكان مولانا، فإن «سيدنا» كأنها خصّصت بأرباب المراتب

الدينية والدّيوانية، «ومولانا» تخصّ السلطان وحده، وإن كان من نعوت السلطان السيّد الأجلّ. قال: على أن ذلك مخالف لمذهب المغاربة؛ فإنهم يعبّرون عن ولاة أمورهم بالسادة، ويعبّرون عن صاحب الأمر بسيّدنا، وكأن هذا كان في زمانه، وإلا فالمعروف عند أهل المغرب والأندلس الآن التعبير عن السلطان بالمولى، يقول أحدهم مولانا فلان. وأهل مصر الآن يطلقون السادة على أولاد الملوك. وكذلك لو وقع واقع للسلطان فنصحته لم يجز أن تورد ذلك مورد التنبيه على ما أغفله، والإيقاظ لما أهمله، والتعريف من الصواب لما جهله؛ لأن ذلك من القبيح الذي لا يحتمله الرؤساء من الأتباع، ولكن تبني الخطاب على أنّ السلطان أعلى وأجلّ رأيا، وأصحّ فكرا، وأكثر إحاطة بصدور الأمور وأعجازها، وأن آراء خدمه جزء من رأيه، وأنهم إنما يتفرّسون مخايل الإصابة بما وقفوا عليه من سلوك مذهبه، والتأدّب بأدبه، والارتياض بسياسته، والتنقّل في خدمته، وإنّ مما يفرضونه في حكم الإشفاق والاهتمام، وما يسبغ عليهم من الإنعام، المطالعة بما يجري في أوهامهم، ويحدث في أفكارهم، من الأمور التي يتخيّلون أنّ في العمل بها مصلحة للدولة، وعمارة للمملكة، ليتصفّحه بأصالة رأيه التي هي أوفر وأثبت. فإن استصوبه أمضاه، وإن رأى خلافه ألغاه، وكان الرأي الأعلى ما يراه؛ إلى غير ذلك مما يجرى هذا المجرى. قال ابن شيث في «معالم الكتابة» : ولا يقارن الكاتب السلطان في تكرار المواضع التي يقع الالتباس فيها بين الكاتب والمكتوب إليه؛ لأن هاء الضمير تعود عليهما معا لما تقدّم من ذكرهما، وإن كان في القرينة ما يدلّ على ذلك بعد الفكرة وإذا ابتدأ معهم بالمملوك لا يقال بعد ذلك العبد ولا الخادم، وإن كان ذلك جائزا مع غير السلطان. قال: ولا بأس بتكرار الإشارة إلى السلطان في المواضع التي يجمل فيها الاشتراك بينه وبين المكتوب إليه، مثل أن يقال: وكان قد ذكر كذا وكذا،

الأصل العاشر (أن يراعي مواقع آيات القرآن والسجع في الكتب، وذكر أبيات الشعر في المكاتبات)

والضمير في كان يصلح لهما معا، فلا بدّ هنا من ذكر المملوك، إن كان الالتباس من جهة الكاتب، أو مولانا إن كانت الإشارة إلى السلطان. الأصل العاشر (أن يراعي مواقع آيات القرآن والسّجع في الكتب، وذكر أبيات الشعر في المكاتبات) أما آيات القرآن الكريم، فقد ذكر ابن شيث في «معالم الكتابة» أنها في صدر الكتب، قد يذكرها الأدنى للأعلى في معنى ما يكتب به، مثل قوله تعالى: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً «1» وقوله تعالى: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ «2» إلى غير ذلك من الآيات المناسبة للوقائع وإن كانت في أثناء الكتب، فقد استشهد بها جماعة من الكتّاب في خلال كتبهم مما رأيته. وأما السجع، فقد ذكر ابن شيث: أنه لا يفرق فيه بين كتاب الأعلى للأدنى وبالعكس، وأنه بما يكتب عن السلطان أليق؛ لكن قد ذكر بعض المتأخّرين أن الكتابة بالسّجع نقص في حق المكتوب إليه، وقضيّته أنه لا يكتب به إلا من الأعلى للأدنى، إلا أن الذي جرى عليه مصطلح كتّاب الزمان تخصيصه ببعض الكتب دون بعض من الجانبين. وأما الشعر فيورده حيث يحسن إيراده، ويمنعه حيث يحسن منعه، فليس كلّ مكاتبة يحسن فيها إيراد الشعر، بل يختلف الحال في ذلك بحسب المكتوب

عنه والمكتوب إليه. فأما المكاتبات الصادرة عن الملوك والصادرة إليهم، فقد ذكر في «موادّ البيان» أنه لا يتمثل فيها بشيء من الشعر، إجلالا لهم عن شوب العبارة عن عزائم أوامرهم ونواهيهم والأخبار المرفوعة إليهم، بما يخالف نمطها ووضعها، ولأن الشعر صناعة مغايرة لصناعة الترسّل، وإدخال بعض صنائع الكلام في بعض غير مستحسن. قلت: الذي ذكره عبد الرحيم بن شيث في كتابه «معالم الكتابة ومواضع الإصابة» أنه [يتمثّل] بالشعر في المكاتبات الصادرة عن الملوك دون غيرهم، وهو معارض لما ذكره في «موادّ البيان» . وكأنه في موادّ البيان يريد الكتب النافذة عن الملوك إلى من دونهم، أو ممّن دونهم إليهم. أما الملوك والخلفاء إذا كتبوا إلى من ضاهاهم في أبّهة الملك وقاربهم في علوّ الرتبة، فإنه لا يمنع التمثّل بأبيات الشعر فيها، تطريزا للنثر بالنّظم، وجمعا بين جنسي الكلام اللذين هما خلاصة مقاصده. وما زالت الخلفاء والملوك السالفة يخلّلون كتبهم الصادرة عنهم إلى نظرائهم في علوّ الرتبة بالأبيات الرقيقة الألفاظ، البديعة المعاني، للاستشهاد على الوقائع المكتوب بسببها، كما كتب أمير المؤمنين «عثمان بن عفّان» رضي الله عنه حين تمالأ عليه القوم واجتمعوا على قتله إلى عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: (طويل) فإن كنت مأكولا، فكن خير آكل ... وإلّا فأدركني ولمّا أمزّق «1» ! وكما كتب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه! إلى معاوية بن أبي سفيان، في جواب كتاب له حين جرى بينهما التنازع في الخلافة، فقال في أثناء كتابه: وزعمت أنّي لكلّ الخلفاء حسدت، وعلى كلّهم بغيت؛ فإن يك ذلك كذلك فليست الجناية عليك، فيكون العذر إليك: (طويل)

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها وعلى ذلك جرى كثير من خلفاء الدولتين الأموية والعبّاسية، كما حكى العسكريّ في «الأوائل» أن أهل حمص وثبوا بعاملها فأخرجوه، ثم وثبوا بعده بعامل آخر، فأمر المتوكّل إبراهيم بن «1» العباس أن يكتب إليهم كتابا يحذّرهم فيه ويختصر، فكتب. أما بعد، فإنّ أمير المؤمنين يرى من حقّ الله تعالى عليه فيما قوّم «2» به من أود أو عدّل به من زيغ، أو لمّ به من شعث، ثلاثا يقدّم بعضهن أمام بعض، فأولاهن ما يستظهر به من عظة وحجّة، ثم ما يشفعه به من تحذير وتنبيه، ثم التي لا ينفع حسم الداء غيرها: (طويل) أناة فإن لم تغن عقّب بعدها ... وعيد، فإن لم يجد؛ أجدت عزائمه! وممن كان يكثر التمثّل بالشعر في المكاتبات من خلفاء بني العباس وتصدر إليه المكاتبات كذلك «الناصر لدين الله» حتّى يحكى أن الملك الأفضل، عليّ ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب دمشق حين تعصّب عليه أخوه الملك العزيز عثمان وعمّه الملك العادل أبو بكر، كتب إلى الناصر لدين الله يستجيشه عليهما كتابا يشير فيه إلى ما تعتقده الشّيعة من أنّ الحقّ في الخلافة كان لعليّ، وأن أبا بكر وعثمان رضي الله عنهما، تقدّما عليه، إذ كان الناصر يميل إلى التشيّع، وكتب فيه: (بسيط) مولاي، إنّ أبا بكر وصاحبه ... عثمان قد غصبا بالسّيف حقّ علي!

فانظر إلى حظّ هذا الاسم كيف لقي ... من الأواخر ما لاقى من الأول! فكتب إليه الناصر الجواب عن ذلك، وكتب فيه: (كامل) وافى كتابك يا ابن يوسف ناطقا ... بالحقّ يخبر أنّ أصلك طاهر! غصبوا عليّا حقّه إذ لم يكن ... بعد النّبيّ له بيثرب ناصر! فاصبر فإنّ على الإله حسابهم ... وابشر فناصرك الإمام الناصر! وعلى ذلك جرى الملوك القائمون على خلفاء بني العباس في مكاتباتهم أيضا. كما كتب أبو إسحاق الصابي عن معزّ الدولة بن بويه، إلى عدّة الدولة أبي تغلب كتابا يذكر له فيه خلاف قريبين له، لم يمكنه مساعدة أحدهما على الآخر، واستشهد فيه بقول المتلمس «1» : (طويل) وما كنت إلا مثل قاطع كفّه ... بكفّ له أخرى فأصبح أجذما! فلمّا استقاد الكفّ، بالكفّ، لم يجد ... له دركا في أن تبينا فأحجما «2» وعلى هذا النّهج جرى الحال في الدّولة الأيّوبية بالديار المصرية. كما كتب القاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين «يوسف بن أيّوب» إلى ديوان الخلافة ببغداد، عند قتل ابن رئيس الرّؤساء وزير الخليفة كتابا ليسلّي الخليفة عنه، وكان ممن أساء السيرة وأكثر الفتك، متمثّلا بالبيتين المقولين في أبي حفص الخلّال، وزير أبي العبّاس السّفّاح، وكان يعرف بوزير آل محمد: (كامل) إنّ المكاره قد تسرّ، وربّما ... كان السّرور بما كرهت جديرا!

إنّ الوزير وزير آل محمّد ... أودى، فمن يشناك كان وزيرا وكما كتب القاضي «محيي الدين بن عبد الظاهر» عن «المنصور قلاوون» إلى صاحب اليمن في جواب تعزية أرسلها إليه في ولده الملك الصالح، مع تعريضه في أمر له بأن الحروب مما يشغل عن المصائب في الأولاد، مستشهدا فيه بقوله: (وافر) إذا اعتاد الفتى خوض المنايا ... فأهون ما تمرّ به الوحول! وكما كتب صاحبنا الشيخ علاء الدين البيري، رحمه الله، عن «الظاهر برقوق» صاحب الديار المصرية، جوابا لصاحب تونس من بلاد المغرب، واستشهد فيه لبلاغة الكتاب الوارد عنه بقوله: (خفيف) وكلام كدمع صبّ «1» غريب ... رقّ حتّى الهواء يكثف عنده! راق لفظا، ورقّ معنى، فأضحى ... كلّ سحر من البلاغة عبده! وعلى ذلك جرت ملوك المغرب من بني مرين وغيرهم. كما كتب بعض كتّاب السلطان أبي «الحسن المرينيّ» عنه إلى السلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» صاحب الديار المصرية كتابا يخبره في خلاله أنّ صاحب بجاية «2» خرج عن طاعته فغزاه، وأوقع به وبجيوشه ما قمعه، مستشهدا فيه بقوله: (سريع) إن عادت العقرب، عدنا لها ... وكانت النّعل لها حاضره إلى غير ذلك من المكاتبات الملوكية التي لا تحصى كثرة. بل ربما وقع التمثيل بالشّعر في المكاتبات عن الخلفاء والملوك إلى من دونهم وبالعكس.

كما حكى العسكريّ في «الأوائل» أن رافعا رفع كتابا إلى الرّشيد، وكتب في أسفله: (طويل) إذا جئت عارا أو رضيت بذلّة، ... فنفسي على نفسي من الكلب أهون! فكتب إليه الرشيد كتابا وكتب في أسفله: (طويل) ورفعك نفسا طالبا فوق قدرها ... يسوق لك الحتف المعجّل والذّلّا وبالجملة فمذاهب الناس في التمثّل بالشّعر في المكاتبات الملوكيّة مختلفة، ومقاصدهم متباينة بحسب الأغراض؛ ولذلك أورد الشيخ جمال الدين بن نباتة هذه المسألة في جملة أسؤولته، التي سأل عنها كتّاب الإنشاء بدمشق، مخاطبا بها الشيخ شهاب الدين محمودا الحلبيّ، وهو يومئذ صاحب ديوان الإنشاء بها فقال: ومن كره الاستشهاد في مكاتبة الملوك بالأشعار؟ وكيف تركها على ما فيها من الآثار؟ أما المكاتبات الإخوانيات الواقعة بالتّهاني، والتّعازي، والتّزاور، والتّهادي، والمداعبة، وسائر أنواع الرّقاع في فنون المكاتبات، فقد قال في «موادّ البيان» : إنه يجوز أن تودع أبيات الشعر على سبيل التمثّل وعلى سبيل الاختراع، محتجّا بأن الصّدر الأوّل كانوا يستعملون ذلك في هذه المواضع. وهذا الذي ذكره لا خفاء فيه، وكتب الرسائل المدوّنة من كلام المتقدّمين والمتأخّرين من كتّاب المشرق والمغرب شاهدة بذلك، ناطقة باستعمال الشعر في المكاتبات، وأثنائها ونهاياتها، ما بين البيت والبيتين فأكثر، حتّى القصائد الطّوال. وأكثر ما يقع من ذلك البيت المفرد والبيتان فما حول ذلك. كما استشهد القاضي الفاضل في بعض مكاتباته في الشوق بقوله: (طويل) ومن عجبي أنّي أحنّ إليهم، ... وأسأل عنهم من أرى وهم معي! وتطلبهم عيني وهم في سوادها ... ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي! وكما كتب أيضا لبعض إخوانه في جواب كتاب: (طويل)

الأصل الحادي عشر (أن يأتي في مكاتبته بحسن الاختتام)

وكم قلت حقّا: ليتني كنت عنده! ... وما قلت إجلالا له: ليته عندي! وكما كتب في وصف كتاب ورد عليه مستشهدا بقوله: (كامل) وحسبته- والطّرف معقود به- ... وجه الحبيب بدا لوجه محبّه! وكما كتب في كتاب تعزية بصديق مستشهدا فيه بقوله: (طويل) وذاك الّذي لا يبرح الدّهر رزؤه «1» ، ... ولا ذكره ما أرزمت أمّ حائل. إلى غير ذلك من المكاتبات التي لا يأخذها حصر، ولا تدخل تحت حدّ، مما ستقف على الكثير منه في الكلام على مقاصد المكاتبات، إن شاء الله تعالى. الأصل الحادي عشر (أن يأتي في مكاتبته بحسن الاختتام) ويرجع إلى معنيين، كما في حسن الافتتاح المقدّم ذكره. المعنى الأوّل- أن يكون الحسن فيه راجعا إلى المعنى المختتم به ، إما بمعاطاة الأدب من المرؤوس إلى الرئيس ونحو ذلك، وإما بما يقتضي التعزير والتوقير من الرئيس إلى المرؤوس، كالاختتام بالدعاء ونحو ذلك، مما يقع في مصطلح كل زمن. المعنى الثاني- أن يكون الحسن فيه راجعا إلى ما يوجب التحسين من سهولة اللفظ ، وحسن السّبك، ووضوح المعنى، وتجنّب الحشو، وغير ذلك من موجبات التحسين؛ كما كتب الصاحب بن عبّاد في آخر رسالة له: «لئن حنثت «2» فيما حلفت، فلا خطوت لتحصيل مجد، ولا نهضت لاقتناء حمد، ولا سعيت إلى مقام فخر، ولا حرصت على علوّ ذكر» . قال أبو هلال

الأصل الثاني عشر (أن يعرف مقادير قطع الورق، وسعة الطرة والهامش، وسعة بيت العلامة ومقدار ما بين السطور وما يترك في آخر الكتاب)

العسكري: فهذه اليمين، لو سمعها عامر بن الظّرب، لقال هي اليمين الغموس لا القسم باللات والعزّى «1» ومناة الثالثة الأخرى، ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى. قلت: واعتبار هذه الأصول [الأحد عشر] «2» بعد ما تقدّم اعتباره في الكلام على صنعة إنشاء الكلام وترتيبه في المقالة الأولى، من أنه لا يستعمل في كلامه ما أتت به آيات القرآن الكريم، من الاختصار، والحذف، ومخاطبة الخاصّ بمخاطبة العامّ، ومخاطبة العامّ بمخاطبة الخاصّ، ولا ما يختصّ بالشّعر من صرف ما لا ينصرف، وحذف ما لا يحذف، وقصر الممدود، ومدّ المقصور، والتقديم والتأخير، والإضمار في موضع الإظهار، وتصغير الاسم في موضع التعظيم، مثل دويهية، وما شاكل ذلك مما تقدّم التنبيه عليه في موضعه، فلا بدّ من اعتباره هنا. الأصل الثاني عشر (أن يعرف مقادير قطع الورق، وسعة الطّرّة والهامش، وسعة بيت العلامة ومقدار ما بين السّطور وما يترك في آخر الكتاب) أما مقدار قطع الورق، فقد تقدّم في المقالة الثالثة أنه يختلف باختلاف المكتوب إليهم عن السلطان، فكلّما عظم قدر المكتوب إليه، عظم مقدار قطع الورق؛ وربما روعي في ذلك قدر المكتوب عنه والمكتوب إليه جميعا.

وأما طول الطّرّة «1» في أعلى الكتاب، فقد ذكر في «معالم الكتابة» أنها تطوّل فيما إذا كان الكتاب من الأعلى إلى الأدنى، وتكون متوسطة من الأتباع، وسيأتي أنّ المصطلح عليه في زماننا أن المكاتبات الصادرة عن السلطان تكون الطرّة فيها ما بين ثلاثة أوصال إلى وصلين، ومن النّواب ومن في معناهم تكون وصلا واحدا. وأما مقدار سعة الهامش فقد سمعت بعض فضلاء الكتّاب يذكر أن الضابط فيه أن يكون ثلث عرض الدّرج المكتوب فيه. وأما بيت العلامة فقد تقدّم أنه يكون مقدار نحو شبر في كتب السلطان، أما في غيره- حيث كانت العلامة تحت البسملة- فتكون نحو ثلاثة أصابع أو أربعة. وأما سعة ما بين السطور فقد تقدّم أنها تكون بمقدار نصف بيت العلامة. وذكر ابن شيث أنها ثلاثة أصابع أو أربعة. وأما [ما يترك في] آخر الكتاب فقد ذكر ابن شيث أنه لا يترك في آخر المكاتبة شيئا. وأما الخطّ فإنه كلّما غلظ القلم واتسعت السطور كان أنقص في رتبة

الطرف الثاني (في بيان مقادير المكاتبات وما يناسبها من البسط والإيجاز، وما يلائم كل مكاتبة منها من المعاني)

المكتوب إليه وقد ذكر في «معالم الكتابة» أنّ الكتب الصادرة إلى السلطان لا يكون بين سطورها أكثر من إصبعين. الطّرف الثاني (في بيان مقادير المكاتبات وما يناسبها من البسط والإيجاز، وما يلائم كلّ مكاتبة منها من المعاني) ولتعلم أن المكاتبات على ثلاثة أقسام: القسم الأوّل (ما يكتب عن السلطان أو من في معناه من الرؤساء إلى الأتباع، وهي على ضربين) الضرب الأوّل (ما يعمل فيه على الإيجاز والاختصار) وقد استحسنوا الإيجاز في خمسة مواضع: أحدها- أن يكون المكتوب عن السلطان في أوقات الحروب إلى نوّاب الملك . قال في «حسن التوسل» : فيجب أن يتوخّى الإيجاز والألفاظ البليغة الدالة على القصد، من غير تطويل ولا بسط يضيع المقصد ويفصل الكلام بعضه من بعض. ولا يعمد في ذلك إلى تهويل لأمر العدوّ يضعف القلوب، ولا تهوين لأمره بحيث يحصل به الاغترار. الثاني- أن يكون ما يكتب به عن السلطان خبرا يريد التورية به عنه وستر حقيقته، كإعلامهم بالحوادث الحادثة على الملوك، والنوائب الملمّة بالدولة من هزيمة جيش، أو تغيير رسم، أو إحداثه، أو تكليف الرعيّة ما لا يسهل عليها تكليفه وما أشبه ذلك. قال في «موادّ البيان» : فيجب أن يقصد في ذلك الاختصار والإيجاز، ويعدل عن استعمال الألفاظ الخاصّة بالمعنى إلى غيرها مما يحتمل التأويل، ولا تنفر الأسماع عنه، ولا تراع القلوب به، من غير أن يحتمل كذبا

الثالث - أن يكون المكتوب به عن السلطان أمرا أو نهيا

صراحا «1» ؛ فإنه لا شيء أقبح بالسلطان، ولا أغمص لشأنه وقدره من أن يضمّن كتابه ما ينكشف للعامّة بطلانه. قال: وينبغي للكاتب أن يتخلّص من هذا الباب التخلّص الجيّد الذي يزيّن به الأثر، من غير تصريح بكذب، وأن يخرج الباطل في صورة الحق، ويعرّض سلطانه في ذلك للإحماد والتقريظ من حيث يستحقّ التأنيب والإذمام، فإن هذه سبيل البلاغة، وطريقة فضلاء الصّناعة؛ لأن الأمر الظاهر الحسن المجمع على فضله لا يحتاج في التعبير عن حسنه إلى كدّ الخاطر، وإتعاب الفكر، إذ الألكن «2» لا يعجز عن التعبير عنه فضلا عن اللّسن «3» ، وإنما الفضل في تحسين ما ليس بحسن، وتصحيح ما ليس بصحيح، بضروب من التمويه والتخييل، وإقامة المعاذير، والعلل المعفّية على الإساءة والتقصير، من حيث لا يلحق كذب صريح ولا زور مطلق. ولضيق هذا المقام وصعوبة مرتقاه، أورده الشيخ جمال الدين بن نباتة في جملة مسائله التي سأل عنها كتّاب الإنشاء بدمشق- فقال: وما الذي يكتب عن المهزوم إلى من هزمه؟. الثالث- أن يكون المكتوب به عن السلطان أمرا أو نهيا . قال في «موادّ البيان» : فحكمها حكم التوقيعات الوجيزة الجامعة للمعاني، الجازمة بالأمر أو النهي، اللهم إلا أن يكون الأمر أو النهي مما يحتاج إلى رسوم ومثل يعمل عليها، فيحتاج إلى الإطالة والتكرير، بحسب ما يؤمر به وينهى عنه دون الحذف والإيجاز. الرابع- أن تكون الكتب المكتوبة عن السلطان باستخراج الخراج وجباية الأموال وتدبير الأعمال. قال في «موادّ البيان» : فسبيلها أن ينصّ فيها على ما رآه السلطان ودبّره، ثم يختتم بفصل مقصور على التوكيد في امتثال أمره

الخامس - أن يكون ما يكتب به عن السلطان إحمادا أو إذماما

وإنفاذه؛ ولا يقتصر على ما تقدّم، إيجابا للحجّة، وتضييقا للعذر، وحسما لأسباب الاعتذار. الخامس- أن يكون ما يكتب به عن السلطان إحمادا أو إذماما ، أو وعدا أو وعيدا أو استقصارا أو عذلا أو توبيخا. قال في «موادّ البيان» : فيجب أن يشبع الكلام ويمدّ القول، بحسب ما يقتضيه أمر المكتوب إليه، في الإساءة والإحسان، والاجتهاد والتقصير، لينشرح صدر المشمّر المحسن، وينبسط أمله ورجاؤه؛ ويرتدع المقصّر المسيء، ويرتجع عما يذمّ منه، ويتلافى ما فرّط فيه. الضرب الثاني (ما يعمل فيه على البسط والإطناب) وقد استحسنوا البسط في موضعين: أحدهما- أن يكون ما يكتب به السلطان خبرا يريد تقرير صورته في نفوس العامة ، كالإخبار بالفتوحات المتجدّدة في إعلاء الدّين والسلطان. قال في «موادّ البيان» : فيجب أن يشبع القول فيها، ويبني على الإسهاب والإطناب وتكثير الألفاظ المترادفة، ليعرفوا قدر النّعمة الحادثة، وتزيد بصائرهم في الطاعة، ويعلو موضع سلطانهم من عناية الله تعالى به، فتقوى قلوب أوليائه، وتضعف قلوب أعدائه؛ لأنه لو كتب كتابا في فتح جليل ليقرأ في المحافل والمشاهد العامّة على رؤوس الأشهاد بين العامّة ومن يراد تفخيم السلطان في نفسه على صورة الاختصار، لأوقع كلامه في غير رتبته، ودلّ ذلك على جهله. وقد أوضح الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ، رحمه الله، هذا المقام في كتابه «حسن التوسل» فقال: وإذا كتب في التهاني بالفتوح فليس إلا بسط الكلام والإطناب في شكر نعمة الله تعالى، والتبرّي من الحول والقوّة إلا به، ووصف ما أعطى من النصر، وذكر ما منح من الثبات، وتعظيم ما يسّر من الفتح؛ ثم وصف ما بعد ذلك من عزم، وإقدام، وصبر، وجلد، عن الملك وعن جيشه مما حسن وصفه ولاق ذكره، وراق التوسّع فيه، وعذب بسط الكلام معه. قال: ثم كلّما اتسع

مجال الكلام في ذكر الواقعة ووصفها، كان أحسن وأدلّ على السّلامة، وأدعى لسرور المكتوب إليه، وأحسن لتوقّع المنّة عنده، وأشهى إلى سمعه، وأشفى لغليل شوقه إلى معرفة الحال. قال: ولا بأس بتهويل أمر العدوّ، ووصف جمعه وإقدامه، فإنّ في تصغير أمره تحقيرا للظّفر به. قال في «موادّ البيان» : ولا يحتجّ للإيجاز في كتب الفتوح بما كتب به كاتب المهلّب «1» بن أبي صفرة إلى الحجّاج في فتح الأزارقة، على ارتفاع خطره، وطول زمانه، وعظم صيته، من سلوكه فيه مسلك الاختصار؛ حيث كتب فيه: «الحمد لله الذي كفى بالإسلام فقد ما سواه، وجعل الحمد متصلا بنعماه؛ وقضى أن لا ينقطع المزيد من فضله، حتّى ينقطع الشّكر من خلقه. ثم إنّا كنّا وعدوّنا على حالين مختلفين، نرى منهم ما يسرّنا أكثر مما يسوءنا، ويرون منا ما يسوءهم أكثر مما يسرّهم؛ فلم يزل ذلك دأبنا ودأبهم، ينصرنا الله ويخذلهم، ويمحّصنا ويمحقهم؛ حتّى بلغ الكتاب بناديهم أجله فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «2» . فإنه إنما حسن في موضعه لمخاطبة السّلطان به، ولغرض كانت المكاتبة فيه. قال: فإن كتب مثل هذا الكتاب عن السلطان في مثل هذا الفتح أو ما يقاربه؛ ليورد على العامّة، ويقرّر في نفوسهم به قدر النعمة، لم يحسن موقعه،

الثاني - أن يكون ما يكتب به عن السلطان في أوقات حركات العدو إلى أهل الثغور

وخرج عن شرط البلاغة بوضعه إيّاه في غير موضعه، وذكر العسكريّ نحو ذلك في «الصناعتين» . ثم قال في «حسن «1» التوسل» : وإن كان المكتوب إليه ملكا صاحب مملكة بمفرده، تعيّن أن يكون البسط أكثر، والإطناب والتهويل أبلغ، والشرح أتمّ. ثم قال: وإن اضطرّ أن يكتب مثل ذلك إلى ملك غير مسلم لكنّه غير محارب، فالحكم في ذلك أن يذكر من أسباب المودّة ما يقتضي المشاركة في المسارّ، وأنّ أمر هذا العدوّ مع كثرته أخذ بأطراف الأنامل، وآل أمره إلى ما آل. ويعظّم ذكر ما جرى عليه من القتل والأسر، ويقول: إن تلك عوائد نصر الله تعالى لنا، وانتقامه ممّن عادانا. وإن كان المكتوب إليه متّهما بممالأة العدوّ، كتب إليه بما يدل على التّقريع والتهكّم والتهديد في معرض الإخبار. الثاني- أن يكون ما يكتب به عن السلطان في أوقات حركات العدوّ إلى أهل الثّغور ، يعلمهم بالحركة للقاء عدوّهم قال في «حسن «2» التوسل» : فيجب أن يبسط القول في وصف العزائم، وقوّة الهمم، وشدّة الحميّة للدّين، وكثرة العساكر والجيوش وسرعة الحركة، وطيّ المراحل، ومعاجلة العدوّ، وتخييل أسباب النّصر، والوثوق بعوائد الله تعالى في الظّفر، وتقوية القلوب منهم، وبسط آمالهم، وحثّهم على التيقّظ، وحفظ ما بأيديهم، وما أشبه ذلك. ويبرز ذلك في أمثل كلام وأجلّه وأمكنه، وأقربه من القوّة والبسالة، وأبعده من اللّين والرقّة. ويبالغ في وصف الإنابة إلى الله تعالى واستنزال نصره وتأييده، والرّجوع إليه في تثبيت الأقدام، والاعتصام به في الصبر، والاستعانة به على العدوّ، والرغبة إليه في خذلانهم وزلزلة أقدامهم وجعل الدائرة عليهم، دون التصريح ببطلان حركتهم، ورجاء تأخّرهم، وانتظار العرضيّات في ضعفهم، لما في ذلك

القسم الثاني (ما يكتب به عن الأتباع إلى السلطان والطبقة العليا من الرؤساء، وهو على ضربين)

من إيهام الضّعف عن لقائهم، واستشعار الوهم والخوف منهم. القسم الثاني (ما يكتب به عن الأتباع إلى السلطان والطّبقة العليا من الرؤساء، وهو على ضربين) الضرب الأوّل (ما يعمل فيه على الإيجاز والاختصار) وقد استحبّوا الإيجاز في ثلاثة مواضع: أحدها- أن يكون ما يكتب به من باب الشكر على نعمة يسبغها سلطانه عليه ، وعارفة يسديها إليه. قال في «موادّ البيان» : فسبيله أن لا يبنيها على الإسهاب وتجاوز الحدّ، بل يبنيها على اللّفظ الوجيز، الجامع لمعاني الشّكر، المشتمل على أساليب الاعتراف والاعتداد، فإنّ إطناب الأصاغر في شكر الرؤساء داخل في باب الإضجار والإبرام، ولا سيّما إذا رجعوا إلى خصوصيّة وتقدّم خدمة. وكذلك لا يكثر من الثناء عليه؛ لأن ذلك من باب الملق الذي لا يليق إلا بالأباعد الذين لم يتقدّم لهم من المواتّ «1» والحرم» ما يدلّ على صحّة عقائدهم، ولم يضف عليهم من النّعم ما يوجب خلوص نيّاتهم. أما إذا كان المثني أجنبيّا متكسّبا بالتقريظ والثناء، فإنه لا يقبح به الإيغال والإغراق فيهما. قال: وكذلك لا ينبغي للخاصة الإكثار من الدعاء، وتكريره في صدور الكتب عندما يجري ذكر الرئيس، فإنّ في ذلك مشقّة وكلفة يستثقلها الملوك. والحكم فيما يستعمل من ذلك في الكتب شبيه بما يستعمل شفاها منه. ويقبح من خادم السلطان أن يشغل سمعه في مخاطبته إياه بكثرة الدعاء وتكريره. الثاني- أن يكون ما يكتب به التابع إلى السلطان ونحوه في سؤال حسن

الثالث - أن يكون ما يكتب به التابع إلى المتبوع من باب التنصل

النظر وشكوى الفقر والخصاصة «1» . قال في «موادّ البيان» : فيبني القول على الإيجاز ويمزج الشكوى بالشّكر والاعتداد بالآلاء «2» ، والرغبة في مضاعفة الإحسان والزيادة في البرّ، والإلحاق بالطّبقة الرابعة في إيلاء العوارف، فإن ذلك أعطف لقلب الرئيس، وأدعى إلى بلوغ الغرض. ولا يكثر شكوى الحال ورثاثتها، واستيلاء الخصاصة والفقر عليه، فإن ذلك يجمع إلى الإضجار والإبرام شكاية الرئيس بسوء حال مرؤسه، وقلة ظهور نعمته عليه، وذلك مما يكرهه الرؤساء ويذمّونه. الثالث- أن يكون ما يكتب به التابع إلى المتبوع من باب التنصّل والاعتذار عن شيء قرف به عند رئيسه. قال في «موادّ البيان» : فسبيله أن يبني كلامه على الاختصار، ويعدل عن الإسهاب والإطناب، ويقصد إلى النّكت التي تزيل ما عرض عنده من الشّبهة في أمره، وتمحو الموجدة السابقة إلى ضمير رئيسه. ولا يصرّح ببراءة الساحة عن الإساءة والتقصير، فإنّ ذلك مما يكرهه الرؤساء من أتباعهم؛ لأن عادتهم جارية بإيثار اعتراف الخدم بالتقصير والتّفريط، والإقرار بالمقروف به ليكون لهم في العفو عند الإقرار موضع منّة مستأنفة تستدعي شكرا، وعارفة مستجدّة تقتضي نشرا. أما إذا أقام التابع الحجة على براءته مما قرف به، فلا موضع للإحسان إليه في إقراره على منزلته والرضا عنه، بل يكون ذلك قدرا واجبا له، إن منعه إيّاه ظلمه وتعدّى عليه. الضرب الثاني (ما يعمل فيه على البسط والإطناب) وقد استحبّوا البسط هنا في موضع واحد؛ وهو ما إذا كان ما يكتب به

القسم الثالث (ما يكتب به إلى الأكفاء والنظراء، والطبقة الثانية من الرؤساء)

التابع إلى السلطان واقعا في باب الإخبار بأحوال ما ينظر فيه من الأعمال، وما يجري على يديه من المهمّات. قال في «موادّ البيان» : فسبيله أن يوفّي حقّه في الشرح والبيان، ويسلك فيه طريقة يجمع فيها بين إيضاح الأغراض من غير هذر يضجر ويملّ، ولا اختصار يقصّر ويخلّ، وأن يقصد إلى استعمال الألفاظ السّهلة التي تصل معانيها إلى الأفهام من غير كلفة، ويتجنب ما يقع فيه تعقيد وتوعير أو إبهام، إلا أن يعرض له في المكاتبة ما يحتاج إلى التّورية والكناية كما تقدّم فيما إذا أطلق عدوّ لسانه في السلطان فإنه يحتاج إلى الكناية عنه على ما مرّ. القسم الثالث (ما يكتب به إلى الأكفاء «1» والنّظراء، والطبقة الثانية من الرؤساء) قال في «موادّ البيان» : وسبيل مكاتبتهم أن يؤتى فيها باللفظ المساوي للمعنى من غير إيجاز ولا إطناب؛ لأنها رتبة متوسطة بين الرّتبتين المتقدّمتين. ولا يخفى أنّ ما ذكره إنما هو عند الوقوف مع حقائق المكاتبات. أما الإخوانيّات المطلقة، فإنها تكون في الطّول والقصر بحسب ما بين الصديقين من المودّة والقرب، وما يعلمه كلّ واحد منهما من خلق الآخر، وما توجبه دالّته عليه. وسيأتي في مقاصد المكاتبات من أمثلة الأقسام الثلاثة ما يوضّح مقاصدها ويقرّب مآخذها إن شاء الله تعالى. الطّرف الثالث (في أمور تختص بالأجوبة، وفيه جملتان) الجملة الأولى (في بيان أيّ الأمرين من الابتداء والجواب أعلى رتبة وأبلغ في صناعة الكتابة) وقد اختلف الكتّاب في ذلك، فذهب أكثر البلغاء إلى أن الكتب الجوابيّة

أتعب مطلبا وأصعب مرتفى من الكتب الابتدائية، وأن فيها تظهر مهارة الكاتب وحذقه، لا سيما إذا كان الخطاب محتملا «1» للاعتذار والاعتلال عن امتثال الأوامر والنواهي، والتّورية عن نصوص الأحوال، والإعراض عن ظواهرها، قائدا إلى استعمال المغالطة، موجبا للانفصال عن الاحتجاج والإلزام، ونحو ذلك مما يؤدّي إلى الخلاص من المكاره. واحتجّوا لترجيح ذلك بوجوه. منها- أن المبتديء محكّم في كتابه، يبتديء بألفاظه كيف شاء، ويقطعها حيث يشاء، ويتصرّف في التقديم والتأخير، والحذف والإثبات والإيجاز والإسهاب؛ ويبني على أساس يؤسسه لنفسه، والمجيب ليس له تقديم ولا تأخير، وإنما هو تابع لغرض المبتديء، بان على أساسه. ومنها- أنّ المجيب- إذا كان جوابه محتملا للإشباع والتوسّع- مضطرّ إلى اقتصاص ألفاظ المبتديء واتّباعها للإجابة عنها، وذلك يؤدّي إلى تصفّح كلام المبتديء والمجيب ويصل ما بين الكلامين، لأن الكلامين يتقابلان فلا تخفى رتبتهما والفاضل منهما من الرّذل، وهذا مرفوع عن المبتديء. ومنها- أن تأليف الكلام وانتظامه واتّساقه والتئامه يقدر منها المبتديء على ما لا يقدر عليه المجيب؛ لأن الجواب يفصّل أجزاء الكلام ويبدّد نظامه ويقسّمه أقساما، لمكان الحاجة إلى استئناف القول من الفصل بعد الفصل بقول وأمّا كذا وأمّا كذا، فظهور الصورة المستحسنة، في المتصل أكثر من ظهورها في المنفصل. أما إذا كان الجواب مقتضبا مبنيّا على امتثال مأمور، أو انتهاء عن منهيّ عنه، فإنه سهل المرام، قريب المتناول؛ لأنه إنما يشتمل على ذكر وصول الكتاب والعمل بما فيه.

وذهب صاحب «موادّ البيان» إلى أنّ الابتداء والجواب في ذلك على حدّ واحد، وإن «1» كان الكاتب قد يجيد في الابتداء ولا يجيد في الجواب وبالعكس محتجّا لذلك بأن كلّا من المبتديء والمجيب ممتاح «2» من جودة الغريزة، محتاج من البلاغة والصّناعة إلى ما يحتاج إليه الآخر، لأن الكاتب يكون تارة مبتدئا وتارة مجيبا، وليست الإجابة بصناعة على حيالها، ولا البداية بصناعة على حيالها، بل هما كالنوعين للجنس، ولا منع من أن يكون الكاتب ماهرا في نوع دون نوع. قال: والكاتب لا يكون في الأمر الأعمّ كاتبا عن نفسه وإنما يكون كاتبا عن آمر يأمره بالكتابة في أغراضه ويسلّمها إليه منثورة، فيحتاج إلى نظمها وضمّها وإبرازها في صورة محيطة بجميع الأغراض من غير إخلال بشيء منها، فعلى المبتديء من المشقّة في إيراد أغراض المكتوب عنه في الصّورة الجامعة لها مع نظمها في سلك البلاغة مثل ما على المجيب من المشقّة في توفية فصول كتاب المبتديء حقّها من الإجابة والتصرّف على أوضاع ترتيبها، بل كلفة المجيب قريبة، لأنه يستنبط من نفس معاني كتاب المبتديء للمعاني التي يجيب بها، لأن الجواب لا يخلو من أن يكون يوافق الابتداء أو يناقضه، فإن وافقه فالأمر سهل، وإن ناقضه فإنّ كل نقيض قائم في الوهم على مقابلة نقيضه، إلا أنه أتعب على كل حال من الموافق، ولا شكّ أن الجواب بتجزئته قد خفّ تحمّله، إذ ليس من يجمع خاطره على الفصل الواحد حتّى يخرج عن جوابه كمن يجمع خاطره على الكتاب كلّه، ثم قال: وليس القصد مما ذكرناه مناقضة مشايخ صناعتنا «3» ، ولكن القصد تعريف الحق الذي يجب اعتقاده والعمل عليه.

الجملة الثانية (في بيان ترتيب الأجوبة)

الجملة الثانية (في بيان ترتيب الأجوبة) واعلم أن للجواب حالتين: الحالة الأولى- أن يكون الجواب من الرئيس إلى المرؤوس عما كتب به الرئيس إليه ، فالذي ذكره في «موادّ البيان» أن للرئيس أن يبني حكاية كتاب مرؤوسه إليه في جوابه على الاختصار، ويجمع معانيه في ألفاظ وجيزة، محيطة بما وراءها كأن يقول: وصل كتابك في معنى كذا وفهمناه. الحالة الثانية- أن يكون الجواب من المرؤوس إلى الرئيس عما كتب به الرئيس إليه ، قال في «موادّ البيان» : والواجب في هذه الحالة أن يحكي فصول كتاب رئيسه على نصّها ويقصّها على وجهها من غير إخلال بشيء منها، إعظاما لقدر الرئيس وإجلالا لخطابه. قال: وليس للمجيب إن مرّ في كتاب الرئيس بلفظة واقعة في غير موضعها أن يبدلها بغيرها، لما في ذلك من الإشارة إلى أن هذا أصحّ من كتاب رئيسه في ألفاظه ومعانيه. قال: ولا يجوز الخروج عن حكاية لفظ رئيسه في كتابه بحال، اللهم إلا أن يكون الكتاب الوارد على المجيب في معنى الشكر والتّقريظ من رئيسه له والثناء عليه في قيامه بالخدمة، فإنه لا يجوز أن يأتي به على نصه؛ لأنه يصير بذلك مادحا نفسه، ومدح الإنسان نفسه غير سائغ، ولا يجوز أن يهمل ذكره جملة؛ لأنه يكون قد أخلّ بما يجب من شكره له على تشريف رتبته بإحماده له والثّناء عليه، بل الواجب أن يوقع تلك الصفة على جملة تجعل نفسه بعضا منها، مثل أن يقول: «فأما ما وصفه من اعتداده بخادمه في جملة من نهض بحقوق خدمته، وقام بفرض طاعته، فأهلّه لما يرفع الأقدار من إحماده وثنائه، ويعلي الأخطار من شكره ودعائه» وما يضاهي هذا من العبارة التي تشتمل على معاني ألفاظ رئيسه، فإنه إذا قصد هذا السبيل في حكاية كتاب رئيسه في هذا المعنى، فقد جمع بين البلاغة والإتيان على معاني ألفاظ رئيسه والأدب في ترك التفخيم لنفسه بإضافته لها إلى جملة الخاصّة دون إيقاع المدح عليها فقط.

قلت: هذا هو الترتيب الذي يجب اعتماده في الأجوبة، فلا يجوز الخروج عنه إلى غيره، على أن كتّاب زماننا قد اطّرحوا النظر في ذلك جملة، وصاروا يكتبون الأجوبة بحسب التشهّي؛ فمنهم من يحكي الكتاب الذي يقع الجواب عنه بنصه مطلقا، سواء كان من رئيس أو مرؤوس وبالعكس، مع قطع النظر عما وراء ذلك. فتنبه لهذه الجملة فإنها دقيقة جليلة.

الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة الرابعة (في ذكر أصول المكاتبات وترتيبها، وبيان لواحقها ولوازمها. وفيه طرفان)

الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة الرابعة (في ذكر أصول المكاتبات وترتيبها، وبيان لواحقها ولوازمها. وفيه طرفان) الطرف الأوّل (في ذكر أصولها وترتيبها. وفيه جملتان) الجملة الأولى (في المكاتبات إلى أهل الإسلام) واعلم أنّ المكاتبات الدائرة بين المسلمين من صدر الإسلام وإلى زماننا لا يأخذها حدّ ولا تدخل تحت حصر. والمشهور استعماله منها في دواوين الإنشاء على اختلاف الأزمان خمسة عشر أسلوبا. الأسلوب الأوّل (أن تفتتح الكتب بلفظ «من فلان إلى فلان» ) قال أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» : وأوّل من كتب بذلك قسّ «1» ابن ساعدة الإياديّ، وعلى ذلك كانت مكاتبات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والسلف من الصحابة

الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بلفظ «لفلان من فلان» أو «إلى فلان من فلان» وبقية الصدر، والتخلص ب «أما بعد» أو غيرها، والاختتام بالسلام وغيره على ما تقدم في الأسلوب الأول)

والتابعين رضوان الله عليهم. فكان النبي، صلّى الله عليه وسلّم يكتب: «من محمد رسول الله إلى فلان» . ثم كتب أبو بكر الصدّيق، رضي الله عنه، في خلافته: «من أبي بكر خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» . ثم كتب عمر بعده: «من عمر بن الخطاب خليفة خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى فلان» . فلما لقّب بأمير المؤمنين زاد في ذلك لفظ «عبد الله» قبل عمر، ولقب «أمير المؤمنين» ، بعده؛ فكان يكتب: «من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى فلان» . ولم يزل الأمر على ذلك إلى خلافة هارون الرشيد، فأمر أن يزاد في صدور الكتب بعد «فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلّي على جدّه «1» محمد عبده ورسوله» . فجرى الأمر على ذلك في زمنه وما بعده، قال أبو هلال العسكريّ في «الأوائل» : وكان ذلك من أجلّ مناقبه. قال صاحب «ذخيرة الكتّاب» : وكان الرشيد قد قال ليحيى بن خالد: إني قد عزمت على أن يكون في كتبي: «من عبد الله هارون الإمام أمير المؤمنين عبد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» - فقال له يحيى: قد عرف الله نيّتك في هذا يا أمير المؤمنين! [وأجزل] لك الأجر؛ والتعبد إنما هو لله وحده لا لغيره- قال: فأكتب «من هارون مولى محمد رسول الله» - فقال: إن المولى ربما كان في كلام العرب ابن العمّ، وجزى الله أمير المؤمنين خيرا عن هذه النية وهذا الفكر. الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بلفظ «لفلان من فلان» أو «إلى فلان من فلان» وبقية الصّدر، والتخلص ب «أما بعد» أو غيرها، والاختتام بالسلام وغيره على ما تقدّم في الأسلوب الأوّل) وقد اختلف العلماء في جواز الابتداء في المكاتبة باسم المكتوب إليه؛ فذهب جماعة من العلماء إلى جواز ذلك، محتجّين بأن الصّحابة رضي الله

عنهم، وبعض الملوك كانوا يكتبون إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كذلك. كما كتب إليه خالد ابن الوليد والنجاشيّ «1» والمقوقس «2» ، في إحدى الروايات، على ما سيأتي ذكره في المكاتبات إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما بعد إن شاء الله تعالى. وقد روي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا كتب أحدكم فليبدأ بنفسه، إلّا إلى والد أو والدة أو إمام يخاف عقوبته» . وعن نافع قال: كانت لابن عمر إلى معاوية حاجة، فقال له ولده: إبدأ به في الكتاب، فلم يزالوا به حتّى كتب: «بسم الله الرحمن الرحيم، إلى معاوية من عبد الله بن عمر» . وعن الأوزاعيّ «3» أنه كان يكتب إلى عمر بن عبد العزيز فيبدأ به فلا ينكر ذلك. وعن سعيد بن عبد العزيز قال: كتب عمر (يعني ابن عبد العزيز) إلى الحجّاج، فبدأ بالحجّاج قبل نفسه- فقيل له في ذلك- فقال: «بدأت به لأحقن دم رجل من المسلمين. قال سعيد: فحقن له دمه. وعن بكر بن عبد الله أنه كتب إلى عامل في حاجة، فكتب: «بسم الله الرحمن الرحيم، إلى فلان من بكر» - فقيل له: أتبدأ باسمه؟ فقال: وما عليّ أن أرضي صاحبي وتقضى حاجة أخي المسلم؟ قال في «صناعة الكتّاب» : وعلى ذلك جرى التعارف في المكاتبة إلى الإمام. وذهب قوم إلى كراهة ذلك؛ لأنه مأخوذ عن ملوك العجم. قال ميمون بن مهران: كان العجم يبدأون بملوكهم إذا كتبوا إليهم. وقد روي عن العلاء بن الحضرميّ أنه كتب إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فبدأ بنفسه. وعن الربيع بن أنس قال: ما كان أحد أعظم حرمة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان أصحابه يكتبون إليه يبدأون بأنفسهم. وعلى ذلك جرى «4» في «نهاية الأرب» فقال: كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمراء

جيوشه يكتبون إليه كما يكتب إليهم، يبدأون بأنفسهم. وعن ميمون بن مهران أنه قال: كان ابن عمر إذا كتب إلى أبيه كتب «من عبد الله بن عمر إلى عمر بن الخطّاب» . وعن يحيى بن سعيد القطّان قال: قلت لسفيان الثوري: أكتب إلى أمير المؤمنين يعني المهديّ، قال: إن كتبت إليه بدأت بنفسي- قلت: فلا تكتب إليه إذن. وهذه الأقوال كلها جانحة إلى ترجيح بداءة المكتوب عنه بنفسه. قال أبو جعفر النحاس: وهذا عند أكثر الناس هو الإجماع الصحيح، لأنه هو إجماع الصحابة رضي الله عنهم. ولتعلم أن الذاهبين إلى جواز الابتداء باسم المكتوب إليه اختلفوا؛ فذهب قوم إلى أنه إنما يكتب «إلى فلان من فلان» كما تقدم في كتاب ابن عمر إلى معاوية، ولا يكتب «لفلان من فلان» . واستشهد لذلك بما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: يكتب الرجل «من فلان إلى فلان» ولا يكتب لفلان؛ وبما روي عن هشيم عن المغيرة عن إبراهيم أنه قال: كانوا يكرهون أن يكتبوا «بسم الله الرحمن الرحيم لفلان من فلان» . لكن قد روي أن رجلا كتب عند ابن عمر «بسم الله الرحمن الرحيم لفلان من فلان» فقال ابن عمر: مه! فإنّ اسم الله هو له إذن. ومقتضى ذلك أن الكراهة إنما هي لإيهام أن البسملة للمكتوب إليه، لا للابتداء باسم المكتوب إليه. وذهبت طائفة إلى جواز أن يكتب « «لفلان من فلان» واحتجّ لذلك بما روي عن مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار أنّ ابن عمر كتب إلى عبد الملك ابن مروان: «بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، لعبد الملك أمير المؤمنين من عبد الله بن عمر» وهو ظاهر، فقد كانت مكاتبة خالد بن الوليد والنّجاشيّ والمقوقس «لمحمد رسول الله» على ما سيأتي ذكره. وعلى ذلك «1» كانت

الأسلوب الثالث (أن يفتتح الكتاب بلفظ أما بعد)

المكاتبة للخلفاء؛ فكان يكتب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، من عمّاله وغيرهم «لعبد الله عمر أمير المؤمنين» وعلى ذلك جرى الحال في المكاتبة إلى سائر الخلفاء بعده على ما ستقف عليه في مواضعه إن شاء الله تعالى. الأسلوب الثالث (أن يفتتح الكتاب بلفظ أما بعد) وعليه ورد بعض المكاتبات الصادرة عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وعن الخلفاء من الصحابة فمن بعدهم في صدر الإسلام على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وكانوا بعد حدوث الدعاء في المكاتبات يتبعونها بالدعاء بطول البقاء غالبا، فيقال: «أما بعد، أطال الله بقاءك» ونحو ذلك؛ ثم أضرب بعض الكتّاب بعد ذلك. قال أبو هلال العسكري في كتابه «الصناعتين» : وكان الناس فيما مضى يستعملون في أوائل فصول الرسائل «أما بعد» وقد تركها جماعة من الكتّاب فلا يكادون يستعملونها. قال: وأظنّهم ألمّوا بقول ابن «1» القرّيّة- وقد سأله الحجاج عما ينكره من خطابته- فقال: إنك تكثر الرّذ، وتشير باليد، وتستعين بأمّا بعد. فتحاموها لهذه الجهة. ثم قال: فإن استعملتها اتّباعا للسلف ورغبة فيما جاء فيها من التأويل أنها فصل الخطاب، فهو حسن؛ وإن تركتها توخّيا لمطابقة أهل عصرك، وكراهة للخروج عما أصّلوه لم تكن ضائرا. أما الآن فقد ترك الابتداء في الكتب بأما بعد حتّى لا يكاد يعوّل عليها في الابتداء كاتب من كتّاب الزمان، ولا يفتتح بها مكاتبة. نعم يؤتى بها في أثناء بعض

الأسلوب الرابع (أن تفتتح المكاتبة بخطبة مفتتحة بالحمد لله)

المكاتبات على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وقد تقدم الكلام على معناها وأوّل من قالها في الكلام على الفواتح في المقالة الثالثة، وكتّاب المغاربة ربما افتتحوا مكاتباتهم بلفظ وبعد. الأسلوب الرابع (أن تفتتح المكاتبة بخطبة مفتتحة بالحمد لله) وأصل هذه المكاتبة مختلس من الأسلوب الأوّل من قولهم: فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. ثم جاء عبد «1» الحميد بن يحيى كاتب مروان بن محمد، آخر خلفاء بني أميّة، فأطال التحميدات في صدور الكتب مع الإتيان بأما بعد، وتبعه الكتّاب على ذلك، ثم توسّعوا فيه حتّى كرّروا الحمد المرّات في الكتاب الواحد، لا سيما في أماكن النّعم الحادثة، كالفتوحات ونحوها؛ ثم توسّع بعض الكتّاب في ذلك حتّى جعل الحمد لله افتتاحا، واستمرّ ذلك إلى الآن. وعلى ذلك بعض المكاتبات السلطانية في زماننا، على ما ستقف على ذلك جميعه في مواضعه إن شاء الله تعالى. ولا خفاء في أنّ الحمد أفضل الافتتاحات، وأعلى مراتب الابتداآت، وإن لم يقع الابتداء به في صدر الإسلام، فهو من المبتدعات المستحسنة. وحيث افتتحت المكاتبة بالحمد لله كان التخلّص منها إلى المقصود «بأما بعد» ؛ وربما وقع التخلّص بغير ذلك، ويكون الاختتام فيها تارة بالسلام، وتارة بالدّعاء، وتارة بغير ذلك. قال ابن شيث في «معالم الكتابة» : والتحميد في أوّل الكتب لا

الأسلوب الخامس (أن تفتتح الكتاب بلفظ «كتابي إليك» أو «كتابنا إليك من موضع كذا، أو في وقت كذا والأمر على كذا» وتشرح القضية؛ وتختم المكاتبة «بكتابنا إليك» بنحو قولك: «فإن رأيت أن تفعل كذا فعلت» والمكاتبة «بكتابي إليك» بنحو قولك: «فرأيك في كذا

يكون إلا في الكتب المكتوبة عن السلطان. قال: وغاية عظمة الكاتب أن يكرّر التحميد ثانية وثالثة في الكتاب، ثم يذكر الشهادتين والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قلت: والتكرار في الحمد يكون بحسب مقدار النعمة المكتوب بسببها من فتح ونحوه. الأسلوب الخامس (أن تفتتح الكتاب بلفظ «كتابي إليك» أو «كتابنا إليك من موضع كذا، أو في وقت كذا والأمر على كذا» وتشرح القضية؛ وتختم المكاتبة «بكتابنا إليك» بنحو قولك: «فإن رأيت أن تفعل كذا فعلت» والمكاتبة «بكتابي إليك» بنحو قولك: «فرأيك في كذا» وما يجري هذا المجرى) والأصل في هذه المكاتبة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان يكتب في بعض المكاتبات الصادرة عنه: «هذا كتاب من محمد رسول الله إلى فلان، أو إلى الجماعة الفلانيين» . فلما كان أيام بني بويه في أثناء الدولة العباسية، استخرج كتّابها من هذا المعنى الابتداء «بكتابي إليك» إذا كانت المكاتبة إلى النظير ومن في معناه، والابتداء «بكتابنا إليك» إذا كانت المكاتبة عمّن له رتبة نون العظمة من الملوك ونحوهم؛ وكانوا يتبعون ذلك بالدعاء بطول البقاء نحو «كتابي اليك أطال الله بقاءك» أو «كتابنا إليك أطال الله بقاءك» . وربما عبر «بهذه «1» الخدمة» وما أشبه ذلك؛ ويكون التخلّص فيه إلى المقصد بواو الحال، مثل أن يقال: «كتابي إليك والأمر على كذا وكذا» ونحو ذلك؛ وربما وقع التخلّص بخلاف ذلك. ويكون الاختتام فيه تارة بالسلام وتارة بالدعاء، وتارة بغير ذلك. وكتّاب المغرب عدلوا عن لفظ الاسم في كتابي إلى لفظ الفعل. مثل أن يقال: «كتبنا إليك» أو «كتبت

الاسلوب السادس (أن تقع المكاتبة بلفظ «كتب» بصيغة الفعل)

إليك والأمر على كذا، أو من موضع كذا» . الاسلوب السادس (أن تقع المكاتبة بلفظ «كتب» بصيغة الفعل) وهذه المكاتبة كان يكتب بها عن الوزراء ومن في معناهم إلى الخلفاء. فيكتب الوزير ونحوه: «كتب عبد أمير المؤمنين» أو «كتب العبد من محلّ خدمته بمكان كذا، والأمر على كذا وكذا» . وعلى نحو من ذلك يجري كتّاب المغاربة في الكثير من كتبهم، مثل «إنا كتبنا إليكم من محلّ كذا» أو «كتبت إليك من محلّ كذا» وما أشبه ذلك. وهذه في الأصل مأخوذة من الأسلوب الذي قبل. الأسلوب السابع (أن يقع الافتتاح بالدعاء) والأصل في ذلك ما حكاه أبو جعفر النحاس: إنّ معاوية بن أبي سفيان كتب إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، عند جريان الخلاف ووقوع الحرب بينهما: «أما بعد عافانا الله وإيّاك من السّوء» . ثم زاد الناس في الدعاء بعد ذلك. وقد اختلف في جواز المكاتبة بالدّعاء في الجملة؛ فذهب ذاهبون إلى جواز ذلك كما يجوز الدّعاء في غير المكاتبة، سواء تضمّن الدعاء معنى الدّوام والبقاء أم لا. وهو الذي رجّحه محمد بن عمر المدائنيّ في كتاب «القلم والدواة» وإليه يميل كلام غيره أيضا، وحكاه النحاس عن أبي جعفر أحمد بن سلامة، وكلامه يميل إلى ترجيحه. أمّا ما يتضمن معنى الدّوام والبقاء، فلما روي أنّ النبي، صلّى الله عليه وسلّم، قال لأبي اليسر كعب «1» ابن عليّة: «اللهم أمتعنا به» قال النحاس: وذلك دليل الجواز، بل حكي عن بعضهم أنّ الدعاء بطول البقاء

أكمل الدعاء وأفخمه؛ لأنّ كل نعمة لا ينتفع بها إلا مع طول البقاء. ثم قال: والمعنى في الدّعاء في المكاتبات التودّد والتحبّب؛ وقد أمر صلّى الله عليه وسلّم المسلمين أن يكونوا إخوانا، ومن أخوّتهم ودّ بعضهم بعضا. وكذلك القول بما يؤكّد الأخوّة بينهم والمودّة من بعضهم لبعض، وإذا قال له ذلك، كان قد بلغ من قلبه نهاية مبلغ مثله منه، ويكون من قال ذلك قد علم من قلبه في شأنه ما يكون من قلب مثله. وقد قال الشيخ محيي الدين النوويّ: من قال لصاحبه- حفظا لمودّة-: «أدام الله لك النّعم» ونحو ذلك فلا بأس به. وأمّا ما لم يتضمن معنى الدوام والبقاء، كالعزّ والكرامة، فقد روي عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من رأى منكم مقتل حمزة؟ فقلت: أعزّك الله! أنا رأيته» . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل جرير بن عبد الله على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فضنّ الناس بمجالسهم فلم يوسّع له أحد، فرمى له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببردته «1» وقال: اجلس عليها يا جرير، فتلقّاها بوجهه ونحره فقبّلها ثم ردّها على ظهره وقال: أكرمك الله يا رسول الله كما أكرمتني» فقد دعا له صلّى الله عليه وسلّم كعب بن مالك بالعز، وجرير بن عبد الله بالكرامة ولم ينكر ذلك على واحد منهما. وذهب آخرون إلى أنه لا تجوز المكاتبة بالدّعاء، سواء تضمّن معنى الدوام والبقاء أم لا؛ لأنه خلاف ما وردت به السنة وجرى عليه اصطلاح السّلف. وفصّل بعضهم فقال: «إن كان الدعاء مما لا يتضمّن معنى الدوام والبقاء نحو «أكرمك الله بطاعته» و «تولّاك بحفظه» و «أسعدك بمعرفته» و «أعزّك بنصره» جاز؛ لحديثي كعب بن مالك وجرير بن عبد الله المتقدّمين. وإن كان مما

يتضمّن معنى الدوام والبقاء، نحو «أطال الله بقاءك» و «نسأ أجلك» و «أمتع بك» وما أشبه ذلك، لم تجز المكاتبة به. واحتجّ لذلك بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه «أنّ أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: اللهمّ، أمتعني بزوجي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية- فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لقد دعوت لآجال مضروبة، وأرزاق مقسومة لا يتقدّم منها شيء قبل أجله ولا يتأخّر بعد أجله، ولو سألت الله أن يقيك عذاب النار لكان خيرا لك» . وبما روي أن الزّبير بن العوّام، رضي الله عنه، قال للنّبي صلّى الله عليه وسلّم: «جعلني الله فداك» فقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أما تركت أعرابيّتك بعد» ؟ فقد أنكر صلّى الله عليه وسلّم على أمّ حبيبة والزبير الدعاء بما فيه طول البقاء. وإذا امتنع ذلك في مطلق الدعاء، امتنع في المكاتبة من باب أولى؛ لمخالفة طرقها التي وردت بها السنة. قال حمّاد بن سلمة: كانت مكاتبة المسلمين «من فلان إلى فلان، أما بعد، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأسأله أن يصلّي على محمد عبده وآل محمد» حتّى أحدث الزنادقة- لعنهم الله- هذه المكاتبة التي أوّلها «أطال الله بقاءك» . وعن إسماعيل بن إسحاق أنّ أوّل من كتب «أطال الله بقاءك» الزنادقة. وقد قال الإمام الرافعيّ وغيره من أئمة أصحابنا الشافعية: إن الدعاء بالطّليقة- وهي أطال الله بقاءك- لا أصل له في الشرع. قال الشيخ محيي الدين النوويّ: وقد نصّ السلف على كراهته. ونقل النحاس عن بعضهم أنه استحبّ تقييده بالإضافة إلى شيء آخر، مثل أن يكتب «أطال الله بقاءك في طاعته وكرامته» أو «أطال الله بقاءك في أسرّ عيش وأنعم بال» وما أشبه ذلك. واعلم أنّ الناس قد اختلفوا في صورة الابتداء بالدعاء؛ فالأوّلون- لابتداع الدّعاء في المكاتبات- كانوا يفتتحون بطول البقاء للخلفاء وغيرهم؛ ثم توسّعت الطبقة الثانية من الكتّاب في المكاتبة فافتتحوا بالدعاء للخلفاء والملوك بخلود الملك، ودوام الأيام، ودوام السّلطان وخلوده، وما في معنى ذلك؛

الأسلوب الثامن (أن يفتتح الكتاب بالسلام)

ولمن دونهم بعد النّصر والنّصرة والأنصار بدوام النّعمة وخلود السّعادة ومدّ الظّل وإسباغ الظّلال، وغير ذلك مما يأتي ذكره في الكلام على مصطلح كل طبقة فيما بعد إن شاء الله تعالى. ثم للكتّاب في الخطاب «1» بالدّعاء مذهبان: أحدهما- أن يقع الدعاء بلفظ الخطاب، نحو «أطال الله بقاءك، وأعزّك الله، وأكرمك الله، وأدام كرامتك وسعادتك» وما أشبه ذلك. والثاني- أن يقع بلفظ الدعاء للغائب مثل: «أطال الله بقاء أمير المؤمنين» و «أطال الله بقاء سيّدي» و «أطال الله بقاء مولانا» أو «أعز الله أنصار المقام أو المقرّ» أو «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب» أو «أدام الله نعمة الجناب أو المجلس» وما أشبه ذلك. قال في «صناعة الكتّاب» : وهو أجلّ الدعاء فيما اصطلحوا عليه. قال: ورأيت عليّ بن سليمان ينكر ذلك ويقول: الدعاء للغائب جهل باللّغة، ونحن ندعو الله عزّ وجلّ بالمخاطبة. الأسلوب الثامن (أن يفتتح الكتاب بالسلام) ويقع التخلّص إلى المقصود بلفظ «ونبدي لعلمه» أو نحو ذلك؛ ويقع الاختتام فيه بالسلام أيضا، وهو منتزع من قولهم في صدر المكاتبة في الأسلوب الأوّل: سلام عليك فإنّي أحمد إليك الله، تصرّف الكتّاب فيه فجعلوا السّلام في ابتداء المكاتبة، وصاروا يبتدئونها بنحو سلام الله ورحمته وبركاته» . وقد كانوا يبتدئون المكاتبة إلى الخلفاء ببغداد في الدولة الأيّوبية بالديار المصرية بالسلام في بعض الأحيان، وعلى ذلك استقرّت المكاتبة عن الخليفة الآن. وبه يفتتح

الأسلوب التاسع (أن يفتتح الكتاب بيقبل الأرض)

بعض المكاتبات إلى مشايخ الصّوفيّة، على ما سيأتي في الكلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى. قال في «صناعة الكتّاب» : وإنما قدّموا السّلام على الرحمة لتصرّفه؛ لأنه من أسماء الله تعالى أو جمع سلامة. قال في «موادّ البيان» : أو اسم للجنّة كما في قوله تعالى: لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ «1» ثم عقّب ذلك بأن قال: والسّلام في هذا الموضع من السّلامة، وتقديم السلامة التي تكون في الدنيا أولى من تقديم الرحمة التي تكون في الآخرة. الأسلوب التاسع (أن يفتتح الكتاب بيقبّل الأرض) ويتخلص إلى المقصود بلفظ «وينهي» ويقع الاختتام ب «طالع» أو «أنهى» وهذه المكاتبة مما هو موجود في بعض مكاتبات القاضي الفاضل، ولم أرها فيما قبله؛ وكأنهم لما استعملوا في صدور المكاتبات إلى الخلفاء المكاتبة بيقبّل الأرض والعتبات ونحو ذلك، استنبطوا منه ابتداء مكاتبة وجعلوها لمكاتبة الرّؤساء من السلطان ومن في معناه بالنّسبة إلى المرؤوس. والأصل في ذلك أن تحيّة الملوك والرّؤساء والأكابر في الأمم الخالية كانت بالسّجود، كما يحيّي المسلمون بعضهم بعضا بالسلام. وقد قال قتادة في قوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف عليهم السّلام: وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً «2» : كانت تحيّة الناس يومئذ سجود بعضهم لبعض، وعليه حمل قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا «3» * على أحد التفاسير، وهو المرجّح عند الإمام فخر الدين وغيره من المفسّرين. قال الشيخ عماد الدين بن كثير رحمه الله في تفسيره: وكان ذلك

الأسلوب العاشر (أن يفتتح الكتاب «بيقبل اليد» وما في معناها من الباسط والباسطة)

مشروعا في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملّتنا. قال معاذ «يا رسول الله! إنّي قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأساقفتهم وعلمائهم فأنت يا رسول الله أحقّ أن يسجد لك. فقال: [لا] «1» لو كنت آمرا بشرا أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لبعلها من عظم حقّه عليها» . وعن صهيب: «أن معاذا [لما] «2» قدم من اليمن سجد للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال يا معاذ، ما هذا؟ قال: إن اليهود تسجد لعظمائها وعلمائها، ورأيت النصارى تسجد لقسّيسيها وبطارقتها، قلت ما هذا؟ قالوا: تحيّة الأنبياء- فقال عليه السّلام: كذبوا على أنبيائهم» . وعن سفيان الثوريّ عن سماك بن هانيء قال: دخل الجاثليق «3» على عليّ بن أبي طالب، فأراد أن يسجد له، فقال له عليّ: اسجد لله ولا تسجد لي. فلما وردت شريعة الإسلام بنسخ التحيّة بالسجود وغلب ملوك العجم على الأقطار، استصحبوا ما كان عليه الأمر في الأمم الخالية، وعبّروا عنه بتقبيل الأرض فرارا من اسم السّجود ولورود الشريعة بالنهي عنه؛ واستمر ذلك تحية الملوك إلى الآن، فاستعار الكتّاب ذلك ونقلوه من الفعل إلى اللّفظ، فاستعملوه في مكاتباتهم إلى الخلفاء والملوك؛ ثم توسّعوا في ذلك فكاتبوا به كلّ من له عظمة بالنسبة إلى المكتوب عنه، ورتّبوه مراتب على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى. ولا خفاء فيما في هذه المكاتبة من الكراهة. الأسلوب العاشر (أن يفتتح الكتاب «بيقبّل اليد» وما في معناها من الباسط والباسطة) ويقع التخلّص منه إلى المقصود بما يقع به التخلص في الأسلوب الذي

الأسلوب الحادي عشر (أن يفتتح الكتاب بلفظ «صدرت المكاتبة» )

قبله من الانتهاء «1» ويختم بالدعاء ونحوه. والأصل في هذه المكاتبة أنّ يقبّل اليد وما في معناها مما يؤذن بالتعظيم، والتبجيل والتكريم، وعلوّ القدر وزيادة الرفعة، مع أنه ليس بممنوع في الشريعة. فقد ثبت في الصحيحين في حديث الإفك: «أنه لما أنزل الله تعالى براءة أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قال لها أبوها: قومي إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقبّلي يده» . ولم يكن الصدّيق، رضي الله عنه، ليأمرها بما هو ممنوع في الشريعة. وقد نصّ الفقهاء رحمهم الله على أنه يجوز تقبيل يد العالم والرجل الصالح ونحوهما، فاستعار الكتّاب ذلك ونقلوه من الفعل إلى الكتابة أيضا، كما فعلوا في تقبيل الأرض، ورتّبوه مراتب على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. على أنّ بعض الكتّاب قد جعل «يقبّل القدم» رتبة بين «يقبّل الأرض» و «يقبّل اليد» وما في معناها، وهو ظاهر لكنه لم يشتهر في عرف الكتّاب. الأسلوب الحادي عشر (أن يفتتح الكتاب بلفظ «صدرت المكاتبة» ) ويتخلص فيها إلى المقصود بلفظ «وتوضّح لعلمه» أو «موضّحة لعلمه» وما أشبه ذلك. ويقع الاختتام فيها بمثل «والله الموفّق» ونحو ذلك. وربما قيل فيها: «أصدرت هذه المكاتبة» أو «أصدرناها» . وأصل هذه المكاتبة أنه كان يكتب في الدّولة السّلجوقيّة ببغداد، والدولة الأيّوبيّة بالديار المصرية «صدرت هذه الخدمة» أو «أصدرت هذه الخدمة» . وربما كتب «صدرت هذه الجملة» فعدل عنه كتّاب الزمان بالديار المصرية ومن قاربهم إلى التعبير بقولهم: «صدرت هذه المكاتبة» . على أن كتّاب الزمان بالديار المصرية إنما أخذوها من صدور المكاتبات المفتتحة بالدعاء مثل «أعزّ الله أنصار المقرّ» ، حيث يقال في تصديرها «أصدرناها» ومثل «ضاعف الله

الأسلوب الثاني عشر (أن يفتتح الكتاب بلفظ «هذه المكاتبة» )

نعمة الجناب» و «أدام الله نعمة الجناب أو المجلس» وما أشبه ذلك. حيث يقال في تصديرها: «صدرت هذه المكاتبة» فجعلوا الصّدور ابتداء. الأسلوب الثاني عشر (أن يفتتح الكتاب بلفظ «هذه المكاتبة» ) ويتخلص منها إلى المقصود بنحو ما وقع التخلّص به في الأسلوب الذي قبله، ويقع الاختتام بمثل ما وقع به اختتامه. وهذه المكاتبة مأخوذة في الأصل من ابتدائهم في الأسلوب الخامس بلفظ: «كتابي إليك» وما في معناه، على أن كتّاب الزمان إنما أخذوا ذلك من المكاتبة التي قبلها، فجعلوا بعض الصّدر فيها ابتداء، كما جعلوا جميع الصّدر ابتداء في الأسلوب الذي قبلها. الأسلوب الثالث عشر (أن يفتتح الكتاب بالإعلام) كما يكتب كتّاب الزمان: «يعلم فلان أنّ الأمر كذا وكذا» والاختتام فيها بمثل الأسلوبين اللذين قبلها ولا تخلّص فيها؛ لأن الافتتاح فيها موصّل إلى المقصود. على أن الصواب إثبات اللام في أوّلها، بأن يقال: «ليعلم فلان» لأن لام الأمر لا يجوز حذفها على ما تقرّر في آخر المقالة الثالثة. وعلى ذلك كتب غازان أحد ملوك بني جنكزخان ببغداد وما معها إلى الملك الناصر «محمد بن قلاوون» صاحب الديار المصرية، وكتب الجواب عن الملك الناصر إليه كذلك، على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. الأسلوب الرابع عشر (أن يفتتح الكتاب بلفظ «يخدم» ) مثل «يخدم الجناب» أو «يخدم المجلس» وما أشبه ذلك. ويكون

الأسلوب الخامس عشر (أن يفتتح الكتاب بلفظ الخلافة أو المقام الذي شأنه كذا، أو الإمارة التي شأنها كذا)

التخلّص منها بمثل: «وينهي» أو «ويبدي» ونحو ذلك، ويقع الاختتام فيها بالدعاء. وهذه المكاتبة كانت مستعملة في مكاتبات الفاضل بقلّة، وتداولها الكتّاب بعد ذلك إلى أن صارت مستعملة بين الكتّاب في المكاتبات الدائرة بين أهل الدّولة في زماننا؛ ثم رفضت بعد ذلك وتركت حتّى لم يستعملها منهم إلا القليل النادر. الأسلوب الخامس عشر (أن يفتتح الكتاب بلفظ الخلافة أو المقام الذي شأنه كذا، أو الإمارة التي شأنها كذا) مثل: «خلافة فلان» أو «مقام فلان» أو «إمارة فلان» وما أشبه ذلك. ثم يقع التخلّص في ذلك بمثل: «معظّم مقامها يخصّها بسلام صفته كذا ويبدي لعلمها كذا» وما أشبه ذلك. ويقع الاختتام فيها بالسلام، وهذا الأسلوب مما اختص به كتّاب المغرب لا سيما المتأخرّون منهم، على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. قلت: ووراء هذه الأساليب أساليب أخرى لكتّاب أهل الشّرق والغرب بالديار المصرية في الأزمنة المتقدّمة، لا يأخذها حصر، ولا تدخل تحت حدّ، وأكثر ما تكون في الإخوانيات، وسيأتي ذكر الكثير من أنواعها في مواضعه فيما بعد إن شاء الله تعالى. الجملة الثانية (في المكاتبات إلى أهل الكفر؛ وللكتّاب فيه أسلوبان) الأسلوب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «من فلان إلى فلان» ) وعلى ذلك كتب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إلى أهل الكفر، وكان يكتب في

الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بالدعاء)

مكاتباته صلّى الله عليه وسلّم: «السّلام على من اتّبع الهدى» بدل «والسّلام» ويتخلّص فيها بأمّا بعد تارة، وبغيرها أخرى؛ وعلى ذلك جرى الخلفاء من الصحابة رضي الله عنهم، وخلفاء بني أميّة، وخلفاء بني العبّاس ببغداد، ومن شاركهم في الأمر من ملوك بني بويه وبين سلجوق ومن في معناهم. وتختتم هذه المكاتبة تارة بلفظ «والسّلام على من اتبع الهدى» إن لم يذكر السّلام في الأوّل، وتارة بغير ذلك. الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بالدعاء) كما يكتب كتّاب الزمان «أطال الله بقاء الحضرة الفلانية: حضرة الملك الفلاني» أو «أطال الله بقاء الملك الفلاني» وما أشبه ذلك. وقد تقدّم الخلاف في أصل جواز المكاتبة بالدّعاء، وما قيل في الدعاء بطول البقاء وما في معناه، من الكراهة، وأنّ جماعة من العلماء والكتّاب أجازوه. فإن قيل: على تقدير جواز ذلك في حقّ المسلم، فكيف يجوز في حقّ الكافر؟ فالجواب أنه قد ورد «أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، استسقى فسقاه يهوديّ، فقال له: جمّلك الله، فما رؤي الشّيب في وجهه حتّى مات» فقد دعا صلّى الله عليه وسلّم ليهوديّ بالجمال، وقد لا يكون في طول بقائه على الإسلام ضرر، بل قد يكون فيه نفع، كحمل جزية ونحوه، وإنما يمنع الدعاء له بالعزّ والنّصر وما في معنى ذلك. تنبيه- اعلم أن الأجوبة قد تفتتح بما تفتتح به الابتداءات من الأساليب المتقدّمة، ثم يؤتى بالأجوبة في أثنائها مثل أن يقال: «وقد وصل كتاب المجلس أو الجناب» أو «وردت مكاتبته» أو «عرضت مكاتبته على أمير المؤمنين، أو على المسامع الشريفة» وما أشبه ذلك. وقد يجعل الجواب ابتداء، فيفتتح الكتاب بنحو: «عرضت مكاتبتك على أمير المؤمنين» مثلا كما كان يكتب في الزمن المتقدّم، أو «عرضت المكاتبة الواصلة من جهة المجلس أو الجناب الفلانيّ على المسامع الشريفة» أو «وردت مكاتبته» أو «وصلت مكاتبته»

الطرف الثاني (في ذكر لواحق المكاتبات ولوازمها، وفيه ست جمل)

ونحو ذلك، ويؤتى على ما تضمّنته المكاتبة وما اقتضاه الجواب عنه؛ ثم يؤتى في الاختتام بنظير ما يؤتى به في المكاتبة المبتدأة. الطرف الثاني (في ذكر لواحق المكاتبات ولوازمها، وفيه ستّ جمل) الجملة الأولى (في التّرجمة عن المكتوب عنه) أما الترجمة عن السلطان، فقد ذكر ابن شيث أنّ مصطلح الدولة الأيوبيّة أن يكتب لأرباب خدمته العلامة فإنها أليق به معهم. فإن أراد تمييز أحد منهم، كتب له بخطه شيئا مكان العلامة. وأنّ ترجمته للفقهاء والقضاة وذوي التنسّك «أخوه» و «ولده» . وذكر أن الأحسن أن يقال في «ولده» «محل ولده» لقوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ «1» أما «أخوه» فلا حرج عليه فيه: لقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ «2» وقوله: فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ «3» * وذكر أنه يترجم لهؤلاء من وليّ الأمر أيضا: «المعترف ببركته» و «المتبرّك بدعائه» و «المرتهن بمودّته» . وذكر أنّ الفقهاء والقضاة وذوي التنسّك يترجمون عن أنفسهم ب «الخادم» ودون ذلك «خادمه» . قال: وربما ترفّعوا عن الترجمة بهذه اللفظة مطلقا فقالوا: «الخادم بالدّعاء الصالح» أو «الخادم بدعائه» . قال: وأهل الورع خاصة يترجمون ب «الفقير إلى رحمة الله» . وربما راعوا المترجم له مثل أن يكون وليّ الأمر، فيقول: «العبد الفقير إلى رحمة الله» ويعني أنه عبد الله، ويحصل بذلك المقصود من الأدب مع السلطان. ومنهم من يكتب: «الدّاعي لدولته»

و «المبتهل بدعائه الصالح لأيّامه» و «المواظب على خدمته بالدعاء» وأمثال ذلك. قال: وأكثر الناس يرى الترجمة لولده، فإن ترجم له لم يسمّ اسمه لأنه ليس له والدان، ولا أقل من أن يكون بينه وبين من يكتب بوالده غير الأب هذا الفرق؛ فأما أن يقول: «والده فلان بن فلان» بحيث يذكر اسم أبيه فقبيح. ثم قد كانوا في الزمن الأوّل يكتفون بذكر اسم المكتوب عنه في صدر الكتاب وعنوانه، نحو: «من فلان إلى فلان» ثم أحدث الكتّاب في أيام بني بويه وما بعدها تراجم رتّبوها، بعضها أرفع من بعض. وقد ذكر في «ذخيرة الكتّاب» لذلك مراتب في الصّدور والعنوان بعضها أعلى من بعض، فجعل أعلاها بالنسبة إلى المكتوب عنه أن يكتب اسمه، ودونه «صديقه» ودونه «محبّه» ودونه «شاكره» ودونه «المعتدّ به» ودونه «أخوه» ودونه «وليّه» ودونه «عبده» ودونه «خادمه» ودونه «عبده وخادمه» ودونه «العبد» ودونه «العبد الخادم» ودونه «الصّنيعة «1» » ودونه «مملوكه» ودونه «المملوك» ودونه «المملوك الصّنيعة» . وهو الأعلى بالنسبة إلى المكتوب إليه. ثم قال: ويتفرّع من هذه الأصول فروع كثيرة لا تحصر مما يختاره الكتّاب ويقترحونه ويبتكرونه، ويكاتبون به أصدقاءهم وأودّاءهم «2» حسب ما تقتضيه مودّاتهم وتوجبه مصافاتهم، كصفيّ مودّته، والمفتخر بمحبته، والمعتمد على أخوّته، وعبد مودّته، وخادم مجده، وشاكر أياديه، وحامد تفضّله، والمعتدّ بتطوّله وما يجري هذا المجرى مما هو أوسع من أن يجمع وأكثر من أن يحصر؛ ولكنه أكثر ما يكون بين النّظراء والأقران. ورتّب عبد الرحيم بن شيث في «معالم الكتابة» ترتيبا آخر، فذكر أن الترجمة إلى ديوان الخلافة من ذوي الولايات كلّهم «العبد» ومن الملوك كلّهم

«الخادم» وأن الترجمة إلى الملوك من الأجناد كلّهم «المملوك» مع النسبة إلى أشهر ألقاب الملك، كالناصريّ للناصر، والعادليّ للعادل، وما جرى مجرى ذلك. ودون المملوك في الخضوع: «عبده، وخادمه» ودونه «العبد» مفردة. ودونه «مملوكه» ودونه «العبد الخادم» ؛ لأن الثاني كأنه ناسخ للأوّل، ودونه «الخادم» ودونه «عبده» ودونه «خادمه» ودونه «عبده وأخوه» ودونه «أخوه» ودونه «شاكر تفضّله» ودونه «شاكر إحسانه» ودونه «شاكر مودّته» ودونه «وليّه وصفيّه» ودونه «محبّه ووادّه وشاكره» . ودونه الاسم، ودونه العلامة. ثم قال: أما «أصغر المماليك» وما يجري مجراها، فلا يليق من الأجانب. ورأيت في دستور صغير في المكاتبات يعزى للمقرّ الشهابيّ بن فضل الله، أنّ أكبر الآداب في اسم المكتوب عنه بالنسبة إلى المكتوب إليه «المملوك» ثم «المملوك الرّقّ» ثم «المملوك الأصغر» ثم «المملوك المحبّ» ثم «المملوك الدّاعي» ثم «مملوكه ومحبه» ثم «الخادم» ثم «خادمه» ثم «أخوه» ثم «محبّه» ثم «شاكره» ثم «الفقير إلى الله تعالى» . ولا يخفى ما في بعض هذه التراجم من التخالف بين ما ذكره وما تقدّم ذكره عن «ذخيرة الكتّاب» . والذي استقرّ عليه الحال في زماننا في ترجمة العلامة بالقلم الشريف السلطاني «أخوه» ثم «والده» ثم الاسم؛ وفي حق غيره «المملوك» ثم الاسم. وربما كتب بعضهم «العبد» بدل الاسم تواضعا، على أنهم قد اختلفوا في جواز التّرجمة بالعبد والمملوك، فذهب بعضهم إلى منع ذلك، محتجّا بما روي أن النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يقولنّ أحدكم عبدي ولا أمتي «1» ، كلّكم عبيد الله وكلّ نسائكم إماء الله ولكن غلامي وجاريتي» . والذي عليه العمل جواز ذلك احتجاجا بقوله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ «2» والاستدلال به لا يخلو من نزاع، وقضاة القضاة يكتبون «الدّاعي» .

الجملة الثانية (في العنوان، وفيه سبع لغات)

الجملة الثانية (في العنوان، وفيه سبع لغات) حكاها صاحب «ذخيرة الكتّاب» . واقتصر في «صناعة الكتّاب» على ذكر بعضها: إحداها عنوان- بضم العين وواو بعد النون. والثانية عنيان- بضم العين وياء تحتية بعد النّون. والثالثة عنيان- بكسر العين. والرابعة علوان- بضم العين ولام بدل النون. والخامسة علوان- بفتحها. والسادسة علوان- بكسرها. والسابعة عليان بالكسر مع إبدال الواوياء؛ ويجمع عنوان على عناوين، وعلوان على علاوين. ويقال: عنونت الكتاب عنونة وعلونته علونة، وعنّنته بنونين الأولى منهما مشدّدة تعنينا، وعنّيته بنون مشدّدة بعدها ياء تعنية، وعنوته أعنوه عنوا بفتح العين وسكون النون، وعنوّا بضمّهما وتشديد الواو. واختلف في اشتقاقه؛ فمن قال عنوان، جعله مأخوذا من العنوان بمعنى الأثر؛ لأن عنوان الكتاب [أثر بيان] «1» ممن هو وإلى من هو. قال النحاس: وأكثر الكتّاب لا يعرف غير هذا؛ واحتجّوا لذلك بقول الشاعر يذكر قتل أمير المؤمنين «عثمان بن عفّان» رضي الله عنه: (بسيط) ضحّوا بأشمط عنوان السّجود به ... يقطّع الليل تسبيحا وقرآنا وزعم بعضهم أن العنوان مأخوذ من قول العرب: عنت الأرض تعنو إذا أخرجت النبات، وأعناها المطر إذا أظهر نباتها. قال النحاس: فيكون عنوان على هذا فعلانا ينصرف في النّكرة ولا ينصرف في المعرفة. وقيل هو مأخوذ من عنّ يعنّ، إذا عرض وبدا. قال النحاس: فعلى هذا ينصرف في النّكرة والمعرفة لأنه فعلال. ومن قال: علوان، أبدل من النون لاما، كما في صيدلانيّ وصيدنانيّ؛

فيكون الاشتقاق واحدا. وقيل علوان مشتقّ من العلانية؛ لأنه خطّ ظاهر على الكتاب. ومن قال: عنيان وعنيان، جعله من عنيت فلانا بكذا إذا قصدته. قال في «موادّ البيان» : والعنوان كالعلامة، وهو دالّ على مرتبة المكتوب إليه من المكتوب عنه. والأصل «1» فيه الإخبار عن اسمهما حتّى لا يكون الكتاب مجهولا، والمراد أنه يكتب فيه «من فلان إلى فلان» أو «لفلان من فلان» قال: ولم يزالوا يكاتبون بأسمائهم إلى أن ولي عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، الخلافة ولقّب بأمير المؤمنين، فكتب: «من عبد الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب» . ثم وقع الاصطلاح على العنونة للرّؤساء والنّظراء والمرؤوسين والأتباع بالأسماء؛ ثم تغيّر هذا الرسم أيضا. وكان المأمون يكتب في أوّل عنوانات كتبه: بسم الله الرحمن الرحيم، فكانت تكتب قبل اسم المكتوب إليه والمكتوب عنه. وقد ذكر أبو جعفر النحاس أن ذلك بقي إلى زمانه، وكان بعد الثلاثمائة. قال في «موادّ البيان» : ثم بطل بعد ذلك. قال: والأصل فيه أن يبتدأ باسم المكتوب عنه ثم باسم المكتوب إليه وهو الترتيب الذي تشهد به العقول؛ لأن نفوذ الكتاب من المكتوب عنه إلى المكتوب إليه كنشء الشيء وخروجه من ابتداء إلى نهاية. فابتداؤه من المكتوب عنه، وانتهاؤه إلى المكتوب إليه؛ ولفظ «من» يتقدّم لفظ «إلى» بالطبع؛ لأن حرف «من» ينبيء عن منشإ الشيء، و «إلى» حرف يخبر عن النهاية التي عندها قرار الشيء، والابتداآت في الأشياء قبل النّهايات. قال: وعلى هذا كانت كتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن سلف من الأمم الماضية؛ ثم عرض للناس رأي في تغيير هذا الرّسم إلى غيره، ففرّقوا بين مراتب المكاتبين من الرؤساء والعظماء والخدم والأتباع بتقديم اسم المكتوب

إليه إذا قصدوا إعظامه وإجلاله وتأخير اسم المكتوب عنه، ورأوا أنه الصواب الصحيح. على أن كتّاب زماننا يقتصرون في أكثر عنواناتهم على ذكر المكتوب إليه دون المكتوب عنه ولا يذكرون المكتوب عنه إلا في مكاتبات خاصّة قليلة. قال في «صناعة الكتّاب» : ولا يتكنّى المكتوب عنه على نظيره، بل يتسمّى له ولمن فوقه، ثم يقول: المعروف بأبي فلان. وإن كانت كنيته أشهر من اسمه واسم أبيه، جاز أن يكتب كنيته «1» بغير ألف ويجريها مجرى الأسم. قال النحاس: وإن كان الكتاب إلى اثنين أحدهما أكبر من الآخر، فيقدّم الأكبر، وكذلك لو كان لى ثلاثة. قال أبو جعفر النحاس: وقد استحسن جماعة أن يصغّر اسم المكتوب عنه على عنوانات الكتب، ورأوا أن ذلك تواضع. وما ذكره هو المستعمل في المكاتبات الجاري عليه حكم الدواوين إلى زماننا. والأصل في ذلك ما ذكره النحاس أن الحجاج بن يوسف، كتب إلى عبد الملك بن مروان وهو خليفة، في طومار «2» : «لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين» ثم كتب في طرّته بقلم ضئيل: من الحجّاج بن يوسف، فجرى الكتّاب على أسلوبه فيما بعد. قال في «معالم الكتابة» : ولا يكثر النعوت ولا الدّعاء على العنوان للسلطان ولا للكبراء، أما من الأعلى «3» إلى الأدنى فحسن. وقد تقدم في مقدّمة الكتاب أن صاحب ديوان الإنشاء هو الذي يعنون الكتب السلطانية، وأنها كانت لا تعنون قبل كتابة السلطان عليها علامته. والذي استقرّ عليه الحال في كتب السلطان وما في معناها من المشتملة على الألقاب أن تكتب الألقاب في العنوان، ويدعى فيها بدعوة واحدة وهي المفتتح بها المكاتبة.

الجملة الثالثة (في طي الكتاب وختمه)

الجملة الثالثة (في طيّ الكتاب وختمه) أما طيّه فمعروف، وهو أن يلفّ بعضه على بعض لفّا خاصّا. والطّيّ في اللغة خلاف النّشر؛ ويقال: طوى الكتاب يطويه طيّا، ومنه قوله تعالى: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ «1» . والترتيب في ذلك أن تكون الكتابة إلى داخل الكتاب؛ لأن المقصود صون المكتوب فيه. ثم للناس في صورة الطيّ طريقتان: الطريقة الأولى- أن يكون لفّه مدوّرا كأنبوبة الرّمح ، وهي طريقة كتّاب الشرق من قديم الزمان وإلى الآن. والطريقة الثانية- أن يكون طيّه مبسوطا في قدر عرض أربعة أصابع مطبوقة ، وعلى ذلك كان الحال جاريا في الدولة الأيّوبية بالديار المصريّة. فقد ذكر عبد الرحيم بن شيث «2» من كتّاب دولتهم، أنّ طيّ الكتب السلطانية يكون عرض أربعة أصابع، وكذلك من العلية إلى من دونهم، أما الكتاب من الأدنى إلى الأعلى فلا يتجاوز به عرض إصبعين، وهذا ظاهر في أنّ الطّيّ يكون عريضا لا مدوّرا، وهي طريقة أهل المغرب والرّوم والفرنج. وأما ختمه، فالختم مصدر ختم، يقال: ختم الكتاب يختمه ختما، ومعناه الطّبع، ومنه قوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ «3» والمراد شدّ رأس الكتاب والطبع عليه بالخاتم، حتّى لا يطّلع أحد على ما في باطنه حتّى يفضّه المكتوب إليه، على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وهو أمر

مطلوب مرغّب فيه، فمن كلام عمر رضي الله عنه: «طينة خير من ظنّة» يعني أنّ ختم الكتاب بطينة خير من ظنّة تقع في الكتاب بالنظر فيه أو زيادة أو نقص، والظّنّة التّهمة. ومن كلام غيره: «اختم تسلم» . ومن كلام غيره: «إن طيّنت وإلّا وقعت» يعني إن طيّنت الكتاب وإلا وقعت في المحذور. ويقال: إنّ في ختم الكتاب تعظيما للمكتوب إليه. قال بزرجمهر أحد ملوك الفرس: من لم يختم كتابا فقد استخفّ بصاحبه، وجهّل في رأيه. وقد قيل: إن أوّل من ختم الكتاب سليمان عليه السّلام؛ وقد فسّر قوله تعالى حكاية عن بلقيس: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ «1» بأنه مختوم. وعلى نهجه في ذلك جرت ملوك العجم. قال في «موادّ البيان» : ولم تزل كتب العرب منشورة حتى كتب عمرو «2» بن هند الصحيفة إلى المتلمّس «3» ، فقرأها ولم يوصّلها، فختمت العرب الكتب من حينئذ. وقد ورد في الحديث «أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أراد أن يكتب إلى بعض العجم فقيل له: يا رسول الله، إنهم لا يقرأون كتابا غير مختوم، فأمر أن يتّخذ له خاتم حديد، فوضعه في إصبعه، فأتاه جبريل عليه السّلام فقال له: انبذه من

إصبعك، فنبذه وأمر أن يتّخذ له خاتم نحاس فوضعه في إصبعه فأتاه جبريل عليه السّلام فقال: انبذه من إصبعك فنبذه، ثم أمر أن يتّخذ له خاتم، فاتّخذ له خاتم من فضة فختم به، وكتب إلى من أراد أن يكتب من الأعاجم؛ ونقش عليه «محمد رسول الله» ثلاثة أسطر؛ وكان الخاتم في يد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، حتّى قبضه الله تعالى؛ ثم تختّم به أبو بكر رضي الله عنه حتّى قبض؛ ثم تختّم به عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتّى قتل؛ ثم تختّم به عثمان رضي الله عنه، فبينما هو ذات يوم على بئر أريس من بئار المدينة، إذ عبث بالخاتم فسقط من يده، فنزح كلّ ما كان في البئر من الماء فلم يوجد؛ فلما يئس منه أمر أن يصاغ له خاتم مثله وينقش عليه «محمد رسول الله» ففعل ذلك وتختّم به. هكذا أورده صاحب «ذخيرة الكتاب» وبعضه في الصحيح. وقيل: إن نقش الخاتم الذي اتخذه كان «آمنت بالّذي خلق فسوّى» . وقيل: كان نقشه «لتصبرنّ أو لتندمنّ» . ثم كان لكلّ من الخلفاء بعد عثمان رضي الله عنه خاتم يختم به، عليه نقش مخصوص؛ فكان نقش خاتم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه «الملك لله الواحد القهّار» ونقش خاتم ابنه الحسن «لا إله إلا الله الملك الحقّ المبين» ونقش خاتم معاوية بن أبي سفيان «لكلّ عمل ثواب» وقيل: «لا قوّة إلّا بالله» ونقش خاتم يزيد بن معاوية «ربّنا الله» ونقش خاتم معاوية بن يزيد «الدّنيا غرور» «1» ونقش خاتم مروان ابن الحكم «الله ثقتي ورجائي» ونقش خاتم عبد الملك ابن مروان، «آمنت بالله مخلصا» ونقش خاتم الوليد بن عبد الملك «يا وليد، إنّك ميّت ومحاسب!» ونقش خاتم عمر بن عبد العزيز «عمر بن عبد العزيز يؤمن بالله» ونقش خاتم يزيد بن عبد الملك «قني «2»

السّيّئات «1» يا عزيز» ونقش خاتم هشام بن عبد الملك «الحكم للحكم الحكيم» ونقش خاتم الوليد بن يزيد «يا وليد احذر الموت» ونقش خاتم يزيد بن الوليد «يا يزيد قم بالحق» ونقش خاتم إبراهيم بن الوليد «توكّلت على الحيّ القيّوم» ونقش خاتم مروان بن محمد «اذكر الله يا غافل» . وكان نقش خاتم السّفّاح، أوّل خلفاء بني العبّاس «الله ثقة عبد الله» ونقش خاتم المهديّ «2» «حسبي الله» ونقش خاتم الرّشيد «العظمة والقدرة لله» . وقيل: «كن من الله على حذر» ونقش خاتم الأمين «محمد واثق بالله» ونقش خاتم المأمون «سل الله يعطيك» ونقش خاتم المعتصم «الله ثقة أبي إسحاق بن الرشيد وبه يؤمن» ونقش خاتم الواثق «الله ثقة الواثق» ونقش خاتم المتوكّل «على الحيّ اتّكالي» ونقش خاتم المنتصر «يؤتى الحذر من مأمنه» ونقش خاتم المستعين «في الاعتبار غناء عن الاختبار» ونقش خاتم المعتز «الحمد لله ربّ كلّ شيء وخالق كلّ شيء» ونقش خاتم المهتدي «من تعدّى الحقّ ضاقت مذاهبه» ونقش خاتم المعتمد «السّعيد من وعظ بغيره» ونقش خاتم المعتضد «الاضطرار يزيل الاختيار» ونقش خاتم المكتفي «بالله عليّ بن أحمد يثق» ونقش خاتم المقتدر بالله «الحمد لله الذي ليس كمثله شيء وهو خالق كل شيء» ونقش خاتم القاهر «محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ونقش خاتم المتّقي «المتّقي لله» كلقبه للخلافة، ونقش خاتم المستكفي «المستكفي بالله يثق» ولم أقف على نقش خاتم أحد من الخلفاء غير هؤلاء. واعلم أنه كان للختم في أيام الخلفاء ديوان مفرد يعبّر عنه بديوان الخاتم. وقد اختلف في أوّل من اتّخذ ديوان الخاتم؛ فروى محمد بن عمر المدائني في كتاب «القلم والدواة» بسنده إلى ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: لم يكن أبو

بكر ولا عمر يلبسون «1» خواتم ولا يطبعون كتابا، حتّى كتب زياد بن أبي سفيان إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنك تكتب إلينا بأشياء ليست لها طوابع؛ فاتخذ عند ذلك عمر طابعا يطبع به، وخزم «2» الكتاب ولم يكن قبل يخزم. ومقتضى ذلك أن يكون أوّل من اتخذ الختم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويكون لبسه خاتم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لغير الختم. وذكر الطبريّ في تاريخه: أن أوّل من اتخذ ذلك معاوية بن أبي سفيان في خلافته، وذلك أنه أمر لعمرو بن الزبير بمائة ألف من عند زياد، ففتح الكتاب وجعل المائة مائتين؛ فلما رفع زياد حسابه أنكر ذلك معاوية، وطلب عمرا فحسبه حتّى قضاها عنه أخوه عبد الله بن الزّبير واتخذ معاوية حينئذ ديوان الختم، وخزم الكتاب ولم يكن قبل يخزم. قال القاضي وليّ الدين بن خلدون في تاريخه: «وديوان الختم عبارة عن الكتّاب القائمين على إنفاذ كتب السلطان. قال: وهذا الخاتم خاصّ بديوان الرسائل، وكان ذلك للوزير في أيام الدولة العباسية. ويشهد لذلك قول الرشيد ليحيى بن خالد لما أراد أن يستوزر جعفرا، ويستبدل به من الفضل أخيه: إني أحوّل الخاتم من يميني إلى شمالي، فكنى بالخاتم عن الوزارة، لانضمام ديوان الرسائل إلى الوزير إذ ذاك. ثم اختلف العرف بعد ذلك، فصار ليس إليه الرسائل في الدولة. ثم للختم ثلاث صور: الصورة الأولى- أن يلصق رأس الكتاب بنوع من أنواع اللّصاق، كالكثيراء «3» المدافة «4» بالماء، والنّشا المطبوخ ونحو ذلك. وهذا هو المستعمل بالديار المصرية وبلاد المشرق من قديم الزمان وهلمّ جرّا إلى زماننا؛ والمستعمل بالدواوين هو النّشادون غيره، لنصاعة بياضه وشدّة لصاقه. قال في «موادّ

البيان» : ويجب أن يكون اللّصاق خفيفا كالدّهن لئلا يتكرّس ويكثف في جانب الورق. وقد كانت عادتهم في بلاد المشرق أيام الخلفاء أن يختم بخاتم الخليفة، بأن يغمس في طين معدّ لذلك أحمر الصبغ، ويختم به على طرفي اللّصاق، ليقوم مقام علامة الخليفة. وكان هذا الطين يجلب إليهم من سيراف «1» من بلاد فارس، وكأنّه مخصوص بها؛ وعلى نهج الخلفاء جرى الملوك حينئذ. والذي استقرّ عليه الحال الآن بالديار المصرية ونحوها من البلاد الشرقية الاقتصار على مجرّد اللّصاق اكتفاء بما فيه من الضبط وظهور فضّه إن فضّ. وهذه المسألة مما سأله الشيخ جمال الدين بن نباتة كتّاب ديوان الإنشاء بدمشق مخاطبا به للشيخ جمال الدين محمود الحلبي- فقال: ومن ختم الكتاب بالطين وربطه؟ ومن غيّر الطين إلى النّشا وضبطه؟. وقد سبق الكلام في النّشا وسائر أنواع اللّصاق في الكلام على آلات الدواة في المقالة الأولى. الصورة الثانية- أن يخزم الكتاب من وسطه بالأشفار حتّى تنفذ في بعض طيّات الكتاب ثم تخرج من وجه الورق أيضا، ويدخل فيه دسرة «2» من الورق كالسّير الصغير ويقطّ طرف الدسرة؛ ثم يلصق على ذلك بشمع أحمر؛ ثم يختم عليه بخاتم يظهر نقشه فيه، ويسمّى هذا النوع من الختم الخزم- بالخاء والزاي المعجمتين- أخذا من خزم البعير، وهو أن يثقب أنفه ويجعل فيه خيط أو نحوه.. ولعل هذه الطريقة من الختم هي التي كان عليها الحال حين أحدث الختم في صدر الإسلام، ويدل على ذلك قول ابن عمر رضي الله عنه في رواية «3» الطبريّ

الجملة الرابعة (في حمل الكتاب وتأديته)

المتقدّمة: وخزم الكتاب ولم يكن قبل يخزم. وعلى هذا الآن أهل المغرب والرّوم والفرنج ومن في معناهم. الصورة الثالثة- أن يلفّ على الكتاب بعد طيّه قصاصة من الورق كالسّير في عرض رأس الخنصر، وتلف على الكتاب ثم يلصق رأسها؛ ويكون ذلك في الرّقاع الصغيرة المتردّدة بين الإخوان، وتسمّى القصاصة التي يلصق بها سحاءة- بفتح السين وبالمدّ، وتقال بكسر السين أيضا، وربما قيل سحاية؛ ويقال فيه: سحوت الكتاب أسحوه سحوا، وسحّيته بالتشديد أسحّيه تسحية فهو مسحوّ ومسحيّ ومسحّى؛ والأمر من سحوت الكتاب أسح، ومن سحّيته بالتشديد سحّ، وأصله من السّحو وهو القشر. يقال: سحوت اللحم عن العظم إذا قشرته. الجملة الرابعة (في حمل الكتاب وتأديته) وهو من جملة الأمانات الداخلة في عموم قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها «1» . وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: من أعظم الأمانة أداء الكتاب إلى أهله. قال محمد بن عمر المدائني: حمل الكتاب أمانة، وترك إيصاله خيانة. وقد روي أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من بلّغ كتاب غاز في سبيل الله إلى أهله أو كتاب أهله إليه، كان له بكلّ حرف عتق رقبة وأعطاه الله كتابه بيمينه وكتب له براءة من النار» . وقد نطق القرآن الكريم بتأدية الهدهد كتاب سليمان عليه السّلام إلى بلقيس، حيث قال حكاية عن سليمان: اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ «2» إلى أن قال: قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ «3» .

وقد وردت الأحاديث بأن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان يبعث كتبه مع رسله إلى الملوك، فبعث عبد الله بن حذافة إلى كسرى أبرويز ملك الفرس؛ وبعث دحية الكلبيّ إلى قيصر ملك الروم؛ وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر؛ وبعث عمرو بن أميّة الضّمريّ إلى الضّحّاك «1» ملك الحبشة؛ وبعث شجاع بن وهب الأسديّ إلى الحارث بن أبي شمر الغسّاني؛ وبعث سليط بن عمرو إلى هوذة بن عليّ صاحب اليمامة؛ وبعث العلاء بن الحضرميّ إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين؛ وبعث عمرو بن العاص إلى عبد «2» وجيفر ابني الجلندى ملكي عمان. قال ابن الجوزيّ: وبعث جرير بن عبد الله البجليّ إلى ذي الكلاع الحميريّ. واعلم أنه يجب أن يكون حامل الكتاب المؤدّى له عن الملك ونحوه وافر العقل، شديد الشّكيمة في الجواب، طلق اللسان في المحاورة، فإنه لسان ملكه، وترجمان مرسله، وربما سأله المكتوب إليه عن شيء أو أورد عليه اعتراضا فيكون بصدد إجابته. وقد قيل: إنّه يستدلّ على عقل الرجل بكتابه ورسوله. ومن غريب ما يروى في ذلك ما ذكره ابن عبد الحكم، أن النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، لما بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر، وبلّغه كتاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال له: ما منعه أن يدعو عليّ فيسلّط عليّ؟ - قال له حاطب: ما منع عيسى أن يدعو على من أبى عليه أن يفعل ويفعل؟ فوجم ساعة ثم استعادها، فأعادها عليه حاطب، فسكت. ويروى أنه حين سأله عن أمر النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، في حرب قومه، وذكر له أنّ الحرب تكون بينهم سجالا، تارة له وتارة عليه، قال له المقوقس: النّبيّ يغلب! فقال له حاطب: فالإله يصلب! - يشير بذلك إلى ما تزعمه النصارى من أن المسيح عليه السّلام صلب مع دعواهم فيه أنه إله. وذكر السّهيليّ أن دحية الكلبيّ حين دخل على قيصر بكتاب النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم،

قال له دحية: هل تعلم أكان المسيح يصلّي؟ قال نعم، قال: فإنّي أدعوك إلى من كان المسيح يصلّي له، وأدعوك إلى من دبّر خلق السموات والأرض والمسيح في بطن أمه. فألزمه من صلاة المسيح أنه عبد لله تعالى، وضمّن ذلك بيتا من أبيات له فقال: (متقارب) فقرّرته بصلاة المسيح ... وكانت من الجوهر الأحمر! ويحكى أن بعض ملوك الرّوم كتب إلى خليفة زمانه يطلب منه من يناظر علماء النّصرانية عنده فإن قطعهم أسلموا؛ فوجّه إليه بالقاضي أبي بكر بن الطيّب المالكيّ، وكان من أئمة علماء زمانه؛ فلما حضر المجلس واجتمع لديه علماء النصارى، قال له بعضهم: إنّ معتقدكم أنّ الأنبياء عليهم السّلام معصومون في الفراش، وقد رميت عائشة بما رميت به. فإن كان ما رميت به حقّا، كان ناقضا لأصلكم الذي أصّلتموه في عصمة الأنبياء في الفراش، وإن كان غير حقّ كان مؤثّرا في إيمان من وقع منه. فقال القاضي أبو بكر: إمرأتان حصينتان رميتا بالفرية «1» ، إحدهما لها زوج ولا ولد لها، والأخرى لها ولد ولا زوج لها- يشير بالأولى إلى عائشة رضي الله عنها، وبالثانية إلى مريم عليها السّلام، فسجدوا له على عادة تحيّتهم في ذلك، إلى غير ذلك من الوقائع التي لا تحصى كثرة. فإذا كان الرسول متمكّنا من عقله، عالما بما يأتي وما يذر، كفى ملكه مؤونة غيبته، وأجاب عن كل ما يسأل عنه؛ وإذا كان بخلاف ذلك انعكست القضيّة، ورجع على مرسله بالوبال. ثم إن اقتضى رأي الملك زيادة في الرسالة على الرسول الواحد فعل؛ ليتعاونا على ما فيه المصلحة، ويتشاورا فيما يفعلان، فقد ذكر السهيليّ أن جبرا مولى أبي ذرّ الغفاريّ كان رسولا مع حاطب ابن أبي بلتعة إلى المقوقس. وإن اقتضى الحال إرسال أكثر من اثنين أيضا فعل، فقد ذكر ابن الجوزيّ أن أبا بكر الصدّيق، رضي الله عنه، في خلافته

الجملة الخامسة (في فض الكتاب وقراءته)

بعث إلى قيصر ثلاثة رسل، وهم: هشام بن العاص، ونعيم بن عبد الله، ورجل آخر. ومما يجب التنبيه عليه أنه يحرم على حامل الكتاب النظر فيه، والاطّلاع على ما تضمّنه. قال محمد بن عمر المدائني: في فضّ الكتاب إثم وسوء أدب، وساق بسنده إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من اطّلع في كتاب أخيه بغير إذنه، أطلعه طلعة في النار» . الجملة الخامسة (في فضّ الكتاب وقراءته) أما فضّه فالمراد فكّ ختمه وفتحه؛ والفضّ في أصل اللغة الكسر والتفريق؛ ومن الأوّل ما ثبت في الصحيح من قول القائلة لابن عمّها في قصّة الثلاثة الذين دعوا الله بأحبّ أعمالهم: «إتقّ الله ولا تفضّ الخاتم إلا بحقّه» تريد إزالة بكارتها. ومن الثاني هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا» . وقد تقدّم في الكلام على ترتيب المملكة في المقالة الثانية أن الرسول أو البريديّ الواصل إلى باب السلطان يقدّمه الدّوادار إلى السلطان، ثم يتناول الكتاب منه ويمسح به وجه من حضر على يده، ثم يدفعه إلى السلطان فيفضّ ختامه، ثم يتناوله الدّوادار من السلطان ويدفعه إلى كاتب السر، فيقرأه على السلطان. واعلم أنّ لفضّ الكتاب حالتين: الحالة الأولى- أن يكون مختوما باللّصاق بالنّشا على طريقة المشارقة وأهل الديار المصرية ، فيشقّ ظاهره على القرب من محلّ اللّصاق بسكّين ثم يفتح.

الحالة الثانية - أن يكون مخزوما مسمرا بدسرة من الورق على عادة المغاربة

الحالة الثانية- أن يكون مخزوما مسمّرا بدسرة «1» من الورق على عادة المغاربة ومن جرى مجراهم، فيرفع الختم الملصق عليه من الشّمع، وتقلع الدّسرة ويفتح الكتاب. وأما قراءة الكتب فإنه يجب أن يكون من يقرأ الكتب على الملوك ومن في معناهم ماهرا في القراءة، فصيح اللسان في النّطق، رقيق حاشية اللّسان في حسن الإيراد، قويّ الملكة في استخراج الخطوط المختلفة، سريع الفهم في حسن الإيراد، قويّ المملكة في استخراج الخطوط المختلفة، سريع الفهم في إدراك المعاني الخفيّة؛ وأن تكون قراءته على رئيسه- من سلطان أو غيره- بحسب ما يؤثر ملكه أو أميره سماعه من السّرعة والبطء، وأن يكون ذلك بصوت غير خفيّ بحيث يعسر سماعه، ولا مرتفع بحيث يعدّ صاحبه خارجا عن أدب المخاطبة للأكابر، وأن يقرّب لمن يقرأ عليه فهم المقاصد التي اعتاصت عليه إذا سأله عنها، أو غلب على ظنه أنها لم تصل إلى فهمه، بحسن إيراد، وتلطيف عبارة يحسن موقعها في النفوس ويجمل وقعها في الأذهان. الجملة السادسة (في كراهة طرح الكتاب بعد تخزيقة: وهو فضّه، وحفظه بعد ذلك في الإضبارة «2» ) أما كراهة طرحه فقد قال محمد بن عمر المدائني في كتاب «القلم والدواة» : كرهوا تخزيق الرسائل ورميها في الطّرق والمزابل، خوفا على اسم الله تعالى أن يداس، أو تلحقه النجاسة والأدناس. قال: وفي رفع ما طرح من

الكتاب أعظم الرغائب وأجلّ الثواب؛ وساق بسنده إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من كتاب يلقى ببقعة من الأرض فيه اسم من أسماء الله إلّا بعث الله إليه سبعين ألف ملك يحفّونه بأجنحتهم ويقدّسونه، حتّى يبعث الله إليه وليّا من أوليائه فيرفعه من الأرض. ومن رفع كتابا من الأرض فيه اسم من أسماء الله تعالى، رفع الله اسمه في علّيّين وخفّف عن والديه العذاب وإن كانا مشركين» . ويروى: «من رفع قرطاسا من الأرض فيه مكتوب «بسم الله الرحمن الرحيم» إجلالا له أن يداس، أدخله الله الجنة وشفّعه في عشرين من أهل بيته كلّهم قد وجب له النار» . وأما حفظه في الإضبارة فهو أمر مطلوب، والإضبارة عبارة عن ورقة تلفّ على جملة من الكتب قد جمعت في داخلها ويلصق طرفها بالنّشا. والقاعدة فيها أن تلوى الكسرة من أسفلها، وإن طال بعضها في طيّه وقصر بعض جعل التفاوت في الطّول والقصر من أعلاها. قال في «صناعة الكتّاب» : ومعناها الجمع؛ لأنها يجمع بعضها إلى بعض. ومنه قيل: تضبّر القوم إذا تجمّعوا، ورجل مضبّر الخلق أي مجتمعه، وناقة مضبّرة ومضبورة، وضبر الفرس إذا جمع قوائمه ووثب. ويقال للإضبارة أيضا إضامة «1» بكسر الهمزة وتشديد الميم لضم بعضها إلى بعض، والمعنى فيها صيانة الكتب وحفظها عن الضّياع. وقد جرت عادة كتّاب ديوان الإنشاء بالديار المصرية أن يجعل لكل شهر إضبارة تجمع فيها الكتب الواردة على أبواب السلطان من أهل المملكة وغيرهم، ويكتب عليها «شهر كذا» . وقد سبق القول في مقدّمة الكتاب أن الديوان كان له في زمن الفاطميين كاتب يكتب الكتب الواصلة ويبسط عليها جرائد، كما يكتب

الكتب الصادرة عن الأبواب السلطانية ويبسط عليها جرائد؛ وأن ذلك بطل في زماننا وصار الأمر قاصرا فيها على حفظ الكتب في الإضبارات؛ متى احتيج إلى الكشف عن كتاب منها، أخذ بالحدس أنه ورد في السنة الفلانية، وتكشف إضباراتها واحدة بعد واحدة حتّى يقع العثور عليه، ولا خفاء فيما في ذلك من المشقّة، بخلاف ما إذا كان لها جرائد مبسوطة، فإنه يسهل الكشف منها، ويستدلّ بتاريخه على إضبارته فتخرج ويقع الكشف منها، ولكن أهمل ذلك في جملة ما أهمل.

الباب الثاني من المقالة الرابعة (في مصطلحات المكاتبات الدائرة بين كتاب أهل الشرق والغرب والديار المصرية في كل زمن من صدر الإسلام وهلم جرا إلى زماننا، وفيه ستة فصول)

الباب الثاني من المقالة الرابعة (في مصطلحات المكاتبات الدائرة بين كتّاب أهل الشرق والغرب والديار المصرية في كل زمن من صدر الإسلام وهلمّ جرّا إلى زماننا، وفيه ستة فصول) الفصل الأوّل (في الكتب الصادرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وفيه ثلاثة أطراف) الطرف الأوّل (في ذكر ترتيب كتبه صلّى الله عليه وسلّم في الرسائل على سبيل الإجمال) كان صلّى الله عليه وسلّم يفتتح أكثر كتبه بلفظ «من محمد رسول الله إلى فلان» وربما افتتحها بلفظ «أما بعد» وربما افتتحها بلفظ «هذا كتاب» وربما افتتحها بلفظ «سلم أنت» . وكان يصرّح في الغالب باسم المكتوب إليه في أوّل المكاتبات، وربما اكتفى بشهرته «1» . فإن كان المكتوب إليه ملكا كتب بعد ذكره اسمه «عظيم القوم الفلانيين» وربما كتب «ملك القوم الفلانيين» وربما كتب «صاحب مملكة كذا» . وكان يعبّر عن نفسه صلّى الله عليه وسلّم في أثناء كتبه بلفظ الإفراد. مثل: «أنا» و «لي»

و «جاءني» و «وفد عليّ» وما أشبه ذلك، وربما أتى بلفظ الجمع مثل «بلغنا» و «جاءنا» ونحو ذلك. وكان يخاطب المكتوب إليه عند الإفراد بكاف الخطاب. مثل: «لك» و «عليك» وتاء المخاطب. مثل: «أنت قلت كذا وفعلت كذا» . وعند التثنية بلفظها مثل: «أنتما» و «لكما» و «عليكما» . وعند الجمع بلفظه. مثل: «أنتم» و «لكم» و «عليكم» وما أشبه ذلك. وكان يأتي في صدور كتبه بالسلام. فيقول في خطاب المسلم «سلام عليك» وربما قال: «السّلام على من آمن بالله ورسوله» وفي خطاب الكافر: «سلام على من اتّبع الهدى» وربما أسقط السّلام من صدر الكتاب. وكان يأتي في صدور الكتب بالتحميد بعد السّلام. فيقول: «فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو» وربما تركه، وقد يأتي بعد التحميد بالتشهّد وقد لا يأتي به. وكان يتخلّص من صدر الكتاب إلى المقصود تارة بأما بعد وتارة بغيرها. وكان يختم كتبه بالسلام تارة، فيقول في خطاب المسلم: «والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته» وربما اقتصر على السلام. ويقول في خطاب الكافر: «والسّلام على من اتّبع الهدى» وربما أسقط السّلام من آخر كتبه. أما عنونة كتبه، صلّى الله عليه وسلّم، فلم أقف فيها على نصّ صريح، والذي يظهر أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يعنون كتبه بلفظ: «من محمد رسول الله إلى فلان» على نحو ما في الصّدر، وتكون كتابته «من محمد رسول الله» عن يمين الكتاب، و «إلى فلان» عن يساره، وعليه يدلّ ما تقدّم من كلام صاحب «موادّ البيان» في الأصل الثاني عشر من أصول المكاتبات حيث ذكر في الكلام على العنوان أن الأصل أن يبتدأ باسم المكتوب عنه ويثنّى باسم المكتوب إليه، ثم قال: وعلى هذا كانت كتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

الطرف الثاني (في كتبه صلى الله عليه وسلم إلى أهل الإسلام، وهو على ثلاثة أساليب)

الطرف الثاني (في كتبه صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل الإسلام، وهو على ثلاثة أساليب) الأسلوب الأوّل (أن يفتتح الكتاب بلفظ «من محمد رسول الله إلى فلان» ) فمن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى خالد بن الوليد، في جواب كتابه إليه صلّى الله عليه وسلّم بإسلام بني الحارث وهو على ما ذكره ابن إسحاق في سيرته: «من محمد رسول الله إلى خالد بن الوليد: سلام عليك، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو. أما بعد فإنّ كتابك جاءني مع رسولك، يخبرني أنّ بني الحارث قد أسلموا قبل أن تقاتلهم، وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام، وشهدوا أن لا إله إلّا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن قد هداهم الله بهداه، فبشّرهم وأنذرهم، وأقبل وليقبل معك وفدهم، والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته» . ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم، إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين من جهة الفرس، في جواب كتابه إليه صلّى الله عليه وسلّم. ونسخته على ما ذكره السّهيليّ في «الروض الأنف» : «من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى. سلام عليك، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو، وأشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا عبده ورسوله. أما بعد فإنّي أذكّرك الله عزّ وجلّ، فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، وإنه من يطع رسلي ويتّبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإنّ رسلي قد أثنوا عليك خيرا، وإني قد شفّعتك في

قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذّنوب فاقبل لهم، وإنك مهما تصلح فلن نعزلك، ومن أقام على مجوسيّته فعليه الجزية» . ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم، إلى فروة بن عمرو الجذاميّ. ونسخته على ما ذكره ابن الجوزي في «كتاب الوفاء» : «من محمد رسول الله إلى فروة بن عمرو. أما بعد، فقد قدم علينا رسولك، وبلّغ ما أرسلت به، وخبّر عمّا قبلكم خيرا، وأتانا بإسلامك وأنّ الله هداك بهداه» . ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم، إلى طهفة النّهدي وقومه. ونسخته فيما حكاه ابن الأثير في «المثل السائر» : «من محمد رسول الله إلى بني نهد. السّلام على من آمن بالله ورسوله. لكم يا بني نهد في الوظيفة الفريضة «1» ، ولكم الفارض «2» والفريش «3» ، وذو العنان الرّكوب والفلوّ الضّبيس «4» ، لا يمنع سرحكم «5» ، ولا يعضد طلحكم «6» ، ولا يحس «7» درّكم ما لم تضمروا

الإماق «1» ، وتأكلوا الرّباق «2» . من أقرّ [بما في هذا الكتاب «3» ] فله [من رسول الله «4» ] الوفاء بالعهد والذّمّة، ومن أبي فعليه الرّبوة «5» » . وهذا الكتاب مما يحتاج إلى شرح غريبه ليفهم. «فالوظيفة» النّصاب في الزكاة وأصله الشيء الراتب. «والفريضة» الهرمة المسنّة، والمراد أنها لا تؤخذ منهم في الزكاة بل تكون لهم. «والفريش» بالفاء والشين المعجمة ما انبسط من النبات وفرش على وجه الأرض ولم يقم على ساق، وقد يطلق على الفرس إذا حمل عليها بعد النّتاج أيضا. «وذو العنان الرّكوب» الفرس الذّلول، «والفلوّ» المهر الصغير وقيل الفطيم من جميع أولاد الحافر. «والضّبيس» بالضاد المعجمة والباء الموحدة والسين المهملة العسر الصّعب الذي لم يرض. «والسّرح» السارحة، وهي المواشي، والمعنى أنها لا تمنع من المرعى. والعضد القطع. والطلح شجر عظام من شجر العضاه. والدّرّ اللبن، والمراد ذوات الدّرّ من المواشي، أراد أنها لا تحشر إلى المصدّق وتمنع المرعى إلى أن تجتمع الماشية ثم تعدّ لما في ذلك من الإضرار. و «الإماق» مخفّف، من أمأق الرجل إذا صار ذا مأقة، وهي الحميّة والأنفة، وقيل مأخوذ من الموق وهو الحمق، والمراد إضمار النّكث والغدر أو إضمار الكفر. و «الرّباق» بالراء المهملة والباء الموحدة والقاف جمع ربقة، وهي في الأصل اسم لعروة تجعل في الحبل وتكون في

عنق البهيمة أو يدها تمسكها، والمراد هنا نقض العهد واستعار الأكل لذلك؛ لأن البهيمة إذا أكلت الرّبقة خلصت من الشدّ. و «الرّبوة» بكسر الراء الزيادة، والمراد هنا الزيادة في الفريضة الواجبة عليه كالعقوبة له. ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى أكيدر دومة فيما ذكره أبو عبيدة، وهو: «من محمد رسول الله لأكيدر دومة حين أجاب إلى الإسلام، وخلع الأنداد والأصنام، مع خالد بن الوليد سيف الله في دومة الجندل وأكنافها: إنّ لنا الضاحية من الضّحل والبور والمعامي وأغفال الأرض والحلقة والسّلاح والحافر والحصن. ولكم الضّامنة من النّخل. والمعين من المعمور، لا تعدل سارحتكم، ولا تعدّ فاردتكم، ولا يحظر عليكم النبات، تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤتون الزكاة بحقّها، عليكم بذلك عهد الله والميثاق» . وهذا الكتاب أيضا مما يحتاج إلى معرفة غريبه: فالأنداد جمع ندّ بكسر النون وهو ضدّ الشيء الذي يخالفه في أموره، وينادّه أي يخالفه، والمراد ما كانوا يتخذونه آلهة من دون الله تعالى. والأصنام جمع صنم: وهو ما اتّخذ إلها من دون الله، وقيل: ما كان له جسم أو صورة، فإن لم يكن له جسم ولا صورة فهو وثن. والأكناف بالنون جمع كنف بالتحريك وهو الجانب والناحية. والضاحية بالضاد المعجمة والحاء المهملة الناحية البارزة التي لا حائل دونها، والمراد هنا أطراف الأرض؛ والضّحل بفتح الضاد المعجمة وسكون الحاء المهملة القليل من الماء، وقيل الماء القريب من المكان، وبالتحريك مكان الضّحل. والبور الأرض التي لم تزرع، وهو بالفتح مصدر وصف به، وبالضم جمع بوار، وهو الأرض الخراب التي لم تزرع. والمعامي المجهولة من الأرض التي ليس فيها أثر عمارة، واحدها معمّى. وأغفال الأرض بالغين المعجمة والفاء الأرض التي ليس فيها أثر يعرف كأنها مغفول عنها. والحلقة بسكون اللام

السّلاح عامّا، وقيل الدّروع خاصّا، والسلاح ما أعدّ للحرب من آلة الحديد مما يقاتل به، والسّيف وحده يسمّى سلاحا. والضامنة من النخل بالضاد المعجمة والنون ما كان داخلا في العمارة من النخيل وتضمّنته أمصارهم وقراهم، وقيل سميت ضامنة لأن أربابها ضمنوا عمارتها وحفظها، فهي ذات ضمان كعيشة راضية بمعنى ذات رضا. والمعين من المعمور الماء الذي ينبع من العين في العامر من الأرض. وقوله: لا تعدل سارحتكم بالذال «1» المعجمة، أي لا تصرف ماشيتكم وتمال عن الرّعي ولا تمنع. وقوله: ولا تعدّ فاردتكم أي لا تضمّ إلى غيرها وتحشر إلى الصدقة حتّى تعدّ مع غيرها وتحسب. والفاردة الزائدة على الفريضة. وقوله: ولا يحظر عليكم النّبات بالظاء المعجمة، أي لا تمنعون من الزّرع والمرعى حيث شئتم، والحظر المنع. ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم، إلى وائل «2» بن حجر وأهل حضر موت، وهو: «من محمد رسول الله إلى الأقيال «3» العباهلة «4» من أهل «5» حضر موت، بإقامة الصّلاة، وإيتاء الزكاة. على التّيعة «6» الشاة، والتّيمة «7» لصاحبها، وفي

السّيوب «1» الخمس، لا خلاط «2» ولا وراط «3» ولا شناق «4» ولا شغار «5» ، ومن أجبى «6» فقد أربى؛ وكلّ مسكر حرام» «7» . وذكر القاضي عياض في «الشّفاء» أن كتابه لهم: «إلى الأقيال العباهلة، والأرواع المشابيب. وفي التّيعة شاة، لا مقورّة الألياط، ولا ضناك، وأنطوا الثّبجة، وفي السّيوب الخمس، ومن زنى مم بكر فاصقعوه مائة واستوفضوه عاما، ومن زنى مم ثيّب فضرّجوه بالأضاميم، ولا توصيم في الدّين، ولا غمّة في فرائض الله تعالى، وكل مسكر حرام، ووائل بن حجر يترفّل على الأقيال» «8» . وهذا الكتاب في معنى ما تقدّم من الاحتياج إلى شرح غريبه. الأقيال بالقاف والياء المثناة تحت جمع قيل: وهو الملك. والعباهلة الذين أقرّوا على ملكهم لا يزالون عنه؛ وحضر موت بلدة في اليمن في أقصاها، وقيل هي أحد مخالفيها. والتّيعة بالمثناة من فوق ثم المثناة من تحت والعين المهملة اسم لأدنى ما تجب فيه الزكاة من الحيوان، كالخمس من الإبل والأربعين من الغنم. قال ابن الأثير: وكأنها الجملة التي للسّعاة عليها سبيل من تاع يتيع إذا ذهب إليه. والتّيمة بالكسر الشاة الزائدة على الأربعين حتّى تبلغ الفريضة الأخرى، وقيل هي الشاة التي تكون لصاحبها في منزله يحلبها وليست بسائمة، وهي بمعنى الدّاجن. والسّيوب الرّكاز أخذا من السّيب وهو العطاء، قاله أبو عبيدة؛ وقيل هي عروق الذهب والفضّة التي تسيب في المعدن بمعنى تتلوّن وتظهر. وقال الزمخشريّ: هي

جمع سيب، يريد به المال المدفون في الجاهلية أو المعدن لأنه من فضل الله تعالى لمن أصابه. والخلاط بالكسر مصدر خالط، يقال: خالطه يخالطه خلاطا ومخالطة، والمراد أن يخلط الرجل إبله بإبل غيره أو بقره أو غنمه ليمنع حقّ الله تعالى منها، ويبخس المصدّق فيما يجب له. والوراط بالكسر أيضا أن تجعل الغنم في وهدة من الأرض لتخفى على المصدّق، مأخوذ [من الورطة] وهي الهوّة من الأرض. والشّناق بكسر الشين المشاركة في الشّنق بفتح النون، وهو ما بين الفريضتين من كلّ ما تجب فيه الزكاة، وهو ما زاد من الإبل على الخمس إلى التّسع، وما زاد على العشر إلى أربع عشرة، والمراد أن لا تؤخذ الزيادة على الفريضة. قال ابن الأثير: ويجوز أن يكون معناه المشاركة في الشّنق والشّنقين، وهو بمعنى الخلاط المتقدّم ذكره، لكن حمله على الأوّل أولى، لتعدّد المعنى. والشّغار بكسر الشين وبالغين المعجمة نكاح معروف في الجاهلية، وهو أن يزوّج الرجل ابنته أو أخته على أن يزوّجه بنته أو أخته، ويكون بضع كلّ منهما صداقا للأخرى. والأرواع جمع رائع: وهم الحسان الوجوه من الناس. وقيل: الذين يروعون الناس أي يفزعونهم بشدّة الهيبة. قال ابن الأثير: والأوّل أوجه. وقوله: ومن أجبى هو بالجيم والباء الموحدة: وهو بيع الزّرع قبل بدوّ صلاحه. وقيل هو أن يغيّب إبله عن المصدّق أخذا من أجبأته إذا واريته. وقيل هو أن يبيع من الرجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل معلوم ثم يشتريها منه بالنقد بأقلّ من الثمن الذي باعها به؛ ومعنى أربى وقع في الربا. والمشابيب السادة الرؤوس الزّهر الألوان الحسان المناظر واحدها مشبوب. والمقورّة الألياط المسترخية الجلود لهزالها والاقورار الاسترخاء في الجلود. والألياط جمع ليط: وهو قشر العود، شبّه به الجلد لالتزاقه باللحم. والضّناك بالكسر الكثير اللحم، ويقال الذكر والأنثى فيه سواء، والمراد أنه لا تؤخذ المفرطة في السّمن كما لا تؤخذ الهزيلة. وقوله: وأنطوا هو بلغة أهل اليمن بمعنى أعطوا، خاطبهم صلّى الله عليه وسلّم بلغتهم. والثّبجة بثاء مثلثة بعدها باء موحدة ثم جيم هي الوسط من المال التي ليست من خياره ولا رذالته، أخذا من ثبجة الناقة وهو ما بين الكاهل إلى الظهر.

الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «هذا كتاب» ويذكر المقصد فيما بعد، وهو قليل الوقوع في المكاتبات)

وقوله مم بكر جرى فيه على لغة أهل اليمن حيث يبدلون لام التعريف ميما. قال ابن الأثير: وعلى هذا فتكون راء بكر مكسورة من غير تنوين لأن أصله من البكر، فلما أبدلت الألف واللام ميما بقيت الحركة بحالها، ويكون قد استعمل البكر موضع الأبكار. قال: والأشبه أن تكون بكر منوّنة، وقد أبدلت نون من ميما؛ لأن النون الساكنة إذا كان بعدها باء قلبت في اللفظ ميما نحو عنبر ومنبر، ويكون التقدير ومن زنى من بكر. وقوله فاصقعوه هو بالصاد المهملة والقاف أي اضربوه، وأصل الصّقع الضرب على الرأس، وقيل الضرب ببطن الكف. وقوله: واستوفضوه هو بالفاء والضاد المعجمة أي انفوه، أخذا من قولهم: استوفضت الإبل إذا تفرّقت [في رعيها] وقوله: فضرّجوه- بالضاد المعجمة والجيم أي أدموه بالضرب، ويطلق الضّرج على الشّق أيضا. والأضاميم بالضاد المعجمة الحجارة واحدها إضمامة، والمراد ارجموه بالحجارة. والتوصيم بالصاد المهملة الفترة والتّواني، أي لا تفتروا في إقامة الحدود ولا تتوانوا فيها. وقوله: ولا غمّة في فرائض الله- أصل الغمّة السّتر، أي لا تستر فرائض الله ولا تخفى، بل تظهر ويجهر بها وتعلن. وقوله: يترفّل- أي يسود ويترأس، استعارة من ترفيل الثوب وهو إسباغه وإرساله؛ والأقيال الملوك وقد تقدّم الكلام عليه. الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «هذا كتاب» ويذكر المقصد فيما بعد، وهو قليل الوقوع في المكاتبات) ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم لقبيلة همدان من اليمن، فيما ذكره ابن هشام وهو: «هذا كتاب من محمد رسول الله لمخلاف خارف وأهل جناب الهضب وحقاف الرّمل، مع وافدها ذي المشعار، «1» لمالك «2» بن نمط ولمن أسلم من قومه، على أنّ

لهم فراعها ووهاطها [وعزازها] ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، يأكلون علافها، ويرعون عافيها، لكم بذلك عهد الله وذمام رسوله، وشاهدكم المهاجرون والأنصار» «1» . وذكر القاضي عياض في «الشفاء» أن في كتابه إليهم: «إنّ لكم فراعها ووهاطها وعزازها، تأكلون علافها وترعون عفاءها، «2» لنا من دفئهم وصرامهم ما سلّموا بالميثاق والأمانة، ولهم من الصّدقة الثّلب والناب والفصيل والفارض والداجن والكبش الحوريّ، وعليهم فيها الصّالغ والقارح» . وهذا من نسبة ما تقدّم مما يحتاج إلى شرح غريبه: فالفراع بالكسر «3» جمع فرعة، وهو ما ارتفع من الأرض. والوهاط جمع وهطة، وهي ما اطمأنّ من الأرض. والعلاف بالكسر- جمع علف كجبل وجبال، والمراد ما تعتلفه الدوابّ من نبات الأرض. والعزاز- ما صلب من الأرض واشتدّ وخشن، ويكون ذلك في أطرافها. والعفاء العافي- وهو ما ليس لأحد فيه ملك، من قولهم: عفا الأثر إذا درس. والدفء- نتاج الإبل وما ينتفع به منها، سمّي دفئا لأنه يتخذ من أوبارها ما يستدفأ به، والمراد هنا الإبل والغنم. والصّرام- النخل، وأصله قطع الثمرة. والثّلب من ذكور الإبل- الذي هرم وتكسّرت أسنانه. والناب- المسنّة من إناثها. والفصيل من أولاد الإبل- الذي فصل عن أمه من الرّضاع. والفارض- المسنّ من الإبل، والمراد أنه لا يؤخذ منهم في الزكاة. والداجن- الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم والكبش الحوريّ منسوب إلى الحور، وهي جلود تتّخذ من جلود الضأن، وقيل: هو ما دبغ من الجلود بغير القرظ «4» . والصالغ بالصاد المهملة

الأسلوب الثالث (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «سلم أنت» )

والغين المعجمة، وهو من البقر والغنم الذي كمل وانتهى، ويكون ذلك في السنة السادسة، ويقال: بالسين بدل الصاد. والقارح الفرس الذي دخل في السنة الخامسة. الأسلوب الثالث (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «سلّم أنت» ) فمن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى المنذر بن ساوى. وهو فيما ذكره أبو عبيد في «كتاب الأموال» : «سلّم أنت، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أمّا بعد، فإنّ من صلّى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم له ذمّة الله وذمّة الرسول؛ فمن أحبّ ذلك من المجوس فإنّه آمن، ومن أبي فإنّ عليه الجزية» . الطرف الثالث (في كتبه صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل الكفر للدّعاية إلى الإسلام، وهو على ثلاثة أساليب) الأسلوب الأوّل (أن يفتتح الكتاب بلفظ «من محمد رسول الله إلى فلان» كما في الأسلوب الأوّل من كتبه إلى أهل الإسلام) فمن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل: وهو قيصر، وقيل نائبه بالشام. وهو على ما ثبت في الصحيحين: «من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الرّوم، سلام على من اتّبع الهدى. أما بعد، فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، فإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين، ويأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألّا نعبد إلّا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتّخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون.

وذكر أبو عبيد في «كتاب الأموال» : أنّ كتابه صلّى الله عليه وسلّم، إلى هرقل كان فيه: «من محمد رسول الله إلى صاحب الروم؛ إنّي أدعوك إلى الإسلام: فإن أسلمت فلك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، وإن لم تدخل في الإسلام فأعط الجزية، فإنّ الله تعالى يقول: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ «1» وإلا فلا تحل بين الفلّاحين وبين الإسلام أن يدخلوا فيه أو يعطوا الجزية» . قال أبو عبيد: وأراد بالفلّاحين أهل مملكته؛ لأن العجم عند العرب كلّهم فلّاحون لأنهم أهل زرع وحرث. وفي مسند البزّار أنه صلّى الله عليه وسلّم، كتب إليه: «من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الرّوم» . ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى كسرى أبرويز «2» ، ملك الفرس فيما ذكره ابن الجوزيّ، وهو: «من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس. سلام على من اتّبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وأدعوك بدعاية الله عزّ

وجلّ فإنّي أنا رسول الله إلى الناس كافّة، لأنذر من كان حيّا ويحقّ القول على الكافرين، وأسلم تسلم فإن تولّيت فإنّ إثم المجوس عليك» . ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم، إلى المقوقس صاحب مصر. وهو فيما ذكره ابن عبد الحكم: «من محمد رسول الله إلى المقوقس «1» عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، فأسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، فإن تولّيت فعليك إثم القبط. يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألّا نعبد إلّا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتّخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون» . وذكر الواقديّ أن كتابه إليه كان بخطّ أبي بكر الصّديق رضي الله عنه، وأن فيه: من محمد رسول الله إلى صاحب مصر. أما بعد، فإنّ الله أرسلني رسولا وأنزل عليّ قرآنا، وأمرني بالإعذار والإنذار ومقاتلة الكفّار حتّى يدينوا بديني ويدخل الناس في ملّتي، وقد دعوتك إلى الإقرار بوحدانيّته، فإن فعلت سعدت، وإن أبيت شقيت، والسّلام» . ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى النّجاشيّ ملك الحبشة. وهو فيما ذكره ابن إسحاق: «من محمد رسول الله إلى النجاشيّ ملك الحبشة، إني أحمد إليك الله الملك القدّوس السّلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم البتول.

الطّيّبة الحصينة، حملته من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده. وإنّي أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، وأن تتّبعني وتؤمن بالّذي جاءني، فإنّي رسول الله، وإنّي أدعوك وجنودك إلى الله عزّ وجلّ، وقد بلّغت ونصحت، فاقبلوا نصحي. وقد بعثت إليكم ابن عمّي جعفرا ومعه نفر من المسلمين، والسّلام على من اتّبع الهدى» . ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى هوذة «1» بن عليّ، صاحب اليمامة، وكان نصرانيّا. وهو فيما ذكره السهيليّ. «من محمد رسول الله إلى هوذة بن عليّ. سلام على من اتّبع الهدى. واعلم أنّ ديني سيظهر إلى منتهى الخفّ والحافر، فأسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يديك» . ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم، إلى نصارى نجران. وهو فيما ذكره صاحب «الهدي المحمّديّ» : بسم الله الرحمن الرحيم، إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. أما بعد، فإنّي أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد؛ فإن أبيتم فالجزية؛ فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب الإسلام «2» . ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم، إلى جيفر وعبد ابني الجلندى ملكي عمان. وهو: «من محمد رسول الله إلى جيفر وعبد ابني الجلندي، سلام على من اتّبع الهدى.

أما بعد، فإنّي أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما، فإنّي رسول الله إلى الناس كافّة لأنذر من كان حيّا ويحقّ القول على الكافرين، وإنّكما إن أقررتما بالإسلام ولّيتكما، وإن أبيتما أن تقرّا بالإسلام فإنّ ملككما زائل عنكما، وخيلي تحلّ بساحتكما، وتظهر نبوّتي في ملككما. وكتب أبيّ بن كعب» . وفي رواية ذكرها أبو عبيد في «كتاب الأموال» أنه كتب إليهما: «من محمد رسول الله لعباد الله أسيد بن ملوك عمان، وأسيد عمان: من كان منهم بالبحرين، إنهم إن آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله وأعطوا حقّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ونسكوا نسك المسلمين، فإنّهم آمنون، وإنّ لهم ما أسلموا عليه، غير أنّ مال بيت النار ثنيا لله ورسوله، وإنّ عشور التّمر صدقة، ونصف عشور الحبّ، وإنّ للمسلمين نصرهم ونصحهم، وإنّ لهم على المسلمين مثل ذلك، وإنّ لهم أرحاء يطحنون بها» . قال أبو عبيد: وبعضهم يرويه لعباد الله الأسبيين اسما أعجميّا نسبهم إليه. قال: وإنما سمّوا بذلك لأنهم نسبوا إلى عبادة فرس، وهو بالفارسية أسب فنسبوا إليه، وهم قوم من الفرس وفي رواية من العرب. ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم، إلى مسيلمة «1» الكذّاب في جواب كتابه إليه صلّى الله عليه وسلّم، أنه إن جعل له الأمر بعده آمن به.

الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بلفظ «أما بعد» وهو أقل وقوعا مما قبله)

وهو: «من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذّاب: السّلام على من اتّبع الهدى، أما بعد، فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين «1» . الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بلفظ «أما بعد» وهو أقلّ وقوعا مما قبله) فمن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل نجران، ودينهم النصرانية. وهو فيما ذكره ابن الجوزيّ: «بسم الله الرحمن الرحيم، إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. أما بعد، فإنّي أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب الإسلام» «2» . الأسلوب الثالث (أن يفتتح الكتاب بلفظ «هذا كتاب» ) فمن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم، مع رفاعة بن زيد إلى قومه. وهو فيما ذكره ابن إسحاق: «هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد، إني بعثته إلى قومه عامّة ومن دخل فيهم، يدعوهم إلى الله وإلى رسوله، فمن أقبل منهم ففي حزب الله وحزب رسوله، ومن أدبر فله أمان شهرين» . قلت: وقد كتب صلّى الله عليه وسلّم، إلى جماعة غير من تقدّم، لم أقف على صورة ما

كتب إليهم، كجبلة «1» بن الأيهم الغسّانيّ، وذي الكلاع الحميريّ وغيرهم، وستأتي كتبه صلّى الله عليه وسلّم في معنى الولايات والإقطاعات والهدن والأمانات في مواضعها إن شاء الله تعالى.

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الرابعة (في الكتب الصادرة عن الخلفاء، وهي على قسمين)

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الرابعة (في الكتب الصادرة عن الخلفاء، وهي على قسمين) القسم الأوّل (المكاتبات إلى أهل الإسلام، وفيه تسعة أطراف) الطّرف الأوّل (في الكتب الصادرة عن الخلفاء من الصحابة رضي الله عنهم، وفيه جملتان) الجملة الأولى (في المكاتبات الصادرة عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه) وكانت تفتتح بلفظ: «من أبي بكر خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى فلان» وباقي الكتاب من نسبة كتب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من التصدير بالسلام والتّحميد، والتّخلّص بأما بعد، والاختتام بالسلام وما يجري هذا المجرى، مع لزوم الخطاب بالكاف وتاء المخاطب للواحد، وبالتثنية للاثنين، والجمع للجماعة. وعنونتها «من أبي بكر خليفة رسول الله» في الجانب الأيمن ثم «إلى فلان الفلانيّ» في الجانب الأيسر على ما يقتضيه الترتيب المتقدّم. وهذه نسخة كتابه رضي الله عنه إلى أهل الرّدة حين ارتدّوا عن الإسلام بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. وهو على ما ذكره صاحب «نهاية الأرب» :

«من أبي «1» بكر خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلى من بلغه كتابي هذا من عامّة وخاصّة، أقام على الإسلام «2» أو رجع عنه، سلام على من اتّبع الهدى، ولم يرجع بعد الهدى إلى الضّلالة والعمى؛ فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا عبده ورسوله، وأقرّ «3» بما جاء به [وأكفّر من أبى وأجاهده «4» ] . أما بعد، فإن الله أرسل محمدا بالحقّ من عنده إلى خلقه بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، لينذر من كان حيّا ويحقّ القول على الكافرين، يهدي «5» الله للحقّ من أجاب إليه، وضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بإذنه من أدبر عنه حتّى صار إلى الإسلام طوعا وكرها، ثم توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد نفّذ لأمر الله، ونصح لأمّته، وقضى الذي عليه، وكان الله قد بيّن له ذلك ولأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزله «6» ، فقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ «7» وقال: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ «8» وقال للمؤمنين: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ «9» فمن كان يعبد محمدا فإنّ محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله وحده لا شريك له فإنّ الله بالمرصاد، حيّ قيّوم لا يموت ولا تأخذه سنة ولا نوم،

حافظ لأمره، منتقم من عدوّه بحزبه «1» ، وإنّي أوصيكم بتقوى الله وحظّكم ونصيبكم من الله، وما جاء به نبيّكم، وأن تهتدوا بهديه «2» ، وأن تعتصموا بدين الله، فإنّ من لم يهد الله ضلّ «3» ، وكلّ من لم يعافه مبتلى، وكلّ من لم ينصره «4» مخذول. فمن هداه الله كان مهديّا «5» ، ومن أضلّه كان ضالّا: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً «6» ولم يقبل منه في الدنيا عمل حتّى يقرّ به، ولم يقبل له في الآخرة صرف ولا عدل. وقد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقرّ بالإسلام وعمل به اغترارا بالله وجهالة بأمره، وإجابة للشّيطان، وقال الله جلّ ثناؤه: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا «7» . وقال جلّ ذكره: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ «8» وإنّي أنفذت «9» إليكم فلانا في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، وأمرته أن لا يقاتل أحدا ولا يقتله حتّى يدعوه إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقرّ وكفّ وعمل صالحا، قبل منه وأعانه عليه، ومن أبى أمرته «10» أن يقاتله على ذلك، ولا يبقى على أحد منهم قدر عليه «11» ،

الجملة الثانية (في المكاتبات الصادرة عن بقية الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم)

وأن يحرّقهم بالنّيران «1» ، ويقتلهم كلّ قتلة، ويسبي النساء والذّراريّ، ولا يقبل من أحد إلا الإسلام؛ فمن آمن فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز الله. وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كلّ مجمع لكم، والداعية «2» الأذان، فإن «3» أذّن المسلمون فأذّنوا كفّوا عنهم، وإن لم يؤذّنوا [عاجلوهم، وإن أذّنوا «4» ] سلوهم ما عليهم، فإن أبوا عاجلوهم، وإن أقرّوا قبل منهم وحملهم على ما ينبغي لهم. الجملة الثانية (في المكاتبات الصادرة عن بقيّة الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم) وهي على أسلوبين: الأسلوب الأوّل (أن يفتتح الكتاب بلفظ «من فلان إلى فلان» ) يقال إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لما صارت الخلافة إليه بعد أبي بكر، كان يكتب في كتبه: «من عمر بن الخطاب خليفة خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى فلان» فلما تلقّب بأمير المؤمنين على ما تقدّم في المقالة الثالثة، أثبت هذا اللّقب في كتبه، وزاد في ابتدائها لفظ «عبد الله» قبل اسمه، ليكون اسمه نعتا له، فكان يكتب: «من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى فلان» وباقي الكتاب على ما مرّ في كتب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والصدّيق بعده في التصدير والتعبير عن نفسه بلفظ الإفراد، مثل أنا ولي وعليّ، وعن المكتوب له بكاف الخطاب، مثل لك وعليك، وتاء المخاطب، مثل قلت وفعلت، وتبعه الخلفاء على ذلك. وعنونتها «من عبد الله فلان أمير المؤمنين»

في الجانب الأيمن، ثم «إلى فلان الفلاني» في الجانب الأيسر كما تقدّم ترتيبه. فمن ذلك ما كتب به أمير المؤمنين عمر، رضي الله عنه، إلى عمرو بن العاص وهو يومئذ أمير مصر، وهو: «من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص، سلام عليك. أمّا بعد، فقد بلغني أنّه فشت لك فاشية من خيل وإبل وبقر وعبيد، وعهدي بك قبل ذلك ولا مال لك، فاكتب إليّ من أين أصل هذا المال» . ومن ذلك ما كتب به معاوية بن أبي سفيان في خلافته إلى ابنه يزيد، وقد بلغه مقارفته اللذات، وانهماكه على الشّهوات، وهو: «من معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين إلى يزيد بن معاوية. أمّا بعد، فقد أدّت ألسنة التصريح إلى أذن العناية بك ما فجع الأمل فيك، وباعد الرّجاء منك إذ ملأت العيون بهجة، والقلوب هيبة؛ وترامت إليك آمال الرّاغبين، وهمم المتنافسين؛ وشحّت بك فتيان قريش وكهول أهلك، فما يسوغ لهم ذكرك إلا على الجرّة المهوّعة «1» ، والكظّ الجشء «2» . اقتحمت البوائق «3» ، وانقدت للمعاير، واعتضتها من سموّ الفضل، ورفيع القدر؛ فليتك يزيد إذ كنت لم تكن. سررت يافعا ناشئا، وأثكلت كهلا ضالعا، فواحزناه عليك يزيد! ويا حرّ صدر المثكل بك! ما أشمت فتيان بني هاشم! وأذلّ فتيان بني عبد

شمس! عند تفاوض المفاخر ودراسة المناقب! فمن لصلاح ما أفسدت، ورتق «1» ما فتقت؟ هيهات خمشت الدّربة وجه التصبّر بك، وأبت الجناية إلا تحدّرا على الألسن، وحلاوة على المناطق! ما أربح فائدة نالوها، وفرصة انتهزوها! انتبه يزيد للّفظة، وشاور الفكرة، ولا تكن إلى سمعك أسرع من معناها إلى عقلك. واعلم أنّ الذي وطّأك وسوسة الشّيطان، وزخرفة السّلطان، مما حسن عندك قبحه، واحلولى عندك مرّه، أمر شركك فيه السّواد ونافسكه الأعبد، لا لأثرة تدّعيها أو حبتها لك الإمرة، وأضعت بها من قدرك، فأمكنت بها من نفسك، فكأنك شانيء «2» نفسك، فمن لهذا كله؟ اعلم يا يزيد، أنك طريد الموت وأسير الحياة، بلغنى أنك اتخذت المصانع والمجالس للملاهي والمزامير كما قال تعالى: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ «3» وأجهرت الفاحشة حتّى اتخذت سريرتها عندك جهرا. اعلم يا يزيد، أن أوّل ما سلبكه السّكر معرفة مواطن الشّكر لله على نعمه المتظاهرة، وآلائه المتواترة، وهي الجرحة العظمى، والفجعة الكبرى، ترك الصّلوات المفروضات في أوقاتها، وهو من أعظم ما يحدث من آفاتها، ثم استحسان العيوب، وركوب الذّنوب، وإظهار العورة، وإباحة السّرّ. فلا تأمن نفسك على سرّك، ولا تعقد على فعلك. فما خير لذة تعقب الندم، وتعفّي الكرم؟ وقد توقّف أمير المؤمنين بين شطرين من أمرك، لما يتوقّعه من غلبة الآفة واستهلاك الشّهوة. فكن الحاكم على نفسك، واجعل المحكوم عليه ذهنك ترشد إن شاء الله تعالى. وليبلغ أمير المؤمنين ما يردّ شاردا من نومه، فقد أصبح

الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بلفظ «أما بعد» )

نصب الاعتزال من كل مؤانس، ودرأة «1» الألسن الشامتة، وفّقك الله فأحسن. الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بلفظ «أمّا بعد» ) وهو على ما تقدّم خلا الابتداء والتصدير بالسلام والتحميد، ويكون الافتتاح فيه بالمقصد، كما كتب أمير المؤمنين عثمان بن عفّان إلى عليّ بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، حين خرج عليّ إلى الينبع «2» واختلف الناس على عثمان. أما بعد، فقد بلغ السّيل «3» الزّبى [وجاوز «4» ] الحزام الطّبيين، وطمع فيّ كلّ من كان يضعف [عن الدفع «5» ] عن نفسه، ولم يغلبك مثل مغلّب، فأقبل إليّ صديقا كنت أو عدوّا: (طويل) فإن كنت مأكولا، فكن خير آكل ... وإلا فأدركني ولمّا أمزّق «6»

الطرف الثاني (في الكتب الصادرة عن خلفاء بني أمية)

الطرف الثاني (في الكتب الصادرة عن خلفاء بني أميّة) وهي على ما تقدّم من الكتب عن الخلفاء من الصحابة في التصدير والتعبير، إلا أنه يعبّر عن الخليفة بأمير المؤمنين، وربما عبّر عنه بلفظ الإفراد، مثل: فعلت وأفعل وما أشبه ذلك أما الخطاب للمكتوب له، فبكاف الخطاب وتاء المخاطب مثل، إنك أنت قلت كذا، وفعلت كذا، وما أشبه ذلك. وعنوانها: «من عبد الله فلان أمير المؤمنين» في الجانب الأيمن، ثم «إلى فلان الفلانيّ» في الجانب الأيسر. ثم هي على أسلوبين: الأسلوب الأوّل (أن يفتتح الكتاب بلفظ «من عبد الله فلان أمير المؤمنين إلى فلان» ) كما كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجّاج بن يوسف- وقد بلغه تعرّضه لأنس بن مالك رضي الله عنه- «من عبد الله عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى الحجّاج بن يوسف. أما بعد، فإنّك عبد علت «1» بك الأمور فطغيت، وعلوت فيها حتّى جزت حدّ قدرك، وعدوت طورك. وايم «2» الله لأغمزنّك كبعض غمزات اللّيوث الثّعالب، ولأركضنّك ركضة تدخل منها في وجعاء أمّك! أذكر مكاسب آبائك في الطائف، إذا كانوا ينقلون الحجارة على أعناقهم، ويحفرون الآبار والمناهر «3» بأيديهم، قد نسيت ما كنت عليه أنت وآباؤك من الدّناءة واللّوم والضّراعة. وقد بلغ أمير المؤمنين استطالة منك على أنس بن مالك جرأة منك على أمير

الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بلفظ «أما بعد» ويقع الشروع منه في المقصد)

المؤمنين، وغرّة بمعرفة غيره ونقماته وسطواته على من خالف سبيله، وعمد إلى غير محجّته، ونزل عند سخطته، وأظنّك أردت أن تروزه «1» . بها فتعلم ما عنده من التغيير والتنكير فيها، فإن سوّغتها مضيت قدما، وإن غصصت بها ولّيت دبرا أيها «2» العبد الأخفش العينين، الأصكّ الرجلين، الممسوح الجاعرتين «3» ، ولن يخفى عن أمير المؤمنين نبؤك، ولكلّ نبأ مستقرّ وسوف تعلمون. الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بلفظ «أما بعد» ويقع الشروع منه في المقصد) كما كتب يزيد بن معاوية إلى أهل المدينة النبويّة- على ساكنها أفضل الصلاة والسّلام، والتحية والإكرام- وقد بلغه خلافهم عليه. «أما بعد، فإنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم، وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مردّ له وما لهم من دونه من وال. إنّي والله قد لبستكم فأخلقتكم! ورفعتكم على رأسي، ثم على عيني، ثم على فمي، ثم على بطني، وايم الله لئن وضعتكم تحت قدمي لأطأنّكم وطأة أقلّ بها عددكم، وأترككم بها أحاديث تنسخ منها أخباركم كأخبار عاد «4» وثمود» . وكما كتب عمر بن عبد العزيز إلى عديّ بن أرطاة، وهو عامله على بعض النواحي: «أما بعد، فإذا أمكنتك القدرة على المخلوق، فاذكر قدرة الخالق عليك! واعلم أنّ مالك عند الله مثل ما للرّعيّة عندك» .

الطرف الثالث (في الكتب الصادرة عن خلفاء بني العباس ببغداد وولاة العهد بالخلافة، وفيه ثلاث جمل)

وكما كتب يزيد بن الوليد المعروف بالناقص إلى مروان بن محمد- وقد بلغه عنه تلكّؤ في بيعته: «أما بعد، فإنّي أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى، فإذا أتاك كتابي فاعتمد على أيّهما شئت والسّلام» . قلت: ولم يزل الأمر في المكاتبات في الدولة الأمويّة جاريا على سنن السّلف، إلى أن ولي الوليد بن عبد الملك، فجوّد القراطيس، وجلّل الخطوط، وفخّم المكاتبات، وتبعه من بعده من الخلفاء على ذلك، إلا عمر بن عبد العزيز، ويزيد بن الوليد المقدّم ذكره، فإنهما جريا في ذلك على طريقة السلف. ثم جرى الأمر بعدهما على ما سنّه الوليد بن عبد الملك، إلى أن صار الأمر إلى مروان بن محمد آخر خلفائهم، وكتب له عبد الحميد «1» بن يحيى- وكان من اللّسن والبلاغة على ما اشتهر ذكره- فأطال الكتب وأطنب فيها، حيث اقتضى الحال تطويلها والإطناب فيها، حتّى يقال: إنه كتب كتابا عن الخليفة جاء وقر جمل، واستمر ذلك فيما بعده. الطرف الثالث (في الكتب الصادرة عن خلفاء بني العبّاس ببغداد وولاة العهد بالخلافة، وفيه ثلاث جمل) الجملة الأولى (في بيان ترتيب كتبهم في الرسائل على سبيل الإجمال) كانوا يفتتحون أكثر كتبهم بلفظ «من فلان إلى فلان» وتارة ب «أما بعد»

وربما افتتحوها بغير ذلك. فأما افتتاحها بلفظ من فلان إلى فلان فكان يكتب عنهم في أوّل دولتهم كما كان يكتب عن خلفاء بني أميّة، وهو «من عبد الله فلان أمير المؤمنين، سلام عليك، فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو» ثم يتخلّص إلى المقصود بلفظ أما بعد. إلا أنهم زادوا بعد اسم الخليفة لفظ «الإمام الفلاني» بلقب الخلافة، فكان يقال: «من عبد الله الإمام الفلاني أمير المؤمنين» فلما صارت الخلافة إلى الرشيد زاد بعد التحميد «ويسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم» فلما ولّي ابنه الأمين اكتنى في كتبه وتبعه من بعده من الخلفاء على ذلك. وقد اختلف في تقديم الاسم والكنية واللّقب، والذي رتّبه أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتّاب» تقديم الاسم على الكنية وتقديم الكنية على اللقب، مثل أن يقال: «من عبد الله فلان أبي فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين» ثم قال: وهذه المكاتبة هي التي اصطلح عليها في الأمور السلطانية التي تنشأ بها الكتب من الدواوين، إلا أن بعض العلماء قد خالفهم في هذا، وقال: الأولى أن يبدأ باللقب، مثل أن يقال «من الراضي» أو «المتوكل» وما أشبه ذلك، كما قال الله جل وعز: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ «1» وذلك لأن اللقب لا يشاركه فيه غيره، فكان أولى أن يبدأ به. وترتيب المكاتبة على ما ذكره في «صناعة الكتّاب» أن يكتب: «من عبد الله فلان أبي فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين، سلام عليك، فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ويسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله» . ثم يفصل ببياض يسير، ويكتب «أما بعد فإن كذا وكذا» ؛ ثم يأتي على المعنى، فإذا فرغ من ذلك وأراد أن يأمر بأمر، فصل ببياض يسير، ثم يكتب: «وقد أمر أمير المؤمنين بكذا ورأى أن يكتب إليك بكذا» ، فيؤمر بامتثال ما أمر به والعمل بحسبه، ثم يفصل ببياض ويكتب: فاعلم ذلك من رأي أمير

المؤمنين، واعمل به، إن شاء الله تعالى. «وكتب فلان بن فلان» باسم الوزير واسم أبيه، يوم كذا، من شهر كذا، من سنة كذا. وقد يكتب في أواخر المكاتبة بعد استيفاء المقصد: «هذه مناجاة أمير المؤمنين لك» أو «هذه مفاوضة أمير المؤمنين لك» . ويقال في السّلام على أعلى الطبقات من المكتوب إليهم «والسّلام عليك ورحمة الله» وربما قيل: «ورحمة الله وبركاته» . وأما افتتاحها بلفظ «أما بعد» ، فغالب ما يقع في الكتب المطلقة، كالبشرى بالفتوح وغيرها. ثم تارة يعقّب البعدية بالحمد لله، إما مرة أو أكثر، وغالب ما يكون ثلاث، وتارة يعقّب بغير الحمد. وأما الافتتاح بغير هذين الافتتاحين، فتارة يكون بالدعاء، وتارة يكون بغيره، ويكون التعبير عن الخليفة في كتبه الصادرة عنه «بأمير المؤمنين» على ما تقدّم في خلافة بني أميّة. ثم إن كان المكتوب إليه معيّنا، فالذي كان عليه الحال في أوّل دولتهم أن يكتب إليه باسمه، ثم لما تغلب بنو بويه على الخلفاء وغلبوا عليهم، وعلت كلمتهم في الدولة وتلقّبوا بفلان الدّولة وفلان الملّة، فكان يكتب إليهم بذلك في الكتب إليهم. ثم لما كانت الدولة السّلجوقيّة في أواخر الدولة العباسية ببغداد، استعملوا كثرة الألقاب للمكتوب إليه عن الخليفة في صدر المكاتبة. قال في «موادّ البيان» : ولا يخاطب أحد عن الخليفة إلا بالكاف. وقد يخاطب الإمام وزيره في المكاتبة الخاصة بما يرفعه فيه عن خطاب المكاتبة العامّة الديوانية، ويتصرّف في ذلك ويزاد وينقص على حسب لطافة محل الوزير ومنزلته من الفضل والجلالة. قال في «ذخيرة الكتاب» : ويكون الدعاء من الخليفة لمن يكاتبه على

الجملة الثانية (في الكتب العامة، وهي على أسلوبين)

قدر موضعه في خدمته ومحلّه عنده، وقد تقدّم أن أعلى الدعاء كان عندهم بإطالة البقاء؛ ولذلك كان يدعى لملوك بني بويه فمن بعدهم بلفظ: «أطال الله بقاءك» . وقد تقدّم في المقالة الثالثة في الكلام على مقادير قطع الورق وما يناسب كلّ قطع من الأقلام أنه إن كانت المكاتبة عن الخليفة ترك الكاتب من رأس الدّرج قدر ذراع بياضا، ثم يكتب «بسم الله الرحمن الرحيم» ثم يكتب في سطر ثان يلاصقها ويخرج يسيرا، من عبد الله إلى آخر التصدير الذي يليه «أمّا بعد» ، وأن التصدير يكون في سطرين بينهما فضاء قدر شبر، لا يزيد عن ذلك ولا ينقص، ثم يترك بعد هذين السطرين فضاء بنصف ما بين الأوّلين فيما ذكره في «موادّ البيان» : وبقدره فيما ذكره في «ذخيرة الكتاب» ثم يقول: أما بعد، ويأتي على المكاتبة إلى آخرها على هذا النحو. أما عنونة كتبهم، فكانت في أوّل دولتهم: «من عبد الله فلان الإمام الفلانيّ أمير المؤمنين» في الجانب الأيمن، وفي الجانب الأيسر «إلى فلان بن فلان» . ثم زاد المأمون في أوّل عنواناته «بسم الله الرحمن الرحيم» . ولما تكنّى الأمين في كتبه بعد ذلك زيدت الكنية في العنوان، فكان يكتب في الجانب الأيمن «بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله فلان أبي فلان الإمام الفلاني» وفي الجانب الأيسر، «إلى فلان بن فلان» . وقد تقدّم في الكلام على ترتيب المكاتبات أن البسملة بقيت في العنونة إلى زمن النّحاس في خلافة الراضي، وأن صاحب «موادّ البيان» ذكر أنها بطلت منه بعد ذلك. قال النحاس: فإن كان المكتوب إليه من موالي بني هاشم، نسب إلى ذلك. وإن لم يكن ينسب إليهم ترك. الجملة الثانية (في الكتب العامّة، وهي على أسلوبين) الأسلوب الأوّل (أن يفتتح الكتاب بلفظ «من فلان إلى فلان» )

بأن يكتب «من عبد الله فلان أبي فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين إلى آخر المكاتبة على ما تقدّم ترتيبه. وهذه نسخة «1» كتاب من ذلك كتب به أبو إسحاق «2» الصابي عن الطائع «3» لله إلى صمصام «4» الدولة بن عضد الدولة بن بويه بسبب كردويه، الخارج عن الطاعة، وليس فيه تكنية للخليفة وهو: من عبد الله عبد الكريم الإمام الطائع لله أمير المؤمنين إلى صمصام الدولة وشمس الملّة أبي كاليجار بن عضد الدولة وتاج الملّة مولى أمير المؤمنين. سلام عليك، فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ويسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. أما بعد- أطال الله بقاءك- فإن أمير المؤمنين وإن كان قد بوّأك المنزلة

العليا، وأنالك من أثرته الغاية القصوى، وجعل لك ما كان لأبيك عضد الدولة وتاج الملة- رحمة الله عليه- من القدر والمحلّ، والموضع الأرفع الأجلّ، فإنه يوجب لك عند بذلك «1» أثرا يكون لك في الخدمة، ومقام حمد تقومه في حماية البيضة، إنعاما يظاهره، وإكراما يتابعه ويواتره. والله يؤيّدك «2» من توفيقه وتسديده، ويمدّك بمعونته وتأييده، ويخير لأمير المؤمنين فيما رأيه مستمرّ عليه من مزيدك وتمكينك، والإبقاء بك وتعظيمك، وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب. وقد عرفت- أدام الله عزّك- ما كان من أمر كردويه «3» كافر نعمة أمير المؤمنين ونعمتك، وجاحد صنيعته وصنيعتك، في الوثبة التي وثبها، والكبيرة التي ارتكبها، وتقريره «4» أن ينتهز الفرصة التي لم يمكّنه الله منها، بل كان من وراء [ذلك] دفعه وردّه عنها، ومعاجلتك إيّاه الحرب التي أصلاه الله نارها، وقنّعه عارها وشنارها «5» ، حتّى انهزم والأوغاد «6» الذين شركوه في إثارة الفتنة، على أقبح أحوال الذّلة والقلّة، بعد القتل الذّريع، والإثخان الوجيع فالحمد لله على هذه النعمة التي جلّ موقعها، وبان على الخاصّة والعامّة أثرها، ولزم أمير المؤمنين خصوصا والمسلمين عموما نشرها، والحديث بها، وهو المسؤول إقامتها وإدامتها برحمته. وقد رأى أمير المؤمنين أن يجازيك عن هذا الفتح العظيم، والمقام المجيد الكريم، بخلع «7» تامّة، ودابّتين ومركبين «8» ذهبا من مراكبه، وسيف

وطوق وسوار مرصّع، فتلقّ ذلك بالشكر «1» عليه، والاعتداد بنعمته فيه، والبس خلع أمير المؤمنين وتكرمته، وسر من بابه على حملاته، وأظهر ما حباك به لأهل حضرته، ليعزّ الله بذلك وليّه ووليّك، ويذلّ عدوّه وعدوّك، إن شاء الله تعالى، والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته. (وكتب أحمد بن محمد لثمان إن بقين من شهر ربيع الأوّل سنة خمس وسبعين وثلاثمائة) أطال الله بقاءك، وأدام عزّك، وأحسن «2» حفظك وحياطتك، وأمتع أمير المؤمنين بك، وبالنعمة فيك وعندك. وهذه نسخة كتاب آخر من ذلك أيضا، كتب به عن المقتفي لأمر الله إلى السلطان مسعود «3» بن محمد بن ملكشاه السلجوقيّ في تعزية بولد مات له، وفيه تكنية الخليفة وتقديم الكنية على الاسم وكثرة الألقاب للمكتوب إليه وهو. «من عبد الله أبي عبد الله محمد المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين، إلى شاهنشاه المعظّم مولى الأمم، مالك رقاب العرب والعجم، جلال دين الله، ظهير عباد الله، حافظ بلاد الله، معين خليفة الله، غياث الدنيا والدّين، ناصر الإسلام والمسلمين، محيي الدولة القاهرة، معزّ الملة الزاهرة، عماد الملة الباهرة، أبي الفتح «مسعود بن محمد ملكشاه» قسيم أمير المؤمنين. سلام عليك، فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ويسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله ويسلّم تسليما.

أما بعد، أطال الله بقاءك! وأدام عزّك وتأييدك وسعادتك ونعمتك، وأحسن حفظك وكلاءتك ورعايتك؛ وأمتع أمير المؤمنين بك، وبالنعمة الجليلة والموهبة الجزيلة والمنحة النّفيسة فيك وعندك، ولا أخلاه منك!، فإن أولى من ادّرع للحوادث جبّة الاصطبار، ونظر أحوال الدنيا في تقلّبها بعين الاعتبار، ورجع إلى الله تعالى في قدره وقضائه، وسلّم لأمره الذي لا رادّ له في امتحانه وابتلائه، وعرف أنّ له سبحانه في كلّ ما يجريه على عباده حكمة باطنة، ومصلحة كامنة، من خير عاجل ينشره، وثواب آجل يؤخّره لهم إلى يوم الجزاء ويدّخره، وفائدة هو أدرى بها وأعلم، وفعله فيها أتقن وأحكم، من خصّه بما خصّك الله به من الدين الراجح، والخلق الصالح، والمعتقد الواضح، والنّعم التي جادك في كلّ يوم مقام سحابها، واتسعت بين يديك عند مضايق الأمور رحابها، وأنست إذا استوحشت من العاجزين عن ارتباطها بالشّكر صحابها؛ والمناقب التي فرعت بها صهوات المجد، وتملّكت رقّ الثناء والحمد؛ وعلوت فيها عن المساجل والمطاول، وبعد ما حضر لك منها عن أن تناله يد القائم المحاول. وتأدّى إلى حضرة أمير المؤمنين- أمتعه الله ببقائك، ودافع له عن حوبائك «1» - نبأ الحادثة بسليلك الذي اختار الله له كريم جواره، فأحبّ له الانتقال إلى محلّ الفوز ومداره، فوجد لذلك وجوما موفّرا، وهمّا للسّكون منفّرا؛ وتوزّعا تقتضيه المشاركة لك فيما ساويته (؟) والمساهمة الحاصلة في كل ما حلا من الأمور وأمرّ، وأمر عند ورود هذا الخبر بالتصدّي للعزاء، وإعلان ما يعلن عن مقاسمتك في الضّرّاء- دفعها الله عنك- والسّرّاء؛ وندب جمعا من الخدم المطيفين بشريف سدّته، المختصين بعزيز خدمته؛ بتعزّ يتصوّنه لباس التعزية، ويستدني بتقمّصه عازب التسلية، إبانة عن انصراف الهمم الإماميّة إليك فيما خصّ وعمّ من حالك، واستجلابه لك دواعي المسارّ في حلّك

الأسلوب الثاني (أن يكون الافتتاح بلفظ «أما بعد» وهو على نوعين)

وترحالك، وكون الأفكار الشريفة موكّلة بكل ما حمى من الروائع قلبك، وأعذب شربك، وأنت حقيق بمعرفة هذه الحال من طويّته لك ونيته، ورأيه فيك وشفقته، ورعاية مصلحتك منه بعين كالية، ورجوعه من المحافظة في حقّك إلى ألفة بالصّفاء حالية، وتلقّي الرّزيّة التي أرادها الله وقضاها، وأنفذ مشيئته فيها وأمضاها بالصبر المأمور به والاحتساب، والتسليم الموعود عليه بجزيل الثّواب؛ علما أن الأقدار لا تغالب، وغريمها لا يطالب، وإن الله تعالى إذا قال لنبيه صلّى الله عليه وسلّم- وهو سيد البشر- إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ «1» فلا سبيل لأحد من خلقه إلى البقاء، ولا وجه للخلود في دار الفناء، ولا دافع لحكمه جلّت عظمته فيما قدّره من الآجال، وسبق في علمه من الرّوائع في دار الابتلاء والأوحال وما يزال التطّع واقعا إلى وصول جوابك الدالّ على السّلوة التي هي الأليق بك، والأدعى إلى حصول بغيتك من قضاء الله وأدبك؛ لتحطّ الأنسة مع وصوله في رحالها، وتؤذن لصرف الغموم الجارية لأجلك بارتحالها. هذه مناجاة أمير المؤمنين لك، أدام الله تأييدك! وأمتع بك! إن شاء الله تعالى، والسّلام عليك ورحمة الله. الأسلوب الثاني (أن يكون الافتتاح بلفظ «أما بعد» وهو على نوعين) النوع الأوّل (أن يعقب البعدية «الحمد لله» ؛ وهو على ضربين) الضرب الأوّل (أن يتعدّد الحمد في أوّل الكتاب) ويكون ذلك في الكتب المؤذنة بحصول نعمة ظاهرة كالفتوح ونحوها.

ويقع التعدّد فيها بحسب ما تقتضيه النعمة، وغالب ما يكون ثلاث مرات، وربما وقع التحميد في أوّل الكتاب وآخره. وهذه نسخة كتاب من هذا النوع كتب بها عن المعتصم «1» إلى ملوك الآفاق من المسلمين عند قبض الأفشين على بابك «2» ملك الروم، وهي: أما بعد، فالحمد لله الذي جعل العاقبة لدينه، والعصمة لأوليائه، والعزّ لمن نصره، والفلج لمن أطاعه، والحقّ لمن عرف حقّه، وجعل دائرة السّوء على من عصاه وصدف عنه، ورغب عن ربوبيته، وابتغى إلها غيره. لا إله إلا هو وحده لا شريك له. يحمده أمير المؤمنين حمد من لا يعبد غيره، ولا يتوكّل إلا عليه، ولا يفوّض أمره إلّا إليه؛ ولا يرجو الخير إلا من عنده، والمزيد إلا من سعة فضله، ولا يستعين في أحواله كلّها إلا به. ويسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله، وصفوته من عباده، الذي ارتضاه لنبوته، وابتعثه بوحيه واختصّه بكرامته، فأرسله بالحق شاهدا ومبشّرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. والحمد لله الذي توجّه لأمير المؤمنين بصنعه، فيسّر له أمره، وصدق له ظنّه، وأنجح له طلبته «3» ، وأنفذ له حيلته، وبلّغ له محبّته، وأدرك المسلمون بثأرهم على يده، وقتل عدوّهم، وأسكن روعتهم، ورحم فاقتهم، وآنس

وحشتهم، فأصبحوا آمنين مطمئنّين مقيمين في ديارهم، متمكّنين في أوطانهم، بعد القتل والخوف والتشريد وطول العناء، وتتابع البلاء، منّا من الله عز وجلّ على أمير المؤمنين بما خصّه به، وصنعا له فيما وفّقه لطلبه، وكرامة زادها فيما أجرى على يده. فالحمد لله كثيرا كما هو أهله، ونرغب إلى الله في تمام نعمه ودوام صنعه، وسعة ما عنده بمنّه ولطفه. ولا يعلم أمير المؤمنين- مع كثرة أعداء المسلمين وتكنّفهم إيّاه من أقطاره، والضغائن «1» التي في قلوبهم على أهله، وما يترصّدونه من العداوة، وينطوون عليه من المكايدة، إذ كان هو الظاهر عليهم، والآخذ منهم- عدوّا كان أعظم بليّة، ولا أجلّ خطبا، ولا أشدّ كلبا، ولا أبلغ مكايدة، ولا أرمى بمكروه، من هؤلاء الكفرة الذين يغزوهم المسلمون، فيستعلون عليهم، ويضعون أيديهم حيث شاءوا منهم، ولا يقبلون لهم صلحا، ولا يميلون معهم إلى موادعة، وإن كان لهم على طول الأيّام وتصرّف الحالات وبعض ما لا يزال يكون من فترات ولاة الثّغور أدنى دولة من دولات الظّفر وخلسة من خلس الحرب، كان بما لهم من خوف العاقبة في ذلك منغّصا لما تعجّلوا من سروره، وما يتوقعون من الدوائر بعد، مكدّرا لما وصل إليهم من فرحة. فأما اللعين بابك وكفرته، فإنهم كانوا يغزون أكثر مما يغزون، وينالون أكثر مما ينال منهم، ومنهم المنحرفون عن الموادعة، المتوحّشون عن المراسلة، ومن أديلوا من تتابع الدول، ولم يخافوا عاقبة تدركهم، ولا دائرة تدور عليهم. وكان مما وطّأ ذلك ومكّنه لهم أنهم قوم ابتدؤا أمرهم على حال تشاغل السلطان، وتتابع من الفتن، واضطراب من الحبل، فاستقبلوا أمرهم بعزّة من أنفسهم، وضعف واستثارة ممّن باراهم، فأجلوا من حولهم لتخلص البلاد لهم، ثم أخربوا البلاد ليعزّ مطلبهم، وتشتدّ المؤونة «2» وتعظم الكلفة، ويقووا

في ذات أيديهم؛ فلم يتواف إليهم قوّاد السلطان إلا وقد توافت إليهم القوّة من كل جانب، فاستفحل أمرهم، وعظمت شوكتهم، واشتدّت ضروراتهم واستجمع لهم كيدهم، وكثر عددهم واعتدادهم، وتمكّنت الهيبة في صدور الناس منهم، وتحقّق في نفوسهم أن كلّ ما يعدهم الكافر ويمنّيهم أخذ باليد. وكان الذي بقي عندهم منه كالذي مضى، وبدون هذا ما يختدع الأريب ويستنزل العاقل ويعتقل الفطن، فكيف بمن لا فكرة له، ولا رويّة عنده؟ هذا مع كل ما يقوم في قلوبهم من حسد أهل النّعم، ومنافستهم على ما في أيديهم، وتقطّعهم حسرات في إثر ما خصّوا به، وأنهم إن لا يكونوا يرون أنفسهم أحقّ بذلك، فإنهم يرون أنّهم فيه سواء. ولم يزل أمير المؤمنين قبل أن تفضي إليه الخلافة مادّا عنقه، موجّها همته إلى أن يولّيه الله أمر هؤلاء الكفرة ويملّكه حربهم، ويجعله المقارع لهم عن دينه، والمناجز لهم عن حقّه، فلم يكن يألو في ذلك حرصا وطلبا واحتيالا، فكان أمير المؤمنين رضي الله عنه يأبى ذلك لضنّه به، وصيانته بقربه، مع الأمر الذي أعدّه الله له وآثره به؛ ورأى أنّ شيئا لا يفي بقوام الدين وصلاح الأمر. فلما أفضى الله إلى أمير المؤمنين بخلافته وأطلق الأمر في يده، لم يكن شيء أحبّ إليه ولا آخذ بقلبه من المعاجلة للكافر وكفرته، فأعزه الله وأعانه الله، فلله الحمد على ذلك وتيسّره، فأعدّ من أمواله أخطرها، ومن قوّاد جيشه أعلمهم بالحرب وأنهضهم بالمعضلات، ومن أوليائه وأبناء دعوته ودعوة آبائه- صلوات الله عليهم- أحسنهم طاعة، وأشدّهم نكاية، وأكثرهم عدّة. ثم أتبع الأموال بالأموال، والرّجال بالرجال، من خاصّة مواليه وعدد غلمانه، وقبل ذلك ما اتكل عليه من صنع الله جلّ وعزّ، ووجه إليه من رعبته. فكيف رأى الكافر اللعين وأصحابه الملاعين؟ ألم يكذب الله ظنونهم، ويشف صدور أوليائه منهم؟ يقتلونهم كيف شاءوا في كل موطن ومعترك، ما دامت عند أنفسهم مقاومة. فلما ذلّوا وقلّوا وكرهوا الموت، صاروا لا يتراءون إلا في رؤوس الجبال

ومضايق الطّرق وخلف الأودية ومن وراء الأنهار، وحيث لا تنالهم الخيل، حصنا للمطاولة وانتظارا للدوائر، فكادهم الله عند ذلك وهو خير الكائدين، واستدرجهم حتّى جمعهم إلى حصنهم معتصمين فيه عند أنفسهم، فجعلوا اعتصامهم لحين «1» لهم، وصنع لأوليائه وإحاطة منه به تبارك وتعالى، فجمعهم وحصرهم لكي لا تبقى منهم بقيّة ولا ترجى لهم عاقبة، ولا يكون الدين إلا لله، ولا العاقبة إلا لأوليائه، ولا التعس والنّكس «2» إلا لمن خذله. فلما حصرهم الله وحبسهم عليهم ودانتهم مصارعهم، سلّطهم الله عليهم كيد واحدة، يختطفونهم بسيوفهم، وينتظمونهم برماحهم، فلا يجدون ملجأ ولا مهربا. ثم أمكنهم من أهاليهم وأولادهم ونسائهم وحرمهم وصيّروا الدار دارهم والمحلة محلّتهم، والأموال قسما بينهم، والأهل إماء «3» وعبيدا. وفوق ذلك كلّه ما فعل بهؤلاء وأعطاهم من الرحمة والثواب، وما أعدّ لأولئك من الخزي والعقاب، وصار الكافر بابك لا فيمن قتل فسلم من ذلّ الغلبة، ولا فيمن نجا فعاين في الحياة بعض العوض، ولا فيمن أصيب، فيشتغل بنفسه عن المصيبة بما سواه، لكنه سبحانه وتعالى أطلقه وسدّ مذاهبه، وتركه ملدّدا «4» بين الذّل والخوف، والغصّة والحسرة، حتّى إذا ذاق طعم ذلك كلّه وفهمه، وعرف موقع المصيبة، وظنّ مع ذلك كلّه أنه على طريق من النجاة، فأضرب الله وجهه، وأعمى بصره، وسدّ سبيله، وأخذ بسمعه وبصره، وحازه إلى من لا يرقّ له، ولا يرثي لمصرعه، فامتثل ما أمر به الأفشين (حيدر بن طاوس «5» )

مولى أمير المؤمنين في أمره، فبثّ له الحبائل، ووضع عليه الأرصاد، ونصب له الأشراك حتّى أظفره الله به أسيرا ذليلا موثقا في الحديد، يراه في تلك الحالة من كان يراه ربّا، ويرى الدائرة عليه من كان يظنّ أنها ستكون له. فالحمد لله الذي أعزّ دينه، وأظهر حجّته، ونصر أولياءه وأهلك أعداءه، حمدا يقضى به الحقّ، وتتمّ به النّعمة، وتتصل به الزيادة. والحمد لله الذي فتح على أمير المؤمنين وحقّق ظنّه، وأنجح سعيه، وحاز له أجر هذا الفتح وذخره وشرفه، وجعله خالصا لتمامه وكماله بأكمل الصنع وأحسن الكفاية، ولم ير بوسا فيه ما يقذي عينه، ولا خلا من سرور يراه، وبشارة تتجدّد له عنه، فما يدري أمير المؤمنين ما متّع فيه من الأمل، أو ما ختم له من الظفر. فالحمد لله أوّلا! والحمد لله آخرا! والحمد لله على عطاياه التي لا تحصى، ونعمه التي لا تنسى، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة كتاب من هذا الضرب، كتب به أبو سعيد العلاء «1» بن موصلايا عن القائم بالله، إلى عضد الدولة «ألب أرسلان» إلى مسعود بن محمود صاحب غزنة من أوائل بلاد الهند، بالبشارة بالنّصر على البساسيريّ «2» وهو: أما بعد، فالحمد لله منير الحق ومبديه، ومبير الباطل ومرديه، الكافل بإعزاز حزبه، وإذلال حربه، المؤيّد في نصرة دينه خصب الدّهر بعد إمحاله وجدبه، الناظم شمل الشرع بعد شتاته وتفرّقه، الحاسم داعي الفساد بعد

استيلائه وتطرّقه، ذي المشيئة النافذة الماضية، والعزّة الكاملة الوافرة والعظمة الظاهرة البادية، والبراهين الرائعة الرائقة، والدلائل الشاهدة بواحدانيّته الناطقة، حمدا لا انتهاء لأمده، ولا إحصاء لعدده. والحمد لله الذي اختص محمدا صلّى الله عليه وسلّم، برسالته وحباه، وأولاه من كرامته ما حاز له به الفضل وحواه، وبعثه على حين فترة من الرّسل، وخلاء من واضح السّبل، فجاهد بمن أطاعه من عصاه، وبلغ في الإرشاد أقصى غايته ومداه، ولم يزل مبديا أعلام الإعجاز، وملحقا الهوادي «1» بالأعجاز، إلى أن دخل الناس في الدين أفواجا، وسلكوا في نصرته جددا «2» واضحا ومنهاجا؛ وغدت أنوار الشرع ضاحكة المباسم، وآثار الشّرك واهية الدعائم، ومناهل الهدى عذبة صافية. فصلّى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وأصحابه المنتخبين وخلفائه الأئمة الراشدين، وسلّم تسليما. والحمد لله الذي أصار إلى أمير المؤمنين من تراث النبوّة ما استوجبه واستحقّه، وأنار لديه من مطالع الجلال ما تملك به الفخر واسترقّه، ومنحه من حسن التمكين والإظفار، وإجراء الأقضية على مراده والأقدار ما ردّ صرف الدهر عن حوزته مفلول الحدّ، ومدّ باع مجده إلى أقصى الغاية والحدّ، وحمى سرب «3» إمامته من دواعي الخوف والحذر، ووقى مشرب خلافته من عوادي الرّنق «4» والكدر، وجعل معالم العدل في أيامه مشرقة الأوضاح والحجول، مفترّة النواجذ «5» عن الكمال الضافي الأهداب والذّيول، مؤذنة باستقرار أمداد السعادة، واستمرار الأحوال على أفضل الرّسم والعادة، وهو يستديمه من لطيف الصّنع وجميله، ووافي الطّول وجزيله ما يزيد آراءه سدادا ورشادا، وأرومة عزّه

اتساعا وامتدادا، ومجاري الأمور لديه اتساقا على المراد واطّرادا، وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب!. ومعلوم ما اعتمده شاهنشاه المعظّم بعد مسيره إلى العراق، في الجيوش التي يضيق بها الفضاء، ويجري على مرادها القضاء، قاصدا تلبية الدعوة، وخاضدا «1» شوك كلّ من سدّ» عن الدين أسباب المضرّة والمعرّة، ومعتمدا ما حمى حوزة أمير المؤمنين من الشوائب المعترضة، وحوى أقسام الفخار في اتباع شروط الخدمة الملتزمة المفترضة، من المبادرة للّكع «3» اللعين البساسيريّ ولفيفه المخاذيل، مدّرعا من الاعتضاد بالله تعالى أقوى الجنن «4» وأسبغ السّرابيل، ليطهّر الأرض من دنس كفرهم، ويوفّر الجدّ «5» في فصم حدّهم وحسم كيدهم، فأطلّ على بلاد الشام متطلبا من ألجأه حذره إلى الإمعان في الهرب، وقطع كلّ أخيّة وسبب، ومعتزما الائتمام إلى مصر لانتزاعها وبقية الأعمال، من أيدي أحلاف الغواية والضّلال، وقرّب الأمر فيما حاوله من ذلك ورامه اعتماده فيه صنوف التجدّد وأقسامه، فاعترضه من عصيان إبراهيم اينال وعقوقه، وخروجه عن زمرة أبناء الطاعة ومروقه، بإفساد اللّعين إيّاه، وإحالته بمكره عن مناهج هداه، ما أحوجه إلى ترك ما هو بصدده واللّحاق بأثره حذارا من استفحال خطبه، وبدارا إلى فلّ حدّه وغربه، فعاد ذلك بتجمّع الأعداء واحتشادهم، وسلوكهم المحجّة التي خصّوا فيها بعدم توفيقهم ورشادهم، وإقدامهم على فضل الإمامة المكرمة بالمحاربة، واطّراحهم في منابذتها حكم الاحتشام والمراقبة، ووقوع التظافر على المجاهرة بخلافها، والتظاهر بشعار أشياع الغواية وأحلافها، جرأة على الله تعالى واستنزالا لعقابه، واطّراحا لما توجبه الجناية العظمى من توقّع العذاب

وارتقابه، وادّراعا لملابس الخزي في الدنيا والآخرة، واتباعا لداعي الضّلالة المغوية في البدء والخاتمة، فاقتضى حكم الاستظهار الانتقال من دار الخلافة- بمدينة السّلام- إلى (حديثة عانة «1» ) لما هي عليه من امتناع الجانب وشدّة الحصانة، إلى أن أسفر خطب شاهنشاه ركن الدين- أمتع الله به- عن إدراك المطالب، وتيسّر المصاعب، فعاد بنصرة الدولة العباسيّة الإمامية القائميّة مستنفدا في ذلك أقسام الوسع والاجتهاد، ومستنجدا بمعونة الله تعالى على إبادة الكفر بصنوف القراع والجهاد. ولم يزل ساعيا في إزالة العار، وانتزاع المغتصب وارتجاع المستعار، إلى أن صدّق الله تعالى الأمل وحقّقه، وأصفى منهل العز من كل ما شابه ورنّقه، وأطلع شمس الحقّ بعد غروبها، ومنّ بخضد «2» شوكة الباطل وفلّ غروبها. وعاد أمير المؤمنين إلى دار ملكه ومقرّ مجده في يوم كذا ضافية على راياته جلابيب النّصر والظّفر، جارية على إرادته تصاريف القضاء والقدر، بيمن نقيبة شاهنشاه الذي أدّى في الطاعة الفرض والواجب، وتمسّك من المشايعة بأفضل ما تضمّ عليه الرّواجب، وغدا للدولة عضدا موفيا على الأمثال، في دفعه عن الإسلام وذبّه، ومتقمّصا للجلال، بحسن إخلاصه في حالتي بعده وقربه. وما زالت ثقة أمير المؤمنين مستحكمة بالله تعالى عند ما ألمّ به من تلك الحال، ودهم من الخطب المحتفّ به سطوة الاشتداد والاستفحال، في إجرائه على ما ألفه من النّصر والإعزاز، وإظهار آلائه في تأييده والإعجاز؛ إذ لم يكن ما عرّاه

استعادة للحقّ المسلّم إليه، والموهبة التي ضفت جلابيبها عليه، بل جعل الله ذاك إلى امتحان صبره سبيلا، وعلى وفور أجره دليلا، وبإبادة كل ناعق في الفتنة كفيلا؛ لتزداد أنوار علاه نضارة وحسنا، وأعلام جلاله سعادة ويمنا، ورباع عزّه سكونا وأمنا، لطفا منه جلّت آلاؤه في ذلك ومنّا. وتلا هذه النعمة التي جدّدت عهود الشرع وافية النّضارة، وأزالت عن الدّين مفاسده العارضة ومصارّه، ما سهّله الله وهنّاه، وأجزل به صنيعه الجزيل وأسناه، من ظفر السّرايا التي تورّدها لاصطلام اللّعناء واجتياحهم، وحسم فسادهم وهدم عراصهم، وإخماد ما أضرموه من نار الشّرك وشبّوه، وإبطال ما أحدثوه من رسم الجور وسنّوه، وأفضى الحال إلى النّصر على الأعداء من كل جانب، وقهر كلّ منحرف عن الرشاد ومجانب، وحلول التأييد على الرايات المنصورة العباسيّة التي لم تزل مكنوفة على صرف الدهر أشياعها وأنصارها، وإجلاء الحرب عن قتل اللعين البساسيري وأخذ راسه، وتكذيب ظنّه في احرازه من طوارق الغير واحتراسه، وإراحة الأرض وأهلها من دنسه وعدوانه؛ وكون من ضامّه من طبقات العرب والأكراد والأتراك البغداديين والعوامّ بين قتيل مرمّل «1» بدمه، وأسير تلقّى المنون بغصة أسفه وندمه، وصريع في بقيّة من ذمائه «2» ، وهارب والطلب واقع من ورائه. فأنجز الله وعده في هذا المارق، والعبد الآبق «3» الذي غرّه إمهال الله تعالى إيّاه فنسي عواقب الإهمال في الغواية، والإمهال في الطّغيان إلى أقصى الحدّ والغاية، وحمل رأسه إلى الباب العزيز فتقدّم بالتّطواف به في جانبي مدينة «4» السّلام وشهره، إبانة عن حاله وإيضاحا لجليّة أمره، وكفي

ما يوجبه إقدامه على العظائم التي علم الله تعالى سوء مصيرها ومآلها، وحرم الرّشد في التمسّك والتشبّث بأذيالها، وتلك عاقبة من بغى واعتدى، وأتزر بالغدر وارتدى، وأمعن في الضّلّة واعتدى. والجدّ واقع من بعد في المسير للاحتواء على بلاد المخالفين الدانية والقاصية، والأخذ مع مشيئة الله تعالى بنواصي كل فئة طاغية عاصية. فالحمد لله على المنحة التي بشّرت الإسلام بجبر كسره، وأنقذت الهدى من ضيق الكفر وأسره، وأبدت نجوم العدل بعد أن أفلت وغارت، وأردت شيعة الباطل بعد أن اعتدت على الحقّ وأغارت. وهو المسؤول صلتها بأمداد لها تقضي إذ ذاك سائر الأغراض وبلوغها، وتقضي بكمال رائق الآلاء وسبوغها. اقتضى مكانك- أمتع الله بك- من رأي أمير المؤمنين الذي وطّأ لك معاقد العزّ وهضابه، وكمّل لديك دواعي الفخر وأسبابه، ونحلك من إيجابه الذي وصلت به إلى ذروة العلاء، وصلت على الأمثال والنّظراء، إشعارك بما جدّده الله تعالى من هذه النعمة التي غدت السّعود بها جمّة المناهل، سامية المراتب والمنازل، لتأخذ من حظّه بها، والشكر لله تعالى على ما تفضّل به فيها بالقسم الأوفى، كفاء ما يوجبه ولاءك الذي امتطيت به كاهل المجد، واصطفيت به كامل السعد، وكونك لدولة أمير المؤمنين شهابها المشرق في الحنادس «1» ، وصفيّها الرافل من إخلاص مشايعتها في أفخر الحلل والملابس، والله تعالى لا يخليك، من كل ما تستدرّ به أخلاف «2» معاليك، ولا يعدم أمير المؤمنين منك الوليّ الحميد السّيرة، الرشيد العقيدة والسّريرة، الشّديد الشاكلة والوتيرة.

الضرب الثاني (أن يتخذ التحميد في أول الكتاب، وهو أقل وقوعا من الضرب الذي قبله)

هذه مناجاة أمير المؤمنين لك، أجراك فيها على ما عوّدك من التجمّل والإكرام، وحباك فيها بما هو مبشّر لك بالسعادة الوافية الأصناف والأقسام، فتلقّها بالجذل والاستبشار، وواصل شكر الله تعالى على ما تضمّنته من حسن مجاري الأقضية والأقدار؛ وطالع حضرة أمير المؤمنين بأنبائك، وتابع إنهاء ما يتشوّف نحوه من تلقائك؛ إن شاء الله تعالى. الضرب الثاني (أن يتّخذ التحميد في أوّل الكتاب، وهو أقلّ وقوعا من الضرب الذي قبله) وهذه نسخة كتاب من ذلك، كتب به أبو إسحاق الصابي «1» عن «المطيع لله» «2» إلى بعض ولاة الأطراف، عند طاعة عبد «3» الملك بن نوح أحد ملوك بني ساسان، وهي: أما بعد، فالحمد لله الوليّ بالاستحماد، المستحقّ لكنه الاعتباد، القدير على تأليف الأجساد، البصير بسبل خفايا الأحقاد، ذي الحكمة في تبديل الضّغن «4» والسّخيمة «5» ذمّة، والمنابذة عصمة، والقطيعة وصلة، والشّحناء خلّة، والحرج فرجة، والشّعث نضارة وبهجة. الذي جعل الصّلح فتحا هنيّا، والسّلم منجا بهيّا، والموادعة منّا جزيلا، والإرعاء أمنا جميلا، والإقالة حرما لا

يضلّ هداه، ولا تحلّ قواه، ولا تخيب عواقبه، ولا تخفى مآثره ومناقبه، رأفة منه بالخلق، وصيانة لأهل الحقّ، وإمهالا في العهد، ورخصة في الاختصار دون الحدّ؛ ليقرّب فيئة المتأمل، ويسهّل رجعة المتحصل، وتسرع رفاهية المستبصر، ويخفّ اجتهاد المزاول المشمّر، وقد قال الله عزّ وجلّ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ «1» وهو المسؤول عمارة الإسلام بالسّلامة، والأنام بالاستقامة، والسلطان بالطّاعة، والملك ببخوع «2» الجماعة، حتّى تزال الفتنة مهيضة «3» الجناح، مريشة الاجتياح، فليلة الشّباة «4» ، قليلة الأدوات، فتكون النفوس واحدة، والأيدي مترافدة؛ والمودّات صافية، والمآرب متكافية متضاهية، في الشكر الذي يذاد به عن النّفوس، ويحمى به حريم الدّين؛ ويرجى معه التأييد، ويبتغى بوسيلته المزيد، فقد قال الله- وقوله الحق-: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ «5» والله سميع مجيب. وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل! وقد علمت ما فرط من نوح بن نصر في السّهو، ونقم منه في الهفو، الذي ألهاه عن التقوى، وأنساه شيمة الرّقبى «6» ، فعدل عن سنن القصد، وزاغ عنه على عمد، وحال عن آداب آبائه رحمهم الله وهم القدوة، وسجاياهم وبهم الأسوة، وما كان ينتمي به من الولاء، ويعتزي إليه من الوفاء، وصار أدنى معنى ممن يحسده على كرم الأصل، وينافسه في شرف المحل، ويدخل على عقله مدّخل النصيحة، ويطّلع بظاهرها على آرائه الصريحة، وكلّ ذلك إلحاد في أمير

المؤمنين وعهدته، ومروق عن أزمّته، وعقوق بالبرية يشقى به الباقي، ولن يشقى به النازح الماضي. فإنّ أمير المؤمنين ما زال واعيا لأوامر سلفه، عارفا بمآثر خلفه، متجافيا لأولئك عما ابتدعه، متنوّيا لهذا التّجاوز عمّا صنعه، فقد كان نمي إلى أمير المؤمنين أنّ عبد الملك بن نوح، مولى أمير المؤمنين، سليم السّريرة، سديد البصيرة، يرجع إلى رأيه وتدبيره، ولم يجد وشمكير بن زنار، عاجله بالبوار، مساغا إلى ختله، ولا احتيالا في ليّه وفتله، وكان لعبد الملك ركن الدولة بن مالك مولى أمير المؤمنين ظهير صدق، إن وسن أيقظه، وإن ماد أيّده، خلّة فضل فطره الله عليها، وغريزة تمييز أحسن الله إليه فيها، فإنه لو قال أمير المؤمنين: إنه لا مثل له استحقّ هذا الوصف، ولأمن أمير المؤمنين فيه الخلف. ترك لباس أبيه فنزعه، واعتاض منه وخلعه، وتنصّل مما كان منه منتهكا، فعاد عليه محتنكا، وأتى الأمر من طريقه، ولجأ فيه إلى فريقه، ركن الدولة أبي عليّ مولى أمير المؤمنين، أحسن الله ولايته، ومعزّ الدولة أبي الحسين تولّى الله معونته، واستصلحهما، وكفى، واستخلصهما، وغنى، وراسل في الإنابة وإن لم يكن حائدا، والاستقالة وإن لم يكن جانيا، فما ترك ركن الدولة ومعز الدولة- كلأهما الله- إكبار قدره، وإجلال أمره، والقيام بخلاصه، والنطق عن أمير المؤمنين بلسان مشاركته، وإذكار أمير المؤمنين بما لم ينسه من تلك الوثائق، التي صدّر بها كتابه، والعلائق، التي وشّح بها خطابه، إلى أن أجلّ أبا محمد نوحا وترحم عليه، وقبل عبد الملك وأحسن إليه، وواصل رسله، واستمع رسائله، وقلّده خراسان ونواحيها، وسائر الأعمال الجارية فيها، وعهد إليه في ذلك عهدا وميّزه باللواء، والخلع «1» والحباء، بعد أن كنّاه بلسانه، ووفّاه حدود إحسانه؛ وألحقه في ذلك بآبائه، ولم يقصّر فيه بشأوه. وكتاب أمير المؤمنين هذا، وقد اطّردت الحال واستوثقت، وامتزجت الأهواء واتفقت؛ وخلا المشرق من الاضطراب الذي طال أمده، ولم يكد يرى أثره،

النوع الثاني (أن لا يعقب البعدية «تحميد» ، بل يقع الشروع عقبها في المقصود)

وصارت العساكر الدانية والنائية فوضى لا تمتاز، ولا تنفرد وتنحاز، وذلك صنع الله لأمير المؤمنين في جمع الشّتات، وتلافي الهنات «1» ، ولمّ خلل التّخاذل، ومداواة نغل الدّخائل؛ لتتمّ الكلمة في ولايته، وتعمّ النّعم في طاعته، ولا يكون للشيطان سبيل على شيعته، ولا طريق إلى مكيدة أبناء دعوته، والله ذو الفضل العظيم. فاحمد الله على هذا النبإ الذي تطوّع به المقدار، والخبر الذي دلّت عليه الأخبار، من الفتح الذي لم ينغّصه تعب، ولم يكدّره عناء ولا نصب، فإنه تأتّى سهلا، وأتى رسلا؛ وابتدأ عفوا، وانتهى خالصا صفوا، فقد قمع الله به العندة، وجمع بتهيئة العبدة، وآذن عقباه بالسعادة، وبشّر في سيماه باتصال المادة، وأنزل أبا الفوارس عبد الملك بن نوح، مولى أمير المؤمنين، منزلة من رآه أمير المؤمنين أهلا للوديعة، وآمنه على الصّنيعة، ورتّبه مرتبة المسبحة، واستحفظ الله حسن الموهبة به، وما قد تجدّد بين أبي الفوارس وبينهما من الاتحاد، المتولد عن الاغتباط والاعتداد، فقلّ من شاقّهما فلم يندم، وتمرّد عليهما فلم يكلم، وتمسك بهما فلم يسعد، وارتبع أكنافهما فلم يوعد؛ وأجب عن هذا الكتاب بوصوله إليك، وموقع متضمّنه لديك، وما يحدثه لك من الجذل، وانفساح الأمل؛ موفّقا إن شاء الله تعالى. النوع الثاني (أن لا يعقب البعدية «تحميد» ، بل يقع الشروع عقبها في المقصود) وهذه نسخة كتاب من ذلك، كتب به أبو إسحاق «2» الصابي عن الطائع لله إلى من بصحار «3» وسوادها، وجبال عمان وأعمالها، وحاضرتها وباديتها، بالأمر

بالاجتماع على الطاعة، وهي: أما بعد، فإنّ أمير المؤمنين للذي حمّله الله من أعباء الإمامة، وأهّله له من شرف الخلافة، واستودعه من الأمانة في حياطة المسلمين، والاجتهاد لهم في مصالح الدنيا والدّين، يرى أن يراعي من بعد منهم ونأى، كما يراعي من قرب ودنا، وأن يلاحظ جماعتهم بالعين الكالية، ويطلبهم بالعين الوافية، ويتصفّح ظواهر أمورهم، وبواطن دواخلهم، فيحمد من سلك نهج السلامة، ويرشد من عدل عن الاستقامة، وينظم شمل الجماعة على الألفة التي أمر الله بها وحضّ عليها، ويزيلهم عن الفرقة التي ذمّها وو نهى عنها؛ إذ يقول جلّ من قائل: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ «1» : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا «2» . فلا يزال أمير المؤمنين يعرّفهم ما افترض الله عليهم من طاعة الأئمة وأولي الأمر الذين لا عصمة لمخالفهم، ولا ذمّة لمعاندهم، ولا عذر لمسلم ولا معاهد نأى بجانبه عنهم، وضلّ بوجهه عن سبيلهم، إذ كان الإمام حجة الله على خلقه، وخليفته في أرضه، وكانت الطاعة واجبة له ولمن قلّده أزمّة أموره، واستنابه في حمل الأعباء عنه، فمن آنس منه الهداية أحمده، ومن أنكر منه الغواية أرشده بالوعظ ما اكتفى به، أو بالبسط إن أحوج إليه. وإنّ أمير المؤمنين يسأل الله أن يوفّقه للرأي السّديد، ويمدّه بالصّنع والتأييد، ويتولّاه بالمعونة على كلّ ما لمّ «3» الشعث، وسدّ الخلل، وقوّم الأود وعدل الميل؛ وأحسن العائدة على المسلمين جميعا في شرق الأرض وغربها، وسهلها وحزنها، إنه بذلك جدير، وعليه قدير، وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب. وقد علمتم أن أمير المؤمنين أحسن إلى الرعيّة بما كان فوّضه إلى عضد

الدولة وتاج الملّة- رحمة الله عليه- من سياستهم باديا، ثم أحسن باستخلاف عديله وسليله صمصام الدولة وشمس الملة ثانيا؛ إذ كان خيرة أمير المؤمنين وصفوته، وحسامه ومجنّه «1» ، والمورد المصدر عنه بالعهدين المستمرّين من أمير المؤمنين بالنص عليه، ومن الوالد رحمه الله بالوصيّة إليه. وإن هذه العقود المؤكّدة، والعهود المشدّدة، موجبة على الكافّة طاعة من حصلت له، أو استقرّت بوثائقها في يده، إذ لا يصحّ من حاكم حكم، ولا من عاقد عقد، ولا من وال إقامة حدّ، ولا من مسلم تأدية فرض حتّى يكون ذلك مبنيّا على هذا الأصل، ومدارا على هذا القطب، وإن كان خارج عنهما وراض بخلافهما، خرج من دينه، أثم بربه، بريء من عصمته، وأنتم من بين الرعية فقد خصصتم سالفا بحسن النظر لكم، وعرفت الطاعة الحسنة منكم، فتقابلت النعمة والشّكر، تقابلا طاب به الذّكر، وانتظم به الأمر. ثم حدثت الهفوة المعترضة قبيل، فكان أمير المؤمنين موجبا للمعاقبة الموجبة على الجاهل الموضع في الفتنة، والمعاتبة الممضّة على الحكيم منكم القاعد عن النّصرة، إلى أن وردت كتب أستاد هرمز «2» بن الحسن، حاجب صمصام «3» الدولة، باستمراركم على كلمة سواء، في نصرة الأولياء، والمحاماة دونهم، ومدافعة الأعداء والمراماة لهم. فوقع ذلك من أمير المؤمنين أحسن مواقعه، ونزل لديه ألطف منازله، وأوجب لكم به رضاه المقترن برضا الله سبحانه، الموجب للقربة والزّلفى «4» عنده، وأمير المؤمنين يأمركم بالدوام على ما أنتم، والثبات على ما استأنفتم،

الجملة الثالثة (في الكتب الخاصة مما يصدر عن الخلفاء، وهي على ضربين)

والمبادرة إلى كلّ ما يأمركم به فلان الوالي عليكم من صمصام الدولة بالاستخلاف والتفويض، ومن أمير المؤمنين، بالإمضاء لما أمضاه، والرضا بما يرضاه، فاعلموا ذلك من رأي أمير المؤمنين وأمره، وانتهوا فيه إلى حدّه ورسمه، وكونوا لفلان الوالي خير رعيّة، يكن لكم خير راع، فقد أمر فيكم بحسن السّيرة، وإجمال المعاملة، وتخفيف الوطأة، ورفع المؤونة «1» ؛ وجعل إليه عقاب المسيء، وثواب المحسن، ومسالمة المسالم، ومحاربة المحارب، وأمان المستأمن، وإقالة المستقيل، وحمل الجماعة على سواء السبيل، إن شاء الله تعالى. الجملة الثالثة (في الكتب الخاصة مما يصدر عن الخلفاء، وهي على ضربين) الضرب الأوّل (ما يكتب عن الخلفاء إلى وزرائهم) قال في «صناعة الكتاب» : ويكاتب الإمام الوزير أو من حلّ محله «أمتعني الله بك وبدوام النّعمة عندي بك، وبقاء الموهبة لي فيك» وما جرى هذا المجرى. وذكر في «ذخيرة الكتاب» : أن الدعاء للوزير «أمتعنا الله بك وبدوام النّعمة لنا فيك وتجديد الموهبة عندنا بك» . ثم قال: ودعا «المكتفي بالله» للقاسم بن عبد الله لما أمر بتكنيته، وكان الكتاب بخطه «أمتعني الله بك وبالنعمة فيك» ووقّع المستنصر إلى وزيره أحمد بن الخصيب «مدّ الله في عمرك» . وهو قريب مما ذكره في «صناعة الكتاب» في ذلك كله. والذي رأيته في مكاتبات العلاء بن موصلايا «2» عن «القائم بأمر الله» التصدير بما فيه تعظيم

الوزير وتقريظه، من غير ضابط في الابتداء، والدعاء في أثناء ذلك بالحياطة ثم التوصل إلى المقصد. وهذه نسخة كتاب كتب به العلاء بن موصلايا عن القائم إلى وزيره: لمّا خص الله تعالى الدولة القاهرة العبّاسية بامتداد الرّواق «1» ، في العز واتساع النطاق، وأجرى لها الأقدار بما يجمع شمل الحق ويمنع من نفاق النّفاق، وأفرد أيّامها بالبهاء المنير الأعلام، والانتهاء في قوّة الأمر إلى ما يتأدّى في طاعتها بين اليقظات والأحلام، وجعل الزمان واقفا عند حدّها في النقض والإبرام، ومتصرّفا على حكمها في كل ما حاول من حال ورام، ومكّن لها في الأرض حتّى أذلّت نواصي الأعداء قهرا وقسرا، وحسرت عن قناع القدرة على ردّ الطامعين في إدراك مداها ظلّعا حسرى، فإن الله تعالى لم يخلها كلّ وقت من قائل في نصرتها فاعل، وقائم بإقامة حشمتها من كل حاف من الأنام وناعل، وراغب في الذّبّ عن حوزتها سرّا وجهرا، وخاطب من خدمتها ما يرجى أن يكون رضا الله في المقابلة عنه أغلى مهرا، وناهج جدد الرّشد في المناضلة عنها بسيفه وقلمه، وفارج للكرب الحادثة فيها بنطق فيها بنطق فيه وسعي قدمه. وقد منح الله أيام أمير المؤمنين- من كونك الوليّ بمواصلة المقامات الغرّ فيها، والخليّ من كل ما يباين صحّة الموالاة وينافيها، والضّمين لما عاد عليها باستقامة النظام، والضّنين بما يوجد للغير الطريق إلى وصول الحتف إليها والاهتضام، والمتجرّد في إمداد عزّها بالإحصاف والإمرار، والمتفرّد بإعداد أقسام المناضلة دونها في الإعلان والإسرار، والباذل وسعه فيما ثنى إليها أعنّة السعد ولواها، والخاذل كلّ مستنجد بها فيما يخالف محبتها وهواها- ما أوفى «2» على المألوف في أمثالها من قبل، وصار لك به على كل من سلفك من الأعضاء

التقدّم والفضل؛ فهي- بآثارك الحميدة فيها، وإكبارك الجدّ في تشييد مبانيها، وكونك كافيا أمر المحاماة من ورائها، كافّا عنها ما يخشى من حدوث أسباب الفساد واعترائها- منيعة الجانب مريعة الجناب، سريعة فيها السّعود إلى ما يلبّي نداءها بأحسن التلبية والجواب. ثم إنه وإن كانت زلفك «1» إلى حضرة أمير المؤمنين بادية الحجول والغرر، غير محتاجة إلى إقامة الدليل عليها بما اتضّح من أمرها واشتهر، فإنّ فلانا يعيد جلاءها دائما في أبهى الملابس وأنضرها، ويجيد الجدّ في الدّلالة على تقابل مخبرها في الجمال ومنظرها، ويكشف من صفاء السرائر فيها والبواطن، وما يطّلع عليه منها في كل المحال والمواطن، ما يسهب في وصفه ويعجب سماع ذكره ويطرب. وفي هذه النّوبة عاد، وقد زاد، على المعهود من شكرك وجازه، وأبان عن صلته بالوعد في ضمان النّجح منك نجازه، وأوجب على نفسه أن لا يقف عند حدّ فيما يؤدّي إلى نشر محامدك في الأرض، وطيّ الجوانح لك على الإخلاص الصادق المحض. ولما مثل بحضرة أمير المؤمنين على رسمه الذي وسم بالجمال جبينه، وابتسم ثغر التوفيق فيه عمّا أصبح النّجح أليف سعيه وقرينه، وبحسب فوزه من شرف الحظوة برتبة لم ينلها أحد الأقران له في الزمان، وفوته شأو أبناء جنسه يوم المضمار والرّهان، كفاء ما يستوجبه بغلاء قيمته في الكمال، والغناء به في كل مقام أمن حدّ مضائه فيه الكلال، أشار بذكر مقاصدك التي حزت بها من غنائم الحمد الصّفايا، وشاد مباني محامدك بفضل الإبانة عن السرائر والخفايا، وتابع الثّناء على كلّ من أفعالك التي أمسى هلالك فيها مقمرا، ووضح فيها كونك بشروط الإخلاص محبّا مضمرا، وشرح من توفّرك على كلّ قربة غرّاء تغري

الألسنة بحمدك، وتنبيء عن حسن مقصدك برفع عماد الحقّ وعمدك، ما قامت عليه الأدلّة، واستقامت به على سنن الرّشد الأهواء المضلّة، وبيّن من إمضائك كلّ عزم في تهيئة القربات إلى حضرة أمير المؤمنين حالا فحالا، وإبطائك خطا الجدّ فيما يراد بزلفك «1» البالغة أقصى الغايات لديه سابقا واتصالا، ما يضاهي المظنون في تلك العقيدة التي طالما ألفيت في نصرة الدولة القاهرة صافية المورد والمنهل، حالية من الحسن بكل حال اتضح فيها ما ألهى عن غيرها من الوصف وأذهل، فقوبلت بما تستحقّه من إحماد أشيع وأذيع، واتّبع فيه الواجب وأطيع، وتضاعف الاعتداد بأفعالك التي أعنت بالعون منها في الجمال والأبكار، وأعدت بها الأمور في الصّلاح إلى ما يؤمّن إيضاحه الجحد والإنكار. ومن أحقّ منك بكلّ فعال تضيء مصابيح الخير فيه، وينتشر جميل الذّكر من مطاويه- وأنت للدولة الوليّ الأمين- وبحفظ نظام كلّ أمر يختصّ بها الكفيل الضّمين؟ ومن أولى منك بكلّ حمد يفد إليك إمداده أرسالا، وتجد منه ضالّة نشدت مثلها آمال سواك فآبت بالخيبة عجالا؟ فلك من الحقوق ما لا ينسى، وما يلزم أن يرعى في كل مصبح وممسى. فأحسن الله جزاءك عن كونك في دولته ذابّا عن الجحد حاميا. فأما ما تحدّد في معنى الأعمال على الوصف الذي قضى بزوال الخلف وانحسامه، واقتضى رأيك إجراء الأمر على ما استصوب من اتّساقه وانتظامه، فقد وقفت عليه، وأجيز ما أشرت إليه. فأعواض الدنيا تهون وتسهل في ضمن ما يلحظ من اعتناقك أحكام مشايعة الدولة التي قمت بأعبائها في كل أوان، وغدت آثارك فيها باقية الذّكر والأجر على تقضّي الأزمان. فأنت المرغوب في الثناء ولاية وإن شانت «2» الأحوال، والمخلص الذي لا عوض عنه في كلّ مقام ومقال، فقد أحاط العلم بتفصيل ذلك وجملته، وتحقّق أن الخيرة في كل ما تشير إلى

الضرب الثاني (ما يكتب عن الخلفاء إلى وزراء الملوك)

سلوك طريقه وجدده؛ ولذلك أجيب فلان إلى الحضور والمستخدمون معه، وأذن في المقابلة بالقوانين القديمة والباقي والجرائد، والموافقة على ما رأيته في البوادي والعوائد، والتنزّه عن كل ما شذّ عن الحجة المؤكّدة بتوفيقك وتوفّر الموجود لهذه السّنة فيه عليه، وحسم موادّ استزادته في كلّ ما تمسّك به وأشار إليه، والثّقة من بعد مستحكمة بتوفّرك على ما يرادف إليك إمداد الحمد، وتجديدك كل قربة تنضمّ إلى سوابقها المتجاوزة حدّ الإحصاء والعدّ. فأما ما تضمّنته إشارتك في حقّ الستر الرفيع، فهل الصّلاح إلا من نتائج أقوالك؟ وهل مساعيك إلا موقوفة على الخير وأفعالك؟، وهل الموافقة إلا لك في جميع آرائك وأبحاثك، وبحكم ابتدائك لاستقامة النّظام فيما قرب وبعد، والسّكون إلى إسعافك في كلّ أمر يحدث ويتجدّد، ويبعث على ما يعيذ رونق الحشمة من الوهن، ويهز طاعتك في كل أمر يحقّق التقدير فيها والظّن؟ فإذا تصفّحت حقوق الوكلاء المجتباة وجدت موفّرة على اقتناء الأجر، مصروفة في وجوه البرّ التي هي أنفع الذّخر في غد. وهل الأعواض إلا عند من يظنّ الدنيا بعينها قيمة تنافس؟ وهل مصيرها إلا إلى انقضاء ولو أسعفت بالرغائب والنفائس؟ غير أن الأحوال إذا كشف مستورها أثبت ما يقتضي إسبال ستر الإشفاق، والبواطن متى أعرب عنها أشمت ذاك كلّ مجانب للدولة من أهل النّفاق. وأنت المعتمد لتدبير ما يصون حشمة الدولة عن البذلة والخلل، والمرجوع إليه في تحسين الأمر فيما وقع الاجتهاد فيه حتى تيسّر قدره وتسهّل. ولهذا تفصيل قد أوعز إلى فلان باستقصاء شرحه، وإطلاعك على حقيقة الأمر وفصّه. فكن بحيث الظنّ فيك، تجد زند جمالك بذلك أورى، وتجب لك به صنوف الشّكر طورا، إن شاء الله تعالى. الضرب الثاني (ما يكتب عن الخلفاء إلى وزراء الملوك) وهي مما يؤتي في صدرها بحرف النداء غالبا. كما كتب عن المسترشد

إلى معزّ الدين الفضل بن محمود، وزير معز الدين سنجر «1» بن ملكشاه. مقامك يا معزّ الدين، أحسن الله حياطتك وكمّل موهبته عندك- في خدمة الدار العزيزة التي ما زلت لجهدك فيها باذلا، وفي جلابيب المناصحة رافلا؛ لا يقبضنّك أن تواصل حالا فحالا بأنبائك، وتستديم ما خصصت به من شريف الآداب الموفية بك على أكفائك. وعرض بحضرة أمير المؤمنين ما ورد منك دالّا على طاعتك المعهودة، وموالاتك الرائقة المشهودة، واستمرارك على الجدد «2» والمهيع «3» فيما حاز المراضي الشريفة الإمامية لك، وحقّق في الفوز بجميل الآراء أملك، وناطقا بحال فلان المارق عن الدين، المجاهر بمعصية الله تعالى في مخالفة أمير المؤمنين، وما اقتضاه الرأي المعزّيّ بحسن سفارتك، وسداد مقصدك في الطاعة وصفاء نيتك. وأحاط علما بمضمونه الذي لا ريب أنه ثمرة مناصحتك، ونتيجة سعيك المضاهي نصيحة عقيدتك. ومن أولى منك بهذه الحال؟ وأنت الحوّل القلّب «4» ، ذو الحنكة المجرّب، الذي تفرّد في الأنام «5» .

بكماله، وقصّر أكفاؤه «1» عن درك شأوه في الخير ومثاله. وما زلت حديثا وقديما موسوما، بهذه المزيّة مرقوما، وبغير شكّ أنك تراعي ما بدأت به، وتعضّد مقالك في موارده بما تعمده في مصادره، وتحرس ما قدّمته من الاحتياط بتحرّيك في أواخره، وتمضي العزيمة لإتمام ما شرعت فيه، كفاء ما يوجبه دينك ويقتضيه، جريا على وتيرتك فيما قضى للأحوال بالانتظام والاتّساق، وآذن لشمس الصّلاح بالإضاءة والإشراق. وبعد، فقد عرفت ما تكرّر إليك في أمر هذه الطائفة الخبيثة، المكاشفة بمذهب الإلحاد، المبارزة بسوء الاعتقاد، بعثا على جهادها، وكفّ ضررها عن الإسلام وفسادها، ورفع ستر المراقبة عنها، والانتقام لله ولرسوله منها. وما يقنع من همة معزّ الدولة والدين- أمتع الله ببقائه- ومن وافر عقلك ودينك، وصدق يقينك، إلّا بإرهاف العزيمة في مكاشفتها، وخوض الغمار في محاربتها، والقصد لمضايقة من اعتصم منها بالقلاع، وقتل كلّ من يظفر به في سائر البقاع، حميّة وامتعاضا للدين، وأنفا مما استولى عليه بها من الضرر المبين. فكن من وراء الحبّ لمعزّ الدنيا والدين على تيقّنك هذا المثال، والادّكار بما تفوز به مع الامتثال له في المآل، وانهض في تنفيذ ما يأمرك به في هذا الباب نهضة من أتزر رضا الله وأراده، وبذل في صلاح معاده اجتهاده، فإن الله سبحانه لا يرضى منكما للانتصار لدينه بالتقصير، وأمير المؤمنين أمركما بالجدّ فيه والتشمير. وقد شرّفك بتحفة أمر بحملها إليك من بين يدي سدّته، وأعرب بها عن مكانك من حضرته، إنافة على الأمثال بقدرك، وإضفاء لملابس فخرك، فاعرف بمكان النعمة في ذلك، واسلك في القيام بشكرها أوضح المسالك، وأدم المواصلة بمطالعتك، وقدّم التوقّع من إجابتك، تفز من المراضي الشريفة بالحظ الأسنى، ويجتمع لك منها الاسم والمعنى، إن شاء الله تعالى.

الطرف الرابع (في الكتب الصادرة عن خلفاء بني العباس في الديار المصرية بعد مصير الخلافة إليها)

الطرف الرابع (في الكتب الصادرة عن خلفاء بني العباس في الديار المصرية بعد مصير الخلافة إليها) وهي على ثلاثة أساليب: الأسلوب الأوّل (أن يفتتح الكتاب بلفظ «من فلان إلى فلان» ) والحكم فيها على ما كان الأمر عليه في خلافتهم ببغداد، إلا أنه زاد فيه لفظ «ووليّه» بعد لفظ «عبد الله» في أوّل الكتاب فيقال في افتتاحه: «من عبد الله ووليّه أبي فلان فلان الإمام الفلاني» . ثم يقال: أما بعد حمد الله، ويؤتى على آخر الخطبة، ثم يتخلص منها ويختم بالأمر بامتثال ما أمر به. ويقال بعد ذلك: موفّقا إن شاء الله تعالى. والخطاب فيه بالكاف، وربما افتتح الكتاب بآية من القرآن الكريم مناسبة للمعنى. وهذه نسخة كتاب كتب به عن الإمام المستكفي بالله «أبي الربيع سليمان ابن الحاكم بأمر الله أحمد» إلى الملك المؤيّد هزبر الدين داود ابن الملك المظفّر صلاح الدين يوسف بن رسول في الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون «1» » في سنة سبع وسبعمائة، حين منع صاحب اليمن الهديّة التي جرت العادة بإرسالها إلى الأبواب الشريفة بالديار المصرية، مفتتحا بآية من القرآن وهو: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «2» .

من عبد الله ووليّه أبي الربيع سليمان: أما بعد حمد الله مانح القلوب السليمة هداها، ومرشد العقول إلى أمر معادها ومبداها، وموفّق من اختاره إلى محجّة صواب لا يضلّ سالكها، ولا تظلم عند إخلاف الأمور العظام مسالكها، وملهم من اصطفاه لاقتفاء آثار السّنن النبويّة والعمل بموجبات القواعد الشرعية، والانتظام في سلك من طوّقته الخلافة عقودها وأفاضت على سدّته الجليلة برودها، وملّكته أقاصي البلاد وأناطت بأحكامه السديدة أمور العباد، وسارت تحت خوافق أعلامه أعلام الملوك الأكاسرة، وشيّدت بأحكامه مناجح الدّنيا ومصالح الآخرة، وتبختر كلّ منبر من ذكره في ثوب من السيادة معلم، وتهلّلت من ألقابه الشريفة أسارير كلّ دينار ودرهم. يحمده أمير المؤمنين على أن جعل أمور الخلافة ببني العبّاس منوطة، وجعلها كلمة باقية في عقبه إلى يوم القيامة محوطة، ويصلّي على ابن عمه محمد الذي أخمد الله بمبعثه ما ثار من الفتن، وأطفأ برسالته ما اضطرم من نار الإحن، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين حموا حمى الخلافة وذادوا عن مواردها، وعمدوا إلى تمهيد المعالم الدينييّة فأقاموها على قواعدها، صلاة دائمة الغدوّ والرّواح، متصلا أوّلها بطرّة الليل وآخرها بجبين الصّباح. هذا وإنّ الدين الذي فرض الله على الكافّة الانضمام إلى شعبه، وأطلع فيه شموس هداية تشرق من مشرقه ولا تغرب في غربه، جعل الله حكمه بأمرنا منوطا، وفي سلك أحكامنا مخروطا، وقلّدنا في أمر الخلافة المعظّمة سيفا طال نجاده، وكثر أعوانه وأنجاده، وفوّض إلينا أمر الممالك الإسلاميّة وإلى حرمنا تجبى ثمراتها، ويرفع إلى ديواننا العزيز نفيها وإثباتها، يخلف الأسد إن مضى في غابه شبله، ويلفى في الخبر والخبر مثله. ولما أفاض الله علينا حلّة الخلافة، وجعل محلّنا الشريف محلّ الرحمة والرافة، وأقعدنا على سدّة خلافة أشرقت بالخلائف من آبائنا، وابتهجت بالسادة

الغطاريف من أسلافنا، وألبسنا خلعة هي من سواد السّؤدد مصبوغة، ومن سواد العيون وسويداوات القلوب مصوغة، وأمضينا على سدّتنا الشريفة أمر الخاصّ والعامّ، وقلّدنا كلّ إقليم من عملنا «1» من يصلح سياستها على الدّوام، واستكفينا بالكفاة من عمّالنا على أعمالنا، واتخذنا مصر دار مقامنا وبها سدّة مقامنا؛ لما كانت في هذا العصر قبّة الإسلام، وفيئة الإمام وثانية دار السّلام، تعيّن «2» علينا أن نتصفّح جرائد عمّالنا، ونتأمّل نظام أعمالنا، مكانا فمكانا، وزمانا فزمانا، فتصفّحناها فوجدنا قطر اليمن خاليا من ولايتنا في هذا الزمن. عرّفنا هذا الأمر من اتخذناه للممالك الإسلامية عينا وقلبا، وصدرا ولبّا، وفوّضنا إليه أمر الممالك الإسلامية فقام فيها مقاما أقعد الأضداد، وأحسن في ترتيب ممالكها نهاية الإصدار وغاية الإيراد، وهو السّلطان الأجلّ، السيد الملك الناصر المبجّل، لا زالت أسباب المصالح على يديه جارية، وسحابة الإحسان من أفق راحته سارية، فلم يعد جوابا لما ذكرناه، ولا عذرا عمّا أبديناه، إلا بتجهيز شرذمة من جحافله المشهورة، وتعيين أناس من فوارسه المذكورة، يقتحمون الأهوال، ولا يعبأون بتغيّرات الأحوال، يرون الموت مغنما إن صادفوه، وشبا المرهف مكسبا إن صافحوه، لا يشربون سوى المدام «3» مدامة، ولا يلبسون غير الترانك «4» عمامة، ولا يعرفون طربا إلا ما أصدره صليل الحسام من غنا، ولا ينزلون قفرا إلا ونبت ساعة نزولهم من قنا. ولما وثقنا منه بإنفاذهم راجعنا رأينا الشريف، فاقتضى أن يكاتب من بسط يده في ممالكها، واحتاط على جميع مسالكها، واتخذ أهلها خولا «5» ، وأبدى في خلال ديارها من عدم سياسته

خللا. برز مرسومنا الشريف النبويّ أن يكاتب من قعد على تخت مملكتها، وتصرّف في جميع أمور دولتها، وطولع بأنّه ولد السلطان الملك المظفر يوسف ابن عمر الذي له شبهة تمسّك بأذيال المواقف المستعصمية وهو مستصحب الحال على زعمه، أو ما علم الفرق بين الأحياء والأموات؟ أو ما تحقّق الحال التي بين النفي والإثبات؟، أصدرناها إلى الرّحاب التّعزّية، والمعالم اليمنية تشعر من تولّى عنها فاستبدّ، وتولى كبره فلم يعرّج على أحد، أن أمر اليمن ما برحت نوّابنا تحكم فيه بالآية الصحيحة، والتّفويضات التي هي غير جريحة، وما زالت تحمل إلى بيت المال المعمور وما تمشي به الجمال مشيا وئيدا، وتقذفه بطون الجواري إلى ظهور اليعملات «1» وليدا، ويطالعنا بأمر مصالحه ومفاسده، وبحال دياره ومعاهده. ولك أسوة بوالدك فلان، هلّا اقتفيت ما سنّه من آثاره، ونقلت ما دوّنته أيدي الزمن من أخباره؟ واتصل بمواقفنا الشريفة أمور صدرت منك. منها- وهي العظمى التي ترتّب عليها ما ترتب- قطع الميرة «2» عن البيت الحرام، وقد علمت أنّه واد غير ذي زرع، ولا يحلّ لأحد أن يتطرّق إليه بمنع. ومنها- انصبابك إلى تفريغ مال بيت المال في شراء لهو الحديث، ونقض العهود القديمة بما تبديه من حديث. ومنها- تعطيل أجياد المنابر من عقود اسمنا، وخلوّ تلك الأماكن من أمور عقدنا وحلّنا. ولو أضحنا لك ما اتصل بنا من أمرك لطال، ولاتّسعت فيه دائرة المقال، رسمنا بها والسيف يودّ لو سبق القلم حدّه، والعلم المنصور يودّ لو فات العلم واهتزّ بتلك الرّوابي قدّه، والكتائب المنصورة تختار لو بدرت عنوان الكتاب، وأهل العزم والحزم يودّون إليك إعمال الرّكاب، والجواري المنشآت

قد تكوّنت من ليل ونهار، وبرزت كصور الأفيلة لكنّها على وجه الماء كالأطيار، وما عمدنا إلى مكاتبتك إلّا للإنذار، ولا احتجنا إلى مخاطبتك إلا للإعذار، فأقلع عمّا أنت بصدده من الخيلاء والإعجاب، وانتظم في سلك من استخلفناه فأخذه بيمينه ما أعطي من كتاب، وصن بالطاعة من زعمت أنهم مقيمون تحت لواء علمك، ومنتظمون في سلك أوامر كلمك، وداخلون تحت طاعة قلمك. فلسنا نشنّ الغارات على من نطق بالشهادتين لسانه وقلبه، وامتثل أوامر الله المطاعة عقله ولبّه. ودان بما يجب من الدّيانة، وتقلّد عقود الصّلاح والتحف مطارف الأمانة. ولسنا ممنا يأمر بتجريد سيف إلا على من علمنا أنه خرج عن طاعتنا، ورفض كتاب الله ونزع عن مبايعتنا. فأصدرنا مرسومنا هذا إليه نقصّ عليه من أنباء حلمنا ما أطال مدّة دولته، وشيّد قواعد صولته، ونستدعي منه رسولا إلى مواقفنا الشريفة، ورحاب ممالكنا المنيفة؛ لينوب عنه في قبول الولاية مناب نفسه، وليجن بعد ذلك ثمار شفقاتنا إن غرس شجر طاعتها. ومن سعادة المرء أن يجني ثمار غرسه، بعد أن يصحبه من ذخائر الأموال ما كثر قيمة وخفّ حملا، وتعالى رتبة وحسن مثلا، واشرط على نفسك في كل سنة قطيعة ترفعها إلى بيت المال. وإيّاك ثم إيّاك! أن تكون على هذا الأمر ممن مال، ورتّب جيشا مقيما تحت علم السلطان الأجلّ الملك الناصر للقاء العدوّ المخذول التّتار، ألحق الله أوّلهم بالهلاك وآخرهم بالبوار «1» . وقد علمت تفاصيل أحوالهم المشهورة، وتواريخ سيرهم المنكورة، فاحرص على أن يخصّك من هذا المشرب السائغ أوفر نصيب، وأن تكون ممن جهّز جيشا في سبيل الله فرمى بسهم فله أجر كان مصيبا أو [غير] مصيب، ليعود رسولك من دار الخلافة بتقاليدها وتشاريفها حاملا أهلّة أعلامنا المنصورة، شاكرا برّ مواقفنا المبرورة. وإن أبى حالك إلا أن استمرّيت على غيّك، واستمريت مرعى بغيك، فقد منعناك التصرّف في البلاد، والنظر في أحكام العباد، حتّى تطأ خيلنا العتاق

الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بخطبة إما مصدرة بآية من القرآن الكريم أو دونها)

مشمخرّات حصونك، وتعجّل حينئذ ساعة منونك. وما علّمناك غير ما علمه قلبك، ولا فهّمناك غير ما حدسه لبّك، ولا تكن كالصغير يزيده كثرة التحريك نوما، ولا ممن غرّه الإمهال يوما فيوما. أعلمناك ذلك فاعمل بمقتضاه، موفّقا إن شاء الله تعالى. الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بخطبة إمّا مصدّرة بآية من القرآن الكريم أو دونها) كما كتب عن الإمام الحاكم بأمر الله أبي العباس «أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان» إلى السلطان الملك الناصر، أحمد ابن الملك الناصر محمد «1» بن قلاوون، وهو بالكرك «2» ، يستدعي حضوره إلى قلعة الجبل بالقاهرة المحروسة لتقليد السلطنة الشريفة، بعد خلع أخيه الملك الأشرف كجك ابن الناصر محمد، وإمساك الأمير قوصون ومن معه من الأمراء. وقد ذكر صاحب «الدرّ الملتقط» أنه كتبه في قطع البغداديّ الكامل بين يدي الأمير قطلوبغا الفخريّ كافل السلطنة الشريفة. وهذه نسخته: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ «3» . فالحمد لله الذي أسبغ نعمه الظاهرة والباطنة، وألّف قلوب أوليائه المتفقة والمتباينة، وأخذ بنواصي أعدائه المراجعة والبائنة، وأعلى جدّ هذه الدولة القاهرة، وأطلع في أسنّة العوالي نجومها الزاهرة، وحرّك لها العزائم فملكت

والأمور- بحمد الله- ساكنة، والبلاد- والمنة لله- آمنة، والرّعايا في مكانها قاطنة، والسيوف في أغمادها مثل النّيران في قلوب حسّادها كامنة، وأقام أهل الطاعة بالفرض واستوفى بهم القرض، وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض، وأعزّ أنصار المقام الشريف العالي وأعزّ نصره، وأعدّ لعدوّه حصره، وأتى بدولته الغراء تسمو شموسها، وتثمر غروسها، وتظهر في حلل الصباح المشرق عروسها وتجيء منه بخير راع للرعية يسوسها، وبشّره بالملك والدّوام وسرّه بما اجتمع له من طاعة الأنام، وأقدمه على كرسيّ ملكه تظلّه الغمام، وأراه يوم أعدائه وكان لا يظنّ أن يرى في المنام، ولا يزال مؤيّد الهمم، مؤكّد الذّمم، مجدّد البيعة على رقاب الأمم، ولا برحت أيامه المقبلة مقبلة بالنّعم، خضر الأكناف على رغم من كاد وغيظ من رغم؛ ولا فتئت عهود سلفه الشريفة تنشأ له كما كانت، ورعاياه تدين له بما دانت، وجنوده تفدّيه من النفوس بأعزّ ما ذخرت وما صانت، وسعادة سلطانه تكشف الغمم وتنشر الذّمم وتعيد إلى أنوف أهل الأنفة الشّمم، وتحفظ ما بقي لأوليائه من بياض الوجوه وسواد اللّمم. سطّرها وأصدرها وقد حقّقت بعوائد الله الظّنون، وصدّقت الخواطر العيون، وأنجز الله وعده، وأتمّ سعده، وجمع على مقامه الكريم قلوب أوليائه، وفرّق فرق عدوّه وأباته بدائه، ووطّد لرقيّه المنابر، ورجّل لترقّيه العساكر، وهيّأ لمقاتل أعدائه في أيدي أوليائه السّيوف البواتر. وأخذ قوصون وأمسك ونهب ماله واستهلك، وهدمت أبنيته وهدّت أفنيته، وخرّبت دياره وقلعت آثاره، وأخليت خزائنه وأخرجت من بطون الأرض دفائنه، وما مانعت عنه تلك الربائب التي ظنّها قساور ولا ناضلت تلك القسيّ التي طبعها أساور، ولا أغنى عنه ذلك المال الذي ذهب، ولا ذلك الجوهر الذي كان عرضا لمن نهب. وأعيد إلى المهد ذلك الطفل الذي أكل الدّنيا باسمه، وقهر أبناءها بحكمه، وموّه به على الناس وأخلى له الغاب وما خرج من الكناس، وغالب به الغلب حتّى وطيء الرّقاب وداس الأعقاب، وخادع ودلّه الشيطان بغروره ودلّس عليه عاقبة أموره، فاعتدّ

بعتاده واعتزّ بقياده واغترّ بأنّ الأرض له وما علم أنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، فأمسك ومعه رؤوس أشياعه، وحصرت بالخوف نفوس أتباعه- ومنهم الطنبغا. وقد أحاط العلم الشريف بكيفية وصوله وحقيقة الخبر وما قاساه في طريقه من العبر، وداس عليه حتّى وصل من وخز الإبر. وكذلك من جاء معه، وخلّف وراءه الحقّ وتبعه، بعد الهزيمة التي ألجأهم إليها خوف العساكر المنصورة التي قعدت لهم على الطريق وأخذت عليهم بمدارج أنفاسهم في فم المضيق، وعبّئت لهم صفوف الرجال، وأعدّت لهم حتوف الآجال، وحيّرتهم في سعة الفجاج، وأرتهم بوارق الموت في سحب العجاج. ثم لم يصلوا إلا وهم أشلاء ممزّقة، وأعضاء مفرّقة قد فني تحتهم الظهر، وقني بيومهم الدّهر، وساقتهم سعادة سلطان المقام العالي إلى شقاوتهم وهم رقود، وعبّئت لهم الخيل والخلع إلا أنها ملابس الذّلّ وهي القيود. فأخذوا جميعا ومن كانوا على موالاته، وفارقوا الجماعة لمواتاته، وحملوا إلى الحبس النائي المكان، وأودعوا أحياء في ملحده إلّا أنهم كالأموات، وقد نالوا المقصد إلا أنهم ما أمنوا الفوات. ووكّل بحفظهم إلى أن يشرّف سرير الملك بقعود مقامه وعقود أيّامه الحوالي، وسعود زمانه الذي لا يحتم بالنجوم إلا خدم الليالي. وهذا النصر إنما تهيّأت- ولله الحمد- أسبابه، وهذا الفتح إنما فتحت بمشيئة الله أبوابه، بمنّة الله ونيّة المقام العالي لا بمنّة أحد، ولا بمنّة بأس من أقدر ولا يأس من حجر، وما قضى الله به من سعادة هذه الأيام، ومضى به القدر السابق وعلى الله التمام، وبمظافرة الجناب الكريم السّيفيّ، قطلوبغا الفخريّ الساقي الناصريّ، أدام الله نصرته لهذه العصابة المؤيّدة. وبمضاء عزائمه التي ماونت، وقضاء قواضبه التي ما انثنت، وبموازرة من التفّ عليه من أكابر الأمراء، وبما أجمعوا عليه من مظافرة الآراء، ونزولهم على النية لا يضرّهم من خذلهم، ولا يهينهم من بذلهم، ولا يبالون بعساكر دمشق المقيمة على حلب ومن مال إليهم، وتمالأ معهم عليهم، ومن انضاف إليهم من جنود البلاد، وجيوش العناد، ولا لواهم ما كان يبعث إليهم ذلك الخائن من وعيده، ولا ولّاهم

ما كاد يخطف أبصارهم من تهديده، ولا بالوا بما ألّب عليهم من جند الشام من كلّ أوب، وصبّ عليهم سيوله من كل صوب، وخادعهم بالرسائل التي ما تزيدهم عليه إلا إباء، ولا تشكّكهم أن السيف أصدق منه إنباء، حتّى ولّى لا تنفعه الخدع، ولا تنصره البدع، فما أسعدته تلك الجموع التي جمعها، ولا أجابته تلك الجنود التي سار عليها إلى مكمن أجله، ولا وقت تلك السيوف التي لم يظهر له من بوارقها إلا حمرة الخجل، حتى أخذ مع طاغيته بل طاغوته بمصر ذلك الأخذ الوبيل، وقذف به إلى مهوى هلكة سيل ذلك السبيل، وقام من بالديار المصرية قيام رجل واحد، وتظافروا على إزالة ذلك الكافر الجاحد، ولم يبق من الأمراء إلا من بذل الجهد، وجمع قلوب الرعية والجند، وفعل في الخدمة الشريفة ما لم يكن منه بدّ، حتّى حمد الأمر وخمد الجمر، وتواترت الكتب بما عمّت به البشرى من إقامة البيعة باسمه الكريم، وأنه لم يبق إلا من أعطى اليمين وأعطى اليمين، وأتمّ الحلف إتماما لا يقدّر معه ثمين، وأقيمت له السّكة والخطبة فرفع على المنابر اسمه وتهلل به وجوه النّقود، وظهر على أسارير الوجود، وضربت البشائر، ونهبت المسرّات السّرائر، وتشوّقت أولياء هذه الدولة القاهرة أدام الله سلطانها إلى حضور ملكها، وسفور الصّباح لإذهاب ما أبقته عقابيل تلك الليلة من حلكها. والمقام العالي ما يزداد علما ولا يزاد عزما، وهو أدرى بما في التأخير، وبما في بعده من الضرر الكبير ومثله لا يعلّم، ومنه يتعلّم؛ فهو أعلم بما يجب من مسابقة قدومه للبشير، وما سيعنّ من معاجلته لامتطاء جواديه ظهر الخمال وبطن السّرير، فالله الله! في تعجيل حفظ هذا السّوام المشرّد، وضمّ هذا الشّمل المشتّت ونظم هذا العقد المبدّد، وجمع كلمة الإسلام التي طالما افترقت، وانتجاع عارض هذه النعمة التي أبرقت، وسرعة المسير فإنّ صبيحة اليوم المبارك الذي يعرف من أوّله قد أشرقت، فما بقي ما به يقتدر، ولا سوى مقدمه السعيد ينتظر. وقد كتبناها ويدنا ممدودة لمبايعته وقلوب الخلق كلّها مستعدّة لمتابعته، وكرسيّ الملك قد أزلف له مقعده ومؤمّل الظّفر قد أنجز له موعده، والدهر

الأسلوب الثالث (ما استقر عليه الحال في زماننا إلى خلافة الإمام المتوكل على الله خليفة العصر)

مطاوعه والزمان مسعده، وطوائف أوليائه ليوم لقائه ترصده والعهد له قد كتب ولواء الملك عليه قد نصب والمنبر باسمه عليه قد خطب، والدينار والدرهم هذا وهذا له قد ضرب ولم يبق إلا أن يقترب وترى العيون منه ما ترتقب، ويجلس على السّرير ويزمع المبشّر ويعزم على المسير، وتزيّن الأقاليم ويبيّن لتسيير شهابه ما كان يقرأ له في التّقاويم، لا زال جيب ملكه على الأقطار مزرورا وذيل فخاره على السماء مجرورا وحبل وليّه متّصلا وقلبه مسرورا، ومقدمه يحوز له من إرث آبائه نعما جمة وملكا كبيرا؛ إن شاء الله تعالى. الأسلوب الثالث (ما استقرّ عليه الحال في زماننا إلى خلافة الإمام المتوكل على الله خليفة العصر) وهو أن تفتتح المكاتبة بالسلام، ويؤتى في ألقاب المكتوب إليه بما يكتب من الألقاب عن السلطان على ما سيأتي ذكره في المكاتبات السلطانيات في الباب الثاني من هذه المقالة، إن شاء الله تعالى. مثال ذلك أن تكون المكاتبة إلى نائب الشأم مثلا، فالذي يكتب إليه عن السلطان: «أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الكريم العالي» إلى آخر الألقاب الآتي ذكرها هناك، ويكتب عن الخليفة «سلام الله تعالى ورحمته وبركاته يخصّ المقرّ الكريم العالي» إلى آخر الألقاب. قلت: ولو سلكوا سبيل الخلفاء السابقين في المكاتبات الصادرة عنهم: من الابتداء بلفظ «من عبد الله ووليّه أبي فلان فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين إلى فلان على ما تقدّم» وأتوا في ألقاب المكتوب إليه بالألقاب المستعملة في [ذلك] الزمان في المكاتبات السلطانية، مثل أن يكتب عن الإمام المتوكّل على الله محمد خليفة العصر إلى نائب الشام «من عبد الله ووليّه أبي عبد الله محمد الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين، إلى المقرّ الكريم العالي الأميريّ

الطرف الخامس (في الكتب الصادرة عن الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية، وفيه ثلاث جمل)

الكبيريّ» إلى آخر الألقاب المقدّم بيانها في المقالة الثالثة. ثم يقال: «وسلام على المقرّ الكريم، فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليه الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم» . ثم يقال: أمّا بعد، فإنّ كذا وكذا، ويؤتى على المقصد ويختم بالدعاء وغيره؛ لكان أذهب مع الصواب، وأوفق لمكاتبة الخلفاء السابقين، وأقرب إلى اقتفاء سبيلهم. الطرف الخامس (في الكتب الصادرة عن الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية، وفيه ثلاث جمل) الجملة الأولى (في الكتب الصادرة عنهم على سبيل الإجمال) وقد ذكر صاحب «موادّ البيان» وكان من كبار دولتهم في المكاتبات الصادرة عنهم نحو المكاتبات الصادرة عن خلفاء بني العبّاس ببغداد، فقال: وإن كانت المكاتبة من الخليفة فينبغي للكاتب أن يفضل من الدرج قدر ذراع ثم يستفتح ببسم الله الرحمن الرحيم في سطر أوّل؛ لأنها أولى ما يستفتح به، ثم يكتب في سطر ثان يلاصقها ويخرّج يسيرا «من عبد الله ووليه فلان بن فلان إلى فلان» ويبدأ بذكر نعته إن كان الإمام شرّفه بنعت: «سلام عليك فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلّي على محمد خاتم النبيين وسيّد المرسلين وعلى آله الأئمة المهديّين ويسلّم تسليما» . ويكون هذا التصدير في سطرين، يجعل بينهما فضاء قيس شبر، ولا يزيده عن ذلك ولا ينقصه فيخرجه عن حدّه، ثم يترك بعد هذين السطرين فضاء نصف الذي بينهما. ثم يقول: أمّا بعد، ويقتصّ المعاني معنى معنى، فإن كان أمرا أمر به الإمام قال بعد انقضاء الكلام: وأمر أمير المؤمنين بكذا. ثم يقول بعد فصل أوسع من الفصل الأول «فاعلم ذلك من أمير المؤمنين ورسمه واعمل عليه بحسبه» . ويقول للمخاطبين من الطبقة العالية: والسّلام عليك ورحمة الله،

الجملة الثانية (في الكتب العامة؛ وهي على أسلوبين)

ويفرد بالسلام من دونها. وقد كانت العادة جارية أن يقال في آخر الكتب النافذة عن الإمام «وكتب فلان بن فلان» باسم الوزير واسم أبيه، ثم بطل هذا الرسم في الدولة العلويّة ولا يكتب أحد بالتصدير إلا الإمام ووليّ عهده. وهذه المكاتبة عامّة للناس جميعا في الأمور السلطانية التي تنشأ فيها الكتب من الدواوين، ولا يخاطب أحد عن الخليفة إلا بالكاف. الجملة الثانية (في الكتب العامة؛ وهي على أسلوبين) الأسلوب الأوّل (أن يفتتح الكتاب بلفظ: «من عبد الله ووليه أبي فلان فلان الإمام الفلاني» على ما تقدّم ترتيبه) وعلى هذا الأسلوب كان الحال في ابتداء دولتهم وإلى أوساطها. وهذه نسخة كتاب كتب به الإمام العزيز بالله نزار «1» الفاطميّ إلى عامله بمصر يبشّره بالفتح حين خرج إلى قتال القرمطيّ بالشام في سنة سبع وستين وثلاثمائة، مما أورده المسبّحيّ في تاريخه: من عبد الله ووليّه نزار أبي المنصور العزيز بالله أمير المؤمنين، إلى حسين بن القاسم.

سلام عليك، فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ويسأله أن يصلّي على جده محمد نبيه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وعلى الأئمة من عترته الأبرار، الطاهرين المطهرين وسلّم تسليما. أما بعد، فالحمد لله الملك العظيم، العليم الحليم، ذي الطّول الكريم، والمنّ الجسيم، والعزّ المديد، والمحال الشّديد، وليّ الحقّ ونصيره وما حق الباطل ومبيره، المتكفّل بالنصر والتمكين، والتأييد والتحصين، لأوليائه المتقين وخلفائه المصطفين الذابّين عن دينه، والقائمين بحقّه، والدالين على توحيده؛ الحاكم بإعلاء كلمتهم، وإفلاج حججهم وظهورهم على أعدائه المشاقّين له، الضالّين عن سبيله، الملحدين في آياته، الجاحدين نعمه، المنزّل رجزه، وقوارع بأسه على من عصاه فحادّه، وصدّ عنه فنادّه، القاضي بالعواقب الحسنى والفوز والنعماء لمن أسلم وجهه له وتوكل عليه في أمره، وفوّض إليه حكمه كلّ ذلك فضلا منه وعدلا، وقضاء فصلا، وهو الحكم العدل الذي لا يظلم الناس شيئا ولكنّ الناس أنفسهم يظلمون. فتبارك الله الغالب على أمره الفرد في ملكه، سبحانه وتعالى علوّا كبيرا. والحمد لله الذي ابتعث عبده المصطفى، وأمينه المرتضى، من أكرم سنخ «1» ونبعة، وأظهر ملّته وشرعه في أفضل دهر وعصر، وأنزل عليه كتابا من وحيه حكيما غير ذي عوج قيّما بديع النظام، داخلا في الأفهام، خارجا عن جميع الكلام، ليس كسجع الكهّان، ولا كتحبير ذوي اللسن والبيان، وقد تفرّقت بالأمم أهواؤهم، وتوزّعتهم آراؤهم، فضلّت أحلامهم وعميت أفهامهم واستحوذ عليهم الشيطان، فعبدوا الأصنام والأوثان، جهلا بعبادة الرحمن، فدعاهم إلى الإقرار بإلههم، وعرّفهم وحدانية ربّهم وكان حريصا على إرشادهم، جادّا في الاجتهاد، هاجرا للدّعة والمهاد، صابرا على تكذيب المشركين، وتفنيد الملحدين، ينصح لهم فيستكبرون، ويهديهم فيضلّون، ويحذّرهم فيستهزئون، حتّى ظهر دين الله فسما، وطمس

الكفر فانمحق وعفا؛ وعمّت بركته، وفضّلت على الأمم أمّته، وعلت على الملل ملّته، صلّى الله عليه أفضل صلاة المصلّين، وزاده شرفا في العالمين إلى يوم الدين. والحمد لله الذي حبا أمير المؤمنين وانتخبه لخلافته، وجعله صفيّه من خلقه وأمينه على عباده وهاديا إلى سبيله، قائما بحقه، مقسطا في أرضه، ذابّا عن دينه، محييا ما أماته أهل الكفر من أحكامه، وأيّده بنصره، وأمدّه بقوّته، وتكفّل له بالنّجح في مسعاه، والظّفر بمبتغاه، ونيل طلبته فيما أمّه وارتآه. وحكم بكبت كلّ عدوّ له وخزيهم، وإذلالهم ومحقهم وخذلهم، وإيهان كيدهم. وضرب الذّلّة عليهم حيث كانوا وأين كانوا، فلا ينعق ناعق منهم بطلال، أو يسعى بفسق وخبال، أو يدفع إلى افتراء على الله أو مروق عن دينه أو إذهاب ما فرض الله عز وجل من طاعة إلا اصطلمه وأخزاه، وأكبّه لوجهه وأرداه، وقضى عليه بالشّقوة في دنياه، وعذاب الآخرة في أخراه. والحمد لله الذي منح فأجمل، وأعطى فأجزل، من نعمه السابغة، وآلائه المتتابعة، التي لا يوازيها شكر، ولا يدرك كنهها ذكر، حمدا يوجب منه المزيد، ويستدعي المنن والتّجديد، وإليه يرغب أمير المؤمنين خاضعا ويسأله راغبا حسن العون على ما بلّغ رضوانه، وامترى فضله وإحسانه. وتقدّم أمير المؤمنين إليك بما هيّأه الله من وصوله إلى مدينة الرملة «1» على أجمل صنع وألطف كفاية، وأتمّ أمن، وأكمل عزّ وأوطد حال، وأحسن انتظام، وأبسط يد، وأظهر قدرة، وأشمل هيبة وبما أولى الله أمير المؤمنين في حلّه وظعنه، وارتحاله وثوائه، من نعمه العميمة، ومواهبه الجسيمة، ومنحه الجليلة، ومننه الجزيلة، وإنه مما يستغرق الحمد والشّكر، ويفوت الإحصاء والنّشر، وذكر أمير المؤمنين أمر اللعين التركيّ وهربه من بين يديه، وأنه لم يلو

على شيء إلى أن بلغ طبريّة للذي تداخله من الفرق «1» ، واستولى عليه من القلق، ولما سكن قلبه من الرّعب، وحشاه من الرّهب، بقصد أمير المؤمنين إيّاه وإغذاذه «2» السير في طلبه ومواصلته الأسباب، ومتابعته الإدآب. ووصف أمير المؤمنين ما عليه عزمه في تتبّعه واقتفاء أثره، والحلول بعقوته «3» حيث قصد وحلّ، لثقته بالله ربّه، وتوكّله عليه، وتفويضه إليه. ولم يزل جلّ وعز يولي أمير المؤمنين- بعد نفوذ كتابه- من عزّ يؤيده، وظفر يؤكّده، ونصر يوطّئه؛ وآلاء يجدّدها، ومواهب يتابعها، وعدوّ يذلّه، ومناو يقلّه، وشارد يصرفه إلى طاعته، ومارق يعيده إلى موالاته، إلى أن تمّ له من ذلك ما واصل به حمد الله عليه، وتهيّأ له ما تواتر شكره له جل وعزّ فيه وكان مع ذلك مواصلا إلى. اللعين الإعذار، ومتابعا الإنذار، ومحذّرا له ما يعذر، ومستدعيه إلى ما يختار ويؤثر، وممنّيا له مما يمنّى به مثله من العفو عنه، وتغمّد ما جرى منه، والإقالة لعثرته، والتجاوز عن هفوته، والامتنان عليه بما رغب فيه من تقليده ناحية من نواحي الشام، وإدرار الأرزاق عليه وعلى رجاله وأصحابه، وإيثارة بالفضل الجليل، واختصاصه بالطّول الجزيل. فما نجح في الفاسق وعد، ولا نجع فيه وعظ، ولا وفّق إلى قبول حظ، ولا أصغى إلى قبول تذكرة، ولا أناب إلى تبصرة. وما زال جادّا في تهوّكه «4» ، متماديا على تمهّكه «5» ، جاريا على ضلالته، سالكا سبيل عمايته، مترددا في غوايته، متلدّدا في جهالته، مقدّرا أن بأس الله لا يرهقه، وسطوته لا تلحقه، ورجزه لا يمحقه، وذنوبه لا تزهقه، وأجرامه لا توبقه. وما زال اللّعين في خلال ذلك يبسط آمال العرب ويرجّيها، ويرغّبها ويمنّيها؛ بأقوال كاذبة، وآمال خائبة، ومواعيد باطلة، حتّى أصغى أكثرها إلى غروره، وقبول إفكه

وزوره، وأجابته طائفة طاغية، ووصلت إليه متتابعة، فتوفّر جمعه، وكثر عدده واشتدّ طعمه، وقوي أمله، وتمكن له باستدراج الله إيّاه وغضبه عليه أن يورّط عصبته ومن اختدعه بغيّه واستفزّه معه جهله، ويوردهم جميعا ونفسه الرّذلة موردا لا صدر له، ولا علل بعده؛ فخرج من طبريّة وحلّ بيسان، محلّ الخزي والهوان، فعندها انتهى إلى أمير المؤمنين خبره وهو يومئذ في المنهل، الذي حصل فيه بعد رحيله من الرملة وهو الموضع المعروف بالطّواحين. فعندما قرب استجرار الفاسق اللعين، واعتمد ما يعود بأطماعه، أقام في الموضع أياما ناظرا فيما يحتاج إليه، متأهّبا لما يريده، وكان ذلك هو السبب الذي أطعمه. فبعد ما طمع قاده الحين «1» الغالب، والقدر الجالب، وما أراد الله عز وجلّ من استدراجه إلى موضع نكاله، ومنهل وباله، ورحل من بيسان «2» رحيل من استعجلته البليّة، واستدعته الرّزيّة، فحلّ بموضع يعرف بكفر «3» سلّام، كافرا بحدود الإسلام، متجرّئا على الله محاربا لنجل نبيّه عليه السّلام، وأقام بها متلدّدا في حيرته، متردّدا في سكرته؛ ثم استجرّه شؤمه، وقاده حينه ولؤمه، إلى أن رحل فنزل بكفر «4» سابا البريد، فأنبأه اسمها بما حلّ به من السّبي المبيد والخزي الشديد ثم لم يلبث أن ضرب مضاربه المأكولة، ونصب أعلامه المخذولة، وأقام صفوفه المفلولة، وأظهر آلة الحرب إقداما، و [أخفى] عن اللقاء إحجاما. فأمر أمير المؤمنين بتزيين العساكر المنصورة والجيوش المظفّرة وتعبئتها على مراتبها، وترتيبها على مواكبها. وتقدّم إلى قوّادها أن لا يمشوا إلا صفّا، ولا يسيروا إلا زحفا، وعرّفهم أنه سيسير بنفسه، ويقصد اللعين بموكبه وجمهوره

ومن معه من حماة رجاله، وأنه لا يثنيه عن الفاسق ثان ولا يصرفه عن الاقتحام صارف، فبدا من عزائمهم، وشدّة شكائمهم، وخلوص بصائرهم، وسكون أفئدتهم، وثبات أقدامهم، ما كانت به دلائل النصر واضحة، وشواهد الفلج لائحة، وعلامات الفتح ظاهرة، وآيات النّجح باهرة، فمشوا على ما أمروا، وساروا على ما سيّروا، فعند ما دنوا من عدوّ الله أصابوه للجلاد معدّا، وفي المحاربة مجدّا، واستخاروا الله عز وجل وتدانوا للتّلاق، والأخذ بالنواصي والأعناق وقامت الحرب على ساق، وتجرّع منها أمرّ مذاق، فاستطار شرارها، وتأججّت نارها، وارتفع دخانها، وعظم شانها، والتزم الأقران بالأقران، واشتدّ الضّرب والطّعان، إلى أن مشى أمير المؤمنين بنفسه، وجمهور موكبه، متوكّلا على الله، ماتّا إليه بجدّه محمد صلّى الله عليه وسلّم، متوسّلا بمتقدّم وعده، وسالف إنعامه عنده، وقصد اللعين غير متلوّم عن مصادمته، ولا معرّج عن ملاحمته، فقويت نفوس أوليائه وعبيده، ومن اشتملت عليه عساكره المنصورة، وجيوشه المظفّرة بما تبيّنوه من إقدامه، وشاهدوه من اعتزامه، وحملوا على الفاسق وأحزابه، وقذف الله في قلوبهم الرّعب فتزلزلت أقدامهم، وأرعشت أيديهم ونخبت أفئدتهم، وولّوا الدّبر منهزمين، ومنحوا ظهورهم مولّين، وافترقوا ثلاث فرق: فرقة قتلت في المعركة، وصرعت في الملحمة؛ فاحتزّت رؤوسهم، وفرقة أحسّت وقع السّيوف وإرهاق الحتوف، فاستأمنت تحت الذّلّة والصّغار، والغلبة والاقتدار، فبقّيت عليهم الأرواح، وحقنت منهم الدّماء. وفرقة أسرت أسرا، وقيّدت قيدا، وهرب التّركيّ اللعين رئيس ضلالتهم، وعميد كفرهم، في شر يذمة من أصحابه، فظنّ أن ذلك من بأس الله ينجيه، ومن الأخذ بكظمه يوقيه، هيهات! كما قال الله عز وجل: هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ «1» : إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ «2» فاتّبعه سرعان الخيل

وخفاف الرّجال، مع مفرّج بن دغفل بن جراح، فأخذه قبضا وأتى به قودا أسيرا من غير عهد، وذليلا من غير عقد، واستولى أهل العساكر المنصورة، والجيوش المظفّرة، على مناخه وسواده، وما كان فيه من مال وأثاث وكراع «1» وقناع «2» ، وقليل وكثير، وجليل وحقير، فحازوه واتّسعوا به، وأكثروا من حمد الله، وانصرفوا إلى معسكرهم سالمين، بالمغنم والظّفر آمنين، لم يكلم منهم أحد، ولم ينقص لهم عدد. وكان جملة ما أتوا به معهم من رؤوس الفسقة زائدا على ألف رأس، ومن أسراهم ثمانمائة أسير، غير من استؤمن وقت الإيقاع بهم، ولم يفلت من الفسقة إلا من هرب بحشاشة نفسه مع من لاءم التركيّ اللعين، وصاحب عقده ومورّطه في هلاكه، وقائده إلى نقماته، وسائقه إلى موبقاته «3» ، وهو كاتبه المعروف بابن الحمارة. فلحق بطبريّة فقتل هو وجلّ من كان معه واحتزّ رأسه وأتي به، فكملت النعمة، وتمت الموهبة، وتجدّد حمد أمير المؤمنين واتصل شكره، لما أولاه من جليل عطائه، وكريم حبائه، وسنيّ آلائه. وكان ما آتاه الله من عظيم آياته، وأكبر شواهده، واختصاص الله إيّاه وانتخابه له. فالحمد لله! ثم الحمد لله! ثم الحمد لله ربّ العالمين على عطائه الهنيّ، وحبائه السّنيّ، وما أيّد أمير المؤمنين، وأعزّ الدين، وقمع المشركين، إذ كان الفاسق اللعين، التركيّ الغويّ المبين، ثلّة من ثللهم وركنا من أركانهم، وحزبا من أحزابهم، ووثنا من أوثانهم، وطاغية من طواغيتهم. ولم يكن لهم في بلد المسلمين يد تصدّ عنهم بأس غيرهم، ولا عضد يدفعون بها سواه. وأمير المؤمنين يرغب إلى الله عز وجلّ أن يوزعه الشّكر على ما أولاه، ويوجده سبيلا إلى بلوغ مبتغاه، من إعزاز الملّة والدّين، وإحياء شريعة جدّه سيد المرسلين، ومجاهدة التّرك والمشركين، وقمع الظالمين والقانطين والمارقين، حتّى يكون الدين كلّه لله، ويجمع القلوب على طاعته بإذن الله.

الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بخطبة مفتتحة بالحمد لله)

أمر أمير المؤمنين بتعريفك ذلك، وتلخيص الكتاب إليك، لتقف عليه وتذيعه، وتشهّره فيما قبلك، وتحمد الله على ما منح أمير المؤمنين من النصر، ومكّنه من الظّفر. فاعلمه إن شاء الله تعالى، والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته. وكتب يوم الخميس لخمس ليال بقين من المحرّم سنة سبع وستين وثلاثمائة. الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بخطبة مفتتحة بالحمد لله) وعليه كان الحال في أواخر دولتهم. وعليه جرى في «موادّ البيان» في الأمثلة التي ذكرها. وهذه نسخة «1» كتاب مما أورده في «موادّ البيان» ببشارة بفتح، وهي: الحمد لله مديل الحقّ ومنيره ومذلّ الباطل ومبيره، مؤيّد الإسلام بباهر الإعجاز وقصم «2» وعده في الإظهار بوشيك الإنجاز. أخمد كلّ دين وأعلاه، ورفض كلّ شرع واجتباه، وجعله نوره اللامع، وظلّه الماتع، وابتعث به السراج المنير، والبشير النّذير، فأوضح مناهجه، وبيّن مدارجه، وأنار أعلامه، وفصّل أحكامه، وسنّ حلاله وحرامه، وبيّن خاصّه وعامّه، ودعا إلى الله بإذنه، وحضّ على التمسّك بعصم دينه، وشمّر في نصره مجاهدا من ندّ عن سبيله، وعند عن دليله، حتّى قصّد الأنصاب «3» والأصنام، وأبطل الميسر والأزلام «4» ، وكشف غيابات الإظلام، وانتعلت خيل الله بقبائل «5» الهام.

يحمده أمير المؤمنين أن جعله من ولاة أمره، ووفّقه لاتّباع سنّة رسوله واقتفاء أثره. وأعانه على تمكين الدّين، وتوهين المشركين، وشفاء صدور المؤمنين. وأنهضه بالمراماة عن الملّة، والمحاماة عن الحوزة، وإعزاز أهل الإيمان، وإذلال حزب الكفران. ويسأله الصلاة على خيرته المجتبى، وصفوته المنتصى، محمد أفضل من ذبّ وكافح، وجاهد ونافح، وحمى الذّمار «1» ، وغزا الكفّار، صلّى الله عليه وعلى أخيه وابن عمه «2» عليّ بن أبي طالب سيفه القاطع، ومجنّه «3» الدافع، وسهمه الصارد، وناصره العاضد، فارس الوقائع، ومعنوس «4» (؟) الجمائع، مبيد الأقران، ومبدّد الشّجعان، وعلى الطّهرة من عترته أئمة الأزمان، وخالصة الله من الإنس والجانّ. وإن أولى النّعم بأن يرفل في لباسها، ويتوصّل بالشّكر إلى لباثها «5» ، ويتهادى طيب خبرها، ويتفاوض بحسن أثرها، نعمة الله تعالى في التوفيق لمجاهدة أهل الإلحاد والشّرك، وغزو أولي الباطل والإفك، والهجوم عليهم في عقر دارهم، واجتثاث أصلهم وهدم «6» منارهم، واستنزالهم من معاقلهم، وتشريدهم عن منازلهم، وتغميض نواظرهم الشّوس «7» ، وإلباسهم لباس البوس؛ لما في ذلك من ظهور التوحيد وعزّه، وخمود الإلحاد وعرّه، وعلوّ ملة المسلمين، وانخفاض دولة المشركين، ووضوح محجّة الحق وحجّته، وفضوح «8» برهانه وآيته.

وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك، وقد انكفأ عن ديار الفلانيّين والمشركين «1» إلى دست خلافته، ومقرّ إمامته، بعد أن غزاهم برّا وبحرا، وشرّدهم سهلا ووعرا، وجرّعهم من عواقب كفرهم مرّا، وفرّق جمائهم التي تطبّق سهوب الفضاء خيلا ورجلا، وتضيق بها المهامه حزنا وسهلا، ومزّق كتائبهم التي تلحق الوهاد بالنّجاد، وتختطف الأبصار ببوارق الأغماد، وسبى «2» الذّراريّ والأطفال، وأسر البطاريق والأقيال، وافتتح المعاقل والأعمال، وحاز الأسلاب والأموال، واستولى من الحصون على حصن كذا وحصن كذا، ومحا منها رسوم الشرك وعفّاها، وأثبت سنن التوحيد بها وأمضاها، وغنم أولياء أمير المؤمنين ومتطوّعة المسلمين من الغنائم ما أقرّ العيون، وحقّق الظّنون، وانفصلوا وقد زادت بصائرهم نفاذا في الدّين، وسرائرهم إخلاصا في طاعة أمير المؤمنين، بما أولاهم الله من النّصر والإظفار، والإعزاز والإظهار، ووضح للمشركين بما أنزله «3» عليهم من الخذلان، وأنالهم إيّاه من الهوان، أنّهم على مضلّة من الغيّ والعمى، وبعد «4» من الرّشد والهدى، فضرعوا إلى أمير المؤمنين في السّلم والموادعة، وتحمّلوا بذلا بذلوه تفاديا من الكفاح والمقارعة، فأجابهم إلى ذلك متوكّلا على الله تعالى، ومتمثّلا «5» بقوله تعالى إذ يقول: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ «6» . وعاقد طاغيتهم على كتاب هدنة كتبه له، وأقرّه في يده، حجّة مضمونة. أشعرك أمير المؤمنين ذلك لتأخذ من هذه النعمة بنصيب مثلك من المخلصين، وتعرف موقع ما تفضّل الله تعالى به على الإسلام والمسلمين،

الجملة الثالثة (في الكتب الخاصة، كالمكاتبة إلى الوزير ومن في معناه)

فتحسن «1» ظنّك، وتقرّ عينك، وتشكر الله تعالى شكر المستمد من فضله، المعتدّ بطوله، وتتلو كتاب أمير المؤمنين، على كافّة من قبلك من المسلمين؛ ليعلموا ما تولّاهم الله به من نصره وتمكينه، وإذلال عدوّهم وتوهينه؛ فاعلم ذلك واعمل به «2» . الجملة الثالثة (في الكتب الخاصّة، كالمكاتبة إلى الوزير ومن في معناه) قال في «موادّ البيان» بعد ذكر صورة المكاتبات العامّة عنهم: وقد يخاطب الإمام وزيره في المكاتبة الخاصّة بما يرفعه فيه عن خطاب المكاتبة العامّة الدّيوانيّة، ويتصرّف في ذلك، ويزاد وينقص على حسب لطافة محلّ الوزير ومنزلته من الفضل والجلالة. قال: وليس لهذه المكاتبة الخاصة حدود ينتهي إليها، ولا قوانين يعتمد عليها، وطريقها مستفيضة معلومة. وقد تقدّم في المكاتبات الخاصة عن خلفاء بني العبّاس أن مكاتبة الوزير «أمتعني الله بك» في أدعية أخرى. الطرف السادس (في الكتب الصادرة عن خلفاء بني أمية بالأندلس) ولم أقف على شيء من المكاتبات الصادرة عنهم، وإن ظفرت بشيء منها بعد ذلك ألحقته إن شاء الله تعالى.

الطرف السابع (في الكتب الصادرة عن الخلفاء الموحدين أتباع المهدي بن تومرت المستمر بقاياهم الآن بتونس وسائر بلاد أفريقية، وهي على أسلوبين)

الطرف السابع (في الكتب الصادرة عن الخلفاء الموحّدين أتباع المهديّ بن «1» تومرت المستمرّ بقاياهم الآن بتونس وسائر بلاد أفريقيّة، وهي على أسلوبين) الأسلوب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «من فلان إلى فلان» ) وكان الرسم فيها أن يقال: «من أمير المؤمنين فلان» ويدعى له بما يناسبه «إلى فلان» ويدعى له بما يليق به؛ ثم يؤتى بالسلام؛ ثم يؤتى بالبعدية والتحميد والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والترضية عن الصحابة، ثم عن إمامهم المهديّ؛ ثم يؤتى على المقصود، ويختم بالسلام. والخطاب فيه بنون الجمع عن الخليفة وميم الجمع عن المكتوب إليه. كما كتب عن عبد المؤمن «2» خليفة المهديّ إمامهم إلى الشيخ أبي عبد الله محمد بن سعد «3» :

«من أمير المؤمنين أيّده الله بنصره، وأمدّه بمعونته، إلى الشيخ أبي عبد الله محمد بن سعد وفّقه الله، ويسّره لما يرضاه، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد فالحمد لله الذي له الاقتدار والاختيار، ومنه العون لأوليائه والإقدار، وإليه يرجع الأمر كلّه فلا يمنع منه الاستبداد والاستئثار. والصلاة على محمد نبيّه الذي ابتعثت بمبعثه الأضواء والأنوار، وعمرت بدعوته الأنجاد والأغوار، وخصم بحجّته الكفر والكفّار، وعلى آله وصحبه الذين هم الكرام الأبرار، والمهاجرين والأنصار، والرّضا عن الإمام المعصوم، المهديّ المعلوم، القائم بأمر الله حين غيّرته الأغيار، وتقدّم الامتعاض له والانتصار. وهذا كتابنا- كتب الله لكم نظرا يريكم المنهج، ويلفيكم الأبهج فالأبهج، وآتاكم الله من نعمة الإيمان، وعصمة الانقياد له والإذعان، ما تجدون به اليقين والثّلج- من حضرة مرّاكش حرسها الله تعالى، ولا استظهار إلا بقوّته وحوله، ولا استكثار إلا من إحسانه وطوله. ولما جعل الله هذا الأمر العظيم رحمة لخلقه، ومطيّة لرقيه وقرارة لإقامة حقّه، وحمّل حملته الدعاء إليه، والدلالة به عليه، والترغيب في عظيم ما عنده ونعيم ما لديه، وجعل الإنذار والإعذار من فصوله المستوعبة، وأحكامه المرتّبة، ومنجاته المخلّصة من الخطوب المهلكة والأحوال المعطبة- رأينا أن نخاطبكم بكتابنا هذا أخذا بأمر الله تعالى لرسوله في المضاء إلى سبيله، والتحريض على اغتنام النجاء وتحصيله، وإقامة الحجّة في تبليغ القول وتوصيله، فأجيبوا- رفعكم الله- داعي الله تسعدوا، وتمسّكوا بأمر المهديّ- رضي الله عنه- في اتّباع سبيله تهتدوا، واصرفوا أعنّة العناية إلى النظر في المآل، والتفكّر في نواشيء التغيّر والزوال، وتدبّروا جري هذه الأمور وتصرّف هذه الأحوال، واعلموا أنه لا عزّة إلا بإعزاز الله تعالى فهو ذو العزّة والجلال. وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ «1» * فالدّنيا دار الغرور، وسوق المحال، وليس لكم في قبول

النصيحة، وابتداء التوبة الصحيحة، والعمل بثبوت الإيمان في هذه العاجلة الفسيحة، إلّا ما تحبّونه في ذات الله تعالى من الأمنة والدّعة، والكرامة المتّسعة والمكانة المرفّعة، والتنعّم بنعيم الراحة المتصلة والنفس الممتنعة. فنحن لا نريد لكم ولسائر من نرجو إنابته، ونستدعي قبوله وإجابته، إلا الصّلاح الأعمّ، والنجاح الأتمّ. وتأملوا- سدّدكم الله- من كان بتلك الجزيرة- حرسها الله- من أعيانها، وزعماء شانها، هل تخلّص منهم إلى ما يودّه، وفاز بما يدّخره ويعدّه، إلا من تمسّك بهذه العروة الوثقى، واستبقى لنفسه من هذا الخير الأدوم الأبقى، وتنعّم بما لقي من هذا النعيم المقيم ويلقى؟ وأما من أخلد إلى الأرض واتّبع هواه، ورغب بنفسه عن هذا الأمر العزيز إلى ما سواه، فقد علم بضرورتي المشاهدة والاستفاضة سوء منقلبه، وخسارة مذهبه ومطّلبه، وتنقّل منه حادث الانتقام أخسر ما تنقّل به. وحقّ عليكم- وفقكم الله ويسّركم لما يرضاه- أن تحسنوا الاختيار، وتصلوا الادّكار والاعتبار، وتبتدروا الابتدار. وما حقّ من انقطع إلى هذا الأمر الموصول الواصل، وأزمع ما يناله من خيره المحوز الحاصل، أن يناله منكم شاغل يشغله عن مقصوده، ويحيط به ما يصرفه عن محبوبه ومودوده، فقد كان منكم في أمر أهل بلنسية «1» حين إعلانهم بكلمة التوحيد، وتعلّقهم بهذا الأمر السعيد ما كان، ثم كان منكم في عقب ذلك ما اعتمدتموه في أمر أهل لورقة «2» - وفّقهم الله- حين ظهر اختصاصهم، وبان إخلاصهم. وليس لذاك وأمثاله عاقبة تحمد، فالخير خير ما يقصد، والنجاة فيما ينزح عن الشر ويبعد. وإنا لنرجوا أن يكفّكم عن ذلك وأشباهه إن شاء الله تعالى نظر موفّق، ومتاع محقّق، ويجذبكم إلى موالاة هذه الطائفة المباركة جاذب يسعد، وسائق يرشد، والله يمنّ عليكم بما ينجّيكم، ويمكّن لكم في طاعته

الأسلوب الثاني (أن يفتتح المكاتبة بلفظ «أما بعد» )

أسباب تأميلكم وترجّيكم، بمنّه. والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكتب في السادس عشر من جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. الأسلوب الثاني (أن يفتتح المكاتبة بلفظ «أما بعد» ) والأمر فيه على نحو ما تقدّم في الأسلوب قبله بعد البعدية، كما كتب أبو الميمون عن المستنصر بالله، أحد خلفائهم إلى بعض نوّابه، وقد نقض العهد على بعض المهادنين من النصارى. «أما بعد حمد الله الآمر بالوفاء بالعهود، والصلاة على سيدنا محمد المصطفى الكريم سيّد الوجود، وعلى آله وصحبه ليوث البأس وغيوث الجود، والرّضا عن الإمام المعصوم، المهديّ المعلوم، الآتي بالنّعت الموجود، في الزّمن المحدود، وعن خلفائه الواصلين بأمره إلى التّهائم والنّجود، والدعاء لسيدنا الخليفة الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين بسعد تذلّ له النواصي، ويهدّ الأقطار القواصي، فكتبناه- كتبكم الله ممّن إذا همّ بأمر تدبّر عواقبه، وإذا عزم على ركوب غرر ألفى معاطبه- من فلانة كلأها الله تعالى. وقد بلغنا ما كان منكم من اكتساح النصارى، والزيادة على ذلك باختطاف الأسارى «1» ، ونعوذ بالله من شهوة تغلب عقلا، ونخوة تعقب هوانا وذلّا. وقد أخطأتم في فعلتكم الشّنعاء من ثلاثة أوجه؛ أحدها أنه خلاف ما أمر الله تعالى به من الوفاء بالعهد، والوقوف مع العقد. والثاني عصيان الأمر العزيز وفيه التغرير بالمهج، وترك السّعة للحرج. والثالث أنكم تثيرون على أنفسكم من شرّ عدوّكم- قصمه الله- شررا يستعر، وضررا يعدم فيه المنتصر، فليتكم إذ تجلّيتم بالعصيان، ورضيتم الغدر المحرّم في سائر الأديان، ثبتّم للعدّو إذا دهمكم، ولقيتموه بالجانب القويّ متى زحمكم، بل تتدرّعون له الفرار، وتتركونه في مخلّفيكم وما اختار. وقد جرّبتم

الطرف الثامن (في الأجوبة، وهي على ضربين)

مرّات أنكم لا ترزؤونهم ذرّة، إلا رزؤوكم ألف بدرة، ولا تصيبونهم مرّة، إلا أصابوكم ألف مرّة. وإلى متى تنهون فلا تنتهون؟ وحتّام «1» تنبّهون فلا تنتبهون؟ فإذا وافاكم كتابنا هذا بحول الله وقوّته فأدّوا من أسرتم إلى مأمنه، وردّوا ما انتهبتم إلى مسرحه، ولا تمسكوا من الأسارى بشعرة، ولا من الماشية بوبرة. ومن سمعنا عنه- بعد وصول هذا الكتاب- أنه تعدّى هذا الرّسم، وخالف هذا الحكم، أنفذنا عليه الواجب، وحكّمنا فيه المهنّد القاضب، فلتسرع من نومة الغفلة إفاقتكم، ولا تتعرّضوا من الشّر لما تعجز عنه طاقتكم، ونحن متعرّفون ما يكون منكم من تأنّ أو بدار، ومقابلون لكم بما يصدر عنكم من إقرار وإنكار، وهو يرشدكم بمنّه. والسّلام عليكم ورحمة الله» . قلت: ثم طرأ بعد ذلك الإكثار من ألقاب خلفائهم في المكاتبات الصادرة عنهم، والمبالغة في مدحهم، وإطرائهم على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات الواردة من ملوك الأقطار إلى الأبواب السلطانية بالديار المصرية فيما بعد إن شاء الله تعالى. الطّرف الثامن (في الأجوبة، وهي على ضربين) الضرب الأوّل (ما يضاهي الأجوبة في الابتداء، وهو على أسلوبين) (الأسلوب الأوّل (أن يفتتح الجواب بلفظ «من فلان إلى فلان» ) مثل أن يكتب «من عبد الله ووليه أبي فلان فلان الإمام الفلانيّ أمير المؤمنين» إلى آخر الصدر على ما تقدّم في الابتداءات؛ ثم يقال: أما بعد، وينساق

منه إلى ذكر الكتاب الوارد وعرضه على الخليفة، وما اقتضته آراء الخلافة فيه، ويكمّل على نحو الابتداء. كما كتب عن المقتفي لأمر الله، إلى غياث الدين مسعود «1» بن ملكشاه السّلجوقيّ في جواب كتابه الوارد عليه، يخبره بأن بعض من كان خرج عن طاعته دخل فيها، وانحاز إليه، وهو: «من عبد الله أبي عبد الله محمد الإمام المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين، إلى فلان بألقابه. أما بعد- أطال الله بقاءك- فإن كتابك عرض بحضرة أمير المؤمنين معربا عن أخبار سعادتك، وجري الأمور على إرادتك، وبلوغ الأغراض من الوجهة التي توجّهت إليها، والأطراف التي أشرقت سعادتك عليها، بميامن ما تثق به من الطاعة الإمامية وتضمره، وتعتقده من الإخلاص وتستشعره وأن ركن الدين محمدا ومن انضمّ إلى جملته وانتظم في سلك موافقته لمّا ظفروا منك بذمام اطمأنّوا إليه وسكنوا، وأمان وثقوا به وركنوا، أبصروا الرّشد فاتّبعوه، واستجابوا الداعي إذ سمعوه، وأذعنوا لطاعتك مسرعين، وانقادوا إلى متابعتك مهطعين، على استقرار مسيرهم تحت لوائك إلى باب همذان ليكون تقرير القواعد الجامعة للمصالح عند وصولها، والتوفّر على تحرّي ما تقرّ به الخواطر مع حلولها، والانفصال إلى من يفد إلى الأبواب العزيزة مؤتنسا بقرب الدار، ومستسعدا بالخدمة الشريفة الإمامية المؤذنة ببلوغ الأوطار. ووقف عليه وعرف مضمونه، وجدّد ذلك لديه من الابتهاج، والاغتباط الواضح المنهاج، ما تقتضيه ثقته بجانبك واعتقاده، وتعويله على جميل معتقدك واعتماده، واعتضاده من طاعتك بحبل لا تنقض الأيّام مبرمه، وسكونه من ولائك إلى وزر «2» لا تروّع المخاوف حرمه وواصل شكر الله تعالى على ما شهدت به هذه النعمة العميمة، والموهبة الجسيمة، من إجابة الأدعية التي ما زالت جنودها نحوك مجهّزة،

ووعوده- جلّت عظمته- بقبول أمثالها منجّزة، وإمدادك منها بأمداد تستدعي لك النصر وتستنزله، وتستكمل الحظّ من كلّ خير وتستجز له، وتبلّغ الأمل منك فيمن هو العدّة للملمّات، والحامي لتقرير الأنس من روائع الشّتات، ومن ببقائه تكفّ عن الامتداد أكفّ الخطوب، وتطلق وجوه المسارّ من عقل القطوب، ويأبى الله العادل في حكمه وحكمته، الرؤوف بعباده وخليقته، إلا إعلاء كلمة الحق بالهمم الإماميّة، والإجراء على عوائد صنيعته الحفية، الكافلة بصلاح العباد والرعيّة، وقد أقيمت أسواق التهنئة بهذه البشرى، وأفادت جذلا تتّابع وفوده تترى؛ لا سيّما مع الإشارة إلى قرب الأوبة التي تدني كلّ صلاح وتجلبه، وتزيل كلّ خلل أتعب القلوب وتذهبه. وإلى الباري جلّ اسمه الرغبة في اختصاصك من عنايته بأحسن ما عهدته وأجمله، وصلة آخر وقتك في نجح المساعي بأوّله؛ وأن لا يخلي الدار العزيزة من إخلاصك في ولائها، ورغبتك في تحصيل مراضيها وشريف آرائها. هذه مناجاة أمير المؤمنين- أدام الله تأييدك- ابتغى الله جزاءك فيها على عادة تكرمته، وأعرب بها عن اعتقاده فيك وطويّته، ومكانك الأثيل في شريف حضرته، وابتهاجه بنعمة الله عندك وخيرته فتأمّلها تأمّلا يشاكل طاعتك الصافية من الشّوائب والأقذاء، وتلقّها بصدق الاعتماد عليها وحسن الإصغاء، تفز بالإصابة قداحك، ويقرن بالتوفيق مغداك ومراحك، إن شاء الله تعالى، والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته» . وكما كتب بعض كتّاب الفاطميين عن الحافظ لدين الله، أحد خلفائهم إلى شمس الدولة أبي منصور محمد بن ظهير الدين بن نوري بن طغتكين ببعلبكّ جوابا عن كتابه الوارد عنه على الخليفة، ويذكر أنه حسّن لفخر الملك رواج وروده على الخليفة بالديار المصرية، ويذكر نصرته على الفرنج بطرابلس، وقتله القومص ملكها.

«من عبد الله ووليّه عبد المجيد أبي الميمون الإمام الحافظ لدين الله أمير المؤمنين، إلى الأمير فلان. أما بعد، فإنه عرض بحضرة أمير المؤمنين كتابك من يد فتاه ووزيره، وصفيّه وظهيره، السيد الأجل الأفضل، الذي بذل نفسه في نصرة الدين تقى وليانا، وأوضح الله للدولة الحافظيّة بوزارته حجّة وبرهانا، وأسبغ النعمة على أهلها بأن جعله فيهم ناظرا ولهم سلطانا، ووفّقه في حسن التدبير، والعمل بما يقضي بمصالح الصغير والكبير وبما أعاد المملكة إلى أفضل ما كانت عليه من النّضرة والبهجة، ولم يخرج المادحون لها إذا اختلفوا عن التحقيق وصدق اللهجة، فقد ساوت سياسته بين البعيد والقريب، وأخذ كلّ منهما بأجزل حظّ وأوفر نصيب، وسارت سيرته الفاضلة في الآفاق مسير المثل، واستوجب من خالقه أجر من جمع في طاعته بين القول والعمل. وشفع عرضه من وصفك وشكرك، والثناء عليك وإطابة ذكرك، وأنهى ما أنت عليه من الولاء، وشكر الآلاء، بما يضاهي ما ذكرته فيه مما علم عند تلاوته، وأصغي إلى عند قراءته. وقد استقرّ بحضرة أمير المؤمنين مكانك من المشايعة، وموقعك من المخالصة وكونك من ولاء الدولة على قضية كسبتك «1» شرفا تفيّأت ظلاله، وأفاضت عليك ملبسا جررت أذياله، وسمت بك إلى محلّ لا يباهي من بلغه ولا يطاول من ناله، وكنت في ذلك سالكا للمنهج القويم، ومعتمدا ما أهل بيتك عليه في القديم؛ ولا جرم «2» أنه عاد عليك من حسن رأي أمير المؤمنين بما تقصر عنه كلّ أمنيّة، ويشهد لك بمخالصة جمعت فيها بين عمل ونيّة، والله يضاعف أجرك على اعتصامك من طاعة أمير المؤمنين، بالحبل المتين، ويوزعك شكر

الأسلوب الثاني (أن يفتتح الجواب بلفظ «أما بعد» )

ما منحك من الاستضاءة بنور الحق المبين. فأما الأمير الأسفهسلار فخر الملك رواج وبعثك له على الوصول إلى الباب، وحضّك إيّاه على التعلّق من الخدمة بمحصد الأسباب، فما كان الإذن له في ذلك إلّا لأنّ كتابه وصل بملتمسه، وعرض فيه نفسه وبذل المناصحة والخدمة، ويسأل سؤال من يعرف قدر العارفة بالإجابة إليه وموقع النعمة، فأجيب إلى ذلك إسعافا له بمراده، وعملا برأي الدولة فيمن يرغب إلى التحيّز إليها من أقطاره وبلاده، وإلا فلا حاجة لها إليه ولا إلى غيره؛ لأن الله تعالى- وله الحمد- وفّر حظّها من الأولياء والأشياع، والأنصار والأتباع، والعساكر والجيوش والأجناد والأنجاد، والأعوان الأقوياء الشّداد، وعبيد الطاعة الذين يتبارون في النّصح ويتنافسون في الاجتهاد والحرص، وسعة الأموال، وعمارة الأعمال، وجمع الرّجال في العزائم بين الأفعال والأقوال ولو وصل المذكور لكانت المنّة للدولة عليه، والحاجة له في ذلك لا إليه، قال الله عز من قائل: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «1» . وأمّا توجهه إلى طرابلس وظفره بقومصها وقتله إيّاه مع من بها، وعظيم أمره فيها؛ فالله تعالى يعزّ الإسلام وينشر لواءه، ويعلي مناره ويخذل أعداءه، وينصر عساكره وأجناده، ويبلّغه في أحزاب الكفر والضلال مراده، وهو عز وجلّ يمتّعك من الولاء بما منحك، وينيلك في دينك ودنياك أملك ومقترحك؛ فاعلم هذا واعمل به، إن شاء الله تعالى» . الأسلوب الثاني (أن يفتتح الجواب بلفظ «أمّا بعد» ) كما كتب عن المقتفي إلى السلطان محمود «2» بن محمد السّلجوقيّ جوابا

عن كتابه الوارد بإخباره باجتماعه مع عمه سنجر، ونسخته «1» : أما بعد، فإنّ كتابك عرض بحضرة أمير المؤمنين ناطقا بدرك الأوطار، وحصول المقاصد على الآثار، وما أنهيته من الاجتماع بعزّ الدنيا والدّين جمع الله في طاعته شملكما ووصل بالألفة والتوادد حبلكما! ومن إكرام الوفادة الذي أنت أهله ووليّه، وحقيق أن يتبع وسميّه لديك وليّه، والموافقة على كل حال آذنت ببلوغ الأغراض وتيسّرها، ونجاز المساعي على أتمّ وفاق وتقرّرها، وانتظام الأمور على أجمل معتاد وأكمل مراد، وأحسن اتّساق واطّراد، واستقرار القواعد على الوصف الجامع أشتات الاتّفاق، الدالّ على صدق المحافظة بينكما وفرط الإشفاق، محفوفا بالسعادة التي لا تزال مآثرك في الطاعة الإمامية تملك قيادها، وتقلّدك على الاتصال نجادها، فتهللت بهذا النّبإ المبهج أسرّة البشرى، وأصبح الجذل بمكانه أفعم عرفا وأذكى نشرا، وقامت لأجله في عراص «2» الدار العزيزة مواسم، أضحت المسرّة بها مفترّة الثغور ضاحكة المباسم؛ وجدير بمن كان له من الهمم الشريفة مدد واف، ومنجد يدفع في صدر كلّ خطب مواف، أن تكتنفه الميامن والسّعود، ويصدق «3» في كل مرمى ينحوه من النّجح الموعود، وتنقاد له المصاعب ذللا، ويعود بيمن نقيبته كلّ عاف من الصلاح جديدا مقتبلا ولا ينفكّ صنع الله جلّ اسمه لطيفا، وبرباعه محدقا مطيفا، والتوفيق مصاحبه أنّى حلّ وثوى، أو ثنى عنانه إلى وجه ولوى، والله يمتّع أمير المؤمنين منك بالعضد الذي يذبّ عن دولته ويحامي، ويناضل دونها بجنود الإخلاص ويرامي،

الضرب الثاني (أن يكون الافتتاح في الجواب مصدرا بما فيه معنى وصول المكاتبة إلى الخليفة)

ولا يخليك من رعايته التي لا يزال يستقر فيها إليك، ويرغب إليه في إسباغ لباسها عليك، حتّى تتسنّى لك المطالب معا، ويغدو الزمان فيما ينشأ متّبعا. هذه مفاوضة أمير المؤمنين إليك، أدام الله تأييدك، أجراك فيها على مألوف العادة، وجدّد لك بها برود الفخار والسعادة، فاجر على وتيرتك في إتحاف حضرته بطيّب أخبارك، ومجاري الأمور في إيرادك وإصدارك، تهد إليها ابتهاجا وافرا، وابتساما يظلّ لثامه عن حمد الله المسند بها سافرا؛ إن شاء الله تعالى. الضرب الثاني (أن يكون الافتتاح في الجواب مصدّرا بما فيه معنى وصول المكاتبة إلى الخليفة) فقد جرت عادة المتقدّمين من الكتّاب في التعبير عن ذلك بلفظ «العرض على الخليفة» ويؤتى فيه على ما تضمنه الكتاب المجاب عنه، ثم يختم كما تختم الابتداآت. كما كتب العلاء «1» بن موصلايا عن القائم بأمر الله إلى «أتسز» عند ورود كتابه على أبواب الخلافة يتضمّن انتظامه في سلك الطاعة وغلبته الأعداء، وهو: عرض بحضرة أمير المؤمنين ما ورد منك دالّا على تمسّكك من الطاعة الإمامية بما لا تزال تجدّ فيه ملابس التوفيق حالا بعد حال، وتجد به مرائر السعد محصفة في كل حلّ وترحال، منبئا عن توفّرك على المقامات التي انتقمت بها للهدى من الضّلال، واستقمت فيها حتّى أجلت عن كلّ صلاح ممتدّ الظّلال، شاهدا بما أنت عليه من موالاة لا تألو جهدا في التزام شروطها بادئا عائدا، ولا تخلو فيها من حسن أثر يكون لدعائم الصواب عامدا، وترى فيه قاصدا لاجتلاب

الخير عائدا. ووقف عليه وقوف من ارتضى ما يتوالى من قرباتك التي لا تزال في إعذاب ورودها ساعيا. ولما يفضي إلى إعشاب مرعاها في طلب الحمد مراعيا، وانتضى منك للخدمة بتلك الأعمال حساما باترا آجال بقايا الكفر هناك، ماضيا في كل ما يقضي بانفساح مجال آمالك في الدهر ومبارّك، واعتدّ لك بما أنهاه عنك رسول أمير المؤمنين العائد من قبلك، وأوضحه من زلفك «1» التي شفع قولك فيها عملك، وطالع به الرسول الذي نفّذته معه لقصد بابه، والمناب في تأكيد دواعي النّجح وتمهيد أسبابه، وحلّ كلّ ذلك لديه المحلّ الذي ستجني ثمره كلّما يطيب ويحلو، ويسلم من كل «2» الاستزادة ويخلو، ويعزّ مهر الفوز به على غيرك ويغلو، وتأثّل لك من الرّتبة بحضرته ما يدني لك كلّ مطلب إلى مرادك آئل، ويدوي قلب كلّ منحرف عن وفائك مائل؛ وصرت من أعيان الخلصاء الذين وسمت الهدى أفعالهم بالحمد، وسمت بالطاعة آمالهم إلى توقّل هضاب المجد، فما تهمّ بك الغير إلا وتنقطع دونك أعناقها، وترجع في جلباب الخيبة وحيصها إليك وإعناقها، ولا تمتدّ نحوك يد ضدّ إلا ردّها عنك جميل الآراء الشريفة فيك وغلّها، وأوجب نهلها عن موارد القصور وعلّها وكيف لا يكون ذاك ولك في الطاعة كلّ موقف اغتذى بلبان الحمد، واعتنى باشتهاره بلوغ المدى في وصفه والحدّ؟ فأحسن الله توفيقك فيما أنت بإزائه من إخماد لهب الباطل بتلك الشّعاب، وإجهاد النّفس في إخمال المتاعب وإذلال الصّعاب، وأمدّك بالعون على ما بدأت له من جب..... «3» ... فيما يليك، وطبّ أدواء الفساد في نواحيك. ومع ما فزت به من هذه المنحة التي قد جاز قدرها التقدير والظّن، وجاد لك الدهر فيها بما كان شحّ به على أمثالك وضنّ فيجب أن تستديمها، وتحصّن من النّغل «4» أديمها، بمزيد من الخدمة تنتهز

الفرص بالإسراع إليه والبدار، وتنتهج أقوم الجدد «1» في مقابلة الإيراد منه بالإصدار، وتنفد وسعك في كل مسعى ينثني إليك عنان الثّناء معه، وتنفق عمرك في كل أمر يجمع لك مرأى الرضا عنك ومسمعه، لتجد من جدوى ذلك ما ينظم في السعادة شملك، ويضحى به القياد فيما يصدّق أملك أملك، وأن تحمد السيرة في الرعايا الذين غدوا تحت كنفك، وتجعل الاشتمال على مصالحهم معربا عن فضل شغفك بالخير وكلفك؛ فإنهم ودائع الله تعالى يلزم أن تحمى من ضياع يتسلّط عليها في حال، وتحيا من درّ الإحسان برضاع لا يخطر الفطام عنه ببال فلا تقفنّ عند غاية في إفاضة الفضل عليهم وإسباغ ظلّه، واعتمادهم بتخفيف ثقل الحيف عنهم أو إزالة كلّه، ليكونوا في أفياء الأمن راتعين، ولخرق كل ملمّ بحسن ملاحظتك راقعين فالذي يراه أمير المؤمنين في فرضك حتّى يزداد باعك طولا، ولا يترك لك على الزمان اقتراحا ولا سولا، يقتضي أن يتبع كلّ سابق إليك من الإحسان بلاحق، ويمرع جناب النّعمى لديك عند ذرّ «2» كلّ شارق. وكذلك يرى أن يجدّد لك من تشريفه المنوّر مطالع الفجر، المنوّه بالذّكر في الدهر، الذي لا تزال الهمم العالية تصبو إلى الفوز به وتميل، وتقف عند حدّ الرجاء والتأميل، ما أصحب رسولك المشار إليه لتدّرع من خلاله ما الشّرف الأكبر في مطاويه، وتمتطي من صهوة العزّ فيه ما يبعد على النظراء إدراك مراميه. ويجب أن تتلقى مقدم ذلك عليك بما ينبيء عن اقتران النعمة الغراء فيه، وأقمار أهلّة التوفيق عندك بما تقصد في المعنى وتنتحيه وإذا عاد رسولك إلى باب أمير المؤمنين حسب ما ذكرت، أصدر على يده من ضروب التشريفات ما يقرّ فيك عيون من يودّك، ويقرّ في مغانيك كلّ سعد يوري فيه زندك فاسكن إلى حبائك بالمزيد من كلّ رتبة أهّلت لها، وكن بحيث الظّنّ فيك توقّر عليك أقسام الحمد كلّها، وثق بمترادف آلاء ينضمّ لديك شملها، ويثقل كلّ كاهل حملها، إن شاء الله تعالى.

الطرف التاسع (في الكتب الصادرة عن ولاة العهد بالخلافة)

الطرف التاسع (في الكتب الصادرة عن ولاة العهد بالخلافة) لم أقف على مكاتبة صريحة التصوير عن ولاة العهد، غير أن الإمام أبا جعفر النحاس «1» في «صناعة الكتّاب» بعد أن ذكر أن صورة المكاتبة عن الخليفة: «من عبد الله أبي فلان فلان الإمام الفلاني إلى فلان» أتبع ذلك بأن قال: وليس أحد من الرؤساء يكاتب عنه بالتصدير إلا الإمام ووليّ العهد، ولم يزد على ذلك. وقد فسّر ابن حاجب النعمان في «ذخيرة الكتاب» التصدير بأن قال: يكتب «من عبد الله أبي فلان فلان» باسمه وكنيته ونعته. ويقال: أمير المؤمنين أبي فلان. أما بعد، فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو إلى آخره، على ما تقدّم بيانه. وذكر النحاس في الكلام على العنوان من الرئيس إلى المرؤوس أنه يحذف من الكتاب عن وليّ العهد لفظ الإمام، ولفظ أمير المؤمنين، ويقال فيه: وليّ العهد. وظاهر ذلك أن المكاتبة عن وليّ العهد مشابهة للمكاتبة عن الخليفة، وأن لفظ وليّ العهد في المكاتبة عنه يقوم مقام أمير المؤمنين في المكاتبة عن الخليفة نفسه، وحينئذ فيتجه أن تكون المكاتبة عنه «من عبد الله أبي فلان فلان المعتضد بالله مثلا وليّ عهد المسلمين. سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. أما بعد: فإن كذا وكذا» ويؤتى على المقصد إلى آخره. وعلى ذلك يدلّ كلام صاحب «ذخيرة الكتّاب» . فإنه قال بعد ذكر المكاتبة عن الخليفة: وكذلك المكاتبة عن وليّ العهد. على أنّ المكاتبة عن وليّ العهد قد بطلت في زماننا جملة.

الطرف العاشر (من المكاتبات عن الخلفاء المكاتبات إلى أهل الكفر)

الطرف العاشر (من المكاتبات عن الخلفاء المكاتبات إلى أهل الكفر) وكان الرّسم فيها أن يكتب «من فلان إلى فلان» . ويقع التخلّص فيها إلى المقصود ب «أما بعد» . ويختم الكتاب بلفظ «والسّلام على من اتّبع الهدى» . فقد حكى أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» أنه كان على الروم ملكة، وكانت تلاطف الرشيد ولها ابن صغير، فلمّا نشأ فوّضت الأمر إليه فعاث وأفسد، فخافت أمّه على ملك الروم فقتلته، فخرج عليها تقفور ملك الرّوم فقتلها واستولى على ملكها وكتب إلى الرشيد: «أما بعد، فإنّ هذه المرأة وضعتك موضع الشاه، ووضعت نفسها موضع الرّخّ «1» ، وينبغي أن تعلم أنّي أنا الشاه وأنت الرّخّ. فأدّ إليّ ما كانت المرأة تؤدّي إليك» . فلما قرأ الكتاب، قال لكتّابه أجيبوا عنه، فكتبوا ما لم يرتضه، فكتب هو إليه: «من عبد الله هارون أمير المؤمنين، إلى تقفور كلب الرّوم. أما بعد، فقد فهمت كتابك، والجواب ما تراه لا ما تسمعه، والسّلام على من اتبع الهدى» . ويقال: إنه كتب «الجواب ما تراه لا ما تسمعه، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار» . ولا يخفى ما في ذلك من البلاغة مع الإيجاز. وكما كتب عن الحافظ لدين الله، أحد خلفاء الفاطميين بمصر إلى صاحب صقلّيّة «2» وما معها من ملوك الفرنج:

«من عبد الله ووليّه عبد المجيد أبي الميمون الإمام الحافظ لدين الله أمير المؤمنين، إلى الملك بجزيرة صقلّيّة، وأنكورية وأنطالية وقلّورية وسترلو وملف وما انضاف إلى ذلك، وفّقه الله في مقاصده! وأرشده إلى العمل بطاعته في مصادره وموارده. سلام على من اتّبع الهدى، وأمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلّي على جدّه محمد خاتم النبيّين، وسيد المرسلين، صلّى الله عليه وعلى آله الطاهرين، الأئمة المهديّين، وسلّم تسليما. أما بعد، فإنه عرض بحضرة أمير المؤمنين الكتاب الواصل من جهتك، ففضّ ختامه واجتلي، وقريء مضمونه وتلي، ووقعت الإصاخة إلى فصوله، وحصلت الإحاطة بجمله وتفاصيله. والإجابة تأتي على أجمعه، ولا تخلّ بشيء من مستودعه، أما ما افتتحته به من حمد الله تعالى على نعمه، وتوسيعك القول فيما أولاك من إحسانه وكرمه، فإنّ مواهب الله تعالى ومننه التي جعل تواليها اختبار شكر العبد وامتحانه على أنه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور عليم، وهو القائل فيمن أثنى عليهم: أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ «1» لا يزال مضاعفها ومرادفها، ومتبعا سالفها آنفها، وهو يوليها كلّا من عبيده بقدر منزلته عنده، ويخصّ أصفياءه بأوفى مما تمنّاه الآمل المبالغ وودّه. والله تبارك وتعالى يمنح أمير المؤمنين، وآباءه الأئمة الراشدين، ما غدت مستقدمات الحمد والشكر عند لوازمه مستأخرة، إذ كان أفردهم دون الخليقة بأن أعطاهم الدنيا ثم أعطاهم معها الآخرة، واختصّهم من حبائه «2» بما لا يحصيه عدد، وخوّلهم من آلائه بما لا يقوم بشكره أحد.

وأما ما ذكرته من افتتاحك الجزيرة المعروفة بجربة «1» لما شرحته من عدوان أهلها، وعدولهم عن طرق الخيرات وسبلها، واجترائهم في الطّغيان على أسباب لا يجوز التغافل عن مثلها، واستعمالهم الظّلم تمرّدا، وتماديهم في الغيّ تباهيا في الباطل وغلوّا، يأسا من الجزاء لمّا استبطأوه، فإنّ من كانت هذه حالته حقيق أن تكون الرحمة عنه نائية، وخليق أن يأخذه الله من مأمنه أخذة رابية، كما أنه من كان من أهل السلامة، وسالكا سبيل الاستقامة؛ ومقبلا على صلاح شانه، وغير متعدّ للواجب في سرّه وإعلانه؛ تعيّن أن نوفّر من الرعاية سهمه، ونجزل من العناية نصيبه وقسمه، ويؤمّن مما يقلقه ويزعجه، ويقصد بما يسرّه ويبهجه، ويصان عن أن يناله مكروه، ويحمى من أذى يلمّ به ويعروه. وأما شكرك لوزيرك الأمير تأييد الدولة وعضدها عزّ الملك وفخره نظام الرّياسة، أمير الأمراء، فإنّ من تهذّب بتهذيبك، وتخلّق بأخلاقك وتأدّب بتأديبك، لا ينكر منه إصابة المرامي، ولا يستغرب عنده نجح المساعي. وواجب عليه أن لا يجعل قلبه إلا مثوى للنصائح، وأن لا يزال عمره بين غاد في المخالصة ورائح. وأما المركب العروس ووصول كتاب وكيله ذاكرا ما اعتمده مقدّم أسطولك من صونه وحمايته، وحفظه ورعايته، وإعادة ما كان أخذ منه قبل المعرفة بأنه جار في الديوان الخاص الحافظي، ففعل يجمل عنك صدره، ويليق بك أن ينسب إليك ذكره وخبره، ويدلّ على علم أصحابك برأيك وإحكام معاقدة المودّة، ويعرب عن إيثارك إبرازها كلّما تقادم عهدها في ملابس بهجة مستجدّة، وهذا الفعل من خلائقك الرضية غير مستبدع، وقد ذخرت منه عند أمير المؤمنين ما حصل في أعز مقرّ وأكرم مستودع. لا جرم «2» أن أوامره خرجت إلى مقدّمي

أساطيله المظفّرة بما يجنيك ثمرة ما غرسته، ويعلي منار ثنائك الذي قرّرته على أقوى أصل وأسّسته، وقد نفذت مراسيمه بإجرائك على غلاتك المستمرّة في المسامحة بما وجب للديوان عما وصل برسمك على مراكبك، وبرسم الأمير تأييد الدولة وزيرك، والرسولين الواردين عن حق الورود إلى ثغر الإسكندرية حماه الله تعالى، ثم إلى مصر حرسها الله وحقّ الصدور عنهما، وكلّ ما يصل من جهتك فعلى هذه القضية. وأما شكرك على الأسرى الذين أمر أمير المؤمنين بإطلاقهم إجابة لرغبتك، ورسم بتسييرهم إليك محافظة على مرادك وبغيتك، فأوزعنا شعارهم أنهم عتقاء شفاعتك، وأرقّاء منّتك، فذلك من الدلائل على ما ينطوي عليه من جميل الرأي وكريم النّية، ومن الشواهد بأنه يوجب لك ما لا يوجبه لأحد من ملوك النّصرانية،. وأما سؤالك الآن في إطلاق من تجدّد أسره، وإنهاؤك أنّ ذلك مما يهمّك أمره، فقد شفّعك أمير المؤمنين بالإجابة إليك على ما ألف من كريم شيمته، وسيّر إليك مع رسولك من تضمّن الثبت ذكر عدّته، وقد علمت ما كان من أمر بهرام ووصوله إلى الدولة الفاطمية خلّد الله ملكها شريدا طريدا، قد نبت به أوطانه، وقذفته دياره، لا مال له ولا حال، ولا عشيرة ولا رجال، فقبلته أحسن قبول، وبلغت به في الإحسان ما يزيد على السّول، وغمرته من الإنعام ما يقصر عن اقتراحه كلّ أمل، وجعلته فواضلها يقلّب الطّرف بين الخيل والخول. وكانت أموره كلّ يوم في نموّ وزيادة، وأحواله توفي على البغية والإرادة، إلى أن جرت نوبة اقتضى التدبير في وقتها أن عدقت به الوزارة، ونيطت به السّفارة، فوسوس له خاطره ما زخرفه البطر وزيّنه، وصوّره الشيطان وحسّنه، وأظهر ما ظهرت أماراته، ووضحت أدلّته وعلاماته، فاستدعى قبيله وأسرته، وجنسه وعشيرته، بمكاتبات منه سرّيّة، وخطوط عثر عليها بالأرمنية، فكانوا يصلون أوّل أوّل، إلى أن اجتمع منهم عشرون ألف رجل من فارس وراجل، ومن جملتهم ابنا أخيه

وغيرهما من أهله، فدلّوه بالغرور، وحملوه على ما قضى بالاستيحاش منه والنّفور، وقوّوا عزمه فيما يؤدّي إلى اضطراب الأحوال واختلال الأمور، فامتعض العساكر المنصورة مما أساء به سياستهم، وأبوا الصبر على ما غيّر به رسمهم وعادتهم. فلما رأى أمير المؤمنين ذلك استعظم الحال فيه، وتيقّن أن التغافل عنه يقتضي بما يعسر استدراكه وتلافيه، فكاتب وليّه وصفيّه الذي ربّي في حجر الخلافة، وسما به استحقاقه إلى أعلى درج الإنافة، وحصلت له الرياسة باكتسابه وانتسابه، وغدا النظر في أمور المملكة لا يصلح لغيره ولا يليق إلا به، السيد الأجلّ الأفضل، وهو يومئذ والي الأعمال الغربية. وصدرت كتب أمير المؤمنين تشعره بهذا الأمر الصّعب، وتستكشف به ما عرا الدولة من هذا الخطب، فأجاب دعاءه، ولبّى نداءه، وقام قيام مثله ممن أجزل الله حظّه من الإيمان، وجعله جلّ وعز حسنة هذا الزمان، واختصّه بعناية قويّة، وأمدّه بموادّ علويّة، وأيّده بإعانة سماويّة، تخرج عن الاستطاعة البشريّة. فجمع الناس وقام خطيبا فيهم، وباعثا لهم على ما يزلفهم عند الله ويحظيهم؛ وموضّحا لهم ما يخشى على الدولة من الأمر المنكر، فاجتمعوا إليه كاجتماعهم يوم المحشر، وغصّت النّجود والأغوار، وامتلأت السّهول والأوعار، وضاقت الأرض على سعتها بالخلائق، وارتفعت في توجّههم لطلب المذكور الأعذار والعوائق. ولم يبق فضاء إلّا وهو بهم شرق «1» ، ولا أحد إلا وهو منزعج بقصده وعلى تأخّر ذلك قلق. وكان بهرام وأصحابه بالإضافة إليهم كالشامة في اللّون البسيط، وكالقطرة في البحر المحيط، وساروا مع السيّد الأجلّ الأفضل نحوه مسارعين، وعلى الانقضاض عليهم متهافتين. فلما شعر بذلك لم يبق له قرار، ولاذ بالهرب والفرار، يهجر المناهل، ويطوي المراحل، ويرى الشّرود غنما، ويعدّ السّلامة حلما. واستقرّت وزارة أمير المؤمنين لهذا السيد الأجلّ الأفضل الذي لم تزل فيه راغبة، وله خاطبة، ونحو تولّيه إيّاها متطلّعة، وإلى نظره فيها مبادرة متسرّعة،

ولم تنفكّ لزينة دستها مستبطئة، وفي التلهّف على تأخّر ذلك معيدة مبدئة، فأحسن إلى الكافّة قولا وفعلا، وعمل في حقّ الدولة ما لم يجعل له في الوزراء شبها ولا في الملوك العظماء مثلا، وغدا للملّة الحنيفيّة حجّة وبرهانا، وأولى الأولياء إعزازا وتكريما والأعداء إذلالا وإهوانا. وصان الخلافة عن نفاذ حيلة، وتمام غيلة، ومخادعة ماكر، ومخاتلة غادر؛ فلذلك انتضاه أمير المؤمنين حساما باترا ماضي الغرار، واجتباه هماما في المصالح لا يطعم جفنه غير الغرار، واصطفاه خليلا وظهيرا لتساوي باطنه وظاهره في الصّفاء، واستخلصه لنفسه لمفاخره الجمّة التي ليس بها من خفاء. وانتظمت الأمور بكفالته في سلك الوفاق، وعمّت الخيرات بوزارته عموم الشمس بأنوارها جميع الآفاق، فسعدت بنظره الجدود، وتظاهرت ببركاته الميامن والسّعود. وأصبح غصن المعالي بيمنه مورقا، وعلى الملّة من يمن آرائه تمائم من مسّ الحوادث ورقى، فآثاره توفي على ضياء الصّباح، وعزماته تزري بمضاء المهندة الصّفاح، ومآثره تفوت شأو الثناء وغاية الامتداح. فالله تعالى يحفظ النعمة على الخلافة الحافظيّة، ويوزع شكره على سبوغها كافّة البريّة؛ بكرمه وفضله، ومنّه وطوله. ولما أمعن بهرام في الهرب، وجدّت العساكر المنصورة وراءه في الطّلب، وضاقت عليه المسالك، وتيقّن أنه في كل وجهة يقصدها هالك، عاد لمكارم الدولة وعواطفها، وسأل أمانا على نفسه من متالفها، فشملته الرحمة، وكتب له الأمان فعاودته النّعمة، واختلط برجال العساكر المنصورة، وصار حظّه بعد أن كان مبخوسا من الحظوظ الموفورة. وأما اعتذار الكاتب عما وجّه إليه بأنّ من الكلام ما إذا نقل من لغة إلى لغة أخرى اضطرب مبناه فاختلّ معناه، ولا سيما إن غرس فيه لفظ ليس في إحدى اللّغتين سواه، فقد أبان فيما نسب إليه السهو فيه عن وضوح سببه، وقد قبل عذره ولم تفكّ يده عن التمسّك به. وأما ما سيّرته إلى خزائن أمير المؤمنين تحفة وهديّة، وأبنت به عن همّة

بدواعي المجد مليّة، فإنه وصل وتسلّم كلّ صنف منه متولّي الخزائن المختصة به بعد عرضه على الثّبت المعطوف كتابك عليه وموافقته، وقد أجري رسولك في إكرامه وملاحظته على أفضل ما يعتمد مع مثله بمنزلة من ورد من جهته، وعلى قدر من وصل برسالته. وقد سيّر أمير المؤمنين من أمراء دولته، ووجوه المقدّمين بحضرته، الأمير المؤتمن، المنصور، المنتخب، مجد الخلافة، تاج المعالي، فخر الملك، موالي الدولة وشجاعها، ذا النّجابتين، خالصة أمير المؤمنين، أبا منصور جعفرا الحافظيّ رسولا بهذه الإجابة؛ لما هو معروف من سداده، وموصوب من مستوفق قصده ومستصوب اعتماده، وألقي إليه ما يذكره ويشرحه، وعوّل عليه فيما يشافه به ويوضّحه، وأصحبه من سجاياه وألطافه، ما تضمّنه الثبت الواصل على يده، إبانة لمحلّك عنده، وموقفك منه، ومكانك لديه. وأمير المؤمنين متطلّع إلى ورود كتبك متضمنة من سارّ أنبائك وطيب أخبارك ما يسكن إلى معرفته ويثق بعلم حقيقته. فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى.

الفصل الثالث من باب الثاني من المقالة الرابعة (في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم مما الجاري عليه الحال في زماننا، وهو على قسمين)

الفصل الثالث من باب الثاني من المقالة الرابعة (في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم مما الجاري عليه الحال في زماننا، وهو على قسمين) القسم الأوّل (المكاتبات الصادرة عن الملوك إلى أهل الإسلام، وفيه أطراف) الطرف الأوّل (في مكاتباتهم إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وفيه ثلاث جمل) الجملة الأولى (في ترتيب كتبهم إليه صلّى الله عليه وسلّم على سبيل الإجمال) كانت أمراء سراياه صلّى الله عليه وسلّم ومن أسلم من الملوك تفتتح المكاتبة إليه صلّى الله عليه وسلّم باسمه صلّى الله عليه وسلّم، ويثنّون بأنفسهم، ويأتون بالتحميد والسّلام عليه صلّى الله عليه وسلّم، ويتخلّصون إلى المقصود «بأما بعد» أو بغيرها، ويختمون بالسلام. وملوك الكفر يبدأون بأنفسهم؛ وربما بدأوا باسمه صلّى الله عليه وسلّم. وكان المكتوب عنه منهم يعبّر عن نفسه بلفظ الإفراد. مثل: أنا، ولي، وقلت، وفعلت. وربما عبّر بعض الملوك عن نفسه بنون الجمع. ثم إن كان المكتوب عنه مسلما، خاطبه صلّى الله عليه وسلّم بلفظ الرّسالة والنّبوّة مع كاف الخطاب وتاء المخاطب؛ وإن كان كافرا، خاطبه بالكاف والتاء المذكورتين، وربما خاطبه باسمه. فإن كان المكتوب عنه مسلما ختم الكتاب بالسلام عليه صلّى الله عليه وسلّم.

الجملة الثانية (في صورة مكاتبتهم إليه صلى الله عليه وسلم)

أما عنونة هذه الكتب، فيظهر أنها إن افتتحت باسمه صلّى الله عليه وسلّم، وثنّي باسم المكتوب إليه عنونت كذلك، فكتب في الجانب الأيمن «لمحمد رسول الله» أو نحو ذلك، وفي الجانب الأيسر «من فلان» وإن كانت ممن يفتتح المكاتبة باسم نفسه عنونت على العكس من ذلك. الجملة الثانية (في صورة مكاتبتهم إليه صلّى الله عليه وسلّم) [وفيه أسلوبان: الأسلوب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب إليه) ] «1» كما كتب خالد بن الوليد رضي الله عنه إليه صلّى الله عليه وسلّم بإسلام بني الحارث، بالكتاب الذي تقدّمت إجابته صلّى الله عليه وسلّم عنه، وهو على ما ذكره ابن هشام في «السّيرة» . «لمحمد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رسول الله من خالد بن الوليد: السّلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد يا رسول الله، صلّى الله عليك فإنّك بعثتني إلى بني الحارث ابن كعب، وأمرتني إذا أتيتهم أن لا أقاتلهم ثلاثة أيّام، وأن أدعوهم إلى الإسلام، فإن أسلموا قبلت منهم «2» وعلّمتهم معالم الإسلام ثلاثة «3» أيام وكتاب الله وسنّة نبيه، وإن لم يسلموا قاتلتهم. وإني قدمت إليهم «4» فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة

أيّام كما أمر «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبعثت فيهم كتابا «2» : يا بني الحارث، أسلموا تسلموا. فأسلموا ولم يقاتلوا وأنا مقيم بين أظهرهم، آمرهم بما أمر الله به، وأنهاهم عمّا نهاهم الله عنه، وأعلّمهم معالم الإسلام وسنّة النبيّ حتّى يكتب إليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. والسّلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته!» . وكما كتب النجاشيّ ملك الحبشة إليه صلّى الله عليه وسلّم في جواب كتابه صلّى الله عليه وسلّم إليه. ونسخته على ما ذكره ابن إسحاق: «إلى محمد رسول الله، من النجاشيّ أصحمة، سلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، الذي لا إله إلا هو، الذي هداني للإسلام. أما بعد، فقد بلغني كتابك يا رسول الله؛ فما ذكرت من أمر عيسى فوربّ السّماء والأرض إنّ عيسى عليه السّلام ما يزيد على ما ذكرت ثفروقا «3» ، إنه لكما قلت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، وقدم ابن عمّك وأصحابه (وفي رواية: وقد قرّبنا ابن عمّك وأصحابه) وأشهد أنك رسول الله [صادقا مصدّقا] ، وقد بايعتك وبايعت ابن عمّك، وأسلمت على يديه لله ربّ العالمين. وقد بعثت إليك بابني، وإن شئت أتيك [بنفسي] «4» فعلت يا رسول الله، فإني أشهد أنّ ما تقوله حقّ، والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته» . وكما كتب المقوقس صاحب مصر إليه صلّى الله عليه وسلّم جواب كتابه الوارد عليه منه في

الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب عنه)

رواية ذكرها ابن عبد الحكم، وهو: «لمحمد بن عبد الله، من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك. أما بعد، فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه. وقد علمت أنّ نبيّا قد بقي وكنت أظنّ أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم وكسوة، وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسّلام عليك» . ولم يزد على هذا. وزاد غيره أنّ في أوّل الكتاب «بسم الله الرحمن الرحيم» . وذكر الواقديّ: أن في كتابه إليه: باسمك اللهم، من المقوقس إلى محمد. أما بعد، فقد بلغني كتابك وفهمته وأنت تقول إنّ الله أرسلك رسولا، وفضّلك تفضيلا، وأنزل عليك قرآنا مبينا، فكشفنا عن خبرك فوجدناك أقرب داع دعا إلى الله، وأصدق من تكلّم بالصّدق، ولولا أنّي ملكت ملكا عظيما، لكنت أوّل من آمن بك، لعلمي أنك خاتم النبيين وإمام المرسلين. والسّلام عليك منّي إلى يوم الدّين. الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب عنه) كما كتب مسيلمة «1» الكذّاب إليه صلّى الله عليه وسلّم الكتاب الذي تقدّمت إجابته صلّى الله عليه وسلّم في المكاتبات الصادرة عنه، وهو: «من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله «2» . أما بعد، فإنّي قد أشركت في الأمر معك، إنّ لنا نصف الأرض ولقريش

الجملة الثالثة (في المكاتبات التي كتبت إليه قبل ظهوره صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته)

نصف الأرض، ولكنّ قريشا قوم يعتدون» . الجملة الثالثة (في المكاتبات التي كتبت إليه قبل ظهوره صلّى الله عليه وسلّم وبعد وفاته) أما الكتب التي كتبت إليه صلّى الله عليه وسلّم قبل ظهوره، فقد حكى «صاحب الهناء الدائم بمولد أبي القاسم» أن تبّعا الأوّل حين مرّ بموضع المدينة النبويّة، على ساكنها أفضل الصلاة والسّلام والتحية والإكرام، أخبره من معه من علماء أهل الكتاب أنّ هذا الموضع مهاجر نبيّ يخرج في آخر الزمان، فعمر هناك مدينة وأسكن فيها جماعة من العلماء، وكتب إليه كتابا فيه: «أما بعد، يا محمد، فإنّي آمنت بك وبربّك وربّ كلّ شيء، وبكتابه الذي ينزله عليك وأنا على دينك، وسنّتك، آمنت بربّك وربّ كلّ شيء، وبكل ما جاء من ربّك من شرائع الإسلام والإيمان، وإني قلت ذلك، فإن أدركتك فبها ونعمت، وإن لم أدركك فاشفع فيّ يوم القيامة ولا تنسني فإني من أمّتك الأوّلين، وتابعتك قبل مجيئك وقبل أن يرسلك الله، وأنا على ملّتك وملّة أبيك إبراهيم» «1» . وختم الكتاب. ونقش عليه «لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله» . وكتب عنوانه: «إلى محمد بن عبد الله خاتم المرسلين ورسول رب العالمين صلّى الله عليه، من تبّع الأوّل حمير، أمانة الله في يد من وقع إليه أن يدفعه إلى صاحبه» . ودفعه إلى رئيس العلماء الذين رتّبهم بالمدينة، فبقي عنده وعند بنيه يتداولونه واحدا بعد واحد، حتّى هاجر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، فلقيه الذي صار

الكتاب إليه يومئذ من بني ذلك العالم في طريق المدينة ودفع إليه الكتاب. وأما الكتب التي تكتب إليه صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته، فقد جرت عادة الأمّة من الملوك وغيرهم بكتابة الرسائل إليه صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته بالسلام والتحيّة والتوسّل والتشفّع به إلى الله تعالى في المقاصد الدّنيويّة والأخرويّة، وتسييرها إلى تربته صلّى الله عليه وسلّم. وأكثر الناس معاطاة لذلك أهل المغرب لبعد بلادهم، ونزوح أقطارهم. ومن أحسن ما رأيت في هذا المعنى ما كتب به ابن «1» الخطيب وزير ابن الأحمر بالأندلس وصاحب ديوان إنشائه عن سلطانه يوسف «2» بن فرج بن نصر: (طويل) . إذا فاتني ظلّ الحمى ونعيمه ... كفاني وحسبي أن يهبّ نسيمه «3» ويقنعني أنّي به متكيّف ... فزمزمه دمعي، وجسمي حطيمه «4»

يعود فؤادي ذكر من سكن الغضا «1» ... فيقعده فوق الغضا ويقيمه ولم أر شيئا كالنّسيم إذا سرى ... شفى سقم القلب المشوق سقيمه نعلّل بالتّذكار نفسا مشوقة ... ندير عليها كأسه ونديمه «2» وما شفّني بالغور رند «3» مرنّح ... ولا شاقني من وحش وجرة ريمه ولا سهرت عيني لبرق ثنيّة ... من الثّغر يبدو موهنا فأشيمه براني شوق للنّبيّ محمد ... يسوم فؤادي برحه ما يسومه ألا يا رسول الله ناداك ضارع ... على البعد «4» محفوظ الوداد سليمه مشوق إذا ما اللّيل مدّ رواقه ... تهمّ به تحت الظّلام همومه إذا ما حديث عنك جاءت به الصّبا ... شجاه من الشّوق الحديث «5» قديمه أيجهر بالنّجوى، وأنت سميعها ... ويشرح ما يخفى، وأنت عليمه «6» ؟ وتعوزه السّقيا، وأنت غياثه؟ ... وتتلفه البلوى، وأنت رحيمه «7» ؟ بنورك نور الله قد أشرق الهدى ... فأقماره وضّاحة ونجومه بك انهلّ فضل الله في الأرض ساكبا «8» ... فأنواؤه ملتفّة وغيومه ومن فوق أطباق السماء بك اقتدى ... خليل الّذي أوطاكها وكليمه «9»

لك الخلق الأرضى الّذي بان فضله ... ومجّد في الذّكر العظيم عظيمه «1» يجلّ مدى علياك عن مدح مادح ... فموسر درّ القول فيك عديمه ولي يا رسول الله فيك وراثة ... ومجدك لا ينسى الذّمام كريمه «2» وعندي إلى أنصار دينك نسبة ... هي الفخر لا يخشى انتقالا مقيمه وكان بودّي أن أزور مبوّءا ... بك افتخرت أطلاله ورسومه وقد يجهد الإنسان طرف اعتزامه ... ويعوزه من بعد ذاك مرومه وعذري في تسويف عزمي ظاهر ... إذا ضاق عذر العزم عمّن يلومه «3» عدتني بأقصى الغرب عن تربك العدا «4» ... جلالقة الثّغر الغريب ورومه أجاهد منهم في سبيلك أمّة ... هي البحر يعيي أمرها من يرومه «5» فلولا اعتناء منك يا ملجأ الورى «6» ... لريع حماه واستبيح حريمه فلا تقطع الحبل الذي قد وصلته ... فمجدك موفور النّوال عميمه وأنت لنا الغيث الذي نستدرّه ... وأنت لنا الظّلّ الذي نستديمه ولمّا نأت داري وأعوز مطمعي ... وأقلقني شوق تشبّ جحيمه بعثت بها جهد المقلّ معوّلا ... على مجدك الأعلى الذي جلّ خيمه «7» [وكلت بها همّي وصدق قريحتي ... فساعدني هاء الرويّ وميمه «8» ]

فلا تنسني يا خير من وطيء الثّرى ... فمثلك لا ينسى لديه خديمه عليك صلاة الله ما ذرّ «1» شارق ... وما راق من وجه الصّباح وسيمه «2» «إلى رسول الحقّ، إلى كافّة الخلق، وغمام الرحمة الصادق البرق، والحائز «3» في ميدان اصطفاء الرحمن قصب السّبق، خاتم الأنبياء، وإمام ملائكة السماء، ومن وجبت له النبوّة وآدم بين الطّين والماء، شفيع أرباب الذّنوب، وطبيب أدواء القلوب، ووسيلة الخلق إلى «4» علّام الغيوب، نبيّ الهدى الذي طهّر قلبه، وغفر ذنبه، وختم به الرسالة ربّه، وجرى في النّفوس مجرى الأنفاس حبّه، [الشّفيع] «5» المشفّع يوم العرض، المحمود في ملإ السماء والأرض، صاحب اللّواء المنشور يوم النّشور، والمؤتمن على سرّ الكتاب المسطور، ومخرج الناس من الظّلمات إلى النّور، المؤيّد بكفاية الله وعصمته، الموفور حظّه من عنايته وحرمته «6» ، الظّلّ الخفّاق على أمّته، من لو حازت الشمس بعض كماله ما عدمت إشراقا، أو كان للآباء رحمة قلبه ذابت نفوسهم إشفاقا، فائدة الكون ومعناه وسرّ الوجود الذي بهر «7» الوجود سناه، وصفيّ حضرة القدس الذي لا ينام قلبه إذا نامت عيناه، البشير الذي سبقت له البشرى، ورأى من آيات ربّه الكبرى، ونزل فيه سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى «8» من الأنوار من عنصر نوره مستمدّة، والآثار تخلق وآثاره مستجدّة، من طوي بساط الوحي لفقده، وسدّ باب الرسالة والنّبوّة من بعده، وأوتي جوامع الكلم فوقفت

البلغاء حسرى دون حدّه، الذي انتقل في الغرر الكريمة نوره، وأضاءت لميلاده مصانع الشام وقصوره، وطفقت الملائكة تحيّيه «1» وفودها وتزوره، وأخبرت الكتب المنزّلة على الأنبياء بأسمائه وصفاته، وأخذ عهد الأنبياء «2» به على من اتصلت بمبعثه منهم أيام حياته، المفزع الأمنع يوم الفزع الأكبر، والسند المعتمد عليه في أهوال المحشر، ذي «3» المعجزات التي أثبتتها المشاهدة والحسّ، وأقرّ بها الجنّ والإنس، من جماد يتكلّم، وجذع لفراقه يتألّم، وقمر له ينشقّ وشجر «4» يشهد أنّ ما جاء به هو الحقّ، وشمس بدعائه عن مسيرها تحبس، وماء من بين أصابعه يتبجّس، وغمام باستسقائه يصوب، وطوى بصق في أجاجها «5» فأصبح ماؤها وهو العذب المشروب، المخصوص بمناقب الكمال وكمال المناقب، المسمّى بالحاشر العاقب، ذي «6» المجد البعيد المرامي والمراقب، أكرم من رفعت إليه وسيلة المعترف المغترب، ونجحت لديه قربة البعيد «7» والمقترب، سيد الرّسل محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، الذي فاز بطاعته المحسنون، واستنقذ بشفاعته المذنبون، وسعد باتّباعه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، صلّى الله عليه وسلّم ما لمع برق وهمع «8» ودق، وطلعت شمس، ونسخ اليوم أمس: «من عتيق شفاعته، وعبد طاعته، المعتصم بسببه، المؤمن بالله ثم به، المستشفي بذكره كلّما تألّم، المفتتح بالصلاة عليه كلّما تكلّم، الذي إن ذكر

تمثّل طلوعه بين أصحابه وآله، وإن هبّ النّسيم العاطر وجد فيه طيب خلاله، وإن سمع الأذان تذكّر صوت بلاله «1» ، وإن ذكر القرآن استشعر تردّد جبريل بين معاهده وحلاله، [لاثم تربه، ومؤمّل قربه، ورهين طاعته وحبّه] «2» المتوسل به إلى رضى ربه، يوسف بن إسماعيل بن نصر: «كتبته «3» يا رسول الله والدّمع ماح، وخيل الوجد ذات جماح، عن شوق يزداد كلّما نقص الصّبر، وانكسار لا يتاح له إلا بدنوّ مزارك الجبر، وكيف لا يعنى مشوقك بالأمر، ويوطيء «4» على كبده الجمر، وقد مطلت الأيام بالقدوم على تربتك «5» المقدّسة اللّحد. ووعدت الآمال ودانت بإخلاف الوعد، وانصرفت الرّفاق والعين بنور ضريحك ما اكتحلت، والركائب إليك ما رحلت، والعزائم قالت وما فعلت، والنّواظر في تلك المشاهد الكريمة لم تسرح، وطيور الآمال عن وكور العجز لم تبرح؛ فيا لها من معاهد فاز من حيّاها، ومشاهد ما أعطر ريّاها، بلاد نيطت بها عليك التّمائم، وأشرقت بنورك منها النّجود والتّهائم، ونزل في حجراتها عليك الملك، وانجلى بضياء فرقانك فيها الحلك، مدارس الآيات والسّور، ومطالع المعجزات السافرة الغرر، حيث قضيت الفروض وحتمت وافتتحت سورة الوحي وختمت، وابتدئت الملّة الحنيفيّة وتمّمت، ونسخت الآيات وأحكمت. أما والذي بعثك بالحقّ هاديا، وأطلعك للخلق نورا باديا، لا يطفيء غلّتي إلا شربك، ولا يسكّن لوعتي إلا قربك؛ فما أسعد من أفاض من حرم الله إلى حرمك وأصبح بعد أداء ما فرضت

عن الله ضيف كرمك، وعفّر الخدّ في معاهدك ومعاهد أسرتك، وتردّد ما بين داري بعثتك وهجرتك! وإنّي لمّا عاقتني عن زيارتك العوائق وإن كان شغلي عنك بك، وعدتني الأعداء فيك عن وصل سببي بسببك وأصبحت ما بين بحر تتلاطم أمواجه، وعدوّ تتكاثف أفواجه، ويحجب الشمس عند الظهيرة عجاجه في طائفة من المؤمنين بك وطّنوا على الصّبر نفوسهم، وجعلوا التوكّل على الله وعليك لبوسهم «1» ، ورفعوا إلى مصارختك رؤوسهم، واستعذبوا في مرضاة الله تعالى ومرضاتك بوسهم، يطيرون من هيعة إلى أخرى، ويتلفّتون والمخاوف يمنى «2» ويسرى، ويقارعون وهم الفئة القليلة جموعا كجموع قيصر وكسرى، لا يبلغون من عدوّ كالذّرّ عند انتشاره معشار معشاره «3» ، قد باعوا من الله تعالى الحياة الدّنيا، لأن تكون كلمة الله تعالى هي العليا، فيا له من سرب مروع، وصريخ إلا عنك «4» ممنوع، ودعاء إلى الله وإليك مرفوع وصبية حمر الحواصل، تخفق فوق أوكارها أجنحة المناصل، والصليب قد تمطّى ومدّ «5» ذراعيه، ورفعت الأطماع بضبعيه، وقد حجبت بالقتام السّماء، وتلاطمت أمواج الحديد، والبأس الشديد فالتقى الماء، ولم يبق إلا الذّماء «6» ، وعلى ذلك فما ضعفت البصائر ولا ساءت الظّنون، وما وعد به الشهداء تعتقده القلوب حتّى تكاد تراه» العيون، إلى أن نلقاك غدا إن شاء الله تعالى وقد أبلينا العذر، وأرغمنا الكفر، وأعملنا في سبيل

الله وسبيلك البيض «1» والسّمر. استنبت «2» رقعتي هذه لتطير إليك [من شوقي «3» ] بجناح خافق، وتسعد من نيّتي التي تصحبها برفيق موافق، فتؤدّي عن عبدك وتبلّغ، وتعفّر الخدّ في تربتك «4» وتمرّغ، وتطيب بريّا معاهدك الطاهرة وبيوتك، وتقف وقوف الخشوع «5» والخضوع تجاه تابوتك، وتقول بلسان التملّق، عند التشبّث بأسبابك والتعلّق، منكسرة الطّرف، حذرا بهرجها من عدم الصّرف: يا غياث الأمّة، وغمام الرحمة، إرحم غربتي وانقطاعي، وتغمّد بطولك قصر باعي، وقوّ على هيبتك خور طباعي. فكم جزت من لجّ مهول، وجبت من حزون وسهول، وقابل بالقبول نيابتي، وعجّل بالرّضا إجابتي. ومعلوم من كمال تلك الشّيم، وسجايا تيك الدّيم، أن لا تخيّب «6» قصد من حطّ بفنائها، ولا يظمأ وارد أكبّ على إنائها. اللهم، يا من جعلته أوّل الأنبياء بالمعنى وآخرهم بالصّورة، وأعطيته لواء الحمد يسير آدم فمن دونه تحت ظلاله المنشورة، وملّكت أمّته ما زوي له من زوايا البسيطة المعمورة، وجعلتني من أمّته المجبولة على حبّه المفطورة، وشوّقتني إلى معاهده المبرورة، ومشاهده المزورة، ووكلت لساني بالصلاة عليه، وقلبي بالحنين إليه، ورغّبتني بالتماس ما لديه، فلا تقطع عنه أسبابي، ولا تحرمني «7» في حبّه أجر ثوابي، وتداركني بشفاعته يوم أخذ كتابي.

هذه، يا رسول الله، وسيلة من بعدت داره، وشطّ مزاره، ولم يجعل بيده اختياره. فإن لم يكن «1» للقبول أهلا فأنت للإغضاء والسّماح أهل، وإن كانت ألفاظها وعرة فجنابك للقاصدين سهل، وإذا «2» كان الحبّ يتوارث كما أخبرت، والعروق تدسّ حسب ما إليه أشرت؛ فلي بانتسابي إلى سعد عميد أنصارك مزيّة، ووسيلة أثيرة خفيّة، وإن «3» لم يكن لي عمل ترتضيه فلي نيّة. فلا تنسني ومن بهذه الجزيرة المفتتحة بسيف كلمتك، على أيدي خيار أمّتك، فإنما نحن بها وديعة تحت بعض أقفالك، نعوذ بوجه ربّك من إغفالك، ونستنشق من ريح عنايتك نفحة، ونرتقب من نور «4» محيّا قبولك لمحة، ندافع بها عدوّا طغى وبغى، وبلغ من مضايقتنا ما ابتغى. فمواقف التمحيص قد أعيت من كتب وورّخ، والبحر قد أصمت من استصرخ، والطاغية في العدوان مستبصر، والعدوّ محلّق والوليّ مقصّر. وبجاهك ندفع ما لا نطيق، وبعنايتك نعالج سقيم الدّين فيفيق، فلا تفردنا ولا تهملنا، وناد ربّك فينا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا «5» ، وطوائف أمتك حيث كانوا عناية منك تكفيهم، وربّك يقول لك وقوله الحقّ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ «6» ، والصلاة والسّلام عليك يا خير من طاف وسعى، وأجاب داعيا إذا دعا، وصلّى الله على جميع أحزابك وآلك، صلاة تليق بجلالك، وتحقّ لكمالك، وعلى ضجيعيك وصديقيك، وحبيبيك ورفيقيك، خليفتك في أمتك، وفاروقك المستخلف بعده على جلّتك، وصهرك ذي النّورين المخصوص ببرّك ونحلتك، وابن عمك سيفك المسلول على حلتك،

الطرف الثاني (في المكاتبات الصادرة عن الأمراء من العمال وأمراء السرايا، إلى الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم، وفيه جملتان)

بدر سمائك ووالد أهلّتك، والسلام الكريم عليك وعليهم [كثيرا أثيرا «1» ] ورحمة الله وبركاته. من «2» حضرة جزيرة الأندلس غرناطة صانها الله ووقاها، ودفع عنها ببركتك كيد عداها. الطرف الثاني (في المكاتبات الصادرة عن الأمراء من العمّال وأمراء السّرايا، إلى الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم، وفيه جملتان) الجملة الأولى (في ترتيب هذه المكاتبات على سبيل الإجمال) كانت المكاتبة إليهم تفتتح تارة بلفظ «من فلان إلى فلان» ويؤتى في الصدر بالسلام والتحميد على نحو ما تقدّم في المكاتبة عن الخلفاء. ويقع التخلّص إلى المقصود ب «أما بعد» وتارة يقع الافتتاح ب «أما بعد» ويؤتى بالمقصود تلو ذلك، ويعبّر المكتوب عنه فيها عن نفسه بلفظ الإفراد، وعن الخليفة بأمير المؤمنين، وتختم بالسلام على أمير المؤمنين. الجملة الثانية (في صورة هذه المكاتبات، وهي على أسلوبين كما تقدّمت الإشارة إليه) الأسلوب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «لفلان من فلان» ) وكان الرسم فيها أن يكتب: «لعبد الله فلان أمير المؤمنين، سلام عليك

الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «أما بعد» ويتوصل منه إلى المقصود)

فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو أما بعد فإنّ كذا» . كما كتب عمرو بن العاص إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في جواب الكتاب منه إليه المقدّم ذكره في المكاتبة عن الخلفاء من الصحابة، وهو: «لعبد الله عمر أمير المؤمنين، سلام عليك فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد، فإنه أتاني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه فاشية مال فشا لي، وإنه يعرفني قبل ذلك ولا مال لي، وإني أعلم أمير المؤمنين أني ببلد السعر فيه رخيص، وأنّي أعالج من الزّراعة ما يعالجه الناس، وفي رزق أمير المؤمنين سعة. وو الله لو رأيت خيانتك حلالا ما خنتك، فأقصر أيّها الرجل فإنّ لنا أحسابا هي خير من العمل لك، إن رجعنا إليها عشنا بها!. ولعمري إنّ عندك من لا يذمّ معيشة ولا تذمّ له، فإن كان ذلك فلم يفتح قفلك ولم يشركك في عملك؟ الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «أما بعد» ويتوصّل منه إلى المقصود) كما كتب المغيرة «1» بن شعبة إلى معاوية- وهو على بعض أعماله- يستعفيه عن العمل. أما بعد، فقد كبر سنّي ورقّ عظمي واقترب أجلي وسفّهني سفهاء قريش، فرأي أمير المؤمنين في عمله.

الطرف الثالث (في المكاتبات الصادرة عن الأمراء من العمال، وأمراء السرايا أيضا إلى خلفاء بني أمية، وهي في ترتيبها على ما تقدم في المكاتبات إلى الخلفاء من الصحابة رضي الله عنهم. وهي على أسلوبين)

الطرف الثالث (في المكاتبات الصادرة عن الأمراء من العمّال، وأمراء السّرايا أيضا إلى خلفاء بني أميّة، وهي في ترتيبها على ما تقدّم في المكاتبات إلى الخلفاء من الصحابة رضي الله عنهم. وهي على أسلوبين) الأسلوب الأول (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «من فلان إلى فلان» على نحو ما تقدّم في المكاتبة عنهم إلى الخلفاء من الصحابة مع زيادة الدّعاء بطول البقاء) كما كتب الحجاج «1» بن يوسف إلى عبد الملك بن مروان في جواب كتابه «2» الوارد عليه منه، في توبيخه له بسبب تعرّضه لأنس بن مالك رضي الله عنه على ما تقدّم ذكره. «لعبد «3» الله عبد الملك أمير المؤمنين، [أصلح الله] «4» أمير المؤمنين وأبقاه، وسهّل حظّه وحاطه ولا عدمناه، فقد وصلني كتاب أمير المؤمنين- أطال الله بقاه، وجعلني من كل مكروه فداه- يذكر شتمي «5» وتوبيخي بآبائي،

وتعييري بما كان قبل [نزول النّعمة بي «1» ] من عند أمير المؤمنين أتمّ الله نعمته عليه، وإحسانه إليه. ويذكر أمير «2» المؤمنين استطالة مني على أنس بن مالك، وأمير المؤمنين أحقّ من أقال عثرتي، وعفا عن ذنبي، وأمهلني «3» ولم يعجلني عند هفوتي، للّذي جبل عليه من كريم طبائعه، وما قلّده الله من أمور عباده. فرأي أمير المؤمنين- أصلحه الله- في تسكين روعتي، وإفراج كربتي، فقد ملئت رعبا وفرقا من سطواته، وقحمات «4» نقماته. وأمير المؤمنين- أقاله الله العثرات، وتجاوز له عن السيّئات، وضاعف له الحسنات، وأعلى له الدّرجات- أحقّ من صفح وعفا، وتغمّد وأبقى، ولم يشمت بي عدوّا مكبّا، ولا حسودا مضبّا، ولم يجرّ عني غصصا. والذي وصف أمير المؤمنين من صنيعته «5» إليّ، وتنويهه لي «6» بما أسند إليّ من عمله وأوطأني من رقاب رعيّته، فصادق فيه مجزيّ عليه «7» بالشكر، والتوسّل منّي إليه بالولاية، والتقرّب له بالكفاية. وقد خضعت عند كتاب أمير المؤمنين، فإن رأى «8» [أمير المؤمنين «9» ]- طوّقني الله

الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بلفظ «أما بعد» ويتوصل منه إلى المقصود)

بشكره «1» ، وأعانني على تأدية حقّه، وبلّغني إلى ما فيه موافقة مرضاته، ومدّ لي في أجله- أن يأمر بالكتاب إليّ من رضاه «2» ، وسلامة صدره، ما «3» يؤمّنني به من سفك دمي، ويردّ ما شرد من نومي، ويطمئنّ به قلبي فعل «4» ، فقد ورد عليّ أمر جليل خطبه، عظيم أمره، شديد كربه. أسأل الله أن لا يسخط أمير المؤمنين عليّ، وأن ينيله «5» في حزمه وعزمه، وسياسته وفراسته، ومواليه وحشمه، وعمّاله وصنائعه، ما يحمد به حسن رأيه [وبعد همّته] «6» . إنه وليّ أمير المؤمنين، والذابّ عن سلطانه، والصانع له في أمره، والسّلام. الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بلفظ «أما بعد» ويتوصّل منه إلى المقصود) كما كتب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إلى عبد الملك بن مروان في خلافته: أما بعد، لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين من عبد الله بن عمر. سلام عليك فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأمرني بالسمع والطاعة على كتاب الله وسنّة نبيّه فيما استطعت.

الطرف الرابع (في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم إلى خلفاء بني العباس، وفيها جملتان)

الطّرف الرابع (في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم إلى خلفاء بني العباس، وفيها جملتان) الجملة الأولى (في المكاتبات العامّة من الملوك إلى الخلفاء، ولها حالتان) الحالة الأولى (ما كان الأمر عليه في ابتداء دولة بني العباس وأوساطها) أما ابتداء دولتهم، فكان الأمر فيه على ما تقدّم في مكاتبات العمّال ونحوهم إلى خلفاء بني أميّة، وقد تقدّم تمثيله. إلا أنه زيد فيه في صدور المكاتبات سؤال الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من حين رتّبه المأمون في صدور الكتب، وتكنية الخليفة من حين أحدثه الأمين في كتبه على ما تقدّم بيانه في المكاتبات عن الخلفاء فيما سلف. وأما أوساط دولتهم من حين ظهور ملوك بني بويه وغلبتهم على الأمر، فللكتّاب فيه أسلوبان: الأسلوب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «لفلان من فلان» وتصدّر بالسلام والتحميد وسؤال الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ويتخلص إلى المقصود بأما بعد) والرسم فيه على ما ذكره قدامة في كتاب الخراج أن يكتب: «لعبد الله فلان أبي فلان- باسمه وكنيته ونعته- أمير المؤمنين، سلام على أمير المؤمنين، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. أما بعد، أطال الله بقاء أمير المؤمنين وأدام عزّه وتأييده وكرامته وحراسته،

وأتم نعمته عليه، وزاد في إحسانه إليه، وفضله عنده وجميل بلائه لديه، وجزيل عطائه له» . وزاد في «صناعة الكتّاب» في السّلام «ورحمة الله وبركاته» . قال في «صناعة الكتاب» : ثم يقال: أما بعد فقد كان كذا وكذا، حتّى يأتي على المعاني التي يحتاج إليها. وتكون المكاتبة:- وقد فعل عبد أمير المؤمنين كذا- فإن زادت حاله لم يقل عبد أمير المؤمنين، فإذا بلغ إلى الدعاء ترك فضاء وكتب: أتمّ الله على أمير المؤمنين نعمته وهناءه وكرامته، وألبسه عفوه وعافيته وأمنه وسلامته، والسّلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. وكتب يوم كذا وكذا من شهر كذا من سنة كذا. وقال الفضل «1» بن سهل: يدعى للخليفة: أما بعد، أطال الله بقاء أمير المؤمنين، وأدام عزّه وتأييده، وأتمّ نعمته وسعادته وتوفيقه، وزاد في إحسانه إليه ومواهبه له. ولا يكتب إليه «وجعلني فداه» ويكون أوّل فصوله: أخبر أمير المؤمنين- أطال الله بقاءه- أن كذا وكذا. ثم يوالي الفصول ب «أيده الله وأدام عزه» . ونحو هذا. وإن شئت كتبت: أما بعد، أطال الله بقاء أمير المؤمنين، وأدام عزّه وتأييده وكرامته، وأتمّ نعمته عليه، وزاد فيها عنده وحاطه وكفاه، وتولّى له ما ولّاه. وإن شئت كتبت: أطال الله بقاء أمير المؤمنين في العزّ والسّلامة، وأدام كرامته في السّعادة والزّيادة، وأتمّ نعمته في السّبوغ والغبطة، وأصلحه وأصلح

على يديه ونصره، وكان له في الأمور كلّها وليّا وحافظا. وإن شئت كتبت: أطال الله بقاء أمير المؤمنين في أعزّ العزّ، وأدوم الكرامة والسّرور والغبطة، وأتمّ نعمه في علوّ من الدرجة، وشرف من الفضيلة، ومتابع من العائدة، ووهب له السلامة والعافية في الدنيا والآخرة. والذي كانت عليه قاعدة ملوك بني بويه فمن بعدهم إن كان الكتاب في معنى حدوث نعمة من فتح ونحوه، أتي بعد ذلك بالتحميد ما بين مرّة واحدة إلى ثلاث مرّات. ويعبّر المكتوب عنه عن نفسه بلفظ الإفراد، وعن الخليفة بأمير المؤمنين، ويختم الكتاب بالإنهاء وما في معناه. وهذه نسخة كتاب كتب به أبو إسحاق «1» الصابي عن عز الدولة بن بويه إلى المطيع «2» لله عند فتحه الموصل، وهزيمة أبي تغلب بن حمدان صاحب حلب في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، وهي لعبد الله الفضل [الإمام] «3» المطيع لله أمير المؤمنين، من عبده وصنيعته «4» عزّ الدولة ابن معزّ الدولة مولى أمير المؤمنين. سلام على أمير المؤمنين ورحمة الله، فإنّي أحمد إلى أمير المؤمنين الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم. أما بعد- أطال الله بقاء «5» أمير المؤمنين وأدام له العزّ والتأييد، والتوفيق والتّسديد، والعلوّ والقدرة، والظّهور والنّصرة- فالحمد لله العليّ العظيم، الأزليّ

القديم، المتفرّد بالكبرياء والملكوت، المتوحّد بالعظمة والجبروت، الذي لا تحدّه الصّفات، ولا تحوزه الجهات، ولا تحصره قرارة مكان، ولا يغيّره مرور زمان، ولا تتمثّله «1» العيون بنواظرها، ولا تتخيّله القلوب بخواطرها، فاطر السموات وما تظلّ، وخالق الأرض وما تقلّ، الذي دلّ بلطيف صنعته، على جليل حكمته، وبيّن بجليّ برهانه، عن خفيّ وجدانه، واستغنى بالقدرة عن الأعوان، واستعلى بالعزّة عن الأقران، البعيد عن كلّ معادل ومضارع، الممتنع على كلّ مطاول ومقارع، الدائم الذي لا يزول ولا يحول، العادل الذي لا يظلم ولا يجور، الكريم الذي لا يضنّ ولا يبخل، الحليم الذي لا يعجل ولا يجهل. ذلكم الله ربّكم لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدّين، منزل الرحمة على كلّ وليّ توكّل عليه، وفوّض إليه، وأتمر لأوامره، وازدجر بزواجره، ومحلّ النّقمة بكلّ عدوّ صدّ عن سبيله وسننه، وصدف عن فرائضه وسننه، وحادّه في مكسب يده ومسعاة قدمه، وخائنة عينه وخافية صدره، وهو راتع رتعة النّعم السائمة، في أكلاء النّعم السابغة، وجاهل «2» جهلها بشكر آلائها، ذاهل ذهولها عن طرق استبقائها، فلا يلبث أن ينزع سرابيلها صاغرا، ويتعرّى منها حاسرا، ويجعل الله كيده في تضليل، ويورده شرّ المورد الوبيل إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ «3» ولا يهدي كيد الخائنين. والحمد لله الذي اصطفى للنّبوة أحقّ عباده بحمل أعبائها، وارتداء ردائها، «محمدا» صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وعظّم خطره وكرّم، فصدع بالرسالة، وبالغ في الدّلالة، ودعا إلى الهداية، ونجّى «4» من الغواية، ونقل الناس عن طاعة الشيطان الرجيم، إلى طاعة الرحمن الرحيم، وأعلقهم بحبائل

خالقهم ورازقهم، وعصمة محييهم ومميتهم، بعد انتحال الأكاذيب والأباطيل، واستشعار المحالات والأضاليل، والتهوّك «1» في الاعتقادات الذائدة عن النّعيم، السائقة إلى العذاب الأليم، فصلّى الله عليه من ناطق بالحق، ومنقذ «2» للخلق، وناصح للرّبّ، ومؤدّ للفرض، صلاة زاكية نامية، رائحة غادية، تزيد على اختلاف الليل والنّهار، وتعاقب الأعوام والأدوار. والحمد لله الذي انتجب «3» أمير المؤمنين [أطال الله بقاءه] «4» من ذلك السّنخ «5» الشريف، والعنصر المنيف، والعترة الثابت أصلها، الممتدّ ظلّها، الطّيب جناها، الممنوع حماها، وحاز له مواريث آبائه الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين، واختصّه من بينهم بتطاول أمد الخلافة واستحصاف حبلها في يده، ووفّقه لإصابة الغرض من كل مرمى يرميه، ومقصد ينتحيه، وهو- جل ثناؤه- الحقيق بإتمام ذلك عليه، والزيادة فيه لديه. وأحمده سبحانه حمدا أبتدئه ثم أعيده، وأكرّره وأستزيده، على أن أهّل ركن الدولة أبا عليّ، وعضد الدولة أبا شجاع مولى أمير المؤمنين، وأهّلني للأثرة عنده التي بذذنا «6» فيها الأكفاء، وفتنا فيها القرناء، وتقطّعت دونها أنفاس المنافسين، وتضرّمت عليها أحشاء الحاسدين. وأن أولاني في كل مغزى في خدمة أمير المؤمنين أغزوه، ومنحى أنحوه، وثأي أرأبه، وشعث ألمّه، وعدوّ أرغمه، وزائغ أقوّمه، أفضل ما أولاه عباده السليمة غيوبهم، النقيّة جيوبهم، المأمونة ضمائرهم، المشحوذة بصائرهم، من تمكين يد، وتثبيت قدم، ونصرة راية، وإعلاء كلمة، وتقريب

بغية، وإنالة أمنيّة، وكذلك يكون من إلى [ولاء] «1» أمير المؤمنين اعتزاؤه، وبشعاره اعتزازه، وعن زناده قدحه، وفي طاعته كدحه، والله وليّ [بإدامة «2» ] ما خوّلنيه من هذه المنقبة، وسوّغنيه من هذه الموهبة، وأن يتوجّه أمير المؤمنين في جميع خدمه الذابّين عن حوزته، المنتمين إلى دعوته، بيمن الطائر، وسعادة الطالع، ونجاح المطلب، وإدراك الأرب، وفي أعدائه الغامطين لنعمته، الناقضين مواثيق بيعته، بإضراع الخدّ، وإتعاس الجدّ «3» ، وإخفاق الأمل، وإحباط العمل، بقدرته. ولم يزل مولانا أمير المؤمنين [أطال الله بقاءه «4» ] ينكر قديما من فضل الله بن ناصر الدولة أحوالا حقيقا مثلها بالإنكار، مستحقّا من ارتكبها الإعراض، وأنا أذهب في حفظ غيبه، وإجمال محضره، وتمحّل حججه وتلفيقها، وتأليف معاذيره وتنميقها، مذهبي الذي أعمّ به كلّ من جرى مجراه من ناشيء في دولته، ومغتذ بنعمته، ومنتسب إلى ولايته، ومشتهر بصنيعته، وأقدر أن أستصلحه لأمير المؤمنين- أطال الله بقاءه- وأصلحه لنفسه بالتوقيف على مسالك الرّشاد، ومناهج السّداد، وهو يريني أن قد قبل وارعوى، وأبصر واهتدى، حتّى رغبت إلى أمير المؤمنين «5» فيما شفّعني متفضّلا فيه، من تقليده أعمال أبيه، والقناعة منه في الضّمان بميسور بذله، وإيثاره «6» به على من هو فوقه من كبراء إخوته وأهله. فلما بلغ هذه الحال، ألطّ «7» بالمال، وخاس بالعهد، وطرّق لفسخ

العقد، وأجرى إليّ «1» أمورا كرهتها، ونفد «2» الصبر منّي عليها. وخفت أن أستمرّ على الإغضاء عنها والمسامحة فيها، فيطّلع الله مني على إضاعة الاحتياط في أمر قلّدني أمير المؤمنين «3» زمامه، وضمّنني دركه، وإرخاء لبب «4» رجل قبل «5» في الاعتماد عليه رأيي، وعوّل في أخذه بما يلزمه على نظري واستيفائي- فتناولته بأطراف العذل ملوّحا، ثمّ بأثباجه «6» مفصحا مصرّحا. ورسمت لعبد أمير المؤمنين الناصح أبي طاهر أن يجدّ به وبوسطائه وسفرائه في حال، ويدخل عليه من طريق المشورة والرّفق في أخرى، ويتنقّل معه بين الخشونة التي يقفو فيها أثري، واللّين الذي لا يجوز أن يحسّه مني، تقديرا لانثنائه، وزوال التوائه، ففعل ذلك على رسمه في التأنّي لكلّ فاسد حتى يصلح، ولكلّ آب حتّى يسمح، ولم يدع التناهي في وعظه، والتّمادي في نصحه وتعريفه سوء عاقبة اللّجاج، ومغبّة الإحراج، وهو يزيد طمعا في الأموال وشرها، وعمى في الرأي وعمها، إلى أن كاد أمرنا معه يخرج عن حدّ الانتظار، إلى حدّ الرضا بالإصرار، فاستأنفت ادّراع الحزم، وامتطاء العزم، ونهضت إلى أعمال الموصل وعندي أنه يغنيني عن الإتمام، ويتلقّاني بالإعتاب «7» وينقاد إلى المراد، ويتجنّب طرق العناد. فحين عرف خبر مسيري، وجدّي فيه وتشميري، برز بروز المكاشف، وتجرّد تجرّد المواقع المواقف، وهو مع ذلك إذا ازددت منه قربا، ازداد منّي

رعبا، وإذا دلفت إليه ذراعا، نكص عنّي باعا. وتوافت إلى حضرتي وجوه القبائل من عقيل وشيبان وغيرهما في الجمع الكثيف من صعاليكهما، والعدد الكثير من صناديدهما، داخلين في الطاعة، متصرّفين في عوارض الخدمة. فلما شارفت الحديثة «1» ، انتقضت عزائم صبره، وتقوّضت دعائم أمره، وبطلت أمانيّه ووساوسه، واضمحلّت خواطره وهواجسه، واضطرب عليه من ثقاته وغلمانه من كان بهم يعتضد، وعليهم يعتمد، وبدأوا بخذلانه والأخذ لنفوسهم، ومفارقته والطّلب بحظوظهم، وحصل «2» منهم بحضرتي إلى هذه الغاية زهاء خمسمائة رجل ذوي خيل مختارة، وأسلحة شاكية، فصادفوا عندي ما أمّلوا من فائض الإحسان، وغامر الامتنان، وذكروا عمّن وراءهم من نظرائهم التنزّي «3» إلى الانجذاب، والحرص على الاستئمان، وأنهم يردون ولا يتأخّرون، ويبادرون ولا يتلوّمون. ولمّا رأى ذلك، لم يملك نفسه أن مضى هاربا على طريق سنجار «4» ، منكشفا عن هذه الدّيار، قانعا من تلك الآمال الخائبة، والظّنون الكاذبة، بسلامة حشاشة هي رهينة غيّها، وصريعة بغيها. وكان انهزامه بعد أن فعل الفعل السّخيف، وكادنا الكيد الضّعيف، بأن

أغرق «1» سفن الموصل وعروبها «2» ، وأحرق جسرها «3» واستذمّ «4» إلى أهلها، وتزوّد منهم اللعن المطيف به أين يمّم، الكائن معه حيث خيّم. ودخلتها يومي هذا- أيّد الله أمير المؤمنين- دخول الغانم الظافر، المستعلي الظاهر، فسكّنت نفوس سكّانها، وشرحت صدور قطّانها، وأعلمتهم ما أمرني به أمير المؤمنين-[أدام الله عزّه] «5» وأعلى الله أمره- من تأنيس وحشتهم، ونظم ألفتهم، وضمّ نشرهم، ولمّ شعثهم، وإجمال السّيرة فيهم في ضروب معاملاتهم وعلقهم، وصنوف متصرّفاتهم ومعايشهم، فكثر منهم الثناء والدعاء، والله سامع ما رفعوا، ومجيب ما سألوا. وأجلت حال هذا الجاهل- أيّد الله أمير المؤمنين- عن أقبح هزيمة، وأذلّ هضيمة، وأسوإ رأي، وأنكر اختيار؛ لأنه لم يلقني لقاء الباخع بالطاعة، المعتذر من سالف التفريط والإضاعة، ولا لقاء المصدّق لدعواه في الاستقلال بالمقارعة، المحقّق لزعمه في الثبات للمدافعة، ولا كان في هذين الأمرين بالبرّ التّقيّ، ولا الفاجر الغويّ «6» ، بل جمع بين نقيصة شقاقه وغدره، وفضيحة جبنه وخوره، متنكّبا «7» للصّلاح، عادلا عن الصّواب، قد ذهب عنه الرّشاد، وضربت بينه وبينه الأسداد، وأنزله الله منزلة مثله ممّن أساء حفظ الوديعة، وجوار الصّنيعة، واستوجب نزعهما منه وتحويلهما عنه. وتأمّلت- أيّد الله مولانا أمير المؤمنين- أمره بالتّجريب، وتصفّحته على

التقليب، فإذا هو الرجل الذي أطاع أبوه فيه هوى أمّه «1» ، وعصى دواعي رأيه وحزمه، وقدّمه من ولده على من هو آنس رشدا، وأكبر سنّا، وأثبت جأشا، وأجرأ جنانا، وأشجع قلبا، وأوسع صدرا، وأجدر بمخايل النّجابة، وشمائل اللّبابة. فلما اجتمعت له أسباب القدرة والثّروة، وأمكنته مناهز الغرّة والفرصة، وثب عليه وثبة السّرحان «2» ، في ثلّة «3» الضّان، وجزاه جزاء أمّ عامر «4» لمجيرها، إذ فرته بأنيابها وأظافيرها؛ واجتمع وأخوه من الأمّ، المرتضع معه لبان الإثم، المكنّى أبا البركات- وليس بأب لها، ولا حريّ بشيء منها- على أن نشزا عنه وعقّاه، وقبضا عليه وأوثقاه، وأقرّاه من قلعتهما «5» بحيث تقرّ العتاة، وتعاقب الجناة، ثم أتبعا ذلك باستحلال دمه، وإفاضة مهجته، غير راعيين فيه حقّ الأبوّة، ولا حانيين عليه حنوّ البنوّة، ولا متذمّمين من الإقدام على مثله ممن

تقدّمت عند سلطانه قدمه «1» ، وتوكّدت أواصره وعصمه، ولا راحمين له من ضعف شيخوخته، وذهل «2» كبرته، ولا مصغيين إلى وصيّة الله إيّاهما به، التي نصّها في محكم كتابه، وكرّرها في آيه وبيناته إذ يقول: اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ «3» وإذ يقول: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً «4» . فبأيّ وجه يلقى الله قاتل والد حدب «5» قد أمر أن لا ينهره؟ وبأيّ لسان ينطق يوم يسأل عما استجازه فيه وفعله؟ وتالله «6» ! لو أنّ بمكانه عدوّا لهما قد قارضهما الذّحول «7» ، وقارعهما عن النّفوس، لقبح بهما أن يلؤما ذلك اللّؤم عند الظّفر به، وأن يركبا تلك الخطّة الشّنعاء في الأخذ بناصيته، ولم يرض «فضل الله» بما أتاه إليه حتّى استوفى حدود قطع الرّحم، بأن تتبّع «8» أكابر إخوته السالكين خلاف سبيله، المتبرّئين إلى الله من عظيم ما اكتسب، ووخيم ما احتقب، لمّا غضبوا لأبيهم، وامتعضوا من المستحلّ فيه وفيهم، فقبض على محمد بن ناصر الدولة حيلة وغيلة، وغدرا ومكيدة، ونابذ حمدان بن ناصر الدولة منابذة خار «9» الله له فيها، بأن أصاره من فناء أمير المؤمنين «10» إلى

الجانب العزيز، والحرز الحريز، وأن أجرى الله «1» على يده الحرب الواقعة بينه وبين المعروف بكنيته أبي البركات، التي لقّاه الله فيها نحسه، وأتلف نفسه، وصرعه بعقوقه وبغيه، وقنّعه بعاره وخزيه. وهو مع ذلك لا يتّعظ، ولا ينزع «2» ولا يقلع ولا يزدجر، إصرارا على الجرائر التي الله عنها حسيبه، وبها طليبه، والدّنيا والآخرة مرصدتان له بالجزاء المحقوق عليه، والعقاب المسوق إليه. وأعظم من هذا كلّه- أيد الله أمير المؤمنين- خطبا، وأوعر مسلكا ولحبا «3» ، أنّ من شرائط العهد الذي كان عهد إليه، والعقد الذي عقد له، والضّمان المخفّف مبلغه عنه، المأخوذ عفوه منه، أن يتناهى في ضبط الثغور وجهاد الرّوم وحفظ الأطارف، ورمّ الأكناف، فما وفى بشيء من ذلك، بل عدل عنه إلى الاستئثار بالأموال واقتطاعها، وإحرازها في مكامنها وقلاعها، والضّنّ بها دون الإخراج في وجوهها، والوضع لها في حقوقها، وأن تراخى في أمر عظيم الرّوم مهملا، واطّرح الفكر فيه مغفلا، حتّى هجم في الديار، وأثّر الآثار، ونكى القلوب، وأبكى العيون، وصدع الأكباد، وأحرّ الصّدور، فما كان عنده فيه ما يكون عند المسلم القاريء لكتاب الله إذ يقول: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ «4» بل صدف عن ذكر الله لاهيا، وعدل عن كتابه ساهيا، واستفسخه ذلك البيع والعقد، وتنجّزه الوعيد لا الوعد، ولاطف طاغية الرّوم وهاداه، وماره «5» وأعطاه، وصانعه بمال المسلمين الذي

يلزمه- إن سلّم دينه وصحّ يقينه- أن ينفقه في مرابطهم «1» ، ويذبّ به عن حريمهم، لا أن يعكسه عن جهته، ويلفته عن وجهته، بالنّقل «2» إلى عدوّهم، وإدخال الوهن بذلك عليهم. وقاد إليه من الخيل العتاق ما هو الآن عون للكفر «3» على الإيمان، ونجدة للطاغية على السّلطان. وكان فيما أتحفه به الخمر التي حظر الله عليه أن يشربها ويسقيها، وتعبّده «4» بأن يجتنبها ويجتويها «5» ، وصلبان ذهب صاغها له وتقرّب بها إليه تقرّبا قد باعده الله فيه عن الإصابة والأصالة، وأدناه من الجهالة والضّلالة، حتّى كأنه عامل من عمّاله أو «6» بطريق من بطارقته. فأمّا فشله عن مكافحته، ولهجه بملاطفته، فضدّ الذي أمره الله به في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ «7» . وأما نقله «8» ما نقل من الخيل من ديار المسلمين إلى ديار أعدائهم، فنقيض قوله عزّ وجلّ: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ «9» . وأما إهداؤه الخمر والصّلبان، فخلاف عليه تبارك «10» اسمه، إذ يقول:

إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «1» كلّ ذلك عنادا لرب العالمين، وطمسا لأعلام الدّين، وضنّا بما يحامي عليه من ذلك الحطام، المجموع من الحرام، المثمّر من الآثام، المقتطع من فيء الإسلام، وقد فعل الآن بي وبالعساكر التي معي ومن نضمّ «2» من أولياء أمير المؤمنين «3» الذين هم إخوته وصحبه- إن كان مؤمنا وأنصاره وحزبه- إن كان موقنا، من توعير المسالك وتغريق العروب، وتضييق الأقوات، واستهلاك الأزواد، ليوصّل إلينا الضّرّ، ويلحق بنا الجهد، فعل العدوّ المبين، المخالف في الدّين، فهل يجتمع [في أحد من المساوي- أيّد الله أمير المؤمنين- ما اجتمع] «4» في هذا النادّ العاند، والشاذّ الشارد؟، وهل يطمع من مثله في حق يقضيه، أو فرض يؤدّيه، أو عهد يرعاه، أو ذمام يحفظه، وهو لله عاص، ولإمامه مخالف، ولوالده قاتل، ولرحمه قاطع؟ كلّا والله! بل هو الحقيق بأن تثنى إليه الأعنّة، وتشرع نحوه الأسنّة، وتنصب له الأرصاد، وتشحذ له السّيوف الحداد، ليقطع الله بها دابره، ويجبّ غاربه، ويصرعه مصرع الأثيم المليم، المستحقّ للعذاب الأليم، أو يفيء «5» إلى الحق، إفاءة «6» الداخل فيه بعد خروجه، العائد إليه بعد مروقه، التائب المنيب، النازع المستقيل، فيكون حكمه شبيها بحكم الراجع عن الرّدّة، المحمول على ظاهر الشريعة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. فالحمد لله الذي هدانا لمراشدنا، ووقف بنا على السبيل المنجية لنا،

الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «كتابي للخليفة والحال على كذا وكذا» ويدعى للخليفة بطول البقاء في أثناء ذلك، ويعبر الملك المكتوب عنه عن نفسه بلفظ الإفراد مع التصدير بالعبودية، ويخاطب الخليفة بأمير المؤمنين ويختم بالدعاء ونحوه)

والمقاصد المفضية إلى رضاه، البعيدة من «1» سطاه. والحمد لله الذي أعز أمير المؤمنين بالنصر، وأعطاه لواء القهر، وجعل أولياءه العالين الظاهرين، وأعداءه السافلين الهابطين، وهنّأه الله هذا الفتح ولا أخلاه من أشكال له تقفوه وتتبعه، وأمثال تتلوه وتشفعه، واصلا فيها إلى ما وصل فيه إليه من حيازته مهنّأ، لم يسفك فيه دم، ولم ينتهك محرم، ولم ينل جهد، ولم يمسس نصب. أنهيت إلى أمير المؤمنين «2» ذلك، ليضيف صنع الله له فيه، إلى السالف من عوارفه عنده وأياديه، وليجدّد من شكره جلّ وعلا، ما يكون داعيا إلى الإدامة والمزيد، مقتضيا «3» للعون والتأييد، إن شاء الله تعالى. [وكتب يوم الجمعة لتسع ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وثلاثمائة] «4» . الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «كتابي للخليفة والحال على كذا وكذا» ويدعى للخليفة بطول البقاء في أثناء ذلك، ويعبّر الملك المكتوب عنه عن نفسه بلفظ الإفراد مع التصدير بالعبودية، ويخاطب الخليفة بأمير المؤمنين ويختم بالدعاء ونحوه) كما كتب أبو الفرج «5» الببّغا عن السلطان أبي تغلب بن ناصر الدّولة أحد

ملوك بني حمدان بحلب وما معها، جوابا للكتاب الوارد عليه من الطائع أو المطيع بالكنية والخلع ما صورته: «كتابي- أطال الله بقاء أمير المؤمنين- وعبد أمير المؤمنين مستديم بشكر الله تعالى مدد النّعم المتظاهرة عليه، والمنح المتناصرة لديه، بجميع رأيه أدام الله علوّه وتقديمه- معترف بما طوّقته به السعادة من عوارف تشريفه، متمسّك من الطاعة بما أحلّه كنف إحسانه، متوصّل بالطّرف إلى الاستزادة من طوله وامتنانه. والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيد المرسلين، محمد وآله الطاهرين. ووصل كتاب أمير المؤمنين- أدام الله نصره- مشتملا على فوائد الإرشاد والتوقيف، مقترنا بخصائص التّكرمة والتشريف، فاقتديت من أوامره- أعلاها الله تعالى- بأهدى دليل، وسلكت في شكر ما اعتمدني من إيثاره أوضح سبيل، وبرزت لسائر من اختارني- أيده الله- لسياسته من الخاصّة والعامّة في الحلل الحالية بسمات تشريفه وإكرامه، متدرّعا ثوبي هديه وسكينته، ومختالا منهما بين كنفي دفاعه ومعونته، ومتقلّدا عضبه «1» الذي هزّ النصر غراره، وأطلق المضاء شفاره، وعاليا على عنق الزمان، بامتطاء ما حباني به من الحملان مسترقّ النية بالرّغبة إليه، ومستخدم النّطق بالثناء عليه؛ ومقتصّا أثر أسلافي في خدمته وخدمة آبائه المؤمنين، من الخلفاء الراشدين، صلوات الله عليهم أجمعين، واقتفاء مذهبهم في الذّبّ عن فئة الخلافة والمراماة دون الملّة، والاجتهاد في طاعة الأئمة. فالحمد لله الذي جعل صنائع أمير المؤمنين مستقرّة عند من يرتبطها

الحالة الثانية - من مكاتبات الملوك إلى الخلفاء بني العباس ما كان عليه الأمر في آخر دولتهم ببغداد

بعلائق الشكر، ويحرسها بالتوفّر على ما أفاد الإحماد وجميل الذّكر، وأدام علوّ أمير المؤمنين! وأيدنا بعزّ دولته، وبسط بالتمكين قدرته، وحرس من الغير سلطانه، وقرن بنفاذ الأمر يده ولسانه، ولا أخلاه من وليّ ينشيه ويصنعه، وشكور يعليه ويرفعه، وعزم يحمد أثره ويرتضيه، ورأي بالتوفيق يبرمه ويمضيه، ووفّقني من القيام بحقوق خدمته، والتمسّك بفرائض طاعته، والمعرفة بمواقع اصطناعه وتفضّله، والاعتداد بمنح إنعامه وتطوّله، لما يستزيدني من أياديه وآلائه، ويحرس عليّ مكاني من جميل آرائه، إنه جواد كريم. وقد آذنت من بعد وقرب برفع أمير المؤمنين- أدام الله بسطته- ذكري عن تعريف الاسم بنباهة الكنية، وإصدار ذلك إلى الأسماع من شريف عبارته، والإذن فيه لسائر من يذكرني بحضرته، زاد الله في جلالتها. وتقدّمت بإثبات ذلك على عنوانات الكتب امتثالا لأمره، وأخذا بإذنه، ووقوفا عند رسمه، عارفا قدر النعمة والموهبة فيه. واعتددت بما أعلمنيه أمير المؤمنين من نيابة فلان عبده وما توخّاه من محمود السّفارة، وحسن الوساطة، ووجدت ما يجمعني وإيّاه من الإخلاص في ولاء أمير المؤمنين أقرب الأنساب، وأوكد الأسباب، في تأكّد الألفة، وتثبيت قواعد الطاعة، والله يحرس أمير المؤمنين في كافّة رعيته، وخاصّة أوليائه وصنائع دولته، من اختلاف الآراء، وتشذّب الأهواء، ويعينني من النّهوض بمفترضات أياديه، وواجبات ما يسديه إليّ ويوليه، [على] ما قرّب منه وإليه، وأزلف عنده ولديه، بمنّه ومشيئته، وحوله وقوّته. الحالة الثانية- من مكاتبات الملوك إلى الخلفاء بني العباس ما كان عليه الأمر في آخر دولتهم ببغداد . والحال فيه مختلف؛ فتارة يفتتح بالدعاء للدّيوان العزيز، وتارة بالدعاء لما يعود عليه، وتارة بالصلاة، وتارة بالسلام. وربما افتتحت المكاتبة بآية من القرآن الكريم مناسبة للحال.

الأسلوب الأول (أن تفتتح المكاتبة بالدعاء للديوان العزيز)

قال المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في كتابه «التعريف» : والصدر نحو العبد أو المملوك أو الخادم يقبّل الأرض، أو العتبات، أو مواطيء المواقف أو غير ذلك. ويخاطب الخليفة في أثناء الكتاب بالدّيوان العزيز، وبالمواقف المقدّسة أو المشرّفة، والأبواب الشريفة، والباب العزيز، والمقام الأشرف، والجانب الأعلى أو الشريف، وبأمير المؤمنين مجرّدة عن سيدنا ومولانا، ومرة غير مجرّدة مع مراعاة المناسبة والتسديد والمقاربة. ويختم الكتاب تارة بالدعاء، وتارة «بطالع» أو «أنهى» أو غير هما مما فيه معنى الإنهاء. قال: واختلف فيما يخاطب به المكتوب عنه عن نفسه؛ فكتب صلاح الدين بن أيوب «الخادم» وكتب بنوه والعادل أخوه «المملوك» وكتب الكامل بن العادل «العبد» وجرى على هذا ابنه الصالح. وكتب الناصر بن العزيز «أقلّ المماليك» وكتب الناصر داود «أقلّ العبيد» وكان علاء الدين خوارزم شاه يكتب «الخادم المطواع» وتبعه على ذلك ابنه جلال الدين، وكانت أمّ جلال الدين تكتب «الأمة الداعية» . هذا على شمم أنوف الخوارزمية وعلوّ شأنهم. وعنوان هذه المكاتبات على اختلافها «الديوان العزيز، العالي، المولويّ، السيديّ، النبويّ، الإماميّ، الفلاني (بلقب الخلافة) أدام الله أيّامه، أو خلد الله أيامه، أو أدام الله سلطانه» على مناسبة ما في صدر الكتاب. ثم هو على ستة أساليب: الأسلوب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة بالدعاء للديوان العزيز) قال في «التعريف» : والمراد بالديوان ديوان الإنشاء؛ لأنّ المكاتبات عنه صادرة وإليه واردة. قال: وسبب مخاطبتهم بالديوان الخضعان عن مخاطبة الخليفة نفسه، ويكون الدعاء للدّيوان بما فيه معنى دوام العزّ والسلطان وبسط الظّلّ وما أشبه ذلك، مثل: أدام الله أيام الديوان العزيز، أو أدام الله سلطان

الديوان العزيز، أو خلّد الله أيام الديوان العزيز، أو خلّد الله سلطان الديوان العزيز، وأدام الله ظلّ الديوان العزيز، وخلّد الله ظل الديوان العزيز، وبسط الله ظلّ الديوان العزيز، وما أشبه ذلك. وهذه نسخة «1» كتاب كتب به القاضي الفاضل «2» عن السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» صاحب الديار المصرية، إلى الناصر لدين الله الخليفة يومئذ ببغداد، بفتح القدس وما معه، واقتلاع ذلك من أيدي الفرنج وإعادته إلى ما كان عليه من الإسلام، وهي «3» : «أدام الله «4» أيام الديوان العزيز النبويّ الناصريّ «5» ، ولا زال مظفّر الجدّ بكلّ جاحد، [غنيّا] «6» بالتوفيق عن رأي كلّ رائد، موقوف المساعي على اقتناء مطلقات المحامد، مستيقظ النّصر والسيف «7» في جفنه راقد، وارد الجود والسحاب على الأرض غير وارد، متعدّد مساعي الفضل وإن كان لا يلقى إلا بشكر واحد، [ماضي حكم العدل بعزم لا يمضي إلا بنبل غويّ وريش

راشد] «1» ولا زالت غيوث فضله [إلى الأولياء] «2» أنواء إلى المرابع «3» وأنوارا إلى المساجد، وبعوث رعبه إلى الأعداء خيلا إلى المراقب وخيالا إلى المراقد. كتب الخادم هذه الخدمة، تلو ما صدر عنه مما كان يجري مجرى التّباشير بصبح «4» هذه الخدمة. والعنوان لكتاب وصف هذه النعمة، فإنها بحر للأقلام فيه سبح طويل، ولطف الحق للشّكر «5» فيه عبء ثقيل، وبشرى للخواطر في شرحها مآرب، ويسرى للأسرار في إظهارها مسارب، ولله «6» في إعادة شكره رضا، وللنعمة الراهنة به دوام لا يقال معه: هذا مضى. وقد «7» صارت أمور الإسلام إلى أحسن مصايرها، واستتبّت «8» عقائد أهله على بصائرها، وتقلّص ظلّ رجاء الكافر المبسوط، وصدق الله أهل دينه، فلمّا وقع الشرط حصل «9» المشروط، وكان الدّين غريبا فهو الآن في وطنه، والفوز معروضا فقد بذلت الأنفس في ثمنه، وأمر أمر الحق وكان مستضعفا، وأهل ربعه وكان قد عيف حين عفا، [وجاء أمر الله وأنوف أهل الشرك راغمة] «10» فأدلجت «11» السيوف إلى الآجال وهي نائمة، وصدق وعد الله في إظهار دينه على كلّ دين، واستطارت له أنوار أبانت أنّ الصباح عندها حيان «12» الحين، واستردّ المسلمون تراثا كان عنهم

آبقا، وظفروا يقظة بما لم يصدّقوا أنهم يظفرون به طيفا على النأي طارقا، واستقرّت على الأعلى أقدامهم، وخفقت على الأقصى أعلامهم، وتلاقت على الصّخرة قبلهم، وشفيت بها وإن كانت صخرة كما تشفى بالماء غللهم. ولما قدم الدين عليها عرف منها سويداء قلبه، وهنّأ كفؤها الحجر الأسود ببتّ «1» عصمتها من الكافر بحربه، وكان الخادم لا يسعى سعيه إلا لهذه العظمى، ولا يقاسي تلك البؤسى إلا رجاء هذه النّعمى، ولا يناجز من استمطله «2» في حربه، ولا يعاتب بأطراف القنا من تمادى «3» في عتبه، إلا لتكون الكلمة مجموعة، والدعوة «4» إلى سامعها مرفوعة، فتكون كلمة الله هي العليا، وليفوز بجوهر الآخرة لا بالعرض الأدنى من الدنيا، وكانت الألسنة «5» ربما سلقته فأنضج قلوبها بالاحتقار، وكانت الخواطر ربّما غلت عليه مراجلها فأطفأها بالاحتمال والاصطبار، ومن طلب خطيرا خاطر، ومن رام صفقة رايحة تجاسر «6» ، ومن سما لأن يجلّي غمرة غامر، وإلا فإنّ القعود يلين تحت نيوب الأعداء المعاجم فتعضّها «7» ، ويضعف في أيديها مهر القوائم فتقضّها «8» ، هذا إلى كون القعود لا يقضي فرض الله في الجهاد، ولا يرعى به حقّ الله «9» في العباد، ولا يوفى به واجب التقليد الذي تطوّقه «10» الخادم من أئمة قضوا بالحقّ

وبه كانوا يعدلون، وخلفاء الله «1» كانوا في مثل هذا اليوم لله «2» يسألون، لا جرم «3» أنهم أورثوا سرورهم «4» وسريرهم خلفهم الأطهر، ونجلهم الأكبر، وبقيّتهم الشّريفة، وطلعتهم «5» المنيفة، وعلوان «6» صحيفة فضلهم لا عدم سواد العلم «7» وبياض الصّحيفة، فما غابوا لمّا حضر، [ولا غضّوا] «8» لمّا نظر، بل وصلهم الأجر لما كان به موصولا، وشاطروه العمل لما كان عنه منقولا ومنه مقبولا، وخلص إليهم إلى المضاجع ما اطمأنّت به جنوبها [وإلى الصحائف ما عبقت به جيوبها] «9» وفاز منها بذكر لا يزال الليل به سميرا، والنهار به بصيرا، والشرق يهتدي بأنواره، بل إن أبدى «10» نورا من ذاته هتف به الغرب بأن واره، فإنّه نور لا تكنّه أغساق «11» السّدف، وذكر لا تواريه «12» أوراق الصّحف. وكتاب «13» الخادم هذا، وقد أظفر الله بالعدوّ الذي تشظّت قناته شفقا «14» ، وطارت فرقه فرقا، وفلّ سيفه فصار عصا، وصدعت حصاته وكان الأكثر عددا

وحصى، فكلّت «1» حملاته وكانت قدرة الله تصرّف فيه العنان بالعيان، عقوبة من الله ليس لصاحب يد بها «2» يدان، وعثرت قدمه وكانت الأرض لها حليفة، وغضّت عينه وكانت عيون السيوف دونها كسيفة «3» ، ونام جفن سيفه وكانت يقظته تريق نطف الكرى من الجفون، وجدعت أنوف رماحه وطالما كانت شامخة بالمنى أو راعفة بالمنون، وأضحت «4» الأرض المقدّسة الطاهرة وكانت الطامث، والربّ المعبود «5» الواحد وكان عندهم الثالث، فبيوت الشّرك «6» مهدومة، ونيوب الكفر «7» مهتومة، وطوائفه المحامية، مجتمعة «8» على تسليم البلاد الحامية، وشجعانه المتوافية، مذعنة ببذل المطامع «9» الوافية، لا يرون في ماء الحديد لهم عصرة، ولا في فناء الأفنية «10» لهم نصرة، وقد «11» ضربت عليهم الذّلّة والمسكنة، وبدّل الله مكان السيئة الحسنة، ونقل بيت عبادته من أيدي أصحاب المشأمة إلى أيدي أصحاب الميمنة. وقد كان الخادم لقيهم اللّقاة الأولى فأمدّه الله بمداركته، وأنجده بملائكته، فكسرهم كسرة ما بعدها جبر، وصرعهم صرعة لا يعيش «12» معها بمشيئة الله كفر، وأسر منهم من أسرت به السّلاسل، وقتل منهم من فتكت «13»

به المناصل، وأجلت المعركة عن صرعى من الخيل والسّلاح [والكفّار، وعن أصناف يخيّل بأنه قتلهم بالسيوف الأفلاق والرّماح الأكسار، فنيلوا بثأر من السلاح ونالوه أيضا بثار] «1» ، فكم أهلّة سيوف تقارضن الضّراب بها حتّى عادت كالعراجين «2» ، وكم أنجم رماح «3» تبادلت الطّعان حتّى صارت كالمطاعين، وكم فارسيّة ركض عليها فارسها السّهم «4» إلى أجل فاختلسه، وفغرت تلك القوس فاها فإذا فوها قد نهش القرن على بعد المسافة فافترسه «5» ، وكان اليوم مشهودا، وكانت الملائكة شهودا، وكان الكفر «6» مفقودا، والإسلام مولودا، وجعل الله ضلوع الكفّار لنار جهنّم وقودا، وأسر الملك وبيده أوثق وثائقه، وآكد وصله بالدّين وعلائقه، وهو صليب الصّلبوت، وقائد أهل الجبروت، وما «7» دهموا قطّ بأمر إلّا وقام بين دهائمهم يبسط لهم باعه، ويحرّضهم «8» وكان مدّ اليدين في هذه الدّفعة وداعة، لا جرم أنهم تهافت «9» على نارهم فراشهم، وتجمّع «10» في ظلّ ظلامه خشاشهم، فيقاتلون تحت ذلك الصّليب أصلب قتال وأصدقه ويرونه ميثاقا يبنون عليه أشدّ عقد «11» وأوثقه،

ويعدّونه سورا تحفر حوافر الخيل خندقه. وفي هذا اليوم أسرت سراتهم، وذهبت «1» دهاتهم، ولم يفلت معروف إلا القومص، وكان لعنه الله مليّا يوم الظّفر بالقتال، ويوم «2» الخذلان بالاحتيال، فنجا ولكن كيف؟ وطار خوفا من أن يلحقه منسر الرّمح وجناح «3» السّيف، ثم أخذه الله «4» بعد أيام بيده، وأهلكه لموعده، فكان لعدّتهم فذالك، وانتقل من ملك الموت إلى مالك. وبعد الكسرة مرّ الخادم على البلاد فطواها بما نشر عليها من الراية العبّاسيّة السوداء صبغا، البيضاء صنعا، الخافقة هي وقلوب أعدائها، الغالبة هي [وعزائم أوليائها «5» ] المستضاء بأنوارها إذا فتح عينها البشر «6» ، وأشارت بأنامل العذبات إلى وجه النّصر، فافتتح بلد «7» كذا وكذا، وهذه «8» أمصار ومدن، وقد تسمّى البلاد بلادا وهي مزارع وفدن «9» وكلّ «10» هذه ذوات معاقل ومعاقر، وبحار وجزائر، وجوامع ومنائر، وجموع وعساكر، يتجاوزها الخادم بعد أن يحرزها، ويتركها وراءه بعد أن ينتهزها ويحصد منها كفرا ويزرع إيمانا، ويحطّ من منائر جوامعها صلبانا «11» ويرفع أذانا، ويبدّل المذابح منابر والكنائس

مساجد، ويبوّيء «1» بعد أهل الصّلبان أهل القرآن للذّبّ عن دين الله مقاعد، ويقرّ عينه وعيون أهل الإسلام أن تعلّق «2» النصر منه ومن عسكره بجارّ ومجرور، وأن ظفر «3» بكل سور ما كان يخاف زلزاله وزياله «4» إلى يوم النّفخ في الصّور. ولمّا لم يبق إلا القدس وقد اجتمع «5» إليها كلّ شريد منهم وطريد، واعتصم بمنعتها كلّ قريب منهم وبعيد، وظنّوا أنّها من الله مانعتهم، وأن كنيستها إلى الله شافعتهم، فلما «6» نازلها «7» الخادم رأى بلدا كبلاد، وجمعا كيوم التّناد، وعزائم قد تألّفت «8» وتألّبت على الموت فنزلت بعرصته، وهان عليها مورد السيف وأن تموت بغصّته، فزاول البلد من جانب «9» ، فإذا أودية عميقة، ولجج وعرة «10» غريقة، وسور قد انعطف عطف السّوار، وأبرجة قد نزلت مكان الواسطة من عقد الدار «11» ، فعدل إلى جهة أخرى كان للمطامع «12» عليها معرّج، وللخيل فيها متولّج، فنزل عليها، وأحاط بها وقرب منها، وضربت «13» خيمته بحيث يناله السّلاح بأطرافه، ويزاحمه السّور بأكنافه، وقابلها ثم قاتلها، ونزلها ثم نازلها، وبرز إليها ثم بارزها، وحاجزها ثم ناجزها، فضمّها «14» ضمّة ارتقب بعدها الفتح،

وصدع أهلها «1» فإذا هم لا يصبرون على عبودية الخدّ «2» عن عتق الصّفح، فراسلوه ببذل قطيعة إلى مدّة، وقصدوا نظرة من شدّة وانتظارا لنجدة، فعرفهم «3» في لحن القول، وأجابهم بلسان الطّول، وقدّم المنجنيقات «4» ، التي تتولّى عقوبات الحصون عصيّها وحبالها، وأوتر لهم قسيّها التي تضرب «5» فلا تفارقها سهامها ولا يفارق سهامها نصالها، فصافحت السّور بأكنافه «6» فإذا سهمها في ثنايا شرفاتها سواك، وقدّم النصر نسرا من المنجنيق يخلد إخلاده إلى الأرض ويعلو علوّه إلى السّماك، فشجّ مرادع أبراجها، وأسمع صوت عجيجها «7» ، ورفع مثار عجاجها «8» ، فأخلى السّور من السيّارة، والحرب من النّظّارة، فأمكن «9» الثّقّاب، أن يسفر للحرب النّقاب، وأن يعيد الحجر إلى سيرته «10» من التّراب، فتقدّم إلى الصّخر فمضغ سرده، بأنياب معوله، وحلّ عقده، بضربه الأخرق الدالّ على لطافة أنمله، وأسمع الصخرة الشريفة حنينه «11» واستغاثته إلى أن كادت ترق لمقبّله 1» ، وتبرّأ بعض الحجارة من بعض، وأخذ الخراب عليها موثقا فلن تبرح الأرض، وفتح في السور باب «13» سدّ من نجاتهم أبوابا، وأخذ

نقب «1» في حجره، قال عنده الكافرا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً «2» فحينئذ يئس الكفّار من أصحاب الدّور، كما يئس الكفّار من أصحاب القبور، وجاء أمر الله وغرّهم بالله الغرور «3» . وفي الحال خرج طاغية كفرهم وزمام أمرهم ابن بارزان «4» سائلا أن يؤخذ البلد بالسّلم لا بالعنوة، وبالأمان لا بالسّطوة، وألقى بيده إلى التّهلكة، وعلاه ذلّ الملكة «5» بعد عزّ المملكة، وطرح «6» جبينه في التّراب، وكان حينا لا يتعاطاه طارح، وبذل مبلغا من القطيعة لا يطمح إليه «7» طرف آمل طامح، وقال: ها هنا أسارى مؤمنون «8» يتجاوزون الألوف، وقد تعاقد الفرنج على أنهم إن هجمت عليهم الدار، وحمّلت الحرب على ظهورهم الأوزار، بديء بهم فعجّلوا، وثنّي بنساء الفرنج وأطفالهم فقتّلوا، ثم استقتلوا بعد ذلك فلم «9» يقتل خصم إلا بعد أن ينتصف، ولم يسلّ «10» سيف من يد إلا بعد أن تنقطع «11» أو ينقصف، وأشار «12» الأمراء بالأخذ بالميسور، من البلد المأسور، فإنه إن أخذ «13» حربا فلا بدّ أن تقتحم الرجال الأنجاد، وتبذل أنفسها في آخر أمر قد

نيل من أوّله المراد. وكانت الجراح في العساكر قد تقدّم منها ما اعتقل الفتكات، واعتاق «1» الحركات، فقبل منهم المبذول عن يد وهم صاغرون، وانصرف أهل الحرب عن قدرة وهم ظاهرون، وملك الاسلام خطّة كان عهده بها دمنة سكّان، فخدمها الكفر إلى أن صارت روضة جنان، لا جرم أن الله «2» أخرجهم منها وأهبطهم، وأرضى أهل الحقّ وأسخطهم، فإنّهم- خذلهم الله- حموها بالأسل والصّفاح [وبنوها بالعمد والصّفّاح] «3» وأودعوا الكنائس بها وبيوت الديوية والاستبارية «4» منها كلّ غريبة من الرّخام الذي يطّرد ماؤه، ولا يطرد «5» لألاؤه، قد لطف الحديد في تجزيعه، وتفنّن في توشيعه، إلى أن صار الحديد الذي فيه بأس شديد، كالذهب الذي فيه نعيم عتيد، فما ترى إلا مقاعد [كالرياض لها من بياض الترخيم رقراق، وعمدا كالأشجار لها من التنبيت أوراق] «6» . وأوزع «7» الخادم بردّ الأقصى إلى عهده المعهود، وأقام له من الأئمة من يوفّيه ورده المورود، وأقيمت الخطبة يوم الجمعة رابع شهر «8» شعبان، فكادت السموات يتفطّرن للسّجوم «9» لا للوجوم، والكواكب ينتثرن «10» للطّرب لا للرّجوم، ورفعت إلى الله كلمة التوحيد وكانت طرائقها «11» مسدودة، وظهرت «12»

قبور الأنبياء وكانت بينهم «1» بالنّجاسات مكدودة، وأقيمت الخمس وكان التثليث يقعدها [وجهرت الألسنة بالله أكبر وكان سحر الكفر يعقدها] «2» وجهر باسم أمير المؤمنين في قطبه «3» الأقرب من المنبر، فرحّب به ترحيب من برّ بمن برّ، وخفق علماه في حفافيه، فلو طار به سرورا لطار بجناحيه. وكتاب الخادم وهو مجدّ في استفتاح بقيّة الثّغور، واستشراح ما ضاق بتمادي الحرب من الصّدور، فإنّ قوى العساكر قد استنفدت مواردها، وأيّام الشّتاء «4» قد مردت مواردها، والبلاد المأخوذة المشار إليها قد جاست العساكر خلالها، ونهبت ذخائرها وأكلت غلالها. فهي بلاد ترفد ولا تسترفد، وتجمّ ولا تستنفد، وينفق «5» عليها ولا ينفق منها، وتجهّز الأساطيل لبحرها، وتقام المرابط لبرّها» ، ويدأب في عمارة أسوارها ومرمّات معاقلها، وكلّ مشقّة فهي بالاضافة إلى نعمة الفتح محتملة وأطماع «7» الفرنج فيما بعد ذلك مذاهبها غير مرجئة ولا معتزلة، فلن يدعوا دعوة يرجو الخادم من الله أنها لا تسمع، ولن تزول «8» أيديهم من أطواق البلاد حتّى تقطع. وهذه البشائر لها تفاصيل لا تكاد من غير الألسنة تتشخّص، ولا بما سوى المشافهة تتلخّص. فلذلك نفّذنا «9» لسانا شارحا، ومبشّرا صادحا، ينشر «10»

الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بالدعاء لغير الديوان بما فيه تعظيم الخليفة)

الخبر على سياقته، ويعرض جيش المسرّة من طليعته إلى ساقته «1» . الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بالدعاء لغير الديوان بما فيه تعظيم الخليفة) كما كتب القاضي الفاضل عن الملك الناصر (صلاح الدين يوسف بن أيوب» إلى ديوان الخلافة ببغداد. أسعد الله عظماء الأملاك بالانتساب إلى الخدمة الشريفة النبوية، وأوزعهم ما أمرهم به من طاعتها، وخلّد ملك الديوان العزيز النبويّ ما دامت الأفلاك قائمة والنّجوم ناجمة، ونقع بغمائمها «2» غلل الآمال الحائمة، وفسّر بمكارمها حلم الأمانيّ الحالمة، ورتق «3» بتدبيراتها المعصومة فتوق النّوب المتعاظمة، وأظهر على أيدي أوليائها معجزات نصرها، وصرّف الأيّام والليالي بين المرضيّين لله نهيها وأمرها، وأودع بركات السماء والأرض بمودعها ومستقرّها. المملوك- وإن كان قد يسّر الله له مذ أطلقت عذبة لسانه خدمة الدولة العباسية، فتفسح في وسيع مآثرها، وتخيّر من بديع جواهرها، وامتاح من نمير زواخرها، فإنه لا يعتذر عن الحصر الذي اعتراه في وصف المنعم عليه به من

الخطاب الشريف، الذي لولا أنّ عصمة الموالاة تثبّت فؤاده الخافق، وتسدّد لسانه الناطق، لما تعاطى وصف ما أعطاه من كتابه المرقوم، وسبق إليه من سحابه المركوم، فإنه مما يشفّ عنه الأمل ناكصا وهو كسير، وينقلب دونه البصر خاسئا وهو حسير، ألا أنّ الانعام الشريف يبدأ الأولياء بما لو وكلهم إلى أمانيّهم لتهيّبت أن تتعاطى حظيته، ولو فوّضه إلى راحتهم لنكلت عن أن تترقّى نصيّته، ولا غرو للسّحاب أن يصافح قطره الثّرى، والفجر أن يشرق نوره على عين الكرى والسّرى. فالحمد لله الذي قرّب على المملوك منال الآمال، وثبّت حصاة فؤاده لما لا تستقلّ بحمله صمّ الجبال، ويستنيب عن جهر الشّكر بسرّ الأدعية، ويقتصر على ما يفضي به إلى المحاريب وإن لم يقصّر عما يقصّه في الأندية، ويطالع بأنّ مملوك الخدمة وابن مملوكها أخذ الكتاب بقوّة، وشمّر لخدمة أشرف خلافة لأشرف نبوّة، وتلقّاه تلقّي أبيه الأوّل الكلمات ورأى إطلاع الله لأمير المؤمنين على ما في ضميره من طاعته إحدى المعجزات والكرامات، وسمع المشافهة خاشعا متصدّعا واشتمل عليها بفهمه ساميا طرفه متطلّعا. ولقد أشبه هذا الكتاب الكريم بيعة أخذت عليه، مدّ إليها يده آخذا بكلتا يديه. والمملوك يرجو بل يتحقّق أن هذا العبد المشار إليه سيوفي على سابقه من عبيد الدولة العباسية في الزمان، ويكون بمشيئة الله أسبق منهم بالإحسان. وقد صدرت خدمتان من جهته وبعدهما تصدر الخدم، ولا يألو جهدا في الخدمتين مباشرا بيده السيف ومستنيبا عنها العلم، وله نصرة باقية في الولاء وهو غنيّ بها عن النصير، وسريرة بادية في الطاعة وهو إليها أسكن منها إلى كل مشير. يعود المملوك إلى ما لا يزال يفتتح به الصلوات المفروضة، ويختتم به الختمات المعروضة، من الدعاء الصالح الذي [وإن] أغنى الله وليّه عنه فقد أحوج ذوي العقائد السليمة إليه؛ لأنه مزكّ لأعمالهم؛ بل متمّم لإسلامهم، وكيف لا يدعون لمن يدعون به يوم يدعى كلّ أناس بإمامهم، فيقول:- جمع

الأسلوب الثالث (أن يبدأ بآية من كتاب الله تعالى تناسب الحال)

الله لأمير المؤمنين طاعة خلقه! وأذلّ رقاب الباطل سيف حقه! وجعل الله ما هو قبضته في الأخرى قبضة أمير المؤمنين في الأولى، من الأرض التي هي موطوءة كالسموات العلى، وأدام نعمه على هذه الأمة بإمامته، وأظهر كرامة نبيّه عليه السّلام بما يظاهره من كرامته، وعجّل لمن لا يقوم بفرض ولايته إقامة قيامته، وردّ بسيوفه التي لا تردّ ما الإسلام ممطول به من ظلامته، وأقام به مناهج الدّين لأهله، وأظهره بمظاهرته على الدّين كلّه، حتّى يلقى الله ما خلّف في الدنيا كافرا، ولا ضميرا إلا بالتوحيد عامرا، ولا بلدا إلا وقد بات الإسلام به آهلا وقد أصبح منه الكفر داثرا، إن شاء الله تعالى. الأسلوب الثالث (أن يبدأ بآية من كتاب الله تعالى تناسب الحال) كما كتب القاضي الفاضل، عن السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» إلى الخليفة المستضيء «1» ببغداد ببشرى بفتح بلد من بلاد النّوبة والنّصرة عليها: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ «2» : سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ «3» فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ «4» . وصلاة يتبعها تسليم، وكأس يمزجها تسنيم وذكر من الله سبحانه في

الملإ الأعلى ورحمة الله وبركاته معلومة من النشأة الأولى على مولانا الإمام «المستضيء بالله» المستضاء بأنواره، المستضاف بداره، الداعي إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم، الراعي للخلق كما يرعى النسيم النّسيم، العامّ فضله، التامّ عدله، المطروق مورد فنائه، المصدوق في مورد ثنائه، المحقوق من كل وليّ بولائه، ابن السادة الغرّ، والقادة الزّهر، والذّادة الحمس، والشادة للحق على الأسّ، سقاة الكوثر وزمزم والسّحاب، وولاة الموسم والموقف والكتاب، والموصول الأنساب [يوم] إذا نفخ في الصور فلا أنساب، والصابرون على حساب أنفسهم فهم الذين يؤتون أجرهم بغير حساب. مملوك العتبات الشريفة وعبدها، ومن اشتمل على خاطره ولاؤها وودّها، وكانت المشاهدة لأنواره العلية التي يودّها، ومن يقرن بفرض الله سبحانه فرضها، ويسابق بطاعته إلى جنة وصفها الله تعالى بقوله وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا* «1» ، يلثم وجه ترابها، ويرى على بعد دارها الأنوار التي ترى بها، ويقف لديها وقوف الخاضع، ويضع أثقال الآثام عن ظهره منها بأشرف المواضع للواضع، ويخبت إليها إخبات الطائح الطائع، ويرجو فضلها رجاء الطامح الطامع. ولولا أنّ الكتاب حجاب بينه وبين المهابة التي تحول بين المرء وقلبه، والجلالة التي هو في تعظيمها على نور من ربّه، لكان خاطره في قبضة الهلع أسيرا، ولانقلب إليه البصر خاسئا حسيرا، ولكنّ قلمه قد تشاجع، أن كان لسانه عن الإبانة قد راجع. فيقول: إنّ الله قد رفع ملّة الإسلام على الملل، وكفل نصرها وكفى ما كفل، وحمى ملكها وحمل، وجعل لها الأرض في أيدي المخالفين ودائع، ومكّن يده من أعناقهم فهي إمّا تعقد الأغلال أو تصوغ الصّنائع، والحقّ بها قائم العمود، والسيف الكفاية لازم الغمود، والبشائر تمسّك الصّباح وتخلّق الدّجى، والخيل

على طول ما تشتمل الوحى تنتعل الوجى «1» ، والأيام زاهرة، والآيات باهرة، وعزّة أوليائها قاهرة، وذلّة أعدائها ظاهرة، وعنايات الله لديها متوالية متظاهرة، إذا تغرّب اسمها يوما عن منبر أعيد إلى وطنه غدا، وإذا أوقدت نار فتنة في معصيتها أوقدت في طاعتها نار هدى. وقد كان النيل قدما فرّت عن الفرات أبناؤه، وتحصّنت غلل «2» المؤمنين عنه فلم يتغلغل إليها ماؤه، وكادت السماء لا تعينه بمطرها، والأرض لا توشّيه بزهرها، والأعناق قد تقاصر دون الراجين بدو منعصها «3» ، والقلوب قد لاذت بأستار الجدار معضها «4» ، والأوثان منصوبه، والآيات مغصوبه، والتّيجان بغير أكفائها من الهامات معصوبه، والّدين أديانا، والمذكّرون بالآيات يخرّون عليها صمّا وعميانا، والعادلون بالله قد وطّنوا ألسنة وصرّحوا عقائد، والمعتدون قد أضلّوا فعالا وضلّوا مقاصد، وكراسيّ خلافة الله قد ألقي عليها أجساد كانت تقعد منها مقاعد، ومنابر كلمات الله قد كاد كيدهم يأتي بنيانها من القواعد، وجرت على بنوة النّبوة أشدّ نبوه، وقصرت الأيدي فلا حدّ سوط ولا حدّ سطوه، ثم قست قلوب فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً «5» وغرّت الأيّام وما وعدت، وأوردت الهمم وما أصدرت، وطغى طوفان الطّغيان ولا عاصم، وسما بناء البهتان ولا هادم، وضاقت الصّدور، ورحلت بغليلها إلى القبور، وظنّ أنّ طيّ دولتهم معدوق بالنّشور، حتّى إذا جلّاها الله لوقتها، وأنجز جموع الضّلال إلى ميعاد شتّها، وأراهم آية معدلته وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها «6»

جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ «1» : وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ «2» . كانت نعمة من الله يمنّها على المملوك أن انتجبه من بين أهل أرضه، وانتخبه لإقامة ما أمات الباطل من فرضه، ويسّره لما يسّره من نصرة الحق وأهله، وبشّره بما بشّره من لواء النصر ومدّ من ظلّه، وألهمه الهمّة التي افترع منها بكرا، ومنحه النّصرة فما يستطيع العدوّ صرفا ولا نصرا. مكّنه من صياصيهم «3» فحلّها، ومن دمائهم فطلّها، ومن سيوفهم ففلّها، ومن أقدامهم فاستزلّها، ومن منابر دعاتهم فعجّل تداعيها، ومن أنفس أعدائهم فأكثر تناعيها، وأبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم؛ ويسّر الذين كتب لهم العفو إلى منافعهم، ونثر خرزات الملك من تيجانها، وفضح على يده وبلسانه ما زوّرته من أنسابها، وحاسبها فأظهر زيف حسابها، ونقلها من ظهور أسرّتها إلى بطون ترابها، وعمد إلى أهل دعوتها الذين بسقوا بسوق النخل فأعلاهم على جذوعها، وحملت قلوبهم فوف «4» الحقد فأخرجها من أكمام طلوعها، فهل ترى لهم من باقية، أو تسمع لهم من لاغية، أو تجد إليهم من صاخية، فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم أو مساكينهم، وحصدوا حصد الحشيش ثم لا تخاف سيوفهم ولا سكاكينهم. واستنزلوا من عقاب اللّوح، وسجنوا في الهمّ من طول مداومة عقاب الرّوح، ثم تداركوا إلى الدّرك، واشتركوا في الشّرك، وأقفرت منهم عراص، وزهدت فيهم خواص، وعلم أن ليس لله غالب، وأن ليس يفوته طالب، وأنّ الملك لله وحده، وأنّ الويل لمن تجاوز أمره وحدّه.

وكان المملوك ممن عطّل من أوثانهم، وأبطل من أديانهم، فائزا بحسنة ينظر إلى حسنات خليل الله صلّى الله عليه وسلّم في كيده الأصنام وتكسيرها، وتضليله عابديها وتكفيرها. وعمد المملوك إلى المحاضر فجمعها، وإلى المنابر فرفعها، والجمعة فأطاع من شرعها، وأسماء صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوصلها باسمه وما قطعها، وعمومته رضوان الله عليهم فتلاها له واتّبعها، وأشاد باسم أمير المؤمنين لتكون الصلاة جامعه، والذّكرى شاملة والإمامة للجماعة شارعه، والهداية للضّلالة صارعه، فعادت للملّة أعياد، واخضرّت للمنبر أعواد، وأنجز للأمّة ميعاد. وبعد ذلك تحاشدت أولياء الذاهبين وتنادت، وتساعت نحو مستقرّ المملوك وتعادت وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ «1» وكانوا حميّة حاميّة من بني حام كالجراد أرجلا، إلا أنّ الله أصلاها بنيرانه، وكالماء مدّا إلا أنّ الله أغرقها بطوفانه، وكالنمل لونا وطرقا إلا أنّ الله حطمها بسليمانه «2» ، مع من انضمّ إليهم من ألفاف وأطراف، وأوشاب وأوباش، من جنديّ كسبه سيفه ذلّه، وطرده عن مواقف الكرام وبمحالّ الخزي أحلّه، ومن أرمنيّ كانوا يفزعون إلى نصرة نصرانيّته، ويعتمدون منه على ابن معموديّته، ومن عامّيّ أجابهم لفرط عماه وتفريط عامّيّته، فملأ العيون سوادهم الأعظم، ووراءهم بأس الله الذي لا يردّ عمن أجرم، فأمطرتهم السيوف مطرا كانوا غثاء «3» لسيوله الجوارف، وعصفت بهم الأعنّة عصفا كانوا هباء لهوجه

العواصف، فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ «1» وعوتبت الأنفس والأرؤس قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ «2» . وظلّت قحاف «3» بني حام تحت غربان الفلا غربانا، وشوهدت ظلمات بعضها فوق بعض أفعالا وألوانا، وصفت موارد السلطان من القذى، وطفيء ذلك الفحم فلا يجد النّفاق بعده ما تتعلق به الجذى «4» ، وبلغت الغايات في كشف كلّ أذى، لا بضرب بموعد يقال فيه إذا. وكاتب المملوك، واسم أمير المؤمنين قد كتب سطره على جبين النقدين، وسمع لفظه من فم المنبرين بالبلدين، ومدّ كلّ منبر يدا بل يدين، فحين سمع الناس قالوا حقّا ما قاله ذو اليدين، وصارت تلك الأسماء دبر الآذان ووراء الظّهور، وحصّلت المحبّة العباسية سرّا من أسرار القلوب إذا حصّل ما في الصّدور، والخلائق مبايعة متابعة وافية بعهده متوافية، داخلون في الحق أفواجا، سالكون منه شرعة ومنهاجا. والحمد لله الذي جعل أمير المؤمنين إماما لخلقه، ووارثا لأرضه ولم يذر فوق الأرض منازعا لحقّه، ولا مناهبا لأرضه، وارتجع له الحقّ الذي كان نادّا، وردّ عليه الأمر الذي لم يكن له غير الله رادّا، وبلّغ كلّ مؤمن من إعلاء كلمة الإيمان به ما كان له وادّا، وأخذ بيد انتقامه من كان عن سبيله صادّا، والإسلام قد استنار كنشأته، والزمان قد استدار كهيئته، والحقّ قد قرّ في نصابه، والأمر قد فرّ عن صوابه، فقد وفي الله القرار له بضمانه، وأخذ بيده ما روى عن ابن عمه صلّى الله عليه وسلّم وأصفى من لسانه.

الأسلوب الرابع (أن يبتدأ الكتاب بالصلاة)

فالحمد لله الذي صدقه وعده، وأورثه الأرض وحده، وجدّد علاه وأعلى جدّه، وأسعد نجمه وأنجم سعده، ووعده نجحه وأنجح وعده، وأورده وصفه وأصفى ورده. المملوك ينتظر الأمثلة ليتمثّلها، والأمانة ليتحمّلها، والتقليدات المطاعة ليتلوها، والتشريفات الشريفة ليجلوها، والسواد ليجلي الحلك عن ضمائر المبطلين، والسيف الحالي لحكمه في رقاب المعطّلين، وللآراء الشريفة فصل برهانها، وفضل سلطانها وأمرها الذي لا يخرج حين يخرج عن عزّ الملّة وتوطيد بنيانها، وعزمها الذي يرفع حين يرفع ظلمة أدخانها. إن شاء الله تعالى. الأسلوب الرابع (أن يبتدأ الكتاب بالصلاة) كما كتب القاضي الفاضل، عن الملك الناصر «صلاح الدين يوسف بن أيوب» إلى الخليفة ببغداد، في البشرى بفتح بلد من بلاد النّوبة أيضا، وانهزام ملكها بعساكره: صلوات الله التي أعدّها لأوليائه وذخرها، وتحيّاته التي قذف بشهبها شياطين أعدائه ودحرها، وبركاته التي دعا بها كلّ موحّد فأجاب، وانقشع بها غمام الغمّ وظلام الظّلم فانجاب عن أنجاب، وزكاته التي هي للمؤمنين سكن، وسلامه الذي لا يعتري الموقنين في ترديده حصر ولا لكن «1» - على مولانا عاقد ألوية الإيمان، وصاحب دور الزمان، وساحب ذيل الإحسان، وغالب حزب الشيطان، الذي زلزلت إمامته قدم الباطل، وحلّت خلافته ترائب الدّهر العاطل، واقتضت سيوفه ديون الدّين من كل غريم ماطل، وأمضت غرب كل عزم للحقّ مفلول وأطلعت غارب نجم كلّ هدى آفل، وشفعت يقظات استغفاره إلى

غافر ذنب كلّ غافل،، وعلى آبائه الغاية والمفزع، والملاذ في وقت الفزع، والقائمين بحقوق الله إذ قعد الناس، والحاكمين بعدل الله إذ عدم القسطاس «1» ، والمستضيئين بأنوار الإلهام الموروثة من الوحي إذا عجز الاقتباس، والصابرين في البأساء والضّرّاء وحين الباس، خزّان الحكم، وحفّاظها، ومعاني النّعم، وألفاظها، وأعلام العلوم المنشورة إلى يوم القيامة، وكالئي السّروح المنتشرة من كلا «2» سديد الإمامة، ومن لا ينفذ سهم عمل إلا إذا شجذ بموالاتهم، ولا يتألّق صبح هداية إلا إذا استصبح الساري بدلالاتهم. المملوك يقبّل الأرض بمطالع الشّرف ومنازله، ومرابع المجد ومعاقله، ومجالس الجود، ومحالّ السجود، ومختلف أنباء الرحمة المنزّلة، ومرسى أطواد البسيطة المتزلزلة، ومفترّ مباسم الإمامة، ومجرّ مساحب الكرامة، ومكان جنوح أجنحة الملائك، ومشتجر مناسك المناسك، حيث يدخلون من كل باب مسلّمين، ويتبعهم ملوك الأرض مستسلمين، ومشاهد الإسلام كيوم أنزل فيه اليوم أكملت لكم دينكم- وينعقد على الولاية فأما غيره فله قوله: قاتلوا الّذين يلونكم، ويناجيها بلسان جلّى الإخلاص الصادق عقيدته، وأنشط الولاء السابق عقيلته، وأرهف الإيمان الناصع مضاربه، وفسّح المعتقد الناصح مذاهبه، فأعرب عن خاطر لم يخطر فيه لغير الولاء خطره، وقلب أعانه على ورود الولاء [أن] صفاء المصافاة فيه فطره- ويخبر أنه ما وهن عمّا أوجبته آلاؤه ولا وهى، ولا انثنى عزمه عن أن يقف حيث أظلّت سدرة المنتهى، ووضحت الآيات لأولي النّهى. والله سبحانه يزيل عنه في شرف المثول عوائق القدر وموانعه، ويكشف له عن قناع الأنوار التي ليست همّته بما دون نظرها قانعة- وكان توجّه منصورا بجيش دعائه، قبل جيش لوائه، وبعسكر إقباله، قبل عسكر قتاله، وبنصال

سلطانه، قبل نصال أجفانه، لا جرم «1» أنّ كتائب الرّعب سارت أمام الكتائب، وقواضب الحذر غمّضت في جفونها عيون القواضب- وسار أولياء أمير المؤمنين الذين تجمّعوا من كلّ أمّة، وتداعوا بلسان النّعمة، وتصرّفوا بيد الخدمة، وصالوا بسيف العزمة، متواخية نيّاتهم في الإقدام، متآلفة طويّاتهم في طاعة الإمام، كالبنيان المرصوص انتظاما، وكالغاب المشجر أعلاما، وكالنّهار الماتع حديدا وهّاجا، وكالليل الشامل عجاجا عجّاجا، وكالنهر المتدافع أصحابا، وكالمشط المطّرد اصطحابا، والأرض ترجل برجلهم لما ترفعه الحوافر من غيومها، والسماء تنزل نزولهم لما تضعه الذّوابل من نجومها، فما انتشرت رياضها المزهره، وغياضها المشجره، إلا دلّت على أن السّحاب الذي سقاهم كريم، والإنعام الذي غمرهم عظيم، والدّنيا التي وسعتهم من عزمتهم تظعن وتقيم. ولما علم العدوّ أنّ الخطب المظنون قد صرّح خطابه، والأمل المخدوع قد صفر وطابه، راسل ورأى سلّ السّيوف يغمده، وماكر وماكرّ لعلمه أن الحتف يعمده، واندفع هاربا هائبا، وخضع كائبا كاذبا، فمضى المملوك قدما، وحمّله ظلمه وقد خاب من حمل ظلما، وأجابه بأنه إن وطيء البساط برجله وإلا وطئه برأسه، وإن قدم على المملوك بأمله وإلا أقدمه بيأسه، وإن لم يظهر أثر التوبة وإلّا أقام «2» عليه الحدّ بسكرة الموت من كأسه، فلم يخرج من مراوغة تحتها مغاوره، ومكاسرة وراءها مكاشره، فاستخار الله في طلبه، وانتهز فيه فرصة شغل قلبه بريبه، ولم يغرّه ما أملي له في البلاد من تقلّبه. وسار ولم يزل مقتحما، وتقدّم أوّل العسكر محتدما، وإذا الدار قد ترحّل أهلها منها فبانوا «3» ، وظعنوا عن ساحتها فكأنّهم ما كانوا، ولم يبق إلا مواقد نيران رحلت قلوبهم

بضرامها، وأثافيّ «1» دهم أعجلت المهابة ما ردّ سغبهم «2» عن طعامها، وغربان بين كأنها في الديار ما قطع من رؤوس بني حامها، وعوافي طير كانت تنتظر من أشلائهم فطر صيامها، وعادت الرسل المنفّذة لاقتفاء آثارهم وأداء أخبارهم، ذاكرة أنهم لبسوا الليل حدادا على النعمة التي خلعت، وغسلوا بماء الصبح أطماع نفس كانت قد تطلعت، وأنهم طلعوا الأوعار أوعالا والعقاب عقبانا، وكانوا لمهابط الأودية سيولا ولأعالي الشّجر قضبانا- فرأى المملوك أن الكتاب فيهم قد بلغ أجله، والعزم منهم قد نال أمله، والفتك بهم قد أعمل منصله «3» ، وأن سيوف عساكر أمير المؤمنين منزّهة أن تريق إلا دماء أكفائها من الأبطال، وأن تلقى إلا وجوه أنظارها من الرجال، وأن المذكورين نمل حطمه سليمان عليه السّلام وجنوده، ورمل أطاره العاصف الذي يسحفه «4» ويقوده- وأصدر هذه الخدمة والبلاد من معرّتهم عارية، والكلمة بانخفاضهم غالية عالية، ويد الله على أعدائه عادية، وأنفس المخاذيل في وثاق مهابته العالية عانية- فرأى المملوك أن يرتّب بعده الأمير فلانا ليبذل الأمانات، لسوقة أهل البلاد ومزارعيها، ويفصل المحاكمات، بين متابعي السلطنة ومطاوعيها، ويفسّح مجال الإحسان لمعاودي المواطن ومراجعيها، فيعمر من البلاد ما قد شغر، ويشعر بالأمنة من لا شعر، فإنّ مقام المملوك ومن معه من عساكر تمنع الشمس من مطلعها، وتردّ جرية البحر عن موقعها، مما يضرّ بالغلال وينسفها، ويجحف بالرّعايا ويعسفها. فالحمد لله الذي جعل النصر لائذا بأعطاف اعتزامه، وأنامل الرّعب السائر إلى الأعداء محرّكة عذبات أعلامه، والعساكر المناضلة بسلاح ولائه،

الأسلوب الخامس (أن يبتدأ الكتاب بالسلام)

تغني بأسمائها عن مرهفاتها، والكتائب المقاتلة بشعار علائه، تقرأ كتب النّصر من حماتها. الأسلوب الخامس (أن يبتدأ الكتاب بالسلام) كما كتب القاضي الفاضل عن السلطان «صلاح الدين» أيضا، يعتذر له عن تأخّر الكتب، ويذكر له خبر صاحب قسطنطينيّة وصاحب صقلّيّة من ملوك النصرانية من الروم والفرنج: سلام الله الأطيب، وبركاته التي يستدرّها الحضّر والغيّب، وزكواته التي ترفع أولياءه إلى الدّرج، ونعمه التي لم تجعل على أهل طاعته في الدين من حرج- على مولانا سيّد الخلق، وسادّ الخرق، ومسدّد أهل الحق، ولابس الشّعار الأطهر سوادا، ومستحق الطاعة التي أسعد الله من خصّه بها بدءا ومعادا، ومولى الأمّة، الذي تشابه يوم نداه وبأسه إن ركض جودا أو جوادا، وواحد الدهر الذي لا يثنى، وإليه القلوب تثنى، ولا يقبل الله جمعا لا يكون لولائه جمع سلامة لا جمع تكسير، ولا استقبال قبلة ممن لا تكون محبّته في قلبه تقيم واسمه في عمله إلى الله يسير، مولانا أمير المؤمنين، وعلى آبائه المالئي الأرض عدلا، الملاء أهلا وفضلا، والضاربين فيصلا والقائلين فصلا، ومن تقول الجنة لأهلها بهم أهلا، المخصوصين بالعناية الإلهيّة، الحاكمين فكلّ أمة بطاعتهم مأمورة وعن معصيتهم منهيّة، والمشرّفي الأسارير على أسرّة الشرف فكم ملأت البهو مناظرهم البهيّة. المملوك- يخدم الحرم الشريف باحترامه، والفناء الكريم بإعظامه، والبساط المقبّل بطول استلامه، والسّتر الذي أسبله الله على العباد بتحيّته وسلامه، وينهي أنه آخر الخدم عن أن ينتظم الأوقات المتجدّدة، ويقتضب الحالات المتجرّدة، والرّسل عن أن تتوارد دراكا، وتتوالى وشاكا، والإنهاءات عن أن تثبت بالمقامات الشريفة النبوية، ومجالس العرض العلية، ما انتهت

الأسلوب السادس (أن تفتتح المكاتبة بخطبة مفتتحة بالحمد لله)

إليه الأقدار، وما أفضى إليه من كثير المناجح وقليل الأعذار، فإنّ أدب الأمالي عن المطالعة كالصوم لا يفضّ ختامه ولا يحلّ نظامه، إلا بعيد يطلع هلاله مبشّرا، ويبثّ خبره في الآفاق معطّرا، فلو أن متكلّفا أفطر قبل موعده، وورد الماء قبل مورده، لكان مفسدا لعقده، ناكثا لعهده. كذلك المملوك أمسك حين كانت الأخبار بجانبه مشتبهة، والحقائق لديه غير متوجّهة، فإنّ طاغيتي الكفر بقسطنطينية وصقلّية كانا قد أوقدا للحرب نارا، ورفعا لها أوزارا «1» ، واتخذا لها أسطولا جاريا وعسكرا جرّارا، وتباريا ولم يزد الله الظالمين إلّا تبارا، وكتبا إلى الفرنج بعد انهزامهم بالنّجدة والنّصرة، وتضمّنا لهم الخروج والكرّة، ويصفان ما استعدّا به بما لا يعبّر عنه إلا بالكثرة، واستطارت الشّناعة وتداولتها الألسن، وخرجت من الأفواه حتّى لقد كادت تدخل فيما رأته الأعين، وورد إلى المملوك رسول من طاغية القسطنطينيّة وهو أقدم ملوك النصرانية قدما، وأكثرهم ما لا منتمى، فعرض عليه موادعة يكون بها عسكره مودعا، ويكون له بها مفزعا، له ولصاحب صقلّيّة، الذي زعم أنه أصل للشرّ يكون الشرّ منه مفرّعا، فلم يكن ولم يجب إلى السّلم، ولم يزعه أن عسكره خذله الله مبار في البرّ وفي اليمّ، إن شاء الله تعالى. الأسلوب السادس (أن تفتتح المكاتبة بخطبة مفتتحة بالحمد لله) وذلك يختصّ بالفتوح وغيرها مما حدث فيه نعمة، وربما بدئت بآية من كتاب الله، كما كتب العماد الأصفهانيّ «2» عن السلطان «صلاح الدين

يوسف بن أيوب» إلى الناصر لدين الله ببغداد بفتح القدس «1» : وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ «2» . الحمد لله على ما أنجز من هذا الوعد، على نصرته لهذا الدّين الحنيف من قبل ومن بعد، وعلى أن أجرى هذا الحسنة التي ما اشتمل على شبهها كرام الصّحائف، ولم يجادل عن مثلها في المواقف، في الأيام الإمامية الناصرية زادها الله غررا وأوضاحا، ووالى البشائر فيها بالفتوح غدوّا ورواحا، ومكّن سيوفها في كلّ مازق، من كل كافر ومارق، ولا أخلاها من سيرة سريّة تجمع بين مصلحة مخلوق وطاعة خالق، وأطال أيدي أوليائها لتحمي بالحقيقة حمى الحقائق، وأنجزها الحقّ وقذف به على الباطل الزاهق، وملّكها هوادي المغارب ومرامي المشارق، ولا زالت آراؤها في الظّلمات مصابح، وسيوفها للبلاد مفاتح، وأطراف أسنّتها لدماء الأعداء نوازح. والحمد لله الذي نصر سلطان الديوان العزيز وأيّده، وأظفر جنده الغالب وأنجده، وجلا به جلابيب الظلماء وجدّد جدده، وجعل بعد عسر يسرا، وقد أحدث الله بعد ذلك أمرا، وهوّن الأمر الذي ما كان الإسلام يستطيع عليه صبرا، وخوطب الدين بقوله: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى «3» : فالأولى في عصر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والصّحابة، والأخرى هذه التي عتق فيها من رقّ الكآبة، فهو قد أصبح حرّا فالزمان كهيئته استدار، والحقّ بمهجته قد استنار، والكفر قد ردّ ما كان

عنده من المستعار، وغسل ثوب الليل بما فجّر الفجر من أنهار النّهار، وأتى الله بنيان الكفر من القواعد، وشفى غليل صدور المؤمنين برقراق ماء الموردات البوارد. أنزل ملائكة لم تظهر للعيون اللاحظة، ولم تخف عن القلوب الحافظة، عزّت سيما الإسلام بمسوّمها، وترادف نصره بمردفها، وأخذت القرى وهي ظالمة فترى مترفيها كأن لم تؤو فيها، فكم أقدم بها حيزوم، وركض فاتّبعه سحاب عجاج مركوم، وضرب فإذا ضربه كتاب جراح مرقوم، وإلا فإنّ الحروب إنما عقدت سجالا، وإنما جمعت رجالا، وإنما دعت خفافا وثقالا، فإمّا سيوف تقاتل سيوفا، أو زحوف تقاتل زحوفا، فيكون حدّ الحديد بيد مذكّرا وبيد مؤنّثّا، ويكون السيف في اليد الموحّدة يغني بالضربة الموحّدة وفي اليد المثلّثة لا يغني بالضّرب مثلّثا، وذلك أنه في فئتين التقتا، وعدوّتين لغير مودّة اعتنقتا. وإن هذه النّصرة إن زويت عن ملائكة الله جحدت كراماتهم، وإن زويت عن البشر فقد عرفت قبلها مقاماتهم، فما كان سيف يتيقّظ من جفنه قبل أن ينبّهه الصّريخ، ولا كان ضرب يطير الهام قبل ضرب يراه الناظر ويسمعه المصيخ، فكم قرية كأنّها هجرة الموت وبها التاريخ، وكم طعنة تخّر لها هضاب الحديد ولها شماريخ. والحمد لله الذي أعاد الإسلام جديدا ثوبه، بعد أن كان جديدا «1» حبله، مبيضّا نصره، مخضرّا نصله، متّسعا فضله، مجتمعا شمله. والخادم يشرح من نبإ هذا الفتح العظيم، والنصر الكريم ما يشرح صدور المؤمنين، ويمنح الحبور لكافّة المسلمين، ويكرّر البشرى بما أنعم الله به- من يوم الخميس الثالث والعشرين من ربيع الآخر إلى يوم الخميس منسلخه- وتلك سبع ليال وثمانية أيّام حسوما سخّرها الله على الكفّار فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ «2» ورايتها إلى الإسلام ضاحكة كما كانت من الكفر باكية، فيوم

الخميس الأوّل فتحت طبريّة وفاض ريّ النصر من بحيرتها، وقضت على جسرها الفرنج فقضت نحبها بحيرتها. وفي يوم الجمعة والسبت كسر الفرنج الكسرة التي مالهم بعدها قائمة، وأخذ الله أعداءه بأيدي أوليائه أخذ القرى وهي ظالمة. وفي يوم الخميس منسلخ الشهر فتحت عكّا بالأمان، ورفعت بها أعلام الإيمان؛ وهي أمّ البلاد، وأخت إرم ذات العماد، وقد أصبحت كأن لم تغن بالكفر وكأن لم تفتقر من الإسلام. وقد أصدر هذه المطالعة وصليب الصّلبوت مأسور، وقلب ملك الكفر الأسير جيشه المكسور مكسور، والحديد الكافر الذي كان في الكفر يضرب وجه الإسلام، قد صار حديدا مسلما يفرّق خطوات الكفر عن الأقدام، وأنصار الصليب وكباره، وكلّ من المعمودية عمدته والدّير داره، قد أحاطت به يد القبضة، وأخذ رهنا فلا تقبل فيه القناطير المقنطرة من الذهب والفضّة، وطبريّة قد رفعت أعلام الإسلام عليها، ونكصت من عكّا ملّة الكفر على عقبيها، وعمّرت إلى أن شهدت يوم الإسلام وهو خير يوميها؛ بل ليس من أيام الكفر يوم فيه خير، وقد غسل عن بلاد الإسلام بدماء الشّرك ما كان يتخلّلها فلا ضرر ولاضير، وقد صارت البيع «1» مساجدهم بها من آمن بالله واليوم الآخر، وصارت المناحر مواقف لخطباء المنابر، واهتزت أرضها لوقوف المسلمين فيها وطالما ارتجّت لمواقف الكافر، والبأس الإماميّ الناصريّ قد أمضى مشكاته «2» على يد الخادم حتّى بالدّنيّ في الكنائس، وإنّ عزّ أوّل الإسلام بحطّ تاج فارس، فكم حطّت سيوفه في هذا اليوم من تاج فارس! فأما القتلى والأسارى «3» فإنها تزيد على ثلاثين ألفا. وأما فرسان الديوية والاستبارية فقد أمضى الله حكمه فيهم وقطع بهم

سيوف نار الجحيم، ووصّل الراحل منهم إلى الشقاء المقيم، وفتك بافرنس كافر الكفّار، ومشيّد النار، من يده في الإسلام كما كانت يد الكليم، وافترّت النّصرة عن ثغر عكّا بحمد الله الذي يسّر فتحها، وتسلّمتها الملّة الإسلامية بالأمان وعرفت في هذه الصّفقة ربحها. وأما طبريّة فافترتها يد الحرب فأنهرت الحرب جرحها. فالحمد لله حمدا لا تضرب عليه الحدود، ولا تزكّى بأزكى منه العقود، وكأنه بالبيت المقدّس وقد دنا الأقصى من أقصاه، وبلّغ الله فيه الأمل الذي علم أن يحصيه وأحاط بأجلّه وأقصاه، لكلّ أجل كتاب، وأجل العدّو هذه الكتائب الجامعة، ولكلّ عمل ثواب، وثواب من هدى لطاعته جنات نعيمه الواسعة، والله المشكور على ما وهب، والمسؤول في إدامة ما استيقظ من جدّ الإسلام وهبّ. وقد توجه من جانبه الأمير رشيد الدين دام تأييده في إهداء هذه البشرى نيابة عن الخادم، ووصف ما يسّره الله لأوليائه من العزائم. والبلاد والمعاقل التي فتحت هي: طبريّة، عكّا، الناصرة، صفّوريّة، قيساريّة، نابلس، حيفا، معليا، القزلة، الطّور، الشّقيف، وقلاع بين هذه كثيرة. والولد المظفّر تقيّ الدين بصور وحصن تبنين. والأخ العادل سيف الدين نصره الله قد أوفت (؟) بالوصول من عنده من عنده من العساكر فينزل في طريقه على غزّة وعسقلان، ويجهّز مراكب الأسطول المنصور ويكثر عددها، ويسير بها إلى ثغر عكّا المحروس ويشحنها بالرجال ويوفّر سلاحها وعددها، والنهوض إلى القدس فهذا أوان فتحه ولقد دام عليه ليل الضّلال، وقد آن أن يستقرّ فيه الهدى مشكور الإحسان، إن شاء الله تعالى.

الجملة الثانية (في المكاتبات الخاصة، إلى خلفاء بني العباس)

الجملة الثانية (في المكاتبات الخاصّة، إلى خلفاء بني العباس) قال أبو جعفر النحّاس «1» : وقد يكاتب الإمام بغير تصدير إذا لم يكن ذلك في شيء من الأمور التي سبيلها أن تنشأ الكتب بها من الدواوين. كما كتب القاسم بن عبد الله إلى المكتفي «2» مهنّئا له بالخلافة: بسم الله الرحمن الرحيم، والسّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله أن يعظّم بركة هذا الأمر على أمير المؤمنين وعلى الأمّة كافّة. قال: والمستعمل في هذا الوقت في مكاتبة الوزير الإمام: أطال الله بقاء أمير المؤمنين! وأعزّه وأيّده، وأتمّ نعمته عليه، وأدام كرامته له. ثم قال: وربما استحسنت مكاتبة المرؤوس إلى الرئيس على غير ترتيب الكتاب. كما كتب إبراهيم بن أبي يحيى إلى بعض الخلفاء يعزّيه: أما بعد، فإنّ أحقّ من عرف حقّ الله عليه فيما أخذ منه، من عظم حقّ الله عليه فيما أبقاه له، واعلم أن أجر الصابرين فيما يصابون أعظم من النّعمة عليهم فيما يعافون فيه. الطرف الخامس (في المكاتبات الصادرة إلى الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية) قد ذكر في «موادّ البيان» أنّ المستعمل في دولتهم أن يقال بعد البسملة: أفضل صلوات الله وبركاته، وأشرف رضوانه وتحيّاته، على مولانا وسيدنا الإمام

الفلاني أمير المؤمنين، وعلى آبائه الطاهرين، وأبنائه الأكرمين- إن كان له أبناء- فإن لم يكن له أبناء قيل مكان الأكرمين: المنتظرين. ثم يقال بعد فضاء واسع: كتب عبد الموقف النبويّ خلّد الله ملكه، من مقرّ خدمته بناحية كذا، وأمور ما عذق «1» به وردّ إلى نظره منتظمة بسعادة مولانا أمير المؤمنين- صلوات الله عليه وعلى جدّه- والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وسلّم تسليما. ثم يقال: العبد ينهي كذا وكذا ينص الأغراض التي بني الكتاب على إنهائها وشرح حالها. قال: فإن كان الكتاب مبنيّا على المطالعة ببعض الأخبار، قيل في آخره بعد فضاء يسير: «أنهى العبد ذلك ليستقرّ علمه بالموقف الأشرف» إن شاء الله تعالى. وإن كان مبنيّا على الاستثمار في بعض الأحوال، قيل في هذا الموضع: «ولمولانا أمير المؤمنين صلّى الله عليه الرأي العالي في ذلك» إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة كتاب من هذا النمط في جواب عن كتاب ورد من الخليفة بالسؤال عن المكتوب عنه في مرضه، وهو: صلوات الله الزّاكية، وتحيّاته الذّكية الذّاكية، وسلامه الذي يتنزّل على الرّوح بالرّوح، ويؤذن من رضا الله بأشرف موهوب وأكرم ممنوح، وبركاته التي فيها للمؤمنين سكن، وبشفاعتها تتقبّل أعمال المؤمن بقبول حسن- على إمام الحقّ المنظور المغني عن المنتظر، وحجّة الله التي أرسلها نذيرا للبشر، وخليفة الله الذي نزلت بمدحه مرتّلات السّور، قبل مرتّبات السّير، وبعثه الله بالنّور الذي لا يمكّن الكافر من إطفائه، وبرهان الله الذي لا يطمع الجاحد في إخفائه، ونائب النبوّة ووارثها، ومحيي القلوب وباعثها، ومفيض أسرار الأنوار ونافثها، سيدنا ومولانا الإمام الفلاني، ولا زالت الأقدار له جنودا وجدودا،

والجديدان يسوقان إليه من أيّامهما ولياليهما إماء وعبيدا، وعلى آبائه الذين سبقت لهم من ربهم الحسنى، ورغبوا عن عرض هذا الأدنى؛ ولا تتهم ولاتهم على الخيان، ولا يتمّ للثقلين أن ينفذوا ما لم يكونوا منهم بسلطان- وعلى أبنائه وجوه الهدى البارزة من الأكنّة، وأيدي النّدى والأعنّة والأسنّة. كتب عبد الموقف النبويّ خلّد الله ملكه من مقرّ خدمته بالمكان الفلاني، وأمور ما عدق به وردّ إلى نظره على أتمّ حال وأكمله، وأحسن نظام وأجمله؛ بسعادة مولانا أمير المؤمنين، صلوات الله عليه وعلى جدّه وآبائه الطاهرين. العبد ينهي أنه لو أخذ في شكر المنن التي ترقّيه في كل يوم لهضاب بعيدة المرتقى، وتورده جمّات قريبة المستقى، وتوجب على لسانه أن يبذل جهد من استرسل وعلى قلبه أن يبذل جهد من اتقى؛ لقصر به الوصف، وأعياه من ورق الجنّة الخصف «1» . وكيف يجاري من يده ديمة الله بقلمه؟ أو كيف ينزح بحر الجود الذي يمدّه سبعة أبحر نعمه؟ ولما ورد عليه التشريف بالسؤال الذي أحياه بنسيم روحه، ونفخ فيه من روحه، فوقع له ساجدا، وثاب إلى السجود عائدا، وبذل مع ضراعته الابتهال جاهدا، وأخلص فرض الولاء معتقدا ورفع لواء الحمد عاقدا، وكشف عنه الضّرّ، وأطلعت على وجهه النّعم الغرّ، وتكافت الأنداد في محل عيشه فحلي الحلو ومرّ المرّ، وانتهى من الدعوات إلى ما انتهى به المرض، وتفلل منه الجوهر الذي عزل به العرض، وصافح بمهجته السّهام التي نفذ بها الغرض، وكاد يشاهده مرتفعا به الضّنى والألم، وفعلت أنواره في ظلمته ما لا تفعل الأنوار في الظّلم، ولم يرد قبله حلو الأوّل والآخر، مأمون الموارد والمصادر، مضمون الشّفاء في الباطن والظاهر، عادت القلوب على الأجسام بفضله، وسطت العافية على الأسقام بفضله بل بفضله، والله سبحانه يملّكه أعناق البلاد، كما أجرى على يديه أرزاق العباد، إن شاء الله تعالى. وكتب في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا.

الطرف السادس (في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم إلى خلفاء بني أمية بالأندلس)

الطرف السادس (في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم إلى خلفاء بني أمية بالأندلس) وكانت المكاتبة إليهم بالافتتاح بالدعاء بطول البقاء، مع الإطناب في الإطراء في شأن الخليفة ومدحه والثناء عليه والدعاء له، والخطاب فيه للخليفة بأمير المؤمنين منعوتا بمولاي وسيدي ونحو ذلك، والتعبير عن المكتوب عنه بلفظ الوحدة من تاء المتكلم ونحوها. كما كتب أبو المطرّف بن المثنّى من إنشائه عن المنصور «1» إلى هشام «2» بن الحكم يخبره بجريان الصّلح بينه وبين الموفّق، بعد ما كان بينهما من عداوة: أطال الله بقاء أمير المؤمنين! مولاي وسيدي وسيد العالمين، وابن الأئمة الراشدين، عزيزا سلطانه منيرا زمانه، سامية أعلامه، ماضية أحكامه، ظاهرا على من ناواه قاهرا لمن عاداه، كما يحبّ- أيد الله أمير المؤمنين مولاي وسيّدي على أحسن ما يكون عليه. العبد المخلص والمولى المتخصّص، الذي حسن مضمره واستوى سرّه

وجهره، ولاح استبصاره وجدّه، وتناهى سعيه وجهده في مضمار الجري إلى الطاعة، وبذل إذعانه وانقياده، واستعبد إمكانه وإجهاده، فيما يفي بتمكين الإمامة المهديّة، والخلافة المرضيّة، ويشدّ مباني المملكة المصدّقة لتباشير اليمن والبركة، والله سبحانه وليّ العون والتأييد، والمليّ بالتوفيق والتسديد، لا ربّ غيره. وبعد- أبقى الله أمير المؤمنين- فإن كتابي إليه سلف معربا عن النّزغة التي كانت بيني وبين الموفّق مملوكه، وقديما نزغ الشيطان بين المرء وصديقه، والأخ وشقيقه، وضرب ساعيا بالتّشتيت والتشغيب، والتبعيد والتقريب؛ بين الأب الحاني الشفيق، والابن البرّ الرفيق، ثم يعود ذوو البصائر والنّهى، وأولوا الأحلام والحجا، إلى ما هو للشّحناء أذهب، وبالتجامل أولى وأوجب. وكتابي هذا وقد نسخ الله بيننا آية الافتراق، بالاتصال والاتفاق، ومحاسمة التباين والخلاف، وبدوّ التآلف والإنصاف، وعادت النفوس إلى صفائها، وانطوت على وفائها، وخبت نار الفتنة، وامتدّ رواق الهدنة، وثبتت الأسباب الراسخة، والأواصر العاطفة بأزمّة قلوبنا إلى معاهد الخلّة القديمة، ومواطن العشرة الكريمة، والمعروف من الامتزاج في كلّ الأحوال والتشابك وجلاء الشك باليقين، وقرّت بالانتظام العيون، وصرنا في القيام بدعوة أمير المؤمنين مولانا وسيدنا رضيعي لبان، وشريكي عنان، وأليفي تناصر، وحليفي تظافر، فنحن عن قوس واحدة في نصرتها نرمي، ومن ورائها نذود جاهدين ونحمي، قد فتنا الجياد في السّبق إلى الطاعة، وأحرزنا قصب السبق في المظاهرة والمشايعة، فما نفتأ نسعى في تمهيدها ونذهب، ولا ننفكّ نكدح لها وننصب، والله الكفيل بإنجادنا بعزّته وقدرته، وحوله وقوّته؛ لا إله إلّا هو. وإن الذي عقده الله تعالى لنا، وحسمه من دواعي القطيعة عنّا، ما اطّرد وتأتّى، وسنح وتهيّا إلا بسعد طائر أمير المؤمنين سيدنا ومولانا أعزه الله، ويمن نقيبته، فمن تمسّك بعروته وعاذ بعصمته، فقد فاز قدحه، وتبلّج في ظلم الأمور صبحه، واستدلّ بأوضح الدليل، وعرض بالرأي الأصيل، واستنار بأضوإ

الطرف السابع (في المكاتبة الصادرة إلى خلفاء الموحدين بالمغرب، القائم بقاياهم الآن بتونس وما معها من سائر بلاد أفريقية. وفيه ثلاثة أساليب)

سراج، وسلك على أقصد منهاج؛ ولم يزايل الرّشاد آراءه، وصاحب السّداد أنحاءه. والله، تقدّس اسمه، لا يزال يعرّفنا من سعادة الدعوة الزكية ما يصلح به أحوالنا، ويفسح به آمالنا، بمنّه. ولما أتاح الله من السّلم ما أتاحه، وأزاح من المكروه ما أزاحه، لم أجد فيّ فسحة ولا غنى ولا سعة، من إطلاع أمير المؤمنين مولاي وسيدي من ذلك على الجليّة، وإعلامه بالصورة، فأنهضت إلى حضرته العالية ذا الوزارتين عبد الرحمن بن مطروح رسولي وعبدي وخاصّتي مملوكه لينهي إليه الحال على حقيقتها، ويوفّيها بكلّيتها، وأقرن به رسول الموفّق، متحملا مثل ما تحمّله رسولي، ومتقلّدا كالذي تقلّده، ولأمير المؤمنين مولاي وسيدي الفضل العميم في الإصغاء إليهما، والوعي عنهما، والسماع منهما جميع ما يوردانه ويوضّحانه، ويستوفيانه ويشرحانه، والتطوّل بالمراجعة فيه، بما يستوجبه ويقتضيه، واصلا لعزّ مننه وأياديه؛ إن شاء الله تعالى. الطرف السابع (في المكاتبة الصادرة إلى خلفاء الموحّدين بالمغرب، القائم بقاياهم الآن بتونس وما معها من سائر بلاد أفريقيّة. وفيه ثلاثة أساليب) الأسلوب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة بالدعاء، وهي على ضربين) الضرب الأوّل (أن تكون المكاتبة من ملك آخر) والرسم فيه أن تفتتح بالدعاء المناسب للحال، ويعبّر المكتوب عنه عن نفسه بنون الجمع ويخاطب المكتوب إليه بأمير المؤمنين. كما كتب القاضي «1»

الفاضل عن السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» إلى المنصور يعقوب «1» بن يوسف بن عبد المؤمن، أحد خلفائهم في سنة خمس وثمانين وخمسمائة، يستجيشه على الروم الفرنج القاصدين بلاد الشام والديار المصرية، وهو: فتح الله بحضرة سيدنا أمير المؤمنين، وسيد العالمين، وقسيم الدنيا والدّين، أبواب الميامن، وأسباب المحاسن، وأحلّه من كفايته في الحرم الآمن، وأنجزه من نصرة الحق ما الله له ضامن، وأصلح به كلّ رأي عليه الهوى رائن، ومكّن له في هذه البسيطة بسطه، وزاده بالعلم غبطه، حتّى يكون للأنبياء بالعلم وللأرض بالعزم وارثا، وحتّى يشيّد بحادث قديما من مجده الذي لا يزال بغضّ الحديث حادثا. كان من أوائل عزمنا وفواتح رأينا عند ورودنا الديار المصرية مفاتحة دولة سيدنا، وأن نتيمّن بمكاتبتها، ونتزيّن بمخاطبتها، وننهض إليها أماثل الأصحاب، ونستسقي معرفتها استسقاء السّحاب، وننتجعها بالخواطر ونجعل الكتب رسلها، وأيدي الرسل سبلها، ونمسك طرفا من حبل الجهاد يكون بيد حضرة سيدنا العالية طرفه، ونمسح غرّة سبق وارثها ووارث نورها سلفه، ونتجاذب أعداء الله من الجانبين، لا سيما بعد أن نبنا عنه نيابتين في نوبتين؛ فالأولى تطهير الأرضين المصريّة واليمنيّة من ضلالة أغضت عيون الأيّام على قذاها، وأنامت عيون الأنام بائعة يقظتها بكراها، ونيابة ثانية في تطهير بيت المقدس ممن كان يعارض برجسه تقديسه، ويزعج ببناء ضلاله تأسيسه، وما كان إلا جنّة إسلام فخرج منها المسلمون خروج أبيهم آدم من الجنّة، وأعقبهم فيها

إبليس الكفر وما أجارته مما أعقبه اللّعنة، وما كانت لنا بذلك قوّة بل لله القوّة، ولا لنا على الخلق منّة بل لله المنّة. ولما حطّت لدين الكفر تيجان، وحطّمت لذويه صلبان، وأخرس الناقوس الأذان، ونسخ الإنجيل القرآن، وفكّت الصخرة من أسرها، وخفّ ما كان على قلب الحجر الأسود بخفّة ما كان على ظهرها؛ وذلك أن يد الكفر غطّتها وغمرتها، فلله الحمد أن أحرمت الصخرة بذلك البنيان المحيط، وطهّرها ماطر من دم الكفر وما كان ليطهّرها البحر المحيط، فهنالك «1» غلب الشرك وانقلب صاغرا، واستجاش كافر من أهله كافرا، واستغضب أنفاره النافرة، واستصرخ نصرانيّته المتناصرة، وتظاهروا علينا وإنّ الله مولانا، وطاروا إلينا زرافات ووحدانا، فلم يبق طاغية من طواغيهم، ولا أثفيّة «2» من أثافيهم، إلا ألجم وأسرج، وأجلب وأرهج، وخرج وأخرج، وجاد بنفسه أو بولده، وبعدده وبعدده، وبذات صدره وبذات يده، وبكتائبه برّا، وبمراكبه بحرا، وبالأقوات للخيل والرّجال، والأسلحة والجنن لليمين والشّمال، وبالنقدين على اختلاف صنفيهما في الجمع، وائتلاف وصفيهما في النّفع، وأنهض أبطال الباطل، من فارس وراجل، ورامح ونابل، وحاف وناعل، ومواقف ومقاتل، كلّ خرج متطوّعا، وأهطع «3» مسرعا، وأتى متبرّعا، ودعا نفسه قبل أن يستدعى، وسعى إلى حتفها قبل أن يستسعى، حتّى ظننّا [أنّ] في البحر طريقا يبسا، وحتّى تيقّنّا أن ما وراء البحر قد خلا وعسا، وقلنا: كيف نترك، وقد علم أنه يدرك، وزادت هذه الحشود المتوافية، وتجافت عنها الهمم المتجافية، وكثرت إلى أن خرجت من سجن حصرها، ومستقرّ كفرها، وبقيّة ثغرها- وهو صور- فنازلت ثغر عكّا في أسطول ملك بحره، وجمع سلك برّه- فنهضنا إليه، ونزلنا عليهم وعليه،

فضرب معنا مصافّ قتّلت فيه فرسانه، وجدّلت شجعانه، وخذلت صلبانه، وساوى الضرب بين حاسر القوم ودارعهم، وبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم، فهنالك لاذوا بالخنادق يحفرونها، وإلى الستائر ينصبونها، وأخلدوا إلى الأرض متثاقلين، وحملوا أنفسهم على الموت متحاملين، وظاهروا بين الخنادق، وراوحوا بين المجانق «1» ، وكلما يجنّ القتل من عددهم مائة أوصلها البحر ممن يصل وراءه بألف، وكلّما قلّوا في أعيننا في زحف، قد كثروا فيما يليه من الزّحف، ولو أن دربة عساكرنا في البحر كدربتها في البر، لعجّل الله منهم الانتصاف واستقلّ واحدنا بالعشرة ومائتنا بالألف. وقد اشتهر خروج ملوك الكفّار في الجمع الجمّ، والعدد الدّهم، كأنّهم إلى نصب يوفضون، وعلى نار يعرضون، ووصولهم على جهة القسطنطينية- يسّر الله فتحها- على عزم الائتمام إلى الشام في منسلخ الشتاء ومستهلّ الصيف، والعساكر الإسلامية لهم تستقبل، وإلى حربهم تنتقل، فلا يؤمن على ثغور المسلمين أن يتطرّق العدوّ إليهم وإليها، ويفرغ لها ويتسلّط عليها، والله من ورائهم محيط. وإذا قسمت القوّة على تلقّي القادم وتوقّي المقيم، فربّما أضرّ بالإسلام انقسامها، وثلمه والعياذ بالله انثلامها. ولما مخض النظر زبده، وأعطى الرأي حقيقة ما عنده، لم نر لمكاثرة البحر إلا بحرا من أساطيله المنصورة فإنّ عددها واف، وشطرها كاف، ويمكنه- أدام الله تمكينه- أن يمدّ الشام منه بعدّ كثيف، وحدّ رهيف، ويعهد إلى واليه أن يقيم إلى أن يرتبع ويصيف، ويمكنه أن يكفّ شطرا لأسطول طاغية صقلّيّة ليحصّ جناح قلوعه أن تطير، ويعقل عباب بحره أن يغير، ويعتقله في جزيرته، ويجري إليه قبل جريرته، فيذهب سيدنا وعقبه بشرف ذكر لا تردّ به المحامد على عقبها، ويقيم على الكفر قيامة يطلع بها شمس النصر من مغربها، فإذا نفذ طريقه وعلم الناس بموفده، أوردوا وأصدروا في مورده، وشخص

المسلم والكافر: هذا ينتظر بشرى البدار، وهذا يستطلع لمن تكون عقبى الدار، وخاف وطأة من يصل من رجال الماء من وصل من رجال النار. ولو بزقت عليهم بازقة غربيّة لأغرقهم طوفانها، ولو طلعت عليهم جارية بحريّة لنعقت فيهم بالشّتات غربانها. وما رأينا أهلا لهذه العزمة إلا حضرة سيدنا أدام الله صدق محبة الخير فيه، إذ كان «1» منحه عادة في الرضى به وقدرة على الإجابة، ورغبة في الإنابة، ولاية لأمر المسلمين، ورياسة للدّنيا والدين، وقياما لسلطان التوحيد القائم بالموحّدين، وغضبا لله ولدينه، وبذلا لمذخوره في الذبّ عنه دون ما عوده، والآن فقد خلا الإسلام بملائكته، لما خلا الكفر بشياطينه، وما أجّلت السوابق إلا لإطلاقها، ولا أثّلت الذخائر إلا لإنفاقها، وقد استشرف المسلمون طلوعها من جهته المحروسة جارا من الأساطيل تغشى البحار، وليالي من المراكب تركب من البحر النّهار، وإذا خفقت قلوعها خفقت للقلاع قلوب، وإذا تجافت جنوبها عن الموج تجافت من الملاعين جنوب، فهي بين ثغر كفر تعتقله وتحصره، وبين ثغر إسلام تفرّج عنه وتنصره، يكون بها مصائب عند المسلمين (؟) وتظل قلائد المشركين لغربان بحره طرائد، ويمضي سيف الله الذي لا يعدم في كل زمان فيعلم معه أنّ سيف الله خالد، أعزّ الله الإسلام بما يزيد حضرة سيدنا من عزّها، فيما مدّ عليها من ظلها، وبما يسكنه من حرزها، فيما يبسط على الأعداء بها من بأسها وينزل بهم من رجزها، وبما يجرّده من سيوفها التي تقطع في الكفر قبل سلّها وهزها. وقد أوفدناه على باب حضرة سيدنا، وهو الداعي المسمع، والمبلّغ المقنع، والمجمع المستجمع، علمناه أمرا يسرا، وبوأناه الصدر فكان وجها، وأودعناه السّرّ فكان صدرا.

الضرب الثاني (أن تكون المكاتبة صادرة عن بعض الأتباع)

الضرب الثاني (أن تكون المكاتبة صادرة عن بعض الأتباع) والرسم فيه أن تفتتح المكاتبة بالدعاء بطول البقاء، مثل أن يكتب أحد أتباعه إليه، ويعبّر المكتوب عنه عن نفسه بلفظ الإفراد، وعن الخليفة بأمير المؤمنين. كما كتب أبو الميمون عن بعض أهل دولتهم إلى بعض خلفائهم جواب كتاب ورد بالكشف عن عامل ثغر شقورة «1» : «أطال الله بقاء أمير المؤمنين، وناصر الدين والدنيا بفضله العميم، ولا برحت مصالح العباد بباله الكريم جائلة ماثلة، وسيرته الحميدة لدانيهم وقاصيهم شاملة كافلة، ولا زال لله في أرضه بالقسط قائما، وعلى ما ينفع الناس محافظا دائما. كتبته- أيّد الله أمره! صدر جمادى الأولى، سنة أربع وعشرين وخمسمائة، بعد امتثال ما حدّه، والانتهاء إلى ما وجب الانتهاء عنده، من أمر ثغر شقورة حرسه الله! على ما أنصّ مناقله، وأعرض مراتبه ومنازله؛ وذلك أن كتابه العزيز وافاني على يد رجل من أهلها فيه فصول رفعها، وأحاديث سطّرها وجمعها، واندرج الكتاب المرفوع بذلك طيّه، لينظر إليه من ادّعى عليهم رفعه، ويستبين حقيقته أو وضعه، وبإبطاء هذا الرافع سبقته الأنباء، واستقرّت عند جمعها الأفراض والأنحاء، فاجتمعوا إلى عاملهم فلان وفّقه الله، وحضرهم حاكم الجهة أبقاه الله، وتتّبعوا تلك الوجوه بالردّ لها، والإنكار على القائم بها، وعقدوا في كل عقد منها عقدا يناقضه، واستظهروا بشهادات تنافيه وتعارضه، واندرجت العقود، ثابتة في كتاب الحاكم على السبيل المعهود في إثبات العقود، فثبتت عندي لثبوتها عنده، وخاطبوني مع ذلك متبرّين من هذا الرافع،

واضعين له في عقله ودينه بأحطّ المواضع، وصرّحوا بارتضائهم بسيرة عاملهم واغتباطهم بحمايته وسداد نظره، وعلى تئفّة «1» ذلك وصل هذا الرافع بالكتاب العزيز وما اندرج طيّه على ما قدّمت ذكره، فاستأنفت النظر، وأعدت العمل، وخاطبت الحاكم والأعيان والكافّة هنالك بما ورد في أمرهم، وأردفت الكتاب المرفوع ليقفوا على نصّه، وينظروا إلى شخصه، فراجعوني أنّه لا مزيد عندهم على ما قدّموه، ولا خلاف فيما نقدوه وأحكموه، وأحالوا على ما تثبت به العقود، وهي من الناس المقاطع والحدود، فاقتضى النظر إعلام أمير المؤمنين وناصر الدين أعلى الله أمره، حسب ما حدّه، بما وقعت عليه الحال، ليرتفع الإشكال، ولا يتعلق بهذه الحيبة «2» البال. وقد أدرجت إلى حضرته السامية الكتب المذكورة لتعرض عليها، وتستقرّ الجليّة منها لديها، إن شاء الله. واندرجت العقود إلى الفقيه فلان قاضي الحضرة وفقه الله، والله يشكر لأمير المؤمنين وناصر الدين تحرّيه واجتهاده، وتوفيقه وسداده، ويوالي من والاه، ويكيد من عاداه. ولو كانت الحال بشقورة على ما صوّره هذا الرافع لما انطوت عنّي أسرارها، ولا [خفيت عليّ] على البعد أخبارها، وسفوف «3» إلى فلانة بيّن، وهو متشرّع متديّن، وعضده على ما هو بسبيله في ذلك الثغر متعيّن، والله ييسّر الجميع إلى ما يقضي حقوق النعمة، ويقيم فروض الخدمة، بعونه وقدرته!.

الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بألقاب الخليفة نفسه ثم يؤتى بالصدر معبرا عن المكتوب عنه بالعبد، ومخاطبا للخليفة بميم الجمع للتعظيم، ويختم الكتاب بالسلام، وهو على ضربين)

الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بألقاب الخليفة نفسه ثم يؤتى بالصدر معبّرا عن المكتوب عنه بالعبد، ومخاطبا للخليفة بميم الجمع للتعظيم، ويختم الكتاب بالسلام، وهو على ضربين) الضرب الأوّل (أن يوصف الخليفة بالمقام) كما كتب أبو الميمون أيضا عن بعض أهل دولتهم إلى الناصر لدين الله أحد خلفائهم: المقام الأعلى، المقدّس، المكرّم، الإماميّ، الطاهر، الزّكيّ، مقام الخليفة المؤيّد بنصر الله، الإمام «الناصر لدين الله» كلأ الله جلالهم، وفيّأ ظلالهم، وبوّأ وفود السّعود ووجود الظهور والصّعود مواطئهم المقدّسة وحلالهم، عبدهم المتقلّب في نعمتهم، المتقرّب إلى الله عزّ وجلّ بالمناصحة في خدمتهم، المتسبّب إلى الزّلفى «1» عندهم بالتزام طاعتهم، والاعتصام بعصبتهم، فلان. كتب عبد المقام الأعلى، والنّديّ الذي أسّس بنيانه على تقوى من الله ورضوان واحتوى على الفضائل واستولى، من موضع كذا حماه الله تعالى، وجنانه لطاعتكم قطب، ولسانه بشكر نعمتكم رطب، فبتلك رجاء الفوز، وبها ابتغاء نيل الآمال والحوز، وكيف لا يطاوعه الجنان، وشكر اللسان مستمدّ لإدرار الإحسان، وللمقام الأسنى عوارف، لا يتقلّص ظلّها الوارف، وقطرات بالرحمة مسطّرات بمدرار سحابها الواكف؛ وقد كانت للعبد سهام، فاضت عليه بها من النعمة رهام، ثم جزر الماء باسترجاعها الآن، وسقي العبد بانتزاعها كأس الحزن ملآن، وردت لك بهذه الجهة انقطاع المواساة، وامتناع الألسن

الضرب الثاني (أن يعبر عن الخليفة بالحضرة)

بالمكابدة لشظف العيش والمقاساة، وإلى المقام الأعلى الأسنى نفزع حين نفزع، ونذهب حين نرجو ونرهب، ونلجا فلا تؤخر طلباتنا ولا ترجا، وخدمة العبد هذه تنوب عنه في تقبيل ذلك المقام الأسمى، والتعرّض لما عهد لديه من نفحات الرضى، والتضرّع في إدرار ما جزر من تلك المنّة، وغيض من فيض تلك النعمى، وينهي من رغبته في بركة تلك الأدعية، التي هي للخيرات كالأوعية، ما يرجوه بشفاعة تأكّد الامتنان، ومجرّد عوارف الرأفة والحنان، إن شاء الله تعالى. والرب تعالى يبقي المقام الأعلى، والنصر له مظاهر، والخير لديه متظاهر، والسعد لوليّه ناصر، ولعدوّه قاهر، بحول الله تعالى وقوّته لا ربّ غيره، ولا خير إلا خيره، والسّلام. الضرب الثاني (أن يعبّر عن الخليفة بالحضرة) كما كتب أبو المطرّف بن عميرة «1» عن صاحب أرغون «2» من الأندلس إلى المستنصر بالله أحد خلفائهم، يستأذنه في وفادة صاحب أرغون من الأندلس أيضا على أبواب الخلافة مغاضبا لأهل مملكته: الحضرة الإماميّة المنصورة الأعلام، الناصرة للإسلام، المخصوصة من

العدل والإحسان بما يجلو نوره متراكم الإظلام، حضرة سيدنا ومولانا الخليفة الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين، أبي يعقوب ابن سادتنا الخلفاء الراشدين، وصل الله لها إسعاد القدر، وإنجاد النصر والظّفر، ولا زال مقامها الأعلى سامي النظر، مبارك الورد والصّدر، ويفيض منه الجود، فيض المطر، ويحيط به السّعود، إحاطة الهالة بالقمر. نشأة أيامها الغرّ، وربيّ إنعامها المواظب على الحمد والشكر، المشرّف باستخدامها الذي هو نعم العون على التقوى والبر، عبدها وابن عبدها فلان. سلام الله الطيب المبارك وتحيّاته، تخص المقام الأشرف الأعلى ورحمة الله وبركاته. وبعد، فكتب العبد- كتب الله للمقام الأعلى فتوحا يعمّ جميع الأمصار، وسعودا يقضي بفلّ السّمر الطوال والبيض القصار- من بلنسية «1» ، وبركاته تظهر ظهور النهار، وتفيض على البلاد والعباد فيض الأنهار، فالخلق من وارد في سلسالها المعين، وراج للذي منها وهو من رجائه على أوضح مراتب اليقين، والله يبقي عزّ الإسلام ببقائه، ويعيننا على امتثال أوامره المباركة معشر عبيده وأرقائه! بمنه. وقد تقرّر له من المقام الكريم- أدام الله علوّه، وكبت عدوّه، أمر بالسك «2» - وطال ماله في البلاد الأرغونية من زعامة في شأوها برّز، ولغايتها أحرز، وكان قد كفل صاحب أرغون في الزمان المتقدّم كفالة دار أمرها عليه، وألقي زمامها إليه، وتفرّد منها بعبء وحمله، وخطّة بلغ منها أمله، ثم إنه حطّ من رتبته، وتأكدت المبالغة في نكبته؛ لقضيّة عرضت له من أهل أرغون، فلفظته تلك الجنبات، وأزعجه أمر لم يمكنه عليه الثّبات، ورأى أن يلجأ بحاله

الأسلوب الثالث (أن تفتتح المكاتبة بأوصاف الخلافة والثناء عليها، والخطاب فيه بأمير المؤمنين وعن المكتوب عنه بنون الجمع)

إلى المقام الباهر الأنوار، العزيز الجوار، فواصل هذا الموضع قبل مقدم العبد عليه، مقرّرا ما نزل به، ومستأذنا في الوجه الذي تعرّض لطلبه، فأذن له في مقصده، وانصرف عن التأهّب للحركة من بلده. ثم لما وصل العبد هذه الجهة وفرغ هو من شأنه أقبل متوجّها إلى الباب الكريم، ومتوسّلا بأمله إلى فضله العميم، والظاهر من حنقه على أهل أرغون وشدّه عداوته لهم، وما تأكّد من القطيعة بينه وبينهم، أنه إن صادف وقت فتنة معهم ووجد ما يؤمّله من إحسان الأمر العالي، أيّده الله، فينتهي من نكايتهم والإضرار بهم إلى غاية غريبة الآثار، مفضية به إلى درك الثار، وكثير من زعماء أرغون ورجالها أقاربه وفرسانه، وكلّهم في حبله حاطب، ولإنجاده متى أمكنه خاطب، وللمقام الكريم أعلى الرأي فيه أبقاه الله شافيا للعلل، وكافيا طوارق الخطب الجلل، مأمولا من ضروب الأمم وأصناف الملل، وهو سبحانه يديم سعادة جدّه، ويخصّه من البقاء الذي يسرّ أهل الإيمان ويضاعف بهجة الزمان بأطوله وأمدّه، والسّلام. الأسلوب الثالث (أن تفتتح المكاتبة بأوصاف الخلافة والثناء عليها، والخطاب فيه بأمير المؤمنين وعن المكتوب عنه بنون الجمع) وهذه المكاتبة من المكاتبات البديعة المسفرة عن صبح البلاغة. ونسختها بعد البسملة على ما كتب به ابن الخطيب «1» عن سلطانه ابن الأحمر «2» صاحب الأندلس إلى المستنصر بالله أبي إسحاق إبراهيم خليفة «3»

الموحّدين يومئذ بالأندلس. والاستفتاح: الخلافة التي ارتفع عن «1» عقائد فضلها الأصيل القواعد الخلاف، واستقلّت مباني فخرها الشائع وعزّها الذائع على ما أسّسه الأسلاف، ووجب لحقّها الجازم وفرضها اللازم الاعتراف، ووسعت الآملين لها الجوانب الرحيبة والأكناف، فامتزاجنا بعلائها المنيف، وولائها الشريف، كما امتزج الماء والسّلاف «2» ، وثناؤنا على مجدها الكريم، وفضلها العميم، كما تأرّجت الرّياض الأفواف [لمّا زارها الغمام الوكّاف] «3» ودعاؤنا بطول بقائها، واتّصال علائها، يسمو به إلى قرع أبواب السموات العلا «4» الاستشراف، وحرصنا على توفية حقوقها العظيمة، وفواضلها العميمة، لا تحصره الحدود ولا تدركه الأوصاف. وإن عذر في التقصير، عن نيل ذلك المرام الكبير، الحقّ والإنصاف، خلافة وجهة تعظيمنا إذا توجّهت الوجوه، ومن نؤثره إذا همّنا ما نرجوه، ونفدّيه ونبدّيه إذا استمنح المحبوب واستدفع المكروه، السلطان [الخليفة] «5» الجليل، الكبير، الشهير، الإمام، الهمام، الأعلى، الأوحد، الأصعد، الأسعد، الأسمى، الأعدل، الأفضل، الأسنى، الأطهر، الأظهر، الأرضى، الأحفل، الأكمل، أمير المؤمنين أبي إسحاق ابن الخليفة الإمام البطل الهمام، عين الأعيان، وواحد الزمان، الكبير، الشهير، الطاهر، الظاهر، الأوحد، الأعلى، الحسيب، الأصيل، الأسمى، العادل، الحافل، الفاضل، المعظّم، الموقّر، الماجد، الكامل، الأرضى، المقدّس، أمير المؤمنين أبي يحيى أبي بكر، ابن السلطان الكبير، الجليل، الرفيع، الماجد، الظاهر،

الطاهر، المعظّم، الموقّر، الأسمى، المقدّس، المرحوم أبي زكريا، ابن الخليفة الإمام، المجاهد الهمام الإمام ذي الشهرة الجامحة، والمفاخر الواضحة، علم الأعلام، فخر السّيوف والأقلام، المعظّم، الممجّد، المقدّس، الأرضى، أمير المؤمنين، المستنصر بالله أبي عبد الله بن أبي زكريا ابن عبد الواحد بن أبي حفص أبقاه الله. ومقامه مقام إبراهيم رزقا وأمانا، لا يخصّ جلب الثمرات إليه وقتا ولا يعيّن زمانا وكان على من يتخطّف الناس من حوله مؤيّدا بالله معانا،؛ معظّم قدره العالي على الأقدار، ومقابل داعي حقّه بالابتدار، المثني على معاليه المخلّدة الآثار، في أصونة النّظام والنّثار، ثناء الروضة المعطار على الأمطار، الداعي إلى الله بطول بقائه «1» في عصمة «2» منسدلة الأستار، وعزّة «3» ثابتة المركز مستقيمة المدار، وأن يختم له بعد بلوغ غايات الآجال ونهايات الأعمار، بالزّلفى وعقبى الدار. سلام كريم كما حملت نسمات الأسحار، أحاديث الأزهار، وروت ثغور الأقاحيّ والبهار، عن مسلسلات الأنهار، وتجلّى على منصّة الاشتهار، وجه عروس النّهار، [يخصّ خلافتكم الكريمة النّجار] «4» العزيزة الجار، ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله الذي أخفى حكمته البالغة عن أذهان البشر، فعجزت عن قياسها، وجعل الأرواح كما ورد في الخبر، أجنادا مجنّدة تحنّ إلى أجناسها. منجد هذه الملّة، من أوليائه الجلّة، بمن يروض الآمال بعد شماسها، وييسّر الأغراض قبل التماسها، ويعنى بتجديد المودّات في ذاته وابتغاء مرضاته على حين إخلاق لباسها، الملك الحقّ واصل الأسباب بحوله بعد انتكاث

أمراسها، ومغني النّفوس بطوله بعد إفلاسها- حمدا يدرّ أخلاف النّعم بعد إبساسها، وينشر رمم الآمال من أرماسها، ويقدّس النفوس بصفات ملائكة السموات بعد إبلاسها «1» . والصلاة والسّلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله سراج الهداية ونبراسها، عند اقتناء الأنوار واقتباسها، مطهّر الأرض من أوضارها وأدناسها، ومصطفى الله من بين ناسها، وسيد الرّسل الكرام ما بين شيثها وإلياسها، الآتي مهيمنا على آثارها في حين فترتها، ومن بعد نضرتها واستئناسها، مرغم الضّراغم «2» في أخياسها «3» ، بعد افترارها وافتراسها، ومعفّر أجرام الأصنام ومصمت أجراسها. والرّضا عن آله وعترته وأحزابه حماة شرعته البيضاء وحرّاسها، وملقحي غراسها، ليوث الوغى عند احتدام مراسها، ورهبان الرجاء تتكفّل بمناجاة السميع العليم، في وحشة الليل البهيم، بإيناسها، وتفاوح نواسم الأسحار عند الاستغفار بطيب أنفاسها. والدعاء لخلافتكم العلية المستنصريّة بالسعادة التي تشعشع أيدي العزّة القعساء من أكواسها، ولا زالت العصمة الإلهية كفيلة باحترامها واحتراسها، وأنباء الفتوح، المؤيدة بالملائكة والرّوح، ريحان جلّاسها، وآيات المفاخر، التي ترك الأوّل للآخر، مكتتبة الأسطار بأطراسها، وميادين الوجود مجالا لجياد جودها وباسها، والعزّ والعدل منسوبين لفسطاطها وقسطاسها، وصفيحة النصر العزيز تفيض كفّها المؤيدة بالله على رياسها، عند اهتياج أضدادها وشرّة إنكاسها، لانتهاب البلاد وانتهاسها، وهبوب رياح رياحها وتمرّد مرداسها.

فإنا كتبناه إليكم- كتب الله لكم من كتائب نصره أمدادا تذعن أعناق الأنام «1» ، لطاعة ملككم المنصور الأعلام، عند إحساسها، وآتاكم من آيات العنايات آية تضرب الصخرة الصّماء ممن عصاها بعصاها فتبادر بانبجاسها «2» - من حمراء غرناطة- حرسها الله- وأيام الإسلام، بعناية الملك العلّام، تحتفل وفود الملائكة الكرام لولائمها وأعراسها، وطواعين الطّعان، في عدوّ الدّين المعان، تجدّد عهدها «3» بعام عمواسها. والحمد لله حمدا يعيد شوارد النّعم، ويستدرّ مواهب الجود والكرم، ويؤمّن من انتكاب الجدود وانتكاسها، وليّ الآمال ومكاسها. وخلافتكم هي المثابة التي يزهى الوجود بمحاسن مجدها زهوّ الرّياض بوردها وآسها، وتستمدّ أضواء الفضائل من مقباسها، وتروي رواة الإفادة والإجادة غريب الوجادة عن ضحّاكها وعبّاسها، وإلى هذا أعلى الله معارج قدركم وقد فعل، وأنطق بحجج فخركم من احتفى وانتعل، فإنه وصلنا كتابكم الذي حسبناه على صنائع الله لنا تميمة لا تلقع بعدها عين، وجعلناه على حلل مواهبه قلادة لا يحتاج معها زين، ودعوناه من جيب الكناية آية بيضاء الكتابة لم يبق معها شكّ ولا مين «4» ، وقرأنا منه وثيقة ودّ هضم فيها عن غريم الزمان دين، ورأينا منه إنشاء، خدم اليراع بين يديه وشّاء، واخترع بهميان عقدته مشّاء، وسئل عن معانيه الاختراع فقال: إنّا أنشأناهنّ إنشاء، فأهلا به من عربيّ أتى يصف السانح وألبانه، ويبين فبحسن الإبانة أدّى الأمانة، وسئل عن حيّه فانتمى إلى كنانة، وأفصح وهو لا ينبس، وتهلّلت قسماته وليل حبره يعبس، وكأنّ خاتمه المقفل على صوانه، المتحف بباكر الورد في غير أوانه، رعف من مسك عنوانه. ولله

من قلم دبّج تلك الحلل، ونقع بمجاج الدّواة المستمدّة من عين الحياة الغلل، فلقد تخارق في الجود، مقتديا بالخلافة التي خلّد فخرها في الوجود، فجاد بسرّ البيان ولبابه، وسمح في سبيل الكرم حتّى بماء شبابه، وجمح لفرط بشاشته وفهامته، بعد شهادة السيف بشهامته، فمشى من التّرحيب في الطّرس الرّحيب على أمّ هامته. وأكرم به من حكيم أفصح بملغوز الإكسير، في اللفظ اليسير، وشرح بلسان الخبير، سرّ صناعة التدبير، كأنما خدم الملكة الساحرة بتلك البلاد، قبل اشتجار «1» الجلاد، فآثرته بالطارف من سحرها والتّلاد، أو عثر بالمعلّقة، وتيك القديمة المطلّقة بدفينة دار، أو كنز تحت جدار، أو ظفر لباني الحنايا، قبل أن تقطع به عن أمانيّه المنايا، ببديعة، أو خلف جرجير الروم، قبل منازلة القدوم «2» ، على وديعة، أو أسهمه ابن أبي سرح، في نشب للفتح وسرح، أو حتم «3» له روح بن حاتم ببلوغ المطلب، أو غلب الحظوظ بخدمة آل الأغلب، أو خصّه زيادة الله بمزيد، أو شارك الشّيعة في أمر ابن أبي يزيد؛ أو سار على منهاج، في مناصحة بني صنهاج، وفضح بتخليد أمداحهم كلّ هاج. وأعجب به! وقد عزّز منه مثنّى البيان بثالث، فجلب سحر الأسماع، واسترقاق الطباع بين مثاني الإبداع ومثالث. كيف اقتدر على هذا المجيد، وناصح مع التثليث مقام التوحيد. نستغفر الله وليّ العون، على الصّمت والصّون، فالقلم هو الموحّد قبل الكون، والمتّصف من صفات السادة، أولي العبادة، بضمور الجسم وصفرة اللون، إنما هي كرامة فاروقيّة، وأثارة من حديث سارية وبقيّة، سفر وجهها في الأعقاب، بعد طول الانتقاب، وتداول الأحقاب، ولسان مناب، عن كريم جناب، وإصابة السّهم لسواه محسوبة،

وإلى الرامي الذي سدّده منسوبة، ولا تنكر على الغمام بارقة، ولا على المتحقّقين بمقام التوحيد كرامة خارقة، فما شاءه الفضل من غرائب برّ وجد، ومحاريب خلق كريم ركع الشّكر فيها وسجد. حديقة بيان استثارت نواسم الإبداع من مهبّها، واستزارت غمائم الطّباع من مصبّها، فآتت أكلها مرتين بإذن ربّها، لا، بل كتيبة عزّ طاعنت بقنا الألفات سطورها، فلا يرومها النقد ولا يطورها، ونزعت عن قسيّ النّونات خطوطها، واصطفّت من بياض الطّرس وسواد النّقس بلق تحوطها. فما كأس المدير على الغدير، بين الخورنق «1» والسّدير «2» ، تقامر بنرد الحباب عقول ذوي الألباب، وتغرق كسرى في العباب، وتهدي وهي الشّمطاء نشاط الشّباب، وقد أسرج ابن سريج وألجم، وأفصح الغريض «3» بعد ما جمجم، وأعرب الناي الأعجم، ووقّع معبد بالقضيب، وشرعت في حساب العقد بنان الكفّ الخضيب، وكأنّ الأنامل فوق مثالث العود ومثانيه، وعند إغراء الثقيل بثانيه، وإجابة صدى الغناء بين مغانيه، المراود تشرع في الوشي، أو العناكب تسرع في المشي، وما الخبر بنيل الرغائب، أو قدوم الحبيب الغائب، لا بل إشارة البشير، بكمّ المشير على العشير- بأجلب للسّرور، من زائره المتلقّى بالبرور، وأدعى للحبور، من سفيره المبهج للسّفور، فلم نر مثله من

كتيبه كتاب تجنب الجرد [تمرح] «1» في الأرسان، وتتشوّف مجالي ظهورها إلى عرائس الفرسان، وتهزّ معاطف الارتياح، من صهيلها الصّراح، بالنّغمات الحسان، إذا وجدت الصريخ نازعت أثناء الأعنّة، وكاثرت بأسنّة آذانها مشرعة الأسنّة، فإن ادّعى الظليم أشكالها فهو ظالم، أو نازعها الظّبي هواديها وأكفالها فهو هاذ أو حالم، وإن سئل عن عيوب الغرر والأوضاح قال مشيرا إلى وجوهها الصّباح، جلدة بين العين والأنف سالم، من كلّ عبل الشّوى، مسابق للنجم إذا هوى، سامي التّليل، عريض ما تحت الشّليل، ممسوحة أعطافه بمنديل النّسيم البليل، من أحمر كالمدام، تجلى على النّدام عقب الفدام، أتحف لونه بالورد، في زمن البرد، وحيّي أفق محيّاه بكوكب السّعد، وتشوّف الواصفون إلى عدّ محاسنه فأعيت على العدّ، بحر يساجل البحر عند المدّ، وريح تباري الرّيح عند الشدّ، بالذّراع الأشدّ، حكم له مدير فلك الكفل باعتدال فصل القدّ، وميّزه قدره المميّز يوم الاستباق، بقصب السباق، عند اعتبار الحدّ، وولّد مختطّ غرّته أشكال الجمال، على الكمال، بين البياض والحمرة ونقاء الخدّ، وحفظ رواية الخلق الوجيه [عن جدّه الوجيه] «2» ولا تنكر الرواية على الحافظ بن الجدّ- وأشقر أبي الخلق والوجه الطّلق أن يحقر كأنّما صيغ من العسجد، وطرّف بالدّرّ وأنعل بالزبرجد، ووسم في الحديث بسمة اليمن والبركة، واختصّ بفلج الخصام، عند اشتجار المعركة، وانفرد بمضاعف السّهام [المنكسرة على الهام] «3» في الفرائض المشتركة، واتصف فلك كفله بحركتي الإرادة والطّبع من أصناف الحركة، أصغى إلى السماء بأذن الملهم، وأعرب لسان الصّهيل، عند التباس معاني الهمز والتسهيل، ببيان المبهم، وفتنت العيون من ذهب جسمه، ولجين نجمه بحبّ الدينار والدّرهم، فإن انقضّ فرجم أو ريح لها هجم، وإن اعترض فشفق لاح به للنّجم نجم- وأصفر قيّد الأوابد الحرّة،

وأمسك المحاسن وأطلق الغرّة، وسئل من أنت في قوّاد الكتائب، وأولي الأخبار العجائب، فقال أنا المهلّب بن أبي صفرة؛ نرجس هذه الألوان، في رياض الأكوان، تحيا به وجوه الحرب العوان، أغار بنخوة الصائل، على معصفرات الأصائل فارتداها، وعمد إلى خيوط شعاع الشمس، عند جانحة الأمس، فألحم منها حلّته وأسداها، واستعدت عليه ملك المحاسن فما أعداها، فهو أصيل تمسّك بذيل الليل عرفه وذيله، وكوكب يطلعه من القتام ليله، فيحسده فرقد الأفق وسهيله- وأشهب تغشّى من لونه مضاضه، وتسربل منه لأمة «1» فضفاضة، قد احتفل زينه، لما رقم بالنّبال لجينه، فهو الأشمط، الذي حقّه لا يغمط، والذّراع المسارع، والأعزل الدّارع، وراقي الهضاب الفارع، ومكتوب الكتيبة البارع، وأكرم به من مرتاض سالك، ومجتهد على غايات السابقين الأوّلين متهالك، وأشهب يروي من الخليفة، ذي الشّيم المنيفة، عن مالك- وحباريّ كلّما سابق وبارى استعار جناح الحبارى «2» ، فإذا أعملت هذه الحسبة، قيل من هنا جاءت النّسبة، طرد النّمر، لما عظم أمره وأمر، فنسخ وجوده بعدمه، وابتزّه الفروة ثم لطّخه بدمه، وكأن مضاعف الورد نثر عليه من طبقه، أو الفلك، لما ذهب الحلك، مزج فيه بياض صبحه بحمرة شفقه- وقرطاسيّ حقّه لا يجهل، حتّى ما ترقى العين فيه تشهل، إن نزع عنه جلّه، فهو نجم كلّه، انفرد بمادّة الألوان، قبل أن تشوبها يد الأكوان، وتمزجها أقلام الملوان «3» ، يتقدّم منه الكتيبة المقبلة لواء ناصع، أو أبيض مماصع «4» ، لبس وقار المشيب، في ريعان العمر القشيب، وأنصتت الآذان من صهيله المطيل المطيب، لما ارتدى بالبياض إلى نغمة الخطيب، وإن تعتّب منه للتأخير المتعتّب، قلنا الواو لا

ترتّب، ما بين فحل وحرّه، وبهرمانة «1» ودرّه، ويالله من ابتسام غرّه، ووضوح يمن في طرّه، وبهجة للعين وقرّه، وإن ولع الناس بامتداح القديم، وخصّوا الحديث بفري الأديم، وأوجب المتعصّب، وإن أبى المنصب مرتبة التقديم، وطمح إلى رتبة المخدوم طرف الخديم، وقرن المثري بالعديم، وبخس في سوق الحسد الكيل، ودجى الليل، وظهر في فلك الإنصاف الميل، لما تذوكرت الخيل، فجيء بالوجيه والخطّار، والذائد وذي الخمار «2» ، وداحس والسّكب، والأبجر وزاد الرّكب، والجموح واليحموم «3» ، والكميت ومكتوم، والأعوج وحلوان، ولا حق والغضبان، وعفور (؟) والزّعفران، والمحبر، واللعّاب، والأغرّ والغراب، وشعلة والعقاب، والفيّاض واليعبوب [والمذهّب واليعسوب، والصحون والقطيب، وهيدب والصبيب وأهلوب «4» ] وهدّاج، والحرون وخرّاج، وجلوى، والجناح والأحوى، ومجاج والعصا، والنّعامة، والبلقاء والحمامة، وسكاب والجرادة، وحوصاء، والعرادة. فكم بين الشاهد والغائب، والفروض والرّغائب، وفرق ما بين الأثر والعيان، غنيّ عن البيان، وشتّان بين الصّريح والمشتبه، ولله القائل في مثلها «خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به» والناسخ يختلف به الحكم، وشرّ الدوابّ عند التفضيل بين هذه الدوابّ الصّمّ البكم، إلا ما ركبه نبي، أو كان له يوم الافتخار برهان خبي؛ ومفضّل ما سمع على ما رأى غبي، فلو أنصفت محاسنها التي وصفت لأقضمت حبّ القلوب علفا، وأوردت ماء الشّنينة نطفا، واتّخذت لها من عذر الخدود الملاح عذر موشيّة، وعلّلت بصفير ألحان القيان كلّ عشية، وأنعلت بالأهلّة، وغطّيت بالرّياض بدل الأجلّة.

إلى الرقيق، الخليق بالحسن الحقيق، تسوقه إلى مثوى الرعاية روقة الفتيان رعاته ويهدي عقيقها من سبجه «1» أشكالا تشهد للمخترع سبحانه بإحكام مخترعاته، وقّفت ناظر الاستحسان لا يريم، لمّا بهره منظرها الكريم، وتخامل الظليم وتضاءل الرّيم، وأخرس مقوله اللسان وهو بملكات البيان الحفيظ العليم، وناب لسان الحال، عن لسان المقال، عند الاعتقال، فقال يخاطب المقام الذي أطلعت أزهارها غمائم جوده [واقتضت اختيارها بركة وجوده] «2» : لو علمنا أيّها الملك الأصيل، الذي كرم منه الإجمال والتفصيل، أنّ الثناء يوازيها لكلنا لك بكيلك، أو الشّكر يعادلها ويجازيها لتعرّضنا بالوشل «3» إلى نيل نيلك، أو قلنا: هي «4» التي أشار إليها مستصرخ سلفك المستنصر «5» بقوله: أدرك «6» بخيلك، حين شرق بدفعه الشّرق، وانهزم الجمع واستولى الفرق واتسع فيه والحكم لله الخرق، ورأى أنّ مقام التوحيد بالمظاهرة على التثليث، وحزبه الخبيث، هو الأولى والأحقّ. والآن قد أغنى الله بتلك النّيّة،

عن إنجاد الطّوال الرّدينية، وبالدعاء من تلك المثابة الدينية إلى ربّ البنيّة، عن الأمداد السّنيّة، والأجواد تخوض بحر الماء إلى بحر المنيّة، وعن الجرد العربية في مقاود الليوث الأبيّة، وجدّد برسم هذه الهديّة، مراسيم العهود الودّية، والذّمم الموحّدية، لتكون علامة على الأصل، ومكذّبة لدعوى الوقف والفصل، وإشعارا بالألفة التي لا تزال ألفها ألف الوصل، ولامها حراما على النّصل. وحضر بين يدينا رسولكم فلان فقرّر من فضلكم، ما لا ينكره من عرف علوّ مقداركم، وأصالة داركم، وفلك إبداركم، وقطب مداركم، وأجبناه عنه بجهد ما كنّا لنقنع من حناه المهتصر، بالمقتضب المختصر، ولا نقابل طول طوله بالقصر، لولا طروء الحصر. وقد كان بين الأسلاف- رحمة الله عليهم ورضوانه- ودّ أبرمت من أجل الله معاقده، ووثّرت للخلوص، الجليّ النصوص، مضاجعه القارّة ومراقده، وتعاهد بالجميل توجّع لفقده فاقده، أبى الله إلا أن يكون لكم الفضل في تجديده، والعطف بتوكيده، فنحن الآن لا ندري أيّ مكارمكم نذكر، أو أيّ فواضلكم نشرح أو نشكر، أمفاتحتكم التي هي عندنا في الحقيقة فتح، أم هديّتكم وفي وصفها للأقلام سبح، ولعدوّ الإسلام بحكمة حكمتها كبح، إنما نكل الشكر لمن يوفّي جزاء الأعمال البرّة، ولا يبخس مثقال الذّرة ولا أدنى [من] مثقال الذّرة، ذي الرحمة الثّرّة، والألطاف المتصلة المستمرّة، لا إله إلا هو. وإن تشوّفتم إلى الأحوال الراهنة، وأسباب الكفر الواهية بقدرة الله الواهنة، فنحن نطرفكم بطرفها، ونطلعكم على سبيل الإجمال بطرفها، وهو أننا لمّا أعاد الله من التمحيص، إلى مثابة التخصيص، من بعد المرام العويص، كحلنا بتوفيق الله بصر البصيرة، ووقفنا على سبيله مساعي الحياة القصيرة، ورأينا كما نقل إلينا، وكرّر على من قبلنا وعلينا، أنّ الدنيا- وإن غرّ الغرور، وأنام على سرر الغفلة السّرور، فلم ينفع الخطور على أجداث الأحباب والمرور- جسر يعبر، ومتاع لا يغبط من حبي به ولا يحبر، إنما هو خبر يخبر،

وأن الحسرة بمقدارها على تركه تجبر، وأنّ الأعمار أحلام، وأنّ الناس نيام، وربّما رحل الراحل عن الخان، وقد جلّله بالأذى والدّخان، أو ترك به طيبا، وثناء يقوم بعده للآتي خطيبا، فجعلنا العدل في الأمور ملاكا، والتفقّد للثّغور مسواكا، وضجيع المهاد، حديث الجهاد، وأحكامه مناط الاجتهاد، وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ «1» من حجج الاستشهاد، وبادرنا من الحصون المضاعة وجنح التّقيّة دامس، وساكنها بائس، والأعصم في شعفاتها من العصمة يائس، فزيّنّا ببيض الشّرفات ثناياها، وأفعمنا بالعذب الفرات ركاياها، وغشّينا بالصّفيح المضاعف أبوابها، واحتسبنا عند موفّي الأجور ثوابها، وبيّضنا بناصع الكلس أثوابها، فهي اليوم توهم حسّ العيان، أنها قطع من بيض العنان، تكاد تناول قرص البدر بالبنان، متكفّلة للمؤمن من فزع الدنيا والآخرة بالأمان، وأقرضنا الله قرضا، وأوسعنا مدوّنة الجيش عرضا، وفرضنا إنصافه مع الأهلة فرضا، واستندنا من التوكّل على الله الغنيّ الحميد إلى ظلّ لواء، ونبذنا إلى الطاغية عهده على سواء، وقلنا: ربّنا أنت العزيز وكلّ جبّار لعزّك ذليل، وحزبك هو الكثير وما سواه فقليل [أنت الكافي، ووعدك الوعد الوافي، فأفض علينا مدارع الصابرين «2» ] واكتبنا من الفائزين بحظوظ رضاك الظافرين، وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. فتحرّكنا أولى الحركات، وفاتحة مصحف البركات، في خفّ من الحشود، واقتصار على ما بحضرتنا من العساكر المظفّرة والجنود، إلى حصن «3» آش البازي المطل، وركاب العدوّ الضالّ المضل، ومهدي نفثات الصّلّ «4» ،

على امتناعه وارتفاعه، وسموّ يفاعه، وما بذل العدوّ فيه من استعداده، وتوفير أسلحته وأزواده، وانتخاب أنجاده، فصلينا بنفسنا ناره، وزاحمنا عليه الشهداء نصابر أواره، ونلقى بالجوارح العزيزة سهامه المسمومة، وجلامده الملمومة، وأحجاره، حتّى فرعنا بحول من لا حول ولا قوّة إلا به أبراجه المنيعة وأسواره، وكففنا عن العباد والبلاد أضراره، بعد أن استضفنا إليه حصن «1» السهلة جاره، ورحلنا عنه بعد أن شحنّاه رابطة وحامية، وأزوادا نامية، وعملنا بيدنا في رمّ ما ثلم القتال، وبقر من بطون مسالحه الرجال، واقتدينا بنبينا صلوات الله عليه وسلامه في الخندق لمّا حمى ذلك المجال، ووقع الارتجاز المنقول خبره والارتجال، وما كان ليقرّ للاسلام مع تركه القرار، وقد كتب الجوار، وتداعى الدّعرة وتعاوى الشّرار. وكنا أغزينا الجهة «2» الغربية من المسلمبن بمدينة برغة «3» التي سدّت بين القاعدتين: مالقة ورندة الطريق، وألبست ذلّ الفراق ذلك الفريق، ومنعتهما أن يسيغا الرّيق، فلا سبيل إلى الإلمام، لطيف المنام في الأحلام، ولا رسالة إلا في أجنحة هديّ الحمام، فيسّر الله فتحها، وعجّل منحها، بعد حرب انبتّت فيها النّحور، وتزيّنت الحور، وتبع هذه الأمّ بنات شهيرة، وبقع للزّرع والضّرع خيرة، فشفي الثّغر من بوسه، وتهلّل وجه الإسلام بتلك الناحية بعد عبوسه. ثم أعملنا الحركة إلى مدينة الجزيرة «4» على بعد المدى، وتعلّقها على بلاد العدا، واقتحام هول الفلا وغول الرّدا، مدينة بنتها حمص «5» فأوسعت

الدار، وأغلت الشّوار، وراعت الاستكثار، وبسطت الاعتمار، رجّح إلينا قصدها على البعد، والطريق الجعد، ما آسفت به المسلمين، من استئصال طائفة من أسراهم مرّوا بها آمنين، وبطائرها المشؤوم متيمّنين، قد أنهكهم الاعتقال، والقيود الثّقال، وأضرعهم الإسار، وجلّلهم الانكسار، فجدّلوهم في مصرع واحد، وتركوهم عبرة للرائي والمشاهد، وأهدوا بوقيعتهم إلى الإسلام ثكل الواحد، وترة الماجد، فكبسناها كبسا، وفجأناها بإلهام من لا يضلّ ولا ينسى، فصبّحتها الخيل، ثم تلاحق الرّجل «1» كما جنّ الليل، وحاق بها الويل، فأبيح منها الذّمار «2» ، وأخذها الدّمار، ومحقت من مصانعها البيض «3» الأهلّة وخسفت الأقمار، وشفيت من دماء أهلها الضّلوع الحرار «4» ، وسلطت على هياكلها النار، واستولى على الآلاف العديدة من سبيها الإسار، وانتهى إلى إشبيلية الثّكلى المغار، فجلّل وجوه من بها من كبار النصرانية الصّغار، واستولت الأيدي على ما لا يسعه الوصف ولا تقلّه الأوقار. وعدنا والأرض تموج سبيا، لم نترك بعفرّين» شبلا ولا بوجرة «6» ظبيا، والعقائل حسرى، والعيون تبهرها الصّنع الأسرى، وصبح السّرى قد حمد بعد بعد المسرى، فسبحان الذي أسرى. [ولسان الحميّة ينادي، في تلك الكنائس المخرّبة والنوادي، يا لثارات الأسرى «7» ] . ولم يكن إلا أن نفّلت الأنفال، ووسمت بالأرضاخ الأغفال، وتميزت

الهوادي والأكفال، وكان إلى غزو مدينة جيّان «1» الاحتفال، قدنا إليها الجرد تلاعب الظّلال نشاطا، والأبطال تقتحم الأخطار رضا بما عند الله واغتباطا، والمهنّدة الزّرق تسبق إلى الرقاب استلالا واختراطا، والرّدينيّة «2» السّمر تسترط حياة النفوس استراطا، وأزحنا العلل عمّن أراد جهادا منجيا غباره من دخان جهنّم ورباطا، ونادينا الجهاد الجهاد، يا أمة الجهاد، راية النبيّ الهاد، الجنّة الجنة تحت ظلال السيوف الحداد، فهزّ النداء إلى الله تعالى كلّ عامر وغامر، وأتمر الجمّ من دعوة الحقّ إلى أمر آمر، وأتى الناس من الفجوج العميقة رجالا وعلى كلّ ضامر، وكاثرت الرايات أزهار البطاح لونا وعدّا، وسدّت الحشود مسالك الطريق العريضة سدّا، ومدّ بحرها الزاخر مدّا، فلا يجد لها الناظر ولا المناظر حدّا. وهذه المدينة هي الأمّ الولود، والجنة التي في النار لسكّانها من الكفّار الخلود، وكرسيّ الملك ومجنبته الوسطى من الممالك باءت بالمزايا العديدة ونجحت، وعند الوزان بغيرها من أمّات البلدان رجحت، غاب الأسود، وجحر الحيّات السّود، ومنصب التماثيل الهائلة، ومعلق النواقيس الصائلة. وأدنينا إليها المراحل، وعيّنّا لتجّار المحلات المستقلات منها الساحل، ولما أكثبنا جوارها، وكدنا نلمح نارها، تحرّكنا ووشاح الأفق المرقوم؛ بزهر النجوم، قد دار دائره، والليل من خوف الصّباح، على سرحه المستباح، قد شابت غدائره، والنّسر يرفرف باليمن طائره، والسّماك الرامح يثأر ثغر الإسلام ثائره، والنعائم راعدة فرائص الجسد، من خوف الأسد، والقوس يرسل سهم السعادة، بوتر العادة، إلى أهداف النّعم المعادة، والجوزاء عابرة نهر المجرّه،

والزّهرة تغار من الشّعرى العبور بالضّرّة، وعطارد يسدي في حيل الحروب على البلد المحروب ويلحم، ويناظر على أشكالها الهندسيّة فيفحم، والأحمر يبهر، والعلم الأبيض يفري وينهر، والمشتري يبديء في فضل الجهاد ويعيد، ويزاحم في الخلفات على ما للسعادة من الصفات ويزيد، وزحل على الطالع منزحل، وعن العاشر مرتحل، وفي زلق السّقوط وحل، والبدر يطارح حجر المنجنيق، كيف يهوي إلى النّيق، ومطلع الشمس يرقب، وجدار الأفق يكاد بالعيون عنها ينقب. ولمّا فشا سرّ الصّباح، واهتزّت أعطاف الرايات لتحيّات مبشّرات الرّياح، أطللنا عليها إطلال الأسود على الفرائس، والفحول على العرائس، فنظرنا منظرا يروع بأسا ومنعه، ويروق وضعا وصنعه، تلفّعت معاقله الشمّ للسّحاب ببرود، ووردت من غدير المزن في برود، وأسرعت لاختطاف أزهار النّجوم، والذراع بين النطاق معاصم رود، وبلدا يعيي الماسح والذارع، وينتظم المحاني والأجارع، فقلنا: اللهم نفّله أيدي عبادك، وأرنا فيه آية من آيات جهادك، فنزلنا بساحتها العريضة المتون، نزول الغيث الهتون «1» ، وتيمّنّا من فحصها الأفيح بسورة التّين والزيتون، متربة من أمان الرحمان للبلد المفتون، وأعجلنا الناس بحميّة نفوسهم النّفيسه، وسجيّة شجاعتهم البئيسه، عن أن نبوّيء للقتال المقاعد، وندني بإسماع شهير النّفير منهم الأباعد؛ وقبل أن يلتقي الخديم بالمخدوم، ويركع المنجنيق ركعتي القدوم، فدفعوا من أصحر إليهم من الفرسان، وسبق إلى حومة الميدان، حتّى أجحروهم في البلد، وسلبوهم لباس الجلد، في موقف يذهل الوالد عن الولد، صارت السّهام فيه غماما، وطارت كأسراب الحمام تهدي حماما، وأضحت القنا قصدا، بعد أن كانت شهابا رصدا، وماج بحر القتام بأمواج النّصول، وأخذ الأرض الرّجفان لزلزال الصّياح الموصول، فلا ترى إلا شهيدا تظلّل مصرعه الحور، وصريعا تقذف به إلى

الساحل أمواج تلك البحور، ونواشب تبأى بها الوجوه الوجيهة عند الله والنّحور، فالمقضب فوده يخضب، والأسمر غصنه يستثمر، والمغفر حماه يخفر، وظهور القسيّ تقصم، وعصم الجند الكوافر تفصم، وورق اليلب في المنقلب يسقط، والبتّر تكتب والسّمر تنقط؛ فاقتحم الرّبض الأعظم لحينه، وأظهر الله لعيون المبصرين والمستبصرين عزّة دينه، وتبرّأ الشيطان من خدينه «1» ، ونهب الكفّار وخذلوا، وبكلّ مرصد جدّلوا، ثم دخل البلد بعده غلابا، وجلّل قتلا واستلابا. فلا تسل، إلا الظّبى والأسل، عن قيام ساعته، وهول يومها وشناعته، وتخريب المبائت والمباني، وغنى الأيدي من خزائن تلك المغاني، ونقل الوجود الأوّل إلى الوجود الثاني، وتخارق السيف فجاء بغير المعتاد، ونهلت القنا الرّدينيّة من الدماء حتّى كادت تورق كالأغصان المغترسة والأوتاد، وهمت أفلاك القسيّ «2» وسحّت، وأرنّت حتّى بحّت، ونفدت موادّها فشحّت بما ألحّت، وسدّت المسالك جثث القتلى فمنعت العابر، واستأصل الله من عدوّه الشأفة «3» وقطع الدابر، وأزلف الشهيد وأحسب الصابر، وسبقت رسل الفتح الذي لم يسمع بمثله في الزمن الغابر، تنقل البشرى من أفواه المحابر، إلى آذان المنابر. أقمنا بها أيّاما نعقر الأشجار، ونستأصل بالتخريب الوجار «4» ، ولسان الانتقام، من عبدة الأصنام، ينادي يالثارات الإسكندرية تشفّيا من الفجّار، ورعيا لحقّ الجار، وقفلنا وأجنحة الرايات، برياح العنايات خافقه، وأوفاق التوفيق الناشئة من خطوط الطريق موافقه، وأسواق العزّ بالله نافقه، وحملاء الرفق مصاحبة- والحمد لله- مرافقه، وقد ضاقت ذروع الجبال، عن أعناق

الصّهب السّبال، ورفعت على الاكفال، ردفاء كرائم الأنفال، وقلقلت من النواقيس أجرام الجبال بالهندام والاحتيال، وهلك بمهلك هذه الأمّ بنات كنّ يرتضعن ثديّها الحوافل ويستوثرن حجرها الكافل، شمل التخريب أسوارها، وعجّلت النار بوارها. ثم تحرّكنا بعدها حركة الفتح، وأرسلنا دلاء الإدلال قبل المنح، فبشّرت بالمنح، وقصدنا مدينة أبّدة «1» وهي ثانية الجناحين، وكبرى الأختين، ومساهمة جيّان «2» في حين الحين؛ مدينة أخذت عرض الفضاء الأخرق، وتمشّت فيه أرباضها تمشّي الكتابة الجامحة في المهرق «3» المشتملة على المتاجر والمكاسب، والوضع المتناسب، والفلج المعيي ريعه عمل الحاسب، وكوارة الدّبر اللّاسب، المتعدّدة اليعاسب، فأناخ العفاء بربوعها العامرة، ودارت كؤوس عقار الحتوف، ببنان السيوف، على متديّريها المعاقرة، وصبّحتها طلائع الفاقرة، وأغريت ببطون أسوارها عوج المعاول الباقرة، ودخلت مدينتها عنوة السيف، في أسرع من خطرة الطّيف، ولا تسأل عن الكيف، فلم يبلغ العفاء من مدينة حافلة، وعقيلة في حلل المحاسن رافلة، ما بلغ من هذه البائسة التي سجدت لآلهة النّيران أبراجها، وتضاءل بالرّغام معراجها، وضفت على أعطافها ملابس الخذلان، وأقفر من كنائسها كنّاس الغزلان. ثم تأهّبنا لغزو أمّ القرى الكافرة، وخزائن المزاين الوافرة، وربّة الشّهرة السافرة، [والأنباء المسافرة] «4» قرطبة «5» وما أدراك ماهيه، ذات الأرجاء الحالية

الكاسيه، والأطواد الراسخة الراسيه، والمباني المباهية والزهراء «1» الزاهيه، والمحاسن غير المتناهيه، حيث هالة بدر السماء، قد استدارت من السّور المشيد البناء، ونهر المجرّة من نهرها الفيّاض، المسلول حسامه من غمود الغياض، قد لصق بها جارا، وفلك الدّولاب المعتدل الانقلاب قد استقام مدارا، ورجّع الحنين اشتياقا إلى الحبيب الأوّل وادّكارا، حيث الطّود كالتاج، يزدان بلجين العذب المجاج؛ فيزري بتاج كسرى ودارا، حيث قسيّ الجسور المديره، كأنها عوج المطيّ الغريره، تعبر النهر قطارا، حيث آثار العامريّ المجاهد، تعبق بين تلك المعاهد، شذى معطارا، حيث كرائم السّحائب، تزور عرائس الرياض الحبائب، فتحمل لها من الدّرّ نثارا، حيث شمول الشّمال تدار على الأدواح، بالغدوّ والرّواح، فترى الغصون سكارى وما هي بسكارى، حيث أيدي الافتتاح تفتضّ من شقائق البطاح، أبكارا، حيث ثغور الأقاح الباسم، تقبّلها بالسّحر زوّار النّواسم، فتخفق قلوب النّجوم الغيارى، حيث المصلّى العتيق قد رحب مجالا وطال منارا، وأزرى ببلاط الوليد احتقارا، حيث الظّهور المثارة بسلاح الفلاح تجبّ عن مثل أسنمة المهارا، والبطون كأنها لتدميث الغمائم بطون العذارى، والأدواح العالية تخترق أعلامها الهادية بالجداول الخبارا، فما شئت من جوّ صقيل، ومعرّس للحسن ومقيل، ومالك للعقل وعقيل، وخمائل كم فيها للبلابل من قال وقيل، وخفيف يجاوب بثقيل، وسنابل تحكي من فوق سوقها، وقضب بسوقها، الهمزات فوق الألفات، والعصافير البديعة الصّفات، فوق القضب المؤتلفات، تميل بهبوب الصّبا والجنوب، مائلة الجيوب بدرر الحبوب، وبطاح لا تعرف عين المحل، فتطلبه بالذّحل، ولا تصرف في خدمة بيض قباب الأزهار، عند افتتاح السّوسن والبهار، غير العبدان من سودان النّخل، وبحر الفلاحة الذي لا يدرك ساحله، ولا يبلغ

الطّيّة البعيدة راحله، إلى الوادي، وسمر النّوادي، وقرار دموع الغوادي، المتجاسر على تخطّيه، عند تمطّيه، الجسر العادي؛ والوطن الذي ليس من عمرو ولا زيد، والفرا الذي في جوفه كلّ صيد، أقلّ كرسيّه خلافة الإسلام، وأعار بالرّصافة والجسر دار السّلام، وما عسى أن تطنب في وصفه ألسنة الأقلام، أو تعبّر به عن ذلك الكمال فنون الكلام. فأعملنا إليها السّرى والسّير، وقدنا إليها الخيل وقد عقد الله بنواصيها الخير. ولما وقفنا بظاهرها المبهت المعجب، واصطففنا بخارجها المنبت المنجب، والقلوب تلتمس الإعانة من منعم مجزل، وتستنزل مدد الملائكة من منجد منزل، والركائب واقفة من خلفنا بمعزل، تتناشد في معاهد الإسلام: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل «1» - برز من حاميتها المحاميه، ووقود النار الحاميه، وبقية السيف الوافرة على الحصاد الناميه، قطع الغمائم الهاميه، وأمواج البحور الطاميه، واستجنّت بظلال أبطال المجال أعداد الرجال الناشبة والراميه، وتصدّى للنّزال، من صناديدها الصّهب السّبال، أمثال الهضاب الراسيه، تجنّها جنن السّوابغ الكاسيه، وقواميسها المفادية للصّلبان يوم بوسها بنفوسها المواسيه، وخنازيرها التي عدتها عن قبول حجج الله ورسوله ستور الظّلم الغاشيه، وصخور القلوب القاسيه، فكان بين الفريقين أمام جسرها الذي فرق البحر، وحلي بلجينه ولآليء زينه منها النّحر، حرب لم تنسج الأزمان على منوالها، ولا أتت الأيّام الحبالى بمثل أجنّة أهوالها، من قاسها بالفجار أفك وفجر، أو مثّلها بجفر الهباءة خرف وهجر؛ ومن شبّهها بحرب داحس والغبراء فما عرف الخبر، فليسأل من جرّب وخبر، ومن نظّرها بيوم شعب جبله، فهو ذو بله، أو عادلها ببطن عاقل، فغير عاقل، أو احتجّ بيوم ذي قار، فهو إلى المعرفة ذو افتقار

أو ناضل بيوم الكديد، فسهمه [غير السّديد،] «1» إنما كان مقاما غير معتاد، ومرعى نفوس لم يف بوصفه لسان مرتاد، وزلزال جبال أوتاد، ومتلف مذخور لسلطان الشيطان وعتاد، أعلم فيه البطل الباسل، وتورّد الأبيض الباتر وتأوّد الأسمر العاسل، ودوّم الجلمد المتكاسل، وانبعث من حدب الحنيّة إلى هدف الرّمية الناشر النّاسل، ورويت لمرسلات السّهام المراسل. ثم أفضى أمر الرّماح إلى التّشاجر والارتباك؛ ونشبت الاسنّة في الدّروع نشب السّمك في الشّباك؛ ثم اختلط المرعى بالهمل، وعزل الرّدينيّ عن العمل، وعادت السّيوف من فوق المفارق تيجانا، بعد أن شقّت غدر السوابغ خلجانا، واتّحدت جداول الدّروع فصارت بحرا، وكان التعانق فلا ترى إلا نحرا، يلازم نحرا، عناق وداع، وموقف شمل ذي انصداع، وإجابة مناد إلى فراق الأبد وداع، واستكشفت مآل الصبر الانفس الشّفّافه، وهبّت بريح النصر الطلائع المبشّرة الهفّافه، ثم أمدّ السيل ذلك العباب، وصقل الاستبصار الألباب، واستخلص العزم صفوة اللّباب، وقال لسان النصر ادخلوا عليهم الباب، فأصبحت طوائف الكفّار، حصائد مناجل الشّفار، فمفارقهم قد رضيت حرماتها بالاعقار، ورؤوسهم محطوطة في غير معالم الاستغفار، وعلت الرايات من فوق تلك الأبراج المستطرفة والأسوار، ورفرف على المدينة جناح البوار «2» ، لولا الانتهاء إلى الحدّ والمقدار، والوقوف عند اختفاء سرّ المقدار. ثم عبرنا نهرها، وشددنا بأيدي الله قهرها، وضيّقنا حصرها، وأقمنا بها أياما تحوم عقبان البنود على فريستها حياما، وترمي الأرواح ببوارها، وتسلّط النيران على أقطارها، فلولا عائق المطر، لحصلنا من فتح ذلك الوطن على الوطر «3» ، فرأينا أن نروضها بالاجتثاث والانتساف، ونوالي على زروعها وربوعها

كرّات رياح الاعتساف، حتّى يتهيّأ للإسلام لوك طعمتها، ويتهنّأ بفضل الله إرث نعمتها، ثم كانت عن موقفها الإفاضة من بعد نحر النّحور، وقذف جمار الدّمار على العدوّ المدحور، وتدافعت خلفنا السابقات المستقلّات تدافع أمواج البحور. وبعد أن ألححنا على جنّاتها المصحرة، وكرومها المشتجرة، إلحاح الغريم، وعوّضناها المنظر الكريه من المنظر الكريم، وطاف عليها طائف من ربّنا فأصبحت كالصّريم «1» ، وأغرينا حلاق النار بحمم الجحيم، وراكمنا في أجواف أجوائها غمائم الدّخان، تذكّر طيّبة البان، بيوم الغميم، وأرسلنا رياح الغارات لا تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرّميم، واستقبلنا الوادي يهول مدّا، ويروع سيفه الصّقيل حدّا، فيسّره الله من بعد الإعواز، وانطلقت على الفرضة [بتلك العرضة] «2» أيدي الانتهاز، وسألنا من ساءله أسد بن الفرات فأفتى برجحان الجواز فعمّ الاكتساح والاستباح جميع الأحواز، فأديل المصون، وانتهبت القرى وهدمت الحصون، واجتثّت الأصول وحطّمت الغصون، ولم نرفع عنها إلى اليوم غارة تصافحها بالبوس، وتطلع عليها غررها الضاحكة باليوم العبوس. فهي الآن مجرى السوابق ومجرّ العوالي، على التوالي، والحسرات تتجدّد في أطلالها البوالي، وكأنّ بها قد صرعت، وإلى الدّعوة المحمّديّة قد أسرعت بقدرة من لو أنزل القرآن على الجبال لخشعت من خشية الله وتصدّعت، وعزّة من أذعنت الجبابرة لعزّه وخنعت، وعدنا والبنود لا يعرف اللفّ نشرها، والوجوه المجاهدة لا يخالط التقطيب بشرها، والأيدي بالعروة الوثقى معتلقه، والألسن بشكر نعم الله منطلقه، والسيوف في مضاجع الغمود قلقه، وسرابيل الدّروع خلقه، والجياد من ردّها إلى المرابط والأواري ردّ العواري حنقه، وبعبرات الغيظ المكظوم مختنقه، تنظر إلينا نظر العاتب،

وتعود من ميادين المراح والاختيال تحت حلل السّلاح عود الصّبيان إلى المكاتب؛ والطّبل بلسان العزّ هادر، والعزم إلى منادي العود الحميد مبادر، ووجود نوع الرّماح، من بعد ذلك الكفاح، نادر، والقاسم ترتّب بين يديه من السبي النّوادر، ووارد منهل الأجور، غير المحلّإ ولا المهجور صادر، ومناظر الفضل الآتي عقبه أخيّه الثاني على المطلوب المواتي مصادر، والله على تيسير الصّعاب وتخويل المنن الرّغاب قادر، لا إله إلا هو، فما أجمل لنا صنعه الخفيّ! وأكرم بنا لطفه الحفيّ! اللهم لا نحصي ثناء عليك، ولا نلجأ منك إلا إليك، ولا نلتمس خير الدّنيا والآخرة إلا لديك، فأعد علينا عوائد نصرك يا مبديء يا معيد، وأعنّا من وسائل شكرك على ما ننال به المزيد، يا حيّ يا قيّوم يا فعّالا لما يريد. وقارنت رسالتكم الميمونة منه لدينا حدق فتح بعيد صيته، مشرئبّ ليته، وفخر من فوق النّجوم العوائم مبيته، عجبنا من تأتّي أمله الشارد، وقلنا البركة في قدوم الوارد، وهو أنّ ملك النّصارى لا طفنا بجملة من الحصون كانت من مملكة الإسلام قد غصبت، والتماثيل فيها ببيوت الله قد نصبت، أدالها الله بمحاولتنا الطيّب من الخبيث، والتوحيد من التّثليث، وعاد إليها الإسلام عودة الأب الغائب، إلى البنات الحبائب، يسأل عن شؤونها، ويمسح دموع الرّقّة عن جفونها، وهي للرّوم خطّة خسف قلّما ارتكبوها فيما نعلم من العهود، ونادرة من نوادر الوجود، والى الله علينا وعليكم عوارف الجود!، وجعلنا في محاريب الشّكر من الرّكّع السّجود!. عرّفناكم بمجملات أمور تحتها تفسير، ويمن من الله وتيسير، إذ استيفاء الجزئيّات عسير، لنسرّكم بما منح الله دينكم، ونتوّج بعزّ الملّة الحنيفيّة جبينكم، ونخطب بعده دعاءكم وتأمينكم، فإنّ دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب سلاح ماض، وكفيل بالمواهب المسؤولة من المنعم الوهّاب ميفاض، وأنتم أولى ما ساهم في برّ، وعامل الله بخلوص سرّ؛ وأين يذهب الفضل عن بيتكم، وهو صفة حيّكم وتراث ميتكم، ولكم مزيّة القدم، ورسوخ القدم، والخلافة

الطرف الثامن (في المكاتبات الصادرة عن الأمراء من العمال وأمراء السرايا في صدر الإسلام إلى من في معناهم)

مقرّها إيوانكم، وأصحاب الإمام مالك رضي الله عنه مستقرّها قيروانكم؛ وهجير المنابر ذكر إمامكم، والتوحيد أعلام أعلامكم، والوقائع الشهيرة في الكفر منسوبة إلى أيّامكم، والصحابة الكرام فتحة أوطانكم، وسلالة الفاروق عليه السّلام وشائج سلطانكم، ونحن نستكثر من بركة خطابكم، ووصلة جنابكم، ولولا الأعذار لوالينا بالمتزيدات تعريف أبوابكم. والله عز وجل يتولّى عنا من شكركم المحتوم، ما قصّر المكتوب منه عن المكتوم، ويبقيكم لإقامة الرّسوم، ويحلّ محبّتكم من القلوب محلّ الأرواح من الجسوم، وهو سبحانه يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، ويوالي نعمه عندكم. والسّلام الكريم، الطّيب البرّ العميم، يخصّكم كثيرا أثيرا، ما أطلع الصبح وجها منيرا، بعد أن أرسل النسيم سفيرا، وكان الوميض الباسم، لأكواس الغمائم على أزهار الكمائم مديرا، ورحمة الله وبركاته، إن شاء الله تعالى. الطرف الثامن (في المكاتبات الصادرة عن الأمراء من العمّال وأمراء السّرايا في صدر الإسلام إلى من في معناهم) وكان الغالب في مكاتباتهم الافتتاح بأما بعد والتعبير عن المكتوب عنه بلفظ الوحدة، وخطاب المكتوب إليه بالكاف. كما كتب الحجّاج «1» بن يوسف إلى المهلّب «2» بن أبي صفرة، وهو يومئذ نائب عن الحجّاج على بعض الأعمال والحروب:

أما بعد، فإنّك تتراخى عن الحرب حتّى تأتيك رسلي ويرجعون «1» بعذرك، وذلك أنك تمسك حتّى تبرأ الجراح وتنسى القتلى ويجمّ الناس، [ثم تلقاهم فتحتمل منهم مثل ما يحتملون منك من وحشة القتل وألم الجراح] «2» ولو كنت تلقاهم بذلك الحدّ «3» لكان الداء قد حسم والقرن قد قصم، ولعمري ما أنت والقوم سواء؛ لأنّ من ورائك رجالا وأمامك أموالا، وليس للقوم إلا ما معهم، ولا يدرك الوجيف بالدّبيب، ولا الظّفر بالتعذير. وكما كتب المهلّب إلى الحجّاج مجيبا له عن ذلك. أما بعد، فإنّي لم أعط رسلك على قول الحقّ أجرا، ولم أحتج فيهم «4» مع المشاهدة إلى تلقين. فذكرت «5» أني أجمّ القوم، ولا بدّ من راحة يستريح فيها الغالب ويحتال المغلوب «6» . وذكرت أن في الجمام تنسى «7» القتلى وتبرأ الجراح، وهيهات أن ينسى ما بيننا وبينهم. يأبى ذلك قتل من لم يجن، وقروح لم تعرق «8» ، ونحن والقوم على حالة، وهم يرقبون منّا حالات، إن طمعوا حاربوا، وإن ملّوا وقفوا [وإن يئسوا انصرفوا، وعلينا أن نقاتلهم إذا قاتلوا ونتحرّز إذا وقفوا] «9» ، ونطلب إذا هربوا، فإن تركتني فالدّاء بإذن الله محسوم «10» ، وإن أعجلتني لم أطعك ولم أعص وجعلت وجهي إلى بابك، وأنا أعوذ بالله من سخطه «11» ومقت الناس.

الطرف التاسع (في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم، إلى الملوك ومن في معناهم، على ما كان عليه مصطلح أهل المشرق، وهو على ثلاثة أضرب)

الطرف التاسع (في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم، إلى الملوك ومن في معناهم، على ما كان عليه مصطلح أهل المشرق، وهو على ثلاثة أضرب) الضرب الأوّل (أن تكون المكاتبة عن ملك إلى غير ملك) ورسمهم أن يفتتح الكتاب بلفظ «كتابنا إليك في يوم كذا، ومن مكان كذا، والأمر على كذا وكذا» ويذكر الحال التي عليها المكتوب عنه حينئذ أو التي عليها الخليفة إن كان المكتوب عنه من أتباع الخليفة، أو التي عليها الملك إن كان من أتباع الملك ونحو ذلك، ويكون التعبير في هذه المكاتبة عن المكتوب عنه بنون الجمع، والخطاب للمكتوب إليه بالكاف. ولا يقال في المكتوب إليه في هذه الحالة: سيّدي ومولاي، ولا سيدنا ولا مولانا. وبذلك بكتب عن الملوك ومن في معناهم من سائر الرؤساء إلى المرؤوسين. ثم هو على مرتبتين: المرتبة الأولى- أن يراعى جانب المكتوب إليه في الرّفعة بعض المراعاة. كما كتب أبو إسحاق «1» الصابي عن صمصام «2» الدولة بن عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه، إلى الصاحب كافي الكفاة إسماعيل بن عبّاد وزير فخر الدولة، في الشفاعة في شخص من بعض ألزامه: كتابنا- أدام الله تأييد الصاحب الجليل كافي الكفاة- وإن وثقنا من المسؤولين بالإيجاب والإجابة، ومن المأمورين بالامتثال والطاعة، فإنا نخصّ

بكتبنا الصادرة عنا في المآرب العارضة لنا، من خصبت «1» من كلا الفريقين نهضته إليها، وظهرت مثابرته عليها، وإذا انتهينا إليه- أدام الله عزّه- في ذلك عددنا مع ما قدّم الله عندنا من رتبته في الطبقة الأولى، وميّزنا مع ما وفّر الله علينا من طاعته عن الطبقة الأخرى، وأنسنا منه عادة مشكورة في اتباع محبوبنا، والإسعاف بمطلوبنا؛ ليسلس لنا إلى مخاطبته قياد يتقاعس عمّن سواه، وتنبسط منا في مكاتبته أنامل تتجعّد عمن لا يجري مجراه، ولا سيما إذا كان ذلك في مكرمة يطيب ثناؤها، ومنقبة يشاد بناؤها، والله يمدّه ويمدّنا فيه من طيب السّجايا، وصالح العطايا، بما هو الوليّ به، والحقيق بالشكر عليه. وكتابنا هذا- أدام الله عزّ الصاحب الجليل كافي الكفاة- مبنيّ على إذكاره بحقّ لنا رعيناه، وذمام من أجله أوجبناه، وذلك أسدّ لإحكامه وألزم لإيجابه، وأوكد لأسبابه، وقد عرف مكان أبي منصور يزداها دار بن المرزبان من خدمتنا، وموقعه في جملتنا، وتوفّر حظّه من جميل رأينا، وخالص اعتقادنا، ومن أوجه وسائله لدينا، التي أوجبت له ذلك علينا، أنا لانزال عده عليه «2» ، من الاعتداد بإحسان الصاحب الجليل كافي الكفاة إليه، وإلى أبيه من قبله، والاعتراف بأنه أيّده الله أبو عذرة صنعه، والسابق إلى الجذب بضبعه، ولمن كان أقرّ له من ذلك معروف لا ينكر، ودخل من الثناء عليه في إجماع لا يخرق، فقد بيّن عن نفسه أنه ممن يطيق حمل المنن ويحسن مصاحبة النّعم، ويستحق أن تقرّ عنده أسلافها، وتدرّ عليه أخلافها، إذ لم يذهله الرّبوع فيها عن التحيد من اصطرافها وانصرافها، ولم يلهه التوسّط لها عن حياطة أطرافها وأكنافها، ومن لنا اليوم بالشّكور الذي لا يغمط، والذّكور الذي لا ينسى؟ والعليم بما يلزمه، والقؤوم بما يحقّ عليه. وأعلمنا حال قريبين له يقال لهما الفركان بن حرزاد، ورستم بن يزد، وأنهما تصرّفا في بعض الخدمة تصرّفا تزايلا فيه عن نهج السّداد، وسنن

الرّشاد، واقتضى ذلك أن طلبا بالتقويم والتهذيب، وولجا مضيق القصاص والتأديب، وأنه قد مضت لهما فيه مدّة طويلة في مثلها ما صلح المعاقب، واكتفى المعاقب، وسؤاله لهما، ومرادنا له فيهما، شفاعة الصاحب الجليل كافي الكفاة إلى مولانا الأمير السيد شاهنشاه فخر الدولة في أن يسعهما العفو، ويدركهما العطف إما باستخدام يتطوّقان به المنن، ويأذن لهما بانصراف إلى الوطن؛ وقد استظهرنا بكتاب كتبناه في أمرهما: هذا الكتاب يشتمل عليه، حتّى إذا وجب أن يجعله الصاحب الجليل كافي الكفاة ذريعة إلى الغرض، ومطيّة إلى المقصد، أمضى في ذلك رأيه، وعقد عليه تدبيره. فإن رأى الصاحب الجليل أن يتوصّل في هذا الأمر إلى ما يشاكل عادته عندنا في الأمور الواردة عليه فعل، وتوخّى في الجواب أن يكون متضمّنا لذكر الفعل دون القول، والإنجاز دون الوعد، إن شاء الله تعالى. وكما كتب الصابي عن صمصام الدولة المقدّم ذكره، إلى الصاحب «1» بن عباد أيضا في حالة أخرى، بسبب ردّ إقطاع إلى أبي جعفر محمد بن مسعود قرين كتاب إلى فخر الدولة: كتابنا والسلامة لدينا راهنة، وعادة الله لإقرارها ضامنة، والحمد لله رب العالمين، والصاحب الجليل كافي الكفاة- أدام الله تأييده- يعلم أنه لم يزل لممالكنا أفنية تقام بها أسواق المكارم، وتحيا بها سنن المحامد، وقد جعله الله بتفضّله الحافظ لجمال ذلك علينا، والضارب بسهمه فيه معنا، فالحمد لله على أن قرن الحظوظ التي خوّلنا، والمنازل التي نوّلنا، بالخلائق الخليقة بها، الداعية إلى استقرارها، والطرائق المطرّقة إلى ثباتها واستمرارها، وأن زان أيامنا هذه الحاضرة، بآثار الصاحب كافي الكفاة أدام الله عزه فيها النّاضرة ومساعيه

الرّشيدة، وأفعاله المستقيمة، وأحاديثه الجميلة، وإيّاه نسأل أن يجرينا وكلّ ناصح على أفضل ما عوّدنا وأحسن ما أولاه ومنحنا بقدرته. وإذا كان مولانا الأمير السيد شاهنشاه فخر الدولة، وفلك الأمّة، بالمحلّ الذي أهّله الله له، من استعذاب الإحسان إلى أوليائه، وافتراض الإفضال على نصحائه، وكان الصاحب الجليل بالحال التي هو بها من القيام بما حمل به «1» المناب فيه عنه، فقد وجب أن تكون الرّعاية لذوي الحرمات مستحكمة الأسباب، ثابتة الأطناب، واضحة الأعلام، ماضية الأحكام، ولا سيما فيمن تعلق منّا بالعناية، وأخذ من ذمامنا بالوثيقة، و «أبو جعفر محمد بن مسعود» أيده الله جامع للمواتّ، التي يستحقّ بها اجتماع العنايات، سالفا صالحا في الخدمة، وسابقة متمكّنة في الجملة، واشتمالا على كلّ ما وجبت به الحقوق، ولزمت به الرعايات. وذكر أنه كانت له بنواحي الجبل تسويغات ومعايش أنعم بها مولانا الأمير السيد فخر الدولة عليه في حال بعد حال، وشرّفه بها في مقام بعد مقام، منها كذا وكذا، وإذا جمع الجميع كان قليلا في جنب ما يفيضه مولانا الأمير السيد شاهنشاه فخر الدولة، وفلك الأمة على خدمه، من جليل عوارفه الجارية على يد الصاحب الجليل كافي الكفاة أدام الله تأييده، والواصلة إلى مستحقّيها بلطيف توصّله، وجميل معتقده. وكان موقعه جليلا عند أبي جعفر محمد بن مسعود أيده الله في جنب ما يصلح من شأنه، ويقيم من جاهه، ويرب من معايشه، ويلمّ من حاله. وقد كتبنا إلى مولانا في ذلك كتابا مجملا قصرناه على الرّغبة إليه، في ردّ هذه المعايش عليه، وعوّلنا على الصاحب الجليل في إخراج أمره العالي بذلك له، وإحكام المناشير والوثائق بجميعه، والتقدّم بمكاتبة العمّال والولاة بتقوية أيدي أصحابه، في استيفاء ما يجب من الأسلاف والبقايا، على الأكرة «2» والمزارعين، والوكلاء والمعاملين، وتأكيد الكتب بغاية ما تؤكّد

الضرب الثاني (أن تكون المكاتبة من ملك إلى ملك)

به أمثالها، ويبلغ به أبو جعفر محابّه كلّها. فإن رأى الصاحب الجليل أن يأتي في ذلك كلّه ما يجده ويعده ويرعاه ويحفظه، جاريا على المألوف من مثابرته على ما عاد علينا وعليه معنا بطيب الذّكر والبشر، وثناء اليوم والغد، فقد أنفذنا بهذا الكتاب ركائب لنا دلالة على خصوص متضمّنه في تعلقه بالاهتمام منا، فعل إن شاء الله تعالى. الضرب الثاني (أن تكون المكاتبة من ملك إلى ملك) ورسمهم في ذلك أن يفتتح الكتاب بلفظ: كتابي والأمر على كذا وكذا، ويؤتى بالتعبير عن المكتوب عنه في أثناء الكتاب بلفظ الإفراد دون الجمع، وهنا يفخّم شأن المكتوب إليه، فيعبّر عنه بمولاي وسيدي، ومولانا وسيدنا، ونحو ذلك. ثم هو على مراتب «1» : المرتبة الأولى (أن يكون المكتوب إليه ملكا أيضا) فيخاطبه على قدر مقامه بالسيادة أو غيرها مع الدعاء بما يناسبه، من طول البقاء ونحوه، ثم تارة يقع التعرّض فيها بذكر الطلب وبرفع الحال التي هو عليها، وتارة لا يقع التعرّض إلى ذلك- كما كتب أبو إسحاق الصابي عن عز الدولة بن معز الدولة، بن بويه، إلى عضد الدولة بن بويه في طلب الصّلح، وقد جرى بينهما اختلاف. كتابي- أطال الله بقاء مولانا الملك الجليل المنصور عضد الدولة- من

العسكر بظاهر سوق الأهواز، ومولانا أمير المؤمنين مشمول بالكفاية والتأييد، مخصوص بالعز والتمكين، يجري على أفضل ما عوّد الله خلفاءه في أرضه، وأحبّاءه في رعاية خلقه، من التكفّل لهم بالإظهار والإدالة، وتولّيهم بالإعلاء والإنافة، وأنا مستظلّ بكنف طاعته، مستكنّ في حرم مشايعته، شاكر لله على بلائه، مثن عليه بآلائه، راغب إليه أن يعصمني في مولانا الملك الجليل المنصور وفي نفسي من كل مكروه ومستهجن، ويوفّقني وإيّاه لكل مستحبّ ومستحسن، ويعيذنا من المقام على الفرقة، والزّوال عن سنن الألفة، وهو المحمود ربّ العالمين. والحقوق بين مولانا الملك وبيني فيما قررته منا اللّحمة، وأكّدته العصمة، وأثّلته الأسلاف، ونشأت عليه الأخلاف، حقيقة بأن لا تتسرّع إليها دواعي النّقض، ولا تتمكّن منها ملمّات النّسخ، ولا يتمّ للشيطان عليها ما يحاوله بنزغه، ويتوصّل إليه بكيده، وأن تنزاح العوارض عنها، وتضمحلّ دون التأثير فيها، وأن نعتقد جميعا أنّ بتقارضنا رعايتها ثبات النعم المتصلة بها، فلا يستنكف مستنكف منّا أن يخفض جناحه لأخيه، ويغضّ من جماحه في مقاربة ذويه، إذ كان ذلك حاميا له في أهول الأحوال ممّا هو أشدّ خفضا، وأبلغ رضّا، وأسوأ مغبّة، وأنكر عاقبة. وقد علم مولانا الملك المنصور بالثاقب من تأمله، والصحيح من تمييزه وتدبّره، أنّ دولتنا- حرسها الله- مبنيّة على أسّ الترافد والتعاضد، موضوعة على قاعدة التوازر والتظافر، وأنّ مشيختنا وسادتنا رضوان الله عليهم جعلوا الائتلاف رتاجا «1» بين الأعداء وبينها، ثم إن مفتاحه هو الخلاف المتطرّق لهم عليها، ولو حدث التنافر في أيام رياسة أضعفنا منّة، وأوهننا عقدة، وأحدثنا سنّا، وأقلّنا حنكة، لكان ذلك أقلّ في التعجّب من أن يعرض في رياسة أحصفنا رأيا،

وأسدّنا تدبيرا، وأوفانا حلما، وأكملنا حزما. وقد تكررت- أيد الله مولانا- على ذات بيننا قوارص احتقرناها حتّى امتلأ الإناء من قطرها، واستقينا منها على العظيمة التي لا ثواء بعدها، وما أعود على نفسي بلوم في ابتداء قبيح ابتدأته، ولا بمركب شنيع ركبته ولا حقّ اطّرحته، ولا استصلاح تركته، ولا أدفع مع ذلك أنني قابلت لما تضاعف بالأقل الأيسر، وجازيت لما ترادف بالأدون الأنزر، إلا أني ما آثرت كثيره ولا قليله، ولا اخترت دقيقه ولا جليله، لكنه لم يصلح في السيرة- وقد أشفينا على التزاحف للحرب، والتّدالف للطّعن والضرب- أن أستعمل ما كنت عليه من توفية الحقوق، وإقامة الرسوم، فيراني الأولياء الذين بهم تحمى البيضة، وتحاط الحوزة، متناقض الفعلين، متنافي المذهبين، وكنت في ذلك الفعل الذّميم، والرأي الذي ليس بمستقيم، مقتديا لا مبتديا، ومتّبعا لا مبتدعا. ولو وقف بي مولانا الملك الجليل قبل أواخر الجفاء، وعطف معي إلى أوّل شرائع الصّفاء، لكانت عريكتي عليه ألين، وطريقه إلى ارتباط طاعتي وولائي أقصد، لكنه، أيّده الله، أقام على ما لا يليق به من مجانبتي ومغالظتي، وبثّ الحبائل لي ودسّ المكايد إليّ، ومتابعته الجواسيس والكتب إلى الأولياء في عسكري الذين هم أولياؤه، إن أنصف وعدل، ونصحاؤه، إن أحسن وأجمل. وكان الأشبه بمولانا لو كنت الغالط عليه، والباعث لهذه الأسباب إليه، أن يسوسني سياسة الحكيم، ويستخلصني استخلاص الكريم، إذ كنّا لم نقدّمه معشر أهل البيت علينا، ونولّه أزمّة أمورنا، إلا ليأسو جروحنا، ويجبر كسورنا، ويتعهّد مسيئنا، ويستميل نافرنا، فأما أن يحاول منا استباحة الحريم، وإركاب المركب العظيم، فكيف يجوز أن تدوم على هذا طاعة، أو تصلح عليه جماعة، أو يغضي عليه مغض، أو يصفح عنه صافح؟. وكان من أشدّ هذه الجفوة وأفظعها، وأقساها وأغلظها، أن عاد رسولي من حضرته خاليا من جواب بما كتبت إليه، وما أعرف له أيده الله في ذلك عذرا يبسطه، ولا سلك منه السبيل التي تشبهه، وبالله جهد القسم ومنتهاها، وأجلّها وأوفاها، لقد سار مولانا أمير

المؤمنين أطال الله بقاءه، وسرت إلى هذا الموضع، واعتقادنا لا يجاوز حفظ الحدود والأطراف، وحياطة النهايات والأكناف، والأغلب علينا أنّ مولانا الملك- أدام الله تأييده- لا يتجاوز معي المعاتبة اللطيفة، والمخاطبة الجميلة، والاستدعاء منّي لما يسوغ له أن يطلبه ولي أن أبذله، من تعفية السالف، وإصلاح المستأنف، وتوفية للحق في رتبة لا أضنّ بها عليه، ولا أستكثر النّزول عنها له، وتقرير أصل بيننا يكون أيده الله به معقلا لي وموئلا، وأكون نائبا له ومظفّرا- إلى أن بدأ الأصحاب بالعيث في هذه البلاد، وألحّوا عليها بالغارات، واعتمدوها بالنّكايات، وكان هذا كالرّشاش الذي يؤذن بالانسكاب، والوميض الذي يوعد بالاضطرام- وأوجبت قبل المقابلة عليه والشّروع في مثله في حقّ مولانا الملك الجليل، الذي لا أدع أن أحفظ منه ما دعاني إلى إضاعته، وأتمسّك بما اضطّرّني إلى مفارقته، أن أقدّم أمام الالتقاء على الحرب التي هي سجال كما يعلم، إبلاغ نفسي عذرها، وإعطاء المقادة منها، داعيا له إلى طاعة الخالق والإمام، وصلة اللّحم والأرحام، وحقن الدماء والمهج، وتسكين الدّهماء والرّهج، وثني العنان عن المورد الذي لا يدري وارده كيف يصدر عنه، ولا يثق بالسّلامة منه، وتعريفي ما يريده منّي لأتّبعه ما لم يكن ثالما لي، وعائدا بالوهن عليّ، والله الشاهد على شهادة قد علم إخلاصي فيها، وسماحة ضميري بها، وأنني أكره أن أنال منه، كما أكره أن ينال مني، وأتألّم من أن أظهر عليه، كما أتألّم أن يظهر عليّ، وأحبّ أن يرجع عني وأرجع عنه؛ وقد التقت قلوبنا، وتألّف على الجميل شملنا، وطرفت أعين الأعادي عنا، وانحسمت مطامعهم فينا، فإن فعل ذلك فحقيق به الفضل، وهو لعمر الله له أهل، ولا عذر له في أن لا يفعله، وقد وسّع الله ماله، ووفّر حاله، وأغناه عمّا يلتمسه الصّعلوك، ويخاطر له السّبروت «1» ، وجعله في جانب الغنى والثّروة، والحزم والحيطة، وإن أبى فكتابي هذا حجّة عند الله الذي تستنزل منه المعونة وعند

الضرب الثالث (أن تكون المكاتبة عمن دون الملك إليه)

الناس الذين تلتمس منهم العصبيّة، وقد أنفذت به إسفندار بن خسرويه وإبراهيم ابن كالي، وهما ثقتاي وأميناي، ليؤدّياه ويشافهاه عنّي بمثل متضمّنه ونجواه، والله يعيذنا في مولانا الملك الجليل من أن يختار إلا أولى الأمرين وأليقهما بدينه ومروءته، وهو وليّ ما يراه في الأمر بتعجيل الإجابة بما أعمل عليه، وأنتهي بالتدبير إليه، إن شاء الله تعالى. الضرب الثالث (أن تكون المكاتبة عمّن دون الملك إليه) ورسمهم فيه أن يبتدأ بلفظ كتابي، والدعاء للمكتوب إليه بطول البقاء ونحو ذلك، ويخاطب في أوّل الكتاب بمولانا الملك السيد الأجلّ، وفي أثناء الكتاب بالسيد والملك ونحو ذلك، ويعبّر عن المكتوب عنه بلفظ الإفراد: كما كتب أبو إسحاق الصابي «1» عن الأمير نصر خوزة فيروز بن عضد الدولة إلى ابن عمه شرف الدولة يذكر له حاله مع أخيه صمصام الدولة. كتابي- أطال الله بقاء مولانا الملك السيد الأجلّ، شرف الدولة، وزين الملّة، والسلامة لي شاملة بما مدّه الله تعالى عليّ من ظلّه الظليل، ورأيه الحسن الجميل، والحمد لله رب العالمين. وقد تأدّى إلى مولانا الملك السيد من أخباري ما أستغني به عن تطويل المفصّل، وأكتفي به عن إجمال المجمل؛ وذلك أن أسفار بن كردويه وعبد العزيز بن برسف الكافرين لنعماء الله ونعمة الملك السعيد عضد الدولة أبينا رحمة الله عليه قبلنا، الغامطين لما نظاهر عليهما من إحساننا وإفضالنا، هجما علينا بخدعة تظافرا عليها، وشبهة جذباني إليها، وأبرما كذبا من القول لم أظنّهما يقدمان على مثله، ولا يتفوّهان باطلا به، فأصغيت إليهما إصغاء الواثق بهما لا المنخدع لهما، فلما أنزلاني على حكمهما، وأوثقاني بحيث لا أستطيع مخالفتهما، ظهرت الحيلة، ووضحت

الغيلة، وفاتني الاختبار، وغلبني المقدار، فجرى ما كانت عاقبته خذلان الله إيّاهما، وإنزاله بأسه ونقمته عليهما، وخلاصي بسلامة الصّدر، واتضاح الغدر، من حبائلهما المنصوبة، وأشراكهما المبثوثة. ولما حصلت في كنف الملك السيد صمصام الدولة أقالني العثرة، وقبل منّي المعذرة، وأحلّني من داره وحماه بحيث لم أعدم عادة، ولا انقطعت عنّي مادّة، وكانت الحال توجب مقامي فيها إلى أن تتعفّى آثار الفتنة التي أثارها ذانكما الخبيثان الجانيان. ثم ورد فلان في الرسالة، وتمّم الله على يده عقد الصلح والمسالمة، فأخرجت عن الاحتجاب إلى الظّهور، وعن الاحتجار إلى البروز، وأنزلت من الدار المعمورة في جانب يصل إليّ منه سيب «1» وصوله على العموم دون الخصوص، وعاملني الملك السيد صمصام الدولة بما يليق بفضله متّبعا في ذلك مقاطعة السيف بينه وبيني، وطاعة مولانا الملك السيد الأجل شرف الدولة في أمري، وجدّد عندي من الإنعام والتوسعة والإيثار والتكرمة آخرا ما شفع تلك الشّفقة أوّلا، ولقيني فلان دفعات، وشافهني مرّات، وتحمّل عني إلى مولانا الملك موالاتي الشكر كثيرا، واعتدادا طويلا عريضا، ودعاء، الله يسمع مرفوعه، ويجيب مسموعه، بمنّه وقدرته، وحوله وقوّته. والآن فإذ قد جمع الله الكلمة، ووكّد الألفة وحرس النّعمة، وحصّن الدولة وأخرج عنها من كان يشبّ الفتنة، ويسدي وينير في الفرقة، فإنّي واثق بالله جل وعزّ وبما تترقّى الحال إليه في غاية محبوبي، ونهاية مطلوبي، وأقاصي ما تبلغه أمنيّتي، وتسمو إليه همّتي، وتقتضيه أخوّتي وعصمتي، ولله المشيئة، ومنه المعونة، فإن رأى مولانا الملك السيد أن يسكن إلى سكوني، ويطمئن إلى طمأنينتي، ويجري إليّ غاية فضله وطوله في الأمر الذي أحسن فيه وأجمل، ليشملنا إنعامه، ويتظاهر علينا امتنانه، وأستوفي بقيّة حظّي من ثمرة ذلك

وعائدته، وجدواه وفائدته، ويأمر بتشريفي بكتابه، وتأهيلي بجليل خطابه، وتصريفي بين أمره ونهيه، فعل، إن شاء الله تعالى. تم الجزء السادس. يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء السابع وأوّله الطرف العاشر (في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية) والحمد لله رب العالمين. وصلاته على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه والتابعين وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ثبت بأسماء المصادر والمراجع

ثبت بأسماء المصادر والمراجع 1 1- الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب (1- 4) تحقيق محمد عبد الله عنان. مكتبة الخانجي بالقاهرة- الشركة المصرية للطباعة والنشر، 1973- 1977. 2- إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب المعروف بمعجم الأدباء لياقوت الحموي (1- 7) طبعة مرجليوت بمصر 1907- 1925. 3- أزهار الرياض في أخبار عياض للمقري التلمساني (1- 3) تحقيق الأساتذة السقا والأبياري وشلبي. طبعة القاهرة 1939- 1942. 4- أساس البلاغة للزمخشري. تحقيق عبد الرحيم محمود دار المعرفة بيروت 1979. 5- الأعلام للزركلي (1- 8) دار العلم للملايين- بيروت 1980. 6- الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (1- 25) طبعة دار الثقافة ببيروت 1955- 1961. 7- البداية والنهاية في التاريخ لابن كثير (1- 14) مصر 1351- 1358 هـ. 2 8- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع للشوكاني (1- 2) القاهرة 1348 هـ. 9- بغية الملتمس للضبي. دار الكتاب العربي 1967. 10- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي دار المعرفة بيروت- لبنان. 11- البيان والتبيين للجاحظ (1- 4) مصر 1367- 1369 هـ المطبعة العلمية بمصر 1311- 1313 هـ. 12- البيان المغرب لابن عذاري المراكشي (1- 4) تحقيق ج. س. كولان. وإ. ليفي بروفنسال والدكتور احسان عباس دار الثقافة- بيروت- لبنان. 13- تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي (1- 10) مصر 1306- 1307 هـ. 14- تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري (1- 2) مصر 1282 هـ.

15- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1- 14) دار الكتاب العربي- بيروت- لبنان. 16- تاريخ ابن خلدون (1- 14) دار الكتاب اللبناني- بيروت 1981. 17- تاريخ الطبري (1- 15) مكتبة خياط- بيروت- لبنان. 18- تاريخ المنّ بالإمامة لابن صاحب الصلاة. تحقيق الدكتور عبد الهادي التازي. العراق- وزارة الثقافة والفنون 1979. 19- تذكرة الحفاظ للذهبي (1- 4) حيدرآباد 1333- 1334 هـ. 20- تفسير الجلالين- دار الفكر- بيروت- لبنان. 21- تهذيب الأسماء واللغات لابن شرف النووي- الجزء الأول، من القسم الثاني دار الكتب العلمية- بيروت. 22- تهذيب تاريخ ابن عساكر لعبد القادر بدران (1- 7) دمشق 1329- 1351 هـ. 23- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني (1- 12) حيدرآباد الدكن 1325- 1327 هـ. 24- جذوة المقتبس للحميدي الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1966. 25- جغرافية شبه جزيرة العرب لرضا كحالة دمشق 1944. 26- جمهرة أنساب العرب لابن حزم الأندلسي 2 تحقيق عبد السّلام محمد هارون دار المعارف بمصر 1962. 27- حماسة أبي تمام (1- 4) بشرح التبريزي طبعة بولاق. 28- خريدة القصر وجريدة العصر للأصفهاني قسم شعراء مصر (1- 2) تحقيق الدكتور شوقي ضيف- القاهرة 1951. 29- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب لعبد القادر بن عمر البغدادي (1- 4) مصر 1299 هـ. 30- الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة لابن حجر العسقلاني (1- 4) حيدرآباد 1945- 1950. 31- دولة سلاطين المماليك (1- 2) مكتبة الانجلو المصرية، سنة 1967. 32- ديوان امرىء القيس تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم دار المعارف بمصر 1969. 33- الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لابن بسّام الشنتريني تحقيق الدكتور إحسان عباس دار الثقافة ببيروت 1978- 1979. 34- الذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشي (1- 6) تحقيق الاستاذين محمد بن شريفة وإحسان عباس دار الثقافة ببيروت 1973. 35- الرد الوافر لابن ناصر الدين تحقيق زهير الشاويش، بيروت 1393 هـ.

1 36- رسائل ابن حزم الأندلسي (1- 4) تحقيق الدكتور إحسان عباس المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت سنة 1980- 1983. 37- ريحانة الكتّاب ونجعة المنتاب لابن الخطيب، المجلد الأول تحقيق محمد عبد الله عنان القاهرة مكتبة الخانجي المطبعة العربية الحديثة الطبعة الأولى سنة 1980. 38- السيرة النبوية لابن هشام (1- 3) مصر 1295 هـ. 39- شرح المقامات الحريرية للشريشي (1- 2) مصر سنة 1300 هـ. 40- شذرات الذهب في أخبار من ذهب للعماد الحنبلي (1- 8) القاهرة 1350- 1351 هـ. 41- الشعر والشعراء لابن قتيبة (1- 2) دار الثقافة بيروت 1969. 42- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي (1- 12) طبع في مصر 1353- 1355 هـ. 43- ضوء الصبح المسفروجنى الدوح المثمر (مختصر صبح الأعشى في كتابة الانشا) للقلقشندي، الجزء الأول. عني بطبعه وتصحيحه محمود سلامة مطبعة الواعظ بمصر 1906. 44- الطالع السعيد لكمال الدين أبي الفضل الأدفوي، تحقيق سعد محمد حسن، القاهرة 1966. 2 45- طبقات الشعراء لابن سلام. دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان 1982. 46- العقد الفريد لابن عبد ربه (1- 7) شرح أحمد أمين وأحمد الزين وإبراهيم الأبياري- القاهرة. مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، سنة 1949- 1965. 47- عيون الأخبار لابن قتيبة (1- 2) شرح وضبط الدكتور يوسف طويل (3- 4) شرح وضبط الدكتو مفيد قميحة. دار الكتب العلمية- بيروت 1986. 47- فتوح البلدان للبلاذري مصر 1319 هـ. 48- الفهرست للنديم تحقيق رضا تجدد طهران 1971. 49- فوات الوفيات للكتبي (1- 5) تحقيق الدكتور إحسان عباس دار الثقافة- بيروت 1973- 1974 50- القاموس المحيط للفيروز آبادي (1- 4) مصر سنة 1330 هـ. 51- قرآن كريم دار الفكر- بيروت 1403 هـ. 52- قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان للقلقشندي تحقيق إبراهيم الأبياري دار الكتاب اللبناني- بيروت 1982. 53- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة (1- 2) ، استانبول 1941- 1943.

1 54- الكامل في التاريخ لابن الأثير (1- 13) دار صادر- بيروت 1982. 55- الكامل في اللغة والأدب للمبرد (1- 2) مكتبة المعارف- بيروت 56- لسان العرب لابن منظور (1- 15) دار صادر- بيروت. 57- المثل السائر لابن الأثير (1- 2) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد- القاهرة 1939. 58- مجمع الأمثال للميداني (1- 2) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد مطبعة السنة المحمدية 1955 59- محيط المحيط لبطرس البستاني مكتبة لبنان- بيروت 1977. 60- المختار من رسائل أبي إسحاق بن زهرون الصابي. نقّحه وعلّق حواشيه الأمير شكيب ارسلان دار النهضة الحديثة- بيروت- لبنان 61- المختصر في أخبار البشر (ويعرف بتاريخ أبي الفداء) للملك المؤيّد اسماعيل أبي الفداء صاحب حماة سبعة أجزاء في مجلدين دار الكتاب اللبناني- بيروت. 62- مروج الذهب للمسعودي (1- 4) شرح وتقديم الدكتور مفيد قميحة دار الكتب العلمية- بيروت 1986. 63- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص لعبد الرحيم بن أحمد العباسي (1- 4) مصر 1367 هـ. 2 64- معجم البلدان (1- 5) لياقوت الحموي دار صادر، دار بيروت 1984. 65- معجم الشعراء للمرزباني، ومعه المؤتلف والمختلف للآمدي تصحيح الدكتور ف. كرنكو دار الكتب العلمية- بيروت 1982. 66- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام الانصاري المصري (1- 2) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. القاهرة- مطبعة المدني. 67- مفتاح الأفكار في النثر المختار للشيخ أحمد مفتاح مصر 1314 هـ. 68- نثير فرائد الجمان في نظم فحول الزمان لابن الأحمر دراسة وتحقيق محمد رضوان الداية دار الثقافة بيروت 1967. 69- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي (1- 16) دار الكتب المصرية 70- نفاضة الجراب في علالة الاغتراب لابن الخطيب تحقيق الدكتور أحمد مختار العبادي دار الكاتب العربي للطباعة والنشر بالقاهرة. 71- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقّري (1- 8) تحقيق الدكتور احسان عباس دار صادر- بيروت 1968.

1 72- نكت الهميان في نكت العميان لصلاح الدين الصفدي. مصر 1329 هـ. 73- نهاية الارب في فنون الأدب (1- 30) للنويري مصورة عن طبعة دار الكتب بمصر. 2 74- وفيات الأعيان لابن خلكان (1- 8) تحقيق الدكتور احسان عباس دار صادر بيروت 1977- 1978 75- يتيمة الدهر للثعالبي (1- 4) دار الكتب العلمية- بيروت لبنان سنة 1979.

فهرس

فهرس المهنيع الثاني- في ذكر الألقاب والنعوت المستعملة عند كتاب الزمان وبيان معانيها؛ وهي نوعان 3 النوع الأوّل- الألقاب الإسلامية؛ وهي صنفان 3 الصنف الأوّل- المذكرة؛ وهي ضربان 3 الضرب الأوّل- الألقاب المفردة المختصة في اصطلاح الكتاب باسم الألقاب 3 الضرب الثاني- المركبة المعبر عنها في اصطلاح الكتاب بالنعوت 35 الصنف الثاني- (وكتب خطأ الضرب الثاني) من الألقاب المؤنثة 76 الصنف الثاني- (لعل الصواب النوع الثاني كما نبه عليه) من الألقاب المفرّعة على الأصول ألقاب من يكتب إليه من أهل الكفر..... وهي على ضربين. 78 الضرب الأوّل- الألقاب المذكرة؛ وهي نمطان 79 النمط الأوّل- المفردة 79 النمط الثاني- الألقاب المركبة 83 الضرب الثاني- من ألقاب أهل الكفر الألقاب المؤنثة 95 الجملة السابعة- في تفاوت الألقاب في المراتب؛ وهي قسمان 96 القسم الأوّل- ما يقع التفاوت فيه في الصعود والهبوط؛ وهو نوعان 96 النوع الأوّل- ما يقع التفاوت فيه بحسب القلة والكثرة 96 النوع الثاني- ما يقع فيه التفاوت في العلوّ والهبوط بحسب ما يقتضيه جوهر اللفظ أو ما وقع الاصطلاح عليه؛ وهو صنفان 97 الصنف الأوّل- الألقاب المفردة؛ وهي على أربعة أنماط 97 النمط الأوّل- التوابع 97

النمط الثاني- ما يقع التفاوت فيه بحسب لحوق ياء النسب وتجرّده منها 99 النمط الثالث- ما يقع التفاوت فيه بصيغة مبالغة غير ياء النسب 100 النمط الرابع- ما يقع فيه التفاوت بحسب ما في ذلك اللقب من اقتضاء التشريف لعلوّ متعلقه ورفعته 100 الصنف الثاني- الألقاب المركبة؛ وهي على ضربين 101 الضرب الأوّل- ما يترتب بعضه على بعض لقبا بعد لقب؛ وله اعتباران 101 الاعتبار الأوّل- أن يشترك في رعاية الترتيب أرباب السيوف والأقلام وغيرهم؛ وهو على ثلاثة أنماط (صوابه أربعة) 101 النمط الأوّل- ما يضاف إلى الإسلام 101 النمط الثاني- ما يضاف إلى الأمراء والوزراء ونحوهم 103 النمط الثالث- ما يضاف إلى الملوك والسلاطين 105 النمط الرابع- ما يضاف لأمير المؤمنين 106 الاعتبار الثاني- أن يختص الترتيب في الألقاب بنوع من المكتوب له؛ وهو أربعة أنماط 107 النمط الأوّل- ما يختص بأرباب السيوف 107 النمط الثاني- ما يختص بالوزراء ومن في معناهم 109 النمط الثالث- ما يختص بالقضاة والعلماء 109 النمط الرابع- ما يختص بالصلحاء 109 القسم الثاني- مما تتفاوت فيه مراتب الألقاب ما يقع التفاوت فيه بالتقديم والتأخير؛ وهو نوعان 113 النوع الأوّل- الألقاب المفردة؛ وهي على ستة أنماط 113 النمط الأوّل- الألقاب التي تلي الألقاب الأصول 113 النمط الثاني- ما يلي العالي أو السامي من الألقاب 113 النمط الثالث- ما يلي لقب الوظيفة 114 النمط الرابع- ما يقع قبل لقب التعريف 114 النمط الخامس- ما يقع فصلا بين الألقاب المفردة والمركبة 115 النمط السادس- ما ليس له موضع مخصوص من الألقاب المفردة 115

النوع الثاني- مما تتفاوت فيه مراتب الألقاب بالتقديم والتأخير الألقاب المركبة؛ وهي على ثلاثة أنماط 116 النمط الأوّل- ما يلي لقب التعريف 116 النمط الثاني- ما يقع في آخر الألقاب المركبة 116 النمط الثالث- ما بين أوّل الألقاب المركبة وبين آخرها 116 الجملة الثامنة- في بيان محل اللقب المضاف إلى الملك ولقب التعريف الخاص به 117 الجملة التاسعة- في ترتيب جملة الألقاب الفروع على الألقاب الأصول على قدر طبقاتها؛ وهي قسمان 118 القسم الأوّل- الألقاب الإسلامية 118 الضرب الأوّل- الألقاب المتعلقة بالخلافة وما يلتحق بها؛ وهي ثلاثة أنواع 118 النوع الأوّل- ألقاب الخلفاء 118 النوع الثاني- ألقاب ولاة العهد بالخلافة 119 النوع الثالث- ألقاب إمام الزيدية باليمن 119 الضرب الثاني- الألقاب الملوكية؛ وهي نوعان 120 النوع الأوّل- الألقاب التي اصطلح عليها السلطان بالديار المصرية 120 النوع الثاني- الألقاب التي يكتب بها عن السلطان لغيره من الملوك؛ وهي على ثلاثة أصناف 121 الصنف الأوّل- ألقاب ولاة العهد بالسلطنة 121 الصنف الثاني- ألقاب الملوك المستقلين بصغار البلدان 121 الصنف الثالث- ألقاب المكتوب إليهم من الملوك عن الأبواب السلطانية؛ وهي نمطان 122 النمط الأوّل- ما يصدّر بالألقاب المذكرة 122 النمط الثاني- ما يصدّر بالألقاب المؤنثة 125 الضرب الثالث- من الألقاب الإسلامية، الألقاب العامّة لسائر الطوائف؛ وهي ثمانية أنواع 126 النوع الأوّل- ألقاب أرباب السيوف من أهل المملكة وغيرهم 126

النوع الثاني- من الألقاب الإسلامية الألقاب الديوانية 141 النوع الثالث- من الألقاب الإسلامية ألقاب أرباب الوظائف الدينية 148 النوع الرابع- من الألقاب الإسلامية ألقاب مشايخ الصوفية وأهل الصلاح 154 النوع الخامس- ألقاب التجار الخواجكية 158 النوع السادس- من الألقاب الإسلامية ألقاب أرباب الصناعات الرئيسية كرياسة الطب 160 النوع السابع- من الألقاب الإسلامية ألقاب الحاشية السلطانية 161 النوع الثامن- من الألقاب الإسلامية ألقاب النساء 162 القسم الثاني- من الألقاب المرتبة ألقاب أهل الكفر؛ وهي على ثلاثة أضرب 164 الضرب الأوّل- ألقاب متديّنتهم، وهي نوعان 164 النوع الأوّل- ألقاب بطاركة النصارى 164 النوع الثاني- ألقاب رؤساء اليهود 165 الضرب الثاني- ألقاب ملوكهم وتختص بالنصارى؛ وهي نمطان 165 النمط الأوّل- الألقاب المذكرة 165 النمط الثاني- الألقاب المؤنثة 170 الضرب الثالث- ألقاب نوّاب ملوكهم وكناصلتهم؛ وهي على نوعين 171 النوع الأوّل- ألقاب النوّاب 171 النوع الثاني- ألقاب الكناصلة 171 الجملة العاشرة- في ذكر ألقاب تقع على أشياء متفرقة قد جرت في عرف الكتاب؛ وهي على ضربين 174 الضرب الأوّل- فيما يجري من ذلك مجرى التفاؤل؛ ويختلف باختلاف الأحوال والوقائع ويتنوّع إلى أنواع 174 الضرب الثاني- ما يجري من ذلك مجرى التشريف، ويختلف أيضا باختلاف الأحوال، ويتنوّع أنواعا 177 الباب الثاني- من المقالة الثالثة في مقادير قطع الورق وما يناسب كل مقدار منها من الأقلام؛ وفيه فصلان 180 الفصل الأوّل- في مقادير قطع الورق؛ وفيه طرفان 180

الطرف الأوّل- في مقادير قطع الورق، في الزمن القديم 180 الطرف الثاني- في بيان مقادير قطع الورق المستعمل في زماننا (زمن المؤلف) ؛ وفيه ثلاث جمل 181 الجملة الأولى- في مقادير الورق المستعمل بديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بالديار المصرية 181 الجملة الثانية- في مقادير الورق المستعملة بدواوين الإنشاء بالممالك الشامية 183 الجملة الثالثة- في مقادير قطع الورق الذي تجري فيه مكاتبات أعيان الدولة 184 الفصل الثاني- من الباب الثاني من المقالة الثالثة في بيان ما يناسب كلّ مقدار من مقادير قطع الورق المتقدّمة الذكر من الأقلام الخ؛ وفيه طرفان 185 الطرف الأوّل- فيما يناسب كل مقدار منها من الأقلام 185 الطرف الثاني- في مقادير البياض الواقع في أوّل الدرج وحاشيته وبعد ما بين السطور في الكتابة 186 الباب الثالث- من المقالة الثالثة في بيان المستندات وكتابة الملخصات وكيفية التعيين؛ وفيه فصلان 188 الفصل الأوّل- في بيان المستندات: وهي التوقيع على القصص وما يجري مجراها؛ وهو على ضربين 188 الضرب الأوّل- السلطانيات؛ وهي صنفان 188 الصنف الأوّل- ما يصدر عن متولي ديوان الإنشاء 188 الصنف الثاني- ما يصدر عن غير صاحب ديوان الإنشاء 191 الضرب الثاني- ما يتعلق بالكتب في المظالم؛ والنظر فيه من وجهين 193 الوجه الأوّل- فيما يتعلق بالقصص 193 الوجه الثاني- فيما يتعلق بالنظر في المظالم وما يكتب على القصص؛ وهو ستة أنواع 195 النوع الأوّل- ما يرفع إلى السلطان في آحاد الأيام 196 النوع الثاني- ما يرفع لصاحب ديوان الإنشاء 197 النوع الثالث- ما يرفع من القصص بدار العدل عند جلوس السلطان للحكم في المواكب 197

النوع الرابع- ما يرفع منها للنائب الكافل إذا كان ثمّ نائب 198 النوع الخامس- ما يرفع من القصص إلى الأتابك إذا كان في الدولة أتابك عسكر وهو الأمير الكبير 198 النوع السادس- ما يرفع منها للدوادار 199 الفصل الثاني- في التعيين وكيفية كتابة صاحب ديوان الإنشاء على الرقاع والقصص 201 الطرف الثاني- في كتابة الملخصات والإجابة عنها 203 الباب الرابع- من المقالة الثالثة في الفواتح والخواتم واللواحق؛ وفيه فصلان 208 الفصل الأوّل- في الفواتح؛ وفيه ستة أطراف 208 الطرف الأوّل- في البسملة 208 الطرف الثاني- في الحمدلة 215 الطرف الثالث- في التشهد في الخطب 217 الطرف الرابع- في الصلاة والسّلام على النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله وصحبه في أوائل الكتب 218 الطرف الخامس- في السّلام في أوّل الكتب 220 الطرف السادس- في أما بعد 221 الفصل الثاني- في الخواتم واللواحق؛ وفيه سبعة أطراف 223 الطرف الأوّل- في الاستثناء بالمشيئة بأن يكتب إن شاء الله تعالى 223 الطرف الثاني- في التاريخ 225 الطرف الثالث- في المستندات 252 الطرف الرابع- في الحمدلة في آخر الكتاب 254 الطرف الخامس- في الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في آخر الكتاب وما يلتحق بذلك 256 الطرف السادس- في الحسبلة في آخر الكتاب 258 الطرف السابع- في اللواحق 260 المقالة الرابعة- في المكاتبات؛ وفيها بابان 263 الباب الأوّل- في أمور كلية في المكاتبات؛ وفيه فصلان 263 الفصل الأوّل- في مقدّمات المكاتبات؛ وفيه ثلاثة أطراف 263

الطرف الأوّل- في أصول يعتمدها الكتاب في المكاتبات 263 الطرف الثاني- في بيان مقادير المكاتبات وما يناسبها من البسط والإيجاز 303 الطرف الثالث- في أمور تختص بالأجوبة 310 الفصل الثاني- من الباب الأوّل من المقالة الرابعة، في ذكر أصول المكاتبات وترتيبها وبيان لواحقها ولوازمها، وفيه طرفان 315 الطرف الأوّل- في ذكر أصولها وترتيبها 315 الطرف الثاني- في ذكر لواحق المكاتبات ولوازمها 332 الباب الثاني- من المقالة الرابعة، في مصطلحات المكاتبات الدائرة بين كتاب أهل الشرق والغرب والديار المصرية في كل زمن من صدر الإسلام إلى زمننا (زمن المؤلف) ؛ وفيه ستة فصول 351 الفصل الأوّل- في الكتب الصادرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ وفيه ثلاثة أطراف 351 الطرف الأوّل- في ذكر ترتيب كتبه صلّى الله عليه وسلّم في الرسائل على سبيل الإجمال 351 الطرف الثاني- في كتبه صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل الإسلام 353 الطرف الثالث- في كتبه صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل الكفر للدعاية إلى الإسلام 362 الفصل الثاني- من الباب الثاني من المقالة الرابعة في الكتب الصادرة عن الخلفاء؛ وهي على قسمين 369 القسم الأوّل- المكاتبات إلى أهل الإسلام، وفيه تسعة [عشرة] أطراف 369 الطرف الأوّل- في الكتب الصادرة عن الخلفاء من الصحابة رضي الله عنهم 369 الطرف الثاني- في الكتب الصادرة عن خلفاء بني أمية 376 الطرف الثالث- في الكتب الصادرة عن خلفاء بني العباس ببغداد، وولاة العهد بالخلافة، وفيه ثلاث جمل 378 الجملة الأولى- في بيان ترتيب كتبهم في الرسائل على سبيل الإجمال 378 الجملة الثانية- في الكتب العامة 381 الجملة الثالثة- في الكتب الخاصة مما يصدر عن الخلفاء 403 الطرف الرابع- في الكتب الصادرة عن خلفاء بني العباس في الديار المصرية بعد مصير الخلافة إليها 410 الطرف الخامس- في الكتب الصادرة عن الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية 420

الطرف السادس- في الكتب الصادرة عن خلفاء بني أمية بالأندلس 431 الطرف السابع- في الكتب الصادرة عن الخلفاء الموحدين 432 الطرف الثامن- في الأجوبة 436 الطرف التاسع- في الكتب الصادرة عن ولاة العهد بالخلافة 445 الطرف العاشر- من المكاتبات عن الخلفاء؛ المكاتبات إلى أهل الكفر 446 الفصل الثالث- من الباب الثاني من المقالة الرابعة في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم مما الجاري عليه الحال؛ وهو على قسمين 453 القسم الأوّل- المكاتبات الصادرة عن الملوك إلى أهل الإسلام؛ وفيه أطراف 453 الطرف الأوّل- في مكاتباتهم إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم 453 الطرف الثاني- في المكاتبات الصادرة عن الأمراء من العمال وأمراء السرايا إلى الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم 467 الطرف الثالث- في المكاتبات الصادرة عن الأمراء من العمال وأمراء السرايا أيضا إلى خلفاء بني أمية 469 الطرف الرابع- في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم إلى خلفاء بني العباس 472 الطرف الخامس- في المكاتبات الصادرة إلى الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية 520 الطرف السادس- في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم إلى خلفاء بني أمية بالأندلس 523 الطرف السابع- في المكاتبات الصادرة إلى خلفاء الموحدين بالمغرب 525 الطرف الثامن- في المكاتبات الصادرة عن الأمراء من العمال وأمراء السرايا في صدر الإسلام إلى من في معناهم 559 الطرف التاسع- في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم إلى الملوك ومن في معناهم على ما كان عليه مصطلح أهل المشرق 561 (تم فهرس الجزء السادس من كتاب صبح الأعشى)

المجلد السابع

المجلد السابع بسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه [تتمة المقالة الرابعة] [تتمة الباب الثاني] [تتمة الفصل الثالث] [تتمة القسم الاول] الطّرف العاشر في المكاتبات «1» الصادرة عن ملوك الديار المصرية (ولها حالتان) الحالة الأولى (ما كان الأمر عليه قبل دولة الخلفاء الفاطميين بها في الدولة الأخشيدية والطّولونيّة وما قبلهما) والذي وقفت عليه من رسم المكاتبة عنهم أن تفتتح بلفظ: «من فلان إلى فلان» . كما كتب ابن عبد كان «2» عن أحمد بن طولون إلى ابنه العباس حين

عصى «1» [عليه] «2» بالإسكندرية، منذرا له وموبّخا له على فعله، وهو: «من أحمد بن طولون مولى أمير المؤمنين «3» ، إلى الظالم لنفسه، العاصي لربه، الملمّ بذنبه، المفسد لكسبه؛ العادي لطوره «4» ، الجاهل لقدره؛ الناكص على عقبه، المركوس «5» في فتنته، المبخوس [من] «6» حظّ دنياه وآخرته» !. سلام على كل منيب مستجيب؛ تائب من قريب، قبل الأخذ بالكظم «7» ، وحلول الفوت والنّدم. وأحمد الله الذي لا إله إلا هو حمد معترف له بالبلاء الجميل، والطّول الجليل؛ وأسأله مسألة مخلص في رجائه، مجتهد في دعائه؛ أن يصلي على محمد المصطفى، وأمينه المرتضى ورسوله المجتبى، صلّى الله عليه وسلّم. أما بعد، فإن مثلك مثل البقرة تثير المدية بقرنيها، والنملة يكون حتفها في جناحيها، وستعلم- هبلتك الهوابل «8» ! أيّها الأحمق الجاهل؛ الذي ثنى على الغيّ عطفه، واغتر بضجاج المواكب خلفه- أيّ موردة هلكة بإذن الله تورّدت، إذ على الله جل وعز تمرّدت وشردت، فإنه تبارك وتعالى قد ضرب لك في كتابه مثلا: قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا

اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ «1» وإنا كنّا نقرّبك إلينا، وننسبك إلى بيوتنا؛ طمعا في إنابتك، وتأميلا لفيئتك «2» ؛ فلمّا طال في الغيّ انهماكك، وفي غمرة الجهل ارتباكك؛ ولم نر الموعظة تلين كبدك، ولا التذكير يقيم أودك «3» ، لم تكن لهذه النّسبة أهلا، ولا لإضافتك إلينا موضعا ومحلّا؛ بل لا نكنى بأبي العبّاس إلا تكرّها وطمعا بأن يهب الله منك خلفا نقلده اسمك ونكنى به دونك، ونعدّك كنت نسيا منسيّا، ولم تك شيئا مقضيّا؛ فانظر ولا نظر بك إلى عار نسبته تقلّدت، وسخط من قبلنا تعرّضت، واعلم أن البلاء بإذن الله قد أظلّك، والمكروه إن شاء الله قد أحاط بك؛ والعساكر بحمد الله قد أتتك كالسّيل في الليل، تؤذنك بحرب وبويل؛ فإنّا نقسم، ونرجو أن لا نجور ونظلم، أن لا نثني عنك عنانا، ولا نؤثر على شانك شانا؛ ولا تتوقّل «4» ذروة جبل، ولا تلج بطن واد؛ إلا جعلناك «5» بحول الله وقوته فيهما، وطلبناك حيث أمّمت منهما؛ منفقين فيك كلّ مال خطير، ومستصغرين بسببك كلّ خطب جليل، حتّى تستمرّ من طعم العيش ما استحليت، وتستدفع من البلايا ما استدعيت؛ حين لا دافع بحول الله عنك، ولا مزحزح لنا عن ساحتك؛ وتعرف من قدر الرّخاء ما جهلت، وتودّ أنك هبلت ولم تكن بالمعصية عجلت، ولا رأي من أضلّك من غواتك قبلت؛ فحينئذ يتفرّى «6» لك الليل عن صبحه، ويسفر لك الحقّ عن محضه؛ فتنظر بعينين لا غشاوة عليهما، وتسمع بأذنين لا وقر «7» فيهما؛ وتعلم أنك كنت متمسّكا بحبائل غرور، متماديا في مقابح أمور: من عقوق لا ينام طالبه،

وبغي لا ينجو هاربه؛ وغدر لا ينتعش صريعه، وكفران لا يودى «1» قتيله؛ وتقف على سوء رويّتك، وعظم جريرتك؛ في تركك قبول الأمان إذ هو لك مبذول، وأنت عليه محمول؛ وإذ السيف عنك مغمود، وباب التوبة إليك مفتوح؛ وتتلهّف والتلهّف غير نافعك إلا أن تكون أجبت إليه مسرعا، وانقدت إليه منتصحا. وإن مما زاد في ذنوبك عندي ما ورد به كتابك عليّ بعد نفوذي على الفسطاط من التّمويهات والأعاليل «2» ، والعدات بالأباطيل، من مصيرك بزعمك إلى إصلاح ما ذكرت أنه فسد عليّ، حتى ملت إلى الإسكندرية، فأقمت بها طول هذه المدّة؛ واستظهارا عليك بالحجّة، وقطعا لمن عسى أن يتعلّق به معذرة علم بأن الأناة غير صادّة، ولا أنّه خالجني شكّ ولا عارضني ريب في أنك إنما أردت النّزوح والاحتيال للهرب، والنّزوع إلى بعض المواضع التي لعلّ قصدك إيّاها يوديك «3» ، ولعل مصيرك إليها يكفينيك؛ ويبلّغ إليّ أكثر من الإرادة فيك، لأنك إن شاء الله لا تقصد موضعا إلا تلوتك، ولا تأتي بلدا إلا قفوتك؛ ولا تلوذ بعصمة تظنّ أنها تنجيك إلا استعنت بالله عز وجلّ في جدّ «4» حبلها؛ وفصم عروتها؛ فإنّ أحدا لا يؤوي مثلك ولا ينصره إلا لأحد أمرين من دين أو دنيا. فأما الدّين فأنت خارج من جملته لمقامك على العقوق، ومخالفة ربّك وإسخاطه. وأما الدّنيا فما أراه بقي معك من الحطام الذي سرقته وحملت نفسك على الإيثار به، ما يتهيّأ لك مكاثرتنا بمثله، مع ما وهب الله لنا من جزيل النعمة التي نستودعه تبارك وتعالى إيّاها، ونرغب إليه في إنمائها، إلى ما أنت مقيم عليه من البغي الذي هو صارعك، والعقوق الذي هو طالبك.

وأمّا ما منّيتناه من مصيرك إلينا في حشودك وجموعك، ومن دخل في طاعتك؛ لإصلاح عملنا، ومكافحة أعدائنا؛ بأمر أظهروا فيه الشماتة بنا، فما كان إلا بسببك فأصلح أيها الصبيّ الأخرق أمر نفسك قبل إصلاحك عملنا، واحزم في أمرك قبل استعمالك الحزم لنا؛ فما أحوجنا الله وله الحمد إلى نصرتك وموازرتك، ولا اضطررنا إلى التكثر [بك] على شقاقك ومعصيتك: وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً «1» وليت شعري على من تهوّل بالجنود، وتمخرق «2» بذكر الجيوش؛ ومن هؤلاء المسخّرون لك، الباذلون دماءهم وأموالهم وأديانهم دونك؟ دون رزق ترزقهم إيّاه، ولا عطاء تدرّه عليهم؛ فقد علمت إن كان لك تمييز، أو عندك تحصيل؛ كيف كانت حالك في الوقعة التي كانت بناحية أطرابلس «3» ، وكيف خذلك أولياؤك والمرتزقة معك حتّى هزمت، فكيف تغترّ بمن معك من الجنود الذي لا اسم لهم معك؛ ولا رزق يجري لهم على يدك؟ فإن كان يدعوهم إلى نصرتك هيبتك والمداراة لك والخوف من سلطانك، فإنهم ليجذبهم أضعاف ذلك منّا، ووجودهم من البذل الكثير والعطاء الجزيل عندنا ما لا يجدونه عندك، وإنهم لأحرى بخذلك، والميل إلينا دونك. ولو كانوا جميعا معك ومقيمين على نصرتك، لرجونا أن يمكّن الله منك ومنهم، ويجعل دائرة السّوء عليك وعليهم، ويجرينا من عادته في النّصر وإعزاز الأمر على ما لم يزل يتفضّل علينا بأمثاله، ويتطوّل بأشباهه. فما دعاني إلى الإرجاء لك، والتسهيل من خناقك «4» والإطالة من عنانك، طول هذه المدّة إلا أمران: أغلبهما كان عليّ احتقار أمرك واستصغاره؛

وقلة الاحتفال والأكتراث به؛ وإني اقتصرت من عقوبتك على ما أخلقته «1» بنفسك من الإباق «2» إلى أقاصي بلاد المغرب شريدا عن منزلك وبلدك، فريدا من أهلك وولدك؛ والآخر أنّي علمت أن الوحشة دعتك إلى الانحياز إلى حيث انحزت إليه، فأردت التسكين من نفارك، والطمأنينة من جأشك «3» ، وعملت على أنك تحنّ إلينا حنين الولد، وتتوق إلى قربنا توقان ذي الرّحم والنّسب؛ فإنّ في رفقنا بك ما يعطفك إلينا، وفي تآخينا إيّاك ما يردّك علينا، ولم يسمع منا سامع في خلاء ولا ملإ انتقاصا بك، ولا غضّا منك؛ ولا قدحا فيك، رقّة عليك، واستتماما لليد عندك، وتأميلا لأن تكون الراجع من تلقاء نفسك، والموفّق بذلك لرشدك وحظّك؛ فأما الآن مع اضطرارك إيّاي إلى ما اضطررتني إليه من الانزعاج نحوك، وحبسك رسلي النافذين بعهد كثير إلى ما قبلك؛ واستعمالك المواربة والخداع فيما يجري عليه تدبيرك. فما أنت بموضع للصّيانة، ولا أهل للإبقاء والمحافظة، بل اللعنة عليك حالّه، والذّمّة منك بريّة، والله طالبك ومؤاخذك بما استعملت من العقوق والقطيعة، والإضاعة لرحم الأبوّة، فعليك من ولد عاقّ شاقّ «4» لعنة الله ولعنة اللاعنين، والملائكة والناس أجمعين؛ ولا قبل الله لك صرفا ولا عدلا «5» ، ولا ترك لك منقلبا ترجع إليه، وخذلك خذلان من لا يؤبه له، وأثكلك ولا أمهلك، ولا حاطك ولا حفظك. فو الله لأستعملنّ لعنك في دبر كلّ صلاة، والدعاء عليك في آناء الليل والنهار، والغدوّ والآصال؛ ولأكتبنّ إلى مصر، وأجناد الشامات والثّغور، وقنّسرين، والعواصم، والجزيرة، والحجاز، ومكّة، والمدينة كتبا تقرأ على منابرها فيك، باللّعن لك، والبراءة منك، والدلالة على عقوقك وقطيعتك، يتناقلها

آخر عن أوّل، ويأثرها «1» غابر عن ماض، وتخلّد في بطون الصحائف، وتحملها الرّكبان، ويتحدّث بها في الآفاق، وتلحق بها وبأعقابك عارا ما أطّرد الليل والنهار، واختلف الظّلام والأنوار. فحينئذ تعلم أيّها المخالف أمر أبيه، القاطع رحمه، العاصي ربّه؛ أيّ جناية على نفسك جنيت؟ وأيّ كبيرة اقترفت واجتنيت، تتمنّى، لو كانت فيك مسكه «2» ، أو فيك فضل إنسانيّة، أنك لم تكن ولدت، ولا في الخلق عرفت، إلا أن تراجع من طاعتنا والإسراع إلى ما قبلنا خاضعا ذليلا كما يلزمك، فنقيم الاستغفار مقام اللعنه، والرّقة مقام الغلظه؛ والسلام على من سمع الموعظة فوعاها، وذكر الله فاتّقاه، إن شاء الله تعالى. وكما كتب الأخشيد محمد بن طغج [صاحب الديار المصرية] «3» وما معها من البلاد الشامية، والأعمال الحجازيّة، إلى أرمانوس: ملك الروم، وقد أرسل أرمانوس إليه كتابا يذكر من جملته بأنه كاتبه وإن لم تكن عادته أن يكاتب إلا الخليفة، فأمر بكتابة جوابه فكتب له الكتّاب عدّة أجوبة ورفعوا نسخها إليه، فلم يرتض منها إلا ما كتبه إبراهيم بن عبد الله النّجيرميّ «4» وكان عالما بوجوه الكتابة.

ونسخته على ما ذكره ابن سعيد في كتابه «المغرب في أخبار المغرب» «1» : من محمد بن طغج مولى أمير المؤمنين، إلى أرمانوس عظيم الروم ومن يليه. سلام بقدر ما أنتم له مستحقّون، فإنا نحمد الله الذي لا إله إلا هو، ونسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. أما بعد، فقد ترجم لنا كتابك الوارد مع نقولا وإسحاق رسوليك، فوجدناه مفتتحا بذكر فضيلة الرّحمة، وما نمي عنا إليك، وصحّ من شيمنا فيها لديك؛ وبما نحن عليه من المعدلة وحسن السّيرة في رعايانا، وما وصلت به هذا القول من الفداء والتوصّل إلى تخليص الأسرى، إلى [غير] ذلك مما اشتمل عليه وتفهّمناه. فأما ما أطنبت فيه من فضيلة الرحمة فمن سديد القول، الذي يليق بذوي الفضل والنّبل؛ ونحن بحمد الله ونعمه علينا بذلك عارفون، وإليه راغبون، وعليه باعثون، وفيه بتوفيق الله إيّانا مجتهدون، وبه متواصون وعاملون. وإيّاه نسأل التوفيق لمراشد الأمور وجوامع المصالح بمنّه وقدرته. وأما ما نسبته إلى أخلاقنا من الرحمة والمعدلة، فإنا نرغب إلى الله جلّ

وعلا الذي تفرّد بكمال هذه الفضيلة، ووهبها لأوليائه ثم أثابهم عليها، أن يوفّقنا لها، ويجعلنا من أهلها، وييسّرنا للاجتهاد فيها، والاعتصام من زيغ الهوى عنها، وعرّة «1» القسوة بها، ويجعل ما أودع قلوبنا من ذلك موقوفا على طاعته، وموجبات مرضاته، حتّى نكون أهلا لما وصفتنا به، وأحقّ حقّا بما دعوتنا إليه، وممن يستحقّ الزّلفى من الله تعالى، فإنا فقراء إلى رحمته؛ وحقّ لمن أنزله الله بحيث أنزلنا، وحمّله من جسيم الأمر ما حمّلنا، وجمع له من سعة الممالك ما جمع لنا بمولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، أن يبتهل إلى الله تعالى في معونته لذلك وتوفيقه وإرشاده، فإن ذلك إليه وبيده: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ «2» وأما ما وصفته من ارتفاع محلّك عن مرتبة من هو دون الخليفة في المكاتبة لما يقتضيه عظم ملككم، وأنه الملك القديم الموهوب من الله، الباقي على الدّهر، وإنك إنما خصصتنا بالمكاتبة لما تحقّقته من حالنا عندك، فإنّ ذلك لو كان حقّا وكانت منزلتنا كما ذكرته تقصر عن منزلة من تكاتبه، وكان لك في ترك مكاتبتنا غنم ورشد، لكان من الأمر البيّن أن أحظى وأرشد وأولى بمن حلّ محلّك أن يعمل بما فيه صلاح رعيّته، ولا يراه وصمة ولا نقيصة ولا عيبا، ولا يقع في معاناة صغيرة من الأمور تعقبها كبيرة، فإن السائس الفاضل قد يركب الأخطار، ويخوض الغمار، ويعرّض مهجته، فيما ينفع رعيّته؛ والذي تجشّمته من مكاتبتنا إن كان كما وصفته فهو أمر سهل يسير، لأمر عظيم خطير؛ وجلّ نفعه وصلاحه وعائدته تخصّكم، لأن مذهبنا انتظار إحدى الحسنيين، فمن كان منّا في أيديكم فهو على بيّنة من ربه، وعزيمة صادقة من أمره، وبصيرة فيما هو بسبيله؛ وإن في الأسارى من يؤثر مكانه من ضنك الأسر وشدّة البأساء على نعيم الدنيا وخيرها لحسن منقلبه، وحميد عاقبته، ويعلم أن الله تعالى قد أعاذه من أن يفتنه، ولم يعذه من أن يبتليه؛ هذا إلى أوامر الإنجيل الذي هو إمامكم، وما توجبه عليكم عزائم

سياستكم، والتوصل إلى استنقاذ أسرائكم؛ ولولا أنّ إيضاح القول في الصواب، أولى بنا من المسامحة في الجواب، لأضربنا عن ذلك صفحا؛ إذ رأينا أنّ نفس السبب الذي من أجله سما إلى مكاتبة الخلفاء عليهم السلام من كاتبهم، أو عدا عنهم إلى من حلّ محلّنا في دولتهم، بل إلى من نزل عن مرتبتنا، هو أنه لم يثق من منعه، وردّ ملتمسه ممن جاوره، فرأى أن يقصد به الخلفاء الذين الشّرف كلّه في إجابتهم، ولا عار على أحد وإن جلّ قدره في ردّهم؛ ومن وثق في نفسه ممن جاوره، وجد قصده أسهل السبيلين عليه، وأدناهما إلى إرادته، حسب ما تقدّم لها من تقدّم، وكذلك كاتب من حل محلّك من قصر عن محلنا، ولم يقرب من منزلتنا، فممالكنا عدّة، كان يتقلد في سالف الدهر كلّ مملكة منها ملك عظيم الشأن. فمنها ملك مصر الذي أطغى فرعون على خطر أمره، حتّى ادّعى الإلهية وافتخر على نبيّ الله موسى بذلك. ومنها ممالك اليمن التي كانت للتبابعة، والأقيال العباهلة «1» : ملوك حمير، على عظم شأنهم، وكثرة عددهم. ومنها أجناد الشام التي: منها جند حمص، وكانت دارهم ودار هرقل عظيم الروم ومن قبله من عظمائها. ومنها جند دمشق على جلالته في القديم والحديث، واختيار الملوك المتقدّمين له. ومنها جند الأردنّ على جلالة قدره، وأنه دار المسيح صلّى الله عليه وسلّم وغيره من الأنبياء والحواريّين.

ومنها جند فلسطين، وهي الأرض المقدّسة، وبها المسجد الأقصى، وكرسيّ النصرانية، ومعتقد غيرها، ومحجّ النصارى واليهود طرّا، ومقرّ داود وسليمان ومسجدهما. وبها مسجد إبراهيم وقبره وقبر إسحاق ويعقوب ويوسف وإخوته وأزواجهم عليهم السلام، وبها مولد المسيح وأمّه وقبرها. هذا إلى ما نتقلّده من أمر مكة المحفوفة بالآيات الباهرة، والدلالات الظاهرة؛ فإنا لو لم نتقلّد غيرها لكانت بشرفها، وعظم قدرها، وما حوت من الفضل توفي على كل مملكة، لأنها محجّ آدم ومحجّ إبراهيم وارثه ومهاجره، ومحجّ سائر الأنبياء، وقبلتنا وقبلتهم عليهم السلام وداره وقبره «1» ، ومنبت ولده، ومحجّ العرب على مرّ الحقب، ومحلّ أشرافها، وذوي أخطارها، على عظم شأنهم، وفخامة أمرهم. وهو البيت العتيق، المحرّم المحجوج إليه من كل فجّ عميق، الذي يعترف بفضله وقدمه أهل الشرف، من مضى ومن خلف؛ وهو البيت المعمور، وله الفضل المشهور. ومنها مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم المقدّسة بتربته، وإنّها مهبط الوحي، وبيضة هذا الدّين المستقيم الذي امتدّ ظلّه على البرّ والبحر، والسّهل والوعر؛ والشّرق والغرب، وصحارى العرب على بعد أطرافها، وتنازح أقطارها، وكثرة سكّانها في حاضرتها وباديتها، وعظمها في وفودها وشدّتها، وصدق بأسها ونجدتها، وكبر أحلامها، وبعد مرامها، وانعقاد النصر من عند الله براياتها. وإن الله تعالى أباد خضراء «2» كسرى، وشرّد قيصر عن داره ومحل عزّه ومجده بطائفة منها. هذا إلى ما تعلمه من أعمالنا؛ وتحت أمرنا ونهينا ثلاثة كراسيّ من أعظم كراسيّكم: بيت المقدس، وأنطاكية، والإسكندريّة، مع ما إلينا من البحر وجزائره، واستظهارنا

بأتمّ العتاد. وإذا وفّيت النظر حقّه علمت أن الله تعالى قد أصفانا «1» بجلّ الممالك التي ينتفع الأنام بها، وبشرف الأرض المخصوصة بالشّرف كلّه دنيا وآخرة، وتحقّقت أن منزلتنا بما وهبه الله لنا من ذلك فوق كلّ منزلة. والحمد لله وليّ كلّ نعمة. وسياستنا لهذه الممالك قريبها وبعيدها على عظمها وسعتها بفضل الله علينا وإحسانه إلينا ومعونته لنا وتوفيقه إيّانا كما كتبت إلينا وصحّ عندك من حسن السّيرة، وبما يؤلّف بين قلوب سائر الطّبقات من الأولياء والرعية ويجمعهم على الطاعة واجتماع الكلمة، ويوسعها الأمن والدّعة في المعيشة ويكسبها المودّة والمحبة. والحمد لله ربّ العالمين أوّلا وآخرا على نعمه التي تفوت عندنا عدد العادّين، وإحصاء المجتهدين، ونشر الناشرين، وقول القائلين، وشكر الشاكرين. ونسأله أن يجعلنا ممن تحدّث بنعمته عليه شكرا لها، ونشرا لما منحه الله منها [ومن رضي اجتهاده في شكرها، ومن أراد الآخرة] «2» وسعى لها سعيها، وكان سعيه مشكورا، إنه حميد مجيد. وما كنت أحبّ أن أباهيك بشيء من أمر الدنيا، ولا أتجاوز الاستيفاء لما وهبه الله لنا من شرف الدين الذي كرّمه وأظهره، ووعدنا في عواقبه الغلبة الظاهرة، والقدرة القاهرة، ثم الفوز الأكبر يوم الدّين، لكنك سلكت مسلكا لم يحسن أن نعدل عنه، وقلت قولا لم يسعنا التقصير في جوابه، ومع هذا فإنا لم نقصد بما وصفناه من أمرنا مكاثرتك، ولا اعتمدنا تعيين فضل لنا نعوذ به، إذ نحن نكرم عن ذلك، ونرى أن نكرمك عند محلك ومنزلتك، وما يتّصل بها من حسن سياستك ومذهبك في الخير ومحبّتك لأهله، وإحسانك لمن في يدك من أسرى المسلمين، وعطفك عليهم، وتجاوزك في الإحسان إليهم جميع من تقدّمك من سلفك؛ ومن

كان محمودا في أمره، رغب في محبته، لأن الخيّر أهل أن يحبّ حيث كان، فإن كنت إنما تؤهّل لمكاتبتك ومماثلتك من اتسعت مملكته، وعظمت دولته، وحسنت سيرته؛ فهذه ممالك عظيمة، واسعة جمّة، وهي أجل الممالك التي ينتفع بها الأنام، وسرّ الأرض المخصوصة بالشرف، فإنّ الله قد جمع لنا الشرف كلّه، والولاء الذي جعل لنا من مولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، مخصوصين بذلك إلى مالنا بقديمنا وحديثنا وموقعنا. والحمد لله رب العالمين الذي جمع لنا ذلك بمنّه وإحسانه، ومنه نرجو حسن السعي فيما يرضيه بلطفه. ولم ينطو عنك أمرنا فيما اعتمدناه. وإن [كنت] تجري في المكاتبة على رسم من تقدّمك فإنك لو رجعت إلى ديوان بلدك، وجدت من كان تقدّمك قد كاتب من قبلنا من لم يحلّ محلّنا، ولا أغنى غناءنا، ولا ساس في الأمور سياستنا، ولا قلّده مولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ما قلّدنا، ولا فوّض إليه ما فوّض إلينا؛ وقد كوتب أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، وآخر من كوتب تكين مولى أمير المؤمنين ولم يكن تقلد سوى مصر وأعمالها. ونحن نحمد الله كثيرا أوّلا وآخرا على نعمة التي يفوت عندنا عددها عدّ العادّين، ونشر الناشرين. ولم نرد بما ذكرناه المفاخرة، ولكنا قصدنا بما عددنا من ذلك حالات: أوّلها التحدّث بنعمة الله علينا؛ ثم الجواب عما تضمّنه كتابك من ذكر المحلّ والمنزلة في المكاتبة، ولتعلم قدر ما بسطه الله لنا في هذه المسالك، وعندنا قوّة تامة على المكافأة على جميل فعلك بالأسارى، وشكر واف لما توليهم وتتوخّاه من مسرّتهم إن شاء الله تعالى وبه الثقة، وفّقك الله لمواهب خيرات الدنيا والآخرة، والتوفيق للسّداد في الأمور كلها، والتيسير لصلاح القول والعمل الذي يحبه ويرضاه ويثيب عليه، ويرفع في الدنيا والآخرة أهله، بمنّه ورحمته. وأما الملك الذي ذكرت أنه باق على الدهر لأنه موهوب لكم من الله خاصّة، فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. وإن الملك كلّه لله يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء بيده الخير وإليه المصير، وهو على كل شيء قدير. وإن الله عزّ وجل نسخ ملك

الملوك وجبريّة الجبّارين بنبوّة محمد صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله أجمعين، وشفع نبوّته بالإمامة وحازها إلى العترة الطاهرة من العنصر الذي منه أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، والشجرة التي منها غصنه، وجعلها خالدة فيهم يتوارثها منهم كابر عن كابر، ويلقيها ماض إلى غابر؛ حتّى نجز أمر الله ووعده، وبهر نصره وكلمته، وأظهر حجته وأضاء عمود الدين بالأئمة المهتدين، وقطع دابر الكافرين ليحقّ الحقّ ويبطل الباطل ولو كره المشركون حتّى يرث الله الأرض ومن عليها وإليه يرجعون. وإنّ أحقّ ملك أن يكون من عند الله، وأولاه وأخلقه أن يكنفه الله بحراسته وحياطته، ويحفّه بعزّه وأيده «1» ، ويجلّله بهاء السكينة في بهجة الكرامة، ويجمّله بالبقاء والنّجاء «2» ما لاح فجر، وكرّ دهر، ملك إمامة عادلة خلفت نبوّة فجرت على رسمها وسننها، وارتسمت أمرها، وأقامت شرائعها، ودعت إلى سبلها، مستنصرة بأيدها، منتجزة لوعدها؛ وإنّ يوما واحدا من إمامة عادلة خير عند الله من عمر الدنيا تملّكا وجبريّة. ونحن نسأل الله تعالى أن يديم نعمه علينا، وإحسانه إلينا بشرف الولاية، ثم بحسن العاقبة بما وفّر علينا فخره وعلاه، ومجده وإحسانه إن شاء الله، وبه الثقة، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وأما الفداء ورأيك في تخليص الأسرى، فإنا وإن كنّا واثقين لمن في أيديكم بإحدى الحسنيين، وعلى بينة لهم من أمرهم، وثبات من حسن العاقبة وعظم المثوبة، عالمين بما لهم، فإن فيهم من يؤثر مكانه من ضنك الأسر وشدّة البأساء على نعيم الدنيا ولذّتها، سكونا إلى ما يتحقّقه من حسن المنقلب وجزيل الثواب. ويعلم أن الله قد أعاذه من أن يفتنه، ولم يعذه من أن يبتليه؛ وقد تبيّنّا مع ذلك في هذا الباب ما شرعه لنا الأئمة الماضون، والسلف الصالحون، فوجدنا ذلك موافقا لما آلتمسته، وغير خارج عما أحببته؛ فسررنا بما تيسّر منه، وبعثنا

الكتب والرسل إلى عمّالنا في سائر أعمالنا، وعزمنا عليهم في جمع [كلّ من قبلهم وأتباعهم بما وفر الإيمان في إنفاذهم، وبذلنا في ذلك] «1» كلّ ممكن، وأخّرنا إجابتك عن كتابك ليتقدّم فعلنا قولنا، وإنجازنا وعدنا؛ ويوشك أن يكون قد ظهر لك من ذلك ما وقع أحسن الموقع منك إن شاء الله. وأما ما ابتدأتنا به من المواصلة، واستشعرته لنا من المودّة والمحبة، فإنّ عندنا من مقابلة ذلك ما توجبه السياسة التي تجمعنا على اختلاف المذاهب، وتقتضيه نسبة الشرف الذي يؤلفنا على تباين النحل، فإن ذلك من الأسباب التي تخصّنا وإيّاك. ورأينا من تحقيق جميل ظنّك بنا إيناس رسلك وبسطهم، والاستماع منهم والإصغاء إليهم والإقبال عليهم؛ وتلقينا انبساطك إلينا، وإلطافك إيّانا بالقبول الذي يحقّ علينا، ليقع ذلك موقعه؛ وزدنا في توكيد ما اعتمدته ما حمّلناه رسلك في هذا الوقت على استقلالنا إيّاه من طرائف بلدنا وما يطرأ من البلاد علينا؛ وإن الله بعدله وحكمته أودع كلّ قرية صنفا ليتشوّف إليه من بعد عنه، فيكون ذلك سببا لعمارة الدنيا ومعايش أهلها. ونحن نفردك بما سلّمناه إلى رسولك لتقف عليه إن شاء الله. وأما ما أنفذته للتجارة فقد أمكنّا أصحابك منه، وأذنّا لهم في البيع وفي ابتياع ما أرادوه واختاروه؛ لأنا وجدنا جميعه مما لا يحظره علينا دين ولا سياسة. وعندنا من بسطك وبسط من يرد من جهتك، والحرص على عمارة ما بدأتنا به ورعايته، وربّ «2» ما غرسته، أفضل ما يكون عند مثلنا لمثلك. والله يعين على ما ننويه من جميل، ونعتقده من خير، وهو حسبنا ونعم والوكيل. ومن ابتدأ بجميل لزمه الجري عليه والزيادة، ولا سيما إذا كان من أهله وخليقا به. وقد ابتدأتنا بالمؤانسة والمباسطة، وأنت حقيق بعمارة ما بيننا،

الحالة الثانية (من حالات المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية ما كان الحال عليه بعد الدولة الفاطمية في الدولة الأيوبية)

وباعتمادنا بحوائجك وعوارضك قبلنا؛ فأبشر بتيسير ذلك إن شاء الله. والحمد لله أحقّ ما ابتدىء به، وختم بذكره، وصلّى الله على محمد نبيّ الهدى والرحمة، وعلى آله وسلّم تسليما. الحالة الثانية (من حالات المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية ما كان الحال عليه بعد الدولة الفاطمية في الدولة الأيوبية) وقد ذكر «عبد الرحيم بن شيث» «1» أحد كتّاب الدولة الأيوبية في أواخر دولتهم مصطلح «2» ما يكتب عن السلطان في خلال كلامه، فقال: إن الناس كانوا لا يكتبون «المجلس» إلا للسّلطان خاصّة، ويكتبون لأعيان الدولة من الوزراء وغيرهم «الحضرة» ثم أفردوا السلطان بالمقام والمقرّ، وصاروا يكتبون «المجلس» لمن دونه، ولم يسوّغوا مكاتبة السلطان بعد ذلك بالمجلس ولا بالحضرة. قال: ويكتب السلطان إلى ولده المستخلف عنه «بالمجلس» دون المقام. واصطلحوا على الاختصار في نعوت الملوك المكتوب إليهم والدعاء، بخلاف من هو تحت أمر السلطان وتحت حوزته، فإنه كلّما كثرت النعوت والدعاء له في مكاتبة السلطان إليه، كان أبلغ: لأنّ ذلك في معنى التشريف من السلطان، وأنه لا يقال في المقام «السامي» بل «العالي» . وأنه إذا كتب السلطان إلى من هو دونه من ذوي الأقدار عبّر «بالمجلس السامي» ، ولا يزاد على ذلك، ثم يفرد عن النّسب بعد السامي، فيقال: الأمير الأجل من غير ياء النسب. وأنه لا يقال العالي مكان السامي في الكتابة عن السلطان، وقد يجمع بينهما لذوي الأقدار، وأنه يضاف في نعت كل أمير «عمدة الملوك والسلاطين عزّ الإسلام، أو نصرة الإسلام، أو فارس المسلمين» أو ما شابه ذلك من غير ضبط ولا تخصيص لأحد دون أحد إذا أحرزوا

النعت الذي اشتهر به المكتوب إليه. وأنه يقال: «عمدة الملوك والسلاطين» و «عدّة الملوك والسلاطين» و «ذخر الملوك» ودونها «اختيار الملوك» . وللأقارب «فخر الملوك» و «جمال الملوك» و «عزّ الملوك» و «زين الملوك» . وللأماثل «معين الملوك» و «نصرة الملوك» وما أشبه ذلك وأنه يكتب للأمراء الأعيان: «حسام أمير المؤمنين» و «سيف أمير المؤمنين» . ولكبراء الدولة من الكتّاب: «خاصّة أمير المؤمنين» و «وليّ أمير المؤمنين» و «صفوة أمير المؤمنين» . و «ثقة أمير المؤمنين» و «صنيعة أمير المؤمنين» على مقدار مراتبهم. وأن نعت الأجلّ يذكر بعد العلوّ والسّموّ بأن يقال: «المجلس العالي الأجلّ» أو «السامي الأجلّ» وربما كان بعد ذكر الإمرة أو القضاء فيقال «الأمير الأجلّ» أو «القاضي الأجلّ» . وأن السلطان لا يبتدىء بالدعاء في كتبه إلى أحد إلا من ماثله في الملك. وأن السلطان لا يكتب إلى أحد ممن هو تحت أمره «بلا زال» «ولا برح» في الدعاء، وإنما يكتب بذلك إلى من ماثله من الملوك، أو إلى ولده المستخلف عنه في الملك. وأن الدعاء للملوك يكون مثل «أدام الله أيّامه» و «خلّد سلطانه وثبّت دولته» وما أشبه ذلك. وأن التحميد في أوائل الكتب لا يكون إلا في الكتب الصادرة عن السلطان. وأنّ غاية عظمة المكتوب إليه أن يكون الحمد ثانية وثالثة في الكتاب، ثم يؤتى بالشهادتين، ويصلّى على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. وأنه يكتب في الكتب السلطانية «صدرت» و «أصدرناها» ولا يكتب «كتبت» . وأن الذي تخاطب به الخلافة عن السلطان: «المواقف المقدّسة الشريفة، والعتبات العالية، ومقرّ الرحمة، ومحلّ الشرف» . والذي يخاطب به الملوك: «المقام العالي، والمقرّ الأشرف» ولا يقال «المقام السامي» . والذي يخاطب به الوزراء: «الجناب العالي، والمحلّ السامي» . ومن دون ذلك «المجلس السامي» ودونه «مجلس الحضرة» . ودونه «الحضرة» . وأنه لا يكتب عن السلطان لمن هو تحت أمره إلا بنون الجمع لدلالتها على العظمة، ولا يكتب «تشعر» إلا عن السلطان خاصّة بخلاف «تعلم» وأن الكتب الصادرة عن السلطان تكون طويلة الطرّة «1» ، وتكون بقلم جليل غير دقيق. وأنه يوسّع بين

الأسلوب الأول (أن تفتتح المكاتبة بالدعاء للمجلس أو الجناب)

السطور حتى يكون بين كل سطرين ثلاث أصابع أو أربع أصابع. وأنه لا يخرج عن سمت البسملة في الكتابة، ولا يحتمل ذلك إلا في الحمدلة. وأنه لا يكثر النقط والشكل في الكتب الصادرة عن السلطان لا سيّما في الألفاظ الظاهرة. وأن الدعاء على العدوّ كان محظورا في الكتب الصادرة عن السلطان إلى من دونه، ثم استعمل ذلك. وأنه لا تترك فضلة في آخر الكتاب بياضا، ولا يكتب في حاشية الكتاب. وأن الترجمة عن السلطان في كتبه لمن تحت أمره أعلاهم وأدناهم، العلامة؛ فإن أراد تمييز أحد منهم كتب له شيئا بخطه في مكان العلامة. وأن العلامة تكون إلى البسملة من السلطان أقرب، وأنه لا حرج على السلطان أن يترجم للقضاة والعلماء والعبّاد بأخيه وولده. وأن عنونة الكتاب وختمه مختصّ بصاحب ديوان الإنشاء ليدلّ ذلك على وقوفه على الكتاب. وأنه لا يجوز عنونة الكتاب قبل أن يكتب عليه السلطان ترجمته أو علامته. وأن الكتب لا تبقى مفتوحة إلا أن تكون بإطلاق مال، لأن كرم الكتاب ختمه، ولا أكرم من كتب السلطان؛ ويكون طيّ الكتاب الصادر عن السلطان عرض ثلاث أصابع. ثم مشهور مكاتباتهم على أربعة أساليب: الأسلوب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة بالدعاء للمجلس أو الجناب) مثل: أدام الله أيام المجلس، أو أدام الله سلطان المجلس، أو أدام الله نعمة المجلس، أو أدام الله اقتدار المجلس، أو أدام الله سعادات المجلس، أو خلّد الله أيام المجلس أو سلطان المجلس، أو ثبّت الله دولة المجلس، وما أشبه ذلك مما فيه معنى الدوام؛ وربما أبدل لفظ الدوام وما في معناه بالمضاعفة، مثل: ضاعف الله نعمة المجلس. ويؤتى على الألقاب إلى آخرها، ثم يقال: نشعر المجلس أو

الأمير بكذا ونحو ذلك، ويؤتى على المقصود إلى آخره. ويختم بالدعاء وقد يختم بغيره. وهذه نسخة مكاتبة من هذا الأسلوب بالإخبار بفتح غزّة واقتلاعها من الفرنج الديوية «1» ، الذين كانوا مستولين عليها، وهي: «أدام الله سعادات المجلس، وأحسن له التدبير، وأصفى عيشة من التكدير، وحقّق له وفيه أحسن الرجاء والتقدير، وجعل وجهه من أهلّة الأكابر والتكبير، وأعاذ تأخير أجله من التقديم وتقديم حظّه من التأخير. نشعر المجلس بما منّ الله تعالى به من فتح غزّة يوم الجمعة الجامع لشمل النصر، القاطع لحبل الكفر؛ وهذه المدينة قد علم الله أنها من أوسع المدائن، وأملإ الكنائن، وأثرى المعادن؛ وهي كرسيّ الدّيويّة «2» ومهبط رؤوسهم، ومحطّ نفوسهم، وحمى كليبهم بل كلابهم، وظهير صليبهم بل أصلابهم؛ وما كانت الأبصار إليها تطمح، ولا الأقدار بها قبلنا تسمح؛ ولها قلعة أنفها شامخ في الهواء، وعطفها جامح عن عطفة اللواء؛ قد أوغلت في الجوّ مرتفعه، وأو مضت في الليل ملتمعه، وبرداء السّحاب ملتفعه؛ قد صافحتها أيدي الأنام بالسلامة من قوارعها، وهادنتها حوادث الأيام على الأمن من روائعها، إلى أن أتيح لها من أتاح

الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بلفظ الإصدار)

لها الحين «1» ، وقيّض لها من اقتضى منها الدّين؛ فصبّحها بما ساء به صباحها. وزعزعها بالزّئير الذي خرس له نباحها. وكان من خبرها أننا لما أطللنا عليها مغيرين، وأطفنا بها دائرين، ولكؤوس الحرب مديرين؛ تغلّبت الأنجاد والأبطال على الزّحف، وأعجل ارتياح النصر عن انتظام عقد الصّف؛ وانقضّوا عليها، انقضاض البزاة على طرائدها، وأسرعوا إليها، إسراع العطاش إلى مواردها؛ ورفعت الألوية خافقة كذوائب الضّرام «2» ، طالعة برسائل الحمام، مشيرة بالعذبات «3» إشارة لم يطمئنوا إليها بالسّلام؛ وجاءهم الموت من كلّ مكان، وأمطرت الشّهب من كل سنان؛ فرأوا مثواهم الحبيب، ومحلّهم الخصيب؛ وقد ركضت فيه خيول الغير، واعترضت فيه سيول العبر، وجرّدت فيه نصول القدر؛ والنار قد لعبت فيه مجدّه، واحمرّت فيه خدودها مخدّه «4» ؛ وأقواتهم المدّخره، وأموالهم المثمّره؛ نفلا «5» مباحا، وزبدا مطاحا؛ ومغنما مشاعا، ونهبا مضاعا؛ قد ملئت منه الرّحال وأخصبت، واتّسعت به الأيدي وضاقت به الأرض بما رحبت. الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بلفظ الإصدار) مثل: أصدرنا هذه المكاتبة، أو أصدرت، أو صدرت؛ ويؤتى على المقصود على ما تقدّم. وهذه نسخة كتاب من هذا الأسلوب كتب به القاضي الفاضل «6» ، عن

السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» إلى أخيه سيف الإسلام سلطان اليمن، يستقدمه إليه معاونا له على قتال الفرنج خذلهم الله! ويبشّره بفتح كوكب «1» ، وصفد، والكرك في سنة أربع وثمانين وخمسمائة وهو: «أصدرنا هذه المكاتبة إلى المجلس، ومما تجدّد بحضرتنا فتوح كوكب: وهي كرسيّ الاستباريّة «2» ودار كفرهم، ومستقرّ صاحب أمرهم، وموضع سلاحهم وذخرهم؛ وكان بمجمع الطّرق قاعدا، ولملتقى السّبل راصدا؛ فتعلّقت بفتحه بلاد الفتح واستوطنت، وسلكت الطّرق فيها وأمنت وعمرت بلادها وسكنت؛ ولم يبق في هذا الجانب إلا صور، ولولا أن البحر ينجدها، والمراكب تردها؛ لكان قيادها قد أمكن، وجماحها قد أذعن؛ وما هم بحمد الله في حصن يحميهم، بل في سجن يحويهم؛ بل هم أسارى وإن كانوا طلقاء، وأموات وإن كانوا أحياء؛ قال الله عز وجل: فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا «3» ولكلّ امرىء أجل لابدّ أن يصدقه غائبه، وأمل لابدّ أن يكذبه خائبه- وكان نزولنا على كوكب بعد أن فتحت صفد بلد الديوية ومعقلهم، ومشتغلهم وعملهم، ومحلّهم الأحصن ومنزلهم؛ وبعد أن فتحنا الكرك وحصونه؛ والمجلس السيفيّ «4» أسماه الله أعلم بما كان على الإسلام من مؤونته المثقلة، وقضيّته المشكلة، وعلّته المعضلة؛ وأن الفرنج- لعنهم الله- كانوا يقعدون منه مقاعد للسّمع، ويتبوّأون منه مواضع للنّفع، ويحولون بين قات (؟) وراكبها، فيذلّلون الأرض بما كانوا منه ثقلا على مناكبها؛

والآن ما أمن بلاد الهرمين، بأشدّ من أمن بلاد الحرمين؛ فكلّها كان مشتركا في نصرة المسلمين بهذه القلعة التي كانت ترامي ولا ترام، وتسامي ولا تسام؛ وطالما استفرغنا عليها بيوت الأموال، وأنفقنا فيها أعمار الرجال، وقرعنا الحديد بالحديد إلى أن ضجّت النّصال من النّصال؛ والله المشكور على ما انطوى من كلمة الكفر وانتشر من كلمة الإسلام. وإنّ بلاد الشام اليوم لا تسمع فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما. وكان نزولنا على كوكب والشتاء في كوكبه، وقد طلع بيمن الأنواء في موكبه؛ والثلوج تنشر على البلاد ملاءها الفضيض، وتكسوا الجبال عمائمها البيض؛ والأودية قد عجّت بمائها، وفاضت عند امتلائها؛ وشمخت أنوفها سيولا، فخرقت «1» الأرض وبلغت الجبال طولا؛ والأوحال قد اعتقلت الطّرقات، ومشى المطلق فيها مشية الأسير في الحلقات، فتجشّمنا العناء نحن ورجال العساكر، وكاثرنا العدوّ والزمان وقد يحرز الحظّ المكاثر؛ وعلم الله النية فأنجدنا بفضلها، وضمير الأمانة فأعان على حملها، ونزلنا من رؤوس الجبال بمنازل كان الاستقرار عليها أصعب من ثقلها، والوقوف بساحتها أهون من نقلها؛ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ «2» . والحمد لله ربّ الذي ألهمنا بنعمته الحديث، ونصر بسيف الإسلام الذي هو سيفه وسيف الإسلام الذي هو أخونا الطيب على الخبيث؛ فمدح السيف ينقسم على حدّيه، ومدح الكريم يتعدّى إلى يديه؛ والآن فالمجلس- أسماه الله- يعلم أن الفرنج لا يسلون «3» عما فتحنا، ولا يصبرون على ما جرحنا؛ فإنهم- خذلهم الله- أمم لا تحصى، وجيوش لا تستقصى؛ ووراءهم من ملوك البحر من يأخذ كلّ سفينة غصبا «4» ، ويطمع في كل مدينة كسبا؛ ويد الله فوق أيديهم، والله محيط

بأقربيهم وأبعديهم؛ وسَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً «1» ، لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً «2» وما هم إلا كلاب قد تعاوت «3» ، وشياطين قد تغاوت «4» ، وإن لم يقذفوا من كل جانب دحورا «5» ، ويتبعوا بكلّ شهاب ثاقب مدحورا، استأسدوا واستكلبوا، وتألّبوا وجلّبوا وأجلبوا «6» ، وحاربوا، وحزّبوا؛ وكانوا لباطلهم الداحض، أنصر منّا لحقّنا الناهض؛ وفي ضلالهم الفاضح، أبصر منا لهدانا الواضح. ولله درّ جرير حيث يقول: إن الكريمة ينصر الكرم ابنها، ... وابن اللئيمة للّئام نصور! فالبدار إلى النّجدة البدار! والمسارعة إلى الجنة فإنها لا تنال إلا بإيقاد نار الحرب على أهل النّار؛ والهمّة الهمة! فإن البحار لا تلقى إلا بالبحار، والملوك الكبار لا يقف في وجوهها إلا الملوك الكبار: وما هي إلا نهضة تورث العلا ... ليومك ما حنّت روازم نيب! «7» ونحن في هذه السنة- إن شاء الله تعالى- ننزل على أنطاكية، وينزل ولدنا الملك المظفّر- أظفره الله- على طرابلس؛ ويستقرّ الركاب العادليّ «8» - أعلاه

الله- بمصر؛ فإنها مذكورة عند العدو- خذله الله- بأنها تطرق، وأن الطلب على الشام ومصر تفرّق؛ ولا غنى عن أن يكون المجلس السيفيّ- أسماه الله- بحرا في بلاد الساحل يزخر سلاحا، ويجرّد سيفا يكون على ما فتحناه قفلا ولما لم يفتح بعد مفتاحا، فإنه ليس لأحد ما للأخ من سمعة لها في كل مسمع سمعه «1» ، وفي كل روع روعه «2» ؛ وفي كل محضر محضر «3» ، وفي كل مسجد منبر، وفي كل مشهد مخبر؛ فما يدعى العظيم إلا للعظيم «4» و [لا يرجى] «5» لموقف الصبر الكريم إلا الكريم [هذا] «6» والأقدار ماضيه، وبمشيئة الله جاريه؛ فإن يشإ الله ينصر على العدو المضعّف، بالعدد الأضعف؛ ويوصّل إلى الجوهر الأعلى بالعرض الأدنى؛ فإنا لا نرتاب بأن الله ما فتح علينا هذه الفتوح ليغلقها، ولا جمع علينا هذه الأمة ليفرّقها؛ وأن العدوّ إن خرج من داره بطرا «7» ، ودخل إلى دارنا كان فيها جزرا «8» ؛ وما بقي إن شاء الله إلا أموال تساق إلى ناهبها، ورقاب تقاد إلى ضاربها، وأسلحة تحمل إلى كاسبها؛ وإنما نؤثر أن لا تنطوي صحائف الحمد خالية من اسمه، ومواقف الرشد خاوية من عزمه؛ ونؤثر أن يساهم آل أيّوب في ميراثهم منه مواقع الصبر، ومطالع النصر؛ فو الله إنا على أن نعطيه عطايا الآخرة الفاخرة، أشدّ منّا حرصا عى أن نعطيه عطايا الدنيا القاصرة؛ وأنا لا يسرّنا أن ينقضى عمره في قتال غير الكافر، ونزال غير الكفء المناظر؛ ولا شكّ أن سيفه لو اتصل بلسان ناطق وفم، لقال ما دمت هناك فلست ثمّ «9» ؛ وما هو محمول على خطّة يخافها، ولا

الأسلوب الثالث (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «هذه المكاتبة إلى المجلس»

متكّلف قضية بحكمنا يعافها؛ والذي بيده لا نستكثره، بل نستقصره عن حقه ونستصغره؛ وما ناولناه لفتح أرضه السّلاح، ولا أعرناه لملك مركزه النّجاح؛ إلا على سخاء من النفس به وبأمثاله، على علم منّا أنه لا يقعد عنّا إذا قامت [الحرب] بنفسه وماله؛ فلا نكن به ظنّا أحسن منه فعلا، ولا نرضى وقد جعلنا الله أهلا أن لا نراه لنصرنا أهلا؛ وليستشر أهل الرّشاد فإنهم [لا يألونه] «1» حقّا واستنهاضا، وليعص أهل الغواية فانهم إنما يتغالون «2» به لمصالحهم أغراضا؛ ومن بيته يظعن، وإلى بيته يقفل «3» ؛ وهو يجيبنا جواب مثله لمثلنا، وينوى في هذه الزيارة جمع شمل الإسلام قبل نيّة جمع شملنا؛ ولا تقعد به في الله نهضة قائم، ولا تخذله عزمة عازم، ولا يستفت فيها فوت طالب ولا تأخذه في الله لومة لائم؛ فإنما هي سفرة قاصدة، وزجرة واحدة؛ فإذا هو قد بيّض الصحيفة والوجه والذّكر والسّمعة، ودان الله أحسن دين فلا حرج عليه إن فاء إلى أرضه بالرّجعة؛ وليتدبّر ما كتبناه، وليتفهّم ما أردناه؛ وليقدّم الاستخارة، فإنها سراج الاستنارة [وليغضب لله ورسوله ولدينه ولأخيه فانها مكان الاستغضاب والاستشارة] «4» وليحضر حتّى يشاهد أولادا لأخيه يستشعرون لفرقته غمّا، وقد عاشوا ما عاشوا لا يعرفون أن لهم مع عمّهم عمّا؛ والله سبحانه يلهمه توفيقا! ويسلك به إليه طريقا؛ وينجدنا به سيفا لرقبة الكفر مرقا «5» ولدمه مريقا؛ ويجعله في مضمار الطاعات سابقا لا مسبوقا. الأسلوب الثالث (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «هذه المكاتبة إلى المجلس» وهذه نسخة كتاب من هذا الاسلوب بالإخبار بفتح أيلة التي تحت العقبة في ممّر حجّاج مصر. وهي:

هذه المكاتبة إلى المجلس الفلاني أعلى الله سلطانه، وعمر بالنجاح آماله وبالسعادة أوطانه، ولا زالت يد النصر تصرّف يوم اللّقاء عنانه، ويد لطف الله تفيض على الخلق يوم العلياء عنانه «1» ، وتمكّن من هام الأعداء ونحورهم سيفه وسنانه؛ (نشعره) أنه لم تزل عوائد «2» الله سبحانه عندنا متكفّلة ما يوجب أن يبدأ الحمد ويعاد، مقرّبة لنا من الآمال كلّ ما كان رهين نأي وبعاد، موافقة لنا بالتوفيق فكأننا وإياه على ميعاد، معينة لنا على ما يعتدّه الغاشّ معاش وعيد معاد. وقد كان ما علم من غزوتنا إلى أيلة التي اتخذها العدو معقلا، وتديّرها «3» منزلا، وعدّها موئلا؛ وغاض بها رونق الجملة «4» ، وفاض «5» بها أهل القبلة، وصارت على مدارج الأنفاس، وعلى مراصد الافتراص «6» والافتراس؛ وخصّت الحرمين بأعظم قادح، واشتد عن حادثتها «7» من لطف الله أعظم فاتح؛ ولما توجّهنا إليها، ونزلنا عليها؛ شاهدنا قلعة يحتاج راميها إلى الدّهر المديد، والأمل البعيد، والزاد العتيد، والبأس الشديد؛ تنبو بعطف جامح عن الخطبة «8» ، وتعرض بذكر مانع عن الضربة؛ وتعطف بأنف على السّحاب شامخ، وتطلع في الصباح بوجه شادخ «9» ، كأنما بينها وبين الأيّام ذمام، وكأنّ نار الحوادث إذا بلغت ماءها برد وسلام؛ فأطفنا بها متبصّرين، ونزلنا من ناحية البرّ بها مفكّرين؛ وبينا نحن نأمر بالحرب أن يشبّ أوارها، وبالخيل أن تسيّر أسرارها «10» ، وبنار اللّقاء أن يستطير شرارها، وبقناطير

الأسلوب الرابع (أن تفتتح المكاتبة بلفظ: «كتابنا» وباقي الأمر على نحو ما تقدم)

الموت من القسيّ أن تعقّد أوتارها؛ وبالمجانيق أن تعقد حناياها وتحلّ أزرارها، وبالكواكب «1» أن تذيقهم طعم الصّغار كبارها، إذ نادى مناد من أعلى قمّتها، ورأس قلّتها «2» ؛ معلنا بالأمان، ناسخا لآية الكفر بآية الإيمان؛ فأعارته الأسماع إنصاتها، واستحقت القلوب حصاتها؛ وعمدت إليه بنت بحر، عادت باب نصر، وساعة بدهر؛ وبشّرني بغلام على كبر، وبظفر في سفر على قدر؛ فأعطى فرنجها ما طلبوا؛ وأتى اللّطف للمسلمين بما لم يحتسبوا؛ وفي الحال رفعت عليها ألوية الإسلام ونشرت، وأوت إليها فئة الحق وحشرت، وتظاهرت عليها أولياء الله وظهرت؛ وقيل الحمد لله ربّ العالمين. الأسلوب الرابع (أن تفتتح المكاتبة بلفظ: «كتابنا» وباقي الأمر على نحو ما تقدم) وهذه نسخة كتاب من هذا الأسلوب كتب به القاضي الفاضل عن الملك الناصر «صلاح الدين يوسف بن أيوب» إلى بعض الأمراء بالشام عند وفاة السلطان نور الدين محمود. وهي: كتابنا هذا إلى الأمير، معزّين بالرّزء الذي كملت أقسامه وتمّت، ورمت أحداثه القلوب فأصمت، وطرقت أحاديثه الأسماع فأصمّت «3» ، وأبى أن تعفو كلومه «4» ، وكاد لأجله الأفق تنكسف بدوره وتنكدر نجومه، وثلم جانب الدّين لفقد من لولاه لدرست أعلامه ولم تدرس علومه، وفجأ فاستولى على كلّ قلب وجيبه «5» وعلى كلّ خاطر وجومه؛ بانتقال المولى «نور الدين» إلى سكنى دار السلام، وقدومه على ما أعده الله له من جزاء ذبّه «6» عن الإسلام؛ وبكى أهله على فقد عزائمه

الطرف الحادي عشر (في المكاتبات الصادرة عن ملوك أهل الغرب) وقد انفردوا عن كتاب المشرق وكتاب الديار المصرية بأمور

التي بها حفظت وحرست، وشكت الممالك وحشة بعده وإن ابتهجت الملائكة بقربه وأنست؛ فلله هو! من مصاب أغرى العيون بفيضها، والنفوس بفيظها «1» ؛ ونقل الأولياء من ظل المسرّة ونعيمها إلى هجير المساءة وقيظها؛ وأوجب تناجي الكفّار بالنّجاة من تلك السّطوة التي لم تزل تزيدها غمّا وتردّها بغيظها. ومهنئين بما أسا الكلم وداواه، وحوى الحقّ إلى الجانب الأمنع وآواه؛ من جلوس ولده «الملك الصالح» «2» ذي التصويب والتسديد مشمولا منّا بالعرف العميم، والطّول الجسيم، جاريا على سننه المعهودة، وعادته المحمودة، في رفع صالح أدعيته عن صفاء سريرته، وخلوص عقيدته، مستمرّا على جميل تحيته، في إمدادنا ببركته، إن شاء الله تعالى. قلت: والمصطلح الجاري عليه الحال في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية في زماننا مأخوذة من الأساليب الثلاثة: الأول والثاني والثالث المقدّم ذكرها. على أن في الدولة الأيوبية أساليب أخرى لا يسع استيعابها، ويغتنى عنها بما تقدّم ذكره. الطرف الحادي عشر (في المكاتبات الصادرة عن ملوك أهل الغرب) وقد انفردوا عن كتّاب المشرق وكتّاب الديار المصرية بأمور : منها أن المخاطبة تقع للمكتوب إليه بميم الجمع مع الانفراد، كما تقع الكتابة عن المكتوب عنه بنون الجمع مع الانفراد. ومنها أنهم يلتزمون الدعاء بمعنى الكتابة عند قولهم: كتبنا، بأن يقال «كتبنا إليكم كتب الله لكم كذا» .

الحالة الأولى (ما كان الأمر عليه في الزمن المتقدم، وهو على أربعة أساليب)

ومنها أنهم يترضّون عن الخليفة القائمين بدعوته في كتبهم. ومنها أنهم يذكرون اسم المكتوب إليه في أثناء الكتاب، وباقي مكاتباتهم على نحو من مكاتبات أهل الشرق والديار المصرية؛ وكتبهم تختم بالسلام غالبا، وربما ختمت بالدعاء ونحوه. ومنها أن الخطاب يقع عندهم بلفظ الرياسة مثل أن يقال: رياستكم الكريمة ونحو ذلك. ولها حالتان: الحالة الأولى (ما كان الأمر عليه في الزمن المتقدّم، وهو على أربعة أساليب «1» ) الأسلوب الأول (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «من فلان إلى فلان» ويدعى للمكتوب إليه ثم يقع التخلّص إلى المقصود بأما بعد، ويؤتى عليه إلى آخره، ويختم بالسلام) كما كتب أبو بكر بن هشام عن أبي محمد بن هود «2» ، في قيامه بالدعوة العباسية ببلاد المغرب إلى أهل بلد من رعيته. «من فلان إلى أهل فلانة، أدام الله كرامتهم وآثرهم بتقواه، وعرّفهم عوارف نعماه، وكنفهم في حرمه المنيع وحماه، وجعلهم ممن وفّق إلى رضاه، وحفّ بخير ما قدّره وقضاه، بسلام. أما بعد حمد الله على متتابع واسع فضله، هازم الباطل وأهله، ومورّط الجاهل في مهواة جهله؛ الماليء بدعوة الحق ما اتسّع من حزن «3» المعمور وسهله، والصلاة على سيدنا محمد نبيّه المصطفى خاتم رسله، المؤيد بالقرآن الذي عجزت الجنّ والإنس أن يأتوا بمثله؛ وعلى آله وصحبه الجارين على قويم

سنّته وواضح سبله؛ والرضا عن الإمام العباسيّ أمير المؤمنين «1» ، الذي لا إمام سواه للمسلمين؛ المفرّع من محتده الكريم وأصله، المدافع عن حرم أمره بسديد نظره وحديد نصله؛ والدعاء لمقامه العليّ، ومكانه السنيّ، بالسّعد المصاحب بمصاحبة ظلّه، والعضد الفاتح ما لم يفتح لأحد من قبله، فإنا كتبناه لكم- كتبكم الله ممن انتفع بقوله وعمله، وتوجّه إلى رضاه بمبسوط أمله، وجرت له الأقدار بأفضل معتاد وأجمله- من فلانة، والتوكل على الله سبحانه نتائج تبرزها الأيّام، ويستنجدها السّعد والحسام، ويستدنيها التفويض إلى الله سبحانه والاستسلام؛ والدعوة العلية- أدام الله أيّامها، وأسعد أعلامها- الآثار التي تجملت بها المذاهب، والأنوار التي وضحت بها المساري والمسارب، وأضاءت بها المشارق والمغارب. والحمد لله حمدا كثيرا- المكان الذي تتجدّد حرمته، وتتأكّد ذمّته، ولا توضع عن يد الاعتناء والاهتمام أزمّته، وإذا أنهضت العزائم لمصالح العباد تقدّمت كلّ العزمات عزمته، لأنه المكان الذي صرف وجوه الأعداء، وصابر مكابدة الإضرار والاعتداء، واحتمل مكروه الدواء، في معالجة الشّفاء ومعاجلة حسم الداء، فكرمت آثاره، وتعيّن تخصيصه بالمزيد وإيثاره، وطابت أخباره، وطالت في مضايق مجال الرجال أسنّته وشفاره، فنحن نوجب تكريمه، ونؤثر تقديمه، ونتبع حديثه في الاعتناء قديمه، والله يتولى تكميل قصدنا الجميل فيه وتتميمه!. وقد بلغ- بلّغكم الله أملكم، وأتم نعمته قبلكم- تحرّك ذلكم الخائن «2» للإضرار بالبلاد، وإيثاره دواعي الشر والفساد؛ ومتى احتيج إلى إعلام جهة من الجهات بأحواله، وما يتصوّره بفاسد خياله، وتغلّب كبره المردي واختياله، وما يصدر عنه من قبيح آثاره وأعماله، فإنما يستعلم تحقيقها منكم، ويتعرّف تصديقها من لدنكم، بصدق جواركم، ودنوّ داركم، وتداخل آثاره مع آثاركم؛ فأنتم أقرب

اطّلاعا على خبث سرّه، وسوء مكره، وما يضمر للمسلمين من إذايته وضرّه؛ فمتى انصرفت وجوه المسلمين إلى جهادهم واشتغلوا بتأمين بلادهم، انتهز الفرصة في فساد يحدثه، وعقد ينكثه، واستعجال ما يعجّل عليه ولا يلبّثه؛ ونحن نعرض عنه إعراض من يرجو متابه، ويرتقب رجوعه إلى الحق وإيابه؛ وهو متخبّط في أهوائه، مستمرّ على غلوائه، مصرّ على إضراره واعتدائه، لا يكفّ عنه من استطالته، ولا يريه الاستبصار وجهة جهالته، فوجب علينا بحكم النظر للبلاد التي لحقها عدوانه، وأضرّ بها مكانه، وتكرّر عليها امتحانه، أن نعاجل حسم علله، ونسدّ مواقع خلله، ونرد عليه كلّ مضرّة لاحقة من قبله، حتّى يستريح الناس إلى أمن مبسوط، وكنف «1» مضبوط، وحوز «2» بالكفاية والوقاية محوط؛ وقد كنّا عند الفراغ من مصالح البلاد الغريبة، وانتهاء الفتح فيها إلى ما لم يدر بالخاطر ولم يحسب بالنّية، نظرنا في إعداد جموع من أجناد الغرب، وتخيّرنا منهم كلّ من درب بالطّعن والضّرب؛ وسعد لكم «3» من جماهير الأغراب «4» وجزولة «5» وسائر القبائل النازلين بالبلاد، المتأهّبين لما يطلبون به من الغزو والجهاد؛ ورسمنا لهم أن يلحقوا بنا عند الاستدعاء، على ما جدّدنا لهم في الانتخاب والانتقاء، لتأخذ الجموع كلّها من محو أثر هذا الخائن بنصيب، وتضرب فيه، وفي كلّ عمل يعفّيه، بسهم مصيب؛ لكن لما تعجّل حركته التي تعجّل بها الحين «6» ، وساقه إليها القدر الذي أعمى البصيرة والعين؛ رأينا أن ننفذ

الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «أما بعد» وهو على ضربين)

إليه قصدنا، وأن نعاجله بما حضر عندنا، متوافرة الأعداد، غنيّة عن الاستمداد، غير مفتقرة إلى الازدياد؛ ومع هذا فقد أمرنا أهل الجهات كلّها باللّحاق بنا، وأن ينهض جميع أعدادهم من الخيل والبطل والرّماة على سبيلنا ومذهبنا، لتكون الأيدي في هذه المصلحة العامّة واحدة، والعقائد في دفع هذا الضرر عن الكافّة متعاقدة، حتّى يذهب أثر هذه النكّبة وعينها «1» ، ويزول عن بهجة الإحقاق والاتّفاق شينها «2» ؛ وإذا وجب على أهل هذه الجهات أن ينفروا في هذه الدّعاة خفافا وثقالا، ويبادروا ركبانا ورجالا، كان الوجوب في حقّكم وجوبين، والفرض عليكم فرضين؛ لما يخصّكم من هذه المصلحة التي أنتم أولى من يجتلي صورها، ويجتني ثمرها، ويجدّ في حاله واستقباله إثرها؛ فليكن استعدادكم بحسب ذلكم، واستوعبوا جميع أنجادكم، من خيلكم ورماتكم ورجالكم؛ وكونوا واقفين على قدم التأهّب إلى أن يكون الاجتياز من هنالكم؛ إن شاء الله تعالى والسلام» . الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «أما بعد» وهو على ضربين) الضرب الأوّل (أن تعقّب البعدية بالحمد لله، ويؤتى على الخطبة إلى آخرها، ثم يتخلّص إلى المقصود ويختم بالسلام على نحو ما تقدّم) كما كتب أبو عبد الله بن الجيان «3» عن أبي عبد الله بن هود «4» أيضا إلى أكابر

بلده بالرّفق بالرعية عند ورود كتابهم عليه بتحصين البلد، وبلوغه جور المستخدمين بها على الرعية، وهو: أما بعد حمد الله تعالى معلي منار الحقّ ورافعه، ومولي متوالي الإنعام ومتابعه؛ والصلاة على سيدنا محمد عبده ورسوله مشفّع الحشر وشافعه، المبعوث ببدائع الحكم وجوامعه؛ وعلى آله وصحبه المبادرين إلى مقاصده العلية ومنازعه، والذابّين عن حوزة الإسلام، بمواضي الاعتزام، وقواطعه؛ والرضا عن الخليفة الإمام العباسيّ «1» أمير المؤمنين ذي المجد الذي لا ينال سموّ مطالعه. فإنا كتبنا إليكم- كتب الله لكم عزّة قدحها «2» بالثبوت فائز، وسعادة قسطها للنماء حائز- من فلانة «3» ، وكلمة الحق منصورة اللواء، منشورة الأضواء؛ والتوكّل على الله في الإعادة والإبداء، والتسليم إليه مناط أمرنا في الانتهاء والابتداء، وحمد الله تعالى وشكره وصّلنا إلى نيل مزيد النّعماء والآلاء؛ ومكانتكم لدينا مكانة السّنيّ المناصب، المنتمي إلى كرام المنتميات والمناسب، المتحلّي في الغناء والاكتفاء، والخلوص والصّفاء، بأكرم السّجيّات والمناقب، المعلوم ما لديه من المصالحة السالكة بأكرم السّجيّات في المناحي الحسان على المهيع الأوضح والسّنن اللاحب «4» .

وقد وقفنا على كتابكم معلما بخبر فلانة وما رأيتموه من المصلحة في تحصينها، والاجتهاد في أسباب تأمينها؛ ونحن نعلم أنكم تريدون الإصلاح، وتتوخّون ما تتوسّمون فيه النّجاح؛ لكن أهمّ الأمور عندنا، وأولى ما يوافق غرضنا وقصدنا، الرفق بالرعيّة، وحملها على قوانين الإحسان المرعيّة- وعلى أثر وصول كتابكم وصلنا كتاب [أهل] فلانة «1» المذكورة يشكون ضرر الخدمة المتصرّفين فيهم، ويتظلّمون من متحيّفيهم «2» ومتعسّفيهم؛ وفي هذا ما لا يخفى عليكم، ولا ترضون به لو انتهى إليكم؛ فإنه إذا كان الناظر في خدمة ممن لا يحسن سياسة الأمور، ولا يعلم طريقة الرّفق الجارية بوفق الخاصة والجمهور، أعاد التسكين تنفيرا، والتيسير تعسيرا، وتعلمون أنا لا نقدّم على إيثار العدل في عباد الله المسلمين عملا، ولا نبغي لهم باطنة بغير التخفيف عنهم والإحسان إليهم بدلا؛ وأنتم أولى من يعتقد فيه أنه يكمّل هذا المقصد، ويتحرّى في مصالح الرّعايا هذا السّنن الأرشد؛ وقد خاطبنا أهل فلانة بما يذهب وجلهم، ويبسط أملهم، وعرّفناهم بأنكم لو علمتم من جار عليهم من الخدمة لأخذتم على يده وجازيتموه بسوء معتقده، وأشعرناهم بأنّا قد استوصيناكم بهم خيرا، ونبّهناكم على ما يدفع عنه ضيما ويرفع ضيرا؛ وأنتم- إن شاء الله- تستأنفون نظرا جميلا، وتؤخّرون عنهم الخدمة الذين لا يسلكون من السياسة سبيلا، وتقدّمون عليهم من تحسن فيهم سيرته، وتكرم في تمشيته الرّفق علانيته وسريرته، ومثلكم لا يؤكّد عليه في مذهب تحسن عواقبه، وغرض يوافقه القصد الاحتياطيّ ويصاحبه، إن شاء الله تعالى والسلام.

الضرب الثاني (أن تعقب البعدية بذكر المقصود من غير خطبة ثم يؤتى على المقصود إلى آخره على نحو ما تقدم)

الضرب الثاني (أن تعقّب البعدية بذكر المقصود من غير خطبة ثم يؤتى على المقصود إلى آخره على نحو ما تقدم) كما كتب أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعيّ المعروف بالأبار «1» ، عن الأمير أبي جميل «2» إلى أهل ناحية بولاية وال عليهم وهي: أما بعد، فالكتاب- كتب الله لكم ملء الجوانب قرارا، وأرسل عليكم سماء المواهب مدرارا- من فلانة «3» ، وليس إلا الخير الدائم، واليسر الملازم؛ وقد توالى إعلامكم بالغرض الجميل فيكم، والاعتناء المتّصل بتمهيد نواحيكم، وأنتم اليوم بثغر متحيّف «4» ، وجناب متطرّف، يتضاعف الاحتياط عليه، ويجب تيسير المير «5» إليه؛ فالنظر له معمل، والتهمّم به لا يهمل؛ وهذه ألسن «6» قد ملك قيادها، وأوثر بوجوه القرابة إمدادها، وفلان قد خاطب يستأذن في القدوم على

الأسلوب الثالث (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «كتابنا إليكم من موضع كذا، والأمر على كذا وكذا» ويؤتى على المقصد إلى آخره ويختم بالسلام)

الباب الكريم، ويؤكّد ما عنده في الخدمة والتصميم؛ والخيرات بسبيل الاتصال، والمسرّات واردة مع البكور والآصال. والحمد لله الجسيم فضله، والعظيم نيله، فاحمدوا الله على ما يسّر لنا ولكم، واستوزعوه «1» شكر ما خوّلنا وخوّلكم؛ واعلموا أنّا نرعاكم كما رعى أوّلنا أولاكم؛ وقد عيّن لموضعكم كذا وكذا فأنفذوا إلينا بعضكم معجلا، واستشعروا إنماء الأثرة واطّراد النّصرة، حالا ومستقبلا؛ والحركة الكبرى- يمّنها الله- قد شرع في أسبابها، وأتي ما يؤتي بمشيئة الله الفتح القريب من بابها؛ ولا غنى بما يدار في ذلك عن فلان وقد خوطب بالوصول، ووجّه إليكم فلان واليا عليكم، وثاويا «2» لديكم؛ وهو ممن خبرت كفايته، وارتضيت لجبر أحوالكم سياسته، وشكر هنا فأوثرتم به هنالكم؛ وقد فوّض إليكم من نظر «3» لخاصّتكم وجمهوركم، وقلد بما يستقلّ أتمّ الاستقلال من تدبير أموركم؛ وأمضي معه من الأجناد طائفة يحسنون الدفاع والذّياد، ولا يفارقون الجدّ والاجتهاد؛ ووراء هذا من كريم العناية وجميل النظر، ما يقضي لكم بالفلج والظّفر، ويديلكم بالأمانة الشاملة من الذّعر والحذر، إن شاء الله تعالى والسلام. الأسلوب الثالث (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «كتابنا إليكم من موضع كذا، والأمر على كذا وكذا» ويؤتى على المقصد إلى آخره ويختم بالسلام) وربما قيل: «هذا كتابنا إليكم» وربما قيل: «كتبنا إليكم» ونحو ذلك.

كما كتب أبو المطرّف بن عميرة «1» عن ابن هود في البشارة بفتح حصن، وهو: كتابنا إليكم- أطلع الله عليكم من البشائر أنورها جبينا، وأوضحها صبحا مبينا- من فلانة في يوم كذا. سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي تكفّل بنصر من ينصره، ونصلّي على سيدنا محمد الكريم محتده الزاكي عنصره؛ ونجدّد مشفوع الصلوات، ونردّد مرفوع الدعوات، للإمام الخليفة «المستنصر بالله أمير المؤمنين» ذي المناقب التي لا عادّ يعدّها، ولا حاصر يحصرها. والحمد لله الذي أنعم علينا بتقليد إمامته، التي لا تعقد معها إمامه، وأقامنا لإقامة دعوته، التي لا تجوز على غيرها إقامه، وجعلنا نرمي الغرض باسمه الأشرف فنصيبه، ونستوهب فضل الله سبحانه فيتوفّر قبلنا نصيبه، ونستنزل بخلافته المباركة جوامع النصر، كما استنزل الفاروق بغرّة «2» جدّه هوامع القطر؛ فتسير أمام رايته السّوداء بالأثر المبيض، وتروى هذه أوام «3» كما أروى ذلك أوام الأرض؛ وما زلنا منذ كان النزول على هذا الحصن نتعرّف فيه من مخايل النّجح، ودلائل الظّفر والفتح، ما أعطانا فثلج اليقين «4» بأنا نفصم عروته، ونفرع ذروته، ولم يزل العزم

الحالة الثانية (ما الأمر مستقر عليه الآن مما كان عليه علامة متأخرى كتاب المغرب أبو عبد الله محمد بن الخطيب وزير ابن الأحمر: صاحب حمراء غرناطة من الأندلس)

يذلّل شماسه «1» ، ويقلّل ناسه؛ حتّى أذعنوا لما عرّفتم به من النزول لوقت معدود، وأمد محدود. ثم إنهم خامرهم طارق الوجل، فعجّلوا أداء دينه قبل حلول الأجل؛ وأمكن الله من هذا المعقل الفذّ في المعاقل، وقتل الظانين لا متناعهم والحسام إن شاء الله تعالى في يد القاتل؛ وقد صعدت راياتنا على السّور، وسعدت إدارتنا بالعزم المنصور، وشيّد الله من هذا الفتح الجليل أقصى الفتوح بعلوّ، وأشجاها للعدوّ، وأدلّها على نجح عمل مستأنف وبلوغ أمل مرجوّ. والحمد لله الذي ردّ حقّنا المغتصب، وكفانا في وجهنا هذا التعب والنّصب؛ وعرّفناكم بهذا الخبر الذي هو غذاء للرّوح، والمنبيء عن فتح الفتوح: لتشكروا الله عليه شكرا، وتوفّوه حقّه إذاعة له ونشرا، وتجدّدوا بحمد الله [على] ما أولى من خالص النّعم، ووافر القسم، ما يطيب به المعرّس «2» والمقيل «3» ، ويستقصر به الأمد الطويل. واكتبوا من خطابنا هذا نسخا إلى الجهات ليأخذ منها كلّ بحظه، وينعم القريب والبعيد بجلالة معناه وجزالة لفظه؛ أعاننا الله وإيّاكم على شكر إحسانه الجزيل، ولا أخلى من لطفه العميم ونظره الجميل، بمنّه والسلام. الحالة الثانية (ما الأمر مستقرّ عليه الآن مما كان عليه علّامة متأخرى كتّاب المغرب أبو عبد الله محمد بن الخطيب «4» وزير ابن الأحمر «5» : صاحب حمراء غرناطة من الأندلس) والأمر فيها على نحو ما تقدّم في الحالة الأولى: من التعبير عن المكتوب إليه

الأسلوب الأول (أن تفتتح المكاتبة باللقب اللائق بالمكتوب إليه، وهو على أضرب)

بميم الجمع وإن كان واحدا، والتزام الدعاء بمعنى الكتابة عند قولهم كتبنا إليكم ونحو ذلك. وعادتهم أن يكتب كتاب السلطان في طومار كامل، فإن استوعب الكلام جميع الطومار كتب على حاشيته، ويكتب صاحب العلامة علامة السلطان في آخره، ويطوى طيّا عريضا في نحو ثلاث أصابع معترضة، ثم يكسر ويطوى نصفين، ويكتب العنوان بالألقاب التي في الصّدر ويخزم «1» بدسرة من الورق، ثم يختم بخاتم السلطان على شمع أحمر كما تقدّم بيانه. وهي على ثلاثة أساليب: الأسلوب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة بالّلقب اللائق بالمكتوب إليه، وهو على أضرب) الضرب الأوّل (أن يبتدأ بلفظ «المقام» وهو مختصّ بالكتابة إلى الملوك) والرسم فيه عندهم أن يقال: «المقام» وينعت بما يليق به، ثم يقال: «محلّ أخينا، أو محلّ ولدنا، أو محلّ والدنا السلطان» ويؤتى بألقابه ثم يسمّى؛

ثم يقال: «من فلان» ويفعل فيه كذلك إلى منتهى نسبه، ويدعى له بالبقاء وما يتبعه؛ ثم يقال: معظّم قدره أو معظّم مقامه، وما أشبه ذلك، ويذكر اسم المكتوب عنه؛ ثم يقال: أما بعد حمد الله ويؤتى بالخطبة إلى آخرها؛ ثم يقال: فإنا كتبناه إليكم من موضع كذا، ويؤتى على المقصود إلى آخره، ويختم بالدعاء ثم بالسلام. كما كتب أبو عبد الله بن الخطيب المقدّم ذكره عن سلطانه ابن الأحمر المذكور أعلاه، إلى السلطان أبي عنان بن أبي الحسن المرينيّ «1» صاحب فاس، عند موت الطاغية ملك قشتالة «2» من إقليم أشبيلية، وطليطلة، وقرطبة وما معها بعد نزوله على جبل الفتح «3» من مملكة المسلمين بالأندلس لمحاربة المسلمين فيه، ورحيل قومه بعد موته به، وهو: المقام الذي أنارت آيات سعده، في مسطور الوجود، وتبارت جياد مجده، في ميدان البأس والجود، وضمنت إيالته لمن بهذه الأقطار الغربية تجديد السّعود،

وإعادة العهود، واختلفت كتائب تأييد الله ونصره لوقته المشهور فيها ويومه المشهود، مقام محلّ أخينا الذي نعظّمه ونرفعه، ويوجب له الحقّ العليّ موضعه، السلطان أبي عنان ابن السلطان أبي الحسن، أبن السلطان أبي سعيد، ابن السلطان أبي يوسف، بن عبد الحق- أبقاه الله يتهلّل للبشرى جنابه، ويفتح لوارد الفتح الإلهيّ بابه؛ وتعمل في سبيل الله مكارمه وعزائمه وركابه، ويتوفّر بالجهاد فيه مجده وسعده وفخره وثوابه، معظّم قدره الأمير عبد الله يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر، سلام كريم مشفوع بالبشائر والتّهاني، محفوف [الركاب] «1» ببلوغ الأماني، ورحمة الله تعالى وبركاته. أما بعد حمد الله مطلع أنوار الصنائع العجيبة متألّقة الغرر، ومنشيء سحائب الألطاف، الكريمة الأوصاف، هامية الدّرر، الكريم الذي يجيب دعوة المضطرّ إذا دعاه، ويكشف السّوء وما أمره إلا واحدة كلمح بالبصر؛ حجب كامن ألطافه عن قوى الفطن ومدارك الفطر، فما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ «2» والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله ذي المعجزات الباهرة والآيات الكبر، الذي بجاهه الحصين نمتنع عند استشعار الحذر، وبنور هداه نستضيء عند التباس الورد والصّدر، فنحصل على الخير العاجل والمنتظر، والرضا عن آله وأصحابه الكرام الأثر، الذين جنوا من أفنان الصبر في الله ثمار الظّفر، وفازوا من إنجاز الوعد بأقصى الوطر، وانتظموا في سلك الملّة الرفيعة انتظام الدّرر، والدعاء لمقامكم الأعلى باتصال المسرّات وتوالي البشر، والسعد الذي تجري بأحكامه النافذة تصاريف القدر، والصّنع الذي تجلى عجائبه في أجمل الصّور، فإنا كتبناه إليكم- كتب الله لكم من حظوظ فضله وإحسانه أجزل

الأقسام، وعرّفكم عوارف نعمه الثّرّة «1» وآلائه الجسام- من حمراء غرناطة- حرسها الله- واليسر بفضل الله طارد الأزمات بعد ما قعدت، وكاشف الشدائد بعد ما أبرقت وأرعدت. ثم ما عندنا من الاعتداد بإيالتكم «2» التي أنجزت لنا في الله ما وعدت، ومددنا إليها يد الانتصار على أعدائه فأسعدت، إلا الصّنع العجيب، واليسر الذي أتاح ألطافه السميع المجيب؛ واليمن الذي رفع عماده التيسير الغريب، ومدّ رواقه الفرج القريب؛ وإلى هذا أيّدكم الله على أعدائه، وأجزل لديكم مواهب آلائه، وحكم للإسلام على يديكم بظهوره واعتلائه، وعرّفكم من أخبار الهنيّ المدفع «3» وأنبائه كلّ شاهد برحمته واعتنائه. فإنا كتبناه إليكم نحقّق لديكم البشرى التي بمثلها تنضى الرّكاب «4» ، ويخاض العباب، ونعرض عليكم ثمرة سعدكم الجديد الأثواب، المفتّح للأبواب، علما بما عندكم من فضل الأخلاق، وكرم الأعراق؛ وأصالة الأحساب، والمعرفة بمواقع نعم الله التي لا تجري لخلقه على حساب، والعناية بأمور هذا القطر الذي تعلّق أذيال ملككم السامي الجناب. [وقد تقرر لدى مقامكم الأسنى ما كانت الحال آلت إليه بهذا الطاغية] «5» الذي غرّه الإمهال والإملاء «6» ، وأقدمه على الإسلام التمحيص المكتوب والابتلاء؛ فتملّأ «7» تيها وعجبا، وارتكب من قهر هذه الأمة المسلمة مركبا صعبا، وسام كلمة الإسلام بأسا وحربا، فكتائب برّه توسع الأرجاء طعنا وضربا، وكتائب بحره تأخذ كلّ سفينة غصبا، والمخاوف قد تجاوبت شرقا وغربا، والقلوب قد بلغت الحناجر

غمّا وكربا، وجبل الفتح الذي هو باب هذه الدار، وسبب الاستعداء على الأعداء والانتصار، ومسلك الملّة الحنيفيّة إلى هذه الأقطار، قد رماه ببوائقه، وصيّر ساحته مجرّ عواليه ومجرى سوابقه؛ واتّخذه دار مقامه، وجعله شغل يقظته وحلم منامه، ويسّر له ما يجاوره من المعاقل إملاء [من الله] لأيامه؛ فاستقرّ به القرار، واطمأنّت الدار، وطال الحصار وعجزت عن نصره الخيل والأنصار، ورجمت الظّنون «1» وساءت الأفكار، وشجر «2» نظّار القلوب الاضطرار، إلى رحمة الله والافتقار، فجبر الله الخواطر لمّا عظم بها الانكسار، ودار بإدالة «3» الإسلام الفلك الدّوّار، وتمخّض عن عجائب صنع الله الليل والنهار، وهبّت نواسم الفرج، عاطرة الأرج، ممن يخلق ما يشاء ويختار، لا إله إلا هو الواحد القهّار. وبينما نحن نخوض من الشّفقة على ذلك المعقل العزيز على الإسلام لجّة مترامية المعاطب «4» ، ونقتعد صعبا لا يليق بالراكب؛ ولولا التعلّق بأسبابكم في أنواء تلك الغياهب، وما خلص إلى هذه البلاد من مواهبكم الهامية المواهب، ومواعيدكم الصادقة ومكارمكم الغرائب، وكتبكم التي تقوم عند العدوّ مقام الكتائب، وإمدادكم المتلاحق تلاحق العظام الجنائب «5» ، لما رجع الكفر بصفقة الخائب، إذ تجلّى نور الفرج من خلال تلك الظّلمة، وهمت سحائب الرحمة والنّعمة على هذه الأمّة، ورمى الله العدوّ بجيش من جيوش قدرته أغنى عن العديد والعدّة، وأرانا رأي العيان لطائف الفرج من بعد الشّدّة، وأهلك الطاغية حتف أنفه، وقطع به عن أمله قاطع حتفه، وغالته أيدي المنون في غيله «6» ، وانتهى

إلى حدود القواطع القويّة والأشعّة المرّيخيّة نصير دليله، فشفى الله منه داء، وأخذه أشدّ ما كان اعتدادا واعتداء، وحمى الجزيرة الغربية «1» وقد صارت نهبة طغاته، وأشرقه بريقه وهي مضغة في لهواته؛ سبحانه لا مبدّل لكلماته. فانتثر سلكه الذي نظّمه، واختلّ تدبيره الذي أحكمه، ونطقت بتبار «2» محلّاته ألسنة النار، وعاجلت انتظامها أيدي الانتثار، وركدت ريحه الزّعزع من بعد الإعصار، وأصبح من استظهر به من الأشياع والأنصار يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ «3» وولّوا به يحثون التّراب فوق المفارق والتّرائب «4» ، ويخلطون تبر السّبال الصّهب «5» بذوب الذّوائب، قد لبسوا المسوح «6» حزنا، وأرسلوا الدموع مزنا، وشقّوا جيوبهم أسفا، وأضرموا قلوبهم تلهّفا، ورأوا أنّ حصن استطبونة «7» لا يتأتّى لهم به امتناع، ولا يمكنهم لمن يرومه من المسلمين دفاع، فأخلوه من سكّانه، وعاد فيه الإسلام إلى مكانه، وهو ما هو من طيب البقعة، وانفساح الرّقعة؛ ولو تمسّك به العدوّ لكان ذلك الوطن بسوء جواره مكدودا، والمسلك إلى الجبل- عصمه الله- مسدودا، فكان الصنيع فيه طرازا على عاتق تلك الحلّة الضافية، ومزيدا لحسنى العارفة الوافية، فلمّا استجلينا غرّة هذا الفتح الهنيّ، والمنح السّنيّ، قابلناه بشكر الله تعالى وحمده، وضرعنا إليه في صلة نعمه فلا نعمة إلا من عنده؛ وعلمنا أنه عنوان على مزيد ملككم الأعلى وعلامة على سعده، وأثر نيّته للإسلام وحسن قصده، وفخر ذخره

الله لأيامكم لا نهاية لحدّه، فإنكم صرفتم وجه عنايتكم إلى هذا القطر على نأي المحلّ وبعده، ولم تشغلكم الشواغل عن إصلاح شأنه وإجزال رفده. وأما البلد المحصور، فظهر فيه من عزمكم الأمضى ما صدّق الآزال والظّنون، وشرح الصّدور بمقامكم وأقرّ العيون: من صلة الإمداد على الخطر، وتردّد السابلة «1» البحرية على بعد الوطن وتعذّر الوطر، واختلاف الشّواني «2» التي تسري إليه سرى الطّيف، وتخلص سهامها إلى غرضه بعد أنّى وكيف، حتّى لم تعدم فيه مرفقة يسوء فقدانها، ولا عدّة يهمّ شأنها؛ فجزاؤكم عند الله موفور القسم، وسعيكم لديه مشكور الذّمم؛ كافأ الله أعمالكم العالية الهمم، وخلالكم الزاكية الشّيم؛ فقد سعد الإسلام- والحمد لله- بملككم الميمون الطائر، وسرت أنباء عنايتكم بهذه البلاد كالمثل السائر؛ وما هو إلا أن يستتبّ اضطراب الكفّار واختلافهم، ويتنازع الأمر أصنافهم، فتغتنمون إن شاء الله فيهم الغرّة «3» التي ترتقبها العزائم الشريفة، والهمم المنيفة؛ وتجمع شيمكم الغليا، بين فخر الآخرة والدّنيا، وتحصل على الكمال الذي لا شرط فيه ولا ثنيا» ؛ فاهنأوا بهذه النّعمة التي خبأها الله إلى أيّامكم، والتّحفة التي بعثها السعد إلى مقامكم، فإنما هي بتوفيق الله ثمرة إمدادكم، وعقبى جهادكم؛ أوزعنا الله وإيّاكم شكرها وألهمنا ذكرها. عرّفناكم بما اتّصل لدينا، وورد من البشائر علينا؛ عملا بما يجب لمقامكم من الإعلام بالمتزيّدات، والأحوال الواردات، ووجّهنا إليكم بكتابنا هذا من ينوب عنّا في هذا الهناء، ويقرّر ما عندنا من الولاء، وما يتزيّد لدينا بالأنباء، خالصة إنعامنا المتميّز بالوسيلة المرعيّة إلى مقامنا، الحظيّ لدينا، المقرّب إلينا، القائد

الفلانيّ أبا الحسن عبادا وصل الله عزّته، ويمّن وجهته؛ ومجدكم ينعم بالإصغاء إليه، فيما أحلنا فيه من ذلك عليه، والله يصل سعدكم ويحرس مجدكم؛ والسلام. وكما كتب عنه أيضا إلى السلطان (أبي سعيد عثمان بن يغمراسن) «1» صاحب تلمسان، عند بعثه بطعام إلى الأندلس، شاكرا له على ذلك، ومخبرا بفتح حصن من حصون الأندلس يسمّى حصن قنيط، وهو: المقام الذي تحدّثت بسعادته دولة أسلافه، واتّفق به قولها من بعد اختلافه، وعاد العقد إلى انتظامه والشّمل إلى ائتلافه؛ مقام وليّنا في الله الذي هيّأ الله له من جميل صنعه أسبابا، وفتح به من [مبهم] «2» السّعد أبوابا؛ وأطلع منه في سماء قومه شهابا. وصفيّنا الذي نسهب القول في شكر جلاله ووصف خلاله إسهابا؛ السلطان أبو سعيد عثمان، ابن الأمير أبي زيد، ابن الأمير أبي زكريّا، ابن السلطان أبي يحيى يغمراسن، بن زيان، مع ذكر ألقاب كل منهم بحسبه- أبقاه الله للدولة الزّيّانية- يزيّن بالأعمال الصالحة أجيادها، ويملك بالعدل والإحسان قيادها، ويجري في ميدان النّدى والباس، ووضع العرف بين الله والناس، جيادها. سلام كريم كما زحفت للصباح شهب المواكب، وتفتّحت عن نهر المجرّة أزهار الكواكب؛ ورحمة الله تعالى وبركاته. أما بعد حمد الله جامع الشّمل بعد انصداعه وشتاته، وواصل الحبل بعد انقطاعه وانبتاته؛ سبحانه لا مبدّل لكلماته، والصلاة على سيدنا ومولانا محمد رسوله الصادع بآياته، المؤيّد ببيّناته، الذي اصطفاه لحمل الأمانة العظمى، وحباه

بالقدر الرفيع والمحلّ الأسمى؛ والله أعلم حيث يجعل رسالاته. والرضا عن آله وصحبه وأنصاره وحزبه وحماته، المتواصلين في ذات الله وذاته، القائمين بنصر دينه وقهر عداته. فإنّا كتبناه إليكم- كتب الله لكم سعدا ثابت الأركان، وعزّا سامي المكان، ومجدا وثيق البنيان، وصنعا كريم الأثر والعيان- من حمراء غرناطة- حرسها الله- والثقة بالله سبحانه أسبابها وثيقة، وأنسابها عتيقة، والتوكّل عليه لا تلتبس من سالكه طريقه ولا تختلط بالمجاز منه حقيقة؛ وعندنا من الاعتداد بكم في الله عقود مبرمة، وآي في كتاب الإخلاص محكمة؛ ولدينا من السّرور، بما سنّاه الله لكم من أسباب الظّهور، الذي حلله معلمه «1» ، وحججه البالغة مسلّمة، ما لا تفي العبارة ببعض حقوقه الملتزمه؛ وإلى هذا- أيد الله أمركم- فإننا ورد علينا فلان وصل الله كرامته، وسنّى سلامته، صادرا عن جهتكم الرفيعة الجانب، السامية المراقب، طلق اللسان بالثناء بما خصّكم الله به من فضل الشمائل وكرم المذاهب، محدّثا عن بحر مكارمكم بالعجائب، فحضر بين يدينا ملقيا ما شاهده من ازدياد المشاهد، بتلك الإياله، واستبشار المعاهد، بعودة ذلك الملك الرفيع الجلاله، الشهير الأصاله؛ ووصل صحبته ما حمّلتم جفنة «2» من الطعام برسم إعانة هذه البلاد الأندلسيّة، والإمداد الذي افتتحتم به ديوان أعمالكم السنيّة، وأعربتم به عمّا لكم في سبيل الله من خالص النّيّة؛ وأخبر أنّ ذلك إنما هو رشّة من غمام، وطليعة من جيش لهام، ووفد من عدد، وبعض من مدد، وأنّ عزائمكم في الإعانة والإمداد على أوّلها، ومكارمكم ينسى الماضي منها بمستقبلها؛ فأثنينا على قصدكم الذي لله أخلصتموه، وبهذا العمل البرّ خصصتموه، وقلنا: لا ينكر الفضل على أهله، وهذا برّ صدر عن محلّه؛ فليست إعانة هذه البلاد الجهاديّة ببدع من مكارم جنابكم الرفيع، ولا شاذّة فيما أسدى على الأيام من حسن الصّنيع؛ فقد علم الشاهد والغائب، ولو سكتوا أثنت عليها الحقائب، ما تقدّم لسلفكم في

الضرب الثاني (أن يقع الابتداء بالمقر)

هذه البلاد من الإرفاق والإرفاد، والأخذ بالحظّ الموفور من المدافعة والجهاد؛ وأنتم أولى من جدّد عهود قومه، وكان غده في الفخر أكبر من يومه؛ وقد ظهرت لله في حيّز تلك الإيالة الزّيّانيّة نتيجة تلك المقدّمات، وعرفت بركة ما أسلفته من المكرمات. وسنّى الله سبحانه بين يدي وصول ما به تفضّلتم، وفي سبيله بذلتم، أن فتح جيشنا حصنا من الحصون المجاورة لغربيّ مالقة يعرف بحصن قنيط من الحصون الشهيرة المعروفة، والبقع المذكورة بالخصب الموصوفة؛ ودفع الله مضرّته عن الإسلام وأهله، ويسّره بمعهود فضله؛ فجعلنا من ذلك الطعام الذي وجّهتم طعمة حماته، ونفقات رجاله ورماته؛ اختيارا له في أرضى المرافق في سبل الخير وجهاته. وأما نحن فإن ذهبنا إلى تقرير ما عندنا من الثناء، على معالي ملككم الأصيل البناء، والاعتداد بمقامكم الرفيع العماد، والاستناد إلى ولائكم الثابت الإسناد، لم نبلغ بعض المراد، ولا وفى اللسان بما في الفؤاد؛ فمن الله نسأل أن يجعله في ذاته، وذريعة إلى مرضاته؛ ومرادنا من فضلكم العميم، وودّكم السليم، أن تحسبوا هذه الجهة كجهتكم فيما يعرض من الأغراض: لنعمل في تتميمها بمقتضى الودّ العذب الموارد، الكريم الشّواهد؛ والله يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، والسلام. الضرب الثاني (أن يقع الابتداء بالمقرّ) والرسم فيه أن يقال: المقرّ، وينعت، ثم يقال: مقرّ فلان، وينعت بالألقاب، ثم يذكر المكتوب عنه. ثم يقال: أما بعد حمد الله، ويؤتى على الخطبة إلى آخرها؛ ثم يقال: فإنا كتبناه لكم من موضع كذا، ويتخلّص إلى المقصد بلفظ: وإلى هذا فإنّ كذا وكذا، ويؤتى على المقصد إلى آخره ويختم بالسلام. كما كتب ابن الخطيب عن سلطانه ابن الأحمر إلى عجلان «1» سلطان مكة

شرّفها الله تعالى وعظّمها، وهو: المقرّ الأشرف، الذي فضل المحالّ الدينيّة محلّه، وكرم في بئر زمزم منبط إسماعيل صلّى الله عليه وسلّم نهله وعلّه، وخصّه بإمرة الحرم الشريف الأمين من بيده الأمر كلّه، فأسفر عن صبح النصر العزيز فضله، واشتمل على خواصّ الشّرف الوضّاح جنسه وفصله، وطابت فروعه لما استمدّ من ريحانتي «1» الجنة أصله. مقرّ السلطان الجليل، الكبير، الشريف، الطاهر، الظاهر، الأمجد، الأسعد، الأوحد، الأسمى الشهير البيت، الكريم الحيّ والميت، الموقّر، المعظّم، ابن الحسين «2» ، وحافد «3» سيد الثّقلين؛ تاج المعالي، عزّ الدنيا والدّين، أبي السّبق عجلان، ابن السلطان الكبير، الشهير، الرفيع، الخطير، الجليل، المثيل، الطاهر، الظاهر، الشريف، الأصيل، المعظّم، الأرضى، المقدّس، المنعّم، أسد الدين، أبي الفضل «رميثة» بن محمد بن أبي سعيد الحسني- أبقاه الله، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلى قاطنيّ مثواه، على بعد الدار، وتتقرّب فيه إلى الله بالتئام التراب واستلام الجدار، وتجيب أذان نبيّه إبراهيم بالحجّ إجابة الابتدار؛ وهنأه المزيّة التي خصه بها من بين ملوك الأقطار، وأولي المراتب في عباده والأخطار؛ كما رفع قدره على الأقدار، وسجّل له بسقاية الحج وعمارة المسجد الحرام عقد الفخار. وينهي إليه أكرم التحيّات تتأرّج عن شذا الروضة المعطار، عقب الأمطار، معظم ما عظّم الله من شعائر مثواه، وملتمس البركة من أبواب مفاتحته ولكل امرىء ما نواه؛ وموجب حقّه الذي يليق بمن البتول والرّضا أبواه، الشّيّق إلى الوفادة عليه وإن مطله الدهر ولواه؛ فلان. كان الله له في غربته وانفراده، وتولّى عونه على الجهاد فيه حقّ جهاده.

أما بعد حمد الله وليّ الحمد في الأولى والآخرة، ومطمح النّفوس العالية والهمم الفاخرة؛ مؤيّد العزائم المتعاضدة في سبيله المتناصرة، ومعزّ الطائفة المؤمنة ومذلّ الطائفة الكافرة، ومنيل القياصرة الغلب والأكاسرة، وتارك أرضها للآذان السامعة والعيون الباصرة. والصلاة على سيدنا ومولانا محمد عبده ورسوله نبيّ الرحمة الهامية الهامرة، والبركات الباطنة والظاهرة، المجاهد في سبيل الله بالعزائم الماضية والصّوارم الباترة، مصمت الشّقاشق «1» الهادره، ومرغم الضّلالة المكابره، المنصور بالرّعب من جنود ربّه الناصره، المحروس بحرس الملائكة الوافره، الموعود ملك أمّته بما زوي «2» له من أطراف البسيطة العامره، حسب ما ثبت بالدلائل المتواتره. والرّضا عن آله وأحزابه، وعترته وأصحابه، المجاهدة الصابره، أولي القلوب المراقبة والألسن الذاكره، والآداب الحريصة على الاهتداء بهداه المثابره، الذين جاهدوا في الله حقّ جهاده يخوضون، لأن تكون كلمة الله هي العليا، بحار الرّوع الزّاخرة؛ ويقدمون بالجموع القليلة على الآلاف المتكاثرة، حتّى قرّت بظهور الإسلام العيون الناظره، وحلّت في العدوّ الفاقره «3» ، فكأنوا في الذّبّ عن أمّته كالأسود الكاسره، وفي الهداية بسماء ملّته كالنّجوم الزاهرة. والدعاء لشرفكم الأصيل المناسب الطاهره، والمكارم الزاهية ببنوّة الزّهراء البتول بضعة الرسول الزّاهرة، بالصّنع الذي يسفر عن الغرر المشرقة السّافره، والعزّ الذي يضفو منه الجناح على الوفود الوافره، والفضلاء من المجاوره، ولا زال ذكركم بالجميل هجّيرى «4» الركائب الواردة والصادره، والثناء على مكارمكم

يخجل أنفاس الرّياض العاطره، عقب الغمائم الماطره. فإنا كتبناه إليكم- كتب الله لكم عناية تحجب الأسواء [بجننها] «1» الساتره، ورعاية تجمع الأهواء المختلفة والقلوب المتنافره- من حمراء غرناطة دار الملك الإسلاميّ بالأندلس- حرسها الله ووفّر جموع حاميتها المثاغرة «2» - وسدّ بيد قدرته ما همّ بها من أفواه العدى الفاغره، ولا زالت سحائب رحمة الله الحائطة لها الغامره، تظلّل جموع جهادها الظافره، وتجود رمم شهدائها الناخره، ونعم الله تحطّ ركائب المزيد في نواديها الحامدة الشاكره. والحمد لله كما هو أهله، فلا فضل إلا فضله. وجانبكم موفّى حقّه من التعظيم الذي أناف وأربى، وقدركم يعرفه من صام وصلّى فضلا عمن حجّ ولبّى، ومستند ودّكم قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى «3» . وإلى هذا- حرس الله مجدكم ومقرّكم الأشرف، كما سحب على البيت العتيق ظلّكم الأورف- فإنّ الجهاد والحجّ أخوان، يشهد بذلك الملوان «4» ؛ مرتضعان ثدي المناسبه، ويكادان يتكافآن في المحاسبة: سفرا وزادا، ونيّة واستعدادا، وإتلافا لمصون المال وإنفادا، وخروجا إلى الله لا يؤثر أهلا ولا ولدا وإن افترقا محلّا فقد اجتمعا جهادا، ورفعا للملة منارا ساميا وعمادا، ووطننا- والحمد لله- على هذا العهد المخصوص بكمال هذه المزيّة، والقيام بفرض كفايتها البحرية والبرية عن جميع البريّة، [السليمة من الضلال البرية] «5» وهذا النسب واشجة «6» عروقه،

صادقة بروقه، ومتاته «1» لا يفضله متات ولا يفوقه. ونحن نعرّفكم بأحوال هذا القطر المستمسكة فروعه بتلك الجرثومة الراسية، الممدودة أيديه إلى مثابتها المتصدّقة بالدعاء المواسيه؛ فاعلموا أن الإسلام به مع الحياة في سفط «2» حرج، وفي أمر مرج «3» ؛ وطائفة الحق قليل عددها، منقطع إلا من الله مددها، مستغرق يومها في الشّدّة وغدها؛ فالطلائع في قنن الجبال تنوّر، والمصحر من بيته مغرّر «4» ؛ والصّيحة مع الأحيان مسموعه، والأعداء لردّ ما استخلصه الفتح الأوّل مجموعه؛ والصبر قد لبست مدارعه، والنصر قد التمست مشارعه، والشّهداء تنوش أشلاءهم القشاعم «5» ، وتحتفل منها للعوافي «6» الولائم والمطاعم؛ والصّبيان تدرّب على العمل بالسّلاح، وتعلّم أحكام الجهاد تعلّم القرآن في الألواح؛ وآذان الخيل مستشرفة للصيّاح «7» ، ومفارق الطائحين في سبيل الله تعالى تبلى بأيدي الرياح، والمآذن تجيبها النواقيس مناقضه، وتراجعها مغاضبة معارضه؛ وعدد المسلمين لا يبلغ من عدد الكفّار، عشر المعشار، ولا وبرة من جلود العشار «8» ؛ إلا أن الله عز وجلّ حلّ بولايتنا المخنق المشدود، وفتح إلى التيسير المهيع «9» المسدود، وأضفى ظلال اليمن الممدود، وألهم- وله الشكر على الإلهام، وتسديد السّهام. والحمد لله الذي يفوت مدارك الأفهام- إلى اجتهاد قرن به التوفيق، وجهاد نهج به إلى النجاة المنجية الطريق؛ سبحانه من كريم يلهم العمل

ليثيب، ويأمرنا بالدعاء ليجيب؛ فتحرّكنا حركات ساعدها- ولله المنة- السعد، وتولّى أمرها ونصرتها من له الأمر من قبل ومن بعد. ففتحنا مدينة برغة «1» الفاصلة كانت بين البلاد المسلمه، والشّجا المعترض في نحر الكلمه؛ وتبعتها بنات كنّ يرتضعن أخلاف درّتها «2» ، ويتعلّقن في الحرب والسّلم بأرزتها. ثم نازلنا حصن آش «3» ، ركاب الغارات الكافرة، ومستقرّ الشوكة الوافره، فرفع الله إصره «4» الثقيل، وكان من عثرة الدّين فيه المقيل. ثم قصدنا مدينة الجزيرة «5» بنت حاضرة الكفر، وعرين الأسود الغلب وكناس الظّباء العفر؛ فاستبحناها عنوة أضرمت البلاد نارا، ودارت بأسوارها المنيعة سوارا، واستأصلنا أهلها قتلا وإسارا، وملأت الأيدي من نقاوة «6» سبي تعدّدت آلافه، وموفور غنم شذّت عن العبارة أوصافه. ثم كانت الحركة إلى مدينة جيّان «7» وشهرتها في المعمور، وشياع وصفها

المشهور، تغني عن بسط مالها من الأمور؛ ففتحها الله على يدينا عنوة وجعلت مقاتلتها نهبا للسيوف الرّقاق، وسبيها ملكة للاسترقاق، وأهلّة مبانيها البيض دريئة «1» للمحاق، واستولت على جميعها أيدي الهدم والإحراق؛ ثم دكّت الأسوار، وعقرت الأشجار، واستخلف على خارجها النار، فهي اليوم صفصف ينشأ بها الاعتبار، وتعجب الأبصار. وغزونا بعدها مدينة أبّدة «2» أختها الكبرى، ولدتها ذات المحل الأسرى؛ وكانت أسوة لها في التدمير، والتّتبير «3» والعفاء المبير. ثم نازلنا مدينة قرطبة «4» وهي أمّ هذه البلاد الكافرة، ودار النّعم الوافره، وذات المحاسن السافره؛ فكدنا نستبيح حماها المنيع، ونشتّت شملها الجميع، ونحتفل بفتحها الذي [هو للدين أجل] «5» صنيع، لولا عوائق أمطار، وأجل منته إلى مقدار؛ فرحلنا عنها بعد انتهاك زلزل الطّود، ووعدناها العود؛ ونؤمّل من فضل الله إنفاذ البشرى بفتحها على بلاد الإسلام، ومتاحفة «6» من بها من الملوك

الأعلام، بالإخبار به والإعلام. وبلغ [من] «1» صنع الله لنا وهو كاف من توكّل عليه، وفوّض الأمور إليه، أن لا طفنا النصر بحصون أربعة لم نوجف عليها ركابا «2» ، ولا تملّكتها غلابا؛ فطهّرنا بيوت الله من دنس الأوثان، وعوّضنا النواقيس بكلمة الإيمان. والحمد لله على مواهب الامتنان، ومنه نستزيد عوائد الإحسان. وهذه المجملات تحتمل شرحا، تسبح في بحره سنان الأقلام سبحا، من أوصاف مغانم شذّت عن الحصر، ومواقف لتنزّل السكينة وهبوب النّصر، وما ظهر من جدّ المسلمين في افتتاح تلك المعاقل المنيعة المنيفه، ومقارعة الجموع الكثيفة؛ وبركة الحرم الشريف في كل حال موجوده، وأقطار الإسلام بها مجوده، والوسائل إلى الله بأهله في القديم والحديث لا مخيّبة ولا مردوده؛ فهو الأصل، والغمد الذي سلّ منه النّصل؛ حتّى بلغ التخوم القاصية، وذلّل الممالك المتعاصية، وقاد من تقاعد أو تقاعس بالناصية. وقد ظهر لنا أن نوجّه إلى المدينة المقدّسة صلوات الله على من بها وسلامه رسالة نعرّفه بهذه البركات الهامية من سماء عنايته المعدود خارقها آية من آياته، وكلّنا جناه، وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله بهداه؛ وأصحبناها أشخاصا من نواقيس الفرنج مما تأتّى حمله، وأمكن نقله؛ وما سواه فكانت جبالا، لا يقبل نقلها احتيالا؛ فتناول درعها «3» المسخ والتكسير، وشفي بذهاب رسومها الاقامة والتكبير، والأذان الجهير؛ ومرادنا أن تعرض بمجتمع الوفود تذكرة تستدعي الإمداد بالدعاء، وتقتضي بتلك المعاهد النّصر على الأعداء؛ ثم تصحب ركاب الزّيارة، إلى أبواب النبوّة ومطالع الإنارة؛ وأنتم تعلمون في توفية هذه الأحوال ورعايتها، وإبلاغها إلى غايتها، ما يليق بحسبكم الوضّاح، ومجدكم الصّراح،

وشرفكم المتبلّجة أنواره تبلّج الإصباح (فأنتم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح) ولكم بذلك الحظّ الرّغيب في هذه الأعمال البرّة، والله سبحانه لا يضيع مثقال الذّرّة؛ وهو سبحانه يتولّاكم بما تولى به من أعزّ شعاره وعظّمها، ورعى وسائله واحترمها؛ ويصل أسباب سعدكم، وينفعكم بقصدكم. والسلام الكريم، الطيّب البرّ العميم، يحيّي معاهدكم الكريمة على الله عهودها، النامية بغمائم الرّحمات والبركات عهودها؛ ورحمة الله وبركاته. وربما قدّم على لفظ المقرّ صلة يعتمد عليها في البداءة. كما كتب عنه أيضا في معنى ذلك إلى أمير المدينة النبوية على ساكنها سيدنا محمد أفضل الصلاة والسلام. يعتمد المقرّ «1» الأشرف الذي طاب بطيبة نشره، وجلّ بإمارتها الشريفة أمره، وقدّر في الآفاق شرفه وشرف قدره، وعظم بخدمة ضريح سيد ولد آدم فخره، [أبقاه الله منشرحا بجوار روضة الجنة صدره، مشرقا بذلك الأفق الأعلى بدره،] «2» ذائعا على الألسن المادحة، في الأقطار النازحة، حمده وشكره، مزريا بشذا المسك الأذفر «3» في الجمع الأوفر ذكره؛ تحية معظّم ما عظّم الله من دار الهجرة داره، ومطلع إبداره، الملتمس بركة آثاره، المتقرّب إلى الله بحبّه وإيثاره. فلان. أما بعد حمد الله الذي فضّل البقع بخصائصها الكريمة ومزاياها، تفضيل الرياض الوسيمة بريّاها، وجعل منها مثابات رحمة تضرب إليها العباد آباط مطاياها، مؤمّلة من الله غفران زلّاتها وحطّ خطاياها؛ وخصّ المدينة الأمينة بضريح سيد المرسلين فأسعد منها مماتها ومحياها، ورفع علياها.

والصلاة على سيدنا ومولانا محمد ورسوله الكريم، الرؤوف بالمؤمنين الرّحيم؛ مطلع أوجه السعادة ببروق محيّاها، وموضّح أسرار النّجاة ومبيّن خفاياها؛ الذي تدارك الخليفة بهديه وكشف بلاياها، ورعى لسنّة الله رعاياها، وجمع بين صلاح دينها ودنياها. والرضا عن آله وصحبه، وعترته وحزبه، التي كرمت سجاياها، وعظمت ألطافها الهادية وهداياها، وجاهدت بعده طوائف الكفّار، تشعشع لها في أكواس «1» الشّفار، مناياها، وتطلع عليها في الليل البهيم، سنا الصبّاح الوسيم، من غرر سراياها، وتسدّ بغمام الأسنّة ورياح ذوات الأعنّة ثناياها. والدعاء لمقرّ أصالتكم الشريفة حيّاها الله وبيّاها، كما شرّفها بولادة الوصيّ الذي قرّر وصاياها وسلالة النبيّ الذي أعظم مواهب فخرها منه وعطاياها، بالسعادة التي تبرز أكفّ الأقدار على مرور الأعصار خباياها، والعزّ الذي يزاحم فرقد السماء وثريّاها. فإنا كتبناه إليكم- كتب الله لكم من مواهب الصّنع الجميل أغياها، كما طيّب بذكركم أطراف البسيطة وزواياها، وجعل فخر الجوار الكريم في عقبكم كلمة صدق لا تختلف قضاياها، ما مرّضت «2» الرّياض مورّسات «3» عشاياها؛ فجعلت من النواسم مشمومها ومن الأزهار البواسم حشاياها. من حمراء غرناطة- حرسها الله- ونعم الله يحوك حللها الجهاد، والسيوف الحداد، وتلبسها البلاد والعباد، وتتزيّاها. وفلول الكفر ناكصة على الأعقاب، من بعد شدّ الوثاق وضرب

الرقاب، خزاياها؛ وبركات حرم النبيّ الوجيه على الله يستظلّها الإسلام ويتفيّاها، وينقع الغلل من رواياها. والحمد لله كثيرا كما هو أهله، فلا فضل إلا فضله؛ ولمعاهدكم الكريمة الارتياح، كلّما أومضت البروق وخفقت الرّياح؛ ولسنيّ عنايتها الالتماح، إذا اشتجرت الرّماح؛ وفي تأميل المثول بها تعمل الأفكار وإن هيض الجناح، وبهداها الاستنارة إذا خفي للمراشد الصّباح، وبالاعتمال في مرضاة من ضمّه منها الثّرى الفوّاح، والصّفيح الذي تراث ساكنه العوامل المجاهدة والصّفاح والجهاد الصّراح، يعظم في الصّدر الانشراح، ويعزّ المغدى في سبيل الله والمراح. وإلى هذا أجزل الله مسرّتكم بظهور الدين، واعتلاء صبحه المبين؛ فاننا نعرّفكم أننا فتح الله علينا وعلى إخوانكم المؤمنين بهذه الثّغور المنقطعة الغربيّة، الماتّة على الآماد البعيدة بالذّمم العربيّة، فتوحا حوّزت من مملكة الكفر البلاد، ونفّلت الطارف والتّلاد؛ حسب ما تنصّه مخاطبتنا إلى نبينا الكريم الذي شرّفكم الله بخدمة لحده، واستخلفكم على دار هجرته من بعده؛ إذ لا حاجة إلى التّكرار بعد ما شرحت به الصّدور من الأخبار، في الإيراد والإصدار؛ ووجّهنا صحبتها من النّواقيس التي كانت تشيع نداء الضّلال، وتعارض الأذان بجلاد الحدال «1» ، وتبادر أمر التّمثال بالامتثال، ما يكون تذكرة تحنّ بها القلوب إلى هذه الطائفة المسلمة إذا رأتها، وتنتظر قبول الدعاء لها من الله كلّما نظرتها، وتتصوّر الأيدي المجاهدة التي جنتها من أفنان المستشرفات العالية واهتصرتها «2» إذا أبصرتها. وهذا كلّه لا يتحصّل على التّمام إلا بمشاركة منكم تسوّغه، وإعانة تؤدّيه وتبلّغه، تشيع لكم عند تعرّفها الثناء الدائم التّرداد، والدعاء بحسن المكافأة من ربّ العباد، وسهمكم في أمر الجهاد؛ وأنتم تعملون في ذلك بما يناسب مثلكم من

الضرب الثالث (أن تفتتح المكاتبة بلفظ الإمارة)

الشّرفاء الأمجاد، والله عز وجلّ يواليكم بنعمه الثّرّة العهاد، ويعرّفكم عوارف السعادة في المبدإ والمعاد، ويختم لنا ولكم بسعادة المعاد؛ والسلام الكريم يخصّكم عودا على بدء ورحمة الله تعالى وبركاته. الضرب الثالث (أن تفتتح المكاتبة بلفظ الإمارة) بأن يقال: الإمارة التي نعتها كذا وكذا إمارة محلّ أخينا فلان، ويدعى له. ثم يقال: معظّم إمارته، أو معظم أخوّته فلان. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله، ويؤتى بخطبة؛ ثم يقال: فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم كذا وكذا من موضع كذا؛ ثم يتخلص إلى المقصود بلفظ وإلى هذا، ويؤتى على القصد إلى آخره، ويختم بالسلام على ما تقدّم في غيره من الضروب، وبذلك يكتب إلى الأمراء من أبناء الملوك وغيرهم. كما كتب ابن الخطيب عن ابن الأحمر إلى أبي عليّ الناصر ابن السلطان أبي الحسن المرينيّ بفاس، عند ما أرسله والده إلى ناحية من النّواحي لعمارتها وإصلاح حالها، مهنّئا له بما أجراه الله على يديه من الصّلاح، وهو: الإمارة التي لها المكارم الراضية، والعزائم الماضية، والجلالة الراقية، والأعمال الصالحة الباقية؛ إمارة محلّ أخينا الذي نعظّم مجده السامي الجلال، ونثني على شيمه الطاهرة الخلال، ونعتدّ بودّه الكريم الأقوال والأعمال، ونسرّ بما يسنّيه الله لعزّه الفسيح المجال، من عوائد اليمن والإقبال. الأمير الأجلّ؛ الأعزّ، الأسمى، الأطهر، الأظهر، الأسنى، الأسعد، الأرشد، الأرضى، المؤيّد، الأمضى، الأفضل، الأكمل، أبو عليّ الناصر ابن محلّ أبينا الذي نعظّمه ونجلّه، ونوجب له الحقّ الذي هو أهله، السلطان الجليل الكذا أبو الحسن ابن السلطان المؤيّد، المعان المظفّر، صاحب الجود الشهير في الأقطار، والفضل المتألّق الأنوار، والمآثر التي هي أبهى من محيّا النهار، أمير المسلمين، وناصر الدين، المجاهد في سبيل ربّ العالمين؛ أبي سعيد ابن أمير المسلمين

وناصر الدين، قامع الكافرين، المجاهد في سبيل رب العالمين، أبي يوسف بن عبد الحق. أبقاه الله والسعود إليه مبتدرة مستبقة، والمسرّات لديه منتظمة متّسقة؛ وغرر أيامه واضحة مشرقة، والأهواء على محبته متّفقة. معظّم إمارته الرفيعة الجانب، القائم من إجلالها ونشر خلالها بالحقّ الواجب، المثني على مالها من السّير الفاضلة المذاهب، والأصالة الرفيعة المناسب، والبسالة الماضية المضارب، والمكارم التي تشهد بها مواقف الجهاد، وظهور الجياد، وصحائف الكتب وصفائح الجلاد، الأمير عبد الله يوسف ابن أمير المسلمين، أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر. سلام كريم، برّ عميم؛ تتأرّج الأرجاء من طيب نفحته، ويشرق نور الودّ الأصيل على صفحته؛ يخصّ أخوّتكم الفاضلة، وإمارتكم الحافلة؛ ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله الذي شرح بالتوكل عليه صدورا، و [جعل الودّ في ذاته كنزا مذخورا] «1» والأعمال التي تقرّب إليه نورا، والصلاة على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي بعثه بالحق هاديا وبالرّعب منصورا، ورفع لدعوته العالية لواء من عنايته منشورا، واختاره لإقامة دين الحق والأرض قد ملئت إفكا وزورا، حتّى بلغ ملك أمته ما كان منها معمورا. والرّضا عن آله وأحزابه الذين اتّسقوا في قلائد ملّته الرفيعة شذورا، وطلعوا في سمائها بدورا، وبذلوا نفوسهم النفيسة في نصره وإعلاء أمره فكانت شفاعته لهم جزاء وكان سعيهم مشكورا. والدّعاء لإمارتكم العالية بالسعد الذي يصاحب منه ركابها مددا موفورا، والتوفيق الذي يوسع عملها نجحا وأملها سرورا. فإنا كتبناه إليكم- كتب الله لكم سعدا متجدّد الإحكام، وصنعا مشرق القسام وافر الأقسام؛ وعرّفكم ما عوّدكم من عوارف الإنعام، وعوائد النصر

الواضح الأعلام-[ولا زائد بفضل الله سبحانه، ثم ببركة سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي أوضح برهانه، ثم بما عندنا من التشيّع في مقام محلّ أبينا والدكم السلطان الجليل، أسعد الله سلطانه! ومهّد به أوطانه! إلا ما يرجى من عوائد الله الجميلة، ومننه الجزيلة، وألطافه الكافية الكفيلة] «1» وعندنا من التعظيم لتلك الإمارة الرفيعة ما هو أشهر من الشهير، وأعظم من أن يحتاج إلى التفسير؛ فلا نزال نعتدّ لجانب أخوّتها بالعتاد الكبير، والذّخر الخطير، ونثني على مكارمها بالقلم واللّسان والضّمير. وإلى هذا أيّد الله إمارتكم، وسنّى إرادتكم، وأسعد إدارتكم، فقد علم الغائب والشاهد، والصادر والوارد، ما عندنا لكم من الحبّ الذي صفت منه الموارد، والولاء الذي تضوّعت من طيبه المعاهد؛ وإننا تعرّفنا ما كان من قدومكم السعيد على أحواز المريّة «2» من تلك الأقطار، وطلوعكم عليها بالعزم الماضي والجيش الجرّار. وأن محلّ والدنا وصل الله له علوّ المقدار، قدّم منكم بين يديه مقدّمة اليمن والاستبشار، ورائد السعادة المشرقة الأنوار، بخلال ما يتلاحق بها ركابه العالي قدره على الأقدار؛ وأن مخايل النّجح لإمارتكم الرفيعة قد ظهرت، وأدلّة الصّنع الجميل قد بهرت، ومن بتلك الجهات، من القبائل المختلفات، بالطاعة قد ابتدرت، وبأوامرها الإماريّة قد ائتمرت، وأنكم قد أخذتم في تسكين الأوطان وتمهيدها، واستئناف العزائم وتجديدها، [وإطفاء نار الفتن وإخمادها] «3» وإعلاء أركان تلك الإيالة ورفع عمادها؛ فكتبنا إليكم هذا

الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب إليه أو المكتوب عنه، وهو على ضربين)

الكتاب نهنّئكم بما سنّاه الله لمجدكم الرفيع، من حسن الصّنيع، ونقرّر ما عندنا من الودّ الكريم، والحبّ الصّميم، ونستفهم عن أحوال أخوّتكم لنكون من علمها على السّنن القويم، وحتّى لا تزال الأسباب متّصلة، والمودّة جديدة مقتبلة؛ ولولا العوائق المانعة، والشّقّة البعيدة الشاسعة، والأمواج المترامية المتدافعة، لم نغبّ «1» المخاطبة، ولوصلنا المراسلة والمكاتبة؛ ومجدكم يقبل الأعذار الصحيحة بمقتضى كماله، ومعهود إفضاله؛ والله تعالى يصلح بكم الأحوال، ويسكّن الأهوال، ويبلّغكم من فضله الآمال. وغرضنا أن تعرّفونا بما لديكم من المتزيّدات، والصنائع المتجدّدات، وبما عندكم من أحوال محلّ أبينا وصل الله عوائد النّصر لسلطانه، وتكفّل بإعلاء أمره وتمهيد أوطانه. وقد كتبنا إليه صحبة هذا كتابا غرضنا من أخوّتكم الطاهرة، أن يصل إلى حضرته العلية تحت عنايتكم ووصاتكم، والرعاية التي تليق بذاتكم؛ وهو سبحانه يصل سعدكم ويحرس مجدكم، ويحفظ ولاءكم الكريم وودّكم؛ والسلام الكريم عليكم ورحمة الله وبركاته. الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب إليه أو المكتوب عنه، وهو على ضربين) الضرب الأول (أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب إليه تعظيما له) والرسم فيه أن يقال: إلى فلان، وينعت بما يليق به؛ ثم يؤتى بالسلام، ويقال: أما بعد ويؤتى بخطبة، ثم يقال: فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم كذا وكذا، من موضع كذا، ويتخلّص إلى المقصود بلفظ «وإلى هذا» ويؤتى على المقصود إلى آخره ويختم بالسلام. كما كتب ابن الخطيب عن سلطانه ابن الأحمر إلى الأمير يلبغا العمريّ

الشهير بالخاصكيّ: أتابك «1» العساكر بالديار المصرية في الدولة الأشرفيّة «شعبان بن حسين» . إلى الأمير المؤتمن على أمر سلطان المسلمين، المقلّد بتدبيره السديد قلادة الدّين، المثني على رسوم برّه المقامة لسان الحرم الأمين، الآوي من مرضاة الله تعالى ورسوله إلى ربوة ذات قرار ومعين، المستعين من الله على ما تحمّله وأمّله بالقويّ المعين، سيف الدّعوة، ركن الدولة، قوام الملة، مؤمّل الأمّة، تاج الخواصّ، أسد الجيوش، كافي الكفاة، زين الأمراء، علم الكبراء، عين الأعيان، حسنة الزمان، الأجلّ، المرفّع، الأسنى، الكبير، الأشهر، الأسمى، الحافل، الفاضل، الكامل المعظم، الموقّر، الأمير، الأوحد، «يلبغا الخاصكيّ» وصل الله له سعادة تشرق غرّتها، وصنائع تسحّ فلا تشحّ درّتها، وأبقى تلك المثابة قلادة الله وهو درّتها؛ سلام كريم، طيب عميم، يخص إمارتكم التي جعل الله الفضل على سعادتها أمارة، واليسر لها شارة، فيساعد الفلك الدوّار مهما أعملت إدارة، وتمتثل الرسوم كلّما أشارت إشارة. أما بعد حمد الله الذي هو بعلمه في كل مكان، من قاص ودان، وإليه توجّه الوجوه وإن اختلفت السّير وتباعدت البلدان، ومنه يلتمس الإحسان، وبذكره ينشرح الصدر ويطمئن القلب ويمرح اللّسان، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله العظيم الشان، ونبيّه الصادق البيان، الواضح البرهان،

والرضا عن آله وأصحابه، وأعمامه وأحزابه، أحلاس «1» الخيل، ورهبان الليل، وأسود الميدان، والدعاء لإمارتكم السعيدة بالعزّ الرائق الخبر والعيان، والتوفيق الوثيق البنيان؛ فإنا كتبناه إليكم- كتب الله لكم حظّا من فضله وافرا، وصنيعا عن محيّا السّرور سافرا، وفي جوّ الإعلام بالنّعم الجسام مسافرا. من حمراء غرناطة- حرسها الله- دار الملك بالأندلس، دافع الله عن حوزتها كيد العداة، وأتحف نصلها ببواكر النّصر المهداة؛ ولا زائد إلا الشوق إلى التّعارف بتلك الأبواب الشريفة التي أنتم عنوان كتابها المرقوم، وبيت قصيدها المنظوم، والتماس بركاتها الثابتة الرّسوم، وتقرير المثول في سبيل زيارتها بالأرواح عند تعذّره بالجسوم. وإلى هذا فإنّنا كانت بين سلفنا- تقبّل الله جهادهم وقدّس نفوسهم وأمّن معادهم- وبين تلك الأبواب السلطانية- ألقى الله على الإسلام والمسلمين ظلالها، كما عرّفهم عدلها وإفضالها- مراسلة ينمّ عرف الخلوص من خلالها، وتسطع أنوار السعادة من آفاق كمالها؛ وتلتمح من أسطار طروسها محاسن تلك المعاهد، الزاكية المشاهد، وتعرب عن فضل المذاهب وكرم المقاصد، اشتقنا إلى أن نجدّدها بحسن منابكم، ونصلها بمواصلة جنابكم، ونغتنم في عودها الحميد مكانكم، ونفضل لها زمانكم؛ فخاطبنا الأبواب الشريفة في هذا الغرض بمخاطبة خجلة من التقصير، وجلة من الناقد البصير؛ ونؤمّل الوصول في خفارة يدكم التي لها الأيادي البيض، والموارد التي لا تغيض؛ ومثلكم من لا تخيب المقاصد في شمائله، ولا تضحى المآمل في ظلّ خمائله؛ فقد اشتهر من عظيم سيرتكم ما طبّق الآفاق، وصحب الرّفاق واستلزم الإصفاق؛ وهذه البلاد مباركة، ما أسلف أحد فيها مشاركة، إلا وجدها في نفسه وماله ودينه وعياله، والله أكرم من وفّى لامرىء بمكياله؛ والله جل جلاله يجمع القلوب على طاعته، وينفع بوسيلة النبيّ الذي نعوّل على شفاعته، ويبقي تلك الأبواب ملجأ للإسلام والمسلمين، وظلّا لله على العالمين، وإقامة لشعائر الحرم الأمين، ويتولى إعانة إمارتكم على

الضرب الثاني (أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب عنه، وهو على صنفين)

وظائف الدّين، ويجعلكم ممن أنعم الله عليه من المجاهدين؛ والسلام الكريم يخصّكم ورحمة الله وبركاته. الضرب الثاني (أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب عنه، وهو على صنفين) الصنف الأول (ما يكتب به إلى بعض الملوك) والرسم فيه أن يقال: من فلان إلى فلان، بألقابه ونعوته ونعوت آبائه على ما تقدّم؛ ثم يؤتى بالسلام، ويقال أما بعد حمد الله، ويؤتى بخطبة ثم يقال فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم كذا؛ ثم يقال: وإلى هذا فإن كذا وكذا، ويؤتى على المقصود إلى آخره، ويختم بالدعاء ثم بالسلام على نحو ما مرّ. كما كتب ابن الخطيب عن ابن الأحمر إلى بعض ملوك الغرب يهنّئه بدخول مدينة بجاية «1» في طاعته ما صورته: من أمير المسلمين عبد الله محمد، ابن مولانا أمير المسلمين أبي الحجّاج، ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر أيّد الله أمره، وأعز نصره، إلى محلّ أخينا الذي نصل له أسباب الإعظام والإجلال، ونثني عليه بما له من كريم الشّيم وحميد الخلال، ونسرّ له ببلوغ الآمال، ونجاح الأعمال، في طاعة ذي الجلال، السلطان فلان ابن السلطان فلان، بالألقاب اللائقة بكل منهم، وصل الله له سعدا متصل الدّوام دائم الاتّصال، وصنعا تتجلّى وجوهه من ثنايا القبول والإقبال، وعزّا اتتفيّأ ظلاله عن اليمين والشّمال؛ سلام كريم، برّ عميم، يخصّ

سلطانكم الأسنى، ويعتمد مقامكم المخصوص بالزيادة والحسنى، ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله الواهب الفاتح، المانع المانح، مظهر عنايته بمن خلّص إليه قصده، وقصر على ما لديه صدره وورده؛ أبدى من محيّا النهار الواضح، الذي وعد من اتّقاه حقّ تقاته، على ألسنة سفرة الوحي وثقاته، بنجح الخواتم والفواتح، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسوله المبتعث لدرء المفاسد ورعي المصالح، وسعادة الغادي والرائح، منقذ الناس يوم الفزع الأكبر وقد طاحت بهم أيدي الطّوائح، وهاديهم إلى سواء السبيل بأزمّة النّصائح، ومظفرهم من السعادة الدائمة بأربح البضائع وأسنى المنائح، والرضا عن آله وأصحابه، وعترته وأحزابه، الذين خلفوه أمتثالا لأمر الصّحائف وإعمالا للصّفائح، وكانوا لأمّته من بعده في الابتداء بسنّته والمحافظة على سننه كالنّجوم اللوائح، والدعاء لسلطانكم الأسمى، بالسّعد الذي يغنى بوثاقة سببه، ووضوح مذهبه، عن زجر البارح والسانح «1» ، والعزّ البعيد المطارح، السامي المطامح، والصنع الجميل الباهر الملامح؛ ولا زال توفيق الله عائدا على تدبيركم السعيد بالسّعي الناجح، والتّجر الرابح. فإنا كتبناه إليكم- كتب الله لكم من فضله أوفر الأقسام وأوفاها، وأوردكم من موارد عنايته أعذب الجمام وأصفاها، كما أسبغ عليكم أثواب المواهب وأضفاها. [وأبدى لكم وجوه اللطائف الجميلة وأحفاها] «2» - من حمراء غرناطة- حرسها الله- وفضل الله هامية ديمه، وعوائد اللّطف يصلها فضله وكرمه، والإسلام بهذا الثغر الجهاديّ مرعيّة ذممه، وجاه النبوّة المحمديّة يعمل بين إرغام العدوّ الكافر، وإهداء المسرّات والبشائر، سيفه وقلمه، والسّرور بما يبلغ من

مزيد سعدكم وميضه خافق علمه، وودّكم ثابت في مواقف الخلوص قدمه. وقد اتصل بنا ما كان من دخول حضرة بجاية حرسها الله في طاعتكم، وانتظامها في سلك جماعتكم، وانقطاعها إلى عصمتكم، وتمسّكها بأزمّتكم، وعقدكم منها ومن أختها السابقة الذّمام، الخليقة بمزيد الاهتمام، على عقيلتي الأقطار التي لا يجمع بينهما إلا ملك همام، وخليفة إمام، ومن وضحت من سعادته أحكام، وشهّرت بعناية الله له أدلّة واضحة وأعلام، ومن جمع الله له بين البرّ المتراكض الخيول، والجيش المتدافع السّيول، والخصب الذي تنضي مواجده» المستنجزة ظهور الخيول، وبين البحر الشهير بنجدة الأسطول، وإنجاز وعد النصر الممطول، ومرسى السّفن التي تخوض أحشاء البحار، وتجلب مرافق الأمطار والأقطار، وتتحف على النّأي بطرف الأخبار. بجاية وما بجاية دار الملك الأصيل العتيق وكرسيّ العزّ الوثيق، والعدّة، إذا توقّعت الشّدّة، كم ثبتت على الزّلزال، وصابرت مواقف النّزال، أمطاكم السّعد صهوتها، وأحلّكم التوفيق ربوتها، من غير مطاولة حصار، ولا استنفاد ذي وسع واقتدار، ولا تسوّر جدار، فأصبحت دولتكم السعيدة تتفيّأ [جنى الجنّتين، وتختال في حلّتين، وتجمع بفتيا] «2» السيوف المالكيّة بين هاتين الأختين؛ أوزعكم الله شكرها من نعمة جلّت مواهبها، ووضحت مذاهبها، وصنيعة بهرت عجائبها. وإذا كانت عقائل النّعم «3» تخطب أكفاءها، وموارد المنن تعرض على الورّاد صفاءها، فأنتم أهلها الذين لكم تذخر، وبمن دونكم تسخر؛ فإنكم تميزتم بخصال العفاف والبسالة، والحسب والجلالة، وأصبحتم في بيتكم صدرا، وفي هالة قومكم بدرا، مواقفكم شهيرة، وسيرتكم في الفضل لا تفضلها سيرة، ونحن

الصنف الثاني (ما يكتب به إلى الرعايا)

نهنّئكم بما منحكم الله من انفساح الإياله، ونموّ الجلاله، والنّعم المنثاله، بسلطان ألقى عنانه إلى مثلكم قد اختار لقياده، وارتاد فسعد في ارتياده؛ وتكفّل الحزم بحفظ بلاده، وصون طارفه وتلاده «1» ؛ وكأنّ به قد استولى على آماده، وتطاول لإرث أجداده. ولنا فيكم- علم الله- ودّ [تأسّس بناؤه، وكرمت أبناؤه] «2» وحبّ وجب بالشرع إنفاذه إليكم وإنهاؤه. وغرضنا الذي نؤثره على الأغراض والمقاصد، ونقدّمه بمقتضى الخلوص الذي زكت منه الشّواهد، أن تتصل بيننا وبينكم المخاطبة، وتتعاقب المواصلة والمكاتبة، والله عزّ وجلّ المعين على ما يجب لودّكم من برّ تكفل واجبه، وتوضّح مذاهبه، واعتقاد جميل يتساوى شاهده وغائبه، وهو سبحانه يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، والسلام الكريم يخصّكم ورحمة الله وبركاته. الصنف الثاني (ما يكتب به إلى الرّعايا) والحكم فيه على نحو ما تقدّم في الصّنف الذي قبله، إلا أنه يخاطبهم بأوليائنا. كما كتب ابن الخطيب عن ابن الأحمر أيضا إلى بعض رعاياه بمدينة المريّة بالأندلس، بالبشارة بموت الطاغية ملك قشتالة بجبل الفتح، ورحيل قومه به إلى بلادهم ما صورته: من الأمير عبد الله يوسف، ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل ابن فرج بن نصر أيّد الله أمره، وأعز نصره، وأسعد عصره؛ إلى أوليائنا في الله تعالى الذين نبادر إليهم بالبشائر السافرة الغرر، ونجلو عليهم وجوه الصنائع الإلهيّة كريمة الخبر والخبر، ونعلم ما لهم من الودّ الكريم الأثر: القائد بالمريّة، والقاضي بها، والفقهاء، والأشياخ، والوزراء والأمراء والكافّة والدّهماء «3» من

أهلها، عرّفهم الله عوارف الأداء، وأوزعهم شكر نعمة هذا الفتح الرّبّانيّ الذي تفتّحت له أبواب السماء، وأنشرت «1» معجزاته ميّت الرجاء في هذه الأرجاء. سلام كريم، طيب برّ عميم، تنشق منه نفحات الفرج، عاطرة الأرج، ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله فاتح أبواب الأمل بعد استغلاقها، ومتدارك هذه الأمة المحمديّة بالصّنع الذي تجلّى لها ملء أحداقها، والرحمة التي مدّت على النّفوس والأموال، والحرمات والأحوال، ضافي رواقها، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي دعوته هي العروة الوثقى لمن تمسك باعتلاقها «2» ، وأقام على ميثاقها، ذي المعجزات التي بهرت العقول بائتلاقها، الذي لم ترعه في الله الشدائد على اشتداد وثاقها، وفظاعة مذاقها، حتّى بلغت كلمة الله ما شاءت من انتظامها واتّساقها، والرضا عن آله وصحبه، وعترته وحزبه؛ الفائزين في ميدان الدنيا والدين بخصل «3» سباقها. فإنا كتبناه إليكم- كتب الله لكم شكرا لنعمه، ومعرفة بمواقع كرمه، من حمراء غرناطة- حرسها الله- ولا زائد بفضل الله سبحانه إلا ما أمّن الأرجاء ومهّدها، وأنشأ معالم الإسلام وجدّدها، وأسّس أركان الدين الحنيف وأقام أودها، وأنتم الأولياء الذين نعلم منهم خلوص الأهواء، ونتحقّق ما عندهم من الخلوص والصّفاء. وإلى هذا فقد علمتم ما كانت الحال آلت إليه من ضيقة البلاد والعباد بهذا الطاغية الذي جرى في ميدان الأمل جري الجموح، ودارت عليه خمرة النّخوة والخيلاء مع الغبوق والصّبوح، حتّى طفح بسكر اغتراره، ومحّص المسلمون على يديه بالوقائع التي تجاوز منتهى مقداره، وتوجّهت إلى استئصال الكلمة مطامع أفكاره، ووثق بأنّه [يطفيء] «4» نور الله

بناره، ونازل جبل الفتح فشدّ مخنق حصاره، وأدار أشياعه في البرّ والبحر دور السّوار على أسواره، وانتهز الفرصة بانقطاع الأسباب، وانبهام الأبواب، والأمور التي لم تجر للمسلمين بالعدوتين على مألوف الحساب؛ وتكالب التثليث على التوحيد، وساءت الظّنون في هذا القطر الوحيد، المنقطع بين الأمم الكافرة، والبحور الزاخرة، والمرام البعيد. وإننا صابرنا بالله تيّار سيله، واستضأنا بنور التوكّل عليه في جنح هذا الخطب ودجنّة ليله، ولجأنا إلى من بيده نواصي الخلائق، واعتلقنا من حبله المتين بأوثق العلائق، وفسّحنا مجال الأمل في ذلك الميدان المتضايق؛ وأخلصنا لله مقيل العثار، ومولى أولي الاضطرار، قلوبنا، ورفعنا إليه أمرنا، ووقفنا عليه مطلوبنا، ولم نقصّر ذلك في إبرام العزم واستشعار الحزم، وإمداد الثّغور بأقصى الإمكان، وبعث الجيوش إلى ما يلينا من بلاده على الأحيان؛ فرحم الله انقطاعنا إلى كرمه، حين لجأنا إلى حرمه، فجلا بفضله سبحانه ظلام الشّدّة، ومدّ على الحريم والأطفال ظلال رحمته الممتدّة، وعرّفنا عوارف الصّنع الذي قدم به العهد على طول المدّة، ورماه بجيش من جيوش قدرته أغنى عن إيجاف الرّكاب، واحتشاد الأحزاب، وأظهر فينا قدرة ملكه عند انقطاع الأسباب، واستخلص العباد والبلاد من بين الظّفر والناب؛ فقد كان سدّ المجاز بأساطيله، وكاثر كلمة الحقّ بأباطيله، ورمى الجزيرة الأندلسيّة بشؤبوب شرّه، وصيّرها فريسة بين غربان بحره وعقبان برّه، فلم يخلص إلى المسلمين من إخوانهم مرفقة إلا على الخطر الشديد، والإفلات من يد العدوّ العنيد، مع توفّر العزائم- والحمد لله- على العمل الحميد، والسعي فيما يعود على الدّين بالتأييد. وبينما شفقتنا على جبل الفتح تقيم وتقعد، وكلب الأعداء عليه يبرق ويرعد، واليأس والرجاء خصمان هذا يقرّب وهذا يبعد، إذ طلع علينا البشير بانفراج الأزمة، وحلّ تلك العزمة «1» ، وموت شاة «2» تلك الرّقعة، وإبقاء الله على

تلك البقعة؛ وأنه سبحانه أخذ الطاغية أكمل ما كان اغترارا، وأعظم أنصارا؛ وزلزل أرض عزّه وقد أصابت قرارا؛ وأنّ شهاب سعده أصبح آفلا، وعلم كبره انقلب سافلا؛ وأن من بيده ملكوت السموات والأرض طرقه بحتفه، وأهلكه برغم أنفه؛ وأن محلّته عاجلها التّباب والتّبار «1» ، وعاثت في منازله النار، وتمخّض عن سوء عاقبته الليل والنّهار، وأن حماتها يخربون بيوتهم بأيديهم، وينادي بشتات الشّمل لسان مناديهم، وتلاحق بنا الفرسان من جبل الفتح: المعقل الذي عليه من عناية الله رواق مضروب، والرّباط الذي من حاربه فهو المحروب، فأخبرت بانفراج الضيّق، وارتفاع العائق لها عن الطّريق، وبرء الداء الذي أشرق بالرّيق. وأن النصارى دمّرهم الله جدّت في ارتحالها، وأسرعت بجيفة طاغيتها إلى سوء مآلها، وسمحت [للسّهب] «2» والنّهب والنار بأسلابها وأموالها؛ فبهرنا هذا الصّنع الإلهيّ الذي مهّد الأقطار بعد رجفانها، وأنام العيون بعد سهاد أجفانها، وسألنا الله أن يعيننا على شكر هذه النّعمة التي إن سلّطت عليها قوى البشر فضحتها ورجحتها، أو قيست بالنعم فضلتها؛ ورأينا سرّ اللطائف الخفيّة كيف سريانه في الوجود، وشاهدنا بالعيان أنوار اللطف الإلهيّ والجود، وقلنا إنما هو الفتح الأوّل شفع بثان، وقواعد الدين الحنيف أيّدت من صنع الله ببيان. اللهم لك الحمد على نعمك الباطنة والظاهرة، ومننك الوافرة، أنت وليّنا في الدنيا والآخرة؛ وأمرنا للحين فقلّدت لبّات «3» المنابر بهذا الخبر، وجلّيت في جماعات المسلمين وجوه هذا الفتح الرائق بالغرر؛ وعجّلنا تعريفكم به ساعة

الأسلوب الثالث (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «أما بعد» )

استجلائه، وتحقّق أنبائه، لتسحبوا له أثواب الجذل ضافية، وتردوا به موارد الأمل صافية؛ فإنما هو ستر الله شمل أنفسكم وحريمكم، وأمانه كفل ظاعنكم ومقيمكم، فقرّطوا به الآذان [وبشّروا به الإقامة والأذان] «1» وتملّوا بالعيش في ظلّه، وواظبوا حمد الله وليّ الحمد وأهله، وانشروا فوق أعواد المنابر من خطابه راية ميمونة الطائر، واجعلوا هذه البشارة سجلّا في فرقان البشائر؛ فشكر الله سبحانه يستدعي المزيد من نعمه، ويضمن اتّصال كرمه، وعرّفوا بذلك من يليكم من الرعيّة ليأخذ مثل أخذكم، ويلحظ هذا الأمر بمثل لحظكم، فحقيق عليكم أن تشيدوا بهذا الخبر في الحاضر والباد، وتجعلوا يوم عاشوراء الذي تجلّى فيه هذا الصّنع ثالث الأعياد، والله سبحانه يجعله للمسرّات عنوانا ويطلع علينا وعليكم وجوه صنعه غرّا حسانا، والسلام الكريم يخصّكم ورحمة الله وبركاته. الأسلوب الثالث (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «أما بعد» ) والرسم فيه أن يقال أما بعد حمد الله، أو أما بعد فالحمد لله، ويؤتى بخطبة. ثم يقال: فإنا كتبناه إليكم من موضع كذا كتب الله لكم كذا وكذا؛ ثم يتخلّص إلى المقصود ويؤتى عليه إلى آخره، ويختم بالدعاء ثم بالسلام. كما كتب ابن الخطيب عن ابن الأحمر من الأندلس. أما بعد حمد الله محسن العواقب، ومخلّد المناقب، ومعلي المراقي في درج عليّة المراقب، ومسخّر النجم الثاقب، في الغسق الواقب «2» ، والكفيل بالحسنى للمتوكّل عليه المراقب، ناسخ التمحيص، بالعناية والتخصيص، لتظهر حكمة المثيب والمعاقب. والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الماحي الحاشر العاقب، ذي القدر المسامي للزّهر المصاقب.

والرضا عن آله الذين كانوا في سماء ملّته لهداية أمته كالشّهب الثّواقب، فإنا كتبناه إليكم- كتب الله لكم توالي المواهب، ووضوح المذاهب، ووقوف الدهر لديكم موقف الثائب من القدح النائب، ووالى لديكم مفاتحة الكتب المهنّئة بفتوح الكتائب- من حمراء غرناطة- حرسها الله- وفضل الله بتعرّف صنعه لكم هامي السّحائب، وكفيل بنيل الرغائب؛ والسرور بما سناه الله لكم من استقامة أحوالكم شأن الشاهد والغائب، والرائح والآئب. والحمد لله على ما توالى من الألطاف والعجائب. وقد وصل كتابكم الذي أكّد السّرور وأصّله، وأجمل مقتضى البشرى وفصّله، ونظّم خبر الفتح ووصّله، وراش سهم السّعادة والسّداد والعناية والإمداد، ونصّله «1» ، وأحرز حظّ السعادة وحصّله، تعرفون ما أتاح لكم اللطيف الخبير، والوليّ النصير، من الصّنع الذي اتّسق نظامه، والنصر الذي سنّت في أمّ الكتاب أحكامه، والعز الذي خفقت أعلامه، والتوفيق الذي قرطست الغرض «2» سهامه، وأنكم من بعد الكائنة التي راش «3» لطف الله بها وجبر، وأحسن الخير وأدال الخبر، وجعل العاقبة الحسنى لمن صبر، جهزتم الجيوش المختارة، والعساكر الجرّارة، يقودها الخلصان من الوزراء، وتتقدّم رايتها ميامن الآراء، فكتب الله ثبات أقدامها، وتولّى نصر أعلامها؛ ولم يكن إلا أن حمي وطيس النّزال، ورجفت الأرض لهول الزّلزال، وتعوطيت كؤوس الآجال، في ضنك المجال؛ ودجا القتام «4» ، وتوهّم مع فضل الله الاغتنام، وعبس الوجه العبّاس وضحك النّصل البسّام، وأورد الخيل موارد الطّعان الإقدام، فكان لحزبكم الظهور الذي حكّم المهنّدة في الرّقاب، والسّمر الطّوال في الثّغر ثم في الأعقاب، وبشّرت برؤية هلال الفتح عيون الارتقاب، وحطّ عن

الطرف الثاني عشر (في الكتب الصادرة عن وزراء الخلفاء المنفذين أمور الخلافة اللاحقين بشأو الملوك، وفيه جملتان)

وجه الصنع الجميل ما ران من النّقاب، وأن من بغى عليكم حسب ما قرّرتم، وعلى نحو ما أجملتم وفسّرتم، من شيوخ الغرب المجلبة، ووجوه الخدم المنتمية إلى حسن العهد المنتسبة؛ تحصّل في حكم استرقاقكم، وتحت شدّ وثاقكم؛ وربما أسفر المكروه عن المحبوب، وانجلى المرهوب عن المرغوب، والله مقلّب القلوب؛ وشيمتكم في ائتلاف النافر، والأخذ من فضل العفو بالحظّ الوافر، كفيل لكم بالصّنع السافر؛ والله يحملكم على ما فيه رضاه، ويخير لكم فيما قضاه؛ فسررنا بما اتّصل لكم من الصّنع واطّرد، ورحّبنا بهذا الوارد الكريم الذي ورد، وشكرنا فضلكم في التعريف بخبره المودود، والشرح لمقامه المحمود؛ وكتبنا نهنّئكم به هناء مشفوعا، وبالدعاء لكم متبوعا، والله يطلع من توالي مسرّتكم على ما يبسط الآمال وينجح الأعمال، ويفسح في السد المجال. والذي عندنا من ودّكم أعظم من استيفائه بالمقال، أو نهوض اليراع بوظائفه الثّقال؛ يعلم ذلك عالم الخفيّات، والمجازي بالنّيّات، سبحانه. والله يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الطّرف الثاني عشر (في الكتب الصادرة عن وزراء الخلفاء المنفّذين أمور الخلافة اللاحقين بشأو الملوك، وفيه جملتان) الجملة الأولى (في الكتب الصادرة عن وزراء خلفاء بني العبّاس ببغداد ووزراء ملوكها يومئذ) أما وزراء إقطاعاتها، فقد ذكر أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتّاب» «1»

أن المكاتبة من الوزير إلى الخليفة في زمانه كانت: «أطال الله بقاء أمير المؤمنين وأعزّه وأيّده وأتمّ نعمته عليه، وأدام كرامته له» . قال ابن حاجب النعمان «1» في «ذخيرة الكتاب» : وإن كانت المكاتبة من الوزير إلى من دونه فدعاؤه له: «أطال الله بقاءك وأدام تأييدك وتمهيدك وكرامتك» . ودونه «أطال الله بقاءك وأدام عزّك وحراستك» . قال: وعلى مقدار المكاتب يكون الدعاء. وأقسامه كثيرة. ثم ذكر الأدعية العامّة بعد ذلك على الترتيب فقال: إن أعلاها يومئذ «أطال الله بقاءه وأدام تمكينه ورفعته وبسطته وعلوّه وسمّوه، وكبت أعداءه وحسدته» . ودونه «أطال الله بقاءه، وأدام تمكينه وارتقاه، ورفعته وسناه، وتمهيده وكبت أعداه» . ودونه «أطال الله بقاه وأدام تأييده ونعماه وكبت أعداه» . ودونه «أطال الله بقاه وأدام تأييده وحرس حوباه» «2» ودونه «أطال الله بقاه، وأدام تأييده ونعماه» . ودونه «أطال الله بقاءه وأدام نعماءه» . ودونه «أطال الله بقاءه وأدام عزّه» . ودونه «أطال الله بقاءه وأدام توفيقه وتسديده» . ودونه «أطال الله بقاءه وأدام سداده وإرشاده» . ودونه «أطال الله بقاءه وأدام حراسته» . ودونه «أدام الله تأييده وتمهيده» . ودونه «أدام الله توفيقه وتسديده» . ودونه «أدام الله عزّه وسناه» . ودونه «أدام الله عزّه» . ودونه «أدام الله حراسته» . ودونه «أدام الله كرامته» . ودونه «أدام الله سلامته» . ودونه «أدام الله رعايته» . ودونه «أدام الله كفايته» . ودونه «أبقاه الله» . ودونه «حفظه الله» ودونه «أعزّه الله» . ودونه «أيده الله» . ودونه «حرسه الله» . ودونه «أكرمه الله» ودونه «وفّقه الله» . ودونه «سلّمه الله» . ودونه «رعاه الله» . ودونه «عافاه الله» .

الأسلوب الأول (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «كتابي» )

ثم المكاتبات الصادرة عنهم على أسلوبين: الأسلوب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «كتابي» ) والرسم فيه أن يقال كتابي- أطال الله بقاء سيدي، أو بقاء مولانا- والأمر على كذا وكذا، ومولانا أمير المؤمنين، أو والجانب الأشرف ونحو ذلك على حال كذا؛ ثم يتخلّص إلى المقصد بعد ذلك بما يقتضيه المقام ويختم بقوله ورأي حضرة سيدنا أعلى. كما كتب بعض الكتّاب عن الوزير قوام الدين بن صدقة «1» إلى بعض وزراء ملوك زمانه في معنى أمير مكة المشرّفة، وما كان بينه وبين أمير الحاجّ في بعض السّنين ما صورته: كتابي- أطال الله بقاء حضرة سيدنا- ومواهب الله سبحانه في أمر مولانا أمير المؤمنين جارية على الإرادة، مقابلة بالشكر المؤذن لها بالدوام والزّيادة؛ والحمد لله ربّ العالمين. وقد تتابعت المكاتبات في أمر النّوبة «2» المكيّة تتابعا علمه السامي به محيط، والعذر في الإضجار بها مع إنعام النظر بسببها مبسوط؛ وبعد ما صدر آنفا في المعنى المذكور وصل كتاب زعيم مكّة بما نفذ على جهته ليعلم منه ومما لا ريب أنه أصدره إلى الدّيوان العالي السلطاني- أعلاه الله- حقائق الأحوال بغير شكّ: أنه قد اتضح تفريط من فرط «3» في هذه النوبة وعجل، وتحقّق

المثل السائر «ربّ واثق خجل» وأسباب ثمرة الهوى الذي ما زال يجمح براكبه، ويريه سوء عواقبه؛ وعلم أنه لم يخط فيما شرع فيه، واستمرّت على الخطأ أواخره ومباديه، إلا بوعد أخلف، ومال أتلف؛ وخطر ارتكب، وصواب تنكّب، وحزم أضيع، وهوّى أطيع، حتّى كان قصاراه، دفع اللائمة عنه، فإنه أوصل الحجيج إلى مقصودهم وأعادهم، وأحسن التواصل حتّى أدركوا من أداء الفريضة مرادهم؛ وهل اعترض دون هذا الأمر مانع، أو كان عنه دافع؟ لولا ما صوّره من الأسباب التي أفسد بها الأمور، وأوغر بمكانها الصّدور، وكفل بعد ما قرّره من ذلك ومهّده، ما عكسه سفه الرأي عليه، وأبعده العجز عن الوصول إليه؛ وأيّ عذر في هذا المقام يستمع؟ أم أيّ لائمة عنه تندفع؟ وقد جرت الحال على ما علم، وتحدّث بانخراق حجاب الهيبة كلّ لسان ناطق وفم، ووقع الاتفاق من كافّة الحاجّ على أن تمسّك نائب مكة بطلب الرّضا، وتكفيل خصمه باستدراك ما تلف من التفريط في معايشه ومضى، ونظره في العاقبة التي ينظر فيها ذوو الألباب، وعمله بما أصدره الديوان العزيز من مكاتبة أمر فيها بالطاعة وخطاب؛ وهو الذي لأم النوبة وشعبها، وسهّل عسيرها ومستصعبها؛ ولو افتقرت إلى سعي أمير الحاجّ واجتهاده وإبراقه بعسكره وإرعاده، لكان الحجّ ممتنعا والخطر العظيم متوقّعا، ولم يحصل الوفد إلا على التغرير بالنفوس، والجود منها بكل مضنون به منفوس؛ ثم عرب الطريق الذي ما زال أمير الحاجّ في حقّهم خاطبا، ولإكرامهم بالقول المتكرّر طالبا، وجاعلا ما لعله يتأخّر من رسم أحدهم من دواعي الخطر في سلوك [الطريق] «1» المردية، وموجبات الفساد في المناهل والأدوية، يتلو من النّهب والاجتياح، والأذى العائد على فاعله بالاقتراف العظيم الوزر والاجتراح، بما يؤلم شجاعة القلوب ويحرّقها، ويبكي العيون ويؤرّقها؛ ولقد انتهى أن العسكر المنفّذ أمامه كان يتنقّل في هضاب البرّيّة وغيطانها، وينقّب عن منازل العرب وأوطانها، فيستقري أحياءهم حيّا فحيّا، ويتخلّل الفجاج فجّا ففجّا، فإذا شارفوا قبيلة منهم طلب النجاة منهم بالحشاشات «2» رجالها، وأسلمت إليهم نساؤها وأطفالها

وأموالها؛ فيتحكّمون في ذلك تحكّم من استحلّ موقفه في إباحة محارم الله ومقامه، وأمن مكره الحائق بالظالمين وانتقامه؛ ويستبيحون حريم كلّ بريء غافل لم يقارف ذنبا، وطائع لا يستحقّ غارة ولا نهبا؛ فأين كان [من] «1» النظر عند هذا الفعل في حفظ عرب الطريق؟ وكيف عزب عنه في هذا الرأي منهج التوفيق؟ وهل تتصوّر الثّقة بكل قبائل العرب عن إفساد الآبار والمصانع؟ والعبث بكل مستطاع في المناهل والمشارع، خاصّة إذا علموا أن الذي ظلمهم، واباح حرمهم، هو السالك للطريق آنفا، والمتمكّن فيهم من معاودة الأذى الذي أضحى كلّ به عارفا، واستدراك الفارط في هذا الأمر المهمّ متعين، ووجه الرأي فيه واضح متبيّن، والإشارة في كتاب زعيم مكة، إلى ما جرى من المعاهدة واستقرّت القاعدة عليه [من] «2» إعادة ارتفاعه المأخوذ ورسومه على التمام والكمال إليه، أدلّ الأدلّة على بعد النوبة من الالتئام، ودخول الخلل عليها وانحلال النّظام، وتعذّر الحجّ في المستقبل. على أن من أفسدها، لم يتأمّل لنفسه طريق الصّدر حين أوردها؛ والألمعيّة السامية المعزّيّة حرس الله عزّها اللامحة ببديهتها العواقب، المستشفعة سرائرها بالرأي الثاقب، أهدى إلى تدبيرها بما يستدرك الفارط «3» ، ويتلافى غلط الغالط، ويعيد الأحوال إلى جدد «4» الصلاح وسننه، ويجريها على أجمل قانون مألوف وأحسنه، وما أولاه بالتقديم في هذا المهمّ الذي لا أحق منه بالاهتمام والجدّ الصادق التام، بما تطمئنّ به النفوس إلى صلاحه وانتظامه، وارتفاع كلّ مخشيّ من الخلل الداخل عليه وانحسامه، والإعلام في الجواب بما يقع السكون إلى معرفته، ويحصل الأنس والشكر في مقابلته؛ ورأي حضرة سيدنا أعلى إن شاء الله تعالى.

الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بلفظ الإصدار)

الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بلفظ الإصدار) مثل أن يقال: أصدرت هذه المكاتبة، أو هذه الجملة، والأمر على كذا وكذا، بعد أن يدعى للمكتوب إليه بعد لفظ الإصدار، ثم يتخلّص إلى المقصود بما يليق بالمقام، ويؤتى على القصد إلى آخره، ويختم بقوله: ورأي حضرة سيدنا أعلى. كما كتب عن الوزير قوام الدين بن صدقة أيضا إلى ملك سمرقند جوابا عن كتاب وصل منه إليه: أصدرت هذه الجملة «1» - أطال الله بقاء حضرة مولانا- ومواهب الله سبحانه في الجناب الأشرف- لا زالت مطالع سعوده منيرة، وأعواد علائه مورقة نضيرة- آهلة الرّبوع، عذبة الينبوع، قارّة لا يظعن ركبها، دارّة لا يعز حلبها «2» ؛ والحمد لله رب العالمين. ووصل كتابه، أدام الله علوّه، الصادر على يد الشيخ الأجلّ العالم أبي الحسن بن علبك ووقفت عليه وعرفت فحواه، وتضاعف الشكر لله سبحانه بما حواه، من اطّراد الأمور واتّساقها، وطلوع شمس النّجح في سماء مباغية وإشراقها، وأحدث ابتهاجا بوروده متوفّرا، واغتباطا بما أولاه جلّت آلاؤه من صنعه الذي أصبح ذنب الأيّام معه مغتفرا، وعرضت خدمته المقترنة به على مجالس العرض الشريفة قدّسها الله مشفوعة بذكر ما لبيته الكريم وسلفه الزاكى الأرومة من المآثر التي أضحى بها في الفخر علما، وعلى ناصية المجد محتويا محتكما، في ضمن إيضاح المحاسن التي أصبح أيّد الله سموّه بها منفردا، ولنجاد المحامد بحسبها مقلّدا، والمواقف في الطاعة الإمامية التي أصبحت غرّة في جبهة الزمان،

ولم يسع في مثلها لغيره قدمان، وانتهت في تمكين القواعد وتوطيدها، وتأكيد الأحوال وتمهيدها، والتجرّد في تحصيل الأرب، وتيسير المطلب، إلى ما يوجبه الودّ المحصف «1» الأمراس، والمصافاة الخالصة من الشوائب والأدناس؛ فآنست في مقابلة ذلك من الالتفات إلى ما أوردته مما يبيّن عن لطف مكاتبته بالموقف الأشرف ويعرب، ويصفو مورد الفخار بمثله ويعذب، وجدّد من التشريف والزيادة فيه ما يؤفي على الذي تقدّمه قدرا، ويجلّ طوقه عن أن يرضى عمرا، وشفع ذلك بتنفيذ التشريفات لولده أيّد الله علوّه والمطيفين بحضرته، واللائذين بحوزته، وابتدائهم بالإحسان والإنعام، والتّكرمة الموفية على المرام، إكبارا لشأنه، وإبانة عن محلّه من الآراء الشريفة ومكانه، وإيثارا لإعظام أمره، وإعلاء قدره، ليعلم- أيد الله علوّه- مكان التجرّد في هذه الحال، وصدق السعي الذي افترّت ثغوره عن نجح الآمال، وأرجو أن يصادف حسن المقام في ذلك عنده موقعه، ويلقى لديه اعترافا يوافق مرآه مسمعه. فأما الإشارة إلى المشار إليه في التوزّع لتلك الهنات الجارية، التي ما زالت الأيام بمثلها جائية، والاستبشار بزوال ما عرض واضمحلاله، وعود الرأي الأشرف إلى أكمل أحواله، وقد عرفها بمزيد الاعتداد والشكر قائلها، ولم يكن الذي جرى مما يشعّب فكرا، أو يتوزّع سرّا، فإن الاعتداد الأشرف كان بحمد الله محفوظا، والاجتهاد في الخدمة بعين الاعتراف والرضا ملحوظا، لم تحله حال متجدّده، ولا رتعت الحوادث مورده؛ وما زالت ثغور الأيّام في كل وقت عن الزيادة باسمه، وسحبه بنجح اشتطاط «2» الآمال ساجمه، والمندوب لتحمّل المثال وما يقترن به من التشريف فلان، وهو من أعيان العلماء، ومن له في ميدان السبق شأو القرناء؛ وله في الدار العزيزة مجّدها الله الخدمة الوافية، والمكانة الوافرة، وما زالت مذاهبه في خدمه حميدة، ومقاصده على تقلّب الحالات مرضيّة سديدة؛

الجملة الثانية (في الكتب الصادرة عن وزراء خلفاء الفاطميين بالديار المصرية)

وجدير بتلك الألمعيّة الثاقبة أن تتلقّى ما يورده بالإصغاء، وتقابل النّعم المسداة إليه بالشكر الماطر الأنواء، وتوقظ ناظر اهتمامه للنّهوض بأعباء الخدمة الإماميّة، وحيازة المراضي المكرّمة النبويّة، وتمهي «1» عزيمتها فيما يكون بالإحماد الأشرف محظيا، ولأمثال هذا العرف المصنوع مستدعيا، ولرأي حضرة سيدنا في ذلك علوّ رأي إن شاء الله تعالى. الجملة الثانية (في الكتب الصادرة عن وزراء خلفاء الفاطميين بالديار المصرية) فقد ذكر عليّ بن خلف من كتّاب دولتهم في كتابه «موادّ البيان» «2» أنه إذا كانت المكاتبة من الوزير إلى من دونه، تكون بغير تصدير؛ إلا أن الخطاب فيها يجب أن يبنى على أقدار المخاطبين في مراتبهم في الدولة، ولم يزد على ذلك. والذي وقفت عليه منه أسلوب واحد: وهو أن يفتتح الكتاب بلفظ «كتابنا والأمر على كذا» ويتعرّض فيه لذكر حال الخلافة والخليفة، ثم يتخلّص إلى المقصود بما يقتضيه الحال، ويؤتى عليه إلى آخره، ويختم بالدعاء. كما كتب القاضي الفاضل عن بعض وزراء العاضد: آخر خلفائهم إلى بعض الملوك ما صورته: كتابنا- أطال الله بقاء الملك- عن مودّة ظاهرة الأسباب، متظاهرة الأنساب، ضافية جلباب الشّباب، وعوائد عوارف لا يتنكّر معروفها، ووفود فوائد لا يتصدّع تأليفها، ومساعي مساعد لا ينقص معروفها ولا ينفض مسوفها «3» ؛

وسعادة بالخلافة التي عدق «1» إليه أمرها وأوضح سرّها، وملأ سرائرها وسريرها، وأطلع شمسها وقمرها. بمولانا وسيدنا أمير المؤمنين تتوالى ميامنها، وتتلألأ محاسنها، وتشرف درجاتها، وتتضاعف سعادتها؛ والكلمة قائمة على أصولها، وأمور الخلق جارية على ما هو لها، ونظام الإسلام بسياستها لا يهي، وسياقة الدوام في سعادتها لا تنتهي، والله الموزع شكر هذه المنن، المسؤول في الإنهاض لما نهضت فيه النيّة وقصرت عنه المنن؛ ولم نزل- أدام الله إقبال الملك المعظم- معظّمين لأمره، عارفين نبل قدره وجليل فخره، مشيدين بجميل ذكره وجزيل نصره، معيدين لما تتهادى الألسن من مستطاب نشره، قارئين من صفحات الأيام ما أمدّها به من بشره، غير مستيمنين لذكر اسمه الكريم إلا بصيامه وشكره، موردين مما هو يبلغه من بارع ضرائبه بالمقامات الشريفة من آثار سلفه ومآثرهم، ومأثور مكارمهم ومفاخرهم، واستناد المكرمات إلى أوّلهم وآخرهم، ومشهور ذبّهم عن الملّة ودفاعهم عن أهل القبلة، وسدادهم في الأمور، وسدادهم الثّغور، وسيادتهم الجمهور، وإستقلالهم بالمشقّات المتقدّمة، وإخمادهم نيران الخطوب المضطرمة، وكفّهم سيول السيوف العرمة، وموالاتهم أمور الدولة العلويّة التي اشتهر بها منهم الأكابر، وورثها كابر عن كابر، وحافظوا منها على سيرة معروف لا ينسخ، وعقد صفاء لا يفسخ، وسريرة صدق تستقرّ في الضمائر وترسخ، وتتوضّح بها غرّة في جباه السبق وتشدخ «2» ؛ وتستهدي عند إيراد هذا الذّكر العطر، والثناء المشتهر، من الدعوات الشريفة العاضديّة المعضودة بالنّجح، المتوضّحة عن مثل فلق الصّبح، ما يتهلّل لمساعيه بالميامن المستهلّة، ولمراميه بالإصابة المتصلة، بينه وبين هذه الدولة العالية، والخلافة الحالية، بكتاب منه نهجنا فيه طريقها اللاحب «3» ، واستدعينا به إجابته التي تتلقّى بالمراحب؛ وأعلمناه أنّ تمادى الأيام

دون المراسلة وتطاولها، وتنقّل الأحوال والدّول وتناقلها، لا يزيد مودّته إلّا استحكام معاقد، وانتظام عقائد، ووفاء مواعد، وصفاء موارد؛ وأنه لا تباعد بين القلوب بغرض المرمى المتباعد، ولا تفرّق المسافات القواصي ما بين النّيات القواصد. فلما تأخرت الإجابة، تقدّمت الاسترابة، وتناجت الظنون المعتلجة، وتراجعت الآراء المختلجة، بأن الرسول عاقته دون المقصد عوائق، وتقسّمته من الأحداث دون الطريق طرائق؛ فلم ترد المكاتبة إلى جنابه، ولا أسعد السعى بطروق جنابه، الذي تنال السعادة وتجنى به، وإلا فلو أنه أمّ له، بلغ ما أمّله، ولو وصله، لأجاب عما أوصله؛ لأن مكارم خلائقه تبعث على التبرّع بالمسنون فكيف بقضاء المفروض، وشرائف طرائقه تأبى للحقوق الواجبة أن تقف لديه وقف المطّرح المرفوض. فجدّدنا هذه المكاتبة مشتملة على ذلك المراد، وفاوضناه بما يعيره الإصغاء، ويجنّبه الإلغاء، ويحسن له الإنصات، ولا يحتاج فيه إلى الوصات «1» ورسمنا أن يكتمه حتّى من لسانه، وأن يطويه حتّى عن جنانه، وأن يتمسك بالأمر النبويّ في استعانته على أمره بكتمانه؛ فمن حسن الحزم سوء الظن، وهل لأرباب الأسرار فرج إلا ما دامت في السجن، وقد استلزمنا المرتهن لما استعظمنا الرهن، وفوّضنا إلى من لا يعترينا فيه الوهم ولا منه الوهن؛ ونحن تحبّبنا بما يعلم به حسن موقع رسالة الاسترسال، وبما يبيّن به عن دلالة الإدلال، وبما يرحّب بمودّته مجال الجمال؛ والله سبحانه يؤيّد الملك بنصر تستخدم له الأقدار، وسعادة لا تتصرّف في تصريفها أحكام الفلك المدار، وإقبال يقابل آراءه وآدابه في فاتحة الورد وعاقبة الإصدار، وعزّ لا يزال منه متوقّلا «2» في درجات الاقتدار إن شاء الله تعالى.

الطرف الثالث عشر (في المكاتبات الصادرة عن الأتباع، إلى الملوك ومن في معناهم؛ وفيه ثلاث جمل)

الطرف الثالث عشر (في المكاتبات الصادرة عن الأتباع، إلى الملوك ومن في معناهم؛ وفيه ثلاث جمل) الجملة الأولى (في المكاتبات الصادرة عن أتباع ملوك الشرق إليهم في الزمن المتقدّم، وهي على أسلوبين) الأسلوب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة بلفظ: «كتابي» ) ويدعى للمكتوب «1» ........... كذا وكذا، ويتخلّص إلى المقصود بما تقتضيه الحال، ويخاطب السلطان في أثناء الكتاب بمولانا أو بمولانا الملك، ويعبّر المكتوب عنه عن نفسه بتاء المتكلم ولفظ الإفراد، ويختم بقوله: فإن رأى أن يفعل كذا فعل إن شاء الله تعالى. ويدعى للمكتوب إليه بطول البقاء مع التعرّض لذكر الخليفة في أثناء الكتاب. وهذه نسخة كتاب من هذا الأسلوب، كتب به أبو إسحاق الصابي «2» عن أبي الفضل الشّيرازي: أحد نوّاب بني بويه إلى عضد الدولة بن بويه «3» ، في جواب

كتاب وصل منه إليه، يخبره بفتح خراسان وطاعة صاحبها، وهو: كتابي- أطال الله بقاء مولانا- والأمور التي أخدم فيها جارية على السّداد، مستمرّة على الاطراد؛ والنّعم في ذلك خليفة بالتّمام، مؤذنة بالدّوام. والحمد لله حقّ حمده، وهو المسؤول إطالة بقاء موالينا الأمراء، وحراسة ما خوّلهم من العز والعلاء؛ وأن لا يخليهم من صلاح الشان، وسموّ السلطان؛ وظهور الوليّ، وثبور «1» العدوّ. ووصل كتاب مولانا [الأمير أطال الله بقاءه] «2» الصادر من معسكره المنصور بكازرين «3» ، بتاريخ كذا، مخبرا بشمول السلامة، مبشّرا بعموم الاستقامة، موجبا لشكر ما منح الله من فضله وأعطى، مقتضيا [نشر] «4» ما أسبغ من طوله وأضفى، مشروحا فيه الحال فيما كان يجري من الخلاف بين مولانا الأمير السيد «ركن الدولة» وبين ولاة خراسان، وجهاده إيّاهم في حياطة الدّين، وحماية حريم المسلمين، والدعاء إلى رضا رب العالمين، وطاعة مولانا أمير المؤمنين؛ وتذمّمه مع ذلك من دماء كانت باتّصال الحروب تسفك، وحرمات باستمرار الوقائع تنتهك، وثغور تهمل بعد أن كانت ملحوظة، وحقوق تضاع بعد أن كانت محفوظة؛ وأنه لما جدّدت العزيمة على قصد جرجان ومنازعة ظهير الدولة أبي منصور بن وشمكير مولى أمير المؤمنين [على تلك الأعمال، ودفعه عما ولاه أمير المؤمنين] «5» بوسيلة موالينا الأمراء أدام الله تمكينهم منها ومنازعته ومجاذبته فيها، نهض مولانا [الأمير الجليل عضد الدولة] «6» إلى كرمان على اتفاق كان بين مولانا الأمير السيد ركن الدولة وبينه في التوجّه إلى حدود خراسان، فحين عرف

القوم الجدّ في ردّهم، والتجريد في صدّهم، وأنه لا مطمع لهم في جنبة «1» إلى طاعة أمير المؤمنين انتسابها، وبذمام سادتنا الأمراء اعتصامها، اتّعظوا واتّزعوا، وعرّجوا ورجعوا سالكين أقصد مسالكهم، منتهجين أرشد مناهجهم، معتمدين أعود الأمور على المسلمين عموما وعليهم خصوصا باجتماع الشّمل، واتّصال الحبل، وأمن السّرب، وعذوبة الشّرب، وسكون الدّهماء، وشمول النّعماء؛ فخطبوا الصّلح والوصلة، وجنحوا إلى طلب السّلم والألفة؛ وأن مولانا [الأمير عضد الدولة] «2» آثر الأحسن واختار الأجمل: فأجاب إلى المرغوب فيه إليه، وتوسّط ما بين الأمير السيد ركن الدولة وبين تلك الجنبة فيه، وتكفّل بتقريره وتمهيده، وتحقّق بتوطيده وتشييده، وأخرج أبا الحسن عابد بن عليّ إلى خراسان حتّى أحكم ذلك وأبرمه، وأمضاه وتمّمه، بمجمع من الشيوخ والصّلحاء، ومشهد من القضاة والفقهاء؛ وأنّ صاحب خراسان عاد على يد مولانا [الأمير عضد الدولة] «3» إلى طاعة مولانا أمير المؤمنين ومشايعته، والإمساك بعلائق ولائه وعصمته؛ وصار وليّا بعد العداوة، وصديقا بعد الوحشة، ومصافيا بعد العناد، ومخالطا بعد الانفراد، وفهمته. وتأمّلت- أيد الله مولانا- ما في ذلك من ضروب النعم المتشعّبة، وصنوف المنح المتفرّعة، العائدة على الملك بالجمال، وعلى الرعيّة بصلاح الحال؛ الداعية إلى الائتلاف والاتفاق، المزيلة للخلاف والشّقاق؛ فوجدت النفع بها عظيما، والحظّ فيها جسيما، وحمدت الله حقّ حمده عليها، وشكرته أن أجراها على يد أولى الناس بها، وأحقّهم بالمكارم أجمعها، وأن قرّب الله بيمنه [ما كان بعيدا معضلا، ويسّر ببركته] «4» ما كان ممتنعا مشكلا؟ فأصلح ذات البين بعد فسادها، وأخمد نيران الفتن بعد تلهّبها واتّقادها، ووافق ما بين نيّات القلوب، وطابق بين نخائل «5» الصدور، وتحنّت الضلوع بنجح سعيه على

الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بالإصدار)

التّألف، وانضمّت الجوانح بميمون رأيه على التعاطف؛ وحصل له في ذلك من جزيل الأجر، وجميل الذكر؛ وجليل الفخر، وأريج النّشر، ما لا تزال الرّواة تدرسه، والتواريخ تحرسه، والقرون تتوارثه، والأزمان تتداوله؛ والخاصّة تتحلّى بفضله، والعامّة تأوي إلى ظله. فالحمد لله كثيرا، والشّكر دائما على هذه الآلاء المتواترة، والعطايا المتناصرة، والمفاخر السامية، والمآثر العالية؛ وإيّاه أسأل أن يعرّف مولانا الملك الخيرة فيما ارتآه وأمضاه، والبركة فيما أولاه وأجراه؛ وأن يهنئه نعمه عنده، ويظاهر مواهبه لديه، ويسهّل عليه أسباب الصلاح، ويفتح أمامه أبواب النجاح، ويعكس إلى طاعته الرقاب الآبية، ويذلل لموافقته النفوس النائية؛ ولا يعدمه وموالينا الأمراء أجمعين المنزلة التي يرى معها ملوك الأرض قاطبة التعلّق بحبلهم أمنا، والإمساك بذمامهم حصنا، والانتماء إلى مخالطتهم عزّا، والاعتزاء إلى مواصلتهم حرزا، إنه جل وعزّ على ذلك قدير، وبإجابة هذا الدعاء جدير. وقد اجتهدت في القيام بحقّ هذه النعمة التي تلزمني، وتأدية فرضها الذي يجب عليّ: من الإشادة بها والإبانة، والإشاعة والإذاعة؛ حتّى اشتهرت في أعماله التي أنا فيها، واستوى خاصّتها وعامّتها في الوقوف عليها، وانشرحت صدور الأولياء معها، وكبت الله الأعداء بها، واعتددت بالنعمة في المطالعة بها والمكاتبة فيها؛ وأضفتها إلى ما سبق من أخواتها وأمثالها، وسلف من أترابها وأشكالها؛ فإن رأى مولانا الأمير الجليل عضد الدولة أن يأمر أعلى الله أمره بإجرائي على أكرم عاداته فيها، واعتمادي بعوارض أمره ونهيه كلّها، فإن وفور حظّي من الإخلاص، يقتضي لي وفور الحظ من الاستخلاص، فعل. ان شاء الله تعالى. الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بالإصدار) مثل: أصدر الخادم أو العبد ونحوه، ويؤتى بالصدر إلى آخره؛ ثم يتخلّص

إلى المقصود بما يقتضيه المقام، ويختم بقوله: وللرأي العالي مزيد العلوّ ونحو ذلك. كما كتب عن بعض وزراء الراشد أو المسترشد إلى السلطان سنجر السّلجوقي «1» ، في حق قطب الدين أبي منصور أزدشير العباديّ: وقد ورد إلى أبواب الخلافة ببغداد رسولا، وكان أبوه وخاله وسلفه من أهل العلم والزّهد، وهو من الفصحاء البلغاء ما صورته: أصدر خادم المجلس العالي هذه الخدمة عن ضمير معمور بالولاء، وإخلاص دواعيه متصلة على الولاء، وعكوف على ما يرجو به حصول المراضي العليّة، والتحقّق لمشايعته الواضحة شواهدها الجليّة، والحمد لله رب العالمين. وبعد، فما زال الجناب العالي السلطانيّ الشاهنشاهيّ الأعظميّ أعلاه الله لكلّ خير منبعا، وحرمه الآمن للفوائد الجمّة مغاثا ومربعا، والسعادة والتوفيق مقرونين بسامي آرائه، مطيفين به من أمامه وورائه؛ في كل رأي يرتئيه، ومقرّب يصطفيه، وامرىء يتخيّره ويقلّده، وأمر يحلّه ويعقده، وصنع جميل يصيب من الاستحقاق موضعه، ويعيد طيب الذكر مجهّزه ومبضعه؛ مناقب تفوت الإحصاء عدّا، وترد من مفاخر الوصف منهلا عذبا وتسير بذكرها الرّفاق غورا ونجدا، وتجاوز غايات المدح علاء ومجدا، وكفى على ذلك دليلا قاطعا، وبرهانا ساطعا؛ ما اقتضته الآراء العلية من التعويل على فلان العبّاديّ في تحمّل الرسالة الأعظميّة التي عدقت «2» منه بالنقيّ الجيب، البريء من العيب، العاري من دنس الشكّ

والرّيب؛ فإن اختياره لهذا الأمر طبّق مفصل الصواب، ولشاكلة «1» رمي الرأي أصاب؛ إذ هو الفذّ في علمه وفضله، السديد في قوله وفعله، البارع في إيجاز الخطاب وفصله، المعرق في الزّهادة والدّيانة المزيّنين لفرعه وأصله. ولما وصل إلى الأبواب العزيزة الإماميّة- ضاعف الله تعالى مجدها- مثل بالخدمة مؤدّيا من فرضها ما يلزم أمثاله من ذوي العقائد الصحيحة، والموالاة المحضة الصريحة؛ وصادف من التّكرمة والإنعام ما يوجبه له محلّه من العلم الذي لا تكدّر الدّلاء بحره، ولا تدرك الأرشية «2» بطولها قعره؛ فهو فيه نسيج وحده، وناسج برده، وناشر علمه، ومستغزر ديمه. وألقى من ذلك ما يقتضيه اختبار أحواله الشاهدة بأنه ممن أصحب في يده قياد الفصاحة الأبيّ، وملّكته زمامها الممتنع على من عداه العصيّ، وجمع له من الفضائل ما أصبح في سواه متفرّقا، وخير له منها ما جعل جفن حاسده لفرط الكمد مؤرّقا، إلى ما زان هذه الخصائص التي تفرّد فيها وبرع، وطال مناكب الأقران وفرع: من الإخلاص الدالّ على تمسّكه بحبل الدّين المتين، واستمراره على جدده الواضح المبين، وفصل عن الأبواب العزيزة فائزا من شرف الإرعاء، ما وفّر الحظوظ والأنصباء؛ حاصلا من حميد الآراء، على أنفس العطاء وأجزل الحباء؛ وقد تمهّد له من الوجاهة والمكانة ما يفخر بمكانه، وتنقطع دون بلوغ شأوه أنفاس أقرانه؛ ورسم- أعلى الله المراسيم الإمامية وأمضاها- مطالعة المجلس العالي السلطانيّ أعلاه الله بهذه الحال، تقريرا لها عند العلم الكريم واستمدادا للطّول والإنعام، باختصاص قطب الدّين بالاحترام؛ الذي هو حقيق بمثله، وخليق أن لا يضحى عن وارف ظله، وما يوعز به من ذلك يصادف من دواعي الاستحقاق أوفاها، ويرد من مناهل الذكر الجميل أعذبها وأصفاها، ويتلقّى من شرف المحامد بألطفها وأحفاها، وللرأي العالي علوّ رأي، إن شاء الله تعالى.

الجملة الثانية (في المكاتبات الصادرة عن أتباع ملوك الديار المصرية إليهم، والمختار منه أسلوبان) الأسلوب الأول (أن تفتتح المكاتبة بالدعاء)

الجملة الثانية (في المكاتبات الصادرة عن أتباع ملوك الديار المصرية إليهم، والمختار منه أسلوبان) الأسلوب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة بالدعاء) مثل أن يدعى بعزّ الأنصار، أو إدامة السلطان، أو تخليده، أو إدامة بسطة السلطان، أو إدامة الأيّام ونحو ذلك. ويخاطب السلطان فيه بمولانا، ويعبّر المكتوب عنه عن نفسه بالمملوك، ويختم بالدعاء. وهي طريقة القاضي الفاضل ومن تلاه من كتاب الدولة الأيوبية بالديار المصرية. قال ابن شيث في «معالم الكتاب» «1» : ولا يقال في مخاطبة السلطان: سيدنا مكان مولانا، وإن كان السيد من الألقاب السلطانيّة، لأنّ لفظ سيدنا مما أصطلح عليه لأكابر المتعمّمين من الفقهاء والقضاة والكتّاب، فاجتنب في حق السلطان كي لا تقع المشاركة بينه وبين غيره في الخطاب. وهذه نسخة كتاب من هذا الأسلوب كتب به إلى الملك العادل أبي بكر بن أيوب «2» في جواب كتاب ورد منه بالبشارة بفتح خلاط «3» وهي: أدام الله سلطان مولانا الملك العادل وزاده من فضله، ومدّ على خلقه وارف ظلّه، وأظهر به دينه على الدّين كلّه، وأوضح إلى مرضاته ما يسلكه من سبله، ولا عدمت يد الإسلام والمسلمين التعلّق بوثيق حبله، وفرّج به الخطط المطبقة، وفتح به البلاد المستغلقة، وأخضع لطاعته الأعناق، وعمّ بفتوحه الآفاق، ودمّر

الكفر بمقامه، وطوى أيّامهم بما ينشره ويديمه من أيامه، وأنزل النصر في مواقف النّزال بما ترفعه راياته من أعلامه. وقف المملوك على ما أنعم به مولانا: من كتاب البشارة التي وصلت إلى كلّ قلب وسمع، وأمّل بها كلّ مسلم كلّ خير ونفع، وعلم ما وراءها من جمع شمل كان عزيز الجمع، وعلم ما يتبعها من عواطف مولانا التي عوّدها منه أكرم طبع، وتحقّق أن الله سبحانه قد قلّد الدين منه سيفا خلقه للوصل وخلق السّيوف للقطع. وبالجملة إن الله سبحانه نظر إلى هذه الملّة بنظر مولانا لها، وكفالته لأهلها، وسياستهم بشرف السجيّة وعدلها، وإن كل ما اختلس الملك الناصر رحمه الله فإن الله يتمّه على يديه، ويجبر به تارة بصفحة وتارة بحدّيه، ويهب له عمرا نوحيّا «1» إلى أن لا يذر على الأرض من الكافرين ديّارا، وإلى أن يورث الإسلام بسيفه منهم أرضا ومالا وديارا؛ وهذه مخايل «2» لا يخلف الله بارقتها؛ بل يردّ إلى جهة الكفر صاعقتها، فما يحسب المملوك أن جانبا يتلوّى على طاعة مولانا ولا ينحرف، ولا أنّ كلمة عليه بعد اليوم تختلف، ولا أنّ ممتنعا بالأمس يكون معه اليوم إلا أن يرضى عنه مولانا وعليه ينعطف. وعلى هذا فالشام الفرنجيّ «3» متأخذ بجناح إلى الأخذ وبقية عمر المؤمن كما قال صلّى الله عليه وسلّم لا ثمن لها، والفرص تمرّ مرّ السحاب، والمستعاذ بالله من حسرات الفوت بعد الإمكان وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ «4» وما يشخص «5» لخطاب الله تعالى بالجهاد إلا مولانا: النية خالصة، والبصيرة ثاقبة، والعزيمة ماضية، والشجاعة منحة من الله له موهوبة، والسماحة خليقة من خلائقه الكريمة موجودة،

الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بيقبل الأرض مصدرا بالمملوك)

والرجال تطأ عقبيه، والملوك تطيع أمره والشّجعان تبذل أنفسهم بين يديه، والعدو يعرف منه خصما طالما خاطبه بلسان السيف منه إليه. وليس كلّ من قدر عليه أراده، وعكّا أقرب من خلاط وأنفع للمسلمين فتحا، وأعظم في الكفّار قدحا؛ فوالله لئن انغلق باب الشام في وجه الكفر، لتنقطعنّ آمال أهل البحر والبرّ؛ وما دام في الشام بقية من الكفر فهو يقبل الزّيادة، وينتظر النّجدة ويؤمّل الاستعادة؛ وما كرر المملوك هذا الحديث جهلا بما يجب في خدمة الملوك من الأدب في أن يتكلّم في القضية إلا من استشير فيها، ولا يجتريء على الكلام إلا إذا كان مجيبا بما يؤمر بالإجابة عنه، ولكن المملوك غلب على الصّحبة، وانقطع عن الخدمة، وعلم أنه لو كان حاضرا لكان مولانا يبسطه ولا يقبضه، ويستشفّ ما عنده ويستعرضه، ويشفّع قلبه في لسانه إذا هفا، ويحمله على صفاء ضميره فيما يقوله فلا يقابل بالتكدير من صفا؛ فقد علم الله أن المملوك يتمنّى للمسلمين أن يردّ عليهم حقّهم، وترجع إليهم بلادهم، وأن تكون هذه الأمنيّة جارية على يد مولانا ومستفادة من عزيمته، ومكتوبة في صحيفته، ومغتنمة فيما يمدّه الله في حياته؛ فإن الأمور فيما بعد ملموحة، ولكن أبواب قدرة الله مفتوحة؛ فالله يجعل منها أن يفتح على مولانا فيه بلاد الساحل، وأن يأخذ للإسلام به أهبة المقيم وللمقيم أهبة الراحل؛ وما يخلط المملوك هذا المهمّ بغيره، طالع به، ولمولانا علوّ الرأي. الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بيقبّل الأرض مصدّرا بالمملوك) وهي من مصطلحات الدولة الأيّوبية أيضا إذا كان المكتوب عنه دون من تقدّم. كما كتب القاضي الفاضل عن نفسه إلى السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» يهنئه بمولود ولد له: المملوك يقبّل الأرض بالمقام العالي الناصريّ نصر الله الإسلام بمقامه، وأهلك أعداء الحقّ بانتقامه، ولا أعدم الأمة المحمدية عقد اعتزائه بكفالتها ومضاء اعتزامه.

الجملة الثالثة (في المكاتبات الصادرة عن أتباع ملوك الغرب إليهم، والمختار منه أربعة أساليب)

يهنّيء المملوك المولى بنعمة الله عنده وعند الإسلام وأهله بمن زاده في ولده، وكثّره في عدده؛ وهو الأمير «أبو سليمان داود» أنشأه الله إنشاء الصالحين، ومنّ الله بكمال خلقه، ووسامة وجهه، وسلامة أعضائه، وتهلّل غرّته، وابتسام أسرّته؛ ودل على أن هذا البيت الكريم فلك الإسلام لا يطلع فيه إلا البدور، كما دلّ على عناية الله بأبيه، فإن الله تعالى قال: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ «1» فطريق المولى هذه قد توالت فيها البشائر، ونصر الله فيها بألطاف أغنت بلطف الخواطر عن قوة العساكر، واشتملت عليه في الغائب من أمره والحاضر وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها «2» وكيف يحصيها المحصي ويحصرها الحاصر، أيحيط ما يفنى بما لا ينفد؟. فالحمد لله الذي جعل كتب المولى إلى أوليائه وكتبهم إليه مبتسمة عن المسارّ، ناطقة بأطيب الأخبار، منكشفة أسرارها عمّا يروّح الأسرار؛ وهذا الولد المبارك هو الموفّى لاثني عشر «3» ولدا، بل اثني عشر نجما متوقّدا. فقد زاد الله في أنجمه عن أنجم يوسف عليه السّلام نجما، ورآهم المولى يقظة ورأى ذلك الأنجم حلما؛ ورآهم ساجدين له ورأينا الخلق له سجودا، وهو سبحانه قادر أن يزيد جدود المولى إلى أن يراهم آباء وجدودا. الجملة الثالثة (في المكاتبات الصادرة عن أتباع ملوك الغرب إليهم، والمختار منه أربعة أساليب) الأسلوب الأول (أن تفتتح المكاتبة بلقب المكتوب إليه) مثل: المقام أو الجناب، وينعت، ثم يقال: مقام فلان، ثم يؤتى بالسلام ثم

بالبعديّة، ويؤتى بخطبة، ويتخلّص إلى المقصد، ويؤتى عليه إلى آخره، ويختم بالدعاء ثم بالسلام. كما كتب ابن البنّاء عن ابن خلاص إلى أمير المسلمين الواثق بالله أبي بكر بن هود، في جواب كتاب ورد عليه منه ما صورته: المقام العليّ، الواثقيّ المعتصميّ، المبارك السامي السّنيّ، معدن الفضل ومقرّه، ومسحب ذيل الفخر ومجرّه، ومناط حمل أمانة المسلمين التي لا يحملها إلا أبلج الشّرف أغرّه، ولا يتقلّد قلادتها إلا تقيّ المنشإ برّه؛ مقام مولانا جمال الملك وبهائه، والباعث في معطفه أريحيّة النجابة وازدهائه، الأمير الأجلّ المعظم، المكبّر الهمام المكرم، المبارك الميمون السعيد، الموفّق الرشيد، المظفّر المؤيّد، المرفّع الممجّد، وليّ العهد، وواسطة عقد المجد، والملبس سرابيل اليمن والسعد، الواثق بالله، المعتصم به، أبي بكر ابن مولانا مجد الإسلام، وجمال الأنام؛ ومجاهد الدّين، سيف أمير المؤمنين، المتوكّل على الله تعالى أمير المسلمين، أبقاه الله واردا من مشارع التأييد أعذبها، متخوّلا من صنع الله الجميل ما يسدّد أبعد الأمة وأقربها؛ ممتدّا مدّ السعادة ما جلت غرّة الفجر حندس «1» الظلماء وغيهبها. عبد بابه الأشرف، ومملوك إحسانه الأسحّ الأذرف، مسترقّه الآوي إلى ظل سلطانه الأمدّ الأورف، الحسن بن أحمد بن خلاص. سلام الله الطيب الكريم وتحيّاته، يعتمد الواثقيّ المعتصميّ ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله الذي له الأمر من قبل ومن بعد، والصلاة على سيدنا محمد نبيّه الذي ترتّبت على اجتنابه الشقاوة ووجب باتباعه السعد، وعلى آله وصحبه الذين ناضلوا عن ديانته حتّى وضح السّنن وبان القصد- والرضا عن خليفته وابن عمّه الإمام العباسيّ أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور المستنصر بالله، وارث شرفه

النبويّ، ومجده الهاشميّ، بخصائصه التي لا تعفّي أنوارها الأبكار «1» ، ولا يطمس آثارها الحجر. وعن مولانا مجد الإسلام، جمال الأنام؛ مجاهد الدّين، سيف أمير المؤمنين، المتوكل على الله تعالى أمير المسلمين؛ ذي العزمات التي لا تغني غناءها الذّبل «2» التي منبتها الخطّ «3» ، ولا القضب «4» التي منشؤها الهند. والدعاء لمقام الثّقة والاعتصام، ومقرّ الإحسان والإنعام، بالنصر الذي يؤازره الظّفر، ويظاهره العضد. فكتبه عبد المقام الواثقيّ المعتصميّ- كتب الله له تأييدا يحفظ على الدين نظامه، وتخليدا يرث ليالي الدّهر وأيامه- من إشبيلية حرسها الله تعالى، وللبركات المتوكّليّات والواثقيّات بها انثيال كما تتابع القطر، وسطوع كما ابتسم في مطالعه الفجر، وتعهّد لا تزال تقرّ به العين وينشرح له الصدر؛ والخدمة اللازمة للمثابة العلية الواثقية المعتصميّة- أعلى الله مكانها، وشيّد بعضده أركانها- فرض لا يسع تأخيره، وحقّ لا يعلق به تفريط المتقلّد له ولا تقصيره، ولازم من اللوازم التي لا يشغل بسواها سرّ المملوك ولا ضميره؛ والله ينجد من ذلكم على ما يتسوّغ به صفو المنّ ونميره «5» . وإن الخطاب الكريم الواثقيّ شرّف الله منازعه، ونوّر بأنوار السعادة مطالعه، ورد على العبد مشيدا بذكره، معليا من قدره، مسميا لرتبة فخره، متضمّنا من واسع الإنعام وغمره ما لو وزّع على العالم لشملهم بأسره، وأغرقهم بفيض يسير من بحره؛ فتناوله المملوك بيمين إجلاله وإعظامه، ووفّى الواجب من

لثمه واستلامه، وألفى به ريّا ناقعا لغليل الشوق المبرّح إلى اجتلاء غرّته الكريمة وأوامه «1» ؛ وجعل يتتبع سطوره، ويستقري فقره وشذوره، فلا يقف من ذلكم كلّه إلا على ما يملأ حوباءه «2» جذلا، ويخوّله الابتهاج غنما ونفلا «3» ؛ ويبوّئه أسنى مراتب التشريف قننا وقللا «4» ؛ وهو على ما حكمت به الأقضية من شحطه عن المثابة الواثقيّة شرّفها الله وشسوعه، وإيواء مغاني أنسه لذلكم ورجوعه؛ لا يجد أنسا إلا ما يتوالى قبله من متعهّد اهتمامها، وتهديه إليه ألسنة أقلامها؛ فكلما وفد عليه من صحائفها المكرّمة وافد، وورد من حضرتها المعظّمة وارد؛ فقد جدّد الزمان عنده يدا غرّا، وأطلع عليه بدرا، وأفاده من الابتهاج ما يعمر الخلد، وينشر نسيم الاستبشار إذا سكن وركد؛ وما ينفكّ على نأي المكان، وبعد الأوطان، يحافظ على رسمه من خدمها، ويؤدّي وظائف الشكر بجسيم منحها وعميم نعمها، ويجعل على نفسه المتملّكة رقيبا من أن يخلّ في سرّ أو جهر بعهد من عهودها أو ذمّة من ذممها؛ ومهما تجدّد صنع يتعين إهداؤه، ويجب قضاء الحق بالدلالة عليه وأداؤه؛ لم يصحبه في المطالعة به توان، ولم يعبر في جلائه أوانا إلى أوان. وقد كان قدّم مطالعاته قبل إلى الباب الواثقيّ شرفه الله باسطا لتفاصيل الأحوال، وشارحا لها على الاستيفاء والكمال؛ ولم يتجدّد بعد ذلك إلا تمكّن الرجاء في فتح لبلة «5» يسّر الله مرامها عن دنوّ بحول الله وقرب، وأنطق لسان الحال بتيسير كلّ عصيّ من محاولاتها وصعب. ولو أنّ مكانا عضّه الدهر من أنياب حوادثه

الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بالحضرة)

الجون «1» بما به عضّها، وفضّ الحصار أقفالها التي فضّها منه ما فضّها، لكان قد ذهب شميسه «2» ، وخفي عن أن يسمع حسيسه؛ لكن أبى الشقاء الغالب على أهلها إلا أن يمدّ عليهم أمد العذاب، ويرخي لهم طول المهلة المشفية بهم كلّ يوم مهاوي الخسار والتّباب، حتّى يبلغ الكتاب فيهم أجله، ويصل إلى الحدّ الذي شاء الله أن يصله؛ فيأخذهم أخذ من عمي عن إدراك الحق بصره وبصيرته، وخبث في معاندته سرّه وسريرته؛ ويرجّى أن الوقت في ذلكم دان بإمكان، والله تعالى يديم للمقام الواثقيّ ما عوّده من توالي السّعود واطّرادها، وإصحاب الآمال وانقيادها؛ وسلام الله الطيب يراوحها ويغاديها، وتحياته، ورحماته الموصولة وبركاته. الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بالحضرة) وتوصف ويدعى لها، ثم يقع التخلّص إلى المقصد، ويختم بالدعاء والسلام. كما كتب أبو المطرّف بن عميرة «3» إلى المتوكل بن هود «4» القائم بالدعوة العباسية بالأندلس عن بعض أتباعه، عند ورود كتابه عليه بخبره بفتح ... ... «5» من الأندلس وقتل الثائر بها، وهو:

الحضرة العلية أبقى الله ظلّ ملكها على العباد، وعرّفها من تأييده وإنجاده أفضل المعتاد، وجعل لها من الملجأ إليه والتوكل عليه أكثر الجموع وأكثف الأعداد، ولا زالت أحاديث نصرها سالمة المتون صحيحة الإسناد، وصحائف فتوحها تجمع صلاح العباد، وتطلع صباح البشائر من ليل المراد؛ عبدها ومملوكها، السالك من الخدمة والنصيحة الطريق التي يجب سلوكها، فلان. وبعد: فكتب العبد- كتب الله للمقام العليّ المجاهديّ المتوكّليّ سعدا يردّ الصّعاب ذللا، ويسدّ من المكاره سبلا؛ وأمدّه بملائكة رسله جاعل الملائكة رسلا- من فلانة وبركاته مروية للظماء وحركاته مسكّنة للدّهماء، وآثاره في يومي سلمه وحربه آثار الأشدّاء على الكفّار والرّحماء؛ والأرض بوضوح محيّاه، وفتوح أسنّته وظباه، تهتزّ أعطافا، وتعتزّ مواسط وأطرافا، وتبرز في أثوابها القشب فيزداد حسنها أضعافا؛ والأيّام بالبشائر التي فضّت ختامها عفوا «1» على قدر، وقضت مسامها صفوا بلا كدر؛ لها أنف الشامخ تيها، ووجه الضاحك المتهلّل إشادة بحالها وتنويها، ودلالة على رحب مجالها وتنبيها. والحمد لله حمد من عرف قدر نعمائه فوفّى حقّ أسمائه تقديسا وتنزيها. وإن الخطاب العليّ الكريم ورد راصفا أجلّ الدّرر، واصفا أجمل الفتوح الغرر، رافلا في حلل الأيد «2» والقهر، رافعا منسأة «3» الحوادث بإحدى حسنات الدهر؛ فيا له من كتاب! أودع بدائع الكلم، وجوامع البيان الملتئم المنتظم؛ لو استمدّ سناءه أوّل الفلقين لم يك كاذبا، ولو أعير محيّاه ثاني الشفقين كان عن ضوء النهار نائبا؛ ذكّر بأيّام الله المشهودة بالملائكة والرّوح، ومدّ باع الكلام في فتح الفتوح؛ وأطال ذيول القول مفتاحا منه

للصّعب الجموح، فكان الغزير الصيّب، والكثير الطيّب؛ والمتّبع إن مضى بقلوب وأسماع، والمضاعف حسنه إن كرّر إلى غير انقطاع. كيف لا؟ وقد بشّر خبره بالمراد في المراد «1» ، وأوقع اليقين بما خرق العادات من الإسعاف والإسعاد، وكان من آحاد الاخبار لا من أخبار الآحاد «2» ؛ ومما اقتصّه ما جرى من أوائل الحركة السعيدة، واعترض من المتاعب الشديدة؛ وأن الشتاء كان في ابتدائه، والغيم ساحب لردائه، ساكب فضل أندائه. والمكاره في طيّها النّعم الجسام، والنفوس الكبار تتعب في مرادها الأجسام؛ ولذلك هانت على المقام العلي- أيده الله- تلك المشاقّ، ورجّى من عمله ونظره ما جنى من ثمرة العاقّ؛ فسار إليه بالجحفل الأحفل، والعزيمة الزعيمة بفضّ المقفل، ورضّ الأعلى والأسفل؛ وقد اعتزّ بأجلّ المدائن شانا، وأوثقها بنيانا، وأبعدها صيتا ومكانا؛ وهي التي أعيت رياضتها كلّ رائض، وسخرت بكلّ قاعد بقنونها «3» رابض؛ وجمع إليها من طرد الآفاق، وأعداد الاجتماع والاتّفاق، أتباع كلّ ناعق، وأشياع كل مارد مارق، فاستحلّوا الدماء، وركبوها مضلّة عمياء، وأدرك كلّ منهم مما شاء للإسلام ما شاء، وعدوّ الله يفتل لهم في الذّروة والغارب «4» ، ويضرب لهم سكّان البلد ضرب الغرائب؛ حتّى أباد خضراءهم، وجعلهم شرّ خلف فيمن وراءهم؛ غير مبال بما احتقب من الجرائر «5» ، واقترف من إباحة الحرائر، فاجترأ مدّة بالجلاء، وازداد إثما بالإملاء؛ وحينئذ سمت إليه عساكر الإسلام، وناولته بالموت الزّؤام، ورأى عيانا ما كان يطير

إليه قلبه لو رآه في المنام؛ وتداولته المطاولة المستدرجة، والعاجلة المزعجة؛ وفي كلّ ذاق عذاب الهون، فأحسّ بقاصمة المتون وقاضية المنون؛ وانقسمت شدّته إلى المهلكين: خوف وإعدام، واستكملت تسعة أشهر وكان الفتح عندها لتمام؛ وإنه للولد الذي هنّيء به الإسلام، وضنّت بمثله الأيام، واستبشر بوجوده الأنام؛ فما أعلى مقامه! وأبهج يومه وأسعد عامه! ولا غرو أن تكون غرّته أبهى الغرر، ومفتتحه مباركا كالبشر؛ وقد أسفر عن أيمن وجه النّجح، وخرج من عموم الأيام بمخصّص هذا الفتح؛ وانتقم الله فيه من الشقيّ الظالم، العظيم الجرأة على ارتكاب المظالم؛ فطاح بموبق أعماله، وعجّل الله به إلى ما أعدّ لأمثاله؛ وكان دمه شرّ دم أريق، وأديمه أخبث أديم لاقى التمزيق. والحمد لله الذي نصر الراية العباسيّة وأعلاها، وأظهر آية عنايته وجلّاها، وأسبغ نعمه الجسيمة ووالاها. وحين ورد هذا النبأ العظيم [كان] أندى من قطر النّدى على الأكباد، وسرى في البلاد سريان الأرواح في الأجساد، وكلفت به الأسماع والأسمار، وسمت به وإليه الأمصار والأبصار؛ واستقرّ من ارتجاع البلد، وانتزاع النفس الذاهبة إلى جري الأبد، حكمان مدركهما الفعل والإقرار، وعملان تمّ بهما المراد والاختيار؛ فرفعت الأدعية إلى سامعها، وغصّت الأندية بحاضري مجامعها؛ وذاع بالبشرى فيا حسن ذائعها وشائعها، وأذعنت الآمال لإدناء نازحها وشاسعها، وأخذ العبد من المسرّة بحظّ أخلص العبيد مشهدا ومغيبا، وأجمعهم لمعالي الجدّ تطنيبا، ولمعاني الثناء والحمد تطييبا، وجدّد من شكر الواهب لجزيل هذه الهبة، والفاتح لأعظم المعاقل الأشبة «1» ما يستغرق المدد، ولا يبلغ الأمد؛ وأنّى [لمثلي] أن يصف البشرى الواصلة، أو ينصف المقالة المتطاولة، ولو حلب أشطر الإحسان «2» ، وجلب أبحر البيان؛ وكيف والفكر قد قعد حصرا، والمدى لا

الأسلوب الثالث (أن تفتتح المكاتبة بأما بعد، ويتخلص إلى المقصد ويختم بما يناسب المقام)

يؤاخذه التقدير قسرا، والقول لا يجيب مطوّلا ولا مختصرا؟ فحسبه دعاء هو له رافع، ولأوقات الخلوات به قاطع، وإلى الله سبحانه في قبوله ضارع؛ والله يجيب في المقام العليّ المتوكليّ أفضل دعاء الخلق، ويضاعف له مع السابقين ثواب السّبق، ويجزيه خير الجزاء عما أزاله من الباطل وأداله من الحق؛ وهو تعالى ينصره يوم الباس، ويعصمه من الناس، ويبقي رفده للاكتساب ونوره للاقتباس، ويعرّفه في كل ما يستنبطه من أصل التوكل صحّة القياس، بمنه والسلام. الأسلوب الثالث (أن تفتتح المكاتبة بأمّا بعد، ويتخلّص إلى المقصد ويختم بما يناسب المقام) كما كتب أبو المطرّف بن عميرة إلى المتوكّل بن هود المقدّم ذكره، عن نفسه، يهنّئه بوصول هديّة الخليفة العباسيّ إليه من بغداد: أما بعد، فكتب العبد- كتب الله للمقام العليّ الناصريّ المتوكّليّ مجدا يحلّ الكواكب، وجدّا يفلّ الكتائب. من شاطبة «1» ، وبركات دعوته السعيدة قد طبّقت البسيطة، وكاثرت البحار المحيطة، وأنجزت للإسلام أفضل مواعده، وجدّدت عهده لأهل بيت النبوّة الرافعة لقواعده، وفسّحت له مجال البشرى، وأطلعت عليه أنوار العناية الكبرى؛ فعاد إلى الوطن، ووجد حال السّهد طعم الوسن، وأورق عوده واتّسقت سعوده، وعاد إلى صحّته بالنظر الإماميّ الذي جاء يعوده. وحين صدور رسول دار السلام، ومثابة أهل الإسلام، ومقعد الجلالة، ومصعد إقرار الرسالة؛ ومعه الكتاب الذي هو غريب، أنس به الدّين الغريب، وبعيد الدار نزل به النصر القريب، وآية بأدلّتها الصادقة لتبطيل الشّبه الآفكة، وسكينة من ربّنا وبقيّة مما ترك آل نبيّنا تحمله الملائكة- اطمأنّت القلوب، وحصل المطلوب، ودرّت أخلاف الإيناس، وارتفع الخلاف بين الناس، وعلموا أن السالك قد أضاءت له المحجّة، والحقّ لا يعدو من بيده الحجّة؛ وأن من أمّرته

الأسلوب الرابع (أن تفتتح المكاتبة بالخطاب بلفظ «سيدي» أو «مولاي» مع حرف النداء أو دونه)

الخلافة العبّاسيّة «فطاعته» تجب قطعا، ومخالفته تحرم شرعا؛ ولم يبق إلا أن يبين للعيان شخصه، ويرد على الآذان نصّه؛ فيكون يومه غرّة الليالي المعتكرات، وعلم الأيام المنكّرات، واليوم الذي به تؤرّخ الأيام المستقبلة، وترفع فيه الأعمال المتقبّلة. وبإقبال الركاب السعيد إلى هذه ينزل به من سماء العلياء محكم وحكمة، ويصل به إلى الأنام فضل من الله ونعمة، ويقتضى دين على الأيام، لا يبقى معه عسرة، ويوجد جبر للإسلام، لا يكون بده كسرة، وشفاء لقلوب الأولياء هو للأعداء حسرة. الأسلوب الرابع (أن تفتتح المكاتبة بالخطاب بلفظ «سيدي» أو «مولاي» مع حرف النداء أو دونه) كما كتب أبو عبد الله بن الخطيب وزير ابن الأحمر صاحب الأندلس عن نفسه إلى السلطان أبي عنان ابن السلطان أبي الحسن المرينيّ صاحب فاس، عند ورود كتابه إلى الأندلس بفتح تلمسان «1» ، معرّضا بأنّ صدور كتابه من عند قبر والده السلطان أبي الحسن بالأندلس، ما صورته: مولاي! فاتح الأقطار والأمصار، فائدة الأزمان والأعصار، أثير هبات الله الآمنة من الاعتصار، قدوة أولي الأيدي والأبصار، ناصر الحق عند قعود «2» الأنصار، مستصرخ الملك الغريب من وراء البحار، مصداق دعاء الأب المولى في الآصال والأسحار. أبقاكم الله! لا تقف إيالتكم عند حدّ، ولا تحصى فتوحات الله عليكم بعدّ، ولا يفيق أعداؤكم من كدّ، ميسّرا على مقامكم الكريم ما عسر على كل أب كريم وجدّ.

عبدكم الذي خلص إبريز عبوديّته لملك ملككم المنصور، المعترف لأدنى رحمة من رحماتكم بالعجز عن شكرها والقصور، الداعي إلى الله سبحانه أن يقصر عليكم سعادة القصور، ويذلّل بعز طاعتكم أنف الأسد الهصور، ويبقي الملك في عقبكم إلى يوم ينفخ في الصّور. فلان. من الضّريح المقدّس «1» : وهو الذي تعدّدت على المسلمين حقوقه، وسطع نوره وتلألأ شروقه، وبلغ مجده السماء لمّا بسقت فروعه ورسخت عروقه، وعظم بتبوّئكم فخره فما فوق البسيطة فخر يفوقه، حيث الجلال قد رست هضابه، والملك قد سترت بأستار الكعبة الشريفة قبابه، والبيت العتيق قد ألحفت الملاحد الإمامية أثوابه، والقرآن العزيز ترتّل أحزابه، والعمل الصالح يرتفع إلى الله ثوابه، والمستجير يخفي باطنه سؤاله فيجهر بنعرة العزّ جوابه؛ وقد تفيّأ من أوراق الذكر الحكيم حديقة، وخميلة أنيقة، وحطّ بجوديّ «2» الحقّ نفسا في طوفان الضّرّ غريقة، والتحف برق الهيبة الذي لا تهتدي للنفس فيها إلا بهداية الله طريقة، واعتزّ بعزّ الله وقد توسّط جيش الحرمة المرينيّة حقيقة، إذ جعل المولى المقدّس المرحوم أبا الحسن مقدّمه وأباه وجدّه سقاه المولى الكريم بهذا المجد سيب رحماه، وطنّب عليه من الرّضا فسطاطا، وأعلى به يد العناية المرينيّة اهتماما واغتباطا، وحرّر له أحكام الحرمة نصّا جليّا واستنباطا، وضمن له حسن العقبى التزاما واشتراطا؛ وقد عقد البصر بطريق رحمتكم المنتظرة المرتقبة، ومدّ اليد إلى اللطائف بشفاعتكم التي تتكفّل بعتق المال كما تكفّلت بعتق الرّقبة، وشرع في

المراح بميدان نعمكم بعد اقتحام هذه العقبة؛ لما شنفت الآذان البشرى التي لم يبق طائر إلا سجع بها وصدح، ولا شهاب دجنّة إلا اقتبس من نورها واقتدح، ولا صدر إلا انشرح، ولا غصن عطف إلا مرح؛ بشرى الفتح القريب، وخبر النّصر الصحيح الحسن الغريب، ونبأ الصّنع العجيب، وهداية السميع المجيب: فتح تلمسان «1» الذي قلّد المنابر عقود الابتهاج، ووهب الإسلام منيحة النصر غنيّة عن الهياج، وألحف الخلق ظلّا ممدودا، وفتح باب الحجّ وكان مسدودا، وأقرّ عيون أولياء الله الذين يذكرون الله قياما وقعودا، وأضرع بسيف الحقّ جباها أبيّة وخدودا، وملّككم حقّ أبيكم الذي أهان عليه الأموال، وخاض من دونه الأهوال، وأخلص في الضّراعة والسّؤال، من غير كدّ يغمز عطف المسرّة، ولا جهد يكدّر صفو النعم الثّرّة، ولا حصر ينفض به المنجنيق ذؤابته، ويظهر بتكرّر الركوع إنابته. فالحمد لله الذي أقال العثار، ونظم بدعوتكم الانتشار، وجعل ملككم يجدّد الآثار ويأخذ الثار «2» والعبد يهنيء مولاه، بما أنعم الله عليه وأولاه؛ وما أجدره بالشّكر وأولاه! فإذا أجال العبيد السّرور فللعبد المعلّى والرّقيب «3» ، وإذا استهموا «4» حظوظ الجذل فلي القسم الوافرة والنصيب؛ وإذا اقتسموا فريضة شكر

الله تعالى فلي الحظّ والتعصيب «1» ، لتضاعف أسباب العبودية قبلي، وترادف النّعم التي عجز عنها قولي وعملي، وتقاصر في ابتغاء مكافأتها وجدي وإن تطاول أملي؛ فمقامكم المقام الذي نفّس الكربة، وآنس الغربة، ورعى الوسيلة والقربة، وأنعش الأرماق، وفكّ الوثاق، [وأدّر الأرزاق، وأخذ على الدّهر بالاستقالة بالعهد والميثاق] «2» وإن لم يباشر العبد اليد العالية بهذا الهناء، ويتمثّل بين يدي الخلافة العظيمة السّنا والسّناء، ويمدّ بسبب البدار إلى تلك السماء؛ فقد باشر به اليد التي يحنّ مولاي لتذكّر تقبيلها، ويكمّل فروض المجد بتوفية حقوقها الأبويّة وتكميلها؛ ووقفت بين يدي ملك الملوك الذي أجال عليها القداح، ووصل في طلب وصالها المساء بالصّباح، وكأن فتحه إيّاها أبا عذرة «3» الافتتاح؛ وقلت يهنيك يا مولاي ردّ ضالّتك المنشودة، وخبر لقطتك المعرّفة المشهودة؛ [ودالتك المودودة] «4» فقد استحقّها وارثك الأرضى، وسيفك الأمضى، وقاضي دينك، وقرّة عينك، مستنقذ دارك من يد غاصبها، ورادّ رتبتك إلى مناصبها، وعامر المثوى الكريم، وستر الأهل والحريم. مولاي! هذه تلمسان قد أطاعت، وأخبار الفتح على ولدك الحبيب إليك قد شاعت، والأمم إلى هنائه قد تداعت؛ وعدوّك وعدوّه قد شرّدته المخافة، وانضاف إلى عرب الصحراء فخفضته الإضافة؛ وعن قريب تتحكّم فيه يد احتكامه، وتسلمه السلامة إلى حمامه؛ فلتطب يا مولاي نفسك، وليستبشر رمسك، فقد نمت بركتك وزكى غرسك. نسأل الله أن يورد على ضريحك من أنباء نصره ما

تفتّح له أبواب السماء قبولا، ويرادف إليك مددا موصولا، وعددا آخرته خير لك من الأولى، ويعتريه بركة رضاك ظعنا وحلولا، ويضفي عليه منه سترا مسدولا. ولم يقنع العبد بخدمة النّثر، حتّى أجهد القريحة التي ركضها الدهر وأنضاها، واستشفّها الحادث الجلل وتقاضاها؛ فلفّق من خدمة المنظوم ما يتغمّد حلمكم تقصيره، ويكون إغضاؤكم إذا لقي معرّة العتب وليّه ونصيره؛ وإحالة يا مولاي على الله في نفس جبرها، ووسيلة عرفها مجده فما أنكرها، وحرمة بضريح مولاي والده شكرها؛ ويطّلع العبد منه على كمال أمله، ونجح عمله، وتسويغ مقترحه، وتتميم مطمحه، إن شاء الله تعالى: [يا ابن الخلائف يا سميّ محمد ... يا من علاه ليس يحصر حاصر! أبشر فأنت مجدّد الملك الذي ... لولاك أصبح وهو رسم داثر! من ذا يعاند منك وارثه الذي ... بسعوده فلك المشيئة دائر! ألقت إليك يد الخلافة أمرها ... إذ كنت أنت لها الوليّ الناصر! هذا وبينك للصريح وبينها ... حرب مضرّسة وبحر زاخر! من كان هذا الصّنع أوّل أمره ... حسنت له العقبى وعزّ الآخر! مولاي عندي في علاك محبّة ... والله يعلم ما تكنّ ضمائر! قلبي يحدّثني بأنّك جابر ... كسري وحظّي منك حظّ وافر! بثرى وجودك قد حططت قريحتي ... ووسيلتي لعلاك نور باهر! وبذلت سعيي واجتهادي مثل ما ... يلقى لملك سيف أمرك عامر! وهو المواليّ الذي اقتحم الرّدى ... وقضى العزيمة وهو سيف باتر! ووليّ جدّك في الشّدائد عندما ... خذلت علاه قبائل وعشائر! فاستهد منه النّجح واعلم أنّه ... في كلّ معضلة طبيب ماهر إن كنت قد عجّلت بعض مدائحي ... فهي الرّياض وللّرياض بواكر] «1»

الطرف الرابع عشر (فيما يختص بالأجوبة الصادرة عن الملوك وإليهم)

الطرف الرابع عشر (فيما يختص بالأجوبة الصادرة عن الملوك وإليهم) والرسم فيه أنه إن كان الجواب صادرا عن ملك، فالتعبير عن الملك بنون الجمع، وخطاب المكتوب إليه بالكاف. وإن كان عن بعض أتباع الملك إليه، فالتعبير عن المكتوب عنه بالخادم، أو العبد، أو المملوك ونحو ذلك، ومخاطبة الملك بما تليق به مخاطبة الملوك. ثم الجواب تارة يكون الابتداء [فيه] بنفس ورود المكاتبة، وقد تقدّم في مثل ذلك في الكتب الصادرة عن الخلفاء أن المكاتبة يبتدأ فيها بلفظ عرض. أما الأجوبة المتعلّقة بالملوك فإنه يقال فيها بدل عرض: وصل، أو ورد، أو نحو ذلك. ثم هى على ضربين: الضرب الأوّل (الأجوبة الصادرة عن الملوك إلى غيرهم، وفيه ثلاث جمل) الجملة الأولى (في الأجوبة الصادرة عن ملوك المشرق، وفيه أسلوبان) الأسلوب الأول (أن تفتتح المكاتبة بلفظ: «كتابنا» و «وصل كتابك» ) ويذكر تاريخ الكتاب، ويشار إلى ما فيه، ثم يؤتى بالجواب إلى آخره، ويختم باستماحة الرأي في ذلك الأمر؛ كما كتب أبو إسحاق الصابي «1» عن صمصام الدولة «2» إلى حاجب الحجّاب أبي القاسم سعد بن محمد، وهو مقيم

بنصيبين «1» على محاربة باد الكرديّ «2» كتابنا، ووصل كتابك مؤرّخا بيوم كذا، تذكر فيه ما جرى عليه أمرك في الخدمة التي نيطت بكفايتك وغنائك، ووكلت إلى تدبيرك ورأيك: من رد باد الكرديّ عن الأعمال التي تطرّقها، وحدّث نفسه بالتغلّب عليها، وتصرّفك في ذلك على موجبات الأوقات، والتردّد بين أخينا وعدّتنا أبي حرب زياد بن شهرا كويه وبينك من المكاتبات، وحسن بلائك في تحيّفه «3» ، ومقاماتك في حصّ «4» جناحه، وآثارك في الانقضاض على فريق بعد فريق من أصحابه، واضطرارك إيّاه بذلك وبضروب الرياضات التي استعملتها، والسياسات التي سست أمره بها، إلى أن نزل عن وعورة المعصية إلى سهولة الطاعة، وانصرف عن مجاهل الغواية إلى معالم الهداية، وتراجع عن السّوم «5» إلى الاقتصار وعن السّرف إلى الاقتصاد، وعن الإباء إلى الانقياد، وعن الاعتياص «6» إلى الإذعان. وأن الأمر استقرّ على أن قبلت منه الإنابة، وبذلت له فيما طلب الاستجابة؛ واستعيد إلى الطاعة، واستضيف إلى الجماعة، وتصرّف على أحكام الخدمة، وجرى مجرى من تضمّه الجملة؛ وأخذت عليه بذلك العهود المستحكمة والأيمان المغلّظة، وجدّدت له الولاية على الأعمال التي دخلت في تقليده، وضربت عليها حدوده؛ وفهمناه.

وقد كانت كتب أخينا وعدّتنا أبي حرب [زياد بن شهراكويه] «1» مولى أمير المؤمنين ترد علينا، وتصل إلينا، مشتملة على كتبك إليه، ومطالعاتك إيّاه؛ فنعرف من ذلك حسن أثرك وحزم رأيك، وسداد قولك، وصواب اعتمادك، ووقوع مضاربك في مفاصلها، وإصابة مراميك أغراضها؛ وما عدوت في مذاهبك كلّها، ومتقلّباتك بأسرها، المطابقة لإيثارنا، والموافقة لما أمرت به عنّا؛ ولا خلت كتب أخينا وعدّتنا أبي حرب من شكر لسعيك، وإحماد لأثرك، وثناء جميل عليك، وتلويح وإفصاح بالمناصحة الحقيقة بك، والموالاة اللازمة لك، والوفاء الذي لا يستغرب من مثلك، ولا يستكثر ممن حلّ في المعرفة محلّك؛ ولئن كنت قصدت في كل نهج استمررت عليه، ومعدل عدلت إليه، مكافحة هذا الرجل ومراغمته، ومصابرته ومنازلته، والتماس الظهور عليه في جميع ما تراجعتماه من قول، وتنازعتماه من حدّ، فقد اجتمع لك إلى إحمادنا إيّاك، وارتضائنا ما كان منك، المنّة عليه إذ سكّنت جاشه، وأزلت استيحاشه؛ واستللته من دنس [لباس] المخالفة، وكسوته من حسن شعار الطاعة، وأطلت يده بالولاية، وبسطت لسانه بالحجّة، وأوفيت به على مراتب نظرائه، ومنازل قرنائه؛ حتّى هابوه هيبة الولاة، وارتفع بينهم عن مطارح العصاة. فالحمد لله على أن جعلك عندنا محمودا وعند أخينا وعدّتنا أبي حرب مشكورا، وعلى هذا الرجل مانّا، وفي إصلاح ما أصلحت من الأمر مثابا مأجورا؛ وإيّاه نسأل أن يجري علينا عادته الجارية في إظهار راياتنا، ونصرة أوليائنا، والحكم لنا على أعدائنا، وإنزالهم على إرادتنا، طوعا أو كرها، وسلما أو حربا؛ فلا يخلو أحد منهم أن تحيط لنا بعنقه ربقة أسر، أو منّة عفو؛ إنه جلّ ثناؤه بذلك جدير، وعليه قدير. ويجب أن تنفذ إلى حضرتنا الوثيقة المكتتبة على باد الكرديّ إن كنت لم تنفذها إلى أوان وصول هذا الكتاب: لتكون في خزائننا محفوظة، وفي

الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بلفظ: «وصل كتابك» )

دواويننا منسوخة؛ وأن تتصرّف في أمر رسله وفي بقية [إن كانت بقيت من أمره] على ما يرسمه لك عنا أخونا وعدّتنا أبو حرب، فرأيك في العمل على ذلك، وعلى مطالعته بأخبارك وأحوالك؛ وما يحتاج إلى عمله من جهتك موفقا، إن شاء الله تعالى. الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بلفظ: «وصل كتابك» ) والأمر في ترتيبه على نحو ما تقدّم في الأسلوب الذي قبله. كما كتب أبو إسحاق الصابي عن صمصام الدولة أيضا إلى أبي العلاء عبيد الله بن الفضل في جواب كتابه الوارد عليه بالظّفر بأهل الاقتباس ما صورته: وصل كتابك- أدام الله عزك- المؤرّخ بوقت الظهر من أمسنا وهو يوم كذا، تذكر ما سهّله الله لك، وأجراه على يدك، وبيمن تدبيرك، وبركة خدمتك: من الإيقاع بالعصاة أهل الاقتباس، وإذاقتهم وبال ما كانوا عليه: من خلع الطاعة، وشنّ الغارة واستباحة المحارم، وارتكاب العظائم؛ وإثخانك فيهم قتلا وأسرا، وتشريدا وتشتيتا؛ وفهمناه وحمدنا الله عليه، وشكرنا ما أولى فيه، وحسن منا موقع أثرك، وتضاعف فيه جميل معتقدنا فيك ولك، وارتضينا فعل الأولياء في الخفوف إليه، والمناصحة فيه؛ وسبيلك أن تبحث عن أموال هؤلاء القوم وتثمّرها، وتستدركها وتحصّلها، وتكتب بما يصح منها؛ وتتقدّم بقصّ أثر الهاربين حتّى تلحقهم بالهالكين، وتشيع الرهبة في سائر شقّي الفرات، وتتوخّى طوائف الأشرار والخرّاب، ومخيفي السبل والساعين في الفساد بالتتبّع لهم ووضع اليد عليهم؛ فإنّ بحسب النّكاية في أهل الجهل والدّعارة سكون أهل السلامة والاستقامة؛ فرأيك في العمل بذلك والمطالعة بما يوفّقك الله له مستأنفا من مثل هذا الفعل الرشيد، والمقام الحميد؛ وبسائر الأمور التي ترى عينها وتحتاج إلى معرفة مجاريها، موفّقا إن شاء الله تعالى والسلام.

الجملة الثانية (في الأجوبة الصادرة عن ملوك الديار المصرية من وزراء الخلفاء الفاطميين القائمين مقام الملوك الآن فمن بعدهم)

الجملة الثانية (في الأجوبة الصادرة عن ملوك الديار المصرية من وزراء الخلفاء الفاطميين القائمين مقام الملوك الآن فمن بعدهم) والذي وقفت عليه منه أسلوب واحد، وهو الافتتاح بلفظ: «وصل» . كما كتب بعض كتّاب الدولة الفاطمية عن بعض وزراء الحافظ «1» إلى أمين الدولة زنكي كشنكين ما صورته: وصل كتابك أيها الأمير الأجلّ الدالّ على مصالحته، المعرب عن مناصحته، الشاهد له بمؤثّل «2» الخطوة والأثرة، والموضّح من أفعاله وخلاله ما لم تزل قضيته مرتسمة في النفوس مصوّرة؛ وعرضنا ما اقترن به من مطالعة المقام المقدّس النبويّ الحافظيّ- ضاعف الله أنواره، وشاد مناره، وأعز أشياعه وأنصاره- وشفعناه من الثناء على الأمير الاسفهسلار «3» بما لم تزل عادتنا جارية به مع من نعلم طاعته، ونتحقّق مشايعته، ونرى باطنه يضاهي ظاهره، وسرّه يوافق علانيته؛ ووقفنا على ما أنهاه من حال الفرنج المشركين الملعونين، وما كان من نعم الله تعالى من الظّفر بهم، والإدالة منهم، والخفض من منارهم، والتقويض لغمارهم، والإبادة لفارسهم وراجلهم، وإرشاد السيوف والسّهام إلى مقاتلهم، وتطهير الأرض منهم بدمائهم، والإحاطة بهم عن أيمانهم وشمائلهم، ومن أمامهم

وورائهم؛ فابتهجنا بذلك الابتهاج الذي يوجبه التوحيد، وانتهى بنا السّرور إلى الحدّ الذي ما عليه مزيد. على أننا كنا نودّ أن يكون ذلك بصفاحنا وأسنّتنا، وأن يثبته الله لنا في صحيفتنا؛ وإنا لراجون من نعم الله عندنا، وإحسانه إلينا كما عوّدنا، أن يكون من بقي من المذكورين بنا مستأصلا، ويكون أجر هذه الخاتمة لنا حاصلا. وقد عزم الله لنا عند وقوفنا على كتابه، بما خرج به أمرنا إلى جميع من بأعمال الدولة الحافظيّة خلّد الله ملكها، بعيدها ودانيها، وقصيّها ونائيها، من العساكر المظفّرة المؤيّدة، وقبائل العربان المستخلصة، وكافّة الطوائف على اختلاف أنواعها، وتباين أجناسها، وتفاوت منازلها، وتغاير مراتبها، بأن ينفروا خفافا وثقالا، وركبانا ورجالا، بقوّتهم ونجدتهم، ووفور عددهم وعدّتهم، وكثرة آلاتهم وأسلحتهم، وبالعزمات الماضية، والضمائر الخالصة، والنّيّات المستبقة، والعقائد المتّفقة، وفسّحنا للمتطوّعة أن يختلطوا بالمرتزقة، وأمرناهم بمسيرهم متتابعين، وتوجّههم مترادفين؛ وأن يكونوا كتائب متناصرة، وجحافل متواترة؛ وعساكر متوالية، لا ترى الأرض منها إلى العدوّ خالية؛ ومن الله نطلب مادّة العون والإسعاد، ونسأله توفيقا لما يقض بتضاعف أجرنا في العاجلة والمعاد. وقد شكرنا الأمير الاسفهسلار كون ما أنهاه سببا لهذه الغنيمة المتوقّعة من فضل الله وإحسانه، والنّصرة لدينه التي نؤملها من جزيل كرمه وامتنانه، وأضفنا ما اقتضته مطالعته من جذلنا وغبطتنا، إلى المستقرّ عندنا من محبته لنا، وإيثاره الذي لا يحتاج فيه إلى زيادة على معرفتنا؛ فليعلم هذا وليعمل به. إن شاء الله تعالى. وكما كتب القاضي الفاضل عن السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» إلى صاحب مكة المشرّفة، جوابا عن كتاب ورد منه عليه في معنى وصول غلال بعث بها إلى مكة ما صورته: وصل كتابك، أيّها الشريف معربا عن المشايعة الشائعة أنباؤها، والمخالصة الخالصة أسرارها الوافرة أنصباؤها، وحسان الخلال، التي اقتسم طرفي الحمد إعادتها وإبداؤها، ومكرمات الآل، التي تساوى في اقتناء المجد أبناؤها؛ وفضائل الإفضال، التي لا تخفّ على غير أهل العباء صلوات الله عليهم

أعباؤها. ونشر كتابك من محاسنك ما انطوى، ووردنا منه منهلا أروى وارده وارتوى؛ ووقفنا منه على أثر فضل اشتمل على عين الكرم واحتوى، ووفقنا وإياه من الحمد ما لا نخلفه نحن ولا هو مكانا سوى «1» ؛ فاقتضانا مزيدا في رفع قدره، واختصاصه من الإنعام بكلّ غريب الموقع ندره، وأصرنا كتابه إلى مستقرّ كاتبه من قلب الودّ وصدره؛ وكيف لا يكون ذلك وقد اشمخرّت لبيته الأنساب، وخرّت الأنصاب، وسجدت الرّقاب، وردّت له بعد ما توارت بالحجاب، وشهد بفضل توقيعهم الحرب وبفضل ليلهم المحراب. فأمّا ما أشار إليه من الشّكر على ما سيّر من الغلّات التي كان الوعد بها علينا نذرا، وروّحنا بإرسالها قلبا وشرحنا بتسييرها صدرا؛ وأنّها حلّت ربقة الجدب وفكّتها، وجلت هبوة القحط وكفّتها؛ وهوّنت مصاعب المساغب، وخلفت سواحب السحائب، وأطفأت- ولله الحمد- بوار «2» النّوائب، فقد سررنا بحسنتنا جعله الله ممن تسرّه الحسنة، وقد نبّهنا من سنتنا لأن نستقبل بالحمد لولي السنة؛ وقد قوّى النية وقوّمها، واستزاد لهم بلسان الشكر الفصيح، وتناول لهم بباع التلطّف الفسيح، وألقح لهم سحائب محلّه منها محلّ ملقحها من الرّيح؛ واقتضى ما يعرضه أن خرج الأمر بأن يضاعف المحمول في كل عام، ولا يخصّ به خاصّ دون عام؛ وأمرنا أن يوفّر جلب الجلّاب، وتوقر ظهور الرّكاب، ليجمع للحرم الشريف بين برّ البر والبحر، وبين حمل البطن والظّهر؛ فتظلّ السنة ودودا ولودا، ويشاهد المحلّ الشريف وقد نأى عنه المحل شريدا؛ وتحطّ القلوع عما يحطّ عنه أمثالها من السحائب، وتستريح الأنفس اللواغب «3» ، فأما ما ألقاه إلى رسوله، فقد أسمع ما أسنده إليه، وأعيد بما يعيده عليه؛ وقد تكاثرت بولاء الشريف الأشهاد، فغني عن الاستشهاد، وأغنته الحظوة بجميل رأينا عما نأى أخذه لشفعة العطاء بل لشفاعة الاجتهاد، إن شاء الله تعالى.

الجملة الثالثة (في الأجوبة الصادرة عن ملوك الغرب)

الجملة الثالثة (في الأجوبة الصادرة عن ملوك الغرب) وهي على النحو المتقدّم، وربما صدّر بلفظ: «قد» ونحوها. كما كتب أبو المطرف بن عميرة عن بعض ملوكهم «1» في جواب كتاب ورد عليه بطاعة بلد. قد وصل كتابكم- وصل الله معونتكم وكلاءتكم- تذكرون ما تقرّر عندكم هنالك من أحوال تلك الجهة، وباشرتموه من أمورها؛ وأنتم عندنا بمحلّ الصّدق، ومكان الإيثار للحقّ. وقد رسمنا لكم أن تثبتوا في أهل تلكم الجهات كلّها حميد الرأي فيهم، وحسن القبول لإنابتهم، وقصد الرّفق بخاصّتهم وعامّتهم؛ وأنّا قد تقبّلنا أوبتهم، واغتفرنا زلّتهم؛ وأولئكم المتشبّثون بسبب الذّمام، عرّفوهم أنكم رغبتم في شمول الصّفح عنهم، والإقالة لما كان منهم؛ فأسعفنا رغبتكم فيهم، وأدخلناهم في العفو مع غيرهم، وبذلنا لهم الأمان، وأغضينا عن جميع ما كان؛ فعرّفوهم بهذا كلّه، وأخبروهم عنّا بإعطاء التأمين لجميعهم وبذله؛ وإن كان أطيب لنفوسهم أن يصلهم مكتوب بذلك عرفتمونا، ووجّهناه إليكم. وأقيموا أنتم هنالكم أيّاما خلال ما يصلكم من متثاقل الأحوال ما تطالعون به، وتخاطبون بما تعتمدونه إن شاء الله تعالى. أدام الله كرامتكم.

الضرب الثاني (الأجوبة الواردة على الملوك)

أشرتم في خطابكم إلى أنّ عندكم من تلك الأحوال ما تذكرونه مشافهة، وربما يكون ذلك أمدا يبنى عليه نظر، أو يتوجّه بحسبه عمل؛ فمن الجيّد ان تكتبوا بشرحه، إن شاء الله تعالى والسلام. الضرب الثاني (الأجوبة الواردة على الملوك) وهي على نحو ما تقدّم في الأجوبة الصادرة عن الملوك من الابتداء بلفظ: «وصل» إلا في الخطاب، فإن المكتوب عنه يقع الخطاب منه ب «الخادم أو المملوك أو العبد» . ويخاطب الملك المكتوب إليه بمولانا أو مولانا الملك أو نحو ذلك؛ وربما كتب بدل وصل: ورد. كما كتب القاضي الفاضل عن السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» في جواب كتاب ورد عليه مخبرا فيه بالحركة للقاء العدوّ ما صورته: ورد على المملوك- أدام الله أيام المجلس العالي الملكيّ الناصريّ، ونصره على أعدائه، وملّكه أرضه بعدل حكم سمائه، ولا أخلى من نعمتي خيره ونظره قلوب وعيون أوليائه، وأعزّ الإسلام ورفع عن أهله البلوى بلوائه. الكتب القديمة التي تسرّ الناظرين من شعارها الأصفر، وتبشّر الأولياء إن كانوا غائبين مع الغيّب بأنّ حظّهم حاضر مع الحضّر؛ وقد كانت الفترة قد طالت أيامها، واستطالت آلامها، والطّرقات قد سبق إلى الأنفس إبهامها. فالحمد لله الذي أذهب عنّا الحزن، وأولى من النعمة ما اشترى الحمد ثمن؛ ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس. ووعد [الله] سبحانه منتظر، إذ يقول في كتابه: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً «1» وصدق صلّى الله عليه وسلّم في قوله: «إنّ اختيار الله

القسم الثاني (المكاتبات الصادرة عنهم إلى ملوك الكفر، وفيه طرفان)

للمؤمن خير من اختياره، وإنّ مواضع الأمل للعبد خير منها مواقع أقضية الله وأقداره» . فقد كانت حركة احتاجت إليها البلاد التي انفصل عنها، والبلاد التي قدم عليها. أما المصرية منها فبكونها على عدة من نجدته آجلا، وأما الشامية فبكونها على ثقة من نصره عاجلا؛ فقد تماسكت من المسلمين الأرماق، وقد انقطعت من المشركين الأعناق: تهاب بك البلاد تحلّ فيها ... ولولا اللّيث ما هيب العرين! وعرض المملوك ما وصل إليه من مكاتبات المولى على العلم العادليّ وأدركها تحصيلا، وأحاط بها جملة وتفصيلا؛ والمولى- خلّد الله ملكه- فكلّ ما أشار إليه من عزيمة أبداها، ونية أمضاها، فهو الصواب الذي أوضح الله له مسالكه، والتوفيق الذي قرّب الله عليه مداركه؛ ومن أطاع الله أطاعه كلّ شيّ، ومن استخاره بيّن له الرّشد من الغيّ؛ والله تعالى يجعل له من كلّ حادثة نخوة «1» ، ويكتب أجره في كلّ حركة ونفس وخطوة. إن شاء الله تعالى. القسم الثاني (المكاتبات الصادرة عنهم إلى ملوك الكفر، وفيه طرفان) الطرف الأول (في الابتداءات، وفيه ثلاث جمل) الجملة الأولى (في المكاتبات الصادرة إليهم عن ملوك بلاد الشرق من بني بويه فمن بعدهم) وقد كان الرسم فيها أن تفتتح المكاتبة بلفظ «كتابي أو كتابنا إلى فلان» ويخاطب المكتوب إليه بملك الروم أو نحو ذلك، ويختم بقوله: فإن رأى ذلك فعل إن شاء الله تعالى.

كما كتب أبو إسحاق الصابي عن القائد أبي الفوارس ختور التركي المعزي، إلى وردس بن قنبر المعروف بعسقلاروس «1» [كتابي إلى] ملك الروم الفاضل، الجليل، النبيل، الخطير، أدام الله كفايته وسلامته، ونعمته وسعادته، وعافيته وحراسته. من الحضرة الجليلة بمدينة السلام لثمان ليال خلون من ذي الحجة سنة تسع وسبعين وثلاثمائة، وهو اليوم التاسع من أدار، عن شمول السلامة، وعموم الاستقامة؛ وصلاح حالي في ظل

الدولة المنصورة. والحمد لله رب العالمين وحده لا شريك له، وصلّى الله على محمد وآله وسلّم تسليما. ووصل كتاب مولانا ملك الروم الفاضل الجليل الصادر عن العسكر بمرج لارضة بتاريخ التاسع من حزيران، وفهمته وجلّ عندي موقعه، وعظم في نفسي خطره؛ وحمدت الله على ما شهد به من انتظام أحواله، واطّراد أموره؛ وسألته أن يتمّم النعمة عليه، ويزيد فيها لديه، ويواصل إحسانه إليه، ويطيل مدّته، في أتمّ رشد وهداية، وأرفع قدم ومنزلة، وأعلى خطر ورتبة، بمنّه وطوله، وجوده ومجده. فأما ما ذكره سيدنا الملك الجليل: من مقامه على العهد، وافتقاره إلى الميل والودّ، فذاك يوجب فضله البارع، وكرمه الشائع، وخلال الخير التي أهلّه الله لها، وخصّه الله بها، وبالله أحلف إنّني ما خلوت منذ افترقنا من مطالعة أخباره، وتتبّع آثاره، واستعلام مجاري شؤونه، والسرور بكل ما تمّ له ووصل إليه؛ حتّى كأنني حاضر له، وضارب بأوفر سهم فيه، بل مخصوص بجميعه. والله يجريه على أحسن ما أولاه وعوّده، ولا يخليه من الصّنع الجميل فيما أعطاه وقلّده، برحمته. وكنت قبل ذلك عند ورود رسولي في الدّفعة الأولى على غاية الغمّ وشغل القلب بسبب الغدر الذي لحقه من عدوّه الذي أظفره الله به؛ وأنهيت ذلك في وقته إلى الملك السعيد الماضي، شرف الدولة «1» ، وزين الملة؛ رضي الله عنه. فاشتغل قلبه- رحمه الله- به، وعمل على إنفاذ العساكر لنصرته؛ ثم أتى من قضاء الله في أمره ما قد عرفه. ولما انتصب في المملكة مولانا السيد بهاء الدولة «2» ، وضياء الملة- أطال

الجملة الثانية (في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية إليهم)

الله بقاءه- شرحت له ما جرى قديما على سياقته، ومهّدت الحال عنده، ووجدته- أدام الله سلطانه- معتقدا لسيدنا ملك الروم الجليل- أدام الله عزّه- أفضل اعتقاد، وسر بما انتهت إليه أموره، وتنجّزت الكتب إلى موصلها الرسول حفظه الله، وسمعت منه ما كان تحمّله عن سيدنا ملك الروم أدام الله تأييده، وأخرجت معه صاحبي أبا القاسم الحسين بن القاسم، وحمّلتهما جميعا ما ينهيانه إليه في سائر الأمور التي يرى عرضها ويحتاج إلى معرفتها. وأنا أسأل سيدنا الملك الجليل- أدام الله بركته- تعجيل ردّه إليّ، فإنه ثقتي، ومن أسكن إليه في أموري؛ وأن يتفضّل ويكلّفني حوائجه ومهمّاته، وأمره ونهيه لأقوم في ذلك بالحق الواجب له، فان رأى سيدنا ملك الروم الفاضل الجليل، الخطير النبيل، أن يعتمدني من ذلك بما يتضاعف عليه شكري، وتجلّ النعمة فيه عندي، ويشاكل الحال بينه وبيني، فعل إن شاء الله تعالى. الجملة الثانية (في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية إليهم) والذي وقفت عليه من ذلك أسلوب واحد: وهو الابتداء ب «أما بعد» والخطاب فيه بالملك، والاختتام بالدعاء. كما كتب القاضي الفاضل عن السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» إلى بردويل أحد ملوك الفرنج، وهو يومئذ مستول على بيت المقدس وما معه،

معزّيا له في أبيه ومهنّئا له بجلوسه في الملك بعده، ما صورته: «1» أما بعد- خصّ الله الملك المعظّم حافظ بيت المقدس بالجدّ الصاعد، والسّعد الساعد؛ والحظّ الزائد، والتوفيق الوارد؛ وهنأه من ملك قومه ما ورّثه، وأحسن من هداه فيما أتى به الدهر وأحدثه؛ فإن كتابنا صادر إليه عند ورود الخبر بما ساء قلوب الأصادق «2» ، والنّعي الذي وددنا أنّ قائله غير صادق، بالملك العادل الأعزّ الذي لقّاه الله خير ما لقّى مثله، وبلّغ الأرض سعادته كما بلّغه محلّه؛ معزّ بما يجب فيه العزاء، ومتأسّف لفقده الذي عظمت به الأرزاء؛ إلا أنّ الله سبحانه قد هوّن الحادث، بأن جعل ولده الوارث؛ وأنسى المصاب، بأن حفظ به النّصاب، ووهبه النعمتين: الملك والشّباب؛ فهنيئا له ما حاز، وسقيا لقبر والده الذي حقّ له

الجملة الثالثة (في الأجوبة الصادرة إليهم عن ملوك الغرب)

الفداء لو جاز؛ ورسولنا الرئيس العميد مختار الدين أدام الله سلامته قائم عنا بإقامة العزاء من لسانه، ووصف ما نالنا من الوحشة لفراق ذلك الصديق وخلوّ مكانه؛ وكيف لا يستوحش ربّ الدار لفرقة جيرانه. وقد استفتحنا الملك بكتابنا وارتيادنا، وودّنا الذي هو ميراثه عن والده من ودادنا؛ فليلق التحيّة بمثلها، وليأت الحسنة ليكون من أهلها؛ وليعلم أنّا له كما كنا لأبيه: مودّة صافية، وعقيدة وافية، ومحبّة ثبت عقدها في الحياة والوفاة، وسريرة حكمت في الدنيا بالموافاة؛ مع ما في الدّين من المخالفات. فليسترسل إلينا استرسال الواثق الذي لا يخجل، وليعتمد علينا اعتماد الولد الذي لا يحمل عن والده ما تحمّل؛ والله يديم تعميره، ويحرس تأميره، ويقضي له بموافقة التوفيق، ويلهمه تصديق ظنّ الصديق. الجملة الثالثة (في الأجوبة الصادرة إليهم عن ملوك الغرب) والرسم فيه أن تفتتح المكاتبة بلفظ: «كتابنا» والمخاطبة بنون الجمع عن المكتوب عنه وميم الجمع عن المكتوب إليه، والاختتام بالسلام مع الدعاء بما يليق. كما كتب أبو المطرّف بن عميرة عن أبي جميل زيّان «1» ، إلى ملك قشتالة من بلاد الأندلس في مراودة الصّلح: كتابنا إليكم- أسعدكم الله برضاه، وأدام عزّتكم وكرامتكم بتقواه- من مرسية «2» ، ونحن نحمد الله الذي لا شيء كمثله، ونلجأ إليه في أمرنا كلّه، ونسأله

الطرف الخامس عشر (المكاتبات الصادرة إلى ملوك الكفر في الأجوبة [وهي] إما أن تصدر بما يصدر به الابتداء وقد تقدم، وإما أن تصدر بلفظ وصل أو ورد)

أن يوزعنا شكر إحسانه وفضله- وعندنا لجنابكم المرفّع تكرمة نستوفيها، ومبرّة ننتهي إلى الغاية فيها، وعلمنا بمحلّكم الشهير، وكتابكم الخطير، يستدعي الزيادة من ذلكم ويقتضيها؛ وقد كان من فضل الله المعتاد، وجميل صنعه في انتظام الكلمة في هذه البلاد، ما اكتنفته العصمة، وكملت به النّعمة والمنّة؛ وتيسّر بمعونة الله فتح أقرّ العيون، ورضيه الإسلام والمسلمون، وكانت مطالعتكم به مما آثرنا تقديمه، ورأينا أن نحفظ من الأسباب المرعيّة على التفصيل والجملة [حديثه وقديمه] «1» وحين ترجّحت مخاطبتكم من هذا المكان، ومفاوضتكم في هذا الشان، رأينا من تكملة المبرّة، وتوفية العناية البرّة، أن ننفذ إليكم من يشافهكم في هذا المعنى، ويذكر من قصدنا ما نولع به ونعنى، وهو فلان في ذكر السّلم ومحاولتها، ما يتأدّى من قبله على الكمال بحول الله تعالى. وإن رأيتم إذا انصرف من عندكم، أن توجّهوا زيادة إلى ما تلقونه إليه من رجالكم وخاصّتكم، في معنى هذا العهد وإحكامه، ومحاولته وإبرامه، فعلتم من ذلك ما نرقب أثره، ونصرف إليه من الشكر أوفاه وأوفره، إن شاء الله تعالى: وهو الموفّق لا ربّ سواه، والسلام الأتمّ عليكم كثيرا. الطّرف الخامس عشر (المكاتبات الصادرة إلى ملوك الكفر في الأجوبة [وهي] «2» إما أن تصدّر بما يصدّر به الابتداء وقد تقدّم، وإما أن تصدّر بلفظ وصل أو ورد) كما كتب بعض كتّاب الدولة الأيوبية عن الملك الجواد «3» : أحد ملوكهم،

في أيام الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر، جواب كتاب ورد عليه من فرانك: أحد ملوك الفرنج في شعبان سنة ثلاثين وستمائة: وردت المكاتبة الكريمة الصادرة عن المجلس العالي، الملك، الأجل، الأعز الكبير، المؤيّد، الخطير، العالم العامل، الظّهير، العادل، الأوحد، المجتبى، شمس الملة النّصرانية، جلال الطائفة الصليبية، عضد الأمة الفرنجية، فخر أبناء المعموديّة؛ عمدة الممالك ضابط العساكر المسيحية، قيصر المعظّم فلان معزّ إمام رومية؛ ثبّت الله لديه نعمه، وعزّز موارد جوده وديمه، وأمضى صوارم عزائمه وأعلى هممه، ولا برحت أنوار سعده، تتلالا، وأخبار مجده، تبسط وتتعالى، وسحائب الألسنة الناطقة بحمده تستهلّ «1» وتتوالى، إلى أن يتحلّى جيد الضّحى بعقود الليل، وتطلع الشعرى من مطالع سهيل «2» - فجدّد الثناء على جلاله، وأكّد المديح لإحسانه وإفضاله؛ وأنفس أسباب المودّة والحصافة، وشدّد أواخي الإخلاص والموافاة فاستبشرت النفوس بوروده، وسرّت القلوب بوفوده؛ ووقف منه على الإحسان الذي نعرفه، ووجد عقده مشتملا على جواهر الوداد الذي نألفه؛ فشكر الله على هذه الألفة المنتظمة، والمحبّة الصادقة المكرّمة. والمجلس العالي الملك الأجلّ أعلى الله قدره، ونشر بالخير ذكره، أولى من

أهدى المسرّات، بورود المراسم والحاجات، ووصل الأنس بكريم المكاتبات، مضمّنة السوانح والمهمّات. فأما ما ذكره المقام العالي السلطانيّ الملكيّ الكامليّ الناصريّ- زاده الله شرفا وعلوّا- من أنه لا فرق بين المملكتين، فهذا هو المعتقد في صدق عهده، وخالص ودّه؛ ولا زال ملكه عاليا، وشرفه ناميا، إن شاء الله تعالى.

الفصل الرابع من الباب الثاني من المقالة الرابعة (في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية

الفصل الرابع من الباب الثاني من المقالة الرابعة (في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية ، على ما استقر عليه الحال في ابتداء الدولة التركية وإلى زماننا على رأس الثمانمائة مما أكثره مأخوذ من ترتيب الدّولة الأيوبية التي هي أصل الدّولة التركية، وفيه [ثلاثة] «1» أطراف) الطرف الأول (في المكاتبات الصادرة عنهم إلى الخلفاء من بني العبّاس) قد تقدّم في الكلام على المكاتبات الصادرة عن الملوك إلى خلفاء بني العباس أنها على أساليب في ابتداء المكاتبات: منها ما يفتتح بآية من القرآن الكريم ثم بالسلام؛ ومنها ما يفتتح بالسلام ابتداء؛ ومنها ما يفتتح بالصلاة على الخليفة على مذهب من يرى جواز إفراد غير الأنبياء بالصلاة؛ ومنها ما يفتتح بالدعاء لديوان الخلافة. ولكن الذي ذكره المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في كتابه «التعريف بالمصطلح الشريف» «2» مما الحال مستقرّ به أن المكاتبة إلى ديوان الخلافة الشريفة: «أدام الله أيام الدّيوان العزيز، المولويّ، السيّدي، النبويّ، الإماميّ، الفلانيّ» ثم الدعاء المعطوف، والصدر بالتعظيم المألوف؛ وأنها قد تفتتح بغير هذا الدعاء نحو: «أدام الله سلطان» و «خلد الله سلطان» أو «أيام» أو غير ذلك

مما يقتضي العزّ والدّوام. وأن الصدر نحو: «العبد، أو المملوك، أو الخادم، يقبّل الأرض أو العتبات أو مواطيء المواقف» أو غير ذلك. وأنّ ختم الكتاب يكون تارة بالدعاء، وتارة ب «يطالع أو أنهى» أو غيرهما مما فيه معنى الإنهاء. ويخاطب الخليفة في أثناء الكتاب بالديوان العزيز، وبالمواقف المقدّسة أو المشرّفة، والأبواب الشريفة، والباب العزيز، والمقام الأشرف، والجانب الأعلى أو الشريف. وبأمير المؤمنين مجرّدة عن سيدنا ومولانا، ومرّة غير مجرّدة، مع مراعاة المناسبة، والتسديد والمقاربة. وأن خطاب المكاتب عنه بحسب من كتب عنه: فكتب بعض ملوك بني أيوب بالديار الشامية «الخادم» . وبعضهم «المملوك» وبعضهم «العبد» وبعضهم «أقل المماليك» وبعضهم «أقلّ العبيد» . وأن علاء الدين خوارزم شاه «1» : صاحب بلاد خوارزم وما معها، وابنه جلال الدين «2» كانا يكتبان «الخادم المطواع» ، وأن أمّ جلال الدين كانت تكتب «الأمة الداعية» . قال: في «التثقيف» «3» : وعنوانه «الديوان العزيز» إلى آخر الألقاب، ثم الدعاء يعني من

نسبة الصدر، نحو «أدام الله أيامه وخلّد الله سلطانه» وما أشبه ذلك. قال: وعادة العلامة إليه «الخادم» أو «المملوك» أو «العبد» . وكتب بعضهم «أقلّ المماليك» وبعضهم «أقلّ العبيد» . يريد أنّ العلامة تكون مطابقة لما يقع في أثناء المكاتبة عن المكتوب إليه من الخادم وغيره مما تقدّم ذكره، بحسب ما يؤثر الملك المكتوب عنه الخطاب به عن نفسه. وهذه عدّة صدور مختلفات الابتداءات منقولة من التعريف وغيره. أما قطع الورق الذي يكتب فيه إلى الخليفة، فقد تقدّم في الكلام على مقادير قطع الورق في المقالة الثالثة، نقلا عن ابن عمر المدائنيّ في «كتاب القلم والدواة» أنه يكتب للخلفاء في قرطاس من ثلثي طومار، وأن المراد بالطّومار الفرخة الكاملة، وأن المراد الورق البغدادي «1» ؛ وحينئذ فينبغي أن يجرى الأمر على ذلك تعظيما للخلافة. صدر: أدام الله أيام الديوان العزيز، ولا زالت سيوف أوليائه في رقاب أعدائه محكّمة، وصنوف الكفّار، في أيدي عسكره الجرّار، بالنّهاب مقسّمة، وصفوف أهل الشرك مزلزلة بخوافق أعلامه المطهّرة وسنابك جياده المطهّمة؛ ولا برحت ملائكة النصر من أمداده، وملوك العصر بيض الوجوه بتعظيم شعار سواده. الخادم ينتهب ثرى العتبات الشريفة بالتقبيل، وينتهي في قصارى الطّلبات، على الوقوف في تلك الرّبوع، ويكلّل ربى تلك الساحات، هو وكلّ ابن سبيل بلآليء الدّموع، خضوعا في ذلك الموقف الذي تنكر القلوب فيه الصّدور، وتلصق منه الترائب بالنّحور «2» ؛ ويظهر سيما «3» الجلالة في الوجود، ويغدق على الأولياء فيعرفون بسيماهم من أثر السّجود. وينهي أن ولاءه القديم، وبلاءه

العظيم، وأيّامه السالفة، وأفعاله التالدة والطارفة، وسوابق خدمه في امتثال الأوامر الشريفة التي لم يزل يتسارع إليها، ويقارع عليها، ويصارع غلب الأسود على تنفيذ مراسمها، وإقامة مواسمها، وإطارة صيتها، ودوام تثبيتها، تحمل الخادم على الاسترسال، وتجمل له السؤال، والذي ينهيه كذا وكذا. صدر آخر: من «التعريف» : أدام الله سلطان الديوان العزيز، ولا زالت الخلائق بكرمه مضيّفة [والكتائب في هجير وطيسه مصيّفة] «1» ، والأبصار في نصر أنصاره مصنّفة، والمواضي بأوامره في قبضات عساكره مصرّفة، والنقود إلا ما تشرّف باسمه مزيّفة، والقلوب في صدور الأعداء بخواطف رعبه مسيّفة «2» ، والوعود إلا بما تنجزه مواهبه مسوّفة، والوغى لا ترى إلا برماحه مثقّفة، والسماء وإن علت لا تكون إلا لأذيال سيوفه مسجّفة «3» ، والمهابة بسطاه إما للمعاقل فاتحة وإما عمّا يطمع أن تناله الأيدي منها مجحفة، والأمم على اختلافها تحت راياته المنصورة مقاتلة وأخرى له محالفة، والأعلام التي يأوي إليها الإسلام به جوار الجوزاء مخلّفة، والأبطال لقتال الكفر ببوارق سيوفه، قبل مضايق صفوفه، ومخانق زحوفه مخوّفة. الخادم يقبل بولائه إلى ذلك الجناب، ويقبّل الأرض وكتابه يحسن المناب، ويقيل عثراته إذ كان به قد لاذ، ويقيم معاذيره إذ كان به قد عاذ، ويتسربل بطاعته سرابيل تقيه إذا خاف من سهام الدهر إلى مهجته النّفاذ، ويصول بانضمامه إلى تلك العصابة المنصورة لا بما يطبع من الفولاذ، ويجلّ تلك المواقف المقدّسة أن يبلّ مواطئها بدمعه، وأن يحلّ مواطنها بقلبه قبل أن يعاجل كلّ عدوّ بقمعه؛ ويعدّ ما هدي إليه من الاعتصام بسببها سببا لفوزه، وموجبا لملك رقّ عنق كلّ عاص وحوزه؛ وينهي كذا وكذا.

صدر آخر: خلّد الله سلطان الديوان العزيز! ولا زالت أيامه شامخة الذّوائب، شارخة الصبّا [حتى] حيث يلحق الشّيب الشوائب، راسخة الفخار في الظّهور بالعجائب، نافخة في فحم الليل جمر الكتائب، صارخة والرعد ترتعد فرائضة بين السّحائب، ناسخة دولة كلّ علياء بما تأتي به من الغرائب، وتبذله من الرّغائب، فاسخة عقد كلّ خالع يردّه الله إليها ردّة خائب، باذخة على ماضي كلّ زمان ذاهب من عصور الخلفاء الشرفاء وآئب، سالخة لجلدة كلّ أيّم «1» ظنّ أنّ في أنياب رمحه النّوائب. الخادم يقبّل العتبات الشريفة ساجدا بجبينه، وشاهدا يستأديه له على يمينه، وجاحدا كلّ ولاء سوى ولائه المعقود بيمينه، وعاقدا بشرف الانتساب إليه عقد دينه، وحامدا الله الذي جعله [من] «2» طاعة أمير المؤمنين عند حسن يقينه؛ وعائدا بأمله إلى كرم تثمر به الآمال، وتقمر به اللّيالي لأنها شعاره الذي تضرب به الأمثال، وتمطر به السّحب الجهام «3» فتمحى بها آية الإمحال. وينهي ورود المثال الشريف الذي طلع نيّره فأنار، وسطع متضادّه فألّف بين الليل والنهار؛ وأقبل فما رآه إلا كتابه الذي أوتيه باليمين، وسحابه الذي أعطيه يندى منه الجبين؛ ونصره أكثر من الألوف، وأنصفه أعجل من السيوف، وزاحم به الدهر فضلا عن الصّفوف، وزار به الوغى لا يهابها وخطّيّات القنا وقوف؛ فتشرّف به وطار بغير جناح، وقاتل بغير سلاح، وقرأه وبات قرّى له في السّماح، وتسلّمه كأنما تسنم به المعاقل وتسلّم منه المفتاح. صدر آخر: خلّد الله أيام الديوان العزيز! ولا زالت سطواته تجمد برعبها

الأبطال المدجّحة، وتخمد بفيضها النّيران المؤججة، وتخمل بركز نفاذها إلى القلوب الرّماح المزجّجة «1» ، وتبخّل معها بعوائد كرمها السحب المثجّجة «2» ، وتخفّ لديها أوقار «3» الجبال المفجّجة «4» ، وتخرّ بل تخور خوفا أن تترقّى إليها الأصوات المضجّجة، وتخصّ بالغرق من خاطر في بحارها الملجّجة، وتحلف بسلطانها للموت أشهى من البقاء إلى طرائد سيوفها المهجّجة «5» ، وتخلّد النصر بحججها القائمة على الخصماء المتحجّجة. الخادم يقلّب وجهه في سماء الفخار بتقبيل الأرض التي طالت السماء، فأطالت النّعماء، وفضلت النّجوم اللّوامع، وأوتيت بمالكها- أعزّ الله سلطانه- كلم الفضل الجوامع، وأحلّت شوامخ المجد من حلّها، وأجلّت قدر من جدّ فأجلّها، وأعطت مفاتيح الكنوز كنوز الشّرف لمن قبّلها كما يقبّل الحجيج الحجر، أو أمّلها كما يؤمّل الساري طلوع القمر؛ وينهي كذا وكذا. صدر آخر: قال في «التعريف» : وهو غريب الأسلوب. أدام الله أيام العدل والإحسان، النّعم الحسان، والفضل المشكور بكلّ لسان؛ الأيّام التي أشرق صباحها السّافر، وعمّ سماحها الوافر، وآمن بيمنها كلّ مسلم ضرب عليه سرادق الليل الكافر؛ وعلت شموسها وقد جنحت العصور الذّواهب، وقدحت أشعّتها فأضاءت بين لابتي الغياهب «6» ؛ أيّام الديوان [العزيز

المولوي، السيديّ، النبويّ، الإماميّ، الحاكميّ] «1» ، لا برحت أيامه مفنّنة، «2» وأحكامه مقنّنة، وسحبه على الظّماء محنّنة، وقربه بفقد ما حوته مجنّنة «3» ، وحقائقه غير مظنّنة، وطرائقه للخير مسنّنة، والخلائق تحت جناح رأفته ورحماه مكنّنة؛ ولا زال ولاؤه ضمير من اعتقد، وممير «4» من أخذ من الدهر ما نقد، ومبير الأسود المتضائلة لديه كالنّقد «5» ، وسمير من تنبّه وضجيع من رقد، ومعير البرق ندى كرمه وقد وقد، ومغير متعالي الصّباح من راياته العالية بما عقد، ومجير من لاذبه حتّى لا يضرّه من فقد ومبير عداه برداه الذي إن تأخّر إلى حين فقد «6» الخادم يخدم تلك العتبات الشريفة التي إن تاهت على السماء فما «7» ، وإن دنت للتقبيل فإن الثّريّا تودّ أن تكون فما؛ وينهب تراب تلك الأرض التي هي مساجد، ويقبّل ذلك البساط الذي لا موضع فيه إلا مكان لاثم أو ساجد؛ وينزّهها عن سواكب دمعه: لأنّ ذلك الحرم [الآمن] «8» لا تطلّ فيه الدماء، ويجلّها عن مواقع لثمه لأنها لا تلثم السماء؛ ويرفع صالح الدعاء وإنما إلى سمائها يرفعه، وينهي صادق الولاء وماثمّ من يدفعه، ويدّخر من صحيح العبوديّة ما يرجو أنه ينفعه؛ ويطالع العلوم الشريفة بكذا وكذا. صدر آخر: أدام الله النعمة على الدين والدنيا بإيالة الديوان العزيز! وأسبغ نعمه فالنّعم في ضمنها، وملأ الآمال منها وأفاض من أنوارها التي علم قرن

الشمس أنّه غير قرنها، وأدال دولته التي نزل الخلق من جنّات عدلها جنّات عدنها؛ وأمضى سيوفها التي تعرب فيعرف ضمير النصر في لحنها «1» ، وأعلى آراءها التي تلقى العداة بدروع يقينها، وتلقى الغيوب بسهم ظنّها؛ ولا زالت البشائر تتبارى إليه بردها، ويضفو على أعطاف الإسلام بردها؛ ولا برحت راياته سويدات «2» قلوب العساكر، وأجنحة الدعاء المحلّق إلى أفق السماء من أفق المنابر، وولاؤها السّرّ المبهم الذي هو مما تبلى به السرائر «3» الخادم ... صدر آخر: أعلى الله الموحّدين على الملحدين، وثبّت كلمة المتّقين على اليقين، بدوام أيّام الديوان العزيز، وروّض بولاته كل ديوان، ووسم بولائه كلّ أوان، وأنطق بحمده كلّ لسان، وألهم الخلق أن يعنونوا بطاعته صحائف الإيمان، وأسعدهم بما يتناولونه في الدنيا من كتب المنن وفي الآخرة من كتب الأمان؛ فكلّها طائر في العنق يكون بالطاعة قلائد برّ في الأطواق، وبالمعصية جوامع أسر في الأعناق. ورد على المملوك كتاب إن لم يكن أنزل من السماء، فهو من الذين أنزل عليهم كتاب من السماء، وإن لم تنزل ألفاظه بالماء، فهو من الذين أنزلت ألفاظ دعواتهم الماء؛ وإن لم يكن كتاب العمل: لأنه ليس بيوم الكتاب، فإنه قطّ «4» عجّل له قبل يوم الحساب؛ ولولا أن أمّ الكتاب أعقمت «5» لكان ابن أمّ الكتاب، وإن هو إلا طائر ألزم في عنقه وما وكر طائره إلا المحراب. صدر آخر: أتمّ الله ما أنعم به على الديوان العزيز وعلى الخلق، وأشرك في هذه النّعمة أهل الغرب والشّرق، وميّز الحظوظ فيها بحسب درجات السّبق. فإنه

لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى «1» والله لا يخلف موعده؛ والديوان العزيز لا يكدّر مورده، ولا رفع عن أيدي الخلق يده، بل يجري عليها ما ضمّنه، ويمكّنها بما بسط لها في الأرض ومكّنه، ويرسل عليها سحائب رحمته، وينشيء منها ناشئة نعمته، ويوجّه إلى قلبها وجه كلّ أمل، ويفيض طوفانها فلا يكون به للغليل قبل، ولا يأوي إلى حصاة قلب «2» فيعصمها ولو أنه جبل. قلت: ولم أقف على مكاتبة عن أحد من ملوك الديار المصرية إلى أبواب الخلافة مذ صارت دار الخلافة بالديار المصرية. والظاهر أنه لم تجر مكاتبة عن السلطان إلى الخليفة، لأن الخليفة لا يكاد يفارق السلطان سفرا ولا حضرا مفارقة توجب المكاتبة إليه، كما أشار إليه صاحب «التثقيف» . وقد لوّح في «التعريف» إلى ذلك فقال: وأوّل ما نبدأ بما يكتب به إلى الأبواب الشريفة الخليفتية (كذا) زادها الله شرفا، جريا على قديم العادة، ورجاء لملاحظة السّعادة. وهذه نسخة مكاتبة من هذا النوع مما كتب به القاضي الفاضل عن السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» رحمه الله إلى ديوان الخلافة ببغداد في أيام الناصر لدين الله بخبر ملك الألمان «3» من الفرنجة والقتال معه، في جواب كتاب ورد عليه، يوضّح في هذا الموضع بيان هذا الأسلوب، ويغني عن مراجعة [كثير] من الأمثلة المذكورة في المكاتبات إلى الخلفاء على ما تقدّم، وهو: أدام الله ظلّ الديوان العزيز النبويّ، الإماميّ، الشريف الناصريّ، ومدّه على الأمة ظليلا، وجعل الأنوار عليه دليلا، وحاطه بلطفه وتقبّل أعماله بقبول

حسن وأنبتها، وأرغم أعداءه وكبتها، ومسّها بعذاب من عنده وسحتها؛ ولا زالت رايته السوداء بيضاء الخبر، محمرّة المخبر في العداة مسودّة الأثر. ورد على الخادم ما كوتب به من الديوان العزيز رائدا في استخلاصه، مبرهنا عن اختصاصه، مطلقا في الشّكر للسانه، وفي الحرب لعنانه؛ ومقتضيا لأمنيّة كان يتهيّبها، ومفيضا لمكرمة لو سمت نفسه إليها كان يتهمها؛ فلله هو! من كتاب كأنّه سورة وكلّ آية منه سجدة، قابله بالخشوع كأنما قلم الكتاب القضيب وطرسه البردة «1» ؛ وتلاه على من قبله من الأولياء مسترفها به لعزائمهم، مستجزلا به لمغانمهم، مستثبتا به للازمهم، مستدعيا به الخدمة للوازمهم، مرهفا به ظباهم في القتال، فاسحا به خطاهم يوم النّزال؛ فأثّر فيه كالاقتداح في الزّند «2» ؛ وكالانبجاس من الصّلد، وكالاستلال من الغمد؛ فشمّر من كان قد أسبل، وانتهى من كان قد أجبل «3» ؛ وكأنّما أعطوا كتابا من الدّهر بالأمان، أو سمعوا مناديا ينادي للإيمان؛ وقالوا: سمعنا وأطعنا، وعلينا من الخدمة ما استطعنا؛ هذا مع كونهم أنضاء زحوف «4» ، وأشلاء حتوف، وضرائب سيوف؛ قد وسمت وجوههم علامات الكفاح، وأحالت عرضهم أقلام الرّماح؛ صابرين مصابرين، مكاثرين مكابرين، مناضلين مناظرين؛ قد قاموا عن المسلمين بما قعد عنه سائرهم، ونزلوا بقارعة القراع فلا يسير عنها سائرهم؛ وسدّست «5» كعوب الرّماح أنملهم، وأثبتوا في معترك الموت أرجلهم؛ كلّ ذلك طاعة لله ولرسوله ولخليفتهما، وإذا رموا فأصابوا قالوا ولكنّ الله رمى.

ومن خبر الكفّار أنهم إلى الآن على عكّا يمدّهم البحر بمراكب أكثر عدّة من أمواجه، ويخرج للمسلمين منهم أمر من أجاجه» ؛ قد تعاضدت ملوك الكفر «2» على أن ينهضوا إليهم من كلّ فرقة منهم طائفة، ويقلّدوا لهم من كل قرن يعجز بالكرّة واصفه؛ فإذا قتل المسلمون واحدا في البرّ بعث البحر عوضه ألفا، وإذا ذهب بالقتل صنف منهم أخلف بدله صنفا؛ فالزّرع أكثر من الجداد «3» ، والثمرة أنمى من الحصاد. وهذا العدو المقاتل- قاتله الله- قد زرّ عليه من الخنادق أدراعا متينة، واستجنّ من الجنويات «4» بحصون حصينة؛ مصحرا ومتمنّعا، وحاسرا ومتدرّعا ومواصلا ومنقطعا؛ وكلّما أخرج رأسا قد قطعت منه رؤوس، وكلّما كشف وجها كشف من غطاء أجسادها نفوس؛ فكم من يوم أرسلوا أعنّة السوابق فذمّوا عقبى إرسالها، وكم من ساعة فضّوا فيها أقفال الخنادق فأفضى إليهم البلاء عند فضّ أقفالها؛ إلا أنّ عددهم الجمّ قد كاثر القتل، ورقابهم الغلب قد قطعت النّصل لشدّة ما قطعها النصل. ومن قبل الخادم من الأولياء قد آثّرت المدّة الطويلة، والكلف الثقيلة، في استطاعتهم لا في طاعتهم، وفي أجوالهم «5» لا في شجاعتهم؛ فالبرك «6» قد أنضوه، والسّلاح قد أحفوه، والدّرهم قد أفنوه؛ وكلّ من يعرفهم من أهل المعرفة، ويراهم بالعين فما هم مثل من يراهم بالصّفة؛ يناشد الله المناشدة النبويّة، في الصّيحة البدرية؛ اللهم إن تهلك هذه العصابة، ويخلص الدعاء ويرجو على يد أمير المؤمنين الإجابة. هذا والساحل قد تماسك، وما تهالك؛ وتجلّد، ما تبلّد؛ وشجّعته مواعد النّجدة الخارجة، وأسلته عن مصارع العدّة الدّارجة؛ فكيف به إذا خرج داعية الألمان، وملوك للصّلبان، وجموع ما

وراء البحر، وحشود أجناس الكفر؟ وقد حرّم باباهم «1» - لعنة الله عليهم وعليه- كلّ مباح واستخرج منهم كلّ مذخور، وأغلق دونهم الكنائس، ولبس وألبسهم الحداد، وحكم عليهم أن لا يزالوا كذلك أو يستخلصوا المقبرة، ويعيدوا القمامة «2» وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ «3» اللهم أخفر جواره، واصرف جوره، وأخلف وعده، واكسر ضمانه، وأنكصه على عقبه، وعجّل في الدنيا والآخرة منهم تبابه. وما بدأتنا به من نعمتك فلا تقطعه، وما وهبتنا من نصرك فلا تسلبه، وما سترته من عجزنا فلا تهتكه. [و] في دون ما الدّين مستقبله، وعدوّه خذله الله يؤمّله؛ ما يستغرغ عزائم الرجال، ويستنفد خزائن الأموال، ويوجب لإمام هذه الأمة أن يحفظ عليها قبلتها، ويزيح في قتل عدوّها علّتها؛ ولولا أنّ في التصريح، ما يعود على عدالته بالتّجريح، لقال ما يبكي العين وينكي القلوب، وتنشقّ له المرائر وتشقّ له الجيوب؛ ولكنّه صابر محتسب، منتظر لنصر الله مرتقب، قائم في نفسه بما يجب؛ ربّ إني لا أملك إلا نفسي وأخي، وها هو قد هاجر إليك هجرة يرجوها عندك مقبولة، وولدي وقد أبرزت لعدوّك صفحات وجوههم، وهان عليّ محبوبك بمكروهي فيهم ومكروههم. ونقف عند هذا الحدّ، ولله الأمر من قبل ومن بعد؛ وإن لم يشتك الدّين إلى «ناصره» والحقّ إلى من قام بأوّله وإلى اليوم الآخر يقوم بآخره؛ فإلى من

يشتكى البثّ، وعند من يتفرج بالنّفث؟ ومنفعة الغوث قبل العطب، والنّجاء قبل أن يصل الحزام الطّبيين «1» والبلاغ قبل أن يصل السيل الزّبى. فيا عصبة محمد صلّى الله عليه وسلّم اخلفه في أمّته بما تطمئن به مضاجعه، ووفّه الحقّ فينا؛ فإنّا وإنّ المسلمين عندك ودائعه، وما مثّل الخادم نفسه في هذا القول إلا بحالة من وقف بالباب ضارعا، وناجى بالقول صادعا؛ ولو رفعت عنه العوائق لهاجر، وشافه طبيب الإسلام بل مسيحه بالداء خامر؛ ولو أمن عدوّ الله أن يقول فرّ لسافر، وبعد ففيه وإن عضّ الزمان بقيّة، وقبله وإن تدارأت الشّهّاد دريّة «2» ؛ فلا يزال قائما حتّى ينصر أو يعذر، فلا يصل إلى حرم ذرّية أحمد صلّى الله عليه وسلّم ومن ذريّة أيوب واحد يذكر. أنجز الله لأمير المؤمنين مواعد نصره! وتمم مساعدة دهره! وأصفى موارد إحسانه! وأرسى قواعد سلطانه! وحفظه وحفظ به فهو خير حافظا «3» ، ونصره ونصر على يديه فهو أقوى ناصرا، إن شاء الله تعالى. ثم اعلم أن المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله قد ذكر في «تعريفه» أيضا أنّ المكاتبة إلى أبواب الخلافة من الملوك والسّوقة لا تختلف، بل تكون على الأنموذج المقدّم ذكره، واستلزم ذلك: فجرى على هذا المصطلح فيما كتب به إلى الديوان العزيز الحاكميّ، أحمد بن أبي الربيع سليمان «4» أحد الخلفاء

العباسيّين بالديار المصرية، عن رماة البندق «1» بالشام، جوابا عمّا ورد عليه من كتابهم، وهو متكلّم على رماة البندق يومئذ في أمر ناصر الدين بن الحمصيّ وهو أحد الرّماة. أدام الله تعالى أيام الديوان العزيز، المولويّ، السيديّ، النبويّ، الإماميّ، الحاكميّ، ونصر به جمع الإيمان، وبشّر بأيّامه الزمان، ومتّعه بالملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده بما ورثه من سليمان؛ ولا زال يخضع لمقامه كلّ جليل، ويعرف لأيامه كلّ وجه جميل، ويعترف لشرفه كلّ معترف بالتفضيل، ويشهد بنفاذ أوامره من ذوي نسبه الشريف كلّ أخ وخليل؛ ولا كان إلّا كرمه المأمول، ودعاءه المقبول، وعدوّه المصروع ووليّه المحمول؛ ولا برحت طاعته يعقد عليها كلّ جمع، ومراسمه ينصت إليها كلّ سمع، وطوائف الذين كذبوا عليه لا تتلى عليهم آياته إلا تولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع. المماليك يقبّلون الأرض بالأبواب العالية التي هي خطّة شرفهم، ومكان تعبّد القدماء منهم ومن سلفهم، ويلوذون بذلك المقام، ويعوذون بذلك الحرم الذي لا يبعد نسبه من البيت الحرام؛ ويؤمّلون ذلك الكرم الذي ما منهم إلا من سعد به طائره، وجاءته به في وجه الصّباح أشائره؛ وفي وجه العشاء بشائره؛ فنالوا به أقصى المرام، وقضوا به من العمر ما إذا قالوا: يا سعد! لا يعنون به إلا ذلك الإمام؛ وينتهون إلى ما ورد به المرسوم الشريف الذي ما من المماليك إلا من متّ لديه بتقديم عبوديّته ورقّه، وسارع إلى طائره الميمون وحمله بسبقه، وفتح له عينه وظنّ أنّه حاكم، وامتثلوا أمره وكيف لا تمتثل الرماة أمر الحاكم؟ ولا سيّما ابن عمّ

سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الامام الحاكم؛ وأجلّوه عن رفعه على العين إذ كانت تلك بمنزلة الحاجب، وقدّموا إليه خفوق قلوبهم الطائرة وما علموا إن كانوا قاموا بالواجب؛ ووقفوا على أحكام حاكمه فما شكّوا أنّ زمان هذا الفنّ بحياة ناصره في بغداد قد عاد، وأنّ مثاله المتمثّل في سواد الحدق مما حكته أيامه العبّاسيّة من شعار السّواد؛ وعلموا ما رسم به في معني محمد بن الحمصيّ الذي ما نوّرت الليلة أكاريخه، ولا بعدت في الإقعاد له تواريخه؛ بل أخمدت دموع ندمه نيرانه المشتعلة، وأصبح به لا يحمل القوس في يده إلا أنه مشغلة؛ وما كان أنهاه الدّيوان العزيز مما لم تذكر الخواطر الشريفة بأنه قبة المفترى، وأنه صاحب القوس إلا أن ماله سعادة المشتري؛ وأنه موّه تمويه الجاحد، وتلوّن مثل قوس قزح وإلا فقوس البندق لون واحد؛ وأدلى بغروره، وعرض المحضر الذي حمله على تغريره؛ وذلك في غيبة الأمير بهاء الدين أرسلان البندقدار الحاكمي، الذي لو كان حاضرا لكان حجّة عليه، ومؤكّدا لإبطال رميه وقوسه وبندقه في يديه؛ لما تضمّنه الخطّ الشريف المقيّد اللفظ المكتتب على المصطلح، الساحب ذيل فخاره على المقترح، الذي هدى إلى الخير، وبدا به ما وهب من الملك السليمانيّ الذي أوتي من كلّ شيء وعلّم منطق الطير «1» ؛ فإنّه لم يكتب له إلا بأن يرمي على الوجه المرضيّ واستيفاء شروط البندق، والخروج من جميع الأشكال عملا بقواعده؛ ويعلم بأنه ما رعى حقّ قدمته، ولا فعل في الباب العزيز ما يجب من التحلّي بشعار الصّدق في خدمته؛ وأنه خالف عادة الأدب، وأخطأ في الكلّ لكنه ندب «2» ؛ وذلك بعد أن عمل له جميع رماة البندق، وسئل فأجاب: بأنه سالم من كل إشكال

يشكل، وأنه بعد أن أقعد رمى وحمل وحمل؛ فشهد عليه السادة الأمراء ولاة العهد إخوة أمير المؤمنين ومن حضر، وكتبوا خطوطهم في المحضر؛ وما حصل الآن عند عرض قصة المماليك بالمواقف المقدّسة، ووضوح قضيته المدنّسة: من التعجّب من اعتراف المماليك، لكونهم رموا معه بعد أن رأوا الخطّ الشريف وهو لفظ مقيّد، وأمر أيّد به رأي الإمام الحاكم بأمر الله المسترشد بالله والمؤيّد؛ وكلّ ما أمر به أمير المؤمنين لا معدل عن طرقه، ولا جدال إلا به إذا ألزم كلّ أحد طائره «1» في عنقه، وأمير المؤمنين بحر لا يرد إلا من علمه، وهو الحاكم ولا رادّ لحكمه. وإنما ابن الحمصيّ المذكور عدم السّداد، وخالف جاري العادة في الحمّص فإنه هو الذي سلق في الافتراء بألسنة حداد؛ ولم يوقف المماليك من الخط الشريف إلا على بعضه، ولا أراهم من برقه المتهلّل غير ومضه؛ والذي أوقفهم عليه منه أن يرمي محمد بن الحمصيّ ويرمى معه، وكلمة أمير المؤمنين مستمعة، ومراسيمه متّبعة؛ وإذا تقدّم كان الناس تبعه. غير أن المذكور بدت منه أمور قطع بها الأمير صارم الدين صاروجا الحاكم البندقدار «2» في حقه، وأقعده عن قدمته التي كان يمتّ فيها بسبقه؛ وانتقل عنه غلمانه، وثقل عليه زمانه؛ ونودي عليه في جمع كبير يزيد على تسعين قوسا، وجرح بخطإ بندقه جرحا لا يوسى؛ ثم بعد مدّة سنين توسّل بولد الأمير المرحوم سيف الدين تنكز إلى أبيه، وتوصّل به إلى مراميه؛ فأمر أن يرمى معه وهدّد المخالف بالضرب، ولم يرم معه أحد برضاه إلا خوف أن توقد نار الحرب، فلما مضت تلك الأيّام، وانقضت تلك الأحلام، جمع مملوك الأبواب العالية الأمير علاء الدين بن الأبو بكري الحاكم في البندق الآن من رماة البندق

جمعا كبيرا، واهتّم به اهتماما كثيرا؛ وذكر أمر المذكور، وأحضر محضره المسطور؛ ولم يكن عليه تعويل، ولا في حكم الحاكم المتقدّم تعليل، ولا عند هذا الحاكم الذي ادّعى له وادّعى عنده تجوز الأباطيل؛ وتحقّق أنّ الحقّ فيما حكم به عليه فتبع، وترجّح أن لا يقام منه من أقعد ولا يوصل منه ما قطع؛ فنّفذ حكم الحاكم المتقدّم، واستمرّ بقعوده المتحتّم؛ ووافقه على هذا سائر الرّماة بالبلاد الشامية وحكّامها، ومن يرجع إليه في الرّماية وإحكامها؛ وبطلت قدمة لمذكور التي ذهب فيها عمره ضائعا، وزمانه الذي لو اشتريت منه ساعة بالعمر لم يكن نافعا. ولما ورد الآن هذا المرسوم الشريف زاده الله شرفا قبلوا الأرض لديه، وأوقفوا عليه حاكمهم المسمّى فوقف له وعليه؛ وجمع له جمعا لم يدع فيه من الرّماة معتبرا، ولا من يلقم القوس وترا، ولا من إذا قعد كالعين جرى ما جرى، ثم قرأ عليهم ما تضمّن، ودعو الأمير المؤمنين ولم يبق منهم إلا من دعا أو أمّن؛ وتضاعف سرورهم بحكمه الذي رفع الخلل، وقطع الجدل، وقالوا: لا عدمنا أيام هذا الحاكم الذي أنصف والإمام الذي عدل؛ وبقى ابن الحمصى مثله، ونودى عليه إنّه من رمى معه كان مخطئا مثله؛ ووقرت هذه المناداة في كلّ مسمع، وقرّت استقرار الفضل عليه المجمع، وذلك بما فهم من أمير المؤمنين؛ وبنص كتابه المبين، وبما قضى الله به على لسان خليفته الحاكم والله أحكم الحاكمين؛ وطالعوا بها وأنهوا صورة الحال، وجمعوا في إمضائه الآمال. لا زالت سعادة أمير المؤمنين منزّهة عن الشّبه، آخذة من خير الدارين كل اثنين في وجه، حتّى تحصل كلّ رمية من كثب، ولا يرمى في كل أمنة إلا كلّ مصطحب، ما غبّ في السماء المرزم «1» ، ووقع العقاب على ثنيّة يقرع سنّه ويتندّم، وعلا النّسر الطائر والواقع على آثاره وسائر طيور النّجوم والحوّم؛ إن شاء الله تعالى.

الطرف الثاني (في المكاتبة إلى ولاة العهد بالخلافة)

قلت: وقد اعترض في «التثقيف» كلام المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف» فقال: وفيما ذكره في «التعريف» من التسوية في المكاتبة بين الملوك والسّوقة نظر. وما أشار إليه من النظر ظاهر: فإن الذي تجب مكاتبتهم به ما يكاتب به المرؤوس رئيسه بحسب ما تقتضيه الحال في ابتداء المكاتبات من يقبّل الأرض، كما تكاتب الملوك، بل هم بذلك أحقّ وأجدر. ويكون الخطاب لهم في أثناء المكاتبة بما أشار إليه في «التعريف» بالديوان العزيز، والمواقف المقدّسة أو المشرّفة، والأبواب الشريفة، والباب العزيز، والمقام الأشرف، والجانب الأعلى، ومولانا أمير المؤمنين، ونحو ذلك بحسب ما تقتضيه الحال على ما تقدّم ذكره. الطرف الثاني (في المكاتبة إلى ولاة العهد بالخلافة) أما على المصطلح القديم حين كانت المكاتبة إلى الخلفاء «لفلان من فلان» فقال في «صناعة الكتّاب» : ويكون التصدير في المكاتبة إلى وليّ العهد على ما تقدّم في المكاتبة إلى الخلفاء مع تغيير الأسماء، غير أنه جعل الفرق بين الإمام وغيره ممن يكاتب بالتصدير أن يقال للإمام في التصدير مع السلام: وبركاته، في أوّل الكتاب وآخره. ومن سوى الإمام تحذف وبركاته من التصدير وتثبت في آخر الكتاب. وقد تقدّم أنّ التصدير إلى الخليفة حينئذ كان «لعبد الله أبي فلان فلان أمير المؤمنين، سلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فإني أحمد إلى أمير المؤمنين الله الذي لا إله إلّا هو، وأسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله. أما بعد، أطال الله بقاء أمير المؤمنين إلى آخره، ويختم بقوله: والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته» . وحينئذ فتكون المكاتبة إلى وليّ العهد على ما أشار إليه في «صناعة الكتّاب» من الابتداء بالتصدير مع تغيير الأسماء: «لعبد الله أبي فلان فلان وليّ

عهد المسلمين، سلام على وليّ عهد المسلمين؛ فإني أحمد إليه الله الذي لا إله إلّا هو، وأسأله أن يصلّي على رسوله صلّى الله عليه وسلّم. أما بعد: أطال الله بقاء وليّ العهد، ويختمه بقوله: والسلام على وليّ عهد المسلمين ورحمة الله وبركاته» أو نحو ذلك. وأما على المصطلح الذي حدث بعد ذلك، فقد ذكر المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في كتابه «التعريف» أن رسم المكاتبة إلى وليّ العهد بالخلافة: ضاعف الله تعالى جلال الجانب الشريف، المولويّ، السيديّ، النّبويّ، الفلانيّ؛ ثم الدعاء المعطوف. وأبدل في «التثقيف» لفظ الجانب بالجناب. والخطاب له بمولانا وسيدنا وليّ العهد ونحو ذلك. والتعبير عن المكتوب عنه ب «الخادم يقبل العتبات الشريفة أو اليد الشريفة» أو نحو ذلك. قال في «التثقيف» : والعلامة إليه «الخادم» والعنوان «الجناب الشريف» وبقية الألقاب المذكورة إلى آخرها. قال: وهو «1» أحسن من الجناب: لعدم اشتراك غيره معه فيه بخلاف الجناب. قال: وهذا أيضا على عادة من تقدّم من الملوك، أما في زماننا وقبله بمدّة مديدة، فلم يتفق وجود وليّ عهد للخلافة؛ وبتقدير وجوده فإذا لم يكن الخليفة يكاتب في هذا الأيام فكيف بوليّ عهده. وهذه صدور مكاتبات إليه أوردها في «التعريف» . صدر: ضاعف الله تعالى جلال الجانب وأطلع مع وجود الشمس بدره التّمام، وأحوج مع زاخر الحبر منه إلى مدد الغمام، وقدّمه إماما على الناس وأطال بقاء سيدنا أبيه الإمام؛ ولا عدم منه مع نظر والده الشريف جميل النظر، ولا برح صدر دسته «2» العليّ إذا غاب وثانيه إذا حضر؛ ولا زال الزمان مختالا من جود

وجودهما لا عرّف الله الأنام قدره إلا بالزّهر والثّمر، ولا زاد فيض كرم إلا وهو من كفّ أبيه فاض أو من وبله العميم انهمر. الخادم يخدم تلك العتبات الباذخة الشرف، الناسخة بما وجده من الخير في تقبيلها قول من قال: لا خير في السّرف. وينهي ولاء ما عقد على مثله ضمير، ولا انعقد شبيهه لولّي عهد ولا أمير؛ وإخلاصه في انتماء أشرق منه على الجبين، وأشرف فرآه فرضا عليه فيما نطق به القرآن ورقم في الكتاب المبين. صدر آخر: أعز الله أنصار الجانب الشريف، ولا حجب منه سرّ ذلك الجلال، ولا معنى ذلك البدر المشرق منه في صورة الهلال، ولا فيض ذلك السحاب المشرع منه هذا المورد الزّلال، ولا تلك المآثر التي دلّ عليها منه كرم الخلال، ولا تلك الشجرة المفرّعة ولا ما امتد منها به من الغصن الممتدّ الظلال، ولا ذلك الإمام الذي هو وليّ عهده وهو أعظم من الاستقلال. الخادم يقبّل تلك اليد موفيا لها بعهده [ومصفيا منها لورده] «1» ومضفيا منها جلابيب الشرف على عطفه، وحسبه فخارا أن يدعى في ذلك المقام بعبده؛ ويترامى على تلك الأبواب، ويلثم ذلك الثرى ويرجو الثواب. صدر آخر: ولا زالت عهود ولايته منصوصة، وإيالته بعموم المصالح مخصوصة، وصفوف جيوشه كالبنيان مرصوصة، وقوادم أعدائه بالحوالق محصوصة «2» ، وبدائع أنبائه فيما حلّقت إليه دعوته الشريفة مقصوصة [والوفود في أبوابه أجنحتها بالنّدى مبلولة مقصوصة] «3» الخادم يجدّد بتلك الأعتاب خدمه، ويزاحم في تلك الرّحاب خدمه، ويقف في تلك الصّفوف لا تنقل عن الطاعة قدمه، ويتمثّل بين تلك الوقوف ويتميز عليهم

إذا ذكر في السوابق قدمه؛ ويدلي بحجج سيوفه [التي أشهرها، وصروفه التي لاقى أشهرها، ومواقفه] «1» التي ما أنكرها الديوان العزيز مذ أثبتها، ولا حطّ رماحها مذ أنبتها، ولا محا سطورها، مذ كتبها، ليغيظ الأعداء ولا يشفي صدورها، منذ كبتها؛ وينهي كذا وكذا. صدر آخر: ولا زالت مواعيد الظّفر له منصوصة، ورؤوس من كفر بطوارقه «2» مرضوضة، وصحائف الأيام عما يسرّ به الزمان فيه مفضوضة، وجفون عداه ولو اتصلت بمقل النجوم مغضوضة، وطوارق «3» الأعداء التي تجنّهم منه بسيوفه معضوضة. الخادم يخدم أرضه المقدّسة بترامي قبله، وتقليب وجهه إلى قبله؛ ويتطوّف بذلك الحرم، ويتطوّل من فواضل ذلك الكرم؛ ويتطوّق بقلائد تلك المنن، وفرائد تلك المواهب التي إن لم تكن له وإلا فمن؛ فإنه، والله يشهد له، لا يعتقد بعد ولاء سيدنا ومولانا أمير المؤمنين، والقيم بأمور الدنيا والدّين، عليه الصلاة والسلام، إلّا ولاءها، ولا يؤمّل بعد تلك الآلاء إلّا آلاءها؛ ولا يرجو من غير هذه الشجرة المباركة لأمله إثمارا، ولا لليله إقمارا؛ ولا لأيّامه حافظا، ولا لحال إقدامه في قدم صدق ولائه لافظا؛ قائما في خدم هذه الدولة القاهرة يجهد في منافعها [ويجدّ في كبت مدافعها] «4» ويدّخر شفاعتها العظمى إذا جاءت كلّ أمة بشافعها، وينهي كذا وكذا.

الطرف الثالث (من المصطلح المستقر عليه الحال

الطرف الثالث (من المصطلح المستقر عليه الحال ، في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية إلى أهل المملكة: من مصر والشام والحجاز، وفيه ثلاثة مقاصد) المقصد الأول (في المكاتبات المفردة، وفيه مسلكان) المسلك الأول (في بيان رتب المكاتبات ورتب أهلها، وهي على ضربين) الضرب الأول (المكاتبات إلى الملوك على ما كان عليه الحال في الزمن المتقدّم مما لعلّه يعود مثله، وهي الدعاء للمقام، وفيه مكاتبتان) الأولى- المكاتبة إلى وليّ العهد بالسلطنة [وهي] «1» على ما ذكره في «التثقيف» : أعزّ الله تعالى أنصار المقام العالي، الملكيّ، الفلانيّ، الأخويّ، أو الولديّ، إن كان أخا أو ولدا. ثم الدعاء اللائق به، ثم يقال: «أصدرناها إلى المقام العالي ويطالع علمه الشريف» والعلامة «أخوه» سواء كان أخا أو غير أخ، و «والده» إن كان والدا. ولم يذكر تعريفه، والذي يظهر أنه يكتب له «وليّ العهد بالسلطنة الشريفة» . ولم يذكر قطع الورق لهذه المكاتبة، والذي يظهر أنه في قطع العادة على قاعدة المكاتبات إلى أهل المملكة. قال في «التثقيف» : ولعل هذه المكاتبة نظير ما كتب به إلى الملك الصالح علاء الدين عليّ ولد المنصور قلاوون: فإنه كان وليّ عهد أبيه المذكور، توفّي في حياته «2» ثم قال: ورأيت

الثانية - المكاتبة إلى صاحب حماة من بقايا الملوك الأيوبية

أمثلة كثيرة صدرت عنه بخلاص الحقوق، وعلامته عليها «علي بن قلاوون» . الثانية- المكاتبة إلى صاحب حماة من بقايا الملوك الأيوبية قبل مصيرها نيابة «1» ، وآخر من كان منهم في الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون» الملك الأفضل ناصر الدين محمد بن الملك المؤيّد عماد الدين إسماعيل «2» ، لمّا صارت إليه بعد أبيه المذكور. ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التثقيف» في قطع العادة: «أعز الله تعالى أنصار المقام الشريف، العالي، السلطاني، الملكيّ، الأفضليّ، الناصريّ، ونحوهما» . ثم الدعاء، وبعده «أصدرناها إلى المقام الشريف» والعلامة «أخوه» وتعريفه «صاحب حماة» . قال في «التثقيف» : ولم يزل الحال على ذلك إلى أن عزل عنها الأفضل المشار إليه بعد الأيام الشّهيدية الملك الصالح عماد الدين إسماعيل ابن السلطان الشهيد الناصر محمد بن قلاوون، واستقرّ بها بعده نائبا الأمير طغاي الحمويّ أمير مجلس «3» كان، فبقيت نيابة بعده إلى الآن.

الضرب الثاني (المكاتبات إلى من عدا الملوك من أرباب السيوف والأقلام وغيرهم ممن جرت العادة بمكاتبته، وفيه مهيعان)

الضرب الثاني (المكاتبات إلى من عدا الملوك من أرباب السيوف والأقلام وغيرهم ممن جرت العادة بمكاتبته، وفيه مهيعان) المهيع الأول (في رتب المكاتبات، وهي على عشر «1» درجات) الدرجة الأولى (الدعاء للمقرّ) «2» وصورته على ما ذكره في «التثقيف» : «أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الكريم «3» ، العالي «4» ، المولويّ «5» ، الأميريّ، الكبيريّ «6» ، العالميّ «7» ،

العادليّ «8» ، المؤيّديّ «9» ، الزّعيميّ «10» ، العونيّ «11» ، الغياثيّ «12» ، المثاغريّ «13» ،

المرابطيّ «14» ، الممهّديّ «15» ، المشيّديّ «16» ، الظّهيريّ «17» ، العابديّ «18» ،

الدرجة الثانية (الدعاء للجناب الكريم)

الناسكيّ «1» ، الأتابكيّ «2» ، الكفيليّ «3» ، الفلانيّ؛ معزّ الإسلام والمسلمين، سيد أمراء العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، ملجإ الفقراء والمساكين، زعيم جيوش الموحّدين، أتابك العساكر، ممهّد الدّول، مشيّد الممالك، عماد الملة، عون الأمة، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين» . ثم الدعاء المعطوف والتصدير المناسب: مثل أن يقال: «ولا زال عزمه مؤيّدا، وعزّه مؤبّدا، وسعده على ممرّ الجديدين مجدّدا؛ أصدرناها إلى المقرّ الكريم تهدي إليه من السلام أتمّه، ومن الثناء أعمّه» . ثم يقال: «وتبدي لعلمه الكريم كذا وكذا، ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره الكريم بكذا وكذا، فيحيط علمه الكريم بذلك، والله تعالى يؤيّده بمنّه وكرمه» . الدرجة الثانية (الدعاء للجناب الكريم) «4» وصورته على ما أورده في «التثقيف» عما استقر عليه الحال «أعزّ الله تعالى نصرة الجناب الكريم، العالى، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ،

الدرجة الثالثة (الدعاء للجناب العالي بمضاعفة النعمة)

المؤيّديّ، الزعيميّ، العونيّ، الغياثيّ، المثاغريّ، المرابطيّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظهيريّ، الكافليّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة «1» والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، سيف أمير المؤمنين» . ثم الدعاء والتصدير المناسب، مثل أن يقال: «ولا زالت عزائمه مؤيّدة، وأوامره السعيدة مسدّدة؛ صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما طيّبا، وثناء مطنبا؛ وتوضّح لعلمه الكريم كذا. ومرسومنا للجناب الكريم أن يتقدّم أمره الكريم بكذا وكذا؛ فيحيط علمه الكريم بذلك، والله تعالى يؤيده بمنّه وكرمه» . قلت: والذي في «التعريف» : «أعز الله تعالى أنصار الجناب الكريم، بإبدال نصرة بأنصار؛ واختلاف بعض الألقاب المتقدّمة» . الدرجة الثالثة (الدعاء للجناب العالي بمضاعفة النعمة) وصورته على ما في «التثقيف» : «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، العونيّ، الزّعيميّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظهيريّ، الكافليّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحدين، مقدّم العساكر، ممهّد الدّول، مشيّد الممالك، عماد الملة، عون الأمّة، ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين» . ثم الدعاء والتصدير المناسب، مثل:

الدرجة الرابعة (الدعاء للجناب العالي بدوام النعمة)

«ولا زال قدره عاليا، ومدحه متواليا، وجيد الدّهر بمحاسنه حاليا؛ وتوضّح لعلمه الكريم كذا؛ ومرسومنا للجناب العالي أن يتقدّم أمره الكريم بكذا؛ فيحيط علمه بذلك، والله تعالى يؤيّده بمنّه وكرمه» . الدرجة الرابعة (الدعاء للجناب العالي بدوام النعمة) وصورتها على ما أورده في «التثقيف» : «أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيديّ، الأوحديّ، النّصيريّ، العونيّ، الهماميّ، المقدّميّ، الظّهيريّ، الفلانيّ، عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، مقدّم العساكر، كهف الملّة، ذخر الدّولة، عماد المملكة، ظهير الملوك والسلاطين، حسام أمير المؤمنين» والدعاء والتصدير المناسب، مثل أن يقال: «ولا زال قدرة رفيعا، وعزّه منيعا، و «1» مريعا. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما طيبا، وثناء صيبّا» ثم يقال: «وتوضّح لعلمه المبارك كذا، فيحيط علمه الكريم بذلك؛ والله تعالى يؤيّده بمنّه وكرمه» . الدرجة الخامسة (الدعاء للمجلس «2» بدوام النعمة) ورسمها: «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، العونيّ، الأوحديّ «3» ، النّصيريّ، الهماميّ» ،

الدرجة السادسة (صدرت والعالي، ويعبر عنها بالسامي بالياء)

المقدّميّ، الظهيريّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، مقدم العساكر، كهف الملة «1» ، ظهير الملوك والسلاطين، حسام أمير المؤمنين» ثم الدعاء والتصدير المناسب، مثل: «ولا زال عاليا قدره، نافذا أمره، جاريا على الألسنة حمده وشكره. صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي تهدي له سلاما، وثناء بسّاما» ثم يقال: «وتوضح لعلمه المبارك كذا. ومرسومنا للمجلس العالي أن يتقدّم أمره المبارك بكذا، فيحيط علمه بذلك، والله تعالى يؤيده بمنّه وكرمه» . الدرجة السادسة (صدرت والعالي، ويعبّر عنها بالساميّ بالياء) وصورتها على ما في «التثقيف» : «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العضديّ، الذّخري، النّصيريّ، الأوحديّ، العونيّ، الهماميّ، المقدّميّ، الظهيريّ، الفلانيّ؛ مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء المقدّمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، مقدّم العساكر، ذخر الدولة، كهف الملة؛ ظهير الملوك والسلاطين» ثم الدعاء المناسب، مثل: «أدام الله سعادته، وأجزل من الخير برّه وإفادته، موضّحة لعلمه المبارك كذا؛ ومرسومنا للمجلس العالي أن يتقدّم بكذا، فيحيط علمه بذلك، والله تعالى يؤيده بمنّه وكرمه» .

الدرجة السابعة (صدرت والسامي، ويعبر عنها بالسامي بغير ياء)

الدرجة السابعة (صدرت والسامي «1» ، ويعبر عنها بالساميّ بغير ياء) وصورتها: «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي، الأميريّ، الأجليّ، الكبيريّ، العضديّ، الذّخريّ، النّصيريّ، الأوحديّ، الفلانيّ؛ مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الأمراء، زين المجاهدين، عضد الملوك والسلاطين» ثم الدعاء مثل: «أدام الله سعادته، وأجزل من الخير عادته؛ تتضمّن إعلامه كذا، ومرسومنا للمجلس السامي أن يتقدّم بكذا، فليعلم ذلك ويعتمده، والله الموفّق بمنّه وكرمه» . الدرجة الثامنة «يعلم مجلس الأمير، الأجلّ، الكبير، الغازي، المجاهد، المؤيّد؛ فلان الدين، مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الأمراء، زين المجاهدين، عدّة الملوك والسلاطين» والدعاء، مثل: «أدام الله سعده، وأنجح قصده؛ أنّ الأمر كذا؛ ومرسومنا له أن يتقدّم بكذا، فليعلم ذلك ويعتمده، والله الموفّق بمنّه وكرمه» . قلت: وقد تقدّم في أول المكاتبات أنه يتعين أن يكون الدّعاء للمكتوب إليه مناسبا للحال، مثل أن يكون موافقا لاسم المكتوب إليه أو لقبه أو وظيفته، أو محلّ نيابته، أو الأمر المكتوب بسببه: من استطلاع أمر، واسترهاف عزم، وفتح وظفر وبشارة وغيرها وما يجري مجرى ذلك، وتقدّم هناك ذكر جملة من الأدعية في الأمور المختلفة المعاني.

الأدعية والصدور لنواب السلطنة (أدعية تصلح للنائب الكافل)

ونحن نذكر هنا نبذة من الأدعية والتصديرات اللائقة المتقدّمة، مما يدعى به للنوّاب ومن في معناهم؛ ليقرب تناوله باقترانه بصور المكاتبات» . الأدعية والصدور لنوّاب السلطنة (أدعية تصلح للنائب الكافل) «1» ولا زالت كفالته تبسط المعدلة، وعزائمه على الإنصاف والإسعاف مشتملة، وتقدماته تبلّغ كلّ ذي قصد أمله. أصدرناها إلى المقرّ الكريم تهدي إليه من السلام أكمله، ومن الثناء الحسن أجزله، وتبدي. آخر: ولا زالت الممالك كلّها في كفالته، والمسالك على اختلاف طرقها آئلة إلى إيالته، والملائك محوّمة على بنوده محتفّة بهالته، والأرائك لا تثنى إلا على دست فخاره ولا تعدّ إلا لجلالته. أصدرناها إلى المقرّ الكريم تخصّه بأفضل السلام، وأطيب الثناء المرقوم على أعلى الأعلام؛ وتبدي. آخر: ولا زالت كفاية كفالته تزيد على الآمال، وتتقرّب إلى الله بصلاح الأعمال، وتكفل ما بين الجنوب وأقصى الشّمال. أصدرناها إلى المقرّ الكريم وصدرها بذكره منشرح، وببرّه فرح، وبعلوّ قدره في أيامنا الزاهرة يسرّ ويؤمّل منه ما يزيد على أمل المقترح، وتبدي. أدعية تصلح لنائب الشام المحروس و [لا زالت] «2» الممالك [تؤيد] «3» بعزمه ورأيه تأييدا، والدول [تسدّد] «4» بكفالته تسديدا و [تشيد] «5» تشييدا. أصدرناها إلى المقرّ الكريم تهدي إليه سلاما

تضاعف أجزاؤه، وثناء يبهج الخواطر سناؤه، وتبدي لعلمه. آخر: ولا زالت النفوس بيمن كفالته فائقه، والخواطر في محبته متوافقة، والألسن بشكر محاسنه ناطقة، وقلوب الأعداء من بأسه ومهابته خافقة. أصدرناها إلى المقرّ الكريم تهدي إليه أنواع السلام المتناسبة وأجناسه المتناسقة، وتثني على أوصافه التي أصبحت الأفواه في ذكرها صادقة، وتبدي لعلمه. آخر: ولا زالت عزائمه مرهفة الحدّ، وكفالته كفيلة بنجح القصد، ومغانمه في سبيل الله تعرب عن الاجتهاد في قهر الأعداء والجدّ. أصدرناها إلى المقرّ الكريم تهدي إليه سلاما يفوق شذاه العنبر والنّدّ، وثناء مجاوزا أبدا الحصر وأمدا العدّ؛ وتبدي لعلمه. آخر: ولا زالت قلوب أهل الإيمان من كفالته مؤتلفة، وفرق أهل «1» من بأسه وخوفه مختلفة، وأحوال أهل العناد بجميل تدبيره في استطلاعها واضحة منكشفة. أصدرناها إلى المقرّ الكريم تثني على همّته التي لم تزل على المصالح معتكفة، وتهدي إليه تحية شموسها مشرقة غير منكسفة؛ وتبدي لعلمه. آخر: ولا زالت سعادته بحكم الأقدار دائمة، والمعدلة بجميل حلمه وصائب رأيه قائمة، والعيون بيمن كفالته في مهاد أمنه نائمة. أصدرناها إلى المقرّ الكريم تهدي إليه تحية طيّبة المسرى، وثناء حسن وصفا وطاب ذكرا، وتبدي لعلمه. آخر: ولا زال النصر حلية أيامه، وشامة شامه؛ وغمامة ما يحلّق على بلده المحضرّ من غمامه. أصدرناها إلى المقرّ الكريم بسلام لا يرضى حافر جواده الهلال نعلا، ولا يحظى به إلا بلده ونخص منه الشرف الأعلى؛ وتبدي لعلمه. آخر: وسقى عهده العهاد «2» ، وشفى بعدله العباد، وزان به حسن بلده التي

أدعية وصدور (تصلح لكل من النائب الكافل، ونائب الشام، ومن في معناهما كالأتابك ونحوه)

لم يخلق مثلها في البلاد، وهي إرم ذات العماد. أصدرناها إلى المقرّ الكريم بسلام تسرّ به النفوس، ويطوّق به فضله الجامع وتتحلّى به العروس؛ وتبدي لعلمه. آخر: ووقى بسور جيوشه الممتنعة ضرر الضّرّاء، وكسر بأسود جنوده ذئاب الأعداء الضّراء، وسبق دهماء الليل وشهباء النهار [وحمراء الشفق] «1» وصفراء الأصيل وشقراء البرق بسابقته الخضراء. أصدرناها إلى المقرّ الكريم بسلام يملأ حدق حدائقه نورا، وقلب عساكره سرورا. أدعية وصدور (تصلح لكلّ من النائب الكافل، ونائب الشام، ومن في معناهما كالأتابك ونحوه) دعاء من ذلك: ووصل المسارّ بعلمه الذي لا ينكر، وحلمه الذي يشكر، وحكمه الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. أصدرناها إلى المقرّ الكريم بسلام يسرع إليه، وثناء يرد منّا عليه؛ وتبدي لعلمه. آخر: ولا زالت الدّول برأيه مقبلة السّعود، مترقّية في الصّعود، مملوءة الرّحاب: تارة تبعث البعوث وتارة تفد عليه الوفود. أصدرناها إلى المقرّ الكريم تهدي إليه من السلام أشرقه نجوما، ومن الثناء أغدقه غيوما؛ وتبدي لعلمه. آخر: ولا زالت الممالك بآرائه منيرة، وبراياته لأعدائها وأعداء الله مبيرة، وبرؤياه تتضاءل الشموس المشرقة وتخجل السّحب المطيرة. أصدرناها إلى المقرّ الكريم تهدي إليه من السلام درره، ومن الثناء غرره، وتبدي لعلمه. آخر: ولا برحت آراؤه كالنّجوم بعيدة المدى، قريبة الهدى، متهلّلة كالغمام: للأعداء منها الصّواعق وللأولياء منها النّدى. أصدرناها إلى المقرّ

أدعية وصدور (تصلح لنائب حلب المحروسة)

الكريم بسلام حسن الافتتاح، وثناء كما نظم الوشاح؛ وتبدي لعلمه الكريم. آخر: ولا برحت آراؤه تنير غياهب الخطوب، وعزائمه تثير سنابك الجياد للجهاد فتظفر من التأييد بكلّ مطلوب، وصوارمه تفتك بالأعداء فتهتك منهم كلّ ستر محجوب. أصدرناها إلى المقرّ الكريم تهدي إليه سلاما أزهى من الزّهر، وأبهى من روض وافى نضارته النظر، وتبدي لعلمه. آخر: ولا برح التأييد يصحب رايته، والعزم يخدم عزمته، والرّعب يؤمّ طليعته، والظّفر يحكّم في العدو سيفه فلا يستطيع عاصي الحصون عصمته. أصدرناها إلى المقرّ الكريم تكافي بمزيد الشّكر همّته، وتوافي إليه بثناء واف يحسد المسك نفحته؛ وتنهي لعلمه. آخر: ولا برحت سيوفه تسيل يوم الرّوع جداولها، وعزائمه تنصر كتائبها وجحافلها، ومنزلته على ممرّ الزمان بين السّماكين منازلها. أصدرناها إلى المقرّ الكريم تثني على محاسنه التي بهرت أوصافها، واختالت في ملابس الحمد أعطافها؛ وتبدي لعلمه. أدعية وصدور (تصلح لنائب حلب المحروسة) دعاء من ذلك: ولا زال يعدّ ليوم تشيب منه الولدان، ويعدّ دونه [كلّ محارب] «1» بينه وبين الشّهباء والميدان، ويعمّ حلب من حلى أيامه ما لا يفقد معه إلا اسم ابن حمدان. فإن كان لقبه سيف الدين، قيل «ويعمّ حلب من حلى أيامه ما لا يفقد معه سيف الدّين إن فقد سيف الدولة بن حمدان. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب

الكريم تهدي إليه سلاما ما مرّ على روض إلا انتهب طيبه نهبا، وثناء تعقد له أعلامه على كتيبته الشّهبا؛ وتوضّح لعلمه» . آخر: وفتح بسيوفه الفتح الوجيز «1» ، وأحلّ عقائل المعاقل منه في الكنف الحريز، وأعاد به رونق بلد ما جفّت بها زبدة حلب وهو فيها العزيز. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب الكريم بسلام ذهبه لا يذهب، وثناء لا تصلح لغير عقيلة الشهباء قلادة عنبره الأشهب، وتوضّح لعلمه الكريم. آخر: ولا زالت هممه مطلّة على النّجوم في منازلها، مطاولة للبروق بمناصلها، قائمة في مصالح الدول مقام جحافلها. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب الكريم تهدي إليه سلاما كالدّرر، وثناء طويل الأوضاح والغرر؛ وتبدي لعلمه. آخر: وأمدّه بعونه، وجمّله بصونه، ولا زال رأيه في النقيضين: لهذا سبب فنانه ولهذا علّة كونه. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب الكريم تهدي إليه سلاما رطيبا، وشكرا يكون على ما تخفي الصدور رقيبا؛ وتوضح لعلمه. آخر: وأعلى له من الأقدار قدرا، وضاعف لديه من لدنه سرورا وبشرا، ولا أعدم الممالك من عزائمه تأييدا ونصرا. صدرت هذه المكاتبة إلى الباب الكريم تهدي إليه سلاما يفوق الزّهر، ويسابق في سيره الشمس والقمر، وتبدي لعلمه. آخر: وخصّه بجميل المناقب، ومنحه من المزيد علوّ المراتب، وضاعف لديه من الإيثار شريف المواهب. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب الكريم تهدي إليه سلاما كرم وفوده، وثناء حسن وصفه وعذب وروده؛ وتوضّح لعلمه. آخر: ولازالت الخواطر تشهد منه صدق المحبّة، والنفوس تتحقّق أنه قد جعل النصيحة لأيامنا الشريفة دأبه. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب الكريم

دعاء وصدر (يصلح لنائب السلطنة بطرابلس)

تهدي إليه سلاما زاكية أقسامه، وثناء كمل عقده واتّسق نظامه؛ وتوضح لعلمه الكريم. آخر: وزاد عزمه المبارك تأييدا، ومنح نعمه على ممرّ الأوقات مزيدا، وجعل حظّه من كلّ خير سعيدا، وسعده بتجديد الأيام جديدا. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب الكريم تهدى إليه تحية حسن إهداؤها إليه، وثناء يبهج الخواطر وروده عليه؛ وتوضح لعلمه. آخر: وجعل السعد المؤبّد من مغانمه، وأقامه لإبقاء الخير في معادنه وإثبات العزّ في معالمه. صدرت هذه المكاتبة إلى الباب الكريم تهدي إليه تحية طاب نشرها العاطر، وثناء أبهج ذكره الخاطر؛ وتوضح لعلمه. آخر: ولا زال بالملائكة منصورا، وبمزيد النّعم مسرورا، وبكلّ لسان موصوفا مشكورا. صدرت هذه المكاتبة إلى الباب الكريم تهدي إليه سلاما يضوع نشره، وثناء يفوح عطره، وتوضح لعلمه. دعاء وصدر (يصلح لنائب السلطنة بطرابلس) [ «1» وهو من هذه النّسبة وما يبعد منها. والدعاء مثل قولنا: وأطاب أيّامه التي ما رقّت على مثلها أسحار، وعدّد في مناقبه العقول التي تحار، وأخذ بنواصي الأعداء بيده لا تنأى بهم البراري المقفرة ولا تحصّنهم البحار. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي بسلام وفرت منه أسهمه التي يدرأ بها العدا في نحرها، وثناء مطرب ترقص به الخيل في أعنّتها والسّفن في بحرها.

دعاء آخر وصدر

دعاء آخر وصدر ولا زالت صفوفه تشدّ بنيان الحرب، وسيوفه تعدّ للقتل وإن قيل للضرب، وسجوفه تجرّ على بلد ما مثله في شرق ولا حصل على غير المسمّى منه غرب. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما يزيد أفقه تزيينا، وثناء يأتيه من فائق الدّرّ بما يستهون معه بالمينا. دعاء وصدر (يصلح لنائب السلطنة بحماة) وأتمّ بخدمه كلّ مبرّة، وبهممه كلّ مسرّة، وصان ما وليه أن يكون به غير النهر «العاصي» أو ينسب إليه سوى البلد المعروف «معرّة» . صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما تمسح أنديته بالسّحائب، وثناء يأتي به حما حماة وقرونها المنشورة بألويته معقودة الذّوائب. [ «1» دعاء آخر وصدر وحمى حماه، وزان موكبه بأحسن حماه، وحسّن كنائن سهامه التي لا يصلح لها غير بلده حماه] . صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما تحمله إليه الركائب السائرة، وثناء تشرق منه الكواكب أضعاف ما تريه أفلاك الدواليب الدائرة؛ وتوضح لعلمه. دعاء وصدر (يصلح لنائب صفد) وشكر هممه التي وفت، وعزائمه التي كفت، وأعلى به بلدا مذ وليه قيل:

أدعية وصدور (تصلح لكل من نواب طرابلس وحماة وصفد ومن في معناهم)

صفد قد صفت. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما لا تزال شعائره تقام، وثناء مذ هبّ على بلد قيل: إنّ هواءها يشفي الأسقام؛ وتوضح لعلمه. آخر: ولا زالت مساعيه تسوق إليه الحظوظ [البطيّة] «1» وتقدّم له العلياء مثل المطيّة، وتهنّيه بما خصّ به من صفد وهي العطية؛ [صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما يحيّيه في محلّه، وثناء يودع في معقله الذي لا تصل أعلى الشوامخ إلا إلى ما سفل من ظلّه] «2» وتوضح لعلمه. أدعية وصدور (تصلح لكلّ من نوّاب طرابلس وحماة وصفد ومن في معناهم) دعاء وصدر من ذلك: ولا برح منصور العزمات، مسدّدا في الآراء والحركات، مشيّدا قواعد الممالك بما له من جميل التقدمات. صدرت هذه المكاتبة إلى الباب العالي تهدي إليه سلاما أرجا، وثناء بهجا؛ وتوضح لعلمه. آخر: ولا زال سيفه ماضيا، وجيده حاليا، وضدّه خاسيا. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما، وتسدّد لرأيه الصائب سهاما، وتوضح لعلمه. آخر: ولا زالت آراؤه سعيدة، وتأثيراته حميدة، وسيوفه لرقاب العدا مبيدة. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما يتأرّج، وثناء نشره نشر الثوب المدبّج؛ وتوضح لعلمه. آخر: ولا زالت آراؤه عالية، وأجياده حالية، ونعم الله عليه متوالية. صدرت

أدعية وصدور (تصلح لنائب الكرك ومن في معناه ممن رتبته المجلس العالي مع الدعاء)

هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه السلام التامّ، والثناء الوافر الأقسام؛ وتوضح لعلمه. أدعية وصدور (تصلح لنائب الكرك «1» ومن في معناه ممن رتبته المجلس العالي مع الدعاء) دعاء من ذلك: وأيّد عزمه، وأبّد حزمه، وفوّق «2» إلى نحر العدا سهمه. صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي تهدي إليه سلاما، وتسدّد لرأيه الصائب سهاما، وتوضح لعلمه. آخر: ولا زال عاليا قدره، نافذا أمره، جاريا على الألسنة حمده وشكره. صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي تهدي إليه سلاما، وثناء بسّاما، وتوضح لعلمه. المهيع الثاني (في بيان مراتب المكتوب إليهم من أهل المملكة، وما يستحقه كلّ منهم من المكاتبات. وهم ثلاثة أنواع) النوع الأول (أرباب السيوف، وهم على ثلاثة أقسام) القسم الأول (من هو منهم بالديار المصرية، وهم ستة أصناف) الصنف الأول (نوّاب السلطنة الشريفة، وهم أربعة نوّاب) الأول- النائب الكافل : وهو نائب السلطنة الشريفة بالحضرة. وقد تقدّم في

الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية أنه أعلى نوّاب السلطان رتبة. قال في «التثقيف» : وقلّ أن يكاتب إلا إذا كان السلطان مسافرا في غزاة أو سرحة للصيد. ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التعريف» : أعزّ الله تعالى أنصار الجناب الكريم على ما تقدّم في الدرجة الثانية من الدّرجات العشر «1» قال في «التعريف» : وقد رأيت بعض الكتّاب قد كتب في ألقابه بعد الأميريّ «الآمريّ» . قال: والكاتب المذكور كاتب صالح في المعرفة وليس بحجّة، وكتابته الآمريّ ليست بشيء، وإنما حمله عليها كثرة الملق. وقد نقل في «التعريف» عن هذا الكاتب أنه كتب في تعريفه «نائب السلطنة وكافل الممالك الشريفة الإسلامية» . قال: وهو مقبول منه. ثم قال: والذي أراه أن يجمع ذكر النيابة والكفالة في تقليده، فيقال: «أن يقلّد نيابة السلطنة المعظّمة، وكفالة الممالك الشريفة الإسلامية» أو ما هذا معناه، نحو: «وكفالة الممالك الشريفة: مصرا وشاما وسائر البلاد الإسلامية أو الممالك الإسلامية» ونحو ذلك. فأما في تعريف الكتب، فقد جرت عادة نوّاب الشام أن تقتصر في كتبها إليه على «كافل الممالك الإسلامية المحروسة» . قال: ولعمري في ذلك مقنع وإنّ في الاقتصار عليها ما هو أكثر فخامة. وعليه عمل أكثر الكتّاب بديوان مصر أيضا، ويؤيّده أنهم مقتصرون فيما يكتب باشارته على هذا التعريف، فاعلم ذلك. ورسم المكاتبة إليه على ما استقر عليه الحال، على ما ذكره في «التثقيف» : أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الكريم، كما في الدرجة الأولى من الدرجات العشر، والعلامة إليه «أخوه» . وتعريفه: «كافل الممالك الشريفة الإسلامية أعلاها الله تعالى» . قال في «التثقيف» : وإنما كتب له أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ، وزيدت ألقابه على ما كانت عليه لمّا كتب بذلك لنائب الشام في ولاية بيدمر الخوارزميّ «2» ،

الثاني - نائب ثغر الإسكندرية المحروس

وكافل المملكة يومئذ الأمير منجك، فلزم أن يكتب له مثله لئلا يكون نائب الشام مميّزا على كافل السلطنة، على ما سيأتي في الكلام على مكاتبة نائب الشام. قال في «التعريف» : أما نائب الغيبة، وهو الذي يترك إذا غاب السلطان والنائب الكافل وليس إلّا لإخماد النّوائر «1» وخلاص الحقوق، فحكمه كحكمه في المكاتبة إليه. الثاني- نائب ثغر الإسكندرية المحروس : وهو ممن استحدثت نيابته في الدولة الأشرفية «شعبان بن حسين» عند طروق «2» العدوّ المخذول، في سنة سبع وستين وسبعمائة من الفرنج المخذولين. ورسم المكاتبة إليه: ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي، على ما تقدّم ذكره، إلا أنه لا يقال في ألقابه «الكافليّ» والعلامة الشريفة له «والده» وتعريفه «نائب السلطنة الشريفة بثغر الإسكندرية المحروس» . واعلم أن بالإسكندرية حاجبا «3» يكاتب عن الأبواب السلطانية. قال في

الثالث - نائب الوجه القبلي

«التثقيف» : ورسم المكاتبة إليه: «هذه المكاتبة إلى المجلس السامي» إن كان طبلخاناه، «1» و «يعلم مجلس الأمير» إن كان عشرة، والعلامة الشريفة «2» له الاسم بكل حال. وتعريفه «الحاجب بثغر الإسكندرية المحروس» . الثالث- نائب الوجه القبلي : وقد تقدّم أن مقرّ ولايته مدينة أسيوط «3» ، وأنّ استحداث نيابته كان في الدولة الظاهريّة «برقوق» في سنة ثمانين وسبعمائة. ورسم المكاتبة إليه: «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي» على ما تقدّم ذكره. ولا يقال فيه «الكافليّ» أيضا، والعلامة الشريفة «والده» وتعريفه «نائب السلطنة الشريفة بالوجه القبليّ» .

الرابع - نائب الوجه البحري

الرابع- نائب الوجه البحريّ : وقد تقدّم أن مقرّ ولايته مدينة دمنهور الوحش «1» من أعمال البحيرة، وأن نيابته استحدثت بعد نيابة نائب الوجه القبليّ، ولذلك لم يتعرض له في «التثقيف» . ورسم المكاتبة إليه: «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي» كما في نائب الوجه القبليّ. والعلامة الشريفة له «أخوه» وتعريفه «نائب السلطنة الشريفة بالوجه البحريّ» . الصنف الثاني (الكشّاف) «2» وقد تقدّم أنه كان قبل استقرار نيابتي الوجهين: القبليّ والبحريّ كاشفان بالوجهين المذكورين: كاشف «3» بالوجه القبليّ، وكاشف» بالوجه البحريّ. فلما استقر النيابتان، استقرّ بالفيّوم والبهنساوية «5» كاشف، وبالشرقية وما قاربها كاشف؛ وكل منهما أمير طبلخاناه. ورسم المكاتبة إلى كلّ منهما: «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس

الصنف الثالث (الولاة بالوجهين: القبلي والبحري)

السامي» والعلامة لكلّ منهما الاسم الشريف، وتعريف كاشف الفيوم «الكاشف بالفيّوم والبهنساوية» وتعريف الآخر «الكاشف بالوجه البحريّ» . الصنف الثالث (الولاة بالوجهين: القبلي والبحريّ) وكلّ من ولاة الوجهين لا يخرج عن طبلخاناه أو عشرة وما في معناها كالعشرين ونحوها. فأما الوجه القبلي، ففيه ستة ولاة، منهم ثلاثة طبلخاناه: وهم والي قوص «1» وإخميم «2» ووالي الأشمونين «3» ووالي البهنسا. ومنهم ثلاثة عشرات: وهم والي الجيزيّة، وكان قبل ذلك طبلخاناه. ووالي إطفيح. ووالي منفلوط، وكان قبل ذلك طبلخاناه، وهو اليوم إمرة عشرين. وأما الوجه البحري، ففيه سبعة ولاة: منهم ثلاثة طبلخاناه. وهم والي الغربيّة. ووالي المنوفيّة «4» . ووالي الشّرقيّة. وكان بدمنهور وال طبلخاناه قبل استقرارها نيابة.

الصنف الرابع (من يتوجه من الأبواب السلطانية من الأمراء لبعض الأعمال المتقدمة الذكر: لكشف الجسور وعمارتها أو لتخضير البلاد أو لقبض الغلال)

ومنهم أربعة عشرات، وهم: والي قليوب. ووالي أشموم «1» : وهي الدقهليّة والمرتاحيّة. ووالي دمياط. ووالي قطيا. ورسم المكاتبة إلى كلّ من ولاة الطبلخاناه منهم: «هذه المكاتبة إلى المجلس السامي» وإلى كلّ من ولاة العشرات منهم «يعلم مجلس الأمير» والعلامة لكل من الطبلخاناه والعشرات الاسم الشريف، وتعريف كل منهم «والي فلانة» . الصنف الرابع (من يتوجه من الأبواب السلطانية من الأمراء لبعض الأعمال المتقدّمة الذكر: لكشف الجسور وعمارتها أو لتخضير البلاد أو لقبض الغلال) قال في «التثقيف» : فمن كان منهم طبلخاناه، فرسم المكاتبة إليه الساميّ بالياء. ومن كان منهم عشرة، فرسم المكاتبة إليه السامي بغير ياء «2» والعلامة للجميع الاسم الشريف. قال: ولا تذكر الوظيفة التي توجّه بسببها، ولا الإقليم الذي هو به. الصنف الخامس (باقي الأمراء بالديار المصريّة) وقد رتّبهم في «التعريف» على أربع مراتب: المرتبة الأولى- مقدّمو الألوف، وقد ذكر أنّ لكبارهم أسوة كبار النّواب بالممالك الشامية، كالشام وحلب. ولأوسطهم [أسوة أوسطهم] «3» كحماة

وطرابلس وصفد. ولأصغرهم أسوة أصغرهم، كغزّة وحمص. ثم قال: فاعلم ذلك وقس عليه. ثم قال بعد ذلك: والذي نقوله أن لكبار المقدّمين بالأبواب السلطانية «الجناب الكريم» [ثم الجناب العالي] «1» ثم «المجلس العالي» . وهذا على ما كان في زمانه؛ أما على ما استقرّ عليه الحال آخرا، فإنه يكون لكبارهم «المقرّ الكريم» كما يكتب للأتابك الآن، ثم «الجناب الكريم» ثم «الجناب العالي» ثم «المجلس العالي» . المرتبة الثانية- الطّبلخانات. قد ذكر أن منهم من يكتب له «المجلس العالي» كمن يكون معيّنا للتّقدمة، وله عدّة ثمانين فارسا أو سبعين فارسا أو نحو ذلك، وكالمقرّبين من الخاصكيّة «2» ، أو من له عراقة نسب كبقايا الملوك، أو أرباب وظائف جليلة: كحاجب كبير، أو إستدّار «3» جليل، أو مدبّر دولة «4» لم

يصرّح له بالوزارة، أودوادار «1» متصرّف. ثم قال: وهؤلاء وإن كتب لهم بالمجلس العالي، فإنه يكتب لهم بغير افتتاح بالدعاء، والكتابة لهم بالعالي على سبيل العرض لا الاستحقاق، وإلا فأجلّ رسم مكاتبة أمراء الطبلخاناه «الساميّ» بالياء ولجمهورهم «السامي» بغير ياء. المرتبة الثالثة- العشرات. وذكر أن لكل منهم «مجلس الأمير» ، ثم قال: فإنّ زيد قدر أحد لسبب ما، كتب له «المجلس السامي» بغير الياء. المرتبة الرابعة- مقدّمو الجند. وقد ذكر أن لهم أسوة أمراء العشرات في المكاتبة. ثم قال: وأما الجند، فالأمير الأجلّ. وأما جند الأمراء فالطّواشي «2» وكأنه يريد ما إذا كتب بسببهم مكاتبة أو كتب لأحد منهم توقيع، وإلا فالجند لا يكاتب أحد منهم عن الأبواب السلطانية حتّى ولا نوّاب القلاع بالشام، كما سيأتي ذكره هناك إن شاء الله تعالى.

الصنف السادس (العربان بالديار المصرية وبرقة)

الصنف السادس (العربان بالديار المصرية وبرقة) وقد تقدّم الكلام عليه مستوفى في الكلام على أنساب العرب، فيما يحتاج إليه الكاتب في المقالة الأولى. وقد ذكر في «التعريف» أن العرب بمصر في الوجهين القبليّ والبحريّ جماعات كثيرة وشعوب وقبائل. ثم قال: ولكنهم على كثرة أموالهم «1» واتساع نطق جماعاتهم، ليسوا عند السلطان في الذّروة ولا السّنام، إذ كانوا أهل حاضرة وزرع، ليس منهم من ينجد ولايتهم، ولا يعرق ولا يشئم، ولا يخرجون عن حدود الجدران، وعلى كل حال فالمندل «2» الرطب في أرجائه حطب. ثم قد قسّم منازلهم إلى الوجه القبليّ والوجه البحري، وذكر أن بكل من الوجهين من يكاتب عن الأبواب السلطانية. الضرب الأوّل (عرب البحيرة) قال في «التعريف» : وأمراؤهم «3» عرب الديار المصرية. قال: وهم أشبه

الضرب الثاني (عرب الشرقية)

القوم بالتخلّق بخلائق العرب في الحلّ والتّرحال، يغربون إلى القيروان وقابس «1» ، ويفدون على الحضرة السلطانية وفود أمثالهم من أمراء العرب. وذكر أن الإمرة فيهم في زمانه، كانت في محمد بن أبي سليمان وفائد بن مقدّم «2» وقال: إنّ رسم المكاتبة إلى كلّ منهما: «هذه المكاتبة إلى المجلس السامي، الأمير» والعلامة السلطانية «أخوه» ولم يتعرّض لتعريفهما، والذي يظهر أن تعريف كلّ منهما اسمه. أما بعده، فقد تغيّرت تلك الأحوال، وتناقصت رتبة عرب البحيرة، وزالت الإمرة عنهم، ولم يبق فيهم إلا مشاع عربان ذو وأموال جمّة، كان منهم في الدولة الأشرفية «شعبان بن حسين» رحاب، وموسى بن خضر، وأولاد بدران الغريني، ومن جرى مجراهم، ثم صار اليوم بها «3» بن رحاب، وخضر بن موسى. الضرب الثاني (عرب الشّرقية) وقد ذكر في «التعريف» : أنه كان في زمانه منهم نجم بن هجل شيخ عائد «4» وذكر أنه دون محمّد بن أبي سليمان وفائد بن مقدّم «5» : أميري عرب

البحيرة. ثم قال: ورسم المكاتبة إليه: «هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأمير» . قلت: ثم تغيرت الأحوال بعد ذلك وصارت رياسة عرب الشرقية متداولة في جماعة، إلى أن كان منهم في الدلة الظاهرية «برقوق» محمد بن عيسى أمير «1» وأولادهم، وكانت الإمرة فيهم أوّلا في «2» ثم قتل بسيف السلطان في الدولة الناصرية «فرج بن برقوق» واستقرّ مكانه ... «3» وأما عرب الوجه القبليّ، فقد ذكر في «التعريف» أنه كان منهم في زمانه نفران: أحدهما ناصر الدين عمر بن فضل. وذكر أنّ رسم المكاتبة إليه «هذه المكاتبة إلى المجلس السامي» أيضا. وثانيهما سمرة بن مالك «4» قال: وهو ذو عدد جمّ، وشوكة منكية، يغزو الحبشة وأمم السّودان، ويأتي بالنّهاب والسّبايا؛ وله أثر محمود، وفعل مأثور. وفد على السلطان وأكرم مثواه، وعقد له لواء وشرّف بالتشريف، وقلّد ذلك، وكتب إلى ولاة الوجه القبليّ عن آخرهم وسائر العربان به بمساعدته ومعاضدته، والركوب للغزو معه متى أراد. وكتب له منشور بما يفتح من البلاد، وتقليد بإمرة العربان القبلية مما يلي قوص إلى حيث تصل غايته «5» ثم قال: ورسم المكاتبة إليه «السامي الأمير» كمن تقدّم. قلت: ثم كان بعد ذلك عدد من أمراء العربان، كان آخرهم أبو بكر بن الأحدب. ثم لما انتقلت هوّارة «6» إلى الوجه القبلي، صارت الإمرة فيهم في

الصعيد الأدنى، في بني غريب، وأميرهم الآن «1» وفي الصعيد الأعلى في بني عمر، وأميرهم محمد بن عمر، ورسم المكاتبة إلى كل منهما ... «2» وأما عرب برقة، فقد ذكر في «التعريف» أنه لم يبق منهم في زمانه من يكاتب إلا جعفر بن عمر» ، وأنه كان لا يزال بين طاعة وعصيان، ومخاشنة وليان؛ وأن أمراء عرب البحيرة كانت تغري به، وتغيّر خاطر السلطان عليه، وأنّ الجيوش كانت تمتدّ إليه، وقلّ أن ظفرت منه بطائل، أو رجعت بمغنم إن أصابته نوبة من الدّهر. وكان آخر أمره أنه ركب طريق الواح «4» حتّى خرج من الفيّوم، وطرق باب السلطان لائذا بالعفو، ولم يسبق به خبر، ولم يعلم السلطان به حتّى استأذن المستأذن عليه وهو في جملة الوقوف بالباب؛ فأكرم أتمّ الكرامة، وشرّف بأجل التشاريف، وأقام مدّة في قرى الإحسان وإحسان القرى. وأهله لا يعلمون بما جرى، ولا يعرفون أين يمّم، ولا أيّ جهة نحا، حتّى أتتهم وافدات البشائر. وقال له السلطان: لأيّ شيء ما أعلمت أهلك بقصدك إلينا؟ قال: خفت أن يقولوا: يفتك بك السلطان، فأتثبّط. فاستحسن قوله، وأفاض عليه طوله؛ ثم أعيد إلى

النوع الثاني (ممن يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية أرباب الأقلام، وهم على ضربين:)

أهله، فانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء، ولا رثى له صاحب، ولا شمت به عدوّ. النوع الثاني (ممن يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية أرباب الأقلام، وهم على ضربين:) الضرب الأوّل (أرباب الدّواوين من الوزراء ومن في معناهم) قال في «التعريف» ولم تزل مكاتبة أجلاء الوزراء ب «المجلس العالي» . ثم كتب لآخرهم بالديار المصرية «الجناب العالي» . وكتبت بالشام للصاحب عزّ الدين أبي يعلى، حمزة بن القلاقسيّ «1» رحمه الله، لجلالة قدره، وسابقة خدمه، وعناية من كتب إليه بها. ثم قال: والذي استقر عليه الحال للوزير بمصر «الجناب» . أما من يجري مجرى الوزراء ولا صريح له بها: مثل ناظر الخاصّ «2» ، وكاتب السّر، وناظر الجيش، وناظر الدّولة، وكتّاب الدّست، ف «الساميّ» بالياء، ومن دون هؤلاء فبغير ياء؛ ثم «مجلس القاضي أو الصّدر» . قلت: وكأنه يريد ألقاب هؤلاء في الجملة، إما في مكاتبة تكتب بسبب أحد منهم، وإما في توقيع ونحوه يكتب لأحدهم؛ وإلا فمن ذكره من الأصاغر لا

الضرب الثاني (أرباب الوظائف الدينية والعلماء)

يكاتب عن الأبواب السلطانية عادة. والذي صرح في «التثقيف» بذكر المكاتبة إليه من هذا الضرب نفران: الأوّل- كاتب السرّ إذا تخلّف عن الرّكاب السلطانيّ لعارض. وذكر أن رسم المكاتبة إليه: «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي» على ما تقدّم ذكره، والعلامة «أخوه» وتعريفه «صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة» . الثاني- ناظر الخاصّ الشريف. وذكر أن رسم المكاتبة إليه على ما استقرّ عليه الحال في أيّام ابن نقولا «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي» على ما تقدّم ذكره، والعلامة «الاسم» وتعريفه «ناظر الخواصّ الشريفة» . قلت: ولم يتعرّض لمكاتبة الوزير، إنما ذكر ألقابه في الألقاب العامّة مما يكتب في الولايات وغيرها، ولا يستغنى عن ذكر المكاتبة إليه؛ وقد تقدّم في كلام صاحب «التعريف» أن الذي استقر عليه الحال في المكاتبة إليه «الجناب العالي» ولم يعيّن صورة الدعاء له. والذي ذكره في «التثقيف» في ألقابه أن الدعاء له «ضاعف الله تعالى نعمته» وحينئذ فتكون المكاتبة إليه إن كتب إليه «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي» بالألقاب السابقة. الضرب الثاني (أرباب الوظائف الدينية والعلماء) قد ذكر في «التعريف» أن كلّا من قضاة القضاة بمصر يكتب له «المجلس العالي» والمحتسب بها «1» يكتب له ب «الساميّ» بالياء، ومن دونهم

من أرباب الوظائف الدينية وبقية العلماء وأكابرهم: «السامي» بغير ياء، ومن دونهم «مجلس القاضي» أو «الشيخ» بحسب ما يليق به. وكأنه يريد مطلق الألقاب كما تقدّم في غيره، وإلا فهؤلاء لا يكاتبون عن الأبواب السلطانية. ولم يذكر في «التثقيف» مكاتبة لأحد من أرباب الوظائف الدينية سوى قاضي القضاة تاج الدين الإخنائي «1» المالكي، وقد حجّ في سنة سبع وستين «2» وسبعمائة في الدولة الناصرية «حسن» «3» ، جوابا عما ورد منه، وكتب له الدعاء و «المجلس العالي» . والعلامة الاسم. قال: وأما قاضي القضاة عزّ الدين بن جماعة «4» فإنه كان يحجّ ويجاور كثيرا، ولكني لم أره كتب له قطّ، وأنا شاكّ في أمره. قلت: رأيت في «إيقاظ المتغفّل» «5» لابن المتوّج، أنه كتب إليه وهو

النوع الثالث (ممن يكاتب عن الأبواب السلطانية ممن بالديار المصرية الخوندات السلطانية: من زوجات السلطان وأقاربه ممن تدعو الضرورة إلى مكاتبته لسفره أو لسفر السلطان)

مجاور بمكة: «أعز الله تعالى أحكام المجلس العالي» ولم يتعرّض للعلامة، والظاهر أن العلامة له «أخوه» ، ويكون التعريف «قاضي القضاة الشافعية أو المالكية بالديار المصرية» . النوع الثالث (ممن يكاتب عن الأبواب السلطانية ممّن بالديار المصريّة الخوندات «1» السلطانية: من زوجات السلطان وأقاربه ممن تدعو الضرورة إلى مكاتبته لسفره أو لسفر السلطان) وقد ذكر في «التثقيف» منهنّ جماعة، نذكرهنّ ليكنّ أنموذجا لمن يكون في معناهنّ. الأولى- ابنة المقام الشريف الشهيد الناصريّ «محمد بن قلاوون» لمّا كانت بحلب مع زوجها أبي بكر بن أرغون، كتب إليها ما صورته: «الذي يحيط به علم الحرمة الشريفة، العالية، المصونة، الولدية، عصمة الدين، جلال النساء، شرف الخواتين «2» ، سليلة الملوك والسلاطين، ضاعف الله تعالى جلالها» والعلامة «والدها» وتعريفها «الدار السيفيّة بحلب» والأسطر متقاربة كالملطف. الثانية- طغاي زوجة المقام الشريف الناصريّ المشار إليه، المعروفة بأمّ أنوك، كتب إليها لما توجّهت إلى الحجاز الشريف: «ضاعف الله تعالى جلال

الجهة الشريفة، العالية، المعظّمة، المحجّبة، المصونة الكبرى خوند خاتون؛ جلال النساء في العالمين، سيدة الخواتين، قرينة الملوك والسلاطين» . ثم الدعاء، والعلامة الاسم الشريف، وتعريفها «والدة المقرّ الكريم الولديّ السيفيّ أنوك» : والأسطر على ما تقدّم في المكاتبة السابقة. الثالثة- أخت المقام الشريف الناصر حسن جهة الأمير طاز، كتب لها لما كانت بالحجاز الشريف: «ضاعف الله تعالى جلال الجهة الشريفة العالية الكريمة المحجّبة المصونة الكبرى الخاتون، جلال النساء في العالمين، جميلة المحجّبات، جليلة المصونات، كريمة الملوك والسلاطين، والعلامة «أخوها» . الرابعة- الحاجّة السّتّ حدق. كتب لها وهي بالحجاز الشريف عن الناصر حسن: «ضاعف الله تعالى جلال الجهة الشريفة العالية الكبيرية المحجّبية المصونية الحاجّيّة الوالدية، جلال النساء في العالمين، بركة الدولة، والدة الملوك والسلاطين» . ثم الدعاء والعلامة الاسم الشريف؛ وتعريفها «الحاجّة ست حدق» . الخامسة- والدة السلطان الملك الأشرف «شعبان بن حسين» . كتب إليها عند توجّهها للحجاز الشريف: «ضاعف الله تعالى جلال الجهة الشريفة» . ثم قال: وقد كنت أنكرت ذلك: لأنه كان يعظمها كثيرا ويقبل يديها غالبا، فكان يمكن أن يكتب لها بتقبيل اليد. قلت: وصورة المكاتبة على ما رأيته في بعض الدساتير «1» : «ضاعف الله

القسم الثاني (من يكاتب بالممالك الشامية، وهم أربعة أنواع)

تعالى جلال حجاب الجهة الشريفة العالية الكبرى، المعظّمة المحجّبة العصميّ الخاتونيّ، جلال النساء في العالمين، سيدة الخواتين، جميلة المحجّبات، جليلة المصونات، والدة الملوك والسلاطين» ثم الدعاء، وكانت الكتابة لها في ورق دمشقيّ في قطع الفرخة بالطول كاملة بقلم الثلث الخفيف أو التوقيع. القسم الثاني (من يكاتب بالممالك الشامية، وهم أربعة أنواع) النوع الأوّل (أرباب السيوف من النّواب الكفّال وأتباعهم، وهي ثمان نيابات) النيابة الأولى (نيابة دمشق، المعبّر عنها في عرف الزمان بالمملكة الشامية) والمكاتبون بها عن الأبواب السلطانية ضربان: الضرب الأوّل (من بمدينة دمشق، وهم ثلاثة) الأوّل- كافل السلطنة بها ، وهو من أكابر مقدّمي الألوف. وكان رسم المكاتبة إليه على ما أورده المقر الشّهابيّ بن فضل الله في «التعريف» : «أعز الله تعالى نصرة الجناب الكريم» . قال في «التثقيف» : ولم تزل المكاتبة إليه كذلك من بعد الدولة الشّهيدية الناصرية محمد بن قلاوون إلى آخر سنة خمس وسبعين وسبعمائة، واستقرّ الأمير بيدمر الخوارزمي نائب السلطنة بها في ولايته الثالثة، في الدولة الأشرفية «شعبان بن حسين» فاستقرّ رسم المكاتبة إليه: «أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الكريم» على الرسم المتقدّم، والعلامة الشريفة إليه «أخوه» وتعريفه «نائب السلطنة الشريفة بالشام المحروس» . قال في «التثقيف» : «أو كافل المملكة الشامية المحروسة» ولا يقال في نعوته: كافل السلطنة. الثاني- نائب قلعة دمشق . ورسم المكاتبة إليه «صدرت هذه المكاتبة إلى

الثالث - حاجب الحجاب بها

المجلس العالي» على ما تقدّم رسمه. والعلامة «والده» . قال في «التثقيف» : ثم استقرّت المكاتبة إليه «الساميّ» بالياء: لأنه طبلخاناه، والعلامة الشريفة له الاسم. وتعريفه «نائب القلعة المنصورة بدمشق المحروسة» . الثالث- حاجب الحجّاب «1» بها . ورسم المكاتبة إليه. «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي» على ما تقدّم رسمه، والعلامة الشريفة له «والده» وتعريفه «أمير حاجب بالشام المحروس» . الضرب الثاني (من بأعمال دمشق «2» من نوّاب المدن والقلاع، وهم خمسة نوّاب) الأوّل- نائب حمص، قال في «التثقيف» : كان يكتب إليه نظير نائب الكرك، يعني «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي» والعلامة الشريفة له «والده» لمّا كان من مقدّمي الألوف بالشام، ثم استقرّ من أمراء الطبلخاناه، واستقرّت مكاتبته «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي» فيما أظن؛ وقد

تقدّم رسمها. والعلامة الشريفة له الاسم الشريف، وتعريفه «النائب بحمص المحروسة» . الثاني- نائب الرّحبة «1» وقد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك أنه كان من حقّها أن تكون من مضافات حلب. ورسم المكاتبة إليه «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي» على ما تقدّم رسمه. والعلامة الشريفة له «والده» وتعريفه «النائب بالرحبة» . الثالث- نائب بعلبك «2» قال في «التثقيف» إن كان من أمراء الطبلخاناه فمكاتبته «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي» والعلامة له الاسم الشريف. وإن كان من العشرات، فالمكاتبة إليه «يعلم مجلس الأمير» والعلامة له الاسم الشريف وتعريفه «النائب ببعلبكّ المحروسة» . الرابع- نائب مصياف «3» وقد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك أنها كانت مضافة إلى طرابلس في جملة قلاع الدّعوة «4» ، ثم استقرّت في مضافات الشام. ورسم المكاتبة إليه «هذه المكاتبة إلى المجلس السامي» والعلامة الشريفة له الاسم الشريف. الخامس- نائب القدس الشريف. وهو ممن استحدثت نيابته في الدولة الأشرفية «شعبان بن حسين» في سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وكانت قبل ذلك

ولاية وهو طبلخاناه، وربما أضيف إليه نظر الحرمين: حرم القدس، وحرم الخليل عليه السّلام. ورسم المكاتبة إليه «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي» . والعلامة «والده» وتعريفه «النائب بالقدس الشريف» . قال في «التثقيف» : وكان قد استقرّ بأماكن تذكر من البلاد الشامية نوّاب، واستقرّت مكاتبة كلّ منهم: إن كان مقدّما «صدرت» و «العالي» والعلامة «والده» . وإن كان طبلخاناه «الساميّ» بالياء والعلامة الاسم الشريف. وهي تدمر، والسّخنة، والقريتان، وسلمية «1» قال: ثم بطل ذلك. ثم قال: ومن النّوّاب بالقلاع الشاميّة جماعة لم تجر لهم عادة بمكاتبة عن المواقف الشريفة، ولا تصدر ولايتهم من الأبواب الشريفة، بل نائب الشام مستقلّ بذلك. وهم، نائب عجلون، ونائب صرخد، ونائب الصّبيبة، ونائب شقيف أرنون «2» قال: وممن كتب إليه أيضا وليس بنائب ولا وال جمال الدين يوسف شاه الأتابك بمصياف في سنة أربع وسبعين وسبعمائة على يد نافع بن بدران. ورسم ما كتب به إليه «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي» وكتب في ألقابه «الأتابكيّ» وكتب تعريفه «يوسف شاه الأتابك» . قال: والظاهر أن العلامة «والده» .

النيابة الثانية (نيابة حلب)

النيابة الثانية (نيابة حلب) والمكاتبون بها عن الأبواب السلطانية أيضا على ضربين الضرب الأوّل (من بمدينة حلب، وهم ثلاثة) الأوّل- النائب بها . وهو من أكابر مقدّمي الألوف. ورسم المكاتبة إليه «أعزّ الله تعالى نصرة الجناب الكريم» على ما تقدّم رسمه. والعلامة الشريفة له «أخوه» وتعريفه «نائب السّلطنة الشريفة بحلب المحروسة» . الثاني- نائب القلعة بها . ورسم المكاتبة إليه «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي» على ما تقدّم رسمه. والعلامة له الاسم الشريف. وتعريفه «نائب القلعة المنصورة بحلب المحروسة» . الثالث- حاجب الحجّاب بها . ورسم المكاتبة إليه «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي» . والعلامة «والده» وتعريفه «أمير حاجب بحلب المحروسة» . الضرب الثاني (من بأعمال حلب من النوّاب، وهم أحد وعشرون نائبا) الأوّل- نائب البيرة «1» ورسم المكاتبة إليه «المجلس العالي» . والعلامة الشريفة «والده» وتعريفه «النائب بالبيرة المحروسة» .

الثاني - نائب قلعة المسلمين المعروفة بقلعة الروم

الثاني- نائب قلعة المسلمين المعروفة بقلعة الرّوم «1» ورسم المكاتبة إليه والعلامة كذلك «2» وتعريفه «النائب بقلعة المسلمين المحروسة» . الثالث- نائب ملطية «3» ، ورسم المكاتبة إليه والعلامة الشريفة كذلك، وتعريفه «النائب بملطية المحروسة» . الرابع- نائب طرسوس «4» ورسم المكاتبة إليه «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي» والعلامة «والده» وتعريفه «النائب بطرسوس» . الخامس- نائب أذنة «5» ورسم المكاتبة إليه والعلامة له كذلك، وتعريفه «النائب بأذنة المحروسة» .

السادس - نائب الأبلستين

السادس- نائب الأبلستين «1» ورسم المكاتبة إليه والعلامة الشريفة له كذلك، وتعريفه «النائب بالأبلستين المحروسة» . السابع- نائب بهسنى «2» ورسم المكاتبة إليه «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي» والعلامة له «والده» وتعريفه «النائب ببهسنى المحروسة» . قال في «التثقيف» : ولم يعلّم لأحد من أرباب السيوف قديما «والده» مع «الساميّ» بالياء غيره. الثامن- نائب آياس » وهو المعبّر عنه بنائب الفتوحات الجاهانيّة. قال في «التثقيف» : إن كان مقدّما فالمكاتبة إليه بنسبة مكاتبة نائب البيرة، فيكون رسم المكاتبة إليه «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي» والعلامة «والده» . وإن كان طبلخاناه فيكون «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي» والعلامة

التاسع - نائب جعبر

الاسم، وتعريفه بكل حال «النائب بآياس» أو «النائب بالفتوحات الجاهانيّة المحروسة» . التاسع- نائب جعبر «1» ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التثقيف» «وهذه المكاتبة إلى المجلس السامي» والعلامة الاسم، وتعريفه «النائب بقلعة جعبر المحروسة» . العاشر- نائب عينتاب «2» ورسم المكاتبة إليه على ما في «التثقيف» «يعلم مجلس الأمير» والعلامة الاسم، وتعريفه «النائب بعينتاب المحروسة» . قال في «التثقيف» : ورأيت بخطّ القاضي ناصر الدين بن النّشائي أن مكاتبته الاسم و «السامي» بغير ياء. ثم قال: وما تقدّم هو ما استقرّ عليه الحال آخرا. قال: وقد يكون ذلك لأنه كان بها أمير طبلخاناه، وتعريفه «النائب بعينتاب» . الحادي عشر- نائب درندة . قال في «التثقيف» : إن كان طبلخاناه ف «السامي» بغير ياء، وإن كان عشرة ف «مجلس الأمير» والعلامة الاسم بكل حال، وتعريفه «النائب بدرندة» . الثاني عشر- ناب القصير «3» . قال في «التثقيف» : ورسم المكاتبة إليه «يعلم مجلس الأمير» والعلامة الاسم، وتعريفه «النائب بالقصير» .

الثالث عشر - نائب الراوندان

الثالث عشر- نائب الرّاوندان «1» ورسم المكاتبة إليه كمثل نائب القصير، وتعريفه «النائب بالرّاوندان» . الرابع عشر- نائب الرّها «2» . قال في «التثقيف» : جرت العادة أن يكون نائبها طبلخاناه، فتكون مكاتبته «السامي» بغير ياء، والعلامة الاسم. ثم قال: وقد استقرّ في الأيام المنصوريّة في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة مقدّم ألف، فقد يكتب إليه نظير نائب البيرة وقلعة المسلمين، يعنى فتكون مكاتبته «صدرت» و «العالي» . والعلامة «والده» وتعريفه بكل حال «النائب بالرّها» . الخامس عشر- نائب شيزر «3» وقد ذكر في «التثقيف» أن مكاتبته «هذه المكاتبة إلى المجلس السامي» فتكون العلامة الاسم، وتعريفه «النائب بشيزر» . السادس عشر- نائب كركر «4» ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التثقيف» «يعلم مجلس الأمير» فتكون العلامة الاسم، وتعريفه «النائب بكركر» . السابع عشر- نائب الكختا «5» ورسم المكاتبة إليه كذلك، وتعريفه «النائب بالكختا» .

الثامن عشر - نائب بغراس

الثامن عشر- نائب بغراس «1» ورسم المكاتبة إليه كذلك، وتعريفه «النائب ببغراس» . التاسع عشر- نائب الشّغر وبكاس «2» . ورسم المكاتبة إليه كذلك، وتعريفه «النائب بالشّغر وبكاس» . العشرون- نائب الدّربساك «3» . ورسم المكاتبة إليه كذلك، وتعريفه «النائب بالدّربساك» . الحادي والعشرون- نائب إسفندكار «4» . ذكر في «التثقيف» أن رسم المكاتبة إليه كذلك. ثم قال في «التثقيف» لكنّي رأيت بخط القاضي ناصر الدين ابن النّشائي أن مكاتبته الاسم و «السامي» بغير ياء، يعني «هذه المكاتبة إلى المجلس السامي» . قال: وما يبعد أنه كان إذ ذاك طبلخاناه. والمستقرّ عليه الحال ما تقدّم. قلت: وقد ذكر في «التثقيف» ستّ قلاع استجدّت مكاتبة نوّابها بعد ذلك، ولم يذكر رسم المكاتبة إليه: وهم نائب حجر شغلان، ونائب كومي، ونائب قلعة كولاك، ونائب قلعة باري كروك، استجدّت مكاتبته في سنة ستين وسبعمائة، ونائب قلعة كاورّا، استجدّت مكاتبته في سنة تسع وستين وسبعمائة، ونائب كرزال، استجدّت مكاتبته في سنة سبع وسبعين وسبعمائة. ولم يذكر رسم

النيابة الثالثة (نيابة طرابلس)

المكاتبة إليهم. والذي يظهر أن رسم المكاتبة إلى كل منهم «يعلم مجلس الأمير» والعلامة الاسم، والتعريف «النائب بفلانة» . وحينئذ فيكون المكاتبون من نوّاب أعمال حلب سبعة وعشرين نائبا. النيابة الثالثة (نيابة طرابلس) «1» والمكاتبون بها عن الأبواب السلطانية أيضا على ضربين: الضرب الأوّل (من بمدينة طرابلس، وهم اثنان) الأوّل- نائب السلطنة بها ؛ ورسم المكاتبة إليه: «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي» على الرسم المتقدّم. والعلامة «والده» وتعريفه «نائب السلطنة الشريفة بطرابلس المحروسة» . الثاني- الحاجب بطرابلس . ورسم المكاتبة إليه «صدرت» و «العالي» . والعلامة «والده» وتعريفه «أمير حاجب بطرابلس المحروسة» . وليس بطرابلس قلعة «2» فيكتب إلى نائبها.

الضرب الثاني (من بأعمال طرابلس من النواب، وهم صنفان)

الضرب الثاني (من بأعمال طرابلس من النوّاب، وهم صنفان) الصنف الأوّل (نوّاب قلاع نفس طرابلس، وهم سبعة نوّاب) الأوّل- نائب اللاذقيّة «1» ورسم المكاتبة إليه «السامي» بغير ياء. والعلامة الاسم، وتعريفه «النائب باللاذقيّة» . الثاني- نائب صهيون «2» ورسم المكاتبة إليه «يعلم مجلس الأمير» . والعلامة الاسم، وتعريفه «النائب بصهيون» . الثالث- نائب حصن الأكراد «3» ورسم المكاتبة إليه كذلك، وتعريفه «النائب بحصن الأكراد» . الرابع- نائب بلاطنس «4» . ورسم المكاتبة إليه كذلك، وتعريفه «النائب ببلاطنس» . الخامس- نائب المرقب «5» . ورسم المكاتبة إليه كذلك.

السادس - نائب حصن عكار

السادس- نائب حصن عكّار «1» . ورسم المكاتبة إليه كذلك، وتعريفه «النائب بحصن عكّار» . الصّنف الثاني (نوّاب قلاع الدّعوة المضافة إلى طرابلس) وهي: قلاع الإسماعيلية الذين يسمّون أنفسهم بأصحاب الدعوة الهاديّة. وكانت سبع قلاع فأضيفت مصياف منها إلى دمشق على ما تقدّم في الكلام على المسالك والممالك؛ وبقي من مضافات طرابلس ستّ قلاع، وهي الكهف، والمينقة، والعلّيقة، والقدموس، والخوابي، والرّصافة. ومكاتبة كلّ منهم «يعلم مجلس الأمير» والعلامة الاسم. وتعريف كلّ منهم «النائب بفلانة» . النيابة الرابعة (نيابة حماة) والمكاتبون بها ضرب واحد بمدينة حماة خاصّة، وهما اثنان: الأوّل- نائب السلطنة بها . وقد تقدّم في أول هذا الطّرف أنها كانت بيد بقايا بني أيّوب، يطلق عليهم فيها لفظ السلطنة، يتولّونها من ملوك مصر إلى أن كان آخرهم الأفضل محمد بن المؤيّد عماد الدين إسماعيل في الدولة الناصرية محمد ابن قلاوون، ثم صارت نيابة بعد ذلك يتداولها النوّاب نائبا بعد نائب. ورسم المكاتبة إلى نائبها «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي» والعلامة «والده» وتعريفه «نائب السلطنة الشريفة بحماة المحروسة» . الثاني- الحاجب بها . ورسم المكاتبة إليه «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي» . والعلامة الاسم، وتعريفه «الحاجب بحماة المحروسة» .

النيابة الخامسة (نيابة صفد)

قال في «التثقيف» : ولم يكن بها قلعة فيكتب إلى نائبها. قلت: وليس بأعمالها نوّاب فيكتب إليها إنما بها ولاة يكاتبون عن نوّابها. النيابة الخامسة (نيابة صفد) «1» والمكاتبون بها ضرب واحد أيضا، وهم من بالمدينة خاصّة وهم ثلاثة: الأوّل- نائب السلطنة بها . ورسم المكاتبة إليه «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي» . والعلامة «والده» . وتعريفه «نائب السلطنة الشريفة بصفد المحروسة» . الثاني- الحاجب بها . ورسم المكاتبة إليه «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي» . والعلامة الاسم. وتعريفه «الحاجب بصفد المحروسة» . الثالث- نائب القلعة بها . ورسم المكاتبة إليه «هذه المكاتبة إلى المجلس السامي» . والعلامة الاسم. وتعريفه «نائب القلعة المنصورة بصفد المحروسة» . قلت: ولم يكن بأعمالها نوّاب فيكاتبون عن الأبواب السلطانية، بل بها ولاة يكاتبون عن نائبها خاصّة كما تقدّم في حماة. النيابة السادسة (نيابة غزّة) والمكاتبون بها أيضا ضرب واحد، وهم من بالمدينة خاصّة، وهما اثنان:

الأول - النائب بها

الأول- النائب بها . وقد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك أنه إن اجتمع له البلاد الساحليّة والجبليّة، عبّر عنه بنائب السلطنة؛ وإن قصر أمره على البلاد الساحلية فقط، عبّر عنه بمقدّم العسكر وكان تحت أمر نائب دمشق. وبكل حال فإنّ رسم المكاتبة إليه «أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي» والعلامة «والده» . ثم إن أضيف له الجهتان قيل في تعريفه «مقدّم العسكر المنصور بغزّة» . الثاني- الحاجب بها . ورسم المكاتبة إليه «يعلم مجلس الأمير» . والعلامة الاسم، وتعريفه «الحاجب بغزّة المحروسة» . قلت: وليس بعملها نوّاب، بل ولاة يكاتبون عن نائبها أو مقدّم العسكر بها. إلا أنه قد استحدث في أواخر الدولة الظاهرية «برقوق» مكاتبة كاشف الرّملة، واستقرّت مكاتبته «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي» . والعلامة الاسم، وتعريفه «الكاشف بالرّملة» . النيابة السابعة (نيابة الكرك) «1» والمكاتبون بها من بالمدينة خاصّة، وهما اثنان: الأول- نائب السلطنة بها . ورسم المكاتبة إليه «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي» . والعلامة والده، وتعريفه «نائب السلطنة الشريفة بالكرك» . الثاني- والى القلعة بها . ورسم المكاتبة إليه «هذه المكاتبة إلى المجلس السامي» . والعلامة الاسم، وتعريفه «والي القلعة المنصورة بالكرك المحروس» .

النيابة الثامنة (نيابة سيس)

قلت: ولم يكن بها حاجب يكاتب ولا بأعمالها نوّاب، بل ولاة يكاتبون عن النائب بها خاصّة. النيابة الثامنة (نيابة سيس) «1» وقد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك أنها مما استجدّ فتحه في الدولة الأشرفية «شعبان بن حسين» . وقد ذكر في «التثقيف» أن مكاتبة النائب بها كانت «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي» كنائب طرابلس ومن في معناه. ثم قال: وقد صحّ لي بعد هذا أنه استقرّت مكاتبته نظير غزّة. وهي «أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي» . والعلامة حينئذ «والده» ، وتعريفه «مقدّم العسكر المنصور بغزة» «2» وما ذكره آخرا هو المستقرّ عليه الحال إلى آخر وقت. قال في «التثقيف» : ولم أطّلع على مكاتبة الحاجب بها. ثم قال: وما يبعد أن يكون «مجلس الأمير» لأنه فيما أظنّ أمير عشرة. قال: وإن كان طبلخاناه، فالاسم و «السامي» بغير ياء إن كتب إليه. ولم يكن بها نائب قلعة كما ذكره في الكلام على نوّاب القلاع. قلت: وهنا أمران أشار إليهما في «التثقيف» ينبغي التّنبّه لهما. أحدهما- أن القاعدة فيمن عدا أكابر النواب: كنوّاب القلاع والحجاب ونحوهم أنّ المكتوب إليه إن كان مقدّما ف «والده» و «صدرت» و «العالي» . وإن كان طبلخاناه فالاسم و «السامي» بغير ياء. وإن كان عشرة، فالاسم و «مجلس الأمير» . وحينئذ فلا يتوقف مع المكاتبات السابقة، بل ينظر من هو

مستقرّ في ذلك الوقت ويكتب إليه بما تقتضيه رتبته، فإنه تارة تكون عادة تلك النيابة طبلخاناه ثم تستقرّ عشرة وبالعكس، وتارة تكون طبلخاناه يستقرّ فيها مقدّم ألف وبالعكس. والعبرة في ذلك بحال من هو مستقرّ حال الكتابة، خلا ما هو مستقرّ من قديم الزمان لا يتغيّر مثل مكاتبة نائب بهسنى ونحوه. وثانيهما- أنّ نائب السلطنة بدمشق، ونائب السلطنة بحلب، ونائب السلطنة بطرابلس، ونائب السلطنة بحماة، ونائب السلطنة بصفد، ونائب السلطنة أو مقدّم العسكر بغزّة، ونائب السلطنة بالكرك، ونائب السلطنة بالقدس الشريف يكتب إليهم في جليل كلّ أمر وحقيره من المهمات السلطانية وخلاص الحقوق وغيرها. أما من عداهم من نوّاب القلاع والنوّاب الصغار الذين بأعمال هذه الممالك والحجّاب، فإنه لا يكتب إليهم في المهمّات والأمور السلطانية: إما في مثال «1» شريف مفرد لأحدهم، أو في مطلق «2» شريف عامّ لجميعهم أو لبعضهم، وكذلك

النوع الثاني (ممن يكاتب بالممالك الشامية أرباب الأقلام، وهم صنفان)

في البشرى بوفاء النيل، فإنه يكتب إلى كلّ واحد منهم مثال بمفرده، خلا الحجّاب فإنه لا يكتب إليهم بذلك. النوع الثاني (ممّن يكاتب بالممالك الشاميّة أرباب الأقلام، وهم صنفان) الصنف الأول (أرباب الوظائف الدّيوانية) والذي يكاتب منهم بالبلاد الشامية الوزير بدمشق، أو ناظر النّظّار «1» القائم مقامه، حيث لم يصرّح له بالوزارة. أما الوزير بدمشق، فقد ذكر في «التعريف» أنه كتب للصاحب عزّ الدين أبي يعلى حمزة بن القلاقسيّ «2» «الجناب» لجلالة قدره، وسابقة خدمه، وعناية من كتب إليه بذلك، وأن الذي استقرّ عليه الحال للوزير بالشام «المجلس العالي» بالدعاء. كما كتب للصاحب «أمين الدين» «3» أمين الملك في وزارته في الأيام الناصرية «محمد بن قلاوون» «ضاعف الله تعالى نعمة المجلس العالي، القاضي، الوزيريّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الأوحديّ، القواميّ، النظاميّ، المدبّريّ، الملجديّ، الأثيريّ، المشيريّ، الفلانيّ؛ صلاح الإسلام والمسلمين، سيّد الوزراء في العالمين، رئيس الأمراء كبير الرؤساء، بقيّة الأصحاب، ملاذ الكتّاب، عماد الملّة، خالصة الدولة، مشير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين» . والدعاء، ثم «صدرت» . والعلامة «أخوه» . وتعريفه «مدبّر الممالك الشريفة بالشام المحروس» . قال: ولم يكتب لأحد بذلك بعده ولا قبله. ثم قال: واستقرّ في الدولة الناصرية حسن، الصاحب فخر الدين بن قروينة وزيرا بالشام أيضا على قاعدة

الصنف الثاني (القضاة والعلماء)

جدّه لأمّه، أمين الدين المذكور. ولم أعلم ما كوتب به: هل كما كتب لجدّه المذكور أو دونه؟. وأما ناظر النظار، فقد ذكر في «التثقيف» أن المكاتبة إليه «حرس الله تعالى مجد المجلس العالي، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الكامليّ الأوحديّ، الرئيسيّ، الأثيريّ، القواميّ، النّظاميّ، المنفّذيّ، المتصرّفيّ، العلّاميّ؛ مجد الإسلام والمسلمين، سيّد الرؤساء في العالمين، أوحد الفضلاء، جلال الكبراء، حجّة الكتّاب، صفوة الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين» . والدعاء ثم «صدرت» . والعلامة الاسم، وتعريفه «ناظر النّظّار بالشام المحروس» . قال في «التثقيف» : وهذا هو الذي استقرّ عليه الحال إلى آخر وقت. الصنف الثاني (القضاة والعلماء) قد ذكر في «التعريف» : أن المكاتبة لقاضي القضاة الشافعيّ بالشام ب «المجلس العالي» ولم يذكر صورتها. قال في «التثقيف» : والذي كوتب به الشيخ تقيّ الدين السّبكيّ «1» رحمه الله؛ وهو قاضي القضاة بالشام: «أعزّ الله تعالى أحكام المجلس العالي، القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، الأفضليّ، الأكمليّ، الأوحديّ، البليغيّ، الفريديّ، المفيديّ، النّجيديّ، القدويّ، الحجّيّ، المحققيّ، الإماميّ، الأصيليّ، الموفّقيّ، الحاكميّ، الفلانيّ؛ جمال الإسلام والمسلمين، شرف العلماء العاملين، أوحد الفضلاء المفيدين، قدوة

النوع الثالث (ممن يكاتب بالبلاد الشامية العربان)

البلغاء، حجّة الأمة، عمدة المحدّثين، فخر المدرّسين، مفتي المسلمين، جلال الحكّام، حكم الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين» . والدعاء ثم «صدرت هذه المكاتبة» . والعلامة «أخوه» . وتعريفه «قاضي القضاة بالشام المحروس» . ثم ذكر فيما بعد أنه كان يكتب في نعوته: «صدر الشام، معزّ السنة، مؤيّد الملّة» قال في «التثقيف» وكانت مكاتبته «شمس الشريعة، رئيس الأصحاب، لسان المتكلمين» ، ولم يعيّن مكانها. قال: وكتب بذلك إلى ولده قاضي القضاة تاج الدين السبكيّ «1» ، وهو قاضي القضاة بالشام غير مرّة. ثم زيد في ألقاب أخيه الشيخ بهاء الدين «2» عند استقراره في القضاء بالشام مكانه بعد القاضويّ «الشّيخيّ» وبعد المحقّقيّ «الورعيّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، الإماميّ، العلّاميّ، الأصيليّ، العريقيّ» . وزيد في تعريفه بعد جلال الحكام «بركة الدولة» . النوع الثالث (ممن يكاتب بالبلاد الشامية العربان) قد تقدم في الكلام على أنساب العرب في المقالة الأولى، فيما يحتاج إليه الكاتب أنّ عرب الشام عدّة بطون من عدّة قبائل. وقد قال في «التعريف» : إنهم جلّ القوم وعين الناس، لا عناية للملوك إلا بهم، ولا مبالاة بغيرهم. ونحن نذكر هنا ما يتعلّق بالمكاتبات إلى أمرائهم ومشايخهم خاصّة. البطن الأول (آل فضل من آل ربيعة) وقد تقدّم أنهم من طيّء، من كهلان، من العاربة. قال في «التعريف» :

وآل فضل منهم هم الذين في نحر العدوّ، ولهم العديد الأكثر، والمال الأوفر. قال: وقد صاروا الآن أهل بيتين: بيت مهنّا بن عيسى، وبيت فضل بن عيسى «1» قال: وهم في جوار الفرات. ولذلك يضاعف إكرامهم، وتوفّر لهم الإقطاعات وتسنى. والإمرة الآن منهم في بيت مهنّا بن عيسى. وهو المعبّر عنه بأمير آل فضل. وقد ذكر في «التثقيف» أنه كان في زمانه قارا بن مهنا، ثم كان في الدولة الظاهرية «برقوق» محمد نعير بن حيار بن مهنّا بن [عيسى بن مهنّا بن ماتع «2» بن حديثة «3» ابن عقبة «4» بن فضل بن ربيعة] ، ثم استقرّ بعده في الدولة الناصرية «فرج» ابنه العجل، وهو المستقرّ إلى الآن. قال في «التعريف» : ورسم المكاتبة إلى الأمير منهم «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميريّ» بألقاب جليلة معظّمة مفخّمة. وذكر في «التثقيف» أن رسم المكاتبة إليه «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الأوحديّ، النصيريّ، العونيّ، الهماميّ، المقدّميّ، الظهيريّ، الأصيليّ، الفلانيّ، عزّ الإسلام والمسلمين، شرف أمراء العربان في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين؛ مقدّم العساكر، كهف الملّة، ذخر الدولة، عماد العرب، ظهير الملوك والسلاطين، حسام أمير المؤمنين» . ثم الدعاء و «صدرت هذه المكاتبة» . والعلامة «أخوه» . وتعريفه «فلان بن فلان» .

قال في «التعريف» أما من هو نظيره أو مدانيه وعدته الإمرة، فرسم المكاتبة إليه: «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي» ومن دونه «الساميّ الأميريّ» . قال: ولكلّ هؤلاء العلامة الشريفة «أخوه» ولمن دون هؤلاء «السامي الأمير» والعلامة الشريفة الاسم الشريف. وقد ذكر في «التثقيف» أسماء جماعة من أكابر بيت مهنّا بن عيسى، وبيت فضل بن عيسى وذكر لكل منهم رسم مكاتبة. فأما بيت مهنا المذكور، فهم خمسة: الأول منهم- عسّاف بن مهنّا. ورسم المكاتبة إليه: «هذه المكاتبة إلى المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، الكبير، الغازي، المجاهد، المؤيّد، الأوحد، الأصيل؛ فلان الدين، مجد الإسلام، بهاء الأنام، فخر القبائل، زين العشائر، عماد الملوك والسلاطين» والدعاء ثم «صدرت» والعلامة «والده» وتعريفه اسمه. الثاني- عنقاء بن مهنّا أخو عسّاف. مثله في المكاتبة على السواء. الثالث- زامل بن موسى بن مهنّا، «صدرت» و «السامي» . والعلامة «والده» وتعريفه اسمه. الرابع- محمد بن حيار بن مهنا: وهو نعير، مثل عمّيه: عسّاف وعنقاء. الخامس- عليّ بن سليمان بن مهنّا. ذكر أنه كان يكاتب ب «الساميّ» بالياء. والعلامة الاسم. وذكر أنّ أخاه عوّادا لم يعلم أنه كوتب عن الأبواب السلطانية. وأما بيت فضل، فذكر منهم معيقل بن فضل، وقال: إن رسم المكاتبة إليه «الساميّ» بالياء. والعلامة «والده» . ثم قال: ولم يكاتب الآن من بني فضل غيره، فإن أخويه: سيفا وأبا بكر كانا يكاتبان عن الأبواب الشريفة، ثم توفّيا إلى رحمة الله تعالى، ولم يبق من أكابر بني فضل غيره هو وأولاد أخويه، لكنهم لم يكاتبوا

البطن الثاني (آل مرا)

بشيء. فإن اتفق أن يكاتب أحد من أولاد أخويه المذكورين أو من أولاد مهنّا، مثل أولاد فيّاض، وبقية أولاد حيار ورميثة بن عمر بن موسى ونحوهم، فأعلاهم الاسم و «السامي» بغير ياء، وأدناهم الاسم و «مجلس الأمير» . البطن الثاني (آل مرا) «1» قد تقدّم في الكلام على أنساب العرب فيما يحتاج إليه الكاتب، في المقالة الأولى، أنّ مرا وفضلا أخوان. قال في «التعريف» : ومنازلهم بلاد حوران. وقد ذكر في «التثقيف» أن الإمرة في زمانه كانت مقسومة نصفين بين عنقاء بن شطى «2» ابن عمرو بن نونة «3» ، وعمّه فضل بن عمرو بن نونة «4» ثم قال: ومكاتبة كلّ منهما «صدرت» و «السامي» . والعلامة «والده» وتعريفه «فلان بن فلان» . البطن الثالث (آل عليّ) وقد تقدّم في الكلام على الأنساب أنهم من «5» آل فضل. قال في «التعريف» : وإنما نزلوا غوطة دمشق حيث صارت الإمرة إلى عيسى بن مهنّا، وبقي عيسى جار الفرات في تلابيب التّتار. قال في «التعريف» : ورسم المكاتبة إلى أميرهم «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس الساميّ الأميريّ» . والعلامة الشريفة «أخوه» . وقد ذكر في «التثقيف» أن أميرهم في زمانه كان «6» عيسى بن رملة

البطن الرابع (بنو مهدي)

ابن جمّاز. وقال: إن رسم المكاتبة إليه كما ذكر في «التعريف» وهي: «صدرت» و «السامي» لكنه ذكر أن العلامة «والده» - وتعريفه «فلان بن فلان» . البطن الرابع (بنو مهديّ) «1» وقد تقدّم في الكلام على الأنساب أنّ منازلهم البلقاء من مضافات دمشق. قال في «التعريف» : والإمرة فيهم في أربعة، رسم المكاتبة إلى كلّ منهم «مجلس الأمير» . وذكر في «التثقيف» أنها كانت في زمانه باسم ببرو بن ذؤيب «2» بن سعيد ابن محفوظ القيسي «3» ، وسعيد بن نجري «4» بن حسن العقيسي، وزامل بن عبيد بن محفوظ العقيسي، ومحمد بن عبّاس بن قاسم بن محمد بن راشد العسري. وأن مكاتبة كل منهم «مجلس الأمير» كما تقدّم في «التعريف» . ثم قال: ومن كان معه نصف الإمرة منهم، كانت مكاتبته الاسم و «السامي» بغير ياء؛ وتعريف كلّ منهم «فلان بن فلان» . البطن الخامس (بنو عقبة) «5» وقد تقدّم في الكلام على الأنساب أن مرجعهم إلى جذام، وأنّ منازلهم الكرك والشّوبك. قال في «التعريف» : ورسم المكاتبة إلى أميرهم مثل أمير آل مرا. وكذلك رسم المكاتبة إلى أقاربه كرسم المكاتبة إلى أقارب أمير آل مرا أيضا؛ فتكون مكاتبة أميرهم «صدرت» و «السامي» . ومكاتبة أعيان أقاربه «السامي

البطن السادس (جرم)

الأمير» ولمن دونهم «مجلس الأمير» . وقد ذكر في «التثقيف» أن إمرتهم في زمانه كانت باسم خاطر بن أحمد بن شطى بن عبيد «1» وذكر أن رسم المكاتبة إليه الاسم و «الساميّ» بالياء، وتعريفه «فلان بن فلان» ولم يتعرّض لأقربائه. البطن السادس (جرم) «2» وقد تقدّم في الأنساب أن مرجعهم إلى طيّىء، وأن منازلهم ببلاد غزّة. وقد ذكر في «التعريف» أن إمرتهم في زمانه كانت باسم فضل بن حجيّ «3» وذكر أن رسم المكاتبة إليه «مجلس الأمير» . والذي ذكره في «التثقيف» أنّ لهم مقدّما لا أميرا، وأنه كان في زمانه عليّ بن فضل. وذكر أن رسم المكاتبة إليه الاسم و «السامي» بغير ياء. وهذا عجب فإنه إذا كان أميرا ورسم المكاتبة إليه «مجلس الأمير» فكيف يكون رسم المكاتبة إليه «السامي» بغير ياء وهو مقدّم، والإمارة فوق التّقدمة بلا ريب. قال في «التعريف» : وأما بقيّة عرب الشام، نحو زبيد المرج، وزبيد حوران، وخالد حمص، والمشارقة، وغزيّة إذا أطاعوا، وزبيد الأحلاف، فأجلّ كبرائهم وأشياخهم من يكتب له «مجلس الأمير» . وذكر في «التثقيف» نحوه، ثم قال: هذا إن انفرد أحد منهم بالمكاتبة، وإلا فالعادة أن يكتب لكلّ طائفة من هؤلاء مطلق شريف. ثم قال: على أنه لم تجر العادة بمكاتبة أحد من هؤلاء القبائل، لا على الانفراد ولا على الاجتماع. وهذا كلام متناقض؛ حيث يقول: إنّ

النوع الثالث (ممن يكاتب بالممالك الشامية، التركمان)

العادة أن يكتب لكل طائفة منهم مطلق شريف، ثم يقول: إن العادة لم تجر بمكاتبة أحد منهم لا على الانفراد ولا على الاجتماع. قلت: وقد تقدّم الكلام على أنساب جميع هذه البطون وأماكنها مستوفى في الكلام على الأنساب في المقالة الأولى «1» ووقع بسط الكلام على ذلك وغيره في كتابنا المسمّى «نهاية الأرب في معرفة قبائل العرب» «2» النوع الثالث (ممن يكاتب بالممالك الشاميّة، التّركمان) قد تقدّم ذكر نسب التركمان في الكلام على أنساب الأمم في المقالة الأولى. وقد ذكر في «التثقيف» أن التركمان بهذه المملكة طوائف كثيرة، وجماعة كبيرة. ثم قال: وغالبهم لا يكتب إليه إلا إذا ضمّهم مطلق شريف. فإن كتب إلى أحد من أعيانهم، كتب إليه الاسم و «السامي» بغير ياء إن كان طبلخاناه؛ وإن كان عشرة أو عشرين، كتب إليه الاسم و «مجلس الأمير» لا غير، ثم أخلى بياضا متّسعا ولم يصرّح باسم أحد منهم. ثم ذكر في الكلام على تركمان البلاد الشرقية عدّة طوائف، عدّ منهم الأوسرية، وقال: هم تركمان حلب، والورسق. وقال: وهم تركمان طرسوس، ولم يتعرّض لمواضع غيرهم. وسيأتي كلامه مستوفى عند الكلام على تركمان البلاد الشرقية إن شاء الله تعالى. النوع الرابع (ممن يكاتب بالممالك الشامية الأكراد) وقد تقدّم ذكر نسبهم في الكلام على أنساب الأمم في المقالة الأولى. وقد ذكر في «التثقيف» أن بهذه المملكة منهم طوائف كثيرة كالتّركمان، وأنّ غالبهم

القسم الثالث (من يكاتب بالبلاد الحجازية، والمعتبر في المكاتبين منهم ثلاثة)

لا يكتب إليه إلا إذا ضمّهم مطلق شريف، وأنه إن كتب لأحد من أعيانهم، كتب له الاسم و «السامي» بغير ياء، إن كان طبلخاناه. وإن كان أمير عشرة أو عشرين، كتب إليه الاسم و «مجلس الأمير» كما تقدّم في التّركمان من غير فرق. القسم الثالث (من يكاتب بالبلاد الحجازية، والمعتبر في المكاتبين منهم ثلاثة) الأوّل- أمير مكّة المعظّمة . وقد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك ذكر أمرائها من ابتداء الإمرة وهلمّ جرّا إلى زماننا، والقائم بها الآن [حسن بن أحمد] «1» بن عجلان. ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التعريف» : «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، العضديّ، النّصيريّ، الذّخريّ، الغوثيّ، المفيديّ، الأوحديّ، الظهيريّ، الزّعيميّ، الكافليّ، الشريفيّ، الحسيبيّ، النّسيبيّ، الأصيليّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، جلال العترة الطاهرة، كوكب الأسرة الزاهرة؛ فرع الشجرة الزّكيّة، طراز العصابة العلويّة؛ ظهير الملوك والسلاطين، نسيب أمير المؤمنين» ثم الدعاء المعطوف. وبعده «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي بالسلام والثناء وتوضح لعلمه الكريم كذا وكذا» . ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التثقيف» : «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، الشريفيّ، الحسيبيّ، النّسيبيّ، العالميّ، المجاهديّ، المفيديّ، الأوحديّ، النصيريّ، العونيّ، الهماميّ، المقدّميّ، الظّهيريّ، الأصيليّ، العريقيّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء الأشراف في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، كهف الملّة، عون الأمة، فخر

السّلالة الزاهرة، زين العترة الطاهرة، بهاء العصابة العلويّة، جمال الطائفة الهاشميّة، ظهير الملوك والسلاطين، نسيب أمير المؤمنين» ثم الدعاء و «صدرت» . وهذا دعاء وصدر يليق به ذكره في «التعريف» : «ولا زال حرمه أمينا، ومكانه مكينا، وشرفه يبيّض له بمجاورة الحجر الأسود عند الله وجها ويضيء جبينا. صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي تحمل إليه سلاما تميل به الرّكائب، وثناء تثني على مسكه الحقائب «1» ، وشوقا أوسق قلبه لمن نسكه مع الحبائب «2» ، وتوضّح لعلمه الكريم» . صدر آخر: ومتّعه بجوار بيته الكريم، وزاد بجميل مساعيه شرف نسبه الصّميم، وآنسه بقرب الحجر الأسود والرّكن والحطيم «3» صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي تهدي إليه سلاما، وثناء تطيب به الصّبا قبل أن تحمل شيحا أو خزامى، وتوضح لعلمه الكريم. صدر آخر: وأراه مناسكه، وآنس بالتقوى مسالكه، وأشهد على عمله الصالح بطحاءه وما ينزله من الملائكة. صدرت هذه المكاتبة بتحيّاتها المباركة، وأثنيتها التي لا تزال إليه بها أفئدة من الناس سالكة، وتوضّح لعلمه الكريم.

الثاني - أمير المدينة النبوية

الثاني- أمير المدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. وقد تقدّم في الكلام على أمرائها في المسالك والممالك من المقالة الثالثة أن إمارتها مستقرّة في بني الحسين، وأنّها الآن في بني جمّاز بن شيحة، وأن جدّهم كان فقيها بالعراق، فقدم على السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» رحمه الله، فولّاه المدينة فاستقرّت فيها قدمه ثم قدم بنيه، وأنّ القائم بها الآن «1» [ثابت بن جمّاز بن هبة بن جماز بن منصور بن جماز بن شيحة بن نعير] . ورسم المكاتبة إليه كرسم المكاتبة إلى أمير مكة على الاختلاف السابق في النقل عن «التعريف، والتثقيف» . فقد ذكر كلّ منهما رسم المكاتبة إلى أمير مكة. ثم قال: ورسم المكاتبة إلى أمير المدينة كذلك. وهذا صدر مكاتبة يليق به، وهو: ولا زال في جوار الله ورسوله، ومهبط الوحي ونزوله، ومكان يردّد فيه من أبويه الطاهرين بين حيدره وبتوله. صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي بسلام يحدو ركابها، وثناء يزين في قبا قبابها، وشوق إلى رؤيته في الروضة التي طالما استسقى فيها برسول الله صلّى الله عليه وسلّم سحابها، توضح لعلمه الكريم كذا وكذا. صدر آخر: وزاده من الله ورسوله قربا، وأكّد له بحماية حرمه حبّا، وأبهجه كلّما رأى جدّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد جاور آلا وجالس صحبا. صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي مطربة بالسلام، مطنبة في ثنائه المفصّل النّظام، وتوضح لعلمه الكريم. الثالث- النائب بالينبع «2»

وقد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك أنها في بني حسن أيضا «1» قال في «التثقيف» : ورسم المكاتبة إليه «هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأمير» . والعلامة الاسم، وتعريفه «النائب بالينبع» . أما سائر العربان بالحجاز فقد ذكر في «التثقيف» أن لبني حسن القوّام بمكة «مجالس الأمراء» . والعلامة الاسم. ومن عدا بني حسن فقد ذكر في «التعريف» أنهم على ضربين: الضرب الأوّل- أهل الدّربين: المصريّ والشاميّ «2» قال: وليس فيهم من هو في عير ولا نفير، ولا يحلّ في ذروة ولا غارب؛ وأجلّ من فيهم إذا كتب له «مجلس الأمير» كان كمن سوّر وطوّق، لا بل طيلس وتوّج. الضرب الثاني- شيوخ لام، وخالد، والمنيفق، وعائذ الحجاز «3» قال:

المسلك الثاني (في معرفة ترتيب المكاتبات المقدمة الذكر، وكيفية أوضاعها. وفيه مأخذان)

وهؤلاء من كان منهم المشار إليه كتب إليه «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس الساميّ الأميريّ» والعلامة «أخوه» . ثم من يليهم بالسامي بغير ياء. ثم الأعيان من بقيتهم «مجلس الأمير» . المسلك الثاني (في معرفة ترتيب المكاتبات المقدّمة الذكر، وكيفية أوضاعها. وفيه مأخذان) المأخذ الأوّل- في ترتيب متون المكاتبات ، ولا يكون إلا ابتداء. أما الجواب فإنه لا يتأتّى فيها. ثم هي على ضربين: الضرب الأوّل- ما يكتب في خلاص الحقوق . وهو ما يكتب فيه لنوّاب الإسكندرية، ونائبي الوجهين: القبليّ والبحريّ من الديار المصرية، وولاتهما، ونوّاب الشام، وحلب، وطرابلس، وحماة، وصفد، والكرك، ومقدّم العسكر بغزّة، من الممالك الشامية على ما تقدّم ذكره في الكلام على مكاتبة أهل المملكة. والرسم في ذلك إذا كانت المكاتبة إلى نائب الشام مثلا، بسبب قضيّة تتعلّق بالأمير الدّوادار أن يكتب: «أعزّ الله تعالى المقرّ الكريم» إلى آخر الألقاب والصدر؛ ثم يكتب: «وتبدي لعلمه الكريم أن الجناب العالي» ويذكر ألقابه إلى آخرها «ضاعف الله تعالى نعمته عرّفنا كذا وكذا» . ويذكر ما في قصته برمّته. ثم يكتب: «ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره العالي بكذا وكذا» ويأتي بما رسم له به إلى آخره؛ ثم يقول: «فيحيط علمه بذلك» ويكمّل على ما تقدّم. وإن كان المكتوب بسببه أمير عشرة مثلا، كتب بدل «عرّفنا» : «ذكر» . وإن كان من آحاد الناس كتب بدل ذلك: «إن فلانا أنهى» ويكمل على ما تقدّم. وهذه نسخة مكاتبة إلى نائب الشام بسبب خلاص حقّ: أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الكريم، العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ،

العادليّ، المؤيّديّ، العونيّ، المثاغريّ، المرابطيّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الزّعيمي، الظّهيريّ، العابديّ، الناسكيّ، الأتابكيّ، الكفيليّ، الفلانيّ؛ معزّ الإسلام والمسلمين، سيد أمراء العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، ملجإ الفقراء والمساكين، أتابك العساكر، زعيم الموحّدين، ممهّد الدول، مشيّد الممالك، عون الأمة، كهف الملّة، عماد الدولة، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين، ولا زال عاليا قدره، نافذا أمره، جاريا على الألسنة حمده وشكره. أصدرناها إلى المقرّ العالي تهدي إليه من السلام أتمّه، ومن الثناء أعمّه وتبدي لعلمه الكريم أنّ الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الغوثيّ، الغياثيّ، المرابطيّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظّهيريّ، الزّعيميّ، المقدّمى، الفلانيّ؛ ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين؛ فلان رأس نوبة «1» الظاهريّ ضاعف الله تعالى نعمته عرّفنا أنّ له دعوى شرعية على أقوام بدمشق المحروسة، وهم فلان وفلان. ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره العالي بحملهم صحبة فلان قاصد المشار إليه، إلى الأبواب الشريفة، محتفظا بهم، قولا واحدا، وأمرا جازما، ليصل كلّ ذي حقّ إلى حقه، فيحيط علمه بذلك، والله تعالى يؤيّده بمنّه وكرمه. آخر: وتبدي لعلمه الكريم أن المجلس الساميّ، الأميريّ، الكبيريّ، العضديّ، الذّخريّ، الأوحديّ، الفلانيّ؛ عمدة الملوك والسلاطين: فلان أدام الله سعادته، ذكر لنا أن الصّدقات الشريفة شملته بخلاص حقّه من فلان. وقد وكّل

في ذلك المجلس الساميّ القضائيّ الأجلّيّ فلان الدين. ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره العالي بطلب الغريم المذكور، وخلاص الحقّ منه بتمامه وكماله. وإن امتنع عن ذلك يحمل للأبواب الشريفة مع الوصيّة بوكيله في ذلك، فيحيط علمه بذلك. آخر: وتبدي لعلمه الكريم أن الأمير، الأجلّ، الكبير، فلان الدين، فلان الفلاني؛ أنهى أنّ بيده إقطاعا بالحلقة الشامية، وأن الوزير بالشام المحروس في كلّ وقت يتعرّض إلى إقطاعه، ويأخذ الموجب المقرّر له بغير طريق. ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره العالي بطلب المباشرين، والارتجاع عليهم بما التمسوه من إقطاعه، على ما يشهد به الدّيوان المعمور، بتمامه وكماله، ويستقرّ هذا المثال الشريف بيده بعد العمل به، فيحيط علمه الكريم بذلك، والله تعالى يؤيّده بمنّه وكرمه. آخر: وتبدي لعلمه الكريم أن فلانا الفلانيّ أنهى أنّ شخصا يسمّى فلانا تزوّج بأخته، وهو مقيم بالشام المحروس، وتوفيت أخته إلى رحمة الله تعالى، ووضع الزوج المذكور يده على جميع مالها. ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره العالي بخلاص الحق على حكم الشرع الشريف مع الوصيّة به، فيحيط علمه بذلك. آخر: وتبدي لعلمه الكريم أن قصّة «1» رفعت إلى أبوابنا الشريفة باسم

الضرب الثاني (ما يكتب من متعلقات البريد في الأمور السلطانية، وهي صنفان)

تجّار الفرنج، أنهوا فيها أنهم يبيعون ويبتاعون البضائع، ويقومون بما عليهم من الموجب السلطانيّ. ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره بخلاص حقوقهم ممن تتعيّن في جهته على حكم الحق، وكفّ أسباب الضرر عنهم، ومنع من يتعرّض إليهم بغير حقّ ولا مستند شرعيّ، والوصية بهم ورعايتهم وملاحظتهم، فيحيط علمه بذلك. الضرب الثاني (ما يكتب من متعلقات البريد في الأمور السلطانية، وهي صنفان) الصنف الأوّل (ما يكتب به ابتداء) ويختلف الحال فيه باختلاف مقتضيه: فإن كان مقتضية بروز أمر السلطان بفعل شيء أو تركه أو الحركة في شيء، كتب: «إنّ المراسيم الشريفة اقتضت كذا وكذا» . أو «إن مراسيمنا الشريفة اقتضت كذا» . أو «إن المرسوم الشريف اقتضى كذا» . أو «إن مرسومنا الشريف اقتضى كذا» : فإن كان ذلك الأمر مما يحتاج إلى إدارة الرأي فيه، كتب: «إنّ الرأي الشريف اقتضى كذا» . أو «إنّ آراءنا الشريفة اقتضت كذا» ، وما يجري هذا المجرى. وإن كان مقتضيه بلوغ خبر من حركة عدوّ أو اطّلاع على أمر خفيّ، كتب: «إنه اتّصل بالمسامع الشريفة كذا وكذا» . أو «إنه اتصل بمسامعنا الشريفة كذا وكذا» . وإن كان بسبب طلب مال أو جباية خراج ونحو ذلك، كتب: «إنّ لديوان خاصّنا «1» الشريف في الجهة الفلانية كذا» . أو «إنّ لنا في الجهة الفلانية كذا» ونحو ذلك مما ينخرط في هذا السّلك، ثم يكتب: «ومرسومنا للمقرّ الكريم، أو للجناب الكريم، أو الجناب

العالي» على حسب المكاتبة «أن يتقدّم أمره بكذا وكذا» على ما تبرز به المراسيم السلطانية. وهذه مكاتبات من ذلك إلى نائب الشام، ينسج على منوالها. مكاتبة- باستقرار نائب في نيابة بعض القلاع: وتبدي لعلمه الكريم أن المراسيم الشريفة اقتضت استقرار الأمير فلان الدين في النيابة الشريفة وجهزنا مرسومه «1» الشريفين على يد المتوجّه بهذا المثال الشريف الأمير الأجلّ فلان الدين فلان، أعزه الله تعالى. فيتقدّم المقرّ الكريم بتجهيزه إلى جهة قصده بما على يده من ذلك، وإذا عاد، يعيده إلى الأبواب الشريفة مكرما مرعيّا على عوائد همّته العليّة، فيحيط علمه بذلك. مكاتبة- بنقل نائب سلطنة من نيابة إلى نيابة: وتبدي لعلمه الكريم أن مرسومنا الشريف اقتضى نقل الجناب الكريم، العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الغوثي، الغياثيّ، المقدّميّ، الكافليّ، الفلانيّ؛ ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين؛ فلان الظاهريّ، أعزّ الله نصرته- من نيابة السلطنة الشريفة بطرابلس، إلى نيابة السلطنة الشريفة بحلب المحروسة. والجناب العالي الأميريّ الكبيريّ الفلانيّ، ظهير الملوك والسلاطين فلان الظاهريّ من نيابة السلطنة بصفد المحروسة، إلى نيابة السلطنة الشريفة بطرابلس المحروسة. والجناب العالي الفلانيّ الظاهريّ من تقدمة العسكر المنصور بغزّة المحروسة، إلى نيابة السلطنة الشريفة بصفد المحروسة. وكتبنا لهم تقاليد شريفة بذلك، وجهّزنا إليهم تشاريفهم وهي واصلة عقيبها على يد متسفّريهم «2» ؛ وجهّزنا الأمير الأجلّ الأعز فلان الدين، مؤتمن الملوك

والسلاطين، فلان الخاصكيّ الظاهريّ أعزه الله تعالى للبشارة للمشار إليهم بذلك: ليأخذوا حظّهم من هذه البشرى، وتضاعف أدعيتهم بدوام أيامنا الشريفة، وآثرنا إعلام المقرّ الكريم بذلك: ليكون على خاطرة؛ والله تعالى يويّده بمنّه وكرمه. مكاتبة- بحمل شخص للأبواب السلطانية: وتبدي لعلمه الكريم أن مرسومنا الشريف اقتضى تقدّم المقرّ الكريم حال وقوفه عليها، وقبل وضعها من يده بطلب فلان الفلانيّ وفلان الفلانيّ، وتجهيزهما إلى الأبواب الشريفة في أسرع وقت وأقربه، من غير فترة ولا توان. ونحن نؤكد عليه غاية التأكيد في سرعة تجهيزهما إلى الأبواب الشريفة صحبة الأمير الأجل، فلان الدين فلان، إلى الأبواب الشريفة محتفظا بهما، محترزا عليهما؛ ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره العالي باعتماد ما اقتضاه مرسومنا الشريف، والاهتمام بذلك، والاحتفال به، فيحيط علمه بذلك، والله تعالى يؤيده بمنّه وكرمه. مكاتبة- باستقرار بعض الأمراء بالقدس الشريف بطّالا «1» : وتبدي لعلمه الكريم أن مرسومنا الشريف اقتضى استقرار الأمير فلان أحسن الله تعالى عاقبته بالقدس الشريف مقيما بها، وشملته الصّدقات الشريفة أن «2» فلانة وفلانة باسمه، بمقتضى مرسوم شريف مجهّز صحبة متسفّره الأمير الأجلّ الكبير الأوحد، فلان الدين فلان، البريديّ «3» بالأبواب الشريفة، أعزّه الله تعالى، المتوجّه بهذا

المثال الشريف. ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره العالي بإثبات المرسوم الشريف المذكور بديوان الجيوش المنصورة بالشام المحروس على العادة؛ وتجهيز البريديّ المذكور إلى حدود الديار المصرية، مكرما مرعيا على العادة؛ فيحيط علمه الكريم بذلك. مكاتبة- ببيع غلّة للديوان السلطاني: وتبدي لعلمه الكريم أنّ آراءنا الشريفة اقتضت تجهيز كذا وكذا إردبّا «1» من القمح من ديواننا المفرد «2» صحبة فلان. ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره العالي بطلب فلان الحاجب بالشام المحروس: ليتولّى بيع ذلك بسعر الله تعالى بما فيه الغبطة والمصلحة؛ وتجهيز الثمن إلى الأبواب الشريفة برسالة دالّة على ذلك في أسرع وقت وأقربه، مع مضاعفة الوصيّة بذلك والاحتفال به، فيحيط علمه بذلك. مكاتبة- وتبدي لعلمه الكريم أنّ آراءنا الشريفة اقتضت توجّه الأمير الأجلّ الكبير، الأوحد، فلان الدين فلان؛ إستادار الأمير المرحوم فلان كان، بسبب استخراج الأموال وبيع الغلال والأصناف الدّيوانية المتحصّلة من القرى المستأجرة، المرتجعة للورثة عن المشار إليه بمقتضى التذكرة المسطّرة على يده. ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره بمساعدة المذكور وتقوية يده على ما تضمّنته فصول التذكرة ومراعاة أحواله، وإزالة ضروراته، وخلاص الحق منه ممن يتعيّن في جهته، ويشمله بنظره الكريم فيما تعلق بفصول التذكرة. فإنّ تعلّقات الورثة المذكورين تحت نظرنا الشريف. فيبادر المقرّ الشريف إلى ذلك وسرعة عوده بعد قضاء شغله، وتجهيز المتحدّث والمباشرين للأبواب الشريفة، وصحبتهم حسابهم عند نهاية فصول التّذكرة المذكورة. ويقيم عنهم من يعوضهم

إلى حين عودهم من الأبواب الشريفة على ما هو المعهود من همّته الكريمة وأحتفاله، فيحيط علمه الكريم بذلك. مكاتبة- بسبب طلب عصيّ الجواكين «1» والكرابيج والأكر: وتبدي لعلمه الكريم أن المرسوم الشريف اقتضى تجهيز عصيّ الجواكين والكرابيج والأكر إلى السّلاح خاناه من الشام المحروس، على العادة في كل سنة سريعا، وآثرنا علمه الكريم بذلك. ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره العالي باعتماد ما اقتضاه مرسومنا الشريف من ذلك كلّه على جاري العادة في كلّ سنة، والاهتمام بذلك، والاحتفال به، بحث لا يتأخّر ذلك غير مسافة الطريق؛ فإن الانتظار واقع لذلك، وفي همّته الكريمة ما يغني عن بسط القول في ذلك، فيحيط علمه الكريم بذلك. مكاتبة- بسبب استقرار قاض بدمشق عوض من كان بها: وتبدي لعلمه الكريم أنّ الصدقات الشريفة شملت المجلس العالي، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، العلّاميّ، الإماميّ، الفلانيّ، الفريديّ، المفيديّ، المجيديّ، الأصيليّ، العريقيّ، الأثيليّ، الأثيريّ، الأوحديّ، الخطيبيّ، الشّيخيّ، الحاكميّ، الفلانيّ، جلال الإسلام والمسلمين، شرف العلماء العاملين، إمام البلغاء، خطيب الخطباء، شيخ مشايخ العارفين، ملاذ المريدين، مفتي الفرق، موضّح الطّرق، لسان المتكلمين، مفيد الطالبين، حكم الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين، فلان الفلانيّ الشافعيّ. أعز الله تعالى أحكامه- بتفويض قضاء قضاة الشافعية بالشام المحروس إليه؛ عوضا عمّن به، بحكم عزله مضافا إلى خطابة الجامع الأمويّ، ومشيخة الشّيوخ بالشام المحروس. وكتبنا توقيعا شريفا له بذلك، وجهّزناه إليه قرين تشريف شريف على يد فلان المتوجّه بهذا المثال الشريف. وآثرنا علمه الكريم بذلك، ليكون ذلك على خاطره الكريم. ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره الكريم بتقرير القاضي فلان الدين فلان الفلاني فيما

شملته به الصدقات الشريفة من ذلك كلّه، وتقوية يده في مباشرة ذلك والشّدّ منه، وتأييد أحكامه الشرعية، وتنفيذ كلمته، ورعاية جانبه، وإكرامه واحترامه، على عادة هممه الكريمة، وتقدماته السعيدة، فيحيط علمه بذلك. مكاتبة- بسبب حمل الثّلج إلى الأبواب السلطانية: وتبدي لعلمه الكريم أنّ المرسوم الشريف اقتضى تجهيز نقلات الثلج إلى الشّراب خاناه «1» الشريفة على العادة. ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدّم أمره العالي بسرعة تجهيز النّقلة الأولى، بحيث لا تتأخر أكثر من مسافة الطريق على ما هو المعهود من همّته العالية، وتقدماته السعيدة. وقد جهّزنا هذا المثال الشريف على يد الأمير الأجلّ فلان الدين فلان الفلانيّ، أعزه الله تعالى، فيحيط علمه الكريم بذلك. مكاتبة- بتمكين شخص من الحضور للأبواب السلطانية. وتبدي لعلمه الكريم أنّ فلانا كان قصد الاجتماع بأهله وأقاربه بالقاهرة المحروسة. ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره العالي بتمكينه من الحضور إلى القاهرة المحروسة على خيله: ليجتمع بأهله وأقاربه. وقد جهّزنا بهذا المثال الشريف فلانا البريديّ بالأبواب الشريفة، فيحيط علمه الكريم بذلك.

مكاتبة- بمنع العربان من الدخول إلى البلاد قبل فراغ الزّرع. وتبدي لعلمه الكريم أنّ المراسيم الشريفة اقتضت أنه لا يدخل أحد من العربان إلى البلاد الشامية المحروسة: كبيرهم وصغيرهم، جليلهم وحقيرهم، إلى أن يشال الزرع على العادة. ومتى- والعياذ بالله- حصل منهم مخالفة لذلك، حلّ بهم من الانتقام الشريف ما لا مزيد عليه. ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره العالي باعتماد ما اقتضته المراسيم الشريفة من ذلك، مع الاهتمام به، والاحتفال والاجتهاد فيه، قولا واحدا، وأمرا جازما، على عادة همّته العالية، وتقدماته المرضيّة، فيحيط علمه بذلك. مكاتبة- بحفظ السواحل: وتبدي لعلمه الكريم أن مرسومنا الشريف اقتضى الاجتهاد في حفظ السواحل والمواني، والاهتمام بأمرها، وإقامة الأيزاك «1» والأبدال «2» في أوقاتها على العادة، وإلزام أربابها بمواظبتها، وكذلك المنوّرون «3»

بالدّيدبانات والمناظر والمناور، في الأماكن المعروفة، وتعهّد أحوالها: بحيث تقوم أحوالها على أحسن العوائد وأكملها؛ ولا يقع على أحد درك «1» بسببها. ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره العالي باعتماد ما اقتضاه مرسومنا الشريف من ذلك، مع مضاعفة الاحتفال بذلك والمبادرة إليه، حسب ما اقتضته المراسيم الشريفة. وقد جهّزنا بهذا المثال الشريف مجلس الأمير الأجلّ: فلان الدين فلان البريديّ، المقدّم بالأبواب الشريفة؛ فيتقدّم أمر المقرّ العالي بتجهيزه إلى جهة قصده بما على يده، وإعادته عند عوده إلى الأبواب الشريفة، على ما هو المعهود من همّته، فيحيط علمه الكريم بذلك. مكاتبة- باستعمال قماش. وتبدي لعلمه الكريم أنّ آراءنا الشريفة اقتضت استعمال القماش الجاري به العادة برسم الركابخاناه «2» ، والإصطبلات الشريفة، على ما استقرّ عليه الحال إلى آخر السنة الخالية والتي قبلها. وقد كتبت تذكرة شريفة من ديوان استيفاء الصّحبة «3» الشريفة مفصّلة بذلك، وجهّزناها قرين هذه المفاوضة لتقرأ على مسامعه الكريمة. ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره العالي بتأمّلها، وبروز أمره بطلب وزير المملكة الشريفة، وناظر المهمّات الشريفة، واستعمال القماش الذي تضمّنته التذكرة الشريفة، والاهتمام بذلك، والاحتفال بسرعته. وقد أكتفينا بهمّة المقرّ الكريم عن تجهيز أميراخورية «4» وأوجاقية «5» من

إصطبلاتنا الشريفة لاستعمال ذلك، لأنّ المهمات الشريفة تحت نظره الكريم، فيصرف همّته العالية إلى الإسراع في ذلك، والاحتفال به والاهتمام. وفي اهتمامه وتنفيذه لمراسمنا الشريفة ما يغني عن التأكيد في ذلك، فيحيط علمه بذلك. مكاتبة- بجواز. وتبدي لعلمه الكريم أنّ مرسومنا الشريف اقتضى تجهيز فلان البريديّ بالأبواب الشريفة، أعزّه الله تعالى، إلى جهة فلان بما على يده وما صحبته. ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره العالي بإزاحة أعذاره، وتجهيزه إلى المشار إليه في أسرع وقت وأقربه. وإذا عاد يتقدّم بتجهيزه إلى خدمة الأبواب الشريفة على العادة في ذلك، على عادة همّته العليّة، وشيمه المرضيّة، فيحيط علمه بذلك. مكاتبة- وتبدي لعلمه الشريف أن مرسومنا الشريف اقتضى أن لا يمكّن أحد من نقل سلاح ولا عدّة حرب إلى جهة البلاد الرّوميّة. ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره العالي بأن لا يمكّن أحد من نقل سلاح ولا عدّة إلى جهة البلاد المذكورة، والاحتراز على ذلك كلّ الاحتراز، فيحيط علمه بذلك. مكاتبة- وتبدي لعلمه الكريم أنه اتصل بالمسامع الشريفة أنّ غالب البلاد بالصّفقة الفلانية محميّة متجاهية «1» على الكشّاف والرّعايا، ويؤوون المفسدين. وأنّ يد الكشّاف لا تصل إلى هذه البلاد، ولا إلى النّصفة ممن بها من المفسدين.

الصنف الثاني (ما يكتب في الجواب عما يرد من النواب وغيرهم)

وحصل بذلك الضرر للبلاد والعباد. واقتضى الرأي الشريف الكشف عن هذه البلاد وسائر الأعمال، والمناداة في البلاد بإبطال الحماية والرّعاية، والمساواة بين العباد في سائر البلاد بالعدل والإنصاف، وكفّ أكفّ الظلم والعدوان. ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره الكريم بالمناداة في سائر البلاد بإبطال الحماية والرّعاية، والمساواة بين الخاصّ والعامّ، وتطهير الأرض من المفسدين؛ وأن لا يحمى أحد ببلد من البلاد. ومن تظاهر بحماية أو إيواء مفسد ببلد من البلاد، حلّ ماله وروحه. والتأكيد على أهل البلاد في ذلك، والتشديد والفحص عمّن يتجاهر بذلك وردعه ونشر العدل والإنصاف بتلك الأقطار، والاهتمام في ذلك كلّه، على عادة هممه الكريمة، وتقدماته السعيدة، فيحيط علمه الكريم بذلك، والله تعالى يؤيّده بالملائك. مكاتبة- وتبدي لعلمه الكريم أنه اتّصل بمسامعنا الشريفة أن فلانا تعرّض للجهة الفلانيّة الجارية في ديوان خاصّنا الشريف، وأخذ منها مبلغ كذا وكذا. ومرسومنا للمقرّ الكريم أن يتقدّم أمره العالي بطلب الغريم المذكور، وتجهيزه إلى الأبواب الشريفة، وإلزامه بما استأداه من ذلك، محترزا عليه مع مضاعفة الوصيّة بمباشري الجهة المذكورة والإحسان إليهم، فيحيط علمه بذلك. الصنف الثاني (ما يكتب في الجواب عمّا يرد من النوّاب وغيرهم) والرسم فيه أن يكتب بعد التصدير: «إن مكاتبته الكريمة» أو «مكاتبته» على قدر رتبته من ذلك «وردت على يد فلان فوقفنا عليها وعلمنا ما تضمّنته على الصّورة التي شرحها» ثم يذكر ما يناسب الجواب في ذلك من شكر الاهتمام أو غيره. ثم إن اشتملت على مقصد واحد، أجاب عنه. وهذه مكاتبة ينسج على منوالها، وهي: وتبدي لعلمه الكريم أنّ مكاتبته

الكريمة وردت على يد فلان فوقفنا عليها، وعلمنا ما أصدرته من تجهيزه إلى خدمة أبوابنا الشريفة بما على يده من كتاب مخدومه. وقد وصل، وأحاطت علومنا الشريفة بما تضمّنه، وأعدناه الآن بجوابه وبهذا الجواب الشريف. فيحيط علمه الكريم بذلك. وإن اشتملت المكاتبة المجاب عنها على عدّة فصول، أتى على فصولها فصلا فصلا. وربما قال: «فأما ما أشار إليه من كذا» إذا كان عليّ الرتبة، كنائب الشام ونحوه، «فقد علمناه» وصار على خاطرنا الشريف أو «فقد رسمنا به» أو «فلم نرسم به» . ونحو ذلك على ما يقع به الجواب السلطانيّ في الملخّص المكتوب عن مكاتبة المكتوب إليه بالجواب. وهذه مكاتبة من هذا النمط ينسج على منوالها، وهي: وتبدي لعلمه الكريم، أنّ مكاتبته الكريمة وردت على يد مملوكه الأمير الأجلّ فلان الدين فلان، أعزّه الله تعالى، فوقفنا عليها، وعلمنا ما تضمّنته على الصورة التي شرحها، وشكرنا همّته العالية، وتقدماته السعيدة، ورأيه السعيد، واعتماده الحميد. فأما ما أشار إليه من وصوله ومن صحبته، ونائبي السلطنة الشريفة بطرابلس وصفد المحروستين، إلى ملطية المحروسة في التاريخ الفلاني، وتلقّي نائبي السلطنة الشريفة بحلب وحماة المحروستين، المقرّ الكريم ومن معه على ظاهر المدينة المذكورة، واستمرار إقامتهم جميعا بالمنزلة المذكورة إلى تسطير مكاتبته المشار إليها في انتظار من رسم له بالحضور إليهم من عساكر القلاع المنصورة وغيرهم، من أمراء التّركمان والأكراد ومن معهم من أتباعهم وألزامهم، حسب ما اقتضته المراسيم الشريفة في المهمّ الشريف وما كتب به إلى نائب طرابلس، وإلى قرا يوسف النائب بالرّها المحروسة: من الحضور إلى المهمّ الشريف، وإجابتهما إلى ذلك؛ وكذلك ما كتب به إلى الحاكم بسيواس، وإلى أحمد بن طرغلي، وما أجابا به من الحضور إلى المهمّ الشريف، والملتقى في المكان الذي عيّنه حاكم

سيواس، إلى غير ذلك مما بسط القول فيه [فقد علمناه] «1» على الصّورة التي شرحها، وتضاعف شكرنا لهمّته العلية وتقدماته السعيدة. وأمّا ما أشار إليه من اعتماده ما برزت به المراسيم الشريفة في الجواز الشريف الوارد إليه على يد مجلس الأمير الأجلّ فلان الدين فلان، والمطلق الشريف المجهّز على يده، وامتثال ما تحمّله من المشافهة الشريفة، وتقدّمه بجميع نوّاب السلطنة الشريفة المكتوب إليهم، وعقد المشورة معهم على اعتماد ما اقتضته المراسيم الشريفة؛ وتعيين جاليش «2» العساكر المنصورة ونائب السلطنة الشريفة بطرابلس المحروسة ومن معه من الأمراء المقدّمين وأتباعهم من دمشق وحلب المحروستين، ونائب السلطنة الشريفة بحماة المحروسة، ومن معه من العساكر المنصورة، وسيرهم في التاريخ الفلاني، وسيره في أثرهم بمن بقي معه من العساكر المنصورة الشامية الحلبية؛ وأن سيرهم على جهة بلد كذا على الصّورة التي شرحها لما قصده من ذلك من المصلحة؛ فقد علمنا ذلك على الصّورة التي شرحها؛ وشكرنا همته العالية، وحسن فكرته الصحيحة. وأمّا ما أشار إليه من أن نائب ملطية جهّز الكتاب الوارد عليه من ابن تمرلنك، على يد قاصد من جهة تلمان «3» باللسان الأعجميّ، وأنه عرّبه وفهم مضمونه وجهّزه ليحيط العلوم الشريفة بمضمونه، وهي على الخواطر الشريفة، فيكون ذلك على الخاطر الكريم، وشكرنا همته العلية. وأمّا ما أشار إليه من ورود كتاب تلمان «4» عليه، وهديّته على يد قاصده، وأنه لم يقبل هديّته وأعاد جوابه، فإنه إن كان مناصحا في الخدمة الشريفة وهو صادق

في كلامه، فيحضر إلى المهمّ الشريف، وما شرح في هذا المعنى فقد علمناه على الصورة التي شرحها، وشكرنا جميل اعتماده وسعيد رأيه. وكذلك أحاطت العلوم الشريفة بما ذكره في أمر حاكم عريركبر «1» وما شرحه في ذلك، فقد علمناه على الصّورة التي شرحها. وأما ما أشار إليه من أمر ملطية المحروسة، وأنها تحتاج إلى الفكر الشريف، والنظر في أحوالها وترتيب مصالحها، وإقامة عسكر لرجال يحمونها من طوارق الأعداء المخذولين: إلى غير ذلك مما شرحه في هذا المعنى، فقد علمناه على الصّورة التي شرحها، وبقي ذلك على خواطرنا الشريفة. وعقيبها إن شاء الله تعالى تبرز المراسيم الشريفة بما فيه المصلحة للبلد المذكور على أكمل ما يكون. وقد استصوبوا رأي المقرّ الكريم في هذا الفكر الحسن، فإنه أمر ضروريّ. وقد شكرنا للمقرّ الكريم جميل اعتماده، وحسن رأيه، وبذل همته واجتهاده في هذا المهمّ الشريف. والقصد منه الاستمرار على ما هو فيه من بذل الاجتهاد في المهمّات الشريفة بقلبه وقالبه، والعمل على بياض وجهه عند الله تعالى، من الذّبّ عن عباده وبلاده، وبذل المال والرّوح في رضا الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك، واستقرار خواطرنا الشريفة بذلك. فإن المقرّ الكريم يعلم ما نحن مثابرون عليه، ومنقادون إليه، من محبّة رضا الله تعالى في النصيحة بصلاح العباد، وعمارة البلاد، وتسطير ذلك في صحائف حسنات الدهر بين يدي الله تعالى. والمقرّ الكريم يعلم أن جلّ اعتمادنا عليه في أكابر دولتنا الشريفة. ونحن واثقون برأيه السديد في حركاته وسكناته في المهمّات الشريفة والأشغال السلطانية. ولأجل ذلك قرّبناه، ورضينا به لنا وعلينا، وكلّما بلغنا عنه اعتماد حسن تتضاعف منزلته عندنا. والآن فإنّ نوّاب السلطنة الشريفة وأمراء دولتنا كبيرهم وصغيرهم تحت أمره

ومشورته، وما بقي مثل هذه الأيام المباركة والأوقات السعيدة، ولم يبق سوى انتهاز الفرص، واغتنام أوقات السعادة، وهو الحاضر والنائب عنّا في كل ما يحصل من المصالح العائد نفعها على البلاد والعباد. والمبادرة إلى عملها من غير معاودة الآراء الشريفة في كل قضيّة تتّفق له، فإن المسافة بيننا وبينه بعيدة، وتضيع المصلحة في وصول الخطاب وعود الجواب. وقد فوّضنا إليه الرأي في ذلك، والعمل بما تقتضيه المصلحة الحاضرة، في جليل الأمور ودقيقها، فيكون ذلك على خاطره الكريم، ويعمل بمقتضاه. وقد أعدنا مملوكه بهذا الجواب، فيحيط علمه بذلك. وهذه نسخة مكاتبة في معنى الرضا عن ابن دلغادر «1» التّركماني وغير ذلك: وتبدى لعلمه الكريم أن مكاتبته الكريمة وردت على يد فلان الدين فلان مملوكه، فوقفنا عليها وعلمنا ما تضمّنته. فأما ما ذكره في معنى ابن دلغادر، وتكرار كتبه بالتصريح والتّرامي عليه في سؤال الصدقات الشريفة في الرّضا والعفو عنه، فقد علمنا ذلك؛ والذي نعرّف به المقرّ الكريم أنا كنا رسمنا بأن لا يكتب له جواب وردّ كتابه وقاصده؛ ولما تكرر استشفاعه بالمقرّ الكريم، ودخل دخول الحريم، وعرفنا أنه ضاقت عليه الأرض برحبها وأخلص في النّدم، عطفت عليه الصدقات الشريفة بالحنوّ والعفو كرامة

للمقرّ الكريم، وإعلاء لشأنه، ورفعا لمكانته ومكانه. ورسمنا للمقرّ الكريم أن يكاتب المذكور بهذا المعنى، ويلتزم على نفسه العفو الشريف، والصّفح المنيف؛ وإيصال أنواع الخير وفوق ما في خاطره من الأمان على نفسه وماله، وغير ذلك. والذي نعرّفه أنه كان جرى على اللسان الشريف الحلف أنه لا بدّ من حضوره إلى الأبواب الشريفة ودوس البساط الشريف، ولا بدّ من تحقيق ذلك لحصول البرّ والخلاص من الحلف الشريف، وقيام الناموس عند القريب والبعيد: ليعلموا أنّ سلطاننا غالب على من تمرّد، ومراحمنا شاملة لمن يلتجيء إلى حرم عفونا الشريف، وأنه قريب منه. وأما ما ذكره في معنى كشف الصّفقة الفلانية، ووقوع الاختيار على فلان الدين فلان، وما عرضه على الآراء الشريفة من تقريره في ذلك، وبروز المراسيم الشريفة بكتابة مرسومه وتقرير غيره «1» ، فقد علمنا ذلك ورسمنا بتقريره، وكتبنا مرسومه الشريف، وجهّزناه على يد فلان العائد بهذا الجواب الشريف. وأما ما ذكره من جهة الزاوية المستجدّة بشقحب «2» وتجهيز قائمة متضمّنة بما تدعو الضرورة إليه من تقرير السّماط وأرباب الوظائف، وما عرضه على الآراء الشريفة من كتابة مرسوم شريف مربّع «3» على حكمها، أو بما تقتضيه الآراء الشريفة من زيادة أو نقص، فقد علمنا ذلك ورسمنا به حسب ما اقتضته الآراء الشريفة: من استقرار فلان الدين فلان في الولاية في الثّغر المذكور، فقد علمنا ذلك ورسمنا به، وكتبنا مرسومه الشريف، وجهّزناه على يد العائد بهذا الجواب

الشريف. فالمقرّ الكريم يوصيه بحسن السّيرة وترك ما كان عليه. وأما ما ذكره من جهة خفارة الجهة الفلانية، وما عرضه على الآراء الشريفة: من إمضاء القائمة المجهّزة بأسماء من قرّره في الخفر المذكور، فقد علمنا ذلك ورسمنا بإمضائه حسب ما قصده المقرّ الكريم. وأما ما ذكره من جهة فلان المعتقل بقلعة دمشق، ووقوف أولاده وعياله وشكواهم حالهم بعد كشف ما نقل عنه وعدم صحّته وما عرضه على الآراء الشريفة من الإفراج عنه، فقد علمنا ذلك ورسمنا به فيتقدّم أمر المقرّ الكريم بالإفراج عنه. وأما ما ذكره في معنى ما ورد به كتاب النائب بالرّحبة «1» المحروسة: من الأخبار والمتجدّدات، فقد علمناه وصار على خواطرنا الشريفة. وأما ما ذكره من وصول قاصدي حاكم الدّربند «2» وحاكم القنيطرة «3» بما على أيديهما وتجهيز ما ورد معهما من الكتب واستئذان الآراء الشريفة على ما نعتمده في أمرهما وفيمن يحضر بعدهما، فقد علمنا ذلك، وكتبنا الجواب عن ذلك، وجهّزناه قرين هذا الجواب الشريف، فيتقدّم باعادتهما إلى مرسلهما. وكذلك يفعل في كلّ من حضر من تلك النواحي إلا في مهمّ شريف على عوائد هممه. وقد أعدنا مملوكه إليه بهذا الجواب الشريف، فيحيط علم المقرّ الكريم بذلك.

مكاتبة أخرى- من هذا النمط في معنى أمور مختلفة. وتبدي لعلمه الكريم أنّ مكاتبته الكريمة وردت على يد المجلس الساميّ الأميريّ فلان. فوقفنا عليها وعلمنا ما تضمّنته على الصّورة التي شرحها. فأما ما أشار إليه: من وصوله إلى دمشق المحروسة عائدا من الأغوار السعيدة، وأنه وجدها وسائر أعمالها وضواحيها والسواحل والمواني في حرز الأمن والسلامة، فقد علمنا ذلك وحمدنا الله تعالى وشكرناه على ذلك. وأما ما أشار إليه: من أنه جهّز من متحصّل دار الضرب «1» السعيدة بدمشق المحروسة كذا وكذا مثقالا بمقتضى رسالة وما قصد من إعادة رجعة شريفة بذلك، فقد علمناه ووصل المبلغ المذكور، وكتب به رجعة شريفة على العادة في مثل ذلك، وجهّزت على يد فلان المشار إليه، فيكون ذلك على خاطرة الكريم. وأما ما ذكره: من أمر النّحاس وقلّته من عدم وصول شيء منه، وأنه لم يوجد منه بعد الجهد سوى مبلغ عشرين قنطارا عند الفرنج، وأمر الفلوس العتق «2» وبقائها، وكثرة الفلوس الجدد «3» ، وقلّة وجود الدّرهم والدّينار، وتوقّف المعايش بسبب ذلك، وما عرضه على الآراء الشريفة إن اقتضت الآراء الشريفة إبطال دار

الضرب نحو شهرين إلى أن يحضر نحاس يستعمل، وتخفّ الفلوس ويستصرف ما في أيدي الناس، فقد علمنا ذلك وأجبنا سؤاله فيه. ومرسومنا أن يعمل فيه بما تكون [به] المصلحة عامّة للرعية، وتبطيل دار الضرب مدّة يراها المقرّ الكريم. وأما ما أشار إليه: من أمر الأمير فلان وما قصده من حسن النظر الشريف في حاله، وما شرحه من ذلك، فقد علمناه على الصّورة التي شرحها، وصار ذلك على الخواطر الشريفة. وأما ما أشار إليه: من أمر فلان، وما اتّفق من الكشف عليه حسب ما اقتضته المراسيم الشريفة، وما ادّعي عليه من كذا وكذا، وما كتب عليه من المحاضر وتجهيزها إلى الأبواب الشريفة، وتجهيز المشار إليه إلى الأبواب الشريفة صحبة البريديّ المجهّز في طلبه في أثناء ذلك، فقد علمنا ذلك على الصّورة التي شرحها، وأحاطت العلوم الشريفة به جملة وتفصيلا، وبما اشتملت عليه المحاضر المذكورة، وبقي ذلك على الخواطر الشريفة؛ واقتضت الآراء الشريفة إعادته ومن معه للخلاص من شكاته عند المقرّ الكريم، وقد أعدناهم صحبة من يحضر بهم إلى المقرّ الكريم ليكشف عليه وتنظّم المحاضر وتجهّز. وأما ما أشار إليه من تجهيز «1» وتعريف الحسبة بالأسعار عن البرّ الفلاني على العادة في ذلك إلى الأبواب الشريفة، فقد علمنا ذلك ووصل ما جهّزة من ذلك، وأحاطت العلوم الشريفة بما اشتمل عليه، وشكرنا همة المقرّ الكريم وسعيد تقدماته، وجميل اعتماداته. وقد أعدنا الأمير فلانا بالجواب الشريف، فيحيط علمه بذلك. قلت: وعلى ذلك يقاس ما يكتب به إلى سائر النّوّاب بالشام والديار المصرية

المأخذ الثاني (في معرفة أوضاع هذه المكاتبات)

فمن دونهم ممن جرت العادة بمكاتبته من الأبواب السلطانية في الابتداء والجواب. المأخذ الثاني (في معرفة أوضاع هذه المكاتبات) أوّل ما يجب من ذلك معرفة قطع الورق الذي يكتب فيه. وقد سبق في المقالة الثالثة في الكلام على قطع الورق بيان مقادير قطعه، وأنّ من جملتها قطع العادة: وهو القطع الصغير. وفي هذا القطع تكتب عامّة المكاتبات المتقدّمة، مما يكتب به لأرباب السّيوف والأقلام بمصر والشام على اختلاف مقاديرهم، وتباين مراتبهم في الرّفعة والضّعة؛ خلا ما تقدّم ذكره: من أنه كتب إلى والدة السلطان الأشرف «شعبان بن حسين» في قطع الشاميّ الكامل. وقد تقدّم هناك أنّ الكتابة في قطع العادة جملة تكون بقلم الرّقاع. فتكون كتابة جميع هذه المكاتبات به. ثم أوّل ما يكتب الكاتب في المكاتبة التعريف بالمكتوب إليه: وهو أن يكتب في رأس الدّرج، من وجه الوصل، من أوّله، من الجانب الأيمن «إلى فلان» . ويكتب على سمته في الجانب الأيسر «بسبب كذا وكذا» . ويكتب في وسطهما على سمتهما التعريف بالعلامة التي تكتب. فإن كانت العلامة الاسم، كتب «الاسم الشريف» . وإن كانت بالأخوّة، كتب «أخوه» . وإن كانت بالوالدية، كتب «والده» . ثم يقلب الدّرج فيكتب على ظاهره عنوان المكاتبة في أسفل ما كتب عليه في رأس الورق باطنا من أوّل عرض الدّرج إلى آخر ألقاب المكتوب إليه. ويقلب الدعاء المبتدأ به في المكاتبة، فيدعو له به في آخر الألقاب. ثم يخلي بياضا ويكتب تعريف المكتوب إليه: من نيابة سلطنة أو ولاية أو اسم أو غير ذلك وتكون الأسطر متقاربة متلاصقة. فإن كان المكتوب إليه النائب الكافل مثلا، كتب في العنوان: «المقرّ، الكريم، العالي الأميريّ، الكبيريّ» إلى آخر ألقابه. فإذا انتهى إلى آخر الألقاب، كتب «أعز الله تعالى أنصاره» . ثم يترك بياضا ويكتب: «كافل الممالك الشريفة الإسلامية أعلاها الله تعالى» بحيث ينتهي آخر كتابة ذلك إلى آخر السطر.

وإن كان المكتوب إليه كافل السلطنة بالشام، كتب: «المقرّ الكريم» إلى آخر الألقاب «أعز الله تعالى أنصاره» ثم يترك البياض المذكور؛ ثم يكتب: «كافل السلطنة الشريفة بالشام المحروس» . وإن كان المكتوب إليه نائب السلطنة بحلب، كتب: «الجناب الكريم» إلى آخر ألقابه «أعز الله تعالى نصرته» ، ثم يترك بياضا ويكتب: «نائب السلطنة الشريفة بحلب المحروسة» . وإن كان المكتوب إليه نائب الإسكندرية، أو نائب طرابلس، أو نائب حماة، أو نائب صفد، كتب: «الجناب العالي» إلى آخر ألقابهم «ضاعف الله تعالى نعمته» ، ثم يترك بياضا ويكتب: «نائب السلطنة الشريفة بثغر الإسكندرية المحروس» ، أو «نائب السلطنة الشريفة بطرابلس المحروسة» ، أو «نائب السلطنة الشريفة بحماة المحروسة» ، أو «نائب السلطنة الشريفة بصفد المحروسة» . وكذا في البواقي بحسب تعريف كلّ من المكتوب إليهم على ما مر ذكره في مواضعه. ثم إذا كتب العنوان: فإن كان المكتوب إليه ممن يكتب له «المقرّ الكريم» ، أو «الجناب العالي» ، أو «المجلس العالي» مع الدعاء، ترك من أعلى الدرج ثلاثة أوصال بياضا بالوصل المكتوب في ظاهره العنوان، ثم تكتب البسملة في رأس الوصل الرابع بهامش من الجانب الأيمن. وإن كان المكتوب إليه ممن يكتب له «المجلس العالي» مع «صدرت» فما دون ذلك، ترك في أعلى الدرج وصلان بياضا فقط. وتكتب البسملة في رأس الوصل الثالث؛ ثم يكتب سطران من أوّل المكاتبة تحت البسملة على سمتها ملاصقا لها؛ ثم يخلى بيت العلامة بياضا ويكتب السطر الثاني على رأس «1» إصبع

أو نحوه من أسفل ذلك الوصل؛ ثم يكتب السطر الثالث في الوصل الذي يليه على بعد ثلاثة أصابع معترضات من السطر الثاني، ويؤتى على ذلك إلى آخر المكاتبة. وقد كانت أوصال الورق في الزمن المتقدّم طويلة: فكان يكتب في كلّ وصل ثلاثة أسطر، وبين كلّ سطرين أكثر من عرض ثلاثة أصابع. أما الآن، فقصرت الأوصال، وصار كلّ وصل لا يسع في الغالب أكثر من سطرين. فإذا انتهى إلى آخر المكاتبة، أخلى بياضا يسيرا، ثم كتب في وسط الوصل: «إن شاء الله تعالى» ثم يكتب: «كتب في كذا من شهر كذا» في سطر، وتحته سنة كذا وكذا في سطر تحته، بينهما قدر إصبعين؛ ثم يكتب المستند بعد تقدير إصبعين. فإن كان بتلقّي كاتب السرّ كتب «حسب المرسوم الشريف» . وعلى ذلك يجري الحكم في جميع ما يكتب في البريد، وهو المختصّ بالأمور السلطانية. وإن كان من دار العدل بتلقّي كاتب السّرّ أو أحد من كتّاب الدّست، كتب: «حسب المرسوم الشريف» في سطر، وتحته «من دار العدل الشريف» في سطر آخر. وإن كان بقصّة «1» مشمولة بخطّ السلطان، كتب: «حسب الخطّ الشريف» بمقتضى أعلى ذلك. وإن كان بخطّ النائب الكافل، كتب: «بالإشارة العالية الأميريّة العالميّة الفلانية» في سطر، وتحته في سطر آخر «كافل الممالك الشريفة الإسلامية أعلاها الله تعالى» . وإن كان بأمر الوزير، كتب: «بالإشارة العالية الأميريّة الوزيرية الفلانية» في سطر، وتحته في سطر آخر «مدبّر الممالك الشريفة الإسلامية أعلاها الله تعالى» . وإن كان الوزير صاحب قلم، كتب «بالإشارة العالية الوزيريّة الصاحبيّة الفلانية، مدبّر الممالك الشريفة الإسلامية، أعلاها الله تعالى» سطرين على نحو ما تقدّم. وإن كان برسالة الدّوادار: فإن كان مقدّم ألف، كتب «برسالة الجناب العالي الأميريّ الكبيريّ الفلانيّ» في سطر، وفي سطر آخر تحته «الدّوادار الناصريّ أو الظاهريّ» ونحو ذلك «ضاعف الله

المقصد الثاني (في المكاتبات العامة إلى أهل هذه المملكة: وهي المطلقات)

تعالى نعمته» . وإن كان طبلخاناه، كتب بدل الجناب «المجلس» ويدعو له «أدام الله تعالى نعمته» . وإن كان بأمر الإستادار، كتب «بالإشارة العالية الأميريّة الفلانية إستادار الفلانية أعلاها الله تعالى» . وإن كان من ديوان الجيوش المنصورة، كتب «حسب المرسوم الشريف» في سطر، وتحته «من ديوان الجيوش المنصورة» في سطر آخر. وإن كان من ديوان الخواصّ الشريفة، كتب «حسب المرسوم الشريف من ديوان الخواص الشريفة» على ما تقدّم. وإن كان من الدولة الشريفة: بأن يكون بخط ناظر الدواوين وهو قليل، كتب «حسب المرسوم الشريف من الدولة الشريفة» على نحو ما تقدّم. وقد تقدّم الكلام على المستندات في الجملة، في مقدّمة الكتاب عند الكلام على ديوان الإنشاء. المقصد الثاني (في المكاتبات العامّة إلى أهل هذه المملكة: وهي المطلقات) «1» قال في «التعريف» : وأقسامها لا تخرج عن ثمانية أقسام: إلى الوجه القبليّ، وإلى الوجه البحريّ، وإلى عامّة الدّيار المصرية، وإلى بعض البلاد الشامية، وإلى البلاد المصرية والشامية، وإلى الممالك الإسلاميّة وما جاورها، وإلى بعض أولياء الدولة؛ كالأمراء بدمشق أو حلب، وإلى قبائل العرب، أو التّركمان، أو الأكراد أو بعضهم. قلت: والقاعدة في المطلقات أنه إذا اجتمع في المطلق كبار وصغار، يغلّب حكم الأكبر منهم على الأصغر: تعظيما لأمر الأكابر. فإن كان في المطلق من الألقاب ما تختصّ به الأكابر دون غيرهم، استوفي للكبير ما يختصّ به من الألقاب وأتي بالقدر المشترك فيه بعد ذلك. ثم المطلقات منها ما يختم. قال في «التعريف» : وهو ما كان لبعض أولياء

الضرب الأول (المطلقات المكبرة)

الدولة إذا كان في سرّ يكتم ولا يراد إظهاره إلا عند الوقوف عليه، فيختم على عادة الكتب. وهذا يكون عنوانه بظاهره كما في غيره من المكاتبات المفردة. ومنها ما لا يختم، وهو سائر المطلقات. قال في «التعريف» : وعنوانها (مخالف لعنوان) «1» الكتب المفردة للآحاد: فإنّ تلك في ظاهر الورق، وهذه في باطن الورق، فوق وصلين أو ثلاثة، فوق البسملة. ويقال فيها: مثال شريف مطلق إلى الولاة والنّوّاب، أو غير ذلك من نحو ما في الصدر، فيضمّن العنوان ملخّص ما فيه. ثم يقال: على ما شرح فيه، أو حسب ما شرح فيه. ومن قاعدتها أن يصرّح بذكر المكتوب إليهم في المطلق، بخلاف غيرها من المكاتبات المفردة. قال في «التعريف» : ثم بعد التعريف في المطلقات الدعاء، ثم الإفضاء إلى الكلام؛ وفي آخرها يتعيّن أن يقال: «فليعلموا ذلك ويعتمدوه» . وحاصل مرجوعها إلى ثلاثة أضرب: الضرب الأوّل (المطلقات المكبّرة) قال في «التعريف» : وهي ما يكتب إلى سائر النّوّاب بالممالك الشريفة، خلا سيس فإنها مستجدّة، غير أنه إن رسم بإضافته إليهم، فيحتاج إلى تحرير الحال في أمره: هل يكتب له بعد نائب طرابلس أو بعد نائب صفد؟ ولا يمكن أن يكون بعد مقدّم العسكر بغزّة، ولا نائب الكرك، لأن رتبتة في المكاتبة أعلى منهما. فإنها نظير مكاتبة نائب طرابلس وحماة وصفد. قلت: هذا على ما كان الأمر استقر عليه من كونها نيابة في أوّل الأمر، أما بعد استقرارها تقدمة عسكر، فإنه يكون بعد مقدّم العسكر بغزّة: لأن كلّا منهما مقدّم عسكر، ومقدّم العسكر بغزّة أقدم من مقدّم العسكر بسيس. وأيضا فإن غزّة

مضافة إلى دمشق وسيس مضافة إلى حلب، ودمشق أكبر من حلب. قال في «التثقيف» : وصورة هذا المطلق أن يكتب في الطّرّة «1» : «مثال شريف مطلق إلى الجنابين الكريمين، العاليين، الأميريّين، الكافليّين، الفلانيين، نائبي السلطنة الشريفة بالشام وحلب المحروستين، أعزّ الله تعالى نصرتهما، وإلى الجنابات العالية الأميريّة الفلانية أو الفلانيّ والفلانيّ» على الترتيب. ثم يقال: «نوّاب السلطنة الشريفة بطرابلس وصفد وحماة المحروسات. وإلى الجناب العالي والمجلس العالي الأميريّ الأميريّين الفلانيين أو الفلاني والفلاني، مقدّم العسكر المنصور بغزّة المحروسة، ونائب السلطنة الشريفة بالكرك المحروس، أدام الله تعالى نعمتهما، بما رسم لهم به أن يتقدّم أمرهم الكريم بكذا وكذا ويشرح ما رسم به إلى آخره. ثم يخلي بياضا يسيرا. ثم يكتب «على ما شرح فيه» ويترك ثلاثة أوصال بياضا بالوصل الذي تكتب فيه الطرّة. ثم تكتب البسملة في أعلى الوصل الرابع. ثم يكتب قبل آخره بإصبعين ما صورته: «أعزّ الله تعالى نصرة الجنابين الكريمين! وضاعف وأدام نعمة الجناب العالي، والمجلس العالي، الأميريّة، الكبيرية، العالية، العادلية، المؤيّدية، الزعيمية، الغوثية، الغياثية، المثاغريّة، المرابطيّة، المشيّدية، الظهيرية، الكافلية، الفلانية أو الفلانيّ والفلاني» إلى آخرهم: «أعزّاء الإسلام والمسلمين، سادات الأمراء في العالمين، أنصار الغزاة والمجاهدين، زعماء الجيوش، مقدّمي العساكر، ممهّدي الدّول، مشيّدي الممالك، عمادات الملّة، أعوان الأمة، ظهيري الملوك والسلاطين، سيوف أمير المؤمنين، نوّاب السلطنة الشريفة بالشام وحلب وطرابلس وحماة وصفد المحروسات، ومقدّم العسكر المنصور بغزّة المحروسة، ونائب السلطنة الشريفة بالكرك المحروس» ثم الدعاء لهم بصيغة الجمع. ثم يقال: «صدرت هذه المكاتبة إلى الجنابين

الكريمين والجنابات العالية، والمجلس العالي، تهدي إليهم من السلام كذا، وتوضّح لعلمهم الكريم كذا وكذا، فيحيط علمهم الكريم بذلك، والله تعالى يؤيّدهم بمنّه وكرمه» . وتكمّل بالمشيئة وما بعدها. والعلامة «أخوهم» . قال: في «التثقيف» : وإن أضيف إليهم نائب سيس...... «1» ... في الطرّة والصدر حسب ما تقدّم ذكره. قال في «التثقيف» : ومما ينبّه عليه أنه قد يكتب تارة إلى بعض هؤلاء النواب ويختصر البعض، بحسب ما تدعو الحاجة إليه، فيكتب كذلك ويختصر منه من رسم باختصاره، ويذكر كلّ واحد منهم في محلّه ومرتبته على الصّورة المتقدّمة من غير تقديم ولا تأخير، ولا زيادة ولا نقص. ثم قال: وهذا هو الذي لم يزل الحال مستقرّا عليه حين كانت مكاتبة نائب الشام «الجناب الكريم» نظير نائب حلب. أما الآن حيث استقرت مكاتبته «المقرّ الكريم» . فإنه لا يليق أن يكتب لغيره بألقابه الخاصّة به. وإن اختصرت الألقاب الخاصّة به كان فيه نقص لرتبته؛ فيلزم من ذلك أن يكتب إليه على انفراده، ويكتب المطلق لمن رسم به ممّن عداه من النوّاب المذكورين. قلت: وقد رأيت في بعض الدساتير كتابة المطلق الشامل لكافل الشام وغيره من النوّاب بعد استقرار مكاتبة نائب الشام بالمقرّ الكريم على صورتين: الصورة الأولى- أن تستوفى ألقاب المقرّ الكريم بدعائه، ويؤتى بألقابه الخاصّة به، ثم يعطف عليه الجناب الكريم، والجنابات العالية، والمجلس العالي، بالألقاب المشتركة؛ ويميّز ما يمكن تمييزه منها، ويكمّل على نحو ما تقدّم: وذلك بأن يكتب في الطرّة «مثال شريف مطلق إلى كافل السلطنة الشريفة بالشام المحروس، أعز الله تعالى أنصاره، ونوّاب السلطنة الشريفة بحلب،

وطرابلس، وحماة، وصفد، ضاعف الله تعالى نعمتهم، ومقدّم العسكر المنصور بغزّة وسيس المحروستين، أدام الله تعالى نعمتهما بما رسم لهم به» إلى آخره. ثم يخلي ثلاثة أوصال، على ما تقدّم؛ ويكتب تلو البسملة في أول الوصل الرابع: «أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الكريم العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العابديّ، الناسكيّ، الأتابكيّ؛ ونصرة الجناب الكريم، وضاعف وأدام نعمة الجنابات، والمجالس العالية، الأميريّة، الكبيريّة، العالمية، العادلية، المثاغريّة، المرابطية، العونية، الذّخرية، الغياثيّة، الممهّدية، المشيّدية، المقدّمية، الظهيرية، الكافلية، الفلاني والفلاني» إلى آخرهم: «معزّ وعزّ الإسلام والمسلمين، سيّدي الأمراء في العالمين، ناصر ونصرة الغزاة والمجاهدين، زعماء الجيوش أتابك ومقدّمي العساكر، ممهّدي الدول، مشيّدي الممالك، أعوان الأمة، كهوف الملة، ظهراء الملوك والسلاطين، عضد وسيوف أمير المؤمنين، كافل السلطنة الشريفة بالشام المحروس، ونوّاب السلطنة الشريفة بحلب، وطرابلس، وحماة، ومقدّم العسكر بغزّة وسيس؛ ونائب السلطنة الشريفة بالكرك المحروس» ولا زال إلى آخره. «أصدرناها إلى المقرّ والجناب الكريم والجنابات والمجالس العالية، تهدي إليهم من السلام كذا، ومن الثّناء كذا، وتبدي لعلمهم الكريم كذا وكذا. ومرسومنا للمقرّ والجناب الكريم والجنابات والمجالس العالية أن يتقدّموا بكذا وكذا، فيحيط علمهم بذلك» . الصورة الثانية- أن تكتب الطرّة على ما تقدّم؛ ثم تكتب ألقاب المقرّ إلى آخرها. ثم يقال: «وتبدي لعلمه الكريم وعلم الجناب الكريم والجنابات العالية والمجلس العالي الأميرية الكبيرية» إلى آخر الألقاب «أن الأمر كذا وكذا. ومرسومنا للمقرّ والجناب الكريمين والجنابات العالية والمجلس العالي أن يتقدّموا بكذا وكذا، فيحيط علمهم بذلك» والعلامة في هذا المطلق «أخوهم» اعتبارا بالعلامة إلى كافل الشام ونائب السلطنة بحلب.

الضرب الثاني

[الضرب الثاني] الضرب الثاني (المطلقات المصغّرة) وقد ذكر لها في «التعريف» قواعد كليّة، وأشار إلى اختلاف مقاصدها في ضمن الكلام الجمليّ، فقال: وفي كلّها يكتب: «مثالنا هذا إلى كلّ واقف عليه من المجالس السامية، الأمراء، الأجلّاء، الأكابر، المجاهدين، المؤيدين، الأنصار، الغزاة، الأنجاد، الأمجاد، أمجاد الإسلام، أشراف الأمراء، أعوان الدولة، عدد الملوك والسلاطين: الولاة، والنوّاب، والشادّين «1» ، والمتصرّفين، بالوجه الفلاني، أو بالديار المصرية، أو بالبلاد الشامية، [أو بالبلاد الفلانية، أو بالديار المصرية والبلاد الشامية] «2» وسائر الممالك الاسلامية» . قال: وقد يزاد في هذا لمقتضيه: «والثّغور والحصون والأطراف المحروسة» . قال: فإذا كان إلى الممالك الاسلامية، قيل «بالديار المصرية، والبلاد الشامية، وسائر الممالك المحروسة، وما جاورها من البلاد الشّرقية، والممالك القانيّة» . وقد تكون إلى جهة الرّوم. فيقال: «وما جاورها من البلاد الروميّة وما يليها» . ثم عقّب ذلك بأن قال: فأما إذا كان إلى بعض أولياء الدولة نظر: فإن كان إلى عامّة أمراء دمشق، قيل: «صدرت هذه المكاتبة إلى المجالس العالية الأمراء» . وبقية الألقاب من نسبة ما يكتب للمجلس العالي. فإذا انتهى إلى أعضاد الملوك والسلاطين، [أو عضد الملوك والسلاطين ويجوز إطلاق هذا الافراد على الجمع] «3» قال: جماعة الأمراء مقدّمي الألوف، وأمراء الطبلخاناه، وسائر [مجالس الأمراء] «4» أمراء العشرات، ومقدّمي الحلقة «5» المنصورة. وإن كان يكتب إلى حلب أو غيرها من

الممالك فبالسامية. وإن كان لأمراء العربان أو التّركمان أو الأكراد، كتب على عادة المطلقات بالسامية، وكتب بعد عدد الملوك والسلاطين «الجماعة الفلانية» أو غير ذلك مما يقتضي التعريف بمن كتب إليه. أما في «التثقيف» فقد رتّب المطلقات المصغّرة على ستة أصناف: الصنف الأوّل المطلقات إلى جميع نوّاب القلاع بالمملكة الشامية، أو بالمملكة الحلبيّة. وصورة ما يكتب إليهم في الطرّة: «مثال شريف مطلق إلى المجالس العالية والسامية الأميريّة، ومجالس الأمراء النوّاب بالقلاع الفلانية المحروسة، أدام الله تعالى نعمتهم بما رسم لهم به من كذا وكذا» إلى آخره. ثم يقال: على ما شرح فيه؛ ثم يخلى وصلان بياضا بوصل الطرّة؛ ثم تكتب البسملة في أعلى الوصل الثالث؛ ثم يكتب بعد البسملة: «صدرت هذه المكاتبة إلى المجالس العالية والسامية الأميريّة» وبقية ألقابهم. «ومجالس الأمراء الأجلّاء، الأكابر، المجاهدين، المؤيّدين، الأنصار، أمجاد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، أنصار الغزاة والمجاهدين، مقدّمي العساكر، كهوف الملّة، أعوان الأمّة، ظهيري الملوك والسلاطين، النوّاب بالقلاع المنصورة بالمملكة الفلانية المحروسة» . والدعاء إلى آخره «موضحة لعلمهم كذا وكذا. ومرسومنا للمجالس العالية والسامية، ومجالس الأمراء أن يتقدّموا بكذا وكذا، فيحيط علمهم بذلك. والله تعالى يؤيّدهم بمنّه وكرمه» . والعلامة «والدهم» .

الصنف الثاني- المطلقات إلى أصاغر نواب القلاع، ممن يكتب إليه بالساميّ بالياء، أو بالسامي بغير ياء، أو بمجلس الأمير. وصورة ما يكتب إليهم في الطرّة: «مثال شريف مطلق إلى المجالس الساميّة، ومجالس الأمراء النوّاب بالقلاع الفلانية، أو بولاية فلانة وفلانة، أدام الله تعالى علوّهم» بما رسم لهم به نظير ما تقدّم. وبعد البسملة: «مثالنا هذا إلى كلّ واقف عليه من المجالس الساميّة، ومجالس الأمراء، الأجلّاء، الأكابر، الغزاة، المجاهدين، المؤيّدين، الأنصار، أمجاد الإسلام، أشراف الأمراء، زيون «1» المجاهدين، عمد الملوك والسلاطين، أو عدد الملوك والسلاطين، النّواب بالقلاع الفلانية المحروسة» حسب ما كتب في الطرّة، والدعاء «يتضمن إعلامهم أن الأمر كذا وكذا ومرسومنا للمجالس الساميّة ومجالس الأمراء أن يتقدّموا بكذا وكذا، فليعلموا ذلك ويعتمدوه ويعلموا بحسبه، والله الموفق بمنّه وكرمه» والعلامة الاسم الشريف. الصنف الثالث- المطلقات إلى عربان الطاعة «2» بالممالك الشاميّة. والأمر فيه كما في الصنف الذي قبله. قال في «التثقيف» : فإن كان المطلق إلى طائفة من العربان ممن له عادة بمكاتبة جليلة: بأن تكون العلامة «والده» أو نحو ذلك: كآل مهنّا، وآل فضل، وآل عليّ، وآل مرا، ونحوهم، فإنه تكون صورة ما يكتب في الطرّة: «مثال شريف مطلق إلى جماعة العربان، آل فلان» إلى آخره. وفي الصدر بعد البسملة: «مثالنا هذا إلى كلّ واقف عليه من المجالس السامية ومجالس الأمراء» وبقية الألقاب «الكشّاف «3» والولاة والنوّاب بالوجهين

القبلي والبحريّ» . ثم الدعاء. ثم يقال: «يتضمّن إعلامهم كذا وكذا» . ثم البقية من نسبة ما تقدّم. قال في «التثقيف» : وغالبا يفرد الوجه القبليّ بمطلق شريف، والوجه البحريّ بمطلق شريف. قال: وقد تضاف إلى الوجه البحريّ الثّغور. فيقال: «الكشّاف والولاة والنّواب بالوجه البحريّ والثّغور المحروسة» . قال: وإضافة الثّغور لا تقع إلا نادرا، لا سيما وقد صار ثغر الإسكندرية نيابة لا ولاية. ثم قال: وفي هذا الوقت قد يتعذّر إضافة نائب الوجه القبليّ مع الولاة في المطلق لارتفاع مكاتبته عنهم بدرجات؛ فيفرد بمثال شريف، ويكتب المطلق إلى بقية الكشّاف والولاة. ثم قال: هذا الذي يظهر. قلت: ويمكن أن يجمع معهم، بأن يكتب: «أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي» إلى آخره. ثم يقال: «صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي» إلى آخره «وتوضّح لعلمه الكريم وعلم المجالس السامية ومجالس الأمراء» إلى آخر ألقابهم «الولاة بالوجه القبلي» أن الأمر كذا وكذا: ويكمل على ما تقدّم. قال في «التثقيف» : ومما جرت العادة به أن يكتب مطلق شريف إلى الأمراء بالمملكة الطرابلسيّة، أو الحموية، أو الصّفدية وغيرها، عند ولاية نائب السلطنة بتلك المملكة بإعلامهم بذلك؛ فيكتب على هذا الحكم، ولكنه بعنوان بغير طرّة. قال: وصورته في الصدر بعد البسملة: «مثالنا هذا إلى كلّ واقف عليه من المجالس الساميّة، ومجالس الأمراء الأجلّاء الأكابر» إلى آخر الألقاب، والدعاء «يتضمن إعلامهم كذا وكذا» إلى آخره كما تقدّم، ولكنه لا يصرّح بذكر الولاة والنّواب كما يصرّح بذكر من يكتب إليه المطلق في غير هذه الحالة. والعنوان: «المجالس السامية ومجالس الأمراء الأجلّاء الأكابر» إلى آخر الألقاب والنّعوت جميعها، والدعاء، والتعريف «أمراء الطبلخانات والعشرات بطرابلس المحروسة، أو بحماة، أو بصفد، أو بغزّة. قال: أما مملكتا الشام وحلب، فإنه

لم تجر العادة بكتابة مطلق بولاية نائبهما، بل يكتب إلى أمير حاجب «1» بتلك المملكة بإعلامه بذلك. وأما الكرك: فإنه يكتب إلى والي القلعة به بمثل ذلك. وكذلك يكتب إلى الحاجب بالإسكندرية مثل ذلك. وهذان شيئان يجب التنبه لهما. أحدهما كلّ ما كان من ألقاب المطلقات بصيغة الجمع وهو «2» كأعضاد، فإنه يجوز فيه الإفراد فيقال فيه عضد، وهذا مما نبّه عليه في «التعريف» في الكلام على المطلقات. الثاني. قال في «التثقيف» : فإن قلت: لأيّ شيء تذكر أسماء الولاة والنّواب والعربان وغيرهم في الصّدر بعد تمام النّعوت وقبل الدعاء، ولا تكتب في صدر المطلقات إلى الأمراء المتقدّمة الذكر عند ولاية النائب بها أو غيره؟ فالجواب أن ذلك في صدر المثال الشريف هو التعريف الذي من عادته أن يكون في العنوان ولا يستغنى عنه فهو قائم مقامه، حيث لا عنوان لذلك المطلق، إنما هو بطرّة لا غير، ولها عنوانات، والتعريف مذكور فيها فلا حاجة إلى ذكره في الصدر. ثم قال: ومن الجماعة «3» من ينازع في ذلك، ويدّعى أنّ ذلك في الطرّة كاف ومغن عن ذكره في الصدر، وقائم مقام التعريف في العنوان. ثم قال: وهو خطأ، وليس بشيء. والأصح ما قلناه. [الصنف] «4» الرابع- قال في «التثقيف» : إذا كان المطلق في أمر يتعلّق بالديار المصرية والبلاد الشامية، تكون صورته «إلى الكشّاف والولاة والنوّاب

الضرب الثاني (من المطلقات، البرالغ)

والشّادين والمتصرفين بالطّرقات المصرية والبلاد الشامية. وإن كان يتعلق بالبلاد الشامية خاصة، اختصر منه ذكر الطرقات المصرية» . [الصنف] الخامس- ذكر في «التعريف» أنه يقال في آخر المطلقات بعد فليعلموا ذلك ويعتمدوه: «بعد الخط الشريف» . قال في «التثقيف» ولعل هذا كان في الزمن الذي كان هو مباشرا فيه، أما الآن فإنه لم تجر بذلك عادة، ولم يكتب ذلك في مطلق شريف مكبّر ولا غيره أصلا. [الصنف] السادس- ذكر في «التثقيف» أنه رأى بخط القاضي ناصر الدين ابن النّشائي أنه كتب مطلقا إلى المجاهدين بمصياف؛ يعني الفداوية «1» صورته: «يعلم كلّ واقف على مثالنا هذا من المقدّمين الأجلاء الغزاة المجاهدين المؤيّدين الأنصار، الأتابك فلان والأتابك فلان جماعة المجاهدين» ثم الدعاء. الضرب الثاني (من المطلقات، البرالغ) «2» بالباء «3» الموحدة والراء المهملة والألف واللام والغين المعجمة جمع برلغ، وهي لفظة تركية معناها المرسوم؛ وعليها جرى عرف كتّاب بلاد الشرق، وقلّ أن

تكتب بالديار المصرية، ولذلك لم يتعرّض لها في «التعريف» ولا في «التثقيف» : وهذه صورة برلغ شريف رأيتها في تذكرة المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في الجزء السادس والأربعين منها، بخط أخيه المقرّ العلائيّ بن فضل الله رحمهما الله تعالى؛ كتب في الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون» . في عاشر شهر رجب الفرد سنة تسع وعشرين وسبعمائة لتمربغا، الرسول الواصل إلى الديار المصرية، عن القان أبي سعيد صاحب مملكة إيران بالإكرام والمسامحة بما يلزمه. وصورته في أوّل الدرج. مثال شريف مطلق إلى كافّة من يصل إليه، ويقف عليه، للمجلس الساميّ الأميريّ السيفيّ تمربغا؟؟؟ الرسول، بالطّرخانيّة، وتمكين أصحابه من التردّد إلى الممالك الشريفة الإسلامية، وإكرام حاشيتهم وتسهيل مطلبهم، ومسامحتهم في البيع والشّراء بما طلب من الحقوق على اختلافها، وتحذير من سمع هذه المراسيم المطاعة ثم أقدم على خلافها. وبعد البسملة: الحمد لله الذي بسط أيدينا الشريفة بالجود، ونصب أبوابنا الشريفة كعبة تهوي إليها أفئدة الوفود، وأطاب مناهلها لكافّة الأمم لتنتابها في الصّدور والورود. نحمده على نعمة التي كم بلّغت راجيا ما يرجوه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبيضّ بها الوجوه، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ندب إلى مكارم الأخلاق بقوله: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» ؛ صلّى الله عليه صلاة تزيد من يقرن الثناء بها تكريما، ثم على آله وصحبه وسلّم تسليما. وبعد: فإنه لما حضر المجلس الساميّ الأميريّ، الاسفهسلاريّ «1» ، السّيفيّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء المقدّمين؛ ناصح الدولتين، ثقة المملكتين؛ فخر الخواصّ المقرّبين، عضد الملوك والسلاطين؛ تمربغا الرسول- أنجح الله تعالى مساعيه، وأوجب الرعاية لمن يراعيه- إلى أبوابنا

الشريفة ونور ولائه يسعى بين يديه، وإخلاص نيّته يظهر عليه؛ بلّغ إلينا ما أرسل فيه عن الحضرة الشريفة العالية، السلطانية، العالميّة، العادليّة، الشاهنشاهية، القانيّة، الأوحدية، الولدية، العزيزية، المعظّمية، الملكية، العلائية؛ أبي سعيد بهادر خان «1» - زيدت عظمته- وظهر لنا من كمال صفاته ما رمى البدر التمام بنقصه، ومن حسن تأتّيه في خدمة من أرسله ما يعرف به أنه أرسل حكيما ولم يوصّه؛ وعرض على نظرنا الشريف البرلغ الشريف المكتتب له عن الحضرة الشريفة، السلطان الأعظم، الولد العزيز المعظّم؛ الملك بو سعيد، أعز الله تعالى شأنه بالطّرخانيّة، وما نبّه عليه من مكانته العلية، ورفّه مطالبه من تأكيد الوصيّة؛ ثم رغب إلينا في الكتابة على حكمه إلى كافّة الممالك، وأن يسطّر له منها صحائف حسنات تقضي بها الملوك وترضى بها الملائك؛ فأجرته مراحمنا الشريفة على كرمها المعتاد؛ وأجارته نعمنا الجزيلة وجاورته حيث سار من الأرض أو أقام من البلاد؛ وأجابت صدقاتنا الشريفة بتحقيق المأمول، وأكرمت كتابه بما يستحق أن يكرم به كتاب الرّسول. ومرسومنا إلى كلّ واقف عليه من النّواب والولاة والشادّين والمتصرفين والمباشرين «2» والمتحدّثين وبقية الحكام أجمعين إلى كافة الممالك

المقصد الثالث (من المكاتبات، في أوراق الجواز وبطائق الحمام، وفيه جملتان)

الشريفة الإسلامية شرقا وغربا، وبعدا وقربا، أيّدهم الله بالتوفيق، ويسّر لهم الطريق، وجعل حسن تلقّيهم الوفود يأتي بهم من كلّ فجّ عميق؛ أن يجرى الأمير الكبير المقرّب تمربغا الرسول على ما ألفه في أبوابنا الشريفة من كرم إكرامه، وفارقنا عليه من توقير جانبه وتوفير احترامه؛ ويفسح لكلّ من يصل من جهته في التردّد إلى هذه الممالك الشريفة، والتردّي بملابس النّعم المطيفة؛ وأن تضاعف له الإعانة والعناية، والمراعاة والرّعاية؛ ولا يطلب أحد منهم في البيع والشّراء، والأخذ والعطاء، بشيء من المقرّرات الدّيوانية، والموجبات السلطانية؛ ولا يؤخذ منهم عليها شيء سواء كان قليلا أو كثيرا، جليلا أو حقيرا؛ ولا يتأوّل عليهم أحد في هذا المرسوم الشريف، ولا يتعدّى حكمه في تصرّف ولا تصريف، بل يقف كلّ واقف عليه عنده، ويعمل به في اليوم وما بعده، ويلحظ منه على من خالفه سيفا مسلولا وعلى من تجاوز حدّه؛ فنحن نحذّر وننذر من سطواتنا الشريفة من سمعه ثم زاغ قلبه عنه، أو من بلغه من لا يفهم مضمونه ثم لا يسأل عمّا هو فربّ حامل كلام إلى من هو أوعى منه؛ فلتكن عيونهم له مراعية ومسامعهم منصتة إلى سماعه بإذن واعية؛ والاعتماد على الخطّ الشريف أعلاه الله تعالى وشرّفه. المقصد الثالث (من المكاتبات، في أوراق الجواز وبطائق الحمام، وفيه جملتان) الجملة الأولى (في أوراق الجواز) وهي المعبّر عنه في زماننا بأوراق الطّريق. قال في «التثقيف» : تكون ورقة الطريق في ثلاثة أوصال في قطع العادة، يكتب في أعلاها سطر واحد، صورته: «ورقة طريق على يد فلان بن فلان الفلانيّ» لا غير. ثم يخلى بيت العلامة تقدير شبر، ويكتب في بقية ذلك الوصل قبل الوصل الثاني بأربعة أصابع مطبوقة بغير بسملة: «رسم بالأمر الشريف العالي المولويّ السلطانيّ الملكيّ الفلانيّ- أعلاه الله تعالى وشرّفه، وأنفذه وصرّفه- أن يمكّن فلان الفلانيّ» . وتذكر ألقابه إن

كان أميرا، أو معتمّما كبيرا، أو ممن له قدر، أو له ألقاب معهودة أو غير ذلك بحسب ما يقتضيه الحال «من التوجه إلى جهة قصده والعود. ويحمل على فرس واحد أو أكثر من خيل البريد المنصور من مركز إلى مركز على العادة متوجّها وعائدا» فإن كان متميز المقدار كتب: «ويعامل بالاكرام والاحترام، والرّعاية الوافرة الأقسام؛ فليعتمد ذلك ويعمل بحسبه، من غير عدول عنه بعد الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه» . قال: وما تقدّم من كتابة أنه يمكّن من التوجّه والعود، هو فيما إذا كان عائدا ورسم بتمكينه من العود، وإلا فيكتب «أن يمكّن من التوجّه إلى جهة قصده» . فإن كان قد حضر إلى الأبواب وهو عائد، فالأحسن أن يكتب فيه «أن يمكّن من العود إلى جهة قصده» . وكذا «ويعامل بالإكرام والاحترام» لا يكتب إلا الأمير، أو ذى قدر كبير. فإن كان غيره، كتب [بد] له «مع الوصيّة به ورعايته» ونحو ذلك. وإن رسم له بنفقة، كتب بعد ذكر خيل البريد: «ويصرف له من النّفقة في كلّ يوم كذا وكذا درهما» خلا الأماكن المرسوم بإبطالها. وذلك أن الطّرقات أماكن لا يصرف فيها شيء الآن، فيحتاج إلى أن تستثنى، وكانت قبل ذلك تعيّن! وهي: بلبيس، وطفيس، وأربد «1» وغيرها. ثم كثرت عن التّعداد، فصار يكتب كذلك. ثم قال: ومما ينبّه عليه أن صاحب ورقة الطريق إن كان من مماليك النوّاب أو رسل أحد من أكابر البلاد، ذكر فيه بعد ذكر ما يليق به من الألقاب: «فلان مملوك فلان أو رسول فلان» . وتذكر ألقاب مخدومة التي كوتب بها اختصارا. وإلا «2» تذكر نعوته على يد من رسم بنفيه،

كتب: «أن يمكّن الأمير فلان الدين فلان من التوجّه صحبة فلان البريديّ بالأبواب الشريفة، أو أحد النقباء بالباب الشريف ليوصّله إلى المكان الفلانيّ، ويحمل على كذا وكذا فرسا من خيل البريد المنصور» إن كان قد رسم له بشيء من خيل البريد «ويحمل البريدي على كذا من خيل البريد المنصور» أو «ويحمل النقيب على فرس واحد من خيل الكراء «1» من ولاية إلى ولاية على العادة في ذلك، ويمكّن البريديّ إن كان بريديّا أو النقيب إن كان نقيبا من العود إلى الباب الشريف» . ثم يكمل بنسبة ما تقدّم. وإذا فرغ من صورته، كتب بعد ذلك «إن شاء الله تعالى» ، ثم التاريخ والمستند على العادة. قال: في «التثقيف» : والمستند «2» في أوراق الطريق أحد ثلاثة أمور: إما خطّ كاتب السر، وهو الغالب. أو رسالة الدّوادار، وهو كثير أيضا. أو إشارة نائب السلطان إن كان ثمّ نائب، وهو نادر. فإن كان بخطّ كاتب السر، كتب على الهامش من الجانب الأيمن سطر واحد يكون آخره يقابل السطر الأول الذي هو رسم بالأمر الشريف، وهو «حسب المرسوم الشريف» . وكذا إن كان بإشارة النائب، كتب سطران على الهامش المذكور آخرهما أيضا يقابل أوّل السطر الأول «بالإشارة العالية» كما تقدّم في الكلام على المستندات في المقالة الثانية «3» قال: وفي هاتين لا يكتب في ذيلهما بعد التاريخ سوى الحسبلة لا غير. وإن كان برسالة الدّوادار، كتب على الهامش «حسب المرسوم الشريف» فقط، وكتب تحت

الجملة الثانية (في نسخ البطائق، وهي على ضربين)

التاريخ سطران هما «رسالة المجلس العالي الأميريّ الفلانيّ فلان الدّوادار المنصوريّ أدام الله تعالى نعمته» ثم الحسبلة. الجملة الثانية (في نسخ البطائق «1» ، وهي على ضربين) الضرب الأول (أن تكون البطاقة بعلامة شريفة) قال في «التثقيف» : وتكون نحو ثلثي وصل من ورق البطائق. قال: وصورتها أن يكتب في رأس الورق المذكور في الوسط سواء «الاسم الشريف» وتحته ملصقا به من غير بياض سطر واحد كامل من يمين الورق بغير هامش بما يأتي ذكره. ثم يخلى بيت العلامة تقدير أربعة أصابع مطبوقة، ثم تكتب تتمة الكلام أسطرا متلاصقة بنسبة الأوّل، بغير هامش أصلا إلى آخره. والذي يكتب من يمين الورق: «الله الهادي. سرّح الطائر الميمون ورفيقه، هداهما الله تعالى في الساعة الفلانية من اليوم الفلانيّ من الشهر الفلانيّ من سنة كذا وكذا، إلى المجلس الكريم، أو السامي، الأمير فلان والي فلانة، أو نحو ذلك، يعلمه أنّ الأمر كذا وكذا. ومرسومنا له أن يتقدّم بكذا وكذا. فليعلم ذلك ويعتمده، والله الموفّق بمنّه وكرمه إن شاء الله تعالى، حسبنا الله ونعم الوكيل» . والمستند لها «حسب المرسوم الشريف» . الضرب الثاني (أن تكون بغير علامة) وصورتها أن يكتب في رأس الورقة في الوسط موضع الاسم: «الله الهادي بكرمه» ، والأسطر متلاصقة بغير هامش، ولا يخلى فيها بيت علامة. وصورة ما

الطرف الثالث (في المكاتبات إلى عظماء ملوك الإسلام

يكتب فيها: «المرسوم بالأمر الشريف، العالي، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ، الفلاني، أعلاه الله تعالى وصرّفه- أنّ يسرّح هذا الطائر الميمون ورفيقه، هداهما الله تعالى في وقت كذا وكذا» . ويكمّل على حسب ما تقدّم «والله الموفق، حسب المرسوم الشريف، إن شاء الله تعالى» . قال في «التثقيف» : وقد يقتضي الحال نقلها من مكان إلى مكان آخر، مثل أن تنقل من بلبيس إلى قطيا «1» ، فيكتب بعد ذكر المرسوم به: «ويتقدّم بنقل هذه البطاقة إلى فلان الفلانيّ ليعتمد مضمونها ويعمل بحسبها» . فإن كانت منقولة إلى مكان ثالث، كتب بعد ذلك: «ثم ينقلها إلى فلان ليعتمد مضمونها أيضا ويعمل بمقتضاها فيعلم ذلك ويعتمده» . والتتمة حسب ما تقدّم. الطرف الثالث (في المكاتبات إلى عظماء ملوك الإسلام ، ومن انطوت عليه ممالكهم ممّن دونهم من الملوك والحكّام المنفردين ببعض البلدان، والأمراء والوزراء وسائر من ضمّه نطاق كلّ مملكة من تلك الممالك، ممّن جرت العادة بمكاتبته عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، ممن هو مستمرّ المكاتبة أو زالت مكاتبته بزواله: ليقاس عليه من لعله يظهر مظهره) واعلم أن كتّاب الديار المصرية يراعون في المكاتبة إلى كلّ مملكة صورة المكاتبة الواردة عن تلك المملكة في غالب حالها: في الابتداء والخطاب والاختتام وغير ذلك. وفيه أربعة مقاصد:

المقصد الأول (في المكاتبات إلى عظماء ملوك الشرق

المقصد الأول (في المكاتبات إلى عظماء ملوك الشّرق ، ومن انطوت عليه كلّ مملكة من ممالكهم، ممن جرت العادة بمكاتبته، وفيه أربعة مهايع) المهيع الأول (في المكاتبة إلى الملوك والحكّام، ومن جرى مجراهم بمملكة إيران ، وهي مملكة الأكاسرة الصائرة إلى بيت هولاكو من بني جنكزخان) وقد تقدّم في المقالة الثالثة في الكلام على المسالك والممالك ذكر حدود هذه المملكة وقواعدها ومدنها، وإلى من تنسب، ومن ملكها جاهليّة وإسلاما إلى زماننا. والمقصود هنا ذكر المكاتبات فقط، ويشتمل المقصود منها على ثلاث جمل. الجملة الأولى (في رسم المكاتبة إلى قانها الأعظم الجامع لحدودها ، على ما كان الأمر عليه من مبدإ ملك بيت هولاكو وإلى آخر دولة أبي سعيد، وله حالتان) الحالة الأولى- ما كان الأمر عليه في رسم المكاتبة في أوائل الدولة التّركية ، والعداوة بعد قائمة بين ملوك الديار المصرية وبين ملوكها «1» وفيه أسلوبان: الأسلوب الأوّل- أن يكتب تحت البسملة من الجانب الأيمن «بقوّة الله تعالى» ويكون «بقوة الله» سطرا و «تعالى» سطرا؛ ثم يكتب من الجانب الأيسر: «بإقبال دولة السلطان الملك الفلاني» . ويكون «بإقبال دولة» سطرا، وباقي الكلام سطرا ثانيا. ثم يكتب تحت ذلك «كلام فلان» سطرا ثانيا «إلى السلطان فلان» سطرا ثالثا. ثم يؤتى ببعديّة وخطبة، ويؤتى بالمقصود.

وطريقهم فيه على التكلّم عن لسان صاحب مصر بنون الجمع، والخطاب لسلطان إيران بميم الجمع الغائب، مضاهاة لمكاتبتهم الواردة عنهم في جميع ذلك. وهذه نسخة كتاب، كتب به عن السلطان الملك المنصور قلاوون، صاحب الديار المصرية، في جواب كتاب ورد عن السلطان أحمد «1» القان بإيران في زمانه. يذكر فيه أنّه أسلم «2» ، إذ كان أوّل من أسلم من ملوكهم، ويذكر فيه أن أخاه الكبير «3» كان قد عزم على دخول ممالك الديار المصرية قبل موته، وأنه منع ذلك؛ وأنه لا يحب المسارعة إلى القتال، وأن المشير بذلك الشيخ عبد الرحمن «4» : أحد صلحاء بلادهم، وأنه حرّم على عساكره الغارات على البلاد، وتعرّض فيه إلى أمر الجواسيس، وأشار إلى أنّ الاتّفاق فيه صلاح العالم، وأشار إلى أشياء حمّلها لرسله «5» يذكرونها مشافهة، ووقع الجواب عن جميع ذلك على ما

سيأتي ذكره في الكتب الواردة على الديار المصرية. وكتب بخط ناصر الدين شافع ابن عليّ بن عباس «1» : أحد كتّاب الإنشاء، في رمضان سنة إحدى وثمانين وستمائة. والتكلّم بنون الجمع، والخطاب بالجمع الغائب كما تقدّم في الأسلوب الأوّل، وهي: بسم الله الرّحمن الرّحيم بقوة الله بإقبال دولة تعالى السلطان الملك المنصور كلام قلاوون إلى السلطان أحمد أما بعد حمد الله الذي أوضح بنا ولنا الحقّ منهاجا، وجاء فجاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا، والصلاة على سيدنا ونبيّنا محمد الذي فضّله الله على كلّ نبيّ نجّى به أمته وعلى كل نبيّ ناجا، صلاة تنير مادجا؛ فقد وصل الكتاب الكريم، المتلقّى بالتكريم، المشتمل على النّبإ العظيم، من دخوله

في الدّين، وخروجه عمن سلف من العشيرة الأقربين؛ ولما فتح هذا الكتاب بهذا الخبر العلم المعلم، والحديث الذي صحّح عند أهل الإسلام إسلامه وأصحّ الحديث ما روي عن مسلم، توجّهت الوجوه بالدعاء إلى الله سبحانه في أن يثبّته على ذلك بالقول الثابت، وأن ينبت حبّ حبّ هذا الدين في قلبه كما أنبت أحسن النّبت من أخشن المنابت؛ وحصل التأمّل للفصل المبتدإ بذكره من حديث إخلاصه في أوّل عنفوان الصّبا إلى الإقرار بالوحدانية، ودخوله في الملّة المحمدية، بالقول والعمل والنيّة؛ فالحمد لله على أن شرح صدره للإسلام، وألهمه شريف هذا الإلهام؛ فحمدنا الله على أن جعلنا من السابقين إلى هذا المقال والمقام، وثبّت أقدامنا في كلّ موقف اجتهاد وجهاد تتزلزل دونه الأقدام. وأمّا إفضاء النّوبة في الملك وميراثه بعد والده وأخيه الكبير إليه، وإفاضة جلابيب هذه النعمة العظيمة عليه؛ وتوقّله «1» للأسرّة التي طهّرها الله بإيمانه، وأظهرها بسلطانه؛ فلقد أورثها الله من اصطفاه من عباده، وصدّق المبشّرات من كرامة أولياء الله وعبّاده. وأمّا حكاية الإخوان والأمراء الكبار ومقدّمي العساكر وزعماء البلاد في مجمع فوريلياي «2» الذي ينقدح فيه زند الآراء، وأن كلمتهم اتفقت على ما سبقت به كلمة أخيه الكبير في إنفاذ العساكر إلى هذا الجانب، وأنه قد فكّر فيما اجتمعت عليه آراؤهم، وانتهت إليه أهواؤهم؛ فوجده مخالفا لما في ضميره: إذ قصده الصّلاح، ورأيه الإصلاح؛ وأنه أطفأ تلك النائرة، وسكّن تلك الثائرة؛ فهذا فعل

الملك المتّقي، المشفق من قومه على من بقي؛ المفكّر في العواقب، بالرأي الثاقب؛ وإلا فلو تركوا وآراءهم حتّى تحملهم الغرّة، لكانت تكون هذه هي الكرّة؛ لكن هو كمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فلم يوافق قول من ضلّ ولا فعل من غوى. وأما القول منه إنه لا يحبّ المسارعة، إلى المقارعة، إلا بعد إيضاح المحجّة، وتركيب الحجّة؛ فبانتظامه في سلك الإيمان صارت حجّتنا وحجته متركّبة، على من غدت طواغيته عن سلوك هذه المحجّة متنكّبة، فإن الله سبحانه وتعالى والناس كافّة قد علموا أنّ قيامنا إنما هو لنصرة هذه الملة، وجهادنا واجتهادنا إنما هو لله؛ وحيث قد دخل معنا في الدّين هذا الدّخول، فقد ذهبت الأحقاد وزالت الذّحول «1» ؛ وبارتفاع المنافرة، تحصل المظافرة؛ فالإيمان كالبنيان يشدّ بعضه ببعض، ومن أقام مناره فله أهل بأهل في كل مكان وجيران بجيران بكلّ أرض. وأما ترتيب هذه الفوائد الجمّة على إذكار شيخ الإسلام قدوة العارفين كمال الدين عبد الرحمن، أعاد الله تعالى من بركاته، فلم ير لوليّ قبله كرامة كهذه الكرامة، والرّجاء ببركته وبركة الصالحين أن تصبح كلّ دار إسلام دار إقامة، حتّى تتمّ شرائط الإيمان، ويعود شمل الإسلام مجتمعا كأحسن ما كان؛ ولا ينكر لمن بكرامته ابتداء هذا التمكين في الوجود، أنّ كلّ حقّ ببركته إلى نصابه يعود. وأما إنفاذ أقضى القضاة قطب الملة والدين، والأتابك بهاء الدين؛ الموثوق بنقلهما في إبلاغ رسائل هذه البلاغة، فقد حضرا وأعادا كلّ قول حسن من أحوال «2» أحواله، وخطرات خاطره، ومسطّرات «3» ناظره، ومن كلّ ما يشكر

ويحمد، ويعنعن حديثهما فيه عن مسند أحمد. وأما الإشارة إلى أنّ النّفوس إن «1» كانت تتطلّع في إقامة دليل، تستحكم [به] دواعي الودّ الجميل؛ فلينظر إلى ما ظهر من مآثره، في موارد الأمر ومصادره: من العدل والإحسان، بالقلب واللسان، والتقدّم بإصلاح الأوقات «2» ، فهذه صفات من يريد لملكه الدوام؛ فلما ملك عدل، ولم يلتفت إلى لؤم من عدا ولا لوم من عذل. على أنها وإن كانت من الأفعال الحسنة، والمثوبات التي تستنطق بالدعاء الألسنة؛ فهي واجبات تؤدّى، وهو أكبر من أنه يؤخر غيره أو عليه يقتصر، أوله يدّخر؛ إنما يفتخر الملك العظيم بأن يعطي ممالك وأقاليم وحصون، أو يبذل في تشييد ملكه أعزّ مصون. وأما تحريمه على العساكر والقراغولات «3» والشحاني «4» بالأطراف التعرّض إلى أحد بالأذى، و [تحتيم] إصفاء موارد الواردين والصادرين من شوائب القذى؛ فمن حين بلغنا تقدّمه بذلك تقدّمنا أيضا بمثله إلى سائر النّوّاب، بالرّحبة وحلب «5» وعينتاب؛ وتقدّمنا إلى مقدّم «6» العساكر بأطراف تلك الممالك، بمثل ذلك؛ وإذا اتحد الإيمان، وانعقدت الأيمان؛ تحتّم إحكام هذه الأحكام، وترتب عليه جميع الأحكام.

وأما الجاسوس الفقير الذي أمسك وأطلق وأنّ بسبب من تزيّا من الجواسيس بزيّ الفقراء قتل جماعة من الفقراء الصّلحاء رجما بالظن، فهذا باب من ذلك الجانب (ستروه، وإلى الاطّلاع على الأمور صوّروه؛ فظفر النوّاب منهم بجماعة فرفع عنهم السيف، ولم يكشف ما غطّته خرقة الفقر ولا كيف) «1» وأما الإشارة إلى أن في اتفاق الكلمة (يكون صلاح العالم، وينتظم شمل بني آدم؛ فلا رادّ لمن طرق باب الاتّحاد، ومن جنح للسلّم فما جار ولا حاد؛ ومن ثنى عنانه عن المكافحة، كمن يريد المصافحة للمصالحة) «2» ؛ والصّلح وإن كان سيد الأحكام فلا بدّ من أمور تبنى عليها قواعده، وتعلم من مدلولها فوائده؛ فإن الأمور المسطورة في كتابه (عن كلّيّات لازمة ينعم بها كلّ معنى معلوم) «3» إن تهيأ صلح أو لم، وثمّ أمور لا بدّ أن «4» تحكم، وفي سلكها عقود العهود تنظم؛ قدّ تحمّلها لسان «5» المشافهة التي إذا أوردت أقبلت من «6» معنى دخوله في الدين، وانتظام عقده بسلك المؤمنين؛ وما بسطه من عدل وإحسان، وسيرة مشهورة بكلّ لسان، فالمنّة لله في ذلك فلا يشيبها منه بامتنان؛ وقد أنزل الله تعالى على

رسوله صلّى الله عليه وسلّم في حقّ من امتنّ بإسلامه: قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ » ومن المشافهة أنه قد أعطاه الله من العطاء ما أغناه به عن امتداد الطّرف إلى ما في يد غيره من أرض ومال، فإن حصلت الرغبة في الاتفاق على ذلك فالأمن «2» حاصل؛ فالجواب أنّ ثمّ أمورا متى حصلت عليها الموافقة، تمّت المصاحبة والمصادقة؛ ورأى الله تعالى والناس كيف يكون (إذلال معادينا، وإعزاز مصافينا) «3» ؛ فكم من صاحب وجد حيث لا يوجد الأب والأخ والقرابة، وما تمّ أمر الدين المحمديّ واستحكم في صدر الإسلام إلا بمظافرة الصّحابة؛ فإن كانت له رغبة مصروفة إلى الاتحاد، وحسن الوداد، وجميل الاعتضاد، وكبت الأعداء والأضداد، والاستناد إلى من يشتدّ به الأزر «4» عند الاستناد، فقد فهم المراد «5» ومن المشافهة إذا كانت رغبتنا غير ممتدّة إلى ما في يده من أرض ومال، فلا حاجة إلى إنفاذ المغيرين الذين يؤذون المسلمين بغير فائدة تعود؛ فالجواب أنه لو كفّ كفّ العدوان من هنالك، وخلّي لملوك المسلمين ما لهم من ممالك؛ سكنت الدّهماء، وحقنت الدّماء؛ وما أحقّه بأن لا ينهى عن خلق ويأتي مثله، ولا يأمر بشيء «6» وينسى فعله؛ وقنغرطاب «7» بالرّوم الآن، وبين «8» بلاد في أيديكم خراجها يجبى إليكم، فقد سفك فيها وفتك، وسبى وهتك؛ وباع الأحرار، وأبي إلا التمادي على ذلك «9» والإصرار.

الأسلوب الثاني (أن يكتب تحت البسملة على حيال وسطها «بقوة الله تعالى وميامين الملة المحمدية» )

ومن المشافهة أنه إن حصل التصميم على أن لا تبطل هذه الإغارات، ولا يقتصر «1» عن هذه الإثارات؛ فتعيّن مكانا يكون فيه اللّقاء، ويعطي الله النصر لمن يشاء؛ فالجواب عن ذلك أن الأماكن التي اتّفق فيها ملتقى الجمعين مرّة ومرّة ومرة قد عاف مواردها من سلف «2» من أولئك القوم، وخاف أن يعادوها فيعادوه مصرع ذلك اليوم؛ ووقت اللّقاء علمه عند الله لا يقدر، وما النصر إلا من عند الله لمن أقدر لا لمن قدر؛ وما «3» نحن ممن ينتظر فلته، ولا ممّن له إلى غير ذلك لفته، وما أمر ساعة النصر إلا كالساعة التي لا تأتي إلا بغته؛ والله تعالى الموفّق لما فيه صلاح هذه الأمة، والقادر على إتمام كلّ خير ونعمه؛ إن شاء الله تعالى. مستهلّ شهر رمضان المعظم قدره، سنة إحدى وثمانين وستمائة. الحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه. حسبنا الله ونعم الوكيل. الأسلوب الثاني (أن يكتب تحت البسملة على حيال وسطها «بقوّة الله تعالى وميامين الملة المحمدية» ) ويكون «بقوّة الله تعالى» سطرا. و «ميامين الملة المحمدية» سطرا ثانيا. ثم يؤتى ببعديّة وخطبة مختصرة؛ ثم يكتب سطران ببياض من الجانبين، فيهما: «بإقبال دولة السلطان الملك» وباقي الكلام في السطر الثاني. ثم يقال: «فليعلم السلطان فلان» . ويؤتى على المقصود إلى آخره. وهذه نسخة كتاب من إنشاء القاضي علاء الدين عليّ بن فتح الدين محمد ابن محيي الدين بن عبد الظاهر «4» ، صاحب ديوان الإنشاء بالديار المصرية في

جواب كتاب ورد عن السلطان محمود غازان، القان بمملكة إيران، يذكر فيه أنّ جماعة من عساكر البلاد الشاميّة أغاروا على ماردين، وأن الحميّة اقتضت الرّكوب في مقابلة ذلك. وذكر أنه قدّم الرسل بالإنذار. ويذكر فيه أنهم صبروا على تماديهم في غيّهم؛ ويذكر فيه نصرته على العساكر الإسلامية في المرّة السابقة. ويذكر فيه أنه أقام بأطراف البلاد. ولم يدخلها خوف التخريب والفساد. ويذكر فيه جمع العساكر وتهيئة المجانيق وغير ذلك من آلة القتال. ويذكر أنه إذا لم تجر موجبات الصلح كانت دماء المسلمين مطلولة؛ ويذكر إرسال رسله بكتابه ويلتمس التّحف والهدايا، مما كتب به عن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، في المحرّم سنة إحدى وسبعمائة وهي: بسم الله الرّحمن الرّحيم بقوّة الله تعالى وميامين الملّة المحمدية أمّا بعد حمد الله الذي جعلنا من السابقين الأوّلين، الهادين المهتدين؛ التابعين لسنّة سيد المرسلين، بإحسان إلى يوم الدين؛ والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الذين فضّل الله من سبق منهم إلى الإيمان في كتابه المكنون. فقال سبحانه وتعالى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ «1» بإقبال دولة السلطان الملك الناصر كلام محمد بن قلاوون.

فليعلم السلطان المعظّم محمود غازان «1» أنّ كتابه ورد، فقابلناه بما يليق بمثلنا لمثله من الإكرام، ورعينا له حقّ القصد فتلقيناه منّا بسلام؛ وتأمّلناه تأمّل المتفهّم لدقائقه، المستكشف عن حقائقه؛ فألفيناه قد تضمّن مؤاخذات بأمورهم بالمؤاخذة عليها أحرى، معتذرا في التعدّي بما جعله ذنوبا لبعض طالب بها الكلّ، والله تعالى يقول: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى * «2» أمّا حديث من أغار على ماردين من رجالة بلادنا المتطرّفة وما نسبوه إليهم من الأمور البديعة، والآثام الشّنيعة؛ وقولهم: إنهم أنفوا من تهجّمهم، وغاروا من تقحّمهم؛ واقتضت الحميّة ركوبهم في مقابلة ذلك، فقد تلمّحنا هذه الصورة التي أقاموها عذرا في العدوان، وجعلوها سببا إلى ما ارتكبوه من طغيان؛ والجواب عن ذلك أنّ الغارات من الطّرفين [و] لم يحصل من المهادنة والموادعة ما يكفّ يدنا الممتدّة، ولا يفترّ هممها المستعدّة؛ وقد كان آباؤكم وأجدادكم على ما علمتم من الكفر والشّقاق، وعدم المصافاة للإسلام والوفاق؛ ولم يزل ملك ماردين ورعيّته منفّذين ما يصدر من الأذى للبلاد والعباد عنهم، متولّين كبر نكرهم؛ والله تعالى يقول: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ «3» وحيث جعلتم هذا ذنبا للحميّة الجاهليّة، وحاملا على الانتصار الذي زعمتم أنّ همّتكم به مليّة؛ فقد كان هذا القصد الذي ادّعيتموه يتمّ بالانتقام من أهل تلك الأطراف التي أوجب ذلك فعلها، والاقتصار على أخذ الثار ممن ثار، اتباعا لقوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها «4» لا أن تقصدوا الإسلام بالجموع الملفّقة على اختلاف الأديان، وتطأوا البقاع الطاهرة بعبدة الصّلبان؛ وتنتهكوا حرمة البيت المقدّس الذي هو ثاني بيت

الله الحرام، وشقيق مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ وإن احتججتم بأنّ زمام تلك الغارة بيدنا، وسبب تعدّيهم من سنّتنا؛ فقد أوضحنا الجواب عن ذلك، وأنّ عدم الصّلح والموادعة أوجب سلوك هذه المسالك. وأما ما ادّعوه من سلوك سنن المرسلين، واقتفاء آثار المتقدّمين، في إنفاذ الرّسل أوّلا، فقد تلمحنا هذه الصّورة، وفهمنا ما أوردوه من الآيات المسطورة؛ والجواب عن ذلك أنّ هؤلاء الرّسل ما وصلوا إلينا إلا وقد دنت الخيام من الخيام، وناضلت السهام السّهام، وشارف القوم، ولم يبق للّقاء إلا يوم أو بعض يوم؛ وأشرعت الأسنّة من الجانبين، ورأى كلّ خصمه رأى العين؛ وما نحن ممن لاحت له رغبة راغب فتشاغل عنها، ولا ممن يسالم فيقابل ذلك بجفوة النّفار، والله تعالى يقول: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها «1» كيف والكتاب بعنوانه! وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: «ما أضمر إنسان شيئا إلا ظهر في صفحات وجهه وفلتات لسانه» . ولو كان حضور هؤلاء الرسل والسّيوف وادعة في أغمادها، والأسنّة مستكنّة في أعوادها؛ والسّهام غير مفوّقة، والأعنّة غير مطلقة؛ لسمعنا خطابهم، وأعدنا جوابهم. وأما ما أطلقوا به لسان قلمهم، وأبدوه من غليظ كلمهم؛ في قولهم: فصبرنا على تماديكم في غيّكم، وإخلادكم إلى بغيكم؛ فأيّ صبر ممن أرسل عنانه إلى المكافحة، قبل إرسال رسل المصالحة؛ وجاس خلال الدّيار، قبل ما زعمه من الإعذار والإنذار؟ وإذا فكّروا في هذه الأسباب، ونظروا ما صدر عنهم من خطاب، علموا العذر في تأخير الجواب، وما يتذكّر إلا أولوا الألباب. وأمّا ما تبجّحوا به مما اعتقدوه من نصرة، وظنّوه من أنّ الله جعل لهم على حزبه الغالب في كلّ كرة الكرّة؛ فلو تأمّلوا ما ظنّوه ربحا لوجدوه هو الخسران المبين، ولو أنعموا النظر في ذلك لما كانوا به مفتخرين؛ ولتحققوا أنّ الذي اتّفق

لهم كان غرما لا غنما، وتدبّروا معنى قوله تعالى: إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً «1» ولم يخف عنهم ما نالته السيوف الإسلامية منهم، وقد رأوا عزم من حضر من عساكرنا التي لو كانت مجتمعة عند اللّقاء ما ظهر خبر عنهم؛ فإنا كنّا في مفتتح ملكنا، ومبتدإ أمرنا، حللنا بالشام للنظر في أمور البلاد والعباد؛ فلما تحقّقنا خبركم، وقفونا أثركم؛ بادرنا نقدّ أديم الأرض سيرا، وأسرعنا لندفع عن المسلمين ضررا وضيرا، ونؤدّي من الجهاد السنّة والفرض، ونعمل بقوله تعالى: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ «2» فاتفق اللّقاء بمن حضر من عساكرنا المنصورة، وثوقا بقوله تعالى: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً «3» وإلا فأكابركم يعلمون وقائع الجيوش الإسلاميّة التي كم وطئت موطئا يغيظ الكفّار فكتب لها عمل صالح، وسارت في سبيل الله ففتح عليها أبواب المناجح؛ وتعدّدت أيام نصرتها التي لو دقّقتم الفكر فيها لأزالت ما حصل عندكم من لبس، ولما قدرتم أن تنكروها وفي تعب من ينكر ضوء الشمس، وما زال الله نعم المولى ونعم النصير، وإذا راجعتموهم قصّوا عليكم نبأ الاستظهار وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ «4» ؛ وما زالت تتّفق الوقائع بين الملوك والحروب، وتجري المواقف التي هي بتقدير الله فلا فخر فيها للغالب ولا عار على المغلوب؛ وكم من ملك استظهر عليه ثم نصر، وعاوده التأييد فجبر بعد ما كسر؛ خصوصا ملوك هذا الدّين، فإنّ الله تعالى تكفّل لهم بحسن العقبى فقال تعالى: وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ* «5» وأما إقامتهم الحجة علينا، ونسبتهم التفريط إلينا؛ في كوننا لم نسيّر إليهم رسولا عند ما حلّوا بدمشق، فنحن عندما وصلنا إلى الديار المصرية لم نزد على أن

اعتدّينا وجمعنا جيوشنا من كل مكان، وبذلنا في الاستعداد غاية الجهد والإمكان؛ وأنفقنا جزيل الأموال في العساكر والجحافل، ووثقنا بحسن الخلف لقوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ «1» ولمّا خرجنا من الديار المصرية، بلغنا خروج الملك من البلاد، لأمر حال بينه وبين المراد؛ فتوقّفنا عن المسير توقّف من أغنى رعبه عن حثّ الركاب، وتثبّتنا تثبّت الراسيات وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ «2» وبعثنا طائفة من العساكر لمقاتلة من أقام بالبلاد فما لاح لنا منهم بارق ولا ظهر، وتقدّمت فتخطّفت من حمله على التأخّر الغرر، ووصلت إلى الفرات فما وقفت للقوم على أثر. وأما قولهم: إننا ألقينا في قلوب العساكر والعوامّ أنهم فيما بعد يتلقّونا على حلب أو الفرات، وأنهم جمعوا العساكر ورحلوا إلى الفرات وإلى حلب مرتقبين؛ فالجواب عن ذلك أنهم من حين بلغنا حركتهم جزمنا، وعلى لقائهم عزمنا؛ وخرجنا وخرج أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله ابن عم سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الواجب الطاعة على كلّ مسلم، المفترض المبايعة والمتابعة على كل منازع ومسلّم؛ طائعين لله ولرسوله في أداء مفترض الجهاد، باذلين في القيام بما أمرنا الله تعالى غاية الاجتهاد؛ عالمين بأنه لا يتمّ أمر دين ولا دنيا إلا بمشايعته، ومن والاه فقد حفظه الله تعالى وتولّاه، ومن عانده أو عاند من أقامه فقد أذلّه الله؛ فحين وصلنا إلى البلاد الشامية تقدّمت عساكرنا تملأ السّهل والجبل، وتبلّغ بقوّة الله تعالى في النصر الرّجاء والأمل؛ ووصلت أوائلها إلى أطراف حماة وتلك النواحي فلم يقدم أحد منهم عليها، ولا جسر أن يمدّ حتّى ولا الطّرف إليها؛ فلم نزل مقيمين حتّى بلغنا رجوع الملك إلى البلاد، وإخلافه موعد اللقاء والله لا يخلف الميعاد؛ فعدنا لاستعداد جيوشنا التي لم تزل تندفع في طاعتنا اندفاع السيل،

عاملين بقوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ «1» . وأمّا ما جعلوه عذرا في الإقامة بأطراف البلاد وعدم الإقدام عليها، وأنهم لو فعلوا ذلك ودخلوا بجيوشهم ربما أخرب البلاد مرورها، وبإقامتهم فسدت أمورها؛ فقد فهم هذا المقصود، ومتى ألفت العباد والبلاد منهم هذا الإشفاق؟ ومتى اتّصفت جيوشهم بهذه الأخلاق؟ وها آثارهم موجودة على ملك آل سلجوق وما تعرّضوا لدار ولا جار، ولا عفّوا أثرا من الآثار؛ ولا حصل لمسلم منهم ضرر، ولا أوذي في ورد ولا صدر؛ وكان أحدهم يشتري قوته بدرهمه وديناره، ويأبى أن تمتدّ إلى أحد من المسلمين يد إضراره؛ هذه سنّة أهل الإسلام، وفعل من يريد لملكه الدوام. وأما ما أرعدوا به وأبرقوا، وأرسلوا به عنان قلمهم وأطلقوا؛ وما أبدوا من الاهتمام بجمع عساكرهم وتهيئة المجانيق إلى غير ذلك مما ذكره من التهويل، فالله تعالى يقول: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ «2» . وأما قولهم: وإلا فدماء المسلمين مطلولة، فما كان أغناهم عن هذا الخطاب، وأولاهم بأن لا يصدر إليهم عن ذلك جواب؛ ومن قصد الصّلح والإصلاح، كيف يقول هذا القول الذي عليه فيه من جهة الله تعالى ومن جهة رسوله أيّ جناح؟ وكيف يضمر هذه النية، ويتبجّج بهذه الطويّة؟ ولم يخف مواقع زلل هذا القول وخلله، والنبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نيّة المرء أبلغ من عمله» وبأيّ طريق تهدر دماء المسلمين التي من تعرّض إليها يكون الله له في الدنيا والآخرة مطالبا وغريما، ومؤاخذا بقوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً «3» ؟ وإذا كان الأمر كذلك

فالبشرى لأهل الإسلام بما نحن عليه من الهمم المصروفة إلى الاستعداد، وجمع العساكر التي تكون لها الملائكة الكرام إن شاء الله تعالى من الأنجاد؛ والاستكثار من الجيوش الإسلامية المتوفّرة العدد، المتكاثرة المدد؛ الموعودة بالنصر الذي يحفّها في الظّعن والإقامة، الواثقة [به] «1» من قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على عدوّهم إلى يوم القيامة» . المبلّغة في نصر دين الله آمالا، المستعدة لإجابة داعي الله إذا قال: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا «2» . وأما رسلهم فلان وفلان فقد وصلوا إلينا، ووفدوا علينا؛ وأكرمنا وفادتهم، وغزّرنا لأجل مرسلهم من الإقبال مادّتهم، وسمعنا خطابهم، وأعدنا عليهم جوابهم؛ هذا مع كوننا لم يخف علينا انحطاط قدرهم، ولا ضعف أمرهم؛ وأنهم ما دفعوا لأفواه الخطوب، إلا لما ارتكبوه من ذنوب؛ وما كان ينبغي أن يرسل مثل هؤلاء لمثلنا من مثله، ولا ينتدب لمثل هذا الأمر المهمّ إلا من يجمع على فصل خطابه وفضله. وأما ما التمسوه من الهدايا والتّحف، فلو قدّموا من هداياهم حسنة لعوّضناهم بأحسن منها، ولو أتحفونا بتحفة، لقابلناها بأجلّ عوض عنها. وقد كان عمّهم الملك أحمد راسل والدنا الشهيد، وناجى بالهدايا والتّحف من مكان بعيد؛ وتقرّب إلى قلبه بحسن الخطاب، فأحسن له الجواب؛ وأتى البيوت من أبوابها بحسن الأدب، وتمسّك من الملاطفة بأقوى سبب. والآن فحيث انتهت الأجوبة إلى حدّها، وأدركت الأنفة من مقابلة ذلك الخطاب غاية قصدها؛ فنقول: إذا جنح الملك للسّلم جنحنا لها، وإذا دخل في الملّة المحمدية ممتثلا ما أمر الله تعالى به مجتنبا ما عنه نهى، وانتظم في سلك الإيمان، وتمسك بموجباته تمسّك المتشرف بدخوله فيه لا المنّان، وتجنّب التشبّه بمن قال

الحالة الثانية (ما كان عليه رسم المكاتبة في الدولة الناصرية

الله تعالى في حقهم: قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ «1» . وطابق فعله قوله، ورفض الكفّار الذين لا يحلّ له أن يتّخذهم حوله؛ وأرسل إلينا رسولا من جهته يرتّل آيات الصلح ترتيلا، ويروق خطابه وجوابه حتّى يتلو كلّ أحد عند عوده: يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا «2» . صارت حجّتنا وحجّته مركبة على من خالف ذلك، وكلمتنا وكلمته قامعة أهل الشرك في سائر الممالك؛ ومظافرتنا له تكسب الكافرين هوانا، والشاهد لمصافاتنا مفاد قوله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً «3» . وينتظم إن شاء الله تعالى شمل المصالح أحسن انتظام، ويحصل التمسك من الموادعة والمظافرة بعروة لا انفصال لها ولا انفصام، وتستقرّ قواعد الصّلح على ما يرضي الله تعالى ورسوله عليه أفضل الصلاة والسلام. الحالة الثانية (ما كان عليه رسم المكاتبة في الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون» إلى أبي سعيد بهادرخان بن خدابندا «4» : آخر ملوك بني هولاكو، ملك إيران) قال في «التعريف» : وهو كتاب يكتب في قطع البغداديّ الكامل؛ يبتدأ فيه بعد البسملة وسطر من الخطبة الغراء المكتتبة بالذهب المزمّك «5» ، بألقاب سلطاننا على عادة الطغراوات «6» ؛ ثم تكمّل الخطبة وتفتتح ببعديّة إلى أن تساق الألقاب،

وهي: «الحضرة الشريفة، العالية، السلطانية الأعظميّة، الشاهنشاهيّة، الأوحدية، الأخويّة، القانية، الفلانية» من غير أن يخلط فيها «الملكيّة» لهوانها عليهم وانحطاطها لديهم ثم يدعى له بالأدعية المعظّمة المفخّمة الملوكية: من إعزاز السلطان ونصر الأعوان، وخلود الأيام، ونشر الأعلام، وتأييد الجنود، وتكثير الوفود. وغير ذلك مما يجري هذا المجرى. ثم يقال ما فيه التلويح والتصريح بدوام الوداد، وصفاء الاعتقاد، ووصف الأشواق، وكثرة الأتواق، وما هو من هذه النسبة. ثم يؤتى على المقاصد، ويختم بدعاء جليل، وتستعرض المراسيم «1» والخدم، ويوصف التطلع إليها، ويظهر التهافت عليها. وهذا الكتاب تكتب جميع خطبته وطغراه [وعنوانه] «2» بالذهب المزمّك، وكذلك كلّ ما وقع في أثنائه من اسم جليل، وكلّ ذي شأن نبيل: من اسم لله تعالى، أو لنبينا صلّى الله عليه وسلّم، أو لأحد من الأنبياء، أو الملائكة عليهم السلام، أو ذكر دين الإسلام، أو ذكر سلطاننا، أو السلطان المكتوب إليه، أو ما هو متعلّق بهما. مثاله «عندنا وعندكم» و «لنا ولكم» و «كتابنا وكتابكم» . كلّ هذا يكتب بالذهب؛ وما سواه يكتب بالسّواد. فأما العنوان، فهو بهذه الألقاب إلى أن ينتهي إلى اللّقب الخاص، ثم يدعى له بدعوة أو اثنتين، نحو: «أعزّ الله سلطانها، وأعلى شانها» أو نحو ذلك. ثم يسمّى اسم السلطان المكتوب إليه؛ ثم يقال «خان» كما كنا نكتب، فنقول: «بو سعيد بهادرخان» فقط. ويطمغ بالذهب بطمغات «3» عليها ألقاب سلطاننا، تكون على الأوصال، يبدأ بالطّمغة على اليمين في أوّل وصل، ثم على اليسار في ثاني

وصل، ثم على هذا النمط إلى أن ينتهي في الآخر إلى اليمين. ولا يطمّغ على الطرّة البيضاء. والكاتب يخلي لمواضع الطمغة مواضع الكتابة، تارة يمنة، وتارة يسرة. وأوضح ذلك في «التثقيف» وبيّنه، فقال: والمكاتبة إليه في عرض البغداديّ الكامل، والطرّة ثلاثة أوصال، والبسملة ذهب مزمّك بألفات طوال بالمسطرة بخطّ الذهب؛ ثم الخطبة، وأولها «الحمد لله» والسطر الذي يلي البسملة الشريفة وثانية من أوائل الورق زائدان عن بقيّة السطور التي من أول السطر الثالث إلى آخر الكتاب. وبين هذين السطرين المذكورين، (وهو موضع بيت العلامة الشريفة) طرّة ذهب بالألقاب الشريفة؛ ثم بعد هذين السطرين الملاصقين للطرّة المذكورة بقيّة السطور بهامش جيّد في يمين الورق على العادة. وجميع السطور مكملة إلى آخر الورق، لا يخلى فيها للطّمغة مكان. وبعد الخطبة ما يناسب الابتداء إن كان، أو الجواب إلى أن يتصل الكلام بالألقاب، وهي: «الحضرة، الشريفة، العالية، السلطانية، الأعظميّة، العالمية، العادلية، الأكمليّة، القانيّة، الشاهنشاهية، الولديّة، العزيزية، الملكية، الفلانية» . ثم الدعاء. وفي أثناء خطابه «الحضرة الشريفة» تارة، وتارة «الحضرة العالية» والدعاء في أوساطه نحو «زيدت عظمته، ودامت معدلته، وأعلى الله مقامه، وأعزّ الله شانه» . والخطبة جميعها بالذهب المزمّك. وبعدها بالأسود خلا ذكر الله تعالى أو رسوله صلّى الله عليه وسلّم، أو ما أضيف إليهما، أو ما يعظّم ذكره: كالحق والعدل وأمثالهما، أو كلّ لقب أو نعت، أو كلمة مضافة إلى المكتوب عنه أو المكتوب إليه، أو ضمير فيهما، فإنه بالذّهب. والعنوان بألقابه كاملة، وفي آخرها الدعاء له من غير توقّف. قال: وكان قد استقر من أمر العلامة الشريفة أن يكتب على جانب يمين السطرين: الثاني والثالث، وهو مما يلي بيت العلامة «المشتاق محمد» . ثم قال: ورأيت بخط القاضي المرحوم ناصر الدين بن النّشائيّ أنّ ذلك نظير الكتاب الوارد منه في رجب سنة تسع وعشرين وسبعمائة. ثم قال: وقد ذكر في «التعريف»

ثلاثة أمور زائدة «1» التنبيه عليها. أحدها- أنه يذكر تعريفه في العنوان. فيكتب بعد ذكر الاسم «خان» . فيقال: «بو سعيد بهادرخان» . ثانيها- أنه تستعمل الطّمغات على الأوصال. ثالثها- أنه لا يكتب في ألقابه «الملكية» . وذكر أنه لم يكتب لأحد بهذه المكاتبة بعد السلطان أبي سعيد، خلا ما ذكر القاضي ناصر الدين بن النّشائي أنه كتب نظير ذلك بعد أبي سعيد لطغاي تمرخان. قال: ولو كتب بالمغلية كتب في القطع المذكور. أما الملطفات «2» ، ففي قطع الثلث. وهذه نسخة مكاتبة كتب بها المقرّ الشهابيّ بن فضل الله عن السلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» إلى السلطان أبي سعيد بهادرخان المقدّم ذكره، وهي: الحمد لله الذي جعلنا بنعمته إخوانا، وجمعنا على طاعته أصولا لا تتفرّق أغصانا؛ نحمده على ما أولانا؛ ونشكره على ما ولّانا، ونرغب إليه في مزيد ألطافه التي شملت أقصانا وأدنانا؛ ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة كالشمس لا تدع في الأرض مكانا؛ ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي شيّد بنا لشريعته أركانا، وشدّ بعضنا ببعض لنكون كما شبّهنا به بنانا أو بنيانا؛ صلى الله عليه وعلى آله صلاة لا تتوانى، ورضي الله عن أصحابه والتابعين لهم بإحسان وزادهم إحسانا، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد: فإن من أعظم المبهجات لدينا، المنهجات لطريق السّرور إلينا،

الملهجات بوصف أكرم وارد علينا، هو الكتاب الشريف، بل السّحاب المطيف، بل البحر الذي يقذف دررا، ويقصّ عن السحاب أثرا، ويرفع سررا «1» ، ويطلع قمرا؛ ويطوّل أوضاحا وغررا، ويحدّث عن العجائب خبرا؛ بل ينشر الروض حبرا، ويهبّ الرياح سحرا، ويبرق ذهبه المموّة آصالا وبكرا؛ الصادر عن الحضرة الشريفة العالية السلطانية، الأعظمية، العالميّة، العادلية، الشاهنشاهية، الأخويّة، القانيّة، زادها الله شرفا، وأدام بها تحفا، وصاغ بها لكلّ سمع شنفا، وأيّدها بزائد مزيده حتّى تقول: حسبي وكفى؛ فإنه وصل صحبة المجلس السامي الأمير، الكبير، المقرّب، المجتبى، المرتضى، المختار، شرف الدين، مجد الإسلام، زين الأنام، جمال المقرّبين، مرتضى الملوك والسلاطين، الحاجّ أحمد الأشقر، والشوق إليه شديد، والتطلّع إليه كمثل العيد؛ فقرّبناه إلينا نجيّا، وتلقّينا منه مهديّا؛ وكأنّ السماء ألقت منه حليّا، أو أقلّت كوكبا درّيّا، أو مدّت من المجرّة درجا، وعطفت من مهنّدات البروق خلجا؛ وقدّت من سواد القلوب شطر كلّ سطر فيها، وأغارت مقلة كلّ ريم قام بسواد ناظره يفدّيها؛ وسرّحنا منه الحدق في حدائق، ونفحنا به للحقائب حقائق، واستطلعنا به شموس الافتقاد، واطّلعنا منه على نفوس نفائس الوداد؛ وصادف منّا قلبا صاديا إلى ما يروق من أخباره، وشوقا إلى ما يهبّ من نسيم دياره؛ وتطلّعنا إلى من يرد من رسله الكرام، ويقصّ علينا ما لا يستقصى من مواقع الغمام؛ وعلمنا منه ومما ذكره المقرّب الحاجّ شرف الدين أحمد ما للحضرة الشريفة عليه من نعمة يلتحف بملابسها، ويقتطف من مغارسها؛ وتجري في السّيف رونقا، وتزيّن بالكواكب أفقا، وتجرّ على الكثبان من الشّموس رداء مخلّقا «2» . وأحضرنا الحاجّ شرف الدين أحمد بين أيدينا الشريفة، وشملناه بحسن ملاحظتنا التي زادت تشريفه؛ وكان حضوره وركابنا الشريف يهيجان الصيد المحمود، ونحن نلهج بذكره عند انتهاز كل فرصة في الصّيود؛ وما

حصلنا فيه على لذّة ظفر إلا وتمنّينا أن يكون له فيها مشاركة شهود، أو أن يكون حاضرا يرى كيف يسهّل الله لنا بلوغ كلّ مقصود؛ وخرج معنا إلى المصايد، وتفرّج على الصائد؛ ورأى ما حفّ بموكبنا المنصور من ذوات الوبر والجناح، وما سخّر لنا من جياد الخيول من الرّياح؛ فشاهد ما أوتينا من الملك السّليمانيّ في سرعة السير، واختلاف ما جمع لنا من الإنس والوحش والطّير؛ واستغرقت أوقاتنا الشريفة في السؤال عن مزاجه الكريم، وما هو عليه من السّرور المستديم؛ والتأييد الذي انقلب به أولياؤه بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتّبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم؛ وتجدّدت المسرّات، بهذه البشائر المسرّات «1» ؛ وأضفنا هذه النعمة إلى ما نحمد الله عليه مما أيّدنا به من النصر والظّفر والتأييد، والنعم التي توالت إلينا ونحن نرجو المزيد؛ ونضاعف الحمد والشكر لله على هذه المواهب التي أطافت بنا بطاقاتها الثمينة، وأنارت في آفاقنا أقمارها المبينة؛ وشملت ملوك الإسلام نعمها من كل جانب، وأشرقت شموسها حتّى ملأت بأنوارها المشارق والمغارب. وأما ما أتحفت به من البلكات «2» الشريفة فقد وصلت، وتقبّلت وقبّلت؛ وأكرمت لأن مهديها كريم، وأعظمت لأنها تحفة من عظيم؛ وأثنينا عليه بما طاب، وشكر بحرنا الزاخر جود أخيه السّحاب. وأما الإشارة العالية إلى تقاضي تجهيزة من الملاكمين والسوقات فقد رسمنا بالانتهاء إليه، لأنه لا فرق بيننا وبين أخينا فيما يخصّ مراسمنا جميعا عليه؛ وقد

جهّز من الملاكمين والطين المختوم ما أمكن الآن، ومنه ما كنّا رسمنا باستعماله من البلكات باسمه الشريف وتأخر؛ فلما فرغ جهّز معه، وبعد هذا نجهّز من يتوجّه إلى حضرته العالية ليجدّد عهدا، ويؤدّي إليه ودّا؛ وما يتأخر إلا ريثما تنجلي السّحب المتوالية، ويمكن التوصّل سالما إلى حضرته العالية. وأما غير هذا: فهو أنّ الحاج أحمد أحضر إلينا ورقة كريمة، بل درّة يتيمة؛ بخط يد الحضرة الشريفة فأعجبنا بها، ووجدناها في غاية الحسن التي لا يعدّ زهر الرياض لها مشبها؛ وما رأينا مثل ما كتب فيها، كأن السماء قد نظّمت في سطورها النجوم الزّهر من دراريها؛ فأكرم بيد كتبت سطورا اعترف بها الرّمح للقلم! واستمدّ السّحاب من طروسها الكرم! وجرت بجامد ذهب وسائل دم، وتنافست على إثباتها صحائفه وأقلامه ودويّه والجوّ والبروق والدّيم؛ وطلعت منها تباشير النّجاح، وتحاسد عليها مسك الليل وكافور الصّباح «1» ؛ واتفقت على معنى واحد وقد تنوّعت قسما، وأشرقت فتمنّت السماء أن تكون لها صحيفة والبرق قلما؛ فأرخصت قدر ياقوت «2» في التقليب، وحسّنت بمحاسنها هجران حبيب «3» ؛ لقد أوتيت من الخطّ غاية الكمال، وبسطت يد ابن هلال «4» فيه عن فم ابن هلال؛ فأما الوليّ فإنّه من أوليائها، وأنواؤه مما فاض من إنائها؛ طالما حدّق إليه أبو عليّ «5» فاختطف برقه أباه مقله، وفطن ابن أسد أنه لو أدركه أبوه لنسي شبله؛ فسبحان من صرّف في يمينه القلم بل الأقاليم، ووهبه من أفضل كلّ شيء ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ* «6» .

الجملة الثانية (في المكاتبات إلى من ملك توريز وبغداد بعد موت أبي سعيد)

وقد أعيد المقرّب شرف الدين أحمد، وحمل من المشافهات الشريفة ما تفضّ على أخينا عقوده، وتفاض بروده؛ والحضرة الشريفة لا نقطع أخبارها عنّا التي تسرّ بأنبائه، وتسيّر بنجوم سمائه؛ لا زالت مناقبه مسموعة، والقلوب على ما يجمع كلمة الإيمان مجموعة. إن شاء الله تعالى. تنبيه- أما الملطّفات التي كانت تكتب إلى هذا القان، فقد ذكر في «التثقيف» أنها في قطع الثلث، وكذا ما يكتب به بالمغليّ، فإنه يكون في القطع المذكور أيضا. الجملة الثانية (في المكاتبات إلى من ملك توريز «1» وبغداد بعد موت أبي سعيد) قد تقدّم أنه ملك توريز وبغداد بعد السلطان أبي سعيد (موسى خان) ثم محمد بن عبدجي «2» ، ثم الشيخ حسن الكبير، ثم ابنه الشيخ أويس، ثم ابنه حسن، ثم أخوه أحمد. ومنه انتزعها تمرلنك. وذكر في «التثقيف» أنّه ملك بعد أبي سعيد أرفاخان، ثم موسى خان، ثم طغاي تمرخان؛ بعد أن ذكر أنه لم يكتب إلى أحد بعد أبي سعيد بالمكاتبة المتقدّمة. ثم قال: ورأيت بخط القاضي ناصر الدّين بن النّشائي أن مكاتبة طغاي تمرخان كانت نظير مكاتبة أبي سعيد. ثم قال: وهذا يدل على أنه لم يكاتب بذلك بعد أبي سعيد غير طغاي تمرخان المذكور. قلت: وقد وقفت على مكاتبة عن الملك الناصر «محمد بن قلاوون» إلى

موسى خان المقدّم ذكره من إنشاء المقرّ الشهابيّ بن فضل الله، فيما ذكره صاحب «الدّرّ الملتقط» «1» جوابا عن كتاب ورد منه يذكر فيه النّصرة على عدوّ له؛ والقائم بتدبير دولته يومئذ علي باشا. بدأ فيها بعد الافتتاح بآية من القرآن الكريم في معنى النصر بقوله: «إلى الحضرة الشريفة» إلى آخر الألقاب المناسبة «من أخيه ومحبه» ؛ ثم خطبة بعد ذلك مفتتحة ب «الحمد لله» . ثم «وبعد، فقد ورد الكتاب الشريف» . والخطاب ب «الحضرة الشريفة» . والاختتام بالدعاء. ولا خفاء في أن هذه نحو المكاتبة إلى أبي سعيد، لكني لم أقف على مقدار قطع الورق فيها، ولا صورة الكتاب. وهذه نسختها: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ «2» . وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ «3» . إلى الحضرة الشريفة العالية، السلطانيّة، الأعظميّة، العالميّة، العادليّة، الأوحديّة، الشاهنشاهيّة، القانيّة، الأخوية، الأخ العزيز، الكبير، المعظّم، موسى خان، أعزّ الله سلطانه، وثبّت بسعادة ملكه أوطانه. من أخيه ومحبّه، المخلص في حبّه، الصادق المودّة له في بعده وقربه. الحمد لله الذي أيّد الإسلام بنصره، وضيّق على أعدائه مجال حصره، وجدّد بتأييده في زمانه ما تتحلّى به أعطاف عصره. نحمده عن الدّين الحنيف على نصرة أضاء لها الوجود بأسره، وأوقعت كلّ خارجيّ على الدّين والملك في قبضة أسره؛ ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة يخلص قائلها غاية اجتهاده،

ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي جاهد في الله حقّ جهاده، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تستقلّ ببشائرها أعباء عباده؛ وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فقد ورد الكتاب الشريف من الحضرة الشريفة العالية، السلطانيّة، القانيّة، أخينا وولدنا العزيز، المؤيّد بالنصر على الأعداء والفتح الوجيز؛ لا زالت دولته الشريفة دائمة الإقبال، متزيّدة تزيّد الهلال، على يد المجلسين الساميين، الأميرين، الكبيرين، عضدي الملوك والسلاطين: «دلنجي، وكراي» أدام الله تعالى عزّتهما- بالبشائر بنصرة الإسلام، وتأييد أخينا على عدوّه الخارجيّ على الدّين والملك. وحمدنا الله تعالى على هذه النّصرة، وتضاعفت بها المسرّة؛ ونحن كنّا خارجين بجميع العساكر والجيوش المنصورة الإسلاميّة، لنتساعد كلّنا على نصرة الإسلام. وما تأخّرنا إلا لمّا جاءت إلينا ممارى «1» الأخبار وما كنا تحقّقناها ثم تحقّقنا بحمد الله تعالى هذه الأخبار؛ وضربنا لها البشائر في سائر الأقطار، وعرفنا بها عناية الله تعالى بأخذ المسلمين بنواصي الكفّار؛ وقيام الجناب الكريم العالي الأمير الكبير النّوين «2» العادل المعظّم علي باشا، أعزّ الله تعالى نصرته في إعادة الحقّ إلى أهله، وصبره على ما سبق به كلّ أحد إلى جميل فعله، واجتهاده في هذا الأمر الاجتهاد الذي ما كان يطلب إلا من مثله؛ وكذلك الجنابات العالية الأمراء النّوينات الأكابر، زيدت سعادتهم! فإنّهم سارعوا إلى ما كان يجب ويتعين عليهم في خدمة سلطانه، ومن هو أحقّ بهم وأولى من عظيم عظم قانهم؛ وما من الأمير النّوين العادل علي باشا وبقية الأمراء الأكابر إلا من قام بما كان عليه من العهود، وبذل اجتهاده حتّى حصل بحمد الله المقصود؛ وما قصّروا في قيامهم حتّى تسلم المستحقّ حقّه وميراثه وما هو أحقّ به وأولى. وهم- جزاهم الله الخير-

قد عملوا ما يجب عليهم، وبقي ما يجب على الحضرة الشريفة من الإحسان إليهم. وأما قول الحضرة الشريفة: إنه مثل ولدنا فهو هكذا مثل الولد وأعزّ من الولد، وكلّ أحد منّا لأخيه في الاتّفاق على المصالح الإسلامية عضد ويد، وذخر وسند؛ وقد سبق من تآلف القلوب ما اشتدّت به الآن أواخيه، وأضحى له منّا شفقة الوالد على الولد وتوقير الأخ لأخيه؛ وقد أعدنا رسله الكرام وحمّلناهم مشافهة ووصية للحضرة الشريفة في أمور تقتضيها مصلحته، فإنه عندنا أعزّ من الولد. وما القصد إلّا الاتفاق على مصالح الإسلام، وما فيه نظام كلمة الوفاق [والوثام] ، فيديم المواصلة بكتبه وأخباره السارّة، والله تعالى يديم مسارّه ويضاعف مبارّه؛ إن شاء الله تعالى. ولم أقف لهذه المكاتبة على قطع ورق، والظاهر أنها في قطع النصف لما سيأتي أنه الذي عليه الحال في مكاتبة صاحب بغداد وتوريز، فيما بعد إن شاء الله تعالى. واعلم أن صاحب «التثقيف» قد ذكر أن المكاتبة إلى الشيخ أويس «1» : صاحب بغداد وتوريز، وابنه حسن بعده في ورق قطع النصف. ورسمها: «أعزّ الله تعالى أنصار المقام الشريف العالي، الكبيريّ، السلطانيّ، العالميّ، العادليّ، المجاهديّ، المؤيديّ، المرابطيّ، المنصوريّ، الملكيّ، الفلانيّ» بلقب السلطنة «الفلانيّ» بلقبه الخاص. والدعاء بما يناسبه «أصدرناها إلى المقام الشريف تهدي وتبدي» و «القصد من المقام الشريف» . ويختم بدعاء يناسب، مثل: «أعز الله أنصاره» ونحو ذلك. ومخاطبته ب «المقام الشريف» . والعنوان «المقام الشريف» إلى آخر الألقاب المذكورة. والدعاء «أعز الله تعالى أنصاره» . وتعريفه «فلان بهادرخان» مثل أن يقال: «الشيخ حسن

بهادرخان» . والعلامة إليه «أخوه» . قال في «التثقيف» : وكان الشيخ أويس المذكور عند استقراره بتوريز وبغداد يكتب له «المقام العالي» ، ثم كتب له بعد ذلك «المقام الشريف» . وهذه نسخة مكاتبة كتب بها إلى الشيخ أويس المقدّم ذكره، جوابا عن كتاب ورد منه، من إنشاء القاضي تقيّ الدين ابن ناظر الجيش «1» ، حين كان يكتب إليه «المقام العالي» لابتداء أمره، على ما تقدّم، وهي: أعزّ الله تعالى أنصار المقام العالي، إلى آخر ألقابه، ولا زال الملك زاهرا زاهيا بشرف سلطانه، والفلك يجري بإعزاز قدره، وإحراز نصره، مدى زمانه؛ والفتك منه بالأعداء يسرّ الأولياء من أهل مودّته وإخوانه، وسلك جواهر عقد ولائه منظّما من الإخلاص بجمانه؛ ولا برح مؤيّدا بأنصار الإسلام وأعوانه، مجدّدا سعده الذي يبلّغه جميل أوطاره في جميع أوطانه. أصدرناها إلى المقام العالي تصف ما لدينا من المحبّة التي ظهر دليلها بواضح برهانه، وتبثّ إلينا مكنون المودّة التي تغنى عن صريح القول وتبيانه؛ وتبدي لعلمه الكريم أن كتابه الكريم ورد على يد فلان رسوله فأقبلنا عليه، وصرفنا وجه الكرامة إليه؛ وعلمنا ما تضمّنه من محبّته وموالاته، ومخالصته ومصافاته؛ وما اشتمل عليه ضميره من صحيح الوداد، وصريح الاتّحاد؛ وجميل الاعتقاد، وجزيل المخالصة التي يتم بها الأمل والمراد. وأن المقام العالي جهز رسوله المشار إليه ليوضّح إلينا ما هو عليه من ذلك، وينهي إلينا أسباب الائتلاف التي عمرت أرجاء الجهتين هنا وهنالك؛ ويبدي ما تحمّله عنه من المشافهات، وتفهّمه من الرسائل والإشارات؛ وقد أحطنا علما بذلك ووصل رسوله المذكور، وتمثّل

بمواقف سلطاننا المنصور؛ وشمله إقبالنا الشريف، وإنعامنا المطيف؛ وسمعنا جميع كلامه، وما تحمّله من المشافهة الكريمة من عالي مقامه؛ وشكرنا محبّة المقام العالي وودّه الجميل، وأثنينا على موالاته التي لا نميد عنها ولا نميل، وابتهجنا بسلامة مقامه الجليل. وقد أعدنا فلانا رسوله المذكور بهذا الجواب الشريف، إلى المقام العالي أعزّ الله أنصاره، فيتحف بمكاتباته ومهمّاته، والله تعالى يمدّه بالتأييد في حركاته وسكناته، ويعزّ نصره ويزيد في حياته. أما المنفرد بتوريز خاصّة، فقد ذكر في «التثقيف» أنّ المكاتبة إلى الأشرف (ابن علاء الدين تمرتاش) الذي كان قد وثب على تبريز خاصّة فملكها، في قطع الثلث بقلم التوقيعات «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي الأميريّ الكبيريّ» وبقية الألقاب والنّعوت، ومنها النّوينيّ. ثم الدعاء. «صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي وتوضّح» والعلامة «أخوه» . وتعريفه «الأشرف بن تمرتاش» . ثم ذكر أنّ أخي حق الذي وثب عليه وقتله واستولى على تبريز بعده استقرّت مكاتبته كذلك، وأنه كان يكتب في تعريفه «أخي» لا غير. ثم قال: وقد ماتا وبطل ذلك. (أبو بكر بن خواجا على شاه) وزير صاحب تبريز «الاسم» و «السامي» وتعريفه أبو بكر ابن الخواجا المرحوم علي شاه. قال في «التثقيف» : ولم أعلم وزّر في زمن من من المتولّين. (عمر بك) أحد أمراء الأشرف بن تمرتاش صاحب تبريز في قطع الثلث، الدعاء «1» و «العالي» والعلامة «أخوه» وتعريفه «عمر بك» . قال في «التثقيف» : وهذا ممن بطل حكمه بزوال مخدومه.

الجملة الثالثة (في رسم المكاتبة إلى من انطوت عليه مملكة إيران

الجملة الثالثة (في رسم المكاتبة إلى من انطوت عليه مملكة إيران ، ممن جرت عادته بالمكاتبة عن الأبواب السلطانية، في أيام السلطان أبي سعيد فمن بعده، وهم ثمانية أصناف) الصنف الأوّل (كفّال المملكة بحضرة القان، وهم على ضربين) الضرب الأوّل (كفّال المملكة بالحضرة في زمن القانات العظام كأبي سعيد ومن قبله من ملوكهم حين كانت المملكة على أتم الأبّهة وأعلى الترتيب) قد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثالثة أنّ القائم بتدبير العسكر لهذه الدولة حين كانت قائمة على نمط القانيّة المتقدّم إلى آخر زمن أبي سعيد أربعة أمراء، يعبّر عنهم بأمراء الألوس «1» ، ويعبّر عن أكبرهم ببكلاري بك بمعنى أمير الأمراء «2» . وربما أطلق عليه أمير الألوس أيضا. والقائم بتدبير الأمور العامّة هو الوزير. فأما الأمراء المذكورون، فقد كان كلّ من الأمراء الأربعة والوزير يكاتب عن الأبواب الشريفة السلطانية. وقد ذكر في «التعريف» أن المكاتبة إلى بكلاري بك في قطع النصف: «أعزّ الله تعالى نصر المقرّ الكريم» . وإلى الثلاثة الذين دونه في قطع الثلث: «أدام الله تعالى نصر الجناب الكريم» . وأنّه يقال لكلّ من الأربعة «النّوينيّ» . ثم قال: ومثل هذا مكاتبة أرتنا «3» بالرّوم، وأمير

التّومان «1» بديار بكر: من سوناي وبنيه وكذلك سائر الأمراء النّوينات: وهم أمراء التّوامين «2» . والذي ذكره في «التثقيف» أن المكاتبة إلى الشيخ حسن الكبير أمير الألوس كانت على ما استقرّ عليه الحال إلى حين وفاته ببغداد في قطع الثّلث بقلم التوقيعات: «أعزّ الله تعالى أنصار الجناب الكريم، العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الزّعيميّ، العونيّ، الغياثيّ، المثاغريّ، المرابطيّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظّهيريّ، النّوينيّ، الفلانيّ: عون الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين؛ ممهّد الدّول، عماد الملة، عون الأمة؛ كافي الدولة القانيّة، كافل المملكة الشّرقية؛ آمر التّوامين، أمير الألوس، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين» . والدعاء أربع قرائن أو أكثر: «أصدرناها إلى الجناب الكريم» و «تبدي» و «القصد من الجناب الكريم» . والعلامة «أخوه» . وتعريفه «الشّيخ حسن ألوس بك» . قال في «التثقيف» : ولما توفي الشيخ حسن المذكور إلى رحمة الله تعالى لم يقم غيره مكانه فيما أظن، ولا كوتب أحد بعده بهذه المكاتبة. قال: والنّوينيّ في ألقاب هؤلاء بدل «الكافليّ» في ألقاب النّوّاب، يعني بالمملكة المصريّة والشاميّة. ثم قال: وهو نعت يستعمل دائما لأهل تلك البلاد، ولا يستعمل الكافليّ أصلا. وهذا عجيب منه! فقد أثبت هو «الكافليّ» في الألقاب التي أوردها في المكاتبة إلى الشيخ حسن الكبير. وأما الوزير بهذه المملكة فقد ذكر في «التعريف» أن رسم المكاتبة إليه

الضرب الثاني (كفال المملكة بالحضرة بعد موت أبي سعيد)

في قطع الثلث «ضاعف الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميريّ الوزيريّ» على عادة المكاتبات إلى الوزراء بألقاب الوزارة. قال: فإن لم تكن له إمرة، فيقال له «الوزيريّ» ولا يقال له «الصاحبيّ» لهوانها لديهم. ولم يتعرّض في «التثقيف» إلى المكاتبة إلى وزير هذه المملكة، ولا إلى الأمراء الثلاثة الباقين من أمراء الألوس، بل عدل عن ذلك إلى المكاتبة إلى الوزير ببلاد أزبك «1» . وسيأتي ذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى. قلت: وقد محيت رسوم تلك المملكة، وعفت آثارها بزوال ترتيب المملكة بموت السلطان أبي سعيد: آخر ملوك بني جنكزخان بهذه المملكة. وإنما ذكرنا ذلك حفظا لما كان الأمر عليه: لاحتمال طروّ مثل ذلك فيما بعد، فينسج ما يأتي على منوال ما مضى، ويجري في المستقبل على منهاج الماضي؛ فالأمور ترتفع ثم تنخفض، وربما انخفضت ثم ارتفعت. والله تعالى يقول: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ «2» . الضرب الثاني (كفّال المملكة بالحضرة بعد موت أبي سعيد) قد ذكر في «التثقيف» منهم جماعة: منهم محمد الكازرونيّ وزكريّا وزيرا الشيخ أويس. وقد ذكر أنّ رسم المكاتبة إلى كلّ منهما في قطع العادة «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس الشاميّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، الأوحديّ، المقدّميّ، المنتخبيّ، الفلانيّ؛ مجد الإسلام، بهاء الأنام؛ شرف الرؤساء، أوحد الأعيان؛ صفوة الملوك والسلاطين» . ثم الدعاء. والعلامة «الاسم الشريف» وتعريفه «فلان وزير الشيخ أويس بهادرخان» .

الصنف الثاني (ممن جرت العادة بمكاتبته بمملكة إيران عن الأبواب السلطانية، صغار الملوك المنفردين ببعض البلدان، والحكام بها ممن هو بمملكة إيران)

ومنهم: الطّواشي مرجان، نائب القان أويس ببغداد، ولقبه أمين الدين بالس. ورسم المكاتبة إليه «والده» و «الساميّ» بالياء. وتعريفه «خواجا مرجان» . ومنهم: محمد فلتان، نائب الشيخ أويس أيضا. وذكر أنّ رسم المكاتبة إليه مثل المكاتبة إلى مرجان. والعلامة «الاسم الشريف» . وتعريفه: «فلتان نائب الشيخ أويس» . قلت: فإن اتفق أن أقيم لصاحب بغداد: كأحمد بن أويس ومن في معناه مثل هؤلاء، كانت المكاتبة إلى كلّ منهم نظير مثله من المذكورين بحسب ما يقتضيه الحال. الصنف الثاني (ممّن جرت العادة بمكاتبته بمملكة إيران عن الأبواب السلطانية، صغار الملوك المنفردين ببعض البلدان، والحكّام بها ممن هو بمملكة إيران) قد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك أنّ مملكة إيران تشتمل على عدّة من الأقاليم داخلة في حدودها، منتظمة في سلكها. وقد ذكر في «التعريف» جملة من المكاتبات عن الأبواب السّلطانية إلى بعض هؤلاء الملوك. وخالفة في «التثقيف» في بعض المواضع وزاد عليه عدّة مكاتبات. وها أنا أذكر ما ذكراه من ذلك، وأزيد ما اتّفق زيادته مميّزا لكلّ إقليم من أقاليم هذه المملكة بمن فيه من الملوك والحكّام ومن جرى مجراهم. فممّن جرت العادة بمكاتبته من الملوك والحكّام بالجزيرة الفراتيّة، مما بين دجلة والفرات من ديار بكر وربيعة ومضر وغيرها على ما تقدّم ذكره في المسالك والممالك في المقالة الثالثة. صاحب ماردين- وقد تقدّم في المسالك والممالك أنها مدينة ذات قلعة

حصينة بديار بكر من هذه الجزيرة، وأنها بيد بقايا بني أرتق «1» المستقلّين بملكها من قديم الزمان وإلى الآن. ورسم المكاتبة إليه فيما ذكره في «التعريف» : «أعزّ الله تعالى نصرة المقرّ الكريم العالي، الكبيريّ الملكي الفلانيّ الفلاني» يعني باللّقب الملوكي، واللّقب المضاف إلى الدين؛ مثل «الصّالحي الشّمسي» وما أشبه ذلك. ثم الدعاء. قال في «التثقيف» : ثم يقال: «أصدرناها إلى المقرّ الكريم» ، «وتبدي لعلمه الكريم» . «فيتقدّم أمره الكريم» . ويختم بما صورته «فيحيط علمه الكريم بذلك» . والدعاء. والعلامة «أخوه» . وتعريفه «صاحب ماردين» . وورقه قطع العادة. ثم قال: ويتعيّن أن تكون ألقابه إلى آخر اللقب الملوكيّ سطرين سواء، وأن يكون لقبه العاديّ كالفخريّ مثلا أوّل السطر الثالث. وقد ذكر في «التعريف» ثلاثة صدور لمكاتبة تتعلّق بصاحبها في زمانه، وهو «الصالح شمس الدّين صالح» . أحدها- ولا زال ملكا تاجه المدائح، ومنهاجه المنائح، وطريقته إذا وصفت قيل: هذه طريقه الملك الصالح. أصدرناها إليه وشكرها تسوقه إليه حداة الركائب، وتشوق منه إلى لقاء الحبائب؛ وتثني على مكارمه التي كلّما أقلعت منها سحائب أعقبت بسحائب؛ وتوضّح للعلم الكريم. الثاني- ولا زالت شمسه في قبّة فلكها، وسماء ممالكه مملوءة حرسا شديدا وشهبا بملكها؛ ونعمه تتعب البحار إذا وقفت في طريقها، والغمائم إذا جازت في مسلكها. أصدرناها إليه والسلام متنوّع على كرمه، متضوّع بأطيب من أنفاس

المسك في نعمه، متسرّع إليه تسرّع مواهبه إلى وفود حرمه. وتوضّح للعلم الكريم. الثالث- ولا زالت العفاة تلتحف بنعمائه، وتنتجع مساقط أنوائه، وتستضيء منه بأشرق شمس طلعت من الملك في سمائه؛ أصدرناها وثناؤها يسابق عجلا، ومدائحها تجيد متروّيا ومرتجلا؛ وشكرها لو رصّع مع الجواهر لأقام عذر الياقوت إذا اكتسى خدّه الحمرة خجلا، وتوضّح للعلم الكريم. قلت: وعلى نمط هذه الصدور يجري الكاتب فيما يكتبه إلى صاحبها مناسبا لحاله ولقبه بحسب ما يقتضيه الحال من المناسبات. وهذه نسخة كتاب، كتب به إلى الملك «الصالح شرف الدّين محمود بن «1» الصالح صالح» ، جوابا عمّا ورد به كتابه: من وفاة والده المنصور أحمد. نقلتها من مجموع بخطّ القاضي تقيّ الدين ابن ناظر الجيش وهو: أعزّ الله تعالى نصرة المقرّ الكريم، إلى آخر ألقابه- ولا زال الملك باقيا في بيته الكريم، والفلك جاريا بإظهار شرفه العميم؛ وأعظم له الأجر في أكرم ملك انتقل إلى جنّات النعيم، وهنّأه بما أورثه من ذلك المحلّ الأسنى الذي هو الأولى فيه بالتقديم؛ وضاعف لسلطانه الصالح علوّ جدّه، بما منحه من ملكه الموروث عن المنصور أبيه والصالح جدّه، وبما خصّه من إقبالنا الشريف وإحساننا المستديم. أصدرناها معربة عن الودّ الثابت الصّميم؛ مهنّئة له بقيامه بأمور مملكته التي تجمّلت بمحمود صفاته ومن سلف من أسلافه في الحديث والقديم، مبدية لعلمه الكريم أنّ مكاتبته الكريمه، ومخاطبته التي فضحت من الدّرّ نظيمه، وردت على أبوابنا الشريفة على يد فلان فأقبلنا عليها، وألفتنا وجه الكرامة إليها، وعلمنا ما تضمّنته من استمساك المقرّ الكريم بأسباب الوداد، وإقتفائه في ذلك سبيل الآباء والأجداد؛ وما شرحه في معنى ما قدّره الله تعالى من وفاة والده طاب ثراه، مستمرّا

على الإخلاص في الطاعة الذي لم يكن شانه شين ولا اعتراه؛ وأنه مضى- إن شاء الله تعالى- إلى الجنة وقد خلّف من خلّفه، وارتضى بما نال من الرّضا عما قدّمه من العمل الصالح وأسلفه؛ وما أبداه: من أنه إن اقتضت مراسمنا الشريفة وآراؤنا العالية أن يقوم مقامه، ويرعى في حقوقه ومصالح تلك المملكة ذمامه؛ فنرسم بإجرائه على السّنّة المعتاده، من إحسان بيتنا الشريف الذي بدأ به وأعاده؛ وإلا فتبرز الأوامر الشريفة بمن يسدّ اختلالها، ويسدّد أحوالها، ويشيّد مبانيها ويصلح أعمالها؛ ليقصد المقام الشريف بأبوابنا الشريفة سالكا سبيل الطاعة المبين، منتظما في سلك أوليائنا المقرّبين؛ إلى غير ذلك مما حمّله لأستاد داره من مشافهته، وجميل مقاصده ووافر محبّته وطاعته؛ وقد أحطنا علما بذلك وسمعنا المشافهة المذكورة، وشكرنا محبّته المأثورة، وإخلاصه في الخدمة الشريفة، وجميل الموالاة التي تمنحه تكريمه وتشريفه، واستمساكه بسنّة آبائه الكرام، واجتهاده في المناصحة والطاعة التي لا تسامى من مثله ولا تسام؛ ونحن نعرّف المقرّ الكريم أنّ محلّه ومحلّ بيته الكريم لم يزل لدينا رفيعا مقداره، عاليا مناره؛ وأن مكانته من خواطرنا الشريفة متمكّنة، ومنزلته قد صحّت أحاديثها المعنعنة؛ وهو الأحقّ بمحلّ ملكه، والأولى بأن يكون من نظام عقود ملوكه واسطة سلكه؛ وقد اقتضت آراؤنا العالية أن يقوم مقام والده المرحوم، ويحلّ محلّ هذه السلطنة ليعلو قدره بإقبالنا الشريف على زهر النّجوم، وليجلس بمكانه، وليبسط المعدلة لتكون حلية زمانه، وليستنصر على أعدائنا وأعدائه بأنصار الملك وأعوانه، وليستقرّ على ما هو عليه من المحافظة على الوداد، وليستمسك بعرى الإخلاص المبرّإ من شوائب الانتقاد، وليقتف في ذلك سبيل سلفه الكريم، وليواصل بمكاتباته وأخباره على سننهم القويم؛ وقد أعدنا إستاد داره بهذا الجواب الشريف إليه. واعلم أنه قد ذكر في «التثقيف» أنّ ممن يكتب إليه عن الأبواب السلطانية من أتباع صاحب ماردين نائبه، وذكر أنه كان اسمه في زمنه «بهادر» . وأن رسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء؛ وكذلك نائب الصالحيّة من عمل ماردين؛

وأنّ رسم المكاتبة إليه الاسم و «مجلس الأمير» . فليجر الكاتب على سنن ذلك إن احتيج إلى مكاتبتهما. صاحب حصن كيفا- وهي مدينة من ديار بكر من بلاد الجزيرة، بين دجلة والفرات. وقد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك نقلا عن «التعريف» أن صاحبها من بقايا الملوك الأيّوبيّة، وممن تنظر إليه ملوك مصر بعين الإجلال: لمكان ولائهم القديم لهم، واستمرار الوداد الآن بينهم. ورسم المكاتبة إليه فيما ذكره في «التعريف» : «أدام الله نعمة المجلس العالي، الملكي، الفلاني» باللّقب الملوكي «العالميّ، العادليّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، المرابطيّ، المثاغريّ، الأوحديّ، الأصيليّ، الفلاني» باللقب المتعارف «عزّ الإسلام والمسلمين، بقيّة الملوك والسلاطين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، شرف الدّول، ذخر الممالك، خليل أمير المؤمنين» . وربّما قيل: «عضد أمير المؤمنين» إذا صغّر. وذكر في «التثقيف» ما يخالف في بعض ذلك، فقال: إنّ مكاتبته: «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، المرابطيّ، المثاغريّ، الأوحديّ، الفلانيّ» باللّقب الملوكي واللّقب المتعارف. «عزّ الإسلام والمسلمين، زعيم جيوش الموحّدين. ذخر الملة، سليل الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين» . ثم الدعاء. «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي. «والعلامة» أخوه. وتعريفه «صاحب حصن كيفا» . قال: والكتابة إليه في قطع العادة. قد ذكر في «التعريف» صدورا لمكاتبته. صدر: واستعاد به من الدّهر من عهود سلفه ما تسلّف؛ وحاز له من مواريث الملك أكثر مما خلّى له أوّله وما خلّف، وحطّ للرحال في حصن كيفا به على ملك: أما المستجير به فيتحصّن وأما فضله فلا يكيّف؛ وأعان السحاب الذي كلّ عن مجاراته ويجري هو ولا يتكلف. أصدرت هذه المكاتبة إليه ونوءها يصوب،

ولألاؤها تشقّ به الظلماء الجيوب، وثناؤها على حسن بلائه في طاعة ربّه يقول له: صبرا صبرا كما تعوّدتم يا آل أيّوب. صدر آخر: وشدّ به بقيّة البيت، وحيّا طلله البالي وأحيا رسمه الميت؛ وذكر به من زمان سلفه القديم ما لا يعرف فيه هيت، وأبقى منه ملكا من بني أيّوب لا يثني وعده اللّيّ ولا يقال فيه ليت؛ ونوّر الملك بغرّته لا بما قرع السمع عن الشّمع وورد المصابيح من الزّيت، وحفظ منه جوادا لو عينه «1» أخوه السّحاب على السّبق، لقال له: هيهات كم خلّفت مثلك خلفي وخلّيت. أصدرت هذه المكاتبة إليه، أعزّ الله جانبه؛ والتحيّات موشّحة بنطقها «2» ، مصبّحة لسجاياه الكريمة بخلقها، ساحبة إليه ذيل خيلائها: لأنها إذا اختالت به تختال، وبسببه على السّرور تحتال. ملوك كيلان «3» - قال في «التعريف: وهم جماعة كلّ منهم مستقلّ بنفسه، منفرد بملكه، على ضيق بلادهم وقرب مجاورة بعضهم من بعض. وقد تقدّم الكلام على بلادهم في المسالك والممالك. قال في «التعريف» : ورسلهم قليلة، وكتبهم أقلّ من القليل. ورسم المكاتبة إلى كلّ منهم على ما ذكره في «التعريف» نحو ما يكتب إلى صاحب حصن كيفا. يعني يكتب لكلّ منهم: «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الملكي الفلاني» إلى آخر ما تقدّم هناك. قال في «التعريف» : إلا صاحب يومن «4» فإنه يكتب له ب «الجناب» . وهو مثلهم في بقيّة الألقاب. قال في

«التثقيف» : ولم أر لهم مكاتبة، ولا كتب لهم في مدّة مباشرتي بديوان الإنشاء الشريف شيء؛ غير أني رأيت بخطّ المولى القاضي المرحوم زين الدين خضر، أنه كتب أمثلة شريفة إلى جماعة، منهم «حرم الدين» . بيومن، ثم قال: وهذا هو الذي ذكر القاضي شهاب الدين أنّ مكاتبته أعلى مكاتباتهم؛ وأنه يكتب إليه «الجناب» . قال: وما يبعد أن الجماعة الذين كتب إليهم على ما ذكر القاضي زين الدين المشار إليه هم من جملة ملوك كيلان. ثم عدّد من كتب إليه منهم فقال: وهم نوباذ شاه، وسالوك ولده، في قطع العادة. ورسم المكاتبة إليهما: «خلّد الله تعالى سعادة الجنابين الكريمين، العاليين، الكبيريّين، العادليّين، المجاهديّين، المرابطيين، الملكيين: الشّرفيّ والسّيفيّ» . والدعاء والعلامة «أخوهما» . والعنوان سطران. وتعريفهما: نوباذ شاه وسالوك ولده صاحبا كوحسفا «1» . ناصر الدّين بهلوان، وشرف الدين شرف الدولة صاحبا لاهجان مثل ذلك سواء. فلك الدين صاحب دشت كذلك. حسام الدين صاحب بومن كذلك. ثم قال نقلا عن ابن الزّينيّ خضر أيضا: وقيل إنّ حسام الدين هذا كان صاحب بومن، وصاحبها الآن أخوه على ما ذكره محمود بن إبراهيم بن اسفندار الكيلاني حين كتب إليهم. قلت: وهؤلاء هم ملوك كيلان، وهذه مدنهم على ما تقدّم في المسالك والممالك. والعجب كيف وقع الشّك في ذلك من صاحب «التثقيف» حتّى قال: وما يبعد. وأما التسوية في الآخر بين صاحب بومن وغيره، فيجوز أنّ قدره انحطّ بعد زمن صاحب «التعريف» أو جهل الكاتب الثاني مقداره.

صاحب هراة «1» - وهي مدينة من خراسان. قال في «التعريف» : ولا يجري على الألسن الآن إلا صاحب هرى. قال: وكان ملكها الملك غياث الدين. ولم أسمع أعجميّا يقول إلا قياس الدين. وكان ملكا جليلا نبيلا مفخّما معظّما، له مكانة عند الملوك الهولاكوهيّة، ومنزلة رفيعة عليّة. وكان بينه وبين النّوين جوبان مودّة أكيدة وصداقة عظيمة؛ فلما دارت به دوائر الزمان وأفضت به الحال إلى الهرب، لجأ إلى صاحب هرى هذا، على أنه يسهّل له الوصول إلى صاحب الهند؛ أو إلى ملك ما وراء النهر، فأجابه وأنزله، وبسط أمله؛ وأسرّ له الخداع حتّى اطمأنّ إليه، فأصعده إلى قلعته ليضيفه، فصعد ومعه ابنه جلوقان، وهو ابنه من خوندة بنت السلطان خدابندا؛ وجلوقان هذا هو الذي أجيب إلى تزويجه ببنت السلطان الملك الناصر، وعلى هذا تمّت قواعد الصّلح. وبنى جوبان أمره على أنه بعد التزويج يأخذ له ملك بيت هولاكو بشبهة أنه ابن بنت خدابندا؛ وأنه لم يبق بعد أبي سعيد من يرث الملك سواه. ثم يستضيف له ملك مصر والشام بشبهة أنّ بنت صاحب مصر هي التي ترث الملك من أبيها؛ فحالت المنايا دون الأماني. وحال صعود جوبان وابنه جلوقان القلعة أمسكهما غياث الدّين وخنقهما ليتّخذ وجها بذلك عند أبي سعيد؛ وبعث بذلك إلى أبي سعيد، فشكر له إمساكهما، وأنكر عليه التعجيل في قتلهما؛ فاعتذر بأنّني لو لم أقتلهما لم آمن استعداد من معهما لمحاصرتي؛ فقبل عذره، وطلب منه إبهام «2» جوبان ليعرف أنه قد قتله، وكان فيه زيادة سلعة ظاهرة يعرف بها؛ فجهّزه إليه فأكرم رسله وبعث إليه بالخلع؛ وأمر بإصبع جوبان فطيف بها في الممالك. ثم سألت بغداد خاتون بنت

جوبان «1» امرأة أبي سعيد، وكان شديد الكلف بها، في نقل أجسادهما فنقلت؛ فعقدت لهما المآتم؛ ثم أمرت بحملهما إلى مكّة المعظّمة، ثم إلى المدينة المشرّفة ليدفنا في التربة الجوبانيّة التي كان جوبان أعدّها لدفنه في حال حياته؛ فمكّنت من ذلك إلا من الدّفن فإنهما دفنا بالبقيع. ثم حضر غياث الدين حضرة أبي سعيد، فأكرم وأعطي العطايا السنيّة؛ ثم لم يلبث أن مات وولي ابنه. قال: ولم يكن صاحب هذه المملكة ممن يكاتب عن السلطان حتّى كانت واقعة جوبان فكتب إليه. ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التعريف» : «أعزّ الله تعالى نصر المقرّ الكريم، العالي، العالميّ، العادليّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، المرابطيّ، المثاغريّ، الأوحديّ الملك الفلانيّ، شرف الملوك والسلاطين، خليل أمير المؤمنين» . قال في «التثقيف» : ولم أطّلع على ما يكتب إليه سوى ما ذكره القاضي شهاب الدّين بعد واقعة جوبان. قال: والذي يظهر لي أنه لم يكاتب بعد ذلك هو ولا من قام مقامه: لأنه لم تكن له مكاتبة مشهورة متداولة بين الموالي الجماعة، ولا كتب إليه في مدّة مباشرتي شيء. على أنّ القاضي شهاب الدين لم يذكر تعريفه.

الحكام بهذه المملكة (من جرت العادة بمكاتبته من الحكام بالجزيرة الفراتية من هذه المملكة)

الحكام بهذه المملكة (من جرت العادة بمكاتبته من الحكّام بالجزيرة الفراتيّة من هذه المملكة) الحاكم بشمشاط- وقد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك أنّها بلدة من ديار مضر بين آمد وخرت برت. قال في «التثقيف» : ورسم المكاتبة إليه «الساميّ» بالياء. والعلامة الاسم. وتعريفه «الحاكم بشمشاط» . الحاكم بميّافارقين- وقد تقدّم في المسالك والممالك أنها قاعدة ديار بكر. قال في «التثقيف» : ورسم المكاتبة إليه «السامي» بغير ياء. والعلامة الاسم. وتعريفه «الحاكم بميّافارقين» . الحاكم بجيزان- وقد تقدّم في المسالك والممالك أنها مدينة من ديار بكر. قال في «التثقيف» : ورسم المكاتبة إليه «الساميّ» بالياء. والعلامة الاسم. وتعريفه «الحاكم بجيزان» وهو معدود في «التثقيف» في جملة الأكراد. الحاكم بجزيرة ابن عمر- وقد تقدّم في المسالك والممالك أنها مدينة صغيرة على دجلة من غربيّها. قال في «التثقيف» : ورسم المكاتبة إليه «الساميّ» بالياء. والعلامة له الاسم. وتعريفه «الحاكم بجزيرة ابن عمر» . وذكره في «التثقيف» في جملة الأكراد، وقال: كان بها عزّ الدين أحمد اليخشي. وذكر أن رسم المكاتبة إليه الاسم و «السامي» بغير ياء. وتعريفه «أحمد بن سيف الدين اليخشي الحاكم» . واستقرّ بعد وفاته ولده عيسى، وورد كتابه في صفر سنة أربع وستين وسبعمائة، أخبر فيه بوفاة والده استقراره مكانه. على أنه قد ذكر معبّرا عنه بصاحب الجزيرة، وسماه بكلمش. وذكر أن المكاتبة إليه الاسم و «السامي» بغير ياء. الحاكم بسنجار- وقد تقدّم في المسالك والممالك أنها مدينة من ديار ربيعة. قال في «التثقيف» : وكان قد كتب لشيخو الحاكم بها مرسوم شريف بأن يكون نائبا بها حسب سؤاله في سنة ثلاث وستين وسبعمائة. قال: وكانت المكاتبة اليه أوّلا الاسم و «مجلس الأمير» وكتب له حينئذ «السامي» بغير ياء.

الحاكم بتلّ أعفر- وقد تقدّم في المسالك والممالك أنها قلعة بين سنجار والموصل. قال في «التثقيف» : ورسم المكاتبة إليه «الساميّ» بالياء. والعلامة له الاسم وتعريفه «الحاكم بتلّ أعفر» . الحاكم بالموصل- وقد تقدّم في المسالك والممالك أنها قاعدة بلاد الجزيرة كلّها في القديم حيث كانت بيد الجرامقة. قال في «التثقيف» : والمكاتبة إليه في قطع العادة الاسم، و «صدرت» و «السامي» . وتعريفه «الحاكم بالموصل» . ورأيت في بعض الدساتير أن العلامة استقرّت له «والده» عند استقراره نائب السلطنة بها. الحاكم بالحديثة- وقد تقدّم في المسالك والممالك أنها بلدة على الفرات. قال في «التثقيف» : ورسم المكاتبة إليه الاسم و «الساميّ» بالياء. وتعريفه «الحاكم بالحديثة» . وهي غير حديثة الموصل. وهي بلدة شرقيّ دجلة تعدّ في بلاد العراق. الحاكم بعانة- وقد تقدّم في المسالك والممالك أنها بلدة صغيرة على جزيرة في وسط الفرات. قال في «التثقيف» : ورسم المكاتبة إليه الاسم و «الساميّ» بالياء. وتعريفه «الحاكم بعانة» . ورأيت في بعض الدساتير أنّ المكاتبة إليه «السامي» بغير ياء. الحاكم بتكريت «1» - وفي «التثقيف» صاحب تكريت. وقد تقدّم في المسالك والممالك أنها مدينة من آخر مدن الجزيرة بين دجلة والفرات. قال في «التثقيف» : ورسم المكاتبة إليه مثل الحاكم بالموصل، فتكون في قطع العادة. والعلامة الاسم. وتعريفه «الحاكم بتكريت» . الحاكم بقلعة كشاف- وقد تقدّم في المسالك والممالك أنها في الجنوب

من جرت العادة بالمكاتبة إليه بالجانب المختص ببني جنكزخان من بلاد الروم من مارية وما معها

عن الموصل بين الزّاب والشّطّ، وأنه عدّها في «تقويم البلدان» من بلاد الجزيرة مرّة، ومن عراق العجم أخرى. وأنه أوردها في «التثقيف» بإثبات الألف واللام. قال في «التثقيف» : ورسم المكاتبة إليه مثل حاكمي عانة والحديثة، فتكون المكاتبة إليه «الساميّ» بالياء. ورأيت في بعض الدساتير أن المكاتبة إليه «السامي» بغير ياء. وتعريفه «الحاكم بقلعة كشاف» . الحاكم بإسعرد- وهي سعرت. قد تقدّم في المسالك والممالك أنها مدينة من ديار ربيعة. قال في «التثقيف» : ورسم المكاتبة إليه «مجلس الأمير» . وحينئذ فتكون في قطع العادة. والعلامة الاسم. وتعريفه «الحاكم بإسعرد» . صاحب حاني- ويقال لها حنا. وهي مدينة من ديار بكر. وقد ذكر في «التثقيف» أنّ صاحبها تاج الدين. ورسم المكاتبة إليه الاسم «والسامي» بغير ياء. من جرت العادة بالمكاتبة إليه بالجانب المختصّ ببني جنكزخان من بلاد الرّوم من مارية وما معها أرتنا «1» ، الذي كان قائما بهذه البلاد عن بني هولاكو من التّتر. ورسم المكاتبة إليه في قطع الثلث: «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، العونيّ، الزّعيميّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظّهيريّ، النّوينيّ، الفلانيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، مقدّم العساكر، كهف الملّة، ذخر الدولة، ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين» . والدعاء والسلام. والعلامة «أخوه» . وذكر في «التثقيف» أنه كتب إلى ولده محمد بعده كذلك في قطع الورق

من جرت العادة بمكاتبته من الحكام ببلاد العراق

والمكاتبة والعلامة. وأنه كتب إلى على بك بن محمد المذكور بعده كذلك، إلا في العلامة فإنه استقرّت له «والده» وكتب تعريفه: «علي بك ابن أرتنا» . من جرت العادة بمكاتبته من الحكّام ببلاد العراق الحاكم بهيت- وعبّر عنه في «التعريف» بصاحب هيت. وقد تقدّم في المسالك والممالك أنها شماليّ الفرات من أعمال بغداد. قال في «التثقيف» : ورسم المكاتبة إليه الاسم و «الساميّ» بالياء؛ وتعريفه «الحاكم بهيت» . الحاكم بالقنيطرة- وقد تقدّم في المسالك والممالك أنها بلدة بالقرب من مرسى الحلّة. قال في «التثقيف» : والمكاتبة إليه «الساميّ» بالياء. والعلامة الاسم. وتعريفه «الحاكم بالقنيطرة» . ثم قال: وآخر ما استقرّت مكاتبته عليه «السامي» بغير ياء. وعبّر عنه في موضع آخر «بإبراهيم صاحب القنيطرة» . وذكر أن المكاتبة إليه الاسم و «السامي» . وأن تعريفه اسمه خاصّة. من جرت العادة بمكاتبته من الحكّام ببلاد الجبل (وهي عراق العجم) الحاكم بإربل «1» - وعبّر عنه في «التثقيف» بصاحب إربل. قال في «التثقيف» : كان بها الشريف علاء الدين علي الدلقندي؛ ثم استقرّ بها الشريف يحيى؛ ثم استقرّ بها عليّ ولده. قال: والمستقرّ بها الآن على ما تحرّر في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة أسد الدين أسد. ورسم المكاتبة إليه الاسم و «السامي» بغير ياء. وتعريفه «الحاكم بإربل» .

من جرت العادة بمكاتبته من الحكام، ببلاد فارس

صاحب قاشان «1» - وسمّاها في «التثقيف» قيشان. ورسم المكاتبة إليه «السامي» بغير ياء. صاحب باب الحديد «2» - المعروفة عند الترك بتمر قابو. وهي باب الأبواب. قال في «التثقيف» : كان بها كاووس، وكتب إليه جواب في ثاني عشر ربيع الأوّل سنة اثنتين وستين وسبعمائة أويس «3» في قطع الثلث، والدعاء والعالي. وتعريفه اسمه لا غير. من جرت العادة بمكاتبته من الحكّام، ببلاد فارس الحاكم بشيراز- وقد تقدّم في المسالك والممالك أنها قاعدة بلاد فارس. قال في «التثقيف» : والمستقرّ بها على ما تحرّر في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، شاه شجاع، أخو شاه ولي. وذكر أنه لم يكتب إليه في مدّة مباشرته من ديوان الإنشاء، ولا وقف على مكاتبة إليه. ثم قال: غير أنه يمكن أن تكون المكاتبة إليه نظير المكاتبة إلى الأشرف تمرتاش المستولي على تبريز؛ فإنه قال: إنّ شيراز قدر تبريز ونظيرها. فعلى هذا يكون رسم المكاتبة إليه في قطع الثلث: «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي الأميريّ، الكبيريّ» وبقيّة الألقاب والنّعوت. ويكون فيها «النّوينيّ» كما في مكاتبة المستولي على تبريز. من جرت العادة بمكاتبته ببلاد كرمان صاحب هرمز- قد تقدّم في المسالك والممالك أنّ قاعدة كرمان القديمة السّيرجان وأن هرمز فرضة كرمان، وأنها خرّبها التتر عند خروجهم على تلك البلاد بكثرة الغارات، وانتقل معظم أهلها إلى جزيرة ببحيرة بحر فارس على القرب منها

من جرت العادة بمكاتبته من بلاد أرمينية وأران وأذربيجان

تسمّى وزرون «1» . وقد كتب إلى صاحبها عن سلطان العصر «الملك الناصر فرج» ابن الظاهر برقوق في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة مفاتحة في قطع ... «2» . من جرت العادة بمكاتبته من بلاد أرمينية وأرّان وأذربيجان النائب بخلاط من أرمينية- قد تقدّم في المسالك والممالك أنها كانت قاعدة بلاد الكرج. قال في «التثقيف» : ويقال إن حاكمها من الأكراد، واسمه أبو بكر ابن أحمد بن أزبك. ثم قال: ورسم المكاتبة إليه الأسم و «الساميّ» بالياء؛ فيكون في قطع العادة. وتعريفه «النائب بخلاط» . الحاكم بحصن أرزن- وهي أرزن الرّوم. قال في «التثقيف» : وهو- على ما اتّضح آخرا في رمضان سنة ستّ وسبعين وسبعمائة- علاء الدين عليّ بن قرا. وردت مكاتبته أن صاحب حصن كيفا ابن خاله. ورسم المكاتبة إليه على ما في «التثقيف» مثل صاحب حصن كيفا من غير زيادة ولا نقص. على أنه في «التعريف» قد ذكر أنّ المكاتبة إليه «الساميّ» بالياء. قال في «التثقيف» : والصحيح ما تقدّم، فإني كتبت إليه بهذه المكاتبة مرّات، وهو المتداول بين الموالي الجماعة إلى آخر وقت. وقد تقدّم في المسالك والممالك أنها في آخر بلاد الرّوم من جهة الشرق. صاحب بدليس «3» - قد ذكر في «التعريف» أنه كان في زمانه الأمير شرف الدين أبو بكر. وقال: إنه يتّهم بمذهب النّصيريّة. ثم قال: وبلده صغير، ودخله

يسير، وعمله ضيّق. وهو طريق المارّة وقصّاد الأبواب السلطانية إلى الأردو إذا لم يكن بالعراق وله خدمة مشكورة. وعدّه في «التثقيف» في جملة الأكراد. قال في «التعريف» : ورسم المكاتبة إليه: «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس الساميّ الأميريّ» أسوة الأمراء. وذكر في «التثقيف» أنه كان بها ضياء الدين أبو الفوارس الروشكي أخو الغرس بالو؛ وأن المكاتبة إليه الاسم و «الساميّ» بالياء. وتعريفه «صاحب بدليس» . وأنّه استقرّ بعده ولده الرحاح، وكوتب بمثل ذلك سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة. صاحب موقان «1» - وهي موغان. وسمّاها في «التثقيف» ميوغان. قال في «التثقيف» : وكان بها محمد شاه بن أمير شاه، وكتب إليه مستجدّا في سنة سبع وستين وسبعمائة «السامي» بغير ياء. النائب بخرت برت «2» - وهي حصن زياد. ذكره في «التثقيف» من جملة تركمان البلاد الشرقية، وذكر أنّ اسمه يومئذ باليس، وأن رسم المكاتبة إليه الاسم و «الساميّ» بالياء. وتعريفه اسمه، ثم قال: وهكذا كان يكتب إلى صاحب خرت برت قبله. ثم ذكر أنه رأى بخط القاضي شهاب الدين بن الصّفديّ أنه استقرّ بها علاء الدين بن خالد المليشكي بعد حسام الدين خربندة، وأن مكاتبته «الساميّ» بالياء. .

الصنف الثالث (ممن يكاتب بهذه المملكة العربان، وهم: عبادة وخفاجة)

الصنف الثالث (ممن يكاتب بهذه المملكة العربان، وهم: عبادة وخفاجة) وقد تقدّم في الكلام على أنساب العرب أن نسبهما في عامر بن صعصعة من قيس عيلان. وأجلّ من يكتب إليه منهم رسمه «هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأمير» . على أنّ صاحب التثقيف قد ذكر أنه لم يطّلع على مكاتبة إليهم. الصنف الرابع (ممن يكاتب بهذه المملكة التّركمان) قال في «التثقيف» : والأكابر في البلاد الشرقية الذين يكتب إليهم من هذه الطائفة مفردا قليل. أما بقيّتهم من تركمان الطاعة الشريفة، فقد يكتب إليهم عند المهمّات مطلقات شريفة، ثم ذكر جماعة ممن يكتب إليه على انفراد، ولم يعيّن لأحد منهم بلدا ولا رياسة قوم معروفين. وها أنا أذكرهم على ما ذكرهم: ليقاس عليهم لدى تحقّق مقامهم. منهم: مراد خواجا. ورسم المكاتبة إليه الاسم و «السامي» بغير ياء. وتعريفه اسمه. ومنهم: باكيش الكبير ابن أخي توزطوغان. ورسم المكاتبة إليه الاسم و «السامي» بغير ياء. وتعريفه اسمه. ومنهم: زين الملك توزطوغان. ورسم المكاتبة إليه الاسم و «السامي» بغير ياء. وتعريفه «مقدّم التّركمان بالبلاد الشرقية» . ومنهم: علي بن إينال التّركمانيّ من الطائفة البوزقية «1» . ورسم المكاتبة إليه الاسم و «السامي» بغير ياء وتعريفه اسمه. ومنهم: يعقوب بن علي شار. ورسم المكاتبة إليه الاسم و «الساميّ»

بالياء وتعريفه اسمه. قال في «التثقيف» : وقد ذكر القاضي ناصر الدين بن النّشائي أنه كتب إليه كذلك في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة. ومنهم: سالم الدّلكريّ، ورسم المكاتبة إليه الاسم و «الساميّ» بالياء، وتعريفه اسمه. واعلم أنه قد تقدّم في الكلام على تركمان البلاد الشامية نقلا عن «التثقيف» أن من طوائف التّركمان الذين هم تحت الطاعة من لم يكتب إليه بعد؛ بل إذا كتب في مهمّ شريف، كتب إلى كلّ طائفة منهم أو إلى سائر الطوائف مطلق شريف. وعدّ منهم طوائف: الأولى- البوزقية: جماعة ابن دلغادر وابن إينال المقدّم ذكره. الثانية- أولاد رمضان: الأمريّة. الثالثة- الأوشريّة: تركمان حلب. الرابعة- الدلكرية: جماعة سالم الدلكريّ. الخامسة- الخربندليّة: جماعة مصطفى. السادسة- الأغاجريّة. السابعة- الورسق: تركمان طرسوس. الثامنة- القنقيّة. التاسعة- البابندريّة: وهم النقيبيّة «1» . العاشرة- البكرلية «2» : أولاد طشحون. الحادية عشرة- البياضيّة. ثم قال: وثمّ جمائع كثيرة لا يمكن استيعابهم. قلت: فإن كان من هذه الطوائف شيء بهذه البلاد، فحكمه ما تقدّم في الكلام على تركمان البلاد الشامية.

الصنف الخامس (ممن يكاتب بهذه المملكة الأكراد)

الصنف الخامس (ممن يكاتب بهذه المملكة الأكراد) وقد تقدّم الكلام على طوائفهم ومنازلهم من بلاد الجبال من عراق العجم. قال في «التعريف» : وهم خلائق لا يحصون، ولولا أن سيف الفتنة بينهم يستحصد قائمهم، وينبّه نائمهم، لفاضوا على البلاد، واستضافوا إليهم الطارف والتّلاد؛ ولكنهم رموا بشتات الرأي وتفرّق الكلمة، لا يزال بينهم سيف مسلول، ودم مطلول، وعقد نظام محلول، وطرف باكية بالدماء مبلول. وهم على ضربين: الضرب الأوّل (المنسوب منهم إلى بلاد ومقرّات معروفة) قال في «التعريف» : ولهم رأسان كلّ منهما رجل جليل، ولكلّ منهما عدد غير قليل. أحدهما- صاحب جولمرك «1» ، من جبال الأكراد من عراق العجم. قال في «التعريف» : وهو الكبير منهما الذي تتّفق طوائف الأكراد مع اختلافها على تعظيمه، والإشارة بأنّه فيهم الملك المطاع والقائد المتّبع. وهو صاحب مملكة متسعة ومدن وقلاع وحصون، وله قبائل وعشائر وأنفار. قال: وهم ينسبون إلى عتبة بن أبي سفيان بن حرب بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف. ثم قال: وكانت الإمرة قد انتهت فيهم إلى أسد الدّين موسى بن مجلّي بن موسى بن منكلان. وكان رجلا كريما عظيما نهّابا وهّابا، تجلّه ملوك الممالك الجليلة، وتعظّمه حكّام الأردو وصاحب مصر. وإشارته مقبولة عند الجميع. وإذا اقتتلت

طائفتان من الأكراد فتقدّم إليهما بالكفّ كفّوا، وسمعوا له سمع [مراع لا سمع] «1» مطيع. وذكر أن القائم فيهم إذ ذاك من بنيه الملك عماد الدين مجلّي: وهو رجل يحبّ أهل العلم والفضل، ويحلّ منهم عنده من أتاه أعظم محل. وقد مضى القول على ذلك مستوفى في الكلام على الأكراد عند ذكر عراق العجم من المسالك والممالك، من المقالة الثانية. قال في «التعريف» : ورسم المكاتبة إليه «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميريّ» والألقاب التامة الكاملة. الثاني- صاحب عقرشوش من بلاد الجزيرة. قال في «التعريف» : وملوكها الآن من أولاد المبارزكك. قال: وكان مبارز الدين كك هذا رجلا شجاعا كريما تغلب عليه [غرائب من] «2» الهوس. فيدّعي أنّه وليّ من الأولياء يقبل النّذور. وكانت تنذر له النذور تقرّبا إليه «3» ؛ فإذا أتاه النذر أضاف إليه مثله [من ماله] «4» وتصدّق بهما جميعا. قال: وأهل هذا البيت يدّعون عراقة الأصل في الإمرة وقدم السّودد والحشمة. ويقولون إنهم عقدت لهم ألوية الإمارة وتسلّموا أزمّة هذه البلاد وتسنّموا صهوات الصيّاصي بمناشير الخلفاء؛ وأنهم كانوا لهم أهل وفاء. ولهم في هذا حكايات كثيرة، وأخبار مأثورة؛ وهم أهل تنعّم ورفاهية ونعمة ظاهرة، وبزّة فاخرة؛ وآدر مزخرفة، ورياض مفوّقة؛ وخيول مسوّمة، وجوارح معلّمة؛ وخدم وغلمان، وجوار حسان؛ ومعازف وقيان، وسماط ممدود وخوان «5» . قال: وموقع بلادهم من أطراف بلادنا قريب، والمدعوّ منهم من الرّحبة وما جاورها يكاد يجيب. ثم قال: وملوكنا تشكر لهم إخلاص نصيحة، وصفاء سريرة صحيحة. وذكر أن القائم فيهم في زمانه شجاع الدين ابن الأمير نجم الدين خضر بن المبارزكك، إلا أنه لم يبلغ مبلغ أبيه، بل «6» لا يقاربه، ولا يدانيه؛ على

أنه قد ملك ملكه، ونظّم سلكه. وقد تقدّم الكلام على ذلك أيضا في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية. ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التعريف» مثل صاحب جولمرك، وهي: «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميريّ» . وذكر في «التثقيف» أن المكاتبة كانت إلى خضر بن المبارزكك «صدرت» و «العالي» . والعلامة «أخوه» . وتعريفه «خضر بن المبارزكك» . مع عدم تعريجه على ما في «التعريف» جملة. وقد ذكر في «التثقيف» منهم جماعة سوى من تقدّم ممن هم منهم بالجزيرة، كالحاكم بجزيرة ابن عمر، والحاكم بحاني، وصاحب عقرشوش. ولم يذكر بلاد من ذكره منهم ممن يأتي ذكره منهم ومن كان بكل بلد منهم من أكابرهم وحكّامهم؛ ورسم المكاتبة إليهم على ما ذكره، وهم قسمان: القسم الأوّل- من علمت المكاتبة إليهم، وهم: صاحب برخو- وهو يومئذ أمير حسين بن الملك أسد. ورسم المكاتبة إليه الاسم و «الساميّ» بالياء. صاحب البلهتيّة- قال: وكان بها شمس الدين بن البيليق، ثم استقرّ بعده أخوه أحمد. ورسم المكاتبة إليه الاسم و «الساميّ» بالياء أيضا. صاحب الدّربنده- وهو سيف الدين أصبر بن أزشير الحسيناني. ورسم المكاتبة إليه الاسم و «السامي» بغير ياء. وتعريفه «أمير أزشير الحسيناني صاحب الدّربنده» . صاحب كرمليس- وهو سحب «1» مسعود. ورسم المكاتبة إليه الاسم و «السامي» بغير ياء.

صاحب العماديّة- عماد الدين إسماعيل بن عليّ بن موسى. ورسم المكاتبة إليه «السامي» بغير ياء. وتعريفه «صاحب قلعة العمادية» . وقد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك أنهم بالقرب من طائفة الجولمركية. قال في «التثقيف» وكان بها أولاد الحاجّي بن عمر، وردت مطالعته كذلك «الحاجّي بن عمر صاحب العمادية» في سنة أربعين وسبعمائة. صاحب مازكرد- حسن بن إسماعيل. ورسم المكاتبة إليه الاسم و «السامي» بغير ياء. صاحب رندشت- بجبال همذان وشهرزور. وهو عبد الله بن حسام الدين رسلان. ورسم المكاتبة إليه الاسم و «السامي» بغير ياء. صاحب جرذقيل «1» - بهاء الدين عمر بن إبراهيم الهكّاريّ. ورسم المكاتبة إليه الاسم و «السامي» بغير ياء. صاحب سكراك- كرجي بك. ورسم المكاتبة إليه «مجلس الأمير» . والعلامة الاسم. صاحب فيلبس «2» - سلطان شاه. ورسم المكاتبة إليه «مجلس الأمير» . والعلامة الاسم. صاحب شكوش- أمير أحمد. ورسم المكاتبة إليه «مجلس الأمير» والعلامة الاسم. صاحب جرموك- «مجلس الأمير» . والعلامة الاسم الشريف.

صاحب بهرمان- عبد الصمد. ورسم المكاتبة إليه «مجلس الأمير» . والعلامة الاسم. صاحب حصن أرّان- وهو حصن الملك- شجاع الدين خضر بن عيسى الشهريّ. ورسم المكاتبة إليه «مجلس الأمير» والعلامة الاسم. القسم الثاني- من ذكره في التثقيف ولم يذكر مكاتبته وقال: إنه وقف عليه كذلك؛ وهم: صاحب خفتيان- تاج الدين أخو باشاك. صاحب سوبخ- أمير عيسى بن باشاك. صاحب أكريسنا- ملك بن باشاك. صاحب يزاكرد- بهاء الدين الزّرزاريّ. صاحب زاب- فخر الدّين عثمان الزّابي. صاحب الرسه «1» - شمس الدين بن بهاء الدّين. صاحب الدّربندات القرابلية- عليّ بن كراقي، تعريفه «صاحب دربند القرابليّ» . صاحب قلعة الجبلين- حسام الدين بن تاج الدين العامليّ. صاحب سيدكان- أمير عليّ بن حسام الدين الزّرزاريّ. صاحب هرور- بهاء الدّين حسن بن عماد الدين. صاحب رمادان- أمير عبد الله الكركانيّ. صاحب الشّعبانيّة- حسام الدين أمير مري السبيني. صاحب نمرية- بهاء الدين. صاحب سياح- سنقر.

الضرب الثاني (من لم يصرح له بمكان)

صاحب المحمدية- الشيخ محمد. صاحب كزليك-. الضرب الثاني (من لم يصرّح له بمكان) وقد ذكر في «التثقيف» منهم جماعة ممن كان في الزمن المتقدّم، وصرّح بذكر المكاتبة إليهم، فذكر منهم أبو بكر بن المبارزكك الاسم و «السامي» بغير ياء، وتعريفه اسمه. مبارز الدين عبد العزيز أخوه مثله. عليّ وعمر ولدا ابن بروحى «1» خليل بن بروحى «2» . ورسم المكاتبة إلى كلّ منهما الاسم و «السامي» بغير ياء. خالد المليكشي كذلك. أولاده: محمود وأحمد «مجلس الأمير» . بهاء الدين بن الغرس بالو- الاسم و «السامي» بغير ياء. عبد الله الشّهريّ- الاسم و «السامي» بغير ياء. شجاع الدين خضر بن عيسى الشّهري أخو عبد الله الشّهريّ- الاسم و «السامي» بغير ياء. مبارز بن عيسى بن حسن السّلاري- الاسم و «السامي» بغير ياء. قال في «التثقيف» : ومكاتبته مستجدّة في العشر الأول من شعبان سنة ثلاث وستين وسبعمائة. خضر بن محمد الهكّاريّ- الاسم و «السامي» بغير ياء. قال: وهو مستجدّ

الصنف السادس (ممن يكاتب بمملكة إيران أرباب الأقلام)

المكاتبة أيضا في العشر الآخر من صفر سنة تسع وستين وسبعمائة. قلت: فإن اتّفق المكاتبة إلى احد من هؤلاء المجهولي الكتابة أو غيرهم من الأكراد كتب له على قدر مقداره بالنسبة إلى من عملت المكاتبة إليه. قال في «التعريف» هنا: ومما ينبّه عليه أنّ طرق المارّين، ومسالك المسافرين، من بلادنا إلى خراسان ومنها إلينا يظهر في بعض الأحيان أهل فساد يعمدون إلى عميد يقدّمونه عليهم فيقطعون السّبل، ويخيفون الطّرق، وتطير سمعة عميدهم، وتنتشر في قريبهم وبعيدهم؛ فيكاتب ذلك العميد من أبواب الملوك، ويضطرّ إليه لفتح الطريق بالسّلوك؛ ويكون من غير بيت الإمرة، وربّما هوى نجمه، فانقطع بانقطاع عمره اسمه؛ مثل الجملوك الخارج بطريق خراسان، والغرس بالو الخارج فيما يقارب بلاد شهرزور، ومثل الخارجين على دربند القرابلي. قال: وهؤلاء وأمثالهم يطلعون طلوع الكمأة لا أصل ممتدّ، ولا فرع مشتدّ؛ فهؤلاء لا يعرف لأحد منهم رتبة محفوظة، ولا قانون في رسم المكاتبة معروف؛ وإنما الشأن فيما يكتب إلى هؤلاء بحسب الاحتياج وقدر ما يعرف لهم من اشتداد الساعد، وعدد المساعد. قال: ولقد كتبنا إلى كلّ من الجملوك والغرس بالو، بالساميّ بالياء، وجهّزت إليهما الخلع وأتحفا بالتّحف. الصنف السادس (ممن يكاتب بمملكة إيران أرباب الأقلام) ذكر في «التثقيف» أنه كتب إلى مجد الدين أخي الوزير غياث الدين: «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي، الصاحبيّ، الأجليّ، الكبيريّ، العالميّ، الكافليّ، الماجدّي، الزّيني، الأميريّ، الأوحديّ، المعظّميّ، الذّخريّ، المجاهديّ» . قال في «التثقيف» : هذا ما وجدته بخطّ القاضي ناصر الدين بن النشائي؛ ولم يذكر تعريفه ولا العلامة إليه. وكتب إلى علاء الدين صاحب الديوان مثله. والعلامة إليه «أخوه» . قال في «التثقيف» : هكذا وجدته في خطّ ابن النّشائيّ ولم يذكر تعريفه.

الصنف السابع (ممن يكاتب بمملكة إيران أكابر المشايخ والصلحاء)

الوزير شمس الدين- قال في «التثقيف» : نقلت من خطّ القاضي شهاب الدين بن الخضر أن مكاتبته في قطع العادة الاسم و «الساميّ الأميريّ الشريفيّ الحسيبيّ النسيبيّ» . وبقية الألقاب. ولم يكتب له «الصحابيّ» ولا «الوزيريّ» . قال: ولم يذكر شيئا غير هذا. ثم قال: ولا أعلم لمن وزّر المذكور، ولا من أيّ بلاد الشرق. ضاء الدين صاحب الديوان- المكاتبة إليه حسب ما نقله في «التثقيف» عن خط ابن الخضر أيضا الاسم و «السامي الأمير الأجلّ» . وذكر أنه كتب إليه على يد سراج الدين قاضي قيساريّة. قال في «التثقيف» : وعلى هذا أنّ ضياء الدين هذا من من أهل المملكة الرّومية. معين الدين صاحب الديوان- مثله. الصنف السابع (ممن يكاتب بمملكة إيران أكابر المشايخ والصّلحاء) قد ذكر في «التثقيف» ممن كوتب من مشايخ هذه البلاد ثلاثة مشايخ. فنحن نذكرهم ليقاس عليهم، ولئلّا يهمل شيء مما أورده في التثقيف. الأول- شمس الدين الطّوطيّ. قال في «التثقيف» : وهو فيما أظنّ ممن كان يكتب إليه قديما، ولم يكتب إليه بعد ذلك. قال: ورسم المكاتبة إليه حسب ما نقلته من خط القاضي ناصر الدين بن النّشائيّ: «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس الساميّ الشّيخيّ، الأجلّيّ، العالميّ، العامليّ، الكامليّ، الفاضليّ، الزاهديّ، الورعيّ، العابديّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، القدويّ، الأوحديّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، صدر الأنام، بقيّة السّلف الكرام؛ فخر العلماء، أوحد الكبراء، زين الزّهّاد، عماد العبّاد؛ قدوة المتورّعين، ذخر الدّول، ركن الملوك والسلاطين» . والدعاء «وتصف لعلمه المبارك» . والعلامة الاسم. قال في «التثقيف» : هذا صورة ما وجدته من غير زيادة. ولم يذكر تعريفه ولا محلّه من

الصنف الثامن (ممن يكاتب بمملكة إيران النساء)

البلاد. قال: وقد كتب في نعوته: «ركن الملوك والسلاطين» . وهو غريب لأنه خلاف ما جرت به العادة. الثاني- الشيخ غياث الدين الكججي بتبريز. ورسم المكاتبة إليه فيما ذكره المشار إليه: «أعاد الله تعالى من بركة المجلس الساميّ الشيخيّ» . وبقية الألقاب «الغياثي» وتكملة النعوت بما يناسب. والعلامة الاسم، وتعريفه «محمد الكججانيّ» . الثالث- الشيخ حسن بن عبد القادر الجيلانيّ. وكان من المناصحين الذين يكتب إليهم قديما. قال في «التثقيف» : ورسم المكاتبة إليه الاسم و «الساميّ» بالياء. ثم قال: ومن ألقابه: «الشيخ العالم العامل القدوة المرشد فلان الدين» . قلت: هذا ذهول منه، وإلا فمقتضى هذه الألقاب المجرّدة عن الياء أن تكون الكتابة إليه «السامي» بغير ياء. الصنف الثامن (ممن يكاتب بمملكة إيران النّساء) وقد ذكر في «التثقيف» المكاتبة إلى أربع «1» منهنّ: الأولى- دلّ شاد زوج الشيخ حسن الكبير . كتب إليها في قطع العادة: «أدام الله تعالى صون الجهة المحجّبة، المصونة، العصميّة، الخاتونيّة، المعظّميّة، سيدة الخواتين، زينة نساء العالمين، جميلة المحجّبات، جليلة المصونات، قرينة نوين الملوك والسلاطين» . والدعاء، والعلامة «أخوها» . وتعريفها «الخاتون المعظمة دل شاد» . الثانية- كلمش والدة بولاد مثلها ، غير أنّ العلامة الاسم، وتعريفها اسمها المذكور.

الثالثة - زوجة أملكان ابن الشيخ حسن الكبير

الثالثة- زوجة أملكان ابن الشيخ حسن الكبير على ما استقرّ عليه الحال عند ما كتب جوابها على يد رسولها في ذي القعدة سنة أربعين وسبعمائة مثل دلشاد، والعلامة «والدها» . وتعريفها سلطان نختي. المهيع الثاني من المكاتبة إلى الملوك (مملكة توران، وهي مملكة الخاقانيّة) قد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية نقلا عن المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في كتابه «التعريف» أنّ هذه المملكة من نهر بلخ إلى مطلع الشمس على سمت الوسط؛ فما أخذ عنها جنوبا كان بلاد السّند، ثم الهند؛ وما أخذ عنها شمالا كان بلاد الخفجاج «1» وهي طائفة القبجاق «2» وبلاد الصّقلب، والجهاركس، والرّوس، والماجار، وما جاورهم من طوائف الأمم المختلفة سكّان الشّمال. فيدخل في هذه المملكة ممالك كثيرة وبلاد واسعة، وأعمال شاسعة، وأمم مختلفة لا تكاد تحصى؛ تشتمل على بلاد غزنة، والباميان، والغور، وخوارزم، ودشت القبجاق؛ وما وراء النهر: نحو بخارا، وسمرقند، والصّغد، والخوجند. وبلاد تركستان، وأشروسنة، وفرغانة. وبلاد صاغون، وطراز، وصريوم. وبلاد الخطا نحو بشمالق والمالق إلى قراقوم، وما وراء ذلك من بلاد الصّين وصين الصّين؛ فإنها كانت في القديم بيد فراسياب، بن شنك، بن رستم، ابن ترك، بن كومر، بن يافث، بن نوح عليه السّلام. وهو ملك الترك في زمان موسى عليه السّلام، على خلاف في نسبه سبق هناك. وأنها الآن بيد بني جنكزخان من ولد طوجي «3» خان ابن جنكزخان.

الجملة الأولى (في رسم المكاتبة إلى قانها القائم بها)

ثم هذه المملكة بيد ثلاثة ملوك عظام من بني جنكزخان. الأوّل- صاحب خوارزم ودشت القبجاق. وتعرف في القديم بمملكة صاحب السّرير، ثم عرفت في الدولة الجنكزخانيّة ببيت بركة «1» ، نسبة إلى بركة بن طوجي خان بن جنكزخان. وقاعدتها مدينة السّراي «2» وهي مدينة على نهر إتل «3» ، بناها بركة بن طوجي خان المقدّم ذكره. وقد تقدّم الكلام على ذلك مستوفى في الكلام على المسالك والممالك. ثم فيها جملتان: الجملة الأولى (في رسم المكاتبة إلى قانها القائم بها) قال في «التعريف» : وكان صاحبها في الأيام الناصريّة «4» (يعني محمد بن قلاوون) «أزبك خان» . وقد خطب إليه السلطان فزوّجه بنتا تقرّبا إليه. قال: وما زال بين ملوك هذه المملكة وبين ملوكنا قديم اتّحاد، وصدق وداد؛ من أوّل أيام الظاهر بيبرس وإلى آخر وقت. ثم قال: والملك الآن فيهم [في أولاد أزبك] «5» : إماتني بك، وإما جاني بك، وأظّنّها في تني بك. وقد تقدّم أن الملك بعد أزبك كان جاني بك لا تني بك، على خلاف ما ظنه في التعريف. ورسم المكاتبة إلى قانها الجامع لحدودها قال في «التعريف» : والأغلب أن يكتب إليه بالمغليّ. وذلك مما كان يتولّاه ايتمش المحمّدي، وطايربغا الناصري،

وإرغدلق التّرجمان. ثم صار يتولّاه قوصون الساقي. ورأيت في بعض الدساتير نقلا عن القاضي علاء الدين بن فضل الله أنه كتب له مسودّة على أن تكتب له بالعربيّ ثم بطل وكتب بالمغلي. قال: فإن كتب له بالعربيّ، فرسم المكاتبة إليه ما يكتب إلى صاحب إيران. وقد تقدّم نقلا عن «التعريف» أنه يكتب في قطع البغداديّ الكامل، يبتدأ فيه بعد البسملة وسطر من الخطبة المكتتبة بالذهب المزمّك- بألقاب سلطاننا على عادة الطّغراوات؛ ثم تكمل الخطبة، ويفتتح ببعدية إلى أن تساق الألقاب، وهي: «الحضرة الشريفة، العالية، السلطانية، الأعظميّة، الشاهنشاهيّة، الأوحدية، الأخوية، القانية. ولا يخلط فيها «الملكيّة» لهوانها عليهم. ثم يدعى له بالأدعية المعظّمة المفخّمة الملوكية: من إعزاز السلطان، ونصر الأعوان، وخلود الأيام، ورفع الأعلام، وتأييد الجنود، وتكثير البنود، وما يجري هذا المجرى. ثم يؤتى بذكر دوام الوداد والشّوق؛ ثم يذكر القصد؛ ثم يختم بدعاء جليل وتستعرض المراسيم ويوصف التطلّع إليها والتهافت عليها. قال في «التثقيف» : وكان يكتب إلى أزبك في الأيام الناصرية «محمد بن قلاوون» في ورق عرض البغداديّ الكامل. وبعد البسملة الشريفة سطران هكذا: بقوّة الله تعالى وميامن الملّة المحمدية ثم يخلى موضع بيت العلامة؛ ثم تكتب الألقاب السلطانية، وهي: «السلطان الأعظم» وبقية الألقاب الشريفة على العادة حسب ما يأتي ذكره. ثم بعد الحمدلة وخطبة مختصرة جدّا: «فقد صدرت هذه [المكاتبة] إلى الحضرة الشريفة العالية، حضرة السلطان الكبير، الاخ، الشّفيق، العالم، العادل، القان الأعظم، الأوحد، شاهنشاه، الملك، أزبك إل خان؛ سلطان الإسلام والمسلمين، أوحد الملوك والسلاطين، عمدة الملك، سلطان المغل والقبجاق والتّرك، جمال ملوك الزمان، ركن بيت جنكزخان، معز طغاج، صاحب التّخت

والتاج، عضد المتقين، ذخر المؤمنين. والدعاء بما يناسبه. «فإننا نخصّه بالسلام واستعلام أخباره ونفاوض علمه الشريف» . قال: والكتابة بالذهب والأسود حسب ما تقدّم في المكاتبة إلى أبي سعيد، وكذا العنوان. ثم قال: ولم يكاتب أحد بعده بنظير ذلك. وكان قد ورد على الأبواب الشريفة في سنة ست وخمسين وسبعمائة كتاب جاني بك ابن أزبك، وكتب إليه الجواب الشريف بنظير الكتاب الوارد من عنده، وهو في ورق دون البغداديّ بثلاث أصابع مطبوقة، والافتتاح بخطبة مناسبة مكتتبة بالذهب جميعها، ثم أما بعد بالأسود خلا ما تقدّم ذكره في مكاتبة أبي سعيد. والعنوان بالذهب. والذي كتب إليه من الألقاب: «الحضرة الشريفة، العالية، السلطانيّة، الأعظميّة، العالمية، العادليّة، الأكملية، القانيّة، الأخويّة، العزيزية، الملكيّة، الشرفيّة زيدت عظمتها» . قال: ولما كان في العشر الآخر من ربيع الأوّل سنة ست وسبعين وسبعمائة، رسم لي بالكتابة إلى القان محمد ببلاد أزبك، وهو القائم مقام أزبك على ما قيل، على يد رسل الأبواب الشريفة، بالسلام والمودّة واستعلام الأخبار ونحو ذلك فكتبت إليه في عرض البغداديّ الكامل حسب ما رسم به، بخطبة مختصرة بالذهب، والبقيّة بالأسود والذهب على ما تقدّم ذكره في مكاتبة القان أبي سعيد. وكتب له من الألقاب بعد المراجعة: «المقام العالي، السلطانيّ، الكبيريّ، الملكيّ، الأكرميّ، الأعدليّ، الشمسيّ، شمس الدنيا والدين، مؤيّد الغزاة والمجاهدين، قاتل الكفرة والمشركين، وليّ أمير المؤمنين خلّدت سلطنته» . والعنوان بالذهب بغير تعريف. وعلم له في بيت العلامة الشريفة بالمغرة «1» العراقيّة «المشتاق شعبان» . وهذه نسخة ما كتب إليه بعد البسملة الشريفة. الحمد لله الذي وهبنا ملكا دانت له ملوك الأقطار؛ وازدانت الأسرّة والتّيجان بما له من عظمة وفخار؛ وأذعنت العظماء لعزّة سلطانه الذي شمل الأولياء وقصم

الأعداء ببرّه الجابر وقهره الجبّار؛ وقاد الجيوش إلى أن فتح الله على يديه الشريفتين معاقل الكفّار، بأمره الجاري على الرّقاب وعسكره الجرّار؛ ومنحه خدمة الحرمين الشريفين اللذين لم يزل لهما منه الانتصاب وبهما له الانتصار. نحمده على أن جعل مملكتنا الشريفة هي محلّ الإمامة العباسية فلا جحود ولا إنكار، ومرتبتنا المنيفة بما عهد به إلينا أمير المؤمنين إلى قيام الساعة عليّة المقدار؛ ونشكره على أن أورثنا ملك أسلافنا الشّهداء فأقرّ العيون وسرّ الأسرار، وجعل السلطنة المعظمة في بيتنا المكرّم تنتقل تنقّل البدور في بروجها إلا أنها آمنة من السّرار «1» . ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لم نزل قائمين بنصرتها، قانتين بالإخلاص في كلمتها. لنعدّ بذلك من الأبرار، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله المؤيّد بملائكته، المخصوص بنبوّته ورسالته، الذي عظّم الله قدره على سائر الرّسل كما جاءت النصوص والأخبار، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه أولي الفضل الدّار، صلاة دائمة باقية بدوام الليل والنهار، وسلّم. أما بعد، فإنّ قلوب الأولياء وإن تناءت الأجسام متعارفة بالائتلاف، متقاربة على بعد الديار حيث لا تناكر بينها ولا اختلاف، لا سيّما ملوك الإسلام، الذين هم متّحدون بالمصافة والاستسلام؛ فإن سرائرهم لم تزل متدانية، وضمائرهم متكافية؛ هذا والمحبّة لبيته «2» الكريم قديمة، والمودّة بين الأسلاف لم تزل مستديمة؛ فلم نكن ورثنا ذلك عن كلالة «3» ، بل تبعنا فيه سبيل السلف الصالح على أحسن حالة: لما هو محكم من عقود الاتّحاد والولاء، حيث المحبة في الآباء صلة في الأبناء؛ وكان لنا مدّة مديدة وقد تأخرت رسلنا عن حضرته ولم تصدر من جهتنا الشريفة، كذلك ولا وردت رسل من جهته؛ ولم يشغلنا عن ذلك إلا

مواقعة الفرنج المخذولين أعداء الدين، ومقارعتهم في سائر السّواحل بشدّة البأس والتّمكين؛ إلى أن امكن الله عز وجلّ من نواصيهم وصياصيهم بنصر من عنده، كما قال تعالى: كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ «1» . والآن فقد صدرت هذه المكاتبة إلى المقام العالي السلطاني- وبقية الألقاب والنّعوت إلى آخرها حسب ما تقدّم ذكره- تخصّ مقامه بسلام أرقّ من النّسيم، وألطف مزاجا من التّسنيم «2» ؛ وثناء قد ازرى نشره بالعبير، وسرى بشره فغدت تتهلّل به الأسارير. وتبدي لعلم المقام العالي زيدت معدلته أنه لما يبلغنا من عدل الحضرة الشريفة، وإنصافة للرّعايا وتأمين سبل الجور المخيفة؛ وسلوكه سنن الإحسان، وتأكّد عقود المحبة على عادة من سلف في سالف الزمان؛ قصدنا مفاتحته بهذه المكاتبة، وأردنا بداءته بهذه المخاطبة؛ ليعلم ما نحن عليه من صحيح الوداد، وأكيد الاتّحاد، وجميل الاعتقاد، وحسن الموالاة الخالصة من شوائب الانتقاد؛ وجهّزنا بها رسلنا فلان وفلان ومن معهما نستدعي ودّه، ونستدني ولاءه الذي أحكم عقده، لتأكّد المصافاة بين هاتين الدّولتين، والمخالصة من كلتا الجهتين، والموالاة بين المملكتين؛ ويأمر المقام العالي لا زال عاليا بتردّد التّجّار من تلكم الديار، والمواصلة بالأخبار على حسب الاختيار؛ ومتابعة الرّسل والقصّاد، على أجمل وجه معتاد. وقد وجّهنا إلى المقام العالي أعلى الله شأنه صحبة رسلنا المذكورين من الأقمشة السّكندريّ وغيرها على سبيل الهديّة، والمواهب السنيّة، ما تضمّنته الورقة المجهّزة طيّها؛ فليأمر المقام العالي دامت معدلته بتسليم ذلك، ويتيقّن وفور المحبة من سلطاننا المالك، وتأكّد أسباب المودّة على أجمل المسالك؛ والله تعالى يجمّل ببقاء سلطانه ملك الممالك، ويديم عدله المبسوط على الأولياء

ويرمي ببأسه الأعداء في مهاوي المهالك، ويخلّد ملكه الذي تفتخر بالملك من مقامه العالي السّرور والأرائك؛ بمنّه وكرمه، إن شاء الله تعالى. واعلم أنّ صاحب «التثقيف» قد ذكر أن المكتوب إليه بهذه المكاتبة هو القائم مقام أزبك، وأن اسمه محمد، وأن المكاتبة إليه كانت في سنة ستّ وسبعين وسبعمائة. وقد تقدّم ذكر من ولي هذه المملكة بعد أزبك ولم يكن فيهم من اسمه محمد. وقد كان القائم بهذه المملكة في سنة ستّ وسبعين المذكورة اسمه «أرص» وهو الذي انتزع المملكة من أيبك خان المقدّم ذكره؛ وأصله من خوارزم على ما مرّ ذكره في الكلام على المسالك والممالك، فيحتمل أن يكون اسمه محمد وأرص لقب عليه، كما كان خدابندا والد أبي سعيد من ملوك إيران، اسمه محمد، ولقبه خدابندا. والأمر في ذلك راجع إلى النقل، والله سبحانه وتعالى أعلم. قلت: وقد كتب في الدولة الناصرية «فرج» «1» بن الظاهر برقوق، للقان القائم بها في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة في قطع البغداديّ الكامل من الورق المصريّ المعمول على هيئة البغداديّ، ابتديء فيه بعد خمسة أوصال بياض بالبسملة في أعلى الوصل السادس، ببياض من جانبيها عرض إصبعين من كل جهة، والسطر الثاني على سمته في آخر الوصل، بخلوّ بياض من الجانبين بقدر السطر الأوّل، والطّغراة بينهما بألقاب سلطاننا على العادة، مكتوبة بالذهب بالقلم المحقّق مزمّك بالسواد، بأعلى الطّغراة قدر عرض ثلاثة أصابع بياضا، ومثل ذلك من أسفلها، وباقي السّطور بهامش من الجانب الأيمن على العادة، وبين كلّ سطرين قدر نصف ذراع القماش القاهريّ، والأسماء المعظّمة: من اسم الله

تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، واسم سلطاننا والسلطان المكتوب إليه، والضمير العائد على واحد منهما بالذّهب المزمّك كما تقدّم تقريره في الكلام على مكاتبة صاحب إيران في القديم. وهذه نسخة مما أنشأته، كتبت بإشارة المقر العالي الفتحيّ: صاحب ديوان الإنشاء الشريف وهي: الحمد لله مؤيّد سلطاننا «الناصر» بعزيز نصره، ورافع قدر مقامنا الشريف بإعلاء مناره وإعظام ذكره، ومشيّد أركان ملكنا الشامخ بإسعاد جدّه العالي والله غالب على أمره. نحمده على ما جنّب من مواقع الحرج، وجعل أمور رعايانا بمعدلتنا الشريفة بعد الضّيق إلى فرج؛ ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يتوارثها عظماء الملوك كابرا عن كابر، ويتناقلها منهم الخلف بعد السّلف فيسندها الناصر عن الظاهر؛ ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل نبيّ جمع بعموم دعوته مفترق الأمم، ووفّق بحنيفيّ ملّته بين أقيال العرب وأساورة العجم «1» ؛ صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين آخى بينهم فسنّ المؤاخاة، ونقّى من نغل «2» الضّغائن صدورهم ففازوا بأكمل المصافاة وأتمّ الموافاة؛ صلاة تسير بفضلها الرّكائب، وتترنّم بذكرها الحداة فتعمّ نفحاتها المشارق والمغارب، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فإنّ الأرواح إذا تمازجت تناجت بالضّمائر، والقلوب إذا تآلفت اغتنت بشواهد الحال عن إبراز ما في السّرائر، والأجساد إذا تباعدت تعلّلت

بالمكاتبات في بلوغ الأوطار، والدّيار إذا تناءت اكتفت بالمراسلة عن تقارب الدّار، والمودّة إذا صفت لا يؤثّر فيها البعاد، والمحبّة إذا صدقت لا تزال كلّ يوم في ازدياد؛ (والأذن تعشق قبل العين أحيانا) ، والوصف يحرّك من الشّوق أغصانا وأفنانا. هذا وإنّ أحقّ ما اتّخذته الملوك ذريعة لدواعي الابتهاج، وأهمّ ما اهتمّ به متخّت بتخت أو متوّج بتاج؛ إحياء مذاهب الملوك السالفة في الوداد، واقتفاء آثارهم الجميلة في موارد المكاتبات على التّنائي والبعاد؛ ومن ثم صدرت هذه المكاتبة إلى المقام العالي، السلطانيّ، الكبيريّ، الأخويّ، الفلانيّ، ركن الملّة الإسلامية، عماد المملكة الجنكزخانيّة، ذخيرة الدين، خليل أمير المؤمنين- زيدت عظمته، ودامت معدلته- تخصّه بسلام تهبّ به الجنوب فتؤثّر به في الشّمال القبول «1» ، وتخصّ به إلى السّراى سراها ليكون لها ببيت بركة أشرف قدم وأكرم وصول؛ وتمدّ على خوارزم والدّشت فضل رواقه المديد؛ وتنشر على مملكة السّرير «2» لواءه فيعم ما بين جيحون وطرنا «3» ويشمل ما بين الخطا «4» والباب الحديد. وتناجي علمه الشريف بأنه غير خاف عن شريف مقامه أن من سلف من ملوك مملكتنا العالية الذّرى، والمملكة القانيّة المرفوعة الذّكر رفع نار القرى؛ لم تزل ملوكهم مجتمعة مع تنائي الدّيار، مؤتلفة على المحبّة وإن شطّ المزار، محافظين على تتابع الرّسل وإن حال دونهم الصّفاح «5» ، مثابرين على توارد الكتب

ولو على أجنحة الطير ومتون الرّياح؛ وقد مضت مدّة مديدة لم يقدم علينا من المقام الشريف- عظّم الله تعالى شأنه- رسول يطفيء لواعج الاشتياق، ولا ورد عنه كتاب يتعلّل المحبّ بتلقّيه عن حقيقة التّلاق؛ بل سدّ باب المكاتبة حتّى كأنّ المكاتبة لم تخلق؛ وأغلق باب المراسلة وإن كان باب المحبّة- بحمد الله- لم يغلق؛ فطمح بخاطرنا الشريف طامح الشوق المتزايد، وحملنا موصول المحبّة المستغني بمواصلته عن الصّلة والعائد، أن نفاتح المقام العالي دامت معدلته بهذه المفاوضة: لتجدّد من العهود القديمة رسومها، وتطلع من مشارق المخاطبة نجومها؛ وتنسخ آية الهجران وتمحوها، وتصقل مرآة المصافاة وتجلوها، وتستجلب الأنس وإن صحّ الميثاق، وتذكّر الخواطر الوداد وإن ثبتت منه الأصول ورسخت الأعراق، وتنوب عن نظرنا الشريف في مشاهدة محيّاه الكريم، ومصافحة كفّه التي حديث ودّها قديم، وتستطلع أخباره، وتستعرض على تعاقب الأزمان أوطاره. وقد اخترنا لتبليغ رسالتها، وأداء أمانتها، المجلس السامي المقرّب الأمين خواجا فلان أعزّه الله تعالى، وحمّلناه من السلام ما يهتدي بضوئه الساري، ويفوق بعرفه العنبر الشّحريّ «1» والمسك الدّاري «2» : ليحكم بحسن السّفارة من المخالصة مبانيها، ويعقد منها بمتابعة الرّسل والقصّاد أواخيها؛ وجهّزنا صحبته كذا وكذا على سبيل الهديّة المندوب بذلها وقبولها، والحاكم بصحة عقد المحبّة كثيرها وقليلها؛ والله تعالى يزيد في ارتفاع قدره الخطير، ويحوط به من ملكه الجنكزخاني ما يحقّق أنه صاحب التاج والسّرير.

الجملة الثالثة (في رسم المكاتبة إلى من انطوت عليه هذه المملكة من الأتباع والحكام؛ وهم على أصناف)

الجملة الثالثة «1» (في رسم المكاتبة إلى من انطوت عليه هذه المملكة من الأتباع والحكّام؛ وهم على «2» أصناف) الصّنف الأوّل (كفّال المملكة) قد تقدّم أن ترتيب هذه المملكة في أمراء الألوس والوزير نحو مملكة إيران، وإن لم يكن لأمير الألوس ولوزير بهذه المملكة من نفاذ الأمر نظير ما هنالك. ومقتضى ذلك أن يكونا منحطّين في الرتبة عن أمراء الألوس بإيران والوزير بها؛ وهذه الرسوم التي وقعت في مكاتباتهم على ما أورده في «التثقيف» . وأمراء الألوس أربعة، أكبرهم يسمّى بكلاري بك بمعنى أمير الأمراء كما تقدم في مملكة إيران. فقد ذكر في «التثقيف» أنه كان منهم في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة قطلوبغا إيناق، وأنه كتب إليه في عاشر جمادى الآخرة منها ما صورته: «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، العونيّ، الزّعيميّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظهيريّ، النّوينيّ، السّيفيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، مقدّم العساكر، كهف الملة، ذخر الدولة، ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين» . ثم الدعاء والعلامة «أخوه» وتعريفه «قطلوبغا إيناق نائب القان جاني بك» . ثم ذكر أنّ الأمر كان عند القان محمد بمثابة الأمير يلبغا العمريّ «3» ، يعني

الخاصكيّ بالأبواب السلطانية بالديار المصرية، وأنه استحدثت المكاتبة إليه في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وأنه كتب إليه في قطع الثّلث ما صورته: «أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّدي، الذّخريّ، النّصيريّ، الهماميّ، المقدّميّ، النّوينيّ، السيفيّ؛ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، مقدّم العساكر، ذخر الدولة، عضد الملوك والسلاطين، حسام أمير المؤمنين» . والدعاء المناسب. والعلامة «والده» . وتعريفه «مماي» . وفي هذا نظر: لأنّه إذا كان بمثابة ما كان عليه يلبغا بالديار المصرية، فمقتضاه أن يكون أكبر أمرائه. وإذا كان كذلك، فكيف يكتب إليه دون أمراء الألوس؟ فقد تقدّم أنه يكتب إليهم: «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي» . الوزير بهذه المملكة. قد ذكر في «التثقيف» أن الوزير بها كان اسمه محمودا، ولقبه حسام الدين، وكان يعرف بمحمود الدّيوان. وذكر أن رسم المكاتبة إليه في قطع الثلث ما صورته: أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي، الآمريّ، الكبيريّ، الذّخريّ، الأوحديّ، الاكمليّ، المتصرّفيّ، العونيّ، الوزيريّ، الحساميّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء والوزراء في العالمين؛ جمال المتصرّفين، أوحد الأولياء المقرّبين، ذخر الدولة، مشير الملوك والسلاطين. ثم الدعاء والعلامة «والده» . وتعريفه «خواجا «1» محمود وزير المملكة القانيّة» . قلت: وقد علمت أنّ المكاتبة إلى أمراء الألوس والوزير بهذه المملكة دون المكاتبة إلى أمراء الألوس والوزير بمملكة إيران، فقد تقدّم أن المكاتبة إلى

الصنف الثاني (الحكام بالبلاد بهذه المملكة)

بكلاري بك أكبر أمراء الألوس بمملكة إيران: «أعزّ الله تعالى نصر المقرّ الكريم» . وإلى الثلاثة الذين دونه: «أدام الله تعالى نصر الجناب الكريم» ، ثم استقر «أعز الله تعالى أنصار الجناب الكريم» . وأن المكاتبة إلى الوزير: «ضاعف الله تعالى نعمة المجلس العالي» . والمعنى في ذلك ما تقدّم من أنه ليس لأمراء الألوس والوزير بهذه المملكة من التصرّف ما لأمراء الألوس والوزير من التّصرّف بتلك المملكة. قجا علي بك بهذه المملكة. قال في «التثقيف» : وهو ممن استحدثت المكاتبة إليه في سنة خمس وستين وسبعمائة. ورسم المكاتبة إليه فيما ذكره في «التثقيف» الاسم و «الساميّ» بالياء وتعريفه اسمه. الصنف الثاني (الحكّام بالبلاد بهذه المملكة) وها أنا أذكر من ذكر المكاتبة إليه منهم في «التثقيف» . الحاكم بالقرم «1» : وهو إقليم شماليّ بحر نيطش «2» . وقاعدته مدينة صلغات، وهي مدينة على نصف يوم من البحر، وقد غلب عليها اسم القرم. وقد ذكر في «التثقيف» أن الحاكم بها في سنة خمسين وسبعمائة كان اسمه زين الدين رمضان؛ ثم استقرّ بعده علي بك ابن عيسى بن تلكتمر. وقد رأيت في بعض

التواريخ أن الحاكم بها في حدود ستّ وسبعين وسبعمائة كان ماماي «1» المقدّم ذكره. وقد ذكر في «التثقيف» أن رسم المكاتبة إلى الحاكم بها في قطع العادة، والعلامة «أخوه» و «صدرت» و «العالي» . والذي رأيته في دستور يعزى في الأصل للمقرّ العلائيّ بن فضل الله أنه يكتب إليه في قطع الثلث وأن المكاتبة إليه «الساميّ» بالياء. وتعريفه «الحاكم بالقرم» . الحاكم بأوزاق: وهي مدينة على بحر مانيطش «2» المقدّم ذكره في الكلام على المسالك والممالك. وهو المعروف الآن ببحر الأزق «3» ؛ وهي عن القرم في جهة الجنوب والشرق، وبينهما نحو خمس عشرة مرحلة. قال في «التثقيف» : ورسم المكاتبة إلى الحاكم بها مثل الحاكم بالقرم على السواء. والذي رأيته في الدّستور المقدّم ذكره أنه في قطع الثلث «السامي» بالياء كما في الحاكم بالقرم. (الثاني (من ملوك توران من بني جنكزخان صاحب ماوراء النهر)) وقاعدة ملكه في القديم بخارا، والآن سمرقند. ومن مضافاتها غزنة «4» وما والاها من متاخم الهند. وقد تقدّم الكلام عليها مستوفى في الكلام على المسالك والممالك. وقد ذكر في «التعريف» أنّ آخر ما استقرّت لترماشيرين، وكان حسن الإسلام عادل السّيرة، طاهر الذّيل، مؤثرا للخير، محبّا لأهله، مكرما لمن يرد من العلماء والصّلحاء، وطوائف الفقهاء والفقراء. قال: وكتب إليه على رسم المكاتبة إلى صاحب إيران. وقد تقدّم في الكلام على المكاتبة إلى صاحب إيران نقلا عن «التعريف» أنه يكتب إليه في قطع

البغداديّ الكامل، يبتدأ فيه بعد البسملة وسطر من الخطبة الغراء المكتتبة بالذهب المزمّك بألقاب سلطاننا على عادة الطّغراوات؛ ثم تكمّل الخطبة ويفتتح ببعدية إلى أن تساق الألقاب، وهي: «الحضرة العالية، السلطانيّة، الأعظميّة، الشاهنشاهيّة، الأوحدية، الأخوية، القانيّة، الفلانية» . ولا يخلط بها «الملكية» لهوانها عليهم؛ ثم يدعى له بالأدعية المفخّمة الملوكية: من إعزاز السّلطان، ونصر الأعوان، وخلود الأيام، ونشر الأعلام، وتأييد الجنود، وتكثير البنود، وغير ذلك مما يجري هذا المجرى. ثم يقال ما فيه التصريح والتلويح بدوام الوداد، وصفاء الاعتقاد، ووصف الأشواق، وكثرة الأتواق، وما هو من هذه النسبة؛ ثم يؤتى على المقاصد، ويختم بدعاء جليل وتستعرض المراسيم والخدم، ويوصف التطلّع إليها، ويظهر التهافت عليها؛ وأنه تكتب جميع خطبة الكتاب وطغراة بالذهب المزمّك، وكذلك كلّ ما وقع في أثنائه من اسم جليل، وكل ذي شأن نبيل: من اسم الله تعالى أو لنبيه صلّى الله عليه وسلّم؛ أو ذكر الإسلام، أو ذكر سلطاننا أو السلطان المكتوب إليه، أو ما هو متعلّق بهما، مثل لنا ولكم، وكتابنا وكتابكم، جميع ذلك يكتب بالذهب وما سواه بالسّواد. وأن العنوان يكون بالألقاب إلى أن ينتهي إلى اللقب الخاص؛ ثم يدعى له بدعوة أو اثنتين نحو أعزّ الله تعالى سلطانها، وأعلى شانها؛ ونحو ذلك. ثم يسمّى اسم السلطان المكتوب إليه؛ ثم «يقال» خان: مثل أن يقال: ترماشيرين خان، ويطمغ بالذهب طمغات عليها ألقاب سلطاننا تكون على الأوصال، يبدأ بالطّمغة على اليمين في أوّل وصل، وعلى اليسار في ثاني وصل، ثم على هذا النمط إلى أن ينتهي في الآخر إلى اليمين، ولا يطمغ على الطرّة البيضاء. والكاتب يخلي لمواضع الطّمغة مواضع الكتابة تارة يمنة، وتارة يسرة، إلى غير ذلك مما سبق القول عليه. قلت: وآخر ما استقرّت هذه المملكة لتمرلنك «1» ؛ وتمر اسمه الذي هو علم

عليه، ومعناه بالتركية حديد. ولنك لقب عليه، ومعناه بالفارسية أعرج: لأنّه كان به عرج ظاهر؛ ولذلك تسمّيه التّرك تمر أقصق، إذ أقصق عندهم بمعنى أعرج. وهو يتسمّى في كتبه تيمور كوركان. ومن هذه المملكة انساب على بلاد إيران حتّى استولى على جميعها، وسار إلى بلاد الهند فاستولى عليها؛ ثم طاح إلى الشام في سنة ستّ «1» وثمانمائة وعاث فسادا، وخرّب وأفسد ولقيه السلطان «الملك الناصر» فرج ابن الظاهر برقوق صاحب مصر والشام على دمشق؛ وجرت بينهما مراسلة؛ ثم طرأ للسلطان الملك الناصر ما أوجب عوده إلى مصر لأمر عرض له من جهة

بعض أمرائه «1» ، وبقى تمرلنك نازلا بالشام محاصرا لدمشق، إلى أن خدع أهلها وفتحها صلحا، ثم غدر بهم ونهبها وسبى حريمها، ثم حرّقها بعد ذلك بعد أن أسرف في القتل وأثخن في الجراج، وأمعن في الأسر. وللمكاتبة إليه حالتان: الحالة الأولى- حين كان السلطان الملك الناصر فرج- عزّ نصره- بالشام محاربا له، وكتبه حينئذ ترد في القطع الصغير على ما سيأتي ذكره، وكان يكتب إليه حينئذ في قطع «2» مما فات المؤلف رحمه الله تعالى ما كتب عن مولانا الشهيد الملك الظاهر أبي سعيد برقوق، تغمّده الله تعالى برحمته ورضوانه، في جواب الأمير تمرلنك المدعو تيمور، عن الكتب الواردة منه قبل ذلك- من إنشاء المرحوم المقرّ البدريّ محمد، ابن المرحوم المقرّ العلائيّ عليّ ابن المرحوم المقرّ المحيوي يحيى، بن فضل الله العمري العدويّ القرشيّ

رحمهم «1» الله تعالى- في سنة ست وتسعين وسبعمائة، عند سفر مولانا السلطان المشار إليه إلى حلب المحروسة لملتقى المذكور، في قطع الثلث بغير علامة؛ وسعة ما بين السطور قدر عرض الإصبعين. والطرّة وصلان، طولهما نحو الذّراع الهاشميّ، وكان عنوان كتاب تمرلنك الذي ورد آخرا وهو الذي اقتضى الحركة الشريفة والجواب المشار إليه. سلام وإهداء السّلام من البعد ... دليل على حسن المودّة والعهد فكتب العنوان الشريف: طويل حياة المرء كاليوم في العدّ ... فخيرته أن لا يزيد عن الحدّ! فلا بدّ من نقص لكلّ زيادة ... لأنّ شديد البطش يقتصّ للعبد! بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله العليّ الشان، العظيم السلطان، العميم الإحسان، العليم بما

كان وما يكون في كل زمان ومكان؛ تاهت في ميادين فلوات معرفته سوابق جياد الأفهام، وتدكدكت لهيبة جلاله جبال العقول والأوهام؛ وصلّى الله على سيدنا محمد حبيب الرحمن، وسيد الأكوان، وصاحب المعجزات والبرهان، المبعوث إلى الخلق أجمعين من الإنس والجانّ، والمنعوت بالفضل العميم، والخلق العظيم، في التّوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وعلى آله وصحبه الغرّ الكرام الحسان، وعلى التابعين لهم بإحسان، وسلّم تسليما كثيرا ما تعاقب الحدثان. وبعد، فقد وصل إلى أبوابنا الشريفة العالية كلّ ما جهّزته أوّلا وآخرا يا أمير تيمور من كتاب، وأحاطت علومنا الشريفة بما فيها من كلام وخطاب؛ وقصد وعتاب، وإرعاد وإرغاب وإرعاب. فأما ما ذكرته في أوّل كتبك من ألقابنا الشريفة بالتعظيم، والتّبجيل والتفخيم؛ فقد علمناه وعرفناه، ولكن وجدنا الكلمتين اللتين في الطمغات آخر الكتب وهما راستي رستي منافيتين لذلك التعظيم، وهذا غير مستقيم؛ لأنه متناقض غير متناسب، فعجبنا من هذا التناقض الواضح، والتخالف الفاضح؛ وفي المثل السائر: «أصلح وقابل وأفسد وقابل» . وأمّا إرسالك السيف والتّركاش «1» لنا، فقد تعجّبنا منه إلى الغاية، وأنكرناه إلى النّهاية: لأنك لم تزل في كتبك كلّها تستشهد بتاريخ جنكزخان وأخباره وأحواله، وتقتدي به في أقواله وأفعاله؛ وما سمعنا في التواريخ ولا أتّفق قطّ من جنكزخان، ولا ممن تقدّمه وتأخّره من ملوك مملكته في زمن من الأزمان، أنّه أهدى إلى خادم الحرمين الشريفين سيفا ولا تركاشا؛ ما اختلف في ذلك اثنان. فإرسالهما منك إلينا هل هو من باب المحبة أو لا، وإن كان تخويفا، فنحن ما نخاف من سيفك وتركاشك بعناية الله العظيم الأعلى.

السّيف والرّمح والنّشّاب قد علمت ... منّا الحروب فسلها فهي تنبيكا! إذا التقينا تجد هذا مشاهدة ... في الحرب، فاثبت فأمر الله آتيكا! بخدمة الحرمين الله شرّفنا ... فضلا وملّكنا الأمصار تمليكا! وبالجميل وحلو النّصر عوّدنا، ... خذ التّواريخ واقرأها تلبّيكا! والأنبياء لنا الرّكن الشّديد فكم ... بجاههم من عدوّ راح مفلوكا «1» ! ومن يكن ربه الفتّاح ناصره، ... ممّن يخاف؟ وهذا القول يكفيكا! وقد أجبناك عن السيف والتّركاش فيما مضى قبل هذا الوقت وتقدّم، فاعرف ذلك واعلم. وأما ما ذكرته من قولك: إنك فتحت معنا باب المحبة والوداد، والصّحبة والاتّحاد، لا باب المخاصمة والمشاورة والعناد؛ فقد علمنا ذلك وفهمناه. والذي نعرّفك به أنّ الذي وقع منك بخلاف ما قلت: لأنك لو كنت صادقا في قولك، كنت لمّا حضر إليك شكر أحمد وأرغون السلامي «2» اللذان هما من بعض ممالكينا ومن جملة رعايانا أمسكتهما وجهّزتهما إلينا بعد أن قيّدتهما؛ فما فعلت ذلك بل عملت بالضدّ منه لأنّك آويتهما، وحميتهما وعظّمتهما وأكرمتهما؛ وجعلتهما من خواصّك وأحبابك، وأوليائك وأصحابك. وأيضا توجّه إليه صولة بن حيار «3» الذي هو قطعة هجّان «4» من هجّانتنا فأكرمته، وألبسته التاج وعظّمته؛ وبعثت معه خلعة إلى نعير»

المذكور وإلى غيره من عربانه، ووعدته بالتّقدمة والإمارة، بالتصريح العظيم لا بالتلويح والإشارة؛ وكتبت إليه كتابا ما تركت فيه ولا خلّيت، وأظهرت كلّ ما كان عندك وما أبقيت؛ فجهّزه إلينا وقريء على مسامعنا الشريفة كلمة كلمة، وعرفنا واضح معناه ومبهمه؛ وها نحن نشرحه لك لتعلم وتتحقّق أنه وصل إلينا، واطّلعنا عليه وما خفي أمره علينا. وهذا نصه: (دام دولته) الأمير الكبير، المعظّم أمير نعير، أدام [الله] دولته شمسا. نعرض لعلوّ علومه المحروسة أنه قد اتّصل بنا طردك عن الشام، ومعاملتهم معك غير الواجب. حال وقوفك على هذا المثال تسرع في الوصول إلينا بحيث نعطيك ما أعطي المرحوم عمك أمير سليمان طاب ثراه، ونجعلك مقدّم العساكر المنصورة؛ وبهذا برز الحكم المطاع من الحضرة العالية؛ ففي عزم العساكر والجيوش المعظّمة الوصول إلى أطراف البلاد شرقا وغربا وروميّا من سائر النواحي والأمصار، والبلاد والأقطار؛ وإن أبطأ ركابك عن الوصول، فنحن واصلون إليكم في طريقنا إلى مصر وغيره، ولا يبقى لطاعتك مزيّة ولا منّة، فيكون ذلك على الخاطر المبارك. فينبغي أن لا يكون جواب الكتاب، إلا قدوم الركاب؛ ففيه لكم الفوائد العظيمة، والعطايا الجسيمة؛ ومع [ذلك] إصابة الرأي منكم، تغني عن تأكيد الوصية إليكم؛ ومهما عرض من المهامّ يقضى حسب المراد، ومنهج السّداد؛ والله الموفق. وبحاشية الكتاب المذكور ما نصّه: وقد كتبنا إلى السلطان أحمد أن يصل إلينا، فانظر كيف كان عاقبة أمره؟ فينبغي أن تتوجّه أو يتوجّه بعض أولادك إلينا لأجل مصالحك كافّة. فيا أمير تيمور لو كنت صادقا، وكلامك بالحق ناطقا، ما وقع منك مثل هذا ولا صدر، ولا اتّفق بل ولا ببالك خطر؛ ولكن كلّ ما يكون في خاطر الإنسان يظهر من الكلام الذي يخرج من فيه، وكلّ وعاء ما ينضح إلا بما فيه.

يا فاعلا بالضّدّ من قوله ... فعل الفتى دال على باطنه والمرء مجزيّ بأعماله ... إذا أظهرت ما كان في كامنه وأما طلبك منّا السلطان أحمد الحلايري غير مرّة، فقد علمناه. ولكن عرّفنا يا أمير تيمور إيش عمل بك؟ حتّى حلفت له عدّة مرار بأيمان الله تعالى العظيمة وأعطيته العهود والمواثيق بأنك ما تتعرض إليه ولا إلى مملكته ولا توافيه ولا تشوّش عليه، حتّى اطمأنّ بأيمانك، وركن إليك، وأحسن ظنّه فيك، ووثق بك، واعتمد عليك فخنته وغدرته، وأتيته بغتة على حين غفلة وبدرته؛ وأخذت مملكته وبلاده، وأمواله وأولاده. وأعظم من ذلك أنّك أخذت أيضا حريمه وهنّ في عقد نكاحه وعصمته وأعطيتهنّ لغيره، وقد نطق الكتاب والسنة بتحريم ذلك وعظم ذنب فاعله وقبيح جرمه؛ ففي أيّ مذهب من المذاهب يحلّ لك أخذ حريم المسلمين، وإعطاؤهنّ لغير أزواجهنّ من المفسدين الظالمين؟ وهنّ في عصمة أزواجهنّ وعقد نكاحهنّ إنّ هذا لهو البلاء المبين؛ وكيف تدّعي أنك مسلم وتفعل هذه الفعال؟ عرّفنا في أيّ مذهب لك هذا حلال؟ فأعمالك هذه كلّها منافية لدعواك، بل منافية لدين الإسلام، وشرع سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. قال الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ «1» وقال: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ «2» وقال: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ «3» وقال عز وجل: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ «4» وقد بيّن لنا الخير والشر، والحلال والحرام وأهلها فقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ «5» وقال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا «6»

وقال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ «1» وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» . وقال عليه السّلام: «المسلم من سلّم المسلمون من يده ولسانه» . ففي أيّ مذهب من دين الإسلام تستحلّ هذه المحرّمات العظيمة، والمنكرات القبيحة الشنيعة الجسيمة، التي يهتزّ لها العرش ويغضب الله عز وجلّ لها ورسله والملائكة والناس أجمعون؟ وما كفى ما فعلت مع القان أحمد المشار إليه حتّى تطلبه منا؟. اعلم أنّ القان أحمد «2» المشار إليه قد استجار بنا وقصدنا، وصار ضيفنا؛ وقد ورد: من قصدنا وجب حقّه علينا. وقال تعالى لسيد الخلق أجمعين في حقّ الكفار الذين هم أنحس الناس: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ «3» فكيف بالمسلمين إذا استجاروا بالمسلمين؟ وكيف بالملوك أبناء ملوك المسلمين، الذين لأسلافهم الكرام معنا ومع ملوك الإسلام خدّام الحرمين الشريفين صحبة ومحبة وأخوّة في الله تعالى؟ ولو لم يكن ذلك كيف يجوز في شرع المروءة والنّخوة الوفاء أن نسلّم ضيفنا ونزيلنا والمستجير بنا؟ خصوصا وجنسنا جركس جنس ملوك الإسلام السالفين، خدّام

الحرمين الشريفين الذين اتّفق لهم مع التّتار ما تشهد به التواريخ، ومن عادتنا وشأننا وطباع جنسنا أننا لا نسلّم ضيفنا ولا نزيلنا ولا من استجار بنا لأحد. وإن كنت ما تصدّق ذلك فعندك من هم من جنسنا، سلهم يعرّفوك، فنحن لا يضام لنا نزيل، ونقري الضيف ونعامله بالجميل، وهذه جبلّتنا الغريزيّة وعادة أصلنا الأصيل؛ فإرسال القان أحمد إليك أمر مستحيل. إنّا ذوو الفضل الغزير الوارف ... أبوابنا هي ملجأ للخائف! نقري الضّيوف ولا يضام نزيلنا، ... شيم ورثنا فضلها عن سالف! وكليمة تكفي الذي هو عاقل، ... والرّمز تصريحا غدا للعارف! وقولك: إن العادة كانت جارية بين من سلف من ملوك الإسلام وملوك التتار، أنّه من هرب من جهة إلى أخرى يمسكه الملك الذي يهرب إليه ويقيّده ويجهّزه إلى الملك الذي هرب من عنده، وأن دمرداش بن جوبان لما هرب في الزمن الماضى من ملكه وجاء إلى سلطان مملكتنا المعظّمة المشرّفة، أمسكه وقيّده وأرسله إليه، فقد علمناه، وليس هذا الذي قلته وحكيته بصحيح، لأن الذي وقع واتّفق بخلافه: وهو أنّ أميرا من أمراء السلطان الملك الناصر كان يسمّى قراسنقر، هرب من عنده وراح إلى أبي سعيد فقطع رأسه، وجهّزه إلى الملك الناصر. وأما دمرداش المذكور فالملك الناصر ما أرسله إلى أبي سعيد مثل ما قلت وما مات دمرداش المذكور إلا في مصر المحروسة، فليكن ذلك في علمك ثابتا؛ وعلى كلّ حال فكلامك حجة عليك لا لك: لأنّك قد آويت شكر أحمد وأرغون السلامي وأكرمتهما وقرّبتهما، وكذلك كلّ من حضر إليك من مماليكنا ورعايانا وخدمنا من أهل مملكتنا، فلو أمسكتهم وقيّدتهم وجهّزتهم إلينا، كنت تكون صادقا في قولك، وكنت إذا طلبت منا أحدا ما تلام على طلبه، فكيف وأنت البادي والمعتمدي؟ فهذا الكلام كلّه شاهد عليك لا لك.

وأما قولك: إنّ صاحب تكريت كان حراميّا قاطع طريق، ففعلت معه ما فعلت مقابلة له على نجسه وحرامه وقطعه الطّرقات، فقد علمناه وسلّمنا لك هذا الأمر، بيّض الله وجهك، وما قصّرت فيه، فحبّذا ما عملت، ونعم ما فعلت في حقّه من إعطائه جزاءه. أفأهل بغداد كانوا حراميّة قطّاع طريق حتّى فعلت بهم ما فعلت، وقتلت منهم من التّجّار خاصّة ثمانمائة نفس في المصادرة بالعقوبة والعذاب. ففي أيّ مذهب يجوز هذا؟ وهل يحلّ لمن يدّعي الإسلام أن يعمل بخلق الله تعالى الذين أمر بالشفقة عليهم والإحسان إليهم ونشر العدل فيهم هذه الفعال؟ وقد تعجّبنا منك يا أمير تيمور إلى الغاية! كيف تدّعي أنّك عادل، وتعمل بأهل بغداد المسلمين الموحّدين وبغيرهم من المسلمين هذه العمائل؟ أما تعلم أنّ الشفقة على خلق الله تعظيم لأمر الله! وأنّ الله رحيم يحبّ من عباده الرّحماء، وأن الظّلم حرام في جميع الملل؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تعالى يقول: يا عبادي إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظّالموا» . وقال عليه السلام: «لا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن» . وورد: «إن فاتني ظلم ظالم فأنا الظّالم» وحسب الظالمين ربّ العالمين الذي قال في حقهم أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ «1» وقال إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ* «2» . والباغي له مصرع. ولما جاء هولاكو ومنكوتمر وغازان وقصدوا ملوك الإسلام خدّام الحرمين الشريفين، الذين كانوا من جنسنا كما ذكرنا لك أعلاه، اتّفق لهم ما اتّفق مما هو مشروح في التواريخ ومعلوم عند الناس؛ فمهما أخذه أولئك تأخذه إذا جئت. وأما قولك في كتبك: إنه إن لم نجهّز إليك السلطان أحمد الحلايري مقيّدا تجيء في أوّل فصل الربيع إذا نزلت الشمس برج الحمل، أو لمّا تنزل الميزان، وإن جهّزناه إليك مقيدا، تتأكد المحبة والصّحبة بيننا وبينك، فقد علمناه؛ والذي

نعرّفك به هو أننا كنا نتوقّع أنك تجيء قبل هذا الوقت، فقد أبطأت كثيرا، وملوك الإسلام خدّام الحرمين الشريفين الذين كانوا قبلنا ما تصالحوا مع مثل هولاكو وغيره إلا حتّى تزاوروا وتقابلو واجتمعوا، ونحن أيضا كذلك، ما نصطلح إلا بعد أن نتزاور ونتقابل ونجتمع. وأنت طلبت أحمد الحلايري، وها نحن واصلون إليك به، نطلب منك أن تشفّعنا فيه، وتهبنا ذنبه الذي صدر منه، وندخل عليك بسببه، ونسأل إحسانك أن تعيّن لنا موضعا نلتقي معك فيه، حتّى نأتيك بأحمد الحلايري المذكور فيه، ونشفع فيه عندك. فعيّن لنا الموضع المذكور على حسب ما تختار: إما من ذاك الجانب من الفرات، أو من هذا الجانب. وأيّ موضع عينته وسمّيته لنا جئناك بالمشار إليه فيه، وندخل عليك في أمره، ونستوهب ذنبه منك. وأما ما ذكرته من أمر الرسول، فقد علمناه. والذي نعرّفك به هو أن الرسول المذكور كان يكتب المنازل منزلة منزلة إلى بلادنا المحروسة، واطلع عليه في ذلك جماعة من جهتنا؛ ولما وصل إلى الرّحبة المحروسة، قال للنائب بها: بس الأرض للأمير تيمور واقرأ الخطبة باسمه. فلو كان رسولا مصلحا ما كان كتب المنازل، ولا أكثر فضوله، وتحدّث بما لا ينبغي له، وتكلّم فيما لا يعنيه، وتعدّى طوره: لأنه لا ينبغي للرسول أن يكون إلا أعمى أخرس غزير العقل، ثقيل الرأس، كما قال بعضهم: إذا قصدت الملوك فالبس ... من التّقى والعفاف ملبس! أدخل إذا ما دخلت أعمى، ... واخرج إذا ما خرجت أخرس! وكيف يمكن نائبا الذي هو من جملة مماليكنا، وجبل لحمه ودمه على أنعمنا وصدقاتنا، وغذّي وربّي بلبان فضلنا وجودنا [أن] يبوس الأرض لغيرنا، أو يخطب باسم غيرنا؟ وكيف يترك اسم خادم الحرمين الشريفين أستاذه؛ ويذكر اسم غيره؟. فقد تكرّرت منك الفعال القبيحة، الموجبة لما يقدّره الله تعالى؟ ونحن نقسم بالله تعالى لولا قلت لنعير تعال حتّى أعملك مقدّم العساكر، ونمشي على الشام ومصر؛ وقرّبت مماليكنا وآويتهم، وبدأت بهذا كلّه وحصل منك التعدّي، ما

كان يتفق لرسلك ما اتّفق. ولكنّ الجزاء من جنس العمل، والخير بالخير والبادي أكرم، والشّرّ بالشر والبادي أظلم. وأيضا كلّ وقت تسأل عن ممالكنا المصونة، وكثرة عساكرنا المنصورة من قلّتها. فلو كنت طالبا المحبة والصحبة والمصادقة، ما وقع منك هذا. وأما قولك إنّ هولاكو أخذ من كلّ مائة رجل رجلين وجاء بهم، وأنت قد جئت بالرجلين وبالمائة، واعتمادك على كثرة عسكرك على قولك فقد علمناه، وإن كان اعتمادك على كثرة عسكرك فاعتمادنا نحن على الله تعالى واستمدادنا من الحرمين الشريفين، ومددنا ممّن بهما من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والصحابة والصالحين رضي الله عنهم. فإذا تلاقينا يكون ما يقدّره الله تعالى ويعطي الله النصر لمن يشاء، وتعلم ذاك الوقت لمن العاقبة؛ ويظهر فعل الربّ القادر تعالى، وعوائده الجميلة بنا التي لا شكّ عندنا فيها ولا ريب، وقطّ ملوك التتار ما انتصروا على ملوك الإسلام، بل ملوك الإسلام خدّام الحرمين الشريفين، هم المؤيّدون المنصورون المظفّرون بعون الله تعالى، وببركة سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم، معوّدون من الله الكريم بالفضل والإحسان والغنائم والفتوحات: لأنهم أهل الكتاب والسّنّة والعدل والخير والخوف من الله تعالى، لا يقعون في محارمه، ولا يقدمون على ارتكاب ما ينهى عنه، فهم المؤمنون المتّقون. وقال الله تعالى: كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ «1» وقال تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا «2» وقال: وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى «3» وقال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ «4» وسوف ينجز الله تعالى وعده، لأنه لا يخلف الميعاد.

وأما ما ذكرته من أمر قرا يوسف وبير حسن وغيرهما، وأنّ في معاشهم زغلا، وأنّهم مفسدون. وجعلك لكل واحد منهم ذنبا، وأنك أنت العادل الخيّر المفلح، والناس كلّهم مناحيس وأنت الصالح؛ والله يعلم المفسد من المصلح، فقد علمناه. والذي نعرّفك به هو أنّ النّور لا يجتمع مع الظلام، ولا اليقظة والمنام، ولا الخير والشّرّ في حيز واحد: لأنها متضادّة، ليس بينها اتّفاق ولا التئام، وفعل المرء دالّ على نيته وطويّته، قال الله تعالى: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ «1» وقال: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ «2» وقال: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ «3» وشتّان ما بين أهل الخير والفساد، وأهل العدل وأهل البغي والعناد؛ فالخيّر هو المتّقي، ومن يرتكب ما حرّم الله ويعتقد أنه على الحق فهو الشّقي. إذا المرء لم يعرف قبيح خطيّته ... ولا الذّنب منه مع عظيم بليّته فذلك عين الجهل منه مع الخطا ... وسوف يرى عقباه عند منيّته وليس يجازى المرء إلا بفعله ... وما يرجع الصّيّاد إلا بنيّته! وأما قولك إنّ نعير العرب أرسل بالخفية يطلب السلطان أحمد، وأننا نرسم لنوّابنا أن يحترزوا من توجّهه إليه ولا يمكّنوه من ذلك، فإنه إن اتّفق توجهه إليه يكن ذلك سببا لخراب الدّيار، فقد علمناه. والذي نعرّفك به هو أننا نتحقّق أن ما يحصل خراب الديار والدّمار ومحو الآثار إلا لمن يسعى ويتكلّم بخراب الديار وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ «4» . وستعلم ديار من تخرّب، وعمر من يذهب، وعلى من تكون دائرة السّوء دائرة، وسطوات المنايا قاهرة؟ وَسَيَعْلَمُ

الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ «1» وها نحن واصلون بجيوش وجنود وعساكر مؤيّدة من السّباع أسبع، لا تروى أسلحتهم من دماء البغاة ولا تشبع، والجواب ما ترى لا ما تسمع: قل للّذي في الورى أضحى يعادينا: ... احذر فأمرك ربّ العرش يكفينا! ما زال يمنحنا فضلا ويكلؤنا ... وفي العدا بعظيم النّصر يشفينا! أقامنا رحمة للناس أجمعهم، ... ولم يزل من جزيل الجود يعطينا! بالعزّ والنّصر والتأييد عوّدنا، ... وزادنا في مديد الأرض تمكينا! وللجميل وفعل الخير وفّقنا، ... شكرا له ستره الأعلى يغطّينا! قد أسكن الرحمة الحسنى التي أمنت ... بها الأنام بأقصى ملكنا فينا! فكلّما بالدّعاء المرتضى نطقت ... لنا الرّعايا، أجاب الكون آمينا! الله حافظنا، الله ناصرنا، ... من ذا يعاندنا؟ من ذا يقاوينا؟ والله الموفّق بفضله العميم، والهادي إلى الصراط المستقيم؛ بمنّه وكرمه، وجوده ونعمه، إن شاء الله تعالى. كتب في...... من جمادي الأولى سنة ست وتسعين وسبعمائة «2» . الحالة الثانية- حين عاد السلطان من الشأم إلى الديار المصرية وخرّب هو دمشق وحرّقها، ثم انتقل عنها، وتردّدت رسله بطلب أطلمش: أحد أمرائه الذي كان قد أسر في أيام السلطان الملك الظاهر «برقوق» . وفي هذه الحالة كان يكتب له في قطع الثلثين، والعنوان بقلم جليل الثّلث بحلّ الذهب سطران، مضمونهما «المقام الشريف العالي، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، المظفّريّ، الملجئيّ، الملاذيّ، الوالديّ، القطبيّ، نصرة الدين، ملجأ القاصدين، ملاذ العائذين، قطب الإسلام والمسلمين، دامت

الضرب الأول (الافتتاح ب «أما بعد» وذلك عند أول عقد الصلح)

معدلته تيمور كوركان» . والبسملة في أوّل الوصل الرابع، والخطبة جميعها بالذهب، وكذلك البعدية وما يتعلّق بالمكتوب إليه على عادة القانات، والعلامة بجليل الثّلث بحلّ الذهب بالهامش ما صورته: «المشتاق فرج بن برقوق» إلا أنه اختلف مكانها في المكاتبات على ما سيأتي ذكره. إلا أن افتتاح المكاتبة إليه في هذه الحالة كان على ضربين بحسب ما اقتضاه الحال. الضرب الأوّل (الافتتاح ب «أما بعد» وذلك عند أوّل عقد الصلح) وهذه نسخة مكاتبة كتبت إليه جوابا عما ورد منه بطلب أطلمش المذكور والتماس الصّلح: جهّزت صحبة الأمير شهاب الدين أحمد بن غلبك، والأمير قاني «1» بيه صحبة رسوله خواجا مسعود الكججانيّ رسوله الوارد بكتابه، في جمادى الأولى سنة خمس وثمانمائة. وعلّم له فيها في الهامش بين السطرين الثاني والثالث بقلم جليل الثلث بحلّ الذهب «المشتاق فرج بن برقوق» على ما تقدّم ذكره؛ والورق قطع الثلثين وهي: أمّا بعد حمد الله الذي جعل الأرواح أجنادا مجنّدة، ووصل أسباب الرّشد والفلاح بمن افتتح باب الإصلاح ولم يخلف موعده، وكفل لمن توكّل عليه في أموره النجاح يومه وغده. والشهادة له بأنه الله القاهر فوق عباده بقدرته المؤيّدة، والصلاة والسلام على أشرف نبيّ طيّب الله عنصره ومحتده؛ وأصلح ببعض نسله الشريف بين فئتين عظيمتين بلغ كلّ منهما من الخير مقصده. وعلى آله الطاهرين، وذرّيته الظاهرين بالمصالح المرشدة، وأصحابه الذين كانت غالب قضاياهم صلحا بين الناس ورسلهم بالاتّفاق مردّدة ومن عدم الشّقاق غير متردّدة؛ صلاة وسلاما نصل بهما حبل البنوّة بالأبوّة المتجدّدة، ونخمد بهما نار الحرب المتوقّدة.

فقد أصدرنا هذه المفاوضة إلى المقام الشريف، العالي، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، المظفّريّ، الملجئيّ، الملاذيّ، الوالديّ، القطبيّ، نصرة الدين، ملجإ القاصدين، ملاذ العائذين، قطب الإسلام والمسلمين، تيمور كوركان، دامت معدلته. تهدي إليه سلاما تتلى سوره وآياته، وثناء تتوالى غدواته وروحاته ولا تتناهى غاياته؛ وتبدي لشريف علمه أنّ مفاوضته العالية [التي] وردت أوّلا وآخرا، تضمنت رموزها باطنا وظاهرا، تجهيز الأمير أطلمش لزم المقام الشريف إلى حضرته العليّة: لتنحسم مادّة الحركات، وتسكن القلوب والخواطر في سائر الجهات؛ وتتّحد المملكتان في الصّداقة والوفاء، والمحبّة والصّفاء، على الصّورة التي شرحها، وبيّن مناهجها ووضّحها؛ خصوصا ما أشار إليه من أنّ لجواب الكتاب حقّا لا يضيع؛ فوقفنا عليها وقوف إجلال، وفهمنا ما تضمّنته على التفصيل والإجمال. والذي نبديه إلى علومه الشريفة أنّ سبب تأخير أطلمش أنّه قدم المقام الشريف إلى حدود الممالك الشاميّة، وتوجّهنا من الديار المصرية، عرض لنا ما أوجب العود إليها سريعا، وكان الحزم فيما فعلناه بمشيئة الله تعالى. ثم تحقّقنا من المفاوضة الواردة على يد سودون، وسودون «1» والنمر، والحاج بيسق «2» أحد أمراء أخورية، قسمه بالله الطالب الغالب، المدرك المهلك، الحيّ الذي لا ينام ولا يموت أنه إن جهّز إليه أطلمش المشار إليه، رجع المقام الشريف إلى بلاده، وأنه متوقّع حضوره إليه بقارة «3» ؛ أو سلمية «4» ، أو حمص، أو حماة. فأخذنا في تجهيزه

إلى حضرته الشريفة على أجمل ما يكون. فبينا نحن على ذلك إذ وردت علينا الاخبار بما اتفق لدمشق وأهلها: من أنواع العذاب وتخريب قلعتها وديارها؛ وإحراق جامعها الذي هو الجامع الفرد في الممالك الإسلاميّة، وغيره من المساجد والمدارس والمعاهد والمعابد. فلمّا تواترت هذه الأخبار، وتحقّقت هذه المضارّ، لمحنا من عدم ترحّلكم عن دمشق وهي عامرة نقض ما تقرّر، وعدم التفاتكم إلى الأمير أطلمش المذكور وتجهيزه. فلما وردت مفاوضته الشريفة المجهّزة إلى صاحب ماردين، أرسلها إلينا [وهي] الواصلة على يد المجلس الساميّ، الشيخي، الكبيريّ، العالميّ، الناسكيّ، الحسيبيّ، النّسيبيّ، الشّرفيّ، عبد المؤمن، شيخ الجبال، ابن «1» وليّ الله، إمام العارفين، عبد القادر الكيلانيّ «2» ، أعاد الله تعالى من بركاته، والصّدر الأجلّ فخر الدّين التاجر السّفّار، المؤرّخة بثاني عشر ذي القعدة الحرام من سنة أربع وثمانمائة، المتضمّنة وصول المقام الشريف إلى أرزنكان «3» وكماخ «4» قاصدا للبلاد الرّومية، والقصد فيها تجهيز الأمير أطلمش وأن يفتح باب المصالحة، ويسلك طريق المصادقة؛ رعاية لصلاح المملكتين، ونظرا إلى إصلاح ذات البين؛ وأنّه لا مطمع إلا في صحة المودّة، وإرسال أطلمش صحبة شخص من مقرّبي حضرتنا الشريفة: لينظر ما يصدر بعد وصولهما من تمهيد قواعد المجاملة، وتشييد مبانيّ المحبة. وأنّ المقام الشريف- زيدت عظمته- أقسم بالله الذي هو في السّماء إله وفي الأرض إله، أن يكون في هذه الحياة محبّا لمن يحبّنا، مبغضا

لمن يبغضنا، وأنّا نتلفّظ بحضور الأمير أطلمش كما تلفّظتم. فعند ذلك اجتمعنا مع مولانا أمير المؤمنين، المتوكل على الله، أدام الله تعالى أيّامه، والشيخ الإمام الفرد، شيخ الإسلام سراج الملّة والدّين عمر البلقينيّ «1» - أعاد الله تعالى من بركته- وقضاة القضاة ومشايخ العلم والصّلاح، وأركان الدولة الشريفة، وقرئت المفاوضة بحضورهم. فلما سمعوا ما تضمّنته من عظيم القسم، والحلف بباريء النّسم، وعلموا أنّ جلّ القصد فيها تطّلع المقام الشريف إلى تجهيز الأمير أطلمش المذكور، فاجتمعت الآراء على إرساله إلى حضرته الشريفة صحبة من اقتضته الآراء الشريفة. ثم وردت بعد ذلك المفاوضة من المقام الشريف- زيدت عظمته- على يد شخص من أهل أزمير- مؤرّخة بثاني عشر شهر صفر المبارك سنة تاريخه، متضمّنة ما حصل من النصر على ابن عثمان، والظّفر به، والاستيلاء على غالب قلاعه. وزبدة الكلام فيها الإسراع بتجهيز أطلمش المذكور، ليجتمع شمله بأولاده بالحضرة الشريفة. ثم بعد ذلك وردت علينا مفاوضة شريفة على يد المجلس الساميّ، الشيخيّ، الكبيريّ، الأوحديّ، العارفيّ، السالكيّ، المقرّبيّ، مسعود الكججانيّ، رسول المقام الشريف. وصحبته المجلس الساميّ، الشيخيّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، الأماميّ، القدويّ، الشّمسيّ، شيخ القرّاء، إمام أئمة الكبراء، محمد بن الجزريّ «2» أدام الله النفع به. مؤرّخة بغرّة ربيع الأوّل سنة تاريخه، متضمنة معنى الكتابين المجهّزين من ماردين «3»

وأزمير «1» . وجلّ القصد فيها تجهيز الأمير أطلمش لتحصل طمأنينة قلوب العالمين، وإخماد باب الفتن، وأنّ العمدة على المشافهة التي تحمّلها الخواجا نظام الدين مسعود المشار إليه، وأن قوله قول المقام الشريف. ومهما عقد الصلح عليه والتزم به، كان من رأي المقام الشريف وشوره «2» ، لا يخرج عنه ولا يميل إلى غيره بقول ولا فعل. فلما أحضرناه وأصغينا إلى ما تحمّله من المشافهة، فإذا هي مشتملة على خالص المحبّة، وأن يكون المقام الشريف والدنا عوضا عمن قدّس الله تربه، وأن نجهز الأمير أطلمش إليه، وتكون عمدتنا بعد الله عز وجلّ عليه؛ فقابلنا ذلك بالقبول والاستبشار، ومحونا آية ليل الجفاء، وأثبتنا آية نهار الوفاء، في الإعلان والإسرار؛ وقبلنا أبوّته الكريمة على مدى الأزمان وتوالي الأعصار، وشاهد الخواجا مسعود حال أطلمش، وعلم اهتمامنا بتجهيزه قبل وصوله بمدّة اعتمادا على أليّته «3» السابقة، ووثوقا بما صرح به من الاتّحاد والمصادقة، وعقدنا الصّلح مع الشيخ نظام الدين مسعود المذكور بطريق الوكالة الشرعية عن المقام الشريف، وحلفنا نظير ما حلف عليه، بموافقة مولانا أمير المؤمنين- أدام الله أيامه- على ذلك بمحضر من شيخ الإسلام، وقضاة القضاة، ومشايخ العلم والصّلاح، وأركان الدولة الكبار، مع حضور الأمير أطلمش، لزم المقام الشريف، وشهادة من يضع خطه على نسخ الصّلح التي كتبت، وجهّزنا منها نسختين مثبوتتين إلى حضرته

الشريفة قرين هذا الجواب الشريف، لتحيط العلوم الشريفة بمضمونها، وبأحدهما خطّنا الشريف لتخلّد بخزانته الشريفة، والأخرى يشملها بخطه الشريف وتعاد إلينا صحبة رسولنا: المجلس العالي الأميريّ، الكبيريّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، المقرّبيّ، الأعزّيّ، الأخصّيّ، الأصيليّ، الشّهابيّ، أحمد بن أغلبك الناصري مقرّبنا ومقرّب والدنا الشهيد- أدام الله تعالى نعمته- وجهّزنا صحبته المجلس الساميّ، الأمير، الأجلّ، الكبير، المقرّب، المرتضى، الأخصّ، الأكمل، سيف الدين، قاني باي الخاصكيّ الناصريّ، أدام الله سعادته، المتوجهين بهذا الجواب الشريف، المجهّزين صحبة الأمير أطلمش، وبقية قصّاد المقام الشريف ورسله. ومما نبديه لعلومه الشريفة أنه مما تضمنه الملخّص الشريف المجهّز عطف الكتاب الواصل على يد الشيخ مسعود الكججاني مضاعفة الوصية بأولاد الشيخ شمس الدين الجزريّ ورعاية أحوالهم وتعلّقاتهم. وقد قابلنا ذلك بالإقبال والقبول وقرّرنا لهم بالأبواب الشريفة. ونحن بشهادة الله- وكفى به شهيدا- قد أخلصنا النية للمقام الشريف، وعاهدنا الله عز وجلّ في التعاضد والتناصر والاجتهاد، في عمل المصالح للعباد والبلاد، وعدم التّقاصر والعمل بما فيه بياض الوجه عند الله في الدنيا والآخرة، وإجراء الأمور على السّداد. بتوفيق الله عز وجلّ، وطلبا لرحمته الباطنة والظاهرة. ثم استقبل لسان الحال ينشدنا: يا أوّل الصّفو هذا آخر الكدر فيكون ذلك في علومه الشريفة، والله تعالى يديم عوارفه الوريفة، بمنّه وكرمه. والمستند «حسب المرسوم الشريف» .

الضرب الثاني (ما صار إليه الأمر بعد وصول أطلمش إليه)

الضرب الثاني (ما صار إليه الأمر بعد وصول أطلمش إليه) وهذه نسخة جواب والعنوان سطران بقلم الثلث بماء الذهب ما صورته: «المقام الشريف، العالي، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، المظفّريّ، الملجئيّ، الملاذيّ، الوالديّ، القطبيّ، نصرة الدين، ملجأ القاصدين، ملاذ العائذين، قطب الإسلام والمسلمين؛ تيمور كوركان- زيدت عظمته-. والطرّة ثلاثة أوصال، والبسملة الشريفة في أوّل الوصل الرابع. ثم «الحمد لله» وتتمة الخطبة بالذّهب، وبيت العلامة عرض أربعة أصابع مضمومة، وما يليها من الأسطر سعة ثلاثة أصابع، والعلامة الشريفة بين السطر العاشر والحادي عشر من سطور الكتابة، موافقا لانتهاء الخطبة عند «أما بعد فقد صدرت هذه المفاوضة» . والعلامة الشريفة بجليل الثلث بماء الذهب «المشتاق فرج بن برقوق» . وهامش الكتاب أربعة أصابع مطبوقة، والخطبة وما يليها من البعدية وألقاب المقام القطبي المركبة والمفردة الجميع بالذهب. ومضمونه بعد البسملة: الحمد لله الذي شيّد قواعد الإصلاح، ومهّد مواطن الرّشد والنّجاح، وجعل أذان المؤمن يجيب داعي الفلاح. نحمده على أن ألفّ بين القلوب بلطيف الارتياح، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله زمّ نفوس المؤمنين بحبل التقوى من حميّة الجماح، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي وضح من نور رسالته فجر الإيمان ولاح، ونفح من نور معجزاته زهر الدين الحنيفيّ وفاح؛ صلّى الله عليه وعلى آله الذين شدّوا ظهور كلمهم من الصّدق بأتقن وشاح، وعلى صحابته الذين بينوا من عهودهم بفقههم في الدين الواجب والمندوب والمحظور والمباح؛ وسلّم تسليما كثيرا.

أما بعد، فقد صدرت هذه المفاوضة إلى المقام الشريف، العالي، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، المظفّريّ، الملجئيّ، الملاذيّ، الوالديّ، القطبيّ، نصرة الدين، ملجإ القاصدين، ملاذ العائذين، قطب الإسلام والمسلمين: ملك يفوق الخلق طرّا هيبة ... فبه نهاية غاية التّأميل! تيمور كوركان- زيدت عظمته، ودامت معدلته؛ ولا زالت رايات نصره خافقة البنود، وآيات فضله متلوّة في التهائم «1» والنّجود؛ وسحب فضائله هامية بالكرم والجود، ومهابة سطوته تملأ الوجود- تهدي إليه من السلام ما حلا في حالتى الصّدور والورود، ومن الإخلاص ما صفا وضفت منه البرود. وتبدي لعلمه الشريف أن مفاوضته الشريفة وردت علينا جوابا عما كتبناه إلى حضرته الشريفة، على يد المجلس العالي الأميريّ الشهابي، أحمد بن غلبك وسيف الدين، قاني بيه الناصري، المجهّزين صحبة المجلس العالي، الأميريّ، الجلاليّ أطلمش، لزم المقام الشريف، بوصول الأمير جلال الدين أطلمش إلى حضرته الشريفة طيّبا، مبديا بين يديه ما حمّلناه من رسائل الأشواق، مبيّنا ما هو اللائق بخلاله الحسنة عن حضرتنا ما دبّج به الأوراق، شاكرا لإنعاماتنا التي هي في الحقيقة من شيم فضلكم الخفّاق، مثبتا منه ومن فحوى الخطاب في نظم الكتاب صدق المقال وصحّة العهد ورسوخ الميثاق، وأنه قد ثبت بما بثّ من غرائب المعاني حصول الأمانيّ، وسرى بعد ما يكون من هدايا التّهاني، وأن الذي اتفق الآن هو المطلوب، والمكتوب به إلى والدنا الشهيد الطاهر أوّلا هو المرغوب؛ وخلافه كان موجبا لنقل الحركات الشريفة إلى جهة البلاد، وما اتفق فيه للعباد، ولكن كلّ بقضاء وقدر. ولما حصل قبول الإشارة بتجهيز الرّسل والأمير أطلمش، صارت القلوب متّفقة، والعيون قارّة؛ وصفت موارد الصّفاء، وضفت برود الوفاء؛

وقطعت حبال المنافاة والجفاء. وأنّ المقام الشريف كان أقسم في كتبه قسما وأعاده، ثم فصّل مجمله وأفاده؛ وهو- والله الطالب الغالب، المدرك المهلك، الحيّ الذي لا ينام ولا يموت- من يومه هذا لا يخالف ما صدر من عقد الصّلح المسطور، ولا يرجع عن حكمه للعهد المزبور «1» ؛ ويحبّ من يحبّنا ويبعض من يبغضنا؛ ويكون سلما لمسالمينا، حربا لمحاربينا؛ ومتى استنصرنا به على أحد من مخالفينا أمدّنا بما شئنا من العساكر، وأنه أمر ما ناله أحد من الناس غيرنا، وإنه لو كان القسم على الوجه الذي ذكره مصرّحا مذكورا في لفظ الكتاب، وعبارة الخطاب، لكان أوضح والتبيين أملح؛ وأنه حيث كان بأطراف ممالكه المجاورة لممالكنا أحد من المفسدين يجهّزه إلينا مقيّدا. وحيث كان أحد من المفسدين بممالكنا المجاورة لممالكه يعرّفنا به لنجهّزه إليه: لاتفاق الكلمتين، واتحاد المملكتين، وطمأنينة لقلوب الرعايا والسالكين من الجهتين؛ وما تفضّل به: من سؤال المقام الشريف الله عزّ وجل زيادة أسباب دولتنا، ونموّ إيالتنا، وأن الهلال إذا رأيت نموّه، أيقنت أن سيصير بدرا كاملا. وأنّا سنرى ما يصنعه المقام الشريف، من الفضل المنيف، ومن تلافي الأمور، ما يظهر للخاصّة والجمهور، مما يزيد بدرنا نموّا، وقدرنا بين الملوك سموّا: لأنه لنا أكفى كفيل، وأشفق من الولد والصاحب والخليل؛ وإن من علامة الصفا، إظهار ما خفى، وهو أن في أطراف ممالكنا الآن بلادا كانت داخلة في ممالكه، وهي أبلستين، وملطية، وكركر، وكختا، وقلعة الرّوم، والبيرة؛ وأنه كان حمل معناها على لسان المجلس السامي، النظامي، مسعود الكججاني أوّلا، المجهّز الآن صحبة الأمير شهاب الدين بن غلبك وسيف الدين قاني بيه، وأن القصد أن نأمر من بها من النوّاب أن تسلّمها لنوّابه، والمعوّل في انتظام الأمور على ما تحمّله المشار إليه وعوّل عليه؛ وأنه شاكر لمرافقنا، موافق لموافقنا؛ وأنه يصغى إلى ما نبديه، ونتحف به ونهديه، على الصورة التي أبداها، والتحيّة التي بكريم الشّيم أهداها؛ فقد علمنا ذلك

جملة وتفصيلا، وشكرنا حسن صنيعه إقامة ورحيلا؛ وتضاعف سرورنا بوصول الأمير أطلمش إلى الحضرة الشريفة. ووصل إلينا الأمير شهاب الدين بن غلبك وسيف الدين قاني بيه مرتّلين من ذكر محاسنكم ترتيلا، وعرضا ما تفضلتم به في حقّنا إكراما وتوقيرا وتبجيلا، وأنهيا بين أيدينا ما عوملا به من الفضل الذي ما عليه مزيد، والبرّ الذي تعجز الفصحاء أن تبديء بعض محاسنه أو تعيد؛ وأنهما كانا كلّ يوم من توفّر الفضل في يوم عيد، وحصل لهما من الإقبال ما لا يحصى بالحصر والتحديد؛ فحمدنا للمقام الشريف الوالديّ حسن هذا الفضل العام، وشكرنا جميل تفضّله ألذي أخجل الغمام؛ وتزايد شوقنا وحبّنا حيث زمزمت «1» ألفاظ المفاوضة الشريفة إلى ذلك المقام. ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد! وهذا هو اللائق بالخلال الشريفة، والمؤمّل في جلال صفاته المنيفة؛ ووصل الخواجا نظام الدين صحبتهما مبديا عن جنابكم من رسائل المحبّة والصّفاء، والمودّة والوفاء، ما يعجر عن وصفه الناظم والناثر، مظهرا من حسن المودّة وغزير المعرفة ما يفخر به الموالي والمؤاثر؛ سالكا من تأكيد أسباب الصّلح ما تتجمّل به مفارق المفاخر، معتذرا عما تقدّم فما قدّر ربما يكون سببا لإصلاح الآخر؛ متكفّلا عن صفاء طويّتكم لنا بما يسرّ السرائر؛ فضاعفنا إكرامه، ورادفنا إنعامه، ووفّرنا من العزّ أقسامه، وأنزلناه منزلا يليق به، ووصلنا كلّ خير بسببه؛ وما هو إلا مستحقّ لكل ما يراد به من فيض فضل وفضل. وأمّا ما أشار إليه من إعادة القسم تأكيدا للصّلح، وتوضيحا للنّجح؛ ولو كان القسم الذي أقسمنا به مصرّحا لكان أولى، فقد علمنا ذلك وكتبنا ألفاظ القسم في كتاب الصّلح مصرّحة، وأعدناه إلى حضرته ليقرأ على مسامعه الشريفة؛ ويشمله

الخط الشريف ويعاد إلينا، ونحن نكرّر القسم، بباريء النّسم؛ الذي لا إله إلا هو، الطالب الغالب، المدرك المهلك، الحيّ الذي لا ينام ولا يموت، أنّا من يومنا هذا لا نخالف ما انتظم من عقد الصّلح المسطور، إلى يوم البعث والنّشور؛ ولا تحلّ عراه الوثيقة المشار إليها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ ونكون حربا لمن حاربه، وسلما لمن سالمه، ومبغضين لمبغضيه، ومحبّين لمحبّيه؛ ومن أشار بإشاره، أو شنّ على أحد من [رعاياه] غاره، رادفنا إسعافه وضاعفنا استظهاره، وأخلصنا القول والعمل في مصافاة المقام الشريف: لأن الصلح بحمد الله قد تمّ وكمل، فيكون ذلك في شريف علمه. وأمّا ما أشار إليه من أمر القرى التي قصد تسليمها لنوّابه، وأنّها داخلة في حدود مملكته: كأبلستين، وملطية، وكركر، وكختا، وقلعة الرّوم، والبيرة، فقد علمنا ذلك. ونحن نبدي إلى علومه الشريفة أنّ هذه البلاد لا يحصل لنا منها خراج، ولا ينال ملكنا ونوّابنا منها في كلّ وقت إلا الانزعاج؛ وإذا جهّزنا إليها أحدا من النّوّاب، نتكفّل له غالبا بالخيل والرّجل والرّكاب؛ وبضواحيها من سرّاق التّركمان، وقطّاع الطريق من العربان، ما لا يخفى عن مقامه. ولو كانت دمشق أو حلب، أو أكبر من ذلك مماله «1» عن الطّلب؛ ما توقّفنا فيها عن قبول إشارته لتأكيد المحبّة، واتّحاد الكلمتين من الجانبين في أعلى رتبة؛ غير أنّ لتسليمها من الوهن لمملكتنا منافاة لما تفضّل به المقام الشريف من سؤال الله تعالى في زيادة سلطنتنا. خصوصا وقد وعد المقام الشريف الوالديّ بما سنرى، وسوف تظهر نتيجته مما يتفضّل به بين الورى؛ وأنّ الذي سمح لنا به من الاستظهار ما ناله أحد من الناس، وما حصل لنا بما أبداه الخواجا مسعود بين أمراء دولتنا من المشافهة عن مقامه الشريف من قوّة الجاش والإيناس؛ ونحن نترقّب بيمن حركاته، وسديد إشاراته، زيادة الخبر في النّفس والملك والمال، ونتوقّع من جميل كفالته السعادة الأبديّة في الحال والمآل؛ فيكون ذلك في شريف علمه.

وقد جهّزنا بهذه المفاوضة المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، الأعزيّ، الأخصّيّ، المقرّبيّ، المؤتمنيّ، الأوحديّ، النّصيريّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء الخواصّ في العالمين، منتخب الملوك والسلاطين، منكلي بغا الناصري أمير حاجب «1» ، أدام الله تعالى سعده، وأنجح قصده؛ وعلى يده من الهديّة المصرية ما تهيّأ تجهيزه بمقتضى القائمة الملصقة بذيلها، وأعدنا المجلس العالي النّظاميّ: مسعودا ومن معه إلى المقام الشريف، متحمّلين من رسائل الأشواق والاتّحاد، ما لا يقع عليه الحصر والتّعداد؛ وما أخرنا الخواجا نظام الدين مسعودا هذه المدّة بالباب الشريف إلا لأمر عرض من قضيّة السلطان أحمد بن أويس، وهربه «2» من بغداد إلى حلب، وجهّزنا من الباب الشريف من يحضره إلى دمشق ليحصل منه الأرب؛ ثم بعد ذلك بأيّام ورد الخبر من كافل الشام المحروس، بوصول قرا يوسف «3» بن قرا محمد إلى دمشق في نفر قليل. فجهّزنا أحد الأمراء إلى كافل الشام بمثال شريف، يتضمّن القبض على السلطان أحمد بن أويس وقرا يوسف المذكورين، وإيداعهما الاعتقال بقلعة دمشق المحروسة، وفاء للعهد وتأكيدا. وحمّلنا الأمير سيف الدين منكلي بغا المذكور، مشافهة في معناهما. والقصد من جميل محبّته، وجزيل أبوّته، قبول المجهّز من ذلك، وبسط العذر فيه إذا وصل إلى حضرته هنالك: لأن الديار المصرية وأعمالها حلّ بها من المحل لعدم طلوع النّيل في هذه السنة ما لا يحصر ولا يحصى، ولا سمع بمثله. وشمول نسخة الصلح المعادة بالخط الشريف، ومضاعفة إكرام حاملها الأمير منكلي بغا بالبرّ الوريف؛ والإصغاء إلى ما تحمّله من المشافهة في معنى أحمد بن أويس وقرا يوسف، والله تعالى يشيّد بتمهيده قواعد الدين الحنيف، بمنّه وكرمه، إن شاء الله تعالى.

(الثالث (من ملوك توران من بني جنكزخان القان الكبير، صاحب التّخت، وهو صاحب الصّين والخطا)) قال في «التعريف» : وهو أكبر الثلاثة، ووارث تخت جنكزخان. قال: ولم يكن يكاتب لترفّعه وإبائه، وطيرانه بسمعة آبائه؛ ثم تواترت [الآن] الأخبار بأنه قد أسلم ودان دين الإسلام، ورقم كلمة التوحيد على ذوائب الأعلام. قال: وإن صحّ ذلك- وهو المؤمّل- فقد ملأت الأمة المحمدية الخافقين، وعمّت المشرق والمغرب، وامتدّت بين ضفّتي المحيط. ثم قال: فإن صحّ إسلامه وقدّرت المكاتبة إليه، تكون المكاتبة إليه كالمكاتبة إلى صاحب إيران ومن في معناه من سائر القانات المقدّم ذكرهم، أو أجلّ من ذلك. قلت: ولم يتعرّض إلى المكاتبة إليه على تقدير بقائه على الكفر، ويشبه أن تكون المكاتبة إليه على ذلك «1» وشدّة سطوته، فيعطى من قطع الورق بقدر رتبته. ثم يجوز أن تبتدأ المكاتبة إليه كصاحب القسطنطينية ومن في معناه، مع مراعاة معتقده في ديانته بالنسبة إلى «2» كما يرعى مثل ذلك في المكاتبة إلى ملوك النّصرانية، والوقوف في الخطاب وما ينخرط في سلكه عند الحدّ اللائق به. والأمر في ذلك موكول إلى اجتهاد الكاتب ونظره.

المهيع الثالث (في المكاتبات إلى من بجزيرة العرب مما هو خارج عن مضافات الديار المصرية، وفيه جملتان)

المهيع الثالث (في المكاتبات إلى من بجزيرة العرب مما هو خارج عن مضافات الديار المصرية، وفيه جملتان) الجملة الأولى (في المكاتبات إلى ملوك اليمن، وهم فرقتان) الفرقة الأولى (أئمة الزيدية) قال المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف» : وهو من بقايا الحسنيّين القائيمن بآمل الشّطّ «1» من بلاد طبرستان، وقد كان سلفهم جاذب الدولة العباسية حتّى كاد يطيح رداءها، ويشمت بها أعداءها. وهذه البقية الآن بصنعاء وبلاد حضر موت وما والاها من بلاد اليمن. قال: والإمامة الآن فيهم في بني المطهّر، وتقدّم في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك أن أوّل من قام من هذه الأئمة باليمن الإمام (يحيى الهادي) بن الحسين الزاهد، بن أبي محمد القاسم الرّسّيّ، بن إبراهيم طباطبا، بن إسماعيل الدّيباج، بن إبراهيم «2» الغمر، بن الحسين المثنّى، بن الحسن السّبط، ابن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي

الله عنه، في سنة ثمان وثمانين ومائتين في خلافة [المعتضد] «1» ؛ وأنه كان فقيها عالما مجتهدا في الأحكام، حتّى قال فيه ابن حزم «2» : إنه لم يبعد عن الجماعة في الفقة كلّ البعد. ثم [ولي بعده ابنه محمد المرتضى وتمّت له البيعة فاضطرب الناس عليه واضطرّ إلى تجريد السيف فجرده ومات سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة لثنتين وعشرين سنة من ولايته و] «3» ولي بعده أخوه (أحمد الناصر) ثم أخوه (القاسم المختار) «4» ثم (الحسين المنتجب) . واطّرد أمرهم بصنعاء إلى أن غلب عليهم السّليمانيّون أمراء مكة عند خروجهم منها، فاستقرّت بأيديهم إلى أن ملك اليمن من جهة الساحل (أحمد الموطّيء) بن الحسين المنتجب المقدّم ذكره، وذلك في أيام سيف الإسلام ابن أيوب سنة خمس وأربعين وستمائة. وبقي أمر الزيديّة هناك في عقبه. وقد ذكر المقرّ الشهابيّ بن فضل الله أن الإمامة في زمانه، في الدولة الناصرية ابن قلاوون كانت في (حمزة) وذكر في «مسالك الأبصار» أنّ يحيى بن حمزة ولّي بعد أبيه، وكان في زمن المؤيّد داود بن يوسف صاحب اليمن. وذكر قاضي القضاة ابن خلدون أن الإمام قبل الثمانين والسبعمائة كان (عليّ بن محمد) من أعقابهم، وتوفّي قبل الثمانين. وولي ابنه (صلاح) وتابعه الزيدية، وكان بعضهم ينكر إمامته لعدم استكمال الشروط فيه فيقول: «أنا لكم ما شئتم إمام أو سلطان» . ثم مات سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وقام بعده ابنه (نجاح) فامتنع الزيديّة من بيعته فقال: أنا «محتسب لله تعالى» . قال في «التعريف» : وأمراء

مكة تسرّ طاعته، ولا تفارق جماعته. قال: ويكون بين هذا الإمام وبين الملك الرّسوليّ باليمن مهادنات، ومفاسخات تارة وتارة. قال: وهذا الإمام وكلّ من كان قبله على طريقة ما غيّروها. وهي إمارة أعرابية لا كبر في صدورها، ولا شمم في عرانينها «1» ؛ وهم على مسكة من التقوى، وتردّ بشعار الزّهد؛ يجلس في نديّ قومه كواحد منهم، ويتحدّث فيهم ويحكم بينهم، سواء عنده المشروف والشريف، والقويّ والضعيف؛ وربما اشترى سلعته بيده، ومشى في أسواق بلده، لا يغلّط الحجاب، ولا يكل الأمور إلى الوزراء والحجّاب، يأخذ من بيت المال قدر بلغته من غير توسّع، ولا تكثّر غير مشبع؛ هكذا هو وكل من سلف قبله مع عدل شامل، وفضل كامل. قال: في «مسالك الأبصار» : ولشيعة هذا الإمام فيه حسن الاعتقاد، حتّى إنهم يستشفون بدعائه، ويمرّون يده على مرضاهم، ويستسقون به المطر إذا أجدبوا، ويبالغون في ذلك كلّ المبالغة. ثم قال: ولا يكبر لإمام هذه سيرته- في التواضع لله، وحسن المعاملة لخلقه، وهو من ذلك الأصل الطاهر والعنصر الطّيّب- أن يجاب دعاؤه ويتقبّل منه. قال: وزيّ هذا الإمام وأتباعه زيّ العرب في لباسهم والعمامة والحنك، وينادى عندهم بالأذان «حيّ على خير العمل» . ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التعريف» : أدام الله تعالى أو ضاعف الله تعالى نعمة، أو جلال الجانب الكريم، العالي، السّيديّ، الإماميّ، الشريفيّ، النّسيبيّ، الحسيبيّ، العلّاميّ، سليل الأطهار، جلال الإسلام، شرف الأنام، بقيّة البيت النبويّ، فخر النّسب العلويّ، مؤيّد أمور الدّين، خليفة الأئمة، رأس العلياء، صالح الأولياء، علم الهداة، زعيم المؤمنين، ذخر المسلمين، منجد الملوك والسلاطين. ولا زال زمانه مربعا، وغيله مسبعا، وقراه مشبعا، وكرمه لفيض نداه منبعا، وهداه حيث أمّ بالصّفوف متّبعا، وملكه المجتمع باليمن لو أدركه

سيف بن ذي يزن «1» لم يكن إلا لديه منتضى وتبّع «2» لم يكن له إلا تبعا. ولا فتئت معاقد شرفه بالجوزاء، وعقائد حبّه تعدّ لحسن الجزاء، ومعاهد وطنه آهلة بكثرة الأعزّاء، ومياسم أهل ولائه تعزّ إليه بالاعتزاء، ومباسم ثغور أودّائه «3» ضاحكة السّيوف في وجوه الأرزاء؛ هذه النّجوى إلى روضه الممرع وإلا فما تزمّ «4» الرّكائب، وإلى حوضه المترع وإلا فما الحاجة إلى السّحائب؛ وإلى حماه المخصب وإلا ففيم يسري الرائد، وإلى مرماه المطنّب فوق السماء وإلّا إلى أين يريد الصاعد؛ تسري ولها من هادي وجهه دليل، وفي نادي كرمه مقيل، وإلى بادي حرمه وما فيه للعاكف، وإلى عالي ضرمه ما لا ينكره العارف، وفي آثار قدمه ما يحكم به كل عائف؛ وفي بدار خدمه ما يذر عداه كرماد اشتدّت به الرّيح في يوم عاصف. مبدية وأوّل ما تبدأ بسلام يقدّمه على قول كيت وكيت، وثناء ولا مثل

قوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ «1» صدر آخر- ولا عطّل محراب هو إمامه، ولا بطل عمل هو تمامه، ولا جفّ ثرى نبات هو غمامه، ولا خفّ وقار امريء بيده المصرّفة زمامه، ولا ارتدّ مضرب سيف رؤوس أعاديه كمامه؛ ولا ارتأى في حصول الخيرة له من كان إلى كنفه انضمامه. وأطال الله باع عليائه، وأطاب بأنبائه سماع أوليائه، وأدام إجماع السّرور عليه، ومصافاته لأصفيائه وتراميه إليه. صدرت بها الركائب إليه مخفّة، وسرت بها النجائب لتقف عليه والقلوب بها محفّة «2» ؛ وأهوت لديه يشمخ بها لوصولها إليه الكبر، وطوت إليه البيد طيّ الشّقّة تقيسها المطايا بالأذرع والثّريّا بالشّبر؛ تأتي بالعجب إذ تجلب إليه المسك الأذفر «3» ، وتجلو له الصّباح وما لاح والليل وما أسفر؛ وتحلّ في مقرّ إمامته، وتحلّي العاطل بما نثره من الطّلّ صوب غمامته؛ موصّلة لعلمه ما لا يقطع، ومضوّعة عنده من عنبر الشّحر «4» ما يستبضع، ومعلمة له كيت وكيت. قلت: هذا ما أصّله في «التعريف» وحاصله أنه يأتي بالصّدر المقدّم ذكره إلى قوله: «منجد الملوك والسلاطين» ، ثم يأتي بالدعاء المناسب؛ ثم يقول: «هذه النجوى» إلى آخره «مبدية لعلمه» أو «معلمة» أو «صدرت بها الركائب» ونحو ذلك. ثم لم يتعرّض في «التعريف» لقطع الورق الذي يكتب إليه فيه، ولا للعلامة له، ولا لعنوان كتابه، ولا لتعريفه، ونبّه على ذلك في «التثقيف» وأنه

أهمل ذلك ثم لم ينبّه هو عليه. وقد رأيت في دستور منسوب للمقرّ العلائيّ بن فضل الله بيان ما أهملاه من ذلك فقال: والخطاب له بمولانا الإمام، والطلب منه «والمسؤول» وختم الكتاب بالإنهاء، والعنوان بالألقاب والدعاء المقدّم ذكره، والعلامة «الخادم» . وقد ذكر في «التعريف» أنه وصل إلى الديار المصرية، في الأيام الناصرية «محمد بن قلاوون» سقى الله عهده رسول من هذا الإمام [ابن مطهّر إمام الزيدية] «1» من صنعاء، بكتاب منه يقتضي الاستدعاء. أطال فيه الشّكوى من صاحب اليمن، وعدّد قبائحه، ونشر على عيون الناس فضائحه، واستنصر بمدد يأتي تحت الأعلام المنصورة لإجلائه عن دياره، وإجرائه مجرى الذين ظلموا في تعجيل دماره؛ وقال: إنه إذا حضرت الجيوش المؤيّدة قام معها، وقاد إليها الأشراف والعرب أجمعها؛ ثم إذا استنقذ منه ما بيده أنعم عليه ببعضه، وأعطي منه ما هو إلى جانب أرضه. ثم قال: فكتبت إليه مؤذنا بالإجابة، مؤدّيا إليه ما يقتضي إعجابه؛ وضمن الجواب أنه لا رغبة [لنا] «2» في السلب، وأنّ النّصرة تكون لله خالصة وله كلّ البلاد لا قدر ما طلب. وهذه نسخته: ضاعف الله تعالى جلال الجانب- بالألقاب والنعوت- وأعزّ جانبه عزّا تعقد فواضله بنواصي الخيل، وصياصي «3» المعاقل التي لم يطلع على مثلها سهيل «4» ؛ وأقاصي الشرف الذي طلع منه في الطّوق وتمسّك سواه بالذّيل؛ وقدّمه للمتقين إماما، وجعله للمستقين غماما، وشرّفه على المرتقين في علا النسب العلويّ ونوّره وصوّره تماما، ومنّ على اليمن بيمنه، وأعلم بصنعاء حسن صنيعه وبحضر موت

[حضور] «1» موت أعدائه، وبعدن أنّها مقدّمة لجنّات عدنه؛ ولا زالت الآفاق تؤمّل من فيضه سحابا دانيا، وتتهلّل إذا شامت له برقا يمانيا، وتتنقّل في رتب محامده ولا تبلغ من المجد ما كان بانيا. هذه النجوى وكفى بها فيما يقدّم بين يديها، ويقوّم ولا يقوم من كلّ غالي الثمن ما عليها؛ تطوي المراحل «2» ، وتجوب البرّ والبلد الماحل، وتثب إليه البحار وتقذف منها العنبر إلى الساحل؛ وترسي به سفنها، وتحط إليه بل تخط لديه مدنها؛ وتؤذن علمه- سره الله- بما لم يحل إليه من نظر، ولم يخل منه من سبب ألف به النّوم أو نفر، ورود وارد رسوله فقال: يا بشراي ولم يقل هذا غلام، ووصوله بالسلامة والسلام؛ وما تضمّنه ما استصحب منه من صحيفة كلّها كرم، وأخبار صحيحة كلّها مما لو قذف به الماء لاضطرم، ذكر فيها أمر المتغلّب العادي، [والصاحب الذي يفعل فعل الأعادي] «3» ، والجار الذي جار والظالم البادي، وما مدّ الأيدي إليه من النّهاب وما اختطف به القلوب من الإرهاب؛ وتحدّث عن أخباره وعندنا علمه، وأخبر عن أفعاله مما له أجر الصبر عليه وعليه ظلمه، وقصّ رسوله القصص، وزاد الشّجى وضيّق مجال الغصص، وأطار من وكر هذا العدوان طائرا كأنما كان في صدره، وحرّك منه لأمر كان يتجرّع له كأس صبره؛ وقد أسمع الدّاعي، وأسرع الساعي؛ وبلّغ الأمانة حاملها، وأوصل الكلمة قائلها؛ ومرحبا مرحبا بداعي القيام من قبله، وأهلا أهلا بما بلّغ على ألسنة رسله؛ وهلمّ هلمّ إلى قلع هذه الشجرة التي لم ينجب ظنّ غارسها، وقطع هذه الصّخرة التي لم تنصب إلا مزلفة لدائسها؛ والتعاضد التعاضد لما هتف به هاتفه الصارخ، وسمعه حتّى الرمح الأصمّ والسيف المتصاوخ «4» ، فليأخذ لهذا الأمر الأهبة، وليشدّ عليه فقد

الفرقة الثانية (أولاد رسول)

آنت الوثبة؛ فقد سطّرت وقد نهض إلى الخيل ملجمها، وبادر وضع السهام في الكنائن مزحمها؛ وكأنّه بأوّل الأعنّة، وآذان الجياد تفوّق بين شطري وجهها الأسنّة؛ وكأنه برسوله القائد وفي أعقابه الجيش المطلّ، والألوية وكلّ بطل باسل يبتدر الوغى ولا يستذل؛ ولا أرب لنا في استزادة بلاد وسّع الله لنا نطاقها، وكثّر بنا موادّ أموالها وقدّر على أيدينا إنفاقها؛ وإنما القصد كلّه والأرب جميعه كشف تلك الكرب، وتدارك [ذلك الذّماء «1» الذي] «2» أوشك أو كرب، وإن قدّر فتوح، وتيسّر ما طرف سوانا إليه طموح، كان هو أحقّ بسقبه «3» : لأنه جار الدار، والأوّل الذي كان له البدار؛ ويقلّ له لعظيم شرفه ما نسمح به وإن جلّ، وما نهبه منه وإن عظم- شأن كلّ تبع وهو ببعضه ما استقلّ؛ وكأنّه والخيل قد وافته تجدّ في الإحضار، وتسرع إليه وتكفيه مؤونة الانتظار؛ إن شاء الله تعالى. الفرقة الثانية (أولاد رسول) وهم المعروفون بملوك اليمن عند الإطلاق، ومقرّ مملكتهم حصن تعزّ. ورسول هذا الذي كان ينسب إليه ملوك هذا النّسب من اليمن هو رسول أمير اخور الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيّوب. قال في «التعريف» : ولما بعث الملك الكامل ولده الملك المسعود أطسز، وهو الذي تسمّيه العامّة أقسيس، بعث معه رسولا أمير اخور في جملة من بعثه معه. قال: ثم تنقّلت الأحوال حتّى استقلّ رسول بملك اليمن، وصار الملك في عقبه إلى الآن. والذي ذكره المؤيّد

الضرب الأول (ما كان الأمر عليه في الدولة الأيوبية

صاحب حماة، وقاضي القضاة وليّ الدين بن خلدون في تاريخيهما «1» وهو الصواب أنّ أوّل من ملك اليمن عليّ بن رسول، ثم ابنه المنصور عمر، ثم ابنه المظفّر يوسف، ثم ابنه الأشرف عمر، ثم أخوه المؤيّد هزبر الدين داود، ثم ابنه المجاهد سيف الدين عليّ، وهو الذي قال المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف» إنه كان في زمنه، ثم المنصور أيوب، ثم المجاهد عليّ المقدّم ذكره ثانيا، ثم ابنه الأفضل سيف الدين عبّاس. وهو الذي قال في «التثقيف» إنه كان في زمنه في الدّولة الأشرفية «شعبان بن حسين» ثم ابنه المنصور محمد، ثم أخوه الأشرف إسماعيل، وهو الذي كان في الدولة الظاهرية برقوق. ثم ابنه [الملك الناصر أحمد] «2» وهو القائم بها الآن. واعلم أنّ المكاتبات بين صاحب مصر وصاحب اليمن من حين استقرّت مملكة اليمن مع بني أيّوب ملوك مصر وصارت المملكتان كالمملكة الواحدة، ثم تواصلت المكاتبات بين ملوكهما وتأكّدت المودّة إلى زماننا هذا، خلا ما وقع في خلال ذلك من حصول تباين وقع بين أهل المملكتين في بعض الأزمان، وهو على ضربين: الضرب الأوّل (ما كان الأمر عليه في الدولة الأيوبية ، وهو أن تفتتح المكاتبة بلفظ «أصدرناها» ) وهذه نسخة كتاب عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب مصر والشام، إلى أخيه سيف الإسلام صاحب اليمن يستقدمه إليه، معاونا له على قتال

الفرنج، ويخبره بما وقع له من الفتوحات في سنة أربع وثمانين وخمسمائة. وهي «1» : أصدرنا هذه المكاتبة إلى المجلس، ومما تجدّد بحضرتنا فتوح «كوكب» وهي كرسيّ الاستباريّة ودار كفرهم، ومستقرّ صاحب أمرهم، وموضع سلاحهم وذخرهم؛ وكان بمجمع الطّرق قاعدا، ولملتقى السّبل راصدا؛ فتعلّقت بفتحه بلاد الفتح واستوطنت، وسلكت الطرق فيها وأمّنت، وعمّرت بلادها وسكنت؛ ولم يبق في هذا الجانب إلا «صور» ولولا أنّ البحر ينجدها والمراكب تردها، لكان قيادها قد أمكن، وجماحها قد أذعن؛ وما هم بحمد الله في حصن يحميهم، بل في سجن يحويهم، بل هم أسارى وإن كانو طلقاء، وأموات وإن كانوا أحياء؛ قال الله عز وجلّ: فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا «2» ولكل امريء أجل لا بدّ أن يصدقه غائبه، وأمل لا بدّ أن يكذبه خائبه. وكان نزولنا على «كوكب» بعد أن فتحنا «صفد» بلد الدّيويّة ومعقلهم، ومشتغلهم وعملهم ومحلّهم الأحصن ومنزلهم؛ وبعد أن فتحنا «الكرك» وحصونه، والمجلس السيفي- أسماه الله- أعلم بما كان على الإسلام من مؤونته المثقلة، وقضيّته المشكلة وعلّته المعضلة؛ وأن الفرنج- لعنهم الله- كانوا يقعدون منه مقاعد للسّمع، ويتبوّأون منه مواضع للنّفع؛ ويحولون بين قات (؟) وراكبها، فيذلّلون الأرض بما كان منه ثقلا على مناكبها. والآن ما أمن بلاد الهرمين، بأشدّ من بلاد الحرمين؛ فكلّها كان مشتركا في نصرة المسلمين بهذه القلعة التي كانت ترامي ولا ترام، وتسامي ولا تسام؛ وطالما استفرغنا عليها بيوت الأموال، وأنفقنا فيها أعمار الرجال، وقرعنا الحديد بالحديد إلى أن ضجّت النّصال من النّصال؛ والله المشكور على ما انطوى من كلمة الكفر وانتشر من كلمة

الإسلام. وإنّ بلاد الشام اليوم لا تسمع فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما [فادخلوها بسلام] «1» ؛ وكان نزولنا على «كوكب» والشتاء في كوكبه، وقد طلع بيمن الأنواء في موكبه؛ والثلوج تنشر على البلاد ملاءها الفضيض، وتكسو الجبال عمائمها البيض؛ والأودية قد عجّت بمائها، وفاضت عند امتلائها؛ وشمخت أنوفها سيولا، فخرقت الأرض وبلغت الجبال طولا؛ والأوحال قد اعتقلت الطّرقات، ومشى المطلق فيها مشية الأسير في الحلقات؛ فتجشّمنا العناء نحن ورجال العساكر، وكاثرنا العدوّ والزّمان وقد يحرز الحظّ المكاثر؛ وعلم الله النيّة فأنجدنا بفضلها، وضمير الأمانة فأعان على حملها؛ ونزلنا من رؤوس الجبال بمنازل كان الاستقرار عليها أصعب من نقلها، والوقوف بساحتها أهون من نقلها وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ. والحمد لله الذي ألهمنا بنعمته الحديث، ونصر بسيف الإسلام الذي هو سيفه وسيف الإسلام الذي هو أخونا الطّيّب على الخبيث؛ فمدح السيف ينقسم على حدّيه، ومدح الكريم يتعدّى إلى يديه؛ والآن فالمجلس- أسماه الله- يعلم أنّ الفرنج لا يسلون عما فتحنا، ولا يصبرون على ما جرحنا؛ فإنهم- خذلهم الله- أمم لا تحصى، وجيوش لا تستقصى؛ ووراءهم من ملوك البحر من يأخذ كلّ سفينة غصبا، ويطمع في كلّ مدينة كسبا؛ ويد الله فوق أيديهم، والله محيط بأقربيهم وأبعديهم؛ وسَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً . لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً. وما هم إلا كلاب قد تعاوت، وشياطين قد تغاوت. وإن لم يقذفوا من كلّ جانب دحورا، ويتبعوا بكلّ شهاب ثاقب مدحورا؛ استأسدوا واستكلبوا، وتألّبوا وجلّبوا وأجلبوا، وحاربوا وخرّبوا؛ وكانوا لباطلهم الدّاحض، أنصر منّا لحقّنا

الناهض؛ وفي ضلالهم الفاضح؛ أبصر منّا لهدانا الواضح؛ ولله درّ جرير حيث يقول: إنّ الكريمة ينصر الكرم ابنها ... وابن اللّئيمة للّئام نصور! فالبدار إلى النّجدة البدار! والمسارعة إلى الجنة فإنها لن تنال إلا بإيقاد نار الحرب على أهل النّار، والهمّة الهمة! فإن البحار لا تلقى إلا بالبحار، والملوك الكبار لا يقف في وجوهها إلا الملوك الكبار: وما هي إلّا نهضة تورث العلا ... ليومك ما حنّت روازم نيب! ونحن في هذه السنة- إن شاء الله تعالى- ننزل على أنطاكية، وينزل ولدنا الملك المظفّر- أظفره الله- على طرابلس؛ ويستقرّ الرّكاب العادليّ- أعلاه الله- بمصر فإنها مذكورة عند العدوّ- خذله الله- بأنها تطرق، وأنّ الطلب على الشام ومصر تفرّق؛ ولا غنى عن أن يكون المجلس السيفي- أسماه الله- بحرا في بلاد الساحل يزخر سلاحا، ويجرّد سيفا يكون على ما فتحناه قفلا ولما لم يفتح بعد مفتاحا؛ فإنه ليس لأحد ما للأخ من سمعة لها في كل مسمع سمعه، وفي كلّ روع روعه؛ وفي كل محضر محضر، وفي كل مسجد منبر، وفي كل مشهد مخبر؛ فما يدعى العظيم إلا للعظيم، ولا يرجى لموقف الصبر الكريم إلا الكريم؛ والأقدار ماضية، وبمشية الله جارية؛ فإن يشإ الله ينصر على العدوّ المضعّف، بالعدد الأضعف؛ ويوصّل إلى الجوهر الأعلى، بالعرض الأدنى؛ فإنّا لا نرتاب بأنّ الله ما فتح علينا هذه الفتوح ليغلقها، ولا جمع علينا هذه الأمة ليفرّقها؛ وأنّ العدوّ إن خرج من داره بطرا، ودخل إلى دارنا كان فيها جزرا؛ وما بقي إن شاء الله تعالى إلا أموال تساق إلى ناهبها، ورقاب تقاد إلى ضاربها، وأسلحة تحمل إلى كاسبها؛ وإنما نؤثر أن لا تنطوي صحائف الحمد خالية من اسمه، ومواقف الرّشد خاوية من عزمه؛ ونؤثر أن يساهم آل أيوب في ميراثهم منه مواقع الصبر، ومطالع النصر؛ فو الله إنّا على أن نعطيه عطايا الآخرة الفاخرة، أشدّ منّا حرصا على أن نعطيه عطايا الدنيا القاصرة، وإنّا لا يسرّنا أن ينقضي عمره في قتال غير الكافر، ونزال غير

الضرب الثاني (من المكاتبات إلى صاحب اليمن ما الأمر عليه من ابتداء الدولة التركية

الكفء المناظر؛ ولا شكّ أنّ سيفه لو اتّصل بلسان ناطق وفم، لقال: ما دمت هناك فلست ثمّ؛ وما هو محمول على خطّة يخافها، ولا متكلّف قضية بحكمنا يعافها؛ والذي بيده لا نستكثره، بل نستقصره عن حقّه ونستصغره؛ وما ناولناه لفتح أرضه السّلاح، ولا أعرناه لملك مركزه النّجاح؛ إلا على سخاء من النفس به وبأمثاله، على علم منّا أنه لا يقعد عنا إذا قامت [الحرب] بنفسه وماله؛ فلا نكن به ظنّا أحسن منه فعلا، ولا نرضى وقد جعلنا الله أهلا أن لا نراه لنصرنا أهلا؛ وليستشر أهل الرشاد فإنهم [لا يألونه] حقّا واستنهاضا، وليعص أهل الغواية فإنهم إنما يتغالبون به لمصالحهم أغراضا؛ ومن بيته يظعن وإلى بيته يقفل، وهو يجيبنا جواب مثله لمثلنا، وينوي في هذه الزيارة جمع شمل الإسلام قبل نيّة جمع شملنا، ولا تقعد به في الله نهضة قائم، ولا تخذله عزمة عازم؛ ولا يستفت فيها فوت طالب ولا تأخذه في الله لومة لائم؛ فإنما هي سفرة قاصدة، وزجرة واحدة؛ فإذا هو قد بيّض الصحيفة والوجه والذّكر والسّمعة، ودان الله أحسن دين ولا حرج عليه إن فاء إلى أرضه بالرّجعة؛ وليتدبّر ما كتبناه، وليتفهّم ما أردناه؛ وليقدّم الاستخارة، فإنها سراج الاستنارة، وليغضب لله ولرسوله ولدينه ولأخيه فإنها مكان الاستغضاب والاستثارة. وليحضر حتّى يشاهد أولاد أخيه يستشعرون لفرقته غمّا، وقد عاشوا ما عاشوا لا يعرفون أنّ لهم مع عمّهم عمّا؛ والله سبحانه يلهمه توفيقا، ويسلك به إليه طريقا؛ وينجدنا به سيفا لرقبة الكفر ممزقا ولدمه مريقا، ويجعله في مضمار الطاعات سابقا لا مسبوقا. إن شاء الله تعالى. الضرب الثاني (من المكاتبات إلى صاحب اليمن ما الأمر عليه من ابتداء الدولة التركية وهلمّ جرّا إلى زماننا، وهو على ثلاثة أساليب) الأسلوب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «أدام الله تعالى نعمة [أيام] المقام العالي» ) وهذه نسخة كتاب كتب عن الملك الناصر محمد بن قلاوون، جواب كتاب

ورد من صاحب اليمن في مقابلة البشرى بدخول العساكر المنصورة إلى بلاد الأرمن، وطلب سلامش نائب التتار بالرّوم الدخول في الطاعة؛ وذكر «1» أنّ نائبا كان لأبيه في قلعة طمع وعصى عليه فظفر به فبشّر بذلك؛ ويحرّضه على الجهاد وإنفاذ الأموال، ويهدّده، ويوجّه به قصّاده إليه. من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي «2» رحمه الله، وهي: أدام الله تعالى نعمة أيام المقام العالي! وأنهضه بفرض الجهاد الذي بمثله ينتهج، وأيقظه لمتعيّن الغزو الذي ما «3» له تدرك الرّتب وترتفع الدّرج؛ وأشهده في سبيل الله مواقف النصر التي إذا أودعنا نشر بشرها الطروس عبقت بما فيها من الأرج؛ وأراه مشاهد فتوحنا التي إذا حدّثت الأحلام عن عجائبها حدّثت عن البحر ولا حرج؛ وصان مجده عن إضاعة الوقت في غير حديث الجهاد الذي هو أولى ما بذلت له الذّخائر وابتذلت فيه المهج. صدرت هذه المكاتبة تخصّه بتحية تتضوّع نشرا، وتتحفه من متجدّدات الظّفر بشرا، يملأ الوجود مسرّة وبشرى، وتقصّ عليه من متجدّدات فتح يأتي على ما أتعبت فيه الأفكار قرائحها من مشتهى التّهاني فلا يدع له ذكرا؛ وتتلو على من ظنّ بعد ما سمع من البلاغ بلاغ العدا أنّ إزالة وال عن مركزه فتح كبير: لقد جئت شيئا نكرا. وتوضّح لعلمه الكريم أنّ مكاتبته الكريمة وردت مقصورة على نبإ لا يعتدّ بذكره، محصورة على خبر لا ينبغي لمثل مجده أن يمرّه على فكره، مطلقة

عنان القلم فيما كان ينبغي طيّ خبره وتعفّي أثره، وإخفاء سببه وتركه نسيا منسيّا فضلا عن التبجّح بذكره، والتهنئة به، إذ في ذلك مقابلة البحر بالثّماد «1» ، والرّوح بالجماد؛ والشّمس بالذّبال، والهدى بالضّلال؛ فلم يكمل له في ذلك المراد، وأتى بما قالت له التهاني: (نحن في واد وأنت في واد) ؛ وقابلناها مع ذلك بالقبول الذي اجتلى غررها، وأحمدت لديه وردها وصدرها، فأحطنا علما بما تضمّنته من الأحوال التي أبداها، والمتجدّدات التي عظم موقع نشرها عنده فأهداها. وأما ما ذكره من أمر القلعة التي كان [النائب بها] لوالده شخصا اعتمد عليه، وولّاه مستحفظا ظنّه مع تغاير الأحوال مؤتمنا على ما في يديه؛ وأن ذلك الشخص بعد انتقال والده رحمه الله طمع فيما استودع فجحد الوديعة والموادعة، ورام المنازعة والمقاطعة، وخالف وحالف، وقارب العصيان وقارف «2» ؛ وأنه في هذا الوقت قلع ذلك النائب، من تلك القلعة المغتصبة، وأراح من همّه الناصب، وأفكاره ووصبه «3» إلى غير ذلك مما أورده على وجه البشرى لهذا السبب الضّعيف، وأبرزه في معرض التهنئة من هذا الأمر الطفيف؛ وأراد أن يتكثّر فيه بما لا مدخل له في كثرة وقلّه، فذكر بروزه بجمعه إلى شخص واحد في قبالة ما اتصل به من نبإكل موطن برز فيه الإسلام كلّه إلى الشّرك كلّه؛ وظاهر الأمر أنّ ذلك الشخص ما عصى بالمكان الذي كان فيه إلا لما رأى بالمملكة اليمنيّة من اضطراب الأحوال، وأسباب الاختلاف والاختلال، والوهن الذي حسّن له الاحتراز والاختزال، والخلوة التي حملته على أن (طلب الطّعن وحده والنّزال) ، وامتداد الأيدي العادية بكلّ جهة إلى ما يليها، وضياع رعايا كلّ ناحية بالاشتغال عن افتقاد أحوال من يباشرها وانتقاد تصرّف من يليها؛ فهو الذي أوجب طمعه، وقوّى ضلعه «4» ، وحمله من مركب العناد، وأراه نظراءه بتلك الجهة ممّن سلك الفساد.

وهذا الأمر ما خفي علينا خبره، ولا توارى عنّا ورده ولا صدره؛ فإن أخبار مملكة اليمن ما زالت متواصلة إلينا بما هي عليه من اضطراب واف، واختلاف غير خاف، وهيج لا يرجع الأمر فيه إلى كاف كافّ؛ وما أخّرنا لحق جيوشنا المنصورة، وعساكرنا التي ممالك العدا بمهابتها محصورة، عن الوصول إلى المملكة اليمنية لتقويم أودها، وتمكين شدّها؛ وإقامة أمر الملك فيها، وحسم مادّة الفساد عن نواحيها، وتطمين البلاد، وإنامة الرّعايا من الأمن في أوطإ مهاد، والاحتراز على الخزائن والأموال، وصونها عن الإنفاق في غير جند الله الذين منعوا دعوة الشرك أن تقام وكلمة الكفر أن تقال؛ إلّا لأنّ عساكرنا كانت الآن في الممالك والأقاليم التي بيد الكفر: من التّتار المخذولين، ومن يقول بقولهم من أعداء الدين، تقتل وتأسر، وتلقى الجيوش الكافرة فتكسب وتكسر، وتصحبهم حيث حلّوا طلائع رعبها، وتصبّحهم منها أين طلّوا ريح عاد التي تدمّر كلّ شيء بأمر ربّها. وما سطّرنا هذه المكاتبة إلا وجيوشنا المنصورة قد وطئت عقر بلادهم فأذلّتها وأذالتها «1» ، وغيّرت أحوالها وحالتها؛ وقاسمتهم شرّ قسمة فلها منها الحصون والمصون، والجنّات الوارفة الغصون، ولهم منها الخراب والتّباب، والدارس الذي لا يحصل بكفّ دارس بيته إلا التّراب؛ وها هي قادمة إلينا يقدمها النصر، ويتقدّمها من أسر العدا وغنائمهم ما يربي عن الحصر؛ وما بينها وبين ركوب هذا البحر لملك تمهّده، وعدل تجدّده، وبغاة تكفّ غربها، ورعاة تؤمّن بالمهابة سربها، وتصفّي من أكدار الفتن شربها؛ وخزائن لها عن غير الإنفاق في سبيل الله تصونها إلا بمقدار ما تستقرّ بها المنازل استقرار السّنة «2» بالجفون لا النوم «3» ، وأضرمت نواحيها، واستاقت أهلها ومواشيها، وجعلت

قصورها صعيدا «1» ، وزرعها حصيدا، وعقائلها «2» إماء، ومعاقلها هباء؛ وابتذلت مصونها الذي جعله الله لها أثقالا، واختارت من حصونها لملكنا ما كانت سيوفنا له مفاتح فلمّا فتح عدن له أقفالا؛ واقتلعت من القلاع التي كانت بيد الكفر كلّ معقل أشب «3» ، وحصن شابت نواصي اللّيل وهو لم يشب؛ قد صفّح بالصّفاح، وشرّف بأسنّة الرّماح، واستدار بقنّة قلة ينهب الترقّي إليها هوج الرّياح؛ فطهّرته من النّجس، وعوضّته بصوت الأذان عن صوت الجرس، وأخرست الناقوس بسورة الفتح الذي عوذّته نوب الدهر بآيات الحرس؛ مع ما أضيف إلى تلك القلاع من بلاد وتلاد، وأغوار ونجاد؛ وجنّات وعيون، وأموال ارتجع بها ما كان للإسلام في ذمّة الكفر من بقايا الدّيون. وكلّ تلك الغنائم منحناها جيوشنا المنصورة وأبحناها، وقوّيناهم على أمثالها من الفتوح برفع العوائق التي أزلناها، بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضّة وأزحناها؛ وما وصل الآن قصّاده إلى أبوابنا العالية إلا والبشائر تنطق بألسنة التّهاني، وتخفق بمجدّدات هذه الفتوح في الأقاصي من ممالكنا والأداني؛ وقد شاهدوا ذلك وشهدوه، ورأوا ما رأى غيرهم من نوادر الفتوح التي أربت على ما ألفوه من قبل وعهدوه. هذا وما وضعت الحرب إلى الآن أوزارها، ولا خمدت نار الوغى التي أعدّت جيوشنا المنصورة للأعداء أوراها؛ وما يمضي وقت إلا والبشائر متواردة علينا بفتح جديد، ونصر له في كلّ يوم مخلّق تخلّق وفي كل برّ بريد. وقصارى أمر العدوّ الآن أنهم ليس لهم بلد، إلا وقد (أخنى عليه الذي أخنى على لبد) «4» ؛ ولا دار إلا وقد أضحت كدار ميّة التي (أقوت وطال

عليها سالف الأمد) «1» ؛ ولا جيش إلا وقد فرّ وأين يفرّ وهو يطوي في قبضتنا المراحل؟، ولا طرائد بحر إلا وهي مطرودة في اللّجج لتيقّنهم أن العطب لا السلامة في الساحل. فمن أجل ذلك رأينا أنّ اشتغال جيش الإسلام بجانب الكفر هو المهمّ المقدّم على ما سواه، والغرض الذي نيّتنا فيه إنقاذ أهل الإسلام من كلمة الكفر وتحكّمه «ولكلّ آمريء ما نواه» ورأينا أنّ أمر هذه الجهة ما يفوت بمشيئة الله وعونه وتمكينه، وإذا كان الله قد أقام بقدرته منا ملكا لنصرة دينه فإنّ اليمن وغيره في يمينه؛ وهي محسوبة من أعداد ممالكنا المحروسة، ومعدودة من أقسام بلادنا التي هي بوفود الفتوح مأنوسة؛ ولا بدّ من النظر في أمرها، وإعمال الفكر في إزاحة ضرّها، وتجريد العساكر المنصورة إليها، وإقدام الجيوش التي عادتها الإقدام في الوغى عليها؛ ليكون العمل في أمرها بما يرضي الله ورسوله، ويبلغ من كان بتلك الجهات يروم الجهاد ولا يطيقه سوله؛ فإن المملكة المذكورة توالت عليها المدد، ومضى عليها الأبد؛ وهمّة من فيها إلى اللهو مصروفة، وعلى اللّذات موقوفة؛ وأحكام الجهاد عندهم مرفوضة حتى كأنّ الجهاد لم يبلغهم وغره حلمه «2» ، ولا أحاطت أفكارهم بشيء من علمه؛ بل كأنه على غيرهم وجب، وكأنّ ما أعدّ الله من الأجر عليه إنما أريد به الذين يكنزون الذهب؛ وتمادت الأيام وليس في نكاية أعداء الله منهم مصيب، وتفرّقت الأموال وما لجند الله فيما احتووا عليه من ذلك سهم ولا نصيب؛ وأيّ عذر عند الله لمن جعله مؤتمنا على ماله فلم يكن له في

سبيل الله إنفاق؟ وأيّ حجة لمن [لم] يقف موقف جهاد وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات ولم يغز ولم يحدّث به نفسه مات على شعبة من نفاق» . والآن فإنّ الله سبحانه وتعالى قد أقامنا لنصرة الإسلام ورفع كلمة الإيمان وتمهيد البلاد، وإجراء الأحوال في القريب منها والبعيد على ما يرضي الله تعالى ويرضي رسوله عليه السلام من السّداد؛ وأهمّ الأمور عندنا أمر الغزاة والمجاهدين الذين ما منهم إلا ممسك بعنان فرسه، مكتحل بسهاد حرسه؛ لا يأمن العدوّ مهاجمة خيله في سراه، ولا مفاجأة خياله في كراه، حصنه ظهر حصانه، وجوابه على لسان سنانه، كلّما سمع هيعة «1» أو رقعة طار على متن فرسه يلتمس الموت والقتل في مظانّه؛ وهؤلاء هم جيوشنا الذين دوّخوا البلاد، وأذلّوا أهل العناد؛ وطهّروا السواحل وأجروا في كل مواطن من أنهار الدماء ما يروي البلد الماحل، وهزموا جيوش التتار وهم في أعداد الكواكب، وحصدوهم بسيوفهم عرورة (؟) وهم في نحو المائة ألف راكب؛ حتّى إن ملوك التتار الآن ليتمنّون إرضاءنا وإعضاءنا، ويستدعون ويدّعون للآباد ولاءنا، ويطلبون المسالمة منا، ويودّون نسمة قبول تصدر إليهم عنّا؛ والطويل العمر منهم وممن والاهم هو الذي يهرب من بين يدي جيوشنا المنصورة ليسلم بنفسه، وإن أسلم ما يعزّ عليه من ماله وولده وعرسه. فمثل هؤلاء الذين يستحقّون أموال الممالك الإسلامية ليستعينوا بها في جهازهم لجهادهم، وينفقوها في إعدادهم لأعدائهم؛ ويصرفوها في ذبّهم عن دين ربّهم. وهذه المملكة اليمنيّة قد اجتمع فيها من الأموال ما يربي عن الحصر والحدّ، ويزيد على الإحصاء والعدّ؛ لا ينفق منها شيء في الجهاد، ولا يعدّ منها مصروف إلا بما لا تحمد عاقبته في المعاد؛ قد صدّ عنها جند الله الذين ينفقونها سرّا وجهرا، ويستنزلون بها أرواح أعداء الله على حكم سيوفهم قسرا وقهرا؛

وأبيحت لمن تأبّى الجهاد جانبا، ورضي باللهو صاحبا، واقتنى السّلاح لغير يوم الباس، واعتنى بارتباط الجياد بطرا ورئاء الناس. وكان كتابنا قد تقدّم في أمر المجاهدين وما يحتاجونه من الإعانة بما يحمل إليهم من الأموال بالمملكة اليمنيّة: ليصرف ذلك في حقه، ويصل إلى مستحقّه؛ ويكون قد أعدّ منها للإنفاق في سبيل الله جانب بحيث لا يضاع، ووصل إلى مجاهدي الأمة نصيب من مال الله الذي هو في يد من ولّاه شيئا من أمور عباده على حكم الإيداع؛ ويدخل ذلك «1» في زمرة الذين يكنزون الذهب والفضّة لا ينفقونها؛ فحصلت المكابرة في الجواب عن ذلك، وأيّ عذر في المكابرة عن مثل هذا الأمر وشغل الوقت بذكره؟ ونحن عندنا في كل وقت من البشائر بمواهب الفتح، وغرائب المنح، ومتجدّدات الظّفر والنصر، ومتحلّيات التأييد التي قسّمت أعداء الله بين الحصد والحصر، ما يهبّ نشره هبوب الرّيح في البرّ والبحار، ويودّ الدهر لو رقمه بذهب الأصيل على صفحات النّهار، وكلّ ذلك في أشدّ أعداء الله تعالى: من التتار، الذين عرف عددهم وجلدهم، والفرنج الذين طال وكثر في عداوة الإسلام أبدهم ومددهم، والأرمن الذين هم أكثر الطائفتين في الظاهر وفاقا، وأشدّ الفئتين في الباطن نفرا ونفاقا؛ وهم لهؤلاء وهؤلاء مادّة تمير وتمير، وتغريهم وتغرّهم فتصير بهم من نار الحرب المضرّسة لسيوفنا إلى جهنّم وبئس المصير؛ وأيّ شيء من ذلك يذكر عند مواقف جيوشنا المنصورة، وظفر عساكرنا المؤيّدة؟، لو كان حصل عنده الفكر الصائب ما وردت مكاتبته إلا وهي مقترنة بما يرضي الله ورسوله وأهل الإسلام: من إمداد الغزاة «2» بالأموال، وإعانتهم على الكلف التي كلّما أعد لها مال [بدت] حال يلائمها الإنفاق في سبيل الله ويسألونك عن الجبال؛ وها هي قادمة إلينا يقدمها النصر، ويتقدّمها من أسرى العدا وغنائمهم ما يربي عن الحصر؛ وما

الأسلوب الثاني (وهو المذكور في «التعريف» )

بينها وبين ركوب ثبج «1» هذا البحر لملك تمهّده، وعدل تجدّده، وبغاة تكفّ غربها، ورعايا تؤمّن بالمهابة سربها، وتصفّي من أكدار الفتن شربها؛ وأموال تصونها، وخزائن ينزّه عن غير الإنفاق في سبيل الله مصونها، إلا بمقدار ما تستقرّ بها المنازل استقرار السّنة بالجفون لا النوم، وتأخذ أهبة لذلك المهمّ في يوم أو بعض يوم. أللهم إلا أن تلبّى دعوة الجهاد من تلك الجهة بألسنة النّفير، وتعبّى صفوف الجلاد في الجواري «2» التي تكاد بأجنحة القلوع تطير؛ أو تنوب عنها خزائن الأموال التي تنفق في سبيل الله تعالى، أو تقوم مقامها النفقات التي تصرف إلى جنود الله التي تنفر في سبيل الله تعالى خفافا وثقالا، ليكون قد استدرّ ببركة ذلك الطّلّ أخلاف الوابل، وأنفق ما اختزنه في سبيل الله الذي مثل ما ينفق فيه كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل؛ وتستعدّ الجيوش المنصورة إلى طود يصون برأيه ملكه ويصول، ويستطيل على الوجود ولو أنّ البرّ سيوف والبحر نصول؛ والله تعالى يرشده إلى ما هو أقرب للتقوى، ويمسّكه من طاعته بالسبيل الأقوم والسّبب الأقوى؛ إن شاء الله تعالى. الأسلوب الثاني (وهو المذكور في «التعريف» ) أن تفتتح المكاتبة بلفظ: «أعزّ الله تعالى جانب المقام العالي» إلى آخر الألقاب، ثم الدعاء، مثل: ولا زال يحسن ولاية حسبه، وينهض بجناح نسبه، ويصون ملكه بعدله أكثر من قضبه «3» ، ويثبت في اليمن اليمن في حالة إقامته ومنقلبه.

أصدرناها إلى مقامه موشّجة المعاطف بحليّه، شاكرة علا عليّه، ذاكرة من محامده ما يتكثّر السحاب بوليّه، مبدية لعلمه الكريم كيت وكيت. وهذه أدعية وصدور تناسب كل سلطان بها: ولا زال به «تعزّ» تعزّ وتفوز ببره زبيد، ويخرج من عدن عدن فضله المديد، وتمتلي بوفود البرّ والبحر: هذا تطير به المراكب وهذه الركائب كلاهما من مكان بعيد؛ ولا برحت به آهلة الأوطان، مشتقّة صفات قطره اليمنيّ من «الأيمان يمان» ؛ محجوبا بالجلالة أو محجوبا لما ينسب إليه من أحد الأركان. أصدرناها والسلام يباري ما تنبت أرضه من نباتها الطيّب، ويجاري بالثّناء ما ينهلّ في أكنافه الجنوبيّة من سحابها الصيّب «1» ؛ وتسري إليه بتحيّاتنا الشريفة على قادمة كل نسيم، وفي طيّ كلّ عام له وقوف على ربعه وتسليم؛ وتوضّح لعلمه الكريم. دعاء وصدر يختصّ بالمجاهد عليّ، وهو: ولا زال أفضل متوّج في يمنه، وأعلى عليّ إذا قيس بابن ذي يزنه، وأشجع من حمى بعهوده ما لا تقدر السّيوف على حمايته من وطنه؛ ولا انفكّ الملك المجاهد عن عرضه المصون، وسيف الدين الذي يقوم في المفروض من مراضي الله بالمسنون؛ وأبا الحسن لما يحسن في فطنته الحسنى أو فطرته من الظّنون، والعليّ قدرا إذا أخذت الملوك مراتبها وحدّقت إليه العيون. صدرت هذه المفاوضة إلى حضرته وسلامها يتفاوح لديها، ويصافح غمائمه في يديها، وتجري سفائن إخلاصه حتّى تقف عليها، وتسري بتحياتنا محلّقة بالبشرى في صباح كلّ يوم يقرّب من الوصول إليها، وتبدي لعلمه الكريم. قلت: ولم أقف على صورة مكاتبة مفتتحة بلفظ «أعز الله تعالى جانب

الأسلوب الثالث (أن تفتتح المكاتبة بلفظ: «أعز الله تعالى نصرة المقام العالي» )

المقام» كتب بها إلى بعض ملوك اليمن في زمن من الأزمان؛ فأوردها استشهادا لهذا الأسلوب. الأسلوب الثالث (أن تفتتح المكاتبة بلفظ: «أعزّ الله تعالى نصرة المقام العالي» ) وهذه نسخة كتاب كتب به إلى صاحب اليمن أيضا، عن السلطان الملك المنصور قلاوون، مبشّرا بفتوح «1» صافيتا «2» ، من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر رحمه الله، وهو: أعزّ الله تعالى نصرة المقام العالي، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، المظفّريّ، الشّمسيّ؛ وأشركه في كل بشرى تشدّ الرحال لاستماعها، وتحلّ الحبى «3» لاستطلاعها؛ وتتهافت التواريخ والسّير على استرفاعها، وتتنافس الأقلام والسيوف على الأفهام بأجناسها وأنواعها؛ ولا خلا موقف جهاد من اسمه، ولا مصرف أجر من قسمه، ولا غرض هناء من سهمه، ولا أفق ابتهاج من بزوغ شمسه وطلوع نجمه. سطّر المملوك هذه البشرى والسيف والقلم يستمدّان: هذا من دم وهذا من نقس «4» ، ويمضيان: هذا في رأس وهذا في طرس؛ ويتجاوبان: هذا بالصّليل وهذا بالصّرير، ويتناوبان: هذا يستميل وهذا يستمير «5» ؛ وكلّ منهما ينافس الآخر على المشافهة بخبر هذا الفتح الذي ما سمت إليه همم الملوك الأوائل، ولا وسمت به سيرهم التي بدت أجيادها من حلاه عواطل؛ ولا دار

في خلد أن مثله يتهيّأ في المدد الطويلة، ولا تشكّل في ذهن أنه سيدرك بحول ولا حيلة؛ وهو النّصر المرتّب على حركتنا التي طوى الله لركابنا فيها المراحل، وألقى بدرر عساكرنا في بحر الحديد المالح إلى الساحل؛ وهجومنا على البلاد الفرنجيّة: وهي طرابلس وصافيتا وأنطرسوس ومرقيّة والمرقب، كما يهجم الغيث؛ ومصادمتنا صدورها كما يصدم الليث، وسلوكنا منها حيث لم يبق حيث؛ وما جرى في هذه الوجهة من إغارات أحسنت متقلّب الأعنّة؛ ومتعلّق السيوف ومخترق الأسنّة؛ وما تهيّأ منها من فتوح صافيتا التي هي أمّ البلاد، ومنتجع الحاضر والباد؛ وكونها قدّمت نفسها في جملة ما يقرى به الضيف، وقالت: هذا فتوح حضر على هذا الفتوح لهذا السيف؛ وتلطّفت في مسح أطراف الأمان، وطلبت شكرا ومنّا شكران؛ وأحضرت إلينا من أهلها الوقت وهدّت السيوف في أعناقهم فتشبّهت بها الأغلال، وأنفت أيمان أهل الإيمان من مصافحتهم لأنهم أصحاب الشّمال؛ فأطلقهم سيفنا وأمله يمتدّ إلى من هو أعزّ منهم مالا، وأكثر احتفالا، وأبزّ مآلا، وأهزّ سيوفا قصارا ورماحا طوالا؛ واستطار منها شرار نار الحرب الموقدة إلى غيرها من القلاع، واستطال إلى سواها من الحصون منهم الباع؛ فلا حصن إلا وافترّت ثنيّته عن نصر مسهّل، وفتح معجل ومؤجّل. فمن ذلك حصن الأكراد الذي تاه بعطفه على الممالك والحصون، وشمخ بأنفه عن أن تمتدّ إلى مثله يد الحرب الزّبون «1» ؛ وغدا جاذبا بضبع «2» الشام، وآخذا بمخانق بلاد الإسلام؛ وشللا في يد البلاد، وشجا في صدر العباد؛ تنقضّ من عشّه صقور الأعداء الكاسرة، وترتاع من سطوتها قلوب الجيوش الطائرة؛ وتربض بأرباضه آساد تحمي تلك الآجام، وتفوّق من قسيّه سهام تصمي مفوّقات السّهام؛ تعطيه الملوك الجزية عن يد وهم صاغرون، ويصطفي كرام أموالهم وهم

صابرون لا مصابرون؛ كم شكت منه حماة تثني بنكرها قلّة الإنصاف، وكم خافته معرّة وما من معرّة خاف؛ ما زالت أيدي الممالك تمتدّ إلى الله بالدعاء عليه تشكو من جور جواره تلك الحصون والصّياصي، وتبكي بمدمع نهرها من تأثير آثاره مع عصيانها وناهيك بمدمع العاصي؛ حتّى نبّه الله ألحاظ سيوف الإسلام من جفونها، ووفّى النّصرة ما وجب من ديونها؛ وذاك بأنّا قصدنا فسيح ربعه، ونزلنا ونازلنا محميّ صقعه، وختمنا بنصالنا على قلبه وسمعه؛ وله مدن حوله خمس هو كالراحة وهي كالأنامل، وتكاد بروجه ترى كالمطايا المقطّرة وهي منها بمنزلة الزّوامل «1» ؛ ما خيّمنا به حتّى استبحنا محميّ تلك المدائن المكنيّ عنها بالأرباض، وأسحنا بساحاتها بحرا من الحديد ما اندفع حتّى فاض؛ وأخذنا الثّقوب في أسوار لا تنقض ولا ينقضّ بنيانها المرصوص، ولا تقرأ المعاول ما لخواتم أبراجها من نقوش الفصوص؛ ونصبنا عليها عدّة مجانيق حملت في شواهق الجبال، على رؤوس الأبطال؛ فتغيّظت السّمهريّة «2» أنّ الذي تقوم به هذه تلك به لا تقوم، وأنّ ما منها إلا له من الأيدي والرّؤوس مقام معلوم؛ وصار يرمي بها كلّ كميّ مختلس، وأروع منتهس «3» ، وكلّ ليث غابة يحميها وتحميه. فشكرا لأسود حتّى غاباتها تفترس؛ إلى أن جئت أسوارها على الرّكب، وكانت سهام مجانيقها تميل من العجب فصارت تميد من العجب، وكانت تطلب فصارت تهرب من الطّلب؛ واشتدّ الأمر على الكفّار فقاتلوا قتالا أقضّ مضاجع الأسلحة، وأطار حجارة مجانيقهم بغير أجنحة، وأشجى بشجو النّصول المترنّمة على غصون السّهام المترنّحة؛ هذا وأهل الإيمان يتلقّون ذلك كلّه بصبر يستطعمون منه شهدا، وإقدام يتلقّى صدى الحديد بأكباد ما زالت إلى موارده قصدا؛ يقتحمون نار الحرب التي كلّما أوقدوها أطفأها الله وقال يا نار كوني بردا، والبلاد الفرنجيّة قد غضّت منها الأبصار وخشعت القلوب،

واعتقد كلّ منها في نفسه أنه بعد هذا الحصن المطلوب؛ فهذه تودّ لو أكنّتها البحار تحت جناح أمواجها، وهذه لو أسبلت الرياح العواصف عليها ذيول عجاجها؛ وهذه لو اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار، وهذه لو خسف بها الثّرى وعفت منها الآثار؛ وذلك لما بلغهم وشاهدوه من ويل حلّ بأهل هذا الحصن المنيع، ومن فتك أمحل ربعه المريع، وضيّق مجاله الوسيع؛ وقراع أضجر الحديد من الحديد وا لأبطال لم تضجر، ونضال أسهر كلّ جفن حتّى جفون السيوف لأنا عوّدناها مثل جفوننا أن تسهر؛ فكم شكت النّقوب من مناكبهم زحاما، والشّرفات من ترقّبهم التزاما، والرّقاب من سيوفهم اقتساما؛ وكم حمدت التجارب من رأيهم شيخا وحمد الأقدام من ثبوتهم غلاما؛ قد دوّخوا البلاد فلا موطن إلا لهم به معركة، وأرملوا الحلائل فلا مشرك إلا وقد أرمل من مشركة، وأزعجوا الكفر فلا قلب إلا به منهم خوف ولا سمع إلا لهم به حركة، وملأوا الأرض كثرة وكيف لا يكّثر الله جمعا للإسلام جعل الله فيه بركة. وكتابنا هذا والمولى بحمد الله أحقّ من هنّيء بهذا الفتح الذي تثني على كتاب بشائره الحقائب، وتجري إلى سماع أخباره الركائب، وتتزاحم على المسير تحت البرد الواصلة به متون الصّبا وظهور الجنائب «1» ؛ وإذا ذكرت ملاحمه، قال كلّ: هذا كتاب أم كتيبة تلوح، وإذا شوهدت حمرة طرسه قيل: وهذا ما صبغته في اليد المعلّمة عليه دم الكفر السمفوح، وينعم- أعز الله نصره- بالإعلان بهذا النبإ الحسن الذي تستروح إليه الأسماع، وتسرّ بالأفهم به أخوات هذا الحصن من مدنه ومن قلاعه العظيمة الامتناع؛ فإنه ما برح الأخ يفرح بأخيه، وإذا كان الهناء عظيما اشترك كلّ شيء فيه، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة كتاب آخر إلى صاحب اليمن من هذا الأسلوب: كتب به

الفاضل محيي الدين بن عبد الظاهر أيضا، عن الملك المنصور قلاوون، جواب تعزية أرسلها إليه في ولده الملك الصالح في ورق أزرق؛ وكانت العادة أن تكون في ورق أصفر. ونصها بعد البسملة. أعز الله تعالى نصرة المقام إلى آخر الألقاب، وأحسن بتسليته الصبر على كل فادح، والأجر على كلّ مصاب قرح القرائح وجرح الجوانح؛ وأوفد من تعازيه كلّ مسكّن طاحت به من تلقاء صنعاء اليمن الطّوائح؛ وكتب له جزاء التصبّر عن جار من دمع طافح، على جار لسويداء القلب صالح. المملوك يخدم خدمة لا يذود المواصلة بها حادث، ولا يؤخّرها عن وقتها أمر كارث، ولا ينقضها عن تحسينها وترتيبها بواعث الاختلاف ولا اختلاف البواعث؛ ويطلع العلم الكريم على ورود مثال كريم، لولا زرقة طرسه وزرقة لبسه لقال: وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ «1» . تتضمّن ما كان حدث من رزء تلافى الله بتناسيه، وتوافى بعود الصبر فتولّى التسليم تليين تقاسيه وتمرين قاسيه؛ فشكرنا الله تعالى على ما أعطى وحمدناه على ما أخذ، وما قلنا: هذا جزع قد انتبه إلا وقلنا هذا تثبّت قد انتبذ، ولا توهّمنا أنّ فلذة كبد قد اختطفت إلا وشاهدنا حولنا من ذرّيتنا والحمد لله فلذ؛ وأحسنّا الاحتساب، ودخلت الملائكة علينا من كل باب، ووفّانا الله عز وجلّ أجر الصابرين بغير حساب؛ ولنا- والشكر لله- صبر جميل لا نأسف معه على فائت ولا نأسى على مفقود، وإذا علم الله سبحانه حسن الاستنابة إلى قضائه، والاستكانة إلى عطائه، عوّض كلّ يوم ما يقول المبشّر به: هذا مولى مولود. وليست الإبل بأغلظ أكبادا ممن له قلب لا يبالي بالصّدمات كثرت أو قلّت، ولا بالتّباريح حقرت أو جلّت، ولا بالأزمات إن هي توالت أو توّلت، ولا بالجفون إن ألقت بما فيها من الدّموع والهجوع وتخلّت؛ ويخاف من الدّهر من لا حلب أشطره، ويأسف على الفائت من لا بات بنبإ الخطوب الخطرة؛ على أنّ الفادح

بموت الولد الملك الصالح- رضي الله عنه- وإن كان منكيا، والنافح بشجوه وإن كان مبكيا، والنائح بذلك الأسف وإن كان لنار الأسف مذكيا، فإن وراء ذلك من تثبيت الله عز وجلّ ما ينسفه نسفا، ومن إلهامه الصبر ما يجدّد لتمزيق القلوب أحسن ما به ترفى. وبكتاب الله تعالى وبسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم عندنا حسن اقتداء يضرب عن كلّ رثاء صفحا، وما كنّا مع ذلك- والمنة الله- نصغي لمن يؤنّب ويؤبّن أذنا، ولا نعيرها لمن يلحا إذ الولد الذاهب في رضوان الله تعالى سالكا طريقا لا عوج فيها ولا أمتا «1» ، وانتقل سارّا بارّا صالحا صالحا وما هكذا كلّ الموتى نعيا ونعتا، ولئن كان نفعنا في الدنيا فها نحن بالصّدقات والترحّم عليه ننفعه، وإذا كان الولد عمل أبيه وقد رفع الله تعالى روح ولدنا إلى أعلى علّيّين تحقّق أنه العمل الصالح يرفعه؛ وفيما نحن بصدده من اشتغال بالحروب، ما يهوّن ما يهول من الكروب؛ وفيما نحن عاكفون عليه من مكافحات الأعداء ما بين المرء وقلبه يحول، بل عن تخيّل أسف في الخاطر يجول. إذا اعتاد الفتى خوض المنايا ... فأهون ما تمرّ به الوحول! فلنا بحمد الله تعالى ذرّية دريّة، وعقود والشكر لله كلّها درّيّة. إذا سيّد منهم خلا قام سيّد ... قؤول لما قال الكرام فعول! ما منهم إلا من نظر سعده ومن سعده ينتظر، ومن يحسن أن يكون المبتدأ وأن يسدّ حاله بكفالته وكفايته مسدّ الخبر، (والشمس طالعة إن غيّب القمر) ؛ لا سيما من الذي يراد «2» هو صلاحه أعرف، ومن إذا قيل لبناء ملك هذا عليه قد وهي قيل هذا خير منه من أعلى بناء سعد أشرف. وعلى كل حال لا عدم إحسان العمل الذي يتنوّع في برّه؛ ويعاجل قضاء الحقوق فيساعف مرسومه في توصيله طاعة بحره وبرّه؛ وله الشكر على مساهمة المولى في الفرح والتّرح، ومشاركته في

الأسلوب الرابع (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «أعز الله تعالى أنصار المقام الشريف العالي» وعليها كان الأمر في أول الدولة التركية)

الهناء إذا سنح وفي الدمع إذا سفح؛ وما مثل مكارم المولى من يعزب ذلك عن علمها، ولا يعزى إلى غير حكمها وحلمها؛ وهو- أعزه الله- ذو التّجارب التي مخضت له من هذه وهذه الزّبدة، وعرضت عليه منها الهضبة والوهدة. والرغبة إلى الله تعالى أن يجعل تلك المصيبة للرّزايا خاتمة، كما لم يجعلها للظّهور قاصمة؛ وأن يجعلها بعد حمل هذا الهمّ وفصاله على عليه فاطمة، وأن يحبّب إلينا كلّ ما يلهي عن الأموال والأولاد، من غزو وجهاد، وأن يخوّلنا فليس يحدّ لدينا على مفقود تأدّبا مع الله عز وجل غير السيوف فإنها تعرف بالحداد، وأن لا تقصف رماحنا إلا في فود أو فؤاد، ولا تحوّل سروج خيلنا إلا من ظهر جواد في السّرايا إلى ظهر جواد، وأن لا تشق لدينا إلا أكباد النادّ «1» ، ولا تجز غير شعور ملوك التتار تتوّج بها رؤوس الرماح ويصعد بها على قمم الصّعاد؛ والله تعالى يشكر للمولى سعي مراثيه التي لولا لطف الله بما صبّرنا به لأقامت الجنائز، واستخفّت النحائز «2» ، ولأهوت بالنّفوس في استعمال الجائز من الأسف وغير الجائز، ولا شغل الله لبّ المولى بفادحه، ولا خاطره بسانحة من الحزن أو بارحه، ولا أسمعه لغير المسرّات من هواتف الإبهاج صادحه، إن شاء الله تعالى. الأسلوب الرابع (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «أعزّ الله تعالى أنصار المقام الشريف العالي» وعليها كان الأمر في أوّل الدولة التركية) وهذه نسخة كتاب من ذلك، كتب بها عن الملك المظفّر قطز «3» - وصاحب

اليمن يومئذ المنصور- بالبشارة بهزيمة التّتار. وأظنها من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، وهي: أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الشريف العالي، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، المنصوريّ، وأعلى مناره، وضاعف اقتداره؛ تعلمه أنه لما كان النّصف من شهر رجب الفرد، فتح الله تعالى بنصر المسلمين على أعداء الدين: من كلّ من لولا تسعّر بأسه ... لا خضرّ جودا في يديه الأسمر فصدرت هذه التهنئة إليه راوية للصدق عن اليوم المحجّل الأغر: يوم غدا بالنّقع فيه يهتدي ... من ضلّ فيه بأنجم المرّان «1» ففي أذن الدهر من وقعه صمم، وفي عرنين البدر من نقعه شمم؛ ترفعه رواة الأسل عن الأسنّة، ويسندة مجرّ العوالي عن مجرّ الأعنّة، أما النصر الذي شهد الضرب بصحّته، والطعن بنصيحته، فهو أن التتر خذلهم الله تعالى استطالوا على الأيام، وخاضوا بلاد الشام، واستنجدوا بقبائلهم على الإسلام: سعى الطّمع المردي بهم لحتوفهم ... ومن يمسكن ذيل المطامع يعطب فاعتاضوا عن الصحة بالمرض، وعن الجوهر بالعرض؛ وقد أرخت الغفلة زمامهم، وقاد الشيطان خطامهم «2» ؛ وعاد كيدهم في نحورهم: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ

كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً «1» رامو الأمور فمذ لاحت عواقبها ... بضدّ ما أمّلوا في الورد والصّدر، ظلّوا حيارى وكأس الموت دائرة ... عليهم شرعا في الورد والصّدر! وأضعف الرّعب أيديهم فطعنهم ... بالسّمهريّة «2» مثل الوخز بالإبر! لا جرم أنّهم لسنّ النّدم قارعون، وعلى مقابلة إحساننا بالإساءة نادمون. تدرّعوا بدروع البغي سابغة ... والمرء يحصد من دنياه ما زرعا! فأقلعت بهم طرائق الضّلال، وسارت مراكب أمانيّهم في بحار الآمال؛ فتلك آمال خائبة، ومراكب للظّنون عاطبة؛ وأقلعوا في البحر بمراكبه، والبرّ بمواكبه؛ وساروا وللشيطان فيهم وساوس، تغرّهم أمنيّة الظّنون الحوادس؛ فما وسوس الشيطان كفرا إلا وأحرقه الإيمان بكوكب ... «3» .... هذا وعساكر المسلمين مستوطنة في مواطنها، جاذية «4» عقبانها في وكور ظباها، رابضة آسادها في غيل «5» أقناها «6» ، وما تزلزل لمؤمن قدم إلا وقدم إيمانه راسخة، ولا ثبتت لأحد حجة إلا وكانت الجمعة لها ناسخة؛ ولا عقد [ت] برجمة «7» ناقوس إلا وحلّها الأذان، ولا نطق كتاب إلا وأخرسه القرآن؛ ولم تزل أخبار المسلمين تنتقل إلى الكفّار، وأخبار الكفّار تنتقل إلى المسلمين إلى أن خلط الصّباح فضّته بذهب

الأصيل، وصار اليوم كأمس، ونسخت آية الليل بسورة الشمس؛ واكتحلت الأعين بمرود السّبات، وخاف كلّ من المسلمين إصدار البيات «1» . ينام بإحدى مقلتيه ويتّقي ... بأخرى الأعادي، فهو يقظان نائم! إلى أن تراءت العين بالعين، واضطرم نار الحرب بين الفريقين؛ فلم تر إلا ضربا يجعل البرق نضوا، ويترك في بطن كلّ من المشركين شلوا؛ حتّى صارت المفاوز دلاصا «2» ؛ ومراتع الظّبا للظّبا عراصا «3» ؛ واقتنصت آساد المسلمين المشركين اقتناصا، ورأى المجرمون النار فظنّوا أنّهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مناصا؛ فلا روضة إلا درع ولا جدول إلا حسام، ولا غمامة إلا نقع ولا وبل إلا سهام؛ ولا مدام إلا دماء ولا نغم إلا صهيل، ولا معربد إلا قاتل ولا سكران إلا قتيل؛ حتّى صار كافور الدّين شقيقا، وتلوّن الحصباء من الدّماء عقيقا؛ وضرب النقع في السماء طريقا، وازدحمت الجنائب في الفضاء فجعلته مضيقا؛ وقتل من المشركين كلّ جبّار عنيد، ذلك بما قدّمت أيديهم وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ «4» . قلت: وهذه النسخة تلقّفتها من أفواه بعض الناس، ذكر أنه وجدها في بعض المجاميع فحفظها منه، وهي في غاية من البلاغة، إلا أنها لا تخلو من تغيير وقع في بعض أماكنها، ولعله من الناقل لها، من حيث إنه ليس من أهل هذه الصناعة. ولم يسعني ترك إيرادها لما فيها من المحاسن، ولانفرادها بأسلوب من الأساليب التي

الأسلوب الخامس (وهو ما جرى عليه في «التثقيف» أن تفتتح المكاتبة بلفظ أعز الله تعالى أنصار المقام العالي)

كتب بها إلى ملوك اليمن؛ فأورتها على ما هي عليه، وجزى الله خيرا من ظفر لها بنسخة صحيحة فقابلها عليها وصحّحها وأصلح ما فيها. الأسلوب الخامس (وهو ما جرى عليه في «التثقيف» أن تفتتح المكاتبة بلفظ أعزّ الله تعالى أنصار المقام العالي) صدره على ما ذكره في «التثقيف» أعزّ الله تعالى أنصار المقام العالي، السلطانيّ، الملكي، الفلاني، الفلاني، مثل أن يقال: الأفضليّ السيفيّ؛ ثم الدعاء؛ ثم يقال: أصدرناها وتبدي لعلمه الكريم كذا وكذا. قال في «التثقيف» والمكاتبة إليه في قطع النصف والطلب منه «والقصد من المقام العالي» وخاتمة الكتاب بالدعاء، والعلامة «أخوه» وتعريفه «صاحب اليمن» . وفي دستور المقرّ الشهابيّ بن فضل الله أنّ خطابه يكون بالمقام العالي. وهذه نسخة كتاب إليه، ذكر المقرّ الشهابي بن فضل الله في تذكرته أنه أنشأها جوابا عن هديّته ولم يكتب بها إليه، وهو يومئذ الملك المجاهد سيف الدين عليّ «1» بن داود. أعزّ الله تعالى أنصار المقام العالي، ولا زالت مكارمه تخصّ من كلّ نوع بأحسنه، وتتحف بأزيده وأزينه، وتجلب كلّ غريب الديار من وطنه، وتمنح من السّوابق بما تمتدّ المجرّة في رسنه، ومن المحاسن بما يملي على (عليّ)

أوصاف حسنه، ويعرب عن الفرس والسيف والرمح بأطيب لحن في نصبه وجرّه ورفعه. صدرت إلى المقام العالي أعزّ الله جانبه تصل بوداده، وتصف حبّا علق بفؤاده؛ وتعرّض ببرحاء يمنيّة أحلام الكرى طمعا أن يرى طيفه في رقاده. وتبدي أن كتابه الكريم ورد جالبا لدرّ مننه، جالبا لليمن من يمنه، نافحا بالطّيب من عدنه، ناقدا من قوّة السيوف بما لا يدّعيه ابن ذي يزنه؛ فتؤمّل ما حوى من كرم لا يجارى، ونعم تملأ البرّ برّا والبحار بحارا؛ وأبدع في الهبة التي قدر «1» مهديها، وقدّر فيها من التّحف ما لا يوجد إلا فيها؛ وجاء بكلّ ما يستعين به المرابط، وتهتزّ به الخزائن والمرابط؛ وتفتخر من الرّماح بكل معتدل قاسط، وبما يردي العدا من أسنّته بكلّ نجم هابط. كم لها من فعل جميل لا يشارك، وكم قال طعين: إنّ لها كعبا مدوّرا وما قدر الطاعن أن يقول إلا أنها كعب مبارك. ومن السّيوف بما لا يطبع النهر في نصله، ولا يطمع البرق في مناضلة مثله، ولا يطمح الهلال أن يستقيم على شكله؛ كم أخمدت أنفاسا ولها التهاب، ولمعت من نواحي الغمود كما نصلت أنمل من خضاب. ومن الخيل بما ترقص في أعنّتها، وتفتخر على البدور بأنها تدوس على أهلّتها: من كلّ أشهب «2» يحسن ابتدارا، ويحسب قمرا قد تكمّل إبدارا، ويطلع في كلّ ناحية نهارا جهارا. وأدهم «3» قد غصب الظلام، واستدارت غرّته فأسفر وجهه تحت برقع من لئام. وأحوى «4» أخضر الجلدة من بيت للعرب، قد حوى من الروض ما سلب. وكميت «5» ينضو النقع وهو سبوق، وتقدّم في ميادينه

فجاء مضمّخا بالخلوق. وأشقر قد كشف البرق عذاره، وأطار الرّكض منه شراره؛ ومعها كلّ فيل كأنّه غمام تبدّى، أو ملك مفدّى، بخرطوم يرتدّ كالصّولجان، ويمتدّ كالأفعوان، ويهول منظره كأنه من تمام الخلق بنيان، ويتحرّك فتحسبه كمّ راقصة تشير به إلى النّدمان؛ تقشعرّ منها الجلود، وتقتل نفسها بنيران الحقد محافظة على عهود الهنود؛ كم أحسنت بخراطيمها لها من صدورها الضيّقة مخرجا، وأضاءت فروجها بين أنيابها طرّة صبح تحت أذيال الدّجى؛ وزرافة، لها إنافة، كأنّها شفق بينه نجوم، أو بروق تكلّلت بقطر الغيوم؛ لها في المدخل على القلوب حذاقة، وولوج من باب ودخول من طاقة. وحمارة وحشيّة جاءت بوصف الرّبيع في اعتدال الليل والنّهار، وجمعت الهالات والأقمار، ودلّت على أصل كريم تفتّحت في فروعه الأزهار، وحكت بخطوطها الدّوح مما تراكم ظلّه فأظلم وانفرج فأنار. ونمر يؤلف على نفاره، ويسبح ليله في أنهار نهاره؛ يتدفّق في مثل أنبوب القناة المضطمر «1» ، ويصدّق من شبّه ركود الرّبا على الرّمال بقطعة من جلدة النّمر. وقطّ الزّباد «2» الذي لا تحكيه الأسود في صورها، ولا تسمح غزلان المسك بما يخزنه من عرفه «3» الطيّب في سررها؛ كم تنقّل في بيوت وطابت موطنا، ومشى من دار أصحابه فقالوا: ربّنا عجّل لنا قطّنا؛ وكذلك من الطّيب، ما يطيب، وما يزور بنفحه الحبيب؛ قد بعث أكبره، وأفاد أكثره، واستخدم المتنعّمون به صندله وكافوره وعنبره. وغير هذه الأنواع مما جاد بإرساله، وأتى من كلّ بديع به وبأمثاله؛ فقوبلت بالقبول هذه التّحف، وأكرمت إكرام من لها عرف و [بها] اعترف؛ وحمد سحابه الذي تسرّعت مواطره، وبعثت من طرفها بالروض وما تنوء عنه أزاهره، وشرعت بما اتّصلت بمصر أوائله وباليمن أواخره؛ والله تعالى يشكر هممه التي تعالت، وشيمه العلويّة التي لأجلها المحامد قد توالت. وقد جهّزنا له

من التّحف المنعم بها ما أمكن تعجيل حمله، وجرت عوائد ملوك الأقاليم بالتشريف من خزائننا العالية بمثله؛ وحمّلنا رسله من السلام ما تعبق به الفجاج، وتعذب به البحار وهي ملح أجاج. والمراد منه أن يواصل بمكاتباته التي تتناوب الصّدور، وتنوب عن لمحة البدور، وتؤوب بما تقدم به من السرور؛ والله تعالى يديم لسلطانه التأييد، ولملكه التأييد، ولاقتداره ما به تعزّ تعزّ «1» وتميد زبيد «2» . إن شاء الله تعالى. فائدة- المكاتبة إلى صاحب اليمن عن وليّ العهد بالسلطنة كالمكاتبة إليه عن السلطان نفسه في جميع المكاتبة على السّواء. وعلى ذلك كتب القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر عن «الأشرف خليل ابن قلاوون» قرين كتاب أبيه المنصور قلاوون إلى صاحب اليمن، بالبشرى بفتح طرابلس. وهذه نسخته: أعزّ الله تعالى نصرة المقام! وأوفد عليه كلّ بشرى أحسن من أختها، وكلّ تهنئة لا يجلّيها إلا هو لوقتها؛ وكلّ مبهجة يعجز البنان والبيان عن ثبتها ونعتها، وتتبلّج فتودّ الدّرر والدّراريّ لو رقت هذه إلى ترقّيها وسمت هذه إلى سمتها. وصبّحه منها بكل هاتفة أسمع من هواتف الحمائم، وبكل عارفة أسرع من عوارف الزّهر عند عزائم النّسائم؛ وبكلّ عاطفة أعنّة الإتحاف بالإيجاف الذي شكرت الصّفاح منه أعظم قادر والصحائف أكرم قادم؛ والغزو الذي لا يخصّ تهامة ببشراه بل جميع النّجود والتّهائم، وذوي الصّورام والصّرائم «3» ، وأولي القوى والقوائم، وكلّ ثغر عن ابتهاج الإسلام باسم، وكلّ برّ برّ بتوصيل ما ترتّب عليه من ملاحم؛

وكلّ بحر عذب يمون كلّ غاز لا يحبس عن جهاد الكفّار في عقر الدّار الشّكائم، وكلّ بحر ملح كم تغيّظ من مجاورة أخيه لأهل الشرك ومشاركتهم فيه فراح وموجه المتلاطم. المملوك يخدم خدمة يقتفي فيها أثر والده، ويجري في تجميلها على أجمل عوائده، ويستفتح فيها استفتاحا تحفّ به من هنا ومن هنا تحف محامده، ويصف ولاء قد جعله الله أجمل عقوده وأكمل عقائده؛ ويشفعها بإخلاص قد جعله ميله أحسن وسائله وقلبه أزين وسائده؛ ويطلع علمه على أن من سجايا المتعرّضين إلى الإعلان بشكر الله تعالى في كلّ ما يعرض للمسلمين من نصر، ويفترض لهم من أجر غزو كم قعد عنه ملك فيما مضى من عصر؛ أن يقدروا هذه النعمة حقّ قدرها من التحدّث بنعمتها، والتنبيه بسماع نغمتها، وإرسال أعنّة الأقلام بها في ميادين الطّروس، وإدارة حرباء وصف حرّ حرب (؟) إلى مواجهة خير الشّموس. ولما كانت غزوات مولانا السلطان ملك البسيطة الوالد خلّد الله سلطانه قد أصبحت ذكرى للبشر، ومواقفه للنصركم جاءت هي والقدر على قدر؛ وقد صارت سيرها وسيرها هذه شدو في الأسمار، وهذه جادّة تستطيب منها حسن الحدو السّفّار؛ فكم قاتلت من يليها من الكفّار، وكم جعلت من يواليها وهو منصورها منصورا بالمهاجرين والأنصار. ولمّا أذلّ الله ببأسها طوائف التّتار في أقاصي بلاد العجم، وجعل حظّ قلوبهم الوجع من الخوف ونصيب وجوههم الوجم؛ وأخلى الله من نسورهم الأوكار ومن أسودهم الأجم، وقصّرت بهم هممهم حتّى صاروا يخافون الصّبح إذا هجم، والظّنّ إذا رجم؛ وصارت رؤية الدماء تفزعهم فلو احتاج أحدهم لتنقيص دم لمرض لأجنح من خوفه وما احتجم. وأباد الله الأرمن فحل بالنّبيل منهم الويل، وما شمّر أحد من الجنود الإسلاميّة عن ساعد إلا وشمّر هو من الذّلّ الذيل؛ ولا أثارت الجياد من الخيل عثيرا منعقدا إلا وظنّوه مساء قد أقبل أو ليل، وانتهت نوبة

القتل بهم والإسار إلى التكفور ليفون «1» ملك الأرمن الذي كان يحمي سرحهم، ويمرّد صرحهم، ويستنطق هتف التّتار ويسترجع صدحهم؛ وتعتزّ طرابلس الشام بأنّه خال ابرنسها «2» الكافر، ولسان شورته السّفير ووجه تدبيره السّافر. وطالما غرّ وأغرى، وأجرّ وأجرى وضرّ وأضرى؛ فلما توكّل مولانا السلطان وعزم فتوكّل، وتحقّق أنّ البلاء به قد نزل وما تشكّك أنّ ذلك في ذهن القدر قد تصوّر وتشكّل؛ وأنّ يومه في الفتك سيكون أعظم من أمنيّته، وأعظم منهما معاداة غده، وأنّ نصر الله لن يخلفه صادق وعده؛ أكل يده ندامة على ما فرّط في جنب الله وساق الحتف لنفسه بيده، فعمر الله بروحه الخبيثة الدّرك الأسفل من النار، وسقاه الحتف كأسا بعد كأس لم يكن لهما غير الملك من خمّار. وكانت طرابلس هي ضالّة الإسلام الشّريدة، وإحدى آبقاته «3» من الأعوام العديدة؛ وكلما مرّت شمخت بأنفها، وتأنّقت في تحسين منازه منازهها وتزيين ريحانها وعصفها «4» ، ومرّت وهي لا تغازل ملكا بطرفها، وكلّما تقادم عهدها تكثّرت بالأفواج والأمواج من بين يديها ومن خلفها إذ البحر لها جلباب والسّحاب لها خمار، وليس لها من البرّ إلا بمقدار ساحة الباب من الدار؛ كأنها في سيف ذلك البحر جبل قد انحطّ، أو ميل استواء قد خرج عن الخطّ، وما قصد أحد شطّها بنكاية إلّا شطّ واشتطّ. قدّر الله تعالى أن صرف مولانا السلطان إليها العنان، وسبق جيشه إليها كلّ خبر و «ليس الخبر كالعيان» ، وجاءها بنفسه النفيسة والسعادة قد حرسته عيونها وتلك المخاوف كلّها أمان، وقد اتّخذ من إقدامه عليها خير حبائل ومن مفاجأته لها أمدّ عنان؛ وفي خدمته جنود لا تستبعد مفازه، وكم راحت

وغدت وفي نفسها للأعداء حزازه؛ فامتطوا بخيولهم من جبال لبنان تيجانا لها صاغتها الثّلوج، ومعارج لا مرافق بها غير الرياح الهوج؛ وانحطّت تلك الجيوش من تلك الجنادل، انحطاط الأجادل؛ واندفعوا في تلك الأوعار، اندفاع الأوعال؛ ولم يحفل أحد منهم بسرب لاصق، ولا جبل شاهق؛ فقال: أهذا منخفض أو عال، وشرعوا في التحصيل لما يوهي ذلك التحصين، وابتنى كلّ سورا أمام أسوارها من التدبير الحسن والرأي الرّصين؛ فما لبثوا إلا بمقدار ما قيل لهم دونكم والاختطاب، ونقل المجانيق على الخيل وعلى الرقاب؛ حتّى جرّوها بأسرع من جرّ النّفس، وأجروها على الأرض سفائن وكم قالوا: السّفينة لا تجري على يبس؛ وفي الحال نقلت إليها فرأوا من متوقّلها من يمشي بها على رجلين ومنهم من يمشي على أربع، ووجّهت سهامها وجوهها إلى منافذها فما شوهدت منها عين إلا وكان قدّامها منها إصبع؛ وألقيت العداوة بين الحجارة من المجانيق والحجارة من الأسوار، فكم ثقبت ونقبت عن فلذة كبدها، عن «1» وأوقدت نيران المكايد ثمّ فكم حولها من صافن ومن صافر، وكم رمتهم بشرر كالقصر فوقع الحافر كما يقال على الحافر؛ وما برحت سوق أهل الإيمان في نفاق، على أهل النّفاق، وأكابرهم تساق، أرواحهم الخبيثة إلى السّاق. وكان أهل عكّا قد أنجدوهم من البحر بكل برّ، ورموا الإسلام بكل شرر وبكل شرّ؛ فصار السهم الذي يخرج بها لا يخرج إلا مقترنا بسهام، وشرفات ذلك الثغر كالثّنايا ولكنها لكثرة من بها لا تفترّ عن ابتسام. وما زالت جنود الإسلام كذلك، ومولانا السلطان لا ترى جماعة مقدمة ولا متقدّمة إلا وهو يرى بين أولئك. واستمرّ ذلك من مستهلّ ربيع الأوّل إلى رابع ربيع الآخر، فزحف إليها في بكرة ذلك النهار وهو الثّلاثاء زحفا يقتحم كلّ هضبة ووهدة، وكلّ صلبة وصلدة؛ حتّى أنجز الله وعده، وفتحها المسلمون مجازا وفي

الجملة الثانية (في المكاتبات إلى عرب البحرين ومن انضاف إليهم)

الحقيقة فتحها وحده؛ وطلعت سناجق الإسلام الصّفر على أسوارها، ودخلت عليهم من أقطارها، وجاست الكسابة إلى ديارها؛ فاحتازها مولانا السلطان لنفسه ملكا، وما كان يكون له في فتحها شريك وقد نفى عنها شركا؛ وكلّما قيل هذه طرابلس فتحت قال النصر لمن قتل فيها من النّجد الواصلة: وأكثر عكّا وأهل عكّا؛ وأعاد الله تعالى بها قوّة الكفر أنكاثا، فكان أخذها من مائة سنة وثمانين سنة في يوم ثلاثا، واستردّت في يوم الثّلاثا. ولما عمّت هذه البشائر، وكل بها مولانا السلطان إلى من يستجلي حسان هذه العرائس، ويستحلي نفيس هذه النّفائس. سيّر مولانا السلطان إلى المولى كلّ بشرى تقعقع بها البريد، لتتلى بأمره على كلّ من ألقى السمع وهو شهيد؛ وكما عمّ السرور بذلك كلّ قريب قصد أن يعمّ الهناء كلّ بعيد. وأصدر المملوك هذه الخدمة يتجرّب بين يديه نجواها، ويتوثّب بعد هذه الفاتحة المباركة لكلّ سانحة يحسن لدى المولى مستقرّها ومثواها؛ لا برح المقام العالي يستبشر لكماة الإسلام بكلّ فضل وبكل نعمى، ويفرح بسرح الكفر إذا انتهك وبسفح الملك إذا يحمى، وبسمع الشّرك إذا يصمّ وبقلبه إذا يصمى؛ والله الموفق. الجملة الثانية (في المكاتبات إلى عرب البحرين ومن انضاف إليهم) قد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية أنّ بلاد البحرين لم تزل بيد العرب، وأنها صارت الآن بيد بني عقيل- بضم العين- من بني عامر بن صعصعة، من هوازن، من قيس عيلان، من العدنانية. قال في «التعريف» : ومنهم قوم يصلون إلى باب السلطان وصول التّجّار، يجلبون جياد الخيل وكرام المهاري واللّؤلؤ وأمتعة من أمتعة العراق والهند، ويرجعون بأنواع الحباء والإنعام والقماش والسّكّر وغير ذلك؛ ويكتب لهم بالمسامحة فيردون

ويصدرون. قال: وبلادهم بلاد زرع وضرع، وبرّ وبحر، ولهم متاجر مربحة، وواصلهم إلى الهند لا ينقطع، وبلادهم ما بين العراق والحجاز، ولهم قصور مبنيّة، وآطام عليّة، وريف غير متّسع، إلى ما لهم من النّعم والماشية، والحاشية والغاشية؛ إلا أنّ الكلمة قد صارت بينهم شتّى، والجماعة متفرّقة. وقد سبق الكلام على بلادهم مستوفى في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك. قال في «التعريف» : ورسم المكاتبة إلى كبرائهم «الساميّ» بالياء. والعلامة الشريفة «أخوه» ثم ما دون ذلك لمن دونهم. واعلم أنه في «التثقيف» قد جمع بين عرب البحرين وعرب البصرة وما والى ذلك، وجعل المكاتبة إليهم على ثلاث مراتب. المرتبة الأولى- من يكتب إليه «الساميّ» بالياء والعلامة الاسم، وذكر أنّ بها يكاتب أميرهم، وسماه حينئذ «صدقة بن إبراهيم بن أبي دلف» وأن تعريفه فلان بن فلان. وذكر في رتبته في المكاتبة يومئذ محمد بن مانع، وأخوه حسين بن مانع، وعليّ بن منصور. المرتبة الثانية- من يكتب إليه «الساميّ» بغير ياء والعلامة الاسم. وذكر منهم بدران بن مانع- روميّ بن أبي دلف- زين بن قاسم- يوسف بن قاسم، سعيد بن معدي- راشد بن مانع- عيسى بن عرفة- ظالم بن مجاشع- إسماعيل ابن صواري- كلبي بن ماجد بن بدران- مانع بن عليّ- مانع بن بدران. المرتبة الثالثة- من يكتب إليه «مجلس الأمير» والعلامة الاسم. وعدّ منهم جماعة، وهم عظيم بن حسن بن مانع- موسى بن أبي الحسن- سعد بن مغامس- زيد بن مانع- هلال بن يحيى- معمر بن مانع- محمد بن خليفة. قلت: وحاصل ما ذكره في «التعريف» و «التثقيف» أنّ جملة المكاتبة إليهم لا تجاوز المراتب الثلاث المذكورة، والكاتب يستخبر أخبارهم في المقدار، وينزل كلّ واحد منهم على قدر مرتبته من ذلك كما في الأسماء المتقدّمة الذكر.

المهيع الرابع (في المكاتبة إلى صاحب الهند والسند)

المهيع الرابع (في المكاتبة إلى صاحب الهند والسّند) وقد ذكر في «التعريف» أن صاحبه في زمانه كان اسمه أبا المجاهد محمد بن طغلقشاه «1» ثم قال: وهو أعظم ملوك الأرض شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، وبرّا وبحرا، وسهلا وقفرا؛ وأن سمته في بلاده «الإسكندر الثاني» ثم قال: وتالله إنه يستحقّ أن يسمّى بذلك ويوسم به: لاتّساع بلاده، وكثرة أعداده، وغزر أمداده؛ وشرف منابت أرضه، ووفور معادنه، وما تنبته أرضه، ويخرجه بحره. ويجبى إليه، ويرد من التّجّار عليه. وأهل بلاده أمم لا تحصى، وطوائف لا تعدّ. ثم حكى عن قوم ثقات منهم قاضي القضاة سراج الدين الهنديّ الحنفيّ، وهو يومئذ مدرّس البيدمريّة بالقاهرة، والتاج البزّي، والشيخ مبارك الأنبايتيّ: أن عسكر

هذا السلطان نحو التسعمائة ألف فارس، وعنده زهاء ألفي فيل يقاتل عليها، وخلق من العبيد تقاتل رجّالة مع سعة الملك والحال، وكثرة الدّخل والمال، وشرف النّفس والإباء، مع الاتّضاع للعلماء والصّلحاء؛ وكثرة الإنفاق، وعميم الإطلاق؛ ومعاملة الله تعالى بالصّدقة، وإخراج الكفاية للمرتزقة؛ بمرتّبات دائمة، وإدرارات متّصلة؛ بعد أن حكى عن رسوليه دميرخوان «1» وافتخار ما قال: إنه لو سكنت النفوس إلى براءتهما من التعصب [فيه] لحكى منه العجائب، وحدّث عنه بالغرائب؛ ثم ذكر أنه أرسل مرّة مالا برسم الحرمين وبيت المقدس، وهدية للسلطان تزيد على ألف ألف دينار؛ فقطع عليها الطريق باليمن، وقتل محضرها بأيدي مماليك صاحب اليمن، لأمر بيّت بليل؛ ثم قتل قاتلوه، وأخذ أهل اليمن المال وأكلوه؛ وكتب عن السلطان إلى صاحب اليمن في هذا كتاب منه «وقد عددت عليه فعلته» وقيل فيه: «وفعل ما لا يليق، وأمسى وهو يعدّ من الملوك فأصبح يعدّ من قطّاع الطريق» . وقد سبق في الكلام على المسالك والممالك من عظيم هذه المملكة وعظم قدر رجالها ما فيه كفاية عن الإعادة. قال في «التعريف» : ورسم المكاتبة إليه رسم المكاتبة إلى القانات الكبار المقدّم ذكرهم، في هيئة الكتاب وما يكتب به والطّغراة والخطبة. وألقابه «المقام الأشرف، العالي، المولويّ، السلطانيّ، الأعظميّ، الشاهنشاهيّ، العالميّ، المجاهديّ، المرابطيّ، المثاغريّ، المظفّريّ، المؤيّديّ، المنصوريّ، إسكندر الزمان، سلطان الأوان، منبع الكرم والإحسان، المعفّي على ملوك آل ساسان، وبقايا أفراسياب وخاقان، ملك البسيطة، سلطان الإسلام، غياث الأنام؛ أوحد الملوك والسلاطين» ويدعى له. قال: ولم يكتب إليه في ذلك الوقت لقب ينسب إلى الخلافة نحو «خليل أمير المؤمنين» وما يجري هذا المجرى، إذ كان قد بلغنا أنه يربأ بنفسه إلى أن يدّعى الخلافة، ويرى له فضل الإنافة.

قلت: مقتضى ما ذكره في «التعريف» حيث قال: إن رسم المكاتبة إليه رسم المكاتبة إلى القانات الكبار في هيئة الكتاب وما يكتب به، والطّغراة والخطبة، أن المكاتبة إليه تفتتح بخطبة مبتدأة ب «الحمد لله» كما تقدّم في افتتاح المكاتبات إلى القانات. والذي ذكره في «التثقيف» أن المكاتبة إليه تكون في قطع البغداديّ الكامل بالذهب والأسود، كما جرت العادة به، يعني في كتب القانات، إلا أنه جعل رسم المكاتبة إليه: «أعزّ الله تعالى أنصار المقام، العالي، السلطانيّ، العالميّ، العادليّ، الملكيّ، الفلانيّ» . ثم قال: وهذه الألقاب سطران كاملان وبينهما بيت العلامة على العادة، وبعد السطرين المذكورين في الجانب الأيمن من غير بياض «أبو المجاهد محمد ابن السلطان طغلقشاه زيدت عظمته» . ولا يذكر لقبه. والدعاء، والعلامة «أخوه» . وتعريفه «صاحب الهند» . وقد رأيت تصويره في بعض الدساتير على هذه الصورة: أعز الله تعالى أنصار المقام العالي بيت العلامة السلطانيّ، العالميّ، العادليّ، الملكيّ، الفلانيّ قال في «التعريف» : والعنوان جميعه بالذهب وهو سطران، وتعريفه «صاحب الهند» . وبقية الكتاب بالسواد والذهب أسوة القانات؛ وبه يشعر كلام «التعريف» فيما تقدّم. وهذا دعاء معطوف وصدر يليق به، ذكره في «التعريف» وهو: ولا زال سلطانه للأعداء مبيرا، وزمانه بما يقضي به من خلود ملكه خبيرا، وشأنه وإن عظم يتدفّق بحرا ويرسي ثبيرا «1» ، ومكانه- وإن جلّ أن يجلببه مسكيّ الليل- يملأ الأرجاء أرجا والوجود عبيرا، وإمكانه يستكين له الإسكندر خاضعا وإن جاز نعيما جمّا وملكا كبيرا، ولا برحت الملوك بولائه تتشّرف، وبآلائه

تتعرّف، وبما تطبع مهابته من البيض ببيض الهند في المهج تتصرّف. المملوك يخدم بدعاء يحلّق الله إلى أفقه، [ويحلّ العلياء والمجرّة في طرقه] «1» ، ويهدي منه ما يعتدل به التاج فوق مفرقة، ويعتدّ له النّجم ولا يثنيه إلّا وسادة تحت مرفقة؛ ويسمو إلى مقام جلاله ولا يسأم من دعاء الخير، ولا يملّ له إذا ملّت النجوم عن السّير؛ ولا يزال يصف ملكه المحمّديّ بأكثر مما وصف به الملك السليماني، وقد قال: وأوتينا من كلّ شيء، وعلّمنا منطق الطير. قلت: وهذا الدعاء المعطوف مما يؤكد ابتداء المكاتبة بالدعاء، خلافا لما تقدّم أنه مقتضى تصوير كلامه في «التعريف» . واعلم أنّ في هذه المكاتبة على ما ذكره في «التعريف» شيئين قد خالف فيهما قاعدة المكاتبات عن الأبواب السلطانية. أحدهما- إتيانه في «التعريف» في ألقابه بالمولويّ. والثاني- قوله في الصدر المتقدّم الذكر «المملوك يخدم» . فقد ذكر صاحب «التعريف» في كتابه «عرف التعريف» «2» : أن السلطان لا يكتب عنه في العلامة «المملوك» وإنما خالف القاعدة في ذلك هنا تعظيما لمقام المكتوب إليه وإعلاء لرتبته، حيث قال في أوّل كلامه: إنه أعظم ملوك الأرض على ما تقدّم ذكره، فعبّر عن مقامه بما يليق به، وخاطبه بما يليق بخطابه، كما تقدّم أنه كان يكتب إلى أبواب الخلافة «المملوك» أو «الخادم ينتهب ثرى الأعتاب» أو «يقبّل الأرض» ونحو ذلك تعظيما لمحل الخلافة، لا سيما وقد تقدّم أن صاحب الهند حينئذ كان يدّعي الخلافة، إلا أنّ

نظام هذا الملك قد أختلّ ونقص عمّا كان بموت السلطان محمد بن طغلقشاه حين توفي، واستقر مكانه ابن خالته «1» فيروز شاه «2» ولعل المكاتبة التي ذكرها في «التثقيف» إنما رتّبت على حكم ما كان في أيّامه بعد» ذكر المكاتبة المذكورة، بعد أن ذكر أنّ محمد بن طغلقشاه مات وقام فيروز شاه مقامه، إلا أنه مثل المكاتبة المذكورة بمحمد بن طغلقشاه، فاقتضى أن يكون هو المعنيّ بالمكاتبة. ثم تفرّقت المملكة بعد ذلك في سلطانين «4» ، فيما أخبرني به بعض أهل الهند؛ ثم تزايد نقصها بعد أن غزا «5» [ها] تمرلنك وغلب

المقصد الثاني (من المصطلح المستقر عليه الحال من المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية في المكاتبات إلى ملوك الغرب

عليها؛ ثم نزح عنها. وبكل حال فلا ينبغي أن يقصّر بصاحب الهند عن رتبة القانات. ولم أقف على نص مكاتبة كتب بها إلى صاحب الهند فأذكرها. المقصد الثاني (من المصطلح المستقرّ عليه الحال من المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية في المكاتبات إلى ملوك الغرب ، وفيه أربع جمل) الجملة الأولى (في المكاتبات إلى صاحب أفريقيّة ، وهو صاحب تونس، وتنضم إليها بجاية وقسنطينة «1» تارة، وتنفرد عنها أخرى) وقد تقدّم في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك نقلا عن «التعريف» أنّ حدّ هذه المملكة غربا من جزائر بني مزغنّان «2» إلى عقبة برقة الفارقة بين طرابلس وبين برقة، وهي نهاية الحدّ الشرقي؛ ومن الشام البحر «3» ؛ ومن الجنوب آخر بلاد الجريد «4» والأرض السّوّاخة؛ إلى ما يقال إنه موقع المدينة

المسمّاة بمدينة النّحاس «1» ثم قال: وهو أجلّ ملوك الغرب مطلقا. وقد تقدّم هناك أيضا ذكر حال مملكتها ومن ملكها جاهلية وإسلاما، وأنها كانت قبل الإسلام بيد البربر حين كان معهم جميع المغرب؛ ثم انتزعها منهم الرّوم والفرنج إلى أن انتهت حال الفتح الإسلاميّ إلى جرجيس «2» ملك الفرنج في جملة ممالك المغرب، ودار ملكه يومئذ سبيطلة «3» ، إلى أن فتحت في خلافة عثمان رضي الله عنه على يد عبد الله بن أبي «4» سرح، وتوالت عليها نوّاب الخلفاء، وصارت دار المملكة بها القيروان حتّى صارت منهم إلى [بني الأغلب] «5» ثم إلى العبيديين بني عبيد الله المهديّ؛ ثم الموحّدين أصحاب المهديّ بن تومرت، وهي بأيديهم إلى الآن، وهي مستقرّة الآن بيد الحفصيّين منهم، وهم يدّعون النسب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فيقولون: أبو حفص عمر بن يحيى بن محمد بن وانّود بن عليّ بن أحمد بن والّال بن إدريس بن خالد بن اليسع بن إلياس بن عمر بن وافتن بن محمد بن نجية بن كعب بن محمد بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. وباعتبار ذلك القائمون بها من بني أبي حفص يدّعون الخلافة، ويدعى القائم منهم في

بلاده بأمير المؤمنين، وربّما كاتبه بها بعض ملوك المغرب. قال في «التعريف» : ومن أهل النسب من ينكر ذلك، ويجعلهم تارة بنسب إلى عديّ بن كعب: رهط عمر بن الخطاب دون بني عمر. ومنهم من ينسبهم إلى هنتاتة «1» من قبائل البربر بالمغرب، وهي قبيلة عظيمة مشهورة. وهي الآن (إلى حدود الثمانمائة) بيد السلطان أبي فارس عزّوز؛ وقد دوّخ البلاد وأظهر العدل ورفع منار الإسلام. وقد ذكر في «التعريف» أنّ السلطان بها في زمانه كان المتوكّل على الله أبو يحيى أبو بكر. ورسم المكاتبة إليه فيما ذكره في «التعريف» أن يكتب بعد البسملة. «أما بعد حمد الله» بخطبة مختصرة في مقتضى الحال، ثم يقول فهذه المفاوضة، أو النجوى، أو المذاكرة، أو المطارحة، أو ما يجري مجرى ذلك، تهدي من طيب السلام (ومن هذا ومثله) إلى الحضرة الشريفة، العليّة، السنية، السريّة، العالميّة، العادليّة، الكامليّة، الأوحدية، حضرة الإمارة العدويّة، ومكان الإمامة القرشيّة، وبقية السّلالة الطاهرة الزكيّة، حضرة أمير المسلمين، وزعيم الموحّدين، والقائم في مصالح الدنيا والدين، السلطان السيّد الكبير، المجاهد، المؤيّد، المرابط، المثاغر، المظفّر المنصور، المتوكّل على ربه، والمجاهد في حبّه، والمناضل عن الإسلام بذبّه، فلان؛ ويدعى له بما يناسب مختصرا، ثم يذكر ما يليق بكرم الجدود. صدر آخر- من «التعريف» أيضا:

صدرت إليه تهدي إليه من طيب السلام ما ترقّ في جانبه الغربيّ أصائله، ويروق فيما ينصبّ لديه من أنهار النّهار جداوله، ويحمله لكلّ غاد ورائح، وتجري به السّفن كالمدن والركائب الطّلائح «1» ؛ وتخصّ ذلك المقرّ منه بثناء يعزّ لأن ينيب لبعده الدار، ويستطلع ليل العراق به من فرق أفريقيّة النهار؛ وتحامي مصر عن جارتها الممنّعة، وتفخر بجاريتها الشمس التي لا ترى في أفقها إلا مبرقعة. ولم يذكر في «التعريف» قطع الورق، ولا العنوان، والخاتمة، والعلامة، وما في معنى ذلك. والذي ذكره في «التثقيف» أنّ رسم المكاتبة إليه في قطع بحيث يكون تحتها سواء في الجانب الأيمن من غير بياض ما مثاله «عبد الله ووليّه» ثم يخلّى مقدار بيت العلامة؛ ثم تكتب الألقاب الشريفة من أوّل السطر مسامتا للبسملة. وهي «السلطان، الأعظم، المالك، الملك، الفلانيّ، السيد، الأجلّ، العالم، العادل، المؤيّد، المجاهد، المرابط، المثاغر، المظفّر، الشاهنشاه- وهذه تختصر غالبا- ناصر الدّنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، محيي العدل في العالمين، منصف المظلومين من الظالمين، وارث الملك، سلطان العرب والعجم والتّرك؛ فاتح الأقطار، مانح الممالك والأقاليم والأمصار، إسكندر الزّمان، مولي الإحسان، جامع كلمة الإيمان، مملّك أصحاب المنابر والتّخوت والتّيجان، ملك البحرين، مسلّك سبيل القبلتين، خادم الحرمين الشريفين، ظلّ الله في أرضه، القائم بسنّته وفرضه؛ سلطان البسيطة، مؤمّن الأرض المحيطة؛ سيد الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين، أبو فلان فلان، ابن الملك الفلاني فلان الدين والدنيا» ويرفع في نسبه إلى منتهاه «خلّد الله سلطانه، ونصر جيوشه وأعوانه. ويجتهد أن يكون «وأعوانه» آخر السطر أو قريبا

من آخره. قال: والواجب بدل وليّ أمير المؤمنين قسيم أمير المؤمنين؛ ثم يقول: يخصّ الحضرة العالية، السّنيّة، الشّريفة، الميمونة، المنصورة، المصونة؛ حضرة الأمير العالم، العادل، العابد، المؤيّد، الأوحد، فلان؛ ذخر الإسلام والمسلمين، عدّة الدنيا والدّين، ناصر الغزاة والمجاهدين، سيف جماعة الشاكرين، صلاح الدول، والدعاء بإهداء السلام والشكر. ثم بعد حمد الله بخطبة مختصرة جدّا، فإنا نوضّح لعلمه الكريم؛ وتعريفه «صاحب تونس» . قلت: وخطابه بالإخاء. وهذه نسخة كتاب كتب بها عن الظاهر «برقوق» «1» من إنشاء علاء الدين، وهي: بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله ووليّه. السلطان الأعظم المالك، الملك الظاهر، الأجلّ العالم العادل، المجاهد المرابط، المثاغر المؤيّد، المظفّر، سيف الدّنيا والدّين، سلطان الإسلام والمسلمين، محيي العدل في العالمين، منصف المظلومين من الظالمين، قامع الخوارج والمتمرّدين؛ وارث الملك، ملك ملوك العرب والعجم والتّرك، مبيد الطّغاة والبغاة والكفّار، مملّك الممالك والأقاليم والأمصار، إسكندر الزمان، ناشر لواء العدل والإحسان، مليك أصحاب المنابر والأسرّة والتّخوت والتّيجان، مالك البحرين، صاحب سبل القبلتين، خادم الحرمين الشريفين، ظلّ الله في أرضه، القائم بسنّته وفرضه، سلطان البسيطة، مؤمّن الأرض المحيطة، سيد الملوك والسلاطين، قسيم أمير المؤمنين؛ «أبي سعيد برقوق» خلد الله سلطانه، ونصر جنوده وأعوانه، وأفاض على العباد والبلاد جوده وإحسانه؛ تحية تتأرّج نفحا، وتتبلّج صبحا، وتطوي بعرفها نشر الخزامى، وتعيد ميّت الأشواق حيّا إذا ما؛

تخصّ الحضرة العلية، السنيّة السريّة، المظفّرة الميمونة، المنصورة المصونة؛ حضرة الأمير العالم، العادل، المجاهد، المؤيّد، الأوحد، ذخر الإسلام والمسلمين، عدّة الدنيا والدين، قدوة الموحّدين، ناصر الغزاة والمجاهدين، سيف جماعة الشاكرين، صلاح الدول، المتوكّل على الله أحمد، ابن مولانا الأمير أبي عبد الله محمد، ابن مولانا أمير المؤمنين أبي يحيى أبي بكر، ابن الأمراء الراشدين، أعزّ الله دولته وأذلّ عداته، وأنجز من صعود أوليائه وسعود آلائه صادق عداته. بعد حمد الله جامع الشمل بعد تفريقه، راتق خلل الملك عند تمزيقه، والشهادة بأن لا إله إلّا هو مبيد الباطل بحقّ سرّه وسرّ تحقيقه؛ والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله موضّح سبيل التوكّل على الله وطريقه. وإهداء سلام ما الزّهر بأعبق من فتيقه «1» ، وثناء ما الروض بأعطر من خلوقه؛ فإننا نوضّح لعلمه الكريم أنّ كتابه الكريم ورد ورود السّنة على الجفن الساهر، أو المزنة على الروض الزّاهر؛ أو الزّلال على الأوام «2» ؛ أو البرء على السّقام؛ فمددنا إليه يد القبول، وارتحنا له ارتياح الشمائل إلى الشّمول «3» ، وملنا إلى مفاكهته ميل الغصون إلى الرّياح، وامتزجنا بمصافاته امتزاج الماء بالراح؛ وفضضنا ختامه عن فضّيّ كلامه، وذهبنا إلى ذهبيّ نثاره ونظامه؛ وتأمّلناه تأمّلا كلّ نظر عبده وخادمه، ووقفنا عليه وقوف شحيح ضاع في التّرب خاتمه؛ ونظمنا جواهر اعتباره في قلائد الأفكار، وصبونا إلى اختباره كما صبت النفوس إلى الادّكار؛ وفتحنا له جهد الطاقة بابا من المحبة لم يغلق، ونقسم بمن خلق الإنسان من علق أنّها بغير قلوبنا لم تعلق؛ فإذا سطوره جنود مصطفّة، أو قيان بها الحسان محتفّة؛ وإذا رقمه طراز حلّة، أو عقد شدّه البنان وحلّه؛ وإذا لفظه قد رقّ وراق، ومرّ بالأسماع فملأ

بحلاوته الأوراق؛ وإذا معناه ألطف من النّسيم الساري، وأعذب مذاقا من الماء الجاري؛ وإذا سجعه يفوق سجع الحمائم، ويزري بالرّوض الضاحك لبكاء الغمائم؛ وإذا سلامه قد حيّته الأزاهر، وطوى بعرفه نشر الروض الزّاهر؛ وإذا هناؤه قد ملك عنان التّهاني، واستمطر عنان الأمان من سماء الأماني؛ فعبّر لنا لفظ عبيره عن معنى المحبّة، وقرّب شاسع الذّكر وإن بعد المدى بين الأحبّة؛ وأقام شاهد الإخاء على دعوى الإخلاص فقبلناه، ونادى مطيع المودّة فاستجبنا له ولبّيناه؛ سقيا له من كتاب غذّي بلبان الفصاحة، وجرى جواد التماحه من مضمار الملاحة؛ لا عيب فيه، سوى بلاغة فيه، ولا نقص يعتريه، سوى كمال باريه؛ لعمري لقد فاق الأواخر والأوائل، فما أجدر كلامه بقول القائل: وكلام كدمع صبّ غريب ... رقّ حتّى الهواء يكثف عنده! راق لفظا ورقّ معنى فأضحى ... كلّ سحر من البلاغة عبده! لله درّه من كتاب حلب درّ الأفراح، وجدّد من أثواب المسرّة ما كان قد أخلقته يد الأتراح؛ فهمنا معناه فهمنا، وشرحنا متن فحواه فانشرحنا؛ وعلمنا ما اتّصل بسماعكم من خبرنا العجيب، وحديث أمرنا القديم الغريب، الذي أظهر فينا لله أسرارا، وكتب لنا منه عناية كبت بها أشرارا؛ جلّ جلاله خافض رافع، معل بحكمته واضع؛ سبحانه أوجد بعد العدم وأنسى ثم أنشأ، قل اللهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشا؛ كسر وجبر، وقرن المبتدأ بالخبر؛ وهب ما كان سلب، وجعل لصبرنا حسن المنقلب؛ أعادنا إلى الملك مع كثرة الأعداء وقلّة الأنصار، وأظهرنا بعد الخفاء فاعتبروا يا أولي الأبصار؛ وأبرز إبريزنا بعد السّبك خالصا يروق الناظر، ويفوق برونقه وجه الروض الناضر؛ فاعلموا أنّ لله في ذلك سرّا خفيّا، لم يزل ببركة رسوله صلّى الله عليه وسلّم بنا حفيّا؛ قمتم لنا فيه بواجب الهنا، وأحاط بنا طولكم الطويل من هاهنا وهاهنا؛ فاستجلينا من كتابكم عرائس بشراه، وحمدنا عند صباح طرسه ليل مسراه؛ وشكرنا له هذه الأيادي التي تقصر عنها الأيدي المتطاولة، وثنينا إليكم عنان الثناء الذي فاق بمخايله الروض الأريض وخمائله.

ولمّا تمثل إلينا رسولكم المكرّم، وصاحبكم الكامل المعظّم، ذو الأصل الطاهر، والنسب الباهر؛ والرأي السّديد، والبأس الشديد، فلان: لا زال عليّ مقامه حسنا، وجفن علمه لا يبعث الجهل عليه وسنا؛ فأبدى إلينا ما في وطابه، وأثلج الصّدور بحكمة فضله وفصل خطابه، وأخذ يجاذبنا عنكم أطراف الأحاديث الطيّبة، ويرسل علينا من سماء محبّتكم مزنها الصّيّبة؛ وأطربنا بسماع أخباركم، ونصر أعوانكم وأنصاركم؛ ونبّه على ما أودعه كتابكم، وتضمّنه من النّصرة خطابكم؛ ودوس جنودكم جزيرة «غودش» وعودهم بالمنّ والمنح، وتلاوتهم عند الانتصار إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ «1» وقفولهم متفيّئين من الجهاد بظلّه، فرحين بما آتاهم الله من فضله، بعد أن نعقت منهم على الكفّار الغربان، واقتنصت الرجال آجالهم اقتناص العقبان، وجاءتهم كالجبال الرّواسي، وظفرت بهم أظافير الرّماة ومخالب المراسي، وغنّت عليهم أوتار القسيّ فأرقصت رؤوسهم على الضّرب، وسقتهم كؤوس الرّدى مترعة ونعم هذا الشّرب لأولئك الشّرب، وأعادت المسلمين بالغنائم إلى الأوطان بعد نيل الأوطار، وبشّرت الخواطر بما أقرّ العيون من النّجاح والنّجاة من الأخطار؛ هذا والعدوّ الملقي السّلم «2» عند الجهاد، جيء بهم مقرّنين في الأصفاد؛ يا لها غزاة أشرق نورها كالغزالة، وأشرق يوم إسلامها على ليل الكفر فأزاله، وتولّد منها الجهاد فلا يرى بعدها إن شاء الله عقيما، وتلا لسان الشّوق إليه يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً «3» . لا زالت رقاب الأعداء لأسيافكم قرابا، وغزواتكم الصالحة تنيلكم من الله أجرا وثوابا. ولما عرضت علينا من جودكم عند العشيّ الصافنات الجياد، وحلّينا منها بقلائد منّها الأجياد، نقسم لقد حيّرتنا، ألوانها إذ خيّرتنا.

فمن أشهب- كأنّ الشّهب له قنيصه «1» ، أو الصّباح ألبسه قميصه؛ أو كأنما قلب من اللّجين في قالب البياض، وسقي سواد أحداقه أقداح الرّباحة من غير حياض. ومن أدهم- كأن النّقس «2» لمسه «3» في مداده، أو الطرف أمدّ طرفه بسواده؛ أو كأنما تقمّص إهاب الليل، لمّا طلع عليه فجر غرّته فولّى مشمّر الذيل. ومن احمر- كأنما صيغ من الذهب، أو كوّن من النار واللهب؛ أو كأنّ الشّفق ألقى عليه قميصه ثم أشفق، أو الشّقيق أجرى عليه دمعه دما وجيبه شقّق. ومن أشقر- كأنما ألبس ثوب الأصيل، وبشّر السريّة يمن طلعته بالنصر والتحصيل؛ أو كأنّ النّضار «4» كساه حلّة العشّاق، وقد ادّرعوا بأسواق المحبّة مطارف الأشواق. ومن أخضر- كأنما تلّفّع من الروض الأريض بأوراقه، أو صبغ بالعذار المخضرّ وقد شقّت عليه مرائر عشّاقه؛ أو كأنّما الزّمرّد تلوينه، أو من شارب الشادن تكوينه؛ كلّ بطرف منها يسبق الطّرف، ويروق الناظر بالحسن الناضر والظّرف؛ تقام به حجّة الإعراض وهو باعتراف ممتطية قادرملي، وينصب إلى الإدراك حسن السير كجلمود صخر حطّة السّيل من علي- فأسرجنا «5» لها جود القبول، وامتطينا منها صهوة كلّ مأمول؛ وأعددناها مراكب للمواكب، ولليل المهمّات الواقعة بدورا وكواكب؛ وأطلقنا أعنّة شكرها في ميادين المحامد، وطفقنا نرجّع ذكرها بين شاكر وحامد.

الجملة الثانية (في مكاتبة صاحب الغرب الأوسط، وهو صاحب تلمسان)

(مكاتبة وزير تونس) رأيت في الدستور المنسوب للمقرّ العلائيّ بن فضل الله أنه كتب إلى أبي عبد الله بن بعلاص. صدرت هذه المكاتبة إلى «1» الشّيخيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الأوحديّ، الأكمليّ، الأرشدي، الأمجديّ، الأثيريّ، البليغيّ، الفلاني، مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الفضلاء، زين العلماء، نجل الأكابر، أوحد الأعيان، بركة الدّولة، صفوة الملوك والسلاطين؛ (ويدعى له بما يناسبه) . وتوضّح لعلمه المبارك كيت وكيت؛ ولم يذكر قطع الورق ولا العلامة ولا التعريف. والذي يظهر أنّ قطع الورق العادة، والعلامة «أخوه» . والتعريف «وزير تونس» . الجملة الثانية (في مكاتبة صاحب الغرب الأوسط، وهو صاحب تلمسان) وقد تقدّم في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك الكلام على هذه المملكة ومن ملكها جاهليّة وإسلاما؛ وهي الآن بيد بني عبد الواد من زناتة من قبائل البربر- والقائم بها الآن منهم إلى حدود الثمانمائة من الهجرة هو السلطان أبو زيّان «2» ، ابن السلطان أبي حمو: موسى بن يوسف، بن عبد الرحمن، بن يحيى، ابن يغمراسن، بن زيّان، بن ثابت، بن محمد، بن ركدار «3» ، بن

الجملة الثالثة (في المكاتبة إلى صاحب الغرب الأقصى)

تيدوكس، بن طاع الله، بن عليّ، بن القاسم، بن عبد الواد. قلت: وذكر هذه المملكة في «مسالك الأبصار» مضافة إلى مملكة فاس: لانضمامها حينئذ إليها في مملكة السلطان أبي الحسن المرينيّ: صاحب فاس في زمانه، ولذلك لم يذكر لصاحبها مكاتبة في «التعريف» . على أنّي رأيت من صاحبها موسى بن يغمراسن مكاتبة إلى الناصر «محمد بن قلاوون» صاحب مصر. وسيأتي إيرادها في جملة المكاتبات الواردة إلى هذه المملكة. وذكر صاحب «التثقيف» أن صاحبها في زمانه في الدولة الأشرفية «شعبان بن حسين» أي سلطانها يومئذ أبو حفص عمر بن أبي عمران موسى، وأن المكاتبة إليه مثل المكاتبة إلى صاحب تونس المقدّم ذكره على السواء. وذكر أنه كتب ذلك إليه ورأى جماعة كتّاب الإنشاء يكتبونه، وكذلك رأيته في الدّستور المنسوب إلى المقرّ العلائي بن فضل الله، ولم أظفر بصورة مكاتبة فأذكرها. الجملة الثالثة (في المكاتبة إلى صاحب الغرب الأقصى) وهو صاحب فاس، وتعرف مملكته ببرّ العدوة. وقد تقدّم الكلام على مملكتها وأحوالها ومن ملكها جاهليّة وإسلاما في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك، وأنها الآن بيد بني عبد الحق من بني مرين من زناتة من قبائل البربر، وأنها الآن بيد السلطان أبي فارس عثمان، ابن السلطان أبي العبّاس أحمد، ابن السلطان أبي سالم إبراهيم، ابن السلطان أبي الحسن عليّ، ابن السلطان أبي سعيد عثمان، ابن السلطان أبي يوسف يعقوب، بن عبد الحق، بن محيو، بن أبي بكر، بن حمامة، بن محمد، بن ورصيص «1» ، بن فكّوس، بن كوماط، بن مرين، بن ورتاجن، بن ماخوخ، بن وحريج «2» ، بن قاتن، بن

بدر، بن نجفت، بن عبد الله، بن ورتبيص، بن المعز، بن إبراهيم، بن رجيك، بن واشين، بن بصلتن، بن شرا» ، بن أكيا، بن ورشيك، بن أديدت، بن جانا، وهو زناتة. وقد ذكر في «التعريف» أن السلطنة فيهم في زمانه في الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون» صاحب مصر كانت في السلطان أبي الحسن عليّ بن عثمان المقدّم ذكره. ثم قال: وورث هذا السلطان ملك العزفيين بسبتة، وملك بنى عبد الواد بتلمسان، وأطاعه ملك الأندلس، ودان له ملك أفريقيّة، وعرض عليه ابنته فتزوّجها، فساقها إليه سوق الأمة. ثم قال: وبنو مرين رجال الوغى وناسها، وأبطال الحرب وأحلاسها «2» ؛ وهم يفخرون بغزارة علمه وفضل تقواه. قال: وهو اليوم ملك ملوك الغرب، وموقد نار الحرب. ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التعريف» بعد البسملة: من السلطان الأعظم الملك الفلانيّ، إلى آخر الألقاب المذكورة في المكاتبة لصاحب تونس، إلى قوله ونصر جيوشه وجنوده وأعوانه. ثم يقول: تحيّة بفتتح بها الخطاب، ويقدّم منها ما زكا وطاب؛ وتقال هنا سجعات مختصرة نحو أربع أو خمس، يخصّ بها الحضرة الشريفة العلية، الطاهرة الزكيّة، حضرة المقام العالي، السلطان، السيد، الأجلّ، العالم، العادل، المجاهد، المرابط، المثاغر، المؤيّد، المظفّر، المنصور، الأسرى، الأسنى، الزّكيّ، الأتقى، [المجاهد في الله] «3» المؤيّد على أعداء الله؛ أمير المسلمين، قائد الموحّدين، مجهّز الغزاة والمجاهدين، مجنّد الجنود، عاقد البنود، ماليء صدور البراري والبحار، مزعزع أسرّة الكفّار، مؤيّد السنة، معزّ الملة، شرف الملوك والسلاطين، بقيّة السّلف الكريم، والحسب الصّميم، ربيب الملك القديم، أبي

فلان فلان بن فلان. ويرفع نسبه إلى عبد الحق وهو أوّل نسبه. ويقال في كل منهم: أمير المسلمين أبي فلان فلان؛ ثم يدعى له: نحو أعز الله أنصاره أو سلطانه وغير ذلك من الأدعية الملوكية بدعاء مطوّل مفخّم. ثم يقال: أما بعد حمد الله، ويخطب خطبة مختصرة. ثم يقال: أصدرت إليه، وسيّرت لتعرض عليه، لتهدي إليه من السلام كذا وكذا. ثم يقال: ومما تبديه كذا وكذا. صدر: يليق بهذه المكاتبة- تهدي إليه من السلام ما يطلع عليه نهاره المشرق من مشرقه، ويحييه به الهلال الطالع من جانبه الغربيّ على أفقه؛ وتصف شوقا أقام بين جفنيه والكرى الحرب، وودادا يملأ برسله كلّ بحر ويأتي بكل ضرب، وثناء يستروح بنسيمه وإن كان لا يستروح إلا بما يهبّ من الغرب؛ مقدّمة شكرا لما يبهر من عزماته التي أعزّت الدين، وغزت الملحدين؛ وحلّقت على من جاورها من الكفّار [تحليق] «1» صقور الرجال على مسفّة الغربان، وتقيم عند الشجاع عذر الجبان؛ وتبيّن آثارها في أعناق الأعداء وللسّيوف آثار بيان؛ وإن كان فعله أكثر مما طارت به الأخبار، وطافت به مخلّقات البشائر في الأقطار؛ وسار به الحجيج تعرف آثاره عرفات، وصارت تستعلم أخباره وتندب قبل زمانه ما فات. والذي ذكره في «التثقيف» أنه كان السلطان في زمانه في الدولة الأشرفية «شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون» عبد العزيز بن أبي الحسن عليّ المقدّم ذكره؛ وذكر أنّ المكاتبة إليه في قطع النّصف، وأنه يكتب تحت البسملة في الجانب الأيمن من غير بياض ما مثاله «عبد الله ووليّه» ثم يخلّى بيت العلامة؛ ثم تكتب الألقاب السلطانية في أوّل السطر مسامتا للبسملة «السلطان الأعظم الملك الفلاني» إلى آخر الألقاب السلطانية المذكورة في المكاتبة إلى صاحب تونس، إلى قوله: ونصر جيوشه وأعوانه. ثم يقول: تخصّ المقام العالي، السلطان، الملك، الأجلّ، الكبير، المجاهد، المعاضد، المرابط، المثاغر، المكرّم،

المعظّم، المظفّر، الموقّر، المؤيّد، المسدّد، الأسعد، الأصعد، الأرشد، الأنجد، الأوحد، الأمجد، البهيّ، الزّكيّ، السّنيّ، السّريّ، فلان، أمير المسلمين ابن أبي فلان فلان، إلى عبد الحق المريني. والدعاء بما يناسب ذلك المقام؛ ثم أمّا بعد حمد الله، بخطبة لطيفة، فإنا نفاوض علمه الكريم ونحو ذلك. وأكثر مخاطبته بالإخاء وتختم بالدعاء، والعلامة «أخوه» وتعريفه «ملك الغرب» . وفي الدستور العلائيّ أنّ الطلب منه بالمستمدّ، ويختم باستعراض الحوائج والخدم مكمّلا بالدعاء. وهذه نسخة كتاب من الملك الناصر «محمد بن قلاوون» إلى السلطان أبي الحسن المرينيّ، في جواب كتاب ورد عليه منه وهي: عبد الله ووليّه، السلطان الملك الناصر، ناصر الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، محيي العدل في العالمين، مؤمّن أولياء الله المؤمنين، ظلّ الله الممدود، وميسّر السّبل للوفود، حامي القبلتين بحسامه من أهل الجحود، وخادم الحرمين الشريفين متّبعا للسنة الإبراهيمية في تطهير بيت الله للطائفين والعاكفين والرّكّع السّجود، والقائم بمصالح أشرف روضة وطيّبة يعطّر طيبها في الوجود؛ وليّ أمير المؤمنين جمع الله به كلمة الإسلام بعد الافتراق، وقمع برعبه أهل العناد والشّقاق؛ وأوزعه شكر نعم الله التي ألّفت على ولائه قلوب ملوك الآفاق، وأمتعه بها منحة صيّرت له الملك بالإرث والاستحقاق، وسيّرت كواكب مناقبه فلها بالمغارب إضاءة وبالمشارق إشراق. ابن السلطان السعيد الشهيد الملك المنصور، سيف الدنيا والدين، سقى الله عهده عهاد الرحمة ذوات إغراق، وأبقى مجده بمحمّده الذي للأمة المحمدية على تعظيمه إجماع وعلى تقديمه اتّفاق؛ يخصّ المقام العالى، الملك الأجلّ الكبير، المجير، العاضد، المثاغر، المظاهر، الفائز، الحائز، المنصور، المأثور، الفاتح، الصّالح، الأمكن، الأصون، الأشرف، الأعرف، الكريم، المعظّم، أبا الحسن عليّا أمير المسلمين، ابن السلطان السعيد، الحميد، الطاهر، الفاخر، الماهد، الزاهد، الأورع، الأروع، أمير المسلمين، أبي سعيد عثمان، ابن السلطان، السعيد، الرّشيد،

السابق، الوامق، الجامع، الصادع، أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق، ناظم مفرّق الفخار، وهازم فرق الفجّار، والملازم لإحياء سنّة الجهاد المتروكة في الأقطار، حتّى يجمع في ملكه أطراف الغرب الأقصى للاستيلاء والاستظهار، ويخضع لفتكه كلّ متكبّر جبّار، ويرصّع في سلكه ما تأبّى وصعب من تلك الديار، ويرفع لنسكه أعمالا من الجهاد والاجتهاد تسرّ الحفظة الأبرار، يظهر فيها لبركة الاسم العلويّ من نشر الهدى، وقهر العداء، أوضح الأدلّة وأبين الآثار، ويؤثر سلطاننا المحمديّ من عليّ عزمه، وحميّ حزمه، بأعزّ الأعوان والأنصار، فتظفر دار الإسلام من قومه بمهاجرين من أبناء البلاد يقرّ لهم بأمّ القرى قرار، ويسير سواهم للبيت ذي الحجر والحجر «1» والباب والميزاب والملتزم والجدار والأستار، بسلام مشرق الغرر، مونق الحبر، وثناء مع ريّاه لا يعبأ بالعبير مع نشره ولا يعتبر، ووداد مخفيّ الخبر، واعتداد يطول منه ألسنة الشكر عن إحصائه واستقصائه قصر، وإيراد لمفاخره التي سارت بها الأخبار والسّير، واعتقاد لمآثره التي سبق عثمانها إلى إحراز مزايا الفضل وجاء عليّها على الأثر. أما بعد حمد الله الذي أمر أولياءه المؤمنين بالمعاونة والمظافرة، ونهى عباده الصالحين عن المباينة والمنافرة، ورعى لحجّاج بيته حرمة القصد وكتب لهم أجر المهاجرة، ودعا إلى حرمه، من أهّله من خدمه، فأجابه بالتلبية وأثابه وآجره. والشهادة له بالوحدانيّة التي تسعد بمصاحبة المصابرة، وتصعد إلى الدرجات الفاخرة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ذي المناقب الباهرة، والمواهب الزّاخرة، والمراتب التي منها النّبوّة والرسالة في الدنيا والوسيلة والشفاعة في الآخرة، وعلى آله وصحبه الذين أفنى الله الشرك بصوارمهم الحاصدة وأدنى القتل بعزائمهم الحاضرة، صلاة إلى مظانّ الرّضوان متواترة، ما ربحت وفود مكة البركة الوافرة، ووضحت لقاصدي الكعبة البيت الحرام أوجه القبول سافرة.

فإنه ورد- أورد الله تعالى البشرى على سمعه، وأيّد اهتمامه بتأليف شمل السّعد وجمعه- من جانبه المكرّم ومعهده وربعه، كتاب كريم نسبه، فخيم أدبه، عليّ منصبه، مليّ إذا أخلف السّحاب بما يهبه، سريّ سرت إلى بيت الله وحرم رسوله القريب قربه، على يد رسوله: الشيخ الأمين الأزكى، الأروع الأتقى؛ الخطيب البليغ، المدرّس، المفيد أبي إسحاق ابن الشيخ الصالح أبي زيد، عبد الرحمن بن أبي يحيى، نفع الله به، وحاجبه الكبير المختار، المرتضى، الأعزّ، أبي زيّان عريف ابن الشيخ المرحوم أبي زكريّا، أيده الله تعالى، وكاتبه الأمجد الأسعد أبي الفضل ابن الفقيه المكرّم أبي عبد الله بن أبي مدين، وفقه الله تعالى وسدّده، ومن معهم من الخاصّة والزعماء والفرسان الماثلين في خدمة الجهة المصونة بلّغها الله أربها، وقبل قربها، الواصلة بركبكم المبارك الرّواح والمغدى، المعان على إكمال فرض الحج المؤدّى، المرحولين بحمد العقبى كما حمد المبدأ؛ ففضضنا ختامه الذّكيّ، وأفضنا في حديث شكره الزّكي، وعرضنا منه بحضرتنا روضا يانع الروض به محكيّ، وحضضنا نوّابنا على إعانة خاصّة وفده وعامتهم على قضاء النّسك بذلك الحرم المكّيّ، وتلمّحنا فصوله الميمونة فإذا هي مقصورات على مثوبات محضة، ورغبات تؤدّي من الحج فرضه، وهبات يعامل بها من يضاعف أجره ويوفّيه قرضه، وقربات يحمد فاعلها يوم قيام الأشهاد نشره وحشره وعرضه. فأمّا ما ذكره من ورود الكتابين الواصلين إلى حضرته صحبة الشيخين الأجلّين «أبي محمد عبد الله بن صالح، والحاج محمد بن أبي لمحان» وأنه أمضى حكمهما، وأجرى رسمهما، فقد آثرنا للأجر حوزه، واخترنا بالشّكر فوزه، وقصدنا بهما تجديد جلباب الوداد، وتأكيد أسباب الولاء على البعاد؛ وإلا فمع وجود إنصافه الحقوق من غاصبها تستعاد، والوثوق بنصره للمظلوم وقهره للظالم لا يختلف فيه اعتقاد؛ وقد شكرنا لكم ذلك الاحتفال، وآثرنا حمدكم في المحافل والمحال. وأما ما نعته مما أشرتم إليه مما يتعيّن له التقديم، ويستحقّ توفية حقه من

تكرير التكريم، وهو تجهيز ركبكم المحروس في السّرى والمقام، في خدمة من يقوم مقام الوالدة المرحومة في الاحترام، سقى الله صوب الرحمة صفيحها، ورقّى إلى الغرفات روحها، ومعها وجوه دولتكم الغرّ، وأعيان مملكتكم من سراة بني مرين الذين تبهج مرائيهم وتسر؛ وما نبهتم عليه من ارتفاع شأنهم، واجتماع فرسانهم، واستيداع أمانتنا نفائس أنفسهم وأديانهم، فقد استقبلناهم على بعد بالإكرام، وأحللناهم من القرب في أعلى مقام، وصرفنا إلى تلقائهم وجه الإقبال والاهتمام، وعرّفنا حقّهم أهل الإسلام، ونشرنا لهم بفنائنا الأعلام، ويسّرنا لهم باعتنائنا كلّ مرام، وأمرنا بتسهيل طريقهم، وتوصيل البرّ لفريقهم، وأسدلنا الخلع على جميعهم، واحتفلنا بهم في قدومهم ومقامهم وتشييعهم، وأجزلنا لهم أقسام الإنعام في توجيههم، وكذلك يكون في رجوعهم؛ وعرضوا بين أيدينا ما أصحبتهم من الطّرف والهدايا، التي لا تحملها ظهور البحار فكيف ظهور المطايا، من عقود منظّمة، وبرود مسهّمة «1» ، ومطارف معلمه، ولطائف بالإمكان والإتقان معلمه، وصنائع محكمة، وبدائع للأفهام مفحمة، وذخائر معظّمة، وضرائر للشموس في الكون والسّمة، وبواتر تفرّق بين الهام والأجسام والهام ملحمة، وأخاير بمقدار مهديها في الجلال مفهمة، وخيول مسوّمة بالأهلّة مسرجة وبالنّجوم ملجمة، معوّدة نزال الأبطال معلّمة، ذوات صدور مبقورة وأكفال مسلّمة، تسحب من الحرير أذيالا، وتصحب من الوشي سربالا، وتميس بحللها وحلاها عجبا واختيالا، ويقيس مشبّهها سرعتها بالبرق فلا يتغالى، عاتيات الأجسام، عاليات كالآكام، لفحولها صهيل يذعر الأسود، ولسنابكها وقع يفطر الجلمود، أتعبت الرّوّاض، وركبت منها صهوة كلّ بحر سابح حيث لجج الموت تخاض؛ وقرنت مرابطها بحماية جواهر النّفوس من الأعراض، وجنيبة «2» تجرّ من ذيولها كل فضّاض؛ وحسبت لاختلاف شياتها «3» كأنها قطع الرّياض: من شهب كأنما ارتدت الأقاح،

أو غدت رافلة في حلل الإصباح؛ ودهم نفضت عليها الليالي صبغها فلا براح، وربما أغفلت من ذلك غرر وأوضاح؛ وكمت كأنّها فتح «1» صلب البطاح، تطير إلى الظّفر بجناح؛ وحمر كأنها خلقت للنّجاح، وأطلقت أعنّتها فقالت ألسنة أسنّتها للطّرائد: لا براح؛ وخضر كأنها البزاة الموشّاة الوشاح، أو مشيب في الشّباب قد لاح؛ وشقر تكبو في طلبها الرّياح، وتخبو نار البرق إذا أمسى بسنا سنابكها اقتداح. ووراءها البغال، التي تحمل الأثقال، ولا تزلّ في الأوحال بحال؛ وعليها الزّنّاريّات الموشعة، وحليها الجلال الملمّعة؛ وهي تمشي رويدا، وتبدي قوّة وأيدا «2» ؛ كأن قلامتها قناه عيدا (؟) وهي وافرة الأمداد، فاخرة على الجياد، باهرة العدد متكاثرة الأعداد، راسخات القوائم كأنها أطواد، شامخات الرؤوس حاليات الأجياد، باذخات الأكفال غلاظ شداد، وسارت لها إلى رحابنا انقياد، وصارت من محلّ إسعاد إلى مواطن إصعاد؛ فتقبّلنا أجناسها وأنواعها، وتأمّلنا غرائبها وإبداعها، وجعلنا يوما أو بعض يوم في حواصلنا إيداعها؛ ثم استصفينا منها نفائس آثرنا إليها إرجاعها، وفرّقنا في أوليائنا اجتماعها، وقسمنا مشاعها، وغنمنا لمّا أفاء الله صفاياها ومرباعها «3» ؛ فتوالت لكلّ وليّ منها منح، وسارت إلى كل صفيّ منها ملح؛ وقالت الألسنة وطالت في وصف ما عليه به فتح، فاستبان

ووضح؛ وكان لأهل الإيمان بنعته أعظم هناء وأكبر فرح. وسطّرناها وركبكم المبارك قد رامت السّرى نجائبهم؛ وأمّت أمّ القرى ركائبهم؛ يسايرهم الأمن ويصاحبهم، ويظاهرهم اليمن ويواظبهم؛ فقد أعدّت لهم المير «1» في جميع المنازل، وشدّت لهم الهجان البوازل، وأترعت لهم الموارد والمناهل، وأمرعت لهم بالميرة القفار والمراحل، ووكّلت بهم الحفظة في المخاوف ونصبت لهم الأدلّة في المجاهل، وجرّد معهم الفرسان، وجدّد لهم الإحسان، وأكّد لهم حقّان حقّ مرسلهم وحقّ الإيمان، وقلّد درك حياطتهم أمرا العربان، وشوهد من تعظيمنا لهم ما يحسدهم عليه ملوك الزمان بكلّ مكان؛ وكتبنا على أيديهم إلى أمراء الأشراف بالنّهوض في خدمتهم والوقوف، وأن يحيط بهم كلّ مقدّم طائفة ويطوف، يتسلّمهم زعيم من زعيم، إلى أن تحطّ رحالهم بالحطيم «2» ، ويحلّ كلّ منهم بالمقام ويقيم، وتكمل مناسكهم بشهود الموقف العظيم. وكذلك كتبنا إلى أمراء المدينة المشرّفة، أن تتلقّى بالقبول الحسن مصحفه، وتحلّه بين الروضة والمنبر، وتجلّه فقد ربح سعي كاتبه وبرّ، وكتبت له بعدد حروفه أجور توفّر؛ ويمكّن من يرقّ لتلاوته في الآصال والبكر، ويهيمن على ذلك فإنّه من بيت هم الملاك الأعلى وعندهم وفيهم جاءت الآيات والسور. وعمّا قليل يتمّ حجّهم واعتمارهم، ويؤمّ طيبة الطّيّبة العاطرة زوّارهم؛ فيكرم جوارهم ويعظم فخارهم، وتنعم بإشراق تلك الأنوار بصائرهم وأبصارهم، وتفوح أرواح نجد من ثيابهم، وتلوح أنوار القبول على شيبهم وشبابهم؛ ثم يعودون إلينا فنعيد لهم الصّلات، ونفيد كلّا منهم ديم النّعم المرسلات؛ ثم يصدرون إن شاء الله إليكم ركائبهم بالمنائح مثقلات، ومطالبهم بالمناجح مكمّلات؛ ويظفرون من الله في الدارين بقسم النّعم المجزلات حتّى يلقوا

برحابكم عصا التّسيار، ويصونوا حرّ وجوههم بالصبر على حرّ الهجير [من] لفح النار، ويدّخروا بما أنفقوا عند الله من درهم ودينار، أجرا جمّا وما عند الله خير للأبرار؛ والله تعالى يقرّبه من تلك المواطن، ويدنيه منها بالظاهر وإن كان يسري إليها بالباطن؛ ويسهّل [له] ذلل الحرم، وإن كان قد أعان القاطن والقادم، حتّى تحلّ ركائبه بين المروتين «1» وتجيز، ويكون له بذلك على ملوك الغرب تمييز، وما ذلك على الله بعزيز. لا زالت مقبولة على المدى هداياه، مجبولة على النّدى سجاياه، مدلولة على الهدى قضاياه، منصورة على العدا سراياه، مبرورة أبدا تحاياه. والسلام الأتمّ الذي يعبق ريّاه، والثناء الأعمّ المشرق محيّاه، عليكم ورحمة الله وبركاته، والخير يكون، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة جواب الكتاب الوارد على الملك الناصر «محمد بن قلاوون» من ابن «2» أبي الحسن عليّ المرينيّ، صاحب فاس المغرب، بالبشارة بفتح بجاية، والانتصار على تلمسان. واستفتاحه بعد البسملة بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ «3» ثم المكاتبة المعهودة: من ألقاب الملكين، والدعاء. والصدر:

قهر الله ببأسه من ناواه من أئمة الكفر وطغاته، ونصره على من لاواه «1» من حزب الشيطان وحماته. ونشر أعلامه بالظّفر بمن خالفه من عداة الله وعداته. وأجراه من بلوغ الوطر في سكونه وحركاته، على أجمل أوضاعه وأكمل عاداته، ويسّر له بدوام سعوده فتح ما استغلق من معاقل الحائدين عن مرضاته. ولا زالت ركائب البشائر عنه تسري وإليه من تلقائنا تسير، ومصير الظّفر حيث يصير، ويدور الفلك المستدير، بسعده الأثيل الأثير، وينوّر الحلك بضوء جبينه الذي يهتدي به الضالّ ويلجأ إليه المستجير، وتغور أعين العدا إن عاينوا جحفله الجرّار وناهدوا جيشه المبير. بتحيّة تحكي اللّطائم «2» عرفها الشميم، وتودّ الكمائم لو تفتّقت عن مثل مالها من نضارة أو تسنيم، ويودّ عقد الجوزاء لو انتظم في عقدها النّضيد النظيم. وكيف لا وهي تحيّة صادرة عن مقام شريف إلى روضة غنّاء تزري بالنّبت العميم، واردة من محلّ عظيم، على محيّا وسيم، منطوية على «3» الأرض من سلامة ولملوك الإسلام من سلام سليم، وطرفة نشرها كالمسك الذي ينبغي أن يختتم به هذا الكتاب، وثناء يستفزّ الألباب، ويستقرّ في حبّات قلوب الأحباب، ويستدرّ أخلاف الودّين المتحابّين في الله فلا غرو أن دخلت عليهم ملائكة النصر من كلّ باب. يتسابقان إلى ذلك المجد الأسنى في أسعد مضمار، ويتساوقان بحياز قصبات السّبق إلى تلك العصبة المشرقة الأنوار، ويزداد فيّهما بالوفود عليه طيبا، ويغدو عود الودّ بهما رطيبا؛ حيث الرّبع مريع، والمهيع منيع، والعزّ مجدّد والقدر مطيع؛ وسحب الكرم ثرّة، ورياض الفضل مخضرّة، وعساكر النصر تحلّ نحوه من المجرّة؛ حيث تستعر الحرب، ويتسحرّ الضرب، وتشرق شموس المشرفيّات لامعة «4» ..

أما بعد حمد الله مظهر دينه على كلّ دين، ومطهّر أرجاء البسيطة من الماردين المارقين، ومجرّد سيف النصر على الجاحدين الحائدين، وموهن كيد الكافرين، ومجزل أجر الصابرين، ومنجز وعد من بشّرهم في كتابه المبين بقوله: بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ «1» الذي عصم حمى الإسلام بكل ملك قاهر، وفصم عرى الشّرك بكلّ سلطان غدا على عدوّ الله وعدوّه بالحقّ ظاهر، وقصم كلّ فاجر بمهابة أئمة الهدى الذين ما منهم إلا من هو للمحاسن ناظم ولقمم العدا نائر؛ ناشر علم الإيمان بحماة الأمصار، وناصر علم الإسلام بملوك الأقطار، وجاعل كلمته العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، لا جرم أنّ لهم النّار؛ جامع قلوب أهل الإيمان على إعلاء علم الدّين الحنيف وإن بعدت بينهم شقّة النّوى وشطّ المزار. والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الذي أرسله الله رحمة للعالمين ونقمة على الكفّار، ونصره بالرّعب مسيرة شهر وبالملائكة الكرام في إيراد كلّ أمر وإصدار، وألان ببأسه صليب الصّلبوت «2» وأهان بالتنكيس عبدة الأصنام وسدنة النار، وأيّده بآل وأصهار، وأصحاب وأنصار، وجنود تهون النّقع المثار، وأتباع ما أظلم خطب إلا أجالوا سيوفهم فبدا نجم الظّفر في سماء الإيمان وأنار، وأمة ظاهرة على من ناواها، ظافرة بمن عاداها، ما تعاقب الليل والنّهار، صلاة وتسليما يدومان بدوام العشيّ والإبكار. فقد ورد علينا كتاب مختوم بالتكريم، محتوم بالتبجيل والتقديم، محتو على وصف فضل الله العميم، ونصره العظيم، ومنّه الجسيم؛ فأكرمنا نزله، ونشرنا حلله، وتفهّمنا تفاصيله وجمله؛ فتيمّنّا بوصوله، وتأمّلنا مخايل النصر العزيز من فصوله، ووجدناه قد اشتمل من سعادة مرسله على أنواع، ومن وصف تعداد نصرته على عون من الله ومن يعن الله فهو المنصور المطاع.

فأما ما ذكره المقام العالي من أمر الوالدة المقدّس صفيحها «1» المغمور بالرحمة ضريحها؛ وما كانت عزمت عليه من قصد مبرور؛ وتجارة لن تبور، وأمّ إلى البيت الآمن والحرم المعمور، وما فاجأها من الأجل، وعاجلها من أمر الله عزّ وجلّ؛ فالمقام أجزل الله ثوابه يتحقّق أنّ النيّة في الأجور أبلغ من العمل، وأنه من أجاب داعي الحمام فلا تقصير في فعله ولا خلل؛ والله نسأل أن يكتب لها ما نوته من خير، وأن يطيف روحها الزكية ببيته المعمور في جنّات عدن كما أطاف أرواح الشهداء في حواصل ذلك الطّير. وكنّا نودّ أن لو قدمت ليتلقّاها منّا زائد الإكرام، ويوافي مضاربها وافد الاحتفال والاهتمام، ونستجلب دعواتها الخالصة الصالحة، وتظفر هي من مشاهدة الحرم المعظّم والمثوى المكرّم والبيت المقدّس بالصّفقة الرابحة. على أنّه من ورد من تلقائكم قابلناه من جميل الوفادة بما به يليق، وتقدّمنا بمعاملته بما هو به حقيق، ويسّرنا له السبيل وهديناه الطريق، وأبلغناه في حرز السلامة مع ركبنا الشريف أمله من قضاء المناسك والتّطواف بالبيت العتيق. وأمّا ما أشار إليه من أمر من كان «بتلمسان» وأنه ممن لا يعرف مواقع الإحسان، وما وصفه المقام العالي من أحوال ليس الخبر فيها كالعيان، وأنه اعتدى على من يتاخمه من الملوك، وخرج عن القصد فيما اعتمده من ذلك السّلوك؛ حتّى أن ملك تونس أرسل إلى المقام ابنه ووزيره، وسأله أن يكون ظهيره على الحق ونصيره، وأن المقام العالي أرسل إلى ذلك الشّخص منكرا اعتماده، طالبا إصلاحه لا إفساده؛ راجيا أن يكون ممن تنفعه الذّكرى، ظانّا أنه ممّن يأبى أن يقال له: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً «2» وأنه بعد ذلك تمادى على غيّه، وأراد أن يذوق طعم الموت في حيّه، وأبى الظالم إلا نفورا، وذكر الملك عنه أنه قتل أباه بعد أن آتاه الله به نعمة وملكا كبيرا. وأن المقام العالي أتاه نبأ عن أخيه المقيم

بسجلماسة «1» ، وخبر صدق أوجب أن يعامل بما يليق بجميل السياسة وحريز الحراسة؛ فجنّد المقام له جنودا، وعقد بنودا، وأضرى أسودا أوهنت كيده، وأذهبت أيده، وعاجلت صيده، وأذالت باسه، وأزالت عنه سيما الملك ونزعت لباسه. وأنه في غضون ذلك أتاه سلطان الأندلس «2» يستصرخ به على عدوّ الله وعدوّ المؤمنين، ويستعديه على الكفرة المعتدين، وأنّ المقام لبّى دعوته مسرعا، وأكرم نزله ممرعا، ووعده الجميل، وحقّق له التأميل. وأن صاحب تلمسان لما غرّه الإمهال، وظنّ هذه المهامّ توجب للمقام بعض اشتغال، أعمل أطماعه «3» في التجرّي على بعض ممالكه المحروسة ومدّ، وسار إلى محلّ هو بينهما كالحدّ. وأنّ المقام عند ذلك صرف إليه وجه العزم، وأخذ في حفظ شأنه بما لأعلام النصر من نصب وما للاعتداء من رفع وما للاهتمام من جزم. وأنه لم يقدر عليه إلا بعد أن حذّره من أليم العقاب حلولا، وتمسك فيه بقوله تعالى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا «4» [ولمّا] «5» لم ينفعه الإنذار، وأبى إلا المداومة والإصرار، أرسل إليه المقام العالي من جيشه الخضمّ، وعسكره الذي طالما تعضّده ملائكة السماء وإلى أعداده تنضمّ، كلّ باسل يقوم مقام الكتيبة، وكلّ مشاهد يشاهد منه في العرين كلّ غريبه، وكلّ ضرغام تعرف العدا مواقع ضربه لكنها تجهل ندّه أو ضريبه، فأذاقوه كأس الحمام صرفا، ولم يبتغوا عن حماه بدون نفسه عدلا ولا

صرفا، إلى أن أخذوه في جماعة من بني أبيه، وشرذمة قليلة ممّن كانت تخالصه في الشدائد وتوافيه، وأن المقام العالي بعد ذلك سيّر مطارف العدل في الرعيّة، وأقرّ أحوالهم في عدم التعرّض إلى الأموال والذّرّية، على ما هو المسنون في قتال البغاة من الأمور الشرعيّة. وفهمنا جميع ما شرحه في هذا الفصل، وما أخبر به من هذا الظّفر الذي ابيضّ به وجه الفتح وإن كان قد احمرّ به صدر النصل؛ والله تعالى يزيد ملكه رقيّا، ويجزيه لقبول النّعم لقيّا، ويجعله دائما كوصفه مظفّرا وكاسمه عليّا. وأن المقام العالي لما فرغ وجهه من هذه الوجهة، وحاز هذا الملك الذي لم يحز آباؤه كنهه، عاد إلى المهمّ الذي قدم فيه سلطان الأندلس لأنه أبدى ما المسلمون فيه من محاورة الأذى، ومجاورة العدا؛ وقرب المسافة بين هذين العدوّين كالشّجا، وفي عيونهم كالقذى. وأنه ثوى به من الطّغاة من أسدل على المسلمين أردية الرّدى، وأنه على جانب البحر المعروف بالزّقاق «1» ، وبه قطّان يمنعون الإرفاد والإرفاق، ويصدّون عن السبيل من قصد سلوكه من الرفاق. وأن البرّ أيضا مملوء منهم بصقور صائده، وعلوج مكايده، وكفّار معانده، وفجّار على السّوء متعاضده، والبحر مشحون بغربان طائرة بأجنحة القلوع طارده، صادرة بالموت وارده، جارية في فلك البحر كالأعلام إلا أنّها بالإعلام بالخبر شاهده، تتخطّف كلّ آمّ وقاصد، وتقعد لأهل الإيمان بالمراصد، وتدني الموت الأحمر، ممن ركب البحر الأخضر، وتمنع السالك، إلا أن يكون من أهل الضّلال الحالك، من بني الأصفر. وأنّ المقام العالي عند ذلك قام لله وغار، وأنجد جنوده في طلب الثار من أهل النار وأغار، وأنجد قاصد حرمه ببعوث كرمه وأعار، وأرسل عقبان فرسانه محلّقة إلى ذلك الجبل الشّامخ الذّرى وأطار، إلى أن أحاطت بهم جنوده إحاطة الآساد بالفرائس لا إحاطة الهالات بالأقمار، فما منهم إلّا من أعمل على العدا

رحى المنون وأدار، وسار وناعي البين يقدمه إلى أين سار؛ وقدّم عليهم ولده «1» الميمون النّقيبة، الممنوح غربه من مواقع النصر بكلّ غريبة، الجاري على سنن آبائه الكرام، المظفّر أنّى سرى الممدوح حيث أقام. وأنه مزّق «2» جموعهم الكثيفة، وهدم معاقلهم المنيفة، واستدنى منهم القاصي، واستنزل العاصي، وأخذ بالأقدام والنّواصي، وأحلّ العذاب والنّكال، بمن يستحقّه من أهل الإلحاد والمعاصى، وقرن بين الأرواح والآجال، وأذكرهم بهذا النصر أيّام ابن نصر وأعاد، وأثبت لهذا الجبل حقيقة اسم المدح «3» ، واستقرّ في صحائف فعله المقام إلى آخر هذا المنح. وعلمنا أيضا ما اعتمده الطاغي المغتال لعنه الله من الحضور بنفسه، وجمعه الملحدين من أبناء خدمته والمارقين من جنسه. وأنّه أعظم هذا الأمر وأكبر، وأيدى الزفير لهذا المصاب وأظهر، وأقسم بمعبوده المصوّر وصليبه المكسّر، أن لا يعود إلا بعد أن يظفر بما سلبه الحقّ إيّاه وتبصّر؛ فأبى الله والمؤمنون أن تكون النّيّة إلا خائبة، وقضت سعادة الإسلام أن تكون الأيّام لما عقده من الطّويّة الرّديّة ناكبة؛ فلمّا طال عليه الأمد وحان الحين، عاد صفر اليدين ولكن بخفّي حنين، ناكصا على عقبه، خاسئا لسوء منقلبه، وأسرع إلى مقرّ طاغوته

سرى وسيرا، ولو كان من ذوي الألباب لتعقّل في أمر قول الله تعالى: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً «1» . وأنّ المقام العالي ألزمه بعد ذلك ما كان على أهل «أغرناطة» «2» له في كلّ عام موظّفا، ووضع عنهم إصر ما برج كالأسر مجحفا. وهذه عزّة إسلاميّة جدّد الله على يد المقام بذلك القطر صدورها، وسطّر في صحائف حسناته أجورها، وأبقى له مذخورها، وأعدّها له ليوم تجد فيه كلّ نفس ما عملت من خير محضرا إذا شاهدت عرضها ونشرها، ومنّة من الله أربت على العدّ، وتجاوزت الحدّ، ومزيّة لا تطمح الآمال إلى ميلها في جانبها ولا تمتدّ، ورتب جدّ يلحق بها الولد الناجم في سماء المعالي رتب الكرام من أب له وجدّ- والله يجعله مظفّرا على العدا، منصورا على من حاد عن سواء السبيل واعتدى، مستحقا لمحاسن الأخبار على قرب المدّة وبعد المدى. وقد كان أخونا أمير المسلمين، وسلطان الموحّدين، والدك الشهيد قدّس الله سرّه؛ وبوّأه دار النعيم وبها أقرّه، في كلّ آونة يخبرنا بمثل هذا الفتح، ويذكر لنا ما ناله من جزيل المنح؛ (فهذه شنشنة نعرفها من أخزم) «3» ، وسنّة سلك فيها الشّبل الصائد سنن ذلك الضّيغم الأعظم، ونحن نحمد الله الذي أقام المقام مقام

أبيه لنصرة الإسلام وأبقى، وصدّق بما تنشئه من حسن أفعالك وسعيد آرائك أنّك أبو الحسين وأنّ أباك أبو سعيد حقّا. وحيث سلك المقام سنن والده الشهيد، وأتحفنا من أنبائه بكلّ جديد، وقصّ علينا أحاديث ذلك الجانب الغربيّ المشرق بأنواره، ونصّ متجدّداته مفصّلة حتّى صرنا كأنّا مشاهدون لذلك النصر ومواقع آثاره، فقضى الودّ أن نتحفه من أحاديث جيشنا الذي أشرقت لمعات سيوفه في الشّرق الأعلى بما يشنّف سمعه، ويسرّ معشر الإسلام وجمعه، وموطنه وربعه: ليتحقّق أنّ نعم الله لكلّ من قام بتشييد هذا الدّين المحمّديّ عامّة، ومننه لديهم تامّة، وألطافه بهم حافّة، ومناصرته ليد سلطان الإسلام في أعناق العدا مطلقة ولأكفّ أهل الشّرك كافّة، وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ «1» فمما نبديه لعلمه ونهديه لسعيد فهمه، أنّ من جملة من يحمل لأبوابنا الشريفة من ملوك الكفر القطيعة في كلّ عام، ويرى أنّ ذلك من جملة الإفضال عليه والإنعام؛ متملّك سيس، الذي هو في ملّته من ساكني البرّ كالرئيس، وبين بطارقته وطغاته كالكتد «2» الأعظم أو كالقدّيس النفيس؛ وعليه مع ذلك لأبوابنا الشريفة من القناطير المقنطرة من الذهب والفضّة والخيل المسوّمة ما لا يحيد عنه ولا يحيس «3» ، ومرتّب لا يقبل التنقيص ولا يسمح لخناقه بتنفيس، تحمله نوّابه إلى أبوابنا الشريفة عن يد وهم صاغرون، ويقومون به على قدم العبوديّة وهم ضارعون. ولمّا كان في العام الماضي سوّف ببعضه وأخّر، ودافع عند إبّانه وقصّر، وسأل مراحمنا في تنقيص بعض ذلك المقرّر، وأرسل ضراعاته إلى نوّابنا بالممالك

الشامية في هذا المعنى وكرّر، وقدّر في نفسه المراوغة وأسرّ خسرا في ارتعا «1» والله أعلم بما قدّر؛ فاقتضت آراؤنا الشريفة أن نرسل إليه بعثا يذلّل قياده، وينكّس صعاده، ويخرّب بلاده، ويوطيء أطواده، ويوهن عناده، ويذهب فساده، ويفرّق أجناده، ويمزّق أنجاده، ويقلّل أعداده، ويفلّل جموعه، ويدكدك ربوعه، ويذري على ملكه دموعه، ويدني خضوعه، ويفصل تلك الأبدان التي هي للطّغيان مجموعه، فأنهضنا إليه من الأبطال كلّ باسل، وأنهدنا إليه منهم كلّ ضرغام خادر يظنّ الجاهل أنه متكاسل، وأشهدنا حربه كلّ مؤمن يرى الشهادة مغنما، والتخلّف مأثما والتّباطؤ مغرما، والعذر في هذا المهمّ أمرا محرّما، ويعدّ الرّكوب إلى هذا السّفر قربه، والرّكون إلى وطنه غربه، ويرغب فيما وعد الله به جيشه المنصور وحزبه، ويربأ بنفسه أن يكون من الخالفين حبّا لها وتكريما، ويبادر إلى ما أمر به رغبة في قوله تعالى: وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً «2» ، على صافنات جياد، ليس لها غير الطّير في سرعة المرام أضداد، وعاديات عاديات على أهل العناد، وضابحات «3» ذابحات لذوي الفساد، ومغيرات طالما أسفر صبحها عن النّجاح، ومثيرات نقع يتبلّج غيهبها عن تحقّق النّجاة وإزالة الجناح. وصواهل عراب، كم للفضل بها من كمون وللموت اقتراب، وأصائل خيل، تخيّل لراكبها أنها أجرى من الرياح وأسرى من اللّيل، قد عقد الخير بنواصيها، وعهد النصر من أعرافها وصياصيها، وتسنّم راكبوها لذروة العزّ من ظهورها، واحتووا على الكبير الأعلى من نصرتها على العدا وظهورها، بسيوف تبدّد الأوهام، وتزيل الإيهام، وتقدّ الهام، وتدني الموت الزّؤام، وتطهّر بميامنها نجس الشرك ودنسه، وتقرع أجسادهم فتغدو كلّها عيونا ولكن بالدّماء منجسه، قد تسربل كلّ منهم من الإيمان درعا حصينا، واتخذ لبسه جنّة ولكن من الذهب

والإستبرق ليكون لفضل الله مظهرا ولإحساننا مبينا، واتّخذ لسهام القسيّ ليوم اللّقاء الألسن الحداد، ومدّ يد المظاهرة ببيض قصار وسمر صعاد. فلمّا جاسوا خلال تلك الدّيار، وما سوا يرفلون في حلل الإيمان التي تشفي صدور قوم مؤمنين وتغيظ الكفّار، لم يسلكوا شعبا إلا سلك شيطان الكفر شعبا سواه، ولا وطئوا موطئا إلّا وكلّ كافر يأباه؛ ولا نالوا من عدوّ نيلا إلّا كتب لهم به عمل صالح كما وعدهم الله؛ وما أتوا لهم على ضرع حافل إلا جفّ، ولا مرّوا على زرع حاقل «1» إلا أصبح هشيما تذروه الرّياح أو حطيما تكفيه الكفّ؛ ولا هشيم إلا حرّقوه، ولا جمع إلا فرّقوه، ولا قطيع شاء إلا قطّعوه ومزّقوه، ولا ضائز «2» إلا ضنّوا عليه أن يدعوه لهم أو يطلقوه، وما برحوا كذلك إلى أن نازلوا البلد المسمّى بآياس، فحصل لأهله من مسمّاه الأشتقاق الأصغر والاشتقاق الأكبر «3» بقطع الأمل منه واتّصال الإياس؛ فناداهم من بذلك الحصن من أسارى المؤمنين. يا رحمة الله حلّي في منازلنا ... حسبي برائحة الفردوس من فيك

ويا نصر الله انشر بالظّفر رايات مواجهنا ومنازلنا فطالما كنّا نؤمّلك ونرتجيك؛ ويا خيل الله اركبي، ويا خيل الكفّار اذهبي، ويا جند إبليس ارهبي، من جند الله الغالبين؛ وإن وجدت مناصا فانفري، وياما للإسلام من جنود وأنصار، قاتلوا الذين يلونكم من الكفّار. وكانت موافاة عسكرنا المنصور إليهم عند الإسفار «1» ، فلم يملكوا القرار، ولا استطاعوا الفرار، ولم يجدوا ملجأ من الله إلّا إليه. وقال: لا وزر وكيف به لمن يلبّي الأوزار، ورأوا ما أعددنا لحصارهم من مجانيق تقدّ الصّخور، وتدكدك القصور، وتغيض بها مياه نفوس تلك الأجساد الخبيثة فلا يجتمعان إلى يوم البعث والنّشور؛ وأنا أمددنا جيوشنا بجاريات في بحر الفرات، مشحونة بالأموال والأقوات، والعدد والآلآت؛ وأرفدناهم من الذّهب والفضّة بالقناطير المقنطرات، وأوفدنا عليهم من أنجادنا بالديار البكريّة، وأطراف البلاد الشامية، جيوشا كالسّحاب المتراكم، وأطرنا عليهم عقبان اقتناص من عقبان التّراكمين «2» اعتادت صيد الأراقم، وأسر الضّراغم؛ فلمّا تحقّقوا الدّمار، لم يلبثوا إلا كما وصف الله تعالى حال من أهلك من القوم الفاسقين ساعة من نهار. فعند الظهيرة حمي الوطيس، ونكص عند إعلان الأذان على عقبه إبليس؛ وشاهدوا «3» الموت عيانا، وتحقّقوا الذّهاب أموالا وإخوانا وولدانا، أذعنوا إلى السّلم، ونادوا الأمان الأمان يا أهل الإيمان والعلم، والكفّ الكفّ يا جند الملك الموصوف عند الشّقاق بالحزم، وعند القدرة على العقاب بالحلم. وأرسل طاغيتهم الأكبر ليفون، يقسم بصليبه: إنّا من القوم الذين يقومون بما عليهم من الجزية ويوفون؛ ومن الرّعيّة الذين يطيعون أمر ملكهم الأعظم وعن حمى الإسلام

يكفّون؛ فعند ذلك رأى نوّابنا بذلك العسكر أن تكفّ عنهم شقّة الشّقاق وتطوى، ولانت قلوبهم لتذكار قوله تعالى: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى «1» وطالعوا علومنا بما سأله القوم من الرحمة والرّأفة، وما ضرعوا إليهم فيه من الأمان والألفة، وإعطاء ما كنّا رسمنا به من تسليم قلاع معدوده، وتسويغ أراض محدوده، تستقرّ بيد نوّابنا وتقطع بالمناشير الشريفة لأهل الجهاد من أبوابنا، مع استقرار ما رسمنا به من قطيعة، وعقد الهدنة على أمور هي عندنا محبّبة ولديهم فظيعة. هذا بعد أن استولت عساكرنا على قلاع لهم وحصون، ومحرز من أموالهم ومصون؛ وطلعت أعلامنا المحمّديّة على قلعة آياس، ونزل أهل الكفر على حكم أهل الإيمان وزال التحفّظ والاحتراس، وأعلن بالأذان في ذلك الصّرح، وظهرت كلمة الإيمان كما بدأت أوّل مرّة وهذا يغني عن الشّرح؛ وعلت الملّة الحنيفيّة بذلك القطر وقام أهلها وصالوا، وغلّت أيدي الكفّار ولعنوا بما قالوا. وكان جيشنا قبل ذلك أخذ قلعة تسمّى «بكاورّا» واستنزلوا أهلها قسرا، واستزالوهم عنها ما بين قتلى وأسرى؛ وهي قلعة شامخة الذّرى، فسيحة العرا، وثيقة العرا، يكاد الطرف يرجع عنها خاسئا. ولما اتّصل بأبوابنا هذا الخبر السّارّ، وشفع لنا من نرى قبول شفاعته في إجابة ما سأله هذا الشّعب من إرجاء عذاب أهل الكفر إلى نار تلك الدار؛ مننّا عليهم بالأمان، وقابلناهم بعد العدل بالإحسان؛ وتقدّم أمرنا إلى نوّابنا بكفّ السيف وإغماده، وإطفاء مسعّر الحرب وإخماده؛ وأن يجرى المنّ على مألوفه منّا ومعتاده، بعد تسليم تلك القلاع، وهدم الأسوار التي كان بها لأهل الكفر الامتناع، واستبقاء الرعيّة، واستحياء الذّرّية، وإجراء الهدنة المسؤولة على القواعد الشرعيّة؛ وعاد عسكرنا منشور الذوائب، مظفّر الكتائب، مؤيّد المواكب، مشحونا بغرائب الرّغائب.

وعند وصولهم إلى أبوابنا فتحنا لهم أبواب العطاء الأوفر، وبدّلناهم بالتي هي أحسن وعوّضناهم الذي هو أكثر؛ وأفضنا عليهم من خلع القبول ما أنساهم مشقّة ذلك السّرى وشقّة السّير، وتلا عليهم لسان الإنصاف (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ «1» وبعد ذلك ورد علينا كتاب بعض نوّابنا بالأطراف من أولاد قرمان، القائمين بمشارق ممالكنا على وجه الأمن وسعة الأمان، بأنّهم عند عودهم من سيس، ونصرتهم على حرب إبليس، استطردوا فأخذوا للكفر تسع قلاع، ما برحت شديدة الامتناع، لا تمتدّ إليها الأطماع؛ فتكمّل المأخوذ في هذه السفرة وما قبلها خمس عشرة قلعة، وبدّد الله شمل الكفر وفرّق جمعه، وآثرنا أن نعلم المقام العالي بلمحة مما لله لدينا من النّعم، ولبره من شارة يستدلّ بها على أثر أخلاف كالدّيم، ونطلعه على درّة من سحاب، وغرفة من بحر عباب، وطرفة نشرها كالمسك الذي ينبغي أن يختتم بها هذا الكتاب. ونحن نرغب إلى المقام أن يواصل بكتبه المفتتحة بالوداد، المشتملة على النّصرة على أهل العناد، المشحونة بمواقع الفتح والظّفر التي تتضاعف إن شاء الله وتزداد، المحتوية على الطّارف من الإخلاص والتّلاد، المتّصل سببها بين الآباء الكرام ونجباء الأولاد، والله تعالى يجعله دائما لثمرات النصر من الرماح يجتني، ولوجوه الفتح من الصّوارم يجتلي، ويديم على الإسلام مزيد العزّ الذي يتجدّد كلّ آونة من طلائع رايات محمد وبدائع آراء علي «2» ، بمنه وكرمه.

وهذه نسخة كتاب جواب إلى صاحب فاس حيث ورد كتابه بالتعرّض لوقعة «تمرلنك» من إنشاء مؤلّفه، كتب بذلك عن السلطان الملك الناصر «فرج بن برقوق» وهو. عبد الله ووليّه السلطان الأعظم (إلى إخر ألقاب سلطاننا) أجرى الله تعالى الأقدار برفعة قدره، وأدار الأفلاك بتأييده ونصره، وأذلّ رقاب الأعداء بسطوته وقهره، وشحن الأقطار بسمعته وملأ الآفاق بذكره، يخصّ المقام العالي (إلى آخر الألقاب) : رفع الله تعالى له في ملكه الشامخ منارا، وجعل النصر والظّفر له شعارا، وأحسن بحسن مواتاته إلا لأهل الكفر جوارا، بسلام يفوق العبير عبيقه، ويزري بفتيق المسك الداريّ فتيقه، ويخجل الروض المنمنم إذا تزيّن بالبهار خلوقه، وثناء تكلّ الألسنة البليغة عن وصفه، ويعجز بناة المجد الأثيل عن حسن رصفه، وتعترف الأزاهر بالقصور عن طيب أرجه ومسك عرفه؛ وشكر يوالي الورد فيه الصّدر، ويحقّق الخبر فيه الخبر، ويشيع في الآفاق ذكره فتتّخذه السّمّار حديث سمر. أما بعد حمد الله واصل أسباب المودّة وحافظ نظامها، ومؤكّد علائق المحبّة بشدّة التئامها، ورابط جأش المعاضدة باتّحاد وتناسب مرامها، ومجدّد مسرّات القلوب بتوالي أخبارها المبهجة عن عالي مقامها. والصلاة والسلام على سيدنا محمد أفضل نبيّ رعى الذّمام على البعاد، وأكرم رسول قرن صدق الإخاء منه بصحّة الوداد، صلاة تبلّغ من رتبة الشّرف منتهاها، وتنطوي الشّقّة البعيدة دون بلوغ مداها؛ فإن ورد علينا على يد رسولكم فلان كتاب كريم طاب وروده،

وتهللت بالبشر سعوده، وشهد بصدق المحبة الصادقة شهوده، وطلع من الجانب الغربيّ هلاله فلاحت بالمشرق بحسن التلقّي سعوده؛ فقرّ منه برؤيته الناظر، وابتهج بموافاته الخاطر، ولاحت من جوانبه لوائح البشر فأحسن تلقّيه سلطاننا الناصر. وقابلناه من القبول بما كاد باطنه لكمال الموافاة يكون عنوانا للظاهر، وفضضنا ختامه المصون عن بديع كلام مخترع، وبنات فكر قبله لم تفترع، وفصاحة قد أحكم اللّسن مبانيها، وبلاغة تناسبت ألفاظها فكانت قوالب لمعانيها، وبراعة قد أحسنت البديهة ترتيبها فجاءت وتواليها تتبع هواديها؛ وفهمنا ما أظهره من كوامن المحبة التي بلغت من القلب الشّغاف، وبوارح الشوق الذي عندنا من مثله أضعاف أضعاف؛ وانتهينا إلى ما أشار إليه المقام العالي من التلويح إلى ما طرق أطراف ممالكنا الشريفة من طارق الاعتدا، وما كان من الواقعة التي كان خبرها لفظاعته يكون كالمبتدا. ونحن نبدي لعلم المقام العالي ما يوضّح له أنّ ما وقع من هذه القصّة لم يكن عن سوء تدبير، ونورد عليه من بيان السبب ما يحقّق عنده أنّ ذلك لم يكن لعجز ولا تقصير، بل لأمر قدّر في الأزل، ومقدور الله تعالى لا يدفع بالحيل. وذلك أنه لما اتّصل بمسامعنا الشريفة قصد العدوّ إلى جهتنا، وتجاوزه حدّ بلاده إلى أطراف مملكتنا؛ بادرنا الحركة إليه في عسكر لجب، وجيوش يضيق عن وسعها الفضاء الرّحب؛ من كل بطل عركته الحروب، وثقّفته الخطوب، وحنّكته التّجارب، وعجم عوده بكثرة المنازلات قراع الكتائب. قد امتطى طرفا «1» عربيّ الأصل كريم الحسب، خالص العتق صريح النّسب؛ يفوت الطّرف مدى باعه المديد، ويسبق حافره موقع بصره الحديد. ولبس درعا قد أحكم سردها، وأبرم

شدّها، وبالغت في السّبوغ «1» فاتّصفت بصفات الكرام، وضاقت عينها فمنعت شبحا حتّى ذباب السّهام. ووضع على رأسه بيضة «2» يخطف الأبصار وميض برقها، وتزلق السّهام الراشقة صلابة طرقها؛ وترفعها الأبطال على الرؤوس فلا ترى أنها قامت ببعض حقّها. وتقلّد سيفا يمضي على الرقاب نافذ حكمه، ويقضي بانقضاء الأجل انقضاض نجمه، لا ينبو عن ضريبة فيردّ، ولا يقف حدّه في القطع عند حدّ. واعتقل رمحا يجري الدماء سنانه بأنابيبه، ويمدّ إلى الفارس باعه الطويل فيأخذ بتلابيبه، وتتمسّك المنايا بأسبابه فتتعلّق منه بالأذيال، وتضرّس الحرب بزرق أنيابه كأنها أنياب أغوال. وتنكّب قوسا موعز الآجال هلال هلالها، ومورد المنون إرسال نبالها؛ ومدرك الثار رنّة وترها، وموقد نار الحرب قدح شررها، قد اقترن بها سهام تسابق الريح في سرعتها، وتعاجل الموت بصرعتها، وتختطف العيون في ممرّها، وتختلس النفوس من مقرّها؛ تدخل هجما كلّ محتجب، وتأتي الحذر من حيث لا يحتسب. وتناول عمودا يهجم على الأضالع بأضلاعه فيفدغها، ويصافح الرّؤوس بكفّه الملتحمة الأصابع فيدمغها؛ يقرّب من الأجل كلّ بعيد، ويخلق من العمر كلّ جديد، ولا يقاومه في الدّفاع بيضة وأنّى تقاوم البيضة زبرة «3» من حديد. وتحرّكنا من الديار المصرية في جيوش لا يأخذها حصر، ولا يلحقها هصر، ولا يظنّ بها على كثرة الأعداد كسر؛ ولم نزل نحثّ السير، ونسرع الحركة للقاء العدوّ إسراع الطير، حتّى وافينا دمشق المحروسة فنزلنا بظاهرها، مستمطرين النصر في أوائل حركتنا وأواخرها؛ وانضمّ إلينا من عساكر الشام وعربانها، وتركمانها الزائدة على العدّ وعشرانها، مالا ينقطع له مدد، ولا يدخل تحت حصر

ولا عدد. وأقبل القوم في لفيف كالجراد المنتشر، وأمواج البحر التي لا تنحصر: من أجناس مختلفة، وجموع على تباين الأنواع مؤتلفة، وتراءى الجمعان في أفسح مكان، ورأى كلّ قبيل الآخر رأى العين وليس الخبر كالعيان، واعتدّ الفريقان للنّزال، واحتفروا خنادق للاحتراس وتبوّأنا مقاعد للقتال، ولم يبق إلا المبارزة، والتقاء الصّفوف والمناجزة، إذ ورد وارد من جهتهم بطلب الصّلح والموادعة، والجنوح إلى السّلم وقطع المنازعة؛ فأجبناهم بالإجابة، ورأينا أنّ حقن الدماء من الجانبين من أتمّ مواقع الرأي إصابة؛ وكتبنا إليهم في ضمن الجواب: لمّا أتانا منكم قاصد ... يسأل في الصّلح وكفّ القتال قلنا له نعم الّذي قلته ... والصّلح خير وأجبنا السّؤال فبينا نحن على ذلك، واقفون من المواعدة على الموادعة على ما هنالك، إذ بلغنا أن طائفة من الخونة الذين ضلّ سعيهم، وعاد عليهم بالوبال ولله الحمد بغيهم، توجّهوا إلى الديار المصرية للاستيلاء على تخت ملكنا الشريف في الغيبة، آملين ما لم يحصلوا منه إلا على الخيبة؛ فلم يسع إلا الإسراع في طلبهم، للقبض عليهم وإيقاع النّكال بهم، وجازيناهم بما يجازي به الملوك من رام مرامهم، وظنّ العدوّ أن قصدنا الديار المصرية إنما كان لخوف أو فشل، فأخذ في خداع أهل البلد حتّى سلّموه إليه وفعل فعلته التي فعل، ليقضي الله أمرا كان مفعولا. ثم لم نزل ندأب في تحصين البلاد وترويج أعمالها، وترتيب أمورها وتعديل أحوالها، حائطين أقطارها المتسعة بجيوش لا يكلّ حدّها، ولا يعقب بالجزر مدّها، ليكونوا للبلاد أسوارا، وللدولة القاهرة إن شاء الله تعالى أعوانا وأنصارا؛ وأعاد الله تعالى المملكة إلى حالها المعروف، وترتيبها المألوف، فاستقرّت بعد الاضطراب، وتوطّنت بعد الاغتراب. وفي خلال ذلك تردّدت الرسل إلينا في عقد الصلح وإمضائه، ودفن ما كان

الجملة الرابعة (في مكاتبة ملك المسلمين بالأندلس)

بين الفريقين من المباينة وإخفائه؛ فلم يسعنا التلكّؤ عن المصالحة [بل سعينا] سعيها؛ والله تعالى يقول: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها «1» فعقدنا لهم عقد الصّلح وأمضيناه؛ وأحكمنا قواعده توكّلا على الله تعالى وأبرمناه، وجهّزنا إليهم نسخة منه طمغت بطمغة قانهم عليها، وأعيدت إلينا بعد ذلك ليكون المرجع عند الاختلاف والعياذ بالله تعالى إليها: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً «2» . والله تعالى يجنّب إخاءكم الكريم مواقع الغير، ويقرن مودّته الصادقة بصفاء لا يشوبه على ممرّ الزمان كدر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الجملة الرابعة (في مكاتبة ملك المسلمين بالأندلس) وهو صاحب غرناطة، وقلعتها تسمى حمراء غرناطة. وقد تقدّم في المقالة الثانية في المسالك والممالك ذكر هذه المملكة وأحوالها، ومن ملكها جاهليّة وإسلاما، وأنها الآن بيد بني الأحمر. وقد ذكر في «التعريف» أنهم من ولد قيس ابن سعد بن عبادة سيد الخزرج الأنصاريّ: صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وهي منهم الآن بيد السلطان محمد بن يوسف بن محمد المخلوع ابن يوسف بن إسماعيل ابن الرئيس أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر؛ وقد أذلّ الله من يجاوره من نصارى الفرنج بسيفه، وامتنع في أيامه ما كان يؤدّيه من قبله من أواخر ملوك الأندلس إلى ملك الفرنج من الإتاوة في كل سنة، لاستقبال سنة ثنتين وسبعين وسبعمائة وإلى آخر وقت. وقد ذكر في «التعريف» أنّ سلطانها كان في زمانه في الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون» أبا الفضل يوسف؛ ولعله يوسف بن إسماعيل المقدّم

ذكره. قال: وهو شابّ فاضل له يد في الموشّحات. ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التعريف» بعد البسملة «أما بعد» بخطبة مختصرة، «فهذه المفاوضة إلى الحضرة العلية، السنيّة، السريّة، العالميّة، العادليّة، المجاهدية، المؤيّديّة، المرابطيّة، المثاغرية، المظفّرية، المنصوريّة، بقيّة شجرة الفخار، وخالصة سلف الأنصار، المجاهد عن الدين، والذابّ عن حوزة المسلمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، خلاصة الخلافة المعظمة، أثير الإمامة المكرّمة، ظهير أمير المؤمنين، أبي فلان فلان» . وهذا صدر لهذه المكاتبة ذكره في «التعريف» وهو. صدرت هذه المكاتبة إليه متكفّلة بالنصر على بعد الدار، مجرّدة النصل إلا أنه الذي لا يؤخّره البدار؛ مسعدة بالهمم ولولا الاشتغال بجهاد أعداء الله فيمن قرب لما تقدّمت سرعان الخيل، ولا أقبلت إلّا وفي [أوائل] «1» طلائعها للأعداء الويل؛ ولا كتبت إلا والعجاج يترّب السّطور، والفجاج تقذف ما فيها على ظهور الصّواهل إلى بطون البحور. مبدية ذكر ما عندنا بسببها لمجاورة الكفّار، ومحاورة السيوف التي لا تملّ من النفار؛ مع العلم بما لها في ذلك من فضيلة الجهاد، ومزيّة الجلد على طول الجلاد، ومصابرة السهر لأوقات منيمه، ومكاثرة هذا العدوّ بالصبر ليكون لها غنيمة، ونحن على إمدادها- أيدها الله- بالنصر وبالدعاء الذي هو أخفّ إليها من العساكر، وأخفى مسيرا إذا قدّر حقّه الشاكر؛ ثقة بأن الله سينصر حزبه الغالب، ويكفّ عدوّه المغالب، ويصل بإمداد الملائكة لجنده، ويأتي بالفتح أو بأمر من عنده، لتجري ألطافه على ما عوّدت، ويؤخذ الأعداء بالجريرة، ولينصرنّ الله من ينصره وينظر إلى أهل هذه الجزيرة. والذي ذكره في «التثقيف» أن رسم المكاتبة إليه مثل صاحب تونس في القطع والخطابة، والاختتام، والعلامة، والتعريف «صاحب حمراء غرناطة» .

وهذه نسخة جواب إلى صاحب حمراء غرناطة. وقد ورد كتابه في ورق أحمر يتضمّن قيامه بأمر الجهاد في الكفّار، وما حصل من استيلاء بعض أقاربه على ملكه ونزعه منه، وأنه استظهر بعد ذلك على المذكور وقتله، وعاد إلى ملكه على عادته. في جمادى الأولى سنة خمس وستين وسبعمائة، وهي: نخصّ الحضرة العلية، حضرة الأمير فلان، وألقابه، جعل الله له النصر أين سار قرينا، والظّفر والاستظهار مصاحبا وخدينا، وزاد في محلّه الأسنى تمكينا وتأمينا، ومنح أفقه الغربيّ من أسرّة وجهه المتلأليء الإشراق، ومهابة بطشه الذي يورد العدا موارد الرّدى بالاتّفاق، تحسينا وتحصينا- بإهداء السلام الذي يتأرّج عرفا، ويتبلّج وصفا، ويكاد يمازح النّسيم لطفا- وإبداء الشّكر الذي جلّله ملابس الإكرام وأضفى، وأجمل منه نفائس عقد المودّة التي أظهرها فلم تكن تخفى. ثم بعد حمد الله مؤكّد أسباب علاه، ومؤيّد موجبات نصره وما النصر إلا من عند الله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله الذي أمدّه بملائكته المقرّبين، ونصره بالرّعب مسيرة شهر كما ورد بالنصّ والتعيين، ورفع باسمه ألوية المؤمنين الموحّدين، وقمع ببأسه ثائرة البغاة والمتمرّدين، وعلى آله وصحبه الذين لازموا التمسك بأسباب الدين، وجاهدوا في إقامة منار الإسلام لما علموا مقدار أجرهم علم اليقين، صلاة متوالية متواترة على ممرّ الأحقاب والسّنين؛ فإنا نوضّح لعلمه الكريم أنّ كتابه ورد علينا مشتملا على المحاسن الغرّاء، مغربا بل معربا لنا بحمرة لونه أن نسبته إلى الحمراء، مشبها ورد الخدود والنّقس فيه كالخال، أو شقائق النّعمان كما بدا روضه غبّ السحاب المتوال. فوقفنا على مضمونه جميعه، وتلمّحنا بديع معانيه من جميل توشيعه وترصيعه، وعلمنا ما شرحه فيه: من استمراره على عادة سلفه في القيام بأمر الجهاد، وقطع دابر الكفرة ذوي الشّقاق والعناد، وتوطيد ما لديه من تلك البلاد، وتطمين ما بها من العباد، وما اتفق من قريبه في الصورة لا في المعنى، وكيف أساء إليه فعلا وقد أحسن به ظنّا، وأنه رصد الغفلة من جنابه، وأقدم على ما أقدم عليه من اقتراف البغي والتمسّك بأسبابه، ولم يزل يراعي غيبة الرّقيب وهجوع السامر، إلى أن تمكّن من الاستيلاء على ذلك

الملك الذي ظنّ أنّ أمره إليه صائر؛ لكنه مع كونه قد اقتحم في فعلته هذه الأهوال، وتوهّم أنه قد حصل بمكره على بلوغ بعض الآمال، فإنه ما سلّم ولله الحمد والمنّة حتّى ودّع، ولا أقبل سحاب استيلائه حتّى أقشع، بما قدّره الله تعالى لحضرة الأمير من نصرته، وعوده إلى محلّ أمره وإمرته. وأنه آثر اطّلاع علومنا الشريفة على هذه الواقعة، لما يعلم من تأكيد المودة التي غدت حمائهما على أفنان المحبّة ساجعة؛ وقد علمنا هذا الأمر، وشكرنا جميل محبّته التي لم ينسج على منوالها زيد ولا عمرو، وابتهجنا بما يسّره الله تعالى له من ذلك، وانتهزنا فرص السّرور بما منحه الله من ظفره المتقارب المتدارك، وحمدنا الله تعالى على تأييد هذه العصابة الإسلاميّة، وما منّ به من عود شمس هذا الأفق الغربيّ إلى مطالعها السنيّة؛ ولا جرم أن كانت له النّصرة، والاستيلاء والقدرة: لأن الله تعالى قد تكفّل سبحانه لأوليائه بمزيد التكريم والتعزيز، إذ قال عز وجل: ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ «1» إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ*. وأما غير ذلك، فقد وصل رسول الحضرة العلية إلينا وتمثل بمواقفنا المعظّمة، ومحالّ مملكتنا المكرّمة؛ وأقبلنا عليه، وضاعفنا الإحسان إليه، وأدّى إلينا ما تحمّله من المشافهة الكريمة، ورسائل المحبّة والمودّة القديمة؛ فرسمنا باجابة قصده، وتوفير برّه ورفده، وقضاء شغله الذي حضر فيه، وتسهيل مآربه بمزيد التنويل والتنويه، ومسامحة الحضرة العلية بما يتعيّن على ما قيمته ألفا دينار مصرية حسب ما عيّنه رسوله المذكور، ولو كان سألنا أضعاف ذلك لأجبنا سؤاله من غير تروّ ولا فتور. وقد جهّزنا إليه صحبته ما أنعمت به صدقاتنا الشريفة عليه من الدّرياق ودهن البلسان «2» ، فليتحقّق ماله عندنا من المكانة والمحلّ الرفيع الشان؛ وقد أعدنا رسوله المذكور إلى جهته الكريمة بهذا الجواب الشريف،

محترما مكرّما مشمولا من إحساننا بالتّليد والطّريف؛ فيحيط علما بذلك والله تعالى يمدّه بمزيد التأييد، ويمنحه من جميل الإقبال، وجزيل النّوال، ما يربي على الأمل ويزيد! تم الجزء السابع. يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الثامن المقصد الثالث (في المكاتبة إلى أهل الجانب الجنوبي ممن جرت العادة بالمكاتبة إليه من العرب والسّودان، وفيه ثلاث جمل) والحمد لله رب العالمين. وصلاته على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه والتابعين وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل

مراجع تحقيق الجزء السابع من صبح الأعشى

مراجع تحقيق الجزء السابع من صبح الأعشى 1 1- أبو العباس القلقشندي وكتابه صبح الأعشى: مجموعة دراسات- الجمعية المصرية العامة للدراسات التاريخية. منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب- 1973 2- مقدمة لدراسة التاريخ الإسلامي: تأليف: د. عبد المنعم ماجد الطبعة الثالثة- مكتبة الانجلو المصرية- 1971. 3- الفهرست ابن النديم. دار المعرفة- بيروت- 4- الأعلام: خير الدين الزركلي. دار العلم للملايين- بيروت 1980 الطبعة الخامسة. 5- تاريخ الإسلام: حسن إبراهيم حسن مكتبة النهضة المصرية. الطبعة السابعة- 1964. 6- معجم البلدان: 2 ياقوت الحموي. دار الكتاب العربي- بيروت. 7- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: حاجي خليفة. دار الفكر 1982. 8- فوات الوفيات: محمد شاكر الكتبي. تحقيق احسان عباس دار صادر- بيروت 9- صبح الأعشى في صناعة الانشا: القلقشندي- الطبعة الأميرية- القاهرة. 10- الحلة السيراء: ابن الأبّار. تحقيق حسين مؤنس. الشركة العربية للطباعة والنشر الطبعة الاولى- 1963. 11- دائرة المعارف الإسلامية: مجموعة من المستشرقين النسخة العربية- منشورات كتاب الشعب القاهرة. 12- تشريف الأيام والعصور في سيرة الملك المنصور

1 محي الدين بن عبد الظاهر. تحقيق: مراد كامل ومحمد علي النجار. منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي بالجمهورية العربية المتحدة- الطبعة الاولى 1961. 13- منطلق تاريخ لبنان: كمال سليمان الصليبي منشورات كارافان- نيويورك 1979. 14- الروض المعطار في خبر الأقطار: محمد بن عبد المنعم الحميري. تحقيق: إحسان عباس. مكتبة لبنان 1984. 15- تاريخ اسبانيا الإسلامية (أو كتاب أعمال الأعلام في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام) تأليف: ا. ليفي بروفنسال. دار المكشوف 1957. 16- صفة جزيرة الأندلس. (منتخبة من كتاب الروض المعطار) . نشر وتصحيح وتعليق: إ. ليفي بروفنسال. القاهرة 1937. 17- التعريف بمصطلحات صبح الاعشى: محمد قنديل البقلي. الهيئة المصرية للكتاب. 1983. 18- نزهة النفوس والأبدان في تواريخ الزمان: الخطيب الجوهري، علي بن داوود الصيرفي. مطبعة دار الكتب- 1973. 19- وفيات الأعيان-: ابن خلكان. تحقيق احسان عباس دار الثقافة، بيروت 2 20- معجم ما استعجم: عبد الله بن عبد العزيز البكري. تحقيق مصطفى السقا- عالم الكتب- بيروت. 21- بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب: محمود شكري الآلوسي. تحقيق محمد بهجة الاثري. دار الكتب العلمية- بيروت. 22- التعريفات: الجرجاني. دار الكتب العلمية- بيروت. 23- الكليات (معجم في المصطلحات والفروق اللغوية: أيوب بن موسى الحسيني الكندي. تحقيق عدنان درويش ومحمد المصري. وزارة الثقافة- دمشق. 24- معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة. مكتبة المثنى ودار احياء التراث- بيروت. 25- سفرنامة (رحلة ناصر خسرو إلى لبنان وفلسطين ومصر والجزيرة في القرن الخامس الهجري) . نقله إلى العربية: يحيى الخشاب دار الكتاب الجديد. 26- تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) : أبو جعفر محمد بن جرير الطبري. تحقيق: محمود محمد شاكر وأحمد محمد شاكر. دار المعارف- مصر. 27- الميزان في تفسير القرآن: محمد حسين الطباطبائي.

1 مؤسسة الأعلمي للمطبوعات- بيروت. 28- تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل: أحمد السعيد سليمان. دار المعارف- مصر. 29- الخطط التوفيقية الجديدة لمصر القاهرة: علي باشا مبارك. الهيئة المصرية للكتاب- 1980. 30- الانتصار لواسطة عقد الامصار: ابن دقماق. دار الآفاق الجديدة- بيروت. 31- ولاة مصر: محمد يوسف الكندي. دار صادر- بيروت. تحقيق: حسين نصار. 32- الخطط المقريزية (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) . دار صادر- بيروت. 33- مسالك الأبصار في ممالك الامصار (قبائل العرب في القرنين السابع والثامن الهجريين) . لابن فضل الله العمري. دراسة وتحقيق: دوروتيا كرافولسكي. المركز الإسلامي للبحوث- بيروت. 34- نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب: القلقشندي. دار الكتب العلمية- بيروت 1984. 35- معجم قبائل العرب القديمة والحديثة: عمر رضا كحالة. مكتبة المثنى ودار احياء التراث- بيروت. 36- الموسوعة العربية الميسرة: إشراف محمد شفيق غربال. 2 دار الشعب ومؤسسة فرنكلين 1965. 37- مقدمة ابن خلدون: مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني 1979. 38- في التراث العربي: مصطفى جواد. منشورات وزارة الإعلام- العراق 1975. 39- الدولة المملوكية: انطوان خليل ضومط. دار الحداثة- بيروت 1980. 40- تاريخ الإسلام في الهند: عبد المنعم النمر. دار العهد الجديد- 1959. 41- فتوح البلدان: البلاذري. تحقيق عبد الله الطباع. وعمر الطباع. دار النشر للجامعيين 1957. 42- جمهرة الأمثال: أبو هلال العسكري. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش. المؤسسة العربية الحديثة 1964. 43- مجمع الأمثال: الميداني تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد. مطبعة السنة المحمدية- 1955. 44- المستقصى في أمثال العرب: الزمخشري. دار الكتب العلمية- بيروت 1977. 45- امثال العرب: المفضل بن محمد الضبّي

1 قدم له وعلق عليه: إحسان عباس. دار الرائد العربي. بيروت. 46- دراسات في فقه اللغة: الشيخ صبحي الصالح. دار العلم للملايين- 1960. 47- فقه اللغة: علي عبد الواحد وافي. دار نهضة مصر- الطبعة السابعة. 48- علوم الحديث ومصطلحه: الشيخ صبحي الصالح. دار العلم للملايين 1977. 49- معجم الألفاظ والأعلام القرآنية: محمد إسماعيل إبراهيم. دار الفكر العربي. 50- الألقاب الإسلامية في التاريخ والوثائق والآثار: د. حسن الباشا. القاهرة 1957. 51- ضوء الصبح: 2 القلقشندي. القاهرة 1324 هـ. 52- لسان العرب: ابن منظور. دار صادر- بيروت. 53- القاموس المحيط: الفيروزآبادي. المؤسسة العربية للطباعة والنشر- بيروت. 54- المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية- القاهرة. 55- مقاييس اللغة: أحمد بن فارس. تحقيق عبد السلام هارون. دار الفكر. 56- معجم عبد النور المفصل: جبور عبد النور. دار العلم للملايين- بيروت. 57- معجم.Petitlarousse 0891 Librairie larousse

فهرس موضوعات الجزء السابع

فهرس موضوعات الجزء السابع الوضوع الصفحة الطرف العاشر- في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية، ولها حالتان 3 الحالة الأولى- ما كان الأمر عليه قبل دولة الخلفاء الفاطميين 3 الحالة الثانية- من حالات المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية، ومكاتباتهم على أربعة أساليب 18 الأسلوب الأول- أن تفتتح المكاتبة بالدعاء للمجلس أو الجناب 20 الأسلوب الثاني- أن تفتتح المكاتبة بلفظ الإصدار 22 الأسلوب الثالث- أن تفتتح المكاتبة بلفظ «هذه المكاتبة إلى المجلس» 27 الأسلوب الرابع- أن تفتتح المكاتبة بلفظ «كتابنا» وباقي الأمر على نحو ما تقدّم 29 الطرف الحادي عشر- في المكاتبات الصادرة عن ملوك أهل الغرب، ولها حالتان 30 الحالة الأولى- ما كان الأمر عليه في الزمن المتقدّم، وهو على أربعة أساليب 31 الأسلوب الأول- أن تفتتح المكاتبة بلفظ «من فلان إلى فلان» ويدعى للمكتوب إليه 31 الأسلوب الثاني- أن تفتتح المكاتبة بلفظ «أما بعد» وهو على ضربين 34 الضرب الأول- أن تعقّب البعدية بالحمد لله، ويؤتى على الخطبة إلى آخرها 34 الضرب الثاني- أن تعقّب البعدية بذكر المقصود من غير خطبة 37 الأسلوب الثالث- أن تفتتح المكاتبة بلفظ «كتابنا إليكم من موضع كذا والأمر على كذا وكذا» 38 الحالة الثانية- ما الأمر مستقرّ عليه الآن مماكان عليه وزير ابن الأحمر، والمكابتة فيه على ثلاثة أساليب 40 الأسلوب الأول- أن تفتتح المكاتبة باللقب اللائق بالمكتوب إليه، وهو على أضرب 41 الضرب الأول- أن يبتدأ بلفظ «المقام» وهو مخصّص بالكتابة إلى الملوك 41

الموضوع الصفحة الضرب الثاني- أن يقع الابتداء بالمقرّ 50 الضرب الثالث- أن تفتتح المكاتبة بلفظ الإمارة 61 الأسلوب الثاني- أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب إليه أو المكتوب عنه، وهو على ضربين 64 الضرب الأول- أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب إليه تعظيما له 64 الضرب الثاني- أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب عنه، وهو على صنفين 67 الصنف الأول- ما يكتب به إلى بعض الملوك 67 الصنف الثاني- ما يكتب به إلى الرعايا 70 الأسلوب الثالث- أن تفتتح المكاتبة بلفظ «أما بعد» 74 الطرف الثاني عشر- في الكتب الصادرة عن وزراء الخلفاء، وفيه جملتان 6 الجملة الأولى- في الكتب الصادرة عن وزراء خلفاء بني العباس ببغداد، وهي على أسلوبين 76 الأسلوب الأول- أن تفتتح المكاتبة بلفظ «كتابي» 78 الأسلوب الثاني- أن تفتتح المكاتبة بلفظ الإصدار 81 الجملة الثانية- في الكتب الصادرة عن وزرا خلفاء الفاطميين بالديار المصرية 83 الطرف الثالث عشر- في المكاتبات الصادرة عن الاتباع، إلى الملوك ومن في معناهم، وفيه ثلاث جمل 86 الجملة الأولى- في المكاتبات الصادرة عن الاتباع ملوك الشرق إليهم في الزمن المتقدم، وهي على أسلوبين 86 الأسلوب الأول- أن تفتتح المكاتبة بلفظ «كتابي» 86 الأسلوب الثاني- أن تفتتح المكاتبة بالإصدار 89 الجملة الثانية- في المكاتبات الصادرة عن الاتباع ملوك المغرب إليهم والمختار منه أربعة أساليب 95 الأسلوب الأول- أن تفتتح المكاتبة بالحضرة 99

الموضوع الصفحة الأسلوب الثالث- أن تفتتح المكاتبة بأمّا بعد، ويتخلص إلى المقصد ويختم بما يناسب المقام 103 الأسلوب الرابع- أن تفتتح المكاتبة بلفظ «سيدي» أو «مولاي» مع حرف النداء أو دونه 104 الطرف الرابع عشر- فيما يختص بالأجوبة الصادرة عن الملوك وإليهم، وهي على ضربين 109 الضرب الأول- الأجوبة الصادرة عن الملوك إلى غيرهم، وفيه ثلاث جمل 109 الجملة الأولى- في الأجوبة الصادرة عن ملوك الشرق، وفيه أسلوبان 109 الأسلوب الأول- أن تفتتح المكاتبة بلفظ «كتابنا» و «وصل كتابك» 109 الأسلوب الثاني- أن تفتتح المكاتبة بلفظ «وصل كتابك» 112 الجملة الثانية- في الأجوبة الصادرة عن ملوك الديار المصرية من وزراء الخلفاء الفاطميين القائمين مقام الملوك الآن فمن بعدهم، وفيه أسلوب واحد، وهو الافتتاح بلفظ «وصل» 113 الجملة الثالثة- في الأجوبة الصادرة عن ملوك الغرب 116 الضرب الثاني- الأجوبة الواردة على الملوك 117 القسم الثاني- المكاتبات الصادرة عنهم إلى ملوك الكفر، وفيه طرفان 118 الجملة الأولى- في المكاتبات الصادرة إليهم عن ملوك بلاد الشرق ممن بني بويه فمن بعدهم 118 الجملة الثانية- في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية إليهم 121 الجلمة الثالثة- في الأجوبة الصادرة إليهم عن ملوك الغرب 123 الطرف الخامس عشر- المكاتبات الصادرة إلى ملوك الكفر في الأجوبة 124 الفصل الرابع- من الباب الثاني، من المقالة الرابعة- في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية إلى ولاة العهد بالخلافة 127 الطرف الأول- في المكاتبات الصادرة عنهم إلى الخلفاء من بني العباس 127 الطرف الثاني- في المكاتبة إلى ولاة العهد بالخلافة 144 الطرف الثالث- من المصطلح المستقرّ عليه الحال في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية إلى أهل المملكة: من مصر والشام والحجاز، وفيه ثلاثة مقاصد 148 المقصد الأول- في المكاتبات المفردة وفيه مسلكان 148

الموضوع الصفحة المسلك الأول- في بيان رتب المكاتبات ورتب أهلها، وهي على ضربين 148 الضرب الأول- المكاتبات إلى الملوك على ما كان عليه الحال في الزمن المتقدم 148 الضرب الثاني- المكاتبات إلى من عدا الملوك من أرباب السيوف والأقلام وغيرهم، وفيه مهيعان 150 المهيع الأول- في رتب المكاتبات، وهي على عشر درجات 150 الدرجة الأولى- الدعاء للمقرّ 150 الدرجة الثانية- الدعاء للجناب الكريم 153 الدرجة الثالثة- الدعاء للجناب العالي بمضاعفة النعمة 154 الدرجة الرابعة- الدعاء للجناب العالي بدوام النعمة 155 الدرجة الخامسة- الدعاء للمجلس بدوام النعمة 155 الدرجة السادسة- صدرت والعالي، ويعبّر عنها بالساميّ أيضا 156 الدرجة السابعة- صدرت والسامي، ويعبر عنها بالسامي بغير ياء 157 الدرجة الثامنة- يعلم مجلس الأمير 157 المهيع الثاني- في بيان مراتب المكتوب إليهم من أهل المملكة، وهم ثلاثة أنواع 166 النوع الأول- أرباب السيوف، وهم على ثلاثة أقسام 166 القسم الأول- من هو منهم بالديار المصرية، وهم ستة أصناف 166 الصنف الأول- نوّاب السلطنة الشريفة، وهم أربعة نواب 166 الصنف الثاني- الكشّاف 170 الصنف الثالث- الولاة بالوجهين القبليّ والبحريّ 171 الصنف الرابع- من يتوجه من الأبواب السلطانية من الأمراء لبعض الأعمال المتقدّمة الذكر 172 الصنف الخامس- باقي الأمراء بالديار المصرية 172 الصنف السادس- العربان بالديار المصرية وبرقة 175 النوع الثاني- ممن يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية أرباب الأقلام، وهم على ضربين 179 الضرب الأول- أرباب الدواوين من الوزراء ومن في معناهم 179 الضرب الثاني- أرباب الوظائف الدينية والعلماء 180 النوع الثالث- ممن يكاتب عن الأبواب السلطانية ممن بالديار المصرية الخوندات السلطانية 182

الموضوع الصفحة القسم الثاني- من يكاتب بالممالك الشامية، وهم أربعة أنواع 184 النوع الأول- أرباب السيوف من النواب الكفّال وأتباعهم، وهي ثمان نيابات 184 النيابة الأولى- نيابة دمشق، المعبّر عنها في عرف الزمان بالمملكة الشامية، والمكاتبون بها ضربان 184 الضرب الأول- من بمدينة دمشق 184 الضرب الثاني- من بأعمال دمشق من نوّاب المدن والقلاع 185 النيابة الثانية- نيابة حلب، والمكاتبون بها على ضربين 194 الضرب الأول- من بمدينة طرابلس 194 الضرب الثاني- من بأعمال طرابلس من النوّاب، وهم صنفان 195 الصنف الأول- نوّاب قلاع نفس طرابلس 195 الصنف الثاني- نوّاب قلاع الدعوة المضافة إلى طرابلس 196 النيابة الرابعة- نيابة حماة، والمكاتبون بها ضرب واحد بمدينة صفد خاصة 197 النيابة الخامسة- نيابة صفد، والمكاتبون بها ضرب احد بمدينة غزّة خاصة 197 النيابة السادسة- نيابة غزّة، والمكاتبون بها ضرب احد بمدينة غزّة خاصة 197 النيابة السابعة- نيابة الكرك، والمكاتبون بها ضرب واحد بمدينة الكرك خاصة 198 النيابة الثامنة- نيابة سيس 199 النوع الثاني- ممن يكاتب بالمماليك الشامية أرباب الأقلام، وهم صنفان 201 الصنف الأول- أرباب الوظائف الديوانية 201 الصنف الثاني- القضاة والعلماء 202 النوع الثالث- ممن يكاتب بالبلاد الشامية العربان 203 النوع الثالث- ممن يكاتب بالبلاد الشمية التركمان 209 النوع الرابع- ممن يكاتب بالبلاد الشامية الأكراد 209 القسم الثالث- من يكاتب بالبلاد الحجازية 210 المسلك الثاني- في معرفة ترتيب المكاتبات المقدّمة الذكر وكيفية أوضاعها، وفيه مأخذان 214

الموضوع الصفحة المأخذ الأول- في ترتيب متون المكاتبات ولا يكون إلا ابتداء، وهي على ضربين 214 الضرب الأول- ما يكتب في خلاص الحقوق 214 الضرب الثاني- ما يكتب من متعلقات البريد في الأمور السلطانية وهي صنفان 217 الصنف الأول- ما يكتب به ابتداء 217 الصنف الثاني- ما يكتب في الجواب عمّا يرد من النواب وغيرهم 226 المأخذ الثاني- في معرفة أوضاع هذه المكاتبات 235 المقصد الثاني- في المكاتبات العامة إلى أهل هذه المملكة، وهي المطلقات، وحاصل مرجوعها إلى ثلاثة أضرب 238 الضرب الأول- المطلقات المكبّره 239 الضرب الثاني- من المطلقات المصغّره 243 الضرب الثالث- من المطلقات البرالغ 248 المقصد الثالث- من المكاتبات في أوراق الجواز وبطائق الحمام، وفيه جملتان 251 الجملة الأولى- في أوراق الجواز 251 الجملة الثانية- في نسخ البطائق، وهي على ضربين 254 الضرب الأول- أن تكون البطاقة بعلامة شريفة 254 الضرب الثاني- أن تكون بغير علامة 254 الطرف الثالث- في المكاتبات إلى عظماء ملوك الإسلام، وفيه أربعة مقاصد 255 المقصد الأول- في المكاتبات إلى عظماء ملولك الشرق، وفيه أربعة مهايع 256 المهيع الأول- في المكاتبة إلى الملوك والحكّام ومن جرى مجراهم بمملكة إيران، ويشتمل المقصود منها على ثلاث جمل 256 الجملة الأولى- في رسم المكاتبة إلى قانها الأعظم الجامع لحدودها، وله حالتان 256 الحالة الأولى- ما كان الأمر عليه في رسم المكاتبة في أوائل الدولة التركية، وفيه أسلوبان 256 الأسلوب الأول- أن يكتب تحت البسملة من الجانب الأيمن «بقوّة الله تعالى» 256 الأسلوب الثاني- أن يكتب تحت البسملة على حيال وسطا «بقوة الله تعالى وميامين الملة المحمدية» 264 الحالة الثانية- ما كان عليه رسم المكاتبة في الدولة الناصرية «محمد بن

الموضوع الصفحة قلاوون» إلى أبي سعيد 272 الجملة الثانية- في المكاتبات إلى من ملك توزير وبغداد بعد موت أبي سعيد 279 الجملة الثالثة- في رسم المكاتبة الى من انطوت عليه مملكة ايران، في أيام أبي سعيد فمن بعده، وهم ثمانية أصناف 285 النصف الأول- كفّال المملكة بحضرة القان، وهم على ضربين 285 الصنف الأول- كفّال المملكة بالحضرة في زمن القانات العظام كأبي سعيد ومن قبله من ملوكهم حين كانت المملكة على أتم الأبّهة وأعلى الترتيب 285 الضرب الثاني- كفّال المملكة بالحضرة بعد موت أبي سعيد 287 الصنف الثاني- ممن جرت العادة بمكاتبة مملكة ايران عن الأبواب السلطانية، صغار الملوك المنفردين ببعض البلدان 288 الصنف الثالث- ممن يكاتب هذه المملكة العربان، وهم: عبادة وخفاجة 304 الصنف الرابع- ممن يكاتب هذه المملكة التركمان 304 الصنف الخامس- ممن يكاتب بهذه المملكة الأكراد، وهم على ضربين 306 الضرب الأول- المنسوب منهم إلى بلاد ومقّرات معروفة 306 الضرب الثاني- من لم يصرّح له بمكان 311 الصنف السادس- ممن يكاتب بهذه المملكة إيران أرباب الأقلام 311 الصنف السابع- ممن يكاتب بمملكة إيران أكابر المشايخ والصلحاء 313 الصنف الثامن- ممن يكاتب بمملكة إيران النساء 314 المهيع الثاني- من المكاتبة إلى الملوك مملكة توران، وهي مملكة الخاقانية وفيها جملتان 315 الجملة الأولى- في رسم المكاتبة إلى قانها القائم بها 316 الجملة الثانية- في رسم المكاتبة إلى من انطوت عليه هذه المملكة من الاتباع والحكّام وهم على اصناف 325 الصنف الأول- كفّال المملكة 325 الصنف الثاني- الحكّام بالبلاد بهذه المملكة 327 المهيع الثالث- في المكاتبات إلى من بجزيرة العرب مما هو خارج عن مضافات الديار المصرية، وفيه جملتان 357 الجملة الأولى- في المكاتبات إلى ملوك اليمن، هم فرقتان 357 الفرقة الأولى- أئمة الزيدية 357 الفرقة الثانية- أولاد رسول 364

الموضوع الصفحة المكاتبات بين صاحب مصر وصاحب اليمن، وهي على ضربين 365 الضرب الأول- ماكان الأمر عليه في الدولة الأيوبية، وهو أن تفتتح المكاتبة بلفظ «أصدرناها» 365 الضرب الثاني- ما الأمر عليه من ابتداء الدولة التركية وهلّم جرّا إلى زماننا، وهو على ثلاثة أساليب 369 الأسلوب الأول- أن تفتتح المكاتبة بلفظ «أدام الله تعالى نعمة أيام المقام العالي» 369 الأسلوب الثاني- وهو المذكور في «التعريف» 377 الأسلوب الثالث- أن تفتتح المكاتبة بلفظ «أعزّ الله» تعالى نصرة المقام العالي» 379 الأسلوب الرابع- أن تفتتح المكاتبة بلفظ «أعزّ الله تعالى نصرة المقام الشريف العالي» 385 الأسلوب الخامس- وهو ما جرى عليه في «التثقيف» أن أن تفتتح المكاتبة بلفظ «أعزّ الله تعالى أنصار المقام العالي» 389 الجملة الثانية- في المكاتبات إلى عرب البحرين ومن انصاف إليهم 396 المهيع الرابع- في المكاتبة إلى صاحب الهند والسند 398 المقصد الثاني- من المصطلح المستقرّ عليه الحال من المكتابتات الصادرة عن ملوك الديار المصرية في المكاتبات إلى ملوك الغرب، وفيه أربع جمل 403 الجملة الثانية- في المكاتبات إلى صاحب أفريقية، وهو صاحب تونس 403 الجملة الثالثة- في المكاتبة إلى صاحب الغرب الأقصى 413 الجملة الرابعة- في المكاتبة ملك المسلمين بالأندلس 440 تمّ بإذن الله فهرس موضوعات الجزء السابع من صبح الأعشى

المجلد الثامن

[المجلد الثامن] (بسم الله الرّحمن الرّحيم) وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه [تتمة المقالة الرابعة] [تتمة الباب الثاني] [تتمة الفصل الرابع] [تتمة الطرف الثالث] المقصد الثالث في المكاتبة إلى أهل الجانب الجنوبيّ ممن جرت العادة بالمكاتبة إليه من العرب والسّودان، وفيه ثلاث جمل الجملة الأولى في المكاتبة إلى من بهذا الجانب من العربان وقد ذكر في «التثقيف» «1» ممن كوتب منهم جماعة بالطّرقات الموصّلة من الديار المصرية إلى بلاد الحبشة وغيرها، ثم قال: ولعلّ هؤلاء أيضا من عربان الممالك المحروسة، غير أنه لا إقطاعات لهم، وعدّ منهم ثمانية أشخاص، وذكر أنه كتب إلى كل منهم الاسم ومجلس الأمير: الأوّل- سمرة بن كامل العامريّ. الثاني- عبّاد بن قاسم. الثالث- كمال بن سوار. قال: وهو مستحدث المكاتبة في العشر الأوّل من جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة.

الجملة الثانية (في المكاتبة إلى مسلمي ملوك السودان، وهم أربعة ملوك)

الرابع- جنيد: شيخ الجوابرة من الهكاريّة بأبواب النّوبة. قال: وهو مستحدث المكاتبة في سنة تسع سنين وستين وسبعمائة. الخامس- شريف: شيخ النّمانمة، بأبواب النّوبة أيضا، ومكاتبته مستجدّة حينئذ. السادس- عليّ: شيخ دغيم. السابع- زامل الثاني. الثامن- أبو مهنّا العمرانيّ. الجملة الثانية (في المكاتبة إلى مسلمي ملوك السّودان، وهم أربعة ملوك) الأوّل- ملك النّوبة «1» . وهو صاحب مدينة دنقلة «2» ، وقد تقدّم الكلام عليها مستوفى في الكلام على المقالة الثانية في «المسالك والممالك» . قال «3» في «التعريف» : وهو رعيّة من رعايا صاحب مصر، وعليه «4» حمل مقرّر، يقوم به في «5» كل سنة، ويخطب [ببلاده] «6» لخليفة العصر وصاحب مصر.

قلت: هذا كان في الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون» «1» وهذه الإتاوة كانت مقرّرة عليهم من زمن الفتح، في إمارة عمرو بن العاص، رضي الله عنه، ثم صارت تنقطع تارة وتحمل أخرى، بحسب الطاعة والعصيان. وهي الآن مملكة مستقلّة بذاتها، ولذلك أوردت مكاتبة صاحبها في جملة الملوك. ورسم المكاتبة إليه إن كان مسلما على ما ذكره في «التعريف» : صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس الجليل، الكبير، الغازي، المجاهد، المؤيّد، الأوحد، العضد، مجد الإسلام، زين الأنام، فخر المجاهدين، عمدة الملوك والسلاطين «2» وذكر ذلك في «التثقيف» نقلا عنه، ثم قال: ولم أجد له مكاتبة متداولة بين الجماعة. قال: ولم يكتب له شيء في مدّة مباشرتي بديوان الإنشاء، ولم يزد على ذلك. ورأيت في الدّستور المنسوب للمقرّ العلائيّ بن فضل الله أنّ مكاتبته هذه المكاتبة أيضا، وأنه يقال بعد عمدة الملوك والسلاطين: «أدام الله سعادته، وبلّغه في الدارين إرادته، تتضمّن إعلامه كيت وكيت، فيتقدّم بكذا وكذا، فيحيط علمه بذلك» . ثم قال: والمكاتبة إليه في قطع العادة، والعلامة «أخوة» ولا يخفى أنّ العنوان بالألقاب، ويظهر أن التعريف «صاحب دنقلة» .

الثاني- ملك «1» البرنو. قال في «التعريف» : وبلاده تحدّ بلاد [ملك] «2» التّكرور «3» من «4» الشرق، ثم يكون حدّها من الشمال بلاد [صاحب] «5» أفريقيّة، ومن الجنوب الهمج «6» وقد تقدّم الكلام عليها مستوفى في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك. ولم يذكر هذه المملكة في «مسالك الأبصار» . قلت: وملكها يزعم أنه من ذرّية سيف بن ذي يزن ملك اليمن على ما ورد به كتابه في أواخر المائة السابعة. ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التعريف» : أدام الله تعالى نصر الجناب الكريم، العالي، الملك الجليل، الكبير، العالم، العادل، الغازي، المجاهد، الهمام، الأوحد، المظفّر، المنصور، عزّ الإسلام، (من نوع ألقاب ملك التّكرور) «7» يعني شرف ملوك الأنام، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، جمال الملوك والسلاطين، ظهير الإمام، عضد أمير المؤمنين الملك فلان. ويدعى له بما يناسبه، وبعد إهداء السّلام والتشوّق هذه المفاوضة تبدي، على ما سيأتي ذكره في مكاتبته. وهذا صدر يليق به: ولا زالت همم سلطانه غير مقصرة، ووفود حجّه غير محصرة،

وسيفه في سواد من جاوره من أعدائه الكفّار، يقول: وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة «1» صدرت، ولها مثل مسكة أفقه عبق، وعنبرة طينته سواد إلّا أنّه من السّواد اليقق، وشبيبة ملكه الذي يفدّيه سواد الحدق، أوجبها ودّ أسكنه [مسكنه] «2» من سويداء القلب لا يريم، وأراه غرّة الصّباح الوضّاح تحت طرّة الليل البهيم. وحكى ذلك عنه في «التثقيف» ولم يزد عليه. ورأيت في الدّستور المنسوب للمقرّ العلائيّ بن فضل الله أنّ مكاتبته في قطع الثّلث، والعلامة «أخوه» وتعريفه «صاحب برنو» . قلت: ووصل من هذا الملك كتاب في الدولة الظاهرية (برقوق) يتشكّى فيه من عرب جذام المجاورين له، ويذكر أنهم أخذوا جماعة من أقاربه باعوهم في الأقطار، وسأل الكشف عن خبرهم، والمنع من بيعهم بمصر والشام، وأرسل هدية صالحة من زئبق وغيره. وكتب جوابه بخط زين الدين طاهر، أحد كتّاب الدّست، صدره: أعزّ الله تعالى جانب الجناب الكريم، العالي، الملك الجليل، العالم، العادل، الغازي، المجاهد، الهمام، الأوحد، المظفّر، المنصور، المتوكّل، فخر الدين أبي عمر وعثمان بن إدريس، عزّ الإسلام، شرف ملوك الأنام، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، جمال الملوك والسلاطين، سيف الجلالة، ظهير الإمامة. وبعث إليه به مع رسوله الوارد صحبة الحجيج، فأعيد وقد كتب الجواب على ظهره بعد سنة أو سنتين. الثالث- ملك «3» الكانم. قال في «مسالك الأبصار» : وقاعدة الملك منها

بلدة اسمها «جيمي» ومبدأ مملكته من جهة مصر بلدة اسمها «زلّا» وآخرها طولا بلدة يقال لها «كاكا» وبينهما نحو ثلاثة أشهر. قال: وعسكرهم يتلثّمون، وملكهم على حقارة سلطانه، وسوء بقعة مكانه، في غاية لا تدرك من الكبرياء، يمسح برأسه عنان السماء، مع ضعف أجناد، وقلّة متحصّل بلاد، محجوب، لا يراه أحد إلّا في يوم العيدين بكرة وعند العصر، وفي سائر السنة لا يكلمه أحد ولو كان أميرا إلّا من وراء حجاب. وقال في «التعريف» : ملوكها «1» من بيت قديم في الإسلام، وجاء منهم من ادّعى النسب العلويّ في بني الحسن، وهو «2» يتمذهب بمذهب الشافعيّ، ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التعريف» كرسم مكاتبة صاحب البرنو، بدون الكريم، وتبعه على ذلك في «التثقيف» ناقلا له عنه. ثم قال: ولم أطّلع على مكاتبة له غير الذي قد ذكره. الرابع- ملك مالّي «3» قال في «مسالك الأبصار» : وهي في نهاية الغرب متصلة بالبحر المحيط، وقاعدة الملك بها بنبي. وهي أعظم ممالك السّودان، وقد تقدّم في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك ذكر أحوالها، وما تيسّر من ذكر ملوكها، وأن مالّي اسم للإقليم، والتّكرور مدينة من مدنه، وكان ملكها في الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون» منسا موسى، ومعنى منسا السلطان. وقد ذكر في «مسالك «4» الأبصار» أنه وصل منه كتاب عن نفسه لنفسه فيه ناموسا، وأنه وصل إلى الديار المصرية حاجّا، واجتمع بالسلطان الملك الناصر،

فقام له وتلقّاه، وأكرمه وأحسن نزله، على ما هو مبسوط في موضعه. قال في «التعريف» : وملك التّكرور هذا يدّعي نسبا «1» إلى عبد الله بن صالح بن الحسن، بن عليّ بن أبي طالب. ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التعريف» : «أدام الله تعالى نصر المقرّ العالي، السلطان، الجليل، الكبير، العالم، العادل، المجاهد، المويّد، الأوحد، عزّ الإسلام، شرف ملوك الأنام، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، جمال الملوك والسلاطين، سيف الجلالة، ظهير الإمامة، عضد أمير المؤمنين، الملك فلان. ويدعى له بما يناسب. وبعد إهداء «2» السّلام والتشوّق هذه المفاوضة تبدي» . قال: ولا يعرّض له ولا يقرّ بشيء من الألقاب الدالة على النسب العلويّ. وهذا صدر لهذه المكاتبة ذكره في «التعريف» : ويسّر له القيام بفرضه، وأحسن له المعاملة في قرضه، وكثّر سواده الأعظم وجعلهم بيض الوجوه يوم عرضه، ومتّعه بملك يجد الحديد «3» سجف سمائه والذهب نبات أرضه. صدرت هذه المفاوضة، وصدرها به مملو، وشكرها عليه يحلو «4» ، ومزايا حبّه في القلوب سرّ كلّ فؤاد، وسبب ما حلي به الطرف والقلب من السّواد، تنزل به سفنها المسيرة في البحر وترسى، وتحلّ عند ملك ينقص به زائده، وينسى موسى منسى، وتقيم عليه والدهر لا يطرقه فيما ينوب، والفكر لا يشوقه إلّا إذا هبّت صبا من أرضه أو جنوب. والمتداول بين جماعة كتّاب الإنشاء أن المكاتبة إليه: «أعز الله تعالى جانب الجناب الكريم العالي، الملك، الجليل، العالم، العادل، المجاهد،

الجملة الثالثة (في المكاتبة إلى ملوك المسلمين بالحبشة)

المؤيّد، المرابط، المثاغر، العابد، الناسك، الأوحد، فلان، ذخر الإسلام والمسلمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، عون جيوش الموحّدين، ركن الأمّة، عماد الملّة، جمال الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين» والدعاء. وذكر نحو ذلك في الدّستور المنسوب للمقرّ العلائي بن فضل الله، ثم قال: ويقال: «صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي مملوءة الصدر بشكره، باسمة الثغر برفعة قدره، موضّحة لعلمه الكريم كيت وكيت، وذكر أنّ خطابه بالجناب الكريم، والطلب والقصد والختم بالاحاطة، وذكر هو وصاحب «التثقيف» أن المكاتبة إليه في قطع الثلث، والعلامة «أخوه» وتعريفه «صاحب مالّي وغانة» . الجملة الثالثة (في المكاتبة إلى ملوك المسلمين بالحبشة) قد تقدّم في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك أنّ ببلاد الحبشة سبعة ملوك مسلمين، لهم سبع ممالك؛ كلّ مملكة منفردة بملك، وبها الجوامع والمساجد ينادى فيها بالأذان، وتقام بها الجمع والجماعات، وهم مع ذلك تحت أمر صاحب «1» أمحرا ملك ملوك الحبشة، يختار لولاية ممالكهم من شاء توليته ولا يردون ويصدرون إلّا عن أمره، وهي مملكة أوفات والزّيلع، ومملكة دوارو، ومملكة أرابيني ومملكة هدية، ومملكة شرحا، ومملكة بالي، ومملكة دارة. وقد تقدّم الكلام عليها وعلى أحوالها مستوفى عند الكلام عليها في المقالة الثانية. قال في «مسالك الأبصار» : وهذه الممالك تجاور ناصع، وسواكن،

المقصد الرابع (في المكاتبة إلى أهل الجانب الشمالي وفيه ثلاثة أطراف)

ودهلك، وليس بها مملكة مشهورة. قال في «التعريف» : ولم يرد «1» من هذه الملوك السبعة كتاب، ولا صدر إليهم خطاب. قال: فإن ورد منهم شيء فتجري مكاتبتهم مثل المكاتبة صاحب الكانم والبرنو. وقد تقدّم أنّ رسم المكاتبة إليهما على ما ذكره في «التعريف» : «أعزّ الله تعالى نصرة الجناب الكريم، وأعزّ الله تعالى جانب الجناب الكريم» على ما كتب به القاضي زين الدين طاهر في جواب صاحب البرنو على ما هو مذكور في موضعه. المقصد الرابع (في المكاتبة إلى أهل الجانب الشّماليّ وفيه ثلاثة أطراف) الطرف الأوّل (في المكاتبات إلى أمراء الأتراك بالبلاد المعروفة ببلاد الرّوم المسمّاة الآن ببلاد الدّروب) قال في «التعريف» : وهي البلاد المنحصرة بين بحري القرم والخليج القسطنطينيّ، تنتهي في شرقيّها إلى بحر القرم المسمّى بحر نيطش، وفي الغرب إلى الخليج القسطنطينيّ وتنتهي متشاملة إلى القسطنطينية، وتنتهي جنوبا إلى بلاد الأرمن، يحدّها البحر الشاميّ «2» قال: وهذه البلاد بلاد متسعة، وهي مفرّقة لملوك مجتمعة، ولكنه «3» لا يطلق عليهم إلّا اسم الإمارة، ولا انتظام لكلمتهم، ولا اجتماع لجملتهم، ثم قال: وأكبرهم صاحب كرميان «4» ، وله بينهم وضع محفوظ، ونظام مرعيّ.

أما «1» ملوكنا، فأجلّ من لديهم منهم جماعة بني قرمان، لقرب ديارهم، وتواصل أخبارهم، ولنكاياتهم في متملّك «2» سيس وأهل بلاد الأرمن، واجتياحهم لهم من ذلك الجانب، مثل اجتياح «3» عساكرنا لهم من هذا الجانب، فمكاتبتنا إلى بني قرمان لا تكاد تنقطع، وأما إلى البقيّة فأقلّ من القليل، وأخفى من مرأى الضئيل. ثم عدّ منهم ستة عشر أميرا، وذكر رسم المكاتبة إلى كلّ واحد منهم: الأول- صاحب كرميان «4» قال في «التعريف» : ولم «5» يكتب إليه مدّة مقامي بالأبواب السلطانية، ويشبه أن تكون المكاتبة إليه بالمقرّ نظير صاحب ماردين «6» ، لكن بأبسط ألقاب، إذ هي أدعى لا ستحسانهم لقلّة معارفهم، وعلى هذا التقدير يكون رسم المكاتبة إليه: «أعزّ الله تعالى نصر المقرّ الكريم، العالي، الملكي، الأجلّيّ، العالميّ، العادليّ، المجاهديّ، المؤيّديّ،

المرابطيّ، المثاغريّ، المظفّريّ، المنصوريّ، الفلاني، عون الأنام «1» ، شرف الملوك والسلاطين، نصير الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، مقدّم العساكر، ظهير أمير المؤمنين» . قال: فإن لم يسمح له بكل هذه المخاطبة، ولم يؤهّل لنظير هذه المكاتبة، كتبت إليه هذه الألقاب مع الجناب الكريم، وخوطب بالإمارة إن لم يسمح له بالمخاطبة بالملك. قال في «التثقيف» : ولعل مكاتبته بالجناب مع هذه الألقاب كما ذكر ومخاطبته بالإمارة أولى؛ لأنه إذا كان بنو قرمان أجلّ لدى ملوكنا، ومكاتباتهم بالدعاء والمجلس العالي، فيتعين حيث هو أكبر منهم أن يكون هو أعلى منهم رتبة في المكاتبة بدرجتين «2» ، وهي: الجناب الكريم. قال: هذا هو الأولى عندي. قلت: وهذا كلّه إنما كان قبل أن يعلو قدر ابن عثمان صاحب برسا الآتي ذكره، ويرتفع قدره على من بتلك البلاد جملة. أما بعد ارتفاعه وانحطاطهم دونه فينبغي أن ينظر في قدر المكتوب إليه، ويكتب إليه بحسب ما تقتضيه الحال. الثاني- صاحب طنغزلو. قال في «التعريف» : ورسم المكاتبة إليه: «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي الأميريّ» ولم يذكر العلامة إليه. قال في «التثقيف» والذي وجدته مسطورا في مكاتبته الاسم والساميّ بالياء. الثالث- صاحب توازا. قال في «التعريف» : وهو في المكاتبة نظير صاحب طنغزلو، ولم يزد على ذلك، غير أنه ذكر أن اسمه في زمانه كان «على أرينه» وذكر في «التثقيف» أنه لم يقف له على رسم مكاتبة سوى ذلك. الرابع- صاحب عيدلي. قد ذكر في «التعريف» أن اسمه في زمانه دندار

أخو يونس صاحب أنطاليا. وأنه نظير صاحب توازا في المكاتبة، فتكون المكاتبة إليه: صدرت والعالي. قال في «التثقيف» : ولم أقف على رسم مكاتبة إليه سوى ذلك، إلّا أنه ذكر بعد ذلك صاحب عدليو. وقال: إن المكاتبة إليه الاسم والساميّ بالياء، وذكر أن المقرّ الشهابيّ بن فضل الله لم يتعرّض إلى ذكره في «التعريف» ثم قال: وقد تكون هي عيد لي المقدّم ذكرها، وإنما تكرّرت بتغيير الحروف. قال ولم يتحرّر هل هما اثنان أو واحد. الخامس: صاحب كصطمونية وهي قسطمونية. قال في «التعريف» وكانت آخر وقت لسليمان باشا، وكان أميرا كبيرا، كثير العدد، موفور المدد، ذا هيبة «1» وتمنّع. ثم قال: وورث ملكه ابنه إبراهيم شاه، وكان عاقّا لأبيه، خارجا عن مراضيه، وكان في حياته منفردا «2» بمملكة سنوب. قال: وهي الآن داخلة في ملكه منخرطة «3» في سلكه. وذكر أنّ رسم المكاتبة إليه: «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميريّ بأكمل الألقاب، وأتمّ ما يكتب في هذا الباب» . وذكر في «التثقيف» نقلا عن القاضي ناصر الدين بن النشائي، وأمين الدين خضر مثل ذلك، وأن العلامة إليه «أخوه» . السادس- صاحب فاويا. قال في «التعريف» وهو (يعني في زمانه) مراد الدين حمزة، وهو ملك مضعوف، ورجل بمجالس أنسه مشغوف. قال: ورسم المكاتبة إليه: «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس الساميّ الأميريّ» بالياء. قال في «التثقيف» وهو غير بعيد.

السابع- صاحب برسا «1» وقد ذكر في «التعريف» أنه في زمانه أرخان بن عثمان. ثم قال: وهو نظير صاحب فاويا في المكاتبة، فتكون مكاتبته الساميّ بالياء. قال في «التثقيف» ولم أطّلع على رسم للمكاتبة إليه غير ذلك، إلّا أنه ذكر في الفصل الأوّل من الباب الرابع في الكلام على مكاتبات الحكّام أرخان بن عثمان. وقال: إنّ لقبه سيف الدين. ثم قال: ويقال إنه صاحب برسا، وذكر أن رسم المكاتبة إليه في قطع العادة والدعاء والمجلس العالي، والعلامة أخوه، وتعريفه اسمه. قلت: وقد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك أن الأمر قد آل في بني عثمان إلى أرخان بن عثمان جق، ثم إلى ابنه مراد بك، وأنه اتّسع ملكه وجاوز في الفتح الخليج القسطنطينيّ حتى قارب خليج البنادقة، ثم إلى ابنه أبي يزيد فزاد في الملك على ما كان بيد أبيه، وتزوّج في بني قرمان، ودخل بنو قرمان وسائر التركمان في طاعته، ولم يبق خارجا عن ملكه إلّا سيواس، فإنها كانت مع قاضيها إبراهيم المتغلب عليها، ولم يزل كذلك حتّى قصده تمرلنك وأسره، ومات في يديه، وملك بعده ابنه سليمان جلبي. ثم مات، وملك بعده أخوه محمد بن أبي يزيد بن مراد بك بن عثمان جق، وهو القائم بها إلى الآن. وكانت المكاتبة قد استقرّت إلى أبي يزيد في الأيام الظاهرية (برقوق) «2» الثامن- صاحب أكبرا. قد ذكر في «التعريف» : أنه كان في زمانه دمر «3» خان بن قراشي، وذكر أن مكاتبته نظير مكاتبة صاحب برسا، يعني الساميّ بالياء، وذكر في «التثقيف» : أنه لم يقف على سوى ذلك.

التاسع- صاحب مرمرا. وقد ذكر في «التعريف» : أنه في زمانه كان بخشي بن قراشي. وقال: إن رسم المكاتبة إليه: «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي» . قلت: وقد تقدّم في المسالك والممالك أن هذه البلدة كانت جزيرة بالخليج القسطنطيني بها مقطع رخام، وأنّ النصارى غلبوا عليها. العاشر- صاحب مغنيسيا. ذكر في «التعريف» : أن اسمه صاروخان. وقال: إن المكاتبة إليه الساميّ بالياء. وذكر في «التثقيف» : أنها صارت بعده إلى ابنه إسحاق بن صاروخان، وأنه كتب إليه في شوّال سنة سبع وستين وسبعمائة بالاسم والساميّ بالياء. الحادي عشر- صاحب نيف. ذكر في «التعريف» : أنه في زمانه كان علي باشا أخو صاروخان صاحب «مغنيسيا» المقدّم ذكره، وذكر أنّ رسم المكاتبة إليه مثل أخيه المذكور، فتكون صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي. الثاني عشر- صاحب بركي. ذكر في «التعريف» : أنها في زمانه كانت بيد ابن أيدين ولم يصرّح باسمه. قال: وإن المكاتبة إليه «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي» بالألقاب التامّة، وذكر في «التثقيف» : أنه لم يقف له على مكاتبة غير ذلك. الثالث عشر- صاحب فوكه. ذكر في «التعريف» : أنه كان في زمانه أرخان ابن منتشا، وأنّ المكاتبة إليه نظير صاحب بركي، فتكون الدعاء مع العالي بالألقاب التامّة أيضا، وذكر في «التثقيف» : أنه لم يقف في مكاتبته على غير ذلك. الرابع عشر- صاحب أنطاليا «1» ذكر في «التعريف» أنه كان في زمانه اسمه

خضر بن يونس، وقال: إن رسم المكاتبة إليه «صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي» . وذكر في «التثقيف» : أن خضر بن يونس المذكور كان يلقب سنان الدين، وأنه استقرّ بعده دادي بك، ثم استقرّ بها آخرا محمد المعروف بكاجوك، وذكر أن المكاتبة «1» إليه «أخوه» والدعاء والعالي. ثم قال: وهو الأصحّ لأنه آخر ما استقرّ عليه الحال في مكاتبته وكتب به إليه. الخامس عشر- صاحب قراصار. ذكر في «التعريف» أنه كان في زمانه اسمه زكريّا، وأن رسم المكاتبة إليه: هذه المكاتبة إلى المجلس الساميّ، بلا ياء وذكر في «التثقيف» أنه لم يطلع على مكاتبة إليه سوى ذلك وأنه لم يكتب إليه شيء في مدّة مباشرته. السادس عشر- صاحب أرمناك. ذكر في «التعريف» أنها كانت في زمانه بيد ابن قرمان «2» ولم يصرح باسمه، وذكر في «التثقيف» أن اسمه علاء الدين سليمان. قال في «التعريف» : ورسم المكاتبة إليه: «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي بأكمل الألقاب وأكبرها، وأجمعها وأكثرها «3» » . وذكر في «التثقيف» أنّ آخر من استقرّ بها في شوّال سنة سبع وستين وسبعمائة علاء الدين علي بك بن قرمان، ووافق على رسم المكاتبة المذكورة. وقال: إن العلامة إليه «أخوه» وتعريفه «فلان بن قرمان» . قال في «التعريف» : ولإخوة «4» صاحبها ابن قرمان المذكور رسوم في المكاتبات، فأكبرهم «5» قدرا، وأفتكهم نابا وظفرا، الأمير بهاء الدين موسى. وقد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية أنّه «6» حضر إلى الأبواب

السلطانية، وحجّ مع الركب الشريف، ثم عاد إلى الأبواب السلطانية، وأجلس في المرتين مع أمراء المشورة، وأشرك في الرأي. وسأل السلطان في كتابة منشور بما يفتحه من بلاد الأرمن فكتب له. قال في «التعريف» : واستقرّت «1» المكاتبة إليه مثل مكاتبة أخيه. قال: أما بقيّة بني قرمان فدونهما في المكاتبة. واعلم أن صاحب «التثقيف» قد زاد على ذلك من أمراء هذه البلاد ستّة نفر. أحدهم- الحاكم بالعلايا «2» وذكر أنه كان اسمه حسام الدين محمود بن علاء الدين، وأنه كتب إليه في شوّال سنة سبع وستين وسبعمائة «أخوه» والدعاء، والعالي، في قطع العادة. الثاني- صاحب بلاط «3» ورئحر «4» ذكر أنه كان بها «أمير موسى» بن إبراهيم بن منتشا، وأن المكاتبة إليه في قطع العادة «والده» والدعاء: «والمجلس العالي» . الثالث- صاحب أكردور وهي أكردون. ذكر أنه كان بها إلياس بن مصطفى من بني حميد، وأن رسم المكاتبة إليه على ما استقرّ عليه الحال عند ما كتب إليه في شوّال سنة سبع وستين وسبعمائة «والده» والساميّ بالياء.

الرابع- صاحب أيا سلوق. ذكر أنه كان بها عيسى بن أيدين، وأنه كتب إليه في شوّال من السنة المذكورة أيضا. الخامس- صاحب يلي شار. ذكر أنه كان بها الأمير محمد ولم يذكر نسبته. وقال: إن المكاتبة إليه الاسم والساميّ بالياء. السادس- الأمير ذروان بن كرمان بن منتشا. ذكر أنه ممن استجدّت مكاتبته في شوّال سنة سبع وستين وسبعمائة. واعلم أنه قد زاد في «التثقيف» ذكر مكاتبة جماعة لم أتحقّق هل هم من أهل هذه البلاد أم من غيرها. منهم صاحب قلعة الحنفاء، ذكر أنه كان اسمه سيف الدين قوجي، وأن المكاتبة إليه في قطع الثلث والساميّ بالياء. ومنهم صاحب قلعة الجوز، في قطع الثلث الاسم والساميّ بالياء، وتعريفه اسمه. ومنهم صاحب بكجرى: استجدّت الكتابة إليه في شوّال سنة سبع وستين وسبعمائة، وكتب إليه الاسم والسامي بغير ياء. ومنهم الحاكم بقلعة أبيض كتب إليه الاسم ومجلس الأمير. ومنهم الحاكم بقلعة نعمة، كتب إليه الاسم ومجلس الأمير أيضا. ومنهم الحاكم بقلعة أشنى: وهي أشنو كتب إليه كذلك. على أنه قد ذكر منهم جماعة أيضا ليسوا من أهل هذه البلاد جملة، منهم نائب خلاط، وصاحب موغان، وهي موقان، والحاكم بإسعرد وهي سعرت، وصاحب قيشان وهي قاشان. وقد تقدم أن خلاط من أرمينية، وموقان من أرمينية، وإسعرد من ديار ربيعة من الجزيرة الفراتيّة، وقاشان من عراق العجم، وبالجملة فقد خلّط في «التثقيف» في البلدان تخليطا كثيرا، وخلط بعض أقاليم البلاد ببعض.

قلت: قد تقدّم في صدر الكلام على المكاتبات ذكر أصول يعتمدها الكاتب في كتبه تعمّ الكتب السلطانية وغيرها، وأنا أذكر هنا ما يختصّ منها بالكتب الصادرة عن السلطان على النّمط الجاري عليه الاصطلاح الآن ليسهل القصد إليها لقربها، ويحصل الغرض من ذلك، بذكر [تسعة] أمور: أوّلها- مقادير قطع الورق، قد تقدّم في الكلام على مقادير قطع الورق المستعملة في دواوين الإنشاء جملة، والذي يختص منها بالكتب الصادرة عن السلطان أربعة مقادير: أحدها- قطع البغداديّ الكامل، وقد مرّ أنه يكتب فيه للقانات. وثانيها- قطع النّصف، وفيه يكتب إلى أكابر الملوك ممّن دون القانات. وثالثها- قطع الثّلث، وفيه يكتب إلى الرتبة الثانية من الملوك. ورابعها- قطع العادة، وفيه يكتب إلى أصاغر الملوك والولاة وغيرهم. الثاني- العنوان؛ قد تقدّم في مقدّمة الكتاب أنّ الذي كان يكتب عنوانات الكتب السلطانية في الزمن المتقدّم هو صاحب ديوان الإنشاء دون غيره، أما الآن، فإنّ كاتب كلّ كتاب صار هو الذي يكتب عنوانه بنفسه. وقد جرت العادة في عامة الكتب السلطانية أن يكون المكتوب فيها هي ألقاب المكتوب إليه ونعوته التي في صدر المكاتبة في الباطن، ثم يدعى للمكتوب إليه في آخر الألقاب بالدّعوة التي صدّر بها الدعاء في الصدر مثل: أعزّ الله أنصاره، أو ضاعف الله نعمته، وما أشبه ذلك من الأدعية التي تفتتح بها المكاتبات، فإن كان الكتاب مفتتحا بالحمدلة أو بلفظ من فلان، كتب في العنوان الألقاب التي في صدر الكتاب بعد ذلك، ثم بعد الدعاء يخلّي بياضا قليلا، ثم يذكر تعريف المكتوب إليه، مثل «صاحب فلانة» ونحو ذلك مما تقدم ذكره من التعريفات. وتكون كتابة العنوان بنظير قلم الباطن في الدّقة والغلظ. وتكون أسطره متصلة من أوّل عرض الدّرج إلى آخره، وأسطره متلاصقة متتالية.

الثالث- الطرّة التي يكتب فيها تعريف المكتوب إليه، والعلامة التي يكتبها المكتوب عنه، والسبب في كتابته. وقد جرت العادة في ذلك أنه يكتب في رأس الدّرج «1» في الجانب الأيمن «إلى فلان» وفي الجانب الأيسر «بسبب كذا وكذا» وفي الوسط العلامة التي يعلمها السلطان مثل «أخوه» أو «والده» أو «اسمه» ، لينظر عند علامة السلطان على الكتاب فيعلم حال الكتاب، ويجرى الأمر في العلامة «2» على هذا الرسم، وتكون كتابتها بقلم الكتاب من ثلث أو رقاع أو غيرهما، إلّا أن يكون الكتاب بمختصر الطّومار «3» في قطع البغداديّ فيكون ذلك بقلم الثلث. وهذه الطرّة تقطع بعد أن يعلّم على الكتاب. الرابع- البياض في أعلى الكتاب، وقد جرت العادة في الكتب السلطانية أنّ العلامة إلى المكتوب إليه، إن كانت «أخوه» أو «والده» ترك فيه ثلاثة أوصال بياضا بما فيه من وصل العنوان، ثم تكتب البسملة في رأس الوصل الرابع، وإن كانت العلامة إليه الاسم، ترك وصلان بياضا فقط وكتبت البسملة في أوّل الوصل الثالث، ثم يكتب السطر الأول من الكتاب على سمت البسملة ملاصقا لها، ثم يخلّى موضع العلامة بياضا، ويكتب السطر الثاني على سمت الأوّل في أواخر ذلك الوصل على قدر إصبعين من آخره، ثم يجعل بين كل سطرين أربعة أصابع مطبوقة، إن كان القطع صغيرا، وإن كان القطع كبيرا كان فيه قدر ربع ذراع أو نحوه بحسب المناسبة، فإذا انتهى إلى آخر الكتاب كتب «إن شاء الله تعالى» في

الوسط على بعد قدر إصبعين من السطر الآخر. ثم يكتب: «كتب في تاريخ كذا من شهر كذا سنة كذا وكذا» ويكون إلى آخر ذكر الشهر سطر، ومن أوّل سنة كذا إلى آخره سطر. ثم يكتب المستند على نحو البعد المذكور: فإن كان بتلقّي كاتب السّرّ خاصّة كتب «حسب المرسوم الشريف» فقط. وإن كان بتلقّي كاتب السر وكتّاب الدّست من دار العدل كتب «حسب المرسوم الشريف» في سطر، وتحته بقدر إصبع «من دار العدل الشريف» في سطر. وإن كان برسالة الدّوادار «1» كتب «حسب المرسوم الشريف» في سطر، وتحته بقدر إصبع «برسالة الجناب العالي الأميريّ الفلانيّ الدّوادار الفلانيّ» بلقب السلطان «ضاعف الله تعالى نعمته» . وإن كان من ديوان الخاصّ، كتب «حسب المرسوم الشريف» في سطر وتحته «من ديوان الخاصّ الشريف» . وإن كان بخطّ السلطان، بأن كتب على القصّة بالخط الشريف، كتب «حسب الخطّ الشريف» في سطر واحد. وإن كان بإشارة النائب الكافل كتب «بالإشارة العالية الأميريّة الكبيريّة الفلانية» في سطر، وكتب تحته بقدر إصبع «كافل الممالك الشريفة الإسلامية أعلاها الله تعالى» . وإن كان بإشارة أستاد الدار «2» ، كتب «بالإشارة العالية الأميرية الكبيرية الفلانية» في سطر، ثم يكتب تحته بقدر إصبع «أستاد الدار العالية أعلاها الله تعالى» . على أنه قد تقدّم في الألقاب أن كتابتهم أستاد الدار هو عرف جرى عليه

اصطلاحهم، وأنّ الصواب فيه إستدّار بغير ألف بعد التاء. وتكون كتابة المستند ببياض من جانبيه، سواء كان سطرا واحدا أو سطرين، ثم إذا فرغ من كتابة المستند، كتب الحمدلة والصلاة على النبي صلّى الله عليه وآله في سطر كامل على بعد قدر إصبعين من المستند، ثم يكتب الحسبلة على قدر إصبعين من سطر الحمدلة والتصلية. وقد تقدّم في الكلام على الخواتم في المقالة الثالثة نقلا عن عبد الرحيم بن شيث «1» أن موضعها من ثلث السطر الأخير من أوّله إلى حين تنتهي كتابتها. الخامس- قد ذكر ابن شيث في معالم الكتابة أنه لا يكتب في حواشي الكتب السلطانية؛ لأن في ذلك شحّا بالورق، وذلك مما لا يليق بالسلطان، ولا خفاء في استقباح ذلك، بل قد يستقبح ذلك في غير السلطان كما سيأتي ذكره في الإخوانيّات. السادس- العلامة السلطانية على المكتوب، في بيت العلامة من البياض السابق ذكره. قد ذكر في «التعريف» أن أكبر من يكتب إليه من الأمراء ومماليك البيت الشريف فترجمته بالخط الشريف «والده» ومن دون ذلك «الاسم الشريف» ، أما الغرباء كملوك المسلمين والعربان وأكابر القضاة وأهل الصّلاح والأكابر، فترجمته بالخط الشريف «أخوه» ومن دون ذلك الاسم الشريف. والذي استقر عليه الحال آخرا في زماننا أنّ لأكابر الأمراء من النواب وغيرهم «أخوه» لرفعة مكان الأخ على الولد، ولمن دونهم «والده» ولمن دون ذلك «الاسم»

وباقي الحال على ما ذكره، وقد سبقت ترجمة كلّ مكتوب إليه في الكلام على المكاتبة إليه. أما القانات الكبار فقد تقدّم في الكلام على المكاتبة إليهم أنه تكتب لهم طغراة بالألقاب السلطانية في موضع العلامة، وأما ملوك الكفر، فسيأتي أنه تكتب طغراة بالألقاب السلطانية فوق البسملة. السابع- طيّ الكتب السلطانية، قد تقدّم في صدر الكلام على المكاتبات نقلا عن ابن شيث من كتّاب الدولة الأيوبية أنّ كتب السلطان يكون طيّها في عرض أربعة أصابع، وأن مقتضى ذلك أن كتب السلطان بالديار المصرية كانت تطوى على هذه الهيئة كما في كتب أهل المغرب الآن، والذي استقر عليه الحال آخرا أنها يجعل طيّها في صورة أنبوب القناة ولا تضغط في طيّها لتكون نبيلة تعظيما لأمر السلطان وإجلالا لقدره. الثامن- ختم الكتاب، قد تقدّم في الكلام على الخواتم واللّوا حق في المقالة الثالثة أنّ الكتب السلطانية كانت تختم «1» بسحاءة، ويطبع عليها بطين أحمر، يوتى به من سيراف «2» ، وتختم بخاتم كما تختم المغاربة الآن. أما الآن فقد استقرّ الحال على أن الكتب تلصق بالنّشا أو ما في معناه من الكثيراء «3» ونحوها، وقد سأل الشيخ جمال الدين بن نباتة في رسالته التي كتبها إلى الشّهاب محمود رحمه الله حين بلغه وقوع بعض كتّاب دمشق في حقه عمن غيّر طين الختم إلى النّشا، ولم

الطرف الثاني (في المكاتبة عن ملوك الديار المصرية على المصطلح المستقر عليه الحال، إلى ملوك الكفر)

أقف على زمان تغيّر ذلك ولا من غيّره، على أني حللت معظم أسؤولة هذه الرسالة في خلال هذا الكتاب مفرّقة في مواضعها. التاسع- أن الكتب الصادرة عن الأبواب السلطانية، إن كانت إلى أحد من عظماء الملوك كالقانات ببلاد الشّرق، أو ملوك بلاد المغرب ونحوهم ممن يتعانى البلاغة في الكتب الصادرة عنه، كتبت مسجوعة كلّها، وإن كانت إلى صغار الملوك والحكّام كتبت غير مسجوعة، وإن كانت إلى أحد من أهل المملكة، فإن كانت في أمر بعد وقوعه، كالكتابة بالبشارة بوفاء النيل، أو جلوس السلطان على التّخت لأوّل أمره، أو برئه من المرض، أو ولادة ولد له، أو البشارة بفتح، أو الإعلام بركوب الميدان، أو الإنعام بخيل أو نحوها، كتبت مسجوعة، وإلّا كتبت مرسلة غير مسجوعة. الطرف الثاني (في المكاتبة عن ملوك الديار المصرية على المصطلح المستقرّ عليه الحال، إلى ملوك الكفر) واعلم أن ملوك الكفر المكاتبين عن هذه المملكة جميعهم نصارى: من الرّوم، والفرنج، والكرج، والحبشة وغيرهم، إذ كانوا هم المستولين على أكثر الممالك. أما اليهود، فإنهم لم يبق لهم مملكة معروفة، بل هم تحت الذّمّة أين كانوا. قال تعالى: ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس «1» قال في «التعريف» وجميع الكتب المكتوبة إلى ملوك الكفر لا يشملها الخطّ الشريف أصلا، بل يكتب فوق البسملة في الكتاب بخط الكاتب عوض العلامة الشريفة أسطر قصيرة ببياض من الجانبين ما صورته: «من السلطان الأعظم الملك الناصر- مثلا- العالم، العادل، المجاهد، المرابط، المثاغر، المؤيّد، المظفّر، المنصور، الشاهنشاه، فلان الدنيا والدين،

الطرف الثالث (في المكاتبة إلى من وراء بحر القرم بالجانب الشمالي منه)

سلطان الإسلام والمسلمين، محيي العدل في العالمين، وارث الملك، ملك العرب والعجم والتّرك، ظلّ الله في أرضه، القائم بسنّته وفرضه، إسكندر الزمان، مملّك أصحاب المنابر والتّخوت والتّيجان، واهب الأقاليم والأمصار، مبيد الطّغاة والكفّار، حامي الحرمين والقبلتين، جامع كلمة الإيمان، ناشر لواء العدل والإحسان، سيد ملوك الزمان، إمام المتقين، قسيم أمير المؤمنين، أبي فلان، ابن السلطان الشهيد الملك الفلاني فلان، خلّد الله سلطانه، ونصر جنوده وجيوشه وأعوانه» . وأوضح ذلك في «التثقيف» فقال: ويكون في الطرّة بعد وصلين بياضا من أوّل الكتاب بهامش جيد من الجانبين يمنة ويسرة ويكونان في قدر بياضهما سواء تقدير أربعة أصابع فأكثر من كل جانب، من الورق العريض، وفي قطع العادة دون ذلك، وتكون الأسطر متقاربة، ما بينهما من البياض تقدير إبهام أو أزيد منه بشيء يسير، وإذا انتهت الألقاب يترك بعدها وصلا أبيض، ثم يكتب البسملة الشريفة، وبعدها رسم المكاتبة للمكتوب إليه. الطرف الثالث (في المكاتبة إلى من وراء بحر القرم بالجانب الشماليّ منه) وهو صاحب البلغار والسّرب. وهي بلاد في نهاية الشمال. متاخمة لصاحب السّراي، وقد ذكر في «التعريف» المكاتبة إليه في المكاتبة إلى جملة ملوك المسلمين. وقال: إنّ صاحبها يظهر الانقياد لصاحب السّراي، وإنه أرسل رسله تطلب له الألوية من الأبواب السلطانية فجهّزت إليه مع ما جرت به العادة من السيف والتشريف والخيل المسرجة الملجمة «1» وذكر أن رسم المكاتبة إليه على ما كتب إذ ذاك: «أعزّ الله نصر الجناب الكريم، العالي، الملكيّ، الأجلّيّ، الكبيريّ،

المقصد الأول (في المكاتبة إلى ملوك الكفار ببلاد الشرق، وجملة من بها من ملوك النصارى المكاتبين عن هذه المملكة مملكتان)

العالميّ، العادليّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، المرابطيّ، المثاغريّ، الأوحديّ، سيف الإسلام والمسلمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، مقدّم العساكر، جمال الملوك والسلاطين، ذخر «1» أمير المؤمنين» . ثم هذا الطرف يشتمل على أربعة مقاصد مشتملة على الجهات الأربع: المقصد الأوّل (في المكاتبة إلى ملوك الكفّار ببلاد الشّرق، وجملة من بها من ملوك النصارى المكاتبين عن هذه المملكة مملكتان) الأولى- مملكة الكرج «2» من النصارى الملكيّة. قال: في «التعريف» : ويقال في المسلمين الكرد، وفي النصارى الكرج، قال: وموقع هذه [البلاد] بين بلاد الرّوم وبين بلاد أرمينية، وهي بلاد جليلة، ومملكة مفخّمة، وكأنها مقتطعة من البلادين، ولها ملك قائم، وبها ملك دائم، وأمّها مدينة تفليس، وسلطان بيت هولاكو بمملكة إيران يحكم عليها، ويرالغه تصل إليها، إلّا أنه لا يطغى بها سيله، ولا تجوس خلال ديارها للحرب المضرمة خيله، وإنما له بها تومان اتخذه سدادا لثغرها، وقياما بأمرها، منزلهم فسيح بواديها، أهل حلّ وترحال، وتنقّل من حال إلى حال، قال: وآخر من كان له في هذه البلاد سمعة، وأقيلت به للمهابة صرعة، الشيخ محمود بن جوبان، وكان باسلا لا يطاق، ورجلا مرّ المذاق، ولمّا جرت الكائنة لأبيه، لاذ بالسلطان (أزبك قان) ثم لم تطل له مدّة، ولا انفرجت له حلق شدّة، وأتاه أجله وما استطاع ردّه. ثم قال: وعسكر الكرج «3» صليبة دين الصّليب وأهل البأس والنّجدة، وهم للعساكر الهولاكوهيّة عتاد وذخر، ولهم بهم وثوق وعليهم اعتماد [ولا] سيّما لأولاد جوبان وبنيه، وبقايا مخلّفيه، لسالف إحسان

جوبان، إليهم، ويد مشكورة كانت له عندهم، وكان صديقا «1» لملكهم برطلما يغرس عنده الصّنائع، ويسترعيه الودائع، فكان أخصّ خصيص به، وأصدق صديق له، يدعوه للمهم، ويستصرخ به في الملمّ، ويعدّه ردءا لعسكره، ومزيلا «2» لمنكره. وعقّب ذلك بأن قال: وبرطلما المذكور عهدي به حيّ يرزق من أجلّ ملوك النّصرانية، وأعرق أنساب بني المعموديّة، وقد كان كاتب الأبواب «3» السلطانية بسبب كنيسة المصلّبة، وأن ترفع عنها الأيدي المتغلّبة، فبرزت الأوامر المطاعة بإعادتها عليهم وكانت قد أخذت منهم- وهي بظاهر القدس الشريف- واتّخذت مسجدا، وعزّ هذا على طوائف العلماء والصّلحاء وإن لم يعمل هذا سدى، قيل: إنه كان يحسّن لجوبان قصد البلاد، ويبذل له عليه الطارف والتّلاد. وذكر أن رسم المكاتبة إليه: «أدام الله تعالى بهجة الحضرة العلية، حضرة الملك الجليل الهمام، الباسل، الضّرغام، السّميدع «4» الكرّار، الغضنفر، المتخّت، المتوّج، العالم في ملّته، العادل في رعيّته، بقيّة الملوك الأغريقيّة، سلطان الكرج، ذخر ملك البحار والخلج، حامي حمى الفرسان، وارث آبائه في الأسرّة والتّيجان، سياج بلاد الروم وإيران، سليل اليونان، خلاصة «5» ملوك السّريان، بقيّة أبناء التّخوت والتّيجان، معزّ النصرانية، مؤيّد العيسويّة مسيح «6» الأبطال المسيحية معظّم البيت المقدّس بعقد النيّة، عماد بني المعمودية، ظهير الباب پاپارومية، موادّ المسلمين، خالصة الأصدقاء المقرّبين، صديق الملوك والسلاطين» .

وهذا دعاء أورده في «التعريف» يليق به وهو: وحمى ملكه بودّه لا بجنده، وبوفائه بعهده لا بجيشه ومدّ بنده، وبما عندنا من سجايا الإحسان لا بما يظنّ أنه من عنده، وبما في رأينا الموري لا بما يقدح النار من زنده- وربما قيل مصافي المسلمين بدل موادّ المسلمين. أما في «التثقيف» فقد ذكر أن للكرج ملكين (أحدهما) صاحب تفليس «1» المقدّم ذكره، وذكر أنه كان اسمه إذ ذاك «داود» (الثاني) الحاكم «بسخوم» و «أبخاس» وهما مدينتان على جانب بحر القرم من الجانب الجنوبيّ كما تقدّم ذكره في الكلام على المسالك والممالك في الجانب الشماليّ، وسمّي صاحبها إذ ذاك (ديادان) . قال: ورسم المكاتبة إلى كلّ منهما في قطع النصف: أطال الله تعالى بقاء حضرة الملك الجليل، المكرّم، الخطير الباسل، الهمام، المقدّس، الرّوحانيّ، فلان عزّ الأمّة المسيحية، كنز الطائفة الصليبيّة، فخر دين النّصرانية، ملك الجبال والكرج والجرجان، صديق الملوك والسلاطين. وتعريف كلّ منهما «ملك الكرج» . ثم قال: وقد ذكر القاضي المرحوم شهاب الدين بن فضل الله في المكاتبة المذكورة من التغييرات ما لا حاجة إلى ذكره؛ لأنّ ما ذكرته هو المستقرّ في المكاتبة إليه إلى آخر وقت. قلت: وذلك لأنه في زمن المقر الشهابيّ بن فضل الله كان مرعيّ الجانب بممالأة التّتر وانضمامه إلى جوبان، كما تقدّمت الإشارة إليه، فكانت المكاتبة إليه إذ ذاك أعلى وأفخم، فلما زالت دولة التّتر من إيران وحمدت قسوتهم انحطّت رتبة المكاتبة إلى ملك الكرج عن هذه الرتبة. ثم قد تقدّم في المسالك والممالك في

الكلام على مدينة تفليس أنها من إقليم أرّان وأنها كانت قد فتحها المسلمون. ثم غلب عليها الكرج وملكوها فلو «1» عبّر عن صاحبها بمتملّك تفليس كما كان يعبّر عن المستولي على سيس «2» من الأرمن بمتملّك سيس، وعن المستولي على قبرس بمتملّك قبرس على ما سيأتي ذكره على الأثر إن شاء الله تعالى. الثانية- مملكة الأرمن وقاعدتها مدينة «سيس» قبل فتحها، وقد سبق في الكلام على مدينة سيس عند ذكر مضافات حلب، في الكلام على الممالك الشامية في المسالك والممالك ذكر حدود هذه البلاد وبيان أحوالها، وأنها كانت تسمّى في زمن الخلفاء بلاد الثّغور والعواصم، وأنها كانت بأيدي المسلمين، وأهلها نصارى أرمن، وعليهم جزية مقرّرة يؤدونها إلى الملوك، إلى أن كانت طاعتهم آخرا لبقيّة الملوك السّلاجقة ببلاد الروم، والعمّال والشّحاني على بلادهم من جهة الملك السّلجوقيّ حتّى ضعفت تلك الدولة، وسكنت شقاشق «3» تلك الصّولة، وانتدب بعضهم لقتال بعض، وصارت الكلمة شورى، والرعيّة فوضى، وشوامخ المعاقل مجالا للتخريب، والبلاد المصونة قاصية من الغنم للذّيب، وطمع رئيس النصارى بهذه البلاد حينئذ فيها واستنسر بغاثه، واشتدّ إنكاثه، ورأى سواما لا ذائد عنه فساقه، ومتاعا لا حامية له فملأ منه أوساقه، فاستولى على هذه البلاد وتملّكها، وتحيّف مواريث بني سلجوق واستهلكها. وذكر في «مسالك الأبصار» أن كبيرهم كان يسمّى قليج بن لاون. قال في «التعريف» : وقد أخذ في أخريات الأيام الناصرية «4» ، يعني (محمد بن قلاوون) بلاد ماوراء نهر جاهان «5» وأمّها آياس، وكان قد أخذ بعض

ذلك [أيام] «1» الملك المنصور (لاجين) واستنيب به أستدمر الكرجيّ، ثم أعيدت «2» إلى الأرمن بمواطأة أستدمر حين «3» قتل لاجين وضعفت الدولة. وذكر أنه قرّر على الأرمن لملوك الديار المصرية قطيعة مقرّرة «4» بلغت ألف ألف ومائتي ألف درهم مع أصناف، ثم حطّ لهم منها «5» ، ثم صاروا بعد ذلك بين طاعة وعصيان. وذكر أنه كان لملوك البيت الهولاكو هيّ عليهم حكم قاهر، وله «6» فيهم أمر نافذ، قبل ضعف شوكتهم، ولين قسوتهم، ولين قسوتهم، وخلوّ غابهم من قسورتهم، ثم قال: ولو تمكّنوا «7» من دمشق لمحوا آثارها، وأنسوا أخبارها، ثم أشار إلى أنّ ملكها يومئذ صاهر صاحب قبرس ليتقوّى به، وأنه مع ذلك أوصى سلطاننا صاحب مصر على ابنه بوصيّة أشهد عليها أهل مملكته، وجعل «8» ذلك وسيلة لبقاء دولته، وكتب «9» له تقليد عوضا عن أبيه وجهّز إليه، وألبس التشريف فلبس وقبّل الأرض به وخدم «10» قال في «التعريف» : ومن ملك منهم سميّ التّكفور، سمة جرت عليهم منذ كانوا وإلى الآن. قال: وملكهم «11» ملك عريق من أبناء الملوك، يزعم أن أصله من البيت القسطنطينيّ. قال: وعندي نظر في دعواهم ذلك، إذ كان أهل ذلك البيت هم «12» صليبة الرّوم ومعتقدهم معتقد الملكانية والبيت التّكفوريّ أرمن

ومعتقدهم معتقد اليعاقبة أو ما يقاربه، وبين المعتقدين بعد عظيم، وبون ناء. وقد ذكر في «التعريف» أن اسمه ليفور «1» بن أوشير. وذكر أن رسم المكاتبة [إليه] صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك، الجليل، البطل، الباسل، الهمام، السّميدع، الضّرغام، الغضنفر «2» ، فلان بن فلان، فخر الملّة المسيحيّة، ذخر الأمّة النّصرانيّة، عماد بني المعموديّة، صديق الملوك والسلاطين. وهذه أدعية- ذكرها في «التعريف» تناسبه: وفّقه الله تعالى لطاعة يكنفه ذمامها، ويقيه مصارع السّوء التزامها، وتجري له بالسّلامة في النّفس والمال أحكامها. آخر: ولا عدم من منننا «3» الكرم الذي أجاره، والأمن الذي أمّن جاره، والأمان الذي وسّع عليه وجاره، والعفو الذي وقاه في الدنيا قبل الآخرة نارا وقودها الناس والحجارة. آخر: أبقاه الله لولاء يبديه، وفرض من الخدمة يؤدّيه، ودين في ذمّته من الوظيفة «4» يقوم به مع طرائف ما يهديه. آخر: أراه الله ما يستدفع به من مواضي السّيوف البلاء إذا نزل، والسّمهري «5» الذي لا يرويه البحر إذا نهل، والسّيل الذي لا يقف في طريقه شيء ولا يمشي على مهل.

آخر: صان الله تعالى بمصانعته من أهل ملّته كلّ قبيل «1» ، وأمّن الله بمداراته من خوف جيوشنا المنصورة كلّ سبيل، وصدّ عنه بصدق صداقته بعث جنودنا الذي لا يردّ وأوّله بالفرات وآخره بالنّيل. آخر: ولا زال يتوقّى بطاعته بوادر الأسنة، وعوادي الخيل موشّحة بالأعنّة، وعيث الجيش حيث لا يبقى إلّا أحد الأقسام الثلاثة: القتل أو الأسر أو المنّة. آخر: جنّب الله رأيه سوء التعكيس، وشرّ ما يزيّن لمثله إبليس، وأخذ جنائب قلاعه وأوّل تلك الجنائب سيس. والذي ذكره في «التثقيف» أنه كان اسمه كستندين بن هتيوم، وأنّ رسم المكاتبة إليه على ما كان استقرّ عليه الحال إلى حين الفتوح في سنة ستّ وسبعين وسبعمائة، في قطع العادة: «صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل، المكرّم، المبجّل، المعظّم، المعزّز، الهمام، الباسل، فلان بن فلان، عزّ دين النصرانية، كبير الطائفة الصليبيّة، عماد بني المعمودية، صديق الملوك والسلاطين، أدام الله نعمته، وحرس مهجته، تعلمه كذا وكذا» وتعريفه «متملك سيس» ، قال: وكتبت أنا والجماعة إليه بهذه المكاتبة مرّات. قلت: وقد بطلت هذه المكاتبة بفتح سيس حين فتحها قشتمر المنصوريّ نائب حلب في الدولة الأشرفية «شعبان بن حسين» في التاريخ المقدّم ذكره، واستقرّت نيابة في رتبة نيابة طرابلس وما في معناها، ثم استقرّت تقدمة عسكر في مضافات حلب على ما تقدّم ذكره في المسالك والممالك هناك. وإنما كان يقال له متملّك سيس دون ملك سيس لما تقدّم من أنها كنت أوّلا بيد المسلمين، ثم وثب عليها رئيس الأرمن المقدّم ذكره فملكها من أيدي المسلمين، ولله الحمد في إعادتها إلى يد المسلمين، واستقرارها في جملة الممالك الإسلامية.

المقصد الثاني (في المكاتبة إلى ملوك الكفار ببلاد المغرب من جزيرة الأندلس وما والاها مما هو شمالي الأندلس من الأرض الكبيرة)

المقصد الثاني (في المكاتبة إلى ملوك الكفّار ببلاد المغرب من جزيرة الأندلس وما والاها مما هو شماليّ الأندلس من الأرض الكبيرة) قد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك من المقالة الثانية أن المسلمين كانوا قد افتتحوا جزيرة الأندلس في خلافة أمير المؤمنين عثمان «1» بن عفان رضي الله عنه وأنها أقامت بأيدي المسلمين إلى رأس السّتّمائة من الهجرة، ولم يبق منها بيد المسلمين إلّا غرناطة وما معها من شرق الأندلس، عرض ثلاثة أيام في طول عشرة أيام، وباقي الجزيرة على سعتها بيد أهل الكفر من نصارى الفرنج، وأن المستولي على ذلك منهم أربعة ملوك. الأوّل- صاحب طليطلة «2» وما معها، ولقبه «3» الأذفونش، سمة على كل من ملك منهم، وعامّة المغاربة يسمّونه الفنش وله مملكة عظيمة وعمالات متّسعة تشتمل على طليطلة وقشتالة، وإشبيلية، وبلنسية، وقرطاجنّة، وجيّان وجلّيقيّة، وسائر أعمالها. الثاني- صاحب أشبونة وما معها، وتسمّى البرتغال «4» ، ومملكته صغيرة واقعة في الجانب الغربيّ عرضا له، تشتمل على أشبونة وغرب الأندلس. الثالث- صاحب برشلونة، وأرغون، وشاطبة، وسرقسطة، وبلنسية «5» وجزيرة دانية، وميورقة.

الرابع- صاحب بيرة «1» : وهي بين عمالات قشتالة، وعمالات برشلونة وقاعدته مدينة ينبلونة، ويقال لملكها ملك البشكنس، ووراء هؤلاء بالأرض الكبيرة صاحب إفرنسة التي هي أصل مملكة الفرنج كما تقدّم في الكلام على المسالك والممالك، وملكها يقال له الرّيد إفرنس. قال في «التعريف» : وهو الملك الكبير المطاع، وإنما الأذفونش هو صاحب السطوة وذكره أشهر في المغرب لقربه منهم، وبعد الرّيد إفرنس. والمكاتب منهم ملكان: الأوّل- الأذفونش المبدّأ بذكره. قال في «التعريف» : وبيده جمهور الأندلس، وبسيوفه فنيت جحاجحها «2» الشّمس، وهو وارث ملك لذريق «3» ، ولذريق هذا الذي أشار إليه في «التعريف» هو الذي انتزعها المسلمون من يده حين الفتح في صدر الإسلام. قال صاحب «التعريف» : وحدّثني رسول الأذفونش بتعريف ترجمان موثوق به من أهل العدالة يسمّى صلاح الدين الترجمان الناصري، أن الأذفونش من ولد هرقل المفتتح منه الشام، وأنّ الكتاب الشريف النبويّ الوارد على هرقل متوارث عندهم مصون «4» ؛ يلف بالدّيباج والأطلس، ويدّخر أكثر من ادّخار الجواهر والأعلاق، وهو إلى الآن عندهم لا يخرج، ولا يسمح بإخراجه، ينظر فيه بعين الإجلال ويكرمونه غاية الكرامة، بوصية توارثها منهم كابر عن كابر وخلف عن سلف. قال: وكان الأذفونش ممن قوي طمعه في بلاد مصر والشام في أخرى ليالي

الأيّام الفاطمية «1» ثم قال: ومكاتباته متواصلة، والرّسل بيننا وبينه ما تنقطع على سوء مقاصده، وخبث سرّه وعلانيته، أهدى مرّة إلى السلطان سيفا طويلا وثوبا بندقيّا وطارقة طويلة دقيقة «2» ، تشبه النّعش، وفي هذا ما لا يخفى من استفتاح باب الشر والتصريح المعروف بالكناية، فكان الجواب «3» أن أرسل إليه حبل أسود وحجر، أي إنه كلب إن ربط «4» بالحبل وإلّا رمي بالحجر. قال في «التعريف» : ورسم المكاتبة إليه أطال الله بقاء الحضرة السامية، حضرة «5» الملك الجليل، الهمام، الأسد، الباسل، الضّرغام، الغضنفر، بقيّة سلف «6» قيصر، حامي حماة بني الأصفر، الممنّع السّلوك، وارث لذريق وذراريّ الملوك، فارس البرّ والبحر، ملك طليطلة وما يليها، بطل النصرانية، عماد بني المعمودية، حامل راية المسيحية، وارث التّيجان شبيه مريحنّا المعمدان، محبّ المسلمين، صديق الملوك والسلاطين. [الأذفنش سرقلان] «7» (دعاء وصدر يليقان به) وكفاه شرّ نفسه، وجناه ثمر غرسه، ووقاه فعل يوم يجرّ «8» عليه مثل أمسه، وأراه مقدار النّعمة بالبحر الذي تمنّع بسوره وتوقّى بترسه. أصدرناها إليه وجند الله لا يمنعهم مانع، ولا يضرّ بهم «9» في الله ما هو جامع، ولا يبالون أكتائب يخلّفونها أم كتبا، وجداول تعرض لهم أم بحار لا تقطعها إلّا وثبا.

آخر: ووقاه بتوفيقه تلاف «1» المهج، وكفاه بأس كلّ أسد لم يهج وحماه من شرّ فتنة لا يبلّ البحر الذي تحصّن به [ما يعقده] «2» غبارها من الرّهج. أصدرناها إليه وأسنّتنا لا تردّ عن نحر، وأعنّتنا لا تصدّ بسور ولو ضرب من وراء البحر. قلت: وينبغي أن تكون في قطع النّصف. الثاني- صاحب برجلونة «3» ووهم في «التثقيف» فجعله هو الأذفونش المقدّم ذكره. وقال: إنه يلقّب أتفونش، دون حاكم. ثم قال: وهم طائفة الكيتلان ورسم المكاتبة إليه في قطع النصف بقلم الثّلث الكبير «4» «أدام الله تعالى بهجة الحضرة الموقّرة الملك الجليل، المكرّم، المبجّل، الخطير، البطل، الباسل، الهمام، الضّرغام، الرّيد أرغون، فلان، نصير النّصرانية، فخر الأمّة العيسويّة، ذخر الملة المسيحية، حامي الثّغور، متملّك السّواحل والبحور، عماد المعموديّة، ظهير بابا رومية، ملاذ الفرسان، جمال التّخوت والتّيجان، صديق الملوك والسلاطين، صاحب برجلونة» . قال في «التعريف» : أما الرّيد «5» فرنس فلم يرد «6» له إلّا رسول واحد، أبرق وأرعد وجاء يطلب بيت المقدس على أنه يفتح له ساحل قيساريّة أو

عسقلان، ويكون للإسلام بهما ولاة مع ولاته، والبلاد مناصفة، ومساجد المسلمين قائمة، وإدارات قومتها «1» دارّة، على أنه يبذل مائتي ألف دينار تعجّل وتحمل «2» في [كل] «3» سنة، نظير دخل [نصف] «4» البلاد التي يتسلّمها على معدّل ثلاث سنين، ويطرف في كل سنة بغرائب التّحف والهدايا، وحسّن هذا كتّاب من كتبة القبط، كانوا صاروا رؤسا في الدولة بعمائم بيض وسرائر سود، وهم أعداء زرق، يجرّعون الموت الأحمر، وعملوا على تمشية هذا القصد و [إن] «5» سرى في البدن هذا السّم، وتطلّب له الدّرياق فعزّ وقالوا: هذا مال جليل معجّل «6» ثم ماذا عسى أن يكون منهم وهم نفطة «7» في بحر، وحصاة في دهناء. قال: وبلغ هذا أبي، رحمه الله، فآلى أن يجاهر في هذا، ويجاهد بما أمكنه، ويدافع بمهما قدر عليه، ولولا لاوى السلطان على رأيه إن أصغى إلى أولئك الأفكة، وقال لي: تقوم معي وتتكلّم، ولو خضبت منا ثيابنا بالدّم «8» ، وراسلنا قاضي القضاة القزويني الخطيب، فأجاب وأجاد الاستعداد، فلما بكّرنا إلى الخدمة وحضرنا بين يدي السلطان بدار العدل، حضرت «9» الرسل، وكان بعض أولئك الكتبة حاضرا، فاستعدّ لأن يتكلّم، وكذلك استعدّينا نحن، فما استتم كلامهم حتّى غضب السلطان وحمي غضبه، وكاد يتضرّم عليهم حطبه، ويتعجّل لهم عطبه، وأسكت ذلك المنافق بخزيته، وسكتنا نحن اكتفاء بما بلغه السلطان مما ردّه «10» بخيبته، فصدّ ذلك الشيطان وكفى الله المؤمنين القتال، وردّت

على راميها النّصال. وكان الذي قاله السلطان: والكم أنتم عرفتم ما لقيتم نوبة دمياط من عسكر الملك الصالح، وكانوا جماعة أكراد ملفّقة «1» مجمّعة، وما كان «2» بعد هؤلاء التّرك، وما كان يشغلنا عنكم إلّا قتال التتر «3» ، ونحن اليوم بحمد الله تعالى صلح [نحن وإياهم] «4» من جنس واحد ما يتخلّى بعضه عن بعض، وما كنا نريد إلّا الابتداء، فأما الآن فتحصّلوا وتعالوا، وإن لم تجوا فنحن نجيكم ولو أننا نخوض البحر بالخيل، والكم صارت لكم ألسنة تذكرون «5» بها القدس، والله ما ينال أحد منكم منه ترابة إلّا ما تسفيه «6» الرياح عليه وهو مصلوب! وصرخ فيهم صرخة زعزعت قواهم، وردّهم أقبح ردّ، ولم يقرأ لهم كتابا، ولا ردّ عليهم سوى هذا جوابا. قلت: فإن اتفق أن يكتب إلى الرّيد إفرنس المذكور فتكون المكاتبة إليه مثل المكاتبة إلى الأذفونش أو أجلّ من ذلك. واعلم أن الريد فرنس هو الذي قصد الديار المصريّة بمواطأة الأذفونش، صاحب طليطلة المقدّم ذكره، وملكوا دمياط «7» وكانت الواقعة بينهم في الدولة الأيوبية في أيام الصالح أيّوب، وأخذ الرّيد فرنس وأمسك وحبس بالدار التي كان ينزلها فخر الدّين بن لقمان، صاحب ديوان الإنشاء، بالمنصورة، ورسم عليه الطّواشي صبيح، ثم نفّس عنه، وأطلق لأمر قرّر عليه، وقال في ذلك جمال الدين بن مطروح «8» أبياته المشهورة وهي: (سريع)

المقصد الثالث (في المكاتبة إلى ملوك الكفار بالجانب الجنوبي)

[قل للفرنسيس إذا جئته ... مقال صدق من قؤول نصوح «1» أتيت مصرا تبتغي ملكها ... تحسب «2» أنّ الزمر يا طبل ريح وكلّ أصحابك أودعتهم ... بحسن تدبيرك بطن الضّريح «3» خمسين ألفا لا ترى منهم ... غير قتيل أو أسير جريح «4» وفّقك الله لأمثالها ... لعل عيسى منكم يستريح آجرك الله على ما جرى ... أفنيت عبّاد يسوع المسيح «5» فقل «6» لهم إن أضمروا عودة ... لأخذ ثأر أو لقصد صحيح دار ابن لقمان على حالها ... والقيد «7» باق والطّواشي صبيح] «8» المقصد الثالث (في المكاتبة إلى ملوك الكفّار بالجانب الجنوبيّ) والمكاتب بهذا الجانب منهم ملكان:

الأول - صاحب أمحرا

الأوّل- صاحب أمحرا «1» ، ملك ملوك الحبشة، ولقبه عندهم حطّي- بفتح الحاء وكسر الطاء المشدّدة المهملتين، سمة على كلّ من ملّك عليهم منهم. قد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية أنه نصرانيّ يعقوبيّ، يحكم على تسعة وتسعين ملكا، منهم سبعة مسلمون، وهم صاحب وفات، وصاحب دوارو، وصاحب أرابيني، وصاحب شرحا، وصاحب هدية، وصاحب بالي، وصاحب دارة، وأنه لولا أنّ معتقد دين النّصرانية لطائفة اليعاقبة أنه لا يصحّ تعمد معموديّ إلّا باتّصال من البطريرك، وأنّ كرسيّ البطريرك كنيسة الإسكندريّة فيحتاج إلى أخذ مطران بعد مطران من عنده، لشمخ بأنفه عن المكاتبة لكنه مضطرّ إلى ذلك. قال في «التعريف» ورسم المكاتبة إليه: أطال الله بقاء الحضرة العالية، الملك، الجليل، الهمام، الضّرغام، الأسد، الغضنفر، الخطير، الباسل، السّميدع «2» ، العالم في ملّته، العادل في مملكته، المنصف لرعيّته، المستمع «3» لما يجب في أقضيته، عزّ الملّة النّصرانية، ناصر الملّة المسيحيّة، ركن الأمّة العيسويّة، عماد بني المعموديّة، حافظ البلاد الجنوبيّة، متّبع الحواريّين، والأحبار «4» الرّبّانيين، والبطاركة القدّسين، معظّم كنيسة صهيون، أوحد ملوك اليعقوبية، صديق الملوك والسلاطين، ويدعى له دعاء مفخّما يليق به [ولا يعلم له] «5» وهذا دعاء وصدر يليقان به، ذكرهما في «التعريف» :

وأظهر فضله «1» على من يدانيه من كلّ ملك هو بالتاج معتصب، ولكفّ اللّجاج بالعدل منتصب، ولقطع حجاج كلّ معاند بالحق معتصر أو للحقّ مغتصب. صدرت هذه المفاوضة إلى حضرته العلية ومن حضرة القدس مسراها، ومن أسرة الملك القديم سراها، وعلى صفاء تلك السّريرة الصافية ترد وإن لم يكن بها غليل، وإلى ذلك الصديق الصّدوق [المسيحيّ] تصل، وإن لم تكن بعثت إلّا من تلقاء الخليل. ولم يذكر القطع الذي يكتب إليه فيه. أما في «التثقيف» «2» : فإنه ذكر أنه يكتب إليه في قطع الثلث بقلم التوقيعات ما نصه: أطال الله بقاء الملك، الجليل، المكرّم، الخطير، الأسد، الضّرغام، الهمام، الباسل، فلان بن فلان، العالم في ملّته، العادل في مملكته، حطّي ملك أمحرا، أكبر ملوك الحبشان، نجاشيّ عصره، سند الملّة المسيحية، عضد دين النصرانية، عماد بني المعمودية، صديق الملوك والسلاطين، والدعاء، وتعريفه «صاحب الحبشة» . قال: فإن كانت المكاتبة جوابا، صدّر الكتاب إليه بما صورته: ورد كتاب الملك الجليل، ويذكر بقية المكاتبة. ثم قال: وهذه المكاتبة هي التي استقرّ عليها الحال عند ما كتب جوابه في التاسع من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة. وهذه نسخة جواب كتاب ورد عن صاحب الحبشة من سلطنة الملك

المظفّر «1» صاحب اليمن، على الملك «الظاهر «2» بيبرس» رحمه الله، بطلب مطران يقيمه لهم البطرك، مما كتب به القاضي محيي «3» الدين بن عبد الظاهر رحمه الله، وهي: ورد كتاب الملك، الجليل، الهمام، العادل في ملّته، حطّيّ ملك أمحرا أكبر ملوك الحبشان، الحاكم على ما لهم من البلدان، نجاشيّ عصره، صديق الملوك والسلاطين، سلطان الأمحرا، حرس الله نفسه، وبنى على الخير أسّه، فوقفنا عليه وفهمنا ما تضمّنه. فأما طلب المطران فلم يحضر من جهة الملك أحد حتّى كنا نعرف الغرض المطلوب، وإنما كتاب السلطان الملك المظفّر صاحب اليمن ورد مضمونه أنه وصل من جهة الملك كتاب وقاصد، وأنه أقام عنده حتّى يسيّر إليه الجواب. وأما ما ذكره من كثرة عساكره، وأن من جملتها مائة ألف فارس مسلمين، فالله تعالى يكثر في عساكر الإسلام. وأما وخم بلاده فالآجال مقدّرة من الله تعالى، ولا يموت أحد إلّا بأجله، ومن فرغ أجله مات. واعلم أنّ العادة جرت أنه كلما كتب إليه كتاب عن الأبواب السلطانية كتب

الثاني - صاحب دنقلة

قرينه كتاب عن البطريرك. قال في «التعريف» : ولأوامر البطريرك عنده ما لشريعته من الحرمة، وإذا كتب كتابا فأتى ذلك الكتاب أوّل مملكته، خرج عميد تلك الأرض فحمل الكتاب على رأس علم، ولا يزال يحمله بيده حتّى يخرجه من أرضه، وأرباب الديانة في تلك الأرض، كالقسوس والشّمامسة حوله مشاة بالأدخنة، فإذا خرجوا من حدّ أرضهم تلقّاهم من يليهم أبدا كذلك في كلّ أرض بعد أرض حتّى يصلوا إلى أمحرا، فيخرج صاحبها بنفسه، ويفعل مثل ذلك الفعل الأوّل، إلّا أنّ المطران هو الذي يحمل الكتاب لعظمته لا لتأبّي الملك. ثم لا يتصرف الملك في أمر ولا نهي، ولا قليل ولا كثير، حتّى ينادى للكتاب، ويجتمع له يوم الأحد في الكنيسة، ويقرأ والملك واقف، ثم لا يجلس مجلسه حتّى ينفّذ ما أمره به. الثاني- صاحب دنقلة «1» قد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك أن دنقلة هي قاعدة مملكة النّوبة، وأنها كانت في الأصل يكون ملكها من نصارى النّوبة، ومعتقدهم معتقد اليعاقبة، وأنه ربما غلب عليها بعض المسلمين من العرب فملكها، وقد تقدّم ذكر المكاتبة إلى صاحبها إذا كان مسلما، أما إذا كان نصرانيا فقد ذكر في «التثقيف» أن المكاتبة إليه: هذه المكاتبة إلى النائب، الجليل، المبجّل، الموقّر، الأسد، الباسل، فلان، مجد الملّة المسيحية، كبير الطائفة الصليبيّة، غرس الملوك والسلاطين، والدعاء، وتعريفه «النائب بدنقلة» . المقصد الرابع (في المكاتبة إلى ملوك الكفّار بالجانب الشّماليّ من الرّوم والفرنجة على اختلاف أجناسهم، وجميعهم معتقدهم معتقد الملكانيّة) وجملة ما ذكر من المكاتبات في «التعريف» و «التثقيف» اثنتا عشرة مكاتبة:

الأولى - مكاتبة الباب

الأولى- مكاتبة الباب ، وهو بطريرك الملكيّة، القائم عندهم مقام الخليفة، والعجب من جعله في «التثقيف» بمنزلة القان عند التتار، والقان إنما هو بمنزلة ملكهم الأكبر، والباب ليس من هذا القبيل، بل إليه أمر الدّيانة حتّى في التحليل والتحريم. وقد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك عند ذكر البطاركة أنهم كانوا يسمّون القسّيس ونحوه أبا، ويسمّون البطريرك أبا، فأحبّوا أن يأتوا «1» على البطريرك بسمة له تميّزه عن غيره من الآباء، فاختاروا له لفظ الباب، وأنه يقال فيه الباب والبابا ومعناه أبو الآباء، ثم لما غلب الروم على المملكة، وعلت كلمتهم على اليعاقبة، خصّوا اسم الباب ببطريركهم، فصار ذلك علما عليه، ومقرّه مدينة رومية على ما تقدّم هناك، ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التثقيف» ضاعف الله تعالى بهجة الحضرة السامية، الباب الجليل، القدّيس، الرّوحاني، الخاشع، العامل، بابا رومية، عظيم الملة المسيحيّة قدوة الطائفة العيسويّة، مملّك ملوك النّصرانية، حافظ الجسور والخلجان، ملاذ البطاركة والأساقفة والقسوس والرّهبان، تالي الإنجيل، معرّف طائفته التحريم والتحليل، صديق الملوك والسلاطين، والدعاء، وصدرت هذه المكاتبة. قال في «التثقيف» : هذا ما وجدته مسطورا ولم يكتب إليه شيء في مدّة مباشرتي، ولا أدري في أيّ شيء كان يكتب إليه ولا عرفت تعريفه، ولم يتعرّض له المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف» جملة، ورأيت في بعض الدّساتير أنه لم يكتب إليه إلّا مرّة واحدة، وأن الكتابة إليه في قطع النصف مع المكاتبة المتقدّمة. الثانية- المكاتبة إلى ملك الروم صاحب القسطنطينيّة . قد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك أنها صارت آخرا إلى بني الأشكريّ، فصار الأشكري

سمة لهم ملكا بعد ملك. قال في «التعريف» : وقد كان قبل غلبة الفرنج ملكا جليلا، يرجع إليه من عبّاد الصّليب سائر الملوك، ويفتقر إليه منهم الغنيّ والصّعلوك، وكتب التواريخ مشحونة بأخباره، وذكر وقائعه وآثاره، وأوّل من ألبس هامته الذّلّة، وأصار جمعه إلى القلّة، هارون الرشيد حين أغزاه أبوه المهديّ إيّاه، فأزال الشّمم من أنفه، وثنى جامح عطفه، فأما غزوات مسلمة بن عبد الملك ويزيد بن معاوية فإنها لم تبلغ فيه حدّ النّكاية، ولا أعظمت له الشّكاية، قال: وهذا الملك الآن كان السلطان (أزبك) قد كاد يبتزّ تاجه، ويعقم نتاجه، ويخل من جانب البحر المغلق رتاجه، فاحتاج إلى مداراته وبذل له نفائس المال، وصحب أيّامه على مضض الاحتمال، وكانت له عليه قطيعة مقرّرة، وجملة مال مقدّرة، ثم عميت علينا بعده منهم الأخبار، وتولّى بالدنيا الإدبار. ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التعريف» : ضاعف الله تعالى بهجة الحضرة العالية، المكرّمة، حضرة الملك، الجليل، الخطير، الهمام، الأسد الغضنفر، الباسل، الضّرغام، المعرق، الأصيل، الممجّد، الأثير، الأثيل، البلالاوس، الرّيد أرغون، ضابط الممالك الرّوميّة، جامع البلاد الساحليّة، وارث القياصرة القدماء، محيي طرق الفلاسفة والحكماء، العالم بأمور دينه، العادل في ممالكه، معزّ النّصرانيّة، مؤيّد المسيحيّة، أوحد ملوك العيسوية، مخوّل التخوت والتّيجان، حامي البحار والخلبان، آخر ملوك اليونان، ملك ملوك السّريان، عماد بني المعموديّة، رضيّ الباب بابا رومية، ثقة الأصدقاء، صديق المسلمين، أسوة الملوك والسلاطين، ثم يكتب اسمه هنا ويدعى «1» له، ولم يذكر قطع الورق الذي يكتب إليه فيه. وهذا دعاء وصدر يليقان به أوردهما في التعريف: وجعل له من السّلامة «2» يدا لا تزعزعه من أوطانه، ولا تنزعه من سلطانه،

ولا توجب له إلّا استقرارا لتيجانه، واستمرارا بملكه على ما دارت على حصونه «1» مناطق خلجانه، ولا برحت ثمار الودّ تدنو من أفنائه، ومواثيق العهد تبوّيء «2» له ما يسرّ به من إشادة معالم سلفه وشدّ بناء يونانه، أصدرناها، وشكره كجاره البحر لا يوقف له على آخر، ولا يوصف مثل عقده الفاخر، ولا يكاثر إلّا قيل: أين هذا القليل من هذا الزاخر؟ آخر له: ونظم سلكه، وحمى «3» بحسن تأتّيه ملكه، وكفى محبّه هلكه، وأجرى «4» بودّه ركائبه وفلكه، ووقاه كذب الكاذب وكفّ إفكه، وأشهد على ودّه الليل والنهار وما جنّ «5» كافور هذا كافوره ولا مسك هذا مسكه. قلت: هذا الدعاء والصدر وإن أورده في «التعريف» في جملة الأدعية له والصدور، فإنه منحطّ الرتبة عن المكاتبة السابقة، اللهم إلّا أن يخصّ هذا بحالة منابذة أو تهديد، ونحو ذلك. وذكر في «التثقيف» أن الذي استقرّ عليه الحال في المكاتبة إليه أنه يكتب إليه في قطع النّصف ما نصه: ضاعف الله تعالى [بهجة] «6» حضرة الملك الجليل، المكرّم، المبجّل، الأسد، الخطير، البطل، الباسل، الهمام، الضّرغام، فلان، العالم في ملّته، العادل في أهل مملكته، عزّ الأمة المسيحيّة، كبير الطائفة الصّليبيّة، جمال بني المعموديّة، صمصام الملوك اليونانيّة، حسام المملكة الماكصونيّة، مالك اليرغليّة والأملاحية، صاحب أمصار الرّوس والعلّان، معزّ اعتقاد الكرج والسّريان، وارث الأسرّة والتّيجان، الحاكم على

الثالثة - المكاتبة إلى حكام جنوة

الثّغور والبحور والخلجان، الضّوقس الأنجالوس الكمنينوس البالالوغس، صديق الملوك والسلاطين، ثم الدعاء. صدرت هذه المكاتبة إلى حضرته تشكر موالاته، (ومن هذه المادة) وتوضّح لعلمه السعيد. ورأيت في بعض الدساتير أنه يختمها بقوله: فيحيط بذلك علما، والله تعالى يديم بهجته. قال في «التثقيف» : وتعريفه «ضابط مملكة الروم» وذكر أن هذه المكاتبة هي المتداولة بديوان الإنشاء بين كتّابه، وأنه هو كتب بها إليه، ولم يتعرّض لإيراد المكاتبة التي ذكرها في «التعريف» ، بل أحال في معرفتها لمن أرادها على النظر فيه. الثالثة- المكاتبة إلى حكّام جنوة ، وهم جماعة متفاوتو المراتب، وهم: البودشطا، والكبطان، والمشايخ. ورسم المكاتبة إليهم على ما ذكره في «التثقيف» في قطع الثّلث: صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة البودشطا والكبطان الجليلين، المكرّمين، الموقّرين، المبجّلين، الخطيرين، فلان وفلان، والمشايخ الأكابر المحترمين، أصحاب الرأي والمشورة، الكمنون «1» بجنوة، أمجاد الأمّة المسيحية، أكابر دين النصرانية، أصدقاء الملوك والسلاطين، ألهمهم الله تعالى رشدهم، وقرن بالخير قصدهم، وجعل النصيحة عندهم، تتضمن إعلامهم كذا وكذا. وتعريفهم «الحكّام بجنوة» . قال في «التثقيف» : والذي استقرّ عليه الحال آخرا في مفتتح سنة سبع وستين وسبعمائة إبطال المكاتبة إلى البودشطا والكبطان، بحكم أنهما أبطلا، واستقرّ [ت مكاتبة] الدّوج مكانهما بما نصه:

الرابعة - المكاتبة إلى صاحب البندقية

صدرت هذه المكاتبة إلى الدّوج الجليل، المكرّم، المبجّل، الموقّر، الخطير، فلان، والمشايخ، والباقي على ما تقدّم ذكره. قلت: هكذا هو في «التثقيف» بدال وواو وجيم، والمعروف إبدال الجيم في آخره كافا على ما سيأتي ذكره في الكلام على صاحب البندقية على الأثر. واعلم أنه قد ذكر في «التثقيف» أنه كان لصاحب جنوة مقدّم على الشّواني بقبرس، وقيل إنه كان بالماغوصة، وأنه كتب إليه في رمضان جوابا عما ورد عنه في قطع العادة ما نصه: وردت مكاتبة المحتشم، الجليل، المبجّل، الموقّر، الأسد، الباسل، فلان، مجد الملة المسيحية، كبير الطائفة الصّليبيّة، غرس الملوك والسلاطين، ثم الدعاء. وتعريفه «مقدّم الشّواني الجنويّة بقبرس» . الرابعة- المكاتبة إلى صاحب البندقيّة . قال في «التثقيف» : ورسم المكاتبة إليه على ما استقرّ عليه الحال عندما كتب إليه جوابه في شهر رجب سنة سبع وستين وسبعمائة، وهو يومئذ مركريادو في قطع الثلث: وردت مكاتبة حضرة الدّوج، الجليل، المكرّم، الخطير، الباسل، الموقّر، المفخّم، مركريادو فخر الملة المسيحية، جمال الطائفة الصّليبية، دوج البندقيّة والمانسية، دوج كرال دين بني المعمودية، صديق الملوك والسلاطين، والدعاء. وتعريفه «صاحب البندقية» : ثم ذكر بعد ذلك نقلا عن خط القاضي ناصر الدين بن النشائي أنه كتب في الجواب إلى دوك البنادقة: وردت مطالعة الدّوك الجليل، المكرّم، المبجّل، الموقّر، البطل، الهمام الضّرغام، الغضنفر، الخطير، مجد الملة النّصرانية، فخر الأمّة العيسويّة، عماد بني المعمودية، معزّ بابا رومية، صديق الملوك والسلاطين، دوك البنادقة، وديارقة، والرّوسا، والإصطنبوليّة. ثم قال: ولم يذكر تعريفه ولا قطع الورق الذي يكتب إليه فيه، ثم نقل عنه أيضا أن المكاتبة إلى دوك البندقيّة: هذه المكاتبة إلى حضرة المحتشم، الجليل، المبجّل، الموقّر، المكرم، المفخّم، الباسل،

الخامسة - المكاتبة إلى صاحب سنوب

الضّرغام، فلان، عزّ الأمة المسيحيّة، جمال الطائفة العيسويّة، ذخر الملّة الصليبية، صديق الملوك والسلاطين. ثم قال: هكذا رأيته من غير ذكر تعريفه ولا القطع الذي يكتب إليه فيه. قال: وما يبعد أنه غير الأوّل ولم يزد على ذلك. قلت: ومقتضى ما ذكره من جميع ذلك أن الدّوك غير الملك نفسه. على أن المكاتبة الأولى والثانية في الجواب متقاربتان. أما المكاتبة الثالثة فمنحطّة عن الأوّلتين. على أنه قد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك عند ذكر البندقيّة نقلا عن ابن «1» سعيد أن ملك البنادقة يقال له الدّوك بضم الدال المهملة وواو وكاف في الآخر، وهذا مما يحتاج إلى تحرير؛ فإن كان الدّوك هو الملك فتكون المكاتبة إليه اختلفت باختلاف الحال، أو باختلاف غرض الكتّاب، أو عدم اطّلاعهم على حقيقة الأقدار والوقوف مع ما يلقى إليهم من المزاحمة في كل وقت، وهو الظاهر. الخامسة- المكاتبة إلى صاحب سنوب «2» ، من سواحل بلاد الروم، قبل أن تفتح ويستولي عليها التّركمان. قال في «التعريف» : وهي «3» على ضفّة الخليج القسطنطينيّ، وملكها روميّ من بيت الملك القديم، من أقارب «4» صاحب القسطنطينيّة. قال: ويقال إن أباه أعرق من آبائه في السلطان. قال: ولكن ليس

السادسة - المكاتبة إلى صاحب البلغار والسرب

ملكه بكبير، ولا عدده بكثير، ويكون بينه وبين أمراء الأتراك حروب، يكون في أكثرها المغلوب. وذكر أنّ رسم المكاتبة إليه مثل متملّك سيس «1» فتكون على ما ذكره في مكاتبة متملك سيس: صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك، الجليل، البطل، الباسل، الهمام، السّميدع «2» ، الضّرغام، الغضنفر، فلان، فخر الملّة المسيحيّة، ذخر الأمة النّصرانية، عماد بني المعموديّة، صديق الملوك والسلاطين «3» وهذا دعاء يليق به، ذكره في «التعريف» : وكفاه شرّ ما ينوب، وروّح خاطره في الشّمال بريّا ما يهبّ من الجنوب، ووقاه سوء فعل يورث النّدم وأوّل ما يقرع السّنّ سنوب «4» السادسة- المكاتبة إلى صاحب البلغار والسّرب . قد تقدّم في الكلام على المكاتبات إلى ملوك الإسلام بالجانب الشّماليّ نقلا عن «التعريف» «5» ما يقتضي أنّ ملكها مسلم، وذكرت مكاتبته الإسلامية هناك، وعلى ذلك اقتصر في «التعريف» ، وتقدّم النقل عن «مسالك الأبصار» أنها صارت إلى ملوك النّصرانية، وعليه اقتصر في «التثقيف» وهو المراد هنا. ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التثقيف» نقلا عن ابن النشائي «6» في قطع الثلث ما نصه:

السابعة - المكاتبة إلى ملك رودس

أطال الله تعالى بقاء حضرة الملك، الجليل، المكرّم، المبجّل، الهمام، الضّرغام، الباسل، الدّوقس، الأنجالوس، الكمنينوس، فلان، عماد النّصرانية، مالك السّرب والبلغار، فخر الأمّة العيسوية، ذخر الملة المسيحية، فارس البحور، حامي الحصون والثّغور، والدعاء، أصدرنا هذه المكاتبة، وتعريفه «صاحب البلغار» . واعلم أنه في «التثقيف» بعد أن أورد المكاتبة المتقدّمة لصاحب السّرب والبلغار، نقلا عن ابن النشائي، ذكر نقلا عنه أيضا أن المكاتبة إلى صاحب السّرب في قطع الثلث نظير متملّك سيس، فتكون المكاتبة إليه على ما تقدّم أنه الذي استقرّ عليه الحال في المكاتبة لمتملّك سيس: صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك، الجليل، المكرّم، المبجّل، المعزّز، الهمام، الباسل، فلان، عزّ دين النّصرانية، كبير الطائفة الصّليبيّة، عماد بني المعموديّة، صديق الملوك والسلاطين، أدام الله نعمته، وحرس مهجته، تعلمه كذا وكذا، وتعريفه «صاحب السّرب» . ثم قال: ولم أدر هل يجتمعان لشخص واحد تارة فيكون بهما اثنان تارة وواحد تارة أم لا. ثم قال: على أنه لو كان الأمر كذلك لكان يتعين أن يذكر مكاتبة صاحب البلغار وحده مفردا كما ذكر مكاتبة صاحب السّرب وحده مفردا. قلت: كلا الأمرين محتمل، فيجوز أنهما كانا مجتمعين لواحد، وأنه كتب تعريفه بالإضافة إلى أحدهما استغناء به عن الآخر، أو أنه كتب إلى صاحب السّرب بمفرده، ولم يحطّ رتبته في قطع الورق عن رتبة من اجتمعاله، ولا يلزم من ذلك أنه كان يكتب لصاحب البلغار بمفرده لاحتمال أنه لم يكتب إليه شيء حينئذ، وبالجملة فهذا أمر راجع إلى النقل. السابعة- المكاتبة إلى ملك رودس . قال في «التعريف» : وهي جزيرة تقابل شطوط البلاد الرّوميّة. قال: وأهلها في البحر حراميّة، إذا ظفروا بالمسلم،

الثامنة - المكاتبة إلى صاحب جزيرة المصطكى

أخذوا ماله، وأحيوه، وباعوه «1» أو استخدموه، وإذا ظفروا بالفرنجيّ، أخذوا «2» ماله وقتلوه. ورسم المكاتبة إليه مثل متملك سيس، إلّا أنه لا يقال فيه معزّ بابا رومية، وتختصر بعض ألقابه لأنه دونه، وحينئذ فيتجه أن تكون المكاتبة إليه: صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل، البطل، الباسل، السّميدع، فلان، فخر الملة المسيحية، ذخر الأمة النّصرانية، صديق الملوك والسلاطين، أو نحو ذلك. على أنه في «التعريف» لم يذكر في المكاتبة إلى متملّك سيس، معزّ بابا رومية، فلم يكن ليحتاج أن يقول: إلّا أنه لا يقال فيه معزّ بابا رومية. وهذا دعاء يليق به، ذكره في «التعريف» وهو: قدّم الله له الأعذار، وكفاه قوامع «3» الإنذار، وحذّره عاقبة البغي قبل أن لا ينفع الحذار. آخر: فكّ الله من وثاقه كلّ مأسور، وأقال كلّ غراب له من الرّجوع وجناحه مكسور، وعصمه بالتّوبة مما اقترف، لا بالبحر ولو أنه سبعة أبحر، وسور مدينته ولو أنه مائة سور. الثامنة- المكاتبة إلى صاحب جزيرة المصطكى . قال في «التعريف» : وهي جزيرة صغيرة «4» لا تبعد مدّى من الإسكندريّة، وصاحبها صغير لا في مال ولا في رجال، وجزيرته ذات قحط لا يطرّ شاربها بزرع، ولا يدرّ حالبها بضرع، إلا أنها تنبت هذه الشجرة فتحمل «5» منها وتجلب، وترسى السفن عليها بسببها وتطلب. قال: وفي ملكها خدمة لرسلنا إذا ركبوا ثبج البحر، وتجهيز لهم إلى حيث

التاسعة - المكاتبة إلى متملك قبرس

أرادوا، وتنجيز لهم إذا توجّهوا وإذا عادوا. ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التعريف» كالمكاتبة إلى صاحب جزيرة رودس المتقدّمة الذكر آنفا وهي: صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل إلى آخر ما تقدّم. وهذه أدعية «1» تليق به ذكرها في «التعريف» دعاء من ذلك: «وفّقه الله لطاعته، وأنهضه من الولاء بقدر طاقته» . آخر: أطاب الله قلبه، وأدام إلينا قربه. آخر: لا زال إلى الطاعة يبادر، وعلى الخدمة أنهض قادر، ومكانه تزمّ إليه ركائب السّفن بكل وارد وصادر. التاسعة- المكاتبة إلى متملّك قبرس . إنما قيل له متملّك قبرس لأنها كانت قد فتحها المسلمون، ثم تغلّب عليها النصارى وملكوها، فقيل لمن غلب عليها متملك ولم يقل له ملك، وذكر في «التثقيف» عن القاضي ناصر الدين بن النّشائي أن المكاتبة إليه [مثل] متملك سيس ولم يزد على ذلك، وحينئذ فتكون المكاتبة إليه مثل ما استقرّ عليه الحال في المكاتبة إلى متملّك سيس في قطع العادة: صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك، الجليل، المكرّم، المبجّل، المعزّز، الهمام، الباسل، فلان، عزّ دين النصرانية، كبير الطائفة الصّليبية، عماد بني المعموديّة، صديق الملوك والسلاطين، أدام الله نعمته، وحرس مهجته. وتعريفه «متملك قبرس» . قال صاحب «التثقيف» : ولم أقف على مكاتبة إليه ابتداء ولا جوابا سوى ذلك، إلّا أنه كتب إليه عن الأمير الجاي اليوسفي عند وقوع الصلح في سنة اثنتين وستين وسبعمائة، يعني عند ما كان الجاي أتابك العساكر المنصورة. العاشرة- المكاتبة إلى ملك مونفراد . ذكر في «التثقيف» أنه كان بها ابن

الحادية عشرة - المكاتبة إلى صاحبة نابل

ملك إصطنبول، وأنه كتب إليه في سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة: أصدرناها إلى حضرة الملك الجليل، المكرّم، البطل، الهمام، الأسد، الضّرغام، فلان، مجد النّصرانية، فخر العيسويّة، عماد بني المعموديّة، جمال الطائفتين الرومية والفرنجيّة، ملك مونفراد، وارث التاج، معزّ الباب، أدام الله بقاه، وحفظه ووقاه، وأورثه من أبيه تخته وتاجه وولّاه، تتضمن إعلامه كذا وكذا. ثم قال: هذا ما وجدته مسطورا في رسم المكاتبة المذكورة، ولم يكتب إليه شيء في مدّة مباشرتي. ولم أدر ما تعريفه، ولا في أيّ قطع يكتب إليه. قال: والذي يظهر أنه يكتب إليه في قطع العادة، وأن يكون تعريفه «ملك مونفراد» . الحادية عشرة- المكاتبة إلى صاحبة نابل «1» وقد ذكر في «التثقيف» أنه كان اسم صاحبتها جوانا، وأنه كتب إليها في أواخر سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة ما صورته: صدرت هذه المكاتبة إلى الملكة، الجليلة، المكرّمة، المبجّلة، الموقّرة، المفخّمة، المعزّزة، فلانة، العالمة في ملّتها، العادلة في مملكتها، كبيرة دين النّصرانية، بصيرة الأمّة العيسوية، حامية الثغور، صديقة الملوك والسلاطين. ثم الدعاء، تتضمّن إعلامها، وتعريفها «صاحبة نابل» ولم يذكر قطع الورق لمكاتبتها، ولا خفاء أنه يكتب إليها في قطع العادة لصغر مقامها. قلت: فإن ولي مملكتها رجل، فينبغي أن يكتب إليه بهذه المكاتبة على التذكير أو أعلى من ذلك، لميزة الرجال على النساء. وهؤلاء جملة من تعرّض إلى مكاتبته في «التعريف» و «التثقيف» من ملوك الكفر، فإن اتفقت المكاتبة إلى أحد سواهم فليقس على من هو مثله منهم. ثم قد ذكر في «التثقيف» القنصل بكفا، وذكر أنها جارية في حكم جنوة، وأنه لم يكتب إليه شيء عن المواقف الشريفة، ولا خفاء في ذلك، فإن مقام القنصل دون أن يكاتب عن الأبواب السلطانية.

الفصل الخامس من الباب الثاني من المقالة الرابعة

الفصل الخامس من الباب الثاني من المقالة الرابعة (في الكتب الواردة على الأبواب الشريفة السلطانية بالديار المصرية، ممن جرت العادة بمكاتبته إليها من أهل المملكة وغيرها من سائر الممالك المكاتبة عن هذه المملكة، وهي نوعان) النوع الأوّل (المكاتبات الواردة عن ملوك المسلمين، وهي على قسمين) القسم الأوّل- في الكتب الواردة عن أهل هذه المملكة ، بالديار المصرية، والبلاد الشامية، ممن يؤهّل للمكاتبة إلى الأبواب السلطانية، من النّواب وغيرهم من الأمراء، وأرباب الأقلام، من الوزراء، والعلماء ومن في معناهم، وهم على ضربين: الضرب الأوّل (في المطالعات الواردة عن أكابر أهل الدولة بالديار المصرية والبلاد الشامية، من النوّاب ومن في معناهم) قد جرت عادة من يكتب إلى الأبواب السلطانية من أهل هذه المرتبة، أن يكتب جميعهم كتبهم في قطع العادة، فإن كان بالديار المصرية فمن الورق البلديّ، وإن كان بالبلاد الشامية فمن الورق الشاميّ، وجميع ذلك في الورق الأبيض، إلّا نائب الشام نائب الكرك، فإنهما قد جرت العادة فيهما بأنهما يكتبان إلى الأبواب السلطانية في الورق الأحمر الشاميّ، شيء اختصّا به دون سائر أهل المملكة.

ثم قد ذكر في «عرف التعريف» أن الملوك لا يكتب إليهم إلا «يقبّل الأرض» وينهي. ويختم الكتاب بما صورته: طالع المملوك بذلك وللآراء العالية مزيد العلوّ، أو أنهى المملوك ذلك وللآراء العالية مزيد العلوّ، والعنوان «الملكيّ الفلانيّ، مطالعة المملوك فلان» وحينئذ فالذي جرت به العادة في ذلك أن يبتديء الكاتب فيكتب فهرست الكتاب في رأس لدّرج من جهة وجهه، في عرض إصبع، في الجانب الأيمن «إلى الأبواب الشريفة» وفي الجانب الأيسر «بسبب كذا وكذا» ثم يقلب الدّرج ويكتب في ظاهره، بعد ترك ما كتب الفهرست في باطنه، العنوان، فيكتب: «الملكيّ الفلانيّ» في أوّل العنوان، و «مطالعة المملوك فلان» في آخره. ثم بعد ذلك يقلب الدرج، ويترك وصلا أبيض، ويكتب البسملة في رأس الوصل الثاني بعد خلوّهامش من الجانب الأيمن. ثم يكتب تحت البسملة ملاصقا لها ما صورته «الملكيّ الفلاني» بحيث يكون آخر الملكيّ الفلاني مسامتا لجلالة البسملة، بلقب السلطان، كأنه ينسب نفسه إلى سلطانه. ثم يكتب صورة المكاتبة على سمت البسملة في سطر ملاصق للملكيّ الفلانيّ «يقبّل الأرض وينهي كذا وكذا» فإن كان ابتداء كتب وينهي أن الأمر كذا وكذا، ويأتي بمقاصد المكاتبة، فإن كانت فصلا واحدا ذكره وختم الكتاب بآخر كلامه، وإن كان الكتاب مشتملا على فصول أتى بالفصل الأول إلى آخره. ثم يخلّي بياضا قدر خمسة أسطر. ثم يسرد الفصول بعد ذلك فصلا فصلا، يخلّي بين كل فصلين قدر خمسة أسطر أيضا، ويقول في أوّل كل فصل «المملوك ينهي كذا وكذا» وإذا أتى على ذكر السلطان، قال: خلّد الله سلطانه، أو خلّد الله ظلّه، أو أتى على ذكر المرسوم الشريف، قال: شرّفه الله وعظّمه ونحو ذلك، وإذا سأل في أمر، قال: والمملوك يعرض على الآراء الشريفة كذا وكذا، أو إن اقتضت الآراء الشريفة كذا فلها مزيد العلوّ، ولا يقال: يسأل الصدقات الشريفة، إلّا في أمر جليل أو شيء مهمّ، والعرض أبلغ في الأدب، ولا يلقّب أحدا بالجناب والمجلس ومجلس الأمير، وإذا ذكر كبيرا في الدولة كالنائب الكافل، ونائب الشام، أو نائب حلب، أو أمير كبير، قال: إن مملوك مولانا السلطان خلّد الله ملكه الأمير فلان الدين فلان

الناصري مثلا، كافل الممالك الشريفة، أو نائب السلطنة الشريفة بالمملكة الشامية المحروسة، أو كافل المملكة الشامية المحروسة، أو نائب السلطنة الشريفة بحلب المحروسة، أو الأمير فلان الدين فلان الناصري مثلا، أو القاضي فلان الدين، أو ناظر الجيوش المنصورة بالأبواب الشريفة، وما يجري هذا المجرى؛ ولا يدعى في المطالعة لأحد. وإذا انتهت الفصول إلى آخرها، قال: وقد جهّز المملوك بمطالعته هذه مملوكه فلانا السّيفيّ مثلا الماثل بها. وإن كان ثم مشافهة، قال: وقد حمّله مشافهة يسأل المسامع الشريفة سماعها إن اقتضت ذلك، أو ينهيها إلى المسامع الشريفة إذا رسم له بإنهائها، طالع بذلك، أو أنهى ذلك. ثم قد جرت عادة النّوّاب بالبلاد الشامية أن يقدّموا في صدر المكاتبة ما اشتمل على أخبار البلاد الشرقية من مملكة إيران المجاورة لأواخر هذه المملكة، من تجدّد أمر، أو حركة عدوّ، أو حكاية حال مهمّة من أحوال تلك البلاد، مثل أن يقال في أوّل المكاتبة: وينهي أنّ قصّاده عادوا من البلاد الشرقية مخبرين بكذا وكذا، ويشرح الحال التي أخبر بها قصّاده. وإن كان الخبر نقلا عن نائب من نوّاب الأطراف كالرّها «1» ونحوها، قال: إن مطالعة نائب فلانة وردت بكذا وكذا، ويذكر ما تضمنته ملخّصا- وإن كانت المطالعة جواب مثال شريف ورد فقط، قال: وينهي أن المرسوم الشريف شرّفه الله تعالى وعظّمه ورد على المملوك على يد فلان الدين فلان البريديّ بالأبواب الشريفة يتضمّن ما اقتضته المراسيم الشريفة، أو ما اقتضته الآراء الشريفة شرّفها الله تعالى وعظّمها، من كذا وكذا، ويذكر نصّ المثال الشريف حرفا حرفا. ثم يقال: وتفهّم المملوك ما رسم له به، وقابل المراسيم الشريفة- زاد الله تعالى

شرفها- بتكرار تقبيل الأرض والامتثال، وتقدّم بكذا، إن كان الأمر مما نفذ، أو والذي ينهيه المملوك كذا وكذا إن كان الأمر قد توقّف. ثم إن كان النائب عظيم القدر كنائب السلطنة الشريفة بالشام أو حلب، جعل بعد ما بين كل سطرين تقدير رأس إصبع، وإن كان دون ذلك جعل ما بينهما أقلّ من ذلك حتّى ينتهي في أقل الرتب إلى ملاصقة السطور بعضها ببعض. وإن كانت المطالعة في أمر مهمّ كاستقرار نائب أو بشارة بفتح أو نحو ذلك، أتى بجميع الكتاب مسجّعا وإلّا فلا. وهذه نسخة مطالعة عن نائب الشام ابتداء. يقبّل الأرض، وينهي أنه ورد على المملوك مكاتبة نائب السلطنة الشريفة بحلب المحروسة، يذكر فيها أن قصّاده عادوا من جهة بلاد الشرق، وأخبروا أن العدوّ المخذول فلانا قد خرج عليه عدوّ من ورائه وقصد بلاده فكرّ راجعا إليه بعد أن كان قاصدا هذه الجهة، وأحبّ المملوك إحاطة الخواطر الشريفة بذلك. المملوك ينهي أنّ مطالعة نائب الرّحبة المحروسة وردت على المملوك يخبر فيها أن فلانا التّركمانيّ قد عاد إلى الطاعة الشريفة، ولاذ بمراحم الأبواب العالية، وأنه ما كان حمله على ما وقع منه من عدم المقابلة إلّا الخوف من السّطوات الشريفة، وأنه يسأل كتابة أمان شريف له ولجماعته ومن يليه بأن يكونوا آمنين على أنفسهم، وأموالهم، وسائر ذات يدهم، وأنه إذا وصل إليه الأمان قصد الأبواب السلطانية، وتمثل بالمواقف الشريفة، وامتثل ما تبرز به الأوامر المطاعة في أمره وأمر جماعته. والمملوك ينظر ما يرد به الجواب الشريف في أمره لكاتب نائب الرّحبة المحروسة بما يعتمده في أمره. المملوك ينهي أنه قد بلغ المملوك أنّ البحر مشغول بمراكب الفرنج، ولم يعلم إلى أيّ مكان يقصدون، وقد أخذ المملوك في الاحتراز على السواحل

المذكورة بإقامة المركّزين، وأمرهم بالاحتراز والاحتفاظ، وقد عرض المملوك ذلك على الآراء العالية ليكون ذلك على الخواطر الشريفة، ويكاتب به النّواب بالبلاد المجاورة للبحر. المملوك ينهي أن الأمير فلانا الفلانيّ، أحد أمراء الطبلخاناه «1» بدمشق المحروسة قد توفّي إلى رحمة الله تعالى، والمملوك يسأل الصّدقات الشريفة في استقرار إمرته باسم مملوك مولانا السلطان عز نصره، ولد المملوك فلان، إعانة له على الخدمة الشريفة، وجبرا لخاطر المملوك، فإن حسن ذلك بالآراء الشريفة، وإلّا فللرأي العالي مزيد العلوّ. المملوك ينهي أن الأمير فلان الدين فلانا، أمير حاجب بالشام المحروس، كان قد برزت المراسيم الشريفة باستقراره في نيابة صفد المحروسة، وقد توجه إلى محلّ نيابته، والمملوك يعرض على الآراء الشريفة إن حسن بالرأي الشريف أن يستقرّ في الوظيفة المذكورة الأمير فلان الدين فلان، أحد الأمراء الطبلخاناه بدمشق المحروسة، فإنه كفء لذلك، أو يستقرّ من تبرز به الآراء الشريفة. المملوك ينهي أن فلانا: أحد رجال الحلقة المنصورة بدمشق المحروسة، قد درج بالوفاة، وقد كتب المملوك مربّعة باسم فلان الدين فلان باستقراره على إقطاعه، وجهّزها إلى الأبواب الشريفة لتعرض على الآراء العالية، فإن حسن بالرأي الشريف إمضاؤها وإلّا فيستقرّ على إقطاعه من تبرز المراسيم الشريفة باستقراره، وقد جهّز المملوك هذه المطالعة على يد مملوكه فلان إلى الأبواب الشريفة. طالع بذلك، إن شاء الله تعالى. ثم يكمل.

وهذه نسخة مطالعة عن نائب» الشام أيضا، في جواب مكاتبة شريفة وردت عليه وهي: يقبّل الأرض وينهي أن المرسوم الشريف- شرّفه الله تعالى وعظّمه- ورد على المملوك على يد فلان الدين فلان البريديّ، بالأبواب الشريفة، يتضمّن أنّ المرسوم الشريف اقتضى الاجتهاد والاهتمام في حفظ السواحل والمواني، وإقامة الأيزاك «2» والأبدال «3» في أوقاتها على العادة، وإلزام أربابها بمواظبتها، وإلزام المنوّرين بالدّيدبانات «4» والمناظر والمناور في الأماكن المعروفة، وتعهّد أحوالها وتفقّدها، وتقويم أحوالها بحيث تقوم أحوالها على أحسن العوائد وأكملها، ولا يقع على أحد درك بسببها، وأنّ المملوك يتقدّم باعتماد ما اقتضاه المرسوم الشريف من ذلك مع مضاعفة الاحتفال بذلك والمبادرة إليه، فوقف المملوك على المرسوم الشريف شرّفه الله تعالى وعظّمه، وتفهّم ما رسم له به، وقابل المراسيم الشريفة زاد الله تعالى شرفها بالامتثال، وتقدم باعتماد ما اقتضته المراسيم الشريفة من ذلك، وأخذ في حفظ السواحل والمواني، وإقامة الأيزاك والأبدال، وإلزام أربابها بمواظبتها، وإلزام المنوّرين بالدّيدبانات والمناظر [فقامت الأحوال] على أحسن العوائد، وجرت على أكمل القواعد، ولم يكن عند المملوك غفلة عما هو بصدده من ذلك، وقد أعاد المملوك فلان الدين فلانا البريدي المذكور بهذه المطالعة ليحصل الوقوف عليها. طالع بذلك....... وهذه نسخة مطالعة تشتمل على ابتداء وجواب: يقبّل الأرض وينهي أنه قد

الضرب الثاني (من المطالعات الواردة إلى الأبواب السلطانية عن أهل المملكة)

حضر رسول من القان فلان بالمملكة الفلانية [وقصده التوجه] إلى الأبواب الشريفة، والمملوك يعرض على الآراء العالية أمره، فإن أذن له في التوجّه إلى أبوابه الشريفة، جهّزه المملوك إليها على العادة. المملوك ينهي أن المرسوم الشريف شرّفه الله تعالى وعظّمه ورد على المملوك على يد فلان الدّين فلان المسفّر من الأبواب الشريفة، يتضمّن طلب فلان الفلانيّ، وحمله إلى الأبواب الشريفة محتفظا به، فبادر المملوك ما برزت به المراسيم الشريفة بالامتثال، وتقدّم بطلب فلان المذكور وسلّمه إلى فلان الدين المسفّر المذكور، وبعث معه من يحتفظ به في الطريق إلى حين وصوله إلى الأبواب الشريفة. صورة وضع المطالعة من نوّاب السلطنة ومن في معناهم، إلى الأبواب الشريفة: الجانب الأيمن الطرة الجانب الأيسر إلى الأبواب الشريفة بسبب كذا العنوان مطالعة المملوك الملكي الفلاني فلان الصدر بسم الله الرحمن الرحيم* الملكي الظاهري مثلا يقبل الأرض وينهي أن المرسوم الشريف شرّفه الله تعالى وعظّمه، ورد على المملوك، على يد فلان الدين فلان البريديّ، ويكمل عليه إلى آخره. الضرب الثاني (من المطالعات الواردة إلى الأبواب السلطانية عن أهل المملكة) المطالعات الواردة من الولاة ومن في معناهم «1»

القسم الثاني - في الكتب الواردة على الأبواب السلطانية

القسم الثاني- في الكتب الواردة على الأبواب السلطانية ، عن أهل الممالك الإسلامية المكاتبة عن هذه المملكة. وحالها مختلف باختلاف حال مصطلح أهل البلاد وحال المكتوب عنه في رفعة القدر. وفائدة معرفة ذلك أنه إذا عرف الكاتب نصطلح كلّ مملكة في الكتابة، ظهر له ما هو وارد عن ملكها حقيقة وما هو مفتعل عليه، ولا يخفى ما في ذلك من كبير الفائدة، وعظيم النّفع، وارتفاع قدر الكاتب عند ملكه بإظهار الزّيف بمحكّ المعرفة. ومن غريب ما وقع في هذا المعنى أنه ورد رسول من الشرق، في الأيام الظاهرية الشهيديّة برقوق سقى الله تعالى عهده، وأظهر لأهل الطّرقات أنه رسول من عند طقتمش صاحب بلاد أزبك، ورفعت بطاقته بالقلعة المحروسة بذلك، فأمر السلطان النائب الكافل وأكابر الأمراء بالخروج لملاقاته على القرب من القاهرة، فخرجوا وتلقّوه بالتعظيم، على أنه رسول طقتمش خان المقدّم ذكره، وأنزل بالميدان الكبير تعظيما لأمره، فلما عرض كتابه نظر فيه المقرّ البدريّ بن فضل الله، تغمّده الله تعالى برحمته، وهو يومئذ صاحب ديوان الإنشاء الشريف، فوجده غير جار على مصطلح كتب القانات في الورق والكتابة، فاستفسر الرسول المذكور عن ذلك ونوقش في قضيته، فأخبر أنه عن الحاكم بالقرم من أتباع طقتمش خان، فأنكر عليه ذلك، وحطّ رتبته عند السلطان وأهل دولته عما كان عليه، وعلا بذلك مقدار المقرّ البدريّ بن فضل الله المشار إليه عند السلطان، وشكر له ما كان من ذلك. ويشتمل على أربعة مقاصد: المقصد الأوّل (في الكتب الواردة عن أهل الشرق، وفيه أطراف) الطرف الأوّل (الكتب الواردة عن القانات العظام من بني جنكز خان، ولها حالان) الحال الأولى- ما كان الأمر عليه قبل دخولهم في دين الإسلام .

وكان الأمر يجري في كتابتهم مجرى المخاشنة، والتصريح بالعداوة، ولم أقف على مقادير قطع ورق كتبهم يومئذ ولا ترتيب كتابتها. وهذه نسخة كتاب كتب به هولاكو «1» بن طوجي بن جنكز خان، المنتزع العراق من أيدي الخلفاء العباسيين، كتب به إلى الملك المظفّر «2» قطز في سنة ثمان وخمسين وستمائة «3» ، وهو: من ملك الملوك شرقا وغربا القان الأعظم: باسمك اللهمّ باسط الأرض ورافع السماء. يعلم الملك المظفّر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم يتمتعون بأنعامه، ويقتلون من كان سلطانه بعد ذلك. يعلم الملك المظفّر وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، أننا جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلّطنا على من أحلّ عليه غضبه، فسلّموا إلينا أموركم تسلموا، قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا، وقد عرفتم أنّنا خرّبنا البلاد، وقتلنا العباد، فلكم منّا الهرب، ولنا خلفكم الطّلب،

الحال الثانية - ما كان الأمر عليه بعد دخولهم في دين الإسلام

فما لكم من سيوفنا خلاص، خيولنا سوابق، وسيوفنا قواطع، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرّمال، ومن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلّم، فإن أنتم لشرطنا وأوامرنا أطعتم فلكم مالنا، وعليكم ما علينا، فقد أعذر من أنذر. وقد ثبت عندكم أنّنا كفرة، وثبت عندنا أنكم الفجرة، فأسرعوا إلينا بالجواب قبل أن تضرم الحرب نارها، وترميكم بشرارها، فلا يبقى لكم جاه ولا عزّ، ولا يعصمكم منّا جبل ولا حرز «1» ، فما بقي لنا مقصد سواكم، والسّلام علينا وعليكم، وعلى من اتّبع الهدى، وخشي عواقب الرّدى، وأطاع الملك الأعلى. الحال الثانية- ما كان الأمر عليه بعد دخولهم في دين الإسلام مع قيام العداوة بين الدولتين. وكان من عادتهم «2» في الكتابة أن يكتب بعد البسملة «بقوة الله تعالى» ثم يكتب بعد ذلك «بإقبال قان فرمان فلان» يعني كلام فلان. ولهم في ذلك طريقتان. إحداهما- أن يكتب بسم الله سطرا، ويكتب «الرحمن الرحيم» سطرا تحتها، ويكتب «بقوة الله» سطرا «وتعالى» سطرا آخر تحته، ثم يكتب تحت ذلك في الوسط بهامش من الجانبين «بإقبال قان» سطرا، وتحته «فرمان فلان» باسم السلطان المكتوب عنه سطرا آخر. والطريقة الثانية- أن تكتب البسملة جميعها سطرا واحدا، ثم يكتب تحت وسط البسملة «بقوة الله تعالى» سطرا «وميامين الملّة المحمّدية» سطرا آخر، ثم يكتب تحت ذلك سطرا آخر بزيادة يسيرة من الجانبين «فرمان السلطان فلان» يعني كلام السلطان فلان. ولم أقف على قطع الورق الذي كتب فيه حينئذ، والظاهر أنه في البغداديّ

الكامل تعظيما لشأن المكتوب عنه عندهم. وبالجملة فإنّ الظاهر أنّ الكتب الواردة عنهم على نمط الكتب الواردة من هذه المملكة إليهم، جريا على قاعدة كتّاب هذه المملكة من أنّ الغالب مضاهاتهم لأكابر الملوك في كتبهم في الهيئة والترتيب شرقا وغربا. وهذه نسخة كتاب على الطريقة الأولى، ورد عن السلطان «أحمد» صاحب مملكة إيران، من بني هولاكو المقدّم ذكره، وهو أوّل من أسلم منهم، كتب به إلى الملك المنصور «قلاوون» «1» صاحب الديار المصرية، تغمّده الله تعالى برضوانه، ورد مؤرّخا بأوسط جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وستمائة، ورأيت في بعض الدساتير أنه من إنشاء الفخر بن عيسى الموصليّ، وورد بخطه وهو: بسم الله بقوّة الله الرحمن الرحيم تعالى بإقبال قان فرمان أحمد. إلى سلطان مصر، أما بعد، فإنّ الله سبحانه وتعالى بسابق عنايته، ونور هدايته، قد كان أرشدنا في عنفوان الصّبا، وريعان الحداثة، إلى الإقرار بربوبيّته، والاعتراف بوحدانيته، والشهادة لمحمد، عليه أفضل الصلاة والسّلام، بصدق نبوّته، وحسن الاعتقاد في أوليائه الصالحين من عباده وبريّته فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام «2» فلم نزل نميل إلى إعلاء كلمة الدين، وإصلاح أمور الإسلام والمسلمين، إلى أن أفضى إلينا بعد أبينا الجليل، وأخينا الكبير، نوبة

الملك، فأضفى علينا من جلابيب ألطافه ولطائفه، ما حقّق به آمالنا في جزيل آلائه وعوارفه، وجلّى هذه المملكة علينا، وأهدى عقيلتها إلينا، فاجتمع عندنا في قوريليان «1» المبارك- وهو المجتمع الذي تقدح فيه الآراء- جميع الإخوان والأولاد والأمراء الكبار، ومقدّمو العساكر، وزعماء البلاد، واتّفقت كلمتهم على تنفيذ ما سبق به حكم أخينا الكبير، في إنفاذ الجمّ الغفير، من عساكرنا التي ضاقت الأرض برحبها من كثرتها، وامتلأت الأرض رعبا من عظيم صولتها، وشديد بطشتها، إلى تلك الجهة بهمة تخضع لها صمّ الأطواد، وعزمة تلين لها الصّمّ الصّلاد، ففكّرنا فيما تمخّضت زبد عزائمهم عنه، واجتمعت أهواؤهم عليه، فوجدناه مخالفا لما كان في ضميرنا من اقتفاء الخير العامّ، الذي هو عبارة عن تقوية شعار الإسلام، وأن لا يصدر عن أوامرنا ما أمكننا إلّا ما يوجب حقن الدّماء، وتسكين الدّهماء، وتجري به في الأقطار، رخاء نسائم الأمن والأمان، ويستريح به المسلمون في سائر الأمصار، في مهاد الشّفقة والإحسان، تعظيما لأمر الله، وشفقة على خلق الله، فألهمنا الله تعالى إطفاء تلك النائرة «2» ، وتسكين الفتن الثائرة، وإعلام من أشار بذلك الرأي بما أرشدنا الله إليه، من تقديم ما يرجى به شفاء مزاج العالم من الأدواء، وتأخير ما يجب أن يكون آخر الدواء، وأننا لا نحبّ المسارعة إلى هزّ النّصال للنّضال إلّا بعد إيضاح المحجّة، ولا نبادر لها إلّا بعد تبيين الحق وتركيب الحجّة، وقوّى عزمنا على ما رأيناه من دواعي الصّلاح، وتنفيذ ما ظهر لنا به وجه النجاح، إذ كان، الشيخ قدوة العارفين «كمال الدين عبد الرحمن» الذي هو نعم العون لنا في أمور الدين، فأرسلناه رحمة من الله لمن [لبّى] دعاه، ونقمة على من أعرض عنه وعصاه، وأنفذنا أقضى القضاة قطب الملة والدّين، والأتابك بهاء الدين، اللّذين هما من ثقات هذه الدولة الزاهرة ليعرّفوهم طريقتنا، ويتحقّق

عندهم ما تنطوي عليه لعموم المسلمين جميل نيّتنا، وبيّنا لهم أنّا من الله تعالى على بصيرة، وأنّ الإسلام يجبّ «1» ما قبله، وأنه تعالى ألقى في قلوبنا أن نتّبع الحقّ وأهله، ونشاهد أنّ عظيم نعمة الله للكافّة بما دعانا إليه من تقديم أسباب الإحسان، أن لا يحرموها بالنظر إلى سائر الأحوال فكلّ يوم هو في شان، فإن تطلّعت نفوسهم إلى دليل تستحكم بسببه دواعي الاعتماد، وحجّة يثقون بها من بلوغ المراد، فلينظروا إلى ما ظهر من أمرنا مما اشتهر خبره، وعمّ أثره، فإنا ابتدانا بتوفيق الله بإعلاء أعلام الدّين وإظهاره، في إيراه كلّ أمر وإصداره، تقديما لناموس الشرع المحمديّ، على مقتضى قانون العدل الاحمديّ، إجلالا وتعظيما، وأدخلنا السرور، على قلوب الجمهور، وعفونا عن كل من اجترح سيّئة واقترف، وقابلناه بالصّفح وقلنا عفا الله عمّا سلف، وتقدّمنا بإصلاح أمور أوقاف المسلمين من المساجد والمشاهد والمدارس، وعمارة بقاع الدّين والرّبط الدّوارس، وإيصال حاصلها بموجب عوائدها القائمة إلى مستحقّيها بشروط واقفيها، ومنعنا أن يلتمس شيء مما استحدث عليها، وأن لا يغيّر أحد شيئا مما قرّر أوّلا، وأمرنا بتعظيم أمر الحجّاج وتجهيز وفدها، وتأمين سبلها، وتسيير قوافلها، وإنا أطلقنا سبيل التّجار المتردّدين إلى تلك البلاد ليسافروا بحسب اختيارهم على أحسن قواعدهم، وحرّمنا على العساكر والقراغولات «2» والشّحاني في الأطراف التّعرّض لهم في مصادرهم ومواردهم، وقد كان قراغول صادف جاسوسا في زيّ الفقراء كان سبيله أن يهلك، فلم نهرق دمه لحرمة ما حرّمه الله تعالى وأعدناه إليهم. ولا يخفى عنهم ما كان في إنفاذ الجواسيس من الضرر العامّ للمسلمين، فإنّ عساكرنا طالما رأوهم في زيّ الفقراء والنّسّاك وأهل الصّلاح، فساءت ظنونهم في تلك الطوائف، فقتلوا منهم من قتلوا، وفعلوا بهم ما فعلوا، وارتفعت الحاجة

بحمد الله إلى ذلك بما صدر إذننا به من فتح الطريق وتردّد التّجار، فإذا أمعنوا الفكر في هذه الأمور وأمثالها لا يخفى عنهم أنها أخلاق جبلّيّة طبيعية، وعن شوائب التّكلّف والتصنّع عريّة. وإذا كانت الحال على ذلك فقد ارتفعت دواعي المضرّة التي كانت موجبة للمخالفة، فإنها إن كانت طريقا للذّبّ والذود عن حوزة الإسلام، فقد ظهر بفضل الله تعالى في دولتنا النّور المبين، وإن كانت لما سبق من الأسباب، فمن يتحرّى الآن طريق الصّواب، فإنّ له عندنا لزلفى وحسن مآب. وقد رفعنا الحجاب، وأتينا بفصل الخطاب، وعرّفناهم [طريقتنا و] ما عزمنا بنيّة خالصة لله تعالى على استئنافها، وحرّمنا على جميع العساكر العمل بخلافها، لنرضي الله والرسول، ويلوح على صفحاتها آثار الإقبال والقبول، وتستريح من اختلاف الكلمة هذه الأمّة، وتنجلي بنور الائتلاف، ظلمة الاختلاف، والغمّة، ويشكر سابغ ظلّها البوادي والحواضر، وتقرّ القلوب التي بلغت من الجهل الحناجر، ويعفى عن سالف الجرائر، فإن وفّق الله سلطان مصر إلى ما فيه صلاح العالم، وانتظام أمور بني أدم، فقد وجب عليه التّمسك بالعروة الوثقى، وسلوك الطريقة المثلى، بفتح أبواب الطاعة والاتّحاد، وبذل الإخلاص بحيث تعمر تلك الممالك وتيك البلاد، وتسكن الفتنة الثائرة، وتغمد السّيوف الباترة، وتحلّ العامّة أرض الهوينى «1» وروض الهدون «2» ، وتخلص رقاب المسلمين من أغلال الذّلّ والهون. وإن غلب سوء الظن بما تفضّل به واهب الرحمة، ومنع معرفة هذه النعمة، فقد شكر الله مساعينا وأبلى عذرنا، وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا «3» والله تعالى الموفّق للرّشاد والسّداد، وهو المهيمن على البلاد والعباد، إن شاء الله تعالى.

وهذه نسخة كتاب على الطريقة الثانية، كتب به عن السلطان «محمود غازان» صاحب إيران أيضا، إلى السلطان الملك الناصر «محمد «1» بن قلاوون» صاحب الديار المصريّة وما معها من البلاد الشامية، وهي: بسم الله الرحمن الرحيم* بقوّة الله تعالى وميامين الملّة المحمّدية فرمان السلطان محمود غازان ليعلم السلطان الملك الناصر، أنه في العالم الماضي، بعض عساكرهم المفسدة دخلوا أطراف بلادنا، وأفسدوا فيها لعناد الله وعنادنا، كماردين «2» ونواحيها، وجاهروا الله بالمعاصي فيمن ظفروا به من أهليها، وأقدموا على أمور بديعة، وارتكبوا آثاما شنيعة، من محاربة الله وخرق ناموس الشّريعة، فأنفنا من تهجّمهم، وغرنا من تقحّمهم، وأخذتنا الحميّة الإسلامية فجذبتنا إلى دخول بلادهم، ومقابلتهم على فسادهم، فركبنا بمن كان لدينا من العساكر، وتوجّهنا بمن اتفق منهم أنّه حاضر، وقبل وقوع الفعل منا، واشتهار الفتك عنا، سلكنا سنن سيّد المرسلين، واقتفينا آثار المتقدّمين، واقتدينا بقول الله لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل «3» وأنفذنا صحبة يعقوب السكرجي جماعة من القضاة، والأئمة الثّقات، وقلنا هذا نذير من النذر الأولى أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة «4» فقابلتم ذلك بالإصرار، وحكمتم عليكم وعلى المسلمين بالإضرار، وخالفتم سنن الملوك، في حسن السّلوك، وصبرنا على تماديكم في غيّكم، وخلودكم إلى بغيكم، إلى أن نصرنا الله، وأراكم في أنفسكم قضاه

أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله «1» وظننّا أنهم حيث تحقّقوا كنه الحال، وآل بهم الأمر إلى ما آل، أنهم تداركوا الفارط من أمرهم، ورتقوا ما فتقوا بغدرهم، ووجّه إلينا وجه عذرهم، فإنهم ربما سيّروا إلينا حال دخولهم إلى الدّيار المصرية، رسلا لإصلاح تلك القضية، فبقينا بدمشق غير مثحثحين «2» ، وتثبّطنا تثبّط المتمكّنين، فصدّهم عن السعي في صلاح حالهم التّواني، وعلّقوا نفوسهم عن اليقين بالأماني، ثم بلغنا بعد عودنا إلى بلادنا أنهم ألقوا في قلوب العساكر والعوامّ، وراموا جبر ما أوهنوا من الإسلام، أنهم فيما بعد يلقوننا على حلب والفراه، وأنّ عزمهم مصرّ على ذلك لا سواه، فجمعنا العساكر وتوجهنا للقاهم، ووصلنا الفرات مرتقبين ثبوت دعواهم، وقلنا لعلّ وعساهم، فما لمع لهم بارق، ولا ذرّ شارق، فقدمنا إلى أطراف حلب، وعجبنا من تبطّيهم غاية العجب، وفكرنا في أنه متى تقدّمنا بعساكرنا الباهرة، وجموعنا العظيمة القاهرة، ربّما أخرب البلاد مرورها، وبإقامتهم فيها فسدت أمورها، وعمّ الضرر العباد، والخراب البلاد، فعدنا بقيا عليها، ونظرة لطف من الله إليها. وها نحن الآن مهتمّون بجمع العساكر المنصورة، ومشحذون «3» غرار عزائمنا المشهورة، ومشتغلون بصنع المجانيق «4» وآلات الحصار، وعازمون بعد الإنذار وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا «5» وقد سيّرنا حاملي هذا الكتاب الأمير الكبير ناصر الدين علي خواجا، والإمام العالم ملك القضاة جمال الدين موسى بن يوسف، وقد حمّلنا هما كلاما شافهنا هما به،

الطرف الثاني (في المطالعات الواردة إلى الأبواب السلطانية عن أهل الشرق

فلتثقوا بما تقدّمنا به إليهما فإنهما من الأعيان، المعتمد عليهما في الديوان، كما قال الله تعالى فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين «1» فلتعدّوا لنا الهدايا والتّحف، فما بعد الإنذار من عاذر، وإن لم تتداركوا الأرض فدماء المسلمين وأموالهم مطلولة بتدبيرهم، ومطلوبة عند الله في طول تقصيرهم. فليمعن السلطان لرعيّته النظر في أمره، فقد قال صلّى الله عليه وسلّم «من ولّاه الله أمرا من أمور هذه الأمّة فاحتجب دون حاجتهم وخلّتهم، احتجب دون حاجته وخلّته وفقره» . وقد أعذر من أنذر، وأنصف من حذّر، والسّلام على من اتبع الهدى- في العشر الأوسط «2» من شهر رمضان سنة سبعمائة- بجبال الأكراد، والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسّلام على سيدنا [محمد] المصطفى وآله وصحبه وعترته الطاهرين. قلت: وقد تقدّم جواب هذين الكتابين في الكلام على المكاتبات إلى القانات ببلاد الشّرق من بني جنكز خان فلينظر هناك. الطرف الثاني (في المطالعات الواردة إلى الأبواب السلطانية عن أهل الشرق من الملوك والحكّام بالبلاد أتباع القانات ومن في معناهم) «3» الطرف الثالث (في رسم المكاتبات الواردة عن صاحب اليمن إلى هذه المملكة) وعادة مكاتبته أن يحذو حذو الديار المصرية، فيما يكتب إليه عنها، فيبتديء المكاتبة بلفظ: أعزّ الله تعالى أنصار المقام الشريف، العالي، المولويّ،

السلطانيّ، الفلانيّ بلقب السلطنة، ثم يقول أصدرها من مكان كذا، ويذكر المقصد، ويختم بالدعاء ونحوه، ويكتبون في قطع الشاميّ الكامل بقلم الثلث. وهذه نسخة كتاب عن الملك الأشرف «إسماعيل» صاحب اليمن، إلى الملك الظاهر «برقوق» «1» صاحب الديار المصرية، في شهور سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، على يد القاضي برهان «2» الدين المحلّي، تاجر الخاص، والطواشي افتخار الدين فاخر دوادار الملك الأشرف صاحب اليمن المذكور، وهو: أعزّ الله تعالى أنصار المقام الشريف العالي السلطانيّ الظاهريّ، وزاده في البسطة والقدرة، وضاعف له موادّ الاستظهار والنّظر العزيز، وجعل الظّفر مقرونا براياته أينما يمّمت ما بينهما تمييز، ومحبوبا إلى عساكره المنصورة حيث توجّهت وفتح ببركة أيّامه كلّ مقفل ممتنع بأمر وجيز، ولا زال ممتثل الأوامر والمراسم، رافلا في أردان العزّ والمكارم، ممدودا على الأمة [منه] ظلّ المراحم، بمنّه وكرمه. أصدرها إليه من زبدة زبيد «3» المحروسة معربة عن صدق ولائه، متمسّكة بوثيق أسباب آلائه، ناشرة طيب ثنائه، مترجمة ناظمة لمنثور الكتاب الكريم الظاهريّ الوارد على يد المجلس العالي البرهانيّ، بتاريخ ذي الحجّة عظّم الله بركاتها، سنة سبع وتسعين وسبعمائة، أحسن الله خاتمتها، فتلقّيناه باليدين،

ووضعناه على الرأس والعين، واستدللنا به على شريف همّته، وصفاء مودّته، وتأكيد أخوّته، وسألنا الله تعالى أن يمتّعنا ببقاء دولته القاهرة، وينشر في المشارق والمغارب أقلامه الزاهرة، ففضضنا ختامه، فوجدنا فيه من نشر السّلم الأريج أذكاه، ومن أنوار ما مجّه القلم الشريف ما يخجل منه نوّار الربيع وبهاه، فانشرحت به الصّدور، وتزايد به السّرور، وقرّت به الأعين، وكثر التهجد به لمّا استعذبته الألسن، وامتثلنا المرسوم الشريف في تعظيم المجلس العالي ذي الجلالتين، برهان الدّين إبراهيم بن عمر المحلّي، ومراعاته في جميع أموره وسرعة تجهيزه، على أنّا نجلّه ونبجّله، ونوجب حقّه ولا نجهله، فهو عندنا كما كان في عهد الوالد المرحوم الملك الأفضل، بل أمكن وأفضل، فهو لدينا المكين الأمين، وجهّزنا له المتجر السعيد الظاهريّ، وبرزت مراسمنا إلى النّواب بثغر عدن المحروس أن لا يعترض في عشور ونول، وحملناه على ظهور مراكبنا عزيزا مكرّما، وعرّفناه أن لا يصرف على الحمل السعيد ولا الدّرهم الفرد، وذلك قليل منّا لاجل غلمان بابكم الشريف شرّفه الله تعالى وعظّمه، وجهّزنا الهديّة السعيدة المباركة المتقبّلة، صحبته هو والأمير الأجلّ الكبير الافتخاري، افتخار الدين فاخر الدّوادار، وصارت بأيديهما بأوراق مفصّلة، للمقام الشريف والأمراء الأجلّاء الكبراء، وصحبتهما نفر من المعلّمين البازداريّة، برسم حمل الطيور للصيد السعيد، والمهتاريّة للصافنات الجياد، على أنّا لو أهدينا إلى جلال المقام الشريف الظاهريّ أعزّ الله أنصاره بمقدار همّته الشريفة العالية، ورتبته المنيفة السامية، لا ستصغرت الأفلاك الدائرة، والشّهب السائرة، واستقلّت السبعة الأقاليم تحفه، والأرض وما أقلّته طرفه، ولم نرض أن نبعث إليه الأنام مماليك وخولا، ونجبي إليه ثمرات كلّ شيء قبلا، ولو رام محبّ المقام هذه القضية، لقصر عنه حوله، ولم يصل إليه طوله، ولكنه يرجع إلى المشهور، بين الجمهور، فوجدنا العمل يقوم مقام الاعتقاد «1» ، وليس على المستمرّ على الطاعة سوى الاجتهاد، والمخلص في

الولاء محمول على قدرته لا على ما أراد، فوثق بهذه القضيّة، وأنفذ إلى المقام الشريف على يد موصّلها هذه الهديّة، راغبا إلى إنعامه في بسط عذره، وحمله على شروط المحبّة طول دهره، وتصريفه بين أوامره الممتثلة، ومراسيمه المتقبّلة. والمسؤول الإتحاف بالمهمّات والمراسيم الشريفة شرّفها الله تعالى وعظّمها. ونوضّح لعلمه الكريم ما أفاء الله به علينا من النّصر الذي خفقت بنوده، وأشرقت سعوده، وبرقت سيوفه في رقاب المارقين، واطّردت في راياته المآرب فتناولها باليمين نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين «1» وفتح القلاع والمصانع، والاستيلاء على المرابع والمزارع، واستئصالنا شأفة «2» المارقين، واسترجاع حصن قاف المحروس بعد طول مكثه تحت يد العرب، فكم من كميّ مقتول، وأسير مكبول، وحصان ترك سبيلها، وربّ حصان كثر عليه عويلها، فخرّبنا المعاقل، وأطلقنا العقائل، وأوطنّاهم الحميم وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم «3» وغير ذلك مما أرسلنا على يد المجلس البرهاني والأمير افتخار الدين، فاخر الدّوادار، لقضاء بعض الحوائج الطارئة من الديار المصرية «ألف وأربعمائة وسبعون قطعة من أصناف البهار، وسبع قطع حرير» والمستمدّ من إحسان المقام الشريف العالي، بروز أمره الأشرف العزيز النافذ المطاع، أنفذه الله تعالى شرقا وغربا، وأمضاه بعدا وقربا، في قضاء حوائجهما وسرعة تجهيزهما وقفولهما إلى يمن اليمن، وعزّ تعزّ قريبا. وبعد، فإنّ الجلالة والاحترام بهما دوام الموالاة، وتوفير الحرمات، بل هي أعظم الكرامات، والمسؤول من المقام الشريف الظاهريّ أعز الله تعالى أنصاره، وضاعف اقتداره، بروز أمره الأشرف إلى النّوّاب بمصر المحروسة، وثغر

الإسكندرية، والشام، بالجلالة والاحترام، لكافّة غلماننا الواردين إلى الديار المصريّة، ومن انتسب إلينا من تاجر وغيره، مسافرا كان أو مقيما، وأن يعار في مهمّاته، جلالة تفيّأ ظلالها، ويشمله إقبالها، كما سبق للوالد المرحوم المقدّس الملك المجاهد، تغشّاه الله برحمته، بل نرجو فوق ذلك مظهرا، إن شاء الله، فثمّ خطوط ناصريّة من السلطان حسن والملك الصالح لخدّامنا القدماء، لمّا أرسلوا إلى الإسكندرية ودمشق، كتب لهم مربّعات ومثالات شريفة، ولا غرو أن يبدي المستعطي ما في ضميره إلى المعطي، والاشتهار بما بيننا وبين المقام الشريف من الأخوّة الممهّدة، والمصافاة المؤكّدة، والمودّات المحكمة، والأسباب الثابتة، أوجب ذلك، وحسن الظنّ الجميل نطق به لسان الحال، في هذا الاسترسال. ولم يخف عن المقام الشريف أنّ لله عوارف يجذب بها القلوب إليه، ولطائف خفيّة يستدلّ بها المحبّ عليه، وتعاطي كأس الوداد، يدلّ على حسن الاعتقاد، ولذلك نطق اللّسان، وكتب البنان، بما افترض على عباده الرحمن، فقال في محكم كتابه المبين ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين «1» ومحبّ المقام الشريف يقدّم الكتاب، ويسأل الجواب، بالإذن الشريف، ليعتمد بعد الله عليه في حجّ البيت الحرام، عند تيسير الله تعالى لذلك، فقد حسّن ظنّه بذلك، وركن إليه لقضاء الفرض والتبرّك بالمشاعر العظام، فلا زالت أيّام المقام الشريف على منابر الدنيا تتلى، وآيات الشكر لله سبحانه على استقراره في الملك العقيم تملى. جميع هذا الخطاب مقدّمة الإيجاب بالإذن بالحج، وتسفير المحمل في كل عام، إلى بيت الله الحرام، فحاجّ اليمن تعذرت عليه الطّرقات، ولم يطق حمل النّفقات، ونرجو من الله تعالى أن يفتح ببركة أيامه الشريفة، وشمول الفكر الشريف، بحلّ عقدة هذه الأسباب، إنه هو الكريم الوهّاب، بمنّه وكرمه. وأمّا ما نعتقده من أمانة المجلس البرهانيّ فإنها متينة، وشواهدها من أقواله

الطرف الرابع (في الكتب الواردة إلى الأبواب السلطانية عن ملوك الهند)

وأفعاله مبينة، خصوصا في المقام الشريف، واستمالته للقلوب بالعبارات اللطيفة، فقد نظم معاقد الائتلاف، وتزايد بشرحه الأنس في محاورته والاختلاف، ولولا المهمّ الشريف لا ستوقفناه عندنا عاما كاملا من بعد هذا التاريخ، ليملي علينا آيات المقام الشريف، شرّفه الله تعالى وعظّمه. وعلى لسانه ما يبديه في المواقف الشريفة شفاها إن شاء الله تعالى. في سابع جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، أحسن الله تعالى ختامها، والحمد لله أوّلا وآخرا، وباطنا وظاهرا. قلت: أما إمام الزيدية «1» باليمن فلم أقف له على مكاتبة، وإن كان المقرّ الشهابيّ ابن فضل الله قد أشار في كتابه «التعريف» إلى أنه ورد عنه مكاتبة إلى الأبواب السلطانية الناصرية (محمد بن «2» قلاوون) يستجيشه على صاحب اليمن، والغالب على الظنّ أنّ مكاتبته أعرابية، كما أن إمارته أعرابيّة؛ إذ لا اعتناء لأهل البادية وعربان الوادي بفنّ الإنشاء جملة، وإنما يكتب عنهم بحسب ما يقتضيه حالهم، على أن فيما يأتون به مقنعا من الفصاحة والبلاغة بكل حال، إذ عنهم قد علم اللسان وعليهم فيه يعوّل. الطرف الرابع (في الكتب الواردة إلى الأبواب السلطانية عن ملوك الهند) قد تقدّم أن المكاتبة إلى صاحب الهند تشبه المكاتبة إلى القانات العظام بإيران وتوران «3» وتقدّم أن الكتب الواردة عن القانات المذكورين تكون في معنى الكتب الصادرة إليهم في قطع الورق والترتيب، من حيث إن الغالب جريان العادة

في الأجوبة بأن تكون على نمط الكتب الواردة، وحينئذ فيكون مقتضى ذلك أن الكتب الواردة من صاحب الهند في هيئة الكتب الصادرة إليه في قطع الورق وغيره، فتكون في البغداديّ الكامل بقلم مختصر الطّومار «1» بالطّغراء والخطبة المكتتبتين بالذهب، إلى ما يجري مجرى ذلك مما تقدّم ذكره في المكاتبات إلى القانات. قلت: ولم أقف على صورة مكاتبة من ذلك ولا على نسخة شيء ورد، لكن قد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية عند ذكر مملكة الهند أن من جملة ممالك الهند مملكة تعرف بالسّيلان «2» ، وقد رأيت في تذكرة (محمد «3» بن مكرّم) التي جمعها في وقائع ديوان الإنشاء بالديار المصرية، أنه في سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وصل كتاب من صاحب السّيلان هذه في صفيحة ذهب رقيقة، عرض ثلاثة أصابع، في طول نصف ذراع، وحوله مدوّرة (حلقة) داخلها شبيه بالخوص «4» أخضر، عليه كتابة تشبه الخط الروميّ أو القبطيّ، فطلب من يقرأه فلم يوجد، فسئل الرسل عما هو مكتوب فيها، فقيل: إنه سيّر رسوله رومان ورفيقه، وقصد أن يسيّر معهما الهديّة إلى الباب الشريف، فقيل له: ما لهم طريق. فقال لهم: سافروا إلى (هرمز) «5» فحضروا إليها، وذكروا أنّ مضمون الكتاب السّلام، والدعاء للسلطان، وأنّ بلاد السّيلان مصر، وبلاد مصر السّيلان، وأنه ترك صحبة صاحب اليمن مرّة واحدة، وتعلق بمحبة مولانا السلطان خلّد الله

المقصد الثاني (في المكاتبات الواردة عن ملوك الغرب)

ملكه، وسأل أن يحضر رسول من عند مولانا السلطان إلى عنده صحبة رسله، ورسول آخر إلى عدن ينتظر حضورهم من تلك الجهة على تلك الطريق، وأن عنده الجواهر والّلآليء والفيلة والقماش الكثير من البزّ وغيره، وكذلك البقّم والقرفة وجميع ما يطلب الكارم، وأن عنده في كل سنة عشرين مركبا يسيّرها إليه، فيطلق مولانا السلطان التّجّار إلى البلاد، وأن رسول صاحب اليمن حضر في هذه السنة يتسلم التّقادم والفيلة حتّى يسافروا إلى اليمن فردّه، ولم يعطه شيئا، وأنه يعبّي التّقادم والفيلة إلى أبواب مولانا السلطان، وأنّ بمملكة سيلان سبعا وعشرين قلعة، وبها معادن الجوهر والياقوت ومغاص اللؤلؤ، ولم يزد على ذلك. ورأيت في كتاب «الذيل» على تاريخ ابن الأثير نحو ذلك، وفيه ذكر البلاد التي مرّت عليها رسل صاحب السّيلان في طرقها. المقصد الثاني (في المكاتبات الواردة عن ملوك الغرب) والعادة الجارية في الكتب الواردة عنهم أن تكون على نمط واحد في الورق، مع تقارب الحال في الترتيب، وتكون كتبهم في طومار واحد، في عرض نحو شبرين، في طول نحو ثلاثة أشبار، والبسملة بعد بياض نحو شبر وثلاثة أصابع مطبوقة من أعلى الطّومار، وعرض سبعة أصابع مطبوقة عن يمين البسملة، والسّطور منحطّة الأوائل مرتفعة الأواخر حتّى يصير البياض الذي في أعلاها في آخر سطر البسملة قدر شبر فقط، وبين كلّ سطرين قدر عرض إصبع ونصف إصبع، وكلّ سطر ينقص عن الذي فوقه قليلا من جهة اليمين على التدريج، حتى يكون السطر الآخر قطعة لطيفة في زاوية الطّومار التي على اليسار من أسفل، ثم يكتب بحاشية الطّومار من أسفله آخذا من آخر السطر الأخير، ويكون بين ذلك وبين الكتابة الأصلية قدر رأس خنصر، ويبتديء السطر الأوّل منها بقطعة لطيفة منحطّة الأوّل مرتفعة الآخر ثم السطر الثاني قطعة أطول من ذلك، ولا يزال كذلك حتّى يكمل السطر فيكتب أسطرا كاملة، إلّا أنه في أوّل كلّ سطر ينقصه قليلا عن الذي

الجملة الأولى (في المكاتبة الواردة عن صاحب تونس)

قبله حتّى يكون السطر الأخير قدر الأنملة في زاوية الطومار من جهة البسملة، ويكون بين كتابة الأصل وبين كتابة الحاشية قدر إصبعين بياضا إلى سمت البسملة، أسطرا متضايقة حتّى ينتهي إلى آخر الكلام، ويكتب في آخره بقلم الثلث: وكتب في التاريخ المؤرّخ، ويزاد فيه هاء مشقوقة راجعة إلى الخلف. وفيه جمل: الجملة الأولى (في المكاتبة الواردة عن صاحب تونس) وعادة مكاتبته أن تفتتح بلفظ: «من عبد الله الفلاني» بلقب الخلافة الخاصّ به، «أمير المؤمنين ابن فلان» . ويقال في كل من آبائه أمير المؤمنين إن كان قد ولي الخلافة ويدعى له «إلى أخينا فلان» ويؤتى بالسلام والتحية، ثم يتخلص بالبعديّة إلى المقصد، ويختم الكتاب. وهذه نسخة كتاب عن المتوكل على الله أحمد «1» بن أبي عبد الله بن أبي بكر، إلى السلطان الملك الظاهر «2» (برقوق) صاحب مصر، جوابا عن كتابه إليه. وهو: من عبد الله، المتوكل على الله، أمير المؤمنين «أحمد» ابن مولانا الأمير أبي عبد الله، ابن مولانا أمير المؤمنين أبي يحيى أبي بكر، ابن الأمراء الراشدين، أعلى الله به كلمة الإسلام، وضاعف نوافل سيفه من عبدة الأصنام، وغضّ عن جانب عزّه عيون حوادث الأيّام. إلى أخينا الذي لم نزل نشاهد من إخائه الكريم، في ذات الرّبّ الرحيم،

قبلة صفاء لم تغيّرها يد بعد ولا انتزاح، ونثابر من حفظ عهده، والقيام بحقّ ودّه، على ما يؤكّد معرفة الخلوص من لدن تعارف الأرواح، ونبادر لما يبعث القلوب على الائتلاف، والأمن بفضل الله من عوائق الاختلاف؛ وإن شحطت الدار وتناءت الصّور والأشباح. ونعترف بما له من مزيد الإعظام، بمجاورة البيت الحرام، والقيام بما هنالك من مطالع الوحي الكريم ومشاعر الصّلاح، ونجتلي من أنوائه الكريمة الشريفة، ومطالعه العالية المنيفة، وجوه البشائر رائقة الغرر والأوضاح. ونستهدي ما يسرّنا من أنبائه، ممّن يرد من تلقائه، حتّى من أنوار الصّباح وسفراء الرّياح، ونبتهل إلى الله بالدعاء أن يخبرنا عنه، ويطلعنا منه، على ما يقرّ عيون الفوز ويشرح صدور النجاح- السلطان الجليل الطاهر، الملك الأعظم «الظاهر» ، جمال الدين والدنيا، مؤيّد كلمة الله العليا، سيف الملّة المرهوب المضاء، بيد القضاء، وركنها الباسق العلاء، في أوج عزّها المنداح للفضاء، المشهود له من لدن حلّ التمائم، ولوث العمائم، بالشّهامة التي ترعب الأسد في أجمها، وتستخدم له سائر الأمم، تركها وعربها وعجمها، المختار للقيام بحقّه بين عباده، في أرضه وبلاده، الفائز من جوار بيت الله ومقام خليله، ومشرع الحجيج إليه وتيسير سبيله، بما أحرز له سعادة الدارين، وعزّ المقامين، كوكب السعد الذي شقيت به أعداوه، وبدر الدين الذي استضاءت به أنحاؤه، ميزان العدل لإنصاف الحقوق، وشمس الهداية النيّرة الغروب والشّروق، (أبي سعيد «1» برقوق) وصل الله له رتبة راقية يتبوّأ محلّها، ونعمة باقية يتفيأ ظلّها، وعزّة واقية تسم وجوه أعدائه خسفها وذلّها، بمنّه وكرمه. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد حمد الله ناظم الشّمل وقد راب نثره وشتاته، وجابر الصّدع وقد اتسعت عن الجبر جهاته، ورادّ الأمر وقد أعيا ذهابه وفواته، وواصل الحبل وقد استولى انقطاعه وانبتاته، العالم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرّة مما تكنّه أرضه

وسمواته، الذي قرن بالعسر يسرا، وجعل لكل شيء قدرا، فلا تتحرّك ذرّة إلّا بإذنه ولا يكون في ملكه إلّا ما تنفّذه أحكامه وإرادته. والصلاة والسّلام الأكملين، على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي صدعت بالحق آياته، وقامت بحجّة دعواه معجزاته، ونطقت بأنه رسول الله على لسان وحيه الصادق الأمين كلماته، المبعوث بالملّة السّمحة، ومن أزكاها حجّ بيت الله المقدّسة أركانه وحجراته، المعظّمة عند الله حرماته، المغفورة لمن سبقت له الحسنى بحجّه سيّئاته، وعلى آله وأصحابه الذين قضوا رضي الله عنهم وهم أولياء دينه الكريم وولاته، وأنصار حزبه المفلح وحماته، وليوث دفاعه في صدور الأعداء وكماته، والرضا عن الإمام المهديّ القائم بهذه الدعوة الموحّديّة قيام من خلصت لله نيّاته، وصدقت في ذاته دعواته، وصمّمت لإظهار دينه القويم عزماته، وصلة الدعاء لهذا المقام الأحمديّ المتوكّل الفاروقيّ، بنصر تمضي به في صدور أعدائه شباته، وعزّ يطّرد به استقلاله وثباته، وسعد تطيب به أيامه المتصلة وأوقاته، وتطول به حياته. فإننا كتبنا لسلطانكم- كتب الله لكم من إسعاده ما يتكفّل بعزّه ونصره، ويتضمّن إطالة زمنه المبارك وعصره، ويقوم بحفظ قطره الشريف ومصره- من حضرتنا العلية «تونس» كلأها الله تعالى، ووجوه نصر الله العزيز لدينا وضّاحة الأسرّة متبلّجة الصّور، وآيات فتحه المبين ولله المنّة محكمة السّور، وأحاديث الشّكر على نعمه سبحانه مسلسلة الخبر، وبشرنا بما منّ الله به عليكم قد عمل بمقتضاه من تحت «1» إيالتنا الكريمة من البشر. وإلى هذا فموجبه إليكم بعد تقريب حبّ شرعت في ملّة الوفاء قواعده، وقبل في عقد الصّفاء شاهده، واستقلّ بصلة الخلوص عائده، وثبت في مرسوم الصّداقة الصادقة زائده، إعلامكم أنّا علم الله من حين اتّصل بنا خبركم الذي جرّه القدر المقدور، وجرى به في أمّ الكتاب

الحكم المسطور، لم نزل نتوجّه إلى الله تعالى في مظانّ قبول الدّعاء، ورفع النّداء، بأن يجبركم بفضله من حيث صدع، ويصلكم بخيره إثر ما قطع، ويعطيكم من نعمته أضعاف ما منع، إلى أن دارك الله بلطفه وأجاب، وتأذن بفضله في قبول الدعاء بظهر الغيب وهو مستجاب، فردّ عليكم ملككم، وصرف إليكم ملككم، فأخذ القوس باريها، وفوّق «1» السهم مقرطسها وراميها، وأنفذ القضايا حكمها ومفتيها، وإذا كان العويل يفضي إلى النّجدة، والبلا يقضي بالجدّة، والفرج يدافع في صدر الشّدّة، فلا جرم غفر الله للأيّام ما اقترفت، لمّا أنابت واعترفت، وهل هو إلّا التمحيص الإلهيّ أراكم الله من باطن الضّرّاء سرّاءكم، وأجزل من جانب الغمّاء «2» نعماءكم، والتّبر بعد السّبك يروق النواظر خلاصة نضاره، والبدر بعد السّرار تتألّق أشعّة أنواره. ولما جاءنا بنصركم البشير، وطلع من ثنيّة الهناء بأكمام السّرور إلينا يشير، هززنا له أعطاف الارتياح، وتلقينا منه وارد التّهاني والأفراح، وحمدنا الله لكم على ما منّ به من الفوز والنّجاح، ورأينا أنّ تهنئتكم به من فروضنا المؤكّدة، وعهودنا المجدّدة، وأنه لا يقوم به عنّا هنالكم، ويؤدّي ما يجب منه بين يدي كرسيّ جلالكم، إلّا من له من ديار الملوك، قرب الأدب والسّلوك، فاقتضى نظرنا الجميل أن عيّنّا له شيخ دولتنا المستشار، وعلمها الذي في مهمّاتها إليه يشار، فلان. وقد كان منذ أعوام يتطارح علينا في أن نخلّي للحجّ سبيله، ونبلّغه من ذلك مأموله، ويد الضّنّة لا تسمح به طرفة عين، ونفس الاغتباط لا تجيب فيه دواعي البين، إلى أن تعيّن من تهنئتكم الكريمة ما عيّنه، وسهّل شأنه علينا وهوّنه، فوجّهناه والله تعالى يسعد وجهته، ويجعل حجّته لقبول الأعمال حجّته. وحمّلناه من أمانة الحبّ ما يلقي إليكم، ومن حديث الشّوق ما يقصّ أخباره عليكم، ومن طيّب الثّناء ما يفضّ ختامه بين يديكم، وأصحبناه برسم إصطبلاتكم الشريفة ما

يسّر الحبّ سبيلها، وأوضح الخلوص دليلها، ورجونا من فضلكم على نزارتها قبولها، إذ لو كانت الملوك تهادى على قدر جلالها، لما اتّسعت لذلك خزائن أموالها، لكنّها عنوان الحبّ السليم، حسب ما اقتضاه الحديث النبويّ الكريم. وفي أثناء شروعنا في ذلك، وسلوكنا منه أيمن المسالك، وصل إلينا كتابكم الكريم، تعرف النواظر في وجوه بشائره نضرة النّعيم، فاطّلعنا منه على ما راق العيون وصفا ونعتا، وعبر للخلوص سبيلا لا ترى القلوب فيها عوجا ولا أمتا «1» ، ولله هو من كتاب كتب من البيان كتائب، واستأثر بفلك الإجادة فأحرز به سعادة الكاتب، فقسما بالقلم وما سطّر! والحبر وما حبّر! لو رآه عبد «2» الحميد لتركه غير حميد، أو بصر به لبيد «3» لأعاده في مقام بليد، ولو قصّ على قسّ إياد فصاحته لنزّله عن منبر خطابته بعكاظ، أو سحب على سحبان وائل ذيل بلاغته لأراه كيف يتولّد السّحر الحلال بين المعاني الرائقة والألفاظ. ولما استقرينا من فحواه، وخطابه الكريم ونجواه، تشوّقكم لأخبار جهادنا، وسروركم بما يسنّيه الله من ذلك ببلادنا، رأينا أن نتحف أسماعكم منه بما قرّت به

الجملة الثانية (في المكاتبات الواردة عن صاحب «تلمسان» من بني عبد الواد)

أعين الإسلام، وأثلج صدور اللّيالي والأيّام؛ وذلك أنّا من حين صدر من عدوّ الملّة في الجزيرة ما صدر، حسب ما جرّه محتوم القدر، لم نزل نبيح لأساطيلنا المنصورة حرمه وحماه، ونطرق طروق الغارة الشّعواء بلاده وقراه، ونكتسح بأيدي الاستلاب ما جمعت بها يداه، إلى أن ذاقوا من ذلك وبال أمرهم، وتعرّفوا عاقبة مكرهم. وكان من جزائرهم المعترضة شجا في حلوق الخطّار، ومتجشّمي الأخطار، وركّاب البحار، من الحجّاج والتّجار، جزيرة «غودش» وبها من أعداء الله جمّ كثير، وجمع كبير، فأرسلنا عليهم من أسطولنا المنصور غربانا نعقت عليهم بالمنون، وعرّفت المسلمين بركة هذا الطائر الميمون، وشحنّاها عددا وعددا، واستمددنا لها من الله ملائكة سمائه مددا، فسارت تحت أجنحة النّجاح إليها، وتحوم إلى أن رمت مخالب مراسيها عليها، فلما نزلوا بساحتها، وكبّروا تكبيرة الإسلام لإباحتها، بهت الذي كفر، وودّ الفرار والحين يناديه: أين المفرّ؟ فلما قضى السيف منهم أوطاره، وشفى الدّين من دمائهم أواره، وشكر الله من المسلمين أنصاره، عمدوا إلى ما تخطّاه السيف من والد وولد، ومن أخلد إلى الأرض من رجالهم عن المدافعة فلم يعترضه بالقتل منهم أحد، فجمعوا منه عددا ينيف بعد الأربعمائة على الأربعين، وجاؤوا بهم في الأصفاد مقرّنين، وامتلأت بغنائمهم والحمد لله أيدي المسلمين، وانقلبوا فرحين بما آتاهم الله مستبشرين، إلى أن دخلوا حضرتنا العليّة بسلام آمنين. فعرّفناكم بهذا الفتح لتأخذوا بحظّكم من شكر الله عليه، وتتوجّهوا في مثله بصالح أدعيتكم إليه، وهو سبحانه وتعالى يطلعنا ويطلعكم على ما يسرّ النفوس ويهنّيها، ويجلو وجوه البشائر ويبديها، بمنّه وكرمه، والسّلام العطر المحيا الجميل المحيّا عائد عليكم ورحمة الله وبركاته. الجملة الثانية (في المكاتبات الواردة عن صاحب «تلمسان» من بني عبد الواد) ورسم مكاتبته فيما وقفت عليه في المكاتبة الواردة على صاحب

الديار المصرية أن يبتدأ الكتاب بقوله: إلى الحضرة الفلانية حضرة فلان- بالألقاب المعظّمة المفخّمة ثم يدعى له بما يناسب الحال، ويؤتى بخطبة، ثم بالسلام، ويقع الخطاب في أثناء الكتاب بالإخاء بلفظ الجمع، ويختم بالدعاء المناسب. كما كتب عبد «1» الرحمن بن أبي موسى بن يغمراسن، إلى السلطان الملك الناصر (محمد بن قلاوون) في سنة خمس وعشرين وسبعمائة: إلى الحضرة العالية السامية، السنيّة، الماجدة، المحسنة، الفاضلة، المؤيّدة، المظفّرة، المنصورة، المالكة، حضرة السلطان، الملك، الجليل، الفاضل، المؤيّد، المنصور، المظفّر، المعظّم، ناصر الإسلام، ومذلّ عبدة الأصنام، الذي أيّده الله بالبراهين القاطعة، والأنوار المنيرة الساطعة، الأعلى، الأوحد، الأكمل، الأرفع، الأمجد، الأسمى، الأسرى، ذي المجد الظاهر، والشّرف الباهر، الملك الناصر، ابن السلطان، الملك، الجليل، العادل، الفاضل، المؤيّد، المظفّر، الأعلى، الأوحد، الأكمل، الأرفع، الأمجد، الأسنى، الأسمى، ناصر الإسلام والمسلمين، ومعلي كلمة الموحّدين، المقدّس، المرحوم، ذي المجد المشهور، والفخر المنشور، والذكر المذخور، الملك المنصور، أدام الله علوّ قدره في الدّنيا والآخرة، وأسبغ عليه نعمه باطنة وظاهرة، وجعل وجوه محاسنهم في صفحات الدهر سارّة سافرة، وصفقة أعدائهم خائبة خاسرة. وبعد حمد الله الذي أظهر الأمر العليّ الناصريّ وأيّده، وبسط في قول الحق وفعله لسانه ويده، وسدّد نحو الصّواب منحاه كلّه ومقصده، والصلاة التامة المباركة على سيدنا محمد رسوله المصطفى، الذي خصّه الله بعموم الدّعوة

وأفرده، وقرن ذكره بذكره فأبقاه أبد الدّهر وخلّده. والرّضا عن آله الكرام، وصحابته الأعلام، الذين حفظوا بالتوقير والتعزير مغيبه ومشهده، وكانوا عند استلال السّيوف، ومجال الحتوف، عدده المظفّر وعدده. والدعاء لذلكم المقام الشريف بسعد يطيل في شرف الدين والدنيا مدده وأمده. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، من أخيكم، البرّ بكم، الحريص على تصافيكم، عبد الرحمن بن أبي موسى بن يغمراسن. وإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم أنجح المقاصد وأرجحها، وأثبتها عزّا وأوضحها، من حصن «تلمسان» حرسها الله تعالى، ولا ناشيء بفضل الله تعالى إلّا ما عوّد من بشائر تحثّ جيادها، ومسارّ يتطاول إلى المزيد اعتيادها- وإلى هذا أعلى الله كلمتكم، وأمتع المسلمين بطول بقائكم، فإنا نعرّفكم بوصول كتابكم الخطير الأثير، فتلقيناه بما يجب من التكريم والتعظيم، وتتبّعنا فصوله، واستوعبنا فروعه وأصوله، وتحقّقنا مقتضاه ومحصوله، وعلمنا ما انطوى عليه من المنن والإفضال، واشتمل عليه من التفصيل والإجمال، ومن أعظم ذلك إذنكم لنا في أداء فرض الحجّ المبرور وزيارة سيد البشر، الشفيع في المحشر، الذي وجبت له نبوّته، ومثنّى الغيب عليه منسدل، وآدم صلوات الله عليه في طينته منجدل، وعلم الله أننا لم تزل آمالنا متعلقة بتلكم المشاعر الكريمة، وقلوبنا متشوّقة إلى تلكم المشاهد العظيمة، فلنا في ذلك نيّات صادقة التّحويم، وعزمات داعية التصميم، وكان بودّنا لو ساعدنا المقدار، وجرى الأمر على ما نحبّه من ذلك ونختار، أن نمتّع برؤية المواطن التي تقرّ أبصارا، ويتشفّى بها إيرادا وإصدارا، ولعلّ الله تعالى ينفعنا بخالص نيّاتنا، وصادق طويّاتنا، بمنه وكرمه. وقد وجب شكركم علينا من كلّ الجهات، واتصلت المحبة والمودّة طول الحياة، غير أنّ في قلوبنا شيئا من ميلكم إلى غيرنا واستئناسكم، ونحن والحمد لله أعلم الناس بما يجب من حقوق ذلكم المقام الشريف، ولنا القدرة على القيام بواجبكم، والوفاء بكريم حقكم، وليس بيننا وبين بلادكم من يخشى والحمد لله من كيده، ولا يبالى بهزله ولا جدّه، وقد توجّه إلى بابكم الشريف قرابتنا الشيخ

الجملة الثالثة (في المكاتبات الواردة عن صاحب «فاس» إلى الأبواب السلطانية، بالديار المصرية)

الصالح الحسيب الأورع الأكمل الزاهد أبو زكريّا يحيى ابن الشيخ الصالح المرابط المقدّس المرحوم أبي عبد الله محمد بن جرار الواديّ، وهو من أهل الدّين والخير، وقد شافهناه بما يلقيه إلى ذلكم المقام الشريف من تقرير الودّ والإخاء، والمحبّة والصّفاء، مما يعجز عنه الكتاب، فالمقام الشريف يثق إلى قوله ويعامله بما يليق ببيته ودينه. وغرضنا أن تعرّفوه بجميع ما يصلح لذلكم المقام الشريف مما في بلادنا، ويصلكم إن شاء الله في أقرب الأوقات، على أحسن الحالات، ولكم بذلك علينا المنّة العظمى، والمزيّة القصوى، والله تعالى يبقي ذلكم المقام الشريف محروس المذاهب، مشكور المناقب، إن شاء الله تعالى. الجملة الثالثة (في المكاتبات الواردة عن صاحب «فاس» إلى الأبواب السلطانية، بالديار المصرية) وعادة كتبهم أن تفتتح بلفظ «من عبد الله فلان أمير المسلمين» . وأوّل من كتب منهم أمير المسلمين «يوسف بن «1» تاشفين» حين استولى على المغرب، قبل بني مرين، خضوعا أن يتلقّب بأمير المؤمنين مضاهاة للخلفاء. وهو: من عبد الله عليّ «2» أمير المسلمين، وناصر الدّين، المجاهد في سبيل ربّ العالمين، ملك البرّين، ومالك العدوتين «3» ، أبي سعيد «4» ، ابن مولانا أمير

المسلمين، المجاهد في سبيل ربّ العالمين، ملك البرّين، وسلطان العدوتين، القائم لله بإعلاء دين الحق، أبي يوسف يعقوب «1» بن عبد الحق، منح الله التأييد مقامه، وفسّح لفتح معاقل الكفر وكسر جحافل الصّفر أيّامه. إلى السلطان، الجليل، الكبير، الشهير، العادل، الفاضل، الكامل، الحافل، الملك، الناصر، المجاهد، المرابط، المثاغر، المؤيّد، المظفّر، المنصور، الأسعد، الأصعد، الأرقى، الأوقى، ناصر الدنيا والدين، وقامع البغاة والمعتدين، مفيد الأوطار، مبيد الكفّار، هازم جيوش الأرمن والفرنج والكرج والتّتار، ماليء صدور البراريّ والبحار، حامي القبلتين، خديم الحرمين، غيث العفاة، عون العناة، مصرّف الكتائب، مشرّف المواكب، ناصر الإسلام، ناشر الأعلام، فخر الأنام، ذخر الأيّام، قائد الجنود، عاقد البنود، حافظ الثغور، حامي الجمهور، نظام المصالح، بقيّة السّلف الصالح، ظهير الخلافة وعضدها، وليّ الإمامة وسندها، عاضد كلمة الموحّدين، وليّ أمير المؤمنين، أبي المعالي (محمد) ابن السلطان، الكبير، الجليل، الشهير، الشهيد، الخطير، العادل، الفاضل، الكامل، الحافظ، الحافل، المؤيّد، المظفّر، المعظّم، المبجّل، المكبّر، الموقّر، المعزّز، المجاهد، المرابط، المثاغر، الأوحد، سيف الدين (قلاوون) أدام الله فضل عزمه الماضي بتأييده، وأدار الأفلاك بتشييد ملكه الشامخ وتمهيده، وطهّر أرجاءه من أرجاس المنافقين، وأدناس المارقين، بما يريق عليها من دمائهم، فما كلّ متطهّر يجزيء عنه غسل مائه أو تيمّم صعيده. سلام كريم، طيّب عميم، أرج الشّميم، متضوّع النّسيم، تستمدّ الشمس

باهر سناه، ويستعير المسك عاطر شذاه، يخصّ إخاءكم العليّ، ووفاءكم الوفيّ، ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله الذي أيّد المؤمنين، على عدوّهم فأصبحوا ظاهرين، وعرّف الإسلام وأهله من السّرّ العجيب، والصّنع الغريب، ما فيه عبرة للسامعين والنّاظرين، حكمة عجزت عن فهم سرّها المكتوم، وقصرت عن كنهها المختوم، ألباب عبيده القاصرين. والصلاة والسّلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي أرشد به الحائدين الحائرين، وأرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه برغم الجاحدين الكافرين، وعلى آله وصحبه الذين هاجروا إليه وبلادهم هجروا، والذين آووا من أوى إليهم ونصروا، والذين جاهدوا في الله فصبروا، ففازوا بذكر المهاجرين والأنصار وأجر المجاهدين الصابرين، وصلة الدعاء لحزب الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها بفضل لا يزالون معه لأعدائهم قاهرين، وسعد لا ينفكّون له بآمالهم ظافرين، ونصر من عند الله وما النّصر إلّا من عند الله وهو خير الناصرين. فإنا كتبنا لكم- كتب الله لكم مجدا مديد الظّلال، وعضدا حديد الإلال «1» ، وسعدا جديد السّربال- من منصورة «تلمسان» حرسها الله تعالى، والصنائع الرّبّانيّة تكيّف العجائب، وتعرّف العوارف الرغائب، وتشنّف الأسماع بما تسمعها من إجزال المنوح والمواهب، وتفوّف الرّقاع بما تودعها من أحاديث الفتوح الغرائب، والحمد لله على ما يسّر من المآرب، وسهّل من المواهب، وإخاؤكم الصادق مبرور الجوانب، مأثور المناقب، مشرق الكواكب، مغدق السحائب، نامي المراتب، سامي المراقب، والله تعالى يبقيه في ذاته، ويقيه من صرف الدهر وأذاته. وإلى هذا وصل الله لكم سعدا جديدا، وجدّا سعيدا، ومجدا حميدا،

وحمدا مجيدا، فقد وصل كتابكم الأثير، المزري بالمسك النّثير، فاجتلينا منه روضة جادها البيان فأمرعها «1» ، ورادها البنان فوشّعها، واجتنينا من غصون سطوره ثمرات وداد ما أينعها، إنباء عما تلقّاه الإخاء الكريم من قبل الشيخ الأجل، أبي عبد الله محمد بن الجرّاح مما عنّا تحمّل، وفي إلفائه وأدائه بحضرتكم الكريمة أحسن وأجمل، وهو ما كان عليه عزم مولاتنا الوالدة ألحقها الله تعالى رضوانه، وبوّأها جنانه، من حجّ البيت المحرّم، وزيارة [القبر] المعظّم المكرّم، والصلاة بالمسجد الحرام ومسجد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وثالثها في شدّ الرحال للمسجد الأقصى ونعم المغتنم، وقضاء النّسك بتلك المناسك والمشاهد، والتبرّك بتلك المعالم المنيفة والمعاهد، وما وصف مع ذلك بهذا الجانب الغربيّ، ورصف من أمر قتالنا لكلّ مارق أبيّ وكافر حربيّ، وما منحنا الله من نصر لقلوب أهل الإيمان مبهج، ولصدور عبدة الصّلبان محرج، وأن الإخاء الكريم حصل له بذلك أبهى ابتهاج، وحلّ منه محلّ القبول الذي انتهج له من اقتفى سبيل القصد أنهى انتهاج، فعقد العزم على تلقّي الوافد من تلقائنا، والوارد رجاء أداء فرض الحجّ من أرجائنا، بتسهيل سبيله، وتيسير ارتحاله إلى بيت الله ورسوله، وأنه متى وقع الشّعور بمقدم المولاة رحمها الله تعالى على بلاده، وقربها من جهاته المجودة من جود جوده بعهاده، يقدّم للخروج من يتلقّى ركابها، ويعتمد بالبرّ والتكريم جنابها، حتّى تحمد وجهتها الشريفة بجميل نظره وإيابها، وقام عنّا بما نودّه من برّها، وساهم فيما تقدّمه إلى الله عزّ وجلّ من صالح أجرها. وقد قابلنا هذا الفضل من الشّكر بأجزله، ومن البرّ بأحفاه وأحفله، وحصل لدينا بإزائه سليم ودّه وكريم إخائه، من تخليص ولائه، وتمحيص صفائه، منّا ما يزال عهده الأنيق في نهائه، وعقده الوثيق في ازدياده ونمائه، وغصنه الوريق في رونق غلوائه، ولئن كانت المولاة الوالدة قدّس الله روحها، وبرّد ضريحها، قد وافت بما قدّمت عند الله من صالح

العمل، وماتت على ما أبرمته في قصد البيت الشريف في نيّة وأمل، إذ كانت رحمة الله تعالى عليها قد تأهّبت لذلك، واعتدّت لسلوك تلك المسالك، وأداء ما فرض الله من السّعاية والمناسك، وعلى الله إجزال ثوابها، وعنده نحتسب ما ألمّ فآلم من مصابها- فإنّ لدينا ممّن يمتّ بحرمة المحرم إلينا، ويلزم بحقّ التربية علينا، من يقوم عندنا مقامها، ويروم من ذلك المقصد الشريف مرامها، وسنوردها إن شاء الله تعالى على تلكم البقاع، ونوردها من تلكم الأقطار والأصقاع، ما يجمل بحسن نظركم مورده ومصدره، ويطّابق في جميل اعتنائكم وحفيل احتفالكم خبره ومخبره، بفضل الله وعونه. وأما تشوّق ذلكم الإخاء، لمواصلة الكتب بسارّ الأنباء، فإنّ من أقربها عهدا وأعذبها حديثا يهادى ويهدى، ما كان من أمر العاقّ قاتل أبيه، الحالّ من إقليم تلمسان وممالكها بالمحلّ النّبيه، وذلك أنّ أسلافه بني زيّان، كانوا قد استولوا على هذه المملكة في سالف الزّمان، ولم يزل بينهم وبين أسلافي المحتوين على ملك المغرب الأقصى وقائع توردهم الحمام، وتذيقهم الموت الزّؤام، فيدعون المنازعة، ويعودون للموادعة، ثم لم يلبثوا أن ينكثوا، ولم يصبروا أن يغدروا، إلى أن كان من حصار عمّنا المقدّس المرحوم أبي يعقوب قدّس الله تربته إيّاهم، فأكثر موتهم وكدّر محياهم، وتمادى بهم الحصار تسع سنين، وما كانوا غير شرذمة قليلين، وهنالكم اتصلت بينكما المراسلة، وحصلت الصّداقة والمواصلة، ثم حمّ موته، وتمّ فوته، رحمة الله تؤمّه، ورضوانه يشمله ويعمّه، فنفّس خناقهم، وعاد إلى الإبدار محاقهم، وصرف القائم بعده عنهم الحين، عما كان هو رحمه الله قد طوّعه من بلاد مغراوة «1» وتحين، فاتّسعت عليهم المسالك، وملكوا ما لم يكن فيه لأوائلهم طمع من الممالك. لكنّ هذا الخائن وعمّه كانا ممن أسأرته الفتن، وعمّ

به فيها غوامر المحن، فسلكا مسلك أسلافهما في إذاعة المهادنة، والرّوغان عن الإعلان بالمفاتنة. ولما سوّل الشيطان لهذا العاقّ قتل والده، والاستيلاء على طارفه وتالده، لم يقدّم «1» عملا على إشخاص إرساله بحضرة مولانا المقدّس أبي سعيد، قدّس الله مثواه، وجعل الجنة مأواه، في السّلم راغبا، وللحكم بموادعته طالبا، فاقتضى النظر المصلحيّ حينئذ موافقته في غرضه، وإن كان باطنه على مرضه، فقوي أمره، وضري ضرّه، وشري شرّه، ووقد تحت الرّماد جمره، وسرى إلى بلاد جيرانه الموحّدين داؤه، وطال عليهم تضييقه واعتداؤه، واستشعر ضعفهم عن مدافعته، ووهنهم عن مقاومته ومنازعته، فبغى وطغى، ولم يدر أنّ من فوقه سقب «2» السماء رغا، وباطن جماعة من عرب أفريقيّة المفسدين وجرّوه بحبل الأطماع إليها، وأقام على بجاية «3» عشرين سنة يشدّ على بجاية «4» الحصار، ويشنّ على أحواز تونس الغار، حتّى كان من هزيمة جيشه لصاحبها ما كان، بممالأة منهم ومن غيرهم من وراتيه (؟) كابن اللّحياني، وابن الشهيد، وابن عمران، فأدّى ذلك صاحبها السلطان أبا يحيى أعزّه الله تعالى أن بعث إلينا وزيره في طلب النّصرة رسولا، وأوفد علينا أعزّ ولده أبا زكريّا في إذهاب المضرّة عنه دخيلا، فخاطبنا إذ ذاك هذا الخائن العاقّ مبصّرين، وبقوله تعالى وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما «5» مذكّرين، فما زادته الموعظة إلّا أشرا، ولا أفادته التذكرة إلّا

بطرا، وحين ذكّر فلم تنفعه الذّكرى، وفكّر فلم يتيسّر لليسرى، امتثلنا فيه أمر الله تعالى المرتب على قوله فإن بغت إحداهما على الأخرى «1» فأزمعنا قدعه «2» ، وأجمعنا ردّه وردعه. وفي أثناء ذلكم وصل إلينا أيضا سلطان الأندلس مستغيثا على النصارى أعداء الله جيرانه على طاغيتهم، المصرّ على عداوته وعداوتهم؛ فجهّزنا معه ولدنا عبد الواحد في أربعة آلاف من الأبطال، وأمددناهم بما كفاهم من الطعام والعدّة والمال، فأجاز من سبتة إلى الخضراء «3» عجلا، ولم يقدّم على منازلة جبل الفتح عملا، وكان هذا الجبل الخطير شأنه منذ استولى عليه العدوّ قصمه الله في سنة تسع وستين شجا في لهوات أهل العدوتين، وغصّة لنفوس الساكنين بالجهتين، لإطلاله عليهما، وإرساله جوارح جواريه إليهما، تحطف من رام العبور ببحر الزّقاق، وما يقرب الملجأ إلى هذا المعقل المستقرّ من اللّحاق، فكم أرمل وأيتم، وأثكل «4» وأيّم- فأحاطت به العاديات السوابح برّا وبحرا، وأذاقت من به من أهماج الأعلاج شرّا وحصرا، إلى أن أسلموا للمسلمين قهرا وقسرا، ومنح الله حزبه المؤمنين فتحا ونصرا، وسمع الطاغية الغادر إجابة الله تعالى بأمره، فطار بما قدر عليه من حشوده وجنوده إلى إغاثته ونصره، فوصله بعد ثمانية أيام، من تسليمه للإسلام، فنزل بخيله ورجله «5» إزاءه، وأقسم بمعبوده لا يبرح فناءه، حتّى يعيد إليه دينه، أو يلقى منونه دونه، فأكذب الله زعمه، وأوهن عزمه، وأحنث «6» يمينه، وأقلع بعد شهرين وأيام مدلجا، وأسرع العود إلى مستقرّه واسأله كيف نجا، وكان ذلك سبب إنابته للسّلم وانقياده، وإجابته لترك ما كان له على أصحاب «غرناطة» من معتاده، وكانوا يعطونه ما ينيف على الأربعين ألفا من

الذهب في العام، ضريبة ألزمهم الطاغية أداءها في عقد مصالحته أيّ إلزام، فسمناه تركها وإسقاطها، وألزمناه فيما عقدناه له من السّلم أن يدع اشتراطها، والحمد لله الذي أعزّ بنا دين الإسلام، وأذلّ رقاب عبدة الأصنام، وقد اعتنينا بتحصين حصن هذا الجبل تتميما لها وتكميلا، وابتدأنا من تحصين أسواره وأبراجه بما يغدو على جبينه تاجا وإكليلا. وكنا في هذه المدة التي جرت بها هذه الأحوال، وعرت فيها هذه الأهواء والأهوال، منازلين أخانا الممتنع «بسجلماسة» «1» من بعض بلاد القبلة، ومحاولين من إزاحة ضرّه، والإراحة من شرّه، ما فيه الصلاح والفلاح على التفصيل والجملة، لعثايته في الفساد، ودعايته إلى العناد، ومعاضدته صاحب «تلمسان» ، ومساعدته على البغي والعدوان، فسهّل الله افتتاحها، وعجّل من صنائعه الجميلة منها مباحها، وذلك بعد تسليم جبل الفتح بثلاثة أشهر ونصف، ويسّر الله تعالى في ذلك من بدائع الصنائع ما يقصر عنه كلّ نعت ووصف. وفي خلال تلكم المنازلة، وحال تلكم المحاولة، لاحت للخائن التّلمسانيّ فرصة، جرّع منها غصّة، إذ ظنّ أنّا عنه مشغولون، وفي أمر ما عرض من سجلماسة وجبل الفتح معتملون، فخرج من بلده على حين غفلة بالعزيمة والجدّ، إلى حصن ماوربرت «2» الذي هو بين بلاده وبلادنا كالحدّ، فوجد هنالك ولدنا الأسعد تاشفين، في ثلّة من بني مرين، آساد العرين، فلما نذروا به ثاروا إليه مسرعين، فنكص على عقبه ولم ير له جنّة أوقى من هربه، وعاد لذلك ثانية، فلم تكن عساكرنا عن طرده وانية، بل ردّته في الحافرة، وأنشدته بلسان حالها الساخرة (سريع) . إن عادت العقرب عدنا لها ... وكانت النعل لها حاضره

ولما فرغنا والحمد لله من تلكم الشّواغل، وأرغنا من الخائن التّلمساني ترك ما هو فيه من إثارة الفتن واغل، فأعرض وأشاح، وما لاحت عليه مخيلة فلاح، نهدنا نحو أرضه، لنجزيه بقرضه، بجيوش يضيق عنها فسيح كلّ مدى، وخيول تذر الأكم للحوافر سجّدا، تنقضّ على الأقران أمثال الأجادل، وتقضّ الجنادل من حوافرها بأصلب من الجنادل، فكلفنا بتسلّم منازله فمنزلا، وتسنّم معاقله معقلا فمعقلا، وجلّ رعاياه تقرّ بفضلنا، وتفرّ من جوره إلى عدلنا، ومن تمسّك منهم بحبله، أو سلك من الغيّ في سبله، قاده السيف برغمه، واستنزله على حكمه، والعفو مع ذلك يؤمّهم، والإحسان يشملهم ويعمّهم، حتّى لم يبق إلّا معقله الأشب، ومنزله الذي رأى أنه عن عين الشّوائب محتجب، قد شمخ أنفا حميّا، وصافح كفّا للثّريّا، ولم يرض لها منه عمائم إلّا الغمائم، ولا لأنامل شرفاته خواتم، إلّا النّجوم العواتم، فنزلنا بساحه، وأقبلنا على كفاحه، وجعلنا نقذفهم من حجارة المجانيق، بأمثال النّيق، ومن كيزان النّفظ الموقدة، بأمثال الشّهب المرصدة، ومن السّهام العقّارة، بأمثال العقارب الجرّارة، حتّى غدت جدرانهم مهدومة، وجسومهم مكلومة، وثغور شرفاتهم في أفواه أبراجهم مهتومة، وظلّت الفعلة تشيّد إزاء أبراجهم أبراجا، وتمهّد منها لتسوير أسوارهم أدراجا، وللمعاول في أسافلها إعوال، وللعواسل على أعاليها أعمال، وللأشقياء مع ذلك شدّة وجلد، وعدّة وعدد، وحدّة ولدد، يقاتلون حميّة، وينازلون بنفوس أبيّة، وحجارة المجانيق «1» تشدخ هامهم، وبنات الكنائن تزلزل أقدامهم، وهم في مثل ذلك لازمون إقدامهم، إلى أن اشتدّت أزمتهم فلم يجدوا لها من فارج، وأحاطت بهم الأوجال من خارج، وهدمت أبراجهم الشّواهق، وردمت حفائرهم والخنادق، وأخذت الكماة في العروج إلى البروج، والحماة في السّباق إلى الأنفاق، والرماة في النّضال بالنّصال، فمن مرتق سلّما، غير متّق مؤلما، ومشتغل بالنّقب، غير

محتفل بشابور الحجارة المنصبّ، وأفرج المضيق، وانتهج الطّريق، واقتحمته أطلاب الأبطال، وولجته أقيال القبائل وولّى الأشقياء الأدبار، وعاذوا بالفرار، وبدت عليهم علامات الإدبار، وسابقوا إلى الأبواب، فكان مجيئهم من أقوى الأسباب، وقتل منهم الزّحام، من أسأره الهدم والحسام، فتملّكنا ما دارت عليه الأسوار الخارجة، كفرار السبع والملعب، وجميع الجنان والعروش التي ما انفكّ الشقيّ يجتهد في عمارتها ويتعب، وأعلنّا بالنّداء أن كلّ من جاءنا هاربا، ووصل إلينا تائبا، منحناه العفو، ومحونا عنه الهفو، وأوردناه من إحساننا الصّفو، فتبادروا عند ذلك يتساقطون من الأسوار، تساقط جنيّات الثّمار، فرادى ومثنى، آئبين إلى الحسنى، فيسعهم الصّفح، ويحسبهم المنّ والمنح. ولما رأى الخائن قلّة من بقي معه، وشاهد تفرّق من ذلك الموقف جمعه، أمر بسراح من في قبضته وسجنه، واعتقدهم عونا له فكانوا أعون شيء على وهيه ووهنه، واعتمد الناس في بقيّة يومهم السّور تتوسّع أنقابه، وتتخرّق أبوابه، إلى أن جنّهم الليل، وحاق منهم بالأعداء الويل، ولزم كلّ مركزه، ولم يكن الليل ليحجبه من عمله ولا يحجزه، وبات الفرّار إلينا يهربون، ومن كل نفق يتسرّبون؛ فلما ارتفع الضّياء، ومتع «1» الضّحاء، أمرنا ولدينا يعقوب وعبد الواحد، ووزيرنا القاعد له بالمراصد، بأن زحفوا إليها، مع أطلابنا تحت راياتنا المنصورة عليها، فرجفت قلوبهم، ووجبت جنوبهم، ولم يكن إلّا كلا حتّى امتطيت تلك الصّهوة، وتسنّمت فيها الذّروة، وتسلّمت بيد العنوة، وفصمت عراها عروة عروة، وأنزلوا من صياصيهم «2» ، وتمكّنت يد القهر من نواصيهم، وحقّت عليهم كلمة العذاب من معاصيهم، وفرّ الشّقيّ إلى فناء داره، في نفر من ذويه وأنصاره، وفيهم ولداه مسعود وعثمان، ووزيره موسى بن عليّ معينه على البغي والعصيان، وعبد الحق بن

عثمان الخائن الغادر، وابن أخيه العامل بعمله ثابت بن عامر، فتكنّفهم هنالك أولياء دولتنا العلية، فأوردوهم ويوسف ولد الشقيّ السالب حياض المنيّة، ونبذت بالعراء أجسامهم، وتقدّمنا للحين، بأن يمدّ على الرعيّة ظلّ التأمين، ويوطّأ لهم كنف التهدئة والتسكين، ويوطّد لهم مهاد العافية، وتكفّ عنهم الأكفّ العادية، حتى لا تمتدّ إليهم كفّ منتهب، ولا يلتفت نحوهم طرف مستلب، ومن انتهب شيئا أمر بردّه، وصدّ عن قصده- وكمل لنا والحمد لله بالاستيلاء على هذا القطر جميع البلاد، الداخلة في ولاية بني عبد الواد، ونسخت منها دولتهم، ومحيت من صحيفتها دعوتهم، وعوّض الرّعايا من خوفهم أمنا، ومن شؤمهم يمنا، وشملتهم كلمتنا الراقية، المنصورة بكلمة الله الباقية، وفي ذلك معتبر لأهل اليقين، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين. والحمد لله على هذه النعمة التي أفاضت على النّعم جلالا، والصّنيعة التي بهرت الصنائع جمالا، وأضفت على المسلمين من الصّلاح والعافية سربالا. وقد رأينا من حقّ هذا الإنعام الجسيم، والصّنع الرائق الوسيم، أن نتبع العفو بعد المقدرة، بالإحسان لمن أسلف لنا غمطه «1» أو شكره، [فمننّا] «2» على قبائل بني عبد الواد، وأضفينا عليهم صنوف الملابس نساء ورجالا، وأوسعنا لهم في العطاء مجالا، وأفعمنا لهم من الحباء سجالا، وأقطعنا لهم من بلاد المغرب حاطها الله تعالى ما هو خير من بلادهم، وحبوناهم منها بما كفل بإحساب مرادهم، وإخصاب مرادهم، وخلطناهم بقبائل بني مرين، وحطناهم باتّحاد الكلمة من تقوّل المتقوّلين، وتزوير المزوّرين، وأعددنا منهم لأوان الجهاد أوفر عدد، وأعتدنا من فرسانهم ورجالهم لطعان الأعادي أكبر مدد، وأزيل عن الرّعايا بهذه البلاد الشّرقيّة إصرهم «3» ، وأزيح عنهم بتوخّي العدل فيهم جورهم ووزرهم، وخفّفنا عنهم ما آد

من المغارم، وهاد من المكارم، فانشرحت صدورهم، وصلحت أمورهم. والحمد لله الذي ثلّ محالّ الباغين ومجالهم، وأورثنا أرضهم وديارهم وأموالهم، وأخذهم بما احتقبوا من المآثم، واكتسبوا من الجرائم واستحلّوا من المحارم، وأباحوا من المسكرات، وأذاعوا من المنكرات، وطالما أصبح ربعهم معدن الفسوق، وموطن العقوق، ومقطن إضاعة الحقوق، لا سيّما في أيام المسرور بهناته، المغرور بما سوّل له الشيطان وأملى له من ترّهاته، المشهور بقتل أبيه، المأثور من مثالبه ومعايبه بما لم يأت الدّهر له بشبيه، ولقد طبّقت الآفاق معاصيه، وبلغت أخبار خيانته من بأطراف المعمور وأقاصيه، ولكنّ الله تعالى أملى له ليكثّر مآثمه، حتّى إذا شاء أخذه أخذ القرى وهي ظالمة. والحمد لله الذي طهّر بأيدينا هذه الأرجاء من أرجاسه، ورحض «1» عنها بأيدينا أوضار أدناسه وأنجاسه، وأتاح لأهلها بهلاك هذا المريد المراد، وأراح منه ومن شيعته البلاد والعباد، ولو لم «2» يكن إلّا ما نال الحجّاج من تعنّيه وتعدّيه، وطال عليهم من تعرّضه لهم وتصدّيه، حتّى حجز عن الحجاز الشريف قصّاده، وحجر بقطع السبيل عن بيت الله الحرام من أراده، فكم سلب الحجّاج، وسدّ عليهم المسالك والفجاج، وفرّق فريقهم، وعوّق طريقهم. والآن بحمد الله حقّت الحقائق، وارتفعت العوائق، وصحّ العليل، ووضح السبيل، وتسهّل المرام، وتيسّر القصد إلى البيت الحرام، مكان ترده الزّوّار عليكم أرسالا، ووفود الأبرار للسّلم خفافا وثقالا، يأتون من كلّ فجّ عميق، ويقضون ما يقضون من مناسكهم، آمنين في مسالكهم، إلى البيت العتيق، وهكذا أيضا خلا وجهنا لجهاد الرّوم، ولإعداد من يغزونهم في عقر دارهم للقصد المروم، وأن نجدّد من هذا العمل بجزيرة الأندلس حماها الله تعالى ما لسلفنا بها سلف، ونبدّد من شمل عبّاد الصليب ما لخلفهم بفضل الله تعالى خير خلف، فعمل الجهاد، بهذه البلاد، هو

الفضيلة التي لنا الله سبحانه ذخرها، والحسنة التي في صحائف أعمالنا سطرها، وبجيوشنا المنصورة عزّ دين الإسلام بهذا المغرب الغريب، وبسيوفنا المشكورة والله المشكور ذلّ بها الصّليب، أوزعنا الله تعالى شكر آلائه، وأمتعنا بتواتر نعمائه، بمنّه وفضله. وأنهينا لعلمكم الكريم هذه الأنباء السارّة، والآلاء الدّارّة، لما ذكرتم من تشوّفكم لاستطلاعها، وسطّرتم من تشوّقكم لاستماعها، ولعلمنا أنكم تسرّون بقطع دابر الباغين، وتستبشرون بحسم أدواء الطاغين، وتؤثرون الإخبار بائتلاف الكلمة على أعداء الله الكافرين إيثار الحامدين لفعل الله تعالى في إظهار دينه الشاكرين. لا زلتم تشرع نحوكم البشائر، وتفرع بذكركم المنابر، وترفع لاجتلاء آثار أمركم الستائر، واستجلاء أخبار سيركم الباهرة النّواظر، وتجمع لسجاياكم السنيّة العلاء، ومزاياكم العليّة السّناء، ثواقب المناقب وقول خير المفاخر، إن شاء الله. والسّلام الأتمّ، الأضوع الأنمّ، يخصّ إخاءكم الأوفى، ورحمة الله وبركاته. قلت: جواب هذا الكتاب [تقدّم] في الكلام على المكاتبات عن الأبواب السلطانية في المكاتبات إلى الملوك. وهذه نسخة كتاب ورد من أبي «1» الحسن المرينيّ صحبة الهدايا، والحرّة الحاجّة في شهر رمضان المعظّم سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، ونصّه بعد البسملة: من عبد الله عليّ أمير المسلمين، ناصر الدين، المجاهد في سبيل ربّ العالمين، ملك البرّين، مالك العدوتين، ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد في سبيل رب العالمين، ملك البرّين، وسلطان العدوتين، أبي سعيد، ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد في سبيل رب العالمين، ملك البرّين، وسلطان العدوتين،

أبي «1» سعيد، ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد في سبيل رب العالمين، ملك البرّين، وسلطان العدوتين، أبي يوسف «2» يعقوب بن عبد الحق، منح الله التأييد مقامه، وفسح لفتح معاقل الكفر وكسر جحافل الصّفر أيّامه. إلى السلطان الجليل، الكبير، الشهير، العادل، الفاضل، الكامل، الكافل، الملك الناصر، المجاهد، المرابط، المؤيّد، المنصور، الأسعد، الأصعد، الأرقى، الأوقى، الأمجد، الأنجد، الأفخم، الأضخم، الأوحد، الأوفى، ناصر الدين، عاضد كلمة المسلمين، محيي العدل في العالمين، فاتح الأمصار، حائز ملك الأقطار، مفيد الأوطار، مبيد الكفّار، هازم جيوش الأرمن والفرنج والكرج والتّتار، خادم الحرمين، غيث العفاة، مصرّف الكتائب، مشرّف المواكب، ناصر الإسلام، ناشر الأعلام، فخر الأنام، ذخر الأيّام، قائد الجنود، عاقد البنود، حافظ الثّغور، حائط الجمهور، حامي كلمة الموحّدين، أبي المعالي، محمد ابن السلطان، الجليل، الكبير، الشهير، الشهيد، الخطير، العادل، الفاضل، الكافل، الكامل، الحافظ، الحافل، المؤيّد، المكرّم، المبجّل، المكبّر، الموقّر، المعزّر، المعزّز، المجاهد، المرابط، المثاغر، الأوحد، الأسعد، الأصعد، الأوفى، الأفخم، الأضخم، المقدّس، المرحوم، الملك المنصور، سيف الدنيا والدّين، قسيم أمير المؤمنين. أبقى الله ملكه موصول الصّولة والاقتدار، محميّ الحوزة حاميا للدّيار، حميد المآثر المأثورة والآثار، عزيز الأولياء في كلّ موطن والأنصار. سلام كريم، زاك عميم، تشرق إشراق النهار صفحاته، وتعبق عن شذا الروض المعطار نفحاته، يخصّ إخاءكم العليّ، ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله الذي وسع العباد منّا جسيما، وفضلا جزيلا، وألهمهم الرّشاد بأن أبدى لهم من آثار قدرته، على مقدار وحدته، برهانا واضحا ودليلا،

وألزم أمّة الإسلام، حجّ بيته الحرام، من استطاع إليه سبيلا، وجعل تعظيم شعائره من تقوى القلوب، ومثابات محطّ الأوزار والذّنوب، فما أجزل نعمته منيلا، وأجمل رحمة ربّه مقيلا، والصلاة والسّلام على سيدنا ومولانا محمد المصطفى من أفضل العرب فصيلة، في أكمل بقاع الأرض فضيلة، وأكرمها جملة وتفصيلا، المجتبى لختم الرسالة، وحسم أدواء الضّلالة، فأحسب الله به النبوّة تتميما والرسالة تكميلا، المخصوص بالحوض المورود، والمقام المحمود، يوم يقول الظالم يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا «1» المبوّإ من دار هجرته، ومقرّ نصرته، محلّا ما بين بيته ومنبره فيه روضة من رياض الجنّة لم يزل بها نزيلا، والرضا عن آله الأبرار، وأصحابه الأخيار، الذين فضّلتهم سابقة السعادة تفضيلا، وأهّلتهم العناية [بأمر الدّين إلى أن يوسعوا الأحكام برهانا ودليلا، فإنا نحيط علم] «2» الإخاء الأعزّ ما كان من عزم مولاتنا الوالدة قدّس الله روحها، ونوّر ضريحها، على أداء فريضة الحجّ الواجبة، وتوفية مناسكه اللازبة، فاعترض الحمام، دون ذلك المرام، وعاق القدر، عن بلوغ ذلك الوطر، فطوي كتابها، وعجّل إلى مقرّ الرحمة بفضل الله مآبها، وعلى الله أجرها، وعنده يحتسب ذخرها، وإنّ لدينا من نوجب إعظامها، ونقيمها بحكم البرّ مقامها، وعزمها إلى ما أمّلته مصروف، وأملها إلى ما كانت أمّته موقوف، وهي محلّ والدتنا المكرّمة، المبرورة الأثيرة، الموقّرة، المبجّلة، المفضّلة، المعزّزة، المعزّرة، المعظّمة، المطهّرة، أسنى الله مكانتها، وسنّى من هذا القصد الشريف لبانتها، وقد شيّعناها إلى حجّ بيت الله الحرام، والمثول بحول الله تعالى ما بين زمزم والمقام، والفوز من السّلام، على ضريح الرسالة، ومثابة الجلالة، بنيل السّول والمرام، لتظفر بأملها المرغوب، وتنفر بعد أداء فرضها لأكرم الوجوب.

وحين شخص لذلكم الغرض الكريم، موكبها، وخلص إلى قصد الحرم العظيم، مذهبها، والكرامة تلحفها، والسلامة إن شاء الله تكنفها، أصحبناها من حور دولتنا وأحظيائها، ووجوه دعوتنا العليّة وأوليائها، من اخترناه لهذه الوجهة الحميدة الأثر، والرّحلة السعيدة الورد إن شاء الله تعالى والصّدر، من أعيان بني مرين أعزّهم الله تعالى والعرب، وأولاد المشايخ أولي الديانة والتقوى المالئين دلاء القرب، إلى عقد الكرب، وكلّ من له أثرة مشهورة، وشهرة بالمزايا الراجحة والسّجايا الصالحة مأثورة، وقصدهم من أداء فرض الحجّ قصدها، ووردهم إن شاء الله تعالى من منهل بركاته الجمّة وردها، وهكذا سيّرنا من تحف هذه البلاد إليكم ما تيسّر في الوقت تسييره، وإن تعذّر في كثير مما قصدناه ولهذا الغرض أردناه تيسيره، لطول المغيب عن الحضرة، والشّغل بتمهيد البلاد التي فتحها الله علينا في هذه السّفرة، وعيّنّا لإيرادها لديكم، وإيفادها عليكم، أبا إسحاق ابن الشيخ أبي زكريّا يحيى بن عثمان السّويدي، وأمير الركب الحسن بن عمران وغيرهم، كتب الله سلامتهم، ويمّن ظعنهم وإقامتهم. ومقام ذلك الإخاء الكريم يسنّي لهم من اليسرى والتسهيل القصد والسّول، ويأمر نوّاب ماله من الممالك، وقوّام ما بها من المسالك، لتكمل العناية بهم في الممرّ والقفول. ومعظم قصدنا من هذه الوجهة المباركة إيصال المصحف العزيز الذي خططناه بيدنا، وجعلناه ذخيرة يومنا لغدنا، إلى مسجد سيدنا ومولانا، وعصمة ديننا ودنيانا، محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بطيبة «1» زادها الله تشريفا، وأبقى على الأيام فخرها منيفا، رغبة في الثواب، وحرصا على الفوز بحظّ من أجر التلاوة فيه يوم المآب. وقد عيّنّا بيد محلّ الوالدة المذكورة فيه، كرّم الله جبهتها، ويمّن وجهتها،

من المال ما يشترى به في تلكم البلاد المحوطة من المستغلّات ما يكون وقفا على القرأة فيه، مؤبّدا عليهم وعلى غيرهم من المالكيّة فوائده ومجانيه. والإخاء الكريم يتلقّى من الرّسل المذكورين ما إليهم في هذه الأغراض ألقيناه [ويأمر] بإحضارهم لأدائهم بالمشافهة ما لديهم أو عيناه، ويوعز بإعانتهم على هذا الغرض المطلوب، وييسّر لهم أسباب التوصل إلى الأمل والمرغوب، وشأنه العون على الأعمال الصالحة ولا سيما ما كان من أمثال هذا إلى مثل هذه السّبل الواضحة، وشكر بادراتكم موطّد الأساس، مطّرد القياس، متجدّد مع اللّحظات والأنفاس، والله يصل للإخاء العليّ نضرة أيّامه، ويوالي نصرة أعلامه، ويبقي الثّغور القصيّة، والسّبل السّريّة، منوطة بنقضه وإبرامه، محوطة بمعاضدة أسيافه وأقلامه، والسّلام الكريم العميم، يخصّ إخاءكم الأعزّ، ورحمة الله وبركاته- وكتب في يوم الخميس المبارك الخامس والعشرين من ربيع الأوّل عام ثمانية وثلاثين وسبعمائة. وهذه نسخة كتاب عن السلطان عثمان «1» بن أبي العباس المرينيّ، في العشر الأوسط «2» من شعبان سنة أربع وثمانمائة، وهو: من عبد الله ووليّه عثمان أمير المسلمين، المجاهد في سبيل ربّ العالمين، سلطان الإسلام والمسلمين، ناشر بساط العدل في العالمين، المقتدي بآثار آبائه الكرام، المقتفي سننهم الحميدة في نصرة الإسلام، المعمل نفسه العزيزة في التهمّم بما قلّده الله من أمور عباده، وحياطة ثغوره وبلاده، سيف الله المسلول على أعدائه، المنتشر عدله على أقطار المعمور وأنحائه، ظلّ الله تعالى في أرضه، القائم بسنّته وفرضه، عماد الدنيا والدّين، علم الأئمة المهتدين، ابن

مولانا السلطان المظفّر القان الخليفة الإمام، ملك الملوك الأعلام، فاتح البلدان والأقطار، ممهّد الأقاليم والأمصار، جامع أشتات المحامد، ملجإ الصادر والوارد، الملك الجواد، الذي حلّت محبّته في الصدور محلّ الأرواح في الأجساد، أمير المسلمين، المجاهد في سبيل ربّ العالمين، أبي العبّاس ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد في سبيل ربّ العالمين، أبي سالم، ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد في سبيل ربّ العالمين، أبي الحسن ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد في سبيل ربّ العالمين، أبي سعيد، ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد في سبيل ربّ العالمين، أبي يوسف يعقوب «1» بن عبد الحق، وصل الله تعالى أسباب تأييده وعضده، وقضى باتصال عرف تجديد سعده، وأناله من جميل صنعه ما يتكفّل بتيسير أمره وبلوغ قصده. إلى محلّ أخينا الذي نؤثر حقّ إخائه الكريم، ونثني على سلطانه السعيد ثناء الوليّ الحميم، ونشكر ما له فينا من الحبّ السليم، والودّ الثابت المقيم، السلطان الجليل، الماجد الأصيل، الأعزّ الخطير المثيل، الشهير الأمجد الأرفع، الهمام الأمنع، السّريّ الأرضى، المجاهد الأمضى، الأوحد الأسنى، المكين الأحمى، خديم الحرمين الشّريفين، حائز الفخرين المنيفين، ناصر الدّنيا والدّين، محيي العدل في العالمين، الأجدّ، الأودّ، المكين، الأخلص، الأفضل، الأكمل، أبي السّعادات فرج، ابن السلطان الجليل، الأعزّ المثيل، الخطير الأصيل، الأرفع، الأمجد، الشهير، الهمام، الأوحد، الأسمى، الأسرى، الأرضى، المجاهد، الأمضى، خديم الحرمين الشريفين، حائز الفخرين المنيفين، الأفضل، الأكمل المبرور، المقدّم المرحوم، أبي سعيد (برقوق) «2» بن أنص، وصل الله تعالى لسلطانه المؤيّد جدّا لا يعجم عوده، وعزّا لا يميل عموده،

ونصرا يملأ قطره بما يغصّ به حسوده، وعضدا يأخذ بزمام أمله السنيّ فيسوقه ويقوده. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله على سبوغ نعمائه، وترادف لطفه وآلائه، الذي عرّفنا من ولائكم الكريم ما سرّنا من اطراد اعتنائه، وأبهج النّفوس والأسماع من صفاء ولائه، ومواصلة صفائه، والصلاة والسّلام الأكملين على سيدنا ومولانا محمد خاتم رسله وأنبيائه، ومبلّغ رسالاته وأنبائه، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، واللّواء المعقود، فأكرم بمقامه وحوضه ولوائه، والرضا عن آله وصحبه وأوليائه، الذين هم للدّين بدور اهتدائه ونجوم اقتدائه، وصلة الدعاء لمقامكم الكريم بدوام عزّه واعتلائه، واقتبال النصر المبالغ في احتفاله واحتفائه، وحياطة أنحائه وأرجائه، وتأييد عزماته وآرائه. فإنا كتبنا إليكم كتب الله لكم سعدا سافرا، وعزما ظافرا، من حضرتنا العلية بالمدينة البيضاء كلأها الله تعالى وحرسها، ونعم الله سبحانه لدينا واكفة السّجال، وولاؤه جلّ جلاله سابغ الأذيال، وخلافتكم التي نرعى بعين البرّ جوانبها، ونقتفي في كل منقبة كريمة سيرها الحميدة ومذاهبها- وإلى هذا وصل الله سعدكم ووالى عضدكم، وكتابنا هذا يقرّر لكم من ودادنا ما شاع وذاع، ويؤكّد من إخلاصنا إليكم ما تتحدّث به السّمّار فتوعيه جميع الأسماع، وقد كان انتهى إلينا حركة عدوّ الله وعدوّ الإسلام، الباغي بالاجتراء على عباده سبحانه بالبؤس والانتقام، الآخذ فيهم بالعيث والفساد، الساعي بجهده في تهديم الحصون وتخريب البلاد، وتعرّفنا أنه كان يعلّق أمله الخائب بالوصول إلى أطراف بلادكم المصرية، وانتهاز الفرصة على حين غفلة من خلافتكم العلية، والحمد لله الذي كفى بفضله شرّه، ودفع نقمته وضرّه، وانصرف ناكصا على عقبه، خائبا من نيل أربه. ولقد كنّا حين سمعنا بسوء رأيه الذي غلبه الله عليه، وما أضمر لخلق الله من الشرّ الذي يجده في أخراه ظلّه يسعى بين يديه [عزمنا على] أن نمدّكم من عساكرنا المظفّرة بما يضيق

الجملة الرابعة (في عادة الكتب الواردة عن صاحب الأندلس)

عنه الفضا، ونجهّز لجهتكم من أساطيلنا المنصورة ما يحمد في إمداد المناصرة ويرتضى، فالحمد لله على أن كفى المؤمنين القتال، وأذهب عنهم الأوجال، ويسّر لهم الأعمال، وهيّأ لخلافتكم السنيّة وللمسلمين هناء يتضمّن السلامة لكم ولهم على تعاقب الأعوام والسّنين. وبحسب ما لنا فيكم من الودّ الذي أسّست المصافاة بنيانه، والحبّ الذي أوضح الإخلاص برهانه، وقع تخيّرنا فيمن يتوجّه من بابنا الكريم لتفصيل مجمله، وتقرير ما لدينا فيه على أتمّ وجه الاعتقاد وأكمله، على الشيخ، الأجل، الشريف، المبارك، الأصيل، الأسنى، الحظيّ، الأعز، الحاج، المبرور، الأمين، الأحفل، الأفضل، الأكمل؛ أبي عبد الله محمد، ابن الشيخ الأجلّ، الأعزّ، الأسنى، الأوجه، الأنوه، الأرفع، الأمجد، الآثر، الأزهى، الشريف، الأصيل، المعظّم المثيل، الأشهر، الأخطر، الأمثل، الأجمل، الأفضل، الأكمل، المرضيّ، المقدّس، المرحوم أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم بن نفيس الحسني العراقي، وصل الله تعالى سعادته، وأحمد على حضرتكم السّنيّة وفادته، حسب ما يفي بشرح ما حمّلناه نقله، ويكمل بإيضاحه لديكم يقظته ونبله، إن شاء الله تعالى، وهو سبحانه وتعالى يديم سعادتكم، ويحفظ مجادتكم، ويسني من كل خير إرادتكم، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الجملة الرابعة (في عادة الكتب الواردة عن صاحب الأندلس) والرسم في ذلك أن يكتب «الأبواب الشريفة» ويصفها، ثم يقول: «أبواب السلطان الفلاني» ويصفه، ويذكر ألقابه، ثم يدعو له، ثم يقول: «سلام كريم» ويصفه، من فلان، ويذكر السلطان المكتوب عنه، ثم يقول: أما بعد حمد الله، ويأتي بخطبة في المعنى تشتمل على التحميد، والتصلية على

النبي صلّى الله عليه وسلّم، والرّضا عن الصحابة رضي الله عنهم، ثم يقول: فإنا كتبنا إليكم، ويأتي على ما يناسب المقام، ثم ينخرط في سلك المقصود إلى آخره ويختم بالدعاء. وهذه نسخة كتاب كتب به عن أمير المسلمين السلطان أبي «1» عبد الله محمد ابن أبي الحجّاج يوسف بن نصر بن الأحمر، صاحب غرناطة- من الأندلس، إلى السلطان الملك الأشرف «شعبان «2» بن حسين» ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون، إنشاء الوزير أبي عبد الله بن «3» الخطيب، صاحب ديوان إنشائه، يشير فيه إلى حادثة الفرنج بالإسكندرية، الواقعة في سنة سبع وستين وسبعمائة، إلّا أنه وهم في لقبه الملوكيّ فلقبه المنصور. وهي: الأبواب الشريفة التي تعنو لعزّة قدرها الأبواب، وتعتزي «4» إلى نسب عدلها الحكمة والصّواب، وتناديها الأقطار البعيدة مفتخرة بولائها، واصلة السبب

بعلائها، فيصدر بما يشفي الجوى منها الجواب. فإذا حسن مناب عن أئمة الهدى، وسبّاق المدى، كان منها عن عمومة النّبوّة النّوّاب، وإذا ضفت على العفاة بغيرها أثواب الصّلات «1» ، ضفت منها على الكعبة المقدّسة الأثواب- أبواب السلطان الكبير، الجليل الشهير، الطاهر الظاهر، الأوحد الأسعد، الأصعد الأمجد، الأعلى العادل، العالم «2» العامل الكامل الفاضل، الكافل، سلطان الإسلام والمسلمين، رافع ظلال العدل على العالمين، جمال الإسلام، علم الأعلام، فخر الليالي والأيّام، ملك البرّين والبحرين، إمام «3» الحرمين، مؤمّل الأمصار والأقطار، وعاصب تاج الفخار، هازم الفرنج والتّرك والتتار، الملك المنصور أبي الفتوح شعبان، ابن الأمير الرفيع المجادة، الكريم البنوّة والولادة. الطاهر الظاهر، الكبير الشّهير، المعظّم الممجّد الأسمى، الموقّر الأعلى، فخر الملّة، سيف الأمّة، تاج الإمارة، عزّ الإسلام، جمال الأيّام «4» ، قمر الميادين، أسد أجمة لدين، سمام الطّغاة والمعتدين، المقدّس المظفّر، الأمير أبي «5» عليّ حسين، ابن السلطان الكبير، الشهير، ملك الإسلام «6» والمسلمين، والد السلاطين، [سيف خلافة الله في العالمين، وليّ أمير المؤمنين، وظهير الدين] «7» سلطان الحجّ والجهاد، وكاسي الحرم الأمين، قامع المعتدين، قاهر الخوارج والمتمرّدين، ناصر السنّة، محيي الملّة، ملك البرّين والبحرين، مقيم رسوم الحرمين الشريفين، العادل «8» ، العالم، العامل، الطاهر الظاهر، الأسعد،

الأصعد الأوحد، الأعلى المنصور، المؤيّد المعان، المرفّع المعظّم، المبجّل المؤمّل، المجاهد المرابط، الغازي، أبي «1» عبد الله محمد بن قلاوون، الصالحيّ أبقاه الله، وفلق الصباح «2» يشهد بكماله، وخدمة الحرمين الشريفين، طراز مذهب على حلّة أعماله، ومسوّرات الإسلام، آمنة على طول الأيام، من إهماله، ولا زال ركنا للدّين الحنيف، تتزاحم على مستلمه الشريف، شفاه أمّاله. سلام كريم، برّ عميم، كما استودعت الرياض أسرارها صدر النسيم، وأرسلت مطالع الفجر أنهارها، من بحر الصبّاح الوسيم، يسري من الطّيب، والحمد المطيل «3» المطيب، في الصّوان الكريم، ويقف موقف «4» الأدب والفهامة، بما استحفظ من الأمانة إلى محل «5» الإمامة، وقوف الحفيظ العليم، يعتمد مشارع تلك الأبواب الشارعة إلى الفضل العميم، المقابلة لذمام وسائل الإسلام بالصّدر المشروح، والبرّ الممنوح، والقلب السليم. من معظّم سلطانه، ومجلّ شانه، المفتخر بالانتظام في سلك خلصانه «6» ، أمير المسلمين بالأندلس، عبد الله الغني «7» بالله، محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن نصر، بلّغه الله من رضاه أقصى سؤله، وأعانه على جهاد عدوّ الله وعدوّ رسوله. أما بعد حمد الله جاعل قلادة الإسلام، على الدوام، آمنة من الانخرام،

والانتثار «1» ، مفصّلة النّظام، بخرز «2» المآثر العظام، والآثار، معرّف أهلها، في حزن البسيطة وسهلها عوارف الصّنع المثار، وإقالة العثار، القويّ العزيز، الذي لا يغالب قدره بالاحتشاد والاستكثار، ولا يبدّل غيبه المحجوب، بعد ما عيّن حكمه الوجوب «3» ، في خزائن الاستئثار «4» ، حتّى تظهر خبيئة عنايته بأوليائه، المعترفين بآلائه، بادية للأبصار، فيما قرب وبعد من الأعصار، ورحمته عند الاستغاثة به والانتصار، في مختلف الأقطار والأمصار، الوليّ الذي لا تكدّر هبات فضله شروط الاعتصار «5» ، ولا تشين خطب حمده ضرائر الاقتصار والاختصار. والصلاة والسّلام «6» على سيدنا محمد رسوله، نخبة الأكوان، وسرّ الدّهور والأزمان، وفائدة الأدوار، نور الله المتميّز باختصاصه، واستصفائه واستخلاصه، قبل خلق الظّلمات «7» والأنوار، ورحمته الوارفة الشاملة، الهامية الهاملة، على الهضاب والوهاد والنّجاد والأغوار، أقرب عوالم الشّهادة والخلق، إلى حضرة الحقّ، على تعدّد الرّتب وتفاضل الأطوار، منقذ الناس من البوار، ومبوّئهم من جوار الله خير الجوار، نبيّ الرحمة والجهاد والغوار، المنصور على الأحزاب عند ما استداروا بمثوى نبوّته على الأطم والأسوار دور السّوار، الواعد عن ربه بظهور دينه الحقّ على الأديان فمهما أوقدوا نار «8» الحرب تكفّل الله لهم بإطفاء النار وإخماد الأوار. والرّضا عن آله وأصحابه حماة الذّمار، ومقتحمي الغمار، وباذلي كرائم «9»

الأموال من دونه ونفائس الأعمار، القائمين في سماء ملّته للاهتداء بسننهم، والاقتداء بسننهم، مقام النجوم الهادية والأقمار، ما صقلت مداوس «1» النّسيم سيوف الأنهار، وخجل الورد من تبسّم البهار، وغازلت عيون زهر المجرّة عيون الأزهار، وطرد أدهم الليل أشهب النهار. والدّعاء لتلك الأبواب، المتعدّدة الحجّاب، المعوّدة باجتلاء غرر الفتوح، والمطالع المشيدة المصانع على العزّ الممنوح، والأواوين، المؤيّدة الدّواوين، بالملائكة والرّوح، بإعلاء المظاهر والصّروح، وإنارة الله تعالى بأهلّة تلك السّروج ساحات تلك السّروح «2» ، ولا زالت أقلام بشائرها تأتي على سورة الفتح بأكمل الشّروح. فإنا كتبناه لمثابتكم السلطانية دار العزّ «3» الأحمى، والملك الأشرف الأسمى، والصّيت البعيد المرمى، كتب الله لها من عنايته- وقد فعل- أوفر مقاسم النّعمى، وجعل غيث نوالها الأهمى، وحظّ جلالها من الله الأنمى، ودامت كواكب سعودها تمزّق جلابيب الظّلما، وأخبار بأسها وجودها، وسعادة وجودها، تهديدها على البعد ركائب الدّأما، وترفرف برياح ارتياحها أجنحة بنات الما. من منزلنا المحبور، بسعادة سلطانكم المنصور، وخزي عدوّه المدحور، بحمراء غرناطة، دار ملك الجهاد بجزيرة ثغر «4» الأندلس، والى الله عنها الدّفاع، وأنار بمشكاة نوره، الذي وعد بإتمامه الأعلام منها والأيفاع، ووصل لها بشرف مخاطبتكم الارتفاع والانتفاع، حتّى تشفع بتهانيكم الأوتار وتوتر «5» الأشفاع، وآلاء الله لدينا، بنعمة دين الإسلام علينا، قد أخجلت اللسان الشّكور، وإن استنفدت الرّواح والبكور، والثّقة بالله في هذا الثغر الغريب قد كثّرت العدد المنزور، والحقّ

الصّريح «1» قد كافح الزّور، والتّوطين على الشهادة قد شرح الصّدور، واقتطع في الجنة المنازل والدّور، والمعرفة بمقام تلك الأبواب الشريفة عقيدة «2» لا تبدّل وأدواح علائها حمائم الحمد بها تتهدّل، ومحافل ثنائها تتراكم في سمائها الألوّة «3» والمندل، [والحال ما علمتم: بحر زاخر الأمواج، وعدوّ وافر الأفواج] «4» وحرم لولا اتّقاء الله مقتحم السّياج «5» ، وجياد ضمّرتها مصابرة الهياج، وداء على الأيّام متوقّع الاهتياج، وعدد إلى الإصراخ «6» والإنجاد عظيم الاحتياج فالنفوس إلى الله تجهّز «7» وتسلّم، والصّبيان في المكاتب تدرّب على مواقف الشهادة وتعلّم، والألسنة بغير شعار الإسلام لا تنبس غالبا ولا تتكلّم، إلّا أنّ عادة الخبير اللّطيف، تخفيف «8» الذّعر المطيف، ونصر النّزر الضعيف، على عدد التضعيف، والحال تزجى بين الحرب والسّلم، والمكالمة والكلم، وتأميل الجبر، وارتقاب عاقبة الصّبر، على حماة الدّبر. وإلى هذا فإننا اتّصل بنا ما رامت الرّوم «9» من المكيدة التي كان دفاع الله من دونها سدّا، والملائكة جندا، والعصمة سورا، والرّوح الأمين مددا منصورا، وأنها استنفدت الوسع في احتشادها، حتّى ضاقت اللّجج عن أعوادها، وبلغت المجهود في استنفادها «10» ، حتّى غصّ كافر البحر بكفّارها، يصيح بهم التأليب،

ويذمّرهم الصليب، وقد «1» سوّل لهم الشيطان كياد ثغر الإسكندرية شجا صدورهم، ومرمى آمال غرورهم «2» ، ومحوّم قديمهم، ومتعلّل غريمهم، ليهتموا ثغر «3» الإسلام بصدمتها، ويقودوا جنائب «4» الساحل في رمّتها، ويرفعوا عن دينهم المعرّة، ويتلقّفوا في القدس كرة الكرّة، ويقلّصوا ما امتدّ من ظلال الإسلام، ويشيموا «5» سيوف التغلّب على الشام، ويحولوا بين المسلمين وبين محطّ أوزارهم، وحجّهم ومزارهم، وبيت ربّهم، الذي يقصدونه من كل فجّ عميق، ويركبون إليه نهج كلّ طريق، وقبر نبيّهم الذي يطفئون بزيارته من الشّوق كلّ حريق، ويكحلون الجفون بمشاهدة آثاره عن بكاء وشهيق، وشوق بذلك الحبيب خليق، ويقطعوا حبل المسلمين حتّى «6» لا يتأتّى بلوغ فريق ولا غرض تشريق، والله من ورائهم محيط، وبدمائهم مشيط، وبعباده بصير، ولدينه الحقّ وليّ ونصير، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون* «7» فما هو إلّا أن صمأ «8» جرادهم، وخلص إليها مرادهم، وفاض عليها بحرهم، وعظم من المحاولة أمرهم، حتّى اشترك الشّرك بعض أسوارها، ونال النهب مستطرف ديارها، وظنّت أنها الوهية التي لا ترفع، والمصيبة التي غلّتها لا تنقع، واشتعل «9» الباس، وذعر الناس، وأرى الشّدّة من تدارك «10» بالفرج، وأعاد إلى السّعة من الحرج، وأنشأ ريح النّصر عاطرة الأرج، ونصر حزب الإسلام من

لا غالب لمن ينصره، وحصر العدوّ «1» من كان العدوّ يحصره، وظهر الحقّ على الباطل، والحالي بزينة الله على العاطل، فخرج العدوّ الخاسر عما حازه والسّيوف ترهقه حيث تلفيه، والسّهام تثبته وتنفيه، وغرماء كرّة الإسلام تستقضي «2» منه دينها وتستوفيه، والخزي قد جلّل سباله الصّهب، وحنّاءالدّماء قد خضبت مشيخته الشّهب، والغلب قد أخضع رقابه الغلب، فكم من غريق أردته دروعه، لمّا حشي بالرّوع روعه، وطعين نظمت بالسّمهريّ «3» ضلوعه، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين، وأحقّ الله الحقّ بكلماته وقطع دابر الكافرين، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين «4» فأيّ رحمة منشورة ضفت على الإسلام ظلالها، وخطّة نعمة اتّسع نطاقها ورحب مجالها، ومجلى صنيعة راق عيون المؤمنين جمالها، فاهتزّت «5» بها الأرض وربت، وبشكر الله جلّ جلاله أعربت، واستبشرت النّفوس، وذهب البوس، وضفا بمنّة الله اللّبوس، وظهرت عناية الله بمقامكم، وإقالة عثرة الإسلام في أيّامكم، فما كان الله سبحانه ليضيع لكم خدمة الحرمين، وإنّها للوسيلة الكبرى، والذّريعة إلى سعادة الدنيا والأخرى، وهي عهدة الله التي يصونها من كل اهتضام، وقلادته التي ما كان «6» يتركها بغير نظام. وكان من لطائف هذا الفتح الذي أجزل البشرى، وأوسع أعلام الإسلام نشرا، وروده بعد أن شفيت العلّة، ونصرت الملّة، وبعد أن جفا الدهر وتجافى، وعادى ثمّ صافى، وهجر ووافى، وأمرض ثم عافى، فلو ورد مقدّمه قبل تاليه، ونقده متأخّرا «7» عن كاليه، أو كانت أواخره بعيدا ما بينها وبين أواليه،

لأوحشت «1» الظّنون وساءت، وبلغت الهموم من النّفوس ما شاءت، فإنّ الإسلام كالجسد يتداعى كلّه لتألّم بعضه، ويتساهم إخوانه في بسطه وقبضه، وسماؤه مرتبطة بأرضه، ونفله متعلّق بفرضه، فالحمد لله الذي خفّف الأثقال «2» وألهم حال الضّرّ الانتقال، وسوّغ في الشّكر المقال، وزار وأقال، وجمع بين إيقاظ القلوب، وإنالة المطلوب، وإن وجد العدوّ طعم الإسلام مرّا فما «3» ذاقه، وعوده صلبا فما أطاقه، ورفع عن طريق بيت الله ما عاقه، وقاد إليكم في بيوتكم فضل الجهاد وساقه [وردّ المكر السّيّيء على العدوّ وأحاقه] «4» فما كانت هذه المكيدة إلا داهية للكفر طارقة، ونكثة لعصب «5» التثليث عارقة، ومعجزة من آثار النبيّ الشريف لهذا الدين المنيف خارقة، واستأصلت «6» للعدوّ المال، وقطعت الآمال، وأوهنت اليمين والشّمال؛ فبادرنا عند تعرّف الخبر، المختال من أثواب المسرّة في أبهى الحبر، المهدي أعظم العبر، إلى تهنئتكم تطير بنا «7» أجنحة الارتياح، مبارية للرّياح، وتستفزّنا دواعي الأفراح، بحسب الودّ الصّراح، وكيف لا يسرّ اليسار بيمينه [والوجه بجبينه، والمسلم بدينه، وخاطبناكم مهنئين ولولا العوائق] «8» التي لا تبرح، والموانع التي وضحت حتّى لا تشرح، ومكايدة «9» هذا العدوّ الذي يأسو به الدّهر ويجرح، لم نجتز بإعلام القلم، عن إعمال القدم، حتّى نتشرف [بالورود على تلك المثابة الشريفة، ونمتاز بزيارة الأبواب المنيفة، فيقضى] «10» الفرض تحت رعيها، وبركة سعيها، لكن المرء جنيب أمله، ونيّة المؤمن أبلغ من

عمله. فهنيئا بما خوّلكم «1» الله من ظفر شهدت برضى الله مراسمه، وافترّت عن ثغور العناية الربّانيّة مباسمه، وتوفّرت لديكم مواهبه ومقاسمه، ويهنّيء البيت المقدّس مكان فضل الله ومنّه، وسلامة مجنّه، ويهنّيء الإسلام عصمة ثغره المؤشر، وطهارة كتابه المنشر، وجمال عنوانه، وقفل صوانه «2» ، وباب إيوانه، مرفأ «3» الفسطاط، ومركز لواء الرّباط، ومحطّ رحال «4» الاغتباط، ومتخيّر الإسكندر عند البناء والاختطاط. ومما زادنا بجحا «5» بهذا الفتح، وسرورا زائدا بهذا المنح، ما تحقّقنا أنه يثير من شفقة المسلمين لهذا القطر الذي لا يزال يطرقه ما طرق الإسكندرية على مرّ الأيام، وتجلب عليه برّا وبحرا عبدة الأصنام، بحيث البرّ موصول، والكفر بكثرة العدد يصول، ونيران الجوار [مترائية للعيان، والفراسخ القليلة] «6» متوسّطة بين مختلف النّحل والأديان، والعدد لا ينسب، والصّريح إلّا من عند الله لا يحسب، فتنجدنا بالدعاء ألسنة فضلائه، وتسهمنا خواطر صالحيه وأوليائه، والله لا يقطع عن الجميع عوائد آلائه، ويعرّفنا بركة أنبيائه «7» ، وينصرنا في أرضه بملائكة سمائه. وقد كان اتّصل بنا في هذه الأيّام الفارطة الذّخر الذي ملأ اليد استكثارا، والخلد «8» اعتدادا واستظهارا، والهمم فخارا، وأضاء القطر أنوارا، جوابكم الكريم يشمّ «9» من نفحاته شذا الإذخر «10» والجليل، وتلتمس من خلال حافاته

المقصد الثالث (في رسم المكاتبات الواردة عن ملوك السودان، وفيه ثلاثة أطراف)

بركات الخليل، وتقرى الوجوه به آثار المعاهد، وتلتمح من ثنايا وفادته بوارق الفوائد، فأكرم به من وافد مخطوب، وزائر مرقوب، صدعنا به في حفل الجهاد انتحاء وافتخارا، ثم صنّاه في كرائم الخزائن اقتناء للخلف وادّخارا، وجعلنا قراه شكرا معطارا، وثناء يبقى في الخافقين مطارا، ودعاء يعلي الله به لمقامكم السنيّ في أوليائه مقدارا، ويجهّز به لملككم كما فعل أنصارا، ويثيبكم الجنة التي لا يرضى السعداء بغيرها قرارا، والله تعالى يجعل لأفلاك الهناء على مخاطبة مقامكم الرفيع العلاء مدارا، ويقيم الشكر ألزم الوظائف لحقّكم ابتدارا، والثناء أولى ما تحلّى به مجدكم شعارا، ويبقيكم للإسلام ركنا شديدا، وظلّا مديدا، وسماء مدرارا، ما استأنفت البدور إبدارا، وعاقب الليل نهارا، والسّلام. المقصد الثالث (في رسم المكاتبات الواردة عن ملوك السّودان، وفيه ثلاثة أطراف) الطرف الأوّل (في المكاتبات إلى «1» صاحب مالّي) وهو المستولي على التّكرور «2» وغانة وغيرهما، وهي أعظم ممالك السّودان المسلمين مملكة، ولم أقف لأحد منهم على صورة مكاتبة إلى الأبواب السلطانية، إلّا أنّ المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في كتابه «مسالك الأبصار» عند الكلام على هذه المملكة تعرض لذكر سلطانها في زمان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» وهو منسى موسى، وذكر أنه ورد منه كتاب يمسك لنفسه فيه ناموسا ولم يورد نسخته.

الطرف الثاني (في المكاتبات الصادرة عن صاحب البرنو)

الطرف الثاني (في المكاتبات الصادرة عن صاحب «1» البرنو) ورسم مكاتبته أن يكتب في ورق مربع بخطّ كخط المغاربة؛ فإن فضل من المكاتبة شيء كتب بظاهرها، وتفتتح المكاتبة بخطبة مفتتحة بالحمد، ثم يتخلّص إلى المقصد ببعديّة، ويأتي على المقصد إلى آخره، ورأيته قد ختم مكاتبته إلى الأبواب السلطانية بقوله: والسّلام على من اتّبع الهدى. وكأنّ ذلك جهل من الكاتب بمقاصد صناعة الإنشاء، إذ لا يهتدون إلى حقائقها. وهذه نسخة «2» كتاب ورد على الملك الظاهر «أبي «3» سعيد برقوق» ووصل في شهور سنة أربع وتسعين وسبعمائة، صحبة ابن عمه، مع هديّة بعث بها إلى السلطان بسبب ما يذكر فيه من أمر عرب جذام المجاورة لهم، وهي في ورق مربّع، السطر إلى جانب السّطر، بخطّ مغربيّ، وليس له هامش في أعلاه ولا جانبه، وتتمّة الكتاب في ظهره من ذيل الكتاب وهو: بسم الله الرحمن الرحيم* ، صلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليما. الحمد لله الذي جعل الخطّ تراسلا بين الأباعد، وترجمانا بين الأقارب، ومصافحة بين الأحباب، ومؤنسا بين العلماء، وموحشا بين الجهّال، ولولا ذلك لبطلت الكلمات، وفسدت الحاجات. وصلوات الله على نبينا المصطفى، ورسولنا المرتضى، الذي أغلق الله به باب النبوّة وختم، وجعله آخر المرسلين بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، ما ناحت الورق «4» ، وما عاقب

الشّروق الأصيل. ثم بعد ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ، رضي الله عنهم أجمعين. من المتوكّل على الله تعالى، الملك، الأجل، سيف الإسلام، وربيع الأيتام، الملك المقدام، القائم بأمر الرحمن، المستنصر بالله المنصور في كلّ حين وأوان، ودهر وزمان، الملك، العادل، الزاهد، التقيّ، النقيّ، الأنجد، الأمجد، الغشمشم «1» ، فخر الدين، زين الإسلام، قطب الجلالة، سلالة الكرماء، كهف الصّدور، مصباح الظلام، أبي عمر وعثمان الملك، ابن إدريس الحاج أمير المؤمنين المرحوم، كرم الله ضريحه، وأدام ذريّة هذا بملكه- هذا اللفظ وارد على [لسان] كاتبنا لآلنا ولا فخر- إلى ملك المصر الجليل، أرض الله المباركة أمّ الدنيا. سلام عليكم أعطر من المسك الأذفر «2» ، وأعذب من ماء الغمام واليمّ، زاد الله ملككم وسلطانكم، والسّلام على جلسائكم وفقهائكم وعلمائكم، الذين يدرسون القرآن والعلوم، وجماعتكم، وأهل طاعتكم، أجمعين. وبعد ذاك، فإنا قد أرسلنا إليكم رسولنا، وهو ابن عمّي، اسمه إدريس بن محمد من أجل الجائحة «3» الّتي وجدناها، وملوكنا، فإنّ الأعراب [الذين] يسمّون جذاما وغيرهم قد سبوا أحرارنا، من النساء والصّبيان، وضعفاء الرجال، وقرابتنا، وغيرهم من المسلمين. ومنهم من يشركون بالله، يمارقون للدين، فغاروا على المسلمين فقتلوهم قتلا شديدا؛ لفتنة وقعت بيننا وبين أعدائنا، فبسبب تلك الفتنة قد قتلوا ملكنا، عمرو بن إدريس الشهيد، وهو أخونا ابن أبينا إدريس الحاج بن

إبراهيم الحاج، ونحن بنو سيف بن ذي يزن، و [الد] قبيلتنا، العربيّ القرشيّ، كذا ضبطناه عن شيوخنا، وهؤلاء الأعراب قد أفسدوا أرضنا كلّها، في بلد برنو كافّة حتّى الآن، وسبوا أحرارنا وقرابتنا من المسلمين، ويبيعونهم لجلّاب مصر والشام وغيرهم، ويختدمون ببعضهم، فإنّ حكم مصر قد جعله الله في أيديكم من البحر إلى أسوان، فإنهم قد اتخذوا متجرا، فتبعثوا الرسل إلى جميع أرضكم، وأمرائكم، ووزرائكم، وقضاتكم، وحكّامكم، وعلمائكم، وصواحب أسواقكم، ينظرون ويبحثون ويكشفون، فإذا وجدوهم فلينزعوهم من أيديهم، وليبتلوهم، فإن قالوا نحن أحرار ونحن مسلمون فصدّقوهم ولا تكذّبوهم، فإذا تبيّن ذلك لكم فأطلقوهم، وردّوهم إلى حرّيتهم وإسلامهم، فإن بعض الأعراب يفسدون في أرضنا ولا يصلحون، فإنهم الجاهلون كتاب الله وسنة رسولنا، فإنهم يزيّنون الباطل، فاتقوا الله واخشوه ولا تخذلوهم يسترقّوا ويباعوا، قال الله تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر «1» وقال الله تعالى لنبيه عليه السّلام فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم «2» وقال الله تعالى: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض «3» وكان عليه السّلام يقول: «السلطان ظلّ الله في الأرض يأوي إليه كلّ مظلوم» . وقال: المؤمنون كالبنيان يشدّ بعضهم بعضا إلى يوم القيامة» . وقال: «المؤمن أخو المؤمن لا يظلمه ولا يسلمه» إلى آخره. وفي الحكمة: ومن الفرائض الأمر بالمعروف على كلّ من بسطت يده في الأرض (أراد به السلاطين) وعلى من تصل يده إلى ذلك (أراد بذلك القضاة والحكّام والأمراء) فإن لم يقدر فبلسانه، (أراد بذلك الفقهاء والعلماء) وإن لم يقدر فبقلبه، (أراد بذلك عامّة المسلمين) أطال الله بقاءكم في أرضكم. فازجروا الأعراب المفسدين عن

الطرف الثالث (في المكاتبات الصادرة عن ملك «الكانم»

دعرهم، قال الله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين «1» وقال عليه السّلام: «كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته» . وقال في الحكمة: لولا السلطان لأكل بعضهم بعضا. وقال تعالى لنبيه داود عليه السّلام يا داود، إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب «2» والسّلام على من اتبع الهدى- ولم يؤرّخ. الطرف الثالث (في المكاتبات الصادرة عن ملك «الكانم» «3» ولم أقف له على مكاتبة إلّا أنه يشبه أن تكون المكاتبة عنه نظير المكاتبة عن صاحب «البرنو» فإنه على قرب من مملكته والله أعلم) المقصد الرابع (في الكتب الواردة من الجانب الشّماليّ، وهي بلاد الروم) قد تقدّم ذكر المكاتبة إلى أمرائها، وأنّ كبيرهم الذي صار أمرهم إليه وانقادوا إلى طاعته الآن هو ابن عثمان صاحب برسا «4»

النوع الثاني (من المكاتبات الواردة إلى هذه المملكة الكتب الواردة عن ملوك الكفار، وهي على أربعة أضرب)

النوع الثاني (من المكاتبات الواردة إلى هذه المملكة الكتب الواردة عن ملوك الكفّار، وهي على أربعة أضرب) الضرب الأوّل (الكتب الواردة عن ملوك الكرج) «1» الضرب الثاني (الكتب الواردة عن ملوك الحبشة) والعادة فيها أن ترد في قطع «2» باللسان «3» ولم أظفر بصورة مكاتبة في هذا المعنى إلّا مكاتبة واحدة وردت على الملك الظاهر بيبرس، ضمن كتاب إلى صاحب اليمن، وصاحب اليمن أرسله إلى هنا فيما وقفت عليه في بعض المصنّفات وهو: أقل المماليك يقبّل الأرض، وينهي بين يدي السلطان الملك الظاهر، خلّد الله ملكه، أنّ رسولا وصل إليّ من والي قوص «4» ، بسبب الراهب الذي جاءنا، فنحن ما جاءنا مطران مولانا السلطان ونحن عبيده، فيرسم مولانا السلطان للبطريرك [أن] يجهّز لنا مطرانا يكون رجلا جيّدا عالما، لا يجني ذهبا ولا فضّة، ويرسله إلى مدينة «عوان» . وأقلّ المماليك يسيّر إلى نوّاب مولانا الملك المظفّر، صاحب اليمن ما يلزمه، وهو يسيّره إلى نوّاب مولانا السلطان، وما كان

الضرب الثالث (الكتب الواردة عن ملوك الروم، ورأس الكل صاحب القسطنطينية)

سبب تأخير الرّسل عن الحضور إلى [ما] بين يدي مولانا السلطان، إلّا أنني كنت في سكار (؟) والملك داود قد توفّي، وقد ملّك موضعه ولده، وعندي في عسكري مائة ألف فارس مسلمين، وأما النصارى فكثير لا يحصون، والكلّ غلمانك وتحت أمرك، والمطران الكبير يدعو لك والخلق كلّهم يقولون آمين، وكلّ من يصل من المسلمين إلى بلادنا نكون له أقلّ المماليك، ونحفظهم ونسفّرهم كما يحبّون ويختارون، وأما الرسول الذي سفّروه فهو مريض، وبلادنا وخمة، أيّ من مرض لا يقدر أحد يدخل إليه، وأيّ من شمّ رائحته فيمرض فيموت. ونحن نحفظ كلّ من يأتي من بلاد المسلمين، فسيّروا مطرانا يحفظهم. قلت: وقد تقدّم الجواب عن هذا الكتاب من كلام القاضي «1» محيي الدين ابن عبد الظاهر، في الكلام على الكتب الصادرة عن الأبواب السلطانية إلى أهل الجانب الجنوبي من أهل الكفر، ولكن الكتاب المذكور يخالف ما تقدّم هناك من ادّعائه العظمة، وأنه لولا اضطراره إلى أخذ المطران من بطريرك الديار المصرية لكان يشمخ بنفسه عن المكاتبة، ولعلّ ذلك كان في الزمن المتقدّم. الضرب الثالث (الكتب الواردة عن ملوك الرّوم، ورأس الكلّ صاحب القسطنطينيّة) وقد وقفت على كتاب ورد منه في السابع والعشرين من صفر سنة أربع عشرة وثمانمائة في درج ورق فرنجيّ في نحو عشرين وصلا قطع النصف، والبياض في أعلاه وصل واحد، وفي أسفله وصلان، وله هامش عن يمينه وهامش عن يساره، كلّ منهما تقدير إصبعين، ومقدار ما بين السّطور متفاوت، فأعلاه بين كلّ سطرين أربعة أصابع مطبوقة، ثم بعد تقدير ثلث الكتاب بين كلّ سطرين قدر ثلاثة أصابع، ثم بعد ذلك بين كل سطرين قدر إصبعين، ثم بعد ذلك بين كل سطرين قدر ثلاثة أصابع إلى آخر الكتاب، والقلم في غاية [الدقة ب] قلم الرّقاع

الدقيق، وفي آخره ثلاثة أسطر وقطعة بالحمرة بقلم أجلّ من الأوّل قليلا. وهذه نسخة كتاب معرّبة بترجمة بطرك الملكانية بحضور سيف الدين سيف «1» التّرجمان، وهي: المعظّم، الممجّد، المبجّل، الضابط، السلطان، الكبير، سلطان مصر ودمشق وحلب وغيرها، الملك الناصر (فرج) ابن السلطان الكبير المرحوم الظاهر (برقوق) المحبوب إليّ العزيز أكثر من أولاد مملكتي. يحيط علمه أنني ومملكتي طيّبون بنعمة الله تعالى، وكذلك تكون- إن شاء الله تعالى- سلطنتك الممجّدة طيبة في خير، وأنّ المحبة والمودّة لم تزل بين والدك المرحوم وبين والدي إلى آخر وقت. ونحن بحمد الله قد تزايدت محبّتنا على ذلك وتكاثرت، وتتوكّد أيضا المحبة بيننا وبين سلطنتك المعظّمة إلى الأبد، فإنّ ذلك واجب، وتتردّد رسلكم بكتبكم إلينا، وكذلك رسلنا بكتبنا إلى ملككم، وكان قصدنا أن نجهّز إليكم رسولا لكنّ الفتن في بلادنا، وما بلغنا من سفر مولانا السلطان من تخت مملكته، ولم نعرف إلى أيّ مكان توجّه، أوجب تأخير ذلك، وأنّ حامل هذا الكتاب المتوجه به إلى السلطان المعظم المسمّى (سورمش) التاجر من اسطنبول هو من جهتنا، وله عادة بالتردّد إلى مملكتكم المعظّمة، ونحن نعلم أنّ سلطنتك تحبّ الطيور الكواهي، فجهّزنا لكم صحبة المذكور خمس كواهي «2» وبازدار «3» ، ليكون نظركم الشريف عليهم، وكذلك على البطاركة

الضرب الرابع (الكتب الواردة من جهة ملوك الفرنج بالأندلس، والجهات الشمالية، وما والى ذلك)

والنصارى والكنائس على حكم معدلة السلطان ومحبّته، والوصية بهم، ومعاونتهم ورعايتهم وإجراؤهم على جاري عوائدهم، من غير تشويش على ما ألفوه من إنصافكم أوّلا وآخرا لأجل محبتكم لنا ومحبتنا، واستمرار العناية بهم، مع أنّ البطاركة عرّفونا أنّ مولانا السلطان يبرز مرسومه بمراعاتهم، والإحسان إليهم، ولم يزالوا داعين له شاكرين من معدلته، ونضاعف شكرنا من إحسانكم على ذلك، وتكونوا إن شاء الله تعالى طيبين، والمحبة متزايدة في أيّامكم وأيّامنا، ومهما كان لمولانا السلطان بمملكتنا من أطواع «1» فيرسم يعرّفنا بها ونبادر بذلك. والذي بآخره بالحمرة علامة الملك مضمونها (مانويك المسيحي بنعمة الله، ضابط مملكة الروم البلالوغس) . الضرب الرابع (الكتب الواردة من جهة ملوك الفرنج بالأندلس، والجهات الشّمالية، وما والى ذلك) والعادة فيها أن تكتب باللسان الفرنجيّ، وعادة الكتب الواردة عنهم جملة أن تكتب في فرخة ورق فرنجيّ مربّعة على نحو مقدار الفرخة البلديّ أو دونها، بأسطر متقاربة، باللسان الفرنجيّ وقلمه، ثم يطوى طيّا مسطّحا ويعنون في وسطه، ويطوى من جهتي الأوّل والآخر حتّى يصير العنوان ظاهرا من الطيّ، ثم يخرز ويختم بسحاءة «2» ، ويختم عليه بطمغة في شمع أحمر على نحو ما تقدّم في الكتب الواردة عن ملوك الغرب، فإذا ورد على الأبواب السلطانية فكّ ختمه، وترجم بترجمة التّرجمان بالأبواب السلطانية وكتب تعريبه في ورقة مفردة وألصقت به بعد كتابة الجواب من التعريب على ما تقدّم ذكره في مقدّمة الكتاب. وهذه نسخة كتاب وارد من دوج البنادقة ميكائيل، على يد قاصده نقولا البندقيّ في سادس عشر صفر المبارك سنة أربع عشرة وثمانمائة، ترجمة شمس

الدين سنقر، وسيف الدّين سودون، التراجمة بالأبواب الشريفة، في فرخة ورق فرنجيّ مربعة متقاربة السطور، وهو: السلطان المعظّم، ملك الملوك «فرج الله» ناصر الملة الإسلامية، خلّد الله سلطانه. يقبّل الأرض بين يديه نقولا «1» دوج البنادقة، ويسأل الله أن يزيد عظمته، لأنه ناصر الحق ومؤيّده، وموئل الممالك الإسلامية كلّها، وينهي ما عنده من الشّوق والمحبة لمولانا السلطان، وأنه لم تزل أكابر التجار والمحتشمين والمتردّدين من الفرنج إلى الممالك الإسلامية شاكرين من عدل مولانا السلطان وعلوّ مجده، وتزايد الدعاء ببقاء دولته، وقد رغب التّجّار بالتّرداد إلى مملكته الشريفة بواسطة ذلك، ولأجل الصّلح المتصل الآن بيننا والمحبة. وأما غير ذلك، فإنه بلغنا ما اتّفق في العام الماضي من حبس العنز في ثغر دمياط المحروس، وأن مولانا السلطان مسك قنصل البنادقة والمحتشمين من التّجّار بثغر الإسكندرية المحروس، وزنجرهم بالحديد، وأحضرهم إلى القاهرة، وحصلت لهم البهدلة بين جنوسهم والضّرر والقهر الزائد، وكسر حرمتنا بين أهل طائفتنا، فإن الذي فعل مع المذكورين إنما فعل معنا، وتعجّبنا من ذلك؛ لأنّ طائفتنا لم يكن لهم ذنب، وهذا مع كثرة عدل مولانا السلطان في مملكته، ومحبّتنا له، ومناداتنا في جميع مملكتنا بكثرة عدله، وبمحبته لطائفتنا، وإقباله عليهم، وقولنا لجميع نوّابنا: إنهم يكرمون من يجدونه من مملكة مولانا السلطان، ويراعونه ويحسنون إليه، والمسؤول من إحسانه الوصية بالقنصل والتجّار وغيرهم من البنادقة، ومراعاتهم وإكرامهم والإقبال عليهم، والنظر في أمورهم إذا حصل ما يشبه هذا الأمر، ومنع من يشاكلهم لتحصل بذلك الطّمأنينة للتّجّار، ويتردّدوا إلى مملكته.

وهذه نسخة كتاب ورد من كبطان الماغوصة والمستشارين بها، في ثامن عشر صفر المبارك سنة أربع عشرة وثمانمائة، ترجمة شمس الدين سنقر وسيف الدين سودون التّرجمانين بالأبواب الشريفة، وهو: الملك المعظّم، ملك الملوك، صاحب مصر المحروسة، الملك الناصر، عظّم الله شأنه. يقبّل الأرض بين أياديه الكبطان والمستشارون، وينهون أنهم آناء «1» الليل داعون بطول بقائه، مجتهدون في استمرار الصّلح والمودّة التي لا يشوبها كدر بين القومون (؟) وبين مولانا السلطان، وأنّ في هذا الوقت ثمّ حراميّة غراب يتحرّمون بأطراف هذه البلاد، والمين الإسلامية، ونحن لم نزل نشحطهم بالمراكب والأغربة، ونمنعهم من ذلك جهدنا وقدرتنا، حتّى إنّ أحدا صار لا يجسر على الدخول إلى مينا الماغوصة جملة كافية، مع أننا كنّا خلّصنا في المدّة الماضية من الحراميّة المذكورين خمسة وعشرين نفرا من المسلمين، وأكرمناهم وأطلقنا سبيلهم [وعزمنا أن] «2» نجهّزهم إلى دمياط أو إلى ثغر الإسكندرية. وأما غير ذلك، فقد بلغنا أن برطلما أوسق للمواقف الشريفة صابونا في مراكبه، وكان قصده أن يهرب بذلك، فللحال عمّرنا مركبا كبيرا، وأخذنا برطلما المذكور بالمحاربة، وأحضرناه إلى الماغوصة، وعهدنا بطروق المركب إلى شخص يسمّى (أرمان سليوريون) وهو رجل مشكور السّيرة، وقلنا له إنه يتوجّه إلى خازن الصابون المذكور ويستشيره إن كان يوسق شيئا من الأصناق لمولانا السلطان، ويجهّزه إلى أيّ مكان اختاره ليسلمه ليد من تبرز له المراسيم الشريفة بتسليمه، فليفعل، وهذا القول كلّه يكون دليلا عند مولانا السلطان على صدق

الولاء والتمسك بالصّلح، والمسؤول من الصدقات الشريفة الإقبال على التّجّار الجنويّة الذين عند مملكته، وكفّ أسباب الضرر عنهم، وينشر معدلته عليهم، والله تعالى يديم بقاءه بمنّه وكرمه.

الفصل السادس [من الباب الثاني] من المقالة الرابعة

الفصل السادس [من الباب الثاني] من المقالة الرابعة (في رسوم المكاتبات الإخوانيّات- وهي جمع إخوانيّة نسبة إلى الإخوان جمع أخ- والمراد المكاتبات الدائرة بين الأصدقاء، وفيه طرفان) الطرف الأوّل (في رسوم إخوانيّات السّلف من الصّحابة رضوان الله عليهم والتابعين، وهي في الغالب لا تخرج عن ضربين) الضرب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب عنه) وكان رسمهم فيه أن تفتتح المكاتبة بلفظ «من فلان إلى فلان، سلام عليك، إنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو» فلما كانت خلافة الرشيد وأمر أن يزاد هنا في السلطانيات «وأسأله أن يصلّي على سيدنا محمد عبده ورسوله» كما تقدّم في موضعه، جرى الكتّاب في الإخوانيات على ذلك أيضا، وكان الخطاب يجري بينهم في ذلك بأنا، وأنت، ولي، ولك، وعندي، وعندك، وما أشبه ذلك من ألفاظ الخطاب، وكانت خاتمه الكتب عندهم بالسّلام. الضرب الثاني (أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب إليه، تفخيما لأمره، وتعظيما لشأنه) وكان رسمهم في ذلك أن يفتتحوا المكاتبة بلفظ «إلى فلان من فلان، سلام

الطرف الثاني (في رسوم الإخوانيات المحدثة بعد السلف، وفيه ثلاثة مقاصد)

عليك، فإنّي أحمد اليك الله الذي لا إله إلّا هو» وباقي الكتاب على ما تقدّم في الضرب الأوّل في الخطاب والختام وغيرهما. الطرف الثاني (في رسوم الإخوانيّات المحدثة بعد السّلف، وفيه ثلاثة مقاصد) المقصد الأوّل (في رسوم إخوانيّات أهل المشرق، وفيه أربعة مهايع) المهيع الأوّل (في صدور الابتداآت، وهي على أساليب) «1» الأسلوب الأوّل- أن تفتتح المكاتبة بالدعاء، وعليه اقتصر أبو جعفر «2» النّحاس في كتابه «صناعة الكتاب» وكان على رأس الثّلثمائة في خلافة الراضي، وقد تقدّم في الكلام على مقدّمات المكاتبات نقلا عن «موادّ البيان» أنّ الأدعية كانت في الزمن الأوّل تستعمل فيما يتعلّق بأمر الدّين، مثل قولك: أكرمه الله، وحفظه الله ووفّقه، وحاطه، وما أشبه ذلك، فعدل عنها قصدا للإجلال والإعظام إلى الدعاء بإطالة البقاء، وإدامة العزّ، وإسباغ النّعمة، ونحو ذلك مما يتنافس فيه أبناء الدنيا، جريا على عادة الفرس. ثم رتّبوا الدعاء على مراتب، فجعلوا أعلاها الدعاء بإطالة البقاء، ثم بإطالة العمر، ثم بالمدّ في العمر، وكذلك سائر المكاتبات على ما تقدّم بيانه هناك.

الضرب الأول (المكاتبة من المرؤوس إلى الرئيس؛ وهو على صنفين)

ثم هو على ستة أضرب: الضرب الأوّل (المكاتبة من المرؤوس إلى الرئيس؛ وهو على صنفين) الصنف الأوّل (المكاتبة إلى الأمراء) قد ذكر النحّاس أنه يقال في افتتاح مكاتباتهم: أطال الله بقاء الأمير، فإذا أردت أجلّ ذلك كلّه، كتبت: أطال الله بقاء الأمير في أعزّ العزّ وأدوم الكرامة والسّرور والغبطة، وأتمّ عليه نعمه في علوّ الدّرجة، وشرف من الفضيلة، وتتابع من الفائدة، ووهب له السلامة والعافية في الدنيا والآخرة، وبلغ بالأمير أفضل ما تجري إليه همّته، وتسمو إليه أمنيّته، أو بلغ بالأمير أفضل شرف العاجل والآجل، وأجزل له ثواب الآخرة. ثم قال: ومن الدعاء له: أطال الله بقاء الأمير في عزّ قاهر، وكرامة دائمة، ونعمة سابغة، وزاد في إحسانه إليه، والفضيلة لديه، ولا أخلى مكانه منه. قال: ومنه أطال الله بقاء الأمير، وأدام عزّه وتأييده، وعلوّه وتمكينه، وكبت عدوّه. ثم ذكر أدعية أخرى للأمراء عن الفضل «1» بن سهل. منها- أطال الله بقاء

الصنف الثاني (المكاتبة إلى القضاة)

الأمير، ومكّن له في البسطة وتزايد النّعمة، وزاده من الكرامة والفضيلة، والمواهب الجليلة في أعزّ عزّ وأدوم سلامة، وأسبل عافية- ومنها- أطال الله بقاء الأمير، وأدام له الكرامة مرغوبا إليه، وزاد في إحسانه لديه، وأتمّ نعمته عليه، ووصل له خير العاجل بجزيل الآجل. الصنف الثاني (المكاتبة إلى القضاة) وقد قال النحاس: إنه يدعى للقاضي بمثل ما يدعى به للأمير، غير أنه يجعل مكان الأمير القاضي، إلّا أنّ الفضل بن سهل قال: يدعى لقاضي القضاة، أطال الله بقاء القاضي، وأدام عزّه وكرامته، ونعمته وسلامته، وأحسن من كلّ جميل زيادته، وألبسه عفوه وعافيته. وإنه يدعى له أيضا: أطال الله بقاء القاضي في عزّ وسعادة، وأدام كرامته، وأحسن زيادته، وأتمّ نعمته عليه في أسبغ عافية، وأشمل سلامة. قال: وقال غير الفضل: إن الكفء يكاتب كفأه ومن كان خارجا من نعمته: أدام الله بقاءك أيّها القاضي. الضرب الثاني (المكاتبة من الرئيس إلى المرؤوس، كالمكاتبة عن الوزير وقاضي القضاة وغيرهما، والخطاب في جميعها بالكاف) قال النحاس: وهي على مراتب، أعلاها في حق المكتوب إليه أطال الله بقاءك وأدام عزّك وأكرمك، وأتمّ نعمته عليك، وإحسانه إليك وعندك. ودونه «أطال الله بقاءك، وأعزّك وأكرمك، وأتمّ نعمته عليك، وعندك» . ودونه «أدام الله عزّك، وأطال بقاءك، وأدام كرامتك، وأتمّ نعمته عليك، وأدامها لك» . ودونه «أعزّك الله ومدّ في عمرك، وأتمّ نعمته عليك، وما بعده على توالي «1» الدعاء الذي تقدّم» . ودونه «أكرمك الله وأبقاك، وأتمّ نعمته عليك، وأدامها لك» . ودونه «أن

الضرب الثالث (المكاتبة إلى النظراء، والمخاطبة فيه بالكاف)

تسقط وأدامها لك» . ودونه «أبقاك الله وحفظك وأتمّ نعمته عليك، وأدامها لك» . ودونه «أن تسقط وأدامها لك» . ودونه «حفظك الله وأبقاك، وأمتع بك» . ودونه «عافانا الله وإيّاك من السّوء» . قال «1» في «صناعة الكتاب» : هذا إذا جرى الأمر على نسبته ولم تتغيّر الرسوم، وإلّا فقد يعرض أن يكون في الدولة من هو مقدّم على الوزير أو مساوى به فتتغير المكاتبة، فقد كان عبد الله بن سليمان (يعني وزير المعتضد) يكاتب أبا الجيش (يعني خمارويه بن أحمد بن طولون) : أطال الله يا أخي بقاك إلى آخر الصدر، للمصاهرة التي كانت بين أبي الجيش وبين المعتضد ولأنّ المعتضد كنّاه. ثم قال: فإن كان الرئيس غير الوزير، فربما زاد في مكاتبته زيادة لمن له محلّ، فيزيده ويكاتبه بزيادة التأييد ودوام العزّ. قال: ويدعى للفقهاء: أدام الله بقاءك في طاعته وسلامته وكفايته وأعلى جدّك وصان قدرك، وكان لك ومعك حيث لا تكون لنفسك. أو: أدام الله بقاءك في أسرّ عيش وأنعم بال، وخصّك بالتوفيق لما يحبّ ويرضى، وحباك برشده، وقطع بينك وبين معاصيه. أو أطال الله بقاءك بما أطال به بقاء المطيعين، وأعطاك من العطاء ما أعطى الصالحين. أو: أكرمك الله بطاعته، وتولّاك بحفظه، وأسعدك بعونه، وأيّدك بنصره، وجمع لك خير الدنيا والآخرة برحمته، إنه سميع قريب. أو: تولّاك من يمسك السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه، وكان لك من هو بالمؤمنين رؤوف رحيم. أو: أكرم الله عن النار وجهك، وزيّن بالتقوى تجمّلك. أو: أكرمك الله بكرامة تكون لك في الدنيا عزّا، وفي الآخرة من النار حرزا. الضرب الثالث (المكاتبة إلى النظراء، والمخاطبة فيه بالكاف) قال في «صناعة الكتّاب» وأعلى ما يكتب في ذلك (يعني بالنسبة إلى

الضرب الرابع (المكاتبة إلى الأبناء، والخطاب فيه بالكاف)

المكتوب إليه) «يا سيّدي أطال الله بقاءك وأدام عزّك وتأييدك إلى آخر الصدر» . ودونه «أطال الله يا سيدي بقاءك» . ودونه «يا سيّدي وأخي أطال الله بقاءك» . ودونه «أدام الله يا أخي بقاءك» . الضرب الرابع (المكاتبة إلى الأبناء، والخطاب فيه بالكاف) قال في «صناعة الكتاب» يكتب الرجل إلى ابنه: بأبي أنت، أو: فداك أبوك. أو: مات قبلك. أو: أسأل الله عزّ وجلّ حفظك وحياطتك ورعايتك. أو: أرشدك الله أمرك. أو: أحسن البلاغ بك. أو: بلّغ الله بك أفضل الأمل، وأتمّ السرور بك، وجعلك خلفا صالحا، وبقيّة زاكية. الضرب الخامس (المكاتبة إلى الفتيان، والخطاب فيه بالكاف) قال النحاس: يدعى لهم: صرف الله السوء عنك، وعن حظّي منك. أو: أطال الله بقاء النعمة عليك وعليّ فيك. أو: جعلت أنا وطارفي وتالدي فداك. أو: ملّاني الله إخاءك، وأدام بقاءك. أو: أستودع الله عزّ وجلّ ما وهب لي من خلّتك، ومنحني من أخوّتك، وأعزّني به من مودّتك. أو: حاط الله حظّي منك، وأحسن المدافعة عنك. أو: ببقائك متّعت، وفقدك منعت. أو: نفسي تفديك، والله يبقيك، ويقيني الأسواء فيك. أو: ملّاني الله النعمة ببقائك، وهنأني ما منحني من إخائك. أو: أبقى الله النعمة لي ببقائها لك، وبلّغتها بك. أو: وفّر الله حظّي منك، كما وفّر من المكارم حظّك. أو: ملّاني الله ببقاك، كما منحني إخاك. أو: دافع الله لي وللمكارم عن حوبائك «1» ، وأمتعني ببقائك، وجمع أملي فيك بجمعه المكارم لك. أو: زادك الله من النّعم حسب تزيّدك في البرّ لإخوانك، وبلّغ بك أملهم كما بلّغ بهم آمالهم فيك.

الضرب السادس (المكاتبة إلى النساء)

الضرب السادس (المكاتبة إلى النساء) قد ذكر النحاس أنهنّ يكاتبن على نظير ما تقدّم من مكاتبة الرئيس والمرؤوس والنظير، غير أنه قد وقع في الاصطلاح من بعضهم أنه لا يقال في مكاتبتهنّ: وكرامتك ولا وأتمّ نعمته عليك، ولكن وأتم نعمته لديك، ولا فضله عندك، ولا سعادتك، ولا فعلت ولا أن تفعلي، ولكن يقال: إن رأيت أن تمنّي بذلك مننت به، وما أشبه ذلك، وقد تقدّم في الكلام على مقدّمات المكاتبات بيان كراهتهنّ لذلك. قلت: ثم راعى الكتّاب في تعظيم المكتوب إليه أن عدلوا عن خطابه بالكاف عن «1» نظير خطاب المواجهة إلى معنى الغيبة، فقالوا: له، وإليه، وعنده، ونحو ذلك وخصّوا الخطاب بالكاف بأدنى المراتب في حقّ المكتوب إليه. على أنه قد تقدّم من كلام النحاس إنكار ذلك على من اعتمده محتجّا عليه بأنه لا أعظم من الله تعالى مع أنه يقال في الدعاء يا الله ونحو ذلك. وقد ذكر ابن حاجب «2» النّعمان في كتابه «ذخيرة الكتاب» أدعية مرتّبة على

الغيبة، وقال: أعلاها «أطال الله بقاءه، وأدام تمكينه وارتقاءه، ورفعته وسناءه، وكبت عدوّه» . ودونه «أطال الله بقاه، وأدام تأييده، وعلاه وتمهيده، وكبت عداه» . ودونه «أطال الله بقاءه، وأدام تأييده وحرس حوباءه» . ودونه «أطال الله بقاه، وأدام تأييده ونعماه» . ودونه «أطال الله بقاه، وأدام نعماه» . ودونه «أطال الله بقاه، وأدام عزّه» . ودونه «أطال الله بقاه، وأدام توفيقه وتسديده» . ودونه «أطال الله بقاه، وأدام سداده وإرشاده» . ودونه «أطال الله بقاه، وأدام حراسته» . ودونه «أدام الله تأييده» . ودونه «أدام الله توفيقه» . ودونه «أدام الله عزّه وسناءه» . ودونه «أدام الله عزّه» . ودونه «أدام الله حراسته» . ودونه «أدام الله كرامته» . ودونه «أدام الله سلامته» . ودونه «أدام الله رعايته» . ودونه «أدام الله كفايته» . ودونه «أبقاه الله» . ودونه «حفظه الله» . ودونه «أعزّه الله» . ودونه «أيّده الله» . ودونه «حرسه الله» . ودونه «أكرمه الله» . ودونه «وفّقه الله» . ودونه «سلّمه الله» . ودونه «رعاه الله» . ودونه «عافاه الله» . وعلى معنى الغيبة يقال في الدّعاء: أطال الله بقاء الأمير، أو بقاء القاضي، أو بقاء سيّدي، أو بقاء مولاي، وما أشبه ذلك في كلّ رتبة بحسبها. واعلم أن الذاهبين من الكتّاب إلى إجراء المخاطبة في المكاتبة على معنى الغيبة كما هو طريقة ابن حاجب النّعمان وغيره، يعبّرون عن المكتوب إليه بلقبه الخاص: كالوزير، والأمير، والحاجب، والقاضي، وما أشبه ذلك، وذكره بالسيادة وما في معناها، مفضّلين لفظ الجمع، كسيّدنا ومولانا على لفظ الإفراد كسيدي ومولاي، وينعتون المكتوب إليه بالجليل أو الحاجب «1» الجليل، ويجعلون الإفراد دون ذلك في الرتبة فيقولون: سيّدي، أو مولاي الأمير الجليل، أو الحاجب الجليل، ونحو ذلك. ثم توسّعوا في ذلك فجعلوا الدّعاء متوسّطا كلام الصدر على القرب من الابتداء، مقدّمين بعض كلام الصدر عليه، ومؤخّرين بعضه عنه، مثل أن يقال في المكاتبة بشكر: إذا كان الشّكر- أطال الله بقاء سيدنا

الأمير فلان- ترجمان النّيّة، ولسان الطويّة، وشاهد الإخلاص، وعنوان الاختصاص، وسببا إلى الزّيادة، وطريقا إلى السّعادة، وكانت معارفه قد أحاطت بمعادنه واستولت على محاسنه، فألسن آثارها مع الصّمت أفصح من لسانه، وبيانها مع الجحود أبلغ من بيانه، ونحو ذلك. ثم أحدثوا اصطلاحا آخر أضافوه إلى الاصطلاح الأوّل، فقدّموا على الدعاء لفظ «كتابنا» أو لفظ «كتابي» رتبة دون رتبة، مثل أن كتبوا: كتابنا- أطال الله بقاء الأمير! ونحن على أفضل ما عوّدنا الله من انتظام الأمور وسدادها، واستقامتها بحضرتنا واطّرادها، أو كتابي- أطال الله بقاء مولاي الحاجب- عن سلامة ينغّصها فقدك، وينتقصها فراقك، وما يجري مجرى ذلك. وربما أبدلوا لفظ كتابنا أو كتابي بلفظ كتبت بصيغة الفعل، وربما ابتدأوا بلفظ أنا ونحوه. ثم خرج بهم الاختيار إلى مصطلحات اصطلحوا عليها مع بقاء بعض المصطلح القديم، فخاطبوا بالحضرة تارة، وبالخدمة تارة، وبالمجلس أخرى، فكتبوا: كتابي، أطال الله بقاء حضرة سيّدنا الوزير، أو سيّدنا الأمير، ونحو ذلك، أو أسعد الله الحضرة، أو أسعد الله الخدمة، أو ضاعف الله جلال الخدمة، أو أعزّ الله أنصار الخدمة. وربما كتبوا: صدرت هذه الخدمة إلى فلان. وقد يكتبون: صدرت هذه الجملة، إلى غير ذلك من تفنّناتهم التي لا يسع استيعابها، ولا يمكن اجتماع متفرّقها. قلت: وبالجملة فضبط صدور الإخوانيّات وابتداءاتها على هذا المصطلح غير ممكن لاختلاف مذاهبهم في ذلك، والذي تحصّل لي من كلام النحاس وابن حاجب النعمان، وترسّل أبي إسحاق «1» الصابي، والعلاء بن «2» موصلايا، وأبي

الأسلوب الأول (أن تفتتح المكاتبة بالدعاء)

الفرج الببّغاء «1» وغيرهم من الكتّاب المجيدين أنّ الغالب في المكاتبات الدائرة بين أعيان الدول على سبعة أساليب: الأسلوب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة بالدعاء) كما كتب أبو إسحاق الصابي إلى الصاحب إسماعيل «2» بن عبّاد بالشكر والتشوّق: أطال الله بقاء سيدنا الصاحب الجليل، في سلامة دنيا ودين، ونفاذ أمر وتمكين، وتمام عزّ وتأييد، وثبات وطأة وتمهيد، وعلوّ قدر وسلطان، وتعاظم خطر وشان، وتولّاه في نفسه وأوليائه بأحسن ما عرف وألف، من نعم دارّة الحلب متفرّعة الشّعب، محميّة الجهات والجوانب، محجوبة عن النوائب والشّوائب، وأراه في حسّاد فضائله، وكفّار فواضله، ما عوّده فيهم من شقاء جدودهم، وفلول حدودهم، وحلول النّكال بهم، وإثبات العصمة منهم، وجعل حكمه قطبا لمدار الأفلاك، ونهجا لمجاري الأقدار، فلا ينزل منها محبوب مطلوب إلّا توجّه إليه ونحاه، ولا محذور إلّا أعرض عنه وتحاماه، ثم كان برؤوس معانديه حلوله،

الأسلوب الثاني (أن يتوسط الدعاء صدر الكتاب بعد الابتداء بكلام مناسب للحال)

وبرقابهم إحاطته، وفوق ظهورهم محمله، وعلى صدورهم مجثمه، أمرا جزما قضاه الله له وخصّه به، وأعطته الأيام عليه عهد أمانها، وأمرّت له به عقد ضمانها، عاطفة عليه بطاعتها ومواتاتها، مغضية له عن نوائبها ونبواتها، وحقيق عليه جلّ اسمه أن يفعل ذلك به، ويسمع هذا الدعاء فيه، إذ كان مرفوعا إليه في أوفر عباده فضلا، وأغمرهم نيلا، وأجزلهم أدبا، وأكثرهم حسبا، وأعملهم بطاعته، وأولاهم بإحسانه ومعونته. كتبت هذا الكتاب أطال الله بقاء سيدنا الصاحب الجليل، ثم انخرط في سلك مقصده إلى آخره. الأسلوب الثاني (أن يتوسّط الدعاء صدر الكتاب بعد الابتداء بكلام مناسب للحال) كما كتب أبو إسحاق الصابي أيضا عن بعض الأمراء إلى أمير آخر، مبشّرا بفتح: ومن أعظم النّعم- أطال الله بقاء مولانا الأمير الجليل- خطرا وأحسنها أثرا، نعمة سكّنت ثورة، وأطفأت فورة، وعادت على الناس بجميل الصّنع، وجليل النّفع، ونظام الأمور، وصلاح الجمهور، فتلك التي يجب أن يكون الشكر عليها مترادفا، والاعتداد بها متضاعفا، بحسب ما أزالت من المضرّة، وجدّدت من المسرّة، وأماطت من المحذور، ونشرت من المأمول. وحقيق على الناس أن يعرفوا حقّها ويوفوها من حمد الله قسطها، ويتنجّزوه وعده الحقّ في أدائها، وإطالة الإمتاع بها، والحمد لله على أن جعلنا ممن يعرف ذلك ويهتدي إليه، ويعتقده وينطوي عليه، ويؤدّي فرض الاجتهاد في الاستدامة والاستزادة منه، وأن خصّنا من هذه النّعم بذوات الفضل السابغ، والظّلّ الماتع، الجامعة لكبت العدوّ ومساءته، وابتهاج الوليّ ومسرّته، وهو المسؤول جلّ اسمه وعزّ ذكره، أن لا يسلبنا ما ألبسناه من سرابيلها، وأجرّناه من فضل ذيولها، وعوّدناه من جلالة أقدارها، وتعاظم أخطارها، ولا يعدمنا معونة منه على بلوغ أقصى الوسع

الأسلوب الثالث

في الاعتداد بها، ومنتهى الطّوق في البشر لها، بمنّه وطوله، وقوّته وحوله. وقد عرف مولانا الأمير فلان ما كان من كذا وكذا، ثم أتى على ذكر الفتح إلى آخره. الأسلوب الثالث أن يفتتح الكتاب بلفظ «كتابي» كما كتب الصابي عن الوزير أبي عبد الله الحسن بن سعدان، إلى فخر «1» الدولة بن بويه في بشارة فتح: كتابي- أطال الله بقاء مولانا الأمير الجليل فخر الدولة- ومولانا الملك السيّد صمصام الدولة وشمس الملّة، جار على أفضل حال، جمع الله بينهما في تمام عزّ ونصر، ونفاذ أمر ونهي، وعلوّ كلمة ورأي، وسبوغ موهبة ونعمة، وشكر الله يستزيد من فضله، ويستدرّ المادّة من طوله، وأنا جار فيما أحمّله من أعباء خدمتهما، وأتولّاه من تعاظم شؤونهما، على أجمل ما عوّد الله وزراء هذه المملكة المناصحين لها، وأوليائها المحامين عنها، من هداية إلى مراشد الأمور، وتوفيق لصواب التدبير، والحمد لله ربّ العالمين، وقد كان كذا وكذا. الأسلوب الرابع أن يفتتح الكتاب بلفظ «كتبت» كما كتب الصابي إلى صاحب الجيش في تعزية: كتبت- أطال الله بقاء سيدنا صاحب الجيش- والعين عبرى، والكبد حرّى، والصبر مسلوب، والعزاء مغلوب، بالفجيعة في سيّدي فلان نضّر الله

الأسلوب الخامس

وجهه، وكرّم منقلبه، التي هدّت الجلد، وفتّت في العضد، وبسطت عذر الجزوع، وهجّنت حلم الحليم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وإلى أمره صائرون، وعند الله نحتسبه غصنا ذوى، وشهابا خبا، وعلق مضنّة علقت به أيدي النّوائب، وتخيّرته سهام المصائب، وقارنت بين قلوب الأباعد والأقارب، والخواصّ والعوامّ في التألم لفقده والاستيحاش لمصرعه، والكآبة لوقوع المحذور به، وعزّ عليّ أن يجري لساني بهذا القول، ويدي بهذا الخطّ، إلى آخر المكاتبة. الأسلوب الخامس أن يفتتح الكتاب بالخطاب، كما كتب صاحب ديوان الإنشاء في زمن المسترشد «1» عن نفسه، إلى شجاع الدولة وزير دمشق، بعد هلاك زنكي «2» بن اقسنقر: أيها السيد الرئيس المحامي عن سربه، والذي قصّر إلّا في المعالي، ربّ ناء بجسمه وهو دان بقلبه، وغريب إذا نسبت وأمير على دمشق مطاع في صحبه، وله بالعراق إخوان من حزبه، إلى آخر المكاتبة. الأسلوب السادس أن تفتتح المكاتبة بلفظ: «أنا» كما كتب الصابي عن نفسه إلى الأثير أبي الحسن يهنّئه بعيد:

الأسلوب السابع

أنا- أطال الله بقاء سيّدنا الأستاذ الأثير- أحاول الخدمة له والقربة منه منذ وصلت إلى العسكر المنصور، فيعترض دون ذلك عوارض يجري بها المقدور، إلى الحين الموقّت المسطور، وقد علم منّي وشهر عني كذا وكذا، إلى آخر الكتاب. الأسلوب السابع أن تفتتح المكاتبة بلفظ «صدرت» أو «أصدرت» كما كتب صاحب ديوان الإنشاء في زمن المسترشد عن نفسه إلى أبي الفرج سعد بن محمد تشوّقا: صدرت هذه الجملة إلى فلان، ولواعج الأشواق إليه متضاعفة مترادفة، واستمرار الصّبر على البعد عنه قد رثّ قواه، ووهن عراه، وأعوزنا وجدانه إذ عنّت ذكراه، وإن كان ذكره سمير الخاطر، وتجاه الناظر، والغريم الملازم، الذي يستحق غالبه اللبيب الحازم، إلى آخر الكتاب. المهيع الثاني (في الأجوبة على هذا المصطلح، وهي على ضربين) الضرب الأوّل أن يفتتح الجواب بما يفتتح به الابتداء ثم يقع التعرّض بعد ذلك لوصول الكتاب والجواب عنه، إما ملاصقا لأوّل الابتداء، وإما بعد كلام طويل. فأما ما هو متصل بأوّل الابتداء، فكما كتب الصابي: كتابي- ووصل كتاب مولاي وفهمته، وجلّ عندي قدره وموقعه، وسكنت إلى ما دلّ عليه من سلامته، وسألت الله أن يسبغ عليه ظلّها، ويملّيه نعمه كلّها، فأما ما ذكره من كذا وكذا، إلى آخر الكتاب. وأمّا ما هو بعد كلام طويل، فكما كتب الصابي أيضا عن نفسه إلى الصاحب

ابن عبّاد» : كتابي- أطال الله بقاء مولانا الصاحب الجليل كافي الكفاة- وليس من جارحة إلّا ناطقة بشكره وحمده، ولا في الدّهر جراحة إلّا عافية بفضله ورفده، وأنا مستمرّ له على دعاء، إن خلوت من أن يكون عائدا لصلاحي، ورائشا لجناحي، لألتزمنّه عن الأحرار العائشين في نداه، المستظلّين بذراه «2» ، فكيف وأنا أوّل ساهر في مرابعه، ووارد لشرائعه، وأحوالي جارية على استقامة أقوى أسبابها تصرّف الأيام على آرائه، واتباعها إيثاره في أوليائه وأعدائه. والحمد لله رب العالمين، قضاء لحقّه واقتضاء لمزيده، واستدامة للنّعمة عنده، التي استحصفت في أيدينا سعتها، وسالت علينا شعابها، وغمرتنا سجالها، وتفيّأت لنا ظلالها، وما يزال بين رغبة مولانا الصاحب الجليل كافي الكفاة- أدام الله علوّه، وكبت عدوّه، في عبده ورغبة عبده إليه سرّ مكنون في الصّدور، ومستور تحت الضّلوع، فهما يتناجيان به على بعد الدار، ويلتقيان عليه بالأفكار، فإن تطلّع من حجاب القلوب، وشذّ من ظهور الغيوب، فإنّ ظهوره يكون من جهته في نفحات الإنعام، ومن جهتي في ثمرات الكلام. وقد وصل كتابه المخطوط بكرمه لا بقلمه، إلى صنيعته الماثل بين يديه بهممه لا بقدمه، فلم يستطع أن ينهض من الفكر، إلّا بقدر ما يبرّيء ساحته من الكفر، ويبلّغه إلى آخر الاجتهاد والعذر، وأسأل الله أن يطيل بقاءه للإفضال المأخوذ منه، والفضل المأخوذ عنه، والعلم الذي يزخر به بحره، والفخر الذي يسحب له ذيله، والعزّ الذي ضرب عليه رواقه، والسلطان الذي ألقي إليه استحقاقه، والأمر والنهي اللذين يحويهما تراثا واكتسابا، إذا حواهما غيره غلولا واغتصابا، بمنّه وطوله، وقد كان كذا وكذا.

الضرب الثاني (أن يفتتح الجواب بلفظ «ورد أو وصل» ونحوهما)

الضرب الثاني (أن يفتتح الجواب بلفظ «ورد أو وصل» ونحوهما) كما كتب الصابي عن الوزير أبي عبد الله بن سعدان في جواب كتاب ورد عليه: وصل كتابك- أطال الله بقاءك- وفهمته، وأدّى فلان ما تحمّله عنك ووعيته، وازددت به بصيرة في سدادك ومعرفتك، وفضلك وحصافتك، واجتماع الأدوات الجميلة فيك، الداعية إلى إعلاء محلّك، وحميد حالك، والثّقة بك، والاستنامة إليك، وأنهيت ذلك إلى الملك فلان، فأصغى إليه مستمعا، وأوجب لك به حقّا متضاعفا، وأمرني بكذا وكذا إلى آخر مراده. وكما كتب أبو الفرج «1» الببّغاء في جواب كتاب: ورد كتابك مشافها من البرّ، ومؤدّيا من الفضل، ومتحمّلا من المنن، ما تجاوز الإنصاف إلى الإسراف، وقرن الإكرام بالإنعام، ولم أدر أيّ المنح به أشكر، ولا بأيّ العوارف له أعترف؛ أبما تحمّله من جميل نيّته، أم ما أدّى من جليل مخاطبته، أم ما ناجتني به فوائد ملاطفته، أم ما اعتمدني من حلاوة مفاوضته، إلى غير ذلك من الوصول إلى النعمة التي لا أطاولها بشكر، ولا أقاومها بمنّة اعتداد، وهو ابتداؤه إيّاي من المكاتبة بما أحرز به على عادته قصب السّبق، وزاد على الرّغبة مبرهنا وبصادق الودّ مخبرا، وإلى البسط دليلا، وعلى مستأنف الخدمة بالمواصلة باعثا، ووجدته أيده الله قد فعل كذا وكذا. المهيع الثالث (في خواتم الإخوانيّات على هذا المصطلح) واعلم أنه لم يكن لهم ضابط للاختتامات، ولا ما يقتضي ملازمة اختتام معين لصدر معيّن، بل ذلك موكول إلى رأي الكاتب لا يراعي فيه غير علوّ الرتبة

وهبوطها، حيث تفاوتت رتب الاختتامات عندهم. ثم الاختتامات لديهم على أنواع شتّى: منها- الاختتام باستماحة الرّأي، وهو على مراتب: أعلاها «ولمولانا علوّ الرأي في ذلك» كما كتب الصابي في خاتمة كتاب: ولمولانا علوّ الرأي في تشريف خادمه بالقبول، والتقدّم بإعلامه بالوصول، واستخدامه بما يتعلق بآرابه «1» وأطاره- ومن نظائر ذلك وأشكاله- إن شاء الله تعالى. ودون ذلك- الاختتام بلفظ «فإن رأى كذا وكذا فعل» كما كتب الصابي في خاتمة كتاب بشارة بفتح: فإن رأى سيّدي أن يعرّفني موقع هذه البشرى منه، ومقابلتها بالشكر الواجب عليها، ويتقدّم بإشاعتها في نواحيه وأعماله، ليكبت الله به عدوّه وعدوّنا، ويكاتبني بما أتطلّعه من أحواله وأخباره، وأتعمّد إسعافه به من مآربه وأوطاره، فإنّي أعتدّه شريكا لنا مساهما، وخليطا مفاوضا، فعل إن شاء الله تعالى. ودونه «فرأيك في كذا وكذا» كما كتب أبو الفرج الببّغاء في خاتمة كتاب في الحثّ على مواصلة الكتب، فرأيك في إيناسنا بكتبك متضمنة ما نؤثره من انبساطك، ونعلمه من أخبارك، موفّقا إن شاء الله تعالى. وقد تقدّم في الكلام على أصول المكاتبات لأيّ معنى كان فرأيك دون فإن رأيت. وذكر ابن حاجب «2» النّعمان أنّ أعلى المراتب «وللآراء العالية فضل السموّ ومزيد القدرة. ودونه «ولرأي المجلس الفلانيّ فضله وسموّه» . ودونه «ولرأي الحضرة الفلانية فضله» . ودونه «ورأي حضرة مولانا أسمى» . ودونه «ورأي حضرة مولاي العالي» . ودونه «ورأيه موفّقا» . ودونه «ورأيه السديد» . ودونه «ورأيه الأرشد» .

ودونه «والمؤثر كذا» . ودونه «فأحبّ أن يفعل كذا» . ودونه «ويجب أن يفعل كذا» . ودونه «فافعل كذا من غير مخالفة» . ودونه «واحذر المخالفة» . ومنها- الاختتام بالدعاء، كما كتب الصابي خاتمة كتاب «وأسأل الله أن يطيل بقاءه، ويصل إخاءه، ويحفظه بعيدا وقريبا، ويرعاه غائبا وحاضرا. ومنها- الاختتام بطلب مواصلة الكتب، كما كتب الصابي في خاتمة كتاب: وأنا أسأله أن يواصلني بكتبه، مضمّنة أخباره الطيّبة، وأمره الممتثل، وأوطاره ومهمّاته، معتمدا بذلك، إن شاء الله تعالى. ومنها- الاختتام بترك التكليف بالمكاتبة في غير الضروري، كما كتب الصابي في آخر مكاتبة: وما أطالب سيدي بالمكاتبة إلّا عند الحاجة العارضة، فإنه يفيدني بها جميلا أشكره، ويستفيد مني سعيا يحمده، فأمّا ما عدا ذلك مما يشغل أوقات راحته، ويسدّ فرج خلوته، فإنني أستعفي منها استعفاء المتقرّب إليه، المؤثر لما خفّ عليه، وله فيما سألت فضل النظر فيه، والإسعاف به، إن شاء الله تعالى. ومنها- الاختتام بالتحذير من المخالفة، كما كتب الصابي في خاتمة الكتاب إلى جماعة بتحصيل قوم: وليكتب كلّ واحد منهم بخبر من عسى أن يظفر به من هؤلاء، أو يقف على موضعه، أو ينتهي إليه شيء من خبره، وليحذر من التقصير في ذلك. إلى غير ذلك من الاختتامات التي لا تحصى كثرة. وقد ذهب كثير من الكتّاب [إلى عدم تفضيل بعض الاختتامات على بعض] «1» على أنّ ابن حاجب النّعمان قد قال في «ذخيرة الكتاب» : إنّ أعلى ذلك بالنسبة إلى المكتوب إليه، وللآراء الفلانيّة فضل السّموّ ومزيد القدرة. ودونه «ولرأي المجلس الفلاني فضله وسموّه» . ودونه «ولرأي الحضرة الفلانيّة فضله» .

المهيع الرابع (في عنوانات الكتب على هذا المصطلح، وفيها أربعة أحوال)

ودونه «ورأي حضرة سيدنا أسمى» . ودونه «ورأي حضرة مولاي العالي» . ودونه «ورأيه موفّقا» . ودونه «ورأيه السّديد» . ودونه «ورأيه الأرشد» . ودونه «والمؤثر كذا» . ودونه «فأحبّ كذا» . ودونه «ويجب أن يفعل كذا» . ودونه «وسبيله أن يعتمد كذا» . ودونه «فافعل كذا» . ودونه «فافعل كذا من غير مخالفة» . ودونه «واحذر المخالفة» . المهيع الرابع (في عنوانات الكتب على هذا المصطلح، وفيها أربعة أحوال) الحالة الأولى- أن يكون العنوان من الرئيس إلى المرؤوس . قد ذكر في «صناعة «1» الكتّاب» أنّ العنوانات من الوزير والقاضي وغيرهما من الرؤساء على تسع مراتب: (الأولى) أن يكتب في الجانب الأيمن «لأبي فلان أطال الله بقاءه وأعزه» ، وفي الجانب الأيسر «من فلان بن فلان» باسم الوزير واسم أبيه إن لم يكنّه الإمام، فإن كنّاه، كتب «من أبي فلان» ، والقاضي في معنى ذلك. (الثانية) أن يكتب في الجانب الأيمن «لأبي فلان أطال الله بقاءه» فقط، ويكتب الاسم «2» ولا يكتب: وأعزّه. (الثالثة) أن يكتب في الدعاء للمكتوب إليه: أدام الله عزّه. (الرابعة) أن يكتب: أعزّه الله. (الخامسة) أن يكتب: أكرمه الله وأدام كرامته. (السادسة) أن يكتب: أكرمه الله، وفي ذلك يكتب اسم الوزير في الجانب الأيسر.

(السابعة) أن يكتب: أبقاه الله، ولا يذكر اسم الوزير في هذه المرتبة وما بعدها. (الثامنة) أن يكتب: حفظه الله، ولا يكتب اسم الوزير. (التاسعة) أن يكتب: عافاه الله. وعلى نحو ذلك جرى ابن حاجب النّعمان في «ذخيرة الكتاب» فقال: إنه يبدأ في الجانب الأيمن بذكر المكتوب إليه ونعوته وكنيته واسمه واسم أبيه ونسبه المشهور من ناحيته أو قبيلته أو بلده، ثم يذكر المكتوب عنه في الجانب الأيسر باسمه واسم أبيه، فإن كان الكتاب عن الوزير، ذكر كنيته في الجانب الأيسر، إن كان الإمام أمره أن يكاتب متكنّيا أو متلقّبا. وقد سبق في الكلام على أصول المكاتبات في أوّل الباب الثاني من هذه المقالة أنّ من السّلف من كره لأبي فلان وقال: الصواب أن يكتب إلى أبي فلان. قال في «صناعة الكتاب» ويكتب: لأبي الحسن، فإن أعدت الكنية في الناحية الأخرى رفعت فقلت: أبو الحسن عليّ بن فلان على المبتدإ والخبر أو على إضمار مبتدإ، وإن شئت خفضت على البدل، فإن لم تعد الكنية كان الخفض أحسن فقلت لأبي الحسن. ثم قال: وإن كتبت إلى رجلين كنية كلّ منهما أبو الحسن، كتبت لأبوي الحسن، إذا لم يكن لهما ولد يقال له الحسن، فإن كان لكل منهما ولد يقال له الحسن، جاز أن يكتب لأبوي الحسنين. قال: والاختيار أن يكتب لأبوي الحسن أيضا؛ لأنّ المعنى للّذين يقال لكلّ واحد منهما أبو الحسن. ويجوز أن يكتب إلى الرجلين اللّذين يكنّيان بأبي الحسن: لأبي الحسن بفتح الباء وكسر الياء على لغة من قال جاءني أبك، والأصل فيه لأبين الحسن سقطت النون للإضافة، ويكتب في الجميع لأبي الحسن بكسر الباء، الأصل لأبين بكسرها أيضا، سقطت النون للإضافة على لغة من قال: جاءني أبوك يعني بضم «1» الواو،

الحالة الثانية - أن يكون العنوان من المرؤوس إلى الرئيس

ويجوز أن يكتب لرجل كنيته أبو الحسن لأبا الحسن على لغة القصر، كما يقال لفتى الحسن. قال في «ذخيرة الكتاب» وإن كان الكتاب إلى اثنين «1» وكنايتهما مختلفة، كأبي جعفر، وأبي منصور، وأبي بكر، كتبت آباء جعفر ومنصور وبكر. وإن كانت كنايتهم متفقة مثل أن تكون كنية كلّ منهم أبو جعفر كتبت آباء جعفر. الحالة الثانية- أن يكون العنوان من المرؤوس إلى الرئيس . قد ذكر «النحاس» عن الفضل بن سهل أنه إذا خوطب الكفء «بجعلني الله فداءك» بالصدر الكامل، فأحسن دعائه للعنوان، «أعزّه الله وأطال بقاءه» ، وذكر أنه إذا كوتب بأعزّه الله فأجمل العنوان مدّ الله في عمره. قال في «صناعة الكتّاب» ولا يتكنّى الرجل في كتبه، إلّا أن تكون كنيته أشهر من اسمه فيتكنّى على نظيره، ويتسمّى لمن فوقه، ثم يلحق المعروف أبا فلان، أو المعروف بأبي فلان. قال: ويكتب: من أخيه، إن كانت الحال بينهما توجب ذلك. الحالة الثالثة- أن يكون العنوان من الرجل إلى ابنه ومن في معناه ، قد ذكر النحاس أنه يعنون إليه من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان، ثم قال: وكذا كبير الإخوة والرجل إلى أهل بيته. الحالة الرابعة- أن يكون المكتوب إليه امرأة . قال في «صناعة الكتّاب» : إن كان المكتوب إليه أمّ الخليفة، كتب: للسيدة أمّ فلان أمير المؤمنين، وإن كانت امرأة الخليفة وكان ابنها معهودا إليه بالخلافة، كتب للسيدة أمّ فلان وليّ عهد المسلمين، وإن كانت امرأة رجل جليل، كتب للحرّة أمّ فلان، ولا يكتب اسمها، ويدعو لها بالدعاء الذي يكون خطابها به.

المقصد الثاني (في [رسوم] إخوانيات أهل المغرب)

هذا ما كان الحال عليه في زمن النحاس في خلافة الراضي وما حولها. وقد ذكر ابن حاجب النعمان في «ذخيرة الكتّاب» أنّ الحال تغيّر عن ذلك عند تغيّر المكاتبات إلى المجلس العالي، والحضرة السامية، وما يجري مجرى ذلك، ثم قال: فعلى هذا إذا كتب إلى المكتوب إليه بالمجلس العالي أو السامي ونعوته، فيجب أن يكنّي عن نفسه بالمملوك أو مملوكه أو العبد أو الخادم. وإذا كتب: الحضرة السامية أو العالية ونعوتها، فيجب أن يكنّي عن نفسه الخادم أو خادمها أو عبدها أو إذا كتب: حضرة سيدنا ونعوتها، فيجب أن يكنّي عن نفسه خادمها أو خادمه وعبدها أو عبده. وإذا كتب: حضرة مولانا ونعوته، فيجوز أن يكنّي عن نفسه ما شاء من ذلك. قال: وفي الكتابة إلى النظير لا ضابط لعنوانه كما لا ضابط لمكاتبته، بل له أن يكنّي عن نفسه بما شاء مما تقدّم ذكره. ثم قال: وإن كانت المكاتبة من الرئيس إلى المرؤوس، فيجب أن يكنّي: حضرة الفلاني بغير مولاي- ودونه: الفلاني بغير حضرة، وكنيته ونعوته واسمه واسم أبيه، ويكنّي عن نفسه ما يختار أن يكتبه الرئيس إلى المرؤوس مما هو معروف مشهور، ويزيد في اسمه واسم أبيه ألفا ولا ما، إن كانا مما يجوز أن يزاد [فيهما] ، وإذا كتب المرؤوس إلى الرئيس وكنّى عن نفسه بما كنّى، فيجب أن يحذف من اسمه واسم أبيه الألف واللام. قال: وللرئيس أن يكتب عن نفسه بما شاء من الكنايات التي تليق بمنصبه واسمه واسم أبيه ونعته المقترن بأمير المؤمنين، مثل ناصر أمير المؤمنين، وحسام أمير المؤمنين، وما أشبه ذلك. المقصد الثاني (في [رسوم] إخوانيّات أهل المغرب) وعادتهم فيها أن يكون الخطاب فيها خطاب المواجهة. مثل: أنت، وأنا، ولك، وعندي، وعندك. وربّما خاطبوا الواحد بميم الجمع تعظيما للمكتوب إليه، كما يعبّر عن المتكلّم الواحد بنون الجمع تعظيما له. قال ابن شيث في

[الجملة الأولى (في مفتتحات المكاتبات على اصطلاحهم، وفيها مهيعان)

«معالم الكتابة» : ولا يعرف ذلك لغيرهم، وربّما وقع الخطاب عندهم على الغيبة أيضا، وفيه جملتان: [الجملة الأولى (في مفتتحات المكاتبات على اصطلاحهم، وفيها مهيعان) المهيع الأوّل (في ابتداء المكاتبات، وهي على طرق) ] «1» منها- أن تفتتح المكاتبة بالدعاء؛ إمّا بطول البقاء كما كتب عبد الله بن طاهر «2» : أطال الله بقاء سيدي الأعلى، ومفزعي في الجلّى، متمّمة عليه النّعم، ميسّرة لديه الهمم، أقول بدءا أيّدك الله: لقد أعشى الناظرين سناك، كما أعيا الطالبين مسعاك، ولئن فتّ الجميع، لقد أبدعت الصّنيع، فلا غاية لمجد إلّا وأنت آتيها، لا ذروة لعزّ إلّا ومن ظباك بانيها، لك الهدى والناس ضلّال، وفي يديك الضوء والكلّ أغفال، وإن الأمر كذا وكذا. وكما كتب أبو المطرّف بن عميرة «3» : أطال الله بقاء الأخ السّريّ الكريم، الحريّ بالتّقديم والتعظيم، أوحد فرسان الإحسان، وواحد عقبان البيان، ولا زال قلمه جالي بدائع السّحر، جالب بضائع الشّحر «4» مغبوط السّبق، عند كلال جياد

الكلام، مبسوط الرّزق، في حال إملاق الأقلام، إن ذكرت- أبقاك الله- البلاغة فمن على موردها يساجلك، أو قيل في شريعتها بنيت على خمس فإنما هي أناملك، صفوها متفجّر من معينك، وشاؤها لا مطمع فيه لغير يمينك، وشأوها تستوفيه في هيئة متمهّل، وجناها ترعاه بعزّة أخي مهلهل، فقد صرت أمام أمّتها، لا بل إمام أئمتها، والراضع لرسلها، بل الواضع لأصلها. فهنيئا لها أن كنت سابق غايتها، وسائق رايتها، وبشرى لمهرق وشّته يراعتك، ومشّته براعتك، لقد أوتي من الحسن ما تشتريه القلوب بحبّاتها وتشتهيه النفوس أكثر من حياتها، وإن الأمر كذا وكذا. وإما بالبقاء المجرّد. كما كتب أبو محمد بن عبد «1» البرّ، إلى بعض أرباب الأقلام: أبقى الله الشيخ في عزّة تالدة طارفة، وسعادة لا تزال طارقة بكلّ عارفة، ولا زال قاصده مخيّما من رفده بروض ناضر، ومحوّما من مجده على مسرّة سمع وقرّة ناظر، والأمر كذا وكذا. وإما بالدعاء للحضرة. كما كتب أبو زيد «2» الفازازي: أبقى الله حضرة السيد ناضرة أدواح السّعد، عاطرة أفواح المجد، ساكبة أنواع الجدّ، صائبة سهام الجدّ، ولا زالت مغشيّة الجناب، بوفد الحمد، موشيّة

الإهاب، بسودد الحفد. الظّلّ إذا رحب، ازدحم عليه الضّاحون، والورد إذا عذب، ازدلف إليه الممتاحون، وظلّ الحضرة المكرّمة كثيف الأفياء، ووردها مغن عن وسائط الأرشية والدّلاء، فلا غرو أن تضرب إليها أكباد الإبل، وتغصّ بالوفود عليها أفواه السّبل، والله تعالى يعين الحضرة المكرّمة على الأيادي تسوّغها، والآمال تبلّغها، بمنّه. وإن الأمر كذا وكذا. وإما بالدّعاء للمحلّ. كما كتب أبو المطرّف بن عميرة في صدر شفاعة: أبقى الله المحلّ الأعلى حرما يتحاماه الأنام، وعلما تتضاءل له الأعلام، ولا زالت آراؤه الناجحة، تستمدّها العقول والأفهام، ومساعيه الصالحة، يشكرها الله والإسلام، إنّ مجدا سامى الكواكب بمثواه، وسارى الغرّ السواكب في جدواه، لداع إلى استلام كفّه العلية، والاستهام على وصفه الذي له حقيقة الأوليّة، وكيف لا وقد أجار من الدهر المخيف، وصار قبلة كلّ داخل تحت التكليف، يعيد متى أخطأها صلاة الأمل، ويرى الاجتهاد في طلبها من راحة العمل، وإنّ الأمر كذا وكذا- إلى غير ذلك من أنواع الدعاء. ومنها- أن تفتتح المكاتبة بلفظ «كتابي» كما كتب أبو المطرّف بن عميرة إلى بعض العلماء: كتابي إلى سيدي- حفظه الله مقيما وسائرا، وأبقاه لغرر البيان ساحرا، وعن وجه الإحسان سافرا، ولا زالت آدابه تشرق وتروق ساهرا، ومحاسنه كالشمس إذا لم يلق نورها ساترا، من فلانة- والودّ روضة مطلولة، ورحم موصولة، خلص من القلب إلى حبّته، واختصّ منه بما ليس لأحد من أحبّته، وأثار شوقا على قدره، وهوى ثوى في صدره، وأسفا على عهد أصبو إلى ذكره، فات، وردّ الفائت يعسر، وقصر، وأيام السّرور تقصر، كأنما كان قراءة سطر، أو إغفاءة فجر، أو زيارة مجتاز، أو عبارة ذي إيجاز. فمن لنا بذلك الأرج الذكي، والأريحيّ يرتاح لما يخترع أو يحكي، ومتى نفوز بمن ينحت من صخر، ويزري بأبي صخر، ويغرف

من بحر، ويجري مع أبي بحر، ويجمع إسناده بين الجامع والمسند، وينشد من بدائع حفظه ما يؤثر يد المسند، شجرة علم تؤتى كلّ حين أكلها، ومزنة فضل تجود ما نخشى بخلها، وضالّة أدب يقلّ لها أن يجعل القارت «1» جعلها، فات عنّا، فأتعب وعنّى، فهل معين على دواء إن نحن لسعنا، أو سبيل إلى ما يفيدنا من الكلام فنحن في حروف تجيء بغير معنى، وإن الأمر كذا وكذا. ومنها- أن تفتتح المكاتبة بلفظ: كتبت. كما كتب أبو زيد الفازازي: كتبت- كتب الله للأخ الأبرّ الأوفى، والفاضل الذي آثار مآثره لا تخفى، مجدا هامي الرّبابة، سامي الرابة، وذاكرا منتحلا بالإطالة والإطابة، وقرن أعماله بالقبول ودعواته بالاستجابة- من مكان كذا، ولا جديد بيمن الله تعالى إلّا صنعه الجميل، ولطفه العريض الطويل، والحمد لله ربّ العالمين، حمدا يؤمّن آلاءه من التغيير والتبديل، والأمر على كذا وكذا. ومنها- أن تفتتح المكاتبة بكناية عن المكتوب إليه من لقب ونحوه، كما كتب أبو المطرّف بن عميرة لبعض الرؤساء: الجناب الرّياسيّ أدام الله اعتلاءه وحرس مجده وسناءه. صدرت هذه الخدمة إليه من فلانة، ولا مزيد على ما يجب لجلاله من التعظيم، ولفضله من التقديم، ولآلائه من الشّكر العميم، وإنّ الأمر كذا وكذا. وكما كتب أبو بكر «2» بن عيسى شافعا في أنصاريّ:

السيد العماد، والماجد الجواد، والملجأ المنيع المريع لمن يرتاع أو يرتاد، أدام الله علاءه، وضاعف عنده آلاءه، بدر الجملة الشريفة، وفرع الدّوحة المنيفة، من آل قيس الجود، وقيل بني قيلة الباذلين الموجود، أولئك الذين عزّ المهاجرون بإخائهم وسخائهم، فلا غرو أن تكلف الألسنة بمدحه، وتمدّ الأيدي إلى منحه، ويصدّر باسمه تاريخ الأجداد فهو أحقّ مفتتحه، والأمر كذا وكذا. وكما كتب أبو المطرّف بن عميرة، عن الأمير أبي جميل «1» زيّان، إلى الأمير أبي زكريّا «2» بن إسحاق: الأمير الأجلّ الهمام الأعلى حرس الله مقامه، وأسعد أيّامه، وظاهر بالنّصرة مضاءه واعتزامه، راسخ شرف النّجار، ثابت أصل الفخار، مستهلّ آلاء السّحب الغزار، والعيون إليه سامية، والهمم إلى ما لديه مترامية، والصدور بالأمل فيه تشرح، والنفوس الحرّة إلى استرقاقه تطمح، ولا غرو- والكرم من بعض شيمه، والغنى من فضل ديمه- أن يسير إليه في البر والبحر كلّ ذي رغبة، وتترامى نحوه ركائب الرّجاء من كل تربة، ومخاطبتنا هذه إلى مجلسه أيده الله عمّا نعلمه من كبير قدره، ونوجبه لعالي أمره، ونبيح به من طيّب خبره، وجميل ذكره، والأمر كذا وكذا.

وكما كتب أبو الحسن بن شلبون «1» : العماد المذخر، والملاذ الذي بولائه أفخر، جعل الله قدره عاليا، ودهره بمحاسنه حاليا، ولا زال للنّعم قابلا وللأ [سواء] قاليا، كتبت من مكان كذا، والودّ حلية يتألّق رونقها، وشجرة لا يسقط ورقها، وإنها مغروسة، لا تقبل بذر العوادي، ومحروسة، لا يقع عليها من يقع في شجر الوادي، والأمر كذا وكذا. وكما كتب أبو المطرّف بن عميرة إلى بعض الفقهاء شافعا موصيا: المحلّ الأعلى- ضاعف الله أنوار هدايته، وأبقى على الجميع آثار عنايته- مستودع الكمال، ومشرع الآمال، ومقعد أرباب السّؤال، ومصعد الصالح من الأعمال، وإن فلانا من أمره كذا وكذا. وكما كتب ابن أبي «2» الخصال: الشيخ الأجلّ أدام الله عزّه ونعماه، ووصل رفعته وعلاه بتقواه، مجلّ قدركم، وملتزم برّكم وشكركم، العارف بحقّكم، فلان، فكتب يعظّمكم كتب الله لكم خيرا مستمرّا، ورضا على ما ترضونه ثابتا مستقرّا، من مكان كذا، على الرسم الملتزم من توفير علائك، والشّكر لآلائك، والربّ تعالى ينهض بحقكم اللازم الألزم، ويصل حراسة مجدكم الأتلد الأقدم، بمنّه وفضله، وإنّ الأمر كذا وكذا. واعلم أنه ربّما أتي بعد ذكر النّعوت بالسلام، ثم بحمد الله تعالى والصلاة

على النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله، ثم الرّضا عن الخلفاء الماضين والخليفة القائم. وعلى ذلك كانت طريقة كتّاب دولة الموحّدين أتباع «المهديّ «1» بن تومرت» كما كتب أبو محمد بن عبد البرّ: الشيخ الأجلّ، أدام الله عزّته، ووصل كرامته ورفعته، مجلّ قدره، وملتزم برّه وشكره، المسرور بما يجريه إحسانه من طيّب ذكره. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد حمد الله العظيم، والصلاة على سيدنا محمد رسوله الكريم، وعلى آله- والرّضا عن الإمام المعصوم مهديّه، وعن خلفائه الأئمة الراشدين- والدعاء لسيدنا الخليفة الإمام أمير المؤمنين، ابن الأئمة الخلفاء أمراء المؤمنين، بالنّصر الأعزّ، والفتح الأتمّ الأوفى، فكتب كتب الله لكم مجدا لا يهي شرفه، وسعدا لا يني طرفه، من فلانة- حرسها الله- ولا ناشيء عن الله تعالى وعميم لطفه إلّا الخير الأكمل، والصّنع الأجمل، والحمد لله رب العالمين كثيرا، وإنّ الأمر كذا وكذا. قلت: وعلى هذه الطريقة كانت كتابة أبي عبد الله بن الخطيب «2» ، كاتب ابن الأحمر بالأندلس على القرب من زماننا. ومنها- أن تفتتح المكاتبة بالخطاب، إما مع حذف ياء النّسب أو مع إثباتها، أما مع حذفها، فكما كتب أبو المطرّف بن المثنى «3» :

سيّدي ومفخري، وعصمتي ووزري، وركني وعمادي، وذخيرتي وعتادي، أبقاك الله ناهجا سبل المكارم والمعالي، موقّى حوادث الأيّام واللّيالي. كتبي أعزّك الله عن عهد حسن لك قد أحكمت معاقده، وودّ محض فيك قد صفت موارده، ونفس ترتاح لذكراك، ولسان لاه بين محاسنك وعلاك، قد انفسح في نشر فضائلك ميدانها، وفاق في وصف فواضلك بيانها، فهي تنظم عقود مجدك، على أجياد شكرك، وتحوك من برود تقريظك وثنائك، خلعا لمجدك وسنائك، وشيها الذّكر الخطير، وطرازها الترفيع والتّوقير، تكسر عصب عدن، وتعفّي على وشي اليمن، وتطلع من رياض أخلاقك، في منابت أعراقك، ما يزري بنسيم المسك تضوّع عرفه وانتشاره، ويربي على حسن النجوم الزاهرة طوالع أزهاره وأنواره، وأخلق بمن جمع الله العالم فيه، وحرس معاهد البرّ بكريم مساعيه، أن لا تعزى خلّة نبيلة إلّا إليه، ولا تقصر منقبة جليلة إلّا عليه، ولا تؤثر مأثرة نفيسة إلّا عنه، ولا تقتبس سيرة جميلة إلّا منه، والله تقدّس اسمه يحمي هذه الأوصاف البديعة، والخلال الرفيعة، من طوارق الدّهر ونوازل الغير، ويجعل عليها يدّه، ويصرف عنها معرّة كل خطب وشدّة، بحوله وطوله، ويكون الأمر كذا وكذا. وأمّا مع إثبات ياء النّسب «1» ، فكما كتب أبو المطرّف بن الدّبّاغ «2» إلى بعض الأدباء عند وروده إلى بلاده: يا مولاي وسيّدي، العظيم شأنه وأمره، العالي صيته وذكره، ومن أبقاه الله في عزّ لا تنفصم عراه، وحرز لا يستباح حماه، لم أزل- أبقى الله سيّدي ومولاي- تسمو بي إلى الكتابة همّة، وتترامى بي إلى البلاغة عزمة، حتّى تذلّلت لي صعابها فامتطيت، وتسهّلت لي حزونها فارتقيت، ولمّا رفعت لي عن غرائبها

الأستار، وعلمت من غوامضها الأسرار، وفزت بالمعلّى من سهامها، والموفور من أقسامها، جعلت بأيّ أئمتها أأتمّ وأهتدي، وإلى أي رؤسائها أنتسب وأعتزي، ناظرا في ذلك إلى شائع الأخبار، ومتداول الآثار، فوجدت الألسنة إذا تناولت صفة سواه، تحلّت بعض حلاه، أو أرقته إلى رتبة من العلياء، تمثّلت به في الرّفعة والسّناء، ثم تفرده أعزّه الله دونها بالفهم المتين، والعلم المشهور، والحلم المتعارف، والفضل المتواصف، والرّتبة السامية، والجلالة المتناهية، فكلّما رأيت محاسن مجده تجلى، وسور فضله تتلى، هممت أن أطير إلى حضرته بجناح الارتياح، وأركب إلى أفقه نوّره الله أعناق الرّياح، والأيّام تقطعني بمصائبها، وتقيّدني بأحداثها وبحوائبها، حتّى قضى الله أن يرد هذا الأفق فأخرخ الأمل بغير نصب، وأنال البغية بغير طلب (طويل) . وليس الّذي يتّبّع الوبل رائدا ... كمن جاءه في داره رائد الوبل ومنها- أن تفتتح المكاتبة بالتحيّة والسّلام. كما كتب أبو المطرّف «1» بن عميرة: تخصّ الابن محبّة ومقة، والعباد اعتدادا بجانبه وثقة، حفظ الله نجابته، وجعل لداعي السّيادة تلبيته وإجابته، تحيّة الإجلال والتّكرمة، والمودّة الخالصة المتحكّمة، ورحمة الله تعالى وبركاته، من مكان «2» كذا، والودّ كلف، والعهد بالصّون من جميع جوانبه مكتنف، وتكلم الذات السنيّة ذخيرة جليلة، وأمل لا تخطيء منه مخيلة «3» ، وهبة يكذب معها أن يقال الأيّام «4» بخيلة. وكنّا نظنّ أنّ

بناء «1» الكرم صمّ صداه، ومربع الفضل عاصب «2» برداه، وغائب عن الرّشد أداه «3» ونقول: ما كلّ من أقعدته العيلة «4» عميلة، ومتى يفطن «5» عمير عمر وبحيله، فكفا بكفاتها، وهل «6» سوى قيس لرحى العجوز عدمت جداتها، حتّى «7» تمثّل هذا المجاهد من طرفيه، المستقبل آثار سلفيه، حفظ الله الألفاظ والألسنة، وحملة الأقلام والأسنّة. وكما كتب أبو زيد الفازازي: السّلام الكريم العميم، على الشيخ الذي أثبت على ودّه فلا أتحوّل، وأطنب في حمده فلا أستعير ولا أتأوّل، وأتعلّل بذكره عند عدم مرآته ولأمر ما أتعلّل، فلان- أدام الله رفعته، وحرس من الأسواء مهجته. كتب أخوكم، البرّ بكم، الشّيّق إليكم الشاكر لمحاسنكم، المسرور بما سمعه من صلاح أحوالكم، فلان، ولا جديد بمنّ الله تعالى إلّا الخير والحمد لله كثيرا، والأمر كذا وكذا.

ومنها- أن تفتتح المكاتبة بالكناية عن المكتوب عنه، كما كتب ابن أبي الخصال إلى بعض الكتّاب يسأله حاجة: معظّم الشيخ الأجلّ أبي فلان، ومجلّه المكبّر له فلان، أعلى الله قدركم، وأوزع أولياءكم شكركم، أياديكم أدام الله كرامتكم أوكف من الغمام، ونعمكم ألزم للأعناق من أطواق الحمام، وإنّ وليّكم ومعظّمكم يحتاج إلى كذا وكذا. ومنها- أن تفتتح المكاتبة بلفظ من فلان. كما كتب [بعضهم] من فلان، إلى الشيخ الحافظ الأكرم أبي فلان، أدام الله كرامته بتقواه، فالكتاب إليكم كتب الله لكم أحوالا صالحة، وخيرات عليكم غادية رائحة، من موضع كذا، والبركات متوافرة، والخيرات متظاهرة، والحمد لله تعالى، وإنّ الأمر كذا وكذا. ومنها- أن تفتتح المكاتبة بلفظ إلى فلان. كما كتب بعضهم إلى والده: إلى مولاي المعظّم وأبي، المتكفّل بتعليمي وحسن أدبي، أبقاه الله ناظرا إليّ بعين رضاه، وأعانني على الجري في برّه على حكم الشّرع القويم ومقتضاه، من ابنك المعظّم لك، بل عبدك المتطلّع إلى ما يصل من الأنباء الكريمة من عندك، المواصل المسعى في شكرك وحمدك، فلان؛ بأبي كتبته كتب الله لكم ليانا من العيش وخفضا، وجمع بعد الافتراق بعضا منّا وبعضا، ويسّر لي بطوله ومنّته أن يصفح عنّي وأن يرضى، من موضع كذا، ولا جديد إلّا نعم من الله عزّ وجلّ تراوح وتغادي، وتجري الخواتم منها على حكم المبادي، وشوق إليكم يعمر أحناء ضلوعي وفؤادي، ويحسم عنّي قطيعي دمعي الهتون وسهادي، والله جلّ وعزّ ييسّر انقضاب غربة النّوى، ويريح النفوس من محرق اللّوعة ولا عج الجوى؛ والأمر كذا وكذا.

المهيع الثاني (في الأجوبة) (وهي على ما تقدم في أجوبة المشارقة من أنها على ضربين)

المهيع الثاني (في الأجوبة) (وهي على ما تقدّم في أجوبة المشارقة من أنها على ضربين) الضرب الأوّل (أن يفتتح الجواب بما يفتتح به الابتداء، ثم يقع التعرّض إلى وصول الكتاب، وذكر الجواب عنه) كما كتب أبو عمرو «1» الباجي: وعدك الكريم- أدام الله عزّك- دين، وقضاؤه شرف وزين، ومثلك من تحلّى بمحاسن الشّيم، وزاحم في السّيادة بالمنكب العمم، وحفظ العهد لما أضيع، واشترى المجد بما بيع، والتزم للوفاء شرطا لا يفسخ، ورآه شرعا لا ينسخ، ووصل كتابك العزيز في معنى كذا وكذا. الضرب الثاني (أن يفتتح الجواب بورود الكتاب ووصوله ابتداء) كما كتب ابن أبي الخصال: ورد كتابك في أمر فلان يفرض الحمل عليه في النّفوذ لوجهته، والتقدّم إلى رتبته، وليس عندي إلّا عون وإنجاد، وطاعة وانقياد، غير أنّ في الأمر كذا وكذا. الجملة الثانية (في خواتم المكاتبات على اصطلاحهم، وهي على أساليب) مها- أن يختم الكتاب بالسلام المجرّد عن الدعاء.

كما كتب أبو عمرو الباجي في خاتمة كتاب: وأقرأ عليك سيّدي، وأسنى عددي، أجزل السّلام وأحفله، وأتمّه وأكمله. ومنها- أن يختم بالدعاء. كما كتب أبو المطرّف بن الدبّاغ في خاتمة كتاب: والله لا يخلي مولاي من عبد يسترقّه، ومنعم ينعم عليه [بما] يستحقّه، وجميل يوليه، وصنع يسديه، بمنّه وجميل صنعه. ومنها- أن يختم بذكر التودّد والمحبّة. كما كتب أبو جعفر «1» الكاتب في آخر كتاب: وإن لم يكن لي من الحقّ ما لا أتبسّط به عليه، فلي من الودّ ما أمتّ به إليه، فحسبي به سلّما إلى فضلك، وذريعة إلى مجدك، إن شاء الله تعالى والسّلام. ومنها- أن يختم باستماحة النظر في أمر المكتوب عنه. كما كتب أبو المطرّف بن المثنّى في خاتمة كتاب: ولك الطّول العامّ، والفضل الزاهر، في اعتبار أمري، وتحقيق خبري، والسّلام. إلى غير ذلك من الخواتم التي تستدعيها المكاتبة وتستوجبها المقاصد، وفيما ذكر من الصّدور والخواتم ابتداء وجوابا مقنع لمن تأمّل والله المستعان في الأمر كلّه.

المقصد الثالث (في الإخوانيات المستعملة بالديار المصرية، وفيه ثلاثة مصطلحات)

المقصد الثالث (في الإخوانيّات المستعملة بالديار المصرية، وفيه ثلاثة مصطلحات) المصطلح الأوّل (ما كان الأمر عليه في الدولة الطّولونيّة وما قاربها مما جرى عليه ابن عبد كان «1» وغيره، وفيه ثلاثة مهايع) المهيع الأوّل (في الصّدور وهي على ضربين) الضرب الأوّل (الابتداءات، ولهم فيه أساليب) الأسلوب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة بالدعاء، وعليه غالب كتابتهم، وهي على أنماط) منها- الدعاء بطول البقاء وما في معناه. كما كتب ابن عبد كان في صدر مكاتبة: أطال الله بقاءك، ففي إطالته حياة الأنام وأنس الأيام والليالي، وأدام عزّك ففي إدامته دوام الشّرف ونموّ المعالي، وأتم نعمته عليك فإنها نعمة حلّت محلّ الاستحقاق، ونزلت منزلة الاستيجاب ووقفت على من لا تكره الآلاء مكانه، ولا تنكر الفواضل محلّه. وكما كتب: عمر الله بك الأزمنة والدّهور، وآنس ببقائك الأيّام والشّهور، وأمتع بدوام عزّك السّعداء بحظّهم منك.

ومنها- الدعاء بدوام النّعمة. كما كتب: أسبغ الله عليك نعمه الراهنة بنعمة المستظفر، وصانها لديك بإيزاع الشّكر عليها، فلم أر ولله الحمد نعمة قصدت مستقرّها، وتوخّت وليّها، وتمنّت كفؤها، إلّا نعمتك أكسبت أولياءها عزّا ونضرة، وملأت أعداءها ذلّة وغضاضة، وتمكّنت بمحلّ الصّيانة والرّعاية، وخيّمت بمستقرّ الشّكر والحمد. ومنها- اطّراح الدعاء بدوام النعمة لتقييدها بموجباتها منها. كما كتب: قد كفى الله عزّ وجلّ مؤونة الدعاء لنعمتك بالنّماء؛ لأنها توخّت لديك محلّها، فحلّت بفنائك سارّة، مطمئنّة قارّة، تستوثر مهادها قبلك، وتستهنيء مواردها عندك، ولم تزل تائقة إليك، متطلّعة نحوك بما استجمع لها فيك، من لطيف السّياسة وحسن الاحتمال لأعباء المغارم، فهنأكها الله متصلة البقاء بطول مدّة بقائك، ومتحلّية بحسن فنائك، فلا زلت لعوارف النعم مستدعيا، وللشكر بالزيادة فيها ممتريا، وبدوام الحمد لردفها مستمريا. ومنها- الدعاء بجعلت فداك. كما كتب: جعلني الله فداك، فإنّ في ذلك شرفا في العاجل، وذخر العقبى في الآجل، وخير تراث لمخلّفي من بعدي، دعاء أخلصته النّيّة، وصدّقته الطويّة. ومنها- استكراه الدعاء بالتفدية. كما كتب: إن قلت في كتبي إليك: جعلني الله فداك، فأكون قد بخستك حظّ إحسانك إليّ، وحقّ مفترضك عليّ؛ لأنها نفس لا توازن ساعة من يومك، ولا توازي طرفة من دهرك، وإنما يفدّى مثلك بالأنفس التي هي أنفس من الدنيا وأعرض من أقطار الأرض. ومنها- تفدية النّعمة إعظاما لها. كما كتب: جعلني الله فداء نعمتك التي علت ذروة سنامها، وفاضت درّة سمائها، فعمّرت أقطار الآملين، ونضّرت جناب ناحية المعتمدين. ومنها- الدعاء بصلاح الدنيا وغبطة الآخرة.

كما كتب: أسعدك الله بعواقب قضائه وقدره، ووهب لك الصّلاح في دينك والسلامة في دنياك. ومنها- الدعاء بكبت العدوّ. كما كتب: مكّن الله يدك من ناصية عدوّك بالصّولة عليه، ومن زمام وليّك بالإحسان إليه، وبلّغك من كلتا الحالتين ما ينمي على تأميلك، ويوفي على تمنّيك. ومنها- الدعاء المشترك بين المكتوب عنه والمكتوب إليه. كما كتب: أدام الله أنسي بحياتك، وحرسني من الغير في نعمتك، وأكرمني بصيانة أيّامك ولياليك، وأعزّني بذلّ عدوّك وقمح حاسديك. ومنها- الدعاء بطيب الحياة. كما كتب: عش أطيب الأعمار، موقّى من سوء الأقدار، مبلّغا نهاية الآمال، مغبوطا في كلّ الأحوال، لا ينقضي عنك حقّ عارفة حتّى تجدّد لك أخرى أجلّ منها، ولا يمرّ بك يوم من الأيّام إلّا كان مؤمّنا «1» على أمسه مقصّرا عن فضلة غده. ومنها: الدعاء باقتضاء العدل والإنصاف. كما كتب: جعلك الله ممّن ينظر بعين العدل، وينطق بلسان القسط، ويزن بقسطاس الحقّ، ويكيل بمعيار الإنصاف. ومنها: الدعاء بإيزاع الشّكر. كما كتب: وصل الله لك كلّ نعمة ينعمها عليك من الشّكر بما يكون لحقّها قاضيا، وللمزيد إليها داعيا، ومن الغير مؤمّنا، وللسّلامة موجبا. ومنها: الدعاء للحاجّ بالبلاغ.

كما كتب: أوطأك الله في مسيرك أوثر المطايا، وخوّلك فيما نويته أسبغ العطايا، وأوردك الهداية إلى كريم المشاهدة وزكيّ المواقف وأولاها بالزّلفة المقبولة، والقربة المأمولة. ومنها: الدعاء للمسافر. كما كتب: جعلك الله في حفظه وكنفه، وأحاطك بحيطته، وجعل سفرك أيمن سفر عليك، ورجع لك بدرك الحاجة، وبلوغ الأمل، ونجح الطّلبة، ونيل السّؤل. ومنها: الدعاء بالعافية من المرض. كما كتب: مسح الله ما بك، وعاد بالبرّ عليك، وعجّل الشّفاء لك، ومحّص بلواك. ومنها: الدعاء للولاة. كما كتب: أجرى الله بالخير يدك، وصما (؟) بالعزّ طرفك، وأوطأ كلّ مكرمة قدمك، وأطال إلى كلّ غاية هممك، وبلّغك أقصى محبّتك. ومنها: الدعاء في الأضحية بقبول النّسك. كما كتب: جعلك الله بقبول النّسيكة والقربان، فائزا بالأجر والرّضوان، مخلصا لله بالإيمان، في السّرّ والإعلان، مؤدّيا لما افترض عليك، شاكرا لإحسانه إليك. ومنها: الدعاء بالهناء في الأعياد. كما كتب: عرّفك الله في هذا العيد المبارك من السّلامة وعمومها، والعافية وشمولها، والعارفة وسبوغها، والحياطة وكمالها، والحماية وجمالها، أفضل ما عرّفك في ماضي أعيادك، وسالف أعوامك. ومنها: الدعاء بدفع النوائب. كما كتب: كان الله جارك من فجائع الدّهر ونوبه، ووليّ إنعام النّعمة فيما آتاك من فضله، وتطوّل عليك من حسن الحياطة لما تولّاك والذّبّ عمّا أفادك.

الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بلفظ: كتابي أو كتبت)

الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بلفظ: كتابي أو كتبت) فأمّا كتابي، فكما كتب ابن عبد كان: كتابي إليك، وأنا أستعتب الأيّام فيك، وأصانع الزّمان في تقريبك، وربع الجوار الذي كنا نسكن تحت ظلاله، ونتفيّأ برونق جماله، بأجلّ تحفة، وأيسر ألفة، وأعذب مشاهدة، وأصدق مشافهة، ولعل أن يرتاح فيشعب صدعا، ويؤلّف جمعا. وأما كتبت، فكما كتب ابن عبد كان أيضا: كتبت وأنا من حنين الصّبابة إليك، وإرزام الشّوق نحوك، وأليم التشوق إليك، ولا عج اللّوعة بك، على ما أسأل الله أن يرحم ضعفي ويتصدّق عليّ برؤيتك، ويهب لي النظر إلى وجهك وجمال غرّتك، التي هي حليف الجذل، ونزهة الأمل. الأسلوب الثالث (أن تفتتح المكاتبة بالخطاب بأنا) كما كتب: أنا من جملة صنائعك، وحفظة ودائعك، وشكرة إحسانك، متى تصرّفت في البلاد، فأنا المعروف بمعروفك، والعائش بجدواك، وأنت منزع همّتي وقرّة عيني، ومدار أملي، ومحلّ رجائي. الضرب الثاني (الأجوبة) وابتداؤها إما كما في الصّدور الابتداآت كما تقدّم ثم يقع التعرّض لوصول الكتاب، وإما بأن تصدّر بوصوله وهو الأكثر. كما كتب ابن عبد كان: وصل كتابك فدفع تباريح الشّوق، وقمع كآبة البين، وأطفأ لهيب الحرقة، وبرّد حرّ الصّبابة. وكما كتب: وصل كتابك مشتملا من أنواع البرّ، على ما يقصر في جنب أيسره أعظم الشّكر.

المهيع الثاني (في خواتم الكتب)

وكما كتب: وصل كتابك المصدّر بجواهر لفظك، وبدائع معانيك، ومحاسن نظمك، مستودعا ما لا يقدر على حمده وشكره إلّا بالاعتراف بالعجز عنه، وما أشبه ذلك. المهيع الثاني (في خواتم الكتب) وكان اختتام المكاتبات عند أهل هذا المصطلح على ما تقدّم في مكاتبات أهل المشرق من استماحة الرأي، إما بلفظ فإن رأيت: كما كتب ابن عبد كان: فإن رأيت أن تأتي فيه مؤتنفا، ما لم تزل تأتيه سلفا، فعلت. وإما بلفظ فرأيك: كما كتب: فرأيك فيه بما أنت أهله، فإن الرأي [الذي] أنت أهله، فوق ما يلتمسه المسرف في همّته، والمتبسّط في أمنيّته. وكما كتب: فرأيك في ذلك بما تقضي به الحقّ وتصل به الذّمام، وتحفظ به الحرمة وتصدّق به الأمل، وتقتعد به الصّنيعة، وتستوجب به الشّكر. المهيع الثالث (في عنوانات الكتب) ومصطلحهم فيه على نحو ما تقدّم في مكاتبات أهل المشرق، من كتابة إلى فلان من فلان، أو من فلان إلى فلان. فأمّا ما يكتب إلى فلان من فلان، فكما كتب ابن عبد كان: للسيّد الذي استعبد الأحرار بفضله. وكما كتب: لمن قربه يمن وسعادة، ونأيه نكد ومحنة. وأما ما يكتب من فلان، فكما كتب: من صريع الشّوق إليه، وأسير الرّقبة عليه.

المصطلح الثاني (من مصطلحات الديار المصرية ما كان عليه الحال في الدولة الأيوبية مما جرى عليه القاضي الفاضل ومن بعده، وهو على قسمين)

وكما كتب: ممّن لا يتمنّى الخير إلّا له، إذ كان لا يناله إلّا به. المصطلح الثاني (من مصطلحات الديار المصرية ما كان عليه الحال في الدولة الأيّوبيّة مما جرى عليه القاضي «1» الفاضل ومن بعده، وهو على قسمين) القسم الأوّل- الابتداء: وليس لمصطلحهم ضابط في الابتداء ولا في الترتيب في الرّفعة والضّعة، بل افتتاحاتهم في ذلك متباينة. فمن ذلك الافتتاح بالدعاء، وهو أكثر ما يقع في مكاتباتهم، والغالب في ذلك الدعاء للمجلس، كما كتب القاضي الفاضل إلى العماد الأصفهانيّ: أدام الله أيام المجلس التي لحسنات المدلّ مديلة، ولعثرات المقلّ مقيلة، ولمعاطف العزّ مميلة، ولمقاطف الفوز منيلة، ولقداح الجدوى مجيلة، ولا زالت الآراب بمكارمه باجخة، والآراء بمراسمه ناجحة، ومتاجر المفاخر بموالاته رابحة، وأيدي الآمال لأياديه بمصافاته مصافحة، وأرواح أوليائه بروح آلائه في مواطاة أعطياته عابقة فائحة، وأدعية الداعين لأيامن أيّامه، المذعنين لعهود إنعامه، طيّبة صالحة. ومن ذلك افتتاح العماد «2» الأصفهانيّ في اعتذار تأخّر المكاتبات: إن تأخّرت مكاتباتي، فإنّ العذر معلوم، والأجر محتوم، والقلم مصدود، واللّقم مسدود، والبلد محصور.

المصطلح الثالث (من مصطلحات الديار المصرية في الإخوانيات

إلى غير ذلك من أساليبهم المشهورة التي لا يسع استيعابها، ولا حاجة إلى الإمعان في ذكرها «1» المصطلح الثالث (من مصطلحات الديار المصريّة في الإخوانيّات ، ما جرى عليه الاصطلاح في الدولة التّركيّة، مما رتّبه القاضي محيي الدّين «2» بن عبد الظاهر، والشيخ شهاب الدين محمود «3» الحلبيّ، والمقرّ الشّهابيّ بن «4» فضل الله، ومن جرى مجراهم، من فضلاء الكتّاب إلى زماننا، مما هو دائر بين أعيان المملكة وأكابر أهل الدولة، من نوّاب السّلطنة وسائر الأمراء والوزراء، ومن في معناهم، من أعيان الكتّاب ومن نهج نهجهم من أرباب الوظائف) وفيه مهيعان:

المهيع الأول (في رتب المكاتبات المصطلح عليها)

المهيع الأوّل (في رتب المكاتبات المصطلح عليها) وقد اختلفت مقاصدهم في ترتيبها اختلافا متقاربا في الزيادة والنقص والتقديم والتأخير، مع مراعاة أصول المراتب. وها أنا أذكر ما استقرّ عليه الحال من ذلك، وأنبّه على ما خالفه من ترتيبهم المتقدّم الذّكر، لتحصل الإحاطة به، ويعلم ما جرى عليه أهل كلّ عصر منهم مما لعلّ مختارا يختاره، أو ينسج على منواله، منبّها على وهم من وهم في شيء من ذلك. واعلم أنهم قد بنوا هذا النوع من الإخوانيّات على قاعدتين، تتعيّن معرفتهما قبل الخوض في رتب المكاتبات: القاعدة الأولى- فيما يتعلّق بورق هذه المكاتبات. قد جرت العادة أن تكون جميع هذه المكاتبات من الأعلى إلى الأدنى، ومن الأدنى إلى الأعلى، ومن النظير إلى النّظير، في ورق قطع العادة دون ما فوقه من مقادير قطع الورق المتقدّمة الذكر، غير أنّ أعيان أهل الديار المصرية يكاتبون في الورق المصريّ، وأعيان أهل الشأم يكاتبون في الورق الشاميّ؛ لكثرة وجوده عندهم، والمعنى في ذلك أنّ كتب السلطان الصادرة عنه إلى جميع أهل المملكة من النّوّاب وغيرهم في هذا القطع، فلا جائز أن تعلو مكاتبة أحد منهم على مكاتبة السلطان في ذلك. ثم قد اصطلحوا على أن يكون في أعلى المكاتبة عن كلّ أحد من أعيان الدولة قبل البسملة وصل واحد بياضا، إذ كان أقلّ ما يجعل بياضا في كتب السلطان وصلين فاقتصروا على وصل واحد، كي لا يساويه غيره في ذلك، واصطلحوا أيضا على أن لا تنقص المكاتبات المذكورة عن ثلاثة أوصال: الوصل الأبيض في أعلى المكاتبة على ما تقدّم، ووصلان مكتوبان، إذ لو نقص عن ذلك، لخرج الكتاب في القصر عن الحدّ فيزدرى، أما لو دعت الضرورة إلى الزيادة على الثلاثة لزيادة الكلام فلا مانع منه. واصطلحوا على أن يترك للكتاب حاشية بيضاء تكون بقدر ربع الدّرح على ما تقدّم ذكره في غير هذا الموضع.

القاعدة الثانية - فيما يتعلق بخط هذه المكاتبات، وكيفية أوضاعها.

القاعدة الثانية- فيما يتعلّق بخطّ هذه المكاتبات، وكيفيّة أوضاعها. قد اصطلحوا على أنّ جميع هذه المكاتبات تكتب بقلم الرّقاع على ما تقدّم ذكره في الكلام على قطع الورق [من] أنّ لقطع العادة قلم الرّقاع. واصطلحوا أيضا على أن تكون كتابة البسملة في أوّل الوصل الثاني من المكاتبة، وأن يكون تحت الجلالة من البسملة لقب المكتوب عنه المضاف إلى ملكه أو أميره، فإن كان المكتوب عنه من أتباع السلطان كنوّاب السلطنة وغيرهم من الأمراء والوزراء ومن في معناهم من رؤساء الكتّاب السلطانية، كتب الملكيّ الفلانيّ- بلقب ملكه السلطان، مثل الملكيّ الظاهريّ ونحو ذلك كما في هذه الصورة: (بسم الله الرّحمن الرّحيم) الملكيّ الظاهريّ وإن كان المكتوب عنه من أتباع الأمراء كإستدّار «1» أمير ونحوه، انتسب في كتابته إلى لقب أميره الخاصّ مما يضاف في التلقيب إلى الدّين، فإن كان أميره لقبه سيف الدين مثلا، كتب بدل الملكي الفلانيّ: السيفيّ، وإن كان لقب أميره ناصر الدّين كتب الناصريّ، وإن كان لقبه علاء الدين كتب العلائيّ، ونحو ذلك. وإذا كتب تحت الجلالة من البسملة الملكي الفلانيّ ونحو ذلك، جعل ما قبله في السطر بياضا وما بعده بياضا، ويكون ذلك قطعة من سطر مفردة بذاتها. واصطلحوا على أنه كلّما دقّ القلم وتقاربت الأسطر، كان أعلى في رتبة المكتوب إليه، وكلما غلظ القلم وتباعدت الأسطر كان أنزل في رتبة المكتوب إليه. واصطلحوا على أن في الرتبة العليّة من المكاتبات يكون السطر الأوّل من المكاتبة تلو الملكيّ الفلانيّ وما في معناه ملاصقا له، وفيما دون ذلك من المكاتبات يترك بياض يسير، ولا يكتب فيه شيء، وكأن المكتوب عنه يقول للمكتوب إليه: هذا محلّ العلامة، ولكنّي قد تركت الكتابة فيه وكتبت بحاشية الكتاب تأدّبا معك ورفعة

القسم الأول - الابتداءات

لقدرك، وفيما دون ذلك يترك بياض أوسع من ذلك ويكتب فيه المكتوب عنه علامته على ما سيأتي بيانه في مواضعه إن شاء الله تعالى. واصطلحوا على أنه بعد انتهاء الكلام في المكاتبة يكتب «إن شاء الله تعالى» في خطّه. ثم يكتب التاريخ في سطرين: اليوم والشهر في سطر، والسنة في سطر. ثم تكتب الحمدلة والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سطر، ثم الحسبلة في سطر على ما تقدّم بيانه في الكلام على الفواتح والخواتم في المقالة الثالثة. وليعلم أنّ هذه المكاتبات على قسمين: القسم الأوّل- الابتداءات ، وهو على أربع درجات سبق توجيه ترتيبها في الكلام على أصول المكاتبات، في أوّل هذه المقالة. الدرجة الأولى-[المكاتبة] بتقبيل الأرض ، وهي أعلاها رتبة بالنسبة إلى المكتوب إليه. واعلم أنّ كثيرا من كتّاب الزمان يظنّون أن المكاتبة «بيقبّل الأرض» من مخترعات كتّاب الدولة التركية، بل بعضهم يظنّ أنها من مخترعات المقرّ الشهابيّ بن فضل الله وليس كذلك، بل المكاتبة بذلك كانت موجودة في أواخر الدولة العباسيّة ببغداد، ثم سرت إلى الديار المصرية في أوائل الدولة الأيّوبيّة، فاستعملت بعض الاستعمال، والمكاتبة بذلك موجودة في كلام القاضي الفاضل في بعض المكاتبات الملوكية، ومن ذلك ما كتب به عن نفسه إلى السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» في صدر كتاب تهنئة بمولود: المملوك يقبّل الأرض بالمقام العالي الناصريّ، نضّر الله الإسلام بمقامه، وأهلك أعداء الحقّ بانتقامه، ولا أعدم الأمة المحمديّة عقد التزامه، بكفالتها ومضاء اعتزامه. ثم توسّع فيه الكتّاب بعد ذلك حتّى كاتب به الآحاد بعضهم بعضا. وقد رتّبوا المكاتبة بتقبيل الأرض في المصطلح المستقرّ عليه الحال على خمس مراتب:

المرتبة الأولى - الإتيان بالإنهاء

المرتبة الأولى- الإتيان بالإنهاء بعد «يقبّل الأرض» من غير تعرّض لذكر دعاء ولا ثناء، مع مراعاة الاختصار وعدم السّجع وتقارب السّطور، مثل أن يكتب بعد البسملة ولقب المكتوب عنه الذي تحت البسملة: يقبل الأرض وينهي كيت وكيت، وسؤال المملوك من الصّدقات العميمة بروز الأوامر العالية بكيت وكيت، أو: والمملوك يعرض على الآراء العالية كيت وكيت، ونحو ذلك. ويختم الكتاب بقوله: أنهى ذلك، أو طالع بذلك، وللآراء العالية مزيد العلوّ، ويعبّر عن المكتوب عنه في خلال المكاتبة بالمملوك. ويختلف الحال في خطاب المكتوب إليه، فإن كان من أرباب السّيوف وهو نائب سلطنة خوطب بمولانا ملك الأمراء عزّ نصره أو أعزّ الله أنصاره، وإن كان أميرا غير نائب سلطنة، خوطب بمولانا المخدوم ونحو ذلك مما يقتضيه الحال، وإن كان وزيرا ربّ سيف خوطب بمولانا الوزير، وإن كان قاضيا خوطب بمولانا قاضي القضاة، وإن كان عالما كبيرا، خوطب بمولانا شيخ الإسلام، وإن كان من مشايخ الصّوفية خوطب بمولانا شيخ الشّيوخ، وعلى ذلك بحسب المراتب والوظائف على ما يقتضيه رأي الكاتب بما يناسب الحال. والعنوان في هذه المكاتبة: الفلانيّ مطالعة المملوك فلان، ويعبّر عن ذلك: بالفلانيّ بمطالعة. وقد يعبّر عن «1» ذلك عن نفس المكاتبة. وصورته: أن يكتب في رأس ظاهر المكاتبة من الجانب الأيمن «الفلانيّ» باللّقب الخاص بالمكتوب إليه، كالسّيفيّ، والناصريّ، والشّمسيّ، وما أشبه ذلك. ويكون ذلك ممتدّا إلى نحو ربع عرض الدّرج، وتحته فلان بما يقتضي تعريفه من وظيفة أو شهرة. فإن كان نائب سلطنة كتب تحت الفلانيّ: مولانا ملك الأمراء بالمكان الفلانيّ، وإن كان وزيرا كتب: مولانا الوزير بالمكان الفلانيّ، وإن كان قاضي قضاة، كتب: مولانا قاضي القضاة بالمكان الفلاني، ونحو ذلك، ويعبّر عن ذلك بالتعريف،

المرتبة الثانية - أن يأتي بعد «يقبل الأرض» بذكر الدعاء دون الثناء

ويكتب في الجانب الأيسر من رأس ظاهر المكاتبة مقابل ما كتبه في الأولى ما صورته «مطالعة المملوك فلان» باسم المكتوب عنه ويكون لفظ المملوك تحت ذلك، وفلان تحته عن بعد ثلاثة أسطر، وتكون لطيفة القدّ غير ممشوقة على الضدّ من المكتوب إليه. وهذا مثال عنوان إلى نائب سلطنة بالشام لقبه سيف الدين، عمّن اسمه يلبغا. السيفيّ مطالعة مولانا ملك الأمراء بالشام المحروس عزّ نصره المملوك يلبغا وعلى ذلك يقاس سائر العنوانات من هذه المرتبة، والأصل في ذلك أنّ الحجّاج بن يوسف كتب كتابا إلى عبد الملك بن مروان، فكتب في عنوانه بقلم جليل: لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين، وفي الجانب الأيسر بقلم ضئيل: من الحجّاج بن يوسف كما حكاه أبو جعفر النحّاس في «صناعة الكتاب» فتبعه الناس على ذلك في تعظيم اسم المكتوب إليه، وتلطيف اسم المكتوب عنه، والعلامة في هذه المكاتبة «المملوك فلان» باسم المكتوب عنه بقلم ضئيل بحاشية الكتاب سطرين: المملوك [سطر] والاسم سطر تحته على هذه الصورة: المملوك فلان ويكون ذلك مقابل «يقبّل» ملاصقا له بحيث تكون جرّة الكاف من المملوك تحت الياء من يفبّل، فكأنّهم راعوا في ذلك صورة ما يكتب في القصص التي ترفع إلى الأكابر لاستماحة الحوائج ونحوها من حيث إنها يكتب فيها «المملوك فلان يقبّل الأرض وينهي كيت وكيت» لما في ذلك من إظهار الخضوع والتواضع. المرتبة الثانية- أن يأتي بعد «يقبّل الأرض» بذكر الدعاء دون الثناء مع تقارب الأسطر أيضا واجتناب السّجع. وقد اصطلحوا في هذه المكاتبة على أن يكتبوا تحت البسملة مع لقب المكتوب عنه الذي هو الملكيّ الفلانيّ ونحوه لقب

المكتوب إليه، كالسيفيّ ونحوه، على سمعت الملكيّ الفلاني من الجهة اليمنى مع بياض بينهما، بحيث يقع بعض اللقب في حاشية الكتاب، وبعضه تحت أوّل البسملة على هذه الصّورة: بسم الله الرّحمن الرّحيم السيفي الملكيّ الظاهريّ ثم يأتي بصورة المكاتبة بعد ذلك. ويختلف الحال في هذه المكاتبة باختلاف حال المكتوب إليه، فإن كان نائب سلطنة كتب «يقبّل الأرض» وينهي بعد رفع الأدعية الصالحة، أو بعد ابتهاله إلى الله تعالى بالأدعية الصالحة، تقبّلها الله تعالى من المملوك ومن كلّ داع مخلص، ببقاء مولانا ملك الأمراء، أو بدوام أيام مولانا ملك الأمراء، وخلود سعادته، ومزيد تأييده، وعلوّ درجاته في الدنيا والآخرة، بمحمّد وآله: أنّ الأمر كيت وكيت، والمملوك يسأل الصّدقات العميمة، أو الصدقات الكريمة، أعزّ الله تعالى أنصارها بروز الأوامر المطاعة بكيت وكيت. ثم يقول: والمملوك مملوك مولانا ملك الأمراء وعبد بابه ونشء إحسانه، ويسأل تشريفه بمراسيمه وخدمه، أو والمملوك يستعرض المراسيم الكريمة، والخدم العالية، ليبادر إلى امتثالها، والفوز بقضائها، أو والمملوك مملوك الأبواب العالية ونشؤها وغلامها، ويسأل دوام النظر الكريم عليه في أحواله كلّها، ونحو ذلك مما يقتضيه الحال، وقد جهّز المملوك بهذه المكاتبة فلانا أو مملوكه فلانا. فإن كان قد حمّله كلام مشافهة، قال: وحمّله من المشافهة ما يسأل الصدقة عليه بسماعه والإصغاء إليه ونحو ذلك. ثم يقول: طالع بذلك والرأي العالي أعلاه الله تعالى أعلى. وإن كان المكتوب إليه أميرا غير نائب سلطنة، كتب «بدوام أيام مولانا المخدوم» بدل مولانا ملك الأمراء. وإن كان قاضيا، كتب «ببقاء مولانا قاضي القضاة، أو بدوام أيّام مولانا قاضي القضاة» . وإن كان من مشايخ الصّوفيّة، كتب «ببقاء مولانا شيخ الشيوخ» ونحو ذلك، وباقي المكاتبة على ما

تقدّم بحسب ما يقتضيه الحال. والعنوان في هذه المكاتبة «الأبواب الفلانيّة، مطالعة المملوك فلان» ويعبر عن ذلك بالأبواب بمطالعة، ويختلف الحال في ذلك باختلاف حال المكتوب إليه، فإن كان المكتوب إليه نائب سلطنة، كتب: الأبواب الكريمة، العالية، المولويّة، الأميرية، الكبيرية، المالكيّة، المخدوميّة، الكافلية، بلقبه الخاص كالسيفية ونحوها، أعلاها الله تعالى فلان الفلاني، باسمه وشهرته. وإن كان المكتوب إليه أميرا غير نائب سلطنة أسقط منه الكافلية. وإن كان وزيرا ربّ سيف، كتب بعد الأميرية: الوزيريّة. وإن كان وزيرا ربّ قلم، أسقط الأميرية، وكتب قبل الفلانية الصاحبيّة. وإن كان من رؤساء الكتّاب ممن في معنى الوزراء، ككاتب السرّ، وناظر الخاصّ، وناظر الجيش، ونحوهم، أبدل لفظ الأميرية والوزيرية بالقاضويّة. وإن كان قاضي حكم، أتى مع القاضويّة قبل الفلانية بالحاكميّة. وإن كان من مشايخ الصّوفيّة أبدل القاضويّة بالشّيخيّة ونحو ذلك. وصورته أن يكتب الألقاب من أوّل عرض الدّرج سطرا إلى آخر المالكيّة، ويخلّي بياضا في آخر السطر بقدر ربع الدّرج، ثم يكتب المخدوميّة الفلانية في أوّل السطر الثاني ملاصقا للأوّل، ثم يخلّي بياضا يسيرا، ثم يكتب: أعلاها الله تعالى، ثم يخلّي بياضا يسيرا، ثم يكتب «فلان الفلاني» تحت آخر السطر الأوّل، ثم يكتب في آخر الدّرج من الجهة اليسرى بعد خلوّ بياض «مطالعة المملوك فلان» ثلاثة أسطر على ما تقدّم في العنونة بالفلاني بمطالعة كما في هذه الصورة: الأبواب الكريمة، العالية، المولويّة، الأميريّة، الكبيرية، المالكية، مطالعة المخدومية، السيفيّة أعلاها الله تعالى أمر دوادار الظاهريّ المملوك فلان والعلامة «المملوك فلان» بقلم ضئيل مسامت يقبّل كما في المكاتبة قبلها.

المرتبة الثالثة - أن لا يكتب في أول المكاتبة عن يمين أسفل البسملة الفلاني

قال في «التثقيف» «1» : وبهذه المكاتبة يكتب عن أكابر أمراء الديار المصريّة إلى نائب الشام وحلب فيما أظنّ. قال: وكذلك كان يكتب المقرّ العلائيّ بن فضل الله كاتب السرّ الشريف إلى المشار إليه، يعني نائب حلب، إلّا أنه كان يكتب له العلامة أسفل الكتاب دون أعلاه. قلت: وعلى هذا يكون للعلامة في هذه المكاتبة رتبتان، إن عظّمه كتب له العلامة على سمت يقبّل، وإلّا ففي أسفل الكتاب، ومن ثم ذكرت قول صاحب «التثقيف» هنا وإن كان محلّه رتب المتكاتبين على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. المرتبة الثالثة- أن لا يكتب في أوّل المكاتبة عن يمين أسفل البسملة الفلانيّ ويأتي بذكر الدّعاء والثناء مسجوعا، مثل أن يكتب بعد البسملة ولقب المكتوب عنه الذي هو الملكيّ الفلاني «يقبّل الأرض» وينهي بعد رفع دعائه، وإخلاصه في محبّته وولائه، واعترافه بإحسان مولانا وجزيل آلائه، أنّ الأمر كيت وكيت، والمملوك يسأل إحسان مولانا، أو صدقات مولانا، أو إحسان المخدوم، أو صدقاته في كيت وكيت، ثم يقول: والمملوك فهو مملوك مولانا ومحبّه، والداعي لإحسانه، ويسأل تشريفه بمراسيمه وخدمه، وقد جهّز المملوك بهذه العبوديّة فلانا، أو مملوكه فلانا، وحمّله من الدّعاء والولاء ما ينهيه من لسانه، ويعرب عنه ببيانه، أو وقد حمّله المملوك ما يقوم عنه به في إنهائه، من رصف الأدعية، ووصف الأثنية، والمملوك يسأل الإصغاء إليه، والتشريف بالمراسيم العالية والخدم الكريمة، ليفوز بإقبالها، ويبادر إلى امتثالها، طالع بذلك، أو أنهى ذلك، أو والمملوك يستعرض المراسيم العالية، والخدم الكريمة المتوالية، ليتشرّف بقضائها، ويتشوّف إلى إمضائها.

صدر آخر: وينهي بعد رفع الأدعية، وبثّ المحامد والأثنية، والموالاة التي يحمل منها عالي الألوية، أنّ الأمر كيت. آخر: وينهي بعد رفع دعائه الذي لا يفتر لسانه عن رفعه، ولا يخفى إن شاء الله إبّان نفعه، وابتهاله الذي يرفع السّحب، وشوقه الذي يهدي النّجب، أنّ الأمر كيت وكيت. آخر: وينهي بعد دعائه المقبول، وشوقه الذي لا يحول عنه ولا يزول، وسلامه الذي يعجز عن شرحه القلم ويضعف عن حمله الرّسول. آخر: وينهي بعد دعاء يرفعه بالغدوّ والآصال، وولاء لا يتغيّر ما دامت الأيّام واللّيال، وثناء أطيب من عرف الرّوض إذا مرّ عليه نسيم الشّمال، أنّ الأمر كيت وكيت. آخر: وينهي بعد رفع الدعاء، ونصب لواء الولاء، وجرّ ذيول الفخر بالانتساب إلى عبودية مولانا والاعتزاء، أنّ الأمر كيت وكيت. آخر: وينهي بعد دعائه المرفوع، وثنائه الذي هو كالمسك يضوع، وشكره الذي يسمع منه ويسمع أطيب مسموع، أنّ الأمر كيت وكيت. والعنوان لهذه المكاتبة «الأبواب الفلانية» بغير مطالعة، ويختلف الحال فيه، فإن كان المكتوب إليه من أرباب السّيوف وهو نائب سلطنة، كتب «الأبواب الكريمة، العالية، المولويّة، الأميريّة، الكبيريّة، السيّديّة، المالكيّة، المخدوميّة، الكافلية، الفلانية، أعلاها الله تعالى» ثم يقال: نائب السلطنة الشريفة المحروسة، أو كافل المملكة الفلانية المحروسة، وباقي عنوانات أرباب الوظائف، من أرباب السيوف والأقلام على ما تقدّم في العنونة بالأبواب بمطالعة. وصورة وضعه أن يكتب «الأبواب الكريمة إلى آخر الكافلية» مثلا سطرا واحدا من أوّل عرض الدّرج إلى آخره، ثم يكتب «الفلانيّة أعلاها الله تعالى» في أوّل السطر الثاني ملاصقا له، ثم يترك بياضا قدر رأس إبهام، ثم يكتب في آخر

المرتبة الرابعة - أن يأتي بصدر المكاتبة على ما تقدم في المكاتبة قبلها

السطر الثاني «كافل الممالك الشريفة الفلانية المحروسة» كما في هذه الصورة: الأبواب الكريمة، العالية، المولوية، الأميرية، الكبيرية، السيدية، المالكية، المخدومية، الكافلية، السيفية، أعلاها الله تعالى كافل الممالك الشريفة بالشام المحروس والعلامة في ذيل الكتاب مقابل تحت البسملة بقلم الرقاع «المملوك فلان» وكأنهم لما انحطّت رتبة المكتوب إليه عن أن تكتب العلامة إليه على سمت «يقبّل» ليكون في معنى القصّة كما تقدّم، أخذ المكتوب عنه في التنازل إلى آخر المكاتبة تواضعا للمكتوب إليه وتأدّبا معه. قال في «التثقيف» : وبذلك كان يكتب عن الأمير يلبغا العمريّ، يعني الخاصكيّ وهو أتابك العساكر المنصورة بالديار المصرية إلى نائبي الشام وحلب. قال: وكذلك كتب بعده إلى المذكورين: الأمير منكلي بغا، والأمير الجاي، ونوّاب السلطنة بالديار المصرية. المرتبة الرابعة- أن يأتي بصدر المكاتبة على ما تقدّم في المكاتبة قبلها من الابتداء «بيقبّل الأرض» وينهي بعد رفع دعائه وما في معناه على ما تقدّم من غير فرق ولا يختلف الحال في الصدر ولا في متن الكتاب، والعنوان «الباب الكريم» ولا يكون إلّا بغير مطالعة. فإن كان المكتوب إليه من أرباب السّيوف، كتب «الباب الكريم، العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، المالكيّ، المخدوميّ، الفلانيّ، أعلاه الله تعالى، فلان الفلاني- باسم المكتوب إليه. وإن كان من أرباب الأقلام أو غيرهم فعلى ما تقدّم في «الأبواب بمطالعة» من إبدال الأميريّ بالقضائيّ، أو الشّيخيّ، وزيادة قاضي الحكم الحاكميّ قبل الفلاني. وصورة وضعه: الباب الكريم- بالألقاب المتقدّمة إلى آخر المالكيّ سطرا واحدا من أوّل عرض الدّرج إلى آخره، ثم يكتب المخدوميّ الفلانيّ أعلاه الله تعالى في أوّل السطر الثاني، ويترك بياضا، ثم يكتب فلان الفلانيّ باسم المكتوب إليه أو شهرته كما في هذه الصورة:

المرتبة الخامسة - يقبل الأرض بالمقر الشريف

الباب الكريم العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّدي، المالكيّ، المخدوميّ، السّيفيّ، أعلاه الله تعالى بهادر أمير أخور الأشرفيّ. تنبيه- كلّ ما كان العنوان فيه الباب الكريم، كان العنوان فيه للمسافر «المخيّم» بدل الباب، وباقي الألقاب على حالها كما نبّه عليه في «التثقيف» وغيره، والعلامة في آخر المكاتبة مقابل حسبي الله، إذ لمّا كانت العلامة في أسفل الكتاب مقابل تحت الحسبلة كانت العلامة فيما فوق ذلك أنزل في رتبة المكتوب إليه وأعلى في رتبة المكتوب عنه. المرتبة الخامسة- يقبّل الأرض بالمقر الشريف . والرسم فيه أن يترك بعد البسملة وما تحتها من الملكي الفلاني قدر سطر أو سطرين بياضا، ثم يكتب يقبّل الأرض بالمقر الشريف، ويختلف الحال فيه؛ فإن كان المكتوب إليه من أرباب السّيوف، كتب «يقبّل الأرض بالمقر الشريف، العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الذّخريّ، الظّهيريّ، المسنديّ، الزّعيميّ، المالكيّ، المخدوميّ، الفلاني، أعزّ الله تعالى أنصاره، وأعلى مناره، وضاعف مباره، وينهي بعد وصف محبّته، وبثّ أثنيته، كيت وكيت، والمسؤول من إحسانه كيت وكيت» وربما كتب: «والمملوك يسأل كيت وكيت» كما في المكاتبات السابقة، أو «والمملوك يسأل تشريفه بمراسمه وخدمه، والله تعالى يديم عليه سوابغ نعمه» . دعاء آخر لهذه المكاتبة: أعزّ الله تعالى أنصاره، وأدام انتصاره، وجعل على غايات النّجوم اقتصاره، وينهي. آخر: لا زالت الرّقاب لمهابته خاضعة، والرّكاب به فوق النّجوم واضعة، وأجنّة السيوف بمضار به من ماء الأعداء راضعة، وينهي. آخر: لا زالت أعلامه مشرّفة، وأقلامه مصرّفة، وأيامه بطيب ثنائه بين الخافقين معرّفة.

آخر: لا زالت الدنيا ببقائه مجمّلة، والعلياء لا رتقائه مؤمّلة، والنّعم على اختلافها جواهر مكمّلة، وينهي. قلت وربما أتي بصورة الإنهاء مسجوعة أيضا، مثل أن يكتب: وينهي بعد تعبّده بولائه، وقيامه بحقوق آلائه. أو وينهي بعد دعاء يقوم بوظائفه، وولاء يتردّى بمطارفه. أو ينهي بعد رفع أدعيته، وقطع العمر في موالاته وعبوديّته، ونحو ذلك. وعلى ذلك جرى في «عرف التعريف» إلّا أنّ الغالب في كتابة أهل الزمان إهماله. والعنوان إن قصد تعظيمه: الباب العالي، بألقاب الباب الكريم في المكاتبة قبلها، إلّا أنه يحذف منها الكريم، وإن لم يقصد تعظيمه فالمقرّ الشريف بالألقاب التي في صدر الكتاب. وصورة وضعه في الباب العالي على ما تقدّم في الباب الكريم: أن يأتي به في سطرين كاملين من أوّل عرض الدّرج إلى آخره، كما في هذه الصورة: المقرّ الشريف، العاليّ، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الذخريّ، الظّهيريّ، المسنديّ، الزّعيميّ، المالكيّ، المخدوميّ، السيفيّ، أعزّ الله تعالى أنصاره أمير حاجب بالشام المحروس. والعلامة في هذه المكاتبة «المملوك فلان» بقلم الرقاع، بأسافل الكتاب، مقابل إن شاء الله تعالى. واعلم أنّ هذه المراتب الخمس هي الدائرة في المكاتبات بين كتّاب زماننا بمملكة الديار المصريّة وما جرى على نهجها، والمعنى في ترتيبها على هذا الترتيب أنه في المرتبة الأولى منها حذف الدعاء والثناء المقتضيان للدّالّة من المكتوب عنه على المكتوب إليه، واقتصر على اليسير من الكلام دون الكثير الذي فيه سآمة المكتوب إليه واضجاره، عند قراءة الكتاب، وعنونت بالفلاني كالسّيفيّ ونحوه، من حيث إنه لقبّ مؤدّ إلى رفعة، وأتي فيه بمطالعة المملوك فلان، إشارة إلى التصريح بالرقّ والعبوديّة من المكتوب عنه للمكتوب إليه مع إقامته في مقام الرّفعة بذكر لقبه المؤدّي إلى رفعة قدره- وفي المرتبة الثانية أتي فيها بالفلانيّ داخل المكاتبة دون العنوان فكانت أنزل مما قبلها، من حيث إنّ العنوان ظاهر وباطن

المكاتبة خفيّ والظاهر المؤدّي إلى الرفعة أعلى من الخفيّ من ذلك، وأتي بالدعاء فكانت أنزل رتبة من التي قبلها لما تقدّم من أنّ الدعاء فيه معنى الدالّة، واجتنب فيه السجع من حيث إنّ في الإتيان به تفاصحا على المكتوب إليه، وعنون بالأبواب إشارة إلى شرف محلّ المكتوب إليه من حيث الإشعار بأن له أبوابا يوقف عليها، وجعلت دون المرتبة الثانية «1» من حيث إنّ العنونة في المرتبة الأولى باللّقب المؤدّي إلى الرّفعة مع دلالته على الذات. وفي الثانية عنون بالأبواب الموصّلة إلى محلّ الشخص، ولا يخفى أنّ ما دلّ على نفس الشّخص أعلى مما هو موصّل إلى محلّه، وأتي فيها بمطالعة المملوك فلان إشارة إلى التصريح للمكتوب إليه بالرّقّ والعبوديّة كما تقدّم في المرتبة الأولى. وفي المرتبة الثالثة حذف منها الفلاني المؤدّي إلى الرّفعة من داخل المكاتبة فكانت أنزل من التي قبلها فأتي فيها بذلك، وأتي بالدعاء مسجوعا فكان أنزل مما قبله لما في السجع من التفاصح على المكتوب إليه، وأسقط من عنوانه مطالعة المملوك فلان فكان أنزل من حيث إنّه لم يقع فيه تصريح برقّ وعبوديّة كما في المرتبة الأولى والثانية. وفي المرتبة الرابعة بقي الصّدر على حاله وعنون فيها بالباب بلفظ الإفراد، فكانت أنزل مما قبلها، من حيث إنّ الإفراد دون الجمع بدليل أنه بعض من أبعاضه. وفي المرتبة الخامسة قيل: يقبّل الأرض بالمقرّ، يعني مقرّ المكتوب إليه، فكانت أنزل مما قبلها من حيث إشعار ذلك بالقرب من محلّه بخلاف «يقبّل مطلق «2» الأرض» فإنه لا ينحصر في ذلك، ثم إن عنونت بالباب العالي مجرّدا عن الكريم، كانت أنزل مما عنون فيه بالكريم لما جرى عليه الاصطلاح من رفعة رتبة الكريم العالي على العالي المجرّد عن الكريم، على ما تقدّم في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة، وإن عنونت بالمقرّ الشريف فهي على انحطاط الرتبة عمّا قبلها من حيث

إشعاره بقرب المحلّ من المكتوب إليه. على أنّ في عنونة هذه المكاتبة بالمقرّ الشريف نظرا، فإنّ أعلى مراتب الابتداء في المكاتبة بالدعاء هي الدعاء للمقرّ الشريف، وهو بعد تقبيل الباسط والباسطة واليد على ما سيأتي ذكره في الدّرجة الثالثة فيما بعد إن شاء الله تعالى. فربّما التبس عنوان هذه بعنوان تلك قبل فضّها، والوقوف على صدرها هل هو مفتتح «بيقبّل الأرض بالمقرّ» أو بالدعاء للمقرّ، إلّا أنّ كتّاب الزمان قد رفضوا المكاتبة بالدعاء للمقرّ الشريف واقتصروا على الدعاء للمقرّ الكريم، إذ كان هو أعلى ما يكتب به عن السلطان لأكابر أمراء المملكة على ما تقدّم ذكره في الكلام على مكاتبات السلطان إلى أهل المملكة في المقالة الرابعة. قلت: وفي الدساتير المؤلّفة في الإخوانيّات في الدولة التّركية في الزمن السابق ما يخالف بعض هذا الترتيب، فجعل في «عرف «1» التعريف» أعلى المراتب يقبّل الأرض وينهي كيت وكيت، والعنوان «الفلاني بمطالعة» على ما تقدّم ذكره في الترتيب السابق. ودونه: الصدر بعينه، والعنوان «الأبواب بمطالعة» . ودونه: كذلك والعنوان «الأبواب» بغير مطالعة. ودونه: «يقبّل الأرض بالمقرّ الشريف، والعنوان إما الباب العالي أو المقرّ الشريف» . وفي دستور يعزى لبعض بني الأثير أنّ أعلى المراتب «يقبّل الأرض وينهي كيت وكيت» على ما تقدّم. ودونه. «يقبّل الأرض ويدعو مثل يقبّل الأرض وينهي بعد رفع دعائه الذي لا يفتر لسانه عن رفعه، ولا يخفى إن شاء الله إبّان نفعه» . ودونه: «يقبّل الأرض ويدعو لها، مثل: يقبّل الأرض حماها الله تعالى من غير الزّمان، واكتنفها بالأمان، من صروف الحدثان، ولا زالت محطّ وفود الجدا، وكعبة قصّاد النّدا، وينهي كيت وكيت» . ودونه «يقبّل الأرض ويصفها، مثل أن

يكتب: يقبّل الأرض التي هي ملجأ العفاه، وملثم الشّفاه، ومحلّ الكرم الذي لا يخيب من اقتفاه، ومقصد الراجي الذي إذا عوّل عليه كفاه، وينهي كيت وكيت» . ودونه «يقبّل الأرض ويدعو لها «1» ، مثل أن يكتب: يقبّل الأرض لا زالت محروسة الرّحاب، هامية السّحاب، فسيحة الجناب، لمن أناب؛ وينهي كيت وكيت» . وجرى في «التثقيف» «2» على الترتيب المتقدّم في المرتبة الأولى والثانية والثالثة والرابعة على ما تقدّم في المراتب الخمس السابقة، وجعل المرتبة الخامسة «يقبّل الأرض» مع وصفها على ما تقدّم في الدّستور المنسوب لبعض بني الأثير مع العنونة بالباب العالي، وجعل «يقبّل الأرض بالمقرّ الشريف» مرتبة سادسة مع العنونة بالباب العالي أو المقرّ الشريف. وفي غير هذه الدّساتير ما يخالف بعض ذلك في الترتيب والتقديم والتأخير، وفي بعض الدّساتير بعد تقبيل الأرض تقبيل العتبات، مثل أن يكتب: يقبّل العتبات الكريمة، لا برحت مطلع السّعود، ومنبع الجود، ومهيعا للمقام المحمود. أو: يقبّل العتبات الكريمة، لا زالت الأفلاك تتمنّى أنها بها تحفّ، وأنها لنجومها إليها بحوض الوالدين (؟) تزف. أو: يقبّل العتبات الكريمة، لا زالت الآمال بها مطيفة، والسّعود لها حليفة، وسعادتها لاستخدام كلّ ذي إلمام مضيفة. ولا يخفى أنّ بعض هذه الاختيارات غير محكم الأساس، ولا موضوع على أصل يقتضي صحة الترتيب فيه، بل الكثير من ذلك راجع إلى التشهّي، كلّما تقدّم متقدّم في دولة من الدّول أحبّ أن يؤثر مخالفة غيره، ويجعل له شيئا يحدثه لينسب إليه ولا يبالي وافق في ذلك غرضا صحيحا أم لا، وقلّ من يصيب الغرض في ذلك.

الدرجة الثانية (المكاتبة بتقبيل اليد، وقد رتبوا ذلك على ثلاث مراتب)

على أنّ تقديم بعض هذه المراتب على بعض في العلوّ والهبوط إنما هو من جهة استحسانه، لو تكلّف المتكلّف تأخير ما تقدّم فيها أو تقديم ما أخّر، لأمكنه ذلك. الدرجة الثانية (المكاتبة بتقبيل اليد، وقد رتّبوا ذلك على ثلاث مراتب) المرتبة الأولى- يقبّل الباسط الشريف ، وهي الأعلى بالنسبة إلى المكتوب إليه. والرسم فيها أن يترك الكاتب تحت الملكيّ الفلانيّ بعد البسملة قدر سطرين بياضا كما في المسألة «1» قبلها، ويختلف الحال في ذلك، فإن كان المكتوب إليه من أرباب السّيوف، كتب: يقبّل الباسط الشريف، العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيديّ، السيديّ، المالكيّ، المخدوميّ، المحسنيّ، الفلاني، لا زالت ساحته مقبّلة، وسماحته مؤمّلة، وينهي بعد وصف خدمه، وثبوت قيامه فيها على قدمه، أنّ الأمر كيت وكيت، والمسؤول من إحسانه كيت وكيت، والله تعالى يحرسه بمنّه وكرمه. دعاء آخر: يليق بهذه المكاتبة، يقال بعد تكملة الألقاب: لا زالت نعمه باسطة، وأيّامه لعقود الأيام واسطة، وينهي كيت وكيت. آخر: لا زال جناح كرمه مبسوطا، وجناب حرمه من المخاوف محوطا، وينهي كيت وكيت. آخر: لا زال يصرّف الأعنّة والأسنّة، ويقلّد أعناق أعدائه كلّ أجل وأعناق أودّائه كلّ منّة، وينهي. آخر: لا زالت حمائل السّيوف تتسابق إلى بنانه، وأعقاب الرّماح تأوي إلى أنامله، ليمكّنها من قلوب أعداء الله يوم طعانه، ومتون الخيل متحصّنة بعزائمه فيقوى جنانها بجنانه.

آخر: لا زالت رحى حروبه على أعدائه تدار، وأسنّة رماحه تنادي الأعداء البدار البدار، وجنوده تقاتل سفرة الوجوه إذا قاتل الأعداء في قرى محصّنة أو من وراء جدار. آخر: لا زالت أعلام النصر معقودة بأعلامه، وجواري اليمّ السعيد معدودة من خدّامه، وسطور البأس والكرم مثبتة إما بأقلام الخطّ من رماحه وإمّا برماح الخط من أقلامه. آخر: لا زالت الأعنّة والأسنّة طوع يمينه وشماله، والآمال والأحوال تحت ظلال كرمه وكرم ظلاله، والسيوف والأقلام، هذه جارية بعوائد بأسه، وهذه جارية بعوائد نواله. آخر: ولا زالت وجوه النضر تتراءى في مرآة صفاحه، وثمار النّصر تجتنى من أغصان رماحه، ولا برح السيف والقلم يتباريان في ضرّ الأعداء ببأسه ونفع الأولياء بسماحه- وإن كان المكتوب إليه وزيرا ربّ سيف، كتب بعد الأميريّ «الوزيري» . وإن كان وزيرا ربّ قلم، كتب قبل الفلاني أيضا «الصاحبيّ» . وإن كان من أعيان الكتّاب: ككاتب السّرّ وناظر الخاصّ وناظر الجيش وناظر الدّولة وكتّاب الدّست ونحوهم، كتب بدل الأميري «القضائيّ» ثم يكتب للجميع بعد الوزيري أو القضائي، العالميّ، العادليّ، الممهّديّ، المشيّديّ، المالكيّ، المخدوميّ، المحسنيّ، الفلاني، أسبغ الله تعالى ظلاله ومدّها، وشيّد به مباني الملك وشدّها، ووهب الأيام منه هبة لا تستطيع الليالي ردّها، وينهي كيت وكيت. دعاء آخر: يليق بهذه المكاتبة، يقال بعد تكملة الألقاب، ولا زالت أقلامه تروّع الأسد في آجامها، وتزيد على الغيوث في انسجامها، وتعلّم الرّماح الإقدام إذا نكصت لإحجامها، وينهي. آخر: ولا زالت الدّول مشيّدة بتصريفه، مجدّدة لتشريفه، مؤيّدة بين صرير القلم وصريفه.

آخر: ولا زالت أقلامه تهزأ بالغيوث الهامية، وأنعامه تفوق على البحار الطامية، وموارد إحسانه تأوي إليها الوفود الظامية. آخر: وأدام القصد لبابه، ونزول الآمال برحابه، وصعودها إلى سحابه. آخر: لا زال فسيحا للمقاصد جنابه، مجرّبا للمناجح بابه، صريحا في ابتغاء خير الدنيا والآخرة طلابه- وإن كان من القضاة الحكّام، كتب: يقبّل الباسط الشريف، العالي، المولويّ، القضائيّ، العالميّ، الإماميّ، العلّامي، السيّديّ، المالكيّ، المخدوميّ، المحسنيّ، الحاكميّ، الفلانيّ، أعزّ الله تعالى أحكامه، وجمّل به الدهر وحكّامه، وثبّت به الأمر وزاد إحكامه، وينهي كيت وكيت. دعاء آخر يناسبه: يقال بعد تكملة الألقاب: أعزّ الله تعالى أحكامه وأنفذها، وتدارك به الأمّة وأنقذها، وأسعف به الملّة الإسلاميّة وأسعدها، وينهي. آخر: نضرّ الله الدّين بنوره، وسقى الغمام باقي سوره، وحمى حمى الشرع الشريف بما ضرب عليه من سوره. آخر: وجمّل الدهر بمناقبه، وزيّن سماء العلم بكواكبه، ولا زال الزمان يقول لمنصب الشرع الشريف بشخصه ورأيه: عزّ يدوم وإقبال لصاحبه. آخر: وأمضى بيده سيوف الشّرع التي هي أقلامه، وأعلى طروس العدل والحقّ فإنها أعلامه، ولا زالت يد القصد مشيرة إليه، ولا ينعقد إلّا على ثنائه خنصر ولا ينجلي إلّا بهداه إبهام. آخر: وسدّد سهام الحقّ بأقضيته، وشيّد أركان الشّرع بأبنيته، وأيّد الإسلام بأقلام سجلّاته القائمة للنّصر مقام ألويته- وإن كان المكتوب إليه من مشايخ الصّوفيّة، كتب: يقبّل الباسط الشريف، العالي، المولويّ، الشيخيّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، السيّديّ، المالكيّ، المخدوميّ، المحسنيّ، الفلانيّ، لا زال يقاتل بسلاحه، ويقابل فساد الدّهر بصلاحه، ويجلو دجى الظّلماء بصباحه، وينهي.

المرتبة الثانية -[يقبل الباسطة الشريفة] والرسم فيها أن يترك تحت الملكي الفلاني قدر سطرين بياضا

آخر: ونفع ببركاته في الرّوحات والغدوات، وجمّل ببقائه المحافل والملوات، وبسط في صالح الدّول [يده] ، إمّا في مباشرته بصالح التدبير وإمّا في انقطاعه بصالح الدّعوات. والعنوان في هذه المكاتبة «الباسط الشريف» بالألقاب التي في صدر المكاتبة على السّواء، والدعاء له بأوّل سجعة من دعاء الصّدر أو نحوها، بحسب حال المكتوب إليه، مثل أن يكتب لمن هو من أرباب السيوف، أعزّ الله تعالى نصره، أو عزّ نصره. ولمن هو من رؤساء الكتّاب: أسبغ الله ظلاله. ولمن هو قاضي حكم: أعزّ الله أحكامه. ولمن هو من مشايخ الصوفية: أعاد الله من بركاته. وصورة وضعه في الورق أن تكتب الألقاب والدعاء والتعريف في سطرين كاملين من أوّل عرض الورق إلى آخره، إلّا أنه يفصل بين الألقاب والدعاء ببياض لطيف، وبين الدعاء والتعريف ببياض لطيف كما في هذه الصورة: الباسط الشريف، العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، السيّديّ، المالكيّ، المخدوميّ، المحسنيّ، الفلانيّ أعزّ الله أنصاره أمير حاجب بحلب المحروسة وقد ذكر في «عرف التعريف» : أنه إن قصد تعظيمه، عنونه بالمقرّ الشريف بالألقاب المتقدّمة على السّواء، ولا تخفى صورة وضعه بعد ما تقدّم، والعلامة «المملوك فلان» بقلم الرّقاع مقابل إن شاء الله كالمكاتبة بالمقرّ الشريف المتقدّمة. المرتبة الثانية-[يقبّل الباسطة الشريفة] «1» والرسم فيها أن يترك تحت الملكيّ الفلاني قدر سطرين بياضا كما في المكاتبة قبلها، ثم يكتب «يقبّل الباسطة الشريفة» بالتأنيث، ويجري الحال في ذلك كما في الباسط، فإن كان المكتوب إليه من أرباب السيوف، كتب: يقبّل الباسطة الشريفة، العالية،

المولويّة، الأميريّة، الكبيريّة، العالميّة، العادليّة، المؤيّدية، الذّخريّة، المالكية، المحسنيّة، الفلانية، لا زالت سحائبها مستهلّة، ومواهبها للبحار مستقلّة، وينهي كيت وكيت، والمستمدّ من محبّته كيت وكيت. وربما قيل والمسؤول، والله تعالى يؤيّده بمنّه وكرمه. دعاء آخر يليق بذلك: لا زالت سيولها تملأ الرّحاب وسيوفها تسرع السّلّ إلى الرّقاب. آخر: لا زالت خناصر الحمد على فضل بنانها معقودة، ومآثر البأس والكرم لها ومنها شاهدة ومشهودة، وبواتر السّيوف مسيّرة القصد إلى مناصرة أقلامها المنضودة. آخر: ضاعف الله تعالى موادّ نعمها، وجوادّ كرمها، واتّصال الآمال بمساقط ديمها. آخر: لا زالت الآمال لائذة بكرمها، عائذة بحرمها، مستنجدة على جدب الأيّام بسقي ديمها. آخر: لا زالت لرسوم الكرم مقيمة، ولصنائع المعروف مديمة، ولأيادي الإحسان متابعة إذا قصّرت عن البروق ديمة- وإن كان المكتوب إليه من رؤوس الكتّاب كتب بدل الأميريّ القضائيّ، والباقي على ما تقدّم، ثم يدعى له بما يناسبه. دعاء يناسب ذلك: لا زالت السيوف خاضعة لأقلامها، والنجوم خاشعة لكلامها، والجبال متواضعة لإعلاء أعلامها. آخر: لا زالت موالاتها فريضة، وأجنحة أعدائها مهيضة، ومقل الأسنّة إذا خاصمتها ألسنة أقلامها غضيضة. آخر: أسبغ الله ظلّها، وهنّأ بها أمّة قرب مبعث زمانها وأظلّها، وهدى الآمال وقد حيّرها الحرمان وأضلّها.

آخر: لا زال قلمها مفتاح الرّزق لطالبه، والجاه لكاسبه، والنصر لمستنيب كتبها عن كتائبه. آخر: لا زال رفدها المطلوب، وسعدها المكتوب، وقلمها المخاطب في مصالح الدول والمخطوب. آخر: بسط الله ظلّها ولا قلّصها، وزادها من فضله ولا نقصها، ولا جرّع كبد حاسدها الظالمية إلّا غصصها. آخر: ولا زال عميما إنعامها، قديما وحديثا ديمها وإكرامها، قاضية بسعدها النجوم التي هي خدّامها. آخر: لا زالت بسيطا ظلّها، مديدا فضلها، سريعا إلى داعي النّدى والرّدى قلمها في المهمّات ونصلها- وإن كان من قضاة الحكم زاد مع القاضويّ قبل الفلاني الحاكميّ ودعا بما يناسب. دعاء: أعزّ الله شانها «1» ، وأذلّ من شانها «2» ، وأغصّ بأدمع أعدائها الضّريحة شانها «3» دعاء آخر يليق بذلك: ولا زالت الآمال إليها وافدة، والصّلات عائدة، ومعاني الفضل عن أخبار معنها زائدة. آخر: لا زالت خناصر الحمد معقودة على فضل بنانها، وفصل بيانها، وعوائد الفضل والكرم شاهدة بالحسنين من فضلها وامتنانها. وإن كان من مشايخ الصّوفيّة أبدل القضائيّة بالشيخيّة وأسقط العادليّة والحاكميّة ودعا له نحو قوله: ومتّع الإسلام ببقيّته الصالحة، وبيّض صحائف أعماله التي لأيدي الملائكة الكرام مصافحة.

المرتبة الثالثة - يقبل اليد الشريفة بألقاب الباسطة المتقدمة

آخر: لا أخلى الله من بركاته خلواته، وأعاد من نوامي دعواته، وسوامي درجاته وتوجّهاته، ونحو ذلك. والعنوان الألقاب التي في صدر المكاتبة، والدعاء بالسّجعة الأولى من الدّعاء باطنه أو نحوها. وصورة وضعه أن تكتب الألقاب والدعاء والتعريف في سطرين كما تقدّم في الباسط كما في هذه الصورة: الباسطة، الشريفة، العالية، المولويّة، الأميريّة، الكبيريّة، العالميّة، العادليّة، الذّخرية، السنديّة، الكامليّة، المحسنيّة، أعزّ الله تعالى أنصارها أمير حاجب بحماة المحروسة والعلامة «المملوك فلان» بقلم الرّقاع في أوّل الوصل الثالث على القرب من اللّصاق. المرتبة الثالثة- يقبّل اليد الشريفة بألقاب الباسطة المتقدّمة ، ثم اليد الكريمة، ثم اليد العالية مع حذف الكريمة رتبة بعد رتبة، والألقاب بحالها ويدعى له، ثم يقال والمستمدّ من محبّته كيت وكيت، والله تعالى يؤيّده. والحال في اختلاف بعض ألقابها بالنّسبة إلى أرباب السيوف وغيرهم على ما تقدّم في الباسطة. (وهذه أدعية لأرباب السّيوف في هذه المكاتبة) دعاء من ذلك: يقال بعد استكمال الألقاب: لا زالت مقبّلة البنان، مؤمّلة الإحسان، مفضّلة على أنواء السّحب بكل لسان، وينهي. آخر: لا زالت تردّ بالسيف صدور الكتائب، وترد الظّماة منها موارد السحائب، وتحدّث عن البحر وكم في البحر من العجائب. آخر: لا زالت بربّها مأمونة، وبذبّها ممنونة، وأيامها تصبّح الأعداء بأسنّتها الزّرق المسنونة.

آخر: لا أخلى الله من ودّها، ولا قطع وظائف حمدها، ولا قضى مغيبها إلّا جعل لها ذكرى بعدها. آخر: لا زالت مصالحها تظفر بالمنى، وتحصل على الغنى، وتطلق لسانه بعاطر الثّنا. آخر: لا زالت لتقليد المنن سابقة في الجود العذل، مقسّمة في مكارم التكريم، باطنها للنّدى وظاهرها للقبل. (وهذه أدعية تناسب أرباب الأقلام) يقال بعد استيفاء الألقاب: لا زالت مستهلّة بالنّدا، مستقلّة بكبت العدا، مطلّة على النجوم على بعد ما بينهما من المدى. آخر: لا برحت مفاخرها مفصّلة، ومحبّتها في الخواطر ممثّلة، والكواكب تودّ لو فارقت فلكها وأصبحت لديها مسبلة. آخر: لا زالت لصحائف الإحسان مسطّرة، ولقلوب الأعداء مفطّرة، ولصنائع المعروف إذا أمسكت الأنواء ممطرة. آخر: أعلى الله تعالى شانها، وضاعف إحسانها. والعنوان: اليد الشريفة، أو اليد الكريمة، أو اليد العالية، بالألقاب التي في صدر الكتاب من غير زيادة ولا نقص، والدعاء بأوّل سجعة من المدعوّ به في صدر الكتاب أو نحوها، والتعريف بعد ذلك. وصورة وضعه في الكتابة أن يكتب سطران على ما تقدّم في الباسط والباسطة كما في هذه الصورة: اليد الشريفة، العالية، المولويّة، الأميريّة، الكبيريّة، العالمية، العادليّة، الذّخرية، المالكيّة، المحسنيّة، الفلانية. أعلى الله تعالى شأنها نائب ملطية «1» المحروسة

والعلامة «المملوك فلان» بقلم التوقيعات، في آخر الوصل الثاني من الكتاب، على القرب من موضع لصاقه «1» واعلم أنه ربما وصف التقبيل في هذه المراتب بعد الدّعاء بالأوصاف الدالّة على زيادة التأدّب ورفعة قدر المكتوب إليه، وعلى ذلك جرى في «عرف التعريف» . وقد يستعمله بعض كتّاب الزمان، وذلك مثل أن يقول في تقبيل الباسط بعد استعمال الدعاء: تقبيلا يحوم على مناهله، ويحلّق نسر السماء على منازله، أو يقول: تقبيل محبّ أخلص ولاءه، ومحّص الصّدق وفاءه، أو تقبيلا يواليه، وينظّم لآليه، أو تقبيلا يواصل به الخدم، ويودّ لو سعى لأدائه على الرأس إن لم تسعف القدم، أو تقبيلا لا يروى الكرم إلّا عنه، ولا تستفاد المكارم إلّا منه، أو تقبيل وارد على ذلك الزّلال، رائد في ذلك الروض الممتدّ الظّلال، أو تقبيل مسارع إليها، مزاحم عليها. وربما أتى في الإنهاء بما يلائم المقام، مثل أن يقول: وينهي بعد وصف خدمه، وتمنّيه لو وقف في صفّ خدمه، وما أشبه ذلك. قلت: وفي بعض الدّساتير بعد تقبيل اليد العالية، يقبّل يد الجناب الكريم، العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المؤيّديّ، النصيريّ، الزّعيميّ، الفلانيّ، وبعد ذلك: يخدم الجناب الكريم بنحو هذه الألقاب. وفي «التثقيف» : يقبّل يد الجناب العالي، ويخدم الجناب العالي، بدون الكريم، ثم يقال بعد ذلك ويبدي لعلمه كيت وكيت، والقصد من محبّته كيت وكيت، فيحيط علما بذلك. وبعض الكتّاب يستعمل ذلك إلى الآن، وهو ذهول، إذ سيأتي في

الدرجة الثالثة (المكاتبة بالدعاء)

أوّل الدرجة الثالثة أنّ أعلى المراتب المفتتحة بالدعاء الدعاء للمقرّ الشريف على المصطلح الأوّل، وللمقرّ الكريم على ما استقرّ عليه الحال الآن، وإذا كان كذلك فكيف يتأتّى أن تكون مرتبة من مراتب الجناب الكريم أو الجناب العالي قبل المقرّ الشريف أو المقرّ الكريم. الدرجة الثالثة (المكاتبة بالدعاء) وقد رتّبوا المكاتبة بالدعاء على [ثلاث] «1» مراتب: المرتبة الأولى- الدعاء للمقرّ ، والرسم فيه أن يترك بعد «الملكي الفلاني» قدر عرض ثلاث أصابع بياضا؛ ثم يؤتى بصدر المكاتبة على سمت البسملة. ويختلف الحال في ذلك، فإن كان المكتوب إليه من أرباب السّيوف، كتب: أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الكريم، العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، العونيّ، النّصيريّ، الفلانيّ. ثم يدعى له بما يناسب نحو: ولا زالت جيوشه جائلة، وجنوده بين الأعداء وبين مطالبها حائلة، وأولياؤه على صهوات خيلها لديه قائلة، أصدرناها إلى المقرّ الكريم، تهدي إليه من السّلام أطيبه، ومن الثّناء أطنبه، وتبدي لعلمه الكريم أنّ الأمر كيت وكيت، والقصد من اهتمامه كيت وكيت، فيحيط علمه بذلك، والله تعالى يؤيّده بمنّه وكرمه. (وهذه أدعية تناسب ذلك) : دعاء يليق بذلك: يقال بعد تكملة الألقاب: وأيّد عزائمه ونصرها، وأعلى أعلامه ونشرها، ودقّق في مقاتل الأعداء حيث تزور الأسنّة نظرها، وينهي.

آخر: ولا برحت الآمال بكرمه تعترف، وبوارق صوارمه لأبصار الأعداء تختطف. آخر: وأعلى قدره، وأنفذ أمره، أصدرناها. وإن كان من رؤساء الكتّاب، كتب: بسط الله ظلّ المقرّ، أو أسبغ الله ظلال المقرّ الكريم، العالي، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، السيّديّ، السّنديّ، المالكيّ، المخدوميّ، المحسنيّ، الفلانيّ، وباقي المكاتبة كما في أرباب السيوف. وهذه أدعية تناسب ذلك: دعاء يليق به: ولا زالت الأمور إليه مفوّضة، ومضارب العزّ إلّا عنه مقوّضة، وصحائف الحسنات بتسويده على أثناء الدّهر مبيّضة، أصدرناها. آخر: وصرّف لسان قلمه، وشرّف مكان قدمه، وعرّف من كان يناويه أنّه أصبح لا يعدّ من خدمه. قلت: وقد ذكر في «عرف التعريف» «1» أن القضاة والحكّام لا مدخل لهم في المكاتبة بالمقرّ، وعلى ذلك جرى في مشايخ الصوفيّة، على أنه قد كوتب بذلك. وقد رأيت المكاتبة بذلك في بعض الدساتير، وحينئذ فيكتب: أعزّ الله تعالى أحكام المقرّ، العالي، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، العلّاميّ، الإماميّ، المالكيّ، المحسنيّ، الحاكميّ، الفلانيّ، ويدعى له بما يناسب، مثل: وجدّد له إقبالا، وبلّغه من الدّارين آمالا، وأحسن إليه مبدأ ومآلا، ونحو ذلك. والباقي على نحو ما تقدّم. (وهذه أدعية تناسب ذلك:) لا برحت الشريعة محوطة بأقلامه، مضبوطة بأحكامه، منوطة بما يشيّد

المرتبة الثانية: الدعاء للجناب، وهو على ثلاث طبقات

مبانيها ومثانيها من أحكامه، مؤرّخة أيام سعودها بأيامه. آخر: حرس الله بأحكامه سرح المدى، ولا برحت فتاويه بها يقتدى، ويظهر على المناوين والمبتدعين من تجريدها مهنّدا مهنّدا. آخر: لا برحت أنوار فتاويه لامعة، وسيوف أقلامها بها قاطعة، وحدودها إلى [موارد] أحكام الشريعة المحمّدية شارعة. والعنوان لهذه المكاتبة: «المقر الكريم» بنظير ما في الصّدر، والدعاء بأوّل سجعة في الصدر من الدعاء. وصورة وضعه في الورق أن يكتب في سطرين الألقاب والدعاء والتعريف كما في هذه الصورة: المقرّ الكريم، العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، العونيّ، النّصيريّ، الفلانيّ، أعزّ الله تعالى أنصاره فلان الفلانيّ والعلامة «المملوك فلان» بقلم الثلث مقابل السطر الثاني من المكاتبة. المرتبة الثانية: الدعاء للجناب، وهو على ثلاث طبقات : الطبقة الأولى- أعزّ الله تعالى نصرة الجناب الكريم . والرسم فيه أن يترك تحت «الملكيّ الناصريّ» عرض ثلاثة أصابع بياضا كما في المسألة قبلها. ثم إن كان المكتوب إليه من أرباب السّيوف، كتب: أعزّ الله تعالى نصرة الجناب الكريم، العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، العونيّ، الذّخريّ، العضديّ، الفلانيّ، ويدعى له، نحو: وأعلى قدره، وأنفذ أمره، صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب الكريم، تهدي إليه سلاما رائقا، وثناء عابقا، وتوضّح لعلمه الكريم كيت وكيت، والقصد من اهتمامه كيت وكيت، فيحيط علمه بذلك، والله تعالى يحرسه بمنّه وكرمه.

وهذه أدعية تناسب ذلك. دعاء منه: ولا زالت عزائمه تعير السّيوف المضاء، وتعلّم السّهام النّفوذ في القضاء. آخر: ولا زال جنابه مرتعا، وسحابه مربعا، ورعبه لا يدع من قلوب الأعداء موضعا. آخر: ولا زالت عزائمه تباري السّيوف، وتشقّ الصّفوف، وتجاري إلى مقاتل الأعداء الحتوف، صدرت. وإن كان من الكتّاب، كتب: أدام الله تعالى جلال الجناب الكريم، العالي، القضائيّ، الكبيريّ، الصّدريّ، الرّئيسيّ، العونيّ، الغياثيّ، الملاذيّ، الفلانيّ، ويدعى له بما يناسبه، والباقي من نسبة أرباب السّيوف. دعاء يناسبه: وحرس سماءه التي تغنى عن المصابيح، ونعماءه التي هي للنّعم مفاتيح. آخر: وبلّغه أشرف الرّتب، وملأ به قلوب الأعداء غاية الرّهب، وشكر ندى قلمه الذي لم يدع للغمام إلّا فضل ما وهب، صدرت. وإن كان قاضيا، كتب: أعزّ الله تعالى أحكام الجناب الكريم العالي، القضائيّ، الإماميّ، العالميّ، العلّاميّ، الأوحديّ، الفلانيّ. ويدعو له؛ نحو: ونوّر بعلمه البصائر، وسرّ بحكمه السّرائر، وجعل فيض يمّه مما لا تودع درره إلا في الضمائر. والباقي من نسبة ما تقدم. وإن كان من مشايخ الصّوفيّة، كتب: أعاد الله تعالى من بركات الجناب الكريم، العالي، الشّيخيّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، الورعيّ، الزاهديّ، الفلانيّ. ويدعى له، نحو: ولا زال يقاتل بسلاحه، ويقابل فساد الدّهر بصلاحه، وتجلى دجى الظّلماء بصباحه. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب الكريم تهدي إليه سلاما يزدان بعرض بخدمته، ويزداد نضرة بنظرته.

الطبقة الثانية - من المرتبة الثانية

والعنوان لكلّ منهم بألقاب الصدر، والدعاء بأوّل سجعة من دعائه أو نحو ذلك. وصورة وضعه أن يكتب في سطرين ألقابه ودعاءه وتعريفه كما في هذه الصّورة: الجناب الكريم، العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، النّصيريّ، الفلانيّ، أعزّ الله تعالى نصرته فلان الفلانيّ. والعلامة «المملوك فلان» بقلم الثلث مقابل السطر الثاني كما في المكاتبة التي قبلها. الطبقة الثانية- من المرتبة الثانية : ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي. والرسم فيه أن يترك تحت الملكيّ الفلانيّ قدر أربعة أصابع بياضا، ثم يختلف الحال في ذلك؛ فإن كان المكتوب إليه من أرباب السّيوف، كتب: ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، العونيّ، النّصيريّ، الذّخريّ، الفلانيّ. ثم يدعى له، نحو: ونصره في جلاده، وأيّده في مواقف جهاده. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما يشوق، وثناء يروق، وتوضّح لعلمه كيت وكيت، فالجناب العالي، يتقدّم بكيت وكيت، فيحيط علمه بذلك، والله تعالى يؤيّده بمنّه وكرمه. دعاء آخر يناسب هذه المكاتبة: يقال بعد استيفاء الألقاب: ولا زال عزمه مؤيّدا، وعزّه مؤبّدا، واجتهاده وجهاده، هذا يسرّ الأولياء وهذا يسوء العدا. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تخصّه بالسّلام، والثناء الوافر الأقسام، وتوضّح لعلمه كيت وكيت. آخر: ولا زالت آراؤه كواكب يهتدى بلوامعها، وتقرأ سورة النصر في جوامعها، وتسير كالسّحب فترمي الأعداء بصواعقها وتأتي الأولياء بهوامعها. وإن كان من الكتّاب، كتب: ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي،

القضائيّ، الكبيريّ، الصّدريّ، الرّئيسيّ، القواميّ، النّظاميّ، الفلانيّ. ثم يدعى له نحو: ولا زال يرجى لكلّ جليل، ويؤمّل لكلّ جميل، ويؤهّل لكلّ منتهى تقصر دونه أصابع النّيل. صدرت هذه المكاتبة، والباقي على ما تقدّم في أرباب السيوف. وإن كان من القضاة، كتب: ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي، القضائيّ، العالميّ، الفاضليّ، الأوحديّ، الصّدريّ، الرئيسيّ، الفلانيّ. ويدعى له نحو: ودفع عنه الأباطيل، وأرشد بهداه من الأضاليل. وإن كان من مشايخ الصّوفيّة، كتب: أعاد الله تعالى من بركة الجناب العالي، الشّيخيّ، الإماميّ، العالميّ، الكامليّ، الورعيّ، الزاهديّ. ويدعى له، نحو: ولا زال تكشف به اللّأواء «1» ، وتطبّ به الأدواء. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما، وتفضّ عن مثل المسك ختاما، وتوضّح لعلمه. دعاء آخر: نفع الله بدعواته التي لا حاجب لها عن الإجابة، ولا عارض يمنعها عن الإصابة، وأمتع ببركاته التي هي أمن للناس ومثابة. صدرت. والعنوان: الألقاب التي في صدر المكاتبة. والدعاء: ضاعف الله تعالى نعمته، ثم التعريف. وصورة وضعه في الورق أن يكتب في سطرين ألقابه ودعاؤه وتعريفه كما في هذه الصورة: الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، العونيّ، النّصيريّ، الذّخريّ، الفلانيّ. ضاعف الله تعالى نعمته فلان الفلانيّ. والعلامة «المملوك فلان» بقلم الثلث الثقيل مقابل السطر الأوّل من المكاتبة.

الطبقة الثالثة - أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي وما في معنى ذلك

الطبقة الثالثة- أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي وما في معنى ذلك . والرسم فيه أن يترك تحت الملكي الفلاني بحيث يبقى من الوصل الذي فيه البسملة ما يسع سطرين فقط ثم يختلف الحال فيه؛ فإن كان المكتوب إليه من أرباب السيوف، كتب: أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، العونيّ، النّصيريّ، الذّخريّ، الفلانيّ. ويدعى له، نحو: وأيّد عزمه وأظهره، وكبت عدوّه وقهره، صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما طيّبا، وثناء مطنبا، وتوضّح لعلمه كيت وكيت، فالجناب العالي يتقدّم بكيت وكيت، فيحيط علمه بذلك، والله تعالى يؤيّده بمنّه وكرمه. دعاء آخر يناسبه: وموّه بجهاده كلّ سنان، ونبّه بجلاده جفن كلّ سيف وسنان. صدرت هذه المكاتبة تحيّيه بسلام يطيب، وثناء يهتزّ غصنه الرّطيب، وتوضّح لعلمه. وإن كان من الكتّاب، كتب: أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي، القضائي. والألقاب من نسبة ما تقدّم في: ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي. والدعاء، نحو: ولا زال قلمه لأبواب الأرزاق فاتحا، ونجم رفده [لأنواء الفضل مانحا «1» ] صدرت. وإن كان من القضاة، كتب: أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي، والألقاب من نسبة ما تقدّم في ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي. والدعاء، نحو: ولا أخلى الله أفق الفضل من كوكبه، ولا مجال الجدال من مركبه. صدرت. وإن كان من مشايخ الصوفية، كتب: أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي الشيخيّ. وبقيّة الألقاب من نسبة ما تقدّم مع ضاعف الله تعالى نعمة الجناب.

المرتبة الثالثة - الدعاء للمجلس

والدعاء، نحو: نفع الله ببركات خلواته التي كم انجلت عن الرّشاد، وبان في مرآتها نور الهدى للعباد، وأنارت إنارة الشمس لا إنارة الزّناد. والعنوان بنظير الألقاب التي في صدر المكاتبة، والدعاء: أدام الله تعالى نعمته. وصورة وضعه في الورق أن يكتب في سطرين الألقاب والدعاء والتعريف كما في هذه الصورة: الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، العونيّ، النّصيريّ، الذّخريّ، الفلانيّ، أدام الله نعمته فلان الفلانيّ. والعلامة «المملوك فلان» تحت البسملة بقلم مختصر الطّومار «1» . المرتبة الثالثة- الدعاء للمجلس ، ويختصّ بالمجلس العالي، والبياض فيه تحت الملكي الفلاني بحيث يبقى من الوصل قدر سطرين كما تقدّم في الجناب العالي. ويختلف الحال فيه؛ فإن كان من أرباب السّيوف، كتب: أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الذّخريّ، العونيّ، الفلاني. ويدعى له، نحو: وأيّد عزمه، ووفّر من الخيرات قسمه. صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي تهدي إليه سلاما، وتوفّر له من الخير أقساما، وتوضح لعلمه المبارك كيت وكيت، فالمجلس يتقدّم بكيت وكيت، فيحيط بذلك علما. والله تعالى يؤيّده بمنّه وكرمه. وهذه أدعية تليق بهذه المكاتبة. دعاء من ذلك: ولا زال مشكور الاهتمام، موصوف المحاسن وصف البدر التّمام، معروفا بجميل الأثر مثل ما تعرف مواقع الغمام. صدرت هذه المكاتبة إلى

المجلس العالي تهدي إليه سلاما، وتسدّد لرأيه الصائب سهاما، وتوضّح لعلمه الكريم. آخر: ولا زال سيفا يدفع بحدّه، ويجري ماء النصر من فرنده «1» ، ويتنوّع به الظّفر فيقتل بتجريده ويخاف وهو في غمده. وإن كان من الكتّاب، كتب: أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي، القضائيّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، الرئيسيّ، الماجديّ، الأوحديّ، الأثيريّ، الفلانيّ. ويدعى له، نحو: وسدّد رأيه ووفّقه، وصدّق فيه الظّنّ وحقّقه، وجمع له شمل السعادة ثم لا فرّقه. صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي تشكر مساعيه، واهتمامه الذي بان طرف النّجم وهو يراعيه، وتوضّح لعلمه الكريم. آخر: ولا نزع عنه ثوب سعادة، ولا غيّر منه جميل عادة، ولا عرف سوى بابه الذي لو كان له الحقّ في جبهة الأسد لاستعاده. صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي تهدي إليه السّلام، والثّناء الذي تنطق به ألسنة الأقلام، وتوضح لعلمه. وإن كان من القضاة، كتب: أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، الفاضليّ، الأوحديّ، الفلانيّ. ويدعى له، نحو: ولا برحت طلبته «2» مفيدة المطالب، مورية الهدى في الغياهب، قائمة أقلام هدايتها في ليالي الحيرة مقام الكواكب. آخر: ولا برحت الدنيا ممطورة بغمامه، محبورة بدخولها تحت ذمامه. وإن كان من مشايخ الصوفية، كتب: أدام الله تعالى بركة المجلس العالي، الشّيخيّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، العابديّ، الورعيّ، الزاهديّ،

الأوحديّ، الفلانيّ. ويدعى له نحو: ولا زال نوره يسعى بين يديه، ويدعى باسمه إليه. آخر: أعاد الله من بركاته على الراعي والرّعيّة، وجعل خلواته خلوات كلّ نفس راضية مرضيّة، والباقي على ما تقدّم. والعنوان الألقاب التي في الصّدر، والدعاء: أدام الله تعالى نعمته. ثم التعريف. وصورة وضعه في الورق أن تكتب ألقابه والدعاء والتعريف كما في هذه الصورة: المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الذّخريّ، العونيّ، الفلانيّ، أدام الله تعالى نعمته فلان الفلانيّ. والعلامة «المملوك فلان» بقلم مختصر الطّومار تحت الملكي الفلاني، على ما تقدّم في المكاتبة قبلها. واعلم أنّ ترتيب هذه الدرجة على هذه المراتب: من الدّعاء بأعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الكريم، ثم أعزّ الله تعالى نصرة الجناب الكريم، ثم ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي؛ ثم أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي، ثم أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي، هو المستقرّ عليه الحال بين كتّاب الزمان بالديار المصرية. وجعل في «عرف التعريف» أعلى المراتب في الدعاء: أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الكريم، ثم أعزّ الله تعالى نصرة المقرّ الكريم، ثم أعزّ الله تعالى نصر المقرّ الكريم، ثم أدام الله تعالى نصرة الجناب الشريف، ثم أدام الله تعالى نصرة الجناب الكريم، ثم ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي، وحرس الله تعالى نعمة الجناب العالي، مع اختصار الألقاب وحذف بعضها، ثم أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي. وعلى كثير من ذلك كان الحال جاريا إلى آخر الدولة الأشرفيّة «شعبان «1» بن حسين» ثم أخذ

الدرجة الرابعة (الابتداء بصيغ مخترعة من صدور مكاتبات الأدعية)

الناس في التغيير إلى أن صار الأمر على ما هو عليه الآن. قلت: وكانوا في الزّمن السالف في الدولة الناصرية «محمد «1» بن قلاوون» وما والاها لا يأتون مع المقرّ الشريف، والمقرّ الكريم، والمقرّ العالي، والجناب الشريف، بأصدرناها ولا بصدرت هذه المكاتبة كما هو الآن؛ بل بعد الدعاء يقولون مع «أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الشريف» : المملوك يقبّل الباسطة. ثم يأتي بالإنهاء بعد ذلك مثل أن يقول: المملوك يقبّل الباسطة الكريمة التي هي معدن السّماح، وموطن ما يوهن العدا من صدور الصّفاح، وينهي. أو يقول: يقبّل الباسطة الكريمة، ويرتع منها في كلّ ديمة، وينهي. أو والمملوك يقبّل اليد الشريفة، ويلجأ إلى ظلالها الوريفة، وينهي. ومع «الجناب الشريف» لفظ «المملوك يخدم» . ثم يقول: ويبدي مثل أن يكتب: المملوك يخدم بأثنيته ويفضّ عقود الشّكر على أنديته، ويبدي لعلمه الكريم. أو المملوك يخدم بأثنيته التي تزيد الطّيب طيبا، وتسري سرى السّحب فلا تدع في الأرض جريبا «2» ، ويبدي لعلمه الكريم. وربما أعاض ذلك بقوله: صدرت هذه الخدمة، مثل أن يقول: صدرت هذه الخدمة وسلامها يتضوّع، وثناؤها السافر لا يتبرقع. الدرجة الرابعة (الابتداء بصيغ مخترعة من صدور مكاتبات الأدعية) اعلم أن صدور المكاتبات المفتتحة بالأدعية يقال فيها بعد الدّعاء المعطوف: أصدرناها أو صدرت هذه المكاتبة، ثم يقال: وتبدي لعلمه أو وتوضّح لعلمه. ومن أجل ذلك جعلت هذه الدرجة دون درجة الافتتاح بالدعاء؛ لأنّ هذه فرع من فروع تلك، وحينئذ فيكون الصدر مشتملا بعد الدعاء على ثلاثة أشياء: أحدها-[افتتاح] صدور المكاتبة بقوله: أصدرناها أو صدرت.

المرتبة الأولى - الافتتاح بصدور المكاتبة

والثاني- الإشارة إلى المكاتبة بقوله: هذه المكاتبة. والثالث- الإعلام بما صدرت بسببه المكاتبة، فانتظم من ذلك ثلاث مراتب: المرتبة الأولى- الافتتاح بصدور المكاتبة ، وفيها طبقتان: الطبقة الأولى- صدرت والعالي ، وهي أن تفتتح المكاتبة بأن يقال: صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي. ويختلف الحال فيها. فإن كان المكتوب إليه من أرباب السّيوف، كتب: صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الذّخريّ، الأوحديّ، الفلانيّ. ويدعى له نحو: أدام الله تعالى نعمته، ووفّر من الخير قسمته، تتضمّن إعلامه كيت وكيت. فالمجلس العالي يتقدّم بكيت وكيت، فيعلم ذلك ويعتمده والله الموفّق. وإن كان من الكتّاب، كتب: صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي، القضائيّ، الكبيريّ، الرئيسيّ، الكامليّ، الماجديّ، الأثيريّ، الأوحديّ، الفلانيّ. ويدعى له، نحو: حرس الله مجده، وأنجح قصده، والباقي على ما تقدّم. وإن كان من القضاة، كتب: صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي، القضائيّ، الأجلّيّ، الإماميّ، الصّدريّ، الفقيهيّ، الكامليّ، الفاضليّ، الفلانيّ، ويدعى له، نحو: أيّد الله أحكامه، ووفّر من الخير أقسامه، والباقي على ما تقدّم. وإن كان من مشايخ الصوفيّة، كتب: صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي، الشّيخيّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، الزاهديّ، العابديّ، الورعيّ، الأوحديّ. ويدعى له نحو: أعاد الله من بركته، ونفع المسلمين بصالح أدعيته، والباقي على ما تقدّم. والعنوان بالألقاب التي في الصّدر وأوّل سجعة من الدعاء فيه. وتكون الألقاب والدعاء والتعريف في سطرين كما في هذه الصورة:

الطبقة الثانية - صدرت والسامي

المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الذّخريّ، الأوحديّ، الفلانيّ أدام الله رفعته فلان الفلانيّ والعلامة «المملوك فلان» تحت «الملكيّ الفلاني» بقلم مختصر الطّومار الثقيل، وربما جعل بعضهم العلامة «أخوه» . الطبقة الثانية- صدرت والسامي ، وهي أن تفتتح المكاتبة بأن يقال: صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس الساميّ، والبياض فيها تحت الملكيّ الفلانيّ كما في المكاتبة التي قبلها، بحيث لا يبقى من الوصل إلّا ما يسع سطرين فقط على ما تقدّم. ثم إن كان المكتوب إليه من أرباب السّيوف، كتب: صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي، الأميريّ، الكبيريّ، المجاهديّ، العضديّ، الذّخريّ، الأوحديّ، الفلانيّ. ويدعى له نحو: أدام الله سعده، وأنجح قصده. ثم يقال: تتضمّن إعلامه كيت وكيت. فالمجلس السامي يتقدّم بكيت وكيت، فيعلم ذلك ويعتمده ويبادر إليه، والله الموفّق. وإن كان من الكتّاب، كتب: صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي القضائيّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، الزّينيّ، الماجديّ، الأثيريّ، الأوحديّ، الفلانيّ. ويدعى له، نحو: ضاعف الله تعالى إقباله، أو أدام الله سعادته، وبلّغه إرادته، والباقي على ما تقدّم. وإن كان من القضاة، كتب: صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي، القضائيّ، الصّدريّ، الفقيهيّ، الإماميّ، العالميّ، الفاضليّ، الكامليّ، الأوحديّ، فلان الدين. والباقي من نسبة ما تقدّم. وإن كان من مشايخ الصوفية، كتب: صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي، الشّيخيّ، العالميّ، العامليّ، الورعيّ، الزاهديّ، الأوحديّ، الفلانيّ، ويدعى له، نحو: لا أخلاه الله من أنسه، ولا أبعده من حضرة قدسه. والباقي على نحو ما تقدّم. والعنوان الألقاب التي في صدر المكاتبة بالسّجعة الأولى مما فيه من الدعاء والتعريف.

المرتبة الثانية - الافتتاح بالإشارة إلى المكاتبة

وصورة وضعه في الورق أن يكتب في سطرين كما في هذه الصورة: المجلس السامي، الأميريّ، الكبيريّ، المجاهديّ، العضديّ، الذّخريّ، الأوحديّ، الفلانيّ. أدام الله سعده فلان الفلاني. والعلامة «أخوه فلان» تحت الملكيّ الفلانيّ، بقلم مختصر الطّومار الثقيل. المرتبة الثانية- الافتتاح بالإشارة إلى المكاتبة ، وهي أن يكتب: هذه المكاتبة إلى المجلس السامي بغير ياء في ألقابه، ويعبّر عنه بالسامي بغير ياء، والبياض فيها تحت الملكيّ الفلانيّ متّسع أيضا، بحيث لا يبقى من الوصل إلّا ما يسع سطرين فقط. ثم إن كان المكتوب إليه من أرباب السّيوف، كتب: هذه المكاتبة إلى المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، الكبير، المجاهد، المؤيّد، الأوحد، الذّخر، فلان الدين. ويدعى له نحو: أدام الله إقباله، وبلّغه آماله، أو أنجح الله قصده، وأعذب ورده، تعلمه كيت وكيت، فالمجلس يتقدّم بكيت وكيت، فيعلم ذلك ويعتمده ويبادر إليه، والله الموفّق. وإن كان من الكتّاب كتب: هذه المكاتبة إلى المجلس السامي، القاضي، الأجلّ، الكبير، الصّدر، الرئيس، الأوحد. ويدعى له، نحو: أدام الله سعادته، وبلغه من الخير إرادته، تعلمه كيت وكيت. والباقي على ما تقدّم. وإن كان من القضاة، كتب: هذه المكاتبة إلى المجلس السامي، القاضي، الأجلّ، الكبير، العالم، الفاضل، الكامل، الأوحد، فلان الدين. والباقي من نسبة ما تقدّم. وإن كان من مشايخ الصّوفية، كتب: هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الشيخ، الصالح، الورع، الزاهد، فلان الدين، نفع الله تعالى ببركته، ولا أخلى مجالس الذّكر من محاسن سمته وسمته. والباقي من نسبة ما تقدّم. والعنوان: الألقاب التي في صدر الكتاب، وأوّل سجعة من الدعاء الذي فيه وتعريفه، ويكون في سطرين كما في هذه الصورة:

المرتبة الثالثة - الافتتاح بالإعلام بالقصد

المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، الكبير، المجاهد، المؤيّد، الأوحد، الذّخر، فلان الدين. أدام الله إقباله فلان الفلانيّ. المرتبة الثالثة- الافتتاح بالإعلام بالقصد ، وهو أن يكتب: يعلم فلان، وقد تقدّم في الكلام على مقدّمة المكاتبات من هذه المقالة أنّ الصواب فيها ليعلم بإثبات لام الأمر في أوّله، فحذف كتّاب الزمان منها اللام اللازم إثباتها وأجروها مجرى الخبر. والرسم فيه أن يترك تحت الملكيّ الفلانيّ بياض، بحيث لا يبقى من الوصل إلّا ما يسع سطرين كما في المكاتبة قبلها وما قبل ذلك. ثم إن كان المكتوب له من أرباب السّيوف، كتب: يعلم الأمير، الأجلّ، الكبير، المؤيّد، الذّخر، المرتضى، المختار، فلان الدين. ويدعى له، نحو: أدام الله عزّه، ووفّر من الخير كنزه، كيت وكيت، فمجلس الأمير يتقدّم بكيت وكيت، فيعلم ذلك ويعتمده ويبادر إليه، والله الموفّق بمنّه وكرمه. وإن كان من الكتّاب، كتب: يعلم مجلس القاضي، الأجلّ، الكبير، العالم، الفاضل، الكامل، الأوحد، فلان الدين، كيت وكيت، والباقي من نسبة ما تقدّم. وإن كان من القضاة، كتب: يعلم مجلس القاضي، الأجلّ، الكبير، العالم، الفاضل، الكامل، الأوحد، فلان الدين، كيت وكيت، والباقي من نسبة ما تقدّم. وإن كان من مشايخ الصّوفية، كتب: يعلم مجلس الشيخ، الصالح الورع، الزاهد، الأوحد، الكامل، فلان الدين، كيت وكيت، والباقي من نسبة ما تقدّم. والعنوان لهذه المكاتبة الألقاب التي في الصّدر والدعاء بأوّل سجعة مما فيه من الدعاء والتعريف. وصورة وضعه في الورق أن يكتب ذلك في سطرين كما في هذه الصورة:

المجلس الأمير، الأجلّ، الكبير، المؤيّد، الذخر، المرتضى، المختار فلان الدين. أدام الله عزّه فلان الفلانيّ. والعلامة تحت البسملة الاسم بقلم مختصر الطّومار الثقيل. قلت: ومما يجب التنبيه عليه أنّ الألقاب المذكورة في صدور المكاتبات وعنواناتها ليست موقوفا عندها، بل لكلّ واحد فيها اختيار من تقديم وتأخير وتبديل لقب بلقب، وزيادة ونقص، إلّا أن الزيادة والنقص يكونان على المقاربة، مثل زيادة لقب ولقبين وثلاثة، ونقصها. على أنهم في الزمن السابق كانوا يتعاطون في الإخوانيّات الألقاب المركّبة في الصّدور والعنوانات فيما يبدأ فيه بالدعاء وما بعد ذلك إلى آخر المراتب كما هو في السّلطانيّات. فإن كان من أرباب السيوف قيل مع الدعاء للمقرّ الشريف لأرباب السّيوف بعد استيفاء الألقاب المفردة: عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، زعيم الجيوش، مقدّم العساكر، عون الأمة، غياث الملة، ممهّد الدّول، مشيّد الممالك، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين. ومع الدعاء للمقرّ الكريم: عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، عماد الدولة، عون الأمة، ذخر الملة، ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين، وعلى ذلك إلى آخر كل مرتبة بحسبها. وإن كان من رؤساء الكتّاب، قيل: جلال الإسلام والمسلمين، سيّد الكبراء في العالمين، رئيس الأصحاب، قوام الأمة، نظام الملّة، مدبّر الدولة، ذخر الممالك، ظهير الملوك والسلاطين، وكذلك إلى آخر المراتب كلّ مرتبة بحسبها، وكذلك القول في القضاة ومشايخ الصّوفية كلّ أحد منهم بما يناسبه من الألقاب لوظيفته ورتبته. ثم اقتصروا بعد ذلك على استعمال اللّقب المضاف إلى الملوك والسلاطين، مثل ظهير الملوك والسلاطين ونحو ذلك، فحذف كتّاب الزمان هذه الألقاب المركّبة جملة اختصارا، وهو مستحسن؛ لما في ذلك من ميل النّفوس إلى

القسم الثاني (من المكاتبات الإخوانيات الدائرة بين أعيان المملكة وأكابر أهل الدولة، الأجوبة، وهي على ضربين)

الاختصار، ولتخالف المكاتبات الصادرة عن السلطان، فتكون مختصّة بالألقاب المركّبة دون غيرها. القسم الثاني (من المكاتبات الإخوانيّات الدائرة بين أعيان المملكة وأكابر أهل الدولة، الأجوبة، وهي على ضربين) الضرب الأوّل (ما يفتتح من ذلك بما تفتتح به الابتداءات المتقدّمة الذّكر) والرسم فيها أن يكتب صدر الكتاب كما يكتب أن لو كان ابتداء، ثم يذكر ورود الكتاب المجاوب عنه، ويؤتى بالجواب عما تضمّنه، وهو على أربع مراتب: المرتبة الأولى- وهي أعلاها في تعظيم الكتاب الوارد ، أن يعبّر عنه بالمثال، وذلك مع الابتداء بلفظ «يقبّل الأرض» وينهي كيت وكيت. وصورته أن يقول بعد كمال الصّدر: ورود «1» المثال الكريم العالي أعلاه الله تعالى على المملوك على يد فلان، ويذكر ما يليق به من المجلس العالي أو المجلس السامي أو غيرهما، ثم يقول: فقبّل المملوك لوروده الأرض، وأدّى من واجبه الفرض، وتضاعف دعاء المملوك لتأهيله لغلمانية الأبواب الكريمة، وابتهج بوروده، وحمد الله وشكره على ما دلّ عليه، من عافية مولانا ملك الأمراء أعزّ الله أنصاره- إن كان المثال قد ورد من نائب سلطنة- أو من عافية مولانا قاضي القضاة- إن كان قاضيا- أو من عافية المخدوم وصحة مزاجه المحروس. وقابل المملوك المراسيم الكريمة بالامتثال، ففهم ما رسم له به من كيت وكيت، والمملوك لم يكن عنده غفلة ولا إهمال فيما رسم له به. وإن كان ثمّ فصول كثيرة، قال: فأما ما رسم له به من كيت وكيت فقد امتثله المملوك، ويجاوب عنه. ثم يقول: وأما ما رسم له به من كيت وكيت، فالأمر فيه كيت وكيت، حتى يأتي على آخر الفصول، فإذا انتهى إلى

المرتبة الثانية - أن يعبر عن الكتاب الوارد بالمثال العالي بدون الكريم

آخرها، قال: وسؤاله من الصّدقات العميمة، إمداده بمراسيمه الكريمة وخدمه، ليفوز بقضائها، ويبادر إلى امتثالها، والمملوك مملوكه وعبد بابه الشريف. المرتبة الثانية- أن يعبّر عن الكتاب الوارد بالمثال العالي بدون الكريم ، وذلك مع الابتداء بلفظ «يقبّل الأرض» وينهي بعد ابتهاله إلى الله تعالى، والابتداء بيقبّل الأرض بعد رفع دعائه، ويقبّل الأرض، بالمقرّ الشريف، ويقبّل الباسط الشريف. فأما مع يقبّل الأرض بعد ابتهاله، فالأمر على ما تقدّم في جواب المكاتبة قبلها، إلّا أنه يقتصر على المثال العالي دون الكريم كما تقدّمت الإشارة إليه. وأما مع يقبّل الأرض بعد رفع دعائه، فإنه يقول بعد تكملة الصّدر: ورود المثال العالي أعلاه الله تعالى على يد فلان، فقبّله حين قابله، ووقف على ما تضمّنه من كيت وكيت، وفرح بما دلّ عليه من عافية المخدوم، وحمد الله تعالى وشكره على ذلك، وفهم ما أشار إليه من كيت وكيت، ويجاوب عنه، ثم يقول: والمملوك يسأل إحسان المخدوم بتشريف المملوك بمهمّاته ومراسيمه ليفوز بقضائها، فإنّ المملوك وقف المالك، طالع بذلك، والله تعالى يؤيّده بمنّه وكرمه، أو نحو ذلك. وأما مع يقبّل الأرض بالمقرّ الشريف، ويقبّل الباسط الشريف، فإنه يقال ورود المثال العالي أيضا، وربما قيل ورود مثاله العالي. وقد يقال المشرّف الكريم العالي على ما تقتضيه رتبة المكتوب إليه، ويرتضيه المكتوب عنه، والباقي على نحو ما تقدّم. المرتبة الثالثة- أن يعبّر عن الكتاب الوارد بالمشرّفة ، على التأنيث، وذلك مع يقبّل الباسطة ويقبّل اليد. ويختلف الحال في ذلك بحسب المراتب، فيقال: يقبّل الباسطة وينهي ورود المشرّفة الكريمة، ومع اليد الشريفة والكريمة، والعالية، وفي معنى ذلك يخدم إذا كتب بها، وكذلك أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الكريم، وإن كان المكتوب عنه يكنّي عن نفسه بنون الجمع المقتضية للتعظيم. ثم يقول في كلّ منها: فقبّلها المملوك حين قابلها، ووقف على ما تضمّنته من محبّته ومودّته، وفهم ما شرحه من أمر كيت وكيت، ويجاوب عنه، ثم يقول: والمستمدّ من محبّته تشريف المملوك بمراسيمه ومشرّفاته وخدمه، ليفوز بقضائها، ويبادر

المرتبة الرابعة - أن يعبر عن الكتاب الوارد بالمكاتبة

إلى امتثالها، فإن المملوك ما عنده غفلة فيما يقتضيه رأيه العالي، والله تعالى يؤيّده بمنّه وكرمه. المرتبة الرابعة- أن يعبّر عن الكتاب الوارد بالمكاتبة ، وذلك مع الابتداء بالدعاء بلفظ: ضاعف الله نعمة الجناب العالي، وأدام الله تعالى نعمة المجلس العالي، وصدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي، أو المجلس السامي، أو هذه المكاتبة إلى المجلس السامي، أو يعلم مجلس، فيقال: وتوضّح لعلمه، أو موضّحة لعلمه أو تتضمّن إعلامه، أو تعلمه، أو يعلم على حسب المراتب المتقدّمة، ورود مكاتبته، فوقفنا عليها، وأحطنا علما بما تضمّنته من كيت وكيت، ويجاوب عنه، ثم يقول: فيتقدّم الجناب أو المجلس أو مجلس الأمير ونحو ذلك مما يقتضيه الحال، بإعلامنا بأخباره وضروراته وحوائجه. واعلم أنّ لكاتب السرّ أجوبة لنوّاب السّلطنة وغيرهم ممن ترد عليه مكاتباتهم بطلب الملاحظة عند عرض مكاتباتهم على الحضرة السّلطانية، وتحسين السّفارة في ذلك، ويقع الخطاب في جواب كلّ منهم على حسب رتبته. ففي جواب نائب السلطان بالشام المحروس يكتب ما صورته: وينهي بعد رفع أدعيته الصالحة تقبّلها الله تعالى من المملوك ومن كلّ داع مخلص، بدوام أيام مولانا ملك الأمراء، أعزّ الله تعالى أنصاره، وخلود سعادته عليه، أنّ المثال الكريم ورد على المملوك على يد فلان، فنهض له المملوك، وأجمل في تلقّيه السّلوك، وفضّه عن صدقات عميمة، وتفضّلات جسيمة، وفرح بما دلّ عليه من سلامة مولانا ملك الأمراء- أعزّ الله أنصاره- وعافيته، وصحّة مزاجه المحروس، وتضاعف سرور المملوك بذلك، وتزايد ابتهاجه به، وسأل الله تعالى أن يديم حياة مولانا ملك الأمراء، أعز الله أنصاره، ويبقيه، وانتهى إلى ما تضمنته الإشارة في معنى تجهيز المشار إليه إلى خدمة الأبواب الشريفة بما على يده من المكاتبة الكريمة، وما رسم به من القيام في خدمتها وعرضها بين يدي المواقف الشريفة شرّفها الله تعالى وعظّمها، وقابل المملوك الإشارة الكريمة بالامتثال بالسّمع والطاعة، وبادر إلى ما رسم به؛ وقد عرض المملوك المكاتبة الكريمة على المسامع

الضرب الثاني (من الأجوبة ما يفتتح بورود المكاتبة مصدرا بلفظ: وردت أو وصلت أو وقفت على المكاتبة، وما أشبه ذلك)

الشريفة، وكتب الجواب الشريف عن ذلك بما ستحيط به العلوم الكريمة، وعاد بذلك إلى خدمة مولانا ملك الأمراء أعزّ الله أنصاره. والمملوك مملوك مولانا ملك الأمراء عزّ نصره، ومحبّه القديم، والمعترف بإحسانه وصدقاته، ويسأل تشريفه بالمهمّات والخدم، أنهى ذلك، إن شاء الله تعالى. وفي جواب بقيّة النّوّاب بالممالك الشامية، كنوّاب السلطنة بحماة وطرابلس وصفد والكرك، ومقدّم العسكر بغزّة، يكتب: وينهي بعد رفع دعائه، وإخلاصه في محبّته وولائه، واعترافه بإحسان مولانا وآلائه، أنّ المثال العالي- أعلاه الله تعالى- ورد على المملوك على يد فلان، فقبّله المملوك، وأحسن في تلقّيه السّلوك وفرح بما دلّ عليه من عافية مولانا وسلامته، وصحّة مزاجه المحروس، وحمد الله تعالى على ذلك، وانتهى إلى ما أشار إليه، من تجهيز المطالعة الكريمة إلى الأبواب الشريفة، شرّفها الله تعالى وعظّمها، وفهم المملوك ذلك، وامتثل ما أشار إليه بالسّمع والطاعة، ووقف في خدمتها عند العرض على المسامع الشريفة، وأحاطت العلوم الشريفة بمضمونها، وكتب الجواب الشريف عن ذلك بما سيحيط به علم مولانا، وقد عاد فلان بالجواب الشريف وبهذه الخدمة، وحمّله المملوك من السّلام والشوق والدعاء والولاء وتقبيل الأرض ما يبديه لمسامع مولانا. والمملوك يسأل إحسانه الإصغاء إلى ذلك، والتشريف بمراسيمه وخدمه، ليبادر إلى قبولها. والله تعالى يؤيّده ويحرسه بمنّه وكرمه. وعلى قياس ذلك في غير هذه من المكاتبات بحسب ما تقتضيه رتبة كلّ واحد من أصحابها. الضرب الثاني (من الأجوبة ما يفتتح بورود المكاتبة مصدّرا بلفظ: وردت أو وصلت أو وقفت على المكاتبة، وما أشبه ذلك) مثل أن يكتب: ورد المثال الكريم الفلانيّ، وذكر سلامته أحلى من ذكر الأوائل، وقد تطرّز منه طرازا أشرف من طراز الغلائل، وما سكن القلب إلى شيء

المهيع الثاني (في بيان رتب المكتوب عنهم والمكتوب إليهم، من أعيان الدولة بمملكة الديار المصرية، وما يستحقه كل منهم من رتب المكاتبات السابقة على ما الحال مستقر عليه في زماننا)

كسكونه إليه، ولا رأى واردا أكرم منه عليه، فقابل نعمة قدومه بدوام شكرها، وطوى صحائف الآمال إلّا من نشرها. وإذا كان وجه الأيّام مقطّبا استغنى ببشر وجهه الميمون عن بشرها، فإن حسن في رأيه الإجراء على عوائد إحسانه [من التشريف بمراسيمه وخدمه] «1» والمواصلة بها، [نالت] «2» النفس من ورودها نهاية أربها. قلت: أما الأجوبة المطلقة، وهي الدائرة بين الأصدقاء والأصحاب من أفاضل الكتّاب، وعيون أهل الأدب، ممن له ملكة في الإنشاء، وقوّة في النظم والنثر، فإنها لا تتوقّف على ابتداء مخصوص، ابتداء ولا جوابا، بل قد تكون مبتدأة بما تقدّم من الابتداءات، وقد تكون بغير ذلك من الافتتاحات التي يختارها صاحب الرسالة، بل أكثرها مفتتح بالشعر المناسب للحال المكتوب فيها، بل ربّما اقتصر فيها على الشعر خاصّة دون النثر. المهيع الثاني (في بيان رتب المكتوب عنهم والمكتوب إليهم، من أعيان الدّولة بمملكة الديار المصرية، وما يستحقّه كلّ منهم من رتب المكاتبات السابقة على ما الحال مستقرّ عليه في زماننا) اعلم أنّ المكتوب عنهم من أعيان الدولة على طبقات، لكلّ منهم مكاتبات بصدر يختصّ به، إلى من فوق رتبته أو مساو له في الرتبة أو دونه فيها، مرتّبة على ترتيب المكاتبات الصادرة عن الأبواب السلطانية إلى أهل الدولة: الطبقة الأولى- من المكتوب عنهم من يكتب إليه عن السلطان «أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الكريم» ككافل السلطنة، وهو نائب السّلطان بالحضرة، وأتابك العساكر، ونائب السلطنة بالشام. والمكتوب إليهم عن هذه الطبقة على مراتب:

المرتبة الأولى - من يكتب له عن هذه الطبقة

المرتبة الأولى- من يكتب له عن هذه الطبقة «الفلانيّ بمطالعة» ، وممن يكتب إليه بذلك عن نائب الشام فيما رأيته- أتابك العساكر بالأبواب الشريفة، وكان ما كتب له «المخدوميّ الأتابكيّ فلان الفلانيّ» باللّقب المضاف إلى لقب السلطان، «أتابك العساكر المنصورة» . المرتبة الثانية- من يكتب إليه «الأبواب بمطالعة» وممن يكتب إليه بذلك عن النائب «1» الكافل بالحضرة، والأتابك- نائب السلطنة بالشام، فقد قال في «التثقيف» «2» : إنّ بهذه المكاتبة يكتب عن أكابر أمراء الديار المصرية إلى نائب الشام وحلب فيما أظنّ، وممن يكتب إليه بذلك عن نائب الشام- الدّوادار «3» وأميراخور «4» ومقدّمو الألوف بالديار المصرية، وأكابر الأمراء مقدّمي الألوف بالشام، وكافل المملكة الشريفة الحلبية. المرتبة الثالثة- من يكتب له عن هذه الطبقة «الأبواب بغير مطالعة» وبذلك يكتب عن كافل السلطنة بالحضرة إلى نائب السلطنة بحلب. وقد ذكر في «التثقيف» أنه كان يكتب بذلك عن الأمير يلبغا العمري (يعني الخاصكيّ) وهو أتابك الديار المصرية، إلى نائب الشام أيضا. ثم قال: وكذلك كتب بعده إلى نائبي الشام

المرتبة الرابعة - من يكتب له عن هذه الطبقة «الباب الكريم والباب العالي»

وحلب، الأمير منكلي بغا، والأمير الجاي، ونوّاب السلطنة بالديار المصريّة، وبذلك يكتب عن نائب الشام إلى كلّ من قضاة القضاة الأربعة بالديار المصرية، وكذلك الوزير وكاتب السّر بها. المرتبة الرابعة- من يكتب له عن هذه الطبقة «الباب الكريم والباب العالي» أما الباب الكريم، فإنه يكتب بذلك عن النائب الكافل والأتابك «1» وبذلك يكتب عن نائب الشام إلى الأمراء «2» الطبلخاناه بالديار المصرية، وإستادار «3» الأملاك الشريفة، وناظر «4» الجيوش المنصورة بالأبواب السلطانية، وناظر الخواصّ، وناظر الدّولة، وحاجب الحجّاب بالشام، وقاضي القضاة الشافعيّ بالشام، وكاتب السّرّ به، ونائب السلطنة بطرابلس، ونائب السلطنة بحماة، ونائب السلطنة بصفد، ونائب السلطنة بالكرك. أمّا من يكتب له عن نائب الشام الباب العالي بدون الكريم، فمقدّم العسكر المنصور بغزّة، والقضاة الثلاثة بالشام، ما خلا الشافعيّ المقدّم ذكره، والوزير بالشام. المرتبة الخامسة- من يكتب إليه عن هذه الطبقة «يقبّل الأرض بالمقرّ الشريف» وبذلك يكتب عن النائب الكافل والأتابك، إلى نائب طرابلس، ونائب

المرتبة السادسة - من يكتب إليه عن هذه الطبقة «الباسط الشريف»

حماة، ونائب صفد، ونائب الإسكندريّة، وأمراء الألوف بالديار المصريّة، وبه يكتب عن نائب الشام. المرتبة السادسة- من يكتب إليه عن هذه الطبقة «الباسط الشريف» وبذلك يكتب عن النائب الكافل والأتابك، إلى مقدّم العسكر بغزّة، ومقدّم العسكر بسيس «1» ، ونائب السلطنة بالكرك، وحاجب الحجّاب بالشام، وحاجب الحجّاب بحلب. المرتبة السابعة- من يكتب له عن هذه الطبقة «الباسطة الشّريفة» وممن يكتب له بذلك عن نائب الشام قاضي القضاة الشافعيّ بحلب. المرتبة الثامنة- من يكتب له عن هذه الطبقة «اليد الشريفة» أو «اليد الكريمة» أو «اليد العالية» . وبذلك يكتب عن النائب الكافل والأتابك، إلى نائبي الوجه القبليّ والوجه البحريّ بالديار المصرية، ونائب القدس، ونائب حمص، ونائب الرّحبة، ونائب البيرة «2» ، ونائب قلعة المسلمين، ونائب ملطية «3» ونائب دبركي، ونائب الأبلستين «4» ، ونائب طرسوس، ونائب أذنة، ونائب بهسنا «5» وأمراء الألوف بالشام وحلب. وبذلك يكتب [أيضا] عن نائب الشام إلى أمراء العشرات بالديار المصريّة،

المرتبة التاسعة - من يكتب له عن هذه الطبقة «أعز الله تعالى أنصار المقر الكريم»

وقضاة العسكر بها، وحاجب الحجّاب بحلب، والقضاة الثلاثة: الحنفيّ، والمالكيّ، والحنبليّ، بها. المرتبة التاسعة- من يكتب له عن هذه الطبقة «أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الكريم» . وبذلك يكتب عن نائب الشام إلى كاشف الصّفقة القبليّة، وإلى الأمراء مقدّمي الألوف بالشام، وناظر الجيش به، وأمير آل فضل، ونائب حمص، وكاتب السرّ بحلب، ونائب المملكة بها، ونائب دوركي، ونائب درندة. المرتبة العاشرة- من يكتب له عن هذه الطبقة «أعزّ الله تعالى نصرة المقرّ الكريم» . وبذلك يكتب عن نائب الشام إلى نائب قلعة دمشق، والحاجب الثاني بها، ووكيل بيت المال بها، ومقدّمي الألوف بحلب، ونائب الجيش بها، ونائب الرّحبة، ونائب الأبلستين، ونائب ملطية، ونائب قلعة المسلمين، ونائب بهسنا، ونائب البيرة، ونائب جعبر «1» ، ونائب الرّها «2» ، ونائب حسبان. المرتبة الحادية عشرة- من يكتب له عن هذه الطبقة «أعزّ الله تعالى نصرة الجناب الكريم» . وبذلك يكتب عن نائب الشام إلى أمراء الطّبلخاناه بالشام، ونائب القدس، ونائب بعلبكّ، ومتولّي صيدا، وأمراء الطّبلخاناه بحلب، ووكيل بيت المال بها، والمحتسب بها، وناظر خاصّ البريد بها، وأمير حاجب بصفد. المرتبة الثانية عشرة- من يكتب إليه عن هذه الطبقة: «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي» . وبذلك يكتب عن نائب الشام، إلى والي قطيا «3» ، وربّما زيد فيه الكريم.

المرتبة الثالثة عشرة - من يكتب إليه عن هذه الطبقة: «أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي»

المرتبة الثالثة عشرة- من يكتب إليه عن هذه الطبقة: «أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي» . وبذلك يكتب عن نائب الشام إلى أمراء العشرات بمصر، وأمراء العشرينات بالشام، والمحتسب بها، والحاجب الكبير بغزّة، ومقدّم عرب بني عقبة، وأكابر عرب آل فضل، وأمير عرب آل عليّ، وأمير آل موسى، ونائب مصياف «1» ، ومتولّي بيروت. المرتبة الرابعة عشرة- من يكتب إليه عن هذه الطبقة: «المجلس العالي مع الدّعاء» . وبذلك يكتب عن نائب الشام إلى العشرات بدمشق، ووالي المدينة، ووالي البرّ بها، والحاجب الثاني بغزّة، وأمير آل مرا، ومقدّم عرب جرم، ومقدّم بني مهديّ، وأمراء العشرينات بحلب. المرتبة الخامسة عشرة- من يكتب إليه عن هذه الطبقة: «صدرت والعالي» . وبذلك يكتب عن النائب الكافل والأتابك، إلى كاشف الوجه البحريّ من الديار المصريّة، وكاشف الفيّوم والبهنساويّة «2» ، ووالي أسوان، وكشّاف الجسور من أمراء الطّبلخاناه بالوجهين، القبليّ والبحريّ بالديار المصرية، ونائب قلعة حلب، ونائب آياس «3» ، ونائب جعبر، ونائب درندة، وحاجب الحجّاب بطرابلس، وحاجب الحجّاب بحماة، وحاجب الحجّاب بصفد. وبذلك يكتب [أيضا] عن نائب الشام إلى أجناد الحلقة بمصر، والحاجب

المرتبة السادسة عشرة - من يكتب إليه عن هذه الطبقة: «صدرت والسامي»

الكبير بحمص، وأمراء العشرات بحلب. المرتبة السادسة عشرة- من يكتب إليه عن هذه الطبقة: «صدرت والسامي» . وبذلك يكتب عن النائب الكافل والأتابك، إلى والي قوص «1» ، ووالي منفلوط، ووالي الأشمونين «2» ، ووالي البهنسا، ووالي منوف «3» ، ووالي الغربيّة، ووالي الشرقيّة، ووالي قطيا، ونائب مصياف، ونائب بعلبك، ونائب قلعة صفد، ونائب عينتاب، والحاجب الكبير بغزّة. وبذلك يكتب [أيضا] عن نائب الشام إلى مقدّم الحلقة بالشام، وأعيان الجند بها، ومقدّم بني مهديّ، ومتولّي الصّلت وعجلون، ومتولي صرخد «4» ، والحاجب الصغير بحمص، ووالي تدمر، ومقدّم إقليم الخرّوب بصيدا، ومقدّم إقليم النّعاج، ووالي البقاعين، ووالي بلنياس «5» المرتبة السابعة عشرة- من يكتب إليه عن هذه الطبقة: «هذه المكاتبة» ، وبذلك يكتب عن النائب الكافل والأتابك، إلى والي الجيزيّة، ووالي إطفيح، ووالي قليوب، ووالي أشموم الرّمّان بالديار المصرية. وبذلك يكتب أيضا إلى نائب الكختا، ونائب كركر، ونائب حجر شغلان، ونائب سرفندكار، ونائب القصير، ونائب بغراس، ونائب الرّاوندان، ونائب الشّغر وبكاس، ونائب الرّها، ونائب الدّربساك، ونائب شيزر بالمملكة الحلبية. وإلى نائب اللّاذقيّة، ونائب صهيون ونائب حصن الأكراد، ونائب حمص، ونائب المرقب، ونائب بلاطنس، ونائب الكهف، ونائب القدموس، ونائب الخوابي، ونائب العلّيقة، ونائب

المرتبة الثامنة عشرة - من يكتب إليه عن هذه الطبقة: «يعلم»

المينقة من أعمال طرابلس. ونائب شقيف تيرون من معاملة صفد. وبذلك يكتب [أيضا] عن نائب الشام إلى صغار الأجناد بمصر، وإلى كاشف الرّملة، ومتولّي حسبان، وحامي الخربة. المرتبة الثامنة عشرة- من يكتب إليه عن هذه الطبقة: «يعلم» وبذلك يكتب عن نائب الشام إلى صغار الأجناد بالشّام. واعلم أنّ وراء ما تقدّم من المكاتبات عن نائب الشام مكاتبات أخرى إلى من هو خارج عن المملكة، وهم على مراتب: المرتبة الأولى- من يكتب له عنه: «يقبّل الأرض» : صاحب بغداد، كما كان يكتب للقان أحمد «1» بن أويس، كان يكتب إليه في ورق قطع نصف الحمويّ بقلم الثلث الصغير: يقبّل الأرض لدى الحضرة الشريفة، العالية، المولويّة، السلطانيّة، العالميّة، العادليّة، المؤيّدية، المالكيّة، القانيّة، ولا زالت عزماتها مؤيّدة، وآراؤها مسدّدة، وينهى إلى العلم الكريم. صاحب السّراي: ودشت القبجاق مثله بأبسط ألقاب. المرتبة الثانية- من يكتب إليه: «أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الشريف» ابن السلطان أحمد بن أويس المذكور. وورقه نظير ورق والده، وقلمه نظير قلمه. صاحب هراة: مثله. المرتبة الثالثة- من يكتب إليه: «أعزّ الله أنصار المقرّ الكريم» ، صاحب ماردين «2» : أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الكريم العالي، المولويّ، الكبيريّ،

العادليّ، السلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ، ورفع مقداره، وأجزل مبارّه. المملوك يجدّد الخدمة العالية، ويصف أشواقه المتوالية، وينهي لعلمه الكريم. صاحب برصا: من بلاد الروم، وهو ابن عثمان. والرسم فيه على ما كان يكتب لأبي يزيد بن مراد بك بن عثمان: أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الكريم، العالي، المولويّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، العونيّ، الغياثيّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الزّعيميّ، الغازي، المجاهديّ، المثاغريّ، المرابطيّ، العابديّ، الناسكيّ، الزاهديّ، المقدميّ، الأتابكيّ، المحسنيّ، الظهيريّ، الملكيّ، الفلانيّ، معزّ الإسلام والمسلمين، سيد الأمراء في العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، مبيد المشركين، قامع أعداء الدين، مقتلع الحصون من الكافرين، عون الأمّة، عماد الملّة، ذخر الدولة، ظهير الملوك والسلاطين، حاكم البلاد الرّوميّة، صاحب برصا وقيسرية «1» ، سيف أمير المؤمنين، قهر [الله] أعداء الدين الحنيفيّ بعزائمه وسطواته، وجعله مؤيّدا في حركاته وسكناته، وأيّده في جهاده واجتهاده بالنصر الذي لا يفارق ألوية أعلامه وراياته، ولا زالت رعاياه محبورة، وعساكره منصورة، هؤلاء بجوده [وهباته] ، وهؤلاء بوجوده وحياته. المملوك يقبّل اليد التي لا زال القصد بها يزيد، وبحر البرّ من أناملها مديد، ونوالها يناله الوافدون حيث أمّوه من قريب وبعيد، ويصف صفاء محبّة يتضاعف نماؤها كلّ يوم جديد، وتترادف تحيّات أشواقها بالموالاة والتحميد، ويتؤامر بهادي رسائلها بصدق المودّة الدائمة على التأبيد، ويبدي إلى العلم الكريم. قلت: كذا رأيته في دستور بخطّ القاضي ناصر الدين بن أبي الطيّب، كاتب سرّ الشأم كان. وفيه اضطراب وتخليط من نعته في ألقابه [بقوله] الملكيّ الفلانيّ، وقوله سيد الأمراء في العالمين، حيث وصفه أوّلا بأوصاف الملوك، ثم وصفه

بأوصاف الأمراء، إلى غير ذلك من الخبط الذي لا يخفى على متأمل. المرتبة الرابعة- «أعز الله أنصار المقرّ العالي» ، وزير صاحب بغداد، وورقه في قطع الحمويّ بقلم الثلث الخفيف. قاضي بغداد: مثله سواء. صاحب لارندا، من بلاد الروم بمملكة بني قرمان. ويقال في ألقابه: الأصيليّ نوين التّوامين، مجهز المقانب، ذخر القانات. صاحب سيواس، من البلاد الرومية أيضا. صاحب آياس لوق، من البلاد الرّومية. صاحب جولمرك، من بلاد الأكراد. المرتبة الخامسة- «الجناب الكريم» - صاحب حصن كيفا، من بلاد الجزيرة، ويقال فيه: الملكيّ الفلانيّ- مقدّم التّركمان البياضية. المرتبة السادسة- «الجناب العالي» - صاحب أرزنجان «1» . صاحب جزيرة «2» ابن عمر من بلاد الجزيرة. صاحب أنطاليا «3» من بلاد الروم. ابن الشيخ عبد القادر الكيلاني شيخ الجبال. المرتبة السابعة- «المجلس العالي» ، صاحب ميّافارقين «4» من بلاد الجزيرة صاحب أكلّ «5» ، من الجزيرة أيضا صاحب أرقنين «6» صاحب قلعة الجوز صاحب

الطبقة الثانية - ممن يكتب عنهم من أعيان الدولة بالديار المصرية

جرموك صاحب أماسيا، من بلاد الروم نائب ماردين «1» خادم صاحب ماردين صاحب بطنان «2» صاحب سنجار، من بلاد الجزيرة صاحب حاسك (؟) صاحب أزبك صاحب الموصل صاحب سنوب صاحب بوشاظ صاحب الدّربند «3» صاحب عين دارا صاحب الحمّة صاحب خلاط «4» صاحب طلان صاحب تاخ صاحب جمشكزاك نائب كربزاك صاحب القنطرة نائب خرت برت «5» صاحب البارعيّة صاحب حرّان صاحب العمادية صاحب حاني «6» نائب مازكرد نائب صالحية ماردين أمير التركمان الشهرية صاحب أشنه «7» الطبقة الثانية- ممن يكتب عنهم من أعيان الدولة بالديار المصرية ، من يكتب إليه عن السلطان: «أعزّ الله تعالى نصرة الجناب الكريم» وهو نائب السلطنة بحلب. والكتابة عنه على مراتب:

المرتبة الأولى - «الفلاني بمطالعة»

المرتبة الأولى- «الفلانيّ بمطالعة» وهو النّائب الكافل «1» بالحضرة السلطانية، وأتابك العساكر المنصورة. المرتبة الثانية- «الأبواب بمطالعة» وهو نائب السّلطنة بالشام ، والأمير الدّوادار «2» بالأبواب السلطانية، وأستاد «3» الدّار بها، وأكابر الأمراء المقدّمين الخاصكيّة «4» المرتبة الثالثة- «الأبواب بغير مطالعة» . وبذلك يكتب إلى نائب الشام. المرتبة الرابعة- «الباب الكريم» . وبذلك يكتب إلى نائب السلطنة بطرابلس، ونائب السلطنة بحماة، ونائب السّلطنة بصفد، وكذلك يكتب به إلى الطبقة الثانية من الأمراء المقدّمين بالحضرة ممن دون الخاصكية، وفي معنى ذلك الوزير، وكاتب السّرّ، وناظر الخاصّ «5» ، وناظر الجيش «6» ، ومن في معناهم. المرتبة الخامسة- «يقبّل الأرض بالمقرّ الشريف» . وبذلك يكتب إلى حاجب الحجّاب بالشأم. المرتبة السادسة- «يقبّل الباسطة» وبذلك يكتب إلى الحاجب الثاني بالشأم، وحاجب الحجّاب بحلب، وحاجب الحجّاب بحماة، وحاجب الحجّاب بطرابلس، وقاضي القضاة الشافعيّ بحلب، وكاتب السّرّ بها. المرتبة السابعة- «يقبل اليد الشريفة» . وبذلك يكتب إلى نائب البيرة،

المرتبة الثامنة - «أعز الله تعالى أنصار المقر الكريم»

ونائب ملطية «1» ، ونائب قلعة المسلمين، ونائب جعبر «2» ، ونائب الرّها «3» ، ونائب الأبلستين «4» ونائب حمص، وأمراء الطّبلخاناه «5» بدمشق. المرتبة الثامنة- «أعز الله تعالى أنصار المقرّ الكريم» . وبذلك يكتب إلى نائب طرسوس، ونائب الرّحبة، والحاجب الثاني بطرابلس، ومقدّمي الألوف بها، والقضاة الثلاثة: المالكيّ، والحنفيّ، والحنبليّ بحلب. إلّا أنه يقال: «أعز الله تعالى أحكام المقرّ» . المرتبة التاسعة- «أعز الله تعالى أنصار المقر الكريم العالي» وبذلك يكتب إلى نائب بهسنى، ونائب الرّحبة، وأكابر الطبلخاناه بالشام، ومن تولّى الإمرة من عرب آل فضل ثم عزل، وقضاة العساكر المنصورة بحلب، وناظر المملكة بها، وأمير آل عليّ. المرتبة العاشرة- «أعز الله تعالى نصرة الجناب الكريم» . وبذلك يكتب إلى أعيان أمراء الطبلخاناه بحلب، والحاجب الثالث والرابع بها، وأكابر أولاد أمراء عرب آل فضل. المرتبة الحادية عشرة- «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي» وما في معناه مما يكتب به إلى أرباب الأقلام وغيرهم. وبذلك يكتب إلى نائب «6» شيزر،

المرتبة الثانية عشرة - «صدرت والعالي»

وأمراء الطبلخاناه بحلب، غير الأعيان، وناظر الأملاك الشريفة بحلب، وناظر خاصّ البريد وموقّعي الدّست «1» بها. المرتبة الثانية عشرة- «صدرت والعالي» . وبذلك يكتب إلى نائب عينتاب «2» ونائب الرّاوندان «3» ، ونائب الكختا، ونائب كركر، ونائب بغراس «4» ، ونائب الدربساك «5» ، ونائب الشّغر «6» وبكاس، ونائب القصير «7» ، وأمراء العشرينات بحلب، وأعيان العشرات بها. المرتبة الثالثة عشرة- «صدرت والسامي» . وبذلك يكتب إلى مقدّمي الحلقة بحلب، ومقدّمي البريديّة بها، وأعيانهم. المرتبة الرابعة عشرة- «السامي» بغير ياء . وبذلك يكتب إلى والي سرمين «8» ، ووالي الباب، ووالي غزاز، ووالي أنطاكية، ووالي حارم، ووالي كفر

طاب، ووالي الجبّول، ووالي منبج، ووالي تلّ باشر، وأجناد الحلقة بحلب، وصغار البريدية بها، وعداد التركمان وعداد الأكراد. واعلم أن وراء ما تقدّم من المكاتبات الصادرة عن نائب حلب [مكاتبات أخرى] إلى من هو خارج عن المملكة، كما تقدم في المكاتبات الصادرة عن نائب الشام، وهي على مراتب: المرتبة الأولى- المكاتبة ب «يقبّل الأرض» - القان صاحب بغداد كما كان يكتب إلى القان أويس «1» وابنه أحمد «2» : يقبّل الأرض بالمقام الشريف العالي، المولويّ، السّلطانيّ، الأعظميّ، الأوحديّ، الملاذيّ، العطوفيّ، المحسنيّ، القانيّ، الملكيّ الفلانيّ، الجلاليّ، أعلى الله تعالى شانه، وأعز سلطانه، وأمكن من رقاب الأعداء مكانه، ولا زال لواؤه يتأزّر بالنصر ويرتدي، وفناؤه يروح إليه العزّ ويغتدي، وعزمه يثقّف صرف الزّمان فلا يعتاد أن يعتدي، ولا برح محمودا في موقف النصر موقفه، ماضيا في هامات أعدائه مرهفه. وينهي بعد أدعية رفعها إلى مواطن الإجابة فتقبلها ربها بقبول حسن «3» وموالاة شفعها بالإخلاص، فعجز عن وصفها ذوو البلاغة واللّسن، وأثنية جمعها فلذّت بها الأسماع لذاذة الأعين الساهرة بالوسن، أن الأمر كيت وكيت. المرتبة الثانية- من يكتب له «أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الشريف» - صاحب ماردين. والرسم أن يكتب إليه: أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الشريف، العالي، المولويّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، السّلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ. ويدعى له، نحو: لا زالت أيامه مسعودة، وأبوابه مقصودة، وألوية النّصر بنواصي خيله معقودة، المملوك يقبل اليد الشريفة، ويقوم من الخدمة بأكمل وظيفة،

الطبقة الثالثة - ممن يكتب عنه من أعيان الدولة بمملكة الديار المصرية.

وينهي لعلمه الكريم بعد السّلام الزكيّ، والثناء المسكيّ، كيت وكيت، فيحيط بذلك علمه الكريم، ويتحف بالمشرّفات على عادة فضله العميم. المرتبة الثالثة- «أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الكريم» . وبذلك يكتب إلى ابن قرمان نائب السلطنة بالبلاد القرمانيّة، حاكم جولمرك، صاحب برصا وهو ابن عثمان، صاحب آياس لوق. المرتبة الرابعة- «المقرّ العالي» وبذلك يكتب إلى صاحب حصن «1» كيفا، والوزير بالممالك القانية وقاضيها. المرتبة الخامسة- «أعز الله تعالى نصرة الجناب الكريم» . وبذلك يكتب إلى صاحب أنطاليا من بلاد الروم. المرتبة السادسة- «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي» . وبذلك يكتب إلى نائب كربزاك، وحاكم جمشكزاك، وحاكم سيواس، وحاكم أماسيا، وحاكم سنوب، والحاكم بخرت برت «2» المرتبة السابعة- «أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي» . وبذلك يكتب إلى نائب صاحب ماردين، ونائب الصّالحيّة، وبعض خدّام صاحب ماردين. المرتبة الثامنة- «صدرت والعالي» . وبذلك يكتب إلى حاكم حرّان، ونائب مازكرد، وحاكم قلعة الجوز. الطبقة الثالثة- ممن يكتب عنه من أعيان الدولة بمملكة الديار المصرية. من يكتب إليه عن السلطان: «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي» . كوزير

المرتبة الأولى - «الفلاني بمطالعة»

المملكة بالديار المصرية، وناظر الخاصّ، على ما استقرّ عليه الحال آخرا، وأرباب الوظائف من الأمراء المقدّمين بها، كأمير سلاح، وأمير مجلس، وأميراخور، والدّوادار، وإستادار، وحاجب الحجّاب، ونائب الإسكندرية، وكذلك نوّاب السلطنة بطرابلس، وحماة، وصفد، من الممالك الشامية. والمكتوب إليهم عن هذه الطبقة على [تسع] مراتب: المرتبة الأولى- «الفلانيّ بمطالعة» وهم: النّائب الكافل، وأتابك العساكر، ونائب الشأم. المرتبة الثانية- «الأبواب بمطالعة» . وبذلك يكتب إلى نائب حلب. المرتبة الثالثة- «الأبواب بغير مطالعة» وبذلك يكتب إلى نائب طرابلس، ونائب حماة، ونائب صفد، ونائب الكرك، وأمير سلاح وغيره من سائر من في هذه الطبقة. المرتبة الرابعة- «الباب الكريم» . وبذلك يكتب إلى نائبي الوجهين القبليّ والبحريّ بالديار المصرية، ومقدّمي العسكر بغزّة وسيس، والأمراء المقدّمين المتوجهين من الأبواب السلطانية لكشف الجسور والمساحة وقبض الغلال. المرتبة الخامسة- «يقبّل الأرض بالمقرّ الشريف» إن قصد تعظيمه ، أو الباسط الشريف إن لم يقصد، وبذلك يكتب إلى «1» المرتبة السادسة- «يقبّل اليد العالية» . وبذلك يكتب إلى أمراء الطبلخاناه «2» المتوجّهين من الأبواب السلطانية لكشف الجسور والمساحة والقبض. وربما انحطّت رتبة أحد هؤلاء فكتب إليه: أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ

المرتبة السابعة - «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي»

الكريم، أو نصرة الجناب الكريم، أو ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي. المرتبة السابعة- «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي» . وبذلك يكتب إلى كاشف الوجه البحري وكاشف الفيّوم والبهنساويّة. المرتبة الثامنة- «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي» . وبذلك يكتب إلى الولاة الطبلخاناه بالوجهين القبليّ والبحريّ بالديار المصرية، كقوص والمحلّة، وغيرهما. وربما كتب «صدرت والعالي» لأحدهم. المرتبة التاسعة- «صدرت والسامي» . وبذلك يكتب إلى ولاة العشرات بالوجهين القبليّ والبحريّ بالديار المصرية. الطبقة الرابعة- ممن يكتب عنه من أعيان الدّولة بمملكة الديار المصرية، من يكتب إليه عن السلطان «أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي» ، ككاتب السرّ وناظر الجيش «1» ، وكذلك الحجّاب الطبلخاناه بالديار المصرية. وعلى ذلك كان ناظر الخاصّ «2» في الزمن المتقدّم، فلما جمع للصاحب شمس الدّين المقسي بين الوزارة ونظر الخاصّ، كان يكتب عنه بما يكتب به عن الوزراء كما تقدّم. فلما انفصل الخاصّ عن الوزارة روعي في الخاصّ ذلك القدر، فكتب عن ناظر الخاص كما كتب عن الوزير، والأمر على ذلك إلى الآن. والمكاتبات الصادرة عن هذه الطبقة على مراتب: المرتبة الأولى- «الفلانيّ بمطالعة» . وبذلك يكتب إلى النّائب الكافل، والأتابك، ونائب الشّام، وألحقوا بهذه الرتبة نائب حلب، فكتبوا إليه الفلانيّ. المرتبة الثانية- «الأبواب بمطالعة» . وبذلك يكتب عن هذه الطبقة إلى نوّاب السلطنة بطرابلس، وحماة، وصفد، وثغر الإسكندريّة.

المرتبة الثالثة - «الأبواب بغير مطالعة»

المرتبة الثالثة- «الأبواب بغير مطالعة» وبذلك يكتب إلى نائبي الوجهين القبليّ والبحريّ بالديار المصرية، ومقدّمي العسكر بغزّة وسيس، وربما كتب إلى أحدهم «الباب الكريم» . المرتبة الرابعة- «الباسط الشريف» . وبذلك يكتب إلى نائب الكرك. المرتبة الخامسة- «يقبّل الباسطة» . وبذلك يكتب إلى نائب القدس الشريف، ونائب الرّحبة، وكاشف الوجه البحري، وكاشف الفيّوم بالديار المصرية. المرتبة السادسة- «يقبل اليد العالية» . وبذلك يكتب إلى الولاة الطبلخاناه، بالوجهين القبليّ والبحريّ، بالديار المصرية. المرتبة السابعة- «يخدم الجناب العالي» . وبذلك يكتب إلى الولاة العشرات بالوجهين القبليّ والبحريّ أيضا. قلت: وعلى هذه الطبقات الأربع يقاس من دونهم ممن يكتب إليه عن السلطان، صدرت والعالي، كنائبي القدس والرّحبة، ومن يكتب له: صدرت والسامي، كالكاشف بالوجه البحريّ، وكاشف الفيّوم، ومن يكتب له: هذه المكاتبة، كالولاة الطبلخاناه بالوجهين القبليّ والبحريّ، ومن يكتب له: «يعلم» كالولاة العشرات بالوجهين أيضا. على أن الغالب في مثل هؤلاء أن تكون الكتابة عنهم لأعيان الدولة «الفلانيّ بمطالعة» وفيمن هو مثلهم أو دونهم يقاس على ما تقدّم. واعلم أن هذه المراتب المضمّنة للطبقات ليست على سبيل اللّزوم في الوقوف عند حدّها، بحيث لا يجوز تجاوزها بزيادة ولا التأخّر عنها بنقص، بل هي على سبيل التقريب، والأمر في زيادة رتبة المكتوب إليه زيادة لا تخرجه عن حدّه في المقدار موكول إلى اختيار الكاتب، يزيد في ذلك وينقص، بحسب ما يقتضيه الحال من رفعة قدر المكتوب إليه، لمزيد رفعته عن نوعه، أو محاباته لا ستمالته إلى القصد المطلوب منه، أو الغضّ منه بحطيطة رتبته أو نحو ذلك.

الفصل السابع من الباب الثاني من المقالة الرابعة (في مقاصد المكاتبات، وهي الأمور التي تكتب المكاتبات بسببها)

الفصل السابع من الباب الثاني من المقالة الرابعة (في مقاصد المكاتبات، وهي الأمور التي تكتب المكاتبات بسببها) وهي الجزء الأعظم من صناعة التّرسّل، وعليها مدار صنعة الكتابة، إذ الولايات من مقاصد المكاتبات، وهي أهمّ ما تضلّع به الكاتب، وألزم ما مهر فيه، وهي قسمان: القسم الأوّل (مقاصد المكاتبات السلطانيات، وهي على نوعين) النوع الأوّل (ما يكتب عن الخلفاء والملوك، وهو على ثلاثة أضرب) الضرب الأوّل (ما يكتب عن الخلفاء والملوك ومن ضاهاهم) ممّا هو مستعمل الآن ممّا كان عليه الحال في الزمن القديم مما يقلّ ويكثر، ويتكرّر تداوله في الكتابة وسائر المكاتبات في الحوادث المألوفة التي يكثر تداولها، وتتكرر الكتابة فيها بتكرر وقائعها، وما رسم الكتابة به باق إلى زماننا، وإن تغير مصطلح الابتداء والخطاب وغيرهما من رسوم المكاتبات. وهو على أصناف:

الصنف الأول (الكتب بانتقال الخلافة إلى الخليفة)

الصنف الأوّل (الكتب بانتقال الخلافة إلى الخليفة) قال في «موادّ «1» البيان» : جرت العادة أن تنفّذ الكتب إلى ولاة الأعمال في مثل هذه الحالة، متضمّنة ما جرى عليه الأمر بالحضرة، من انقياد الأولياء والرعايا إلى الطاعة، ودخولهم في البيعة بصدور منشرحة، وحضّ من بالأعمال من رجال السلطان ورعيته على الدخول فيما دخل فيه أمثالهم، وإعطاء الرّعايا على ذلك صفقة أيمانهم. وقد كان الرسم فيها أن تصدّر بحمد الله تعالى على عوارفه التي لم تزل تكشف الخطب، وترأب الشّعب، وتدفع المهمّ، وترفع الملمّ، وتجبر الوهن، وتسبغ الأمن، والصلاة على سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم، وذكر خصائصه ومناقبه، وتشريف الله تعالى له بإقرار الإمامة في أقاربه، وتخصيصها ببني عمّه الذين هم أحقّ الناس به، وما أمر به الله تعالى رسوله صلّى الله عليه وسلّم من طلب مودّتهم من الأمة بقوله جلّ من قائل: قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى «2» وما أشار إليه صلّى الله عليه وسلّم من بقاء الخلافة فيهم بقوله لعمّه العباس: «ألا أبشّرك يا عمّ، بي ختمت النّبوّة وبولدك تختم الخلافة» وما يجري مجرى ذلك. ثم يتلو ذلك بالإفصاح عن شرف الخلافة وفضلها، والإبانة عن رفيع مكانها ومحلّها، وأنها ظلّ الله الممدود، وحبله المشدود، ومساك الدّين ونظامه، وملاك الحق وقوامه، وامتنان الله تعالى على العباد بأن جعل فيهم أئمة يقسطون «3» العدل عليهم، ويقيمون الحدود فيهم، ويقوّمون أديانهم، ويهذّبون إيمانهم، ويرهفون بصائرهم، ويهدون حائرهم، ويكفّون ظلومهم، وينصفون مظلومهم، ويجمعون كلمتهم، ويحمون

ذمارهم «1» ، ويحوطون ديارهم، وما يجري مجرى ذلك. ثم يذكر ما أوجبه الله تعالى على أهل الإسلام للإمام من الطاعة وحسن التّباعة أيام حياته، والانقياد لأمره في طاعة من ينصّ عليه في القيام مقامه بعد وفاته، ليتّصل حبل الإمامة بينهم، ويمتدّ ظلّ الخلافة عليهم، فإن كان قد تلقّى الخلافة بعهد عن خليفة قد مات، من أب أو غيره، أتى بمقدّمة في ذكر الموت، وأن الله تعالى سوّى فيه بين بريّته وجعل في تطرّقه إلى رسوله أسوة لخليقته، وتفرّد بالبقاء، وامتنع عن الفناء، ثم يقال: وإن الله تعالى لما اختار لعبده ووليه فلان النّقلة إلى دار كرامته، والحلول بفناء طاعته، وأعانه على سياسة بريته، وأنهضه بما حمّله، وأيده فيما كفّله، من الذبّ عن المسلمين، والمراماة عن الدّين، والعمل بكتابه وسنّته في القول والفعل، واستشعار خيفته ومراقبته في السرّ والجهر، وما يليق بهذا- استخلص عبده ووليّه فلانا الإمام الفلانيّ لخلافته، وأهمى سماء الرحمة بإمامته، وأحلّ عزيز النصر بولايته، وألقى في نفيس رأيه النصّ عليه، والتفويض إليه، لما علم سبحانه في ذلك من شمول المصلحة للعباد، وعموم الأمنة للبلاد، فأمضى- قدس الله روحه- ما ألهمه، وكمّله قبل خروجه من دار الدنيا وتممه، عالما بفضل اختياره، وأنه لم يمل به الهوى في إيثاره، فقام أمير المؤمنين الإمام الفلانيّ مقامه، وحفظ نظامه، وسدّ ثلمته، وعفّى رزيّته، وأقر الله تعالى الإمامة به في نصابها ومقرّها، وزاد باستخلافه في صيت الخلافة وقدرها. وأمير المؤمنين يسأل الله تعالى أن يخص وليّه السعيد بقربه بأفضل صلواته، وأشرف تحياته، ويحسن جزاءه في سعيه في صلاح العباد، وسداد البلاد، وأن يلهم أمير المؤمنين الصبر على تجرّع الرّزيّة فيه [ويجزيه] أفضل ما جزى به صابرا محتسبا، وأن يجبر كسره في فقده، ويوفّقه لجميل العزاء من بعده، ويسدّده في مصادره وموارده، ويهديه لما يرضيه في جميع مقاصده، ويعينه على تأليف الأهواء، وجمع الآراء، ونظم الشّمل، وكفّ القتل، وإرخاء الظل.

وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك وقد اجتمع من بحضرته، من ذوي جهته وأمراء دولته، وكافّة جنده وجماعة حوزته على بيعته، وإعطائه صفقة أيمانهم على طاعته ومشايعته، عن صدور مخلصة نقيّة، وسرائر صافية سليمة، وعقائد مشتملة على الوفاء بما عقدوا عليه، وانقادوا مختارين إليه، وشملتهم بذلك الرحمة، وضفت عليهم النعمة، فما برحوا الرّزيّة، حتّى فرحوا بالعطية، ولا وجموا للمصيبة، حتّى بسموا للرغيبة، ولا أظلموا لفقد الماضي، حتّى أضاء الوجود بالآتي. فلله الحمد على هذه النعمة التي جبرت الوهن، وحققت في فضله المنّ، حمدا يستدرّ أخلاف فضله، ويستدعي سابغ طوله، وصلّى الله على محمد وآله، وأمير المؤمنين يراك من أهل مخالصته، والمتحققين بطاعته، وهو يأمرك أن تأخذ البيعة له على نفسك، وعلى جميع أوليائه المقيمين قبلك، وكافّة رعاياه الذين هم في عملك، وتشعرهم بما عنده للمسارعين لطاعته، المبادرين إلى اتّباعه، من تيسير الإنصاف والعدل، وإفاضة الإحسان والفضل، وما لمن نكب عن الطريقة المثلى، وحاد عن الأولى، من الكفّ الرّادع، والأدب الوازع، ويتوسّع في هذا المعنى توسّعا يشرح صدور أهل السلامة، المستمرّين على نهج الاستقامة، ويردع أهل الفساد، ويغضّ من نواظر ذوي العناد. ويحلّي الكتاب بآيات من القرآن الكريم تحسن استعارتها في باب العزاء، ويليق ذكرها في باب الإشادة بالخلافة والخلفاء. فإن كان الكتاب مما يقرأ بالحضرة، قال في موضع «وكتاب أمير المؤمنين إليك» : وأنتم معاشر أقارب أمير المؤمنين، من إخوته وبني عمه وخواصّ الدولة وأمرائها وأجنادها وكتّابها وقضاتها وكافّة رعيتها، ومن اشتمل عليه ظل مملكتها، أحقّ من حافظ على عوارف أمير المؤمنين واعتدّ بلطائفه، وقام بشكر نعمته، وسارع إلى اتباعه واعتصم بحبل دعوته، فأجمعوا على متابعته، وإعطائه صفقة أيمانكم على مبايعته، ليجمع الله على التأليف كلمتكم، ويحمي بالتّازر بيضتكم. ويتبع ذلك من وعد أهل الطاعة بما يضاعف جدودهم، ومن وعيد أهل المعصية بما يصفّر خدودهم، على نسق ما سبق في الترتيب.

وهذه نسخة كتاب في المعنى، كتب به عن الآمر «1» بأحكام الله تعالى عند استقراره في الخلافة بعد أبيه المستعلي «2» بالله، والدّولة مشتملة على وزير، من إنشاء ابن «3» الصّيرفيّ، وهي: الحمد لله المتوحّد بالبقاء، القاضي على عباده بالفناء، الذي تمجّد بالأزليّة والقدم، وتفرّد بالوجود وتنزّه عن العدم، وجعل الموت حتما مقضيّا على جميع الأمم. يحمده أمير المؤمنين على ما خصّه به من الإمامة التي قمّصه سربالها، وورّثه فخرها وجمالها، حمد شاكر على جزيل العطيّة، صابر على جليل الرّزيّة، مسلّم إليه في الحكم والقضية، ويسأله أن يصلي على جده محمد الذي ثبتت حجته، ووضحت محجّته، وعلت كلمته، وأنافت على درج الأنبياء درجته، صلّى الله عليه وعلى أخيه وابن عمّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الذي جعل

[الله] الإمامة كلمة في عقبه باقية، وحبّه جنّة «1» يوم الفزع الأكبر واقية، وعلى الأئمة من ذرّيتهما الطاهرين، صلاة دائمة إلى يوم الدّين. وإن الإمام المستعلي بالله أمير المؤمنين قدّس الله روحه وصلّى عليه، كان من أوليائه الذين اصطفاهم لخلافته في الأرض، وجعل إليهم أزمّة البسط والقبض، وقام بما حمّله من أوق «2» الإمامة، ولم يزل عاملا بمرضاة الله إلى أن نقله إلى دار المقامة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضا بقضائه، وصبرا على بلائه، وإلى الله يرغب أمير المؤمنين في إلهامه حسن الصبر على هذا المصاب، وإجزال حظّه عليه من الأجر والثواب، وإمداده في خلافته بموادّ الإرشاد والصواب، بكرمه. وكتاب أمير المؤمنين يوم كذا من الشهر الفلانيّ من سنة كذا، بعد أن جلس للحاضرين بحضرته من الأمراء؛ عمومته، وأوليائه وخدم دولته، وسائر أجناده وعبيد مملكته، وعامة شيعته، وأصناف رعيّته، وأنوار الخلافة عليه مشرقة، وأغصان الإمامة مثمرة مورقة، والسيد الأجلّ الأفضل الذي أمدّه الله في نصرة الدولة العلوية بالتأييد والإظهار، وأبان به برهان الإمامة الآمرية فوضحت أنوارها للبصائر والأبصار، وشهر له من المناقب ما سار مسير الشمس في جميع الأقطار، يتولّى الأمر بحضرته تولّي الكافل الزّعيم، ويباشر النظر في بيعته مباشرة القسيم الحميم، والناس داخلون في البيعة بانشراح صدور، وإظهار ابتهاج وسرور، يعطون صفقة أيمانهم، ويعلمون ما لهم من الحظّ في طاعة إمام زمانهم، قد تحققوا شمول السّعد وعموم الرشاد، وتيقنوا الخيرة لهم في العاجلة والمعاد، وأمير المؤمنين يعزّيك ومن قبلك من أولياء دولته، وسائر رعيته، عن المصيبة في الإمام

المستعلي بالله- صلّى الله عليه- التي قطعت من النفوس أملها، وأسكنت الألباب جزعا وولها، ويهنّيك وإياهم بمتجدّد دولته التي تهلّل لها وجه الزمان، واستهلت بها سحائب الفضل والإحسان. وأمير المؤمنين يحمد الله الذي أقرّ الحقّ في منصبه، وأفرده بما كان والده الإمام المستعلي بالله أفرد به. فاعلم ما أعلمك أمير المؤمنين من هذا الخطب الجسيم، والنّبأ العظيم، واشكر الله على ما جدّده لك ولكافّة المسلمين، من النعمة بإمامة أمير المؤمنين، التي أوفت بإساءة الزمان وجنايته وشفت من داء كلمه ونكايته، وتقدّم إلى الدعاء قبلك بأخذ البيعة على نفسك وعلى كافّة من في ولايتك، واستحمد إلى أمير المؤمنين أنت وهم بالإخلاص في طاعته، والاجتهاد في مناصحته، والتّمسّك بعصم مشايعته، لتنالوا في العاجلة حظّا جسيما، وتحرزوا في الآجلة أجرا كريما: ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما «1» وطالع بالكائن منك بعد قراءة كتاب أمير المؤمنين على الحاضرين قبلك، وإذاعته في الواردين عليك والمستوطنين عملك، ليحمدوا الله على ما أنالهم بخلافة أمير المؤمنين من جميل الصّنع العائد على العباد، وصلاح البلاد- وكتب في اليوم المذكور. وهذه نسخة كتاب عن الآمر بأحكام الله المقدّم ذكره، كتب به إلى ولاة الأطراف بعد قراءة عهده، مهنئا بخلافته، وتجديد ولايته، من إنشاء ابن الصّيرفيّ، أيضا، وهي: أما بعد، فالحمد لله مولي المنائح من نعمه، ومجزل العطايا من مواهبه وقسمه، ومعوّد الصنع الجميل من لطفه وكرمه، الذي له الحكم الظاهر عدله، ولديه الطّول الفائض فضله، وعنده مفاتح الغيب وإليه يرجع الأمر كلّه.

يحمده أمير المؤمنين على ما أفرده به من سنيّ المواهب، ونظمه له من عقود المناقب، ونقله إليه من تراث آبائه الكرام الذين جلا ضياؤهم ظلام الغياهب، وتزينت بهم الأرض تزيّن السماء الدنيا بزينة الكواكب، ويسأله أن يصلّي على جدّه محمد الذي نشر الله به الرحمة، وكشف الغمّة، وأنقذ الأمّة، صلّى الله عليه وعلى أخيه وابن عمّه عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين، والمذكور في زبر الأوّلين، وعلى الصّفوة من ذرّيتهما الهداة الراشدين، صلاة باقية إلى يوم الدين. وإنّ النّعم تتفاضل أقدارها بحسب مواقعها، وتتفاوت أخطارها بقدر مواضعها، ومن ألطفها مكانا، وأشرفها محلّا وشأنا، وأولاها بأن تستنطق به الأقلام، وأحقّها بأن يتناقل ذكرها الخاصّ والعام، ما خصّ الله به أمير المؤمنين من المنن الظاهرة، وتولّاه من المنح المتظاهرة، وأصاره إليه من الخلافة في أرضه، واستخلفه عليه من القيام بسنن دينه وفرضه، واسترعاه إيّاه من حياطة بلاده، وأوجبه من طاعته على كافّة خلقه وعباده، وذخره لدولته من كفيله وخليله، ومقيم أدلّة حقه وموضّح سبيله، السيد الأجلّ الأفضل الذي ارتضاه الله للذّبّ عن الإسلام، وانتضاه لنصرة إمام بعد إمام، وشهر مناقبه في كلّ موقف ومقام، وخصّه بفضائل لم تر مجتمعة لملك من ملوك الإسلام، لا جرم «1» أنّ أمير المؤمنين قد أحلّه منه محلّ الرّوح من الجسد، والوالد من الولد، وفوّض الأمور إليه تفويض معوّل على يمن نقيبته معتمد، مبالغ في حسن الاختيار للأمة مجتهد، والله تعالى يمتّع أمير المؤمنين ببقائه الكافل ببلوغ الأمل، ويجازيه عن تشييد مملكته أحسن ما جزى به مخلصا جمع في الإيمان بين القول والعمل، بكرمه. ولما وقف أمير المؤمنين بما طالعه به السيد الأجلّ الأفضل عند مثوله بحضرته، وإنهائه أمور دولته وأحوال مملكته، على أمرك الذي استحمده في الخدمة، واستحققت به إفاضة الإحسان وإسباغ النعمة، وأن لك في الدولتين

المستنصريّة والمستعليّة من الخدم المشكورة، والمساعي المبرورة، ما يدلّ على مناصحتك وإخلاصك، ويبعث على اصطناعك واستخلاصك، أمر بكتب هذا السّجلّ لك مؤكّدا لأواخيك «1» ، ومعربا عن رأيه الجميل فيك، ومجدّدا من ولايتك، ومجريا لك فيها على مستمرّ رسمك ومستقرّ عادتك. فقابل نعمة أمير المؤمنين من الإخلاص في طاعته بما يرتبطها، ووفّها من حقّ الاجتهاد ما يقرّها عندك ويثبّطها، واجعل تقوى الله تعالى عمادك، واطو عليها طويّتك واعتقادك، ومكّن في نفوس الأولياء جميل رأي أمير المؤمنين فيهم، وإحماده لمواقفهم في الخدمة ومساعيهم، وحقّق عند كافّة المستقرّين لديك، والواردين عليك، ما يكنفون به من الأمر الشامل، ويغمرون به من حسن النظر المتواصل، واجر على العادة المألوفة في إفاضة العدل والإنصاف، وتنكّب سبيل الجور والإجحاف، ومهّد السّبل قبلك، واحم من أسباب الفساد ولايتك وعملك، واخصص متولّي الحكم والدعوة الهادية- ثبتها الله تعالى- بالإعزاز والرعاية، ووفّر حظّهم من الملاحظة والعناية، وخذ المستخدم في الخطبة العلويّة بإقامتها في أوقاتها، على أفضل قوانينها وواجباتها، معلنا فيها بذكر أمير المؤمنين الذي يتوّج فروق المنابر، ويشنّف أسماع البوادي والحواضر، وتوفّر على ما ثمّر الأموال وأنماها، وغزّرها ورخّاها، وقضى بوفورها وحصولها، ودعا إلى درورها ومواصلة حمولها، وانظر في أمر الرجال المستخدمين معك نظرا يؤدّي إلى مصلحتهم، فاعلم هذا من أمير المؤمنين، واغتبط بما أصاره الله إليه اغتباط أمثالك من المخلصين، واعتقد طاعته اعتقاد من يجاريك من أهل اليقين، واعمل بوصاياه ومراشده تحظ في الدنيا والدين، وطالع بالكائن منك بعد قراءة هذا السّجلّ على كافة الناس أجمعين، وكتب في كذا وكذا.

واعلم أن العادة جارية بينهم أنه إذا كتب كتاب عن الخليفة بانتقال الخلافة إليه، يكتب ملطف عن الوزير، يلفّ كتاب الخليفة ضمنه، ويوجّه به إلى حيث المقصد. وهذه نسخة ملطّف في هذا المعنى، كتب به عن وزير في الدولة الفاطمية، ليلفّ كتاب الخليفة طيّه، وهو: ينطوي هذا الأمر الوارد على الأمير على كتاب مولانا وسيدنا الإمام الفلانيّ لدين الله، أمير المؤمنين، صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين، وأبنائه الأكرمين، أو: أبنائه المنتظرين، إن كان لا ولد له، بما أصاره إليه من شرف الإمامة، وبوّأه إيّاه من مقام العظمة والكرامة، إثر انتقال الإمام فلان أمير المؤمنين- قدّس الله روحه- إلى جوار ربّه. فاعتمد العمل بمضمونه في أخذ البيعة على نفسك ومن يليك وتلاوته على رؤوس الأشهاد، وإذاعة مكنونه في الحاضر والباد، على الرسم المعتاد، فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى. قلت: وهذا المعنى في الكتابة بانتقال الخلافة إلى الخليفة جار في زماننا بانتقال السّلطنة إلى السلطان، ويعبّر عن ذلك بجلوسه على تخت الملك، والأمر على ما تقدّم في الخلافة من التعزية بالماضي، والتهنئة بالمستقرّ، ونحو ذلك مما يجري مجراه. وهذه نسخة مكاتبة بالبشارة بجلوس الملك الصالح صالح «1» ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون على التخت، في شهر رجب الفرد سنة اثنتين وخمسين

وسبعمائة، بعد خلع أخيه الملك الناصر [حسن] . وصورتها بعد الصّدر والألقاب: وأورد عليه من البشائر أسنى البشر، وأسمعه من التّهاني ما انتشى حديثه بين البرايا وانتشر، وحفظ عليه وعلى الأمة ما أراد لهم من الخير وولّى عليهم خيارهم وجعل مليكهم صالح البشر. صدرت هذه المكاتبة إلى فلان وبصربها «1» مقدما بالظّفر، وذكرها قد ملأ الأقطار فجمع عليه كلّ قلب كان قد نفر، تهدي إليه سلاما عن وجه الشّكر سفر، وثناء يحصل منه على النّصيب الأوفر، وتوضّح لعلمه أن الجنابات العالية الأمراء الأكابر، أمراء الدولة الشريفة، ضاعف الله نعمتهم، كانوا قد عظّموا أخانا الناصر، وحكّموه، ومشوا إلى خدمته على أحسن سنن، وما أبقوا في خدمته ممكنا من التعظيم، والإجلال والتحكيم، وامتثال الأمر في كل جليل وحقير، فلم يرع لهم ذلك، ولا التفت إلى ما لهم عليه من حقوق الخدمة، واتفق مع الصبيان، وأراد القبض على الأمراء، وإمساك الجنابات العالية الأمراء الأكابر والإيقاع بهم. فلما تحققوا منه ذلك اجتمعت الأمراء، واتفقت الكلمة على خلعه من الملك الشريف وإقامتنا، فخلع المشار إليه، وكان جلوسنا على تخت الملك الشريف وكرسيّ السّلطنة المعظمة في يوم الاثنين المبارك، بحضور الإمام المعتضد بالله أمير المؤمنين أبي الفتح أبي بكر، ابن الإمام المرحوم أمير المؤمنين أبي الرّبيع سليمان المستكفي بالله، ومبايعته لنا، وحضور المجالس العالية قضاة القضاة بالأبواب

الصنف الثاني (من الكتب السلطانية الكتب في الدعاء إلى الدين، وهو من أهم المهمات)

الشريفة، أعز الله تعالى أحكامهم، وحلف لنا أمراء الدولة الشريفة على جاري العادة في ذلك، وضربت عند ذلك البشائر، وشهد هذا الهناء كلّ باد وحاضر، وتشنّفت الأسماع وقرّت العيون واستقرّت الخواطر، وابتهجت بذلك الأمم، وتباشرت بهذا السّعد الذي كتب لنا من القدم، وأصبح كلّ من أنصار دولتنا الشريفة مبتهلا بالدعاء مبتهجا. فليأخذ المقرّ حظّه من هذه التهنية، وليذع خبرها لتكون المسارّ معيدة ومبدية، ويتحقق ماله عندنا من المكانة، والمحلّ الذي زان بالإقبال الشريف زمانه ويتقدّم أمره الكريم بتهنئة المجالس العالية والسامية ومجالس الأمراء بالمملكة الفلانية، ويتقدّم أيضا بضرب البشائر وبالزينة على العادة. وقد تجهّز إلى الجناب العالي نسخة يمين شريفة يحلف عليها، ويكتب خطّه، ويجهزها إلينا صحبة المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، الكبير، العضد، الذّخريّ، النّصيريّ، الأوحديّ، عضد الملوك والسلاطين، يلبغا الحمويّ الصالحيّ، أدام الله علوّه، المتوجّه بهذا المثال الشريف، وقد جهزنا نسخة يمين شريفة ليحلف عليها لنا الأمراء بطرابلس ويكتبوا خطوطهم ويجهزها إلينا على العادة صحبة المشار إليه. وقد جهزنا للجناب العالي صحبة المشار إليه تشريفا شريفا كاملا، فيتقدّم الجناب العالي بتسلمه منه ولبسه، ويتحقق ماله عندنا من المكانة والمنزلة، ويعيد الأمير سيف الدّين يلبغا المشار إليه إلى الباب الشريف، فيحيط علمه بذلك. الصنف الثاني (من الكتب السلطانية الكتب في الدعاء إلى الدّين، وهو من أهمّ المهمّات) قال في «موادّ «1» البيان» : أشرف ما ينشئه الكاتب الدعاء إلى دين الإسلام

الذي أظهره الله تعالى على كلّ دين، وأعزّه على كره المشركين، واستجرار مخالفيه إليه، واجتذاب الخارجين عن دائرته إلى الدخول فيه، عملا بما كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء من بعده؛ لأنه قوام الملك ونظام السلطان اللّذان لا يصحّان إلّا به. قال: والكاتب يحتاج في إنشاء هذه الكتب إلى علم التوحيد وبراهينه، وشرع الرسول صلّى الله عليه وسلّم خاصّه وعامّه، ومعجزاته، وآيات نبوّته، ليتوسّع في الإبانة من ظهور حجته، ووضوح محجّته. ثم قال: والرسم فيها أن تفتتح بحمد الله الذي اختار دين الإسلام فأعلاه وأظهره، وقدّسه وطهّره، وجعله سبيلا إلى رضاه وكرامته، وطريقا إلى الزّلفى في جنّته، وشفيعا لا يقبل عمل عامل إلّا به، وبابا لا يصل واصل إلّا منه، فلا تغفر السيئات إلّا لمن اعتصم بحبله، ولا تتقبّل الحسنات إلّا من أهله، وشكره تعالى على الهداية إليه، والتوفيق عليه، وذيادته عن مجاهل الضلالة بما أوضحه من برهانه، ونوّره من تبيانه، وتمجيده من تعظيم آياته، وباهر معجزاته، وحكيم صنعته وبديع فطرته، وتنزيهه عما لا يليق بسلطانه، ولا تجوز إضافته إلى عظيم شانه، وتسبيحه عما يصفه به الملحدون، ويختلقه الجاحدون، والصّلاة على رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم والإفصاح عن دلائل نبوّته، وبراهين رسالته، وما خصّه الله تعالى به من إعلاء ذكره وإمداده بالمعجزات الباهرة، والآيات الظاهرة. ثم يتبع ذلك بالدعاء إلى الدّين والحضّ عليه، وإيضاح ما في التّمسّك به من الرّشاد في داري المبدإ والمعاد، والتّبشير بما وعد الله به المستجيبين له، والداخلين فيه، من تمحيص السّيّئات، ومضاعفة الحسنات، وعزّ الدنيا وفوز الآخرة، والإنذار بما أوعد الله به النّاكبين عن سبيله، العادلين عن دليله، من الإذلال في هذه الدار، والتّخليد بعد العرض عليه في النار، وتصريف المخالفين بين الرّغبة والرّهبة، في العاجل والمغبّة. قال: وينبغي أن يتأنّى الكاتب فيما يورده من هذه الأغراض، ليقع في

الصنف الثالث (من الكتب السلطانية الكتب بالحث على الجهاد)

المواقع اللائقة به، ويجلو الحجج في أحسن المعاريض، ويفصح عنها بأقرب الألفاظ من النفوس؛ فإنه إذا وفّق لذلك، ناب كتابه مناب الجيوش والأجناد، وأقرّ السيوف في الأغماد، ثم قال: ومن صدقت في هذا الفنّ رغبته، أيد الله تعالى غريزته، وعضّد بديهته ورويّته. قلت: وهذا الصّنف من المكاتبات السلطانية قد بطل في زماننا، فلم يعهد أنّ ملكا من الملوك كتب إلى بلاد الكفر بالدّعاية إلى الدين، إذ مثل ذلك إنما يصدر مع الغلبة والقوّة والقهر. كما كان الخلفاء في الزمن المتقدّم والكفر مقهور معهم، مذلول لديهم. أما الآن فلولا ما أخبر به صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «ونصرت بالرّعب مسيرة شهر» وفي رواية «ونصرت أمّتي» لاجتاح أهل الكفر الإسلام، ولكن الله وعد دينه أن لا يخذل. الصنف الثالث (من الكتب السلطانية الكتب بالحثّ على الجهاد) قال في «موادّ البيان» : كما أن الدّين ينتظم بالدعاء إليه والترغيب فيه، كذلك ينتظم بصيانة حوزته، وما دخل في مملكته، وكفّ أعدائه عن تنقّص أطرافه، والتّغلّب على بلاده. ولهذا فرض الله تعالى الجهاد وأوجبه، وأكّد الأمر فيه وشدّده، والسلطان يحتاج عند الحوادث التي تحدث من تطرّق المخالفين إلى بعض الثّغور، أو شنّ الغارة على أهل الإسلام، أن يدعو إلى الجهاد ومقارعة الأعداء، وصون حريم الملة، وحفظ نظام الدولة. ثم ذكر أن الرسم فيها أن تفتتح بحمد الله تعالى على جميل صنعه، على إعزاز الكلمة، وإسباغ النّعمة باظهار هذه الملة، وما وعد الله به من نصر أوليائه، وخذلان أعدائه، وإدالة الموحدين، وإذالة الملحدين، والصلاة على رسوله صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله، وذكر طرف من مواقفه في الجهاد، ومقارعته لشيع الإلحاد، وتأييد الله تعالى أنصاره على أهل العناد، ثم يذكر الحادثة بنصّها، ويشرح القصة على فصّها، ويندب من جاوره وداناه من أهل الملّة أجمعين،

ويخاطبهم بما يرهف عزائمهم في نصرة الدين وكافّة المسلمين، واتّباع سبيل السّلف الصالحين، الذين خصّهم الله تعالى بصدق الضّمائر، ونفاذ البصائر، وصحّة الدين، ووثاقة اليقين، فلم يكونوا ليروموا مراما إلّا سهّل لهم ما توعّر، ويسّر عليهم ما تعسّر، وسما بهم إلى ما هو أقصى منه مرمى وأبعد مدى، رغبة فيما رغّبهم فيه من نصرته، وتعرّضا لما عرّضهم له من جزيل مثوبته، وأن يحضّهم على التمسك بعزائم الدين، والعمل على بصائر المخلصين، وافتراض ما فرض الله عليهم من جهاد أعدائه، وتنجيز ما وعدهم به من الإظفار بهم والإظهار عليهم، وأن يجاهدوا مستنصرين، ويؤدّوا الحقّ محتسبين، ويقدموا رسلا لا ناكصين ولا شاكّين ولا مرتابين، متّبعين الحقّ حيث يمم وقصد، ومضاربين دونه من صدّ عنه وعند، ويبالغ في تنخية أهل البسالة والنّجدة، والبأس والشّدّة، ويبعثهم على نصر حقّهم وطاعة خالقهم، والفوز بدرك الثواب والرّضوان، وتنوّر البصائر في الإيمان، وفضيله الأنف من الضّيم، والبعد من الذّيم «1» ، إلى غير هذا مما يعدل الأرواح والمهج، والإقدام على مصارع التّلف. فإن الملوك الماضين- لعلمهم بأن الناس إنما يجودون بذلك للفوائد التي توجبه- كانوا يبذلون لمن يدعونه إلى المكافحة، ويعرّضونه للمذابحة، الرغائب التي تهوّن عليهم إلقاء نفوسهم في المهالك تارة، ويذكّرونهم الأحقاد والضغائن ويخوّفونهم من الوقوع في المذلّة أخرى. ثم قال: وينبغي للكاتب أن يقدّم في هذه الكتب مقدّمات، يرتبها على ترتيب يهزّ الأريحيّات، ويشحذ العزائم، ليجمع بين خدمة سلطانه والفوز بنصيب من الأجر. قلت: وهذا الصّنف من المكاتبات السلطانيات مستمرّ الحكم إلى زماننا. فما زالت الملوك يكتبون إلى ما يليهم بالحثّ على الجهاد، والقيام بأوامره، والحضّ على ملاقاة العدوّ، والأخذ بنصرة الدين. وقد تقدّم في الكلام على

مقدّمات المكاتبات في أوّل هذه المقالة، أن الشّيخ شهاب الدين محمودا الحلبي ذكر في «حسن التوسل» أنه إذا كتب عن الملك في أوقات حركات العدوّ إلى أهل الثغور، يعلمهم بالحركة للقاء عدوّهم، أنّه يبسط القول في وصف العزائم، وقوّة الهمم، وشدّة الحميّة للدّين، وكثرة العساكر والجيوش، وسرعة الحركة، وطيّ المراحل، ومعاجلة العدوّ، وتخيّل أسباب النّصر، والوثوق بعوائد الله في الظّفر، وتقوية القلوب منهم، وبسط آمالهم، وحثّهم على التّيقّظ، وحضّهم على حفظ ما بأيديهم من ذلك وما أشبهه. وأنه يبرز ذلك في أبين كلام وأجلّه، وأمكنه وأقربه من القوّة والبسالة، وأبعده من اللّين والرّقّة، ويبالغ في وصف الإنابة إلى الله تعالى واستنزال نصره وتأييده والرجوع إليه في تثبيت الأقدام، والاعتصام به في الصّبر، والاستعانة به على العدوّ، والرّغبة إليه في خذلانهم، وزلزلة أقدامهم، وجعل الدائرة عليهم، دون التصريح بسؤال بطلان حركتهم، ورجاء تأخيرهم، وانتظار العرضيّات في تخلّفهم، لما في ذلك من إيهام الضّعف عن لقائهم، واستشعار الوهن والخوف منهم، وأن زيادة البسط ونقصها في ذلك بحسب المكتوب إليه. وهذه نسخة مكاتبة من ذلك عن السلطان إلى بعض نوّاب الثّغور، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود «1» الحلبيّ، أوردها في «حسن التوسل» وهي: أصدرناها ومنادي النّصر «2» قد أعلن بياخيل الله اركبي، ويا ملائكة الرحمن اصحبي، ويا وفود الظّفر والتأييد اقربي، والعزائم قد ركضت على سوابق الرّكض إلى العدا، والهمم قد نهضت إلى عدوّ الإسلام فلو كان في مطلع الشمس لا ستقربت ما بينها وبينه من المدى، والسّيوف قد أنفت من الغمود فكادت تنفر من قربها، والأسنّة قد ظمئت إلى موارد القلوب فتشوّفت إلى الارتواء من قلبها، والكماة قد زأرت كاللّيوث إذا دنت فرائسها، والجياد قد مرحت لما عوّدتها من

الانتعال بجماجم الأبطال فوارسها، والجيوش قد كاثرت النجوم أعدادها، وسار بها للهجوم على أعداء الله من الملائكة الكرام أمدادها، والنفوس قد أضرمت الحميّة للدّين نار غضبها، وعداها حرّ الإشفاق على ثغور المسلمين عن برد الثغور وطيب شنبها، والنّصر قد أشرقت في الوجود دلائله، والتأييد قد ظهرت على الوجوه مخايله، وحسن اليقين بالله في إعزاز دينه قد أنبأت بحسن المآل أوائله، والألسن باستنزال نصر الله لهجة، والأرجاء بأرواح القبول أرجة، والقلوب بعوائد لطف الله بهذه الأمة مبتهجة، والحماة وما منهم إلّا من استظهر بإمكان قوّته وقوّة إمكانه، والأبطال وليس فيهم من يسأل عن عدد عدوّه بل عن مكانه، والنّيّات على طلب عدوّ الله حيث كان مجتمعة، والخواطر مطمئنة بكونها مع الله بصدقها و «من كان مع الله كان الله معه» ، وما بقي إلّا طيّ المراحل، والنزول على أطراف الثّغور نزول الغيث على البلد الماحل، والإحاطة بعدوّ الله من كل جانب، وإنزال نفوسهم على [حكم] «1» الأمرين [الآخرين] «2» ، من عذاب واصب وهمّ ناصب، وإحالة وجودهم إلى العدم، وإجالة السّيوف التي إن أنكرتها أعناقهم فما بالعهد من قدم، واصطلامهم على ما بأيدي العصابة المؤيّدة بنصر الله في حربها، وابتلاؤهم من حملاتها بريح عاد التي تدمّر كلّ شيء بأمر ربّها، فليكن مترقّبا طلوع طلائعها عليه، متيقّنا من كرم الله استئصال عدوّه الذي إن فرّ أدركته من ورائه وإن ثبت أخذته من بين يديه، وليجتهد في حفظ ما قبله من الأطراف وضمّها، وجمع سوائم الرعايا من الأماكن المخوفة ولمّها، وإصلاح ما يحتاج إلى إصلاحه من مسالك الأرباض المتطرّفة ورمّها، فإن الاحتياط على كل حال من آكد المصالح الإسلامية وأهمها، فكأنّه بالعدوّ وقد زال طمعه، وزاد ظلعه، وذمّ عقبى مسيره، وتحقّق سوء منقلبه ومصيره، وتبرأ منه الشيطان الذي دلّاه بغروره، وأصبح لحمه موزّعا بين ذئاب الفلا وضباعها، وبين عقبان الجوّ ونسوره، ثقة من وعد الله وتمسّكا منه باليقين، وتحققا أن الله ينصر من ينصره والعاقبة للمتقين.

وهذه نسخة مرسوم كريم في المعنى، بل هو أصرح في ذلك ممّا قبله، كتب به عند ظهور الفرنج اللوساريّة والشوال بالبحر، من إنشاء الشيخ بدر الدين بن حبيب «1» الحلبيّ «2» ، وهو وإن لم يكن عن السلطان فإنه في معناه؛ لقيام النائب بالمملكة قيام السلطان الذي استنابه، وهو: المرسوم بالأمر العالي أعلاه الله تعالى، لا زالت مراسمه النافذة تبلّغ أهل العصابة المحمّدية غاية الآمال، وأوامره المطاعة تقضي بكسر اللّوساريّة وشين الشوال، أن تتقدّم العساكر المنصورة بالمملكة الطّرابلسيّة أيد الله تعالى عزائمهم القاهرة، وأذلّ بسيوفهم الطائفة الكافرة، بارتداء ملابس الجهاد، والتّحلّي بمرارة الصّبر على اجتلاء الجلاد، وأن يجيبوا داعي الدّين، ويكفّوا أيدي المعتدين، ويفوّقوا سهامهم، ويجعلوا التّقوى أمامهم، ويشرعوا رماحهم، ويحملوا سلاحهم، ويومضوا بروق السيوف، ويرسلوا نبال الحتوف، ويهدموا بنيان الكفّار، ويطلعوا أهلّة القسيّ بمدّ الأوتار، ويهضموا جانب أهل العناد، ويقابلوا البحر بملء بحر من الجياد، ويناظروا أمواجه بأمواج النّصال، ويقاتلوا الفرقة الفرنجيّة أشدّ القتال، ولا يهملوهم بالنهار ولا بالليل، ويعدّوا لهم ما استطاعوا من قوّة ومن رباط الخيل، وينوّروا بمصابيح الرّباط في سبيل الله ظلام الدّجنّة، وأن يصابروا ويصبروا، فإذا استنفروا فلينفروا، ويبالغوا في الغدوّ والرّواح ليبلّغوا الرّعيّة من الأمن أمانيها. فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها» . ويعتمدوا على القريب المجيب، ويجتهدوا في كسر أصلاب أهل الصّليب، وينافسوا في أمر الآخرة ويدعوا الدنيا، ويقاتلوا لتكون كلمة الله هي

العليا، ويشهدوا المواقف، ويبذلوا التّالد والطّارف، وليبرز الفارس والراجل، ويظهر الرّامح والنّابل، فإن الجهاد، سطوة الله تعالى على ذوي الفساد، ونقمته القائمة على أهل الشّرك والعناد، وهو من الفروض الواجبة، التي لم تزل سهام أصحابه صائبة، فواظبوا على فعله، ولا تذهبوا عن مذاهبه وسبله، واطلبوا أعداء الله برّا وبحرا، وقسّموا بينهم الفتكات قتلا وأسرا، وفاجئوهم بمكروه الحرب، وناجوهم برسائل الطّعن والضّرب، وخذوا من الكفّار باليمين، وجدّوا في تحصيل الرّبح الثّمين، ولازموا النزول بساحل البحر لمنازلة الطّغاة والمشركين يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين «1» وسابقوا الأعنّة، وهزّوا أعطاف الأسنّة، وشمّروا عن ساق العزائم، ولا تأخذكم في الله لومة لائم، واتّخذوا الخيام مساكن، واجعلوا ظهور الخيل لكم مواطن، وانصبوا الألوية والأعلام، وأطفئوا جمرة الشّرذمة الغائظة للإسلام، ولا تخشوا من جمعهم الآئل إلى التّفريق، وحشدهم الذي هو عمّا قليل إن شاء الله تعالى غريق، ولا تعبأوا بسفنهم البحرية فإن سفنكم الخيل المخلوقة من الرّياح، ولا تنظروا إلى مجاديفهم الخشبيّة، فإن مجاديفكم السيوف والرماح، فاقلعوا قلوعهم، وشتّتوا جموعهم، وأذهبوا الجنف «2» والحيف، وخاطبوهم بألسنة السّيف، وأوقدوا في قلوبهم بالتّحصين والاحتراز نارا، وادعوا الله أن لا يذر على الأرض من الكافرين ديّارا، ونكّسوا صليبهم المنصوب، وبادروا إلى حرب حزبهم المغلوب، وارفعوا باليقين شكّ هذه المحنة، وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة، واهجروا في ذات الله طيب المنام، وانقلوا الأقدام إلى الأقدام، واكشفوا عنكم أستار الملال والملام، واهتموا بما يعلي كلمة الإسلام والسّلام، فليرفعنّكم الله إلى منازل العزّ والتمييز ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز «3» .

الصنف الرابع (من الكتب السلطانية الكتب في الحث على لزوم الطاعة وذم الخلاف)

الصّنف الرابع (من الكتب السلطانية الكتب في الحثّ على لزوم الطاعة وذمّ الخلاف) قال في «موادّ البيان» : طاعة السلطان والانقياد إليه، والرجوع إلى رأيه والاعتماد عليه، أبدى الأسباب، في استمرار الاتّساق والاستتباب، وهي فرض أوجبه الله تعالى. فقال: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم «1» ولا تصح مملكة ولا تدوم دولة إلّا بأمرين؛ أحدهما عدل السلطان، والآخر طاعة الرّعيّة له، فمتى ارتفع أحدهما، فسد السّائس والمسوس، ولم تزل ملوك الأزمنة يقدّمون إلى الرعايا لزوم الطاعة، والاعتصام بحبل الشريعة والنّهي عن مفارقة الجماعة. قال: والرسم فيها أن تفتتح بالحمد لله على النّعم، في تأليف قلوب أهل الدّين، وجمع كلمة الموحّدين، ورعاية أهوائهم إلى الاتّفاق، وصيانة عصاهم عن الانشقاق، والصلاة على رسوله صلّى الله عليه وسلّم، والتنبيه على فضائل الطاعة، فإنها العروة الوثقى، والمعقل الذي لا يرقى، والحصن الحصين، والكنف الأمين، والحمى الأمنع، والمرقب الأرفع، وأنّ من حافظ عليها فاز وسلّم، وربح وغنم، ومن فارقها خسر وخاب، ونكب عن سبيل الصّواب، وإيضاح ما في سبيل الطاعة من اتّفاق الكلمة، وانتظام شمل الأمة، وشمول الخيرات، وعموم البركات، وعمارة البلاد، وصلاح العباد، وما في المشاققة من الفساد العام، العائد بانتثار النّظام، وانبتات الحبل، وتفرّق الشّمل، واجتثاث الأصل، وطموس الديار، وصيال الأشرار، وانقماع الأخيار، وتوالي الفتن التي لا تصيب الظالم خاصّة دون العادل، ولا المشاقق دون الموافق، وحلول النّوائب المزيلة للنعم، وإتباع ذلك بما يجب من إعذار وإنذار، وترهيب وترغيب، وتذكير وتبصير، ووعظ وتخويف، وبعث العلماء الحصفاء، على ردع الجهلاء السّخفاء، وتنبيه أهل

السلامة والصلاح، على كفّ ذوي العيث والطّلاح، إلى نحو هذا مما يجاريه. وأن يبالغ فيما يورده من هذه المعاني، فإن هذه الكتب إذا كانت بليغة مستوفاة جيّدة العبارة، أخذت بمجامع القلوب، وأغنت عن الكتائب في إدراك المطلوب. وهذه [مكاتبات] في معنى ذلك أوردها أبو الحسين بن «1» سعد في ترسّله، وهي: أما بعد، فإن الله افترض الطاعة وأوجبها، وأمر بها ورغّب فيها، وجعلها عصمة من كل فتنة، وضياء من كل شبهة، وسلامة من كل هلكة، وسببا للظّفر بخير الدنيا والآخرة، من أراد الله به خيرا وفّقه لها، وألزمه المحافظة عليها والاعتصام بحبلها، فتعجّل عزّها وشرفها، وسعتها وأمنها، واستحق السعادة في الدار الآخرة بها، والمثوبة عليها. آخر: وقد علمتم ما جعل الله في الطاعة ولزومها، والمحافظة عليها، من العز والمنعة والأيد والقوّة والفوز بخير الدنيا والآخرة [وما] في خلافها من صنوف المخاوف، وأنواع المتالف. آخر: وقد كانت الطاعة أنافت بك على كلّ ظليل، وأفضت بك إلى لين مهاد عند إقضاض المضاجع، وصفاء المشارب عند تكدّر المناهل، واتصال أمنة عند حدوث المخاوف، حتّى فعلت كذا وكذا. آخر: فلم يمرق من طاعته مارق، ولا فارقها مفارق، إلّا صرع الله خدّه، وأتعس جدّه، وخضد «2» شوكته، وأكذب ظنّه وأمنيّته، وجعله لسيوف الله غرضا، ولأوليائه غنيمة.

آخر: والطاعة هي العروة الوثقى، والطريقة المثلى، والغنيمة لأهلها في الأخرى والأولى. «عبد الحميد» «1» : فإن الفتنة تتشوّف لأهلها بآنق منظر، وأزين ملبس، تجرّ لهم أذيالها، وتعدهم تتابع لذّاتها، حتّى ترمي بهم في حومات أمواجها، مسلّمة لهم، تعدهم الكذب وتمنّيهم الخدع، فإذا لزمهم عضاضها «2» ، ونفر بهم شماسها، وتخلّت عنهم خاذلة لهم، وتبرأت منهم معرضة، قد سلبوا أجمل لباس دينهم، واستنزلوا عن أحصن معاقل دنياهم، من الغناء البهيّ منظره، الجميل أثره، حتّى تطرحهم في فضائح أعمالهم، والإيجاف في التّعب، وسوء المنقلب، فمن آثر دينه على دنياه تمسك بطاعة ولاته، وتحرّز بالدخول في الجماعة، تاركا لأثقل الأمرين، وأوبل الحالين. «ابن عبد كان» «3» في ذمّ الخلاف: وإن فلانا كان عبدا من عبيدنا، اعتوره إنعامنا، ونوّه به إكرامنا، وشرّفه ولاؤنا، وحسن عنده بلاؤنا، وابتنينا له الأموال، وأسنينا له الأعمال، وأوطأنا عقبه الرجال، فلم تقع النّعم منه عند شاكر، ولا الصنيعة عند محتمل؛ فلما رفع الله بمكاننا خسيسته، وبلّغه من شرف الذّكر ونباهة القدر وانبساط يده ما كانت همّته تعجز عنه، وآماله تقصر دونه، أضراه ذلك وأبطره، وأطغاه وأكفره، فاختال زاهيا، واستكبر عاليا، وغدر باغيا، وشاقّ عاصيا، وأوضع في الفتنة لنا حربا، ولأعدائنا حزبا، ولمن انحرف عنا يدّا، ولمن مال إلينا ضدّا، من غير سبب أوجبه، ولا أمر دعاه إليه، فكان كما قال الله عزّ وجلّ في كتابه: كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى «4» وكقوله: ولو بسط الله

الرزق لعباده لبغوا في الأرض «1» فلما ورده الخبر بما هيّأ الله لنا من الرجوع إلى الفسطاط على الحال السارّة لأوليائنا، الغائظة لأعدائنا، سقط في يده، وفكّر في غليظ جرمه وخيانته، فأدّاه الخوف الذي استشعره، والإشفاق الذي خامره، إلى أن ركب عظيما من الأمور، وكاشف بالعصبيّة والغرور، مكاتفا أعداء «2» ، ومواليا ذوي العداوة والشّنارة «3» ، ونرجو بحول الله وقوّته، وإرادته ومشيئته، وما لم يزل الله- تقدّس اسمه- يجريه عندنا من جميل عاداته فيمن سفه الحق، وزاغ عن القصد، أن يبسل هذا الخائن بخبائث أعماله، ويسلمه لقبائح أفعاله، وأن يصرعه بأسو إ مصارع أمثاله، فإنّ أحدا لم يحمد النعمة، إلّا استدعى النّقمة، ولم يذع الشكر، ويستعمل الكفر، إلّا كانت العثرة منه قريبة، والبلايا محيطة، قولا لا يبدّل رسمه ولا يحوّل. من كتاب موسى «4» بن عيسى: أما بعد، فإن امرأ لو خلص من فلتات الخطإ وخطوات الملإ «5» ، بفضيلة رأي ولطافة بصر بالأمور، كنت أحجى بذلك دون أهل زمانك، للذي جرت لك عليه تصاريف التبع وتعرّضت لك به وجوه العبر، ولما استقبلت من موارد أمور نفسك، وتعقّبت من مصادر أمور غيرك، ولكنّ الله إذا أراد أمرا جعل له من قضائه سببا، ومن مقاديره عللا، فمن مقادير علل البلاء تضييع المعرفة، وإلغاء ما تفيده

التّجربة، ومن أسباب السّلامة الانتباه بالعبر، والاستدلال بما كان على ما يكون. وأنت امرؤ جرت لك وعليك أنحاء من النعم، وأنحاء من الحجج، عرفت بها ما لك وعليك، فإن تأخذ بها، عرفت كيف تسلك مسالكه، وإن تدع الأخذ بذلك، تدعه على علم. وقد رأيت الذي انقادت لك به النّعمة، ووهبت لك به العافية، فيما ألهمك الله من طاعة ولاة أمورك، والصبر لها على مواطن الحقّ التي رفع الله بها ذكرك، وأحسن عليها عقباك وذخرك، فلم تمض بك في طاعتهم رتبة، إلا قرّبك الله بها في الخير عقبة، ولا تبذل من نفسك نصحا، إلّا أوجب لك به نححا؛ ولم تفتأ تواتر ذلك، من مناصحتك وحسن طاعتك، حتّى طلت بها على من طاولك، وفضلت بها من فاضلك، وجريت ممدودا عنانك إلى قصوى غايات أملك، فأصبحت قريع المسلمين، بعد خليفة الله أمير المؤمنين، وخيرته من خلقه، بعد ذوي الفضل من أهل بيته، حتّى مالك من رجالات العرب نظير في منزلة، ولا نديد في حال ولا رتبة، بل هم فيك رجلان: إما راهب منك، وإما راغب فيك. قلت: وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية مستمرّ الكتابة إلى زماننا. فما زالت الملوك يكتبون إلى من يتخيّلون منه خلع الطاعة من النوّاب ومن في معناهم، ويحثّونهم على لزوم الطاعة، ويحذّرونهم المخالفة والخروج عن الجماعة. ومن ذلك ما كتب به الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي إلى متملك سيس «1» عند كسرة التتار، بعد قيامه معهم في المصافّ، ومساعدته إياهم، وهو: بصّره الله برشده، وأراه مواقع غيّه في الإصرار على مخالفته ونقض عهده، وأسلاه بسلامة نفسه عمن روّعته السيوف الإسلامية بفقده. صدرت تعرّفه أنه قد تحقّق ما كان من أمر العدوّ الذي دلّاه بغروره، وحمله

التمسك بخداعه على مجانبة الصواب في أموره، وأنهم استنجدوا بكل طائفة، وأقدموا على البلاد الإسلامية بنفوس طامعة وقلوب خائفة، وذلك بعد أن أقاموا مدّة يشترون المخادعة بالموادعة، ويسرّون المصارمة في المسالمة، ويظهرون في الظاهر أمورا، [ويدبّرون في الباطن أمورا] «1» ويعدون كلّ طائفة من أعداء الدين ويمنّونهم وما يعدهم الشّيطان إلّا غرورا، وكنّا بمكرهم عالمين، وعلى معاجلتهم عاملين، وحين تبيّن مرادهم، وتكمّل احتشادهم، استدرجناهم إلى مصارعهم، واستجررناهم ليقربوا في القتل من مضاجعهم، ويبعدوا في الهرب عن مواضعهم، وصدمناهم بقوّة الله صدمة لم يكن لهم بها قبل، وحملنا عليهم حملة ألجأهم طوفانها إلى ذلك الجبل، وهل يعصم من أمر الله جبل؟ فحصرناهم في ذلك الفضاء المتّسع، وضايقناهم كما قد رؤي ومزّقناهم كما قد سمع، وأنزلناهم على حكم السّيف الذي نهل من دمائهم حتّى روي وأكل من لحومهم حتّى شبع، وتبعتهم جيوشنا المنصورة تتخطّفهم رماحها، وتتلقّفهم صفاحها، ويبدّدهم في الفلوات رعبها، ويفرّقهم في القفار طعنها المتدارك وضربها، ويقتل من فات السيوف منهم العطش والجوع، ويخيّل للحيّ منهم أنّ موضعه كالدنيا التي ليس للميّت إليها رجوع، ولعله قد رأى من ذلك فوق ما وصف عيانا، وتحقّق من كلّ ما جرى ما لا يحتاج أن نزيده به علما ولا نقيم عليه برهانا. وقد علم أن أمر هذا العدوّ المخذول ما زال معنا على هذه الوتيرة، وأنهم ما أقدموا إلّا ونصرنا الله عليهم في مواطن كثيرة، وما ساقتهم الأطماع في وقت ما إلا إلى حتوفهم، ولا عاد منهم قطّ في وقعة آحاد تخبر عن مصارع ألوفهم، ولقد أضاع الحزم من حيث لم يستدم نعمة الله عليه [بطاعتنا] «2» التي كان في مهاد أمنها، ووهاد يمنها، وحماية عفوها، وبرد رأفتها التي كدّرها بالمخالفة بعد صفوها، يصون رعاياه بالطاعة عن القتل والإسار، ويحمي أهل ملّته [بالحذر عن

الحركات] «1» التي ما نهضوا إليها إلّا وجرّوا ذيول الخسار، ولقد عرّض نفسه وأصحابه لسيوفنا التي كان من سطواتها في أمان، ووثق بما ضمن له التّتار من نصره وقد رأى ما آل إليه [أمر] ذلك الضمان، وجرّ لنفسه بموالاة التّتار عناء كان عنه في غنى، وأوقع روحه بمظافرة المغل في حومة السيوف التي تخطّفت أولياءه من هنا ومن هنا، واقتحم بنفسه موارد هلاك سلبت رداء الأمن عن منكبيه، واغترّ هو وقومه بما زيّن لهم الشيطان من غروره فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه «2» وما هو والوقوف في هذه المواطن التي تتزلزل فيها أقدام الملوك الأكاسرة؟ وأنّى لضعاف النّقّاد قدرة على الثبات لوثبات الأسود الضّارية واللّيوث الكاسرة؟ لقد اعترض بين السّهم والهدف بنحره، وتعرّض للوقوف بين ناب الأسد وظفره، وهو يعلم أننا مع ذلك نرعى له حقوق طاعة أسلافه التي ماتوا عليها، ونحفظ له خدمة آبائه التي بذلوا نفوسهم ونفائسهم في التّوصّل إليها، ونجريه وأهل بلاده مجرى أهل ذمتنا الذين لا نؤيسهم من عفونا ما استقاموا، ونسلك فيهم حكم من في أطراف البلاد من رعايانا الذين هم في قبضتنا، نزحوا أو أقاموا، ونحن نتحقق أنه ما بقي ينسى ملازمة ربقة الحتف خناقه، ولا يرجع يورد نفسه في موارد الهلاك وهل يرجع إلى الموت من ذاقه؟ فيستدرك باب الإنابة قبل أن يغلق دونه، ويصون نفسه وأهله قبل أن تبتذل السيوف الإسلامية مصونه، ويبادر إلى الطاعة قبل أن يبذلها فلا تقبل، ويتمسّك بأذيال العفو قبل أن ترفع دونه فلا تسبل، ويعجّل بحمل أموال القطيعة وإلّا كان أهله وأولاده في جملة ما يحمل منها إلينا، ويسلّم مفاتح ما عدا عليه من فتوحنا وإلّا فهو يعلم أنها وجميع ما تأخّر من بلاده بين يدينا، ويكون هو السبب في تمزّق شمله، وتفرّق أهله، وقلع بيته من أصله، وهدم كنائسه، وابتذال نفسه ونفائسه، واسترقاق حرمه، واستخدام أولاده قبل خدمه، واستقلاع قلاعه، وإحراق ربوعه ورباعه، وتعجيل رؤية ما وعد به قبل

الصنف الخامس (من الكتب السلطانية الكتب إلى من نكث العهد من المخالفين)

سماعه. ومن لغازان أن يجاب إلى مثل ذلك، أو يسمح له مع الأمن من سيوفنا ببعض ما في يده من الممالك، لينتفع بما أبقت جيوشنا المؤيّدة في يده من الخيل والخول، ويعيش في الأمن ببعض ما نسمح له به ومن للعور بالحول، والسيوف الآن مصغية إلى جوابه لتكفّ إن أبصر سبيل الرشاد، أو تتعوّض برؤوس حماته وكماته عن الإغماد إن أصرّ على العناد، والخير يكون إن شاء الله تعالى. الصنف الخامس (من الكتب السلطانية الكتب إلى من نكث العهد من المخالفين) قال في «موادّ البيان» : إذا نقض معاهد عهده، أو نفض من شروط الهدنة يده، فالرسم أن يصدّر ما يكاتب به بالحمد لله تعالى على موهبته في إظهار الدين، وإعزار المسلمين، وما تكفّله من النصر على الباغين، ووعد به أهل العدل من الإدالة والتّمكين، والصلاة على سيدنا محمد النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله أجمعين، وإيراد طرف من معجزاته وفضائله، وآياته ومناقبه التي تنخرط في هذا النظام، وتليق بهذا النّمط من الكلام، ثم يتبع ذلك بمقدّمة تدلّ على متانة البصائر في الدين، ووثاقة العقائد في إذالة المحادّين، ومضاء العزائم في مجاهدة المعتدين، والاستطالة على المعاندين، مع ما تضمّنه الله تعالى من نصره وإظفاره، ووعد به من تأييده وإقراره، وسهّله من إهواء الأهوية إليه، وجمع الكلمة عليه، بما خوّله من بأس وشدّة، وعديد وعدّة، وما يليق بذلك مما يعرب به عن علوّ السلطان، ووفور الإخوان، واتّساع القوّة والأيد، وصدق العزم والجدّ. ثم يذكر الحال التي انعقدت الهدنة عليها، وأن الإجابة إليها لم تقع قصورا عن غزوهم في عقر دارهم، وتشريدهم بالغارات المبثوثة برّا وبحرا عن قرارهم، وإنما قبولا لمساءلتهم، وامتثالا لأمر الله تعالى في مسالمتهم. ويأخذ في تعديد الوقائع التي أوقعها أهل الإسلام بهم، والمشاهد التي نصرالله تعالى فيها عليهم، والمعاقل المنتزعة من أيديهم، وأن تلك العزائم مضطرمة متوقدة، وتلك السيوف مشحذة مهنّدة، وأن الله تعالى قد أباح حرم من نقض عهده، ونفض من الذّمام يده، وأن كتائب الله موجفة وراء هذا الكتاب، في جيش يلحق الخبت بالهضاب،

ما لم يكن منهم مبادرة إلى الإقلاع والإنابة، ومكاتبة في الصّفح والاستتابة، وأنه قد قدّم الأعذار، وبدأ قبل الإقدام بالإنذار، وما يقتضيه الحال من هذا ومثله. قال: فإن كان الكتاب جوابا عن كتاب ورد، أجيب بما ينقضه، وبني الأمر فيه على ما يبسط الهيبة، ويدعو إلى النزول على أحكام الطاعة. ويختلف الحال في ذلك باختلاف الأمور الحادثة، والأسباب العارضة، فينبغي للكاتب أن يحتاط فيما يطلق به قلمه من هذه المعاني الخطيرة؛ لأنها مزاحمة بالدّول والملك، وحجج تحصل من كل دولة عند الآخرين، ودرك ما يقع فيها عائد عليه، ومنسوب إليه. وهذه نسخة كتاب كتب به عن الحافظ لدين «1» الله الخليفة الفاطميّ بالديار المصرية، إلى بهرام» النّصرانيّ الأرمنيّ الذي كان استوزره، ثم خرج عليه رضوان «3» بن ولخشي، ارتغاما للدين، لتحكّم نصرانيّ في أهل الملة، وولي

الوزارة مكانه، ففرّ هاربا إلى الشام ناقضا للعهد، وكتب إلى الحافظ يطلب أهله وجماعته من الأرمن الذين كانوا معه في جملة جند الديار المصرية، مظهرا للطاعة والرغبة إلى التّخلّي عن الدنيا، والانقطاع في بعض الدّيرة للتّعبّد مكرا وخديعة، فكتب له بذلك جوابا عن كتابه الوارد منه. ونصّ ما كتب إليه: عرض بحضرة أمير المؤمنين الكتاب الوارد منك أيها الأمير، المقدّم، المؤيد، المنصور، عزّ الخلافة وشمسها، تاج المملكة ونظامها، فخر الأمراء، شيخ الدّولة وعمادها، ذو المجدين، مصطفى أمير المؤمنين. ووقف على جميعه، واستولى بحكمه على مضمونه. فأما ما وسّعت القول فيه وبسطته، وتفسّحت فيما أوردته منه وذكرته، ممّا فحواه ومحصوله ما أنت عليه من الطاعة، والولاء والمشايعة، والاعتراف بنعم الدولة عليك، والإقرار بإحسانها إليك، فلعمر أمير المؤمنين إن هذا الذي يليق بك ويحسن منك، ويحسن أن يرد عنك، ويجب أن يعرف لك، وقد كانت الدولة أسلفتك من حسن الظّنّ قديما، ونقلتك في درجة التّنويه حديثا، حتّى رفعتك إلى أعلى المراتب، وبلّغتك ما لم تسم إليه همّة طالب، وأوطأت الرّجال عقبك، وجعلت جميع أهل الدولة تبعك؛ ممّا أغنى اعترافك به عن الإطالة بشرحه، والإطناب في ذكره. وأما ما ذكرته مما كان أمير المؤمنين أعطاك التّوثقة عليه، فأجابك منه إلى ما رغبت فيه، فاستقرّ بينه وبينك في معناه ما اطمأننت إليه، فلم يزل أمير المؤمنين على الوفاء باطنا وظاهرا، ونية وعلانية، واعتقاده أن لا يرجع عنه، ولا يغيّر ما أحكمه منه، وإنما حال بينه وبين هذا المراد أن كافّة المسلمين في البعد والقرب

غضبوا لملّتهم، وامتعضوا مما لم تجربه عادة في شريعتهم، ونفرت نفوسهم مما يعتقدون أن الصّبر عليه قادح في دينهم، ومضاعف لآلامهم، وأنه ذنب لا يغفر، ووزر لا يتجاوز ولا يصفح [عنه] حتّى إن أهل المشرق أخذوا في ذلك وأعطوا، وعزموا على ما اتفقوا عليه ممّا صرفه الله وكفى مؤونته والاشتغال به. وأما ما التمسته من تسيير من بالباب من طائفتك إليك، فهذا أمر لا يسوغ ولا يمكن فعله، ولو جاز أن يؤمر به لمنع المسلمون منه فلم يفسحوا فيه. والآن فلن يخلو حالك من أحد قسمين، إما أن تكون متعلّقا بأمور الدنيا وغير منفصل عنها، فأمير المؤمنين يخيّرك في ولاية أحد ثلاثة مواضع، إما قوص، أو إخميم، أو أسيوط، فأيّها اخترت ولّاك إيّاه، وردّ أمره والنظر فيه إليك، على أن تقتصر من الذين معك على خمسين أو ستين فارسا، وتسيّر الباقين إلى الباب ليجروا على عاداتهم، ورسومهم في واجباتهم وإقطاعاتهم، إذ كانوا عبيد الدولة ومتقلبين في فضلها، وأكثرهم متولّدون في ظلّها. وإما أن تكون على القضية التي ما زلت تذكر رغبتك فيها وإيثارك لها، من التّخلّي عن الدنيا ولزوم أحد الدّيرة، والانقطاع إلى العبادة، فإن كنت مقيما على ذلك فتخيّر ضيعة من أي الضّياع شئت يكون فيها دير تقيم فيه وتنقطع إليه، فتعيّن الضيعة ليجعلها أمير المؤمنين تسويغا لك مؤبّدا، وإقطاعا دائما مخلّدا، وتجري مجرى الملك، ويكتب لك بذلك ما جرت العادة بمثله، مما تطمئن إليه وتستحكم ثقتك به. وإن أبيت القسمين المذكورين ولم يرضك الأوّل منهما، ولا رغبت في الثاني، فتحقّق أن المسلمين بأجمعهم، وكافّتهم وأسرهم، وكلّ من يقول بالشهادتين، من قاص ودان، وقريب وبعيد، وكبير وصغير، ينفرون إليك، ويتّفقون على القصد لك، ولا يختلفون في التوجّه نحوك، وهو عمل دينيّ، لا يريّثه أمر دنيويّ، فتأمّل ما تضمنته هذه الإجابة من الأقسام، وطالع بما عندك في ذلك. قلت: وهذا الصّنف من المكاتبات السلطانية لا وجود له في زماننا لعدم وقوع الهدن المترتب عليها هذا الصّنف من المكاتبات، فإن احتيج إلى ذلك مشّاه الكاتب على القاعدة القديمة المتقدّمة.

الصنف السادس (من الكتب السلطانية، الكتب إلى من خلع الطاعة)

الصنف السادس (من الكتب السلطانية، الكتب إلى من خلع الطاعة) قال في «موادّ البيان» : وهذه الكتب تختلف رسومها بحسب اختلاف أقدار المكاتبين وأحوالهم في الخروج عن الطاعة. قال: وجمع أوضاعها كلّها في قانون كلّيّ عسير المرام، إلّا أننا نرسم فيها رسوما يمكن الزيادة فيها والنقص منها. ثم قال: والعادة أن تنفذ هذه الكتب إلى من ترجى إنابته، وتؤمل مراجعته. فأما من وقع الإياس من استصلاحه، ودعت الضرورة إلى كفاحه، فلا حاجة إلى معاتبته، ولا وجه لمكاتبته. قال: والرسم فيها أن تفتتح بالتحميد المناسب لمعنى الكتاب، والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، بما يدعو إلى إيناسه، ويزيل أسباب استيحاشه، ويعود بثبات جاشه، ويبعثه على مراجعة فكره، ومعاودة النّظر في أمره، ويذكّره ما أسدي من العوارف إليه، وأفيض من النّعم عليه، وأنه لا ينفّر سربها بجحدها وكفرها، ويوحش ربعها بإهمال حمدها وشكرها، ويربطها بحسن الطاعة ويسترهنها بالتأدّب في التّباعة، ولا يجرّ الوبال إلى نفسه بالخروج عن العصمة، في عاجل ذميم الوصمة وفي آجل أليم النّقمة، ويبصّره بعاقبته ومن يليه من ذوي الجند بما يقتضي ربّ الإنعام لديهم، وإقرار الفضل عليهم، وأن يسلبهم ملبس الظّل الظليل، وأن يعطّلهم من حلي الرّأي الجميل، ويتدرّع في أثناء ذلك بشعار النّفاق، ويتّسم بميسم الشّقاق، ويتعجّل إزعاجه من داره، وبعده من قراره، وهدم ما شيّده الإخلاص من ذكره، وتقويض ما رفعته الطاعة من قدره، ويعود بعد أن كان مجاهدا عن الحوزة مجاهدا بمحتدّها، وبعد أن كان مراميا عن السّدّة مرميّا بيدّها، ويضيع ما أسدي إليه، وأفيض من الإحسان عليه، وما ذهب من اليقين في تدريجه إلى مراقي السيادة، ومن الرغائب في إلحاقه بأهل السعادة، ولا يغترّ بمن يزيّن له عاجل الآجل، ويتقرّب إليه بخدع الباطل، ويجعل أقوالهم دبر سمعه، ويبعد أشخاصهم عن نظره، ناظرا في عاقبته، وحارسا مهجته، وراغبا في حقن دمه، وصيانة حرمه، وليرجع إلى الفناء الذي لم يزل يحرزه، والكنف الذي لم يزل

يعزّه، ولا يجعل مسالمه بالعنود منازعا، ومواصله بالجحود مقاطعا، وواهبه بالكفر سالبا، ومطلع النعمة بضياعه حقّها مغربا، وقد بقي في الحبل ممسك، وفي الأمر مستدرك، لأن يهبّ من رقدته، ويستبدل من لقاء أمير المؤمنين بلقاء حضرته. ثم يقول: فإن كان ما جناه قد هدّ سربه، وكدّر شربه، وأحسّ في نفسه سوء الظن، وأخافه بعد الأمن، فليبعث رسوله يستوثق ويعاقد، ويتوكّد ويعاهد، فإذا عاد إليه بما يملأ فؤاده أمنا، ويكون عليه حصنا، سارع إلى امتثال المراسم، وجرى في الطاعة على سننه المتقادم، ولا يستمرّ على المدافعة والمطاولة، ويقتصر على المغايظة والمماطلة. ثم يقال بعد هذا: وقد قدّم أمير المؤمنين كتابه هذا إليك نائبا عنه في استصلاحك، وقائدا يقودك إلى طريق نجاحك، قبل تجريد مواضيه، وإلحاق مستأنفه في الحرب بماضيه، وخيوله تجاذب الأعنّة، وذوابله مشرعة الأسنّة، ولم يبق إلّا قصدك في عقر دارك التي بوّأكها، وانتزاع نعمته التي أعطاكها، لتذوق مرارة المخالفة، وتزنها بحلاوة الموافقة، فكن على نفسك لنفسك حاكما، ولا تكن لها ظالما، ونحو ذلك مما يليق به. وإن كانت المكاتبة إلى رجل قد سبقت له سابقة بخلع الطاعة، ثم سأل الإقالة فأقيل بعد مشارفة الإحاطة به والنّكاية فيه، ثم راجع العصيان، فالرسم أن تفتتح بحمد الله جاعل العاقبة للمتقين، والعدوان على الظالمين، والعزّة لحزبه، والذّلّة لحربه، والإظهار لأهل طاعته، والخسار لأهل معصيته، ودائرة السّوء على الخالعين طاعة خلفائه، القائمين بحجّته. ثم يقال: أمير المؤمنين على ما يراك تتخوّله به من تصديق آماله، وتوفيق أفعاله، وتسديد مراميه، وهداية مساعيه، وإجابة دعوته، وتحقيق رغبته، بإدالة مواليه، وإذالة معاديه، ومعونته على ما ولّاه، وتمكينه ممن ناواه، ويسأله الصلاة على سيدنا محمد نبيه صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. ثم يؤتى بمقدّمة تدل على جميل عاقبة الطاعة، وذميم مغبّة المعصية، يبسط

القول عليها، ويتوسع فيها، لتكون فراشا لما يتلوها. ثم يقال بعدها: وإنما يحمل ذلك أهل الغرارة الذين لم يلوكوا شكائم التّجارب، ولم يمارسوا ضرائم النوائب، وأنت فقد تذوّقت من كراهة المعصية ومرارتها، وعذوبة الطاعة وحلاوتها، ما يرجو أمير المؤمنين أن يكون قد وعظك وأدّبك، وقوّمك وهذّبك، وكشف لك عن عاقبتهما، وعرّفك بغايتهما، فدعتك الطاعة إليها بما أسبغته عليك من لباس شرفها ومجدها، واستخدمته لك من أنصار إقبالها وسعدها، ونهتك المعصية عنها بما بلوته من نوائبها وصنائعها، وجرّبته من مرمض مراميها ومواقعها، لأنها أقلّت عددك، ومزّقت مطرفك ومتلدك، حتّى تداركك من عطف أمير المؤمنين ما أنبتك بعد الحصد، وراشك بعد الحصّ، وانتهى إلى أمير المؤمنين أنك حنيت إلى أتباع الضلالة الذين غرّوك، وملت إلى أشياع الفتنة الذين استهووك، فأصغيت إلى أقوالهم التي ظاهرها نصح وباطنها غشّ، وآرائهم التي مواردها صلاح ومصادرها فساد، وملت إلى معاودة الشّقاق والارتكاس في العصيان، ومقابلة النّعمى بالكفران، فقدّم كتابه إليك مذكّرا، ومنحك خطابه معذرا منذرا، ليعرّفك حظّك، ويهديك رشدك، [ويدلّك] على الأحسن لك في مبدئك وعاقبتك، ويحذّرك من مراجعة ما قارفته، وأن تنزل عن المنزلة التي رقّاك إليها، وتجدب رباعك من النعمة التي أرتعك فيها، وتتخلّى عن مرابع الدّعة التي أوردك عليها، فانظر لنفسك حسنا، وكن إليها محسنا، وانتفع بمراشد أمير المؤمنين، ولا تفسدنّ بخلافك عن أمره نصيبك من الدّنيا والدين، فارجع إليه مسترغما فإنه يقتدي بالله في الرحمة للمحسنين، ما دام مؤثرا لربّ النعمة لديك، وإقرارها عليك. فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى. قال: وإن كانت المكاتبة إلى رعيّة قد خرجت عن الطاعة كتب إليها بما مثاله: أما بعد، وفّقكم الله لطاعته، وعصمكم من معصيته، فإنّ الشيطان يدلي الإنسان بغروره، ويقيم له الضلال في صورة الهدى ببهتانه وزوره، مستخفّا لطائشي الألباب، ومستزلّا للأقدام عن موقف الصواب، محسّنا بكيده

لاعتقاد الأباطيل، مزيّنا بغيّه اتّباع الأضاليل، صارفا بمكره عن سواء السبيل، مصوّرا للحق في صورة المين «1» ، مغطّيا على القلوب بشغاف الرّين «2» ، والحازم اليقظ من تحرّز من أشراكه وحبائله، وتحفّظ من مخايله وغوائله، واتّهم هواجس فكره، واستراب بوساوس صدره، وعرض ما يعرض له على عقله، وكرّر فيه النظر متحرّزا من مكر الشيطان وختله، فإن ألفاه عادلا عن الهوى، مائلا إلى التقوى، بريئا من خدع الشيطان، آمنا من عوادي الافتتان، أمضاه واثقا بسلامة مغبّته وعاقبته، وشمول الأمن في أولاه وأخراه. وانتهى إلى أمير المؤمنين أن الشيطان المريد استخفّ أحلام جماعة من جهّالكم، واستولى على أفهام عدّة من أراذلكم، وحسّن لهم شقّ عصا الإسلام، ومعصية الإمام، ومفارقة الجماعة، والانسلاخ من الطاعة التي فرضها الله تعالى على الجمهور، وجعلها نظام الأمور، فقال جلّ قائلا: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم «3» واختيار الفرقة التي نهى الله عنها. فقال: ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات «4» ومجانبة الألفة التي عدّها في جلائل نعمه، فقال ممتنّا بها على عباده: واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا «5» وسوّل لهم التّعرّي من آداب الدين، والمجاهرة بالخلاف على أمير المؤمنين، فنبذوا ما بأيديهم من بيعته، وسلبوا من ظلّ دعوته، وركبوا من ذلك أوعر المراكب، وسلكوا أخشن المسارب، وسعوا في البلاد بالفساد، وقاموا في وجه الحقّ بالعناد، واستخفّوا بحمل الآثام، وبسطوا أيديهم إلى الدّماء الحرام، وشنّوا

الغارات على أهل الإسلام. وقد علمتم أن من أقدم على تأثير مثل هذه الآثار، فقد استنزل في هذه الدار سخط الجبّار، وتبوّأ في الآخرة مقعده من النار، وجرى على غير الواجب في إقامة الفروض والصّلوات، وتأدية العبادات والزّكوات، وعقد العقود والمناكحات؛ لأن هذه الأحوال إنّما ترضى وترفع، وتجاب وتسمع، إذا تولّاها أمير المؤمنين، أو من يستخلفه من صلحاء المسلمين، فأما إذا استبددتم فيها بأنفسكم، واقتديتم في تأديتها بناكب عن سبيله، مجانب لدليله، فقد تسكّعتم في الضلالة، وتطابقتم على الجهالة، وكلّ راض منكم بذلك، عاص لله ورسوله وللإمام. ولما اطّلع أمير المؤمنين على ما ذهبتم إليه بسوء الاختيار، وركبتموه من مراكب الاغترار، لم ير أن يلغيكم ويهجركم، ويغفلكم ولا يبصّركم، فقدّم مكاتبتكم معذرا منذرا، ومخوّفا محذّرا، وبدأكم بوعظه مشفقا عليكم من زلّة القدم، وموقف النّدم، وجاذبا لكم عن مضالّ الغواية، إلى مراشد الهداية، وافتتحكم باللّفظ الأحسن، والقول الألين، وهداكم إلى السبيل الأوضح، والمتجر الأربح، واختار أن يهديكم الله تعالى إلى طريق الرشاد، ويدلّكم على مقاصد السّداد، ويعيدكم إلى الأولى، ويبعثكم على الطريقة المثلى، وأن تعرفوا الحقّ فتعتصموا في أيديكم من بيعته، وتقوموا بما فرض عليكم من طاعته، وترجعوا إلى إجماع المسلمين، وما اتفقت عليه كلمة إخوانكم في الدّين، وتتّبعوا مذاهب أهل السلامة، وأولي الاستقامة، فإن وقع ما ألقاه إليكم الموقع الذي قدّره فيكم، وسألتم الإقالة، فالتّوبة تنفعكم، والعفو يسعكم، وإن تماديتم في غيّكم وباطلكم، وغروركم وجهلكم، تقدّمت إليكم جيوش أمير المؤمنين مقوّمة، ومن عصاتكم منتقمة، وذلك مقام لا يتميز فيه البريء من السقيم، ولا الجاهل من العليم، ألا تسمعون الله تعالى يقول: واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة «1» ؟ وأيّ فتنة أشدّ من طاعة الشيطان، ومعصية السلطان، وشقّ العصا،

وإراقة الدّما، وإثارة الدهما؟ فاتّقوا الله وارجعوا، وتأملوا وراجعوا، وتبصّروا واستبصروا، وقد أوضح لكم أمير المؤمنين المحجّة، وبدأكم بالحجّة، فأوجدوه السبيل إلى ما ينويه لكم ولكافة أهل الإسلام، من حقن الدماء، وصيانة الحريم، وتحصين الأموال، وشمول الأمن والأمان، وأجيبوا عن كتابه هذا بما يوفّقكم الله تعالى [إليه] ، من إجابة دعائه والعمل برأيه، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة ما كتب به عبد الحميد إلى بعض من خرج عن الطاعة، وهو: أما بعد: بلغني كتابك تذكر أنك تحمل المرد على الجرد، فسترد عليك جنود الله المقرّبون، وأولياؤه الغالبون، ويرد عليك مع ذلك حزبه المنصور من الكهول، على الفحول، كأنّها الوعول، تخوض الوحول، طوال السّبال، تختضب بالجربال، رجال هم الرجال، بين رامح وناشب، ليس معهم إلّا كلب محارب، ولا ينكلون عن الأصحاب، قد ضروا بضرب الهام، واعتادوا الكرّ والإقدام، ليسوا بذوي هينة ولا إحجام، يقضون بالسيوف، ويخالطون الزّحوف، في أعنّتهم الحتوف، يزأرون زئير الأسود، ويثبون وثوب الفهود، ليس فيهم إلا شاك محتبك، في الحرب مجرّب، قد شرب على ناجذ الحرب وأكل، ذو شقشقة «1» وكلكل «2» ، كأنّما أشرب وجهه نقيع الحنّاء، قد رئم الحرب ورضعها، وغذّته وألفها، فهي أمّه وهو ابنها، يسكن إليها ويأنس بقربها، فهو بطلبها أرب، وعلى أهلها حرب، لا يروعه ما يروع، ولا يزيغه ما يزيغ الغمر الجبان، حين

يشتدّ الوغى، وتخطر القنا، وتقلّص الشّفاه، وتسفر الكماه، فعند ذلك تسلمك المرد، وتكشف عن الجرد. فتأهب لذلك اّهبتك، واخطب له خطبتك، من المساكين والحوكة «1» ، ثم كيدوني جميعا فلا تنظرون؛ فما أسرنا إكثارك الجموع، وحشدك الخيول، فإنك لا تكثّف جمعا، ولا تسرّب خيلا، إلّا وثقنا بأن سيمدّنا الله من ملائكته، ويزيدنا من نصره، بما قد جرت به سنّته، وسلفت به عادته، ونحن نجري من ذلك على نقمات من الله ونكال وسطوات مهلكة، فرأيتم ذلك في المنازل، وعرفتموه في المواطن التي يجمعها الحقّ والباطل، فأبشر منا بما ساءك ضجرا، ومشّاك تقاد كما يقاد الجمل المخشوش. ومن أحسن الكتب المكتتبة في هذا الباب ما كتب به قوام الدّين (يحيى بن زيادة) وزير أمير المؤمنين الناصر لدين «2» الله الخليفة ببغداد إلى (طغرل) مقطع البصرة بأمر الخليفة له في ذلك، وقد بلغه أنه نزح عنها، قاصدا بعض الأطراف، مفارقا لطاعة الخليفة، عندما طلب من ديوانه شيء من المال، فأوجب ذلك انثناءه عن عزمه وتوجّهه إلى بغداد داخلا تحت الطاعة، ومقابلته بالصّفح وتلقّيه بالقبول. وهذه نسخته: أصدرت هذه الخدمة إلى الجناب الكريم، الأميريّ، الاسفهسلاريّ،

الأجليّ، الكبيريّ، السّيّديّ، العماديّ، الرّكنيّ، الظّهيريّ، المحترميّ، العزّيّ، الجماليّ، أمير الجيوش، أطال الله بقاءه، وأدام علوّه ونعمته، وأنا أوقع الأقوال المتواترة، والأموال المتناصرة، مستغربا لها، متعجّبا منها، كأني أسمعها في المنام، وتخاطبني بها أضغاث أحلام، فلولا أن الأيام صحائف العجائب، ولا يأنس بمتجدّداتها إلّا من حنّكته التّجارب، لم أصدّق هذه الحركة المباركة التي وقعت منه بسعادته، فإنّي ما أراها إلّا عثرة من جواد، وعورة على كماله، وإلّا فمن أين يدخل الزّلل على ذلك الرّأي السديد، والعقل الراجح، والفكر الصائب؟ الذي يعلّم الآراء كيف تنير، ويعرّف النجوم كيف تسير، ويهدي غيره في المشكلات إلى صواب التدبير. والفائت لا كلام فيه، غير أن العقل يقضي باستدراك الممكن وتلافيه، بالانحراف عن الهوى إلى الرّأي الصادق، والرّجوع عن تأويل النفس إلى مراجعة الفكر الناضج، فالعود إلى الحق أولى من التّمادي على الباطل، وأحبّ أن تسمع ما أقول بأذن واعية وقلب حاضر، وحوشي أن تستدفعه الكواذب عن تدبّر الحقائق، وعرفان النصائح، فإنّ من القول ما هانه لا يحتاج إلى شاهد من غيره. قبل كلّ شيء، ما الّذي أحوج إلى هذه الحال القبيحة السّمعة، وركوب الخطر في هذه الحركة، واحتمال هذه المشاقّ، والانزعاج من غير أن تدعو إليه حاجة؟ هل هو إلّا شيء جرت العادة بمثله، وبمطالبة ديوانه بما كان يندفع الأمر ببعضه كما جرت عادة الدواوين، وخدم السلاطين؟ ثم إنّه عمد- أدام الله نعمته- بأوّل خاطره، وباديء رأيه في هذه العجلة، من غير تثبت ولا رويّة. لم لا راجع فكره الكريم، ويقول لنفسه: إلى أين أمضي؟ ولمن أخدم؟ وعلى أيّ باب أقف؟ وتحت أيّ لواء أسير؟ وبأيّ غبار أكتحل؟ وفضل من أطلب؟ وعلى حكم من أنزل؟ بعد أن ربّيت في عرصة الخلافة، ودار النبوّة، وحضن المملكة، أنشأني نعيمها صغيرا، وقدّمني كبيرا، وكنت مأمورا فجعلني أميرا، وطار صيتي في الدنيا ولم أكن شيئا مذكورا، فأنا خير من ملك أقصده، وأمثل من كلّ من أرجوه وأستنجده، أفأنزل من السّماء إلى الحضيض، وأهدم ما بنى الإنعام عندي في الزمن الطويل العريض؟! هذا هو المكروه الأعظم، الذي تعوّذ منه رسول الله صلّى الله عليه

وسلّم، حين قال: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الحور بعد الكور» ومن يكون حضين خلافة كيف يرضى أن يكون تابع إمارة؟ ولو لم يكن ما هجم عليه إلّا هذا لكفى. ثم لم لا يلتفت في هذه الحال التي هو عليها، التي صحبته بوفائها، ويسمع خطابها بلسان حالها ثمّ؟ تقول له: يا عماد الدين، أما هذه خيام الإنعام عليك؟ أما هذه الخيل المسوّمة تحتك؟ أما هذه ملابسه الفاخرة مفاضة عليك؟ أما هذه مماليكه حافّة بك؟ أليس الاصطناع رفع قدرك إلى المنزلة التي ثقل عليك بعض الانحطاط عنها، ووهب لك الهمة التي أبيت الضّيم بها؟ فحوشيت أن تكون ممّن تواترت عليه النعم فملّها، وتكاثرت عليه فضعف عن حملها، فياليت شعري! ماذا يكون جوابها؟ والله إنني أقول له بسعادته ولا أعقّب، ولو أنه قد تحقّق- والعياذ بالله- وقوع كلّ محذور، وحلول كلّ مكروه، لم يكن في هذه الحركة معذورا، فكيف بظنّ مرجّم، وقول مسوّف متوهّم، ورأي فطير غير مختمر. ولقد كان استسلامه لمالك الرّقّ- صلوات الله عليه وسلامه- أحسن في الدنيا وأحمد في العقبى، واقعا ذلك من أحواله حيث وقع. والآن فالوقت ضاق في إصدار هذه المكاتبة، عن استقصاء العتاب والمحاققة، وإيراد كلّ ما تلزم به الحجّة، لكنّي أقول على سبيل الجملة: إنني أخاف على سديد ذلك الرّأي إجابة داعي الهوى، فإنّ اللّجاج من أوسع مداخل الشّيطان على الإنسان، وحوشي كماله من هذا القسم. والثاني استشعاره بسعادته من بادرته، واستيحاشه من عجلته، وهذا أيضا من أدقّ مكايد النّفس الأمّارة بالسّوء، فإنها تؤمّن من المخوف، وتخوّف من المأمون، وتسحر العقل بالتحيّر والشّك، فلا تصحّ له عزيمة، ولا تصفو له فكرة، وهذا النّوع إذا عرض في الصّدر يجب دفعه بالنّظر إلى الحقّ وشجاعة القلب، والإخلاد إلى مناظرة النّفس، فإنّ الإنسان ليس بمعصوم، والزّلل في الرّأي ليس من أوصاف الجماد، بل من الأوصاف اللازمة للبشريّة، وليس الكمال لأحد إلا للواحد الصّمد. فإذا عرض له بسعادته هذا الاستشعار، فيدفعه عن نفسه، فليس سلطان الوسواس الخنّاس، إلّا في صدور النّاس، فلهذا لا ينبغي لمذنب أن

يقنط، ولا لمسيء أن يستوحش، لا سيّما إذا أتبع الذّنب بالاستقالة والاستغفار، والاعتذار والإقلاع، وعلى الخصوص إذا كانت الخيانة عند من لا يتعاظمه عفوها، ولا يضيق حلمه عنها، فإن كلّ كبيرة توجب المخافة، تغرق في بحر عفو الخلافة، فيجب أن يقرّر بسعادته ذلك في نفسه، ويخرج سوء الظّنّ والاستشعار من خياله، فإن مثله من خلصان المماليك لا يسمح به، ولا يشغب عليه عند هفوة بادرة. والثالث الانقباض والحياء. فإنه ربّما يقول في نفسه: بأيّ وجه ألقى مولاي؟ وبأيّ عين أبصر مواطن الدّار العزيزة؟ ربّاني وأنشاني!. وهذا أيضا لا يصلح خطوره بباله في هذا المقام، فإنّه من ضعف النّحيزة، والميل مع خوادع الطّبع، عن نصائح العقل والشّرع، فإن الحياء إتباع زلّة القدم بالنّدم والاعتذار، لا «1» التّهوّك في اللّجاج والإصرار. فقد قال بعض الملوك لخصيص من خواصّه، عصاه في شيء من أمره: «بأيّ عين تلقاني وقد عصيت أمري؟» فقال: «بالعين التي ألقى بها ربّي في الصّلوات الخمس، وهو سبحانه يراني على فواضح المعاصي» . وقد أثنى الله سبحانه على من أذنب ثم تاب، وشرد عن طاعته ثم أناب. وبحمد الله تعالى ما جرى ما يقتضي فرط الاستشعار. هل هو إلا عبد خاف بادرة مولاه، فتنحّى من مكانه إلى أن يعطف عليه برحمته؟ وليس هذا ببديع، ولا من الصّفح ببعيد. على أنه بسعادته لو أنصف من نفسه لما استشعر. فكم أخرجت الخزائن الشريفة عليه من الأموال حتّى نبت عرقه، وأورق غصنه، وكبر شأنه، وجميع ضمان البصرة عشر معشار ذلك. والرابع إصغاؤه- والعياذ بالله- إلى قول من لا ينصحه، ويغويه ولا يرشده، ويتقرّب إليه بمتابعة هواه. وهذا ما لا يخفى عن لمحة النّاقث، ولا يحتاج الإعراض عنه إلى باعث، فقديما قيل: «صديقك من نهاك، وعدوّك من أغراك»

والله تعالى يوفّقه لتحقيقه النّظر في هذه الأقسام الأربعة، التي أحذرها عليه، وأحذّره منها، وييسّره لليسرى. وبعد ذلك فأنا أنصفه من نفسي، وأقول الحقّ: إن نفسا ربّاها خليفة الله في أرضه- صلوات الله عليه وسلامه- بإنعامه، وأعلى همّتها باختصاصه، وشرّفها بنسب عبوديّته، لا تحتمل الهوان، ولا تقرّ على الابتذال، فغالب ظنّي أنّ نفوره بسعادته إنما هو من ديوان الزّمام المعمور. والآن فأنا وهو بسعادته عبدان، ولكنّي أنفرد عنه بالسّنّ والتّجريب، وطريقتي هو بسعادته يعرفها، وإنّني لا أدّخر عن أحد نصحا. فالصواب أن يقبل قولي، ويتحقق صحّة مقصدي في نصيحته ومقصده، فإني أوجب ذلك له على نفسي، وأراه من واجبات خدم مالك الرّق- صلوات الله عليه وسلامه- أيضا. وقد علم الله تعالى أني قد أوضحت من عذره، وأحسنت المناب عنه بسعادته، ما لو حضره وتولّاه بنفسه لما زاد عليه، ورأيت الإنعام يستغني عن كلّ شرط ولا يحتاج إليه، وتقرّرت قاعدته بسعادته أن لا يكون له مع ديوان الزّمام المعمور حديث، ولا مع غيره ممّن لا يعرف حقّه، ولا من الاحترام واجبه، فإن أمر أن أتولّى وساطته فأنا أعتمد ذلك في مراضيه، وتمشية أمره أكثر ممّا في نفسه. وإن اختار بسعادته أن يكون غيري وسيطه وسفيره، فيعين من يختاره، ليكون حديثه معه. وقد أسلفت من وظائف إحسان المناب أنني تنجّزت له بسعادته أمانا متوّجا بالقلم الأشرف المقدّس، على نفسه الكريمة وماله وأولاده- والأمان المذكور طيّ كتابي هذا- مقرونا بخاتم أمان ثان، فيجب أن يكون هو بسعادته جواب ذلك. إذ لا يجوز أن يكون الجواب إلّا هو بنفسه الكريمة، فلا يشعر به أحد إلّا وهو مقابل التّاج الشريف، ملقيا نفسه بين يدي مالكها الذي هو أرحم لها، وألطف بها، وأشفق عليها منها، تاليا ما حكاه القرآن المجيد عن يونس عليه السّلام، إذ نادى وهو مكظوم: سبحانك إني كنت من الظالمين «1» فإنّه يرى-

الصنف السابع (الكتب في الفتوحات والظفر بأعداء الدولة وأعداء الملة، واسترجاع المعاقل والحصون، والاستيلاء على المدن)

بمشيئة الله تعالى وتوفيقه- كلّ ما يحبّ، ويأمن كلّ ما يحذر. وأنا أستسرع وصوله عن استعراض مهمّاته، ولرأيه كرمه، إن شاء الله تعالى. قلت: فإن اتفقت المكاتبة في معنى ذلك في زماننا، راعى الكاتب فيه صورة الحال، وجرى في ذلك على ما يلائم حاله، ويناسب ما هو فيه، مع النظر في كلام من سبقه إلى شيء من ذلك، والنّسج على منوال المجيد، والاقتداء بالمحسن في إيراده وإصداره. الصّنف السابع (الكتب في الفتوحات والظّفر بأعداء الدّولة وأعداء الملة، واسترجاع المعاقل والحصون، والاستيلاء على المدن) وأصلها من فتح الأقفال ودخول الأبواب، كأنّ المدينة أو الحصن كان مقفلا ممتنعا بالأغلاق على قاصده حتّى يفتح له فيدخل. قال في «موادّ البيان» : وهو من أعظم المكاتبات خطرا، وأجلّها قدرا، لاشتمال أغراضها على إنجاز وعد الله تعالى الذي وعد به أهل الطاعة في إظهار دينهم على كل دين، وتوفير حظّهم من التأييد والتّمكين، وما يمرّ فيها من الأساليب المختلفة التي يشتمل هذا القانون عليها. قال: والكاتب يحتاج إلى تصريف فكره فيها، وتهذيب معانيها؛ لأنها تتلى من فوق المنابر على أسماع السامعين، وتجعل نصب عيون المتصفّحين. ثم قال: والرسم فيها أن تفتتح بحمد الله العفوّ الحليم الغفور الرحيم، العليم الحكيم، ذي البرهان المبين والفضل الجسيم، والقوّة المتين والعقاب الأليم، مبيد الظالمين، ومبير القاسطين، ومؤيّد العادلين، وجاعل العاقبة للمتّقين، المملي إمهالا وإنذارا، والمعاقب تنبيها وإذكارا، الذي لا ينجي منه مهرب، ولا يبعد عليه مطلب، وكيف يعتصم منه وهو أقرب من حبل الوريد، وله على كلّ لافظ رقيب وعتيد؟. والصلاة على رسوله الأمين، الذي ختم به النّبيّين،

وفضّله على المرسلين، وأيده بأوليائه التّائبين، الذين قاموا في نصرته، وإعزاز رايته، المقام الذي فازوا فيه بالخصل، فاستولوا به على قصبات الفضل، فشركهم معه في الوصف والثناء، فقال جلّ قائلا: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم «1» ثم يؤتى بمقدّمة تشتمل على التّحدّث بنعمة الله في شحذ العزائم لنصرته، وتثبيت الأقدام في لقاء عدوّه ومجاهدته، وإنجازه وعده في الإعزاز والإظهار، والظّفر والإظفار، والاستبشار بموقع النّعمة في الفتح الجليل، والإشادة بإبقاء هذا الأثر الجميل. ثم يفيض بما جرت العادة به في مقاربة العدوّ ومداناته، وبثّ الطّلائع لتنفيذ السّرايا في مبادي ملاقاته، وما أفضى إليه الأمر في التّقابل والمواثبة، والتّواشج في المطاعنة والمضاربة، وذكر مواقف الشّجعان في الكفاح والمجاهدة، والذّبّ والمجالدة، وثبوت الأقدام، والجود بالنّفوس، واشتداد الأيدي، وقوّة الشّكائم، واستصحاب العزائم، وتفخيم أمر العدوّ، بوصفه بكثرة الرّجال والأجناد، والقوّة والاستعداد؛ لأنّ توقّع الظّفر بمن هذه صفته أعظم خطرا، وأوقع في النفوس أثرا. ثم يذكر ما جال بين الفريقين من قراع ومصاع، ومضاربة ودفاع، ومصاولة ومناضلة، ومناهدة ومكافحة، وحماية ومنافحة، وثبات ومصاففة، ومقاومة ومواقفة، ومخادعة ومطامعة، وينعت المواكب والكتائب، والخيول والأسلحة، والجرحى والمجدّلين، والأسرى والمقتّلين. واستعمال التشبيهات الفائقة، والاستعارات الرّائقة، وإرداف المعاني في الإبانة عن لمعان أسنّة الذّوابل، وبريق صفحات المناصل، وإعمال المقاصل في القمم، وظهور نجوم السّيوف من ليل الحرب في دياجي الظّلم، وينعت الدماء المنبعثة من الجراح، على متون الرّماح والصّفاح.

ويذكر ما أظهره الله تعالى من تكامل النّصر ودلائل الظّفر، وما انجلت عنه الحرب من قتل من قتل وأسر من أسر، وهزيمة من هزم، وما فاز به الرجال من الأسلاب والأموال، والدّوابّ والرّجال، وما جرت عليه الحال من انفلال العدوّ عند المقاتلة، أو أسر العدوّ إن أسر، أو اعتصامه بمعقل لا يحصّنه، أو امتناعه بحيث يحتاج إلى منازلته باستنزاله قسرا، أو حيازة المعقل الذي كان بيده، وما اعتمد فيه من حسن السّيرة، وتخفيف الوطأة عن الرّعيّة وحسم أسباب الفتنة، أو رغبته في المسالمة، وسؤاله في المهادنة؛ لخوف أظلّه، وهلع احتلّه، وما تردّد من رسائل، وتقرّر من شروط وعقود، وإنفاذ الأمر في ذلك كما أوجبه الحزم، واقتضاه صواب الرأي. وإن كان السّلم قد وقع، والتّنازع قد ارتفع، ذكر اتّفاق الحزبين «1» ، واتّحاد الكلمة، وشمول النعمة. وإن كان لم يجبه إلى المهادنة، حذرا من المكر والمخادعة، ذكر ما مرّ في ذلك من رأي وتدبير، وتسديد وتقرير. وإن كان طلب المهادنة ليجد فسحة المهل فيكثّر عدده، ويجم عدده، وتتمّ حيلته، فاطّلع منه على ذلك، فبادره مفلّلا لكيده ومكره، مذيقا له وبال أمره، شرح الحال على نصّها وما انتهى إليه آخرها. قال: وقد يقع من هذه الأمور ما لا يحتسب، وسبيل جميعه هذا السبيل. ثم قال: ويختم الكتاب بحمد الله القاضي لأوليائه بالإدالة، ولأعدائه بالإذالة، الذي يستدرج بحلمه إمهالا، ولا يلقى العادل عن حكمه إهمالا، والصلاة على رسوله صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله. وقد تقدّم في الكلام على مقدّمة المكاتبات في أوائل المقالة الرابعة من الكتاب، أن هذه الكتب مما يجب بسطها والإطناب فيها، وأن ما وقع في كتاب

المهلّب «1» بن أبي صفرة، من كتابه إلى الحجّاج في فتح الأزارقة من الخوارج، على عظم الفتح وبعد صيته، على سبيل الإيجاز والاختصار، حيث قال فيه: أما بعد، فالحمد لله الذي لا تنقطع موادّ نعمه عن خلقه حتّى تنقطع منهم موادّ الشّكر. وإنا وعدوّنا كنّا على حال يسرّنا منهم أكثر ممّا يسوءنا، ويسوءهم منّا أكثر مما يسرّهم، ولم يزل الله جل ثناؤه يزيدنا وينقصهم، ويعزّنا ويذلّهم، ويؤيّدنا ويخذلهم، ويمحّصنا ويمحقهم، حتّى بلغ الكتاب أجله. فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين «2» فإنّما سلك فيه سبيل الإيجاز، لكونه من التابع إلى المتبوع، إذ الحجّاج كان هو القائم بأمر العراق وما والاه لعبد الملك بن مروان، على شدّة سطوته، وما كان عليه من قوّة الشّكيمة وشدّة البأس، مع كون الأدب في مكاتبة المرؤوس الرئيس الإتيان بقليل اللفظ الدال على المقصد، حتّى لا يكون فيه شغل للرئيس بطول الكلام وبسط القول، على ما تقدّم بيانه في موضعه. واعلم أن الكتابة في فتوحات بلاد الكفر ومعاقلهم والاستيلاء على بلاد البغاة تكاد أن تكون في الكتابة «3» على نسق واحد، إلّا أنّ مجال الكاتب في فتوحات بلاد الكفر أوسع، من حيث عزّة الإسلام على الكفر، وظهور دينه على سائر الأديان.

وهذه نسخة «1» كتاب بفتح فتحه الخليفة وعاد منه، وهي: الحمد لله مديل الحقّ ومنيره، ومذلّ الباطل ومبيره، مؤيّد الإسلام بباهر الإعجاز، ومتمّم «2» وعده في الإظهار بوشيك الإنجاز، وأخمد «3» كلّ دين وأعلاه، ورفض كلّ شرع واجتباه، وجعله نوره اللامع، وظلّه الماتع، وابتعث به السراج المنير، والبشير النّذير، فأوضح مناهجه، وبيّن مدارجه، وأنار أعلامه، وفصّل أحكامه، وسنّ حلاله وحرامه، وبيّن خاصّه وعامّه، ودعا إلى الله بإذنه، وحضّ على التّمسّك بعصم دينه، وشمّر في نصره مجاهدا من ندّ عن سبيله، وعند عن دليله، حتّى قصّد الأنصاب «4» والأصنام، وأبطل الميسر والأزلام «5» ، وكشف غيابات الإظلام، وانتعلت خيل الله بقبائل «6» الهام. يحمده أمير المؤمنين أن [جعله من ولاة أمره، ووفّقه لاتّباع سنّة رسوله واقتفاء أثره، وأعانه على تمكين الدين، وتوهين المشركين، وشفاء صدور المؤمنين و] «7» أنهضه بالمراماة عن الملّة، والمحاماة عن الحوزة، وإعزاز أهل الإيمان، وإذلال حزب الكفران. ويسأله الصلاة على خيرته المجتبى، وصفوته المنتصى، محمد أفضل من ذبّ وكافح، وجاهد ونافح، وحمى الذّمار «8» وغزا الكفّار، صلّى الله عليه وعلى أخيه وابن عمه أمير «9» المؤمنين عليّ بن أبي طالب

سيفه القاطع، ومجنّه المدافع «1» ، وسهمه الصّارد، وناصره المعاضد «2» ، فارس الوقائع، ومفرّق «3» الجمائع، مبيد الأقران، ومبدّد الشّجعان، وعلى الطّهرة من عترته أئمة الأزمان، وخالصة الله من الإنس والجان. وإنّ أولى النّعم بأن يرفل في لباسها، ويتوصّل بالشّكر إلى إيناسها «4» ، ويتهادى طيب خبرها، ويتفاوض بحسن أثرها، نعمة الله تعالى في التوفيق لمجاهدة أهل الإلحاد والشّرك، وغزو أولي الباطل والإفك، والهجوم عليهم في عقر دارهم، واجتثات أصلهم والجدّ «5» في دمارهم، واستنزالهم من معاقلهم، وتشريدهم عن منازلهم، وتغميض نواظرهم الشّوس «6» [وإلباسهم لباس البوس] «7» لما في ذلك من ظهور التوحيد وعزّه، وخمود الإلحاد وعرّه، وعلوّ ملة المسلمين، وانخفاض دولة المشركين، ووضوح [محجّة] «8» الحقّ وحجّته، وصدوع «9» برهانه وآيته. وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك، وقد انكفأ عن ديار الفلانيّين المشركين «10» إلى دست خلافته، ومقرّ إمامته، بعد أن غزاهم برّا وبحرا، وشرّدهم سهلا ووعرا، وجرّعهم من عواقب كفرهم مرّا، وفرّق جمائعهم التي تطبّق سهوب الفضاء [خيلا ورجلا، وتضيق بها المهامه حزنا وسهلا، ومزّق كتائبهم التي تلحق الوهاد

بالنّجاد، وتختطف الأبصار ببوارق الأغماد] «1» وتجعل رعود سنابكها في السماء «2» ، وسبى الذّراريّ والأطفال، وأسر البطاريق والأقيال، وافتتح المعاقل والأعمال، وحاز الأسلاب والأموال، واستولى من الحصون على حصن كذا وحصن كذا، ومحا منها رسوم الشّرك وعفّاها، وأثبت سنن التوحيد بها وأمضاها، وغنم أولياء أمير المؤمنين ومتطوّعة المسلمين [من الغنائم] «3» ما أقرّ العيون، وحقّق الظّنون، وانفصلوا وقد زادت بصائرهم نفاذا في الدّين، وسرائرهم إخلاصا في طاعة أمير المؤمنين، بما أولاهم الله من النّصر والإظفار، والإعزاز والإظهار، ووضح للمشركين بما أنزل «4» الله عليهم من الخذلان، وأنالهم إيّاه من الهوان، أنهم على مضلّة من الغيّ والعمى، ومنحاة «5» من الرّشد والهدى، فضرعوا إلى أمير المؤمنين في السّلم والموادعة، وتحمّلوا بذلا بذلوه [تفاديا] «6» من الكفاح والمقارعة، فأجابهم إلى ذلك متوكّلا على الله تعالى، وامتثالا «7» لقوله إذ يقول: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم «8» وعاقد طاغيتهم على كتاب هدنة كتبه له، وأقره في يده، حجّة بمضمونه. أشعرك أمير المؤمنين ذلك لتأخذ من هذه النّعمة بنصيب مثلك من المخلصين، وتعرف موقع ما تفضّل الله تعالى به على الإسلام والمسلمين، فيحسن «9» ظنّك، وتقرّ عينك، وتشكر الله تعالى شكر المستمدّ من فضله، المعتدّ بطوله، وتتلو كتاب أمير المؤمنين، على كافّة من قبلك من المسلمين؛ ليعلموا ما تولّاهم الله به من نصره وتمكينه، وإذلال عدوّهم وتوهينه، فاعلم ذلك واعمل به، إن شاء الله تعالى.

ثم الفتوح إما فتح لبعض بلاد الكفر، وإما فتح لما استولى عليه البغاة من المسلمين. فأما فتح بلاد الكفّار فكان سبيلهم فيه أن يصدّر الكتاب بحمد الله تعالى على علوّ دين الإسلام ورفعته، وإظهاره على كل دين، ثم على بعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالهداية إلى الدّين القويم، والصّراط المستقيم، ويذكر ما كان من أمره صلّى الله عليه وسلّم من جهاد الكفّار. ثم على إقامة الخلفاء في الأرض حفظا للرّعيّة، وحياطة للبريّة، وصونا للبيضة، ويخصّ خليفة زمانه من ذلك بما فيه تفضيله ورفعة شأنه، ثم يؤخذ في تعظيم شأن العدوّ وتهويل أمره، وكثرة عدده، ووفور مدده، ثم في وصف جيوش المسلمين بالقوّة والاستعداد، والاشتداد في الله تعالى، والقيام في نصرة دينه، ثم تذكر الملحمة وما كان من الوقيعة والتحام القتال، وما انجلت عنه الملحمة من النّصرة على عدوّ الدين وخذلانه، والإمكان منه، وقتل من قتل منهم، وأسر من أسر، وتفريق شملهم، وانتظام كلمة الإسلام، وطماعيتهم بهلاك عدوّهم، وما في معنى ذلك. وهذه نسخة «1» كتاب كتب به إلى الدّيوان العزيز، أيام الناصر لدين الله، عن السلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب، بفتح القدس الشريف، وإنقاذه من يد الكفر، في آخر شعبان سنة ثلاث وثمانين وخمسائة، من إنشاء القاضي «2» الفاضل، وهو: أدام «3» الله أيام الدّيوان العزيز النّبويّ الناصريّ «4» ، ولا زال مظفّر الجدّ بكلّ

جاحد، غنيّ التّوفيق «1» عن رأي كلّ رائد، موقوف المساعي على اقتناء مطلقات المحامد، مستيقظ النّصر والسيف «2» في جفنه راقد، وارد الجود والسّحاب على الأرض غير وارد، متعدّد مساعي الفضل وإن كان لا يلقى إلّا بشكر واحد، ماضي [حكم العدل] «3» بعزم لا يمضي إلّا بنبل غويّ وريش راشد، ولا زالت غيوث فضله [إلى الأولياء] «4» أنواء إلى المرابع «5» وأنوارا إلى المساجد، وبعوث رعبه إلى الأعداء خيلا إلى المراقب وخيالا إلى المراقد. كتب الخادم هذه الخدمة تلو ما صدر عنه ممّا كان يجري مجرى التباشير لصبح هذه الخدمة «6» ، والعنوان لكتاب وصف هذه النعمة، فإنها بحر للأقلام فيه سبح طويل، ولطف تحمّل الشكر «7» فيه عبء ثقيل، وبشرى للخواطر في شرحها مآرب، ويسرى للأسرار في إظهارها مسارب، ولله «8» في إعادة شكره رضا، وللنعمة الرّاهنة به دوام لا يقال معه: هذا مضى. وقد صارت أمور الإسلام إلى أحسن مصايرها، واستتبّت «9» عقائد أهله على أبين «10» بصائرها، وتقلّص ظلّ رجاء الكافر المبسوط، وصدق الله أهل دينه، فلمّا وقع الشرط حصل «11» المشروط، وكان الدّين غريبا فهو الآن في وطنه، والفوز معروضا فقد بذلت الأنفس في ثمنه، وأمر أمر الحقّ وكان مستضعفا، وأهل ربعه وكان قد عيف حين

عفا، وجاء أمر الله وأنوف أهل الشّرك راغمة، فأدلجت «1» السيوف إلى الآجال وهي نائمة، وصدق وعد الله في إظهار دينه على كلّ دين، واستطارت له أنوار أبانت أنّ الصّباح عندها حيان الحين «2» ، واستردّ المسلمون تراثا كان عنهم آبقا، وظفروا يقظة بما لم يصدّقوا أنهم يظفرون به طيفا على النّأي طارقا، واستقرّت على الأعلى أقدامهم، وخفقت على الأقصى أعلامهم، وتلاقت على الصّخرة قبلهم، وشفيت بها وإن كانت صخرة كما تشفى بالماء غللهم. ولما قدم الدّين عليها عرف منها سويداء قلبه، وهنّأ كفؤها الحجر الأسود ببتّ «3» عصمتها من الكافر بحربه. وكان الخادم لا يسعى سعيه إلّا لهذه العظمى، ولا يقاسي تلك البؤسى إلّا رجاء هذه النّعمى، ولا يناجز من يستمطله «4» في حربه، ولا يعاتب بأطراف القنا من يتمادى «5» في عتبه، إلّا لتكون الكلمة مجموعة، والدّعوة «6» إلى سامعها مرفوعة، فتكون كلمة الله هي العليا، وليفوز بجوهر الآخرة لا بالعرض الأدنى من الدّنيا، وكانت الألسنة «7» ربّما سلقته فأنضج قلوبها بالاحتقار، وكانت الخواطر ربّما غلت عليه مراجلها فأطفأها بالاحتمال والاصطبار، ومن طلب خطيرا خاطر ومن رام صفقة رابحة تجاسر «8» ومن سما لأن يجلّي غمرة غامر، وإلّا فإنّ القعود يلين تحت نيوب الأعداء المعاجم فتعضّها «9» ، ويضعف بأيديها مهز القوائم فتقضّها «10» ، هذا إلى كون القعود لا يقضي فرض الله

في الجهاد، ولا يرعى به حقّ «1» الله في العباد، ولا يوفى به واجب التقليد الذي تطوّقه «2» الخادم من أئمّة قضوا بالحقّ وبه كانوا يعدلون، وخلفاء الله «3» كانوا في مثل هذا اليوم لله «4» يسألون، لا جرم أنهم أورثوا سرّهم «5» وسريرهم خلفهم الأطهر، ونجلهم الأكبر، وبقيّتهم الشريفة، وطلعتهم «6» المنيفة، وعنوان «7» صحيفة فضلهم لا عدم سواد العلم وبياض الصحيفة، فما غابوا لمّا حضر، ولا غضّوا لمّا نظر، بل وصلهم الأجر لما كان به موصولا، وشاطروه العمل لما كان عنه منقولا ومنه مقبولا، وخلص إليهم إلى المضاجع ما اطمأنّت به جنوبها، وإلى الصحائف ما عبقت به جيوبها، وفاز منها بذكر لا يزال اللّيل به سميرا، والنهار به بصيرا، والشّرق يهتدي بأنواره، بل إن أبدى نورا من ذاته هتف به الغرب بأن واره، فإنّه نور لا تكنّه أغساق «8» السّدف، وذكر لا تواريه أوراق الصّحف. وكتاب «9» الخادم هذا، وقد أظفر الله بالعدوّ الذي تشظّت قناته شفقا «10» ، وطارت فرقه فرقا، وفلّ سيفه فصار عصا، وصدعت حصاته وكان الأكثر عددا وحصا، وكلّت حملاته وكانت «11» قدرة الله تصرّف فيه العيان بالعنان، عقوبة من الله ليس لصاحب يد «12» بها يدان، وعثرت قدمه وكانت الأرض لها حليفة، وغضّت

عينه وكانت [عيون] «1» السيوف دونها كسيفة «2» ، ونام جفن سيفه وكانت يقظته تريق نطف الكرى من الجفون، وجدعت أنوف رماحه وطالما كانت شامخة بالمنى أو راعفة بالمنون، وأضحت «3» الأرض المقدّسة الطاهرة وكانت الطّامث، والرّبّ المعبود الواحد وكان عندهم الثالث، فبيوت الشّرك مهدومة [ونيوب الكفر «4» مهتومة] «5» وطوائفه المحامية، مجتمعة «6» على تسليم البلاد الحامية، وشجعانه المتوافية، مذعنة لبذل «7» المطامع «8» الوافية، لا يرون في ماء الحديد لهم عصرة، ولا في فناء «9» الأفنية لهم نصرة، وقد «10» ضربت عليهم الذّلّة والمسكنة، وبدّل الله مكان السّيئة الحسنة، ونقل بيت عبادته من أيدي أصحاب المشأمة إلى أيدي أصحاب الميمنة. وقد كان الخادم لقيهم اللّقاة الأولى فأمدّه الله بمداركته، وأنجده بملائكته، فكسرهم كسرة ما بعدها جبر، وصرعهم صرعة لا ينتعش «11» بعدها بمشيئة الله كفر، وأسر منهم من أسرت به السلاسل، وقتل منهم من فتكت «12» به المناصل، وأجلت المعركة عن صرعى من الخيل والسّلاح [والكفّار، وعن أصناف يخيّل بأنّه قتلهم بالسّيوف الأفلاق والرّماح الأكسار، فنيلوا بثار من السّلاح ونالوه أيضا بثار «13» ] ،

فكم أهلّة سيوف تقارض «1» الضّراب بها حتّى صارت كالعراجين «2» ، وكم أنجم أسنّة «3» تبادلت الطّعان حتّى صارت كالمطاعين، وكم فارسيّة ركض عليها فارسها الشّهم «4» إلى أجل فاختلسه، وفغرت تلك القوس فاها فإذا فوها قد نهش القرن على بعد المسافة فافترسه «5» ، وكان اليوم مشهودا، وكانت الملائكة شهودا، وكان الكفر «6» مفقودا والإسلام مولودا، وجعل الله ضلوع الكفّار لنار جهنّم وقودا. وأسر الملك وبيده أوثق وثائقه، وآكد وصله بالدّين وعلائقه، وهو صليب الصّلبوت، وقائد أهل الجبروت، وما «7» دهموا قطّ بأمر إلّا وقام بين دهمائهم يبسط لهم باعه، ويحرّضهم «8» وكان مدّ اليدين في هذه الدّفعة وداعة، لا جرم أنّهم يتهافت «9» على ناره فراشهم، ويجتمع «10» في ظلّ ظلامه «11» خشاشهم، ويقاتلون «12» تحت ذلك الصّليب أصلب قتال وأصدقه، ويرونه ميثاقا يبنون عليه أشدّ عقد «13» وأوثقه، ويعدّونه سورا تحفر حوافر الخيل خندقه.

وفي هذا اليوم أسرت سراتهم، وذهبت «1» دهاتهم [ولم يفلت منهم معروف إلّا القومص، وكان لعنه الله مليّا يوم الظّفر بالقتال، ومليّا يوم الخذلان] «2» بالاحتيال، فنجا ولكن كيف؟ وطار خوفا من أن يلحقه منسر الرّمح أو «3» جناح السّيف، ثم أخذه الله تعالى بعد أيام بيده، وأهلكه لموعده، فكان لعدّتهم فذلك، وانتقل من ملك الموت إلى مالك. وبعد الكسرة مرّ الخادم على البلاد فطواها بما نشر عليها من الرّاية العبّاسية السّوداء صبغا، البيضاء صنعا، الخافقة هي وقلوب أعدائها، الغالبة هي [وعزائم أوليائها] «4» المستضاء بأنوارها إذا فتح عينها البشر «5» ، وأشارت بأنامل العذبات إلى وجه النّصر، فافتتح بلد «6» كذا وكذا وهذه [كلّها] «7» أمصار ومدن، وقد تسمّى البلاد بلادا وهي مزارع وفدن «8» ، وكل «9» هذه ذوات معاقل ومعاقر، وبحار وجزائر، وجوامع ومنائر، وجموع وعساكر، يتجاوزها الخادم بعد أن يحرزها، ويتركها وراءه بعد أن ينتهزها ويحصد منها كفرا ويزرع إيمانا، ويحطّ من منائر جوامعها صلبانا ويرفع أذانا، ويبدّل المذابح منابر والكنائس مساجد، ويبوّيء «10» بعد أهل الصّلبان أهل القرآن للذّبّ عن دين الله مقاعد، ويقرّ عينه وعيون أهل الإسلام أن تعلّق «11» النّصر منه ومن عسكره بجارّ ومجرور، وأن ظفر «12»

بكلّ سور ما كان يخاف زلزاله وزياله «1» إلى يوم النّفخ في الصّور. ولمّا لم يبق إلّا القدس وقد اجتمع «2» إليها كلّ شريد منهم وطريد، واعتصم بمنعتها كلّ قريب منهم وبعيد، وظنّوا أنها من الله مانعتهم، وأن كنيستها إلى الله شافعتهم، فلمّا «3» نازلها «4» الخادم رأى بلدا كبلاد، وجمعا كيوم التّناد، وعزائم قد تألّبت «5» وتألّفت على الموت فنزلت بعرصته، وهان عليها مورد السّيف وأن تموت بغصّته، فزاول البلد من «6» جانب فإذا أودية عميقة، ولجج وعرة «7» غريقة، وسور قد انعطف عطف السّوار، وأبرجة قد نزلت مكان الواسطة من عقد «8» الدار، فعدل إلى جهة أخرى كان للمطامع «9» عليها معرّج، وللخيل فيها متولّج، فنزل عليها، وأحاط بها وقرب منها، وضرب «10» خيمته بحيث يناله السّلاح بأطرافه، ويزاحمه السّور بأكنافه، وقابلها ثم قاتلها، ونزلها ثم نازلها، وبرز إليها ثم بارزها، وحاجزها ثم ناجزها، فضمّها «11» ضمّة ارتقب بعدها الفتح، وصدع أهلها «12» فإذا هم لا يصبرون على عبوديّة الخدّ «13» عن عتق الصّفح، فراسلوه ببذل قطيعة إلى مدّة، وقصدوا نظرة من شدّة وانتظارا

لنجدة، فعرفهم الخادم «1» في لحن القول، وأجابهم بلسان الطّول، وقدّم المنجنيقات «2» التي تتولّى عقوبات الحصون عصيّها وحبالها، وأوتر لهم قسيّها التي تضرب «3» فلا تفارقها سهامها، ولا يفارق سهامها نصالها، فصافحت السّور بأكنافه «4» فإذا سهمها في ثنايا شرفاتها سواك، وقدّم النّصر نسرا من المنجنيق يخلد إخلاده إلى الأرض ويعلو علوّه إلى السّماك؛ فشجّ مرادع أبراجها، وأسمع صوت عجيجها [صمّ أعلاجها] «5» ورفع مثار عجاجها «6» فأخلى السّور من السّيّارة، والحرب من النّظّارة، فأمكن «7» النّقّاب، أن يسفر للحرب النّقاب، وأن يعيد الحجر إلى سيرته [الأولى] «8» من التّراب، فتقدّم إلى الصّخر فمضغ سرده بأنياب معوله، وحلّ عقده بضربه الأخرق الدّالّ على لطافة أنمله، وأسمع الصّخرة الشريفة حنينه «9» واستغاثته إلى أن كادت ترقّ لمقبّله «10» وتبرّأ بعض الحجارة من بعض، وأخذ الخراب عليها موثقا فلن تبرح الأرض، وفتح في «11» السّور بابا سدّ من نجاتهم أبوابا، وأخذ ينقب «12» في حجره فقال «13» عنده الكافر: ليتني كنت ترابا «14» فحينئذ يئس الكفّار من أصحاب الدّور، كما يئس الكفّار من أصحاب القبور، وجاء أمر الله وغرّهم بالله الغرور «15»

وفي الحال خرج طاغية كفرهم، وزمام أمرهم ابن بارزان «1» سائلا أن يؤخذ البلد بالسّلام «2» لا بالعنوة، وبالأمان لا بالسّطوة، وألقى بيده إلى التّهلكة، وعلاه ذلّ الملكة «3» بعد عزّ المملكة، وطرح «4» جبينه في التراب وكان جبينا لا يتعاطاه طارح، وبذل مبلغا من القطيعة لا يطمح «5» إليه طرق آمل طامح، وقال: هاهنا أسارى مؤمنون «6» يتجاوزون الألوف، وقد تعاقد الفرنج على أنهم إن هجمت عليهم الدار، وحمّلت الحرب على ظهورهم الأوزار، بديء بهم فعجّلوا، وثنّي بنساء الفرنج وأطفالهم فقتّلوا، ثم استقتلوا بعد ذلك فلم يقتل «7» خصم إلّا بعد أن ينتصف، ولم يسلّ «8» سيف من يد إلّا بعد أن تنقطع «9» أو ينقصف، وأشار «10» الأمراء بالأخذ بالميسور، من البلد المأسور، فإنّه «11» إن أخذ حربا فلا بدّ أن تقتحم الرجال الأنجاد، وتبذل أنفسها في آخر أمر قد نيل من أوّله المراد. وكانت الجراح في العساكر قد تقدّم منها ما اعتقل الفتكات، واعتاق «12» الحركات، فقبل منهم المبذول عن يد وهم صاغرون، وانصرف أهل الحرب عن قدرة وهم ظاهرون، وملك الإسلام خطّة كان عهده بها دمنة سكّان، فخدمها الكفر إلى أن صارت روضة جنان، لا جرم أنّ الله أخرجهم منها وأهبطهم، وأرضى أهل الحقّ

وأسخطهم؛ فإنّهم خذلهم الله حموها بالأسل والصّفاح [وبنوها بالعمد والصّفّاح] «1» وأودعوا الكنائس بها وبيوت الدّيوية والاستبارية «2» منها كلّ غريبة من الرّخام الذي يطرد ماؤه، ولا يطرد «3» لألاؤه، وقد لطف الحديد في تجزيعه، وتفنّن في توشيعه، إلى أن صار الحديد الذي فيه بأس شديد، كالذّهب الذي فيه نعيم عتيد، فما ترى إلّا مقاعد كالرّياض «4» لها من بياض الترخيم رقراق، [وعمدا كالأشجار لها من التّنبيت أوراق] «5» وأوعز «6» الخادم بردّ الأقصى إلى عهده المعهود، وأقام له من الأئمّة من يوفّيه ورده المورود، وأقيمت الخطبة يوم الجمعة رابع «7» شهر شعبان فكادت السموات يتفطّرن للسّجوم «8» لا للسجوم، والكواكب [منها] «9» ينتثرن للطّرب لا للرّجوم، ورفعت إلى الله كلمة التوحيد وكانت طرائقها «10» مسدودة، وظهرت «11» قبور الأنبياء وكانت «12» بالنّجاسات مكدودة، وأقيمت الخمس وكان التثليث يقعدها [وجهرت الألسنة بالله أكبر وكان سحر الكفر يعقدها] «13» وجهر باسم أمير المؤمنين في وطنه «14» الأشرف من المنبر، فرحّب به ترحيب من برّ بمن برّ، وخفق علماه في

حفافيه، فلو طار به سرورا لطار بجناحيه. وكتاب الخادم وهو مجدّ في استفتاح بقيّة الثّغور، واستشراح ما ضاق بتمادي الحرب من الصّدور، فإنّ قوى العساكر قد استنفدت مواردها [وأيام الشّقاء قد مردت مواردها] «1» والبلاد المأخوذة المشار إليها قد جاست العساكر خلالها، ونهبت ذخائرها وأكلت غلالها، فهي بلاد ترفد ولا تسترفد، وتجمّ ولا تستنفد، وينفق «2» عليها، ولا ينفق منها، وتجهّز الأساطيل لبحرها، وتقام المرابط لبرّها «3» ، ويدأب في عمارة أسوارها، ومرمّات معاقلها، وكلّ مشقّة فهي بالإضافة إلى نعمة الفتح محتملة، وأطماع «4» الفرنج فيما بعد ذلك مذاهبها غير مرجئة ولا معتزلة، فلن يدعوا دعوة يرجو الخادم من الله أنّها لا تسمع، ولن «5» تزول أيديهم من أطواق البلاد حتّى تقطع. وهذه البشائر لها تفاصيل لا تكاد من غير الألسنة تتشخّص، ولا بما سوى المشافهة تتلخّص. فلذلك نفّذنا «6» لسانا شارحا، ومبشّرا صادحا، ينشر «7» الخبر على سياقته، ويعرض جيش المسرّة من طليعته إلى ساقته «8»

الصنف الثامن (المكاتبة بالاعتذار عن السلطان في الهزيمة)

قلت: وقد وقفت على نسخة كتاب كتب به عن المكتفي «1» بالله، عند ما بعث محمد «2» بن سليمان الكاتب إلى الديار المصرية، فانتزعها من يد بني «3» طولون واستولى عليها للخليفة، في نحو كرّاسة، تاريخها سنة اثنتين وتسعين «4» ومائتين، أوّلها: أما بعد فالحمد لله العليّ الكبير، العزيز القدير؛ أضربت عن ذكرها لطولها. الصنف الثامن (المكاتبة بالاعتذار عن السلطان في الهزيمة) قال في «موادّ البيان» : من أخلاق العامّة تقبيح سيرة السلطان إذا زلّ في بعض آرائه، والإزراء على تدبيره في جيش يجهّزه فيكسر، ونحو ذلك، مما لا يسلم من مثله، والإفاضة فيه والتشنيع به، فيحتاج إلى مكاتبتهم بما يتلافى الوهن

ويقيم العذر، كما يكاتبهم بتفخيم المنح، وتعظيم الفتوحات، والتّحدّث بمواقع المواهب، وشكر الله تعالى على إسباغ النّعم، والإظفار بأعداء الدين والدّولة ليقوّي بذلك منّتهم، ويرهف بصائرهم ويستخلص طاعتهم، ويملأ صدورهم رهبة. قال: وليست لهذه الكتب رسوم ينتظم كلّ ما وقع فيها؛ لاختلاف ما يلام فيه ويعتذر. ثم قال: ونحن نرسم في أصوله قولا وجيزا، وهو أن يقتضب الكاتب له المعاذير التي تحسّن أحدوثته، وتستر زلّته، والحجج التي تعيد اللائم عاذرا، والذّامّ شاكرا، وتوجب التقريظ من حيث يجب التأنيب، والإحماد من حيث يستحقّ التّذنيب. مثل أن يعتذر عن هزيمة جيش، فيقول: وقد علمتم أن الحرب سجال، والدنيا دول تدال، وقد تهبّ ريح النّصر للقاسطين على المقسطين امتحانا من الله وبلوى، ليجزي الّذين أساءوا بما عملوا ويجزي الّذين أحسنوا بالحسنى، من غير أن يصرّح بباطل، ولا يطلق كذبا محضا، ولا يختلق زورا يعلم الناس خلافه، فتتضاعف الهجنة، وتتكاثف المحنة، فإنه لا شيء أقبح على السلطان، وأقدح في جلالة الشان، من أن يعثر في كتبه على إفك قد يعلمه بعض من يقف عليه، بل ينبغي أن يعتمد في ذلك حسن التّخلّص والتّورية عن الغرض، واستعمال الألفاظ التي تدلّ على أطراف الحال ولا تفصح بحقائقها. وهذه نسخة كتاب من ذلك: الحمد لله الذي ساس الأمور بحكمته، وأبان فيها مواقع قدرته، وسلك فيها طريق مشيئته، وصرّفها على ما رآه عدلا بين العباد في أقسام نعمته ومحنته، وأحوال بلواه وعافيته، وجعل الأيام فيهم نوبا، والأحوال بينهم عقبا، فخصّ أولياءه وأهل طاعته بالنّصر في المحاكمة، والصّلح عند المخاصمة، والظّهور على من شاقّهم وعاداهم، والقهر لمن ضادّهم وناواهم، إنجازا لما وعد به الصابرين المحتسبين، وإعزازا للدّين وأنصاره من المؤمنين، ولم يخل أعداءه من دولة أدالها لهم، وجولة على الحق زادها في طغيانهم، ووصل الإملاء لهم فيها بخذلانهم، ليجب الثواب للمحسنين، ويحقّ العذاب على الكافرين. فقال

في محكم كتابه- وقد ظهر المشركون على المسلمين- إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس «1» وقال: ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين «2» وناوب بين الفريقين في المصائب، والمواهب، والمسارّ، والمضارّ، ليشفي الله صدور المؤمنين، وليمحّص ما في قلوبهم، ويوجب لهم إخلاص السرائر في طاعته، والجهاد في سبيله، والنّصرة لرسوله، والمراماة عن دينه، والمدافعة عن حريمه، ضعف الثّواب وحسن المآب، ويحلّ بالمشركين ما أعدّ لهم في دار الجزاء من أليم العذاب. وإذا كان الحال بين الفريقين المتلاقيين، والفئتين المتجاورتين، والحزبين المتحاكمين، في تعاور الغلبة، وتعاقب الدّولة، جاريا على تقدير الله ومتصرفا على حكمه، ومستوسقا على ما سبق في علمه، فليس يغني في ذلك زيادة عدد، ولا اتصال مدد، ولا قوّةّ أيد، ولا لطف كيد، ولا اختيار وقت محمود للقتال، ولا الانتخاب لأهل البسالة والنّجدة من الرجال، ولا يجب أن يستريث النّصر من أبطأ عنه، ويستشعر الجزع من نال خصمه منه، بعد تحصيله السلامة في نفسه، وقيام العذر له بعنايته وجدّه، وقد جمع الله للأمير من المناقب، التي ورثها عن آبائه، وحازها في صدره، والحيازة فيما بان من فضل بأسه، وثبات جأشه، وأصالة رأيه، وصحّة تدبيره، وإيفائه الحرب شروطها، والهيجاء حقوقها، من الحزم والتّؤدة، والإقدام عند الفرصة، والإصابة في التّقدير والتّعبير، والاحتياط في سدّ مواقع الخلل والعورة، وإعمال النّظر والرّويّة، لولا اعتراض القضاء الذي هو مالك نواصي العباد، وغير مدفوع بمحال ولا جلاد، ولا قوّة ولا عدّة ولا عتاد- ما أوفى حسنه على مزيّة الظّفر، وزاد عظمه في السّناء والخطر، إلى ما شمل عسكره في منقلبه بمراعاته لهم، ومدافعته من ورائهم، حتّى توافى الجمع موفورين، وآبوا سالمين غانمين، وبالله الحول والقوّة وعليه ضمان الإدالة على ما جرى به وعده

الصادق، وأخبر عنه كتابه الناطق، وهو حسب أمير المؤمنين وكافيه، وناصره وواليه، ونعم الوكيل والظّهير، والمولى والنّصير، وصلّى الله على سيدنا محمد سيّد المرسلين، وإمام المتّقين، وآله الطيبين أجمعين، وسلّم تسليما. وفي مثله من إنشاء أحمد بن «1» سعيد: أحكام الله جلّ جلاله جارية على سبل جامعة لوجوه الحكمة، منتظمة لأسباب الصلاح والمعدلة. فمنها ما عرّف الله أولياءه والمندوبين بطاعته، والمجموعين بهدايته، طريق المراد منه، وسبب الدّاعي إليه، والعلّة فيما قضي من ذلك لحينه، والصّورة المقتضية له. ومنها ما استأثر بعلمه، وطوى عن الخلق معرفة حاله، فهو- وإن أشكل عليهم موضع الحاجة إليه، وموقع العائدة به، ورؤي بهم اضطرابا في ظاهره عند تأمّلهم إياه بمقادير عقولهم، ومبالغ أفهامهم- مبنيّ على أوثق آساس الحكمة، وأثبت أركان الصّواب على الجملة، وكيف لا يكون كذلك؟ والله خالق الأشياء كلّها، وعالم بها قبل كونها، في أحوال تكوينه إياها وبعده في منزع غاياتها ومقتضيّ عواقبها، فليس تخفى عليه خافية، ولا تعزب عنه دانية ولا قاصية، ولا يسقط عن معرفته فصل ما بين الخاطرين والوهمين في الخير والشّر، وما بين الجبلين والدّر بين في الوفور والغمور، فكيف بما يبرزه الظهور، ويخبر فيه عن موضع التدبير، المحتاج فيه إلى إحكام الصّنعة وإتقان التقدير؟ ومن ظنّ أنّ شيئا من ذلك يخرج عن نهج الصواب، ويخالف طريق الصّلاح، فقد ضلّ من حيث ضلّل، وغلط من حيث غلّط، واتّصل سوء ظنّه، وفساد فكره، بالزّراية على فعل ربّه، تعالى عن قول المبطلين، ورجم الشّياطين. ثم إن لله جلّ جلاله عادة في الجيشين المتحاربين، والحزبين

المتحاكمين، من عباده المؤمنين، وأضدادهم المفسدين الملحدين، في المداولة بينهما، والمعاقبة بين الفئتين منهما، في العجز والظّهور، والوفاء والقصور، والمعافاة والامتحان، والنّصر والخذلان، والإعلاء لراية الحقّ في حال، والإملاء للباطل في أخرى، بتضمين الخيرة لأوليائه، والدائرة على أعدائه، عاجلا بالتّمحيص لهؤلاء، وبالمحق لأولئك، بما يصل إليهم من مصيبته، وينوبهم في حاضر الدنيا من رغبته، ويحلّ العادين من المشركين دار الفاسقين، ويجعل العاقبة للمتّقين، ومن سعد بقسم من التوفيق، وحظّ من فائدة الإرشاد، فليس «1» في هذه الحالة بزيادة أنصار وعدّة، وفضل عتاد وعدّة، وبسالة ونجدة، وأيد وقوّة، وسعة وبسطة، ولا يعدو أن يسلّم لله تعالى قاضيا له وعليه، ويوفّى بإحدى الحسنيين من علوّه، أو غلبة عدوّه؛ أو يتوكل عليه، وهو حسبه منعما، وممتحنا ومعافيا ومسلّما، ونعم الوكيل. قلت: وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية مستعمل بين الكتّاب، دائر في مصطلحاتهم إلى الآن. وللشّيخ شهاب الدين محمود «2» الحلبيّ في ذلك تفنّنات كثيرة، أورد بعضها في كتابه «حسن التّوسّل» . فمن ذلك. ما أنشأه فيمن هزم هو وجيشه، يتضمّن إقامة عذره، ووصف اجتهاده، ويحثّ على معاودة عدوّه، والطّلب بثاره، وهو: هذه المكاتبة إلى فلان: لا زال مأمون الغرّة، مأمول الكرّة، مجتنيا حلو الظّفر من أكمام تلك المرّة المرّة، راجيا من عواقب الصّبر أن يسفر له مساء تلك المساءة عن صبح المسرّة، واثقا من عوائد نصر الله بإعادته ومن معه في [القوّة و] «3» الاستظهار كما بدأهم أوّل مرّة. أصدرناها وقد اتّصل بنا نبأ ذلك المقام الذي أوضحت فيه السيوف عذرها،

وأبدت به الكماة صبرها، وأظهرت فيه الحماة من الوثبات والثّبات ما يجب عليها، وبذلت فيه الأبطال من الجلاد جهدها ولكن لم يكن الظّفر إليها، وكان عليهم الإقدام على غمرات المنون، والاصطلاء بجمرات الحرب الزّبون، ولم يكن عليهم إتمام ما قدّر أنّه لا يكون، فكابرت رقاب الأعداء في ذلك الموقف السّيوف، وكاثرت أعدادهم الحتوف، وتدفّقت بحارهم على جداول من معه ولولا حكم القدر لا نتصفت تلك الآحاد من تلك الألوف، فضاق بازدحام الصفوف على رجاله المجال، وزاد العدد على الجلد فلم يفد له الإقدام على الأوجال مع قدوم الآجال، وأملي للكافرين بما قدّر لهم من الإنظار، وحصل لهم من الاستظهار، وعوّضوا بما لم يعرفوه من الإقدام عمّا ألفوه من الفرار. ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض «1» وقد ورد أنهم ينصرون كما ننصر، وإذا كانت الحروب سجالا فلا ينسب إلى من كانت عليه [وبالا] «2» إذا اجتهد ولم يساعده القدر أنه قصّر، مع أنه قد اشتهر بما فعله في مجاله، من الذّبّ عن رجاله، وما أبداه في قتاله، من الضّرب الذي ما تروّى فيه خصمه إلّا بدره بارتجاله، وأن الرّماح التي امتدّت إليه أخرس سيفه ألسنة أسنّتها، والجياد التي أقدمت عليه جعل طعنة أكفالها مكان أعنّتها، فأثبت في مستنقع الموت رجله، ووقف وما في الموت شكّ لواقف ليحمي خيله ورجله، حتّى تحيّز أصحابه إلى مأمنهم، وأقام نفسه دونهم دريئة لمن بدر من سرعان القوم أو ظهر من مكمنهم، وهذا هو الموقف الذي قام له مقام النّصر، إذ فاته النّصراء وفاته النّصر، والمقام الذي أصيب فيه من أصحابه آحاد يدركهم أدنى العدد وفقد فيه من أعدائه مع ظهورهم ألوف لا يدركهم الحصر، [وكذا فليكن قلب] «3» الجيش كالقلب يقوى بقوّته الجسد، وإذا حقّ اللّقاء فلا يفرّ عن كناسه إلّا الظّبي ولا يحمي [عرينه] «4» إلّا الأسد، وما بقى إلّا أن تعفو الكلوم، وتثوب الحلوم، وتندمل الجراح، وتبرأ من فلول المضارب صدور الصّفاح،

وتنهض لاقتضاء دين الدّين، من غرمائه المعتدين، وتبادر إلى استنجاز وعد الله بأن الله يمحّص المؤمنين، ويمحق الكافرين، واللّيث إذا جرح كان أشدّ لثباته، وأمدّ لوثباته، والموتور لا يصطلى بناره، والثّائر لا يرهب الإقدام على المنون في طلب ثاره، والدهر ذو دول، والزمان متلوّن إن دجت عليكم منه بالقهر ليلة واحدة فقد أشرقت لكم منه بالنّصر ليال أول، فالمولى لا يلتفت إلى ما فات، ويقبل بفكره على تدبير ما هو آت، ويعدّ للحرب عدّته، ويعجل أمد الاستظهار ومدّته، ولا يؤخر فرصة الإمكان، ولا يعيد ذكر ما مضى فإنه دخل في خبر كان، ولا يظهر «1» بما جرى عجزا، فإن العاجز من ظنّ أنه يصيب ولا يصاب، ولا يتّخذ غير ظهر حصانه حصنا فلا حرز أمنع من صهوة الجواد ولا سلّم أسلم من الرّكاب، وليعلم أن العاقبة للمتقين، ويدّرع جنّة الصّبر ليكون من النّصر على ثقة ومن الظّفر على يقين، فإن الله مع الصابرين، ومن كان الله معه كانت يده الطّولى، وإذا لقي عدوّ الله وعدوّة فليصبر لحملته فإنّ الصبر عند الصّدمة الأولى والله تعالى يكلؤه بعينه، ويمدّه بعونه، ويجعل الظّفر بعدوّه موقوفا على مطالبته له بدينه. ومن ذلك ما كتبه على لسان المهزوم يتضمن الاعتذار، ويصف الاحتفال بأخذ الثّار: هذه المكاتبة إلى فلان: أتبع الله ما ساءه من أمرنا مع العدوّ بما يسرّه، وبلّغه عنّا من الانتصاف والانتصار ما يظهر من صدور الصّفاح وألسنة الرّماح سرّه، وأراه من عواقب صنعه الجميل بنا ما يتحقّق به أنّ كسوف الشمس لا ينال طلعتها وأنّ سرار القمر لا يضرّه. توضح لعلمه أنه ربما اتّصل به خبر تلك الوقعة التي صدقنا فيها اللّقاء، وصدمنا العدوّ صدمة من لا يحبّ البقاء، وأريناه حربا لو أعانها التأييد فلّلت جموعه، وأذقناه ضربا لو أنّ حكم النّصر فيه إلى النّصل أوجده

مصارعه وأعدمه رجوعه. وحين شرعت رياح النّصر تهب، وسحاب الدماء من مقاتلهم تصوب وتصب، وكرعت الصّفاح في موارد نحورهم، وكشفت الرّماح خبايا صدورهم، وما بقي إلّا أن تستكمل سيوفنا الرّيّ من دمائهم، وتقف صفوفنا على ربوات أشلائهم، وتقبض بالكفّ من صفحت الصّفاح عن دمه، وتكفّ بالقبض يد من ألبسته الجراح حلّة عندمه،- أظهروا الخرع «1» في عزائمهم، وحكّموا الطّمع في غنائمهم، فحصل لجندنا عجب أعجل سيوفنا أن تتمّ هدم بنائهم. وطمع منع جيوشنا أن تكفّ عن النّهب إلى أن تصير من ورائهم، فاغتنم العدوّ تلك الغفلة «2» التي ساقها المهلكان، العجب والطّمع، وانتهز فرصة الإمكان «3» ، التي أعانه عليها [المطمعان] «4» إبداء الهلع، وتخلية ما جمع، فانتثر [من جمعنا] «5» بعض ذلك العقد المنظّم، وانتقض من حزبنا ركن ذلك الصّفّ الذي أخذ فيه الزّحام بالكظم، وثبت الخادم في طائفة من ذوي القوّة في يقينهم، وأرباب البصائر في دينهم، فكسّرنا جفون السّيوف، وحطّمنا صدور الرّماح في صدور الصفوف، وأرينا تلك الألوف كيف تعدّ الآحاد بالألوف، وحلنا بين العدوّ وبين أصحابنا بضرب يكفّ أطماعهم، ويردّ سراعهم، ويعمي ويصمّ عن الآثار والأخبار أبصارهم وأسماعهم، إلى أن نفّسنا للمنهزم عن خناقه، وآيسنا طالبه عن لحاقه، ورددناه عنه خائبا بعد أن كادت يده تعتلق بأطواقه، وأحجم العدوّ مع ما يرى من قلّتنا عن الإقدام علينا، ورأى منا جدّا كاد لولا كثرة جمعه يستسلم به إلينا، وعادوا ولنا في قلوبهم رعب يثنيهم وهم الغالبون، [ويدركهم وهم الطالبون] «6» ويسلبهم رداء الأمن وهم السالبون، وقد لمّ الخادم شعث رجاله، وضم فرقهم «7» بذخائر ماله،

الصنف التاسع (المكاتبة بتوبيخ المهزوم وتقريعه والتهكم به)

وأمدّهم بنفقات أصلحت أحوالهم، وأطلقت في طلب عدوّ الله أقوالهم، وسلاح جدّد استطاعتهم، وأعان شجاعتهم، وخيول تكاد تسابقهم إلى طلب عدوّهم، وتحضّهم على أخذ حظّهم من اللقاء كأنّها تساهمهم في أجر رواحهم وغدوّهم، وقد نضوا رداء الإعجاب عن أكتافهم، واعتصموا بعون الله وتأييده لا بقوّة جلدهم ولا بحدّة أسيافهم، وسيعجلون العدوّ- إن شاء الله تعالى- عن اندمال جراحه، ويتعجّلون إليه بجيوش تسوء طلائعها في مسائه وتصبّحه كتائبها في صباحه، والله تعالى لا يكلنا إلى جلدنا، ولا ينزع أعنّة نصره من يدنا. الصنف التاسع (المكاتبة بتوبيخ المهزوم وتقريعه والتّهكّم به) وهذا النوع من المكاتبات قليل الوقوع، ولذلك لم يتعرّض إليه في «موادّ البيان» . والذي ينبغي أن تبنى المكاتبة فيه عليه ذكر هزيمة المهزوم وما استولى عليه من الغلبة والقهر، وصورة الحال في النّصرة عليه، والاستيلاء على بلاده وأمواله وسائر ذات يده، وأسر رجاله، واسترقاق ذراريّهم ونسائهم، وما يجري مجرى ذلك، ممّا فيه إيلام خاطره، وتقطيع قلبه حسرات على ما ناله، ونحو ذلك ممّا يدعو المكتوب إليه إلى الطاعة، ويوجب الانقياد. وهذه نسخة كتاب من هذه النّمط، كتب به القاضي محيي الدّين «1» بن عبد الظاهر رحمه الله، إلى البولس بيمند «2» ملك الفرنج، المستولي على طرابلس من

الشام، وأنطاكية من بلاد العواصم حين غزاه الملك «1» في طرابلس، ثم قصد أنطاكية فأخذها من عانيه «2» ، وهي: قد علم القومص الجليل المنتقلة مخاطبته- بأخذ أنطاكية منه- من البولسية إلى القومصية، ألهمه الله رشده، وقرن بالخير قصده، وجعل النّصيحة محفوظة عنده، ما كان من قصدنا طرابلس وغزونا له في عقر الدار، وما شاهده بعد رحيلنا من إخراب العمائر وهدم الأعمار، وكيف كنست تلك الكنائس من على بساط الأرض ودارت الدّوائر على كلّ دائر، وكيف جعلت تلك الجزائر من الأجساد على ساحل البحر كالجزائر، وكيف قطّرت الرجال واستخدمت الأولاد وتملّكت الحرائر، وكيف قطّعت الأشجار ولم يترك إلّا ما يصلح لأعواد المجانيق- إن شاء الله تعالى- والستائر، وكيف نهبت لك ولرعيّتك الأموال والحريم والأولاد والحواشي، وكيف استغنى الفقير وتأهّل العازب واستخدم الحريم وركب الماشي، هذا وأنت تنظر نظر المغشيّ عليه من الموت، وإذا سمعت صوتا قلت فزعا: عليّ هذا الصّوت، وكيف رحلنا عنك رحيل من يعود، وأخّرناك وما كان تأخيرك إلّا لأجل معدود، وكيف فارقنا بلادك وما بقيت فيها ماشية، إلّا وهي لدينا ماشية، ولا جارية، إلّا وهي في ملكنا جارية، ولا سارية، إلّا وهي بين أيدي المعاون سارية، ولا زرع إلّا وهو محصود، ولا موجود إلّا وهو منك مفقود، وما منعت تلك المغاير «3» التي هي في رؤوس الجبال الشّاهقة، ولا تلك الأودية التي في التّخوم مخترقة وللعقول خارقة، وكيف سقنا عنك ولم يسبقنا إلى مدينتك أنطاكية خبر، وكيف وصلنا إليها وأنت لا تصدّق أننا نبعد عنك وإن بعدنا فسنعود على الأثر، وها نحن نعلمك بما تمّ، ونفهمك بالبلاء الذي عمّ. كان رحيلنا عنك من طرابلس يوم الأربعاء، ونزولنا أنطاكية في شهر

رمضان، وفي حال النّزول خرجت عساكرك للمبارزة وتناصروا فما نصروا، وأسر من بينهم كبد اسطبل «1» فسأل في مراجعة أصحابك، فدخل إلى المدينة، فخرج هو وجماعة من رهبانك، وإن رأيهم في الخير مختلف، وقولهم في الشّرّ واحد، فلما رأيناهم قد فات فيهم الفوت، وأنّهم قد قدّر الله عليهم الموت، رددناهم وقلنا: نحن السّاعة لكم نحاصر، وهذا هو الأوّل في الإنذار والآخر، فرجعوا به متشبّهين بفعلك، ومعتقدين أنك تدركهم بخيلك ورجلك، ففي بعض ساعة مرّشان المرشان، وداخل الرّهب الرّهبان، ولان للبلاء القسطلان، وجاءهم الموت من كلّ مكان، وفتحناها بالسّيف في الساعة الرابعة من يوم السبت رابع شهر رمضان، وقتلنا كلّ من اخترته لحفظها والمحاماة عنها، وما كان أحد منهم إلا وعنده شيء من الدنيا فما بقي أحد منّا إلّا وعنده شيء منهم ومنها، فلو رأيت خيّالتك وهي صرعى تحت أرجل الخيول، وديارك والنّهّابة فيها تصول والكسّابة فيها تجول، وأموالك وهي توزن بالقنطار، وإماءك وكلّ أربع منها تباع فتشترى من مالك بدينار، ولو رأيت كنائسك وصلبانها قد كسّرت ونثرت، وصحفها من الأناجيل المزوّرة قد نشرت، وقبور البطارقة وقد تغيرت، ولو رأيت عدوّك المسلم وقد داس مكان القدّاس، والمذبح وقد ذبح فيه الرّاهب والقسّيس والشّمّاس، والبطارقة وقد دهموا بطارقة، وأبناء المملكة وقد دخلوا في المملكة، ولو شاهدت النّيران وهي في قصورك تخترق، والقتلى بنار الدنيا قبل نار الآخرة تحترق، وقصورك وأحوالها قد حالت، وكنيسة بونصر وكنيسة القسيّان وقد زلّت كلّ منهما وزالت- لكنت تقول: ياليتني كنت ترابا، ويا ليتني لم أوت بهذا الخبر كتابا، ولكانت نفسك تذهب من حسرتك، ولكنت تطفيء تلك النيران بماء عبرتك، ولو رأيت مغانيك وقد أقفرت، ومراكبك وقد أخذت في السّويديّة بمراكبك، لصارت شوانيك من شوانيك، ولتيقّنت أن الإله الذي أنطاك «2» أنطاكية منك استرجعها،

والرّبّ الذي أعطاك قلعتها منك قلعها ومن الأرض اقتلعها. ولتعلم أنّا قد أخذنا- بحمد الله- منك ما كنت أخذته من حصون الإسلام، وهو دركوش «1» ، وشقيف تلّ منّس «2» ، وشقيف كفردبّين «3» ، وجميع ما كان لك في بلاد أنطاكية في هذه المدّة إقامة (؟) وكونك ما كنت بها، فيكون إما قتيلا، وإما أسيرا، وإما جريحا وإما كسيرا، وسلامة النفس هي التي يفرح بها الحيّ إذا شاهد الأموات، ولعلّ الله إنّما أخّرك لأن تستدرك من الطاعة والخدمة ما فات، ولمّا لم يسلم أحد يخبرك بما جرى خبّرناك، ولمّا لم يقدر أحد [أن] يباشرك بالبشرى بسلامة نفسك وهلاك ما سواها باشرناك بهذه المفاوضة وبشّرناك، لتتحقّق الأمر على ما جرى، وبعد هذه المكاتبة لا ينبغي لك أن تكذّب لنا خبرا، كما أنّ بعيد هذه المخاطبة يجب أن لا تسأل عمّا جرى. وهذه نسخة في هذا المعنى، من إنشاء الشيخ شهاب الدّين محمود الحلبيّ، وهي: هذه المكاتبة إلى فلان أقاله الله عثرة زلّته، وأقامه من حفرة ذلّته، وتجاوز له عن كبيرة فراره من جمع عدوّه على قلّته. بلغنا أمر الواقعة التي لقي فيها [العدوّ] «4» بجمع قليل غناؤه، ضعيف بناؤه، كثيف في رأي العين جمعه، خفيف في المعنى وقعه ونفعه، أسرع في مفارقة المجال، من الظّلّ في الانتقال، وأشبه في مماثلة الوجود بالعدم من طيف

الخيال، يمشون «1» إليه بقلب واجب، ويهتدون من تخرّصه برأي «2» بينه وبين الصّواب ألف حاجب، ويأتمّون منه بمقدّم يرى الواحد من عدوّه كألف، ويتسرّعون منه وراء مقدام يمشي إلى الزّحف ولكن إلى خلف، جناح جيشه مهيض، وطرف سنانه غضيض، وساقة عسكره طالعة، وطلائعه كالنّجوم ولكن في حال كونها راجعة، تأسف السيوف بيمينه على ضارب، وتأسى الجنائب حوله إذ تعدّ لمحارب فتعدّ لهارب، وأنه حين وقعت العين على العين، وأيقن عدوّه لما رأى «3» من عدده وعدده معاجلة الحين، أعجل نصول العدا عن وصولها، وترك غنيمة الظّفر لعداه بعد أن أشرف على حصولها، تناديه ألسنة أسنّته: الكرّة الكرّة فلا يلوي إلى ندائها، وتشكو إليه سيوفه الظّمأ وقد رأت موارد الوريد فيردّها إلى الغمود بدائها، فمنح عدوّه مقاتل رجاله، وأباحهم كرائم مال جنده وماله، وخلّى لهم خزائن سلاحه التي أعدّها لقتالهم فأصبحت معدّة لقتاله، فنجا منجى الحارث ابن هشام، وآب بسلامة أعذب منها- لو عقل- شرب كأس الحمام، واتّسم بين أوليائه وأعدائه بسمة الفرار، وكان يقال: النّار ولا العار، فجمع له فراره من الزّحف بين النّار والعار، وعاد بجمع موفور من الجراح، موقر من الإثم والاجتراح، لا علم بما جرى عند أسيافهم، ولا شاهد بمشاهدتهم الوغى غير مواقع الظّبا في أكتافهم، فبأيّ جنان يطمع في معاودة عدوّه من هذا قلبه، وهؤلاء حزبه، [وذلك القتال قتاله وتلك الحرب حربه] «4» وبعد، فإن كانت له حميّة فستظهر آثارها، أو أريحيّة فستشبّ نارها، أو أنفة فستحمله على غسل هذه الدّنيّة، وتبعثه على طلب غايتين: إما شهادة مريحة أو

الصنف العاشر (في المكاتبات بالتضييق على أهل الجرائم)

حياة هنيّة، والله تعالى يوقظ عزمه من سنته، ويعجل له الانتصاف من عدوّه قبل إكمال سنته. الصنف العاشر (في المكاتبات بالتضييق على أهل الجرائم) قال في «موادّ البيان» : لم يزل السلطان يكتب إلى الولاة- عندما ينتهي [إليه] من إقدام الرّعايا على ارتكاب الجرائم، واستباحة المحارم، واقتراف المآثم، كالزّنا واللّواط، وشرب الخمر، وقطع الطّرق، والغصب والتّظالم، وما يجري هذا المجرى- بالتضييق عليهم، وإقامة حدود الله تعالى فيهم. قال: والرسم فيها أن تفتتح بحمد الله الباديء بنعمته قبل افتراض طاعته، الممتنّ بفضله قبل إيجاب شكره، خالق الخلائق جودا وكرما، وموسعهم منّا ونعما، الذي اختار دين الإسلام وطهّره من الأرجاس، ونزّهه عن الأدناس، واختصّ به صفوته من الناس، وابتعث به محمدا سيّد المرسلين: لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين «1» يحمده أمير المؤمنين أن فوّض إليه إيالة خلقه، وأقدره على القيام بخدمته، ونصبه لإعزاز دينه، والمحافظة على مفروضه ومسنونه، وذيادة العباد عن محارمه التي نهى عن التعدّي إليها، وإقامة الحدود عليهم فيها، ويسأله الصلاة على محمد صلّى الله عليه وسلّم. ثم يقال: وإنّ أمير المؤمنين يرى أنّ من أعظم نعم الله تعالى عليه توفيقه لحفظ ما استحفظه من شريعته، ورعاية ما استرعاه من بريّته، وتوفير القيام على من قلّده النّظر فيهم، واعتماد ما يعود بالصّلاح في الدّين والدّنيا عليهم، ومساواته بين قريبهم وبعيدهم في تفقّده، ومماثلته بين قاصيهم ودانيهم في تعهّده، فلا ينال القريب [فقط] نصيبا من رعايته ويعلّم جاهلهم، ويهدي حائرهم، ويشحذ بصائرهم، ويثقّف مائدهم، ويصلح فاسدهم، ويتخوّلهم من مواعظه بما يبرّد

الغلل، ويشفي العلل، وينسخ الشّك باليقين، ويقبس مقابس النّور المبين، [فمن] أصغى إلى إرشاده سعد جدّه، وورى زنده، وأحمد يومه وغده، ومن خالف عن أمره ضلّ مسعاه، وخسر آخرته ودنياه، ودعا إلى اتباع أمر الله تعالى في تقويمه وإصلاحه، والكفّ بإقامة الحدود عليه من جماحه. وانتهى إلى أمير المؤمنين ما أقدم عليه الأحداث وأهل الدّعارة قبلكم من احتقاب الآثام، واستدماث مراكب الحرام، والاستهتار بمحظور اللّذّات، والإكباب على دنيء الشّهوات التي تسلخ من الدّين، وتخرج عن دائرة المسلمين، وتدفع عن تأدية العبادات، وإقامة الصّلوات، وتنظم في سلك البهائم المرسلة، والسوائم المهملة، وتقصير مشايخهم وعلمائهم عن كفّهم، والأخذ على أكفّهم، وتعريفهم وجوه مراشدهم وتقويم أودهم «1» ، فامتعض من ذلك، وأشفق من نزول القوارع والمثلات، وحلول البليّات والآيات، وارتجاع ما أودعكم الله تعالى من نعمته، وانتزاع ما ألبسكم من رحمته، وبادر بكتابه موقظا لغافلكم، ومبصّرا لذاهلكم، وباعثا لكم على مراضيه الأولى، ومعاودة الطريقة المثلى، ومبادرة آجالكم بأعمالكم، والأخذ لأخراكم من أولاكم، ولسقمكم من صحتكم، ولنومكم من يقظتكم، عالمين بأن الدنيا لعب ولهو، وأن الآخرة هي دار القرار، وأنكم فيها كسفر شارفوا المنزل، فاجهدوا عباد الله واحتشدوا، وأقلعوا وارجعوا، واسمعوا وعوا، فكأنكم والله وقد توضّحت خدعها، وتصرّم متاعها، وجلّ متوقّعها، والسعيد من وثق بما قدّم لنفسه بعد نفاد أيّامه، وورود حمامه، والشّقيّ من أفرط وفرّط، وندم حيث لا مندم- وأوعز إلى والي الحرب فلان بقراءة ما نصّ فيه عليكم، واختبار سيركم بعد مروره على أسماعكم، فمن رغب في التّقوى، وآثر الآخرة على الدنيا، عرف ذلك وتوخّاه بتكرمته وتخوّله، ومن أبى إلّا غواية وضلالا، وبطالة ومحالا، أقام حدّ الله تعالى عليه غير مراقب فيه، فرحم الله عبدا صان نفسه في هذه الدار عن العار، وحماها في الآخرة من عذاب النّار، وأمير

الصنف الحادي عشر (الكتب في النهي عن التنازع في الدين)

المؤمنين يرجو أن ينفعكم الله بهدايته، ويشفي صدوركم بموعظته، ويرشدكم إلى ما يفضي بكم إلى الكفاية والحماية. فليعلم فلان بن فلان ذلك من أمير المؤمنين ورسمه، وليعمل عليه بجملته، إن شاء الله تعالى. الصنف الحادي عشر (الكتب في النّهي عن التّنازع في الدّين) قال في «موادّ البيان» : من أهمّ ما صرف إليه السلطان تفقّده، ووقف عليه [تعهّده] أمر الرعايا في أعماله، وتنفيذ الكتب إليهم بالنّهي عن التنازع في الدين، وحسم أسباب المجادلة والمراء، والتّحذير من اتّباع البدع والأهواء، والإخلاد إلى مضلّ النّحل والآراء؛ لأنه متى فسّح لهم في هذا الباب صاروا شيعا متباينين، وفرقا متحاربين، وانشقّت عصاهم، وانقضت حيلهم، وخرجوا عن أحكام أهل السلامة إلى أحكام أهل الفتنة، وعاد ضرر ذلك على الدّين والسّلطان. ولهذا صرف إليه السّاسة الحزمة من الملوك الاهتمام، ولم يبخلوا بحسم مادّته على تغاير الأيام. ثم قال: والرسم فيها أن تصدّر بحمد الله تعالى على نعمه في تأليف كلمة أهل الإسلام، وما منّ به عليهم من الاتفاق والالتئام، وشكره على موهبته في نزع الغلّ من صدورهم، والتأليف بين قلوبهم، وتصييرهم إخوانا متصافين، وخلّانا متوافين، وعونهم بما وفّقهم له من إظهارهم على من شقّ عصاهم، وإقدارهم بما منحهم من الألفة على مراماة من راماهم، والصّلاة على سيدنا محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. ثم يشفع هذا بأن أمير المؤمنين بما مكّنه الله تعالى من مراضيه، ووفّقه له من القيام بفرضه، والنّهوض بحقوق طاعته، والعمل بكتابه وسنّته، ورغبته في الخير العام وشمول الصّلاح لكافّة الأنام- لا يزال يحضّ رعيّته على ما يقضي بسداد دنياهم، وحسن المنقلب في أخراهم، ويرى أن أنفع ذلك عائدة، وأجزله فائدة، ما رفع عنهم أسباب التّنافر، ودعاهم إلى التّعاضد والتّظافر، وحال بينهم وبين الخوض في محدث النّحل والآراء، والإصغاء إلى مضلّ البدع

الصنف الثاني عشر (المكاتبة بالأوامر والنواهي)

والأهواء التي تصدّ عن سنن الهدى، وتلقي في مهاوي الرّدى، وتدعو إلى شقّ العصا، وتقضي بانتثار النّظام، واختلاف الأنام، وانفصام عرى الإسلام، وكفّهم عن المماراة في الدّين، والإصغاء إلى سنّة المضلّين، المعطّلة للسّنن، القادحة للفتن، الداعية إلى احتقاب الآثام، وإراقة الدّماء الحرام، ونحو هذا مما يضاهيه. ثم يقول: وانتهى إلى أمير المؤمنين التفاتكم عن معايشكم التي جعلها الله لدنياكم قواما، وعبادتكم التي صيّرها لآخرتكم نظاما، وإقبالكم على المماراة والمنازعة، والمناظرة والمجادلة، إلى شكوك يقيمها من يرغب في الرّياسة والتّقدّم، ليفوز بخبيث المطعم الذي يعمي البصائر، ويفسد السرائر، ويقدح زند الضّلال، ويشبّ نار المحال والانتحال، فامتعض أمير المؤمنين من ذلك وخاف عليكم أليم عاجلته، وذميم آجلته، وبادركم بكتابه هذا منبّها لغافلكم، ومرشدا لجاهلكم، وباعثا لكم على التّشاغل بما أطاب أخباركم، وحسّن آثاركم، من تلاوة كتاب الله الذي آثركم بتلاوته، وزيارة بيوت عبادته، والتأدّب بأدب نبيّه وعترته، وأوعز إلى النائب في الحرب بتقويم من خرج عن أمره، وتثقيف من أصرّ على غيّه، وأن يحسم الداء قبل استشرائه، ويستدركه دوين استفحاله، فاصغوا إلى زواجر أمير المؤمنين ومواعظه، واقتدّوا بهديه ومراشده، لتفوزوا بطاعته، وتسعدوا برضاه، وتسلموا في الحاضر، من مهانة أنتم بغيرها أولى، إن سلكتم الطريقة المثلى، وفي الغابر مما أعدّه الله لمن خالف عن أمره من العقاب في الدار الأخرى، فاعلموا هذا واعملوا به إن شاء الله تعالى. قال: وقد يكتب السلطان إلى الرّعيّة بالنّهي عن التّفاخر بالبادية والتنازع في العصبيّة. ثم قال: والطريقة في هذا المعنى مشتقة من طريقة هذا الرسم. الصنف الثاني عشر (المكاتبة بالأوامر والنواهي) قال في «موادّ البيان» : على هذه الكتب مدار أشغال السلطان في أعماله؛

لأنها النافذة في تصريف الأمور وتنفيذ المراسيم ولاية وعمالة. قال: وليس لهذا أمثلة فنوردها، لكنّه ينبغي للكاتب أن يؤكّد القول بها، فإن الأمر فيها والنّهي- وإن اختلف نظمهما- نوع واحد؛ لأن كلّ مأمور به منهيّ عن ضدّه، وكلّ منهيّ عنه مأمور بضدّه، فينبغي له أن يؤكّد القول في امتثال ما أمر، والعمل عليه والإنفاذ له، والانتهاء عما نهى عنه، والحذر من الإلمام به. ويجزم الأمر في العبارة عنهما جزما تامّا لا يتمكّن معه من الإخلال ببعضهما والنّقص فيهما لهوى، ويأتي من المبالغة بما يضيّق العذر، ومتى وقع تقصير أو تثاقل عما حدّد فيهما، فإنّما يمثّل ذلك بمثل جامعة مع تفنّن المعاني التي يأمر بها وينهى عنها. ثم قال: والكاتب إذا عرف الترتيب الواقع في هذين الغرضين على طريق الإجمال، أمكنه أن يبسطه إذا احتاج إلى التفصيل والبيان بمشيئة الله تعالى. واعلم أنه كان للخلفاء والملوك وولاة الأمور في قديم الزمان عناية بالكتابة إلى الرعايا بالأوامر والنّواهي المتعلقة بالدّين، من الأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، وما يجري مجرى ذلك، وإلى العمّال بالوصيّة بالرعايا، والاجتهاد فيما لديهم من جباية الخراج، والاهتمام بأمر الدّواوين، وما أشبه ذلك. فأما الأوامر والنواهي المتعلقة بالدّين، فقد تقدّم في الكلام على مصطلح أهل الغرب في أوائل هذه المقالة من إنشاء أبي زيد «1» الفازازي ما أغنى ذكره هناك عن إعادته هنا أو ذكر غيره. وأما الأوامر والنواهي المتعلقة بأمور السّلطنة، فمن ذلك ما كتب به أبو عبد الله بن الجنان «2» ، عن الأمير أبي عبد الله بن «3» هود أحد ملوك الطوائف

بالأندلس في الرّفق بالرّعيّة، وهو: أما بعد حمد الله تعالى معلي منار الحقّ ورافعه، ومولي متوالي الإنعام ومتتابعه، والصلاة على سيدنا محمد رسوله مشفّع الحشر وشافعه، المبعوث ببدائع الحكم وجوامعه، وعلى آله وصحبه المبادرين إلى مقاصده العليّة ومنازعه، والذّابّين عن حوزة الإسلام بمواضي الاعتزام وقواطعه، والرّضا عن الخليفة الإمام العباسيّ أمير المؤمنين ذي المجد الذي لا ينال سموّ مطالعه. فإنا كتبنا إليكم، كتب الله لكم عزّة قدحها بالثبوت فائز، وسعادة قسطها للنّماء حائز، من فلانة: وكلمة الحقّ منصورة اللّواء، منشورة الأضواء، والتوكّل على الله في الإعادة والإبداء، والتسليم إليه مناط أمرنا في الانتهاء والابتداء، وحمد الله تعالى وشكره وصلتنا إلى نيل مزيد النّعماء والآلاء، ومكانتكم لدينا مكانة السّنيّ المناصب، المنتمي إلى كرام المنتميات والمناسب، المتحلّي في الغناء والاكتفاء، والخلوص والصفاء، بأكرم السّجيّات والمناقب، المعلوم ما لديه من المناصحة السّالكة بأكرم السّجيّات في المناحي الحسان على المهيع الأوضح والسّنن اللّاحب. وقد وقفنا على كتابكم معلما بخبر فلانة وبما رأيتموه من المصلحة في تحصينها، والاجتهاد في سبب تأمينها، ونحن نعلم أنكم تريدون الإصلاح،

الصنف الثالث عشر (المكاتبات عند حدوث الآيات السماوية)

وتتوخّون ما تتوسمون فيه النّجاح، لكن أهمّ الأمور عندنا، وأولى ما يوافق غرضنا وقصدنا، الرّفق بالرّعيّة، وحملها على قوانين الإحسان المرعيّة، وعلى أثر وصول كتابكم وصلنا كتاب [أهل] فلانة المذكورة يشكون ضرر الخدمة المتصرّفين فيهم، ويتظلّمون من متحيّفيهم ومتعسّفيهم، وفي هذا ما لا يخفى عليكم، ولا ترضون به لو انتهى إليكم، فإنه إذا كان الناظر في خدمة ممّن لا يحسن سياسة الأمور، ولا يعلم طريق الرّفق الحاوية لرفق الخاصّة والجمهور، أعاد التّسكين تنفيرا، والتّيسير تعسيرا، وتعلمون أنا لا نقدّم على إيثار العدل في عباد الله المسلمين عملا، ولا نبغي لهم باطنة بغير التخفيف عنهم والإحسان إليهم بدلا، وأنتم أوّل وأولى من يعتقد فيه أنه يكمّل هذا المقصد، ويتحرّى في مصالح الرعايا هذا السّنن الأرشد، وقد خاطبنا أهل فلانة بما يذهب وجلهم، ويبسط أملهم، وعرّفناهم بأنكم لو علمتم ما هو جار عليهم من [بعض] الخدمة لأخذتم على يده، وجازيتموه بسوء معتمده، وأشعرناهم بأنّا قد استوصيناكم بهم خيرا، ونبّهناكم على ما يدفع عنهم ضيما ويرفع ضيرا، وأنتم- إن شاء الله- تستأنفون نظرا جميلا، وتؤخّرون عنهم الخدمة الذين لا يسلكون من السّياسة سبيلا، وتقدّمون عليهم من تحسن فيهم سيرته، وتكرم في تمشية الرّفق علانيته وسريرته، ومثلكم لا يؤكّد عليه في مذهب تحسن عواقبه، وغرض يوافقه القصد الاحتياطيّ ويصاحبه، إن شاء الله تعالى. الصنف الثالث عشر (المكاتبات عند حدوث الآيات السّماويّة) قال في «مواد البيان» : جرت العادة أن يكتب السلطان إلى الرعايا- عند حدوث الآيات المهوّلة التي يريد الله تعالى بها إرشاد عباده إلى الإقلاع عن معصيته، والإقبال على طاعته، كالرّياح العواصف، والزّلازل والصواعق، واحتباس القطر وخروجه في التّسكاب عمّا جرت به العادة- كتبا يضمّنها من الوعظ الشافي الرّقيق ما يأخذ بمجامع القلوب، ويشعرها التّقوى والرّهبة، ويبعث على المراقبة والنّظر في العاقبة.

قال: وينبغي للكاتب أن يتلطّف في الموعظة، ويبالغ في الذّكرى التي تخطر الخواطر وتقدح الأنفس، وتحرّك العزائم نحو الإخلاص، فإنه إذا أبرز هذه المعاني في صور [تشعر] «1» الخيفة من غضب الله تعالى وعقابه، وترغّب في عفوه وثوابه، نفع الله بذلك (؟) من رغب عن الهوى، ورغب في التقوى بكتابه. قال: والرسم فيها أن تفتتح بحمد الله تعالى على آلائه التي يفيضها ابتلاء واختبارا، وآياته التي يرسلها تخويفا وإنذارا، وموهبته في التوقيف بسابغ نعمته على طاعته، والتحذير بدافع نقمته من معصيته، والصلاة على رسوله الذي أنقذ بشفاعته، وعصم من نزول القوارع بنبوّته. ثم يقدّم مقدّمة تتضمن أن الله تعالى يقدّم الإعذار أمام سخطه وعذابه، ويبدأ بالإنذار قبل غضبه وعقابه، فمن استيقظ من سنته، ونظر لعاقبته [ونهض] «2» إلى طاعته، وأقلع عن معصيته، كشف الرّين «3» عن قلبه، وضاعف أجره، ومن أضرب عن موعظته، وتعامى عن تبصيره وتذكيره، أخذه على غرّته، وسلبه سربال نعمته. ثم يأخذ في حثّ الأمة على الفزع إلى الصّلوات، والمسارعة إلى بيوت العبادات، والإكثار من التّضرّع والخشوع، والاستكانة والخنوع، بإذراء سحائب الدموع، وإخلاص التّوبة عن محتقب الآثام ومخترع الأوزار، والتّوسّل إلى الله تعالى في قبول الإنابة بقلوب نقيّة، وطويّات على الطهارة مطويّة، وسرائر صريحة، ونيّات صحيحة، يصدّقها النّدم على الماضي، وعقد العزم على الإقلاع في الآتي، والرّغبة إليه في رفع سخطه وإنزال رحمته، وما يجاري هذا. قلت: وهذا الصّنف من المكاتبات قد ترك في زماننا، فلا عناية لأحد به أصلا، وإن كان مما يجب الاهتمام به وتقديمه.

الصنف الرابع عشر (المكاتبات في التنبيه على شرف مواسم العبادة وشريف الأزمنة)

الصنف الرابع عشر (المكاتبات في التنبيه على شرف مواسم العبادة وشريف الأزمنة) قال في «موادّ البيان» : إن الله وقّت لعباده أوقاتا عظّم شانها، ورفع مكانها، وأمرهم أن يتقرّبوا فيها إليه بتأدية ما فرضه عليهم لطفا بهم ورأفة، وحنانا ورحمة. قال: ولم يزل السلطان يكتب إلى عمّاله بتنبيه الرعايا عليها، وتعريفهم فضل العبادة فيها، ليستقبلوها بالإخبات والخشوع، ويتلقّوها بالتّضرّع والخضوع، ويتوسلوا في قبول التّوبات، وغفران الخطيّات، حفظا لنظام الدين، وتفقّدا لمصالح المسلمين. قال: وينبغي للكاتب أن يحسن التّأتّي في هذه الكتب «1» ويذكّر النّاسي وينبه الغافل اللّاهي، والمهمل السّاهي، ويحرّك النفوس نحو مصالحها، ويبعثها على الأخذ بفاضل الأعمال وصالحها. قال: والرسم فيها أن تفتتح بحمد الله تعالى على أن وهب لعباده أوقاتا يتقبل فيها قربهم وأعمالهم، ويخفّف بالإنابة إليه عند حلولها أوزارهم وأثقالهم، فيغفر لمستغفرهم، ويعفو عن مسيئهم، ويتقبل التّوبة عن تائبهم، والصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله. ثم يقدّم مقدّمة مبنية على تعظيم هذه الأوقات، والإنابة عما في قصرها على العبادات، والمسابقة إلى الخيرات، من عظيم الثواب. ويشفع ببعث الولاة على أخذ الرعايا بالمحافظة على السّنن، وتعهّد حقّ الله تعالى فيها، والتّوسّع في توكيد الحجّة، ونفي الشبهة، وإيراد المواعظ الرادعة، والزواجر الوازعة، التي تعود بشحذ البصائر، وصفاء الضّمائر، والإتيان بحقوق هذه الأوقات وواجباتها، والفوز بما يوفّره من جزيل بركاتها، والتّوفّر على حسن مجاورتها، والتقرّب إلى الله تعالى ببذل الصّدقات، والإقبال على الصّلوات وزيارة

الصنف الخامس عشر (المكاتبة بالسلامة في الركوب في المواسم والأعياد وما ينخرط في سلكها من المواكب الجامعة)

بيوت العبادات، ومذاكرة أهل الدّين، والسّعي في مصالح المسلمين، ونحو ذلك مما يناسبه. ثم قال: فإن كان الكتاب مقصورا على الدعاء إلى الحجّ افتتح بالحمد لله على أن جعل لعباده حرما آمنا يمحّص ذنوبهم بزيارته، ويمحو آثامهم بحجّه ووفادته، ويلي ذلك ما يليق به من الحثّ على تأدية المناسك، وتكميل الفرائض والسّنن، وزيارة قبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك الحكم في سائر الأبواب الدّينية. الصنف الخامس عشر (المكاتبة بالسلامة في الركوب في المواسم والأعياد وما ينخرط في سلكها من المواكب الجامعة) قال في «مواد البيان» : جرت العادة أن يكاتب السلطان عمّاله وولاته بسلامة المواسم الإسلامية كلّها؛ لأنها تشاهد لجميع أصناف الرّعايا وذوي الآراء المختلفة والمذاهب المتباينة، والقلوب المتعادية والمتصاحبة في أمر الدين والدنيا، وكلّ متربّص لفتنة ينتهز فرصتها. فلا تكاد هذه المشاهد تخلو من ثورة وحدوث أحداث منكرة تفضي إلى الفتن التي لا ترفع. فإذا أنعم الله تعالى بالسلامة منها، وجب التّحدّث بنعمته، والشّكر لمشيئته، وأن يكتب أمير المؤمنين بسلامة ما قبله إلى عمّاله، لتسكن الكافّة إلى ذلك، ويشتركوا في حمد الله تعالى عليه. واعلم أن المواسم التي كان يعتاد الخلفاء الركوب فيها والكتابة بالسلامة منها هي: عيد الفطر، وعيد النّحر. وكان الخلفاء الفاطميّون بالديار المصرية يعتادون مع ذلك الركوب في غرّة السّنة، وفي أوّل رمضان، وفي الجمعة الأولى، والجمعة الثانية، والجمعة الثالثة منه، على ما تقدّم ذكره في الكلام على ترتيب المملكة في المقالة الثانية. وكذلك «عيد الغدير» : وهو عيد من أعياد الشّيعة كما سيأتي ذكره. ونحن نشير إلى ذكر مواكبها موكبا موكبا، ونذكر ما جرت به العادة في الكتابة في البشارة بالسلامة في ركوب كلّ موكب منها. الأوّل- البشارة بالسلامة في الركوب في غرّة السنة . وقد تقدّم الكلام على

صورة الموكب في الكلام على ترتيب المملكة في الدّولة الفاطمية بالديار المصرية في المقالة الثانية. وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك، أورده أبو الفضل الصّوريّ في تذكرته، وهي: الحمد لله الذي لم يزل يولي إحسانا وإنعاما، وإذا أبلى عبيده عاما أجدّ لهم بفضله عاما، فقد أمدّكم معاشر [الخلفاء «1» ] كرما ومنّا، وآتاكم من جوده أكثر ممّا يتمنّى، ومنحكم من عطائه ما يوفي على ما أردتموه، وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه «2» وقد استقبلتم هذه السّنة السعيدة، وإذا عملتم بالطاعة كنتم مستنجزين من ثواب الله الأغراض البعيدة. وصلّى الله على سيدنا محمد نبيّه الذي غدت الجنة مدّخرة لمن عمل بهداه لمّا سمعه، ومهيّأة لمن آمن به واتّبع النّور الذي أنزل معه، وبيّن بإرشاده ما تجري أمور السّنين عليه في العدد والحساب، ونسخ ما كانت الجاهلية [تفعله] فيه زيادة في الكفر وضلالا عن الصّواب، وعلى أخيه وابن عمّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الذي كمّل الله الإسلام بإمامته، وضاعف الأجر لأهل ولايته، ومنح شيعته مقبول شفاعته، وعلى الأئمة من ذرّيتهما خلفاء الله على خلقه، والقائمين بواجب حقّه، والعاملين في سياسة الكافّة بما يرضيه سبحانه، ويضمن غفرانه ورضوانه، وسلّم عليهم أجمعين، سلاما باقيا إلى يوم الدّين. وإنّ أحق النّعم بنشر الذّكر وأوجبها للوصف وإعمال الفكر، نعمة رفعت الشّكّ وأزالت اللّبس، ووضح ضياؤها لأولي الألباب وضوح الشمس، واشترك الناس فتضاعفت الفائدة لديهم، وانتفعوا بذلك في تواريخهم ومعاملاتهم ومالهم وعليهم، وتلك [هي] المعرفة باليوم الذي هو مطلع السّنة وأوّلها، ومبدؤها

الثاني - البشارة بالسلامة في الركوب في أول شهر رمضان

ومستقبلها، وحقيقة ذلك ظهور إمام كلّ زمان. وكان ظهور إمام زماننا مولانا وسيّدنا الإمام فلان- ليتساوى في الشرف برؤيته العامّة والخاصّة، فيكون استقلال ركابه إشعارا بأن اليوم الذي تجلّى فيه لأوليائه، ولرعاياه المتفيّئين ظلّ لوائه، هو افتتاح السنة وأوّل محرّمها، وعليه المعتمد في عدد تامّ الشهور وناقصها من مفتتحها إلى مختتمها- يوم كذا غرّة المحرّم من سنة كذا، في عساكر لا يحصر عددها، وقبائل لا ينقطع مددها، وإذا اضطرمت نار الكفر والتهبت، طفئت بأنوارهم وخبت، وقد تقلّدت هندّية تروع إذا أشرقت وسكنت، فما الظّنّ إذا اصطحبت، والأرض بمرورها عليها مبهجة مونقة، وملائكة الله عزّ وجلّ حافّة به محدقة، فآذن بأن اليوم المذكور هو غرّة السّنة المعيّنة، وأن اليوم الفلانيّ أمسه انسلاخ كذا سنة كذا المتقدمة، لتستقيم أمورهم على أعدل نهوجهم، وليحفظ نظام دينهم في صومهم وفطرهم وحجّهم، وكذلك أصدر هذا الكتاب ليتلوه الأمير على من يسكن عمله، وجميع من قبله، ويتماثلوا في معرفته، ويحمل كلّ منهم الأمر عليه في معتقده وأسباب معاملاته، ويشكروا الله على النّعمة عليهم بهدايته. وهو يعتمد ذلك ويطالع بكائنه فيه إن شاء الله تعالى، وكتب في اليوم المذكور. الثاني- البشارة بالسّلامة في الرّكوب في أوّل شهر رمضان ، وهي على نحو مما تقدّم في الركوب في غرّة السّنة. وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك، من إنشاء ابن «1» الصّير فيّ، وهو: الحمد لله كاليء خلقه في اليقظة والمنام، والكافل لهم بمضاعفة الأجر في شهر الصّيام، وصلّى الله على سيدنا محمد الذي بعثه رحمة للأنام، وعلى أخيه وابن عمّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أخلص وليّ، وأشرف وصيّ، وأفضل إمام، وعلى الأئمة من ذرّيّتهما الدّاعين إلى دار السّلام، صلاة دائمة الاتّصال، مستمرّة في الغدوّ والآصال.

الثالث - الكتابة بالبشارة بالسلامة في ركوب الجمعة الأولى من شهر رمضان.

وإن من المسرّة التي تتهادى، والنّعمة الشاملة للخلق جميعا وفرادى، ما منّ الله به من ظهور مولانا وسيدنا الإمام فلان، صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين، وأبنائه الأكرمين، يوم كذا غرّة شهر رمضان من سنة كذا، إعلاما بأوّل الشّهر وافتتاحه، وأن الصيام الأوّل من فجره الأوّل قبل تنفّس صباحه، وتوجّهه إلى ظاهر المعزّيّة القاهرة المحروسة في عساكره المظفّرة وجنوده، وأوليائه وأنصاره وعبيده، والمنّة برؤيته قد تساوى فيها الكافّة، وملائكة الله مطيفة حافّة، وعوده إلى قصوره الزاهرة، وقد شمل المستظلين بأفيائه بسعادتي الدنيا والآخرة. أصدر إليك هذا الأمر لتقف على الجملة، وتشكر النّعمة السابغة على أهل الملّة، وتتلوها على أهل عملك، وتطالع بكائنك في ذلك، فاعلم هذا واعمل به، إن شاء الله تعالى. الثالث- الكتابة بالبشارة بالسلامة في ركوب الجمعة الأولى من شهر رمضان. وهذه نسخة كتاب من ذلك، من إنشاء ابن الصّيرفيّ أيضا، وهي: أفضل ما سيّر ذكره، ووجب حمد الله تعالى عليه وشكره، ما عاد على الشريعة بالجمال والبهجة، وأضحى واصفه صحيح المقال صادق اللهجة، فضاعف حسنه ومحّص سيّئه، وجعل أسباب السعادة متسهّلة متهيّئة، وذلك ما يسرّه الله تعالى من استقلال ركاب سيّدنا ومولانا صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين، وأبنائه الأكرمين، يوم الجمعة من شهر رمضان من سنة كذا، مؤدّيا خطبتها وصلاتها، وضامنا لأمّة ائتمّت به خلاصها يوم الفزع الأكبر ونجاتها، في وقار النبوّة وسكينة الرّسالة، والهيبة المستولية على العظمة والجلالة، والعساكر الجمّة التي تقلق بمهابتها وتزعج، وتظنّ لكثرتها واقفة والرّكاب يهملج، ولما انتهى إليه، خطب ووعظ ففتح أبواب التّوبة، وآب إلى الطاعات من لم يطمع منه بالأوبة، وصلّى صلاة تقبّلها جلّ وعزّ بقبول حسن، وقصّر في وصفها ذوو الفصاحة واللّسن، وعاد إلى مستقرّ الخلافة، ومثوى الرحمة والرافة، وعين الله له

الرابع - المكاتبة بالبشارة بالسلامة في ركوب الجمعة الثانية من شهر رمضان.

ملاحظة، وملائكته له حافظة. أعلمت ذلك لتذيعه في أهل عملك، وتطالع بكائنك. الرابع- المكاتبة بالبشارة بالسلامة في ركوب الجمعة الثانية من شهر رمضان. قد تقدم في الكلام على ترتيب المملكة بالديار المصرية في الدّولة الفاطميّة، في المقالة الثانية، أن الخليفة كان يركب في الجمعة الثانية من شهر رمضان إلى الجامع الأنور، وهو جامع باب البحر، الذي عمره الحاكم بأمر الله، وجدّده الصّاحب شمس الدين المقسيّ. وهذه نسخة كتاب في المعنى، من إنشاء ابن الصّيرفيّ أيضا، وهي: لم يزل غامر كرم الله وفضله، يفوق حاضره ما كان من قبله، فنعمة الله تعالى سابغة، ومننه متتابعة، وملابسها ضافية، ومغارسها نامية، وسحائبها هامية، وهو جلّ وعزّ يضاعفها على من صلّى وصام، ويواليها عند من تمسّك بالعروة الوثقى التي لا انفصال لها ولا انفصام، وتجدّد من ذلك ما كان من بروز مولانا وسيدنا الإمام فلان، صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين، وأبنائه الأكرمين، يوم الجمعة من شهر رمضان من سنة كذا، في شامخ عزّه، وباذخ مجده، وتوجّهه إلى الجامع الأنور المنسوب إلى مولانا الإمام الحاكم بأمر الله جدّه، سلام الله عليه وصلواته، وبركاته وتحيّاته، وعساكره قد تجاوزت الحدّ، وكثرت عن الإحصاء والعدّ، فإذا تأملها الطّرف انقلب عنها خاسئا وارتدّ. ولما وصل إلى الجامع المذكور خطب فأورد من القول أحسنه، ووعظ فأسمع من الوعظ أوضحه وأبينه، وصلّى صلاة جهر بالقراءة فيها ورتّلها، وعاد إلى قصوره الشريفة وقد شملت البركات برؤيته، ووفّق من عمل بموعظته، ونجا من اقتدى به في صلاته، واستولى على السّعد من جميع أرجائه وجهاته. أعلمناك ذلك لتعرف قدر النّعمة به، فاشكر الله سبحانه بمقتضاه، واعتمد تلاوة هذا الأمر على رؤوس الأشهاد، فاعلم ذلك.

الخامس - المكاتبة بالسلامة في الركوب في الجمعة الثالثة من شهر رمضان.

الخامس- المكاتبة بالسّلامة في الرّكوب في الجمعة الثالثة من شهر رمضان. قد تقدّم في الكلام على ترتيب المملكة في المقالة الثانية أن الخليفة كان يركب في الجمعة الثالثة منه إلى الجامع العتيق «1» بمصر، فيخطب فيه ويعود إلى قصره. وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك، من إنشاء ابن الصّيرفيّ، وهي: من عوائد الله- سبحانه- الإحسان إلى عبيده، وتعويضهم للشّكر عليه بنموّه ومزيده، والامتنان بتيسير عصيّه، وتعجيل قصيّه، وتقريب بعيده، فهو لا يخليهم من نواجمه، ولا يعفيهم من هواجمه. ولما أقبل هذا الشهر الشريف كان من عموم بركاته، وشمول خيراته، أن مولانا وسيدنا الإمام الفلانيّ صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين، وأبنائه الأكرمين، والى فيه بركاته، وزكيّ أعمال المؤمنين في استماع اختطابه والائتمام بصلاته، وفي هذا اليوم وهو يوم الجمعة من شهر رمضان، أعمل ركابه إلى الجامع العتيق بمصر ليسهم لهذه المدينة من حظّي الدنيا والآخرة، مثل ما أسهمه وعجّله لأهل المعزّيّة القاهرة. فكانت هيبته يعجز وصفها كلّ لسان، وظهر- عليه السّلام- في الرّداءين: السّيف والطّيلسان، والجيوش قد انبسطت وانتشرت، والنفوس قد ابتهجت واستبشرت، والألسنة قد عكفت على الدعاء بتخليد ملكه وتوفّرت. وعند وصوله خطب فأحسن في الألفاظ والمعاني، وحذّر من تأخير التّوبة

السادس - ما يكتب بالبشارة بالسلامة في ركوب عيد الفطر.

والتّضجيع فيها والتّواني، وصلّى صلاة شرّفها الله وفضّلها، ورضيها تبارك وتعالى وتقبّلها، وانكفأ عائدا إلى قصوره ومنازله المعظمة، ضاعف الله له ثوابه وأجره، وأوجب شكره ورفع ذكره، ويجب أن تعتمد إذاعة ذلك ليبالغ الكافّة في الاعتراف بالنّعمة فيه، ويواصلوا شكر الله تعالى عليه، والمطالعة بما اعتمد فيه. السادس- ما يكتب بالبشارة بالسّلامة في ركوب عيد الفطر. وقد تقدّم في الكلام على ترتيب الدّولة الفاطمية في المقالة الثانية، أن الخليفة كان يركب لصلاة عيد الفطر صبيحة العيد، ويخرج من باب العيد من أبواب القصر، ويتوجه إلى [المصلّى] «1» فيصلّي ويخطب، ثم يعود إلى قصوره، ويكتب بذلك إلى أعمال المملكة، تارة مع خلوّ الدّولة عن وزير، وتارة مع اشتمالها على وزير. وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك، مع خلوّ الدّولة عن وزير، من إنشاء ابن الصّيرفيّ، وهو: الحمد لله ناشر لوائه في الأقطار، ومعوّض المطيعين من جزائه ببلوغ الأوطار، الذي نسخ الإفطار بالصّيام ونسخ الصّيام بالإفطار، وكلّف عباده ما يطيقونه ووعد عليه جزيل أجره، وأسبغ من نعمه ما لا يطمع [في القيام] بواجب حمده عليه وشكره، وصلّى الله على سيدنا محمد نبيّه الذي أعلن بالإيمان وباح، وبيّن المحظور في الشّريعة والمباح، وأرشد إلى ما حرّمه الإسلام وحلّله، ومهّد سبل الهدى لمن استغواه الشّيطان وضلّله، وأوضح مراتب الأوقات ومنازلها، وعرّف تفاوت الأيام وتفاضلها، وعلى أخيه وابن عمّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الذي مضت في الله عزماته، وبيّضت وجه الدّين الحنيف مواقفه ومقاماته،

وعلى الأئمة من ذرّيّتهما الذين تكفّلوا أمر الأمة نصّا، وامتطوا على منارها فلم يألوا جهدا ولم يتركوا حرصا، فالحاضر منهم يوفي على من كان [من] قبله، وأحزاب الحقّ فرحون بما آتاهم الله من فضله، وسلّم عليهم أجمعين سلاما لا انقطاع لدوامه، وشرّفهم تشريفا لا انفصام لإبرامه، وأسنى ومجّد، وتابع وجدّد. وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك يوم كذا عيد الفطر من سنة كذا: بعد أن وفّى الصّيام حقّه، وحاز أجر من جعل الله على خزائنه رزقه، وبعد أن أفطر بحضرته الأولياء من آله وأسرته، والمقدّمون من رؤساء دولته، والمتميّزون من أوليائه وشيعته. وكان من نبإ هذا اليوم أنّ أمير المؤمنين لمّا ارتقب بروزه من قصوره، وتجلّى فأشرقت الأرض بنوره، توجه إلى المصلّى قاضيا لسنّة العيد، فكانت نعمة ظهوره بالنّظر [للحاضر] وبالخبر للبعيد، واستقلّ ركابه بالعساكر المنصورة التي أبدت منظرا مفتنا معجبا، وجعلت أديم الأرض بالخيل والرّجل محتجبا، وذخرت الانتقام ممّن شقّ العصا، وتجاوزت في الكثرة عدد الرّمل والحصا، وزيّنت الفضاء بهيئتها، وروّعت الأعداء بهيبتها، وجمعت بين الطّاعة وشدّة الباس، وادّرعت من التّقوى أمنع جنّة وأحصن لباس، ولم يزل سائرا في السّكينة والوقار، ناظرا للدّنيا بعين الاحتقار، والثّرى بالجباه والشّفاه مصافح ملثوم، فهما موسومتان به وهو بهما موسوم، إلى أن وصل إلى مقرّ الصّلاة، ومحلّ المناجاة، فصلّى أتمّ صلاة وأكملها، وأدّاها أحسن تأدية وأفضلها، وأخلص في التّكبير والتّهليل إخلاص من لم يفت أمرا ويخشى الله ويتّقيه ونصح في إرشاده ووعظه، وأعرب ببديع معناه وفصيح لفظه، وعاد إلى مثوى كرامته، وفلك إمامته، محمود المقام، مشمولا بالتوفيق في النّقض والإبرام. أعلمك أمير المؤمنين ذلك لتذيعه فيمن قبلك، وتشكروا الله على النّعمة الشاملة لهم ولك، فاعلم هذا واعمل به، إن شاء الله تعالى. وكتب في اليوم المذكور. وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك، والدّولة مشتملة على وزير، عن الحافظ

لدين الله «1» العلويّ خليفة الديار المصريّة، في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، وهي: الحمد لله الذي أعزّ الإسلام وشيّد مناره، وأيّد أولياءه ونصر أنصاره، وأظهر في مواسمه قوّته واستظهاره، وختم الشّرائع بشرف أبديّ فكان حظّها منه إيثاره، وحظّ الإسلام استبداده به واستئثاره، وصلّى الله على جدّنا محمد الذي كرّمه باصطفائه، وأسعد من حافظ على اتّباع نهجه واقتفائه، وبيّن بشرعه ما حلّله وحرّمه، ودعا الأمة بإرساله إلى دين قيّم أعلى بناءه وأحكمه، ووعدهم على مفروضه ومسنونه جزيل الأجر، وأمر في اعتقاد خلافه بالدّفع والمنع والزّجر، وعلى أخيه وابن عمّه أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أوّل الأئمة الخلفاء، والمشتهرة فضائله اشتهارا ليس به من خفاء، ومن حباه الله المحلّ الرفيع والمنّ الجزيل، وخصّه من الشّرف بما جاء فيه من محكم التّنزيل، وعلى الأئمة من ذرّيّتهما القائمين بفرض الله والمؤدّين لحقوقه، والذين كفلت أمانتهم بانبساط نور الحقّ وانتشار لوائه وخفوقه، وسلّم وكرّم، ومجّد وعظّم. وكتاب أمير المؤمنين إليك يوم كذا عيد الفطر من سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، الذي أمر الله فيه بما نهى عنه من قبله، وضاعف الأجر بكرمه وفضله، فرفع تكاليف الصّوم، وأوجب الإفطار في هذا اليوم، وساوى في ذلك [بين] كلّ متهم ومنجد، وأمر بني آدم فيه بأخذ الزّينة عند كلّ مسجد، وكان من خبره أن الفجر لمّا طلع مبشّرا بالشمس، ومؤذنا ببعثها من الرّمس، تتابعت الجيوش الموفورة، والعساكر المنصورة، إلى أبواب القصور الزاهرة توكّفا لأنوار أمير المؤمنين، وترقّبا لظهوره قاضيا حقّ الدّين، فلما أسفر الصّبح وأضاء، وملأت الخلائق الفضاء، تجلّى من أفلاك إمامته، وبرز فأغبط كلّ مؤمن بثباته على المشايعة وإقامته، وكان ظاهرا وهو محتجب بالأنوار، وممتنعا وهو منتهب

بالأبصار، والكافّة يصافحون الأرض ويجتهدون في الدعاء بإخلاص نيّاتهم، والعساكر المؤيّدة لو أنّها عمّت الأرض بتطبيقها، وساوت بين قريبها وسحيقها، وصارت كالجبال الرّواسي فيها، لكانت قد تزلزلت ومادت بأهليها، وهي مع تباين أجناسها وطوائفها متظافرة على معاندي الدّولة ومخالفيها، متلائمة على الولاء، متمالئة على الأعداء، تتلفّت إلى المجاهدة كأنها الأسود إقداما وباسا، وكأنّما فصّلت جوامد الغدران سلاحا لها ولباسا، والسيّد الأجلّ الأفضل التي عظمت به المواهب وجلّت، وذهبت بوزارته الغياهب وتجلّت، وتهلّل بنظره وجه الملّة وكان عابسا، وأعاد الدّولة معصرا وقد كانت قبله عانسا، وحسنت الدّنيا بأيامه إذ ليس فيها من يضاهيه، وانتظمت أمورها على الإرادة بصدورها عن أوامره ونواهيه، ترتّب المواكب بمهابته، ويستغنى بتوغّلها في القلوب عن إيمائه وإشارته، وكلّ طائفة مقبلة على شانها، لازمة لمكانها، متصرّفة على تهذيبه وتقريره، عاملة بآدابه، فوقوفها بوقوفه ومسيرها بمسيره. وتوجه أمير المؤمنين إلى المصلّى محفوفا بأنوار تجلّي ما أنشأته سنابك الخيل، وتمحو آية نقع قام مثارها مقام ظلام اللّيل، وعليه من وقار الإمامة، وسكينة الخلافة، ما خصّه الله تعالى به دون البريّة وحده؛ لأنه مما ورث أمية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وآله وجدّه «1» ، ولما انتهى إليه قصد [المحراب] «2» وأمّه، وأدّى الصّلاة أكمل أداء وأتمّه، ثم انتهى إلى المنبر «3» فعلاه، ومجّد الله تعالى وحمده على ما أولاه، ووعظ وعظا خوّف عاقبة المعاصي والذّنوب، وحلّ وكاء العيون وداوى مرض القلوب، وأمر بسلوك سبيل الطّاعات وأفعال البر، وحثّ على التّوفّر عليها في الجهر والسّر، وعاد إلى قصوره المكرمة، ومواطنه المقدّسة،

السابع - ما يكتب بالبشارة بالسلامة في ركوب عيد النحر.

وقد بذل في نصحه لله ولرسوله وللمؤمنين جهده، وفعل في الإرشاد والهداية ما لا غاية بعده. أنبأك أمير المؤمنين خبر هذا اليوم لتشكر الله على النّعمة فيه، وتذيعه قبلك على الرسم فيما يجاريه، فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى. السابع- ما يكتب بالبشارة بالسلامة في ركوب عيد النّحر. قد تقدّم في الكلام على ترتيب دولة الفاطميّين في المقالة الثانية أن الخليفة كان يركب لصلاة عيد النّحر كما يركب لصلاة عيد الفطر، تارة مع اشتمال الدّولة على وزير، وتارة مع عدم اشتمالها على وزير. وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك، من إنشاء ابن «1» الصّيرفيّ، وهي: أما بعد، فالحمد لله الذي أعلى منار الملّة، وشرّف مواسم أهل القبلة، وكفّل أمير المؤمنين أمر الأيّام، كما كفّله أمر الأنام، فرأى الناس من حسن سيرته أيقاظا ما لا يرونه مجازا في المنام، وصلّى الله على جدّنا محمد نبيّه الذي أرسله إلى الناس كافّة، وجعل العصمة محيطة به حافّة، فأطلع في ظلام الشّرك شمس التوحيد وبدره، وآمن به من شرح الله للإسلام صدره، وعصاه من تمرّد فأثقل الوزر ظهره، وبيّن عبادات كرم أجرها وعظم ثوابها، وألزم طاعات جعل الجنّة للعاملين بها مفتّحة أبوابها، وعلى أخيه وابن عمّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب مظافره ومظاهره، والمساوي في حكمه بين باطنه وظاهره، ولم يزل حاملا على المحجّة البيضاء جاعلا ذلك من قربه وذخائره، قائما بحقوق الله جاهدا في تعظيم حرماته وشعائره، وعلى الأئمة من ذرّيّتهما نجوم الأرض وهداة أهلها، والواجبة طاعتهم على من في وعرها وسهلها، والذّابّين بالمشرفيّة عن حمى الشريعة، والّذين متابعتهم من أوجه ذريعة. وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك يوم كذا عيد النّحر سنة كذا وكذا، وهو يوم

أظهر الله فيه قوّة الدّولة واقتدارها، وأوجب فيه- رغبة ورهبة- مسارعة النفوس المخالفة إلى الطاعة وابتدارها، وذلك أن عساكر أمير المؤمنين توجهت إلى قصوره الزاهرة عند انفجار الفجر، وحافظت على ما تحرزه من كريم الثّواب وجزيل الأجر، واستنزلت الرّحمة برؤية إمام الأمّة، وأعدّت الإخلاص في خدمته من أوفى الحرمات وأقوى الأذمّة، وأقامت إلى أن برز أمير المؤمنين والأنوار الساطعة طوالعه، ومهابته تمنع كلّ طرف من استقصاء تأمّله وتدافعه، وقصد المصلّى في كتائب لجبة، ومواكب للتعظيم مستوجبة، وعزّة تتبين في الشّمائل والصّفحات، وقوّة يشهد بطيب وصفها أرج النّفحات، قد غدت عددها محكّمة، وخيولها مطهّمة، وذوابلها إذا ظمئت كانت مقوّمة، وإذا رويت عادت محطّمة، تتقلّد صفائح متى انتضيت أنصفت من الجائر الحائف، ومتى اقتضبت عملا كان اقتضابها مبيّضا للصّحائف، وفي ظلّها معاقل للّائذين، وبحدّها مصارع للمنابذين، وهي للدّماء هوارق، وللهامات فوالق، ولمستغلق البلاد مفاتح ولمستفتحها مغالق. ولما انتهى إلى المصلّى قضى الصلاة أحسن قضاء وأدّاها أفضل تأدية، واستنزل رحمة لم تزل بصلاته متمادية، وانتهى إلى المنبر فرقيه، وخطب خطبة من استخلفه الله فكان مراقبه ومتّقيه، ووعظ أبلغ وعظ، وأبان عمّا للعامل بنصحه في الدّنيا والآخرة من فائدة وحظّ، وعطف على الأضاحي المعدّة له فنحرها جريا في الطاعات على فعلها المتهادي، وأضحت تتوقع التّكميل بإنجازه وعيده في الأعادي، فالله يقضي بتصديقه، ويمنّ بتخيّله وتحقيقه، وعاد إلى قصوره المكرّمة مشكورا سعيه، مضمونا نفعه، مرضيّا فعله، مشمولا عبيده منه بما هو أهله. أعلمك أمير المؤمنين ذلك فاعلم هذا واعمل به. وكتب في اليوم المذكور. وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك، والدولة مشتملة على وزير، من إنشاء ابن

قادوس «1» ، وهي: أما بعد، فالحمد لله ماحي دنس الآثام بالحجّ إلى بيته الحرام، وموجب الفوز في المعاد لمن عمل بمراشد أئمة الهدى الكرام، ومضاعف الثّواب لمن اجتهد فيما أمر الله به من التّلبية والإحرام، ومخوّل الغفران لمن كان بفرائض الحجّ ونوافله شديد الولوع والغرام، وصلّى الله على جدّنا محمد الذي لبّى وأحرم، وبيّن ما أحلّ الله وحرّم، وعلى أخيه أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الذي ضرب وكبّر، وحقّر من طغى وتجبّر، وعلى الأئمة من ذرّيّتهما أعلام الدّين، وحتوف المعتدين، وسلّم وكرّم، وشرّف وعظّم. وإنّ من الأيام التي كملت محاسنها وتمّت، وكثرت فضائلها وجمّت، ووجب تخليد عزّ صفاتها، وتعيّن تسطير تأثيراتها، يوم عيد النّحر من سنة كذا، وكان من قصصه أن الفجر لما سلّ حسامه، وأبدى الصّباح ابتسامه، نهض عبيد الدّولة في جموع الأولياء والأنصار، وأولي العزيمة والاستبصار، ميمّمين القصور الزاهرة متبرّكين بأفنيتها، ومستملين بسعادتها، وتألّفوا صفوفا تبهر النواظر، ويخجل تألّفها تألّف زهر الرّوض الناضر، مستصحبين فنونا من الأزياء تروق، ومستتبعين أصنافا من الأسلحة يغضّ لمعها من لمع اللهب والبروق، والأعلام خافقة، والرّايات بألسنة النّصر، على الإخلاص لإمام العصر، متوافقة، فأقاموا على تشوّف لظهوره، وتطلّع للتّبرّك بلامع نوره. ولما بزغت شمس سعادته، وجرت الأمور على إيثاره وإرادته، وبدت أنوار الإمامة الجليّة، وظهرت طلعتها المعظّمة البهيّة، خرّ الأنام سجودا بالدعاء والتمجيد، والاعتراف بأنّهم العبيد بنو العبيد، واستقلّ ركاب أمير المؤمنين، ووزيره السّيّد الأجلّ الذي قام بنصر الله في إنجاد أوليائه، وتكفّل للإسلام برفع

مناره ونشر لوائه، وناضل عن حوزة الدّين وجاهد، وناصل أحزاب الكفّار وناهد، يقوم بأحكام الوزارة، وتدبير الدولة تدبير أولي الإخلاص والطّهارة، ويتّبع آراء أمير المؤمنين فيما تنفذ به أوامره، ويعمل بأحكام الصّواب فيما تقتضيه موارده ومصادره، ويحسن السّياسة والتدبير، ويتوخّى الإصابة في كلّ صغير من أمور الدّولة العلويّة وكبير، ويخلص لله جلّ وعزّ ولإمامه، ويكفكف من الأعداء ببذل الجهد في إعمال لهذمه «1» وحسامه، وسار أمير المؤمنين والعساكر متتابعة في أثره، متوافقة على امتثال أمره، قد رفعت السّنابك من العجاج سحابا، وخيّلت جنن الجند للناظرين في البرّ عبابا. والجياد المسوّمة تموج في أعنّتها، وتختال في مراكبها وأجلّتها، وتسرع فتكسب الرّياح نشاطا، وتفيد المتعرّض لوصفها إفراطا، وتهدي لمن يحاول مماثلتها غلوّا واشتطاطا، وأصوات مرتفعة بالتهليل، وأصوات الحديد تسمع بشائر النّصر بترجمة الصّليل، ويكاد يرعب الأرض تزلزل الصّهيل، وترضّ سنابكها الهضاب وتغدو صلابها كالكثيب المهيل. ولما انتهى ركاب أمير المؤمنين إلى المصلّى والتوفيق يكتنفه، والسعادة تصرّفه، قصد المحراب فأقام الصلاة، ونحا المنبر فشرّفه إذ علاه، وأدّى الصّلاة على أكمل الأوضاع وأتمّها، وأجمع [الأحوال] لمراضي الله وأعمّها، وانثنى للبدن المعدّة فنحر ما حضر تقرّبا لخالقه، وأجرى القانون على حقائقه، وعاد إلى قصوره الزاهرة وقد غفر الله بسعيه الذّنوب، وطهّر برؤيته القلوب، وبلّغ الأمم من المراشد نهاية المطلوب. أعلمك أمير المؤمنين نبأ هذا اليوم الّذي تشتمل المسارّ على جميعه أوّلا وآخرا، وباطنا وظاهرا، لتذيع نبأه في عمل ولايتك، وتشيع خبره في الرعايا على جاري عادتك، فاعلم هذا واعمل به، وطالع مجلس النّظر السيديّ الأجليّ بما اعتمدته في ذلك، إن شاء الله تعالى. وكتب في اليوم المذكور.

الصنف السادس عشر (المكاتبة بالبشارة بوفاء النيل والبشارة بالسلامة في الركوب لفتح الخليج)

قلت: وهذا الصنف من المكاتبات قد رفض وترك استعماله بديوان الإنشاء في زماننا. الصنف السادس عشر (المكاتبة بالبشارة بوفاء النّيل والبشارة بالسّلامة في الركوب لفتح الخليج) وهذه المكاتبة من خصائص الديار المصريّة، لا يشاركها فيها غيرها من الممالك. ولم يزل القائمون بالأمر بالديار المصريّة من قديم الزمان وهلمّ جرّا يكتبون بالبشارة بذلك إلى ولاة الأعمال اهتماما بشأن النّيل، وإظهارا للسّرور بوفائه، الّذي يترتب عليه الخصب المؤدّي إلى العمارة وقوام المملكة، وانتظام أمر الرّعيّة. وقد كان للخلفاء الفاطميّين القائمين بأمر الديار المصرية بذلك كبير العناية ووافر الاهتمام، وكانت عادتهم في ذلك أنّهم يكتبون بالبشارة بوفاء النّيل كتبا مفردة، وبفتح الخليج وهو المعبر عنه في زماننا بالكسر كتبا مفردة. ولعلّ فتح الخليج كان يتراخى في زمنهم عن يوم الوفاء، فيفردون كلّ واحد منهما بكتب. فأما وفاء النّيل المبارك فهذه نسخة كتاب بالبشارة به في الأيام الفاطميّة، من إنشاء ابن قادوس، وهي: النّعم وإن كانت شاملة للأمم، فإنّها متفاضلة الأقدار والقيم، فأولاها بشكر تنشر في الآفاق أعلامه، واعتداد تحكم بإدراك الغايات أحكامه، نعمة يشترك في النّفع بها العباد، وتبدو بركتها على النّاطق والصّامت الجماد، وتلك النّعمة النيل المصريّ الذي تبرز به الأرض الجرز في أحسن الملابس، وتظهر حلل الرّياض على القيعان والبسابس، وترى الكنوز ظاهرة للعيان، متبرّجة بالجواهر واللّجين والعقيان، فسبحان من جعله سببا لإنشار الموات، وتعالى من ضاعف به ضروب البركات، ووفّر به موادّ الأرزاق والأقوات، وهذا الأمر صادر إلى الأمير، وقد منّ الله جلّ وعلا بوفاء النّيل المبارك، وخلع على القاضي فلان بن أبي الرّدّاد في يوم كذا وكذا، وطاف بالخلع والتشريفات، والمواهب المضاعفات، بالقاهرة

المحروسة ومصر على جاري عادته، وقديم سيرته، ونودي على الماء بوفائه ستة عشر ذراعا وإصبعا من سبعة عشر ذراعا، واستبشر بالنّعمة بذلك الخلائق، وواصلوا بالشّكر مواصلة لا تستوقفهم عنها العوائق، وبدا من مسرّات الأمم وابتهاجهم ما يضمن لهم من الله المزيد، وينيلهم المنال السعيد، ويقضي لهم بالمآل الحميد. وموصّل هذا الأمر إليك فلان، فاعتمد عند وصوله إليك إكرامه وإعزازه، وإجمال تلقّيه وإفضاله، إلى ما جرت به عادة مثله من رجاء، وتنويه واحتفاء، وإكرام واعتناء، ليعود شاكرا. فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة أخرى من ذلك، من إنشاء ابن الصّيرفيّ، وهي: أولى ما تحدّث به ناقله وراويه، وتعجّل المسرّة به حاضره ورائيه، ما كانت الفائدة به شائعة لا تتحيّز، والنّعمة به ذائعة لا يتخصّص أحد بشمولها ولا يتميز، إذ كان علّة لتكاثر الأقوات، وبها يكون التّماثل في البقاء والتساوي في الحيات، وذلك ما منّ الله تعالى به من وفاء النّيل المبارك، فإنه انتهى في يوم كذا في سنة كذا، إلى ستة عشر ذراعا وزاد إصبعا من سبعة عشر ذراعا، وقد سيّرنا، أيّها الأمير، فلانا بهذه البشرى إليك، وخصّصناه بالورود بها عليك، فتلقّها من الشّكر بمستوجبها، واستقبلها من الابتهاج والاغتباط بما يليق بها، واجعل الرّسوم التي جرت العادة بتوظيفها لفلان بن أبي الرّدّاد محمولة من جهتك إلى حضرتنا، لتولى إليه من جهتنا، فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى، وكتب في اليوم المذكور. وهذا الصّنف من المكاتبات متداول بالديار المصريّة إلى آخر وقت، يكتب به في كلّ سنة عن الأبواب السلطانية إلى نوّاب السّلطنة بالممالك الشاميّة عند وفاء النّيل، وتسير به البريديّة، وربّما جبي للبريديّ من الممالك شيء بسبب ذلك. وإذا كانت الدّولة عادلة ضمّن الكتاب أنه لا يجبى للبريديّ شيء بسبب ذلك. وهذه نسخة مثال شريف في معنى ذلك:

ولا زال يروى عنه وإليه حديث الوفاء والنّدا، ويورد على سمعه الكريم نبأ الخصب الذي صفا موردا، ويهنّى بكلّ نعمة تكفّلت للرعايا بمضاعفة الجود ومرادفة الجدا، ويخصّ بكلّ منّة عمّت مواهبها الأنام فلن تنسى أحدا. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي، وبحر كرمها لا ينتهي إلى مدى، وبشر بشراها دائم أبدا، تهدي إليه سلاما مؤكّدا، وثناء أضحى به الشّكر مردّدا، وتوضّح لعلمه الكريم أن الله تعالى قد أجرى على جميل عاداته، وأراد بالأمّة من الخير ما هو المألوف من إراداته، ومنح مزيد النّعم التي لم تزل تعهد من زياداته، فأسدى معروفه المعروف إلى خلقه، وأيّدهم بما يكون سببا لمادّة عطائه ورزقه، فبلّغهم تأميلهم، وأجرى نيلهم، وزادهم بسطة في الأرض، وملأ به الملا وطبّق به البلاد طولها والعرض، ونشر على الخافقين لواء خصبه، وأتى بعسكرريّه لقتل المحل وجدبه، وبينما هو في القاع إذ بلغ بإذن ربّه، فجعل من الذّهب لباسه، وعطّر بالشّذا أنفاسه، ولم يترك خلال قطر إلّا جاءه فجاسه، ونصّ السّير فسيّر نصّ مجيئه في الأرض لمّا صحّح بالوفاء قياسه، وغازلته الشمس فكسته حمرة أصيلها لما غدت له بمشاهدتها ماسه، ولم يكن في هذا العام إلّا بمقدار ما قيل: أقبل إذ قيل: وفّى، ومدّ في الزيادة باعا وبسط ذراعا، وأطلق بمواهب أصابعه كفّا، وعاجل إدراك الهرم في ابتداء أمره مطال شبابه، ومرّ على الأرض فحلا في الأفواه لمّا ساغ شكر سائغ شرابه، واعتمد على نصّ الكتاب العزيز فكاد أن يدخل كلّ بيت من بابه. ولما كان يوم كذا من شهر كذا الموافق لكذا من شهور القبط بادرت إلى الوفاء شيمه، وأغنت أمواجه عن منّة السّحب فذمّت عندها ديمه، وزار البلاد منه أجلّ ضيف فرشت له صفحة خدّها للقرى فعمّها كرمه، وبلغ من الأذرع ستة عشر ذراعا ورفع لواءه بالمزيد ونشر، وجاء للبشر بأنواع البشر، فرسمنا بتعليق ستر مقياسه، وتخليقه وتضويع أنفاسه، وفي صبيحة اليوم المذكور كسر سدّ خليجه على العادة، وبلغ الأنام أقصى الإرادة، وتباشر بذلك العامّ والخاصّ، وأعلنت الألسنة بحمد ربّها بالإخلاص، وسطّرها وهو بفضل الله ورحمته متتابع المزيد،

بسيط بحره المديد، متجدّد النّموّ في كلّ يوم من أيّام الزّيادة جديد. فالجناب العالي يأخذ من هذه البشرى بأوفر نصيب، ويشكر نعمة الله على ما منح- إن شاء الله- هذا العام الخصيب، ويذيع لها خبرا وذكرا، ويضوّع بطيّ هنائها نشرا، ويتقدّم بأن لا يجبى عن ذلك بشارة بالجملة الكافية، لتغدو المنّة تامة والمسرّة وافية، وقد جهزنا بهذه المكاتبة فلانا، وكتبنا على يده أمثلة شريفة إلى نوّاب القلاع الفلانية [جريا] «1» على العادة، فيتقدّم بتجهيزه بذلك على عادة همّته، فيحيط علمه بذلك. وهذه نسخة أخرى في معنى ذلك، كتب بها في سابع عشر ذي القعدة سنة ست وستين وسبعمائة، وصورتها بعد الصّدر: وبشّره بأخصب عام، وأخصّ مسرّة هناؤها للوجود عامّ، وأكمل نعمة تقابل العام من عيون الأرض بمزيد الإنعام. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه أتمّ سلام، وأعمّ ثناء تام، وتوضح لعلمه الكريم، أن الله تعالى- وله الحمد- قد جرى في أمر النيل المبارك على عوائد ألطافه، ومنح عباده وبلاده من مديد نعمه مزيد إسعافه، وأورد الآمال من جوده منهلا عذبا، وملأها به إقبالا وخصبا، وأحيا به من موات الأرض فاهتزّت وربت، وأنبتت كلّ بهيج وأنجبت، وأينعت الرّياض فجرت فيها الرّوح ودبّت، وامتلأت الحياض ففاضت بالمياه وانصبّت، وطلع كالبدر في ازدياده، وتوالى على مديد الأرض بأمداده، إلى أن بلغ حدّه، ووصّل الفرج ومنع الشّدّة، وفي يوم كذا من شهر كذا الموافق لكذا وكذا من شهور القبط، وفّاه الله ستة عشر ذراعا فاه فيها بالنّجح، وعمّ ثراه الأرض فأشرق بعد ليل الجدب بالرّخاء أضوأ صبح، وفي ذلك اليوم علقّ ستره، وخلّق مقياسه فاشتهر ذكره، وكسر سدّه،

الصنف السابع عشر (فيما يكتب في البشارة بركوب الميدان الكبير بخط اللوق عند وفاء النيل في كل سنة)

وتوالى مدّه، ونجز من الخصب وعده، وعلا التّرع والجروف، وقطع الطريق فأمّن من الجدب المخوف، وأقبل بوجهه الطّلق المحيّا، وأسبل على الأرض لباس النّفع فبدّلها بعد الظّمإ ريّا، فحمدنا الله تعالى على هذه النّعم، ورأينا أن يكون للجناب العالي أوفر نصيب من هذا الهناء الأعم، وآثرنا إعلامه بذلك، ليكون في شكر هذه النّعمة أكبر مشارك، فالجناب العالي يأخذ حظّه من هذه البشرى، ويتحقق ماله عندنا من المكانة التي خصّته في كلّ مبهجة بالذّكرى، ويتقدّم أمره الكريم بأن لا يجبى عن ذلك حقّ بشارة، ولا يتعرّض إلى أحد بخسارة، وقد جهّزنا بذلك فلانا. الصنف السابع عشر (فيما يكتب في البشارة بركوب الميدان الكبير بخطّ اللّوق عند وفاء النّيل في كلّ سنة) وهو مما يتكرر في كلّ سنة عند ركوب الميدان، ويكتب به إلى جميع النوّاب الأكابر والأصاغر، وتجهّز إلى أكابر النوّاب خيول صحبة المثال الشريف، ويرسم لهم بالركوب في ميادين الممالك للعب الكرة، تأسّيا بالسلطان، فيركبون ويلعبون الكرة. والعادة في مثل ذلك أن تنشأ نسخة كتاب من ديوان الإنشاء الشريف، ويكتب بها إلى جميع النيابات، لا يختلف فيها سوى صدرها، بحسب ما يقتضيه حال ذلك النائب. وهذه نسخة مثال شريف في معنى ذلك، كتب به في ذي القعدة سنة ستين وسبعمائة لنائب طرابلس، وصورته بعد الصّدر: ولا زال تحمل إليه أنباء ما يبرد غلّته من مضاعفة السّرور، وتبثّ له أقوال الهناء بما يجبّ علته من النّصر الموفور، ونخصّه من إقبالنا الشريف بأكمل تكريم وأنمّ حبور. صدرت هذه المكاتبة تهدي إليه من السّلام والثناء كذا كذا، وتوضّح لعلمه الكريم أننا نتحقّق مضاء عزائمه حربا وسلما، واعتلاء هممه التي تحرس بها

الممالك وتحمى، وأنّ صوافنه «1» ترتبط لتركض، وتحبس لتنهض، فلذلك نعلمه من أنباء استظهارنا ما يبهج خاطره، ويقرّ ناظره، وهو أنّنا لما كان في يوم السبت المبارك خامس شوّال، توجّه ركابنا الشريف إلى الميدان السعيد وفاض به جودنا فاخضرّت مروجه، وظهر به نيّرنا الأعظم فأشرقت آفاقه وتشرّفت بروجه، وأقرّ العيون منير وجهنا المبارك وبهيجه، وغدا كلّ وليّ بموالاة إنعامنا مشمولا، وبمنالات إكرامنا موصولا، وركض الأولياء بين أيدينا جيادا ألفت نزالا وعرفت طرادا، وانعطفت لينا وانقيادا، وعدنا إلى مستقرّ ملكنا الشريف وقد جدّد الله تعالى لنا إسعادا، وأيّد لعزمنا المعان مبدأ ومعادا، وآثرنا إعلام الجناب العالي بهذه الوجهة الميمونة، والحركة التي هي بالبركة مقرونة، ليأخذ حظّه من السّرور بذلك والهنا، ويتحقق من إقبالنا الشريف عليه ما يبلغ به المنى. وهذه نسخة مثال شريف في المعنى، كتب به في العشرين من شعبان، سنة أربع وخمسين وسبعمائة. وصورته بعد الصّدر: ولا زالت ميادين سعده لا تتناهى إلى مدى، وكرات كرّاته في رحاب النّصر تلمع كنجم الهدى، ومدوّر صوالجه كشواجر المرّان «2» تحلو بتأييدها للأولياء وتغدو مريرة للعدا. صدرت هذه المكاتبة وظفرها لا يزال مؤيّدا، ونصرها لا برح مؤبّدا، تهدي إليه سلاما مؤكّدا، وثناء كنشر الأرض بالنّدى، وتوضّح لعلمه أننا لم نزل بحمد الله نتّبع سنن سلفنا الشريف، ونجري الأمور على عوائد جميلهم المنيف، ونرى تمرين الأولياء على ممارسة الحروب، ونؤثر إبقاء آثار الجهاد فيهم على أحسن أسلوب، فلذلك لا نخلّ في كلّ عام بالتّعاهد إلى الميدان السعيد، والركوب إليه

الصنف الثامن عشر (المكاتبة بالبشارة بحج الخليفة)

في أسعد طالع يبديء النّصر ويعيد؛ لما في ذلك من ابتهاج يتجدّد، وأسباب مسرّة لكافّة الأنام تتأكّد، ودعوات ألسنتها تتضاعف من الرعية وتتردّد. ولما كان في يوم السبت المبارك سادس عشر شهر رجب الفرد، ركبنا إلى الميدان السعيد في أتمّ وقت أخذ من السّعد بمجموعه، وأظهر في أفق العساكر من وجهنا الشريف البدر عند طلوعه، ولم نبرح يومنا المذكور في عطاء نجيده، وإنعام نفيده، وإطلاق نبدئه ونعيده، والأولياء بين أيدينا الشريفة يمرحون، وفي بحار كرمنا المنيف يسبحون، وفي ميدان تأييدنا المطيف يسيحون، والكرات كالشمس تجنح تارة وتغيب، وتخشى من وقع الصّوالجة فتقابلها بوجه مصفرّ مريب. ثم عدنا إلى القلعة المنصورة على أتمّ حال، وأسعد طالع بلّغ الأنام الأمان والآمال، والعساكر بخدمتنا الشريفة محدقون، ومماليكنا بعقود ولائنا مطوّقون، والرّعايا قد ألبسها السّرور أثوابا، وفتح لها من الابتهاج أبوابا، وقد آثرنا إعلام الجناب بذلك ليأخذ حظّه من هذه المسرّة والبشرى، ويشترك هو والأنام في هذه النّعمة الكبرى، ومرسومنا للجناب أن يتقدّم بالركوب بمن عنده من الأمراء في ميدان طرابلس المحروسة، ويلعب بالكرة على جاري العادة في ذلك، ليساهم أولياء دولتنا القاهرة في ذلك، ويسلك من طرقهم الجميلة أجمل المسالك. قلت: وهذا الصّنف من المكاتبات السلطانية لم يزل مستعملا بديوان الإنشاء، يكتب له كلّما ركب السلطان إلى الميدان الصّالحيّ بخطّ اللّوق، إلى أن عطّل جيده من الركوب في أواخر الدّولة الظاهرية «برقوق» واقتصر على لعب الكرة في الميدان الذي جرت به العادة، فتركت المكاتبة بذلك من ديوان الإنشاء ورفض استعمالها. الصنف الثامن عشر (المكاتبة بالبشارة بحجّ الخليفة) لما كانت الأسفار، محلّ الأخطار، وموقع الاختلاف وحدوث الفتن، كانت الخلفاء يكتبون الكتب إلى عمّالهم بالسلامة عند الإياب من السّفر للحجّ وغيره.

والرّسم فيها أن يذكر أن الحجّ من أجلّ العبادات، وأن من النعمة [أن يمنّ] «1» الله تعالى بقضاء المناسك، والوقوف بالمشعر الحرام، والطّواف بالبيت العتيق، والسّعي بين الصّفا والمروة، وما يجري مجرى ذلك من شعائر الحجّ، ثم بعد بزيارة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، واتفاق الكلمة في جميع هذه الأحوال، على كثرة الخلائق ومزيد الجيوش والعساكر. وهذه نسخة كتاب بالسلامة من سفر الحجّ، وهي: الحمد لله الذي جعل بيته مثابة للناس وأمنا، وحرما من دخله كان آمنا، الذي اختار دين الإسلام على الأديان، وابتعث به صفوته من الإنس والجان، محمدا أكرم بني معدّ بن عدنان. يحمده أمير المؤمنين أن أعانه على تأدية حقّه، ونصبه لكفالة خلقه، ووفّقه للعمل بما يرضيه ويدني إليه، ويسأله أن يصلّي على خير من غار وأنجد، وصدر وورد، وركع وسجد، ووحّد ومجّد، وصلّى وعبد، وحلّ وأحرم، وحجّ الحرم، وأتى المستجار والملتزم، والحطيم «2» وزمزم، محمد سيّد ولد آدم، وعلى أخيه وابن عمّه مصباح الدّلالة، وحجاب الرّسالة، إمام الأمّة، وباب الحكمة، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، ممزّق الكتائب، ومفرّق المواكب؛ ومحطّم القواضب، في القلل والمناكب، وعلى الأئمة من ذرّيّتهما الهادين، صلاة باقية في العالمين. وإنّ أولى النّعم بأن يستعذب ذكرها، ويستعطر نشرها، وتتحدّث بها الألسنة، وتعدّ في مواهب الله الحسنة، نعم الله تعالى في التوفيق لحجّ بيته الذي جعله مثابة لزائريه، والإطافة بحرمه الذي يوجب المغفرة لقاصديه، والنّزول

بأفنيته التي من يخدم بها فقد انسلخ من السّيّئات، وتلبّس بالحسنات، وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك يوم النّفر الأوّل، وقد قضى بحمد الله تفثه «1» ، ووفّى نذره، وتمّم حجّه، وكمّل طوافه، وشهد منافعه، وأدّى مناسكه، ووقف الموقف بين يدي ربّه قانتا داعيا، وراغبا راجيا، وعرّفه بعرفات إعلامه قبول سعيه، وإجابة تلبيته، وبلّغه في منّى أمانيّه من رأفته، وأراه من مخايل الرّحمة، ودلائل المغفرة، ما تلألأت أنواره، وتوضّحت آثاره، وأجراه على تفصيل العبارة في شمول السّلامة لكلّ من حجّ بحجّه، ووقف موقفه من أوليائه وخاصّته، وعامّته ورعيّته، وأنعم باتفاق كلمتهم، واجتماع أهويتهم، واكتناف الدّعة والسّكون لهم، وزوال الاختلاف والمباينة بينهم. فإن أراد زيارة قبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: وهو يصدر بإذن الله تعالى عن موقفه هذا من البيت الحرام، إلى زيارة قبر النبيّ عليه السّلام. فإن أزمع الانكفاء إلى مقرّه، قال: وأشعرك أمير المؤمنين ذلك وهو عائد بمشيئة الله تعالى إلى مقرّ خلافته، في عزّ من قدرته، وعلوّ من كلمته، وامتداد من سلطانه، وتضاعف من جنده وأعوانه، لتأخذ بحظّك من الابتهاج والجذل، وتذيعه بين أهل العمل، ليشاركك العامّة في العلم بهذه النّعمة فيخلصوا لله الشّكر عليها، ويرغبوا إليه في الزيادة منها، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة كتاب بسلامة الخليفة من سفر في الجملة. والرسم فيه أن تذكر نعمة الله تعالى بما منح أمير المؤمنين في سفره ذلك، من بلوغ المآرب، وتسهيل المقاصد، وإدراك الأوطار، وشمول النّعمة في الذّهاب والإياب، وما يجري مجرى ذلك ممّا ينخرط في هذا السّلك، وهذه نسخته:

الحمد لله ذي الطّول والإنعام، والفضل والإكرام، والمنن العظام، والأيادي الجسام، الذي أرعى أمير المؤمنين من حياطته عينا لا تنام، واستخدم لحراسته والمراماة دونه اللّيالي والأيام، وقضى له بالتوفيق والسّعادة في الظّعن والمقام. يحمده أمير المؤمنين أن استخلصه لإمامة الأنام، وعدق به أساليب النّقض والإبرام، ويسأله الصلاة على من اختصّه بشرف المقام، وابتعثه بدين الإسلام، وجلا به حنادس الظّلام، محمد خاتم الأنبياء الكرام، وعلى أخيه وابن عمّه الهمام الضّرغام، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب مكسّر الأصنام، وعلى الأئمة من ذرّيّتهما أعلام الأحكام، وأدلّة الحلال والحرام. وإن أمير المؤمنين لا يزال يتحدّث بنعم الله مستدرّا لأخلافها، منتصبا لقطافها، ويفيض في ذكرها، مستدعيا للزيادة بشكرها، ويطلع خلصاءه على حسن آثارها لديه، وسبوغ ملابسها عليه، ليأخذوا بحظّ من الغبطة والاستبشار، ويسرحوا في مسارح المباهج والمسارّ، وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك حين استقرّ ركابه بناحية كذا، مبشرا لك بنعمة الله في حياطته، وموهبته في سلامته، وما أولاه من إنارة (؟) الدّليل، وتسهيل السّبيل، وطيّ المجاهل، وتقريب المنازل، وإعذاب المناهل، وإنالة الأوطار، وتدميث الأوعار، وبركة المتصرّف، وسعادة المنصرف، ووصوله إلى مقصده قرير العين، قليل الأين «1» ، محفوظا ساريا وآئبا، مكلوءا عائدا وذاهبا، مشرّد النّصب مسرورا، موفور النّصيب محبورا، في اجتماع من كلمة أوليائه على طاعته، ونفوذ بصائرهم في نصر رايته، وإعانته على ما استحفظه من عباده، واسترعاه من بلاده: ليأخذ بالحظّ الأجزل، من الابتهاج والجذل، ويشكر الله تعالى على هذه النّعمة المتجدّدة، ويضيفها إلى سوالف نعمه التّالده، ويذيعها بين رعيّته، وأنصار دعوته، ليشتركوا في ارتشاف لعابها،

الصنف التاسع عشر (الكتابة بالإنعام بالتشاريف والخلع)

والتحاف أثوابها، فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى. قلت: وهذا الصّنف من المكاتبات السلطانية قليل الوقوع، فإن وقع مثله للكاتب في زماننا، خرّجه على نسبة الأسلوب المتقدّم. الصنف التاسع عشر (الكتابة بالإنعام بالتشاريف والخلع) وهذا الصّنف ممّا أغفله صاحب «موادّ البيان» ولا بدّ منه. والرسم فيه أن يكتب عن الخليفة أو السلطان إلى من أخلص في الطاعة، أو ظهرت له آثار كفاية، كفتح أو كسر عدوّ، وما يجري مجرى ذلك. وهذه نسخة «1» كتاب كتب به أبو إسحاق «2» الصّابي عن الطائع «3» لله، إلى صمصام «4» الدّولة بن عضد الدّولة بن بويه، قرين خلعة وفرسين بمركبين من ذهب وسيف وطوق، وهي: من عبد الله عبد الكريم الإمام الطائع لله أمير المؤمنين، إلى صمصام الدّولة وشمس الملّة أبي كاليجار بن عضد الدّولة وتاج الملّة مولى أمير المؤمنين.

سلام عليك، فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو، ويسأله أن يصلّي على جده «1» محمد عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. أما بعد- أطال الله بقاءك- فإن أمير المؤمنين وإن كان قد بوّأك المنزلة العليا، وأنالك من أثرته الغاية القصوى، وجعل لك ما كان لأبيك عضد الدّولة وتاج الملّة- رحمة الله عليه- من القدر والمحلّ، والموضع الأرفع الأجلّ، فإنه يوجب لك عند كلّ «2» أثر يكون منك في الخدمة، ومقام حمد تقومه في حماية البيضة، إنعاما يظاهره، وإكراما يتابعه ويواتره. والله يزيدك «3» من توفيقه وتسديده، ويمدّك بمعونته وتأييده، ويخير لأمير المؤمنين فيما رأيه مستمرّ عليه من مزيدك وتمكينك، والإبقاء بك وتعظيمك، وما توفيق أمير المؤمنين إلّا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب. وقد عرفت- أدام الله عزّك- ما كان من [أمر كردويه] «4» كافر نعمة أمير المؤمنين ونعمتك، وجاحد صنيعته وصنيعتك، في الوثبة التي وثبها، والكبيرة التي ارتكبها، وتقديره «5» أن ينتهز الفرصة التي لم يمكّنه الله منها، بل كان من وراء [ذلك] دفعه وردّه عنها، ومعاجلتك إياه الحرب التي أصلاه الله نارها، وقنّعه عارها وشنارها «6» ، حتّى انهزم والأوغاد «7» الذين شركوه في إثارة الفتنة، على أقبح أحوال الذّلّة والقلّة، بعد القتل الذّريع، والإثخان الوجيع. فالحمد لله على هذه النعمة التي جلّ موقعها، وبان على الخاصّة والعامّة أثرها، ولزم أمير المؤمنين خصوصا والمسلمين عموما نشرها والحديث بها، وهو المسؤول إقامتها وإدامتها برحمته.

الصنف العشرون (المكاتبة بالتنويه والتلقيب)

وقد رأى أمير المؤمنين أن يجازيك عن هذا الفتح العظيم، والمقام المجيد الكريم، بخلع «1» تامّة، ودابّتين بمركبين «2» من ذهب من مراكبه، وسيف وطوق وسوار مرصّع، فتلقّ ذلك بشكر الله «3» تعالى عليه، والاعتداد بنعمته فيه، والبس خلع أمير المؤمنين وتكرمته، وسر [من بابه] «4» على حملاته، وأظهر ما حباك به لأهل حضرته، ليعزّ الله بذلك وليّه ووليّك، ويذلّ عدوّه وعدوّك، إن شاء الله تعالى، والسّلام عليك ورحمته وبركاته. وكتب فلان «5» لثمان بقين من شهر ربيع الأوّل سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، أطال الله بقاءك، وأدام عزّك، وأجزل «6» حفظك وحياطتك، وأمتع أمير المؤمنين بك وبالنعمة فيك وعندك. قلت: وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية باق على الاستعمال، متى أنعم السلطان على نائب سلطنة أو أمير أو وزير أو غيره بخلعة بعث بها إليه وكتب قرينها مثال شريف بذكر ذلك، إلّا أنه أهمل في ذلك السّجع والازدواج، واقتصر فيه على الكلام المحلول كما في غيره من المكاتبات، إلّا في النادر المعتنى بشأنه. الصنف العشرون (المكاتبة بالتّنويه والتلقيب) قال في «موادّ البيان» : جرت عادة الخلفاء بالكتابة بالتلقيب، لأن اللّقب موهبة من مواهب الإمام، أمضاها وأجازها، فإذا جرت عليه كانت كغيرها من نعمه التي يمنحها على عبيده، والكنية تكرمة يستعملها الناس فيما بينهم، فليس حكمها كحكم اللّقب.

قال: والرسم في هذه الكتب أن تفتتح بحمد الله على نعمه السّابغة الضّافية، ومواهبه الزّاهية النامية، وعوارفه التي جعلها جزاء للمحسنين، وزيادة للشّاكرين، ونحو هذا مما يليق أن يفتتح به هذا الغرض، والصّلاة على سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم. ثم يقال: وإنّ أمير المؤمنين بما خوّله الله تعالى من نعمه، وبوّأه من قسمه، وخصّه به من التمكين في أرضه، والمعونة على القيام بفرضه، يرى المنّ على خلصائه، وإسباغ النّعم على أوليائه، واختصاصهم بالنّصيب الأوفر من حبائه، والإمالة بهم إلى المنازل الباذخة، والرّتب الشّامخة، وإن أحقّ من وفر قسمه من مواهبه، وغزر سهمه من عطاياه ورغائبه، من تميّز بما تميزت به من إخلاص ومطاوعة، وولاء ومشايعة، وانقياد ومتابعة، وصفاء عقيدة وسريرة، وحسن مذهب وسيرة، ولذلك رأى أمير المؤمنين أن ينعتك بكذا لاشتقاقه هذا النّعت من سماتك، واستنباطه إياه من صفاتك، وشرّفك من ملابسه بكذا، وطوّقك بطوق أو بعقد وقلّدك بسيف من سيوفه، وعقد لك لواء من ألويته، وحملك على كذا من خيله وكذا من مراكبه. وبحسن الوصف في كلّ نوع من هذه الأنواع واشتقاق الألفاظ من معانيه، يعرب عن قدر الموهبة فيه. ثم يقال: إبانة لك عن مكانك من حضرته، وإثابة على تشميرك في خدمته، فالبس تشريفه وتطوّق، وتقلّد ما قلّدك به، واركب حمولاته، وابرز للخاصّة والعامّة في ملابس نعمائه، وارفل في حلل آلائه، وزيّن موكبك بلوائه، وقل رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي* «1» وأعنّي على ما يسترهنها لديّ، وخاطب أمير المؤمنين متلقبا بسمتك متنعّتا بنعتك. وهذه نسخة مكاتبة إلى الأفضل «2» بن ولخشي، وزير الحافظ «3» لدين الله

الفاطميّ، أحد خلفاء الفاطميين بالديار المصريّة، حين قرّر الحافظ نعوته: السيد، الأجلّ، الأفضل، أمير الجيوش، سيف الإسلام، ناصر الأنام، كافل قضاة المسلمين، وهادي دعاة المؤمنين، وهي: أما بعد، فالحمد لله الذي تفرّد بالإلهية، وتوحّد بالقدم والأزليّة، وأبدع من برأ وخلق، وأنشأهم من غير مثال سبق، واصطفى لتدبيرهم في أرضه من بعثه برسالته، وجعل ما جاءوا به من الشرائع من أمارة لطفه بهم ودلالته، وصلّى الله على جدّنا محمد رسوله الذي جعل رتبته أخيرا ونبوّته أولى فكان أفضل من تقدّمه نبيّا وسبقه رسولا، وعلى أخيه وابن عمّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الذي ذخره لخلافته، وأيّده بوزارته، مع كونه من منزلة الاصطفاء، وتأييد الوحي الظاهر من غير خفاء، بحيث لا يفتقر إلى وزير، ولا يحتاج إلى ظهير، وإنما جعل ذلك تعليما لمن يستخلفه في الأرض من عباده، وتمثيلا نصّ- جلّ وعزّ- إلى قصده واعتماده، لما فيه من ضمّ النّشر، وصلاح البشر، وشمول المنافع، وعموم الخيرات التي أمن فيها من مدافع، وعلى الأئمة من ذرّيّتهما العالمين بمرضاته، والمتّقين له حقّ تقاته، والكافلين لكلّ مؤمن بأمانه يوم الفزع الأكبر ونجاته، وسلّم عليهم أجمعين، سلاما متصلا إلى يوم الدّين. والحمد لله الذي جعل النّعم التي أسبغها على أمير المؤمنين، بحسب ما اختصّه به من منزلته التي فضّله بها على جميع العالمين، فجعله خليفة في الأرض، والشّفيع لمن شايعه يوم الحساب والعرض، وأجزل له من مننه ما لا يناهضه شكر إلّا كان ظالعا، ولا يقابله اعتداد إلّا استولى عليه العجز فلم يكن بما يجب له طامعا، وإنّ من أرفعها مكانا، وأعظمها شانا، وأفخمها قدرا، وأنبهها ذكرا، وأعمّها نفعا، وأحسنها صنعا، وأغزرها مادّة، وأثبتها قاعدة إذا غدت النّعم شاردة نادّة، وأعودها فائدة على الخاصّ والعام، وأضمنها للسّعد المساعد والحظّ الوافر التّامّ- ما كان من المنّة الشامخة الذّرى، والمنحة الشاملة لجميع الورى، والعارفة التي اعترف بها التوحيد والإسلام، والموهبة التي [إذا] أنفق كلّ أحد عمره

في وصفها وشكرها فما يعذل ولا يلام، والآية التي أظهرها الله للملّة الحنيفيّة على فترة من الرّسل، والمعجزة التي هدى أهله لها دون كافّة الأمّة إلى أعدل السّبل، والبرهان الذي خصّ به أمير المؤمنين وأظهره في دولته، والفضيلة التي أبانت مكانه من الله وكريم منزلته، وذلك ما منّ الله به على الشريعة الهادية، والكلمة الباقية، والخلافة النّبويّة، والإمامة الحافظيّة، منك أيّها السيد الأجلّ الأفضل، ولقد طال قدرك في حلل الثّناء، وجلّ استحقاقك عن كلّ عوض وجزاء، وغدت أوصافك مسألة اجتماع وائتلاف، فلو كانت مقالة لم يقع بين أرباب الملل شيء من التّناقض فيها والاختلاف، وأين يبلغ أمد استيجابك من منتحيه، أو يتسهّل إدراك شأوه على طالبه ومبتغيه؟ والإيمان لو تجسّم لكان على السّعي على شكرك أعظم مثابر، والإسلام لو أمكنه النّطق لقام بالدعاء لك خطيبا على المنابر، فأما الشّرك فلو أبقيته حيّا لتصدّى وتعرّض، لكنّك أنحيت عليه وأدلت التوحيد منه فانهدّ بناؤه بحمد الله وتقوّض، فكان لك في حقّ الله العضب الذي تقرّبت به إليه فأرضيته، والعزم الذي صمّمت عليه في نصرة الحقّ فأمضيته، والباطن الذي اطّلع عليه منك فنصرك ولم ترق دما، ولا روّعت مسلما، ولا أقلقت أحدا ولا أزعجته، ولا عدلت عن منهج صواب لما انتهجته، وذلك مما اشترك الكافّة في معرفته، وتساووا في علم حقيقته، مع ما كان من تسييرك العساكر المظفّرة صحبة أخيك الأجلّ الأوحد، أدام الله به الإمتاع وعضّده، وأحسن عنه الدّفاع وأيّده، مما جرت الحال فيه بحسن سياستك، وفضل سيادتك، على أفضل ما عوّدك الله من بلوغ آمالك، من غير أذى لحق أحدا من رجالك، والأمر في ذلك أشهر من الإيضاح، وأبين من ضياء فلق الصّباح، وهذا إذا تأمّله أمير المؤمنين أوجب عليه أن يقابلك من إحسانه، بغاية ما في إمكانه، وأن يوليك من منّته، أقصى ما في استطاعته وقدرته، ولم ير أحضر من أن قرّر نعوتك «السيّد، الأجلّ، الأفضل، أمير الجيوش، سيف الإسلام، ناصر الأنام، كافل قضاة المسلمين، وهادي دعاة المؤمنين، أبو الفتح رضوان الحافظيّ» إذ لا أولى منك بكفالة قضاة دولته وإرشادهم، وهداية دعاتها إلى ما فيه نجاة المستجيبين في معادهم، وجدّد لك ما

كان قدّمه من تكفيلك أمر مملكته، وإعادة القول فيما أسلفه من ردّه إليك تدبير ما وراء سرير خلافته التذاذا بتكرار ذلك وترديده، وابتهاجا بتطرية ذكره وتجديده، فأمور الملّة والدّولة معدوقة بتدبيرك، وأحوال الأداني والأقاصي موكولة إلى تقريرك، وقد جمع لك أمير المؤمنين من استخدام الأقلام، وجعل السيادة لك على سائر القضاة والدّعاة والحكّام، وأسجل لك بالاختصاص بالمعالي والانفراد، والتّوحّد بأنواع الرّياسات والاستبداد، ولك الإبرام والنّقض، والرّفع والخفض، والولاية والعزل، والتقديم والتأخير، والتّنويه والتأمير، فالمقدّم من قدّمته والمحمود من حمدته، والمؤخّر من أخّرته، والمذموم من ذممته، فلا مخالفة لما أحببته، ولا معدلة عما أردته، ولا تجاوز لما حدّدته، ولا خروج عمّا دبّرته، وأين ذلك ممّا يضمره لك أمير المؤمنين وينويه، ويعتقده فيك فلا يزال مدى الدّهر يعيده ويبديه؟ ولو لم يكن من بركاتك على دولة أمير المؤمنين، ويمن تدبيرك العائد على الإسلام والمسلمين، إلّا أنّ أوّل عسكر جهّزته إلى جهاد الكفرة الملاعين- وكان له النّصر العزيز الذي تبلّج فجره، والفتح المبين الذي جلّ قدره وانتشر ذكره، والظّفر المبهج للدّين- العسكر المنصور على الطائفة الكافرة، قتلا لأبطالها وأسرا لأعناق رجالها، وأخذا لقلاع الملسرة «1» منها، وأنه لم يفلت من جماعتها إلّا من يخبر عنها، ولو علم أمير المؤمنين تعظيما يخرج عما تضمّنه هذا السّجلّ لما اقتصر عليه، إلّا أنه عاجله ما يسرّه فجاهر «2» لك بما هو مستقرّ لديه، والله عزّ وجلّ يخدمك السّعود، ويخصّك من مواهبه بما يتجاوز المعهود، ويمدّك بموادّ التوفيق والتأييد، ويقضي لك في كلّ أمورك بما لا موضع فيه للمزيد، إن شاء الله تعالى، والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته. قلت: وهذا الصّنف من الكتب السلطانية قد رفض وترك استعماله في

الصنف الحادي والعشرون (المكاتبة بالإحماد والإذمام)

زماننا فلا معوّل عليه أصلا. الصنف الحادي والعشرون (المكاتبة بالإحماد والإذمام) قال في «موادّ البيان» : السلطان محتاج إلى مكاتبة من يقف منه على طاعة واجتهاد، ومناصحة وإخلاص، بالشّكر والإحماد، والبعث على الازدياد من المخالصة وحسن السّعي في الخدمة وغيرها، مما يرتبط به النّعمة، ويستوجب معه حفظ الرّتبة، ومكاتبة من يعثر منه على تقصير وتضجيع، وتفريط وتضييع، بالذّمّ والتقريع والتّأنيب؛ لأنه لا يخلو أعوان السلطان من كفاة يستديم كفايتهم بتصويب مراميهم، واستحسان مساعيهم، وإحمادهم على تشميرهم، وشرح صدورهم ببسط آمالهم، والعدة برفع منازلهم ومحالّهم، وتمييزهم على نظرائهم وأشكالهم، وتحذيرهم من التوبيخ وتقديم الأعذار، والتخويف من سقوط المراتب، وقبح المصاير والعواقب. قال: وينبغي للكاتب أن ينتهي في خطاب من انتهى في الحالين إلى غايتيهما، إلى المعاني الناجعة في الغرضين، ويتوسط فيهما سيّما التوسط الذي يقتضيه الحال المفاض فيها؛ لأنّ في ذلك تقريرا للمحسن على إحسانه، ونقلا للمسيء عن إساءته؛ لأنه إذا علم النّاهض أنه مثاب على نهضته، والواني أنه معاقب على ونيته، اجتهد هذا في الاستظهار بخدمته بما يزيد في رتبته، وخاف هذا من حطّ منزلته وتغيّر حالته، ثم قال: والرسوم في هذه المكاتبات تختلف بحسب اختلاف أغراضها، وتتشعب بتشعّب معانيها، والأمر في ذلك موكول إلى نظر الكاتب العارف الكامل، ووضعه كلّ شيء في موضعه، وترتيبه إياه في مرتبته. فأمّا المكاتبة بالإحماد، فكما كتب «1» عن صمصام «2» الدولة بن عضد

الدّولة بن بويه، إلى حاجب الحجّاب أبي القاسم سعد «1» بن محمد وهو مقيم بنصيبين «2» على محاربة باد «3» الكرديّ: كتابنا، ووصل كتابك مؤرّخا بيوم كذا، تذكر فيه ما جرى عليه أمرك في الخدمة التي نيطت بكفايتك وغنائك، ووكلت إلى تدبيرك ووفائك، من ردّ باد الكرديّ عن الأعمال التي تطرّقها، وحدّث نفسه بالتّغلّب عليها، وتصرّفك في ذلك على موجبات الأوقات، والتّردّد بين أخينا وعدّتنا أبي حرب، زياد بن شهراكويه وبينك من المكاتبات، وحسن بلائك في تحيّفه، ومقاماتك في حصّ جناحه، وآثارك في الانقضاض على فريق بعد فريق من أصحابه، واضطرارك إيّاه بذلك وبضروب الرياضات التي استعملتها، والسّياسات التي سست أمره بها، إلى أن نزل عن وعورة المعصية إلى سهولة الطاعة، وانصرف عن مجاهل الغواية إلى معالم الهداية، وتراجع عن السّوم إلى الاقتصار، وعن السّرف إلى الاقتصاد، وعن الإباء إلى الانقياد، وعن الاعتياص إلى الإذعان، وأن الأمر استقرّ على أن قبلت منه الإنابة، وبذلت له فيما طلب الاستجابة، واستعيد إلى الطاعة،

واستضيف إلى الجماعة، وتصرّف على أحكام الخدمة وجرى مجرى من تضمّه الجملة، وأخذت عليه بذلك العهود المستحكمة، والأيمان المغلّظة، وجدّدت له الولاية على الأعمال التي دخلت في تقليده وضربت عليها حدوده، وفهمناه. وقد كانت كتب أخينا وعدّتنا أبي حرب [زياد بن شهراكويه] «1» مولى أمير المؤمنين ترد علينا، وتصل إلينا، مشتملة على كتبك إليه، ومطالعاتك إياه، فنعرف من ذلك حسن أثرك [وحزم رأيك] «2» وسداد قولك، وصواب اعتمادك، ووقوع مضاربك في مفاصلها، وإصابة مراميك أغراضها، وما عدوت في مذاهبك كلّها، ومتقلّباتك بأسرها، المطابقة لإيثارنا، والموافقة لما أمرت به عنا، ولا خلت كتب أخينا وعدّتنا أبي حرب من شكر لسعيك، وإحماد لأثرك، وثناء جميل عليك، وتلويح وإفصاح بالمناصحة الحقيقة بك، والموالاة اللّازمة لك، والوفاء الذي لا يستغرب من مثلك، ولا يستكثر ممّن حلّ في المعرفة محلّك، ولئن كنت قصدت في كلّ نهج استمررت عليه، ومعدل عدلت إليه، مكافحة هذا الرجل ومراغمته، ومصابرته ومنازلته، والتماس الظّهور عليه في جميع ما تراجعتماه من قول، وتنازعتماه من حدّ، فقد اجتمع لك إلى إحمادنا إياك، وارتضائنا ما كان منك، المنة عليه إذ سكّنت جاشه، وأزلت استيحاشه، واستللته من دنس لباس المخالفة، وكسوته حسن شعار الطاعة، وأطلت يده بالولاية، وبسطت لسانه بالحجّة، وأوفيت به على مراتب نظرائه، ومنازل قرنائه، حتّى هابوه هيبة الولاة، وارتفع بينهم عن مطارح العصاة. فالحمد لله على أن جعلك عندنا محمودا، وعند أخينا وعدّتنا أبي حرب مشكورا، وعلى هذا الرّجل مانّا، وفي إصلاح ما أصلحت من الأمر مثابا مأجورا، وإياه نسأل أن يجري علينا عادته الجارية في إظهار آياتنا، ونصرة أوليائنا، والحكم لنا على أعدائنا، وإنزالهم على إرادتنا، طوعا أو كرها، وسلما أو حربا، فلا يخلو

أحد منهم من أن تحيط لنا بعنقه ربقة أسر، أو منّة عفو، إنه جلّ ثناؤه بذلك جدير، وعليه قدير. ويجب أن تنفّذ إلى حضرتنا الوثيقة المكتتبة على باد الكرديّ إن كنت لم تنفّذها إلى أوان وصول هذا الكتاب، لتكون في خزائننا محفوظة، وفي دواويننا منسوخة، وأن تتصرّف في أمر رسله وفي بقيّة- إن كانت بقيت من أمره- على ما يرسمه لك عنّا أخونا وعدّتنا أبو حرب، فرأيك في العمل على ذلك، وعلى مطالعتنا بأخبارك وأحوالك، وما يحتاج إلى علمه من جهتك، موفّقا إن شاء الله تعالى. وأما الإذمام فيختلف الحال فيه باختلاف الملوم فيه والمذموم بسببه. فمن ذلك الذمّ على [ترك] الطاعة وشقّ العصا. كما كتب عمارة «1» يصف شخصا بأنه لمّا ارتفع مكانه، وعلا قدره، بطر معيشته، وخرج عن طاعة الخليفة، وأن فلانا كان ممّن عرفت حاله، في غموض أمره، وخمول ذكره، وضيق معيشته، وقلّة عدده وناهضته، ولا تجاوز حياته ما يقوله، ولا يتعاطى ما وراء ذلك ولا يرومه، ولا يمنّيه نفسه، ولا يدفع يد لامس عنه بقوّة تنوء بملأ، ولا عزّ يلجأ إليه، فأنعم عليه أمير المؤمنين وأكرمه وشرّفه، وبلغ به الغاية التي لم يكن يرجوها ولا ترجى له، وبسط له من الدّنيا، وآتاه من غضارتها ونعمتها، وعزّها وسلطانها، ما لم يؤت أحدا من أهل زمانه، فلما مكّن الله له في الدنيا طغى وتجبّر، وعلا وتكبّر، وظنّ أن الذي كان فيه شيء قاده إلى نفسه بحوله وقوّته، تهويلا من الشّيطان واستدراجا منه له. وكما كتب عبد الحميد «2» في مثله:

أما بعد، فقد بلغ أمير المؤمنين عنك أمر لم يحتمله لك، إلّا ما أحبّ من ربّ صنيعته قبلك، واستتمام معروفه إليك، وكان أمير المؤمنين أحقّ من أصلح ما فسد منك، وإنّك إن عدت لمثل مقالتك، وما بلغ أمير المؤمنين عنك، رأى في معاجلتك رأيه، فإن النّعمة إذا طالت بالعبد ممتدّة أبطرته، فأساء حمل الكرامة، واستثقل العافية، ونسب ما هو فيه إلى حيلته، وحسن نبته ورهطه وعشيرته، وإذا نزلت به الغير، وانكشفت عماية العشى عنه، ذلّ منقادا، وندم حسيرا، وتمكّن منه عدوّه، قادرا عليه، وقاهرا له. ولو أراد أمير المؤمنين مكافأتك بلفظك، ومعاجلة إفسادك، جمع بينه وبين من شهد فلتات خطئك وعظيم زلّتك، ولعمري لو حاول أمير المؤمنين مكافأتك بلفظك في مجلسك، وجحودك فضله عليك، لردّك إلى ما كنت عليه، ولكنت مستحقّا. وفي مثله: فإن صاحب البريد كتب إليّ عن أصحابك بكذا، فقلت: إنهم لم يقدموا على ما أقدموا عليه حتّى عجموك، فعرفوا خور عودك، وضعف مكسرك ومهانة نفسك، وأنّه لا غير عندك ولا نكير. ومن ذلك الذّمّ على الخطأ، كما كتب أحمد «1» بن يوسف: كأنّ البخل والشّؤم صارا معا في سهمه، وكانا قبل ذلك في قسمه، فحازهما لوارثه، واستحقّ ما استملك منهما بالشّفعة، وأشهد على حيازتهما أهل الدين والأمانة حتّى خلصا له من كلّ ممانع، وسلما له من تبعة كلّ منازع، فهو لا يصيب إلّا مخطئا، ولا يحسن إلّا ناسيا، ولا ينفق إلّا كارها، ولا ينصف إلّا صاغرا.

الصنف الثاني والعشرون (ما يكتب مع الإنعام لنواب السلطنة بالخيل والجوارح وغيرها من أنواع الإنعامات وهذا الصنف من المستعمل في زماننا كل وقت)

قلت: وهذا الصّنف من المكاتبات السلطانية لا يمتنع وقوعه في وقت من الأوقات؛ فإن عرض له موجب، راعى الكاتب فيه صورة الحال، وكتب على ما يوجبه المقام، وتقتضيه تلك الوقعة. الصنف الثاني والعشرون (ما يكتب مع الإنعام لنوّاب السّلطنة بالخيل والجوارح وغيرها من أنواع الإنعامات وهذا الصّنف من المستعمل في زماننا كلّ وقت) فأما ما يكتب مع الإنعام بالخيل، فقد جرت العادة أن السلطان ينعم بالخيل على نوّاب السلطنة بالشام، ويكتب بذلك مثالات شريفة إليهم، وربّما أنعم بالخيل وكتب بها في غير ذلك. وهذه نسخة مثال شريف من ذلك: ضاعف الله تعالى نعمة الجناب وخصّه من النّعم بما لا تحصى له آثار، ولا يتعلّق له بغبار، ولا يوصف بحال واحدة؛ لأنه إن جرى فبحر، وإن وقف فنار. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي بكلّ سلام لا تدرك لسوابقه غاية، ولا تحصى له نهاية، ولا يردّ منه كل ما جاء وله في وجهه كفلق الصّبح آية، ولا يتقدّم في ميدان إلّا وقد حمل له في كلّ مكان راية. وتوضّح لعلمه الكريم أنه قد جهّز له قرينها ما جرت به عادته من الحصن التي لا يدّعي البرق أنه لها نظير، ولا تجاري الرّياح من سوابقها ما يطير، كم لها في ميدان مجال، وكم لها في رؤية دوّيّة ارتجال، وكم دعي الوغى بها على كلّ ضامر فأتت رجالا تقدح سنابكها نارا، وتفيض جوانبها من الرّكض عقارا، ويتكفّل بديعها بكلّ مرام، وتعطي ما في يديها لأنها من الكرام، وقد تشرّفت من نعمنا الشريفة بالسّروج واللّجم والعدّة المكمّلة، وتحلّت من الذّهب والفضّة ما يغني بجملته المفصّلة، وأرسلناها إليه ترقص في أعنّتها زهوا، وتترك بطيب صهيلها كلّ بحر تخوضه إلى المنايا رهوا، وتوجّه بها فلان كالعرائس المجلوّة في حللها، والنّجوم لولا ما تميزت به من حلي عطلها، والسّحاب إلّا أنّها لا تحتاج منّة الرّياح في تنقّلها.

فليقابل هذه النّعمة الشريفة بشكرها، وليتسلّم هذه الصّدقات العميمة التي تعترف كلّ نعمة بقدرها، وليحمد الله من تفقّداتنا الشريفة على كرم فرس جاء وهو سابق، وجود جواد لا يدور معه السّحاب في طابق، ويعتمدها لارتقاء كلّ صهوة منيفة، وجهاد أعداء الله عليها بين أيدينا الشريفة، ويعيد الواصل بها إلى خدمة أبوابنا العالية، والله تعالى يديم عليه بنا النّعم المتوالية، إن شاء الله تعالى. آخر: ولا زال إقبالنا يمدّه من الصّافنات الجياد بما يباري الرّياح، ويتيمّن بغررها الصّباح، ويطلق أعنّتها في حلبة السّباق فتسبق بركضها ذوات الجناح، ولا برح إنعامنا يتحفه بكلّ طرف يبهج الطّرف، ويثلج الصّدر بما استمدّ عليه من الملاحة التي تروق العين وتفوق الوصف، ويفرده بما اجتمع فيه من الحسن واليمن، إذ هو واحد كالألف- تهدي إليه سلاما تعبق بطيب نشره أرجاءه، وثناء يعرب عما في ضميره من علوّ قدره وسموّ ذكره فيشرق سناؤه ويضاعف ثناؤه، وتوضّح لعلمه الكريم أنه غير خاف عنه ما يصل إلى أبوابنا الشريفة من الخيول البرقيّة في كلّ عام، وما نخصّه منها بكلّ ميمون الغرّة مبارك الطّلعة هنيء السّير على الإنعام، وقد أرسلنا إلى جنابه الكريم من ذلك سهمه، وأضفنا إلى ذلك ما استصلحناه من الخيل العربيّة الغربية والعتاق العجيبة العربية (؟) مما الخير معقود بنواصيها، فتزهق على صهواتها نفوس الأعداء وتستنزلها من صياصيها «1» ، فيأخذ الجناب العالي ما يخصّه من ذلك، ويفرّق الباقي على من رسمنا له به بيمن رأيه المبارك الذي لا يساهمه فيه أحد ولا يشارك، ويجهّز الخيل المخصوصة بفلان إليه، والله تعالى يضاعف عزّ ظهورها عند امتطائها لديه. وأمّا ما يكتب مع الإنعام بالجوارح [فممّا يكتب] «2» مع إرسال سنقر «3» :

وقد بعثنا إليه بسنقر كأنّه ملك متوّج، ورزق مروّج، تجرّأ على سفك الدّماء، وأبى أن يطلب رزقه إلّا من السماء، يودّ الكركيّ «1» لو خلص من مخاليبه، ويخاف أن يسلم من خرط «2» الشّبكة ويقع في كلاليبه، يدرك الصّيد ولا يؤجّله، ويرفع «3» صدره ثم يومي إليه برأسه كأنّه يستعجله، قد جمع من المحاسن كلّ الصّنوف، وكتبت عليه أسطر تقرأ بما تقرى به الضّيوف. ومما يكتب مع إرسال صقر» : وقد وجّهنا إليه بصقر لا تؤسى «5» له من الصّيد جراح، ولا يدع من وحش يسرح ولا طائر يطير بجناح، أينما توجّه «6» لا يأت إلّا بخير، وحيثما أطلق كان حتف الوحش والطّير، يدع أقطار الفلاة مجزرة، أو روضة بالدماء مزهرة، يجدّ إلى الطير في عنقه، ويحلّق إلى السماء فيرجع وطائره في عنقه، تخافه العفر على نفوسها، وتخضع له ولأمثاله فما تخرج إلّا والطّير على رؤوسها، يزيد خبره في مظانّ الصّيد على الخبر، وتخرج الظّباء وقد تسجّت «7» خوفا منه في ملاءة من العجاج مخيطة من قرونها بالإبر، شديد الأيد، قد بنى على الكسر حروف

الصّيد، يحمد مقتنيه أيامه الغرّ، ويقول له إذا تلفّت إلى الصيد: إن جلبت ضبعا «1» فأنت حر، لا يصحب مستصحبه معه إلّا مزاده، وأينما سار حامله- وهو «2» معه- كان معه زاده. ومما يكتب مع إرسال شاهين «3» : وقد وجّه إليه بشاهين إذا حلّق وراء الطّير شاهت به الوجوه، وشاهدت الآمال به ما ترجوه، قد أصبح كلّ محلّق الجناح «4» رهين يده، وكلّ سارب من الوحش طعام يومه أو غده، لا يتعبه خلف الطّريدة بعد المدى، ولا يردّه خوف مسافة ولا تقحّم ردى، ربيّة عام لم يمتّع بطول «5» ما دهر، وممتدّة «6» منه في الطّلق مثل ريح سليمان «7» غدوّها شهر ورواحها شهر. ومما يكتب مع إرسال كوهيّة «8» : وقد جهّزنا إليه كوهيّة، هي بالمحاسن حريّة، ولكثرة الإقدام جريّة «9» ، يكل بها صاحبها أمر مطبخه، ويمدّها «10» من الطير من ليس بمصرخه، لا نعفّ عن دم، ولا ترى أطرافها إلّا مثمرة «11» بعنّاب أو مخضّبة بعندم، قد أخلت من كلّ

سانح «1» ، ولبست زيّ الرّاهب المتعبّد وفتكت بكلّ سائح. ومما يكتب مع سقاوة «2» : وقد جهزنا إليه بسقاوة، مخاليبها على الطّير كالحديد أو أشدّ قساوة، تسيل دماء الصيد كالمذانب «3» ، وتكسو الأرض حبرا من رياش الحبارى وفراء من جلود الأرانب، وجعلت في قبضة الكفّ ما كانت العين عليه تدور، وتكفّلت بكفاية المطبخ وملأت القدور. ومما يكتب مع إرسال باز «4» : وقد بعثنا إليه بباز مهما لقي لقف، ومهما خطا لديه خطف، كأنّما خطّ جوهره «5» بقلم، أو ريش عليه من الصّباح والظّلم، قد أعدّ «6» للطوارق، وادّرأ بمثل الطّوارق، قد دحض حجج الحجل، وكسرها حتّى أبان عليها حمرة الخجل، لا يسأل في «7» الصيد عما نهب، ولا تعرف له قيمة إلّا أنّ له عينا من الذّهب. ومما يكتب مع الفهد «8» :

الصنف الثالث والعشرون (المكاتبة بالبشارة عن الخليفة بولد رزقه)

وقد أنعمنا عليه بفهد أهرت الشّدق، ظاهر الحذق، بادي العبوس، مدنّر الملبوس، شثن البراثن، ذي أنياب كالمدى ومخالب كالمحاجن، قد أخذ من الفلق والغسق إهابا، وتقمّص من نجل الحدق جلبابا، يضرب المثل في سرعة وثوب الأجل به وبشبهه، وتكاد الشّمس مذ لقّبوها بالغزالة لا تطلع من الوجل على وجهه، يسبق إلى الصيد مرامي طرفه، ويفوت لحظ مرسله إليه فلا يستكمل النظر إلّا وهو في كفّه، وتتقدّمه الضّواري إلى الوحش فإذا وثب له تعثّرت من خلفه. وأما ما يكتب مع الإنعام بالسلاح: فمن ذلك: وقد جهزنا إليه سيفا تلمع مخايل النّصر من غمده، وتشرق جواهر الفتح في فرنده، وإذا سابق الأجل إلى قبض النّفوس، عرف الأجل قدره فوقف عند حدّه، ومتى جرّد على ملك من ملوك العدا وهت عزائمه، وعجز جناح جيشه أن تنهض به قوادمه، وعلم أنه سيفنا الذي على عاتق الملك [الأعز] «1» نجاده وفي يد جبّار السموات قائمه. الصنف الثالث والعشرون (المكاتبة بالبشارة عن الخليفة بولد رزقه) والرسم فيها أن يذكر شرف الخلافة وعلوّ رتبتها، ويشير إلى تخصيص الخلافة بمصيرها إليه دون سائر البريّة، وانتقالها إليه بالتّوارث من آبائه الطاهرين كابرا عن كابر، وبقائها في عقبه إلى الأبد. ثم يتخلص إلى ذكر النّعمة على أمير المؤمنين التي أنعمها الله تعالى عليه، وأنّ من أعظمها نعمة أن رزقه الله تعالى ولدا، ويذكر اسمه وكنيته، ويصفه بما يناسبه. وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك، وهي: الحمد لله مؤيّد الإسلام بخلفائه الراشدين، ومظهر الإيمان بأوليائه الهادين، الذي جعل الإمامة كلمة باقية فيهم إلى يوم الدّين، وأقام منهم الحاضر المتّبع،

والمرجوّ المتوقّع، وأطلع منهم في سماء الهداية شهبا لا يخبو منها شهاب حتّى يتوقّد شهاب، وفتح بهم للإرشاد أبوابا لا يرتج منها باب حتّى يفتح باب. يحمده أمير المؤمنين أن فوّض إليه منازل آبائه، ووفّقه (؟) بانتقال ما ورثه من آبائه إلى أبنائه، ويسأله أن يصلّي على من كرّمه بولادته وشرّفه بالانتساب إلى شجرة سيدنا محمد خاتم رسله، المترجم عن توحيده وعدله، وعلى أخيه وابن عمّه عليّ بن أبي طالب قسيمه في فضله، ووصيّه على أمّته وأهله. وإن أولى النّعم بأن يفاض في شكرها، وتعطّر المحافل بنشرها، نعمة حاطت دعائم الدّين، وأمرّت حبل المسلمين، وتساوى في [تناول] «1» قطافها الكافّة، وآذنت بشيوع الرّحمة والرافة، وأضحت بها النّبوّة مشرقة الأنوار، والإمامة عالية المنار، والخلافة مختالة المنبر والسّرير، رافلة في حلل الابتهاج والسّرور. وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك، وقد رزقه الله تعالى ولدا ذكرا مباركا رضيّا، سمّاه فلانا، وكنّاه أبا فلان، فجلا بنهار غرّته الدّامس، وافترّ بمقدمه العابس، واخضرّ بيمن [نقيبته] «2» اليابس، ووثقت الآمال بسعادة مقدمه، وتطلّعت الأعناق إلى جوده وكرمه، مبشّرا لك بهذه النّعمى الحسنة الأثر، القليلة الخطر، علما بمكانك من ولائه ومخالصته، وسرورك بما يفيضه الله عليه من شآبيب نعمته، لتأخذ من المسرّة والجذل بحظّ المولى المخلص، والعبد المتخصّص، ولتشيع مضمون كتابه فيمن قبلك من الأولياء، ليشاركونا في الشّكر والثّناء؛ فاعلم هذا واعمل به، إن شاء الله تعالى. [قلت] «3» وهذا الصّنف من المكاتبات السلطانية مستعمل في البشارة عن السلطان إذا حدث له ولد، فيكتب بالبشارة به إلى نوّاب السلطنة وأهل المملكة.

الصنف الرابع والعشرون (ما يكتب عن السلطان بالبشارة بعافيته من مرض)

الصنف الرابع والعشرون (ما يكتب عن السلطان بالبشارة بعافيته من مرض) وهذه نسخة كتاب بعافية الملك النّاصر «محمد «1» بن قلاوون» من مرض، إلى صاحب ماردين «2» ، وهو: ولا زالت البشائر على سمعه الكريم متواترة، والمسارّ إلى مقام ملكه سائرة، والتّهاني، ببلوغ الأماني، من كمال شفائنا تجعل ثغور الثّغور باسمة ووجوه الدّهور ناضرة، ونعم الله تعالى مقابلة بالشّكر الجزيل على أن أجدّ ملك الإسلام بافتقاده، وأبقي للدّين المحمديّ ناصره. أصدرناها إلى المقام العالي ومواردنا من الصّحّة حلوة في الأفواه، وألسنتنا شاكرة لنعم الله، وعافيتنا تجدّد في كلّ جديد، وصحّتنا قد بلغت من المزيد ما نريد، وقد ألبسنا الله تعالى من الشّفاء ثوبا قشيبا، ونصرنا نصرا عزيزا وفتح لنا فتحا مبينا، تهدي إليه سلاما تتأرج به أرجاء ملكه، وثناء تنتظم الأثنية في سلكه، وتوضح لعلمه الكريم ما حصل من عافيتنا التي تضاعف بها فرح الإسلام والمسلمين، ووجب الشّكر عليهم والحمد لله ربّ العالمين. الضرب الثاني (من مقاصد المكاتبات السلطانية ما يكتب عن السلطان في الجواب) وكلّ معنى من المعاني الوارد بها الكتاب إليه يستقّ جوابه منها، وغالب ما يعتنى به من ذلك جواب ما يرد من المكاتبات بالتّقادم والهدايا، وما في معنى ذلك. وهذه أدعية من ذلك يستضاء بها في أوائل الأجوبة عن المعاني التي ترد فيها. جواب سلطانيّ عن وصول خيل: ولا زال يتحف بكلّ صاهل في الجحفل،

جمال في المحفل، وأجرد إذا أمّ غاية لمعت في أثره البروق تتطفّل، ومسوّم يلتزم جلاله بمزيد جلاله، وكيف لا وهي إذا أسدلت عليه يتكفّل؟ أصدرناها والعطر يضوع من سلامها، والمسك يفوح من ختامها، وآثار الندى تحكي آثار أقلامها. آخر في المعنى: ولا زال محتفلا بالجياد وإرسالها، ومهديا لركابنا الشّريف السّوابق التي إذا لم يسابقها شيء من الحيوان تجلّت في مسابقة ظلالها، وينتقي لمواكبنا الخيول التي إذا أصبحت في مدّى أصبحت الرياح تتعلق بأذيالها. أصدرناها. آخر في مثله: ولا زال يهدي إلينا من الجياد بحرا، ويقود من العراب «1» ما تملأ غرّته المواكب بشرا، وإذا طلع في الكتيبة يزيدها عزّا ونصرا، من كلّ طرف تأصّل حسنا وحسن إهابا وجلّ قدرا. آخر في مثله: وأعلى له على صهوات العتاق مرتقى، وخصّه بكلّ جواد وهو منتقل إليه منتقى، وأطلع عليه نواصي الصّوافن «2» التي عقد الخير بها عقدا موثقا. أصدرناها ونور التّحايا من أرجائها ينير، ومفاخرها تشرّف بها كلّ منبر وسرير، وركائب أثنيتها تسير إلى مقامه فتطيب راحلة في ذلك المسير. آخر في مثله: ولا زال يهدي من الجياد المسوّمة أصائلها، ويتحف مما يحييه عند الوفادة عليه صاهلها، ويقابل أكرم غرّة، الخير معقود بناصيتها واليمن يقابلها، ويمتّع بأعزّ جواد حلية الشّفق دون إهابه إذ يماثلها، وسرعة البرق خفّته إذ يساجلها.

الضرب الثالث (من الكتب السلطانية الكتب الصادرة عن نواب السلطنة إلى النواب بسبب ما يرد عليهم من المثالات السلطانية)

الضرب الثالث (من الكتب السلطانية الكتب الصادرة عن نوّاب السلطنة إلى النوّاب بسبب ما يرد عليهم من المثالات السلطانية) اعلم أنه قد جرت العادة بأنّه إذا ورد على نائب السلطنة بالشّام مثال شريف من الأبواب السلطانية، يأمرهم «1» كتب نائب الشّام إلى نوّاب السلطنة بورود المثال الشريف مبشّرا بذلك، ويجهز إلى كلّ منهم مع المثال الوارد إلى كلّ نائب من نوّاب السلطان معنى المثال الوارد من الأبواب السلطانية بذلك. إلّا أنه يكون حاكيا لصورة المثال الوارد بذلك، لا أنّه مبتدئه، ويشتمل ذلك على عدّة أمور: فمن ذلك جلوس السلطان على تخت الملك، فيخبر نائب الشّام في الكتاب الصادر عنه إلى بعض النوّاب بأنّ المثال الشريف ورد عليه بذلك، وأنه ورد كتاب إلى المكتوب إليه فجهزه إليه. [وهذه نسخة كتاب من ذلك] كتب به عن نائب الشّام إلى بعض نوّاب «2» السلطنة، بالبشارة بسلطنة السلطان الملك الصّالح إسماعيل «3» بن الناصر محمد ابن قلاوون، وقد ورد على يد بعض الحجّاب، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن «4»

نباتة، في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وهي بعد الصدر: أمتعه [الله] من البشائر بما يتوضّح على جبين الصّباح بشره، وبما يترجّح على ميزان الكواكب قدره، وبما ينفسح من أوقات أمن لا يختصم في ظلّها زيد وعمرو حتّى يقال: ولا زيد النّحو وعمره. وينهي بعد دعاء يتبلّج في الليل فجره، وثناء يتأرّج في طيّ النّسيم نشره، وولاء يتساوى في درجات الصّفاء سرّه وجهره، أنّ خير البشائر ما خصّ أولياء الدّولة الشريفة وعمّ الرعايا، وسما إلى ثغور الإسلام خبره الجليّ فقال: (وافر) «أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا» «1» وقسمت مسرّته على كافلي الممالك فقالت مملكة مولانا (وافر) «لنا المرباع منها والصّفايا» . وسلك المملوك من الإسراع بإشاعته الحقّ الواجب وجهّز خدمته بين يدي المثال الشريف الذي سبق طائر يمنه ولكنّه جاء في خدمته حاجب، وهي البشرى الواردة في الأمثلة الشريفة السلطانية، المالكية الملكيه، الصالحية العماديه، العريقة في نسب النّصر بالأنساب النّاصريّة المنصورة، أعلى الله تعالى أبدا على قواعد الملك عمادها، وصرّف بها الأعنّة لما سرّ وصرفها عمّا دهى، بجلوسه على كرسيّ المملكة الذي هو آية سعده الكبرى، وتخت السّلطنة الذي عاينه ملك الجود والعلم فقال: السّلام عليك بحرا، وإجماع الأمة على أنه صالح المؤمنين، وكفاة الحلّ والعقد على أنه سلطان الإسلام والمسلمين، وأركان البيت النّاصريّ على أنه عماده، وعلى أنه سنده المكمّل وإذا انقضّ بيت سناده، فيا له جلوسا قامت فيه كواكب السّعد مشدودة المناطق، وياله إجماعا اتفق فيه- حتى من تصميم السيوف وتعبير الأقلام- كلّ صامت وناطق،

وياله بيت ملك أبى الله إلّا أن يقيم وزنه أفضل الأفاعيل، وياله ملكا قال الدّهر الطويل انتظاره: الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل «1» ويا له أمرا بلّغ خبره وخبره الأوطار والأوطان، ونفذت برده المصرية على حين فترة تالية له السّعود: فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان «2» وحشر الناس ضحى ليوم الزّينة، وجاءوا إليها مستبشرين من أدنى وأقصى كلّ من في المدينة، وضربت البشائر ويا عجبا! إنّها تضرب ومكانتها من القلوب مكينة. حتّى إذا أخذت مصر حظّها من الهناء قسّمت على الأمصار، وأضاء بارق نشرها من كلّ وجه فسمت بالشّامات غرّة الأبصار، وركض بريد الخير بمبارك باب البريد ووصل نيل النّيل إلى أنهار دمشق فبردى على الشّكر ثابت ويزيد، وبشّر الإسلام من وجه الخلف الصّالح بأكرم من برّ، واستفاض الاسم الشريف، فلو كلّف مشتاق فوق وسعه لسعى إليه المنبر. فالحمد لله على أن سرّ البيت الشريف النّاصريّ بجمع شمله، وعلى أن أتى الملك العقيم الصّالح من أهله، وقد جهّز المملوك المثال الشّريف المختصّ بمولانا، ومولانا أولى من انتظمت لديه درر هذه الأخبار الثّمينة، وعظّمت بناحيته شعائر هذه الدّولة المكينة، وكمّل لخير حماه خير قرينة، والله تعالى يعزّ الإسلام بعزمه، ويمضي الآجال والأرزاق على يدي حربه وسلمه، وينجز لرأيه ورايته النّصر قبل أن يطوف الأولياء بعلمه، وقبل أن يحيط الأذكياء بعلمه. ومن ذلك الكتابة بورود مثال شريف بعافية السلطان الملك الصالح عماد الدّين إسماعيل، بن الناصر محمد بن قلاوون، في خلافة الحاكم بأمر الله أحمد ابن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان «3» من إنشاء الشيخ جمال الدّين بن نباتة، وهي بعد الألقاب:

أورد الله عليه من الهناء كلّ سريّ يسرّه، وكلّ سنيّ يقرّ أمام ناظره الكريم ويقرّه، وكلّ وفيّ إذا طلع في آفاق حلب قيل: لله درّه، ولا زالت البشائر تلقاه بكل وجه جميل، وبكلّ جليّ جليل، وبكلّ خبر تصحّ الدنيا بصحّته فليس بها غير النسيم عليل، تقبيلا يزاحم عقود الثّغور، ويكاد يمنع ضمّ الشّفتين للّثم طول الابتسام للسّرور، وينهي بعد رفع اليد بدعائه، وضمّ الجوانح على ولائه، وجزم الهناء المشترك بمسرّة مولانا وهنائه، أن المثال الشريف زاده الله شرفا، وزاد فضل سلطانه على العباد سرفا، ورد بالبشارة العظمى، والنّعماء التي ما ضاهتها الأيام قبل بنعمى، والمسرّة التي يأكل حديثها أحاديث المسرّات أكلا لمّا، ويحبّها الإسلام والمسلمون حبا جمّا، بسلامة جوهر الجسد الشريف من ذلك العرض، وشفائه الذي في عيون الأعداء منه شفار تطعن وفي قلوبهم مرض، وأن مادّة الأدواء بحمد الله قد انحسمت، والواردة من الافتقاد بالأجر والعافية قد ابتسمت، وأن ظنون الإشفاق قد اضمحلّت، ونسمات الرّوض قد فدت الجسم الشّريف فاعتلّت، وأخبار الهناء يعيّنها كلّ بريد نشوان من الفرح [ينشد] أسائلها أيّ المواطن حلّت، فيالها بشارة خصّت الإسلام وعمّت بنيه، وسارت فوق الأرض وسرت تحتها أسلاف الملك ومبتنيه، وشملت البلاد وعبادها، والسّلطنة وقد حجب الله عمادها عمّا دهى، والملك السليمانيّ وقد ثبّت الله به على الدنيا من السماء خيمتها ومن الجبال أوتادها، والطّير وقد حملت ورقه أوراق السّرور، والوحش وقد قالت مهاه: على عيني أتحمّل ذلك السّقام أو ذلك الفتور، ذلك الفضل من الله وكفى

بالله عليما «1» والألطاف الرّاحم بها المؤمنين من خلقه وكان بالمؤمنين رحيما «2» وكان ورود هذا المثال الشّريف على يد فلان، فياله من وارد لمشارع الأمن أورد، ولروائع الناس عن القلوب حجب أو ردّ، وقد جهزه المملوك بالمثال الشريف المختصّ بمولانا وهذه الخدمة بعد أن ضربت البشائر مسوّغة في كلّ ضرب من التهاني، وزيّنت البلد زينة ما نظمت فيها غير العقود أيدي الغواني، فيأخذ حظّه من هذه البشرى، ونصيبه من هذا الوجه الذي ملأ الوجود بشرا، وشطره من الهناء المخصوص الذي تعجّل منه المملوك شطرا، والله تعالى يسرّه بكلّ خير تشرق زواهره، وتعبق في كمائم الدّروج أزاهره، ويتألّق على يد بريده من المخلقات كلّ كوكب صبح تملأ الدنيا بشائره. ومن ذلك المكاتبة بورود المثال الشريف بوفاء النّيل: إذا ورد على نائب الشام بوفاء النّيل المبارك، كتب نائب الشّام عن نفسه إلى نائب حلب وغيره، من نوّاب السلطنة بالممالك الشامية، بورود المثال الشريف عليه بذلك، ويكتب عنه، كما يكتب عن السلطان، من السّجع، وإيراده مورد البشارة، وإظهار الفرح والسرور بذلك، لا يكاد يخالفه إلّا في كونه واردا مورد الحكاية لمثال السلطان، ومثال السلطان مخبر بذلك ابتداء. وهذه نسخة مثال كريم من ذلك عن نائب الشّام، من إنشاء الشيخ جمال الدّين بن نباته، كتب به لسنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وهي بعد الصدر: لا زالت مبشّرة بكلّ مبهجة، معطّرة الأرجاء بكلّ سائرة أرجة، ميسّرة الأوقات بمقدّمتي سماع وعيان، كلاهما للمسارّ منتجة، مستحضرة في معالي الكرم كلّ دقيقة تشهد بسطة النّيل أنها ارفع درجة، وينهي بعد دعاء ما الرّوض أعطر من شذاه، ولا ماء النّيل وإن كرم وفاء بأوفى من جداه، أن المرسوم الشريف

زاده الله تعالى شرفا، ورد بوفاء النّيل المبارك وحبّذا هو من وفيّ موافي «1» ، ومتغيّر المجرى وعيش البلاد به العيش الصّافي، وحسن الزّيارة والرّحيل ما ضاهته الغيوث في ولافي، ووارد من معبّد بعيد، وحميل «2» لا جرم أن مدّه ثابت «3» ويزيد، وجائد إذا تتابع حيث تيّاره يقلّد برّه ودرّه من الأرض وساكنها كلّ جيد، وإذا ذكر الخصب لمكان عيده المشهود ألقى السّمع وهو شهيد، وذلك في يوم كذا، وأن البلاد جبرت بكسر خليجه، واستقامت أحوالها بتفريجه، وأثنت عليه بآلائه، ووسمت لونه الأصهب على رغم الصّهباء بأحسن أسمائه، وخلّق فملأت الدّنيا بشائر مخلّقه، وعلّق ستره المصريّ التّبريّ فزكا على معلّقه، وحلّق مسير تراعه على القرى فبات على النّدا ضيف محلّقه، وحدّث عن البحر ولا حرج، وانعرج على البقاع يلوي معصمه فلله أوقات ذلك اللّوى والمنعرج، واستقرّت الرعايا آمنين آملين، وقطع دابر الجدب بسعود هذه الدّولة القاهرة وقيل الحمد لله رب العالمين «4» ورسم أن لا يجبى حقّ بشارة، ولا تعبث يد التنقيص منها ليزداد الخبر نورا على نور، ويكون في إيثاره وحسنه الخبر الحسن المأثور، ووصل بهذا الخبر فلان وعلى يده مثال شريف يختص بمولانا وقد جهز به، فيأخذ مولانا حظّه من هذه البشرى، ويوضّح بها على كلّ الوجوه بشرا، والله تعالى يملأ له بالمسرّات صدرا، ويضع بعدله عن الرعية إصرا «5» ، ويسرّهم في أيامه بكلّ وارد يقول الإحسان لمتحمّله: لو شئت لاتخذت عليه أجرا «6» إن شاء الله تعالى.

وهذه نسخة كتاب آخر في المعنى إلى بعض النوّاب، من إنشاء الشيخ جمال الدّين بن نباتة أيضا، وهي بعد الصدر: وضاعف موادّ نعمه ونعمائه، ومسرّته وهنائه، وحفظ عليه ما وهبه من المناقب التي يروي النّيل عن كرمه ووفائه، وشرّف السّيوف لكونها من سمات كرمه والسّيول لكونها من سمائه. المملوك يجدّد الخدمة بنفحات سلامه وثنائه، ويصف ولاء لو تجسّم لا ستمدّت عين الشمس من سنائه، وينهي أن المرسوم الشريف زاده الله تعالى شرفا، ورد مبشّرا بوفاء النيل المبارك في يوم كذا، فياله ربيعا جاء في ربيع، وحاملا في مفرده الفضل الجميع، وداعيا بالخصب ينشد كلّ ثانية اثنين ريحانة الدّاعي السميع، ومتغنّيا على منصّة المقياس عرسه يجلى عليه من شباكها السّتر الرفيع، وأنه أقبل والبلاد أشهى ما تكون للقياه، وأشوق ما ترى لمباشرة ريّه وريّاه، وقد امتدّت أيدي الجسور لفمه، واستعدّت شفاه الحروف اللّعس للثمه، فكرم عليها زائره، وصحبها بالنّجح ساريه وسائره، ودارت على الجدب من خطوط الأمواج دوائره، وعمّت المنافع، وتلقت عيون الفلا ناهلة بالأصابع، وفاض البحر ببرّه، ونشر رداءه على الأرض وسيضوع روضها بنشره، وخلّق المقياس فيالك من قياس بشرى غير ممنوع، وكسر الخليج فياله غصن قلم على النيل وطائر سجعه على الفرات مسموع، ورسم أن لا يجبى حقّ بشارة، ولا يدخل فيها النقيص لدار ولا التنغيص لدارة، ووصل بهذا الأمر فلان وقد جهّز بما على يده، والله تعالى يمتّع مولانا من أقسام المسارّ بصنوف، ويدفع عن حصون الإسلام بيمنه أيدي الصّروف، وينفعها بظلاله التي آواها ملكه الكريم إلى جنّة، وكذلك الجنّة تحت ظلال السّيوف.

الضرب الرابع (من المكاتبات السلطانية ما يكتب عن النواب والأتباع إلى الخليفة أو السلطان، وفيه مهيعان)

الضرب الرابع (من المكاتبات السّلطانية ما يكتب عن النّوّاب والأتباع إلى الخليفة أو السلطان، وفيه مهيعان) المهيع الأوّل (في الأجوبة عن الكتب السلطانية السابقة في الضّرب الأوّل) قد تقدّم في الكلام على مقدّمة المكاتبات في أوّل هذه المقالة ذكر الخلاف: هل الكتب الابتدائية [أعلى رتبة] «1» في الإتيان بها أم الجوابية؟ وذكر الاحتجاج لكلّ من المذهبين، وذكر التحقيق في ذلك، فليراجع من موضعه هناك. ونحن نذكر الكلام على أجوبة الكتب السابقة على الترتيب المتقدّم، جارين في ذلك على ما قرّره في «موادّ البيان» . فأما الجواب عن الكتاب الوارد بانتقال الخلافة إلى الخليفة، فإنّ الكتاب إن كان متضمنا التعزية في سلفه، والهناء بمتجدّد النعمة عنده في انتقال الخلافة إليه فالرّسم فيما يكاتب به عن الخليفة أن يبنى على الاستبشار بالنّعمة في خلافته، والمسارعة بإخلاص الضمير إلى الدّخول في طاعته وبيعته، وانفساح الآمال في دولته، والشّكر لله تعالى على جبر الوهن وعلوّ كلمة الإسلام والمسلمين بدعوته، وتعزيته عن أبيه، بما يوجبه محلّ المحنة ويقتضيه، يعني إن كان الخليفة الميّت أباه، فالدعاء له بأن ينهضه الله تعالى بما حمّله، ويعينه على ما كفّله، ويقرن ملكه بالجدّ السعيد، والخلود والتأييد، وإدالة الأولياء، وإذالة الأعداء، ونحو هذا مما يجاريه. وإن كان الكتاب الوارد بانتقال الخلافة إليه عن أبيه، ومن في معناه ممّن يواليه في المحبّة، فإن الكاتب يحوم في الجواب على ما حصل بذلك من صلاح حال الأمّة، واستقامة أمر الرّعيّه بانتقال الخلافة إليه، من غير أن يصرّح بذمّ

الذاهب قبله. ولا يخفى أن الجواب عن ورود الكتاب بانتقال السلطنة إلى السلطان وجلوسه على تخت الملك في معنى الجواب في انتقال الخلافة إلى الخليفة، لا يكاد يفرق بينهما، على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وأما الجواب عن الكتب الواردة بالدعاء إلى الدّين، فإنما يتكلّفها كتّاب مخالفي الملّة؛ لأنها إنما تصدر إليهم. قال في «موادّ البيان» «1» : إلّا أنه لا غنى لكتّاب الإسلام عن علم ما يقع فيها، لتتقدّم عندهم المعرفة بما يجيب به المخالفون، فيأخذوا عليهم بأطراف الحجّة إذا كاتبوهم ابتداء أو جوابا. قال: ولا تخلو أجوبة هذه الكتب من أربعة معان: أحدها- إجابة الدعاء إلى الدّين، وقبول الإرشاد والهدى، والنّزوع عن الغيّ، والإقبال على التّبصرة والتذكرة، بعقائد خالصة، ونيّات صريحة. والثاني- الإصرار على ما هم متمسّكون به، وتمحّل الشّبهة في نصرته، وادّعاء الحقّ فيما يعتقدونه، والمغالطة عن الإجابة إلى قبول ما دعوا إليه. والثالث- بذل الجزية والمصالحة، والجنوح إلى السّلم والموادعة. والرابع- إظهار الحميّة، والقيام في دفاع من يروم اقتسارهم على مفارقة شرائعهم وأديانهم، وبذل الأنفس في مقارعته. وأما الجواب عن الكتب الواردة بالحثّ على الجهاد، فقد ذكر في «موادّ البيان» أنها لا تخرج عن معنيين: أحدهما- إجابة الصّريخ، والمبادرة إلى التّشمير في الجهاد، والقيام في معونة الأولياء، على كفاح الأعداء. والثاني- الاعتذار والتّعلّل والتّثاقل. هذا إن كانت الكتب صادرة إلى القوّاد والمقدّمين، أما إذا كانت مقصورة

على الاستنفار، فلا جواب لها إلّا النّفور أو الإمساك. قال في «موادّ البيان» : والطريق إلى إقامة العذر للمستصرخ في التأخّر عن مستصرخه متى أراد الاعتذار عنه صعب على الكاتب، ولا سيّما إذا كانت الأعذار متكلّفة غير صحيحة. قال: وينبغي أن يتأتّى لذلك ويحسن التلطّف فيه، ولا يعتلّ بكذب صراح ينكشف للمعتذر إليه. وأما الجواب عن الكتب الواردة بالحثّ على لزوم الطاعة، إذا وردت على النوّاب والولاة وأمروا بقراءتها في أعمالهم على الرّعايا، فإنه يكون: إما بانقياد الرّعايا إلى ما دعوا إليه، أو استدامتهم لمركب النّفاق، واستدعاء مادّة لتقويمهم. وأما الجواب عن الكتب إلى من نكث عهده من المعاهدين، فقد ذكر في «موادّ البيان» أنها لا تخلو من أحد أربعة معان: أوّلها- الاعتذار والاستقالة من مراجعة النّكث، والرغبة في الصفح عن النّبوة، والمسامحة بالهفوة. والثاني- المغالطة والمراوغة، واستعمال المداهنة والمخادعة. والثالث- التّجليح والمكاشفة. والرابع- إيجاب الحجّة على المجوب (؟) عنه في أنه المبتديء بفسخ ما عاقد عليه. قال: والكاتب إذا كان ماهرا كسا كلّ معنى من هذه المعاني الغرض اللّائق به في الصناعة. وأما الجواب عن الكتب إلى من خلع الطاعة، فقد قال في «موادّ البيان» : إنها تحتمل معنيين: أحدهما الاعتذار، والآخر الإصرار، وكلّ واحد منهما محتاج إلى عبارة لائقة به، ثم قال: والكاتب إذا كان حاذقا، عرف سبيل التّخلّص فيها بمشيئة الله تعالى. وأما الجواب عن الكتب الواردة بالفتوح، فإنّها إن صدرت من السلطان إلى ولاته، فينبغي أن يبنى جوابها على الاستبشار بموقع النّعم في الظّفر بالعدوّ،

والجذل بمتجدّد الفتح، وأنّ ذلك إنّما تهيّأ بسعادته، وعلوّ رأيه وانبساط هيبته، وما عوّده من إظهار أوليائه، وخذلان أعدائه، وأنّهم قد أشاعوا هذا النبأ في الخاصّة والعامّة من رعاياه فابتهجوا به، وشكروا الله تعالى عليه ودعوا له بصالح الدعاء. وإن صدرت من ولاة الحرب إلى السلطان، فينبغي أن يكون ما يجيبهم به مبنيّا على حمد الله تعالى على عوارفه، والرّغبة في مضاعفة لطائفه، وشكره على إنجاز وعده في الإظفار بأعداء الملّة والدّولة ونحو هذا. ومخاطبة أهل الطاعة بما يرهف عزائمهم، ويقوّي شوكتهم، وتقريظ والي الحرب ووصفه بما يشحذ بصيرته في الخدمة، والثّناء على الأجناد، ووعدهم بجزيل الجزاء على الجهاد والإبلاء، إلى غير هذا مما يقتضيه الحال، ويوجبه تدبير الأمر الحاضر. وأما الجواب عن الكتب الواردة بالاعتذار عن السلطان عند ما يحصل له زلل في التدبير أو [في] الظّفر بقبض الأعداء على جيش من جيوشه، فإنما تقع الإجابة عنها إذا نفّذت إلى أحد العمّال خصوصا. قال في «موادّ البيان» : وحينئذ فينبغي أن يكون الجواب عنها مبنيّا على تقوية نفس السلطان وتوثيقه بالأدلّة، وأن ما ناله لا يتوجّه كثيرا على ذوي الحرم، إلّا أن عواقب الفلج والظّفر والإصابة في الرّأي والتدبير تكون لهم، ونحو هذا مما يجاريه ويليق به. قال: أما إذا كانت المكاتبة في ذلك إلى الكافّة، ممهّدة لعذر السلطان، قاطعة قالة «1» الرّعية عنه، فإنه لا جواب عنها؛ لأنها إذا لم توجّه إلى واحد بعينه لا تستدعي خطابا. وأما الجواب عن الكتب الواردة عن السلطان بالنّهي عن التّنازع في الدّين، إذا صدرت إلى العمّال، وأمروا بقراءتها على الرّعايا على منابر أعمالهم، فإنه يبنى الأمر فيها على امتثال الأمر، والمطالعة بارتسام القوم ما رسم لهم فيها. أما إذا كانت صادرة لتقرأ على العامّة ليبصروا ما فيها ويعلموا عليه، فإنه لا جواب عنها؛

لأنها إنما تشتمل على مواعظ ومراشد تتخوّل بها الأئمة رعاياهم. وأما الجواب عن الكتب الواردة بالأوامر والنّواهي، فقد ذكر في «موادّ البيان» أن الكتاب الوارد في ذلك، إن كان شيئا قد جزم المتبوع فيه الأمر، وضيّق على التّابع في إيثاره سبيل المراجعة فيه، فإن الجواب عنه سهل؛ لأنه إنما يجيب بجواب جامع، وهو وقوفه على أمر به وإنفاذه له. وإن كان الوارد أمرا محتملا للمراجعة، من حيث إنّ في إمضائه إذا أمضي إفسادا للعمل، وإخلالا بأسباب الملك والسلطان، فالجواب عنه شاقّ صعب؛ لأنه ينبغي أن يبنى على تلطّف شديد في الإبانة عما ينتجه ذلك المأمور به إذا أنفذ على وجهه من فتق وخلل، ومورد المراجعة في ألفاظه لا يتبيّن فيه إزراء على رأي الرئيس ولا طعن في تدبيره، بأن تكون ناطقة بأنّ رأيه الأعلى، وتدبيره الأصوب، فيكون باطن الكلام توقيفا على الصّواب، وظاهره تصويبا وتقريظا؛ لأن كثيرا من الرؤساء والملوك يعجبون بآرائهم، وينزلون أنفسهم بحكم الرياسة في منزلة من لا يراجع ولا يعارض فيما يأمر به. قال: وقد تأتي من كتب الأوامر كتب يأمر الرئيس فيها المرؤوس بشرح حال واقتصاص أمور. ثم قال: وأجوبة هذه الكتب يجب أن تكون مستقصية للمعنى المنشرح، مستولية على حواشيه، غير مخلّة بشيء مما يحتاج إلى تعرّفه منه. وأما الجواب عن الكتب الواردة عن الإمام عند حدوث الآيات السماوية، وهي مشتملة على مواعظ ومراشد يتخوّل بها الأئمة رعاياهم، فإذا صدرت إلى العمّال وأمروا بقراءتها على الرّعايا، فأجوبتها إنما تبنى على امتثال الأمر والمطالعة بارتسام القوم ما رسم لهم فيها. أما إذا كانت صادرة لتقرأ على العامّة ليتبصّروا بما فيها ويعملوا عليه، فإنه لا جواب عنها. وأما الجواب عن التّنبيه على مواسم العبادة، فإنه يصدر عمّن ورد عنه إلى الإمام بعد شهود ذلك الموسم، والانفصال عنه على حال السلامة، كما في صلاة

العيد ونحوها. قال في «موادّ البيان» : وأجوبتها تصدر إلى الخلفاء مقصورة على ذكر ما منّ الله تعالى به من قضاء الفريضة على حال الائتلاف والاتّفاق، وشمول الأمن والهدي والسّكون، وسبوغ النّعمة على الكافّة، وأن ذلك بسعادة وعناية الله تعالى بدولته وبرعيّته، ونحوها ممّا يقتضيه المعنى. وأما الجواب عن الكتب الواردة عن الإمام إلى ولاة أمره بالسلامة في ركوب أوّل العام وغرّة رمضان، والجمعة الأولى والثانية والثالثة منه، وعيدي الفطر والأضحى، وفتح الخليج بعد وفاء النيل، فقد قال في «موادّ البيان» : إنّه إن كان الكتاب عن السلامة في صلاة العيدين أو جمع رمضان، فينبغي أن يكون مبنيّا على ورود كتبه متضمنة ما أعان الله تعالى عليه أمير المؤمنين من تأدية فريضته، والجمع في صلاة عيد كذا برعيّته، وما ألبسه الله تعالى من الهدي والوقار، وأفاضه عليه من البهاء والأنوار، وبروزه في خاصّته وعامّته إلى مصلّاه، وسماع خطبته وعوده إلى قصره الزاهر، وعليه تلألأ القبول لصلاته ودعائه، مما أجراه الله تعالى فيه على عادة آلائه، ووقف عليه وقابله بالشكر والإحماد، والاعتراف والاعتداد، وافتضّه على رؤوس الأشهاد، فأغرقوا في شكر الله تعالى على الموهبة في أمير المؤمنين، ورغبوا إليه في إطالة بقائه مراميا عن الإسلام والمسلمين، ونحو هذا مما يجاريه. ثم قال: فإذا نفّذت هذه الكتب من العمّال إلى أمير المؤمنين مبشّرة باجتماع رعاياه لتأدية فريضتهم، وعودهم إلى منازلهم سالمين، فينبغي أن يكون الجواب عنها: «وصل كتابك متضمّنا ما لا يزال الله تعالى يوليه لأمير المؤمنين في رعيّته، وخاصّته وعامّته، من اتفاق كلمتهم، وائتلاف أفئدتهم وسلامة كافّتهم، وما منّ الله به عليه وعليهم من اجتماعهم لتأدية فريضتهم، وعودهم إلى منازلهم، على السّلامة من ضمائرهم، والطّهارة من سرائرهم، فحمد أمير المؤمنين الله تعالى على ذلك وسأله مزيدهم منه، وتوفيقهم لما يرضيه عنهم، وشكر مسعاك في سياستهم، وامتداد يدك في إيالتهم، وهو يأمرك أن تجري على عادتك، وتسير فيهم بجميل سيرتك» وما يليق بهذا. ثم بنى على ذلك سائر كتب السلامة، وقال: ينبغي أن يستنبط من نفس كلّ

كتاب منها المعنى الذي تجب الإجابة به، مثل أن يكون الكتاب ورد من أمير المؤمنين إلى أحد عمّاله، مبشّرا بسلامته من سفره، فينبغي أن يبنى جوابه على ما صورته: «ورد كتاب أمير المؤمنين مبشّرا عبده بما هيّأه الله تعالى له من السلامة ويمن الوجهة، مع تقريب الشّقّة، وإنالة المسارّ، وتسهيل الأوطار، وإدناء الدار، فوقف العبد عليه، وامتثل المرسوم في إطلاع الأولياء على ما نصّ فيه من هذه البشرى، فعظمت المنحة لديهم، وجلّت النّعمة عندهم، وانشرحت صدورهم، وانفسحت آمالهم، ووفّقوا بصنع الله تعالى لهم، وارتفعت أيديهم إلى الله سبحانه بالرغبة في حياطة أمير المؤمنين قاطنا وظاعنا، وحسن صحابته حالّا وراحلا، وجميل الخلافة على من خلفه من حامّته «1» وعامّته، وأهل دعوته وخاصّة دولته، والله تعالى يجيب في أمير المؤمنين صالح الدّعاء، ويمدّه بطول البقاء» وما ينتظم في سلك هذا الكلام ويضاهيه. قلت: وقد تقدّم في الكلام على المكاتبة السلطانية الابتدائية، أن المكاتبة بالبشارة بالسلامة في ركوب العيدين وما في معناهما من قدوم السّفر وغيره، قد ترك استعماله بديوان الإنشاء في زماننا. فإن قدّر مثله في هذه الأيام، أجراه الكاتب على نحو مما تقدّم، على ما يقتضيه مصطلح الزمان في المكاتبات السلطانية. وأما الجواب عن الكتب الواردة بالخلع وما في معنى ذلك، فينبغي أن يكون مبنيّا على تعظيم المنّة، والاعتراف بجزالة المنحة، وجميل العطية، وزائد الفضل، وأن ما أسدي إليه من ذلك تفضّل عليه، وتطوّل من غير استحقاق لذلك، بل فائض فضل، وجزيل امتنان، وأنه عاجز عن شكر هذه النّعمة والقيام بواجبها، لا يستطيع لها مكافأة غير الرّغبة إلى الله تعالى بالأدعية لهذه الدّولة. وما يناسب ذلك من الكلام ويلائمه. وأما الجواب عن الكتب بالتّنويه والتلقيب إذا صدرت إلى نوّاب المملكة،

فالذي ذكره في «موادّ البيان» أن المنوّه به يجيب عمّا يصله من ذلك بوصول الكتاب إليه، ووقوفه عليه، ومعرفته بقدر العارفة مما تضمنته الرّغبة إلى الله تعالى في إيزاعه الشّكر، ومعونته على مقابلة النّعمة بالإخلاص والطاعة. أما إذا كتبت بالتّنويه والتلقيب لأحد من المقيمين بحضرة الخلافة، فإنه لا جواب لها. وأما الجواب عن الكتب الواردة بالإحماد والإذمام، فيختلف الحال فيه؛ فإن كان الكتاب الوارد بالإحماد والتّقريظ، فجوابه مقصور على الشّكر الدال على وقوع ذلك الإحماد موقعه من المحمود، ومطالبته لنفسه بالخروج من حقّه باستفراغ الوسع في الأسباب الموجبة للزيادة منه. وإن كان الكتاب بالإذمام، فإن كان ذلك لموجدة بسبب أمر بلغه عنه من عدوّ أو حاسد نعمة أو منزلة هو مخصوص بها من رئيسه، كان الجواب بالتّنصّل والمقابلة بما يبرّيء ساحته، ويدلّ على سلامة ناحيته، وأن يورد ذلك بصيغة تزيل عن النفس ما سبق إليها، وتبعث على الرّضا. وكذلك في كل واقعة بحسبها، مما يحصل به التّنصّل والاسترضاء ونحو ذلك. وأما الجواب عن الكتب الواردة مع الإنعام السلطانيّ، فعلى نحو ما سبق في الخلع، من تعظيم المنّة، والاعتراف [بجزالة المنحة] «1» وجميل العطية، وزيادة الفضل، وما في معنى ذلك مما تقدّم ذكره. وأما الجواب عن الكتب الواردة عن الخليفة أو السلطان بتجدّد ولد، فإنه يكون بإظهار السرور والاغتباط، وزيادة الفرح والسّرور بما منّ الله تعالى به من تكثير العدد، وزيادة المدد، والرّغبة إلى الله تعالى في أن يوالي هذا المزيد ويضاعفه. ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى. وأما الجواب عن الكتب الواردة بعافية الخليفة أو السلطان من مرض كان

قد عرض له، فطريقه حمد الله تعالى وشكره على ما منّ الله تعالى به من العافية، وتفضّل به من إزاحة المرض، ووقاية المكروه، وإظهار الفرح والسرور بذلك. وما ينخرط في هذا السّلك. وأما الجواب عن الكتب الواردة بالتعزية بولد أو قريب، فإنه يظهر فيه الغمّ «1» والحزن والكآبة، وحمد الله تعالى على سلامة نفسه، والرغبة إلى الله تعالى في الخلف عليه، إن كان الميّت ولدا، مع الدعاء بطول البقاء وخلود الدّولة، وما يجري هذا المجرى. وهذه نسخ أجوبة عن مكاتبات سلطانية، ممّا يكثر وقوعه، ويتعدّد تكراره، يستضيء بها الكاتب في كتابة الأجوبة، وينسج على منوالها. نسخة جواب عن كتاب وصل من الخليفة بانتقال الخلافة إليه، كتب به إلى أمير الأمراء، قرين خلعة وسيف وتاج وسوارين، من إنشاء أبي الحسين «2» بن سعد، وهو: فإن كان سيّدنا أمير المؤمنين، بما أعلم من فضل مراعاته لأمور الدّين، وصدق عنايته بمصالح المسلمين، وأفيض له (؟) من مواهب الله عندهم، وصنوف نعمه عليهم، فيما هداه من طرق الرّشاد، وبصّره إياه من مناهج الصّواب، وقرنه به من التّوفيق في عزائمه، والجدّ في مراسمه، وتوعّده فيه بالخيرات التّامّة، والكفاية العامّة، في كلّ أمر يمضيه، ورأى يرتئيه، اعتماد له بحسن المعونة على ما استرعاه، ووصله بالمزيد فيما خوّله وأعطاه، وحراسة ما ساقه إليه من إرث النّبوة، وحمّله إياه من ثقل الإمامة، لما عرفه من نهوضه بالعبء، وقيامه بالحقّ فيما ناطه وأسنده إليه، وتأمّله ما تأمّله من حال عبده الذي لم

يزل لطاعته معتقدا، وبعصمة ولايته معتضدا، ولوقت يبلّغه منزلة الإحماد، ويحوز له عائدة الاجتهاد، فيما أرضاه مرتصدا، ولسعيه ونيّته، وظاهره وطويّته، معتمدا، ووجوده أيّده الله في يسير ما امتحن به بلاءه، وعرف فيه غناءه، موضعا للصّنيعة، محتملا للعارفة، مقرّا بحقّ النّعمة، عارفا بقدر الموهبة، وترقّبه فرصة ينتهزها في إبداء عزمه، وإمضاء رأيه، وأنّه [واثق] بالاستظهار بمكانه، والإسهام له في عزّ سلطانه، حتّى أسفرت رويّته، واستقرّت عزيمته، فاختصّ عبده بجميل الأثر، واصطفاه بلطيف الحظوة، واعتمد عليه في إمارة الأمراء، موفيا به على رتبة النّظراء، وكاسيا له حلّة المجد والسّناء، وردّ إليه تدبير الرجال، وتقدير أمور العمّال، وشفع ذلك بالتّكنية والتّلقيب في مشاهد حفلته، ومجالس خلوته، وأكمل الصّنع عنده بإلحاق عبده فيما قسم لكلّ واحد منهما من شريف حبائه، وسنيّ عطائه، وتجاوز في التّكرمة له إلى أعلى الأحوال، وأرفع الرّتب والمحالّ، فيما أمر- أعلى الله أمره- بحمله إليه من الخلعة التي يبقى شرف لباسها [على] الأيام، ويخلّد ذكرها على الدّهور والأعوام، والسّيف الذي تفاءل لعبده فيه بما يرجو يمن مولاه وسعادة جدّه، أن يحقّقه الله في الاعتماد به على أعدائه، وغمده في نحور مشاقّيه وغامصي نعمائه، والتّاج المرصّع الذي نظم له جوامع الفخر، والوشاح الموشّى الذي وشّحه حلية الجمال مدى الدهر، والطّوق الذي طوّقه قلائد المجد، والسّوارين اللّذين آذناه بقوّة العضد وبسطة اليد، واللّواء المعقود به مفاتح العزّ في طاعته، المرفوع به معالم النّصر على شانيء دولته، ووصل إليّ وفهمته. وسيّدنا أمير المؤمنين- فيما أكرمه الله به من خلافته، وأتمنه من الحكم على بريّته، ووكله إليه من حقوق الدّين، وحياطته كرم المسلمين، وإحياء السّير الرّضيّة، والسّنن الحميدة، وإماطة الأحكام الجائرة، والمظالم الظاهرة، وتقويم أود المملكة بعد تزعزع أركانها، وتصدّع بنيانها، وإعزاز الأمة وإيناسها، بعد أن اشتملت [الذّلّة «1» ] عليها وتمكنت الوحشة فيها، وحكم اليأس في آمالها، وغلب

القنوط على أطماعها، وتفاءل بما اعتمده له، وفوّضه إلى نظره، من الحلية بحقائقه، والتوكيد بما لم تزل المخايل فيه لائحة، والأمارات منه واضحة، والشّواهد به صادقة، والدّلائل عليه ناطقة، حتّى تدارك بنعمة الله الدّين بعد أن طمس مناره، وتعفّت آثاره، ودرست رسومه، وغارت نجومه، وأنحى الشيطان بجرانه، واشرأبّ لتبديله بعدوانه، وانتدب لنصرة الإسلام برأي يستغرق آراء الرّجال، وحلم يستخفّ رواسي الجبال، ورويّة تستخرج كوامن الغيوب، وتكشف عنها حنادس الشكوك، وباع لما يمتدّ إليه بسيط، وذراع لما ينتظم عليه رحيب، وصدر يتّسع لمعضلات الأمور، ويشرق في مدلهمّات الحوادث، فشرّد أعداء الله بعد أن اتصلت بهم مهلة الاغترار، وتطاولت بهم مدّة الإصرار، ومدّ رواق الملك وضرب قبابه، وثبّت أواخيه وأحصد «1» أسبابه، وقطع أطماع الملحدين، وأبطل كيد الكافرين، وفتّ في أعضاد المنابذين، فتحصّنت البيضة، واجتمعت الكلمة، واتّفقت الأهواء المتفرّقة، وانتظمت الآراء المتشعّبة، وسكنت الدّهماء المضطربة، وقرّت القلوب المنزعجة، وصدقت خواطر الصّدور المثلجة، وظهر الحقّ ورسخ عموده، وبهر جماله ونضر عوده، ونشرت أعلامه وطلعت سعوده، وعزّ أولياؤه ونصرت جنوده، وساخ بالباطل قدمه، وانقطعت وصائله وعصمه، وانبتّت حباله ورممه، وانحلّت أسبابه وذممه- حقيق بما بان من فضله، واستفاض في الأمّة من عدله، وعمّ كافّة الرّعية من طوله، ووصلت إلى الملّيّ والذميّ والدّاني والقاصي عائدة الخير في أيامه، وفائدة الأمن بمملكته وسلطانه، ومأمول لأفضل ما بدا لعبده من ثمرة اجتبائه واصطفائه، وما تغمّده به من النّعم العظيمة، والمواهب الجسيمة، وأسبغه عليه من العوارف السّنيّة، ورفعه إليه من المنازل العليّة، التي تقصر عنها همم ذوي الأقدار، وتقف دونها آمال أولي الأخطار، مقدّما له على أهل السّوابق من أنصار دولته، وأشياع دعوته. فلو ترادفت ألسن العباد- أيّد الله أمير المؤمنين- على اختلاف لغاتهم،

وتباين طبقاتهم، وتفاوت حالاتهم، في مقابلة نعمة سيّدنا التي أعشى العيون بهاؤها، وتأدية حقوقه التي أعيا المجتهدين قضاؤها، لكانت- حيث انتهت، وأنّى تصرّفت، على استفراغ القدرة واستنفاد الطاعة- غير مقاربة حدّا من حدودها، ولا مؤدّية فرضا من فروضها، وإذا كان الأمر على ذلك- أيّد الله أمير المؤمنين- في فوت الإحسان مقادير الشّكر، وإيفائه على مبالغ الوسع، فقصد عبده في جبر النّقيصة، وسدّ الخلّة، الازدياد في الطّاعة، والإخلاص في الموالاة والمشايعة، وإدامة الابتهال إلى الله تعالى، ورفع الرّغبة في معونة عبد أمير المؤمنين على مجافاة «1» بلائه، والتّفرّد بجزائه، وتجديد المسألة في إطالة بقائه، في عزّ لا تبلى جدّته، وسلطان لا تنتهي مدّته، وموادّ من مناسجه وموائده، وروادف من عوائده، متظاهرة لا ينقطع منها أوّل حتّى يلحق تاليه، ولا ينصرم سالفه حتّى ينصرف آتيه، ويكون المآل بعد استيفاء شروط الأمل، وتقضّي حدود المهل، إلى النّعيم المقيم، في جوار العزيز الكريم. ومن تمام إفضال سيّدنا على عبده، ونظام معروفه عنده؛ بدؤه إيّاه بما يمتحن به خفّة نهضته، وسرعة حركته، وقعوده لأمره بحدّ حديد، وبعيش عتيد، وصمده لما يحظيه لذلك مولاه، ويحوز له حمده ورضاه، بصدق بصيرة، وخلوص سريرة، واستسهال لكلّ خطّة، وتجشّم لكلّ مشقّة، دنت المسافة أم شسعت، قربت الطّيّة أم نزحت، وسيّدنا أهل لاستتمام يد ابتداها، وإكمال عارفة أنشأها وكرامة ابتناها، باستعمال عبده بأمره ونهيه، واعتماده لمهمّاته بحضرته وفي أطراف مملكته، إن شاء الله تعالى. قلت: وهذه نسخة كتاب أنشأته ليكتب به إلى أمير المؤمنين المستعين بالله، أبي الفضل العبّاس خليفة العصر، عن نائب الغيبة بالديار المصريّة، حين

وردت كتبه الشريفة من الشأم إلى الديار المصريّة بالقبض على النّاصر فرج بن الظاهر برقوق بالشّأم، واستبداده بالأمر دون سلطان معه، في أوائل سنة خمس عشرة وثمانمائة، مفتتحا له ب «يقبّل الأرض» التي يكاتب بها الملوك. وإن كان قد تقدّم من كلام المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله أن المكاتبة إلى أبواب الخلافة بالدعاء للديوان، لا يختلف فيه ملك ولا سوقة، وهو: يقبّل الأرض وينهي ورود المثال الأشرف الميمون طائره، المرقوم على صفحات الأفلاك تهانيه المحمول على متن السّحاب بشائره، الشّاهد بالفتح المبين أوائله وبالنّصر العزيز أواخره، متضمّنا ما منّ الله تعالى به من جميل الصّنع الذي وكفت بالخير سحائبه، وخفيّ اللّطف الذي بهرت العقول عجائبه، بما منح الله تعالى به مولانا أمير المؤمنين مدّ الله تعالى على الإسلام وارف ظلّه، وأنام الأنام بمدّ رواق الإمامة المعظمة في مهاد عدله، ومكّن له في الأرض كما مكّن لآبائه الخلفاء الراشدين من قبله، من جلوسه على سدّة الخلافة المقدّسة التي وصل منقطع حديثها بإسناده، وحاز منها بأشرف مقعد تراث آبائه الكرام وأجداده، وابتسم ثغر الخلافة بعبّاسه، وتآنس منها جانب الدّين بعد الاستيحاش بإيناسه، فقبّل المملوك له الأرض خاضعا، ولبّى أوامره الشّريفة ضارعا، وأجاب داعيه بالامتثال سامعا طائعا، وسجد سجود الشّكر لذلك فعرف بسيماه، وانتسب إلى الولاء الشّريف الإماميّ انتسابا شاملا لاسمه ومعناه، وأعلم من قبله من الأمراء والأجناد بذلك فقابلوه بالاستبشار طرّا، وتلقوها تلقّيا يليق بمثلها وإن كان لا مثل لهذه البشرى، وقرئت المطلقات الشريفة على المنابر فسكنت الدّهماء وقرّت، وسرت ألفاظها إلى الأسماع الشّيّقة فسرّت، وكرّرت ألفاظها العذبة مرارا فحلت لدى النفوس إذ مرّت، وارتفعت الأصوات بالدعاء بدوام هذه الدّولة النّبويّة دواما لا يستشعر مستشعر خلافه، فحقيق ظهور معجزة أكرم مرسل بعد الثمانمائة بقوله لعمّه العباس: «ألا أبشّرك يا عمّ، بي ختمت النّبوّة وبولدك تختم الخلافة» .

وهذه نسخة جواب عن نائب طرابلس عن مثال شريف ورد بوفاة السلطان الملك الناصر «محمد «1» بن قلاوون» واستقرار ولده السلطان الملك المنصور «أبي «2» بكر» مكانه في الملك بعهد من أبيه، من إنشاء القاضي تاج الدين بن البار نباريّ، بعد التّعزية بأبيه السلطان الملك الناصر، وهي: وينهي ورود المرسوم الشريف شرّفه الله تعالى وعظّمه، يتضمن أمر المصاب الذي كادت لوقوعه الأرض تتزلزل بأهلها، والعقول تتزيّل عن محلّها، وبلغت القلوب الحناجر، واستوحشت القصور واستأنست المقابر، وتصدّعت له صدور السيوف ورؤوس المنابر، وقصم الظّهور، وشيّب السّود من الشّعور، وجرّع كؤوسه، وصدّع الحوزة المحروسة، وذلك بما قدّر الله تعالى من انتقال مولانا السلطان السعيد، الشهيد، والد مولانا السلطان- خلّد الله ملكه- إلى رحمته ورضوانه، فأجرى المملوك عوض الدّموع دما، وأقام الإسلام والمسلمون عليه مأتما، وتغير البدر المنير لفقده فأمسى مظلما، وندبه الإسلام في سائر محاريبه ومصلّاه، وأسف عليه البيت الحرام وركناه إنا لله وإنا إليه راجعون «3» : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة «4» لمّا دخل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة، أشرق منها ذلك اليوم كلّ شيء، ويوم قبض أظلم منها كلّ شيء، وكان أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه أثبت النّاس يوم وفاته صلّى الله عليه وسلّم، وهو الخليفة من بعده، ومولانا السلطان الشهيد- قدّس الله روحه- كان

متشرّفا باسم نبيّه، ومتبرّكا في ذرّيّته الشريفة بذكر سميّه «1» ، ولو ذابت المهج أسفا عليه لما أنصفت، وقد أسفت عليه الأمم بأسرها وحقّ لها أن أسفت، نبتت لحومنا من صدقاته، وغمرت المملوك والممالك مجزلات هباته، وما نقل من قصره إلّا إلى جنّات النّعيم، وما فارق ملكه إلّا وبات في جوار الله الكريم، وكان سلطاننا وهو اليوم عند الله سلطان، فسقى الله عهده صوب الرّحمة والرّضوان. وبحمد الله قد جبرت القلوب المنصدعة بجلوس مولانا السلطان- خلّد الله ملكه- على تخت السّلطنة المعظمة والله معه، وما جلس على كرسيّ الملك إلّا أهله، ولا قام بأمر المسلمين إلّا من علم فضله، ومولانا السلطان وارث الملك الناصريّ المنصور حقّا، والقائم بشأن السلطنة غربا وشرقا، وخلاصة هذا البيت الشريف زاده الله نصرا، وأدام ملكه دواما مستمرّا، والعيون الباكية قد قرّت الآن بهذه البشرى، والقلوب الثّاكلة قد ملئت بهجة: إن مع العسر يسرا* «2» واستقرّ الإسلام بعد قلقه، ونام على جفنه بعد أرقه، واستقبلت الأمّة عاما جديدا وسلطانا منصورا سعيدا، واستبشرت القبلتان، وتناجى بالمسرّة الثّقلان، والّذين كفروا أمسوا خائبين، والّذين آمنوا أضحوا فرحين هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين «3» ومولانا السلطان هو العريق في سلطنة الإسلام، والإمام الأعظم ابن الإمام، فخلّد الله ملكه ما دامت الأيام، وأحسن عزاءه في خير سلطان الأنام، وابتهلت الألسنة بالتّرحّم على مولانا السلطان الشهيد- قدّس الله روحه- بدموع سائلة، وقلوب موجوعة بجراحات النّياحات ثم عوّضوا بالمسرّات الكاملة، والدعاء مرفوع لمولانا السلطان- خلّد الله ملكه- برّا وبحرا، والبلاد مطمئنّة والعساكر على ما يجب من التّمسّك بالطاعة الشريفة، والتشريف بإقبال دولة سلطانهم، ووارث سلطانهم، وكان المملوك يودّ لو شاهد مولانا السلطان- خلّد

الله ملكه- على ذلك السّرير والمنبر، وقبّل الأرض بين يدي المواقف المعظّمة والمقام الأكبر، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة جواب عن ورود المثال الشريف بركوب السلطان بالميدان والإذن للنوّاب في لعب الكرة، وهي: ينهي ورود المثال الشريف شرّفه الله تعالى وعظّمه، يتضمن الصّدقة التي أجرت أولياءها على أجمل عادة من الاحتفال، والمراحم الشاملة التي وسّعت لهم كرمها سافرة عن أوجه الإقبال، والبشرى التي جمعت من أنواع المسرّات ما بلغته الآمال، وهو أنّ الرّكاب الشريف استقلّ إلى الميدان السعيد نهار السّبت في كذا من شهر كذا، في أسعد طالع وأيمن وقت مطاوع، وفي الخدمة الشريفة من الأمراء- كثّرهم الله تعالى- من جرت العادة بهم من كلّ كميّ مقنّع، قد لبس من الطاعة بردا وبالإخلاص تدرّع، وامتطى من فائض الصّدقات الشريفة صهوة سابق قد شمّر للسّبق ذيلا، وفرّ كبرق لمع ليلا. وأنّ مولانا السلطان- خلّد الله ملكه- طلع عليهم طلوع البدر عند الكمال، وحوله المماليك الشريفة كالأنجم الزاهرة التي لا تعدّ ولا تشبّه بمثال، والجياد لا يرى لها أثر من الرّكض، والكرة تتشرّف بالصّولجان كما تتشرّف بالتقبيل الأرض، وعاد الرّكاب الشريف- زاده الله شرفا وعظّمه- إلى القلعة المنصورة، إلى محلّ المملكة الشريفة، وفي دست السلطنة المعظّمة، محفوظا من الله تعالى بلطفه له معقبات من بين يديه ومن خلفه «1» . وما اقتضته الآراء الشريفة، والمراحم المطيفة، وآثرت به إعلام المملوك بذلك، والمرسوم الشريف- شرّفه الله تعالى وعظّمه- أن يتقدّم المملوك بالنّزول إلى ميدان فلانة المحروسة، ومعه مماليك مولانا السّلطان- خلّد الله تعالى ملكه-

والأمراء، فقابل المملوك هذه الصّدقات، بتقبيل الأرض ورفع الدّعوات، وجمعوا بين الكرة والصّولجان، وحصل لهم من المسرّات ما لا يحصره بيان، وانبسطت نفوسهم إذ أصبحوا في أمن وأمان، وابتهلوا إلى الله تعالى بدوام هذه الأيام التي نوّعتهم بأنواع الإحسان، وضجّوا بالأدعية لمولانا السلطان- خلّد الله ملكه- التي عمّت مواهبه وفاق بمكارمه الماضين، وأربى على سلفه الشريف بالعطاء والتّمكين، جعل الله أعداءه تحت قهره إلى يوم الدّين، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة جواب بوفاء النّيل المبارك كتب به عن نائب طرابلس، وهي: وينهي ورود المثال الشريف- شرّفه الله تعالى وعظّمه- الذي أشرقت أنوار تهانيه، وتألّقت بروق ألفاظه ومعانيه، فبشّرت بفيض فضل الرّحمة، وعموم الرعايا بتواتر عميم النّعمة، ووفاء النّيل المبارك الذي ما برح في هذه الأيام الزاهرة يفي بعهده، ويسلّ سيف الخصب من غمده، ويقتل المحل بحمرة متنه وجوهر حدّه، مهنّئا للأولياء بهذه الدّولة التي أصبحت قلوبهم مطمئنّة بالأمن والرّخاء، مسرورة بما منّ الله به من ترادف الآلاء وعموم النّعماء، وحال ما ورد المرسوم الشريف بتقبيل الأرض والسّمع والطّاعة، وأخذ كلّ حظّه من هذه البشرى، التي عمّت تهانيها برّا وبحرا، وجعلت أمور هذه الأمة بيمن بركة هذه الأيّام الشريفة بعد عسر يسرا، وقد عاد فلان البريديّ ومن معه إلى الأبواب الشريفة بالجواب الشريف، طالع بذلك إن شاء الله تعالى. آخر في المعنى: وينهي ورود المثال الشريف زاده الله علوّا وشرفا، وبيّض له في القيامة صحفا، يتضمّن أنواع الإنعام الجزيل. وإبداء آثار السّرور بما يسّر الله من وفاء النّيل، فأشرقت أنوار تهانيه، وتألّقت بروق ألفاظه ومعانيه، فبشّر بفيض فصل

الرّحمة، وعموم الرعايا بتواتر عموم النّعمة، إذ جاء محيّاه في هذا العام طلقا وسلك في عوائد البرّ والإحسان طرقا، وأذن ببلوغ المرام والمراد، وكسر سدّ خليجه جبرا للعباد والبلاد، حيث ملأ الأرض ريّا، وأهدى من نفحات الأمن والمنّ ريّا، والمرسوم الشريف- شرّفه الله وعظّمه- بأن لا يجبى على ذلك حقّ بشارة، ولا يتعرّض إلى أحد بخسارة، فقابل المملوك المثال الشريف والمرسوم الشريف بتقبيل الأرض والسّمع والطّاعة، وبادر المملوك إلى إذاعة هذه البشرى، التي عمّت تهانيها برّا وبحرا، وجعلت أمور هذه الأمّة بيمن بركة هذه الأيام الشريفة بعد عسر يسرا، واستنطق الألسنة بالدّعاء لهذه الدّولة القاهرة، وجلا وتلا صور الهناء وسور الآلاء بهذه النّعمة الوافية والمنّة الوافرة، وسأل الله تعالى أن يخلّد ملك مولانا السلطان، ويوالي أنباء البشائر في أيّامه الشريفة مرويّة بالأسانيد الحسان، وقد عاد فلان البريديّ بالأبواب الشريفة- شرّفها الله تعالى وعظّمها- بهذا الجواب الشريف، وقد عاين ابتهال أهل هذه الملكة الفلانية بالدعاء بدوام هذه الأيام الزّاهرة السّارة بهذه البشائر بخلوّها من الكلف والخسارة، طالع بذلك. إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة جواب عن مثال شريف بوصول فرس إنعام، كتب به عن نائب طرابلس، وهي: يقبّل الأرض وينهي ورود المرسوم الشريف أعلاه الله تعالى وشرّفه، يتضمن ما اقتضته الآراء الشريفة من الخير التّامّ، والإنعام العامّ، والصّدقة الوافية الوافرة الأقسام، التي ما برحت مماليك هذه الدّولة الشريفة في إنعامها العميم تتقلّب، والخيل السّوابق بسعادتها الأبديّة تجلب وتجنب وتركب، من تجهيز الحصان البرقيّ بسرجه ولجامه وعدّته الكاملة، وشمول المملوك بالصّدقات التي ما برحت مترادفة متواصلة، ولعبد هذا البيت الشريف شاملة، وقبّل المملوك الأرض وقبّل حوافره، واعتدّ بهذه النعمة الباطنة والظّاهرة، وأعدّه ليومي تجمّل وجهاد، ولقاء

عدوّ وطراد، والله تعالى يخلّد هذه الصّدقات الشريفة التي ما برحت تشمل القريب والبعيد، والموالي من أولياء هذه الدّولة الشريفة والعبيد، طالع بذلك إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة جواب عن وصول خيل من الإنعام السّلطانيّ، من إنشاء الشيخ شهاب الدّين محمود «1» الحلبيّ: وينهي وصول ما أنعهم به من الخيل التي وجد الخير في نواصيها، وتتّخذ «2» صهواتها حصونا يعتصم في الوغى بصياصيها. فمن أشهب غطّاه النّهار بحلّته، وأوطاه اللّيل على أهلّته، يتموّج أديمه ريّا، ويتأرّج ريّا، ويقول من استقبله في حليّ لجامه: هذا الفجر قد طلع بالثّريّا، إن انفلت «3» في المضايق انساب انسياب الأيم، وإن انفرجت المسالك مرّ مرور الغيم، كم أبصر فارسه يوما أبيض بطلعته، وكم عاين [طرف] «4» السّنان مقاتل العدوّ في ظلام النّقع بنور أشعّته، لا يستنّ داحس في مضماره، ولا تطمع الغبراء في شقّ غباره، ولا يظفر لاحق من لحاقه بسوى آثاره، تسابق يداه مرامي طرفه، ويدرك شوارد البروق ثانيا من [عطفه] «5» . ومن أدهم حالك الأديم، حالي الشّكيم، له مقلة غانية وسالفة ريم، قد ألبسه اللّيل برده، وأطلع بين عينيه سعده، يظنّ من نظر إلى سواد طرّته، وبياض حجوله وغرّته، أنه توهّم النّهار نهرا فخاضه، وألقى بين عينيه نقطة من رشاش تلك المخاضة، ليّن الأعطاف، سريع الانعطاف، يقبل كاللّيل، ويمرّ كجلمود

[صخر] «1» حطّه السّيل، يكاد يسبق ظلّه، ومتى جارى السّهم إلى غرض بلغه قبله. ومن أشقر وشّاه البرق بلهبه، وغشّاه الأصيل بذهبه، يتوجّس «2» ما لديه بدقيقتين، وينفض وفرتيه عن عقيقتين، وينزل عذار لجامه من سالفتيه على شقيقتين، له من الرّاح لونها، ومن الرّيّاح لينها، إن جرى فبرق خفق، وإن أسرع فهلال على شفق، لو أدرك أوائل حرب بني وائل لم يكن للوجيه وجاهة، ولا للنّعامة نباهة، ولكان ترك إغارة [سكاب لؤما وتحريم بيعها سفاهة] «3» يركض ما وجد أرضا، وإذا اعترض به راكبه بحرا وثب عرضا. ومن كميت نهد، كأنّ راكبه في مهد، عندميّ الإهاب، شماليّ الذّهاب، يزلّ [الغلام] «4» الخفّ عن صهواته، وكأنّ نغم الغريض ومعبد «5» في لهواته، قصير المطا، فسيح «6» الخطا، إن ركب لصيد قيّد الأوابد، وأعجل عن الوثوب الوحش اللّوابد، وإن جنّب إلى حرب لم يزورّ من وقع القنا بلبانه، ولم يشك لو علم الكلام بلسانه، ولم يردون بلوغ الغاية- وهي ظفر راكبه- ثانيا من عنانه، وإن

سار في سهل اختال بصاحبه كالثّمل، وإن أصعد في جبل طار في عقابه كالعقاب وانحطّ في مجاريه كالوعل، متى ما ترقّ العين فيه تسهّل، ومتى أراد البرق مجاراته قال له الوقوف عند قدره: ما أنت هناك فتمهّل. ومن حبشيّ أصفر يروق العين، ويشوق القلب «1» بمشابهته العين، كأن الشّمس ألقت عليه من أشعّتها جلالا، وكأنّه نفر من الدّجى فاعتنق منه عرفا واعتلق أحجالا، ذي كفل يزين سرجه، وذيل يسدّ إذا استدبرته منه فرجه، قد أطلعته الرّياضة على مراد فارسه، وأغناه نضار لونه ونضارته عن ترصيع قلائده وتوشيع ملابسه، له من البرق خفّة وطئه وخطفه، ومن النّسيم لين مروره «2» ولطفه، ومن الرّيح هزيزها إذا ما جرى شأوين وابتلّ عطفه، يطير بالغمز، ويدرك بالرّياضة مواقع الرّمز، ويعدو كألف الوصل في استغناء مثلها عن الهمز. ومن أخضر حكاه من الرّوض تفويفه، ومن الوشي تقسيمه وتأليفه، قد كساه النّهار واللّيل حلّتي وقار وسنا، واجتمع فيه من السّواد والبياض ضدّان لمّا استجمعا حسنا، ومنحه البازي حلّة وشيه، ونحلته الرّياح ونسماتها قوّة ركضه وخفّة مشيه، يعطيك أفانين الجري قبل سؤاله، ولمّا لم يسابقه شيء من الخيل أغراه حبّ الظّفر بمسابقة خياله، كأنه [تفاريق] «3» شيب في سواد عذار، أو طلائع فجر خالط بياضه الدّجى، فما سجى، ومازج ظلامه النهار، فما أنار، يختال لمشاركة اسم الجري بينه وبين الماء في السّير كالسّيل، ويدلّ بسبقه على المعنى المشترك بين البروق اللّوامع وبين البرقيّة من الخيل، ويكذب [المانويّة] «4»

لتولّد اليمن فيه بين إضاءة النّهار وظلمة اللّيل. ومن أبلق ظهره حرم، وجريه ضرم، إن قصد غاية فوجود الفضاء بينه وبينها عدم، وإن صرّف في حرب فعمله ما يشاء البنان والعنان وفعله ما تريد الكفّ والقدم، قد طابق الحسن البديع بين ضدّي لونه، ودلّت على اجتماع النّقيضين علّة كونه، وأشبه زمن الرّبيع باعتدال اللّيل فيه والنّهار، وأخذ وصف حلّتي الدّجى في حالتي الإبدار والسّرار، لا تكلّ مناكبه، ولا يضلّ في حجرات الجيوش راكبه، ولا يحتاج ليله المشرق بمجاورة نهاره إلى أن تسترسل فيه كواكبه، ولا يجاريه الخيال فضلا عن الخيل، ولا يملّ السّرى إلّا إذا ملّه مشبهاه: النّهار واللّيل، ولا تتمسّك البروق اللّوامع من لحاقه بسوى الأثر فإن جهدت فبالذّيل، فهو الأبلق الفرد، والجواد الذي لمحاربه العكس وله الطّرد، قد أغنته شهرة نوعه في جنسه عن الأوصاف، وعدل بالرّياح عن مباراته لسلوكها له في الاعتراف جادّة الإنصاف. فترقّى المملوك إلى رتب العزّ من ظهورها، وأعدّها لخطبة الجنان إذ الجهاد عليها من أنفس مهورها، وكلف بركوبها فكلّما أكمله عاد، وكلما أملّه شره إليه فلو أنّه زيد الخيل «1» لما زاد، ورأى من آدابها ما دلّ على أنها من أكرم الأصائل، وعلم أنّها ليومي سلمه وحربه جنّة الصّائد وجنّة الصائل «2» ، وقابل إحسان مهديها «3» بثنائه ودعائه، وأعدّها في الجهاد لمقارعة أعداء الله وأعدائه [والله تعالى يشكر برّه الذي أفرده في النّدى بمذاهبه، وجعل الصّافنات الجياد من بعض مواهبه] «4»

المهيع الثاني (من مقاصد المكاتبات السلطانية ما يكتب به عن نواب السلطان والأتباع إلى السلطان ابتداء)

المهيع الثاني (من مقاصد المكاتبات السلطانية ما يكتب به عن نوّاب السلطان والأتباع إلى السلطان ابتداء) وهو على أنواع كثيرة، نذكر منها ما يستضيء به الكاتب في مثله. فمن ذلك ما يكتب عن نائب كلّ مملكة إذا وصل إلى محلّ ولايته. قد جرت العادة أن النائب إذا وصل إلى مملكته ومقرّ ولايته، كتب إلى السّلطان يخبره بذلك وبما المملكة عليه. وهذه نسخة مكاتبة من ذلك، كتب بها عن نائب حلب في معنى ذلك، وهي: يقبّل الأرض وينهي أن المملوك وصل إلى المملكة الفلانية المحروسة، وحلّ محالّها المأنوسة، التي شملته الصّدقات الشريفة بكفالتها، وأهّلته المراحم المنيفة لإيالتها، رافلا في حلل الإنعام الشريف، متفيّئا ظلّ العزّ الوريف، صحبة فلان مسفّره، ودخلها يوم كذا من شهر كذا لا بسا تشريفه الشريف المنعم به عليه، ماشيا لمحلّ الكرامة الذي سار إليه [بحضور من جرت العادة بحضوره] «1» من قضاة القضاة والأمراء والحجّاب، والعساكر المنصورة والأصحاب، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، وقبّل الأرض بباب القلعة المنصورة، ودخل دار العدل الشريف وقطوف الأمانيّ له مهصورة، وقريء بها بحضرة أولياء الدّولة تقليده، وعظّم المراسم الشريفة تأييده، وتصدّى لما نصبته له المراسم الشريفة من إنصاف المظلوم، وتنفيذ كلّ مهمّ شريف ومرسوم، وتصفّح أحوال المملكة، وسلك كلّ أحد مسلكه، واستجلبت الأدعية لمولانا السلطان، واجتهد في حياطة البلاد ممّن يمدّ إليه شيطان المفسدين بأشطان، وانتظم له أمر المملكة بالمهابة

الشريفة أحسن انتظام، وبلغ به كلّ وليّ من قهر العدوّ غاية المرام؛ وقد أعاد المملوك فلانا مسفّره إلى خدمة الأبواب الشريفة مزاح الأعذار، مبلّغ الأوطار، على العادة- طالع بذلك- ولا زال منه مزيد الشّرف والعلوّ إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة كتاب في المعنى إلى الأبواب السلطانية عن نائب طرابلس، وهي: يقبّل الأرض وينهي أنّه وصل إلى طرابلس المحروسة مغمورا بالصّدقات الشريفة، والإنعامات المطيفة، صحبة مملوك مولانا السلطان فلان خلّد الله تعالى ملكه، وألبس تشريفه الشريف، وقريء تقليده الشريف بدار العدل، وقبّل الأرض مرارا على العادة، وتقدّم المملوك بالحلف الشّريف على النّسخة المجهّزة صحبة المشار إليه من الأبواب الشريفة عظّمها الله تعالى، بحضور من جرت العادة بحضوره، من قضاة القضاة والأمراء، وكتب خطّه عليها، وانتصب المملوك لخلاص الحقوق، وإزالة المظالم، ونشر لواء العدل الشريف، لينتصف المشروف من الشريف، وينزجر القويّ عن الضّعيف، واتّباع الحقّ في القضايا واستجلاب الأدعية بدوام هذه الدولة العادلة من الرّعايا، ورتّب أمور الآزاك المنصورة على أكمل عادة وأجمل قاعدة، وقد عاد فلان إلى الأبواب الشريفة، شرّفها الله تعالى وعظّمها، لينهي بين يدي الأيادي المعظّمة، ما عاينه من المملوك من إخلاصه في الطاعة الشريفة ومغالاته، طالع بذلك، إن شاء الله تعالى. ومن ذلك ما يكتب به في التّهنئة بالخلافة: أما التهنئة بالخلافة، فقد قال في «موادّ البيان» : من الأدب المستفيض ترفيه الخلفاء عن الهناء والعزاء، إكبارا لهم وتعظيما، إلّا أنّنا رأينا ذوي الأخطار من القدماء قد شافهوهم بالعزاء مسلّين، وبالهناء داعين، وربّما دفع الكاتب إلى صحبة رئيس يقتضي محلّه أن يهنّيء الخليفة بمتجدّد النّعم لديه، ويعزّيه لمتطرّق النوائب إليه، فاحتيج إلى أن يرسم في هناء الخلفاء وعزائهم، ما يحتذى عليه،

عند الحاجة إلى استعمال مثله. وهذه نسخة تهنئة بالخلافة، أوردها في «موادّ البيان» : وهي: أولى النّعم- خلّد الله ملك مولانا أمير المؤمنين- بأن تنطق بها ألسن الذّاكرين يضوع عطرها، وتتناقلها أفواه الشّاكرين يفوح نشرها- نعمة إيلائه في خلافته التي جعلها ذخرا للأنام، وعصمة للإسلام، وحاجزا بين الحلال والحرام، وقواما للائتلاف والاتّفاق وزماما عن الاختلاف والافتراق، ونظاما لصلاح الخاصّة والعامّة، وسبيلا إلى اجتماع الكلمة وسكون الأمّة، وسببا لحقن الدّماء، ودعة الدّهماء، ومجاهدة الأعداء، وإقامة الصّلوات، وإيتاء الزّكوات، والعمل بالفرائض والسّنن، وحسم البدع والفتن، وعدقها بالأخيار ورثة نبيّه وعترته، والأبرار الطّهرة من أرومة رسوله وشجرته، الّذين نصبهم دعاة إلى طاعته، وهداة لبريّته، وأعلاما لشريعته، يأمرون بالمعروف ويأتمرون، وينهون عن المنكر وينتهون، ويقضون بالحقّ وبه يعدلون؛ وكلّما لحق منهم سلف بمقرّ أوّليّته أقام خلفا يختصّه بانتخابه وتكرمته. والحمد لله الذي قصر خلافته على أمير المؤمنين وآبائه، وجعل منهم الماضي الّذي كانت مفوّضة إليه، والآتي الّذي أقرّت عليه، وأنجز لهم ما وعدهم من إبقاء الإمامة، في عقبهم إلى يوم القيامة، واستخلص لها في عصرنا هذا وليّها الحامي لحقيقتها، المرامي عن حوزتها، المعزّ لكلمتها، الرّافع لرايتها، المحدّد لحدودها، الحافظ لعقودها، وسلّم قوسا منه إلى باريها، وناطها بكفئها وكافيها، وأفضى إليه بشرف الولادة والأبوّة، وميراث الإمامة والنّبوّة، وألّف به بين القلوب الآبية، وجمع عليه النفوس النّائية، واتّفقت الآراء بعد تباينها وتنافيها، وتطابقت الأهواء على اختلافها وتعاديها، واستدّت ثلمة الدّين بعد انثغارها، واطمأنّت الدّهماء بعد نفارها، حمدا يكون لنعمته كفاء، ولموهبته جزاء. وخلافة الله وإن كانت الغاية التي لا تنزع الهمم إليها، ولا تتطلّع الأماني عليها، لاختصاص الله بها صفوته من بريّته، وخالصته من أهل بيت نبيّه وعترته، فإنّ أمير المؤمنين يتعاظم عن تهنئته بوصولها إليه، وسبوغ ملابسها عليه، إذ لا

يسوغ أن يهنّأ بإدراك ما كتب الله له أن يدركه بأقلام الأقدار على صفحات اللّيل والنّهار، والعبد يسأل الله تعالى ضارعا إليه في إنهاض أمير المؤمنين بما حمّله وكلّفه، وتوفيقه فيما كفّله واستخلفه، وأن يمكّن له في الأرض، ويعلي يده بالبسط والقبض، ويمدّه بعزّ السلطان، وعلوّ الشّان، وظهور الأولياء، وثبور الأعداء، وإعزاز الدّين، وابتزاز الملحدين، وتقوية يده في نصرة الإسلام، وسياسة الأنام، ويعرّف رعيّته من يمن دولته، وسعادة ولايته، ما يجمعهم على الطاعة والموافقة، ويعصمهم من المعصية والمفارقة، ويوفّقهم من الإخلاص في موالاته، لما يوفّر حظّهم من مرضاته، ويجعل ولايته هذه مقرونة بانفساح المدّة والأجل، وبلوغ المنى والأمل، وصالح القول والعمل، ويبلّغه في مملكته ودولته أفضل ما بلّغه خليفة من خلفائه، ووليّا من أوليائه. ومن ذلك ما يكتب في البشارة بالفتوح: قد جرت العادة أن السلطان إذا وجه جيشا لفتح قلعة أو قطر من الأقطار وحصل الفتح على يديه أن يكتب السلطان مبشّرا بذلك الفتح، منوّها بقدره، معظما لأمره، وما كان فيه من عزيز النّصر وقوّة الظّفر. [فمن مكاتبة في البشارة بفتح حصن «1» المرقب، وهي:] «2» قد أسفر عن الفتح المبين صباحه، والتّأييد وقد طار به محلّق التباشير فخفق في الخافقين جناحه، والإسلام وقد وطيء هامة الكفر بمقدمه، والدّين وقد عزّ بفتكات سيفه المنصور فأنف أن يكون الشّرك من خدمه، والأفلاك وقد علمت أنّه لهذا الفتح القريب كان اجتماع كواكبها، والأملاك وقد نزلت لتشهد

أحمد النّصرة البدريّة في صفوفها ومواكبها، وحصن المرقب وقد ألقت عليه الملّة الإسلامية أشعّة سعدها، وأنجزت له الأيام من الشّرف بها آماله بعد ما طال انتظاره لوعدها، وأمّنته الأقدار التي ذلّلته للإسلام أن تطاول إليه الحوادث من بعدها، وقد أحاطت العلوم بأن هذا الحصن طالما شحّت الأحلام، أن تخيّل فتحه لمن سلف من الأنام، فما حدّثت الملوك أنفسها بقصده إلّا وثناها الخجل، ولا خطبته ببذل النّفائس والنّفوس إلّا وكانت من الحرمان على ثقة ومن معاجلة الأجل وقته على وجل، وحوله من الجبال كلّ شامخ تتهيّب عقاب الجوّ قطع عقابه، وتقف الرّياح خدما دون التّوقّل في هضابه، [وحوله من] «1» الأودية خنادق لا تعلم منها الشّهور إلّا بأنصافها، ولا تعرف فيها الأهلّة إلّا بأوصافها، وهو مع ذلك قد تقرّط بالنّجوم، وتقرطق بالغيوم، وسما فرعه إلى السّماء ورسا أصله في التّخوم، تخال الشّمس إذا علت أنّها تتنقّل في أبراجه، ويظنّ من سما إلى السّها أنّه ذبالة في سراجه، فكم من ذي جيوش قد مات بغصّة، وذي سطوات أعمل الحيل فلم يفز من نظره على البعد بفرصة، لا يعلوه من مسمّى الطير سوى نسر الفلك ومرزمه، ولا يرمق متبرّجات أبراجه غير عين شمسه والمقل التي تطرف من أنجمه، وقد كان نصب عليه من المجانيق ما سهامه أنفذ من سهام الجفون، وخطراته أسرع من لحظات العيون، لا يخاطب إلّا بوساطة رسله بضمير الطّلاب، ولا يرى لسان سهمه إلّا كما ترى خطفات البرق إذا تألّق في علوّ السّحاب، فنزلت عليه الجيوش نزول القضاء، وصدمته بهممها التي تستعير منها الصّوارم سرعة المضاء وروعة الانتضاء، فنظرت منه حصنا قد زرّر عليه الجوّ جيب غمامه، وافترّ ثغره كلّما جذب عنه البرق فاضل لثامه، فتذلّلت صعابه، وسهلت عقابه، وركزت للجنوبات (؟) في سفحه وطالما رامت الطّير أدناه فلم تقو عليه القوادم، وكم همّت العواصف بتسنّم رباه فأصبحت مخلّفة تبكي عليها الغمائم، فضرب بينها وبين الحصن بسور باطنه فيه الرّحمة

وظاهره من قبله العذاب، ونصبت فوقه من الأسنّة ثغور برّاقة الثّنايا ولكنّها غير عذاب، فعاد ذلك السّفح مصفّحا بصفاحها، مشرقا بأعلام أسنّة رماحها، فأرسلت إلى أرجائها ما أربى على الغمائم، وزاد في نفحه «1» على التّمائم (طويل) . وكان بها مثل الجنون فأصبحت ... ومن جثت القتلى عليها تمائم ونصبت عليها المجانيق فلم ترع حقّ جنسها، وسطت عليها فأصبح غدها في التّحامل أبعد من أمسها، واستنهضتها العدا فاعلمتهم أنّها لا تطيق الدّفاع عن غيرها بعد أن عجزت عن نفسها، وبسطت أنفها أمارة على الإذعان، ورفعت أصابعها، إما إجابة أن تذلّ للتّشهّد وإما إنابة إلى طلب الأمان، فخاف العدا من ظهور هذا الاستظهار، وعلموا أن المجانيق فحول لا تثبت لها الإناث التي عريت من النّفع بأيديهم فاستعانوا عليهن مع العدا بطول الجدار، فعند ذلك غدت تكمن كمون الأساود وتثب وثوب الأسود، وتباري بها الحصون السّماء فكلّما قذفت هذه بكواكبها النّيّرة قذف هذا بكواكبه السّود، ولم يكسر لهم منجنيق إلّا ونصبوا آخر بمكانه، ولا قطعت لأحد إصبع إلّا وصل الآخر ببنانه، فظلّت تتحارب مثل الكماة، وتتحامل تحامل الرّماة، حتّى لقحت وفسحت للرّضا مجالا، ومالت وميل فيها وكذلك الحرب تكون سجالا. هذا والنّقوب قد دبّت في باطنه دبيب السّقام، وتمشّت في مفاصله كما تتمشّى في مفاصل شاربها المدام، وحشت أضالعه نارا تشبه نار الهوى، تحرق الأحشاء ولا يبدو لها ضرام، قد داخلت مرسلة الوجل، فتحققوا حلول الأجل، وعلموا أن هذا الفتح الذي تمادت عليه الأيام قد جاء يسعى إلى ما بين يديه على عجل، وأيقن الحصن بالانتظام في سلك الممالك الشريفة فكاد يرقصه بمن فيه فرط الجذل، وزاد شوقه إلى التشريف ويا صبابة لوسمها واسمها مشتاق لكنهم أظهروا الجلد، وأخفوا ضرام نار الجزع وكيف تخفى وقد وقد، وتدفّقت إليهم الجيوش فملأت الأفق، وأحاطت بهم إحاطة الطّوق

بالعنق، ونهضت إليهم مستمدّة من عزمات سلطانها، مستعدّة لانتزاع أرواح العدا على يديها من أوطانها، فانقطعت بهم الظّنون، ودارت عليهم رحى المنون، وأمطرت عليهم المجانيق أحجارها فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون «1» وحطّت بساحتها عقبان تلك الأحجار، فهدمت العمائر والأعمار، وأجرت في أرجائها أنهار الدّماء فهلكوا بالسّيف والنّبل والنّار، وتحكّمت هذه الثلاثة في أهل التّثليث فبدّلوا بالخوف من أمنهم، وهربوا منها إلى مخايل حصنهم. ولما ركب الأوّل للزّحف في جيوشه التي كاثرت البحر بأمواجه، تزلزل الحصن لشدّة ركضه، وتضعضع من خوف عصيانه فلحقت سماؤه بأرضه، وتحلّلت قواعد ما شيّد من أركانه فانحلت، وألقت الأرض ما فيها وتخلّت، ومشت النّار من تحتهم وهم لا يشعرون، ونفخ في الصّور بل في السّور فإذا هم قيام ينظرون، وما كان إلّا أن قابلت العساكر ذلك البرج حتّى أهوى يلثم التّراب، وتأدّب بآداب الطاعة فخرّ راكعا وأناب، فهاجمتهم الجيوش مهاجمة الحتوف، وأسرعت المضاء والانتضاء فلم تدر العدا: أهم أم الّذين في أيمانهم السّيوف التي تسبق العذل؟ وثبت منهم من لم يجد وراءه مجالا فلجأوا إلى الأمان، وتمسّك دنيء كفرهم بعزّة الإيمان، وتشبّثوا بساحل العفو حتّى ظنّوا أنّهم أحيط بهم وجاءهم الموج من كلّ مكان، وسألونا أن يكونوا لما من جملة الصّنائع، وتضرّعوا في أن نجعل أرواحهم لسيوفنا من جملة الودائع فنتصدّق عليهم بأرواحهم كرما، وظلّوا على معنى الحديث النّبويّ: يرون الممات يقظة والحياة حلما وأطلقتهم اليد التي لا يخيب لديها الآمل، وأعتقتهم اليمنى التي فجاج الأرض في قبضتها، فمتى تشاء تجمع عليهم الأنامل، وخرجوا بنفوس قد تجرّدت حتّى من الأجسام، ومقل طلّقت الكرا خوفا من الصّوارم التي تسلّها عليهم الأحلام، وسطّرت والمدينة قد تسنّم أعلاها، وشعار الإيمان قد جرّدها من لباس الكفر وأعراها، والأعلام قد

سلكت إلى ذلك الحصن أعلى مرقى، والسّعادة قد بدّلت بيعه مساجد ومحاريبه قبلة وكانت شرقا، فأصبح يرفل في حلل الإيمان، وأذعن بالطاعة فأخرس جرس الجرس به صوت الأذان، إن شاء الله تعالى. [ومن ذلك] ما يكتب به في التّعازي إلى الخلفاء: وقد تقدّم في الكلام على التّهنئة بولاية الخلافة، أنه كما ينبغي أن لا يهنّأ الخليفة بالخلافة إعظاما، فكذلك ينبغي أن لا يعزّى في مصابه، إلّا أنه ربّما دعت ضرورة الكاتب إلى ذلك؛ لإكرام بعض أخصاء الخليفة إياه بالكتابة بذلك إلى الخليفة. ولا يخفى أن الحال في ذلك تختلف باختلاف المعزّي، من والد أو ولد أو غيرهما. [وهذه نسخة مكاتبة في معنى ذلك] «1» ذكرها في «موادّ البيان» وهي: أما بعد، فإن الله تعالى جعل خلافته لخلقه قواما، ولبريّته نظاما، وجعل له خلفاء يدّخرهم لميراثها، ويختصّهم بتراثها، فإذا انقضت مدّة ماضيهم، لما يريده الله من استدنائه إلى مقرّ خلصائه، نقلها إلى نوره باصطناعه واصطفائه. والحمد لله الذي قصر خلافته على أمير المؤمنين وآبائه، وجعل منهم زعيمهم الماضي الذي كانت بيديه مواريثها، والآتي الذي صار إليه [تراثها] . والحمد لله الذي ختم لأمير المؤمنين المنتقل إلى دار الكرامة بأفضل الخاتمة وأحسن له الجزاء عن السّعي في الأمّة، وأنعم باستخلاص أمير المؤمنين لإمامة خليقته، وحياطة سريعته، وحماية بلاده، وسياسة عباده، ولوراثة تراث آبائه وأجداده، وجعل الماضي منهم مرضيّا عنه، والآتي مرضيّا به، وأعتدت الرّعيّة من عدل أمير المؤمنين ما جبر كسرها في خليفته، وصبرها في رزيّته، وهو المسؤول أن يلهمه على المصيبة في سلفه الطاهر صبرا، وعلى ما أخلفه عليه في تأهيله لخلافته التي لا كفاء لها شكرا، بمنّه وفضله إن شاء الله تعالى.

[وهذه نسخة كتاب في التّعزية أيضا] «1» وهي: إنّ الله خصّ أمير المؤمنين بما هو أهله من خلافته، وعظّم محلّه بما نصبه له من إمامة بريّته، وجعله عمادا لأهل الإسلام تجتمع عليه أهواؤهم، وتسكن إليه أملاؤهم، ويصلح به دينهم ودنياهم، ويستقيم به أمر أولاهم وأخراهم، فإذا أسبغ نعمة من نعمه عليه، وظاهر موهبة من مواهبه لديه، شركوه فيها، ونهضوا معه على الشّكر عليها، وإذا ابتلاه ببليّة، وامتحن صبره برزيّة، أخذوا بالنّصيب العظيم من الحادث، والحظّ الجسيم من الكارث، [و] ما أفردوه بثواب الله فيها وما جعله جزاء من الأجر عليها. وإن الله تعالى كان أعار أمير المؤمنين من ولده فلان- رضي الله عنه- عارية من عواريه، وبلّغه من الاستمتاع بها ما احتسب من أمانيه، ثم استرجعها ليثقّل بها ميزانه، ويضاعف إحسانه، ويجعلها له ذخرا، ونورا يسعى بين يديه وأجرا، فعظم بذلك المصاب على رعيّته، وكبر الرّزء على أهل دعوته، لما كانوا يرجونه من سكون القلوب، ونقع الخطوب، واستقرار قواعد الخلافة، وشمول الرّحمة والرّافة، وقد حصل أمير المؤمنين على نعم كثيرة من موهبته وثوابه في استعادته، وحصل كافّة خاصّته على القلق لفقده، والأسى من بعده، وقد جعله الله تعالى صلاح كلّ فساد، وثقاف كلّ ميّاد، ومهبط كلّ رحمة، وطريق كلّ نعمة، وهو خليق بأن يظهر من صبره، ورضاه بقضاء الله وتسليمه لأمره، ما يبعث على التّأسّي به، والتّأدّب بأدبه؛ والله تعالى يحسن لأمير المؤمنين الخلف، ويعوّضه أحسن العوض في المؤتنف، ويوفّر حظّه من الثّواب، ويعظم له الأجر على المصاب، ويريه في أوليائه وأحبابه، أعظم محابّه وغاية آرابه، وينقل المنقول إلى إيوان الكرامة والاحتفاء، بأفاضل الأجداد والآباء، بفضله ورحمته، إن شاء الله تعالى.

[وهذه] نسخة كتاب، كتب به إلى الأبواب السلطانية عند فتح «1» (آياس) قاعدة بلاد الأرمن وانتزاعها من أيديهم، وهي «2» : يقبّل الأرض وينهي أن ليلة الانتظار أطلعت صباحها، ومواعيد الآمال بعثت على يد الإقبال نجاحها، والعساكر المنصورة جرّدت رابع ربيع الأوّل بمدينة آياس صفاحها، وأوردت إلى الصّدور رماحها، فلم يكن إلّا كلمح البصر، ولسان صدق القتال قائل بأنّ الجيش النّاصريّ قد انتصر، وانقضى ذلك النّهار، بإيقاد نار حرب الحصار، على أبراج وأسوار، أديرت على المينا كما أدير المعصم على السّوار، فما أشرق صباح الصّفاح ولاح، إلّا والأعلام النّاصريّة على قلّة «3» القلعة مائسة الأعطاف من الارتياح، معلنة ألسنتها بحيّ على الفلاح وحيّ على النّجاح، وعزّ الإسلام يقابل ذلّ الكفر، بهذا النّصر وهذا الافتتاح، وجمع الأرمن الملا تفرّق ما بين قتل وأسر وانتزاح، ولعبت أيدي النّيران في القلعة وجوانبها، وتفرّقت من الأسوار أعضاء مناكبها، ونطق بالأقدار لسان النّار: هذي منازل أهل النّار في النّار. ثم انتقلت المحاصرة إلى قلعة البحر، وضمّ الأرمن الملا إليها سيف القدرة والقهر، وهذه القلعة عروس بكر في سماء العزّ شاهقة، لم يسبق لأحد من الملوك الأوائل إلى خطبتها سابقة، قد شمخت بأنفها، ونأت بعطفها، وتاهت على وامقها، وغضّت عين رامقها، فهي في عقاب لوح الجوّ كالطائر، وسوّرها البحر والحجر فلا يكاد يصل إلى وكرها النّاظر، وقد أوثقت بحلقات الحديد،

وقيّدت كأنّها عاصية تساق بالأصفاد إلى يوم الوعيد، فأرسل عليها المنجنيق عقابه، وأعلق بها ظفره ونابه، فكشف من شرفاتها شنب ثغرها، وسقاها بأكفّ أسهمه كؤوس حجارة فتمايلت من شدة سكرها، وفضّ من أبراجها الصّناديق المقفلة، وفصّل من أسوارها الأعضاء المتّصلة، فتزلزل عمدها، وزيل عن مكانه جلمدها، وعلت الأيدي المرامية بها، وغلّت الأيدي المحامية عنها، واشتدّ مرضها من حرارة وهج الحصار، وضعفت قوّتها عن مقاومة تلك الأحجار، ولم يبق على سورها من يفتح له جفنا، وشنّ المنجنيق عليها غارته إلى أن صارت شنّا، فأرسل إليها من سماء غضبه رجوما، ووالى ذلك عليها سبع ليال وثمانية أيّام حسوما، فبادرت إلى الطّاعة واستسلمت، وكرّر نحوها ركوعه فسجدت، وركبت الجيوش المنصورة عوض الصّافنات اللّجج، وسمحت في سبيل الله عزّ وجلّ بالمهج، فعند ذلك سارع أهلها إلى التّعلّق بأسباب الهرب، وكان خراب قلعة المينا هذي لخراب قلعتهم من الجرب، وأحرقوا كبدها من أيديهم بنار الغضب، وانتزحوا منها ليلا، وجرّوا من الهزيمة ذيلا، وتسلّمها المسلمون، وتحسّر عليها الحسرة الكبرى الكافرون، وهدمت حجرا حجرا، وصافحت بجبهتها وجه الثّرى، وأعدمت من الوجود عينا وأثرا، فما أعجب هذا الفتوح «1» وأغرب! وما أحلى ذكره في الأفواه وما أعذب!! وما ألذّ حديثه في الأسماع وما أطرب!! وما أسعد هذا الجيش النّاصريّ وما أنجب!!!! (بسيط) . بشراك بشراك هذا النّصر والظّفر ... هذا الفتوح الّذي قد كان ينتظر فتح مبين ونصر جلّ موقعه ... سارت به وله الأملاك والبشر عجائب ظهرت في فتحه بهرت ... لم تأت أمثالها الأيام والسّير لو كان في زمن ماض به نزلت ... في وصف وقعته الآيات والسّور

هذي أياس الّتي قد عزّ جانبها ... وعزّ خاطبها حتّى أتى القدر جاءت إليها جيوش كم بها أسد ... بيض الصّفاح لها الأنياب والظّفر جيش لهام كبحر زاخر لجب «1» ... إذا سرى لا يرى شمس ولا قمر يسير بالنّصر أنّى سار متّجها ... ما زال يقدمه التّأييد والظّفر جيش له الله والأملاك ناصرة ... مليكه ناصر للدّين منتصر يوم الخميس رأيت الخيل حاملة ... على رؤوس عداة هامها أكر «2» وقلعة البحر كانت آية لهم ... فعن يسير فأضحت للورى عبر كانت بأفق سماء العزّ شاهقة ... أبراجها باسقات خرتها «3» خطر فركب المسلمون البحر باذلة ... أرواحها في سبيل الله تدّخر لم يبق منهم أمير لا ولا ملك ... يأوي مقرّا إلى أن مدّت الجسر وعجّل الله بالفتح المبين لهم ... هذا الفتوح الّذي توفى له النّذر يرضى به الله والإسلام قاطبة ... وشاهد القول فيه العين والأثر تم الجزء الثامن. يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء التاسع وأوّله القسم الثاني (من مقاصد المكاتبات الإخوانيات) والحمد لله ربّ العالمين، وصلاته على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه والتابعين، وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل

ثبت بأسماء المصادر والمراجع الجزء الثامن من صبح الأعشى

ثبت بأسماء المصادر والمراجع الجزء الثامن من صبح الأعشى 1 1- الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب (1- 4) . طبعة مصر، 1319 هـ. 2- اختصار القدح المعلّى في التاريخ المحلّى لابن سعيد الأندلسي. تحقيق الأستاذ إبراهيم الأبياري، القاهرة، 1959. 3- اختصار القدح المعلّى في التاريخ المحلّى لابن سعيد الأندلسي. تحقيق الأستاذ إبراهيم الأبياري. دار الكتب الإسلامية، دار الكتاب المصري، دار الكتاب اللبناني. الطبعة الثانية، 1980. 4- أزهار الرياض في أخبار عياض للمقّري التلمساني (1- 3) . تحقيق الأساتذة السقا والأبياري وشلبي، القاهرة، 1939- 1942. 5- أساس البلاغة للزمخشري. تحقيق عبد الرحيم محمود. دار المعرفة، بيروت، 1979. 6- الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى لأحمد ابن خالد الناصري السلاوي (1- 4) ، مصر، 1312 هـ. 7- الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى لأحمد 2 ابن خالد الناصري السلاوي (1- 4) . طبعة الدار البيضاء، 1373 هـ. 8- الأعلام للزركلي (1- 8) . دار العلم للملايين، بيروت، 1980. 9- الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (1- 25) . طبعة دار الثقافة، بيروت، 1955- 1961. 10- الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (1- 25) . طبعة بولاق. 11- إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لإسماعيل باشا البغدادي، 1945. 12- البداية والنهاية في التاريخ لابن كثير (1- 14) ، مصر، 1351- 1358 هـ. 13- بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس للضبي. دار الكاتب العربي، 1967. 14- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي. دار المعرفة، بيروت. 15- البيان المغرب لابن عذاري المراكشي (1- 4) . تحقيق ج. س. كولان وإ. ليفي

1 بروفنسال والدكتور إحسان عباس. دار الثقافة، بيروت. 16- تاريخ ابن خلدون (1- 14) . دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1981. 17- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1- 14) . دار الكتاب العربي، بيروت. 18- تاريخ الخلفاء للسيوطي، بيروت. 19- التعريف بالمصطلح الشريف لابن فضل الله العمري. مطبعة العاصمة بمصر، 1312 هـ. 20- تهذيب الأسماء واللغات لابن شرف النووي، الجزء الأول من القسم الثاني. دار الكتب العلمية، بيروت. 21- جذوة الاقتباس فيمن حلّ من الأعلام بمدينة فاس لابن القاضي، فاس، 1309 هـ. 22- حسن التوسّل إلى صناعة الترسّل لشهاب الدين الحلبي. مطبعة أمين هندية بمصر، 1315 هـ. 23- الدرر الكامنة في أعيان الماية الثامنة لابن حجر العسقلاني (1- 4) ، حيدرآباد، 1945- 1950. 24- الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب لابن فرحون المالكي، مصر، 1351 هـ. 25- ديوان امريء القيس. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. دار المعارف بمصر، 1969. 26- ديوان لبيد، نشر الدكتور إحسان عباس. الكويت، 1962. 27- الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لابن بسام الشنتريني. 2 تحقيق الدكتور إحسان عباس. دار الثقافة، بيروت، 1978- 1979. 28- الذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشي (1- 6) . تحقيق الأستاذين محمد بن شريفة وإحسان عباس. دار الثقافة، بيروت، 1973. 29- الرد الوافر لابن ناصر الدين، تحقيق زهير الشاويش، بيروت، 1393 هـ. 30- ريحانة الكتّاب ونجعة المنتاب لابن الخطيب، المجلد الأول. تحقيق محمد عبد الله عنان، مكتبة الخانجي. المطبعة العربية الحديثة، القاهرة، 1980. 31- زبدة كشف الممالك للظاهري، باريس، 1894. 32- السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي (1- 2) . تحقيق محمد مصطفى زيادة، القاهرة، 1934- 1942؛ (3- 4) . تحقيق سعيد عبد الفتاح عاشور، 1970- 1972. 33- شذرات الذهب في أخبار من ذهب للعماد الحنبلي (1- 8) . القاهرة، 1350- 1351 هـ. 34- الشعر والشعراء لابن قتيبة (1- 2) . دار الثقافة، بيروت، 1969. 35- صورة الأرض لابن حوقل النصيبي. دار مكتبة الحياة، بيروت. 36- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع

1 للسخاوي (1- 12) ، مصر، 1353- 1355 هـ. 37- الطالع السعيد لكمال الدين أبي الفضل الأدفوي. تحقيق سعد محمد حسن، القاهرة، 1966. 38- طبقات الشعراء لابن سلام، نشر الألماني جوزف هل. دار الكتب العلمية، بيروت، 1982. 39- العقد الفريد لابن عبد ربه (1- 7) شرح أحمد أمين وأحمد الزين وإبراهيم الأبياري. مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1949- 1965. 40- عيون الأخبار لابن قتيبة (1- 2) شرح وضبط الدكتور يوسف طويل؛ (3- 4) شرح وضبط الدكتور مفيد قميحة. دار الكتب العلمية، بيروت، 1986. 41- الفهرست للنديم. تحقيق رضا تجدد، طهران، 1971. 42- فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي (1- 5) . تحقيق الدكتور إحسان عباس. دار الثقافة، بيروت، 1973- 1974. 43- القاموس المحيط للفيروز ابادي (1- 4) ، مصر، 1330 هـ. 44- قرآن كريم. دار الفكر، بيروت، 1403 هـ. 45- قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان للقلقشندي. تحقيق إبراهيم الأبياري. دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1982. 2 46- قلائد العقيان لابن خاقان. طبعة بولاق، 1283 هـ. 47- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة (1- 2) ، إستانبول. 1941- 1943. 48- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة (1- 2) . دار الفكر، 1982. 49- الكامل في التاريخ لابن الأثير (1- 13) دار صادر، بيروت، 1982. 50- الكامل في اللغة والأدب للمبرّد (1- 2) . مكتبة المعارف، بيروت. 51- لسان العرب لابن منظور (1- 15) . دار صادر، بيروت. 52- اللمحة البدرية في الدولة النصرية لابن الخطيب. المطبعة السلفية، مصر، 1347 هـ. 53- مجمع الأمثال للميداني (1- 2) . تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. مطبعة السنة المحمدية، 1955. 54- محيط المحيط لبطرس البستاني. مكتبة لبنان، بيروت، 1977. 55- المختار من رسائل أبي إسحاق بن زهرون الصابي، نقّحه وعلّق حواشيه الأمير شكيب ارسلان. دار النهضة الحديثة، بيروت. 56- المختصر في أخبار البشر (ويعرف بتاريخ أبي الفداء) للملك المؤيّد إسماعيل أبي الفداء صاحب حماة، سبعة أجزاء في مجلدين. دار الكتاب اللبناني. 57- مروج الذهب للمسعودي (1- 4) شرح

1 وتقديم الدكتور مفيد قميحة. دار الكتب العلمية، بيروت، 1986. 58- المطرب من أشعار أهل المغرب لابن دحية. تحقيق الأساتذة إبراهيم الأبياري وحامد عبد المجيد وأحمد أحمد بدوي. دار العلم للجميع، بيروت، 1955. 59- معجم الأدباء لياقوت الحموي (1- 7) . طبعة مرجليوت، مصر، 1907- 1925. 60- معجم البلدان لياقوت الحموي (1- 5) . دار صادر، دار بيروت، 1984. 61- معجم الشعراء للمرزباني، ومعه المؤتلف والمختلف للآمدي، تصحيح الدكتور ف. كرنكو. دار الكتب العلمية، بيروت، 1982. 62- معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة (1- 15) . مطبعة الترقي، دمشق، 1959. 63- معجم متن اللغة للشيخ أحمد رضا (1- 5) . دار مكتبة الحياة، بيروت، 1960. 64- المغرب في حلى المغرب لابن سعيد الأندلسي (1- 2) . تحقيق شوقي ضيق. دار المعارف بمصر، 1953- 1955. 65- مفتاح الأفكار في النثر المختار للشيخ أحمد مفتاح، مصر، 1314 هـ. 66- المقتضب من كتاب تحفة القادم لابن الأبّار. تحقيق إبراهيم الأبياري. دار الكتاب اللبناني، دار الكتب 2 الإسلامية، الدار الإفريقية العربية، 1983. 67- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي (5- 10) ، حيدرآباد الدكن، 1357 هـ. 68- المنجد في اللغة والأعلام. دار المشرق، بيروت، 1978. 69- ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي (1- 3) ، مصر، 1325 هـ. 70- نثير فرائد الجمان في نظم فحول الزمان لابن الأحمر، دراسة وتحقيق محمد رضوان الداية. دار الثقافة، بيروت، 1967. 71- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغزي بردي (1- 16) . دار الكتب المصرية. 72- نظم دولة سلاطين المماليك للدكتور عبد المنعم ماجد (1- 2) . مكتبة الأنجلو المصرية، 1967. 73- نفاضة الجراب في علالة الاغتراب لابن الخطيب. تحقيق الدكتور أحمد مختار العبادي. دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة. 74- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقّري (1- 8) . تحقيق الدكتور إحسان عباس. دار صادر، بيروت، 1968. 75- نكت الهميان في نكت العميان لصلاح الدين الصفدي، مصر، 1329 هـ. 76- الوافي بالوفيات للصفدي (1- 22) ، إستانبول وفيسبادن، 1931- 1983.

1 77- وفيات الأعيان لابن خلّكان (1- 8) . تحقيق الدكتور إحسان عباس. دار صادر، بيروت، 1977- 1978. 78- الولاة والقضاة لمحمد بن يوسف الكندي، بيروت، 1908. 2 79- يتيمة الدهر للثعالبي (1- 4) . دار الكتب العلمية، بيروت، 1979. 80- هدية العارفين، أسماء المؤلفين وآثار المصنفين لإسماعيل باشا البغدادي (1- 2) ، إستانبول، 1951- 1955.

فهرس الجزء الثامن من كتاب صبح الأعشى للقلقشندي

فهرس الجزء الثامن من كتاب صبح الأعشى للقلقشنديّ المقصد الثالث- في المكاتبة إلى أهل الجانب الجنوبيّ، من العرب والسودان، وفيه ثلاث جمل 3 الجملة الأولى- في المكاتبة إلى من بهذا الجانب من العربان 3 الجملة الثانية- في المكاتبة إلى مسلمي ملوك السودان 4 الجملة الثالثة- في المكاتبة إلى ملوك المسلمين بالحبشة 10 المقصد الرابع- في المكاتبة إلى أهل الجانب الشمالي، وفيه ثلاثة أطراف 11 الطرف الأوّل- في المكاتبات إلى أمراء الأتراك ببلاد الروم المسماة الآن ببلاد الدروب 11 الطرف الثاني- في المكاتبة عن ملوك الديار المصرية إلى ملوك الكفر 25 الطرف الثالث- في المكاتبة إلى من وراء بحر القرم، ويشتمل على أربعة مقاصد 26 المقصد الأوّل- في المكاتبة إلى ملوك الكفار ببلاد الشرق 27 المقصد الثاني- في المكاتبة إلى ملوك الكفار ببلاد المغرب من جزيرة الأندلس وما والاها 34 المقصد الثالث- في المكاتبة إلى ملوك الكفار بالجانب الجنوبي 40 المقصد الرابع- في المكاتبة إلى ملوك الكفار بالجانب الشماليّ من الروم والفرنجة على اختلاف أجناسهم 44 الفصل الخامس- من الباب الثاني من المقالة الرابعة في الكتب الواردة على الأبواب السلطانية من أهل المملكة وغيرها، وفيه نوعان 56 النوع الأوّل- المكاتبات الواردة عن ملوك المسلمين، وهي على قسمين 56

القسم الأوّل- في الكتب الواردة عن أهل هذه المملكة بالديار المصرية والبلاد الشامية، وفيه ضربان 56 القسم الثاني- في الكتب الواردة على الأبواب السلطانية عن أهل الممالك الإسلامية، ويشتمل على أربعة مقاصد 63 المقصد الأوّل- في الكتب الواردة عن أهل الشرق، وفيه أطراف 63 الطرف الأوّل- الكتب الواردة عن القانات العظام من بني جنكزخان 63 الطرف الثاني- في المطالعات الواردة إلى الأبواب السلطانية عن أهل الشرق 72 الطرف الثالث- في رسم المكاتبات الواردة عن صاحب اليمن إلى هذه المملكة 72 الطرف الرابع- في الكتب الواردة إلى الأبواب السلطانية عن ملوك الهند 77 المقصد الثاني- في المكاتبات الواردة عن ملوك الغرب، وفيه جمل 79 الجملة الأولى- في المكاتبة الواردة عن صاحب تونس 80 الجملة الثانية- في المكاتبات الواردة عن صاحب تلمسان من بني عبد الواد 85 الجملة الثالثة- في المكاتبات الواردة عن صاحب فاس 88 الجملة الرابعة- في عادة الكتب الواردة عن صاحب الأندلس 107 المقصد الثالث- في رسم المكاتبات الواردة عن ملوك السودان، وفيه ثلاثة أطراف 118 الطرف الأوّل- في المكاتبات إلى صاحب مالّي 118 الطرف الثاني- في المكاتبات الصادرة عن صاحب البرنو 119 الطرف الثالث- في المكاتبات الصادرة عن ملك الكانم 122 المقصد الرابع- في الكتب الواردة من الجانب الشمالي وهي بلاد الروم 122 النوع الثاني-[كتب خطأ القسم الثالث] من المكاتبات الواردة إلى هذه المملكة الكتب الواردة عن ملوك الكفار، وهي على أربعة أضرب 123 الفصل السادس- من الباب الثاني من المقالة الرابعة في رسوم المكاتبات الإخوانيات، وفيه طرفان 130

الطرف الأوّل- في رسوم إخوانيات السلف من الصحابة والتابعين 130 الطرف الثاني- في رسوم الإخوانيات المحدثة بعد السلف، وفيه ثلاثة مقاصد 131 المقصد الأوّل- في رسوم إخوانيات أهل المشرق، وفيه أربعة مهايع 131 المهيع الأوّل- في صدور الابتداءات 131 المهيع الثاني- في الأجوبة على هذا المصطلح 143 المهيع الثالث- في خواتم الإخوانيات على هذا المصطلح 145 المهيع الرابع- في عنوانات الكتب على هذا المصطلح 148 المقصد الثاني- في رسوم إخوانيات أهل المغرب، وفيه جملتان 151 الجملة الأولى- في مفتتحات المكاتبات على اصطلاحهم، وفيها مهيعان 152 المهيع الأوّل- في ابتداء المكاتبات 152 المهيع الثاني- في الأجوبة 163 الجملة الثانية- في خواتم المكاتبات على اصطلاحهم 163 المقصد الثالث- في الإخوانيات المستعملة بالديار المصرية، وفيه ثلاثة مصطلحات 165 المصطلح الأوّل- ما كان الأمر عليه في الدولة الطولونية وفيه ثلاثة مهايع 165 المهيع الأوّل- في الصدور 165 المهيع الثاني- في خواتم الكتب 170 المهيع الثالث- في عنوانات الكتب 170 المصطلح الثاني- من مصطلحات الديار المصرية ما كان عليه الحال في الدولة الأيوبية 171 المصطلح الثالث- من مصطلحات الديار المصرية في الإخوانيات ما جرى عليه الاصطلاح في الدولة التركية، وفيه مهيعان 172 المهيع الأوّل- في رتب المكاتبات المصطلح عليها وهي على قسمين 173 القسم الأوّل- الابتداءات 175

القسم الثاني- من المكاتبات الإخوانيات الدائرة بين أعيان المملكة وأكابر أهل الدولة الأجوبة 213 المهيع الثاني- في بيان رتب المكتوب عنهم والمكتوب إليهم من أعيان الدولة 217 الفصل السابع- من الباب الثاني من المقالة الرابعة في مقاصد المكاتبات، وهي قسمان 236 القسم الأوّل- مقاصد المكاتبات السلطانيّات، وهي على نوعين 236 النوع الأوّل- ما يكتب عن الخلفاء والملوك، وهو على ثلاثة أضرب [صوابه أربعة] 236 الضرب الأوّل- ما يكتب عن الخلفاء والملوك ومن ضاهاهم، وهو على أصناف 236 الصنف الأوّل- الكتب بانتقال الخلافة إلى الخليفة 237 الصنف الثاني- من الكتب السلطانية الكتب في الدعاء إلى الدين 247 الصنف الثالث- من الكتب السلطانية الكتب بالحث على الجهاد 249 الصنف الرابع- من الكتب السلطانية الكتب في الحث على لزوم الطاعة وذمّ الخلاف 255 الصنف الخامس- من الكتب السلطانية الكتب إلى من نكث العهد من المخالفين 262 الصنف السادس- من الكتب السلطانية الكتب إلى من خلع الطاعة 266 الصنف السابع- الكتب في الفتوحات والظفر 277 الصنف الثامن- المكاتبة بالاعتذار عن السلطان في الهزيمة 296 الصنف التاسع- المكاتبة بتوبيخ المهزوم الخ 304 الصنف العاشر- في المكاتبات بالتضييق على أهل الجرائم 309 الصنف الحادي عشر- الكتب في النهي عن التنازع في الدين 311 الصنف الثاني عشر- المكاتبة بالأوامر والنواهي 312 الصنف الثالث عشر- المكاتبات عند حدوث الآيات السماوية 315 الصنف الرابع عشر- المكاتبات في التنبيه على شرف مواسم العبادة الخ 317

الصنف الخامس عشر- المكاتبة بالسلامة في الركوب في المواسم والأعياد 318 الصنف السادس عشر- المكاتبة بالبشارة بوفاء النيل والبشارة بالسلامة في الركوب لفتح الخليج 332 الصنف السابع عشر- فيما يكتب في البشارة بركوب الميدان الكبير الخ 336 الصنف الثامن عشر- المكاتبة بالبشارة بحج الخليفة 338 الصنف التاسع عشر- الكتابة بالإنعام بالتشاريف والخلع 342 الصنف العشرون- المكاتبة بالتنويه والتلقيب 344 الصنف الحادي والعشرون- المكاتبة بالإحماد والإذمام 349 الصنف الثاني والعشرون- ما يكتب مع الإنعام لنوّاب السلطنة بالخيل والجوارح 354 الصنف الثالث والعشرون- المكاتبة بالبشارة عن الخليفة بولد رزقه 359 الصنف الرابع والعشرون- ما يكتب عن السلطان بالبشارة بعافيته من مرض 361 الضرب الثاني- من مقاصد المكاتبات السلطانية ما يكتب عن السلطان في الجواب 361 الضرب الثالث- من الكتب السلطانية الكتب الصادرة عن نوّاب السلطنة الخ 363 الضرب الرابع- من المكاتبات السلطانية ما يكتب عن النوّاب والأتباع إلى الخليفة أو السلطان، وفيه مهيعان 370 المهيع الأوّل- في الأجوبة عن الكتب السلطانية 370 المهيع الثاني- من مقاصد المكاتبات السلطانية ما يكتب به عن نوّاب السلطان والأتباع إلى السلطان ابتداء 392 (تم فهرس الجزء الثامن من كتاب صبح الأعشى)

الجزء التاسع

[الجزء التاسع] (بسم الله الرّحمن الرّحيم) [تتمة المقالة الرابعة] [تتمة الفصل السابع] وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمد وآله وصحبه القسم الثاني من مقاصد المكاتبات، الإخوانيّات (مما يكتب به الرئيس إلى المرؤوس والمرؤوس إلى الرئيس والنظير إلى النظير) قال في «موادّ البيان «1» » : ولها موقع خطير من حيث تشترك الكافّة في الحاجة إليها. قال: والكاتب «2» إذا كان ماهرا، أغرب معانيها، ولطّف مبانيها، وتسهّل له فيها ما لا يكاد أن يتسّهل في الكتب الّتي لها أمثلة ورسوم لا تتغيّر ولا تتجاوز، وهي على سبعة عشر نوعا:

النوع الأول (التهاني)

النوع الأوّل (التّهاني) قال في «مواد البيان» : كتب التّهاني من الكتب الّتي تظهر فيها مقادير أفهام الكتّاب، ومنازلهم من الصّناعة، ومواقعهم من البلاغة. وهي من ضروب الكتابة الجليلة النفيسة، لما في التهنئة البليغة من الإفصاح بقدر النعمة، والإبانة عن موقع الموهبة، وتضاعف السّرور بالعطيّة. وأغراضها ومعانيها متشعّبة لا تقف عند حدّ، وإنما نذكر منها الأصول الّتي تفرّعت منها فروع رجعت إليها، وحملت عليها. قال: ويجب على الكاتب أن يراعي فيها مرتبة المكتوب إليه والمكتوب عنه في الرسالة اللائقة بهما مما لا يتسامح بمثله. ثم التهاني على أحد عشر ضربا: الضرب الأوّل (التهنئة بالولايات، وهي على تسعة أصناف) الصنف الأوّل- التهنئة بولاية الوزارة «1» : قد تقدّم في المقالة الثانية في الكلام على ترتيب المملكة أنّ الوزارة كانت في الزمن المتقدّم هي أرفع وظائف المملكة وأعلاها رتبة، وأنّها الرتبة الثانية بعد الخلافة. وكانت في زمن الخلفاء تكاد أن تكون كالسلطنة الآن، فهي «2» من

الأتباع ومن في معناهم على نحو ما كانت في الزّمن المتقدّم بين الرّؤساء والأكابر، ومن الرؤساء والأكابر بحسب ما تقتضيه رتبة المهنّإ. وهذه نسخ تهان من ذلك على ما كان عليه الحال في الزّمن القديم. تهنئة بوزارة: من إنشاء أبي «1» الحسين بن سعد، كتب بها إلى الوزير محمد «2» بن القاسم بن عبيد رحمه الله، وهي: من كانت النعمة- أيد الله الوزير- نافرة عنه وبفنائه غريبة، فهي تأوي من الوزير إلى مثوى معهود، وكنف محمود، وتجاور منه من يوفّيها حقّها، ويقابلها بحسن الصّحبة لها، ويجري في الشكر لما يولّاه، والرّعاية لما يسترعاه، على شاكلة مضى عليها السّلف من أهله، ونشأ في مثلها الخلف، مقتديا بالأوّل الآخر، وبالماضي الغابر، تشابها في كرم الأفعال، ورعاية لحقوق الآمال، واعتمادا للرأفة والرّحمة، وعموما بالإنصاف والمعدلة، إلى ما خصّ الله به أهل البيت رضي الله عن الماضين منهم وأقام عزّ الباقين وحراستهم: من العلم بالسياسة والدّرابة «3» بتدبير المملكة ورعاية الأمّة، والهداية فيهم لطرق الحيطة ونهج المصلحة. والحمد لله على ما خصّ به الوزير من فضله الذي رفع قدره فيه عن

مساماة ومشاكلة المقادر «1» والشّبيه، وجعله فيما حباه به نسيج وحده، وقريع دهره، وجمع له من مواهب الخير، وخصائص الفضل ما أبان به موقعه في الدّين، وأعطاه معه الولاية من جميع المسلمين. والحمد لله حمدا مجدّدا على ما جدّده له من رأي أمير المؤمنين واجتبائه، ومحلّه من اختياره واصطفائه. والحمد لله على ما منحه من كرامته، وجدّد له من نعمته، فيما أعاد إلى تدبيره من وزارته، وأشركه فيه من أمانته، احتياطا منه للمملكة، ونظرا للخاصّة والعامّة، فإنّ عائدة رأيه سوّت بين الضّعيف والقويّ، ووصلت إلى الدّاني والقضيّ؛ وأعادت إلى الملك بهاءه، وإلى الإسلام نوره وضياءه، فاكتست الدنيا من الجدّة بعد الإخلاق «2» ، والنّضارة بعد الإنهاج «3» ، ما لم يكن يوجد مثله إلّا بالوزير في شرف منصبه، وكرم مركّبه، فهنّأ الله الوزير ما آتاه وتابع له قسمه، ووصل له ما جدّد له بالسّعادة، وأمدّه فيه بالزّيادة؛ وأعطاه من كلّ مأمول أعظم حظّ وأوفر نصيب وقسم، تراخيا في مدّة العمر، وتناهيا في درجة العزّ، وأحتياطا بالموهبة في العاجلة، وفوزا بالكرامة في الآجلة، إنه فعّال لما يشاء. تهنئة أخرى في مثل ذلك: أوردها في ترسّله، وهي: التهنئة بالوزير للزّمان وأهله بما جمّلهم به، وجدّد لهم من ميسم العزّ، وسربلهم إياه من حلّة الأمن بولايته، والنعمة على أوليائه ورعاياه على حسب مواقعهم من مشاركته وحظوظهم من معدلته ظاهرة، ولله على ذلك الحمد الفاضل، والشكر الكامل. وللوزير من هذه النعمة الجليلة، والدولة السعيدة، أهناها موقعا، وأسراها ملبسا، وأدومها مدّة، وأجملها نغية، وأثراها مبوّءا، وأسلمها

عقبى، فتولّاه الله بالمعونة والحراسة، وأيّده الله بالنصر والكفاية، وأنهضه بما قلّده واسترعاه، وبلّغه محابّه ومناه، وأرجو أن يكون موقعي من ثقة الوزير يلحقني عنده بمن مكّنته الأيام من قضاء الحقّ في التلقّي والإبعاد، ويعوّضني بتفضيله مما حرمته منها محلّ ذوي الإخلاص والاعتداد. تهنئة أخرى في مثل ذلك: أوردها في ترسّله أيضا، وهي: وهذا أوّل يتلوه ما بعده بلا تناه ولا نقص بإذن الله ومشيئته، بل يكون موصولا لا تبلغ منه غاية إلّا شفعتها درجة ترقى، تكنف ذلك كفاية من الله شاملة كاملة، وغبطة في البدء والعاقبة بلا انقطاع ولا ارتجاع، حتّى يكون المنقلب منه بعد بلوغ العمر منتهاه، إلى فوز برحمة الله ورضاه. فهنيئا للوزير بما لا يقدر أحد أن يدّعي فيه مساعفة المقدار، ولا يناله بغير استحقاق، إذ لا مثل ولا نظير للوزير: فضلا ظاهرا، وعلما على العلوم موفيا، وسابقة في تقليب الخلافة ظهرا لبطن، وحلب الدّهر شطرا بعد شطر، وجمعا من مال السلطان «1» لما كان متفرّقا، وحفظا لما كان ضائعا، وحماية لبيضة «2» الملك، وضبطا للثّغور، وتلقّيا للخطوب بما يفلّ حدّها، ويطفيء نارها ولهبها ويقيم أودها «3» ، وما وهب الله في رأيه من فتح البلاد المرتجة، وقمع الأعداء المتغلّبة، وسكون الدّهماء، وشمول الأمن، وعموم العدل، والله يصل ذلك بأحسنه.

تهنئة أخرى في مثل ذلك: من إنشاء عليّ «1» بن خلف في «مواد البيان» وهي: أطال الله بقاء حضرة الوزارة السامية، فارعة من المعالي أسمقها نجودا، كارعة من المنن أعذبها ورودا، ساحبة من الميامن أرقّها برودا، ممتّعة بالنّعم الّتي يرامي الشّكر عن حوزتها، ويحامي البشر عن حومتها، مبلّغة في أوليائها وأعدائها، قاضية ما ترتمي إليه رحابها، فلا ترى لها وليّا إلّا لا حب المذهب، ثاقب الكوكب، سامي الطّرف، حامي الأنف، ولا عدوّا إلّا ضيّق المطرح، وعر المسرح، صالد الزّند، مفلّل الحدّ، راغم العرنين، متلولا للجبين. ولا زالت أزمّة الدنيا بيدها حتّى تبلغ بآمالها منتهاها، وتجري بأيّامها إلى أقصى مداها، [فهي] من أعظم النّعم خطرا، وأحسنها على الكافّة أثرا، وأولاها بأن يفاض في شكرها، وتتعطّر الآفاق بذكرها. ولسيدنا الوزير الأجلّ يراع يستيقظ في صلاحهم وهم هاجعون، وينصب في الذّبّ عنهم وهم وادعون، وكل تدبيرهم فيه، إلى مدبّر يخاف الله ويتّقيه، ويعمل فيمن استرعاه بما يرتضيه، ولا يمدّ يد الاقتدار عليهم متسلّطا، ولا يتّبع دواعي الهوى فيهم متسقّطا، واضعا الأشياء في حقائقها، سالكا بها أمثل طرائقها، ملاينا من غير ضعف، مخاشنا من غير عنف، قريبا من غير صغر، بعيدا من غير كبر، مرغّبا بلا إسراف، مرهبا بإنصاف، ناظرا إلى محقّرات الأمور وأطرافها، كما ينظر في معاظمها وأشرافها، آخذا بوثائق الحزم، متمسّكا بعلائق العزم، راميا بفكرته من وراء العواقب، خاطما بآرائه أنوف المصاعب، ناظما بإيالته عقود المصالح، موطّئا برياضته ظهور الجوامح، إن ثقّف ذا النّبوة الفريدة، والهفوة الوحيدة، اقتصر على ما يوافقه الوالد الحدب، من مقوّم الأدب [وإن قبض] «2» على المرتكس في غوايته، المفلس في عنايته، ضيّق عليه مجال العفو، وأحاق به أليم العذاب والسّطو،

الصنف الثاني - التهنة بكفالة السلطنة

فقد سكنت الرعيّة في عدله، وأوت حرما منيعا من ظلّه، ووثقت أنّ الحق بنظره شامخ شاهق، والباطل سائخ زاهق، والإنصاف مبسوط منشور، والإجحاف محطوط مبتور، والشّمل منظوم، والشّرّ مضموم. فنطقت ألسنتها بإحماده، واشتملت أفئدتها على وداده، واتفقت أهواؤها على رياسته، وتطابقت آراؤها المسابقة على دوام سيادته، وعرف أمير المؤمنين عدق النظر في دولته، وسلّم أمور مملكته إلى النّصيح المأمون، والنّجيح الميمون، الذي وفّقه الله تعالى لاختياره، ويسّره لاصطفائه وإيثاره، وأنّه قد ناط أموره بمن لم يستخفّ ثقيل حملها، وينوء بباهظ ثقلها، فتمتّع بلذيذ الكرى، وتودّع بعد السّير والسّرى، وألم من إلمام ملمّ معضل، وحدوث حدث مشكل. وهذه نعمة تعمّ الخاصّة والعامّة عموم الغيث إذا همع «1» وتدفّق، وتشملهم شمول النهار إذا لمع وتألّق، وهم أولى بالتهنئة فيها وشكر الله تعالى عليها. وسيدنا الوزير حقيق بأن يهدى إليه الدعاء المرفوع، والتضرّع المسموع، بأن ينهضه الله تعالى بما حمّله، ويعينه على ما كفّله، ويتولّاه بتوفيق يثقب أنواره، وتأييد يطبّق غراره، وتسديد يحسّن آثاره، وإجراء ما يتولّاه على أوضح سبيل وأقصده، وأرجح دليل وأرشده، إذ لا يجوز أن يهنّأ بما له عياؤه وكلّه، ولمذعنيه صلاحه كلّه. والعبد يسأل الله ضارعا لديه، باسطا يده إليه، في أن يقبل صالح أدعيته لحضرة الوزارة السامية، وأن يجعل ما أحلّه في محلّه من رياستها، وأوقعه في موقعه من سياستها، دائبا لا ينتزع، وخالدا لا يرتجع، وأن يؤيّدها فيه بما يقضي له بالإحراز والتّخويل، ويحميه من الابتزاز والتحويل، إنّه سميع الدعاء، فعّال لما يشاء، إن شاء الله تعالى. الصنف الثاني- التهنة بكفالة السلطنة :

وهذه نسخة من ذلك، كتب بها عن نائب «1» الشام، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة «2» ، وهي بعد الألقاب: لا زال دائرا بهنائه الفلك، منيرا بضياء عدله وبشره الحلك، قريرا بحسن كفالته الملك، شاهدا بفضل أسمائه وسماته الملك، مقسوما بأمر الله نداه وبأسه ليحيا من حيّ ويهلك من هلك، تقبيلا يشافه به التّراب، ويشاهد شرف مطلعه على السّحاب. وينهي قيامه على قدم ولاء ودعاء: هذا ينزل القلب وهذا يصعد إلى الأفق، ومقامه على بشرى وحمد منهما الأمن يحلّى بوصفه النّطق كما تحلّى الأعطاف «3» بالنّطق، وأنه ورد مثال شريف على يد فلان يتضمّن البشارة العامّة، والمسرّة التامّة، والنعمة الّتي يعوّذ سنا جبينها من كل عين لامّة، وخبر الخير الذي حيّت أزهاره المتضوّعة ندّ مصر فأوّل ما بلّغه منافس الشام شامّة، بأنّ المواقف الشريفة- أعزّ الله تعالى سلطانها- قد فوضت إلى مولانا كفالة الإسلام وبنيه، وكفاية الملك بصالح مؤمنيه، ونيابة «4» السلطنة الشريفة وما نسقت، وتدبير الممالك وما وسقت، فيالها بشرى ابتسمت لها ثغور البشر، ومسرّة

استجلى سناها من آمن وبهت الذي كفر، وخبرا تلقّت الأسماع بريده منشدة: قل وأعد بأطيب الخبر، هنالك أخذ المملوك حظّه من خير بشرى، ونصيبه من مسرّة حمد بصباح طرسها المسرى؛ وحمد الله تعالى على أن أقام لسلطان البسيطة من يبسط العدل والإحسان لمنابه، ويقلّد رعيّته عقود النّعم إذا تقلّد ما وراء سريره وبابه، ومن إذا كفل سيفه ممالك الإسلام وثقت بالمغنم والسّلامة، وإذا كتب قلمه قالت، ولا سيّما أخبار جند المسلمين: هكذا تكون العلامة، وجهّز المملوك هذه الخدمة نائبة عنه في تقبيل الأرض، وعرض الهناء بين يدي من يسرّ المملوك بولائه إليوم ويرجو أن يسرّ به يوم العرض، ولو وصف المملوك ما عنده من السّرور والشّوق لضاق الورق عن تسطير الواجب منه وضاق الوقت عن أداء الفرض. والله تعالى يجدّد لمولانا ثمرات الفضل الواضح، والرأي الرابح، والقدر الذي هو على ميزان الكواكب راجح، ويمتّعنا كافّة المماليك «1» بدولة سلطانه الذي علم البيت الشريف أنّه على الحقيقة الخلف الصّالح. وهذه نسخة تهنئة لأمير «2» جاندار بولاية إمرة «3» جاندار، من إنشاء الشيخ

الصنف الثالث - التهنئة بالإمارة

جمال الدين بن نباتة، وهي بعد الألقاب: أعلى الله منارها ومنالها، وخلّد قبولها وإقبالها، وأجزل من الغضّ الذي تناولته ثمرها وأسبغ به ظلالها، ولا زال في سيفها وعصاها مآرب للملك، وفي بأسها ونداها مواقع للنّجاة والهلك، ولا برحت القضب من سيوف وغصون: هذه حاكمة بسعدها حكم الملك، وهذه مسخّرة في تجريدها تسخير الفلك، تقبيل مخلص في ولائه ودعائه، مهنّا القلب مسرور بما يتجدّد من مسرّات مولانا وهنائه، وينهي أنه بلغه ما أفاضته الصدقات الشريفة على مولانا من المبرّات، وما جدّدت له من المسرّات، وأنها ضاعفت مزيد الإحسان إليه، ودعته أمير جاندار ودّت العصيّ النّجوميّة لو قدّمت نفسها بين يديه، وأنّ المواقف الشريفة قرّت به عينا وأقرّت، وأنّ الدولة القاهرة ألقت عصاها إليه واستقرّت؛ وكما سلّمت إليه العصا في السّلم سلّمت إليه السيف في الحرب، وكما قرّبته في مواقف العدل والإحسان قرّبته في مواقف الطّعن والضّرب، فأخذ المملوك حظّه من البشرى، وأوجب على نفسه الفرح وسجد لله شكرا، وودّ لو حضر يشاقه بهذا الهناء الشامل، ومثل قائما لديه بحقّ التهنئة القيام الحقيقيّ الكامل. وحيث بعدت داره، ونأت عن العيان أخباره، فقد علم الله تعالى مواصلته بالأدعية الصالحة ليلا ونهارا، والموالاة والمحبّة الّتي يشهد بها الخاطر الكريم سرّا وجهارا. والله تعالى المسؤول أن يزيد مولانا من فضله، ويسرّه بمتجدّدات الخير الذي هو من أهله، ويمتّعنا كافّة المماليك بدوام سلطان هذه الدولة الذي شمل بظله، وغني بنصره عن نصله، إن شاء الله تعالى. الصنف الثالث- التهنئة بالإمارة «1» .

الصنف الرابع - التهنئة بولاية الحجابة.

من كلام الأقدمين: تهنئة من ذلك، أوردها أبو الحسين بن «1» سعد في ترسّله، وهي: وهنأ الله الأمير مواهبه الهنيّة، وعطاياه السّويّة، وأدام تمكينه وقدرته، وثبّت وطأته، وحرس ما خوّله، وجعل ما هيّأ له من مؤتنف الكرامة أيمن الأمور فاتحة وأسعدها عاقبة، ووصل أيّامه بأجمل الولاية، وأجلّ الكفاية، حتّى ينتهي [من] استيفاء سعادات الحظوظ وحوز القسم والآمال، [إلى] الدرجة الّتي تليق بما أفرده الله به من الكمال، وخصّه به من الفضل في جميع الخصال. ومن أفضل ما أعتدّ به من نعم الله عليّ بالأمير وبجميل رأيه، ومحلّي من طاعته وخدمته، أنّي لا أخلو في كل وقت وحال من بهجة تتجدّد لي، ومسرّة تصل إليّ، وتتوفّر عليّ، بما يسهّله الأمير على يده من مستصعب الأمور، ومستغلق الخطوب، الّتي تبعد عمّن يزاولها، ويجعل الله بطوله وحوله للأمير القدرة عليها، ويتوحّد بالكفاية فيها، فينمو بجميل تدبيره ولطيف نظره، ويطّرد بصاعد نجمه ويمن نقيبته وعزّ دولته، وذلك من فضل الله ونعمته، يؤتي فضله من يشاء وهو ذو الفضل العظيم. الصنف الرابع- التهنئة بولاية الحجابة. وقد كان لها في الزّمن القديم المحلّ الوافر في الدولة وعلوّ الرتبة فيها. من كلام الأقدمين: تهنئة من إنشاء أبي الحسين بن سعد، كتب بها إلى أبي بكر «2» بن ياقوت

حين ولي الحجابة بعد نكبة أصابته، وهي بعد الصدر: وقد كانت أنفسنا معشر عبيد سيدنا وحملة إنعامه، ومؤمّلي أيامه، في هذه الأحوال الّتي نفد سيدنا منها فيما ابتلاه صبره، وأبان فيه قدره، وزاد العارف بفضله نفوذا في البصيرة، وأعاد ذوي الارتياب فيه إلى الثّقة، فاستوى المنازع والمسلّم، واستوى العالم والمعاند- نعمة منه تعالى ذكره خصّه بها وصانه عن مشاكلة النظير، ومزاحمة الأكفاء- على سبيل من القلق والارتماض «1» ، والسّقوط والانخفاض، جزعا من تلك الحال الغليظة، وإشفاقا على تلك النّفس النّفيسة، وخوفا على معالم البرّ والتّقى، وبقيّة العلم والحجا، وتاريخ الكرم والنّدى، أن يدرس منارها، وتطمس آثارها، ولولا ما منّ الله به من الخلاص منها وما منح بكرمه في عاقبتها، لأوشكت أن تأتي عليها وتعجلها عن مواقيت آجالها، لكنه عظمت آلاؤه، وتقدّست أسماؤه، أتى بالأمن والفرج، بعد استيلاء الكرب والوجل، وانبتات أسباب الرّجاء والأمل، فعرف سيدنا موقع الخيرة فيما قضاه، وميّز له الخبيث من الطيّب ممّن عاداه وتولّاه، وجعل النعمة الّتي جدّدها له فيما ردّه أمير المؤمنين إلى تدبيره من أمر داره ومملكته، وحراسة بيضة رعيّته، مشتركة النّفع والفائدة، مقسومة الخير والعائدة، بين كافّة الأمّة فيما عمّ من المعدلة، وشمل من المصلحة، ولاح من تباشير الخير، وأمارات البركة، في استقامة أمور البلاد وصلاح أحوال العباد، وأفرد الله سيدنا بحظّ من الموهبة وفّاني فيه على حظوظ الأولياء، وزادني على سهام الشّركاء. وأنا أرغب إلى الله في إسعاد سيدنا بما جدّده له، وتعريفه بركة مفتتحه ويمن خاتمته. والحمد لله في مبتداه، والسلامة في عقباه، وتبليغه من حظّ مأمول، وخير

مطلوب، وحال عليّة، ورتبة سنيّة، أفضل ما بلّغ أحدا اختصّه بفضله، واصطفاه من خلقه، إنه جواد ماجد. فإن رأى سيدنا أن يتطوّل بإجراء عبده على كريم عادته في تشريفه بمكاتبته، وتصريفه في أمره ونهيه، محقّقا بذلك أمله، وزائدا في نعمه عنده، فعل إن شاء الله تعالى. تهنئة أخرى من ذلك، من إنشاء عليّ» بن خلف أوردها في «موادّ البيان» وهي: إنما يهنّأ بالولاية- أطال الله بقاء الحاجب «2» الجليل سيّدي ومولاي- من انبسطت إليها يده بعد انقباض، وارتفع لها قدره من انخفاض، وأوجدته الطريق إلى إحراز جزيل الأجر والجزاء، واكتناز جميل البركة والثّناء، وأفضت به إلى اتّساع السّلطان، وانتفاع الأعوان، فأمّا من جعل الله يده الطّولى، وقدره الأعلى، ورياسته حاصلة في نفسه وجوهره، وسيادته مجتناة من سنخه «3» وعنصره، فالأولى- إذا استكفي رغبة في إنصافه وعدله، وحاجة إلى سداده وفضله، وافتقارا إلى فضل سيرته، واضطرارا إلى فاضل سياسته- أن تهنّأ الرعيّة بولايته، وتسرّ الخاصّة والعامّة بما عدق من أمورها بكفايته؛ وغير بدع ربط «4» أمير المؤمنين بالحاجب الجليل أمر حجابته، ونصبه الزّحمة «5» عن حضرته، وجعله الوسيط والسفير بينه وبين خواصّ دولته، وقد وثق بيمن نقيبته، واطّلع

الصنف الخامس - التهنئة بولاية القضاء.

على خلوص نيّته، وسكن إلى صدق طاعته، وعرف طهارة جيبه، وسلامة غيبه، وصدق لهجته، وحصافة أمانته، واعتماده للحقّ فيما يورد ويصدر، وينهي ويجيب، وابتلاه فعرف طيب طعمته، وخفّة وطأته، ورأفته بالضّعيف المهضوم، وغلظته على العسوف الظّلوم، [فرأى] أن يحلّه محلّ من لا يغيب عمّا شهده، ولا يرتاب بما سمعه، على أنّني المهنّأ بكل نعمة يجدّدها الله لديه، وسعادة يسبغها عليه. [ولو أنصفت] لسلكت من الصّواب سننا، واعتقدت جميلا حسنا؛ لاستشعاري بالأنفس من لبوس سيادته، وتحلّيّ بالأنصع من عقود رياسته، وإذا كانت رعيّته أجدر أن تهنّأ بولايته، وتعرف قدر ما لها من الحظّ في نظره، فأنا أعدل من هنائه إلى الدّعاء له بأن يبارك الله تعالى له فيما قلّده، ويوفّقه فيما ولّاه ويسدّده، ويلهمه ادّخار الثواب والأجر، واكتناز الحمد والشكر، والهداية إلى سنن الاستقامة، وما عاد بمحبّة الخاصّة والعامّة، وإنهاضه في خدمة أمير المؤمنين، والعمل من طاعته بما يزلف في الدنيا والدين. والله يستجيب في الحاجب الجليل هذا الدعاء ويسمعه، ويتقبّله ويرفعه، إن شاء الله تعالى. الصنف الخامس- التهنئة بولاية القضاء. التهنئة بذلك من كلام الأقدمين: تهنئة من ذلك: من إنشاء عليّ بن خلف، أوردها في «موادّ البيان» وهي: أولى المنح أن يتفاوض شكرها والتحدّث بها، ويتقارض حمدها والقيام بواجبها، نعمة شمل عطافها، وعمّت ألطافها، واشترك الناس فيها اشتراك العموم وحلّت منهم في النفع محلّ الغيث السّجوم «1» . وهذه صورة النعمة في

ولاية قاضي «1» القضاة- أطال الله بقاءه- لما تتضمّنه من إثبات العدل والإنصاف، وانحسار الجور والإجحاف، واعتلاء الحقّ وظهوره، واختلاء الباطل وثبوره، وعزّ المظلوم وإدالته، وذلّ الظّلوم وإذالته، وتمكين المضعوف واقتداره، وانخزال العسوف واقتساره. وإن هنّأته حرس الله علاه بموهبة أتى بارقها بجميل الثّناء، وجزيل الجزاء، قد ناء من تحمّلها بباهظ الشيء ومتعبه، وقام من سئلها بكل الأدب ومنصبه، عدلت عن الأمثل وضللت عن الطريقة المثلى، لكنّي أهنّئه خصوصا بالمواهب المختصّة به اختصاص أطواق الحمائم بأعناقها- والمناقب المطيفة به إطافة كواكب السّماء بنطاقها، في أن ألّف الله القلوب المتباينة على الإقرار بفضله، وجمع الأفئدة المتنافية على الاعتراف بقصور كلّ محلّ عن محلّه، وجعل كلّ نعمة تسبغ عليه، ومنّة تسدى إليه، موافقة الآمال والأماني، مفضية للبشائر والتّهاني؛ لأنّ من أحبّ الحقّ وآثره، ولبس الصّدق واستشعره، ينطق بلسان الإرادة والاختيار، ومن تركهما وقلاهما، وخلعهما وألقاهما، ينطق بلسان الافتقار والاضطرار- والخصائص الّتي هو فيها نسيج وحده، وعطر يومه وغده- والمحاسن الّتي هي أناسيّ عيون الزّمان، ومصابيح أعيان الحسن والإحسان. ثم أعود فأهنّئه عموما بالنّعم المشتركة الشّمول، الفضفاضة الذّيول، الّتي أقرّت القضاء في نصابه، وأعادت الحكم إلى وطنه بعد نجعته واغترابه، وأعلتهما في الرّتبة الفاضلة، وقدعت «2» بهما

أنف الذّروة العالية. وأرفع يدي إلى الله تعالى داعيا في إمداد قاضي القضاة بتوفيق يسدّد مراميه، ويرشد مساعيه، ويهذّب آراءه ويصحّحها «1» ، ويبلج أحكامه ويوضّحها، ويخلّد عليه النعمة خلودها على الشاكرين، ويبصّره بحسن العقبى في الدنيا والدّين، وهو سبحانه يتقبّل ذلك ويرفعه، إن شاء الله تعالى. التهنئة بذلك، من كلام أهل العصر: تهنئة من ذلك: أوردها الشيخ شهاب «2» الدين محمود الحلبيّ في كتابه «زهر الربيع في الترسّل البديع» وهي: أنفذ الله تعالى أحكامه، وشكر إحسانه وإنعامه، وخلّده ناصرا للشريعة المطهّرة وأدامه، وجدّد سعده وأسعد أيّامه، وجعله المسترشد والمقتفي بأمر الله والرّاشد والمستنجد والمستنصر والناصر والعاضد، والحاكم القائم بأمر الله ... «3» ... من القضاة الثلاثة الواحد. المملوك يقبّل اليد العالية تبرّكا بتقبيلها، وأداء لواجب تعظيمها وتبجيلها، ويهنّيء المولى بما خصّه الله تعالى من مضاعفة نفاذ كلمته ورفع منزلته، وإمضاء أحكامه الشريفة وأقضيته، وتقليده أمور الإسلام، وتنفيذ أوامره في الخاصّ والعام، ويهنّيء بالمولى من ردّت أموره إليه، وعوّل في ملاحظة مصالحه عليه،

الصنف السادس - التهنئة بولاية الدعوة على مذهب الشيعة.

فإنّ مولانا ما زال بالعلم والعمل مشهورا، وسعيه في الدنيا والآخرة سعيا مشكورا، ويقظة مولانا جديرة بزيادة الاهتمام، والاحتياط التامّ، بملاحظة طلبة العلم والمشتغلين، والفقهاء والمدرّسين، وسبر أحوال النّوّاب «1» ، وأن لا يكفيه الاعتماد على حسن البزّة وطهارة الأثواب، بل يمعن في الاطّلاع على ما يعتمدونه النّظر، ويلاحظ كلّا منهم إن غاب عن مجلسه أو حضر، فمن رآه يهدي إلى الحقّ وإلى الطريق المستقيم، ولا يقرب إلّا بالتي هي أحسن مال اليتيم، فيحقّق له من العناية أملا، ولا يضيع أجر من أحسن عملا، حرس الله المولى ومتّع بحياته، وأعاد على الكافّة بركة صيامه المقبول وصلاته، ونفع الإسلام بمستجاب دعواته، إن شاء الله تعالى. الصنف السادس- التهنئة بولاية الدعوة على مذهب الشّيعة. وقد تقدّم في الكلام على ترتيب المملكة في الدّولة الفاطميّة، بالديار المصرية، ذكر موضوعها وعلوّ رتبتها عندهم، وإنما ذكرناها حفظا للأصل ولاحتمال وقوعها. تهنئة من ذلك: من إنشاء عليّ بن خلف، أوردها في «موادّ البيان» وهي: أطال الله بقاء داعي «2» الدّعاة لصباح من الرحمة يبلجه، وطريق من

الحكمة يظهر بيانه، وليل من السّنّة ينزع طيلسانه، وحرسه على الإيمان يجدّد ما أخلق من بروده، وينظّم ما وهي من عقوده، وعلى المؤمنين يفتح لهم أبواب الرّشاد، ويهمي إليهم سماء الإفادة والإمداد، ولا زالت الحقائق مقصودة منه بالميزة الّتي رشّحته لحفظ مبانيها، وأهّلته للعبارة عن معانيها، حتّى يرقمها في الأخلاد، ويمحو بها رسوم العناد، وينشر بشرها في الآفاق والبلاد. أنا أعدل عن هناء داعي الدّعاة- أطال الله بقاءه- بما عدق به من أمر الدّعوة الهاديّة العلويّة، ونصب له من فرّ مضاحك المشكلات عن أسرار الحقائق الإلهيّة، والترجمة عن غوامض الحكم الشّرعيّة، والتوقيف على موارد الهدى ومشارعه، والإرشاد إلى مشارق الحق ومطالعه، إلى هناء الدّعوة وأهلها بما قيّضه الله تعالى لهم من محلّه الرفيع الذي ألحقه العقل نحو هذا الكمال، ووطّأ له مدارج الترقّي والاتّصال، فشفّت نفسه وشرفت، وتطلّعت على عالم الملكوت وأشرفت، وجنى بيد التّبصرة ثمار الحكمة، واستنزل بمنزل الموادّ غيوث النّعمة، وجرّد الضّياء من الظلام، تجريد الأرواح من الأجسام إلى دار السّلام، واستمدّ بلطيفته موائد علوم عالم اللّطافة، وأمدّ بمركّب ألفاظها تحاكم الكافة، وحلّ في الغبراء محلّ الغرّاء في الخضراء، إن أوضحت سبيل سائر بجنب طريق جائر توصّل بنزوعها غاشية إظلام، حسر عن الحق قناع إبهام، أو فعلت «1» في الجواهر زيادة وثمرة (؟) أخذت تعاديا (؟) فأدلته للهمم العاملة شرفا وسموّا؛ لما أعلى بذلك من قدرها وقدرهم، وطيّب من ذكرها وذكرهم، وأعطف إلى الدعاء لداعي الدّعاة بأن يجعل الله تعالى ما خوّله من هذه الرّياسة راهنا لا يرتجع، وما نوّله من هذه السيادة مستقرّا لا ينتزع، وأن يؤيّده بالتوفيق، ويعبّد له مناهج التحقيق، ويطلق لسانه بالبيان، ويمدّه بروح منه في نصرة الإيمان، وقد حتم الله

الصنف السابع - التهنئة بالتقدمة على الرجال.

تعالى بإجابة داعيه، ولا سيما داعي الدّعاة [فإنه] جدير بأن يجاب الدعاء فيه، إن شاء الله تعالى. قال في «موادّ البيان» : وإنما أوردت هذا المثال بهذه الألفاظ؛ لأن ألفاظ هذا الدّاعي يجب أن تكون مشتقّة من ألفاظ الدعوة، مناسبة لمذهبها، ولولا ذلك لأغنى عنه مثال تهنئة قاضي القضاة، ومن تأملهما عرف ما بينهما من الفرقان. الصنف السابع- التهنئة بالتقدمة على الرجال. رقعة من ذلك: [من حلّ] محلّ سيدي- أطال الله بقاءه- من السّؤدد الناطق الشّواهد، المنتظم المعاقد، المتضارع الطارف والتالد، المنتقل في الولد عن الوالد- والمجد الذي قصر عن مطاولته الطّراز الأوّل، وتطأطأ له الإنعام المخوّل، وحاز ما حازه من شرف الرّياسة، وفضل السّياسة، والاستقلال بحقوق ما تولّاه، وتسديد ما نوّله واستكفاه، فتشوّقت إليه أعالي الرّتب وتشوّقت إليه المنازل السنيّة من كثب- خطبته العلا سائقة عنه مهرها، وتطامنت له موطّئة ظهرها، فلم يكثر له أن يتقدّم على [أهل] عصره فضلا عن قبيلته، ويتأمّر على جميع نوعه فضلا عن طائفته، لأنه المقدّم عليهم بالرّتبة والطّبع، لا بالاصطلاح والوضع، فشكر المملوك الله تعالى على بزوغ هلاله وإبراقه، وطلوعه لميقات العز وتنفاقه، وسأله أن يجعل ما أقرّ العيون من سيادته، وحقّق الظنون في سعادته، خالدا راهنا، ومقيما قاطنا، وأن يزيده من السعادة، ويرقّيه كلّ يوم في درج السيادة، لتكون هذه الرتبة على امتناع مرقبها، وارتفاع مركبها، أوّل درجة تخطّاها، ومنزلة فرعها وعلاها، ثم لا يزال راقيا فيما يتلوها حتّى يحتذي بكواكب الجوزاء، ويطحو دارة على الحلفاء، مهنّأ غير منغّص، ومزيّدا غير منقّص، والله تعالى يجيب هذه الأدعية الواقعة مواقعها، والمستحقّات الموضوعة مواضعها.

الصنف الثامن - التهنئة بولاية الديوان

الصنف الثامن- التهنئة بولاية الديوان «1» . رقعة من ذلك: وينهي أنّ من حلّ محلّ مولانا- أطال الله بقاءه رافلا في لبوس السّعادة، متحفّلا بسلوس السّيادة، متنقّلا في رتب المجد، متوقّلا إلى غدن «2» الجدّ، مستوليا على شعاب العلا، متمكّنا من رقاب الأعداء- في الاستقلال والاضطلاع، والمعرفة بحقوق الاصطفاء والاصطناع، ورفعة مذهبه على الكفاية والغناء، والنهوض بثقيل الأعباء، خطبته التصرّفات حاملة عنه صداقها، وتشوّفته الولايات مادّة إليه أعناقها، وقد اتصل بالمملوك ما جدّده الله تعالى من سعادته، وأنجزه من مواعيد سيادته، الّتي كانت واضحة في مخايل فضله، لائحة في دلائل نبله، مكتوبة في صفحات الأقدار، مرقومة بسواد اللّيل على بياض النهار، فجذل المملوك بذلك، جذل الحميم المشارك، وسرّبه سرور الخليط المشابك، وليس ذلك لأنّ الذي تولّاه مولانا وجد [فيه] خللا فرقعه، وخمولا فرفعه؛ بل لأنّ الحقّ غالب الحظّ فغلبه، والواجب سالب الممكن

فسلبه، وأناخ ركاب الرّياسة في المحلّ الخصب الذي يحمده ويرتضيه، والله تعالى يتفضّل على رعيّته، المتوطّنين بفاضل سياسته، من حبائه ولطفه، ورأفته وعطفه، بما يسبغ عليهم ظلال العدل، ويقلّص عنهم سدول الجور والحيف، إن شاء الله تعالى. قلت: وكتبت للمقرّ البدريّ محمود «1» الكلستاني الشهير بالسّراي مهنّئا له باستقراره في كتابة السّرّ الشريف بالديار المصرية في الدولة الظاهرية «برقوق» «2» في سلطنته الأولى (بسيط) . رفعت للمجد مذ ولّيت بنيانا ... وشدت للفضل بعد الوهن أركانا وأصبح الملك في زهو، ومالكه ... يميس عجبا، وهنّا التّخت «3» إيوانا قدمت مصرا فأمست منك في فره «4» ... تهزّ بالبشر من لقياك أردانا وغودر النّيل مذ وافيت مبتهجا ... وقد رمى الصّدّ والإبعاد جيحانا

الصنف التاسع - التهنئة بولاية عمل.

ألفاظك الغرّ صارت للورى مثلا ... وكتبك الزّهر بعد اللّثم تيجانا تفوق قسّا إذا تبدو فصاحتها ... وتفضح المصقع الملّاق سحبانا قد أفحمت في مجازات بلاغتها ... تركا وروما وبعد الفرس عربانا كلّ الموالي إذا ولّوا فلا أسف ... إذ أنت باق، ويبقي الله مولانا مولّى به قد تشرّفنا وجمّلنا ... بوجهه، ولذكر القوم أنسانا الصنف التاسع- التهنئة بولاية عمل. أبو الفرج «1» الببّغاء: عرّف الله سيدي بركة هذا العمل الجليل، بنبيل نظره الجميل، وحميد أثره المحروس، وتناصر سياسته الشريفة بسمة رياسته، ووفّق رعيّته لشكر ما وليها من فائض عدله ومحمود فعله، فالأعمال منه- أيده الله تعالى- بالتهنئة أولى، وبالتّطاول بما شملها من بركات تدبيره أحرى، والله بكرمه يسمع فيه صالح الدعاء، ويبلّغه أبلغ مدد البقاء، في أسبغ نعمة، وأرفع منزلة، وأصدق أمنيّة، وأنجح طلبة، بمنّه. وله في مثله: لولا ما يشرك التّهاني من بركات الدّعاء الذي أرجو أن يسمع الله فيك صالحه، ويجيب أحسنه، لأجللناك عن التّهنئة بمستجدّ الأعمال، ومستحدث الولايات، لقصورها عن استحقاقك، وانحطاطها وإن جلّت عن أيسر واجباتك، وتعجّلها بمأثور كفايتك، وبركات نظرك، ومواقع إنصافك. فهنأك الله نعمة

الفضل الّتي الولاية أصغر آلاتها، والرّياسة بعض صفاتها، ولا أخلاك من موهبة مجدّدة، ومنحة مؤبّدة. وله في مثله: سيدي- أيده الله- أرفع قدرا، وأنبه ذكرا، وأعظم نبلا، وأشهر فضلا، من أن نهنّئه بولاية وإنّ جلّ خطرها، وعظم قدرها؛ لأنّ الواجب تهنئة الأعمال بفائض عدله، والرّعيّة بمحمود فعله، والأقاليم بآثار رياسته، والولايات بسمات سياسته، فعرّفه الله يمن ما تولّاه، ورعاه في سائر ما استرعاه، ولا أخلاه من التوفيق فيما يعانيه، والتسديد فيما يبرمه ويمضيه. الأجوبة عن التّهاني بالولايات قال في «موادّ البيان» : هذه الكتب إذا وردت، وجب على المجيب أن يستنبط من كل كتاب منها المعنى الذي يجيب به. قال: والطريقة المستعملة فيها أنّ كتاب المجيب يجب أن يبنى على أن المهنّيء قسيم في النّعمة المتجدّدة، وشريك في المنزلة المستحدثة، وأن الحظّ الأوفر فيما ناله المهنّى للمهنّي وببركة دعائه، وتوقعه لما يرد من حاجاته وتبعاته لينفّذها، نازلا على أخلص مخالصته، وعاملا بشروط مودّته، ونحو هذا مما يضارعه. فإن كان المجيب رئيسا أو مرؤوسا، وجب أن يرتّب الخطاب على ما تقتضيه رتبة كلّ واحد منهما. وهذا مثال من ذلك: زهر الربيع: وردت المشرّفة الكريمة، أتمّ الله على مرسلها نعمته، وأعلى قدره ومنزلته، وجعل جناح العدا مخفوضا، وعيشه في دعة وخفض، وقدره للتمييز مرفوعا، وعدوّه للتقصير في انحطاط وخفض، فتلقّاها باليمين، وظنّها الريح الجنوب لما تحمّلته من رقّة الحنين، وعلم ما أبداه فيها من تفضّلاته، واعترف بالتقصير عن مجاراته ومجازاته، فشنّف سمعه بألفاظ كأنّهنّ اللّؤلؤ والمرجان،

الضرب الثاني (التهنئة بكرامة السلطان وأجوبتها)

وبيّنت البون الذي بينه وبين غيره تلك الفصاحة والبيان، وقابل أياديه بشكر لسانه، وجازاه بحسن الدّعاء عن إحسانه، ولا يقوم بشكر فضله اللسان ولا الجثمان، وهل جزاء الإحسان إلّا الإحسان؟ فأمّا ما أشار إليه من الهناء بالمكان الذي تولّاه، وأبداه من المحبّة الّتي أوجبت عليه أن يتوالاه، فالله تعالى يعينه على ما هو بصدده، ويجعل الحقّ والخير جاريين على لسانه ويده، ويرزقه اتباع محكم كتابه وسنّة رسوله، ويحصّل له من الرّشد غاية سوله ومأموله، فإن هذه الولاية صعبة المراس، وجوادها كثير الشّماس، لكن ببركات المولى يحصل من الله الأرب، ويسهل لأوليائه القصد والإسعاد والطّلب، أدام الله ظلّ المولى وأسعده، وأوضح لديه طريق السعادة ومهّده، ومنحه من الألطاف الخفيّة أفضل ما عوّده، بمنّه وكرمه. الضرب الثاني (التهنئة بكرامة السلطان وأجوبتها) وفيه ثلاثة أصناف: الصنف الأوّل- التهنئة بالإنعام والمزيد ولبس الخلع «1» وغير ذلك. من كلام الأقدمين: وينهي أنه اتّصل بالمملوك ما أهّل مولانا السلطان مولانا له: من المحلّ السّنيّ،

والمكان العليّ، الذي لم يزل موقوفا عليه، متشوّفا إليه، نافرا عن كلّ خاطب سواه، جامحا على كلّ راكب إلّا إيّاه، فأقرّ الله عين المملوك بذلك لصدق ظنه، وعلم أنّ ما أصاره الله تعالى إليه من هذه المنزلة المنيفة، والرّتبة الشريفة، مدرجة تفضي إلى مدارج، ومعرجة تنتهي إلى معارج، والله تعالى يزيد معاليه علوّا، ويضاعف محلّه سموّا، بمنّه وكرمه، إن شاء الله تعالى. ومنه- وينهي أنه اتّصل بالمملوك نبأ الموهبة المتجدّدة لديه، والنعمة المسبغة عليه، وما اختصّه به مولانا السلطان من الاصطفاء والإيثار، والاجتباء والاختيار، وتقديمه للرّتبة الأثيرة، والإنافة إلى المنزلة الخطيرة، فسرّ المملوك للرّياسة إذ أحلّها الله تعالى في محلّها، وأنزلها على أهلها، ووصلها بكفئها وكافيها، وسلّم قوسها إلى راميها، والله تعالى يجعل هذه الرتبة أوّل مرقاة من مراقي الآمال، ومكين الرّتب الّتي يفرعها من رتب الجلال، إن شاء الله تعالى. من كلام المتأخرين: الشيخ شهاب الدين محمود «1» الحلبي: أدام الله أنصاره، وجعل التّقوى شعاره، وألبسه من المحامد أكرم حلّة، ونوّله من المكارم أحمد خلّة، ولا زالت الخلع تتشرّف إذا أفيضت عليه، والمدائح تستطاب بذكره لا سيّما إذا أنشدت بين يديه. الخادم ينهي إلى علم المولى أنه اتّصل به خبر أهدى إليه سرورا، ومنحه بهجة وحبورا، وهو ما أنعم به المولى السلطان خلّد الله سلطانه، وضاعف إحسانه، من تشريفه بخلعته، وما أسبغه عليه من وارف ظلّه ووافر نعمته، وأبداه من عنايته بالمولى ومحبّته، وقد حصل له من المسرّة ما أجذله، وبسط في مضاعفة سعد المولى أمله، فإنه بلغه أنّ هذه الخلعة كالرّياض في نضارتها، وحسن بهجتها، وأنها كلّما برقت برق لها البصر، وظنّها لحسنها حديقة وقد

الصنف الثاني - التهنئة برضى السلطان بعد غضبه.

حدّق إليها النظر، وقد جمعت ألوان الأزهار، وأربى ناسجها في اللّطف على نسمة الأسحار، وأسكنت حبّها حبّات القلوب الّتي في الصّدور، وسمت عن المدح برائق المنظوم وفائق المنثور، وأن ابن سليمان «1» لو رآها، لاعترف بأنّ في لبسها لكلّ فتى شرفا لا ريب فيه، ونسب البيت المنسوب إليه إلى أعاديه، وأنّه لو نظر نضرة نضارها لما جعل لها في الحسن نظيرا، ولو ألقاها على وجهه لارتدّ لوقته بصيرا؛ فلذلك أصدر هذه الخدمة مهنية، ومعربة عما حصل له من الفرح ومنبّية، ولجيد مدحه العاطل من مثل هذه الألفاظ محلّية، نوّله الله في كلّ يوم مسرّة وبشرى، وأجرى له على الأسن حمدا وشكرا، وجعله لكلّ خير أهلا، وشكر له تفضّلا شاملا وفضلا، ومتّعه من العافية بلباس لا يبلى، إن شاء الله تعالى. الصنف الثاني- التهنئة برضى السلطان بعد غضبه. فمن ذلك: وتنهي أنه اتصل بي ما جدّده الله تعالى لمولاي- أطال الله بقاءه- من حسن عاطفة مولانا أمير المؤمنين- خلّد الله ملكه- وانعطافه عليه بعد انصرافه، وإعادته إلى رتبته الّتي نشزت عنه دلالا لا ملالا، وهجرته هجر المستصلح المستعتب، لا هجر القالي المتجنّب، وكيف تقلاه، وهي لا تجد لها كفؤا سواه، ولتوقّع المملوك بما وقع من هذه الحال، وعلمه أنّ عودها إليه كعودة المودع [إلى مودعه،] لا عودة المنتجع إلى مربعه، وأنّ الذي وقع من

الانحراف إصلاح باديه تهذيب وتقويم، وخافيه توقير وتعظيم، لما في عتاب أمير المؤمنين من شرف الرّتبة، والدّلالة على استقرار الأثرة والقربة، وحلوله محلّ الصّقال، من أبيض النّصال، والثّقاف من العسّال، ولا سيّما ورياسته محفوظة، وسيادته ملحوظة، وهيبته في النّفوس مائلة، وجلالته في القلوب حاصلة، ولم «1» ير المملوك أجلّ موهبة من الله سبحانه من شكر يسترهن هذه النعمة ويخلّدها، وحمد يرتبطها ويقيّدها، ورغبت إلى الله سبحانه أن يجعل هذا العزّ الحادث لابثا لا يتحوّل، والسعد الطارف ماكثا لا يتنقّل، إن شاء الله تعالى. ومن ذلك: وينهي أنّ من عادة الزمان أن يكف سحابه ثم يكفّ، ويرفّ نباته ثم يجفّ، ويدرّ حلبه ثم ينقطع، ويقبل خيره ثم يرتجع، إلّا أنّه إذا سلب النعمة ممن يستوجب إمرارها عليه، وانتزع الموهبة ممن يستحقّ استمرارها لديه، كان كالغالط الذي يراجع نفسه فيندم على ما فرط، ولا يلبث أن يستدرك الغلط، معقبا نبوته بإنابته، متعقّبا هفوته باستقالته، ماحيا إساءته برأب ما ثلم، وأسو ما كلم، وإصلاح ما أفسد، وتأليف ما شرّد. فلا جرم «2» أنّ النفوس بإقباله على من هذه صفته واثقة، والآمال لانصرافه إلى من هذه صورته متحقّقة، وإذا سلبها هرول في إيداعها لديه، وأخذ [في] إفاضتها عليه. وما زال المملوك- مذ عامل الزمان مولانا بسوء أدبه، ونأى عنه بجانبه، وقبض بنانه، وغيّر عليه سلطانه- عارفا أنّ هذه الفعلة فلتة من فلتاته الّتي يتوقّى شرّها، ولا يرجع إلى مثلها، وأنّ الاستبصار، يقوده إلى الاعتذار، والاضطرار، يحدوه على ردّ ما انتزعه بالإجبار؛ لأنه لا يجد من يحلّ محلّ مولانا في ارتباطه بإيناسه، وتعهّده بسقي أغراسه، وقيامه بشكره، وتزكيته ببرّه- متوقّعا لأن تتيقّظ عينه، وينكشف رينه «3» ،

الصنف الثالث - التهنئة بالخلاص من الاعتقال.

فيرى ما صنعت يداه، ويبادر لاستقالة ما جناه، حتّى طرق البشير بما سهّله الله تعالى من انحسار الكربة، وعود مولانا إلى شرف الرّتبة، وصلاح ما فسد، وعود السلطان أعزّ الله نصره إلى ما عهد، وركوبه إلى حضرته، وانقلابه عنه رافلا في تشريفه ومكرمته، فكان معتقد المملوك فيه هلالا في السّرار فأهلّ، وجنينا في الحشا فاستهلّ، فاستولى على المملوك من السّرور ما عمّ جوارحه، وعمر جوانحه، وأطار بجناح المرح، وألبس حلّة الفرح، إذ ما جدّده الله تعالى له من السعادة يحلّ به في العموم، محلّ الغيث السّجوم «1» ؛ لأنّه حرس الله عزّه لا يستأثر بعوارف الله عنده، ولا يكزّ على عطاياه يده، بل يمنح مما منح، ويولي مما تولّى، ولا يضنّ بمال ولا جاه، ولا يقعد عمن أمّله ورجاه، والله تعالى يجعل ذلك مما أقرّبه العيون، وصدّق فيه الظّنون، لا تخلقه الأيام ولا تبليه، ولا تزويه الحوادث ولا تؤثّر فيه، إن شاء الله تعالى. الصنف الثالث- التهنئة بالخلاص من الاعتقال. الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي: جدّد الله سعده، وضاعف جدّه، وأنجح قصده، وأعذب منهله وورده، ولا انفكّت الأيّام زاهية ببقائه، والأنفس مسرورة بارتقائه إلى رتب عليائه. أصدرها تفصح عن شوق يعجز عن سوقه الجنان، ويقصر عن طوله اللّسان، وسرور تزايد حتّى أبكاه، ولا عج بمشاهدة طلعته السعيدة أغراه، وتهنّيه بما جدّد الله له بعد الاعتقال من الفرج والفرح، ومنّ به بعد ضيق الخواطر من الابتهاج والمرح، فهذه المسرّة ماء زلال برد بها الأوام، وإنعام عامّ، حمد الله عليها الخاصّ والعامّ، فالحمد لله الذي عوّضه عن مأتم الحزن بما تمّ من السرور، و [عن] الهمّ المانع عن الورود والصّدور بانشراح الصّدور، فإنّ القلوب شعفها حبّه وشغفها، وضاعف لتعويقه أساها وأسفها، بحيث اعترى المناطق قلق

وعلاها اصفرار، وعطّلت يد كل غانية من الحليّ فما ضمّها قلب «1» ولا سوار، ولبس الخطباء حزنا وألبسته المحابر، وكادت لغيبته وفقد اسمه تندبه الجوامع وتبكيه المنابر، خلّد الله سعادته، وسهّل له من خيري الدنيا والآخرة قصده وإرادته، بمنّه وكرمه. الأجوبة عن التهنئة بكرامة السلطان ورضاه بعد غضبه قال في «موادّ البيان» «2» : يجب أن تكون أجوبة هذه الرّقاع مودعة من الثناء على المهنّي- لمحافظته على رسوم المودّة وقيامه بشروط الخلّة- ما تقتضيه رتبته ورتبة المجيب، وأنّه مشارك له في متجدّد النعمة، مفاوض في حديث المسرّة، والتيمّن بالدعاء، ونحو هذا مما يحسن موقعه عند المبتديء بالهناء، ويضعه بحيث وضع نفسه من الاختصاص بمن كاتبه. وهذا مثال من ذلك: زهر الربيع: [جواب] هناء بخلعة: أدام الله علاءه، وشكر آلاءه، وضاعف سناءه، وحمد مننه الّتي أثقلت لكلّ معتف ظهرا وخفّفت همّا، وأنالت لكلّ وليّ نصيبا من عوارفها وقسما. المملوك ينهي إلى العلم الكريم ورود المكاتبة الّتي كستها يده حلّة جمال، وألبستها ثوب إفضال، وأعدّتها بكرمها، وحسّنت وجهها بلسان قلمها، فأمطرته سحاب جود أربى على السّحاب الهتون «3» ، وأوقفته منها على ألفاظ كأمثال اللّؤلؤ المكنون، فاجتنى ثمار الفضائل من أغصانها، واجتلى عروس محاسنها وإحسانها، وفهم ما أشار إليه من التهنئة بالخلعة الّتي أنعم المولى «4» بها على

الضرب الثالث (من التهاني التهنئة بالعود من الحج)

خادمه وتصدّق، وحقّق الأمل في مكارمه وصدّق، وإنعامه خلّد الله دولته، وأعزّ نصرته، قد كثر حتّى أخجله، وميّزه على كثير من مماليك بيته العالي وفضّله، وأناله من المنزلة ما سما بها على أمثاله، ورقي بها بعد رقّة حاله، فالله يخلّد سلطانه، ويثبّت بالسعادة أركانه، وهذا بسعادة مولانا ومساعدته، ومعاونته ومعاضدته، فإنه كان السبب في الاتّصال ببابه أوّلا وآخرا، وممّن أغاثه بذلك وأعانه عليه باطنا وظاهرا. (بسيط) . وكلّ خير توخّاني الزّمان به ... فأنت باعثه لي أو مسبّبه الضرب الثالث (من التهاني التهنئة بالعود من الحجّ) وهذه نسخ من ذلك ينسج على منوالها. فمن ذلك: وينهي أنه طرق المملوك البشير بعود مولانا- أطال الله بقاءه- من مقام الطائفين، إلى مقام المعتفين، وأوبته من كعبة الإحرام، إلى كعبة الإكرام، وتنقّله من موقف الحجّاج، إلى موقف المحتاج، وحلوله بمنزله الذي هو قبلة ذوي الآمال، ومحطّ الرّحال، بالسّعي المشكور، والحجّ المبرور، والنّسك المقبول، والأجر المكتوب، فحمدت الله تعالى على موهبته، وسألته زيادته من مكرمته، واستنجحت هذه المكاتبة أمام ما أرومه من مشاهدته، وأرجوه من الاستسعاد بملاحظته، وبرد أوار الشوق بمحاضرته، ومجدّدا عهود التيمّن بمباسمته، فإن اقتضى رأيه العالي أن يعرّف المملوك جملة من خبره في بدئه وعوده، ومنقلبه ومتوجّهه، وما تفضّل الله تعالى به من أمان سبيله، وهداية دليله، وتخفيف وعثاء سفره، وتسهيل وطره، لأسكن إلى ذلك إلى حين التمثّل بنظره، فله الفضل في ذلك، والله تعالى يبلّغه سوله، ويوصّله مراده ومأموله، بمنّه وكرمه. ومن ذلك:

وينهي أنّ مولانا لا يزال حاجّا إلى كعبة الحرم، أو كعبة الكرم، وطائفا بشعائر الوفود، أو بشعائر الجود، وواقفا بموقف الاستفتاح، أو موقف السّماح، وناحر البدن «1» بمنى «2» ، أو ناثر البدر للمنى، فلا يرتفع في حال من الأحوال برّه، ولا ينقطع عن الله تعالى ذكره، ومن كان بهذه المثابة، في إحراز الأجر والإنابة، فهو حقيق أن تعمر بالتهنئة أوقاته وأزمانه، كما عمرها سعيه وإحسانه، وقد عرف المملوك انكفاءه- أدام الله علوّه- عن مقام الطائفين والعاكفين، إلى مقام القاصدين والمعتفين، وعوده إلى منزله المعمور، بعد قضائه فريضة السّعي المشكور، فعدلت في مخاطبته عن الهناء إلى الدعاء بأن يتقبّل الله تعالى نسكه ويثقّل ميزانه، ويطلق في حلبة الخيرات عنانه، ويحييه لأجر يحرزه، وثواب يكنزه، والله تعالى يجيب ذلك فيه، ويريه في نفسه وأحبّته ما يرتضيه. ومن ذلك: وتنهي أنّه قد طرقني البشير بانكفاء مولانا إلى مقرّ علائه، وانفصاله عن ملاذ النّسّاك والعبّاد، إلى معاذ الزّوّار والقصّاد، فعرفت أنّ ذلك النسيم العليل من تلقائه، وذلك النّور الصادع من آلائه، وذلك الافترار من أسرّته ومخايله، وتلك العذوبة من شيمه وشمائله، فكاد المملوك يطير- لو طار قبلي غير ذي مطار- فرحا، وأخرق الأرض وأبلغ الجبال لو أمكن ذلك مرحا، وانفتح قلبي حتّى كادت مهجته تفيض سرورا، وطاش حلمي حتّى تفرّق مجموعه بهجة وحبورا، والله تعالى يجعل نعمه موصولة الحبل، مجموعة الشّمل، بمنّه وكرمه.

الضرب الرابع (من التهاني، التهنئة بالقدوم من السفر)

أبو الفرج «1» الببّغاء: جعل الله سعيك مشكورا، وحجّك مبرورا، ونسكك مقبولا، وأجرك مكتوبا، وأجزل من المثوبة جزاءك، ومن عاجل الأجر وآجله عطاءك، وقرن بالطاعات عزماتك، وبالسّعي إلى الخير نهضاتك، ووفّقك من صالح الأعمال، وزكيّ الأفعال، لما يجمع كلّ خير الدارين. ولمّا طرقتني البشارة بقدومك، بدأت بإهداء الدعاء، وتجديد الشكر لله تعالى والثّناء، واستنبت في ذلك المكاتبة، أمام ما أنا [عازم] عليه، من المشافهة والمخاطبة. ولن أتأخّر عن حظّي من المسير إليك للتيمّن بالنظر إلى غرّتك، ومداواة ما عانيته من ألم الشوق بمشاهدتك. الضرب الرابع (من التهاني، التهنئة بالقدوم من السّفر) من كلام المتقدمين: عليّ «2» بن خلف: وينهي أنّه اتّصل بالمملوك خبر توجّهه «3» إلى الناحية الفلانية، فعرف المملوك أنه قصدها ليخصّ قاطنيها، بنصيب من مواهبه، ويفيض على ساكنيها، سجالا من رغائبه، ويسوّي بينهم وبين من راشه بحبائه، وجبره بنوافله وآلائه، فسألت الله تعالى أن يطيل عمر المكارم بإطالة بقائه، ويجمع شمل السّؤدد بدوام علائه، ثم اتّصل بي عوده إلى مقرّه، خفيف الحقائب من وفره، ثقيلها من ثنائه وشكره، فحمد المملوك الله تعالى على إسفار سفره عن بلوغ الأوطار، وانحسار أمنيّته عن أذيال المسارّ، وما خصّه به من السّير الشّحيح، والسّعي

النّجيح، والسّلامة المفرّقة على الوجهة والمنقلب، والمفتتح والمعتقب، ولمّا عرض للمملوك ما قطعه عن مشافهته بالدعاء، رفع يده إلى الله تعالى ضارعا لديه في أن يتولّاه في هذا المقدم الميمون، بالسعد المضمون، وإنالة الأمانيّ المقرّة للعيون، وأن يمنحه في الحلّ والتّرحال، والقطن «1» والانتقال، توفيقا يقارن ويصاحب، ويساير ويواكب، وأن يجعل ما خوّله من نعمه راهنا خالدا، وما أولاه من مواهبه بادئا عائدا، إن شاء الله تعالى. وله أيضا: وينهي أنه طلع عليه البشير، طلوع القمر المنير، مؤذنا بمقدم حضرته، ومعلما بظهور طلعته، وحلوله في معانه «2» الذي هو معان الإقبال، وعون الرجال، وقرارة الأقيال، ومحطّ الرّحال، وقبلة الجود، ومعرّس الوفود، فسألت الله تعالى أن يبقيه جمالا للأيّام، وثمالا «3» للأنام، وعمادا للقصّاد، ومرادا للرّوّاد، والله تعالى لا يخليه في تصرّفاته، وجميع حركاته وسكناته، من سعي سعيد، وعيش رغيد، بمنّه وكرمه. أبو الفرج الببّغاء: من كانت غيبة المكارم مقرونة بغيبته، وأوبة النّعم موصولة بأوبته، سافرت الأنفس حيث كان إليه، وقدمت الآمال عند قدومه عليه، وما زالت الأنفس إلى الأمنيّة بقربه متطلّعة، ولورود السّرور بوروده متوقّعة، إلى أن أنست

بعد الوحشة بلقائه، وتنسّمت أرج منّه ونعمائه، فوصل الله قدومه من الكرامة، بأضعاف ما قرن به مسيره من السّلامة، محروسا من طوارق الغير، مبلّغا أبعد العمر. وله في مثله: من كانت مادّة سروره، بمغيبه وحضوره، لم يجد مع بعدك مؤنسا يسكن إليه، ولا عوضا يعوّل في السّلوة عليه، وما زلت أيام غيبتك- لا أوحش الله منك- بالوحدة مستأنسا، وبالشّوق إليك مجالسا، ألاقيك بالفكر، وأشاهدك باتّصال الذّكر، إلى أن منّ الله من أوبتك بما عظمت به النعمة، وجلّت لديّ معه الموهبة، فوصل الله بالسلامة نهضاتك، وبالسعادة حركاتك، وبالتوفيق آراءك وعزماتك، وحرسني ببقائك وبقاء النعمة عندك، وهنأني النعمة الجليلة بقربك. وله في مثله: من كنت نهاية أمنيّته، وقطب مسرّته، كان من نفسه مستوحشا مع بعدك، وبدهره مستأنسا مع قربك، وما زلت معك بالنّيّة مسافرا، وبالشّوق سائرا، وبالفكر ملاقيا، وبالأمانيّ مناجيا، إلى أن جمع الله شمل سروري بأوبتك، وسكّن نافر قلقي بعودتك، على الحال السارّة من كمال السّلامة، ووفور الكلفة، فأسعدك الله بمقدمك سعادة تكون بها من الزمان محروسا، وللإقبال مقابلا، وبالأمانيّ ظافرا، ولا أوحش الله منك أوطان الفضل، وعضّد إخوانك ببقائك وبقاء النعمة عندك. وله في مثله: لو كان القلب يجد عنك منصرفا، أو يرى منك في اكتساب المسرّة خلفا، لاستراح إليه من ألم بعدك، واستنجده على مرارة فراقك، لكنّك- أيّدك الله- جملة مسرّته، ونهاية أمنيّته، فليس تتوجّه أمانيّه إلّا إليك، ولا تقف آماله إلّا عليك، فالحمد لله الذي أقرّ بفيئتك أعين إخوانك وأودّائك، وافاك الله من السّعادة في أوبتك أضعاف ما اكتنفك من الكفاية في ظعنك.

ابن أبي «1» الخصال: سرّ الله مولاي ورئيسي، وربّ تشريفي وأنيسي، بلقاء الأحباب، واتّصال الأسباب، وأوبة الغيّاب، ولا زالت الأيام تتصنّع لإقباله، وتقبّله أوجه العزّ في اقتباله، وتوفيه على رغم الحاسد حقّ جلاله. البشرى- أدام الله اعتزازه- بمقدم الوزير فلان قد أوضعت ركابها، واتّصل بالنفوس أعلاقها وأسبابها، فهنيئا معشر الأولياء بسبوغ هذه النعمة الجليلة، والمنحة الجزيلة، ولا أستوفي شكر ما به أتى معظّم قدره، وملتزم برّه، من ثناء كعرف الطيب يهدى، ومذهب في الإنهاض لا يقضى واجبه ولا يؤدّى، ولا زالت حياة مولاي تفدّى، وأفعال برّه تتعدّى، وقد لثمت مواقع أنامله ودّا، ووردت من محاسن بيانه منهلا عذبا [ووردا] فأمتعني الله بحياته العزيزة الأيّام، الطيّبة الإلمام، الموصولة العهد والذّمام، وأقرأ على سيدي من سلامي ما يلثم يده، ويقضي حقّ اليراع [الذي] أنشأ به البر وولّده، والسّلام المعاد عليه وعلى جملته ورحمة الله وبركاته. الشيخ جمال الدين بن نباتة «2» عن نائب الشام إلى القاضي علاء الدين بن فضل الله «3» كاتب «4» السرّ الشريف، بالأبواب الشريفة بالديار

المصرية، عند عوده من الكرك «1» إلى الديار المصرية، في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، مهنّئا له بعوده إلى منزله بالديار المصرية، واستقراره وعوده إلى كتابة السرّ الشريف بالأبواب الشريفة السلطانية، وهي: تقبّل الباسطة الشريفة- إلى آخر الألقاب- لا زالت خناصر الحمد على فضل بنانها معقودة، ومآثر البأس والكرم لها ومنها شاهدة ومشهودة، وبواتر السّيوف مسيّرة القصد إلى مناظرة أقلامها المقصودة، تقبيلا يودّ لو شافه بشفاهه مورد الجود من الأنامل، وكاثر بثغره عند المثول للتقبيل ثغور الأماثل، فكان يشافه بشوقه موردا كثير الزّحام، وكان يكاثر بعقد قبله على يد الفضل عقودا جزيلة الانتظام، وكان يحاكم جور الضّيم إلى من أبى الله لجار مشاهدته أن يضام، وينهي ما وصل إليه وإلى الأولياء من السّرور، وما رفع بينهم وبين الابتهاج من الشّرور، وما طولع في أخبار المسرّة من السّطور، بوصول مولانا ومن معه إلى مساكن العزّ ساكنين، ودخولهم كدخول يوسف عليه السّلام ومن معه إلى مصر آمنين، واستقراره في أشرف مكان ومكانة، واستنصار مصر بأقلامه على العادة، فإنّ هذه سهام وهذه كنانة، وإسفار غمام السّفرة عن كوكب علا طالما حرس بيمينه أفق الملك وهداه وزانه، وما كانت إلّا غيبة أحمد الله عقباها، وغيابة بعد منّ الله عزّ وجلّ وجلاها، وفترة ثنى فترتها فتنفّس خناق المنصب المشتاق لوجهه الكريم، وهجرة صرف الله هجيرها فسقى طرس الإنشاء الذي ابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم؛ وما محاسن مولانا إلّا زينة من زين الدنيا فعليها يتشاكس المتشاكسون، وما مزاج كلماته إلّا من تسنيم وَفِي

ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ «1» . فالحمد لله على أن أقرّ العيون بمعاودة ظلّه الوريف، وعلى أن شفى الصّدور بقربه وأوّلها وأولاها صدر السرّ الشريف، وعلى أن أجزل الهناء وقد شمل ظلّه، وقد كمل بابن الفضل فضله، وقد بهر سناؤه وسناه، وقد تسعّب «2» القريب والبعيد فإن أجدى على مصر مورده فقد جادت على الشام سماه، وقد أخذ المملوك حظّه من هذه البشرى، ووالى السّجود لله شكرا، وجهّز خدمته هذه نائبة عنه في تقبيل بنان إن سمّاه مولى الكرم بحرا، فقد سمّاه مربّي الملك برّا، لا زالت الممالك متحفة بيمن مولانا ظاعنا ومقيما، متّصفة بحمده وحمد سلفه الكريم حديثا وقديما، تالية على مهمّات الملك بصحبة بيته الشريف وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً «3» . الشيخ شهاب الدين محمود «4» الحلبي في تهنئة بقدوم من سفر: أدام الله ظلّه، ورفع محلّه، وشكر إنعامه وفضله، وأعزّ أنصاره، وضاعف اقتداره، ولا زال مؤيّدا في حركاته، مسدّدا في سائر فعلاته، مصحوبا بالسلامة في المهامه والقفار، مخصوصا من الله تعالى بالأعوان والأنصار. المملوك ينهي بعد تقبيل الأرض، والقيام بما يجب من سننه والفرض، علمه بحلول ركابه العالي بمغناه، واستقرار خاطره الشريف في محلّه ومثواه، وجمع الشّمل بالأهل بعد طول الغيبة، وبعد القفول والأوبة، فتضاعف لذلك فرحه وسروره، وزال عن قلبه قليل الهمّ وكثيره، فالله يمنح المولى أطيب المنازل، وأسرّ الرّواحل، ويجعل تجارة مجده رابحة، وأوامر دوام عزّه لائحة،

الضرب الخامس (من التهانيء التهنئة بالشهور والمواسم والأعياد)

حتّى تنشد نفسه الكريمة قول أبي الطيّب «1» (كامل) . أنا من جميع النّاس أطيب منزلا ... وأسرّ راحلة وأربح متجرا «2» لا زالت الأعين قريرة برؤيته، وقلوب الإخوان قارّة بمشاهدته، والأوجه وسيمة، والنّعم الظاعنة مقيمة، إن شاء الله تعالى. أجوبة التهنئة بالقدوم من السفر قال في «موادّ «3» البيان» : أجوبة هذه الرّقاع ينبغي أن تبنى على الاعتراف للمهنّيء بحقّ تعهّده، وكرم تفقّده، وإطلاعه على الحال في السّفر، وما أفضت إليه من السلامة، والتأسّف على ما تقضّى من الأيّام في مباعدته، والتخلّف عن مباسمته، وأنه لم يزل يدرّع الإدلاج، ويقطع الفجاج، رغبة في القدوم إليه، والوفادة عليه، وبلّ الغلّة برؤيته، وترويح النفس بمحاضرته، وما يليق بهذا النّمط من الكلام. الضرب الخامس (من التهانيء التهنئة بالشهور والمواسم والأعياد) وهي على ثمانية أصناف:

الصنف الأول - التهنئة بأول العام وغرة السنة.

الصنف الأوّل- التهنئة بأوّل العام وغرّة السّنة. من كلام المتقدّمين: تهنئة من ذلك: من إنشاء أبي مسلم محمد «1» بن بحر: أسعد الله سيّدي بعامه، والفضل منه وما حوى من الأعياد والأيّام الخطيرة وسائر شهوره وأيّامه، ومتصرّف أحواله، وبما يأتي ويكرّ عليه من زمانه، سعادة تسوق إليه حظوظ الدّين والدنيا كاملة، وتجمع له فوائد الأمدين تامّة وافية، وترتهن إليه النّعم فلا تزال لديه زائدة نامية، وبلّغه بها الأمل، ومدّ له في البقاء إلى أنفس المهل. ولأبي «2» الحسين بن سعد: عظّم الله على مولاي بركة الشهر والسنة المتجدّدين، ووهب له فيهما وفيما يتلوهما من أيام عمره، وأزمان دهره، سعادة تجمع له أشتات الحظوظ، وتصل لديه موادّ المزيد، وتيسّر له بلوغ الأمل في كلّ ما يطالع وينازع، والأمن من كلّ ما يراقب ويحاذر. وله في مثله: عظّم الله على سيّدي بركة الشهر والسنة، وأعاشه لأمثالهما مدّة اختلاف الجديدين، وتجاور الفرقدين، ممتّعا بالنّعم السابغة، والمواهب المترادفة، والسّعادة والغبطة، والعزّ والمسرّة. وله في معناه:

الصنف الثاني - التهنئة بشهر رمضان.

جدّد الله لسيّدي في الأيّام الحاضرة «1» والمستقبلة، والأحوال الراهنة والمتنقّلة، حظوظا من السّعادات، وأقساما من الخيرات، لا يحصى عددها، ولا ينقضي مددها. وله في مثله: عظّم الله [على مولاي] بركة الشهر والسنة المتجدّدين عليه، وعرّفه فيهما وفي الأيّام بعدهما من حادث صنعه، ولطيف كفايته، ما تدوم فيه السعادة، وتعظم به المنّة، وتحسن فيه العاقبة. وله في مثله: عظّم الله على مولاي بركة هذا الشهر، الماضي [من] أيّامه وباقيها، وهذه السنة، وجعلها أيمن سنة حالت عليه وأسعدها. ومنه: وينهي أنّ المملوك يهنّيء غرّة الأيّام، بغرّة الأنام، وصدر العام، بصدر الكرام، بل يهنّيء الزمن كلّه نعم وأهله بالحضرة الّتي واست المعالي. الصنف الثاني- التهنئة بشهر رمضان. من كلام المتقدّمين: لأبي الحسين بن سعد: جمع الله لمولاي في هذا الشهر الشريف شروط آماله وأحكام أماليه، في حاضر أمره وعاقبته، وعاجل دنياه وآخرته، وأبقاه لأمثاله بقاء لا يتناهى أمده، في ظلّ عيش يرضاه ويحمده. وله في مثله: عرّف الله سيدي بركة هذا الشهر الشريف وأعاشه لأمثاله، ما كرّ الجديدان «2» ، واختلف العصران، ممتّعا بسوابغ النّعم، محروسا من حوادث

الغير، وموفّقا في شهره، وأزمان دهره، لأزكى الأعمال، وأرضى الأحوال، ومقبولا منه ما يؤدّيه من فرضه، ويتنفّل به قربة إلى ربّه. وله في مثله: عرّفه الله بركة إهلاله، وأبقاه طويلا لأمثاله، موفّقا فيه من عمل الخير، ومراعاة الحقّ، وتأدية الفرض، والتنفّل بالبرّ، لما يرضيه، ويستحقّ جزيل المثوبة عليه، ممتّعا بعده بسنّي المواهب، وجسيم الفوائد، مع اتصال مدّة العمر، واجتماع أمنيّات الأمل. وله في مثله: عرّف الله مولانا بركة هذا الشهر الشريف وأيّامه، وأعانك على صيامه وقيامه، ووصل لك ما يزيد من فضله وإنعامه، وتابع لك المزيد من منائحه وأنعامه، وختم لك بالسعادة العظمى بعد الانتقال [في الجاه والرياسة إلى] أبعد المدى، وفي العزّ والثّروة إلى أقصى المنى. أبو الفرج «1» الببغاء: جعل الله ما أظلّه من هذا الصيام مقرونا بأفضل قبول، مؤذنا بإدراك البغية ونجح المأمول، ووفّقه فيه وفي سائر أيّامه، ومستأنف شهوره وأعوامه، لأشرف الأعمال وأفضلها، وأزكى الأفعال وأكملها، ولا أخلاه من برّ مرفوع، ودعاء مسموع، وسعي مشكور، وأمر مبرور، إلى أن يقطع في أجمل غبطة وأتمّ مسرّة أمثاله. وله في مثله: عرّفك الله بركة هذا الشهر المعظّم قدره، المشرّف ذكره، ووفّقك فيه لصالح الأعمال، وزكّي الأفعال، وقابل بالقبول صيامك، وبتعظيم المثوبة تهجّدك وقيامك، ولا أخلاك في سائر ما يتبعه من الشّهور، ويليه من الأزمنة

الصنف الثالث - ما يصلح تهنئة لكل شهر من سائر الشهور.

والدّهور، من أجر تذخره، وأثر تشكره. قلت: ومما كتبت به تهنئة بالصوم للمقرّ الأشرف الناصريّ محمد بن «1» البارزيّ كاتب السرّ الشريف المؤيّديّ بالممالك الإسلامية، في سنة ستّ عشرة وثمانمائة نظما (طويل) . أيا كاتب السّرّ الشّريف ومن به ... تميس نواحي مصر تيها مع الشّام ومن جلت الجلّى كتائب كتبه، ... ومن ناب عن وقع السّيوف بأقلام تهنّ بهذا الصّوم والعيد بعده، ... ومن بعده بالعيد والعام فالعام وترقى رقيّ الشّمس في أوج سعدها ... وتبقى بقاء الدّهر في فيض إنعام الصنف الثالث- ما يصلح تهنئة لكلّ شهر من سائر الشّهور. لأبي الحسين بن سعد: عظّم الله بركة إهلاله، وأعاشه لأمثاله، أطول المدّة، ممتّعا بأدوم النّعمة، ومشفّعا (؟) بأفضل الأمل والأمنيّة. وله: أسعد الله سيّدي بانصرامه وإهلال ما بعده، وأبقاه ما بقي الزمان ممتّعا بالعزّ والنّعمة، محروسا من الآفات المخوفة، والحوادث المحذورة. وله: عظّم الله على سيدي بركة الماضي والمستقبل من الأيام والشّهور [والأعوام] والدّهور، ووصل لي السعادة باتّصالها، وجدّد له النّعمة بتجدّدها. وله: عظّم الله بركة انسلاخه، وإهلال ما يتلوه، مجدّدا لك بتجدّده فوائد الخيرات، وأقسام البركات، تدوم فيها المدّة، وتطول بها النّعمة.

الصنف الرابع - التهنئة بعيد الفطر.

وله: أسعدك الله بإهلاله، وأعاشك أبدا لأمثاله، ممتّعا بدوام العزّ والنعمة، واجتماع أسباب الرّخاء وشروط المحبة، إنّه جواد كريم. [وله: عظّم الله على مولاي بركات هذا الشّهر وما يتلوه، وبلّغه ما يحاوله وينحوه، في مستأنف الشّهور، ومؤئنف الدّهور، مضاعفا له العزّ والتأييد، وموصولا له أصل النعمة بحسن المزيد] «1» . وله: عظّم الله على مولاي بركة الشّهر، وأدام له سلامة الدّهر، موفورا من العزّ والسلطان، غير مذعور بنوائب الزّمان. وله: عظّم الله على سيدي بركة الأيّام والشّهور، والسّنين والأحقاب، وجمع له المواهب كاملة، والفوائد فاضلة، دينا ودنيا، وحاضرة وعقبى. وله: عظّم الله عليك بركته، وعرّفك يمنه وسعادته، وجدّد لك الخيرات، تجديد الأوقات والسّاعات، حتّى تحوز منها أسنى الحظوظ وتبلغ مما تتمنّاه أقصى الغايات. الصنف الرابع- التهنئة بعيد الفطر. من كلام المتقدّمين: لأبي الحسين بن سعد: عظّم الله على سيّدي بركة هذا العيد، وأعاشه لأمثاله، من الأعياد المشهودة، والأيّام الجديدة [في] أهنإ عيش وأرغده، وأطول مدّى وأبعده. أبو الفرج الببغاء «2» : أسعدك الله بهذا الفطر الجديد، والعيد السّعيد، ووصل أيّامك بعده بأكمل السّعادات، وأجمل البركات، وجعل ما أسلفته من الدّعاء مقبولا

مسموعا، ومن التهجّد زاكيا مرفوعا، ولا أخلاك من نعمة يحرس الشكر مدّتها، ولا يخلق الدّهر جدّتها. من كلام المتأخرين: الشيخ شهاب الدين محمود «1» الحلبي: المولى أدام الله نعمه، وحرس شيمه، هو سيّد الأفاضل، ورئيس الأماثل وحسنة الزّمان، وليث الأقران، وهو في الأنام «2» ، كالأعياد في الأيّام، فإنّ الأنام ليل والمولى المصباح بل الصّباح، وسائر الأيّام أجساد وسائر الأعياد هي الأرواح، فإذا كان المولى قد زهي على أبناء جنسه، ويوم العيد على غده وأمسه، فقد صار كلّ منكما إلى صاحبه يتقرّب، ويلزم ويلزب، وهو أحقّ الناس بأن يبهجه مقدمه، وأن يهنّى بيومه الذي هو مجمع السّرور وموسمه. والخادم يهنّيء المولى بهذا العيد، واليوم السّعيد، فإنه وافى في أوان الرّبيع وزمانه، ليباهي بغصن قدّه أغصان بانه «3» ، ويستنشق في صدره وورده، رائحة ريحانه وورده، ويختال في رياضه وحدائقه، ويلاحظ بهجة أزهاره وشقائقه، والعيد والرّبيع ضيفان ومكارم المولى جديرة بإكرام الضيف، والتمتّع بالملاذّ فيهما قبل رحيلهما وقدوم حرّ الصّيف، وأن يحسّن وجه عيده، بحلوله في مغناه ووجوده، بما يوليه لعفاته من إنعامه وجوده، لا زالت الأعياد تهنّى ببقائه، وألسنة الأيام تشكر سوابغ نعمائه، وتحمد جزيل عطائه، وتنطق بولائه وثنائه، أبدا، إن شاء الله تعالى. قلت: ومما كتبت به مهنّئا للمقرّ الأشرف الناصريّ محمد بن البارزي

الصنف الخامس - التهنئة بعيد الأضحى.

صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية في الدولة المؤيّديّة «شيخ» «1» بعيد الفطر نظما، بعد أن سألته حاجة فقضاها، وأسنى لي الجائزة على نثر كتبته له (طويل) . سألت نظام الملك كاتب سرّه ... إزالة ضنك «2» أرهف الدّهر حدّه فمنّ بجاه زعزع الأرض وقعه، ... وجاد بمال لا يرى الفقر بعده وبالبارزيّ ازدان وصف مكارم ... فأشبه في فضل أباه وجدّه فيهناه صوم ثمّ عيد مسرّة ... وطالع إقبال يقارن سعده ورفع دعاء لا يغبّ تتابعا، ... وطيب ثناء خامر المسك ندّه الصنف الخامس- التهنئة بعيد الأضحى. من كلام المتقدمين: أبو الحسين بن سعد: كتابي والنحر- نحر الله أعداء مولاي وحسّاد نعمته، وأمتعه بمواهبه عنده، وبارك له في أعياده ومتجدّد أيّامه، بركة تنتظم السّعادات، وتتضمّن الخيرات، متصلة غير منقطعة، وراهنة غير فانية. من كلام المتأخرين: الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي (طويل) . تهنّ فأيّام السّرور أواهل ... وكلّ مخوف عن جنابك راحل ونجمك من فوق الكواكب طالع، ... ونجم امريء يشنا سموّك آفل ألا أيّها المولى الذي عمّ جوده ... فدتك العوالي والجياد الصّواهل تمتّع بعيد النّحر، وافاك خاضعا ... يحقّق من دنياك ما أنت آمل

الصنف السادس - التهنئة بعيد الغدير من أعياد الشيعة:

ودم كابت الأعداء وابق مخلّدا ... على المال عال، بالرعيّة عادل لقد راق مدحي في معاليك مثل ما ... صفت منك أوصاف ورقّت شمائل جعله الله أبرك الأعياد وأسعدها، وأيمن الأيّام وأمجدها، وأجمل الأوقات وألذّها وأرغدها، ولا برح مسرورا مستبشرا، منصورا على الأعداء مقتدرا، مسعودا محمودا، معانا بملائكة السماء معضودا، مهنّأ بالسّعود الجديدة، والجدود السّعيدة، والقوّة والناصر، والعمر الطويل الوافر (طويل) . ولا زالت الأعياد لبسك بعده ... [فتخلع] «1» مخروقا وتعطى مجدّدا فذا اليوم في الأيّام مثلك في الورى ... كما كنت فيهم أوحدا كان أوحدا وأعاده على المولى في صحّة دائمة، وسلامة ملازمة، وأصار عيده مطيعا لأوامره كسائر العبيد، وعبيده في كلّ يوم من المسرّة ببقائه لها كالعيد، والأيّام به ضاحكة المباسم، والأعوام جميلة المواسم، ومتّعنا بدوام حياته، واستجلاء جميل صفاته، واستحلاء مدائحه بإنشاد عفاته، وأراه نحر أعاديه، بين يديه كأضاحيه، وأصار الحجّ إلى بابه غافرا سيّئات الإفلاس والإعدام، ومبيحا لبس المخيط من إنعام العامّ، ألبسه الله من السعادة أجمل حلّة، ومنحه من المكارم أحسن خلّة. الصنف السادس- التهنئة بعيد الغدير من أعياد الشّيعة: وكان لهم به اهتمام في الدولة الفاطمية بالديار المصرية، والطريق في التهنئة به على نحو غيره من الأعياد. ما يصلح تهنئة لكلّ عيد. أبو الفرج الببغاء: لولا العادة المشهورة، والسّنّة المأثورة، بالإضافة في الدّعاء، والمشافهة بالتهنئة والثناء، في مثل هذا اليوم الشريف قدره، الرفيع ذكره، لكان أيّده الله

الصنف السابع - التهنئة بالنيروز.

دون رؤساء الدّهر، وملوك العصر يجلّ عن التهنئة؛ إذ كانت سائر أيّامه بما يودعها من أفعال الخير معظّمة، وبما يبثّها من المحاسن مكرّمة، فبلّغه الله أمثاله محروسا في نفسه ونعمته، محفوظا في سلطانه ودولته، موفيا على أبعد أمانيه، مدركا غايتها فيما يؤمّله ويرتجيه. وله في مثله: عرّفك الله يمن هذا العيد وبركته، وضاعف لك إقباله وسعادته، وأحياك لأمثاله في أسبغ النّعم وأكملها، وأفسح المدد وأطولها، وأشرف الرّتب وأرفعها، وأعزّ المنازل وأيفعها، وحرس منحتك من المحذور، ووقى نعمتك من عثرات الدّهور. الصنف السابع- التهنئة بالنّيروز. وهو من أجلّ أعياد الفرس، على ما تقدّم ذكره في الكلام على أعياد الأمم، في المقالة الأولى. وكان للكتّاب به اهتمام في أوائل الدّولة العبّاسية بالعراق، جريا على ما كان عليه الفرس من قديم الزمان. وفيه «1» لأبي الحسين بن «2» سعد: هذا يوم شرّفته العجم، ورعى ذمامه الكرم، وهو من أسلاف سيّدي ذوي النباهة، وأخلافه ذوي الطّهارة، بين منشيء رسمه، ومؤدّي حقّه، وكاس له بقبول انتسابه إليه جمالا يبقى على الأيام، وحالا ينفق بها لدى الأنام، فليس أحد أحق بالتهنئة [به] ممن سنّه آباؤه، وشيّدته آلاؤه، فصارت إلى أوّليّته نسبته، وبكرم سجيّته عصمته. وفيه له: هذا- أيد الله سيّدي- يوم عظّمه السّلف من العجم، وسيّدي وارث سنّة الكرم، وللسادة على العبيد في هذا اليوم رسم في الإلطاف،

وعليها لهم حقّ في القبول والإسعاف، وقد بعثت بما حضر جاريا على سنّة الخدمة، وعادلا عن طريق الحشمة، ومقتصرا على ما اتّسعت له الحال، وما يوجبه قدر سيّدي من المبالغة في الاحتفال، فإن رأى أن يشرّف عبده بالاحتمال إليه، وإجرائه مجرى الأنس عنده، فعل، إن شاء الله تعالى. وفيه للكرجيّ «1» : هذا يوم تسموله العجم، ويستعجم «2» في العرب، تشريفا له واعترافا بفضله، واقتداء بأهله، وأخذا بسنّتهم فيه، فليهن «3» لإحراز الدولة في العزّ [منزلا] بحيث لا يرام، ولا يضام، ولا ترقى إليه الأماني، ولا يطمع في مساواته المساوي، وإنّهم بعد تصرّم الدولة على حميد آثارها، وجميل الذّكر فيها، أعلام تضرب بهم الأمثال، وتزهو بأيّامهم الأيّام، وآثارهم تقتفى، وأعيادهم تنتظر، يتأهّب لها قبل الأوان، ويعرف فيها أثر الزمان، وإنك منهم في الذّروة السامية، والرّتبة العالية، وبمحلّ لا عار معه على حرّة في الخشوع لك، والتعلّق بحبلك. وقد وجدت الأتباع عند ساداتها في مثل هذا اليوم على عادة في الإلطاف جسّمتها، وسيّرت بها على أقوام منحتهم ظهور الدّعوى فيها، فأقبل قائلهم يقول: «لو كان باب الإهداء مفتوحا غير مسدود، ومباحا غير ممنوع، لأتحفت بالغراب الأعصم، والكبريت الأحمر، والأبلق العقوق، وبيض الأنوق» . وقد بعثت بهديّة لا تردّ (يعني الدعاء) . وفيه: من كان محلّك من العزّ، ونباهة الذّكر، وارتفاع الدّرجة، وعلوّ

الصنف الثامن - التهنئة بالمهرجان.

المنزلة، وسعة البلد، وبعد الأمد، لم يتقرّب متحلّ بالعلم والأدب إليه في يوم جديد إلّا بصالح الدّعاء، وحسن الثناء. وفيه: لو أخّرنا هذا انتظارا لوجود ما تستحقّه، لانقضت أيّامنا، بل أعمارنا، قبل أن نقضي حقّا، أو نؤدّي عن أنفسنا فرضا؛ لارتفاع قدرك عمّا تحويه أيدينا، وعلوّ حالك عما تبلغه آمالنا، وقد اقتديت بسنّة الخدم والأولياء في الأعياد، وأوضحت العذر في ترك الاجتهاد، وبعثت في هذا اليوم، الذي أسأل الله أن يعيده عليك ألف عام، في نماء من العز، وعلوّ من القدر، وتمام من السّرور، ومزيد من النّعمة........ الصنف الثامن- التهنئة بالمهرجان. وهو أحد أعياد الفرس، على ما تقدّم ذكره في المقالة الأولى، في الكلام على أعياد الأمم. وكان للكتّاب من الاحتفال بالتهنئة به في أوائل الدولة العبّاسيّة مالهم بالنّيروز. فيه «1» - لأبي الحسين بن سعد: لسيّدي عليّ في الأعياد المشهورة، والأيّام الجديدة، عادة اختزلني عن بعضها في هذا الفصل، كلال الطّبع عن البعض، ووقوع الخطر (؟) بعرضه من الثناء نظما ونثرا، ومن الإهداء عرضا وبرّا، دعاء تزيد قيمته على الأعلاق الثّمينة، وموقعه على الذخائر النّفيسة، ولطفه على التّحف البديعة، فأسعد الله سيدي بهذا اليوم سعادة تقيم، ولا تريم، وتزيد، ولا تبيد، وتتوطّن، ولا تظعن، وتجمع حظوظا من الخيرات، وفوائد من البركات، يتّصل سندها، ولا ينتهي أمدها، وأبقاه في أسبغ عزّ وأرفع رتبة وأرغد عيشة، مكنوفا بحراسة تقيه [وآله] عوادي الزمان، وتصرف عنهما طوارق الحدثان، ما طرد الليل النّهار، وطلع نجم وغار، وعلى ذلك- أيد الله سيدي- فإنّ الحرص على إقامة الرّسم والتطيّر

من إضاعة الحقّ بعثاني على مراجعة القريحة، واستكداد الرّويّة، فأسعفا بما قبلته الضرورة، ولم أطع في إهدائه سلطان الحشمة، وفضل سيدي يتّسع لقبول الميسور، وتحسين القبيح، والله المعين على تأدية حقّه، والقيام بواجب فرضه. وله فيه أيضا، إلى من منع أن تهدى إليه فيه هدية. لو كنت فتحت باب الإلطاف، ونهجت إليه سبيلا، لتنازع أولياؤك قصب السّبق وتنافسوا في السّرف، فبان للمجتهد فضله، والتمس العذر في التقصير ملتمسه، وعمّت المنحة كافّتهم بما يظهر من مواقعهم، وينكشف من أحوالهم، لكنّك حظرت ذلك حظرا استوى فيه الفريقان في الحكم، وامتدّ فيه على ذوي الخلل السّتر، ولم تحظر الدّعاء، إذ حظرت الإهداء، فأنا أهديه ضرورة واختيارا، وإعلانا وإسرارا، فأسعدك الله بهذا العيد الجديد، الذي زاد بك في قدره، وشرّفه بأن جعلك من أربابه وولاة أمره. أبو الفرج «1» البّبغاء: هذا اليوم من غرر الدّهور المشهورة، وفضائل الأزمنة المذكورة، معظّم في العهد الكسرويّ، مستظرف في العصر العربيّ، باعث على عمارة المودّات، مخصوص بالانبساط في الملاطفات، ولست استزيده- أيّده الله- من برّ يوليه، ولا تطوّل إليّ يسديه؛ غير إدخالي في جملة من بسطته الأنسة، وثقّفته المحبّة، وتقرّبت منه بوكيد الخدمة، في قبول ما إن شرّف بقبوله، كان كثيرا مع قلّته، جليلا مع نزارته، فإن رأى أن يقوّي منه ثقتي، ويقابل بقبول ما أنفذته رغبتي، فعل، إن شاء الله تعالى. وله في مثله: قد أطعت في الانبساط إليك دواعي الثّقة، وسلكت في التحرّم بك سبل

الأنسة، وتوصّلت بملاطفتك إلى حسم موادّ الحشمة، فاستشهدت على ثقتي بك فيما أنفذته بمفارقة الحفلة «1» ، وكلف المكاثرة، فإن رأيت أن تكلني في تقبّله إلى سعة أخلاقك، وتسلك في ذلك أخصر طريق إلى ما أخطبه من مودّتك، وأزاحم عليه في إخائك، فعلت، إن شاء الله تعالى. وله في مثله: هذا اليوم- أيد الله سيدي- من أعياد المروّة، ومواسم الفتوّة، وأوطان السرور، ومحاسن الأزمنة والدّهور، بلّغه [الله] أمثاله في أنضر عيش وأسبغ سلامة، وأبسط قدرة، وأكمل مسرّة، وقد توثّبت إلى الاقتداء فيه بأدبه، والأخذ بمعرفة فروضه بمذهبه، وأطعت في الانبساط إليه دواعي الثّقة، وأنفذت ما اعتمدت في قبوله على مكاني منه، عائذا بالتقليل من كلف المكاثرة، ومستثقل الكلفة، فإن رأى أن يأتي فيما التمسته ما يناسب شرف طبعه، وسعة أخلاقه، فعل، إن شاء الله تعالى. وله في مثله: لو كانت الملاطفات بحسب الرّتب وقدر المنازل، لما انبسطت قدرة ولا اتسع مكان لما يستحقّه نبل محلّه، وواجبات رياسته، ولكنت من بين خدمه ضعيف المنّة عن خدمته في هذا اليوم السعيد، بلّغه الله أمثاله في أفسح أجل، وأنجح أمل، بما يخدمه به ذوو الخدمات الوكيدة عنده، المكينة لديه، غير أنّي أثق منه- أيده الله- بحمل قليلي على علمه بإخلاصي في ولائه، وانتسابي إلى جملته، واختلاطي بأنسابه، فإن رأى أن يجريني في قبول ذلك على سنّة أمثاله من ذوي الجلالة، عند أمثالي من الأولياء والحاشية، فعل. وله في مثله: لو كانت الهدايا لا تتقبّل ما لم تناسب في نفاسة القدر، وجلالة الذكر،

محلّ من يتقرّب بها إليه، ومنزلة من أهداها إليه عليه، لما سمت همّة، ولا اتّسعت قدرة، لما يستحقّه- أيده الله- بأيسر واجباته، وأصغر مفترضاته، غير أنّ الأنسة بتفضّله، والاعتداد بسالف تطوّله، والتحقّق بخدمته، والانتساب إلى جملته، بسطني إلى إنفاذ ما إن شرّفني بقبوله كان مع قلّته كثيرا، ومع نزارته جليلا، فإن رأى أن يقوّي بذلك منه ثقتي، ويحسم مادّة احتشامي، فعل. أجوبة التهنئة بالمواسم والأعياد قال في «موادّ البيان» «1» : هذه الكتب والرّقاع مضمونها الهناء بالموسم الجديد، والدعاء للمهنإ فيه بتملّيه. قال: وهذا المعنى مفاوض بين المهنّي والمهنّى، وينبغي أن تكون أجوبتها مشتقّة منها. ثم قال: وقد يتصرّف الكتّاب فيها إذا كاتبوا الرّؤساء تصرّفا يخرج عن هذا الحكم. وهذه أمثلة من ذلك: أبو الفرج الببغاء: سمع الله دعاءك، وبدأ في تقبّل المسألة بك، وأجزل من أقسامه حظّك، وبلّغك أمثاله في أفسح مدد البقاء، وزاد فيما خوّلك من المواهب والنّعماء، ولا أخلاني من برّك، وأنهضني بواجباتك. وله في مثله: كلّ يوم أسعد فيه بمشاهدتك، وأقطعه في ظلّ مودّتك، حقيق بالإحماد، موف على محاسن الأعياد، فسمع الله دعاءك، وأطال ما شئت البقا بقاءك، وجعل سائر أيّامك مقرونة بالسّعادات، موصولة بتناصر البركات. من زهر الربيع: يخدم المجلس العالي جعل الله قدره على الأقدار ساميا، وجزيل نواله

الضرب السادس (التهنئة بالزواج والتسري)

على من هام به من العفاة هاميا، ونصره نصرا عزيزا، وأسكنه من حراسته حصنا حصينا وحرزا حريزا، ولا زالت الأيّام حالية الجيد بوجوده والأيدي تهشّ إلى تناول أياديه وجوده، وأخبار المكارم عنه مرويّة وإليه معزوّة، وآيات فضله وفضائله بكلّ لسان متلوّة. وينهي إلى علمه ورود مشرّفته الّتي حلّت الأسماع عندما حلّت، وسمت عن الرّياض لمّا جلّيت عروس فضلها وجلّت، وزهت على زهورها، برقم سطورها، وطيب عرفها ونشرها، بما فاح من طيّها عند نشرها، وفائق حسنها وبهجتها، برائق براعة عبارتها، ومعاملتها بما يجب من فروض إكرامها والسّنن، والمشي في تبجيلها على الطريق المألوف من موالاته والسّنن، وعلمه بما أشار إليه من الهناء بالعيد، واليوم السعيد، وقد تحقّق بذلك إحسانه الذي ما برح متحقّقا بجميله وجزيله، وشاكرا لكثيره وقليله، وحصلت له البشرى، والمسرّة الكبرى، ليس للعيد بمفرده، ولا لهذا الهناء بمجرّده، بل لبقاء المولى ودوام سعادته، وتخليد سيادته، فإنّه لكلّ إنسان عين ولكلّ عين إنسان، وهو روح والأيّام والأنام جثمان، فالمملوك ببقائه كلّ يوم يتجدّد له عيد جديد، ويتضاعف له جدّ سعيد، حرس الله شرفه الرفيع من الأذى، وأراه في عين أعاديه جذعا ناتئا وسلّم لحظه المحروس من القذى، وأصار أيّامه كلّها أيام هناء، وبداية سعادته بغير حدّ وانتهاء. الضرب السادس (التهنئة بالزواج والتسرّي) «1» من كلام المتقدّمين: أبو الفرج الببغاء:

وصل الله هذا الاتّصال السعيد، والعقد الحميد، بأحمد العواقب، وأجمل المنح والمواهب، وجعل شمل مسرّتك به ملتئما، وسبب أنسك بإقباله منتظما، وعرّفك به تعجّل البركات، وتناصر الخيرات، ولا أخلاك فيه من التّهاني بنجباء الأولاد، وكبت بكثرة عددك سائر الحسّاد، وهنأني النعمة الجليلة بإخائك، وعضّدني وسائر إخوانك ببقائك. وله في مثله: قرن الله بالخيرة ما عقدت وبالسعادة ما جدّدت، وبجميل العاقبة ما أفدت، وعرّفك بركات هذا الاتّصال، ولا أخلاك فيه من موادّ السعادة والإقبال، وعضّدك بالبررة من عقبك، والسادة من ذرّيّتك. وله في مثله: إنّي وإن كنت ملتحفا بلحف مودّتك، ومتمسّكا بعصم أخوّتك، أولى بالتهنئة بما يحدث لك من ورود نعمة، واتّصال موهبة، فإنّي ما أجد فرض الدعاء لك ساقطا، ولا واجب الشكر لله تعالى على ما أولاني فيك زائلا، فعرّفك الله بركة هذا الاتصال الحميد، والاقتران السّعيد، وجعله للسّرور مكثّرا، وباليمن مبشّرا، وأحياك للتهاني بمثله في السادة من ولدك، والنّجباء من ذرّيّتك. وله في مثله: وصل الله هذا الاتصال الميمون بأرجح البركات وأفضلها، وأنجح الطّلبات وأكملها، وأحمد بدأه وعقباه، وبلّغك الآمال في سائر ما تهواه، وأحياك للتّهاني بأمثاله في البررة من ولدك، والنّجباء من عقبك. من كلام المتأخرين: للشيخ شهاب الدين محمود «1» الحلبي: جعل الله الخيرة له فيما يذره ويأتيه، والنجاح مقرونا بما يعيده من الأوامر

الضرب السابع (من التهاني التهنئة بالأولاد، وهو على ثلاثة أصناف)

ويبديه، والألسنة شاكرة بما يوليه من الإنعام ويسديه. صدرت هذه الخدمة معربة عن ثناء تأرّج عرفه، وولاء أعجز الألسنة شرحه ووصفه، وتهنئة بهذه الوصلة المباركة جعلها الله للاتصال بالسعادة سببا، ومحصّلة من الخيرات مراما وافرا وأربا، وعرّفه بركة هذا العرس الذي أصبح الخير بفنائه معرّسا، ونور الشمس من ضياء بهجته مقتبسا، فنحمد الله على هذه الوصلة سرّا وجهرا، ونشكره أن جعل بينه وبين السّعد نسبا وصهرا، منح الله المولى الرّفاء والبنين، والعمر الذي يفني الأيام والسّنين، ورزقه إسعافا دائما وإسعادا، وأراه أولاد ألاده آباء بل أجدادا، إن شاء الله تعالى. أجوبة التهنئة بالزّواج والتّسرّي قال في «موادّ البيان» : أجوبة هذه الرّقاع يجب أن تكون شكرا للمهنّي على العناية والاهتمام، و [مشتملة على] الإبانة عن موقع دعائه من التبرّك والتيمّن به، إلّا أن تكون البداية بمعنى يخرج عما هذا جوابه، فينبغي أن يجاب عنه بما يقتضي الإجابة عن ذلك. الضرب السابع (من التّهاني التهنئة بالأولاد، وهو على ثلاثة أصناف) الصنف الأوّل- التهنئة بالبنين. مما أورده أبو الحسين بن سعد في ترسّله: إنّه ليس من نعم الله وفرائد قسمه وإن حسن موقعها، ولطف محلّها، نعمة تعدل النعمة في الولد، لنمائها في العدد، وزيادتها في قوّة العضد، وما يتعجّل من عظيم بهجتها، ويرجى من باقي ذكرها في الخلوف والأعقاب، ولا حق بركتها في الدعاء والاستغفار. ومنه: إنّه ليس من النّعم نعمة تشبه النعمة في الولد، لزيادتها في قوّة العضد، وحسن موقعها في الخلف والعقب، واتصل بي خبر مولود فسرّني ما

وصل الله به من العارفة إليك، وشركتك في جميل الموهبة فيه شركة من له مالك وعليه ما عليك، وسألت الله أن يوزعك شكر النّعمة ويؤنس بهذا المولود ربعك، ويكثّر به عددك، ويعظّم بركته ويمن طائره عليك، ويزيد به في النعمة كذلك، ويفعل الله ذلك، بمنّه وطوله. وفيه لأبي الحسين بن سعد «1» إلى أبي مسلم «2» بن بحر يهنّئه بابن حدث له: فأمّا ما جدّد الله من النعمة في القادم والموهوب لك ولدا وأنسا، ولنا سندا وذخرا، فقد جلّ قدر هذه الموهبة عن أن يحاط لها بوصف، أو يوفى لها بشكر. وفيه لعلي بن خلف «3» : وينهي أنه اتّصل بالمملوك بزوغ نجم سعد في مشارق إقباله، مؤذن باتّساق سموّه وجلاله، فأحدث من الحلال والاستبشار بمقدمه، والتبرّك والتيمّن بقدمه، ما تلألأت على المملوك أنواره، وحسنت عنده آثاره، وسألت الله تعالى راغبا إليه في أن يعرّفه سعادة مولده، ويمن موفده، ويجعله شادّا لعضده، وموريا لزنده، ويشفعه والسادة السابقين، بنجباء متلاحقين، يتبلّجون في نطاق سعادته، ويتوسّمون في آفاق سيادته، ويصون سلكهم من الانفصام، وشملهم من الانهدام، ويبقيهم غررا في وجوه الأيّام، وأقمارا في صفحات الظّلام، بمنّه وفضله، إن شاء الله تعالى. وفيه له: وينهي أنّ المملوك يشكر الله تعالى على ما أنزله عند مولانا من عوارفه، واختصّه به من لطائفه، شكر من شاركه في النعمة المسبغة عليه، وانتهى إليّ خبر السّند المتجدّد لمولانا، فطار المملوك بخوافي السّرور

ومقادمه، وأخذ من الابتهاج بأوفى قسمه، وسأل الله تعالى أن يبارك له في عطيّته، ويردفه بزيادته، ويوفّر عدده، ويشدّ بصالح الولد عضده، ويجنيه من هذا القادم ثمار المسرّة، ويري عينه منه أقرّ قرّة، ويشفع المنحة في موهبته بإطالة مدّته. وفيه: وينهي أنّ أفضل النّعم موقعا، وأشرفها خطرا وموضعا، نعمة الله تعالى في الولد؛ لزيادتها في العدد وقوّة العضد، وما يتعجّل من عظم جمالها وزينتها، ويرجى من حسن مآلها وعاقبتها، في حفظ النّسب والأصل، وحسن الخلافة على الأهل؛ وجميل الذّكر والثّناء، ومتقبّل الاستغفار والدّعاء، وقد اتصل بالمملوك بزوغ هلال سماء المجد، ومتعلّق الإقبال والسّعد، فأشرقت الأيام بإشراقه، ووثقت الآمال باجتلائه واتّساقه، فقام المملوك عن مولانا بشكر هذه النعمة المتجدّدة، والموهبة الراهنة الخالدة، وهنّأت نفسي بها، وأخذت بحظّي منها، والله تعالى يعرّفه يمن المولود من أطهر والدة وأطيب والد، ويعمّر به منزله، ويؤنس ببقائه رحله، ويبلّغ محبّيه، من الآمال فيه، ما بلّغهم في الماجد أبيه، إن شاء الله تعالى. وفيه: وينهي أنّ نعم الله تعالى وإن كانت على مولانا متظاهرة، ولديه متناصرة، فقد كان المملوك يرغب إلى الله تعالى في أن يجمّل الأيام من نسله، بمن يحفظ عليها شرف أصله، ويخلفه بعد العمر الطويل في نبله وكرم فعله، ولمّا اتّصل بالمملوك نبأ هذا الهلال البازغ في سمائه، المقرّ لعيون أوليائه، المخيّب لظنون أعدائه، حمدت الله تعالى على موهبته، وسألته إقرار نعمته، وأن يعرّف مولانا بركة قدمه، ويمن مقدمه، ويوفّر حظّه من زيادته، وسعادة وفادته، وأن يجعله برّا تقيّا، مباركا رضيّا، ويفسّح في أجله، ويبلّغه فيه أمله، إن شاء الله تعالى. من كلام المتأخرين: الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي (كامل)

الصنف الثاني - التهنئة بالبنات.

هنّئت بالإسعاف والإسعاد ... ونفاذ أمر في العدا بنفاد وبقيت ما بقي الزمان مهنّأ ... ووقيت شرّ شماتة الحسّاد يا مالك الرّق الّذي أضحى لنا ... من جوده الأطواق في الأجياد خلّدت في عيش هنيّ أخضر ... يسطو ببيض ظبا وسمر صعاد حتّى يخاطبك الزمان مبشّرا: ... متعت بالإخوان والأولاد جدّد الله في كلّ يوم له مسرّة وبشرى، وأطاب لعرفه عرفا ونشرا، وشدّ له بولده السعيد الطلعة أزرا وأسرا، وسرّى به الهموم عن القلوب وأصارها لديه أسرى، ورفع درجته إلى سماء المعالي ليقال: سبحان الذي بعبده أسرى. المملوك يخدم المولى ويهنّيه ويشكره ويطلعه على ما حصل له من الابتهاج للسبب الذي ينهيه ويذكره، وهو أنه اتّصل به قدوم المسافر بل إسفار البدر، وظهور ميمون الغرّة الذي جاء لأهله بأمان من صروف الدّهر، وهو الولد العزيز الموفّق النّجيب، فلان، أبقاه الله تعالى ليحيا مشكورا محمودا، وأدام عزّه وعلاه، وأعلى نجمه وخلّد شرفه وبهاه، وضاعف سناءه وسناه، وأرانا منه ما أرانا من السعادة في أبيه، فسرّ وابتهج بهذه النعمة غاية السّرور والابتهاج، واتّضح له في شكر إحسان المولى وحسن ولده كلّ طريق ومنهاج، وسأل الله تعالى أن يطوّل له عمرا، ويجعله لإسعاد والده وإسعافه ذخرا، ليرتعا في رياض الدّعة في صحّة وسلامة، ويجعلا في فناء العلا لهما دار إقامة، ويبلغا من السعادة درجة لا تريم عالية ولا ترام، وتخضع لهما اللّيالي والأيّام، ويرشقاهما بسهام الصّروف ويطعناهما بأسنّتها، ويفهما دعاء الأيّام لهما من صدورها ويسمعاه من ألسنتها، مخاطبة لأبيه، ومنشدة لسائر أهله ومحبّيه (رجز) مدّ لك الله الحياة مدّا ... حتّى ترى نجلك هذا جدّا الصنف الثاني- التهنئة بالبنات. من كلام المتقدّمين: أبو الحسين بن سعد:

النّعمة نعمتان، إحداهما تعجّل الأنس، والأخرى تدّخر الأجر، وعلى حسب ما تتلقّى به من الشّكر على ظاهر المحبوب، والتّسليم فيما يجري مجرى بعض المكروه، يكون المتاع عاجلا، والثواب آجلا، وما قدّمت القول [إلّا] لما ظننته يعرض لك من الوجوم في هذه الموهبة، في المولودة الّتي أرجو أن يعظّم الله بركتها، ويجعلها أيمن مولود في عصرها، ودالّة على سعادة أبيها وجّدها، و [لئن] كان في الطبع حبّ الذّكور والشّعف بالبنين، فإنّ البنين من البنات، وهنّ باليمن معروفات، وبالبركات موصوفات، وبالذّكور في أثرهنّ مبشّرات، فهنأك الله النّعمة فيها تهنئة لا تنقضي سعادتها، ولا يعترض النقص والتقدير «1» شيئا منها، وأبقى هذه الصبيّة ممتّعا أبوها بها، ومنشأ له الحظّ من حداثتها، وبلّغها أفضل مبالغ الصالحات القانتات من أمّهاتها، وجعل في مولدها أصدق دليل على طول عمر أبيها وسعادة جدّة، وتضاعف نعم الله عنده، إنه لطيف جواد. أبو مسلم «2» محمد بن بحر: مرحبا ببكر النّساء، وبكر الأولاد، وعقيلة الخباء، والمأمولة للبركة، والمشهورة باليمن، وقد جرّبناه فوجدناه معهودا مسعودا، والله يعرّفك أضعاف ما عرّف من قبلك، ويبارك لك فيما رزقك، ويثنّي لك بأخ للمولودة ويجعله رديفها، وفي الخير قرينها وشريكها. عليّ «3» بن خلف. وينهي أنّ المملوك اتّصل به ارتماض «4» مولانا بمقدم الكريمة الوافدة،

بطالع السّعادة المتجدّدة، فعجب المملوك من وقوع ذلك من مثل مولانا مع كمال نبله، وشرف عقله وعلمه، فإنّ الله تعالى جلّ اسمه يقول: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ «1» وإنّ ما جدّده الله تعالى من مواهبه جدير أن يتلقّى بالسّرور والفرح، لا بالاستياء والتّرح، لا سيّما والذّكر إنما يتفصل على الأنثى بنجابته، لا بحليته وصورته، وقد يقع في الإناث من هو أشرف من الذكور طبعا، وأجزل عائدة ونفعا، وقد روي أنّ رسول الله، صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «إذا رزق العبد الأنثى نادى مناد من السماء: يا أهل الدار، أبشروا بالرّزق، وإذا رزق ذكرا نادى مناد من السماء: يا أهل الدار، أبشروا بالعزّ» فليستقبل مولانا الرّزق بالشّكر فإنّ العزّ يتبعه، ولا يعارض الله تعالى في إرادته، ولا يستقلّ شيئا من هبته، والله تعالى يعرّفه يمن عهودها، وسعادة قدومها، وأن يسرّه بعدها بإخوة متتابعين متلاحقين، يؤيّدون أمره، ويحيون بعد العمر الأطول ذكره. أبو الفرج الببغاء: لو كان الإنسان متصرّفا في أمره بإرادته، قادرا على إدراك مشيئته، لبطلت دلائل القدرة، واستحالت حقائق الصّنعة، ودرست معالم الآمال، وتساوى الناس ببلوغ الأحوال، غير أنّ الأمر لمّا كان بغير مشيئته مصنوعا، وعلى ما عنه ظهر في الابتداء مطبوعا، كان المخرج له إلى الوجود من العدم، فيما ارتضاه له غير متّهم، ومولانا- أيده الله- مع كمال فضله، وتناهي عقله، وحدّة فطنته، وثاقب معرفته، أجلّ من أن يجهل مواقع النّعم الواردة من الله تعالى عليه، أو يتسخّط مواهبه الصادرة إليه، فيرمقها بنواظر الكفر، ويسلك بها غير مذاهب الشكر. وقد اتّصل بالمملوك خبر المولودة كرّم الله غرّتها، وأطال مدّتها، وعرّف مولانا البركة بها، وبلّغه أمله فيها، وما كان من تغيّره عند اتّضاح الخبر، وإنكار

الصنف الثالث - التهنئة بالتوءم.

ما أختاره له سابق القدر، فعجب المملوك من ذلك واستنكره، من مولانا وأنكره، لضيق العذر في مثله عليه. وقد علم مولانا أنّهن أقرب إلى القلوب، وأنّ الله تعالى بدأ بهنّ في الترتيب فقال جلّ من قائل: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ «1» وما سمّاه الله هبة فهو بالشّكر أولى، وبحسن التقبّل أحرى، ولكم نسب أفدن، وشرف استحدثن، من طرق الأصهار، والاتّصال بالأخيار، والملتمس من الذّكر نجابته، لا صورته وولادته، ولكم ذكر الأنثى أكرم منه طبعا، وأظهر منه نفعا، فمولانا يصوّر الحال بصورتها، ويجدّد الشّكر على ما وهب منها، ويستأنف الاعتراف له تعالى بما هو الأشبه ببصيرته، والأولى بمثله، إن شاء الله تعالى. الصنف الثالث- التهنئة بالتّوءم. أحسن ما رأيت من ذلك قول بعض الشّعراء مما كتب به إلى بعض أصحابه، وقد ولد له ذكر وأنثى من جارية سوداء، وهو قوله (طويل) وخصّك ربّ العرش منها بتوءم ... ومن ظلمات البحر تستخرج الدّرر وابرك أضحى وارثا علم جابر «2» ... فأعطاك من ألقابه الشّمس والقمر الأجوبة عن التهنئة بالأولاد قال في «موادّ البيان» : أجوبة هذه الرّقاع يجب أن تبنى على شكر اهتمام المهنّيء ورعايته، والاعتداد بعنايته، وأنّ الزيادة في تجدّد المهنّى [به]

الضرب الثامن (من التهاني التهنئة بالإبلال من المرض والعافية من السقم)

زيادة في عدده، وأن نصيبه من تحرّك السرور فيما يخلص إليه من المواهب كنصيبه؛ لتناسبهما في الإخاء، وتوافيهما في الصّفاء، وأن تراعى مع ذلك مرتبة المهنّي والمهنّى، ويبنى الخطاب على ما يقتضيه كلّ منهما. وهذا مثال من ذلك: زهر الربيع: وينهي ورود الكتاب الذي تشرّف المملوك بوروده، وأشرقت الأيّام بكمال سعوده، وأرغم ببلاغته معطس مناويه وحسوده، فشكر أيادي من أنعم بإرساله، واكتسى بالوقوف عليه حلّة من حلل فخره وجماله، وبالغ في إكماله، حتّى وقف إجلالا له بين يديه، ثم تلا آيات حسنه على أذنيه، فوجده مشتملا على إحسان لم يسبقه إلى مثله أحد، ومنن أودعها فيه فلا يحصيها حصر ولا عدد، فهيّج بوروده رسيس الأشواق، وتقلّد بإنعام مرسله كما قلّدت الحمائم بالأطواق، ووجد لوعة لا يحسن وصفها لسان اليراع في الأوراق، وعلم ما أشار إليه المولى من التهنئة بالولد الجديد، بل بأصغر الخدم والعبيد، وما أبداه من الابتهاج لميلاده وأظهره من التفضّل المعروف من آبائه الكرام وأجداده، ولم لا يكون الأمر كذلك والوالد مملوكه؟ وهو مملوك السادة الأجلّاء أولاده، حرس الله مجده ومتّعه بثوب مكارمه، وخفض قدر محاربه ورفع كلمة مسالمه، ولا زال مماليكه تتزيد تزيّد الأيّام وسعادته باقية بقاء الأعوام، وعين العناية تحرسه في حالتي السفر والمقام، إن شاء الله تعالى. الضرب الثامن (من التهاني التهنئة بالإبلال من المرض والعافية من السّقم) فمن ذلك: وينهي أنه ما زالت أجسام أهل التّصافي، تشترك في الأسقام والعوافي، كما تشترك أنفسهم في التخلّص والتّوافي، ولمّا ألم بمولانا هذا الألم الذي تفضّل الله تعالى بإماطته، ومنّ فيه على السّؤدد بحراسة مولانا وحياطته، فرأيته

حالّا في جوارحي، محرقا لجوانحي، ممازجا لأعضائي، متملّكا لأنوائي «1» . ولئن كنت قد تحمّلت من ذلك عبّا، وارتقيت من تحمّله مرتقى صعبا، فلقد فخرت بمماسّته، وأحمدت طبعي على مشاكلته، وشكرت الله تعالى إذ جعلني شعبة من سرحته، وجبلّة من طينته، وعلى ما سرّ به من إقالته وإنعاشه، ومصافاته وإبشاشه، وسألت الله تعالى أن يبقيه نورا يوضّح مغرب الدّهر ومشرقه، ودرّا يرصّع فود المجد ومفرقه، ويحسن الدّفاع عن حوبائه «2» وهو سبحانه يجيب ذلك ويتقبّله، ويرفعه ويسمعه، إن شاء الله تعالى. وله في مثله: المملوك يهنّيء مولاه خاصّة إذ جعله الله تعالى من صفوة أوليائه، وخالصة أحبّائه، الذين يبتليهم اختبارا، وينتابهم اختيارا؛ ليجمع لهم بين تمحيص وزرهم، ومضاعفة أجرهم، والحضّ على طاعته، والانصراف عن معصيته، ويهنّيء الكافّة عامّة بالموهبة في نوره المطلعة لأمل الإقبال، المروية لماحل الآمال، ثم أعطف على حمد الله على ما منّ به من إبلاله، ويسّره من استقلاله، والرّغبة إليه في أن يمنحه صحة تخلّد وتقيم، وعافية ترهن ولا تريم، وأن يحميه من عوارض الأسقام، ويصونه من حوادث الأيّام، بفضله وجوده، إن شاء الله تعالى. أبو الفرج الببغاء: أفضل ما يفزع إليه العبد المخلص، والمولى المتخصّص، فيما ينوب سيّده ويهمّ وليّ نعمته، الدعاء المقترن بصدق النية، وصفاء الطويّة [فالحمد لله الذي منّ بالصحّة وتصدّق بالإقالة، وتدارك بجميل المدافعة، وعمّ سائر خدمه أيّده الله بالنّعمة، وأعاده إلى أجمل عاداته من السلامة والصّحّة، فائزا بمدّخر

الأجر، متعبّدا بمستأنف الشّكر، فلا أخلاه الله من زيادة فيما يوليه، ولا قصدنا بسماع سوء فيه، وحرس من الغير مهجته، ومن المحذور نعمته. وله في مثله: ما كنت أعلم أنّ عافيتي مقرونة بعافيتك ولا سلامتي مضافة لسلامتك، إلى أن تحقّقت ذلك من مشاركتي إيّاك في حالتي الألم والصّحّة، والمرض والمحنة، فالحمد لله الذي شرّف طبعي بمناسبتك وجمّل خلقي بملاءمتك، فيما ساء وسرّ، وإيّاه تعالى أشكر على ما خصّني به من كمال غافيتك، وسبوغ سلامتك وسرعة إقالتك، وبه- جلّ اسمه- أثق في مزيدك من تظاهر النّعم، وتوفّر القسم. وله في مثله: ولولا أنّ متضمّن كتابك قرن ذكر المرض الهاجم عليك، بذكر ما وهبه الله لك من عود السلامة إليك، لما اقتصر بي القلق على [ما] دون المسير نحوك، والمبادرة لمشاهدتك، غير أنّ السّكون إلى ما أدّاه كتابك سابق الجزع، والطّمأنينة إلى ما وهبه الله من كفايتك حالت دون الهلع، فالحمد لله الذي منّ بالإقالة، وتصدّق بالسّلامة وعمّ بالكفاية، وهو وليّ حراستك وحراستي فيك. وله في مثله: سيّدنا في سائر ما يذكّره الله من هجوم ألم مؤذن بصحّة، واعتراض محنة مؤدّية إلى منحة، مرموق بالعافية، محروس من الله جلّ اسمه بالحفظ والكلاءة، فهو مع العلة فائز بذخائر الأجر، ومع العافية موفّق لاستزادة الشّكر، فالحمد لله الذي عقد الكرم ببقائه، وشفى مرض الآمال بشفائه، وكفاه اعتراض المخوف، وعوارض الصّروف. وله في مثله: ما انفرد جسمك بالعلّة دون قلبي، ولا اختصّت نفسك- حرسها الله تعالى- بمعاناة المرض دون نفسي، ولم أزل بالقلب تاليا، وفي سائر ما شكوته

بالنّيّة مساويا، إلى أن كشف الله الغمّة، وأقال العثرة، ونفّس الكربة، ومنّ بالسلامة، وتصدّق بالكفاية، وأوجب بالعافية علينا جميعا فروض الشكر، بعد ما ادّخره لك بالألم من كثرة الأجر، فالحمد لله على ذلك حمدا يؤدّي إلى حراسة ما خوّلك، ويؤذن بالمزيد فيما منحك. ومن كلام المتأخرين: أعلى الله قدر الجناب الفلاني، ولا زالت شموس أيامه لا تخاف كسوفا ولا أفولا، وأقمار لياليه تغرس في قلوب أوليائه ومحبّيه فروعا وأصولا. المملوك يخدم خدمة من تحمّل جميلا، ونال من تفضّل الجناب «1» الكريم جزيلا. وينهي ما حصل له من السّرور بعافية مولانا، فالشكر لله على ما جدّد من النّعمة التامّة، وسمح به من الكرامة العامّة، حين أعاد البدر إلى كماله، والسّرور إلى أتمّ أحواله، وما كانت إلّا غلطة من الدّهر فاستدركها، وصفقة خارجة عن يده فملّكها، فقرّت بذلك العيون، وتحقّقت في بلوغ الأمل الظّنون؛ وانجبر قلبه بعد ما وهن، وعاد جفنه بعد الأرق إلى الوسن؛ وقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ «2» ولقد كان يتمنّى المملوك لو فاز من الرّؤية الشريفة بحظّ السمع والبصر، وتملّى بمشاهدة وجهه الكريم فإنّ فيه البغية والوطر «3» . والمملوك فما يعدّ نفسه إلّا من المحبين الذين بذلوا نفوسهم لمحبته وأعدّوها، والله تعالى يسرّ الأولياء بتضاعف سعوده، ويديم بهجة الأيّام بميمون وجوده، ويطيل في مدّته ويحرسها من الغير، ويحرس أحوال مزاجه الكريم على

القانون المعتبر، ويكفي أولياءه ومحبّيه فيه كلّ مكروه وحذر، إن شاء الله تعالى. من زهر الربيع (متقارب) : ولمّا شكوت اشتكى كلّ ما ... على الأرض واهتزّ شرق وغرب لأنّك قلب لجسم الزّمان ... وما صحّ جسم إذا اعتلّ قلب حرس الله جنابه، وأسبل عليه رداء السعد وأثوابه، ومتّعه ببرود العافية وجلبابها، وفتح له إلى نيل السعادة سائر أبوابها، ومنحه الكفاية والأمن في سربه، والعافية في جسمه من قلق كلّ مرض وكربه، وجمع له بين الثّواب والأجر وجازاه بجزيل الغفران عن جميل الصّبر. المملوك يبشّر نفسه ومولاه بما منّ الله به من صحّة مزاجه الكريم، والإبلال من مرض كاد يدير كؤوس الحمام «1» على كلّ صديق حميم، ويحمد الله على عافيته حمدا جزيلا، ويشكره عليها بكرة وأصيلا، فإنّه قد عوفي لعافيته المجد والكرم، وزال عنه إلى أعدائه الألم، فالمولى حفظ «2» الله صحّته من السّقم، وحماه من ألم ألمّ، وجعل سعادته تتزايد على ممرّ الأنفاس، وجسده سالما من الأذى كسلامة عرضه من الأدناس، إن شاء الله تعالى. الشيخ جمال الدين «3» بن نباتة: وقى الله من الأسواء شخصه الكريم، وشمله النّظيم، وقلب محبّه الذي هو في كلّ واد من أودية الإشفاق يهيم.

ولا زالت الصحة قرينه حتّى لا يعتلّ في منازله غير مرور النّسيم، ويصف شوقا يزيد بالأنفاس وقدا، ويجدّد للأحشاء وجدا، ويباشر القلب المغرم فيمدّ له من عذاب الانتظار مدّا. وينهي أنه جهّز هذه الخدمة نائبة عنه في استجلاء وجه أكرم الأحبّة، وتصافح اليد الّتي أقلام كتبها في شكوى البعاد أطبّة، مبدية إلى العلم الكريم أنّه مع ما كان يكابده من الأشواق، ويعالجه من خواطر الإشفاق، بلغه ضعف الجسد الموقّى، وعارض الألم الذي استطار من جوانح المحبّين برقا، فلا يسأل الجناب الكريم عن قلب تألّم، وصدر صامت بالهموم ولكنّه بجراح الأشجان تكلّم، ولسان أنشد (طويل) : ألا ليتني حمّلت ما بك من ضنى ... على أنّ لي منه الأذى ولك الأجر ثم لطف الله تعالى وعجّل خبر العافية المأمولة، والصحة المقبلة عقيب الدّعوات المقبولة، فيا لها مسرّة شملت، ومبرّة كملت، وتهنئة جمعت قلوب الأودّاء وجملت، وأعضاء فدتها «1» عيون المها فنقلت عنها صفات السّقام وحملت، وعافية حوّلت إلى قلوب الأعداء المرض، وجوهر جسد طاهر زال [عنه] بأس العرض، فهنيئا له بهذه الصحة المتوافرة الوافية، والحمد لله ثم الحمد لله على أن جمع بين حصول الأجر ووصول العافية، وعلى أن حفظ ذاته الكريمة وحفظها هو المقدّمة الكافية الشافية (كامل) وتقاسم النّاس المسرّة بينهم ... قسما فكان أجلّهم قسما أنا والله تعالى يسبغ عليه ظلال نعمه ويحفظه حيث كان في نفسه وأهله وخدمه، وكما سرّ الأحباب بخبر عافيته كذلك يسرّهم بعيان مقدمه.

أجوبة التهنئة بالإبلال من المرض والعافية قال في «موادّ البيان» «1» : أجوبة هذه الرّقاع يجب أن تكون مبنيّة على وصف الألم وصورته وما تفضّل الله تعالى به من إماطته، وشكر المهنّي باهتمامه وعنايته. وهذه أمثلة من ذلك: من زهر الربيع: أدام الله نعمته، وشكر منّته، وأدال دولته، وأعلى قدره وكلمته، وحتّم على الألسنة شكره والقلوب محبّته، ولا زالت التهاني من جهته وافدة، والبشائر واردة. وينهي ورود الكتاب الذي أعدّته يد المعالي فعاد كريما، وشاهد حسن منظره فصار وجهه وسيما، وأنه وقف عليه، وأحاط علما بكلّ ما أشار المولى إليه، فذكّره أنسا كان بخدمته لم ينسه، وجدّد له وجدا ما زال يجد في قلبه ونفسه عينه ونفسه، ونشر من مآثره المأثورة، وفضائله المرقومة في صفائح الصّحائف المسطورة، ما شنّف به وشرّف، وشوّق إلى لقائه وشوّف، وأقام البرهان على ذكيّ فطنته، وزكيّ فطرته، وعلم ما أنعم به وتفضّل، وأحسن وتطوّل، من تهنئة المملوك بالإبلال من مرضه، والبرء من سقمه، والتخلّص من يدي وجعه وألمه، وسرّ بورود كريم مشرّفته، أعظم من سروره بلباس ثوب عافيته، وبدوام مجده وسعادته، أكثر من صحّة مزاجه واستقامته، فإنّ مكارم المولى كالحدائق النّاضرة، ومنزلته أعز في القلوب من الأحداق الناظرة. فالحمد لله الذي منّ بالعافية من ذلك المرض، والداء الذي ألمّ بعرضيه فاحتوى منهما على الجوهر والعرض، وطال حتّى أسأمه من نفسه وعوّاده، وآيسه من

الضرب التاسع (التهنئة بقرب المزار)

الحياة لولا لطف الله والله لطيف بعباده، وهذا ببركة المولى ودعائه الذي كان يرفعه والخواطر والأسماع مع بعد الشّقّة تشهد به وتسمعه، جعل الله التهاني مع الأبد واردة منه وإليه، وشكر إنعامه وأتمّ نعمته عليه، إن شاء الله تعالى. قلت: وكتبت للمقرّ العلائيّ علاء الدين الكركيّ «1» وهو يومئذ كاتب «2» السّرّ الشريف في الدولة الظاهرية «برقوق» «3» في سلطنته الثانية، وقد برأ من مرض نظما (بسيط) . أفديه من جسد قد صحّ من سقم ... فبات جوهره خال «4» من العرض فاستبشرت بعليّ القوم شيعته ... ومات حاسده بالسّقم والمرض الضرب التاسع (التهنئة بقرب المزار) الشيخ شهاب الدين محمود «5» الحلبي: قرّب الله مزاره، وأدنى جواره، وأعان أعوانه ونصر أنصاره، ولا زالت الأنفس لقربه مسرورة، ورايات مجده في الملإ الأعلى وأحزاب الإسلام بهيبته على أعداء الدّين منصوره. المملوك يقبّل الباسطة العالية بسط الله ظلّها، وشكر على الأولياء فضلها، وينهي أنه اتّصل به طيّب أخباره، وقرب مزاره، فتضاعف شوقه، وتزايد توقه، وهيّجت صبابته لا عجه، وسهّلت إلى نيل المسرّة طرقه ومناهجه (وافر) .

الضرب العاشر (التهنئة بنزول المنازل المستجدة)

وأبرح ما يكون الشّوق يوما ... إذا دنت الدّيار من الدّيار فالله يقرّب من أمد التّلاقي بعيدا، ويجعل رداء الاجتماع بخدمته قشيبا جديدا. الضرب العاشر (التهنئة بنزول المنازل المستجدة) فمن ذلك [من إنشاء] عليّ بن «1» خلف: أشرف المنازل رقعة، وأترفها بقعة، وأرفعها رفعة، ما اتّخذه مولانا لنفسه موطنا، وجعله بنزوله فيه حرما آمنا، وصيّره بمخصب مكارمه للعفاة مرادا ومقصدا، وبمعذب نوافله للظّماة مشرعا وموردا، وللسّؤدد بمجده معقلا، وللرّياسة بشرفه منزلا، والله تعالى يجعل هذه الدار الّتي تديّرها وحلّها، وحطّ بها رحله ونزلها، مأهولة ببقائه، آنسة بسبوغ نعمائه، عامرة بسعادته، مشيدة بتناصر عزّه وزيادته، لا تخطئها حوائم الآمال، ولا تتخطّاها ديم الإقبال، ويعرّفه من بركتها، ويمن عتبتها، ما يقضي بامتداد الأجل، وانفساح الأمل، وبلوغ الأماني، واتّصال التّهاني، بمنّه وكرمه، إن شاء الله تعالى. ومن ذلك: وينهي أنه قد اتّصل بالمملوك تحوّل مولانا إلى المنزل المنشإ الجديد، ذي الطالع السعيد، والطائر الحميد، فسألت الله تعالى أن يبوّئه منه المبوّأ الكريم، ويمتّعه فيه بالدّعة والنّعيم، والنّماء والمزيد، والعيش الرّغيد، ويجعله واصلا لحبله، مأهولا بأهله، ويعرّفه بركة عتبته، ويملّيه ببهائه ونضارته، وحصل للمملوك السّرور بأن بلّغه الله الوطر، في سكنى ما عمر، وأناله الأمل والالتذاذ بخدمته، والسّرور بافتضاض عذرته، إن شاء الله تعالى. ومن ذلك:

مولانا- أمتع الله بوجوده- غنيّ عن الهناء بمنزل ينزله ومحلّ يحلّه، إذ الله سبحانه وتعالى قد كثّر أوطانه وآدره «1» ، وبلّغه في تمام عمارتها وانفساحها وطره، وخصّه بأفضلها معانا، وأشرفها مكانا، والمستوجب في الحقيقة للهناء هو الموضع الذي اختاره دارا، وارتضاه مستقرّا، وعرف المملوك انتقاله- لا زال يتنقّل في بروج السّعد، ويأوي إلى ظلّ ظليل من المجد- إلى الدار الفلانية لا زالت جامعة لشمله، مأنوسة بأهله، فعدل عن خدمته بالهناء، إلى إخلاص الدّعاء، بأن يعرّفه الله تعالى يمنها وبركتها، ويريه إقبالها وسعادتها، ويقرن تحوّله إليها بأيمن طائر، وأبرك طالع، فإنّ للحركات أوقاتا محمودة ومذمومة؛ فإذا اعتنى الله تعالى بعبد من عبيده، وفرض له نصيبا من تأييده، وفّقه للحركة في الزّمن السعيد، والوقت الحميد، لتكون مصايره مشاكلة لمباديه، وأعجازه مشابهة لهواديه، والله تعالى يجعل بابها محطّا للقصّاد، ومناخا للوفّاد، ومزارا للعفاة، وملاذا [للعناة] «2» ويصل بها حبله، وينشي بها طفله، ويضاعف باستيطانها أنسه، ويسر بتبوّئها نفسه، إن شاء الله تعالى. أبو الفرج «3» الببغاء: أسعد المنازل وأشرف المواطن ما استوطنه أيّده الله وتبوّاه، وتخيّره لنفسه وارتضاه، فغدا بشخصه وطن الإقبال، وبفائض كرمه حرم الآمال، وبشرفه للسّؤدد معقلا، وبنبله للرّياسة منزلا، فعرّفه الله يمن هذه الدار المعمورة بحلول البركات، المحفوفة بتناصر السّعادات، وجعلها وكلّ ربع يقطنه، ومحلّ يسكنه، مبشّرا بامتداد بقائه، وآهلا بالزّيادة في نعمائه. وله في مثله:

الضرب الحادي عشر (نوادر التهاني، وهي خمسة أصناف)

كلّ وطن يحلّه- أيده الله- ويقطنه، ومحلّ يتخيّره ويسكنه، مقصود بالشّكر والثناء، آهل بالحمد والدّعاء، لا يتخطاه متوارد الآمال، ولا تنقطع عنه موادّ الإقبال، ولذلك صار هذا المنزل السعيد من فضائل الأرض ومحاسنها، ونجع الآمال ومعادنها، فعرّفه الله يمنه وبركته، وإقباله وسعادته، وقرن انتقاله إليه بأسبغ نعمة، وأكمل سلامة وأبسط قدرة وأعلى رتبة. وله في مثله: عرّفه الله [من] بركة هذا المنزل المورود، والفناء المقصود، ما يوفي على سالف ما أولاه من تكامل البركات، وتناصر السّعادات، وجعل مستقرّه فيه مقرونا بنموّ الحال، وتتابع الإقبال، في أفسح المدد وأطولها، وأنجح المطالب وأفضلها، وعمر أوطان المكارم بإقباله «1» ، وعضّد الأمانيّ باتّساع نعمائه. أجوبة التهنئة بقرب المزار، ونزول المنازل المستجدّة قال في «موادّ البيان» : أجوبة هذه الرّقاع يجب أن تبنى على الاعتداد للمهنّي بتعهّده، والشكر له على تودّده، والابتهاج بهنائه، والتبرّك بدعائه، وأن المستجدّ غير مباين لمنزله، ولا خارج عن أحكام محله، وأنّ تمام بركته، أن يؤنس فيه بزيارته، وما يشابه هذا. الضرب الحادي عشر (نوادر التهاني، وهي خمسة أصناف) الصنف الأوّل- تهنئة الذّميّ بإسلامه. فمن ذلك ما أورده أبو الحسين «2» بن سعد في ترسّله، وهو: وما زالت حالك ممثّلة لنا جميل ما وهب الله فيك حتّى كأنّك لم تزل

بالإسلام موسوما، وإن كنت على غيره مقيما، وقد كنّا مؤمّلين لما صرت إليه، ومشفقين لك مما كنت عليه، حتّى إذا كاد إشفاقنا يستعلي على رجائنا، أتت السعادة فيك بما لم تزل الأنفس تعد منك، ونسأل الله الذي نوّر لك في رأيك، وأضاء لك سبيل رشدك، أن يؤهّلك لصالح الأعمال، وأن يؤتيك في الدنيا حسنة ويقيك عذاب النار. ومن ذلك، من كلام أبي «1» العيناء: ولتهنئك نعمة الله عليك في أخوّة المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، والحمد لله الذي فوّز قدحك [وأ] على كعبك، وأنقذ من النار شلوك «2» ، وخلّصك من لبس الشّك، وحيرة الشّرك، فأصبحت قد استبدلت بالأديار المساجد، وبالآحاد الجمع، وبقبلة الشام، البيت الحرام، وبتحريف الإنجيل، صحّة التنزيل، وبأوثان المشركين، قبلة الموحّدين، وبحكم الأسقفّ رأس الملحدين [حكم] أمير المؤمنين وسيّد المرسلين، فهنأك الله ما أنعم به عليك، وأحسن فيه إليك، وذكّرك شكره، وزادك بالشّكر من فضله. أجوبة التهنئة بإسلام ذميّ قال في «موادّ البيان» : أجوبة هذه الرّقاع ينبغي أن تكون مبنيّة على شكر المهنّإ للمهنّيء؛ واعترافه بنعمة الله تعالى عنده، وابتهاجه بممازجته في الدّين، الذي جعل الله أهله إخوانا متصافين، وخلّانا متوافين، ومنّ عليهم به، وبإماطة

الصنف الثاني - التهنئة بالختان وخروج اللحية.

الحسائف «1» من قلوبهم، ونحو هذا. الصنف الثاني- التهنئة بالختان وخروج اللّحية. فمن ذلك تهنئة لأمير بختان ولدين له: فمن خصائص ما حباه الله بعد الذي قدّم له في نفسه- نفّس الله مدّتها، ووسّع له مهلتها، وأفنى الأعداد دون فنائها، والأعمار دون تصرّمها وانتهائها، [من] الفضائل المشهورة، والمحاسن المذكورة، والمناقب المأثورة، وأقسام الفضل الذي ينقضي دون تصرّم (؟) منازله وصف الواصف إذا أفرط، وينتهي دون أيسرها أمل الآمل إذا اشتطّ- ما وهب الله له من أولاد سادة فضّلهم في الأخلاق والصّور، وأكملهم في الأجسام والمرر، وقدّمهم في العقول والأفهام، والقرائح والألباب، ولم يجعل للمعيب فيهم سيمة، ولا للإناث بينهم شركة، حتّى يكون مسلّما لهم قصب العلا والمفاخر، وصدور الأسرّة والمنابر، من غير منازع، ولا مقارع، ولا مساهم، ولا مقاسم، وزادهم من النّماء في النّشء والبركة واليمن بما يؤذن الحاضر منه بالغابر، ويدلّ البادي على الآخر، وعدا من الله تعالى ذكره لهم بأوفى السعادات، وأكمل الخيرات وأعلى الدرجات، أرجو أن يجعل الله النّجح قرينه، والنجاة ذريعته، وما أولاه فيهم في هذه الحال الحادثة الّتي يعدق الله بها أداء الفريضة، وكمال الشريعة، ويقع التطيّر بالختان، الذي جعله الله من شروط الإيمان، وفرضه على جميع الأديان، من السّلامة على عظم الخطر، وشدّة الغرر، في إمضاء الحديد على أعضاء ناعمة، وإيصال الألم إلى قلوب وادعة، لم تقارع نصبا «2» ، ولم تعان وصبا «3» ،

واجتمع فيه إلى رقّة الصّبا، وضعف الأسر والقوى، اعتياد الرحمة، ومخالفة الترفّه والتنقّل بين الشهوات، على أن كلّ واحد من الأميرين شهد المعركة أعزل حاسرا، وباشر الحرب مغرّرا مخاطرا، فثبت لوقع السّلاح، وصبر على ألم الجراح، وأبلى بلاء الفارس المدجّج، والكميّ «1» المقنّع، ثم خرج خروج شبل الليث، وفرخ العقاب، كالقدح المعلّى والشّهاب الساطع، والنّجم الثاقب، وكان فلان أكثرهما تغيّرا في وجه قرنه، وسطوة على منازله، وكلّ قد حصّل فوق الخصل، وحوى فضيلة السّبق، واستحقّ اسم البأس والشّدّة، وحلية البسالة والنّجدة. ومن ذلك ما أورده أبو الحسين بن سعد في كتابه: الحمد لله الذي كساك باللّحية حلّة الوقار، وردّاك رداء ذي السّمت من الأبرار والأخيار، وصانك عن ميسم الصّبا، ومطامع أهل الهوى، بما جلّلك من اللحية البهيّة، وألبسك من لباس ذوي اللّبّ والرّويّة، وألحقك في متصرّفاته بمن يستقلّ بنفسه ساعيا، ويستغني عمّن صحبه حافظا، وجعل ما جمّل من صورتك، وكمّل من أداتك وآلتك، قرنا لمن جاذبك، وخصما لمن نازعك، ونفى عنك ذلّة الاحتقار، من أهل المراتب والأخطار، تستوي [بهم] في المجالس الحافلة، وتجري مجراهم في المشاهد الجامعة، مسموعا قولك إذا قلت، ومصغى إليك إذا نطقت، آمنا من انصراف الأبصار عنك لقرب ولادك، ومن [عدم] الاستماع لحديثك لقلّة الثّقة بسدادك، وجاريا مجرى كملة الرجال على الجملة، إلى أن يكشف الله مخابرك بالمحنة، وتعطى المهابة من الدّاعر العادي، ومن السّبع الضاري، ولو كان عاريا من هذه الكسوة الشريفة، والحلية الملحوظة، لسيقت إلى الازدراء بالأعين، والاستصغار بالقلوب والألسن، أصناف الحيوان، من البهيمة والإنسان، ثم لا يحسّ من نفسه قوّة على الدّفع عنها، ولا من صرعته ثباتا (؟) على يدها فيه. وتلك نعمة من الله جل وعزّ حباك

الصنف الثالث - التهنئة بالمرض.

بمرتبتها في جمال غشاك «1» ، وكمال أتاك، فليصدّق بها اعترافك وشكرك، وليحسن ثناؤك ونشرك، قضاء لحق الله عليك، واستدرارا في المزيد من إحسانه إليك. الصنف الثالث- التهنئة بالمرض. أبو الفرج الببغاء: في ذكر الله سيدي بهذا العارض- أماطه «2» الله وصرفه، وجعل صحة الأبد خلفه- ما دلّ على ملاحظته إيّاه بالعناية، إيقاظا له من سنة الغفلة، إذ كان تعالى لا يذكّر بطروق الآلام، وتنبيه العظات، غير الصّفوة من عباده، الخيرة من أوليائه، فهنأه الله الفوز بأجر ما يعانيه، وحمل عنه بألطافه ثقل ما هو فيه، وأعقب ما اختصّه من ذخائر المثوبة والأجر بعافية تقتضيه، ولا سلب الدنيا جمال بقائه، ولا نقل ظلّه عن كافّة خدمه وأوليائه. الصنف الرابع- التهنئة بالصّرف عن الولاية. أبو الفرج الببغاء: من حلّ محلّه- أيده الله تعالى- من رتب الرّياسة والنّبل، كان معظّما في حالتي الولاية والعزل، لا يقدح في قدره تغيّر الأحوال، ولا ينقله عن موضعه من الفضل تنقّل الأعمال، إذ كان استيحاشها للفائت من بركات نظره، بحسب أنسها كان بما أفادته من محمود أثره، فهنأه الله نعمة الكفاية، وأوزعه شكر ما احتازه من النزاهة والصّيانة، ولا أخلاه من التوفيق في سائر متصرّفاته، والخيرة الضامنة لعواقب إراداته. وله في مثله: لو كان لمستحدث الأعمال ومستجدّ الولايات زيادة على ما اختصّك به

من كمال الفضل، ومأثور النّبل، لحاذرنا انتقال ذلك بانتقال ما كنت تتولّاه بمحمود كفايتك، وتحوطه بنواظر نزاهتك وصيانتك، غير أنّ الله تعالى جعلك بالفضل متقمّصا، وبالمحامد متخصّصا، فالأسف فيما تنظر فيه عليك لا منك، والفائدة فيما تتقلّده بك لا لك، ولذلك كنت بالصّرف مهنّأ مسرورا، كما كنت في الولاية محمودا مشكورا، فلا أخلاك الله من تواصل آلائه، وتظاهر نعمائه، في سائر ما تبرمه وتمضيه، وتعتمده وترتئيه. أبو الحسين بن سعد- عمّن تولّى عملا إلى من صرف عنه: قد قلّدت العمل بناحيتك، فهنأك الله تجديد ولايتك، وأنفذت خليفتي لخلافتك، فلا تخله من تبصيرك وهدايتك، إلى أن يمنّ الله بزيارتك. تهنئة بصرف عن ولاية: لو كانت رياسة سيّدي مجنيّة من عروش الولايات، وسيادته خارجة عن سانح التصرّفات، لأشفق أولياؤه من زوالهما بمزايلتهما، وحذروا من انتقالهما بنقلهما، لكن ما وسم به من الكمال، وعلا به من رتب الجلال، موجود في غريزته وجود الفرند «1» في السيف المأثور، واللألاء في النور، وإذا تصرّف، أورد الله الرعيّة من مشارعها نطافا، وأسبغ عليهم من ظلّها عطافا، وإذا انصرف فخير مسبل تقلّص، وعيش رائع تنغّص، والأسف على العمل السّليب من حلل سياسته الفاضلة، العاطل من حلى سيرته العادلة، ولهذا أصبح- أيده الله- بالعزل مبتهجا مسرورا، كما كان في الولاية محمودا مشكورا، وانطلقت ألسنة أوليائه، في هنائه، بما وهبه الله من الرّفاهية والدّعة، وحطّه عنه من الأثقال المقلقة، ولا سيّما وقد علم الخاصّ والعامّ أنّ الأعمال إذا ردّت إليه، وعوّل فيها عليه، تسلّم المودع وديعته، والناشد ضالّته، وإذا عدل فيها إلى غيره تناولها

الصنف الخامس - تهنئة من تزوجت أمه بزواجها.

تناول الغاصب، واستولى عليها استيلاء السّالب، فلا تزال نازعة إلى ربّها، متطلّعة إلى خطبها، حتّى تعود إلى محلّها، وترجع إلى نصلها، والله تعالى أسأل أن يقضي لمولانا ببلوغ الأوطار، إن شاء الله تعالى. أجوبة التهنئة بالصرف عن الولاية والخدمة قال في «مواد البيان» : يجب أن تكون أجوبتها مبنيّة على شكر الاهتمام والاعتداد بالمشاركة في الأحوال، مع وقوع ما ورد من الخطاب الموقع للطيف، وما ينتظم في هذا السلك. جواب من ورد عليه كتاب من ولي مكانه في معنى ذلك. فمن ذلك: ما انصرفت عنّي نعمة أعديت إليك، ولا خلوت من كرامة اشتملت عليك، وإنّي لأجد صرفي بك ولاية ثانية، وحلّة من الوزر واقية، لما آمله بمكانك من حميد العاقبة وحسن الخاتمة. الصنف الخامس- تهنئة «1» من تزوجت أمّه بزواجها. قد تقدّم في أوّل المقالة الأولى في حكاية حائك الكلام مع عمرو «2» بن مسعدة وزير المأمون «3» ، أنه قال: يكتب إليه:

أما بعد، فإنّ الأمور تجري على خلاف «1» محابّ المخلوقين [والله يختار لعباده] «2» ، فخار الله لك في قبضها [إليه، فإن القبور أكرم الأكفاء] «3» والسّلام. أبو الفرج الببغاء: وقد أمره سيف الدولة «4» بن حمدان بالكتابة في معنى ذلك امتحانا له: من سلك إليك- أعزّك الله- سبيل الانبساط، لم يستوعر مسلكا من المخاطبة فيما يحسن الانقباض عن ذكر مثله. واتّصل بي ما كان من خبر الواجبة الحقّ عليك، المنسوبة بعد نسبتك إليها إليك- وفّر الله صيانتها- في اختيارها ما لولا أنّ الأنفس تتناكره، وشرع المروءة يحظره، لكنت في مثله بالرضا أولى، وبالاعتداد بما جدّده الله في صيانتها أحرى، فلا يسخطنّك من ذلك ما رضيه وجوب الشّرع، وحسّنه أدب الدّيانة، ومباح الله أحقّ أن يتّبع، وإيّاك أن تكون ممن لمّا عدم اختياره تسخّط اختيار القدر له، والسّلام.

النوع الثاني (من مقاصد المكاتبات: التعازي)

النوع الثاني (من مقاصد المكاتبات: التّعازي) قال في «مواد البيان» : المكاتبة في التعزية بالأحداث العارضة في هذه الدنيا واسعة المجال؛ لما تتضمّنه من الإرشاد إلى الصّبر، والتسليم إلى الله جلّت قدرته، وتسلية المعزّى عما يسلبه بمشاركة السابقين فيه، ووعده بحسن العوض في الجزاء عنه، إلى غير ذلك مما ينتظم في هذا المعنى. قال: والكاتب إذا كان جيّد الغريزة حسن التأتّي فيها، بلغ المراد. ثم قال: وحكمها حكم التّهاني من الرئيس إلى المرؤوس، ومن المرؤوس إلى الرئيس، ومن النظير إلى النظير. ثم التعزية على أضرب: الضرب الأوّل (التعزية بالابن) أبلغ ما كتب به في ذلك ما كتب به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إلى معاذ بن «1» جبل، معزّيا له بابن له مات، فيما ذكره أبو الحسين بن سعد في ترسّله، وأبو جعفر النحّاس» في صناعة الكتّاب، وهو:

«من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل: «سلام عليك، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا اله إلّا هو. أما بعد، فعظّم الله لك الأجر، وألهمك الصّبر، ورزقنا وإيّاك الشّكر، ثم إنّ أنفسنا وأهلينا وموالينا «1» من مواهب الله السنيّة، وعوارفه «2» المستودعة، تمتّع «3» بها إلى أجل معدود، وتقبض لوقت معلوم، ثم افترض علينا الشّكر إذا أعطى، والصبر إذا ابتلى، وكان ابنك من مواهب الله الهنيّة، وعوارفه المستودعة، متّعك به في غبطة وسرور، وقبضه منك بأجر كثير: الصلاة «4» والرحمة والهدى إن صبرت واحتسبت «5» ، فلا تجمعنّ عليك يا معاذ خصلتين «6» : أن يحبط «7» جزعك صبرك فتندم على ما فاتك، فلو قدمت على ثواب مصيبتك قد أطعت ربّك وتنجّزت موعوده، عرفت أنّ المصيبة قد قصرت عنه. واعلم أنّ الجزع لا يردّ ميّتا، ولا يدفع حزنا، فأحسن الجزاء وتنجّز الموعود، وليذهب أسفك ما هو نازل بك فكأن قد «8» » . من كلام المتأخرين: تعزية بولد، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة «9» ، وهي بعد الألقاب. وأحسن عزاءه بأعزّ فقيد، وأحبّ حبيب ووليد، وعوّض بجميل الصبر جوانحه الّتي سئلت عن الأسى فقالت: ثابت ويزيد. صدرت هذه المفاوضة

تهدي إليه سلاما يعزّ عليه أن يتبع بالتعزية، وثناء يشقّ عليه أن يطارح حمائم سجعه المطربة بحمائم الشّجو المبكية المنكية، وتوضّح لعلمه ورود مكاتبته المؤلمة، فوقفنا عليها إلّا أنّ الدّمعة ما وقفت، وخواطر الإشفاق عليه وعلى من عنده طفت حرقها وما انطفت، وعلمنا ما شرحه ولم يشرح الصّدر على العادة- من وفاة الولد فلان، سقى الله عهده ولحده، ونضّر وجهه وتغمّد بالرّضوان خاله «1» وخدّه، وما بقي إلّا التمسّك بأسباب الصبر، والتفويض إلى من له الأمر، والدّنيا طريق والآخرة دار ودهليزها القبر، وللمرء من تثبّته وازع، والاجتماع بالأحبّة الراحلين واقع، إن لم يصيروا إلينا صرنا إليهم، وإن لم يقدموا في الدار الفانية علينا قدمنا في الدار الباقية عليهم، نسأل الله تعالى أن يجمعنا في مستقرّ رحمته، ويحضرنا مع الأطفال أو مع المتطفّلين ولائم جنّته، والله تعالى يدارك بالصبر الجميل قلبه، ولا يجمع عليه فقد الثواب وفقد الأحبّة. الشيخ شهاب الدين محمود «2» الحلبي: رزقه الله تعالى ثباتا على رزيّته «3» وصبرا، وجعل له مع كلّ عسر يسرا، وأبقاه مفدّى بالأنفس والنّفائس، وكان له أعظم حافظ من نوب الدهر وأجلّ حارس. المملوك ينهي علمه بهذه النازلة الّتي فتّتت القلوب والأكباد، وكادت أن تفرّق بين الأرواح والأجساد، وأذالت ذخائر العيون، وابتذلت من المدامع كلّ مصون، وأذابت المهج تحرّقا وتلهّبا، وجعلت كلّ قلب في ناري الأسى والأسف متقلّبا، وهي وفاة ولده الذي صغر سنّه، وتزايد لفقده همّ المملوك وحزنه (طويل) . ونجلك لا يبكى على قدر سنّه ... ولكن على قدر المخيلة والأصل

وكان الأمل يحدّث بأنه يشدّ للمولى أزره، ويشرح ببرّه صدره، ويؤثّل مجده، ويبقي الذكر الجميل بعده، ففقد من بين أترابه، وذوى عندما أينع غصن شبابه، وغيّب منظره الوسيم في لحده وترابه، وسيّدنا يعلم أنّ الموت منهل لا بدّ من ورده «1» ، وابن آدم زرع لا بدّ من حصده، وأنّ المنية تشمل الصغير والكبير، والجليل والحقير، والغنيّ والفقير، فينبغي له استعمال صبره، والاستبشار بمضاعفة أجره، والله يمتّعه بأهله وطول عمره. وله «2» (كامل) لهفي وما لهفي عليك بنافع! ... كلّا ولا وجدي ولا حرقاتي يا من قضى فقضى سروري بعده ... وتحدّرت أسفا له عبراتي عقد التجلّد حلّها فرط الأسى ... والقلب موقوف على الحسرات لو كنت ممّن يشترى أو يفتدى ... لفديت بالأرواح والمهجات كنت المعدّ لنصرتي في شدّتي ... فقضى الحمام «3» بفرقة وشتات والله لا أنسيت ندبك والبكا «4» ... أبدا مدى الأنفاس واللّحظات ويسوءني أن عشت بعدك ساعة ... أسفا لفقدك ميّتا وحياتي أعظم الله أجر مولانا ومنحه صبرا جميلا، وأجرا جزيلا، وثناء عريض الشّقّة لثباته على هذه الفادحة طويلا، وجعل هذه الرزيّة خاتمة الرّزايا، وممحّصة جميع الذنوب والخطايا، ولا فجعه بعدها في قرّة عين، ولا أورد محبوبا شغف به قلبه الكريم منهل الحمام ولا سقاه كأس الحين «5» .

المملوك يقبّل البساط الذي ما فتيء لنشر المعدلة مبسوطا، وكلّ أمل ببرّه منوطا. وينهي إلى العلم الشريف علمه بهذه المصيبة الّتي أصابت فؤاد كلّ محبّ فأصمته، وطرقت سمع كلّ وليّ فأصمّته، وولجت كلّ قلب فأحرقته صبابة وحزنا، ومرّت على الصّلد فصدّعته ولو كان حزنا، وهي وفاة فلان سقى الله عهده، وأسكن الرحمة ثراه ولحده، فشقّ أسفا على المفقود جيب كلّ جنان وطوى الأكباد على جراحها، وحسّر الأجساد على أرواحها (طويل) . وما هي إلّا نكبة، أيّ نكبة ... أهاجت سعيرا في الحشا يتلهّب! فلا جسم إلّا بالتحرّق ذائب ... ولا قلب إلّا في الأسى يتقلّب بكى كلّ جفن مصرع السيف فاغتدت ... عيون عليه في الأباطح تسكب لقد هال عذّالي بكائي تعجّبا ... وإنّ بكائي بعد فقده أعجب فلو رام قسّ وصف حزني ولوعتي ... لقصّر في أوصافه حين يسهب فو الله لا جفّت جفوني من البكا ... وإن زاد عذّالي العتاب وأطنبوا ولهذا أصدر المملوك هذه المطالعة يدعو لمولانا فيها ويعزّيه، ويندب فقيده بألسنة الأقلام ويبكيه، ويبشّره بما وعد الله الصابرين على مثل هذه الرزيّة ويسلّيه، فيا لها نازلة فجعت بغصن رطيب، وقمر يرفل من الشّبيبة في ثوب قشيب، وصدعت القلوب بفقد حبيب وأيّ حبيب (سريع) . والموت نقّاد على كفّه ... جواهر يختار منها الجياد وبعد، فللمملوك في هذه الرزيّة مشاركة كادت تباين بين روحه والجسد، وهو المصيب لهذه المصيبة ما تجده الوالهة على فقد الولد، لا يستقرّ به قرار، ولا ينجيه من يد الحزن فرار، دأبه البكاء والعويل، وحزنه العريض الطّويل، فواضعفاه عن حمل هذا المصاب، وواأسفا على مسافر لا ينتظر له قدوم ولا إياب، وواعجباه لضدّين اجتمعا لوالده الكريم الجناب (طويل) . تخون المنايا عهده في سليله ... وتنصره بين الفوارس والرّجل

الضرب الثاني (التعزية بالبنت)

وعلى كلّ حال فهو أجدر من استعان على هذه الحادثة بصبره، وشرح لما قد قدّر فسيح صدره، وشكر الله على حلو القضاء ومرّه، فما كان إلّا أحد العمرين فقد فخلفه عمر، وثاني القمرين أفل فقام مقامه هلال قدم من سفر، وفي بقاء المولى ما يوجب التسليم للقدر والقضاء، والشكر لله تعالى في حالتي الشّدّة والرّخاء، جعله الله في حرز لا يزال حريزا مكينا، وحصن على ممرّ الأيام حصينا. وله: أعظم الله أجره، وأطال عمره، وشرح صدره، وأجزل صبره، وسخّر له دهره. المملوك ينهي أنه اتّصل به خبر صدع قلبه، وسرق رقاده ولبّه، وضاعف أسفه وكربه، وهو [موت] فلان تغمّده الله برحمته، وأهمى عليه سحائب مغفرته، وعامله بلطفه، وجعل الخيرة له في حتفه، فشقّ ذلك قلبه وعظم عليه، وقارب لشديد حزنه أن يصل إلى ما وصل المرحوم إليه، لكنّه ثبّت نفسه وثبّطها، ورفع يده بالدعاء للمولى وبسطها، وسأل الله أن يطيل بقاءه، ويحسن عزاءه، ويحرسه من أزمات الزمان، فإنه إذا سلّم كان الناس في السّلامة والأمان، ويجعله عن كل فائت عوضا، كما أصاره جوهرا وجعل غيره من الأنام عرضا، ولقد جلّت هذه الرزيّة على كلّ جناب، ودخل حزنها إلى كلّ قلب من كلّ باب، جعل الله أجره للمولى من أعظم الذّخائر، ومنحه الحياة الأبديّة الّتي لا تنتهي إلى أمد ولا آخر، إن شاء الله تعالى. الضرب الثاني (التعزية بالبنت) من كلام المتقدّمين: ابن أبي «1» الخصال المغربي:

الضرب الثالث (التعزية بالأب)

الشيخ فلان عزّاه الله على احتسابه، وجعل الثواب المرتقب أفضل اقتنائه واكتسابه. معزّيه عن فلذة كبده، ومساهمه في أرقه وسهده، والفاتّ في عضد صبره الجميل وجلده، فلان: فإنّي كتبته- كتب الله لكم خيرا يذهب جزعكم، وحسّن منجاكم بالتفدّي الجميل ومنزعكم- عندما وصلني وفاة ابنتكم المرحومة نفعها الله بإيمانها، وتلقّاها بروح الجنّة وريحانها، وهي- أعزّك الله- وإن آلمك فقدها، وأوجعك أن استأثر بها لحدها، فليعزّك عنها مصابنا بنبينا عليه السّلام، وعلمك بأنّا جميعا بمدرجة الحمام، أفتجد على الأرض خالدا، وقديما ثكلنا وليدا نجيبا ووالدا، فمن خلق للفناء، واختلس بمرّ الساعات والآناء، جدير أن يتّعظ بنفسه، ولا يحزن لذهاب من ذهب من ذوي أنسه، فاحمد الله عزّ وجلّ إذ رجّحت ميزانك، وضمنت لك يوم المعاد جنانك، والله عز وجل يرزقنا احتسابا جميلا وصبرا، ويؤنسك وقد اختار لك الصّهر قبرا، ويعظّم لك ثوابا جزيلا على مصابك وأجرا، ويعمّ فقيدتك بالرّحمى، ويسكب على جدثها مزنها الأوكف الأهمى، ويؤويك إلى كنفه الأعظم الأحمى، بمنّه ورحمته، لا ربّ غيره، والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته. الضرب الثالث (التعزية بالأب) من كلام المتقدمين: ابن أبي الخصال معزّيا بوزير: يا سيّدي وواحدي، ومحلّ الابن المبرور، والأخ المشكور، عندي، أعزّك الله بالتقوى، ورضّاك بما قضى، وأمدّك بالنّعمى، وشملك بالحسنى. كتبته- أعزك الله- وقد وصل كتابك الكريم بما نفذ به القدر الذي هو في العباد حتم، وله في كلّ عنق ختم، في الوزير الفقيه الشهيد أبيك كان، رحمه الله وأكرم مثواه، وجعل الحسنى الّتي أعدها لأوليائه مقرّه ومأواه، فأسفت كلّ الأسف لفقدانه، وقد كان عين زمانه، وعمدة إخوانه، تغمّده الله بغفرانه، ونقله

الضرب الرابع (التعزية بالأم)

إلى رضوانه، وتلك- أعزك الله- غاية الأحياء، وسبيل الأعداء والأحبّاء، كان على ربّنا- جلّ وعلا- حتما مقضيّا، ووعدا مأتيّا، والأسوة- أعزّك الله- في غمره الفضفاض، وبرّه الفيّاض، وأنه ختم له بالخير والانقباض، وكان آخر ذلك [الحسب] القديم، والجيل الكريم، وقد أمرك الخير فافعل ما أمرت به وكن كما ظنّك وقدّرك وتركك، وإنك بفضل الله تسدّ مسدّه، وتبلغ في كل فضيلة حضره السابق وشدّه، وتعدّ للأيام في الجدّ والاعتزام ما أعدّه، وإخوتك- أعزك الله- لك أظهار وأعضاد، وفيهم غزو مضادّ، فاشتمل عليهم، وارفق بهم؛ فإنهم ينزلونك منزلة أبيهم، وتجد أخلاقه وعونه فيهم. وأما ما أعتقده من تكريمك، وأراه من تفضيلك وتقديمك، فشيء تشهد به نفسك، ويدركه يقينك وحدسك، أشدّ به اعتناء، وأجمل له استواء، وأوفى عنك ردءا وغناء، جعلنا الله من المتحابّين في خلاله، والمتقلّبين في ظلاله، وأمّننا من الزمان واختلاف أحواله، بمنّه والسّلام. الضرب الرابع (التعزية بالأم) أبو محمد بن «1» عبد البر المغربي (منسرح) . ما مات من أنت بعده خلف ... والكلّ في البعض غير ممتنع كتب عبده القنّ، من الأسى لأجله بعض ما يجنّ، المنطوي على قلب تطمئن القلوب سلوّا ولا يطمئن، فلان: بعد وصول كتابه الكريم بصدع يصمي القلوب، ويقدّ أقوياء الجيوب، ويترك الأحباب مصرّعين على الجنوب، فوقف العبد عليه مترقرق المدامع، منحرق الأضالع، رائيا سامعا سجا الأبصار وأسى

الضرب الخامس (التعزية بالأخ)

المسامع، فيا أسفي لخطب ضعضع ركن الجدّ وكان وثيقا، وصوّح «1» روض الفضل وكان وريقا، ونغّص حسن الصبر ولم يزل صديقا، وترك العبد خليقا بهذا القول ومثله معه حقيقا، فآه لدين ومروءة فقدا في قرن، وعلى صون وعفاف أدرجا في كفن، وحصان رزان لا تعرف بوصمة ولا تزنّ؛ لقد أصمّ بها الناعي وإن كان أسمع، وأرّق ما شاء الفؤاد وأراق المدمع، ولم يبق قلبا للصبر إلّا صدعه، ولا أنفا للسّلوّ إلّا جدعه، ولا بابا للتعزّي إلّا أرتجه، ولا عقيما للتأسّف إلا أنتجه، ولو قبل في الموت فدا وصحّ أن يؤخذ فيه فداء لما خلص إليكم ولا ألمّ، ولا عداكم في صروف المنايا المخيفة سلّم، لكن أبى الله إلّا أن تعمّ الحرقة، وتستولي على الوقت الفرقة. الضرب الخامس (التعزية بالأخ) أبو محمد بن عبد البر: وكتبت والأنفس مرتمضة، والعين غير مغتمضة، والأنفاس تتصعّد، والأحزان تتأكّد، أسفا للمصاب الذي عمّ وغمّ، وأسمع نعيه فأصمّ، وقال للفرح: كفّ من عنانك، وللتّرح انتظر لأوانك، بوفاة [الفرد] الذي في رأسه نور، وسداد الآراء المختلفة وسداد الثّغور، والفذّ الذي شهد الرجال بفضله، وعقم النساء فما تجيء بمثله، أبي فلان صنوكم، السابق الذي لا يجارى، والشارق الذي لا يسارى، والغيث الذي عمّ المنيل والمستنيل، والليث الذي ورد الفرات زئيره والنّيل، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون! تسليما للقدر وإن ساء، وشمل المرؤوسين والرّؤساء، فياله مصابا ترك كلّ رأس أميما، وأودع صميم كلّ فؤاد ثكلا صميما، لقد أنصل السّمر اللهاذم، وأغمد البيض الصّوارم، وعطّل الكتائب والمقانب، وأوحش المفاوز والسّباسب، ولم يبق مشيد علا إلا

هدّه، ولا مديد ثناء إلّا صدّه. ولم لا وهو الشخص يموت بموته بشر كثير، ويبكيه قلم وحسام ومنبر وسرير؟ وعند الله نحتسبه جميعا، ونوسعه بمحض الصّفاء وصفو الثناء توديعا وتشييعا، ونفارقه فراق الصّدر خلده، والمصاب جلده، فوا أسفي لرزئه ما أفظعه موقعا! وواحربا ليومه ما أظلمه مطلعا! وواحزنا لنعيه ما أشنعه مرأى ومسمعا!!! فلئن جرت الدموع له دما، وأضمرت الضلوع به مضطرما، لما أدّت حقّه ولا كربت، ولا دانت بعض الواجب فيه ولا اقتربت، ولولا أنّ المنيّة منهل لا يحلّأ وارده، ومعلم يهدى إليه على أهدى سمت مباعده، لم يبق في أنس مطمع، ولا لحزن مستدفع، ولكان الثاكل غير ما ترى وتسمع، وما أنتم أيّها الشيخ المكرّم ممن ينبّه على ذخر من العمل الصالح، يكتسبه، وصبر في الرّزء الفادح، يحتسبه، فصبرا فالمنون غاية الممسين والمصبحين، والنبأ الذي يعلم ذوقا ولو بعد حين؛ وهو تعالى المسؤول أن يرقع بمكانكم هذا الخرق المتّسع، ويصل بجنابكم ذلك الشّمل المنصدع. ابن أبي «1» الخصال: الشيخ فلان أبقاه الله يتلقّى الأرزاء بحسن الصبر، وجميل الاحتساب، ويتقاضى بالتعزي مرتقب الأجر، ومنتظر الثّواب، معزّيه في أخيه الكريم علينا، العظيم مصابه الفادح لدينا، فلان: فإني كتبته- كتب الله لكم صبرا تجدون ذخره، وأوجب لكم عزاء تحمدون يوم القيامة شأنه وأمره- عندما وصل من وفاة الشيخ أبي فلان أخيكم رحمه الله تعالى ما كدّر العيش ونغّصه، وجشّم جرع الحمام المقطوعة وغصصه، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون!! استسلاما لقدره وقضائه، وأخذا فيما يدني ويقرّب من إرضائه، وما نحن إلّا بنو الأموات الذين درجوا، وسنخرج من الدّنيا كما قبلنا خرجوا، جعلنا الله جميعا ممن ينظر لمعاده، ويجعل التقوى خير ما أوعاه بجداده، وسلك بنا نهج هدايته وطريق رشاده. وهو جلّ وعلا يجزل لكم على مصابكم ثوابا عميما موفورا، ويجعل فقيدكم بين

الضرب السادس (التعزية بالزوجة)

أيديكم في يوم القيامة نورا، ويلقّيه في دار الفردوس ملكا كبيرا وحبورا، ولولا كذا لسرت إليكم لأعزّيكم شفاها، وأحدّثكم عن ضلوع أحرق هذا المصاب حشاها، لكن امتثال أمره المطاع، حمل على البدار إلى ما أمر به والإسراع، والله عزّ وجلّ يديم لنا بكم الإمتاع، بمنّه وكرمه، والسّلام. الضرب السادس (التعزية بالزوجة) من كلام المتقدّمين: أبو محمد بن عبد البر: وقد تقرّر عند ذوي الألباب، وثبت ثبوتا لا يعلّل بالارتياب، أنّ الدنيا قنطرة دائرة، ومعبرة إلى الآخرة، وأنّ ساكنها وإن طال عمره، وطار في الخافقين أمره، لديغ سمّها، وصريع سهمها، فما تضحك إلّا لتبكي، ولا تؤنس إلا لتنكي، وقد نفذ القدر الذي ماله ردّ، ولا منه بدّ، بوفاة فلانة ألحقها الله رضوانه، وأسكنها بفضله المرجوّ جنانه، فإنّا لله وإنا إليه راجعون!! تأسّيا بالسّلف الصالح، وتسلّيا عن ماء الدّمع السّافح، وزند القلب القادح. وعند الله نحتسبها عقيلة معدومة المثيل، مفقودة الدّين والعفّة في هذا الجيل، متحلّية من دعاء الفقراء، وثناء الصّلحاء، بالغرّة الشادخة والتحجيل، لقد ذهب لذهابها الرّفق والحنان، وعدم لعدمها الشّيم البرّة والأخلاق الحسان، وإنّ فقدها لخرق لا يرقع، وغلّة لا تنقع، وخطب لا يزال الدهر يتذكّر فيصدع، ولولا العلم بأن اللّحاق بها أمر كائن، وأن المخلّف في الدّنيا لا محالة عنها بائن، وأن التنقّل للآخرة ما لا ننفكّ نسمعه ونعاين، لما بقيت صبابة دمع إلّا ارفضّت، ولا دعامة صبر إلّا انقضّت، ولكان الحزن غير ما تسمع وترى، والوجد فوق ما يجري وجرى، لكن لا معنى لحزن لما يقع فيه الاشتراك، ولا وجه لأسف على ما لا يصحّ فيه الاستدراك. وما أنتم بحمد الله ممن يذكّر بما هو فيه أذكر، ولا ممن ينبّه على ما هو بالتنبيه عليه أخلق وأجدر، ولولا أنّ التّعازي مما اطّرد به العمل،

وسنّه الصالحون الأول، لما سلك سبيله معكم وأنتم ممن قدر الأمور قدرها، وعلم أنّ الحياة ولو طالت فالموت أثرها، وإذا لم يكن من الموت بدّ، ولم يمنع منه صدّ ولا سدّ، فالصبر خير من الجزع، وأدلّ على كرم المنحى والمنزع، وأحرى أن يكون الثواب جزيلا، والجزاء حسنا جميلا، والله يبقيكم أتمّ البقاء، ويرقّيكم أتم الارتقاء. ابن أبي الخصال: الشيخ الأجلّ فلان آنس الله وحشته، وجدّد على فقيدته رحمته. معزّيه عن أهله الهالكة وسكنه، ومساهمه بأوجب حزن في القلوب وأسكنه. فلان: فإنا كتبناه عن دموع تصوب وتنسرب، وضلوع تخفق من وجيبها وتضطرب، وأنس يشرد منا ويحتجب، بموت فلانة رحمها الله الّتي أودعت في جوانحنا من الثّكل ما أودعت، ورضّت أكبادنا بمصابها وصدعت، عزّانا الله جميعا فيها، وأولاها نعيما في الفردوس الأعلى وترفيها، وأعقبنا من الوحشة أنسا، وعمر بالرّحمى جدثا مباركا ورمسا، وجعلنا كلّا ممن يردع عن الانحطاط إلى الدنيا نفسا، بمنّه وكرمه. من كلام المتأخرين: الشيخ شهاب الدين محمود «1» الحلبي: لمّا علم مملوك المجلس «2» السامي أطال الله بقاءه، وأعظم أجره وأحسن عزاءه، وفاة السيدة المرحومة سقى الله عهدها عهدا يبلّ الثّرى، وجعل الرحمة لمن نزلت به لها القرى، تألّم لفقدها غاية الألم، ووجد حرقة كسته ثوبي ضنّى وسقم، وحزنا لا يعبّر عنه بعبارة بيانه، ولا يستوعب وصفه بلسان قلمه وبنانه (وافر) .

الضرب السابع (التعازي المطلقة مما يصلح إيراده في كل صنف)

ولو كان النّساء كمن فقدنا ... لفضّلت النّساء على الرّجال والمولى أولى من عزّى نفسه، واستحسن رداء الصبر ولبسه، وعلم أنّ الموت غريم لا ينجي منه كثرة المطال، ولا يدافع بالأطلاب والأبطال، وأنه إذا طالب بذمّة كان ألدّ الخصام، وإذا حارب فعل بيده ما لا تفعله الكماة بحدّ الحسام. الضرب السابع (التعازي المطلقة مما يصلح إيراده في كلّ صنف) من ذلك، من ترسّل أبي الحسين «1» بن سعد: من صحب الأيام وتقلّب في آنائها، اعتورته أحداثها، واختلفت عليه احكامها، بين مسرّة ومساءة يعتقبان، وفرحة وترحة يتناوبان، [وكان] فيما تأتيه من محبوبها على غير ثقة من دوامه واتّصاله، ولا أمن من تغيره وانتقاله، حتّى تعقب السلامة حسرة، وتستحيل النعمة محنة، والسعيد من وفّق في كلّ حال لحظّه، وأعين على ما فيه سلامة دينه، من الشّكر على الموهبة، والصبر على النازلة، وتقديم حقّ الله تعالى في حال الغبطة والرّزيّة. ولم تكن بالفجيعة به مفردا عنّي وإن كان النّسب يقرّبه منك، والرّحم تصله بك؛ لما كنت أوجبه من حقّه، وأرعاه من مودّته، وأختصّه بالاعتداد فيه دون أداني أهلي والثّقة من إخواني، فمضى رحمه الله أقوى ما كان الأمل فيه، وأكمل ما كان عليه في لبّه وأدبه، واجتماع فهمه وكمال هديه، وانتظام أسباب الخير وأدوات الفضل فيه. ومنه: لا ينكر للعبد أن يتناول مولاه عند وقوع المحنة في أهل خاصّته، وتخوّن ريب المنون من حاشيته، بالتعزية عن مصيبته، والإخبار عما يخصّه من ألم فجيعته وعظم رزيّته، لا سيّما إذا كان بحيث لا يرى شخصه في الباكين، ولا تسمع صرخته بين المتفجّعين، ولو سعيت على حدقتي. ومن ذلك:

إنّ الله تعالى أمر أهل طاعته، بتنزيل هذه الدنيا بمنزلتها من إهانته، وسوّى بين البرّ والفاجر في رغائبها ومصائبها، ولم يجعل العطيّة دليلا على رضاه، ولا الرزيّة دليلا على سخطه، ولكنّه ألزم كلّ واحد من أهل الرّضا والسّخط من نعمها بنصيب، وسقاهم من حوادثها بذنوب؛ ليبتلي أهل رضاه في أهون الدارين عليه، ويحسن لهم الجزاء في أكرمهما لديه، ولذلك حبّب إليهم الزّهادة في زهيد فائدتها، وممنوح زهرتها، وسمّاها لعبا ولهوا؛ لئلّا يعلقوا بحطامها، وينغمسوا في آثامها، وختمها بالموت الذي كتبه على خليقته، وسوّى بينهم في سكرته: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى «1» ، ويقرّبهم بدار يفنى الموت ويبقون فيها بعده، كما فنوا في هذه الدار وبقي الموت بعدهم، فإن تأخّر الأجل فإلى غاية، وإن تطاول الأمد فإلى نهاية. ولا بدّ أن يلحق التالي الماضي، والآنف بالسالف، وهذه حال نصب الأفكار، وتلقاء الأبصار، لا تحتاج أن يرتاض الصبر على آلامها، والتحمل لمعضلات سهامها، والجزع عند وقوعها قادح في البصائر والأفهام، دالّ على الجهل بالليالي والأيام، وقد طرق المملوك ناعي فلان فهدّ جلدي، وفتّت كبدي، لا ارتياعا للحادثة؛ لأنّها لو لم تكن فيه لكانت في المملوك، ولو لم تتطرّق إليه لتطرّقت إلى المدرك (؟) ولكن الأسف على عطل الزمان من حلية فضله، وتعرّيه من حلّة نبله، وخلوّ عراصه من الأنس بمثله، وما نال سيّدي لفقده، وتحمّله من بعده، وإلى الله تعالى يرغب المملوك أن يربط على قلبه بالصبر، ويوفّقه لتنجّز ما وعد به الصابرين من الأجر، إن شاء الله تعالى. عليّ بن خلف: رقعة: ليس عند المصيبة- أطال الله بقاء سيدي- خير من التسليم إلى الله والرّضا بقضائه، والصبر على بلائه، فإنه تعالى مدح الصابرين في كتابه، ووعدهم بصلواته، فقال جلّ قائلا: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا

إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ «1» . وقال جلّ قائلا: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ «2» . ولم تزل الأولياء من القدماء يحضّون على الصبر وهم لا يرجون عليه ثوابا، وينهون عن الجزع ولا يخافون عليه عقابا. ومن عرف الأيّام وتداولها، والأحوال وتحوّلها، وسّع صدره للنوائب، وصبر على تجرّع المصائب، ومن «3» اغترّ بطول السّلامة، وطمع في الاستمرار والإقامة. رقعة: وقد اتصل بالمملوك خبر الفجيعة بفلان، فأفيضت المدامع، وتضعضعت الأضالع، وزفرت الأنفاس، وهمدت الحواسّ، وأذاب الطرف سواده على الوجنات بدلا من الأنقاس، وخلعت القلوب سويداءها على الأجساد، عوضا عن جلابيب الحداد، وعضّت الأنامل جزعا، ومزّقت الثياب تفجّعا وتوجّعا، وكل هذا وإنّ فارق حميد التّماسك، ووافق ذميم التّهالك، غير موف بحقّ ذلك الدارج الذي بلغ المعالي وهو في مهده، وشدّ دعائم الفضل ولم يبلغ أوان رشده، وعلم سيدي أنّ غاية الجازع وإن صدعت المصيبة قلبه، وأطاشت الفجيعة لبّه، الصبر والسّلو، وأنّ نهاية القلق وإن هجمت عليه الحرقة بما لا تتوفّر عليه الأضالع، ولا تتماسك معه المدامع، القرار والهدوّ، والله تعالى لا يريه بعد هذا الرّزء رزءا بفنائه، وينقل ذلك عنه إلى حاسديه وأعدائه. رقعة: من علم أنّ الأقضية لا تخطيء سهامها، والأقدار لا تردّ أحكامها، سلّم الأمر في السّرّاء والضّرّاء، ورضي بما مناه في البلاء والابتلاء، ولا سيّما

في مصيبة الموت الّتي سوّى بين الخليقة في تجريع صابها، واقتحام عقابها، وقد اتّصل بالمملوك خبر الحادث الفاصم لعرى الجلد، البارح «1» في الجلد، فاستحالت في عين المملوك الأحوال، ومالت عنه الآمال، ورأى السماء وقد تكدّر جوّها، والشمس وقد تعكّر ضوّها، والسّحائب وقد أخلف نوّها، والنّهار وقد اظلم، والليل وقد ادلهم، والنسيم وقد ركد، والمعين وقد جمد، والزمان وقد سهمت وجنته، وسلبت حليته، وأفرجت قبضته عن التماسك، وقبضت على التهالك، وعدلت عن التجلّد، إلى التبلّد، ثم أفاق من غمرة فجيعته، وهبيب سنة رويّته، فسلّم لله راضيا بأقضيته، راغبا في مثوبته. أبو الفرج «2» الببغاء: إذا كان أيّده الله أهدى في النّعم إلى سبل الشكر، وأعرف في المحن بطرق الصبر، فكيف نحاذر عليه من المصائب، ونذكّره التسليم لمحتوم النّوائب، والمصيبة بفلان أعظم من أن نهتدي فيها إلى سلوة غير مستفادة منه، أو نقتدي في العزاء بغير ما نأخذه عنه، إذ كانت قلوبنا تبع قلبه- سرّه الله- في طروق السّراء والضّرّاء، وحالتي الشّدّة والرّخاء. وأحسن [الله] عن الفجيعة عزاءه، وأجزل من المثوبة عطاءه، ولا شغله عن حلاوة شكر النّعم بمرارة الصبر على ورود المحن، وجعل ما نقل الماضي إليه، أنفع له ولسيّدي من الجزع عليه. وله في مثله: اتصل بي خبر المصيبة فجدّد الحسرة، وسكب العبرة «3» ، وأضرم الحرقة، وضاعف اللّوعة، وكان الأسف عليه، بقدر تشوّف الآمال كانت إليه، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون!! أخذا بأمره، وتسليما لحكمه، ورضا بمواقع أقضيته،

وأحسن الله في العزاء هدايته، وحرس من فتن المصائب بصيرته، وحمل عن قلبه ما أظلّه من ثقل المصيبة وعظم الرزيّة. ولا أزال على جملة من القلق إلى أن يرد عليّ كتابه- أيده الله- بما أكون فيه بأدبه مقتديا، وبهدايته إلى سبيل العزاء والصبر مهتديا، فإن رأى إجرائي من تشريفه بذلك على مشكور العادة، فعل، إن شاء الله تعالى. وله في مثله: اشتراك القلوب فيما ألمّ بقلب سيّدي بحسب تساويها في المسرّة بما سرّه، إذ كان لا يختصّ دون أوليائه بنعمة، ولا ينفرد دون مؤمّليه بحلول موهبة، والمصيبة بفلان وإن جلّ موقعها وعظمت الفجيعة [بها]- جلل» مع سقوط الأقدار دونه، وتجاوزها عنه، ومسامحتها به، فلا شغل الله قلبه بعدها بمرارة الصبر عمّا توجبه النّعم من حلاوة الشّكر، ولا جاوره برزيّة في حميم ولا نعمة. وله في مثله: بصيرتك إلى العزاء تهديك، واغتباطك بثواب الله يسلّيك، وعلمك بقلّة الغناء عن الجزع يثنيك، وجمعنا بك في الصبر مقتدون، ولرأيك في الرّضا بما اختاره الله تعالى متّبعون، فحمل الله عن قلبك ثقل المصيبة، وحرس يقينك من اعتراض الشبهة، وأحسن إلى جميل الصبر هدايتك، وتولّى من فتن المحن رعايتك، وجعل ما نقل الماضي إليه، أنفع لك وله من الأسف عليه. وله في مثله: اتصل بي خبر المصيبة فأضرم الحسرة، وسكب العبرة، وقدح اللّوعة، وامترى «2» الدّمعة، وكانت مشاركتي إيّاك في المصيبة به، والفجيعة لفقده، بحسب اختصاصي بمواهب الله عندك، واغتباطي بمنحه لديك، فإنّا لله وإنّا إليه

راجعون!! تسليما لأمره، وانقيادا لحكمه، ورضا بمواقع أقداره، وأحسن الله على العزاء توفيقك، وإلى السّلوة إرشادك، ولا أخلاك فيما تطرقك به مصيبة من مصاحبة الصبر، وفيما تفد به عليك نعمة من الاستزادة بالشكر، وحرسك في نفسك وأحبّتك، وذوي عنايتك ونعمتك. وله في مثله: قدرك أكبر، وبصيرتك أنور، وثقتك بالله تعالى أعظم من اعتراض الشّكوك عليك فيما يطرقك من عظاته بالحوادث وإن عظمت، والمحن وإن جلّت، اختبارا بالمصائب لصبرك، وبما يظاهره عليك من النّعم لشكرك، ومثلك، أيدّك الله، من قابل الفجيعة بفلان- إذ كانت من الواجب المحتوم- بأحسن عزاء وأفضل تسليم، غير مرتاب بما اختاره الله له ولك فيه، فعظّم الله به أجرك وحرسك وحرس فيك. الأجوبة عن التّعازي قال في «موادّ البيان «1» » : أجوبة التّعازي يجب أن تبنى على وقوف المعزّى على كتاب المعزّي، وأنّ إرشاده نقع غلّته، ووعظه نفع علّته، وتبصيره سكّن أواره، وتذكيره أخمد ناره، وتنبيهه أيقظ منه بحسن العزاء غافلا، وهدى إلى الصبر ذاهلا، وحسّن عنده الرزيّة بعد جهامتها، ودمّث نفسه للمصيبة بعد فدامتها، فسلّم لله تعالى متأدّبا بأدبه، وعمل بالحكم مقتديا بمذهبه، وغالب الرّزء بالعزم، وأخذ فيه بالحزم، وسأل الله تعالى أن يحسن له العوض في ردّه، ويجعله له خلفا ممن أصيب بفقده، ونحو هذا مما ينخرط في سلكه. جواب عن تعزية: من زهر الربيع: أعزّ الله سيدنا وأسعده، وسهّل له طريق المسرّة ومهّده، وصان عن حوادث الأيّام حجابه، وعن طوارق الحدثان جنابه، وجعله في حمى عن

عوارض الغير والغرر، وأصار أيّامه محسّنة لوجوه الأيّام كالغرر. ورد الكتاب الذي أنعم بإرساله، بل المشرّف الذي كسته اليد العالية حلّة من حلل جماله، فوقف عليه وفهمه وتذكّر به إحسانه الذي لا ينساه، وتفضّله الذي لا يعرف سواه، فأما التعزية بفلان، فإنه ردّ بعذب لفظها قوّته، وبلّ بماء حسنها غلّته، وصبّره على حادثته بفلان بعد أن عزّ عليه العزاء وأعوزه، وطلب وعده من صبره فما أنجزه، لأنه كان وجد لموت المذكور حزنا ما استطاع له تركا، وفقد لموته خلّا مثله يناح عليه ويبكى، وفي بقاء مولانا مسرّة تطرد كلّ حزن، وفي بهاء طلعته عوض عن كل منظر حسن، جعله الله ساميا على أترابه، مقدّما على أضرابه، ما سمت الأسماء على الأفعال، وتقدّم الحال على الاستقبال. آخر: ضاعف الله بقاءه وأطال عمره، وشرح لإسداء المكارم صدره، وأنفذ نهيه وأمره، ولا زال إلى أوليائه محسنا، وفضله يحصّل لمحبّيه غاية السّول والمنى، ورد مشرّفه المعزّي بوفاة فلان سقى الله عهده عهاد رضوانه، وأسكنه في غرف غفرانه، فجبر مصابا، وفتح إلى الصّبر أبوابا، وهدى إلى طريق الخير وقال صوابا، وسكّن نفسه، وذكّره إحسانه الذي لم ينسه، وأزال الوحشة وزاد أنسه، بعد أن كان فقد المذكور قد هدّ ركنه وفتّ عضده، وأوصله إلى أمد الحزن وضاعف على الأيام أمده، وألبسه رداء الاكتئاب، على تربه الذي أصبح تحت التّراب، وصديقه الموصوف بالصدق، الذي فاق سناه ذلك الأفق، جعله الله أصلا في تحصيل المسرّة إذا ذوت الفروع، وسيفا يقهر به وليّه الحوادث الّتي تروع، إن شاء الله تعالى. آخر: جعل الله أجره عظيما كقدره، والقلوب مجمعة على حبّه كإجماع الألسنة على شكره. المملوك يعلمه بورود كتابه الكريم المعزّي بفلان- قدّس الله روحه، وأمطر سحائب الرحمة ضريحه- عليه، وعنده من شديد الحزن، ما أعدمه لذيذ

النوع الثالث (من مقاصد المكاتبات التهادي والملاطفة)

الوسن، ومن زائد الاكتئاب، ما كاد يحرمه التقمّص بثوب الثّواب، بحيث إنّه عوّض بالزّمن الأسود عن العيش الأخضر، وذاق من موجب لبس الأبيض طعم الموت الأحمر، وأنه ضمه إليه ضمّ المحبوب، وابتهج به ابتهاج من ظفر بغاية السّول والمطلوب، فأغمدت الكآبة خوفا من قلمه سيفها، وأزالت الدنيا الدنيّة عنه حيفها، وعزّى نفسه وسلّاها، وشغله إحسانه عن محاسن محا الموت سناها، فرفض من توجّعه ما فرضته حادثته، وسلك منهجا غير المنهج الذي فتّتت فيه حشاه ومهجته، فالله تعالى يكفينا ما نحاذره في المجلس ويحرس سناه، ويديم سعده وعلاه. النوع الثالث (من مقاصد المكاتبات التّهادي والملاطفة) قال في «موادّ البيان» : رقاع التّهادي يجب أن تودع من الألفاظ المستحسنة ما يمهّد لقبول الملاطفة والمبرّة الّتي تتميز في المودّة. قال: وينبغي أن يطرف الكاتب إذا كان مهديا أو مستهديا، وقد جرت العادة أن تودع هذه الرقاع من أوصاف الشيء المهدى ما يحسّنه في نفس المهدى إليه. قال: وينبغي لمن ذهب هذا المذهب أن لا يعتمد تفخيم هديّته، ولا الإشارة إلى جلالة خطرها، فإنّ ذلك يخلّ بشروط المروءة ويتحاماه الكرماء. ثم هي على ثلاثة أضرب: الضرب الأوّل (ما يكتب مع التّقادم إلى الملوك من أهل مملكتهم إلى القائمين بإيصال التّقدمة إلى الملك وكاتب السّرّ ونحوهما) الشيخ جمال الدين بن «1» نباته: إلى كاتب «2» السرّ بالأبواب السلطانية

صحبة تقدمة من نائب الشام إلى السلطان «1» : لا زالت أقلامها لنتائج الفضل مقدّمة، ولمراكض الكرم والبأس جيادا مسوّمة «2» ولكتائب الملك من كتبه أعلاما بشعارها العبّاسيّ معلمة، وفي يد صاحبها من أصحاب الميمنة، والذين كفروا بآيات الله ونعمها من أصحاب المشأمة، تقبيل محبّ لا تفسخ عقود ولائه المحكمة، ولا تنسخ إلّا في الكتب عقود ثنائه المنظّمة، ولا تطوف الأشواق ببيت قلبه إلّا وهي من ملابس السّلوان المحرّم محرمة. وينهي أنه قد اختار من عناية مولانا بمقاصده أحسن الخير، وبورك له في قصدها (ومن بورك له في شيء فليلزمه) كما جاء الخبر، وقد جهّر فلانا إلى الأبواب الشريفة خلّد الله سلطانها بتقدمته على العادة في كلّ سنة، واتّبع سفارة مولانا بين يدي المواقف الشريفة فاتّبع من القول أحسنه، وسأل حسن نظر مولانا الذي إذا لا حظ قصدا أعلنه وسعدا عيّنه، وقد جهّز المملوك برسم مولانا ما هو بمقتضى الورقة المجهّزة عطفها، المؤمّلة وإن كانت ورقة قطفها، وسأل مقابلتها بالجبر الذي يحسب الأمل حسابه، ويستفتح ببنان القلم بابه، والإصغاء لما يملى من رسائل الشّوق فإنّها من رسائل إخوان الصّفا المستطابة، لا برح القاصدون مرحين بأيّام مولانا وحقّ لهم أن يمرحوا، تالين نسبة بيته ورحمى الله على يده: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا «3» . وله إليه أيضا مع الجهاز الشريف السلطاني: أمتعها الله من خيري الدنيا والآخرة بكرم الأمرين، وبشرف الذّكرين، وسرّها بما يجهّز في الثّناء والثّواب من الوفرين، وأعلى منارها المحلّق إلى السماء على وكر النّسرين. ولا زالت الآمال لا تبرح حتّى تبلغ من تلك اليدين

مجمع البحرين، تقبيل مخلص في الولاء والدّعاء، مستشهد بالخواطر الكريمة على ثبوت الادّعاء، وارد لموارد النّعم قبل صدور بل قبل ورود الرّعاء. وينهي أنه ليس للمملوك فيما يؤمّله ويتأمّله، ويفصّله من عقود المطالب ويجمله، غير إحسان مولانا الذي لا يملّ على طول الإيناس والإلباس، وعوارف بيته المستجدة تالية: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ* «1» . وقد جهّز المملوك الولد فلانا بالجهاز المبارك إلى الأبواب الشريفة خلّد الله سلطانها، وملأ به جواهر حبّات القلوب وريحانها، وهو على قدر المملوك ومقداره، لا على قدر مراده واختياره، ولو أن المراد مما يحمله العبد إلى سيّده، ويقدّمه من سبد الحال ولبده، على قدر المحمول إليه، والمقدّم بين يديه، لضعفت قوى أكثر العبيد عن ذلك، ويئس من الرّضوان جهدهم المالك، وإنما على العبيد أن تنصب على قدرتها الحال، وعلى السادات أن تصرّف بعوامل الخبر مستقبل الأفعال. وعلم مولانا الكريم محيط بتنقّل المملوك في هذه السّنين من بلد إلى بلد، ومن أمد كلّفه إلى أمد، وبما حصل في ذلك من التمحّق في إقطاعات كاد أن يخني عليها الّذي أخنى على لبد. وكان المملوك يودّ لو كان هذا المحمول من الجهاز من جواهر النّجوم المنثورة، وأخبية السّعود المأثورة، وجميع ما زيّن للناس من الشّهوات المذكورة، أضعاف أضعافه الآن، بل أضعاف أضعاف ما حمل الأوّلون من فلان وفلان، كالحسن «2» بن سهل مع الجهة المأمونيّة الّتي حلا ذكرها، وابن طولون «3» مع المعتضديّة الّتي كاثر هذا الغيث قطرها،

والسّامانيّ وما أدراك، والسّلجوقيّ وما أسراك، وجميع ما تضمّنته التواريخ الّتي لو عاينت تاريخ هذه الدولة الشريفة عنت في الحال لمجده، وكان كلّ مجلّد منها يموت للهيبة في جلده؛ لما خلّدته أيامها الشريفة من أخبار حكمها وخيرها، وكرمها وبرّها، وعطفها على مماليك بيتها الشريف، تتقبّل ميسورهم، وتكمّل سرورهم، ويملأ بجيوش الانشراح صدورهم، وتبلّغهم من همم مطلوبهم، وتقبل على زاهرات نجاياهم ورياحين قلوبهم (متقارب) . ولو لم تطعه نيات القلوب ... لما قبل الله أعمالها والمملوك يسأل من إحسان مولانا الذي ألفه، ومعروفه الذي عرفه، ملاحظة الولد فلان بين يدي المواقف الشريفة خلّد الله سلطانها، وإقامة عذر المملوك بعبارته الّتي أحلّ الله سحرها وبيانها. فما للمملوك في مقاصده مثل مودّة مولانا الوافية المتوافيه، ومقدّمة عبارته الكافية الشافية، والله تعالى يعين على شكر مننه، والقيام بفرائض حمده وسننه، والنهوض بأوصاف أياديه الّتي يغرّد بها قلم الكتّاب كما يغرّد القمريّ «1» على فننه.

الضرب الثاني (ما يكتب مع الهدية عند بعثها)

الضرب الثاني (ما يكتب مع الهديّة عند بعثها) وهو على عشرة أصناف: الصنف الأوّل- ما يكتب مع إهداء الخيل. علي بن «1» خلف: في إهداء جواد أدهم أغرّ محجّل. وقد خدم المملوك ركابه الأكرم، بجواد أدهم «2» مطهّم، قد سلب الليل غياهبه وكواكبه، فاشتمل بأديمه، وتحلّى بنجومه، وأطلع من غرّته السّاذجة قمرا متّصلا بالمجرّة، وتحلّى من رثمته «3» بالثّريّا أو النّثرة، صافي القميص، ممحوض الفصوص، حديد الناظر، صليب الحافر، وثيق القصب، نقيّ العصب، قصير المطا، جعد النّسا، كأنما انتعلت بالرّياح الأربع أربعه، وأصغى لاستراق السّمع مسمعه، إن ترك سار، وإن غمز طار، وإن ثني انحرف، وإن استوقف وقف، أديب نجيب، متين صليب، صبور شكور، والله تعالى يجعل السعادة مطلع غرّته، والإقبال معقد ناصيته. من كلام المتأخرين: كتاب عن نائب الشام إلى الملك الصالح: شمس الدين صاحب «4»

ماردين قرين خيل منعم بها إليه، عن السلطان الملك الصالح، عماد الدين إسماعيل «1» بن الناصر محمد بن قلاوون- من إنشاء الشيخ جمال الدين «2» ابن نباتة، وهو بعد الألقاب: وأجرى بالنّصر جياده، وبالظّفر مراده، وعلى عوائد السّعد مطالع شمسه الّتي يسمّيها عرف المملكة بلاده، ولا زالت منيرة بسعادة شمسه الأحلاك، نظيمة بدرّ محامده الأسلاك، ماثلة خيول سعده حتّى حمر السّوابق من البروق والشّهب السّوانح في الأفلاك. المملوك يقبّل اليد الّتي إذا بسطت فلأن تجود وتستلم، وإذا قبضت فعلى سيف أو قلم. وينهي بعد ولاء وثناء للإخلاص شارحين، وفي الضمائر والآفاق سانحين، واشتياق وعهد كانا أحقّ بالانتماء لاسمه ونعته وكان أبواهما صالحين، أنّ المرسوم «3» الشريف زاده الله تعالى شرفا، ورد يتضمّن تشريف مولانا على العادة وإعظامه، واستقرار مكانته من الخواطر الشريفة في دار مقامه، واستمرار

كرامته من الآراء المعظّمة ولا ينكر بين الصالح والصّالح استمرار الكرامة، وأنّ الصّدقات الشريفة أنعمت على مولانا بثلاثة أرؤس من الخيل كثلاثة الراح، إلّا أنّ حبابها عرق سبقها، وثلاثة الشجر (؟) كما قال الطائي: تساوي شرف ثمرها وزهرها وعرفها، ما منها إلا من «1» تقصر الرّياح أن تسلك فجّه، والبروق أن تتبع نهجه. ومن تودّ الثّريّا أن تكون لجامه والهلال أن يكون سرجه. ومن يتمطّر «2» كالغمام ويركض كالسّيل. ومن كملت حلاه ولبس حلّه الفخار فمشى على الحالتين في الحلّتين مسبل الذّيل. ومن عقد بناصيته كلّ الخير وعقد له لواء الفخار على كلّ الخيل، من كلّ خضراء معجبة فهي على المجاز حديقة، وكل أحمر سابق فهو البرقيّ على الحقيقة، وكلّ أصفر شفقيّ إلّا أنّ الرياح من مجاراته على نفسها شفيقة. وكيف لا يشبّه بالشّفق وهو من الأصائل؟ وكيف لا يفتخر العسكريّ بهذه الخيل وخناصر عددها فى الحسن أوائل؟ قد صرفت وجوهها المقبّلة، لباب مولانا أحسن المصارف، وكتبت عوارف الفضل في معارفه المسبلة، فناهيك منها بكتاب عوارف المعارف، ووصل لمولانا بذلك مثال «3» شريف، ورسم للمملوك بتجهيزها مع من يراه، وقد جهّز المملوك لخدمة مولانا الخيل المذكورة مع المثال الشريف صحبة فلان، ومولانا أدرى بنفحات رياض الحمد بهذه الدّيم المطلّة، وبالتقبيل في الأرض الّتي هي سماء حوافر هذه الخيل الّتي هي أهلّة، وأولى أن يشرّف المملوك بمهمّاته، ويؤنس لحظه بطيف اليقظة من مشرّفاته،

والله تعالى يجدّد لمعاليه في كل قصد نجحا، ويعلي لمجده «1» في كل حال قدحا، ويروّع الأعداء من خطوات خيله في بلادهم بالمغيرات صبحا، ومن خطرات ذكره في قلوبهم بالموريات قدحا. وفي معناه: يقبّل الباسطة الشريفة أعلى الله شانها، وجمّل ببقائها زمانها، وضاعف على الأولياء برّها وإحسانها. وينهي: أنه ابتاع جوادا أعجبه، وطرفا انتخبه، وقد قدّمه لوليّ نعمته، ومالك عهدته؛ لأنّ الكرام لا تكون إلّا عند سيّد الكرام، والذي يصلح للمولى على العبد حرام، فالله تعالى يجعل التوفيق ضياء غرّته، واليمن معقد ناصيته، والإقبال تحجيل أوظفته، والسعادة موضع الجلوس من صهوته، والمملوك يسأل الإنعام بقبوله، و [أن] يبلّغه من ذلك [غاية] مأموله، مضافا إلى ما سبق به سابق إحسانه العميم، وفضله الجسيم، والله تعالى يحرسه بعينه الّتي لا تنام، آمين. الأجوبة بوصول الخيل جواب عن نائب الشام إلى أمير آخور «2» بالأبواب الشريفة، عن وصول خيل إليه من الإنعام الشريف- من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، وهو بعد الألقاب: لا زالت مبشّرة بأعظم الخير وكرام الخيل، ميسّرة النعماء «3» بسوابق السّير

كدوافق السيل، مسفرة عن إيجاد سوابح إلّا أنها في الفخار والشّية ضافية الذّيل، سفيرة في الجوادّ بكلّ جواد تبتسم غرّته ابتسام النهار ويدرك طلبه إدراك الليل، تقبيلا يستبق استباق الجياد، ويتّسق على الدّرج اتّساق العقود على الأجياد. وينهي بعد ثناء وولاء: هذا يهيم في كل واد، وهذا يهيم بمثله كلّ وادّ، ورود مشرّفة مولانا الكريمة بما ملأ القلب مسرّة، والعين قرّة، ودرج عام «1» الفيل من نجب الخيل السيارة مستهلّ وغرّة، فقابلها المملوك بتقبيله، وقام لها على قدم تبجيله، ثم قام إلى الخيل الشريفة المنعم بها عليه فقبّل من حوافرها أهلّة ثم من غررها نجوما، وتأمّل شياتها البرقيّة واستمطر من السّعود غيوما، فأذنت له من الإقبال أمد قاصيها، وظلّ بمنزله الخير المعقود بنواصيها، وتضاعفت أدعيته الصالحة لهذه الدولة القاهرة الصالحيّة زادها الله من فضله، والوقت الذي ملأ الدنيا بسحاب جوده ورياح جياده ورياض عدله، والملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده، ولولا شهود العهد الشهيديّ لقال: ولا لأحد من قبله، وأعدّ المملوك هذه الثلاثة من الخيل ليفني عليها بالقتال أهل التعطيل والتّثليث، ويستخفّ بها آجال الأعداء بين يدي مالكه، فإنها من ذوات العزّ والعزم الحثيث، وما هي إلّا كواكب سعد تمددها أسنّتها الوقّادة، وزهرات حسن حيّت بها على البعد سفارته المعتادة؛ لا برح مولانا يقلّد بعنايته وإعانته المنن الجسام، وينصر بعزائمه القاطعة، وكيف لا ينصر ويقطع وهو الحسام؟ وله في جواب وصول أكديش «2» وباز «3» [وكوهيّة] «4» :

لا زال جزيلا سماحه، جميلا من الحمد رباحه، جليلا برّه الذي يشهد به طائر الخير ويمنه وطائل الخيل ونجاحه. هذه المفاوضة تهدي إليه سلاما يخفق جناحه، وثناء تشرق غرره وأوضاحه، وتوضّح لعلمه الكريم ورود مكاتبته سريعة الاحتثاث، طائرة بيمن طرسها وهديّتها بأجنحة مثنى وثلاث، فحصل الوقوف عليها، وتجدّد عهد الارتياح لديها، وفهمنا ما لم نزل نفهمه من ودّ الجناب العالي، وبرّه المتعالي، ووفاء عهده الذي تتلقّاه المحامد بأمالي المحبّ لا بأمالي القالي «1» ، ووصل الأكديش الايكر ظاهرا حسنه، وسافرا عن وفق المراد يمنه، تتجمّل به المواكب، وتماشيه الرّياح وبعضها من خلفه جنائب، وكذلك وصل البازي والكوهيّة، وكلاهما بديع الأوصاف، سريع الاقتطاف لأزاهر الطير

والاختطاف، يسبق الطّرف بجناحه اللّموح، ويستعجل من الأفق وارد الرّزق الممنوح، ويواصل الخير والمير إلى المطبخ، فكأنّ حوائج كاش تغدو إليه وتروح، لا برح إحسان الجناب «1» العالي واصلا، وذكره في ضمير الاعتداد حاصلا، وحكم سماحته وشجاعته باستحقاق الثناء فاصلا. جواب بوصول جوارح: كتب به عن نائب الشام، جوابا لمطالعة وردت على نائب الشام من الصالح صاحب ماردين «2» من بقايا بني أرتق، صحبة سناقر «3» ، هديّة للصالح «4» إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون، صاحب الديار المصرية. من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة: وأيّد هممه السّوابح، ونعمه السوافح، وشيمه الّتي تنتظم منها عليه درر المحامد والمادح، وشكر هداياه الّتي منها جوارح طير تخفق لفرط استحسانها الجوارح، ولا زال من أجنحة نصره حتّى السّماك الرامح، ومن جنود سعده للأولياء سعد السّعود، وفي الأعداء سعد الذابح، ومن جياد ركابه الشّهب إلا أنها شهب الأفلاك السّوابح، ولا برح سلطان البسيطة مكافئا عمل قلبه الوفيّ، ولا ينكر العمل بالقلوب بين الصالح والصّالح. المملوك يقبّل الأرض الّتي تستمدّ السّحب من سمائها، وتستعدّ منازل

الأنجم للتعلّم من أنوائها، تقبيلا يودع ورق الرسائل أزاهره، ويطلع في ليالي السّطور زواهره، ويدّخر في أيدي الحروف إلى أن تصل إلى أجياد المنابر جواهره. وينهي- بعد دعاء صالح، إذ جدّد تجدّد، وولاء ناجح، إذا انعطف تأكّد، وثناء سانح، إذا سرى لا يتوقّف إلّا أنّ نسيمه في الآفاق يتردّد، وارتياح لما يرد من أخبار دياره السارّة إذا شافه سروره سمع الوليّ شهد وسمع الحاسد تشهّد، حيث يتلقّى ببلاده النّجح والمقاصد، وصلات البرّ والعوائد، ووفود الآمال من كل أوب، فديار بكر ديار زيد وعمرو وخالد- ورود المشرّف الكريم، بل الغيث السائر بخصب المقيم، على يد فلان ونعم اليد العائلة لأيادي البرّ العميم، ونعم المشرّف الوارد عن مقرّ، هذا للأمل كهف وهذا للتأميل رقيم، ففضّه المملوك عن علامة اسم لحسنها رسوم، ولها رسوم، واستجلى مواقع تلك الأنامل المضيّة وأقسم على فضلها بمواقع النّجوم، وانتهى إلى الإشارات العالية، وعلم ما كان القلب يعلمه من ضمائر الودّ الحاليّة لا الخالية، وقابل كلّ أمر حسن بما يجب من مذاهب الودّ المتواليه، ووصلت السّناقر المنير سنا فضلها، المبير في معارك الصيد شبا نصلها، القائمة في كواسر الطير مقام الملوك الأكاسرة «1» إلّا في حكمها وعدلها، لا جرم «2» أنها إذا دخلت آفاق طير أفسدتها وجعلت أعزّة أهلها أذلّة، وإذا انقضّت على سرب وحش جذبتها من دم الأوردة بأرسان حيث كستها من قوادم الأجنحة أجلّة، لا يسأل كاسرها في الطّيور بأيّ ذنب قتلت، ولا يحملها جانب الطير والوحش إذا عاندته، فيا عجبا لها

على أيدي البشر كيف حملت، تظلّ الصيد فلا عجب أن يفزع بها من ظلّه، وتكتب علائم اليمن والظّفر بما في لونها من شبه الخطّ وشكله، نعم الجالبة للخير والمير، والسائرة بما يخيف المتصيّدات وكيف لا؟ وعلى رؤوسها الطير، أزاهر حسن لا بدع أن يكون لها كمائم، وبوارق العزم لا جرم أنّ أجنحتها عمائم، ونواقل البأس والكرم عن مرسلها فمهما جمعته الشّجاعة فرّقته المكارم. استجلاها المملوك بعد ألفاظ المشرّف الكريم فقال: (تلك الرياض وهذه السّحب، وتلك الأنوار الهادية وهذه في أفق مطارها الشّهب) ؛ وجهّز المملوك المطالعة المحضر للأبواب الشريفة أعلاها الله وشرّفها على يد فلان المذكور فقوبل بالإكرام والكرم، ومثل بالمواقف الشريفة مثولا رقى بهمّته إلى الكواكب لا جرم، وذكّر بصالح بيت الارتقاء صالح بيت أرتق حتّى أنشد (بسيط) . فهل درى البيت أنّي بعد فرقته ... ما سرت من حرم إلّا إلى حرم وقد عاد معلما من البشر بما يراه مولانا عليه، معلما بما تقدّم من نجوى الإنعام بين يديه، حاملا من كرم وجاه يعدّان للأولياء في يوم نزل وللأعداء في يوم نزال، قائلا برجاء سعيه المؤمن: (يا صالح قد كنت فينا مرجوّا قبل هذا) ولن تزال، والله تعالى يجري كرم مولانا على عوائد إسعاده، ويحرس بعينه وملائكته نفاسه نفسه وبلاده، ويدخله باسمه ومسمّاه لدى الدّنيا والآخرة في الصّالحين من عباده. وله جواب بوصول بازيين: ولا زالت بزاة كرمه على الحمد مطلّة، وسحائبه مستهلّة، وهممه مستقلّة بأعباء المكارم وإن كانت لكثير ما يهديه مستقلّة. هذه المفاوضة تهدي إليه من السّلام أجلّه، وتوضّح لعلمه الكريم وصول مكاتبته العالية فوقفنا عليها، وعوّذناها بكلمات الثناء التامّة من خلفها ومن بين يديها، وعلمنا ما لم نزل نعلمه من موالاته وآلائه المسند في الشكر عنها والمستند في الولاء إليها، ووصل كلا

البازيين الحسنين المحسنين كأنّهما فرقدا سماء قد اجتمعا، وقمرا حسن طلعا، وعلى محاسن الصيد اطّلعا، يسرّان القلوب والأبصار، ويحمل كلّ منهما على اليمين فيحصل به اليسار، وما هما بأول إحسانه الأسنى، وبرّه الأهنى، وأياديه الّتي أبى الكرم إلّا أن ترد مثنى مثنى، وعلم اعتذاره عن الكوهيّة الّتي كان ادّخرها فنفقت، ولو أقيمت بها أسواق الصيد نفقت، وأرسل بروايتها تحقيقا لدعوى المكارم الّتي من زمان تحقّقت، والله تعالى يشكر برّه، ويملأ بذكره بحر الثناء وبرّه. وله جواب بوصول كوهيّتين على يد شخص اسمه باشق. لا زالت المحامد من مصايد إنعامه، وفوائد أيّامه، وثمرات البأس والكرم من قضب سيوفه وأقلامه، تقبيل معترف بإحسانها، مغترف من موارد امتنانها، متحف منها بعالي تحف تدلّ على مكانها في الفضل وإمكانها. وينهي ورود مشرّف مولانا الكريم على يد الولد «باشق» فيا له باشق جاء بكوهيّتين جميلتين، وطار للسّرعة وهو حامل منّتين جليلتين، وقد وصلتا و [كلتا] هما حسنة الخبر والخبر، حميدة الورد والصّدر، يحسن مسرى كلّ منهما وسيره، ويتجمّل بهما باب الشّكر خاناه وصدرها ويكثر خير المطبخ وميره، فمدّ المملوك إليهما اليد المتحمّلة الحاملة، وإلى المشرّف الكريم اليد المتولّية المتناولة، وعلم ما تضمنه من الحسن والإحسان، وذكر الموالاة الّتي يحكم بها القلب العالم قبل شهادة اللّسان، واعتذار مولانا عن تعذّر وجود الشاهين، وكلّ إحسان مولانا شهيّ كافي، وكلّ موارد نعمه هنيّ صافي، وما فات مقصد وإنعام مولانا وراء طلبه وإن طال الأمد، ولا فرّ مطلوب حتّى يأتي به سعد مولانا مقرونا في صفد، والله تعالى يشكر عوائد فضله، ولا يضحي «1» الآمال الملتجئة [إليه] من ظلّه. جواب بوصول طيور، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن «2» نباتة:

وشكر هداياه المتقبّلة، وسجاياه الّتي هي بأفواه المحامد مقبّلة، ولا زال بدر سعادته المأمولة وطائر هديّته المتأمّلة. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه من السّلام أتمّه، ومن الثناء أنمّه، وتوضّح لعلمه الكريم ورود مكاتبته الكريمة، ومكارمه العميمة، وطيور هديّته الّتي كلّ منها في الحسن بدرتمّ، وظهرت ظهور البدر لتمامه فأبت محاسنها أن تنكتم، فحسن ورودها، ورعي بفضل التلطّف والتودّد مقصودها، وأقبلت تلك الطيور التّمّيّة تامّة الإنعام، دالّة بيمن طائرها على بركة عامّة وكيف لا؟ وقد جاءت بيضاء عدد شهور العام، والله تعالى يزيده من فضله، ويجري الأقدار بالسّعود الشاملة لجمعه الجامعة لشمله، إن شاء الله تعالى. جواب في المعنى، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة أيضا: لا زالت الجوارح شاهدة ببرّه، والجوانح حائمة الجناح على شريف ذكره، والمحامد من مصايد أقلامه ورماحه في السلم والحرب؛ فإمّا بقوادم سمره، وإما بمناسر حمره، تقبيلا يبعثه على أجنحة أوراق الرّسائل، ويتصيّد به على البعد مشافهة تلك الأنامل الجلائل. وينهي بعد دعاء، تحلّق إلى السماء كلماته الحسنة، وولاء وثناء: هذا تخفق بتشوّقه أجنحة القلوب، وهذا تخفق بذكره أجنحة الألسنة- أنّ كتاب مولانا ورد على المملوك فأورد عليه المسارّ، و [ملأ] يده بالمبارّ، ومصايده بالمير، ومنازله بالخير، وآماله بأمالي الكرم لذي السرحات المنشرح بآية عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ «1» فقابله المملوك بتقبيله، وواصل فضل الاعتداد بتفضيله، وحصل من هداياها وهداها على جملة الإحسان وتفصيله، وانتهى إلى الإشارات العالية الّتي زكت على العيان وتأمّله وأربت على الجنان وتأميله. فأمّا الإنعام بالكوهيّتين اللتين ما قذف البحر إلى الساحل أبهى من

دررهما المكنونة، وأزهر من وجوههما المباركة الميمونة، فقد وصل كلا الطائرين بيمنه، والسابقين بمنّه، والغائبين في جوّ السماء الآتيين من الصّيود بأوفى من قطرات مونه، واستقبل المملوك منهما وجوه المسارّ، وحملت يمينه الثّروة وحملت على اليسار، وتناولت يده يدي إحسان يسرّ الناظرين والسامعين، واستخدما للشّكر خاناه ولحفظ مطبخ يملأ عيون المشبعين والجائعين، وقال صنع الله لصناعتهما: ائتيا بصيود السّماء طوعا أو كرها قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ «1» . قد كتبت باليمن في مطاوي ريشها أشباه الحروف، وقضى الجود لتلك الأحرف أن تقري ما تقتري عواصي الطير له بطاقة تقيّد السابح في طلقه «2» ، ويعود مطلقها وقد ألزم نجاح الطير طائره في عنقه، فشكر الله إحسان مولانا الذي ألحف الأمل جناحه، والقصد نجاحه؛ وبرّه الذي أحمد في سوانح الطير وبوارحه مساءه وصباحه، وعلم ما أشار مولانا إليه في أمر فلان وأمره علم الله تعالى في الخاطر حاضر، وما يؤخّر شغله عن إهمال وعائب الإمهال غادر، وما أشار إليه في أمر فلان أمير شكاره وأمير شكر المملوك، وتقدّم بخلاص حقّه، واستنزل بهديّته قضاء الشّغل من أفقه، لا برح مولانا ممتثل الأوامر، هامي سحب البرّ الهوامر، مجدّدا في كل وقت نعمى، مالئا بهداياه قلوب «3» محبّيه وبيوتهم شحما ولحما، إن شاء الله تعالى. وله جواب في وصول طيور العقعق «4» :

لا زالت متّصلة منن إرفادها وإرفاقها، نازلة على حكمها [الأشياء] حتّى الطّير العاقّة من آفاقها، خافقة أعلام نصرها بالأجنحة مؤمّنة لظنون القاصدين من إخفاقها، تقبيل مطلق لسان الحمد على عوائد إطلاقها، مجتن لثمرات الإحسان من غصون أقلامها وغصون أوراقها. وينهي ورود مشرّف مولانا العالي على يد الولد فلان فوقف المملوك عليه، وعلم من جميل الاحتفال ما أشار إليه، وأنه موقّع على المقصود من طيور العقعق فأوقعها من مطارها، واستنزلها من أوكار أفقها وأفق أوكارها، وأرسلها قرين مشرّفه الكريم، وقلد عنق الأمل بعقدها النّظيم، ووصلت سبعة كعدد أيام الجمعة الكاملة، والكواكب الماثلة، والسّموات لا جرم أن سحب يمنها هاملة، حسنة الشّكل الموصوف والوصف وإن كان مع عقوقه المألوف، طائعة لأوامر توقيعه فما عقّ منها شيء غير تضعّف اسمها المعروف، لا برح إحسان مولانا متنوّعا، وبرّه الجزيل متبرّعا، وغصن قلمه بأنواع المكارم متفرّعا. وله جواب بوصول تمّات «1» ، وإوزّ صينيّ، وطلب إمرة عشرة: حمى الله تلك النّعمة من الغير، وأطلعها عليه بأيمن الغرر، ولا برح طائر منّه كوصفه أبيض الخبر والخبر. هذه المفاوضة إلى الجناب الكريم تهدي إليه سلاما يشوق الصّباح، وثناء خفّاق الجناح، وتوضّح لعلمه الكريم ورود مكاتبته الكريمة جميلة الفوائد، جليلة المصايد، تمّيّة البدور المتناولة من منال الفراقد، فوقفنا بالأشواق عليها، وعطفنا على العادة بتأكيد الولاء إليها، ووصلت تلك التّمّات واضحة الأنوار، لائحة كبياض النّوّار، تامّة تمام ميقات موسى عليه

السّلام، إلّا أنّها لبياضها كأربعين نهار، وكذلك البطّ الصّينيّ كأيّام الحجّ عشرة كاملة، مفترضا على عشرتها ولاء القلوب المتأمّلة الآملة، صينيّة مملوءة بمحاسن الألوان الّتي هي بغير مثل ماثلة، وحصل الاعتداد ببرّه، والازدياد لحمده وشكره، وفهمنا ما ذكره من إمرة العشرة الّتي انحلّت عن فلان، وقد طالعنا بأمرها، وعجّلنا بذكرها، ونرجو أن يعجّل بأمانيّها المنتظرة، وأن يقابل بخوافق أعلامها خوافق بطّه فتقابل عشرة بعشرة، والله تعالى يعجّل لمعاليه الصّعود، ويؤكّد لمساعيه السّعود، إن شاء الله تعالى. الأجوبة عن وصول الصّيود ولحومها جواب عن نائب الشام إلى نائب حلب بوصول [لحم] طير صيد قديد وصحبته بطّيخ أخضر، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة. وهو بعد الألقاب: لا زالت تقتنص المحامد بعاطاياه المكرّرة، وأوابد الصيّد برماياه المقرّرة، ورقاب الإنس والوحش، إمّا بسهام نعمه المتواترة، وإمّا بسهام قسيّه الموتّرة، ولا برحت نفحات مكارمه، تشهد أنّ المسك بعض دم الغزال «1» ، وسرحات عزائمه، تمتدّ في صيد الوحش لقرى نزيل أو في صيد الأعداء لتقرير نزال، تقبيلا تتعطف أجياد الظّباء لمحاولة عقوده، وتزدحم أفواه الأولياء على مشافهة وروده. وينهي بعد ولاء تقوم الخواطر الكريمة في دعواه مقام شهوده، وشوق لا تزال النّسمات الشّماليّة قاضية باستمرار وفوده- أنّ مشرّف مولانا الكريم ورد

على المملوك على يد فلان وصحبته الإنعام المتجدّد، وإن كان قديما في المعنى، واللحم القديد، وإن كان أطرى من الروض النّضير حسنا، والسّمين المحبوب وإن كان كحال عداه الذين تقدّد جسومهم في الحياة قبل الممات حزنا، فقابل المملوك المشرّف الكريم، بتقبيل أحرفه، والإنعام العميم، بقبول مسعده ومسعفه، وعانقهما بجوانح آماله، وأخذ الكتاب والبرّ كما يقال بيمينه وشماله، فيا لها من ظباء تعشق وإن بليت محاسنها، وغزلان تغازل وإن بادت عيونها إلّا أنه ما باد حبّ من يعاينها، وصيود توصف وإن قصدتها قصد السّهام بطعن، ويتّقى بقرونها القتال والقسيّ تالية: كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ* «1» . سلكت خيول مولانا لقنصها المصاعب واتّخذها الآكلون سهلا، وتصيّدها من الفلاة واصطادها القاعدون من المقلى، ووصل معه البطّيخ الأخضر فشبهه بثمار الجنة المشبّهون، وقيل: هكذا ترتيب مآكل الجنة لهم فيها فاكهة ولحم طير مما يشتهون، لا زالت منن مولانا مشروحة مشروعة، وثمرات نعمه من الدنيا كثمرات أهل الجنة غير مقطوعة ولا ممنوعة، بمنّه وكرمه. أجوبة هدايا الفواكه وما في معناها الشيخ جمال الدين بن نباتة: جواب وصول مشمش لؤلؤيّ ودغميشيّ من حماة. بسط الله ظلّها ونداها، وأطلع باليمن نجوم هديّتها وهداها، ولا زالت مواهب بحرها لؤلؤيّة، وشواهد يمنها كوكبيّة، وثمرات جودها فضّية الأعيان ذهبيّة، تقبيلا حلت مواقعه، وجلّت مطالعه. وينهي بعد ولاء وحمد: هذا قد ثبتت في القلب شريعته وهذا قد عذبت في السمع مشارعه، أنّ مشرّفة مولانا الكريمة وردت على المملوك تتضمّن الحسن والإحسان ويمين البرّ الشامل لكلّ إنسان، وعهد المحبّة الّتي حكمت

فيه بعلمها القلوب فما تحتاج إلى بيّنة لسان، فقابلها المملوك مقبّلا، واستجلى وجه الودّ والإحسان مقبلا، ووصل المشمش الذي شفى لؤلؤيّه نظر الناظرين، ونوعه الآخر الدغميشي الذي هو الشهد بحسنه ولا يدغمش باسمه على الحاضرين، فتناول المملوك عوارف برّه المعروف والمبتكر، واستضاء نجومه المتردّدة منشدا قول المعرّي: (كم درن، وكم يدرن هذه الأكر) ، وقال: شكر الله هذه المنن الحلوة الثمرات، المتّصلة الخطرات، وهذه المجاني الّتي طابت أصولها وفروعها فلا أبعدهنّ الله من شجرات، وحيّا حماة وما جلبت، وجنبات ذلك الوادي وما أنجبت، وحدائق ذلك العاصي الذي أطاع ببركة مولانا فأنبت أحلى وأحلّ ما نبت، وقد جهّز المملوك هذه الخدمة منطوية على وظائف الحمد المستجادة، ولطائف الحبّ المستفادة، وحمد المنن الّتي لا تزال من مولانا عادة ومن المحبّين شهادة، لا برحت يد مولانا الكريمة إن بسطت فبعوائد إنعامها، وإن قبضت فعلى سيوفها لمصالح الدّول وأقلامها، وإن زهت «1» فروع المكارم، تساقطت ثمرات برّها من زهرات أكمامها. جواب بوصول مشمش وبطّيخ حلبيّ، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة. وينهي بعد ولاء وثناء: لهذا في الأسماع أزهى وأزهر ثمرة، ولهذا في القلوب أرسى وأرسخ شجرة- ورود المشرّف الكريم على يد فلان بما ملأ السّمع من أخبار مولانا المرتقبة سرورا، والعين من آثار يده الكريمة نورا، والفم من هدايا المشمش الحمويّ كؤوس لذّة كان مزاجها كافورا، فقبّل المملوك أسطره مستحليا مواقع رشفاته، وقابله بعوائد المحامد مستجليا عوائد افتقاداته وصلاته، ومدّ يده وفكره فالتقط النّجوم المشرقة من هداياه وكلماته، وتقلّد جواهر المبرّات الحسنة المحسّنة، والثمرات الّتي، جاءت بدريّة القدوم وإن كانت نجوميّة الهيئات المكوّنة، واستصوب نتائج الغيث فقال: لعلّ هذه بنادق

قوس السماء الملوّنة، وصفا وطاب ظاهرها وقلبها وكذا تكون صفات ذوي القلوب المؤمنة، والمؤمن حلويّ لا جرم، والحمويّ على عجمه الخراسانيّ أولى بفصاحة الفخار والكرم، لا زالت فعلات منن مولانا مستجادة ونعمه لا سيّما المشمشيّة مستزادة، وافتقاداته المشهورة لدى مماليكه ومحبّيه منه عادة ومنهم شهادة، وجاءت فاكهة البطّيخ الحلبيّ وقد رضع حلب الغمام فأنجب، واستوى باطنه وظاهره في الحسن فأعجب من حين أعشب، واستطاب الذوق والشمّ مطعمه وأنفاسه، ووصف بالرّؤوس فضمّه كلّ متلقّ وقبّل راسه، وقال: نعم الهديّة السريّة، والفاكهة الّتي طلعت حزز [ها] هلاليّة وثمرتها بدرية. جواب عن وصول بطّيخ حلبيّ، من إنشائه أيضا، [وهو] بعد الألقاب: وشكر سجاياه الّتي علت، وهداياه الّتي تكرّرت فحلت، وافتقاداته الّتي طاب ظاهرها وباطنها فكأنها من أخلاقه الجميلة نقلت، أصدرناها تهدي إليه سلاما يتقدّم كهديته نسيمه العاطر، وثناء ينتج أطايب الثّمر مقدّمات غيثه الماطر، وتوضّح لعلمه الكريم أنّ مكاتبته الكريمة وردت فحسّنت بالودّ مشافهتها، وأقرّت في الأسماع فاكهتها ومفاكهتها، ووصل البطّيخ فلله درّ حلبه ودرّ جلبه، لقد حسنت في ملاذّ المطاعم طريقته المرضيّة، ولقد أشبه القناديل بتكوينه وفتيلة عرقه فلا جرم أنّ قناديله عند الشّكر مضيّة، ولقد ملأ خبره وخبره عين البصر وأذن المصيخ، ولقد خلق دواء للأجسام حتّى صحّ قول الحلبيين للأرمد: دواؤك البطّيخ، فشكر الله إحسان الجناب العالي، وبرّه المتوالي، وعلى الوالد والولد ومن عندهما سلام المحبّ المتغالي، والله تعالى يحفظ عليهم من الفضل ما وهب، ويرزقهم بغير حساب ويرزق الظنّ فيهم ما حسب إن شاء الله تعالى. وله أيضا جواب بوصول بطّيخ حلبيّ، وهو بعد الألقاب: وشكر إحسانه الذي حلا مذاقه، وزكت أعراقه، وحيّا على البعد تحيّة طيّبة نفحت بها أزهار الكتاب وأثمرت أوراقه، هذه المفاوضة تهدي إليه سلاما طيّبا كهديّته، وثناء زاكيا كطويّته، وتوضّح لعلمه الكريم ورود مكاتبته الجامعة

حسن الأقوال والأفعال، المطلعة بوارد غمامها أطيب الثمر في الحال، فأحيت ولاء حاشى لوجوده من العدم، وجدّدت عهد البشر- وما بالعهد من قدم- ووصل البطّيخ الحلبيّ أصله، الحمويّ فصله، الدّمشقيّ ضمّه وشمّه وأكله، الفلكيّ ولا سيّما من الأهلّة المجتمعة شكله، فكرم مطلعا، وحسن من الأفواه موقعا، وعمّ الحاضرين نوالا، واشتملهم بعطف الإحسان اشتمالا، وأخذ الغلام السّكّين: (متقارب) . فقطّع بالبرق شمس الضّحى ... وناول كلّ هلال هلالا لا بل أهلّة كثّر تعدادها، وكرّر تردادها، ورصد قربها، ولا نقول كما يقول أصحاب الهيئة أبعادها، فشكر الله إحسان الجناب العالي حاضرا وغائبا، وبرّه الذي يطلع كلّ وقت من هداياه وكتبه أهلّة وكواكبا، ومرباه الذي نقل عن ملوك كانت منازلهم للمحامد روضا وكانت أيديهم للكرم سحائبا، إن شاء الله تعالى. وله جواب بوصول قصب سكّر وأترجّ «1» وقلقاس: لا زالت أوصاف شيمها، تطرب كما يطرب القصب، وألطاف كرمها، مما يغذّي الحسد وينعش الرّوح ويشفي الوصب «2» ، وأصناف نعمها من الحلو إلى الحامض مما يعدي الأيدي المتناولة فهي على الأعداء تنتصب، تقبيل محبّ حلت له المنن فتناولها، ومواقع اللّثم فعاج إليها وعاجلها. وينهي ورود مشرّف مولانا الكريم، على يد فلان يتضمّن الحسن والإحسان، والبرّ المأثور بكلّ فم، المشكور بكلّ لسان، فقابله المملوك بما يجب من الخدمة لمثله، ولاقاه بعوائد تحمد عوائد فضله، ووصل قرينه الإنعام

الذي تنوّع فنونا وأفنانا، وملأ فم الشراب خاناه سكّرا ويد المطبخ إحسانا، وذكّر نباته الطرابلسيّ عهود الديار المصرية، وأوقات الأنس بخدمة مولانا السنيّة، سقيا لها من أوقات وعهود، وشكرا لجود مولانا الذي هو في كلّ واد موجود، ولتدبيره الشمسيّ الذي أحيا الله به على عباده عناصر هذا الوجود، ولا برحت مكارمه متنوّعة، ونعم أياديه متفرّعة، فمنها ما حلا فرعه فأصبح لكلّ حلو أصلا، ومنها ما طاب ريحه وطعمه فكان للمؤمن مثلا، ومنها ما لذّ طعامه الشهيّ فما هو مما يهجر وإن كان مما يقلى. وله جواب بوصول باكورة خيار وملوخيّة: لا زالت تشرح بمكارمها الصّدور، وتفتح بركات الأعوام والشّهور، وتمنح من لطائف مننها كلّ جماعة السّرور، وتلمح في هداياها المستبقة إلى الأولياء خيار الأمور، تقبيل محبّ لا تغيّر ولاءه الدّهور، ماش من طريق المصافاة والموافاة في نور على نور. وينهي ورود مشرّفة مولانا على يد فلان تتضمّن المعهود من ولائه وآلائه والمشهود المشهور من إحسان نداه قبل ندائه، فقابلها المملوك مقابلة الشّيّق إلى قرب الديار، الممضي في المحبّة قلبه لمولاه قبل شرط الخيار، ووصلت لطائف هديّته الخضرة النّضرة، وطرائف الفضل الباكرة كمعاني اللفظ المبتكرة، فتنجّز المملوك الفاكهة قبل أوانها البديع، ورصد من أفلاك العلب في ذي الحجّة غرّة ربيع، وتفاءل بالهديّة المجمّعة الأحباب في أن يعود الشّمل وهو جميع، وقد عاد فلان حاملا من رسائل الشوق والشّكر ما يؤدّيه بين أيدي مولانا الكريمة، ويجدّد بذكراه عهود الأنس القديمة، لا برح مولانا سابق الكرم، مخضرّ المرابع ببيض النّعم. قلت: وكتبت جوابا لبعض الأصحاب وقد أهدى لي سمكا (بسيط) : أهدى لنا سمكا قد طاب مطعمه ... أكرم به سمكا لم يسكن البركا! لا شكّ أنّ له بالبحر شاكلة ... والبحر عادته أن يهدي السّمكا

الضرب الثاني (من كتب التهادي الاستهداء)

الضرب الثاني (من كتب التهادي الاستهداء) واعلم أنّ كل ما يكتب مع إهدائه قد يكتب مع استهدائه، إلّا أنّ الغالب مما جرت به عادة الكتّاب في الاستهداء طلب الأشياء المستظرفة الخفيفة المنّة دون ما يعظم خطره، اللهم إلّا أن يكون الاستهداء من الملوك ونحوهم فيطلب فيه ما جلّ وعظم. والذي جرت عادة الكتّاب بالكتابة في استهدائه على أصناف: الصنف الأوّل- آلات الكتابة: من الأدوية «1» والمداد والأقلام : مما تقدّم ذكره في الإهداء. أبو الفرج «2» الببغاء في استهداء دواة: أنفس الذّخائر وأشرف الآمال ما كان للفضل نسبا، وللصّناعة والحظوة سببا، وبالدّويّ تجتنى ثمرة الصّناعة، ويحتلب درّ الكتابة، وقد أوحش المملوك الدّهر مما كنت أقتنيه من نفائسها، وضايقه في وجود الرّضيّ على الحقيقة منها، فإن رأى مولانا أن يميط ببعض ما يستخدمه من حاليها أو عاطلها سمة عطلة المملوك، ويسمح بإهدائها إلى أهل تصريفه ويقابل بالنّجح والتقبّل رغبته، فعل، إن شاء الله تعالى. وله في استهداء مداد: التّنافس- أيدك الله- في أدوات الكتابة وآلات الصّناعة بحسب التّفاخر في ظهور النعمة، والتخيّر لبيان الإمكان والقدرة، وإلّا فسائر الدّويّ سواء فيما تصدره الأقلام عنها، وتستمدّه بطون الكتب منها؛ وأولى آلاتها بأن تتوفّر العناية

الصنف الثاني - الشراب.

عليه، وينصرف التّخيّر بالضّرورة إليه، المداد الذي هو ينبوع الآداب، وعتاد الكتّاب، ومادّة الأفهام، وشرب الأقلام، فجعلها الله بواجب القضيّة والحكم، في حيّز وصفه من الحمد والذّم، وما زلت لنفائس الأخلاق موطنا، ولنجع الإخوان في المحل معدنا، ولا معدل بي عن استماحة خزائنك عمرها الله الممكن من جيّده، فإن رأيت أن تستنقذ دواتي من خمول العطلة، وتنزّه قلمي عن ظمأ الغلّة، وتكشف عنها سمة النّقصان والخلّة، فعلت، إن شاء الله تعالى. عليّ بن خلف «1» ، في مثله: أولى ما أنبسط في استهدائه، وتسمح [نفسي] في استماحته واستجدائه، ما كان ناقعا لغلّة الأقلام، مقيّدا لشوارد الأفهام، محبّرا لبرود البيان، حاليا في معارض الحسن والإحسان، وكتبت هذه الشّكوى أطال الله بقاء سيدي. الصنف الثاني- الشّراب. في استهداء مشروب. أبو الفرج الببغاء: أنا- أيّد الله سيّدي- ومن سامحني الدّهر بزيارته من إخواني وأوليائه، عضّد الله جمعنا ببقائه، وقوف بحيث يقف بنا اختياره، من القبول والانبساط، ويرتضيه لنا إيثاره من الهمّ والسّرور، لأنّ الأمر في ذلك مما يوليناه من المساعدة بالممكن من المشروب إليه، والاعتماد دون كلّ أحد في اجتماع شمل المسرّة لنا به عليه، فإن رأى أن يكلني إلى أولى الظّنين به وأحقّهما بمأثور فتوّته، فعل. وله في مثله: ألطف المنن موضعا، وأجلّها من الأنفس موقعا، ما عمر أوطان المسرّة، وطرد عوارض الهمّ والفكرة، وجمع شمل المودّة والألفة، وأدّى إلى اجتناء ثمرة

اللّذّة، وبذخائرك من المشروب مع هذه الأوصاف [ما] يسترقّ حرّ الشكر، ويحرز قصب السّبق إلى الثناء وجميل الذّكر، فإن رأيت أن تنجد بالممكن منه مروّتي، على قضاء حقّ من أوجب المنّة عليّ بزيارتي، فعلت. وله في مثله: من كان للفضل نسبا، ولفلك الفتوّة قطبا، لم تفزع القلوب من الهمّ إلّا إليه، ولم تعوّل الأنفس في استماحة المسارّ إلّا عليه، وقد طرقني من إخواني من كان الدّهر يماطلني بزيارته، وينفس «1» عليّ بقربه ومشاهدته، فصادفني من المشروب معسرا، ووجدت الانبساط في التماسه من غيرك عليّ متعذّرا، وإلى تفضّلك تفزع مروءتي في الإسعاف منه بما يلمّ شعث الألفة، ويجمع شمل المسرّة، ويجعلنا لك في رقّ الاعتداد بالمنّة، ويقضي عني بتفضّلك حقوق المودّة. عليّ بن خلف: قد انتظم لنا- أطال الله بقاء سيدي- مجلس واقف بين النّشاط والفتور، والكآبة والسّرور، لغروب نجوم الخمر عن سمائه، وعطله من حليّ نوره ولألائه، وقد عوّلنا في إطلاقه إلى إحدى الجهتين عليه، وجعلنا زمامه بيديه، فإن رأى أن يروّح أفكارنا بشيء من راحه المشابهة عبقا وعتقا لأخلاقه وأعراقه، فعل، إن شاء الله تعالى. وله في مثله: أفضل ما أهدى سيدي ما أهدى السرور إلى أحبّته، ونظم شمل المتحقّقين بخدمته، وحسم عنهم هواجس الفكر، وأعداهم على الدّهر، وقد جمعنا مجلس وهبناه للثناء عليه، وزفّت عرائس الخمر إليه، فإن رأى إيثارنا بما

النوع الرابع (الشفاعات والعنايات)

يكمّل نشاطنا، ويتمّم انبساطنا، فليعقر همومنا بشيء من عقاره، وينظم [جمعنا] في سلك أياديه ومبارّه، إن شاء الله تعالى. النوع الرابع (الشّفاعات والعنايات) قال في «موادّ «1» البيان» : وهذه الكتب إنما تصدر عن ذوي الرّتب والأخطار، والمنازل والأقدار، الذين يتوسّل بجاههم إلى نيل المطلوب ودرك الرغائب. قال: والملتمس فيها ممن تنفّذ إليه أحد ثلاثة أنواع؛ إمّا بذل ماله ولا يبذل ماله إلّا ذو مروءة يفرض على نفسه حقّا فيه لقاصديه، وإما بذل جاهه وفي بذل الجاه إراقة ماء الوجه والتعرّض لموقف الرّدّ، وإمّا الاستنزال عن سخيمة وموجدة في النزول عنهما كفّ حدّ الغضب وغضّ طرف الحنق، وهما صعبان إلّا على من فضل حلمه، ولطف فهمه. ثم قال: والكاتب يحتاج إلى التلطّف فيهما وإيداعهما من الخطاب ما يخرج به الشافع عن صورة المثقّل على المشفوع إليه بما كلّفه إيّاه، ويؤدّي إلى بلوغ غرض المشفوع له ونجاح مطلبه، ثم أتبع ذلك أن قال: وسبيل ما كان في استماحة المال، أن يبنى على الإبانة عن موقع الإفضال، وفضيلة النّوال، واغتنام فرص الاقتدار، في معونة الأحرار، وما جارى هذا- وسبيل ما كان منهما في طلب الانتفاع بالجاه أن يبنى على هزّ الأريحيّة لاصطناع الصّنائع، وتحمّل المشاقّ في تقليد المنن، وادّخار الفعل الحسن، واغتنام الأجر والشّكر- وسبيل ما كان منهما في الاستنزال عن السخائم أن يبنى على الملاطفة، والإشارة إلى فضيلة الحلم والصّفح عن الخاطيء، وما في ذلك من حسن السّمعة في العاجلة، ومتوفّر المثوبة في الآجلة، ونحو ذلك.

وذكر أنّ أحسن ما قصد في هذا الفنّ مسلك الإيجاز والاختصار، وأن يسلك به مسلك الرّقاع القصار المجملة، لا الكتب الطّوال المفصّلة، وأن يرجع فيما يودعه إلى قدر الشافع والمشفوع فيه، والكاتب إذا كان مرتاضا ماهرا لم يضلّ عن تنزيل كلّ شيء [في] منزلته، وترتيبه في مرتبته. قلت: ومن أحسن ما يطابق هذا النوع ما رأيته في بعض المصنّفات، أنّ عمرو بن مسعدة وزير المأمون كتب إلى المأمون في رقعة: أما بعد، فإنّ فلانا سألني أن أشفع له إلى أمير المؤمنين، فأخبرته أنّي لم أبلغ عند أمير المؤمنين مبلغ الشّفاعة- فلمّا وصلت الرّقعة إلى المأمون وقّع عليها بخطّه: قد فهمنا تصريحك به وتعريضك بنفسك، واجبناك إليهما وأتحفناك بهما. من كلام المتقدّمين: الحسن «1» بن سهل: كتابي إليك كتاب معتن بمن كتب له واثق بمن كتب إليه، ولن يضيع حامله بين عناية وثقة، والسّلام. أبو الحسين «2» بن سعد: وقد توجّه إليك فلان بقصد فيه مستجمع، وأمل فيما قبلك منبسط، وليس بعد إصابتك عنده موضعا وعندنا متجمّلا لليد الحسنة إلّا افتراض ذلك منه ومنّا في أمره على يسر في حاجته، وتخفيف من مؤونته، فإن رأيت أن تأتي في ذلك بما يشبه أمله وظنّه، وتوجب عليه الحقّ به، ونشكر لك منه ما يبقى عندنا، بأنك بحيث تأتي الفضل وتتوخّى الصّلة، [فعلت] إن شاء الله تعالى. آخر: معرفتي بأنك لا تتجاوز في العقوبة سبيلها من مواقع الأدب،

تحملني على مساءلتك ما أنت موجب له والذّكرى تنفع المؤمنين، ولولا ذلك لا ستغنى صاحب كتابي عنه، فإن كان ذنبه صغيرا فالصغير يخرجه من حبسه، وإن كان كبيرا فالعفو يسعه. وكتابي متقاض لك تقديم العفو على العقوبة، والحسنة على السيّئة، والاستصلاح على القوّة في التأديب. طفال بن شبّة: وأحقّ من يعطف على أهل البيوتات، ويجود لهم بما يبقى ذكره، ويحسن به ذخره، مثلك، وقد وجّهت إليك فلانا، وهو من ذوي قراباتي، وذوي الهيئة من أسرتي، وعرّضته لمعروفك، وأحببت أن تلبسه نعمتك وتصرفه إليّ وقد أودعتني وإيّاه ما تجده باقيا على البشر «1» الجميل في الغيب والحضر. ولغيره: وقد جعلك الله غياثا، وجعل عندك لمؤمّليك وراجي رفدك، أبلغ ذريعة من كرمك وفضلك، وقد أصبحت مفزع كلّ ذي همّ، وملجأ كلّ ذي أرب، وموضع كلّ أمل، وأصبحت ملتقى السّبل، ومجمع الأصناف المختلفة، والطوائف المتصرّفة. أبو مسلم «2» محمد بن بحر: قد شهّرتني باصطناعك [حتّى] تكافأ في معرفة خبرها أهل بلدان المشرق والمغرب، والذين عرفوني فصديقي منهم مغتبط بذلك لي، وشريك في النعمة به عليّ، وقويّ الظهر بما منحنيه الله من رأيك، وإذا نابت بعضهم نائبة يرجوك لكشفها ولم يكن له إليك طريق يدنيه ولا حرمة تقربه وتعطفك عليه، سألني الشفاعة له إليك، ففعلت ذلك مدلّا بما أعتقده من الشّكر على نعمتك عندي، والإخلاص في طاعتك المفروضة عليّ، واثقا بتسويغك إيايّ ما

رقّيت إليه من درجة الشافع لغيره، والسائل (؟) في طريقه وذوي الحقّ عليه، لتكون قد أكملت عليّ النّعمة، ووكّدت لديّ العارفة، واستتممت عندي الصّنيعة. أبو الخطّاب بن الصابي: أبسط الشفاعة وجها، وأقربها نجحا، وأوقعها في القلوب، وأسرعها إلى القبول، ما وقع من أقسام ثلاثة؛ من إدلال السائل بحسن الظنّ، وارتياح المسؤول إلى فعل الخير، واستحقاق المسؤول فيه لقضاء الحقّ، فإذا اجتمع لها ذلك كانت الثّقة بها زائدة، والفتوّة لها رائدة، والفضل عليها قائما، والنّجح بها قادما، وكان الشّكر من أقلّ موجوداتها، والمنّة من أجلّ مذخوراتها. وله: إن دلّ المملوك فبصدق المودّة، أو عوّل فعلى حسن النيّة، أو استظهر فبقديم الحرمة، أو استنصر فبكريم الرّعاية، ووراء ذلك همّة من مولانا بعيدة المرامي، طويلة المساعي، شامخة الأنف، سابقة الطّرف، توجد الآمال سراحا، وتوسعها نجاحا، وتأخذها خماصا، وتردّها بطانا، وتوردها هزالا «1» وتصدرها سمانا «2» ، وثقة منّي قد أحكم عقدها الزّمان، وأوثق شدّها الامتحان، فصارت لأعراض المملوك رائدة، وفي قوّة نفسه زائدة، فالمملوك من اجتماع هذه الأقسام، ووجوب ما تقتضيه من الأحكام، بين ظنّ جميل لا مجال للشكّ عليه، ويقين صحيح لا وصول للارتياب إليه. آخر: ولئن كان المملوك أسرف في مجاري التثقيل على مولانا، فإنّ المملوك لم يردّ بعضا من دواعي الأمل فيه، فإنّ المظنون من فتوّة مولانا رائد الثّقة بجميل نيّته، ولن يعدم النجاح من اعتمد على الفتوّة والثّقة. آخر: وينهي أنّ المملوك إن أدلّ، فبحقّ لدى مولانا أكّده، أو استرسل،

فبفضل منه عوّده، وبين الدّالّة من المملوك والعادة من مولانا موضع لنجاح الحاجة، وبلوغ الإفادة، وقد فعل المملوك ما تعلّق به واثقا بالكرم من مولانا، فليفعل مولانا ما يتعلّق به محقّقا للأمل فيه. آخر: وينهي أنّ المملوك إن انبسط، فمدلّ بالحرمة الوكيدة، ومعوّل على النية الكريمة، أو انقبض، فلهيبة الإقدام على مولانا ومراعاة التخفيف عنه، ولفضله فيما بين ذلك مسلك وغلبة تسلّط يدعوان إلى حسن الظن بمولانا، ويوثّقان من وجود النجاح لديه. آخر: بذل الجاه في إعانة الضعيف، وإغاثة الملهوف، والترويح عن المضغوط، والتفريج عن المكروب المكدود، كبذل المال في إسعاف المعسر، وإسعاد المقتر، ومواساة المحروم، والتعطّف على المزحوم، وما في الحالتين إلّا ما الدّيانة له ضامنة، والمروءة له قائمة، والحقّ به مستوجب، والأجر به مكتسب، والصنيعة به معتقدة، والمثوبة به مدّخرة. آخر: وينهي أنّ حرمة الجوار من أوجب الحرمات حقّا، وأحكمها عقدا، وأخصّها بالعناية، وأحقّها بالرّعاية، وما رعاها إلّا ذو قدر عظيم، وخلق كريم، وأصل عريق، وعهد وثيق. وفلان ممن يضرب بدالّتها، ويمتّ بوسيلتها، ويتخفّر بذمّتها، ويتعلّق بعصمتها، ويعتدّها وزرا مانعا، وذخرا نافعا، وعدّة موجودة عند الحاجة، وله أمر يذكره مشافهة، فإن رأى مولانا أن يحقّق من ظنّه ما كان جميلا، ويصدّق من أمله ما كان فضل مولانا إليه سبيلا، فهو المعهود من إحسانه، والمؤمّل من فضله. آخر: من سافر إلى سيّدي بأمله ورغبته، ومتّ إلى حضرته بوفادته وهجرته، فقد استغنى عن الشافع، وكفي أمر الوسائل والذّرائع، وحامل كتابي هذا قد تجشّم القدوم إليه، وتمسّك بذمام «1» الوفادة عليه، مع ما يتحقّق به من

حقّ المشاركة في الصّناعة، ويستوجبه بفضيلة الكفاية والأمانة، وإنّما أصدر المملوك هذه الخدمة عن يده ممهّدة لأنسه، ومقوّية لنفسه، وإذا مثل بحضرته، ونظره بعين نباهته، فقد غني عن الشفاعة وبلغ الإرادة. آخر: وينهي أنّ ما يفرضه مولانا لمن أمّه بالرجاء، ومتّ له بإخلاص الحمد والثناء، من إدرار أخلاف الإفضال، وتحقيق الرّغبات والآمال، يغني قاصديه عن الشّفاعات والوسائل، ويكفي آمليه تحمّل الذّرائع والمسائل، والواصل إليه بهذه الرقعة فلان، ومولانا يعرف حقّه على المملوك وماله من المواتّ لديه، وقد توجّه إلى حضرته، راجيا أن يلحفه من ظلّ سعادته ما يتكفّل بمصلحته، ويقضي على الزمن بإعدائه ومعونته، ومولانا أحقّ من تولّاه بحسن خلافته فيه، والتفضّل على المملوك بتحقيق ما يرجّيه. آخر في معتقل: علم المملوك بأنّ مولانا لا يتعدّى في العقاب موضع الإصلاح والتأديب، ولا يتجاوز في الغضب موقع التقويم والتهذيب، عملا بالعدل، وتمسّكا بالفضل، يبعثه على تنبيهه لما أغفله، وانقياده لما أصّله، وفلان قد تطاول اعتقاله، فإن كان جرمه صغيرا فقد ظلم في القصاص، وإن كان كبيرا فقد استحقّ الخلاص، والمسؤول من إحسانه أن يعاود جميل عادته، ويراجع كريم شيمته، فيعمل في أمره بالعدل، إذا لم يره أهلا للفضل، وإن كانت حقوقه متأكّدة، وحرمته مؤكدة، فلا يحسن أن يضاع ويخفر، ولا ينبغي أن يجحد وينكر، وهو حريّ أن يحقّق الظنّ فيه، ويقابل هذا السّؤال بما يقتضيه. آخر: على حسب أخطار الودائع يكون الإشفاق عليها، والشكر ممن صرف رعايته إليها، وقد كان المملوك أودع كنف مروءته، وفناء همّته، فلان، وهو درّة المحاسن الفريدة، ونادرة الدّهر الشريدة، والجامع لأسباب المحامد بفضائله ومناقبه، والناظم لنثار المآثر بخلقه وأدبه، مع ما خصّ به من المعرفة بقدر الصنيعة، والتعويض بالشّكر عن قليل العارفة، والمملوك يرجو أن يكون مولانا قد أحسن خلافته فيه، ونزّله من حياطته وتولّيه، بما يوجبه مكانه من

المملوك ويقتضيه، متعوّضا من شكر المملوك وشكره بما هو خليق أن يطوّق أجياد معاليه، وينتظم في سلك مساعيه. رقعة- وينهي أن الأيّام، إذا قعدت بالكرام، فأنزلتهم بعد السّعة ضيقا، أوجدتهم إلى التثقيل على من يمتّون إليه بسالف الخدمة طريقا، وممن تحدّاه الزمن بنكده، وعوّضه ببؤسه من رغده، فلان، وكان قد فزع إلى جماعة من الخلّان، واثقا منهم بالامتنان والإحسان، فألفى وعدا جميلا، ومطلا طويلا، فعدل عنهم إلى سيدي وعزل عنهم إليه، وتوجه إليه معتمدا بعد الله في مقصده عليه، ثقة بفضل غيره «1» ، وحسن أثره، وتحمّل عبوديّة المملوك هذه ذريعة تبسط له من مولانا محيّاه، وتوصّله إلى ما يرجوه من معروفه ونداه. وما أولى مولانا بأن يحقّق ظنّ المملوك وظنّه، ويجوز شكره وشكره، إن شاء الله تعالى. رقعة- وينهي أنّ رغبة سيدي في إسداء المعروف، وغوث الملهوف، تبعث على السّفر إليه، والتقدّم بالرّغبات عليه، والله تعالى يواصل المنح لديه، كما وصلها من يديه، وقد سبقت له عوارف لا ينساها المملوك، ولا يؤمّل جزاءها إلّا بمرفوع الدعاء، وكريم الثّناء، حتّى تقتضي ضرائرها، وتستدعي نظائرها، وحامل عبوديّتي هذه، فلان، والمملوك يرضى لمولانا لسان شكره، كما يرضاه لتحمّل برّه، وقد ركض ظهر الأمل إلى حضرته، ووثق ببلوغ الوطر «2» من جهته، وأن ينظم في سلك من أسبغت عليه عوارفه، وعمّته لطائفه، وعزّز ذلك باستصحاب كتاب المملوك إلى بابه، وتقديمه ذريعة في التزام حقّه وإيجابه. رقعة- من كان سيدي شافعه انبسط في المنى، ولم يرض بغير العلا،

وقد علم مولانا أنّ للشّفاعة أحوالا ثلاثا؛ حالا تخصّ الشافع، وحالا تخصّ المستشفع، وحالا تخص [المشفوع «1» إليه] ولكلّ حدّ يجب الانتهاء إليه، ولا يجوز التقصير فيه، فعلى المستشفع ارتياد أخصب جناب، وأسكب سحاب، وقصد الجهة الّتي لا تصدّ عن البغية سائلا، ولا تردّ عن الأمل آملا، وأن ينهض بالشّكر على العارفة، ويحدّث بالنّعم عنه في الأحوال الطارفة، وعلى الشافع أن يهريق «2» ماء وجهه في السّؤال، ويجرّد رغبته في تسهيل المنال، ويعتقد أنّ ذلك من الدّين المقترض، والدّين المفترض، ويتكفّل بالقيام بما يستدعي منه من المكافاة، ويلتمس من العوض والمجازاة. وعلى المشفوع إليه أن يعلم أنّ الشافع والمستشفع ما قصداه إلّا بعد الثّقة بأحديّته، ولا اعتمداه إلّا بعد السّكون إلى أريحيّته، وأنه لا ينبغي أن يخسر متجرهما، ولا يضيع سفرهما، وقد اجتمعت هذه الأحوال الثلاث للرئيس المشفوع إليه، ولسيّدي الشافع، ولخادمه المستشفع به، ولم يبق إلّا عزمة منه تهزّ أفنان الإقبال فتسّاقط أثمارها، وتنشيء عوارض الآمال فيتهافت قطارها. أبو الفرج «3» الببغاء: وموصّل كتابي هذا غنيّ عن شفاعتي له بما يمتّ من حرمات الرّغبة إليك، والوقوف دون كلّ مقصد عليك، وبما يشفع ذلك من التقدّم في الصّناعة، والتوصّل بوجيه الكفاية، وإنما زوّدته هذه الأحرف لأفتح له باب الأنسة، وأسهّل السّبل إلى التّعلّق بالخلّة، وأدلّ بها على ما تكشف منه المطاولة والخيرة، وأنت أيّدك الله وليّ التطوّل بالتقدّم في إيناسه وبسطه في الخدمة بما يستزيد له محمود الأثر فيها من حسن النظر وجميل الرأي.

وله في مثله: وموصّل كتابي فيما يؤمّله منك ويبلغه بك متمسّك من رجائك بأوكد ذمّة، ومن شفاعتي بأوجب حرمة، ومهما متّ به بعد ذلك من ظهور كفاية أو تقدّم في صناعة كان غير ضائع عند رعايتك، ولا مجهول مع تيقّظ عنايتك، وأرجو أن يحلّ من تقبّلك، بحيث أحلّه حسن النظر بتطوّلك. وله في مثله: وفي علمك ما آخذ به نفسي، وأروض به أخلاقي، من الانقباض عن التّسرّع إلى مسألة، والاحتشام من الانبساط في حاجة، ما دلّك على موضع فلان ومكانه من إيثاري بواجبات حقوقه، وسالف مواتّه، ولذلك سمحت بالكتاب له إليك، وفارقت رسمي بالتثقيل في قضاء حقّه عليك، وقد قصد نحوك بأمله، واختارك لرجائه، وقدّر بك بلوغ البغية، واختصر بشفاعتي إلى تفضّلك السبيل إلى إدراك المحبّة «1» ، فإن رأيت أن تأتي في بابه ما يشبه فضلك، ويناسب وكيد ثقته بك، وأني أشركه في الشكر وأساهمه في الاعتداد، فعلت. آخر (متقارب) : رأيت المساكين قد أجمعوا ... على أنّك الوزر المعتمد فأنت لطفلهم والد ... وأنت لشيخهم كالولد السّلام العميم ورحمة الله وبركاته على من جعله الله للمساكين ظلّا يقيهم، وطلّا يسقيهم، ونعمة تعمّهم، ورحمة تضمّهم، أبو فلان، أبقاه الله في عزّة تالدة طارفة، وسعادة لا تزال طارقة بكلّ عارفة. من أقامه الله مقامك أيّها الشيخ المبرور بالترفّق بالفقراء، والإحسان إلى

الضّعفاء، لم يعدم مريضا يقصده في الشّفاء، ولا يعدم فيضا يعتمده للاكتفاء، لا سيّما إذا توسّل وحده، وتشفّع بمن لا يضيع عمل عامل عنده، ومتحمّلها فلان قصّ الفقر جناحه، وأخنى عليه الدّهر واجتاحه، ولما رأى الفقراء ببرّكم مرتفقين، وعلى شكركم متّفقين، أمّكم حسن الظنّ بالمنّ، ولم يقدّم شفيعا دنيويّا، ولا طريقا واضحا سويّا، وأنتم أيّها الشيخ الموقّر تنزلونه منزلة سواه، ممّن ثوى مثواه، ونوى فيكم من الأجر والشّكر ما نواه، إن شاء الله تعالى، والسّلام الكريم العميم، يخصّ جنابكم ورحمة الله وبركاته (بسيط) : فالله سبحانه يبقيك في دعة ... وحسن حال وتيسير وإقبال مقدّم المجد في عزّ وفي كرم ... مؤمّل النّفع من جاه ومن مال الشفاعات من كلام المتأخّرين: الشيخ شهاب الدين محمود «1» الحلبي: شفاعة في استخدام كاتب «2» درج: جعل الله تعالى دوره رحبة العراص «3» ، وسعادته في الازدياد وأعاديه في الانتقاص، والدعاء لإحسانه مقرونا بصدق النيّة والإخلاص (طويل) :

وهذا دعاء لو سكتّ كفيته ... فإنّي سألت الله فيك وقد فعل صدرت هذه الخدمة تستمطر سحاب كرمه، وهامي ديمه، وتسأل جميل شيمه، في معنى مملوك المولى وداعيه، والشاكر لأياديه، والملازم على رواية أخبار فضائله وبثّها، ونشر تفضّلاته ونثّها، فإنّه من بيت كريم النّجار، زائد الفخار، وله على مولانا حقّ خدمة، وهو يمتّ بسالف معرفة، ومحبّة المملوك له شديدة، والصّحبة بينهما قديمة وشقّة المودّة جديدة، ولولا ذلك ما ثقّل على خدمته، وتهجّم على المولى بمكاتبته، وقد توجّه إلى بابه العالي مهاجرا، وناداه لسان جوده فلبّاه وأجابه مبادرا، وغرضه أن يكون كاتبا بين يديه، ومملوكا تقع عين العناية عليه، وهو من الكرام الكاتبين، والراغبين في الانتظام في سلك خدمه والمؤثرين، وصفاته بالجميل موصوفة، وفصاحته معروفة، وقلمه الذي يقلم ظفر المهمّات ويكفّ كفّ الحدثان، ولسانه الذي يغني بشباته عن حدّ السّنان، ورأيه المقدّم في الهيجاء على شجاعة الشّجعان، فإذا أنعم المولى باستخدامه، وتحقيق مرامه، كان قد وضع الشيء في محلّه، وصنع المعروف مع أهله، وبيّض وجه المملوك وشفاعته، وصدّق الأمل في إحسانه ومروءته، ورأيه العالي، إن شاء الله تعالى. وله شفاعة في استخدام جنديّ: لا زال برّه مطلوبا، وجوده مخطوبا، وذكر إحسانه في الملإ الأعلى مكتوبا، ولا برحت رياض جوده أزهر وأنضر من روض الرّبا، ويده البيضاء ترقم له في سواد القلوب سطور حمد أحسن من نور تفتّحه الصّبا. هذه الخدمة صدرت على يد فلان تهدي إلى المولى سلام المملوك وتحيّته، ودعاءه الصالح الذي أخلص فيه نيّته، وتشفع إليه في تنزيله في الحلقة المنصورة واستخدامه، وترتيبه في سلك جيشه المؤيّد وانتظامه، فإنه من الأجناد الجياد، وذوي الجلد على الجلاد، وهو الغشمشم «1» الذي لا يردّ، والشّهم الذي لا يصدّ، والباسل

الذي لا تحصر بسالته بوصف ولا تحدّ، والنقيب الميمون الغرّة والنّقيبة، الموصوف في الهيجاء بحزم الكهول وجهل ذوي الشّبيبة، والمولى وإن كان بحمد الله غير محتاج إلى مساعد، ولا مفتقر إلى معاضد، فإنّ أسنّته لا تحتجب عن روج محتجب ونفسه الشريفة تقوم وحدها يوم الكفاح مقام عسكر لجب، وقلبه يغنيه عن الأطلاب والأبطال، وجيوش سطوته لا تكلّفه المقام في منازل النّزال، فإنّ المملوك يعلم أنّ نفسه الشريفة تهوى تزيّد عسكره وجنده، وترعى حرمة قاصده وقصده، فلهذا توسّل بشفع وتر الشّافعة، وتوصّل إلى إزالة ضرع حاله بكثرة الضّراعة، فإذا أنعم بقبول شفاعة المملوك فيه، وحقّق له من العناية ما يؤمّله ويرتجيه، كان قد شدّ للمشار إليه، ما أضعفته العطلة من منّته، وقلّد المملوك جميل منّته. شفاعة في ردّ معزول إلى ولايته: يقبّل اليد العالية لا زالت مقبّلة، ولإسداء الخير إلى أهله مؤهّلة، وبأياديها على الكافّة متفضّلة. وينهي ملازمته على شكر مواهبه، ونشر فضائله الجسيمة ومناقبه، وحمده كريم شيمه، والاعتذار من تثقيله على خدمة المولى بخدمه وسؤال إنعامه بوجوه مكاتبته ولسان قلمه، وما ذاك إلّا لما يتحقّقه من كريم نجاره، وشدّة تطلّبه لإسداء العوارف وإيثاره، والموجب لهذه الوسيلة وسؤال مكارمه، واستمطار سحائب مراحمه، ما بلغه من عزل مملوك المولى وعبده، وواصف جميل أوصافه بلسان شكره وحمده فلان، أفاض الله عليه إحسان المولى وإنعامه، وخلّد لنا وله دولته وأيّامه، فإنه صاحب المملوك وصديقه، وشريكه في الدّعاء لمولانا ورفيقه، وهو من العدول الأمناء، والثّقات الاتقياء، وهو قليل الجدة كثير العيال، لا يجد حيلة إذا بطل بخلاف ما يحكى عن البطّال، وقد تشفّع بالمملوك ومكاتبته في ملاحظة المولى له بعين عنايته، والتقدّم بردّه إلى جهة ولايته، فلهذا كتب إليه وأكّد في معناه السّؤال وعلّق بتحصيل أمله الآمال، يعلم ذلك موفّقا.

شفاعة في خلاص مسجون: فسّح الله في مدّته، وسهّل أداء ما يجب من شكر نعمته، وألزم الألسنة بحمده والقلوب بمحبّته، وجعله مفرّجا كلّ كرب، ومسهّلا من المقاصد كلّ صعب. وبعد، فإنّ كافّة الأمّة قد تحقّقت رحمة قلب المولى ورأفته، وتيقّنت إحسانه ومروءته، وأنه يؤثر إعانة كلّ عان وإغاثة كلّ ملهوف، وأنه لا يمسك إلّا بالإحسان ولا يسرّح إلّا بالمعروف، بحيث سارت بحسن سيرته الرّكاب عوضا عن الرّكبان، ودرأت مكارمه «1» عن الأولياء نوب الزّمان، وعلا على حاتم فلو تشبّه بكرمه لقلنا له: (مرعى ولا كالسّعدان) «2» . وللمملوك من إحسانه أوفر نصيب، وهو يرفل من جوده في ثوب قشيب، وقد اشتهر ما يعامل به من الإكرام، وأنّ قسمه من العناية أوفر الأقسام، وكان يعدّ من جملة العبيد فأصبح مضافا إلى الألزام «3» ، وهذا مما يوجب على المملوك أن يبتهل إلى الله في تخليد دولته ويتضرّع، وعلى حلم مولانا إنه إذا شفع إليه في مذنب أن يشفّع، وهو يشفع إليه في مملوكه وعبده، والملازم على رفع رايات مجده وتلاوة آيات حمده، فلان، رزقه الله رضا الخواطر الشريفة، وأسبل عليه حلّة عفوه المنيفة على الحلل بظلالها الكثيفة، فإنه قد طالت مدّة حبسه، واعترف بأنه الجاني على نفسه، والمعترف بذنبه كمن لا أذنب، والمغترف من بحر جوده يروى دون أن يشرب،

والطالب لبرّه ينال سؤله والمطلب، فإن حسن في رأيه العالي زاده الله علاء وضاعف له سناء، المشي على منار جوده ومنهاجه، وبروز أمره المطاع بإطلاقه وإخراجه، اغتنم أجره، وجبر كسره، وربح في هذا الشهر المبارك دعاءه الصالح وشكره، وكان قد أنعم على المملوك بقبول شفاعته إليه، وفعل ما يوجب على كلّ مسلم الثناء عليه، والله الموفّق. شفاعة بسبب خلاص حق: يخدم المجلس «1» السامي لا فتيء بالتحيات مخدوما، وحبل سعده مبروما، ودرّ المدائح لجيد جوده منظوما، وعدله بين الأخصام قاضيا فما يترك ظالما ولا مظلوما. ولا زالت الآمال متعلّقه بهمّته، منوطة بسعيد عزمته، راجية خلاص كلّ حقّ ممن هو في جهته، وتوضّح لعلمه أنّ فلانا أدام الله سعادته، وخلّد سيادته، ذكر أنّ له دينا، في جهة غريم مماطل مدافع، وخصم ممانع، وقد جعل هذه الخدمة ذريعة إلى خلاص حقّه، وخالها إلى الوصول إلى عناية المولى أقرب طرقه، وهو جدير بالتقدّم بإحضار غريمه ومحاققته، وأخذ ما للمملوك في ذمّته، وأن لا يفسح له في تأخيره، ولا يسمح بقليل الصبر ولا كثيره، فإنه يعلم أنّ المولى المشار إليه واجب الخدمة، وافر الحرمة، وقد تعلّق أمله في خلاص حقّه بالمولى، ولا يجاوب عن هذه الخدمة بلو ولولا، بل يبذل جهده، ويطلق في تحصيل الغرض لسان الاجتهاد ويده، ويعتمد من الاهتمام ما يليق بأمثاله، ويبيّض وجه الشافع وسؤاله، موفّقا. شعر (طويل) : ولو كان [لي] في حاجتي ألف شافع ... لما كان فيهم مثل جودك شافع شفاعة فيمن اسمه سراج الدّين إلى من اسمه جمال الدين: الشيخ جمال الدين «2» بن نباتة:

وينهي بعد؟؟؟ ولا ويحكم على القلوب شافع جماله، وثناء يجرّ على أكمام الزّهر فضل أذياله، أنّ العلوم الكريمة محيطة بإيجاب حق من هاجر إلى بابها، وشكا غلّة الفاقة إلى منهل منهلّ سحابها، وأنّ الماثل بهذه الخدمة، فلان، ذكر احتياجه إلى عاطفة من عواطف مولانا الّتي شملت، وعارفة من عوارفة الّتي لو استمدّت من غررها الليالي لما أظلمت ولا ظلمت، وأنّ بيده وظيفة شهادة بيت لحم بتواقيع شريفة نظرت في حاله، ونشرت حال عياله وأطفاله، وأنّ ثمّ من ينازعه في جهته المعتادة، ويقصد نزعه والنّزع عن «1» تلك الشهادة المسطّرة أخفّ من نزع الشّهادة، ومولانا أولى من رحم منه ضعفا، واشتمل عليه عطفا، ودارك بكرمه هذا السّراج قبل أن يطفى، ورعى سيرة مباشرته الحسنة الآثار، واغتنم أدعيته وأدعيته أولاده الذين هم كقطع الشّطرنج صغار وكبار، وكفّ يد التعرّض إليه في أيام عدله فإنها أيام لا ضرر فيها ولا ضرار، وعلى الجملة فقد تركته الأيّام قطعة لحم، فمباشرة بيت لحم أولى به، ورجاله فرجانية وأخواتها أحقّ أن يتعلّق سببها بأسبابه، والله تعالى ينير بمنن مولانا أحوال المضرورين فإنّها ظلام، وينصرهم على حرب الأيّام بسيوفه الّتي هي أقلام، ويمتّع بأيّام عدله وإحسانه الّتي تتنافس فيها أعمار الرعايا فإنهم يتبعون أيّاما بأعوام. وله إلى شخص اسمه شمس الدين: وينهي بعد قيام بوظائف ثناء يتمسّك بنفحاته [المتوالية] ، وولاء يتمسّك بحباله المتينة وما كلّ شمس حبالها واهية، أنه يرتاد الأوقات لخطاب مولانا بالأقلام، حيث حبس البعد خطاب الكلام، ويتخيّر حملة رسائل الشّوق، وإن أضعف عطف النّسيم رسائل السّلام، ولما حضر من مكان كذا، عارض هذه الخدمة فلان، وذكر توجّهه إلى حمى حماة المحروسة، وقصد كتابا يكون في وحشة الاغتراب أنيسه، فوافق ذلك غرض المملوك، وسلك طريق مراده ولا

ينكر من جهة هذا الرجل الصالح السّلوك، فأعلمته أنّ المكارم الحمادية لا تحتاج غير الحمد والأجر شافعا إليها، والمنازل الشمسيّة لا تفتقر إلى دليل ينبّه عليها، وطالما جمعت لقاصدها الفعل والقول السخي، وطالما قال يوسف رحمه الله، أخو مولانا أبقاه الله للقاصد: أنا يوسف وهذا أخي، ولكن المملوك يذكّر الخاطر الكريم بهذا القادم فإنه من أهله، ويلقاه قبل ذلك بالبشر المنشد (طويل) : أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله فإنّه من أصحاب وليّ لله طالما فاض وليّ معروفه، واستفاضت نسبته المرشديّة فكان وليّا مرشدا قامت صفته مقام موصوفه، وإنّ آثار هذه البركات على هذا القادم لائحة، وإن على يده تجارة ذكر وأجر وهي في سوق همم مولانا تجارة رابحة، والله تعالى يجعل له في كلّ ثناء وثواب نصيبا ويديم قلمه الكريم مقصد رفد وجاه (فطورا رشاء وطورا قليبا) . وله: عن نائب الشام إلى نائب حماة شفاعة في شخص اسمه شهاب الدين، وهو بعد الألقاب: لا زالت الأقدار تسعده، والملائكة تنجده، ومواطن النصر تجرّد حدّ بأسه ومواطن الحلم تغمده، والجناة تلوذ بظلّه، فأيّ جاني ذنب ما يعفو عنه، وأيّ جاني برّ ما يرقّ عليه ويرفده، تقبيلا يترادف مدده، ولا تنتهي في القرب والبعد مدده. وينهي بعد ولاء وثناء: هذا لا يبلى جديده وهذا لا تخفى جدده، وشوق وارتياح كلاهما يروى عن ابن شهاب توقّده، ويحمل على يد شهاب سنده، أنّ العلوم الكريمة محيطة بمقدار الحلم وفضله، والعفو ومحلّه، والتجاوز عن هفوات المخطئين من القوم، وطلب العفو من الله غدا بالعفو عن عباده اليوم،

قال الله تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ «1» . ولمّا سمع الصدّيق رضي الله عنه هذه الآية، قال: (بلى والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي) ثم عفا عمن نزلت بسببه، ومملوك مولانا أعزّ الله أنصاره فلان، قد اعترف بهفوة بدت منه، وزلّة نقلت عنه، ما يسعها إلّا عفو مولانا ومراحمه، وقدم على المملوك فكأنّه ما خرج عن ظلّ مولانا ولا فارقته معالمه، وسأل سؤال مولانا أن يشمله بالعفو، ويتجاوز له عن السّهو، ويرحم كبر سنّه وكبيرة جهله، ويرعى قدم هجرته لخدمة هذا الباب الذي نشأ عمرا طويلا في ظلّه، أهلا لأن تشمله عواطف أهله، وهو- كما عرف المملوك واطّلع عليه حيث كان في نيابة حماة- مشكور السّيرة بالاعتبار، ناهض الخدمة بالاختبار، ملازم لثرى الباب بعزم ما عليه غبار، وله على المملوك بالأمس حقّ خدمة وباليوم حقّ سؤال يشفع بهما في القلوب وهي كبار، والمسؤول من صدقات مولانا تجاوزه عن هفوته، وردّه إلى أمنه ووظيفته، وإجراؤه على عادة إقطاعه، وحاشاه في أيّام مولانا أن يقطع، بل حاشى المذكور أن لا يستخبر وأن لا يقطع، واستقراره في مكان خدمته، وإجابة سؤال المملوك في كل ما يتعلق بنجاح هجرته وعزمته، لا برح مولانا مأمول المنن الغائبة والحاضرة، والمقيمة والسائرة، مأهول الخواطر برفع ذكره وقدره في الدنيا والآخرة. الشيخ جمال الدين بن نباتة: لا زالت المحامد بذكرها متوّجة، ومقدّمات الفضل والفضائل من تلقاء شيمها منتجة، ومطالع الكرم والإكرام هادية إلى حرمها من اتّجه، تقبيل مواظب على الدعاء يرفعه، والولاء يجمعه، والثناء يقول بضّاع أرجه لا مما نضيّعه بل مما نضوّعه، [وينهي] أن عارض هذه الخدمة على عارض كرم مولانا الممطر، وبابه الذي هو لكبد الحاسد وفم الوارد مفطّر، فلان، لقضاء تعلّقات

النوع الخامس (التشوق)

له أوّلها التعلّق بحبل رجائه المحصد، وانتمائه المرصد، والتجمّل بقصد باب مولانا الذي هو المهمّ المقدّم على كل مقصد، وهو من الفضلاء الذين يعرفهم انتقاد مولانا معرفة الخبير، وله اتصال بالأكابر الذين سلّم منهم زمام المفاخر كلّ كبير، وقصد من المملوك هذه الخدمة لمولانا تؤنس اغترابه، وتنشد المقرّ الذي ما قرع سنّ الندامة من قرع بابه (خفيف) : يا غريب الصّفات، حقّ لمن كان ... غريبا أن يرحم الغرباء والمملوك يسأل من إحسان مولانا ملاحظة المذكور بعين عنايته الّتي ما أغفت عن القاصدين ولا غفلت، وعواطفه الّتي طالما فتحت أبوابها فأثنت عليها الركائب الّتي قفلت؛ والله تعالى يديم تقليد الأعناق بكلمه وبرّه، ويمتّع الممالك الساحليّة بما قذف لها من درر بحره. النوع الخامس (التشوّق) قال في «موادّ «1» البيان» : وينبغي للكاتب أن يجمع لها فكره، ويظهر فيها صناعته، ويأخذ في نظمها مأخذا من اللّطافة والرّقّة يدلّ على تمازج الأرواح، وأتلاف القلوب، وما يجري هذا المجرى، وأن يستخدم لها أعذب لفظ وألطف معنى، ويذهب فيها مذهب الإيجاز والاختصار، ويعدل عن سبل الإطناب والإكثار، لئلا يستغرق جزءا كبيرا من الكتاب فيملّ ويضجر، وينتظم في سلك الملق والتكلّف اللذين لا يعتادهما المتصافون من الأصدقاء. وهذه نسخ من ذلك: أبو الفرج «2» الببغاء:

شوق المملوك إلى مولانا بحسب مكانه من تفضّله، وحظّه من جميل نظره، واختصاصه بإنعامه، واغتباطه بشرف خدمته، ومكانه من إيثاره، والله يجمع للمملوك شمل السعادة بمشاهدة حضرته، و؟؟؟ «1» من الدّهر بالنظر إلى غرّته، على الحال السارّة فيه وبه. وله: شوق المملوك إليه شوق الظّمآن إلى القطر، والسّاري إلى غرّة الفجر. وله: شوقي إليه شوق من لم يجد مع بعده عوضا عنه، فتقوده الزيادة إلى الانصراف بالرّغبة عنه. وله: شوقي إليه شوق من فقد بالكره سكنه، وفارق بالضّرورة وطنه. وله: لو كان ما يصدره من خطاب، ويناجيه به من متضمّن كتاب، بقدر ما أعانيه من ألم الشوق إلى غرّته، ومضض الفائت من مشاهدته، لما أحاطت بذكره بسطة لسان، ولا ناب في إثباته استخدام بنان. وله: أمّا الدهر فما يستحقّ من إبعاد المملوك عنه عتبا، ولا يعدّ ما جناه من ذلك ذنبا، إذ كان إنما نقل من حشمة المخاطبه، إلى انبساط المكاتبة. وله: وقدره- أبقاه الله تعالى- يرتفع عن ذكر الشّوق إليه، فالمملوك يعبّر عنه بذكر الشوق إلى ما فارقه من تفضّله، وبعد عنه من أوطان تطوّله. وله: ولولا أنّ المملوك يخمد نار الاشتياق، ويبرّد أوار الفراق، بالتخيّل الممثّل لمن نأت محلّته، والتفكّر المصوّر لمن بعدت شقّته، لألهبت أنفاسه، وأسعرت حواسّه، وهمت دموعه، وأنقضت ضلوعه، والله المحمود على ما وفّق له من تمازج الأرواح، عند تباين الأشباح. وله: ولا بدّ أن يكفّ بالمكاتبات، من غرب الاشتياق، ويستعين بأنس

المراسلات، على وحشة الفراق، فإنها ألسن ناطقة، وعيون على البعد رامقة. وله: عند المملوك لمولانا خيال مقيم، لا يبرح ولا يريم، يجلو عليه صورته، ويطلع على عين فكرته طلعته، إن سهر المملوك سامر معينا على السّهاد، أو رقد تصوّر معذبا طعم الرّقاد، لا يمطله بزيارته، ولا يوحشه بغيبته، كأنما تصوّر بصورته في الوفاء، وتخلّق بخلقه في المحافظة على الإخاء. وله: إن تزايلت الأشباح، فقد تواصلت الأرواح، وإن نزحت الأشخاص وبعدت، فقد دنت الأنفس وتقاربت، فلا تمضّ الفرقة وتؤلم، وتنغّص النّوى وتكلم، وقد ينال بتناجي الضّمائر، وتحاور السّرائر، ما لا تصل إليه الإشارة، ولا تدلّ عليه العبارة، إذ الأنفس البسيطة أرقّ مسرى، وأبعد من الألسنة مرمى. التشوّق من كلام المتأخرين: نسخة كتاب من ذلك، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، وهو بعد الصدر: لا زال الدّهر يقضي خدمه، ويمضي رأيه وسيفه وقلمه، ويرضي الدّول الشاكرة تقديمه فيها وقدمه، ولا برحت الأقدار المعربة تجزم أمره وتكسر ضدّه وترفع علمه، تقبيلا إذا لثم التّرب التثمه، وإذا أودع القلب في ذلك التّرب ختمه. وينهي مواظبته على ولاء لا ينسخ البعد محكمه، ودعاء يقابل النّجوم ولا تنقطع من القبول إدراراته المنجّمة. وينهي أنه سطّرها عن شوق يعزّ عليه أن ينوب فيه سعي القلم، عن سعي القدم، وارتياح إلى القرب الذي بأنسه يؤنسه أنوارا على أعلى علم، وتطلّع لمعاودة الأخبار أوفى من تطلّع العامريّ إلى معاودة أيّام ذي سلّم، وتعلّل بقول القائل (وافر) . بعثت لكم سوادا في بياض ... لأنظركم بشيء مثل عيني وهيهات! أين نظرات الحروف المرقومة من نظرات العيون الرامقة، وأين

منال السّلوّ من شجو يقول (بسيط) : أعيذها نظرات منك صادقة. ما يحسب المملوك من النظر إلّا ما يملأ العين من ذلك الوجه الكريم، ولا يلبس من خلع الأيّام إلّا ما تخيط الأهداب على شبا ذلك القرب الرّقيم، وعلى ذلك فقد جهّزها المملوك على يد فلان، وحمّله من رسائل الشّوق ما يرجو أن ينهض فيه بأعباء الرّساله، ويسأل الإصغاء والملاحظة فيما توجّه فيه وإن أدّت الأمالي إلى الملالة، والله تعالى المسؤول أن يبلّغ في امتدادها مولانا الأمنيّة، ويمتّع الدّول منه بهذه البقيّة النقيّة، إن شاء الله تعالى. نسخة كتاب في المعنى عن نائب الشام، إلى القاضي «1» علاء الدين بن فضل الله، كاتب «2» السّرّ بالأبواب السلطانية، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة أيضا، وهو بعد الألقاب: لا زال قلمها مفتاح الرّزق لطالبه، والجاه لكاسبه، والظّفر لمستنيب كتبها عن كتائبه، والنّجح لرائد مطالبة الدّهر بعد المطال به، ولا برح البأس والكرم يتحدّثان عن بحرها ولا حرج عن عجائبه، تقبيلا تغبطه في مرابعها، ثغور الأزاهر، لا بل تحسده في مطالعها، ثغور الزّواهر. وينهي بعد دعاء أحسنت فيه الألسنة وأخلصت الضّمائر، وولاء وثناء لهما مصاعد النّجمين إلّا أنّ هذا في القلوب واقع وهذا في الآفاق طائر- أنه جهّز هذه الخدمة معربة عن شوق يتجدّد، وارتياح لا يتعدّى ولا يتعدّد، ساعية عنه بخطوات الأقلام، أن منع الوقت خطوات الأقدام، نائبة في تقبيل الأنامل الّتي تستسقى ديمها على القرب والبعد ولا كيد ولا كرامة للغمام، وجهّزها على يد فلان بعد أن حمّله من رسائل الشوق ما إنّ حملنا من إحسانه لينضي عقود الأنجم لو تعدّدت، ومفاتيح أبوابه لتنوء بالعصبة أولي القوّة لو تجسّدت، وهو بين

يديه يقدّم نجواها، ويستشهد بالخاطر الكريم قبل حضور دعواها، والمسؤول إصغاء السّمع الكريم إليه، والملاحظة فيما توجّه فيه متّكلا على الله وعليه، وإذا عاد مشمولا بعناية مولانا المعهودة، مكفولا برعايته المقصورة على نجح الآمال الممدودة، فلينعم على المملوك من المشرّفات الكريمة بما يسكّن على جور البعد خواطره الدّهشة، ويعينه على الوحشة الّتي حرّكها نحوه البعاد فهي الوحشة، والله تعالى يشكر همم مولانا غائبا وحاضرا، وشافعا لرسائل خدمه وناظرا، ويخصّ بابه العلويّ بسلام كسلام سقيط الطّل عن ورق الغصن ناضرا. آخر من كلامه: كتب به إلى بعض رؤساء مصر. وينهي أنه سطّرها معربة عن شوق مقيم، وعهد لا يبرح على صراطه المستقيم، وآرتياح لجنابه، أو لكتابه، ليتلو لإنصات شجوه: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ «1» ، متطلّعا لما يرد من أخبار مولانا السارّة البارّة، مرتقبا لأنبائه ارتقاب الزّهيرة الفاغرة إلى ضرع الغمام الدّارّة، ولو أنّ كلّ ما يتمنى المرء يدركه، وكلّ ما يقترح على الدّهر يملكه، لغني بقرب المخاطبة، عن بعد المكاتبة، واستجلى كوكب الجمال المشرق وأقصر في ليالي الانتظار عن المراقبة. وقد جهّزها على يد فلان، وحمّله من رسائل الشوق أوفى وأوفر من رسائل الصّفا، وسأل الإصغاء والملاحظة من مولى كجاره النيل معروف المنافع والوفا، ولآمال المملوك بمشرّفاته وأوامره جمال حين يريح وحين يسرح، وحين يقتصر على مقترحات الأيام حين يشرح، فينعم مولانا بمواصلتها على هذه المقدّمة، ويجعل ذلك من إدرارات صلاته المنجّمة، والله تعالى لا يعدم المملوك في حال كرمه، إما أن يفيض في القرب بحره وإما أن يبعث على البعد ديمه. وله إلى كاتب السر:

أعلى الله أمر قلمها على الأقلام، وأدام بفيض أنامله عليه بسط كلمة الإسلام، وراع بكتائب كتبه العدا إذا انتبهوا، فإذا أغفوا «سلّت عليهم سيوفها الأحلام» . ولا زالت تلك الأقلام العالية في تلك اليد الكريمة إن لم تكن من المنشئات، فإنها من المنشآت في البحر كالأعلام، تقبيل مواظب على دعاء يطلع طلوع طرّة الصبح تحت ذلك الظلام، وولاء إذا اعتبر الخاطر مسعاه وخدمته، قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ «1» . وينهي أنه جهّز هذه الخدمة مقصورة على وصف الأشواق الممدودة، وجوانح الشّجو المعهودة، وأنفاس التذكّر الّتي لولا شرف مذكورها لم تكن عنده من الأنفاس المعدودة، فيالها مقصورة على شوق ما فيها غير طيور الجوانح خفّاقة الجناح، سبّاقة الارتياح، ويا لها أنفاس ذكر أغنت منادمتها عن كيس كأس واقتراح وقت راح، ويا لها ورقة فازت بمشافهة لثم اليد الشريفة فكرمت وصفا، ونأت عن فخار الروض عطفا، واستطابت بشفاه السّطور على تلك البنان رشفا (طويل) . وسطّرتها والجسم أنحل ما يرى ... فيا ليتني أصبحت في طيّها حرفا واصلة إلى الباب الكريم بسلام وصل عبقه قبل ما وصلت، واردة على يد فلان وقد حمل من رسائل الصّفاء والودّ مثل ما حملت، وحصلت على القرب، ويا أسفى على ما حصل وحصلت. والمملوك يسأل الإصغاء إليها وإليه بفضل النظر والسّمع، والإنعام على المحبّ المفارق بمشرّفات تجلو عليه أيام جمع، وتعينه على أوقات وحشة إذا وصفها المشتاقون وأقلامهم ولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع، لا برح ذكر مولانا عليّا، وبرّه بملء الآمال مليّا، ووصفه بالتّقى وسحاب الجود على الحالين وليّا (سريع) .

يا منية النّفس ويا مالكي ... مذغبت عنّي لم تنم مقلتي. إن بنت عن عيني برغمي فقد ... سكنت في قلبي وفي مهجتي لا أوحش الله من طلعته، ولا أخلى من كريم مساعدته، وجمع شمل الأنس بخدمته. المملوك يشكو من المولى فراقا أوجب له على نفسه فرقا «1» وجيش صدود منحه من العزائم طوائف وفرقا، وداء صبابة كلّما ترجّى الإفراق «2» منه ازداد تلهّبا وحرقا، ووجوب قلب تحتّم لغيبته ووجب، ودمع عين يمحو مهما عبّر عنه لسان قلمه أو كتب، وقد أطال الهجر تألّمه وعتبه، وأطار سنته ولبّه، مذ وصل المولى غيره وقطع عنه كتبه، والمولى يعلم أنّ المملوك لفظ والمولى معناه، وسعده شخص وأنت وجهه الميمون ويمناه، فيواتر إرسال مكاتباته، ويتحف بمأثوره ولباناته، ويعطّر بذكره الجميل الأماكن ويشنّف المسامع، كما شرّف بحلوله فيها الأضالع، والله يديمه ويمدّه بالإسعاف والإسعاد، وينصره على الأضداد والحسّاد (وافر) . أقاسي من بعادك ما أقاسي ... وقلبك راحم وعليّ قاسي وأحمل من نواك بضعف نفس ... عناء يعجز الشّمّ الرّواسي وتبعدني وأمرك إن أتاني ... جعلت محلّه عيني وراسي قرّب الله أوبته، وعجّل رؤيته، وحرس نفسه من الغير والحادثات، وصان حجابه المنيع عن الملمّات المؤلمات، وجمّل الأيام بوجوده، والأنام بجوده، ولا زالت الدنيا به مجمّلة، وأعناق أبنائها لمننه متحمّلة.

صدرت هذه الخدمة إلى خدمته متضمّنة إهداء سلامه، وشاكية لغيبته جور أيّامه، ومنهية شدّة أشواقه الّتي أفنت بالصّبابة قلبه، وأذهبت حشاشته ولبّه، وهي في ذلك نائبة مناب سائر الخدم، ومعبّرة عن ألسنة الأقاليم بلسان القلم، فإنّ الأعين متطلّعة إلى رؤيته، والقلوب متعطّشة إلى قفوله ورجعته، كما تتطلّع إلى السماء عيون النّرجس، وتتعطّش الرّياض إلى الوابل الغدق بعد اليوم المحرّ المشمس، فالمولى يجعل مواصلته بأخباره فرضا لازما، ويمتنع من إغفاله كما يمتنع من لذّة الطعام إذا كان صائما، فإنّ المولى هو صورة الجود ومعناه، وبيته الكريم فناء الخير ومغناه، والناس ما لم يروك أشباه؛ حرسه الله وتولّاه، وضاعف علاه، والسّلام. (رجز) . يا أجمل الناس سناء وسنا ... جفت جفوني لجفاك الوسنا ثمار آلام، إلام أجتني؟ ... يا ليتني أعلم حظّي ما جنا وأنتم يا أهل بان لعلع ... مذ بنتم لم أر شيئا حسنا أقمتم بمنحنى أضالعي ... وسرتم يا أهل وادي المنحنا في بعدكم منيّتي لا تبعدوا ... وقربكم غاية سؤلي والمنا خلّد الله سعادته، وبلّغه من العلياء إرادته، وأثّل مجده، وأدام سعده، وأعذب منهله وورده. المملوك يتشوّق إلى لقائه، ويتشوّف إلى أنبائه، ويصف شديد أشواقه وصبابته، وحنينه إلى مشاهدة المولى ومشافهته، وما يجده لذلك من ألم في جوارحه الجريحة، وسقم في جوانحه الصحيحة، ويلتمس مواصلته بكتبه آناء الليل وأطراف النهار، وأخباره السارّة ليتضاعف له مزيد الاستبشار، فإنّ القلب بنار الصّبابة قد وقد، وأما صبره على [بعده] فقد فقد، ومتى ورد كتاب المولى شفي الغليل، وأبلّ «1» العليل، ونجع طعم الحياة ونجح التأميل، فليصيّر وتر

النوع السادس (في الاستزارة)

مكاتباته شفعا، ولا يجعل لوصلهنّ قطعا، والله يمنح عيشه خفضا ومكانه رفعا، والسّلام. شعر في معنى التشوّق (بسيط) قد كان لي شرف يصفو برؤيتكم ... فكدّرته يد الأيّام حين صفا غيره (طويل) . كتبت «1» للكتاب مجلّد ... على أنّه قبلي بلقياك يسعد النوع السادس (في الاستزارة) قال في «موادّ «2» البيان» : رقاع الاستزارة إنما تشتمل على وصف حالات «3» الأنس ومجالس اللّذّات، ومشاهد المسرّات. قال: ويجب على الكاتب أن يودعها حلو الألفاظ، ومؤنق المعاني وبارع التشبيهات، ويبالغ في تشويق المستزار إلى الحضور، ويتلطّف فيه أحسن تلطّف. وهذه نسخ من ذلك: علي بن خلف: رقعتي- أطال الله بقاء سيدي- ومجلسي بمن حلّه من خدمه، ونزله من صنائع كرمه، فلك مزيّن بأنجمه، فإن رأى أن يطلع فيه بدرا بطلوعه وينقل قدمه إليهم، ويكمّل نقصهم بتمامه، ويضيف ذلك إلى تليد إنعامه، فعل، إن شاء الله تعالى.

وله في مثله: قد انتظم لنا- أطال الله بقاء سيدي- مجلس رقّت حواشيه، وتبسّمت راحه عن حبب، كلأليء على ذهب، وقامت فيه سوق السّرور، لا يكسدها إلا تخلّفه عن الحضور، فإن رأى أن يكمّل جذلنا بإطلاع طلعته علينا، ويصدّق ظنّنا بنقل قدمه إلينا، سرّ وأبهج، وتمّم من الإحسان ما أخدج، إن شاء الله تعالى. وله: هذا- أطال الله بقاء مولانا- يوم صفيق الظّلّ، رقيق غلالة الطّلّ، قد ترفّعت شمسه ببرج أنسه «1» ، وافترّ جذلا عن مضاحك برقه، وترنّم طربا بزمجرة رعده، ووشت مدارج نسيمه، بأرج شميمه، وقام على منابر السّرور يخطب ابنة الكرم لابناء الكرام، وينادي بأعلى صوته: حيّ على المدام، فقد وجب على كلّ موفّق لاجتناء ثمار السّرور، والتحاف عطاف الحبور، أن يلبّي دعوته، وينتهز فرصته، ويعوّضه من شمسه الآفلة، براح لإظهار ما اختفى من شعاعها كافلة، ويقفه على التّملّي بالكاس والنّدمان، ويجعله سلكا ينتظم فيه الإخوان. ورقعتي هذه صادرة إلى مولاي وقد تهيّأ لنا مجلس من مجالس الأنس، يبسط تجعّد النفس، فيه بغم «2» ونغم، ومزهر وزهر، وخلّان قد تراضعوا لبان العقار، وتساهموا نقل «3» الوقار، وشجعوا في معارك الخمّار، وأدمنوا على المماساة والابتكار، إلّا أنّ هذا المجلس مع تمامه مخدج، وعلى كماله مختلج، لبعد مولاي الحالّ منه محلّ الواسطة من النّظام، والأرواح من الأجسام، فإن رأى أن يكمّل منه ما نقص، ويميط عنه [ما نغّص] فليجمّلنا بالمصير إلينا، والطّلوع

علينا، وإعفائنا من إضجار الانتظار، معتدّا بذلك في كريم الأيادي والمبارّ، إن شاء الله تعالى. وله في مثله: هذا اليوم- أطال الله سيدي- يوم أعرس فيه الجوّ بالجارية البيضاء فخدّرها، وحجبها بسجف «1» الغمام وستّرها، واختال اختيال المعرّس في معرّسه، بمصندله وممسّكه ومورّسه، واتّخذ من ذهب البوارق نثارا، واستنطق من زنّار الرّواعد أوتارا، ودعا إلى حضور وليمته، والسّرور بمسرّته، فإن رأى أن يلبّي طلب «2» هذا اليوم الصّفيق، ويتمتّع بعيشه الرافغ «3» الرّفيق، فليطلع علينا طلعته الّتي تبهر القمر المزهر، وتصدع الليل المعتكر، لينهض غرّة الإصباح، بغرّة الراح، ويقطف ثمار الأنس والمحاضرة، ويتملّى بالسّماع والمذاكرة، ويأخذ بحظّ من لذاذة الفيخة الشبيهة بشمائله، ويعدّ ذلك من مبارّه وفواضله، [فعل] إن شاء الله تعالى. وله في الاستزارة في بستان: كتبت- أطال الله بقاء سيّدي- وقد غدوت في هذا اليوم [إلى] بستاني والطّير في الأوكار، والأنداء «4» تهبط كالتّيّار، والليل مشتمل على الصّباح اشتمال الأدهم على الأوضاح، عازما على مشارفته ومشارفة ما استمددت من عمارته، لا للخلوة فيه بمعاطاة المدام، ومؤانسة النّدام، فحين سرّحت الطّرف في ميادينه وجداوله، وأقبلت على تصفّح حلاه وحلله، رأيت مناظره تعتلق القلوب اعتلاق الأشراك؛ وتعتاق المستوفز عن الحراك، وتقيم قاعد المزاج والنّشاط، وتوقظ هاجد الفرح والانبساط؛ فمن أشجار كالأوانس، في ريحانيّ الملابس، حالية من موشّع الزهر والثمر، بأنصع من الياقوت والجوهر، كأنما تحفّلت لاجتلاء

عروس، أو معاطاة كؤوس، ما بين نخيل قد نشرت عذب السّندس على ذراها، وأطلعت طلعا كالخناجر غشيها صداها، ونارنج يحمل أكبر العقيان، أو وجنات القيان، وأترجّ «1» قد استعار ثمرة أشواق العشّاق، إذا صالت عليهم يد الفراق. ومن ريضان «2» زاهية بنشرها، وقضبها مختالة في ملابس زهرها، ونرجسها كعين محبّ حدّق إلى الحبيب، وثنى جيده خوف الرّقيب، إذا عبث به النّسيم جمع بين كلّ قضيب وإلفه، وسعى بالاعتناق من شوقه وكلفه، ووردها كمداهن ياقوت فيها نضار، وشقيقها كمدامات عقيق فيها صوار «3» ، وبنفسجها فخذ تمضي فيه من القرص آثار، أو جام لجين عليه من النّدى نثار. ومن أنهار قدّت حافاتها قدّ الأديم، وحدّت على صراط مستقيم، بجرة مسجورة، كالسّيوف المشهورة أو المهارق المنشورة، إذا خمشها الهوى خلع عليها متون المبارد، أو سلوخ الأساود، يتخرّق ذلك كلّه نسيم رقيق الغلائل، حلو الشمائل، يسعى بالنّميم، في المعاطس والشّميم، انصبّت إلى مجلس فسيح البناء، ضيّق الأقناء، موشّى الجدران والسّماء، في صدره شاذروان «4» يرمي بكسر البلّور، وفي وسطه نهر ينساب ماؤه انسياب الشّجاع المذعور، وتتوسّطه بركة منمنمة ينصبّ الماء إليها بالدّوالي إلى أربع شاذروانات، ويخرج عنها من أربع فطيمات، يحتفّها كلّ شجر مثمر، وروض مزهر، فقلت: هذا المراد الذي

النوع السابع (في اختطاب المودة وافتتاح المكاتبة)

يحطّ به الرائد رحله، ويوفد إليه أهله، ويدعو إلى اختيار من يهبّ إلى السّرور، ويساعد على الحضور، للمشاركة في التملّي ببهجته، والتمتّع بنضرته، فكان مولاي أوّل من جرى إليه ذكري، ووقع عليه طرف فكري؛ لأنه الساكن في فؤادي، الحالّ في محلّ رقادي، فإن رأى أراه الله ما يقرّ العين أن يكمّل مسرّتي بنقل قدمه إليّ، وإطلاع سعد طلعته عليّ، ليتمّم محاسن ما وصفته، ويكمل الالتذاذ بما شرحته، فعل، إن شاء الله تعالى. أجوبة رقاع الاستزارة قال في «موادّ البيان» : لا يخلو المستزار من الإجابة إلى الحضور أو التثاقل عنه فإن حضر على الفور، فلا جواب لما نفذ إليه، وإن وعد الحضور وتلوّم ليقضي شغلا ويحضر، فينبغي أن يبني الجواب على سروره بما دعي إليه، وحسن موقعه منه، وأنّ تلوّمه للعائق الذي قطعه عن أن يكون جوابا عما ورد عليه، وأن حضوره يشفع رقعته. وإن أيس من الحضور، وجب أن يبنى الجواب على ما يمهّد عذره، ويقرّر في نفس مستزيره أنه لم يتأخّر عن المساعدة على الأنس إلّا لقواطع صدّت عنه، يعلم المعتذر إليه صحّتها لينحرس ما بينهما من المودّة، فإنّ كثيرا ما تتفاسد الخلّان من مثل هذه الأحوال. النوع السابع (في اختطاب المودّة وافتتاح المكاتبة) قال في «موادّ البيان» : الرّقاع الدائرة بين الإخوان في اختطاب المعاشرة، وانتماء المكاثرة، وطلب الخلطة والمؤانسة، يجب أن يقدّر الخطاب فيها على أن يصل المرغوب في عشرته إلى الانخراط في سلك أحبّائه، والانحياز إلى أهل ولائه، ويبعث على قصده، في الالتحاق بودّه، ويدلّ على المماحصة، والصّفاء والمخالصة، وما جرى هذا المجرى مما يتعامل به أخلّاء الصّدق، ويجعلونه مهرا لما يلتمسونه من الممازجة، ويرومونه من الاختلاط والمواشجة. قال: وينبغي أن يذهب الكاتب في هذه الرّقاع مذهبا لطيفا، ويحسن

التوصّل إلى الإفصاح عن أغراضها، ليأخذ بمجامع القلوب، ويعين على نيل المطلوب. وهذه نسخ من ذلك: رقعة: وينهي أنّ المملوك لم يزل مذ وقع طرفه على صورته، وولج سمعه بعد شيمته، يناجي نفسه بافتتاح مكاتبته ومراسلته، واختطاب ممازجته ومواصلته، رغبة في الاعتقاد بإخائه، والارتشاف من مشارع صفائه، والمقادير تطوي الطّويّة على ما فيها، والعوائق تمطل النيّة بنجاز ما تنويه وتلويها، إلى أن أذن الله تعالى بإعراض الأعراض، وانقباض أسباب الانقباض، فأظهر المملوك ما في القوّة، واثقا من مولانا بحسن المروّة، وأنه يوجب القبول بإجابته، ويجيب إلى مساعدته، ويرضى المملوك أهلا لاصطفائه، ومحلّا لإخائه، عالما بإيجابه للحقّ، والمعرفة بالسّبق، وأن تلقى هذه الرغبة بالقبول، ويسلّم إليها مفتاح المأمول. رقعة: لو كانت المودّة لا تحصل إلّا عن ألفة تالدة، ومواصلة سالفة، لم يستطرف المرء صفيّا، ولم يستحدث وليّا. وما زال البعداء يتقاربون، والمتناكرون يتعارفون. ولمّا نمي إلى المملوك من أنباء مولانا ما تضوّع عطره، وطاب نشره، سافر بالأمل إليه، وقدم بالرّغبة عليه، طالبا الانخراط في سلك أوليائه، والاختلاط بخاصّته وخلصائه، ومثل مولانا من أجاب السّول، وصدّق المأمول، والمملوك يرجو أن تكشف الأيام لمولانا منه عن خلّة صادقة، ومودّة صحيحة، لا تضيع معها إجابته، ولا تخسر صفقته. رقعة: وينهي أنّ المملوك ما زال مذ وقع طرفه على صورته البدريّة، وأحاط علما بخلائقه المرضيّة، راغبا في مواشجته، باعثا نفسه على اختطاب مودّته، وإكباره يقعده، وإعظامه يبعده، فلما تطاول يراع همّته، شجعت على إنفاذ عزمته، فقدّم مكاتبته أمام مشافهته، فإن حظي بالإجابة وتنويل الطّلبة، فقد فاز قدحه، وتبلّج صبحه، ونال مناه، وبلغ رضاه، وصادف هناه، وديدا موثوقا

بودّه، مسكونا إلى عقده وعهده، يحمده عند الاختبار، ويعرف به صحّة رأيه عند الاختيار، والمملوك يرجو أن يصحّ ما سأله وكفله، إن شاء الله تعالى. رقعة: وينهي أنّ من عمر الله تعالى بثنائه المحافل، وعطّر بأنبائه الفضائل، وأقام من مساعيه الكرام خطيبا يخطب بسودده وفضله، ويعرب عن شرف محتده «1» وأصله، تطلّعت الآمال للانتظام في سلك أحبّائه، وتشوّفت الهمم إلى الامتزاج بخلصائه وأوليائه، لما يضفو على المعتصم بعرى مصافاته من لباس جماله، ويحلّي المعتزي إلى ولائه من خلى جلاله، وأحقّ من أسعفه مولانا بالمودّة إذا خطبها، وأجابه إلى المصافاة إذا طلبها، من بدأه بالرّغبة، ومتّ إليه بالمحبّة، لا لمرغب ولا مرهب، واختاره لنفسه على علم بكماله، ومعرفة بشرف خلاله. وما زال المملوك مذ أطلعه الله على ما خصّ به مولانا من المحاسن المتعذّرة إلّا لديه والفصائل الممتنعة إلّا عليه، يحوم على مسارع ممازجته ولا يردها، ويروم مواقع مواشجته ولا يعتمدها، إكبارا لقدره، وإعظاما لخطره، وخوفا من تصفّحه ونقده، وإبقاء على ماء وجهه من ردّه. والمملوك وإن كان عالما بأنّ كرم مولانا يرقع الخلل، وفضله يصدّق الأمل، فإنه لا يعدم مذ رغب في قرب مولانا ما لعلّه يجده فيه، مما يخالف مذهبه وينافيه، إذ كان لا يبلغ تضاهيه في التّمام وتوافيه، إلى أن أذن الله تعالى بأن أبلغ نفسه الأمنيّة، وأظهر ما طويت عليه الطّويّة، فكتب هذه الرّقعة وجعلها فيما رامه من الاعتلاق بحبل مودّته سفيرا، وعلى ما التمسه من الانضمام إلى جملته ظهيرا، وقدم بها عليه وظنّه يترجّح عن الإعراض إلى القبول، ثقة بقرب نيل المأمول، فإن رأى أن يجيبه إلى ما سأله، ويسرّه بتنويل ما اقترحه، فعل، إن شاء الله تعالى.

اختطاب المودّة ومفاتحة المكاتبة من كلام المتأخرين: الشيخ جمال الدين بن نباتة: وضاعف للممالك ببقائه الانتفاع، وبارتقائه الارتفاع، وسرّ بمحاسن نظره وخبره العيان والسّماع. ولا زال للمحبّين من ودّه عطف المتلطّف وللأعداء من بأسه خطف الشّجاع، أصدرها المملوك منطوية على ما عهد من صدق المحبّة، ووفاء العهود المستتبّة، ودرر المحامد الّتي لا تسوى «1» لديها درر العقود حبّة، مبدية لعلمه الكريم أنّ المودّات إذا صفت، والقلوب إذا تجنّدت وتعارفت، حثّت المحبّين في البعاد على المفاتحة بكتبهم ورسائلهم، والمخاطبة في ظلال الأوراق بألسنة أقلامهم من لهوات أناملهم، إيثارا لتجديد الأنس وإن صحّ الميثاق، وتذكارا لخواطر الودّ، وإن رسخت منه الأصول ونمت الأعراق، ولذلك فاتح بها مخاطبا، وارتقب لمناديها بالأخبار السارّة مجاوبا، نائبة عنه في مشاهدة الوجه الكريم، ومصافحة اليد في حديث برّها القديم، تستطلع أخباره، وتستعرض أوطاره، وتحيّي بالسلام وجهه وعهده ودياره، على يد فلان، وقد حمل من المودّات والمشافهات ما يعيده على السّمع الكريم المنعم بإصغائه، المصغي بنعمائه، المتحف بالمهمّات الّتي يحصل فوز القيام بها، والمشرّفات الّتي كلّ أسباب السّرور متصل بسببها، والله تعالى يبهج من تلقائه سمعا ونظرا، ويبقي عيش حاسده هشيما وعيش محبّيه نضرا، ويديم رياض ذكره تالية على المسامع: فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً «2» . أجوبة اختطاب المودّة قال في «موادّ الليان» : لا يخلو من يرام ذلك منه من أن يجيب أو يعتلّ،

النوع الثامن (في خطبة النساء)

فإن أجاب بنى الجواب على وقوع رغبة المختطب أحسن مواقعها، وابتهاج المختطب بها، ومعرفته بقدر ما رآه أهلا له ومسارعته إليه، وإن اعتلّ بنى الجواب على أنه قد عرض له ما يقصر عنه، ولا ترضى نفسه به، وأنّ العذر [ليس] بعادة له في المزايلة، وطريقة في الانفراد والمجانبة. النوع الثامن (في خطبة النّساء) قال في «موادّ البيان» : الرّقاع في التماس الصّهر والمواصلة يجب أن تكون مبنيّة على وصف المخطوب إليه بما يقتضي الرّغبة، ويدل الخاطب عن نفسه بما يؤدّي إلى الكفاية والإسعاف بالطّلبة. قال: وينبغي للكاتب أن يودعها من ألفاظ المعاني المنتظمة في هذا الباب أوقعها في النّفوس، وأعودها بتقريب المرام، وأدلّها على صدق القول فيما تكفّله من حسن معاشرة، ولين معاملة، وأن يذهب بها إلى الاختصار والإيجاز. وهذه نسخ من ذلك: مما أورده أبو الحسين بن «1» سعد في ترسّله: وأفضل تلك المواهب موقعا وألطفها وأحمدها عاقبة، وأرهنها يدا، ما يؤلّف الله به القربات، ويؤكّد به الحرمات، ويوجب به الصّلات، ويجدّد به المكرمات، ويحدث به الأنساب، ويقوّي به الأسباب، ويكثّر به من القلّة، ويجمع به من الفرقة، ويؤنس به من الوحشة، ويزداد به في الحقوق وجوبا، وفي المودّات ثبوتا، ثم لا مثل لما كان لله طاعة ورضاء، وبأمره أخذا واقتداء،

وبكتابه قدوة واحتذاء، فالله نسأل الخيرة في قضائه، والبركة فيما يقوم «1» بناؤك عليه. ومنه: تصل رحما، وتعقد سببا، وتحدث نسبا، وتجدّد وصلة، وتؤكّد ألفة. رقعة: من خصّه الله تعالى بما خصّ به سيّدي، من طهارة الأعراق والأنساب، وشرف الأخلاق والآداب، وأفرده باجتماع خلال الخير المتفرّقة في الأنام، وعطّر بثنائه ملابس الأيّام، رغب الأحرار في مواصلته، وهان عليهم بذل الوجه في اختطاب ممازجته، والتماس مواشجته ومناسبته، وجدير من رغب إليه، وطلب ما لديه، واختير للمشابكة في الولد واللّحمه، والمشاركة في المال والنّعمة- أن يجيب ولا يمنع، ويصل ولا يقطع، مصدّقا لأمل من أفرده بارتياده، وتوحّده باعتماده، عارفا حقّ ابتدائه بالثّقة الّتي لا يجوز ردّ من اعتقدها، ولا صدّ من حسّن ظنّها، وقد علم الله تعالى أن [مضى] للمملوك مدّة طويلة [وهو يبحث] متطلّبا مربعا للتأهّل، مؤثرا لعمارة المنزل، راغبا في سكن تطمئنّ النفس إليه، وتعتمد في الفواتح والمصاير عليه، وكلّما عرض للمملوك بيت أباه، أو ذكر له جناب قطع عنه رجاه، لعدم بعض الشروط الّتي يريدها فيه، وتعذّرها عليه، فلما قرع سمعه ذكر سيدي علم أنّه الغاية الّتي لا مرقى بعدها، والنهاية الّتي لا مطمح وراءها، وأنه قد ظفر بالثّقة، ووصل إلى الأمنيّة، ووجد من يجمع الخلال المرضيّة ويزيد، ويحوز من الفضل الشأو البعيد، وكتب المملوك هذه الرقعة خاطبا كريمته فلانة [ليكون لها] كالغمد الضامن للمهنّد، والجلد الحافظ للمجلّد، ويكون لمولانا كالولد البرّ بأبيه، ولأخيها كالصّنو الشفيق على أخيه، فإن رأى سيدي أن يتدبّر ما كتبه المملوك ويتسمّع من توكيد رقعته، ويجيبه إلى ما سأله فله علوّ الرأي في ذلك إن شاء الله تعالى.

رقعة: وينهي أنّ مولانا بما تمّم الله من محاسنه ومناقبه، جدير أن يلقى من خطب الاعتصام بعرى ممازجته، وسعى في نيل علقه من مواشجته، بالقبول، القاضي بنيل المأمول، ودرك الرّغب والسّول، ولا سيّما إذا كان عارفا من سموّ خطره، واعتلاء قدره، ما يقضي عليه بخفض الجناح في معاشرته، وغضّ الطّرف في معاملته، والوقوف دون درجة المساواة والمماثلة، والتزحزح عن رتبة المباراة والمطاولة، والانتظام في سلك الأتباع والحاشية، والخدّام والغاشية، وكثيرا ما وجد المملوك البركة في مشاركة من هذه صفته أوفر منها في مشاركة النّظراء، وكانت العاقبة في مشابكة من هذه حاله أجمل منها في مشابكة الأكفاء، الذين يصادفون في الحقوق شططا، ولا يغضّون عن يسير الواجبات تبسّطا؛ لأنهم يرون أنّ الوصلة ممّن داناهم في الرّتبة والمنزلة ليست عائدة عليهم بشرف، ولا مظهرة لهم من خمول؛ ولأن يستخلص مثل سيّدي من الرّؤساء، مثل المملوك من الأولياء، ويختصّه بأثرة الاجتباء والاصطفاء، فيكون مفخره إليه منسوبا، وما يرقّيه الله تعالى إليه ببركته من درج الفضل في نفسه محسوبا، أولى من طلب مماثل يناويء بقدره ويطاول. على أنه لو طلب ذلك لطلب معوزا، ورام معجزا؛ لما أفرده الله تعالى به من السّيادة الّتي لا يترامى إلى منزلتها، ولا يتسامى إلى مطاولتها، وإذا كان النظير معدوما، والكفؤ مفقودا، ولو وجد لمال متسلّطا، ووقع سومه «1» منبسطا، ومولانا يطلب إليه ولا يطلب، ويرغب فيما عنده ولا يرغب، فقد سهلت السبيل إلى ما يرومه المملوك من جهته، ويؤثره من مواصلته، واتّسع المجال فيما يقدم عليه من الرّغبة في تقليده شرف مصاهرته، وإضافته بذلك إلى بطانته وأهل خاصّته، ويخرجه على ما يخرج عليه الوالد ولده، والسيّد عبده، وقد حمّل المملوك موصّل مطالعته هذه ما لم تسع إيداعه

المكاتبة، فإن رأى مولانا أن يصغي إليه ويجيب عبده بما يعتمده المملوك في ذلك فله الفضل، إن شاء الله تعالى. رقعة: وينهي أن لذوي المناجب الطيّبة الأنساب، والمناحت الزّكية الأحساب، والأخلاق الكريمة والآداب، بين الأنام لسان صدق يخطب لهم بالمحاسن والمحامد، ويعطّر بثنائهم الصادر والوارد، ويدعو القلوب إلى نيل علقه من ممازجتهم، والتمسّك بطرف من مواصلتهم، وقد جمع الله لمولانا من كريم المتلد «1» والمطرف، وقديم وحديث الفضل والشّرف، ما تفرّق في السّيادات، وتوزّع على أهل الرياسات، وجعله في طهارة المولد، وطيبة المحتد «2» ، واستكمال المآثر، واستتمام المفاخر، علما ظاهرا، ونجما زاهرا، فما من رئيس سوى مولانا تعجزه خلّة من خلال الرياسة إلّا وجدها لديه، ولا نفيس تعوزه خصلة من خصال النّفاسة إلّا استماحها من يديه، ولذلك امتدّت الأعناق إلى التمسّك بحبله، وتطلّعت الهمم إلى مواشجته في كريم أصله، وصار مرغوبا إليه لا راغبا، ومطلوبا لديه لا طالبا، وهو جدير بما وهبه الله من هذا الفضل الذّائع، والنّبل الشائع، أن يجيب سائله، ويصدّق آمله، ولا يتجهّم في وجه قاصده، ولا يردّه عن مقصده، ولا سيّما إذا كان قد أسلفه الظنّ الجميل، وبدأه بالثّقة والتأميل، وتعذّر عليه قدر العارف بقدره، العالم بخطره، المرتضي بشرائطه، النازل على حكمه، المتدبّر برأيه، وقد علم الله تعالى أنّ المملوك مذ نشأ وصلح للتأهّل مرغوب فيه، مخطوب إليه، من عدّة جهات جليلة، وجنبات رئيسة، والمملوك صادّ عن الإجابة، صارف عن المطاوعة؛ لشذوذ بعض الشّروط الّتي يروم أن تكون مجتمعة في النّسب، الذي أعدّه شريكا في الولد والنّشب «3» ، ومفاوضا في الحال والسّبب، مرتاد من يقنع

بالموافقة، ويرتضي بالعشرة والمرافقة، حتّى أفضى في الانتقاد إلى مولانا فوجد المراد على اشتراط، وألفى المقصود على اشتطاط، فدعاه ذلك إلى التهجّم بعد الإحجام، وحمله على التجاسر والإقدام، والتوسّل إلى مولانا بما يتوسّل به الأحرار، إلى الأخيار، وأمّه بصادق الرغبة وصميم المحبة والانبساط، في خطبة كريمته فلانة، على أن يعاشرها بغاية الأنس، ويصحبها صحبة الجسد للنّفس، ويعرف لها من قدر أبوّتها وأمومتها ما تستحقّ برياستها، وقد أصدر هذه الرقعة نائبة عنه في ذلك، فإن رأى مولانا أن يتحفه بالقبول، ويجعله أهلا لإجابة السّول، فله الفضل في ذلك، إن شاء الله تعالى. ومن النادر الغريب ما ذكره الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي في «حسن التوسّل» في الكتابة إلى شخص في تزويج أمه، وهو: هذه المكاتبة إلى فلان- جعله الله ممن يؤثر دينه على الهوى، وينوي بأفعاله الوقوف مع أحكام الله تعالى فإنما لكلّ امريء ما نوى، ويعلم أنّ الخير والخيرة فيما يسّره الله من سنّة نبيه صلّى الله عليه وسلّم، وأنّ الشّرّ والمكروه فيما طوى، نعرّض له بأمر لا حرج عليه في الإجابة إليه، ولا خلل يلحقه به في المروءة وهل أخلّ بالمروءة من فعل ما حضّ الشرع المطهّر عليه؟ وأظهر الناس مروءة من أبلغ النفس في مصالح حرمه عذرها، ووفّى من حقوق أخصّهنّ ببرّه كلّ ما علم أنّ فيه برّها، وإذا كانت المرأة عورة، فإنّ كمال صونها فيما جعل الله فيه سترها، وصلاح حالها فيما أصلح الله به في الحياة أمرها، وإذا كانت النساء شقائق الرجال في باطن أمر البشريّة وظاهره، وكان الأولى تعجيل أسباب العصمة فلا فرق بين أوّل [وقت] «1» الاحتياج [إلى ذلك] «2» وآخره، وما جدع الحلال أنف الغيرة إلّا ليزول شمم الحميّة، وتنزل على حكم الله فيما شرع لعباده النّفوس الأبيّة، ويعلم أنّ الفضل في الانقياد لأمر الله لا في اتّباع الهوى بعضل الوليّة، وإذا كان برّ الوالدة أتمّ، وحقّها أعمّ، والنظر في صلاح حالها أهمّ،

تعيّنت الإجابة إلى ما يصلح به حالها، ويسكن إليه بالها، ويتوفّر به مالها، ويعمر به فناؤها، ويحصل به عن تقلّد المنن استغناؤها، وتحمل به كلفة خدمها عنها، وتدفع به ضرورات لا بدّ لذوات الحجاب والحجال منها، ويصفو به ستر الإحصان والحصانة عليها، ويظهر به سرّ ما أوجبه الله لها من تتبّع مواقع الإحسان إليها. وقد تقدّم من سادات السّلف من تولّى ذلك لوالدته بنفسه، واعتدّه من أسباب برّ يومه الذي قابل به ما أسلفته إليه في أمسه، علما منهم أنّ استكمال البرّ مما يعلي قدر المرء ويغلي، وقد أجاب زيد «1» بن زيد العابدين هشاما لمّا سأله: لم زوّجت أمّك بعد أبيك؟ فقال: لتبشّر بآخر مثلي، لا سيّما والراغب [إلى المولى] «2» في ذلك ممن يرغب في قربه، ويغبط على ما لديه من نعم ربّه، ويعظّم لاجتماع دنياه ودينه، ويكرم ليمن نقيبته وجود يمينه، ويعلم أنّ العقيلة تحلّ منه في أمنع حرم، وتستظلّ من ذراه بأضفى ستور الكرم، مع ارتفاع حسبه، واشتهار نسبه، وعلوّ قدره في منصبه وحاله وسببه، وأنه ممن يحسن أن يحلّ من المولى محلّ والده، وأن يتجمّل من ذرّيته بمن يكون في الملمّات بنانا ليده وعضدا لساعده، فإنّ المرء كثير بأخيه، وإذا أطلق عليه بحكم المجاز لفظ العمومة، فإن عمّ الرجل صنو أبيه، وأنا أتوقّع من المولى الجواب بما يجمع شمل التّقى، ويعلم به أنه تخيّر من البرّ أفضل ما ينتقى، ويتحقّق بفعله

النوع التاسع (في الاسترضاء والاستعطاف والاعتذار)

أنّ مثله لا يهمل واجبا، ولأمر ما قال الأحنف «1» وقد وصف بالأناة: لكنّي أتعجّل أن لا أردّ كفؤا خاطبا. النوع التاسع (في الاسترضاء والاستعطاف والاعتذار) قال في «موادّ البيان» : المكاتبة في استعطاف الرّؤساء، وملاطفة الكبراء، تحتاج إلى حسن تأتّ؛ لما تشتمل عليه من إيجاب حقوق الخدمة، وما أسلفوه من مرعيّ الخدم، وما يتبع هذا من التنصّل والاعتذار الذي يسلّ السخائم من القلوب، ويستنزل الأوغار من الصّدور، ويطلع الأنس وقد غرب، ولها موقع في تأليف الكلام. قال: وينبغي للكاتب أن يستعمل فيها فكره، ويوفّيها حقّها من جودة الترتيب، واستيفاء المعاني، وأن يذهب إلى استعمال الألفاظ الجامعة لمعاني العذر، الملوّحة بالبراءة مما قرف «2» به، ولا يخرج لفظه مخرج من يقيم الحجة على براءة الساحة مما رمي به، فإنّ ذلك مما يكرهه الرؤساء؛ لأنّ عادتهم جارية بإيثار اعتراف الخدّام لهم بالتقصير والتفريط والإخلال بالفروض، ليكون لهم في العفو عند الإقرار عارفة توجب شكرا مستأنفا، فأما إذا أقام التابع الحجة على براءته وسلامته مما رفع عنه، فلا يوضع الإحسان إلا «3» إليه في إقراره على منزلته، والرّضا عنه والاستعطاف، بل ذلك واجب له، في منعه منه ظلم.

وهذه نسخ من ذلك: لابي الحسين بن سعد: فإن رأيت أن تنظر في أمري نظرا يشبه أخلاقك المرضيّة ويكون لحسن ظنّي بك مصدّقا، ولعظيم أملي [فيك] محقّقا، ولما لم تزل تعدنيه منجزا، ولحقّ حرمتي بك وقديم اتّصالي بأسبابك قاضيا، فعلت، إن شاء الله تعالى. ومنه: لسليمان «1» بن وهب: من انصرف في الاحتجاج إلى الإقرار بما يلزمه وإن لم يكن لازما، فقد لطّف الاستعطاف، واستوجب المسامحة والإنصاف. ومنه: وقد نالني من جفوة الأمير بعد الذي كنت أتعرّف من برّه وألطافه أمر أحلّني محلّ المذنب في نفسي مع البراءة من الذّنب، وألزمني الإساءة مع الخروج من التقصير، وزاده عندي عظما وشدّة أنّي حاولت الخروج منه بالاعتذار، فلم أجد لي إلى الأمير ذنبا أعتذر منه، ولا عليّ فيما ألزمني من معتبته حجة أحاول دفعها والتخلّص منها، فأصبحت أعالج من ذلك داء قد خفي دواؤه، وأحاول صلاح أمر لم أجن فساده، فإن رأيت أن تفعل كذا وكذا فتصل قديم ما أصبح عندي من معروفك بحديثه، فليس عندي في مطالبة حجّة أنجح من التوجّه إلى الأمير بنفسه، والثقة عنده بفضله، فإن كنت مذنبا عفا، وإن كنت بريئا راجع. ومنه: لأبي «2» عليّ البصير:

وأنا أحد من أسكنته ظلّك، وأعلقته حبلك، وحبوته بلطيف برّك، وخاصّ عنايتك، وانتصف بك من الزّمان، واستغنى بإخائك عن الإخوان، فهو لا يرغب إلّا إليك، ولا يعتمد إلّا عليك، ولا يستنجح طلبه إلّا بك، وقد كان فرط منّي قول: إن تأوّلته لي، أراك أوجه عذري، وقام عندك بحجّتي، فأغناني عن توكيد الأيمان على حسن نيّتي، وإن تأوّلته عليّ، أحاق «1» بي لائمتك وحبسني على [أسوإ] حال عندك، وقد أتيتك معترفا بالزّلة، مستكينا للموجدة، عائذا بالصّفح والإقالة، فإن رأيت أن تقرّ عينا قرّت بنعمتك عندي، ولا تسلبني منها ما ألبستني، وأن تقتصر من عقوبتي على المكروه الذي نالني بسبب عتبك عليّ، وتأمر بتعريفي رأيك بما يطأمن هلعي، وتسكن إليه نفسي، ويأمن به روعي، فعلت، إن شاء الله تعالى. ومنه: لأبي الحسين بن أبي «2» البغل: نبوّ الطّرف من الوزير دليل على تغيّر الحال عنده، والجفاء ممن عوّد الله البرّ منه شديد، وقد استدللت بإزالة الوزير إيّاي النّحل الذي كان نحلنيه بتطوّله، على ما سؤت له ظنّا بنفسي، وما أخاف عتبا؛ لأني لم أجن ذنبا، فإن رأى الوزير أن يقوّمني لنفسي، ويدلّني على ما يريده منّي، فعل، إن شاء الله تعالى. ومنه: لأبي «3» الرّبيع:

أصدق المقال، ما حقّقه الفعال، وأفضل الخبر، ما صدّقه الأثر. ومنه: لمولانا سيرة في الفضل والإحسان ما أمّلها آمل إلّا جادت وسخت ومنحت، وعوائد في العفو ما رجاها راج إلّا صفحت وسمحت، وأحقّ من تلقّاه عند العثار، بالإقالة والاغتفار، ووقف به عند حدّ التقويم والإصلاح، ولم يعرّضه لنقيصة الإقصاء والاطّراح، من شفع الهفوة بالاعتذار، وخطب التغمّد بلسان الإقرار، ودلّت التجارب منه على حسم الأضرار، وكان له من سالف الخدم وسائل وذرائع، ومن صحيح الإخلاص ممهّد وشافع، فلا عجب أنّ المملوك يهفو فيعفو، ويظلم فيكظم، ويجهل فيحلم، ويخطيء فيصيب، ويدعو متنصّلا فيجيب، وقد جعل الله سهمه المعلّى، ويده الطّولى، وألهمه التفضّل بالإنعام، والتغميض عن زلّات الكرام، وقد حصل للمملوك في هذه النّبوة من إزرائه على عقله، وتقبيحه لفعله، أعظم تجربة، وأكبر مأدبة، والمملوك يسأل إحسان سيّدي أن يعيده إلى رضاه ولطفه، ويؤنس منه مستوحش إقباله وعطفه، ويصدّق رجاءه فيه، ويجزل ثواب وفادته عليه، إن شاء الله تعالى. رقعة: المملوك يخطب صفح سيّده وإقالته بلسان الاغتفار، ويستعيد ما عرف من رضاه وعاطفته بوسائل الاعتذار، ليكون المتفضّل في كلّ الحالات، والمنعم من كلّ الجهات، وقد عرف السّهو والنّسيان، المعترضين للإنسان، وأنّهما يحولان بينه وبين قلبه، ويزوّران عليه خطأه في صورة صوابه، فيتورّط في السّقط غير عامد، ويتهوّر في الغلط غير قاصد، وقد قال الله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ «1» . وما أولى مولانا بأن يحفظ على المملوك جميل آرائه، ولا يسلبه ما شمله من ظلّ آلائه، ولا يسمه بميسم العقوق فإنه يجد نفسه بخلاف ذلك في طاعته، ومرتبتها بغير هذه الرتبة في خدمته. فصل: وقد آوى سيدي المملوك من ظله، وأعلقه من حبله، وأسبغ عليه

من فضله، ما أنصفه به من الزّمان، وأغناه عن الإخوان، ووقف رغباته عليه، وصرف آماله إليه، ونزّله منزلة من لا يشكّ في اعتقاده، ولا يستريب بوداده، وكان المملوك أرسل لفظا على سبيل الإشفاق ذهب به الحاسد إلى غير معناه، وخالف في تفسيره حقيقة مغزاه، وأحاله عن بنيته، وعرضه عليه على غير صورته، ليوحش محلّ المملوك المأنوس من رعايته، وينفّر سربه المطمئنّ بملاحظته وعنايته، وقد أرسل المملوك هذه العبوديّة سائلا في محو إظلام موجدته، وأن يعيد المملوك إلى مكانه من حضرته، إن شاء الله تعالى. لا أتوسّل إليك إلّا بك، ولا آتيك إلّا من بابك، ولا أستشفع إليك بسواك، ولا أكل رجعة هواك إلّا إلى هواك، ولا أنتظر إلّا عطفتك الّتي لا تقودها زخارف الأموال، ولا تعيدها شفاعات الرجال (طويل) . إذا أنت لم تعطفك إلّا شفاعة ... فلا خير في ودّ يكون بشافع شعر في معنى ذلك (سريع) . هبني تخطّيت إلى زلّة ... ولم أكن أذنبت فيما مضى أليس لي من قبلها خدمة ... توجب لي منك سبيل الرّضى غيره (وافر) وحقّك ما هجرتك من ملال ... ولا أعرضت إلّا خوف مقت لأنّ طبائع الإنسان ليست ... على وفق الإرادة كلّ وقت اعتذار عن التأخر، من ترسل أبي الحسين بن سعد: إن لم يكن في تأخّري عنك عذر تقبله، فاجعله ذنبا تغفره. علي بن خلف: الأعذار- أطال الله بقاء سيّدي- تنأى على الامتناع، وتضيق على الاتّساع، وذلك بحسب ما تصادفه من قبول وردّ، ومسامحة ونقد، وأنا أحمد الله

على أن جعل عذري إلى من يتمحّل العذر للمعتذر، ويصفح صفح المالك المقتدر، كأنّما ائتمّ بقول الشاعر (طويل) : إذا ما أتت من صاحب لك زلّة ... فكن أنت محتالا لزلّته عذرا ولم يجعله إلى من يغلّب هاجس الظّنون، على واضح الحجّة، ومعتلّ الشكّ على صحيح اليقين. ونمي إليّ أنّ غابطا «1» لمكاني من حضرته، حسدني على محلّي من مودّته، وزوّر ما ينكشف عن الإفك والبهتان، ودلّس الكذب في صورة البرهان، فلما جلّاه في معارض زخارفه أظهر لسيدي عواره» ، وأبدى لطرفه شواره «3» ، فشلّ «4» سمعه عن وعيه، وطرف طرفه عن رعيه، واستنمّ علائم شيمته، في حسن الضّنّ بأحبّته، فقدّمت من الاعتذار ما يقدّمه المذنب نزولا على طاعته، وتأدّبا في خدمته، وشفعته من الشّكر بما يقتضيه إحسانه ويوجبه. أبو الفرج «5» الببغاء: أحقّ المعاذير بالتقبّل وأولاها بسعة القلوب ما صدر عن استكانة الأقدار، ودلّ على حسم موادّ الأضرار، وصفا من كدر الاحتجاجات، وتنزّه عن تمحّل الشّبهات، ليخلص به ملك العفو، وتتكامل نعمة التّجاوز. ولست أكره شرف تأديبه، ونبل تثقيفه وتهذيبه، ما لم يتجاوز في العقوبة والتقويم إلى مؤلم الإعراض، ومضيض التنكّر والانقباض، ولا أخطب الإقالة من تفضّله إلّا بلسان الثّقة وشافع الخدمة، هاربا إلى سعة كرمه مما دفعتني المحبّة إليه، وأشفى بي عدم التوفيق عليه، فإن رأى أن يكون عند أحسن ظنّي به في الصّفح، كما هو عند أصدق أملي فيه بالإنعام، فعل.

وله في مثله: ليس يخلو الإغراق في التنصّل والمبالغة في الاعتذار من إقامة لحجّة، أو تمسّك باعتراض شبهة، وأنا أجلّ ما أخطبه من عظيم عفوه، وأكبر ما أحاوله من نعمة تجاوزه، عن المقابلة بعين الاعتراف بالزّلل وبعد الاستحقاق من الصّفح، ما لم يوجب لي بسعة تأوّله، ويعد عليّ فيه بعادات تفضّله، لتصفو منه الأعضاء، وتلزمني واجبات الشكر والثّناء، غير ممتنع مع ذلك من التبرّي إليه مما أنكره من تجاوز السّهو إلى العمل، والتوجّه إلى ما فرط بالاختيار والقصد اللذين يغفر بتجنّبهما مذموم الأفعال، ويتغمّد سيّيء الأعمال، فإن رأى أن يحمل أمري فيما قصدتني الأيام بتوجّه الظّنون فيه على غير النيّة لا ظاهر الفعل، إذ كانت صفات الإنسان بالأشهر من أخلاقه والأكثر من أفعاله، ولا صفة لي أعرف بها وأنسب إليها غير الاعتراف بإنعامه، والتّطاول من اصطناعه، آخذا من كلّ حال بالفضل، ومشفّعا بسطة الرياسة والنّبل. وله في مثله: لست أخلو في المدّة الّتي تجاوز الدهر لي عنها في خدمته من توصّل بفرط الاجتهاد، إلى ما وصل من رأيه إلى رتبة التقبّل والإحماد، وليس يحبط ما أتيته من مرضيّ الخدمة بالنيّة والعمد بما لعلّه فرط من غير مراد، إذ كان- أيده الله بفائض طوله، ومأثور فضله- آخذا من آداب الله بما أحاكمه منه «1» : إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ «2» . و [لو] لا إيثاري «3» مفترض الطاعة واستكانة الاعتداد، وأن لا أخطب رضاه بلسان الاحتجاج، ولا ألتمس عفوه بوجوب الاستحقاق، لتسلم له صفات التفضّل، ولي مواتّ الاعتراف بسالف التطوّل، لبرهنت على سلامتي مما قصر عليّ بتوجّه الظّنون واعتراض الأوهام، ولا أقول

النوع العاشر (في الشكوى - أعاذنا الله تعالى منها)

بشعث النيّة وفساد الرأي، فإن رأى أن يحفظ ما ابتدأه مختارا من اصطناعي بما يصونه عن التنكّر، ويصون عادتي في شكر ذلك والاعتداد به عن الفتور والتغيّر، فعل. أجوبة الاسترضاء والاستعطاف قال في «موادّ البيان» : لا يخلو المعتذر إليه من أمرين؛ أحدهما أن يقبل العذر، والآخر أن يستمرّ على الموجدة ويرفض ما يأتي به من حجّة، فإن كان قد قبل العذر، وجب أن يبنى الجواب على وصول الكتاب، والوقوف عليه، والتقبّل لما تضمّنه، وتبرئة المعتذر عن الحاجة إلى الاعتذار، والانقياد إلى الاعتراف بالجرم والإقرار، إكراما لخلّته عن التّهمة، وللمودّة عن الظّنّة، فإن الأمر الذي أوجب العذر لو صدر منه، لا قتضى وداده التأوّل له بأنّه ما صدر إلا عن باطن سليم ومصلحة أوجبته. قال: وليس هذا المعنى هو الذي يجاب به من قبل عذره فقط؛ لأنه يجوز أن يجيب بأنه قد قبل العذر، وصفح عن الجرم، على أن لا يعود إلى مثله. وإن استمرّ على القصد «1» ، بني الجواب على إبطال العذر ومعارضته بما يقتضيه، والدلالة على خطإ المعتذر، وأنه مما لا يسوغ الصفح عنه، ولا يليق بالحزم إقالته. قال: وهذان معنيان يحملان من العبارة ما لا يكاد ينحصر في قول مشروح مبسوط، فضلا عن قول مجمل موجز، إلّا أن المتدرّب بالصناعة إذا مرّت به هذه الأصول أمكنه التفريع عليها. النوع العاشر (في الشكوى- أعاذنا الله تعالى منها) قال في «موادّ البيان» : رقاع الشّكوى- عصمنا الله من موجباتها- يجب

أن تكون مبنيّة من صفة الحال المشكية، على ما يوجب المشاركة فيها ويقضي بالمساعدة إن استدعيت عليها، من غير إغراق يفضي إلى تظليم الأقدار وإحباط الأجر، وشكوى المبتلي بالخير والشرّ سبحانه وتعالى، ويدلّ على التهالك بالجزع، وضعف التماسك وقوّة الهلع، باستيلاء القنوط والإياس، وأن يشفع الشكوى بذكر الثقة بالله سبحانه، والتسليم إليه، والرّضا بأحكامه، وتوقّع الفرج من عنده، وتلقّي اختباره بالصبر، كما تتلقّى نعمه بالشكر، ونحو هذا مما يليق به ويجري مجراه. قال: وقد يكتب الأتباع للرؤساء رقاعا بشكاية الأحوال ومساءلة النظر، ثم ذكر أنّ سبيل هذه الرّقاع أن يعدل بها عن التصريح بالشّكوى إلى لفظ الشّكر ومعناه، وطلب الزيادة والإلحاق بالنّظراء في الإحسان، لما في إطلاق الشكاية، والتصريح بها من التعريض بإخلال الرئيس بما يلزمه النظر فيه من أحوال خاصّتهم وتعهّد مرافقهم من الكفاية. وهذه نسخ من ذلك: رقعة شكوى هموم: كتب المملوك هذا الكتاب وهو رهين فكر وغمّ، وقلق وهمّ، وحليف جوّى قد سكن القلب، وخوف قد أطار اللّبّ، وبالله العياذ، وهو الملاذ، وبيده تحلّ العقدة، وبأمره تزول الشّدّة، وقد ألهم الله سبحانه المملوك صبرا يسّر أمره، وأملا في الفرج خفّف ضرّه، وليس بآئس من عطفته، ولا قانط من نعمته. رقعة في معنى ذلك: كتب المملوك وهو شاك لتجاهل الأيام، وقيذ «1» من مواقع سهامها الرّغيبة الكلام، منهوم بهموم تضعف الجليد، وتسوء الوديد، وتسرّ الحسود، لاق من قسوة الدهر وفظاظته، ونبوة العيش ونفرته، ما يردّ الجفون عن

الهجوع، ويغرق العيون بالدّموع، ولله تعالى في عباده أقضية يقضيها، وأقدار يمضيها، والله أسأل حسن العاقبة والختام، وتمحيص الأوزار والآثام. رقعة: كتب المملوك وجسمه صحيح، وقلبه قريح، وجنانه سليم، وجنابه سقيم، لما يتبادر إليه من نكايات تقدح وتقرح، وحادثات تكلم وتجرح، ونوب تهضّ، وتهدم وترضّ، وخطوب تخاطب شفاها، وتوصّل من اليد إلى اليد أذاها، إلّا أنّ الله يهبّ ريح المنح، وقد تداكت المحن فينشفها، ويشقّ عمود الفرح، وقد ادلهمّت فيكشفها، وظنّ المملوك بالله تعالى جميل، وله في صنعه ولطفه تأميل. رقعة: وينهي أنه قد كتب هذه العبوديّة بيد قد أرعشتها الآلام، يملي عليها قلب قد قلبته الأسقام، فجسمه ناحل، وجسده بعد النّضرة قاحل، وقواه قد وهنت، وجلادته قد وهت، وصبره قد تخلّى واضطرب، وتحمّله قد نأى واقترب، وعاد شبحا من الأشباح، وهباء تذروه الرّياح، فلو اعتلق بشعرة لم تنصرم، أو ولج خرت «1» إبرة خيّاط لم تنفصم، ولولا الثّقة بالله وأنه يتبع السّقم بالصّحّة، ويشفع المحنة بالمنحة، لذهب ما بقي من ذمائه «2» ، وأطلّ على شفا شقائه، والمملوك يستشرف منه تعالى لطفا يعيد الكليل حديدا، والمخلق جديدا. رقعة: وينهي أنه قد كتب هذه الرّقعة، وقد ساء أثر الأيّام عليه، وقبح صنعها لديه، وابتلته بمؤلم البلوى، وأنطقته بلسان الشّكوى، فهو محترق بنار الغيظ، يدعو على نفسه بالفيظ، إن لم يكن فرج يفرّج بين الأضداد، ولطف يريح من هذا الجهاد، وكلّما طلب المزايلة عوّق، أو طلب الفكاك اعتلق، فهو قاطن في صورة الظّاعن، وحالّ في حال الرّاحل، والله يمنّ بالمخرج، ويأتي بالفرج.

النوع الحادي عشر (في استماحة الحوائج)

رقعة: وقد سطّر المملوك هذه العبوديّة، وقد انجلت هذه النّبوة، عن البلاء والشّقوة، ونفاد المال، واستحالة الحال، واستيلاء العدوّ، واستعلاء السّو، وكذا الدهر خدوع غرور، خؤون غدور، إن وهب ارتجع، وإن ألبس انتزع، وإن أعطى أعطى قليلا وقلع، وإن أحلى أمرّ، وإن نفع ضرّ، وإن أبرم نقض، وإن رفع خفض، وإن أقبل أعرض، وإن وعد أمرض، فنعمه مقرونة بالزّوال، ومنحه معرّضة للانتقال، وصفوه مشوب بالكدر، وعيشه ممزوج بالغير، ما أجنّ إلّا أوجد خللا، ولا أمّن إلّا أتبع الأمن جللا، والمملوك يحمد الله تعالى على أن أوسعه في حال البلاء شكرا، وفي حال الابتلاء صبرا. أجوبة رقاع الشكوى قال في «موادّ البيان» : يجب أن تبنى أجوبة هذه الرّقاع على الارتماض في الحال المشكية، والتوجّع منها، وبذل الوسع في المعونة عليها، والمشاركة فيها، وما يجري هذا المجرى مما يليق به. النوع الحادي عشر (في استماحة الحوائج) قال في «موادّ البيان» : ورقاع الاستماحة يختار أن تكون مودعة من الألفاظ ما يحرّك قوى السّماح، ويبعث دواعي الارتياح، ويوجب حرمة الفضل المسهّلة بذل المال الصّعب بذله، إلّا على من وفّر الله مروءته، وأرخص عليه أثمان المحامد وإن غلت. قال: وينبغي للكاتب أن يتلطّف فيها التلطّف الذي يعود بنجاح المرام، ويؤمّن من الحصول على إراقة [ماء] الوجه، والخيبة بالردّ عن البغية، ويعدل عن التثقيل والإلحاف المضجرين ولا يضيّق العذر على السّماح إلّا أن يتمكّن للثقة به، ويعلم المشاركة في الحال. وهذه نسخ من ذلك:

من كتاب [أبي] الحسين بن سعد. أفضل القول أصدقه، وأهنى المعروف أعجله، وأبلغ الشّكر أظهره. ومنه: إن حضرتك نيّة في قضاء حاجة فعجّلها، فإنّ أهنى المعروف ما عجّل، وأنكده ما تنازعته العلل، واعترضته كثرة الاقتضاء. ومنه: أنت، أعزّك الله، واجد السبيل إلى اصطناع المعروف واكتساب الثّواب، وأنت أعرف بما في استنقاذ أسير من أسرى المسلمين، من وارد الأسر، وعرصة الكفر، وانتياشه من الذّلّة والفاقة، والبلاء والمشقّة، من جزيل ثواب الله وكريم جزائه [وأجلّ] من أن تخاطب في ذلك مخاطبة من يحتاج إلى زيادة في بصيرته، وتقوية لنيّته، وبالله توفيقك وعونك. عليّ بن خلف: قد تمسّك أملي بضمانك، وتطلّع رجائي إلى إحسانك، وكفل لي النجاح مشهور كرمك، ورغبتك في ربّ نعمك، ولي من فضلك نسيب أعتزي إليه، ومن شكري شفيع أعتمد عليه. وله: المواعيد- أطال الله بقاء مولاي- غروس، حلو ثمرها الإنجاز والتعجيل، ومرّه المطل والتطويل، وقد شام أملي من سحائب فضله، حقيقا بأن ينهمر ويهمي، وارتاد من روض نبله، جديرا بأن يزيد وينمي، فإن كانت هذه المخيلة صادقة، فلتكن منه همّة للرجاء محقّقة، إن شاء الله تعالى. وله: هممت أن أستصحب إلى مولاي ذريعة تحجب مطلي، وتكون حجابا على وجهي في المطالعة بأربي، فلاح لي من أساريره برق أوضح مقصدي، ومن أخلاقه انبساط أمال تجعّدي، ولست مع معرفته بحقّ نعمة الله تعالى وحقّ مؤمّله، محتاجا عنده إلى ذريعة ولا مفتقرا إلى وسيلة. وله: ولا يحملني مولاي على ظاهر تجمّلي، وجميل توكّلي، على «1»

حال قد أحالتها العطلة، وتخلّلتها الخلّة، وإنما أبقي بالتجمّل على ديباجة همّتي، وأصون بالتخفيف عن الصديق مروّتي، ولولا أنّ الشكوى تخفّف متحمّل البلوى، لأضربت عن مساءلته، وأمسكت عن تذكيره، ولكن لا بدّ للوصيب «1» الشاكي، من ذكر حاله للطبيب الشافي، وقد كان برق لي من سحاب وعده ما هو جدير بالانهمار، وأورق من نمائه، ما هو حقيق بالإثمار، فإن رأى أن يسم وجه التأميل، بعد الإنجاز والتعجيل، فعل. وله: ما حامت آمالي- أطال الله بقاءه- إلّا وقعت بحضرته، ولا صعبت عليّ جوانب الرّجاء إلّا سهلت من جهته، ولا كذبتني الظّنون إلّا صدقها بعلوّ همّته، فلذلك أعتلق في المهمّ بحبله، وأعتصم في الملمّ بظلّه، وقد عرض لي كذا وعليه فيه المعوّل، وهو المرجوّ والمؤمّل، وما أولاه بالجري على عادته في ريش جناحي، والمعونة على صلاحي. في طلب كسوة، من كلام المتأخرين: (طويل) . ألا أيّها المولى الّذي نهر جوده ... يزيد وعاصي أمره الدّهر ينقص إليك اشتكائي من دمشق وبردها ... وما أنا فيه من أمور تنغّص وإنّي في عرس من البرد دائم ... تصفّق أسناني وقلبي يرقص المملوك ينهي بعد الابتهال إلى الله تعالى في إدامة نعمته، وإدالة دولته، أنّه ما ألف من إحسانه إلّا أنّه يضاعف رسم الإنعام، ويواتر إرساله على ممرّ الأيّام والأعوام، وللمملوك في خزانته الشريفة في كلّ عام تشريف يفيضه على جسده، ويسرّ به قلوب أوليائه ويفتّ أكباد حسّده، ويتّقي به سورة الشتاء وقرّه، ويجعله قرّة ويحمل به من الدّعة وقره، وقد درس رسمه، وفقد من الدّيوان المعمور اسمه، وهو يسأل بروز الأمر العالي بإجرائه على عادته المستمرّة،

وقاعدته السالفة المستقرّة، بتشريفه بأخذ التشريف ولبسه، ليدفع بذلك شدّة البرد وأليم مسّه، ويتذكّر بها في يومه ما يوجب حمد المولى وذمّ أمسه، ورأيه العالي. وله في طلب ورق (سريع) . يا أسمح الناس ويا من غدا ... جبينه يخجل ضوء الشّفق جودك بالورق «1» عميم [فلم] ... أخّرت يا مولاي بعث الورق؟ وله في طلب رسم (مجزوء الرجز) رسمي «2» مولاي غدا ... مؤخّرا ولو حضر ولو أراد سيّدي ... إحضاره، كان أمر فقد مضى محرّم ... وراحتي منه صفر وكتب كاتب إلى مخدومه، وقد تأخّر صرف معلومه (متقارب) وتعلم أنّي كثير العيال ... قليل الجراية والواجب فلست على ظمإ قانعا ... بورد من الوشل «3» الناضب ولا شكّ في أنّني هارب ... [ف] قدّر لنفسك في كاتب قلت: وكتبت نظما لأمير المؤمنين المستعين «4» بالله أبي الفضل العبّاس،

خليفة العصر، أستميحه حاجة في مجلس كان فيه هو وولده يحيى وأخواه داود ويعقوب ما صورته (طويل) . إذا رمت أن تحظى بنيل مآرب ... فبادر إلى العبّاس من آل عبّاس إمام به ثغر الخلافة باسم ... وعرنينها يسمو على قمّة الراس أبى الفضل إلّا أن يكون لأهله ... [دواما] وأن يدعى أبا الفضل في الناس فللمستعين اقصد تجد خير منجد ... حريص على المعروف برّا بإيناس فيحيا له يحيى وداود صنوه ... ويعقوب أعضادا وحصنا من الباس وكتبت لقاضي القضاة شيخ الإسلام جلال الدّين «1» عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام عمر البلقينيّ أستميحه حاجة أيضا (طويل) . أيا شيخ إسلام وقاضي قضاته ... ومن قد سما في الناس علما ومنصبا لقد عمّ نوء منك كلّ مؤمّل ... وحاشى لبرق شمت يظهر خلّبا أأحرم معروفا له كنت أرتجي ... ويحجب ذو بعد من القوم أقربا وما زلت أرجو في زمانك رفعة ... ولكن جواد الحظّ بالبعد قد كبا ولن يستعيض الخفض بالرّفع ماجد ... خصوصا ومن أخّرت ما نال مطلبا ولست ترى منّي إليك وسيلة ... سواك وحسبي باعتلاك تقرّبا

وكتبت لقاضي القضاة جمال الدين محمود «1» القيسراني، وهو يومئذ قاضي قضاة الحنفية وناظر «2» الجيوش المنصورة، أذكر بطالة عرضت لي من وظيفة مباشرة كانت بيدي (طويل) . إلى الله أشكو من زماني بواره ... فأمسيت في الحرمان بي يضرب المثل تماديت بطّالا وأعوزت حيلة ... ولم يبرح البطّال تعرف له الحيل فلا ملتجى جاه ولا عزّ صاحب ... ولا مالك يحنو فيا قوم ما العمل؟ ولكنّ (محمود) العواقب أرتجي ... ومن يحمد العقبى على القصد قد حصل وكتبت للقاضي شمس الدين العمريّ كاتب «3» الدّست الشريف في حاجة نجّرها (بسيط) :

إن لا أرى عمرا حتّى ألمّ به ... ألفيت من نسله من كان لي عمرا لم يغف عن حاجتي حتّى أنبّهه ... وكيف يغفو وفي المعروف كم سهرا؟ جعلته مبتدا في رفعه خبري ... وعادة المبتدا أن يرفع الخبرا أجوبة استماحة الحوائج قال في «موادّ البيان» : لا يخلو المستماح والمكلّف حاجة من أن يسعف أو يمنع، فإن أسعف فقد غني عن الجواب، وربما أجاب المسعف بجواب مبنيّ على حسن موقع انبساط المستميح، والاعتذار عن التقصير في حقّه وإن كان قد بلغ به فوق ما يجب له- تكرّما وتفضّلا، وإن منع فربّما أجاب بعذر في الوقت الحاضر أو عذر في المستأنف، وربما أخلّ بالجواب تغافلا. وهذه نسخة جواب بالإسعاف بالمقصود، كتب بها في جواب لكاتب «1» السرّ عن نائب الشام، في طلب إقطاع «2» ، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن «3» نباتة إجابة للمطلوب، وهي: لا زال قلمها يمدّ على الإسلام ظلّا ظليلا، ويستجدّ صنعا جميلا، ويأخذ بأمر الله أعداء دينه أخذا وبيلا، ويقوم باجتهاده في مصالح الملك النّهار كلّه والليل إلّا قليلا، تقبيل مواظب على ولاء لا يجد له تبديلا، وثناء لو سمعه المحبّ فشافه الأحباب إذا لاتّخذوه خليلا.

النوع الثاني عشر (في الشكر)

وينهي ورود مشرّفة مولانا القديم فضلها، الكريم وصلها وأصلها، فوقف المملوك عليها، وأصغى بجملته إليها، وعلم ما رسم به مولانا، وأشار إليه تبيانا، وكذلك بلّغه مملوكه الولد فلان المشافهة الكريمة فحبّذا من صاحب السّرّ إسرارا وإعلانا، وشكر لهما مشرّفة ومشافهة أوردا الإحسان مثنى مثنى، وسرّا سمعه المملوك لفظا واستهداه معنى، فما مننهما في الإحسان إلّا زائدة، ولا في الصّلات إلّا عائدة، لا جرم «1» أنّ المملوك أقبل على قبيلهما بسمعه وناظره، وقلبه وخاطره، وجملته وسائره، وامتثل الإشارة العالية الّتي من حقّها أن تقدّم على كلّ مهمّ يرد عليه، وأمر يتوجّه إليه، ويد الزمان مشكورة يأخذها منه بكلتا يديه، وعيّن المملوك لوقته الإقطاع المطلوب، وتقدّم بكتابة مربّعته حسب ما رسم من تجري السعادة من سطره تحت مكتوب، وجهّزها قرين هذه الخدمة ومن ذا يقارن سبق ذلك البرّ المديد، وكيف توازي المربّعة كتابا هو بالإحسان للعنق تقليد؟ لا برحت مراسم مولانا معدودة من رسوم نعمه، ومشرّفاته محسوبة من تشريفاته الّتي يخلعها على أبناء محبّيه وخدمه. النوع الثاني عشر (في الشكر) قال في «موادّ البيان» : رقاع الشكر يجب أن تكون مودعة من الاعتراف بأقدار المواهب، وكفاية الاستقلال بحقوق النعم، والاضطلاع بحمل الأيادي، والنّهوض بأعباء الصنائع، ما يشحذ الهمم في الزيادة منها، ويوثّق المصطنع بإفاضة الصّنع، ويعرب عن كريم سجيّة المحسن إليه. قال: وينبغي للكاتب أن يفتنّ فيها، ويقرّب معانيها، وينتحل لها من ألفاظ الشكر أنوطها بالقلوب، لتستيقن نفس المتفضّل أنه قد اجتنى ثمرة تفضّله، وحصل من الشكر على أضعاف ما بذله من ماله أو جاهه، إلّا أنه ينبغي

أنها إذا كانت صادرة من الأتباع إلى رؤسائهم، ومن يرجع إلى اختصاص وأثرة، أن لا تبنى على الإغراق في الشكر؛ لأن الإغراق في الشكر يحمل هذه الطبقة على التملّق الذي لا يليق إلّا بالأباعد الذين يقصدون الدّلالة على استقلالهم بحقوق ما أسدي إليهم، فأما من ضفا عليه من النعم ما يدفع الشكّ في اعترافه بالذّلّ لديه، فإنه يغنى عن المبالغة في الشكر والاعتداد. ثم قال: وإنما يجب أن يذهب فيما يكتب عن هؤلاء من هذا الفنّ مذهب الاختصار، والإتيان بالألفاظ الوجيزة الجامعة لمعاني الشكر، دون مذهب الغلوّ والإفراط، وذو الطبع السليم، والفكر المستقيم، يكتفي بيسير التمثيل. وهذه نسخ من ذلك: أبو الفرج «1» الببغاء، في شكر تابع لمتبوع: أنا في شكره- أيده الله- مبرهن عن مواقع إحسانه إليّ، وتظاهر إنعامه عليّ، لا مقدّر أنّي مع المبالغة والإسهاب، والإطالة والإطناب، أجازي عفو تفضّله، ولا أجامل أيسر تطوّله، وقد وسمني أيده الله من شرف اصطناعه، بما بوّأني به أرفع منازل خدمه وأتباعه، وإلى الله أرغب في توفيقي من مقابلة ذلك بالاجتهاد في خدمته، والمبالغة في طاعته- لما أكون به للمزيد مستوجبا، وللحظوة مستحقّا. وله في شكر قريب: فرّض الشكر- أعزّك الله- لا يسقط بقرب الأنساب، ولذلك لا أستجيز إغفال الواجب عليّ منه، ولا أجد عدولا في التسامح فيه والإضراب عنه، وإن كنت غنيّا عن الإفاضة فيما أعتقده من ذلك وأضمره، وأبديه وأظهره، بالمتعالم من خلوص النية وصحة الاعتقاد، فلا أخلاك [الله] من جميل تسديه، وتفضّل توليه، يمتري لك المزيد من سوابغ النّعم وفوائد الشكر.

وله: قد استنفد مادّة شكري، ووسع اعتدادي ونشري، تتابع تفضّلك، وتوالي تطوّلك، ولست أقدر على النّهوض بشكر منّة حتّى تطرقني منك منّة، ولا أحاول مجازاة نعمة حتّى تفد عليّ منك نعمة، فبأيّ عوارفك أعترف؟ أم بأيّ أياديك بالثّناء أنتصف؟ فقد فزعت إلى الإقرار بالعجز عمّا يلزم من فروضك، وواجبات حقوقك، وانصرفت إلى سؤال الله جلّ اسمه بإيزاعي شكر ما وهب منك، والتّجاوز للمكارم والفضل عنك. وله: وقد شكرت برّك الجليل موقعه، اللطيف موضعه، الخفيف محمله، العذب منهله، وشافهتك من ذلك بما اتّسعت له القدرة لا ما تقتضيه حقوق المنّة. وله: أنا في الشكر بين نعمة تنطقني، وعجز عما يجب لك يخرسني، ولست أفزع إلى غير تجاوزك، ولا أعتمد على غير مسامحتك، ولا أتطاول إلا بمكاني منك، ولا أفاخر إلّا بموقعي من إيثارك، فالحمد لله الذي جعلني بولائك مشهورا، وفي شكرك مقصورا. علي «1» بن خلف: رقعة: وينهي أنّ الله تعالى لمّا ألهم مولانا البرّ، ألهم المملوك الشّكر، فهو لا يزال يوسع في البرّ ويزيد، والمملوك لا يزال يبدي في الشكر ويعيد، ولكن شتّان بين فاعل وقائل، ومعط وقابل، وواهب وسائل، ورافد وحامد، وشاكر وشاكد «2» ، والمملوك يحمد الله تعالى إذ جعل يده الطّولى، وحظّه الأعلى. رقعة: وصل برّ مولانا وقد أحالت الخلّة من المملوك حاله، وأمالت آماله،

فلأمت ما صدعه الدهر من مروته، وجدّدت ما أخلقه من فروته، فكفّ المملوك يديه [عن] امتحان الخلّان، وقبض لسانه عن شكاية الزّمان، وأقرّ ماء وجهه في قرارته، وحفظ على جاهه لباس وجاهته، فيا له من برّ وقع من الفقر، موقع القطر من القفر، ولم يتقدّمه من قدامة الوعد، ما يتقدّم القطر من جهامة الرّعد، وكلّ معروف وإن فاضت ينابيعه، وطالت فروعه، قاصر عن الأمل في كرمه، واقع دون غايات هممه، كما أنّ الشكر ولو واكب النّجم، وساكب السّجم «1» ، قاصر عن مكافاة تفضّله، ومجازاة تطوّله، والمملوك يسأل الله تعالى الذي جعله قدوة الكرام، وحسنة الأيّام، وربّ الإنعام، وواحد الأنام، أن يلهم المملوك من حمده، بقدر ما أسبغه عليه من رفده. رقعة شكر: عند المملوك لسيّدي أياد وصلت سابقة هواديها، وظلّت لا حقة تواليها، فصارت صدورها نسبا أعتزي إليه، وأعجازها [سببا أعوّل في الملمّات عليه] . رقعة: لولا أنّ الله تعالى جعل الشّكر ثمرة البرّ، والحمد جزاء الرّفد، وأراد إقرارهما على أهلهما من الغابرين، وأن يجعل لهم منّا لسان صدق في الآخرين، لكان الذي غمر به مولانا من الإنعام، يتحدّث عنه تحدّث الرّياح بآثار الغمام، ويكفى المملوك بالإشارة، مؤونة العبارة، والمملوك وإن رام تأدية ما يلزمه من شكره، قاصر عن غاية برّه، ولو استخدم ألسنة الأقلام، واستغرق أمدي النّثار والنّظام، ومولانا جدير بقبول اليسير، الذي لا تمكن الزّيادة عليه، والصّفح عن التقصير، الذي تقود الضرورة إليه، إن شاء الله تعالى. رقعة: لو أنّ هذه العارفة بكر عوارفه، وباكورة لطائفه، لعجزت عن شكرها، وقصّرت عن نشرها، فكيف وقد سبقها قرائن ونظائر، وتقدّمها أتراب وضرائر [مما] أثقل من المملوك كاهله، وبسط به يدي أمله؟ فما يعدم شيئا

فيرجّيه، ولا يفقده فيرغب فيه، والذي تربّه من المملوك جوارحه، وتحويه جوانحه، علمه بأنه لا يجاري أياديه، ولا يجازي مساعيه، والله تعالى يخصّه من الفضائل، بمثل ما تبرّع به من الفواضل. رقعة: ومثل مولانا من [ذوي الشّرف «1» ] والسّودد من حسن محضره، وطاب محبره، وكرم غيبه ومشهده، وصحّ على تغاير الأحوال عقده وودّه، وقد اتّصل بالمملوك ما أعاره له مولانا من أوصافه، وجرى فيه على عادة فضله وإنصافه، فطفق لفضله شاكرا، ولطوله ناشرا، وأضاف ذلك إلى توالد إحسانه، ونظمه في عقد امتنانه. رقعة: قد طوّق مولانا [مملوكه] من فضله طوقا كأطواق الحمائم لا ينزع، وألبسه بردا من برّه لا يخلع، وأولاه من مزيده ما قصّرت الهمّة عن تمنّيه، ولم تهتد القريحة إليه فتستدعيه، ولو وجد المملوك جزاء على عارفته، وكفاء لمثوبته، غير الموالاة الصّريحة، وعقد الضمائر على المودّة الصحيحة، واللهج بالشّكر، في السّر والجهر، لرمى من وراء عنايته، ولا استبعد طول شقّته، ولكن المملوك عادم لما يقابل به يده الغرّاء، عاجز عمّا يقضي به حقّ موهبته الزّهراء، ما لم يحسن كرمه أمره، ويقبل منه على التقصير شكره، ويضف ذلك إلى لطائفه، وينظمه في سلك عوارفه، إن شاء الله تعالى. رقعة: واجتهاد المملوك في نشر أياديه وشكرها، كاجتهاد مولانا في كتمانها وسترها، فكلّما أبديتها بالثّناء أخفاها، أو نشرتها بالإشادة طواها، وهيهات أن يخفى عرف كعرف المسك نشرا، ومنّ كالروضة نورا والغزالة نورا، ولو كان المملوك والعياذ بالله ستر هذا العرف بكفر، واغتمصه مانعا لشكر، لنمّ عليه حسنه نموم الصّباح، وتوقّد توقّد المصباح، فكيف وللمملوك مقول لا يسامى [يعجم سواد] «2» الليالي بالإحماد، ويرقم صفحات النهار بالاعتداد؟

الأجوبة عن رقاع الشكر قال في «موادّ البيان» : [إن كانت] هذه الرّقاع من المرؤوسين إلى الرّؤساء فلا جواب لها، وإن كانت من النّظير فالواجب أن يستعمل في أجوبتها مندوب التناصف والتفاوض. جواب عن فعل المعروف والشكر عليه من كلام المتأخرين من ذلك، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، وهو بعد الصدر: خلّد الله على الممالك نعمه، وعلى المماليك ديمه، وحرّم ببقائه ذمّ الزمان وأوجب ذممه، ولا برح نحو المحامد ينادي يوم الكرم مفرده ويوم الهياج علمه، تقبيلا يسحب في الفخار بروده المعلمة، ويتذكّر بالقرب فلا يزال الشوق ينتجه حيث كلا التّذكار والعهد مقدّمه. وينهي ورود المثال العالي بما ملأ القلب خيرا واليد برّا، والسمع بشارة والوجه بشرا، حتّى تنافست الأعضاء على تقبيله، والجوارح على تأميله، فاليد تسابق إلى مننه بالامتداد، والقلب يسابق إلى كرم عهده بالاعتداد، والوجه يقلّب ناظره في سماء مواقع القلم، والسمع ينعم بما تقصّ عليه المسارّ من أخبار جيرة العلم، حتّى كاد المملوك يمحو بالتقبيل أسطره، ويشتغل بذلك عن استجلاء ما ذكره المنعم لا عدم المملوك في مصر والشام تكرّره، وفهم ما أشار مولانا إليه من الفضل الذي مولانا أهله، وكرم العهد الذي لا ينكر من مثله وأين مثله؟ وقابل المملوك جميع ذلك بجهده من الأدعية الصالحة، وبسماحة الحمد المتفاوحة، والاعتداد بنعمة مولانا الّتي لولا [موالاتها «1» ] كلّ وقت لقيل فيها «ما أشبه الليلة بالبارحة» وتضاعف نهوض المملوك على قدم الموالاة الّتي [يستشهد] في دعواها بشهادة الخاطر الشريف، ويتقدّم بها تقدّما تحت لواء

النوع الثالث عشر (العتاب)

الولاء وتأتي بقيّة الأولياء في اللّفيف، والله تعالى يوزع المملوك شكر هذه النّعم المتصل مددها، والمنن الّتي لا يعدمها ولا يعدّها، ويطيل بقاء مولانا لحمد يجتليه ويجتنيه، وشرف دنيا وأخرى يهدم وفره وعمره ويبتنيه. النوع الثالث عشر (العتاب) قال في «موادّ البيان» : المكاتبة بالمعاتبة على التحوّل عن المودّة والاستخفاف بحقوق الخلّة من المكاتبات الّتي يجب أن تستوفى شروطها، وتكمّل أقسامها؛ لأن ترخيص الصّديق لصديقه في المقاطعة والمصارمة دالّ على ضعف الاعتقاد، واستحالة الوداد. من كلام المتقدّمين. إنّني ما أحدثت نبوة، إلّا بعد أن أحدثت جفوة، ولا أبديت هجرا، إلّا بعد أن أبديت غدرا، ولا لويت وجها عن الصّلة، إلّا بعد أن ثنيت عطفا إلى القطيعة، والأوّل منّا جان، والثاني حان؛ والمتقدّم مؤثر، والمتأخّر مضطّرّ، وكم بين فعل المختار والمكره، والمبتدع والمتّبع؟ آخر: إن أمسكت يا سيدي عن عتابك، مرخيا من عنانك، كنت بين قطع لحبلك، ورضا بفعلك، أو اقتصرت فيه على التّلويح به لم يغن ذاك مع كثرة جموحك، وشدّة جنوحك، وما ارتكبته من رائك، واستخرجته من جفائك. رقعة عتاب: لمولانا لدى المملوك عوارف لا يهتدي إلى معرفتها فيوفّيها كنه المراد، وأياد لا يبلغ ما تستحقّه من الإحماد، ولو عضّدته خطباء إياد، أجلّها في نفسه خطرا، وأحسنها عليه أثرا، ما يفرضه له من برّه وإكرامه، وتعهّده واهتمامه، وقد غيّر مولانا عادته، ونقض شيمته، وبدّل المملوك من الانعطاف بالإعراض، ومن الانبساط بالانقباض، وحمّله من ذلك ما أوهى قوى صبره، وأظلم بصائر فكره، فإن يكن ذلك لخطإ واقعه المملوك ساهيا، وجرم اجترمه لاهيا، فمثل مولانا لا يطالب إلّا بالقصد، ولا يعاقب إلّا على العمد، إذ كان

المملوك لا يعصم من زلل، ولا يسلم من خلل، اللهمّ إلّا أن يكون مولانا أراد من المملوك تقويمه وتأديبه، وإصلاحه وتهذيبه، ليحسن أثره في خدمته، ويسلك السبيل الواضح في تباعته، فلا أعدم الله المملوك تثقيفه، ولا سلبه تبصيره وتعريفه، وإن كان ذلك لشكّ عرض من المملوك «1» في وداده، وارتياب خامر في حسن اعتقاده، فأعيذه بالله من القطع بالشّبهات، والعمل بمنغل «2» السّعايات، ومولانا خليق بأن يطلع من أنس المملوك ما غرب، وينبط من سروره ما نضب، ويعيده لرضاه، ويجريه على ما أحمده منه وأرضاه. رقعة: ليس المملوك يرفع مولانا في إعراضه، إلّا إلى فضله، ولا يحاكمه على انقباضه، إلّا إلى عدله، ولا يستعين عليه إلّا بما يستمليه من آدابه، ولا يناظره إلّا بما أخذه عنه من محافظته وإيجابه، إذ كان المملوك مذ وصلته السعادة بحباله، ناسجا على منواله، متقبّلا شرائف خلاله. وما عهدته عمر الله معاهده، وكبت حاسده، يغضب تقليدا قبل الاختبار، ويحوج البريء إلى موقف الاعتذار، ولا سيّما إذا كان المظنون به عالما بشروط الكرم؛ عارفا بمواقع النّعم، لا ينسخ الشكر بالكفر، ولا يتعوّض عن الحمد بالجحد، وقد عرف مولانا ثناء المملوك على تفضاله، ووقف على بلائه لأعماله، وهو وفيّ بربّ عوارفه وصنائعه، وتثمير ما رهن لديه من ودائعه، وتنزيه سمعه عن الإصغاء إلى ما يختلقه حاسد، ويصوغه كائد، وقد حكّم المملوك على نفسه نقده الذي لا يبهرج عليه ولا يدلّس، وكشفه الذي لا يغطّى عليه ولا يلبّس، فليحكّ أفعال المملوك على محكّ بصيرته، وليجل في تأمّل مقاصده طرف فكرته، فإنه ممن لا تحيله الأحوال ولا تحوّله، ولا تغيّره الغير ولا تبدّله، إن شاء الله تعالى.

رقعة: أفعال شكر «1» المملوك في الحلم والغضب، والرّضا والسّخط، إذا لم يقتض الحزم إيقاعها موقع الفضل، واقعة موقع الإنصاف والعدل، ولا يغلّب هواه على رأيه، ولا بادرته على أناته، وقد جانب مع المملوك عادته، وباين فيه شيمته، وناله من إعراضه، وجفائه وانقباضه، وتغيّر رأيه، ما وسم المملوك فيه بالذّنب ولم يذنبه، وحمله على الجرم ولم يحتقبه، وأوقفه لديه موقف الاعتذار، وأحوجه إلى الاستقالة والاستغفار، وليس المملوك يحاكمه إلّا إليه، ولا يعوّل في الانتصاف إلّا عليه، وما أولاه بأن يعيد المملوك إلى محلّه من رضاه، فإنه لم يواقع في خدمته إلّا ما يرضاه، وحسبه شاهدا بذلك ما يعلم من المملوك من سلامة غيبه، وطهارة جيبه، وفضل ودّه، وصحّة معتقده، إن شاء الله تعالى. رقعة بمعاتبة على «2» . كلّ مانع ما لديه من رغبه، دافع عمّا عنده من طلبه، فمستغنى عنه إلّا الله تعالى المبتديء بالنّعم، العوّاد بالكرم، ولو عرف مولانا بطعم شجرة «3» المعروف، لأسرع إلى احتذائها، ولو علم ما لله تعالى عليه من الحقوق في ماله وجاهه، لم يقصّر عن أدائها، غير أنه ظنّ أنّ الفوز بالوجد «4» ، غاية المجد، وأنه إذا أحمد النّسب غنيّ عن الحمد، وأنّ النعمة ترتبط بالرّبط عليها، وتنصرف بالتّصرّف فيها، وما ساء المملوك أن تنزّه عن تقلّد منّة لئيم، وحرم محمدة من كريم، وهذا الحرمان أحسن والله في عين المملوك من النّوال، وهذا الإكداء أبرّ لديه من بلوغ الآمال، وسينشر المملوك مذهبه في كلّ ناد، ويكفّ عنه أمانيّ القصّاد، ويكفيه مؤونة الاعتذار، ويصونه عن أن تبذل إليه وجوه الأحرار، ليعلم

أنّ المملوك على منعه لم يقصّر في بلوغ أوطاره، والسّعي في إيثاره، إن شاء الله تعالى. رقعة في المعنى: ما ردّ المملوك برّ مولانا مستنزرا لقليله، ولا لائما لنفسه على تأميله، لكنّه انتجعه انتجاع من ظنّه عارفا بقدره، راغبا في شكره، فلو أغضى المملوك منه على الاطّراح لأمره، لاستدلّ منه على قصر الهمّة، وظنّ أنه قوّمه بدون القيمة، ولا سيّما وهو يفرض لمن لا يجاري المملوك في مضمار، ولا يساويه في مقدار، من غير قصد بتأميل ورجاء، وتقديم ذريعة من تقريظ وثناء، ما تضيق عنه الهمم الفساح، ولا يصل إليه الاقتراح. رقعة عتاب، على تقصير في خطاب: حوشي مولاي أن يجرّ الذّيل على آثار فضله، ويميت من غروس إحسانه ما هو جدير أن يتعهّده بوبله، ويعفّي منّي رسوم كرمه، ويصدع بمجانبة الإنصاف صفاة صفاته وصفائه، وينطق الألسن بعتابه، ويصلت سيف التأنيب من قرابه، بما استحسنه من مستقبح المصارمة في المخاطبة، واستوطاه من جامح التّرييث في المكاتبه، ولا سيّما وهو يعلم أنّ موقع الإكرام من الكرام، ألطف من موقع الإنعام، وأن محلّ القال، أفضل من محلّ النّوال، وأنّ تغيّر العادة في البرّ، مقوّض لمعاهد الشّكر، ونسيح (؟) السنة في الإنصاف، قاض بالانصراف بعد الانعطاف، وقد كان المملوك أزمع أن يتحمّل تقصيره به، وأن يفلّ من غربه، غير مطاوع للحميّة، ولا منقاد لنفس العصبية، ولا يقرع سمعه بعتاب، ولا يورد عليه ممضّ خطاب. ثم رأى المملوك أن يرشده إلى الأزين، ويبعثه على اعتماد الأحسن، ويحضّه على مراجعة الأفضل، ومعاودة الأجمل، ليتحفّظ مع سواه، ولا يجري مجراه، فليس كلّ أحد يتحمّله، ويرضى رضى المملوك بما يفعله، فمولانا حبّب الله إليه الرّشد «1» ، ووفّقه إلى المنهج الأسد،

هل هو من شيء سوى بشر؟ فما هذا التّيه والبطر؟ ولم هذا الأزل «1» والأشر؟ وما فعل الرئيس إلى ما يصغر عنه قدر، ولا ييأس من نيله عمر، ولا مضت أقلامك في الأقاليم، ولا أشير إليك ببنان التعظيم، ولا فوّضت إليك الوزارة والرّدافة، ولا تأمّرت على الكافة، ولا طاولت الأكفاء فطلت، ولا ناضلت القرناء فنضلت، وإنما سرق إليك الحظّ من ثماده «2» وشلا «3» مصرّدا، وأدرّ لك الدّهر من أخلافه مجدّدا، فافتتحت المعاملة بظلم الإخوان، ونسخ شرائع الإحسان، كذبتك نفسك، وغرّك حدسك، كيف بك غدا إذا استردّ الزمن ما خوّلك، واسترجع ما نوّلك؟ وصحوت بالعزل من سكرة الولاية، وتقرقرت «4» بعد طلب الغاية؟ وعدت إلى إخوانك فوجدت أوطان أنفسهم بك نابية، ونفوسهم للإقبال عليك آبية؟ ولو كان الزمن أمكنك من رقبتي، وطرّق لك الطريق إلى إيداع عرفك في جهتي، لقبح بك أن تطول بطولك، وتّدعي الفضل بفضلك، ولم يحسن أن تبدّل الإنعام، وتضنّ بالالتزام، فإن كنت تفخر بسلفك وأبوّتك، وتطاول بأوّليّتك وأسرتك، فلو كان أبوك كسرى «5» ، لما جبر منك كسرا، ولو كان جدّك بخت نصّر «6»

لما انتفعت به في مظاهرة ولا نصّر، فدع أكثر ما فات، ولا تعوّل على العظام الرّفات، فما استند إليها إلّا عار من الفضل عاطل من الحلى. على أنّك لو فاخرتنا بها لفخرناك، وتقدّمنا وأخّرناك، وإن كنت تستند إلى ديانتك، وتعتمد على نسكك وأمانتك، فهذه خالص حال لا تخلص مرتبتها ولا تتمّ فضيلتها إلا باستشعار التّواضع، والأخذ بمكارم الأخلاق لدى التنازع، فارجع هديتك «1» إلى الأجلّ، واعمل بالأفضل، وقف بحيث رتبتك، ولا تتشوّف إلى غير درجتك، وإن أبيت ذاك فاقطع المراسلة، وأعفها من المواصلة، والسّلام. رقعة عتاب على تأخر المكاتبة: من حكم الوداد- أطال الله بقاء سيدي- الزيارة عند المقاربة، والمكاتبة عند المباعدة، وإن كانت المودّة الصريحة لا يغيّرها اجتناب، إلّا أنّ الكتب ألسن البعاد، والأعين الّتي تنظر حقائق الوداد، ولها في القلوب تأثير، وموقعها فيها أثير، وحوشي مولانا أن أهزّ أريحيتّه لما يؤكّد الثقة بإخائه، ويشهد ب بوفائه، ولا سيّما وهو يفرض ذلك لأحبّته، وقوله واجب في شرع مودّته. رقعة في معناه: إن ابتدأ المملوك مولانا لم يجب، وإن سأله الابتداء لم يوجب، فلا حقّ لإجابة تؤدّيه، ولا ناجز المسألة تقضيه، فإن كان إذا شخص غابت عن فكره أشخاص أحبّته، وإذا بعد عاملهم بتجافيه وجفوته، فقد كان ينبغي أن يتكلّف ويتجمّل، ويتصنّع ويتعمّل، فإنه لو علّل مشوبا بالانتظار، أو اعتذر ممرّضا بالاعتذار، لأقمت ذلك مقام المكاتبة، وصنته عن محض المعاتبة، لكنّه مال مع الملال، ورضي الاطّراح والإهمال، ودلّ على أنه مستقلّ بالإخوان، متنقّل مع الزمان، وأرجو أن تصدق المخيلة، ويرجع إلى العادة الجميلة. رقعة معاتبة رجل كريم الأصل لئيم الفعل:

قد عرف مولانا وفّقه الله ووقفه على منهج الرّشاد، أنّ جناية الغضب الذّميم، تقدح في كرم الجنث «1» الكريم، وأنّ قبيح الصّلف، ينسخ تليد الشّرف، وخبيث الذّرّية، يعفّي على طيب المناحت الزّكيّة، وأنه ليس لمن تحلّى بالظّلم والجور، وتلبّس بالنّكث والغدر، وسامح نفسه باطّراح الحقوق، واستيطاء العقوق، إلّا إضاعة الحرم، وإخفار الذّمم. المعاتبة من كلام المتأخرين: الشيخ شهاب الدين محمود «2» الحلبي: يقبّل الأرض وينهي أنه قد صار يرى قربه أزورارا، وطويل سلامه اختصارا، ويغالط في ذلك حتّى شاهده عيانا مرارا، هذا وبكر الولاء، صقيلة الجلباب، وعروس الثناء، جميلة البزّة حسنة الشّباب، وهو لا يفتأ من الموالاة في صعد وقدره في صبب، فكلّما مكّن وتد الاستعطاف يرجو عدم تخلخله فصل بأيسر سبب، بحيث أطفأ الإهمال نار المساعفة والمساعدة، وانتقل توهّم عدم العناية إلى تيقّن وجوده بالمشاهدة، وقد كان يرفع قدره فخفض، وعوّض في الحال عن الرّفع بالابتداء، أنه مفرد وينصب كالنكرة في النّداء، وأهمل حتّى صار كالحروف لا تسند ولا يسند إليها، وألغي حتّى شابه ظننت إذا وقعت متأخّرة عن مفعوليها، ومتى يقلق لأمر، أنشد نفسه (كامل) : ما في وقوفك ساعة من باس «3» . وكان يغشى مجلسه الكريم خدمة وأداء للواجب، وطلبا لعادة أكّدها

إحسانه حتّى صارت ضربة لازب، فلا يخلو مجلس من إظهار تغيّر عادة وطّد الجود أساسها، وانتقاض قاعدة أبرم الكرم أمراسها، فينقطع سلوكا للأدب وتخفيفا عن الخواطر، ويتلقّى ما يصدر بقلب شاك ولسان شاكر، فإن كان قد عزم مولاه على طرده، وعوّضه عن منحة القرب المحنة ببعده، فإنه يأبى ذلك جوده ولطفه، ومعرفة يشكر ويزيد، لا يمكن صرفه، ولو جاز الصّرف لمجرّد «1» بالعبودية لمنعه العدل من سيّده، والحلم الذي عرف من كريم محتده «2» ، فكان المملوك يستحسن في حبره وسبره، ويعوّض عن مقابلته بجبره، فقد صار سمينه غثّا وشحمه ورما، وحديثه رثّا وسهله علما (طويل) . وعين الرّضا عن كلّ عيب كليلة ... كما أنّ عين السّخط تبدي المساويا وما ثمّ بحمد الله ما يوجب ذلك ولا بعضه، ولا يحدث ذمّ المملوك وبغضه، ولو بدا منه زلل، أو لمح منه خطل، فمكارم مولانا أوسع من إبقاء ذلك في صدور الصّدور، و [أحرى ب]- محو آيات السيّئات فإنه لمن عزم الأمور. وله: يخدم بدعائه، وصادق ولائه، وينهي أنه انكسر خاطره، وأرق جفنه وناظره، وتضاعف بلباله، وتزايدت في النّقص أحواله، مذ تأخّرت الأمثلة الكرام وانقطعت عنه بانقطاعها المنن الجسام، وهو يسأل العفو عن ذنب وقع، وتشريفه بمثال يرفع من قدره ما وضع، واستعمال الصّفح عنه كسائر عاداته، وإجراءه على اللّطف الذي ألفه من تفضّلاته، فقد ضعف صبر المملوك وجنانه، وتفرّق للفراق جفنه وإنسانه، وصغر قدره، وأهمل جانبه وممّن أمر بإهانته فخره، ولهذا ضاقت عليه المسالك، وكان لسان حاله [ينشد] في ذلك (كامل) . وأهنتني فأهنت نفسي عامدا ... ما من يهون عليك ممّن يكرم

والمملوك معترف بأنه ما زال يجهل ما يجب عليه من الخدم، ومقرّ بتقصيره عن القيام بحمل ما يواصل به من النّعم، لكنّه ألف من مولانا أن يقابل إساءته بالإحسان، وجهله بصفح لا يقوم بشكره اللّسان، بل جميع الجثمان، فإن كان ذنب من المملوك هو الذي أوجب اطّراحه، وأوجد أسفه وأذهب أفراحه، وكان أيسر مما تقدّمه من جهله وإساءته، فحلمك جدير أن يلحقه بإخوته، وإن كان قد تزايد مقداره، فالمولى قد تضاعف على العفو اقتداره، وإذا كبرت الخطيئة كثر أجر غفرانها، وعلت المجاوزة عنها على أقرانها، وعلى كلا الأمرين فقد استحقّ المملوك المغفرة بكلّ طريق، وأن يقابل رجاؤه بالتحقيق، وأمله بالتصديق. وله: وينهي أنه ما زال يتلو آيات محاسنه وحمده، ويرفع رايات إحسانه ومجده، ويتولّاه ولا يتولّى عن محبّته، ويكثر الثناء على ألمعيّ فطنته وجزيل مروءته، وقد صار يشاهد من المولى ملالا وصدودا، وإعراضا يغيظ به صديقا ويسرّ به حسودا، واطّراحا أوهمه أنه ألف وصل درجت، أو لفظة هجر لفظت، ولا يعرف له ذنبا يوجب إبعاده، ولا جرما يستوجب به أن ينقض حبل وصله ويرفض وداده، ولا يعلم سببا يوجب سبّه، ولا شيئا يحدث عتبه، مع أنّ المملوك أحقّ أن يبدأ بالإعراض، ويرفل من إغفال مودّته في الثّوب الفضفاض، فإنّ المولى آلمه بالقول مرارا، وجعل سحابة حيفه تهمي عليه مدرارا، وهو يحتمل الأذى ويغضي على القذى، ولا يظهر إلّا محبّة، ولا يبطن له إلّا مودّة، فإن شاهد المولى بعد إعراضه إعراضا فليلم نفسه، أو أحرقه لهب نار الجفاء فلا يشكو مسّه، يحيط بذلك علما، ورأيه العالي. شعر في العتاب (كامل) . مولاي قد طال التّباعد بيننا ... أو ما سئمت قطيعتي وملالي؟ إن لم ترقّ لحالتي يا هاجري ... مولاي قل لي من يرقّ لحالي

غيره (طويل) . يباعدني عن قربه ولقائه ... فلمّا أذاب الجسم منّي تعطّفا غيره (منسرح) . إن كان هجراننا يطيب لكم ... فليس للوصل عندنا ثمن غيره (كامل) . شمّتّ بي الأعداء حين هجرتني ... والموت دون شماتة الأعداء غيره (سريع) . تنام عيناك وتشكو الهوى ... لو كنت صبّا لم تكن نائما ولبعضهم: سيدي بادأني بلطف من غير خبرة، وأعقبني جفاء من غير ذنب، فأطمعني أوّله في إخائه، وآيسني آخره من وفائه، فسبحان من لو شاء لكشف بإيضاح المبهم عن عزيمة الرأي فيه، والمملوك يقول: (متقارب) عجبت لقلبك كيف انقلب ... وصفو ودادك أنّى ذهب وأعجب من ذا وذا أنّني ... أراك بعين الرّضا في الغضب أجوبة رقاع العتاب قال في «موادّ البيان» : حكم أجوبة هذه الرّقاع حكم رقاع أجوبة الاعتذار، إلّا أنها لا تخلو من الإجابة بالإعتاب أو الإصرار على العتاب. قال: ويجب أن يسلك فيها المجيب مذهب المجيب عن رقاع الاعتذار. زهر الآداب: في جواب العتب على تأخّر مكاتبة: وعلم المملوك ما أشار به من العتب بسبب تأخّر خدمه عن جنابه، وما توهّمه من اشتغال المملوك بأهله وأصحابه، وحاشاه أن يتوهّم في المملوك غير الولاء، والملازمة على الحمد والثّناء، فهو لا يعتمد ذلك إلّا تخفيفا عن خاطره،

ووثوقا بما يتحقّقه المولى من خالص مودّته في باطنه وظاهره، حرسه الله ووفّقه، وفتح له باب السعادة ولا أغلقه، بمنّه وكرمه. زهر الربيع: جواب عتاب: زاد الله جنابه حنانا، وأسبغ عليه إنعاما وإحسانا، وخلّد له على كلّ عدوّ سلطانا. ولا زالت همّته سماء لمناكب الكواكب، وأياديه تفيض على الأولياء غرائب الرّغائب، ولا برحت سحائب إنعامه هامية، وقطوف إحسانه دائمة دانية، وشرائع مياه جوده تجفّف جفونا من الفاقة دامية. المملوك يجدّد خدمته، ويواتر للمولى أدعيته، ويعترف بمننه الّتي أقرّت بها ألسنة جوارحه فلا يستطيع أن ينكرها، ويغترف بيد تضرّعه من بحار جوده الّتي تثعب الوليّ من سحابها إلى كل وليّ وتقذف له جواهرها. وينهي ورود المكاتبة والعلم بمضمونها، والاحتواء على سائر معاني فنونها، وما أشار إليه من العتب الذي يرجو به بقاء الوداد، واستصحاب حال التّواصل من غير نفاد، والمملوك فلا ينكر ذنبه، ولا يتنصّل ولا يتوصّل بل يعترف بجرمه وقلّة خدمه، ويستمسك بالعروة الوثقى من إحسانه وحلمه، ويسأل مكارمه إجراءه على عادته بالصّفح عنه ورسمه، وهو يرجو أنّ أمّ هذه الهفوة لا تلد لها أختا، وأنه لا يعتمد إلّا ما يزيده إلى المولى مقة ويزيل مقتا، فإنّ معاتبة مولانا قد وعتها أذن واعية، ومراضيه لا تخفى على المملوك بعد ذلك منها خافية، إن شاء الله تعالى. آخر: أسعد الله المجلس وعطف للأولياء قلبه، ونصر كتائبه وأنفذ كتبه، وأرهف في نصرة الإسلام سنانه وعضبه، وألهم حبّة قلب الزمان حبّه، وأقدره على الحلم الزائد حتّى يغفر به لكلّ مذنب ذنبه. [وينهي] ورود الكتاب الذي أعدّته يد مولانا فصار كريما، وكسته عبارته

ثوب براعته فأصبح منظره وسيما، واستنشق عرف نسيمه المبارك فطاب شميما، وعلم المملوك منه شدّة عتبه، ومرّ التجنّي الذي ظهر من حلو لفظه وعذبه، ولم يعرف لعتبه موجبا، ولا لتغيّر مودّته سببا، فإنه ما حاد عن طريق ولائه ولا حال، ولا زلّت قدمه عنه ولا زال، ولا ماد عن منهج المودّة ولا مال، وما فتيء لمحاسنه ناشرا، ولإحسانه شاكرا، فإن كان قد نقل عنه إلى مولانا شيء أزعجه، وأخرجه عن عادة حلمه وأحرجه، فإن الوشاة قد اختلقوا قولهم ونقلهم، وقصدوا تشتيت المصاحبة شتّت الله شملهم (طويل) . وقد نقلوا عنّي الّذي لم أفه به ... وما آفة الأخبار إلّا رواتها آخر: وردت المشرّفة العالية أعلى الله نجم مرسلها، وأسبغ أياديه وشكر جسيم تفضّلها، فابتهجت الأنفس بحلولها وحلل جمالها، وعوملت بما يجب من إكرامها وإجلالها، وفضّ ختامها ففاح منها أرج العبير والعنبر، وتليت ألفاظها الّتي هي أبهى من الرّياض وأحلى من السّكّر، فأغنت كؤوس فصاحتها عن المدام، وأزال ماؤها الزّلال البارد حرّ الأوام «1» ، وأعرب منشيها عمّا في ضميره من العتب، والضيق الذي حصل في ذلك الصّدر الرّحب، وهو يقسم بنعمته، وبصادق محبّته، أنه لم يبد منه ما يوجب عليه عتبا، ولا انثنى عن الثّناء على [محاسنه «2» ] الّتي شغفته حبّا، فإن كان المولى قد توهّم شيئا أحرجه وأقلقه، وإلى أليم العتب شوّقه، فليزل ذلك الوهم من خاطره، وليثق بما تحقّق من موالاته في باطنه وظاهره، ورأيه العالي. آخر: أعزّ الله عزماته، وشكر جسيم تفضّلاته. ولا زالت نعمته باقية، وقدمه إلى درج المعالي راقية، وهمّته إلى السّموّ على الكواكب سامية، وسماء جوده على العفاة هامية، وعزمته لثغور الإسلام حامية،

النوع الرابع عشر (العيادة والسؤال عن حال المريض)

عبد نعمه، وغرس كرمه، يعلمه بصدق ودّه، والمداومة على شكره وحمده، وأنه وقف على مشرّفه وفهمه، وشاهد منه عتبه وعلمه، وهو لا يشكو من المولى جفاء ولا يعيب، و [عن] طريق المصافاة والمخالصة فلا يغيب، بل يقول (كامل) أنت البريء من الإساءة كلّها ... ولك الرّضا وأنا المسيء المذنب والمرجوّ من لطافة أخلاقه، وطهارة أعراقه، أن يصفح عن زلّته، ويعفو عن ذنبه وإساءته (طويل) فأنت الّذي ترجى لتخفيف زلّتي ... وتحقيق آمالي ونيل مآربي وقربك مقصودي وبابك كعبتي ... ورؤياك يا سؤلي أعزّ مطالبي قلت: وكتبت إلى المولى شهاب الدين «1» الدّنيسريّ، وقد بلغني عنه مساعدة بعض الجهّال عليّ في بعض الأمور (طويل) . عهدت شهاب الفضل يرمي بسهمه ... شياطين جهل أن تداني جنابه فما بال مولانا على فرط فضله ... يعرّف شيطان الجهالة بابه؟ النوع الرابع عشر (العيادة والسّؤال عن حال المريض) رقعة عيادة: وينهي أنه اتّصل بالمملوك من ألم مولانا- أطال الله بقاءه- وحرس حوباءه «2» - ما أهمى مدامعه، وأحمى أضالعه، ومزّق جلده، وحرّق خلده «3» ،

وأطار الوسن «1» عن عينه، ونفّر الهدوء عن مضجعه، حتّى تدارك الله تعالى بكتابه الناطق بإقلاع الملمّ، المعرب عن دفاع المهمّ، فرقأ «2» من دموعي ما ارفضّ، وجبر من ضلوع المملوك ما ارتضّ، والتأم من جلده ما تفطّر، وبرد من خلده ما توقّد «3» ، وجثم ما طار من وسنه وآنس من الهدوء ما نفر عنه، والتأمت الآمال بعد انثلامها، وبرزت ثمار الأمانيّ من أكمامها، وطلع من الرجاء آفله، وروي من السّرور ماحله، وتجدّد من السّؤدد طامسه، وضحك من الزمان عابسه، والله تعالى يغضّ طرف الحدثان، عن مهجته، ويصرف صروف الزمان، عن ساحته، ويهنّيه بما أعاده إليه من الإبلال، ويملّيه بما أفاضه عليه من الاستقلال، بمنّه وكرمه، إن شاء الله تعالى. رقعة: وينهي أن ما خامره من قلق وجزع، وفرق وهلع، بسبب ما بلغه من شكوى مولانا لا تحصره الأوهام، ولا تسطّره الأقلام، ولولا ثقة المملوك بالله تعالى لوهت عقد صبره، ولا نخلع فؤاده من صدره، وقد علم الله تعالى أنّ هذا الألم لو نقل إلى المملوك لما ثقل عليه، وكيف يستثقل ما يخفّف عن مولانا وصبه «4» ويحسمه، ويعكّف له سلك الشّفاء وينظمه، والله تعالى يجعله في أمان من كفايته، وضمان من حياطته، إن شاء الله تعالى. أجوبة كتب الشفاعات «5» والعنايات قال في «موادّ البيان» : هذه الكتب إذا أجيب الملتمس إلى حاجته فينبغي

أن تبنى أجوبتها على شكر مقصد الشافع، والإدلال والاسترسال وإنالة المشفوع له وطره إيجابا لحقّ الشافع، وإن وقع الامتناع والتوقّف عن الإجابة إلى الملتمس، فالواجب أن تبنى على إقامة العذر لا غير. زهر الربيع: جواب شفاعة في حقّ كاتب: جدّد الله [له] السعادة وخلّدها، وأصارها له شعارا وأبّدها، ووطّد به الممالك ومهّدها، وعضد به طائفة الإسلام وأيّدها، وشكر له صنائع يعدّ منها وليّ ولا كلّ يستطيع أن يعدّدها. المملوك يقبّل اليد الشريفة أداء للفرض اللازم، وشكرا لما أولته من الأيادي والمكارم، وحمدا لألطافه الّتي أطمعته بالتمييز فأصبح برفع قدره كالجازم. وينهي ورود المشرّف الذي نزّه ناظره، وجبر قلبه بحسن ألفاظه وخاطره، والعلم بما أمر به، وشفع إلى المملوك بسببه، وهو الكاتب الذي أشار إليه، وقد ركن إلى ما شكره به المولى وأثنى به عليه، واعتقد يمن إغارة «1» الشافع فعقد على المشفوع فيه خنصره، وتقدّم بترتيبه في ديوان إنشائه، وجعله من جملة خواصّه وخلصائه، وفعل ذلك كلّه اتّباعا لإشارته، وقبولا لشفاعته، فالمولى يواصل بمراسمه وأمثلته، فإنّها ترد على مرتسم ممتثل. ومنه: جواب شفاعة في استخدام جنديّ: ضاعف الله تعالى نعمه، وأرهف في نصرة الإسلام سيفه وقلمه، ولا برحت ألسنة الأنام ناطقة بولائه، وأيدي ذوي الرجاء مملوءة من فواضل نعمائه. المملوك يواصل بأدعيته الصالحة، ويستنشق روحانيّ ريحكم فيسكن منه

بلذيذ تلك الرائحة، ويشكر له ما منحه من المكارم، ويباهي بعزماته اللّيوث الضّراغم، فلا يجد مضاهيا لتلك العزائم. وينهي ورود المثال «1» الذي أشرقت الوجوه بنوره، وابتهجت الأنفس ببلاغة منشيه ووشي سطوره، وعلم إشارة المولى في معنى فلان، أدام الله سعده، وأعذب منهله وورده، والتوصية بأمره، وما أبداه من حمده وشكره، وأن يقطع إقطاعا يليق بأمثاله، ويتفيّأ من خراجها ضافي ظلاله، وعند مثول مثاله العالي امتثل والتثم، واستخدم المشار إليه لإشارته وخدم، وهذا بعض ما يجب من قبول أمره، وتعظيم كتابه وتبجيل قدره، فيواصل بمراسمه فإنها تقابل بالارتسام، ومشرّفاته فإنها تعامل بوافر الإكرام. جواب شفاعة في الجملة (كامل) . قل ما تشاء فإنني لك طائع ... ما أنت عندي شافع بل آمر جعله الله لكلّ خير سببا، وحقّق به لأوليائه ظنونا وحصّل أربا، ووفّر له من أجر شفاعته الحسنة نصيبا، وأدامه عن كلّ شرّ بعيدا وإلى كلّ خير قريبا. المملوك ينهي تألّمه لفراقه، وما يجده من صبابته وشدّة أشواقه، ويعانيه من حنينه وأتواقه، وأنه ورد عليه كتابه فاستلمه ولثمه، وبجّله وعظّمه، وعلم ما أشار إليه، وأخذ أمر المشفوع فيه بكلتا يديه، وجعل قضاء أربه أمرا لازما، وما فتيء على ساق الاجتهاد قائما، إلى أن حصّل غرضه، وأدّى من حسن القيام بأمره ما أوجبه مشرّفه العالي وافترضه، والمولى آمر غير شفيع، ومهما ورد من جهته على المملوك فوارد على سميع مطيع، فيواصل من مراسمه بما سنح، ومن أخباره بما تأرّج طيب عرفه ونفح، ورأيه في ذلك العالي. آخر: شكر الله عوارفها، وتالد جودها وطارفها، ووافر

ظلالها ووارفها، وينهي ثناءه على معاليه، وملازمته ومداومته على بثّ محاسنه ونثّ أياديه، وحمد عواقب إحسانه ومباديه، وشدّة أشواقه إلى جنابه، ولذيذ مشاهدته وخطابه، وما يعانيه من غرام لازمه ملازمة الغريم، وداء صبابة يضاعف شوقه إلى رؤية وجهه الوسيم، ومداومته على التعوّض بشكر محاسنه عن المدامة والنّديم، ونظم جواهر مدحه لجيد جوده، وحمد المولى على ذلك التنظيم، وأنه ورد عليه مشرّفه العالي فقبّله، ودعا لمرسله دعاء يرجو من الله تعالى أن يستجيبه ويتقبّله، وحصل له بوصوله ابتهاج عظيم، وقال لمن حضر وروده يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ «1» وفهم مضمونه وفحواه، وعلم معناه وما أظهره فيه وأبداه، من الوصيّة بفلان وما يؤثره من تسهيل مطالبه، وتيسير مآربه، ووصل المشار إليه وحصل الأنس برؤيته، وتمتّعت النّواظر والمسامع بمشاهدته ومشافهته، وقام المملوك في أمره قياما تامّا، وجعل عين اجتهاده في مصلحته متيقّظة لا تعرف مناما، وشمّر عن ساق الاجتهاد، في تحصيل المرام والمراد، إلى أن حصل له الفوز بنيل أمله، وعاد راتعا من العيش في أخضره وأخضله، رافلا من السّرور في أبهى حلله، فيحيط علمه بذلك، والله تعالى يعضّد به الدّول والممالك، إن شاء الله تعالى. آخر: جعله الله مفتاحا لكلّ باب مرتج، وصدّق به [أمل] كلّ آمل وحقّق رجاء كلّ مرتج، ولا زالت سحائب جوده هامية بالوسميّ «2» والوليّ «3» ، ماطرة بوبلها وطلّها على الوليّ.

المملوك يخدم بتحيّة أرقّ من النّسيم، وسلام أطيب عرفا من بان النّقا «1» إذا تحمّلت عرفه ريح الصّريم «2» . وينهي إلى علمه الكريم ورود مشرّفته وأنه أحاط بمضمونها علما، وشاهد منها في حال طيّها مكارم أصارت تفضيله على حاتم الطائيّ حتما، ووقف منها على درّ لفظ قذفه بحر خاطره نثرا ونظما، وبراعة عبارة زادت قلب مواليه غراما وأنف مناويه رغما، وفصاحة عرّفته قوله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ من البيان لسحرا وإنّ من الشّعر لحكما «3» » وفهم عنايته بفلان نفع الله بعلمه وعمله، وقرّب له من الخير ما لا يطمعه به بعيد أمله، وإشارته بسبب التنبيه والإرشاد على جمل فضائله، ومفصّل مناقبه المشهورة في البلاد، وإيضاح كفايته في وجيز تلك الفصول الصّحاح الإسناد، فحال قدوم المذكور وحلوله، وورود مشرّفه ووصوله، أنهى المملوك أمره إلى مخدومه، وطالع به شريف علومه، ولا زال يحسن سعيه، ويعتمد على مشيئة الله ولا يترك حرصه ومشيه، إلى أن حقّق قصده بقضاء شغله، وقرّب له أمد أمله، وكتب توقيعه ولم يرد الله تعويقه، ونجع طعم قصده وأنجح الله طريقه، وقد عاد مصحوبا بالسّلامة، معروفا بتحصيل هذا القصد بأنه (طلّاع الثّنايا) من غير وضع العمامة، حسب إشارة المولى وأمره، والله تعالى يمدّه بصونه ونصره. آخر: في استخلاص حقّ. شكر الله إحسانه وإنعامه، وحصّل به لكل وليّ مرامه، وحمد تطوّله وتفضّله، وأنال به لكلّ آمل أمله، وخلّد دولته، وأدام نعمته، وأنفذ كلمته، ولا

زال فضله كاملا، وإحسانه إلى الأولياء واصلا، ونواله لبني الآمال شاملا. المملوك يخدم أحسن من نور الرّبا، وثناء ألطف من ريح الصّبا، وسلام أطيب بمروره من تذكّر أيّام الصّبا. وينهي ورود الكتاب الذي طاب بالمولى محتده «1» ونجاره، وزاد على كتائب الكتب فخاره، وأنه وقف عليه وقوف مشتاق إلى مرسله، شاكر أنعم فضله وجسيم تفضّله، فأسكرته تلك الفصاحة بشذاها الأرج، ونزّهت لحظه في درّ لفظها البهج، فظنّها لمّا استنشق رائحتها راحا قرقفا «2» ، ولمّا أبهجه لفظها بألفاظ تزهي على الرّياض روضة أنفا «3» ، وعلم الإشارة الكريمة في معنى فلان والوصيّة بخدمته، وما أمر به من مساعدته ومساعفته، وعند وصول مشرّف المولى وقبل وضعه من يده، نوى المملوك مساعدة المذكور على مقصده، فتقدّم بإحضار غريمه فوجده عن البلد غائبا، فانتظره إلى أن عاد آئبا، فعند وصوله طلبه وأحضره، وسأله عمّا يدّعيه عليه خصمه فأنكره، وطلب الحضور إلى القاضي «4» ، وحثّ على ذلك حتّى أوهم أنه المتقاضي، فلمّا رأى المملوك أن حجّة المشفوع فيه لا تقوم بصدق دعواه وحجج، ولا يظهر بها على غريمه إلا من طريق حرج، بذل في مصالحتهما جهد الاجتهاد، وما زال يرشدهما إلى طريق الرّشاد، ويدلّهما على سبيل السّداد، ويعرّفهما أن التضارر ضير، وأنّ الصّلح خير، فكل منهما يهيم في واد، ويسلق خصمه بألسنة حداد، إلى أن تراضيا

وتوافقا، وسلكا طريق الرّفق وترافقا، وصدّق الخصم خصمه فتصادقا، وانفصلا وكلّ منهما قد أرضى خدنه «1» ، وعن المحاكمة والمحاققة أغضى جفنه. آخر: أيّد الله سعد المولى وأبّده، وأثّل مجده ومجّده، وأعانه على إسداء العوارف «2» وعضّده، وأمدّه من المسرّات بما يزيل عن الأيّام أبده «3» ، وأناله سعدا لا تبلغ الأنام أمده، ولا زال برد جدّه من السعادة جديدا، ونجم عدوّه آفلا ونجمه سعيدا. الذي نحيط به علمه الكريم أنّ كتابه ورد فسرّى همّ الأنفس وسرّها، وضاعف بما ضاع من نشره بشرها، وفاح منه شذا عند إقباله، فقيل: قد هبّت القبول، ورنّح الأولياء، فقيل: قد هبّت ريح الشّمال وأديرت الرّاح الشّمول «4» وأنّ المملوك وقف منه على ألفاظ سقته كؤوس سرور لا كؤوس مدام، وروت له أخبار حلم لو أسندت إلى سواه لتوهّمت أضغاث أحلام، وروّت أكبادا أضرّ بها لغيبته حرّ ظمإ وأوام «5» ، وبيّنت سحر البيان، وأعربت بلسان حسنها عمّا لمنشيها بل موشّيها من الإحسان، وأغربت في الفصاحة فخلنا كلّ كلمة تنطق عن سحبان بلسان، وزهت بيانع ثمار فضلها فنزّهت كلّ عين في بستان، وعلم إشارة المولى في معنى فلان، وما أبداه من العناية في حقّه، والإيثار لصلة رزقه، وأنه من الألزام «6» ، والذين تجب معاملتهم بالإكرام والاحترام التام، وعند ما شاهد

المملوك كتاب من شرّفه، وسمع ألفاظه الّتي بلطفها أتحفه، بل بردائها على البرد ألحفه، تقدّم بإجابة سؤاله، وترتيبه في جهة تليق بأمثاله، وقمّصه من العناية قميصا لا يبلى، وجمع لخاطره والدّعة شملا، وهذا حسب إشارة المولى الّتي لا تخالف، وأمره الذي يقف كلّ أحد عنده ولا يستوقف ولا يواقف «1» . كتاب إلى مريض بالسؤال عنه من كلام المتأخرين (مجزوء الكامل) . حاشى مزاجك من أذى ... وكريم جسمك من وصب «2» يا غاية المأمول و ... المرجوّ، يا كلّ الطّلب مذ غبت عنّي لم أزل ... من بعد بعدك في نصب «3» جفني غريق بالدّموع ... وماء صبري قد نضب والله ما لي في البقاء ... وأنت ناء من أرب فترى «4» أبشّر سيّدي ... أنّ اللّقاء قد اقترب؟ حرس الله مزاج المولى! وأصار العافية له شعارا، والصّحّة له دثارا، ولا زالت ساكنة في جوانحه، مقيمة حشو أعضائه المباركة وجوارحه. أصدرها المملوك تعرب عن شوق يكلّ عن وصفه اللّسان، وتوق لا يحسن وصفه البنان، ولا عج يعجز عن حمل بعضه الجنان، ملتمسا المواصلة بأخباره، وواصفا ما يجده القلب من ألم الشوق وناره، وشاكيا من جور أيّام الفراق، وراجيا أن يبشّر بالإبلال من مرضه والإفراق، وداعيا إلى الله بتعجيل أيّام التّلاق. ومع ذلك فلو رمت أن أشرح كلّ ما أجده من الصّبابة لأسأمت

وأسهبت، بل لو ذكرت ما أعانيه لألمه لثقّلت على خاطره وشوّشت «1» ، لكن خاطر المولى شاهد بوجدي، وعارف بما تحمّلته من الكآبة الّتي لم يحملها أحد قبلي ولا تحمل بعدي، فيواصل بأخباره، والله يحرسه آناء ليله وأطراف نهاره، إن شاء الله تعالى. في معناه (كامل) . يا من شكا فشكا فؤادي حرقة ... لا تنطفي وصبابة لا تبرح وغدا سقيم الجسم يوما واحدا ... فنزحت دمعا للمدامع يجرح وازداد شوقي نحو طلعته الّتي ... أبدا بيمن بهائها أستنجح لا زلت في عزّ وسعد دائم ... أيّامنا ببقائه تتبجّج وبقيت ما بقي الزّمان مؤيّدا ... تمسي قرير العين فيه وتصبح كمّل الله عافية المولى وحرسه، ولا سلبه ثوب الصّحّة بل قمّصه إيّاه وألبسه، وأخدمه الأيّام فلا تستطيع مخالفة أمره ولا الخروج عن حكمه، ورزقه أن يملك الدّنيا بحذافيرها وهذا يحصل بعافية جسمه. المملوك ينهي أنه اتّصل به تألّمه فشقّ ذلك عليه، ووصل من القلق إلى حدّ لم يصل المولى والحمد لله إليه، وابتهل إلى الله في معافاة جسده، وأن يعضّده ببقاء والده وولده، ويضاعف تسهيل مآربه ومقاصده، ويرفع كلمته وقدره على رغم معطس شانيه الأبتر وحاسده، إن شاء الله تعالى. جواب إلى من قنطره «2» فرسه:

ثبّت الله قواعد مجده، وبلّغه سعدا لا تبلغه الآمال لبعده، وأهمى على محبّيه سحائب جوده ورفده. المملوك يخدم بتحيّة أرقّ من النّسيم، ويشكر مواهبه الّتي ما زالت تحنو عليه حنوّ المرضعات على الفطيم. وينهي ورود الخبر بأنه كبا به جواده عندما زلّت قوائمه، وأثقلته فضائل المولى ومكارمه، فانزعج لذلك وتألّم، وكاد قلبه لولا المبشّر بسلامته أن يتكلّم، وجواد المولى لا سبيل إلى ذمّه، فإنه أسمح جواد، ولا اتّهامه بالعجز، فإنّه عرف بإتهام وإنجاد (بسيط) . لكنّه نظر الأفلاك ساجدة ... إلى علاك فلم تثبت قوائمه والمولى أولى من قابل عذر طرفه بطرف القبول، واعتمد عليه دون سائر الخيول، فإنّ المولى ولله الحمد في صحة دائمة، وسلامة ملازمة، وهذا هو القصد والمراد، والاستبشار الذي تفترّ له ثغور الثّغور وتعمر به البلاد، جعله الله في سعد ما له فراغ ولا نفاد، ورزقه ما دعا به العماد الفاضل والفاضل العماد، إن شاء الله تعالى. أجوبة كتب العيادة قال في «موادّ البيان» : يجب أن تبنى هذه الأجوبة على وصول الرّقعة، وما صادفت المريض عليه من المرض، وأنها أهدت روح الهدوء، وأركدت رياح السّوء، وأقبلت بنسيم الإبلال، وتضوّعت بأرج الاستقلال، وبشّرت بالعافية والسّلامة، وآذنت بالصّلاح والاستقامة، وأشباه هذا.

ابن نباتة «1» المصري: شكر الله افتقادها وأنسها، وقلمها وطرسها، وحمى من عارض الخطب لا من عارض الخصب شمسها، ولا أعدم الأولياء قصدها الجميل، وودّها الجليل، وإحسان رسائلها الّتي كرمت فما صوب الغمام لها رسيل، وأمتع الممالك بيمنها الّتي صحّت بتدبيره فليس غير النّسيم عليل. وينهي ورود المشرّف الكريم فتلقّاه المملوك حبيبا واردا، وطبيبا بإحسانه وللجسد عائدا، وفهم المملوك ما انطوى عليه من الصّدقات الّتي ما زالت في فهمه، والمحبة الصادقة الّتي ما عزبت عن علمه، وما تضمّن من فصول كانت أنفع من فصول أبقراط «2» لمعالجة جسمه، وأين أبقراط من بركات كتاب مولانا الذي طالع منه كتاب الشّفاء على الحقيقة، والنّجاة من عروة البأس الوثيقة؟ وأدنى ورقته الحمراء لرأسه تبرّكا وإكراما وقال: نعم الجلّنارة المعوّذة من الشّقيقة، واستطبّ حروفها فإنها عن أيدي الكريم والكرامات، ولثم العلامة وتمسّك بالسّطور فإنها من أسباب الصّحّة والعلامات؟ ووافقت عيادة مولانا مبادي العافية وآذنت بالزّيادة، وصلح خطّه الكريم عائدا وما كلّ خطّ يصلح للعيادة، وما تلك الجارحة المتألّمة إلّا يد أثقلتها منن مولانا فأعيت وتألّمت، ثم أعانتها بركته هي والقدم بالحمل العظيم وتقدّمت، وما بقيّة الجوارح إلّا عيون كانت تنتظر لطف الله تعالى وبركته وقد قدمت، فشكرا لها من بركات تنعم بها قبل الجسوم أرواحها، وأدوية قلبيّة تعالج بها ذوات النّفوس فكيف أشباحها، لا برح جوهر كلمات مولانا يؤذن بالشّفاء من العرض، وسهام أقلامه إذا كتبت عائدة أو جائدة أصابت الغرض وفوق الغرض.

وله: تقبّل الله منه وفيه صالح الأدعية، وملأ بمحاسن ذكره وبرّه الآفاق والأندية، وشكر هباته وبركاته الّتي تنزل بعارض الغيث قبل الاستمطار وترفع عارض الألم قبل الأدوية، تقبيل معترف بسابق النّعم، مقيم على صحّة العبودية والولاء في حالتي الصّحّة والسّقم. وينهي ورود مشرّف مولانا الكريم على يد فلان عائدا من جهة العيادة، وعائدا من جهة الصّلات المعتادة، ومفتقدا لا عدم الأولياء في الشّدّة والرّخاء افتقاده، ما كان إلّا ريثما نشق العليل نسماته الصحيحة، وتناول كأس ألفاظه الصّريحة، وإذا بقانون المزاج قد همّ باعتداله، وكتاب الشفاء والنجاة قد تسنّت فوائد إقباله، فتميّز حال الصحّة من المرض، واستعمل جوهر الألفاظ فعزم على زواله العرض، وبلّغ الولد فلان المشافهة وكلّ مقاصد مولانا مبتدأة مبتدعة، والمملوك «1» جوابها وكلّ أجوبته منوّلة منوّعة، شكر الله عوارف مولانا المتّصلة، ورسل افتقاده الّتي منها العائد ومنها الصّلة. وله في جواب كتاب عيادة وارد في يوم عيد على يد من اسمه جمال الدين محمود: شكر الله مننها الّتي إذا أبدت أعادت، وإذا جادت أجادت، وإذا كرّرت الافتقاد حلا، وإذا تصدّت لمودّات القلوب صادت، تقبيل مخلص في ولائه وابتهاله، مقيم على صحة العهد والحمد في صحّته واعتلاله. وينهي ورود مشرّفة مولانا الكريمة على يد الولد جمال الدين محمود متفقّدا على العادة، مكرّرا لعيادة الإحسان وإحسان العيادة، فقابل المملوك بالحمد واردها، وبعوائد الاعتداد عائدها، وفهم ما تضمّنته من تألّم قلب المالك على ضعف المملوك وقلق خاطره على بدن كبيت «2» العروض منهوك، وأنه كان

ابتدأ ضعف المملوك فتألّم، ثم تلا خبر الصحة فتلا، ولكنّ الله سلّم، ثم بلغه أنّ آلاما تراجعت، وموادّ واصلت بعد ما قاطعت، فحملته خواطر الإشفاق عليّ على تكرير العيادة، وارتقاب فعلات الشفاء المستجاده، جاريا من إحسانه وافتقاده على أجمل معهود، باعثا مشرّفته وحاملها وكلاهما حسن الحال محمود، فعندما وصلا أوصلا كمال العافية، وحقّقت أخيلة البرء الشافية، وما كان المشكوّ إلّا مادّة يسيرة وزالت، وبقيّة ضعف تولّت بحمد الله وبركة مولانا وما توالت، وما عيّد المملوك إلّا وشفاء الجسد في ازدياد، والنفس بالوقت وبالمشرّفة في عيدين قائمين بأعياد، لا زالت منن مولانا إزاء اللّحظ حيث دار، وودّه وحماه جامعين فضل الجار والدّار. زهر الربيع: لا زال محروس الشّيم، هاطلة سحائبه بالدّيم، مشكورا بلساني الإنسان والقلم. المملوك يقبّل يده الشريفة مؤدّيا للواجب، ويواصل بدعاء صالح أصاره إنعامه ضربة لازب. وينهي إلى كريم علمه ورود مشرّفه الذين أبهج الأنفس وضاعف الصّبابة، وأفنى الصبر عن محيّاه وإن كان ما أفناه أيسر صبابة، وأنّه علم منه إنعامه وتشوّفه إلى المملوك وإلى سماع أخباره، وما أبداه من شفقة ألفت من إحسانه وعرفت من كريم نجاره، وتحقّقت من شيمه على من ينأى عن بابه العالي وداره، فالله يحرس هذه الأخلاق الّتي هي أرقّ من الماء الزّلال، والشمائل الّتي تفعل بلطفها فعل الجريال «1» ، والمملوك فو الله لا يحصي شوقه إلى الخدمة العالية ولا يحصره، ولا يقدر على وصف ما يسرّه من الأتواق ويظهره، إنما الاعتماد في ذلك على شاهدي عدل من خاطره وقلبه، وهما يغنيان المملوك عن شرح ولائه بألسنة أقلامه ووجوه كتبه، وأما السؤال عن أخبار مزاج المملوك فإنه كان في ألم دائم، وسقم ملازم؛ لشدّة المرض، الذي كان يحتوي على جوهر جسمه

والعرض، فمذ ورد كتاب المولى انتعشت قوّته، واشتدّت منّته، وصدقت في طلب تناول الغذاء شهوته، وترجّى الشفاء بعد أن كان على شفا التّلف، وكان له كالطبيب الآسي في إزالة مرض الأسا والأسف. وقد حصلت للمملوك مسرّتان بكتاب المولى وعافيته، وفرحتان بما أهداه إليه من عفو إنعامه ومحو أثر الألم وتعفيته، وكلّ ذلك بسعادته. ومنه: ورد المشرّف العالي لا زال قدر مرسله شريفا، وشرفه الباذخ يجعل كلّ شريف مشروفا، وسحائب جوده تهدي إلى الأولياء من مكارمه تليدا وطريفا، وقواضبه تردّ [طرف] حوادث الأيّام عنه مطروفا، وأياديه تبعث لمحبيه تحفا، وهيبته تهدي إلى الأعداء خوفا، والدهر بخدمة جنابه العالي مشغوفا، فوقف عليه وقوف مشتاق إلى مسطّره، متنزّه في ربيع ألفاظه وحسن أسطره، وعرف منه إحسانا ما فتيء يعرفه، وتفضّلا ما زال المولى بمثله يتحفه، وما أشار إليه من شدّة إيثاره، لرؤية المملوك وسماع أخباره، والذي ينهيه أنّ جسده كان قد تضاعف ضعفه، حتّى أتعب الألسنة وصفه، فلما وقف من مشرّف المولى على خطّ هو الوشي المنمنم، وألفاظ هي الرّحيق المختّم بل الدّرّ المنظّم، وسحر هو محلّل وكلّ سحر محرّم، أبلّ المملوك وبردت غلّته، وبرأت علّته، وكان كمن استوفى نصيبه من النّصب، وأخذ قسمه من السّقم والوصب «1» ، فسقاه مشرّفه الصحة في كاس، وأفاض عليه من العافية أفخر لباس. آخر (كامل) . ورد الكتاب فعمّت الأفراح ... وأضاء في ليل الأسا الإصباح وافترّ ثغر للزّمان بفرحة ... وللفظه طربت ربّى وبطاح وتضوّعت أرواح طيب عرفها ... تحيا به الأجسام والأرواح وسقى سلاف فصاحة وبلاغة ... ما المسك عند شميمها ما الرّاح شكر الله مننه، وأخدمه زمنه، ومنحه من العيش أغضّه وأحسنه، وشرّف

النوع الخامس عشر (في الذم)

ببقائه الدهر وشنّف بمدحه أذنه. المملوك ينهي إلى علمه وصول مشرّفه الذي تنزهّت الأعين في حسن منظره، ويانع ثمار لفظه البديع ووشي أسطره، وأنه استنشق من ريحه أطيب نفحة، وتقمّص منه ثوبي دعة وصحّة، فشفى داء شفّ منه جسمه، وزاد لوروده سروره وزال همّه، وعلم إنعام المولى الذي لا يشكّ فيه، وإحسانه الذي لا يحصره لسان مادح ولا يحصيه، وما ذكره من الألم الملمّ به واشتغال خاطره الكريم لما ألمّ بجسمه، والمرض بسعادة المولى قد بقي منه قلّه، وتقلّص بعدما امتدّ ظلّه، والعافية تتكمّل إن شاء الله تعالى برؤية محيّاه الكريم ومشاهدته، والمثول بين يديه العاليتين في خدمته. النوع الخامس عشر (في الذّمّ) ذمّ بخيل لأحمد «1» بن يوسف: كأنّ البخل والشّؤم صارا معا في سهمه، وكانا قبل ذلك في قسمه، فحازهما بالوراثة، واستحقّ ما استملك منهما بالشّفعة، وأشهد على حيازتهما أهل الدّين والأمانة، حتّى خلصا له من كلّ مانع، وسلما له من تبعة كلّ منازع، فهو لا يصيب إلّا مخطيا، ولا يحسن إلّا ناسيا، ولا ينفق إلّا كارها، ولا ينصف إلّا صاغرا. وفي مثله: وصل كتابك فرأيناك قد حلّيته بزخارف أوصافك، وأخليته من حقائق إنصافك، وأكثرت فيه الدّعاوى على خصمك، من غير برهان أتيت به على دعواك وزعمك.

ومنه: ولو أراد غير ذلك من الأخلاق السّنيّة، الشريفة الهنيّة، لاستوحش في سبلها، ووقع في مضّة منها، ولن يجد من سلفه ولا نفسه دليلا عليها، ولا هاديا إليها. ومنه: لأبي العيناء «1» : أما بعد، فلا أعلم للمعروف طريقا أحذر ولا أوعر من طريقه إليك، ولا مستودعا أقلّ زكاء ولا أبعد ثمرة خير من مكانه عندك، لأنه يحصل منك في حسب دنيّ، ولسان بذيّ، ونسب قصيّ، وجهل قد ملك طباعك، فالمعروف لديك ضائع، والشّكر عندك مهجور، وإنما غايتك في المعروف [أن] تحرزه، وفي وليّه أن تكفر به. ومنه: لمحمد» بن الليث: بكم علن الظّلم، وظهرت البدع، واندفن الحقّ، وعزّ الفاجر، وظهر الكافر، وفشت الآثام، ونقضت الأحكام، واتّخذ عباد الله خولا، وأمواله دولا، ودينه دخلا. ومنه: لأبي عليّ «3» البصير: عدوّك منعزل عنك، وصديقك على وجل منك، إن شاهدته عاقّك، وإن غبت عنه حاقّك، تسأله فوق الطاقة، وترهقه عند الفاقة، وإن اعتذر إليك لم تعذره، وإن استنصرك لم تنصره، وإن أنعم عليك لم تشكره، ولا يزيدك السّنّ إلّا نقصا، ولا يفيدك الغنى إلّا حرصا، تسمو إلى الكبير، بقدر الصغير، وتشفّ للتّطفيف لا للتخفيف، تعترض الناس بالسّؤال، غير محتشم من الإملال، ولا

النوع السادس عشر (في الأخبار)

كاره لأن ينظر إليك بعين الاستقلال، حتّى لقد أخرجت الأضغان، وقبّحت الإحسان، وزهّدت في اصطناع المعروف، وإغاثة الملهوف، والناس منك بين أسرار تفشى، وبوائق تخشى، وشناعات واردة، ونوادر باردة. ودّك تخلّق، وشكرك تملّق. ومنه: لسعيد «1» بن حميد: رجل يعنف بالنّعم عنف من قد ساءته بمجاورتها، ويستخفّ بحقّها استخفاف من لا يخفّ عليه محملها، ويقصّر في شكرها تقصير من لا يعلم أنّ الشكر يرتبطها، ومن كانت هذه حاله في اختياره لنفسه، فكيف أرجو حسن اختياره لي؟ ومن كان في مدّة من ابتلاء الله بعيدة ما بين الطّرفين لا أدري أينفذ بي الأجل إلى أقصاها؟ أم يقصّر بي في أدناها؟ فكيف يتّسع الصدر للصبر عليه؟ إنّ الله لا يخاف الفوت فهو يمهله، وإنه إن مات لم يخرج من سلطان الله جلّ وعزّ إلى سلطان غيره فيعاجله، وأنا على خوف من إعجال المدى عن بلوغ [مناي فأذهب] «2» حرجا صدري، وعلى ثقة من الشّغل في الآخرة بنفسي عن التّشفّي من أهل عدواتي وترتي «3» ، وأحمد الله على المحنة، وأسأله تعجيل روح النّعمة، وفسحة العافية. النوع السادس عشر (في الأخبار) قال في «موادّ البيان» : كتب الأخبار وإن كانت من الكتب الكثيرة الدّوران في الاستعمال فليست مما يمكن تمثيله، ولا حصر المعاني الوامقة «4»

فيه برسوم تشتمل عليها، نعم ولا أن نقدّم له مقدّمة تكون توطئة لما بعدها، كما يجري الأمر في سائر فنون المكاتبات الأخر الّتي لا تخلو من مقدّمات تحلّ منها محلّ الأساس من البنيان، والرأس من الجثمان، لكن المقدّمات الّتي توضع في الكتب من شرطها أن تكون مشتقّة من نفس معنى الكتاب، ومنهي الخبر لا يمكنه أن يستنبط من كل خبر ينهيه مقدّمة تكون باسطا له، وإنما يقول: كتبت من موضع كذا يوم كذا، والذي أنهيه كذا، بل الذي يلزمه أن يتحدّاه بطاقته، ويتحرّاه بجهده، أن يبيّن ما يطالع به من الأخبار، ويكشفه ويوضّحه ويفصح عنه، ولا يقف منه إلّا عند الشفاء والإقناع لتتقرّر صورته في نفس من ينهيه إليه، اللهم إلّا أن يكون الخبر مما يوجب الأدب العدول عن لفظه الخاصّ به، والإخبار عنه بألفاظ تؤدّي معناه، ولا يهجم على المخبر بما يسوء سماعه، كأن يكون خبرا يرفعه إلى سلطان «1» عن عبد له قد أطلق فيه ما يضع منه ويسقط مهابته، أو نحو من ذلك مما يثقل على السلطان المنغص منه، فإنه ينبغي أن يعدل في هذا وأمثاله عن التصريح إلى التعريض، ومن التصحيح إلى التّمريض، وعن المكاشفة إلى التّورية، وأن يأتي بألفاظ تدلّ على معاني ما يروم إبداءه، ويحرص [على] صورة منزلة السلطان وتوقيره عن قرع سمعه بما يكرهه ولا تجوز مقابلته به، وأن يقصد إلى استعمال الإيجاز والإطناب في المواضع الّتي تحتمل كلّا منهما، فهذا ما يمكن أن يتعرّف من رسوم هذا الباب. قال: ومن نفذ فهمه وخاطره في الصناعة وتدرّب فيها، يكتفي بهذه اللّمعة. ولا يحتاج إلى زيادة عليها. في الإخبار بوقوع مطر وسيل من ترسّل أبي الحسين «2» بن سعد:

فالماء منه يفيض على العمران، بعد أن ضاقت به المغايص والغدران، فأتى على كثير من التّلال والرّوابي، فضلا عن الرّساتيق «1» والقرى، وصار الوادي على اتّساع عرضه، وامتداد طوله، وسعة مصبّه، وفسحة مغيضه، لا يفي بهضمه، ولا يقوم بحمله، ففاض منه ما عطّل العمران ونسق الدّور ومحق الزّروع، فعظم به البلاء، وكثر له الجلاء، وشمل الفساد، وعظم الخراب. صدر كتاب بإخبار عن الخليفة: كتبت، ومولانا أمير المؤمنين في توطّد من خلافته، وتمهّد من دولته، وعلوّ من رأيه، ونفاذ من كلمته، وعزّ من سلطانه، وارتفاع من شانه، ونعم سابغة عليه وعلى أهل طاعته، قالصة عن أعدائه وأهل مخالفته، واستقامة من أطرافه وثغوره، واستتباب من أحواله وأموره، الحمد لله على إحسانه حمدا لا يقف دون رضاه، ولا يحيط بمقداره سواه. صدر بإخبار عن الوزير: كتبت، وحضرة الوزارة السامية في نعم مخصبة الأكناف، بعيدة الأطراف، سادرة الويل، ساحبة الذّيل، وما أنظر فيه من أمر دولته منتظم، وأراعيه من أحوال رعيّته ملتئم، وقد وطّأ الله له أوعار السّياسة والتّدبير، ووقفه على جوادّ المصلحة في التقديم والتأخير، والحمد لله حمدا يستقلّ بحقّه فيقضيه، وبواجبه فيؤدّيه، وينتهي إليه عزّ سلطانه فيرضيه. صدر بإخبار عن أمير: كتبت، والأمير في علوّ من سلطانه، وارتفاع من شانه، وظفر يواكب ألويته، ونصر يصاحب دولته، ووافى عليّ من ظلّه، وشملني من فضله، ما سبغ لباسه، وطابت أغراسه، والحمد لله اعترافا بنعمته، حمدا يوجب شمول منّته،

ويستدعي الشكر عليها، ويقضي بمزيد منها. صدر بأخبار عن عافية المكتوب عنه: كتبت، وأنا صالح الحال، وقد منّ الله تعالى بالعافية والإنعاش، والإقالة والا «1» اش، وأعاد إليّ الصحة بعد نبوها وذهابها، والسلامة بعد نجعها وإغرابها، وأسبل النّعمة بعد الإنذار، والتحذير من الاغترار، ممحّصّا بما ألمّ من الآلام عصب الأيّام، والحمد لله أولى ما تليت به النّعم، وطرّز به المفتتح والمختتم، حمدا يؤمّن من التغيير والتبديل، ويعيذ من الانتقال والتّحويل. أبن أبي «2» الخصال، في الإخبار عن زلزلة عظيمة وقعت بمدينة قرطبة «3» من الأندلس. الشيخ الأجلّ، الوليّ الأكرم الأفضل، أبو فلان، الذي أطرفه الله تعالى بعجائب الأخبار، وأذهب به في مسلك الاتّعاظ ومنهج الادّكار، أبقاه الله آخذا في سنن الانزعاج ونهج الازدجار. المخلص له المحض الناصع من الولاء، ومعرفة غريب الآثار وعجيب الأنباء، فلان. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أمّا بعد حمد الله الذي جعل عبره أنواعا متلوّنة وصنوفا، وأرسل الآيات وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً «4» . والصلاة على سيدنا محمد المصطفى

صلاة طيّبة تعبق تأريجا وتضوع تعريفا، وعلى آله وأصحابه الطاهرين الذين حضروا حروبا وشهدوا زحوفا، والدعاء لسيدنا الإمام أمير المؤمنين في نصر عزيز يؤنّس مذعورا ويؤمّن مخوفا، فإني كتبته- كتب الله لكم دعة حافظة وأمانا، وتصديقا بآيات الله البيّنة وبرهانا- من موضع كذا، عند ما طرأ علينا ما كحل العيون بقذاها، ومنعها لذيذ كراها، وأخفق الضّلوع الحانية وأقلق مصارين حشاها، وهو أنّ الله، عزّ وجلّ، ذكّر عباده إن نفعت الذّكرى، ونبّههم إن تنبّهوا ولم يأمنوا منه كيدا مبيرا ولا مكرا، وذلك بزلزال قضى به على قرطبة وبعض أعمالها، وملأ نفوس ساكنيها من روعاتها وأوجالها، وحالت لذلك في الخوف «1» والارتفاع أقبح حالها، حتّى نحوا إلى الاستكانة والضّراعة، وأطاع الله من لم يكن له قبل ذلك طاعة، وخشوا بل كانوا يوقنون أنّها زلزلة الساعة. وكان من عظيم آثارها، وكريه إيرادها وإصدارها انهدام القبّة العظمى في المسجد الجامع صانه الله، وكانت قبّة أسّس على التّقوى بناؤها، وذهب في المشارق والمغارب ذكرها العاطر وثناؤها، وتهدّمت بسبب ذلك الهدم ديار كثيرة، وحدث به حوادث مبيرة. وأما تلوكة من أعمالها، وكان فيها مبنى من مباني الرّوم، فإنه غادرها قاعا صفصفا، وقرا نفنفا، واضطرّ ذلك الخطب الفادح، والرّيح القادح، إلى أن خرج السيّد أبو إسحاق وكافّة أهل قرطبة من ديارهم، وفرّوا من الموت بأقواتهم وأصحابهم، ثم إنّ الله عزّ وجلّ تدارك بالرّحمى، وكشف تلك الغمّى، جعل الله ذلك صقلا لقلوبنا، وتوبة عما سبق من ذنوبنا، وعصمنا من جرمنا الموبق وحوبنا «2» وأولانا وإيّاكم أمنا من الغير، وازدجارا بما ظهر من العبر، وجعل كلانا «3» جميل الحوادث طيّب الخبر، بمنّه، والسّلام الطيب المبارك ورحمة الله وبركاته.

من كلام المتأخرين في الإخبار بقدوم نائب إلى نيابة. من ذلك نسخة كتاب عن نائب الشام إلى كافل الممالك الإسلامية مخبرا له بوصوله إلى دمشق، من إنشاء الشيخ جمال الدين «1» بن نباتة، وهو بعد الألقاب: لا زالت آفاق الممالك مضيّة بأنوار شمسه، هنيّة بأنس سعادته وسعادة أنسه، سنيّة المقاصد الّتي قام في كفالتها بنفاسة نفسه، ولا برح يستثمر من خير الدّنيا والآخرة ما قدّم صنعه الجميل من غرسه، تقبيلا يشافه به القلم القرطاس، ويودّ المملوك لو شافه به الخدم ساعيا سعي القلم على الرّاس. وينهي قيامه بوظائف دعاء ينير الحلك، وولاء يدور بكواكب الإخلاص إدارة الفلك، وحمد تذهب به صفحات الصّحف حيث ذهب وتسلك عقود الأفلاك حيث سلك، وأنّه خدم بهذه العبوديّة عند وروده إلى دمشق المحروسة لنيابة كانت عناية مولانا سفيرة أمرها، ومميّزة برّها، يوم كذا، وسعادة مولانا السلطان- خلّد الله ملكه- تعلّمه وتعلمه، والغيث ببركات الدولة القاهرة يسايره ويقدمه، وثغر المطر يسابق ثغر المملوك إلى مشافهة الثّرى ويلثمه، والرعيّة منه آمنة في سربها، وادعة بظلال الأبواب الشريفة مع بعدها دعة الصّوارم في قربها، وباكر المملوك يوم الاثنين الذي بورك فيه، في الخميسين من يوم وجيش، وانتصب لمهمّات على مثلها في الخدمة يطيب أن يرفغ لين العيش، مجتهدا فيما هو بصدده، مستمدّا من ربّه، عزّ وجلّ، وسعادة سلطانه برشده، معتدّا نعم مولانا فيما يأتي [في] ذلك من أوفى وأوفر عدده ومدده، والله تعالى يعين المملوك على شكر منن مولانا الباطنة والظاهرة، والغائبة والحاضرة، والمقيمة والمسافرة، ويصل نفع المملوك بولائه في الدنيا والآخرة، ويقيم الرّعايا بالأمن من كفالته الّتي ما

النوع السابع عشر (المداعبة)

برحت بعيون الأعداء فإذا هم بالسّاهرة. الأجوبة عن كتب الأخبار قال في «موادّ «1» البيان» : الأخبار على أكثر الأحوال لا أجوبة لها، وإنما هي مطالعات بأمور ينهيها الخدّام، وأصحاب البرد إلى السلاطين، مما تخرج أوامرهم إلى الولاة «2» بما تضمّنته، مما يقتضيه كلّ خبر ينهى من سياسة عامّة، أو مصلحة تامّة، قال: فأما ما يستعمله الإخوان في المكاتبة بالأخبار الّتي يكل بعضهم إلى بعض الإخبار بها، فمنها ما يقتضي الجواب، ومنها ما لا يقتضيه. قال: وأجوبة ما يقتضي الجواب منها تفتنّ بحسب افتنان الأخبار والأغراض الّتي يجيب المجيب بها، وهو أيضا مما لا يعبّر عنه بقول جامع ولا برسم رسم كلّيّ، وإنما يرجع فيه إلى الأمور الّتي يبتدأ بها ويجاب عنها. النوع السابع عشر (المداعبة) قال في «موادّ البيان» : ومعاني المداعبات الّتي يستعملها الإخوان غير متناهية، والأغراض الّتي ينتظمها المزاح وتعدّ من طلاقة النفس لا تقف عند قاصية؛ لأنها مستملاة من أحوال متباينة، ومأخوذة من أمور غير معينة، وحصرها في رسوم جامعة يستحيل، وتمثيلها غير مفيد؛ لأنه لا تعلّق لبعضها ببعض، ولا نسبة بين الواحد والآخر، ثم قال: والأحسن بأهل الوداد والصّفاء، والأليق بذوي المخالصة والوفاء، أن يتنزّهوا في المداعبة الدائرة بينهم عن بذيء اللفظ ومفحشه، ومؤلم الخطاب ومقذعه، ويكفّوا اللسان واليد عن الانطلاق بما يدل

على خفّة الأحلام، والرّضا بالرّذل من الكلام اللائق بسفهاء العوامّ، ويتحرّجوا من إرسال قول يبقى وصمة على [مدى الأيّام] إذ لا فرق بين جرح اللّسان وجرح اليد، وقد نطق بها المثل؛ لما في ذلك من الترفّع عن دنايا الأمور الّتي لا يتنازل إليها الكرماء، والتنزّه عن المساقط الّتي لا يستعملها الأدباء، وصيانة المروءة عما يشينها ويخدشها، وتوقيرها عما ينقصها، والأمن من الجواب الذي ربّما قدح في النفس وأثّر، وأحمى الصدر وأوغر، ونقل عن التّوادد إلى التّضادد، وعن التّداني إلى التّباعد، وقد أشار إلى ذلك أمير المؤمنين عليّ كرّم الله وجهه بقوله من أبياته المنسوبة إليه (متقارب) . فربّ كلام يمضّ الحشا ... وفيه من الضّحك ما يستطاب مع مراعاة السلامة من المداخلة المنطوية على الغلّ، والمراآة المبنيّة على المكر، إذا لم يكن للمقابلة على الابتداء الممضّ بالجواب المريض، وغير ذلك مما لا تؤمن عاقبته، ولا تحسن عائدته. قال: ويكون المستعمل في هذا الفنّ ما خفّ موقعه، ولطف موضعه، وهشّ له سامعه، وتلقّاه الوارد عليه مستحليا لثماره، مستدعيا لأنظاره، ولا يعدل به عن سمت الصّدق، وطريق الحقّ، ومذهب التحرّز من المذق «1» ، ويقتصر فيه على النادرة المستطرفة، والنّكتة المستظرفة، واللّمعة المستحسنة، والفقرة المستغربة، دون الإطالة المملّة، ولا يجعل المزح غالبا على الكلام، مداخلا لجميع الأقسام، فإنّ ذلك يفسد معاني المكاتبة، ويحيل نظام المخاطبة، ويضع من معناها وإن كان شريفا، ويوخم لفظها وإن كان لطيفا، ويذهب بجدّها في مذهب الهزل ويميله عن القصد؛ وإلى ذلك يشير بعضهم بقوله (طويل) . أفد طبعك المكدود بالجدّ راحة ... بلهو وعلّله بشيء من المزح ولكن إذا أعطيته المزح فليكن ... بمقدار ما يعطى الطّعام من الملح

وأن يقتصد مع ذلك. ثم قال: وينبغي أن يقصد إلى استعمال الدّعابة في المواضع اللائقة بها، والأحوال المشابهة لها، ولا يودع بابا من الأبواب ما لا يحتمله من الخطاب، فإنّ القصد في هذا النّوع من المكاتبات إنما هو الإعراب عن الظّرف والبراعة، والإبانة عن طلاقة النّفس، والانسلاخ من تعبيس الفدامة «1» والجهامة، ثم عقّب ذلك بأن قال: ومن وقف من ذلك عند الحدّ الكافي، ولزم فيه الأدب اللائق بأهل التّصافي، دلّ على ما ذكرناه، وشهد لمستعمله بإحراز ما وصفناه، ومن تعدّى ذلك عدّ من المجون والملاعبة، وحسب من رذالة الطبع ونذالة الخيم وسفه اللسان، وغير ذلك من الأمور الّتي لا تليق بالكاتبين الكرام، الذين هم خيار الأنام، وولاة النقض والإبرام. وختم ذلك بأن قال: والكاتب إذا كان مهيّأ الطبع للانطباع برسوم الصّناعة ومناسبة أوضاعها، أغناه الوقوف على هذا القول المجمل في استعمال ما يقع في هذا الباب عن تمثيل مفصّل، ولم يذكر له مثالا. ابن أبي الخصال: سيّدي وواحدي الذي اجمّل ذكره، وأوالي شكره، لا زال مغناك رحيبا، وزمانك خصيبا، ولا زلت تأخذ لأخراك نصيبا، عبدك فلان مؤدّيها ينتجع الكرام، ويباري في جريها الأيّام، فتارة يجمع، وأخرى يفرّق، وطورا يغرّب، وطورا يشرّق، وأمّ الحضرة- وصل الله حراستها وأدام بهجتها ونفاستها- والملك بها غضّ الشّباب، وأخضر الجلباب، وإحسانك إحسانك، ومكانك من المروءة مكانك، فأوسعه قرى، واملأ عينيه على الشّبع كرى، أستغفر الله، بل أمجده تبنا وعلفا، وأركبه حزنا «2» من الأرض ظلفا «3» ، ودونكه لم يقلّب أرضه بيطار، ولا لجناية به جبّار، وجرحه جبار، وعنده كما علمت دعاء مباح، وثناء في الشكر

مساء وصباح، والسلام. من كلام المتأخرين: كتب بعضهم إلى كمال الدّين بن الأثير، وقد جاء إليه في بستانه فلم يجده ولا وجد من أنصفه: حضر المملوك البستان، مستدنيا قطوف الإنعام والإحسان، واستمطر سحائب فضله، وهزّ إليه بجذع نخله، فلم تتساقط عليه رطبا جنيّا، فعلم أنه قد جاء شيئا فريّا، فثّبت نفسه مع تصاعد الأنفاس، والطمع ينشده (كامل) . ما في وقوفك ساعة من باس «1» فانطلق حتّى أتى القرية مستطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوه، مستعطفا حاشيته الرقيقة فأبوا «2» حاشيته أن يستعطفوه، وقال كلّ منهم: تطالب بالقرى كما تطالب بدينك، ارجع حيث شئت هذا فراق بيني وبينك. وعلم أنه لو أقام بها جدارا لما أعطي عليه أجرا، ولو حاول قرى لسمع من التوبيخ ما لم يستطع عليه صبرا، فرجع بخفّي حنين، بعد مشاقّ جرّعت كاسات الحين، فأين هذه المعاملة مما نشيعه عنه من كريم الخلال؟ وكيف نشكو نقص حظّ وله كمال الإحسان وإحسان الكمال؟ الأجوبة عن رقاع المداعبة قال في «موادّ البيان» : ينبغي للمجيب عن المداعبة أن يشتقّ من نفس الابتداء جوابا مناسبا لها، وأن يبنيه متى أحبّ الأخذ بالفضل على المسامحة، واطّراح المناقشة، والإغضاء عمّا يمضّ إبقاء على المودّة، وتحسينا لقبح الصّديق، وتعوّدا لعادة الحلم والاحتمال، وأن يذهب في الجواب مذهب الاختصار، وإيراد النّكت الرائعة كما في الابتداء، على ما تقدّم.

الفصل الثامن (في إخفاء ما في الكتب من السر)

الفصل الثامن «1» (في إخفاء ما في الكتب من السّرّ) وهو مما تمسّ الحاجة إليه عند اعتراض معترض من عدوّ ونحوه يحول بين المكتوب عنه والمكتوب إليه، من ملكين أو غيرهما حيث لم تفد الملطّفات «2» لضرر الرّصد وزيادة الفحص عن الكتب الواردة من الجانبين، وهو على نوعين. النوع الأوّل (ما يتعلّق بالكتابة، وهو على ضربين) الضرب الأوّل (ما يتعلّق بالمكتوب به) وذلك بأن يكتب بشيء لا يظهر في الحال، فإذا وصل إلى المكتوب إليه فعل فيه فعلا مقرّرا بين المتكاتبين من إلقاء شيء على الكتابة، أو مسحه بشيء، أو عرضه على النار ونحو ذلك. وقد ذكروا لذلك طرقا:

الضرب الثاني (ما يتعلق بالخط المكتوب)

منها- أن يكتب في الورق بلبن حليب قد خلط به نوشادر فإنه لا ترى فيه صورة الكتابة، فإذا قرّب من النار ظهرت الكتابة. ومنها- أن يكتب في الورق أيضا بماء البصل المعتصر منه فلا ترى الكتابة، فإذا قرّب من النار أيضا ظهرت الكتابة. ومنها- أنه يكتب فيما أراد من ورق أو غيره بماء قد خلط فيه زاج «1» ، فلا تظهر الكتابة، فإذا مسح بماء قد خلط فيه العفص «2» المدقوق، ظهرت الكتابة. ومنها- أن يكتب في الورق غير المنشّى بالشّبّ «3» المحلول بماء المطر، ثم يلقيه في الماء أو يمسحه به، فإنه إذا جفّ ظهرت فيه الكتابة. ومنها- أن يكتب بمرارة السّلحفاة فإنّ الكتابة بها ترى في الليل ولا ترى في النهار. ومنها- أن تأخذ الليمون الأسود وعروق الحنظل المقلوّة بزيت الزيتون جزءين متساويين وتسحقهما ناعما، ثم تضيف إليهما دهن صفار البيض وتكتب به على جسد من شئت، فإنه ينبت الشّعر مكان الكتابة، وهو من الأسرار العجيبة، فإذا أريد إرسال شخص بكتاب إلى مكان بعيد، فعل به ذلك، فإنه إذا نبت الشّعر قرئت الكتابة. الضرب الثاني (ما يتعلق بالخطّ المكتوب) بأن تكون الكتابة بقلم اصطلح عليه المرسل والمرسل إليه لا يعرفه

القاعدة الأولى - كيفية التعمية.

غيرهما ممن لعلّه يقف عليه، ويسمّى التعمية، وأهل زماننا يعبّرون عنه بحلّ المترجم، وفيه نظر؛ فإنّ الترجمة عبارة عن كشف المعمّى، ومنه سمّي المعبّر لغيره عن لغة لا يعرفها بلغة يعرفها بالتّرجمان، وإليه ينحلّ لفظ الحلّ أيضا، إذ المراد من الحلّ إزالة العقد فيصير المراد بحلّ المترجم ترجمة المترجم أو حلّ الحل، ولو عبّر عنه بكشف المعمّى لكان أوفق للغرض المطلوب. ثم مبنى ذلك على قاعدتين: القاعدة الأولى- كيفية التعمية. اعلم أنّ التعمية بالنّسبة إلى كلّ واحد من الناس باعتبار ما يجهله من الخطوط، فيعمّى على العربيّ في اللغة العربيّة بالخطوط غير العربيّة، كالرّوميّة والعبرانيّة ونحوهما، إذا كانت حروف تلك اللغة توافق لغة العرب، أو بقلم مصطلح عليه على وفق حروف العربية، وكذلك يعمّى على غير العربيّ من الرّومي ونحوه ممن يجهل الخطّ العربيّ بالقلم العربيّ، وعلى ذلك. ثم للناس في التعمية مذهبان: المذهب الأوّل- أن يكتب بالأقلام القديمة الّتي ليست بمتداولة بين الناس مما لا يعرفه إلّا الآحاد، إذا وافق ذلك القلم اللغة الّتي تريد الكتابة [بها] . وقد ذكر ابن الدّريهم «1» أنّ أقلّ اللّغات المغل «2» وهو سبعة عشر حرفا،

المذهب الثاني - أن يصطلح الإنسان مع نفسه على قلم يبتكره وحروف يصورها

وأطولها الأرمنيّ، وهو ستة وثلاثون «1» حرفا. ثم قال: والتركيّ عشرون «2» حرفا، وكذلك الفارسيّ إلّا أنّ في الفارسيّ ثلاثة أحرف ليست في التّركيّ، وهي الهاء والفاء والدال. وفي التركيّ ثلاثة ليست في الفارسي، وهي الصاد والطاء المهملتان والقاف، والعبرانيّ والسّريانيّ اثنان وعشرون حرفا [من أوّل أبجد إلى آخر قرشت. واليونانيّ والروميّ القديم أربعة وعشرون حرفا] «3» ولهم قلم آخر ثلاثون حرفا، والقبطيّ اثنان وثلاثون حرفا، وذكر أنّ جميع الأقلام مقطّعة الحروف على اصطلاح أبجد، خلا العربيّ والمغليّ والسّريانيّ فإنّ حروفها توصل وتقطع، وقطع السرياني كالعربي، وأقلام المتقدّمين المقرّرة، كالرّوميّ والفرنجيّ وغيرهما معلومة لا حاجة إلى التمثيل بشيء منها. المذهب الثاني- أن يصطلح الإنسان مع نفسه على قلم يبتكره وحروف يصوّرها ، وقد ذكر ابن الدّريهم أنّ الناس اختلفت مقاصدهم في ذلك؛ فمنهم من يصطلح على إبدال حرف معيّن بحرف آخر معيّن حيث وقع في القلم المعروف بالقمّي، وهو أنهم جعلوا مكان كلّ حرف من حروف العربية حرفا آخر من حروفها، فجعلوا الكاف ميما وبالعكس، والألف واوا وبالعكس، والدّال المهملة راء مهملة وبالعكس، والسين المهملة عينا مهملة وبالعكس، والفاء ياء مثناة تحتية وبالعكس، فيكتب محمد «كطكر» وعلي «سهف» ومسعود «كعسار» وعلى ذلك، وقد نظم بعضهم ذلك في بيت واحد ذكر فيه كلّ حرف تلو ما يبدل به، وهو (سريع) . كم أو حط صلا له در سع ... في بز خش غضّ ثج تدفق

قال: ومنهم- من يعكس حروف الكلمة فيكتب محمد «دمحم» وعلي «يلع» . ومنهم- من يبدل الحرف الأوّل من الكلمة بثانيه مطلقا في سائر الكلام فيكتب محمد أخو علي «حمدم خا عويل» إلى غير ذلك من التمييزات. ومنهم- من يبدل الحروف بأعدادها في الجمّل، فيكتب محمد أربعون، وثمانية، وأربعون، وأربعة، وتعمل التعمية صفة محاسبة. ومنهم- من يكتب عوض عدد الحرف حروفا وهو أبلغ في التعمية، فيكتب محمد «لي بو لي أج» لأنّ اللام والياء بأربعين وهي عدد ما للميم الأولى، والباء والواو بثمانية وهي عدد ما للحاء، واللام والياء أيضا بأربعين وهي عدد ما للميم الثانية، والألف والجيم بأربعة وهي عدد ما للدال، فكأنه قال: م ح م د. وإن شاء أتى بغير هذه الحروف مما يتضمن هذه الأعداد. ومنهم- من يجعل لكلّ حرف اسم رجل أو غيره. ومنهم- من يضع الحروف على منازل القمر الثمانية والعشرين على ترتيبها على حروف أبجد، فيجعل الألف للشّرطين، والباء للبطين، والجيم للثّريّا، وهكذا إلى آخرها، فيكون بطن الحوت للغين من ضظغ. وربما اصطلح على الترتيب على أسماء البلدان أو الفواكه أو الأشجار أو غير ذلك، أو صور الطير وغيره من الحيوانات، إلى غير ذلك من ضروب التّعامي الّتي لا يأخذها حصر. وأكثر أهل هذا الفنّ على أن يرسم الحروف أشكالا يخترعها قلما له مقطّعة على ترتيب حروف المعجم. والطريق في ذلك أن يثبت حروف المعجم ثم يرتّب تحت كل واحد شكلا لا يماثل الآخر، فكلما جاءه في اللفظ ذلك الحرف كتبه بحيث لا يقع عليه غلط، ثم يفصل بين كلّ كلمتين، إما بخط أو بنقط أو ببياض أو دائرة أو غير ذلك، وأكثر المتقدّمين يجعلون الحرف المشدّد بحرفين، والمتأخرون يجعلونه حرفا واحدا، وهذه صور حروف مترجم كان قد وصل إلى الأبواب السلطانية من مناصحين في بغداد يقاس عليه.

القاعدة الثانية - حل المعمى، وهو مقصود الباب ونتيجته

؟؟؟؟ القاعدة الثانية- حلّ المعمّى، وهو مقصود الباب ونتيجته . ويحتاج المتصدّي لذلك مع جودة الحدس وذكاء الفطرة أن يعرف اللغة الّتي يروم حلّ مترجمها مما وقع به التعمية فيها، ومقدار عدد حروفها، ولا خفاء في أن حروف العربية ثمانية وعشرون حرفا، ويجب أن يعرف الحروف الّتي تدخل كلّ لغة والحروف الممتنعة الوقوع فيها كما تقدّم. ثم المعوّل عليه، والمنصبّ القول إليه، فيما هو متعارف في هذه المملكة لغة العرب الّتي [هي] أشرف اللغات وأبذخها. والناظر في حلّ مترجمها يحتاج إلى أصلين: الأصل الأوّل- معرفة الأسّ الذي يترتّب عليه الحلّ ، والذي تمسّ إليه الحاجة من ذلك سبعة أمور: أحدها- أن يعرف مقادير الحروف الّتي تتركّب منها الكلمة. واعلم أنّ كلام العرب منه ما يبنى على حرف واحد مثل «ق» من الأمر بالوقاية، و «ع» من الأمر بالوعي، ومنه ما يبنى على حرفين من الأفعال مثل «قم» في الأمر بالقيام، و «كل» في الأمر بالأكل، ومن الحروف نحو: من في ربّ هل بل وما أشبه ذلك. ومن الأسماء المبنيّة نحو: ذي، ذا، من، كم، ومن الضمير مع حروف الجرّ نحو: بك، له. ومنه ما يبنى على ثلاثة أحرف وأربعة وخمسة في الحروف والأفعال والأسماء، ثم تدخل فيه أحرف الزيادة العشرة، وهي «هويت السّمان» وثلاثة أحرف أخر، وهي الفاء وباء الجرّ وكاف التشبيه وكاف الخطاب إلى أن تبلغ الكلمة على اصطلاح الكتّاب [أربعة] عشر حرفا، كقولك مخاطبا لرجلين [أنشآ] جنينة: أفلمستنزهاتكما أعددتماها.

الثاني - أن يعرف الحروف التي لا يقارب بعضها بعضا بمعنى أنها لا تجتمع في كلمة واحدة.

قال ابن الدّريهم: وليس في كلام العرب كلمة رباعيّة الأصل أو خماسيّة الأصل ليس فيها حرف من الحروف الذّلقيّة «1» كاللام والنون والواو، والشّفوية كالفاء والميم والباء إلّا ما شذّ مثل «عسجد» من أسماء الذّهب. قال: ونهاية الأسماء العربيّة قبل الزّيادة خمسة، وشذّ (؟) مثل عندليب، والأفعال قبل الزيادة أربعة، وليس في القرآن كلمة خماسيّة الأصل سوى الأسماء الأعجميّة مثل إبراهيم، ولا يمكن أن يتكرر حرف [في] كلمة واحدة أكثر من خمسة كقول القائل ما رأينا [كككا كككككم «2» ] جمع ككّة وهو المركب الكبير مثل عكّة وعكك، وأربع كافات في قولك «3» وككعكك. الثاني- أن يعرف الحروف الّتي لا يقارب بعضها بعضا بمعنى أنها لا تجتمع في كلمة واحدة. واعلم أنّ في الأحرف ما لا يقارب بعضه بعضا مطلقا بتقديم ولا تأخير كالثاء المثلّثة، فإنها لا تقارب الذال المعجمة والزاي المعجمة والسين والصاد المهملتين والضاد المعجمة، وكذلك الجيم لا تقارب الطاء المهملة ولا الظاء المعجمة ولا الغين المعجمة ولا القاف ولا الكاف، وما وقع من ذلك في الكلام نحو: نغجة وبرجق وجرموق وجولق وجلاهق ومنجنيق وجوقة وجوسق وضنجق

وسنجق «1» وجردق ونحو ذلك فليست عربية؛ لأنه لا يجتمع في كلام العرب جيم وقاف في كلمة واحدة، وكذلك الدال المهملة لا تقارن الظاء المعجمة والذال المعجمة لا تقارن الزاي المعجمة والصاد والضاد والطاء والظاء، وما وقع في الكلام من ذلك فليس بعربيّ، مثل طبرزد فارسيّ والزّطّ نبطيّ، ولا تقارن السين المهملة الصاد المهملة والضاد المعجمة والظاء المعجمة، ولا تقارن الصاد المهملة الضاد المعجمة ولا الظاء المعجمة، ولا تقارن الضاد المعجمة الشين والظاء المعجمتين، ولا تقارن الطاء المهملة الظاء المعجمة، ولا تقارن القاف الغين «2» المعجمة ولا الكاف في كلمة أصلية، وشدّ نغق الغراب وناقة نغيق، ولا تقارن الكاف الخاء المعجمة في كلمة أصلية، ولا تقارن الميم الباء الموحّدة والفاء في كلمة أصليّة إلّا في فم وأصله فوه، وأما بمّ لأحد أوتار العود فليس بعربيّ، والحروف الحلقيّة لا يقارن بعضها بعضا خلا الهاء فإنها تعقبها زائدة، كهاء الضمير وهاء التأنيث، وتعقب العين أصلية كالعهد والعهر وعهر، وليس في كلمة أصلية حرفان حلقيّان سوى ما تقدّم من الهاء، وقد تعقب بواسطة كغيهب وعبهر، أما حيهل فمركّبة، ولا يجتمع حرفان من هذه الخمسة؛ وهي الهاء والطاء المهملة (؟) والعين والغين والخاء المعجمة في أوّل كلمة سوى ما ذكر، ولا في أثناء الكلمة إلّا الهاء مع العين كهلع والهاء مع الغين كأهيغ، والخاء مع الغين كأخيغ «3» ، والهاء مع الخاء المعجمة في كلمة واحدة وهي هبيّخة، ولا تجتمع الهاء الأصلية مع الخاء المعجمة، ولا الحاء المهملة

الثالث - أن يعرف الحروف التي لا تقارن بعض الحروف في الكلمات إلا قليلا

والعين المهملة إلّا أن تكون مركّبة، مثل: هرقصع (؟) والحيعلة. الثالث- أن يعرف الحروف الّتي لا تقارن بعض الحروف في الكلمات إلّا قليلا ، كمقارنة السّين المهملة للشّين المعجمة في شسع والشين مع الزاي كشزر والراء مع اللام كورل. [وأعلم] أنّ الحرف الواحد يتكرر في الكلمة الواحدة كثيرا مثل دهده وتهته ونهنه وحصحص وحبحب وحمحم وجلجل وخلخال وشعشعة وزعزع ودغدغ وبغبغ ونعنع وعسعس وزعازع وغوغاء وضحضاح وخوخ وما أشبه ذلك. الرابع- أن يعرف ما يجوز تقديمه على غيره من الحروف وما يمتنع، فالثاء لا تتقدّم الشّين المعجمة، والدال المهملة لا تتقدّم على زاي «1» ولا صاد مهملة ولا طاء مهملة بدليل أنهم لما عرّبوا مهندر، أبدلوا الزاي سينا فقالوا مهندس وهندسة، والذال المعجمة لا تتقدّم الجيم ولا السّين المهملة ولا الشين المعجمة والا العين المهملة، ومن هنا لمّا عرّبوا الفالوذج من الفارسيّ قالوا فالوذق، والشين المعجمة لا تتقدّمها الزاي المعجمة ولا السين المهملة ولا الصاد المهملة، والطاء المهملة لا تتقدّم الكاف في كلمة أصلية، والسين المهملة لا تتقدّم على الدال المهملة إلّا قليلا كسداب «2» ، والذال المعجمة لا تتقدّم على الدال المهملة إلّا قليلا كقولك في الأمر ذد الغنم. الخامس- أن يعرف ما لا يقع في أوّل الكلمات من الحروف كالجيم لا تقع بعدها التاء المثناة فوق ولا الصاد المهملة ولا الضاد المعجمة ولا الغين

السادس - أن يعرف أنه لا يتكرر حرف في أول كلمة إلا من هذه العشرة الأحرف

المعجمة، أما الجصّ فمعرّب. السادس- أن يعرف أنه لا يتكرّر حرف في أوّل كلمة إلّا من هذه العشرة الأحرف وهي: الكاف واللام والميم والنون والتاء المثناة فوق والألف والباء الموحّدة والواو والقاف والياء المثناة تحت ويجمعها قولك «كلّ من تاب وقي» وأقلّها وقوعا كذلك الياء. السابع- أن يعرف أكثر الحروف دورانا في اللّغة ، ثم الذي يليه من الحروف في الكثرة إلى أقلّها دورانا. واعلم أنّ كلام العرب أكثر ما يقع فيه على ما دلّ عليه استقراء القرآن الكريم الألف ثم اللام ثم الميم ثم الياء المثناة تحت ثم الواو ثم النّون ثم الهاء ثم الراء المهملة ثم الفاء ثم القاف ثم الدال المهملة ثم الذال المعجمة ثم اللام ألف ثم الحاء المهملة ثم الجيم ثم الصاد المهملة ثم الخاء المعجمة ثم الشين المعجمة ثم الضاد المعجمة ثم الزاي المعجمة ثم الثاء المثلّثة ثم الطاء المهملة ثم الغين المعجمة ثم الظاء المعجمة، وقد جمع بعضهم أحرف الكثرة في قوله (اليمونة) وبعضهم يجمعها في قوله (اليوم هن) وجمع الحروف المتوسطة في قوله (رعفت بكدس «1» فخج) وجمع أحرف القلّة في قوله (طظغ صخدز قش) . قال ابن الدّريهم: وقد يقع في لفظ غير القرآن على خلاف ذلك كما يتعمّدون الظم والنثر بغير ألف أو بغير نقط أو بغير عاطل الحروف أو ألفاظ قليلة، وقد يكون الكلام ألفاظا قلائل لا تستوعب الحروف. الأصل الثاني- كيفية التوصّل بالحدس إلى حلّ المترجم. قال ابن الدّريهم: إذا أردت حلّ ما ترجم لك، فابدأ أوّلا بعدد الحروف،

وكم تكرّر كلّ شكل منها مرة فأثبته أوّلا فأوّلا. قال: وأوّل ما تستخرج الفاصلة إن كان الذي عمّى قد بالغ في التعمية، يعني بإخفاء الفاصلة في ضمن الحروف، وذلك أنك تأخذ حرفا فتظنّ أنّ الفاصلة تكون الثاني فتجريه على ما تقرّر من الكلمات من المقادير على ما تقدّم، فإن وافق وإلّا أخذت الثالث، فإن وافق وإلّا الرابع وهكذا حتّى يصحّ لك انفصال الكلمات، ثم تنظر أكثر الحروف دورانا في الكلام فتقاربه من الترتيب المتقدّم في أكثر الحروف دورانا على ما تقدّم، فإذا رأيت حرفا قد وقع في الكلام أكثر من سائر الحروف فتظنّ أنه الألف، ثم الأكثر وقوعا بعده فتظنّ أنه اللام، ويؤيد صحة ظنك أن اللام يدار في أكثر استعمالاته تابعا للألف، ثم تنظر إن كان في الكلام حرف مفرد فتظن أنه اللام ألف، ثم أوّل ما تلفّق من الكلام الثنائية بتقريب حروفها حتّى يصحّ معك شيء منها فتنظر أشكالها وترقم عليها، وتجري الكلام في الثّلاثيّات حتّى يصحّ معك شيء منها فترقم نظائره، ثم تجري الكلام في الرّباعيّات والخماسيّات على الوزن المتقدّم، وكلّ ما اشتبه فاحتمل احتمالين أو ثلاثة أو أكثر تثبته إلى حين يتعيّن من كلمة أخرى، فما انتظم لك من ذلك فتثبت الباقي عليه، وإذا رأيت حرفا قد تقدّم الألف واللام في أوّل الكلمة فتظن أنه إما باء واحدة وإما فاء وإما كاف غالبا. قال: وينبغي أن يكتب للمبتديء أوّلا كلّ كلمة على حدتها منفصلة، وأن يكتب له الشّعر دون النثر، فإنّ الوزن يساعده على ظهور بعض الحروف، كهاء التأنيث وتاء التأنيث الساكنة وتاء المتكلّم والساكن الذي لا يمكن أن يكون إلا أحد حروف العلة الدائرة في الكلام وأمثال ذلك، ثم ضرب لذلك مثلا بأنك إذا رأيت هذه الأسطر مكتوبة بهذا القلم. ؟؟؟

؟؟؟ قال: فينبغي قبل كلّ شيء أن يبدأ فيرقم تحت كلّ شكل من هذه الأشكال كم تكرر مرّة أوّلا فأوّلا على هذا المثال: ؟؟؟ فيجد قد تكرّر معه هذا الشكل 5 أكثر من كلّ الأشكال بكثير، فيعلم أنّه الألف فيرقم عليه في مواضعه، ثم المكرّر بعده أكثر من باقي الأشكال هذا الشكل فيظنّ أنه اللام ويحقّق ظنّه كونه تابعا للألف في سبعة مواضع من الكلام، ثم ينظر فيجد فيه حرفا واحدا كلمة فيظنّ أنها اللام ألف، ثم يجد الكلمة الثالثة ثنائيّة ثانيها اللام ألف فيمكن أن تكون إحدى هذه: بلا تلا جلا حلا خلا سلا علا غلا فلا كلا هلا ولا، ثم يجد هذا الشكل الذي مع اللام ألف قد ورد مكررا في أوّل كلمة امتنع أن يكون جيما أو حاء أو خاء أو سينا أو عينا أو غينا أو هاء فلم يبق معنا سوى بلا تلا فلا كلا ولا، ثم يجد الكلمة الخامسة ثنائيّة ثانيها ألف فيمكن أن تكون إحدى هذه با جا دا ذا سا شا ضا فا ما نا يا، ثم يترجّح أنها ما أو يا لأن هذا الشكل قد تكرر أكثر من باقي الحروف فيكون إمّا الميم أو الياء وإن قاربهما النون لكن ما ويا أكثر وقعا في الكلام من نا فإنها غريبة الوقوع، ثم رأينا هذا الشكل المتقدّم قد تلا الشكل الذي مع اللام ألف الذي ظننّا أنه أحد هذه هـ ب ت ف ك وفي الكلمة الثلاثية

المكرر أوّلها فجرّبنا الحروف مع الميم فظهر منها لفظة «ففي» لا غير ثم نظرنا هذا الحرف فوجدناه وقع في أربعة مواضع في الكلام لا غير، فقلنا إنه الفاء؛ لأن الياء بنسبة هذا الكلام تقع أكثر من ذلك غالبا، فصحّ معنا أنّ الكلمة الثالثة «فلا» والكلمة الخامسة «يا» والحرف المفرد «لا» والكلمة الخامسة منه هي رايد ذلك أننا وجدنا الكلمة الحادية عشرة قد تكرر [فيها] بعد الألف واللام حرفان تلاهما ألف بعده حرف آخر، ولا يمكن أن يتكرّر حرف في مثل هذا المكان سوى الميم إذا جرّبته على جميع الحروف، فقلنا: الممات المماح الممار المماس المماع، ورأينا هذا الشكل الذي هو آخر الكلمة قد تكرر أكثر من باقي الحروف بعد الألف واللام والباء، فبقي أن تكون هذه ر س ت ع لأن الميم قد صح معنا ولم يكن النون فعلّمنا على الميم في مواضعه، ونظرنا فرأينا هذا الشكل أوّل الكلمة الرابعة الثّلاثيّة وقد صح ثانيها اللام وثالثها الميم فجرّبناها على هذه الحروف فسقطت الراء وبقي أحد هذه: سلم تلم علم، ثم نظرنا الكلمة المجارية للممات المماع المماس، فرأينا قبل الألف واللام حرفا يكون أحد هذه ب ل و؛ لأن الفاء علّمناها، ونظرنا هذا الحرف قد تبع الألف واللام قبل الياء، ووجدناه بين البين في كلمة ثلاثية تكون إحدى هذه أبا أذا أسا أنا، فجرّبنا الكلمة على الباء والدال والسين والنون على أن يكون الحرف الآخر السين فلم يتفق منه لفظ فسقط «سلم» ثم جرّبناها على أن تكون العين فحصل منه بعد الحرف الأوّل البياع، ثم على أن تكون تاء فحصل منه الثبات السيات فسقط وبقي أبا أسا أنا ثم نظرنا الكلمة السابعة وهي ثلاثية أوّلها اللام وثانيها هذا الحرف الذي قبل الياء وثالثها هذا الدائر بين العين والتاء قلنا يقوم منها «لست» وسقط الباء والنون، وإنما لم يقم منه «كسع» لأنه لما سقطت الباء سقطت العين من البياع، فصح أن تلك «السيئات» ونظيرها «الممات» والثلاثية «تلم» وسقط علم، فرقمنا على التاء في مواضعها وعلى السين في مواضعها، فصارت الثلاثية «أسا» فقد صح معناه من الكلمات: «فلا تلم يا لست الممات لا أسا ففي»

وبقي الحرف الذي قبل السيئات ثم نظرنا الكلمة العاشرة الثّلاثية فيها ت ي فجرّبناها على الحروف فظهر منها «حتّى» لا يشاركها شيء فعلّمنا على الحاء في مواضعها، ثم نظرنا كلمة خماسية قد بقي منها الحرف الوسط، فجربناها على الحروف فقام من ذلك: «حسرات حسكات حسنات» فعلمنا أنه حسنات؛ لأن هذا الشكل؟؟؟ تكرر أكثر من باقي الحروف بعد الألف واللام والياء والتاء، وقد صحّ الميم فأثبتنا النّون في موضعها. ثم نظرنا هذا الشكل؟؟؟ في أوّل كلمتين ثلاثيّتين وقد صح من إحداهما ن ي ومن الأخرى ل ي، فجرّبنا الحرف فوجدناه إمّا عينا أو واوا، فيقوم منهما عني علي وبي ولي فتعين أن يكون عينا لقلة الحرف عن مرتبة الواو. ثم نظرنا كلمة سباعيّة قد بقي منها حرف مجهول، جرّبناها على الحروف فصحت «البيان» لا يشاركها لفظة أخرى، وللحرف هذا الشكل الذي قبل السّيئات فتعيّنت الباء في مواضعها. ثم نظرنا كلمة سداسيّة ثالثها حرف مجهول، فجرّبناها فظهر منها «الكتاب» ثم نظرنا كلمة خماسيّة قبل الّتي قبل «هذه» قد بقي حرف الوسط [منها] مجهولا، فجرّبناها على الحروف فقام لمحيف لمدنف لمصنف فتعينت «لمصنف» بسبب سياق الكلام بلفظ «الكتاب» ورقمنا على الصاد. ثم نظرنا الكلمة الأخيرة قد بقي منها رابعها مجهولا، فجرّبناها على الحروف فصحّت «الموصل» وصحّت الكلمة الّتي بعد لست أنها «أسلو» فرقمنا على الواو. ثم نظرنا الكلمة الأولى وهي ثنائية أوّلها ص فجرّبناها فصحت صدّ، وإنما كنا أخّرناها لقلّة وقع حروفها، ثم علّمنا على الدال فوجدنا كلمة ثنائية آخرها «د» فجرّبناها على باقي الحروف الّتي لم تظهر، فقام منها جد حد قد هد. ثم نظرنا كلمة ثلاثية فصح أوّلها ت وآخرها ل وسطها هذا الحرف الذي قبل الدال في الثّنائية، فجرّبناها على الجيم والخاء والقاف والهاء، فسقطت الهاء وبقي تجل تقل تخل. ونظرنا فرأينا سياق الكلام يدل على أن الكلمة قبل أسا «قد» والثلاثية «تقل» فانتظم الكلام «لا تقل قد أسا» . ثم نظرنا الكلمة السادسة قد بقي منها ثانيها مجهولا، فجرّبناها على باقي الحروف فصحت «عذولي» ،

فرقمنا على الذال في مواضعه، ثم نظرنا الكلمة الثلاثية الّتي بين «لمصنف» وبين «الكتاب» أوّلها هذا الشكل قد صح منها «ذا» فعلمنا أنّها «هذا» ورقمنا على الهاء، ثم نظرنا الكلمة الخماسيّة الّتي بين «ففي» وبين «منه» قد بقي رابعها، فجرّبناها على باقي الحروف فصحت «الوجه» . ثم نظرنا الكلمة السباعية الّتي قبل الأخيرة وقد بقي منها رابعها مجهولا، فجرّبناها فظهر منها الدّريهم، فتكمل الحلّ وظهر الكلام (خفيف) . صدّ عنّي فلا تلم يا عذولي ... لست أسلو هواه حتّى الممات لا تقل قد أسا ففي الوجه منه ... حسنات يذهبن بالسّيّئات هذا البيان لمصنّف هذا الكتاب، عليّ «1» بن الدّريهم الموصليّ. وعلى مثل هذا المنوال يجري الحلّ، ثم انظر إلى حروف هذا الكلام كيف جاءت أحدا وعشرين حرفا، ونقص منه ثمانية لم توجد فيه، فإذا نظرت إلى ما قرّرت لك من ترتيب وقع الحروف كما جاءت في الكتاب العزيز، رأيت الثمانية الناقصة هي آخر الترتيب سواء لم يختلط منها شيء بتقديم أو تأخير، وهذا اتفاق؛ لأنه قد يقع الحرف قريبا من رتبته كما تقدّم وكما تقدّمت الياء على الميم في هذا الكلام، والفاء على الميم والنّون، وتقدّمت الهاء على الميم أيضا، لكن الأصل معرفة وقع الحروف بالتقريب وتجربة الكلمات، ومقاربة ما دلّ عليه سياق الكلام. ولنضرب مثالا آخر: لتتضح أنواع الحلّ. وهذا مثال آخر أورده ابن الدّريهم، وهو:؟؟؟

؟؟؟ فتعدّد المكررات من الأشكال كما مرّ وترقمها على هذه الصفة. ؟؟؟ فتنظر فإذا أكثرها وقعا؟؟؟ ثم؟؟؟ ثم؟؟؟ ثم هذين؟؟؟ ثم هذين ثم هذا ثم هذه فتظن أن هذا الشكل الألف، وهذا اللام؛ لكونهما أكثر وقعا من الجميع فلم يوافق؛ لأنه قد تقرّر أن اللام تكون تابعة للألف في أكثر المواضع ولم نجده تبعه البتة، بل وجدنا العكس فعلمنا أن هذا هو الألف وهذا هو اللام، ورقمنا عليهما في مواضعهما فإذا الكلمة الثانية الثّلاثية فيها لامان، بقي حرف آخرها مجهول، فجرّبناها على الحروف فظهرت الهاء لا يمكن غيرها، فعلمنا أنها «لله» ورقمنا على الهاء في مواضعها، ثم وجدنا الكلمة الخماسيّة قد بقي رابعها مجهولا، فجرّبناها فظهر الهما ألهجا ألهما الهنا، ووجدنا الحرف قد تكرر أكثر من كلّ الحروف بعد الألف واللام، فظننا أنه الميم، لكنه يحتمل أن يكون النون، وسقط الباء والجيم فوجدناه في الثنائيات في كلمتين قبل الألف،

فعلمنا أنها «ما» فرقمنا على الميم في مواضعها، ثم رأينا الميم قد تبعه في الثّنائيّات حرف يحتمل أن يكون مد مر مس مص مط مع من، ورأينا الحرف كثير الوقوع، وقد تكررت ثلاث لفظات، فعلمنا أنها «من» ورقمنا على النون في مواضعه، ثم رأينا هذا الشكل؟؟؟ أكثر من غيره وهو قبل الألف واللام وفي أوائل الكلمات فقلنا إنه الواو، ثم رأينا آخر كلمة قد بقي منها رابعها مجهولا، فجرّبناها فظهر والبهم والتهم والجهم والدهم والسهم والشهم والفهم واليهم، ثم وجدنا هذا الحرف الذي فيها قد جاء قبل حرف في الثّنائيّات وذلك أكثر ما وقع بعد الألف واللام والميم، فيحتمل أن يكون الياء، ووجدنا قد بقي من كلمة هذا الحرف فصحّ أن يكون النّهي وأخرى أولي، فعلمنا أنها الياء، فجربنا الحرف معها، فظهر بي ني، ووجدنا كلمة خماسيّة هذا الحرف رابعها وبعد حرف آخر، جربناها على الياء والفاء فظهر اللبث اللبد اللبس اللبط اللبك اللفت اللفج اللفح اللفظ اللفق. ثم وجدنا هذا الحرف الآخر أوّل كلمة بعده لامان وهاء، فجرّبناها فظهر منها الحرف الثالث مجهولا، جرّبناها ظهر التّمام الحمام الذّمام الشمام الغمام الكمام، فرأينا سياق الكلام يدلّ على أنه «ظلّل الغمام» وتعينت تلك اللفظة والأخرى الفهم والثنائية، فرقمنا على الفاء، ثم رأينا الكلمة الثالثة الثّلاثيّة ثانيها لام وآخرها ياء وبعدها «ما ألهما» فدل سياق الكلام على أنها «على» فرقمنا على العين، فرأينا الرّباعيّة الّتي بعد «وآله» قد بقي ثالثها مجهولا، فجرّبناها فظهرت معجن معدن فتعين معدن والثنائية الّتي بعدها، وقيل «علم كل» فرقمنا على الدال في مواضعه ورأينا الكلمة الأولى قد بقي وسطها مجهولا، فجرّبناها وظهرت الثمد الحمد الصمد، فدلّ سياق الكلام أنها الحمد؛ لأن بعدها «لله على ما ألهما» فرقمنا على الحاء في مواضعها، ورأينا الثالث من الرّباعيّة الّتي بين على وظلّله، فجرّبناها فظهرت «الذي» ورأينا الكلمة الخماسيّة الّتي بعد «محمّد» قد بقي رابعها [مجهولا] ، فجرّبناها فظهرت «النبي» فرقمنا على الياء في مواضعها ورأينا قد بقي ثالث السّداسيّة الّتي بعد «من» هذا الشكل وهو ثالث رباعيّة أوّلها الألف وثانيها

فاء وآخرها حاء، وثاني خماسيّة أوّلها واو وثالثها حاء ورابعها باء وخامسها هاء، فتعينت الصاد، فالأولى «الصّواب» والأخرى «أفصح» والأخرى «وصحبه» وتعينت الثنائية الّتي هي أوّل البيت الثاني بعد السطر الأوّل «ثم» والّتي تليها «صلاة» وتعين السين في السّلام، فصار، «ثمّ صلاة الله والسّلام» وكلما تمرّن الإنسان في ذلك ظهر له أسرع بكثرة المباشرة، ثم تعين رابع السّداسيّة الّتي بعد أفصح من أنه الضاد، وتعين بسياق الكلام أن بعد بالضاد «في اللّفظ نطق» فرقمنا على القاف فرأينا مجاريها الثلاثية من رأس المصراع «خلق» فرقمنا على الخاء، وتعيّنت الكلمة الّتي قبل «من خلق» أنها «خير» فتكلمت الأبيات وظهر أنها (رجز) . الحمد لله على ما ألهما ... من الصّواب وعلى ما علّما ثمّ صلاة الله والسّلام ... على الّذي ظلله الغمام محمد النبيّ خير من خلق ... أفصح من بالضادفي اللّفظ نطق وآله معدن كلّ علم ... وصحبه أولي النّهى والفهم قلت: ومما يلتحق بتعمية الخطّ المتقدّمة الذّكر ما حكاه ابن «1» شيث في معالم الكتابة، أنّ بعض الملوك أمر كاتبه أن يكتب عنه كتابا إلى بعض أتباعه يطمّنه فيه ليقبض عليه عند انتهاز فرصة له في ذلك، وكان بين الكاتب والمكتوب إليه صداقة فكتب الكتاب على ما أمر به من غير خروج عن شيء من رسمه، إلّا أنه حين كتب في آخره «إن شاء الله تعالى» جعل على النّون صورة شدّة، فلما قرأه المكتوب إليه، عرف أنّ ذلك لم يكن سدى من الكاتب فأخذ

النوع الثاني (الرموز والإشارات التي لا تعلق لها بالخط والكتابة)

في التأويل والحدس فوقع في ذهنه أنه يشير بذلك إلى قوله تعالى: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ «1» . فأخذ حذره، واحترز على نفسه، وبلغ الملك احترازه على نفسه فاتّهم الكاتب في أنه ألحق في الكتاب شيئا نبّهه به على قصد الملك، فأحضره وسأله عن ذلك، وأمره بأن يكتب الكتاب على صورة ما كتب به من غير خروج عن شيء منه، فكتبه ولم يغيّر شيئا من رسمه حتّى إنه أثبت صورة الشدّة على النّون، فلما قرأه الملك ونظر إلى صورة الشدّة أنكرها عليه، وقال: ما الّذي أردت بذلك؟ قال: أردت قوله تعالى: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ . فأعجب بذلك وعفا عنه لصدقه إيّاه. النوع الثاني (الرّموز والإشارات الّتي لا تعلّق لها بالخطّ والكتابة) وهي الّتي يعبّر عنها أهل المعاني والبيان بالاستعارة بالكناية «بالنون بعد الكاف» وقد يعبّر عنها بالوحي والإشارة. ومن غريب ما وقع في ذلك ما حكاه العسكريّ «2» في «الصناعتين» : أنّ رجلا من بني العنبر أسر في بني «3» حنظلة، وفهم عنهم أنهم يقصدون الغارة على قومه بني العنبر، فقال لبني حنظلة: إنّ لي حاجة عند أهلي وأريد رسولا من قومكم أرسله فيها، فأجابوه إلى ذلك بشرط أن يخاطبه في حاجته بحضورهم، فأحضروا له رجلا في الليل وقد أوقدت العرب نيرانها، فأقبل على

الذي أتوه به وقال له: أتعقل؟ قال: إنّي لعاقل. فقال: انظر إلى السماء ونجومها، فنظر، ثم قال: انظر إلى نيران العرب، فنظر، فقال له: ما أكثر؟ نجوم السماء أو نيران العرب؟ فقال: إنّ كلّا منها لكثير، قال: إنك إذا لعاقل، ثم دفع إليه حنظلة وصرّة فيها رمل وصرّة فيها شوك، وقال: اذهب إلى قومي فادفع إليهم هذه الحنظلة وهاتين الصّرّتين، وقل لهم يعروا ناقتي الحمراء، ويرحلوا جملي الأورق، وسلوا أخي الأعور يخبركم الخبر. فقال الحاضرون: ليس في هذا ما ينكر، اذهب في حاجته، فذهب إلى بني العنبر ودفع إليهم ذلك وقصّ عليهم القصّة ورجع، فبعث القوم إلى أخيه الأعور فحضر، فأخبروه الخبر. فقال: إنه يقول: أتاكم بنو حنظلة في عدّ الشّوك والرّمل، وإنّ نيران العرب تعادّ نجوم السماء، ويأمركم أن ترحلوا عن الدّهناء وانزلوا مكان كذا، ففعلوا ورحلوا لوقتهم فصبّحهم بنو حنظلة فلم يدركوا منهم أحدا. وفي معنى ذلك ما حكاه المقرّ الشّهابيّ «1» بن فضل الله في كتابه «التعريف» ، فى الكلام على المكاتبة إلى الأذفونش «2» ملك الفرنج بطليطلة من بلاد الأندلس، كان خبيث النية، سيّيء المقاصد لأهل الإسلام، وأنه «3» أرسل مرّة إلى الملك الناصر محمد «4» بن قلاوون، صاحب الديار المصرية

هدية فيها سيف وثوب بندقيّ وطارقة مستطيلة تشبه النّعش كأنه يقول: أقتلك بهذا السّيف، وأكفّنك في هذا الثوب، وأحملك على هذا النّعش. قال: وكان «1» الجواب أن أرسل إليه حبلا أسود وحجرا، أي إنه كلب يرمى بهذا الحجر أو يربط في هذا الحبل. قلت: ومما وقع من ذلك في زماننا أنه في الدولة الظاهريّة «برقوق» «2» وتمرلنك يومئذ ببلاد العراق يغاور الممالك الشامية لقصد الاستيلاء عليها ورد عليه كتاب من المملكة الحلبية فيه: أنه وقع بتلك البلاد سيل عظيم ساق جملة من الأسد والنّمورة والحيّات، وأنه دفع حيّة عظيمة سعة رأسها بقدر قوس، وقريء الكتاب بحضرة السلطان، وحملوا ذلك على ظاهره، من أنّ المراد حقيقة السيل، وأنه لقوّته ساق تلك الحيّة والسّباع وغيرها، وشاع ذلك بين الكافّة من الأمراء «3» وأهل الدولة وسائر الرعيّة، ومضى الأمر على ذلك، ثم ظهر أنّ

المقصود بذلك السيل وما فيه هو تمرلنك وعساكره، وأنه كني بالحية العظيمة عن «1» نفسه، وبالسّباع والحيّات عن عساكره. ومن لطيف ما وقع في ذلك أنه ورد على السلطان الملك الناصر «فرج «2» بن برقوق» في أواخر دولته كتاب عن صاحب «3» تونس من بلاد المغرب في آخره خطابا للسلطان (وعلى إحسانكم المعوّل، وبيت الطّغرائيّ في لاميّة العجم لا يتأوّل) فسألني بعض أعيان ديوان «4» الإنشاء عن المراد من ذلك ولم يكن الكتاب متضمّنا لغير الوصية على حجّاج المغاربة، وكان ركب المغاربة قبل تلك الحجّة قد عرض لهم عارض من عرب درب الحجاز اجتاحوهم فيه، وقتلوا منهم خلقا كثيرا، ونهبوا منهم أموالا جمّة، فعرضت ذلك على أبيات اللامية، فلاح لي أنه يشير إلى قوله فيها (بسيط) . فقلت أرجوك للجلّى لتنصرني ... وأنت تخذلني في الحادث الجلل «5» والجلّى بضم الجيم هي الأمر الجليل العظيم، والجلل بفتح الجيم في

اللّغة من أسماء الأضداد، يقع على الشيء الجليل وعلى الشيء الحقير، كأنه يقول: أنا كنت أرجوك للأمور العظام لتنصرني فيها فخذلتني في هذا الأمر الخسيس، وهو الأخذ بثأر حجّاج بلادي ممن اعتدى عليهم من عرب بلادك، فخاب ظنّي فيما كنت أرجوه فيك، وأؤمّله منك، وأشار بقوله لا يتأوّل إلى أنه لا يحمل الجلل في قول الطّغرائيّ «1» على الشيء الجليل كما قال الصّلاح «2» الصفديّ في شرح اللامية، بل على الأمر الخسيس؛ لأنه هو اللائق بالمقام. وأعلم أنّ مثل هذه الأمور تحتاج إلى قوّة ذكاء واحتدام قريحة من الذي يقع منه الرمز، وإلى قوّة حدس من الذي يحاول إدراك المقصد من تلك [المعامي] كما يقع في الألغاز والأحاجيّ للملغز، والمتصدّي لحلّ ألغازه والجواب عنه، والله تعالى هو الهادي إلى سبيل الصّواب.

المقالة الخامسة في الولايات، وفيها [أربعة] أبواب

المقالة الخامسة في الولايات، وفيها [أربعة] «1» أبواب الباب الأوّل في بيان طبقاتها وما يقع به التفاوت، وفيه ثلاثة فصول الفصل الأوّل في بيان طبقات الولايات، وهي على ثلاث طبقات الطبقة الأولى- الخلافة ؛ ولما يكتب في ولايتها طريقان: إمّا عهد من الخليفة الأوّل، وإما بيعة من أهل الحلّ والعقد إن لم يوجد عهد من الخليفة قبله على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. الطبقة الثانية- السّلطنة ؛ ولما يكتب في ولايتها طريقان: أحدهما العهد من الخليفة، والثاني العهد من السلطان قبله. قال في «التعريف» : أمّا من قام من الملوك بغير عهد، فلم تجر العادة أن تكتب له مبايعة. الطبقة الثالثة- الولايات عن الخلفاء والملوك وما يكتب عن السلطان بالديار المصريّة في أقطار المملكة بمصر والشام والحجاز، مما يكتب من ديوان

النوع الأول (ولايات أرباب السيوف، وهم على ثلاثة أصناف)

الإنشاء التشريف بالأبواب السلطانية. وهي على خمسة أنواع: النوع الأوّل (ولايات أرباب «1» السّيوف، وهم على ثلاثة أصناف) الصّنف الأوّل- النوّاب من الأمراء وغيرهم من أرباب «2» الوظائف، وغالب من يكتب له منهم بالبلاد الشامية ومضافاتها، كنوّاب «3» السلطنة بدمشق وحلب وطرابلس وحماة وصفد والكرك، ومقدّمي «4» العسكر بغزّة وسيس «5» ،

ونوّاب القلاع «1» بالمدن العظام ذوات القلاع الرفيعة القدر، كالنائب بقلعة دمشق، والنائب بقلعة حلب، والنائب بقلعة صفد. أمّا طرابلس وحماة، فليس بهما قلعة، وكذلك النّيابات الصّغار المضافة إلى القواعد الكبار، كالقدس الشريف وحمص ومصياف «2» من مضافات دمشق، وقلعة المسلمين والرّحبة والبيرة «3» والرّها «4» وشيزر «5» وعين تاب «6» وبهسنا «7» وملطية «8» وآياس «9»

والأبلستين «1» وأذنة وطرسوس من مضافات حلب، واللّاذقيّة وحصن عكّار من مضافات طرابلس وما يجري مجرى ذلك، على ما سيأتي بيانه مفصلا في مواضعه، إن شاء الله تعالى. أمّا ما دونها من النّيابات فإنّ نوّاب السلطنة بالمملكة يستقلّون بالتولية فيها. قلت: والضابط في ذلك أنّ كلّ نيابة كان نائبها تقدمة ألف، فولايتها عن السلطان بمرسوم «2» شريف من ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية، وكلّ ولاية كان نائبها جنديّا أو مقدّم حلقة فولايتها عن نائب السلطنة بالمملكة الّتي هي مضافة إليها بتوقيع كريم من ديوان الإنشاء بها، وكلّ نيابة كان نائبها أمير طبلخاناه «3» أو عشرة «4» ربّما ولّى فيها السلطان وربما ولّى فيها نائب السلطنة،

إلا أنّ تولية السلطان لنوّاب الطبلخاناه أغلب، وتولية نوّاب السلطنة لنوّاب العشرة أغلب. أمّا الديار المصرية فإنه كان يكتب فيها أوّلا لولاة «1» الوجهين: القبليّ والبحريّ جريا على ما كان الأمر عليه في زمن الخلفاء الفاطميين، وكذلك والي الإسكندريّة قبل أن تستقرّ نيابة «2» ، وواليا الولاة بالوجهين قبل أن يستقرّا نيابتين، في جماعة أخرى من أرباب الوظائف، كالنائب «3» الكافل وأتابك «4» الجيوش كإستادار «5» وأميراخور «6» ومقدّم المماليك وواليي مصر والقاهرة. ثم صارت الكتابة لذوي الوظائف من أرباب السّيوف قاصرة على النائب الكافل إذا كان موجودا والنّوّاب المستجدّين بالإسكندرية والوجهين: القبليّ والبحريّ، وبطل ما عدا ذلك مما كان يكتب، وكأنّ المعنى فيه القرب من مقرّة السلطان. والكتابة

الصنف الثاني - ولاية أمراء العربان

إنما تقع في الغالب مع البعد؛ لتكون حجة للمتولّي على بعد المدى، ولا ينتقض ذلك بما يكتب للخلفاء والملوك في الحضرة، فإنّ ذلك من الأمور العامّة الّتي يخاف انتقاضها أو جحودها، إذ مثل ذلك لا يجوز في الولايات عن السلطان؛ لأنه متى شاء عزل من ولّاه. الصّنف الثاني- ولاية أمراء العربان ، وهؤلاء لا حظّ لهم في الكتابة بالولاية بالديار المصريّة الآن، وربّما يكتب لأمرائهم بالمملكة الشاميّة، كأمير آل «1» فضل، وأمير آل مرا، وأمير آل عليّ، ومقدّم جرم، وكذلك أمير مكة المشرّفة، وأمير المدينة النبويّة على ساكنها أفضل الصلاة والسّلام، والتحية والإكرام، والنائب بالينبع من البلاد الحجازيّة. والمعنى في اختصاص من بعد منهم ما تقدّم في الكلام على أرباب السّيوف مع ضعف شأن عرب الديار المصريّة وعدم الاهتمام بأمرهم. الصنف الثالث- ولاية المقدّمين على الطّوائف كمقدّمي التّركمان «2» ، والأكراد «3» ، والجبليّة بالبلاد الشامية، وأتابك «4» طائفة الإسماعيلية بقلاع

النوع الثاني (ولاية أرباب الأقلام، وهم صنفان)

الدّعوة، وحاكم البندق ونحوهم، وهذه الطوائف ممّن يكتب له إلى الآن، أما حاكم البندق، فإنه لم يعهد له كتابة من ديوان الإنشاء بمصر والشام. على أنّ المقرّ الشهابيّ «1» بن فضل الله قد ذكر وصيّته في «التعريف» ولعلّه ممن كان يكتب [له] في زمانه أو قبله ثم ترك، وإنما يكون ذلك يحسب اعتناء السلطان بشأن البندق وعدمه كما في لباس الفتوّة، وأنه ربّما اعتنى به بعض الملوك فكتب له ثم ترك. النوع الثاني (ولاية أرباب الأقلام، وهم صنفان) الصّنف الأوّل (أرباب الوظائف الدينيّة، وهم على ثمانية أضرب) الضرب الأوّل- أكابر القضاة بأقطار المملكة ، كقضاة «2» القضاة بالحضرة السلطانية بالدّيار المصرية وثغر الإسكندرية، وكذلك قضاة القضاة بدمشق

الضرب الثاني - المفتون بدار العدل بالديار المصرية

وحلب وطرابلس وحماة وصفد والكرك، وقضاة «1» العسكر بالديار المصرية، أما القضاة بالنّيابات «2» الصّغار المضافات إلى دمشق وحلب ونحوهما فولايتهم إلى قضاة القضاة بها، وقضاة العسكر بدمشق وحلب وما في معناهما إلى النّوّاب بتلك الممالك. الضرب الثاني- المفتون بدار «3» العدل بالديار المصرية ، أما المفتون بدار العدل بالممالك الشاميّة فولايتهم إلى نائبها. الضرب الثالث- أكابر المحتسبين ، كمحتسبي «4» مصر والقاهرة، أما الممالك الشاميّة فلا يولّي فيها إلّا نوّابها. الضرب الرابع- أكابر المدرّسين في عامّة العلوم بأماكن مخصوصة، كالزّواية الخشّابيّة «5» بالجامع «6» العتيق بمصر، والمدرسة الصّلاحية «7» بتربة

الضرب الخامس - أكابر الخطباء بجوامع مخصوصة بأقطار المملكة،

الإمام الشافعيّ بالقرافة «1» ، ونحو ذلك بأقطار المملكة من مدرّسي الفقه والحديث والتفسير وغير ذلك من العلوم الدّينيّة. الضرب الخامس- أكابر الخطباء بجوامع مخصوصة بأقطار المملكة، كجامع الناصريّ بقلعة الجبل، والجامع «2» الأمويّ بالشام ونحوهما. الضرب السادس- وكلاء بيت المال بالدّيار المصرية وغيرها. الضرب السابع- المتحدّثون على الوظائف المعتبرة ، كنقابة «3» الأشراف، ومشيخة «4» الشّيوخ، فما كان بالدّيار المصرية فولايته من السلطان، وتوقيعه من

الضرب الثامن - المتحدثون على جهات البر العامة المصلحة

ديوان الإنشاء، وما كان منها بالممالك الشاميّة فولايتها إلى نوّاب السّلطنة بها. الضرب الثامن- المتحدّثون على جهات البرّ العامّة المصلحة ، كنظر «1» الأحباس وأنظار البيمارستانات «2» ونحوها، فما كان منها بالدّيار المصريّة، كنظر الأحباس والبيمارستان «3» المنصوريّ وما أشبه ذلك فتوليته «4» إلى نوّابها، ما لم يكن لها ناظر خاصّ فيكون ذلك مختصّا به. الصنف الثاني (أرباب الوظائف «5» الدّيوانية) ودواوينها على ثلاثة أضرب: الضرب الأوّل- دواوين المال ؛ وأرباب الخدم بها ممن تكتب ولاياتهم

من ديوان الإنشاء إمّا ناظر «1» ، أو وزير، أو صاحب ديوان، أو شهادة، أو استيفاء. فأمّا الوزارة فلا يصرّح بها إلّا للوزير بالأبواب السّلطانية، وربما صرّح بها لوزير دمشق إذا وليها من ارتفعت مرتبته، وإلّا عبّر عنه بناظر المملكة. وأما النّظر، فكنظر الدّواوين المعبّر عنه بنظر الدّولة، ونظر «2» الخاصّ، ونظر الخزانة «3» الكبرى، ونظر البيوت «4» والحاشية، ونظر بيت «5» المال، ونظر الإصطبلات «6» السلطانية، ونظر دار الضّيافة «7» والأسواق، ونظر خزائن «8»

السّلاح، ونظر البهار «1» والكارميّ، ونظر الأهراء «2» ، ونظر المواريث «3» الحشريّة، ونظر ثغر الإسكندريّة المحروس، وغير ذلك من وظائف الأنظار بالديار المصرية. وكذلك نظر «4» المملكة بدمشق إذا لم يصرّح لمتولّيه بالوزارة، ونظر المملكة بحلب، ونظر المملكة بطرابلس، ونظر المملكة بحماة، ونظر المملكة بصفد، ونظر المملكة بسيس، ونظر المملكة بغزّة، ونظر المملكة بالكرك. وأمّا صحابة الدّيوان، فكصحابة «5» ديوان الجيش وصحابة ديوان الخاصّ، ونحو ذلك.

الضرب الثاني - دواوين الجيوش بالديار المصرية

وأمّا الشّهادة فكشهادة الخزانة الكبرى، وشهادة خزانة الخاصّ ونحوهما. وأمّا الاستيفاء، فكاستيفاء «1» الصّحبة، واستيفاء «2» الدّولة، واستيفاء «3» الخاصّ، ونحو ذلك. ولا حظّ لغير النّظّار من دواوين الأموال بالممالك الشاميّة، من صاحب «4» ديوان ولا شاهد «5» ولا مستوف «6» ، في الكتابة بالولاية من ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية، بل ولايتها من نوّاب الممالك الشاميّة بتواقيع من دواوين الإنشاء بها. الضرب الثاني- دواوين الجيوش بالديار المصرية وغيرها من الممالك الشاميّة. وأرباب «7» الخدم بها لا يخرجون عن ناظر، وصاحب ديوان، وشاهد، ومستوف.

الضرب الثالث - دواوين الإنشاء

والذين يولّون عن السلطان منهم [و] تكتب تواقيعهم من ديوان الإنشاء الشريف ناظر «1» الجيش بالأبواب السلطانية، وناظر الجيش بدمشق، وناظر الجيش بحلب، وناظر الجيش بطرابلس، وناظر الجيش بحماة، وناظر الجيش بصفد، وناظر الجيش بغزّة، وناظر الجيش بسيس، وناظر الجيش بالكرك، وصاحب ديوان «2» الجيش بالأبواب السلطانية، والشّهود والمستوفون بها، أمّا من عدا هؤلاء، من نظّار الجيش وأصحاب الدواوين والشّهود بالممالك الشامية، فولايتهم إلى نوّاب السلطنة بها. الضرب الثالث- دواوين الإنشاء ؛ وأرباب الخدم بها لا يخرجون عن كاتب سرّ «3» ، وكاتب دست «4» ، وكاتب «5» درج. والذين يولّون عن السلطان من كتّاب هذه الدّواوين وتكتب تواقيعهم من ديوان الإنشاء السلطانيّ صاحب ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية، وصاحب ديوان الإنشاء بدمشق، وصاحب ديوان المكاتبات بحلب، وصاحب ديوان المكاتبات بطرابلس، وصاحب ديوان المكاتبات بحماة، وصاحب ديوان المكاتبات بصفد، وكاتب الدّرج بسيس، وكاتب الدّرج بغزّة، وكاتب الدّرج بالكرك، وكاتب الدّرج بالإسكندريّة، وكتّاب الدّست وكتّاب الدرج بالأبواب السلطانية؛ أما كتّاب الدّست وكتّاب الدّرج بالممالك الشامية فإلى نوّابها بتواقيع من دواوين الإنشاء بها.

النوع الثالث (ولايات أرباب الوظائف الصناعية)

النوع الثالث (ولايات أرباب الوظائف الصّناعيّة) كالأطبّاء، والكحّالين «1» ، والجرائحيّة، ومن جرى مجراهم من سائر أرباب الوظائف الّتي هي من تتمّة نظام الملك، فما كان منها بالأبواب السلطانية فولايته عن السلطان بتوقيع من ديوان الإنشاء السلطاني، وما كان منها بالممالك الشامية فولايته إلى نوّاب السلطنة بها. النوع الرابع (ولايات زعماء أهل «2» الذّمّة، وهي ضربان) الضرب الأوّل- ولاية بطاركة «3» النّصارى من اليعاقبة والملكانيّة «4» . الضرب الثاني- ولاية رئيس اليهود الحاكم على طوائفهم. النوع الخامس (ما لا يختصّ بطائفة ولا يندرج تحت نوع) كصغار الأمور الّتي يكتب فيها لكلّ فرد فرد، إما ابتداء، وإما بالحمل على ما بيده من ولاية سابقة، من نائب أو قاض أو ناظر «5» وقف أو غير ذلك، مما لا ينحصر كثرة.

قلت: وربّما ولّى السلطان في بعض الوظائف بالممالك الشاميّة مما تختصّ توليته بنوّاب السلطنة إذا كانت الوظيفة وضيعة المنزلة وأدركت المولّى عنايته، وربّما ولّى بعض نوّاب السلطنة ما تختصّ توليته بالسلطان إذا عظمت رتبة النائب وارتفعت منزلته، خصوصا إذا كان نظام المملكة محلولا وأمرها مضطربا.

الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة الخامسة (في بيان ما تجب على الكاتب مراعاته في كتابة الولايات على سبيل الإجمال)

الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة الخامسة (في بيان ما تجب على الكاتب مراعاته في كتابة الولايات على سبيل الإجمال) قال الشيخ شهاب الدين محمود «1» الحلبيّ رحمه الله في «حسن التوسل» : يجب على الكاتب أن يراعي في ذلك أمورا. منها- براعة الاستهلال بذكر الرّتبة، أو الحال، أو قدر النّعمة، أو لقب صاحب الولاية، أو اسمه، بحيث لا يكون المطّلع أجنبيّا من هذه الأحوال، ولا بعيدا منها، ولا مباينا لها، ثم يستصحب ما يناسب الغرض ويوافق القصد من أوّل الخطبة إلى آخرها. ومنها- أن يراعي المناسبة وما تقتضيه الحال، فلا يعطي أحدا فوق حقّه، ولا يصفه بأكثر مما يراد من مثله، ويراعي أيضا مقدار النعمة والرّتبة فيكون وصف المنّة بها على مقدار ذلك. ومنها- أن لا يصف المتولّي بما [يكون «2» ] فيه تعريض بذمّ المعزول [وتنقيص له «3» ] ، فإنّ ذلك مما يوعز الصّدور، ويورث الضّغائن في القلوب، ويدلّ على ضعف الآراء في اختيار الأوّل، مع إمكان وصف الثاني بما يحصل به

المقصود من غير تعريض بالأوّل. ومنها- أن يتخيّر الكلام والمعانيّ فإنه مما يشيع ويذيع، ولا يعذر المقصّر في ذلك بعجلة ولا ضيق وقت، فإنّ مجال الكلام متّسع، والبلاغة تظهر في القليل والكثير. قلت: ومنها أن يحرص الكاتب على أن تكون نهاية السجعة الأولى في السّطر الأوّل أو الثاني ولا يؤخّرها عن ذلك. ومما كان يراعى في ذلك أن تكون الخطبة من أوّلها إلى آخرها على رويّ واحد في السّجع، وكذلك الدعاء في أوّل صغار التواقيع والمراسيم المبتدأة بلفظ «رسم» بخلاف ما بعد ذلك إلى آخر ما يكتب، فإنه يتّفق فيه رويّ السجعتين والثّلاث فما حولها، ثم يخالف رويّها إلى غيره، ولا يكلّف الكاتب الإتيان بجميعها على رويّ واحد، وعلى ذلك كانت طريقة فحول الكتّاب بالدولة التركية، كالقاضي محيى الدّين «1» بن عبد الظاهر، والشيخ شهاب الدين محمود الحلبي، والمقرّ الشهابيّ بن «2» فضل الله، ومن عاصرهم إلّا في القليل النادر، فإنه ربّما وقع لبعضهم مخالفة رويّ الخطبة، وإلى هذا قد جنح غالب كتّاب ديوان الإنشاء في زماننا ومالوا إليه؛ لما في التزام الرّويّ الواحد في جميع الخطبة من التكلّف وعسر التلفيق على من يتعاناه. ثمّ الكلام فيما يكتب في الولاية قد يكون جميعه بلفظ الغيبة، مثل أن يقال: عهد إليه بكذا، أو قلّده كذا، أو فوّض إليه كذا، أو أن يستقرّ في كذا، ونحو ذلك، ثم يقال: وأمره بكذا، أو ونحن نوصيه بكذا، أو فعليه بكذا، وما

أشبه ذلك، وقد يكون جميعه بلفظ الخطاب، مثل أن يقال: وقد عهد إليك بكذا، أو قلّدك كذا، أو فوّض إليك كذا ثم يقال: ونحن نوصيك بكذا، أو فعليك بكذا، ونحوه، وقد يصدّر بلفظ الغيبة ثم يلتفت منها إلى الخطاب، وقد يصدّر بلفظ الخطاب ثم يلتفت منه إلى الغيبة بحسب ما يؤثره الكاتب وتؤدّي إليه بلاغته مما ستقف على تنويعه في خلال كلامهم في أصناف الولايات الآتية في هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى.

الفصل الثالث من الباب الأول من المقالة الخامسة (في بيان ما يقع به التفاوت في رتب الولايات، وذلك من سبعة أوجه)

الفصل الثالث من الباب الأوّل من المقالة الخامسة (في بيان ما يقع به التفاوت في رتب الولايات، وذلك من سبعة أوجه) الوجه الأوّل (الألقاب، وهي على ثلاثة أنواع) النوع الأوّل (ألقاب الخلفاء) وسبيلها الاختصار دون البسط، اكتفاء بما هو ظاهر من أبّهة الخلافة، وعلوّ مقام الإمامة، إذ هي الزّعامة العظمى، والرتبة الّتي هي أعلى الرّتب وأسمى. وهي صنفان: الصنف الأوّل- ألقاب الخلفاء أنفسهم ، وغاية ما ينعت به الإمام وأمير المؤمنين. الصنف الثاني- ألقاب أولياء العهد بالخلافة ، وألقابهم نحو السيّد الجليل وذخيرة الدّين، ونحو ذلك على ما سيأتي بيانه في عهود الخلفاء عن الخلفاء. النوع الثاني (ألقاب الملوك، وهي صنفان أيضا) الصنف الأوّل- ألقاب السلطان نفسه ، والكتّاب تارة يبتدئونها بالسلطان،

الصنف الثاني - ألقاب أولياء العهد بالملك

وتارة يبتدئونها بالمقام، ولكلّ منهما نعوت تخصّه، وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى في الكلام على عهود الملوك عن الخلفاء، إن شاء الله تعالى. الصنف الثاني- ألقاب أولياء العهد بالملك ، والملوك المنفردين بولاية صغار البلدان عن السلطان الأعظم، وهي لا تفتتح إلّا بالمقام ليس إلّا، ولها نعوت تخصّها، يأتي الكلام عليها في الكلام على عهودهم أيضا. النوع الثالث (ألقاب ذوي الولايات الصادرات عن السلطان من أرباب الوظائف الواقعة في هذه المملكة) وقد تقدّم في الكلام على الألقاب في مقدمة الكتاب أنّ أصول الألقاب المستعملة في ذلك خمسة ألقاب على الترتيب، وهي المقرّ «1» ، ثم الجناب «2» ، ثم المجلس «3» ، ثم مجلس مضافا كمجلس «4» الأمير، ومجلس «5» القاضي،

ومجلس «1» الشيخ، ومجلس الصّدر «2» ، ثم الاقتصار على المضاف إليه وحذف المضاف، كالامير والقاضي والشيخ «3» والصّدر، ويلتحق بذلك لأهل الذّمة الحضرة، وحضرة الشيخ، والشيخ مجرّدا عن حضرة، وتقدّم في الفصل الأوّل من هذا الباب أنّ أرباب الولايات خمسة أنواع: أرباب «4» السّيوف، وأرباب» الأقلام، وأرباب الوظائف الصّناعية، وزعماء أهل الذمّة، ومن لا يختص بطائفة لصغرهم. وجميع هذه الأنواع على اختلاف أصنافهم لا يخرجون عن الألقاب المتقدّمة، وقد تقدّم الكلام على هذه الألقاب ونعوتها لمن يكاتب عن الأبواب الشريفة السلطانية من أرباب الوظائف مستوفى في المكاتبات، إلّا أنه قد يولّى عن السلطان من لم يؤهّل للمكاتبة عنه، كأكثر أرباب الوظائف من حملة الأقلام وغيرهم، فاحتيج إلى تعريف مراتب الألقاب لكلّ نوع من أرباب الولايات. فأما أرباب السّيوف، فأعلى ألقابهم المقرّ، وأدناها مجلس الأمير، ثم الأمير مجرّدا عن مجلس. وأما أرباب الوظائف الصّناعيّة، فأعلى ألقابهم المجلس وأدناها مجلس

الصّدر، ثم الصّدر مجرّدا عن مجلس. وأما من لا يختص بطائفة لصغره، فيقتصر فيه على لقب التعريف وهو فلان الدّين إن عظّم وإلّا اقتصر على اسمه خاصّة. وأما زعماء أهل الذّمة، فأعلى ألقابهم الحضرة، ثم حضرة الشيخ، ثم الشيخ مجرّدا عن حضرة. واعلم أنّ كلّ من كانت له مكاتبة عن الأبواب السلطانية من أرباب السّيوف والأقلام وغيرهم، فلقب ولايته ونعوته كما في مكاتبته، غير أنه يزاد في آخر النّعوت المركّبة ذكر اسمه العلم، ونسبته إلى السلطان، كالناصريّ، والظاهريّ، ونحوهما إن كان ممن ينتسب إليه بنيابة ونحوها، ثم إن كانت مكاتبته تفتتح بالدعاء نقل ذلك الدعاء من أوّل المكاتبته إلى ما بعد اسمه والنسبة إلى السلطان في الولاية، كما إذا كانت مكاتبته، أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ «1» الكريم، فإنه يدعى له عقيب اسمه والنسبة إلى السلطان- إن كانت- بأعزّ الله تعالى أنصاره، وكذلك في البواقي. وإن كانت مكاتبته تفتتح بغير الدعاء، كصدرت هذه المكاتبة ونحو ذلك، فإنه يدعى له في الولاية عقب الاسم والنسبة إلى السلطان- إن كانت- بما يدعى له في مكاتبته في آخر الألقاب، كما إذا كان من أرباب السّيوف ومكاتبته صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس «2» العالي أو المجلس «3» الساميّ بالياء فإنه يدعى له بمثل: أدام الله سعادته، وأدام الله رفعته، ونحو ذلك، وإن لم تكن له مكاتبة عن الأبواب السّلطانية كتب له في الولاية ما يناسبه من اللّقب

الوجه الثاني (ألفاظ إسناد الولاية إلى صاحب الوظيفة، ولها ست مراتب)

والنّعوت، ثم يذكر اسمه والدعاء له إن كان مستحقّا للدعاء، وسيأتي لقب كلّ ذي ولاية من الأنواع الخمسة المتقدّمة الذّكر ونعوته عند ذكر ولايته فيما بعد، إن شاء الله تعالى. ثم للألقاب في الولايات محلّان: أحدهما- الطّرّة. ويقتصر فيها على اللّقب، من المقرّ أو الجناب أو المجلس أو مجلس مضافا وما بعده من النعوت إلى اللّقب المميّز للوظيفة كالأميريّ والقضائيّ ونحوهما، ثم يذكر لقبه الخاصّ به وهو الفلانيّ أو فلان الدين، ثم يذكر اسمه وانتسابه إلى السلطان إن كان، على ما سيأتي بيانه مفصّلا، إن شاء الله تعالى. الثاني- في أثناء الولاية. وهناك تستوفى النّعوت ويؤتى بما في الطّرّة في ضمنه إلّا أنه يجعل لقب التعريف- وهو الفلانيّ أو فلان الدّين- بين النعوت المفردة والمركّبة فاصلا بينهما. الوجه الثاني (ألفاظ إسناد الولاية إلى صاحب الوظيفة، ولها ستّ مراتب) الأولى- لفظ العهد ، مثل أن يقال: أن يعهد إليه، وهي خاصّة بالخلفاء والملوك. الثانية- لفظ التّقليد ، مثل أن يقال: أن يقلّد كذا، ويكون مع المقرّ الكريم والجناب الكريم. الثالثة- لفظ التّفويض ، مثل أن يقال: أن يفوّض إليه كذا، ويختصّ بالجناب لأرباب السيوف، وكذلك الجناب والمجلس العالي لأرباب الأقلام. قلت: وكتّاب زماننا يستعملونها «1» مع المقرّ أيضا، ولا يستعملون لفظ

الرابعة - لفظ الاستقرار والاستمرار

«يقلّد» في التقاليد لتوهّمهم الاكتفاء بلفظ تقليد عنها، ولم يعلموا أنّ يقلّد فوق يفوّض كما تقدّم. على أنّ المقرّ الشهابيّ بن فضل الله قد صرّح بذلك في «التعريف» كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى. الرابعة- لفظ الاستقرار والاستمرار ، مثل أن يقال: أن يستقرّ في كذا، أو يستمرّ في كذا. ولفظ يستقرّ مختصّ بالمستجدّ، ولفظ يستمرّ مختصّ بالمستقرّ، ويكونان مع المجلس الساميّ بالياء، والمجلس السامي بغير ياء لأرباب السيوف والأقلام وغيرهم، أما المجلس العالي فإن كانت مكاتبته تفتتح بالدعاء، مثل: أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي كنائب «1» السلطنة بالكرك، فإنه يقال فيه أن يفوّض إليه، وإن كانت مكاتبته تفتتح بصدرت هذه المكاتبة كنائب القدس ونحوه، فإنه يقال فيه: أن يستقرّ. الخامسة- لفظ الترتيب ، مثل أن يقال: أن يرتّب في كذا، ويكون مع مجلس مضافا، مثل مجلس الأمير ومجلس القاضي ونحوهما، وربّما استعملت مع السامي بغير ياء. السادسة- لفظ التقدّم ، مثل أن يقال: أن يقدّم فلان على الطائفة الفلانيّة ونحو ذلك. قلت: وهاتان المرتبتان أعني السادسة والخامسة قد ذكرهما المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف» فقال: وقد يقال أن يرتّب وأن يقدّم. وهما موجودان في كتابة معاصريه بمصر والشام. أما كتّاب زماننا فقد رفضوهما جملة وأضربوا عن استعمالهما بكلّ حال، واكتفوا عنهما بالمرتبة الرابعة وهي لفظ الاستقرار، والواجب إثباتهما لتفاوت ما بين المراتب. على أنّ استعمال لفظ يرتّب موجود في كلامهم بكثرة، ولفظ يقدّم لم يستعملوه إلّا في النّزر اليسير، والله أعلم. وهذه الألفاظ تقع في الطّرّة وفي أثناء الكلام على حدّ واحد.

الوجه الثالث (الافتتاحات، وهي راجعة إلى أربع مراتب)

الوجه الثالث (الافتتاحات، وهي راجعة إلى أربع مراتب) المرتبة الأولى- الافتتاح بلفظ: هذه بيعة ، أو هذا ما عهد، ونحو ذلك في البيعات والعهود على المذهب القديم، أو بالحمد لله. ويقع الابتداء به في العهود والبيعات إذا ابتديء العهد أو البيعة بخطبة على ما عليه استعمال أهل زماننا. وكذلك في التقاليد لأرباب السيوف والأقلام، والمراسيم المكبّرة لأرباب السيوف، والتواقيع الكبار لأرباب الأقلام. المرتبة الثانية- الافتتاح بأمّا بعد حمد الله . ويقع الابتداء به في المرتبة الثانية من أرباب المراسيم المكبّرة من أصحاب السّيوف، والمرتبة الثانية من أرباب التّواقيع من أصحاب الأقلام. المرتبة الثالثة- الافتتاح برسم بالأمر الشريف ، ويقع الافتتاح به في المرتبة الثالثة لأرباب التّواقيع والمراسيم من سائر أرباب الولايات. المرتبة الرابعة- ما كان يستعمل من الافتتاح «بأما بعد فإنّ كذا «1» » . أو «من حسنت طرائقه، وحمدت خلائقه، فإنه أحقّ» ، وما أشبه ذلك، كما أشار إليه في «التعريف» إذ كان الان قد رفض وترك على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى، وقد كان ذلك يستعمل فيما تقدّم لأرباب السّيوف والأقلام جميعا. الوجه الرابع (تعدّد التحميد في الخطبة أو في أثناء الكلام واتحاده) فقد قال في «التعريف» في الكلام على عهود الملوك للملوك: «وكلّما كثرت التحميدات في الخطب، كان أكبر؛ لأنها تدلّ على عظم قدر النّعمة» «2»

الوجه الخامس (الدعاء، وله ثلاثة مواضع)

وذكر في الكلام على عهود الخلفاء عن الخلفاء أنه ينتهى في التحميد إلى سبعة «1» . الوجه الخامس (الدعاء، وله ثلاثة مواضع) الموضع الأوّل- في طرّة الولاية بعد ذكر ما يكتب في الطّرّة «2» من ألقابه، ولا يزاد فيه على دعوة واحدة تناسبه. الموضع الثاني- في أثناء الولاية بعد استيفاء الألقاب وذكر الاسم، وهو ما في الطّرّة من الدعوة المناسبة له بغير زائد على ذلك. الموضع الثالث-[في] آخر الولاية بالإعانة ونحوها . قال في «التثقيف» «3» : وأقلّها دعوتان، وأكثرها أربع. قال في «التعريف» : ومن استصغر من المولّين لا يدعى له في آخر ولايته. ثم قد تقدّم في المكاتبات أنّ الدعاء مع تنزيه الله تعالى، كأعزّ الله تعالى أنصار المقرّ، وضاعف الله [تعالى] نعمة الجناب ونحو ذلك أعلى من حذفه «4» ، كأدام الله سعده، وأعزّه الله ونحو ذلك، ولا شكّ أنه في الولايات كذلك.

الوجه السادس (طول الكلام وقصره، فكلما عظمت الوظيفة وارتفع قدر صاحبها كان الكلام فيها أبسط)

الوجه السادس (طول الكلام وقصره، فكلّما عظمت الوظيفة وارتفع قدر صاحبها كان الكلام فيها أبسط) قال في «حسن التوسل» : ويحسن أن يكون الكلام في التقاليد منقسما أربعة أقسام متقاربة المقادير؛ فالرّبع الأوّل في الخطبة، والرّبع الثاني في ذكر موقع الإنعام في حق المقلّد، وذكر الرتبة وتفخيم أمرها، والربع الثالث في أوصاف المولّى «1» ، وذكر ما يناسب تلك الرتبة ويناسب حاله من عدل وسياسة ومهابة وبعد صيت وسمعة وشجاعة إن كان نائبا، ووصف الرأي والعدل وحسن التدبير والمعرفة بوجوه الأموال وعمارة البلاد، وصلاح الأحوال، وما يناسب ذلك إن كان وزيرا، وكذلك في كلّ رتبة بحسبها، والربع الرابع في الوصايا. قال في «التعريف» : والذي أختاره «2» اختصار مقدار التحميدة [الّتي] «3» في الخطبة والخطب مطلقا وإطالة ما بعد ذلك، والإطناب في الوصايا [اللهم] «4» إلّا لمن جلّ قدره [وعظم أمره] «5» فإن الأولى الاقتصار في الوصايا على أهمّ الجمليّات، ويعتذر في الاقتصار «6» بما يعرف من فضله، ويعلم «7» من علمه، ويوثق به من تجربته ومن هذا ومثله. قال: والكاتب في هذا [كلّه] «8» بحسب ما يراه، ولكلّ واقعة مقال يليق بها، ولملبس كلّ رجل قدر معروف لا يليق به غيره، وفي هذا غنى لمن عرف، وكفاية لمن علم، على أن المقرّ الشهابي تابع في ذلك القاضي «محيى الدين بن عبد الظاهر «9» » رحمه الله، فإنك إذا تأملت تقاليده وتواقيعه، وجدتها كلّها كذلك، ولكلّ وجه ظاهر، فإنّ المطوّل للخطبة لا

الوجه السابع (قطع الورق)

يخليها من براعة الاستهلال، المناسبة للحال، والمقصّر لها مراع لزيادة الإطناب في الوصف. قلت: ولا يخفى أن ما ذكراه في التقاليد يجيء مثله في العهود لجريها على موجبها من مولّ ومولّى. أما إذا كانت الولاية بيعة فإنه يجعل موضع الوصايا ذكر التزام الخليفة البرّ والإحسان للخلق، ووعد النظر في أمور الرعيّة، وصلاح أحوالهم، وذكر التحليف للخليفة، أو له وللسلطان إن كان معه سلطان قام بعقد البيعة له على الوفاء بالعهد والدّخول تحت الطاعة. قال في «حسن التوسل» : والأمر الجاري في ذلك على العادة معروف لكنه قد تقع أشياء خارجة عن العادة فيحتاج الكاتب فيها إلى حسن التصرّف على ما يقتضيه الحال، وذكر من ذلك تقليدا أنشأه لمتملّك سيس «1» ، وتقليدا كتبه بالفتوّة، وسيأتي ذكر ذلك مع ما شاكله في مواضعه إن شاء الله تعالى. الوجه السابع (قطع الورق) واعلم أنّ الولايات من ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بجملتها ينحصر قطع الورق فيها في خمسة مقادير لا يتعدّاها: أحدها- قطع البغداديّ الكامل ؛ وهو مختصّ بالبيعات والعهود مطلقا على أيّ الافتتاحات كان. الثاني- قطع الثلثين من المنصوريّ ؛ وهو لأجل الولايات السّلطانيات لأرباب السّيوف وبعض أرباب الأقلام، ولا يفتتح فيها إلّا بالحمد. الثالث- قطع النّصف منه ؛ وهو لما دون ذلك، ولا يفتتح فيه إلّا بالحمد أيضا.

الرابع - قطع الثلث منه

الرابع- قطع الثّلث منه ؛ وهو لما دون ذلك. واعلم أنه إذا ولّي صاحب وظيفة تستحقّ قطع النصف وظيفة أخرى تستحق قطع العادة، فإنه يراعى مقدار صاحبها ويزاد على مقدار العادة، إلّا أنه لا يبلغ مبلغ رتبة وظيفته العليا، بل ينبغي أن يتوسّط بينهما، فيكتب له في قطع الثلث لتكون رتبة بين رتبتين فتحصل مراعاة تعظيمه من حيث الزيادة على قطع العادة، ومراعاة قدر الوظيفة من حيث إنها لم تبلغ شأو وظيفته العليا، أما إذا ولّي منحطّ القدر وظيفة تستحق القطع الكبير، فإنه يكتب له فيه، وتكون توليته لها رفعا إلى درجتها. الخامس- قطع العادة؛ وهو أصغرها . والأصل أن يفتتح فيه بلفظ «رسم بالأمر الشريف» وربما علت رتبة صاحب الولاية ولم يؤهّل للكتابة في قطع الثلث فيكتب له فيه: أما بعد حمد الله، وهو قليل الاستعمال، فإن استعمل أما بعد فإن كذا، أو إنّ أولى، أو إن أحقّ ونحو ذلك كتب في قطع العادة أيضا.

الباب الثاني من المقالة الخامسة في البيعات، وفيه فصلان

الباب الثاني من المقالة الخامسة في البيعات، وفيه فصلان الفصل الأوّل (في معناها) البيعات جمع بيعة، وهي مصدر «1» بايع فلان الخليفة يبايعه مبايعة، ومعناها المعاقدة والمعاهدة، وهي مشبّهة بالبيع الحقيقيّ. قال أبو السّعادات ابن الأثير «2» في نهايته في غريب الحديث: كأنّ كلّ واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره. ويقال: بايعه، وأعطاه صفقة

يده، والأصل في ذلك أنه كان من عادة العرب أنه إذا تبايع اثنان صفق أحدهما بيده على يد صاحبه. وقد عظّم الله تعالى شأن البيعة وحذّر من نكثها بقوله خطابا للنبي صلّى الله عليه وسلّم إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً «1» . وأمر بمبايعة المؤمنات في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «2» . وبايع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، الصحابة رضوان الله عليهم بيعتين.

الفصل الثاني (في ذكر تنويع البيعات، وهي نوعان)

الفصل الثاني (في ذكر تنويع البيعات، وهي نوعان) النوع الأوّل (بيعات الخلفاء، وفيها سبعة مقاصد) المقصد الأوّل (في أصل مشروعيتها) فالأصل في ذلك بعد الإجماع ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها «أنّه لمّا توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، اجتمعت «1» الأنصار «2» إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منّا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجرّاح، فذهب عمر يتكلّم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: ما أردت بذلك إلّا أنّي قد هيّأت كلاما أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر؛ ثم تكلّم أبو بكر فتكلّم أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء «3» . فقال الحباب بن المنذر: لا والله لا نفعل! منّا أمير ومنكم أمير.

المقصد الثاني (في بيان أسباب البيعة الموجبة لأخذها على الرعية

فقال أبو بكر: لا ولكنّا الأمراء وأنتم الوزراء. فبايعوا عمر أو أبا عبيدة. فقال عمر: بل نبايعك فأنت سيّدنا وخيرنا وأحبّنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايع الناس» . وهذه أوّل بيعة بالخلافة كانت في الإسلام، ولكن لم ينقل أنه رضي الله عنه كتب له مبايعة بذلك، ولعلّ ذلك لأنّ الصحابة رضوان الله عليهم كانوا إذا بايعوا لا يجحدون البيعة بعد صدورها، بخلاف ما بعد ذلك. المقصد الثاني (في بيان أسباب البيعة الموجبة لأخذها على الرّعيّة وهي خمسة أسباب: السبب الأوّل- موت الخليفة المنتصب من غير عهد بالخلافة لأحد بعده، كما في قصّة الصّدّيق المتقدّمة بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو بتركها شورى في جماعة معيّنة، كما فعل عمر، رضي الله عنه، عند وفاته حيث تركها شورى في ستة: عليّ بن أبي طالب، والزّبير بن العوّام، وعثمان بن عفّان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، وسعد بن أبي وقّاص، رضي الله عنهم. السبب الثاني- خلع الخليفة المنتصب لموجب يقتضي الخلع ، فتحتاج الأمة [إلى] مبايعة إمام يقوم بأمورها، ويتحمّل بأعبائها. السبب الثالث- أن يتوهّم الخليفة خروج ناحية من النّواحي عن الطاعة فيوجّه إليهم من يأخذ البيعة له عليهم، لينقادوا لأمره، ويدخلوا تحت طاعته. السبب الرابع- أن تؤخذ البيعة للخليفة المعهود إليه بعد وفاة العاهد ، كما كانت الخلفاء الفاطميّون تفعل في خلافتهم بمصر، وكانوا يسمّون البيعة سجلّا

السبب الخامس - أن يأخذ الخليفة المنتصب البيعة على الناس لولي عهده بالخلافة

كما كانوا يسمّون غيرها بذلك. السبب الخامس- أن يأخذ الخليفة المنتصب البيعة على الناس لوليّ عهده بالخلافة بأن يكون خليفة بعده إمضاء لعهده، كما فعل معاوية رضي الله عنه في أخذه البيعة لولده يزيد. المقصد الثالث (في بيان ما يجب على الكاتب مراعاته في كتابة البيعة) واعلم أنه يجب على الكاتب أن يراعي في كتابة البيعة أمورا: منها- أن يأتي في براعة الاستهلال بما يتهيّأ له من اسم الخليفة أو لقبه كفلان الدّين، أو لقب الخلافة، كالمتوكّل أو المستكفي، أو مقتضى الحال الموجب للبيعة من موت أو خلع ونحوهما، أو غير ذلك مما يجري هذا المجرى. ومنها- أن ينبّه على شرف رتبة الخلافة وعلوّ قدرها ورفعة شأنها، وأنها الغاية الّتي لا فوقها، والدرجة الّتي لا بعدها، وأن كلّ رتبة دون رتبتها، وكلّ منصب فرع عن منصبها. ومنها- أن ينبّه على مسيس الحاجة إلى الإمام «1» ، ودعاية الضّرورة إليه، وأنه لا يستقيم أمر الوجود وحال الرعيّة إلّا به، ضرورة وجوب نصب الإمام بالإجماع، وإن شذّ عنه الأصمّ فخالف ذلك. ومنها- أن يشير إلى أنّ صاحب البيعة استوعب شروط «2» الإمامة واجتمعت فيه، ويصفه منها بما يعزّ وجوده، ويتمدّح بحصوله، كالعلم

والشّجاعة والرأي والكفاية، بخلاف ما لا يعزّ وجوده ولا يتمدّح به وإن كان من الشروط، كالحرّية والذّكورة والسمع والبصر ونحو ذلك، فإنّ الوصف بذلك لا وجه له. ومنها- أن ينبّه على أفضلية صاحب البيعة وتقدّمه في الفضل واستيفاء الشّروط على غيره، ليخرج من الخلاف في جواز تولية المفضول مع وجود الفاضل. ومنها- أن ينبّه على أنّ المختارين لصاحب البيعة ممن يعتبر اختياره من أهل الحلّ والعقد، من العلماء والرّؤساء ووجوه الناس الذين يتيسّر حضورهم على الوجه المعتبر. ومنها- أن ينبّه على تعيين المختارين للبيعة، إن كان الإمام الأوّل نصّ عليهم، إذ لا يصحّ الاختيار [من] غير من نصّ عليه، كما لا يصحّ إلّا تقليد من عهد إليه. ومنها- أن ينبّه على جريان عقد البيعة من المختارين، ضرورة أنه إن انفرد شخص بشروط الإمامة في وقته لم يصر إماما بمجرّد ذلك. ومنها- أن ينبّه على سبب خلع الخليفة الأوّل إن كانت البيعة مترتّبة على خلع، إذ لا يصح خلع الإمام القائم بلا سبب. ومنها- أن ينبّه على قبول صاحب البيعة العقد وإجابته إليه إذ لا بدّ من قبوله. ومنها- أن ينبّه على أنّ القبول وقع منه بالاختيار؛ لأنه لا يصحّ الإجبار على قبولها، اللهم إلّا إن كان بحيث لا يصلح للإمامة غيره فإنه يجبر عليها بلا خلاف. ومنها- أن ينبّه على وقوع الشهادة على البيعة، خروجا من الخلاف في أنه هل يشترط الإشهاد على البيعة أم لا؟

ومنها- أن ينبّه على أنها لم تقترن ببيعة في الحال ولا مسبوقة بأخرى، إذ لا يجوز نصب إمامين في وقت واحد وإن تباعد إقليماهما، خلافا للأستاذ أبي إسحاق الأسفراييني «1» حيث جوّز نصب إمامين في إقليمين. ومنها- أن ينبّه على أنه بمجرّد البيعة تجب الطاعة والانقياد إليه، ويجب على كافّة الأمة تفويض الأمور العامّة إليه، وطاعته فيما وافق حكم الشرع وإن كان جائرا. ومنها- أن يعزّي في الخليفة الميت ويهنيّء بالمستقرّ إن كانت البيعة مبنيّة على موت خليفة، وأن يبيّن «2» سبب خلع الخليفة الأوّل إن كانت مرتّبة على خلع. أما التعزية والتهنئة بموت الأوّل، فعليه جرى عامّة الكتّاب، إلّا أنه يختصّ في عرفهم بما إذا كان الخليفة الأوّل شديد القرب من الثاني، كأبيه وأخيه وابن عمّه. وكان الأوّلون يتعانون ذلك في خطاب الخلفاء بالتهنئة بالخلافة بعد أقاربهم، وقد روي أنّ عطاء «3» بن أبي صيفيّ دخل على يزيد بن معاوية فهنّأه بالخلافة وعزّاه في أبيه فقال: رزئت «4» بأمير المؤمنين خليفة الله، وأعطيت خلافة الله، قضى معاوية

المقصد الرابع (في بيان مواضع الخلافة التي يستدعي الحال كتابة المبايعات فيها)

نحبه، فغفر الله ذنبه، وولّيت الرّياسة، وكنت أحقّ بالسّياسة، فاحتسب عند الله جليل الرّزيّة، واشكره على جزيل العطيّة، وعظّم الله في معاوية أجرك، وأحسن على الخلافة عونك. وتعرّضت أعرابيّة للمنصور في طريق مكّة بعد وفاة أبي العبّاس السّفّاح، فقالت: يا أمير المؤمنين، احتسب الصّبر، وقدّم الشّكر، فقد أجزل الله لك الثّواب في الحالين، وأعظم عليك المنّة في الحادثين، سلبك خليفة الله، وأفادك خلافة الله، فسلّم فيما سلبك، واشكر فيما منحك، وتجاوز الله عن أمير المؤمنين، وخار لك فيما ملّكك من أمر الدّنيا والدّين. وأما التعريف بسبب «1» الخلع، فلأنه لا يصحّ خلع الإمام بغير موجب للخلع. ومنها- أن يشير إلى ذكر السلطان القائم بالبيعة إن كان القائم بها سلطانا على ما استقرّت عليه قاعدة الكتّاب في ذلك. ومنها- أن ينبّه على أنّ من استحلف في البيعة من وجوه الدولة وأعيان المملكة إن جرى حلف، ويذكر صفة حلفهم وما التزموه من الأيمان المؤكّدة، والمواثيق المغلّظة. المقصد الرابع (في بيان مواضع الخلافة الّتي يستدعي الحال كتابة المبايعات فيها) وهي أربعة أمور: أحدها- موت الخليفة المتقدّم عن غير عهد لخليفة بعده ، وهو موضوعها

الثاني - أن يعهد الخليفة إلى خليفة بعده

الأصليّ الذي عليه بنيت. الثاني- أن يعهد الخليفة إلى خليفة بعده ، ثم يموت العاهد ويستقرّ المعهود إليه بالخلافة بالعهد بعده، فتؤخذ له البيعة العامّة على الرّعية، إظهارا لوقوع الإجماع على خلافته، والاتّفاق على إمامته. الثالث- أن تؤخذ البيعة للخليفة بحضرة ولايته ، ثم تنفّذ الكتب إلى الأعمال لأخذ البيعة على أهلها، فيأخذ كلّ صاحب عمل له البيعة على أهل عمله. الرابع- أن يعرض للخليفة خلل في حال خلافته ، من ظهور مخالف أو خروج خارجيّ، فيحتاج إلى تجديد البيعة له حيث وقع الخلاف. ولكلّ من هذه الأحوال ضرب من الكتابة يحتاج فيه إلى بيان السبب الموجب لأخذ تلك البيعة. المقصد الخامس (في بيان صورة ما يكتب في بيعات الخلفاء، وفيها أربعة مذاهب) المذهب الأوّل (أن تفتتح المبايعة بلفظ «تبايع فلانا أمير المؤمنين» خطابا لمن تؤخذ عليه البيعة) ويذكر ما يقع عليه عقد المبايعة، ويأتي بما سنح من أمر البيعة، ثم يذكر الحلف عليها، وعلى ذلك جرى مصطلح كتّاب خلفاء بني أميّة، ثم خلفاء بني العبّاس بعدهم ببغداد. واعلم أنه قد تقدّم في المقصد الأوّل من هذا الفصل أنه لم ينقل أنه كتب للصدّيق رضي الله عنه ولا لمن ولي الخلافة بعده من الصّحابة من غير عهد بيعة. ولما كانت خلافة بني أميّة، وآل الأمر إلى عبد الملك بن مروان، وأقام الحجّاج ابن يوسف على إمارة العراق، وأخذ في أخذ البيعة لعبد الملك بالعراق، رتّب أيمانا

مغلّظة تشتمل على الحلف بالله تعالى والطّلاق والعناق والأيمان المحرجات يحلف بها على البيعة، واشتهرت بين الفقهاء بأيمان البيعة، واطّرد أمرها في الدولة العبّاسية بعد ذلك، وجرى مصطلحهم في ذلك على هذا الأسلوب. وهذه نسخة مبايعة، ذكرها أبو الحسين «1» بن إسحاق الصابي في كتابه «غرر البلاغة» وهي: تبايع عبد الله أمير المؤمنين فلانا بيعة طوع واختيار، وتبرّع وإيثار، وإعلان وإسرار، وإظهار وإضمار، وصحّة من نغل، وسلامة من غير دغل «2» ، وثبات من غير تبديل، ووقار من غير تأويل، واعتراف بما فيها من اجتماع الشّمل، واتّصال الحبل، وانتظام الأمور، وصلاح الجمهور، وحقن الدّماء، وسكون الدّهماء، وسعادة الخاصّة والعامّة، وحسن العائدة على أهل الملّة والذّمّة- على أنّ عبد الله فلانا أمير المؤمنين عبد الله، الذي اصطفاه، وخليفته الذي جعل طاعته جارية بالحق، وموجبة على الخلق، وموردة لهم موارد الأمن، وعاقدة لهم معاقد اليمن، وولايته مؤذنة لهم بجميل الصّنع، ومؤدّية بهم إلى جزيل النّفع، وإمامته الإمامة الّتي اقترن بها الخير والبركة، والمصلحة العامّة المشتركة، وأمّل فيها قمع الملحد الجاحد، وردّ الجائر الحائد، ووقم العاصي الخالع، وعطف الغازي المنازع- وعلى أنّك وليّ أوليائه، وعدوّ أعدائه، من كلّ داخل في الجملة، وخارج عن الملّة، وحائد عن الدّعوة. ومتمسّك بما يدليه، عن إخلاص من رأيك، وحقيقة من وفائك، لا تنقض ولا تنكث ولا تخلف ولا تواري ولا تخادع، ولا تداجي ولا تخاتل، علانيتك مثل نيّتك،

وقولك مثل طويّتك- وعلى أن لا ترجع عن شيء من حقوق هذه البيعة وشرائطها على مرّ الأيام وتطاولها، وتغيّر الأحوال وتنقّلها، واختلاف الأزمان وتقلّبها- على أنّك في كلّ ذلك من أهل الملّة الإسلامية ودعاتها، وأعوان الدولة العبّاسيّة ورعاتها؛ لا يداخل قولك مواربة ولا مداهنة، ولا تعترضه مغالطة ولا تتعقّبه مخالفة، ولا تخيس به أمانة، ولا تغلّه خيانة، حتّى تلقى الله تعالى مقيما على أمرك، وفيّا بعهدك، إذ كان مبايعو ولاة الأمور وخلفاء الله تعالى في الأرض إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً «1» . عليك بهذه البيعة- الّتي أعطيت بها صفقة يدك، وأصفيت فيها سريرة قلبك، والتزمت القيام بها ما طال عمرك، وامتدّ أجلك- عهد الله إنّ عهد الله كان مسؤولا، وما أخذه على أنبيائه ورسله وملائكته وحملة عرشه من أيمان مغلّظة وعهود مؤكّدة، ومواثيق مشدّدة، على أنك تسمع وتصغي، وتطيع ولا تعصي، وتعتدل ولا تميل، وتستقيم ولا تحيد، وتفي ولا تغدر، وتثبت ولا تتغيّر، فمتى زلت عن هذه المحجّة حاقرا لأمانتك، ورافعا لديانتك، فجحدت الله تعالى ربوبيّته، وأنكرته وحدانيّته، وقطعت عصمة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وجذذتها، ورميت طاعته وراء ظهرك ونبذتها، ولقيت الله يوم الحشر إليه، والعرض عليه، مخالفا لأمره، وخائنا لعهده، ومقيما على الإنكار له، ومصرّا على الإشراك به، وكلّ ما حلّله الله لك محرّم عليك، وكلّ ما تملكه يوم رجوعك عن بذلك، وارتجاعك ما أعطيته في قولك، من مال موجود ومذخور، ومصوغ ومضروب، وسارح ومربوط، وسائم ومعقول، وأرض وضيعة، وعقار وعقده، ومملوك وأمة، صدقة على المساكين، محرّمة على مرّ السّنين، وكلّ امرأة لك تملك شعرها وبشرها، وأخرى تتزّوجها بعدها، طالق ثلاثا بتاتا، طلاق الحرج والسّنّة لا رجعة فيه ولا مثنويّة، وعليك الحجّ إلى بيت الله الحرام الذي بمكّة ثلاثين دفعة

حاسرا حافيا، راجلا ماشيا، نذرا لازما، ووعدا صادقا، لا يبرّئك منها إلّا القضاء لها، والوفاء بها، ولا قبل الله منك توبة ولا رجعة، وخذلك يوم الاستنصار بحوله، وأسلمك عند الاعتصام بحبله، وهذه اليمين قولك قلتها قولا فصيحا، وسردتها سردا صحيحا، وأخلصت فيها سرّك إخلاصا مبينا، وصدقت فيها عزمك صدقا يقينا، والنية فيها نية فلان أمير المؤمنين دون نيّتك، والطّويّة [فيها طويّته] دون طويّتك، وأشهدت الله على نفسك بذلك وكفى بالله شهيدا، يوم تجد كلّ نفس عليها حافظا ورقيبا. وهذه نسخة بيعة أخرى من هذا الأسلوب، أوردها ابن «1» حمدون في تذكرته، وربّما وافق فيها بعض ألفاظ البيعة السابقة، وهي: تبايع الإمام أمير المؤمنين فلانا بيعة طوع وإيثار، واعتقاد وإضمار، وإعلان وإسرار، وإخلاص من طويّتك، وصدق من نيّتك، وانشراح صدرك وصحّة عزيمتك، طائعا غير مكره، ومنقادا غير مجبر، مقرّا بفضلها، مذعنا بحقّها، معترفا ببركتها، ومعتدّا بحسن عائدتها، وعالما بما فيها وفي توكيدها من صلاح الكافّة، واجتماع الكلمة [من] الخاصّة والعامّة، ولمّ الشّعث، وأمن العواقب، وسكون الدّهماء، وعزّ الأولياء، وقمع الأعداء- على أنّ فلانا عبد الله وخليفته، المفترض طاعته، والواجب على الأمة إقامته وولايته، اللازم لهم

القيام بحقّه، والوفاء بعهده، لا تشكّ فيه، ولا ترتاب به، ولا تداهن في أمره ولا تميل. وأنك وليّ وليّه، وعدوّ عدوّه، من خاصّ وعامّ، وقريب وبعيد، وحاضر وغائب، متمسّك في بيعته بوفاء العهد، وذمّة العقد، سريرتك مثل علانيتك، وظاهرك فيه وفق باطنك- على أن أعطيت الله هذه البيعة من نفسك، وتوكيدك إيّاها في عنقك، لفلان أمير المؤمنين عن سلامة من قلبك، واستقامة من عزمك، واستمرار من هواك ورأيك- على أن لا تتأوّل عليه فيها، ولا تسعى في نقض شيء منها، ولا تقعد عن نصره في الرّخاء والشّدّة، ولا تدع النصر له في كلّ حال راهنة وحادثة، حتّى تلقى الله مؤذنا بها، مؤدّيا للأمانة فيها، إذ كان الذين يبايعون ولاة الأمر، وخلفاء الله في الأرض إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ «1» . عليك بهذه البيعة- الّتي طوّقتها عنقك، وبسطت لها يدك، وأعطيت فيها صفقتك، وما شرط عليك فيها، من وفاء وموالاة، ونصح ومشايعة، وطاعة وموافقة واجتهاد ومتابعة- عهد الله إنّ عهد الله كان مسؤولا. وما أخذ الله تعالى على أنبيائه ورسله عليهم السّلام، وعلى من أخذ من عباده، وكيدات مواثيقه ومحكمات عهوده، وعلى أن تتمسّك بها ولا تبدّل، وتستقيم ولا تميل، وإن نكثت هذه البيعة أو بدّلت شرطا من شروطها، أو عفّيت رسما من رسومها، أو غيّرت حكما من أحكامها، معلنا أو مسرّا أو محتالا أو متأوّلا، أو زغت عن السبيل الّتي يسلكها من لا يحقّر الأمانة، ولا يستحلّ الغدر والخيانة، ولا يستجيز حلّ العقود، فكلّ ما تملكه من عين أو ورق أو آنية، أو عقار أو سائمة «2» ، أو زرع، أو صرع «3» ، أو غير ذلك من صنوف الأملاك المعتدّة، والأموال المدّخرة،

صدقة على المساكين، محرّم عليك أن ترجع من ذلك إلى شيء من مالك بحيلة من الحيل، على وجه من الوجوه، وسبب من الأسباب، أو مخرج من مخارج الأيمان، وكلّ ما تعتدّه في بقيّة عمرك من مال يقلّ خطره أو يجلّ فتلك سبيله إلى أن تتوفّاك منيّتك أو يأتيك أجلك، وكلّ امرأة لك «1» اليوم، وأخرى تتزوجها بعدها مدّة بقائك طالق ثلاثا بتاتا، طلاق الحرج والسّنّة لا مثنويّة فيه ولا رجعة، وعليك المشي إلى بيت الله الحرام ثلاثين حجّة حافيا، حاسرا راجلا، لا يرضى الله منك إلّا بالوفاء بها، ولا يقبل الله منك صرفا ولا عدلا، وخذلك يوم تحتاج إليه، وبرّأك من حوله وقوّته، وألجأك إلى حولك وقوّتك، والله عزّ وجلّ بذلك شهيد، وكفى به شهيدا. وهذه نسخة أخرى من هذا الأسلوب، أوردها أبو الحسين الصابي في «غرر البلاغة» وهي: تبايع أمير المؤمنين بقوّة من بصيرتك، وصحّة من سريرتك، وصفاء من عقيدتك وصدق من عزيمتك، على الرّضا [به] والوفاء له، والإخلاص في طاعته، والاجتهاد في مناصحته، وعقد النيّة على موالاته، وبذل القدرة في ممالاته، وأن تكون لأنصاره عونا، ولأوليائه حزبا، ولأعدائه حربا، عارفين بما في ذلك من الحظّ، ومعترفين بما يلزم فيه من الحقّ، ومحافظين على ما حرس الملّة الإسلاميّة، والدولة العبّاسية، ثبّت الله قواعدها، وأحكم معاقدها، وزادها استمرارا على مرّ الدّهور، واستقرارا على كرّ العصور، وعزّا على تنقّل الأمور، واشتدادا على تغلّب المقدور، فإن خالفت ذلك مسرّا أو معلنا، وحلت عنه مظهرا أو مبطنا، وحللت عقوده ناكثا أو ناقضا، وتأوّلت فيه محاولا للخروج منه،

المذهب الثاني (مما يكتب في بيعات الخلفاء)

واستثنيت عليه طالبا للرّجوع عنه، فبرّأني الله من حوله وقوّته، وسلبني ما وهب من فضله ونعمته، ومنعني ما وعد من رأفته ورحمته، وخلّاني من يديه، يوم الفزع الأكبر لديه، وحنث كلّ يمين حلفها المسلمون على قديم الأيّام وحديثها، والتّناهي في تأكيدها وتشديدها، وأعروها من لباس الشّبهة، وأخلوها من دواعي المخاتلة، وهذه اليمين يميني، أوردتها على صدق من نيّتي، وصحّة من عزيمتي، واتّفاق من سرّي وعلانيتي، وسردتها سردا متتابعا من غير فصل، وتلفظت بها تلفّظا من غير قطع، والنية فيها نية فلان، على حضور منه وغيب، وبعد وقرب، وأشهد الله تعالى بما عقدته على نفسي منها، وكفى بالله شهيدا على من أشهده، وحسيبا على من اجترأ على إخفار عهده، ونقض عقده. قلت: فإن كان من تؤخذ عليه المبايعة اثنين، أتي في المبايعة بصيغة التثنية، أو ثلاثة فأكثر، أتي بصيغة الجمع. ولم أقف على كيفية وضعهم لذلك في الكتابة، والذي يظهر أن المبايعة كانت تكتب على الصورة المتقدّمة، ثم يكتب المبايعون خطوطهم بصدورها عنهم، كما يفعل الآن في تحليف من يحلّف من الأمراء وغيرهم من أرباب الوظائف بالمملكة المصرية والممالك الشامية، أو يشهد عليهم في آخر البيعة بمعاقدتهم عليها ورضاهم بها ونحو ذلك. المذهب الثاني (مما يكتب في بيعات الخلفاء) أن تفتتح المبايعة بلفظ «من عبد الله ووليّه فلان أبي فلان الإمام الفلاني» إلى أهل دولته، ونحو «1» ذلك بالسّلام عليهم، ويؤتى بما سنح من الكلام، ثم يقال: أمّا بعد، فالحمد لله، ويؤتى على وصفه بشريف المناقب، واستحقاقه للخلافة، واستجماعه لشروطها، وما يجري هذا المجرى، ثم

ينخرط في سلك البيعة، ويذكر القائم بأخذها على الناس من سلطان أو وزير عظيم أو نحو ذلك، ويذكر من أمر ولاية الخليفة ما فيه استجلاب قلوب الرعية والأخذ بخواطرهم وما ينخرط في هذا السّلك. وهذه نسخة بيعة من هذا الأسلوب، لوليّ عهد بعد موت العاهد، كتب بها لبعض خلفاء الفاطميين، ليس فيها تعرّض لذكر الوزير القائم بها، وهي: من عبد الله ووليّه «أبي فلان فلان بن فلان» الإمام الفلانيّ، بأمر الله تعالى أمير المؤمنين، إلى من يضمّه نطاق الدولة العلوية، من أمرائها وأعيانها، وكبرائها وأوليائها، على اتّساع شعوبهم، وعساكرها على اختلاف ضروبهم، وقبائل عربها القيسيّة واليمنيّة، وكافّة من تشمله أقطارها من أجناس الرعيّة، الأمير منهم والمأمور، والمشهور منهم والمغمور، والأسود والأحمر، والأصغر والأكبر، وفّقهم الله وبارك فيهم. سلام عليكم، فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليكم الله الذي لا إله إلّا هو، ويسأله أن يصلّي على محمد خاتم النبيّين، وسيّد المرسلين، صلّى الله عليه وعلى آله الطاهرين، الأئمة المهديّين، وسلّم تسليما. أما بعد، فالحمد لله مولي المنّ الجسيم، ومبدي الطّول العميم، ومانح جزيل الأجر بالصّبر العظيم، مفيد النعم المتشعبة الفنون، ومدني المهج المتعالية لتناول المنون، ومبيد الأعمار ومفنيها، وناشر الأموات ومحييها، والفاتح إذا استغلقت الأبواب، والقائل: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ «1» الذي لا يغيّر ملكه مرور الغير، ولا يصرف سلطانه تصرّف القدر، ولا يدرك قدمه وأزليّته، ولا ينفد بقاؤه وسرمديّته، مسلم الأنام «2» للحمام، ومصمي الأنفس بسهام

الاخترام، ومورد البشر من المنيّة منهلا ما برحوا في رنقه «1» يكرعون، ولمرّه المشرق يتجرّعون، ومعزز ذلك بقوله: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ «2» . والحمد لله الذي نصب الأنبياء لمراشده أعلاما، وحفظ ببعثهم من الحقّ والهدى نظاما، وجعل نبوّة جدّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم، لنبوّاتهم ختاما، وعضّد بوصيّه أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كمالا للدّين وإتماما، واستخلص من ذرّيتهما أئمة هادين إتقانا لصنعته وإحكاما، وأقام الحجّة على الأمم بأن أقام لكلّ زمان منهم إماما، وعاقب بين أنوار الإمامة فإذا انقبض نور انبسط نور، وتابع ظهور بدوره ليشرق طالع إثر غارب يغور، رحمة شاملة للعالمين، وحكمة تامّة حتّى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، ولم يخل نبيّا مع ما شرّفه [به] من تناول وحيه وتلقّيه، ولا عصم إماما مع اختصاصه بفروع منصب الإمامة وترقّيه، من لقاء المنيّة، ووداع الأمنيّة، بل أجّل لكلّ منهم أجلا مكتوبا، وفسّح له أمدا محصورا محسوبا، لا يصرفه عن وصوله فضيلة، ولا يصل إلى تجاوزه بقوّة ولا حيلة، قدرة محكمة الأسباب، وعبرة واضحة لأولي الألباب، وقضيّة أوضحها فرقانه الذي أقرّ بإعجازه الجاحدون، إذ يقول مخاطبا لنبيه: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ «3» . والحمد لله الذي منح أمير المؤمنين من خصائص الإمامة وأنوارها، وحاز له من ذخائرها وأودعه من أسرارها، ما خوّله فاخر تراثها، وأصار له شرف ميراثها، وجعله القائم بحقّه، والمرشد لخلقه، والماحي بهداه ليلا من الضّلال بهيما، والحاوي بخلافته مجدا لا يزال ثناؤه عظيما: ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ

وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً «1» . يحمده أمير المؤمنين على أن أوضح بآبائه الأئمة سبل الحقائق، فأصبحوا خلفاء الخالق وأئمّة الخلائق، وخوّله ما اختصّهم به من الإمامة، ورفعه بها إلى أشمخ منازل العلا وأرفع مواطن الكرامة، ويستمدّه شكرا يوازي النّعم الّتي أثبتت [له] على سرير الخلافة وسرّها قدما، وصبرا يوازن الفجيعة الّتي قلّ لها فيض المدامع دما. ويسأله أن يصلّي على جدّه محمد الذي فضّ بجهاده جموع الإلحاد، وحصد باجتهاده من مال عن الهدى وحاد، وصدع بما أمر به حتّى عمّ التوحيد، ودانت لمعجزاته الأمم وقد دعاها وهو المفرد الوحيد، ولم يزل مبالغا في مرضاة ربّه، حريصا على إظهار دينه بيده ولسانه وقلبه، حتّى استأثر به وقبضه، وبدّله من الدنيا شرف جواره وعوّضه، وأصاره إليه أفضل نبيّ بصّر وبشّر، وأحيا دين الله وأنشر، وعلى أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب إمام الأمّة، وأبي الأئمّة، وقدوة السعداء، وسيّد الشّهداء، وعاضد الدّين بذي الفقار، ومن لم يزل الحقّ إلى ذبّه شديد الافتقار، صلّى الله عليه وعلى آبائه والأئمة من ذرّيّتهما الذين أيقظوا العقول بإرشادهم من السّنة، وأفاضوا من العدل والإحسان ما ألهج بتمجيدهم الألسنة. وإنّ الإمام الفلانيّ لدين الله أمير المؤمنين كان وليّا لله شرّفه الله واستخلصه، وأفرده بإمامة عصره وخصّصه، وفوّض إليه أمر خلافته، وأحلّه محلّا تقع مطارح الهمم دون علوّه وإنافته، فقام بحقّ الله ونهض، وعمل بأمره فيما سنّ وفرض، وقهر الأعداء بسطواته وعزائمه، وصرّف الأمور بأزمّة التدبير وخزائمه، وبالغ في الذّبّ عن أشياع الملّة، واجتهد في جهاد أعداء القبلة، ووقف على مصلحة العباد والبلاد أمله، ووفّر على ما يحظي عند الله قوله

وعمله، ولم يترك في مرضاة خالقه مشقّة إلّا احتملها، ولا رويّة إلّا صرّفها في إرشاد خلقه وأعملها، حتّى بلغ الغاية المحدودة، واستكمل الأنفاس المعدودة، وأحسن الله له الاختيار، واثر له النّقلة من هذه الدار والزّلفى «1» بسكنى دار القرار، والفوز بمصاحبة الأنبياء الأبرار، والحلول في حظائر قدسه مع آبائه الأئمّة الأطهار، فسار إليه طاهر السّريرة، جميل المذهب والصّورة، مستوجبا بسعيه أفضل رضوانه، ممهّدا بالتقوى لتدبيره أكناف جنانه. وأمير المؤمنين [يحتسب] عند الله هذه الرّزيّة الّتي عظم بها المصاب، وعظم عند تجرّعها الصّاب، وأضرمت القلوب نارا، وأجرت الآماق دما ممارا «2» ، وأطاشت بهولها الأكباد بالحرق، وكحلت الأجفان بالأرق، وكادت لهجومها الصدور تقذف أفئدتها، والدنيا تنزع نضرتها وبهجتها، وقواعد الملّة تضعف وتهي، والخطوب الكارثة تصرّ «3» ولا تنتهي، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون!! تسليما لأمره الذي لا يدفع، وإذعانا لقضائه الذي لا يصدّ ولا يمنع. وكان الإمام الفلانيّ لدين الله أمير المؤمنين عند نقلته جعل لي عقد الخلافة، ونصّ عليّ بارتقاء منصبها المخصوص بالإنافة، وأفضى إليّ بسرّها المكنون، وأودعني غامض علمها المصون، وعهد إليّ أن أشملكم بالعدل والإحسان، والعطف والحنان، والرحمة والغفران، والمنّ الرائق الذي لا يكدّره امتنان، وأن أكون لأعلام الهدى ناشرا، وبما أرضى الله مجاهرا، ولأحزاب القبلة مظافرا مظاهرا، ولأعداء الملة مرغما قاهرا، ولمنار التوحيد رافعا، وعن حوزة الإسلام بغاية الإمكان دافعا، مع علمه بما خصصت به من كرم الشّيم،

وفطرت عليه من الخلال «1» القاضية مصالح الأمم، وأوتيته من استحقاق الإمامة واستيجابها، ومنحته من الخصائص المبرمة لأسبابها. فتعزّوا جميع الأولياء، وكافّة الأمراء «2» ، وجميع الأجناد، والحاضر من الرّعايا والباد، عن إمامكم المنقول إلى دار الكرامة، بإمامكم الحاضر الموجود الذي أورثه الله مقامه، وادخلوا في بيعته بصدور مشروحة نقيّة، وقلوب على محض الطاعة مطويّة، ونيّات في الولاء والمشايعة مرضيّة، وبصائر لا تزال بنور الهدى والاستبصار مضيّة، وأمير المؤمنين يسأل الله أن يجعل إمامته محظوظة بالإقبال، دائمة الكمال، صافية من الأكدار، معضودة بمواتاة الأقدار، ويوالي حمده على ما منحه من الاصطفاء الذي جعله لأمور الدّين والدنيا قواما، وأقامه للبريّة سيّدا وإماما، فاعلموا هذا واعملوا به، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكتب في يوم كذا من شهر كذا سنة كذا. وهذه نسخة بيعة، كتب بها عن الحافظ «3» لدين الله الفاطميّ بعد وفاة ابن عمه الآمر «4» بأحكام الله، قام بعقدها الوزير أبو الفتح يانس الحافظي، اقتصر

فيها على تحميدة واحدة، وعزّى بالخليفة الميّت، ثم انتقل إلى مقصود البيعة، وهي: من عبد الله ووليّه عبد المجيد أبي الميمون، الحافظ لدين الله أمير المؤمنين، إلى كافّة أهل الدولة شريفهم ومشروفهم، وأميرهم ومأمورهم، وكبيرهم وصغيرهم، وأحمرهم وأسودهم، وفّقهم الله وبارك فيهم. سلام عليكم، فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليكم الله الذي لا إله إلّا هو، ويسأله أن يصلي على جدّه محمد خاتم النبيين وسيّد المرسلين، صلّى الله عليه وعلى آله الطاهرين، الأئمة المهديّين، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فالحمد لله اللطيف بعباده وبريّته، الرؤوف في أقداره وأقضيته، المهيمن فلا يخرج شيء من إرادته ومشيئته، ذي النّعم الفائضة الغامرة، والمنن المتتابعة المتظاهرة، والآلاء المتوالية المتناصرة، القائل في محكم كتابه: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ «1» مدبّر أرضه بخلفائه، الذين هم زينة للدنيا وبهجة، وهادي خلقه بأوليائه، لئلا يكون للنّاس على الله حجّة، فسبحان الذي هو للنعم مسبغ وبالكرم جدير، وتَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ «2» . يحمده أمير المؤمنين أن جعله خليفة دون أهل زمانه، وأوجب ثواب

المستجيبين له بكفالته وضمانه، وجعلهم يوم الفزع الأكبر مكنوفين بحفظه مشمولين بأمانه، وأوزعه الشّكر على ما استرعاه إيّاه من أمر هذه الأمّة، ونقله إليه من تراث آبائه الهداة الأئمّة، وكشفه بإمامته من أفجع نائبة وأفظع ملمّة. وصلّى الله على جدّنا محمد رسوله الذي أخبر الأنبياء المرسلون بصفته ونعته، وتداولوا البشرى بما يستقبل من زمانه وبعثه، وذكروه فيما أتوا به من كلّ كتاب أوحاه الله وأنزله، واعترفوا بأنه أفضل من كلّ من نبّأه الله وأرسله، فيسّر الله سبحانه ما كان مرتقبا من ظهوره، وأذن في إشراق الأرض بما انتشر في آفاقها من نوره، وبعثه- جلّت قدرته- إلى الأمّة بأسرها قاطبة، وجعل ألسنة الأغماد مجادلة لمن خالف شرعه مخاطبة، فكان لآية الكفر ماحيا، وفي مصالح البريّة ساعيا، وإلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة داعيا، إلى أن لمعت آيات الحقّ وسطعت، وانحسمت مادّة الباطل وانقطعت، وظهر من آياته ما كبّر له المخبتون، واشتهر من معجزاته ما خصم به المتعنّتون، وخاطبه الله فيما أنزل عليه بقوله: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ «1» . فحينئذ نقله الله إلى ما أعدّ له من جنّاته، وخصّه بشرف الشّفاعة في يوم مجازاته، وصدقه وعده فيما بوّأه من النعيم المقيم: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ* «2» . وعلى أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أولى الناس بالنّبيّ، وأوّل من اتّبعه من ذوي قرابة وأجنبيّ، وابن عمّه الذي اختصّه بمؤاخاته، وجعله خليفة على كافة الناس بعد وفاته، وتحمّل بأمر الله، فيما ولّاه وأولاه، وخطب الناس في حجّة الوداع فقال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» ، وعلى آلهما الكرام الأبرار، وعترتهما المصطفين الأخيار، وهداة المسلمين وقدوتهم، وأمراء المؤمنين وأئمّتهم، الذين حكموا فأقسطوا وما قسطوا، وسلك الحاضرون منهم

سنن أسلافهم الذين فرطوا، واقتفوا آثارهم في السّياسة فما قصّروا ولا فرّطوا، ولم يزل كلّ منهم عاملا من ذلك بما حسّن أيامه، فاعلا في أمر الدّين ما رفع مناره ونشر أعلامه، حتّى اختار الله له ما عنده فنصّ على من أقامه الاستحقاق مقامه، وسلّم عليهم أجمعين سلاما لا انقضاء لأمده، ولا انقطاع لمدده، فنيل المطالب بكرمه وملكوت كل شيء بيده. وإنّ الحقّ إن خفي حينا فلا بدّ لهلاله من الإبدار وانبساط النّور، وإن الشمس إن تورات بالحجاب فما أوشك عودتها إلى البزوغ والظّهور، وأنّ حسن الصبر إلى يبلغ الكتاب أجله يؤمن من تدلية الشيطان بالغرور، قال الله عزّ وجلّ في كتابه الذي هدانا به: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ «1» . وإنّ الله تعالى لرأفته بمن أبدعه من خلقه وأنشاه، ولسابق علمه في عمارة هذه الدار على ما أراده عزّ وجلّ وشاه، لا يخلي الأرض من نور يستضيء به الساري في الليل البهيم، ولا يدع الأمّة بلا إمام يهدي إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم، فهو جلّ وعلا أعدل من أن يجعل جيد الإيمان من حلى الإمامة عاطلا، أو يترك الخلق هملا وقد قال: وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا «2» بل يقطع أعذار العباد فيما خلقهم له ووقفهم، ويهديهم بالأئمة إلى التوفّر على عمل ما ألزمهم وكلّفهم، فالأمور محروسة الترتيب محفوظة النّظام، والأرض إذا أظلمت لفقد إمام، أضاءت وأشرقت لقيام إمام. وقد علم الكافّة أنّ حجة الله في أرضه، والمجتنب من الأعمال ما لم يرضه، والمحسن إلى البريّة ببعثه على المصالح وحضّه، الإمام الآمر بأحكام الله أمير المؤمنين الذي آتاه الله الحكم صبيّا، ورفعه من إرث النبوّة مكانا عليّا، واستخلفه على خلقه فكان

للفضل باسطا ولراية العدل ناشرا، وجعله لشمل المحاسن جامعا ولأئمة الخلفاء الراشدين عاشرا، لم يزل ناظرا في البعيد والقريب، عاملا في سياسة الأمّة عمل المجتهد المصيب، مستقصيا حرصه في المحافظة على إعزاز الملّة، مستنفدا جهده في الجهاد فيمن خالف أهل القبلة، باذلا من جزيل العطاء وكثيره ما لا يعرف معه أحد من خاصّته بالفقر ولا ينسب معه إلى القلّة، حتّى استوفى مدّته الموهوبة، واستوعب غايته المكتوبة، وناله من القضاء ما أخرجه من الدّنيا سعيدا، وأقدمه على الله شهيدا، وأصاره إلى ما أعدّ له من نعيم لا يريد به بديلا ولا يطلب عليه مزيدا، وكان انتقاله إلى جوار ربّه تبارك وتعالى، كانتقال أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بغيا من الكافرين واغتيالا. وقد كان يذكر ما يعلمه من حقّ أمير المؤمنين «1» تارة مجاهرا وتارة مخافتا، إلى أن صار على بسط القول في ذلك وتبيينه مثابرا متهافتا، وأفصح بما كان مستبهما مستعجما، وصرّح بما لم يزل في كشفه ممرّضا وعن إفصاحه محجما، وذلك لمّا ألفاه أشرف فرع من سنخ «2» النبوّة، ورآه أكرم في فخارة الأبوّة، وعلمه أبيه «3» الأمير أبي «4» القاسم عمّه سلام الله عليه الذي هو سليل الإمامة القليل المثل، ونجل الخلافة المخصوص من الفخر بأجزل حظّ وأوفر كفل، كان المستنصر بالله أمير المؤمنين سمّاه وليّ عهد المسلمين، وتضمّن ذلك ما خرجت به توقيعاته وتسويغاته إلى الدواوين، وثبّت في طرز الأبنية، وكتب الاتبياعات والأشرية، وعلمته الكافّة علما يقينا ظلّت فيه غير مرتابة ولا ممترية، وفي ضمن ذلك باطن لا يعقله إلا العالمون، ولا ينكره إلّا من قال فيهم: وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ «5» . وذلك أنّ أمير المؤمنين الغرض والمقصد، والبغية والمطلب، وله عهد بالتلويح

والإشارة، وإليه أوحى بالنّصّ وإن لم يفصح فيه بالعبارة، وكان والده الأمير أبو القاسم- قدّس الله روحه- بمنزلة الأشجار الّتي يتأنّى بها إلى أن يظهر زهرها، والأكمام الّتي ينتظر بها إلى أن يخرج ثمرها، والزّرجونة الّتي نقلت الماء إلى العنقود، والسّحابة الّتي حملت الغيث فعمّ نفعه أهل السّهول والنّجود، ومما يبيّن ذلك ويوضّحه، ويحقّقه ويصحّحه، وتثلج به للمؤمنين صدور وتقوى أفئدة، وتشهد البصائر أنّ النعمة به على الإسلام متتابعة متجدّدة، أنّ الأمرين إذا تشابها من كلّ الجهات، وكانت بينهما مدد متطاولات متباعدات، فالسابق منهما يمهّد للتالي، والأوّل أبدا رمز على الثاني، ولا خلاف بين كافّة المسلمين في أنّ الله تعالى أمر جدّنا محمدا صلّى الله عليه وسلّم بعقد ولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلّى الله عليه فعقدها له يوم غدير خم، وأمير المؤمنين عليّ ابن عمّه وكان له حينئذ عمّ حاضر، وأمضى ما أمر به والإسلام يومئذ غضّ وعوده ناضر، وكذلك أنّ أمير المؤمنين، هو ابن عم الإمام الآمر بأحكام الله أمير المؤمنين، وقد نصّ مع حضور عمومته عليه، وفعل ما فعل ندّه رسول الله اقتداء به وانتهاء إليه، وكان أبو عليّ «1» المنصور الإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين صلوات الله عليه، جعل ابنه عبد الرّحيم إلياس وليّ عهد المسلمين، وميّزه بذلك على كافّة الناس أجمعين، ونقش اسمه في السّكّة، وأمر بالدعاء له على المنابر وبمكّة، وألبسه شدّة الوقار المرصّعة بالجوهر، واستنابه عنه إمام الأعياد في الصلاة وفي رقيّ المنبر، وأقامه مقام نفسه في الاستغفار لمن يتوفّى من خواصّ أوليائه، وفي الشّفاعة لهم بمتقبّل مناجاته ومسموع دعائه، مع علمه أنه لا ينال رتبة الخلافة، ولا يبلغ درجة الإمامة، وأن الإمام الظاهر لإعزاز دين الله- صلّى الله عليه- هو الذي خلق لها، وحين حمّل أعباءها أقلّها وما استثقلها، وإنما تحت ذلك معنى لطيف غامض، وسرّ عن جمهور الناس مستتر وبرقه لأولي البصائر وامض، وهو أنّ مكنون الحكمة، ومكتوم علم الأمة، يدلّان على أنّ الإمام المنصور أبا عليّ، سيفعل فيمن

يستخلفه بعده مثل فعل النبيّ، وقد علم الإمام الحاكم- عليه السّلام- أنّ المراد بذلك من يأتي بعده ممن أولده أو أنسله، لأنّ ولده حاضر والمقصود من لا ولد له، فجعل ولاية عبد الرحيم العهد تأسيسا لما سيكون، ونقلا للنّفوس من الانزعاج إلى أن تشملها الطّمأنينة والسّكون. فلمّا أفضى الله إلى الإمام المنصور أبي عليّ الإمام الآمر بأحكام الله أمير المؤمنين بالخلافة الّتي جعلها واجبا له حقّا، ووافق جدّه- عليه السّلام- وكان لقبه من لقبه مشتقّا، ظهر المنكتم، ووضح المستتر، وعاد التعريض تصريحا، والتمريض تصحيحا، والرّمز إبانة، والنصّ على أمير المؤمنين أمانة، فاقتدى بجدّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في استخلاف أمير المؤمنين مع حضور عمومته، وفعل في ذلك فعلته وجرى على قضيّته، وكشف عمّا أبهمه الإمام الحاكم بأمر الله قدّس الله لطيفته فتساوى الخاصّ والعامّ في معرفته، ثم حلّه أمير المؤمنين محلّ نفسه في الجلوس على الأسمطة «1» ، وعمل لأوليائه ورعيّته في ذلك بالقضايا المحيطة، ونصبه منصبه في الصلاة على من جرت عادته بالصلاة على مثله، وجمع في اعتماد ذلك بين إحسانه وفضله وبين امتنانه وعدله، وإذ قد تبيّن هذا الأمر الواضح الجليّ، وتساوى في علمه الشانيء والوليّ، وعلم هو ما خصّ الله به أمير المؤمنين من الإمامة، وأزاله عن العقول من ضباب متكاثف وغمامة، وشمله به من فضله ورافته، ونصبه فيه من منصب خلافته الّتي أيّدها بوليّه ووزيره، وعضّدها بصفيّه وظهيره، السيد الأجل أبي الفتح يانس الحافظيّ الذي جعله الله على اعتنائه بدولة أمير المؤمنين من أوضح الشواهد والدلائل، وصرف به عن مملكته محذور الصّروف والغوائل، وأقام منه لمناصحة الخلافة مخلصا جمع فيه أسباب

المذهب الثالث (أن تفتتح البيعة بعد البسملة بخطبة مفتتحة بالحمد لله،

المناقب والفضائل، وأيده بالتوفيق في قوله وفعله فأربى على الأواخر والأوائل، ودلّت سيرته الفاضلة على أنه قد عمر ما بين الله وبينه، وحكمت سنّته العادلة أن كلّ مدح لا يبلغ ثناءه وكلّ وصف لا يقع إلّا دونه، والله يضاعف نعمه عنده ولديه، ويفتح لأمير المؤمنين مشارق الأرض ومغاربها على يديه، وهذا يحقّق أنّ الإسلام قد أحدث له قوّة وتمكينا، وأن ذوي الإيمان قد ازدادوا إيمانا واستبصارا ويقينا، فيجب عليكم لأمير المؤمنين أن تدخلوا في بيعته منشرحة صدوركم، طيّبة نفوسكم، مجتهدين له في خدمة تقابلون بها إحسانه، متقرّبين إليه بمناصحة تحظيكم عند الله سبحانه، عاملين بشرائط البيعة المأخوذة على أمثالكم الذين يتّبعون في فعلهم، ويقع الإجماع بمثلهم، ولكم على أمير المؤمنين أن يكون بكم رحيما، وعن الصغائر متجاوزا كريما، وبالكافّة رؤوفا رفيقا، وعلى الرّعايا عطوفا شفيقا، وأن يصفح عن المسيء ما لم يأت كبيرة، ويبالغ في الإحسان إلى من أحسن السّيرة، ويولي من الإفضال ما يستخلص الضمائر، ويسبغ من الإنعام ما يقتضي نقاء السرائر، وأمير المؤمنين يسأل الله أن يعرّفكم بركة إمامته، ويمن خلافته، وأن يجعلها ضامنة بلوغ المطالب، كافلة لكافّتكم بسعادة المباديء والعواقب، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. المذهب الثالث (أن تفتتح البيعة بعد البسملة بخطبة مفتتحة بالحمد لله، ثم يؤتى بالبعديّة ويتخلّص إلى المقصود، وقد يذكر السلطان القائم بها وقد لا يذكر، وعلى ذلك كانت تكتب بيعات خلفاء بني أميّة بالأندلس، ومن ادّعى الخلافة ببلاد المغرب) وهذه نسخة بيعة كتب بها طاهر «1» الأندلسيّ، في أخذ البيعة على أهل

دانية «1» من الأندلس، للرشيد بن المأمون الأمويّ، وهو منتصب في الخلافة؛ لخلف توهّمه من الرعية، اقتصر فيها على تحميدة واحدة، وليس فيها تعرّض لسلطان قائم بعقدها، وهي: الحمد لله الذي أسبغ إنعامه باطنا وظاهرا، وسوّغ إفضاله هاملا وهامرا، وأعجز عن وصف إحسانه ناظما وناثرا، وقهر الخلق ناهيا وآمرا، وتعالى جدّه فلا ترى له مضاهيا ولا مظاهرا، ولا موازيا ولا موازرا، ونصر الحقّ وكفى به وليّا وكفى به ناصرا، وجعل جدّ المطيع صاعدا وجدّ العصيّ عاثرا، وحذّر من الخلاف باديا وحاضرا، وماضيا وغابرا. نحمده سبحانه على نعمه حمد من أصبح لعلق الحمد ذاخرا، ونشكره على مننه ولن يعدم المزيد منه شاكرا، ونضرع إليه أن يجعل حظّنا من بركة الاعتصام وافرا، ووجه نيّتنا في الانتظام سافرا، وأن يمنح أولياءه النصر ظاهرا والفتح باهرا، وأعداءه الرّعب شاجيا والرّمح شاجرا، ونشهد أن لا إله إلّا الله شهادة من أقرّ له بالوحدانيّة صاغرا، وأضحى لأوامره ممتثلا ولنواهيه محاذرا، ونسأله أن يجعل حزب الإيمان ظافرا، ويمدّه بنصره طالبا للثار ثائرا، وصلّى الله على سيدنا محمد رسوله الذي انتخبه من صفوة الصّفوة كابرا فكابرا، وجعله بالفضيلة أوّلا وبالرّسالة آخرا، فأيقظ بالدّعاية ساهيا وناسيا وسكّن بعد الإبانة منافيا ومنافرا، وأذهب بنوره ليلا من الجهالة ساترا، وقام بجهاد الكفرة ليثا خادرا «2» ، وباشر بنفسه المكاره دارعا وحاسرا، وشهد بدرا مبادرا، وحنينا منذرا بالخبر نادرا، وظهر عليهم في كلّ المشاهد غالبا وما ظهروا نادرا، وعلى آله وأصحابه الذين منهم صاحبه وخليفته، المعلومة رأفته، أبو بكر الذي اقتحم لهول الرّدّة مصابرا، وسلّ في قتال الرّوم أهل الجلد والشّدّة سيفا باترا، ومنهم

القويّ في ذات الله عمر الذي أصبح به ربع الإسلام عامرا، ولم يخش في الله عاذلا ولم يرج غادرا «1» ، ومنهم الأصدق حياء عثمان ملاقي البلوى صابرا، والخفر الذي لم ير للأذمّة خافرا، ومنهم أقضاهم عليّ الذي قاتل باغيا وكافرا، وبات لخوف الله ساهرا، ورضي الله عن الإمام المهديّ الذي أطلعه نورا باهرا، وبحرا للعلم زاخرا، وأتى به والضّلال يجرّ رسه سادرا، والباطل يثبت وينفي واردا وصادرا، فجدّد رسم الحقّ وكان داثرا، وقام بآرائه علما هاديا وقرما «2» هادرا، وعن الخلفاء الراشدين المرشدين من أصبح حائدا عن الحقّ جائرا، المجاهدين خاتلا بالعهد خاترا. أما بعد، فإنّ الله سبحانه جعل الإمامة للناس عصمة، ومنجاة من ريب الالتباس ونعمة، بها تتمهّد عمارة الأرض، ويتجدّد صلاح الكلّ والبعض، ولولاها ظهر الخلل، واختلط المرعيّ والهمل، وارتكبت المآثم، واستبيحت المحارم، واستحلّت المظالم، وانتقم من المظلوم الظالم، وفسد الائتلاف وافترق النّظام، وتساوى الحلال والحرام، فاختار لأمرهم رعاة أمرهم بالعدل فعدلوا، وبالتواصل في ذات الله والتّقاطع فقطعوا في ذات الله ووصلوا، وعدلوا بين أهليهم وأقربيهم فيما ولّوا، ونهضوا بأعباء الكفاية والحماية واستقلّوا، وألزمهم الاتّفاق والانقياد، وحظر عليهم الانشقاق والعناد، فملكوا بأزمّة العقل قياد الأمور، وأشرقت بسيرتهم المباركة أقاضي المعمور، وشاهد الناس فواضل إمامهم، وتبينوا من سيرتهم العادلة علوّ محلّهم في الخلائف ومقامهم، ولم يطرق في مدّتهم للإسلام جناب، ولا اقتحم له باب، وأنّى وسيوفهم تقطر من دماء الأعداء، وبلادهم ساكنة الدّهماء، والكفرة بالرّعب المخامر والداء العياء،

وأهل الإيمان، يجرّون ذيول العزائم، وعبدة الصّلبان، يعثرون في ذيل الهوان الدائم، إلى أن عدمت الأرض منهم بحارها الزّواخر، وأنوارها البواهر، ورأت بعدهم العيون الفواقيء والمتون الفواقر، واكفهرّ وجه اللأواء «1» ، وتفرّقت الفرق بحسب الأهواء، وسفكت الدّماء وركبت المضلّة العمياء، واحتقبت الجوائر، وأهمل الشرع والشّعائر، ثم إن الله تعالى أذن في كشف الكرب، وأطلع بالغرب نورا ملأ الدّلو إلى عقد الكرب، وهو النّور الذي أضاء للبصائر والأبصار، وطلع على الآفاق طلوع النّهار، وذخرت أيّامه السعيدة لدرك الثار، وكلفت به الخلافة وطال بها كلفه، وقام بالإمامة مثل ما قام بها الخلفاء الراشدون سلفه، وذلك هو الخليفة الإمام أمير المؤمنين الرشيد بالله ابن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين، وخلّد في عقبهم الإمامة إلى يوم الدّين، وهو الأسد الهصور «2» ، ومن أبوه المأمون وجده المنصور، العريق في الخلافة، والحقيق بالإمامة والإنافة، فجمع ما افترق، ونظّم الأمور ونسّق، ومنع الحوزة أن تطرق والملّة أن تفترق أو تفرّق. وهذه نسخة بيعة كتب بها أبو المطرّف بن عميرة الأندلسيّ «3» بأخذ البيعة على أهل شاطبة من الأندلس لأبي جعفر المستنصر «4» بالله العبّاسيّ، قام

بعقدها أبو عبد الله محمد «1» بن يوسف بن هود صاحب الأندلس، ثم أخذ البيعة بعد ذلك عليهم لنفسه، وأن يكون ابنه وليّ عهده بعده، وهي: الحمد لله الذي جعل الأرض قرارا، وأرسل السّماء مدرارا، وسخّر ليلا ونهارا، وقدّر آجالا وأعمارا، وخلق الخلق أطوارا، وجعل لهم إرادة واختيارا، وأوجد لهم تفكّرا واعتبارا، وتعاهدهم برحمته صغارا وكبارا. نحمده حمد من يرجو له وقارا، ونبرأ ممن عانده استكبارا وألحد في آياته سفاهة واغترارا، وصلّى الله على سيدنا محمد الشريف نجارا، السامي فخارا، فرفع «2» الله من شريعته للأمّة منارا، وأطفأ برسالته للشّرك نارا، حتّى علا الإسلام مقدارا، وعزّ جارا ودارا، وأذعن الكفر اضطرارا، واستسلم ذلّة وصغارا، فمضى وقد ملأ البسيطة أنوارا، وعمّها بدعوته أنجادا وأغوارا، وأوجب لولاة العهد بعده طاعة وأتمارا، فجزاه الله أفضل ما جزى نبيّا مختارا، ورسولا اجتباه اختصاصا وإيثارا، صلّى الله عليه وعلى آله الطيبين آثارا واختبارا، وعلى أصحابه الكرام مهاجرين وأنصارا، صلاة نواليها إعلانا وإسرارا، ونرجو بها مغفرة ربّنا إنّه كان غفّارا.

أما بعد، فإنّ المستأثر بالدّوام، اللّطيف بالأنام، أنشأهم على التغاير والتباين، واضطرهم إلى التّجاور والتعاون، وجعل لهم مصلحة الاشتراك، ومنفعة الالتحام والاشتباك، طريقا إلى الأفضل في حياتهم، والأسعد لغاياتهم، وبعث النبيين مرغّبين ومحذّرين، ومبشّرين ومنذرين، فأدّوا عنه ما حمّل، وبيّنوا ما حرّم وحلّل، وكان أعمّهم دعوة، وأوثقهم عروة، وأعلاهم في المنزلة عنده ذروة، وأعطفهم للقلوب وهي كالحجارة أو أشدّ قسوة، المخصوص بالمقام المحمود، والحوض المورود، وشفاعة اليوم المشهود، ولواء الحمد المعقود، صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أفضل صلاة تفضي إلى الظلّ الممدود، وتبلغنا من شفاعته أفضل موعود، بعثه الله للأحمر والأسود، والأدنى والأبعد، فصدع بأمره وظلام الليل غير منجاب، والدّاعي إلى الله غير مجاب، وأهل الجاهلية كثير عددهم، شديد جلدهم، بعيد في الضّلالة والغواية أمدهم، فسلك من هدايتهم سبيلا، وصبر لهم صبرا جميلا، يحبّ صلاحهم وهم العدوّ، ويلين لهم إذا جدّ بهم العتوّ، ويجهد في أظهار دينه ولدين الله الظهور والعلوّ، حتّى انقادوا بين سابق سبقت له السّعادة، ولا حق تداركته المشيئة والإرادة، ولما رفعت راية الإسلام، وشفعت حجّة الكتاب حجّة الإسلام «1» ، ودعي الناس إلى التزام الأحكام، ونهوا عن الاستقسام بالأزلام «2» ، أخبتوا إلى الربّ المعبود، وأشفقوا من تعدّي الحدود، ووعظوا في الأيمان والعهود، فأتمروا للشرع حين أمر، وخافوا وخامة من إذا عاهد غدر، فكان الرجل يدع الخوض فيما لا يعلمه، ويترك حقّه لأجل يمين تلزمه، وشرعت الأيمان في كلّ فنّ بحسب المحلوف عليه، وعلى قدر الحاجة إليه، فواحدة في المال لحقّ الأداء، وأربع مخمّسة عند ملاعنة النّساء، وخمسون انتهي إليها في أحكام الدّماء، فتوثّق للحدود على مقاديرها، وجرت أمور

العبادات والمعاملات على أفضل تقديرها، وقبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والعدل قائم، والشرع على القوي والضعيف حاكم، والربّ جلّ جلاله بما تخفي الصدور عالم، وقام بعده الخلفاء الأربعة أركان الدّين، وأعضاد الحقّ المبين، يحملون الناس على سننه الواضح، وينفّذون أمور المصالح، ويتفقّهون في الأحكام وقوفا مع الظاهر وترجيحا للراجح، وكانوا يتوقّفون في بعض الأحيان، ويطلبون للشّبه وجه البيان، ويستظهرون على تحقيق كثير من الوقائع بالأيمان، حتّى كان عليّ كرم الله وجهه يستثبت في الدّراية، ويستحلف الراوي على الرّواية، وما أنكر ذلك أحد، ولا أعوزه من الشرع مستند، رضي الله عنهم أئمة بالعدل قضوا، وعلى سبيله مضوا، والسّيرة الجليلة تخيّروا وارتضوا، وعن سيد الأنام، ومستنزل درّ الغمام، عمّ نبيّنا عليه أفضل الصلاة والسّلام، الحامي الحدب، والمعقل الأشب «1» ، والغيث الهامل المنكسب، أبي الفضل العبّاس بن عبد المطّلب، وعن الفائزين بالرّتبة الكريمة، والصّحبة القديمة، والمناقب العظيمة، بدور الظّلام وبحور الحكم، وصدور أندية الفضل والكرم، وسائر صحابه عليهم السّلام الذين أسلموا على عمره «2» ، وأسلفوا جدّا في نصره، وأدركوا من بركة عيانه وزمانه ما لا مدرك لحصره، كرّم الله مآبهم، وأجزل ثوابهم، وشكر لهم صبرهم واحتسابهم، فلقد عقدوا نيّة الصّدق عند قيامهم لأداء فريضة الإطاقة، واستباحوا صلاة الشكر حين رفعوا حدث الرّدّة وأراقوا سؤر «3» الشّرك وقد استحقّ بنجاسته الإراقة، وابتزّوا كسرى زينته فأبرزوها على سراقة، فرأوا عيانا ما أخبر به سيد المرسلين، وملكوا ما زوي له منها فاطّلع عليه بحقّه المبين، وذهبوا فأظلمت الأرض من بعدهم، وتنكّرت المعارف لفقدهم، واختلط الهمل والمرعيّ، وتشابه الصّريح والدّعيّ، وثارت الفتن من كل

جانب، وصارت الحقوق نهبة [كل] ناهب، ولمّا برحت «1» العهود، وتعدّيت الحدود، بلغ الوقت المحدود، وطلعت ببياض العدل الرايات السّود، تحتها سادات الناس، وذادة موقف الباس، وشهب اليوم العماس «2» ، ونجب البيت الكريم من بني العبّاس، فأعادوا إلى الأمر رونقه، ونفوا عن الصّفو رنقه، وحموا حرم المسلمين، وأحيوا سنّة ابن عمّهم سيّد المرسلين، فأصبحت الأمور مضبوطة، والثّغور محوطة، والسّبل آمنة، والرعيّة في ظلّ العدل والأمن ساكنة، وكان الناس قبلهم قد ركبوا الصّعب والذّلول، وامتطوا الحزن والسّهول، فوثقوا منهم بطاعتهم، واستحلفوهم على بيعاتهم، ذلك بأنهم ألزموهم منها واجبا على القطع، لازما بإلزام الشّرع، ووجدوا لمصلحة الارتباط بالأيمان شواهد من الآثار المنقولة، والأصول المقبولة، ومن أعطى من نفسه كلّ ما عليها، وراعى جملة المصالح وكلّ ما تطرّق إليها، فكيف لا يكون في سعة من هذا التكليف المستند إلى الآثار الشرعية، الداخل في أقسام المصالح المرعيّة؟ كما سلف من الأئمة المهتدين، آباء أمير المؤمنين وخليفة ربّ العالمين، ابن عمّ سيّدنا وسيّد المرسلين، صلوات الله عليهم أجمعين. لمّا دعا الناس بالمملكة الفلانيّة حماها الله إلى حجّتهم القويّة، وإمرتهم الهاشميّة، مجاهد الدين، بسيف أمير المؤمنين، جمال الإسلام، مجد الأنام، تاج خواصّ الإمام، فخر ملوكه، شرف أمرائه، المتوكّل على الله تعالى أمير المسلمين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن هود، أسعد الله أيامه، ونصر أعلامه، وقام لذلك متوحّدا المقام الكريم، مشمّرا عن ساعد التّصميم،

ماضيا على الهول مضاء الحسام القاضب، غاضبا لأمر الله ورضاه على غاية هذا الغاضب، مالت إليه الأجياد، وانثالت عليه البلاد، فانتظمها مدينة مدينة، وجعل التوكّل على الله سبحانه شريعة منيعة وذريعة معينة، وتقدّم- أيده الله- بأخذ البيعة على نفسه وعلى أهل الملّة قاطبة للقائم بأمر الله سيّدنا ومولانا الخليفة الإمام المستنصر بالله أبي جعفر أمير المؤمنين، صلوات الله عليه وعلى آله الخلفاء الراشدين، وكان له في ذلك المرام السّعيد، والمقام الحميد، والقدم «1» الذي رضي إبداءه وإعادته المبديء المعيد، وخاطب الدّيوان العزيز النبويّ- خلّد الله شرفه- متضرّعا لوسائل خدمته، متعرّضا لعواطف رحمته، وبعث رسوله على أصدق رجاء في القبول، وأثبت أمل في الإسعاف بالمأمول، وأثناء هذه الإرادة القويمة، والسّعادة الكريمة، تفاوض أهل البلاد في توثيق عقدهم للسلطان فلان المشار إليه الذي هو حكم من أحكام الإجماع المنعقد، وأصل أفضى إليه نظر الناظر واجتهاد المجتهد، إذ أجالوا الأمر فيما يزيده وثاقة، ويكسو وجهه على الأيّام بشرا وطلاقة، ويجعل القلوب مطمئنّة برسوخه في الأعقاب، وثبوته على الأحقاب، فلم يروا رأيا أسدّ، ولا عملا أحصف وأشدّ، من أن يطلبوه بعقد البيعة لابنه الواثق بالله المعتصم به أبي بكر محمد بن مجاهد الدين، سيف أمير المؤمنين، على أن يكون وليّ عهدهم مدّة والده مدّ الله في حياته، وأميرهم عند الأجل الذي لا بدّ من موافاته، فأمضى لهم ذلك من اتّفاقهم، وأثبتوا على ما شرطته بيعته في أعناقهم. وبعد ذلك أتى صولة الإسلام، وصلة دار السّلام، وورد رسول مثابة الجلالة، ونيابة الرّسالة، وملتزم الملائك، ومعتصم الممالك، ومعه الكتاب الذي هو نص أغنى عن القياس، بل هو نور يمشي به في الناس، وأدّى إلى السلطان فلان المشار إليه من تشريف الدّيوان العزيز النبويّ ما وسمه من الفخار بأجلّ وسمه، وقلّده السيف الصارم وسمّاه باسمه، فتلاقى السيفان المضروب والضارب، واشتبه الوصفان الماضي

والقاضب، وبرزت تلك الخلع «1» فابيضّ وجه الإسلام من سوادها، ووضع الكتاب فكادت المنابر تسعى إليه شوقا من أعوادها، وقرئت وصايا الإمام، على الأنام، فعلموا أنها من تراث الرّسالة، وقالوا: كافل الإسلام جدّد له بهذا الصّقع الغربيّ حكم الكفالة، وسمعوا من التقدّم بإنصافهم، والتهمّم بمواسطهم وأطرافهم، جملا عفّروا لها الجباه جودا بالجهد، وسجدوا للشّكر والحمد، فأدركوا من بركة المشاهد أثبت شرف وأبقاه، ورأوا حقيقة ما كادت الأوهام تزول عن مرقاه، وازدادوا يقينا بفضل ما صاروا إليه، ورأوا عيانا يمن ما بايعوا عليه، فتوافت طوائفهم المتبوعة، وجماهيرهم المجموعة، بدارا إلى المراضي الشّريفة، وبناء على وصايا عهد الخليفة، أن يجدّدوا البيعة لمجاهد الدّين، سيف أمير المؤمنين، تولّى الله عضده، ولابنه الواثق بالله المعتصم به أنهضه الله بإمرته بعده، ولم تعد أن تكون الزّيادة الطارئة شرطا في تقرير الإمرة «2» المؤدّاة وإثباتها، أو جارية مجرى السّنن الّتي يؤمر المصلّي بالإعادة عند فواتها، فأعادوا بيعته أداء للفريضة ورجاء للفضيلة، واستندوا إلى الإشارات الجليلة، بعد الاستخارات الطويلة، ورأوا أن يأخذوا بها عادة البيعات العبّاسية، واتّخاذ حكم الأصل طريق الإلحاقات القياسيّة، فبايعوا على تذكّر بيعة أكّدوها بالعهود المستحفظة، ووثّقوها بالأيمان المغلّظة، وبادروا بها نداء مناديهم، وأعطوا على الإصفاق بها صفقة أيديهم. ولمّا انتهى ذلك إلى الملإ من أهل فلانة وجهاتها، رأوا أن يحلف من سبق، ويصدقوا النّيّة مع من صدق، ويعقدوا ما عقدوا على ما صرّح به العهد الشريف ونطق، فحضر منهم العلماء والصّلحاء، والأجناد والوزراء والفقهاء، والكافّة على تباينهم في المراتب، وتفاوتهم في المناصب، واختلافهم في المواطن والمكاسب، فأمضوها بيعة كريمة المقاصد، سليمة المعاقد، عهدها محكم،

وعقدها مبرم، وموجبها طاعة وسمع، والتقيّد بها سنّة وشرع، ويعمرون بها أسرارهم، ويفنون عليها أعمارهم، ويدينون بها في عسر ويسر، وربح وخسر، وضيق ورفاهية، ومحبّة وكراهية، تبرعوا بذلك كلّه طوعا، واستوفوه فصلا فصلا ونوعا نوعا، وعاهدوا عليها الذي يعلم السّرّ وأخفى، وأضمروا منها على ما أبرّ على الظاهر وأوفى، وتقبّلوا من الوفاء به ما وصف الله به خليله إذ قال: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى «1» ، وأقسموا بالله الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم، وبما أخذه على أنبيائه الكرام من العهود المؤكّدة، والمواثيق المشدّدة، على أنهم إن حادوا عن هذه السبيل، وانقادوا لداعي التحريف والتّبديل، فهم برآء من حول الله وقوته إلى حولهم وقوّتهم، تاركون ذمّته الوافية لذمّتهم، والأيمان كلها لازمة لهم على مذهب إمام دار الهجرة، وطلاق كل امرأة في ملك كل واحد منهم لازم لهم ثلاثا، وأيّما امرأة تزوّجها في البلاد الفلانية فطلاقها لازم له، كلّما تزوّج واحد منهن واحدة خرجت طالقا ثلاثا، وعلى كلّ واحد منهم المشي إلى بيت الله الحرام على قدميه، محرما من منزله بحجّة كفّارة لا تجزيء عن حجّة الإسلام، وعبيدهم وأرقّاؤهم عتقاء لاحقون بأحرار المسلمين، وجميع أموالهم عينا وعرضا، حيوانا وأرضا، وسائر ما يحويه المتملّك كلّا وبعضا، صدقة لبيت مال المسلمين، حاشى عشرة دنانير. كلّ ذلك على أشدّ مذاهب الفتوى، وألزمها لكلمة التّقوى، وأبعدها من مخالفة الهوى والظاهر والفحوى، أرادوا بذلك رضا الخلافة الفلانية والفلانية (بلقبي السلطنة) للسلطان وولده المأخوذ لهما البيعة بعد بيعته، وأشهدوا الله على أنفسهم، وكفى بذلك اعتزاما والتزاما، وشدّا لما أمر به وإحكاما: وفَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ «2» وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً «3» . وهم يرفعون دعاءهم إلى الله تضرّعا واستسلاما، ويسألونه عصمة وكفاية افتتاحا

واختتاما، اللهم إنّا قد أنفذنا هذا العقد اقتداء واهتماما، وقضينا حقّه إكمالا وإتماما، وأسلمنا وجهنا إليك إسلاما، فعرّفنا من خيره وبركته نماء ودواما، واكلأنا بعينك حركة وسكونا ويقظة ومناما، وهَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً «1» إنك أنت الله منتهى الرّغبات، ومجيب الدّعوات، وإله الأرض والسّموات. وهذه نسخة بيعة مرتبة على موت خليفة، أنشأتها على هذه الطريقة لموافقتها رأي كتّاب الزمان في افتتاح عهود الملوك عن الخلفاء «بالحمد لله» كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى، وتعرّضت فيها إلى قيام سلطان بعقدها؛ لمطابقة ذلك لحال الزّمان وهي: الحمد لله الذي جعل الأمّة المحمدية أبذخ الأمم شرفا، وأكرمها نجارا وأفضلها سلفا، وجعل رتبة الخلافة أعلى الرّتب رتبة وأعزّها كنفا، وخصّ الشجرة الطيبة من قريش بأن جعل منهم الأئمة الخلفا، وآثر الأسرة العبّاسيّة منها بذلك، دعوة سبقت من ابن عمّهم المصطفى، وحفظ بهم نظامها على الدّوام فجعل ممن سلف منهم خلفا. نحمده على أن هيّأ من مقدّمات الرّشد ما طاب الزّمان به وصفا، وجدّد من رسوم الإمامة بخير إمام ما درس منها وعفا، وأقام للمسلمين إماما تأرّج الجوّ بنشره فأصبح الوجود بعرفه معترفا. ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص تمسّك بعهدها فوفى، وأعطاها صفقة يده للمبايعة فلا يبغي عنها مصرفا، وأنّ محمدا عبده ورسوله الذي تدارك الله به العالم بعد أن أشفى فشفى، ونسخت آية دينه

الأديان، وجلا «1» بشرعته المنيرة من ظلمة الجهل سدفا «2» ، وجعل مبايعه مبايعا لله يأخذه بالنّكث ويوفّيه أجره على الوفا، صلّى الله عليه وعلى آله الأطهار وعترته الشّرفا، ورضي الله عن أصحابه الذين ليس منهم من عاهد الله فغدر ولا وادّ في الله فجفا، خصوصا من جاء بالصّدق وصدّق به فكان له قرابة وصفوة الصّفا، والمرجوع إليه في البيعة يوم السّقيفة «3» بعد ما اشرأبّت نحوها نفوس كادت تذوب عليها أسفا، والقائم في قتال أهل الرّدّة من بني «4» حنيفة حتّى استقاموا على الحنيفيّة حنفا، ومن استحال دلو الخلافة في يده غربا فكان أفيد عبقريّ قام بأمرها فكفى، وعمّت فتوحه الأمصار وحملت إليه أموالها فلم يمسكها إقتارا ولم يبذّر فيها سرفا. ومن كان فضله لسهم الاختيار من بين أصحاب الشّورى هدفا، وجمع الناس في القرآن على صحيفة واحدة وكانت قبل ذلك صحفا، ومن سرى إليه سرّ: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى» فغدا يجرّ من ذيل الفخار سجفا، واستولى على المكارم من كلّ جانب فحاز أطرافها طرفا طرفا، وعلى سائر الخلفاء الراشدين بعدهم ممّن سلك سبيل الحق ولطريق الهدى اقتفى، صلاة ورضوانا يذهبان الداء العضال من وخامة الغدر ويجلبان الشّفا، ويرفعان قدر صاحبهما في الدنيا ويبوّئان منتحلهما من جنّات النعيم غرفا. أما بعد، فإنّ عقد الإمامة لمن يقوم بأمر الأمّة واجب بالإجماع، مستند

لأقوى دليل تنقطع دون نقضه الأطماع، وتنبو عن سماع ما يخالفه الأسماع، إذ العباد مجبولون على التباين والتغاير، مطبوعون على التحالف والتناصر، [مضطّرّون إلى التّعاون والتّجاور، مفتقرون إلى التعاضد والتّوازر «1» ] ، فلا بدّ من زعيم يمنعهم من التظالم، ويحملهم على التناصف في التداعي والتحاكم، ويقيم الحدود فتصان المحارم عن الانتهاك، وتحفظ الأنساب عن الاختلاط والاشتراك، ويحمي بيضة الإسلام فيمنع أن تطرق، ويصون الثّغور أن يتوصّل إليها أو يتطرّق، ليعزّ الإسلام دارا، ويطمئنّ المستخفي ليلا ويأمن السارب نهارا، ويذبّ عن الحرم فتحترم، ويذود عن المنكرات فلا تغشى بل تصطلم، ويجهّز الجيوش فتنكأ العدوّ، وتغير على بلاد الكفر فتمنعهم القرار والهدوّ، ويرغم أنف الفئة الباغية ويقمعها، ويدغم الطائفة المبتدعة ويردعها، ويأخذ أموال بيت المال بحقّها فيطاوع، ويصرفها إلى مستحقّها فلا ينازع، لا جرم اعتبر للقيام بها أكمل الشّروط وأتمّ الصّفات، وأكرم الشّيم وأحسن السّمات. وكان السيد الأعظم الإمام النبويّ، سليل الخلافة، ووليّ الإمامة، أبو فلان فلان العبّاسيّ المتوكّل على الله «مثلا» أمير المؤمنين، سلك الله تعالى به جدد آبائه الراشدين، هو الذي جمع شروطها فوفّاها، وأحاط منها بصفات الكمال واستوفاها، ورامت به أدنى مراتبها فبلغت إلى أغياها، وتسوّر معاليها فرقي إلى أعلاها، واتّحد بها فكان صورتها ومعناها- وكانت الإمامة قد تأيّمت ممن يقوم بأعبائها، وعزّت خطّابها لقلّة أكفائها، فلم تلف لها بعلا يكون لها قرينا، ولا كفئا تخطبه يكون لديها مكينا، إلّا الإمام الفلانيّ المشار إليه، فدعته لخطبتها، وهي بيت عرسه، وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ «2» فأجاب خطبتها، ولبّى دعوتها؛ لتحقّقه رغبتها إليه وعلمه بوجوب إجابتها عليه، إذ هو شبلها الناشيء بغابها، وغيثها المستمطر من سحابها، بل هو أسدها الهصور، وقطب فلكها الذي عليه تدور، ومعقلها الأمنع الحصين، وعقدها الأنفس

الثّمين، وفارسها الأروع وليثها الشّهير، وابن بجدتها الساقطة منه على الخبير، وتلادها العليم بأحوالها، والجدير بمعرفة أقوالها وأفعالها، وترجمانها المتكلّم بلسانها، وعالمها المتفنّن في أفنانها، وطبيبها العارف بطبّها، ومنجدها الكاشف لكربها. وحين بلغت من القصد سولها «1» ، ونالت بالإجابة منه مأمولها، وحرم على غيره أن يسومها لذلك تلويحا، أو يعرّج على خطبتها تعريضا وتصريحا، احتاجت إلى وليّ يوجب عقدها، وشهود تحفظ عهدها، فعندها قام السلطان الأعظم الملك الفلانيّ (بالألقاب السلطانية إلى آخرها) خلّد الله سلطانه، ونصر جنوده وجيوشه وأعوانه، فانتصب لها وليّا، وأقام يفكّر في أمرها مليّا، فلم يجد أحقّ بها منه فتجنّب عضلها، فلم تكن تصلح إلّا له ولم يكن يصلح إلّا لها، فجمع أهل الحلّ والعقد، المعتزين للاعتبار والعارفين بالنّقد، من القضاة والعلماء، وأهل الخير والصّلحاء، وأرباب الرأي والنّصحاء، فاستشارهم في ذلك فصوّبوه، ولم يروا العدول عنه إلى غيره بوجه من الوجوه، فاستخار الله تعالى وبايعه، فتبعه أهل الاختيار فبايعوا، وانقادوا لحكمه وطاوعوا، فقابل عقدها بالقبول بمحضر من القضاة والشّهود فلزمت، ومضى حكمها على الصحة وانبرمت. ولمّا تمّ عقدها، وطلع بصبح اليمن سعدها، التمس المقام الشريف السلطانيّ الملكيّ الفلانيّ المشار إليه أعلى الله شرف سلطانه ورفع محلّه، وقرن بالتوفيق في كلّ أمر عقده وحلّه، أن يناله عهدها الوفيّ، ويرد منها موردها الصّفيّ، ليرفع بذلك عن أهل الدّين حجبا، ويزداد من البيت النبويّ قربا، فتعرّض لنفحاتها من مقرّراتها، وتطلّب بركاتها من مظنّاتها، ورغب إلى أمير المؤمنين، وابن عم سيد المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين، أن يجدّد له بعهد السلطنة الشريفة

عقدا، ويأخذ له على أهل البيعة بذلك عهدا، ويستحلفهم على الوفاء لهما بما عاهدوا، والوقوف عند ما بايعوا عليه وعاقدوا، ليقترن السّعدان فيعمّ نوءهما، ويجتمع النّيّران فيبهر ضوءهما، فلبّاه تلبية راغب، وأجابه إجابة مطلوب وإن كان هو الطالب، وعهد إليه في كلّ ما تقتضيه أحكام إمامته في الأمة عموما وشيوعا، وفوّض له حكم الممالك الإسلاميّة جميعا، وجعل إليه أمر السلطنة المعظّمة بكلّ نطاق، وألقى إليه مقاليدها وصرّفه فيها على الإطلاق، وأقامه في الأمة لعهد الخلافة وصيّا، وجعله للإمامة بتفويض الأمر إليه وليّا، ونشر عليه لواء الملك وقلّده سيفه العضب، وألبسه الخلعة السّوداء فابيضّ من سوادها وجه الشرق والغرب، وكتب له بذلك عهدا كبت عدوّه، وزاد شرفه وضاعف سموّه، وطولب أهل البيعة بالتّوثيق على البيعتين بالأيمان فأذعنوا، واستحلفوا على الوفاء فبالغوا في الأيمان وأمعنوا، وأقسموا بالله جهد أيمانهم، بعد أن أشهدوا الله عليهم في إسرارهم وإعلانهم، وأعطوا المواثيق المغلّظة المشدّدة، وحلفوا بالأيمان المؤكّدة المعقّدة، على أنهم إن أعرضوا عن ذلك أو أدبروا، وبدّلوا فيه أو غيّروا، أو عرّجوا عن سبيله أو حادوا، أو نقصوا منه أو زادوا، فكلّ منهم بريء من حول الله وقوّته إلى حول نفسه وقوّته، وخارج من ذمّته الحصينة إلى ذمّته، وكلّ امرأة في نكاحه أو يتزوّجها في المستقبل فهي طالق ثلاثا بتاتا، وكلّما راجعها فهي طالق طلاقا لا يقتضي إقامة ولا ثباتا، وكلّ مملوك في ملكه أو يملكه في المستقبل حرّ لا حق بأحرار المسلمين، وكلّ ما ملكه أو يملكه من جماد وحيوان صدقة عليه للفقراء والمساكين، وعليه الحجّ إلى بيت الله الحرام، والوقوف بعرفة وسائر المشاعر العظام، محرما من دويرة أهله ماشيا، حاسرا عن رأسه وإن كان به أذى حافيا، يأتي بذلك في ثلاثين حجّة متتابعة على التمام، لا تجزئه واحدة منها عن حجّة الإسلام، وإهداء مائة بدنة «1» للبيت العتيق كلّ سنة

على الدّوام، وعليه صوم جميع الدّهر إلّا المنهيّ عنه من الأيّام، وأن يفكّ ألف رقبة مؤمنة من أسر الكفر في كلّ عام، يمين كلّ منهم في ذلك على نيّة أمير المؤمنين، وسلطان المسلمين، في سرّه وجهره وأوّله وآخره، لا نيّة للحالف في ذلك في باطن الأمر ولا في ظاهره، لا يورّي في ذلك ولا يستثني، ولا يتأوّل ولا يستفتي، ولا يسعى في نقضها، ولا يخالف فيها ولا في بعضها، متى جنح إلى شيء من ذلك كان آثما، وما تقدّم من تعقيد الأيمان له لازما، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، ولا يجزئه عن ذلك كفّارة أصلا، كلّ ذلك على أشدّ المذاهب بالتخصيص، وأبعدها عن التساهل والتّرخيص. وأمضوها بيعة ميمونة، باليمن مبتدأة بالنّجح مقرونة، وأشهدوا عليهم بذلك من حضر مجلس العقد من الأئمة الأعلام، والشّهود والحكّام، وجعلوا الله تعالى على ما يقولون وكيلا، فاستحقّ عليهم الوفاء بقوله عزّت قدرته: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا «1» . وهم يرغبون إلى الله تعالى أن يضاعف لهم بحسن نيّتهم الأجور، ويلجأون إليه أن يجعل أئمتهم ممّن أشار تعالى إليه بقوله: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ «2» . إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة بيعة مرتّبة على خلع خليفة، أنشأتها على هذه الطريقة أيضا، وتعرّضت فيها لذكر السلطان القائم بها، على ما تقدّم في البيعة المرتّبة على موت خليفة، وهي:

الحمد لله الذي جعل بيت الخلافة مثابة للناس وأمنا، وأقام سور الإمامة وقاية للأنام وحصنا، وشدّ لها بالعصابة القرشيّة أزرا وشاد منها بالعصبة العبّاسيّة ركنا، وأغاث الخلق بإمام هدى حسن سيرة وصفا سريرة فراق صورة ورق معنى، وجمع قلوبهم عليه فلم يستنكف عن الانقياد إليه أعلى ولا أدنى، ونزع جلبابها عمّن شغل بغيرها فلم يعرها نظرا ولم يصغ لها أذنا، وصرف وجهها عمّن أساء فيها تصرّفا فلم يرفع بها رأسا ولم يعمر لها مغنى. نحمده على نعم حلت للنفوس حين حلّت، ومنن جلت الخطوب حين جلّت، ومسارّ سرت إلى القلوب فسرّت، ومبارّ أقرّت العيون فقرّت، وعوارف أمّت الخليقة فتوالت وما ولّت، وقدم صدق ثبتت إن شاء الله في الخلافة فما تزلزلت ولا زلّت. ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تكون لنا من درك الشّكوك كالئة، ولمهاوي الشّبه دارئة، وللمقاصد الجميلة حاوية، ولشقّة الزّيغ والارتياب طاوية، وأنّ محمدا عبده ورسوله الذي نصح الأمّة إذ بلّغ فشفى عليلها، وأوردها من مناهل الرّشد ما أطفأ وهجها وبرّد غليلها، وأوضح لهم مناهج الحقّ ودعاهم إليها، وأبان لهم سبل الهداية: فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها «1» صلّى الله عليه وعلى آله أئمة الخير وخير الأئمّة، ورضي عن أصحابه أولياء العدل وعدول الأمّة، صلاة ورضوانا يعمّان سائرهم، ويشملان أوّلهم وآخرهم، سيّما الصديق الفائز بأعلى الرّتبتين صدقا وتصديقا، والحائز قصب السبق في الفضيلتين علما وتحقيقا، ومن عدل الأنصار إليه عن سعد بن عبادة بعد ما أجمعوا على تقديمه، وبادر المهاجرون إلى بيعته اعترافا بتفضيله وتكريمه، والفاروق الشديد في الله بأسا واللّيّن في الله جانبا، والموفي للخلافة حقّا والمؤدّي للإمامة واجبا، والقائم في نصرة الدّين حقّ القيام حتّى عمّت فتوحه الأمصار مشارق ومغاربا، وأطاعته العناصر الأربعة؛ إذ

كان لله طائعا ومن الله خائفا وإلى الله راغبا، وذي النّورين المعوّل عليه من بين سائر أصحاب الشّورى تنويها بقدره، والمخصوص بالاختيار تفخيما لأمره، من حصر في بيته فلم يمنعه ذلك عن تلاوة كتاب الله وذكره، وشاهد سيوف قاتليه عيانا فقابل فتكاتها بجميل صبره، وأبي الحسن الذي أعرض عن الخلافة حين سئلها، واستعفى منها بعد ما اضطّرّ إليها وقبلها، وكشف له عن حقيقة الدنيا فما أمّ قبلتها بقلبه ولا ولّى وجهه قبلها، وصرّح بمقاطعتها بقوله: «يا صفراء غرّي غيري، يا بيضاء غرّي غيري» لمّا وصلها من وصلها، وسائر الخلفاء الراشدين بعدهم، الناهجين نهجهم والواردين وردهم. أما بعد، فإنّ للإمامة شروطا يجب اعتبارها في الإمام، ولوازم لا يغتفر فواتها في الابتداء ولا في الدّوام، وأوصافا يتعيّن إعمالها، وآدابا لا يسع إهمالها، من أهمّها العدالة الّتي ملاكها التّقوى، وأساسها مراقبة الله تعالى في السّرّ والنّجوى، وبها تقع الهيبة لصاحبها فيجلّ، وتميل النّفوس إليها فلا تمل، فهي الملكة الداعية إلى ترك الكبائر واجتنابها، والزاجرة عن الإصرار على الصّغائر وارتكابها، والباعثة على مخالفة النفس ونهيها عن الشّهوات، والصارفة عن انتهاك حرمات الله الّتي هي أعظم الحرمات، والموجبة للتعفّف عن المحارم، والحاملة على تجنّب الظّلامات وردّ المظالم، والشّجاعة الّتي بها حماية البيضة والذّب عنها، والاستظهار بالغزو على نكاية الطائفة الكافرة والغضّ منها، والقوّة بالشوكة على تنفيذ الأوامر وإمضائها، وإقامة الحدود واستيفائها، ونشر كلمة الحق وإعلائها، ودحض كلمة الباطل وإخفائها، وقطع مادّة الفساد وحسم أدوائها، والرأي المؤدّي إلى السياسة وحسن التدبير، والمغني في كثير من الأماكن عن مزيد الجدّ والتشمير، والمعين في خدّع الحرب ومكايده، والمسعف في مصادر كلّ أمر وموارده. هذا وقد جعلنا الله أمّة وسطا، ووعظنا بمن سلف من الأمم ممن تمرّد وعتا أو تجبّر وسطا، وعصم أمّتنا أن تجتمع على الضّلال، وصان جمعنا عن الخطل في الفعال والمقال، وندبنا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسوّغ

لأئمّتنا الاجتهاد في النّوازل والأحكام فاجتهادهم لا ينكر، خصوصا في شأن الإمامة الّتي هي آكد أسباب المعالم الدينيّة وأقواها، وأرفع المناصب الدّنيويّة وأعلاها، وأعزّ الرّتب رتبة وأغلاها، وأحقّها بالنظر في أمرها وأولاها. وكان القائم بأمر المسلمين الآن فلان بن فلان الفلانيّ ممّن حاد عن الصّراط المستقيم، وسلك غير النّهج القويم، ومال عن سنن الخلفاء الراشدين فأدركه الزّلل، وقارف المآثم فعاد بالخلل، فعاث في الأرض فسادا، وخالف الرّشد عنادا، ومال إلى الغيّ اعتمادا، وأسلم إلى الهوى قيادا، قد انتقل عن طور الخلافة، وعزيز الإنافة، إلى طور العامّة فاتّصف بصفاتهم، واتّسم بسماتهم، فمنكر يجب عليه إنكاره قد باشره، وصديق سوء يتعيّن عليه إبعاده قد وازره وظاهره، إن سلك فسبيل التّهمة والارتياب، أو قصد أمرا نحا فيه غير الصّواب، منهمك على شهواته، منعكف على لذّاته، متشاغل عن أمر الأمّة بأمر بنيه وبناته، الجبن رأس ماله، وعدم الرأي قرينه في أفعاله وأقواله، قد قنع من الخلافة باسمها، ورضي من الإمامة بوسمها، وظنّ أنّ السّودد في لبس السّواد فمال إلى الحيف، وتوهّم أنّ القاطع الغمد فقطع النظر عن السّيف. ولمّا اطّلع الناس منه على هذه المنكرات، وعرفوه بهذه السّمات، وتحقّقوا فيه هذه الوصمات، رغبوا في استبداله، وأجمعوا على خلعه وزواله، فلجأوا إلى السلطان الأعظم الملك الفلاني (بالألقاب السلطانية إلى آخرها) نصر الله جنوده، وأسمى جدوده، وأرهف على عداة الله حدوده، ففوّضوا أمرهم في ذلك إليه، وألقوا كلّهم عليه، فجمع أهل الحلّ والعقد منهم، ومن تصدر إليهم الأمور وترد عنهم، فاستخاروا الله تعالى وخلعوه من ولايته، وخرجوا عن بيعته، وانسلخوا عن طاعته، وجرّدوه من خلافته، تجريد السّيف من القراب، وطووا حكم إمامته، كطيّ السّجلّ للكتاب. وعندما تمّ هذا الخلع، وانطوى حكمه على البتّ والقطع، التمس الناس إماما يقوم بأمور الإمامة فيوفيها، ويجمع شروطها ويستوفيها، فلم يجدوا لها أهلا، ولا بها أحقّ وأولى، وأوفى بها وأملى، من السيّد الأعظم الإمام النبوي سليل الخلافة، ووليّ الإمامة أبي

فلان فلان العباسيّ الطائع لله «مثلا» أمير المؤمنين، لا زال شرفه باذخا، وعرنينه الشريف شامخا، وعهد ولايته لعهد كلّ ولاية ناسخا، فساموه بيعتها فلبّى، وشاموا برقه لولايتها فأجاب وما تأبّى، علما منه بأنها تعينّت عليه، وانحصرت فيه فلم تجد أعلى منه فتعدل إليه، إذ هو ابن بجدتها «1» ، وفارس نجدتها، ومزيل غمّتها، وكاشف كربتها، ومجلي غياهبها، ومحمد عواقبها، وموضّح مذاهبها، وحاكمها المكين، بل رشيدها الأمين، فنهض المقام «2» الشريف السلطانيّ الملكيّ الفلانيّ المشار إليه، قرن الله مقاصده الشريفة بالنّجاح، وأعماله الصالحة بالفلاح، وبدر إلى بيعته فبايع، وأتمّ به من حضر من أهل الحلّ والعقد فتابع، وقابل عقدها بالقبول فمضى، ولزم حكمها وانقضى، واتّصل ذلك بسائر الرعيّة فانقادوا، وعلموا صوابه فمشوا على سننه وما حادوا، وشاع خبر ذلك في الأمصار وطارت به مخلّقات البشائر إلى سائر الأقطار، فتعرّفوا منه اليمن فسارعوا إلى امتثاله، وتحقّقوا صحّته وثباته بعد اضطرابه واعتلاله، واستعاذوا من نقص يصيبه بعد تمامه لهذا الخليفة وكماله، فعندها أبانت الخلافة العبّاسية عن طيب عنصرها، وجميل وفائها وكريم مظهرها، وجادت بجزيل الامتنان، وتلا لسان كرمها الوفيّ على وليّها الصادق: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ «3» فجدّد له بالسّلطنة الشريفة عهدا، وطوّق جيده بتفويضها إليه عقدا، وجعله وصيّه في الدّين، ووليّه في أمر المسلمين، وقلّده أمر الممالك الإسلامية وألقى إليه مقاليدها، وملّكه أزمّتها وحقّق له مواعيدها، وعقد له لواءها ونشر عليه أعلامها، وصرّفه فيها على الإطلاق وفوّض إليه أحكامها، وألبسه الخلعة السّوداء فكانت لسؤدده شعارا، وأسبغ عليه رداءها

فكان له دثارا، وكتب له العهد فسقى المعاهد صوب العهاد، ولهج الأنام بذكره فاطمأنّت العباد والبلاد، وعندما تمّ هذا الفصل، وتقرّر هذا الأصل، وأمست الرّعايا بما آتاهم الله من فضله فرحين، وبنعمته مستبشرين، طولب أهل البيعة بما يحملهم على الوفاء، ويمنع بيعتهم من التكدّر بعد الصّفاء، من توثيق عقدها بمؤكّد أيمانها، والإقامة على الطاعة لخليفتها وسلطانها، فبادروا إلى ذلك مسرعين، وإلى داعيه مهطعين، وبالغوا في المواثيق وأكّدوها، وشدّدوا في الأيمان وعقّدوها، وأقسموا بالله الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشّهادة، عالم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور في البدء والإعادة، على الوفاء لهما والموالاة، والنّصح والمصافاة، والموافقة والمشايعة، والطاعة والمتابعة، يوالون من والاهما، ويعادون من عاداهما، لا يقعدون عن مناصرتهما عند إلمام ملمّة، ولا يرقبون في عدوّهما إلّا ولا ذمّة، جارين في ذلك على سنن الدّوام والاستمرار، والثّبوت واللّزوم والاستقرار، على أنّ من بدّل منهم من ذلك شرطا أو عفّى له رسما، أو حاد عن طريقه أو غيّر له حكما، أو سلك في ذلك غير سبيل الأمانة، أو استحلّ الغدر وأظهر الخيانة، معلنا أو مسرّا في كلّه أو بعضه، متأوّلا أو محتالا لإبطاله أو نقضه، فقد بريء من حول الله المتين وقوّته الواقية، وركنه الشديد وذمّته الوافية، إلى حول نفسه وقوّته، وركنه وذمّته. وكلّ امرأة في عصمته الآن أو يتزوّجها مدّة حياته طالق ثلاثا بصريح لفظ لا يتوقّف على نيّة، ولا يفرق فيه بين سنّة ولا بدعة ولا رجعة فيه ولا مثنويّة، وكلّ مملوك في ملكه أو يملكه في بقيّة عمره من ذكر أو أنثى حرّ من أحرار المسلمين، وكلّ ما هو على ملكه أو يملكه في بقيّة عمره إلى آخر أيّامه من عين أو عرض صدقة للفقراء والمساكين، وعليه الحجّ إلى بيت الله الحرام ثلاثين حجّة بثلاثين عمرة راجلا حافيا حاسرا، لا يقبل الله منه غير الوفاء بها باطنا ولا ظاهرا، وإهداء مائة بدنة «1» في كل حجّة

المذهب الرابع (مما يكتب في بيعات الخلفاء أن يفتتح البيعة بلفظ: هذه بيعة،

منها في عسرته ويسرته، لا تجزئه واحدة منها عن حجّة الإسلام وعمرته، وصوم الدهر خلا المنهيّ عنه من أيّام السّنة، وصلاة ألف ركعة في كل ليلة لا يباح له دون أدائها غمض ولا سنة، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، ولا يؤجر على شيء من ذلك قولا ولا فعلا، متى ورّى في ذلك أو استثنى، أو تأوّل أو استفتى، كان الحنث عليه عائدا، وله إلى دار البوار قائدا، معتمدا في ذلك أشدّ المذاهب في سرّه وعلانيته، على نيّة المستحلف له دون نيّته، وأمضوها بيعة محكمة المباني ثابتة القواعد، كريمة المساعي جميلة المقاصد، طيّبة الجنى جليلة العوائد، قاطعة البراهين ظاهرة الشّواهد، وأشهدوا على أنفسهم بذلك من حضر مجلس هذا العقد من قضاة الإسلام وعلمائه، وأئمة الدّين وفقهائه، بعد أن أشهدوا الله عليهم وكفى بالله شهيدا، وكفى به للخائنين خصيما: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً «1» . والله تعالى يجعل انتقالهم من أدنى إلى أعلى، ومن يسرى إلى يمنى، ويحقّق لهم بمن استخلفه عليهم وعده الصادق بقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً «2» . إن شاء الله تعالى. المذهب الرابع (مما يكتب في بيعات الخلفاء أن يفتتح البيعة بلفظ: هذه بيعة، ويصفها ويذكر ما يناسب، ثم يعزّي بالخليفة الميّت، ويهنّيء بالخليفة المستقرّ، ويذكر في حقّ كلّ منهما ما يليق به من الوصف على نحو مما تقدّم) وهذه نسخة بيعة أنشأها المقرّ الشّهابيّ «3» بن فضل الله، على ما رأيته في «الجواهر الملتقطة» المجموعة من كلامه، للإمام الحاكم «4» بأمر الله «أبي

القاسم» «1» «أحمد بن أبي الرّبيع سليمان المستكفي «2» بالله ابن الإمام الحاكم «3» بأمر الله، بعد موت أبيه. وذكر القاضي تقيّ الدين «4» بن ناظر الجيش في «دستوره» أنه إنما عملها

تجربة «1» لخاطره، وهي مرتّبة على موت خليفة. ونصها بعد البسملة الشريفة: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً «2» . هذه بيعة رضوان وبيعة إحسان، وبيعة رضا تشهدها الجماعة ويشهد عليها الرحمن، بيعة يلزم طائرها العنق، وتحوم بشائرها على الأفق، وتحمل أنباءها البراريّ والبحار مشحونة الطّرق، بيعة تصلح لنسبها الأمّة، وتمنح بسببها النّعمة، وتؤلّف بها الأسباب وتجعل بينهم مودّة ورحمة، بيعة تجري بها الرّفاق، وتتزاحم زمر الكواكب على حوض المجرّة للوفاق، بيعة سعيدة ميمونة، بيعة شريفة بها السلامة في الدّين والدنيا مضمونة، بيعة صحيحة شرعيّة، بيعة ملحوظة مرعيّة، بيعة تسابق إليها كلّ نيّة وتطاوع كلّ طويّة، وتجمع عليها أشتات البريّة، بيعة يستهلّ بها الغمام، ويتهلّل البدر التّمام، بيعة متّفق على الإجماع عليها، والاجتماع لبسط الأيدي إليها، انعقد عليها الإجماع، وانعقدت صحّتها بمن سمع لله وأطاع، وبذل في تمامها كلّ امريء ما استطاع، وحصل عليها اتّفاق الأبصار والأسماع، ووصل بها الحقّ إلى مستحقّه وأقرّ الخصم وانقطع النّزاع، وتضمّنها كتاب كريم يشهده المقرّبون، ويتلقّاه الأئمة الأقربون. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ «3» : ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ «4» . وإلينا ولله الحمد وإلى بني

العبّاس. أجمع على هذه البيعة أرباب العقد والحلّ، وأصحاب الكلام فيما قلّ وجلّ، وولاة الأمور والأحكام، وأرباب المناصب والحكّام، وحملة العلم والأعلام، وحماة السّيوف والأقلام، وأكابر بني عبد مناف، ومن انخفض قدره وأناف، وسراوات قريش ووجوه بني «1» هاشم والبقيّة الطاهرة من بني العباس، وخاصّة الأئمة وعامّة الناس، بيعة ترسى «2» بالحرمين خيامها، وتخفق على المأزمين أعلامها، وتتعرّف عرفات ببركاتها وتعرف بمنى أيّامها، ويؤمّن عليها يوم الحجّ الأكبر، وتؤمّ ما بين الرّكن والمقام والمنبر، ولا يبتغى بها إلّا وجه الله الكريم، وفضله العميم، لم يبق صاحب سنجق» ولا علم، ولا ضارب بسيف ولا كاتب بقلم، ولا ربّ حكم ولا قضاء، ولا من يرجع إليه في اتفاق ولا إمضاء، ولا إمام مسجد ولا خطيب، ولا ذو فتيا يسأل فيجيب، ولا من بين جنبتي المساجد ولا من تضمّهم أجنحة المحاريب، ولا من يجتهد في رأي فيخطيء أو يصيب، ولا متحدّث بحديث، ولا متكلّم بقديم وحديث، ولا معروف بدين وصلاح، ولا فرسان حرب وكفاح، ولا راشق بسهام ولا طاعن برماح، ولا ضارب بصفاح، ولا ساع على قدم ولا طائر بغير جناح، ولا مخالط للناس ولا قاعد في عزلة، ولا جمع كثرة ولا قلّة، ولا من يستقلّ بالحوزاء لواؤه، ولا يقلّ فوق الفرقد ثواؤه، ولا باد ولا حاضر، ولا مقيم ولا سائر، ولا أوّل ولا آخر، ولا مسرّ في باطن ولا معلن في ظاهر، ولا عرب ولا عجم، ولا راعي إبل ولا غنم، ولا صاحب أناة ولا إبدار، ولا ساكن في حضر وبادية بدار، ولا صاحب عمد ولا جدار، ولا ملجّج في البحار الزاخرة والبراريّ القفار، ولا من يتوقّل صهوات الخيل، ولا من يسبل على العجاجة الذيل، ولا من تطلع عليه شمس النهار ونجوم الليل، ولا من تظلّه السماء وتقلّه الأرض، ولا من تدلّ عليه

الأسماء على اختلافها وترتفع درجات بعضهم على بعض، حتّى آمن بهذه البيعة وأمّن عليها، ومنّ الله عليه وهداه إليها، وأقرّ بها وصدّق، وغضّ لها بصره خاشعا وأطرق، ومدّ إليها يده بالمبايعة، ومعتقده بالمتابعة، رضي بها وارتضاها، وأجاز حكمها على نفسه وأمضاها، ودخل تحت طاعتها وعمل بمقتضاها: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «1» . والحمد لله الذي نصب الحاكم ليحكم بين عباده وهو أحكم الحاكمين، والحمد لله الذي أخذ حقّ آل بيت نبيّه من أيدي الظالمين، والحمد لله ربّ العالمين، ثم الحمد لله ربّ العالمين، ثم الحمد لله ربّ العالمين، والحمد لله رب العالمين. وإنه لمّا استأثر الله بعبده سليمان أبي الرّبيع الإمام المستكفي بالله أمير المؤمنين- كرّم الله مثواه- وعوّضه عن دار السّلام بدار السّلام، ونقله فزكّى بدنه عن شهادة السّلام بشهادة الإسلام، حيث آثره ربّه بقربه، ومهّد لجنبه وأقدمه على ما أقدمه من يرجوه لعمله وكسبه، وخار له في جواره رقيقا، وجعل له على صالح سلفه طريقا، وأنزله مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً «2» . الله أكبر ليومه لولا مخلّفه كادت تضيق الأرض بما رحبت، وتجزى كلّ نفس بما كسبت، وتنبيء كلّ سريرة بما أدّخرت وما خبّت، لقد اضطرم سعير، إلّا أنّه في الجوانح، لقد اضطرب منبر وسرير، لولا خلفه الصالح، لقد اضطرب مأمور وأمير، لولا الفكر بعده في عاقبة المصالح، لقد غاضت البحار، لقد غابت الأنوار، لقد غالب البدور ما يلحق الأهلّة من المحاق ويدرك البدر من السّرار، نسفت الجبال نسفا، وخبت مصابيح النّجوم وكادت تطفى: وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا

صَفًّا «1» لقد جمعت الدنيا أطرافها وأزمعت على المسير، وجمعت الأمّة لهول المصير، وزاغت يوم موته الأبصار: إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ «2» . وبقيت الألباب حيارى، ووقفت تارة تصدّق وتارة تتمارى، لا تعرف قرارا، ولا على الأرض استقرارا: إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى «3» . ولم يكن في النّسب العباسيّ ولا في جميع من في الوجود، لا في البيت المسترشديّ ولا في غيره من بيوت الخلفاء من بقايا آباء لهم وجدود، ولا من تلده أخرى الليالي وهي عاقر غير ولود، من تسلّم إليه أمّة محمد صلّى الله عليه وسلّم عقد نيّاتها، وسرّ طويّاتها، إلّا واحد وأين ذلك الواحد؟ هو والله من انحصر فيه استحقاق ميراث آبائه الأطهار، وتراث أجداده ولا شيء هو إلّا ما اشتمل عليه رداء الليل والنّهار، وهو ابن المنتقل إلى ربّه، وولد الإمام الذاهب لصلبه، المجمع على أنه في الأنام، فرد الأيّام، وواحد وهكذا في الوجود الإمام، وأنه الحائز لما زرّرت عليه جيوب المشارق والمغارب، والفائز بملك ما بين الشارق والغارب، الراقي في صفيح السماء هذه الذّروة المنيفة، الباقي بعد الأئمة الماضين رضي الله عنهم ونعم الخليفة، المجتمع فيه شروط الإمامة، المتّضع لله وهو من بيت لا يزال الملك فيهم إلى يوم القيامة، الذي تصفّح السّحاب نائله، والذي لا يغرّه عاذره ولا يغيّره عاذله، والذي (طويل) . تعوّد بسط الكفّ حتّى لو انّه ... ثناها لقبض لم تطعه أنامله والذي (طويل) . لا هو في الدّنيا مضيع نصيبه ... ولا ورق الدّنيا عن الدّين شاغله

والذي ما ارتقى صهوة المنبر بحضرة سلطان زمانه إلّا قال ناصره وقام قائمه، ولا قعد على سرير الخلافة إلّا وعرف بأنّه ما خاب مستكفيه ولا غاب حاكمه، نائب الله في أرضه، والقائم بمقام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وخليفته وابن عمّه، وتابع عمله الصالح ووارث علمه، سيدنا ومولانا عبد الله ووليّه «أحمد أبو العبّاس» الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين، أيّد الله تعالى ببقائه الدّين، وطوّق بسيفه [رقاب] الملحدين، وكبت تحت لوائه المعتدين، وكتب له النصر إلى يوم الدين، وكفّ بجهاده طوائف المفسدين، وأعاذ به الأرض ممّن لا يدين بدين، وأعاد بعدله أيام آبائه الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، وعليه كانوا يعملون، ونصر أنصاره، وقدّر اقتداره، وأسكن في قلوب الرعيّة سكينته ووقاره، ومكّن له في الوجود وجمع له أقطاره. ولمّا انتقل إلى الله ذلك السيد ولحق بدار الحقّ أسلافه، ونقل إلى سرير الجنة عن سرير الخلافة، وخلا العصر من إمام يمسك ما بقي من نهاره، وخليفة يغالب مربدّ الليل بأنواره، ووارث بني بمثله ومثل أبيه استغنى الوجود بعد ابن عمه خاتم الأنبياء صلّى الله عليه وآله وسلّم عن نبيّ مقتف على آثاره، ونسي ولم يعهد فلم يبق إذ لم يوجد النصّ إلّا الإجماع، وعليه كانت الخلافة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بلا نزاع، اقتضت المصلحة الجامعة عقد مجلس كلّ طرف به معقود، وعقد بيعة عليها الله والملائكة شهود، وجمع الناس له ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ «1» . فحضر من لم يعبأ بعده بمن تخلّف، ولم يربأ «2» معه وقد مدّ يده طائعا بمن مدّها وقد تكلّف، واجتمعوا على رأي واحد واستخاروا الله تعالى فيه فخار، وناهيك بذلك من مختار، وأخذت يمين تمدّ إليها الأيمان، ويشدّ بها الإيمان، وتعطى عليها المواثيق، وتعرض أمانتها على كلّ فريق، حتّى تقلّد كلّ

من حضر في عنقه هذه الأمانة، وحطّ يده على المصحف الكريم وحلف بالله العظيم وأتمّ أيمانه، ولم يقطع ولم يستثن ولم يتردّد، ومن قطع من غير قصد أعاد وجدّد، وقد نوى كلّ من حلف أنّ النية في يمينه نيّة من عقدت هذه البيعة له ونية من حلف له، وتذمّم بالوفاء في ذمّته وتكفّله، على عادة أيمان البيعة بشروطها وأحكامها المردّدة، وأقسامها المؤكّدة، بأن يبذل لهذا الإمام المفترضة طاعته الطاعة، ولا يفارق الجمهور ولا يظهر عن الجماعة انجماعه، وغير ذلك مما تضمّنته نسخ الأيمان المكتتب فيها أسماء من حلف عليها مما هو مكتوب بخطوط من يكتب منهم، وخطوط العدول الثّقات عمّن لم يكتب وأذنوا لمن يكتب عنهم، حسب ما يشهد به بعضهم على بعض، ويتصادق عليه أهل السماء والأرض، بيعة تمّ بمشيئة الله تمامها، وعمّ بالصّوب الغدق غمامها، وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ «1» . ووهب لنا الحسن، ثم الحمد لله الكافي عبده، الوافي وعده، المّوافي لمن يضاعف على كل موهبة حمده، ثم الحمد لله على نعم يرغب أمير المؤمنين في ازديادها، ويرهب إلّا أن يقاتل أعداء الله بأمدادها، ويرأب بها ما آثر فيما أثر مماليكه (؟) ما بان من مباينة أضدادها. نحمده والحمد لله، ثم الحمد لله كلمة لا نمل من تردادها، ولا نبخل بما يفوّق السّهام من سدادها، ولا نظلّ إلّا على ما يوجب كثرة أعدادها، وتيسير إقرار على أورادها، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة يتقايس دم الشهداء ومدّ مدادها، وتتنافس طرر الشّباب وغرر السّحاب على استمدادها، وتتجانس رقومها المدبّجة وما تلبسه الدولة العباسيّة من شعارها، والليالي من دثارها، والأعداء من حدادها، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم وعلى جماعة آله من سفل من أبنائها ومن سلف من أجدادها، ورضي الله عن الصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد، فإنّ أمير المؤمنين لما أكسبه الله تعالى من ميراث النّبوّة ما كان لجدّه، ووهبه من الملك السليمانيّ عن أبيه ما لا ينبغي لأحد من بعده، وعلّمه منطق الطير بما تتحمّله حمائم البطائق من بدائع البيان، وسخّر له من البريد على متون الخيل ما سخّر من الرّيح لسليمان، وآتاه من خاتم الأنبياء ما أمدّه به أبوه سليمان وتصرّف، وأعطاه من الفخار ما أطاعه به كلّ مخلوق ولم يتخلّف، وجعل له من لباس بني العبّاس ما يقضي له سواده بسؤدد الأجداد، وينفض على كحل الهدب ما فضل عن سويداء القلب وسواد البصر من السّواد، ويمدّ ظلّه على الأرض فكلّ مكان حلّه دار ملك وكلّ مدينة بغداد، وهو في ليله السّجّاد، وفي نهاره العسكريّ وفي كرمه جعفر الجواد- يديم الابتهال إلى الله تعالى في توفيقه، والابتهاج بما يغصّ كلّ عدوّ بريقه، ويبدأ يوم هذه المبايعة بما هو الأهمّ من مصالح الإسلام، وصالح الأعمال مما يتحلّى به الإمام، ويقدّم التقوى أمامه، ويقرن عليها أحكامه، ويتّبع الشرع الشريف ويقف عنده ويوقف الناس، ومن لا يحمل أمره طائعا على العين حمله بالسّيف غصبا على الرّاس، ويعجّل أمير المؤمنين بما يشفي به النّفوس، ويزيل به كيد الشيطان إنه يؤوس، ويأخذ بقلوب الرّعايا وهو غنيّ عن هذا ولكن يسوس، وأمير المؤمنين يشهد الله وخليفته عليه أنه أقرّ كلّ امريء من ولاة الأمور الإسلاميّة على حاله، واستمرّ به في مقيله تحت كنف ظلاله، على اختلاف طبقات ولاة الأمور، وتفرّقهم في الممالك والثّغور، برّا وبحرا، سهلا ووعرا، وشرقا وغربا، وبعدا وقربا، وكلّ جليل وحقير، وقليل وكثير، وصغير وكبير، وملك ومملوك وأمير، وجنديّ يبرق له سيف شهير، ورمح طرير «1» ، ومن مع هؤلاء من وزراء وقضاة وكتّاب، ومن له يد تبقى في إنشاء وتحقيق حساب، ومن يتحدث في بريد وخراج، ومن يحتاج إليه ومن لا يحتاج، ومن في الدّورس والمدارس والرّبط والزّوايا والخوانق، ومن له أعظم التعلّقات وأدنى العلائق، وسائر أرباب المراتب،

وأصحاب الرّواتب، ومن له في مال الله رزق مقسوم، وحقّ مجهول أو معلوم، واستمرار كلّ أمر على ما هو عليه، حتّى يستخير الله ويتبيّن له ما بين يديه، فما زاد تأهيله، زاد تفضيله، وإلّا فأمير المؤمنين لا يريد سوى وجه الله، ولا يحابي أحدا في دين، ولا يحامي [عن] أحد في حقّ، فإن المحاماة في الحقّ مداجاة على المسلمين، وكلّ ما هو مستمرّ إلى الآن، مستقرّ على حكم الله مما فهّمه الله له وفهّمه سليمان، لا يغير أمير المؤمنين في ذلك ولا في بعضه، معتبر مستمرّ بما شكر الله على نعمه وهكذا يجازى من شكر، ولا يكدّر على أحد موردا نزّه الله به نعمه الصافية عن الكدر، ولا يتأوّل في ذلك متأوّل ولا من فجر النعمة أو كفر، ولا يتعلّل متعلّل فإنّ أمير المؤمنين يعوذ بالله ويعيذ أيّامه من الغير، وأمر أمير المؤمنين- أعلى الله أمره- أن يعلن الخطباء بذكره وذكر سلطان زمانه على المنابر في الآفاق، وأن تضرب باسمهما النّقود المتعامل بها على الإطلاق، ويبتهج بالدعاء لهما عطف الليل والنهار، ويصرّح منه بما يشرق به وجه الدّرهم والدّينار، وتباهي به المنابر ودور الضرب، هاتيك ترفع اسمهما على أسرّة مهودها، وهذه على أسارير نقودها، وهذه تقام بسببها الصّلاة، وتلك تدام بها الصّلات، وكلاهما تستمال به القلوب، ولا يلام على ما تعيه الآذان وتوعيه الجيوب، وما منهما إلّا من تحدّق بجواره الأحداق، وتميل إليه الأعناق، وتبلغ به المقاصد، ويقوى بهما المعاضد، وكلاهما أمره مطاع، من غير نزاع، وإذا لمعت أزمّة الخطب طار للذّهب شعاع، ولولاهما ما اجتمع جمع ولا انضمّ، ولا عرف الأنام بمن تأتمّ، فالخطب والذهب معناهما واحد، وبهما يذكر الله قيماء «1» المساجد، ولولا الأعمال، ما بذلت الأموال، ولولا الأموال، ما ولّيت الأعمال، ولأجل ما بينهما من هذه النّسبة، قيل إنّ الملك له السّكّة والخطبة، وقد أسمع أمير المؤمنين في هذا الجمع المشهود ما يتناقله كلّ خطيب، ويتداوله

كلّ بعيد وقريب، وإنّ الله أمر بأوامر ونهى عن نواه وهو رقيب، وتستفزع الأولياء لها السّجايا، وتتضرّع الخطباء فيها بنعوت الوصايا، وتكمّل بها المزايا، ويتكلّم بها الواعظ ويخرج من المشايخ الخبايا من الزّوايا، وتسمر بها السّمّار ويترنّم الحادي والملّاح، ويروق شجوها في الليل المقمر ويرقم على جنب الصّباح، وتعطّر بها مكة بطحاءها وتحيا بحديثها قباه، ويلقّنها كلّ أب فهم ابنه ويسأل كلّ ابن أن يجيب أباه، وهو لكم أيّها الناس من أمير المؤمنين رشد وعليكم بيّنة، وإليكم ما دعاكم به إلى سبيل ربّه من الحكمة والموعظة الحسنة، ولأمير المؤمنين عليكم الطاعة ولولا قيام الرّعايا بها ما قبل الله أعمالها، ولا أمسك بها البحر ودحا الأرض وأرسى جبالها، ولا اتفقت الآراء على من يستحقّ وجاءت إليه الخلافة تجرّ أذيالها، وأخذها دون بني أبيه ولم تكن تصلح إلّا له ولم يكن يصلح إلّا لها، وقد كفاكم أمير المؤمنين السّؤال بما فتح لكم من أبواب الأرزاق، وأسباب الارتفاق، وأحسن لكم على وفاقكم وعلّمكم مكارم الأخلاق، وأجراكم على عوائدكم ولم يمسك خشية الإملاق، ولم يبق على أمير المؤمنين إلّا أن يسير فيكم بكتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ويعمل بما ينتفع به من يجيء- أطال الله بقاء أمير المؤمنين- من بعده، ويزيد على كل من تقدّم، ويقيم فروض الحج والجهاد، وينيم الرعايا بعدله الشامل في مهاد، وأمير المؤمنين يقيم على عباده موسم الحجّ في كل عام، ويشمل سكّان الحرمين الشريفين وسدنة «1» بيت الله الحرام، ويجهّز السبيل على عادته ويرجو أن يعود إلى حاله الأوّل في سالف الأيّام، ويتدفّق في هذين المسجدين بحره الزاخر ويرسل إلى ثالثهما البيت المقدّس ساكب الغمام، ويقوم بقومة قبور الأنبياء- صلوات الله عليهم- أين كانوا وأكثرهم في الشام، والجمع والجماعات هي فيكم على قديم سننها، وقويم سننها، وستزيد في أيّام أمير المؤمنين بمن انضمّ إليه، وبما يتسلّمه من بلاد الكفّار ويسلم على يديه.

وأمّا الجهاد، فيكتفي باجتهاد القائم عن أمير المؤمنين بأموره، المقلّد عنه جميع ما وراء سريره، وأمير المؤمنين قد وكل إليه- خلّد الله سلطانه- عناء الأيّام، وقلّده سيفه الراعب بوارقه ليسلّه واجده على الأعداء [وإلّا] سلّ خباله عليهم في الأحلام، ويؤكّد أمير المؤمنين في ارتجاع ما غلب عليه العدا، وانتزاع [ما بأ] يديهم من بلاد الإسلام فإنّه حقّه وإن طال عليه المدى، وقد قدّم الوصية بأن يوالي غزو العدوّ المخذول برّا وبحرا، ولا يكفّ عمّن يظفر به منهم قتلا وأسرا، ولا يفكّ أغلالا ولا إصرا «1» ، ولا ينفكّ يرسل عليهم في البحر غربانا، وفي البرّ من الخيل عقبانا، يحمل فيهما كلّ فارس صقرا، ويحمي الممالك ممن يحوز أطرافها بإقدام، ويتخوّل أكنافها الأقدام، وينظر في مصالح القلاع والحصون والثّغور، وما يحتاج إليه من آلات القتال، وما تجتاح به الأعداء ويعجز عنه المحتال، وأمّهات الممالك الّتي هي مرابط البنود «2» ، ومرابض الأسود، والجناح الممدود، ويتفقّد أحوالهم بالعرض، بما لهم من خيل تعقد [بالعجاج] «3» ما بين السماء والأرض، وما لهم من زرد مصون، وبيض مسّها ذائب ذهب فكانت كأنّها بيض مكنون، وسيوف قواضب، ورماح لكثرة طعنها من الدّماء خواضب، وسهام تواصل القسيّ «4» وتفارقها فتحنّ حنين مفارق وتزمجر القوس زمجرة مغاضب. وهذه جملة أراد أمير المؤمنين بها تطييب قلوبكم، وإطالة ذيل التطويل على مطلوبكم، وماؤكم وأموالكم وأعراضكم في حماية إلّا ما أباح الشرع

المقصد السادس (فيما يكتب في آخر البيعة)

المطهّر، ومزيد الإحسان إليكم على مقدار ما يخفى منكم ويظهر. وأما جزئيّات الأمور، فقد علمتم بأنّ فيمن تقلّد عن أمير المؤمنين غنى عن مثل هذه الذّكرى، وفتى حقّ لا يشغل بطلب شيء فكرا، وفي ولاة الأمور، ورعاة الجمهور، ومن هو سداد عمله، ومداد أمله، ومراد من هو منكم معشر الرعايا من قبله، وأنتم على تفاوت مقاديركم وديعة أمير المؤمنين ومن خوّلكم وأنتم وهم فيما منكم إلّا من استعرف أمير المؤمنين وتمشى في مراضي الله على خلقه، وينظر ما هو عليه ويسير بسيرته المثلى في طاعة الله في خلقه، وكلّكم سواء في الحق عند أمير المؤمنين وله عليكم أداء النّصحية، وإبداء الطاعة بسريرة صحيحة، وقد دخل كلّ منكم في كنف أمير المؤمنين وتحت رأفته، ولزم حكم بيعته، وألزم طائرة في عنقه، ويستعمل كلّ منكم في الوفاء ما أصبح به عليما: وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً «1» . هذا قول أمير المؤمنين، وعلى هذا عهد إليه وبه يعهد، وما سوى هذا فهو فجور لا يشهد به عليه ولا يشهد، وهو يعمل في ذلك كلّه ما تحمد عاقبته من الأعمال، ويحمل منه ما يصلح به الحال والمآل، وأمير المؤمنين يستغفر الله على كل حال، ويستعيذ بالله من الإهمال، ويختم أمير المؤمنين قوله بما أمر الله به من العدل والإحسان، ويحمد الله وهو من الخلق «أحمد» وقد آتاه الله ملك سليمان، والله تعالى يمتّع أمير المؤمنين بما وهبه، ويملّكه أقطار الأرض ويورثه بعد العمر الطويل عقبه، ولا يزال على أسرّة العلياء قعوده، ولباس الخلافة به أبّهة الجلالة كأنّه ما مات منصوره ولا ردى مهديّه ولا ذهب رشيده. المقصد السادس (فيما يكتب في آخر البيعة) إذا انتهى إلى آخر البيعة، شرع في كتابة الخواتم على ما تقدّم، فيكتب:

المقصد السابع (في قطع الورق الذي تكتب فيه البيعة، والقلم الذي تكتب به، وكيفية كتابتها، وصورة وضعها)

«إن شاء الله تعالى» ثم يكتب التاريخ. ثم الذي يقتضيه قياس العهود أنه يكتب المستند عن الخليفة فيكتب «بالإذن العالي المولويّ الإماميّ النبويّ المتوكّليّ- مثلا- أعلاه الله تعالى» وكأنّ الخليفة الذي عقدت له البيعة هو الذي أذن في كتابتها. قلت: ولو أسقط المستند في البيعات فلا حرج بخلاف العهود؛ لأنها صادرة عن مولّ وهو العاهد، فحسن إضافة المستند إليه، بخلاف البيعة فإنها إنما تصدر عن أهل الحلّ والعقد كما تقدّم. ويكتفى في المستند عنهم بكتابة خطوطهم في آخر البيعة كما سيأتي، ثم بعد كتابة المستند- إن كتب- تكتب الحمدلة والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والحسبلة، على ما تقدّم في الكلام على الفواتح والخواتم في مقدّمة الكتاب. ثم يكتب من بايع من أهل الحلّ والعقد والشهود على البيعة. فأما من تولّى عقد البيعة من أهل الحلّ والعقد فيكتب: «بايعته على ذلك، وكتب فلان بن فلان» ويدعو في خلال ذلك قبل اسمه بما يناسب، مثل أن يقال «بايعته على ذلك قدّس الله خلافته» أو «زاد الله في شرفه» أو «زاد الله في اعتلائه» وما أشبه ذلك. وأما الشهود على البيعة فالواجب أن يكتب كلّ منهم: «حضرت جريان عقد البيعة المذكورة، وكتب فلان بن فلان» كما يكتب الشاهد بجريان عقد النكاح ونحوه، ولا بأس أن يدعو في رسم شهادته قبل كتابة اسمه بما يناسب، مثل «قرنها الله تعالى باليمن أو بالسداد» أو «عرّف الله المسلمين بركتها» وما أشبه ذلك. المقصد السابع (في قطع الورق الذي تكتب فيه البيعة، والقلم الذي تكتب به، وكيفيّة كتابتها، وصورة وضعها) واعلم أنّ البيعات لم تكن متداولة الاستعمال لقلّة وقوعها، فلم يكن لها

قطع ورق، ولا تصوير متعارف فيتبع، ولكنه يؤخذ فيها بالقياس وعموم الألفاظ. فأمّا قطع ورقها، فقد تقدّم في الكلام على مقادير قطع الورق نقلا عن محمد بن عمر المدائنيّ «1» في كتاب «القلم والدّواة» أنّ قطع البغداديّ الكامل للخلفاء والملوك، ومقتضى ذلك أنّ البيعات تكتب فيه، وهو قياس ما ذكره المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في «التعريف» من أنّ للعهود قطع البغداديّ الكامل على ما سيأتي ذكره. قلت: لكن سيأتي في الكلام على عهود الخلفاء أنها الآن قد صارت تكتب في قطع الشامي الكامل، وبينهما في العرض والطّول بون كبير على ما تقدّم بيانه في الكلام على قطع الورق، وحينئذ فينبغي أن تكون كتابة البيعات في قطع الشاميّ مناسبة لما تكتب فيه عهود الخلفاء الآن. وأمّا القلم الذي يكتب به فبحسب الورق الذي يكتب فيه؛ فإن كتبت البيعة في قطع البغداديّ، كانت الكتابة بقلم مختصر الطّومار «2» إذ هو المناسب له، وإن كتبت في قطع الشاميّ، كانت الكتابة بقلم الثلث الثقيل إذ هو المناسب له. وأما كيفيّة الكتابة وصورة وضعها، فقياس ما هو متداول في كتابة العهود وغيرها، أنه يبتدأ بكتابة الطّرّة في أوّل الدّرج بالقلم الذي تكتب به البيعة سطورا متلاصقة لا خلوّ بينها، ممتدة في عرض الدّرج من أوّله إلى آخره من غير

هامش. ثم إن كانت الكتابة في قطع البغداديّ الكامل، جرى فيه على القاعدة المتداولة في عهود الملوك عن الخلفاء على ما سيأتي ذكره، ويترك بعد الوصل الذي فيه الطّرّة ستة أوصال بياضا من غير كتابة، لتصير بوصل الطرّة سبعة أوصال، ثم يكتب البسملة في أوّل الوصل الثامن بحيث تكون أعالي ألفاته تكاد تلحق الوصل الذي فوقه بهامش عريض عن يمينه قدر أربعة أصابع أو خمسة مطبوقة، ثم يكتب تحت البسملة سطرا من أوّل البيعة ملاصقا لها، ثم يخلّي مكان بيت العلامة قدر شبر جريا على قاعدة العهود وإن لم تكن علامة تكتب، كما يخلّى بيت العلامة في بعض المكاتبات ولا يكتب فيه شيء، ثم يكتب السطر الثاني تحت بيت العلامة على سمت السطر الذي تحت البسملة في بقيّة الوصل الذي فيه البسملة، ويحرص أن تكون نهاية السجعة الأولى في أثناء السطر الأوّل أو الثاني، ثم يسترسل في كتابة بقيّة البيعة ويجعل بين كل سطرين قدر ربع ذراع القماش كما سيأتي في العهود، ويستصحب ذلك إلى آخر البيعة، فإذا انتهى إلى آخرها كتب «إن شاء الله تعالى» ثم التاريخ، ثم المستند، ثم الحمدلة والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ والحسبلة، على ما تقدّم بيانه في الفواتح والخواتم في مقدّمة الكتاب، ثم يكتب من بايع من أهل الحلّ والعقد خطوطهم، ثم الشهود على البيعة بعدهم. وإن كانت الكتابة في القطع الشاميّ، فينبغي أن ينقص عدد أوصال البياض الذي بين الطرة والبسملة وصلين فتكون خمسة، وينقص الهامش فيكون قدر ثلاثة أصابع على ما يقتضيه قانون الكتابة. وهذه صورة وضعه في الورق ممثّلا لها بالطّرّة الّتي أنشأتها لذلك، والبيعة الثانية من البيعتين اللتين أنشأتهما. بياض بأعلى الدرج بقدر إصبع هذه بيعة ميمونة، باليمن مبتدأة بالسعد مقرونة، لمولانا السيد الجليل الإمام

النبويّ المتوكل «1» على الله أبي عبد الله محمد أمير المؤمنين، ابن الإمام المعتضد «2» بالله أبي الفتح أبي بكر العبّاسي، زاد الله تعالى شرفه علوّا، وفخاره سموّا. قام بعقدها السلطان السيد الأعظم، والشاهنشاه «3» المعظّم، الملك الظاهر أبو سعيد «4» برقوق، خلّد الله تعالى سلطانه، ونصر جيوشه وأعوانه، بمجمع من أهل الحلّ والعقد، والاعتبار والنقد، من القضاة والعلماء والأمراء، ووجوه الناس والوزراء والصّلحاء والنّصحاء، وإمضائها على السّداد، والنّجح والرشاد. على ما شرح فيه. بياض ستة أوصال بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل بيت الخلافة مثابة وأمنا؟؟؟ وأقام

بيت العلامة تقدير شبر هامش سور الإمامة وقاية للأنام وحصنا، وشدّ منها بالعصابة تقدير ربع ذراع القرشيّة أزرا وشاد منها بالعصبة العبّاسيّة ركنا، وأغاث تقدير ربع ذراع الخلق بإمام هدى حسن سيرة وصفا سريرة فراق صورة ورق معنى. ثم يأتي على الكلام إلى آخر البيعة على هذا النّمط إلى أن ينتهي إلى قوله: والله تعالى يجعل انتقالهم من أدنى إلى أعلى ومن يسرى إلى يمنى، ويحقّق لهم بمن استخلفه عليهم وعده الصادق بقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً «1» . إن شاء الله تعالى كتب في الثاني من جمادى الأولى مثلا سنة إحدى وتسعين وسبعمائة بالإذن العالي المولويّ الإماميّ النبويّ المتوكليّ مثلا أعلاه الله تعالى الحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل

النوع الثاني (من البيعات، بيعات الملوك)

بايعته على ذلك/ بايعته على ذلك/ بايعته على ذلك قدّس الله تعالى خلافته/ زاد الله تعالى في شرفه/ زاد الله تعالى في اعتلائه وكتب/ وكتب/ وكتب فلان بن فلان/ فلان بن فلان/ فلان بن فلان حضرت/ حضرت/ حضرت جريان عقد/ جريان عقد/ جريان عقد البيعة المذكورة/ البيعة المذكورة/ البيعة المذكورة قرنها الله تعالى/ قرنها الله تعالى/ عرّف الله المسلمين باليمن والبركة/ بالسّداد/ بركتها وكتب/ وكتب/ وكتب فلان بن فلان/ فلان بن فلان/ فلان بن فلان النوع الثاني (من البيعات، بيعات الملوك) واعلم أنّ المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله قد ذكر في «التعريف» «1» أنّ من قام من الملوك بغير عهد ممن قبله لم تجر العادة بأن تكتب لهم مبايعة، وكأنّه يريد اصطلاح بلاد المشرق والديار المصرية، أما بلاد المغرب فقد جرت عادة مصطلحهم بكتابة البيعات لملوكهم، وذلك أنه ليس عندهم خليفة يدينون له، يتقلّدون الملك بالعهد منه، بل جلّهم أو كلّهم يدّعي الخلافة فهم يكتبون البيعات لهذا المعنى.

وهذه نسخة بيعة من هذا النوع، كتب بها للسلطان أبي «1» عبد الله محمد ابن السلطان أبي الحجّاج بن نصر بن الأحمر الأنصاريّ، صاحب حمراء غرناطة من الأندلس، مفتتحة بخطبة على قاعدتهم في بيعات الخلفاء على ما تقدّم ذكره، وربما تكرّر الحمد فيها دلالة على عظم النعمة، من إنشاء الوزير أبي عبد الله محمد بن الخطيب «2» صاحب ديوان إنشائه، على ما رأيته في ديوان ترسّله، وهي «3» : الحمد لله الذي جلّ شانا، وعزّ سلطانا، وأقام على ربوبيّته الواجبة في كلّ شيء خلقه برهانا، الواجب الوجود ضرورة إذ كان وجود ما سواه إمكانا، الحيّ القيّوم حياة أبديّة سرمديّة منزّهة عن الابتداء والانتهاء [فلا تعرف وقتا ولا

تستدعي زمانا، العليم الذي يعلم السّرّ وأخفى «1» ] فلا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء إلّا أحاط بها علما وأدركها عيانا، القدير الذي ألقت الموجودات كلّها إلى عظمته يد الخضوع استسلاما «2» له وإذعانا، المريد الذي بمشيئته «3» تصريف الأقدار، واختلاف الليل والنّهار، فإن منع منع عدلا وإن منح منح إحسانا، شهد تداول الملوك» بدوام ملكه، ودلّ حدوث ما سواه على قدمه، وأثنت ألسنة الحيّ والجماد على مواهبه وقسمه، وفاض على عوالم السماء والأرض بحر جوده العميم النّوال من قبل السؤال «5» وكرمه، وإن «6» من شيء إلّا يسبّح بحمده ويثني على نعمه سرّا وإعلانا «7» ، فهو الله الذي لا إله إلّا هو، ليس في الوجود إلّا فعله، ألا له الخلق والأمر وإليه يرجع الأمر كلّه، وسع الأكوان على تباينها فضله، وقدّر المواهب والمقاسم عدله، منعا ومنحا وزيادة ونقصانا. والحمد لله الذي بيده الاختراع والإنشاء، مالك الملك «8» يؤتي الملك من يشاء وينزع «9» الملك ممّن يشاء، سبق في مكنون غيبه القضاء، وخفيت عن خلقه الأسباب وعميت عليهم الأنباء، وعجزت عقولهم أن تدرك «10» منها كنها أو تكشف منها بيانا. والحمد لله الذي رفع قبّة السماء ما اتّخذ لها عمادا، وجعل الأرض فراشا

ومهادا، وخلق الجبال الراسية أوتادا، ورتّب أوضاعها أجناسا متفاضلة، وأنواعا متباينة متقابلة، فحيوانا ونباتا وجمادا، وأقام «1» فيها على حكمة الإبداع دلائل باهرة الشّعاع وأشهادا، وجعل الليل والنهار خلفة «2» والشمس والقمر حسبانا، وقدّر السياسة سياجا لعالم الإنسان يضمّ منه ما انتشر «3» ، ويطوي من تعدّيه ما نشر، ويحمله «4» على الآداب الّتي ترشده إذا ضلّ وتقيمه إذا عثر، وتجبره على أن يلتزم السّنن ويتّبع الأثر، لطفا منه شمل البشر وحنانا. ولما عمر الأرض بهذا الجنس الذي فضّله وشرّفه، ووهب له العقل الذي تفكّر «5» به في حكمته حتّى عرفه، وبما يجب لربوبيّته الواجبة وصفه، جعلهم درجات بعضها فوق بعض فقرا وغنى وطاعة وعصيانا، واختار منهم سفرة الوحي وحملة الآيات، وأرسل فيهم الرّسل بالمعجزات «6» ، وعرّفهم بما كلّفهم من الأعمال المفترضات: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى «7» . يوم اعتبار «8» الأعمال واعتبار الحسنات، ونصب العدل والمجازاة في يوم العرض عليه قسطاسا وميزانا. نحمده وله الحمد في الأولى والآخرة، ونثني على مواهبه الجمّة وآلائه الوافرة، ونمدّ يد الضّراعة، في موقف الرّجاء والطّماعة «9» ، إلى المزيد من مننه

الهامية الهامرة، ونسأله دوام ألطافه الخافية وعصمه «1» الظاهرة، واتّصال نعمه الّتي لا نزال «2» نتعرّفها مثنى ووحدانا، ونشهد أنّه الله الذي لا إله إلّا هو وحده لا شريك له. [شهادة نجدها في المعاد عدّة واقية، ووسيلة للأعمال الصالحة إليه راقية، وذخيرة صالحة باقية، ونورا يسعى بين أيدينا ويكون على الرضا والقبول فينا عنوانا] «3» . ونشهد أنّ سيدنا ومولانا محمدا النبيّ العربيّ القرشيّ الهاشميّ عبده ورسوله الذي اصطفاه واختاره، ورفع بين النبيين والمرسلين مقداره، وطهّر قلبه وقدّس أسراره، وبلّغه من رضاه اختياره، وأعطاه لواء الشفاعة يقفو آدم ومن بعده من الأنبياء الكرام آثاره، وجعله أقرب الرّسل مكانة وأرفعهم مكانا. رسول الرحمة، ونور الظّلمة، وإمام الرسل الأئمّة، الذي جمع له بين مزيّة السّبق ومزية التّتمّة، وجعل طاعته من العذاب المقيم أمانا، صاحب الشّفاعة الّتي تؤمّل، والوسيلة الّتي إلى الله بها يتوسّل، والدرجة الّتي لم يؤتها الملك المقرّب ولا النبيّ المرسل، والرتبة الّتي لم يعطها الله سواه إنسانا. انتخبه من أشرف العرب أمّا وأبا، وأزكى البريّة طينة وأرفعها نسبا، وابتعثه إلى كافّة الخلق عجما وعربا، وملأ بنور دعوته البسيطة جنوبا وشمالا ومشرقا ومغربا، وأنزل عليه كتابه الذي آمنت به الجنّ لمّا سمعته، وقالوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً «4» ، تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكلّ شيء وتبيانا، فصدع صلّى الله عليه وسلّم بأمر من اختار ذاته الطاهرة واصطفاها، وأدّى أمانة الله ووفّاها، ورأى الخلائق على شفى المتالف فتلافاها، وتتبّع أدواء الضّلال فشفاها، ومحا معالم الجهل وعفّاها، وشاد للخلق «5» في الحقّ بنيانا، مؤيّدا بالمعجزات الّتي حجحها تقبل وتسلّم،

فمن جذع لفراقه يتألّم، وجماد بصدق «1» نبوّته يتكلّم، وجيش شكا الظّمأ «2» ففجّر لديه المعين منه بنانا. وأيّ معجزة ككتاب الله الذي لا تنقضي عجائبه، فهو اليمّ والعلوم النافعة كلّها مذانبه، وأفق الحق الذي تهدي في ظلمات البرّ والبحر كواكبه، والحجّة البالغة الّتي أصبحت بين الحق والباطل فرقانا، فأشرقت الأرض بنور ربّها وآياته، وتمّت كلمة الله صدقا وعدلا، لا مبدّل لكلماته، وبلغ ملك أمّته ما زوي له من أقطار المعمور وجهاته، حتّى عمر من أكناف البسيطة، وأرياف البحار المحيطة، وهادا وكثبانا، ونقلت كنوز كسرى بعزّ دعوته الغالبة، وظفرت بفلج «3» الخصام أيدي عزائمها المطالبة، وأصبح إيوان فارس مجرّ رماح العرب العاربة، وقذفت قيصر من ذوابلها «4» بالشّهب الثاقبة، حتّى فرّ عن مدرته الطيبة آئبا بالصّفقة الخائبة، وخلصت إلى فسطاط مصر بكتائبها المتعاقبة، فلا تسمع الآذان في إقامتهم «5» إلّا إقامة وأذانا. ولا دليل أظهر من هذا القطر الأندلسيّ الغريب الذي خلّصت «6» إليه سيوفها أثباج البحار، على بعد المراحل ونزوح الدّيار، وتكاثف العمالات واختلاف الأمصار، ومنقطع العمارة بأقصى الشّمال ومحطّ السّفّار، طلعت عليه كلمة الله طلوع النهار، واستوطنته قبائل العرب الأحرار، وأرغمت فيه «7» أنوف الكفّار، ضرابا في سبيل الله وطعانا. ولمّا استقام الدّين، وتمّم معالم الإيمان الرسول الأمين، وظهر الحقّ المبين، وراق من وجه الملّة الحنيفيّة السّمحة الجبين، وأخذ المسالك والمآخذ

الإفصاح والتبيين، وتقرّرت المستندات المعتمدات سنّة وقرآنا، أشعره «1» الوحي بالرحلة عن هذه الدار، والانتقال إلى محلّ الكرامة ودار القرار، وخيّره «2» الملك فاختار الرّفيق الأعلى موفّقا إلى كرم «3» الاختيار، [و] وجد صحبه رضي الله عنهم، في الاستخلاف بعده والإيثار، حججا مشرقة الأنوار، أطلقت بالحقّ يدا وأنطقت بالصّدق لسانا، صلّى الله عليه وعلى آله وصحابته، وأسرته الطاهرة وعصابته، وأنصاره «4» وأصهاره وقرابته، الذين» كانوا في معاضدته إخوانا، وعلى إعلاء إمرة الحقّ أعوانا، نجوم الملّة وأقمارها، وغيوثها الهامية وبحارها، وسيوف الله الّتي لا تنبو شفارها، وأعلام الهدى الّتي لا تبلي آثارها، ودعائم الدّين الّتي رفعت «6» منه على البرّ والتقوى أركانا. وحيّا الله وجوه حيّ الأنصار بالنعيم «7» والنّضرة، أولي البأس عند الحفيظة والعفو عند القدرة، والراضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير ويذهبوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنعمت المنقبة والأثرة، الحائزون ببيعة الرّضوان فضلا من الله ورضوانا. ووزراؤه وظهراؤه في كل أمر، وخالصته «8» يوم أحد وبدر، لم يزالوا صدرا في كلّ قلب وقلبا في كلّ صدر «9» يصلون دونه كلّ جمر، ويفدونه بنفوسهم في كلّ سرّ وجهر، ويعملون في إعلاء دينه بيضا عضابا وسمرا لدانا، صلاة لا تزال سحائبها ثرّة، وتحية دائمة مستمرّة، ما لهجت الألسن بثنائهم،

ووقفت المفاخر على عليائهم، وتعلّمت المواهب من آلائهم، وقصرت المحامد على مسمّياتهم وأسمائهم، وكان حبّهم «1» على الفوز بالجنة ضمانا. ونسألك اللهم لهذا الأمر النّصريّ «2» الذي سببه بسببهم موصول، وهم لفروعه السامية أصول، فيالها من نصول خلّفتها نصول، أنجزت وعد النصر وهو ممطول، وأحيت ربوع الإيمان وهي طلول، نصرا عزيزا وفتحا مبينا، وتأييدا على أعدائك وتمكينا، وملكا يبقى في الأعقاب وأعقاب الأعقاب وسلطانا. وأعنّا اللهمّ على ما أوجبت «3» له من مفروض الطاعة، وتأدية الحقّ بجهد الاستطاعة، واعصمنا بإيالته العادلة من الإضاعة، واحملنا من مرضاته على سنن السّنّة والجماعة، واجعلها كلمة باقية [في عقبة «4» ] إلى قيام الساعة وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا «5» . أما بعدما افتتح به من تحميد الله وتمجيده، والثناء الذي تتعطّر الأندية بترديده، فإنّ من المشهور الذي يعضّده الوجود ويؤيّده، والمعلوم الذي هو كالشمس ضلّ من ينكره أو يجحده، والذائع بكلّ قطر ترويه رواة الأنباء وتسنده، ما عليه هذا الملك النّصريّ الحمى، الأنصاريّ المنتمى، الذي يصيب شاكلة الحقّ إذا رمى، ويعمّ العباد والبلاد غيثه مهما همى، من أصالة الأعراق، وكرم الأخلاق، والفضل الباهر الإشراق، والجهاد الذي هو سمر الرّكب «6» وحديث الرّفاق، وإنّ قومه الملوك الكرام إن فوخروا بنسب ذكروا سعد بن عبادة ومجده، أو كوثروا «7» بعدد غلبوا بالله وحده، أو استنصروا فرّجوا كلّ شدّة، واستظهروا

من [عزّهم] «1» الموهوب، وصبرهم على الخطوب، بكلّ عدد وعدّة، دارهم الثغر الأقصى ونعمت الدّار! وشعارهم «لا غالب إلّا الله ونعم الشعار! زهّاد إذا ذكر الدّين، أسود إذا حميت الميادين، جبال إذا زحفت الصّفوف، بدور إذا أظلمت الزّحوف، غيوث إذا منع المعروف، أفراد إذا ذكرت الألوف، إن بويعوا فالملائكة وفود [وحملة العلم] «2» وحملة السّلاح شهود، وإن ولدوا فالسّيوف تمائم والسّروج مهود، وإن أصحروا للعدوّ فالظّلال بنود، وجنود السبع الطّباق «3» جنود، وإن أظلم الليل أسهروا جفونهم في حياطة المسلمين والجفون رقود. وإنّ هذا القطر الذي انتهى سيل «4» الفتح الأوّل إلى ناحيته «5» ، وأحيلت قداح الفوز بالدّعوة الحنيفيّة على الأقطار «6» فأخذ الإسلام بناصيته، كان من فتحه الأوّل ما قد علم، حسب ما سطّر ورسم، وإنّ موسى بن نصير وفتاه، حلّ من فرضة مجازه محلّ موسى وفتاه، وحلّ الإسلام منه دار قرار، وخطّة خليقة «7» بارتياد واختيار، وبلدا «8» لا يحصى خيره، ولا يفضله بشيء من المزيّة ما عدا الحرمين غيره، وامتدّت الأيّام حتّى تأنّس العدوّ لروعته، وخفّ عليه ما كان من صرعته، وقدح فأورى، وأعضل داؤه واستشرى «9» ، وصارت الصّغرى الّتي كانت الكبرى، فلولا أنّ الله عمد «10» الدّين منهم بالعمدة الوثيقة، حماة الحقيقة،

وأئمة الخليقة، وسلالة مفتتحي اليمامة ومفتتحي «1» الحديقة، لأجهز النصل، واجثثّ من الدّين الفرع «2» والأصل، لكنّهم انتدبوا إلى إمساك الدّين بها انتدابا، ووصلوا للإسلام أسبابا، وتناولها منهم صقر قبيل الخزرج، ذو الحسام المضرّج، والثناء المؤرّج، أبو عبد الله الغالب «3» بالله محمد بن يوسف بن نصر، أمير المسلمين، المنتدب لإقامة سنّة سيد المرسلين، قدوة الملوك المجاهدين، نضّر الله وجهه وتقبّل جهاده، وشكر دفاعه عن حوزة الإسلام [وجلاده فأقشعت الظّلمة، وتماسكت الأمّة، وكفّ العدوّ وأقصر، ورأى الإسلام بمن استنصر، واستبصر في الطاعة «4» ] من استبصر، وهبّت «5» بنصر الله العزائم، وكثرت على العدوّ الهزائم، وتوارثوا ملكها ولدا عن أب، مستندين إلى عدل وبذل وبسالة وجلالة وحسب، تتّضح في أفق الجلال نجوم سيرهم هادية للسائرين، وتفرق من سطواتهم في الله أسود «6» العرين، إلى أن قام بالأمر وسطى سلكهم، وبركة ملكهم، الخليفة «7» الواجب الطاعة بالحق على الخلق، الشهير الجلالة والبسالة في الغرب والشّرق، أمير المسلمين بواجب الحق، ساحب «8» أذيال العفاف والطّهارة، السعيد الإيالة والإمارة، البعيد الغارة، من ذعر العدوّ لبأس «9» حسامه، وذخر الفتح الهنيّ «10» لأيّامه، صدر الملوك

المجاهدين، وكبير الخلفاء العادلين، البعيد المدى في حماية الدّين، السعيد الشهيد، أبو الوليد، ابن المولى الهمام الأوحد، الرفيع الممجّد، الطاهر الظاهر الأعلى، الرئيس الكبير الجليل المقدّس الأرضى، «أبي سعيد» بن أبي» الوليد، بن نصر، فأحيا رحمه الله معالم الكتاب والسنّة، وجلّى بنور «2» عدله غياهب الدّجنّة، وأعزّ الإسلام وحماه، ورمى ثغرة الكفر فأصماه، قدّس الله روحه الطيّب، وسقى لحده من الرحمة الغمام الصيّب، وأورث الملك الجهاديّ من ولده خير ملك قبّلت منه كفّ، واستدار به موكب للجهاد ملتفّ، وشمخ بخدمته أنف، وسما إلى مشاهدته طرف، وتأرّج من ذكره عرف، وجرى «3» إلى بابه حرف، مولانا «4» الملك الهمام، الخليفة الإمام، من أشرق بنور إيالته الإسلام، وتشرّفت بوجوده الليالي والأيّام، بدر الملك وشمسه، وسرّ الزمان الذي قصر عن يومه أمسه، الذي اشتهر عدله، وبهر فضله، وظهرت عليه عناية ربّه، وكان الخضوع «5» له في سلمه وحربه، مولانا أمير المسلمين، وقدوة الملوك المجاهدين والأئمّة العارفين «6» ، السعيد، الشهيد، الطاهر، الظاهر، الأوحد الهمام، الخليفة الإمام، (أبو الحجّاج) رفع الله درجته في أوليائه، وحشره مع الذين أنعم [الله] «7» عليهم من أنبيائه وشهدائه، فوضحت المسالك وبانت، وأشرقت المعاهد وازدانت، وشمل الصّنع الإلهيّ، واللّطف الخفيّ، أقطار هذه الأمة حيث كانت. ولما اختار الله له ما عنده، وبلغ الأمد «8» الذي

قدّره سبحانه لحياته وحدّه، وقبضه «1» إليه مستغفرا لذنبه، مطمئنا في الحالة الّتي أقرب ما يكون العبد فيها من ربّه، كأنما تأهّب للشهادة [فاختار] مكانها «2» وزمانها، وطهّر بالصوم نفسه الّتي كرّم الله شانها، وطيّب روحها «3» وريحانها، فوقعت «4» آراء أرباب الشّورى الّتي تصحّ الإمامة باتّفاقها، وتنعقد بعقد ميثاقها، من أعلام العلم بقاعدة [ملكه] غرناطة حرسها الله تعالى الّتي غيرها لها تبع، وحماة الإسلام الذين في آرائهم للدين والدنيا منتفع، وخلصان «5» الثّقات، ووجوه الطّبقات، على مبايعة وارث ملكه بحقّه، الحائز في ميدان الكمال وإحراز ما للإمامة من الشروط والخلال خصل سبقه، كبير ولده، وسابق أمده، ووارث ملكه، ووسطى سلكه، وعماد فسطاطه، وبدر الهالة من بساطه، مولانا قمر العلياء، ودرّة الخلفاء، وفرع الشجرة [الشّمّاء] الّتي أصلها ثابت وفرعها في السماء، الذي ظهرت عليه مخايل الملك ناشئا ووليدا، واستشعرت الأقطار به وهو في المهد أمانا وتمهيدا، واستشرف «6» الدّين الحنيف فأتلع جيدا، واستأنف شبابا جديدا، ناصر الحقّ، وغياث الخلق، الذي تميّز بالسكينة والوقار، والحياء المنسدل الأستار، والبسالة المرهوبة الشّفار، والجود المنسكب الأمطار، والعدل المشرق الأنوار، وجمع الله فيه شروط الملك والاختيار «7» ، مولانا، وعمدة ديننا ودنيانا، السلطان الفاضل، والإمام العادل، والهمام الباسل، الكريم الشمائل، شمس الملك وبدره، وعين الزمان وصدره، أمير المسلمين، وقرّة أعين «8» المؤمنين، أبو عبد الله، وصل الله

أسباب سعده، كما حلّى أجياد المنابر بالدّعاء لمجده، وجعل جنود السماء من جنده، ونصره بنصره العزيز فما النّصر إلّا من عنده، ورأوا أن قد ظفرت بالعروة «1» الوثقى أيديهم، وأمن في ظلّ الله رائحهم وغاديهم، ودلّت على حسن الخواتم مباديهم، فتبادروا وانثالوا، وتبختروا في ملابس الأمن واختالوا، وهبّوا إلى بيعته تطير «2» بهم أجنحة السّرور، ويعلن انطلاق وجوههم بانشراح الصّدور، واجتمع منهم طوائف الخاصّة والجمهور، ما بين الشريف والمشروف، والرّؤساء أولي المنصب المعروف، وحملة العلم وحملة السّيوف، والأمناء ومن لديهم من الألوف، وسائر الكافّة أولي البدار لمثلها والخفوف. فعقدوا له البيعة الوثيقة الأساس، السعيدة بفضل الله على الناس، البريء عهدها «3» من الارتياب والالتباس، الحائزة شروط الكمال، الماحية بنور البيان ظلم الإشكال، الضّمينة حسن العقبى ونجح المآل، على ما بويع عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن له من الصّحابة والآل، وعلى السّمع والطاعة، وملازمة السنّة والجماعة، فأيديهم في السّلم «4» والحرب ردء ليده، وطاعتهم إليه خالصة في يومه وغده، وأهواؤهم متّفقة في «5» حالي الشّدّة والرّخاء، وعقودهم «6» محفوظة على تداول السّرّاء والضّرّاء. أشهدوا عليها الله وكفى بالله شهيدا، وأعطوا صفقات أيمانهم تثبيتا للوفاء بها وتأكيدا، وجعلوا منها في أعناقهم ميثاقا وثيقا وعهدا شديدا. والله عزّ وجلّ يقول: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً «7» . ومن أصدق من الله وعدا أو

وعيدا؟ وهم قد بسطوا أيديهم يستنزلون رحمة الله بالإخلاص والإنابة، وصرفوا وجوههم إلى من أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة، يسألونه «1» خير ما يقضيه، والسير على ما يرضيه. اللهمّ بابك عند تقلّب الأحوال عرفنا، ومن بحر نعمك العميمة «2» اغترفنا، وعفوك ستر من عيوبنا «3» كلّ ما اجترحنا [السيئات «4» ] واقترفنا، ومن فضلك أغنيتنا، وبعينك الّتي لا تنام حرستنا وحميتنا [فانصر حيّنا وارحم ميّتنا «5» ] وأوزعنا شكر ما أوليتنا، واجعل لنا الخير والخيرة فيما إليه هديتنا. اللهمّ إنّ قطرنا من مادّة الإسلام بعيد، وقد أحدق بنا بحر زاخر وعدوّ شديد، وفينا أيّم وضعيف وهرم ووليد [وأنت مولانا ونحن عبيد. اللهمّ من بايعناه في هذا العقد «6» ] فأسعدنا بمبايعته وطاعته، وكن له حيث لا يكون لنفسه بعد استنفاد جهده في التحفّظ واستطاعته، وكفّ عنه كفّ عدوّك وعدوّه، كلّما هبّت به رياح طماعته، يا من يفرده العبد بضراعته، ويعوذ بحفظه من إضاعته. اللهمّ، أدّ عنّا حقّه، فإنا لا نقوى على أدائه، وتولّ عنّا شكر ما حمدناه «7» من سيرته وسيرة آبائه، واحمله من توفيقك على سوائه. اللهمّ إنّا إليه ناظرون، وعن أمره صادرون، ولإنجاز وعدك في نصر من ينصرك منتظرون، فأعنه على ما قلّدته، وأنجز لديننا على يديه ما وعدته، فما فقد شيئا من وجدك، ولا خاب من قصدك، ولا ضلّ من اعتمدك، آمين آمين يا ربّ العالمين.

وكتب الملأ المذكورون أسماءهم بخطوط أيديهم في هذا الكتاب، شاهدة عليهم بما التزموه دنيا «1» ودينا، وسلكوا [منه] سبيلا مبينا. وذلك في الثاني والعشرين لشوّال من عام خمسة «2» وخمسين وسبعمائة. قلت: وقد أخبر آخر هذه البيعة بأن المبايعين للسلطان تؤخذ خطوط أيديهم في كتاب البيعة شاهدة عليهم بما بايعوا عليه. والظاهر أن كتابة البيعة عندهم كما في مكاتباتهم في طومار» واحد كبير متضايق السّطور، وأنه ليس له طرّة بأعلاه كما في كتابة المصريين.

الباب الثالث من المقالة الخامسة في العهود، وفيه فصلان

الباب الثالث من المقالة الخامسة في العهود، وفيه فصلان الفصل الأوّل (في معنى العهد) العهد لفظ مشترك يقع في اللغة على ستة معان: أحدها- الأمان. ومنه قوله تعالى: فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ «1» . الثاني- اليمين. ومنه قوله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ «2» . الثالث- الحفاظ. ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «حسن العهد من الإيمان» . الرابع- الذّمّة. ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم «لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده» . الخامس- الزّمان. ومنه قولهم: «كان ذلك على عهد فلان» .

السادس- الوصيّة. ومنه قوله تعالى وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ «1» وهو المراد هنا. قال الجوهريّ: ومنه اشتقّ العهد الذي يكتب للولاة «2» .

الفصل الثاني (في بيان أنواع العهود، وهي ثلاثة أنواع)

الفصل الثاني (في بيان أنواع العهود، وهي ثلاثة أنواع) النوع الأوّل (عهود الخلفاء عن الخلفاء، ويتعلّق النظر به من ثمانية أوجه) الوجه الأوّل (في أصل مشروعيّتها) والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قيل لعمر عند موته: «ألا تعهد؟ فقال: أأتحمل أمركم حيّا وميّتا؟ إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منّي، [يعني أبا بكر «1» ] : وإن أترك فقد ترك من هو خير منّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» . فأثبت استخلاف أبي بكر رضي الله عنه بذلك، مشيرا إلى ما روي: «أنّه لما اشتدّ بأبي بكر الصدّيق رضي الله عنه الوجع، أرسل إلى عليّ وعثمان ورجال من المهاجرين والأنصار، فقال: قد حضر ما ترون، ولا بدّ من قائم بأمركم، فإن شئتم استخرتم لأنفسكم، وإن شئتم استخرت لكم. قالوا: بل اختر لنا، فأمر عثمان فكتب عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه (على ما سيأتي ذكره) - فقال عمر: لا أطيق القيام بأمور

الوجه الثاني (في معنى الاستخلاف)

الناس- فقال أبو بكر هاتوا سيفي. وتهدّده فانقاد عمر، ثم دخل عليه طلحة فعاتبه على استخلاف عمر. فقال: إنّ عمر والله خير لكم وأنتم شرّ له، والله لو ولّيتك لجعلت أنفك في قفاك، ولرفعت نفسك فوق قدرها حتّى يكون الله هو الذي يضعها. أتيتني وقد وكفت عينك، تريد أن تفتنني عن ديني وتردّني عن رأيي، قم لا أقام الله رجلك، والله لئن بلغني أنك غمصته وذكرته بسوء لألحقنّك بحمضات قنّة حيث كنتم تسقون ولا تروون، وترعون ولا تشبعون، وأنتم بذلك بجحون راضون، فقام طلحة فخرج» . قال العسكريّ: الحمضات جمع حمضة ضرب من النّبت، والقنّة أعلى الجبل. قال الماورديّ «1» : وكان استخلاف أبي بكر رضي الله عنه عمر باتّفاق من الصحابة من غير نكير فكان إجماعا. وقد عهد عمر رضي الله عنه إلى ستة، وهم عثمان، وعليّ، وطلحة، والزّبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقّاص، وتركها شورى بينهم، فدخلوا فيها وهم أعيان العصر وأشراف الصّحابة رضوان الله عليهم. الوجه الثاني (في معنى الاستخلاف) قال البغويّ «2» رحمه الله في كتابه «التهذيب» في الفقه: الاستخلاف أن

الوجه الثالث (فيما يجب على الكاتب مراعاته)

يجعله خليفة في حياته ثم يخلفه بعده. قال: ولو أوصى بالإمامة فوجهان «1» ؛ لأنه يخرج بالموت عن الولاية فلا يصحّ منه تولية الغير. واستشكل الرافعيّ رحمه الله هذا التوجيه بكلّ وصية، وبأنّ ما ذكره من جعله خليفة بعده، إن أريد به استنابته فلا يكون ذلك عهدا إليه بالإمامة. وإن أريد جعله إماما في الحال، فهو: إمّا خلع نفس العاهد، وإمّا اجتماع إمامين في وقت واحد. وإن أريد جعله خليفة أو إماما بعد موته فهو الوصية من غير فرق. قلت: وهذا جنوح من الرافعيّ رحمه الله إلى صحّة الخلافة بالوصيّة أيضا، كما تصحّ «2» بالاستخلاف. الوجه الثالث (فيما يجب على الكاتب مراعاته) واعلم أنه يجب على الكاتب أن يراعي في كتابة العهد بالخلافة أمورا: منها: براعة الاستهلال بذكر ما يتّفق له، من معنى الخلافة والإمامة واشتقاقهما، وحال الولاية، ولقب العاهد والمعهود إليه، ولقب الخلافة، إلى غير ذلك مما سبق بيانه في الكلام على البيعات. ومنها: أن ينبّه على شرف رتبة الخلافة، وعلوّ قدرها، ورفعة شأنها، ومسيس الحاجة إلى الإمام، ودعاية الضرورة إليه، ونحو ذلك مما سبق في البيعات أيضا. ومنها: أن ينبّه على اجتماع شروط الإمامة في المعهود إليه من حين

صدور العهد بها من العاهد، فقد قال الماورديّ «1» : إنه تعتبر شروط الإمامة في المعهود إليه من وقت العهد، حتّى لو كان المعهود إليه صغيرا أو فاسقا وقت العهد وبالغا [عدلا] عند الموت، لم تصحّ خلافته حتّى يستأنف أهل الاختيار بيعته. قال الرافعيّ «2» رحمه الله: وقد يتوقّف في هذا. قال النوويّ «3» رحمه الله في «الروضة» : لا توقّف، والصواب ما قاله الماورديّ. ومنها: أن ينبّه على اجتهاد العاهد وتروّي نظره في حقّيّة المعهود إليه؛ فقد قال الماورديّ: وإذا أراد الإمام أن يعهد بالإمامة، فعليه أن يجهد رأيه في الأحقّ بها، والأقوم بشروطها، فإذا تعيّن له الاجتهاد في أحد، عهد إليه. ومنها: أن يشير إلى تقدّم الاستخارة على العهد، وأنّ استخارته أدّته إلى المعهود إليه؛ فإنّ الاستخارة أمر مطلوب في كل أمر، خصوصا أمر المسلمين وعموم الولاية عليهم، فإنّ اختيار الله للخلق خير من اختيارهم لأنفسهم، والله يقول الحقّ وهو يهدي السّبيل. ومنها: أن ينبّه على أنّ عهده إليه بعد مشورة أهل الاختيار ومراجعتهم في

ذلك، وتصويبهم له، خروجا من الخلاف. فقد حكى الرافعيّ رحمه الله، وجهين فيما إذا كان المعهود إليه أجنبيّا من العاهد ليس بولد ولا والد، هل يجوز أن ينفرد بعقد البيعة له وتفويض العهد إليه ولا يستشير فيه أحدا؟ أصحّهما الجواز؛ لأنّ العهد إلى عمر، رضي الله عنه، لم يوقف على رضا الصحابة رضوان الله عليهم، ولأنّ الإمام أحقّ بها، فكان اختياره فيها أمضى، وقوله فيها أنفذ. وحكى الماورديّ في جواز انفراد العاهد بالبيعة فيما إذا كان المعهود إليه والد أو ولدا ثلاثة مذاهب: أحدها- ما اقتصر الرافعيّ، رحمه الله، على نسبته إلى الماورديّ، ومقتضى كلامه ترجيحه: أنه يجوز الانفراد بعقدها للولد والوالد جميعا؛ لأنه أمير للأمة نافذ الأمر لهم وعليهم، فغلّب حكم المنصب على حكم النسب، ولم يجعل للتّهمة طريقا على أمانته، ولا سبيلا إلى معارضته. والثاني- أنه لا يجوز انفراده بها لولد ولا والد حتّى يشاور فيه أهل الاختيار فيرونه أهلا لها، فيصحّ منه حينئذ عقد البيعة، لأن ذلك [منه] تزكية [له] تجري مجرى الشهادة، وتقليده على الأمة يجري مجرى الحكم، والشهادة والحكم ممتنعان من الولد والوالد للتّهمة، لما جبل عليه من الميل إليهما. والثالث- أنه يجوز أن ينفرد بعقد البيعة لوالده دون ولده؛ لأنّ الطبع إلى الولد أميل، فأما عقدها لأخيه وغيره من الأقارب والمناسبين فكعقدها للأجانب في جواز الانفراد بها. ومنها: أن ينبّه على العلم بحياة المعهود إليه ووجوده إن كان غائبا، فقد قال الماورديّ: إنه لو عهد إلى غائب مجهول الحياة لم يصحّ عهده، وإن كان معلوم الحياة صح، ويكون موقوفا على قدومه. ومنها: أن ينبّه على أن المعهود إليه منصوص عليه بمفرده، أو وقع العهد شورى في جماعة وأفضت الخلافة إلى واحد منهم بإخراج الباقين أنفسهم منها،

أو اختيار أهل الحلّ والعقد أحدهم، إذ يجوز للخليفة أن يعهد إلى اثنين فأكثر من غير تقديم البعض على البعض، ويختار أهل الاختيار بعد موته واحدا ممن عهد إليه، فإنّ عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، جعلها شورى في ستة، فقال: الأمر إلى عليّ وبإزائه الزّبير بن العوّام، وإلى عثمان وبإزائه عبد الرحمن بن عوف، وإلى طلحة وبإزائه سعد بن أبي وقّاص. فلما توفّي عمر، رضي الله عنه، جعل الزبير أمره إلى عليّ، وجعل طلحة أمره إلى عثمان، وجعل سعد أمره إلى عبد الرحمن بن عوف، فخرج منها ثلاثة، وبقيت شورى «1» في عثمان وعليّ، ثم بايع عليّ عثمان. والمعنى في الشّورى أنه لا يجوز أن تجعل الإمامة بعد العاهد في غير المعهود إليهم. ومنها: أن ينبّه على عدد المعهود إليهم وترتيبهم إن كان قد رتّب الخلافة في أكثر من واحد، إذ يجوز أن يعهد إلى اثنين فأكثر على الترتيب. فلو رتّب الخلافة في ثلاثة مثلا- فقال: الخليفة بعدي فلان، فإذا «2» مات، فالخليفة بعده فلان، [فإن مات فالخليفة بعد فلان جاز] «3» وكانت «4» الخلافة منتقلة إليهم على ما رتّبها. ففي صحيح البخاريّ من رواية ابن عمر رضي الله عنهما «أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استخلف على جيش مؤتة زيد بن حارثة- وقال: إن أصيب فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب فعبد الله بن رواحة، فإن أصيب فليرتض المسلمون رجلا، فتقدم زيد فقتل، فأخذ الراية جعفر وتقدّم فقتل، فأخذ الراية

عبد الله بن رواحة وتقدّم «1» فقتل، فاختار المسلمون بعده خالد بن الوليد» . قال الماورديّ: وإذا «2» جاز ذلك في الإمارة جاز مثله في الخلافة. قال: وقد «3» عمل بذلك في الدولتين من لم ينكر عليه أحد من علماء العصر. فعهد سليمان بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز، ثم بعده إلى يزيد بن عبد الملك، وأقرّه عليه من عاصره من الناس، ومن لا تأخذه في الله لومة لائم. ورتّبها الرشيد في ثلاثة من بنيه: الأمين، ثم المأمون، ثم المؤتمن، من غير «4» مشورة من عاصره من فضلاء العلماء. ولو قال العاهد: عهدت إلى فلان، فإن مات فلان بعد إفضاء الخلافة إليه، فالخليفة بعده فلان، لم تصحّ خلافة الثاني، ولم ينعقد عهده بها؛ لأنه لم يعهد إليه في الحال، وإنما جعله وليّ عهده بعد إفضاء الخلافة إلى الأوّل، وقد يموت قبل إفضائها إليه فلا يكون عهد الثاني بها منبرما. ومنها: أن ينبّه على أنّ صدور العهد في حال نفوذ أمر العاهد وجواز تصرّفه، فإنه لو أراد وليّ العهد قبل موت العاهد أن يردّ ما إليه من ولاية العهد إلى غيره لم يجز؛ لأنّ الخلافة لا تستقرّ إلّا بعد موت المستخلف. وكذا لو قال: جعلته وليّ عهد إذا أفضت الخلافة إليّ لم يجز؛ لأنه ليس في الحال بخليفة، فلم يصحّ عهده بالخلافة. ومنها: أن ينبّه على قبول المعهود إليه العهد، فإنه إذا عهد الإمام بالخلافة إلى من يصحّ العهد إليه على الشّروط المعتبرة فيه، كان العهد موقوفا على قبول

المعهود إليه؛ فإن قبل صحّ العهد وإلّا فلا، حتّى لو امتنع من القبول بويع غيره. والعبرة في زمن القبول بما بين عهد العاهد وموته على الأصح، لتنتقل عنه الإمامة إلى المعهود إليه مستقرّة بالقبول المتقدّم. وقيل: إنما يكون القبول بعد موت العاهد؛ لأنه الوقت الذي يصحّ فيه نظر المعهود إليه. ومنها: أن يورد من وصايا العاهد للمعهود إليه ما يليق به. وقد ذكر الماورديّ أنّ الذي يلزمه من أمور الأمّة عشرة أشياء: أحدها- حفظ الدّين على أصوله المستقرّة، وما أجمع عليه سلف الأمّة، وأنه إن «1» نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه، أوضح له الحجّة، وبيّن له الصّواب، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود ليكون الدّين محروسا من الخلل، والأمّة ممنوعة من الزّلل. الثاني- تنفيذ الأحكام، بين المتشاجرين، وقطع الخصام، بين المتنازعين، حتّى تعمّ النّصفة فلا يتعدّى ظالم ولا يضعف مظلوم. الثالث- حماية البيضة، والذّبّ عن الحرم «2» ليتصرّف الناس في المعايش، وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال. الرابع- إقامة الحدود لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك، وتحفظ حقوق عباده من الإتلاف «3» والاستهلاك. الخامس- تحصين الثّغور بالعدّة المانعة، والقوّة الدافعة، حتّى لا يظفر «4» الأعداء بغرّة ينتهكون بها محرما، أو يسفكون فيها لمسلم أو معاهد دما. السادس- جهاد من عاند الإسلام بعد الدّعوة حتّى يسلم أو يدخل في

الذّمّة ليقام بحقّ الله تعالى في إظهاره على الدّين كلّه. السابع- جباية الفيء «1» والصّدقات على ما أوجبه الشرع نصّا واجتهادا من غير حيف «2» ولا عسف. الثامن- تقدير العطاء وما يستحقّ في بيت المال من غير سرف ولا تقتير، ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير. التاسع- استكفاء الأمناء، وتقليد النّصحاء، فيما يفوّضه [إليهم من الأعمال] «3» ويكله إليهم من الأحوال لتكون الأعمال بالكفاة «4» مضبوطة، والأموال بالأمناء محفوظة. العاشر- أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفّح الأحوال لينهض بسياسة الأمّة، وحراسة الملّة، ولا يعوّل على التفويض تشاغلا بلذّة أو عبادة، فقد يخون الأمين ويغشّ الناصح. وقد قال تعالى: يا داوُدُ، إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ «5» . فلم يقتصر الله تعالى «6» على التفويض دون المباشرة، بل «7» أمره بمباشرة الحكم بين الخلق بنفسه. وقد قال «8» صلّى الله عليه وسلّم: «كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته» ولله درّ محمد «9» بن يزداد وزير المأمون «10» ، حيث قال مخاطبا له (بسيط) .

الوجه الرابع (فيما يكتب في الطرة، وهو تلخيص ما يتضمنه العهد)

من كان حارس دنيا إنّه قمن ... أن لا ينام وكلّ الناس نوّام وكيف ترقد «1» عينا من تضيّفه ... همّان من أمره: حلّ وإبرام؟ وحينئذ فيجب على الكاتب أن يضمّن هذه الأمور العشرة في وصايا المعهود إليه. وقد ذكر المقرّ الشّهابيّ بن فضل «2» الله في «التعريف» في وصيّة وليّ العهد بالخلافة ومن في معناه من الملوك وولاة عهدهم هذه الأمور ممتزجة بأمور أخرى من مهمّات الملك وحسن تدبيره وسياسته. قلت: إنما يحسن إيراد هذا كلّه في وصايا ولاة العهد إذا كان الأمر على ما كانت الخلافة عليه أوّلا من عموم التصرّف، أما الآن فالواجب أن يقتصر في وصاياهم على حسن التأنّي في العهد بالسلطنة لمن يقوم بأعبائها، وأن يكون ما تقدّم مختصّا وصايا الملوك في العهود عن الخلفاء. الوجه الرابع (فيما يكتب في الطّرّة، وهو تلخيص ما يتضمّنه العهد) وهذه نسخة طرّة أنشأتها لينسج على منوالها، وهي: هذا عهد إماميّ قد علت جدوده، وزاد في الارتقاء في العلياء صعوده، وفصّلت الجواهر قلائده ونظّمت بنفيس الدّرّ عقوده. من عبد الله ووليّه الإمام المتوكّل على الله أبي عبد الله محمد بن الإمام المعتضد بالله أبي الفتح أبي بكر، بالخلافة المقدّسة، لولده السيّد الجليل ذخيرة الدّين، ووليّ عهد المسلمين،

الوجه الخامس (فيما يكتب لأولياء العهد من الألقاب)

أبي الفضل العباس، بلّغه الله فيه غاية الأمل، وأقرّ به عين الأمة كما أقرّ به عين أمير المؤمنين وقد فعل. على ما شرح فيه. الوجه الخامس (فيما يكتب لأولياء العهد من الألقاب) [وهو] كما سيأتي في الطريقة الثانية من المذهب الأوّل مما يكتب في متن العهد من كلام المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف» أنه يقال فيه: الأمير السّيّد الجليل، ذخيرة الدّين، ووليّ عهد المسلمين، أبي فلان فلان. وفي المذهب الثالث فيما كتب به للمستوثق بن المستكفي ما يوافقه، وقد تقدّم أنه لا يقع في ألقابهم إطناب، ولا تعدّد ألقاب، فليقتصر على ذلك أو ما يشابهه. الوجه السادس (فيما يكتب في متن العهد، وفيه ثلاثة مذاهب) المذهب الأوّل (أن يفتتح العهد بعد البسملة بلفظ «هذا» ) مثل: «هذا ما عهد به فلان لفلان» أو «هذا عهد من فلان لفلان» أو «هذا كتاب اكتتبه فلان لفلان» ونحو ذلك. وللكتّاب فيه طريقتان: الطريقة الأولى (طريقة المتقدّمين) وهي أن لا يأتي بخطبة في أثناء العهد، ولا يتعرّض إلى ذكر أوصاف المعهود إليه والثناء عليه، أو يتعرّض لذلك باختصار، ثم يأتي بالوصايا، ثم يختمه بالسلام أو بالدعاء أو بغير ذلك مما يناسب. وعلى ذلك كانت عهود السّلف من الصّحابة والتابعين فمن بعدهم، اتّباعا للصّدّيق رضي الله عنه فيما كتب به لعمر بن الخطّاب، كما تقدّمت الإشارة إليه في الاستشهاد.

ونسخته فيما رواه البيهقيّ «1» في «السّنن» واقتصر عليه الشيخ شهاب الدّين محمود الحلبيّ في «حسن التوسّل» . «هذا ما «2» عهد أبو بكر خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، آخر عهده بالدنيا وأوّل عهده بالآخرة، إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فإن برّ وعدل فذلك ظنّي به، وإن بدّل أو غير فلا علم لي بالغيب، والخير أردت بكم، ولكلّ امريء ما اكتسب من الإثم، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ «3» » . وذكر أبو هلال العسكريّ «4» في كتابه «الأوائل» عن المدائنيّ «5» أنه حين دعا عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، لكتابة العهد بالخلافة بعده قال: اكتب «هذا ما عهد [به] «6» أبو بكر بن أبي قحافة «7» في آخر عهده بالدنيا [نازحا

عنها] «1» وأوّل عهده بالآخرة داخلا فيها حيث يتوب الفاجر، ويؤمن الكافر، ويصدق الكاذب، وهو يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله، وقد استخلف» - ثم دهمته غشية فكتب عثمان: «عمر بن الخطّاب» . فلما أفاق، قال: أكتبت شيئا؟ قال نعم عمر بن الخطاب. قال: «رحمك الله، أما إنّك لو كتبت نفسك لكنت أهلا لها، اكتب قد استخلف عمر بن الخطاب ورضيه لكم، فإن عدل فذلك ظنّي به ورأيي فيه، وإن بدّل فلكلّ نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت، والخير أردت، ولا أعلم الغيب: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ «2» » . وعلى هذه الطريقة كتب عهد عمر بن عبد العزيز بالخلافة عن سليمان بن عبد الملك، ثم من بعده إلى أخيه يزيد بن عبد الملك. وهذه نسخته فيما ذكره ابن قتيبة «3» في تاريخ الخلفاء: هذا ما عهد به عبد الله سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، عهد أنه يشهد لله عزّ وجلّ بالرّبوبيّة والوحدانيّة، وأن محمدا عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، بعثه إلى محسني عباده بشيرا، وإلى مذنبيهم نذيرا، وأنّ الجنة «4» والنار مخلوقتان حقّا، خلق الجنة رحمة وجزاء «5» لمن أطاعه، والنار «6» نقمة وجزاء لمن عصاه، وأوجب العفو [جودا وكرما] «7» لمن عفا عنه، [وأن إبليس

في النار] «1» ، وأنّ سليمان مقرّ على نفسه بما يعلم الله من ذنوبه، وبما «2» تعلمه نفسه من معصية ربّه، موجبا على نفسه استحقاق ما خلق من النّقمة، راجيا لنفسه ما خلق من الرحمة ووعد من العفو والمغفرة، وأن المقادير كلّها خيرها وشرّها مقدورة بإرادته، مكوّنة بتكوينه، وأنه الهادي فلا مغوي ولا مضلّ لمن هداه وخلقه لرحمته، وأنه يفتن الميت في قبره بالسؤال عن دينه ونبيّه الذي أرسل إلى أمّته، لا منجى لمن خرج من الدنيا إلى الآخرة من هذه المسألة [إلا لمن استثناه عزّ وجلّ في علمه] «3» . وسليمان يسأل الله الكريم بواسع فضله، وعظيم منّه، الثبات «4» على ما أسرّ وأعلن من معرفة حقّه وحقّ نبيه عند مسألة رسله، والنّجاة من هول فتنة فتّانيه. ويشهد أنّ الميزان يوم القيامة حقّ يقين، يزن سيئات المسيئين، وحسنات المحسنين، ليري عباده من عظيم قدرته، ما أراده من [الخير] لعباده بما لم يكونوا يحتسبون، وأنّ من ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفّت موازينه يومئذ «5» فأولئك هم الخاسرون. وأنّ حوض محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم المحشر والموقف للعرض «6» حقّ، وأنّ عدد آنيته كنجوم السماء، من شرب منه لم يظمأ أبدا. وسليمان يسأل الله بواسع رحمته أن لا يردّه «7» عن حوض نبيّه عطشان. وأنّ أبا بكر وعمر خير هذه الأمة، بعد نبينا، والله يعلم بعدهما حيث الخير، وفيمن الخير من هذه الأمة، وأنّ هذه الشهادة «8» كلّها المذكورة في عهده هذا يعلمها الله من سرّه وإعلانه وعقد ضميره، وأنه بها عبد ربه في سالف أيّامه وماضي عمره، وعليها أتاه يقين ربه، وتوفّاه أجله،

وعليها يبعث بعد موته «1» إن شاء الله، وأن سليمان كانت له بين هذه الشهادة بلايا وسيّئات لم يكن له عنها محيد «2» ولا بدّ، جرى بها المقدور من الرّبّ النافذ إلى إتمام ما حدّ، فإن يعف ويصفح فذاك ما عرف منه قديما ونسب إليه حديثا، وتلك صفته «3» الّتي وصف بها نفسه في كتابه الصادق، وكلامه الناطق، وإن يعاقب وينتقم فبما قدّمت يداه، وما الله بظلّام للعبيد. وأن «4» سليمان يحرّج على من قرأ عهده هذا وسمع ما فيه من حكمة أن ينتهي إليه في أمره ونهيه، بالله العظيم، ومحمد «5» رسوله الكريم، وأن يدع الإحن المضغنة «6» ، ويأخذ بالمكارم المدجنة «7» ، ويرفع يديه «8» إلى الله بالضمير النّضوح والدّعاء الصحيح، والصّفح الصّريح، يسأله العفو عنّي، والمغفرة لي، والنجاة من فزعي، والمسألة في قبري، لعلّ الودود، أن يجعل منكم مجاب الدعوة بما «9» من الله عليّ من صفحه يعود، إن شاء الله، وأنّ «10» وليّ عهد سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين، وصاحب أمره بعد موته، في جنده ورعيّته وخاصّته وعامته، وكلّ من استخلفني الله عليه، واسترعاني النظر فيه، الرجل الصالح «عمر بن عبد العزيز» بن مروان ابن عمّي، لما بلوت من باطن أمره وظاهره،

ورجوت الله بذلك [وأردت] رضاه ورحمته إن شاء الله. ثم «1» من بعده تسلّم إلى يزيد بن عبد الملك بن مروان إن بقي بعده، فإنّي ما رأيت منه إلّا خيرا ولا اطّلعت له على مكروه. وصغار ولدي وكبارهم إلى عمر، إذ رجوت أن لا يألوهم رشدا وصلاحا، والله خليفتي عليهم [وعلى جماعة المؤمنين والمسلمين] «2» وهو أرحم الراحمين، واقرأوا «3» عهدي عليكم السّلام ورحمة الله. ومن أبى أمري هذا أو خالف عهدي هذا- وأرجو أن لا يخالفه أحد من أمة محمد- فهو ضالّ مضلّ يستعتب، فإن أعتب وإلّا فإني لمن صاحب (؟) عهدي فيهم بالسيف السيف والقتل القتل، فإنهم مستوجبون لهم، وهم لهيبته ملقحون، والله المستعان، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله القديم الإحسان. [تم ذلك والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد وآله] «4» . وعلى نحو من ذلك كتب المأمون «5» العباسيّ عهد عليّ «6» بن موسى العلويّ (المعروف بالرّضيّ) بالخلافة بعده.

وهذه نسخته فيما ذكر صاحب «1» العقد: هذا كتاب كتبه عبد الله «2» بن هارون الرشيد، أمير المؤمنين، بيده، لعليّ بن موسى بن جعفر وليّ عهده: أما بعد، فإنّ الله عزّ وجلّ اصطفى الإسلام دينا، واصطفى له من عباده رسلا داليّن عليه، وهادين إليه، يبشّر أوّلهم بآخرهم، ويصدّق تاليهم ماضيهم، حتّى انتهت نبوّة الله إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم على فترة من الرّسل، ودروس من العلم، وانقطاع من الوحي، واقتراب من الساعة، فختم الله به النبيين وجعله شاهدا لهم، ومهيمنا عليهم، وأنزل عليه كتابه العزيز الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ «3» . فأحلّ وحرّم، ووعد وأوعد، وحذّر وأنذر، وأمر به «4» ونهى عنه «5» ، لتكون له الحجة البالغة على خلقه، ولِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ «6» . فبلّغ عن الله رسالته، ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ثم بالجهاد والغلظة حتّى قبضه

الله إليه، واختار له ما عنده صلّى الله عليه. فلمّا انقضت النبوّة وختم الله بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، الوحي والرسالة، جعل قوام الدين، ونظام أمر المسلمين، بالخلافة وإتمامها وعزّها، والقيام بحق الله فيها بالطاعة الّتي تقام بها فرائض الله وحدوده، وشرائع الإسلام وسننه، ويجاهد بها عدوّه. فعلى خلفاء الله طاعته فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده، وعلى المسلمين طاعة خلفائهم ومعاونتهم على إقامة حقّ الله وعدله، وأمن السّبل وحقن الدّماء، وصلاح ذات البين، وجمع الألفة، وفي إخلال ذلك اضطراب حبل المسلمين واختلالهم، واختلاف ملّتهم، وقهر دينهم، واستعلاء عدوّهم، وتفرّق الكلمة، وخسران الدنيا والآخرة. فحقّ على من استخلفه الله في أرضه، وأتمنه على خلقه [أن] يؤثر ما فيه رضا الله وطاعته ويعد [ل] فيما الله واقفه عليه وسائله عنه، ويحكم بالحق ويعمل بالعدل فيما حمّله الله وقلّده، فإن الله عزّ وجلّ يقول لنبيه داود عليه السّلام: يا داوُدُ، إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ «1» . وقال عزّ وجلّ: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ «2» . وبلغنا أنّ عمر بن الخطّاب قال: «لو ضاعت سخلة «3» بجانب الفرات لتخوّفت أن يسألني الله عنها» . وايم الله إنّ المسؤول عن خاصّة نفسه، الموقوف على عمله، فيما بين الله وبينه، لمتعرّض لأمر كبير، وعلى خطر عظيم، فكيف بالمسؤول عن رعاية الأمّة، وبالله الثّقة، وإليه المفزع والرّغبة في التوفيق مع العصمة، والتّسديد والهداية إلى ما فيه ثبوت الحجّة، والفوز من الله بالرّضوان والرحمة. وأنظر الأئمة لنفسه، وأنصحهم في دينه وعباده وخلافته في أرضه، من عمل بطاعة الله وكتابه وسنّة نبيه عليه السّلام في

مدّة أيّامه، واجتهد وأجهد رأيه ونظره فيمن يولّيه عهده، ويختاره لإمامة المسلمين ورعايتهم بعده، وينصبه علما لهم، ومفزعا في جمع ألفتهم، ولمّ شعثهم، وحقن دمائهم، والأمن بإذن الله من فرقتهم، وفساد ذات بينهم واختلافهم، ورفع نزغ الشيطان وكيده عنهم، فإن الله عزّ وجلّ جعل العهد بالخلافة من تمام أمر الإسلام وكماله وعزّه وصلاح أهله؛ وألهم خلفاءه من توسيده لمن يختارونه له من بعدهم ما عظمت به النّعمة، وشملت منه العافية، ونقض الله بذلك مرّ «1» أهل الشّقاق والعداوة والسعي في الفرقة والرّفض «2» للفتنة، ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة فاختبر بشاعة مذاقتها، وثقل محملها وشدّة مؤونتها، وما يجب «3» على من تقلّدها من ارتباط طاعة الله ومراقبته فيما حمّله منها، فأنصب بدنه، وأسهر عينه، وأطال فكره فيما فيه عزّ الدين، وقمع المشركين، وصلاح الأمّة، ونشر العدل، وإقامة الكتاب والسّنّة، ومنعه ذلك من الخفض والدّعة بهنيّ العيش، علما بما الله سائله عنه، ومحبّة أن يلقى الله مناصحه في دينه وعباده، ومختارا لولاية عهده، ورعاية الأمّة من بعده، أفضل من يقدر عليه في دينه وورعه وعلمه، وأرجاهم للقيام بأمر الله وحقّه، مناجيا لله بالاستخارة في ذلك، ويسأله إلهامه ما فيه رضاه وطاعته في ليله ونهاره، ومعملا في طلبه والتماسه من أهل بيته من ولد عبد الله بن العباس وعليّ بن أبي طالب فكره ونظره، ومقتصرا فيمن علم حاله ومذهبه منهم على علمه، وبالغا في المسألة عمّن خفي عليه أمره جهده وطاقته، حتّى استقصى أمورهم بمعرفته، وابتلى أخبارهم مشاهدة، وكشف ما عندهم مساءلة، فكانت خيرته بعد استخارته لله وإجهاده نفسه في قضاء حقّه وبلاده، من البيتين جميعا

«عليّ بن موسى بن جعفر» بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، لما رأى [من] فضله البارع، وعلمه الناصع، وورعه الظاهر، وزهده الخالص، وتخلّيه من الدنيا، وتسلّمه من الناس، وقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطئة، والألسن عليه متفقة والكلمة فيه جامعة. ولما لم يزل يعرفه به من الفضل يافعا وناشئا، وحدثا ومكتهلا، فعقد له بالعقد والخلافة إيثارا لله والدّين، ونظرا للمسلمين، وطلبا للسلامة وثبات الحجّة والنجاة في اليوم الذي يقوم الناس فيه لربّ العالمين. ودعا أمير المؤمنين ولده، وأهل بيته، وخاصّته، وقوّاده، وخدمه، فبايعوه مسرعين مسرورين، عالمين بإيثار أمير المؤمنين طاعة الله على الهوى في ولده وغيرهم ممن هو أشبك به رحما وأقرب قرابة، وسمّاه «الرّضيّ» إذ كان رضيّا عند أمير المؤمنين. فبايعوا معشر بيت أمير المؤمنين ومن بالمدينة المحروسة من قوّاده وجنده، وعامة المسلمين «الرّضيّ» من بعده، على اسم الله وبركته وحسن قضائه لدينه وعباده، بيعة مبسوطة إليها أيديكم، منشرحة لها صدوركم، عالمين بما أراد أمير المؤمنين بها، وآثر طاعة الله والنظر لنفسه ولكم فيها، شاكرين لله على ما ألهم أمير المؤمنين من نصاحته في رعايتكم، وحرصه على رشدكم وصلاحكم، راجين عائده في ذلك في جمع ألفتكم، وحقن دمائكم، ولمّ شعثكم، وسدّ ثغوركم، وقوّة دينكم، ورغم عدوّكم، واستقامة أموركم. وسارعوا إلى طاعة الله وطاعة أمير المؤمنين، فإنّه الأمر إن سارعتم إليه، وحمدتم الله عليه، عرفتم الحظّ فيه، إن شاء الله تعالى. وعلى هذه الطريقة كتب الوزير أبو حفص بن «1» برد عهد «2» الناصر لدين

الله عبد الرحمن «1» بن المنصور بن أبي عامر العامريّ، عن المؤيّد بالله هشام «2» بن الحكم الأمويّ، الخليفة بالأندلس. وهذه نسخته: هذا ما عهد «3» هشام المؤيّد بالله أمير المؤمنين إلى الناس عامّة، وعاهد الله عليه من نفسه خاصّة، وأعطى به صفقة يمينه، بيعة تامة، بعد أن أنعم «4»

النظر وأطال الاستخارة وأهمّه ما جعل الله «1» إليه من الإمامة، وعصب به من أمر المؤمنين، واتّقى حلول القدر بما لا يؤمن، وخاف نزول القضاء بما لا يصرف، وخشي إن هجم محتوم ذلك عليه، ونزل مقدوره به، ولم يرفع لهذه الأمّة علما تأوي إليه، وملجأ «2» تنعطف عليه- أن يكون يلقى «3» ربّه تبارك وتعالى مفرّطا ساهيا عن أداء الحق إليها. ويغمص «4» عند ذلك من أحياء قريش وغيرها، من يستحقّ أن يسند هذا الأمر إليه، ويعوّل في القيام به عليه، ويستوجبه «5» بدينه وأمانته، وهديه وصيانته «6» ، بعد «7» اطّراح الهوى والتحرّي للحق، والتزلّف إلى الله جلّ جلاله بما يرضيه. وبعد «8» أن قطع الأواصر، وأسخط الأقارب [عالما أن لا شفاعة عنده أعلى من العمل الصالح، وموقنا أن لا وسيلة إليه أزكى من الدين الخالص «9» ] ، فلم يجد أحدا أجدر أن يولّيه «10» عهده، ويفوّض «11» إليه الخلافة بعده، لفضل نفسه، وكرم خيمه، وشرف مرتبته، وعلوّ منصبه، مع تقاه «12» وعفافه، ومعرفته وحزمه ونقاوته، من المأمون الغيب، الناصح الجيب [النازح على كل عيب، ناصر الدولة «13» ] أبي المطرّف عبد

الرحمن بن المنصور بن أبي عامر [محمد بن أبي عامر «1» ] وفّقه الله إذ «2» كان أمير المؤمنين- أيده الله- ابتلاه «3» واختبره، ونظر في شأنه واعتبره، فرآه مسارعا في «4» الخيرات، سابقا في الحلبات، مستوليا على الغايات، جامعا للمأثرات، [يجذب بضبعه إلى أرفع منازل الطاعة ويسمو بعينيه إلى أعلى درج النصيحة] «5» ومن كان المنصور أباه، والمظفّر أخاه، فلا غرو أن يبلغ من سبيل «6» البرّ مداه، ويحوي من خلال الخير ما حواه، مع أنّ أمير المؤمنين- أيده الله «7» - بما طالعه من مكنون العلم، ووعاه من مخزون الأثر، يرى «8» أن يكون وليّ عهده القحطانيّ الذي حدّث عنه عبد الله بن عمرو بن العاص [بتحقيق ما أسنده «9» ] أبو هريرة «10» أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوم الساعة حتّى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه» . فلما استوى «11» له الاختيار، وتقابلت عنده فيه الآثار، ولم يجد عنه مذهبا، ولا إلى غيره معدلا، صرّح «12» إليه في تدبير الأمور في حياته، وفوّض «13» إليه الخلافة بعد وفاته «14» ، طائعا

الطريقة الثانية (طريقة المتأخرين من الكتاب)

راضيا مجتهدا [متخيرا غير محاب له ولا مائل بهوادة إليه ولا شرك نصح الإسلام وأهله فيه وجعل إليه الاختيار لهذه الأمة بولاية عهده فيها أن رأى ذلك في بقاء أمير المؤمنين أعزّه الله بعده] «1» وأمضى أمير المؤمنين هذا وأجازه «2» وأنفذه، ولم يشترط فيه مثنويّة ولا خيارا، وأعطى على الوفاء به «3» به في سرّه وجهره، وقوله وفعله، عهد الله وميثاقه، وذمة نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم، وذمم الخلفاء الراشدين من آبائه «4» ، وذمّة نفسه، أن لا يبدّل، ولا يغيّر، ولا يحوّل، ولا يزول «5» ، أشهد الله على ذلك والملائكة وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً «6» * . وأشهد من أوقع اسمه في هذا «7» ، وهو جائز الأمر، ماضي القول والفعل، بمحضر من وليّ عهده المأمون [ناصر الدولة «8» ] أبي المطرّف عبد الرحمن بن المنصور وفّقه الله، وقبوله «9» ما قلّده، وإلزامه نفسه ما ألزمه، وذلك في شهر ربيع الأول سنة تسع «10» وتسعين وثلاثمائة. وكتب الوزراء والقضاة وسائر الناس شهاداتهم بخطوط أيديهم بذلك. الطريقة الثانية (طريقة المتأخّرين من الكتّاب) أن يأتي بالتحميد في أثناء العهد، ويأتي من ألقاب وليّ العهد بما يناسب

على الاختصار، وعليها اقتصر المقرّ الشّهابي بن فضل الله في «التعريف» فقال «1» : واعلم أنّ عهود الخلفاء عن الخلفاء لم تجر عادة من سلف من الكتّاب أن يستفتحها إلّا بما يذكر، وهو: «هذا ما عهد [به] عبد الله ووليّه فلان أبو فلان الإمام الفلانيّ أمير المؤمنين، عهد إلى ولده، أو [إلى] أخيه الأمير السيد الجليل، ذخيرة الدّين، ووليّ عهد المسلمين أبي فلان فلان، أيده الله بالتمكين، وأمدّه بالنصر المبين، وأقرّ به عين أمير المؤمنين» . ثم ينفق كلّ كاتب بعد هذا على قدر سعته، ثم يقول: «أما بعد، فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو، ويصلّي على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم» ويخطب في ذلك خطبة يكثر فيها التحميد وينتهي فيه إلى سبعة «2» ، ثم يأتي بعد ذلك بما يناسب من القول، يصف «3» فكر الذي يعهد فيمن بعده، ويصف المعهود إليه بما يليق من الصّفات الجليلة. ثم يقول: «عهد إليه وقلّده بعده جميع ما هو مقلّده، لما رآه من صلاح الأمة، أو «4» صلاح الخلق، بعد أن استخار الله تعالى في ذلك، ومكث مدّة يتدبّر ذلك ويروّي فيه فكره وخاطره، ويستشير أهل الرأي والنظر، فلم ير أقوم منه بأمور الأمة ومصالح الدنيا والدّين، ومن هذا ومثله. ثم يقال: إنّ المعهود إليه قبل «5» ذلك منه، ويأتي في ذلك بما يليق من محاسن العبارة وأحاسن الكلام. قلت: ولم أظفر بنسخة عهد على هذا الأسلوب الذي ذكره المقرّ

الشهابيّ، وقد أنشأت عهدا على الطريقة الّتي أشار إليها امتحانا للخاطر لأن يكون عن الإمام المتوكّل على الله أبي عبد الله محمد بن المعتضد أبي الفتح أبي بكر، خليفة العصر، لولده العباس، ليكون أنموذجا ينسج على منواله. ومن غريب الاتفاق أنّي أنشأته في شهور سنة إحدى وثمانمائة امتحانا للخاطر كما تقدّم، وضمّنته هذا الكتاب وتمادى الحال على ذلك إلى أن قبض الله تعالى الإمام المتوكّل- قدس الله تعالى روحه- في سنة ثمان وثمانمائة، فأجمع أهل الحلّ والعقد على مبايعته بالخلافة، فبايعوه وحقّق الله تعالى ما أجراه على اللّسان من إنشاء العهد باسمه في الزّمن السابق، ثم دعتني داعية إلى التمثّل بين يديه الشريفتين في مستهلّ شهر ذي القعدة الحرام سنة تسع وثمانمائة، فقرأته عليه من أوّله إلى آخره، وهو مصغ له مظهر الابتهاج به، وأجاز عليه الجائزة السنية. ثم أنشأت له رسالة وضمنته إيّاها وأودعت بخزانته العالية عمرها الله بطول بقائه. وهذه نسخته: هذا عهد سعيد الطالع ميمون الطائر، مبارك الأوّل جميل الأوسط حميد الآخر، تشهد به حضرات الأملاك، وترقمه كفّ الثّريّا بأقلام القبول في صحائف الأفلاك، وتباهي به ملوك الأرض ملائكة السماء، وتسري بنشره القبول إلى الأقطار فتنشر له بكلّ ناحية علما، وتطلع به سعادة الجدّ من ملوك العدل في كلّ أفق نجما، وترقص من فرحها الأنهار فتنقّطها شمس النّهار بذهب الأصيل على صفحات الماء، عهد به عبد الله ووليّه أبو عبد الله محمد المتوكل على الله أمير المؤمنين إلى ولده السيد الجليل عدّة الدّين وذخيرته، وصفيّ أمير المؤمنين من ولده وخيرته، المستعين بالله أبي الفضل العبّاس بلّغ الله فيه أمير المؤمنين غاية الأمل، وأقرّ به عين الخلافة العبّاسيّة كما أقرّ به عين أبيه وقد فعل. أما بعد، فالحمد لله حافظ نظام الإسلام وواصل سببه، ورافع بيت الخلافة ومادّ طنبه، وناظم عقد الإمامة المعظّمة في سلك بني العباس وجاعلها

كلمة باقية في عقبه. والحمد لله الذي عدق أمر الأمة منهم بأعظمهم خطرا، وأرفعهم قدرا، وأرجحهم عقلا وأوسعهم صدرا، وأجزلهم رأيا وأسلمهم فكرا. والحمد لله الذي أقرّ عين أمير المؤمنين بخير وليّ وأفضل ولد، وشدّ أزره بأكرم سيد وأعزّ سند، وصرف اختياره إلى من إذا قام بالأمر بعده قيل هذا الشّبل من ذاك الأسد. والحمد لله الذي جمع الآراء على اختيار العاهد فما قلوه «1» ولا رفضوه، وجبل القلوب على حبّ المعهود إليه فلم يروا العدول عنه إلى غيره بوجه من الوجوه. والحمد لله الذي جدّد للرعيّة نعمة مع بقاء النّعمة الأولى، وأقام لأمر الأمّة من بني عمّ نبيّه المصطفى الأولى بذلك فالأولى، واختار لعهد المسلمين من سبقت إليه في الأزل إرادته فأصبح في النّفوس معظّما وفي القلوب مقبولا. والحمد لله الذي أضحك الخلافة العبّاسية بوجود عبّاسها، وأطاب بذكره ريّاها فتعطّر الوجود بطيب أنفاسها، ورفع قدره بالعهد إليه إلى أعلى رتبة منيفة، وخصّه بمشاركة جدّه العبّاس في الاسم والكنية ففاز بما لم يفز به قبله منهم ستة «2» وأربعون خليفة. والحمد لله الذي أوجب على الكافّة طاعة أولي الأمر من الأئمّة، وألزمهم الدّخول في بيعة الإمام والانقياد إليه ولو كان عبدا أسود فكيف بمن أجمع على سؤدده الأمّة، وأوضح السبيل في التعريف بمقام الآل والعترة النبويّة؟ ثُمَّ «3» لا

يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً «1» . يحمده أمير المؤمنين على ما منحه من طيب أرومة «2» سمت أصلا وزكت فرعا، وحباه من شرف محتد «3» راق نظرا وشاق سمعا، ووصله به من نعم آثرت نفّاعا وأثّرت نفعا، ويشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة يتوارثونها كالخلافة كابرا عن كابر، ويوصّي بها أبدا الأوّل منهم الآخر، ويؤذن قيامهم بنصرتها أنّهم معدن جوهرها النّفيس ونظام عقدها الفاخر، ويشهد أنّ سيّدنا محمدا عبده ورسوله، الذي خصّ عمّه العباس بكريم الحباء وشريف الإنافة، ونبّه على بقاء الأمر في بنيه بقول ضلّ من أظهر عناده أو أضمر خلافه، حيث أسرّ إليه: «ألا أبشّرك يا عمّ بي ختمت النبوّة وبولدك تختم الخلافة» صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تعمّ بركتها الولد والوالد، ويشمل معروفها المعهود إليه ويعرف شرفها العاهد، ويعترف بفضلها المقرّ ولا يسع إنكارها الجاحد، ما نوّه بذكر الخلافة العباسيّة على أعواد المنابر، وخفقت الرايات السّود على عساكر المواكب ومواكب العساكر، وسلّم تسليما كثيرا. هذا وكلّ راع مسؤول عن رعيّته، وكلّ امريء محمول على نيّته، مخبر بظاهره عن جميل ما أكنّه في صدره وما أسرّه في طويّته، والإمام منصوب للقيام بأمر الله تعالى في عباده، مأمور بالنصيحة لهم جهد طاقته وطاقة اجتهاده، مطلوب بالنظر في مصالحهم في حاضر وقتهم ومستقبله وبدء أمرهم ومعاده، ومن ثمّ اختلفت آراء الخلفاء الراشدين في العهد بالخلافة وتباينت مقاصدهم، وتنوّعت اختياراتهم بحسب الاجتهاد واختلفت مواردهم، فعهد الصّديق إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه متثبّتا، وتركها عمر شورى في ستّة وقال: «أتحمّل أمركم حيّا وميّتا!» وأتى رضي الله عنه لكلّ من المذهبين بما أذعن له

الخصم وسلّم، فقال: «إن أعهد فقد عهد من هو خير منّي، أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير منّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» فأخذ الخلفاء في ذلك بسنّتهما، ومشوا فيه على طريقتهما، فمن راغب عن العهد وراغب فيه، وعاهد إلى بعيد وآخر إلى ابنه أو أخيه، كلّ منهم بحسب ما يؤدّي إليه اجتهاده، وتقوى عليه عزيمته ويترجّح لديه اعتماده. ولمّا كان أمير المؤمنين- أحسن الله مأبه- قد نوّر الله عين بصيرته، وخصّه بطهارة سرّه وصفاء سريرته، وآتاه الله الملك والحكمة، وأقامه لمصالح الرعيّة وصلاح أمر الأمّة، وعلّمه ممّا يشاء فكان له من علم الفراسة أوفر قسم، واصطفاه على أهل عصره وزاده بسطة في العلم والجسم، فلا يعزم أمرا إلّا كان رشادا، ولا يعتمد فعلا إلّا ظهر سدادا، ولا يرتئي رأيا إلّا ألفي صوابا، ولا يشير بشيء إلّا حمدت آثاره بداية ونهاية واستصحابا، ومع ذلك فقد بلا الناس وخبرهم، وعلم بالتجربة حالهم وخبرهم، واطّلع بحسن النظر على خفايا أمورهم، وما به مصلحة خاصّتهم وجمهورهم، وترجّح عنده جانب العهد على جانب الإهمال، ورأى المبادرة إليه أولى من الإمهال، ولم يزل يروّي فكرته، ويعمل رويّته، فيمن يصلح لهذا الأمر بعده، وينهض بأعبائه الثقيلة وحده، ويتّبع فيه سبله ويسلك طرائقه، ويقتفي في السّيرة الحسنة أثره ويشيم في العدل بوارقه، ويقبل على الأمر بكلّيّته ويقطع النظر عمّا سواه، ويتفرّغ له من كلّ شاغل فلا يخلطه بما عداه. وقد علم أنّ الأحقّ بأن يكون لها حليفا من كان بها خليقا، والأولى بأن يكون لها قرينا من كان بوصلها حقيقا، والأجدر أن يكون لديها مكينا من اتخذ معها يدا وإلى مرضاتها طريقا، والأليق بمنصبها الشريف من كان بمطلوبها مليّا، والأحرى بمكانها الرفيع من كان بمقصودها وفيّا، والأوفق لمقامها العالي من كان خيرا مقاما وأحسن نديّا، وكان ولده السيد الأجلّ أبو الفضل المشار إليه هو الذي وجّهت الخلافة وجهها إلى قبلته، وبالغت في طلبه وألحّت في خطبته،

على أنه قد أرضع بلبانها وربّي في حجرها، وانتسب إليها بالبنوّة فضمّته إلى صدرها، وكيف لا تتشبّث بحباله، وتتعلّق بأذياله، وتطمع في قربه، وتتغالى في حبّه، وتميل إلى أنسه، وتراوده عن نفسه، وهو كفؤها المستجمع لشرائطها المتّصف بصفاتها، ونسيبها السامي إلى أعاليها الراقي على شرفاتها، إذ هو شبلها الناشيء في آجامها، بل أسدها الحامي لحماها ومجيرها الوافي بذمامها، وفارسها المقدّم في حلبة سباقها ووارثها الحائز لجميع سهامها، وحاكمها الطائع لأمرها، ورشيدها المأمون على سرّها، وناصرها القائم بواجبها، ومهديّها الهادي إلى أفضل مذاهبها؟ قد التحف من الخلافة بردائها، وسكن من القلوب في سويدائها، وتوسّمت الآفاق تفويض الأمر إليه بعد أبيه فظهر الخلوق في أرجائها، واتّبع سيرة أبيه في المعروف واقتفى أثره في الكرم، وتشبّه به في المفاخر (ومن يشابه أبه فما ظلم) وتقبّل الله دعاء أبيه فوهب له من لدنه وليّا، وأجاب نداءه فيه فمكّن له في الأرض وآتاه الحكم صبيّا، فاستوجب أن يكون حينئذ للمسلمين وليّ عهدهم، واليا على أمورهم في حلّهم وعقدهم، متكفّلا بالأمر في قربه وبعده، معينا لأبيه في حياته خليفة له من بعده، وأن يصرّح له بالاستخلاف ويوضّح، ويتلو عليه بلسان التفويض اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ «1» . واقتضت شفقة أمير المؤمنين ورأفته، ورفقه بالأمة ورحمته، أن ينصب لهم وليّ عهد يكون بهذه الصّفات متّصفا، ومن بحره الكريم مغترفا، ومن ثمار معروفه المعروف مقتطفا، ولمنهله العذب واردا، وعلى بيته الشريف وسائر الأمّة بالخير عائدا، فلم يجد من هو مستكمل لجميعها، مستوعب لأصولها وفروعها، وهو بمطلوبها أملى، وعلى قلوب الرعيّة أحلى، وللغليل أشفى، وبالعهد الجميل أوفى، من ولده المشار إليه. فاستشار في ذلك أهل الحلّ والعقد من قضاته وعلمائه، وأمرائه ووزرائه، وخاصّته وذويه، وأقاربه وبنيه،

وأعيان أهل العصر وعامّته، وجمهوره وكافّته، فرأوه صوابا، ولم يعرهم فيه ظنّة ولا مسترابا «1» ، ولا وجد أحد منهم إلى باب غيره طريقا ولا إلى طريق غيره بابا، فاستخار الله تعالى فيه فأقبل خاطره الشريف عليه، وكرّر الاستخارة فلم يجد عنه مجيدا إلّا إليه. فلمّا رأى أنّ ذلك أمر قد انعقد عليه الإجماع قولا وفعلا، وعدم فيه المحالف بل لم يكن أصلا، حمد الله تعالى وأثنى عليه، وسأله التوفيق ورغب إليه، وجدّد الاستخارة وعهد إليه بأمر الأمّة، وقلّده ما هو متقلّده من الخلافة المقدّسة بعده على عادة من تقدّمه من الخلفاء الماضين، وقاعدة من سلف من الأئمة المهديّين، وفوّض إليه ما هو من أحكامها ولوازمها، وأصولها ومعالهما، من عهد ووصاية، وعزل وولاية، وتفويض وتقليد، وانتزاع وتخليد، وتفريق وجمع، وإعطاء ومنع، ووصل وقطع، وصلة وإدرار، وتقليل وإكثار، جزئيّها وكلّيّها، وخفيّها وجليّها، ودانيها وقاصيها، وطائعها وعاصيها، تفويضا شرعيّا، تامّا مرضيّا، جامعا لأحكام الولاية جمعا يعمّ كلّ نطاق، ويسري حكمه في جميع الآفاق، ويدخل تحته سائر الأقاليم والأمصار على الإطلاق، لا يغيّر حكمه، ولا يمحى رسمه، ولا يطيش سهمه، ولا يأفل نجمه. قبل المعهود إليه- أعلى الله مقامه- ذلك بمحضر من القضاة والحكّام، والعلماء الأعلام، ولزم حكمه وانبرم، وكتب في سجلّات الأفلاك وارتسم، وحملت رسائله مع برد السّحاب فطافت به على سائر الأمم، وهو- أبقاه الله- مع ما طبعت عليه طباعه السليمة، وجبلت عليه سجاياه الشريفة وأخلاقه الكريمة، قد تلقّى عن أمير المؤمنين من شريف الآداب ما غذّي به في مهده، وتلقّف منه من حسن الأدوات ما يرويه بالسّند عن أبيه وجدّه، مما انطبع في صفاء ذهنه الصّقيل وانتقش في فهمه، واختلط من حال طفوليّته بذمه ولحمه

وعظمه، حتّى صار طبعا ثانيا، وخلقا على ممرّ الزمان باقيا، واجتمع لديه الغريزيّ فكان أصلا ثابتا، وفرعا على ذلك الأصل القويّ نابتا، لكن أمير المؤمنين يوصيه تبرّكا، ويشرح له ما يكون به- إن شاء الله- متمسّكا، والمرء إلى الأمر بالخير مندوب، ووصيّة الرجل لبنيه مطلوبة فقد قال تعالى: وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ «1» . فعليك بمراقبة الله تعالى فمن راقب الله نجا، و [اجعل] التّقوى رأس مالك، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً «2» والجأ إلى الحق فقد فاز من إلى الحق لجا، وكتاب الله هو الحبل المتين، والكتاب المبين، والمنهج القويم، والسبيل الواضح والصّراط المستقيم، فتمسّك منه بالعروة الوثقى، واسلك طريقته المثلى واهتد بهديه فلا تضلّ ولا تشقى، وسنّة نبيّه محمد صلّى الله عليه وسلّم عليك بالاقتداء بأفعالها الواضحة، والإصغاء لآثار أقوالها الشارحة، عالما بأنّ الكتاب والسنة أخوان لا يفترقان، ومتلازمان بحبل التباين لا يعتلقان، والبلاد والرّعايا فحطهما بنظرك ما استطعت، وتثبّت في كل قطع ووصل فأنت مسؤول عن كل ما وصلت وقطعت، والآل والعترة النبويّة ففهما «3» حقّ القرابة منك ومن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي أشرقت به، واعلم أنك إذا أكرمت أحدا منهم فإنما أكرمته بسببه، واتّبع في السّيرة سيرة آبائك الخلفاء الراشدين لا تزغ عنها، ولا تعمل إلّا بها وبما هو- إن استطعت- خير منها، واقف في المعروف آثارهم المقدّسة لتحوي من المآثر ما حووا، واحذ حذوهم في طريقهم المباركة وابن المجد كما بنوا، وأحي من العمل سنّة سلفك المصطفين الأخيار، واحرص أن تكون من الأئمة الذين يظلّهم الله تحت عرشه، يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ «4» . وأسلف خيرا تذكر به على ممرّ

المذهب الثاني (أن يفتتح العهد بعد البسملة بلفظ «من فلان إلى فلان» كما يكتب في المكاتبات ثم يأتي بالبعدية

اللّيالي، وينتظم ذكره في عقود الأيّام كما تنتظم في السّلك اللّالي، وليكن قصدك وجه الله ليكون في نصرتك فإنّ من كان الله تعالى في نصرته لا يبالي، ولتعلم حقّ اليقين أنّ حسنة الإمام تضاعف بحسب ما يترتّب عليها من المصالح أو يتجدّد بسببها، وسيّئته كذلك فمن سنّ سيئة كان عليه إثمها وإثم من عمل بها، ودر مع الحقّ كيف دار ومل معه حيث مال، واعلم بأنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مردّ له وما لهم من دونه من وال، ولا تخطر ببالك أنّ هذا الأمر انتهى إليك بقوّة، أو يغرّك ما قدّمناه من الثناء عليكم فالتأثّر بالمدح يخلّ بالمروّة، ولا تتّكل على نسبك فمن أطاع الله أدخله الجنة ولو كان عبدا حبشيّا، ومن عصاه أدخله النار ولو كان هاشميّا قرشيّا، واستنصر الله ينصرك واستعن به يكن لك عونا وظهيرا، واستهده يهدك وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً «1» وكن [من] الله خائفا ومن مكره من المشفقين، فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين. هذا عهد أمير المؤمنين إليك، ووصيّته تملى عليك، وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ «2» والله تعالى يبلّغه منك أملا، ويحقّق فيك علما ويزكّي بك عملا، والاعتماد على الخطّ المقدّس الإماميّ المتوكليّ- أعلاه الله تعالى- أعلاه، حجة فيه إن شاء الله تعالى. المذهب الثاني (أن يفتتح العهد بعد البسملة بلفظ «من فلان إلى فلان» كما يكتب في المكاتبات ثم يأتي بالبعدية ويأتي بما يناسبه مما يقتضيه الحال من ذكر الولاية، ووصف المتولّي، واختيار المولّي له ونحو ذلك) ثم قاعدة كتّابهم أنهم يأتون بعد ذلك بالتحميد في أثناء العهد.

وهذه نسخة عهد من ذلك، كتب بها عن الحافظ «1» لدين الله الفاطميّ، لولده حيدرة «2» بأن يكون وليّ عهد الخلافة بعده، وليس فيها تعرّض لتحميد أصلا، وهو: من عبد الله ووليّه عبد المجيد أبي الميمون الحافظ لدين الله أمير المؤمنين، إلى ولده ونجله، وسلالته الطاهرة ونسله، والمجمع على شرفه والعامل بمرضاة الله في قوله وفعله، وعقده وحلّه، الأمين أبي تراب حيدرة وليّ عهد أمير المؤمنين، عليه السّلام. سلام عليك، فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو، ويسأله أن يصلّى على جدّه محمد خاتم النبيين، وسيّد المرسلين، صلّى الله عليه وعلى آله الطاهرين، الأئمة المهديّين، وسلّم تسليما. أما بعد، فإنّ الله تعالى لبديع حكمته، ووسيع رحمته، استودع خلفاءه من خلقه وبرأه، واستكفى أمناءه من صوّره وذرأه، ورتّبهم مرتبة النفوس من الأجساد، ونزّلهم بمنزلة الضّياء من الأزناد، وجعلهم مستخدمين لأفكارهم في مصالح البريّة الّتي غدت في أمانهم، وحصلت في ضمانهم، فظلّت في ذمامهم، وسعدت في عزّ مقامهم وظلّ أيّامهم؛ لأنّهم نصبوا للنظر فيما جلّ

ودقّ، وتعبوا لراحة الكافّة تعبا صعب وعظم وشقّ، وكان ذلك سرّا من أسرار الحكمة، وضربا من أفضل تدبير الأمّة، إذ لو ساوى بين الرئيس والمرؤوس، والسائس والمسوس. لا ختلط الخصوص بالعموم، ولم يبق فرق بين الإمام والمأموم. وقد استخلص الله أمير المؤمنين من أشرف أسرة وأكرم عصابة، وأيّده في جميع آرائه بالحزامة والجزالة والأصالة والإصابة، وقضى لأغراضه أن يكون السعد لها خادما، وحتم لمقاصده أن يصاحبها التوفيق ولا ينفكّ لها ملازما، وجمع له ما تفرّق في الخليقة من المفاخر والمناقب، وألهمه النظر في حسن الخواتم وحميد العواقب. ولما كان وليّ عهد أمير المؤمنين أكبر أبناء أمير المؤمنين، والمنتهي لأشرف المراتب من تقادم السّنين، وقد استولى على الفخر باكتسابه وانتسابه، وتصدّت له مخطوبات الرّتب ليحوزها باستحقاقه واستيجابه، وله من فضيلة ذاته ما يدلّ على النبإ العظيم، وعليه من أنوار النبوّة ما يهتدي به الساري في الليل البهيم، وحين حوى تالد الفخر وطارفه ولم يستغن بالقديم عن الحديث ولا بالحديث عن القديم، والصّفات إذا اختلفت أربابها لا تقع إلا دونه، والثواب الجزيل مما أعدّه الله للذين يخلصون فيه ويتولّونه، وليفخر بأن خصّ من العناية الملكوتيّة بالحظّ الأجزل، وليتسمّح على البرايا ليكون ممدوحا بالكتاب المنزّل، وليبذخ فإنّ وصفه لا تبلغ غايته وإن استخدمت فيه الفكر، وليبجح فإن فضله لا يدرك حقيقة إلّا إذا تليت السّور، فأمتعه الله بمواهبه لديه وأمتع أمير المؤمنين به، وأجرى أموره عاجلا وآجلا بسببه. رأى أمير «1» المؤمنين أن يختصه بولاية عهد أمير المؤمنين تمييزا له بهذا

النعت الشريف، وسمّوا به إلى ما يجب لمجده الشامخ ومحلّه المنيف، واقتداء بأسلافه الأئمة الأطهار فيما يشرّفون به أبناءهم الأكرمين، وتخصيصا له بما يبقى فخره على متجدّد الأزمان ومتطاول السّنين. وأمر أمير المؤمنين أن يتخيّر من رجال دولته، ووجوه أجناده وشيعته، طائفة يكون إليه انتماؤها، وإلى شرف هذا النعت انتسابها واعتزاؤها، فتوسم بالطائفة العهديّة، وتحظى إذا أخلصت في الولاية بالسّعادة الدائمة الأبديّة، وتظلّ موقوفة على خدمته، متصرّفة على أوامره وأمثلته، منتهية في طاعته إلى أغراضه ومآربه، وملازمة للّازم المتعيّن من ملازمة الخدمة في مواكبه، والله تعالى يجعل ما رآه أمير المؤمنين من ذلك كافلا بالخيرات، ضامنا لشمول المنافع وعموم البركات، إن شاء الله تعالى. والسّلام على وليّ عهد أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. وهذه نسخة بولاية العهد من خليفة لولده بالخلافة على هذه الطريقة، من إنشاء القاضي «1» الفاضل، أتى فيها بالتحميد بعد التصدير ثلاث مرّات، وهي: من عبد الله ووليّه فلان أبي فلان الإمام الفلانيّ إلى فلان الفلاني، والصلاة والسّلام على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على نحو ما تقدّم في العهد قبله: أما بعد، فالحمد لله الذي استحقّ الحمد بفضله، وأجرى القضاء [على ما أراده] «2» ووسع الجرائم بعفوه وعدله، وصرّف المراحم بين قوله وفعله، وأعلى منار الحق وأرشد إلى أهله، واختار الإسلام دينا وعصم المعتلقين بحبله، وأوضح سبل النّجاة بما أوضح لسالكيه من سبله، وتعالى علاه إلى

الصّفات، فلم يوصف بمثل قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ «1» وتنزّه عن اشتراك التشبيهات، في كلّ جليل الوصف مستقلّه وغير مستقلّه، علم ما اشتملت عليه خطرات الأسرار، وأشارت إليه نظرات الأبصار، وانفرجت عنه غمرات الأخطار، وأخفته سترات الظلماء وباحت به جهرات الأنوار: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ «2» . والحمد لله الذي جعل الدّين عنده الإسلام، فمن ابتغى غيره ضلّ المنهج، وأبعد المعرج، واستلقح المخدج، وغلط المخرج، وفارق النّور الأبلج، وركب الطريق الأعوج، وأتى يوم القيامة باللّسان الملجلج، ومن أسلم وجهه إليه فاز بالسّعي النّجيح، وحاز المتجر الرّبيح، وورد المورد الأحمد، ويمّم القصد الأقصد، ووجد الجدّ الأسعد، وسلك المنهج الأرشد، فهو العروة الوثقى، والطريقة المثلى، والدرجة العليا، وأمر به خير المرسلين، المنعوت في سير الأوّلين، المبعوث بالحق المبين، والقائم رسولا في الأمّيين، والهادي إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم، والداعي الذي من أجابه وآمن به غفر له ما تقدّم من ذنبه وأجير من عذاب أليم، والمستقلّ [بالعبء] «3» العظيم، بفضل ما منح من الخلق العظيم، والممدوح بقوله: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «4» والحمد لله الذي وصل النبوّة بالإمامة، وجعلها كلمة باقية في عقبه إلى يوم القيامة، وخصّها بالخصائص الّتي لا تنبغي إلّا لتامّ الكرامة، وأجار بها خلقه من متالف الطامّة وبوادي النّدامة، وهدى بشرف مقامه إلى دار المقامة، واستردّ بأنوار تدبيره من ظلام الباطل الطّلامة، وأحسن بما أجراه من نظره النظر

للخاصّة والعامّة، إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ «1» . يحمده أمير المؤمنين أن رفعه إلى ذلك المحلّ المنيف، واستعمر به المقام الشريف، وأظهر كلمة الدّين الحنيف، ونفى عنه تغالي التعمّق وتجديف التحريف، وبيّن بموافقة توفيق هديه طريق التكليف، وأمدّه بموادّ إلهيّة تشتهر فتستغني عن التعريف، وتتّصل فتقطع موادّ التكييف. ويسأله أن يصلّي على جدّه محمد الذي نسخ بشريعته الشرائع، وهذّب بهدايته المشارع، وأيّده بالحجج القواطع، والأنوار السّواطع، وجعل من ذرّيّته جبال الله القوارع، ومن مشكاته نجوم الهدى الطّوالع، وعدقت صنائعه بالله إذا افتخرت المنعمون بالصّنائع، وعلى أخيه وأبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب المخصوص بأخوّته، وأبي الثقلين من عترته، والسابق إلى الإسلام فهو بعده أبو عذرته، وإلى تفريج الكرب عن وجهه في الحرب فهو ابن بجدته. وعلى الأئمة من ذرّيتهما مصابيح الظّلمات، ومفاتيح الشّكوك المبهمات، والممنوحين من شرف السّمات، ما جلّ عن المسامات، والممدوحين بفضل الجاه في الأرضين والسّموات. وإن الله بحكمته البديعة، ورحمته الوسيعة، أقام الخلفاء لخلقه قواما وبحقّه قوّاما، وجعل نار الحوادث بنورهم بردا وسلاما، وجعل لهم الهداية بأمره لزاما، واستصرف بهم عن الخلق عذاب جهنّم إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً «2» ، فهم أرواح والخلائق أجسام، وصباح والمسالك أظلام، وثمرات والوجود أكمام، وحكّام والحقائق أحكام، يسهرون في منافع الأنام وهم نيام، وينفردون بوصب النّصب ويفردونهم بلذّات الجام، ويهتدون بهداياتهم إلى ما تدقّ عنه

حوائط الأفهام، ولا يدرك إلّا بوسائط إلهام. وقد اصطفى الله الأمير من تلك الأسرة، ورقّاه شرف تلك المنابر وملك تلك الأسرّة، وأنار بمقامه نجوم السعادة المستسرّة، واستخدم العالم لأغراضه، وسدّد كلّ سهم في رميه إلى أغراضه، وأقرض الله قرضا حسنا فهو واثق بحسن عواقب إقراضه، وافترض طاعته في خلقه فالسعيد من تلقّى طاعة أمير المؤمنين بافتراضه، وأمضى أوامره على الأيّام فما يقابلها صرف من صروفها باعتراضه، وأدار الحقّ معه حيث دار، وكشف له ما استجنّ تحت أستار الأقدار، ووقف الخيرة والنّصرة على آرائه وراياته فهو المستشار والمستخار، وألهمه أن يحفظ للأمة غدها كما حفظ لها يومها، وأن يجري لها موارد توفيق الارتياد ولا يطيل حومها، وأن يجعل المؤمن على ثلج من الصّدور، وفلج من الظّهور، ويودع عندها برد اليقين بالإشارة إلى مستودع النّور، ويجعلها على شريعة من الأمر فتتّبعها، ويحلّها بمنزلة الخصب فترتبعها، ويعلم نديّ خيره ليكون غايتها ومفزعها، ويعرّفها من تنتظره فتتّخذه مآلها ومرجعها، ويقتدي في ذلك بسيد المرسلين في يوم الغدير ويشير إلى من يقوم به المشير مقام البشير. ولمّا كنت حافظ عهد أمير المؤمنين والسيّد الذي لا بدّ أن يتوّج به السّرير، والنّجم الذي لا بدّ أن نستطيل إلى أنواره ونستطير، والذّخيرة الّتي ادّخرها الله لنيل كل خطر ودفع كلّ خطير، والسّحاب الذي فيه الثّجّ المطير، والنّجم المنير، والرّجم المبير، وقد تجلّت لك أوجه الكرامات وتبدّت، وتبّرجت لك مخطوبات المقامات وتصدّت، وطلبتك كفؤا لنيل عقيلتها وسكنى معقلها فما تعدّت، وأدّت إليك لطائف فهمك من أسرار الحقائق ما أدّت، وعرفت من سيماك هدي النبوّة، واجتمع لك مزيّة الشرفين من الطّرفين الأبوّة والبنوّة، وأخذت كتاب الحكمة ومصون العصمة بقوّة، وأجرت القلوب الّتي بعوارض الشّكّ ممنوّة، وآثرت العقائد الّتي بنواقض العقد مملوّة، وغدت وجوه الأنام بأيّامك مجلوّة، وتوافقت الألسن على مدحك ولا مثل ما مدحت من الآيات المتلوّة، وكنت بحيث تذهب بالأهوال المسلوّة، وتقبل بالآمال المرجوّة، ولو أنّ ركبا

ضلّ لهداه نورك في الليل البهيم، ولو أنّ ذكرك شذّ لتبدّى في الآيات والذّكر الحكيم، ولو أنّك طلعت على الأولين لما تساءلوا ولا اختلفوا في النّبإ العظيم، ولو أنّ قديما علا فوق كلّ حديث لقام لك الحديث مقام القديم، ولو أنّ جميع الأنام في صعيد واحد لصعدت دونهم المقام الكريم، ولو أنّ يدك البيضاء تجسّمت للناظرين لأعدت آية موسى الكليم، ولو أنّ هدايتك الغرّاء تنسّمت للذاكرين لأحييت بها العظام وهي رميم، ولو أنّ علومك انتشرت بين العلماء لتلوا: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ «1» ولو أنّ ليلة ولادتك رصدتها البصائر، رأت كيف يفرق فيها كلّ أمر حكيم، والصّفات إذا احتفل أربابها وقفت لك عبيدا، والأيام إذا كانت ظروفا لفضائلك كان كلّ يوم منها للعبيد عيدا، والأنساب إذا عددتها كان الجدّ سعيدا، فلتفخر قبل السير بأن أمليت عليها السّور، وأبشر بأن المنتظر من فضل الله لك فوق ما تعجّله النظر، واشمخ بأنّ سادة القبائل مضر وأنك بعد أمير المؤمنين سيّد مضر، وابذخ بأنك عوض من كلّ من غاب وما عنك عوض في كل من حضر، وابجح بأنك قد أهّلت لأمر أبى الله له إلّا أولي العزم والخطر، واشكر الله على نعمة خلقك لها بقدر، ومزيّة لا يوفّي حقّها من أضمر فأغرق أو نطق فشكر، وقل الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ «2» ، وقل «3» رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ* «4» . فإليك هذا الأمر يصير، وأنت له والله لك نعم المولى ونعم النّصير، وتأهّب له في درجته الّتي لا ينالها باع قصير، ولا يمتطيها إلّا من اختاره الله على علم من أهل الثقلين ولو أنّ بعضهم لبعض ظهير، ولا ترى لها أهلا إلّا من أراه الله من

آياته أنه هو السّميع البصير، وفاوض أمير المؤمنين في مشكلات الأمر ولا ينبّئك مثل خبير، واقتد منه بمن هو [في] أهل دهره وصيّ الوصيّ ونظير النّذير، واهتد بنوره الذي هو بالنّور البائن دون الخلق بشير، وسر إذا استعملك الله فيهم بما رأيت أمير المؤمنين به فيهم يسير، وادع الله بأن ييسّر على يدك مناجحهم إنّ ذلك على الله يسير، واعرف ما آثرك الله به من أنه لم يجعل ليدك كفؤا إلّا ذا الفقار ولا لقدمك كفؤا إلّا المنبر والسرير، وتحدّث بنعمة الله وإجرائها فأمير المؤمنين اليوم عليك أمير وأنت غدا على المؤمنين أمير: هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ «1» . وأما العدل وإفاضته، والجور وإغاضته، والصّعب ورياضته، والجدب وترويضه، والخطب وتفويضه، والجهاد ورفع علمه، والذبّ عن دين الله وحفظ حرمه، والأمر بالمعروف ونشر ردائه، والنهي عن المنكر وطيّ اعتدائه، وإقامة الحدّ بالصّفح والحدّ، والمساواة في الحقّ بين المولى والعبد، وبثّ دعوة الله في كل غور من البلاد ونجد، وأمر عباد الله إن عباد الله في زمنك الرغد، فذلك عهد الأئمة الراشدين، وهو إليك من أمير المؤمنين، عهد مؤكّد العقد، وهو سنّة فضل الخلفاء الّتي لا تجد لها تحويلا، ومعنى العهد الذي أمر الله بالوفاء به فقال: إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا «2» . وهل يوصى البحر بتلاطم أمواجه وتدافع أفواجه وبتزاخر عجاجه؟ وهل يحضّ البدر المنير على أن ينير سراجه، ويطلع ليتّضح للسالك منهاجه أو ينبّه على هدايته إذا تهادته أبراجه؟ وعليك من سرائر أنوار الله ما يغنيك أن توصى، ولديك من ظواهر لطائف الله ما تميّز به عن الخلق إذ أضحيت به مخصوصا، ومن شواهد اختيار الله ما تظاهرت عليك آياته نصوصا، فبسلام الله يحيّيك المؤمنون، وبالاعتلاق بعصمة ولائك في يوم الفزع الأكبر يأمنون، والله منجز

المذهب الثالث (أن يفتتح العهد بعد البسملة بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» ثم يأتي بالبعدية

لك وعده كما أنجزه لمن جعلهم أئمة لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون، والله سبحانه يهدي إليك تحية من عنده مباركة طيّبة، ويسدي إلى مقام شرفك سحابة رحمة غدقة صيّبة، ويجعل ما رآه أمير المؤمنين من ولايتك عهده، وكفالتك للأمّة بعده، للمسرّات ناظما، وللمساءات حاسما، وللبركات جامعا، وللباطل خافضا وللحق رافعا. وأمر أمير المؤمنين أن يعيّن على رجال من أولياء دولته، ووجوه شيعته، وأنصار سريّته، عدّة يكون إليك اعتزاؤها وبك اعتزازها، وببابك العالي إقامتها وإلى جنابك انحيازها، فتكون موسومة بالعبوديّة، ومتعرّضة بالولاء للسعادة الأبديّة، فتمتثل «1» على ما تمثّله من المراسم، وتتصرّف على ما تصرّفها عليه من العزائم، وتكون أبدا لما ينفذ عنك من أحكام الهبات والمكارم، وتقوم من ملازمة الخدمة في مواكبك بما هو لكل خادم فرض لازم، وتسارع في مطالبك إلى ما يسارع إليه الحازم، وتجود يا سماء الإنعام بالغدق الساجم. وتقدّر لها من الواجبات والزّيادات ما تقتضيه همم المكارم، تبذل في الخدمة الاجتهاد، وتنافس فيما تستمدّ [به] الحظوة بحضرته والإحماد، وعرّضها من الإحسان الجمّ للازدياد، وبلّغها المراد بما تبلغ بها من المراد، لتتشرّف بأن تكون تحت ركابه العالي متصرّفة، وتفتخر بأن تكون أنسابها باسمه العالي متشرّفة، إن شاء الله تعالى. المذهب الثالث (أن يفتتح العهد بعد البسملة بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» ثم يأتي بالبعديّة ويأتي بما يناسب الحال على نحو ما تقدّم، وعليه عمل أهل زماننا مع الاقتصار على تحميدة واحدة، والاختصار في القول) وهذه نسخة أوردها عليّ «2» بن خلف من إنشائه في كتابه «موادّ البيان» لترتيب الكتابة في زمن الفاطميين، وهي:

الحمد لله معزّ دينه بخلفائه الراشدين، ومرتّب حقّه بأوليائه الهادين، الذي اختار دين الإسلام لصفوته من بريّته، وخصّ به من استخلصه من أهل طاعته، وجعله حبله المتين، ودينه الذي أظهره على كلّ دين، وسبيله الأفسح، وطريقه الأوضح، وابتعث به نبيّه محمدا صلّى الله عليه فصدع بأمره، وأعلن بذكره، والناس في فترة الضّلالة، وغمرة الجهالة، فلما أنجز في نصرة حقّه، وتأييده لسعداء خلقه [قبضه] «1» إليه محمود الأثر، طيّب الخبر [وقام] «2» بخلافته، من انتخبه من طهره عترته، وأودعهم حكمته، وكفّلهم شريعته، فاقتفوا سبيله، واتبعوا دليله، كلّما قبض منهم سلفا إلى مقرّ مجده، اصطفى خلفا للإمامة من بعده. يحمده أمير المؤمنين أن أفضى إليه بتراث الإمامة والرّسالة، وهدى به كما هدى بجدّه من الزّيغ والضّلالة، واختصّه بميراث النّبوّة والخلافة، ونصبه رحمة للكافة، وأتمّ نعمته [عليه] كما أتمّها على آبائه، وأجزل حظّه من حسن بلائه، وأعانه على ما استرعاه، ووفّقه فيما ولّاه، وأنهضه بإعزاز الملّة، وإكرام الأمّة، وإماتة البدع، وإبطال المذهب المخترع، وإحياء السّنن، والاستقامة على لاحب السّنن، ووهبه من بنيه وذريّته مؤازرين على ما حمّله من أعباء خلافته، ومظاهرين على ما كلّفه من إمعان النظر في بريّته. ويسأله الصلاة على محمد خاتم أنبيائه، والخيرة من خلصائه، الذي شرّفه بختام رسله، وإقرار نيابته في أهله، صلّى الله عليه وعلى أخيه وابن عمّه وباب حكمته، عليّ بن أبي طالب وصيّه في أمّته، وعلى الأئمة الطّهرة من ذرّيّته، مناهج رحمته، وسرج هدايته، وسلّم تسليما. وإنّ الله تعالى جعل الخلافة للكافّة عصمة، ولأهل الإيمان رحمة، تجمع كلمتهم، وتحفظ ألفتهم، وتصلح عامّتهم، وتقيم فرائضه وسننه فيهم،

وتمدّ رواق العدل والأمنة عليهم، وتحسم أسباب الكفر والنّفاق، وتقمع أهل العناد والشّقاق، ولذلك وصل الله حبل الإمامة، وجعلها كلمة باقية في عقب أوليائه إلى يوم القيامة. ولما نظر أمير المؤمنين بعين اليقين، واقتبس من الحقيقة قبس [الحق] المبين، عرف ما بنيت عليه الدنيا من سرعة الزّوال، ووشك التحوّل والانتقال، وأنّ ما فوّض الله إليه من خلافته لا بدّ أن ينتقل عنه إلى أبنائه الميامين، كما انتقل إليه عن آبائه الراشدين، فلم يغترّ بمواعيدها المحال، وأضرب عمّا تخدع به من الأمانيّ والآمال، وأشفق على من كفّله الله بسياسته، وحمّله رعايته من أهل الإسلام المعتصمين بحبل دعوته، المشتملين بظلّ بيعته، عند تقضّي مدّته ونزوعه إلى آخرته، في الوقت المعلوم، بالأجل المحتوم، من انتشار الكلمة، وانبتات العصمة، وانشقاق العصا، وإراقة الدّما، واستيلاء الفتن، وتعطيل الفروض والسّنن، فنظر لهم بما ينظم شملهم، ويصل حبلهم، ويزجر ظلمتهم، ويجمع كلمتهم، ويؤلّف أفئدتهم، ورأى أن يعهد إلى فلان ولده؛ لأنه قريعه في علمه وفضله، وعقيبه في إنصافه وعدله، والملموح من بعده، والمرجوّ ليومه وغده، ولما جمع الله له من شروط الإمامة، وكمّله له من أدوات الخلافة، وجبله عليه من الرّحمة والرّافة، وخصّه به من الرّصانة والرّجاحة، والشّجاعة والسّماحة، وآتاه من فصل الخطاب، وجوامع الصّواب ومحاسن الآداب، ووقاية الدّين، والغلظة على الظالمين، واللّطف بالمؤمنين، بعد أن قدّم استخارة الله تعالى فيه، وسأله توفيقه لما يرضيه، ووقف فكره على اختياره، ولم يكن باختياره مع إيثاره، ويلوح في شمائله، ويستوضح في مخايله، أنّه الوليّ المجتبى، والخليفة المصطفى، الذي يحمي الله به ذمار الحقّ، ويعلي بسلطانه شعار الصّدق، وأنه- سبحانه- قد أفضى إليه بما أفضى به إلى الخلفاء من قبله، وأفاض عليه من الكامنات ما أفاضه على أهله، وبعد أن عاقده وعاهده على مثل ما عاهده عليه آباؤه، من تقوى الله تعالى وطاعته، واستشعار خيفته ومراقبته والعمل بكتابه وسنّته، وإقامة

حدود الله الّتي حدّها، بفروضه الّتي وكّدها والاقتداء بسلفه الراشدين، في المكافحه عن الدّين، والمسامحة عن أوزار المسلمين، وبسط العدل على الرعيّة، والحكم بينهم بالسّويّة، وإنصاف المظلوم من الظّلوم، وكفّ يد المغتصب الغشوم، وصرف ولاة الجور عن أهل الإسلام، وتخيّر من ينظر بينهم في المظالم والأحكام، وأن لا يولّي عليهم إلّا من يثق بعدالته، ويسكن إلى دينه وأمانته، ولا يفسح لشريف في التعدّي على مشروف، ولا يقوى في التسلّط على مضعوف، وأن يحمل الناس في الحقوق على التّساوي، ويجريهم في دولته على التناصف والتّكافي، ويأمر حجّابه ونوّابه بإيصال الخاصّة والعامّة إليه، وتمكينهم من عرض حوائجهم ومظالمهم عليه ليعلموا: الولاة والعمّال، أنّ رعيته على ذكر منه وبال، فيتحاموا التثقيل عليهم والإضرار بهم. وأشهد عليه بكلّ ما شرطه وحدّده، والعمل بما يحمد إليه فيما تقلّده. على أنه غنيّ عن وصيّة وتبصير، وتنبيه وتذكير، إلّا أنّ محمدا سيد المرسلين يقول لعليّ صلّى الله عليهما «أرسل عاقلا إلّا فأوصه» «1» . فبايعوا على بركة الله تعالى طائعين غير مكرهين، برغبة لا برهبة، وبإخلاص لا بمداهنة، بيعة رضا واختيار، وانقياد وإيثار، بصحّة من نيّاتكم، وسلامة من صدوركم، وصفاء من عقائدكم، ووفاء واستقامة فيما تضعون عليه أيمانكم، ليعرّفكم الله [من] سبوغ النّعمة، وشمول الحبرة، وحسن العاقبة، واتفاق الكلمة، ما يقرّ نواظركم، ويبرّد ضمائركم، ويذهب غلّ صدوركم ويعزّ جانبكم، ويذلّ مجانبكم، فاعلموا هذا واعملوا به إن شاء الله. وقد يغني هذا الكتاب الذي ذكرناه مغنى العهد، فلا يحتاج إلى عهد. وعلى ذلك كتب عن الإمام المستكفي «2» بالله أبي الربيع سليمان بن

الحاكم «1» بأمر الله أحمد، عهد ولده المستوثق «2» بالله «بركة» بالخلافة بعده. وهذه نسخته: الحمد لله الذي أيّد الخلافة العبّاسيّة بأجلّ والد وأبرّ ولد، وجعلها كلمة باقية في عقبه والسّند كالسّند، وآواهم من أمرهم إلى الكهف فالكهف وإن تناهى العدد، وزان عطفها بسؤدد سواد شعارهم المسجّلة أنوارهم ولا شكّ أن النّور في السّواد، وعدق «3» بصولتهم النبويّ معجزها كلّ منادّ. نحمده على ما منّ به من تمام النّعمة فيهم، ونزول الرحمة بتوافيهم، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة محضة الإخلاص، كافلا محضها بالفكاك من أسر الشّرك والخلاص، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله المبعوث بما أوضح سبل الرّشاد، وقمع أهل العناد، والشفيع المشفّع يوم التّناد، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة لا انقضاء لها ولا نفاد، وسلّم تسليما كثيرا.

الوجه السابع (فيما يكتب في مستند عهد ولي الخلافة عن الخليفة

وبعد فإن أمير المؤمنين (ويذكر اسمه) يعتصم بالله في كلّ ما يأتي ويذر مما جعل الله [له] من التفويض، ويشير إلى الصّواب في كل تصريح منه وتعريض، وإنه شدّ الله أزره، وعظّم قدره، استخار الله سبحانه وتعالى في الوصيّة بما جعله الله له من الخلافة المعظّمة المفخّمة الموروثة عن الآباء والجدود، الملقاة إليه مقاليدها كما نصّ عليه ابن عمّه صلّى الله عليه وسلّم في الوالد من قريش والمولود، لولده السيّد، الأجلّ المعظّم المكرّم، فلان، سليل الخلافة وشبل غابها، ونخبة أحسابها وأنسابها، أجلّه الله وشرّفه، وجمّل به عطف الأمانة وفوّفه، لما تلمّحه فيه من النّجابة اللائحة على شمائله، وظهر من مستوثق إبداء سرّه فيه بدلائل برهانه وبرهان دلائله؛ وأشهد على نفسه الكريمة- صانها الله تعالى- مولانا أو سيدنا أمير المؤمنين، من حضر من حكّام المسلمين: قضاة قضاتهم، وعلمائهم، وعدولهم، بمجلسه الشريف، أنه رضي أن يكون الأمر في الخلافة المعظّمة، الذي جعله الله له الآن لولده السيّد الأجلّ فلان بعد وفاته، فسّح الله في أجله، وعهد بذلك إليه، وعوّل في أمر الخلافة عليه، وألقى إليه مقاليدها، وجعل بيده زمام مبدئها ومعيدها، وصّى له بذلك جزئيّه وكلّيّه، وغامضه وجليّه، وصيّة شرعية بشروطها اللازمة المعتبرة، وقواعدها المحررة، أشهد عليه بذلك في تاريخ كذا. الوجه السابع (فيما يكتب في مستند عهد وليّ الخلافة عن الخليفة ، وما يكتبه الخليفة في بيت العلامة، وما يكتب في ذيل العهد بعد إتمام نسخته من قبول المعهود إليه، وشهادة الشّهود على العهد) أما ما يكتب في المستند، فينبغي أن يكون كما يكتب في عهود الملوك عن الخلفاء، على نحو ما تقدّم في البيعات، وهو أن يكتب: «بالإذن العالي، المولويّ، الإماميّ، النبويّ، الفلانيّ (بلقب الخلافة) أعلاه الله تعالى» أو نحو ذلك من الدعاء.

وأما ما يكتبه الخليفة في بيت العلامة، فينبغي أن يكتب: «عهدت إليه بذلك» ؛ لأنه اللفظ الذي ينعقد به العهد. ولو كتب: «فوّضت إليه ذلك» كما يكتب الخليفة في عهد السلطان الآن على ما سيأتي، كفى ذلك. والأليق بالمقام الأوّل. وأما ما يكتب في ذيل العهد بعد تمام نسخته، فالمنقول فيه عن المتقدّمين ما كتب به «عليّ الرّضيّ «1» » تحت عهد المأمون «2» إليه بالخلافة، وهو: الحمد لله الفعّال لما يشاء، لا معقّب لحكمه، ولا رادّ لقضائه، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور، وصلواته على نبيّه محمد خاتم النبيين، وآله الطيبين الطاهرين. أقول وأنا عليّ بن موسى بن جعفر: إنّ أمير المؤمنين عضّده الله بالسّداد، ووفّقه للرشاد، عرف من حقّنا ما جهله غيره، فوصل أرحاما قطعت، وأمّن أنفسا فزعت، بل أحياها وقد تلفت، وأغناها إذ افتقرت، متّبعا رضا ربّ العالمين، لا يريد جزاء من غيره وسيجزي الله الشاكرين، ولا يضيع أجر المحسنين، وإنه جعل إليّ عهده، والإمرة الكبرى إن بقيت بعده، فمن حلّ عقدة أمر الله بشدّها، أو فصم عروة أحبّ الله إيثاقها، فقد أباح حريمه وأحلّ محرّمه، إذ كان بذلك زاريا على الإمام، منتهكا حرمة الإسلام، بذلك جرى السالف فصبر منهم على الفلتات، ولم يعترض بعدها على العزمات، خوفا على شتات الدّين، واضطراب حبل المسلمين، ولقرب أمر الجاهلية ورصد فرصة تنتهز، وباقية تبتدر. وقد جعلت لله تعالى على نفسي إن استرعاني على المسلمين، وقلّدني خلافته، العمل فيهم عامّة وفي بني العبّاس بن عبد المطّلب خاصّة بطاعته وبسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأن لا أسفك دما حراما، ولا أبيح فرجا ولا مالا، إلّا ما سفكته حدوده، وأباحته فرائضه، وأن أتخيّر الكفاة جهدي

وطاقتي. جعلت بذلك على نفسي عهدا مؤكّدا يسألني [الله] عنه، فإنه عزّ وجلّ يقول: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا «1» . فإن أحدثت أو غيّرت أو بدّلت، كنت للغير مستحقّا، وللنّكال متعرّضا، وأعوذ بالله من سخطه، وإليه أرغب في التوفيق لطاعته، والحول بيني وبين معصيته، (في عامّة المسلمين، والخاصّة والحضر يدلان على ضدّ ذلك) «2» : وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ «3» : إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ «4» . لكنّني امتثلت رضاه، والله يعصمني وإيّاه، وأشهدت الله على نفسي بذلك وكفى بالله شهيدا. وكتبت بخطّي بحضرة أمير المؤمنين- أطال الله بقاءه- والفضل بن سهل، وسهل بن الفضل، ويحيى بن أكثم، وبشر بن المعتمر، وحمّاد بن النّعمان، في شهر رمضان سنة إحدى ومائتين. ثم كتب فيه من حضر من هولاء وهذه صورة كتابتهم. فكتب الفضل «5» بن سهل وزير المأمون ما صورته: «رسم أمير المؤمنين أطال الله بقاءه قراءة مضمون هذا المكتوب، ظهره وبطنه، بحرم سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بين الروضة والمنبر على رؤوس الأشهاد،

ومرأى ومسمع من وجوه بني هاشم وسائر الأولياء والأجناد، وهو يسأل الله أن يعرّف أمير المؤمنين وكافّة المسلمين بركة هذا العهد والميثاق، بما أوجب أمير المؤمنين الحجة به على جميع المسلمين، وأبطل الشّبهة الّتي كانت اعترضت آراء الجاهلين: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ «1» . وكتب «الفضل بن سهل» في التاريخ المعيّن فيه» . وكتب عبد الله «2» بن طاهر ما صورته «أثبت شهادته فيه بتاريخه عبد الله بن طاهر بن الحسين» . وكتب يحيى بن «3» أكثم القاضي ما صورته: «شهد يحيى بن أكثم على مضمون هذه الصحيفة ظهرها وبطنها، وكتب بخطه بالتاريخ» . وكتب حمّاد «4» بن النّعمان ما صورته: «شهد حمّاد بن النعمان بمضمون ظهره وبطنه، وكتب بيده بتاريخه» . وكتب بشر بن «5» المعتمر ما صورته: «شهد بمثل ذلك بشر بن المعتمر، وكتب بخطه بالتاريخ» .

الوجه الثامن (في قطع الورق الذي تكتب فيه عهود الخلفاء، والقلم الذي يكتب به، وكيفية كتابتها وصورة وضعها)

قلت: وعلى نحو ما تقدّم من كتابة المعهود إليه بالقبول وشهادة الشّهود على العهد ينبغي أن يكون العمل أيضا في زماننا، ليجتمع خطّ العاهد بالتفويض على ما تقدّم، وشهادة الشهود. ولو اقتصر المعهود إليه في الكتابة على قوله: «قبلت ذلك» كان كافيا، وإن كان أمّيّا اكتفي بشهادة الشهود. الوجه الثامن (في قطع الورق الذي تكتب فيه عهود الخلفاء، والقلم الذي يكتب به، وكيفيّة كتابتها وصورة وضعها) أما قطع الورق فمقتضى قول المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في «التعريف» أنّ للعهود قطع البغداديّ الكامل، وأن عهود الخلفاء تكتب في البغداديّ كما هو مستعمل في عهود الملوك عن الخلفاء، على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى. وهو مقتضى ما تقدّم «1» في الكلام على قطع الورق في مقدّمة الكتاب نقلا عن محمد بن عمر «2» المدائني في كتاب «القلم والدواة» أنّ القطع الكامل للخلفاء. قلت: وقد أخبرني من يوثق به أنه وقف على عهد المعتضد «3» بالله أبي الفتح أبي بكر، والد المتوكل «4» على الله، أبي عبد الله محمد خليفة العصر، وهو مكتوب في قطع الشاميّ الكامل، وأنه كتب عهد المتوكلّ على ظهره بخط الشهود دون كاتب «5» إنشاء. وكأنهم لما تقهقرت الخلافة وضعف شأنها، وصار

الأمر إلى الملوك المتغلّبين على الخلفاء، تنازلوا في كتابة عهودهم من قطع كامل البغدادي إلى قطع الشاميّ. وهذا هو المناسب للحال في زماننا. وأما القلم الذي يكتب به، فالحكم فيه ما تقدّم في البيعات، وهو إن كتب العهد في قطع البغداديّ، كتب بقلم مختصر الطّومار «1» . وإن كتب في قطع الشاميّ، كتب بقلم الثلثين الثّقيل. وأما كيفيّة الكتابة وصورة وضعها، فعلى ما تقدّم في كتابة البيعات، وهو أن يبتدأ بكتابة الطّرّة في أوّل الدّرج بالقلم الذي يكتب به العهد سطورا متلاصقة ممتدة في عرض الدّرج من أوّله إلى آخره من غيرهامش. ثم إن كانت الكتابة في قطع البغداديّ الكامل، جرى فيه على القاعدة المتداولة في عهود الملوك عن الخلفاء، فيترك بعد الوصل الذي فيه الطرّة ستّة أوصال بياضا من غير كتابة، ثم يكتب البسملة في أوّل الوصل الثامن بحيث يلحق أعالي ألفاته بالوصل الذي فوقه، بهامش قدر أربعة أصابع أو خمسة، ثم يكتب تحت البسملة سطرا من أوّل العهد ملاصقا لها، ثم يخلّي مكان بيت العلامة قدر شبر كما في عهود الملوك، ثم يكتب السطر الثاني تحت بيت العلامة على سمت السطر الذي تحت البسملة. ويحرص أن تكون نهاية السجعة الأولى في السطر الأوّل أو الثاني، ثم يسترسل في كتابة بقيّة العهد إلى آخره، ويجعل بين كلّ سطرين قدر ربع ذراع بذراع القماش. فإذا انتهى إلى آخر العهد، كتب «إن شاء الله تعالى» ثم المستند، ثم الحمدلة، والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والحسبلة، على ما تقدّم في الفواتح والخواتم. ثم يكتب المعهود إليه والشهود بعد ذلك. وإن كتب في قطع

الشاميّ، فعلى ما تقدّم في البيعات، من أنه ينبغي أن يقتصر في أوصال البياض على خمسة أوصال، ويكون الهامش قدر ثلاثة أصابع. وهذه صورة وضعه في الورق، ممثّلا فيها بالطرّة الّتي أنشأتها، على ما تقدّم ذكره في العهد الذي أنشأته على لسان الإمام المتوكل على الله خليفة العصر لولده العبّاس. وهو العهد الأخير من المذهب الأوّل من عهود الخلفاء عن الخلفاء. بياض بأعلى الدرج تقدير إصبع هذا عهد إماميّ قد علت جدوده، وزاد في الارتقاء في العلياء صعوده، وفصّلت بالجواهر قلائده ونظّمت بنفيس الدّرّ عقوده، من عبد الله ووليّه الإمام المتوكّل على الله أبي عبد الله محمد ابن الإمام المعتضد بالله أبي الفتح أبي بكر، بالخلافة المقدّسة لولده السيد الجليل، ذخيرة الدّين، ووليّ عهد المسلمين، أبي الفضل العبّاس، بلّغه الله تعالى فيه غاية الأمل، وأقرّ به عين الأمّة كما أقرّ به عين أبيه وقد فعل على ما شرح فيه. بياض ستة أوصال بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد سعيد الطالع ميمون الطائر مبارك الأوّل عهدت إليه بذلك وكتب فلان بن فلان جميل الأوسط حميد الآخر ... تشهد به حضرات الأملاك وترقمه كفّ الثّريّا بأقلام القبول في صحائف الأفلاك وتباهي به ملائكة الأرض ملائكة السما، وتسري بنشره القبول إلى الأقطار

النوع الثاني (عهود الخلفاء للملوك، ويتعلق النظر به من سبعة أوجه)

هامش: فتنشر له بكل ناحية علما، وتطلع به سعادة الجدّ من ملوك العدل في كلّ أفق نجما. ثم يأتي على الكلام إلى آخر العهد على هذا النّمط إلى أن ينتهي إلى قوله فيه «والله تعالى يبلّغه منك أملا، ويحقق فيك علما ويزكّي بك عملا» . إن شاء الله تعالى كتب في اليوم الأوّل من المحرّم سنة إحدى وثمانمائة بالإذن العالي، المولويّ، الإماميّ، النبويّ، المتوكّليّ، أعلاه الله تعالى الحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل قبلت ذلك شهد على العاهد والمعهود إليه وكتب فلان وليّ فيه زادهما الله شرفا عهد أمير المؤمنين وكتب فلان بن فلان وكذا بقية الشهود النوع الثاني (عهود الخلفاء للملوك، ويتعلّق النظر به من سبعة أوجه) الوجه الأوّل (في أصل مشروعيّتها) والأصل فيها ما رواه ابن إسحاق وغيره، أنه لما رجع وفد بني الحرث بن كعب إلى قومهم باليمن بعد وفود [هم] على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل وفاته بأربعة أشهر، بعث إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد أن ولّى وفدهم عمرو بن حزم، يفقّههم في الدّين، ويعلّمهم السنّة ومعالم الإسلام، ويأخذ منهم صدقاتهم. وكتب له كتابا

الوجه الثاني (في بيان [معنى] الملك والسلطنة اللتين يقع العهد بهما)

عهد فيه عهده، وأمره فيه أمره، على ما سيأتي ذكره في أوّل نسخ العهود الواردة في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. فقد فوّض النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمر اليمن في حياته إلى عمرو بن حزم رضي الله عنه. وذلك أصرح دليل وأقوم شاهد لما نحن فيه. الوجه الثاني (في بيان [معنى] الملك والسّلطنة اللتين يقع العهد بهما) قد تقدّم في الكلام على الألقاب نقلا عن «الفروق» في اللغة للعسكريّ أن الملك أخصّ من السّلطنة، لأن الملك لا يطلق إلّا على الولاية العامّة، والسّلطنة تطلق على أنواع الولايات، حتّى أنّ الفقهاء يعبّرون عن القاضي ووالي البلد في أبواب الفقه بالسّلطان «1» . ثم تفويض الخليفة الأمور في البلاد والأقاليم إلى من يدبّرها ويقوم بأعبائها على ثلاثة أقسام: القسم الأوّل- وهو أعلاها وزارة التفويض ، وهو أن يستوزر الخليفة «2» من يفوّض إليه تدبير الأمور برأيه وإمضاءها «3» على اجتهاده، وينظر فيها على العموم. وعلى ذلك كانت السلطنة في زمن الخلفاء الفاطميين بمصر على ما سيأتي ذكره. قال الماورديّ في «الأحكام السلطانية» : ولا «4» يمتنع جواز مثل ذلك؛ لأنّ كلّ ما وكل إلى الإمام من تدبير [الأمة] «5» لا يقدر على مباشرة

جميعه إلّا بالاستنابة «1» ، ونيابة الوزير المشارك له في التدبير أصحّ في تنفيذ الأمور، [من تفرّده بها] «2» ليستظهر به على نفسه ولنفسه «3» ، فيكون «4» أبعد من الزّلل، وأمنع من الخلل. قال: وتعتبر «5» في [تقليد] «6» هذه الوزارة شروط الإمامة إلّا النسب وحده. وقد تقدّم بيان شروط الإمامة في الكلام على البيعات. ثم قال: وكلّ ما صحّ من الإمام صحّ من «7» وزير التفويض إلّا في ثلاثة أشياء: أحدها- ولاية العهد. فإنّ للإمام أن يعهد إلى من يرى وليس ذلك للوزير. الثاني- أنّ للإمام أن يستعفي الأمّة من الإمامة وليس ذلك للوزير. الثالث- أنّ للإمام أن يعزل من قلّده الوزير وليس للوزير أن يعزل من قلّده الإمام. وتفارق هذه الوزارة الخلافة في عموم النظر فيما عدا ذلك من وجهين: أحدهما- مختصّ بالإمام وهو أن يتصفّح أفعال الوزير وتدبير الأمور ليقرّ منها ما وافق الصّواب، ويستدرك ما خالفه؛ لأنّ تدبير الأمة إليه موكول، وعلى اجتهاده محمول. والثاني- مختصّ بالوزير، وهو مطالعة الإمام بما أمضاه من تدبير، وأنفذه من ولاية وتقليد، لئلا يصير بالاستبداد كالإمام. أما وزارة التنفيذ فسيأتي الكلام عليها في تقليد الوزارة إن شاء الله تعالى.

القسم الثاني - إمارة الاستكفاء.

القسم الثاني- إمارة الاستكفاء. وهي الّتي تنعقد عن اختيار من الخليفة، وتشتمل على عمل محدود ونظر معهود، بأن يفوّض الخليفة إليه إمارة بلد أو إقليم ولاية على جميع أهله، ونظرا في المعهود من سائر أعماله، فيصير عامّ النظر فيما كان محدودا من عمل، ومعهودا من نظر. قال الماورديّ: فينظر فيما إليه في تدبير الجيش، وترتيبه في النّواحي، وتقدير أرزاقهم إن لم يكن الإمام قد قدّرها، وإدرارها عليهم إن كان الإمام قدّرها، وكذلك [النظر في] الأحكام، وتقليد القضاة والحكّام، وجباية الخراج، وقبض الصّدقات والعمل فيهما، وتفريق ما يستحق منهما، وحماية الحريم، والذّبّ عن البيضة، ومراعاة الدّين من تغيير أو تبديل، وإقامة الحدود في حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين، والإمامة في الجمع والجماعات بالقيام بها، والاستخلاف عليها، وتسيير الحجيج من عمله ومن يمرّ عليه من غير عمله، وجهاد من يليه من العدوّ، وقسم الغنائم في المقاتلة، وأخذ خمسها لأهل الخمس. وله أن يتّخذ وزير تنفيذ لا وزير تفويض. وعلى هذا كانت الأمراء والعمّال في الأقاليم والأمصار من ابتداء الإسلام إلى أن تغلّب المتغلّبون على الأمر واستضعف جانب الخلفاء. قال الماورديّ: ويعتبر في هذه الإمارة ما يعتبر في وزارة التفويض من الشروط، إذ ليس بين عموم الولاية وخصوصها فرق في الشروط المعتبرة فيها. القسم الثالث- إمارة الاستيلاء. وهي أن يقلّده الخليفة «1» الإمارة على بلاد ويفوّض إليه تدبيرها، فيستولي عليها بالقوّة، فيكون [الأمير] باستيلائه مستبدّا بالسياسة والتدبير، والخليفة

بإذنه ينفّذ «1» أحكام الدين لتخرج عن الفساد إلى الصّحّة، ومن الحظر إلى الإباحة، نافذ التصرّف في حقوق الملة وأحكام الأمّة. وهذا ما صار إليه الأمر بعد التغلّب على الخلفاء، والاستبداد بالأمر بالغلبة والقوّة. قال الماورديّ: وهذا وإن خرج عن عرف التقليد المطلق في شروطه وأحكامه، ففيه [من] حفظ قوانين «2» الشرع وحراسة الأحكام الدينية ما لا يجوز أن يترك مختلّا مدخولا، ولا فاسدا معلولا، فجاز فيه مع الاستيلاء والاضطرار، ما امتنع في تقليد الاستكفاء والاختيار؛ لوقوع الفرق بين شروط المكنة «3» والعجز: قال: والذي يتحفّظ بتقليد المستولي من قوانين الشريعة «4» سبعة أشياء، يشترك في التزامها الخليفة المولّي والأمير المستولي، ووجوبها في جهة المستولي أغلظ. أحدها- حفظ منصب الإمامة في خلافة النبوّة، وتدبير أمور الأمة «5» ليكون ما أوجبه الشرع من إقامتها محفوظا، وما تفرّع عنها من الحقوق محروسا. والثاني- ظهور الطاعة الدّينية الّتي يزول معها حكم العناد في «6» الدين، وينتفي بها مأثم المباينة له. والثالث- اجتماع الكلمة على الألفة والتناصر ليكون المسلمون «7» يدا على من سواهم. والرابع- أن تكون عقود الولايات الدينيّة جائزة، والأحكام والأقضية

[فيها] نافذة، لا تبطل بفساد عقودها، ولا تسقط بخلل عهودها. الخامس- أن يكون استيفاء الأموال الشرعيّة بحقّ تبرأ به ذمّة مؤدّيها، ويستبيحه آخذها ومعطيها «1» . السادس- أن تكون الحدود مستوفاة بحقّ، وقائمة على مستحقّ، فإنّ جنب المؤمن حمى إلّا من حقوق الله تعالى وحدوده. السابع- أن يكون للأمّة «2» في حفظ الدين وازع عن محارم الله تعالى، يأمر بحقّه إن أطيع، ويدعو إلى طاعته إن عصي. ثم قال: فإن كملت فيه شروط الاختيار المتقدّمة «3» ، كان تقليده حتما استدعاء لطاعته، ودفعا لمشاقّته ومخالفته، [وصار بالإذن له نافذا لتصرّف في حقوق الملة وأحكام الأمة] «4» ، وجرى على من استوزره أو استنابه أحكام من استوزره الخليفة أو استنابه. وإن لم تكمل «5» [فيه] شروط الاختيار، جاز له «6» إظهار تقليده استدعاء لطاعته وحسما لمخالفته ومعاندته، وكان نفوذ تصرّفاته «7» في الحقوق والأحكام موقوفا على أن يستنيب الخليفة له «8» من تكاملت فيه الشّروط. قال: وجاز مثل هذا وإن شذّ عن الأصول «9» ؛ لأنّ الضرورة تسقط ما أعوز من شروط المكنة.

قلت: ومملكة الديار المصرية من حين الفتح الإسلاميّ وهلمّ جرّا إلى زماننا دائرة بين هذه الأقسام الثلاثة، لا تكاد تخرج عنها؛ فكانت في بداية الأمر «إمارة استكفاء» يولّي عليها الخليفة في كلّ زمن من يقوم بأعبائها، ويتصرّف في أمورها، قاصر الولاية عليها، واقف عند حدّ ما يرد عليه من الخليفة من الأوامر والنّواهي، إلّا ما كان في أيام بني طولون من الخروج عن طاعة الخلفاء في بعض الأحيان. فلمّا استولى عليها الفاطميّون واستوزروا أرباب» السّيوف في أواخر دولتهم، وعظمت كلمتهم عندهم، صارت سلطنتها «وزارة تفويض» . وكان الخليفة يحتجب والوزير هو المتصرّف في المملكة كالملوك الآن أو قريب منهم. وكانوا يلقّبون بألقاب الملوك الآن، كالملك الأفضل رضوان وزير الحافظ، وهو أوّل من لقّب بالملك منهم فيما ذكره المؤيّد صاحب حماة في تاريخه. والملك الصالح طلائع بن رزّيك وزير الفائز ثم العاضد. والملك المنصور أسد الدين شيركوه بن شادي وزير العاضد، وابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيّوب وزير العاضد أيضا، قبل أن يستقلّ بالملك ويخطب بالديار المصرية لبني العبّاس ببغداد. ولا نكر في تسمية الوزير ملكا، فقد قيل في قوله تعالى في قصّة يوسف عليه السّلام: وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي «2» إنّ المراد بالملك الوزير لا الملك نفسه. ولما انتزعت من الفاطميين وصارت إلى بني أيّوب «3» ، وكانوا يلونها عن خلفاء بني العبّاس، صارت «إمارة استيلاء» لاستيلائهم عليها بالقوّة، واستبدادهم بالأمر والتدبير مع أصل إذن الخليفة وتقليده. وكان الرشيد قد لقّب «جعفر بن يحيى البرمكيّ» في زمن وزارته له بالسلطان، ولم يأخذ الناس في التلقيب به. فلمّا تغلّب الملوك بالشّرق على الخلفاء واستبدّوا عليهم، صار لقب السلطان سمة لهم،

مع ما يختصّهم به الخليفة من ألقاب التشريف، كشرف الدّولة، وعضد الدولة، وركن الدولة، ومعزّ الدولة، وعزّ الدولة، ونحو ذلك. وشاركهم في لقب السلطنة غيرهم من ملوك النواحي، فتلقب بذلك صلاح الدين يوسف بن أيّوب، وتلقّب بالملك الناصر عند استبداده بالملك على العاضد الفاطميّ بعد وزارته له، ونقل ما كان من وزارة التفويض والعهد بها إلى السلطنة، وصارت الوزارة عن السلطان معدوقة بقدر مخصوص من التصرّف. وبقي الأمر على ما هو عليه من الاستيلاء والاستبداد بالملك، مع أصل إذن الخليفة وكتابة العهد بالملك، وهي على ذلك إلى زماننا، إلّا ما كان في زمن تعطيل جيد الخلافة من الخلفاء، من حين قتل التتار «1» «المستعصم» «2» آخر خلفاء بني العباس ببغداد إلى حين إقامة الخليفة بمصر في الدولة الظاهريّة بيبرس «3» . على أنّ في السلطنة الآن شبها من وزارة التفويض، فإن الخليفة يفوّض إليه في تقليده تدبير جميع الممالك الإسلامية بالتفويض العامّ لا يستثني منها شيئا. وغير هذه

الوجه الثالث (فيما يجب على الكاتب مراعاته فيه)

المملكة وإن كان خارجا عن يده فهو داخل في عموم ولايته، حتّى لو غلب على شيء منها أو فتحه لم يحتج فيه إلى تولية جديدة من الخليفة. ولا مانع لذلك، فسيأتي في الكلام على المناشير أنه يجوز للإمام أن يقطع أرض الكفر قبل أن تفتح، وإذا جاز ذلك في الإقطاع «1» ففي هذا أولى. وحينئذ فتكون سلطنة الديار المصريّة الآن مركّبة من وزارة التفويض وإمارة الاستيلاء. الوجه الثالث (فيما يجب على الكاتب مراعاته فيه) واعلم أنه يجب على الكاتب مراعاة أمور: منها: براعة الاستهلال بما يتهيّأ له من اسم السلطان أو لقبه الخاصّ، مثل فلان الدين، أو لقبه بالسلطنة، مثل الناصر، والظاهر، ونحوهما، أو غير ذلك مما يدلّ على ما بعده قبل الإتيان به كما تقدّم في البيعات وعهود الخلفاء. ومنها: التنبيه على شرف السّلطنة وعلوّ رتبتها، ووجوب القيام بأمر الرعيّة، وتحمّل ذلك عن الخليفة. ومنها: الإشارة إلى اجتهاد الخليفة وإعمال فكره فيمن يقوم بأمر الأمّة، وأنه لم يجد بذلك أحقّ من المعهود إليه ولا أولى به منه، فيصفه بالصّفات الجميلة، ويثني عليه بما يليق بمقام الملك. ومنها: الإشارة إلى جريان لفظ تنعقد به الولاية من عهد أو تقليد أو تفويض، وقبول ذلك، ووقوع الإشهاد على الخليفة بالعهد. ومنها: إيراد ما يليق بالمقام من الوصيّة، بحسب ما يقتضيه الحال، من علوّ رتبة الخلافة وانخفاضها، مبيّنا لما يلزمه القيام به، من حفظ الدّين على أصوله المستقرّة، وما أجمع عليه سلف الأمّة، وتنفيذ الأحكام، وإنصاف المظلوم من الظالم، وحماية البيضة، والذّبّ عن الحرم، وإقامة الحدود،

الوجه الرابع (فيما يكتب في الطرة، وهو نمطان)

وتحصين الثّغور، وجهاد أعداء الله وغزوهم، وجباية الفيء «1» والصّدقات على ما أوجبه الشرع من غير حيف ولا عسف، وتقدير العطاء، وصرف ما يستحقّ في بيت المال من غير سرف ولا تقتير، في وقت الحاجة إليه، واستكفاء الأمناء، وتقليد النّصحاء للأعمال والأموال، ومباشرة الأمور بنفسه وتصفّح الأحوال، إلى غير ذلك من الأمور المتعلّقة بالإمامة، من إقامة موسم الحجّ، وتأمين الحرم الشريف وإكرام ضرائح الأنبياء وبيت المقدس، وتحرير مقادير المعاملات، وغير ذلك مما يقتضيه أمر المملكة. الوجه الرابع (فيما يكتب في الطّرة، وهو نمطان) النّمط الأوّل- ما كان يكتب في وزارة التفويض في دولة الفاطميين. وكان الخليفة هو الذي يكتب بيده. وهذا أمر وإن كان قد ترك فالمعرفة به خير من الجهل، خصوصا وقد أثبت المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله عهدي أسد الدين شيركوه «2» وابن أخيه السلطان صلاح الدّين «3» يوسف بن أيوب بالوزارة

عن العاضد «1» ، في جملة عهود الملوك على ما سيأتي ذكره. وسنوردهما في جملة عهود الملوك عن الخلفاء فيما بعد إن شاء الله تعالى. فمن ذلك ما كتب به العاضد في طرّة عهد أسد الدّين شيركوه المتقدّم ذكره، وهو: «هذا عهد لا عهد لوزير بمثله، وتقليد أمانة رآك الله تعالى وأمير المؤمنين أهلا لحمله، والحجة عليك عند الله بما أوضحه لك من مراشد سبله، فخذ كتاب أمير المؤمنين بقوّة، واسحب ذيل الفخار بأن اعتزت خدمتك إلى بنوّة النبوّة، واتّخذ أمير المؤمنين للفوز سبيلا وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا «2» » . ومن ذلك ما كتب به العاضد أيضا في طرّة العهد المكتتب عنه بالوزارة للسلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب قبل استقلاله بالسلطنة، وهو: «هذا عهد أمير المؤمنين إليك، وحجّته عند الله تعالى عليك، فأوف بعهدك ويمينك، وخذ كتاب أمير المؤمنين بيمينك، ولمن مضى بجدّنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحسن أسوة، ولمن بقي بقربنا أعظم سلوة تِلْكَ الدَّارُ

النمط الثاني - ما يكتب في طرة عهود الملوك الآن.

الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » «1» . النمط الثاني- ما يكتب في طرّة عهود الملوك الآن. وهو قريب مما كان يكتب أوّلا مما تقدّم ذكره، إلّا أنه يبدّل فيه لفظ الوزارة بالملك والسّلطنة، ويكون الذي يكتبه هو الذي يكتب العهد دون الخليفة. ثم هو بحسب ما يؤثره الكاتب مما يدلّ على صدر العهد على ما يقتضيه الحال. وهذه نسخة طرّة عهد، كتب بها القاضي محيي «2» الدين بن عبد الظاهر، في نسخة عهد أنشأه للسلطان الملك الناصر «3» محمد بن قلاوون، في سنة سبع عشرة وسبعمائة، وهو: «هذا عهد شريف تجدّدت مسرّات الإسلام بتجديده، وتأكدت أسباب الإيمان بتأكيده، ووجد النصر العزيز والفتح المبين بوجوده، ووفد اليمن والإقبال على الخليقة بوفوده، وورد الأنام مورد الأمان بوروده، من عبد الله ووليّه الإمام المستكفي «4» بالله أبي الرّبيع سليمان أمير المؤمنين، ابن الحاكم «5» بأمر الله أبي العباس أحمد، عهد به إلى السلطان الملك الناصر أبي الفتح «6» محمّد، خلّد الله سلطانه، ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون «7» الصالحيّ قدّس الله روحه» .

الوجه الخامس (فيما يكتب في ألقاب الملوك عن الخلفاء، وهو نمطان)

تم الجزء التاسع. يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء العاشر وأوّله الوجه الخامس (فيما يكتب في ألقاب الملوك عن الخلفاء، وهو نمطان) والحمد لله رب العالمين. وصلاته على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه والتابعين وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل

ثبت بأسماء المصادر والمراجع (الجزء التاسع)

ثبت بأسماء المصادر والمراجع (الجزء التاسع) 1- الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب (1- 4) . تحقيق محمد عبد الله عنان. مكتبة الخانجي بالقاهرة، 1319 هـ. 2- الأحكام السلطانية للماورديّ. مطبعة الوطن، القاهرة، 1298 هـ. 3- أزهار الرياض في أخبار عياض للمقّري التلمساني (1- 3) . تحقيق الأساتذة السقا والأبياري وشلبي، القاهرة، 1939- 1942. 4- أساس البلاغة للزمخشري. تحقيق عبد الرحيم محمود. دار المعرفة، بيروت، 1979. 5- الأعلام للزركلي (1- 8) . دار العلم للملايين، بيروت، 1980. 6- البداية والنهاية في التاريخ لابن كثير (1- 14) ، مصر، 1351- 1358 هـ. 7- بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس للضبيّ. دار الكاتب العربي، 1967. 8- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي. دار المعرفة، بيروت. 9- البيان المغرب لابن عذاري المراكشي (1- 4) . تحقيق ج. س. كولان وإ. ليفي بروفنسال والدكتور إحسان عباس. دار الثقافة، بيروت. 10- البيان والتبيين للجاحظ، أربعة أجزاء في مجلدين. تحقيق وشرح عبد السّلام محمد هارون، الطبعة الرابعة، بيروت. 11- تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي (1- 10) . الطبعة الأولى، مصر، 1306 هـ. 12- تاريخ ابن خلدون (1- 14) . دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1981. 13- تاريخ إسبانيا الإسلامية أو كتاب أعمال الأعلام في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام للسان الدين ابن الخطيب،. تحقيق إ. ليفي بروفنسال. دار المكشوف، بيروت، 1956. 14- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي

(1- 14) . دار الكتاب العربي، بيروت. 15- تاريخ الخلفاء أو الإمامة والسياسة لابن قتيبة، جزءان في مجلد، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1981. 16- تاريخ العلوم عند العرب، تأليف الدكتور أسعد السكّاف والأستاذ محمود مطرجي. دار مارون عبود، بيروت، 1982. 17- ترتيب القاموس المحيط للأستاذ طاهر أحمد الزاوي (1- 4) . مطبعة الاستقامة بالقاهرة، 1959. 18- تعريف القدماء بأبي العلاء بإشراف الدكتور طه حسين. دار الكتب، القاهرة 1944. 19- التعريف بالمصطلح الشريف لابن فضل الله العمري. مطبعة العاصمة بمصر، 1312 هـ. 20- تفسير الجلالين. دار الفكر، بيروت. 21- التكلمة لكتاب الصلة لابن الأبار (1- 2) . طبعة مصر، 1955. 22- تهذيب الأسماء واللغات لابن شرف النووي، الجزء الأول من القسم الثاني. دار الكتب العلمية، بيروت. 23- جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس للحميدي. الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1966. 24- جمهرة رسائل العرب في عصور العربية الزاهرة لأحمد زكي صفوت (1- 4) . المكتبة العلمية، بيروت. 25- حسن التوسّل إلى صناعة الترسّل لشهاب الدين الحلبي. مطبعة أمين هندية بمصر، 1315 هـ. 26- حياة محمد لمحمد حسين هيكل. مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1968. 27- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب لعبد القادر بن عمر البغدادي (1- 4) ، مصر، 1299 هـ. 28- دراسة فلسفية لآراء الفرق الإسلامية في أصول الدين في علم الكلام للدكتور أحمد محمود صبحي، مؤسّسة الثقافة الجامعية، الإسكندرية، 1978. 29- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني (1- 4) ، حيدرآباد الدكن، 1945- 1950. 30- ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي. تحقيق محمد عبده عزام. دار المعارف بمصر، 1951. 31- ديوان أبي الطيّب المتنبي بشرح أبي البقاء العكبري المسمّى بالتبيان في شرح الديوان (1- 4) ، ضبطه وصحّحه مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي. دار المعرفة، بيروت. 32- ديوان امريء القيس. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. دار المعارف بمصر، 1969. 33- الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لابن بسام الشنتريني، أربعة أقسام في ثمانية مجلدات. تحقيق الدكتور إحسان عباس،

دار الثقافة، بيروت، 1978- 1979. 34- الرد الوافر لابن ناصر الدين. تحقيق زهير الشاويش، بيروت، 1393 هـ. 35- الروض المعطار في خبر الأقطار لمحمد ابن عبد المنعم الحميري. تحقيق الدكتور إحسان عباس. مؤسسة ناصر للثقافة، بيروت، 1980. 36- ريحانة الكتّاب ونجعة المنتاب لابن الخطيب، المجلد الأول. تحقيق محمد عبد الله عنان. مكتبة الخانجي. المطبعة العربية الحديثة، القاهرة، 1980. 37- السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي (1- 2) . تحقيق محمد مصطفى زيادة، القاهرة، 1934- 1942؛ (3- 4) تحقيق سعيد عبد الفتاح عاشور، 1970- 1972. 38- شذرات الذهب في أخبار من ذهب للعماد الحنبلي (1- 8) ، القاهرة، 1350- 1351 هـ. 39- الصحاح في اللغة والعلوم للجوهري (1- 2) . دار الحضارة العربية، بيروت، 1974. 40- صحيح مسلم (1- 2) ، القاهرة، 1290 هـ. 41- صورة الأرض لابن حوقل النصيبي. دار مكتبة الحياة، بيروت، 1979. 42- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي (1- 12) . مكتبة القدسي، القاهرة، 1353- 1355 هـ. 43- الطالع السعيد لكمال الدين أبي الفضل الأدفوي. تحقيق سعد محمد حسن، القاهرة، 1966. 44- طبقات الشافعية لجمال الدين عبد الرحيم الأسنوي (1- 2) . تحقيق عبد الله الجبوري، بغداد، 1390- 1391 هـ. 45- العقد الفريد لابن عبد ربّه (1- 7) ، شرح أحمد أمين وأحمد الزين وإبراهيم الأبياري. دار الكتاب العربي، بيروت. 46- عيون الأخبار لابن قتيبة (1- 2) شرح وضبط الدكور يوسف طويل؛ (3- 4) شرح وضبط الدكتور مفيد قميحة. دار الكتب العلمية، بيروت، 1986. 47- عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، شرح وتحقيق الدكتور نزار رضا. دار مكتبة الحياة، بيروت، 1965. 48- الفهرست للنديم. تحقيق رضا تجدد، طهران، 1971. 49- فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي (1- 5) . تحقيق الدكتور إحسان عباس. دار الثقافة، بيروت، 1973- 1974. 50- القاموس المحيط للفيروز آبادي. مؤسسة الرسالة، بيروت، 1986. 51- قرآن كريم. دار الفكر، بيروت، 1403 هـ.

52- قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان للقلقشندي. تحقيق إبراهيم الأبياري. دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1982. 53- قلائد العقيان لابن خاقان، طبعة بولاق، 1283 هـ. 54- الكامل في التاريخ لابن الأثير (1- 13) . دار صادر، بيروت، 1982. 55- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة (1- 2) ، إستانبول، 1941- 1943. 56- لسان العرب لابن منظور (1- 15) . دار صادر، بيروت. 57- اللمحة البدرية في الدولة النصرية لابن الخطيب، المطبعة السلفية بمصر، 1347 هـ. 58- مجمع الأمثال للميداني (1- 2) . تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. مطبعة السنة المحمدية، 1955. 59- محيط المحيط لبطرس البستاني. مكتبة لبنان، بيروت، 1977. 60- مختار الصحاح للرازي. مؤسسة الرسالة. دار البصائر، بيروت، 1985. 61- المرجع لعبد الله العلايلي. دار المعجم العربي، بيروت، 1963. 62- مروج الذهب للمسعودي (1- 4) ، الطبعة الرابعة. دار الأندلس، بيروت، 1981. 63- المطرب من أشعار أهل المغرب لابن دحية. تحقيق الاساتذة إبراهيم الأبياري وحامد عبد المجيد واحمد أحمد بدوي. دار العلم للجميع، بيروت، 1955. 64- معجم الأدباء لياقوت الحموي (1- 7) . طبعة مرجليوت، مصر، 1907- 1925. 65- معجم البلدان لياقوت الحموي (1- 5) . دار صادر، دار بيروت، 1984. 66- معجم الشعراء للمرزباني، ومعه المؤتلف والمختلف للآمدي، تصحيح الدكتور ف. كرنكو. دار الكتب العلمية، بيروت، 1982. 67- معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة (1- 5) ، مطبعة الترقي، دمشق، 1959. 68- معجم متن اللغة للشيخ أحمد رضا (1- 5) . دار مكتبة الحياة، بيروت، 1958- 1960. 69- مفتاح الأفكار في النثر المختار للشيخ أحمد مفتاح، مصر، 1314 هـ. 70- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي (5- 10) ، حيدرآباد الدكن، 1357 هـ. 71- المنجد في اللغة والأعلام. دار المشرق، بيروت، 1978. 72- نثير فرائد الجمان في نظم فحول الزمان لابن الأحمر، دراسة وتحقيق محمد رضوان الداية. دار الثقافة، بيروت، 1967. 73- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي.

دار الكتب المصرية، 1348- 1375 هـ. 74- نفاضة الجراب في علالة الاغتراب لابن الخطيب. تحقيق الدكتور أحمد مختار العبادي. دار الكاتب العربي للطباعة والنشر بالقاهرة. 75- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقّري (1- 8) . تحقيق الدكتور إحسان عباس. دار صادر، بيروت، 1968. 76- الوافي بالوفيات للصلاح الصفدي (1- 22) ، إستانبول وفيسبادن، 1931- 1983. 77- الوزراء والكتّاب لأبي عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري. الطبعة الأولى، مطبعة عبد الحميد أحمد حنفي بمصر، 1938. 78- وفيات الأعيان لابن خلّكان (1- 8) . تحقيق الدكتور إحسان عباس. دار صادر، بيروت، 1977- 1978. 79- الولاة والقضاة لمحمد بن يوسف الكندي، بيروت، 1908. 80- يتيمة الدهر للثعالبي (1- 4) . دار الكتب العلمية، بيروت، 1979. 81- هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين لإسماعيل باشا البغدادي (1- 2) ، إستانبول، 1951- 1955.

فهرس الجزء التاسع من كتاب صبح الأعشى للقلقشندي

فهرس الجزء التاسع من كتاب صبح الأعشى للقلقشندي القسم الثاني- من مقاصد المكاتبات الإخوانيات. وهي على سبعة عشر نوعا 3 النوع الأوّل- التهاني، وهي على أحد عشر ضربا 4 الضرب الأوّل- التهنئة بالولايات 4 الضرب الثاني- التهنئة بكرامة السلطان، وأجوبته 26 الضرب الثالث- التهنئة بالعود من الحج 32 الضرب الرابع- التهنئة بالقدوم من السفر 34 الضرب الخامس- التهنئة بالشهور والمواسم والأعياد 40 الضرب السادس- التهنئة بالزواج والتسري 55 الضرب السابع- التهنئة بالأولاد 57 الضرب الثامن- التهنئة بالإبلال من المرض والعافية من القسم 64 الضرب التاسع- التهنئة بقرب المزار 71 الضرب العاشر- التهنئة بنزول المنازل المستجدّة 72 الضرب الحادي عشر- نوادر التهاني 74 النوع الثاني- من مقاصد المكاتبات: التعازي، وهي على أضرب 82 الضرب الأوّل- التعزية بالابن 82 الضرب الثاني- التعزية بالبنت 87 الضرب الثالث- التعزية بالاب 88

الضرب الرابع- التعزية بالأمّ 89 الضرب الخامس- التعزية بالأخ 90 الضرب السادس- التعزية بالزوجة 92 الضرب السابع- التعازي المطلقة 94 النوع الثالث- من مقاصد المكاتبات: التهادي والملاطفة 101 النوع الرابع- الشفاعات والعنايات 127 النوع الخامس- التشوّق 144 النوع السادس- في الاستزارة 152 النوع السابع- في اختطاب المودّة وافتتاح المكاتبة 156 النوع الثامن- في خطبة النساء 160 النوع التاسع- في الاسترضاء والاستعطاف والاعتذار 166 النوع العاشر- في الشكوى 173 النوع الحادي عشر- في استماحة الحوائج 176 النوع الثاني عشر- في الشكر 183 النوع الثالث عشر- في العتاب 189 النوع الرابع عشر- في العيادة والسؤال عن حال المريض 201 النوع الخامس عشر- في الذم 216 النوع السادس عشر- في الأخبار 218 النوع السابع عشر- في المداعبة 224 الفصل الثامن- في إخفاء ما في الكتب من السر، وهو على نوعين 228 النوع الأوّل- ما يتعلق بالكتابة، وهو على ضربين 228 الضرب الأوّل- ما يتعلق بالمكتوب به 228 الضرب الثاني- ما يتعلق بالخط المكتوب 229 النوع الثاني- الرموز والإشارات الّتي لا تعلق لها بالخط والكتابة 246 المقالة الخامسة- في الولايات، وفيها أربعة أبواب 251 الباب الأوّل- في بيان طبقاتها وما يقع به التفاوت، وفيه ثلاثة فصول 251 الفصل الأوّل- في بيان طبقات الولايات 251

الطبقة الأولى- الخلافة 251 الطبقة الثانية- السلطنة 251 الطبقة الثالثة- الولايات عن الخلفاء والملوك وما يكتب عن السلطان بالديار المصرية في أقطار المملكة بمصر والشام والحجاز، وهي على خمسة أنواع 251 النوع الأوّل- ولايات أرباب السيوف 252 النوع الثاني- ولاية أرباب الأقلام 257 النوع الثالث- ولاية أرباب الوظائف الصناعية 265 النوع الرابع- ولايات زعماء أهل الذمة 265 النوع الخامس- ما لا يختص بطائفة ولا يندرج تحت نوع 265 الفصل الثاني- من الباب الأوّل من المقالة الخامسة في بيان ما تجب على الكاتب مراعاته في كتابة الولايات على سبيل الإجمال 267 الفصل الثالث- من الباب الأوّل من المقالة الخامسة في بيان ما يقع به التفاوت في رتب الولايات. وذلك من سبعة أوجه 270 الوجه الأوّل- الألقاب، وهي على ثلاثة أنواع 270 النوع الأوّل- ألقاب الخلفاء 270 النوع الثاني- ألقاب الملوك 270 النوع الثالث- ألقاب ذوي الولايات الصادرات عن السلطان 271 الوجه الثاني- ألفاظ إسناد الولايات إلى صاحب الوظيفة 274 الوجه الثالث- الافتتاحات 276 الوجه الرابع- تعدّد التحميد في الخطبة أو في أثناء الكلام واتحاده 276 الوجه الخامس- الدعاء 277 الوجه السادس- طول الكلام وقصره 278 الوجه السابع- قطع الورق 279 الباب الثاني- من المقالة الخامسة في البيعات، وفيه فصلان 281 الفصل الأوّل- في معناها 281 الفصل الثاني- في ذكر تنويع البيعات، وهي نوعان 283 النوع الأوّل- بيعات الخلفاء، وفيها سبعة مقاصد 283

المقصد الأوّل- في أصل مشروعيتها 283 المقصد الثاني- في بيان أسباب البيعة الموجبة لأخذها على الرعية 284 المقصد الثالث- في بيان ما يجب على الكاتب مراعاته في كتابة البيعة 285 المقصد الرابع- في بيان مواضع الخلافة الّتي تستدعي الحال كتابة المبايعات فيها 288 المقصد الخامس- في بيان صورة ما يكتب في بيعات الخلفاء، وفيه أربعة مذاهب 289 المذهب الأوّل- أن تفتتح المبايعة بلفظ «تبايع فلانا أمير المؤمنين» خطابا لمن تؤخذ عليه البيعة 289 المذهب الثاني- مما يكتب في بيعات الخلفاء أن تفتتح المبايعة بلفظ «من عبد الله ووليه فلان أبي فلان الإمام الفلاني» إلى أهل دولته 295 المذهب الثالث- أن تفتتح البيعة بعد البسملة بخطبة مفتتحة بالحمد لله الخ 307 المذهب الرابع- مما يكتب في بيعات الخلفاء أن تفتتح البيعة بلفظ «هذه بيعة الخ 329 المقصد السادس- فيما يكتب في آخر البيعة 341 المقصد السابع- في قطع الورق الذي تكتب فيه البيعة، والقلم الذي تكتب به، وكيفية كتابتها وصورة وضعها 342 النوع الثاني- من البيعات بيعات الملوك 347 الباب الثالث- من المقالة الخامسة في العهود، وفيه فصلان 362 الفصل الأوّل- في معنى العهد 362 الفصل الثاني- في بيان أنواع العهود، وهي ثلاثة أنواع 364 النوع الأوّل- عهود الخلفاء عن الخلفاء، ويتعلق النظر به من ثمانية أوجه 364 الوجه الأوّل- في أصل مشروعيتها 364 الوجه الثاني- في معنى الاستخلاف 365 الوجه الثالث- فيما يجب على الكاتب مراعاته 366 الوجه الرابع- فيما يكتب في الطرّة وهو تلخيص ما يتضمنه العهد 373

الوجه الخامس- فيما يكتب لأولياء العهد من الألقاب 374 الوجه السادس- فيما يكتب في متن العهد، وفيه ثلاثة مذاهب 374 المذهب الأوّل- أن يفتتح العهد بعد البسملة بلفظ «هذا» مثل هذا ما عهد به فلان لفلان، وللكتاب فيه طريقتان 374 الطريقة الأولى- طريقة المتقدّمين 374 الطريقة الثانية- طريقة المتأخرين 387 المذهب الثاني- أن يفتتح العهد بعد البسملة بلفظ «من فلان إلى فلان» 396 المذهب الثالث- أن يفتتح العهد بعد البسملة بخطبة مفتتحة بالحمد لله 405 الوجه السابع- فيما يكتب في مستند عهد وليّ الخلافة عن الخليفة الخ 410 الوجه الثامن- في قطع الورق الذي تكتب فيه عهود الخلفاء والقلم الذي يكتب به، وكيفية كتابتها وصورة وضعها 414 النوع الثاني- عهود الخلفاء للملوك، ويتعلق النظر به من سبعة أوجه 417 الوجه الأوّل- في أصل مشروعيتها 417 الوجه الثاني- في بيان معنى الملك والسلطنة اللتين يقع العهد بهما 418 الوجه الثالث- فيما يجب على الكاتب مراعاته فيه 425 الوجه الرابع- فيما يكتب في الطرّة؛ وهو نمطان 426 النمط الأوّل- ما كان يكتب في وزارة التفويض في دولة الفاطميين 426 النمط الثاني- ما يكتب في طرّة عهود الملوك الآن 428 (تم فهرس الجزء التاسع من كتاب صبح الأعشى)

الجزء العاشر

[الجزء العاشر] [تتمة الباب الثالث] [تتمة النوع الثاني] بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمّد وآله وصحبه الوجه الخامس (فيما يكتب في ألقاب الملوك عن الخلفاء، وهو نمطان) النمط الأوّل (ما كان يكتب في قديم الزمن) وهو أن يقتصر على ما يلقّب به الملك أو يكنّى به من ديوان الخلافة، ثم يقال: «مولى أمير المؤمنين» ولا يزاد على ذلك. كما كتب أبو إسحاق الصابي «1» في عهد فخر الدولة بن بويه «2» عن الطائع لله «3» : «هذا ما عهد عبد الله عبد الكريم الطائع لله أمير المؤمنين، إلى فخر الدّولة أبي عليّ مولى أمير المؤمنين» . وإلى هذا أشار في «التعريف» «4» بقوله: على أنّ لهذا ضابطا كان في قديم

النمط الثاني (ما يكتب به لملوك الزمان)

الزمان وهو أنه لا يكتب للرجل «1» إلّا ما كان يلقّب به من ديوان الخلافة [بالنصّ] «2» من غير زيادة ولا نقص. النمط الثاني (ما يكتب به لملوك الزمان) وقد حكى في «التعريف» في ذلك مذهبين: الأوّل- أن يكتب فيها: السّلطان، السيّد، الأجلّ، الملك الفلانيّ، مع بقيّة ما يناسب من الألقاب المفردة والمركّبة: كما كتب القاضي الفاضل «3» في عهد أسد الدّين شيركوه «4» الآتي ذكره عن العاضد الفاطميّ «5» : «من عبد الله ووليّه أبي محمد الإمام العاضد لدين الله أمير المؤمنين إلى السيّد، الأجلّ، الملك، المنصور؛ سلطان الجيوش، وليّ الأمّة، فخر الدولة، أسد الدّين، كافل قضاة المسلمين، وهادي دعاة المؤمنين، أبي الحرث شير كوه العاضديّ» . وعلى هذه الطريقة بزيادة ألقاب كتب ابن القيسرانيّ «6» في العهد للملك الناصر محمد بن قلاوون «7» : قدّس الله روحه ونحو ذلك. قال في «التعريف» :

وأنا إلى ذلك أجنح، وعليه أعمل. الثاني- أن يكتب: المقام الشريف، أو الكريم، أو العالي مجرّدا عنهما. ويقتصر على المفردة [دون المركبة] «1» . كما كتب به الصاحب فخر الدّين بن لقمان «2» ، في عهد الظاهر بيبرس «3» بعد ذكر أوصافه ومناقبه: ولما كانت هذه المناقب الشريفة مختصّة بالمقام «4» العالي المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الظاهريّ، الرّكنيّ، شرّفه الله تعالى وأعلاه. قلت: وربّما أبدل المتقدّمون «المقام» في هذه الحالة ب «المقرّ» «5» وأتى بالألقاب من نحو ما تقدّم. وكما كتب به القاضي محيي الدّين بن عبد الظاهر «6» في عهد المنصور قلاوون بعد استيفاء مناقبه وأوصافه، وذكر إعمال الفكر والرّويّة في اختياره: «وخرج أمر مولانا أمير المؤمنين شرّفه الله أن يكون للمقرّ العالي، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، المنصوريّ، أجلّه الله ونصره، وأظفره وأقدره، وأيّده وأبّده؛

الوجه السادس (فيما يكتب في متن العهود، وفيه ثلاثة مذاهب)

كلّ ما فوّضه الله لمولانا أمير المؤمنين» ونحو ذلك «1» . وبقي مذهب ثالث- وهو أن يأتي بنظير ألقاب المذهب الأوّل، مقتصرا على الألقاب المفردة دون المركّبة. وعلى ذلك جرى الوزير ضياء الدّين بن الأثير «2» في العهد الذي كتب به معارضة لعهد السلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب «3» الآتي ذكره- فقال بعد ذكر مناقبه: «وتلك مناقبك أيّها الملك، الناصر، الأجلّ، السيد، الكبير، العالم، العادل، صلاح الدين أبو المظفّر يوسف بن أيوب» . ولم يتعرّض لحكايته في «التعريف» . على أنّ ابن الأثير إمام هذا الفنّ، وحائز قصب السّبق فيه، ومقالته مما يحتجّ بها ويعوّل عليها. فإن قيل: لعله في «التعريف» أراد مذاهب كتّاب زمانه، فالجواب أنّ حكاية المذهب الثاني عن المتأخّرين يؤذن بأنّ المراد متقدّمو الكتاب ومتأخّروهم. الوجه السادس (فيما يكتب في متن العهود، وفيه ثلاثة مذاهب) «4» المذهب الأوّل (وعليه عامّة الكتّاب من المتقدّمين وأكثر المتأخّرين) أن يفتتح العهد بلفظ «هذا» مثل: «هذا ما عهد به فلان لفلان» أو «هذا ما أمر به فلان فلانا» أو «هذا عهد من فلان لفلان» أو «هذا كتاب اكتتبه فلان لفلان» وما أشبه ذلك.

الطريقة الأولى (طريقة المتقدمين)

وللكتّاب فيه طريقتان: الطريقة الأولى (طريقة المتقدّمين) وهي أن لا يأتي بتحميد في أثناء العهد في خطبة ولا غيرها، ولا يتعرّض إلى ذكر أوصاف المعهود إليه والثناء عليه أصلا، أو يتعرّض إلى ذلك باختصار ثم يقول: «فقلّده كذا وكذا» ويذكر ما فوّض إليه، ثم يقول: «وأمره بكذا» حتّى يأتي على آخر الوصايا، ثم يقول في آخره: «هذا عهد أمير المؤمنين إليك، وحّجته لك وعليك» ويأتي بما يناسب ذلك، ويختمه بقوله: «والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته» أو «والسلام عليك» أو بغير ذلك من الألفاظ المناسبة على اختلاف طرقهم في ذلك، وتباين مقاصدهم. وعلى هذا النّهج وما قاربه كانت عهود السلف فمن بعدهم، تأسّيا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم فيما كتب به لعمرو بن حزم «1» حين وجّهه إلى اليمن «2» ، كما تقدّمت الأشارة إليه في الاستشهاد لأصل عهود الملوك عن الخلفاء. وهذه نسخته بعد البسملة فيما ذكره ابن هشام وغيره: هذا بيان من الله ورسوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «3» عهد «4» من [محمد] «5» النبيّ رسول الله لعمرو بن حزم [حين بعثه إلى اليمن] «6» أمره بتقوى الله في أمره كلّه، فإنّ الله مع الّذين اتّقوا والّذين هم محسنون. وأمره أن يأخذ بالحقّ كما أمره «7» الله، وأن يبشّر الناس بالخير ويأمرهم

به، ويعلّم النّاس القرءان ويفقّههم فيه «1» ، وينهى النّاس فلا يمسّ القرءان «2» إنسان إلّا وهو طاهر، ويخبر الناس بالّذي لهم والّذي عليهم، ويلين للنّاس في الحقّ ويشتدّ عليهم في الظّلم، فإنّ الله كره الظّلم ونهى عنه فقال: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ «3» ويبشّر الناس بالجنّة وبعملها، وينذر الناس النار وعملها «4» ، ويستألف «5» الناس حتّى يفقهوا «6» في الدّين، ويعلّم الناس معالم الحجّ وسنّته وفريضته وما أمر الله به، والحجّ الأكبر الحجّ الأكبر، والحجّ الأصغر هو العمرة «7» ؛ وينهى الناس أن يصلّي أحد في ثوب واحد صغير إلا أن يكون ثوبا «8» يثني طرفيه على عاتقيه، وينهى [الناس] «9» ان يحتبى أحد في ثوب واحد يفضي بفرجه إلى السّماء، وينهى أن لا يعقص أحد شعر رأسه في قفاه، «10» وينهى إذا كان بين الناس هيج عن الدّعاء إلى القبائل والعشائر، وليكن دعواهم إلى الله [عز وجلّ] «11» وحده لا شريك له [فمن لم يدع إلى الله ودعا إلى القبائل والعشائر فليقطعوا بالسيف حتّى تكون دعواهم إلى الله وحده لا شريك له] «12» ويأمر الناس بإسباغ الوضوء: وجوههم، وأيديهم إلى المرافق، وأرجلهم إلى الكعبين، ويمسحون برؤوسهم «13» كما أمرهم الله، وأمر «14» بالصلاة لوقتها، وإتمام الرّكوع

[والسّجود] «1» والخشوع؛ ويغلّس بالصّبح «2» ، ويهجّر بالظّهر «3» حين تميل الشمس، وصلاة العصر والشّمس في الأرض مدبرة، والمغرب حين يقبل الليل، لا تؤخّر حتّى تبدو النّجوم في السماء، والعشاء أوّل اللّيل. وأمر «4» بالسّعي إلى الجمعة إذا نودي لها، والغسل عند الرّواح إليها. وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله، وما كتب على المؤمنين في الصّدقة من العقار «5» عشر ما سقت العين وسقت السّماء، وعلى ما سقى الغرب «6» نصف العشر. وفي كلّ عشر من الإبل شاتان، وفي كلّ عشرين أربع شياه. وفي كلّ أربعين من البقر بقرة، وفي كلّ ثلاثين من البقر تبيع جذع «7» أو جذعة، وفي كلّ أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة؛ فإنّها فريضة الله تعالى التي افترض على المؤمنين في الصّدقة، فمن زاد خيرا فهو خير له. وأنّه من أسلم من يهوديّ أو نصرانيّ إسلاما خالصا من نفسه ودان بدين الإسلام، فإنّه من المؤمنين: له مثل مالهم وعليه مثل ما عليهم، ومن كان على نصرانيّته أو يهوديّته، فإنّه لا يردّ «8» عنها وعلى كلّ حالم: ذكر أو أنثى، حرّ أو عبد دينار واف، أو عوضه ثيابا؛ فمن أدّى ذلك فإنّ له ذمّة الله وذمّة رسوله، ومن منع ذلك فإنّه عدوّ لله ولرسوله وللمؤمنين جميعا. صلوات الله على محمّد والسّلام عليه ورحمة الله وبركاته. وعلى نحو ذلك كتب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه عهد

مالك بن الأشتر النخعيّ «1» حين ولّاه مصر، وهو من العهود البليغة جمع فيه بين معالم التّقوى وسياسة الملك. وهذه نسخته فيما ذكره ابن حمدون «2» في تذكرته: هذا «3» ما أمر [به عبد الله] «4» عليّ أمير المؤمنين مالك بن الحرث الأشتر؛ في عهده إليه، حين ولّاه مصر: جباية خراجها، وجهاد عدوّها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها. أمره بتقوى الله وإيثار طاعته، واتّباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه «5» التي لا يسعد أحد إلا باتّباعها، ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها؛ وأن ينصر الله تعالى بيده وقلبه ولسانه، فإنّه جلّ اسمه قد تكفّل بنصر من نصره، وإعزاز من أعزّه. وأمره أن يكسر من نفسه عند الشّهوات، ويزعها عند الجمحات؛ فإنّ النفس لأمّارة بالسّوء إلّا ما رحم الله. ثم اعلم يا مالك أنّي قد وجّهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك: من عدل وجور، وأنّ الناس ينظرون «6» من أمورك [في مثل] «7» ما كنت تنظر فيه من أمر الولاة قبلك، ويقولون فيك كما كنت تقول فيهم. وإنما يستدلّ على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده، فليكن أحبّ الذّخائر إليك ذخيرة العمل الصالح. فاملك هواك، وشحّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك؛ فإنّ الشّحّ بالنفس الانتصاف منها فيما أحبّت وكرهت. وأشعر قلبك بالرحمة للرّعيّة، والمحبّة لهم،

واللّطف بهم؛ ولا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا، تغتنم أكلهم؛ فإنهم صنفان: إمّا أخ لك في الدّين، وإمّا نظير لك في الخلق: يفرط منهم الزّلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطإ: فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحبّ أن يعطيك الله من عفوه وصفحه: فإنّك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك؛ والله فوق من ولّاك. وقد استكفاك أمرهم، وابتلاك بهم؛ ولا تنصبنّ نفسك لحرب الله، فإنه لا يدي «1» لك بنقمته؛ ولا غنى بك عن عفوه ورحمته؛ ولا تندمنّ على عفو، ولا تبجّحن بعقوبة، ولا تسرعنّ إلى بادرة «2» وجدت عنها مندوحة؛ ولا تقولنّ إنيّ امرؤ «3» آمر فأطاع: فإن ذلك إدغال في القلب، ومهلكة في الدّين، وتقرّب من الغير «4» . وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبّهة أو مخيلة، فانظر إلى عظم ملك الله تعالى فوقك، وقدرته منك على مالا تقدر عليه من نفسك؛ فإنّ ذلك يطامن إليك من طماحك ويكفّ عنك من غربك «5» ، ويفيء إليك بما عزب عنك من عقلك. وإيّاك ومساماة الله تعالى في عظمته، والتشبّه به في جبروته، فإن الله يذلّ كلّ جبّار، ويهين كلّ مختال. أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصّة أهلك وممّن لك فيه هوى من رعيّتك: فإنّك إلّا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله، أدحض حجّته وكان لله حربا حتّى ينزع ويتوب. وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم [فإنّ الله سميع يسمع دعوة المظلومين وهو للظالمين بالمرصاد] «6» .

وليكن أحبّ الأمور إليك أوسطها في الحقّ، وأعمّها «1» في العدل، وأجمعها لرضا الرّعيّة؛ فإنّ سخط العامّة يجحف برضا الخاصّة، وإنّ سخط الخاصّة يغتفر مع رضا العامّة؛ وليس أحد من الرعيّة أثقل على الوالي مؤونة في الرّخاء، وأقلّ معونة له في البلاء، وأكره للإنصاف «2» ، وأسأل بالإلحاف، وأقلّ شكرا عند الإعطاء، وأبطأ عذرا عند المنع، وأضعف صبرا عند ملمّات الدّهر، من أهل الخاصّة؛ وإنما عمود الدّين، وجماع المسلمين، والعدّة للأعداء العامّة من الأمّة. فليكن صغوك لهم، وميلك معهم؛ وليكن أبعد رعيّتك منك، وأشنؤهم عندك، أطلبهم لمعايب الناس: فإنّ في الناس عيوبا الوالي أحقّ بسترها؛ فلا تكشفنّ عمّا غاب عنك منها، فإنّما عليك تطهير ما ظهر [لك] «3» والله يحكم على ما غاب عنك منها «4» . فاستر العورة ما استطعت يستر الله ما تحبّ ستره من عيبك «5» . أطلق عن الناس عقدة كلّ حقد، واقطع عنهم سبب كلّ وتر، وتغاب عن كلّ ما لا يضح لك؛ ولا تعجلنّ إلى تصديق ساع: فإنّ الساعي غاشّ وإن تشبّه بالناصحين؛ ولا تدخلنّ في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جبانا يضعفك عن الأمور، ولا حريصا يزيّن لك الشّره بالجور: فإنّ البخل والجبن والحرص غرائز شتّى يجمعها سوء الظنّ بالله. إنّ شرّ وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا ومن شاركهم في الآثام، فلا يكوننّ لك بطانة، فإنهم أعوان الأثمة، وإخوان الظّلمة؛ وأنت واجد منهم خير الخلف ممّن له مثل آرائهم ونفاذهم، وليس عليه مثل اصارهم وأوزارهم «6» : ممّن لم يعاون ظالما على ظلمه، ولا آثما على إثمه؛ أولئك أخفّ عليك مؤونة، وأحسن

لك معونة؛ وأحنى عليك عطفا، وأقلّ لغيرك إلفا، فاتّخذ أولئك خاصّة لخلواتك [وحفلاتك] «1» ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم [لك] «2» بمرّ الحقّ، وأقلّهم مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه، واقعا ذلك من هواك حيث وقع. والصق بأهل الورع والصّدق، ثم رضهم على أن لا يطروك «3» ولا يبجّحوك بباطل لم تفعله: فإنّ كثرة الإطراء «4» تحدث الزّهوّ وتدني من الغرّة. ولا يكوننّ المحسن والمسيء عندك بمنزلة واحدة، فإنّ في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان [في الإحسان] «5» وتدريبا لأهل الإساءة [على الإساءة] «6» : وإنّك لا تدري إذا جاء سائل ... أأنت بما تعطيه أم هو أسعد! عسى سائل ذو حاجة إن منعته ... من اليوم سؤلا أن يكون له غد! وفي كثرة الأيدي عن الجهل زاجر، ... وللحلم أبقى للرّجال وأعود! وعلى ذلك كتب أبو إسحاق الصابي عن «7» الخليفة «الطائع لله» إلى فخر الدولة بن ركن الدولة بن بويه، في جمادى الأولى سنة ستّ وستين وثلاثمائة. وهذه نسخته: هذا ما عهد عبد الله عبد الكريم [الإمام] «8» الطائع لله أمير المؤمنين [إلى فخر الدّولة أبي الحسن بن ركن الدّولة أبي عليّ مولى أمير المؤمنين] «9» حين عرف غناءه وبلاءه، واستصح دينه ويقينه، ورعى قديمه وحديثه، واستنجب عوده ونجاره. وأثنى عزّ الدولة أبو منصور بن معزّ الدولة أبي الحسين مولى أمير المؤمنين

[أيده الله] «1» عليه، وأشار بالمزيد في الصّنيعة إليه؛ وأعلم أمير المؤمنين اقتداءه به في كلّ مذهب ذهب فيه من الخدمة، وغرض رمى إليه من النّصيحة؛ دخولا في زمرة الأولياء [المنصورة، وخروجا عن جماعة الأعداء المدحورة] «2» وتصرّفا على موجبات البيعة التي هي بعزّ الدولة أبي منصور منوطة، وعلى سائر من يتلوه ويتبعه مأخوذة «3» مشروطة؛ فقلّده الصلاة وأعمال الحرب، والمعاون «4» ، والأحداث، والخراج، الأعشار، والضيّاع، والجهبذة «5» ، والصّدقات، والجوالي «6» ، وسائر وجوه الجبايات [والعرض] «7» والعطاء، والنّفقة في الأولياء [والمظالم وأسواق الرقيق] «8» والعيار في دور الضرب والطّرز «9» والحسبة بكور همذان، وأستراباذ، والدّينور، وقرميسين، والإيغارين، و [أعمال] «10» أذربيجان، وأرّان، والسّحانين، وموقان. واثقا منه باستبقاء النعمة واستدامتها، والاستزادة بالشّكر منها، والتجنّب لغمطها وجحودها، والتنكّب لإيحاشها وتنفيرها، والتعمّد لما مكّن له الحظوة والزّلفى، وحرس عليه الأثرة والقربى؛ بما يظهره ويضمره من الوفاء الصحيح، والولاء الصّريح، والغيب الأمين، والصّدر السليم، والمقاطعة لكل من قاطع العصبة، وفارق الجملة، والمواصلة لكلّ من حمى البيضة وأخلص النّيّة- والكون تحت ظلّ أمير المؤمنين وذمّته، ومع عزّ الدولة «11» أبي منصور وفي حوزته، والله جلّ اسمه يعرّف أمير المؤمنين حسن العقبى فيما أبرم ونقض، وسداد الرأي فيما

رفع وخفض؛ ويجعل عزائمه مقرونة بالسلامة، محجوبة عن موارد النّدامة؛ وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل. أمره بتقوى الله التي هي العصمة المتينة، والجنّة الحصينة، والطّود الأرفع، والمعاذ الأمنع، والجانب الأعزّ، والملجأ الأحرز؛ وأن يستشعرها سرّا وجهرا، ويستعملها قولا وفعلا، ويتخذها ردءا دافعا «1» لنوائب القدر، وكهفا حاميا من حوادث الغير؛ فإنها أوجب الوسائل، وأقرب الذّرائع، وأعودها على العبد بمصالحه، وأدعاها إلى سبل «2» مناجحه، وأولاها بالاستمرار على هدايته، والنّجاة من غوايته؛ والسلامة في دنياه حين توبق موبقاتها، وتردي مردياتها؛ وفي آخرته حين تروّع رائعاتها وتخيف مخيفاتها. وأن يتأدّب بآداب الله في التواضع والإخبات «3» ، والسّكينة والوقار، وصدق اللهجة إذا نطق، وغضّ الطّرف إذا رمق؛ وكظم الغيظ إذا أحفظ «4» وضبط اللسان إذا أغضب «5» ؛ وكفّ اليد عن المآثم، وصون النفس عن المحارم. وأن يذكر الموت الذي هو نازل به، والموقف الذي هو صائر إليه، ويعلم أنه مسؤول عمّا اكتسب، مجزيّ بما ترّمك «6» واحتقب؛ ويتزوّد من هذا الممرّ، لذاك المقرّ، ويستكثر من أعمال الخير لتنفعه، ومن مساعي البرّ لتنقذه؛ ويأتمر بالصالحات قبل أن يأمر بها، ويزدجر عن السيّئات قبل أن يزجر عنها؛ ويبتديء بإصلاح نفسه قبل إصلاح رعيّته: فلا يبعثهم على ما يأتي ضدّه؛ ولا ينهاهم عمّا يقترف مثله، ويجعل ربّه رقيبا عليه في خلواته، ومروءته مانعة له من شهواته؛ فإنّ أحقّ من غلب سلطان الشّهوة، وأولى من صرع أعداء «7»

الحميّة؛ من ملك أزمّة الأمور، واقتدر على سياسة الجمهور؛ وكان مطاعا فيما يرى، متّبعا فيما يشاء، يلي على الناس ولا يلون عليه، ويقتصّ منهم ولا يقتصّون منه؛ فإذا اطّلع الله منه على نقاء جيبه، وطهارة ذيله، وصحّة سريرته، واستقامة سيرته، أعانه على حفظ ما استحفظه، وأنهضه بثقل ما حمّله؛ وجعل له مخلصا من الشّبهة ومخرجا من الحيرة، فقد قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ «1» . وقال عز من قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ «2» . وقال: اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ «3» إلى آي كثيرة حضّنا بها على أكرم الخلق، وأسلم الطّرق، فالسعيد من نصبها إزاء ناظره، والشقيّ من نبذها وراء ظهره؛ وأشقى منه من بعث عليها وهو صادف عنها، وأهاب إليها وهو بعيد منها، وله ولأمثاله يقول الله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ «4» . وأمره أن يتخذ كتاب الله إماما متّبعا، وطريقا موقّعا «5» ؛ ويكثر من تلاوته إذا خلا بفكره، ويملأ بتأمّله أرجاء صدره؛ فيذهب معه فيما أباح وحظر، ويقتدي به إذا نهى وأمر، ويستبين ببيانه إذا استغلقت دونه المعضلات، ويستضيء بمصابيحه إذا غمّ عليه في المشكلات؛ فإنه عروة الإسلام الوثقى، ومحجّته الوسطى، ودليله المقنع، وبرهانه المرشد «6» ، والكاشف لظلم الخطوب، والشافي من مرض القلوب، والهادي لمن ضلّ، والمتلافي لمن زلّ؛ فمن لهج «7» به فقد فاز وسلم، ومن لهي عنه فقد خاب وندم، قال الله تعالى: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ

مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ «1» . وأمره أن يحافظ على الصلوات، ويدخل فيها في حقائق الأوقات؛ قائما على حدودها، متّبعا لرسومها؛ جامعا فيما بين نيّته ولفظه، متوقّيا لمطامح سهوه ولحظه؛ منقطعها إليها عن كلّ قاطع لها، مشغولا بها عن كلّ شاغل عنها؛ متثّبتا في ركوعها وسجودها؛ مستوفيا عدد مفروضها ومسنونها؛ موفّرا عليها ذهنه، صارفا إليها همّه؛ عالما بأنه واقف بين يدي خالقه ورازقه، ومحييه ومميته، ومثيبه ومعاقبه؛ لا تستتر «2» دونه خائنة الأعين وما تخفي الصّدور «3» . فإذا قضاها على هذه السبيل منذ تكبيرة الإحرام إلى خاتمة التسليم، أتبعها بدعاء يرتفع بارتفاعها، [ويستمع باستماعها] «4» ، ولا يتعدّى فيه مسائل الأبرار، ورغائب الأخيار: من استصفاح واستغفار، واستقالة واسترحام، واستدعاء لمصالح «5» الدّين والدنيا، وعوائد الآخرة والأولى؛ فقد قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً «6» ، وقال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ «7» . وأمره بالسّعي في أيّام الجمع إلى المساجد الجامعة، وفي الأعياد إلى المصلّيات الضّاحية، بعد التقدّم في فرشها وكسوتها؛ وجمع القوّام والمؤذّنين والمكبّرين فيها، واستسعاء الناس إليها، وحضّهم عليها؛ آخذين الأهبة،

متنظّفين في البزّة؛ مؤدّين لفرائض الطّهارة، بالغين في ذلك أقصى الاستطاعة «1» ؛ معتقدين خشية الله وخيفته، مدّرعين تقواه ومراقبته؛ مكثرين من دعائه- عز وجلّ- وسؤاله، مصلّين على محمد رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله؛ بقلوب على اليقين موقوفة، وهمم إلى الدّين مصروفة، وألسن بالتسبيح والتقديس فصيحة، وآمال في المغفرة والرحمة فسيحة، فإنّ هذه المصلّيات والمتعبّدات بيوت الله التي فضّلها، ومناسكه التي شرّفها؛ وفيها يتلى القرآن [ومنها ترتفع الأعمال؛ وبها يلوذ اللائذون] «2» ويعوذ العائذون؛ ويتعبّد المتعبّدون، ويتهجّد المتهجّدون، وحقيق على المسلمين أجمعين: من وال ومولّى عليه أن يصونوها ويعمروها، ويواصلوها ولا يهجروها. وأن يقيم الدعوة على منابرها لأمير المؤمنين ثم لنفسه على الرّسم الجاري فيها، قال الله تعالى في هذه الصلاة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ «3» . وقال في عمارة المساجد: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ «4» . وأمره بأن يراعي «5» أحوال من يليه، من طبقات جند أمير المؤمنين ومواليه؛ ويطلق لهم الأرزاق، في وقت الوجوب والاستحقاق؛ وأن يحسن في معاملتهم؛ ويجمل في استخدامهم، ويتصرّف في سياستهم: بين رفق من غير ضعف، وخشونة من غير عنف؛ مثيبا لمحسنهم ما زاد بالإبانة في حسن الأثر، وسلم معها من دواعي الأشر؛ ومتغمّدا «6» لمسيئهم ما كان التغمّد له نافعا، وفيه ناجعا، فإن

تكررت زلّاته، وتتابعت عثراته؛ تناوله من عقوبته بما يكون له مصلحا، ولغيره واعظا. وأن يختص أكابرهم وأماثلهم وأهل الرأي والخطر منهم بالمشاورة في الملمّ «1» ، والإطلاع على بعض المهمّ؛ مستخلصا نخائل «2» قلوبهم بالبسط والإدناء، ومستشحذا بصائرهم بالإكرام والأحتفاء: فإنّ في مشاورة هذه الطبقة استدلالا على مواقع الصواب، وتحرّزا من غلط الاستبداد، وأخذا بمجامع الحزامة، وأمنا من مفارقة الاستقامة؛ وقد حضّ الله تعالى على الشّورى حيث قال لرسوله عليه الصلاة والسلام: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ «3» . وأمره بأن يعمد «4» لما يتصل بنواحيه من ثغور المسلمين، ورباطات المرابطين، ويقسم لها قسما وافرا من عنايته، ويصرف إليها طرفا بل شطرا من رعايته؛ ويختار لها أهل الجلد والشّدّة، وذوي البأس والنّجدة: ممن عجمته الخطوب، وعركته الحروب؛ واكتسب دربة بخدع المتناوبين «5» ، وتجربة بمكايد المتقارعين؛ وأن يستظهر بتكثيف عددهم، واختيار عددهم؛ وانتخاب خيلهم، وإستجادة أسلحتهم؛ غير مجمّر «6» بعثا إذا بعثه، ولا مستكرهه إذا وجّهه؛ بل يناوب بين رجاله مناوبة تريحهم ولا تملّهم؛ وترفّههم ولا تؤودهم: فإنّ في ذلك من فائدة الإجمام؛ والعدل في الاستخدام؛ وتنافس رجال النّوب فيما عاد عليهم بعز الظّفر والنّصر، وبعد الصيّت والذّكر، وإحراز النفع والأجر؛ ما يحقّ على الولاة أن يكونوا به عاملين «7» ، وللناس عليه حاملين. وأن يكرّر على أسماعهم، ويثبّت

في قلوبهم؛ مواعيد الله لمن صابر ورابط، وسمح بالنفس وجاهد، من حيث لا يقدمون على تورّط غرّة، ولا يحجمون عن انتهاز فرصة؛ ولا ينكصون عن تورّد معركة، ولا يلقون بأيديهم إلى التّهلكة؛ فقد أخذ الله تعالى ذلك على خلقه، والمرامين عن دينه، وأن يزيح العلّة فيما يحتاج إليه من راتب نفقات هذه الثّغور وحادثها، وبناء حصونها ومعاقلها؛ واستطراق طرقها ومسالكها، وإفاضة الأقوات والعلوفات للمترتّبين فيها والمتردّدين إليها والحامين لها. وأن يبذل أمانه لمن طلبه، ويعرضه على من لم يطلبه. ويفي بالعهد إذا عاهد، وبالعقد إذا عاقد، غير مخفر ذمّة، ولا جارح أمانة، فقد أمر الله تعالى بالوفاء فقال جلّ من قائل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» ونهى عن النّكث فقال عزّ من قائل: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ «2» . وأمره أن يعرض من في حبوس عمله على جرائرهم «3» [وإنعام النظر في جناياتهم وجرائمهم] «4» فمن كان إقراره واجبا أقرّه ومن كان إطلاقه سائغا أطلقه. وأن ينظر في الشّرطة والأحداث نظر عدل وإنصاف؛ ويختار [لها من الولاة] «5» من يخاف الله تعالى ويتّقيه، ولا يحابي ولا يراقب «6» فيه، ويتقدّم إليهم بقمع الجهّال، وردع الضّلّال؛ وتتبّع الأشرار، وطلب الدّعّار؛ مستدلّين على أماكنهم؛ متوغّلين إلى مكامنهم؛ متولّجين عليهم في مظانّهم؛ متوثّقين ممن يجدونه منهم، منفذين أحكام الله تعالى فيهم بحسب الذي يتبيّن من أمرهم، ويتّضح من فعلهم؛ في كبيرة ارتكبوها، وعظيمة احتقبوها؛ ومهجة أفاظوها «7» واستهلكوها، وحرمة أباحوها وانتهكوها: فمن استحقّ حدّا من حدود الله المعلومة أقاموه عليه غير مخفّفين منه،

وأحلّوه به غير مقصّرين عنه، بعد أن لا يكون عليهم في الذي يأتون به حجّة، ولا يعترضهم في وجوبه شبهة: فإنّ الواجب «1» في الحدود أن تقام بالبيّنات، وأن تدرأ بالشّبهات؛ فأولى ما توخّاه رعاة الرّعايا فيها أن لا يقدموا عليها مع نقصان، ولا يتوقّفوا عنها مع قيام دليل وبرهان. ومن وجب عليه القتل احتاط عليه بما يحتاط به على مثله: من الحبس الحصين، والتوثّق الشديد؛ وكتب إلى أمير المؤمنين بخبره، وشرح جنايته، وثبوتها بإقرار يكون منه، أو بشهادة تقع عليه، ولينتظر من جوابه ما يكون عمله بحسبه، فإنّ أمير المؤمنين لا يطلق سفك دم مسلم أو معاهد إلا ما أحاط به علما، وأتقنه فهما، وكان ما يمضيه فيه عن بصيرة لا يخالطها شكّ، ولا يشوبها ريب. ومن ألمّ بصغيرة من الصغائر، ويسيرة من الجرائر، من حيث لم يعرف له مثلها، ولم تتقدّم منه أختها، وعظه وزجره، ونهاه وحذّره؛ واستتابه وأقاله، ما لم يكن عليه خصم في ذلك يطالب بقصاص منه، وجزاء له؛ فإن عاد تناوله [من] التقويم والتهذيب، والتّعزير «2» والتأديب؛ بما يرى أن قد كفى فيما اجترم، ووفى بما قدّم؛ فقد قال تعالى: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ «3» وأمره أن يعطّل ما في أعماله من الحانات والمواخير، ويطهّرها من القبائح والمناكير؛ ويمنع من تجمّع أهل الخنا فيها وتألّف شملهم بها: فإنه شمل يصلحه التّشتيت، وجمع يحفظه التفريق؛ وما زالت هذه المواطن الذّميمة والمطارح الدّنيئة، داعية لمن يأوي إليها، ويعكف عليها؛ إلى ترك الصلوات؛ [وإهمال المفترضات] «4» وركوب المنكرات، واقتراف المحظورات؛ وهي بيوت الشيطان التي في عمارتها لله تعالى مغضبة، وفي إخرابها للخير مجلبة؛ والله تعالى يقول لنا

معشر المؤمنين: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ «1» ويقول عزّ من قائل لغيرنا من المذمومين: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا «2» . وأمره أن يولّي الحماية في هذه الأعمال، أهل الكفاية والغناء من الرجال؛ وأن يضمّ إليهم كلّ من خفّ ركابه، وأسرع عند الصّريخ جوابه، مرتّبا لهم في المسالح «3» ، وسادّا بهم ثغر المسالك؛ وأن يوصيهم بالتيقّظ؛ ويأخذهم بالتحفّظ، ويزيح عللهم في علوفة خيلهم؛ والمقرّر من أزوادهم وميرهم؛ حتى لا تثقل لهم على البلاد وطأة، ولا تدعوهم إلى تحيّفهم وثلمهم حاجة؛ وأن يحوطوا السابلة بادئة وعائدة، ويتداركوا «4» القوافل صادرة وواردة؛ ويحرسوا الطّرق ليلا ونهارا، وينفضوها «5» رواحا وإبكارا؛ وينصبوا لأهل العيث الأرصاد، ويتكمّنوا لهم بكلّ واد؛ ويتفرّقوا عليهم حيث يكون التفرّق مضيّقا لفضائهم؛ ومؤدّيا إلى انفضاضهم؛ ويجتمعوا حيث يكون الاجتماع مطفئا لجمرتهم، وصادعا لمروتهم؛ وأن لا يخلوا هذه السّبل من حماة لها وسيّارة فيها: يتردّدون في جواديها «6» ، ويتعسّفون في عواديها «7» ، حتى تكون الدماء محقونة، والأموال مصونة، والفتن محسومة والغارات مأمونة؛ ومن حصل في أيديهم من لصّ خاتل، وصعلوك خارب؛ ومخيف لسبيل، ومنتهك لحريم؛ امتثل فيه أمر أمير المؤمنين الموافق لقول الله عزّ وجل: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي

الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ «1» . وأمره بوضع الرّصد على ما يجتاز في أعماله من أبّاق العبيد، والاحتياط عليهم وعلى ما «2» يكون معهم، والبحث عن الأماكن التي فارقوها، والطّرق التي استطرقوها؛ ومواليهم الذين أبقوا منهم، ونشزوا عنهم؛ وأن يردّوهم عليهم قهرا، ويعيدوهم إليهم صغرا؛ وأن ينشدوا الضالّة بما أمكن أن تنشد، ويحفظوها على ربّها بما جاز أن تحفظ، ويتجنّبوا الامتطاء لظهورها والانتفاع بأوبارها وألبانها مما يجزّ ويحلب؛ وأن يعرّفوا اللّقطة ويتّبعوا أثرها، ويشيعوا خبرها. فإذا حضر صاحبها وعلم أنه مستوجبها سلّمت إليه، ولم يعترض فيها عليه؛ فإنّ الله عزّ وجل يقول: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها «3» . ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ضالّة المؤمن حرق النّار» . وأمره أن يوصي عمّاله بالشدّ على أيدي الحكّام، وتنفيذ ما يصدر عنهم من الأحكام؛ وأن يحضروا مجالسهم حضور الموقّرين لها، الذابّين عنها، المقيمين لرسوم الهيبة وحدود الطاعة فيها؛ ومن خرج عن ذلك من ذي عقل سخيف، وحلم ضعيف، نالوه بما يردعه، وأحلّوا به ما يزعه؛ ومتى تقاعس متقاعس عن حضور مع خصم يستدعيه، وأمر يوجّه الحاكم إليه فيه؛ أو التوى ملتو بحقّ يحصل عليه، ودين يستقرّ في ذمّته، قادوه إلى ذلك بأزمّة الصّغار، وخزائم الاضطرار؛ وأن يحبسوا ويطلقوا بأقوالهم، ويثبتوا الأيدي في الأملاك والفروج وينزعوها بقضاياهم؛ فإنّهم أمناء الله في فصل ما يفصلون وبتّ ما يبتّون، وعن كتابه وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم يوردون [ويصدرون] «4» وقد قال تعالى: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي

الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ «1» . وأن يتوخّى بمثل هذه المعاملة «2» عمّال الخراج في استيفاء حقوق ما استعملوا عليه، واستنطاف «3» بقاياهم «4» فيه، والرّياضة لمن تسوء طاعته من معامليهم، وإحضارهم طائعين أو كارهين بين أيديهم؛ فمن آداب الله تعالى للعبد التي يحقّ عليه أن يتخذها [أدبا] «5» ويجعلها إلى الرضا عنه سببا، قوله تعالى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ «6» . وأمره أن يجلس للرعيّة جلوسا عامّا، وينظر في مطالبها «7» نظرا تامّا؛ ويساوي في الحق بين خاصّها وعامّها، ويوازي في المجالس بين عزيزها وذليلها؛ وينصف المظلوم من ظالمه، والمغصوب من غاصبه، بعد الفحص والتأمّل والبحث والتّبين، حتّى لا يحكم إلّا بعدل، ولا ينطق إلّا بفصل؛ ولا يثبّت يدا إلّا فيما وجب [تثبيتها فيه، ولا يقبضها إلا عمّا وجب] «8» قبضها عنه؛ وأن يسهّل الإذن لجماعتهم، ويرفع الحجاب بينه وبينهم؛ ويوليهم من حصانة الكنف، ولين المنعطف، والاشتمال والعناية، والصّون والرّعاية، ما تتعادل فيه أقسامهم، وتتوازن «9» منه أقساطهم؛ ولا يصل المكين «10» منهم إلى استضامة من تأخّر عنه، ولا ذو السلطان إلى هضيمة من حلّ دونه. وأن يدعوهم إلى أحسن العادات [والخلائق] «11» ويحضّهم على أجمل «12» المذاهب والطرائق؛ ويحمل عنهم

كلّه، ويمدّ عليهم ظلّه؛ ولا يسومهم خسفا «1» ، ولا يلحق بهم حيفا؛ ولا يكلّفهم شططا، ولا يجشّمهم مضلعا؛ ولا يثلم لهم معيشة، ولا يداخلهم في جريمة «2» ؛ ولا يأخذ بريئا منهم بسقيم، ولا حاضرا بعديم؛ فإنّ الله جل وعز نهى أن تزر وازرة وزر أخرى، وجعل كلّ نفس رهينة بمكسبها بريئة من مكاسب غيرها. ويرفع عن هذه الرعيّة ما عسى أن يكون سنّ عليها من سنّة ظالمة، وسلك بها من محجّة جائرة، ويستقري آثار الولاة قبله عليها، فيما ازجوه من خير أو شرّ إليها: فيقرّ من ذلك ما طاب وحسن، ويزيل ما خبث وقبح: فإنّ من يغرس الخير يحظى بمعسول ثمره، ومن يزرع الشّرّ يصلى بممرور ريعه؛ والله تعالى يقول: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ «3» . وأمره أن يصون أموال الخراج وأثمان الغلّات، ووجوه الجبايات، موفّرا ويزيد ذلك مثمّرا، بما يستعمله من الإنصاف لأهلها، وإجرائهم على صحيح الرّسوم فيها: فإنه مال الله الذي به قوّة عباده، وحماية بلاده، ودرور حلبه، واتصال مدده؛ وبه يحاط الحريم، ويدفع العظيم؛ ويحمى الذّمار، وتذاد الأشرار. وأن يجعل افتتاحه إيّاه بحسب [إدراك] «4» أصنافه، وعند حضور مواقيته وأحيانه؛ غير مستسلف شيئا قبلها، ولا مؤخّر لها عنها؛ وأن يخصّ أهل الطاعة والسلامة بالتّرفيه لهم، وأهل الاستصعاب والامتناع بالتشدّد «5» عليهم: لئلا يقع إرهاق لمذعن، أو إهمال لطامع. وعلى المتولّي لذلك أن يضع كلّا من الأمرين موضعه، ويوقعه موقعه؛ متجنّبا إحلال الغلظة بمن لا يستحقّها، وإعطاء الفسحة لمن ليس من

أهلها؛ والله تعالى يقول: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى «1» . وأمره بأن يتخيّر عمّاله على الأعشار، والخراج، والضيّاع، والجهبذة، والصّدقات، والجوالي، من أهل الظّلف «2» والنّزاهة، والضّبط والصيّانة، والجزالة والشّهامة؛ وأن يستظهر مع ذلك عليهم بوصيّة يوعيها أسماعهم «3» ، وعهود يقلّدها أعناقهم «4» ؛ بأن لا يضيّعوا «5» حقّا، ولا يأكلوا «6» سحتا؛ ولا يستعملوا «7» ظلما، ولا يقارفوا غشما. وأن يقيموا العمارات، ويحتاطوا [على الغلّات] «8» ويتحرّزوا من ترك حقّ لازم أو تعطيل رسم عادل؛ مؤدّين في جميع ذلك الأمانة، مجتنبين للخيانة. وأن يأخذوا جهابذتهم باستيفاء وزن المال على تمامه، واستجادة نقده على عياره؛ واستعمال الصّحّة في قبض ما يقبضون، وإطلاق ما يطلقون. وأن يوعزوا إلى سعاة الصّدقات بأخذ الفرائض من سائمة مواشي المسلمين دون عاملتها، وكذلك الواجب فيها؛ وأن لا يجمعوا فيها متفرّقا ولا يفرّقوا مجتمعا، ولا يدخلوا فيها خارجا عنها، ولا يضيفوا إليها ما ليس منها: من فحل إبل أو أكولة «9» راع، أو عقيلة مال؛ فإذا اجتبوها على حقّها، واستوفوها على رسمها، أخرجوها في سبيلها، وقسّموها على أهلها الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه، إلّا المؤلّفة قلوبهم الذين «10» سقط سهمهم، فإنّ الله تعالى يقول: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ

اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «1» . وإلى جباة [جماجم] «2» أهل الذّمّة أن يأخذوا منهم الجزية في المحرّم من كل سنة [بحسب] «3» منازلهم في الأحوال، وذات أيديهم في الأموال؛ وعلى الطّبقات المطبقة فيها والحدود [المحدودة] «4» المعهودة لها؛ وأن لا يأخذوها من النساء، ولا ممن لم يبلغ الحلم من الرجال؛ ولا من ذي سنّ عالية، ولا ذي علّة بادية؛ ولا فقير معدم، ولا مترهّب متبتّل؛ وأن يراعي جماعة هؤلاء العمّال مراعاة يسرّها ويظهرها، ويلاحظهم ملاحظة يخفيها ويبديها: لئلّا يزولوا عن الحقّ الواجب، أو يعدلوا عن السّنن اللّاحب «5» ؛ فقد قال تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا «6» . وأمره أن يندب لعرض الرجال وإعطائهم، وحفظ جراياتهم وأوقات إطعامهم، من يعرفه بالثّقة في متصرّفه، والأمانة فيما يجري على يده، والبعد عن الإسفاف إلى الدّنيّة، والاتّباع للدناءة؛ وأن يبعثه على ضبط [حلى] «7» الرجال وشيات الخيل، وتجديد العرض بعد الاستحقاق، وإيقاع الاحتياط في الإنفاق؛ فمن صحّ عرضه ولم يبق في نفسه شيء منه: من شكّ يعرض له، أو ريبة يتوهّمها، أطلق أموالهم موفورة، وجعلها في أيديهم غير مثلومة؛ وأن يردّ على بيت المال أرزاق من سقط بالوفاة والإخلال، ناسبا ذلك إلى جهته، وموردا له على حقيقته. وأن يطالب الرجال بإحضار الخيل المختارة، والآلات «8» المستكملة المستعملة على ما توجبه مبالغ أرزاقهم «9» ، وحسب منازلهم ومراتبهم؛ فإن أخّر «10» أحدهم شيئا من ذلك قاصّه به من رزقه، وأغرمه مثل قيمته، فإنّ المقصّر فيه خائن

لأمير المؤمنين، ومخالف لرب العالمين؛ إذ يقول الله سبحانه: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ «1» . وأمره أن يعتمد في أسواق الرقيق ودور الضرّب والحسبة والطّرز، على من تجتمع فيه آلات هذه الولايات: من ثقة ودراية «2» ، وعلم وكفاية، ومعرفة ودراية؛ وتجربة وحنكة، وحصافة ومسكة؛ فإنها أحوال تضارع الحكم وتناسبه، وتدانيه وتقاربه. وأن يتقدّم إلى ولاة أسواق الرقيق بالتحفّظ فيمن يطلقون بيعه، ويمضون أمره؛ والتحرّز من وقوع تجوّز «3» فيه، وإهمال له؛ إذ كان ذلك عائدا بتحصين الفروج، وتطهير الأنساب. وأن يبعدوا «4» عنه أهل الرّيبة، ويقرّبوا «5» أهل العفّة؛ ولا يمضوا بيعا على شبهة، ولا عقدا على تهمة. وإلى ولاة العيار، بتخليص عين الدّرهم والدينار: ليكونا مضروبين على البراءة من الغشّ، والنّزاهة من المشّ «6» ؛ وبحسب الإمام «7» ، المقرّر بمدينة السّلام؛ وحراسة السّكك من أن تتداولها الأيدي المدغلة، وتتناقلها الجهات الظّنينة «8» ؛ وإثبات اسم أمير المؤمنين على ما يضرب منها ذهبا وفضّة، وإجراء ذلك على الرّسم والسنّة. وإلى ولاة الطّرز بأن يجروا الاستعمال في جميع المناسج على أتم النّيقة «9» ، وأسلم الطّريقة؛ وأحكم الصّنعة، وأفضل الصّحّة؛ وأن يثبتوا اسم أمير المؤمنين على طرز الكسا، والفرش والأعلام والبنود. وإلى ولاة الحسبة بتصفّح أحوال العوامّ في حرفهم ومتاجرهم،

ومجتمع أسواقهم ومعاملاتهم؛ وأن يعايروا الموازين والمكاييل، ويفرزوها على التعديل والتكميل؛ ومن اطّلعوا منه على حيلة أو تلبيس، أو غيلة أو تدليس؛ أو بخس فيما يوفيه، أو استفضال فيما يستوفيه، نالوه بغليظ العقوبة وعظيمها، وخصّوه بوجيعها وأليمها؛ واقفين به في ذلك عند الحدّ الذي يرونه لذنبه مجازيا، وفي تأديبه كافيا فقد قال الله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ «1» . هذا عهد أمير المؤمنين إليك، وحجّته عليك؛ وقد وقفك به على سواء السبيل، وأرشدك فيه إلى واضح الدّليل؛ وأوسعك تعليما وتحكيما، وأقنعك تعريفا [وتفهيما] «2» ولم يألك جهدا فيما عصمك وعصم على يدك، ولم يدّخرك ممكنا فيما أصلح بك وأصلحك؛ ولا ترك لك عذرا في غلط تغلطه، ولا طريقا إلى متورّط تتورّطه؛ بالغا بك في الأوامر والزّواجر إلى حيث يلزم الأئمة أن يندبوا الناس إليه، ويحثّوهم عليه؛ مقيما لك على منجيات المسالك، صارفا بك عن مرديات المهالك؛ مريدا فيك ما يسلّمك في دينك ودنياك، ويعود بالحظّ عليك في آخرتك وأولاك؛ فإن اعتدلت وعدلت فقد فزت وغنمت، وإن تجانفت واعوججت فقد خسرت وندمت؛ والأولى بك عند أمير المؤمنين مع مغرسك الزّاكي، ومنبتك النامي، وعودك الأنجب، وعنصرك الأطيب، أن تكون لظنّه بك «3» محقّقا، ولمخيلته فيك مصدّقا؛ وأن تستزيد بالأثر الجميل قربا [من رب العالمين] «4» وثوابا يوم الدين؛ وزلفى عند أمير المؤمنين، وثناء حسنا من المسلمين؛ فخذ ما نبذ إليك أمير المؤمنين من معاذيره، وأمسك بيدك على ما أعطى من مواثيقه؛ واجعل عهده [هذا] «5» مثالا تحتذيه، وإماما تقتفيه؛ واستعن بالله يعنك،

واستهده يهدك، وأخلص إليه في طاعته، يخلص لك الحظّ من معونته؛ ومهما أشكل عليك من خطب، أو أعضل عليك من صعب؛ أو بهرك من باهر، أو بهظك من باهظ، فاكتب إلى أمير المؤمنين به منهيا، وكن إلى ما يرد [من جوابه] «1» عليك منتهيا؛ إن شاء الله تعالى. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. [وكتب نصير الدولة الناصح أبو طاهر يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ست وستين وثلاثمائة] «2» . وعلى هذا الأسلوب كتب أمين الدين أبو سعيد، العلاء بن وهب بن موصلايا «3» عن القائم بأمر الله «4» عهد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين «5» ، بسلطنة الأندلس وبلاد المغرب، بعد العشرين والأربعمائة، فيما رأيته في ترسّل ابن موصلايا المذكور. وهذه نسخته بعد البسملة الشريفة: هذا ما عهد عبد الله ووليّه، عبد الله القائم بأمر الله أمير المؤمنين، إلى فلان حين انتهى إليه ما هو عليه من ادّراع جلابيب الرّشاد، في الإصدار والإيراد؛ واتّباع سنن من أبدى وأعاد، فيما يجمع خير العاجلة والمعاد؛ والتخصيص من حميد الأنحاء والمذاهب، بما يستمدّ منه أصناف الآلاء والمواهب؛ والتحلّي من

السّداد الكامل، بما فاز فيه بامتطاء الغارب «1» من الجمال والكاهل «2» ؛ واتّضح ما هو متشبّث به من صحّة الدّين واليقين، والمواظبة من اكتساب رضا الله تعالى على ما هو أقوى الظّهير والمعين؛ في ضمن ما طوى عليه ضلوعه، وأدام لهجه به وولوعه: من موالاة لأمير المؤمنين يدين الله تعالى بها، ويرجو النجاة من كل مخوف باستحكام سعيها؛ ومشايعة لدولته ساوى فيها بين ما أظهر وأسرّ، وأمّل في اجتناء ثمرها كلّ ما أبهج وسرّ؛ فولّاه الصّلاة بأعمال المغرب، والمعاون، والأحداث» ، والخراج، والضيّاع، والأعشار، والجهبذة، والصّدقات، والجوالي، وسائر وجوه الجبايات، والعرض، والعطاء، والنّفقة في الأولياء، والمظالم، وأسواق الرقيق، والعيار في دور الضّرب، والطّرز، والحسبة، ببلاد كذا وكذا: سكونا إلى استقلاله بأعباء ما استكفاه إيّاه، واستقباله النعمة عليه في ذلك بكلّ ما ينشر ذكره ويطيب ريّاه؛ وثقة بكونه للصّنيعة أهلا، وبأفياء الطاعة الإماميّة مستظلّا؛ وتوفرة على ما يزيده بحضرة أمير المؤمنين حظوة تردّ باع الخطوب عنه قصيرا، وتمدّ مقاصده من التوفيق بما يضحى له في كلّ حالة نصيرا؛ وعلما بما في اصطناعه من مصلحة تستنير أهلّتها، وتستثير من شبه الغيّ شواهدها وأدلّتها؛ والله تعالى يصل مرامي أمير المؤمنين بالإصابة، ويعينه على ما يقرّ كلّ أمريء في حقّه ويحلّه نصابه؛ ويحسن له الخطرة في كلّ ما يغدو له ممضيا، ولمطايا الاجتهاد في فعله منضيا؛ وما توفيق أمير المؤمنين إلّا بالله، عليه يتوكل وإليه ينيب. وأمره باعتماد تقوى الله تعالى في الإعلان والإسرار، واعتقاد الواجب من الإذعان بفضلها والإقرار؛ وأن يأوي منها إلى أمنع المعاقل وأحصنها، ويلوي عنان

الهدى فيها إلى أجمل المقاصد وأحسنها؛ ويجعلها عمدته يوم تعدم الأنصار، وتشخص الأبصار: ليجتني من ثمرها ما يقيه مصارع الخجل، ويجتلي من مطالعها ما يؤمّنه من طوارق الوجل؛ ويرد بها من رضا الله تعالى أصفى المشارب، ويجد فيها من ضوالّ المنى أنفس المواهب: فإنها أبقى الزّاد، وأدعى في كلّ أمر إلى وري الزّناد؛ وقد خصّ الله بها المؤمنين من عباده، وحضّ منها على ما هو أفضل عدّة المرء وعتاده؛ فقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ «1» . وأمره أن يأتمّ بكتاب الله تعالى مستضيئا بمصباحه، مستضيما لسلطان الغيّ بالوقوف عند محظوره ومباحه؛ ويقصد الاستبصار بمواعظه وحكمه، والاستدرار لصوب التوفيق في الرّجوع إلى متقنه ومحكمه؛ ويجعله أميرا على هواه مطاعا، وسميرا لا يرى أن يكشف عنه قناعا؛ ودليلا إلى النّجاة من كلّ ما يخاف أثامه، وسبيلا إلى الفوز في اليوم الذي يسفر عن فصل الحساب لثامه؛ ويتحقّق موقع الحظّ في إدامة درسه، وصلة يومه في التأمّل بأمسه؛ فإنه يبدي طريق الرّشد لكل مبدي في العمل به معيد: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ «2» . وأمره أن يحافظ على الصّلوات قائما بشروطها وحدودها، وشائما «3» بروق التوفيق في أداء فروضها وحقوقها؛ ومسارعا إليها في أوقاتها بنيّة عائفة مناهل الكدر والرّنق «4» ، عارفة بما في إخلاصها من نصرة الهدى وطاعة الحقّ؛ وموفّرا عليها من ذهنه، ما الحظّ كامن في طيّه وضمنه؛ وموفّيا لها من الرّكوع والسّجود، ما الرّشاد فيه صادق الدلائل والشّهود؛ متجنّبا أن يلهيه عنها من هواجس الأفكار،

ووساوس القلب العون منها والأبكار؛ ما يقف فيه موقف المقصّر الغالط، وينزل فيه منزلة الجاحد للنّعم الغامط؛ وقد أمر الله تعالى بها وفرضها على المؤمنين وأوجبها وحثّ من إقامتها، على ما يفضي إلى صلاح المقاصد واستقامتها؛ فقال عزّ من قائل: فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً «1» . وأمره بالسّعي في أيام الجمع إلى المساجد الجامعة، وفي الأعياد إلى المصلّيات الضاحية؛ بعد أن يتقدّم في عمارتها، وإعداد الكسوة لها؛ بما يؤدّي إلى كمال حلاها، ويحظي من حسن الذكر بأعذب الموارد وأحلاها؛ ويوعز بالاستكثار من المكبّرين فيها والقوّام، وترتيب المصابيح العائدة على شمل جمالها بالاتّساق والانتظام: فإنها بيوت الله تعالى التي تتلى بها آياته، وتعلى فيها أعلام الشّرع وراياته. وأن يقيم الدعوة على منابرها لأمير المؤمنين، ولوليّ عهده العدّة للدّين؛ أبي القاسم عبد الله بن محمد ابن أمير المؤمنين «2» ، أدام الله تعالى به الإمتاع، وأحسن عن ساحته الدّفاع؛ ثم لنفسه جاريا في ذلك على ما ألف من مثله، وسالكا منه أقوم مسالك الاهتداء وسبله؛ وقد بيّن الله تعالى ما في عمارتها من دلائل الإيمان، والفوز بما يعطي من سخط الله تعالى أوثق الأمان، في قوله سبحانه: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ «3» . وقال في الحثّ على السعي إلى الجوامع التي يذكر فيها اسمه، ويظهر عليها منار الإسلام ورسمه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ «4» .

وأمره أن يعتمد في إخراج الزكاة ما أمر الله تعالى به، وهدى منه إلى أرشد فعل وأصوبه؛ ويقوم بذلك القيام الذي يحظيه بجميل الذّكر، وجزيل الأجر، ويشهد له بزكاء المغرس وطيب النّجر «1» ؛ ويقصد في أداء الواجب منه ما يصل أمسه في التوفيق بيومه، ويطلق الألسنة بحمده ويكفّها عن لومه، متجنّبا من إخلال بما نصّ عليه في هذا الباب، أو إهمال فيه لما يليق بذوي الدّيانة وأولي الألباب؛ ومتوخّيا في المسارعة إليه ما يتطهّر به من الأدناس، ويتوفّر به حسن الأحدوثة عنه بين الناس؛ فقد جعل الله تعالى الزكاة من الفروض التي لا سبيل إلى المحيد عنها، ولا دليل في الفوز أوفى منها؛ وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأخذها من أمّته، وأبان عن كونها مما يجتنى كلّ مرغوب فيه من ثمرته؛ ووصل الأمر له في ذلك بما يوجب فضل المسابقة إلى قبوله: لما فيه من الحظّ الكامل في استنارة غرره وحجوله، في قوله سبحانه: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «2» . وأمره أن يهذّب من الدّنس خلاله، ويصل بأقواله في الخير أفعاله؛ ويمتنع من تلبية داعي الهوى المضلّ، ويتّبع سنن المتفيّء بالهدى المستظلّ؛ ويقبض يده عن كل محرّم توثق أشراكه وتوبق غوائله، وتؤذن بسوء المنقلب شواهده ودلائله، ويجعل له من نهاره رقيبا على نفسه يصونها عن مراتع الغيّ ومطارحه، وأمينا يصدّ عن مسارب الإثم ومسارحه؛ فإنّها لا تزال أمّارة بالسّوء إن لم تقد إلى جدد الرّشد، وتقم لها سوق من الوعظ يبلغ فيها أقصى الغاية والأمد؛ فالسعيد من أضحى لها عند سورة الغضب وازعا، وأنحى عليها بلوم يغدو معه عن كلّ ما يسخط الله تعالى نازعا، وأن يتنزّه عن النّهي عمّا هو له مرتكب، والأمر بما هو له مجتنب: إذ كان ذلك بالهجنة حاليا، وبين المرء وبين مقاصد هديه حائلا، قال الله تعالى: أَتَأْمُرُونَ

النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ «1» . وأمره أن يضفي على من قبله من أولياء أمير المؤمنين وجنوده، أصناف جلابيب الإحسان، وبروده؛ ويخصّهم من جزيل حبائه بما يصلون منه إلى أبعد المدى، ويملكون به نواصي الآمال ويدركون قواصي المنى؛ ويميّز من أدّى واجبه في الطاعة وفرضه وأبدى صفحته في الغناء بين يديه بمزيد من الاشتمال يرهف بصيرة كلّ منهم في التوفّر على ما وافقه، ووصل بأنفه في التقرّب إليه سابقه، ويدعو المقصّر إلى الاستبصار في اعتماد ما يلحق فيه رتبة من فازت في الحظوة قداحه، وفاتت الوصف غرره في الزّلفة وأوضاحه: ليمرح به في الاغتذاء بلبان النّعمة، كما انتهج جدده في إحسان الخدمة، وأن يرجع إلى آراء ذوي الحنكة منهم مستضيئا بها مسترشدا، وطالبا ضوالّ الرأي الثاقب ومنشدا؛ وقد بيّن الله فضل المشورة التي جعلها للألباب لقاحا، وفي حنادس «2» الشّكوك مصباحا؛ حيث أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بها، وبعثه منها على أسدّ الأفعال وأصوبها؛ فقال تعالى: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ «3» . وأمره أن يعدل في الرّعايا قبله، ويحلّهم من الأمن هضابه وقلله، ويمنحهم من الاشتمال، ما يحمي به أمورهم من الاختلال، ويحوي به من طيب الذّكر بحسب ما اكتسب من رضيّ الأنحاء والخلال؛ ويضفي على المسلم منهم والمعاهد من ظلّ رعايته ما يساوي فيه بين القويّ والضّعيف، ويلحق التليد منهم بالطّريف: ليكون الكلّ وادعين في كنف الصّون، راجعين إلى الله تعالى في إمدادهم بالتوفيق وحسن الطاعة والعون. وأن ينظر في مظالمهم نظرا ينصر الحقّ فيه، وينشر علم العدل في مطاويه، وينصف معه بعضهم من بعض، وينصب «4» به

لهم من اهتمامه أسنى قسم وحظّ؛ ملينا لهم في ذلك جانبه، ومبينا ما يظلّ به كاسب الأجر وجالبه؛ ويزيل عنهم ما شرعه ظلمة الغلمان بتلك الأعمال، ويديل من تلك الحال باستئناف ما يوطؤهم كواهل الآمال؛ جامعا لهم بين العدل والإحسان، وجاعلا أمر الله تعالى في ذلك متلقّى بالطاعة الواضحة الدليل والبرهان؛ قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ «1» . وأمره بأن يكون بالمعروف آمرا، وعن المنكر زاجرا، ولله تعالى في إحياء الحقّ وإماتة الباطل متاجرا، وأن يشدّ من الساعين في ذلك والدّاعين إليه، ويعدّ القيام بهذه الحال من أفضل ما يتقرّب به إلى الله تعالى يوم العرض عليه. ويتقدّم بتعطيل ما في أعماله من المواخير ودحضها، وإزالة آثارها ومحوها، فإنها مواطن بالمخازي آهلة، ومن مشارب المعاصي ناهلة؛ قد أسّست على غير التّقوى مبانيها، وأخليت من كل ما يرضي الله تعالى مغانيها؛ وقد أبان الله تعالى عن فضل الطائفة التي ظلّت بالمعروف آمرة وعن المنكر ناهية، وضنّت بما ترى فيه عن مقاصد الخير ذاهلة لاهية، فقال: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ «2» . وأمره أن يرتّب لحماية الطّرقات من يجمع إلى الصّرامة والشّهامة، سلوك محاجّ الرّشاد والاستقامة، ويجعل التعفّف عن ذميم المراتع شاهدا بتوفيق الله إيّاه، وعائدا عليه بما تحمد مغبّته وعقباه، ويأمر بحفظ السابلة، واختصاصهم بالحراسة السابغة الشاملة، وحماية القوافل واردة وصادرة، واعتمادها بما تغدو به إلى السلامة مفضية صائرة: لتحرس الدماء مما يبيحها ويريقها، والأموال مما يقصد فيه سبيل الإضاعة وطريقها؛ وأن يخوّفهم نتائج التقصير، ويعرّفهم مناهج التّبصير؛ وأنّ عليهم رقباء يلاحظون أمورهم ويوضّحونها، ليكون ذلك داعيا إلى

التحوّط والتحرّز، واعتماد الميل إلى جانب الصّحّة والتحيّز؛ ويوجب لهم من بعد ما يكفي أمثالهم مثله، ويكفّ أيديهم عن الامتداد إلى ما تذمّ سبله؛ فإن أخلّ أحدهم بما حدّ له، أو مزج بالسّوء عمله، جزاه بحسب ذلك وموجبه، قال الله تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ «1» . وأمره أن يتقدّم إلى نوّابه في الأعمال بوضع الرّصد على من يجتاز بها من العبيد الأبّاق، والاستظهار عليهم بحسب العدل والاستحقاق؛ واستعلام أماكنهم التي فصلوا عنها، ومواطنهم التي بعدوا منها؛ فإذا وضحت أحوالهم وبانت، وانحسمت الشّكوك في بابهم وزالت، أعادوهم إلى مواليهم أبوا أم شاءوا، وأصفوا نيّاتهم في الرجوع إليهم أم شابوا. وأن يقصدوا إنشاد الضّوالّ، ويجتهدوا من إظهار أمرها بما يغدو جمال الذّكر به في الظّلال، ويتجنّبوا أن يمتطوا ظهورها بحال، أو يمدّوا أيديهم إلى منافعها في إسرار وإعلان؛ حتّى إذا حضر أربابها سلّمت إليهم بالنّعوت والأوصاف، وأجري الأمر في ذلك على ما يضحى به علم العدل عالي المنار حالي الأعطاف؛ فقد أمر الله تعالى بأداء الأمانات إلى أهلها، وهدى من ذلك إلى أوضح محاجّ الصّحّة وسبلها، فقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ «2» . وأمره أن يختار للنظر في المعاون والأجلاب من يرجع إلى دين يحميه من مهاوي الزّلل وصلف «3» عن مدّ اليد إلى أسباب المطامع، وكلف بما يعود على ما كلّف إيّاه بصلاح مشرق المطالع، ومعرفة بما وكل إليه كافية وافية، ولما يوجب الاستزادة «4» له ماحية نافية، ويوعز إليهم بالتشمير في طلب الدّعّار، من جميع الأماكن والأقطار، وحسم موادّ العار في بابهم والمضار. وأن يمضوا فيهم حكم

الله بحسب مقاصدهم في الضّلال، وتجرى أمورهم على قانون الشرع المنير في حنادس الظلام، ممتنعين أن يراقبوا من لم يراقب الله تعالى في فعله، ويجانبوا الصواب بقبول الشّفاعة فيمن شهدت آثاره بذميم سبله، وإذا وقع الظّفر بجان قد كشف في الغيّ قناعه، وأظهرت مساعيه إباه من إجابة داعي الرّشد وامتناعه؛ أقيم حدّ الله تعالى فيه من غير تعدّ للواجب، ولا تعرّ من ملابس السالكين للجدد اللّاحب، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ «1» . وأمره أن يوعز إلى أصحاب المعاون، بأن يشدّوا من القضاة والحكّام، ويجدّوا في إجراء أمورهم على أوفى شروط الضبّط والإقدام، ويأمرهم بحضور مجالسهم لتنفيذ أحكامهم وإمضائها، والمسارعة إلى حثّ مطايا التشمير في ذلك وإنضائها، والتصرّف على أمثلتهم في إحضار الخصوم إذا ما امتنعوا، وسوقهم إلى الواجب إذا زاغوا عنه وانحرفوا، وأن يتقدّم بإمداد عمّال الخراج بما يؤدّي إلى قوّة أيديهم في استيفاء مال الفيء واجتبائه، واعتماد ما ينصر الحقوق في مطاويه وأثنائه، إذ كان في ذلك من الصّلاح الجامع، وكفّ المضارّ وحسم المطامع، ما المعونة عليه واجبة، وللتوفيق مقارنة مصاحبة، قال الله تعالى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ «2» . وأمره بعرض من تضمّه الحبوس من أهل الجرائم والجرائر، وتأمّل أحوالهم في الموارد والمصادر؛ والرّجوع إلى متولّي الشّرطة في ذكر صورة كلّ منهم والسبب في حبسه، والتعيين من ذلك على ما يعرف به صحّة الأمر من لبسه؛ فمن ألفي منهم للذّنوب آلفا، وعن سنن الصّواب منحرفا، ترك بحاله، وكفّ بإطالة اعتقاله عن مجاله في ميادين ضلاله؛ وإن وجد منهم من وجب عليه الحدّ، أقيم فيه بحسب ما يقتضيه الحقّ، ومن اعترضت في بابه شبهة تجوّز إسقاط الحدّ عنه

ودرأه، اعتمد إلحاقه في ذلك بمن اتّصل إليه صوب الإحسان ودرّه، ومن لم يكن له جرم وتظهر صحّة شاهده ودليله، قدّم الأمر في إطلاقه وتخلية سبيله، وإن غدا لأحدهم سعي في الفساد واضح وبان، وغوى به في محاربة الحقّ وخان، قوبل بما أمر الله تعالى به في كتابه حيث يقول: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ «1» . وأمره باختيار المرتّب للعرض والعطاء، والنّفقة في الأولياء؛ من ذوي المعرفة والبصيرة، والمشهورين في العفّة بتساوي العلانية والسّريرة؛ وممن تحلّى بالأمانة جيده، واعتضد بطرفيه في الرّشاد تليده؛ وكان بما يسند إليه قيّما، وفي مقرّ الكفاية ثاويا مخيّما. وأن يتقدّم إليه بضبط حلى الرّجال وشيات الخيول، وأن يقصد في كل وقت من تجديد العرض ما يشهد بالاحتياط السابغ الأهداب والذّيول، فإذا وضح وجه الإطلاق، وسلم مال الاستحقاق؛ كانت التفرقة على قدر المنازل في التقديم والتأخير وبحسب الجرائد «2» التي تدلّ على الصغير من ذلك والكبير، ومتى طرق أحدهم ما هو محتوم على خلقه، أعاد على بيت المال من رزقه بقدر قسطه وحقّه. وأن يلزمهم إحضار جياد الخيول وخيار الشّكك «3» ، ويأخذهم من ذلك بأوضح ما نهج المرء الطريق فيه وسلك؛ فإن أخلّ أحدهم بما يلزمه البروز فيه يوم العرض، أو قصّر في القيام بالواجب عليه الفرض، حاسبه بذلك من الثابت باسمه والمطلق برسمه؛ تنبيها له على تلافي الفارط، وتبصيرا لغيره في البعد، عن مقام المخطيء الغالط؛ إذ كان في قوّتهم وكمال عدّتهم إرهاب للأعداء والأضداد، وإرهاف للبصائر فيما يؤدّي إلى المصالح الوافية

الأعداد والأمداد، قال الله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ «1» . وأمره باختيار عمّال الخراج، والضيّاع، والأعشار، والجهبذة، والصّدقات، والجوالي، وأن يكونوا محتضنين من الأمانة والكفاية بما يقع الاشتراك في علمه، ومتقمّصين من ملابس العفّة والدّراية ما تحمد العواقب في ضمنه، ومتميّزين بما يغنيهم عن الأفكار بنتائج الاتّعاظ والاعتبار ويغريهم بالاستمرار على السّنن المنجي لهم من مواقف التنصّل والاعتذار، وأن يأمر عمّال الخراج بجباية الأموال، على أجمل الوجوه والأحوال؛ سالكين في ذلك جددا وسطا، يحمي من مقام من ضعف في الاستخراج أوسطا. و [أن يتقدّم] إلى الناظرين في الضّياع بتوفية العمارة حقّها والزراعة حدّها، والتوفير من حفظ الغلّات الحاصلة على ما يقتفى فيه أرشد المذاهب وأسدّها، متحرّزين من أمر ينسبون فيه إلى العجز والخيانة، فكلّ من الحالين مجز في وضوح أدلّة الفساد ومخز. وإلى الجهابذة بقصد الصحّة في القبض والتقبيض، وحفظ النّقد من التدليس والتلبيس؛ أداء للأمانة في ذلك، واهتداء فيه إلى أقوم المسالك. وإلى سعاة الصدقات بأخذ الفرائض من مواشي المسلمين السائمة دون العاملة، والجري في ذلك على السّنّة الكاسبة للمحمدة الوافية الكاملة؛ متجنّبين من أخذ فحل الإبل وأكولة الراعي، وعقائل الأموال المحظورة على سائر الأسباب والدّواعي؛ فإذا استوفيت على المحدود من حقّها، أخرجت في المنصوص عليه من وجوهها وسبلها. وإلى جباة جماجم أهل الذّمّة بأخذ الجزية منهم في كلّ سنة، على قدر ذات أيديهم في الضّيق والسّعة، وبحسب العادة المألوفة المتّبعة، ممتنعين من مطالبة النّسوان، ومن لم يبلغ الحلم من الرجال ومن علت سنّه عن الاكتساب وتبتّل من الرّهبان ومن غدا فقره واضح الدليل والبرهان، وفاء بالعهد المسؤول، وتلقّيا لأمر الله تعالى بالقبول حيث

يقول: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا «1» . وأمره أن يردّ أمر المظالم وأسواق الرقيق ودور الضّرب والطّرز والحسبة إلى من عضّد بالظّلف «2» الورع، وانتظم له شمل الهدى واجتمع، فكان ذا معرفة بما يحرم ويحلّ، وبصيرة يتفيّأ «3» بها من عوارض الشّبه ويستظلّ؛ وأن يكون النظر في ذلك مضاهيا للحكم ملائما، ولن يقوم به إلّا من لا يرى عاذلا له في فعله لائما، وأن يتقدّم إلى من يلي المظالم بتسهيل الإذن للخصوم في الدّخول عليه، وتمكين كلّ منهم من استيفاء الحجّة بين يديه، والتوصّل إلى فصل ما بينهم بحسب ما يقود الحقّ إليه، وأن يقصد فيما وقع الخلف معهم فيه، الكشف الذي يقوم به ويستوفيه؛ فإن وضح له الحقّ أنفذه وقطع به، وإلا ردّهم إلى مجالس القضاء لإمضاء ذلك على مقتضى الشّرع وموجبه، وإلى المرتّبين في أسواق الرقيق بالتحفّظ فيما يبتاع ويباع، وأن يستعمل في ذلك الاقتفاء للسّنن الجميل والاتّباع: ليؤمن اختلاط الحرّ بالعبد، وتحرس الأنساب من القدح والفروج من الغصب؛ في ضمن حفظ الأموال، والمنع من مزج الحرام بالحلال. وإلى ولاة العيار بتصفية عين الدّرهم والدّينار من الغشّ والإدغال «4» ؛ وصون السّكك من تداول الأيدي الغربية لها بحال من الأحوال، متحذّرين من الاغترار بما ربّما وضح الفساد فيه عند الاعتبار، ومانعين التّجّار المخصوصين بالإيراد، من كل قول مخالف للإيثار في الصحّة والمراد، ومعتمدين إجراء الأمر فيما يطبع على القانون بمدينة السلام، من غير خلاف لمستقرّ القاعدة في ذلك ومتّسق النظام؛ وأن يثبت ذكر أمير المؤمنين، ووليّ عهده في المسلمين؛ على ما يضرب من الصّنفين «5» معا، والمسارعة في ذلك إلى أفضل ما بادر إليه المرء وسعى. وإلى المستخدمين في الطّرز بملاحظة

أحوال المناسج والإشراف عليها، وأخذ الصّنّاع بالتجويد على العادة التي يجب الانتهاء إليها؛ وإثبات اسم أمير المؤمنين على ما ينسج من الكسا والفروش والأعلام والبنود، جريا في ذلك على السّنن المرضيّ والمنهاج المحمود. وإلى من يراعي الحسبة الشريفة بالكشف عن أحوال العوامّ في الأسواق، والانتهاء في ذلك إلى ما ينتهي به شمل الصّلاح إلى الانتظام والاتّساق، وأن يتقدّم [إليهم] بما يجب من تعبير ما يختصّ بهم من المكاييل والموازين، وحملها على قانون الصّحّة الواضحة الدلائل والبراهين؛ وأن يقصد تبصيرهم مواضع الحظّ في الاستقامة، ويحذّرهم مواقع الانتقام الذي لا تفيد فيه أسباب الاستفصاح والاستقالة، فإن عرف من أحد منهم إقداما على إدغال فيما يزن أو يكيل، قوبل من التأديب بما هو الطريق إلى ارتداعه والسّبيل قال الله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ » . وأمره أن يعرف قدر النعمة التي ضفت «2» عليه برودها، وحلّت جيده عقودها، وزفّت منه إلى أوفى أكفائها، وحفّت بجزيل القسم من جميع أكنافها وأرجائها؛ وأن يقابلها بإخلاص في الطاعة يساوي فيه بين ما يبدي ويسرّ وسعي في الخدمة يوفي على كل مجاز ومبرّ، ويبدأ أمام ما يتوخّاه بأخذ البيعة لأمير المؤمنين ووليّ عهده على نفسه وولده، وكافّة الاجناد والرّعايا في بلده، عن نيّة صفت من الكدر والقذى، ووفت للتوفيق بما ضمنت من خذلان البغي ونصرة الهدى، ويتبع ذلك بالحقوق في كل خدمة ترضي، والوقوف عند الأوامر الإماميّة في كلّ ما يؤدّي إلى الوفاق ويفضي؛ وأن يحمل إلى حضرة أمير المؤمنين من الفيء والغنائم ما أوجبه الله تعالى وفرضه، من غير تأخير لما يجب تقديمه من ذلك ولا تقصير منه فيما يقتضي التّلافي والاستدراك ليأمر أمير المؤمنين بصرفه في سبيله المشار إليها، ووجوهه المنصوص عليها، قال الله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ

خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ «1» . ثم إنّ أمير المؤمنين آثر أن يضاعف له من الإحسان، ما يقتضيه مقامه لديه من وجيه الرتبة والمكان، وشرّفه بما يرفل من حلاه في حلل الجمال، وتكفّل له علاه ببلوغ منتهى الآمال؛ وبوّأه بما أولاه محلّا تقصر عن الوصول إليه الأقدام، وتعجز عن حلّ عراه الأيّام، ولقّبه بكذا، وأذن له في تكنيته عن حضرته، وتأهيله من ذلك لما يتجاوز قدر أمنيّته إنافة به على من هو في مساجلته من الأقران طالع، وإضافة للنّعمة في ذاك إلى ما اقترن بها فيما هو لشمل الفخر عنده جامع، وأنفذ لواء يلوي به إلى الطاعة أبيّ الأعناق، ويحوي به من العزّ ما أنواره وافية الإشراق. فتلقّ يا فلان هذه الصّنيعة الغرّاء، والمنحة التي أكسبت زنادك الإيراء «2» ؛ بالاستبشار التّام، والاعتراف فيها بسابغ الطّول والإنعام؛ وأشع ذكر ذلك عند كلّ أحد، وانته في الإبانة عنه إلى أبعد أمد؛ واعتمد مكاتبة حضرة أمير المؤمنين متسمّيا، ومن عداه متلقّبا متكنّيا وتوفّر على شكر تستدرّ به صوب المزيد، وتستحقّ به إلحاق الطّريف من الإحسان بالتّليد، والله تعالى يقول: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ «3» . هذا عهد أمير المؤمنين إليك، والحّجة لك وعليك؛ قد أوضح لك [فيه] الصّواب، وأذلّ به الجوامح الصّعاب؛ وحباك منه بموهبة كفيلة بخيري البدء والمعاد، وفيّة فيها المنى بسابق الضّمان والميعاد؛ وضمّنه من مواعظه ما هدى به إلى كلّ ما الجنيّ ثمره، وغدا محظيّا بما تروق أوضاحه في المجد وغرره؛ ولم يألك فيه تجمّلا يكسبك الفخر النامي، ويجعل ذكرك زينة المحفل والنادي؛ وتقديما ينبيء عمّا خصصت به

الطريقة الثانية (طريقة محققي المتأخرين ممن جرى على هذا المذهب: كالشيخ شهاب الدين محمود الحلبي، والمقر الشهابي بن فضل الله، ومن والاهم)

من المنح المشرقة الّلآلي، وإكراما يبقى صيته على تقضّي الأيّام والليالي؛ وتبصيرا يقي من فلتات القول والعمل، ويرتقي المستضيء بأنواره إلى ذرى الأمن من دواعي العثار والزّلل؛ فأصغ إلى ما حواه، إصغاء الفائز بأوفى الحظ، وتدبّر فحواه، الناطق بفضل الحثّ على الهدى والحضّ؛ وكن لأوامر أمير المؤمنين فيه محتذيا، ومن تجاوز محدوده في مطاويه محتميا؛ وبمواعظه الصادقة معتبرا، وفي العمل بما قارن الحق مستبصرا، تفز بالغنم الأكبر، وبالسلامة في المورد والمصدر؛ وإيّاك واعتماد ما تذمّ فيه مكاسبك، فإنّ لك بين يدي الله تعالى موقفا يناقشك فيه ويحاسبك. واعلم أنّ أمير المؤمنين قد قلّدك جسيما، وخوّلك جزيلا عظيما؛ فلا تنس نصيبك من الله تعالى غدا، ولا تجعل لسلطان الهوى المضلّ عليك يدا؛ وإن خفي عليك الصواب في بعض ما أنت بصدده، أو اعتراض فيه من الشّبه ما يحول بينك وبين طريق الرشاد وجدده «1» ؛ فطالع حضرة أمير المؤمنين به، واستنجد الله في ذلك بأسدّ رأي وأصوبه؛ يبدّلك من الشكّ يقينا، ويبدلك ما يغدو لكلّ خير ضمينا؛ إن شاء الله تعالى. الطريقة الثانية (طريقة محقّقي المتأخّرين ممّن جرى على هذا المذهب: كالشيخ شهاب الدين محمود الحلبي «2» ، والمقرّ الشهابيّ بن فضل الله «3» ، ومن والاهم) وهي أن يأتي في أثناء العهد بخطبة أو تحميد على عادة المكاتبات، وأن يذكر بعد صدر العهد حميد أوصاف المعهود إليه، ويطنب فيها ويثني عليه بما يليق بمقامه. قال في «التعريف» : على نحو ما تقدّم في عهود الخلفاء عن الخلفاء.

قال في «التثقيف» «1» : وصورته أن يكتب: «هذا ما عهد به عبد الله ووليّه أمير المؤمنين المتوكل على الله (مثلا) أبو فلان فلان بن فلان، إلى السيّد الأجلّ الملك العالم العادل المؤيّد المظفّر المنصور المجاهد» ويذكر اللّقب هنا، مثل الناصر أو الكامل أو غيره «فلان الدنيا والدين، فلان، ابن السلطان السعيد الشهيد الملك الفلاني خلّد الله تعالى ملكه. أما بعد، فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ويصلّي على ابن عمّه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم» ويكمل الخطبة بما أمكنه. ثم يقال: «عهد إليه وقلّده جميع ما هو مقلّده من مصالح الأمّة وصلاح الخلق، بعد أن استخار الله تعالى في ذلك، ومكث مدّة يتدبّر هذا الأمر ويروّي فكره فيه وخاطره، ويستشير أهل الرأي والنظر، فلم ير أوفق منه لأمور الأمّة ومصالح الدنيا والدّين» . ومن هذا وشبهه. ثم يقال: «وإن المعهود له قبل ذلك منه» ويأتي فيه بما يليق من محاسن العبارة وأجناس الكلام. قلت: وقد يؤتى بعد «أما بعد» بخطبة، مثل أن يقال: «أما بعد فالحمد لله» ونحو ذلك، ويكمّل الخطبة بما يليق بالمقام. ثم قد يقتصر على تحميدة واحدة، وقد يكرره إلى ثلاث، وإن شاء بلغ به سبعا. فقد قال في «التعريف» في الكلام على عهود الملوك للملوك: إنه كلّما كثر التحميد، كان أدلّ على عظم النعمة. وقد يقال في آخره: «والاعتماد على الخطّ الفلاني (بلقب الخلافة) أعلاه حجّة بمقتضاه أو «والخطّ الفلاني أعلاه حجّة فيه» ونحو ذلك. وعلى هذه الطريقة كتب الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ عهد الملك

العادل «كتبغا» «1» عن الخليفة الإمام الحاكم بأمر الله أبي العبّاس أحمد «2» ، ابن الإمام الذي استحضره الملك الظاهر بيبرس من بغداد وبايعه، وهذه نسخته «3» : هذا عهد شريف في كتاب مرقوم يشهده المقرّبون، ويفوّضه آل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأئمة الأقربون. من عبد الله ووليّه الإمام الحاكم بأمر الله أبي العبّاس أحمد أمير المؤمنين، وسليل الخلفاء الراشدين والأئمة المهديّين، رضوان الله عليهم أجمعين، إلى السلطان الملك العادل زين الدنيا والدين «كتبغا المنصوريّ» أعزّ الله سلطانه. أما بعد، فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي جعل له منك سلطانا نصيرا، وأقام له بملكك على ما ولّاه من أمور خلقه عضدا وظهيرا؛ وآتاك بما نهضت به من طاعته نعما «4» وملكا كبيرا، وخوّلك بإقامة ما وراء سريره من مصالح الإسلام بكلّ أرض منبرا وسريرا، وجاء بك لإعانته على ما استخلفه الله فيه من أمور عباده على قدر وكان ربّك قديرا؛ وجمع بك الأمة بعد أن كاد يزيغ قلوب فريق منهم، وعضّدك لإقامة إمامته بأولياء دولتك الذين رضي الله عنهم؛ وخصّك بأنصار دينه الذين نهضوا بما أمروا به من طاعتك وهم نازهون «5» وأظهرك على الذين ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ

كارِهُونَ «1» واصطفاك لإقامة الدّين وقد اختلفت الأهواء في تلك المدّة، ولمّ بك شعث الأمّة بعد الاضطراب فكان موقفك ثمّ موقف الصّدّيق يوم الرّدّة. ويشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة حاكم بأمره، مستنزل لك بالإخلاص ملائكة تأييده وأعوان نصره؛ مسترهف بها سيف عزمك على من جاهر «2» بشركه وحاربه بكفره، معتصم بتوفيقه في تفويضه إليك أمر سرّه الذي استودعه في الأمّة وجهره؛ ويصلّي على سيدنا محمد رسول الله الذي استخرجه الله من عنصره وذويه، وشرّف به قدر جدّه بقوله فيه: «عمّ الرّجل صنو أبيه» وأسرّ إليه بأنّ هذا الأمر فتح به ويختم ببنيه؛ وعلى آله وصحبه والخلفاء الراشدين من بعده، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، وجاهدوا أئمة الكفر الذين لا أيمان لهم والذين هم بربّهم يعدلون؛ وسلّم تسليما كثيرا. وإنّ أمير المؤمنين لما آتاه الله من سرّ النبوة، واستودعه من أحكام الإمامة الموروثة عن شرف الأبوّة؛ واختصّه من الطاعة المفروضة على الأمم، وفرض عليه من النظر في الأخصّ من مصالح المسلمين والأعمّ؛ وعصم آراءه ببركة آبائه من الخلل، وجعل سهم اجتهاده هو المصيب أبدا في القول والعمل؛ وكان السلطان فلان هو الذي جمع الله به كلمة الإسلام وقد كادت، وثبت به الأرض وقد اضطربت بالأهواء ومادت؛ ورفع به منار الدين بعد أن شمخ الكفر بأنفه، وألّف به شمل المسلمين وقد طمح العدوّ إلى افتراقه وطمع في خلفه، وحفظ به في الجهاد حكم الكتاب الّذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ «3» ؛ وحمى به الممالك الإسلاميّة فما شام الكفر منها برق ثغر إلّا رمي من وباله بوابل، ولا أطلق عنان طرفه إلى الأطراف إلا وقع من سطوات جنوده في كفّة حابل؛ ولا اطمأنّوا في بلادهم إلا أتتهم سراياه من حيث لم يرتقبوا، ولا ظنّوا أنهم ما نعتهم حصونهم من

الله إلا وأتاهم بجنوده «1» من حيث لم يحتسبوا؛ وألّف جيوش الإسلام فأصبحت على الأعداء بيمنه يدا واحدة، وقام بأمور الأمّة فأمست عيون الرّعايا باستيقاظ سيوفه في مهاد الأمن راقدة؛ وأقام منار الشريعة المطهّرة فهي حاكمة له وعليه، نافذ أمرها على أمره فيما وضع الله مقاليده في يديه؛ ونصره الله في مواطن كثيرة، وأعانه على من أضمر له الشّقاق والصّلاة وإنّها لكبيرة «2» ؛ وأظهره «3» بمن بغى عليه في يومه بعد حلمه عنه في أمسه، وأيّده على الذين خانوا عهده ويَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ «4» ؛ وتعيّن لملك الاسلام فلم يك يصلح إلّا له، واختاره الله لذلك فبلغ به الدّين آماله؛ وضعضع بملكه عمود الشّرك وأماله، وأعاد بسلطانه على الممالك بهجتها وعلى الملك رونقه وجلاله؛ وأخدمه النّصر فما أضمر له أحد سوءا إلا وزلزل أقدامه وعجّل وباله، وردّه إليه وقد جعل من الرّعب قيوده ومن الذّعر أغلاله، وأوطأ جواده هام أعدائه وإن أنف أن تكون نعاله. عهد إليه حينئذ مولانا الإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين في كلّ ما وراء خلافته المقدّسة، وجميع ما اقتضته أحكام إمامته التي هي على التّقوى مؤسّسة: من إقامة شعار الملك الذي جمع الله الاسلام عليه، وظهور «5» أبّهة السلطنة التي ألقى الله وأمير المؤمنين مقاليدها إليه؛ ومن الحكم الخاصّ والعامّ، في سائر ممالك الإسلام، وفي كل ما تقتضيه أحكام شريعة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام؛ وفي خزائن الأموال وإنفاقها، وملك الرّقاب وإعتاقها، واعتقال الجناة وإطلاقها؛ وفي كل ما هو في يد الملّة الاسلامية التي سيرجعها الله بجهاده إليها؛ وفي

تقليد الملوك والوزراء، وتقدمة الجيوش وتأمير الأمراء؛ وفي الأمصار يقرّ بها من شاء من الجنود، ويبعث إليها ومنها ما شاء من البعوث والحشود؛ ويحكم في أمرها بما أمر «1» الله من الذّبّ عن حريمها، ويتحكّم بالعدل الذي رسم «2» الله به لظاعنها ومقيمها؛ وفي تقديم حديثها واستحداث قديمها، وتشييد ثغورها، وإمضاء ما عرّفه الله به وجهله سواه من أمورها؛ وإقرار من شاء من حكّامها، وإمضاء ما شاء من إتقان القواعد بالعدل وإحكامها؛ وفي إقطاع خواصّها، واقتلاع ما اقتضته المصلحة من عمائرها وعمارة ما شاء من قلاعها؛ وفي إقامة الجهاد بنفسه الشريفة وكتائبه، ولقاء الأعداء كيف شاء من [تسيير] سراياه وبعث مواكبه؛ وفي مضايقة «3» العدوّ وحصاره، ومصابرته وإنظاره «4» ، وغزوه كيف أراه الله في أطراف بلاده وفي عقر داره؛ وفي المنّ والفداء والإرقاق، وضرب الهدن التي تسألها العدا وهي خاضعة الأعناق؛ وأخذ مجاوري العدوّ المخذول بما أراه الله من النّكاية إذا أمكن من نواصيهم، وحكم عفوه في طائعهم وبأسه في عاصيهم، وإنزال الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ «5» . وفي الجيوش التي ألف الأعداء فتكات ألوفها، وعرفوا أنّ أرواحهم ودائع سيوفها؛ وصبّحتهم سرايا رعبها المبثوثة إليهم، وتركهم خوفها كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ «6» وهم الذين ضاقت بمواكبهم إلى العدا سعة الفجاج، وقاسمت رماحهم الأعداء شرّ قسمة ففي أيديهم كعوبها وفي صدور أولئك الزّجاج «7» ، وأذهبت عن الثّغور الإسلامية رجس الكفر وطهّرت من ذلك ما جاور العذب الفرات والملح الأجاج؛

وعرفوا في الحروب بتسرّع الإقدام، وثبات الأقدام، وأدّخر الله لأيّامه الشريفة أن تردّنها بهم «1» دار السلام إلى ملك الإسلام: فيدرّ عليهم ما شاء من إنعامه الذي يؤكّد طاعتهم، ويجدّد استطاعتهم؛ ويضاعف أعدادهم، ويجعل بصفاء النيّات ملائكة الله أمدادهم؛ ويحملهم على الثّبات إذا لقوا الذين كفروا زحفا، ويجعلهم في التعاضد على اللّقاء كالبنيان المرصوص فإنّ الله يحبّ الّذين يقاتلون في سبيله صفّا. وفي أمر الشرع وتولية قضاته وحكّامه، وإمضاء ما فرض الله عليه وعلى الأمة من الوقوف عند حدوده وا «2» مع أحكامه؛ فإنّه لواء الله الممدود في أرضه، وحبله المتين الذي لا نقض لإبرامه ولا إبرام لنقضه، وسنن نبيّه الذي لا حظّ عند الله في الإسلام لغير متمسّك بسنّته وفرضه؛ وهو- أعزّ الله سلطانه- سيف الله المشهور على الذين غدوا وهم من أحكام الله مارقون، ويده المبسوطة في إمضاء الحكم بما أنزل الله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ «3» . وفي مصالح الحرمين الشريفين وثالثهما الذي تشدّ أيضا إليه الرّحال. وإقامة سبيل الحجيج الذين يفدون على الله بما منحهم «4» من برّه وعنايته في الإقامة والارتحال. وفي عمارة البيوت التي أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ «5» وفي إقامة الخطب على المنابر، واقتران اسمه الشريف مع اسمه بين كلّ باد وحاضر، والاقتصار على هذه التثنية في أقطار الأرض فإنّ القائل بالتثليث كافر؛ وفي سائر ما تشمله الممالك الإسلامية ومن تشتمل عليه شرقا وغربا، وبعدا وقربا؛ وبرّا وبحرا، وشاما ومصرا؛ وحجازا ويمنا، ومن يستقرّ بذلك إقامة وظعنا. وفوّض إليه ذلك جميعه وكلّ ما هو من لوازم خلافته لله في أرضه، ما ذكر وما لم يذكر تفويضا لازما، وإمضاء جازما، وعهدا محكما، وعقدا

في مصالح ملك الاسلام محكّما؛ وتقليدا مؤبّدا، وتقريرا على كرّ الجديدين مجدّدا؛ وأثبت ذلك وهو الحاكم حقيقة بما علمه من استحقاقه والحاكم بعلمه، وأشهد الله وملائكته على نفوذ حكمه بذلك: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ «1» . وذلك لما صحّ عنده من نهوض ملكه بأعباء ما حمّله الله من الخلافة، وأدائه الأمانة عنه فيما كتب الله عليه من الرحمة اللّازمة والرافة؛ واستقلاله بأمور الجهاد الذي أقام الله به الدين، واختصاصه وجنوده بعموم ما أمر الله به الأمة في قوله تعالى: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ «2» . وأنّه في الجهاد سهمه المصيب وله به أجر الرامي المسدّد، وسيفه الذي جرّده على أعداء الدين وله من فتكاته حظّ المرهف المجرّد؛ وظلّ الله في الأرض الذي مدّه بيمن يمينه، وآية نصره الذي اختاره الله لمصالح دنياه وصلاح دينه؛ الناهض بفرض الجهاد وهو في مستقرّ خلافته وادع، والراكض عنه بخيله وخياله إلى العدوّ الذي ليس لفتكات سيوفه رادع «3» ؛ والمؤدّي عنه فرض النّفير في سبيل الله كلّما تعيّن، والمنتقم له من أهل الشّقاق الذين يجادلون في الحقّ بعد ما تبيّن، والقائم بأمر الفتوح التي تردّ بيع الكفر مساجد يذكر فيها اسم الله واسمه، ويرفع على منابرها شعاره الشريف ورسمه؛ وتمثّل له بإقامة دعوته صورة الفتح كأنه ينظر إليها؛ والناظر عنه في عموم مصالح الإسلام وخصوصها تعظيما لقدره، وترفيها لسرّه؛ وتفخيما لشرفه، وتكريما لجلالة بيته النبويّ وسلفه؛ وقياما له بما عهد إليه، ووفاء من أمور الدّين والدنيا بما وضع مقاليده في يديه. وليدلّ على عظم سيرته بكرم سيره، وينبّه على كمال سعادته إذ قد كفي به في أمور خلق الله تعالى والسعيد من كفي بغيره، لم يجعل أمير المؤمنين على يده يدا في ذلك، ولا فسّح لأحد غيره في أقطار الأرض أن يدعى بملك ولا مالك، بل بسط

حكمه وتحكمه في شرق الأرض «1» وغربها وما بين ذلك؛ وقد فرض طاعته على سائر الأمم، وحكم بوجوبها على الخاصّ والعامّ ومن ينقض حكم الحاكم إذا حكم؛ وهو يعلم أنّ الله تعالى قد أودع مولانا السلطان سرّا يستضاء بأنواره، ويهتدى في مصالح الملك والممالك بمناره، فجعل له أن يفعل في ذلك كلّ ما هدى الله قلبه إليه، وبعثه بالتأييد الإلهيّ عليه؛ واكتفى عن الوصايا بأنّ الله تعالى تكفّل له بالتأييد، وخصّه من كلّ خير بالمزيد؛ وجعل خلقه التقوى وكلّ خير فرع عليها، ونوّر بصيرته بالهدى فما يدلّ على حسنة من أمور الدنيا والآخرة إلّا وهو السابق إليها؛ والله تعالى يجعل أيّامه مؤرّخة بالفتوح، ويؤيّده بالملائكة والرّوح، على من يدّعي الأب والابن والرّوح؛ ويجعل أسباب النصر معقودة بسببه، والملك كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ «2» . ويشهد بهذا العهد الشريف مع من شهده من الملائكة المقرّبين «3» ، كلّ من حضر تلاوته من سائر الناس أجمعين: لتكون حجّة الله على خلقه أسبق، وعهد أمير المؤمنين بثبوته أوثق؛ وطاعة سلطان الأرض قد زادها الله على خلقه بذلك توكيدا، وشهد [الله] وملائكته على الخلق بذلك وكفى بالله شهيدا. والاعتماد على الخط الحاكميّ أعلاه حجّة به، إن شاء الله تعالى. وعلى نحو ذلك كتب الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ عهد الملك المنصور «حسام الدّين لاچين» «4» عن الخليفة الحاكم بأمر الله بن أبي الربيع

سليمان المتقدّم ذكره «1» . وهذه نسخته «2» : هذا عهد شريف تشهد به الأملاك لأشرف الملوك، وتسلك فيه من قواعد العهود المقدّسة أحسن السّلوك؛ من عبد الله ووليّه الإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين، للسلطان الملك المنصور حسام الدنيا والدين؛ أبي الفتح لاچين المنصوريّ، أعزّ الله سلطانه. أما بعد، فالحمد لله مؤتي الملك من يشاء من عباده، ومعطي النصر من يجاهد فيه حقّ جهاده؛ ومرهف حسام انتقامه على من جاهر بعناده، ومفوّض أمر هذا الخلق إلى من أودعه سرّ رأفته في محبّته ومراد نقمته في مراده؛ وجامع كلمة الإيمان بمن اجتباه لإقامة دينه وارتضاه لرفع «3» عماده، ومقرّ الحق في يد من منع سيفه المجرّد في سبيل الله أن يقرّ في أغماده، وناصر من لم تزل كلمة الفتوح مستكنّة في صدور سيوفه جارية على ألسنة صعاده، وجاعل ملك الإسلام من حقوق من إذا عدّ أهل الأرض على اجتماعهم كان هو المتعيّن على انفراده، الذي شرّف أسرّة ملك الإسلام باستيلاء حسام دينه عليها، وزلزل ممالك أعدائه بما بعث من سرايا رعبه إليها؛ وثبّت به أركان الأرض التي ستحتوي ملكه في طرفيها، وضعضع بسلطانه قواعد ملوك الكفر فودّعت ما كان مودعا لأيّامه من ممالك الإسلام في يديها؛ وأقامه وليّه بأمره فلم يختلف عليه اثنان من خلقه، وقلّده أمر بريّته لما أقدره عليه من النّهوض بحقّهم وحقّه؛ وأظهره على من نصب له الغوائل وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ «4» ونصره في مواطن كثيرة لما قدّره في القدم من رفعة

شأنه واعتلاء قدره؛ وجعل عدوّه وإن أعرض عن طلبه بجيوش الرّعب محصورا، وكفاه بنصره على الأعداء التوغّل في سفك الدّماء فلم يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً «1» ؛ ونقل إليه الملك بسيفه والدّماء مصونة، وحكّمه فيما كان بيد غيره من الأرض والبلاد آمنة والفتن مأمونة؛ فكان أمر من ذهب سحابة صيف، أو جلسة ضيف «2» ؛ لم تحلّ له روعة في القلوب، ولم يذعرها- وقد ألبسه الله ما نزع عن سواه- سالب ولا مسلوب، إجراء لهذه الأمة على عوائد فضله العميم، واختصاصا بما آتاه من ملكه وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ «3» . يحمده أمير المؤمنين على ما منح في أيّامه الدّين من اعتضاده بحسامه، والاعتماد في ملك المسلمين على من يجعل جباه ملوك الشّرك تحت أقدامه، والاعتداد بمساعي من حصونه في الجهاد ظهور جياده وقصوره أطراف حسامه. ويشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة حاكم بما أراه، حامد له في ملك الإسلام على تيسّر ما وطّده ورفع ما عراه «4» ، معتصم به في كلّ ما أثبته بالحق من قواعد الدّين «5» في جهاد أعداء الدّين عن سيره في ذلك وسراه؛ وأن محمدا عبده ورسوله الذي جعله «6» من عصبته الشريفة وعصبته، وشرّفه بوراثة خلافته في أمّته [ورفع] قدر رتبته، وقصره على إقامة من يرهب العدا بنشر دعوته في الآفاق مع مواقع رغبته؛ ويسأله أن يصلّي عليه صلاة تفتح له في الدنيا إلى العصمة طريقا، وتجعله في الأخرى معه ومع الّذين أنعم الله عليهم من آبائه الشّهداء

والصالحين وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً «1» ؛ وسلّم تسليما كثيرا. وإنّ أمير المؤمنين لما اختصّه الله به من البرّ «2» المودع في قلبه، والنّور الذي أصبح فيه على بيّنة من ربّه؛ والتأييد المنتقل إليه عمّن شرف بقربه، والنصّ الذي أسرّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جدّه العبّاس من بقاء هذا الأمر في ورثته دون أقاربه وصحبه؛ لم يزل يرغب إلى الله سبحانه «3» ويستخيره في إقامة من ينهض في ملك الإسلام حقّ النّهوض، ويفوّض إليه الأمانة إلى من يرى «4» أداء الأمانة فيهم من آكد الفروض؛ ومن إذا قال النفير يا خيل الله اركبي سابقت خيله خياله، وجازت عزائمه نصاله؛ وأخذ عدوّ الدّين من مأمنه، وغالب سيفه «5» الأجل على انتزاع روحه من بدنه؛ وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وجاهد لإقامة منار الإسلام لا للتعرّض إلى عرض الدنيا؛ وقدّمت له ملوك الدنيا حصونها، وبذلت له مع الطاعة مصونها؛ وأقيم له بكلّ قطر منبر وسرير، وجمع ملوك العدا في رقّ طاعته وهو «6» على جمعهم إذا يشاء قدير؛ ومن يقيم العدل على ما شرع، والشرع على ما أخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع؛ ويميت البدع بإحياء السّنن، ويعلم أنّ الله جعل لخلقه على لسان نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم سننا ولا يعدل بهم عن ذلك السّنن. ولما كان السّلطان الملك المنصور حسام الدنيا والدّين أبو الفتح «لاچين المنصوري» - خلّد الله سلطانه- هو الذي جعل [الله] صلاح الأمة على يديه، واختاره لإقامة دينه فساق ملك الإسلام عنوة إليه؛ وأنهضه بذلك وقد أمدّه بجنود نصره، وأنزل سكينته عليه وجمع قلوب أهل الإسلام على حبّه؛ وفرّق أعداء الدّين

خوف حربه، وجعل النصر حيث توجه من أشياخه «1» وحزبه؛ وعضّده لنصرة الإسلام بملائكة سمائه، وأقام به عمود الدين الذي بالسّيف قام ولا غرو فإن الحسام من أسمائه؛ وأقبلت إليه طوائف جيوش الإسلام مذعنين، وأدّى في كرامتهم حقوق طاعة الله الذي أيده بنصره وبالمؤمنين، وتلقّاهم بشير كرامته ونعمه وقال: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين؛ فطارت مخلّقات البشائر بملكه في الآفاق، وأغصّ العدا سلطانه «2» فما توهّموا في أمر الإسلام الاختلاف حتّى تحقّقوا بحمد الله ويمن أيّامه الوفاق؛ واختالت المنابر الإسلاميّة بذكر أمير المؤمنين وذكره، وأعلنت الأمة المحمديّة بحمد الله الذي أقرّبه الحقّ في مركزه وردّ به شارد الملك إلى وكره؛ وتحقّق أمير المؤمنين أنه المكنون في طويّته والمستكنّ في صدره «3» ؛ والقائم في عمارة بيته النبويّ وسلامته مقام سلمانه وعمّاره «4» ، فعهد إليه حينئذ في كلّ ما تقتضيه أحكام إمامته في أمّة نبيّه، وجعله في التصرّف المطلق عنه قائما مقام وصيّه في الملّة ووليّه؛ وقلّده أمر ملك الإسلام تقليدا عامّا، وفوّض إليه حكم السلطنة الشريفة تفويضا تامّا؛ وألبسه من ذلك ما خلعه عن سواه، ونشر عليه لواء الملك الذي زوى ظلّه عن غيره وطواه؛ وحكّمه في كل ما تقتضيه خلافته المقدّسة، وتمضيه إمامته التي هي على التقوى مؤسّسة: من إقامة منار الإسلام، والحكم العام في أمّة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام؛ وفي تقليد الملوك والوزراء، وتقدمة الجيوش وتأمير الأمراء؛ وفي تجهيز العساكر والسّرايا، وإرسال الطّلائع والرءايا «5» ، وتجريد الجنود الذين ما ندبهم إلى الأعداء «6» إلا آبوا» بالنّهاب وبالسّبايا؛ وفي غزو العدوّ كيف أراه الله إن بنفسه أو جنده، وفي

استرسال «1» النصر بالثبات والصبر فإنّ الله يجزي الصابرين وما النّصر إلا من عنده؛ وفي محاصرة العدوّ ومصابرته، وإنظاره ومناظرته، وإنزالهم على ما شرع الله فيهم من الأحكام، والتوخّي في ذلك ما حكم به سعد بن معاذ «2» في زمن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام؛ وفي ضرب الهدن وإمضائها، والوفاء بالعقود المشروعة إلى انتهاء مددها وانقضائها، وفي إرضاء السيوف ممن نكث ولم يتمّ عهده إلى مدّته فإنّ إسخاط الكفر في إرضائها؛ وفي الأمصار يقرّ بها من شاء من الجنود، ويبعث إليها من شاء من البعوث والحشود؛ وفي سداد الثغور بالرجال الذين تفترّ بهم عن شنب النصر، وتأمن بهم أعدادها من غوائل الحصر، وتوفير سهامها من سهام القوّة التي ترمي «3» بشرر كالقصر؛ وإمداد بحرها بالشّواني «4» المجرّبة المجدّدة «5» ، والسّفن التي كأنها القصور الممهّدة على الصّروح الممرّدة؛ فلا تزال تدبّ إليهم من ذوات الأرجل عقاربها، وتخطف غربانهم الطائرة بأجنحة القلوع مخالبها؛ وفي تقدمة «6» وتنفيذ السّرايا التي لا تزال أسنّتها إلى نحور الأعداء مقوّمة، وإنفاق ما يراه في مصالح الإسلام من القناطير المقنطرة من الذهب والفضّة والخيل المسوّمة؛ وفي إعلاء منار الشرع الشريف والانقياد إليه، والمسارعة إلى نفوذ حكمه فيما له وعليه، وتقوية يد حكّامه على كلّ أمير ومأمور أقرّ الشرع في يده شيئا أو انتزعه من يديه، وتفويض الحكم إلى كلّ من يتعيّن لذلك من أئمة الأمّة، وإقامة الشرع الشريف على قواعده الأربعة «7» فإن اتفاق

العلماء حجّة واختلافهم رحمة؛ وفي مصالح الحرمين الشريفين وثالثهما الذي تشدّ الرحال أيضا إليه، وفي إقامة سبل الحجيج الذين «1» دعاهم الله فلبّوه واستدعاهم فقدموا عليه؛ وفوّض إليه كلّ ما هو من لوازم خلافته لله في أرضه: ما ذكر وما لم يذكر، تفويضا لازما، وتقليدا جازما، وعقدا محكما، وعهدا في مصالح الإسلام والمسلمين محكّما، واكتفى عن الوصايا بما جبل عليه خلقه الشريف من التقوى، وهدى نفسه النفيسة إليه من التمسك بالسند «2» الأقوم والسبب الأقوى؛ فما ينبّه على حسنة إلّا وهو أسبق إليها، ولا يدلّ على خلّة «3» إلا وفكره الشريف أسرع من فكر الدالّ عليها؛ وقد وثق ببراءة الذّمّة من حقّ قوم أضحوا لفضل مثله راجين، وتحقّق حلول النعمة على أمّة أمسوا إلى «لاچين» لاجين «4» ؛ وقد استخار أمير المؤمنين الله في ذلك كثيرا، ولجأ إلى الله في توفيقه وتوقيفه على الصواب مما يجده في الحكم بذلك هاديا ونصيرا؛ وسارع إلى التسليم بأمر الله تعالى فيما فوّض إليه من أمور عباده إنّه كان بعباده خبيرا بصيرا. وأشهد الله وملائكته ومن حضره من المؤمنين على نفسه بما تضمّنه هذا العهد الكريم، وحكم على الأمّة بمقتضاه فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «5» . والخطّ الشريف الإماميّ الحاكميّ أعلاه، حجة بمقتضاه؛ إن شاء الله تعالى. وعلى قريب منه كتب القاضي شمس الدين إبراهيم بن القيسرانيّ عهد

الملك الناصر «محمد بن قلاوون» عن الحاكم بأمر الله أحمد بن أبي الربيع سليمان «1» . وهذه نسخته «2» : هذا عهد يعمر بك للإسلام المعاهد، وينصر منك الاعتزام فتغنى عن الموالي والمعاضد «3» ؛ ويلقي إليك مقاليد الأمور: لتجتهد في مراضي الله وتجاهد، ويبعثك على العمل بالكتاب والسنّة: ليكونا شاهدين لك عند الله في أعظم المشاهد؛ فخذ كتاب أمير المؤمنين بقوّة تبرّكا بأخذ يحيى عليه السلام للكتاب، وحاسب نفسك محاسبة تجد نفعها يوم يقوم الحساب، واعمل صالحا فالّذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب. من عبد الله ووليّه الإمام الحاكم بأمر الله أبي العبّاس أحمد أمير المؤمنين: إلى السلطان الأجلّ، العالم، العادل، المجاهد، المرابط، المظفّر، الملك، الناصر؛ ناصر الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، سيّد الملوك والسلاطين؛ فاتح الأمصار، مبيد الأرمن والفرنج والتّتار؛ وارث الملك، سلطان العرب والعجم والترك؛ خادم الحرمين، صاحب القبلتين؛ أبي الفتح محمد قسيم أمير المؤمنين أعز الله سلطانه، ولد السلطان الشهيد الملك المنصور سيف الدين قلاوون، قدّس الله روحه. أما بعد، فالحمد لله الذي أقام ناصر الإسلام وأهله بخير ناصر، وأحلّ في السلطنة المعظّمة من استحقّها بذاته الشريفة وشرف العناصر؛ ووضع الإصر «4»

بمن كثرت منه ومن سلفه الكريم على الرّعايا الأواصر «1» ، وعقد لواء الملك لمن هو واحد في الجود ألف في الوغى ففي حاليه تعقد عليه الخناصر؛ وجمع كلمة الأمّة بمتفرّد في المعالي متوحّد في المفاخر، متّصف بمناقب أربى بها على أربابها من الملوك الأوائل والأواخر؛ وأقرّ النواظر والخواطر بمن أشرق عليهما نوره الباهر، وظهرت آثار وجوده وجوده على البواطن والظّواهر؛ وأعاد شبيبة الأيّام في اقتبال سرّ السرائر، وسارت بشائر مقدمه في الآفاق سير المثل وما ظنّك بالمثل السائر؛ وفعلت مهابته في التمهيد والتشييد فعل القنا المتشاجر، وشفت الصّدور بوجود الاتّفاق وعدم الشقاق بعد أن بلغت القلوب الحناجر؛ وأورث البلاد والعباد صفوة ذرّية ورثوا السيادة كابرا عن كابر، وسرى سرّه إذا ولد المولود منهم تهلّلت له الأرض واهتزّت إليه المنابر. والحمد لله الذي اجتبى سيدنا محمدا صلّى الله عليه وسلم من أشرف بيت وقبيلة، ومنح الأمّة برسالته من خيري الدنيا والآخرة الوسيلة، وأوجب الشفاعة لمن سأل الله له أعلى درجة لا ينالها إلا رجل واحد وهي الوسيلة؛ وجعل شملهم بمبايعته ومتابعته في الهداية نظيما، وحضّ على ذلك بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً «2» . وبلّغهم به من السعادة غاية مطلوبهم، وأيده بنصره وبالمؤمنين وألّف بين قلوبهم؛ وزان شريعته المطهّرة بمحاسن أبهى منظرا ومخبرا من العقود، وفرض على المؤمنين أن يوفوا بالعهود وبالعقود؛ وأقدرهم على حمل الأمانة التي أشفقت السموات والأرض والجبال من حملها، وأنزل في كتابه العزيز: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها «3» .

والحمد لله الذي اختار أمير المؤمنين من سلالة عمّ نبيّه العباس، واصطفى بيته المبارك من خير أمّة أخرجت للناس؛ وقوّى به جأش المسلمين وجيوش الموحّدين على الملحدين، وآتاه بسيادة جدّه وسعادة جدّه ما لم يؤت أحدا من العالمين؛ وحفظ به للمؤمنين ذماما، وجعله للمتّقين إماما؛ وخصّه بمزيد الشرفين: نسبه ومنصبه، وجعل مزيّة الرتبتين كلمة باقية في عقبه، وصان به حوزة الدّين صيانة العرين بالأسود، وصيّر الأيدي البيض مشكورة لحاملي راياته السّود. يحمده أمير المؤمنين حمد من اختاره من السّماء فاستخلفه في الأرض، وجعل إمرته على المؤمنين فرضا لتقام به السّنّة والفرض؛ ويشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى «1» «2» ؛ ويشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي كشف بمبعثه عن القلوب حجب الغيّ، وأشرقت أنوار نبوّته فأضاء لها يوم دخوله المدينة كلّ شيّ؛ صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم من أقامه في الإمامة مقامه وأشار إلى الاقتداء به من بعده، ومنهم من أعزّ الله به الإسلام في كلّ قطر مع قربه وبعده؛ ومنهم من كانت اليد الشريفة النبويّة في بيعة الرّضوان خيرا له من يده، ومنهم من أمر الله تعالى بالمباهلة «3» بالأبناء والنّفوس فباهل «4» خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم به وبزوجه وولده؛ وعلى بقيّة العشرة، الذين غدت بهم دعوة الحقّ مشتهرة منتشرة؛ وعلى عمّيه «5» أسد الله وأسد رسوله عليه السلام، وجدّ الأئمة المهديّين أمراء المؤمنين وخلفاء الإسلام، وسلم تسليما كثيرا. وإنّ الله تعالى جعل سجيّة الأيّام الشريفة الإماميّة الحاكميّة أدام الله إشراقها، وقسم بها بين الأولياء والأعداء آجالها وأرزاقها؛ ردّ الحقوق إلى نصابها، وإعادتها

إلى مستحقّيها ولو تمادت الأيّام على اغتصابها، وإقرارها عند من هو دون الورى أولى بها: ليحقّق أنّ نسبه الشريف أظهر على أوامره دلائل الإعجاز، وحلّى كلماتها بالإيجاز وهباتها بالإنجاز؛ وإنّ الله جعل الاسم الشريف الحاكميّ في الحكم بأمره على خير مسمّى، وقوّى منه في تأييد كلمة الحقّ جنانا وعزما، ولم يخرج من أحكامه عن اتّباع أمر الله قضيّة ولا حكما؛ وكنت أيّها السيد، العالم العادل، السلطان، الملك، الناصر؛ ناصر الدنيا والدين، أبو الفتح محمد ابن السلطان الشهيد الملك المنصور، سيف الدين قلاوون- قدّس الله روحه- أولى الأولياء بالملك الشريف: لما لسلفك من الحقوق، وما أسلفوه من فضل لا يحسن له التناسي ولا العقوق؛ ولما أوجب لك على العساكر الإسلامية سابق الأيمان، وصادق الإيمان: ولأنك جمعت في المجد بين طارف وتالد، وفقت بزكيّ نفس وأخ ووالد؛ وجلالة، ما ورثتها عن كلالة؛ وخلال، مالها بالسّيادة إخلال؛ ومفاخر، تكاثر البحر الزاخر؛ ومآثر، أعجز وصفها الناظم والناثر؛ وكان ركابك العالي قد سار إلى الكرك المحروس، وقعدت عنك الأجسام وسافرت معك النّفوس؛ ووثقت الخواطر بأنّك إلى السلطنة تعود؛ وأنّ الله تعالى يجدّد لك صعودا إلى مراتب السّعود؛ وأقمت بها وذكرك في الآفاق سائر، والآمال مبشّرة بأنك إلى كرسيّ مملكتك صائر. فلمّا احتاج الملك الشريف في هذه المدّة إلى ملك يسرّ سريره، وسلطان تغدو باستقراره عيون الأنام والأيّام قريرة: لما للمسلمين في ذلك من تيسير أوطار وتعمير أوطان، ولأنهم لا ينفذون في المصالح الإسلاميّة إلا بسلطان؛ لم يدر في الأذهان، ولا خطر لقاص ولا دان؛ إلّا أنك أحقّ الناس بالسلطنة الشريفة، وأولاهم برتبتها المنيفة، ولا ذكر أحد إلّا حقوق بيتك وفضلها، ولا قال عنكم إلّا بقول الله: وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها «1» : لأنّ البلاد فتوحات سيوفكم، ورعاياها فيما هم فيه من الأمن والخير بمنزلة ضيوفكم؛ ولأنّ العساكر الإسلاميّة استرقّهم ولاؤك، ووالوك لأنهم أرقّاؤك؛ فلم يقل أحد: أنّى له الملك علينا؟ بل أقرّ كلّ منهم لك باليد وقرّ بولايتك عينا؛ وأخلصوا في

موالاتك العقائد، واستبشروا منك بمبارك الوجه ماجد جائد؛ ولم يغب غائب خليفته جيش أبيه وجدّه الصاعد؛ ورفعت الممالك يد الضّراعة سائلة وراغبة، وخطبتك لعقائلها ومعاقلها والخطباء على المنابر لك خاطبة وبدعائك مخاطبة؛ وقصدت لذلك أبوابك التي لا تزال تقصد، ودعيت للعود المبارك وعود محمّد للأمّة المحمديّة أحمد؛ وفعلت الجيوش المنصورة من طاعتك كلّ ما سرّ، وأربت في صدق النيّات وبرّها على كل من برّ: ولو انّ مشتاقا تكلّف فوق ما ... في وسعه لسعى إليك المنبر! فما ضرّ بحمد الله بعد الدار والآمال بساكنها مطيفة، بل كان لك الذّكر «1» في قلب الخليفة نعم الخليفة؛ وكنت لديه- وإن غبت- حاضرا بجميل الذّكر، ونأيت دارا فقرّ بك إليه حسن التصوير في الفكر. وكان أمير المؤمنين قد شاهدك يافعا، وشهد خاطره أن ستصير للمسلمين نافعا؛ وتأمّل منك أمائر أضحى لها لترقّيك آملا، وهلالا دلّته كرامته- ولا تنكر الكرامة- على أن سيكون بدرا كاملا؛ وبلغه عنك من العدل والإحسان، ما أعجز وصفه بلاغتي القلم واللّسان؛ فناداك نداءه «2» على بعد المزار، ولم يجد لك نظير أفأطال وأطاب لمقدمك السعيد الانتظار؛ إلى أن أقدمت إقدام اللّيث، وقدمت إلى البلاد المتعطّشة إلى نظرك الشريف قدوم الغيث؛ فلاح بك على الوجود دليل الفلاح، وحمد الرعايا سراك عند الصبّاح والاستصباح وشاهدوا منك أسدا فاق بوثباته وثباته الأول، وشخصا لا يصلح إلّا لإدالة دول ولا تصلح إلا لمثله الدّول؛ وقامت باختبارك على اختيارك الدّلائل، وعرفك سرير الملك وعرف فيك من أبيك شمائل؛ ورأى أمير المؤمنين من نجابتك فوق ما أخبرت به مساءلة الرّكبان، ومن مهابتك ما دلّ على خفض الشانيء ورفع الشان؛ ومن محامدك كلّ ما صغّر الخبر عنها الخبر، وأعلنت ألسنة الأقدار

بأنه لم يبق عن تقليدك الممالك الإسلاميّة بحمد الله تعالى عذر؛ فاختارك على علم العالمين، واجتباك للذّبّ عن الإسلام والمسلمين؛ واستخار الله تعالى في ذلك فخار؛ وأفاض عليك من بيعته المباركة مع فخرك المشتهر حلل الفخار؛ وعهد إليك في كلّ ما اشتملت عليه دعوة إمامته المعظّمة، وأحكام خلافته التي لم تزل بها عقود الممالك في الطاعة منظّمة؛ وفوّض إليك سلطنة الممالك الإسلاميّة برّا وبحرا، شاما ومصرا؛ قربا وبعدا، غورا ونجدا؛ وما سيفتحه الله عليك من البلاد، وتستنقذه من أيدي ذوي الإلحاد؛ وتقليد الملوك والوزراء، وقضاة الحكم العزيز وتأمير الأمراء؛ وتجهيز العساكر والبعوث للجهاد في سبيل الله ومحاربة من ترى محاربته من الأعداء، ومهادنة من ترى مهادنته منهم؛ وجعل إليك في ذلك كله العقد والحلّ، والإبرام والنقض والولاية والعزل؛ وقلّدك ذلك كلّه تقليدا يقوم في تسليم الممالك إليك مقام الإقليد «1» ، ويقضي لقريبها وبعيدها بمشيئة الله تعالى بمزيد التمهيد والتّشييد: لتعلم أنّ الله قد جعل الأيام الشريفة الحاكمية- أدامها الله تعالى- فلكا أبدى سالفا من البيت الشريف المنصوري أقمارا، وأطلع منهم آنفا بدرا ملأ الخافقين أنوارا؛ فكلّما ظهرت لسلفه مآثر بدت مآثر خلفه أظهر، ومن شاهدهم وشاهد شمس سعادته المنزّهة عن الأفول قال هذا أكبر؛ وكلّما ذكر لأحدهم فضل علم أنه في أيامه متزيّد، وأنه إن مضى منهم سيّد في سبيله، فقد قام بأطراف الأسنّة منهم سيّد؛ وصيّر الدولة الشريفة الخليفيّة غابا إن غاب منهم أسود، خلفهم شبل بشّرت مخايله أنّه عليها يسود. فليتقلّد السلطان الملك الناصر ما قلّده أمير المؤمنين، وليكن لدعوته الهادية من الملبّين وعليها من المؤمّنين؛ وليترقّ إلى هذه الرّتبة التي استحقّها بحسبه، واسترقّها بنسبه؛ وليباشرها مستبشرا، ويظهر من شكر الله تعالى عليها ما يغدو به مستظهرا؛ فقد أراد أمير المؤمنين القيام في نصرة الدين الحنيف فأقامك

أنت مقامه، وصرّف بك بين أهل الطاعة والعصيان إكرامه وانتقامه؛ رعيا لعهد سلفك الكريم، ولما استوجبته نفسك النفيسة من وفور التعظيم والتكريم؛ وعناية بالعساكر المؤيّدة الذين وجّهوا وجوه آمالهم إليك، وأبت كلمتهم التي صانها الله عن التفرّق أن تجتمع في الطاعة والخدمة إلّا عليك ولديك؛ ومنّة عليهم بسلطان ما برحوا من الله تعالى يطلبونه، وملك نشأوا بأبوابه العالية فلهذا يحبّهم ويحبّونه. فاحمد الله تعالى الذي جعل لك في إعادة الملك أسوة بسليمان عليه السلام، وردّه إليك ردّا لا انفصال لعروته ولا انفصام؛ فأضحيت لأمور عباده سدادا، ولثغور بلاده سدادا، وللخليفة عضدا في الخليقة، وفي الدهر سامي الحقيقة حامي الحقيقة، وللملك وارثا، ورقّاك رقيّا أصبحت به في السلطنة واحدا وللخلافة المعظمة ثانيا وللقمرين ثالثا. وبشراك! أنّ الله أبرم سبب تأييدك إبراما لا تصل الأيدي إلى نقضه، وأنك سئلت عن أمر طالما أتعب غيرك سؤاله في بعضه؛ وأن الله يحسن لك العون وبك الصّون، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الرّحمن بن سمرة! «1» لا تسأل الإمارة فإنّك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها» . وبشراك! أن أمير المؤمنين خصّك بمزيد الاعتناء، وأقامك مقامه في حسن الغناء، وحقّق أنّ السعادة في أيامه موصولة منكم بالآباء والأبناء؛ وبلّغك بهذا التقليد الشريف الأماني، وتوّجه بيمين قريبة عهد باستلام الرّكن اليماني؛ واصطفاك بقلب أظهر له الكشوف إشراق تلك السّتور، وغدا مغمورا بالهداية ببركة البيت المعمور، ونظر زادته مشاهدة الحرم الشريف النبويّ نورا على نور؛ فقابل «2» ذلك بالقيام في مهمات الإسلام، وتدقيق النظر في مصالح الخاصّ والعام؛

واجتهد في صيانة الممالك اجتهادا يحرس منها الأوساط والأطراف، وتنتظم به أحوالها أجلّ انتظام وتأتلف أجمل ائتلاف. والوصايا كثيرة وأولاها تقوى الله: فليجعلها حلية لأوقاته، ويحافظ عليها محافظة من يتّقيه حقّ تقاته؛ ويتّخذها نجيّ فكره وأنيس قلبه، ويعظّم حرمات الله: وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ «1» . والشرع الشريف فهو لعقد الإسلام نظام، وللدّين القيّم قوام؛ فتجتهد في اقتفاء سننه، والعمل بمفروضه» وسننه؛ وتكريم أهله وقضاته، والتوسل بذلك إلى الله في ابتغاء مرضاته. وأمراء دولتك فهم أنصار سلفك الصالح، وذو والنصائح فيما آثروه من المصالح؛ وخلصاء طاعتهم في السّرّ والنّجوى، وأعوانهم على البرّ والتقوى؛ وهم الذين أحلّهم والدك من العناية المحلّ الأسنى، والذين سبقت لهم بحسن الطاعة من الله الحسنى؛ ولو لم يكن لهم إلّا حسن الوفاء، لكفاهم عندك في مزيد الاعتماد والاستكفاء؛ فإنهم جادلوا في إقامة دولتك وجالدوا، وأوفوا بالعهد فهم الموفون بعهدهم إذا عاهدوا؛ وهم للوصايا بخدمتك واعون، وفيما ائتمنتهم عليه لأماناتهم وعهدهم راعون؛ قد أصفوا لك النّيّات بظهر الغيب، وأخلصوا الطويّات إخلاصا لا شكّ معه ولا ريب؛ ونابوا عنك أحسن مناب، وكفّوا كفّ العدوّ فما طال له لا فتراس ولا اختلاس ظفر ولا ناب؛ واتخذوا لهم بذلك عند الله وعندك يدا، وأثّلوا لهم به مجدا يبقى حديثه الحسن الصحيح عنهم مسندا. فاستوص بهم وبسائر عساكرك المنصورة خيرا، وأجمل لهم سريرة وفيهم سيرا؛ وأحمدهم عقبى هذه الخدمة، وأوردهم منهل إحسان يضاعف لهم النّعمة

والنّعمة: لتؤكّد طاعتك على كل إنسان، ويثقوا بحسن المكافأة: وهَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ «1» . ولتزداد أوامرك ونواهيك امتثالا، ولا يجدوا عن محبّة أيّامك الشريفة انتقالا، وليقال في حسن خدمهم وإحسانك: هكذا هكذا وإلّا فلا لا. وأما الغزو والجهاد في سبيل الله تعالى، وما أوجبه فيهما قوله: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا «2» ، فأقلّ ما يجزيء فرض الكفاية منه مرّة في كل عام، وأما فرض العين فوجوبه على ذوي الاستطاعة من المسلمين عامّ؛ وقد عرفت سنن السلطانين الشهيدين: والدك وأخيك «3» - قدّس الله روحهما «4» - في الاعتناء بجهاد الكفار، وغزوهم في عقر الدار؛ وموقف أحدهما في موطن زلّت فيه الأقدام عن الإقدام، واجتمع فيه الكفر على الإسلام؛ وشاب من هوله الوليد، ومصابرته تجاه سيف من سيوف الله تعالى الإمام خالد بن الوليد؛ واستنقاذا لآخر البلاد الساحليّة التي أنقذها الله من أيدي المشركين على يد الصّلاحين «5» ، وفتح لهما أبواب الجنة ببركة الافتتاحين؛ وأنّ والدك وأخاك سدّا على المشركين الفجاج، وطهّرا من أرجاسهم العذب الفرات والملح الأجاج؛ فالكتائب المنصوريّة «6» ، أبادت «7» التّتار بالسّيوف المشرفيّة؛ والممالك الإسلامية، زهت نظاما بالفتوحات الأشرفيّة «8» ؛ فاجتهد في إعلاء كلمة الدين أتمّ اجتهاد، وعزّزهما بثالث في الغزو والجهاد.

وأما الرّعايا «1» بعيدهم وقريبهم، ومستوطنهم وغريبهم، فيوفّيهم من الرّعاية حظّهم، ويجزل صيانتهم وحفظهم؛ وكما يرى الحقّ له فلير الحقّ عليه، ويحسن إلى رعاياه كما أحسن الله إليه. وأما العدل فإنّه للبلاد عمارة، وللسّعادة أمارة، وللآخرة منجاة من النّفس الأمّارة؛ فليكن له شعارا ودثارا «2» ، وليؤكّد مراسمه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمحافظة من ذلك على ما يذكر به عند الله ويشكر. والحدود الشرعيّة فليحلّ بإقامتها لسانه وطرسه، ولا يتعدّها بنقص ولا زيادة وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ «3» . والله يخلّد له رتبة الملك التي أعلى بها مقامه، ويديمه ناصرا للدين الحنيف فأنصاره لا يزالون ظاهرين إلى يوم القيامة؛ ويجعل سبب هذا العهد الشريف مدى الأيّام متينا، ويجدّد له في كلّ وقت نصرا قريبا وفتحا مبينا. والخطّ «4» الحاكميّ أعلاه، حجة بمقتضاه؛ إن شاء الله تعالى. الحمد لله وحده؛ وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلامه، حسبنا الله ونعم الوكيل. وعلى نحو من ذلك كتب القاضي علاء الدين بن عبد الظاهر «5» عن المستكفي بالله، أبي الرّبيع سليمان «6» ، عهد الملك المظفّر ركن الدين «بيبرس

المنصوري» الجاشنكير «1» . وهذه نسخته: هذا عهد شريف انتظمت به عقود مصالح الملك والممالك، وابتسمت ثغور الثّغور ببيعته التي شهدت بصحّتها الكرام الملائك؛ وتمسّكت النّفوس بمحكم عقده النّضيد ومبرم عقده النّظيم، ووثقت بميثاقه فتركت الألسن مستفتحة بقول الله الكريم: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «2» . الحمد لله الذي جعل الملّة الإسلامية تأوي من سلطانها إلى ركن شديد، وتحوي من متابعة مظفّرها كلّ ما كانت ترومه من تأبيد التأييد، وتروي أحاديث النصر عن ملك لا يملّ من نصرة الدّين الحنيفّي وإن ملّ الحديد من الحديد؛ مؤتي ملكه من يشاء من عباده، وملقي مقاليده للوليّ المليّ بقمع أهل عناده؛ ومانحه من لم يزل بعزائمه ومكارمه مرهوبا مرغوبا، وموليه ومولّيه من غدا محبوّا من الأنام بواجب الطاعة محبوبا، ومفوّض أمره ونهيه إلى من طالما صرف خطّيّه عن حمى الدين أخطارا وخطوبا. والحمد لله مجري الأقدار، ومظهر سرّ الملك فيمن أضحى عند الإمامة العباسيّة بحسن الاختبار من المصطفين الأخيار؛ جامع أشتات الفخار، ورافع لواء الاستظهار؛ ودافع لأواء «3» الأضرار، بجميل الالتجاء إلى ركن أمسى بقوّة الله تعالى عالي المنار، وافي المبارّ، بادي الآثار الجميلة والإيثار. والحمد لله على أن قلّد أمور السلطنة الشريفة لكافلها وكافيها، وأسند عقدها وحلّها لمن يدرك بكريم فطنته وسليم فطرته عواقب الأمور من مباديها، وأيّد

الكتائب الإيمانيّة بمن لم تزل عواليه تبلّغها من ذرى الأمانيّ معاليها. يحمده أمير المؤمنين على إعلاء كلمة الإيمان بأعيان أعوانها، وإعزاز نصرها بأركان تشييدها وتشييد أركانها؛ ويشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا تبرح الألسنة ترويها والقلوب تنويها، والمواهب تجزل لقائلها تنويلا وتنويها؛ ويشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أكمل نبيّ وأفضل مبعوث، وأشرف مورّث لأجلّ موروث؛ صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تنمي بركاتها وتنمّ «1» ، وتخصّ حسناتها وتعمّ؛ ورضي الله عن عمّه العباس جدّ أمير المؤمنين، وعن آبائه الأئمة المهديّين؛ الذين ورثوا الخلافة كابرا عن كابر، وسمت ووسمت بأسمائهم ونعوتهم ذرى المنابر. أما بعد، فإن الله عزّ وجلّ لما عدق «2» بمولانا أمير المؤمنين مصالح الجمهور، وعقد له البيعة في أعناق أهل الإيمان فزادهم نورا على نور، وأورثه عن أسلافه الطاهرين إمامة خير أمّة، وكشف بمصابرته من بأس العدا ظلام كلّ غمّة؛ وأنزل عليه السكينة في مواطن النصر والفتح المبين، وثبّته عند تزلزل الأقدام وثبّت به قلوب المؤمنين؛ وأفاض عليه من مهابة الخلافة ومواهبها ما هو من أهله، وأتمّ نعمته عليه كما أتمها على أبويه من قبله- بايع الله تعالى على أن يختار للتّمليك على البرايا، والتحكيم في الممالك والرّعايا؛ من أسّس بنيانه على التقوى، وتمسّك من خشية الله تعالى بالسبب الأقوى؛ ووقف عند أوامر الشرع الشريف في قضائه وحكمه، ونهض لأداء فرض الجهاد بمعالي عزمه وحزمه؛ وكان المقام الأشرف العالي، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، المظفّريّ، الرّكنيّ، سلطان الإسلام والمسلمين، سيد الملوك والسلاطين؛ ناصر الملّة المحمدية، محيي

الدولة العبّاسية؛ أبو الفتح «بيبرس» قسيم أمير المؤمنين: أعزّ الله تعالى ببقائه حمى الخلافة وقد فعل، وبلّغ في بقاء دولته الأمل- هو الملك الذي انعقد الإجماع على تفضيله، وشهدت مناقبه الطاهرة باستحقاقه لتحويل الملك إليه وتخويله؛ وحكم التوفيق والاتّفاق بترقّيه إلى كرسيّ السلطنة وصعوده، وقضت الأقدار بأن يلقي إليه أمير المؤمنين أزمّة عهوده، والذي كم خفقت قلوب الأعادي عند رؤية آيات نصره، ونطقت ألسنة الأقدار بأن سيكون مليك عصره وعزيز مصره، واهتزّت أعطاف المنابر شوقا للافتخار باسمه، واعتزّت الممالك بمن زاده الله بسطة في علمه وجسمه؛ وهو الذي ما برح مذ نشأ يجاهد في الله حقّ جهاده، ويساعد في كل معركة بمرهفات سيوفه ومتلفات صعاده؛ ويبدي في الهيجاء صفحته للصّفاح فيقيه الله ويبقيه: ليجعله ظلّه على عباده وبلاده، فيردي الأعداء في مواقف تأييده فكم عفّر من خدّ لملوك الكفر تحت سنابك جياده؛ ويشفي بصدور سيوفه صدور قوم مؤمنين، ويسقي ظماء أسنّته فيرويها من مورد وريد المشركين؛ ويطلع في سماء الملك من غرر آرائه نيّرات لا تأفل ولا تغور، ويظهر من مواهبه ومهابته ما تحسّن به الممالك وتحصّن الثّغور؛ فما من حصن استغلقه الكفر إلا وسيفه مفتاحه، ولا ليل خطب دجا إلا وغرّته الميمونة صباحه؛ ولا عزّ أمل لأهل الإسلام إلا وكان في رأيه المسدّد نجاحه، ولا حصل خلل في طرف من الممالك إلّا وكان بمشيئة الله تعالى وبسداد تدبيره صلاحه؛ ولا اتّفق مشهد عدوّ إلا والملائكة الكرام بمظافرته فيه أعدل شهوده، ولا تجدّد فتوح للإسلام إلا جاد فيه بنفسه وأجاد؛ (والجود بالنّفس أقصى غاية الجود) . كم أسلف في غزو أعداء الدّين من يوم أغرّ محجّل، وأنفق ما له ابتغاء مرضاة الله سبحانه فحاز الفخر المعجّل والأجر المؤجّل؛ وأحيا من معالم العلوم ودوارس المدارس كلّ داثر، وحثّه إيمانه على عمارة بيوت الله تعالى الجامعة لكلّ تال وذاكر: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ «1» . وهو الذي ما

زالت الأولياء تتخيّل مخايل السّلطنة في أعطافه معنى وصورة، والأعداء يرومون إطفاء ما أفاضه الله عليه من أشعّة أنواره: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ «1» . طالما تطاولت إليه أعناق الممالك فأعرض عنها جانبا، وتطفّلت على قربه فكان لها- رعاية لذمّة الوفاء- مجانبا؛ حتّى أذن الله سبحانه لكلمة سلطانه أن ترفع، وحكم له بالصّعود في درج الملك إلى المحلّ الأعلى والمكان الأرفع، وأدّى له من المواهب ما هو على اسمه في ذخائر الغيوب مستودع. فعند ذلك استخار الله تعالى سيدنا ومولانا الإمام المستكفي بالله أمير المؤمنين أبو الربيع سليمان، ابن الإمام الحاكم (وذكر نسبه على العادة) جعل الله الخلافة كلمة باقية في عقبه، وأمتع الإسلام والمسلمين بشرفي حسبه ونسبه؛ وعهد إلى المقام العالي السلطانيّ بكلّ ماوراء سرير خلافته، وقلّده جميع ما هو مقلّده من أحكام إمامته؛ وبسط يده في السلطنة المعظّمة، وجعل أوامره هي النافذة وأحكامه هي المحكّمة، وذلك بالديار المصرية، والممالك الشاميّة، والفراتيّة، والجبليّة، والساحليّة، والقلاع والثّغور المحروسة، والبلاد الحجازيّة، واليمانية، وكلّ ما هو إلى خلافة أمير المؤمنين منسوب، وفي أقطار إمامته محسوب، وألقى إلى أوامره أزمّة البسط والقبض، والإبرام والنّقض، والرّفع والخفض؛ وما جعله الله في يده من حكم الأرض، ومن إقامة سنّة وفرض؛ وفي كلّ هبة وتمليك، وتصرّف في ولاية أمور الإسلام من غير شريك؛ وفي تولية القضاة والحكّام، وفصل القضايا والأحكام؛ وفي سائر التحكّم في الوجود، وعقد الألوية والبنود، وتجنيد الكتائب والجنود، وتجهيز الجيوش الإسلامية من التأييد «2» إلى كلّ مقام محمود؛ وفي قهر الأعداء الذين نرجو بقوّة الله تعالى أن يمكّنه من نواصيهم، ويحكّم قواضبه «3» في استنزالهم من صياصيهم «4» ، واستئصال شأفة عاصيهم؛ حتّى يمحو

إن شاء الله تعالى بمصابيح سيوفه سواد خطوب الشّرك المدلهمّة، وتغدو سراياه في اقتلاع قلاع الكفر مستهمة؛ وترهبهم خيل بعوثه وخيالها في اليقظة والمنام، ويدخل في أيامه أهل الإسلام «مدينة السلام» بسلام- تفويضا تامّا عامّا، منضّدا منظّما محكّما محكما؛ أقامه مولانا أمير المؤمنين في ذلك مقام نفسه الشريفة، واستشهد الكرام الكاتبين في ثبوت هذه البيعة المنيفة. فليتقلّد المقام الشريف العالي السلطاني- أعز الله نصره- عقد هذا العهد الذي لا تطمح لمثله الآمال، وليستمسك منه بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ولا انفصال؛ فقد عوّل أمير المؤمنين على يمن آرائك التي ما برحت الأمّة بها في المعضلات تستشفي، واستكفى بكفايتك وكفالتك في حياطة الملك فأضحى وهو بذلك المستكفي؛ وهو يقصّ عليك من أنباء الوصايا أحسن القصص، وينصّ لديك ما أنت آخذ منه بالعزائم إذا أخذ غيرك فيه بالرّخص؛ فإن نبّهت على التقوى فطالما تمسّكت منها بأوثق عروة؛ وإن هديت إلى سبيل الرشاد فما زلت ترقى منه أشرف ذروة؛ وإن استرهفنا عزمك الماضي الغرار، واستدعينا حزمك الذي أضاء به دهرك واستنار، في إقامة منار الشرع الشريف، والوقوف عند نهيه وأمره في كل حكم وتصريف، فما زلت- خلّد الله سلطانك- قائما بسنّته وفرضه، دائبا في رضا الله تعالى بإصلاح عقائد عباده في أرضه؛ وما برح سيفك المظفّر للأحكام الشرعيّة خادما، ولموادّ الباطل حاسما، ولأنوف ذوي البدع راغما؛ فكلّ ما نوصيك به من خير قد جبلت عليه طباعك، ولم يزل مشتدّا فيه ساعدك ممتدّا إليه باعك؛ غير أنّا نورد لمعة اقتضاها أمر الله تعالى في الاقتداء بالتّذكرة في كتابه المبين، وأوجبها نصّ قوله تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ «1» . ويندرج تحت أصولها فروع يستغني بدقيق ذهنه الشريف عن نصّها، وبفكره الثاقب عن قصّها؛ فأعظمها للملّة نفعا، وأكثرها للباطل دفعا، الشرع الشريف: فليكن- أعز الله نصره- عاملا على تشييد قواعد إحكامه، وتنفيذ أوامر أحكامه؛ فالسعيد من قرن أمره بأمره،

ورضي فيه بحلو الحق ومرّه. والعدل فلينشر لواءه حتّى يأوي إليه الخائف، وينكفّ بردعه حيف كلّ حائف، ويتساوى في ظلّه الغنيّ والفقير، والمأمور والأمير؛ ويمسي الظّلم في أيّامك وقد خمدت ناره، وعفت آثاره. وأهمّ ما احتفلت به العزائم، واشتملت عليه همم الملوك العظائم، وأشرعت له الأسنّة وأرهفت من أجله الصوارم؛ أمر الجهاد الذي جعله الله تعالى حصنا للإسلام وجنّة، واشترى فيه أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة؛ فجنّد له الجنود واجمع له الكتائب، واقض في مواقفه على الأعداء من بأسك بالقواضي «1» القواضب؛ واغزهم في عقر الدار، وأرهف سيفك البتّار: لتأخذ منهم للمسلمين بالثّار. والثّغور والحصون، فهي سرّ الملك المصون، وهي معاقل النفوس إذا دارت رحى الحرب الزّبون «2» ؛ فليقلّد أمرها لكفاتها، ويخصّ حمايتها بحماتها، ويضاعف لمن بها أسباب قوّتها ومادّة أقواتها. وأمراء الإسلام وجنود الإيمان فهم أولياء نصرك، وحفظة شامك ومصرك؛ وحزبك الغالب، وفريقك الذين تفرق منهم قلوب العدا في المشارق والمغارب؛ فليكن المقام العالي السلطانيّ- أعزه الله تعالى- لأحوالهم متفقّدا، وببسط وجهه لهم متودّدا، حتّى تتأكد لمقامه العالي طاعتهم، وتتجدّد لسلطانه العزيز ضراعتهم. وأما غير ذلك من المصالح، فما برح تدبيره الجميل لها ينفّذ ورأيه الأصيل بها يشير، فلا يحتاج مع علمه بغوامضها إلى إيضاحها وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ «3» . والله تعالى يخصّ دولته من العدل والإحسان بأوفر نصيب، ويمنح سلطانه ما يرجوه من النصر المعجّل والفتح القريب؛ إن شاء الله تعالى.

المذهب الثاني (أن يفتتح العهد بلفظ «من فلان» باسم الخليفة وكنيته ولقب الخلافة،

المذهب الثاني (أن يفتتح العهد بلفظ «من فلان» باسم الخليفة وكنيته ولقب الخلافة، «إلى فلان» باسم السلطان وكنيته ولقب السلطنة كما في المكاتبات، ثم يأتي بعد ذلك بلفظ «أما بعد» ) ثم تارة يأتي بعد البعدية بتحميد، مثل أن يقول: «أما بعد فالحمد لله» ويتخلص إلى ذكر أمر الولاية وما ينخرط في سلكها، وتارة يأتي بعد البعدية بخطاب المولى والدعاء له، ويتخلّص إلى مقاصد العهد: من الوصايا وغيرها، على اختلاف مقاصد الكتّاب، وعلى ذلك كانت العهود في دولة الفاطميين بمصر. قلت: وقد يستحسن هذا المذهب فيما إذا كان المعهود إليه غائبا عن حضرة الخليفة: لأن العهد يصير حينئذ كالرسالة الصريحة إليه، بخلاف ما إذا كان بحضرته فإنه لا يكون في معنى الرسالة الصريحة. وعلى هذا المذهب كتب أبو إسحاق الصابي عن الطائع لله عهد شرف الدولة شيرزيك «1» بن عضد الدولة بن بويه، وهذه نسخته «2» : من عبد الله «عبد الكريم الإمام الطائع لله» أمير المؤمنين، إلى شيرزيك «3» بن عضد الدولة وتاج الملة أبي شجاع مولى أمير المؤمنين: سلام عليك، فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ويسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. أما بعد- أطال الله بقاءك، وأدام عزّك وتأييدك وسعادتك ونعمتك وأمتع أمير المؤمنين بك وبالموهبة فيك وعندك- فإنّ أمير المؤمنين يرى أن يحفظ على كل

وليّ أحمد مذاهبه، وأرضى ضرائبه، وانصرف عن الدنيا متمسّكا بطاعته، متديّنا بمشايعته، حقوقه المتوحّدة، وحرماته المتمهّدة، فيمن يخلفه بعده من ولد أمّل أن يرث عنه محلّه، ويقوم فيه مقامه؛ وفاء لأهل الولاية، وتصرّفا على أحكام الرّعاية، وسياقة للصنيعة من سالف إلى خالف، وإمضائها من تالد إلى طارف. هذا على الأمر الجامع، والعموم الشامل؛ فإذا اتّفق أن منتهى «1» وارثة القرب إليه، والمنازل لديه، إلى النّجباء الأفاضل، والحصفاء الأماثل، الذين يستحبّون استئناف الاصطناع لهم، واستقبال التفويض إليهم بالمناقب الموجودة فيهم؛ لو انفردت عما حازوه عن آبائهم وأوليائهم، أجرى أمير المؤمنين ما يفضيه عليهم من الأيادي، ويرقّيهم إليه من هضاب «2» المعالي، مجرى الأمر الواجب الذي كثرت الدّواعي إليه، واتّفق الرأي والهوى «3» عليه؛ وتطابق الإيثار والاختبار فيه، واقترن الصواب والسّداد به؛ واشترك المسلمون في استثمار فائدته وعائدته، والانتفاع بتأديته وعاقبته؛ والله يخير لأمير المؤمنين فيما يمضيه من العزائم، ويبنيه من الدّعائم؛ ويعتمده من المصالح، ويتوخّاه من المناجح، إنه على ذلك قدير، وبه جدير، وهو حسب أمير المؤمنين ونعم الوكيل. وقد علمت- أدام الله عزّك وأمتع أمير المؤمنين بك- أنّ شجرة بيتك [هي] «4» التي تمكّنت في الخدمة أصولها والفضيلة منوطة بها، وأسباب التّمام والدوام مجتمعة فيها، فلذلك سبغت النعمة عليكم، وامتدّ ظلّها إليكم؛ ونقّلت

فيها أقداحكم «1» ، وتوفّرت منها حظوظكم، فتداولتموها بينكم كابرا عن كابر بمساعيكم الصالحة، ومناهجكم الواضحة؛ وتعاضدكم على ما لمّ تشعّث «2» الدولة الجامعة، وطرف عنها الأعين الحاسدة، وكان شيخك عضد الدولة، وتاج الملة؛ أبو شجاع رضوان الله عليه، صاحب الرتبة الزّعمى «3» عند أمير المؤمنين وهمامها، والممتطي غاربها وسنامها؛ فعاش ما عاش مشكورا محمودا، ثم انقلب إلى لقاء ربه سعيدا رشيدا، وأوجب أمير المؤمنين لك وله منك الحلول بمكانه، وحيازة خطره وشانه، إذ كنت أظفر ولده، وأوّل المستحقّين لوراثته، وكانت فيك مع ذلك الأدوات المقتضيات لأن يفوّض الأمور إليك، ويعتمد فيها عليك: من كفاية وغناء، واستقلال ووفاء، وسياسة وتدبير، وشهامة وتشمير، وتصرّف على طاعة أمير المؤمنين، وإشبال «4» على إخوتك أجمعين؛ وحسن أثر فيما أنفذ أمرك فيه، وإفاضة أمن فيمن أمضيت «5» ولايتك عليه؛ وإحاطة بدلائل الحوالة «6» ومخايل الأصالة، بمثلها تنال الغايات الأقاصي، وتفترع الذوائب والنّواصي؛ فنوّلك أمير المؤمنين تلك المأثرة «7» ، وخوّلك تلك المفخرة «8» وجعل أخاك صمصام الدولة، وشمس الملة، أبا كاليجار- أمتع الله [بكما] أمير المؤمنين- بك تأييده «9» والمتقدّم بعدك على ولد أبيك، وأجراكما في التطبيق بينكما والتقرير لمنازلكما على مثل ما جرى الأمر عليه بين ركن الدولة أبي عليّ ومعزّ الدولة أبي

الحسين سالفا، ثم بين عضد الدولة وتاج الملة أبي شجاع ومؤيّد الدولة أبي منصور آنفا؛ تولّاهم الله بالرحمة؛ ونفعهم بما قبضهم عليه من وثائق العصمة؛ وخصّك أمير المؤمنين بعد ذلك بما يخصّ به ذو القدر الشامخ «1» والقدم السابقة، والمحلّة السامية، فذكرك بالتكنية، ورفعك عن التسمية، ولقّبك لقبين: أحدهما «شرف الدولة» لتشريفه بك أولياءه الذين أوطأهم عقبك، وأعلقهم حبلك «2» ، والآخر «زين الملة» لزينة أيّامه بمعاليك، وتضاعف جمالها بمساعيك، وعقد لك بيده لواءين يلويان إليك الأعناق بالطوع ممن سرّاه وأبهجاه، والكره ممن راعاه وأزعجاه؛ وأمر بأن تقام لك الدعوة على منابر مدينة السلام وما يجري معها من الأعمال بين الدّعوة لأمير المؤمنين وبين الدّعوة لصمصام الدولة وشمس الملّة، أمتع الله أمير المؤمنين بكما، وأحسن الدّفاع له عنكما: إلحاقا لك وله بعدك بأبيكما فيما كان شرّف به من هذه الحال التي لم يبلغها «3» غيره ولا أهّل لها أحد قبله، وأن يثبت ذكرك باللقب والكنية فيما ينقش من سكك العين والورق في دور الضرب باديا وذكر صمصام الدولة- كلأكما الله- تاليا، وحباك أمير المؤمنين مع ذلك بخلع تامّة تفاض عليك، وفرسين من جياد خيله يقادان إليك؛ بمركبي ذهب من خاصّ مراكبه، وسيف ماض من خيار أسيافه، يعزّ الله منكبيك بنجاديه، ويذلّ مناكب أعدائك بغراريه، وطوق وسوارين. وأن تجرى في المكاتبة عنه إلى الغاية التي أجري أبوك رحمه الله إليها، وهذا الكتاب ناطق بها ودالّ عليها. وندب لإيصال الجميع إليك عليّ بن الحسين الهاشميّ الزّينيّ «4» ، وأحمد بن نصر العباسيّ حاجبه ووحى «5» خادمه، فتلقّ شرف الدّولة وزين الملة وأبا الفوارس [ذلك]- أدام الله عزك- بما يحقّ عليك من تقوى الله في سرّك وجهرك، ومراقبته

في قولك وعملك، وابتغاء رضاه في مختلج خطراتك وفكرك، واتباع طاعته في مخارج أمرك ونهيك، وقابل ما أنعم به عليك، وأحسن فيه إليك، بالشكر الذي موقعه من النعمة موقع القرى من الضيف، فإن وجده لم يذم، وإن فقده لم يقم، وامدد على من ولّيت عليه من الخاصّة والعامّة ظلّك، ووطّيء لهم كنفك واغمرهم بطولك؛ وسسهم سياسة يكون بها صلاحهم مضمونا، وحريمهم مصونا، وبلادهم معمورة، ومنافعهم موفورة، وحلبهم دارّا، وعيشهم رغدا، وثغورهم مسدودة، وأعاديهم مذودة، ومسالكهم محميّة، ومساكنهم مرعيّة، ومرهم بالمعروف، وانههم عن المنكر، وابعثهم على الحسنات، واكففهم عن السّيئات؛ وساو في الحق بين شريفهم ومشروفهم، وقويّهم وضعيفهم، وقريبهم وغريبهم؛ وملّيّهم وذمّيّهم وقوّم سفهاءهم وجهّالهم، وانف دعّارهم وخرّابهم، وأكرم صلحاءهم وعلماءهم، وشاور فضلاءهم وعقلاءهم؛ وجالس أدنياءهم وأعلياءهم، وأنلهم «1» مراتبهم، ونزّلهم منازلهم؛ وأرهم تمسّكك بالدين ليقتدوا بك فيه، ورغبتك في الخير ليتقرّبوا إليك به، وخذ الحقّ وأعطه؛ وابسط العدل وقل به، وادرإ الحدود بالشّبهات، وأقمها «2» وأمضها بالبيّنات: لتكون الرغبة إليك في رغب، والرّهبة منك في رهب «3» ؛ وبالجملة فاحمل الناس على كتاب الله- جلّ وعز- وآدابه، وسنة الرسول وما جاآ به «4» . واعلم أنّ أمير المؤمنين قد جعل كتابه هذا عهدا إليك، وحجة لك وعليك؛ وأنّ الأوامر والنواهي في العهود تكون كثيرة: وإنما قصّر فيه عن استيفائها،

لارتفاع طبقتك عن الحاجة إلى استقصائها، وللخروج إلى الله من الحق في تضمينه هذه الجمل منها؛ فإذا وصل ذلك إليك مع كرامات أمير المؤمنين المقدّم ذكرها لك، فالبس خلعه، وتقلّد سيفه؛ وتحلّ بحلاه، وابرز لمن يليك على حملانه «1» ، وأظهر لهم ضروب إحسانه وامتنانه، وانصب أمامك اللّواءين، وتكنّ وتلقّب باللقبين؛ وكاتب من تكاتب من طبقات الناس متلقّبا بهما متكنّيا، إلا أمير المؤمنين فإنّ الأدب أن لا تكاتبه متلقّبا بل متسمّيا؛ وليس ذلك ناقصا لك فيما أعطيته، ولا مرتجعا شيئا مما حبيته، ولكنّه الأمر بالمعروف، والرسم المألوف، وصل ما بينك وبين أخيك صمصام الدولة وشمس الملة- أدام الله الإمتاع بكما- بالمودّة، كما وصله الله بالأخوّة؛ واتّفقا على مسالمة المسالمين، وتعاضدا في محاربة المحاربين؛ فإنّ ذلك أرأب للصّدع، وأحتم للبشر «2» ، وانظم للشّمل، وأليق بالأهل. وأقم الدعوة لنفسك على منابر الممالك بعد إقامتها لأمير المؤمنين؛ وكاتب أمير المؤمنين بأخبارك، وطالعه بآثارك، واستدع أمره فيما استعجم من التدبير عليك، ورأيه فيما استبهم من الأمور دونك؛ واسترشده إلى الحظّ يرشدك، واستهده في الخطوب يهدك، واستمدّه من المعونة يمددك، واشكر آلاءه يزدك، إن شاء الله تعالى. أطال الله بقاءك وأدام عزّك وتأييدك، وسعادتك ونعمتك؛ وأمتع أمير المؤمنين بك وبالرّغبة «3» فيك وعندك؛ والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وعلى هذا النمط كتب القاضي الفاضل عهد أسد الدين شير كوه بالوزارة عن

العاضد الفاطميّ، والوزارة يومئذ قائمة مقام السلطنة على ما تقدّم ذكره، وهذه نسخته: من عبد الله ووليّه، عبد الله أبي محمد الإمام العاضد لدين الله أمير المؤمنين، إلى السيد، الأجلّ الملك، المنصور، سلطان الجيوش، وليّ الأمة، فخر الدولة، أسد الدين، كافل قضاة المسلمين، وهادي دعاة المؤمنين، أبي الحارث شيركوه العاضديّ، عضّد الله به الدين، وأمتع بطول بقائه أمير المؤمنين، وأدام قدرته، وأعلى كلمته. سلام عليك: فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ويسأله أن يصلّي على سيدنا محمد خاتم النبيين، وسيد المرسلين؛ صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، الأئمة المهديين، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فالحمد لله القاهر فوق عباده، الظاهر على من جاهر بعناده، القادر الذي يعجز الخلق عن دفع ما أودع ضمائر الغيوب من مراده، القويّ على تقريب ما عزبت «1» الهمم باستبعاده؛ المليّ بحسن الجزاء لمن جاهد في الله حقّ جهاده، مؤتي الملك من يشاء بما أسلفه من ذخائر رشاده، ونازعه ممّن يشاء بما اقترفه من كبائر فساده، منجد أمير المؤمنين بمن أمضى في نصرته العزائم، واستقبله الأعداء بوجوه النّدم وظهور الهزائم، وفعلت له المهابة ما لا تصنع الهمم، وخلعت آثاره على الدّنيا ما تخلعه الأنوار على الظّلم، وعدمت نظراؤه بما وجد من محاسنه التي فاق بها ملوك العرب والعجم، وانتقم الله به ممّن ظلم نفسه وإن ظنّ الناس أنه ظلم، وذاد عن موارد أمير المؤمنين من هو [منه] «2» أولى بها ويأبى الله سبحانه إلا إمضاء ما حتم، ورام إخفاء فضائله وهل يشتهر طيب المسك إلا إذا اكتتم؟ مؤيّد

أمير المؤمنين بإمام أقرّ الله به عينهم، وقضى على يده من نصرة الدين دينهم: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ «1» . والحمد لله الذي خصّ جدّنا محمدا بشرف الاصطفاء والاجتباء، وأنهضه من الرسالة بأثقل الأعباء وذخر له من شرف المقام المحمود أشرف الأنصباء، وأقام به القسطاس، وطهّر به من الأدناس، وأيّده بالصابرين في البأساء والضّرّاء وحين الباس «2» ، وألبس شريعته من مكارم الأفعال والأقوال أحسن لباس، وجعل النّور ساريا منه في عقبه لا ينقصه كثرة الاقتباس: ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ «3» . والحمد لله الذي اختار أمير المؤمنين لأن يقوم في أمّته مقامه، وهدى بمراشد نوره إلى طرق دار المقامة، وأوضح به منار الحقّ وأعلامه، وجعله شهيد عصره، وحجّة أمره، وباب رزقه، وسبيل حقّه، وشفيع أوليائه، والمستجار من الخطوب بلوائه، والمضمونة لذويه العقبى، والمسؤول له الأجر في القربى، والمفترض الطاعة على كل مكلّف، والغاية التي لا يقصّر عنها بولائه إلا من تأخّر في مضمار النّجاة وتخلّف، والمشفوع الذكر بالصلاة والتسليم، والهادي إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم؛ لا يقبل عمل إلا بخفارة «4» ولائه، ولا يضلّ من استضاء بأنجم هدايته اللّامعة، ولا دين إلّا به ولا دنيا إلّا معه: ليتّضح النهج القاصد» ، ولتقوم الحجة على الجاحد، وليكون لشيعته إلى الجنة نعم الشافع والرائد، وليأتي الله به بنيان الأعداء من القواعد، وليبيّن لهم الذي اختلفوا فيه

وليعلموا أنّما هو إله واحد. يحمده أمير المؤمنين على ما حباه من التأييد الذي ظهر فبهر، وانتشر فعمّ نفعه البشر، والإظهار الذي اشترك فيه جنود السماء والأرض، والإظفار الذي عقد الله منه عقدا لا تدخل عليه أحكام النّقض، والانتصار الذي أبان الله به معنى قوله: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ* «1» . ويسأله أن يصلّي على سيدنا محمد الأمين، المبعوث رسولا في الأمّيين، الهادي إلى دار الخلود، المستقلّ «2» بيانه استقلال عواثر الجدود، والمعدود أفضل نعمة على أهل الوجود، والصافية بشريعته مشارع النعمة، والواضحة به الحنيفيّة البيضاء لئلّا يكون أمر الخلق عليهم غمّة؛ وعلى أبينا أخيه وابن عمّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ناصر شريعته وقسيمه في النّسب والسّبب، ويد الحقّ التي حكم لها في كلّ طلب بالغلب، وعلى الأئمة من ذرّيتهما وسائط الحكم، ومصابيح الظّلم ومفاتيح النّعم، والمخفقين «3» دعوى من باهاهم وفاخر، والباذلين جهدهم في جهاد من اتّخذ مع الله إلها آخر؛ وسلّم وردّد، ووالى وجدّد. وإن أمير المؤمنين لما فوّضه الله تعالى إليه من إيالة «4» الخليقة، ومنحه من كرم السّجية وكرم الخليقة «5» وبسطه من يده على أهل الخلاف، وأنجزه من موعوده الذي ليس له إخلال ولا إخلاف، وأوضحه من براهين إمامته للبصائر، وحفظ به على الإسلام من طليعة المباديء وساقة المصاير، وأورثه من المقام الذي

لا ينبغي إلّا له في عصره، واستخدم فيه السّيوف والصّروف من تأدية فرائض نصره، وأظهر له من المعجزات، التي لا يخلو منها زمن، وظاهر له من الكرامات، التي زادت على أمنيّة كل متمنّ، وأتمنه عليه من أسرار النّبوّة التي رآه الله تعالى لها أشرف مودع وعليها أكرم مؤتمن؛ وأجرى عليه دولته من تذليل الصّعاب وتسهيل الطّلاب، وتفليل أحزاب الشّرك إذا اجتمعوا كما اجتمع على جدّه صلى الله عليه وسلم أهل الأحزاب- يواصل شكر هذه النّعم التّوامّ، ويعرف بعوارفها الفرادى والتّؤام؛ ويقدّم بين يدي كلّ عمل رغبة إليه في إيضاح المراشد، ونية لا تضلّ منها الهداية ولا سيّما وهو الناشد؛ ويستخيره عالما أنه يقدّم إليه أسباب الخير، ويناجيه فيطلعه الإلهام على ما يحلّي السّير ويجلّي الغير، ويأخذ بيد الله حقّه إذا اغتصبت حقوقه، ويستنجد بالله إذا استبيح خلافه واستجيز عقوقه، ويفزع إلى الله تعالى إذا قرع الضائر، ويثق بوعد الله تعالى إذا استهلكت الشّبه البصائر، فما اعترض ليل كربة إلا انصدع له عن فجر وضّاح، ولا انتقض عقد غادر إلا عاجله الله سبحانه بأمر فضّاح؛ ولا انقطعت سبل نصرة إلا وصلها الله تعالى بمن يرسله، ولا انصدعت عصا ألفة إلا تدارك الله تعالى بمن يجرّده تجريد الصّفاح؛ وإذا عدّد أمير المؤمنين هذه النّعم الجسيمة، والمنح الكريمة، واللطائف العظيمة، والعوارف العميمة؛ والآيات المعلومة، والكفايات المحتومة والعادات المنظومة، كنت أيّها السيد الأجلّ- أدام الله قدرتك، وأعلى كلمتك- أعظم نعم الله تعالى أثرا، وأعلاها خطرا وأقضاها للأمّة وطرا، وأحقّها بأن تسمى نعمة، وأجدرها بأن تعدّ رحمة، وأسماها أن تكشف غمّة، وأنضاها في سبيل الله سبحانه عزمة، وأمضاها على الأعداء حدّا، وأبداها في الجهاد جدّا، وأعداها على الأعداء يدا، وأحسنها فعلا لليوم وأرجاها غدا، وأفرجها للأزمة وقد كادت الأمة تصير سدى، وأحقّ الأولياء بأن يدعى للأولياء سيّدا، وأبقاهم فعلة لا ينصرم فعلها الذي بدا أبدا. فليهنك «1» أنّك حزب الله الغالب، وشهاب الدين الثاقب، وسيف الله

القاضب، وظلّ أمير المؤمنين الممدود، ومورد نعمته المورود، والمقدّم في نفسه وما نؤخّره إلّا لأجل معدود؛ نصرته حين تناصر أهل الضّلال، وهاجرت إليه هاجرا برد الزّلال وبرد الظّلال، وخضت بحار الأهوال، وفي يدك أمواج النّصال؛ وها في جيدك اليوم عقد جواهر منّه ونظم لآل، بل قد بلغت السماء وزيّنت منك بنجوم نهار لا نجوم ليال، وكشفت الغمّاء وهي مطبقة، ورفعت نواظر أهل الإيمان وهي مطرقة، وعقصت أعنّة الطّغيان وهي مطلقة، وأعدت بحنكتك على الدولة العلويّة بهجة شبابها المونقة، وأنقذت الإسلام وهو على شفى جرف هار «1» ، ونفذت حين لا تنفذ السّهام عن الأوتار، وسمعت دعوته على بعد الدار، وأبصرت حقّ الله ببصيرتك وكم من أناس لا يرونه بأبصار، وأجليت طاغية الكفر وسواك اجتذبه «2» ، وصدقت الله سبحانه حين داهنه من لا بصيرة له وكذبه، وأقدمت على الصّليب وجمراته متوقّدة، وقاتلت أولياء الشيطان وغمراته متمرّدة؛ وما يومك في نصرة الدولة بواحد، ولا أمسك مجحود وإن رغم أنف الجاحد؛ بل أوجبت الحقّ بهجرة بعد هجرة، وأجبت دعوة الدين قائما بها في غمرة بعد غمرة، وافترعت صهوة هذا المحلّ الذي رقّاك إليه أمير المؤمنين باستحقاقك، وأمات الله العاجزين بما في صدورهم من حسرات لحاقك؛ وكنت البعيد القريب نصحه، المحجوب النافذ بحجّته المذعورة أعداء أمير المؤمنين [به] «3» إن فوّق سهمه أو أشرع رمحه؛ وما ضرّك أن سخطك أعداء أمير المؤمنين وأمير المؤمنين قد ارتضاك، ولا أن منعك

المعاند حقّك وقد قضى لك واقتضاك؛ وما كان في محاجزتك عن حظّك من خدمة أمير المؤمنين الذي أنت به منه أولى، ومدافعتك عن حقّك في قرب مقامه الذي لا يستطيع طولا، إلّا مغالبة الله فيك والله غالب على أمره، ومباعدتك وقد قرّبك الله من سرّ أمير المؤمنين وإن بعدت من جهره، استشرفتك الصّدور، وتطلّعت إليك عيون الجمهور، واستوجبت عقيلة النّعم بما قدّمت من المهور «1» ، ونصرت الإيمان بأهله، وأظهرت الدّين بمظاهرتك على الدّين كلّه، وناهضت الكفرة بالباع الأشدّ والرأي الأسدّ، ونادتهم سيوفك: «ولا قرار على زأر من الأسد «2» - وأدال الله بك ممن قدم على ما قدّم، وندم فما أغنى عنه النّدم، حين لجّ في جهالته، وتمادى في ضلالته، واستمرّ على استطالته، وتوالت منه عثرات ما أتبعها باستقالته، فكم اجتاح للدّولة رجالا، وضيّق من أرزاقهم مجالا، وسلب من خزائنها ذخائر وأسلحة وأموالا، ونقلها من أيدي أوليائها إلى أعداء الله تبارك وتعالى، واتّسعت هفواته «3» عن التعديد، وما العهد منها ببعيد؛ وقد نسخ الله تعالى بك حوادثها فوجب أن تنسخ «4» أحاديثها، وأتى الأئمّة منك بمن هو وليّها والأمّة بمن هو مغيثها، ودعاك إمام عصرك بقلبه ولسانه وخطّه على بعد الدار، وتحقّق أنك تتصرف معه حيث تصرّف وتدور معه حيث دار، واختارك على ثقة من أنّ الله تعالى يحمده فيك عواقب الاختيار، ورأى لك إقدامك ورقاب الشرك صاغرة، وقدومك وأفواه المخاوف فاغرة، وكرّتك في طاعته وأبى الله تعالى أن تكون خاسرة، وسطا بك

حين تمالى بك المشركون، وتمثّل لرسلهم بقوله سبحانه: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ «1» وأنفت عزّته هجنة «2» الهدنة. وقال لأوليائه: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ* «3» وازدرى بخنازيرهم انتظارا لوصولك بأسود الإسلام، وصبر على أنّك تلبّي نداءه بألسنة الأعلام قبل ألسنة الأقلام؛ فكنت حيث رجا وأفضل، ووجدت بحيث رعى وأعجل، وقدمت فكتب الله لك العلوّ، وكبت بك العدوّ، وجمع على التوفيق لك طرفي الرّواح والغدّو، ولم يلبس الكافر بسهامك جنّة «4» إلا الفرار، وكان كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ «5» فلله درّك حين قاتلت بخبرك، قبل عسكرك، ونصرت بأثيرك، قبل عشيرك؛ وأكرم بك من قادم خطواته مبرورة، وسطواته للأعداء مبيرة «6» ، وكلّ يوم من أيامه يعدّ سيرة؛ وإنك لمبعوث إلى بلاد أمير المؤمنين بعث السّحاب المسخّر، ومقدّم في النّية وإن كنت في الزمان المؤخّر، وطالع بفئة الإسلام غير بعيد أن يفيء الله عليها بلاد الكفّار، ورجال جهاد عددناهم عندنا من المصطفين الأخيار، وأبناء جلاد يشترون الجنة بعزائم كالنار، وغرر نصر سكون العدّو بعدها غرور ونومه غرار «7» . ولما جرى من جرى ذكره على عادته في إيحاشك والإيحاش منك بكواذب الظّنون، ورام رجعتك عن الحضرة وقد قرّت بك الدار وقرّت بك العيون؛ وكان كما قال الله تعالى في كتابه المكنون: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ «8» هنالك غضبت «9» نفوس الإسلام

ففتكت به أيديها، وكشفت له عن غطاء العواقب التي كانت منه مباديها، وأخذه من أخذه أليم شديد، وعدل فيه من قال وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ «1» : إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ «2» . ولما نشرت لواء الإسلام وطواه، وعضّدت الحقّ وأضعف قواه، وجنيت عقبى ما نويت وجنى عقبى ما نواه، وأبيت إلا إمضاء العزم في الشّرك وما أمضاه، أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ «3» ودفعت الخطب الأشقّ، وطلعت أنوار النصر مشرقة بك وهل تطلع الأنوار إلّا من الشّرق «4» ، وقال لسان الحق: فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُ «5» ، قضى الله تعالى إلى أمير المؤمنين عدّة قدّمها ثم قضاها، وولّاه كما ولّى جدّه صلى الله عليه وسلم قبلة يرضاها وانتصر له بك انتصاره لأهل البيت بسلمانه وعمّاره «6» ، وأنطق أمير المؤمنين باصطفائك اليوم وبالأمس كنت عقد إضماره؛ وقلّدك أمير المؤمنين أمر وزارته، وتدبير مملكته وحياطة ماوراء سرير خلافته، وصيانة ما اشتملت عليه دعوة إمامته، وكفالة «7» قضاة المسلمين، وهداية دعاة المؤمنين، وتدبير ما

عدقه «1» الله بأمير المؤمنين من أمور أوليائه أجمعين، وجنوده وعساكره المؤيّدين، المقيمين منهم والقادمين، وكافّة رعايا الحضرة بعيدها ودانيها، وسائر أعمال الدول باديها وخافيها؛ وما يفتحه الله تعالى على يديك من البلاد، وما تستعيده من حقوقه التي اغتصبها الأضداد، وألقى إليك المقاليد بهذا التقليد، وقرّب عليك كلّ غرض بعيد، وناط بك العقد والحلّ، والولاية والعزل، والمنع والبذل؛ والرّفع والخفض، والبسط والقبض، والإبرام والنّقض، والتّنبيه والغضّ، والإنعام والانتقام، وما توجب السياسة إمضاءه من الأحكام، تقليدا لا يزال به عقد فخرك نظيما، وفضل الله عليك وفيك عظيما ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً «2» . فتقلّد ما قلّدك أمير المؤمنين من هذه الرّتبة التي تتأخّر دونها الأقدام، والغاية التي لا غاية بعدها إلّا ما يملّيك الله به من الدّوام؛ فلقد تناولتها بيد في الطاعة غير قصيرة، ومساع في خدمة أمير المؤمنين أيّامها على الكافرين غير يسيرة، وبذلت لها ما مهّد سبلها، ووصلتها بما وصل بك حبلها، وجمعت من أدواتها ما جمع لك شملها، وقال لك لسان الحق وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها «3» . وتقوى الله سبحانه: فهي وإن كانت لك عادة، وسبيل لاحب «4» إلى السعادة، فإنها أولى الوصايا بأن تتيمّن باستفتاحها، وأحقّ القضايا بأن تبتديء الأمور بصلاحها؛ فاجعل تقوى الله أمامك، وعامل بها ربّك وإمامك، واستنجح بها عواقبك ومباديك، وقاتل بها أضدادك وأعاديك، قال الله سبحانه في كتابه المكنون: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ

إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ «1» . والعساكر المنصورة فهم الذين غذوا بولاء أمير المؤمنين ونعمه، وربوا في حجور فضله وكرمه؛ واجتاحهم من لم يحسن لهم النّظر، واستباحهم بأيدي من أضرّ لما أصرّ؛ وطالما شهدوا المواقف ففرّجوها، واصطلوا المخاوف وتولّجوها، وقارعوا الكفّار مسارعين للأعنّة، مقدمين مع الأسنّة، مجرين إلى غايتين: إما إلى النّصر وإمّا إلى الجنّة؛ ودبّروا الولايات فسّدّدوا وتقلّدوا الأعمال فيما تقلّدوا؛ واعتمد أحمرهم وأسودهم، وأقربهم وأبعدهم؛ وفارسهم وراجلهم، ورامحهم ونابلهم، بتوفير الإقطاع وإدرار النفقات، وتصفية موارد العيش المونقات؛ وأحسن لهم السياسة التي تجعل أيديهم على الطاعة متّفقة، وعزائمهم في مناضلة أعداء الدّين مستبقة، وأجرهم على العادات في تقليد الولايات، واستكفهم لما هم أهله من مهمّات التصرّفات؛ وميّز أكابرهم تمييز الناظر بالحقائق، واستنهضهم في الجهاد فهذا المضمار وأنت السابق، وقم في الله تعالى أنت ومن معك فقد رفعت الموانع والعوائق: ليقذف الله بالحق الذي نصرته على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق «2» . والشرع الشريف فأنت كافل قضاته، وهادي دعاته؛ وهو منار الله تعالى الأرفع، ويده التي تمنع الظّلم وتدفع، فقم في حفظ نظامه، وتنفيذ أحكامه «3» ؛

وإقامة حدوده، وإمضاء عقوده؛ وتشييد أساس الدعوة وبنائها، وتمييز آخذي عهودها وأنبائها، قيام من يعوّل في الأمانة على أهل الدّيانة، ويستمسك بحقوق الله تعالى الحقيقة بالرعاية والصّيانة. والأموال فهي سلاح العظائم، ومواد العزائم، وعتاد المكارم، وعماد المحارب والمسالم؛ وأمير المؤمنين يؤمّل أن تعود بنظرك عهود النّضارة وأن يكون عدلك في البلاد وكيل العمارة. والرّعايا فقد علمت ما نالهم من إجحاف الجبايات وإسراف الجنايات، وتوالى عليهم من ضروب النّكايات، فاعمر أوطانهم التي أخربها الجور والأذى، وانف عن مواردهم الكدر والقذى، وأحسن حفظ وديعة الله تعالى منهم، وخفّف الوطأة ما استطعت عنهم؛ وبدّلهم من بعد خوفهم أمنا، وكفّ من يعترضهم في عرض هذا الأدنى. والجهاد فهو سلطان الله تعالى على أهل العناد، وسطوة الله تعالى التي يمضيها في شرّ العباد على يد خير العباد؛ ولك من الغناء فيه مصرا وشاما، وثبات الجأش كرّا وإقداما، والمصافّ التي ضربت فكنت ضارب كماتها، والمواقف التي اشتدّت فكنت فارج هبواتها «1» ؛ والتّدريب الذي أطلق جدّك، والتجريب الذي أورى زندك، [ما] «2» يغني عن تجديد الوصايا البسيطة، وتأكيد القضايا المحيطة؛ وما زلت تأخذ من الكفّار باليمين، وتعظم فتوحك في بلاد الشّمال فكيف تكون في بلاد اليمين، فاطلب أعداء الله برّا وبحرا، وأجلب عليهم سهلا ووعرا، وقسّم بينهم الفتكات قتلا وأسرا، وغارة وحصرا، قال الله تعالى في كتابه المكنون: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً

وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ «1» . وتوفيق الله تعالى يفتح لك أبواب التدبير، وخبرتك تدلّك على مراشد الأمر: وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ «2» فأنت تبتدع من المحاسن ما لا تحيط به الوصايا، وتخترع من الميامن ما يتعرّف بركاته الأولياء والرّعايا؛ والله سبحانه وتعالى يحقّق لأمير المؤمنين فيك أفضل المخايل، ويفتح على يديك مستغلق البلاد والمعاقل؛ ويصيب بسهامك من الأعداء النّحور والمقاتل؛ ويأخذ للإسلام بك ماله عند الشرك من الثارات والطّوائل «3» ؛ ولا يضيع لك عملك في خدمة أمير المؤمنين إنه لا يضيع عمل عامل، ويجري الأرزاق والآجال بين سيبك «4» الفاضل وحكمك الفاصل؛ فاعلم هذا من أمر أمير المؤمنين ورسمه، واعمل بموجبه وحكمه؛ إن شاء الله تعالى، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وعلى نحو منه كتب القاضي الفاضل أيضا عهد الملك الناصر، صلاح الدين يوسف بن أيّوب بالوزارة عن العاضد أيضا، وهذه نسخته: من عبد الله ووليّه عبد الله أبي محمد الإمام العاضد لدين الله أمير المؤمنين إلى السيّد الأجلّ (على نحو ما تقدّم «5» في تقليد عمّه أسد الدّين شيركوه) . أما بعد، فالحمد لله مصرّف الأقدار ومشرّف الأقدار، ومحصي الأعمال والأعمار، ومبتلي الأخيار والأبرار، وعالم سرّ الليل وجهر النهار، وجاعل دولة أمير المؤمنين فلكا تتعاقب فيه أحوال الأقمار: بين انقضاء سرار «6» واستقبال

إبدار، وروضا إذا هوت فيه الدّوحات أينعت الفروع سابقة النّوّار باسقة الثّمار؛ ومنجد دعوته بالفروع الشاهدة بفضل أصولها، والجواهر المستخرجة من أمضى نصولها، والقائم بنصرة دولته فلا تزال حتّى يرث الله الأرض ومن عليها قائمة على أصولها. والحمد لله الذي اختار لأمير المؤمنين ودلّه على مكان الاختيار، وأغناه باقتضاب الإلهام عن رويّة الاختبار، وعضّد به الدين الذي ارتضاه وعضّده بمن ارتضاه، وأنجز له من وعد السّعد ما قضاه قبل أن اقتضاه، ورفع محلّه عن الخلق فكلّهم من مضاف إليه غير مضاه؛ وجعل مملكته عرينا لاعتزازها بالأسد وشبله، ونعمته ميراثا أولى بها ذوي الأرحام من بني الولاء وأهله، وأظهر في هذه القضيّة ما أظهره في كلّ القضايا من فضل أمير المؤمنين وعدله؛ فأولياؤه كالآيات التي تتّسق دراريّ أفقها المنير، وتنتسق درر عقدها النظيم النّضير: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ «1» . والحمد لله الذي أتمّ بأمير المؤمنين نعمة الإرشاد، وجعله أولى من للخلق ساد وللحقّ شاد، وآثره بالمقام الذي لا ينبغي إلّا له في عصره، وأظهر له من معجزات نصره ما لا يستقلّ العدد بحصره، وجمع لمن والاه بين رفع قدره ووضع إصره «2» ، وجعل الإمامة محفوظة في عقبه والمعقّبات تحفظه بأمره، وأودعه الحكم التي رآه لها أحوط من أودعه، وأطلع من أنوار وجهه الفجر الذي جهل من ظنّ

غير نوره مطلعه، وآتاه ما لم يؤت أحدا، وأمات به غيّا وأحيا رشدا، وأقامه للدّين عاضدا فأصبح به معتضدا، وحفظ به مقام جدّه وإن رغم المستكبرون، وأنعم به على أمّته أمانا لولاه ما كانوا ينظرون ولا يبصرون، وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ «1» . يحمده أمير المؤمنين على ما آتاه من توفيق يذلّل له الصّعب الجامح، ويدني منه البعيد النّازح، ويخلف على الدّين من صلاحه الخلف الصالح، ويلزم آراءه جدد السّعود الواضح، ويريه آيات الإرشاد فإنّه نازح «2» قدح القادح، ويسأله أن يصلّي على جدّه محمد الذي أنجى أهل الإيمان ببعثه، وطهّر بهديه من رجس الكفر وخبثه، وأجار باتّباعه من عنت الشيطان وعبثه، وأوضح جادّة التوحيد لكلّ مشرك الاعتقاد مثلّثه، وعلى أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الذي جادلت يده بلسان ذي الفقار، وقسّم ولاؤه وعداوته بين الأتقياء والأشقياء الجنّة والنار؛ وعلى الأئمة من ذرّيتهما الذي أذلّ الله بعزّتهم أهل الإلحاد، وأصفى بما سفكوه من دمائهم موارد الرشاد، وجرت أيديهم وألسنتهم بأقوات القلوب وأرزاق العباد، وسلّم ومجّد، ووالى وجدّد. وإن الله سبحانه ما أخلى قطّ دولة أمير المؤمنين التي هي مهبط الهدى ومحطّ النّدى، ومورد الحياة للولّي والرّدى للعدا، من لطف يتلافى الحادثة ويشعبها ويرأبها، ونعمة تبلغ بها النفوس أربها؛ وموهبة تشدّ موضع الكلم، وتسدّ موضع الثّلم، وتجلّي غمائم الغمم، وتحلّي مغانم النّعم، وتستوفي شرائط المناجح، وتستدني فوارط المصالح؛ ولم يكن ينسى الحادثة في السيد الأجلّ الملك المنصور «3» رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة متقلّبه ومثواه، التي كادت لها

أواخي «1» الملك تتزعزع، ومباني التدبير تتضعضع؛ إلّا ما نظر فيه أمير المؤمنين بنور الله من اصطفائك أيّها السيد الأجل الملك الناصر:- أدام الله قدرتك- لأن تقوم بخدمته بعده، وتسدّ في تقدمة جيوشه مسدّه، وتقفو في ولائه أثره، ولا تفقد منه إلا أثره؛ فوازت الفادحة فيه النعمة فيك، حتّى تستوفي حظّه من أمير المؤمنين بأجر لا يضيع الله فيه عمله، فاستوجب مقعد صدق بما اعتقده من تأدية الأمانة له وحمله، واستحقّ أن ينضرّ الله وجهه بما أخلقه الله من جسمه في مواقف الجهاد وبدّله؛ ومضى في ذمام رضا أمير المؤمنين: وهو الذّمام الذي لا يقطع الله منه ما أمره أن يصله، وأتبع من دعائه بتحف أوّل ما تلقاه بالرّوح «2» والرّيحان، وذخرت له من شفاعته ما عليه معوّل أهل الإيمان في الأمان؛ فرعى الله له قطعه البيداء إلى أمير المؤمنين وتجشّمه الأسفار، ووطأه المواطيء التي تغيظ الكفّار، وطلوعه على أبواب أمير المؤمنين طلوع أنوار النهار، وهجرته التي جمعت له أجرين: أجر المهاجرين وأجر الأنصار، وشكر له ذلك المسعى الذي بلغ من الشّرك الثار، وبلّغ الإسلام الإيثار. وما لقي ربّه حتّى تعرّض للشّهادة بين مختلف الصّفاح، ومشتجر الرّماح، ومفترق الأجسام من الأرواح؛ وكانت مشاهدته لأمير المؤمنين أجرا فوق الشّهادة، ومنّة لله تعالى عليه له بها ما للّذين أحسنوا الحسنى وزيادة؛ وحتى رآك أيّها السيد الأجلّ الملك الناصر- أدام الله قدرتك- قد أقررت ناظره، وأرغمت مناظره، وشددت سلطانه، وسددت مكانه؛ ورمى بك فأصاب، وسقى بك فصاب «3» ، وجمعت ما فيه من أبّهة المشيب إلى ما فيك من مضاء الشّباب، ولقنت ما أفادته التّجارب جملة، وأعانتك المحاسن التي هي فيك جلّة، وقلّب عليك إسناد الفتكات فتقلّبت، وأوضح لك منهاج البركات فتقبّلت، وسدّدك سهما، وجرّدك شهما، وانتضاك فارتضاك غربا «4» ، وآثرك على آثر ولده إمامة في

التدبير وحربا؛ وكنت في السلم لسانه الآخذ بمجامع القلوب، وفي الحرب سنانه النافذ في مضايق الخطوب، وساقته إذا طلب، وطليعته إذا طلب، وقلب جيشه إذا ثبت وجناحه إذا وثب؛ ولا عذر لشبل نشأ في حجر أسد، ولا لهلال استملى النّور من شمس واستمدّ. هذا ولو لم يكن لك هذا الإسناد في هذا الحديث، وهذا المسند الجامع من قديم الفخر وحديث، لأغنتك غريزة عزيزة وسجيّة سجيّة وشيمة وسيمة، وخلائق، فيها ما تحبّ الخلائق، ونحائز «1» ، مثلها حائز، ومحاسن، ماؤها غير آسن، ومآثر، جدّ غير عاثر، ومفاخر، غفل عنها الأوّل، ليستأثر بها الآخر، وبراعة لسان، ينسجم قطارها، وشجاعة جنان، تضطرم نارها، وخلال جلال عليك شواهد أنوارها تتوضّح، ومساعي مساعد لديك كمائم نورها تتفتّح؛ فكيف وقد جمعت لك في المجد بين نفس وأب وعمّ، ووجب أن سألك من اصطفاء أمير المؤمنين ماذا حصل ثم على الخلق عمّ؛ فيومك واسطة في المجد بين غدك وأمسك، وكلّ ناد من أندية الفخار لك أن تقول فيه وعلى غيرك أن يمسك؛ فبشراك أنّ أنعم أمير المؤمنين موصولة منكم بوالد وولد، وأن شمس ملكه بكم كالشمس أقوى ما كانت في بيت الأسد. ولما رأى الله تقلّب وجه أمير المؤمنين في سمائه ولّاه من اختيارك قبلة، وقامت حجّته عند الله باستكفائك وزيرا له ووزرا للملّة؛ فناجته مراشد الإلهام، وأضاءت له مقاصد لا تعقلها كلّ الأفهام؛ وعزم له على أن قلّدك تدبير مملكته الذي أعرقت في إرثه وأغرقت في كسبه، ومهّد لك أبعد غاية في الفخر بما يسّر لك من قربه؛ ولقد سبق أمير المؤمنين إلى اختيارك قبل قول لسانه بضمير قلبه، وذكر فيك قول ربه: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ «2» . وقلّدك لأنك سيف من

سيوف الله تعالى يحقّ به التقلّد وله التّقليد، واصطفاك على علم بأنك واحد منتظم في معنى العديد؛ وأحيا في سلطان جيوشه سنّة جدّه الإمام المستنصر بالله «1» في أمير جيوشه الأوّل «2» ، وأقامك بعده كما أقام بعده ولده وإنه ليرجو أن تكون أفضل من الأفضل «3» ؛ وخرج أمره إليك بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السّجلّ لك بتقليدك وزارته التي أحلّك ربوتها، وأحلّ لك صهوتها؛ وحلّاك نعمتها، و «4» لك نغمتها؛ فتقلّد وزارة أمير المؤمنين من رتبتها التي تناهت في الإنافة، إلى أن لا رتبة فوقها إلّا ما جعله الله تعالى للخلافة، وتبوّأ منها صدرا لا تتطلّع إليه عيون الصّدور، واعتقل منها في درجة على مثلها تدور البدور: وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ «5» : وقل الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ «6» . وباشر مستبشرا، واستوطن متديّرا «7» ؛ وابسط يدك فقد فوّض إليك أمير المؤمنين بسطا وقبضا، وارفع ناظرك فقد أباح لك رفعا وخفضا؛ وأثبت على درجات السعادة فقد جعل لحكمك تثبيتا ودحضا، واعقد حبى العزمات للمصالح فقد أطلق بأمرك عقدا ونقضا؛ وانفذ فيما أهّلك له فقد أدّى بك نافلة من السّياسة وفرضا؛ وصرّف أمور المملكة فإليك الصّرف والتصريف، وثقّف أود الأيام فعليك أمانة التهذيب والتثقيف، واسحب ذيول الفخار حيث لا تصل التّيجان، واملأ لحظا من نور الله تعالى حيث تتّقي

الأبصار لجين الأجفان؛ إنّ هذا لهو الفضل المبين فارتبطه بالتقوى التي هي عروة النّجاة وذخيرة الحياة والممات، وصفوة ما تلقّى آدم من ربّه من الكلمات؛ وخير ما قدّمته النفوس لغدها في أمسها، وجادلت [به] «1» يوم تجادل كلّ نفس عن نفسها؛ قال الله سبحانه ومن أصدق من الله قيلا: وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا «2» . واستتمّ بالعدل نعم الله تعالى عليك، وأحسن كما أحسن الله إليك، وأمر بالمعروف فإنّك من أهله، وانه عن المنكر كما كنت تنزّهت عن فعله. وأولياء أمير المؤمنين، وأنصاره الميامين، ومن يحفّ بمقام ملكه من الأمراء المطوّقين «3» ، والأعيان المعصّبين، والأماثل والأجناد أجمعين؛ فهم أولياؤه حقّا، ومماليكه رقّا، والذين تبوّءوا الدار والإيمان سبقا، وأنصاره غربا كما أنّ عسكرك أنصاره شرقا؛ فهم وهم يد في الطاعة على من ناواهم، يسعى بذمّتهم أدناهم؛ وتحكّم فيهم وأنت عند أمير المؤمنين أعلاهم. هذا وقد كان السيد الأجلّ الملك المنصور- رضي الله عنه- استمطر لهم [من] «4» إنعام أمير المؤمنين المسامحة بعلقهم، وواسى «5» في هذه المنقبة التي استحقّ بها حسن الذكر بين طوائفهم وفرقهم، فصنهم من جائحات «6» الاعتراض، وابذل لهم صالحات الأغراض؛ وارفع دونهم الحجاب، ويسّر لهم الأسباب، واستوف منهم عند الحضور إليك غايات الخطاب؛ وصرّفهم في بلاد أمير المؤمنين ولاة وحماة، كما تصرّفهم في أوقات الحرب لماة «7» وكماة؛ وعرّفهم بركة

سلطانك، واقتد قلوبهم بزمام إحسانك. وأما القضاة والدّعاة فهم بين كفالتك وهديك، والتصريف على أمرك ونهيك؛ فاستعمل منهم من أحسن عملا، فأمّا بالعنايات فلا. والجهاد فأنت راضع درّه، وناشئة حجره؛ وظهور الخيل مواطنك، وظلال الجبل مساكنك؛ وفي ظلمات مشاكله، تجلى محاسنك، وفي أعقاب نوازله، تتلى ميامنك؛ فشمّر له عن ساق من القنا، وخض فيه بحرا من الظّبا «1» ؛ واحلل فيه عقدة كلمات الله سبحانه وثيقات الحبى «2» ؛ وأسل الوهاد بدماء العدا وارفع برؤوسهم الرّبا؛ حتّى يأتي الله بالفتح الذي يرجو أمير المؤمنين أن يكون مذخورا لأيّامك، ومشهودا به يوم مقامك بين يديه من لسان إمامك. والأموال فهي زبدة حلب اللّطف لا العنف، وجمّة يمتريها «3» الرّفق لا العسف، وما برحت أجدّ ذخائر الدّول للصّفوف، وأحدّ أسلحتها التي تمضي وقد تنبو السّيوف؛ فقدّم للبلاد الاستعمار «4» ، تقدّم لك الاستثمار، وقطرة من عدل تزخر بها من مال بحار. والرّعايا فهم ودائع الله لأمير المؤمنين وودائعه لديك، فاقبض عنهم الأيدي وابسط بالعدل فيهم يديك، وكن بهم رؤوفا، وعليهم عطوفا، واجعل الضعيف

المذهب الثالث (أن يفتتح العهد بخطبة)

منهم في الحقّ قويّا والقويّ في الباطل ضعيفا، ووكّل برعايتهم ناظر اجتهادك، واجعل ألسنتهم بالدّعاء من سلاحك وقلوبهم بالمحبّة من أجنادك؛ ولو جاز أن يستغني عن الوصيّة قائم بأمر، أو جالس في صدر، لا ستغنيت عنها بفطنتك الزّكيّة، وفطرتك الذّكيّة؛ ولكنّها من أمير المؤمنين ذكرى لك وأنت من المؤمنين، وعرابة بركة فتلقّ رايتها باليمين؛ والله تعالى يؤيّدك أيّها السيد الأجل- أدام الله قدرتك- بالنصر العزيز، ويقضي لدولة أمير المؤمنين على يديك بالفتح الوجيز، ولأهلها في نظرك بالأمر الحريز، ويمتّع دست الملك بحلى مجدك الإبريز، ويقرّ عيون الأعيان بما يظهر لك في ميدان السعادة من السّبق والتّبريز، ويملّيك من نحلة أنعم أمير المؤمنين بما ملّكك إيّاه ملك التحويز؛ ويلحق بك في المجد أوّلك، ويحمد فيك العواقب ولك؛ فاعلم ذلك من أمر أمير المؤمنين ورسمه، واعمل بموجبه وحكمه، إن شاء الله تعالى. المذهب الثالث «1» (أن يفتتح العهد بخطبة) وهو ما حكاه في «التعريف» عن الصاحب فخر الدين إبراهيم بن لقمان «2» فيما كتب به للظاهر بيبرس، وذكر أن ابن لقمان ليس بحجّة. ثم قال: على أن الفاضل «3» محيي الدين بن عبد الظاهر «4» قد تبعه فيما كتب به للمنصور قلاوون.

قلت: ليس ابن لقمان هو المبتكر لهذا المذهب، بل كان موجودا معمولا به. استعمله كتّاب الإنشاء بديوان الخلافة ببغداد قبل ذلك بزمن طويل، وهو منبع الكتابة الذي عنه يصدر الترتيب، وقاعدتها التي يبنى عليها المصطلح. وعليه كتب عهد العادل «1» أبي بكر بن أيّوب أخي السلطان صلاح الدين يوسف «من بغداد» . وإليه مال ابن الأثير في «المثل السائر» «2» . وذكر أن الافتتاح ب «هذا ما عهد» قد ابتذل بكثرة الاستعمال، وابن لقمان تابع لا متبوع. على أن إنشاءه يدلّ على تقدّمه في الكتابة، وهو وإن كان ليس بحجة فابن الأثير حجة في هذا الشأن، يرجع إليه ويعمل بقوله، ويؤيّده حديث: «كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم» ولذلك مال أهل العصر إلى اختياره والعمل عليه؛ إلا أنّ فيه مخالفة لما وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم وغيره من عهود الصحابة على ما تقدّم ذكره. وبكلّ حال فأهل هذا المذهب لا يخرجون فيه عن ضربين: ضرب يعبّرون عن الأوامر الواردة في العهد عن الخليفة بقوله: «أمره بكذا وأمره بكذا» وهي طريقة المتقدّمين منهم، وعليها كتب عهد العادل أبي بكر «3» المشار إليه. وضرب يعبّرون بقولهم «أن يفعل كذا وكذا» وما يجري هذا المجرى، وهي طريقة أهل زماننا. وهذه نسخة العهد المكتوب به من ديوان الخلافة ببغداد على هذه الطريقة،

للعادل أبي بكر بن أيّوب أخي «1» السلطان صلاح الدين «يوسف بن أيوب» «2» وهي: الحمد لله الذي اطمأنّت القلوب بذكره، ووجب على الخلائق جزيل حمده وشكره، ووسعت كلّ شيء رحمته، وظهرت في كل أمر حكمته، ودلّ على وحدانيّته بعجائب ما أحكمه صنعا وتدبيرا، وخلق كلّ شيء فقدّره تقديرا، ممدّ الشاكرين بنعمه «3» التي لا تحصى عددا، وعالم الغيب الذي لا يظهر على غيبه أحدا، لا معقّب لحكمه في الإبرام والنّقض، ولا يؤوده حفظ السموات والأرض، تعالى أن يحيط بحكمه الضمير «4» ، وجلّ أن يبلغ وصفه البيان والتفسير: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ «5» . والحمد لله الذي أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم بالحقّ بشيرا ونذيرا، وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً «6» . وابتعثه هاديا للخلق، وأوضح به مناهج الرّشد وسبل الحق، واصطفاه من أشرف الأنساب وأعزّ القبائل، واجتباه لإيضاح البراهين والدّلائل، وجعله لديه أعظم الشّفعاء وأقرب الوسائل، فقذف صلى الله عليه وسلم بالحقّ على الباطل؛ وحمل الناس بشريعته الهادية على المحجّة البيضاء والسّنن العادل، حتّى استقام اعوجاج كلّ زائغ ورجع إلى الحقّ كلّ حائد «7» عنه ومائل، وسجد لله كلّ

شيء تتفيّا ظلاله عن اليمين والشّمائل، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام الأفاضل، صلاة مستمرّة بالغدوات والأصائل، خصوصا على عمّه وصنو أبيه العبّاس بن عبد المطلب الذي اشتهرت مناقبه في المجامع والمحافل، ودرّت ببركة الاستسقاء به أخلاف السّحب الهواطل، وفاز من تنصيص الرسول على عقبه في الخلافة بما لم يفز به أحد من الأوائل. والحمد لله الذي حاز مواريث النبوّة والإمامة، ووفّر جزيل الأقسام من الفضل والكرامة، لعبده وخليفته، ووارث نبيّه ومحيي شريعته، الذي أحلّه الله عزّ وجلّ من معارج الشرف والجلال في أرفع ذروة، وأعلقه من حسن التوفيق الإلهيّ بأمتن عصمة وأوثق عروة؛ واستخرجه من أشرف نجار «1» وعنصر، واختصّه بأزكى منحة وأعظم مفخر، ونصبه للمؤمنين علما، واختاره للمسلمين إماما وحكما، وناط به أمر دينه الحنيف، وجعله قائما بالعدل والإنصاف بين القويّ والضّعيف، إمام المسلمين، وخليفة ربّ العالمين؛ أبي جعفر المنصور المستنصر بالله أمير المؤمنين؛ ابن الإمام السعيد التقيّ، أبي نصر محمد الظاهر بأمر الله، ابن الإمام السعيد الوفيّ «2» ، أبي العبّاس أحمد الناصر لدين الله، ابن الإمام السعيد «3» أبي محمد «4» المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين، صلوات الله «5» عليهم أجمعين، وعلى آبائه الطاهرين، الأئمة المهديين، الذين قضوا بالحقّ وبه كانوا يعدلون، ولقوا الله تعالى وهو عنهم راض وهم عنه راضون. وبعد، فبحسب ما أفاضه الله على أمير المؤمنين- صلوات الله «6» عليه وسلامه- من خلافته في الأرض، وفوّضه إلى نظره المقدّس في الأمور من

الإبرام والنّقض، وما استخلصه له من حياطة بلاده وعباده، ووكله إلى شريف نظره ومقدّس اجتهاده، لا يزال- صلوات الله عليه- يكلأ العباد بعين الرّعاية، ويسلك بهم في المصالح العامّة والخاصّة مذاهب الرّشد وسبل الهداية، وينشر عليهم جناحي عدله وإحسانه، وينعم لهم النظر في ارتياد «1» الأمناء والصّلحاء من خلصاء أكفائه وأعوانه، متخيّرا للاسترعاء من استحمد إليه بمشكور المساعي، وتعرّف إليه في سياسة الرّعايا بجميل الأسباب والدّواعي، وسلك في مفترض «2» الطاعة الواجبة على الخلائق قصد السبيل، وعلم منه حسن الاضطلاع في مصالح المسلمين بالعبء الثّقيل؛ والله عز وجلّ يؤيّد آراء أمير المؤمنين- صلوات الله عليه- بالتأييد والتّسديد، ويمدّه أبدا من أقسام التوفيق الإلهيّ بالموفور والمزيد، ويقرن عزائمه الشريفة باليمن والنّجاح، ويسنّي له فيما يأتي ويذر أسباب الخير والصّلاح؛ وما توفيق أمير المؤمنين إلّا بالله، عليه يتوكّل وإليه ينيب. ولما وفّق الله تعالى نصير «3» الدين محمد بن سيف الدّين أبي بكر بن أيوب من الطاعة المشهورة، والخدم المشكورة، والحظوة في جهاد أعداء الدين بالمساعي الصالحة، والفوز من المراضي الشريفة الإماميّة- أجلها الله تعالى- بالمغانم الجزيلة والصّفقة الرابحة، لما وصل فيه سالف شريف الاختصاص بآنفه، وشفع تالده في تحصيل مأثور الاستخلاص بطارفه، واستوجب بسلوكه في الطاعة المفروضة مزيد الإكرام والتفضيل، وضرع في الإنعام عليه بمنشور شريف إماميّ يسلك في اتّباعه هداه والعمل بمراشده سواء الصّراط وقصد السبيل- اقتضت الآراء الشريفة المقدّسة- زادها الله تعالى جلالا متألّق الأنوار، وقدسا يتساوى في تعظيمه من هو مستخف بالليل وسارب بالنهار- الإيعاز بإجابته إلى ما

وجّه أمله إلى الإنافة فيه به إليه، والجذب بضبعيه «1» إلى ذروة الاجتباء الذي تظهر أشعّة أنواره الباهرة عليه؛ فقلّده- على خيرة الله تعالى- الزّعامة والغلّات «2» ، وأعمال الحرب والمعاون والأحداث والخراج والضّياع والصّدقات، والجوالي وسائر وجوه الجبايات، والعرض والعطاء، والنّفقة في الأولياء، والمظالم والحسبة في بلاده، وما يفتتحه ويستولي عليه من بلاد الفرنج الملاحين «3» ، وبلاد من تبرز إليه الأوامر الشريفة بقصده من الشاذّين «4» عن الإجماع المنعقد من المسلمين؛ و [من] «5» يتعدّى حدود الله تعالى بمخالفة من يصل «6» من الأعمال الصالحات بولائه المفروض على الخلائق مقبولة، وطاعته ضاعف الله جلاله بطاعته وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم موصولة؛ حيث قال عز من قائل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «7» . واعتمد- صلوات الله عليه وسلامه- في ذلك على حسن نظره ومدد رعايته، وألقى مقاليد التفويض إلى وفور اجتهاده وكمال سياسته، وخصّه من هذا الإنعام الجزيل بما يبقى له على تعاقب الدهر واستمراره، ويخلّد له على ممرّ الزمان حسن ذكره وجزيل فخاره؛ وحباه بتقليد يوطّد له قواعد الممالك، ويفتح بإقليده «8» رتاج الأبواب والمسالك، ويفيد قاعدته في بلاده زيادة تقرير وتمهيد، ويطير به صيته في كلّ قريب وبعيد، ووسمه بالملك الأجلّ، السيد، الكامل، المجاهد، المرابط، نصير الدين، ركن الإسلام، أثير الأنام، تاج الملوك والسلاطين، قامع الكفرة والمشركين، قاهر

الخوارج والمتمرّدين «1» غازي بك محمد، بن أبي بكر، بن أيوب، معين أمير المؤمنين، رعاية لسوابق خدمه وخدم أسلافه وآبائه، عن وفور اجتبائه، وكمال ازدلافه، وإنافة من ذروة القرب إلى محلّ كريم، واختصاصا له بالإحسان الذي لا يلقّاه إلّا من هو كما قال تعالى: لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* «2» ، وثوقا بصحّة ديانته التي يسلك فيها سواء سبيله، واستنامة إلى أمانته في الخدمة التي ينصح فيها لله تعالى ولرسوله، وركونا إلى [كون] «3» الإنعام عليه موضوعا بحمد الله تعالى في أحسن موضع، واقعا به لديه في خير مستقرّ ومستودع. وأمير المؤمنين- صلوات الله عليه (لا زالت الخيرة موصولة بآرائه، والتأييد الإلهيّ مقرونا بإنفاذه وإمضائه) يستمدّ من الله عز وجلّ حسن الإعانة في اصطفائه الذي اقتضاه نظره الشريف واعتماده، وأدّى إليه ارتياده المقدّس الإماميّ واجتهاده، وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل. أمره بتقوى الله تعالى التي هي الجنّة الواقية، والنّعمة الباقية، والملجأ المنيع، والعماد الرفيع؛ والذخيرة النافعة في السّرّ والنّجوى، والجذوة المقتبسة من قوله سبحانه: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى «4» وأن يدّرع بشعارها، في جميع الأقوال والأفعال، ويهتدي بأنوارها، في مشكلات الأمور والأحوال، وأن يعمل بها سرّا وجهرا، ويشرح للقيام بحدودها الواجبة صدرا؛ قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً «5» . وأمره بتلاوة كتاب الله متدبّرا غوامض عجائبه، سالكا سبيل «6» الرّشاد

والهداية في العمل به؛ وأن يجعله مثالا يتّبعه ويقتفيه، ودليلا يهتدي بمراشده الواضحة في أوامره ونواهيه؛ فإنّه الثّقل «1» الأعظم، وسبب الله المحكم، والنور «2» الذي يهدي به إلى التي هي أقوم؛ ضرب الله تعالى فيه لعباده جوامع الأمثال، وبيّن لهم بهداه الرّشد والضّلال، وفرّق بدلائله الواضحة بين الحرام والحلال؛ فقال عز من قائل: هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ «3» . وقال تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ «4» . وأمره بالمحافظة على مفروض الصلوات، والدّخول فيها على أكمل هيئة من قوانين الخشوع والإخبات «5» ؛ وأن يكون نظره في موضع سجوده «6» من الأرض، وأن يمثّل لنفسه في ذلك موقفه بين يدي الله تعالى يوم العرض؛ قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ «7» ، وقال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً «8» . وأن لا يشتغل بشاغل عن أداء فروضها الواجبة، ولا يلهو بسبب عن إقامة سننها الراتبة، فإنها عماد الدين الذي نمت أعاليه، ومهاد الشرع الذي تمّت «9» قواعده ومبانيه؛ قال الله تعالى: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ «10» ، وقال سبحانه: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ «11»

وأمره أن يسعى إلى صلوات الجمع والأعياد، ويقوم في ذلك بما فرضه الله تعالى عليه وعلى العباد، وأن يتوجّه إلى الجوامع والمساجد متواضعا، ويبرز إلى المصلّيات الضاحية في الأعياد خاشعا، وأن يحافظ في تشييد قواعد الإسلام على الواجب والمندوب، ويعظّم باعتماد ذلك شعائر الله التي هي من تقوى القلوب، وأن يشمل بوافر اهتمامه واعتنائه، وكمال نظره وإرعائه، بيوت الله التي هي محالّ البركات، ومواطن العبادات؛ والمساجد التي تأكّد في تعظيمها وإجلالها حكمه، والبيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وأن يرتّب لها من الخدم من يتبتّل لإزالة أدناسها، ويتصدّى لإذكاء مصابيحها في الظّلام وإيناسها، ويقوم لها بما تحتاج إليه من أساب الصّلاح والعمارات، ويحضر إليها ما يليق من الفرش والكسوات. وأمره باتّباع سنة النبيّ صلى الله عليه وسلم التي أوضح جددها، وثقّف- عليه السلام- أودها «1» ، وأن يعتمد فيها على الأسانيد التي نقلها الثّقات، والأحاديث التي صحّت بالطرق السليمة والرّوايات، وأن يقتدي بما جاءت به من مكارم الأخلاق التي ندب صلى الله عليه وسلم إلى التمسك بسببها، ورغّب أمته في الأخذ بها والعمل بأدبها، قال الله تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «2» . وقال سبحانه وتعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ «3» . وأمره بمجالسة أهل العلم والدّين، وأولي الإخلاص في طاعة الله تعالى واليقين «4» ؛ واستشارتهم «5» في عوارض الشّكّ والالتباس، والعمل بآرائهم في التمثيل والقياس، فإن الاستشارة لهم عين الهداية، وأمن من الضّلالة «6» والغواية،

وبها تلقح عقم الأفهام والألباب، ويقتدح زناد الرّشد والصواب؛ قال الله تعالى في الإرشاد إلى فضلها، والأمر في التمسك بحبلها: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ «1» . وأمره بمراعاة أحوال الجند والعسكر في ثغوره، وأن يشملهم بحسن نظره وجميل تدبيره، مستصلحا نيّاتهم بإدامة التلطّف والتعهّد، مستوضحا أحوالهم بمواصلة التفحّص والتفقّد، وأن يسوسهم سياسة تبعثهم على سلوك المنهج السليم، ويهديهم في انتظامها واتّساقها إلى الصّراط المستقيم، ويحملهم على القيام بشرائط الخدم، والتمسّك منها «2» بأقوى الأسباب وأمتن العصم، ويدعوهم إلى مصلحة التواصل والائتلاف، ويصدّهم عن موجبات التخاذل والاختلاف، وأن يعتمد فيهم شرائط الحزم في الإعطاء والمنع، وما تقتضيه مصلحة أحوالهم من أساب الخفض والرّفع، وأن يثيب المحسن على إحسانه، ويسبل على المسيء ما وسعه العفو واحتمله الأمر ذيل صفحه وامتنانه، وأن يأخذ برأي ذوي التّجارب منهم والحنكة «3» ، ويجتني بمشاورتهم في الأمر ثمر الشّركة، إذ في ذلك أمن من خطإ الانفراد، وتزحزح عن مقام الزّيغ والاستبداد. وأمره بالتبتّل لما يليه من البلاد، ويتّصل بنواحيه من ثغور أولي الشّرك والعناد، وأن يصرف مجامع الالتفات «4» إليها، ويخصّها بوفور الاهتمام بها والتطلّع عليها، وأن يشمل ما ببلاده من الحصون والمعاقل بالإحكام والإتقان، وينتهي في أسباب مصالحها إلى غاية الوسع ونهاية الإمكان، وأن يشحنها بالميرة الكثيرة والذّخائر، ويمدّها من الأسلحة والآلات بالعدد المستصلح الوافر، وأن يتخيّر لحراستها [من يختاره] «5» من الأمناء التّقاة، ولسدّها من «6»

ينتخبه من الشّجعان الكماة؛ وأن يؤكّد عليهم في استعمال أسباب الحفظة والاستظهار «1» ، ويوقظهم للاحتراس من غوائل الغفلة والاغترار، وأن يكون المشار إليهم ممن ربوا في ممارسة الحروب على مكافحة الشدائد، وتدرّبوا «2» في نصب الحبائل للمشركين والأخذ عليهم بالمراصد، وأن يعتمد هذا القبيل بمواصلة المدد، وكثرة العدد؛ والتّوسعة في النفقة والعطاء، والعمل معهم بما يقتضيه حالهم وتفاوتهم في التقصير والغناء، إذ في ذلك حسم لمادّة الأطماع في بلاد الإسلام، وردّ لكيد المعاندين من عبدة الأصنام؛ فمعلوم أنّ هذا الغرض أولى ما وجّهت إليه العنايات وصرفت، وأحقّ ما قصرت عليه الهمم ووقفت؛ فإن الله تعالى جعله من أهمّ الفروض التي كرّم فيها القيام بحقه، وأكبر الواجبات التي كتب العمل بها على خلقه، فقال سبحانه وتعالى هاديا في ذلك إلى سبيل الرشاد، ومحرّضا لعباده على قيامهم بفروض الجهاد: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ «3» . وقال تعالى: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ* «4» . وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من نزل منزلا يخيف فيه المشركين ويخيفونه، كان له كأجر ساجد لا يرفع رأسه إلى يوم القيامة، وأجر قائم لا يقعد إلى يوم القيامة، وأجر صائم لا يفطر» . وقال عليه السلام: «غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس» . هذا قوله صلى الله عليه وسلم في حقّ من سمع هذه المقالة فوقف لديها، فكيف بمن كان كما قال عليه السلام: «ألا أخبركم بخير الناس: ممسك بعنان فرسه كلّما

سمع هيعة «1» طار إليها» . وأمره باقتفاء أوامر الله تعالى في رعاياه، والاهتداء إلى رعاية العدل والإنصاف والإحسان بمراشده الواضحة ووصاياه؛ وأن يسلك في السياسة سبل الصّلاح، ويشملهم بلين الكنف وخفض الجناح، ويمدّ ظلّ رعايته على مسلمهم ومعاهدهم، ويزحزح الأقذاء والشّوائب عن مناهلهم في العدل ومواردهم، وينظر في مصالحهم نظرا يساوي فيه بين الضعيف والقويّ، ويقوم بأودهم قياما يهتدي به ويهديهم فيه إلى الصّراط السّويّ؛ قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ «2» . وأمره باعتبار أسباب الاستظهار والأمنة، واستقصاء الطاعة المستطاعة والقدرة الممكنة، في المساعدة على قضاء تفث «3» حجّاج بيت الله الحرام، وزوّار نبيّه عليه أفضل الصلاة والسلام، وأن يمدّهم بالإعانة في ذلك على تحقيق الرجاء وبلوغ المرام، ويحرسهم من التخطّف والأذى في حالتي الظعن والمقام؛ فإنّ الحجّ أحد أركان الدين المشيّدة، وفروضه الواجبة المؤكّدة؛ قال الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ «4» . وأمره بتقوية أيدي العاملين بحكم الشرع في الرّعايا، وتنفيذ ما يصدر عنهم من الأحكام والقضايا، والعمل بأقوالهم فيما يثبت لذوي الاستحقاق، والشدّ على أيديهم فيما يرونه من المنع والإطلاق، وأنه متى تأخّر أحد الخصمين عن إجابة داعي الحكم، أو تقاعس في ذلك لما يلزم من الأداء والعدم، جذبه بعنان القسر

إلى مجلس الشّرع، واضطرّه بقوّة الإنصاف إلى الأداء بعد المنع، وأن يتوخّى عمّال الوقوف التي تقرّب المتقرّبون بها، واستمسكوا في ثواب الله بمتين حبلها، وأن يمدّهم بجميل المعاونة والمساعدة، وحسن الموازرة والمعاضدة، في الأسباب التي تؤذن بالعمارة والاستنماء، وتعود عليها بالمصلحة والاستخلاص والاستيفاء؛ قال الله تعالى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى «1» . وأمره أن يتخيّر من أولي الكفاءة «2» والنّزاهة من يستخلصه للخدم والأعمال، والقيام بالواجب: من أداء الأمانة والحراسة والتمييز لبيت المال، وأن يكونوا من ذوي الاضطلاع بشرائط الخدم المعيّنة وأمورها، والمهتدين إلى مسالك صلاحها وتدبيرها، وأن يتقدّم إليهم بأخذ الحقوق من وجوهها المتيقّنة، وجبايتها في أوقاتها المعيّنة، إذ ذاك من لوازم مصالح الجند ووفور الاستظهار، وموجبات قوّة الشوكة «3» بكثير الأعوان والأنصار، وأسباب الحفظة «4» التي تحمى بها البلاد والأمصار، ويأمرهم بالجري في الطّسوق «5» والشّروط على النمط المعتاد، والقيام في مصالح الأعمال على أقدام الجدّ والاجتهاد، وإلى العاملين على الصّدقات بأخذ الزكوات على مشروع السّنن المهيع «6» ، وقصد الصراط المتّبع، من غير عدول من ذلك عن المنهاج الشرعيّ، أو تساهل في تبديل حكمها المفروض وقانونها المرعيّ؛ فإذا أخذت من أربابها، الذين يطهّرون ويزكّون بها، كان العمل في صرفها إلى مستحقها بحكم الشريعة النبوية وموجبها، وإلى جباة الجزية من

أهل الذّمّة بالمطالبة بأدائها في أوّل السنة، واستيفائها منهم على حسب أحوالهم بحكم العادة في الثّروة والمسكنة، إجراء في ذلك على حكم الاستمرار والانتظام، ومحافظة على عظيم شعائر الإسلام. وأمره أن يتطلع على أحوال كلّ من يستعمله في أمر من الأمور، ويصرّفه في مصلحة من مصالح الجمهور، تطلّعا يقتضي الوقوف على حقائق أماناتهم، وموجب «1» تهذيبهم من حركاتهم وسكناتهم، ذهابا مع النّصح لله تعالى في بريّته، وعملا فيه بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته» . وأمره أن يستصلح من ذوي الاضطلاع والغناء، من يرتّب العرض والعطاء، والنفقة في الأولياء، وأن يكونوا من المشهورين بالحزم والبصيرة، والموسومين في المناصحة بإخلاص الطويّة وإصفاء السريرة، حالين من الأمانة والصّون بما يزين، ناكبين عن مظانّ الشّبه والطمع الذي يصم ويشين، وأن يأمرهم باتّباع عادات أمثالهم في ضبط أسماء الرجال، وتحلية الأشخاص والأشكال، واعتبار شيات الخيول وإثبات أعدادها، وتحريض الجند على تخيّرها واقتناء جيادها، وبذل الجهد في قيامهم من الكراع «2» واليزك «3» والسّلاح بما يلزمهم، والعمل بقوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ «4» . فإذا نطقت جرائد

الجند المذكورين بما أثبت لديهم، وحقّق الاعتبار والعيان قيامهم بما وجب «1» عليهم، أطلقت لهم المعايش والأرزاق بحسب إقراراتهم، وأوصلت إليهم بمقتضى واجباتهم واستحقاقاتهم: فإن هذا الحال أصل حراسة البلاد والعباد، وقيام الأمر بما «2» أوجبه الله تعالى من الاستعداد بفرض الجهاد؛ قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ «3» . وأمره بتفويض أمر الحسبة إلى من يكون بأمرها مضطلعا، وللسّنّة النبويّة في إقامة حدودها متّبعا، فيعتمد في الكشف عن أحوال العامّة في تصرّفاتها الواجب، ويسلك في التطلع إلى معاملاتهم السبيل الواضح والسّنن الّلاحب،.... «4» .... في الأسواق لاعتبار «5» المكاييل والموازين، ويقيمه في مؤاخذة المطفّفين «6» وتأديبهم بما تقتضيه شريعة الدين، ويحذّرهم في تعدّي حدود الإنصاف شدّة نكاله، ويقابل المستحقّ المؤاخذة بما يرتدع به الجمع الكثير من أمثاله؛ قال الله تعالى: أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ «7» . وقال سبحانه: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ «8» . فليتولّ الملك السيد الكامل، المجاهد، المرابط، نصير الدين، ركن

الإسلام أثير الأنام «1» ، جلال الدولة، فخر الملّة، عزّ الأمة، سند الخلافة، تاج الملوك والسلاطين، قامع الكفرة والمشركين، قاهر الخوارج والمتمرّدين، أمير المجاهدين، غازي بك معين أمير المؤمنين- ما قلّده عبد الله وخليفته في أرضه، القائم له بحقّه الواجب وفرضه، أبو جعفر المنصور المستنصر بالله أمير المؤمنين، تقليد مطمئنّ بالإيمان، وينصح لله ولرسوله وخليفته- صلوات الله عليه- في السّرّ والإعلان، وليشرح بما فوّض إليه من هذه الأمور صدرا، وليقم بالواجب عليه من شكر هذا الإنعام الجزيل سرّا وجهرا، وليعمل بهذه الوصايا الشريفة الإماميّة، وليقف آثار مراشدها المقدّسة النبويّة، وليظهر من أثر الجدّ في هذا الأمر والاجتهاد، وتحقيق النظر الجميل لله والإرشاد، ما يكون دليلا على تأييد الرأي الأشرف المقدّس- أجله الله تعالى- في اصطناعه واستكفائه، وإصابة مواقع النّجح والرّشد في التفويض إلى حسن قيامه وكمال اعتنائه، فليقدر النعمة في هذه الحال حقّ قدرها، وليمتر «2» بأداء الواجب بما غلب عليه من جزيل الشكر غزير درّها «3» ، وليطالع مع الأوقات بما يشكل عليه من الأمور الغوامض؛ ولينه إلى العلوم الشريفة المقدّسة- أجلها الله تعالى- ما يلتبس عليه من الشكوك والغوامض «4» ؛ ليرد عليه من الأمثلة ما يوضّح له وجه الصواب في الأمور، ويستمدّ من المراشد الشريفة التي هي شفاء لما في الصدور بما يكون وروده عليه وتتابعه إليه نورا على نور؛ إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة العهد الذي كتب به الصاحب فخر الدين: إبراهيم بن لقمان، للظاهر بيبرس «5» ، التي أنكر عليه القاضي شهاب الدين بن فضل الله في

«التعريف» ابتداءها بخطبة، وهي: الحمد لله الذي أضفى [على الإسلام] «1» ملابس الشّرف، وأظهر درره وكانت خافية بما استحكم عليها من الصّدف، وشيّد ما وهى من علائه حتى أنسى ذكر ما سلف، وقيّض لنصره ملوكا اتفق على طاعتهم من اختلف. أحمده على نعمه التي رتعت الأعين منها في الرّوض الأنف «2» ، وألطافه التي وقفت الشكر عليها فليس له عنها منصرف؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة توجب من المخاوف أمنا، وتسهّل من الأمور ما كان حزنا، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي جبر من الدّين وهنا؛ وصفيّه الذي أظهر من المكارم فنونا لا فنّا، صلّى الله عليه وعلى آله الذين أضحت مناقبهم باقية لا تفنى، وأصحابه الذين أحسنوا في الدّين فاستحقّوا الزيادة من الحسنى. وبعد، فإن أولى الأولياء بتقديم ذكره، وأحقّهم أن يصبح القلم ساجدا وراكعا في تسطير مناقبه وبرّه، من سعى فأضحى بسعيه الجميل متقدّما، ودعا إلى طاعته فأجاب من كان منجدا ومتهما، وما بدت يد من المكرمات إلّا كان لها زندا ومعصما، ولا استباح بسيفه حمى وغى إلا أضرمه نارا وأجراه دما. ولما كانت هذه المناقب الشريفة مختصة بالمقام العالي، المولوي، السلطاني، الملكيّ، الظاهريّ، الركنيّ، شرفه الله تعالى وأعلاه، ذكره الديوان العزيز، النبويّ، الإماميّ، المستنصريّ- أعز الله تعالى سلطانه- تنويها بشريف قدره، واعترافا بصنعه الذي تنفد العبارة المسهبة ولا تقوم بشكره؛ وكيف لا؟ وقد أقام الدولة العبّاسية بعد أن أقعدتها زمانة «3» الزّمان، وأذهبت ما كان لها من محاسن

وإحسان، واستعتب «1» دهرها المسيء فأعتب، وأرضى عنها زمانها وقد كان صال عليها صولة مغضب، فأعاده لها سلما بعد أن كان عليها حربا، وصرف اهتمامه فرجع كلّ متضايق من أمورها واسعا رحبا، ومنح أمير المؤمنين عند القدوم عليه حنوّا وعطفا، وأظهر له من الولاء رغبة في ثواب الله ما لا يخفى، وأبدى من الاهتمام بالبيعة أمرا لو رامه غيره لا متنع عليه، ولو تمسّك بحبله متمسّك لا نقطع به قبل الوصول إليه، لكن الله ادّخر هذه الحسنة ليثقّل بها في الميزان ثوابه، ويخفّف بها يوم القيامة حسابه، والسعيد من خفّف حسابه؛ فهذه منقبة أبى الله إلا أن يخلّدها في صحيفة صنعه، وتكرمة قضت لهذا البيت الشريف بجمعه بعد أن حصل الإياس من جمعه؛ وأمير المؤمنين يشكر لك هذه الصّنائع، ويعرف أنه لولا اهتمامك لا تّسع الخرق على الراقع، وقد قلّدك الديار المصريّة والبلاد الشامية، والديار البكريّة والحجازية واليمنيّة والفراتيّة؛ وما يتجدّد من الفتوحات غورا ونجدا، وفوّض أمر جندها ورعاياها إليك حين أصبحت في المكارم فردا؛ ولم يجعل «2» منها بلدا من البلاد ولا حصنا من الحصون مستثنى، ولا جهة من الجهات تعدّ في الأعلى ولا الأدنى. فلاحظ أمور الأمة فقد أصبحت لها حاملا، وخلّص نفسك من التّبعات اليوم ففي غد تكون مسؤولا لا سائلا، ودع الاغترار بالدنيا فما نال أحد منها طائلا، وما رآها أحد بعين الحقّ إلا رآها خيالا زائلا؛ فالسعيد من قطع آماله الموصولة، وقدّم لنفسه زاد التقوى فتقدمة غير التقوى مردودة لا مقبولة؛ وابسط يدك بالإحسان والعدل فقد أمر الله بالعدل والإحسان في مواضع من القرآن، وكفّر به عن المرء ذنوبا وآثاما، وجعل يوما واحدا فيه كعبادة العابد ستّين عاما؛ وما سلك أحد سبيل العدل والإحسان، إلا واجتنيت ثماره من أفنان، وتراجع الأمر فيه بعد تداعي

أركانه «1» وهو مشيّد الأركان، وتحصّن به من حوادث الزمان «2» ، وكانت أيّامه في الأيّام أبهى من الأعياد، وأحسن في العيون من الغرر في أوجه الجياد، وأحلى من العقود إذا حلّي بها عطل «3» الأجياد. وهذه الأقاليم المنوطة بك تحتاج إلى نوّاب وحكّام، وأصحاب رأي من أصحاب السيوف والأقلام، فإذا استعنت بأحد منهم في أمورك فنقّب عليه تنقيبا، واجعل عليه في تصرّفاته رقيبا، وسل عن أحواله ففي القيامة تكون عنه مسؤولا وبما أجرم مطلوبا، ولا تولّ منهم إلّا من تكون مساعيه حسنات لك لا ذنوبا، وأمرهم بالأناة في الأمور والرّفق، ومخالفة الهوى إذا ظهرت أدلّة الحقّ، وأن يقابلوا الضعفاء في حوائجهم بالثّغر الباسم والوجه الطّلق، وأن لا يعاملوا أحدا على الإحسان والإساءة إلّا بما يستحقّ، وأن يكونوا لمن تحت أيديهم من الرعية إخوانا، وأن يوسعوهم برّا وإحسانا، وأن لا يستحلّوا حرماتهم إذا استحلّ الزمان لهم حرمانا، فالمسلم أخو المسلم ولو كان عليه أميرا وسلطانا، والسعيد من نسج ولايته «4» في الخير على منواله، واستسنّ بسنّته في تصرّفاته وأحواله، وتحمّل عنه ما تعجز قدرته عن حمل أثقاله. ومما يؤمرون به أن يمحى ما أحدث من سيّء السّنن، وجدّد من المظالم التي هي من أعظم المحن، وأن يشترى بإبطالها المحامد رخيصة بأغلى ثمن؛ ومهما جبي «5» منها من الأموال فإنما هي باقية في الذّمم «6» حاصلة، وأجياد الخزائن إن

أضحت بها حالية فإنما هي على الحقيقة منها عاطلة؛ وهل أشقى ممن احتقب «1» إثما، واكتسب بالمساعي الذميمة ذمّا، وجعل السّواد الأعظم [له] «2» يوم القيامة خصما، وتحمّل ظلم الناس فيما صدر عنه من أعماله وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً «3» . وحقيق بالمقام الشريف المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الظاهريّ، الرّكنيّ أن تكون ظلامات الأنام مردودة بعدله، وطاعته تخفّف ثقلا لا طاقة لهم بحمله، فقد أضحى على الإحسان قادرا، وصنعت له الأيام ما لم تصنعه لمن تقدّم من الملوك وإن جاء آخرا؛ فاحمد الله على أن وصل إلى جنابك إمام هدى يوجب لك مزيّة التقديم، وينبّه الخلائق على ما خصّك الله به من الفضل العظيم؛ وهذه أمور يجب أن تلاحظ وترعى، ويوالى عليها حمد الله فإن الحمد يجب عليها عقلا وشرعا، وقد تبين لك أنّك صرت في الأمور أصلا وصار غيرك فرعا. ومما يجب أيضا تقديم ذكره أمر الجهاد الذي أضحى على الأمّة فرضا، وهو العمل الذي يرجع به مسودّ الصحائف مبيضّا؛ وقد وعد الله المجاهدين بالأجر العظيم، وأعدّلهم عنده المقام الكريم، وخصّهم بالجنة التي لا لغو فيها ولا تأثيم؛ وقد تقدّمت لك في الجهاد يد بيضاء أسرعت في سواد الحسّاد، وعرفت منك عزمة وهي أمضى مما تجنّه ضمائر الأغماد، واشتهرت لك مواقف في القتال وهي أشهر وأشهى إلى القلوب من الأعياد، وبك صان الله حمى الاسلام أن يبتذل، وبعزمك حفظ على المسلمين نظام هذه الدّول، وسيفك أثّر في قلوب الكافرين قروحا لا تندمل، وبك يرجى أن يرجع مقرّ الخلافة إلى ما كان عليه في الأيّام الأول؛ فأيقظ لنصرة الإسلام جفنا ما كان غافيا ولا هاجعا، وكن في مجاهدة أعداء الله إماما متبوعا لا تابعا، وأيّد كلمة التوحيد فما تجد في تأييدها إلا مطيعا سامعا، ولا تخل

الثّغور من اهتمام بأمرها تبسم له الثّغور، واحتفال يبدّل ما دجا من ظلماتها بالنّور «1» ، فهذه حصون بها يحصل الانتفاع، وعلى العدوّ داعية افتراق لا اجتماع، وأولاها بالاهتمام ما كان البحر له مجاورا، والعدوّ إليه ملتفتا ناظرا، لا سيّما ثغور الديار المصرية فإنّ العدوّ وصل إليها رابحا وراح خاسرا، واستأصلهم الله فيها حتى ما أقال منهم عاثرا، وكذلك الأسطول الذي ترى خيله كالأهلّة، وركائبه سابقة بغير سائق مستقلّة، وهو أخو الجيش السّليماني، فإنّ ذاك غدت الريح له حاملة، وهذا تكفّلت بحمله الرّياح السابلة، وإذا لحظها الطّرف جارية في البحر كانت كالأعلام، وإذا شبّهها قال: هذه ليال تقلع بالأيام؛ وقد سنّى الله لك من السعادة كلّ مطلب، وآتاك من أصالة الرأي الذي يريك المغيّب، وبسط بعد القبض منك الأمل، ونشط بالسعادة ما كان من كسل، وهداك إلى مناهج الحقّ وما زلت مهتديا إليها، وألزمك المراشد فلا تحتاج إلى تنبيه عليها؛ والله تعالى يمدّك بأسباب نصره، ويوزعك شكر نعمه فإنّ النعمة تستتمّ بشكره؛ إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة عهد كتب بها القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، للسلطان الملك المنصور قلاوون، عن الخليفة الإمام أبي العبّاس أحمد الحاكم بأمر الله «2» المتقدّم ذكره على هذه الطريقة، وهي: الحمد لله الذي جعل آية السيف ناسخة لكثير من الآيات، وفاسخة لعقود أولي الشّكّ والشّبهات، الذي رفع بعض الخلق على بعض درجات، وأهّل لأمور البلاد والعباد من جاءت خوارق تملّكه بالذي إن لم يكن من المعجزات فمن الكرامات «3»

ثم الحمد لله الذي جعل الخلافة العبّاسية بعد القطوب حسنة الأبتسام، وبعد الشّحوب جميلة الاتّسام، وبعد التشريد كلّ دار إسلام لها أعظم من دار السّلام. والحمد لله على أن أشهدها مصارع أعدائها، وأحمد لها عواقب إعادة نصرها وإبدائها، وردّ تشتيتها بعد أن ظنّ كلّ أحد أنّ شعارها الأسود ما بقي منه إلا ما صانته العيون في جفونها والقلوب في سويدائها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يتلذّذ بذكرها اللّسان، وتتعطّر بنفحاتها الأفواه والأردان، وتتلقّاها ملائكة القبول فترفعها إلى أعلى مكان، ونصلّي على سيدنا محمد الذي أكرمنا الله به وشرّف لنا الأنساب، وأعزّنا به حتّى نزل فينا محكم الكتاب؛ صلّى الله عليه وعلى آله الذين انجاب الدّين منهم عن أنجاب، ورضي الله عن صحابته الذين هم خير صحاب، صلاة ورضوانا يوفّى قائلها أجره يوم الحساب من الكثرة بغير حساب يوم الحساب. وبعد حمد الله على أن أحمد عواقب الأمور، وأظهر للإسلام سلطانا اشتدّت به للأمة الظّهور وشفيت الصّدور، وأقام الخلافة العباسية في هذا الزمن بالمنصور كما أقامها فيما مضى بالمنصور، واختار لإعلان دعوتها من يحيي معالمها بعد العفاء ورسومها بعد الدّثور، وجمع لها الآن ما كان جمح «1» عليها فيما قبل من خلاف كلّ ناجم، ومنحها ما كانت تبشرها به [صحف] «2» الملاحم، وأنفذ كلمتها في ممالك الدّولة العلوية بخير سيف مشحوذ ماضي العزائم، ومازج بين طاعتها في القلوب وذكرها في الألسنة وكيف لا والمنصور هو الحاكم؟ وأخرج لحياطة الأمّة المحمّديّة ملكا تقسّم البركات عن يمينه، وتقسّم السعادة بنور جبينه، وتقهر الأعداء بفتكاته، وتمهر عقائل المعاقل بأصغر راياته، ذو السعد الذي ما زال نوره يشفّ

حتّى ظهر، ومعجزه يرفّ إلى أن بهر، وجوهره ينتقل من جيّد إلى جيّد حتّى علا الجبين، وسرّه يكمن في قلب بعد قلب حتّى علم- والحمد لله- نبأ تمكينه في الأرض بعد حين، فاختاره الله على علم، واصطفاه من بين عباده بما جبله الله عليه من كرم وشجاعة وحلم، وأتى به الأمة المحمديّة في وقت الاحتياج عونا وفي إبّان الاستمطار غيثا، وفي حين عيث الأشبال في غير الافتراس ليثا، فوجب على من له في أعناق الأمّة المحمديّة مبايعة رضوان، وعند أيمانهم مصافحة أيمان، ومن وجبت له البيعة باستحقاقه لميراث منصب النبوة، ومن تصحّ به كلّ ولاية شرعيّة يؤخذ كتابها منه بقوة، ومن هو خليفة الزمان والعصر، ومن بدعواته تنزل بالنصر عليكم معاشر الإسلام ملائكة النصر «1» ، ومن نسبه بنسب نبيكم صلى الله عليه وسلم متّشج «2» ، وحسبه بحسبه ممتزج، أن يفوّض ما فوّضه الله إليه من أمر الخلق، إلى من يقوم عنه بفرض الجهاد والعمل بالحقّ، وأن يولّيه ولاية شرعية تصحّ بها الأحكام وتنضبط أمور الإسلام، وتأتي هذه العصبة الإسلاميّة يوم تأتي كلّ أمة بإمامهم من طاعة خليفتهم هذا بخير إمام؛ وخرج أمر مولانا أمير المؤمنين- شرفه الله- أن يكون للمقرّ العالي، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، المنصوريّ، أجلّه الله ونصره، وأظفره وأقدره، وأبّده وأيّده، كلّ ما فوّضه الله لمولانا أمير المؤمنين من حكم في الوجود، وفي التّهائم والنّجود «3» ، وفي المدائن والخزائن، وفي الظّواهر والبواطن، وفيما فتحه الله وفيما سيفتحه، وفيما كان فسد بالكفر والرجاء من الله أنه سيصلحه، وفي كل جود ومنّ، وفي كلّ عطاء ومنّ «4» ، وفي كل هبة وتمليك، وفي كل تفرّد بالنّظر في أمور المسلمين بغير شريك «5» ، وفي كلّ تعاهد ونبذ، وفي كلّ

عطاء وأخذ، وفي كل عزل وتولية، وفي كل تسليم وتخلية، وفي كل إرفاق وإنفاق، وفي كل إنعام وإطلاق، [وفي كل استرقاق وإعتاق، وفي كل تكثير وتقليل، وفي كل اتّساع وتقتير] «1» وفي كلّ تجديد وتعويض، وفي كل حمد وتقريض، ولاية عامة تامّة محكمة محكّمة، منضدة منظّمة، لا يتعقّبها نسخ من خلفها ولا من بين يديها، ولا يعتريها فسخ يطرأ عليها، يزيدها مرّ الأيام جدّة يعاقبها حسن شباب، ولا ينتهي على الأعوام والأحقاب، نعم ينتهي إلى ما نصبه الله للإرشاد من سنّة وكتاب، وذلك من شرع لله أقامه للهداية علما، وجعله إلى احتياز الثواب سلّما، فالواجب أن يعمل بجزئيّات أمره وكلّيّاته. وأن لا يخرج أحد عن مقدّماته. والعدل، فهو الغرس المثمر، والسّحاب الممطر، والروض المزهر، وبه تتنزّل البركات، وتخلف الهبات، وتربي الصّدقات، وبه عمارة الأرض، وبه تؤدّى السنّة والفرض؛ فمن زرع العدل اجتنى الخير، ومن أحسن كفي الضّرر والضّير؛ والظّلم، فعاقبته وخيمة، وما يطول عمر الملك إلا بالمعدلة الرحيمة، والرعية، فهم الوديعة عند أولي الأمر، فلا يخصّص بحسن النظر منهم زيد ولا عمرو؛ والأموال، فهي ذخائر العاقبة والمآل، والواجب أن تؤخذ بحقّها، وتنفق في مستحقّها؛ والجهاد برّا وبحرا فمن كنانة الله تفوّق سهامه، وتؤرّخ أيامه، وينتضى حسامه، وتجري منشآته «2» في البحر كالأعلام وتنشر أعلامه، وفي عقر دار الحرب يحطّ ركابه، ويخطّ كتابه، وترسل أرسانه، وتجوس خلالها فرسانه، فليلزم منه ديدنا، ويستصحب «3» منه فعلا حسنا؛ وجيوش الإسلام وكماته، وأمراؤه وحماته، فهم من قد علمت قدم هجره «4» ، وعظم نصره، وشدّة باس، وقوّة مراس، وما منهم إلا من شهد الفتوحات والحروب، وأحسن في المحاماة عن الدّين الدّؤوب، وهم

بقايا الدّول. وتحايا «1» الملوك الأول، لا سيّما أولو السّعي الناجح، ومن لهم نسبة صالحيّة إذا فخروا بها قيل لهم: نعم السلف الصالح، فأوسعهم برّا، وكن بهم برّا، وهم بما يجب من خدمتك أعلم وأنت بما يجب من حرمتهم أدرى؛ والثغور والحصون، فهم «2» ذخائر الشّدة، وخزائن العديد والعدّة، ومقاعد للقتال، وكنائن الرّجاء والرّجال «3» ، فأحسن لها التحصين، وفوّض أمرها إلى كلّ قويّ أمين، وإلى كلّ [ذي] «4» دين متين، وعقل رصين، ونوّاب الممالك ونوّاب الأمصار، فأحسن لهم الاختيار، وأجمل لهم الاختبار، وتفقّد لهم الأخبار. وأمّا ما سوى ذلك فهو داخل في حدود هذه الوصايا النافعة، ولولا أنّ الله أمرنا بالتذكير، لكانت سجايا المقرّ الأشرف السلطانيّ، الملكيّ، المنصوريّ، مكتفية بأنوار ألمعيّته الساطعة، وزمام كلّ صلاح يجب أن يشغل به جميع أوقاته، هو تقوى الله، قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ «5» . فليكن ذلك نصب العين، وشغل القلب والشّفتين، وأعداء الدين من أرمن وفرنج وتتار، فأذقهم وبال أمرهم في كل إيراد للغزو وإصدار؛ وثر لأن تأخذ للخلفاء العباسيّين ولجميع المسلمين منهم الثّار، واعلم أنّ الله نصيرك على ظلمهم وما للظّالمين من أنصار. وأما غيرهم من مجاوريهم من المسلمين فأحسن باستنقاذك منهم العلاج، وطبّهم باستصلاحك فبالطّبّ الملكيّ والمنصوريّ ينصلح المزاج «6» ؛ والله الموفّق بمنّه وكرمه.

وعلى هذه الطريقة مشى المقرّ الأشرف الناصريّ محمد بن البارزيّ «1» الحمويّ صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالديار المصرية وسائر الممالك الإسلامية: جمّل الله تعالى الوجود بوجوده، وأناف بقدره على كيوان «2» في ارتقائه وصعوده، وجعله لسلطانه المؤيّد ردءا ما بدا سعد الملك صاعدا إلا كان له سعد سعوده. فكتب على ذلك عهد «3» السلطان الملك المؤيّد أبي النصر «شيخ» «4» خلّد الله سلطانه، عن الإمام المستعين بالله أبي الفضل العباس أمير المؤمنين خليفة العصر- أيّد الله تعالى به الدّين- في شعبان المكرّم سنة خمس عشرة وثمانمائة، بعد خلع «5» الناصر فرج، فأتى فيه بما أخجل الرّوض المنمنم والنجم الزاهر، وأوجب على العارف بنقد الأمرين أن يقول: كم ترك الأوّل للآخر، عدّد فيه وقائعه

المشهورة، وذكر مناقبه التي صارت على صفحات الأيام مرقومة وعلى مرّ الليالي مذكورة، وفي بطون التواريخ على توالي الجديدين «1» وتعاقب الدّهور مسطورة؛ (فكتب على ذلك عهد السلطان الملك المؤيّد أبي النصر شيخ خلد الله سلطانه) «2» ، ونصّه: الحمد لله الذي جعل الدّين بنصره مؤيّدا، وانتضاه لمصالح الملك والدّين فأصبح ومن مرهفات عزمه بادية بائدة العدا، وفتح على فقر الزمان بشيخ ملك زويت «3» له عوارف العدل ومعارف الفضل فاستغنى- ولله الحمد- بسعيد السّعدا، وأصلح فساد الأحوال بأحكام رأيه وإحكام حكمه فأصبحت مأمونة الرّداء آمنة من الرّدى، وامتنّ على أولياء الدولة الشريفة بمن لم يزل سهم تدبيره الشريف فيهم مسدّدا، ومياه الظفر جارية من قناة غوره الذي بذلك تعوّدا، وبحر إحسانه الكامل وإن قدم العهد المديد مجدّدا. والحمد لله الذي جعل وجوه هذه الأيام بالأمن مسفرة، وليالي جودها بالعدل مقمرة، وعذبات أوليائها بالأفراح مزهرة، وحدائق أخصّائها بالنجاح مثمرة، ومنازل أعدائها مقفرة موحشة، ونوازلهم مذعرة مدهشة، وأجسادهم بأمراض قلوبهم مشوّشة، وأكبادهم بلواعج زفراتهم معطّشة. والحمد لله الذي جعل هذه الأيام الفاضلة الجلال جليلة الفضل، شاملة النّظام ناظمة الشّمل، هامية بالمكرمات هائمة بالعدل، دانية القطوف، معروفة بالمعروف، مغيثة الملهوف، مرهبة للألوف، متصرّفة في الآفاق صارفة الصّروف، حمدا يبهج النّفوس، ويزيل البوس، ويديم السّرور، ويذهب

المحذور، والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ «1» . نحمده على هذه النّعم التي تفيّأت الأمم بظلالها، وبلغت بها النفوس غاية آمالها، ورويت بعد ظمإ الخوف من حياض أمن زلالها، واستسرّت بعد الحزن بأفراح قبولها وإقبالها، وارتفعت بعد انخفاضها رؤوس أبطالها وأقيالها. ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تديم النّعماء، وتجزل العطاء، وتكشف الغمّاء، وتقهر الأعداء، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي قرن طاعة أولي الأمر بطاعته، وأيّد من اهتدى منهم بهدايته، وأعانه لمّا استعان بعنايته، وأظلّه تحت ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلا ظلّه في دار كرامته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين انحازوا إلى حوزته واحتموا بحمايته، وأثمر لهم غرس دينه فرعوه حقّ رعايته، وشرّف وكرم. وبعد، فلمّا كانت رحمة الله تعالى لغضبه سابقة، ورأفته بعباده متلاحقة، وكانت الممالك الشريفة قد اختلّت أمورها، وصار إلى الدّثور معمورها، وأشرف على البوار أميرها ومأمورها، فالشرائع متغيّرة شرائعها، والعوائد مفقودة مآثرها، والمظالم قويّ سلطانها، كثير أعوانها، ضعيف مضاددها، قليل معاندها، فلا نائب سياسة إلا مشغول بالنّوائب، ولا حاكم شرع إلا وقد سدّت عليه المذاهب، ولا تاجر إلا وقد خسرت تجارته فما ربحت، ولا ذو قراض إلا ورؤوس أمواله قد انقرضت، ولا صاحب تراث إلا وقد محيت آية ميراثه ونسخت، ولا ركن مملكة إلّا وقد انهدم أساسه، ولا عضد دولة إلا وقد بطل إحساسه، أقام سبحانه وتعالى لإزالة هذه النّوازل الفادحة، وإخماد نار هذه القبائح القادحة، من توفّرت الدّواعي على استحقاقه السلطنة الشريفة، وأجمعت الأمّة على انحصار ذلك في أوصافه المنيفة، ودلّت أمائر السّعود على محلّه الجليل، وجنابه الذي إذا لاذ به من خاف الدّهر رجع وطرف الدّهر عنه كليل؛ طالما أصفى موارد العدل، وأضفى أذيال

الفضل، وأمّن الخائف، وروّع الحائف «1» وأمضى في الجهاد عزمه، وأنفذ في السّرايا إليه حكمه، وسدّد إلى معاونه في غرض الكفّار سهمه، وفتح الطريق إلى بيت الله الحرام بعد الانسداد، وأنعم على القانع والمعترّ «2» بالراحلة والزّاد، وعمر المساجد، وجعلها آهلة بالراكع والساجد، وجلا عروس الأمويّ في حلل التهليل والتكبير، وأعاد عود منبره الذابل وهو نضير، هذا مع شجاعة شاهدها وشهد بها أبطال الإسلام، وسطوة تخشاها الأسود في الآجام، ووقار يخضع بالهيبة رؤوس الأعلام، وبشر يطلع فجره من طالع جبهته، ونور ساطع من جهة جبهته، وحياء متطلّع من طلعته، وحباء متدفّق من أنملته، وكنت أيّها الملك الجليل المؤيّد- لا زال شمل الدين بك مجموعا، وعلم الإسلام مرفوعا، وقلب أهل الشّرك والنّفاق مروعا- أنت المتّصف بهذه الصّفات الحميدة، والكاشف لتلك الشدائد الشّديدة؛ فلم يرعك خطر الخطّارة، ولا انحلال أهل صرخد «3» حيث اشتهرت عزائم صوارمك البتّارة، ولا خطرتك من القيساريّة «4» إلى الرّيدانيّة «5» في أسرع من غفوة، والشّيخ لا تنكر له الخطوة، ولا مشاهدة الحمام في الحمّام، ولا زاغ بصرك باللّجّون «6» حين أظلم القتام، حتّى زال المانع، وهجع الهاجع، وأمنت الخطوب، وفرّجت الكروب، وخلا دست السلطنة ممن نكث الأيمان، وأصرّ على

الإثم والعدوان، وأقررت اسم الخلافة على الانفراد، ليستخير الله في الأصلح للعباد والبلاد. هذا ورأي أهل الحلّ والعقد من ملوك الإسلام وأمرائه، وقضاته وعلمائه، ومشايخه وصلحائه، وخاصّته وعامّته، ورأي مولانا أمير المؤمنين، أعزّ الله تعالى به الدّين، وجمع بيمن بركته شمل الإسلام والمسلمين، مجمع على تفويض أمر المسلمين وولاية عهدهم وكفالة السلطنة الشريفة والإمامة العظمى إليك- خلّد الله سلطانك، وجعل الدهر خديمك والملائكة أعوانك، فقدّم أمير المؤمنين من الاستخارة أمام هذا التقليد ما يعتبر في السّنّة الشريفة ويقدّم، وعلم أنّ المصلحة فيما خاره الله له وللأمّة من ولايتك أيّها الملك المبجّل والسلطان الأعظم، وأنك أبرأ للذّمّة، وأبرّ بالأمّة، وشاهد بإجماع الأمّة على سلطنتك من التآلف والاتّفاق، ما نفى الخلاف والشّقاق، وما سرّ الجمهور الطائعين من غير دفاع، والجمّ الغفير لبديع آرائك ورفيع راياتك مذعنين لحسن الاتّباع، وأهل الحلّ والعقد لأمرك ونهيك قد خضعت منهم الرّقاب، وسارعوا إلى إجابة دعوتك حين اتضحت لهم أدلّة الصواب، والزمان بإفضاء الأمر إليك قد طاب واعتدل، والأرض في مشارقها ومغاربها بمهابتك قد أمنت من الوجل، والنفوس الأبيّة قد أذعنت لمبايعتك من غير مهل، والفتنة وقد ردّ الله بالغيظ مثيرها، والألفة وقد برقت من سرائر أهل التوحيد أساريرها، والعساكر المنصورة قد أحاطت به كما أحاطت بالبدور الهالة، وقد أنزل الله عليك ناموس المهابة والجلالة، وفوّض إليك ما ولّاه الله من أمور الإسلام والمسلمين، وأسند إليك ما في يده من مصالح عباده المؤمنين: لتقيم على أساس أحكامك دعائم الدّين القويم، وتسيّر الخلائق على منهاج طريقك المستقيم، وتحسن- إن شاء الله- برعايتك عاقبة الرعيّة كما أصبحت قلوبهم بك راضية مرضيّة. وعهد إليك أمير المؤمنين في كلّ ما وراء سرير خلافته، وفي كلّ ما يرتبط بأحكام إمامته، وقلّدك ذلك شرقا وغربا، وبعدا وقربا، وبرّا وبحرا، وسهلا

ووعرا، وفي كلّ ماله من الملك والممالك، وما يفتحه [الله] «1» على يدك بعد ذلك، تفويضا شاملا، وتقليدا كاملا، وعهدا تامّا، وإسنادا عامّا، ولاية مكمّلة البنيان، مؤسّسة على تقوى من الله ورضوان، وسلطنة آخذة بالذّمم، مشتملة على جميع الأمم، يدخل في هذا العهد العامّ والتفويض التامّ، والرأي الذي شهد له إجماع الأمّة بالإحكام، [يدخل في ذلك] «2» مفضول الناس وفاضلهم، وعالمهم وجاهلهم، وخاصّهم وعامّهم، وناقصهم وتامّهم، وشريفهم ومشروفهم، وقويّهم وضعيفهم، وآمرهم ومأمورهم، وقاهرهم ومقهورهم، والجمع والجماعات، وبيوت العبادة والطاعات، والقضاة وأحكامها، والخطباء ومنابرها وأعلامها، والجيوش والعساكر والكتائب، وربّ سيف وكاتب إنشاء وقلم حاسب، وطوائف الرّعايا على اختلاف أطوارهم، وتفاوت أرزاقهم وأقدارهم، والعربان والعشائر، وبيوت الأموال والذّخائر، وداني الأمم وقاصيها، وطائعها وعاصيها، والخراج وجباياته والمصروف وجهاته، والصدقات ومستحقّوها، والرّزق ومرتزقوها، والإقطاعات والأجناد، وما يستعدّ [به] «3» لمواطن الجهاد، والمنع والعطاء والقبض والإمضاء، والخمس والزّكوات، والهدن والمعاهدات، والبيع والقمامات «4» ، وما يظهر من أمور الملك وما يخفى، وما تستدعيه براعتك في السرّ والخفا، وشعار السلطنة وأهبتها، ونواميس الملك وحرمتها. فأجبت- رعاك الله- دعوة أمير المؤمنين ودعوتهم لقبول ذلك مسؤولا، معتمدا على أن الله سينزل إليك من يسدّدك من الملائك فعلا وقولا؛ فاجلس- أيّدك الله- على تخت ملك قد هيّأه الله لمواقفك المطهّرة، وسرير سلطنة علّقت

سرير سعدك الامجد فتقاعست الهمم عنه مقصّرة. فالحمد لله ثم الحمد لله عن الدّهر وأبنائه، ولا مثل هذه النعمة بهذا الخبر وأنبائه، ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ «1» وهذا ما كان من قضيّة الدين على رغم الوسواس الخنّاس «2» ، وهذا ما كانت الآمال تنتظر وروده، وجواري القدم ترتقب سعوده: والله ما زادوك ملكا إنّما ... زادوا أكفّ الطالبين نوالا! وأمّا الوصايا، فأنت بحمد الله طالما ملأت بها الأسماع، وكشفت عاطفتك لمن أردت ترتيبه عنها القناع؛ ولكن عهد من تعبّداتك السماع لشدوها، والطّرب لحدوها، فعليك بتقوى الله، فيها تورق أغصان الأرب الذّوابل، ويغرّد طائر عزّك الميمون بالأسحار والأصائل؛ فاجعلها ربيع صدرك، وأينع بها حدائق فكرك، وروّح «3» بعرفها الأريج أرجاء ملكك، وأجر الشرع الشريف على ما عوّدته من نصرك، والعلماء على ما ألفوه من برّك وخيرك، فهم ورثة الأنبياء عليهم السلام، والدالّون على الشريعة بأسنّة أقلامهم ما يكلّ عنه حدّ الحسام، وطهّر منصب الشرع الشريف من الرّذائل، وصن أيّام ملكك الشريف عن الجهّال، والآكلين أموال الناس بالباطل؛ والعدل- ونستغفر الله- فإنك مثمّر لغراسه، رافع ما انهدم من أساسه؛ قد جعلته مجلس محاكماتك، وأنيس خلواتك؛ والفضل- وبرّك أخجل الأقلام- فلو مرّ بك راجيك على الصّفا لا رتاح للمعروف، أو شاهد هباتك حاتم لرجع طرفه عنها وهو مطروف؛ ولا سرف في الخير، ولا ضرر ولا ضير؛ وأمر بالمعروف وانه عن المنكر فأنت المسؤول بين يدي الله عن ذلك، وانه

نفسك عن الهوى بحيث لا يراك الله هنالك؛ وحدود الله فلا تتعدّاها، والرعايا فحطها بعين رعايتك وارعاها، وجنّد الجنود برّا وبحرا، وأنل أعداءك قهرا وقسرا، وراجع النظر في أمر نوّاب السلطنة الشريفة مراجعة الناقد البصير، وتيقّظ لصيانة قلاع الممالك ومعاقلها وحصونها، وتخيّر لها من ليس بمشكوك المناصحة ولا مظنونها، وحطها مع عمارتها بالعدّة والعدد، والأقوات لكي تطمئنّ النفوس بمددها منها إذا طالت المدد، وتفقّد أحوال من فيها من المستخدمة، وارع حقوق من له بها خدمة متقدّمة، واجعل الثّغور باسمة بحفظتها ولا حظ الأمور بحسن تدبيرك المألوف في سياستها، واستوص خيرا بأمرائك الخالصين من الشّكوك، السالكين في طاعتك أحسن السّلوك، وضاعف لهم الحرمة، وارع لهم الذّمّة، لا سيّما أولي الفكر الثاقب، والرأي الصائب؛ فشاورهم في مهمّات الأمور، واشرح بإحسانك منهم الصّدور، وارع حقوق المهاجرين والأنصار، الذين سلكت معك مطاياهم البطاح والقفار، وهجروا محبوبهم من الوطن والدار، وجالدوا وجادلوا، وآووا في سبيلك وقاتلوا، وأنل كلّا منهم ما يرجوه، واشرح صدورهم بإدراك ما أمّلوه؛ وجيوش الإسلام فاغرس محبتك في قلوبهم بإحسانك، وكما سبقتهم بإحسانك فتحبّب إليهم بجزيل امتنانك؛ وجيوش البحر فكن لها محيطا، وبجليّات مشيها محيطا «1» ؛ فإنها توجّه للأصقاع، سليمانيّة الإسراع، تقذف بالرّعب في قلوب أعداء الدين، وتقلع بقلوعها آثار الملحدين، فواصل تجهيز السّرايا لركوب ثبجه «2» ، والغوص إلى أعداء الله في عميق لججه، وأجمل النظر في بيت الله الحرام، وحرم رسوله، عليه أفضل الصلاة والسلام: لتسلك عين الأمن الأباطح، وتقرّ عيون حمره بالمائح والماتح «3» ، وتتعرّف بعرفانك عرفات، وترمى مخاوف

الخيف من أيدي مهابتك بالجمرات، وصل جيرانهما بصلاتك: لتسهر أعينهم بالدعاء لك وأنت في غفواتك. والقدس الشريف الذي هو أحد المساجد التي تشدّ إليها الرحال فزد تقديسه، واجعل ربوع عباداته بالصّلوات مأنوسة. وإقامة موسم الحج كلّ سنة فأنت بعد حركة تيمور فاتح سبيله، وكاسي محمله حلل توقيره وتبجيله. هذه الوصايا تذكرة للخاطر الشريف وحاشاك من النّسيان، وهذا عهد أمير المؤمنين ومبايعة أولي الحلّ والعقد قد تقاضيا إلى حقّك على الزمان، وعندك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما ضلّ من تمسّك بهما ولا مان «1» ؛ فاتّبع أحكام الله يوسّع الله لك في ملكك، واجعل هديك بهما إمام نهيك وأمرك، وأدّ ما قلّدك الله من حقوق الإمامة والأمانة إلى خلقه أداء موفورا: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً «2» . قلت: ولما كان هذا العهد قد ادّرع جلباب العجائب فأعجب، وارتدى برداء الغرائب فأغرب، وسقي غرسه ماء البلاغة فأنجب، وشنّف الأسماع إذ أسمع فأرقص على السماع وأطرب، وامتطى صهوة جياد البيان فتنقّل فيها من كميت إلى أشقر ومن أحوى إلى أشهب- أحببت أن آتي له بطرّة «3» هي له في الحقيقة ذيل، ونغبة «4» من بحر وقطرة من سيل، لا جرم جعلتها في الوضع في الكتاب له لا حقة، وإن جرت العادة أن تكون الطّرّة للعهد سابقة، وهو: هذا عهد شريف ترقمه أقلام أشعّة الشمس بذهب الأصيل على صفحات الأيام، وتعجمه كفّ الثريّا بنقط النجوم الزواهر وإن كان لا عهد للعهود بالإعجام،

وتعترف ملوك الأرض أنّ صاحبه شيخ الملوك والسلاطين فتقدّمه في الرأي وتجلّه في الرتبة وتعامله بالإجلال والإعظام، من عبد الله ووليّه، وخليفته في أرضه وصفيّه، وسليل خلفائه الراشدين وابن عم نبيّه، الإمام الفلاني (إلى السلطان الأعظم الملك الفلاني إلى آخر الألقاب) . وهذه نسخة عهد على هذا المذهب، كتب به عن أمير المؤمنين المستعين بالله أبي الفضل العباس خليفة العصر، للملك العادل شمس الدنيا والدين «مظفّر شاه» «1» بالسلطنة بالمملكة الهنديّة، في شوّال سنة ثلاث عشرة وثمانمائة بدمشق المحروسة، من إنشاء الشيخ الإمام علّامة العصر، جامع أشتات الأدب ومالك زمامه، تقيّ الدّين محمد بن حجّة «2» ، الشاعر الحمويّ، ومفتي دار العدل

بحماة المحروسة، مما كتب بخطّ المولى تاج الدين عبد الرحمن بن التاج، أحد كتّاب الإنشاء الشريف بالأبواب الشريفة، في قطع البغداديّ الكامل بخفيف الطّومار، وكانت الطرّة المكتتبة في الوصل الأوّل خمسة أسطر بالقلم المذكور، وسطرين بخفيف المحقّق، والطرّة البيضاء خمسة أوصال، والبياض بين كلّ سطرين ثلث ذراع، وبيت العلامة الشريفة ضعف ذلك، والهامش ربع الورق على العادة. وصورة الطرّة: عهد شريف عهد به عبد الله ووليّه، سيّدنا ومولانا الإمام الأعظم العبّاس أبو الفضل المستعين بالله أمير المؤمنين، وابن عمّ سيد المرسلين، أعزّ الله به الدين، وأمتع ببقائه الإسلام والمسلمين، إلى المقام الأشرف، العالي، السلطانيّ، العادليّ، الشمسيّ، أبي المجاهد «مظفّر شاه» أعزّ الله تعالى أنصاره. وقلّده السلطنة المعظّمة بحضرة «دهلى» «1» وأعمالها ومضافاتها على عادة من تقدّمه في ذلك، ولاية عامّة شاملة كاملة جامعة، وازعة قاطعة ساطعة، شريفة منيفة: في سائر الممالك الهندية وأقاليمها، وثغورها، وبلادها، وعساكرها وأكابرها وأصاغرها، ورعاياها ورعاتها وحكّامها، وقضاتها، وما احتوت عليه شرقا وغربا، بعدا وقربا؛ على ما شرح فيه. الصدر بعد البسملة الشريفة: الحمد لله الذي وثّق عهد النّجاح للمستعين به وثبّت أوتاده: ليفوز من تمسّك من غير فاصلة بسببه، وزيّن السماء الدنيا بمصابيح وحفظا، وأفرغ على أعطاف الأرض حلل الخلافة الشريفة، وعلم أنّ خلفها الشريف زهرة الحياة الدنيا فقال عز من قائل: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً «2» . واختارها من بيت براعة استهلاله في أوّل بيت وضع للناس، وسبقت إرادته- وله الحمد- أن تكون

هذه النّهلة من سقاية العبّاس. فالحمد لله على أن جعل هذه السّقاية عينا يشرب بها المقرّبون، ومن علم شرفها تميّز وتمسّك بقوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ «1» . والحمد لله الذي استخلف آله في الأرض وفضّلهم، فإن تحدّث أحد في شرف بيت فالله سبحانه قد جعل البيت والحديث لهم؛ فأكرم به بيتا من أقرّ بعبوديّته كان له بحمد الله من النار عتقا، وتمتّع بنعيم بركته التي لا يتجنّبها إلا الأشقى؛ وهو البيت الذي بعث الله منه شاهدا ومبشّرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وصفّى أهله من الأدناس وأنزل في حقّهم: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «2» ، وصيّر علمهم الخليفتيّ «3» على وجنة الدّهر شامة، وخصّهم بالتقديم فالحمد لله والله أكبر لهذه الإمامة؛ وإذا كان النسيب مقدّما في المدح وهو في النظم واسطة العقود، فهذا هو النّسب الذي كأنّ عليه من شمس الضّحى نورا ومن فلق الصباح عمود، وهذا هو الركن الذي من استلمه واستند إليه قيل له: فزت بعلوّ سندك، فقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمّه العباس: «يا عمّ ألا أبشّرك؟ قال: بلى يا رسول الله- قال: إنّ الله فتح الأمر بي ويختمه بولدك» . وهذا الحديث يرشد إلى التمسّك بطيب العهود العباسيّة لتفيض على المتمسك بها نيل الوفاء، وتعين من استعان بالمستعين وعلم أنّ النبيّ عليه السلام قال لجدّه: «أنت أبو الخلفاء» . وناهيك أنّه صلى الله عليه وسلم قال لأمّ فضل وهي شاكّة في الحمل: «اذهبي بأبي الخلفاء» فكان عبد الله المنتظم به هذا الشّمل فاحبب بها شجرة زكا غرسها ونما، وتسامت بها الأرض وكيف لا؟ وأصلها ثابت وفرعها في السّما؛ فسلام على هذا الخلف الذي منه المستعين بالله والمتوكل عليه

والواثق به والمعتصم والرشيد، ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميد مجيد. نحمده حمد من علم أنّ آل هذا البيت الشريف كسفينة نوح وتعلّق بهم فنجا، ونشكره شكر من مال إلى الدّخول تحت العلم العبّاسيّ وتنصلّ من الخوارج فوجد له من كلّ ضيق مخرجا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو أن تكون مقبولة عند الحاكم وقت الأدا، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي حرّضنا على التمسك بالعهود وأرشدنا إلى طريق الهدى؛ صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين وفّوا بالعهود، وكانوا في نظام هذا الدّين وجمعه فرائد العقود، صلاة يسقي عهاد الرحمة- إن شاء الله- عهدها، وينتظم في سلك القبول عقدها، وسلّم تسليما. أما بعد حمد الله الذي ألهمنا الرّشد وجعل منّا الخلفاء الراشدين، وهدانا بنبيّه صلى الله عليه وسلم وخصّنا من بيته الشريف بالأئمة المهديّين، واصطفى من هذا الخلف خلائف الأرض، وسنّ مواضي العقول التي قطعت أنّ طاعتنا فرض؛ فإنّ لعهدنا العبّاسي شرفا لا يرفل في حلله إلّا من اتّخذ مع الله عهدا وأتاه بقلب سليم، فقد قال الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «1» . لا يتمسّك بهذا العهد إلّا من صحا إلى القيام بواجب الطاعة وترك أهل الجهل في سكرتهم يعمهون، وانتظم في سلك من أنزل الله في حقّهم: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ «2» ؛ فمن نهض إلى المشي في منهاجه مشى بعين البصيرة في الطّريق القويم، وتلا له لسان الحال: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ

مُسْتَقِيمٍ «1» ؛ وهو قبضة من آثار البيعة النبويّة، وشعار يتشرّف به من مشى تحت ألويته العباسيّة، وما أرسل هذا العهد النبويّ إلى أحد من ملوك الأرض إلا عمّه الشرف من جميع جهاته، واللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ «2» وشدت أعواد منبره طربا، وأزهرت رونقا وأثمرت أدبا، واستطالت بيد الخلافة لإقامة الحدّ، وكيف لا ويد الخلافة لا تطاولها يد؛ وكان المقام الأشرف (إلى آخر الألقاب المذكورة في التعريف واسمه المكتتب في الطرّة) «3» هو الذي رغب في التمسّك بهذا العهد الشريف ليزيل عن ملكه الالتباس، واستند إليه ليروي بسنده العالي عن ابن عبّاس؛ فإنه الملك الذي ظفّره الله بأعداء هذا الدّين وسمّاه مظفّرا ولقّبه بالشمسيّ واختار له أن يقارن من الطّلعة المستعينيّة قمرا؛ أينع زهر العدل من حضرة «دهلى» فعطّر الآفاق، وضاع نشره بالهند فعاد الشّمّ إلى المزكوم بالعراق، وصارت دمن «سمنات» «4» عامرة بقيام الدّين، وأيّده الله فيها بعد القتال بالفتح المبين، ولم يترك للعدوّ في بيت بيت ليلة، وأبطل ما دهّره أهل دهلى بحسن اليقظة وقوّة الصّولة، وأباد الكفرة من أهل ديو ولم يقبل لهم دية، وفاءوا إلى غير أمر الله فأبادهم بسيفه الهنديّ فلم تقم لهم فية «5» ، وفطّر أكباد من ناوأه بها فلازموا عن رؤيتها الصّوم، ونادى منادي عدله بالبلاد الهندية: لا ظلم اليوم، ودانت له تلك الممالك برّا وبحرا، وسهلا ووعرا، ما نظم الأعداء على البحر المديد بيتا إلا أبان زحافه وأدار عليه دوائره، فكم نظم شمل الرعايا بالعدل ونثر رؤوس الطّغاة بالسيف فلا عدم الإسلام ناظمه وناثره؛ سئلت الرّكبان في البرّ عن مناقبه الجميلة وعمّ

يتساءلون وقد صار لها عظيم النبا، وصرّح راكب البحر بعد التسمية باسمه وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً «1» فظلّه في البرّ ظليل، وعدله في البحر بسيط وطويل. هذا ولم يبق في تلك الممالك الهنديّة بقعة إلا ولم «2» يصغر الله بسنابك الخيل فيها ممشاه، ولا نفس خارجة عن الطاعة إلا وماتت في رقعة الأرض بمظفّر شاه؛ فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي، المولويّ، السيّديّ، الإماميّ، الأعظميّ، النبويّ، المستعينيّ، سيدنا ومولانا أمير المؤمنين المستعين بالله أبي الفضل العبّاس (ونسبه إلى الحاكم بأمر الله، والدعاء) «3» بعد أن استخار الله تعالى سيدنا ومولانا أمير المؤمنين كثيرا، واتخذه هاديا ونصيرا، وصلّى على ابن عمه سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- أن يفوّض إلى المقام الأشرف المشار إليه ولاية العهد وكفالة السلطنة المعظّمة، بحضرة دهلى وأعمالها كما في الطرّة كما هو المعهود: ليهطل جود الرحمة على تلك البقاع المباركة إن شاء الله ويجود: لما رآه من صلاح الأمّة ومصالح الخلق، استخلافا تتحلّى بذكره الأفواه، وتستند إليه الرّواة، وتترنّم به الحداة، وتستبشر به كافّة الأمم، ويقطع به ويحفظه ربّ كل سيف وقلم، ويعتمد عليه كلّ ذي علم وعلم؛ فلا زعيم جيش بها إلّا وهذا التفويض يسعه ويشمله، ولا إقليم من أقاليمها إلا ومن به يقبّله، ويقبله، ويتمثّل به ويمتثله، ولا منبر بجوامعها إلا وخطيبه يتلو برهان هذا التفويض ويرتّله. وأما الوصايا فعنده- إن شاء الله- تهبّ نسمات قبولها، وتعرب عن نصب مفعولها؛ وهو بحمد الله تعالى لوصايا هذا العهد المبارك نعم القابل، ففي الصحيحين عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه منهم الإمام العادل» والوصيّة بالرّعايا واجبة والعدل فيهم قد حرّض النبيّ صلى الله عليه وسلم عليه، وقال: «يوم من

المذهب الرابع

إمام عادل أفضل من مطر أربعين صباحا أحوج ما تكون الأرض إليه» . وقال ابن عمّنا عليّ رضي الله عنه «الملك والدّين أخوان لا غنى لأحدهما عن الآخر، ونشرهما في الرعيّة ضائع «1» ، فالدّين أسّ والملك حارس، فما لم يكن له أسّ فمهدوم، وما لم يكن له حارس فضائع» فليأمر بالمعروف وينه عن المنكر عالما أنه ليس يسأل غدا بين يدي الله عز وجل عن ذلك سوانا وسواه، وينه نفسه عن الهوى فلا يحسن لعود قدّه أن يميل مع هواه- وليترك الثّغور بعدله باسمة، وقواعد الملك بفضله قائمة- وليجاهد في الله حقّ جهاده، ويلطف بالرعايا ويعلم أن الله لطيف بعباده- وليشرح لهم بالإحسان صدرا، ويجرهم إذا وقف على أحوالهم أحسن مجرى؛ وهو بحمد الله غير محتاج إلى التأكيد: لأنه لم يخل له من القيام في مصالح المسلمين فكر، ولكنه تجديد ذكر على ذكر، والله تعالى يمتّع بطول بقائه البلاد والعباد، ولا برحت سيوفه الهندية تكلّم أعداء هذا الدين بألسنة حداد، وثبّت ملكه بالعدل وشيّد أقواله وأفعاله، وختم بالصالحات أعماله، والاعتماد على الخط الإماميّ المستعينيّ أعلاه، إن شاء الله تعالى. قلت: ولم يعهد أنه كتب عن الخلفاء العباسيين القائمين بالديار المصرية عهد لملك من غير ملوك الديار المصرية سوى هذا العهد. المذهب الرابع ( [أن يفتتح العهد بقوله أما بعد] «2» «فالحمد لله» أو «أما بعد فإنّ أمير المؤمنين» أو «أما بعد فإن كذا» ونحو ذلك) ويأتي بما يناسب من براعة الاستهلال وحال المتولّي والمولّي وما يجري مجرى ذلك مما يسنح للكاتب ذكره مما يناسب الحال، ويأتي من الوصايا بما يناسب المقام: إما بلفظ الغيبة أو بلفظ الخطاب كما في غيره من المذاهب

السابقة، وهي طريقة اقترحها الوزير ضياء الدين بن الأثير في «المثل السائر» أنشأ عليها عهدا في معارضة «1» المكتوب للسّلطان صلاح الدين «يوسف بن أيوب» من ديوان الخلافة ببغداد الاتي ذكره في المذهب الخامس، وهذه نسخته: أما بعد، فإنّ أمير المؤمنين يبدأ بحمد الله الذي يكون لكلّ خطبة قيادا، ولكلّ أمر مهادا، ويستزيده من نعمه التي جعلت التّقوى له زادا، وحمّلته عبء الخلافة فلم يضعف عنه طوقا ولم يأل فيه اجتهادا، وصغّرت لديه أمر الدنيا فما تسوّرت له محرابا ولا عرضت عليه جيادا، وحقّقت فيه قوله تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً «2» ؛ ثم يصلّي على من أنزلت الملائكة لنصره إمدادا، وأسري به إلى السماء حتّى ارتقى سبعا شدادا، وتجلّى له ربّه فلم يزغ منه بصرا ولا أكذب فؤادا؛ ثم من بعده على أسرته الطاهرة التي زكت أوراقا وأعوادا، وورثت النّور المبين تلادا، ووصفت بأنّها أحد الثّقلين هداية وإرشادا، وخصوصا عمّه العباس المدعوّ له بأن يحفظ نفسا وأولادا، وأن تبقى كلمة الخلافة فيهم خالدة لا تخاف دركا ولا تخشى نفادا. وإذ استوفى القلم مداده من هذه الحمدلة، وأسند القول فيها عن فصاحته المرسلة، فإنه يأخذ في إنشاء هذا التقليد الذي جعله حليفا لقرطاسه، واستدام سجوده على صفحته حتّى لم يكد يرفع من راسه، وليس ذلك إلا لإفاضته في وصف المناقب التي كثرت فحسن لها مقام الإكثار، واشتبه التطويل فيها بالاختصار؛ وهي التي لا يفتقر واصفها إلى القول المعاد، ولا يستوعر سلوك أطوادها ومن العجب وجود السّهل في سلوك الأطواد؛ وتلك مناقبك أيّها الملك الناصر الأجلّ، السيد، الكبير، العالم، العادل، المجاهد، المرابط، صلاح الدين، أبو المظفّر، يوسف بن أيوب، والديوان العزيز يتلوها عليك تحدّثا

بشكرك، ويباهي بك أولياءه تنويها بذكرك، ويقول: أنت الذي تستكفى فتكون للدولة سهمها الصائب، وشهابها الثاقب، وكنزها الذي تذهب الكنوز وليس بذاهب، وما ضرّها وقد حضرت في نصرتها إذا كان غيرك هو الغائب، فاشكر إذا مساعيك التي أهّلتك لما أهّلتك، وفضّلتك على الأولياء بما فضّلتك، ولئن شوركت في الولاء بعقيدة الإضمار، فلم تشارك في عزمك الذي انتصر للدولة فكان له بسطة الانتصار، وفرق بين من أمدّ بقلبه ومن أمدّ بيده في درحات الإمداد، وما جعل الله القاعدين كالذين قالوا «لو أمرتنا لضربنا أكبادها إلى برك «1» الغماد» . وقد كفاك من المساعي أنك كفيت الخلافة أمر منازعيها، فطمست على الدّعوة الكاذبة التي كانت تدّعيها «2» ؛ ولقد مضى عليها زمن ومحراب حقّها محفوف من الباطل بمحرابين، ورأت ما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم من السّوارين اللّذين أوّلهما كذّابين فبمصر منهما واحد تاه بمجرى أنهارها من تحته، ودعا الناس إلى عبادة طاغوته وجبته «3» ، ولعب بالدين حتّى لم يدر يوم جمعته من [يوم أحده ولا] «4» يوم سبته، وأعانه على ذلك قوم رمى الله بصائرهم بالعمى والصّمم، واتخذوه صنما [بينهم] «5» ولم تكن الضلالة هناك إلا بعجل أو صنم؛ فقمت أنت في وجه باطله حتّى قعد، وجعلت في جيده حبلا من مسد، وقلت ليده: تبّت فأصبح [وهو] «6» لا يسعى [بقدم] «7» ولا يبطش بيد، وكذلك فعلت بالآخر الذي نجمت باليمن ناجمته، وسامت فيه سائمته، فوضع بيته موضع الكعبة اليمانية، وقال: هذا ذو الخلصة «8» الثانية؛ فأيّ مقاميك يعترف الإسلام بسبقه، أم أيّهما يقوم بأداء حقّه، وهاهنا فليصبح القلم للسيف من الحسّاد، ولتقصر مكانته عن مكانته وقد كان له

من الأنداد، ولم يحظ بهذه المزيّة إلا أنّه أصبح لك صاحبا، وفخر بك حتّى طال فخرا كما عزّ جانبا، وقضى بولايتك فكان بها قاضيا لمّا كان حدّه قاضبا. وقد قلّدك أمير المؤمنين البلاد المصريّة واليمنيّة غورا ونجدا، وما اشتملت عليه رعيّة وجندا، وما انتهت إليه أطرافها برّا وبحرا، وما يستنقذ من مجاوريها مسالمة وقهرا؛ وأضاف إليها بلاد الشام وما تحتوي عليه من المدن الممدّنة، والمراكز المحصّنة؛ مستثنيا منها ما [هو] «1» بيد نور الدّين إسماعيل بن نور الدين محمود رحمه الله: وهو حلب وأعمالها، فقد مضى أبوه على آثار في الإسلام ترفع ذكره في الذاكرين، وتخلفه في عقبه في الغابرين، وولده هذا قد هذّبته الفطرة في القول والعمل، وليست هذه الرّبوة إلا من ذلك الجبل، فليكن له منك جار يدنو منه ودادا كما دنا أرضا ويصبح وهو [له] «2» كالبنيان يشدّ بعضه بعضا؛ والذي قدّمناه من الثناء عليك ربّما تجاوز بك درجة الاقتصاد، وألفتك عن فضيلة الازدياد، فإياك أن تنظر إلى سعيك نظر الإعجاب، وتقول: هذه بلاد افتتحتها بعد أن أضرب عنها كثير من الأضراب، ولكن اعلم أنّ الأرض لله ولرسوله ثم لخليفته من بعده ولا منّة للعبد بإسلامه بل المنّة لله بهداية عبده؛ وكم سلف قبلك ممّن لو رام مارمته لدنا شاسعه، وأجاب مانعه؛ لكن ذخره الله لك لتحظى في الآخرة بمفازه، وفي الدنيا برقم طرازه؛ فألق بيدك عند هذا القول إلقاء التسليم، وقل: لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ «3» . وقد قرن تقليدك هذا بخلعة تكون لك في الاسم شعارا، وفي الرّسم فخارا، وتناسب محلّ قلبك وبصرك وخير ملابس الأولياء ما ناسب قلوبا وأبصارا؛ ومن جملتها طوق يوضع في عنقك موضع العهد والميثاق، ويشير إليك بأنّ الإنعام قد أطاف بك إطافة الأطواق بالأعناق؛ ثم إنك خوطبت بالملك وذلك خطاب

يقضي لصدرك بالانشراح، ولأملك بالانفساح، وتؤمر معه بمدّ يدك إلى العلياء، لا بضمّها إلى الجناح؛ وهذه الثلاثة المشار إليها هي التي تكمل بها أقسام السّيادة، وهي التي لا مزيد عليها في الإحسان فيقال: إنّها الحسنى وزيادة، فإذا صارت إليك فانصب لها يوما يكون في الأيّام كريم الأنساب؛ واجعله لها عيدا وقل: هذا عيد التقليد والخلعة والخطاب، هذا ولك عند أمير المؤمنين مكانة تجعلك لديه حاضرا وأنت ناء عن الحضور، وتضنّ أن تكون مشتركة بينك وبين غيرك والضنّة من شيم الغيور؛ وهذه المكانة قد عرّفتك نفسها وما كنت تعرفها، وما نقول إلا أنّها لك صاحبة وأنت يوسفها؛ فاحرسها عليك حراسة تقضي بتقديمها، واعمل لها فإنّ الأعمال بخواتيمها، واعلم أنك قد تقلّدت أمرا يفتن به تقيّ الحلوم، ولا ينفكّ صاحبة عن عهدة الملوم، وكثيرا ما ترى حسناته يوم القيامة وهي مقتسمة بأيدي الخصوم؛ ولا ينجو من ذلك إلا من أخذ أهبة الحذار، وأشفق من شهادة الأسماع والأبصار، وعلم أنّ الولاية ميزان إحدى كفّتيه في الجنة والأخرى في النار. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذرّ إنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي لا تأمّرنّ على اثنين ولا تولّينّ مال يتيم» . فانظر إلى هذا القول النبويّ نظر من لم يخدع بحديث الحرص والآمال، ومثّل الدنيا وقد سيقت [إليك] «1» بحذافيرها أليس مصيرها إلى زوال؟. والسعيد من إذا جاءته قضى بها أرب الأرواح لا أرب الجسوم، واتّخذ منها وهي السّمّ دواء وقد تتّخذ الأدوية من السّموم؛ وما الاغتباط بما يختلف على تلاشيه المساء والصّباح؟ وهو كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ «2» والله تعالى يعصم أمير المؤمنين وولاة أمره من تبعاتها التي لا بستهم ولا بسوها، وأحصاها الله عليهم ونسوها؛ ولك أنت من هذا الدعاء حظّ على قدر محلّك من العناية التي جذبت بضبعك [ومخلّك من الولاية التي بسطت من درعك] «3» . فخذ هذا الأمر الذي تقلّدته أخذ من لم يتعقّبه بالنسيان؛ وكن في رعايته ممن إذا نامت عيناه كان قلبه يقظان.

وملاك ذلك كلّه في إسباغ العدل الذي جعله الله ثالث الحديث والكتاب، وأغنى بثوابه وحده عن أعمال الثواب، وقدّر يوما منه بعبادة ستّين عاما في الحساب، ولم يأمر به آمر إلا زيد قوّة في أمره وتحصّن به من عدوّه ومن دهره؛ ثم يجاء به يوم القيامة وفي يديه كتابا أمان، ويجلس على منبر من نور عن يمين الرحمن؛ ومع هذا فإن مركبه صعب لا يستوي على ظهره إلا من أمسك عنان نفسه قبل إمساك عنانه، وغلبت لمّة «1» ملكه على لمّة شيطانه، ومن أوكد فروضه أن يمحي السّنن السيئة التي طالت مدد أيّامها، ويئس الرّعايا من رفع ظلاماتها فلم يجعلوا أمدا لانحسار ظلامها؛ وتلك هي المكوس التي أنشأتها الهمم الحقيرة، ولا غنى للأيدي الغنيّة إذا كانت ذا [ت] «2» نفوس فقيرة؛ وكلّما زيدت الأموال الحاصلة منها قدرا زادها الله محقا وقد استمرّت عليها العوائد حتّى ألحقها الظالمون بالحقوق الواجبة فسمّوها حقّا؛ ولولا أنّ صاحبها أعظم الناس جرما لما أغلظ في عقابه، ومثّلت توبة المرأة الغامديّة بمتابه؛ وهل أشقى ممن يكون السواد الأعظم له خصما، ويصبح وهو مطالب منهم بما يعلم وبما لم يحط به علما. وأنت مأمور بأن تأتي هذه الظّلمات فتنحي على إبطالها، وتلحق أسماءها في المحو بأفعالها، حتّى لا يبقى لها في العيان صور منظورة، ولا في الألسنة أحاديث مذكورة؛ فإذا فعلت ذلك كنت قد أزلت عن الماضي سنّة سوء سنّتها يداه، وعن الآتي متابعة ظلم وجده طريقا مسلوكا فجرى على مداه؛ فبادر إلى ما أمرت به مبادرة من لم يضق به ذراعا، ونظر إلى الحياة الدّنيا بعينه فرآها في الآخرة متاعا، واحمد الله على أن قيّض لك إمام هدى يقف بك على هداك، ويأخذ بحجزتك عن خطوات الشيطان الذي هو أعدى عداك؛ وهذه البلاد المنوطة بنظرك تشتمل على أطراف متباعدة، وتفتقر في سياستها إلى أيد مساعدة، وبهذا تكثر فيها قضاة الأحكام، وأولوا تدبيرات السّيوف والأقلام؛ وكلّ من هؤلاء ينبغي أن يفتن على نار الاختبار، ويسلّط عليه شاهدا عدل من أمانة الدّرهم

والدّينار، فما أضلّ الناس شيء كحبّ المال الذي فورقت من أجله الأديان، وهجرت بسببه الأولاد والإخوان، وكثيرا ما يرى الرجل الصائم القائم وهو عابد له عبادة الأوثان؛ فإذا استعنت بأحد منهم على شيء من أمرك فاضرب عليه بالأرصاد، ولا ترض بما عرفته من مبدإ حاله فإنّ الأحوال تتنقّل تنقّل الأجساد، وإيّاك أن تخدع بصلاح الظاهر كما خدع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بالرّبيع ابن زياد «1» ؛ وكذلك فأمر هؤلاء على اختلاف طبقاتهم أن يأمروا بالمعروف مواظبين، وينهوا عن المنكر محاسبين، ويعلموا أنّ ذلك من دأب حزب الله الذين جعلهم الغالبين، وليبدأوا أوّلا بأنفسهم فيعدلوا بها عن هواها، ويأمروها بما يأمرون به من سواها، ولا يكونوا ممن هدى إلى طريق البرّ وهو عنه حائد، وانتصب لطبّ المرضى وهو محتاج إلى طبيب وعائد، فما تنزل بركات السماء إلّا على من خاف مقام ربّه، وألزم التقوى أعمال يده ولسانه وقلبه؛ فإذا صلحت الولاة صلحت الرعية بصلاحهم، وهم لهم بمنزلة المصابيح ولا يستضيء كلّ قوم إلا بمصباحهم. ومما يؤمرون به أن يكونوا لمن تحت أيديهم إخوانا في الاصطحاب، وأعوانا في توزّع الحمل الذي يثقل على الرّقاب؛ فالمسلم أخو المسلم وإن كان عليه أميرا، وأولى الناس باستعمال الرّفق من كان فضل الله عليه كبيرا، وليست الولاية لمن يستجدّ بها كثرة اللفيف، ويتولّاها بالوطء العنيف، ولكنّها لمن يمال على جوانبه، ويؤكل من أطابيه، ولمن إذا غضب لم ير للغضب عنده أثر، وإذا ألحف في سؤاله لم يلحق الإلحاف بخلق الضّجر، وإذا حضر الخصوم بين يديه عدل بينهم في قسمة القول والنظر؛ فذلك الذي يكون لصاحبه في أصحاب اليمين، والذي يدعى بالحفيظ العليم وبالقويّ الأمين؛ ومن سعادة المرء أن يكون

ولاته متأدّبين بآدابه، وجارين على نهج صوابه، وإذا تطايرت الكتب يوم القيامة كانت حسناته مثبتة في كتابه. وبعد هذه الوصية فإنّ هاهنا حسنة هي للحسنات كالأمّ الولود، ولطالما أغنت عن صاحبها إغناء الجنود، وتيقّظت لنصره والعيون رقود، وهي التي تسبغ لها الآلاء، ولا يتخطّاها البلاء، ولأمير المؤمنين بها عناية تبعثها الرحمة الموضوعة في قلبه، والرغبة في المغفرة لما تقدّم وتأخّر من ذنبه، وتلك هي الصدقة التي فضّل الله بعض عباده بمزيّة إفضالها، وجعلها سببا إلى التعويض عنها بعشر أمثالها. وهو يأمرك أن تتفقّد أحوال الفقراء الذين قدرت عليهم مادّة الأرزاق، وألبسهم التعفّف ثوب الغنى وهم في ضيق من الإملاق، فأولئك أولياء الله الذين مسّتهم الضرّاء فصبروا، وكثرت الدنيا في يد غيرهم فما نظروا إليها إذ نظروا، وينبغي أن يهيّىء لهم من أمرهم مرفقا، ويضرب بينهم وبين الفقر موبقا. وما أطلنا لك القول في هذه الوصية إلا إعلاما بأنها من المهمّ الذي يستقبل ولا يستدبر، ويستكثر منه ولا يستكثر، وهذا يعدّ من جهاد النفس في بذل المال، ويتلوه جهاد العدوّ الكافر في مواقف القتال؛ وأمير المؤمنين يعرّفك من ثوابه ما تجعل السيف في ملازمته أخا، وتسخو له بنفسك إن كان أحد بنفسه سخا؛ ومن صفاته أنه العمل المحبوّ بفضل الكرامة، الذي ينمي أجره بعد صاحبه إلى يوم القيامة، وبه تمتحن طاعة الخالق على المخلوق، وكلّ الأعمال عاطلة لا خلوق لها وهو مختصّ دونها بزينة الخلوق «1» ، ولولا فضله لما كان محسوبا بشطر الإيمان، ولما جعل الله الجنة له ثمنا وليست لغيره من الأثمان؛ وقد علمت أن العدوّ هو جارك الأدنى، والذي يبلغك وتبلغه عينا وأذنا، ولا يكون للإسلام نعم الجار حتّى تكون له بئس الجار، ولا عذر لك في ترك جهاده بنفسك ومالك إذا قامت لغيرك الأعذار؛ وأمير المؤمنين لا يرضى منك بأن تلقاه مكافحا، أو تطرق

أرضه مماسيا أو مصابحا، بل يريد أن تقصد البلاد التي في يده قصد المستنقذ لا قصد المغير، وأن تحكم فيها بحكم الله الذي قضاه على لسان سعد «1» في بني قريظة والنّضير؛ وعلى الخصوص البيت المقدّس فإنه تلاد الإسلام القديم، وأخو البيت الحرام في شرف التعظيم، والذي توجّهت إليه الوجوه من قبل بالسّجود والتسليم؛ وقد أصبح وهو يشكو طول المدّة في أسر رقبته، وأصبحت كلمة التوحيد وهي تشكو طول الوحشة في غربتها عنه وغربته؛ فانهض إليه نهضة توغل في قرحه، وتبدّل صعب قياده بسمحه، وإن كان له عام حديبية فأتبعه بعام فتحه؛ وهذه الاستزادة إنما تكون بعد سداد ما في اليد من ثغر كان مهملا فحميت موارده، أو مستهدما فرفعت قواعده؛ ومن أهمّها ما كان حاضر البحر فإنه عورة مكشوفة، وخطّة مخوفة؛ والعدوّ قريب منه على بعده، وكثيرا ما يأتيه فجأة حتّى يسبق برقه برعده؛ فينبغي أن ترتّب بهذه الثغور رابطة تكثر شجعانها، وتقلّ أقرانها، ويكون قتالها لأن تكون كلمة الله هي العليا لا لأن يرى مكانها؛ وحينئذ يصبح كلّ منها وله من الرجال أسوار، ويعلم أهله أن بناء السيف أمنع من بناء الأحجار، ومع هذا لا بدّ من أصطول يكثر عدده، ويقوى مدده، فإنه العدّة التي تستعين بها في كشف الغمّاء، والاستكثار من سبايا العبيد والإماء، وجيشه أخو الجيش السّليمانيّ: فذاك يسير على متن الريح وهذا على متن الماء، ومن صفات خيله أنها جمعت بين العوم والمطار، وتساوت أقدار خلقها على اختلاف مدّة الأعمار؛ وإذا أشرعت قيل جبال متلفّعة بقطع من الغيوم، وإذا نظر إلى أشكالها قيل: إنها أهلّة غير أنها تهتدي في مسيرها بالنّجوم؛ ومثل هذه الخيل ينبغي أن يغالى في جيادها، ويستكثر من قيادها، وليؤمّر عليها أمير يلقى البحر بمثله من سعة صدره، ويسلك طرقه سلوك من لم تقتله بجهلها ولكن قتلها بخبره؛ وكذلك فليكن ممن أفنت الأيام تجاربه،

وزحمتها مناكبه، وممّن يذلّ الصّعب إذا هو ساسه وإن سيس لان جانبه؛ وهذا الرجل الذي يرأس على القوم فلا يجد هزّة بالرياسة، وإن كان في الساقة «1» ففي السّاقة أو في الحراسة ففي الحراسة، ولقد أفلحت عصابة اعتصبت من ورائه، [وأيقنت بالنصر من رايته كما أيقنت بالنصر من رائه] «2» . واعلم أنه قد أخلّ من الجهاد بركن يقدح في عمله، وهو تمامه الذي يأتي في آخره كما أنّ صدق النيّة يأتى في أوّله؛ وذلك هو قسم الغنائم فإنّ الأيدي قد تداولته بالإجحاف، وخلطت جهادها فيه بغلولها فلم ترجع بالكفاف؛ والله قد جعل الظّلم في تعدّي حدوده المحدودة، وجعل الاستئثار بالمغنم من أشراط الساعة الموعودة، [ونحن نعوذ به] «3» أن يكون زماننا هذا شرّ زمان وناسه شرّ ناس، ولم يستخلفنا على حفظ أركان دينه ثم نهمله إهمال مضيّع ولا [إهمال] «4» ناس؛ والذي نأمرك به أن تجري [هذا] «5» الأمر على المنصوص من حكمه، وتبرّيء ذمّتك مما يكون غيرك الفائز بفوائده وأنت المطالب بإثمه، وفي أرزاق المجاهدين بالديار المصرية والشاميّة ما يغنيهم عن هذه الأكلة التي تكون غدا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصّة وعذابا أليما؛ فتصفّح ما سطّرناه لك في هذه الأساطير التي هي عزائم مبرمات، بل آيات محكمات، وتحبّب إلى الله وإلى أمير المؤمنين باقتفاء كتابها، وابن لك منها مجدا يبقى في عقبك إذا أصيبت البيوت في أعقابها؛ وهذا التقليد ينطق عليك بأنه لم يأل في الوصايا التي أوصاها، وأنه لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها؛ ثم إنه قد ختم بدعوات دعا بها أمير المؤمنين عند ختامه، وسأل فيها خيرة الله التي تتنزّل من كلّ أمير بمنزلة نظامه، ثم قال: اللهمّ إني أشهدك على من قلّدته شهادة تكون عليه رقيبه، وله حسيبه؛ فإنّي لم آمره إلا بأوامر الحقّ التي فيها موعظة وذكرى، وهي لمن اتّبعها هدى ورحمة وبشرى؛

المذهب الخامس (أن يفتتح العهد ب «إن أولى ما كان كذا» ونحوه)

فإذا أخذ بها فلج «1» بحجّته يوم يسأل عن الحجج؛ ولم يختلج دون رسول الله عن الحوض في جملة من يختلج، وقيل له: لا حرج عليك ولا إثم إذ نجوت من ورطات الإثم والحرج، والسلام. المذهب الخامس (أن يفتتح العهد ب «إنّ أولى ما كان كذا» ونحوه) وهي طريقة غريبة «2» ، كتب عليها عهد السلطان صلاح الدين «يوسف بن أيوب» بالديار المصرية من ديوان الإنشاء ببغداد. وهو الذي عارضه الوزير ضياء الدين بن الأثير في العهد المتقدّم ذكره في المذهب [الرابع] «3» . وهذه نسخته. إنّ أولى من جادت رباعه سحب الاصطناع، وخصّ من الاصطفاء والاجتباء بالصّفايا والمرباع «4» ، من ترسّم انتهاج «5» الجدد القويم، والطريق الواضح المستقيم، واعتلق من الولاء بأوثق عصمه وحباله، والفناء الذي يهتدي بأنواره في متصرّفاته وأعماله، والتحلّي بجميل الذكر في سيرته، وخلوص الاعتناء بأمور رعيّته «6» ؛ وكان راغبا في اقتناء حميد الخلال، مجتهدا في طاعة الله بما يرضيه «7»

من العدل الممتدّ الظّلال، عاملا فيما يناط به بما يتضوّع نشر خبره «1» ، ويجتنى بحسن صنعه يانع ثمره، باذلا وسعه في الصلاح، مؤذنة مساعيه بفوز القداح. ولمّا كان الملك الأجلّ، السيد، صلاح الدين، ناصر الإسلام، عماد الدولة، جمال الملك «2» فخر الملة، صفيّ الخلافة، تاج الملوك والسلاطين، قامع الكفرة والمشركين، قاهر الخوارج والمتمرّدين، عزّ المجاهدين؛ ألب غازي بك ابن «3» يوسف بن أيّوب- أدام الله علوّه- على هذه السّجايا مقبلا، وبصفاتها الكاملة مشتملا، مؤثرا تضاعف المأثرات، مثابرا على ما تزكو به الأعمال الصالحات، متحلّيا بالمحامد الرائقة، مستبدّا بالمناقب التي هي لجميل أفعاله موافقة مطابقة، محصّلا من رضا الله تعالى ما يؤثره ويرومه من طاعة الدّار العزيزة- لا زالت مشيّدة البناء، سابغة النّعماء، دائمة الاستبشار، عزيزة الأنصار- من استمرار الظّفر ما يستديمه، اقتضت الآراء الشريفة- لا زال التوفيق قرينها، والتأييد مظافرها ومعينها- إمضاء تصرّفه وإنفاذ حكمه في بلاد مصر وأعمالها، والصعيد الأعلى، والإسكندرية، وما يفتحه من بلاد الغرب والساحل، وبلاد اليمن وما افتتحه منها ويستخلصه «4» بعد من ولايتها، والتعويل في هذه الولايات عليه، واستنقاذ «5» ما استولى عليه الكفّار من البلاد، وإعزاز كلّ من أذلّوه واضطهدوه من العباد: لتعود الثّغور بيمن نقيبته ضاحكة المباسم، وبإصابة رأيه قائمة المواسم. أمره بادئا بتقوى الله التي هي الجنّة الواقية، والذّخيرة الباقية، والعصمة الكافية، والزاد إذا أنفض وفد الآخرة وأرملوا «6» ، والعتاد النافع إذا وجدوا شاهدا

لهم وعليهم ما عملوا: فإنّها العلم المنصوب للرّشد، قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ «1» . (وأمره أن يتّخذ كتاب الله سبحانه العلم الذي به يقتدي، وبأنواره إلى حدود الصواب يهتدي، ويستمع لزواجره ومواعظه، ويعتبر بتخويفه وملاحظه، ويصغي إليه بسمعه وقلبه، وجوارحه ولبّه) «2» ، ويعمل بأوامره المحكمة، ويقف عند نواهيه المبرمة، ويتدبّر ما حوته آياته من الوعد والوعيد، والزّجر والتّهديد؛ قال الله عزّ وجل: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ «3» . وأمره أن يكون على صلاته محافظا ولنفسه عن الإخلال والتقصير في أداء فرضها واعظا، فيغتنم الاستعداد أمام أوقاتها للأداء، ويحترز من فواتها والحاجة إلى القضاء، موفّيا حقّها من الرّكوع والسّجود، على الوصف الواجب المحدود، مخلصا سرّه عند الدّخول فيها، وناهيا نفسه عمّا يصدّها بالأفكار ويلهيها، مجتهدا في نفي الفكر والوسواس عن قلبه، منتصبا في إخلاص العبادة لربّه: ليغدو بوصف الأبرار منعوتا، قال الله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً «4» . وأمره بقصد المساجد الجامعة في أيّام الجمع، امتثالا لأمر الله المتّبع، بعزيمة في الخير صادقة، ونيّة للعبادة موافقة، وفي الأعياد إلى المصلّيات المصحرة المجمّلة بالمنابر الحالية، التي هي عن الأدناس مطهّرة نائية «5» ، فإنّها من

مواضع العبادة ومواطنها، ومظانّ تلاوة القرآن المأمور بحفظ آدابها وسننها؛ فقد وصف الله تعالى من وفّقه [لتجميل بيوته بالعمارة] «1» ، بما أوضح فيه الإشارة، وشرّفه بوضع سمة الإيمان عليه بالإكرام الفاخر، فقال: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ «2» : فيقيم الدعوة الهاديّة على المنابر على عادة من تقدّمه، ومنتهيا فيها إلى أحسن ما عهده وعلمه. وأمره بلزوم نزاهة الحرمات، واجتناب المحرّمات، والتحلّي من العفاف والورع بأجمل القلائد الرائقة، والتقمّص بملابس التقوى التي هي بأمثاله لائقة، وسلوك مناهج الصّلاح الذي يجمل به فعله، ويصفو له علّه ونهله، وأن يمنع نفسه من الغضب، ويردّها عمّا تأمر به من سوء المكتسب، ويأخذها بآداب الله سبحانه في نهيها عن الهوى، وحملها على التّقوى، وردعها عن التورّط في المهاوي والشّبه، وكلّ أمر يلتبس فيه الحقّ ويشتبه، ويلزمها الأخذ بالعفو والصّفح، والتأمّل لمكان الأعمال فيه واللّمح؛ قال الله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ «3» . وأمره بإحسان السّيرة في الرعايا بتلك البلاد، واختصاصهم بالصّون الرائح الغاد، ونشر جناح الرّعاية على البعيد منهم والقريب، وإحلال كلّ منهم محلّه على القاعدة والترتيب، وإشاعة المعدلة فيهم، وإسهام دانيهم من وافر ملاحظته وقاصيهم، وأن يحمي سرحهم من كلّ داعر، ويذود عنهم كلّ موارب بالفساد ومظاهر، حتّى تصفولهم من الأمن الشّرائع، وتصفو عليهم من بركة ولايته المدارع، وتستنير بضوء العدل منهم المطالع، ويحترم أكابرهم، ويحنو على أصاغرهم، ويشملهم بكنفه ودرعه، وينتهي في مصالحهم إلى غاية وسعه، ولا يألوهم في النّصح جهدا، ولا يخلف لهم في الخير وعدا، ويشاورهم في أمره فإنّ

المشورة داعية إلى الفلاح، ومفتاح باب الصّلاح؛ قال الله تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ «1» . وأمره بإظهار العدل في الرعيّة التي تضمّها جميع الأكناف والأطراف، والتحلّي من النّصفة بأكمل الأوصاف، وحمل كافّتهم على أقوم جدد، وعصيان الهوى في تقويم كلّ أود، والمساواة بين الفاضل والمفضول في الحقّ إذا ظهر صدق دليله، والاشتمال عليهم بالأمن الذي يعذب لهم برد مقيله، وكشف ظلامة من انبسطت إلى تحيّفه الأيدي والأطماع، وأعجزته النّصرة لنفسه والدّفاع، وتصفّح أحوالهم بعين لا ترنو إلى هوى يميل بها عن الواجب، وسمع لا يصغى إلى مقالة مائن «2» ولا كاذب، ولا يغفل عن مصلحة تعود إليهم، ويرجع نفعها عليهم، ولا عن كشف ظلامات بعضهم من بعض، وردّهم إلى الحقّ في كلّ رفع من أحوالهم وخفض؛ فلا يرى إلّا بالحق عاملا، وللأمور على سنن الشريعة حاملا، مجتنبا إغفال مصالحهم وإهمالها، وحارسا نظامها على تتابع الأيّام واتّصالها: ليكون ذلك إلى وفور الأجر داعيا، وبحسن الأحدوثة قاضيا، مقتديا بما نطق به القرآن: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ «3» . وأمره أن يأمر بالمعروف ويقيم مناره، وينهى عن المنكر ويمحو آثاره؛ فلا يترك ممكنا من إظهار الحقّ وإعلانه، وقمع الباطل وإخماد نيرانه، ويعتمد مساعدة كل مرشد إلى الطريق الأقصد، وناه عن التظاهر بالمحظور في كل مشهد؛ فإنه «4» تضحي معونته مشاركة في إحراز المثوبة ومساهمة، ومساومة في

اقتناء الأجر ومقاسمة، وأن يوعز بإزالة مظانّ الرّيب والفساد في الدّاني من الأعمال والقاصي، فإنّها مواطن الشيطان وأماكن المعاصي، وأن يشدّ على أيدي الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ويعينهم على ذلك بما يطيب ذكره في كل مشهد ومحضر، ويجتهد في إزالة كلّ محظور ومنكر، مقدّم في الباطل ومؤخّر؛ قال الله تعالى: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ «1» . وأمره أن يقدّم الاحتياط في حفظ الثّغور ومجاوريها من الكفّار، ويستعمل غاية التيقّظ في ذلك والاستظهار: ليأمن عليها غوائل المكايد، ويفوز من التوفيق لذلك بأنواع المحامد، ويتجرّد لجهاد أعداء الدين، والانتقام من الكفرة المارقين، أخذا بقول رب العالمين: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «2» . وأن يعمل فيما يحصل من الغنائم عند فلّ جموعهم، وافتتاح بلادهم وربوعهم، بقول الله وما أمر به في قسمتها، وإيفاء كلّ صاحب حصة حصته منها، سالكا سبل من غدا لآثار الصلاح مقتفيا، وللفرض في ذلك مؤدّيا، وبهدى ذوي الرشد مهتديا. قال الله تعالى في محكم التنزيل: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ «3» . وأمره أن يجيب إلى الأمان من طلبه منه «4» ، ويكون وفاؤه مقترنا بما تضمّنه، غير مضمر خلاف ما يعطي به صفقة أمانه [ولا مخالف باطنه ما أظهره من مقاربته إلى عقد الهدن وإتيانه] «5» ويجتنب الغدر وما فيه من العار، وإسخاط الملك الجبّار؛ قال الله عز وجل: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ

تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ «1» . وأمره بأن يأمر أصحاب المعاون بمساعدة القضاة والحكّام، ومعونتهم بما يقضي [بلمّ] «2» شمل الصلاح في تنفيذ القضايا والانتظام، وأخذ الخصوم بإجابة الداعي إذا استحضر [وا] «3» إلى أبوابهم للإنصاف، والمسارعة إلى الحقّ الواجب عليهم من غير خلاف؛ قال الله تعالى: وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ «4» . وأمره بالتعويل في المظالم وأسواق الرقيق ودور الضّرب والحسبة على من يأوي إلى عفاف ودين، وعلم بأحكام الشريعة وصحّة يقين، لا يخفى عليه ما حرّمه الله تعالى وأحلّه، ولا يلتبس على علمه ما أوضح إلى الحقّ الواضح سبله، وإلى من يتولّى المظالم بإيصال الخصوم إليه، وإنصافهم كما أوجبه الله تعالى عليه، واستماع ظلاماتهم، وإحسان النظر في مشاجراتهم؛ فإن أسفر للحق ضياء تبعه، أو اشتبه الأمر ردّه إلى الحكّام ورفعه. و [إلى] «5» الناظر في أسواق الرقيق بالاحتراز والاستظهار، وتعرية الأحوال من الشّبه في امتزاج العبيد بالأحرار: لتضحى الأنساب مصونة مرعيّة، والأموال عن الثّلم محروسة محميّة. وإلى من ينظر في الحسبة بتصفّح أحوال العامّة في متاجرهم وأموالهم، وتتبّع آثار صحّتهم في المعاملة واعتلالهم؛ واعتبار الموازين والمكاييل، وإلزام أربابها الصّحّة والتعديل؛ قال الله سبحانه وتعالى: وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ* «6» . وأن يعمل الجفن في تطهير البلاد، من كلّ مدخول الاعتقاد، معروف بالشّبه في دينه والإلحاد، ومن يسعى منهم في الفساد، ويأمر المرتّبين في المراكز والأطراف باقتناصهم، وكفّ فسادهم وإجلائهم عن عراصهم، وأن يجري عليهم في السّياسة ما يجب على أمثالهم من الزّنادقة والذين توبتهم لا تقبل، وأمرهم على

حكم المخاطبين لا يحمل. قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ «1» . وأمره أن يتلقّى النعمة التي أفرغت عليه، وانساقت إليه، بشكر ينطق به لسانه، ويترجم عنه بيانه: ليستديم بذلك الإكرام، ويقترن الإحسان عنده بالالتئام، وأن يوفّيها حقّها من دوام الحمد، والقصد إلى شكرها والعمد؛ قال الله تعالى: وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ «2» . وليعلم أن أمير المؤمنين «3» قد بيّن له من الصلاح ما اتّضحت أعلامه، وأثبتت في المرامي سهامه، وأرشد إلى ما أودع هذا المنشور من جدد الفوز بمرضاة الله تعالى وشكر عباده، عاملا في ذلك بمقتضى جدّه واجتهاده: ليحرز السّبق في دنياه وعقباه، ويتوفّر عنده ما منح به مما أرهف عزمه وحباه، وغدا بمكانه رافلا في ملابس الفخر والبهاء، نائلا مني «4» ما طال به مناكب القرناء، واختصّ بما أعلى درجته فتقاعست عنه آمال حاسديه، وتفرّد بالمكانة عن مقام من يباريه ويناويه، وأولي من الإنعام ما أمّن به سرب النعمة عنده، وأصفى من مناهل الإحسان ورده، وأهدى إليه من المواعظ ما يجب أن يودعه واعية الأسماع، ويأخذ بالعمل به كلّ راع، فينهج- أدام الله علوّه- محاجّ الولاء الذي عهده من أمثاله من الأولياء، متنزّها عن تقصير منه في عامّة الأوقات، ومراعيا أفعاله في جميع التصرّفات، ويعلم أنّه مسؤول عن كل ما تلفظ «5» به لسانه ناطقا، ونظر طرفه إليه رامقا، قبل أن يجانب هواه، ويبقى رهينا بما اكتسبت يداه، ولا يغترّ من الدنيا وزخرفها بغرّار ليس الوفاء من طباعه، ومعير ما أقصر مدّة ارتجاعه!؛ وسبيل كافّة القضاة والأعيان

الوجه السابع (فيما يكتب في مستند عهد السلطان عن الخليفة، وما يكتبه الخليفة في بيت العلامة، وما يكتب في نسخة العهد من الشهادة أو ما يقوم مقامها)

ومقدّمي العساكر والأجناد، ورؤساء البلاد، متابعته وموافقته، وطلب مصالحهم من جنابه «1» والتصرف على استصوابه؛ وقد أكّدت وصاته في الرفق بهم والاشتمال عليهم، والإحسان إليهم، وإجمال السّيرة فيهم؛ وكلّما أشكل عليه أمر من المتجدّدات يطالع به الديوان العزيز- مجده الله تعالى- لينهج له السبيل إلى فتح رتاجه، وسلوك منهاجه؛ والله وليّ التوفيق والهداية، وجمع الكلمة في كلّ إعادة وبداية، والمعونة على العصمة من الزّلل، والتأييد في القول والعمل؛ إن شاء الله تعالى، وهو حسبنا ونعم الوكيل. الوجه السابع (فيما يكتب في مستند عهد السلطان عن الخليفة، وما يكتبه الخليفة في بيت العلامة، وما يكتب في نسخة العهد من الشّهادة أو ما يقوم مقامها) أما ما يكتب في المستند، فقد جرت العادة أن يكتب فيه نحو ما تقدّم في البيعات وعهود ولاة العهد بالخلافة: وهو: «بالإذن العالي، المولويّ، الإماميّ، النّبويّ، الفلانيّ (بلقب الخلافة) أعلاه الله تعالى» . وأما ما يكتبه الخليفة في بيت العلامة، فإنه يكتب علامته وتحتها: «فوّضت إليه ذلك، وكتب فلان بن فلان» . ورأيت في بعض الدساتير نقلا عن الحاكم بأمر الله أبي العباس [ابن الخليفة] «2» المستكفي بالله أبي الربيع سليمان [أنه] «3» كان يكتب: «وكتب أحمد ابن عمّ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم» . وأما ما يكتب في نسخة العهد من الشّهادة، فقد جرت العادة أن يكتب قاضيان فأكثر من قضاة القضاة الأربعة في حاشية العهد أو في ذيله ما صورته: «أشهدني مولانا أمير المؤمنين العاهد المشار إليه فيه- أدام الله تعالى أيامه- بما نسب إليه فيه من العهد إلى فلان بن فلان» أو ما في معنى ذلك.

الوجه الثامن (في قطع الورق الذي تكتب فيه عهود الملوك عن الخلفاء، والقلم الذي يكتب به، وكيفية كتابتها، وصورة وضعها في الورق)

قلت: والواجب أن يضمّوا في رسم شهادته الشهادة على السلطان بقبول العهد، بأن يقال قبل على ما نصّ وشرح فيه: «وعلى مولانا السلطان المشار إليه فيه بقبول ما فوّض إليه فيه» أو نحو ذلك: لأنه كما يعتبر العهد من العاهد يعتبر القبول من المعهود إليه كما تقدّم في موضعه. الوجه الثامن (في قطع الورق الذي تكتب فيه عهود الملوك عن الخلفاء، والقلم الذي يكتب به، وكيفيّة كتابتها، وصورة وضعها في الورق) أما قطع الورق فلا نزاع في أنه يكتب في قطع البغداديّ الكامل، على ما هو مستقرّ العادة إلى الآن. وقد تقدّم في الكلام على مقادير قطع الورق في المقالة الأولى «1» من الكتاب أنّ عرضه ثلاثة أشبار وخمسة أصابع، وطول الوصل كذلك. وأما القلم الذي يكتب به، فمختصر قلم الطّومار لمناسبته له على ما تقدّم فيما يناسب كل قطع من الورق من الأقلام. وأما كيفيّة كتابة العهد وصورة وضعه في الورق، فعلى ما تقدم في البيعات وعهود أولياء العهد بالخلافة: وهو أن يبدأ بكتابة الطّرّة في أعلى الدرج من أوّل عرض الورق إلى آخره سطورا متلاصقة من غيرهامش، وفي أعلاه قدر إصبع بياضا، ثم يترك ستة أوصال بياضا من غير كتابة غير الوصل الذي فيه الطّرّة؛ ثم تكتب البسملة في أوّل الوصل الثامن بحيث تكون أعالي ألفاتها تكاد تلحق بالوصل الذي فوقه، بهامش عن يمين الدّرج قدر أربعة أصابع مطبوقة أو خمسة؛ ثم يكتب سطرا من أوّل العهد تحت البسملة ملاصقا لها بحيث تكاد أعالي ألفاته تلحق بالبسملة، ثم يخلّي بيت العلامة قدر شبر، ثم يكتب السطر الثاني من العهد على سمت السطر الذي تحت البسملة، ويسترسل في كتابة بقية العهد.

ثم الذي رأيته في دستور معتمد ينسب للمقرّ العلائيّ بن فضل الله أنه يكون بين كلّ سطرين قدر ربع ذراع. وأخبرني بعض فضلاء الكتّاب أنه رأى في بعض الدساتير أنّ سطوره تكون مزدوجة على نظير البسملة والسطر الأول، وبين كل سطرين بعد بيت العلامة تقدير خمسة أصابع مطبوقة. قلت: ولعل ذلك تفنّن من الكاتب وتطريز للكتابة، لا على سبيل اللّزوم. فإن قيل: لم كان مقدار البياض بين سطور العهد مع كبر قطع الورق دون بياض ما بين سطور التقاليد ونحوها مما يكتب عن السلطان على ما سيأتي ذكره؟ فالجواب أن العهد كالمكاتبة من العاهد للمعهود إليه، كما أنّ التقليد كالمكاتبة من المقلّد للمقلّد، والأعلى في حقّ المكتوب إليه أن تكون السطور متضايقة على ما تقدّم في الكلام على المكاتبات؛ فناسب أن تكون سطور العهد أكثر تقاربا من سطور التقليد وما في معناه، تعظيما لشأن السلطان في الحالتين. فإن قيل: ينقض ذلك بعظم قلم العهد، ضرورة أنه كلّما غلظ القلم كان أنزل في رتبة المكتوب إليه على ما تقدّم أيضا، فالجواب: أن غلظ القلم في العهد تابع للورق في كبر قطعه، وقاعدة ديوان الإنشاء أنه كلّما كبر قطع الورق في المكاتبات، كان تعظيما للمكتوب إليه، بدليل أنّ كلّ من عظم مقداره من الملوك كان قطع الورق في مكاتبته أكبر، ولو كتب العهد بقلم دقيق مع ضيق السّطور وسعة الورق لجاء في غاية القصر. ثم قد جرت العادة أن تكون كتابة العهد من أوّله إلى آخره من غير نقط ولا شكل، وعليه عمل الكتّاب إلى آخر وقت. قلت: هذا بناء على المذهب الراجح في أن المكاتبة إلى الرئيس تكون من غير إعجام ولا ضبط: لما في الإعجام والضّبط من استجهال المكتوب إليه ونسبته للغباوة وقلّة الفهم، بخلاف من ذهب إلى أن الكتابة إلى الرئيس تقيّد بالإعجام والضبط كي لا يعترضه الشكّ، ولا يكلّف إعمال الفكر، على ما تقدّم ذكره في أوائل المكاتبات، فإنه يرى نقط العهد وشكله. وإذا انتهى إلى آخر العهد كتب المشيئة، ثم التاريخ، ثم المستند، ثم

الحمدلة والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم الحسبلة، على ما تقدّم في الكلام على الفواتح والخواتم في أوائل المقالة الأولى من الكتاب. وهذه صورة وضعه في الورق، ممثّلا له بالطرّة التي أنشأها القاضي علاء الدين بن عبد الظاهر، والعهد الذي أنشأه القاضي شمس الدين إبراهيم بن القيسراني «1» للملك الناصر «محمد بن قلاوون» وهو العهد الأخير من المذهب الأوّل. الطرّة هذا عهد شريف تجدّدت مسرّات الإسلام بتجديده، وتأكّدت أسباب الإيمان بتأكيده، ووجد النصر العزيز والفتح المبين بوجوده، ووفد اليمن والإقبال على الخليفة بوفوده، وورد الأنام مورد الأمان بوروده. من عبد الله ووليّه الإمام المستكفي بالله أبي الربيع سليمان أمير المؤمنين، ابن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد، عهد به إلى السلطان الملك الناصر أبي الفتح محمد خلّد الله سلطانه، ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي قدّس الله روحه على ما شرح فيه. بسم الله الرحمن الرحيم الهامش هذا عهد شريف يعمر بك للإسلام المعاهد، وينصر منك الاعتزام بيت العلامة فتغنى عن الموالي والمعاضد، ويلقي إليك مقاليد الأمور لتحمي في مرضاة

النوع الثالث (من العهود عهود الملوك لولاة العهد بالملك)

تقدير ربع ذراع الهامش الله وتجاهد، ويبعثك على العمل بالكتاب والسّنّة: ليكونا شاهدين لك تقدير ربع ذراع عند الله في أعظم المشاهد- إلى أن يأتي إلى قوله في آخره: والله تعالى يخلّد له رتبة الملك التي أعلى بها مقامه، ويديمه ناصرا للدين الحنيف فأنصاره لا يزالون ظاهرين إلى يوم القيامة، ويجعل سبب هذا العهد مدى الأيام متينا، ويجدّد له في كل وقت نصرا قريبا وفتحا مبينا؛ والخطّ الحاكميّ أعلاه، حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى كتب في من شهر كذا سنة كذا بالإذن العالي المولويّ الإماميّ النّبويّ الحاكميّ أعلاه الله تعالى الحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل النوع الثالث (من العهود عهود الملوك لولاة العهد بالملك) وهو أن يعهد الملك بالملك بعده لمن يختاره من أولاده أو إخوته أو غيرهم من الأقارب أو الأجانب. ويتعلق النظر به من سبعة أوجه:

الوجه الأول (في بيان صحة ذلك)

الوجه الأوّل (في بيان صحّة ذلك) لمّا صحّت إمارة الاستيلاء إخمادا للفتن، وتنفيذا للأحكام الشرعيّة على ما تقدّم من كلام الماورديّ في النوع الثاني من العهود، اقتضت المصلحة تصحيح العهد بالملك لما فيه من المعنى المتقدّم. وقد جرت عهود من الملوك لأبنائهم بالديار المصرية وغيرها بحضرة الجمّ الغفير من العلماء وأهل الحلّ والعقد فأمضوا حكم ذلك ولم ينكروه، وذلك منهم دليل الجواز. فإن قيل: قد تقدّم في النوع الثاني من العهود من كلام الماورديّ أن وزير التفويض لا يجوز له أن يعهد بالوزارة لغيره، ووزارة التفويض في معنى السلطنة الآن أو قريبة منها على ما تقدّم هناك، فالجواب: أنه قد تقدّم أن السلطنة الآن مركّبة من وزارة التفويض وإمارة الاستيلاء، بل السلطان الآن كالمستبدّ بالأمر، والشوكة مصحّحة لأصل الولاية فلأن تكون مصحّحة لفرعها أولى. الوجه الثاني (فيما يكتب في الطرّة) ينبغي أن يكون ما يكتب فيها على نحو ما يكتب في طرر عهود الملوك عن الخلفاء، إلا أنه يزاد فيها: «عهد إليه بالملك بعده» كما يقال في عهود الخلفاء عن الخلفاء: «عهد إليه بالأمر بعده» . وهذه نسخة طرّة: «هذا عهد شريف جليل قدره، رفيع ذكره، عليّ فخره، متبلّج صبحه ضوّيّ فجره. من السلطان الأعظم الملك الفلانيّ فلان الدنيا والدين فلان، خلّد الله تعالى سلطانه، ونصر جيوشه وأعوانه- بالسلطنة الشريفة لولده المقام العالي السلطانيّ الملكيّ الفلانيّ، بلّغه الله تعالى فيه غاية الآمال، وحقّق فيه للرعية ما يرجونه من مزيد الإفضال، على ما شرح فيه» .

الوجه الثالث (في الألقاب التي تكتب في أثناء العهد)

الوجه الثالث (في الألقاب التي تكتب في أثناء العهد) وقد ذكر في «التعريف» أنه يكتب له: المقام الشريف أو الكريم، أو العالي مجرّدا عن الشريف والكريم، ويقتصر فيها على الألقاب المفردة دون المركّبة. قلت: وعلى هذه الطريقة كتب القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر ألقاب الملك الصالح عليّ بن المنصور قلاوون في عهده بالسلطنة عن والده المذكور، فقال: «ولمّا كان المقام العالي الولديّ السلطانيّ الملكيّ الصالحيّ العماديّ» . وعلى نحو من ذلك كتب المشار إليه ألقاب الملك السعيد بركة «1» بن الظاهر بيبرس في عهده بالسلطنة عن والده المذكور، فقال: «وخرج أمرنا بأن يكتب هذا التقليد لولدنا الملك السعيد ناصر الدين بركة خاقان محمد» إلا أنه قد خالف ذلك فيما كتب به في ألقاب الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون في عهده بالسلطنة عن والده فجمع بين الألقاب المفردة والمركّبة، فقال: «هذا عهدنا للسيّد الأجل الملك الأشرف صلاح الدّنيا والدين، فخر الملوك والسلاطين، خليل أمير المؤمنين» ولم يتعرّض في «التعريف» لحكاية هذا المذهب مع كون كلام ابن عبد الظاهر حجة يرجع إليه في هذا الفن. الوجه الرابع (ما يكتب في المستند) ويتعين أن يكتب فيه «حسب المرسوم الشريف» لصدوره عن السلطان كما يكتب في التقاليد.

الوجه الخامس (ما يكتب في متن العهد)

الوجه الخامس (ما يكتب في متن العهد) وللكتّاب فيه طريقتان: الطريقة الأولى - أن يفتتح العهد بعد البسملة بلفظ «هذا» ونحوه على ما تقدّم في عهود الملوك عن الخلفاء. وعلى هذه الطريقة كتب أبو بكر بن القصيرة المغربيّ الكاتب عن أمير المسلمين «يوسف بن تاشفين» «1» سلطان المغرب بولاية عهده لابنه أبي الحسن على ما بيده من الغرب والأندلس في ذي الحجة سنة ستّ وتسعين وأربعمائة، وهو: كتاب تولية عظيم جسيم، وتوصية حميم كريم، مهّدت على الرضا قواعده، وأكّدت بيد التقوى معاقده، وأبعدت عن الغواية والهوى مصادره وموارده، أنفذه أمير المسلمين وناصر الدّين، أبو يعقوب يوسف بن تاشفين، أدام الله أمره، وأعزّ نصره، وأطال فيما يرضيه ويرضى به عنه عمره، غير محاب، ولا تارك في النصيحة لله عز وجلّ ولرسوله موضع ارتياب لمرتاب، للأمير الأجلّ أبي الحسن عليّ ابنه المتقبل شيمه وهممه، المتأثّل حلمه وتحلّمه، الناشيء في حجر تقويمه وتأديبه، المتصرّف بين يدي متحديه «2» وتهذيبه، أدام الله عزّه وتوفيقه وأنهج إلى كل صالح من الأعمال طريقه، وقد تهمّم بمن تحت عصاه من المسلمين، وهذا فيمن يخلفه فيهم هدّى للمتقين، ولم ير أن يتركهم سدّى غير مدينين، فاعتام «3» في النّصاب

الرفيع واختار، واستنصح أولي الرأي منهم ومن غيرهم واستشار، واستضاء بشهاب استخارة الله عزّ وجلّ واستنار؛ فلم يوقع الله بعد طول تأمّل، وتراخي مدّة وتمهّل، اختياره ولا اختيار من فاوضه في ذلك من أولي التقوى والحكمة والتجربة واستشاره إلّا عليه، ولا صار به وبهم الاجتهاد إلّا إليه، ولا التقى ورّاد التّرائي والتشاور إلا بين يديه، فولّاه على استحكام بصيرة وبعد طول مشورة عهده، وأفضى إليه بالأمر والنهي والبسط والقبض بعده، وجعله خليفته في رعايا مسنده وأوطأ عقبه جماهير الرجال، وناطه بمهمّات الأموال والأحوال، وعهد إليه أن يتّقي الله ما استطاع، ولا يعدل عن سمت العدل وحكم الكتاب والسنّة في أحد عصى أو أطاع، ولا ينام به عن حماية من أسهره الحيف والخوف والاضطجاع، ولا يتلهّى دون معلن شكوى، ولا يتصمّم عن مستصرخ لدفاع بلوى، وأن ينتظم أقصى بلاده وأدناها في سلك تدبيره ولا يكون بين القريب والبعيد من رعيّته بون في إحصائه وتقديره؛ ثم دعا- أدام الله تأييده- لمبايعته من دنا ونأى من المسلمين، فلبّوا مسرعين وأتوا مهطعين «1» ، وأعطوا صفقة أيمانهم متبرّعين متطوّعين، وبايعوه على السّمع والطاعة، والتزام سنن الجماعة، وبذل النصيحة، وإصفاء النّيّات الصحيحة، وموادّة من صاحبه، ومحاربة من حاربه، ومكايدة من كايده، ومعاندة من عانده، لا يدّخرون في ذلك على حال المكره والمنشط مقدرة، ولا يحتجّون في وقتي السّخط والرضا بمعذرة، ثم أمر بمخاطبة أهل البلاد لتبايعه كلّ طائفة في بلدها، وتعطيه كما أعطاه من حضر صفقة يدها، حتّى يستوي في التزام بيعته القريب والبعيد، ويجتمع على الاعتصام بحبل دعوته الغائب والشهيد، وتطمئنّ من أعلام الناس وخيرهم قلوب كانت من تراخي ما انتجز قلقة، ولم تزل ببقية التأخّر أرقة، ويشمل الناس السرور والاستبشار، وتتمكّن لهم الدّعة ويتمهّد القرار، وتنشأ في الصّلاح لهم آمال، ويستقبلهم جدّ صاعد وإقبال، والله يبارك

الطريقة الثانية

لهم فيها بيعة رضوان، وصفقة رجحان، ودعوة إيمان، إنه على ما يشاء قدير، لا إله إلا هو نعم المولى ونعم النصير. شهد على أمير المسلمين «1» ناصر الدين، أبي يعقوب يوسف بن تاشفين- أدام الله أمره، وأعزّ نصره- بكلّ ما ذكر عنه من التزام البيعة المنصوصة فوق هذا، وأعطى صفقة يمينه متبرّعا بها، وبالله التوفيق؛ وذلك بحضرة قرطبة حماها الله تعالى. الطريقة الثانية - أن يفتتح العهد بعد البسملة بخطبة مفتتحة بالحمد لله، وهي طريقة المصريين، وعليها اقتصر المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في «التعريف» وعلى هذه الطريقة كتب القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر عن الظاهر بيبرس عهد ولده الملك السعيد بركة، وهذه نسخته: الحمد لله منمّي الغروس، ومبهج النّفوس، ومزيّن سماء المملكة بأحسن الأهلّة وأضوإ البدور وأشرق الشّموس، الذي شدّ أزر الإسلام، بملوك يتعاقبون مصالح الأنام، ويتناوبون تدبيرهم كتناوب العينين واليدين في مهمّات الأجساد وملمّات الأجسام. نحمده على نعمه التي أيقظت جفن الشّكر المتغافي، وأوردت نهل الفضل الصافي، وخوّلت الآلاء حتّى تمسّكت الآمال منها بالوعد الوفيّ وأخذت بالوزن الوافي، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد كثّر الله عدده وعدده، وأحمد أمسه ويومه ويحمد- إن شاء الله تعالى- غده، ونصلّي على سيدنا محمد الذي أطلع الله به نجم الهدى، وألبس المشركين به أردية الرّدى، وأوضح به مناهج الدين وكانت طرائق قددا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة دائمة لا تنقضي أبدا.

وبعد، فإنا ألهمنا الله من مصالح الأمم، وخوّلنا من الحرص على مهمّات العباد الذي قطع به شأفة الكفر وختم، وأتى به والشرك قد علم كلّ أحد اشتعال ناره فكان علما بنار مضرمة لا نارا على علم، وقدّره من رفع الكفر من جميع الجوانب، وقفوهم من كل جهة حتّى رماهم بالحتف الواصل والعذاب الواصب «1» ، فأصبح الشّرك من الإبادة في شرك، والإسلام لا يخشى من قتل ولا يخاف من درك، وثغور الإسلام عالية المبتنى، جانية ثمار الادّخار من هنا ومن هنا، تزاحم بروجها في السماء البروج، وتشاهد الأعداء منها سماء قد بنيت وزيّنت وما لها من فروج، وعساكر الملّة المحمديّة في كلّ طرف من أطراف الممالك تجول، وفي كلّ واد تهيم حتّى تشعر بالنصر ولكنّها تفعل ما تقول: قد دوّخت البلاد فقتلت الأعداء تارة بالإلمام وتارة بالإدهام «2» ، وسلّت سيوفها فراعتهم يقظة بالقراع ونوما بالأحلام، ترى أنا قد لذّ لنا هذا الأمر التذاذ المستطيب، وحسن لدينا موقعه فعكفنا عليه عكوف المستجيد ولبّيناه تلبية المستجيب، وجعلنا فيه جميع الآلات والحواس، وتقسّمت مباشرته ومؤامرته سائر الزمن حتّى غدا أكثر تردّدا إلى النّفس من الأنفاس، واستنفدنا الساعات في امتطاء المضمّر الشّموس، وادّراع محكم الدّلاص «3» التي كأنها وميض برق أو شعاع شموس، وتجريد المرهفات التي جفت لحاظها الأجفان، وجرت فكالمياه وأضرمت فكالنّيران، وتفويق السهام التي غدت قسيّها مرابعا نبالها بان «4» ، واعتقال السّمهريّة التي تقرع الأعداء سنّها ندما كلّما قرعت هي السّنان، إلى غير ذلك، من كلّ غارة شعواء تسيء للكفّار الصّباح، وتصدم كالجبال وتسير كالرّياح، ومنازلات كم استلبت من موجود، وكم استنجزت من نصر موعود، وكم مدينة أضحت لها مدينة ولكن أخّرها الله إلى أجل معدود.

وكانت شجرتنا المباركة قد امتدّ منها فرع تفرّسنا فيه الزيادة والنموّ، وتوسّمنا منه حسن الجنى المرجوّ، ورأينا أنّه الهلال الذي قد أخذ في ترقّي منازل السّعود إلى الإبدار، وأنه سرّنا الذي صادف مكان الاختبار له مكان الاختيار، فأردنا أن ننصبه في منصب أحلّنا الله فسيح غرفه، ونشرّفه بما خوّلنا الله من شرفه، وأن تكون يدنا ويده تلتقطان من ثمره، وجيدنا وجيده يتحلّيان بجوهره، وأنّا نكون للسلطنة الشريفة السمع والبصر، وللملكة المعظّمة في التناوب بالإضاءة الشمس والقمر، وأن تصول الأمّة منّا ومنه بحدّين، ويبطشوا من أمرنا وأمره بيدين، وأن نرتّبه على حسن سياسة تحمد الأمّة- إن شاء الله تعالى- عاقبتها عند الكبر، وتكون الأخلاق الملوكية منتشئة منه ومنتشئة به من الصّغر، ونجعل سعي الأمّة حميدا، ونهب لهم منه سلطانا نصيرا وملكا سعيدا، ونقوّي به عضد الدين ونريش جناح المملكة، وننجح مطلب الأمة بإيالته وكيف لا ينجح مطلب فيه بركة؟. وخرج أمرنا، لا برح مسعدا ومسعفا، ولا عدمت الأمة منه خلفا منبلا «1» ونوءا محلفا، بأن يكتب هذا التقليد لولدنا السعيد ناصر الدين «بركة خاقان محمد» جعل الله مطلع سعده بالإشراق محفوفا، وأرى الأمّة من ميامنه ما يدفع للدّهر صرفا ويحسن بالتدبير تصريفا- بولاية العهد الشريف على قرب البلاد وبعدها، وغورها ونجدها، وقلاعها وثغورها، وبرورها وبحورها، وولاياتها وأقطارها، ومدنها وأمصارها، وسهلها وجبلها، ومعطّلها ومغتلّها، وما تحوي أقطاره الأحلام، وما ينسب للدولة القاهرة من يمن وحجاز ومصر وغرب وسواحل وشام بعد شام، وما يتداخل ذلك من قفار ومن بيد في سائر هذه الجهات، وما يتخلّلها من نيل وملح وعذب فرات «2» ، ومن يسكنها من حقير وجليل، ومن يحلّها من صاحب رغاء وثغاء «3» وصليل وصهيل، وجعلنا يده في ذلك كلّه المبسوطة،

وطاعته المشروطة ونواميسه المضبوطة، ولا تدبير ملك كلّيّ إلا بنا أو بولدنا يعمل، ولا سيف ولا رزق إلا بأمرنا هذا يسلّ وهذا يسأل، ولا دست سلطنة إلا بأحدنا يتوضّح منه الإشراق، ولا غصن قلم في روض أمر ونهي إلّا ولدينا ولديه تمتدّ له الأوراق، ولا منبر خطيب إلا باسمنا يميس، ولا وجه درهم ولا دينار إلا بنا يشرق ويكاد تبرّجا لا بهرجا يتطلّع من خلال الكيس. فليتقلّد الولد ما قلّدناه من أمور العباد، وليشركنا فيما نباشره من مصالح الثّغور والقلاع والبلاد، وسنتعاهد هذا الولد من الوصايا بما سينشأ معه توءما، ويمتزج بلحمه ودمه حتّى يكاد يكون ذلك إلهاما لا تعلّما، وفي الولد بحمد الله من نفاذ الذّهن وصحّة التصوّر ما تتشكّل فيه الوصايا أحسن التشكيل، وتظهر صورة الإبانة في صفائه الصّقيل، فلذلك استغنينا عن شرحها هاهنا مسرودة، وفيه- بحمد الله- من حسن الخليقة ما يحقّق أنها بشرف الإلهام موجودة، والله لا يعدمنا منه إشفاقا وبرّا، ويجعله أبدا للأمة سندا وذخرا، إن شاء الله تعالى. وعلى ذلك كتب القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر أيضا عن المنصور «قلاوون» عهد ولده الملك الأشرف صلاح الدين «خليل» «1» وهذه نسخته: الحمد لله الذي لم يزل له السّمع والطاعة فيما أمر، والرضا والشّكر فيما هدم من الأعمار وما عمر، والتفويض في التعويض إن غابت الشمس بقي القمر. نحمده على أن جعل سلطاننا ثابت الأركان، كلّ روضة من رياضه ذات أفنان، لا تزعزعه ريح عقيم، ولا يخرجه رزء عظيم عن الرّضا والتسليم، ولا يعتبط من حملته كريم إلا ويغتبط من أسرته بكريم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تزيد قائلها تفويضا وتجزل له تعويضا، وتحسن له على الصبر

الجميل في كلّ خطب جليل تحريضا، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أنزل عليه في التسليم: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ «1» . والنبيّ الذي أوضح به المناهج وبيّن به السّبل، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما تجاوبت المحابر والمنابر في البكر والأصل، وما نثرت عقود ونظمت، ونسخت آيات وأحكمت، ونقضت أمور وأبرمت، وما عزمت آراء فتوكّلت وتوكّلت فعزمت، ورضي الله عن أصحابه الذين منهم من كان للخليقة نعم الخليفة، ومنهم من لم يدرك أحد في تسويد النفس الحصيفة ولا في تبييض الصّحيفة مدّه ولا نصيفه، ومنهم من يسّره الله لتجهيز جيش العسرة فعرف الله ورسوله معروفه، ومنهم من عمل صالحا أرضى ربّه وأصلح في ذرّيته الشريفة. وبعد، فإن من ألطاف الله تعالى بعباده، واكتناف عواطفه ببلاده، أن جعلنا كلّما وهى للملك ركن شديد شيّدنا ركنا عوضه، وكلما اعترضت للمقادير جملة بدّلنا آية مكان آية وتناسينا- تجلّدا- تلك الجملة المعترضة، فلم يحوج اليوم لأمسه، وإن كان حميدا، ولا الغارس لغرسه، وإن كان ثمره يانعا وظلّه مديدا، فأطلعنا في أفق السلطنة كوكبا سعيدا كان لحسن الاستخلاف معدّا، ومن لقبيل المسلمين خير ثوابا وخير مردّا، ومن يبشّر الله به من الأولياء المتّقين وينذر من الأعداء قوما لدّا، ولم يبق [إلا] «2» به أنسنا بعد ذهاب الذين تحسبهم (كالسيف فردا) «3» والذي ما أمضى حدّه ضريبة إلا (قدّ البيض والأبدان قدّا) «4» ، ولا جهّز راية كتيبة إلا أغنى غناء الذاهبين وعدّ الأعداء عدّا، ولا بعثه جزع فقال: (كم من أخ لي صالح) «5» إلّا لقيه ورع فقال: (وخلقت يوم خلقت جلدا) «6» ، وهو الذي

بقواعد السلطنة أدرى وبقوانينها الأعرف، وعلى الرّعايا الأعطف وبالرّعايا الأرأف، وهو الذي ما قيل لبناء ملك هذا عليه قد وهى إلّا وقيل هذا بناء مثله منه أسمى ملك أشرف، والذي ما برح النصر يتنسّم من مهابّ تأميله الفلاح، ويتبسّم ثغره فتتوسّم الثغور من مبسمه النّجاح، ويقسم نوره على البسيطة فلا مصر من الأمصار إلّا وهو يشرئبّ إلى ملاحظة جبين عهده الوضّاح، ويتفتّق اشتقاق النّعوت فيقول التسلّي للتملّي: سواء الصالح والصّلاح، والذي ما برح لشعار السلطنة إلى توقّله وتنقّله أتمّ حنين، وكأنما كوشفت الإمامة العبّاسيّة بشرف مسمّاه فيما تقدّم من زمن سلف ومن حين، فسمّت ووسمت باسمه أكابر الملوك وأخاير السلاطين، فخوطب كلّ منهم مجازا لا كهذه الحقيقة «بخليل» أمير المؤمنين؛ والذي [كم] «1» جلا ببهيّ جبينه من بهيم، وكم غدا الملك بحسن روائه ويمن آرائه يهيم، وكم أبرأ مورده العذب هيم عطاش ولا ينكر الخليل إذا قيل عنه إبراهيم، ومن تشخص الأبصار لكماله يوم ركوبه حسيرة، وتلقي البنان سلاحها ذهلا وهي لا تدري لكثرة الإيماء إلى جلاله إذا يبدو مسيره، والذي ألهم الله الأمة لجوده ووجوده صبرا جميلا، وآتاهم من نفاسة كرمه وحراسة سيفه وقلمه تأمينا وتأميلا، وعظم في القلوب والعيون بما من برّه سيكون فسمّته الأبوّة الشريفة ولدا وسمّاه الله «خليلا» . ولمّا تحتّم من تفويض أمر الملك إليه ما كان لوقته المعلوم قد تأخّر، وتحيّن حينه فكمل زيادة كزيادة الهلال حتّى بادر تمامه فأبدر، اقتضى حسن المناسبة لنصائح الجمهور، والمراقبة لمصالح الأمور، والمصاقبة لمناجح البلاد والثّغور، والمقاربة من فواتح كلّ أمر ميسور، أن نفوّض إليه ولاية العهد الشريف بالسلطنة الشريفة المعظّمة، المكرّمة المفخّمة المنظّمة، وأن يبسط يده المنيفة لمصافحتها بالعهود، وتحكّمها في العساكر والجنود، وفي البحور والثّغور وفي التّهائم

والنّجود، وأن يعدق «1» ببسطها وقلمها كلّ قطع ووصل، وكلّ فرع وأصل، وكلّ نصر ونصل، وكلّ ما يحمي سرحا، ويهمي منحا، وفي المثيرات في الإعداء على الأعداء نقعا وفي المغيرات صبحا، وفي المنع والإطلاق، وفي الإرفاد والإرفاق، وفي الخميس «2» إذا ساق، وفي السيوف إذا بلغت التراقي وقيل من راق، وفي الرّماح إذا التفّت الساق بالسّاق، وفي المعاهدات والهدن، وفي الفداء بما عرض من عرض وبالبدن «3» بالبدن، وفيما ظهر من أمور الملك وما بطن، وفي جميع ما تستدعيه بواعثه، في السرّ والعلن، وتسترعيه نوافثه، من كبت وكتب متفرّقين أو في قرن، عهدا مباركا عوذه وتمائمه، وفواتحه وخواتمه، ومناسمه ومياسمه، وشروطه ولوازمه، وعلى عاتق الملك الأعزّ نجاده وفي يد جبّار السموات قائمه، لا رادّ لحكمه ولا ناقض لبرمه، ولا داحض لما أثبتته الأقلام من مكنون علمه. [و] «4» يزيده مرّ اللّيالي جدّة ... وتقادم الأيام حسن شباب وتلزم السّنون والأحقاب استيداعه للذراريّ والأعقاب؛ فلا سلطان ذو قدر وقدرة، ولا ذو أمر وإمرة، ولا نائب في مملكة قربت أو بعدت، ولا مقدّم جيوش أتهمت أو أنجدت؛ ولا راع ولا رعيّة، ولا ذو حكم في الأمور الشرعيّة؛ ولا قلم إنشاء ولا قلم حساب ولا ذو وأنساب ولا ذو وأسباب، إلا وكلّ داخل في قبول هذا العقد الميمون، ومتمسّك بحكم كتابه المكنون، والتسليم لنصّه الذي شهد به من الملائكة الكرام الكاتبون، وأمست بيعته بالرّضوان محفوفة، والأعداء يدعونها تضرّعا وخيفة، وليشكروا الصنيع الذي بعد أن كانت الخلفاء تسلطن الملوك قد

صار سلطانهم يقيم من ولاة العهد خليفة بعد خليفة. وأمّا الوصايا فأنت يا ولدنا الملك الأشرف- أعزّك الله- بها الدّرب، ولسماع شدوها وحدوها الطّرب، الذي للّغو لا يضطرب، فعليك بتقوى الله عز وجلّ فإنها ملاك سدادك، وهلاك أضدادك، وبها يراش جناح نجاحك، ويحسن اقتداء اقتداحك؛ فاجعلها دفين جوانح تأميلك ووعيك، ونصب عيني أمرك ونهيك؛ والشرع الشريف فهو قانون الحق المتّبع، ومأمون الأمر المستمع، وعليه مدار إيعاء كلّ إيعاز، وبه يتمسّك من أشار وامتاز، وهو جنّة والباطل نار: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ «1» ؛ فلا تخرج في كلّ حال عن لوازمه وشروطه، ولا تنكب عن معلّقه ومنوطه. والعدل فهو مثمّر غروس الأموال، ومعمّر بيوت الرّجاء والرّجال، وبه تزكو الأعمار والأعمال؛ فاجعله جامع أطراف مراسمك؛ وأفضل أيّام مواسمك؛ وسم به فعلك، وسمّ به فرضك ونفلك، ولا تفرد به فلانا دون فلان، ولا مكانا دون مكان، واقرنه بالفضل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ «2» . وأحسن التخويل، وأجمل التّنويل، وكثّر لمن حولك التموين والتّمويل، وضاعف الخير في كلّ مضاف لمقامك، ومستضيف بإنعامك، حتى لا تعدم في كلّ مكان وكلّ زمان ضيافة الخليل؛ والثّغور فهي للممالك مباسمها، وللمسالك مناسمها؛ فاجعل نواجذها تفترّ عن حسن ثنايا الصّون، ومراشفها شنبة «3» الشّفاه بحسن العون؛ ومنها، بما يحمي السّرح منها، وأعنها، بما يدفع المكاره عنها، فإنها للنصر مقاعد، وبها حفظ البلاد من كلّ مارّ من الأعداء مارد؛ وأمراء الجيوش فهم السّور الواقي بين يدي كلّ سور، وما منهم إلا كلّ بطل بالنصر مشهور، كما سيفه مشهور، وهم ذخائر الملوك، وجواهر السّلوك، وأخاير الأكابر الذين خلصوا من الشكوك؛ وما منهم إلا من له خدمات سلفت، وحقوق عرفت،

ومواتّ «1» على استلزام الرّعاية للعهود وقفت؛ فكن لجنودهم متحبّبا، ولمرابعهم مخصبا، ولمصالحهم مرتّبا، ولآرائهم مستصوبا، ولاعتضادهم مستصحبا، وفي حمدهم مطنبا، وفي شكرهم مسهبا، والأولياء المنصوريّون الذين هم كالأولاد، ولهم سوابق أمتّ «2» من سوابق الإيجاد؛ وهم من علمت استكانة من قربنا، ومكانة من قلبنا، وهم المساهمون فيما ناب، وما برحوا للدولة الظّفر والناب، فأسهم لكلّ منهم من احترامك نصيبا، وأدم لهم ارتياحك، وألن جماحك؛ وقوّهم بسلاحك، تجد منهم ضروبا، وترى كلّا منهم في أعدائك ضروبا. وكما أنا نوصيك بجيوش الإسلام، كذا نوصيك بالجيش الذي له الجوار المنشآت في البحر كالأعلام؛ فهو جيش الأمواه والأمواج المضاف إلى الأفواج من جيش الفجاج؛ وهو الجيش السّليمانيّ في إسراع السير، وما سمّيت شوانيه «3» غربانا إلا ليجتمع بها لنا ما اجتمع لسليمان صلى الله عليه وسلم من تسخير الريح والطّير؛ وهي من الديار المصرية على ثبج «4» البحر الأسوار، فإن قذفت قذفت الرعب في قلوب الأعداء وإن أقلعت قلعت منهم الآثار، فلا تخله من تجهيز جيشه، وسكّن طيش البحر بطيشه، فيصبح لك جيشان كلّ منهما ذو كرّ وفرّ، هذا في برّ بحر وهذا ببحر برّ؛ وبيوت العبادات فهي التي إلى مصلّى سميّك «خليل» الله تنتهي محاريبها، وبها لنا ولك وللمسلمين سرى الدّعوات وتأويبها؛ فوفّها نصيبها المفروض غير منقوص، ومر برفعها وذكر اسم الله تعالى [فيها] «5» للأمر المنصوص؛ وأخواتها من بيوت الأموال الواجدات «6» الواجبات، من حيث إنها كلّها بيوت الله عز وجل: هذه

للصّلاة وهذه للصّلات، وهذه كهذه في رفع المنار وجمع المبار؛ وإذا كانت تلك مما أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه فهذه ترفع ويذكر فيها اسمه حتى على الدّرهم والدّينار؛ فاصرف إليها اجتهادك فيما يعود بالتثمير، كما يعود على تلك بالتّنوير، وعلى هذه بإشحانها «1» بأنواع الصّروف، كإشحان «2» تلك باستواء الصّفوف، فإنها إذا أصبحت مصونة، أجملت بحمد الله المعونة، وكفلت بالمؤونة وبالزيادة على المؤونة، فتكمّل هذه لكل ولي دنياه كما كمّلت تلك [لكلّ] وليّ دينه؛ وحدود الله فلا يتعدّاها أحد، ولا يرأف فيها ولد بوالد ولا والد بولد؛ فأقمها وقم في أمرها حتى تنضبط أتمّ الضبط، ولا تجعل يد الفتك مغلولة إلى عنقها ولا تبسطها كلّ البسط؛ فلكلّ من الجنايات والقصاص شرط شرطه الله وحدّ حدّه فلا يتجاوز أحد ذلك الحدّ ولا يخرج عن ذلك الشرط، والجهاد فهو الدّيدن المألوف من حيث نشأ نشأ ونشأتك ... «3» وفي ظهور الخيل، فمل على الأعداء كلّ الميل، وصبّحهم من فتكاتك بالويل بعد الويل، وارمهم بكلّ شمّريّ «4» قد شمّر من يده عن الساعد ومن رمحه عن الساق ومن جواده الذّيل، واذهب لهم من كلّ ذلك مذهب، وأنر بنجوم الخرصان «5» كلّ غيّ وغيهب، وتكثّر في غزوهم من الليل بكلّ أدهم، ومن الشّفق، بكلّ أحمر وأشقر، ومن الأصيل بكلّ أصفر، ومن الصبح بكلّ أشهب، واستنهب أعمارهم واجعلها آخر ما يسلب وأوّل ما ينهب؛ ونرجو أن يكون الله قد خبأ لك من الفتوحات ما يستنجزها لك صادق وعده، وأن ينصر بك جيوش الإسلام، في كلّ إنجاد وإتهام، وما النّصر إلّا من عنده؛ وبيت الله المحجوج من كلّ فجّ، المقصود من كلّ نهج، فسيّر سبيله، ووسّع [له] «6» الخير وأحسن تسبيله، وأوصل من برّك

لكلّ من الحرمين ما هو له، لتصبح ربوعه بذلك مأهولة، واحمه ممّن يريد فيه بإلحاد بظلم، وطهّره من مكس وغرم: ليعود نفعك على البادي والعاكف، ويصبح واديه وناديه مستغنيين بذلك عن السّحاب الواكف «1» ؛ والرعايا فهم للعدل زروع، وللاستثمار فروع، ولا ستلزام العمارة شروع؛ فمتى جادهم غيث أعجب الزّرّاع نباتهم، ونمت بالصّلاح أقواتهم، وصلحت بالنّماء أوقاتهم، وكثرت للجنود مستغلّاتهم، وتوفّرت زكواتهم وتنوّرت مشكاتهم، والله يضاعف لمن يشاء. هذا عهدنا للسيد الأجلّ، الملك، الأشرف، صلاح الدنيا والدين، فخر الملوك والسلاطين، خليل أمير المؤمنين، أعزّ الله تعالى ببقائه الدّين؛ فليكن بعروته متمسّكا، وبنفحته متمسّكا، وليتقلّد سيف هذا التقليد، ويفتح مغلق كلّ فتح منه بخير إقليد؛ وها نحن قد كثّرنا لديه جواهره فدونه ما يشاء تحليته من تتويج مفرق وتختيم أنامل وتسوير زند وتطويق جيد، ففي كلّ ذلك تبجيل وتمجيد؛ والله تعالى يجعل استخلافه هذا للمتقين إماما، وللدّين قواما، وللمجاهدين اعتصاما، وللمعتدين انفصاما، ويطفيء بمياه سيوفه نار كلّ خطب حتى يصبح كما أصبحت نار سميّه صلى الله عليه وسلم بردا وسلاما؛ إن شاء الله تعالى. وعلى ذلك كتب القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، عن المنصور «قلاوون» المتقدّم ذكره، عهد ولده الملك الصالح «علاء الدين علي» وهذه نسخته «2» : الحمد لله الذي شرّف سرير الملك منه بعليّه، وحاطه منه بوصيّه؛ وعضّد منصوره بولاية عهد صالحه، وأسمى حاتم جوده بمكارم حازها بسبق عديّه، وأبهج

خير الآباء من خير الابناء بمن سموّ أبيه منه بشريف الخلق وأبيّه، وغذّى روضه بمتابعة وسميّه «1» وبمسارعة وليّه. نحمده على نعمه التي جمعت إلى الزّهر الثّمر، وداركت بالبحر وباركت في النّهر، وأجملت المبتدأ وأحسنت الخبر، وجمعت في لذاذة الأوقات وطيبها بين رونق الآصال ورقّة البكر، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نلبس الألسنة منها في كلّ ساعة [ثوبا] «2» جديدا، ونتفيّأ منها ظلّا مديدا، ونستقرب من الآمال ما يراه سوانا بعيدا؛ ونصلّي على سيدنا محمد الذي طهّر الله به هذه الأمّة من الأدناس، وجعلها بهدايته زاكية الغراس؛ صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم من فهم حسن استخلافه بالأمر له بالصّلاة بالناس «3» ، ومنهم من بنى الله به قواعد الدّين وجعلها موطّدة الإساس «4» ومنهم من جهّز جيش العسرة «5» وواسى بماله حين الضرّاء والباس، ومنهم من قال عنه صلى الله عليه وسلم: «لأعطينّ الرّاية غدا رجلا يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله» «6» فحسن الالتماس بذلك والاقتباس، وزاد في شرفه بأن طهّر أهل بيته وأذهب عنهم الأرجاس، صلاة لا تزال تتردّد تردّد الأنفاس، ولا تبرح في الآناء حسنة الإيناس. وبعد، فإنّ خير من شرّفت مراتب السلطنة بحلوله، وفوّفت ملابس التحكيم بقبوله، ومن تزهى مطالع الملك بإشراقه، وتتبادر الممالك مذعنة لاستحقاقه، ومن يزدهي ملك منصوره- نصره الله بولده ووليّ عهده مكنة- بانيه، ومن يتشرّف إيوان عظمته: إن غاب والده في مصلحة الإسلام فهو صدره وإن حضر فهو ثانيه، ومن يتجمّل غاب الإيالة منه بخير شبل كفل ليثا، ويتكفّل غوث الأمّة بخير وابل

خلف غيثا؛ ومن ألهم الأخلاق الملوكيّة وأوتي حكمها صبيّا، ومن خصّصته الأدعية الشريفة بصالحها ولم يكن بدعائها شقيّا، ومن رفعت به هضبة الملك حتى أمسى مكانها عليّا؛ ومن هو أحقّ بأن ينجب الأمل وينجح، وأولى بأن يتلى له: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ «1» ، ومن هو بكلّ خير ملي، ومن إذا فوّضت إليه أمور المسلمين كان أشرف من لأمورهم يلي، ومن يتحقّق من والده الماضي الغرار، ومن اسمه العالي المنار، أن لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي. ولما كان المقام العالي، الولديّ، السلطانيّ، الملكيّ، الصالحيّ، العلائيّ- عضّد الله به الدّين، وجمع إذعان كلّ مؤمن على إيجاب طاعته لمباشرة أمور المسلمين، حتى يصبح وهو صالح المؤمنين- هو المرجوّ لتدبير هذه الأمور، والمأمول لصلاح البلاد والثّغور «2» والمدّخر في النصر لشفاء ما في الصّدور، والذي تشهد الفراسة لأبيه وله بالتحكم: أو ليس الحاكم أبو عليّ هو المنصور؟؛ فلذلك اقتضت الرحمة والشفقة على الأمّة أن ينصب لهم وليّ عهد يتمسّكون من الفضل بعروة كرمه، ويسعون بعد الطواف بكعبة أبيه لحرمه، ويقتطفون أزاهر العدل وثمار الجود من كلمه وقلمه، وتستسعد الأمة منه بالملك الصالح الذي تقسم الأنوار لجبينه وتقسّم المبارّ من كراماته وكرمه. فلذلك خرج الأمر العالي، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، المنصوريّ، السيفيّ- أخدمه الله القدر، ولا زالت الممالك تتباهى منه ومن وليّ عهده بالشمس والقمر- أن يفوّض إليه ولاية العهد وكفالة السلطنة المعظّمة، ولاية تامّة عامّة شاملة كاملة، شريفة منيفة، عطوفة رؤوفة، في سائر أقاليم الممالك «3»

وعساكرها وجندها، وعربها وتركمانها وأكرادها ونوّابها وولاتها، وأكابرها وأصاغرها ورعاياها ورعاتها وحكّامها وقضاتها، وسارحها وسانحها، بالديار المصرية ثغورها وأقاليمها وبلادها، وما احتوت عليه، والمملكة الحجازيّة، وما احتوت عليه، ومملكة النّوبة، وما احتوت عليه، والفتوحات الصفدية والفتوحات الإسلاميّة الساحلية وما احتوت عليه، والممالك الشاميّة وحصونها، وقلاعها ومدنها، وأقاليمها وبلادها، والمملكة الحمصيّة، والمملكة الحصنية الأكراديّة والجبلية وفتوحاتها، والمملكة الحلبية وثغورها وبلادها، وما احتوت عليه، والمملكة الفراتيّة، وما احتوت عليه، وسائر القلاع الإسلامية برّا وبحرا، وسهلا ووعرا، شاما ومصرا، يمنا وحجازا، شرقا وغربا، بعدا وقربا، وأن تلقى إليه مقاليد الأمور في هذه الممالك الشريفة، وأن تستخلفه سلطنة والده- خلد الله دولته- لتشاهد الأمة منه في وقت واحد سلطانا وخليفة، ولاية واستخلافا تسندهما الرّواة، وتترنّم بهما الحداة، وتعيهما الأسماع وتنطق بهما الأفواه، تفويضا يعلن لكافةّ الأمم، ولكلّ ربّ سيف وقلم، ولكل ذي علم وعلم، بما قاله صلى الله عليه وسلم لسميّه رضي الله عنه حين أولاه من الفخار ما أولاه: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» «1» فلا ملك إقليم إلّا وهذا الخطاب يصله ويوصّله، ولا زعيم جيش إلا وهذا التفويض يسعه ويشمله، ولا إقليم إلّا وكلّ من به يقبّله ويقبله، ويتمثّل بين يديه ويمتثله، ولا منبر إلّا وخطيبه يتلو فرقان هذا التقديم ويرتّله. وأمّا الوصايا فقد لقّنّا ولدنا ووليّ عهدنا ما انطبع في صفاء ذهنه، وسرت تغذيته في نماء غصنه؛ ولابدّ من لوامع للتبرّك بها في هذا التقليد الشريف تنير، وجوامع تعتزّ لخير بها «2» حيث يصير، وودائع ينبّئك عنها ولدنا- أعزنا الله ببقائه- ولا ينبّئك مثل خبير: فاتّق الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك، وانصر

الشرع فإنّك إذا نصرته ينصرك الله على أعداء الدّين وعداك، واقض بالعدل مخاطبا ومكاتبا حتى يستبق إلى الإيعاز به لسانك ويمناك، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر عالما أنه ليس يخاطب غدا بين يدي الله عن ذلك سوانا وسواك، وانه نفسك عن الهوى حتى لا يراك الله حيث نهاك، وحط الرعيّة، ومر النّوّاب بحملهم على القضايا الشرعية، وأقم الحدود، وجنّد الجنود، وابعثها برّا وبحرا من الغزو إلى كلّ مقام محمود، واحفظ الثّغور، ولا حظ الأمور، وازدد بالاسترشاد بآرائنا نورا على نور؛ وأمراء الإسلام الأكابر وزعماؤه، فهم بالجهاد والذّبّ عن العباد أصفياء الله وأحبّاؤه؛ فضاعف لهم الحرمة والإحسان، واعلم أنّ الله اصطفانا على العالمين وإلّا فالقوم إخوان، لا سيّما أولو السعي الناجح، والرأي الراجح، ومن إذا فخروا بنسبة صالحية قيل لهم: نعم السّلف الصالح، فشاورهم في الأمر، وحاورهم في مهمّات الأمور في كلّ سرّ وجهر، وكذلك غيرهم من أكابر الأمراء الذين هم من تحايا الدّول، وذخائر الملوك الأول؛ أجرهم في هذا المجرى، واشرح لهم بالإحسان صدرا؛ وجيوش الإسلام هم البنان والبنيان، فوال إليهم الامتنان، واجعل محبّتك في قلوبهم بإحسانك إليهم حسنة المربى، وطاعتك في عقائدهم قد شغفها حبّا: ليصبحوا بحسن نظرك إليهم طوعا، وليحصّل كلّ جيش منهم من التقرّب إليك بالمناصحة نوعا، والبلاد وأهلها فهم عندك الوديعة فاجعل أوامرك [لهم] «1» بصيرة وسميعة. وأما غير ذلك من الوصايا، فسنخوّلك منها بما ينشأ معك توءما، ونلقّنك من آياتها محكما فمحكما، والله تعالى ينمّي هلالك حتى يوصّله إلى درجة الإبدار، ويغذّي غصنك حتّى نراه قد أينع بأحسن الأزهار وأينع الثّمار، ويرزقك سعادة سلطاننا الذي نعتّ بنعته تبرّكا، ويلهمك الاعتضاد بشيعته، والاستنان بسنّته، حتى تصبح كتمسّكنا بذلك متمسّكا، ويجعل الرعية بك في أمن وأمان حتى لا تخشى سوءا ولا تخاف دركا، والاعتماد على الخط الشريف- أعلاه الله تعالى- أعلاه إن شاء الله تعالى.

الوجه السادس

الوجه السادس (فيما يكتب في مستند عهد وليّ العهد بالسلطنة، وما يكتبه السلطان في بيت العلامة، وما يكتب في ذيل العهد) أما ما يكتب في مستند العهد وما يكتبه السلطان في بيت العلامة، فكغيره من سائر الولايات من التقاليد وغيرها: وهو أنه يكتب في المستند «حسب المرسوم الشريف» كما يكتب في المكاتبات التي هي بتلقّي كاتب السر على ما تقدّم ذكره في بابه، ويكتب السلطان في بيت العلامة اسمه واسم أبيه. وأما ما يكتب في ذيل العهد وشهادة الشهود على السلطان بالعهد، فمثل أن يكتب: «شهدت على مولانا السلطان الملك الفلانيّ العاهد المشار إليه فيه خلّد الله ملكه، أو خلّد الله سلطانه» وما أشبه ذلك من الدعاء «بما نسب إليه فيه من العهد بالسلطنة الشريفة، إلى ولده المقام الشريف العالي السلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ، وعلى المعهود إليه- أعزّ الله أنصاره- بقبول العهد المذكور، وكتب فلان بن فلان» . الوجه السابع (في قطع ورق هذا العهد وقلمه الذي يكتب به، وكيفيّة كتابته، وصورة وضعه في الورق) أما قطع ورقه فمقتضى إطلاق المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف» أن للعهود قطع البغدادي الكامل أنه يكتب في البغدادي أيضا. قلت: وهو المناسب لعظمة السلطنة، وشماخة «1» قدرها، إذ الملك إلى وليّ العهد آئل، وللدّخول تحت أمره صائر، خصوصا إذا كان المعهود اليه ولدا أو أخا، وحينئذ فيكتب بمختصر قلم الطّومار لمناسبته له، على ما تقدّم في غير موضع. وأما كيفية كتابته وصورة وضعها في الورق، فهو أن يخلّي من أعلى الدّرج

قدر إصبع بياضا، ثم يكتب في وسطه بقلم دقيق ما صورته «الاسم الشريف» كما يكتب في التقاليد وغيرها على ما سيأتي، ثم يبتديء بكتابة الطّرّة بالقلم الذي يكتب به العهد من أوّل عرض الورق من غيرهامش سطورا متلاصقة إلى آخر الطّرّة، ثم يترك ستة أوصال بياضا من غير كتابة غير الوصل الذي فيه الطرة، ثم يكتب البسملة في أوّل الوصل الثامن بحيث تلحق أعالي ألفاته بالوصل الذي فوقه، بهامش عن يمين الورق قدر أربعة أصابع أو خمسة مطبوقة، ثم يكتب تحت البسملة سطرا من أوّل العهد ملاصقا لها، ثم يخلّي بيت العلامة قدر شبر كما في عهود الملوك عن الخلفاء، ثم يكتب السطر الثاني تحت بيت العلامة على سمت السطر الذي تحت البسملة، ويسترسل في كتابة بقيّة العهد إلى آخره، ويجعل بين كلّ سطرين قدر ربع ذراع بذراع القماش؛ فإذا انتهى إلى آخر العهد كتب «إن شاء الله تعالى» ثم المستند، ثم الحمدلة والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم والحسبلة، على ما تقدّم في الفواتح والخواتم؛ ثم يكتب شهود العهد بعد ذلك. وهذه صورة وضعه في الورق، ممثّلا له بالطرّة التي أنشأتها لذلك، وبالعهد الذي أنشأه القاضي محيي الدّين بن عبد الظاهر عن المنصور «قلاوون» بالعهد بالسلطنة لولده الملك الصالح «علاء الدّين عليّ» وهي: هذا عهد شريف جليل قدره، رفيع ذكره، عليّ فخره، متبلّج صبحه، ضوّيّ فجره، من السلطان الأعظم الملك الظاهر، ركن الدنيا والدّين «بيبرس» خلّد الله تعالى سلطانه، ونصر جيوشه وأعوانه، با لسلطنة الشريفة لولده المقام العالي السلطانيّ، الملكيّ، السعيديّ، بلّغه الله تعالى فيه غاية الآمال، وحقّق فيه للرعية ما يرجونه من مزيد الإفضال. على ما شرح فيه بسم الله الرحمن الرحيم هامش الحمد لله الذي شرّف سرير الملك منه بعليّه، وحاطه منه بوصيّة، وعضّد منصورة بولاية عهد صالحه، وأسمى حاتم جوده. بمكارم حازها بسبق عديّه، وأبهج خير الآباء من خير الأبناء بمن سموّ أبيه منه بشريف الخلق وأبيّه،

النوع الرابع

هامش وغذّى روضه بمتابعة وسميّه، وبمسارعة وليّه. نحمده على نعمه التي جمعت إلى الزّهر الثمر إلى أن يأتي إلى قوله: ولا يخاف دركا ولاعتماد على الخطّ الشريف- أعلاه الله تعالى- أعلاه. إن شاء الله تعالى كتب في سنة حسب المرسوم الشريف الحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل النوع الرابع (من العهود عهود الملوك بالسّلطنة للملوك المنفردين بصغار البلدان) ويتعلّق النظر به من أربعة أوجه: الوجه الأوّل (في بيان أصل ذلك وأوّل حدوثه في هذه المملكة إلى حين زواله عنها) قد تقدّم في المكاتبات، في الكلام على مكاتبة صاحب حماة أنّ ذلك مما كان في الدولة الأيّوبية، ثم في الدولة التّركيّة في الأيام المنصوريّة «قلاوون» والأيام الناصرية «محمد بن قلاوون» ثم بطل ذلك؛ وذلك أنّ السلطان صلاح الدين «يوسف بن أيوب» حين استولى على البلاد الشاميّة مع الديار المصريّة بعد موت السلطان نور الدين «محمود بن زنكي» صاحب الشام، فرّق أقاربه في ولاية الممالك الشامية: كدمشق وحلب وحمص وغيرها واستمرّت. وكان السلطان صلاح الدين قد ولّى حماة لابن أخيه تقيّ الدين عمر بن شاهنشاه بن أيّوب، فبقيت بيده حتّى توفّي سنة سبع وثمانين وخمسمائة، فوليها بعده ابنه المنصور ناصر الدين محمد وبقي بها حتّى توفّي سنة سبع عشرة

وستّمائة، فوليها ابنه الناصر قليج أرسلان فبقي بها إلى أن انتزعها منه أخوه المظفّر «1» في سنة ستّ «2» وعشرين وستمائة، وأقام بها إلى أن مات سنة ثلاث وأربعين وستّمائة. فوليها ابنه المنصور محمد، فبقي بها إلى أن غلب هولاكو ملك التتار على الشام وقتل من به من بقايا الملوك الأيّوبية، فهرب المنصور إلى مصر وأقام بها إلى أن سار المظفّر قطز «3» صاحب مصر إلى الشام، وانتزعه من يد التتار، وصار الشام مضافا إلى مملكة الديار المصريّة، فردّ المنصور إلى حماة، فبقي بها حتى توفّي سنة ثلاث وثمانين وستّمائة، فولّى المنصور قلاوون ابنه المظفّر شادي مكانه، وكتب له بها عهدا عنه، فبقي بها حتى توفّي سنة ثمان وتسعين وستمائة، في الأيام الناصرية «محمد بن قلاوون» في سلطنته الثانية «4» بعد «لا جين» «5» ، فولّى الملك الناصر قرا سنقر «6» أحد أمرائه نائبا؛ فلما استولى غازان «7» ملك التتار على الشام، كان العادل كتبغا بعد خلعه من سلطنة الديار المصرية نائبا بصرخد، فأظهر في قتال التتار قوّة وجلادة «8» فولّاه الملك الناصر حماة، وحضر هزيمة التتار مع الملك الناصر سنة اثنتين وسبعمائة ورجع إلى حماة فمات بها، فولّى الملك

الناصر مكانه سيف الدين قبجق «1» نائبا، ثم نقله إلى حلب، وولّى أسندمر كرجي نيابة حماة مكانه. ولما رجع السلطان الملك الناصر من الكرك نقل أسندمر كرجي «2» من حماة إلى حلب، وولّى المؤيّد عماد الدّين إسماعيل بن الأفضل عليّ ابن المظفّر عمر مكانه بحماة سنة ستّ عشرة وسبعمائة على عادة من تقدّمه من الملوك الأيّوبية، فبقي بها إلى أن توفّي سنة ثنتين وثلاثين وسبعمائة، فولّى الملك الناصر ابنه الأفضل محمدا مكانه، فبقي بها حتى مات الملك الناصر في ذي الحجّة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، واستقرّ في السلطنة بعده ابنه المنصور أبو بكر، وقام بتدبير دولته الأمير قوصون. فكان أوّل ما أحدث عزل الأفضل بن المؤيّد عن حماة، وولّى مكانه بها الأمير قطز نائبا. وسار الأفضل إلى دمشق فأقام بها حتى توفّي بها سنة ثنتين وأربعين وسبعمائة، وهو آخر من وليها من بني أيّوب. وقد ذكر المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في «مسالك الأبصار» أنّ سلطانها كان يستقلّ بإعطاء الإمرة والإقطاعات، وتولية القضاة والوزراء وكتّاب السرّ وكلّ الوظائف؛ وتكتب المناشير والتواقيع من جهته. ولكنه لا يمضي أمرا كبيرا في مثل إعطاء إمرة أو إعطاء وظيفة كبيرة حتّى يشاور صاحب مصر، وهو لا يجيبه إلا أنّ الرأي ما يراه. ومن هذا ومثله. قال: وإن كان سلطانا حاكما وملكا متصرّفا فصاحب مصر هو المتصرّف في تولية وعزل، من أراد ولّاه ومن أراد عزله. قلت: وكان للمملكة بذلك زيادة أبّهة وجمال: لكون صاحبها تحت يده من هو متّصف باسم السلطنة، يتصرّف فيه بالولاية والعزل. على أنّ هذا القسم لم يتعرّض له المقرّ التّقوىّ بن ناظر الجيش «3» في «التثقيف» لخلوّ المملكة الآن عن

الوجه الثاني

مثله؛ وإنما أشار إليه المقرّ الشهابيّ بن فضل الله رحمه الله في «التعريف» حيث قال: وأما ما يكتب للملوك عن الملوك، مثل ولاة العهود والمنفردين بصغار البلدان فإنه لا تستفتح عهودهم إلا بالخطب. وذلك أنّ حماة كانت في زمنه بأيدي بني أيّوب على ما تقدّم ذكره، ولذلك قال في «مسالك الأبصار» : ومما في حدود هذه المملكة ممن له اسم سلطان حاكم وملك متصرّف صاحب حماة. الوجه الثاني (في بيان ما يكتب في العهد؛ وهو على ضربين) الضرب الأوّل (ما يكتب في الطرّة، وهو تلخيص ما يشتمل عليه العهد) وهذه نسخة عهد كتب بها المقرّ الشهابيّ بن فضل الله عن الملك الناصر «محمد بن قلاوون» للملك الأفضل «محمد ابن المؤيّد عماد الدين إسماعيل» بسلطنة حماة أيضا، في رابع صفر سنة اثنتين «1» وثلاثين وسبعمائة. وهو آخر من ملكها من بني أيّوب، وهي: الحمد لله الذي أقرّبنا الملك في أهلّة أهله، وتدارك مصاب ملك لولا ولده الأفضل لم يكن له شبيه في فضله، ووهب بنا بيت السلطنة من أبقى البقايا ما يلحق به كلّ فرع بأصله، ويظهر به رونق السيف في نصله. نحمده على ما أفاض بمواهبنا من النّعم الغزار، وأدخل في طاعتنا الشريفة من ملوك الأقطار، وزاد عطايانا فأضحت وهي ممالك وأقاليم وأمصار، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة أفلح من مات من ملوك الإسلام عليها،

وحرّض بها في الجهاد على الشّهادة حتى وصل إليها، ومدّ يده لمبايعتنا على إعلائها فسابقت الثّريّا ببسط يديها، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي شرّف من تسمّى باسمه أو متّ بالقربى إلى نسبه، وصرّف في الأرض من تمسّك من رعاية الأمّة بسببه، وأكرم به كريم كلّ قوم وجعل كلمة الفخار كلمة باقية في عقبه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما ناح الحمام لحزنه ثم غنّى من طربه، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فإنّنا- ولله الحمد- ممّن نحفظ بإحساننا كلّ وديعة، ونتقبّل لمن أقبل من الملوك على سؤال صدقاتنا الشريفة كلّ ذريعة، ونتكفّل لمن مات على ولائنا بما لو رآه في ولده لسرّه ما جرى، وعلم أنّ هذا الذي كان يتمنّى أن يعيش حتى يبصر هذا اليوم ويرى؛ وكان السلطان الملك المؤيّد عماد الدين- قدّس الله روحه- هو بقيّة بيته الشريف، وآخر من حلّ من ملوكهم في ذروة عزّه المنيف ولم يزل في طاعتنا الشريفة على ما كان من الحسنى عليه، ومن المحاسن التي لقي الله بها ونور إيمانه يسعى بين يديه؛ فوهبنا له من المملكة الحمويّة المحروسة ما كان قد طال عليه سالف الأمد، ورسمنا له بها عطيّة باقية للوالد والولد، فلمّا قارب انقضاء أجله، وأشرف على ما قدّمه إلى الله وإلينا من صالح عمله، لم يشغله ما به عن مطالعة أبوابنا الشريفة والتّذكار بولده، وتقاضي صدقاتنا العميمة بما كان ينتظره قمره المنير لفرقده، وورد من جهة ولده المقام الشريف، العالي، الولديّ، السلطانيّ، الملكيّ، الأفضليّ، الناصريّ،- أعزّ الله أنصاره- ما أزعج القلوب بمصابه في أبيه، وأجرى العيون على من لا نقع له على شبيه، فوجدنا من الحزن عليه ما أبكى كلّ سيف دما، وأنّ كل رمح يقرع سنّه ندما، وتأسّفنا على ملك كاد يكون من الملائك، وأخ كريم أو أعزّ من ذلك، وسلطان عظيم طالما ظهر شنب «1» بوارقه في ثغور الممالك، وقمنا من الحزن في مشاركة أهله بالمندوب، ثم قلنا: لكم في ولده العوض ولا ينكر لكم الصّبر يا آل أيّوب.

فاقتضت مراسمنا المطاعة أن نرقّيه إلى مقامنا العالي، ونعقد له من ألوية الملك ما تهتزّ به أطراف العوالي، ونركبه من شعار السلطنة بما تتجمّل به مواكبه، وتمتدّ به عصائبه، وتميس من العجب وتمتدّ رقابها بالرّقبة السلطانية جنائبه، تنزيها لخواطركم الكريمة علينا عن قول ليت، وتنويها بقدر بيتكم الذي رفع لكم إسماعيل به قواعد البيت: لما نعلمه من المقام العالي الملكيّ الأفضليّ الناصريّ- أمتع الله ببقائه- من المناقب التي استحقّ بها أن يكون له عليكم الملك، والعزائم التي قلّد بها من الممالك ما تجول به الجياد وتجري به الفلك، مع ماله من الكرم الذي هو أوفى من العهاد بعهده، والفضل الذي اتّصل به ميراث الأفضليّة عن جدّه، والجود الذي جرى البحر معه فاحمرّت من الخجل صفحة خدّه، والوصف الذي لم يرض بالجوزاء واسطة لعقده، والعدل الذي أشبه فيه أباه فما ظلم، والعلم الذي ما خلا به بابه من طلب: إمّا لهدى وإمّا لكرم، ولم يخرج من كفالة والده إلّا إلى كفالتنا التي أظلّته بسحبها، وحلّت سماء مملكته بشهبها، وخاطبناه كما كنّا نخاطب والده- رحمه الله- بالمقام الشريف، وأجريناه في ألقابه مجرى الولد زيادة له في التشريف، وصرّفنا أمره في كل ما كان لملوك أهله فيه تصريف، وسنرشده إلى أوضح طريقة، ويقوم مقام أبيه أو ليس «الناصر» هو أبو الأفضل حقيقة، ورسمنا بطلبه إلى [ما] «1» بين أيدينا الشريفة لنجدّد له في نظرنا الشريف ما يتضاعف به سعوده، ويزداد صعوده، ويتماثل في هذا البيت الشاهنشاهيّ أبناؤه وآباؤه وجدوده: لتعمل معه صدقاتنا الشريفة ما هو به جدير، وترفعه إلى أعزّ مكان من صهوة المنبر والسّرير، وتكاثر به كلّ سلطان وما هو إلّا جحفل يسير، لتشيّد به أركان هذا البيت الكريم، وتحيا عظامه وهي في اللّحود عظم رميم، وتعرف الناس أن عنايتنا الشريفة بهم تزيد على ما عهدوه لجدّهم القديم من سميّنا الملك الناصر القديم، فخرجت المراسيم الشريفة، العالية، المولويّة، السلطانية، الملكية، الناصريّة: لا زالت الملوك تتقلّد مننها في أعناقها، ولا

برحت الممالك من بعض مواهبها وإطلاقها، أن يقلّد هذا السلطان الملك الأفضل- أدام الله نصره- من المملكة الحموية وبلادها، وأمرائها وأجنادها، وعربها وتركمانها وأكرادها، وقضاياها وقضاتها، ورعاياها ورعاتها، وأهل حواضرها وبواديها، وعمرانها وبراريها، جميع ما كان والده- رحمه الله- يتقلّده، وبسيفه وقلمه يجريه ويجرّده: من كلّ قليل وكثير، وجليل وحقير، وفي كل مأمور به وأمير، يتصرّف في ذلك جميعه، ويقطع إقطاعاتها بمناشيره ويولّي وظائفها بتواقيعه، وينظر فيها وفي أهلها بما يعلم أنّ له ولهم فيه صلاحا، ويقيم من هيبة سلطانه ما يغنيه أن يعمل أسنّة ويجرّد صفاحا. وليحكم فيها وفيمن هو فيها بعدله، ويجمع قلوب أهلها على ولائه كما كانوا عليه لأبيه من قبله، وليكن هو وجنوده وعساكره أقرب في النّهوض إلى مصالح الإسلام من رجع نفسه، وأمضى في العزائم مما يشتبه بها «1» من سيفه وقبسه. وأما بقيّة ما يملى من الوصايا، أو يدلّ عليه من كرم السّجايا، فهو- بحمد الله تعالى- غريزة في طباعه، ممتزج به من زمان رضاعه؛ وإنما نذكّره ببعض ما به يتبرك، ونحضّه على اتّباع أبيه فإنها الغاية التي لا تدرك؛ والشرع الشريف أهمّ ما يشغل به جميع أوقاته، وتقوى الله فما ينتصر الملك إلا بتقاته، والفكرة في مصالح البلاد والرعايا فإنها مادّة نفقاته، واستكثار الجنود فإنهم حصنه المنيع في ملاقاته، ومبادرة كلّ مهم في أوّل ميقاته، وولايات الأعمال لا يعتمد فيها إلّا على ثقاته، وإقامة الحدود حتّى لا ينصت في تركها إلى رقي رقاته، ورعاية من له على سلفه خدمة سابقة، واستجلاب الأدعية الصالحة لنا وله فإنها للسهام مسابقة؛ وليمض في الأمور عزمه فإنه مذرّب «2» ، ويبسط العدل والإحسان فإنه بهما إلينا يتقرّب، وليأخذ بقلوب الرعايا فإنها تتقلّب، وليكرم وفادة الوفود ليقف بهم- لنجاح

الوجه الثالث

مقاصدهم- على باب صحيح مجرّب، وليجتهد في الجهاد، ويتيقّظ والسّيف مكتحل الجفن بالرّقاد، ويهتمّ فإنّ الهمم العالية تقوّم بها عوالي الصّعاد، ويقوّم البريد فإنّ في تقويمه بقاء الملك وعمارة البلاد، وليقف عند مراسمنا الشريفة لتهديه إلى سبيل الرّشاد، ويحسن سلوكه ليطرب بذكره كلّ أحد ويترنّم كلّ حاد؛ وغير هذا من كلّ ما عهدنا والده- سقى الله عهده- له سالكا، ولأزمّة أموره الجميلة مالكا، مما لا يحتاج- مما نعرفه من سيرته المثلى- إلى شرحه، ولا يدلّ نهاره الساطع على صباحة صبحه، وليبشر بما جعل له من فضلنا العميم، ويتمسّك بوعدنا الشريف أن هذه المملكة له ولأبنائه وأبناء أبنائه ما وجد كفء من نسبهم الصميم؛ والله تعالى يمدّك- أيها الملك الأفضل- بأفضل مزيده، ويحفظ بك ما أبقاه لك أبوك «المؤيّد» من تأييده؛ والاعتماد على الخط الشريف أعلاه، إن شاء الله تعالى «1» . الوجه الثالث (فيما يكتب في المستند عن السلطان في هذا العهد، وما يكتبه السلطان في بيت العلامة) والحكم في ذلك على ما مرّ في عهود أولياء العهد بالسلطنة: وهو أن يكتب في مستند العهد «حسب المرسوم الشريف» كما في غيره من الولايات، ويكتب السلطان في بيت العلامة اسمه من غير زيادة. قلت: ولا يكتب فيه شهادة على السلطان كما يكتب في عهود أولياء العهد بالسلطنة: لأن العهد بالسلطنة العظمى شبيه بالبيعة، والشهادة فيها مطلوبة للخروج من الخلاف، على ما تقدّم في موضعه، والعهد بولاية سلطنة بعض الأقاليم شبيه بالتقليد، والشهادة في التقاليد غير مطلوبة، وذلك أن السلطنة لا تنتهي إلى وليّ العهد إلا بعد موت العاهد، وربّما جحد بعض الناس العهد إليه؛ وولاية بعض البلدان إنما تكون والسلطان المولّي منتصب فلا يؤثّر الجحود فيها.

الوجه الرابع

الوجه الرابع (في قطع ورق هذا العهد وقلمه الذي يكتب به، وكيفيّة الكتابة، وصورة وضعها في الورق) أما قطع الورق فمقتضى عموم قول المقرّ الشهابي بن فضل الله في «التعريف» إن للعهود قطع البغداديّ الكامل أنه يكتب في قطع البغداديّ أيضا. قلت: والذي يقتضيه القياس أن تكون كتابته في الورق البغداديّ لمعنى السلطنة، ولكن في قطع دون القطع الكامل: لنقصان رتبة هذه السلطنة عن السلطنة العظمى؛ ألا ترى مكاتبة صاحب مملكة إيران كانت في زمن القان «أبي سعيد» تكتب في قطع البغداديّ الكامل كما ذكره في «التعريف» وغيره، ومكاتبة صاحب مملكة بيت بركة المعروفة بمملكة أزبك من مملكة توران تكتب له في قطع البغداديّ بنقص أربعة أصابع مطبوقة كما ذكره في «التثقيف» لا نحطاط رتبته عن رتبة القان أبي سعيد، على ما تقدّم ذكره في المكاتبات. وأما قلمه الذي يكتب به، فينبغي إن كتب في قطع البغداديّ الكامل أن يكون بمختصر قلم الطّومار كما في غيره من العهود التي تكتب في القطع الكامل. وإن كتب في دون الكامل، فينبغي أن يكون القلم دون ذلك بقليل. وأما صورة وضعه في الورق، فعلى ما مرّ في عهود أولياء العهد بالسلطنة من غير فرق: وهو أن يكتب في رأس الدرج بقلم دقيق الاسم الشريف، ثم يبتديء بكتابة الطرّة في عرض الورق من غيرهامش سطورا متلاصقة إلى آخر الطرّة، ثم يخلّي ستّة أوصال بياضا، ثم يكتب البسملة في أوّل الوصل الثامن بهامش قدر أربعة أصابع أو خمسة مطبوقة، ثم يكتب سطرا من أوّل العهد ملاصقا للبسملة، ثم يخلّي بيت العلامة قدر شبر على ما تقدّم، ويكتب السطر الثاني على سمت السطر الذي تحت البسملة، ثم يسترسل في كتابة بقية العهد إلى آخره، ويكون بين كلّ سطرين قدر ربع ذراع على قاعدة العهود. فإذا انتهى إلى آخر العهد كتب «إن شاء الله تعالى» ثم التاريخ، ثم المستند، ثم الحمد لله والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم

الحسبلة. وتكون كتابته من غير نقط ولا شكل كسائر العهود. قلت: ولو وسّع ما بين سطوره ونقطت حروفه وشكلت: لما فيه من معنى التقاليد، لكان به أليق. وهذه صورة وضعه في الورق، ممثّلا لها بالطرّة التي أنشأتها في معنى ذلك، والعهد الذي أنشأه المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله للملك الأفضل «محمد» بن الملك المؤيد «عماد الدين إسماعيل» آخر ملوك بني أيّوب بها «1» ، وهي: هذا عهد شريف عذبت موارده، وحسنت بحسن النيّة فيه مقاصده، وعاد على البريّة باليمن عائده. من السلطان الأعظم ناصر الدنيا والدين الملك الناصر أبي الفتح محمد ابن السلطان الشهيد «قلاوون» - خلّد الله تعالى ملكه، وجعل الأرض بأسرها ملكه- للمقام الشريف العالي السلطانيّ، الملكيّ، الأفضليّ، محمد ابن المقام العالي المؤيّديّ إسماعيل أعزّ الله تعالى أنصاره، وأحمد آثاره، بالسلطنة الشريفة بحماة المحروسة وأعمالها، على أكمل العوائد وأتمّها، وأجمل القواعد وأعمّها، على ما شرح فيه: بسم الله الرحمن الرحيم هامش الحمد لله الذي أقرّبنا الملك في أهلّة أهله، وتدارك مصاب ملك لولا ولده الأفضل لم يكن لهم شبيه في فضله، ووهب بنا بيت السلطنة من أبقى البقايا من يلحق به كلّ فرع بأصله، ويظهر به رونق السيف في نصله. إلى أن يأتي إلى قوله في آخره: والله تعالى يمدّك أيها الملك الأفضل بأفضل مزيده، ويحفظ بك ما أبقاه لك أبوك المؤيّد من تأييده؛ والاعتماد على الخط الشريف- أعلاه الله تعالى- أعلاه.

إن شاء الله تعالى هامش كتب في سنة حسب المرسوم الشريف الحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل

الباب الرابع من المقالة الخامسة

الباب الرابع من المقالة الخامسة (في الولايات الصادرة عن الخلفاء لأرباب المناصب من أصحاب السّيوف والأقلام، وفيه [ثلاثة «1» ] فصول) الفصل الأوّل (فيما كان يكتب من ذلك عن الخلفاء، وفيه خمسة أطراف) الطرف الأوّل (فيما كان يكتب عن الخلفاء الراشدين من الصحابة رضوان الله عليهم) وكان الرسم في ذلك أن يفتتح العهد بلفظ: «هذا ما عهد» أو «هذا عهد من فلان لفلان» ويؤتى على المقصد إلى آخره. ويقال فيه: «أمره بكذا وأمره بكذا» . والأصل في ذلك ما كتب به أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه، لأمرائه الذين وجّههم لقتال أهل الرّدّة «2» ، وعليه بنى من بعده. وهذه نسخته: هذا عهد من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لفلان حين بعثه [فيمن بعثه] «3» لقتال من رجع عن الإسلام. عهد إليه أن يتّقي الله ما استطاع في أمره كلّه، سرّه وجهره. وأمره بالجدّ في أمر الله [تعالى] ، ومجاهدة من تولّى عنه ورجع عن الإسلام إلى أمانيّ الشيطان، بعد أن يعذر إليهم: فيدعوهم بدعاية الإسلام: فإن أجابوه أمسك عنهم، وإن لم يجيبوه شنّ غارته عليهم حتّى يقرّوا له؛ ثم ينبّئهم

بالذي عليهم والذي لهم، فيأخذ ما عليهم ويعطيهم الذي لهم، لا ينظرهم ولا يردّ المسلمين عن قتال عدوّهم، فمن أجاب إلى أمر الله عزّ وجلّ وأقرّ له، قبل ذلك منه وأعانه عليه بالمعروف، وإنما يقاتل من كفر بالله على الإقرار بما جاء من عند الله: فإذا أجاب الدّعوة لم يكن له عليه سبيل، وكان الله حسيبه بعد فيما استسرّ به. ومن لم يجب إلى داعية الله قتل وقوتل حيث كان وحيث بلغ مراغمه «1» ، لا يقبل من أحد شيئا أعطاه إلّا الإسلام، فمن أجابه وأقرّ به قبل منه وعلّمه؛ ومن أبى قاتله: فإن أظهره الله عز وجلّ عليه، قتل فيهم كلّ قتلة بالسّلاح والنّيران، ثم قسم ما أفاء الله عليه إلّا الخمس فإنه مبلّغناه، وأن يمنع أصحابه العجلة والفساد، وأن لا يدخل فيهم حشوا حتّى يعرفهم ويعلم ما هم: لئلّا يكونوا عيونا، ولئلا يؤتى المسلمون من قبلهم؛ وأن يقصد بالمسلمين ويرفق بهم في السّير والمنزل، ويتفقّدهم ولا يعجل بعضهم عن بعض، ويستوصي بالمسلمين في حسن الصّحبة ولين القول. وهذه نسخة عهد كتب به أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، لأبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه، حين ولّاه القضاء: «2» أمّا بعد، فإنّ القضاء فريضة محكمة، وسنّة متّبعة؛ فافهم إذا أدلي إليك «3» ، وانفذ إذا تبيّن لك: فإنه لا ينفع تكلّم بحقّ لا نفاذ له، آس «4» بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك «5» حتّى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عونك «6» . والبيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر، والصّلح جائز

بين المسلمين إلّا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا. لا يمنعنّك قضاء قضيته بالأمس «1» فراجعت فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحقّ «2» : فإن الحقّ قديم «3» ، ومراجعة الحق خير من التّمادي في الباطل. الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنّة «4» ؛ ثم اعرف الأشباه والأمثال، وقس الأمور عند ذلك بنظائرها، واعمد إلى أقربها إلى الله «5» وأشبهها بالحقّ، واجعل لمن ادّعى حقّا غائبا أو بيّنة [أمدا] «6» ينتهي إليه: فإن أحضر بينة، أخذت له بحقّه وإلا استحللت القضيّة عليه «7» ؛ فإنّه أنفى للشّكّ، وأجلى للعمى «8» . والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حدّ، أو مجرّبا عليه شهادة زور، أو ظنينا» في ولاء أو نسب؛ فإن الله تولّى منكم السّرائر ودرأ بالبيّنات والأيمان. وإيّاك والقلق «10» والضّجر؛ والتّأذّي بالخصوم، والتنكّر عند الخصومات: فإنّ الحقّ في مواطن الحقّ يعظّم الله به الأجر، ويحسن عليه «11» الذّخر والجزاء؛ فمن صحّت نيّته «12» وأقبل على نفسه، كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تخلّق للناس «13» بما يعلم الله أنه ليس من نفسه شانه الله؛ فما

الطرف الثاني (فيما كان يكتب عن خلفاء بني أمية)

ظنّك بثواب الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته، والسلام «1» . قلت: هذا ما ذكره ابن عبد ربّه في «العقد» . ويقع في بعض المصنّفات ابتداؤه: من عمر بن الخطاب إلى عبد الله بن قيس- سلام عليك أما بعد. ووقع في مسند البزّار «2» أن أوّله: اعلم أنّ القضاء فريضة محكمة، مع تغيير بعض الألفاظ وتقديم بعض وتأخير بعض. الطرف الثاني (فيما كان يكتب عن خلفاء بني أميّة) كتب عبد الحميد بن يحيى الكاتب، عن مروان بن محمد لبعض من ولّاه «3» . أما بعد، فإنّ أمير المؤمنين- عند ما اعتزم عليه من توجيهك إلى عدوّ الله الجلف الجافي الأعرابيّ، المتسكّع في حيرة الجهالة، وظلم الفتنة، ومهاوي الهلكة، ورعاعة الذين عاثوا في أرض الله فسادا، وانتهكوا حرمة الإسلام استخفافا، وبدّلوا نعمة الله كفرا، واستحلّوا [دماء أهل] «4» سلمه جهلا- أحبّ أن يعهد إليك في لطائف أمورك، وعوامّ شؤونك، ودخائل أحوالك، ومصطرف «5»

تنقّلك عهدا يحمّلك فيه أدبه، ويشرع لك به عظته، وإن كنت بحمد الله من دين الله وخلافته بحيث اصطنعك الله لولاية العهد مختصّا لك بذلك دون لحمتك وبني أبيك. ولولا ما أمر الله تعالى به، دالّا عليه، وتقدّمت فيه الحكماء آمرين به: من تقديم العظة، والتّذكير لأهل المعرفة وإن كانوا أولي سابقة في الفضل وخصيّصاء «1» في العلم، لا عتمد أمير المؤمنين على اصطناع الله إيّاك، وتفضيله لك بما رآك أهله في محلّك من أمير المؤمنين، وسبقك إلى رغائب أخلاقه، وانتزاعك محمود شيمه، واستيلائك على مشابه تدبيره. ولو كان المؤدّبون أخذوا العلم من عند أنفسهم، أو لقّنوه إلهاما من تلقائهم ولم نصبهم تعلّموا «2» شيئا من غيرهم، لنحلناهم «3» علم الغيب، ووضعناهم بمنزلة قصّر بها عنهم خالقهم «4» المستأثر بعلم الغيب عنهم بوحدانيّته في فردانيّته وسابق لا هوتيّته، احتجابا منه لتعقّب في حكمه، وتثبّت في سلطانه وتنفيذ إرادته، على سابق مشيئته، ولكنّ العالم الموفّق للخير، المخصوص بالفضل، المحبوّ بمزيّة العلم وصفوته، أدركه معانا عليه بلطف بحثه، وإذلال كنفه، وصحّة فهمه، وهجر سآمته. وقد تقدّم أمير المؤمنين إليك، آخذا بالحجّة عليك، مؤدّيا حقّ الله الواجب عليه في إرشادك وقضاء حقّك، وما ينظر به الوالد المعنيّ الشّفيق لولده. وأمير المؤمنين يرجو أن ينزّهك الله عن كل قبيح يهشّ له طمع، وأن يعصمك من كلّ مكروه حاق بأحد، وأن يحصّنك من كلّ آفة استولت على امريء في دين أو خلق، وأن يبلّغه فيك أحسن ما لم يزل يعوّده ويريه من آثار نعمة الله عليك، سامية بك

إلى ذروة الشرف، متبحبحة بك بسطة الكرم «1» ، لائحة بك في أزهر معالي الأدب، مورثة لك أنفس ذخائر العز؛ والله يستخلف عليك أمير المؤمنين ويسأل حياطتك، وأن يعصمك من زيغ الهوى، ويحضرك داعي التوفيق، معانا على الإرشاد فيه، فإنه لا يعين على الخير ولا يوفّق له إلّا هو. اعلم أنّ للحكمة مسالك تفضي مضايق أوائلها بمن أمّها سالكا، وركب أخطارها «2» قاصدا، إلى سعة عاقبتها، وأمن سرحها «3» ، وشرف عزّها، وأنها لا تعار بسخف الخفّة، ولا تنشأ بتفريط الغفلة «4» ، ولا يتعدّى فيها بامريء حدّه؛ وربما أظهرت بسطة الغيّ مستور العيب. وقد تلقّتك أخلاق الحكمة من كلّ جهة بفضلها، من غير تعب البحث في طلبها، ولا متطاول لمناولة ذروتها «5» ؛ بل تأثّلت «6» منها أكرم نبعاتها، واستخلصت [منها] «7» أعتق «8» جواهرها؛ ثم سموت إلى لباب مصاصها «9» ، وأحرزت منفس ذخائرها، فاقتعد «10» ما أحرزت، ونافس فيما أصبت. واعلم أنّ احتواءك على ذلك وسبقك إليه بإخلاص تقوى الله في جميع

أمورك مؤثرا لها، وإضمار «1» طاعته منطويا عليها، وإعظام ما أنعم الله به عليك شاكرا له، مرتبطا فيه للمزيد بحسن الحياطة له والذّبّ عنه من أن تدخلك منه سآمة ملال، أو غفلة ضياع، أو سنة تهاون، أو جهالة معرفة: فإنّ ذلك أحقّ ما بديء به ونظر فيه، معتمدا عليه بالقوّة والآلة والعدّة والانفراد به من الأصحاب والحامّة «2» ، فتمسّك به لا جئا إليه، واعتمد عليه مؤثرا له، والتجيء إلى كنفه متحيّزا إليه «3» : فإنه أبلغ ما طلب به رضا الله، وأنجحه مسألة، وأجزله ثوابا، وأعوده نفعا، وأعمّه صلاحا؛ أرشدك الله لحظّك، وفهّمك سداده، وأخذ بقلبك إلى محموده. ثم اجعل لله، في كل صباح ينعم عليك ببلوغه، ويظهر منك السلامة في إشراقه، [من نفسك] «4» ، نصيبا تجعله له شكرا على إبلاغه إيّاك يومك ذلك بصحّة جوارح وعافية بدن، وسبوغ «5» نعم، وظهور كرامة. وأن تقرأ فيه من كتاب الله- تبارك وتعالى- جزءا تردّد رأيك في آيه «6» ، وترتّل «7» لفظك بقراءته، وتحضره عقلك ناظرا في محكمه، وتتفهّمه مفكّرا في متشابهه: فإنّ في القرآن شفاء الصّدور من أمراضها، وجلاء وساوس الشيطان وصعاصعه «8» ، وضياء معالم النّور، تبيانا لكل شيء وهدّى ورحمة لقوم يؤمنون. ثم تعهّد نفسك بمجاهدة هواك: فإنّه مغلاق الحسنات، ومفتاح السّيّئات، وخصم العقل. واعلم أنّ كلّ أهوائك لك عدوّ يحاول هلكتك، ويعترض غفلتك: لأنّها

خدع إبليس، وخواتل «1» مكره، ومصايد مكيدته، فاحذرها مجانبا لها، وتوقّها محترسا منها، واستعذ بالله عزّ وجلّ من شرّها، وجاهدها إذا تناصرت عليك بعزم صادق لاونية «2» فيه، وحزم نافذ لا مثنويّة «3» لرأيك بعد إصداره، وصدق غالب لا مطمع في تكذيبه، ومضاءة صارمة لا أناة «4» معها، ونيّة صحيحة لا خلجة شكّ فيها: فإنّ ذلك ظهريّ «5» صدق لك على ردعها عنك، وقمعها دون ما تتطلّع إليه منك، فهي واقية لك سخطة ربك، داعية إليك رضا العامّة عنك، ساترة عليك عيب من دونك، فازدن بها متحلّيا، وأصب بأخلاقك مواضعها الحميدة منها، وتوقّ عليها الآفة التي تقتطعك عن بلوغها، وتقصّر بك دون شأوها: فإنّ المؤونة إنما اشتدّت مستصعبة، وفدحت باهظة أهل الطّلب لأخلاق أهل الكرم المنتحلين سموّ القدر، بجهالة مواضع ذميم الأخلاق ومحمودها، حتّى فرّط أهل التقصير في بعض أمورهم فدخلت عليهم الآفات من جهات أمنوها، فنسبوا إلى التفريط، ورضوا بذلّ المنزل، فأقاموا به جاهلين بموضع الفضل، عمهين «6» عن درج الشّرف، ساقطين دون منزلة أهل الحجا، فحاول بلوغ غاياتها محرزا لها بسبق الطلب إلى إصابة الموضع، محصّنا أعمالك من العجب: فإنه رأس الهوى، وأوّل الغواية، ومقاد الهلكة؛ حارسا أخلاقك من الآفات المتّصلة بمساوي الألقاب وذميم تنابزها «7» ، من حيث أتت الغفلة، وانتشر الضّياع، ودخل الوهن. فتوقّ

غلوب «1» الآفات على عقلك، فإنّ شواهد الحق ستظهر بأماراتها تصديق آرائك عند ذوي الحجا، وحال الرأي وفحص النظر، فاجتلب لنفسك محمود الذّكر وباقي لسان الصّدق بالحذر لما تقدّم إليك فيه أمير المؤمنين، متحرّزا من دخول الآفات عليك من حيث أمنك وقلّة ثقتك بمحكمها: من ذلك أن تملك أمورك بالقصد، وتداري جندك بالإحسان، وتصون سرّك بالكتمان، وتداوي حقدك بالإنصاف، وتذلّل نفسك بالعدل، وتحصّن عيوبك بتقويم أودك «2» ، وتمنع عقلك من دخول الآفات عليه بالعجب المردي. وأناتك فوقّها الملال وفوت العمل، ومضاءتك فدرّعها رويّة النظر واكنفها بأناة الحلم، وخلوتك فاحرسها من الغفلة واعتماد الراحة، وصمتك فانف عنه عيّ اللّفظ، وخف سوء القالة «3» ؛ واستماعك فأرعه حسن التفهّم، وقوّه بإشهاد الفكر، وعطاءك فامهد «4» له بيوتات الشّرف وذوي الحسب، وتحرّز فيه من السّرف واستطالة البذخ وامتنان الصّنيعة، وحياءك فامنعه من الخجل، وبلادة الحصر «5» ، وحلمك فزعه «6» عن التّهاون وأحضره قوّة الشّكيمة، وعقوبتك فقصّر بها عن الإفراط، وتعمّد بها أهل الاستحقاق، وعفوك فلا تدخله تعطيل الحقوق، وخذ به واجب المفترض، وأقم به أود الدّين، واستئناسك فامنع منه البذاء وسوء المناقثة «7» ، وتعهّدك أمورك فحدّه أوقاتا، وقدّره ساعات، لا تستفرغ قوّتك، ولا تستدعي سآمتك، وعزماتك فانف عنها عجلة الرأي، ولجاجة الإقدام؛ وفرحاتك فاشكمها «8» عن البطر،

وقيّدها عن الزّهوّ، وروعاتك فحطها من دهش الرأي، واستسلام الخضوع، وحذراتك فامنعها من الجبن، واعمد بها الحزم، ورجاءك فقيّده بخوف الفائت، وامنعه من أمن الطّلب. هذه جوامع خلال، دخّال النقص منها واصل إلى العقل بلطائف أبنه وتصاريف حويله «1» ، فأحكمها عارفا بها، وتقدّم في الحفظ لها، معتزما على الأخذ بمراشدها والانتهاء منها إلى حيث بلغت بك عظة أمير المؤمنين وأدبه إن شاء الله. ثم لتكن بطانتك وجلساؤك في خلواتك، ودخلاؤك في سرّك، أهل الفقه والورع من خاصّة أهل بيتك، وعامّة قوّادك ممن قد حنّكته السّنّ بتصاريف الأمور، وخبطته فصالها بين فراسن «2» البزّل منها، وقلّبته الأمور في فنونها؛ وركب أطوارها: عارفا بمحاسن الأمور ومواضع الرّأي وعين المشورة؛ مأمون النصيحة، منطوي «3» الضمير على الطاعة. ثم أحضرهم من نفسك وقارا يستدعي لك منهم الهيبة، واستئناسا يعطف إليك منهم المودّة، وإنصاتا «4» يفلّ إفاضتهم له عندك بما تكره أن ينشر عنك من سخافة الرأي وضياع الحزم، ولا يغلبنّ عليك هواك فيصرفك عن الرأي، ويقتطعك دون الفكر. وتعلّم أنك- وإن خلوت بسرّ فالقيت دونه ستورك، وأغلقت عليه أبوابك- فذلك لا محالة مكشوف للعامّة، ظاهر عنك وإن استتر [ت] «5» بربّما ولعلّ وما أرى إذاعة ذلك وأعلم «6» ، بما يرون

من حالات من ينقطع به في تلك المواطن. فتقدّم في إحكام ذلك من نفسك، واسدد خلله عنك: فإنه ليس أحد أسرع إليه سوء القالة ولغط العامّة بخير أو شرّ ممن كان في مثل حالك ومكانك الذي أصبحت به من دين الله والأمل المرجوّ المنتظر فيك. وإيّاك أن يغمز «1» فيك أحد من حامّتك «2» وبطانة خدمتك بضعفة يجد بها مساغا إلى النّطق عندك بما لا يعتزلك عيبه، ولا تخلو من لائمته، ولا تأمن سوء الأحدوثة فيه، ولا يرخص سوء القالة به إن نجم ظاهرا أو علن «3» باديا، ولن يجترئوا على تلك عندك إلّا أن يروا منك إصغاء إليها، وقبولا لها، وترخيصا لهم في الإفاضة بها. ثمّ إيّاك وأن يفاض عندك بشيء من الفكاهات والحكايات والمزاح والمضاحك التي يستخفّ بها أهل البطالة، ويتسرع نحوها ذو والجهالة، ويجد فيها أهل الحسد مقالا لعيب يذيعونه «4» وطعنا في حقّ يجحدونه؛ مع ما في ذلك من نقص الرأي، ودرن العرض، وهدم الشرف، وتأثيل «5» الغفلة، وقوّة طباع السّوء الكامنة في بني آدم ككمون النار في الحجر الصّلد، فإذا قدح لاح شرره، وتلهّب وميضه، ووقد تضرّمه؛ وليست في أحد أقوى سطوة، وأظهر توقّدا، وأعلى كمونا، وأسرع إليه بالعيب وتطرّق الشّين منها لمن كان في مثل سنّك: من أغفال «6» الرجال وذوي العنفوان في الحداثة، الذين لم تقع عليهم سمات الأمور، ناطقا عليهم لائحها، ظاهرا فيهم وسمها، ولم تمحضهم «7» شهامتها، مظهرة للعامّة فضلهم، مذيعة حسن الذكر عنهم، ولم يبلغ بهم الصّيت في الحنكة مستمعا يدفعون به عن أنفسهم نواطق السن أهل البغي، وموادّ أبصار أهل الحسد.

ثم تعهّد من نفسك لطيف عيب لازم لكثير من أهل السلطان والقدرة: من أبطال الذرع «1» ونخوة الشّرف والتّيه وعيب الصّلف، فإنها تسرع بهم إلى فساد وتهجين «2» عقولهم في مواطن جمّة، وأنحاء مصطرفة، منها قلّة اقتدارهم على ضبط أنفسهم في مواكبهم ومسايرتهم العامّة: فمن مقلقل شخصه بكثرة الالتفات عن يمينه وشماله، تزدهيه الخفّة، ويبطره إجلاب «3» الرجال حوله، ومن مقبل في موكبه على مداعبة مسايره بالمفاكهة له والتّضاحك إليه، والإيجاف «4» في السّير مرحا، وتحريك الجوارح متسرّعا، يخال أنّ ذلك أسرع له وأحثّ لمطيّته، فلتحسّن في ذلك هيأتك، ولتجمّل فيه دعتك؛ وليقلّ على مسايرك إقبالك إلا وأنت مطرق النظر، غير ملتفت إلى محدّث، ولا مقبل عليه بوجهك في موكبك لمحادثته، ولا موجف في السير مقلقل لجوارحك بالتحريك والاستنهاض؛ فإنّ حسن مسايرة الوالي واتّداعه «5» في تلك الحالة دليل على كثير من عيوب أمره ومستتر أحواله. واعلم أنّ أقواما يتسرّعون «6» إليك بالسّعاية، ويأتونك على وجه النّصيحة «7» . ويستميلونك بإظهار الشّفقة، ويستدعونك بالإغراء والشّبهة، ويوطئونك عشوة «8» الحيرة: ليجعلوك لهم ذريعة إلى استئكال «9» العامّة بموضعهم

منك في القبول [منهم «1» ] والتصديق لهم على من قرفوه بتهمة، أو أسرعوا بك في أمره إلى الظّنّة، فلا يصلنّ إلى مشافهتك ساع بشبهة، ولا معروف بتهمة، ولا منسوب إلى بدعة [فيعرّضك «2» ] لإيتاغ «3» دينك، ويحملك على رعيّتك بما لا حقيقة له عندك، ويلحمك أعراض قوم لا علم لك بدخلهم «4» ، إلا بما أقدم [به] «5» عليهم ساعيا وأظهر لك منهم منتصحا. وليكن صاحب شرطتك المتولّي لإنهاء ذلك هو «6» المنصوب لأولئك، والمستمع لأقاويلهم، والفاحص عن نصائحهم؛ ثمّ لينه ذلك إليك على ما يرفع إليه منه لتأمره بأمرك فيه، وتقفه على رأيك من غير أن يظهر ذلك للعامّة: فإن كان صوابا نالتك خيرته «7» ، وإن كان خطأ أقدم به عليك جاهل أو فرطة سعى بها كاذب فنالت الساعي «8» منهما أو المظلوم عقوبة، أو بدر من واليك إليه عقوبة «9» ونكال، لم يعصب ذلك الخطأ بك ولم تنسب إلى تفريط، وخلوت من موضع الذّمّ فيه «10» : محضرا إليه ذهنك وصواب رأيك، وتقدّم إلى من تولّي ذلك الأمر وتعتمد عليه فيه أن لا يقدم على شيء ناظرا فيه، ولا يحاول أخذ أحد طارقا له، ولا يعاقب أحدا منكّلا به، ولا يخلّي سبيل أحد صافحا عنه: لإصحار «11» براءته، وصحّة طريقته، حتّى يرفع إليك أمره، وينهي إليك قضيّته على جهة الصّدق، ومنحى الحق، ويقين الخبر، فإن رأيت

عليه سبيلا لمحبس أو مجازا لعقوبة، أمرته بتولّي ذلك من غير أدخاله عليك، ولا مشافهة لك منه، فكان المتولّي لذلك ولم يجر على يديك مكروه رأي ولا غلظة عقوبة، وإن وجدت إلى العفو [عنه] «1» سبيلا، أو كان مما قرف به خليّا كنت أنت المتولّي للإنعام عليه بتخلية سبيله، والصفح عنه بإطلاق أسره، فتولّيت أجر ذلك واستحققت ذخره، وأنطقت لسانه بشكرك، وطوّقت قومه حمدك، وأوجبت عليهم حقّك، فقرنت بين خصلتين، وأحرزت حظوتين: ثواب الله في الآخرة، ومحمود الذّكر في الدّنيا «2» . ثم وإيّاك «3» أن يصل إليك أحد من جندك وجلسائك وخاصّتك وبطانتك بمسألة يكشفها لك، أو حاجة يبدهك بطلبها، حتّى يرفعها قبل ذلك إلى كاتبك الذي أهدفته «4» لذلك ونصبته له، فيعرضها عليك منهيا لها على جهة الصّدق عنها، وتكون على معرفة من قدرها: فإن أردت إسعافه بها ونجاح ما سأل منها، أذنت له في طلبها، باسطا له كنفك، مقبلا عليه بوجهك، مع ظهور سرورك بما سألك، وفسحة رأي وبسطة ذرع، وطيب نفس، وإن كرهت قضاء حاجته، وأحببت ردّه عن طلبته، وثقل عليك إجابته إليها، وإسعافه بها، أمرت كاتبك فصفحه «5» عنها، ومنعه من مواجهتك بها، فخفّت عليك في ذلك المؤونة، وحسن لك الذّكر، ولم ينشر عنك تجهّم الردّ «6» ، وينلك سوء القالة في المنع، وحمل على كاتبك في ذلك لائمة أنت منها بريء الساحة. وكذلك فليكن رأيك وأمرك فيمن طرأ عليك من الوفود وأتاك من الرّسل، فلا يصلنّ إليك أحد منهم إلّا بعد وصول علمه إليك، وعلم ما قدم له عليك، وجهة

ما هو مكلّمك به، وقدر ما هو سائلك إيّاه إذا هو وصل إليك، فأصدرت رأيك في حوائجه «1» ، وأجلت فكرك في أمره، واخترت معتزما على إرادتك في جوابه «2» ، وأنفذت مصدور رويّتك في مرجوع مسألته قبل دخوله عليك، وعلمه بوصول حاله إليك، فرفعت عنك مؤونة البديهة، وأرخيت عن نفسك خناق الرّويّة، وأقدمت على ردّ جوابه بعد النّظر وإجالة الفكر فيه؛ فإن دخل إليك أحد منهم فكلمك بخلاف ما أنهى إلى كاتبك وطوى عنه حاجته قبلك، دفعته عنك دفعا جميلا، ومنعته جوابك منعا وديعا «3» ، ثم أمرت حاجبك بإظهار الجفوة له، والغلظة عليه، ومنعه من الوصول إليك، فإنّ ضبطك لذلك مما يحكم لك تلك الأسباب، صارفا عنك مؤونتها، ومسهلا عليك مستصعبها «4» . احذر تضييع رأيك وإهمالك أدبك في مسالك الرضا والغضب واعتوارهما «5» إيّاك، فلا يزدهينّك إفراط عجب تستخفّك روائعه، ويستهويك منظره، ولا يبدرنّ منك ذلك خطأ ونزق خفّة لمكروه إن حلّ بك، أو حادث إن طرأ عليك، وليكن لك من نفسك ظهريّ ملجأ تتحرّز به من آفات الرّدى، وتستعضده «6» في موهم النازل، وتتعقّب به أمورك في التدبير، فإن احتجت إلى مادّة من عقلك، ورويّة من فكرك، أو انبساط من منطقك، كان انحيازك إلى ظهريّك مزدادا مما أحببت الامتياح منه والامتيار «7» ؛ وإن استدبرت «8» من أمورك بوادر جهل أو مضى زلل أو معاندة حقّ أو خطل تدبير، كان ما احتجنت «9» إليه من

رأيك عذرا لك عند نفسك، وظهريّا قويّا على ردّ ما كرهت، وتخفيفا لمؤونة الباغين عليك في القالة وانتشار الذكر، وحصنا من غلوب الآفات عليك، واستعلائها على أخلاقك. وامنع أهل بطانتك وخاصّة خدمك «1» من استلحام أعراض الناس عندك بالغيبة، والتقرّب إليك بالسّعاية، والإغراء من بعض ببعض، أو النّميمة إليك بشيء من أحوالهم المستترة عنك، أو التحميل لك على أحد منهم بوجه النّصيحة ومذهب الشّفقة: فإنّ ذلك أبلغ بك سموّا إلى منالة الشرف، وأعون لك على محمود الذكر، وأطلق لعنان الفضل في جزالة الرأي وشرف الهمّة وقوّة التدبير. واملك نفسك عن الانبساط في الضحك والانفهاق «2» ، وعن القطوب بإظهار الغضب وتنحّله: فإنّ ذلك ضعف عن ملك سورة الجهل «3» ، وخروج من انتحال اسم الفضل، وليكن ضحكك تبسّما أو كشرا في أحايين ذلك وأوقاته، وعند كلّ رائع مستخفّ مطرب، وقطوبك إطراقا في مواضع ذلك وأحواله، بلا عجلة إلى السّطوة، ولا إسراع إلى الطّيرة، دون أن يكنفها رويّة الحلم، وتملك عليها بادرة الجهل. إذا كنت في مجلس ملئك، وحيث حضور العامّة مجلسك، فإيّاك والرمي بنظرك إلى خاصّ من قوّادك، أو ذي أثرة عندك من حشمك، وليكن نظرك مقسوما في الجميع، وإراعتك «4» سمعك ذا الحديث بدعة هادئة، ووقار حسن، وحضور فهم مجتمع، وقلّة تضجّر بالمحدّث، ثم لا يبرح وجهك إلى بعض حرسك وقوّادك متوجّها بنظر ركين، وتفقّد محض، فإن وجّه إليك أحد منهم نظره محدّقا، أو رماك ببصره ملحّا، فاخفض عنه إطراقا جميلا باتّداع وسكون،

وإيّاك والتسّرع في الإطراق، والخفّة في تصريف النظر، والإلحاح على من قصد إليك في مخاطبته إيّاك رامقا بنظره. واعلم أنّ تصفّحك وجوه جلسائك وتفقّدك مجالس قوّادك، من قوّة التدبير، وشهامة القلب، وذكاء الفطنة، وانتباه السّنة، فتفقّد ذلك عارفا بمن حضرك وغاب عنك، عالما بمواضعهم من مجلسك، ثم اعدبهم عن ذلك سائلا لهم عن أشغالهم التي منعتهم من حضور مجلسك، وعاقتهم بالتخلّف عنك «1» . إن كان أحد من حشمك وأعوانك تثق منه بغيب ضمير، وتعرف منه لين طاعة، وتشرف منه على صحة رأي، وتأمنه على مشورتك، فإيّاك والإقبال عليه في كلّ حادث يرد عليك، والتوجّه نحوه بنظرك عند طوارق ذلك، وأن تريه أو أحدا من أهل مجلسك أنّ بك حاجة إليه موحشة، أو أن ليس بك عنه غنّى في التدبير، أو أنّك لا تقضي دونه رأيا، إشراكا منك له في رويّتك، وإدخالا منك له في مشورتك، واضطرارا منك إلى رأيه في الأمر يعروك: فإنّ ذلك من دخائل العيوب التي ينتشر بها سوء القالة عن نظرائك فانفها عن نفسك خائفا لاعتلاقها ذكرك، واحجبها عن رويّتك قاطعا لأطماع أوليائك عن مثلها عندك، أو غلوبهم عليها منك. واعلم أنّ للمشورة موضع الخلوة وانفراد النظر، ولكلّ «2» أمر غاية تحيط بحدوده، وتجمع معالمه، فابغها محرزا لها، ورمها طالبا لنيلها، وإيّاك والقصور عن غايتها أو العجز عن دركها، أو التفريط في طلبها. إن شاء الله تعالى. إيّاك والإغرام عن حديث ما أعجبك، أو أمر ما ازدهاك بكثرة السؤال، أو

القطع لحديث من أرادك بحديثه حتّى تنقضه عليه بالخوض في غيره أو المسألة عمّا ليس منه: فإن ذلك عند العامّة منسوب إلى سوء الفهم وقصر الأدب عن تناول محاسن الأمور والمعرفة بمساويها، ولكن أنصت لمحدّثك وأرعه سمعك حتّى يعلم أن قد فهمت حديثه، وأحطت معرفة بقوله: فإن أردت إجابته فعن معرفة بحاجته وبعد علم بطلبته، وإلا كنت عند انقضاء كلامه كالمتعجّب «1» من حديثه بالتبسّم والإغضاء، فأجزى عنك الجواب، وقطع عنك ألسن العتب. إيّاك وأن يظهر منك تبرّم بطول مجلسك، أو تضجّر ممن حضرك؛ وعليك بالتثبّت عند سورة الغضب، وحميّة الأنف، وملال الصبر في الأمر تستعجل به والعمل تأمر بإنفاذه، فإنّ ذلك سخف شائن، وخفّة مردية، وجهالة بادية؛ وعليك بثبوت المنطق، ووقار المجلس، وسكون الريح، والرّفض لحشو الكلام، والتّرك لفضوله، والإغرام «2» بالزّيادات في منطقك والترديد للفظك: من نحو اسمع، وافهم عنّي، ويا هناه «3» ، وأ لا ترى، أو ما يلهج به من هذه الفضول المقصّرة بأهل العقل، الشائنة لذوي الحجا في المنطق «4» ، المنسوبة إليهم بالعيّ، المردية لهم بالذّكر. وخصال من معايب الملوك والسّوقة عنها غبيّة النظر إلا من عرفها من أهل الأدب، وقلّما حامل لها، مضطلع بها، صابر على ثقلها، آخذ لنفسه بجوامعها، فانفها عن نفسك بالتحفّظ منها، واملك عليها اعتيادك إيّاها معتنيا بها: منها كثرة

التنخّم «1» ، والتبصّق، والتنخّع، والثّؤباء، والتمطّي، والجشاء، وتحريك القدم، وتنقيض «2» الأصابع، والعبث بالوجه واللّحية أو الشارب أو المخصرة «3» أو ذؤابة السيف، أو الإيماض بالنظر، أو الإشارة بالطّرف إلى بعض خدمك بأمر إن أردته، أو السّرار في مجلسك، أو الاستعجال في طعمك أو شربك، وليكن طعمك متّدعا، وشربك أنفاسا، وجرعك مصّا، وإيّاك والتسرّع إلى الأيمان فيما صغر أو كبر من الأمور، والشّتيمة بقول يا ابن الهناة «4» ؛ أو الغميزة «5» لأحد من خاصّتك بتسويغهم مقارفة الفسوق بحيث محضرك أو دارك وفناؤك: فإنّ ذلك كلّه مما يقبح ذكره، ويسوء موقع القول فيه، وتحمل عليك معايبه، وينالك شينه، وينتشر عليك سوء النبإ به «6» فاعرف ذلك متوقّيا له، واحذره مجانبا لسوء عاقبته. استكثر من فوائد الخير: فإنها تنشر المحمدة، وتقيل العثرة، واصبر «7» على كظم الغيظ: فإنه يورث الراحة «8» ، ويؤمّن الساحة، وتعهّد العامّة بمعرفة دخلهم، وتبطّن «9» أحوالهم، واستثارة دفائنهم، حتّى تكون منها على رأي عين، ويقين خبرة، فتنعش عديمهم، وتجبر كسيرهم، وتقيم أودهم، وتعلّم جاهلهم، وتستصلح فاسدهم: فإنّ ذلك من فعلك بهم يورثك العزّة، ويقدّمك في الفضل، ويبقي لك لسان الصّدق في العاقبة «10» ، ويحرز لك ثواب الآخرة، ويردّ عليك

عواطفهم المستنفرة منك، وقلوبهم المتنحّية عنك «1» . قس بين منازل أهل الفضل في الدّين والحجا والرأي، والعقل والتدبير، والصّيت في العامّة، وبين منازل أهل النّقص في طبقات الفضل وأحواله، والخمول عند مباهاة النّسب «2» ؛ وانظر بصحبة أيّهم تنال من مودته الجميل، وتستجمع لك أقاويل العامة على التفضيل، وتبلغ درجة الشرف في أحوالك المتصرّفة بك، فاعتمد عليهم مدخلا لهم في أمرك، وآثرهم بمجالستك لهم مستمعا منهم، وإيّاك وتضييعهم مفرّطا، وإهمالهم مضيّعا. هذه جوامع خصال قد لخّصها لك أمير المؤمنين مفسّرا، وجمع لك شواذّها «3» مؤلّفا، وأهداها إليك مرشدا، فقف عند أوامرها، وتناه عن زواجرها، وتثّبت في مجامعها، وخذ بوثائق عراها تسلم من معاطب الرّدى، وتنل أنفس الحظوظ ورغيب الشّرف، وأعلى درج الذّكر، وتأثل سطر العز «4» والله يسأل لك أمير المؤمنين حسن الإرشاد، وتتابع المزيد وبلوغ الأمل، وأن يجعل عاقبة ذلك بك إلى غبطة يسوّغك إيّاها، وعافية يحلّك أكنافها، ونعمة يلهمك شكرها: فإنه الموفّق للخير، والمعين على الإرشاد؛ منه تمام الصالحات، وهو مؤتي الحسنات، عنده مفاتيح الخير، وبيده الملك وهو على كلّ شيء قدير. فإذا أفضيت نحو عدوّك، واعتزمت على لقائهم، وأخذت أهبة قتالهم، فاجعل دعامتك التي تلجأ إليها، وثقتك التي تأمل النجاة بها، وركنك الذي ترتجي منالة الظّفر به، وتكتهف به لمعالق الحذر تقوى الله مستشعرا لها بمراقبته،

والاعتصام بطاعته متبعا لأمره، مجتنبا لسخطه، محتذيا سنّته، والتوقّي لمعاصيه في تعطيل حدوده، أو تعدّي شرائعه، متوكّلا عليه فيما صمدت «1» له، واثقا بنصره فيما توجّهت نحوه، متبرّئا من الحول والقوّة فيما نالك من ظفر، وتلقّاك من عزّ، راغبا فيما أهاب «2» بك أمير المؤمنين إليه من فضل الجهاد ورمى بك إليه، محمود الصبر فيه عند الله من قتال عدو «3» المسلمين، أكلبهم عليه وأظهره عداوة لهم، وأفدحه ثقلا لعامّتهم، وآخذه بربقهم «4» ، وأعلاه عليهم بغيا، وأظهره عليهم فسقا وفجورا «5» ، وأشدّه على فيئهم الذي أصاره الله لهم «6» وفتحه عليهم مؤونة وكلّا «7» والله المستعان عليهم، والمستنصر على جماعتهم، عليه يتوكّل أمير المؤمنين، وإيّاه يستصرخ عليهم، وإليه يفوّض أمره وكفى بالله وليّا وناصرا ومعينا، وهو القويّ العزيز. ثم خذ من معك من تبّاعك وجندك بكفّ معرّتهم، وردّ مشتعل جهلهم «8» ، وإحكام ضياع عملهم «9» ، وضمّ منتشر قواصيهم، ولمّ شعث أطرافهم، وتقييدهم عمّن «10» مرّوا به من أهل ذمّتك وملتك بحسن السيرة، وعفاف الطّعمة، ودعة الوقار، وهدي الدّعة، وجمام المستجم «11» ، محكما ذلك منهم، متفقّدا لهم تفقّدك إيّاه من نفسك. ثم اصمد لعدوّك المتسمّي بالإسلام، الخارج من جماعة أهله،

المنتحل ولاية الدّين مستحلّا لدماء أوليائه، طاعنا عليهم، راغبا عن سنّتهم، مفارقا لشرائعهم، يبغيهم الغوائل، وينصب لهم المكايد، أضرم حقدا عليهم، وأرصد عداوة لهم، وأطلب لغرّات فرصهم من التّرك «1» ، وأمم الشرك، وطواغي الملل، يدعو إلى المعصية والفرقة، والمروق من دين الله إلى الفتنة، مخترعا بهواه للأديان المنتحلة والبدع المتفرّقة خسارا وتخسيرا، وضلالا وتضليلا، بغير هدى من الله ولا بيان، ساء ما كسبت له يداه [وما الله بظلّام للعبيد] «2» وساء ما سوّلت له نفسه الأمّارة بالسّوء، والله من ورائه بالمرصاد: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ «3» . حصّن «4» جندك، واشكم نفسك بطاعة الله في مجاهدة أعدائه، وارج نصره، وتنجّز موعوده، متقدّما في طلب ثوابه على جهادهم، معتزما في ابتغاء الوسيلة إليه على لقائهم: فإنّ طاعتك إيّاه فيهم، ومراقبتك له ورجاءك نصره مسهّل لك وعوره، وعاصمك من كل سبّة، ومنجيك من كلّ هوّة، وناعشك «5» من كلّ صرعة، ومقيلك من كل كبوة، وداريء عنك كلّ شبهة، ومذهب عنك لطخة كلّ شك، ومقوّيك بكلّ أيد «6» ومكيدة، ومعزّك في كل معترك «7» قتال، ومؤيّدك في كلّ مجمع لقاء، وكالئك عند كل فتنة مغشية «8» وحائطك «9» من كل شبهة مردية؛ والله وليّك ووليّ أمير المؤمنين فيك، والمستخلف على جندك ومن معك «10» .

اعلم أنّ الظفر ظفران: أحدهما وهو أعمّ منفعة، وأبلغ في حسن الذكر قالة، وأحوطه سلامة، وأتمّه عافية [وأعوده عاقبة] «1» وأحسنه في الأمور [موردا] «2» وأعلاه في الفضل شرفا، وأصحّه في الرويّة حزما، وأسلمه عند العامّة مصدرا- ما نيل بسلامة الجنود، وحسن الحيلة، ولطف المكيدة [ويمن النّقيبة] «3» واستنزال طاعة ذوي الصّدوف بغير إخطار «4» الجيوش في وقدة جمرة الحرب، ومبارزة «5» الفرسان في معترك الموت؛ وإن ساعدتك «6» طلوق الظّفر، ونالك مزيد السعادة في الشرف؛ ففي مخاطرة التّلف مكروه المصائب، وعضاض السيوف وألم الجراح، وقصاص الحروب وسجالها بمغاورة أبطالها. على أنك لا تدري لأيّ يكون الظفر في البديهة، ومن المغلوب بالدولة «7» ، ولعلك أن تكون المطلوب بالتمحيص، فحاول إصابة أبلغهما في سلامة جندك ورعيّتك، وأشهرهما صيتا في بدوّ تدبيرك ورأيك، وأجمعهما لألفة وليّك وعدوّك، وأعونهما على صلاح رعيّتك وأهل ملّتك، وأقواهما شكيمة في حزمك، وأبعدهما من وصم عزمك، وأعلقهما بزمام النجاة في آخرتك «8» ، وأجزلهما ثوابا عند ربّك. وابدأ بالإعذار إلى عدوّك، والدّعاء لهم إلى مراجعة الطاعة، وأمر الجماعة، وعزّ «9» الألفة، آخذا بالحجّة عليهم، متقدّما بالإنذار لهم، باسطا أمانك لمن لجأ إليك منهم، داعيا [لهم إليه] «10» بألين لفظك وألطف حيلك، متعطّفا برأفتك عليهم، مترفّقا بهم في دعائك، مشفقا عليهم من غلبة الغواية لهم،

وإحاطة الهلكة بهم، منفذا رسلك إليهم بعد الإنذار، تعدهم إعطاء كلّ رغبة يهشّ ليها طمعهم في موافقة الحق، وبسط كل أمان سألوه لأنفسهم ومن معهم ومن تبعهم، موطّنا نفسك فيما تبسط لهم من ذلك على الوفاء بعهدك، والصبر على ما أعطيتهم من وثائق عقدك، قابلا توبة نازعهم «1» عن الضّلالة، ومراجعة مسيئهم إلى الطاعة، مرصدا للمنحاز إلى فئة المسلمين وجماعتهم إجابة إلى ما دعوته إليه وبصّرته إيّاه من حقّك وطاعتك، بفضل المنزلة، وإكرام المثوى، وتشريف الجاه، وليظهر من أثرك عليه، وإحسانك [إليه] «2» ما يرغب في مثله الصادف عنك، المصرّ على خلافك ومعصيتك، ويدعو إلى اعتلاق حبل النجاة وما هو أملك به في الاعتصام عاجلا، وأنجى له من العقاب آجلا، وأحوطه على دينه ومهجته بدءا وعاقبة، فإنّ ذلك مما يستدعي به من الله نصره عليهم، ويعتضد به في تقديمه الحجّة إليهم، معذرا أو منذرا، إن شاء الله. ثم أذك عيونك «3» على عدوّك متطلّعا لعلم أحوالهم التي يتقلّبون فيها، ومنازلهم التي هم بها، ومطامعهم التي قدمدّوا أعناقهم نحوها، وأيّ الأمور أدعى لهم إلى الصّلح، وأقودها لرضاهم إلى العافية، وأسهلها لاستنزال طاعتهم، ومن أيّ الوجوه مأتاهم: أمن قبل الشّدة والمنافرة والمكيدة والمباعدة والإرهاب والإيعاد، أو التّرغيب والإطماع، متثبّتا في أمرك، متخيّرا في رويّتك، مستمكنا من رأيك، مستشيرا لذوي النصيحة الذين قد حنّكتهم السّنّ، وخبطتهم «4» التّجربة، ونجّذتهم «5» الحروب، متشزّنا «6» في حربك، آخذا بالحزم في سوء الظن، معدّا

للحذر، محترسا من الغرّة، كأنّك في مسيرك كلّه ونزولك أجمع مواقف لعدوّك رأي عين تنتظر حملاتهم، وتتخوّف كرّاتهم، معدّا أقوى مكايدك، وأرهب عتادك، وأنكأ جدّك «1» ، وأجدّ تشميرك «2» ، معظّما أمر عدوّك لأعظم مما بلغك، حذرا يكاد يفرط: لتعدّ له من الاحتراس عظيما، ومن المكيدة قويّا، من غير أن يفثأك «3» ذلك عن إحكام أمورك، وتدبير رأيك، وإصدار رويّتك، والتأهّب لما يحزبك «4» ، مصغّرا له بعد استشعار الحذر، واضطمار الحزم، وإعمال الرّويّة، وإعداد الأهبة: فإن ألفيت عدوّك كليل الحدّ، وقم الحزم «5» ، نضيض «6» الوفر، لم يضرّك ما اعتددت له من قوّة، وأخذت له من حزم، ولم يزدك ذلك إلا جرأة عليه، وتسرّعا إلى لقائه. وإن ألفيته متوقّد الحرب «7» ، مستكثف الجمع، قويّ التّبع، مستعلي سورة الجهل، معه من أعوان الفتنة وتبع إبليس من يوقد لهب الفتنة مسعّرا، ويتقدّم إلى لقاء أبطالها متسرّعا، كنت لأخذك بالحزم، واستعدادك بالقوّة، غير مهين الجند، ولا مفرّط في الرأي، ولا متلهّف على إضاعة تدبير، ولا محتاج إلى الإعداد وعجلة التأهّب مبادرة تدهشك، وخوفا يقلقك. ومتى تغترّ بترقيق المرقّقين، وتأخذ بالهوينى في أمر عدوّك لتصغير المصغّرين، ينتشر عليك رأيك، ويكون فيه انتقاض أمرك ووهن تدبيرك، وإهمال للحزم في جندك، وتضييع له وهو ممكن الإصحار، رحب المطلب، قويّ العصمة، فسيح المضطرب، مع ما يدخل رعيّتك من الاغترار والغفلة عن إحكام أحراسهم «8» ، وضبط مراكزهم، لما

يرون فيه من استنامتك إلى الغرّة، وركونك إلى الأمن، وتهاونك بالتدبير، فيعود ذلك عليك في انتشار الأطراف، وضياع الأحكام، ودخول الوهن بما لا يستقال محذوره، ولا يدفع مخوفه. احفظ من عيونك وجواسيسك ما يأتونك به من أخبار عدوّك، وإيّاك ومعاقبة أحد منهم على خبر إن أتاك به اتّهمته فيه أو سؤت به ظنّا وأتاك غيره بخلافه، أو أن تكذّبه فيه فتردّه عليه ولعله أن يكون قد محضك النصيحة وصدقك الخبر، وكذبك الأوّل، أو خرج جاسوسك الأوّل متقدما قبل وصول هذا من عند عدوّك، وقد أبرموا لك أمرا، وحاولوا لك مكيدة، وأرادوا منك غرّة، فازدلفوا «1» إليك في الأهبة ثم انتقض بهم رأيهم، واختلف عنه جماعتهم، فأرادوا «2» رأيا، وأحدثوا مكيدة، وأظهروا قوّة، وضربوا موعدا، وأمّوا مسلكا لمدد «3» أتاهم، أو قوّة حدثت لهم، أو بصيرة في ضلالة شغلتهم؛ فالأحوال بهم متنقّلة في الساعات، وطوارق الحادثات. ولكن البسهم «4» جميعا على الانتصاح، وارضخ «5» لهم بالمطامع، فإنّك لن تستعبدهم بمثلها، وعدهم جزالة المثاوب «6» ، في غير ما استنامة منك إلى ترقيقهم أمر عدوّك، والاغترار إلى ما يأتونك به دون أن تعمل رويّتك في الأخذ بالحزم، والإستكثار من العدّة، واجعلهم أوثق من تقدر عليه، وآمن من تسكن إلى ناحيته: ليكون ما يبرم عدوّك في كل يوم وليلة عندك إن استطعت ذلك، فتنقض عليهم برأيك وتدبيرك ما أبرموا، وتأتيهم من حيث أمنوا، وتأخذ لهم أهبة ما عليه أقدموا «7» ، وتستعدّ لهم بمثل ما حذروا.

واعلم أنّ جواسيسك وعيونك ربّما صدقوك، وربّما غشّوك، وربّما كانوا لك وعليك فنصحوا لك وغشّوا عدوّك وغشّوك ونصحوا عدوّك، وكثيرا ما يصدقونك ويصدقونه، فلا تبدرنّ منك فرطة عقوبة إلى أحد منهم، ولا تعجل بسوء الظن إلى من اتّهمته على ذلك، واستنزل نصائحهم بالمياحة والمنالة، وابسط من آمالهم فيك من غير أن يرى أحد منهم أنك أخذت من قوله أخذ العامل به والمتّبع له، أو عملت على رأيه عمل الصادر عنه، أو رددته عليه ردّ المكذّب به، المتهم له، المستخفّ بما أتاك منه، فتفسد بذلك نصيحته، وتستدعي غشّه، وتحترّ عداوته. واحذر أن يعرفوا في عسكرك أو يشار إليهم بالأصابع، وليكن منزلهم على كاتب رسائلك وأمين سرّك، ويكون هو الموجّه لهم، والمدخل عليك من أردت مشافهته منهم. واعلم أن لعدوّك في عسكرك عيونا راصدة، وجواسيس متجسّسة «1» ، وأنه لن يقع رأيه عن مكيدتك بمثل ما تكايده به «2» ، وسيحتال لك كاحتيالك له، ويعدّ لك كإعدادك فيما تزاوله منه، ويحاولك كمحاولتك إيّاه فيما تقارعه عنه، فاحذر أن يشهر رجل من جواسيسك في عسكرك فيبلغ ذلك عدوّك ويعرف موضعه، فيعدّ له المراصد، ويحتال له بالمكايد. فإن ظفر به فأظهر عقوبته، كسر ذلك ثقات عيونك، وخذلهم عن تطلّب الأخبار من معادنها، واستقصائها من عيونها، واستعذاب اجتنائها من ينابيعها، حتّى يصيروا إلى أخذها مما عرض من غير الثّقة ولا المعاينة، لقطا لها بالأخبار الكاذبة، والأحاديث المرجفة. واحذر أن يعرف بعض عيونك بعضا: فإنّك لا تأمن تواطؤهم عليك، وممالأتهم عدوّك، واجتماعهم على غشّك، وتطابقهم على كذبك، وإصفاقهم «3» على خيانتك، وأن

يورّط بعضهم بعضا عند عدوّك؛ فأحكم أمرهم فإنّهم رأس مكيدتك، وقوام تدبيرك، وعليهم مدار حربك، وهو أوّل ظفرك، فاعمل على حسب ذلك وحيث رجاؤك به، تنل أملك من عدوّك وقوّتك على قتاله، واحتيالك لإصابة غرّاته وانتهاز فرصه، إن شاء الله. فإذا أحكمت ذلك وتقدّمت في إتقانه، واستظهرت بالله وعونه، فولّ شرطتك وأمر عسكرك أوثق قوّادك عندك، وأظهرهم نصيحة لك، وأنفذهم بصيرة في طاعتك، وأقواهم شكيمة في أمرك، وأمضاهم صريمة «1» ، وأصدقهم عفافا، وأجزأهم غناء «2» ، وأكفاهم أمانة، وأصحّهم ضميرا، وأرضاهم في العامّة دينا، وأحمدهم عند الجماعة خلقا، وأعطفهم على كافّتهم رأفة، وأحسنهم لهم نظرا، وأشدّهم في دين الله وحقّه صلابة؛ ثم فوّض إليه مقوّيا له، وابسط من أمله مظهرا عنه الرضا، حامدا منه الابتلاء، وليكن عالما بمراكز الجنود، بصيرا بتقدّم المنازل، مجرّبا، ذا رأي وتجربة وحزم في المكيدة، له نباهة في الذّكر، وصيت في الولاية، معروف البيت، مشهور الحسب، وتقدّم إليه في ضبط معسكره، وإذكاء أحراسه في آناء ليله ونهاره؛ ثم حذّره أن يكون منه إذن لجنوده في الانتشار والاضطراب، والتقدّم لطلائعك، فتصاب لهم غرّة يجتريء بها عدوّك عليك، ويسرع إقداما إليك، ويكسر من إياد «3» جندك ويوهن من قوتهم: فإنّ الصوت في إصابة عدوّك الرجل «4» الواحد من جندك أو عبيدهم مطمع لهم فيك، مقوّ لهم على شحذ أتباعهم عليك وتصغيرهم أمرك، وتوهينهم تدبيرك، فحذّره ذلك وتقدّم إليه فيه، ولا يكوننّ منه إفراط في التضييق عليهم، والحصر لهم، فيعمّهم أزله «5» ،

ويشملهم ضنكه، وتسوء عليهم حاله «1» وتشتدّ به المؤونة عليهم، وتخبث له ظنونهم؛ وليكن موضع إنزاله إيّاهم ضامّا لجماعتهم، مستديرا بهم جامعا لهم، ولا يكون منبسطا منتشرا متبدّدا، فيشقّ ذلك على أصحاب الأحراس، وتكون فيه النّهزة «2» للعدوّ، والبعد من المادة إن طرق طارق في فجآت الليل وبغتاته. وأو عز إليه في أحراسه، وتقدّم إليه فيهم كأشدّ التقدّم وأبلغ الإيعاز، ومره فليولّ عليهم رجلا ركينا مجرّبا جريء الإقدام، ذاكي الصّرامة، جلد الجوارح، بصيرا بمواضع أحراسه، غير مصانع ولا مشفّع للناس في التنحّي إلى الرّفاهية والسّعة، وتقدّم العسكر والتأخّر عنه، فإن ذلك مما يضعف الوالي ويوهنه لاستنامته إلى من ولّاه ذلك وأمنه به على جيشه. واعلم أنّ مواضع الأحراس من معسكرك، ومكانها من جندك، بحيث الغناء عنهم والرّدّ عليهم، والحفظ لهم، والكلاءة لمن بغتهم طارقا، أو أرادهم خاتلا، ومراصدها المنسلّ منها والآبق «3» من أرقائهم وأعبدهم؛ وحفظها من العيون والجواسيس من عدوّهم. واحذر أن تضرب على يديه أو تشكمه عن الصّرامة بمؤامرتك «4» في كلّ أمر حادث وطاريء إلا في المهمّ النازل والحدث العام: فإنك إذا فعلت ذلك به، دعوته إلى نصحك، واستوليت على محصول ضميره «5» في طاعتك، وأجهد نفسه في ترتيبك «6» ، وأعمل رأيه في بلوغ موافقتك وإعانتك، وكان ثقتك وردأك «7» وقوّتك ودعامتك، وتفرّغت أنت لمكايدة عدوّك، مريحا

لنفسك من همّ ذلك والعناية به، ملقيا عنك مؤونة باهظة وكلفة فادحة، [إن شاء الله] «1» . واعلم أنّ القضاء من الله بمكان ليس به شيء من الأحكام، ولا بمثل محلّه أحد من الولاة: لما يجري على يديه من مغاليظ الأحكام ومجاري الحدود، فليكن من تولّيه القضاء في عسكرك [من ذوي] «2» الخير في القناعة والعفاف والنّزاهة والفهم والوقار والعصمة والورع، والبصر بوجوه القضايا ومواقعها، قد حنّكته السّنّ وأيّدته التجربة وأحكمته الأمور، ممن لا يتصنّع للولاية ويستعدّ للنّهزة، ويجتريء على المحاباة في الحكم، والمداهنة في القضاء، عدل الأمانة، عفيف الطّعمة، حسن الإنصاف «3» ، فهم القلب، ورع الضمير، متخشّع السّمت «4» ، بادي الوقار، محتسبا للخير. ثم أجر عليه ما يكفيه ويسعه ويصلحه، وفرّغه لما حمّلته، وأعنه على ما ولّيته: فإنك قد عرّضته لهلكة الدنيا وبوار الآخرة، أو شرف الدنيا وحظوة الآجلة، إن حسنت نيّته، وصدقت رويّته، وصحّت سريرته وسلّط حكم الله على رعيّته، مطلقا عنانه، منفّذا قضاء الله في خلقه، عاملا بسنّته في شرائعه، آخذا بحدوده وفرائضه. واعلم أنه من جندك بحيث ولايتك، الجارية أحكامه عليهم «5» ، النافذة أقضيته فيهم، فاعرف من تولّيه ذلك وتسنده إليه. ثم تقدّم في طلائعك فإنها أوّل مكيدتك، ورأس حربك، ودعامة أمرك، فانتخب لها من كلّ قادة وصحابة رجالا ذوي نجدة وبأس، وصرامة وخبرة، حماة كفاة، قد صلوا «6» بالحرب وذاقوا

سجالها، وشربوا مرار كؤوسها، وتجرّعوا غصص درّتها، وزبنتهم «1» بتكرار عواطفها، وحملتهم على أصعب مراكبها، وذلّلتهم بثقاف أودها. ثم انتقهم على عينك، واعرض كراعهم «2» بنفسك، وتوخّ في انتقائك ظهور الجلد، وشهامة الخلق، وكمال الآلة. وإيّاك أن تقبل من دوابّهم إلا الإناث من الخيل المهلوبة «3» ، فإنّهنّ أسرع طلبا، وأنجى مهربا، وألين معطفا، وأبعد في اللّحوق غاية، وأصبر في معترك الأبطال إقداما؛ وخذهم من السّلاح بأبدان «4» الدّروع، ماذيّة «5» الحديد، شاكّة «6» النّسج، متقاربة الحلق، متلاحمة المسامير وأسوق الحديد، مموّهة الركب، محكمة الطّبع، خفيفة الصّوغ، وسواعد طبعها هنديّ، وصوغها فارسيّ، رقاق المعاطف، بأكفّ واقية «7» وعمل محكم. ويلمق «8» البيض مذهبة ومجرّدة، فارسيّة الصّوغ، خالصة الجوهر، سابغة الملبس، واقية الجنن، مستديرة الطّبع، مبهمة السّرد «9» ، وافية الوزن كتريك «10» النّعام في الصّنعة واستدارة التّقبيب، واستواء الصّوع معلمة بأصناف الحرير وألوان الصّبغ، فإنّها أهيب لعدوّهم، وأفتّ لأعضاد من لقيهم، والمعلم «11» مخشيّ محذور، له بديهة رادعة، وهيبة هائلة، معهم السّيوف الهندية، وذكور البيض اليمانية، رقاق الشّفرات، مسنونة الشّحذ «12» ، مشطّبة الضرائب «13» ، معتدلة الجواهر، صافية

الصّفائح، لم يدخلها وهن الطبع، ولا عابها أمت «13» الصّوغ، ولا شانها خفّة الوزن، ولا فدح حاملها بهور «1» الثّقل، قد أشرعوا لدن القنا، طوال الهوادي «2» ، مقوّمات الأود، زرق الأسنّة، مستوية الثّعالب «3» ؛ وميضها متوقّد، وسنخها «4» متلهّب، معاقص «5» عقدها منحوتة، ووصوم «6» أودها مقوّمة، وأجناسها مختلفة، وكعوبها جعدة «7» ، وعقدها حبكة، شطبة «8» الأسنان، مموّهة الأطراف، مستحدّة الجنبات، دقاق الأطراف، ليس فيها التواء أود، ولا أمت وصم، ولا بها مسقط عيب، ولا عنها وقوع أمنية، مستحقبي كنائن النّبل وقسيّ الشّوحط والنّبع «9» ؛ أعرابيّة التعقيب «10» ، وروميّة النّصول، مسمومة الصّوغ، ولتكن سهامها على خمس

قبضات سوى النّصول، فإنها أبلغ في الغاية، وأنفذ في الدّروع، وأشكّ في الحديد، سامطين حقائبهم على متون خيولهم، مستخفّين من الآلة والأمتعة والزاد [إلا ما لا غناء بهم عنه] «1» . واحذر أن تكل مباشرة عرضهم وانتخابهم إلى أحد من أعوانك وكتّابك، فإنّك إن وكلته إليهم أضعت مواضع الحزم، وفرّطت حيث الرأي، ووقفت دون عزم الرّويّة، ودخل عملك ضياع الوهن، وخلص إليك عيب المحاباة، وناله فساد المداهنة، وغلب عليه من لا يصلح أن يكون طليعة للمسلمين ولا عدّة ولا حصنا يدّرئون به، ويكتهفون بموضعه. والطلائع حصون المسلمين وعيونهم، وهم أوّل مكيدتك، وعروة أمرك، فليكن اعتناؤك بهم، وانتقاؤك إيّاهم بحيث هم من مهمّ عملك، ومكيدة حربك، ثم انتخب للولاية عليهم رجلا بعيد الصوت «2» ، مشهور الاسم، ظاهر الفضل، نبيه الذّكر، له في العدوّ وقعات معروفات، وأيام طوال وصولات متقدّمات، قد عرفت نكايته، وحذرت شوكته، وهيب صوته، وتنكّب لقاؤه، أمين السّريرة، ناصح الجيب «3» ؛ قد بلوت منه ما يسكّنك إلى ناحيته: من لين الطاعة، وخالص المودّة، وركانة «4» الصّرامة، وغلوب الشّهامة، واستجماع القوّة، وحصافة التدبير، ثم تقدّم إليه في حسن سياستهم، واستنزال طاعتهم، واجتلاب مودّاتهم واستعذاب ضمائرهم، وأجر عليهم وعليه أرزاقا تسعهم، وتمدّ من أطماعهم، سوى أرزاقهم في العامّة، فإنّ ذلك من القوّة لك عليهم، والاستنامة إلى ما قبلهم. واعلم أنهم في أهمّ الأماكن لك، وأعظمها غناء عنك وعمّن معك؛ وأقمعها كبتا لمحادّك وأشجاها غيظا لعدوّك؛ ومن يكن في الثّقة، والجلد، والبأس،

والطاعة، والقوّة، والنصيحة والعدّة، والنّجدة حيث وصف لك أمير المؤمنين وأمرك به، يضع عنك مؤونة الهم، ويرخ من خناقك روع الخوف، وتلتجيء إلى أمر منيع، وظهر قويّ، ورأي حازم، تأمن به فجآت عدوّك، وغرّات بغتاتهم، وطوارق أحداثهم، ويصير إليك علم أحوالهم، ومتقدّمات خيولهم، فانتخبهم رأي عين، وقوّهم بما يصلحهم من المنالات والأطماع والأرزاق، واجعلهم منك بالمنزل الذي هم به من محارز علاقتك، وحصانة كهوفتك، وقوّة سيّارة عسكرك. وإيّاك أن تدخل فيهم أحدا بشفاعة، أو تحتمله على هوادة، أو تقدّمه لأثرة، أو أن يكون مع أحد منهم بغل نفل «1» ، أو فضل من الظّهر، أو ثقل «2» فادح، فتشتدّ عليهم مؤونة أنفسهم، ويدخلهم كلال السآمة فيما يعالجون من أثقالهم، ويشتغلون به عن عدوّهم إن دهمهم منه رائع، أو فجأهم منه طليعة، فتفقّد ذلك محكما له، وتقدّم فيه آخذا بالحزم في إمضائه، أرشدك الله لإصابة الحظّ، ووفّقك ليمن التدبير، وقصد بك لأسهل الرأي وأعوده نفعا في العاجل والآجل، وأكبته لعدوّك وأشجاه لهم، وأردعه لعاديتهم. ولّ درّاجة عسكرك وإخراج أهله إلى مصافّهم ومراكزهم رجلا من أهل بيوتات الشّرف، محمود الخبرة، معروفا بالنّجدة، ذا سنّ وتجربة، ليّن الطاعة، قديم النّصيحة، مأمون السّريرة، له بصيرة بالحق نافذة تقدّمه، ونيّة صادقة عن الإدهان «3» تحجزه، واضمم إليه عدّة نفر من ثقات جندك وذوي أسنانهم يكونون شرطة معه؛ ثم تقدّم إليه في إخراج المصافّ، وإقامة الأحراس، وإذكاء العيون، وحفظ الأطراف، وشدّة الحذر، ومره فليضع القوّاد بأنفسهم مع أصحابهم في مصافّهم، كلّ قائد بإزاء مكانه، وحيث منزله، قد سدّ ما بينه وبين صاحبه بالرّماح

شارعة، والتّرسة موضونة» ، والرجال راصدة، ذاكية الأحراس، وجلة الرّوع، خائفة طوارق العدوّ وبياته، ثم مره فليخرج كلّ ليلة قائدا في أصحابه أو عدّة منهم إن كانوا كثيرا، على غلوة «2» أو اثنتين من عسكرك، منتبذا عنك محيطا بمنزلك، ذاكية أحراسه، قلقة التردّد، مفرطة الحذر، معدّة للرّوع، متأهّبة للقتال، آخذة على أطراف المعسكر ونواحيه، متفرّقين في اختلافهم كردوسا كردوسا «3» ؛ يستقبل بعضهم بعضا [في الاختلاف] «4» ويكسع «5» تال متقدّما في التردّد، واجعل ذلك بين قوّادك وأهل عسكرك نوبا معروفة، وحصصا مفروضة، لا تعر «6» منها مزدلفا منك بمودّة، ولا تتحامل فيه على أحد بموجدة، إن شاء الله تعالى. فوّض إلى أمراء أجنادك وقوّاد خيلك أمور أصحابهم، والأخذ على قافية أيديهم، رياضة منك لهم على السّمع والطاعة لأمرائهم، والاتّباع لأمرهم، والوقوف عند نهيهم، وتقدّم إلى أمراء الأجناد في النوائب التي ألزمتهم إيّاها، والأعمال التي استنجدتهم لها، والأسلحة والكراع التي كتبتها عليهم، واحذر اعتلال أحد من قوّادك عليك بما يحول بينك وبين تأديب جندك، وتقويمهم لطاعتك، وقمعهم عن الإخلال بمراكزهم لشيء مما وكلوا به من أعمالهم؛ فإنّ ذلك مفسدة للجند، مفثأة «7» للقوّاد عن الجدّ والإيثار للمناصحة، والتقدّم في الاحكام. واعلم أنّ في استخفافهم بقوّادهم وتضييعهم أمر رؤسائهم دخولا للضياع

على أعمالك، واستخفافا بأمرك الذي يأتمرون به ورأيك الذي ترتئي؛ وأوعز إلى القوّاد أن لا يقدم أحد منهم على عقوبة أحد من أصحابه، إلا عقوبة تأديب في تقويم ميل، وتثقيف أود؛ فأما عقوبة تبلغ تلف المهجة وإقامة حدّ في قطع، أو إفراط في ضرب أو أخذ مال، أو عقوبة في شعر «1» فلا يلينّ ذلك من جندك أحد غيرك، أو صاحب شرطتك بأمرك وعن رأيك وإذنك، ومتى لم تذلّل الجند لقوّادهم، وتضرعهم لأمرائهم، توجب لهم عليك الحجة بتضييع- إن كان منهم- لأمرك، أو خلل- إن تهاونوا به- من عملك، أو عجز- إن فرط منهم- في شيء مما وكّلتهم به أو أسندته إليهم، ولا تجد إلى الإقدام عليهم باللّوم وعضّ العقوبة عليهم مجازا تصل به إلى تعنيفهم، بتفريطك في تذليل أصحابهم لهم، وإفسادك إيّاهم عليك وعليهم؛ فانظر في ذلك نظرا محكما، وتقدّم فيه برفقك تقدّما بليغا؛ وإيّاك أن يدخل حزمك وهن، أو يشوب عزمك إيثار، أو يخلط رأيك ضياع، والله يستودع أمير المؤمنين نفسك ودينك. إذا كنت من عدوّك على مسافة دانية وسنن لقاء مختصر، وكان من عسكرك مقتربا قد شامت «2» طلائعك مقدّمات ضلالته، وحماة فتنته، فتأهّب أهبة المناجز، وخذ اعتداد الحذر «3» ، وكتّب خيولك، وعبّ جندك، وإيّاك والمسير إلا في مقدّمة وميمنة وميسرة وساقة، قد شهروا الأسلحة، ونشروا البنود والأعلام؛ وعرّف جندك مراكزهم سائرين تحت ألويتهم، قد أخذوا أهبة القتال، واستعدّوا للّقاء، ملتجئين إلى مواقفهم، عارفين بمواضعهم في مسيرهم ومعسكرهم، وليكن ترحّلهم وتنزّلهم على راياتهم وأعلامهم وفي مراكزهم، قد عرّف كلّ قائد منهم أصحابه مواقفهم: من الميمنة والميسرة والقلب والساقة والطّليعة، لا زمين لها، غير مخلّين بما استنجدوا له، ولا متهاونين بما أهيب بهم إليه؛ حتّى تكون عساكرك في منهل

تصل إليه ومسافة تختارها «1» كأنها عسكر واحد في اجتماعها على العدوّ، وأخذها بالحزم، ومسيرها على راياتها، ونزولها في مراكزها، ومعرفتها بمواضعها، إن ضلّت دابة من موضعها، عرف أهل العسكر من أيّ المراكز هي، ومن صاحبها، وفي أيّ المحلّ حلوله منها فردّت إليه، هداية معروفة بسمت صاحب قيادتها، فإنّ تقدّمك في ذلك وإحكامك له طارح عن جندك مؤونة الطّلب، وعناية المعرفة، وابتغاء الضّالّة. ثم اجعل على ساقتك أوثق أهل عسكرك في نفسك صرامة ونفاذا ورضا في العامّة، وإنصافا من نفسه للرعيّة وأخذا بالحق في المعدلة، مستشعرا تقوى الله وطاعته، آخذا بهديك وأدبك واقفا عند أمرك ونهيك معتزما على مناصحتك وتزيينك نظيرا لك في الحال، وشبيها بك في الشّرف، وعديلا في الموضع، ومقاربا في النسب «2» ؛ ثم أكثف معه الجمع، وأيّده بالقوّة، وقوّه بالظّهر، وأعنه بالأموال، واعمده «3» بالسلاح، ومره بالتعطّف على ذوي الضّعف من جندك ومن أزحفت «4» به دابّته وأصابته نكبة: من مرض أو رجلة «5» أو آفة، من غير أن يأذن لأحد منهم في التنحّي عن عسكره، أو التخلّف بعد ترحّله، إلا لمجهود سقما، أو لمطروق بآفة جائحة. ثم تقدّم إليه محذّرا، ومره زاجرا، وانهه مغلظا في الشدّة على من مرّ به منصرفا عن معسكرك من جندك بغير جوازك، شادّا لهم أسرا، وموقرهم «6» حديدا، ومعاقبهم موجعا، وموجّههم إليك فتنهكهم عقوبة، وتجعلهم لغيرهم من جندك عظة.

واعلم أنه إن لم يكن بذلك الموضع من تسكن إليه واثقا بنصيحته قد بلوت منه أمانة تسكّنك إليه، وصرامة تؤمّنك مهانته، ونفاذا في أمرك يرخي عنك خناق الخوف في إضاعته، لم يأمن أمير المؤمنين تسلّل الجند عنك لواذا «1» ، ورفضهم مراكزهم، وإخلالهم بمواضعهم وتخلّفهم عن أعمالهم، آمنين تغيير ذلك عليهم، والشدّة على من اجترمه منهم، فأوشك ذلك في وهنك، وخذل من قوّتك، وقلّل من كثرتك. اجعل خلف ساقتك رجلا من وجوه قوّادك، جليدا ماضيا، عفيفا، صارما، شهم الرأي، شديد الحذر، شكيم القوّة، غير مداهن في عقوبة، ولا مهين في قوّة، في خمسين فارسا يحشر إليك جندك، ويلحق بك من تخلّف عنك بعد الإبلاغ في عقوبتهم والنّهك لهم والتنكيل بهم. وليكن بعقوتك «2» في المنزل الذي ترحل عنه، والمنهل الذي تتقوّض منه، مفرطا في النفض له، والتتبّع لمن تخلّف عنك به، مشتدّا في أهل المنزل وساكنه بالتقدّم، موعزا إليهم في إزعاج الجند عن منازلهم، وإخراجهم عن مكامنهم، وإيعاد العقوبة الموجعة والنّكال المبسل «3» في الأشعار والأبشار، واستصفاء الأموال وهدم العقار لمن آوى منهم أحدا أو ستر موضعه، أو أخفى محلّه، وحذّره عقوبتك إيّاه في الترخيص لأحد، والمحاباة لذي قرابة، والاختصاص بذلك لذي أثرة وهوادة، ولتكن فرسانه منتخبين في القوّة، معروفين بالنّجدة، عليهم سوابغ الدّروع دونها شعار الحشو وجبب الاستجنان، متقلدين سيوفهم، سامطين كنائنهم، مستعدّين لهيج إن بدههم [أو كمين إن يظهر لهم] «4» ؛ وإيّاك أن تقبل منهم في دوابّهم إلا فرسا قويّا أو برذونا وثيجا «5» : فإن ذلك

من أقوى القوّة لهم، وأعون الظّهريّ «1» على عدوّهم، إن شاء الله. ليكن رحيلك إبّانا واحدا «2» ، ووقتا معلوما: لتخفّ المؤونة بذلك على جندك، ويعلموا أوان رحيلهم، فيقدّموا فيما يريدون من معالجة أطعمتهم، وأعلاف دوابّهم، وتسكن قلوبهم إلى الوقت الذي وقفوا عليه، ويطمئنّ ذو والرأي إلى إبّان الرحيل، ومتى يكن رحيلك مختلفا، تعظم المؤونة عليك وعلى جندك [ويخلّوا بمراكزهم] «3» ولا يزال ذو والسّفه [والنّزق] «4» يترحّلون بالإرجاف «5» وينزلون بالتوهّم، حتى لا ينتفع ذو رأي بنوم ولا طمأنينة. إيّاك أن تظهر استقلالا، أو تنادي برحيل من منزل تكون فيه، حتّى تأمر صاحب تعبئتك بالوقوف بأصحابه على معسكرك، آخذا بجنبتي فوهته «6» ، بأسلحتهم عدّة لأمر إن حضر، أو مفاجأة من طليعة للعدوّ إن رأت منكم نهزة، أو لمحت عندكم غرّة، ثم مر الناس بالرّحيل وخيلك واقفة، وأهبتك معدّة، وجنّتك واقية، حتّى إذا استقللتم «7» من معسكركم، وتوجّهتم من منزلكم، سرتم على تعبئتكم بسكون ريح، وهدوّ حملة، وحسن دعة. فإذا انتهيت إلى منهل أردت نزوله أو هممت بالمعسكر به، فإيّاك ونزوله إلا بعد العلم بأهله، والمعرفة بمرافقه؛ ومر صاحب طليعتك أن يعرف لك أحواله، ويستثير لك علم دفينه، ويستبطن علم أموره ثم ينهيها إليك على ما صارت إليه: لتعلم كيف احتماله لعسكرك، وكيف ماؤه وأعلافه وموضع معسكرك منه، وهل لك- إن أردت مقاما به، أو مطاولة عدوّك أو مكايدته فيه- قوّة تحملك ومدد يأتيه: فإنّك إن لم تفعل ذلك، لم تأمن أن تهجم على منزل يعجزك ويزعجك عنه ضيق مكانه، وقلّة

مياهه، وانقطاع موادّه، إن أردت بعدوّك مكيدة، أو احتجت من أمورهم إلى مطاولة، فإن ارتحلت منه كنت غرضا لعدوّك، ولم تجد إلى المحاربة والاخطار سبيلا، وإن أقمت به أقمت على مشقّة وحصر وفي أزل وضيق، فاعرف ذلك وتقدّم فيه. فإن أردت نزولا أمرت صاحب الخيل التي وكّلت بالناس فوقفت خيله متنحّية من معسكرك، عدّة لأمر إن غالك، ومفزعا لبديهة إن راعتك، فقد أمنت بحمد الله وقوّته فجأة عدوّك، وعرفت موقعها من حرزك «1» ، حتّى يأخذ الناس منازلهم، وتوضع الأثقال مواضعها، ويأتيك خبر طلائعك، وتخرج دبّابتك «2» من معسكرك درّاجة ودبّابا محيطين بعسكرك، وعدّة إن احتجت إليها. ولتكن دبّابات جندك أهل جلد وقوّة، قائدا أو اثنين أو ثلاثة بأصحابهم، في كلّ ليلة ويوم نوبا بينهم، فإذا غربت الشمس ووجب «3» نورها، أخرج إليهم صاحب تعبئتك أبدالهم، عسسا بالليل في أقرب من مواضع دبّابي النهار، يتعاور ذلك قوّادك جميعا بلا محاباة لأحد فيه ولا إدهان [إن شاء الله] «4» . إيّاك وأن يكون منزلك إلا في خندق وحصن تأمن به بيات عدوّك وتستنيم فيه إلى الحزم من مكيدتك إذا وضعت الأثقال وحطّت أبنية أهل العسكر، لم يمدد طنب «5» ، ولم يرفع خباء، ولم ينصب بناء حتى تقطع لكلّ قائد ذرعا معلوما من الأرض بقدر أصحابه، فيحفروه عليهم خندقا يطيفونه بعد ذلك بخنادق الحسك «6» ، طارحين لها دون اشتجار الرّماح، ونصب التّرسة، لها بابان قد وكّلت

بحفظ كل باب منهما رجلا من قوّادك، في مائة رجل من أصحابه، فإذا فرغ من الخندق كان ذانك الرجلان القائدان بمن معهما من أصحابهما أهل ذلك المركز، وموضع تلك الخيل، وكانوا البوّابين والأحراس لذينك الموضعين، قد كفوهما وضبطوهما وأعفوا من أعمال العسكر ومكروهه غيرهما. واعلم أنك إذا كنت في خندق، أمنت بإذن الله وقوّته طوارق عدوّك وبغتاتهم، فإن راموا تلك منك، كنت قد أحكمت ذلك وأخذت بالحزم فيه، وتقدّمت في الإعداد له، ورتقت مخوف الفتق منه؛ وإن تكن العافية استحقّيت حمد الله عليها، وارتبطت شكره بها، ولم يضررك أخذك بالحزم: لأن كل كلفة ونصب ومؤونة إنفاق ومشقّة عمل مع السلامة غنم وغير خطر بالعاقبة، إن شاء الله. فإن ابتليت ببيات عدوّك أو طرقك رائعا في ليلك، فليلفك حذرا مشمّرا عن ساقك، حاسرا عن ذراعك، متشزّنا لحربك، قد تقدّمت درّاجتك إلى مواضعها على ما وصفه لك أمير المؤمنين، ودبّابتك في أوقاتها التي قدّر لك، وطلائعك حيث أمرك، وجندك على ما عبّأ لك قد خطرت عليهم بنفسك، وتقدّمت إلى جندك إن طرقهم طارق، أو فاجأهم عدوّ، أن لا يتكلّم منهم أحد رافعا صوته بالتكبير مغرقا في الإجلاب، معلنا بالإرهاب لأهل الناحية التي يقع بها العدوّ طارقا، وليشرعوا رماحهم ناشبين بها «1» في وجوههم، ويرشقونهم بالنبل مكتنّين «2» بأترستهم، لازمين لمراكزهم، غير مزيلي قدم عن موضعها، ولا متجاوزين إلى غير مركزهم؛ وليكبّروا ثلاث تكبيرات متواليات وسائر الجند هادون، لتعرف موضع عدوّك من معسكرك، فتمدّ أهل تلك الناحية بالرجال من أعوانك وشرطتك ومن انتخبت قبل ذلك عدّة للشدائد بحضرتك وتدسّ إليهم النّشّاب والرّماح.

وإيّاك وأن يشهروا سيفا يتجالدون به. وتقدّم إليهم أن لا يكون قتالهم في تلك المواضع لمن طرقهم إلا بالرّماح مسندين لها إلى صدورهم، والنّشّاب راشقين به وجوههم، قد ألبدوا «1» بالأترسة، واستجنّوا بالبيض، وألقوا عليهم سوابغ الدّروع وجباب الحشو، فإن صدّ العدوّ عنهم حاملين على جهة [أخرى، كبّر] «2» أهل تلك الناحية التي يقع فيها كفعل الناحية الأولى، وبقيّة العسكر سكوت والناحية التي صدّ عنها العدوّ لازمة مراكزهم منتطقة الهدوّ ساكنة الرّيح، ثم عملت في تقويتهم وإمدادهم بمثل صنيعك بإخوانهم. وإياك أن تخمد نار رواقك [وإذا وقع العدوّ في معسكرك فأجّجها ساعرا لها وأوقدها حطبا جزلا يعرف به أهل العسكر مكانك وموضع رواقك] «3» فيسكن نافر قلوبهم، ويقوى واهي قوّتهم، ويشتدّ منخذل ظهورهم، ولا يرجمون بك الظّنون، ويجعلون لك آراء السّوء، ويرجفون بك آناء الخوف، وذلك من فعلك رادّ عدوّك بغيظه لم يستفلل منك ظفرا، ولم يبلغ من نكايتك سرورا. وإن انصرف عنك عدوّك ونكل عن الإصابة من جندك وكانت بخيلك قوّة على طلبه أو كانت لك من فرسانك خيل معدّة وكتيبة منتخبة، [و] «4» قدرت على أن تركب بهم أكساءهم «5» ، وتحملهم على سننهم، فأتبعهم جريدة «6» خيل عليها الثّقات من فرسانك، وأولو النّجدة من حماتك، فإنك ترهق عدوّك وقد أمن من بياتك، وشغل بكلاله عن التحرّز منك والأخذ بأبواب معسكره، والضّبط لمحارسه عليك، موهنة حماتهم لغبة «7» أبطالهم: لما ألفوكم عليه من التشمير والجدّ، قد عقر الله فيهم «8» ، وأصاب منهم، وجرح من مقاتلتهم، وكسر من أمانيّ ضلّالهم، وردّ من

مستعلي جماحهم. وتقدّم إلى من توجّهه في طلبهم، وتتبعه أكساءهم، في سكون الرّيح، وقلّة الرّفث «1» ، وكثرة التسبيح والتهليل، واستنصار الله عزّ وجل بألسنتهم وقلوبهم سرّا وجهرا، بلا لجب ضجّة، ولا ارتفاع ضوضاء، دون أن يردوا على مطلبهم، وينتهزوا فرصتهم، ثم ليشهروا السّلاح، وينتضوا السّيوف، فإنّ لها هيبة رائعة، وبديهة مخوفة، لا يقوم لها في بهمة الليل وحندسه «2» إلا البطل المحارب، وذو البصيرة المحامي، والمستميت المقاتل، وقليل ما هم عند تلك الحميّة وفي ذلك الموضع. ليكن أوّل ما تتقدّم به في التهيّؤ لعدوّك، والاستعداد للقائه، انتخابك من فرسان عسكرك وحماة جندك ذوي البأس والحنكة والجلد والصّرامة، ممّن قد اعتاد طراد الكماة، وكشّر عن ناجذه في الحرب، وقام على ساق في منازلة الأقران، ثقف الفروسية، مجتمع القوّة، مستحصد المريرة «3» ، صبورا على هول الليل، عارفا بمناهزة الفرص، لم تمهنه «4» الحنكة ضعفا، ولا بلغت به السّنّ كلالا، ولا أسكرته غرّة الحداثة جهلا، ولا أبطرته نجدة الأغمار «5» صلفا، جريئا على مخاطرة التلف، مقدما على ادّراع الموت، مكابرا لمهيب «6» الهول، متقحّما مخشيّ الحتوف، خائضا غمرات المهالك، برأي يؤيّده الحزم، ونيّة لا يخالجها الشّكّ، وأهواء مجتمعة، وقلوب مؤتلفة، عارفين بفضل الطاعة وعزّها وشرفها، وحيث محلّ أهلها من التأييد والظّفر والتمكين، ثم اعرضهم رأي عين على كراعهم وأسلحتهم، ولتكن دوابّهم إناث عتاق الخيل، وأسلحتهم سوابغ الدّروع

وكمال آلة المحارب، متقلّدين سيوفهم، المستخلصة من جيّد الجوهر وصافي الحديد، المتخيرة من معادن الأجناس، هنديّة الحديد [أو تبّتيّة] «1» يمانية الطّبع، رقاق المضارب، مسمومة الشّحذ، مشطّبة الضّربية، ملبدين بالتّرسة الفارسيّة، صينيّة التعقيب، معلمة المقابض بحلق الحديد، أنحاؤها مربّعة، ومخارزها بالتجليد مضاعفة، محملها مستخف، وكنائن النّبل وجعاب القسيّ قد استحقبوها، وقسيّ الشّريان «2» والنّبع أعرابيّة الصّنعة، مختلفة الأجناس، محكمة العمل، مقوّمة التثقيف، ونصول النّبل مسمومة، وعملها مصيّصيّ «3» ، وتركيبها عراقيّ، وترييشها بدويّ، مختلفة الصّوغ في الطّبع، شتّى الأعمال في التشطيب والتجنيح والاستدارة، ولتكن الفارسية مقلوبة المقابض منبسطة السّية «4» ، سهلة الانعطاف، مقرّبة الانحناء، ممكنة المرمى، واسعة الأسهم، فرضها سهلة الورود، ومعاطفها غير مقتربة المواتاة، ثم ولّ على كلّ مائة رجل منهم رجلا من أهل خاصتك وثقاتك ونصحائك، له صيت في الرّياسة، وقدم في السابقة، وأوّليّة في المشايعة، وتقدّم إليه في ضبطهم، وكفّ معرّتهم، واستنزال نصائحهم، واستعداد طاعتهم، واستخلاص ضمائرهم، وتعاهد كراعهم وأسلحتهم: معفيا لهم من النوائب التي تلزم أهل عسكرك وعامّة جندك، واجعلهم عدّة لأمر إن حزبك أو طارق إن أتاك؛ ومرهم أن يكونوا على أهبة معدّة، وحذر ناف لسنة الغفلة عنهم، فإنك لا تدري أيّ الساعات من ليلك ونهارك تكون إليهم حاجتك، فليكونوا كرجل واحد في التشمير والتّرادف وسرعة الإجابة، فإنّك عسيت أن لا تجد عند جماعة جندك في مثل تلك الرّوعة والمباغتة- إن احتجت إلى ذلك منهم- معونة كافية، ولا أهبة معدّة، بل ذلك كذلك. فليكن هؤلاء القوم الذين تنتخب عدّتك وقوّتك بعوثا قد وظّفتها على القوّاد الذين ولّيتهم أمورهم، فسمّيت أوّلا

وثانيا وثالثا ورابعا وخامسا وسادسا؛ فإن اكتفيت فيما يطرقك ويبدهك ببعث واحد، كان معدّا لم تحتج إلى انتخابهم في ساعتك تلك فقطّع البعث عليهم عند ما يرهقك. وإن احتجت إلى اثنين أو ثلاثة وجّهت منهم إرادتك أو ما ترى قوّتك، إن شاء الله. وكّل بخزائنك ودواوينك رجلا ناصحا أمينا، ذا ورع حاجز، ودين فاضل، وطاعة خالصة، وأمانة صادقة، واجعل معه خيلا يكون مسيرها ومنزلها ومرحلها «1» مع خزانتك وحولها، وتقدّم إليه في حفظها، والتوقّي عليها، واتّهام كلّ من تسند إليه شيئا منها على إضاعته والتهاون به، والشّدّة على من دنا منها في مسير، أو ضامّها في منزل، أو خالطها في منهل. وليكن عامّة الجند والجيش- إلا من استخلصت للمسير معها- متنحّين عنها، مجانبين لها في المسير والمنزل، فإنه ربّما كانت الجولة وحدثت الفزعة، فإن لم يكن للخزائن ممن يوكّل بها أهل حفظ لها وذبّ عنها، وحياطة دونها، وقوّة على من أراد انتهابها، أسرع الجند إليها وتداعوا نحوها حتّى يكاد يترامى ذلك بهم إلى انتهاب العسكر، واضطراب الفتنة، فإنّ أهل الفتن وسوء السّيرة كثير، وإنما همّتهم الشّر، فإيّاك أن يكون لأحد في خزائنك ودواوينك [وبيوت أموالك] «2» مطمع أو يجد سبيلا إلى اغتيالها ومرزأتها [إن شاء الله] «3» . اعلم أنّ أحسن مكيدتك أثرا في العامّة، وأبعدها صيتا في حسن القالة، ما نلت الظّفر فيه بحزم الرّويّة، وحسن السّيرة، ولطف الحيلة، فلتكن رويّتك في ذلك وحرصك على إصابته بالحيل، لا بالقتال وأخطار التّلف، وادسس إلى عدوّك، وكاتب رؤساءهم وقادتهم وعدهم المنالات، ومنّهم الولايات، وسوّغهم التّراث، وضع عنهم الإحن «4» ، واقطع أعناقهم بالمطامع، واستدعهم بالمثاوب،

واملأ قلوبهم بالترهيب إن أمكنتك منهم الدّوائر، وأصارتهم إليك الرّواجع، وادعهم إلى الوثوب بصاحبهم أو اعتزاله إن لم يكن لهم بالوثوب عليه طاقة، ولا عليك «1» أن تطرح إلى بعضهم كتبا كأنّها جواب «2» كتب لهم إليك، وتكتب على ألسنتهم كتبا إليك تدفعها إليهم، وتحمل بها صاحبهم عليهم وتنزلهم عنده بمنزلة التّهمة ومحلّ الظّنّة، فلعلّ مكيدتك في ذلك أن يكون فيها افتراق كلمتهم، وتشتيت جماعتهم، وإحن قلوبهم، وسوء الظنّ من واليهم بهم، فيوحشهم منه خوفهم إيّاه على أنفسهم إذا أيقنوا باتّهامه إيّاهم، فإن بسط يده فقتلهم، وأولغ سيفه في دمائهم، وأسرع الوثوب بهم، أشعرهم جميعا الخوف، وشملهم الرّعب، ودعاهم إليك الهرب فتهافتوا نحوك بالنصيحة وأمّوك بالطّلب، وإن كان متأنّيا محتملا رجوت أن تستميل إليك بعضهم، ويستدعي الطمع ذوي الشّره منهم، وتنال بذلك ما تحب من أخبارهم، إن شاء الله. إذا تدانى الصّفّان، وتواقف الجمعان، واحتضرت الحرب، وعبّأت أصحابك لقتال عدوّهم، فأكثر من قول: لا حول ولا قوّة إلا بالله، والتوكّل على الله عزّ وجلّ والتفويض إليه، ومسألته توفيقك وإرشادك، وأن يعزم لك على الرّشد المنجي، والعصمة الكالئة، والحياطة الشاملة. ومر جندك بالصّمت وقلّة التلفّت عند المصاولة، وكثرة التكبير في أنفسهم «3» ، والتسبيح بضمائرهم، ولا يظهروا تكبيرا إلا في الكرّات والحملات، وعند كل زلفة يزدلفونها، فأما وهم وقوف فإنّ ذلك من الفشل والجبن، وليذكروا الله في أنفسهم ويسألوه نصرهم وإعزازهم، وليكثروا من قول: لا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهمّ انصرنا على عدوّك وعدوّنا الباغي، واكفنا شوكته المستحدّة وأيّدنا بملائكتك الغالبين، واعصمنا بعونك من الفشل والعجز إنك أرحم الراحمين.

الطرف الثالث

وليكن في معسكرك المكبّرون في الليل والنهار قبل المواقعة «1» ، وقوم موقوفون يخصّونهم على القتال ويحرّضونهم على عدوّهم، ويصفون لهم منازل الشّهداء وثوابهم، ويذكّرونهم الجنة ودرجاتها ونعيم أهلها وسكّانها، ويقولون: اذكروا الله يذكركم، واستنصروه ينصركم، والتجئوا إليه يمنعكم، وإن استطعت أن تكون أنت المباشر لتعبئة جندك ووضعهم مواضعهم من رأيك «2» ، ومعك رجال من ثقات فرسانك ذو وسنّ وتجربة ونجدة على التعبئة التي أمير المؤمنين واصفها لك في آخر كتابك «3» ، فافعل إن شاء الله تعالى. أيّدك الله بالنصر، وغلب لك على القوّة، وأعانك على الرّشد، وعصمك من الزّيغ، وأوجب لمن استشهد معك ثواب الشّهداء ومنازل الأصفياء، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وكتب سنة تسع وعشرين ومائة «4» . الطرف الثالث (فيما كان يكتب عن خلفاء بني العباس ببغداد إلى حين انقراض الخلافة العبّاسية من بغداد) وهو على أربعة أنواع: النوع الأوّل (ما كان يكتب لوزراء الخلافة) وكان رسمهم فيه أن يفتتح بلفظ «أما بعد فالحمد لله» ويؤتى فيه بثلاث تحميدات، ورما اقتصر على تحميدة واحدة. وعلى ذلك كانت تقاليد وزرائهم من

أرباب السّيوف والأقلام. وهذه نسخة تقليد من ذلك كتب بها العلاء بن موصلايا «1» ، عن القائم بأمر الله «2» ، للوزير فخر الدولة بن جهير «3» ، في شهور سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة، وهو: أما بعد، فالحمد لله ذي الآلاء الصافية الموارد، والنّعماء الصادقة الشّواهد، والطّول الجامع شمل أسباب المنح الشّوارد، ذي القدرة المصرّفة على حكمها مجاري القدر، والمشيئة الحالية بالنّفاذ في حالتي الورد والصّدر، المذلّ بجميل صنعه أعناق المصاعب، المديم «4» بكريم لطفه من امتداد ذوائب النّوائب، الذي جلّ عن إدراك صفاته بعدّ أو حدّ، ودلّ بباهر آياته على كونه الفرد الوليّ بكل شكر وحمد؛ سبحانه وتعالى عما يصفون. والحمد لله الذي اختصّ محمدا صلى الله عليه وسلم بالرّسالة واجتباه، وحباه الكرامة بما أشرق له مطلع الجلال، واختاره وبعثه لإظهار كلمة الحقّ بعد أن مدّ الضّلال رواقه، فلم يزل بإعزاز الشّرع قائما، ولساعات زمانه في طلب رضا الله قاسما، لا ينحرف عن مقاصد الصواب ولا يميل، ولا يخلي مطايا جدّه في تقوية الدّين مما يتابع فيه الرّسيم والذّميل «5» ، إلى أن أزال عن القلوب صدأ الشّكوك وجلا، وأجلى مسعاه عن كلّ ما أودع نفوس أحلاف الباطل وجلا «6» ، ومضى وقد أضاء للإيمان

هلال أمن سراره، وانتضى لإبادة الشّرك حساما لا ينبو قطّ غراره، فصلّى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وأصحابه المنتخبين، صلاة يتّصل الأصيل فيها بالغدوّ وترى قيمتها في الأجر وافية العلوّ والغلوّ. والحمد لله الذي أصار إلى أمير المؤمنين من إرث النبوّة ما هو أحقّ به وأولى وأنار له من مطالع العزّ ما أسدى به كلّ نعمة وأولى، وأحلّه من شرف الإمامة بحيث عنت لطاعته أعناق الرّقاب الصّعاب، وأذعنت له القلوب بالانطواء على الولاء الفسيح الرحاب والشّعاب، وجعل أيّامه بالنّضارة آهلة المغاني، متقابلة أسماؤها في الحسن بالمعاني، فما يجري فيها إلا ما الصواب في فعله كامن، والحظّ بابتهاج سبله كائن، إبانة عن اقتران الرّشد بعزائمه في حالتي العقد والحلّ، واقتراب مرام كلّ ما يحلّ من الصّلاح في الدهر أفضل المحلّ. ثم إنه يرى من إقرار الحقوق في نصابها، وإمرار حبال التوفيق في جانبها «1» من الأطماع الممتدّة إلى اغتصابها، ما يعرب عن الاهتداء إلى طرق الرّشد، والاقتداء بمن وجد ضالّة المراد حين نشد، ويقصد من تجديد العوارف، عند كلّ عالم بقدرها في الزمان عارف، ما يحلو جنى ثمره في كل أوان، ويحدو «2» انتشار خبره على إعانة كل فكر في وصفه عنوان، فيتناقل الرّواة ذكر ذلك غورا ونجدا، وتلقى الهمم العليّة ادّخار الجمال به أنفع من كلّ قنية وأجدى، استمرارا على شاكلة تحلّت بالكرم وحلّت من الجلال في القلل والقمم، وحلت آثارها في إيلاء نفيس المنح وجزيل القسم. ولما غدا منصب الوزارة موقوفا على الّذين طالما جزّوا بهممهم نواصي الخطوب، وحازوا بذممهم المنال في مقاصد استشهدوا بها على إحراز كلّ فضيلة واستدلّوا، وكفّوا بكفايتهم أكفّ الفساد وردّوا، وحازوا الفعال في كلّ ما سعوا له

وجدّوا، وخلا الزمان ممّن ينهض بعبء هذا الأمر الجسيم، وتصبح أنباؤه فيه ذكيّة الأرج والنسيم- لم يبق غيرك ممن يستحقّ التخييم في عراصه، والتحكيم في اجتناء الفخر منه واستخلاصه، وكان القدر سبق بانفصالك عن الخدمة لا لضعف سريرة، ولا لقوّة جريرة، ولا لكدر سيرة؛ وكيف وأنت المتفرّد بالكمال، والمتجرّد في كل مقام سلم حدّ تقرّبك فيه من حادث الكلال، ولك في الدولة الحقوق التي أعتدت لك من وقع الاستزادة مجنّا، والمواقف التي اغتذت من درّة الإحماد بما أيّن «1» الظّئر لها وأنّا، والمقاصد التي أعدمت منك البدل، ولا انحرف لك منها مسعى عن مناهج الإصابة ولا عدل، وتمكّنت فيها من عنان التوفيق بما لا يجارى سيفك فيه قط، ولا يحسن له حال المسرى إليه المحطّ؛ والآثار التي أثارت من كوامن الرضا أفضل ما يذخر ويقتنى، وأنارت من دلائل الزّلفى ما ينتجز به وعد المنى ويقتضى؛ لكن كان ذلك مسطورا في الكتاب، وليتبيّن أنّه لا عوض عنك في الاستحقاق للأمر والاستيجاب، لم يوجد لهذه الرّتبة كفؤا سواك، ولا ينزّهها عن العطل غير رائق حلاك، فرأى أمير المؤمنين تسليم مقاليدها إليك إذ كنت أحقّ بها وأهلها، وممّن يجمع بعد الشّتات شملها، فطوّقك من قلائدها ما هو بأعطافك ألصق، وبتمام أوصافك أليق: لتدّرع من عزّ الوزارة جلبابا لا تخلق الأيام له جدّة، ولا تزال السّعود بما يؤول إلى دوام مدّته ممتدّة، وترتضع من لبان خلالها «2» ما يقضي لك بأن تقف نفسها عليك، وتقف آمال الأمثال دون ما انتهت الغاية فيه إليك، وتعتمد فيما عدقه «3» بك منها وناطه، ووفّاك فيه حقوق النظر واشتراطه، بحكم توحّدت في إحراز أدواتها التي لا يبلغ أحد لك منها مدى، ولم يمدّ طامع إلى مساجلتك فيها يدا- ما يرضي الله تعالى ويرضيه، ويخصّ ذكرك بالطيب

ويحيطه فتفوز فوزا كبيرا، وتعيد الساعي في إدراك شأوك ظالعا «1» حسيرا. ثم إنه شفع هذه المنحة التي قمّصك مجاسد فخرها بالوجوب، وعوّضك فيها الدهر بحادث البشر عن سابق القطوب- بإيصالك إلى حضرته، وإدنائك من سدّته، ومناجاتك بما يتيح لك امتطاء غارب المجد وصهوته، والاحتواء على خالص السعد وصفوته، وحبائك من صنوف التشريفات التي تروق حلى خلالها، وتتوق الآمال إلى إدراكها ومنالها؛ وصفت الكرامات التي وفت المنى بها بعد مطالها، ونفت القذى عن مقل مغضوضة بسوء فعال الأيّام ومقالها، بما يوطيء عقبك الرجال، ويضيّق على من يحاول مجاراتك المسرح والمجال؛ ولم يقتنع بذلك في حقّ النّعمى التي أعداك فيها على الغير، وأغداك منها في ظلّ من الأمن البادي الأوضاح والغرر، حتّى ألحق بسماتك «تاج الوزراء» تنويها بذكرك في الزّمان، وتنبيها على اختصاصك لديه بوجاهة الرّتبة والمكان، فصار مكروه الأمور في محبوبها سببا، وخبت نار كلّ من سعى في تضليل النظام وجيفا وخببا «2» ، حتّى الآملون أن يجعلوا تخت الخلافة «3» زمنا «4» ، وتصبح رباعه بعد النّضارة دمنا، ليعقبهم ذاك نيل ما وصلت إليه الإمضاء لهذا العزم. وبالجملة فالسّآمة واقعة من تتابع هذه الشّكاوى، وقد كان الأحبّ أن لا يضمّن الكتب النافذة سوى تعهّد الأنباء، لا زال عرفها أرجا من سائر الأرجاء والنّواحي. لكن تأتي مجاري الأقدار، ودواعي الاضطرار، إلى «5» ما يرنّق ماء الإرادة والإيثار، والآن فقد بلغ الماء، وجلب من عدم الصّبر الحنّاء، ولم يبق غير هزّة دينيّة منك تكشف بها هذه المعرّة، وتتحف منها أمير المؤمنين بما يتمّ لديه أكمل المسرّة؛ فقم في ذلك مقام مثلك-

وإن كان لا نظير لك يوجد- تحظ بما يمضي لك فيه استحقاق كلّ الحمد ويوجب؛ إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة تقليد من ذلك، كتب بها عن المسترشد «1» - فيما أظن- لبعض وزرائه، وهي: أما بعد، فالحمد لله المنفرد بكبريائه، المتفضّل على أوليائه، مجزل النّعماء، وكاشف الغمّاء، ومسبغ العطاء، ومسبل الغطاء، ومسني الحباء، ومسدي الآلاء، الذي لا تؤوده الأعباء، ولا تكيده الأعداء، ولا تبلغه الأوهام، ولا تحيط به الأفهام، ولا تدركه الأبصار، ولا تتخيّله الأفكار، ولا تهرمه الأعوام بتواليها، ولا تعجزه الخطوب إذا ادلهمّت لياليها، عالم هواجس الفكر، وخالق كل شيء بقدر، مصرّف الأقدار على مشيئته ومجريها، ومانح مواهبه من أضحى بيد الشّكر يمتريها، حمدا يصوب حياه «2» ، ويعذب جناه، وتتهلّل أسرّة الإخلاص من مطاويه، ويستدعي المزيد من آلائه ويقتضيه. والحمد لله الذي استخلص محمدا صلى الله عليه وسلم من زكيّ الأصلاب، وانتخبه من أشرف الأنساب، وبعثه إلى الخليقة رسولا، وجعله إلى منهج النجاة دليلا، [وقد بوّأ الشرك بوار الذّلّ وقضاه] «3» وشهر عضب «4» العزّ وانتضاه؛ والأمم عن طاعة الرحمن عازفة، وعلى عبادة الأوثان عاكفة، فلم يزل بأمر ربّه صادعا، وعن التمسّك بعرا الضّلال الواهية وازعا، وإلى ركوب محجّة الهدى داعيا، وعلى قدم

الاجتهاد في إبادة الغواية ساعيا، حتّى أصبح وجه «1» الحق منيرا مشرقا، وعوده بعد الذّبول أخضر مورقا، ومضى الباطل مولّيا أدباره، ومستصحبا تتبيره وبواره، وقضى صلى الله عليه وسلم بعد أن مهّد من الإيمان قواعده، وأحكم آساسه ووطائده، وأوضح سبل الفوز لمن اقتفاها، ولحب طريقها بعد ما دثرت صواها «2» ، فصلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وصحبه الأكرمين، صلاة متّصلا سحّ غمامها، مسفرا صبح دوامها. والحمد لله على أن حاز لأمير المؤمنين من إرث النّبوّة «3» ما هو أجدر بحيازة مجده «4» ، وأولى بفيض عدّه «5» ، ووطّأ له من الخلافة المعظّمة مهادا أحفزته نحوه حوافز ارتياحه، وجذبته إليه أزمّة راعه والتياحه «6» ، إلى أن أدرك من ذلك مناه، وألقى الاستقرار الذي لا يريم عصاه، وعضّد دولته بالتأييد من سائر أنحائه ومراميه، وأعراضه ومغازيه، حتّى فاقت الدّول المتقادمة إشراقا، وأعطتها الحوادث من التغيّر عهدا وفيّا وميثاقا، وأضحت أيامه- أدامها الله- حالية بالعدل أجيادها، جالية «7» في ميادين النّضارة جيادها، وراح الظّلم دارسة أطلاله، مقلّصا سرباله، قد أنجم سحابه، وزمّت للرّحلة ركابه، فما يستمرّ منها أمر إلا كان صنع الله سبحانه مؤيّده، والتوفيق مصاحبه أنّى يمّم ومسدّده، وهو يستوزعه- جلّت عظمته- شكر هذه النّعمة، ويستزيده بالتحدّث بها من آلائه الجمّة، ويستمدّ منه المعونة في كلّ أرب قصده وأمّه، وشحذ لانتحائه عزمه، وما توفيقه إلّا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب.

ولمّا كانت الوزارة قطب الأمور الذي عليه مدارها، وإليه إيرادها وعنه إصدارها، وخلا منصبها من كاف «1» يكون له أهلا، وينظم من شماله «2» شملا، أجال أمير المؤمنين فيمن يختار [لذ] «3» لك فكره، وأنعم لأهل الاصطفاء لهذه المنزلة [نظره] «4» حتّى صرّح محض رأيه عن زبدة اختيارك، وهداه صائب تدبيره إلى اقتراحك وإيثارك، وألقى إليك بالمقاليد، وعوّل في دولته القاهرة على تدبيرك السّديد، وناط بك من أمر الوزارة ما لم يلف له سواك مستحقّا، ولا لنسيم استيجابه مسترقّا «5» ، علما بما تبديه كفايتك المشهورة، وإيالتك المخبورة، من تقويم ما أعجز مياده، وإصلاح ما استشرى فساده، واستقامة كلّ حال وهي عمادها، وأصلت «6» على كثرة الافتداح زنادها، وتثبّتا لما تبسم عنه الأيام من آثار نظرك المعربة عن احتوائك على دلائل الجزالة، واستيلائك على مخايل الأصالة، اللذين تنال بهما غايات المعالي، وتفرع الذّرى والأعالي. ثم إنّ أمير المؤمنين بمقتضى هذه الدّعاوى اللازمة، وحرمات جدّك وأبيك السالفة المتقادمة التي استحصدت في الدار العزيزة قوى أمراسها، وأدنت منك الآن ثمرة غراسها، رأى أن يشيّد هذه العارفة التي تأرّج لديك نسيمها، وبدت على أعناق فخرك رسومها، وجادت رباعك شآبيبها، وضفت عليك جلابيبها، بما يزيد أزرك اشتدادا، وباع أملك طولا وامتدادا، فأدناك من شريف حضرته مناجيا، ومنحك من مزايا الأيّام ما يكسبك ذكرا في الأعقاب ساريا، وعلى الأحقاب باقيا، وأفاض عليك من الملابس الفاخرة ما حزت به أوصاف الجمال، وجمع لك أباديد

الآمال، [وقلّدك من الفخر ما يدوم على مرّ الزمان ويبقى] «1» وأمطاك صهوة سابح يساوي «2» الرّياح سبقا، ووسمك بكذا وكذا في ضمن التأهيل للتكنية، إبانة عن جميل معتقده فيك، ورعاية لوسائلك المحكمة المرائر وأواخيك. وأمرك بتقوى الله التي هي أحصن المعاقل، وأعذب المناهل، وأنفع الذّخائر، يوم تبلى السّرائر؛ وأن تستشعرها فيما تبديه وتخفيه، وتذره وتأتيه: فإنها أفضل الأعمال وأوجبها، وأوضح المسالك إلى الفوز برضا الله وألحبها، وأجلب الأشياء للسعادة الباقية، وأجناها لقطوف الجنان «3» الدانية؛ عالما بما في ذلك من نفع تتكامل أقسامه، وتتفتّح عن نور الصّلاح الجامع أكمامه، قال الله جلّت آلاؤه، وتقدّست أسماؤه: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ «4» وقال تعالى حاضّا على تقواه، ومخبرا عما خصّ به متّقيه وحباه، وكفى بذلك داعيا إليها، وباعثا عليها: فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ* «5» . وأمرك أن تتوخّى المقاصد السليمة وتأتيها، وتتوخّم «6» الموارد الوخيمة وتجتويها، وأن تتبع «7» بالحزم أفعالك، وتجعل كتاب الله تعالى إمامك الذي تهتدي به ومثالك، وأن تكفّ من نفسك عند جماحها وإبائها، وتصدّها عن متابعة أهوائها، وتثني عند احتدام سورة الغضب عنانها، وتشعرها من حميد الخلائق ما يوافق إسرارها فيه إعلانها: فإنها لم تزل إلى منزلة السّوء المردية داعية، وعن سلوك مناهج الخير المنجية ناهية، قال الله تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما

رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» . وأمرك أن تتخيّر «2» للخدمة بين يديك من بلوت أخباره، واستشففت أسراره، فعلمته جامعا أدوات الكفاية، موسوما بالأمانة والدّراية، قد عركته رحا التّجارب عرك الثّفال «3» وحلب الدّهر أشطره على تصاريف الأحوال: ليكون أمر ما يولّاه «4» على منهج الاستقامة جاريا، وعن ملابس الخلل والارتياب عاريا، فلا يضع في مزلقة قدما، ولا يأتي ما يقرع سنّه لأجله ندما، وأن تمنح رعايا أمير المؤمنين من بشرك ما يعقل شوارد الأهواء، ويلوي إليك بأعناق نوافرها اللائي اعتصمن بالجماح والإباء؛ مازجا ذلك بشدّة تستولي حميّا رهبتها على القلوب، وتفلّ مرهفات بأسها صرف الخطوب، من غير إفراط في استدامة ذلك يضيق نظامها به «5» ، ويغريها اتّصاله باستشعار وعر الخطأ واستيطاء مركبه. وأمرك أن تعذب مورد الإحسان لمن أحمدت بلاءه، وتحقّقت غناءه، واستحسنت أثره، وارتضيت عيانه وخبره، وتسدل أسمال الهوان على من بلوت فعله ذميما، وألفيته بعراص الإساءة مقيما، وإلى رباعها الموحشة مستأنسا مستديما، كيلا لكلّ امريء بصاعه، واتّباعا لما أمر الله باتّباعه، وتجنّبا للإهمال الجاعل المحسن والمسيء سواء، والمعيدهما في موقف الجزاء أكفاء، فإنّ في ذلك تزهيدا لذوي الحسنى في الإحسان، وتتابعا لأهل الإساءة في العدوان، ولولا ما فرضه الله على أمير المؤمنين من إيجاب الحجّة، والفكاك من ربقة الاجتهاد ببلاغ المعذرة، لثنى عنان الإطالة مقتصرا، واكتفى ببعض القول مختصرا، ثقة

النوع الثاني

بامتناع سدادك ونهاك، أن يراك صواب الفعل حيث نهاك، واستنامة إلى ما خوّلك الله من الرأي الثاقب، المطّلع من خصائص البديهة على محتجب العواقب. فارتبط يا فلان هذه النّعمى التي جادت ديمها مغانيك، وحقّقت الأيّام بمكانتها أمانيك، بشكر ينطق به لسان الاعتراف، فيؤمّن وحشيّ النّعم من النّفار والانحراف، واسلك في جمال السّيرة، والاقتداء بهذه الأوامر المبيّنة «1» المذكورة، جددا يغري بحمدك الألسنة، ويعرب عن كونك من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، والله يصدّق مخيلة أمير المؤمنين فيك، ويوزعك شكر ما أولاك ويوليك، ويجعل الصّواب غرضا لنبال عزائمه، ويذود عن دولته القاهرة كتائب الخطوب بصوارم السّعد ولهاذمه «2» ؛ ويصل أيامه الزاهرة بالخلود، ويبسط على أقاصي الأرض ظلّه الممدود، ما استهلّ جفن الغيث المدرار، وابتسمت ثغور النّوّار، إن شاء الله تعالى. النوع الثاني (مما كان يكتب لأرباب الوظائف من ديوان الخلافة ببغداد ما كان يكتب لأرباب الوظائف من أصحاب السّيوف، وهو على ضربين) الضرب الأوّل (العهود، وهي أعلاها رتبة) وطريقتهم فيها أن تفتتح بلفظ: «هذا ما عهد عبد الله ووليّه فلان أبو فلان الإمام الفلانيّ إلى فلان الفلانيّ حين عرف منه» ويذكر بعض مناقبه، وربّما تعرّض لثناء سلطان دولته عليه. ثم يقال: «فقلّده كذا وكذا» ثم يقال: «وأمره بكذا» ويأتي بما يناسب من الوصايا، ثم يقال: «فتقلّد كذا وكذا» ثم يقال: «هذا عهد أمير المؤمنين إليك، وحجّته عليك» أو نحو ذلك؛ ولا يؤتى فيه بتحميد

في أوّل العهد ولا في أثنائه كما تقدّم في عهود الخلفاء للملوك. عهود أرباب السيوف (وهي عدّة ولايات) منها- النظر في المظالم. وهذه نسخة عهد كتب به أبو إسحاق الصابي، عن المطيع لله، إلى الحسين ابن موسى العلويّ «1» بتقليد المظالم بمدينة السلام، وهي: هذا ما عهد عبد الله الفضل الإمام المطيع لله أمير المؤمنين، إلى الحسين بن موسى العلويّ، حين اجتمع فيه شرف الأعراق، والأخلاق، وتكامل فيه يمن النقائب، والضّرائب، وعرف أمير المؤمنين فيه فضل الكفاية والغناء، ورشاد المقاصد والأنحاء، في سالف ما ولّاه إيّاه من أعماله الثقيلة التي لم يزل فيها محمود المقام، مستمرّا على النّظام، مصيب النّقض والإبرام، سديد الإسداء والإلحام، زائدا على المزايدين «2» ، راجحا على الموازين، فائتا للمحاذين، مبرّا «3» على المبارين، فقلّده النظر في المظالم بمدينة السلام وسوادها وأعمالها، وما يجري معها، ثقة بعلمه ودينه، واعتمادا على بصيرته ويقينه، وسكونا إلى أنّ الأيام قد زادته تحليما وتهذيبا، والسّنّ قد تناهت به تحنيكا وتجريبا، وأن صنيعة أمير المؤمنين مستقرّة منه عند أكرم أكفائها، وأشرف أوليائها، برحمه المتّاء «4» الدانية، وحرمته الشامخة العالية «5» ، ومعرفته الثاقبة الدّاعية إلى التفويض إليه، الباعثة على التعويل عليه؛ وأمير المؤمنين يستمدّ الله في ذلك أحسن ما عوّده من

هداية وتسديد، ومعونة وتأييد، وما توفيقه إلّا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب. أمره بتقوى الله التي هي الجنّة الحصينة، والعصمة المتينة، والسبب المتّصل يوم انقطاع الأسباب، والزاد المبلّغ إلى دار الثّواب، وأن يستشعرها فيما يسرّ ويعلن، ويعتمدها فيما يظهر ويبطن، ويجعلها إمامه الذي ينحوه، ورائده الذي يقفوه، إذ هي شيمة الأبرار والأخيار، وكان أولى من تعلّق بعلائقها، وتمسّك بوثائقها «1» ، لمفخره الكريم، ومنصبه الصّميم، واستظلاله مع أمير المؤمنين بدوحة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله- التي يكتنّان في فنائها، ويأويان إلى أفيائها، وحقيق على من كان منزعه، وإليها مرجعه، أن يكون طيّبا زكيّا طاهرا نقيّا، عفيفا في قوله وفعله. نظيفا في سرّه وجهره، قال الله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «2» . وأمره بتلاوة القرآن، وتأمّل ما فيه من البرهان، وأن يجعله نصبا لناظره، ومألفا لخاطره، فيأخذ به ويعطي، ويأتمر له «3» وينتهي، فإنه الحجة الواضحة، والمحجّة اللائحة، والمعجزة الباهرة، والبيّنة العادلة، والدليل الذي من اتّبعه سلم ونجا، ومن صدف عنه هلك وهوى؛ قال الله عز من قائل: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ «4» . وأمره أن يجلس للخصوم جلوسا عامّا، ويقبل عليهم إقبالا تامّا، ويتصفّح ما يرفع إليه من ظلاماتهم، وينعم النظر في أسباب محادثاتهم، فما كان طريقه طريق المنازعة المتعلّقة بنظر القضاة وشهادات العدول ردّه إلى المتولّي للحكم، وما كان طريقه الغصوب «5» المحتاج فيها إلى الكشف والفحص، والاستشفاف

والبحث، نظر فيه نظر صاحب المظالم، وانتزع الحقّ ممن غصب عليه، واستخلصه ممن امتدّت له يد التعدّي والتغرر إليه، وأعاده إلى مستحقّه، وأقرّه عند مستوجبه، غير مراقب كبيرا لكبره، ولا خاصّا لخصوصه ولا شريفا لشرفه، ولا متسلطنا لسلطانه، بل يقدّم أمر الله جلّ ذكره في كل ما يأتي ويذر، ويتوخّى رضاه فيما يورد ويصدر، ويكون على الضعيف المحق حدبا رؤوفا حتّى ينتصر «1» وينتصف، وعلى القويّ المبطل شديدا غليظا حتّى ينقاد ويذعن، قال الله جل وعز: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ «2» . وأمره أن يفتح بابه، ويسهّل حجابه، ويبسط وجهه، ويلين كنفه، ويصبر على الخصوم الناقصين في بيانهم حتّى تظهر حجّتهم، وينعم النظر في أقوال أهل اللّسن والبيان منهم حتّى يعلم مصيبهم «3» فربّما استظهر العرّيض «4» المبطل بفضل بيانه، على العاجز المحقّ لعيّ لسانه؛ وهنالك يجب أن يقع التصفّح على القولين، والاستظهار «5» للأمرين: ليؤمن أن يزول الحقّ عن سننه ويزورّ الحكم عن طريقه؛ قال الله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ «6» . وأمره بأن لا يردّ للقضاة حكما يمضونه، ولا سجلّا ينفّذونه، ولا يعقّب ذلك بفسخ، ولا يطرّق عليه النقض «7» ، بل يكون لهم موافقا مؤازرا، ولأحكامهم

عاضدا ناصرا، إذ كان الحقّ واحدا وإن اختلفت المذاهب إليه، فإذا وجد القصّة «1» قد سيقت، والحكومة قد وقعت، فليس هناك شكّ يوقف عنده، ولا ريب يحتاج إلى الكشف عنه؛ وإذا وجد الأمر مشتبها، والحقّ ملتبسا، والتغرّر مستعملا، والتغلّب مستجازا، نظر فيه نظر الناصر لحقّ المحقين، الداحض لباطل المبطلين، المقوّي لأيدي المستضعفين، الآخذ على أيدي المعتدين، قال الله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً «2» . وأمره أن يستظهر على معرفته بمشاورة القضاة والفقهاء، ومباحثة الرّبّانيّين والعلماء؛ فإن اشتبه عليه أمر استرشدهم، وإن عزب عنه صواب استدلّ عليه بهم، فإنهم أزمّة الأحكام، وإليهم مرجع الحكّام، وإذا اقتدى بهم في المشكلات، وعمل بأقوالهم في المعضلات، أمن من زلّة العاثر، وغلطة المستاثر؛ وكان خليقا بالأصالة في رأيه، والإصابة في أبحاثه، وقد أمر الله- تقدّست أسماؤه- بالمشاورة فعرّف الناس فضلها، وأسلكهم سبلها بقوله لرسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ «3» . وأمره أن يكتب لمن توجّب له حقّ من الحقوق إلى صاحب الكوفة بالشّدّ على يده والتمكّن له منه، وقبض الأيدي عن منازعته، وحسم الأطماع في معارضته، إذ هو مندوب لتنفيذ أحكامه، ومأمور بإمضاء قضاياه، ومتى أخذ أحد من الخصوم إلى مكاذبة «4» في حقّ قد حكم عليه به، أخذ على يده وكفّه عن

عدوانه، وردّه إلى حكم الله الذي لا يعدل عنه؛ قال الله عز وجل: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ «1» . هذا عهد أمير المؤمنين إليك، وحجّته عليك؛ قد أرشدك وذكّرك. وهداك وبصّرك؛ فكن إليه منتهيا، وبه مقتديا، واستعن بالله يعنك، واستكفه يكفك. وكتب الناصح أبو الطاهر في تاريخ كذا. ومنها- نقابة الطالبيّين: وهي المعبّر عنها الآن بنقابة الأشراف «2» . وهذه نسخة عهد بنقابة الطالبيّين كتب به أبو إسحاق الصابي، عن الطائع لله إلى الشريف أبي الحسن محمّد بن الحسين العلويّ الموسويّ، مضافا إليها النظر في المساجد وعمارتها، واستخلافه لوالده الشريف أبي أحمد الحسين بن موسى على النظر في المظالم والحجّ بالناس، في سنة ثمانين وثلاثمائة، وهي: هذا ما عهد عبد الله عبد الكريم، الإمام الطائع لله أمير المؤمنين، إلى محمّد بن الحسين بن موسى العلويّ، حين وصلته به الأنساب، وقرنت «3» لديه الأسباب، وظهرت دلائل عقله ولبابته «4» ، ووضحت مخايل فضله ونجابته، ومهّد له بهاء الدولة وضياء الملة أبو نصر بن عضد الدولة ما مهّد عند أمير المؤمنين من

المحلّ المكين، ووصفه به من الحلم الرّزين، وأشار به من رفع المنزلة، وتقديم الرّتبة، والتأهيل لولاية الأعمال، وتحمّل الأعباء والأثقال، وحيث رغّبه فيه، سابقة الحسين أبيه، في الخدمة والنصيحة، والمشايعة الصّحيحة، والمواقف المحمودة، والمقامات المشهودة، التي طابت بها أخباره، وحسنت فيها آثاره، وكان محمد متخلّقا بخلائقه، وذاهبا على طرائقه: علما وديانة، وورعا وصيانة، وعفّة وأمانة، وشهامة وصرامة، وتفرّدا بالحظ الجزيل: من الفضل الجميل والأدب الجزل «1» ، والتوجّه في الأهل، والإيفاء في المناقب على لداته وأترابه، والإبرار على قرنائه وأضرابه- فقلّده ما كان داخلا في أعمال أبيه من نقابة نقباء الطالبيّين بمدينة السلام وسائر الأعمال والأمصار، وشرقا وغربا، وبعدا وقربا، واختصّه بذلك جذبا بضبعه، وإنافة بقدره، وقضاء لحقّ رحمه، وترفيها لأبيه، وإسعافا له بإيثاره فيه، إلى ما أمر أمير المؤمنين باستخلافه عليه من النّظر في المظالم، وتسيير الحجيج في أوان المواسم؛ والله يعرّف أمير المؤمنين الخيرة فيما أمر ودبّر، وحسن العاقبة فيما قضى وأمضى، وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب. أمره بتقوى الله التي هي شعار المؤمنين، وسيما الصالحين، وعصمة عباد الله أجمعين؛ وأن يعتقدها سرّا وجهرا، ويعتمدها قولا وفعلا، فيأخذ بها ويعطي، ويريش ويبري «2» ، ويأتي ويذر، ويورد ويصدر؛ فإنها السبب المتين، والمعقل الحصين، والزاد النافع يوم الحساب، والمسلك المفضي إلى دار الثّواب، وقد حضّ الله أولياءه عليها، وهداهم في محكم كتابه إليها؛ فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ «3» . وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ «4» .

وأمره بتلاوة كتاب الله سبحانه مواظبا، وتصفّحه مداوما ملازما، والرّجوع إلى أحكامه فيما أحلّ وحرّم، ونقض وأبرم، وأثاب وعاقب [وباعد وقارب] «1» ؛ فقد صحّح الله برهانه [وحجّته] «2» ، وأوضح منهاجه ومحجّته، وجعله فجرا في الظّلمات طالعا، ونورا في المشكلات ساطعا، فمن أخذ به نجا وسلم، ومن عدل عنه هلك وهوى [وندم] «3» . قال الله عز وجل: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ «4» . وأمره بتنزيه نفسه عما تدعو إليه الشّهوات، وتتطلّع إليه النّزوات، وأن يضبطها ضبط الحكيم، ويكفّها كفّ الحليم، ويجعل عقله سلطانا عليها، وتمييزه آمرا ناهيا لها؛ فلا يجعل لها عذرا إلى صبوة ولا هفوة، ولا يطلق منها عنانا عند ثورة ولا فورة، فإنّها أمّارة بالسّوء، منصبّة إلى الغيّ؛ فالحازم يتّهمها عند تحرّك وطره وأربه، واهتياج غيظه وغضبه، ولا يدع أن يغضّها بالشكيم «5» ، ويعركها عرك الأديم، ويقودها إلى مصالحها بالخزائم «6» ، ويعتقلها عن مقارفة المحارم والمآثم، كيما يعزّ بتذليلها وتأديبها، ويجلّ برياضتها وتقويمها، والمفرّط في أمره تطمح به إذا طمحت، ويجمح معها أنّى جمحت، ولا يلبث أن تورده حيث لا صدر، وتلجئه إلى أن يعتذر، وتقيمه مقام النادم الواجم، وتتنكّب به سبيل الراشد السالم؛ وأحقّ من تحلّى بالمحاسن، وتصدّى لاكتساب المحامد، من ضرب بمثل سهمه في نسب أمير المؤمنين الشريف، ومنصبه المنيف، واجتمع معه في ذؤابة العترة الطاهرة، واستظلّ بأوراق الدّوحة الفاخرة، فذاك الذي تتضاعف له المآثر إن آثرها، والمثالب إن أسفّ إليها، ولا سيّما من كان مندوبا لسياسة غيره،

ومرشّحا للتقليد على أهله، إذ ليس يفي بإصلاح من ولّي عليه، من لا يفي بإصلاح ما بين جنبيه، وكان من أعظم الهجنة أن يأمر ولا يأتمر، ويزجر ولا يزدجر، قال الله عزّ وجلّ: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ «1» . وأمره بتصفّح أحوال من ولّي عليهم واستقراء مذاهبهم، والبحث عن بواطنهم «2» ودخائلهم، وأن يعرف لمن تقدّمت قدمه منهم وتظاهر فضله فيهم منزلته، ويوفّيه حقّه ورتبته، وينتهي في إكرام جماعتهم إلى الحدود التي توجبها أنسابهم «3» وأقدارهم، وتقتضيها مواقفهم وأخطارهم: فإنّ ذلك يلزمه لشيئين «4» : أحدهما يخصّه وهو النّسب الذي بينه وبينهم، والآخر يعمّه والمسلمين جميعا، وهو قول الله جلّ ثناؤه: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى «5» فالمودّة لهم والإعظام لأكابرهم، والإشبال «6» على أصاغرهم؛ [واجب] «7» متضاعف الوجوب عليه، ومتأكّد اللزوم له؛ ومن كان منهم في دون تلك الطّبقة من أحداث لم يحتنكوا، أو جذعان «8» لم يقرحوا، مجرين إلى ما يزري بأنسابهم ويغضّ من أحسابهم، عذلهم ونبّههم، ونهاهم ووعظهم؛ فإن نزعوا وأقلعوا فذاك المراد بهم، والمقصود إليه فيهم، وإن أصرّوا وتتابعوا، أنالهم من العقوبة بقدر ما يكفّ ويردع؛ فإن نفع وإلا تجاوزه إلى ما يوجع ويلذع، من غير تطرّق لأعراضهم، ولا انتهاك لأحسابهم، فإنّ الغرض منه الصّيانة، لا الإهانة،

والإدالة، لا الإذالة، وإذا وجبت عليهم الحقوق، أو تعلّقت بهم دواعي الخصوم، قادهم إلى الإغفاء بما يصح منها ويجب، والخروج إلى سنن الحق فيما يشتبه ويلتبس؛ ومتى لزمتهم الحدود أقامها عليهم بحسب ما أمر الله به فيها، بعد أن تثبت الجرائم وتصح، وتبين وتتّضح، وتتجرّد عن الشكّ والشّبهة، وتتجلّى من الظنّ والتّهمة، فإن الذي يستحبّ في حدود الله أن تدرأ عن عباده مع نقصان اليقين والصّحّة، وأن تمضى عليهم مع قيام الدليل والبيّنة. قال الله عزّ وجل: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ «1» . وأمره بحياطة هذا النّسب الأطهر، والشّرف الأفخر، عن أن يدّعيه «2» الأدعياء، أو يدخل فيه الدّخلاء؛ ومن انتمى إليه كاذبا، وانتحله باطلا، ولم يوجد له بيت في الشّجرة «3» ، ولا مصداق عند النّسّابين المهرة، أوقع به من العقوبة ما يستحقّه، ووسمه بما يعلم به كذبه وفسقه، وشهره شهرة ينكشف بها غشّه ولبسه، وينزع بها غيره ممن تسوّل له مثل ذلك نفسه؛ وأن يحصن الفروج عن مناكحة من ليس لها كفؤا، ولا مشاركها في شرفها وفخرها، حتّى لا يطمع في المرأة الحسيبة النّسيبة إلا من كان مثلا لها مساويا، ونظيرا موازيا، فقد قال الله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «4» . وأمره بمراعاة متبتّلي أهله ومتهجّديهم، وصلحائهم ومجاوريهم، وأراملهم وأصاغرهم، حتّى يسدّ الخلّة من أحوالهم، ويدرّ الموادّ عليهم، وتتعادل أقساطهم فيما يصل إليه من وجوه أموالهم، وأن يزوّج الأيامى ويربّي اليتامى، ويلزمهم المكاتب «5» ليتلقّنوا القرآن، ويعرفوا فرائض الإسلام والإيمان، ويتأدّبوا بالآداب،

اللائقة بذوي الأحساب: فإنّ شرف الأعراق، محتاج إلى شرف الأخلاق؛ ولا حمد لمن شرف نسبه، وسخف أدبه، إذ كان لم يكسب الفخر الحاصل له بفضل سعي ولا طلب، ولا اجتهاد ولا دأب، بل بصنع من الله عز وجلّ له، ومزيد في المنّة عليه، وبحسب ذلك لزوم ما يلزمه من شكره سبحانه على هذه العطيّة، والاعتداد بما فيها من المزيّة، وإعمال النّفس في حيازة الفضائل والمناقب، والترفّع عن الرّذائل والمثالب. وأمره بإجمال النّيابة عن شيخه الحسين بن موسى فيما أمره أمير المؤمنين باستخلافه عليه من النظر في المظالم، والأخذ للمظلوم من الظالم، وأن يجلس للمترافعين إليه جلوسا عامّا، ويتأمّل ظلاماتهم تأمّلا تامّا؛ فما كان منها متعلّقا بالحاكم ردّه إليه، ليحمل الخصوم عليه، وما كان طريقه طريق الغشم والظّلم، والتغلّب والغصب، قبض عنه اليد المبطلة، وثبّت فيه اليد المستحقّة، وتحرّى في قضاياه أن تكون موافقة للعدل، ومجانبة للخذل، فإنّ غايتي الحاكم وصاحب المظالم واحدة: وهي إقامة الحق ونصرته، وإبانته وإنارته، وإنما يختلف سبيلاهما في النظر: إذ الحاكم يعمل على ما ثبت وظهر، وصاحب المظالم يفحص عمّا غمض واستتر، وليس له مع ذلك أن يردّ لحاكم حكومة، ولا يعلّ له قضيّة، ولا يتعقّب ما ينفذه ويمضيه، ولا يتتّبع ما يحكم به ويقضيه، والله يهديه ويسدّده، ويوفّقه ويرشده. وأمره أن يسيّر حجيج بيت الله إلى مقصدهم، ويحميهم في بدأتهم وعودتهم، ويرتّبهم في مسيرهم ومسلكهم، ويرعاهم في ليلهم ونهارهم، حتّى لا تنالهم شدّة، ولا تصل إليهم مضرّة، وأن يريحهم في المنازل «1» ، ويوردهم المناهل، ويناوب بينهم في النّهل والعلل، ويمكّنهم من الارتواء والاكتفاء، مجتهدا في الصّيانة لهم، ومعذرا في الذّبّ عنهم، ومتلوّما على متأخّرهم

ومتخلّفهم، ومنهضا لضعيفهم ومهيضهم، فإنهم حجّاج بيت الله الحرام، وزوّار قبر الرسول عليه السلام، قد هجروا الأوطان، وفارقوا الأهل والإخوان، وتجشّموا المغارم الثّقال، وتعسّفوا السّهول والجبال، يلبّون دعاء الله عز اسمه، ويطيعون أمره ويؤدّون فرضه ويرجون ثوابه، وحقيق على المسلم المؤمن أن يحرسهم متبرّعا، ويحوطهم متطوّعا؛ فكيف من تولّى ذلك وضمنه، وتقلّده واعتنقه، قال الله: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا «1» . وأمره أن يراعي أمور المساجد بمدينة السلام وأطرافها، وأقطارها وأكنافها، وأن يجبي أموال وقوفها، ويستقصي جميع حقوقها، وأن يلمّ شعثها، ويسدّ خللها، بما يتحصّل من هذه الوجوه قبله، حتى لا يتعطّل رسم جرى فيها، ولا تنقض عادة كانت لها، وأن يثبت اسم أمير المؤمنين على ما يعمره منها، ويذكر اسمه بعده بأنّ عمرانها جرى على يديه، وصلاحها أدّاه قول أمير المؤمنين إلى فعله، فقد فسّح له أمير المؤمنين بذلك تنويها باسمه، وإشادة بذكره؛ وأن يولّي ذلك من قبله من حسنت أمانته، وظهرت عفّته وصيانته، فقد قال الله تعالى: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ «2» . وأمره أن يستخلف على ما يرى الاستخلاف عليه من هذه الأعمال: في الأمصار الدانية، والبلاد القريبة والبعيدة، من يثق به من صلحاء الرجال، وذوي الوفاء والاستقلال، وأن يعهد اليهم مثل الذي عهد إليه، ويعتمد عليهم في مثل ما اعتمد عليه، ويستقري مع ذلك آثارهم، ويتعرّف أخبارهم، فمن وجده محمودا أقرّه ولم يزله، ومن وجده مذموما صرفه ولم يمهله، واعتاض منه من ترجى «3» الأمانة عنده، وتكون الثّقة معهودة منه؛ وأن يختار لكتابته وحجبته والتصرّف فيما قرب منه وبعد

عنه، من يزينه ولا يشينه، وينصح له ولا يغشّه، ويجمّله ولا يهجّنه، من الطبقة المعروفة بالظّلف «1» ، المتصوّنة عن النّطف «2» ؛ ويجعل لهم من الأرزاق الكافية، والأجرة الوافية، ما يصدّهم عن المكاسب الذميمة، والمآكل الوخيمة، فليس تجب عليهم الحجّة إلا مع إعطاء الحاجة، قال الله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى «3» . وأمره بأن يكتب لمن يقوم ببيّنته عنده وتنكشف حجته له، إلى أصحاب المعاون «4» بالشّدّ على يديه، وإيصال حقّه إليه، وحسم الطمع الكاذب فيه، وقبض اليد الظالمة عنه، إذ هم مندوبون للتصرّف بين أمره ونهيه، والوقوف عند رسمه وحدّه. «5» وهذا عهد أمير المؤمنين إليك، وحجّته لك وعليك، وقد أنار فيه سبيلك وأوضح دليلك، وهداك وأرشدك وجعلك على بيّنة من أمرك، فاعمل به ولا تخالفه، وانته إليه ولا تتجاوزه، وإن عرض لك أمر يعجزك الوفاء به، ويشتبه عليك وجه الخروج منه، أنهيته إلى أمير المؤمنين مبادرا، وكنت إلى ما يأمرك «6» به صائرا، إن شاء الله تعالى. وكتب في مستهلّ شعبان «7» سنة ثمانين وثلاثمائة. ومنها- ولاية الصلاة.

وهذه نسخة عهد كتب بها أبو إسحاق الصابي عن الطائع لله، لأبي الحارث محمد بن موسى العلويّ الموسوي، بتقليده الصلاة في جميع النواحي والأمصار والأطراف، وتوقّف عن إظهاره لرأي رآه في ذلك، وهي: هذا ما عهد عبد الله إلى محمد بن موسى العلويّ، لمّا استكفاه النظر في نقابة الطالبيين فكفاه، وتحمّل ذلك العبء فأغناه، وفات النظراء في الاستقلال والوفاء، وبذّ الأمثال في الاضطلاع والغناء، جامعا إلى شرف الأحساب والأعراق، شرف الآداب والأخلاق، وإلى كرائم المفاخر والمناقب، مكارم الطّباع والضّرائب «1» ، على الحداثة من سنّه، والغضاضة من عوده، مستوليا من البراعة والنّجابة، والفراهة واللّبابة، على التي لا يبلغها الشّيب المفارق، فضلا عن البالغ المراهق، وغايات تنقطع دونها أنفاس المنافسين، وتتضرّم عليها أحشاء الحاسدين؛ لا سيّما وقد أطّت «2» بأمير المؤمنين إليه شواجن الأرحام، وعطفته على اصطناعه عواطف الآباء والأعمام، واقتضت آثاره المحمودة، وطرائقه الرّشيدة، أن يناوبه على رتبة لم يبلغها أحد من ولد أبيه، ولم يفترع ذوائبها رجل دونه، فقلّده الصلاة بمدينة السلام في خمسة جوامعها: فأوّلها الجامع الداخل في حريم أمير المؤمنين، وجامع الرّصافة، وجامع المنصور، وجامع براثى، وجامع الكفّ الذى تولّى أبوه إشادته وعمارته، وحسنت آثاره في إنشائه وإعلائه؛ وحيث سمت همته إليه، وبذل المجهود في إنفاق الأموال الدّثرة «3» عليه؛ واستنزل بذلك من الله أجزل إثابة المثابين، وأوفر أجر المأجورين، وجميع المنابر في شرق الأرض وغربها، وبعيد الأقطار وقريبها؛ وأمير المؤمنين يسأل الله حسن التسديد في ذلك وسائر مراميه، وجميع مطالبه ومغازيه، وجواري هممه التي يمضيها، وسرايا عزماته التي

ينويها، وأن يجعل النجاح قائدها وسائقها، والصلاح أوّلها وآخرها؛ وما توفيق أمير المؤمنين إلّا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب. أمره بتقوى الله التي هي أحرز المعاقل، وأحصن الجنن عند النّوازل، وأعظم ملجإ يلجأ إليه، وآمن موئل يعوّل عليه، وأن يعتقدها في خلوته وحفلته، ويعتمدها في سرّه وعلانيته، ويجعلها سببا يتّبعه، ولباسا يدّرعه، فينازع بها من نازعه، ويوادع بها من وادعه: فإنها أوكد الأسباب، وأوصل القرب والأنساب، وأولى الناس بالتمسّك بحبلها، والاشتمال بظلّها، من كان بأجلّ المناسب تعلّقه، وبأشرف الخلائق تخلّقه؛ قال الله سبحانه: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «1» . وأمره بتلاوة القرآن، والمواظبة عليه والإدمان، والائتمار بما فيه من الأوامر، والازدجار عما تضمّن من الزّواجر، وأن يجعله الإمام المتّبع فيقفوه، والطريق المهيع «2» فيقصده وينحوه: فإنه العلم المنجي من الغواية، والدليل القائد إلى الهداية، والنور الساطع للظلام إذا أشكل مشكل، والحاكم القاضي بالحقّ إذا أعضل معضل، قال الله: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ «3» . وأمره بتهذيب لبّه، من جوامح الوساوس، وتطهير قلبه، من مطامح الهواجس، وأن يتوقّى اللحظة العارمة «4» ، ويتجنّب اللفظة المؤلمة، عاصيا جواذب الخلاعة، ومطيعا أوامر النّزاهة، حتّى يستوي خافيه وعالنه، ويتّفق ظاهره وباطنه، فعال من جعله إمام المسلمين إماما، وقدّمته الرعية أماما، وكان إلى الله داعيا، وله عن عباده مناجيا، وبينهم وبين خالقهم وسيطا، وعلى ما قلّده من الصلاة بهم أمينا: لتصحّ شروط صلاته، ويقبل مرفوع دعواته؛ قال الله عز وجل:

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ «1» . وأمره بالمحافظة على الصلوات، وانتهاز فرصها من الأوقات، والدخول فيها بالرّقّة والخشوع، والتوفّر بالإخبات «2» والخضوع؛ وحقيق على كل مستشعر شعار الإسلام، ومتجلبب جلباب الإيمان، أن يفعل ذلك مستوفيا شروطه ومستقصيا حدوده ورسومه، فكيف بمن أقامه أمير المؤمنين [مقامه] «3» في امتطاء غوارب «4» المنابر وذراها، ونصبه منصبه في أمّ الرعيّة أدناها وأقصاها. قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً «5» . وقال: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ «6» . وأمره بالسّعي في الجمع إلى المساجد الجامعة، وفي الأعياد إلى المصلّيات الضاحية، وأن يخصّ أحدها بصلاته فيه وقصده له، ويأمر خلفاءه على الصلاة بالافتراق في سائر الجوامع وباقي المنابر، بعد الأمر بجمع المؤذّنين والمكبّرين، وإحضار القوّام والمرتّبين، في أتمّ أهبة وأجمل هيئة، بقلوب مستشعرة للخشوع، متصدّية للدّموع، وألسن بالتسبيح والتقديس منطلقة، وآمال في حسن الجزاء وجزيل الثّواب منفسحة، حتّى تعبّر ألسنتهم إذا افترعوا الخطب وافتتحوا الكلم عن مكنون ضمائرهم، ومضمون سرائرهم، فتجيء المواعظ بالغة، والزواجر ناجعة؛ قال الله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ «7» . وأمره بمراعاة المساجد، وتعهّد الجوامع؛ وسدّ خللها، ولمّ شعثها، فإنها

مقاوم «1» عزّه وفخره، ومحاضر صيته وذكره، ومراكز أعلام الدّين الخافقة، ومطالع شموس الإسلام الشارقة، ومواقف الحق المشهودة، وقواعد الإيمان الموطودة، مما لا يتضعضع أحدها إلا تضعضع من أركان الإسلام له ركن، ولا التات «2» بعضها إلا التات من أعضاء الدّين عضو؛ قال الله عز وجل: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ «3» . وأمره في خطبته بكثرة التحفّظ، وعند افتتاحه واختتامه بطول التيقّظ، فإن العيون به منوطة، والأعناق إليه ممدودة، والمسامع فاغرة تتلقّف ما يقوله، والقلوب فارغة لحفظ ما يبديء وما يعيد؛ فقليل الزّلل، في ذلك الموقف كثير، وصغير الخطل، في ذلك المقام كبير؛ والله تعالى يسدّده إلى المحجّة «4» الوسطى، ويقف به على الطريقة المثلى، بمنّه. وأمره بالسّكينة في انتصابه للصّلاة الجامعة، وتقدّمه لقضاء الفروض اللازمة، وأن يسكن [في كلّ] «5» حدّ من حدودها في الرّكوع والسّجود، والقيام والقعود، فإنه عليها محاسب، وبما يلحق من يأتمّ به في جميعها مطالب، وأن يفرّع قلبه لما يتلوه من البيان، ويرفع صوته بما يمرّ به من قوارع القرآن، مرتّلا لقراءته، ومسترسلا في تلاوته: ليشترك في سماعها الأقرب والأقصى، وينتفع بمواعظها الأبعد والأدنى، بعد إخلاص سرّه وانتزاعه، وتسويته في الطهور بين باديه وخافيه، وغائبه وحاضره، فليس بالطاهر عند الله تعالى من يصيب بالماء أطرافه، وأدرن بالخبائث شغافه؛ قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ «6» . وقال:

إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً «1» . وأمره أن يقيم الدّعوة على منابر أعماله القاصية والدانية والغائبة والحاضرة لأمير المؤمنين، ثم للناهض عنه بالأعباء، والقائم دونه في البأساء والضّرّاء، الذي غذّي بلبان الطاعة، وانقاد بزمام المتابعة: بهاء الدولة، ولولاة الأعمال من بعده الذين يدعى لهم على المنابر، ما يكون منها على العادة الجارية فيها، فإنها دعوة تلزم إقامتها، وكلمة تجب إشادتها، إذ كانت متعلّقة بطاعة الله عزّ وجلّ، وقد أوجبها الله تبارك وتعالى على كافّة المسلمين وجميع المعاهدين، إذ يقول [وهو] أصدق القائلين: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «2» ؛ وعائدتها تعمّهم، وفائدتها تشملهم، إذ كان صلاح الرعيّة مقرونا بصلاح راعيها، وفساد الأمّة منوطا بفساد واليها. وأمره باستخلاف من يرى استخلافه على الصّلاة في الأقطار والأطراف والنواحي والبلدان، وأن يختار من الرجال كلّ حسن البيان، مصقع «3» اللسان؛ بليل الرّيق إذا خطب، بليغ القول إذا وعظ. هذا عهد أمير المؤمنين إليك، وحجّته لك وعليك؛ قد أعذر فيه وأنذر، وهدى من الضّلالة وبصّر، وأعلقك زمام رشدك وغيّك، وقلّدك عنان هلكك وفوزك، وخيّرك في كلا الأمرين، ووقفك إزاء الطريقين؛ فإن سلكت أهدا هما لم تلبث أن تعود غانما، وإن ولجت أضلّهما فغير بعيد أن تؤوب نادما؛ واستعن بالله يعنك، واستزده من الكفاية يزدك، واستلبسه الهداية يلبسك، واستدلله على نجاح المطالب يدللك، إن شاء الله، والحمد لله وحده. ومنها- نظر الأوقاف.

وهذه نسخة عهد من ذلك، كتب بها أبو إسحاق الصابي عن الطائع لله- للحسين بن موسى العلوي، وهي: هذا ما عهد عبد الله عبد الكريم الإمام الطائع لله أمير المؤمنين، إلى الحسين بن موسى العلويّ، حين طابت منه العناصر، ووصلته بأمير المؤمنين الأواصر؛ جمع إلى شرف الأعراق الذي ورثه، شرف الخلق الذي اكتسبه؛ ووضحت آثار دينه وأمانته، وبانت أدلّة فضله وكفايته، في جميع ما أسنده أمير المؤمنين إليه من الأعمال، وحمّله إيّاه من الأثقال، فأضاف إلى ما كان ولّاه من [ذلك] «1» النّظر في الوقوف التي كانت يد فلان فيها بالحضرة وسوادها، ثقة بسداده، وسكونا إلى رشاده، وعلما بأنه يعرف حقّ الصّنيعة، ويرعى ما يستحفظه من الوديعة، ويجري في المنهل الذي أحمده أمير المؤمنين منه ووكل إليه. والله يمدّ أمير المؤمنين بصواب الرأي فيما نحاه وتوخّاه، ويؤمّنه في عاقبته النّدم فيما قضاه وأمضاه؛ وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب. أمره بتقوى الله التي هي عماد الدين، وشعار المؤمنين، وأن يعتقدها في سرّه ونجواه، ويجعلها الذخيرة لأولاه وأخراه، ويتجنّب الموانع المونية «2» ، ويتوقّى الموارد المردية، ويغضّ طرفه عن المطامع «3» المغوية، ويذهب بنفسه عن المطارح المخزية؛ فإنه أحق من فعل ذاك وآثره، وأولى من اعتمده واستشعره، بنسبه الشريف، ومفخره المنيف، وعادته المشهورة، وشاكلته المأثورة، وتلاوة كتاب الله الذي هو وعترة رسول الله الثّقلان المخلّفان في الأمّة،

وقد جمعته، وآخرهما الأنساب وجمعته والثاني عصمة أولى الألباب «1» ، وتوجّهت حجّة الله [عليه] «2» بما يرجع من هذه الفضائل إليه، وأنّه غصن من دوحة أمير المؤمنين، التي تحدّاها الله بالإنذار قبل الخلائق أجمعين، إذ يقول لرسوله محمد صلّى الله عليه وعلى آله: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ «3» . وقد حضّ تبارك وتعالى على التّقوى، ووعد عباده عليها الزّلفى، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ «4» . وأمره بالاشتمال على ما أسنده إليه أمير المؤمنين من هذه الوقوف مستنفدا طوقه في عمارتها، مستفرغا وسعه في مصلحتها، دائبا في استغلالها وتثميرها، مجتهدا في تدبيرها وتوفيرها، وأن يصرف فاضل كلّ وقف منها بعد الذي يخرج منه للنّفقة على حفظ أصله، واستدرار حلبه، والمؤونة الراتبة للقوّام عليه، والحفظة له، إلى أربابه الذي يعود ذلك عليهم في وجوهها التي سبّل لها، ووقف عليها، واضعا جميع ذلك مواضعه، موقعا له مواقعه، خارجا إلى الله من الحقّ فيه، مؤدّيا الأمانة إليه، وأن يشهد على القابضين بما يقبضونه من وقوفهم، ويكتب البراآت عليهم بما يستوفونه من أموالهم، ويستظهر لنفسه بإعداد الشّواهد والأدلّة على ما ينفقه من أموال هذه الوقوف على مصالحه، ويصرفه منها إلى أهلها، ويخرجه منها في حقوقها وأبواب برّها، وسائر سبلها ووجوهها، سالكا في ذلك مذهبه المعروف في أداء الأمانة، واستعمال الظّلف والنّزاهة، معقّبا على من كان ناظرا فيها من الخونة الذين لم يرعوا عهدا، ولم يتصوّنوا عن سحت «5» المطاعم، وظلم المآثم. وأمره باستكتاب كاتب معروف بالسّداد، مشهور بالرّشاد، معلوم منه

نصيحة الأصحاب، والضّبط للحساب، وتفويض ديوان الوقوف وتدبيره إليه، وتوصيته بصيانة ما يشتمل عليه من أصول الأعمال وفروعها، وقليل الحجج وكثيرها، وأن يحتاط لأربابها في حفظ رسومها ومعاملاتها، وحراسة طسوقها «1» ومقاسماتها، حتّى لا يستمرّ عليها حيف يبقى أثره، ولا يتغيّر فيها رسم يخاف ضرره، وأن ينصف الأكرة «2» فيها والمزارعين، وسائر المخالطين والمعاملين، ولا يجشّمهم حيفا، ولا يسومهم خسفا، ولا يغضي لهم عن حق، ولا يسمح لهم بواجب، خلا ما عادت السّماحة به بزيادة عماراتهم، وتأليف نيّاتهم، واجتلاب الفائدة منهم والعائدة بهم؛ فإنه مؤتمن في ذلك كلّه أمانة، وعليه أن يؤدّيها ويخرج عن الحقّ فيها. وأمره باختيار خازن حصيف، قؤوم أمين، يخزن حجج هذه الوقوف وسجلّاتها، وسائر دفاترها وحسباناتها؛ فإنّها ودائع أربابها عنده، وواجب أن يحتاط عليها جهده؛ فمتى شكّ في شرط من الشّروط، أو حدّ من الحدود، أو عارض معارض، أو شاغب مشاغب، في أيّام نظره وأيّام من عسى أن تنقل ولاية هذه الوقوف إليه، ويناط تدبيرها به، دفع ما يحدث من ذلك بهذه الحجج التي هي معارف «3» البرهان، وقواعد البنيان، وإليها المرجع في كلّ بينة تنصر «4» وتقام؛ وشبهة تدحض وتضام. هذا عهد أمير المؤمنين إليك، ووثيقته الحاصلة في يديك؛ فاتّبع آثار أوامره، وازدجر عن نواهيه وزواجره، واستمسك به تنج وتسلم، واعمل عليه تفز

الضرب الثاني

وتغنم، واسترشد الله يرشدك، واستهده يهدك، واستعن به ينصرك، وفوّض إليه يعصمك؛ إن شاء الله تعالى. الضرب الثاني (مما يكتب من ديوان الخلافة لأرباب السّيوف التقاليد. وهي لمن دون أرباب العهود في الرّتبة، وليس لافتتاحها عندهم ضابط) وهذه نسخة تقليد بحماية الكوفة، لأبي طريف بن عليان العقيلي، من إنشاء أبي إسحاق الصابي، وهي: قد رأينا تقليدك- أطال الله بقاءك- الحماية بالكوفة وأعمالها وما يجري معها ثقة بشهامتك وغنائك، وسكونا إلى استقلالك ووفائك، واعتقادا لاصطناعك واصطفائك، وحسن ظنّ بك في شكر ما يسدى إليك، ومقابلته بما يحقّ عليك، من الأثر الجميل فيما تولّاه، والمقام الحميد فيما تستكفاه؛ فتولّ- أيدك الله- ذلك مقدّما تقوى الله ومراقبته، ومستمدّا توفيقه ومعونته، واحرس الرعيّة في مساكنها، والسّابلة في مسالكها، وادفع عن عملك ونواحيه أهل العيث جميعا، واطلبهم طلبا شديدا، واطرقهم في مكامنهم، وتولّج عليهم في مظانّهم، ونكّل بمن تظفر به منهم نكالا تقيم به حكم الله عليهم، وحدوده في أمثالهم، وبالغ في ذلك مبالغة تخيف الظّنين وتوجسه، وتؤمّن السّليم وتؤنسه، وراع الأكرة والمزارعين حتّى ينبسطوا في معايشهم، ويتصرّفوا في مصالحهم، وتتيسّر عواملهم في عماراتها، ومواشيهم في مسارحها؛ ومتى طردت لأحد منهم طريدة أو امتدّت إليهم يد عاتية، ارتجعت ما أخذ له، ورددته بعينه أو قيمة مثله، وخفّف عمن ولّيت عليه الوطأة، وارفع عنهم المؤونة والكلفة، وخذهم بالتناصف، واقبضهم عن التظالم، وامنع قويّهم من تحيّف المضعوف، وشريفهم من استضامة المشروف، وأولهم من عدلك وحسن سيرتك، واستقامة طريقتك، ما يتّصل عليه شكرك، ويطيب به ذكرك، ويقتضي لك دوام الولاية، وتضاعف العناية. واعلم بأنك فيما ولّيته من هذا الأمر متضمّن للمال والدّم، ومأخوذ بكل ما

النوع الثالث (مما كان يكتب لأرباب الوظائف من ديوان الخلافة ببغداد ما كان يكتب لأرباب الوظائف ببغداد من أصحاب الأقلام)

يهمّك من ذمة ومحرم؛ فليكن اجتهادك في الضّبط والحماية، واحتراسك من الإهمال والإضاعة، بحسب ذلك، واكتب بأخبارك على سياقتها، وآثارك لأوقاتها: ليتّصل لك الإحماد «1» عليها، والمجازاة عنها، إن شاء الله تعالى. النوع الثالث (مما كان يكتب لأرباب الوظائف من ديوان الخلافة ببغداد ما كان يكتب لأرباب الوظائف ببغداد من أصحاب الأقلام) وهي على ضربين: الضرب الأوّل (العهود) ورسمها على نحو ما تقدّم في عهود أرباب السّيوف، تفتتح ب «هذا ما عهد» إلى آخر الترتيب المتقدّم ذكره. وهذه نسخة عهد بولاية قضاء حاضرة بغداد وسائر الأعمال؛ كتب به المسترشد بالله لقاضي القضاة أبي القاسم عليّ بن الحسين الزينبي «2» ، وهي: هذا ما عهد عبد الله أبو منصور الفضل، الإمام المسترشد بالله أمير المؤمنين، إلى قاضي القضاة عليّ بن الحسين الزينبي: لمّا تأمّل طريقته، وشحذ عقيدته، وأحمد مذاهبه، وارتضى ضرائبه، وتكاثرت دواعيه، وحسنت مساعيه، ووجده عند الاختبار، وفي مضمار الاعتبار، راجعا إلى عقل رصين، ودين متين، وأمانة مشكورة، ونزاهة مخبورة، وورع ثمر المشرع، عار من دنس المطمع، وعلم توفّر منه قسمه، وأصاب فيه سهمه، وحين راعى فيه موروث شرف

النّسب، إلى شرف العلم المكتسب، مع ما سلف لبيته من الحرمات المرعية المتأكّدة، والقربات المرضيّة المتمهّدة، والسوابق المحكمة المرائر «1» ، الحميدة المباديء والمصاير، فقلّده قضاء القضاة بمدينة السلام وسائر الأمصار، في الآفاق والأقطار، شرقا وغربا، وبعدا وقربا، إنافة به إلى ما أصبح له مستحقّا، واستمرّ استيجابه مسترقّا، وجذبا بضبعه إلى ما يتحقّق نهوضه بأعبائه، وحسن استقلاله به وغنائه، واقتفاء لآثار الأئمة الراشدين في إيداع الودائع عند مستحقّها، وتفويض الأمور إلى أكفائها وأهلها، لا سيّما أولياء دولتهم، وأغذياء نعمتهم، الذين كشفت عن سجف خبرتهم التّجارب، ووردوا من الخلال الرشيدة أعذب المشارب، وانتهجوا الجدد الواضح، وتقبّلوا الخلق الصالح؛ والله سبحانه يقرن عزائم أمير المؤمنين بالخيرة في كلّ رأي يرتئيه، وأمر يؤمّه وينتحيه، ويصدّق مخيلته في كلّ حال يأتيها، ويمضي عزمه فيها؛ وما توفيقه إلا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب. أمره بتقوى الله التي لا يسعد أحد إلا بالتمسّك بسببها، ولا يشقى إلا مع إضاعتها؛ فإنّها الجناب المريع، والمعقل المنيع، والنّجاة يوم الفزع الأكبر، والعدّة النافعة في المعاد والمحشر، والعصمة الحامية من نزعات الشيطان ومخايله، المنقذة من أشراكه وحبائله؛ وبها تمحّص الأوزار، وتنال الأوطار، وتدرك المآرب، وتنجح المطالب؛ قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ «2» . وأمره باستشعار خشية الله سبحانه في قوله وفعله؛ واختلاف أطواره وأحواله، وتذكّر ما هو قادم عليه، ووافد إليه: يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً «3» ، فلا يقوده الهوى إلى اتّباع شهوة، أو إجابة

داعي هفوة أو صبوة، إلا كان الخوف قادعه «1» ، والحذار مانعه، وأن يجعل التواضع والوقار شيمته، والحلم دأبه وخليقته، فيكظم غيظه عند احتدام أواره، واضطرام ناره، مجتنبا عزّة الغضب الصائرة إلى ذلّة الاعتذار، ومتوخّيا في كل حال للمقاصد السليمة الإيراد والإصدار، وأن يتأمل أحوال غيره تأمّل من جعلها لنفسه مثالا، واتّخذها لنسجه منوالا؛ فما استحسنه منها فيأتيه، وما كرهه فيجتويه «2» ، غير ناه عمّا هو من أهله، ولا آمر بما هو مجانب لفعله؛ قال الله جلّت عظمته: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ «3» . وأمره بتلاوة كتاب الله مواظبا، والإكثار من قراءته دائبا، وأن يجعله إماما يقتفيه، ودليلا يتّبعه فيهديه، ونورا يستضيء به في الظّلمات، وهاديا يسترشده عند اعتراض الشّبهات، وموئلا يستند إليه في سائر أحكامه، وحصنا يلجأ به في نقضه وإبرامه، عاملا بأوامره، ومزدجرا بزواجره، ومنعما نظره في محكم آياته، وصادع بيّناته، ومعملا فكره في خوض غماره، واستخراج غوامض أسراره؛ فإنّه الحقّ الذي لا يجور متّبعه، والمتجر الذي لا يبور مبتضعه، والمنار الذي به يقتدى، والمنهج الذي بأعلامه يهتدى، والمصدر الذي تغرى به الأمور في ملبس الإشكال، وتشرع معه الأحوال المستبهمة في ورود الوضوح السّلسال، وينبوع الحكمة الذي ضرب الله فيه الأمثال، وفرق فيه بين الحرام والحلال، والهداية والضّلال؛ قال الله سبحانه: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ «4» . وأمره بدراسة السّنن النّبويّة صلوات الله على صاحبها، والاقتداء بما جاءت به من مكارم الأخلاق التي ندب إليها، وحضّ عليها، وتتبّع ما يتداخلها من

الأخبار الجريحة «1» ، والرّوايات غير الصّحيحة، والفحص عن طرقها وإسنادها، وتمييز قويمها وميّادها، والبحث عن رواتها، منحوزها «2» وثقاتها؛ فما ألفاه بريئا من الطعن، آمنا من القدح والوهن، عاريا من ملابس الشّكّ والارتياب، عاطلا عن حلى الشّبهة والاعتياب، اتّبعه واقتفاه، وتمثّله واحتذاه، وكان به حاكما، ولأدواء الباطل باتّباعه حاسما، وما كان مترجّحا «3» بين كفّتي الشكّ واليقين، ولم تبد فيه مخايل الحق المبين، جعل الوقف حكمه، وردع عن العمل به عزمه، إلى أن يضح الحقّ فيه، فيعتمد ما يوجبه ويقتضيه: فإنه عليه السلام الداعي إلى الهدى، والرحمة التي عصم الله بها من عوادي الرّدى، والهادي الذي لم يفصل بين العمل بفرائض كتابه وسننه في قوله تقدّست أسماؤه، وجلّت آلاؤه: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ «4» . وأمره بإقامة الصّلوات الخمس المفروضة في أوقاتها، والمبادرة إليها قبل فواتها، والإتيان بشرائطها المحدودة وأركانها. وأمره بمجالسة العلماء، ومباحثة الفقهاء، ومناقشة ذوي البصيرة والفهم، والفطنة والحزم، ومشاورتهم في عوارض الأمور المشكلة، وسوانح الأحكام المستبهمة المعضلة، حتى يصرّح محض رأيه وآرائهم عن زبدة الصّواب، وتنتج أفكارهم باستجمامها نظرا شافيا بالجواب، رافعا عنه منسدل الحجاب؛ وإنّ في ذلك ثلجا للصّدور، واستظهارا في الأمور، واحترازا من دواعي الزّلل، واستمرار الخلل، وامنا من غوائل الانفراد، وحطّا للتعويل على الاستبداد؛ فلربّ ثقة أدّت إلى خجل، وأمن أفضى إلى وجل؛ وما زالت الشّورى مقرونة بالإصابة، محكمة عرى الحق وأسبابه، حارسة من عواقب النّدم، داعية إلى السلامة من زلّة القدم؛

وقد أمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم، وأزلف محلّه لديه، بالاستظهار بالمشاورة مع عظم خطره، وشرف قدره؛ فقال: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ «1» . وأمره أن يختار للحكم الأماكن الفسيحة الأرجاء، الواسعة الفضاء، وينظر في أمور المسلمين نظرا تفترّ ثغور العدل فيه، وتلوح خشية الله من مطاويه، فيوصّل إليه كافّة الخصوم، ويبرز لهم على العموم، غير مشدّد حجابه، ولا مرتج «2» دون المترافعين إليه بابه، وأن يولي كلّا من الإقبال عليه، وحسن الإصغاء إليه، ما يكون بينهم فيه مساويا، ولهم في مجمع الموازاة حاويا، ولا يعطي من التفاته [إلى] «3» الشريف لشرفه، وذي الشارة الحسنة من أجل ثوبه ومطرفه، ما يمنعه من تقحمه العيون، وتترجّم في خموله الظّنون: فإنّ ذلك مطمع لذي الرّواء في دفع الحقّ إذا وجب عليه، والتماس الباطل وإن ضعفت الدّواعي إليه؛ مؤيس لذي الخمول من الانتصار لحقّه، وإن أسفر صبح يقينه ونطقت ألسنة أدلته؛ فالناس وإن تباينوا في الأقدار والقيمة، وتفاوتوا في الأرزاق المقسومة، فالإسلام لهم مجتمع، والحقّ أحقّ أن يتّبع، وهم عند خالقهم سواء إلا من ميّزته التقوى، وتمسّك بسببها الأقوى؛ قال الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ «4» . وقال تعالى: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً » . وأمره أن يتأمّل أحوال المترافعين إليه، والخصوم لديه، ويتطلّب ما وقع نزاعهم لأجله في نصّ الكتاب، ويعدل إلى السّنّة عند عدمه من هذا الباب؛ فإن

فقد من هذين الوجهين، فليرجع إلى ما اختاره السّلف المهتدون، وأجمع عليه الفقهاء المجتهدون؛ فإن لم يلف فيه قولا ولا إجماعا، ولا وجد إليه طريقا مستطاعا، أعمل رأيه واجتهاده، وامتطى ركاب وسعه وجياده، مستظهرا بمشورة الفقهاء في هذه الحال، ومستخلصا من آرائهم ما يقع عليه الاتّفاق الآمن الاعتلال: وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ «1» . وأمره باستعمال الأناة عند الحكومات، واستماع الدّعاوى والبيّنات، من غير سرعة تحدث خطلا، ولا إفراط في التأنّي يورث مللا، فإنّ الحقّ بين ذينك على شفا خطر، وظهر غرر «2» ، ولا سيّما إذا كان أحد الخصمين منطيقا، ينمّق كلامه تنميقا، فإنه يخلب ببلاغة نطقه مستمعه، ويغطّي وجه الباطل بألفاظه الموشّعة «3» ، فإذا اتّفق لديه ما هذا سبيله، شحذ له غرب فطنته، وأرهف غرار فكره وبصيرته، ومنح كلّا من الإنصات ما يجتلي وجه النّصف منيرا، ويغدو لأشياع الجور مبيرا. وإن ذو اللّسن روّعه، وأو همه أنّ الحقّ معه، بما يلفّقه من كلام يقصر خصمه عن جوابه، ويحصر «4» عن جداله واستيفاء خطابه، مع عدم البينة المشهودة، وتعذّر الحجة الموجودة، استعاد كلامه واستنطقه، واستوضح مغزاه وتحقّقه، من غير إظهار إعجاب بما يذكره، ولا اغترار بما يطويه وينشره، ولا إصغاء يبدو أثر الرّغائب من فحواه، ولا اختصاص له بما يمنع صاحبه شرواه «5» : لئلا يولّد ذلك له اشتطاطا، ويحدث له انطلاقا في الخصومة وانبساطا؛ حتّى إذا ابتسم الحقّ، وانتصر الصّدق، وفلج أحدهما بحجّته، ولحن ببيّنته، أقرّ الواجب في نصابه، وأداله من جنود الظّلم وأحزابه، وأمضى الحكم فيه باعتزام صادق، ورأي محصد الوثائق، غير ملتفت إلى مراجعة الخصوم وتشاجرهم، وشكواهم

وتنافرهم، اعتمادا للواجب، وانتهاجا لجدد العدل اللاحب «1» . قال الله تعالى: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ «2» . وأمره إذا انتدب للقضاء أن يفرّغ باله، ويقضي أمامه أو طاره وأشغاله، ويخلّي من أحوال الدنيا سرّه، ويشرح لما هو بصدده صدره؛ فلا تنزع نفسه إلى تحصيل مأرب، ولا تتطلّع إلى درك مطلب؛ فإن القلب إذا اكتنفته شجونه، وأحاطت به شؤونه، كان عرضة لتشعّب أفكاره، وحمله على مركب اضطراره الجاري بضدّ إيثاره واختياره، حريّا بالتقصير عن الفهم والإفهام، والضّجر عند مشتجر الخصام. وأمره بالتثبّت في الحدود، والاستظهار عند إقامتها بمن يسكن إلى قوله من الشّهود، والاحتياط من عجل يحيل الحكم عن بيانه، أو ريث يرجيه عند وضوحه وتبيانه، وأن يتجافى عمّا لم يصرّح له بذكره وشرحه، ولا يسرع إلى تصديق ساع وإن تشبّه بالناصحين في نصحه، حتّى يستبين له الحقّ فيمضيه، عاملا بما يوجبه حكم الله فيه، وأن يدرأ من الحدود ما اعترضت الشّبهة دليله «3» ، وكانت شواهده مدخولة، ويقيم منها ما قامت شهوده، ولم يمكن إنكاره وجحوده؛ قال الله تعالى مكبرا لتجافيها، ومعظّما للتجوّز فيها: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ «4» . وأمره بتصفّح أحوال الشّهود المعدّلين، المسموعة أقوالهم في أمور المسلمين وأحوال الدّين، ومواصلة البحث عن طرائقهم، واستشفاف خلائقهم،

مستخدما في ذلك سرّه وجهره، وواصلا بعوان دأبه فيه بكره؛ فمن علمه سليما في فعله، غير ظنين في أصله، متحرّيا في كسبه، مرضيّا في مذهبه، حافظا لكتاب الله سبحانه، متمسّكا من علم الشريعة بما يلوي عن مهاوي الخطإ عنانه، حاليا بالدّيانة المنيرة المطالع، حاميا نفسه عن الإسفاف إلى دنايا المطامع، حاويا من الظّلف والأمانة، والقدر والصيانة، والاحتراس والتحفّظ، والتحرّز والتيقّظ، ما تميّز به على أشكاله وأترابه، وطال مناكب أمثاله وأضرابه، فقد كملت صفاته، واقتضت تقديمه أدواته، ووجب أن يمضي كونه عدلا، ويجعله لقبول الشهادة أهلا؛ ومن رآه عن هذه الخلال مقصّرا، وببعضها مستظهرا، وكان موسوما بديانة مشكورة، ونزاهة مأثورة، رضي بذلك منه قانعا، وحكم بقوله سامعا. ومن كان عن هذين الفريقين نائيا، ولأحوالهم المبيّن ذكرها نافيا، ألغى قوله مطّرحا، وردّ شهادته مصرّحا؛ فإنّ هؤلاء الشهود أعوان الحق على انتصاره، وحرب الباطل على تتبيره وبواره، ومحجّة الحاكم إلى قضائه، ووزره «1» الذي يستند إليه في سائر أنحائه؛ فإذا أعذر في ارتيادهم، واستفرغ وسعه في انتقادهم، فقد خرج من عهدة الاجتهاد، واستحقّ من الله جزاء المجتهد يوم التّناد، ومتى غرّر في ذلك توجّهت اللائمة عليه، وكان قمنا «2» بنسبة التقصير في الاحتياط إليه؛ والله يتولّى السرائر، ويبلو خفيّات الضمائر، قال سبحانه: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ «3» . وقال اجل ذكره: سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ «4» . وأمره أن يكل أمور اليتامى في أملاكهم وأموالهم، ومراعاة شؤونهم وأحوالهم، إلى الثّقات الأعفّاء، والكفاة الأتقياء، الذين لا تستهويهم دواعي

الطّمع، ولا يوردهم الإسفاف موارد الطّبع «1» ، وأن يتتبّع أمورهم ويتصفّحها، ويشارفها بنفسه ويستوضحها، عالما أنه عمّا في أيديهم مسؤول، فإنّ عذره في إهمال يتخلّله غير مقبول؛ وهو سبحانه يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً «2» . وأن يوعز إليهم بالإنفاق على أربابها بالمعروف: لينتهجوا فيها جدد القصد المألوف؛ حتّى إذا بلغوا الحلم، وأونس منهم الرّشد وعلم، وساغ لهم التصرّف في نفوسهم، ووثق منهم باستدرار معايشهم، دفع إليهم أموالهم محروسة، ووفّاهم إيّاها كاملة غير منقوصة، مستظهرا بالشّهادة عليهم، والبراءة منها بتسليمها إليهم، اتّباعا لقوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً «3» . وأمره بتزويج الأيامى اللّواتي فقدن الأولياء، واعتدى عليهنّ صرف الدّهر وأساء، وأضرّ بهنّ طول الإرمال، وبدت عليهنّ آثار الخلّة «4» في الحال، فينكحهنّ أكفاءهنّ من الرجال، ويتمّ عقد نكاحهنّ على مهور الأمثال. وأمره بتفويض أمر الوقوف الجارية في نظره إلى من يأمنه ويختاره، وتقرن بإعلانه في ارتضائه أسراره: من أهل التّجربة والحياء، ذوي الاضطلاع والغناء؛ فإنهم أقلّ إلى المطامع تشوّفا، وأبعد في عواقب الأمور نظرا وتلطّفا؛ وأن يوسّع عليهم في الأرزاق، فيوصّلها إليهم مهنّأة عند الوجوب والاستحقاق، فبذلك يملك المرء نفسه ويستصلحها، ويتجنّب مواقف التّهم ويطرحها، وتجب عليه الحجّة إن

ثلم أمانة، أو قارف خيانة، مستظهرا بترتيب المشرفين الذين خبر أحوالهم، وسبر أفعالهم. وأن يتقدّم إلى المستنابين قبله بالإنفاق عليها حسب الحاجة من محصولها، حافظا بما تعمّده من ذلك لأصولها، وجباية ارتفاعها من مظانّها، والتماس حقوقها في أوانها، وصرفها في وجوهها التي شرطها واقفوها، وعيّن عليها أربابها وأهلوها، غير مخلّ مع ذلك بالإشراف والتطلّع، ولا مهمل للفحص والتبلّغ؛ فمن ألفاه حميد الأثر، ورضيّ العيان والخبر، عوّل عليه، وفوّض مستنيما إليه، ومن وجده قد مدّ إلى خيانة يده استبدل به وعزله، جزاء بما فعله: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً «1» . وأمره أن يستخلف على مانأى عنه من البلاد من جمع [إلى الوقار] «2» الحلم، وإلى الدّراية الفهم، وإلى التيقّظ الاستبصار، وإلى الورع الاستظهار: ممن لا يضيق بالأمور ذرعا، ولا تحدث له مراجعة الخصوم ضجرا ولا تبرّما، ولا يتمادى في أسباب الزّلّة، ولا يقصّر عن الرجوع إلى الحقّ إذا اتّضح له، ولا يكتفي بأدنى معدلة عن بلوغ أقصاها، ولا تتهافت نفسه على طاعة هواها، ولا يرجيء الأخذ بالحجة عند انكشافها، ولا يعجّل بحكم مع اعتراض الشّبهة واكتنافها، ولا يستميله إغراء، ولا يزدهيه مدح وإطراء، وأن يعهد بمثل ما عهد أمير المؤمنين إليه، ويعذر في الإجهاد بإيجاب الحجة عليه: ليبرأ من تبعة بادرة عساه يأتيها، أو مزلقة تناديه فيهبّ ملبّيا لداعيها؛ قال الله تعالى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ «3» . وأمره أن يمضي ما أمضاه الحكّام قبله ولا يتعقّب أحكامهم بتأويل، مجتنبا

تتبّع عثراتهم، والبحث عن هفواتهم؛ ومهما رفع إليه من ذلك مما الإجماع عليه موافق، ولسان الكتاب والسّنّة به ناطق، أمضاه وحكم به، وإن كان مباينا لمذهبه: فإنّ الحكومات كلّها ماضية على اختلاف جهاتها، مستمرّة على تنافي صفاتها، محميّة عن التأويل والتعليل، محروسة من التغيير والتبديل، ما كان لها مخرج في بعض الأقوال، أو وجد لها عند الفقهاء احتمال، إلّا أن يكون الإجماع منعقدا على ضدّها، آخذا بإلغائها وردّها، فيستفرغ في إيضاحها جهده، وينفق في تلافيها من الاستطاعة وجده «1» ، حتّى يعيدها إلى مقرّها من الواجب، ويمضيها على الحقّ اللّازب «2» ، قال الله عز وجل: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ «3» . وأمره أن يتّخذ كاتبا بالظّلف موسوما، وبأدقّ ما يناط به قؤوما، خبيرا بما يسطره، عالما بما يذكره، عارفا بالشّروط والسّجلّات، وما يتوجّه نحوها من التأويلات، ويتداخلها من الشّبه والتلبيسات، مطّلعا على أسرارها وعللها، وتصاريف حيلها، متحرّزا في كل حال، متنزّها عن مذموم الفعال، متّخذا خشية الله شعارا، مسبلا دون عصيانه من التّقى أستارا: فإنها نظاماته التي يرجع إليها، ويده التي يبطش بها ويعوّل عليها؛ ومتى لم يكن له من نفسه وازع، ولا من عقله ودينه رادع، لم يؤمن أن تدبّ عقاربه ليلا، ويسحب على الغوائل والموبقات ذيلا، فيعمّ الضرر بمكانه، ويشرع أذاه إلى المسلمين حدّ سنانه. وأن يتخيّر حاجبا طاويا كشحه دون الأشرار، جامعا لأدب الأخيار، مدّرعا جلباب الحياء، طلق الوجه عند اللّقاء، سهل الجانب ليّنه، مستشعر الخير متيقّنه، غير متجهّم للناس، ولا معاملهم بغير البشاشة والإيناس، فإنه الباب إليه، والمعتمد في لقائه عليه؛ فلينتخبه انتخاب من علم أنّ حسن الثناء خير زاد، وأنفس ذخر وعتاد، ورأى طيّب

المحمدة أجمل كسب مراد، وحظّ مجسّد مستفاد. ومتى كان عن هذه الخلال متخلّيا، وبخلافها متحلّيا، اعتاض عنه بمن هو أسلم غيبا، وآمن ريبا، وأنقى جيبا، وأقلّ عيبا، قال الله سبحانه: وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً «1» . وأمره أن يتسلّم ديوان القضاء وما فيه من الحجج والسّجلّات، والوثائق والكفالات، والمحاضر والوكالات، بمحضر من العدول ليكونوا له مشاهدين، وعليه شاهدين، وأن يجعل خزّانها من يرتضيه، باجتماع أدوات الخير فيه، عاملا في حفظها بما تقتضيه الأمانة التي أشفقت السموات والأرض والجبال منها، وأقررن بالعجز عنها، متحرّيا من أمر يبوء معه بالأثام، في دار المقام؛ قال الله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا «2» . وأمره بمراعاة أمر الحسبة «3» فإنها أكبر المصالح وأهمّها، وأجمعها لنفع الناس وأعمّها، وأدعاها إلى تحصين أموالهم، وانتظام أحوالهم؛ وحسم موادّ الفساد، وكفّ يده عن الامتداد، وأن يتقدّم إلى المستناب فيها بمداومة الاطّلاع على كمّيّة الأسعار، والفحص عن مادّة المخلوقات في الانقطاع والاستمرار، ومواصلة الجلوس في أماكن الأقوات ومظانّها: ليكون تسعيرها بمقتضى زيادتها ونقصانها، غير خارج في ذلك عن حدّ الاعتدال، ولا مائل إلى ما يجحف بالفريقين من إكثار وإقلال، وأن يراعي عيار المكاييل والموازين، ليميّز ذوي الصّحّة من المطفّفين، فيقول لمن حسن اعتباره [مر] «4» حى ويقابل من ساء اختباره بما يجعله لأمثاله رادعا، حتّى يزنوا بالقسطاس المستقيم، ويتجنّبوا التطفيف بقلب من إضمار

المعاودة سليم؛ قال الله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ «1» . هذا عهد أمير المؤمنين إليك، وحجّته عند الله تعالى عليك؛ وقفك [فيه] «2» على منهج الصّلاح، وأعلقك منه إن اتّبعته بأسباب النّجاح، وأدرّ به عليك خلف السّعادة إن أمريته «3» بيد القبول، وجمع لك مع احتذائه «4» بدائد المأمول، وعطف لديك متى تمثّلته شوارد السّول، وأو جدك ضالّة متاعك إن أصغيت إليه سامعا مطيعا، وأعاد إن ائتمرت بأوامره شمل أقوالك جميعا، وأرادك مرعى النجاة إن نهضت بأعبائه مريعا، لم يدّخرك فيه شفيفا، ولا حقرك إرشادا وتعريفا، خلع به ربقة الأمانة عن عنق اجتهاده، وأوضح لك ما يسأل غدا عن فعله واعتماده. فبادر إلى العمل به مسرعا، وقم بالمحدود فيه مضطلعا، واعلم أنّ لكل عالم هفوة، ولكلّ جواد كبوة؛ فاغضض عن مطامح الهوى طرفك، واثن عن أضاليل الدّنيا الغرّارة عطفك، واخش موقفا تشخص فيه الأبصار، وتعدم الأعوان والأنصار، يوم ينظر المرء ما قدّمت يداه، وتنقطع الوسائل إلا ممّن أطاع الله واتّقاه، ينعم عوفك» ، ويأمن يوم القيامة خوفك؛ ومهما عرض لك من شبهة لم تلف مخرجا منها، ولا صدرا عنها، ولا وجدت لسقبها هناء، ولدائها شفاء، فطالع حضرة أمير المؤمنين بحالها مستعلما، وأنهها إليه مستفتحا باستدعاء الجواب عما أصبح لديك مستغلقا مبهما، يمددك منه بما يريك صبح الحق منبلجا، وضيق الشّكّ منفرجا، عن علم عنده البحر كالقياس، إلى أوشال «6» الناس؛ والله تعالى

يعضّد آراء أمير المؤمنين بالصواب، ويمدّه بالتوفيق في سائر الآراب، ويقود لمراده أزمّة جوامحها الصّعاب، ما أنجم سحاب، وأثجم رباب «1» ، بمنّه وسعة فضله. وهذه نسخة عهد بولاية القضاء بسرّ من رأى «2» ، كتب بها أبو إسحاق الصابي، عن الطائع لله، للقاضي أبي الحسين محمد ابن قاضي القضاة أبي محمد عبيد الله، بن أحمد بن معروف، حين ولّاه القضاء بسرّ من رأى وغيرها، وما أضيف إلى ذلك من أعمال الجزيرة، وهي: هذا ما عهد عبد الله عبد الكريم، الإمام الطائع لله أمير المؤمنين، إلى محمد ابن قاضي القضاة عبيد الله بن أحمد، حين عرفت الفضيلة فيه، وتقيّل «3» مذاهب أبيه، ونشأ من حصنه في المنشإ الأمين، وتبوّأ من سببه ونسبه المتبوّأ المصون، ووجده أمير المؤمنين مستحقّا لأن يوسم بالصّنيعة، والمنزلة الرّفيعة، على الحداثة من سنّه، والغضاضة من عوده، ساميا به في ذلك إلى مراتب أعيان الرّجال، التي لا تدرك إلّا مع الكمال والاكتهال: لما آنس من رشده ونجابته، واستوضح من عقله ولبابته، واسترجح من وقاره وحلمه، واستغزر من درايته وعلمه، وللّذي عليه شيخه قاضي القضاة عبيد الله بن أحمد من حصافة الدّين، وخلوص اليقين، والتقدّم على المتحلّين بحليته، والمنتحلين لصناعته، والاستبداد عليهم بالعلم الجمّ، والمعنى الفخم، والافتنان في المساعي الصالحة التي يسود أحدهم بأحدها، ويستحقّ التّجاوز لهم من استوعبها بأسرها، وبالثّقة والأمانة، والعفّة والنّزاهة، التي صار بها علما فردا، وواحدا فذّا، حتّى تكلّفها من

أجله من ليست من طبعه ولا سنخه، فهو المحمود بأفعاله التي اختص بها وبأفعال غيره ممن حذاه فيها، وبما نفق من بضائع الخير بعد كسادها، وبالسابقة التي له في خدمة المطيع لله أوّلا ثم خدمة أمير المؤمنين ثانيا، فإنّها [سابقة] «1» شائع خبرها، وجميل أثرها، قويّة دواعيها، متمكّنة أواخيها، وللمكانة التي خصّ بها من أمير المؤمنين [ومن عزّ الدولة أبي منصور مولى أمير المؤمنين أيده الله] «2» ومن نصير الدولة الناصح أبي طاهر رعاه الله، ومن عظماء أهل حوزتهم، وأفاريق «3» عوامّهم ورعيّتهم؛ فلما صدق محمد فراسة أمير المؤمنين ومخايله، واحتذى سجايا أبيه وشمائله، وحصل له ما حصل من الحرمات المتأثّلة، والمواتّ المتأصّلة، أحرز من الأثرة على قرب المدى، ما لا يحرزه غيره على بعد المرمى، واستغنى أمير المؤمنين فيه عن طول التّجربة والاختبار، وتكرّر الامتحان والاعتبار، فقلّده الحكم بين أهل سرّ من رأى، وتكريت، والطبرهان «4» ، والسّنّ، والبوازيج، ودقوقا «5» ، وخانيجار، والبندنيجين، وبوحسابور، والرّاذانين «6» ، [ومسكن] «7» وقطربّل، ونهر بوق، والدبين، وجميع الأعمال المضافة إلى ذلك والمنسوبة إليه، وشرّفه بالخلع والحملان، وضروب الإنعام والإحسان، وكان فيما أعطاه من هذا الصّيت والمجد، ونحله إيّاه من المفخر العدّ، مبتغيا ما كسبه من الله الرّضا والزّلفى، والسلامة في الفاتحة والعقبى، وراعيا لما يوجبه لقاضي قضاته عبيد الله بن أحمد من الحقوق التي أخفى منها أكثر مما أبدى، وأمسك عن أضعاف ما أحصى، وذاهبا على آثار الأئمة المهديّين، والولاة المجتهدين، في إقرار ودائعهم عند المرشّحين لحفظها، المضطلعين بحملها، من أولاد أوليائهم، وذريّة نصحائهم: إذ كان لا بدّ للأسلاف أن تمضي، وللأخلاف أن تنمي،

كالشجر الذي يغرس لدنا فيصير عظيما، والنبات الذي ينجم رطبا فيصير هشيما؛ فالمصيب من تخيّر الغرس من حيث استنجب الشجر، واستحلى الثّمر، وتعمّد بالعرف من طاب منه الخبر، وحسن منه الأثر؛ وأمير المؤمنين يسأل الله تعالى تسديدا تحمد عائدته، وتدرّ عليه مادّته، ويتولّاه في العزائم التي يعزمها، والأمور التي يبرمها، والعقود التي يعقدها، والأغراض التي يعتمدها؛ وما توفيق أمير المؤمنين إلّا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب. أمره باعتماد التّقوى، فإنّها شعار أهل الهدى، وأن يراقب الله مراقبة المتحرّز من وعيده، والمتنجّز لمواعيده، ويطهّر قلبه من موبقات الوساوس، ويهذّبه من مرديات الهواجس، ويأخذ نفسه بمآخذ أهل الدّين، ويكلّفها كلف الأبرار المؤمنين، ويمنعها من أباطيل الهوى، وأضاليل المنى؛ فإنها أمّارة بالسّوء، صبّة «1» إلى الغيّ، صادّة عن الخير، صادفة عن الرّشد، لا ترجع عن مضارّها إلّا بالشّكائم، ولا تنقاد إلى منافعها إلا بالخزائم؛ فمن كبحها وثناها نجّاها، ومن أطلقها وأمرجها «2» أرداها. وأولى من جعل تقوى الله دأبه وديدنه، والخيفة منه منهاجه وسننه، من ارتدى رداء الحكّام، وأمر ونهى في الأحكام، وتصدّى لكفّ الظالم، وردّ المظالم، وإيجاب الحدود ودرئها، وتحليل الفروج وحظرها، وأخذ الحقوق وإعطائها، وتنفيذ القضايا وإمضائها: إذ ليس له أن يأمر ولا يأتمر، ويزجر ولا يزدجر، ويأتي مثل ما ينهى عنه، وينهى عمّا يأتي مثله، بل هو محقوق بأن يصلح ما بين جنبيه، قبل أن يصلح ما ردّ أمره إليه، وأن يهذّب من نيّته، ما يحاول أن يهذّب من رعيّته، قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ «3» : فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ

وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ «1» . وأمره بالإكثار من تلاوة القرآن الواضح سبيله، الراشد دليله، الذي من استضاء بمصابيحه أبصر ونجا، ومن أعرض عنها زلّ وغوى، وأن يتخذه إماما يهتدي بآياته، ويقتدي ببيّناته، ومثالا يحذو عليه، ويردّ الأصول والفروع إليه؛ فقد جعله الله حجّته الثابتة الواجبة، ومحجّته المستبينة اللّاحبة، ونوره الغالب الساطع، وبرهانه الباهر الناصع؛ وإذا ورد عليه معضل، أو غمّ عليه مشكل، اعتصم به عائذا، وعطف عليه لائذا؛ فبه يكشف الخطب، ويذلّل الصّعب، وينال الأرب، ويدرك المطلب، وهو أحد الثقلين اللذين خلّفهما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم فينا، ونصبهما معلما بعده لنا، قال الله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً «2» . وقال تعالى: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ «3» . وأمره بالمحافظة على الصّلوات، وإقامتها في حقائق الأوقات، وأن يدخل فيها أوان حلولها بإخلاص من قلبه، وحضور من لبّه، وجمع بين لفظه ونيّته، ومطابقة بين قوله وعمله، مرتّلا للقراءة فيها، مفصحا بالإبانة لها، متثبّتا في ركوعها وسجودها، مستوفيا لحدودها وشروطها، متجنّبا فيها جرائر الخطإ والسّهو، وعوارض الخطل واللّغو: فإنه واقف بين يدي جبّار السماء والأرض، ومالك البسط والقبض، والمطّلع على خائنة كلّ عين وخافية كلّ صدر، الذي لا تحتجب دونه طويّة، ولا تستعجم عليه خبيّة، ولا يضيع أجر محسن، ولا يصلح عمل مفسد؛ وهو القائل عز وجل: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ «4» .

وأمره بالجلوس للخصوم، وفتح بابه لهم على العموم، وأن يوازي بين الفريقين إذا تقدّما إليه، ويحاذي بينهما في الجلوس بين يديه، ويقسم لهما أقساما متماثلة من نظره، وأقساطا متعادلة من كلمه: فإنه مقام توازن الأقدام، وتكافؤ الخواصّ والعوامّ، لا يقبل على ذي هيئة لهيئته، ولا يعرض عن دميم لدمامته، ولا يزيد شريفا على مشروف، ولا قويّا على مضعوف، ولا قريبا على أجنبيّ، ولا مسلما على ذمّي، ما جمعهما التخاصم، وضمّهما التحاكم. ومن أحسّ منه بنقصان بيان، أو عجز عن برهان، أو قصور في علم، أو تأخّر في فهم، صبر عليه حتّى يستنبط ما عنده، ويستشقّ ضميره، وينقع بالإقناع غلّته، ويزيح بالإيضاح علّته. ومن أحسّ منه بلسن وعبارة وفضل من بلاغة، أعمل فيما يسمعه منه فكره، وأحضره ذهنه، وقابله بسدّ خلّة خصمه، والإبانة لكل منهما عن صاحبه، ثم سلّط على أقوالهما ودعاويهما تأمّله، وأوقع على بيّناتهما وحججهما تدبّره، وأنفذ حينئذ الحكومة إنفاذا يعلمان به أنّ الحقّ مستقرّ مقرّه، وأن الحكم موضوع موضعه؛ فلا يبقى للمحكوم عليه استرابة ولا للمحكوم له استزادة، وأن يأخذ نفسه مع ذلك بأطهر الخلائق وأحمدها، وأهدى السّجايا وأرشدها، وأن يقصد في مشيه، ويغضّ من صوته، ويحذف الفضول من [لفظه و] «1» لحظه، ويخفّف من حركاته ولفتاته، ويتوقّر من سائر جنباته [وجهاته] «2» ، ويتجنّب الخرق والحدّة، ويتوقّى الفظاظة والشّدّة، ويلين كنفه من غير مهانة، ويربّ هيببته في غير غلظة، ويتوخّى في ذلك وقوفا بين غايتيه، وتوسّطا بين طرفيه، فإنه يخاطب أخلاطا من الناس مختلفين، وضروبا غير متّفقين، ولا يخلو فيهم من الجاهل الأهوج، والمظلوم المحرج، والشيخ الهمّ «3» ، والناشيء الغرّ، والمرأة الرّكيكة، والرجل الضعيف النّحيزة؛ وواجب عليه أن يغمرهم بعقله، ويشملهم بعدله، ويقيمهم على الاستقامة بسياسته، ويعطف عليهم بحلمه ورياسته، وأن يجلس وقد نال من

المطعم والمشرب طرفا يقف به عند أوّل الكفاية، ولا يبلغ منه إلى آخر النهاية، وأن يعرض نفسه على أسباب الحاجة كلّها، وعوارض البشريّة بأسرها: لئلا يلمّ به من ذلك ملمّ أو يطيف به طائف فيحيلانه عن جلده، ويحولان بينه وبين سدده، وليكن همّه إلى ما يقول ويقال له مصروفا، وخاطره على ما يرد عليه ويصدر عنه موقوفا؛ قال الله تعالى: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ «1» . وأمره إذا ثبت عنده حقّ من الحقوق لأحد من الخصوم، أن يكتب له متى التمس ذلك صاحب المعونة في عمله بأن يمكّنه منه، ويحسم المعارضات فيه عنه، ويقبض كلّ يد تمتدّ إلى منازعته، أو تتعدّى إلى مجاذبته؛ فقد ندب الله الناس إلى معاونة المحق على المبطل، والمظلوم على الظالم؛ إذ يقول عزّ وجلّ: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ «2» . وأمره أن يستصحب كاتبا دربا بالمحاضر والسّجلّات، ماهرا في القضايا والحكومات، عالما بالشّروط والحدود، عارفا بما يجوز وما لا يجوز، غير مقصّر عن القضاة المستورين، والشّهود المقبولين، في طهارة ذيله، ونقاء جيبه، وتصوّنه عن خبث المآكل والمطاعم، ومقارفة الرّيب والتّهم؛ فإن الكاتب زمام الحاكم الذي إليه مرجعه، وعليه معوّله، وبه يحترس من دواهي الحيل، وكوامن الغيل، وحاجبا سديدا رشيدا، أديبا لبيبا، لا يسفّ إلى دنيّة ولا يلم بمنكرة، ولا يقبل رشوة، ولا يلتمس جعالة «3» ، ولا يحجب عنه أحدا يحاول لقاءه في وقته،

والوصول إليه في حينه، وخلفاء يردّ إليهم ما بعد من العمل عن مقرّه، وأعجزه أن يتولّى النظر فيه بنفسه، ينتخبهم من الأماثل، ويتخيّرهم من الأفاضل، ويعهد إليهم في كلّ ما عهد فيه إليه، ويأخذهم بمثل ما أخذ به، ويجعل لكلّ من هذه الطوائف رزقا يكفّه ويكفيه، وقوتا يحجزه ويغنيه؛ فليس تلزمهم الحجّة إلا مع إعطائهم الحاجة، ولا تؤخذ عليهم الوثيقة إلا مع إزاحة العلّة؛ فقد قال الله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى «1» . وأمره بإقرار الشهود الموسومين بالعدالة على تعديلهم، وإمضاء القضاء بأقوالهم، وحملهم على ظاهر السّلامة، وشعار الاستقامة، وأن يعتمد مع هذا البحث عن أديانهم، والفحص عن أماناتهم، والإصغاء إلى الأحاديث عنهم: من ثناء يتكرر، أو قدح يتردّد؛ فإذا تواتر عنده أحد الأمرين، ركن إلى المزكيّ الأمين، ونبا عن المتّهم الظّنين: فإنه إذا فعل ذلك اغتبط أهل الأمانة بأماناتهم، ونزع أهل الخيانة عن خياناتهم، وتقرّبوا إليه بما تنفق سوقه، ويستحقّ به التوجّه عنده، واستمرّ شهوده وأمناؤه، وأتباعه وخلفاؤه، على المنهج الأوضح، والمسلك الأنجح، وتحصّنت الأموال والحقوق، وصينت الحرمات والفروج؛ ومتى وقف لأحد منهم على هفوة لا تغفر، وعثرة لا تقال، أسقطه من عددهم، وأخرجه عن جملتهم، واعتاض منه من يحمد دينه، ويرتضي أمانته؛ قال الله تعالى: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ «2» . وقال في الشهادة: وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ «3» . وأمره بالضّبط لما يجري في عمله من الوقوف الثابتة في ديوان حكمه،

والتعويل فيها على الأمناء الثّقات، والحصفاء الكفاة، المعروفين بالظّلف والورع، المتنزّهين عن النّطف والجشع، والتقدّم إليهم في حفظ أصولها، وتوفير فروعها، وتثمير غلالها وارتفاعها، وصرفها إلى أهلها ومستحقّها وفي وجوهها وسبلها، ومطالبتهم بحساب ما يجري على أيديهم، والاستقراء لآثارهم فيه وأفعالهم، وأن يحمد منهم من كفى وكفّ، ويذم من أضاع وأسفّ، وينزل كلّا منهم منزلته التي استحقّها بعمله، واستوجبها بأثره، قال الله تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً «1» . وأمره بالاحتياط على أموال الأيتام، وإسنادها إلى أعفّ وأوثق القوّام، والتقدّم إلى كل طائفة بأن يجريهم مجرى ولده، ويقيمهم مقام سلالته، في الشفقة عليهم، والإصلاح لشؤونهم، والإشراف على تأديبهم، وتلقينهم ما لا يسع المسلم جهله من الفرائض المفترضة، والسّنن المؤكّدة، وتخريجهم في أبواب معايشهم، وأسباب مصالحهم، والإنفاق عليهم من عرض أموالهم بالمعروف الذي لا شطط فيه ولا تبذير، ولا تضييق ولا تقتير؛ فإذا بلغوا مبالغ كمالهم، وأونس منهم الرّشد في متصرّفاتهم، أطلق لهم أموالهم، وأشهد بذلك عليهم؛ فقد جعله الله بما تقلّده من الحكم، خلفا من الآباء لذوي اليتم، وصار بهذه الولاية عليهم مسؤولا عنهم، ومجزيّا عما سار به فيهم، وأوصله من خير أو شرّ إليهم؛ قال الله تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً «2» . وأمره بحفظ ما في ديوانه من الوثائق والسّجلّات، والحجج والبيّنات،

والوصايا والإقرارات: فإنها ودائع الرعيّة عنده، وواجب أن يحرسها جهده، وأن يكلها إلى الخزّان المأمونين، والحفظة المتيقّظين، ويوعز إليهم بأن لا يخرجوا شيئا منها عن موضعه ولا يضيفوا إليها ما لم يكن بعلمه، وأن يتّخذ لها بيتا يحصرها به، ويجعله بحيث يأمن عليه: ليرجع متى احتاج الرجوع إليه؛ فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ* «1» . وأمره إن ورد عليه أمر يعييه فصله، ويشتبه عليه وجه الحكم فيه، أن يردّه إلى كتاب الله، ويطلب به سبيل المخلص منه، فإن وجده وإلا ففي الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أدركه وإلا استفتى فيه من يليه من ذوي الفقه والفهم، والهداية والعلم؛ فما زالت الأئمة والحكّام من السّلف الصالح، وطرّاق السّنن الواضح، يستفتي واحد منهم واحدا، ويسترشد بعض بعضا، لزوما للاجتهاد، وطلبا للصواب، وتحرّزا من الغلط، وتوقّيا من العثار؛ قال الله تعالى: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ «2» . وأمره أن لا ينقض حكما حكم به من كان قبله ولا يفسخه، وأن يعمل عليه ولا يعدل عنه، ما كان داخلا في إجماع المسلمين، وسائغا في أوضاع الدّين؛ فإن خرج عن الإجماع، أوضح الحال فيه لمن بحضرته من الفقهاء والعلماء حتّى يصيروا مثله في إنكاره، ويجتمعوا معه على إيجاب ردّه، ثم ينقضه حينئذ نقضا يشيع ويذيع، ويعود به الأمر إلى واجبه، ويستقرّ معه الحقّ في نصابه؛ قال الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ » . هذا عهد أمير المؤمنين إليك، وحجّته عليك؛ قد شرح به صدرك، وأوضح به سبلك وأقام أعلام الهداية لك، ولم يألك تبصيرا وتذكيرا، ولم يدّخرك تعريفا

وتوقيفا، ولم يجعلك في شيء من أمرك على شبهة تعترضك، ولا حيرة تعتاقك؛ والله شاهد له بخروجه من الحق فيما وصّى وعهد، وعليك بقبولك ما قبلت مما ولّى وقلّد؛ فإن عدلت واعتدلت- وذلك خليق بك- فقد فاز وفزت معه، وإن تجانفت «1» وزللت- وذلك بعيد منك- فقد ربح وخسرت دونه؛ فلتكن التقوى زادك، والاحتراس شعارك، واستعن بالله يعنك، واستهده يهدك، واعتضد به يعضّدك، واستمدّ من توفيقه يمددك؛ إن شاء الله تعالى. [وكتب نصير الدولة الناصح أبو طاهر يوم كذا من رجب سنة ست وستين وثلاثمائة] «2» . وهذه نسخة عهد بقضاء القضاة [بحاضرة بغداد وسائر الأعمال] «3» شرقا وغربا كتب به عن الإمام الناصر لدين الله أحمد «4» ، للقاضي محيي الدين أبي عبد الله محمد بن فضلان، من إنشاء أستاد الدار عضد الدين بن الضحّاك، وهي: هذا ما عهد عبد الله وخليفته في العالمين، المفترض الطاعة على الخلق أجمعين، أبو العبّاس أحمد الناصر لدين الله أمير المؤمنين، إلى محمد بن يحيى ابن فضلان: حين سبر خلاله واستقراها، واعتبر طرائقه واستبراها، فألفاه رشيدا في مذاهبه، سديدا في أفعاله وضرائبه، موسوما بالرّصانة، حاليا بالورع والدّيانة، مبرّزا من العلوم في فنونها، عالما بمفروض الشريعة المطهّرة ومسنونها، مدّرعا ملابس العفاف، قد أناف على أمثاله في بوارع الأوصاف، فقلّده قضاء القضاة في مدينة السلام وجميع البلاد والأعمال، والنواحي والأمصار: شرقا وغربا، وبعدا

وقربا، سكونا إلى ما علم من حاله، واضطلاعه بالنهضة المنوطة به واستقلاله، وركونا إلى قيامه بالواجب فيما أسند إليه، ونهوضه بعبء ما يعوّل في حفظ قوانينه عليه، واستنامة إلى حلول الاصطناع عنده، ومصادفته منه مكانا تبوّاه بالاستحقاق وحده؛ والله تعالى يعضّد آراء أمير المؤمنين بمزيد التوفيق في جميع الأمور، ويحسن له الخيرة فيما يؤمّه من مناظم الدّين وصلاح الجمهور؛ وما توفيق أمير المؤمنين إلّا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب. أمره بتقوى الله تعالى في إعلانه وإسراره، وتقمّص شعارها في إظهار أمره وإضماره؛ فإنها العروة الوثقى، والذّخر الأبقى، والسعادة التي ما دونها فوز ولا فوقها مرقى، وهي حلية الأبرار، وسيما الأخيار، والمنهج الواضح، والمتجر الرابح، والسبيل المؤدّي إلى النجاة والخلاص، يوم لا وزر ولات حين مناص، وأنفع العدد والذّخائر، وخير العتاد يوم تنشر الصّحف وتبلى السّرائر، يوم تشخص الأبصار، وتعدم الأنصار: وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ «1» ، ولا ينجو من عذاب الله يومئذ إلا من كان زاده التقوى، وتمسّك منها بالسبب الأقوى؛ قال الله تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ «2» . وأمره أن يجعل كتاب الله إماما يهتدي بمناره، ويستصبح ببواهر أنواره، ويستضيء في ظلم المشكلات بمنير مصباحه، ويقف عند حدود محظوره ومباحه، ويتّخذه مثالا يحتذيه، ودليلا يتّبع أثره فيهديه، ويعمل به في قضاياه وأحكامه، ويقتدي بأوامره في نقضه وإبرامه: فإنه دليل الهدى ورائده، وسائق النّجح وقائده، ومعدن العلم ومنبعه، ومنجم الرّشاد ومطلعه، وأحد الثقلين اللذين خلّفهما «3» رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمّة، والذّكر الذي جعله الله تعالى تبيانا لكل شيء

وهدى ورحمة، فقال عزّ من قائل: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ «1» . وأمره بانتزاع «2» الآثار النبوية صلوات الله على صاحبها وسلامه، والاهتداء بشموسها التي تنجلي بها دجنّة كلّ مشكل وظلامه، والاقتداء بسنّة الشريعة المتبوعة، وتصفّح الأخبار المسموعة؛ والعمل منها بما قامت أدلّة صحّته من جميع جهاته، واستحكمت الثّقة بنقلته عنه عليه السلام ورواته؛ وسلمت أسانيده من قدح، ورجاله من ظنّة وجرح، فإنّها التالية للقرآن المجيد في وجوب العمل بأوامره، والانتهاء بروادعه وزواجره؛ وهو عليه الصلاة والسلام الصادق الأمين الذي ما ضلّ وما غوى، وما ينطق عن الهوى؛ وقد قرن الله سبحانه طاعته بطاعته، والعمل بكتابه والأخذ بسنّته؛ فقال عز من قائل: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ «3» . وأمره بمجالسة العلماء، ومباحثة الفقهاء، ومشاركتهم في الأمور المشكلة، وعوارض الحكومات المعضلة: لتستبين سبيل الصواب، ويعرى الحكم من ملابس الشّبه والارتياب، ويخلص من خطأ الانفراد، وغوائل الاستبداد، فالمشورة باليمن مقرونة، والسلامة في مطاويها مضمونة؛ وقد أمر الله تعالى بها نبيّه صلى الله عليه وسلم مع شرف منزلته وكمال عصمته، وتأييده بوحيه «4» وملائكته فقال سبحانه: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ «5» . وأمره بفتح بابه، ورفع حجابه، وأن يجلس للخصوم جلوسا عامّا، وينظر في

أمورهم نظرا حسنا تامّا، مساويا بينهم في نظره ولحظه، وإصغائه ولفظه، محترزا من ذي اللّسن وجرأة جنانه، متأنّيا بذي الحصر عند إقامة برهانه، فربّما كان أحد الخصمين ألحن بحجّته، والآخر ضعيفا عن مقاومته، هذا مقام الفحص والاستفهام، والتثبّت «1» وإمضاء الأحكام: ليسلم من خديعة محتال، وكيد مغتال، مائلا في جميع ذلك مع الواجب، سالكا طريق العدل اللّاحب، غير فارق في إمضاء الحكم بين القويّ والضعيف، والمشروف والشريف، والمالك والمملوك، والغنيّ والصّعلوك، قال الله تعالى: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا «2» . وقال سبحانه وتعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ «3» . وأمره أن يتصفّح أحوال الشهود، المسموعة أقوالهم في الحقوق والحدود، المرجوع إلى أمانتهم، المعمول بشهادتهم، الذين بهم تقام الحجج وتدحض، وتبرم الأحكام وتنقض، وتثبت الدّعاوى وتبطل، وتمضى القضايا وتسجّل، مجتهدا في البحث عن طرائقهم وأحوالهم، وانتقاد تصاريفهم وأفعالهم، واستشفاف سجاياهم، وعرفان مزاياهم، مخصّصا بالتمييز من كان حميد الخلال، مرضيّ الفعال، راجعا إلى ورع ودين، متمسّكا من الأمانة والنّزاهة بالسبب المتين؛ قال الله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ «4» . وأمره بالنظر في أمور اليتامى وأموالهم، ومراعاة شؤونهم وأحوالهم، وأن يرتّب بسبب اتّساق مصالحهم الثّقات الأعفّاء، والأمناء الأتقياء، ممن ظهرت ديانته، وحسنت سريرته، واشتهر بالظّلف والعفاف، والتنزّه عن الطمع والإسفاف، ويأمرهم بحفظها من خلل يتخلّلها، ويد خائنة تدخلها؛ وليكن عليهم

حدبا، وفي فرط الحنوّ أبا؛ وخلفا من آبائهم في الإشفاق عليهم، وحسن الالتفات إليهم: فإنّه عنهم مسؤول، والعذر عند الله تعالى في إهمالهم غير مقبول، وأن يأذن لهم في الإنفاق عليهم بالمعروف من غير إسراف ولا تقتير، ولا تضييق ولا تبذير؛ فإذا بلغ أحدهم النّكاح، وآنس منه أمارات الرّشد والصّلاح، دفع ماله إليه، وأشهد بقبضه عليه، على الوجه المنصوص، غير منقوص ولا منغوص، ممتثلا أمر الله تعالى في قوله سبحانه: فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً «1» . وأمره بتزويج الأيامى اللّواتي لا أولياء لهنّ من أكفائهنّ، بمهور أمثالهنّ، وأن يشمل ذوات الغنى والفقر منهنّ بعدله، ويتحرّى لهنّ المصلحة في عقده وحلّه. وأمره أن يستنيب فيما بعد عنه من البلاد ودنا، وقرب منه ونأى، كلّ ذي علم واستبصار، وتيقّظ في الحكم واستظهار، ونزاهة شائعة، وأوصاف لأدوات الاستحقاق جامعة، ممن يتحقّق نهوضه بذلك واضطلاعه، ويأمن استزلاله «2» وانخداعه، وأن يعهد إليهم في ذلك بمثل ما عهد إليه ولا يألوهم تنبيها وتذكيرا، وإرشادا وتبصيرا؛ قال الله تعالى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ «3» . وأمره بإمضاء ما أمضاه قبله الحكّام، من القضايا والأحكام، غير متعقّب أحكامهم بنقض ولا تبديل، ولا تغيير ولا تأويل، إذا كانت جائزة في بعض الأقوال، ممضاة على وجه من وجوه الاحتمال، غير خارقة للإجماع، عارية من ملابس الابتداع، وإن كان ذلك منافيا لمذهبه، فقد سبق حكم الحاكم به «4» ؛ قال

الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ «1» . وأمره أن يتخذ كاتبا قيّما بشروط القضايا والسّجلّات، عارفا بما يتطرّق نحوها من الشّبه والتأويلات، ويتداخلها من النّقص والتلبيسات، متحرّزا في كلّ حال، متنزّها عن ذميم الأفعال، وأن يتخيّر حاجبا نقيّ الجيب، مأمون المشهد والغيب، مستشعرا للتقوى، في السّر والنجوى، سالكا للطريقة المثلى، غير متجهّم للناس، ولا معتمد ما ينافي بسط الوجه لهم والإيناس: فإنه وصلتهم إليه، ووجهه المشهود قبل الدخول عليه؛ فلينتخبه من بين أصحابه، وممن يرتضيه من أمثاله وأضرابه. وأمره بتسلّم ديوان القضاء والحكم، والاستظهار على ما في خزائنه بالإثبات والختم، والاحتياط على ما به من المال والسّجلّات، والحجج والمحاضر والوكالات «2» ، والقبوض والوثائق والأثبات والكفالات، بمحضر من العدول الأمناء الثّقات، وأن يرتّب لذلك خازنا يؤدّي الأمانة فيه، ويتوخّى ما توجبه الديانة وتقتضيه. وأمره بمراعاة أمر الحسبة: فإنها من أكبر المصالح وأهمّها، وأجمعها لمنافع الخلق وأعمّها، وأدعاها إلى تحصين أموالهم، وانتظام أحوالهم، وأن يأمر المستناب فيها باعتبار سائر المبيعات فيها: من الأقوات «3» وغيرها في عامّة الأوقات، وتحقيق أسباب الزيادة والنّقصان في الأسعار، والتصدّي لذلك على الدّوام والاستمرار، وأن يجري الأمر فيها بحسب ما تقتضيه الحال الحاضرة، والموجبات الشائعة الظاهرة، واعتبار الموازين والمكاييل، وإعادة الزائد والناقص منها إلى التّسوية والتعديل؛ فإن اطّلع لأحد من المتعاملين على خيانة في

الضرب الثاني

ذلك وفعل ذميم، أو تطفيف عدل فيه عن الوزن بالقسطاس المستقيم، أناله من التأديب، وأسباب التّهذيب، ما يكون له رادعا، ولغيره زاجرا وازعا؛ قال الله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ «1» . وهذا عهد أمير المؤمنين إليك، وحجّته عند الله تعالى عليك؛ قد أولاك من صنوف النّعم والآلاء، وجزيل الكرم والحباء، ما يوجب عليك الاعتراف بقدره، واستيزاع شكره، ووقف بك على محجّة الرّشاد، وهداك إلى منهج الحقّ وسنن السّداد، ولم يألك تثقيفا وتبصيرا، وتنبيها وتذكيرا، فتأمّل ذلك متدبّرا، وقف عند حدود أوامره ونواهيه مستبصرا، واعمل به في كلّ ما تأتيه وتذره، وتورده وتصدره، وكن للمخيلة في ارتيادك محقّقا، وللمعتقد فيك مصدّقا، تفز من خير الدارين بمعلّى القداح «2» ، وإحماد السّرى عند الصّباح؛ وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل [إن شاء الله تعالى] «3» . الضرب الثاني (مما كان يكتب بديوان الخلافة ببغداد لأرباب الوظائف من أصحاب الأقلام التواقيع) وطريقتهم فيها أن يفتتح التوقيع بلفظ «أحقّ» أو «أولى» أو «أقمن من أفيضت عليه النّعم» أو «من فوّض إليه كذا» أو «من نوّه بذكره» ونحو ذلك «من كان بصفة كذا وكذا» ثم يقال: «ولما كان فلان بصفة كذا وكذا، فوّض إليه كذا وكذا» أو «أسند إليه كذا وكذا» ونحو ذلك.

وهذه نسخة توقيع بتدريس، كتب به عن الإمام الناصر لدين الله، للقاضي محيي الدين «محمد بن فضلان» بتدريس المدرسة النّظاميّة ببغداد، في سنة أربع عشرة وستّمائة، وهي: أحقّ من أفيضت عليه مجاسد «1» النّعم، وجذب بضبعه إلى مقام التنويه وتقدّم القدم، من أسفر في أفضية «2» الفضائل صباحه، وانتشر في العالم علمه وأزهر مصباحه. ولمّا كان الأجلّ الأوحد، العالم، محيي الدين، حجّة الإسلام، رئيس الأصحاب، مفتي الفريقين، مفيد العلوم، أبو عبد الله «محمد بن يحيى بن فضلان» ، أدام الله رفعته، ممن نظم فرائد المحامد عقده النّضيد، وأوى من العلم والعمل إلى ركن شديد، وثبتت قدمه من الديانة على مستثبت راسخ وقرار مهيد- رؤي التعويل في تفويض التدريس بالمدرسة النّظاميّة «3» إليه: ثقة باضطلاعه واستقلاله، وتبريزه في حلبات الاستباق على نظرائه وأمثاله، وتراجع المساجلين له عن فوت غايته وبعد مناله «4» ، وأسند إليه- أدام الله رفعته- النظر في أوقاف المدرسة المذكورة بأجمعها، واعتماد ما شرطه الواقف في مصارفها وسبلها، سكونا إلى كفايته، وركونا إلى سداده وأمانته. ورسم له تقديم تقوى الله تعالى التي ما زال منتهجا لطرائقها، متمسّكا بعصمها ووثائقها، وأن يشرح صدره للمتعلمين، ولا تأخذه ضجرة «5» من المستفيدين، ولا تعدو عيناه عن جهلاء الطالبين «6» ، ولا يتبرّم بالمبالغة في تفهيم

النوع الرابع

المبتدي، ولا يغفل عن تذكير المنتهى: فإنه إذا احتمل هذه المشقّة، وأعطى كلّ تلميذ حقّه، كان الله تعالى كفيلا بمعونته، بحسب ما يعلم من حرصه عليهم وإخلاص نيّته. وليكن بسائر المتفقّهة معتنيا رفيقا، وعليهم حدبا شفيقا، يفرّع لهم من الفقه ما وضح وتسهّل، ويبيّن لهم ما التبس من غوامضه وأشكل، حتّى تستنير قلوبهم بأضواء علوم الدين، وتنطق «1» ألسنتهم فيها باللفظ الفصيح المبين، وتظهر آثار بركاته في مراشده وتبين؛ ولتتوفّر همّته في عمارة الوقوف واستنمائها، والتوفّر على كلّ ما عاد بتزايدها وزكائها، بحيث يتّضح مكان نظره فيها، ويبلغ الغاية الموفية على من تقدّمه ويوفيها، ولا يستعين إلّا بمن يؤدّي الأمانة ويوفّيها، ويقوم بشرائط الاستحفاظ ويكفيها؛ وهو- أدام الله رفعته- يجري من عوائد المدرّسين والمتولّين قبله على أوفى معهود، ويسامي به «2» إلى أبعد مرتقى ومقام محمود، وأذن له في تناول إيجاب التدريس ونظر الوقوف المذكورة؛ أسوة من تقدّمه في التدريس والنظر في الوقوف «3» ، على ما شرط الواقف في كل ورد وصدر، واعتماد كل ما حدّه في ذلك ومثّله من غير تجاوز. النوع الرابع (مما كان يكتب من ديوان الخلافة ببغداد ما كان يكتب لزعماء أهل الذّمّة) وطريقهم فيه أن يفتتح بلفظ: «هذا كتاب أمر بكتبه فلان أبو فلان الإمام الفلانيّ أمير المؤمنين لفلان» ثم يقال: «أما بعد فالحمد لله» ويؤتى فيه بتحميدة أو ثلاث تحميدات إن قصد المبالغة في قهر أهل الذمّة بدخولهم تحت ذمة الإسلام وانقيادهم إليه، ثم يذكر نظر الخليفة في صالح الرعيّة حتّى أهل الذمة، وأنه أنهي إليه حال فلان وسئل في توليته على طائفته فوّلاه عليهم للميزة على غيره من أبناء طائفته ونحو ذلك؛ ثم يوصيه بما يناسبه من الوصايا.

وهذه نسخة من ذلك، كتب بها عن القائم بأمر الله، لعبد يشوع «1» الجاثليق، من إنشاء العلاء بن موصلايا، وهي: هذا كتاب أمر بكتبه عبد الله أبو جعفر عبد الله الإمام القائم بأمر الله أمير المؤمنين، لعبد يشوع الجاثليق الفطرك «2» . أما بعد، فالحمد لله الواحد بغير ثان، القديم لا عن وجود زمان، الذي قصرت صنيعة الأوهام، عن إدراكه وحارت، وضلّت صنيعة الأفهام، عن بلوغ مدى صفاته وحالت، المتنزّه عن الولد والصاحبة، العاجزة عن إحاطة العلم به دلائل العقول الضافية الصائبة، ذي المشيئة الحالية بالمضاء، والقدرة الجارية عليها تصاريف القدر والقضاء، والعظمة الغنيّة عن العون والظّهير، المتعالي بها عن الكفء والنظير، والعزّة المكتفية عن العضد والنصير، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ «3» . والحمد لله الذي اختار الإسلام دينا وارتضاه، وشام «4» به عضب الحقّ على الباطل وانتضاه، وأرسل محمدا صلى الله عليه وسلم منقذا من أشراك الضّلّة، وكاشفا عن الإيمان ما غمره من الإشراك وأظلّه، وبعثه ماحيا أثر الكفر من القلوب والأسماع، وناحيا في اتّباع أوامره «5» ماجدّ في البدار إليه والإسراع، [وأدّى ما حمّله أحسن الأداء] «6» ، وداوى بمعجز النبوّة من النفوس معضل الداء، ولم يزل لأعلام الهدى

مبينا، ولحبائل الغيّ حاسما مبينا، إلى أن خلص الحقّ وصفا، وغدا الدّين من أضداده منتصفا، واتّضح للحائر سنن الرّشد، وانقاد الأبيّ بالّليّن والأشدّ، فصلّى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وأصحابه المنتخبين، وخلفائه الأئمة الراشدين؛ وسلّم تسليما. والحمد لله الذي استخلص أمير المؤمنين من أزكى الدّوحة والأرومة، وأحلّه من عزّ الإمامة ذروة للمجد غير مرومة، وأصار إليه من تراث النبوّة ما حواه بالاستحقاق والوجوب، وأصاب به من مرامي الصّلاح ما حميت شموسه من الأفول والوجوب «1» ، وأولاه من شرف الخلافة ما استقدم به الفخر فلبّى، واستخدم معه الدّهر فما تأبّى، ومنح أيّامه من ظهور العدل فيها وانتشاره، ولقاح حوامل «2» الإنصاف فيها ووضع عشاره «3» ، ما فضل به العصور الخالية، وظلّت السير متضمّنة من ذكرها ما كانت من مثله عارية خالية، وهو يستديمه- سبحانه- المعونة على ما يقرّب لديه ويزلف عنده، ويستمدّ التوفيق الذي يغدو لعزائمه الميمونة أوفى العضد والعدّة؛ وما توفيق أمير المؤمنين إلّا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب. وأمير المؤمنين مع ما أوجب الله تعالى عليه من اختصاص رعاياه [بأكنافه] «4» التي يمدّ عليهم رواقها، ويردّ بها إلى أغصان صلاحهم أوراقها، ويلقي على أجيادهم عقودها، ويقي رياح ائتلافهم ركودها، يرى أن يولي أولي الاستقامة من أهل ذمّته ضروب الرأفة وصنوفها، وأقسام العاطفة الدافعة عنهم حوادث الغير

وصروفها، بمقتضى عهودهم القويّة القوى، وأذمّتهم «1» التي يلزم أن يحافظ عليها أهل العدل والتقوى، ويغتمدهم من الضّرر «2» الغامر، والإجمام المضاهي الآنف منه الغابر؛ بما يقبض «3» يد الضيّم وكفّه [ويفيض عليهم من الملاحظة كل ما حسم الضير دونهم وكفّه] «4» وأن يحبوهم «5» من الحياطة بما يحرس رسومهم المستمرّة من أسباب الاختلال، ويجريهم فيها على ما سنّه السلف معهم من مألوف السّجايا والخلال. ولما أنهي إلى حضرة أمير المؤمنين تمييزك عن نظرائك، وتحلّيك من السّداد بما يستوجب معه أمثالك المبالغة في وصفك وإطرائك، وتخصّصك بالأنحاء التي فتّ فيها شأو أقرانك، وأفدت بها ما قصّر معه مساجلك من أبناء جنسك أن يعدلك في ميزانك، وما عليه أهل نحلتك من حاجتهم إلى جاثليق «6» كافل بأمورهم، كاف في سياسة جمهورهم، مستقلّ بما يلزمه القيام به، غير مقلّ بما يتعيّن مثله في أدوات منصبه، وأنّ كلّا ممن يرجع إليه منهم لمّا تصفّح أحوال متقدّمي دينهم واستشفّ، وأعمل الفكر في اختيار الأرجح منهم والأشفّ، واتفقوا من بعد على إجالة الرأي الذي أفاضوا بينهم قداحه، وراضوا به زند الاجتهاد إلى أن أورى حين راموا اقتداحه، فلم يصادفوا من هو بالرياسة عليهم أحقّ وأحرى، وللشّروط الموجبة التقديم فيهم أجمع وأحوى، وعن أموال وقوفهم أعفّ وأورع، ومن نفسه لداعي التحرّي فيها أطوع وأتبع، منك؛ اختاروك لهم راعيا، ولما شدّ نظامهم ملاحظا مراعيا، وسألوا إمضاء نصّهم عليك والإذن فيه،

وإجراء الأمر فيما يخصّك أسدّ مجاريه، وترتيبك فيما أهّلت له وحمّلت ثقله، واختصاصك على من تقدّمك من الأضراب، بمزيد من الإرعاء والإيجاب، وحملك وأهل نحلتك على الشّروط المعتادة، والرسوم التي 7 مضاء الشريعة لها أوفى الشّهادة، رأى أمير المؤمنين الإجابة إلى ما وجّهت إليه فيه الرّغبه، واستخارة الله تعالى في كل عزم يطلق شباه ويمضي غربه، مقتديا فيما أسداه إليك، وأسناه من أنعمه «1» لديك، بأفعال الأئمة الماضين، والخلفاء الراشدين، صلوات الله عليهم أجمعين، مع أمثالك من الجثالقة الذين سبقوا، وفي مقامك اتّسقوا، وأوعز بترتيبك جاثليقا لنسطور النّصارى بمدينة السلام وسائر البلاد والأصقاع، وزعيما لهم وللرّوم واليعاقبة طرّا، ولكلّ من تحويه ديار الإسلام من هاتين الطائفتين ممّن بها يستقرّ وإليها يطرا، وجعل أمرك فيهم ممتثلا، وموضعك من الرّياسة عليهم متأثّلا، وأن تنفرد بالتقدّم على هذه الطوائف أجمع: ليكون قولك فيما يجيزه الشرع «2» فيهم يقبل وإليك في أحوالهم يرجع، وأن تتميز بأهبة الزّعامة، في مجامع النصارى ومصلّياتهم عامّة، من غير أن يشركك فيها أو يشاكلك في النّسبة الدالة عليها مطران أو أسقفّ للروم أو اليعاقبة: لتغدو شواهد ولايتك بالأوامر الإمامية بادية للسامع والناظر، وآثار قصورهم عن هذه الرّتبة التي لم يبلغوها كافّة للمجادل منهم والمناظر، ومنعوا بأسرهم عن مساواتك في كلّ أمر هو من شروط الزّعامة ورسومها، والتزيّي بما هو من علاماتها ووسومها؛ إذ لا سبيل لأحدهم أن يمدّ في مباراتك باعه، ولا أن يخرج عن الموجب عليه من الطاعة لك والتّباعة، وحملك في ذاك على ما يدلّ عليه المنشور المنشأ لمن تقدّمك، الممضى لك ولكلّ من يأتي بعدك، المجدّد بما حواه ذكر ما نطقت به المناشير المقرّرة في أيام الخلفاء الراشدين، صلوات الله عليهم أجمعين، لمن تقدّمك في مقامك، وأحرز سبق مغزاك ومرامك: من كون المنصوب في الجثلقة إليه الزّعامة على ما تضمّه

ديار الإسلام من هذه الفرق جمعا، والمنصوص عليه في التقدّم الذي ليس لغيره من رياضه مرعى؛ وتقدّم أمير المؤمنين بحياطتك وأهل نحلتك في نفوسكم وأموالكم وبيعكم «1» ، ودياركم ومقارّ صلواتكم وحراسة أموالكم «2» ، واعتمادكم بأقسام الكلاءة على أجمل الرّسم معكم، وأن تحموا من نقض سنّة رضيّة قرّرت لكم، ودحض وتيرة حميدة استعملت في فرضكم، وأن تقبض الجزية من رجالكم ذوي القدرة على أدائها بحسب ما جرت به عاداتكم دون النساء ومن لم يبلغ الحلم دفعة واحدة في السنة، وتجروا في ذلك على السجيّة التي تناقلها الرّواة وتداولتها الألسنة، من غير تثنية ولا تكرير، ولا ترنيق لمنهل المعدلة عندكم ولا تكدير، وأن تحبى بالشّدّ دائما وتقوية يدك على من نصبته في أمورهم ناظرا ولشملهم ناظما؛ ويفسح لك في فصل ما يشجر بينهم على سبيل الوساطة: لتقصد في ذاك ما يحسم دواعي الخلف ويطوي بساطه، وأن تمضي تثقيفك لهم وأمرك فيهم، أسوة ما جرى عليه الأمر مع من كان قبلك يليهم، لتحسن معه السيرة العادلة «3» عليهم بحفظ السّوام، المطابقة للشروط السائغة في دين الإسلام. وأمر بإنشاء هذا الكتاب مشتملا على ما خصّك به، وأمضى أن تعامل بموجبه، فقابل نعمة أمير المؤمنين عندك بما تستوجبه من شكر تبلغ فيه المدى الأقصى، وبشر لا يوجد التصفّح له عندك قصورا ولا نقصا، وواظب على الاعتراف بما أوليته من كلّ ما جمّلك، وصدّق ظنّك وأملك، واستزد الإنعام بطاعة تطوي عليها الجوانح، وأدعية لأيامه تتبع الغادي منها بالرائح، وتجنّب التقصير فيما بك عدق «4» ، وإليك وكل وعليك علّق؛ واحتفظ بهذا الكتاب جنّة تمنع عنك

الطرف الرابع

ريب الدّهر وغيره، وحجّة تحمل فيها على ما يحمي ما منحته من كل [ما شعّثه وغبّره] «1» ؛ وليعمل بهذا المثال كافّة المطارنة والأساقفة والقسيّسين، والنصارى أجمعين، وليعتمدوا من التّباعة لك ما يستحقّه تقديمك على الجماعة، وليثقوا بما يغمرهم من العاطفة «2» الحامية سربهم من التفريق والإضاعة؛ إن شاء الله تعالى. وكتب في شهر ربيع الأوّل سنة سبع وستين وأربعمائة. الطرف الرابع (فيما كان يكتب عن مدّعي «3» الخلافة ببلاد المغرب والأندلس) وكانوا يعبّرون عمّا يكتب من ذلك بالظّهائر والصّكوك: فالظهائر جمع ظهير، وهو المعين، سمّي مرسوم الخليفة أو السلطان ظهيرا لما يقع به من المعاونة لمن كتب له. والصّكوك جمع صكّ وهو الكتاب، قال الجوهري: وهو فارسيّ معرّب والجمع أصكّ وصكاك وصكوك؛ ثم تحامى المتأخّرون منهم لفظ الصّكّ، لما جرى به عرف العامّة من غلبة استعماله في أحد معنيي الاشتراك فيه وهو الصّفع، واقتصروا على استعمال لفظ الظّهير. ولذلك حالتان: الحالة الأولى «4» (ما كان الأمر عليه في الزمن القديم) واعلم أنه لم يكن لهم مصطلح يقفون عند حدّه في الابتداءات، بل بحسب ما تقتضيه قريحة الكتّاب؛ فتارة يبتدأ بلفظ: «من فلان إلى فلان» أو «من

فلان إلى أهل فلانة» أو «إلى الأشياخ بفلانة» أو «يصلكم فلان بهذا الكتاب» . وتارة يبتدأ ب «أما بعد حمد الله» . وتارة يبتدأ بلفظ «تقدم فلان بكذا» . وتارة يبتدأ بلفظ «مكتوبنا هذا» وغير ذلك مما لا ينحصر. فمن الظّهائر المكتتبة لأرباب السّيوف عندهم، ما كتب به بولاية ناحية، وهي: من فلان إلى أهل فلانة أدام الله لهم من الكرامة أتمّها ومن الرّعاية أوفاها، وأسبغ عليهم برود نعمه الجزيلة وأصفاها. أما بعد حمد الله ميسّر أسباب النّجاح، ومسنّي مرام الرّشاد والصّلاح، والصلاة على سيدنا محمد رسوله نبيّ الرحمة والرّفق والإسجاح «1» ، وعلى آله وصحبه المتّصفين بالقوّة في ذات الله تارة وتارة بخفض الجناح، والرّضا عن الخليفة أمير المؤمنين ذي الشّرف الذي لم يزل بالهدى النبويّ متوقّد المصباح، والدعاء للمقام الإماريّ بالنصر الذي يؤتي مقاليد الافتتاح، والتأييد الماضي حدّ رعبه حيث لا يمضي غرار المهنّد وشبا الرّماح، فإنّا كتبناه إليكم- كتب الله لكم سكون الأرجاء وهدوّها، وأجرى لكم بالصّلاح رواح الأيّام وغدوّها- «من فلانة» وللدّولة العليّة بركات تكاثر السّحب في انسكابها وانسجامها، وتقود الخيرات والمسرّات في كل أوب بزمامها، والحمد لله حمدا يقضي بوفور جزيلات النّعم وجسامها. وإن الاهتمام بكم لمستبق على كل غرض جميل، ومقدّم فيما يحظيكم بكلّ بغية وتأميل؛ وبحسب هذا لا يزال يختار لكم من الولاة كلّ مختار منتخب، ولا يقدّم عليكم إلّا من ينتهي إلى أثيل حسب وكريم منتسب، ولا يزال يداول موضعكم بين كل طريقة تتّصل من حسن السّير وسداد النظر بأمتن سبب؛ وعلى هذا الأصل استخرنا الله وهو المستخار، والذي يقضي ما يشاء ويختار، في أن

قدّمنا عليكم، وولّينا للنظر فيما لديكم، من له التقدّم في الإقدام، والاضطلاع الثابت الأقدام؛ وذلك فلان؛ وآثرناكم به اعتناء بجانبكم واهتبالا «1» ، وخصصناكم منه بمن يفسح في كل أثر حميد مجالا، والمعتقد فيه أن يعمل على شاكلته بنباهة مكانه، وأن يبذل في الانتهاض والاكتفاء غاية وسعه وإمكانه؛ وعليه أن يلازم تقوى الله العظيم في سرّه وعلنه، ويجري على سبيل العدل وسننه، ويشمّر عن ساعده في الدّفاع عن أحوازكم كلّ التشمير، ويأخذ على أيدي أهل التعدّي أخذا يقضي على الفساد وأهله بالتّتبير، ويقصد بكم سديد السّعي ورشيد الرأي في الدقيق والجليل والصغير والكبير، ويسوّي في الحق بين الحافل والتافه والغنيّ والفقير، وعليكم أن تسمعوا وتطيعوا، ولا تهملوا حقّ الامتثال والائتمار ولا تضيعوا، وأن تكونوا يده التي تبطش، وأعوانه فيما يحاول من مستوفي المساعي المرضيّة ومستوعبها، وأن تتعاونوا على التقوى والبرّ، وتقفوا له عند النهي والأمر، وتجتهدوا معه في مصالحكم كلّ الاجتهاد، وتعتمدوا على ما رسمناه لكم أتمّ الاعتماد، وستجدون من مواليكم- إن شاء الله- ما يوافق الظّنّ به، ويلائم العمل بحسب حسبه؛ إن شاء الله تعالى والسلام. ومنها ما كتب به في ولاية ناحية أيضا، وهي: من فلان إلى أهل فلانة أدام الله تعالى كرامتهم بتقواه، وعرّفهم أحقّ النظر بمصالحهم وأحراه. وبعد، فإنّا كتبناه لكم- كتب الله لكم أحوالا متّصلة الصّلاح، حميدة الاختتام والافتتاح- من فلانة، ونعم الله سبحانه موفورة الأقسام، صيّبة الغمام؛ وقد اقتضى

ما نتوخّاه من الاحتياط على جوانبكم، ونعتمده من الإيثار لكم والاعتناء بكم، أن نتخيّر للتقديم عليكم من نعلم منه الأحوال المرضيّة حقيقة، ونحمد سيره فيما يحاوله وطريقه. ولمّا كان فلان ممن حمدت مقاصده، وشكرت في المحاولات الاجتهاديّة عوائده، وحسنت فيما نصرّفه فيه مصادره وموارده، رأينا- والله القاضي فيما نذره ونأتيه، بالتوفيق الذي يكون به انقياد النّجح وتأتّيه- أن نقدّمه لحفظ جهاتكم، وتأمين أرجائكم وجنباتكم، ووصّيناه أن يجتهد فيما قلّدناه من ذلك كلّ الاجتهاد، وينتهض في إذهاب الشّرّ وإرهاب أهل الفساد، وبأن يسلك فيما يتولّاه من الأحكام سنن الحق، ويجري على سبيل العدل والرّفق، ويدفع أسباب المظالم، وينصف المظلوم من الظالم؛ فإذا وافاكم فتلقّوه بنفوس منبسطة، وعقائد على العمل الصالح مرتبطة، وكونوا معه على تمشية الحق يدا واحدة، وفئة في ذات الله متعاونة متعاضدة، بحول الله سبحانه. ومنها ما كتب به بإعادة وال إلى ناحية، وهي: وإنا كتبناه إليكم- كتبكم الله من المتعاونين على البر والتقوى، وأعلقكم من طاعته بالحبل الأمتن الأقوى- من فلانة: والذي نوصيكم به تقوى الله تعالى والعمل بطاعته، والاستعانة به والتوكّل عليه؛ وقد صرفنا إليكم فلانا بعد أن أقام هنا شاهدا مشاهد للتعلم نافعة، مباشرا من المذاكرة في الكتاب والسّنّة مجالس ضامنة لخير الدنيا والآخرة جامعة، مطالعا لأحوال الموحّدين أعزّهم الله في مآخذهم الدينيّة، ومقاصدهم المحيية لما درس من الملّة الحنيفيّة، فنال بذلك كلّه خيرا كثيرا، وأحرز به حظّا من السعادة كبيرا، وظفر منه بما يكون له في كل ما ينظر فيه سراجا منيرا، وقد أعدناه إلى الشّغل الذي كان يتولّاه لجهتكم حرسها الله، ووصيّناه بتقوى الله تعالى الذي لا يطّلع على السّرائر سواه، وأن يكون بما شاهده مما تقدّم ذكره مقتديا، وبأنواره الساطعة التي لا يضلّ من اهتدى بها مهتديا، ولا

يستند في شيء من أحكامه إلى من لا يقوم على عصمته دليل، ولا جعل إليه تحريم ولا تحليل؛ فأعينوه- وفقكم الله- على تمشية هذه المقاصد الكريمة أكرم إعانة، واسلكوا من مظاهرته على الحق وموازرته على المسالك التي تستبين هنالكم أتمّ استبانة، إن شاء الله تعالى. ومن الظهائر المكتتبة بالوظائف الدينّية ما كتب به في ولاية قاض، وهو: أما بعد حمد الله رافع علم الحقّ لمن اهتدى، وواضع ميزان القسط بالشريعة المحمديّة الآخذة بالحجز عن مهاوي الرّدى، ومؤيّد الدّين الحنيفيّ بمن ارتضى لتحديد حدوده وتجديد عهوده وهدى، والصلاة على سيدنا محمد نبيّه الكريم الذي أرسله إلى الناس كافّة غير مستثن عليه من الخلق أحدا، وعلى آله وصحبه الذين سلكوا في نصره وإظهار أمره جددا، والرضا عن الخليفة أمير المؤمنين العبّاسيّ الأطيب عنصرا ومحتدا، فإنا كتبناه إليكم- كتبكم الله ممن اعتزّ بطاعته وتقواه، واعتصم من حبله المتين بأوثقه وأقواه- من فلانة، وفضل الله سبحانه مديد الظّلال، وتوكّلنا عليه- عز وجهه- ظهيرنا المعتمد به في كلّ حال، وعمادنا الذي نقدّمه فيما ندبّره من الأعمال؛ وإنّكم من عنايتنا، وموصول رعايتنا، لبالمحلّ الأدنى، ومن خاصّ نظرنا واهتمامنا لمن نكلف بشأنه كلّه ونعنى، ونعتمد من ذلك بالأحسن فالأحسن فجزاء الذين أحسنوا الحسنى. وقد علمتم- وصل الله كرامتكم- أنّ الأحكام الشرعيّة هي ملاك الأمور ونظامها، وعليها مدار الأعمال الدينية وبها تمامها، وأنه لا يصلح لها إلا من تجرّد عن هواه، وآثر الحقّ على ما سواه، واتّبع حكم نبيّه- عليه السلام- في كلّ ما عمله ونواه، وتجمّل بالدّراية وحمل الرّواية فكانتا أظهر حلاه، واتّسم بالعدل والاعتدال فيما وليه من ذلك أو تولّاه، وكان ممن أطلق الحقّ لسانه وقيّد الورع يمناه؛ وقد أمعنّا النظر فيمن له من هذه الأوصاف أوفى نصيب، ومن إن رمى عن قوس نظره الموفّق كان سهمه المسدّد مصيب: لنخصّكم به قاضيا في هذه الأحكام، ونقدّمه

للفصل بينكم في القضايا الشرعية حكما من صالحي الحكّام، فرأينا أهلا لذلكم ومحلّا من اختبرت على [النّهج] «1» القويم أحواله، وارتضيت فيما نيط به من ذلك أعماله وأقواله، وشهد له الاختبار بالانكفاف عن كل سابق وغائب «2» ، وعن ارتكاب الثّنيّات إلى السّنن اللاحب، وذلكم «فلان» أدام الله كرامته وتوفيقه، ويسّر إلى مسالك النّجاة مسلكه وطريقه، فأنفذناه إليكم حكما مرضيّ السّير، وافر الحظّ من المعارف المصوّرة للحقّ في أجمل الصّور، مكتفيا لما لديه من استقامة الأحوال عن الوصايا ما خلا التذكير والتنبيه، والوصية بتقوى الله فهي التي تعصم العامل بها وتنجيه، فقد وصّى بها الله من اختاره من خلقه لإقامة حقّه وارتضاه، فقال تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ «3» . فتلقّوه- أدام الله كرامتكم- بنفوس منبسطة، وقلوب مبتهجة مغتبطة، وأهواء على التظافر والتناصر في الحق مجتمعة مرتبطة؛ وتعاونوا في ذات الله على الطاعة، وكونوا في سبيل الله يدا واحدة فيد الله مع الجماعة، واستعينوه سبحانه على الخير يعنكم، واشكروا الله يؤتكم خيرا مما أخذ منكم، وهو سبحانه يتولّاكم بالحفظ الشامل، ويستعملكم من طاعته وسلوك سبيل مرضاته بأنجى ما استعمل به عامل؛ والسلام. ومنها ما كتب به أبو الحسن الرّعيني في ولاية قاض، وهي: من فلان إلى الأشياخ بفلانة أدام الله كرامتهم بتقواه، واستعملهم فيما يحبّه ويرضاه. أما بعد، فإنا كتبناه إليكم- كتب الله لكم حسناه، وأوزعكم شكر ما خوّلكم

من نعماه ورحماه؛ ومن مقاصد هذا الأمر العزيز- أدامه الله- ما يعلي يد الحقّ ويسميها ويسدّد سهام العدل إلى أغراضها ومراميها، ويتكفّل بالجزاء لمن لاذ بأكناف الطاعة ونواحيها، والحمد لله على نعمه التي لا نحصرها ولا نحصيها. وإلى ذلكم فإنّ فلانا لمّا تمكنت الثّقة بجميل صفته، واستنامت البصيرة إلى استحكام سنّه ومعرفته، وقد كان تقدّم له من خدمة الأمر وأوليائه ما نجّده «1» مع الأيّام وخرّجه، وخصّصه من كريم الاستعمال بما استدناه إلى مراقي الذّكاء واستدرجه، رأينا- والله المستعان- أن نقدّمه للنظر في قضاياكم الدّينيّة، وأحكامكم الشرعيّة، بعد أن وصّيناه بتقوى الله فقدّمها، وعرضنا عليه ما يعلمه ويلزمه من شروط الحكومة فالتزمها؛ فلينهض إلى ما قدّمناه على بركة الله تعالى مشمّرا عن ساعد الحزم، آخذا في كافّة أموره بما يأخذه أولو العزم، جاريا على السّنن الواضح المعروف، مسوّيا في الحق بين النّبيه والخامل والشريف والمشروف، محتسبا على إقامة فروض الدّين أكرم احتساب، مكتسبا من الأجر في ردع الظّلم والباطل أفضل اكتساب، راجيا في تمشية العدل على رغم من أباه ما يرجو المؤمن المحقّق من زلفى وحسن مآب، ولدينا من عقده على ذلك ما يحسّن مقصده، ويمكّن في بسطة الحقّ مقعده؛ فإذا وافاكم فاستبشروا بموافاته، وقفوا عند ما يمضيه من لوازم الشّرع وموجباته، وتعاونوا على الخير تعاونا يجزل حظّكم من فضل الله وبركاته؛ فهو المؤمّل في ذلك لا ربّ سواه. ومن الظهائر المكتتبة بالوظائف الدّيوانية ما كتب به أبو المطرّف بن عميرة بولاية وزارة وهو: مكتوبنا هذا بيد فلان أدام الله علاءه، وحفظ عنايته وغناءه، يجد به مكان

العزّة مكينا، ومورد الكرامة عذبا معينا، وسبيل الحرمة المتأكدة واضحا مستبينا، ويتقلد وزارتنا تقلّد تفويض وإطلاق، ويلبس ما خلع عليه منها لبسة تمكّن واستحقاق، وينزل من رتبتها العليا منزلة شرفها ثابت وحماها باق، ويسوّغ الدار المخزنية التي يسكنها بفلانة تسويغا يملّكه إيّاها أصحّ تمليك، ويفرد فيها من غير تشريك، إن شاء الله تعالى والسلام. ومنها ما كتب به أبو عبد الله بن الأبّار «1» في مشارفة ناحية، وهو: عن إذن فلان، يتقدّم فلان للنّظر في الأشغال المخزنية بفلانة، موفّيا ما يجب عليه من الاجتهاد والتّشمير، والجدّ الذي ارتسم في الإنماء والتّثمير، مصدّقا ما قدّر فيه من الانتهاض والاستقلال، وقرّر عنه من الأمانة التي رشّحته وأهّلته لأنبه الأعمال، جاريا في ضبط الأمور المخزنية والرّفق بجانب الرعية على المقاصد الجليلة والمذاهب المرضيّة في عامّة الشّؤون والأحوال، عاملا بما تقدّمت به الوصيّة إليه، وتأكّدت الإشارة [به] «2» عليه، من تقوى الله في السّر والعلن، علما أنّ المرء بما قدّمته يداه مرتهن. ومنها ما كتب به المذكور بإعادة مشارف إلى ناحية، وهو: يعاد بهذا المكتوب فلان إلى خطّة الإشراف بفلانة: رافلا من ملابس التّكرمة والحظوة في شفوفها، مخلّى بينه وبين النظر في ضروب الأشغال المخزنية وصنوفها، فهو المعروف بالكفاية والاجتهاد، الموصوف بحسن الإصدار

الطرف الخامس

والإيراد؛ وأولى الناس بالتزام النّصيحة، والازدياد من بضائع الأعمال الرّبيحة، من كثرت النّعم السلطانيّة لديه، ودفع إلى الخطط ودفعت إليه، فليتقلّد هذه الخطّة بحقّها من الانتهاض والتشمير، وتأدية الأمانة بالإنماء والتّثمير، وليتزوّد تقوى الله تعالى ليوم يسأل عن النّقير والقطمير «1» ، جاريا في أموره كلّها على الطريقة السّويّة، جامعا بين الاحتياط للمخزن والرّفق بالرعيّة، غير عادل في حال من الأحوال وفنّ من فنون الأعمال عن مقتضى هذه الوصيّه، إن شاء الله تعالى. الطرف الخامس (فيما كان عليه الأمر في الدولة الفاطمية بالديار المصريّة) وقد تقدّم في الكلام على ترتيب المملكة أنه كان بها من وظائف أرباب السّيوف الوزارة إذا كان الوزير صاحب سيف، والنظر في المظالم، وزمّ «2» الأقارب، ونقابة العلويّين، وزمّ الرجال والطوائف «3» : كالأموية، والحافظيّة، والأفضلية، وغيرهم ممّن تقدّم ذكره في ترتيب دولتهم، وولاية الشّرطة، وولاية المعاون والأحداث «4» ، وولاية الحماية «5» ، وولاية حفظ الثّغور، والإمارة على الحجّ، والإمارة على الجهاد، وولاية الأعمال، وغير ذلك. ومن الوظائف «6» قضاء

النوع الأول

القضاة، والدعوة إلى مذهبهم: والنظر في الأوقاف والأحباس، والنظر في المساجد وأمر الصلاة، وغير ذلك. وكانت كتابة ما يكتب لديهم لأرباب الولايات على نوعين: النوع الأوّل (ما كان يكتب به عن الخليفة نفسه) وكان من شأنهم أنهم يتعرّضون في أثناء الولاية لإشارة الوزير بتولية المولّى وثنائه عليه، وربّما أهملوا ذلك، وكانوا يسمّون جميع ما يكتب من ديوان الإنشاء سجلّات، وربّما سمّوه عهودا؛ وعليه يدلّ ما كتبه العاضد آخر خلفائهم في طرّة سجلّ السلطان صلاح الدّين بالوزارة: «هذا عهد لا عهد لوزير بمثله» على ما تقدّم ذكره في الكلام على عهود الملوك. ولهم فيها أربعة مذاهب: المذهب الأوّل (أن يفتتح ما يكتب في الولاية بالتّصدير) وهو «من عبد الله ووليّه فلان أبي فلان الإمام الفلانيّ أمير المؤمنين، إلى فلان بن فلان» بالألقاب المنعوت بها من ديوان الخلافة، ويدعى له بدعوتين أو ثلاث، ثم يقال: «سلام عليك فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ويسأله أن يصلّي على جدّه محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أخيه وابن عمّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب» ويؤتى من وصف الخليفة ومدحه بما يناسب المقام. ثم هو بعد ذلك على ثلاث مراتب: المرتبة الأولى (أن يقال بعد التصدير المقدّم «أما بعد فالحمد لله» ) ويؤتى من التحميد بما يناسب تلك الولاية، ثم يؤتى بتحميدة ثانية وثالثة،

الضرب الأول (سجلات أرباب السيوف)

وتكون الثالثة متعلّقة بالنّعم الشاملة لأمير المؤمنين، ثم يقال: «وإنّ أمير المؤمنين لما اختصّه الله به من كذا وكذا» ويذكر ما سنح من أوصاف الخليفة، ويذكر أنه تصفّح الناس وسبرهم فلم يجد من يصلح لتلك الولاية إلّا هو، ويذكر من صفته ما اتّفق ذكره، ثم يذكر تفويض الولاية إليه، ويوصيه بما يناسب، ويختم بالدعاء ثم بالسلام مع التفنّن في العبارة، واختلاف المعاني والألفاظ، والتقديم والتأخير بحسب ما تقتضيه حال المنشيء، وتؤدّي إليه قريحته. وهي على ضربين: الضرب الأوّل (سجلّات أرباب السيوف «1» ) وعلى ذلك كتب سجلّات وزرائهم أصحاب السيوف القائمين مقام السلاطين الآن، من لدن وزارة أمير الجيوش بدر الجماليّ وزير المستنصر: خامس خلفائهم وإلى انقراض دولتهم. وقد تقدّم منها ذكر عهدي المنصور: أسد الدين شير كوه بن شادي، ثم ابن أخيه الناصر صلاح الدين يوسف بن أيّوب بالوزارة عن العاضد في جملة عهود الخلفاء والملوك، حيث أشار في «التعريف» إلى عدّهما من جملة عهود الملوك. ومن أحسنها وصفا، وأبهجها لفظا، وأدقّها معنى، ما كتب به الموفّق بن الخلّال «2» صاحب ديوان الإنشاء عن العاضد المتقدّم ذكره، بالوزارة لشاور السّعديّ «3» ، بعد أن غلبه ضرغام «4» عليها ثم كانت له الكرّة عليه. وهذه نسخته:

من عبد الله ووليّه عبد الله أبي محمد العاضد لدين الله أمير المؤمنين، إلى السيّد الأجلّ، سلطان الجيوش، ناصر الإسلام، سيف الإمام، شرف الأنام، عمدة الدّين؛ أبي فلان فلان. سلام عليك: فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ويسأله أن يصلّي على جدّه محمد خاتم النّبيين، وإمام المرسلين، صلّى الله عليه وعلى آله الطاهرين الأئمة المهديّين؛ وسلّم تسليما. أما بعد، فالحمد لله مانح الرغائب، ومنيلها، وكاشف المصاعب، ومزيلها، ومذلّ كل عصبة كلفت بالغدر والشّقاق ومذيلها، ناصر من بغي عليه، وعاكس كيد الكائد إذا فوّق سهمه إليه، ورادّ الحقوق إلى أربابها، ومرتجع المراتب إلى من هو أجدر برقيّها وأولى بها، ومسنّي الخير بتيسير أسبابه، ومسهّل الرّتب «1» بتمهيد طرقه وفتح أبوابه، ومدني نائي الحظّ بعد نفوره واغترابه، ومطلع الشمس بعد المغيب، ومتدارك الخطب إذا أعضل بالفرج القريب، مبدع ما كان ويكون، ومسبّب الحركة والسّكون؛ محسن التدبير، ومسهّل التعسير: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ «2» . والحمد لله الذي اختصّ أولياء أمير المؤمنين الأبرار بالاستعلاء والظّهور، وذلّل لهم جوامح الخطوب ومصاعب الأمور، وآتاهم من التأييد كلّ بديع

مستغرب، وأنالهم من كل غريب إذا أورد قصصه أطرب، ومكّنهم من نواصي الأعداء، وشملهم بعناياته في الإعادة والإبداء، وضمن لهم أحمد العواقب، وأرشدهم إلى الأفعال التي ثبّتت لهم في صحائف الأيّام أفضل المناقب، وهداهم بأمير المؤمنين إلى ما راق زلاله، وتمّ غاية التّمام كما أنه كان لرضا الله سبحانه وحسن ثوابه مآله، ويمدّهم «1» في المجاهدة عن دولته بالتأييد والتمكين، ويحظيهم من أنوار اليقين، بما يجلو عن أفئدتهم دجى الشّكّ البهيم، ويظهر لأفهامهم خصائص الإمامة في حلل التفخيم والتعظيم، ويريهم أنّ خلوص الطاعة منجاة في المعاد بتقدير العزيز العليم. والحمد لله الذي استثمر من دوخة النبوّة الأئمة الهادين، وأقامهم أعلاما مرعدة في محجّة الدين، وبيّن بتبصيرهم الحقائق وورّث أمير المؤمنين شرف مقاماتهم، وجعله محرز غاياتهم، وجامع معجزاتهم وآياتهم، وقضى لمن التحف بظلّ فنائه، واشتمل بسابغ نعمه وآلائه، وتمسّك بطاعته واعتصم بولائه، بالخلود في النعيم المقيم، والحلول في مقام رضوان كريم: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ* «2» . يحمده أمير المؤمنين على نعمه التي جعلته للبشر إماما، وأمضت له في المشارق والمغارب أوامر وأحكاما، وجرّد من عزمه في حياطة دين الله عضبا مرهفا حساما، واستخلص لإنجاد دولته من أوليائها أكملهم شجاعة وإقداما، وأحسنهم في تدبير أمورها قانونا ونظاما، وأتمّهم لمصالح أجنادها ورعاياها تفقّدا واهتماما، وأولاهم بأن لا يوجّه عليه أحد في حقّ من حقوق الله ملاما، وأجدرهم بأن يحلّ من جميل رأي أمير المؤمنين دار سلام يلقى فيها تحيّة وسلاما؛ ويسأله أن يصلّي على جدّه محمد خاتم النبيين الذي أعلن بالتوحيد وجهر، وغلب بالتأييد وقهر، وأظهر

المعجز البديع واستطال إعجازه وبهر، وأطلع نور الإسلام واشتهر في المشارق والمغارب إشراقه وظهر، وعلى أخيه وأبن عمّه أبينا عليّ بن أبي طالب سيف الله الذي شهره على الكفر وسلّه، وكفّله إعزاز الدّين فأعظمه بجهاده وأجلّه، وقرع بعزه صفاة «1» الإلحاد [فأزاله] «2» بعزه وأذلّه، وقصّد «3» الأصنام وأرغم من استغواه الشيطان باتّباعها وأضلّه، وعلى الأئمة من ذرّيتهما أعلام الدّين، وهداة المتقين، وموضّحي سبيل الحقّ لأهل اليقين، وموصّلي الأنوار الدينية إلى بصائر المؤمنين، صلاة تتكرّر وتتردّد، وتدوم مدى الأيام وتتجدّد. وإن أمير المؤمنين- لما اختصّه الله به من المنصب الشريف، وسما به إليه من المحلّ الشامخ المنيف، وفوّضه إليه من تدبير خلقه، وأفرده به من اتّباع أمره والقيام بحقّه، وناطه به من المحاماة عن الملّة الحنيفيّة، والاجتهاد في أن يشمل أهلها بالحالة السنيّة والعيشة الهنيّة، وإعانته في إظهار شعارها، وتأييده في إظهار علوّها على الملك واقتدارها- يبذل جهده في الاستعانة بمن تقوم به حجّته عند الله بالاعتماد عليه، ويتوثّق لنفسه في اختيار من يقوم برضا الله في إسناد الأمور إليه، ويحرص على التفويض لمن يكفي في التدبير، وتحيط غاية نظره بالصغير من رجال الدولة والكبير، تقرّبا إلى الله بالعمل فيما ولّاه بما يرضيه، وازدلافا باتّباع أمره في كل ما ينفذه ويمضيه. وقد كان أمير المؤمنين تصفّح أولياء دولته، وعظماء مملكته وأكابر شيعته وأنصار دعوته، فوجدك أيّها السيد الأجلّ أكملهم فضلا، وأقلّهم مثلا، وأتمّهم في التدبير والسياسة إنصافا وعدلا، وأحقّهم بأن تكون لكلّ رياسة وسيادة أهلا، ففوّض إليك في أمور وزارته، وعوّل عليك في تدبير مملكته وجمع لك النظر فيما وراء سرير خلافته، فجرت الأمور بمقاصدك السعيدة على إيثار أمير

المؤمنين وإرادته، واستمرّ أمر المملكة بمباشرتك على أحسن قانونه وعادته، وشملت الميامن والسّعود أتمّ اشتمال على تفصيله وجملته، وانحسمت الأدواء، وذلّت بسطوتك الأعداء، وزالت في أيّامك المظالم والاعتداء، وحسنت بأفعالك الأمور، وظهر بك الصّلاح وكان قبل وزارتك قليل الظّهور، فانبسطت الآمال، واتّسقت الأعمال، وأقمع الضّلال، وأمنت الأهوال، وخلصت من الرأي السّقيم، وحظيت بالملك العقيم، وغدا جندها ورعاياها ببركة رأيك في النّعيم المقيم. فلمّا رمقتك عين الكمال، وألهب قلوب حسدتك ما أوتيته من تمام الخلال، تكاثر من يحوك المكايد، وتظافر عليك المنافس والمعاند، ورنت إليك إساءة من عاملته بالإحسان، وعدت عليك خيانة من ائتمنته أتمّ ائتمان، وتمّ له «1» المراد بوفائك وغدره، وسلامة صدرك ومكره، واتّفاق ظاهرك وباطنك ومباينة سرّه لجهره؛ فكان ماهوّنه في نفسه سلامة النّفس وأكبر الولد، ومنح في إسداده نعما لا تنحصر بعدد؛ وأفظع ما كان فيه ما أصيب به ولدك الأكبر رضي الله عنه الذي أصيب وهو مظلوم، ولو لم يصب لم يمتنع من الأجل المحتوم؛ فربحت بما نالك ثوابا، واستفتح لك الحظّ من النصر على الباغي بابا، واغتصب الغادر ما لا يستحقّ، ورآه أمير المؤمنين بصورة المبطل ورآك بصورة المحقّ، وهدتك السعادة إلى العمل بسيرة الأنبياء، في الانحياز عن الأعداء، والتباعد عن أهل الغيّ والاعتداء، فانسللت من الغواة انسلال الصارم من غمده، وتواريت من العتاة تواري النار في زنده، وقطعت المفاوز مصاحبا للعفر والعين، حتّى حللت بربوة ذات قرار ومعين؛ وإنّ أمير المؤمنين يمدّك في ذلك بدعائه، ويعدّك لتدبير دولته

وقمع أعدائه، ورآك وإن أبعدتك الضّرورات عن بابه، وأناتك الحادثات عن جنابه، أنّك وزيره المكين، وخالصته القويّ الأمين، الذي لا ينزع عنه شمس وزارته، ولا يؤثر له غير سلطانه ومملكته. ولما وجّهت إلى أعمال أمير المؤمنين بمن استصحبته راجيا من عدوّك الانتصار، قاصدا إدراك الثار، وحللت بعقوته «1» ، وخيّمت في جهته، فاتّصلت بينكم الحروب، وعزّ على كلّ منكما نيل المطلوب- أنجدك أمير المؤمنين عند علمه ببلوغ الكتاب أجله، واستيفاء الوقت المحدود مهله، بإظهار ميله إليك وميله عن ضدّك، وأنّ قصده مباين لقصد المذكور موافق لقصدك، فسبّب ذا نصرك وخذلانه، وتقويتك وإيهانه؛ ولأمير المؤمنين في حاله عناية تسعدك، ورعاية تؤيّدك. فحين عدت إلى بابه عود الشّموس إلى مشارقها قبلك أحسن قبول، وتلقّاك بتبليغ السّول، وكشف الغطاء عمّا كان يسرّه إليك ويضمره، ويريده بك ويؤثره، وجدّد لك ما كنت تنظر فيه من الوزارة، ومباشرة ما كان مردودا إليك من السّفارة والظّهارة: لأنّك أوحد ملوك العصر كمالا، وأوسعهم في حسن التدبير مجالا، وأشرفهم شيما بديعة وخلالا، وأصلحهم آثارا وأعمالا، وأتمّهم سعادة وإقبالا، وأكثرهم تقيّة لله تعالى؛ وما زلت للمفاخر جامعا، ولراية المجد رافعا، ولذرى العلاء والسّناء فارعا، تزدان العصور بعصرك، وتتجمّل الدنيا ببقاء نهيك وأمرك، وتتعجّب الأفلاك العليّة من سعة صدرك، وتتضاءل الأقدار السامية لعظيم قدرك؛ وكم لك من منقبة تجلّ أن يكيّفها بديع الأقوال، وتعظم أن يتمنّاها بديع الأقوال «2» ؛ فالدولة العلويّة بتدبيرك مختالة زاهية، وأركان أعدائها وأضدادها بحزمك وعزمك واهية، وسعادات من تضمّه وتشتمل عليه متضاعفة غير منقطعة

ولا متناهية، ولم تزل للإسلام سيفا قاطعا ماضيا، وعلى الإلحاد سيفا مرهفا قاضيا، تذود الشرك عن التوحيد، وتصدّ الكفر عن الإيمان فيحيد مرغما ويبيد؛ وكم لك في خدمة أئمة الهدى من مأثرة تؤثر فتبهج ويورد ذكرها فيغري بالثناء عليك ويلهج، وتبذل في طاعتهم النفس والولد، وتنتهي في مناصحتهم إلى الأمد الذي ليس بعده أمد؛ فلذلك فزت بدعواتهم التي أعقبتك حسن العواقب، وأحلّتك المحلّ الذي لا تسموا إلى رقيّه النجوم الثّواقب؛ فإذا رفعك أمير المؤمنين إلى منزلة سامية، وجد محلّك لديه عنها يجلّ ويسمو، وإذا خصّك بفضيلة ما، صادف استحقاقك عنها يرتفع ويعلو، وإذا استشفّ خصائصك، وجدها بديعة الكمال، يمتنع أن يدرك مثلها بحرص ساع أو ينال؛ وقد توافقت الخواطر على أنك أوحد وزراء الدولة العلويّة ظفرا ونظرا، وأحسنهم في طاعتها ومخالصتها أثرا، وأفضلهم خبرا وأطيبهم خبرا؛ وقد جدّد لك أمير المؤمنين اصطفاءك لوزارته، واجتباءك لتدبير مملكته، وجعلك الفرد المشار لك في دولته. فتقلّد ما قلّدك أمير المؤمنين من هذه المهمّات الجسام، وتسنّم ما وطّده لك من هذه الرّتب العظام، وتلقّ آلاءه بما يثبتك في جرائد الأبرار، ويمنحك مصاحبة التوفيق في الإيراد والإصدار، وباشر ما ناط إليك من كبير الأمور وصغيرها، وجليل الأحوال وحقيرها، وابسط يدك في تدبير دولته، وأنفذ أوامرك في أرجاء مملكته، واعن بما جعله لك من تدبير جيوشه الميامين وأوليائه المتّقين، وكفالة قضاة المسلمين وهداية دعاة المؤمنين، وربّ أحوال جنوده ورعاياه أجمعين، واعمل في ذلك بتقوى الله الذي ما برحت لك دأبا وطريقة، وشيمة وخليقة، وبها النجاة من النار، والسّلامة في دار القرار، والفوز بمعنى الخلاص، في يوم المناقشة والقصاص؛ فالعارف من مهّد بها مقامه في الآخرة تمهيدا، وأحرز بها من الثواب في الآخرة مزيدا، بقول الله في الكتاب الذي جعله في الإعجاز فريدا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً «1» .

وراقب الله فيما ألقاه إليك فقد فوّض إليك مقاليد البسط والقبض، والرفع والخفض، والولاية والعزل، والقطع والوصل، والتولية والتصريف والصّرف، والإمضاء والوقف، والغضّ والتّنبيه، والإخمال والتّنويه، والإعزاز والإذلال، والإساءة والإجمال، والإبداء والإعادة، والنقص والزّيادة، والإنعام والإرغام، وكل ما تحدثه تصاريف الأيام، وتقتضيه مطالب الأنام؛ فهو إليك مردود، وفيما عدق بنظرك معدود. وأمّا العدل ومدّ رواقه، وإقامة مواسمه وأسواقه، والإنصاف واتباع محجّته، والاعتماد على أحكامه وأقضيته، وكفّ عوادي الجور والمظالم، وحمل الأمر على قصد التصاحب والتّسالم، وإظهار شعار الدّين، في إنصاف المتداعين إلى الشرع المتحاكمين، والدعوة الهادية «1» وفتح أبوابها للمستجيبين، وإعزاز من يتمسّك بها من كافّة المؤمنين، والأموال والنظر فيها، والأعمال أقاصيها وأدانيها، فكلّ ذلك محرّر في تقليد وزارتك الأوّل، وأنت أولى من حافظ على العمل به وأكمل. وأمّا أمراء الدولة الأكابر، وصدورها الأماثل، وأمراؤها الأعيان، وأولياؤها الذين بسيوفهم تقام دعائم الإيمان، فأنت شفيعهم في كلّ مكان، ومعينهم الذي يبذل جهده بغاية الإمكان، والجاهد لهم في النّفع والصّلاح، والحريص على دفع ما يلمّ بكلّ منهم من الضّرر والاجتياح؛ وما زلت لهم في الأغراض بحضرة أمير المؤمنين مساعدا، وعلى ما يبلّغهم الآراب حريصا جاهدا، وتخصّهم دائما بعنايتك، وتمدّهم برعايتك، وتعمل لهم في الحاجات صائب رأيك؛ فأجرهم على ما ألفوه من الاعتناء والإجمال، وبلّغهم من محافظتك نهايات الآمال، فهم أبناء الملاحم، ومصطلو لهب الجمر الجاحم «2» ؛ ومصافحو الصّفاح، المرهفة

الضّروب، وملاعبوا الرّماح، العاسلة «1» ذات الكعوب، ومعملو العتاق الأعوجيّة «2» ، ومرسلو السّهام المريشة المبريّة. وأمير المؤمنين يعلم أنك بفضل فطرتك، وثاقب فطنتك، وما ميّزك الله به من قديم حنكتك وتجربتك، تغنى عن الوصايا، وتنزّه عن توسيع الشّرح في القضايا؛ وإنما أورد لك هذا النّزر منها على جهة التيمّن بأوامر الأئمة، والتبرّك بمراسيم هداة الأمة؛ والله يحقّق لأمير المؤمنين فيك الأمل، ويوفّقك في خدمته للقول والعمل، ويعينك على إصلاح دولته، واغتنام فرص طاعته، وبذل الجهد والطاقة في مناصحته، والاجتهاد في رفع منار دعوته، ويؤيّدك على أعداء مملكته، ويرشدك إلى العمل بما يسبغ عليك لباس نعمته؛ فاعلم هذا من أمير المؤمنين ورسمه، وانته إلى موجبه وحكمه، إن شاء الله تعالى. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته، والتحميد. وعلى ذلك كتب الموفّق بن الخلّال أيضا عن العاضد بولاية ابن شاور السّعديّ نيابة الوزارة عن أبيه، وتفويض الأمور إليه، وهذه نسخته: من عبد الله ووليه (بألقاب الخلافة) إلى فلان (بالنّعوت اللائقة به) . سلام عليك (إلى آخر الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم على نحو ما تقدّم في سجلّ الوزارة لأبيه) . أما بعد، فالحمد لله مؤيّد الحقائق بأفضل الأنصار، ومعزّ الممالك بأكمل ذوي النّفاذ والاستبصار، وجاعل الولد البارّ لوالده ركنا وسندا، والنّجل المختار لناجله نجدة ومددا، مرتّب الممالك على أفضل نظامها، ومرقّي الدّول إلى المؤثر من إجلالها وإعظامها: ليتّضح للمتأملين فضل تأكد الأواصر، ويستبين للناظرين

فصل تباين العناصر، إبراما منه- جل وعزّ- لأسباب الحكمة، وتوسيعا لسبيل الحنان والرحمة، وشمولا لما يتتابع به إحسانه من المنّ الجسيم فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ » . والحمد لله معلي الدّرجات ورافعها، ومفيد الأمم ونافعها، ومزيل البأساء ودافعها، ومجيب الدّعوات وسامعها، ومضاعف المصالح وجامعها، الذي وقف على الدولة العلويّة أحسن السّير، وخصّها فيمن تؤثر اصطفاءه بمساعدة القدر، ويسّر لها رائق التدبير بعد ملابسة الرّنق والكدر، وادّخر لها من الأصفياء من تشرق الدنيا بأنواره، وتزيّن الدّهور بمحاسن آثاره، وتسمو المفاخر بمفاخره، ويتوالى الثناء على ما ابتكره من المكارم في أوّل نشئه وآخره، ويتتابع الإحماد لمن يختاره ويجتبيه، وتتضاءل أقدار الملوك إذا ذكر فضله وفضل أبيه، وتسكن النفوس إلى تمام ورعه ودينه، وينطق لسان الإجماع بصحّة معتقده ويقينه. والحمد لله الذي شمل البرايا فضله، وعمّ الخلائق عدله، وأقرّت العقول بأنّ إليه يرجع الأمر كلّه. يحمده أمير المؤمنين على نعمه الظاهرة التي أحظت دولته الظاهرة، بمؤازرة البيت الجليل الشّاوريّ، وأيدت مملكته القاهرة، بمحاماته عن حوزتها بالعضب المرهف والسّمهريّ، ويشكره على مننه التي استخلصت له منه أنصارا يرهفون في طاعته العزائم، ويحقّرون في إرادته العظائم، فيذبّون عن حوزته ولا يخافون في ذات الله لومة لائم، ويسأله أن يصلّي على جدّه محمد الداعي إلى الهدى، والمبعوث إلى الخلائق وهم إذ ذاك سدى، والمناضل في نصرة الإسلام بالأسرة والآل، والمطّرح عاجل الدنيا الفانية لآجل المآل، وعلى أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الذي أقام من دين الله منكر الأود، وقام لنبيّ الله مقام النّجل المرتضى والولد، وقطّ من طواغيت الكفر شامخ الهام، وأوضح غامض

التنزيل بما أفرده الله به من مزايا الإلهام، وعلى الأئمّة من ذرّيتهما أبناء الرّسالة والإمامة، والمختصّين بإرث بيته المحبوّ بتظليل الغمامة، والقائمين بنصرة الدّين، والمتفرّدين بإمرة المؤمنين. وإنّ أمير المؤمنين لما أقامه الله له من تمكين قواعد الدّين، واختاره لإيضاحه من إرشاد فرق المسلمين، وأفضى به إليه من سرّ الإمامة المكنون، وألقاه إليه من خفايا الإلهام الذي تستنبط من أنوارها علّة ما كان ويكون، وأمدّه من التأييد الذي يستأصل طواغيت النّفاق بقوارع المهالك، ويسلك بمردة أهل العناد أوعر السّبل والمسالك، وأنجده في كلّ الحالات بالألطاف الخفيّة التي تتكفّل بإعلاء كلمته، وتتضمّن نصر أعلامه ونشر دعوته، وآتاه جوامع المعارف والحكم، وفرض طاعته على من دان بالتوحيد من جميع الأمم، وألزم مقاصده وأنحاءه التوفيق، وأوجب لها السعادة في كلّ جليل ودقيق، يفوّض أمره إلى الخالق، ويفيض جوده وبرّه في الخلائق؛ فلا يزال لأحوال دولته مراقبا، ولا ينفكّ يفيد كلّ ما يتعلّق بها نظرا ثاقبا؛ فإذا لاحت له لائحة صلاح، أو بدت لنظره مخيلة نجاح، اجتهد في توسيع مجالها، وحرّض على حثّها وقصد إعجالها، والتمس للدّولة اجتلابها، وفتح إلى استدعاء النّفع بابها: لينمى الخير العميم، في دولته، ويتضاعف النفع الجسيم، لرعيّته، وتكون كافّة الخلق فيها بالأمنة والسّكون مغمورين، وبحسن صنيع الله بهم فرحين مسرورين. ولمّا تصفّح أمير المؤمنين أحوال دولته، وتأمّلها تأمّل من يؤثر أن يفقه الفحص في كل مهم على حقيقته، رأى أن الله جل وعلا قد منح أمير المؤمنين من خالصته وصفيّه، ووزيره وكافيه وولّيه، السيد الأجلّ (بالنعوت والدعاء) الذي قام بنصرته، وكفل أهوال الحروب بنفسه وأولاده وأسرته، وحالف التغرّب والأسفار، واستبدل من لين العيش بملاقاة السّهام واللهاذم والشّفار، واتخذ ظهور الجياد عوضا من الحشايا، ومنازلة الأبطال دأبا في الحنادس والبكر والعشايا، وآثر

على لبس الغضّ المونق الجديد، لباس اليلب «1» ولأمات الحديد، ولازم في ذات الله قرع أبواب الحتوف، والتهجّم على كل مخشيّ مخوف، حتّى ذلّل الأعداء، وقمع الاعتداء، وحسم الأدواء، وألزم الدّهر بعد خطئه الاستهواء، وأفاد دولة أمير المؤمنين باجتهاده عزّا، وادّخر لها عند الله من الأجر والمثوبة كنزا، وسيّر عنها في الآفاق أحسن الأحاديث، وبيّن فضلها على غيرها في القديم من الدّهر والحديث، وأخلص لأمير المؤمنين في الطاعة حتّى استخدم الموالي الموافق، والمباين المنافق، وكمّل فضائله التي لا تحدّ، ومحاسنه التي لا تنحصر ولا تعدّ، بفضيلة تفوت الفضائل، ومنقبة تفوق بفخرها المناقب الجلائل: وهي ما وجهه الله [له] «2» من بنوّة الأجلّ فلان الذي لم يزل للدولة عزّا حاضرا، ووليّا ناصرا، وعونا قاهرا، ومجدا ظاهرا، وجمالا باهرا. وما برح الله- جلّ وعلا- مراقبا، ولرضاه وغفرانه طالبا، قد جمع إلى كمال الدّين وصحّة اليقين، المخالصة في طاعة أمير المؤمنين، لا يفتر منذ مدّة الطّفوليّة [عن] «3» درس القرآن، ولا يباري بغير الأمور الدينية نجباء الأقران؛ إن تصفّحت محاسنه الدنيويّة عدّ ملكا مهذّبا، وإن تأمّلت مناقبه الدينيّة حسب ملكا مقرّبا؛ وكم له من منقبة تستنقص الغيوث، وشجاعة تستجبن اللّيوث، ومهابة تردّ أحاديثها الجيوش على الأعقاب، وتغريها بموالاة الحذر والارتقاب؛ إذا أسهبت الخطوب أوجز تدبيره، وإذا استطالت الحوادث قصّر طولها فأعجب تقريره؛ فالدولة العلويّة من ذبّه في الحرم الآمن، والخلافة العاضديّة من ملاحظاته في تدبير يجمع أشتات الميامن؛ فاجتماع المآثر قد وحّده، بشهادة الإجماع، وتوالي المحامد قد أفرده، بما شاع منه في الممالك وذاع؛ تتحاسد عليه غرّ الأخلاق، وتتنافس فيه المكارم منافسة ذوات الإشراق، فلا توجد خلّة فضل بارع إلا وقد جمّعها، ولا مكنة جبر «4» قارع إلا وهو الذي مهّد

محجّتها ووسّعها؛ ومقاماته في الجهاد والجلاد مقامات أوضحت الحقائق للأفهام، وثبّتت الدقائق تثبيتا يبقى على غابر الأيّام، وأعزّت دعوة الدولة العلوية وأيّدتها، ونصرت أعلامها ونشرتها، وأكتنفت بالتفضيل والإحسان رجالها، وأزالت بالجدّ والتشمير أوجالها، ومحت آثار عداتها بالسّيوف، وألفتهم «1» عن النّكايات المجحفة بوزع المنايا والحتوف. والحروب فمرباه في مهودها، ومنشاه بين أسودها، ورعاتها وقف على إضرامها وإخماد وقودها؛ فإذا تورّدها تورّدها باسما متهلّلا، وإذا اقتحم مضايقها تصرّف فيها متوقّفا متمهّلا، لا يحفل بأهوالها، ولا يرى لقارعة من عظائم قوارعها وآلها؛ وحسبك فتكاته في طغاة الكفّار، وقصد أولياء الدولة بالإظهار: فإنّ الكفّار حين نهدوا للنّفاق، واجتلبوا أشباههم من بعيد الآفاق، وتهجّموا على الأعمال فجأهم بعزمة من عزماته أقامت راية الدين، وجعلتهم حصيدا خامدين، وأفنت منهم الصّناديد، واصطلمتهم «2» ببلايا تزيد على التعديد، واجتحفتهم بالقتل والأسر والتفريق، ورمتهم بدواه لا يقدر بشريّ على دفاعها ولا يطيق؛ ولمّا التجأ طاغية الكفر إلى الحيرة وركد، ورام الاعتصام بعروتها واجتهد، واغترّ بما معه من الجمع وكثرة العدد، نهد إليه في الأبطال الأنجاد، ونهض نحوه ثابتا للقراع والجلاد، فأزاله عن مجثمه، وذعره ذعرا شرّده عن معلمه، ورماه بالحراك بعد السّكون، والتّعب الذي قدّر باغتراره أنّ مثله لا يكون؛ وكم له فتكة في أهل العمود «3» ذلّلت جماحهم، واستلبت أرواحهم، وأعادت ليلا بالنّقع صباحهم. وعند تمادي عتاة الكفّار في الإصرار، وجوسهم خلال الدّيار، ونفثهم في وجوه الأذى والإضرار، وطمعهم في اجتياح أهل الأعمال والأقطار، عوّل أمير المؤمنين في استئصالهم على عزمه، واعتضد بذبّه وحسمه، وجعل إليه التدبير

بالقاهرة المحروسة التي هي عمدة الإيمان والإسلام، ودار هجرة الإمام، ومعقل الخلافة منذ غابر الأيّام، وأطلق يده في ربّ جميع الأعمال، وتأمينها من بوائق الأوجال، فبثّ بالحضرة وبالأعمال من مهابته ما شرّد الأوغار «1» ، وسهّل الأمصار، ومحق الضّلّال، وأذاقهم النّكال، فعمّ السّكون والأمنة، واستولت على الأعمال السياسة المستحسنة، فحادت بنضرة الأيام وصلاح الوجود، واغتبطوا من تدبيره بصعود الجدود، ورتعوا من عنايته في عيش يضاهي عيش جنان الخلود؛ فالبلاغات بأسرها لا تقوم بمدح ما أوتي من الفضائل، ولا يوازي مجموعها منقبة من مناقبه التي أربى بها على الملوك الأواخر والأوائل، والخصائص الملوكية بجملتها فيه جبلّة وفطرة، وإذا قيست نادرة من نوادر فضله بما تفرّق في جميع الملوك كانت فضائله بمنزلة البحر ومجموع فضائل الملوك بمنزلة القطرة؛ وقد طرّز فضائله البديعة، وخلاله السامية الرّفيعة، من موالاة أمير المؤمنين ومناصحة دولته بما تكفّل بسعادة الدنيا والآخرة، ونهايات مغانم الثواب الشريفة الفاخرة؛ فليله ونهاره مصروفان إلى المجاهدة عن دولة أمير المؤمنين التي هي دولة التّوحيد، والمخلص فيها معرّض لكلّ مقام سعيد؛ فمحاسنه ترتفع عن قدر التقريظ والمديح، ولا تقابل إلا بموالاة التسبيح. ولما أحمد أمير المؤمنين أثرهما في خدمته، وشكر قصدهما في دولته، وكان السيد الأجلّ قد بلغ إربه في الخلال، وحلّ المحلّ الذي لا تتعاطاه جوامح الآمال؛ وقدره يشرف عن كلّ تكريم،، وموضعه يتميّز عن كلّ منّ جسيم، ومنزلته تسمو عن كلّ تعظيم- فأوصى أمير المؤمنين السيد الأجل أن يقرّر له جميع خدمه، ويسبغ عليه في المستأنف أضفى نعمه: فإن محلّه يرتفع عن محلّ الخدم الجليلة، ويسمو عن كل تصرّف يسمه في الدولة بسمة جميلة؛ ورأى أمير المؤمنين والسيد الأجل أن يعلن بإسناد النيابة عن والده في أمور المملكة إليه، ويشهر أنّ ذلك معوّل فيه عليه: ليخفّف عن السيد الأجلّ أمير الجيوش أمر أثقالها،

ويتحمّل عنه تكليفه بعض أحوالها، ترفيها للسيد الأجل عن التّعب، وتخفيفا من كثرة النّصب؛ على أنّ علوّ قدره الأجل لم يخله في وقت من الأوقات من مشاركة في التدبير، ولا صدّه عن ممازجة في مهمّ كبير، بل ما برحت يده في جميع أحوال الدولة جائلة، وجلالة منصبه تقضي بأن تكون تصريفاته لجميع الأمور شاملة، وتوقيعاته ماضية في الأموال والرجال، والجهات والأعمال؛ وأمير المؤمنين والسيد الأجل يستسعدان بأداته، ويتتبّعان في كل السياسات ما هو موافق لإراداته: لما خصّه الله [به] «1» من المرامي الصائبة، والمقاصد التي السعادة على ما يرد منها مواظبة، وجبله عليه من المحافظة على حسن المرجع وحميد العاقبة- خرج أمر أمير المؤمنين إلى السيد الأجل بالإيعاز إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السّجلّ لك: فتقلّد ما قلّدته من النيابة عن والدك فيما إليه من أمور مملكته، وأحوال دولته، معتمدا على تقوى الله التي بها نجاة أهل اليقين، وفوز سعداء المتّقين، لقول الله عز من قائل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ «2» . واحمل عن السيد الأجل والدك ما يؤثر أن تحمله عنه من الأثقال، وتكفّل ما يكلّفك إيّاه من الأشغال، ونفّذ ما يختار أن تنفّذه، وأنجز ما يؤثر أن تنجزه، وأمض ما يشير إليك «3» بإمضائه من أساليب التوقيعات، وفنون المهمّات، وقم في كل من أمور نيابتك المقام الذي يرضيه، ويوجبه برّك ويقتضيه؛ وقد جعلك الله ميمون النّقيبة «4» ، مسعود الضريبة، مكمّل الأدوات، مؤهّلا لترقّي الغايات، لا تكبر عن مباشرتك كبيرة، ولا تشفّ «5» عن رتبتك رتبة خطيرة؛ واجر على عادة والدك في حسن السياسة والتدبير، والإجمال للأولياء لكما في كل صغير من الأمور وكبير. والوصايا متّسعة الفنون، كثيرة الشّجون؛ ولك من مزيّة الكمال، وفضيلة

الجلال، ومساعدة الإقبال، والخبرة بالجهات والأعمال، وطوائف الأولياء والرجال، ما يعينك على استنباط دقائقها، والعمل بحقائقها، وسلوك أحسن طرائقها. هذا عهد أمير المؤمنين إليك، وحجته عليك؛ فاعمل بأحكامه، وأجر أمورك على نظامه، وبالغ أيها السيد الأجل أمير الجيوش في شكر نعمة الله التي ألهمت الملوك إشاعة فضلك، ورتّبت السّعود على اكتناف عقدك وحلّك، ومنحتك آية كليم الله فجعلت لك وزيرا من أهلك «1» ؛ فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وعلى ذلك كتب بعض كتّابهم عن العاضد، لرزّيك «2» بن الصالح طلائع بن رزّيك، بولاية المظالم وتقدمة العسكر في وزارة أبيه، وهذه نسخته: من عبد الله ووليّه فلان أبي فلان الإمام الفلاني (بلقب الخلافة) أمير المؤمنين، إلى فلان (بلقبه وكنيته) . سلام عليك، فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ويسأله أن يصلّي على جدّه محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وسيد المرسلين، صلّى الله عليه وعلى آله الطاهرين، الأئمة المهديّين، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فالحمد لله الغامر بالطّول والفضل، الآمر بالإحسان والعدل، موسّع سبل الصّلاح لبريّته، ومسبّب أسباب النّجاح لدينه الحنيف وملّته، وجاعل أبرار أوليائه ذخائر معدّة لنفع الخلق، ومصطفي سعداء أحبّائه لإعلاء منار الشرع وإقامة قسطاس الحق، وميسّرهم للنّهوض بالأعباء التي تتكفّل بعضد الدولة

العلوية وتقوم، ومجتبيهم للفضل بمرضاته فيما يقضي بإغاثة الملهوف وإنصاف المظلوم، الذي تنقاد بمشيئته الأمور، وتتصرف بإرادته الدّهور، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور، ويغدو فضله على عباده جسيما، ولا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً «1» . والحمد لله الذي أوضح بأنبيائه سبل الهدى للأنام، وأنقذ بإرشادهم من عبادة الأوثان والأصنام، وأقام باجتهادهم أحكام ما شرعه من الملل والأديان، وأذهب بأنوارهم ما غمر الأمم من غياهب الظّلم والعدوان، وقفّى على آثارهم بمن لا نبوّة بعد نبوّته، ولا حجّة أقطع من حجّته، ولا وصلة أفضل من وصلة ذخرها لأمّته، ولا ذرّيّة أقوم بحقّ الله في حفظ نظام الإيمان من عترته وذرّيّته. يحمده أمير المؤمنين على أن مكّن له في الأرض، وذخر شفاعته لذوي الولاء في يوم النّشور والعرض، وأورثه خصائص من مضى من أئمة الهدى آبائه، وأفرده بمعجز التأييد الذي أضاءت الآفاق بمشرق أنبائه، ويشكره على أن أنجد دولته بكفيل جدّد جلبابها، وظهير أحكم أسبابها، ونصير بلّغ بها في الوليّ والعدوّ مطالبها وآرابها، واستنجب له من نجله خليلا يتلوه في الفضائل البارعة، وناصرا يحاول في الذّبّ عن حوزته عزما أمضى من السّيوف القاطعة، وعضدا يقوم له بإرضاء الخالق والمخلوق، ومسعدا لا يألو جهدا في إيصال المستحقّين إلى ما جعله الله لهم من الحقوق. ويسأله أن يصلّي على جدّه محمد سيد من بلّغ عن الله رسالة وأمرا، وأفضل من دعا إلى توحيد بارئه سرّا وجهرا، وأكمل من جاهد عن دينه حتّى ظهرت بعد الدّروس جدّته، وقهرت إثر الخضوع عزّته، وانتشرت في المشارق والمغارب كلمته ودعوته، صلّى الله عليه وعلى أخيه وابن عمّه أبينا عليّ بن أبي طالب، قسيمه في الشّرف والأبوّة، وصدّيقه الأكبر فيما جاء به من النبوّة، والمكمّل بالنّصّ على إمامته الدّين، وخامس الخمسة «2» الذين سادسهم الرّوح

الأمين، وأبي الأئمة الأبرار، والهازم بمفرده كلّ جيش جرّار، وعلى الأئمة من ذرّيتهما أعلام محجّة الهدى، وأنوار سبل الإيمان التي بأنوارها يستبصر ويقتدى، وأدلّة منهاج النجاة، وكاشفي غمم الشّكّ إذا الظّلم دجاه، وسلّم ومجّد، وتابع وردّد. وإنّ أمير المؤمنين لما اصطفاه الله له من إرث سرّ الإمامة المصون المكنون، وحقّ بيانه العظيم الذي بالخشوع لجلاله أفلح المؤمنون، واختاره [له] «1» من نشر لواء الحقّ ونصره، وتأكيد أحكام الإنصاف ليحظى بعائدتها كافّة أهل زمنه وعصره، وألبسه إيّاه من تاج خلافته الذي أشرق لبصائر العارفين نوره الساطع، وتجلّى لأفهام الموقنين برهانه الصادع ودليله القاطع، وأودعه من خفايا الحكم التي عذب سلسبيلها، وبلغ إلى النعيم الخالد دليلها وسبيلها، وكمّله لأيّامه من الإقبال الذي جعلها مواسم زاهية بهجة النصر المبين، وأعياد ظفر تروق بتوالي إبادة العادلين عن الطاعة النّاكبين، وأوقاتا سعيدة تفيد الدين وأولياءه عزّا واعتلاء، وتوجب للإيمان وأنصاره اقتدارا واستيلاء، وتسبغ عليهم كيفما تصرّفت بهم الأحوال مننا ضافية وآلاء، ويسّره لعلمه من الإحاطة بكل مغيّب مستور، وأوجبه لأغراضه في كل ما يرومه من مظاهرة المقدور، ومهّده لحلوله من أشمخ منازل التطهير والتقديس، وشرّف به شيمه من كل خلق نبويّ بارع نفيس، وفضّله به من الكرم الذي لا تزال سحبه تجود الأمم سرفا، ولا تنفكّ غيوثه تجدّ لمن مطر به علاء وشرفا، ولا برح وابله يعمّ بالنّعم الغرّ الجسام، ولا تكفّ سيوبه عن إفاضة المنن التي علت وغلت فلا تسامى ولا تسام، وخصّ به إحسانه من المثابرة على إعظام المنائح للمستوجبين، والمحافظة على إجزال المواهب للمزدلفين إليه بالأعمال الصالحة المتقرّبين، يجهد آراءه في ارتياد من تتضاعف للبريّة بالاستعانة بكماله أسباب المصالح، وتتأكّد للأمّة بالتعويل على بارع فضله أحكام النّجح

والمناجح، وتقوم الحجة عند الله بالاعتضاد به فيما يقضي بنفع [العباد] «1» ، ويسهل الاعتماد على ديانته بالنّصح لله في الحاضر من بريّته والباد، وينطق شرف خلائقه بتوفّره على إحراز مغانم البرّ والتقوى، وتعرب طرائقه عن السّعي الذي لا يقف في مرضاة ربّه دون بلوغ الغاية القصوى، وتدلّ أحواله على رعاية حقوق الله سبحانه في كلّ ما يفعل ويقول، وتوضّح أخباره حسن تأتّيه في مصالح الأمم لما يعجز عن استنباطه رواجح العقول، ويقتدح نظره أنوارا يستضاء بها في طرق السّياسات الفاضلة، ويفتتح فكره أبوابا تضحى بها الخليقة إلى الخيرات الكاملة واصلة، ويبعثه حسن جبلّته على أن يحتقر في إعانة البرايا، عظائم المشاقّ، ويدعوه كرم سجيّته إلى أن يحنو على الرعايا، حنوّ من يتوخّاهم بالرحمة والإشفاق، ويقوى بإعانته المستضعف قوّة تحصّنه من عدوى الاهتضام،، ويعزّ بملاحظته المستذلّ عزّة تخرجه عن صورة المقهور المستضام، ويقتفي الآثار الصالحيّة «2» في عدل الطّباع وحسن الشّيم، ويتّبع السّنن الغياثيّة «3» في الإحسان إلى جميع الأمم، ويقصد في اللّطف بالصغير والكبير قصدها، وينتحي نواجم الباطل فيعتمد اجتثاثها وحصدها؛ ويكون تفويض أمير المؤمنين إليه توثّقا عند خالقه وباريه، واحتياطا لنفسه في استناد المهمّات منه إلى من لا يدانيه مدان ولا يباريه، وتتيمّن الدولة العلويّة بمباشرته للأحوال تيمّنا يؤذن لها بإدراك كلّ مطلب بعيد، وتستسعد بحسن سيرته استسعادا يقضي للمناجح بتمكين تبدي فيه وتعيد، وتختال الأيّام بما اجتلته من جواهر مفاخره، وتزدان الأزمان بما توشّحته من مناقبه التي حقّرت الملوك في أوّل الدّهر وآخره. وقد اكتنفتك أيّها الأجلّ عنايات الله سبحانه واشتملت عليك، وتتابعت موادّ

اصطفائه واجتبائه إليك، وأنالتك من كلّ فضل بارع، غايته، وأظهرت فيك لكلّ كمال رائع، آيته، وجمعت لك من معجزات المحاسن ما لولا مشاهدتك لوجب استحالة جمعه، ولأنكر كلّ متدبّر صدر حديثه عن صدر صدره أو ورود سمعه؛ ويسّر لك تمام السّعد والإقبال، الترقّي إلى ذروة العلى التي يهاب النجم أن تمرّ ملاحظتها منه ببال، وتأنّقت الحظوظ في إعظام ما خوّلتك من الفضائل الباهرة فبالغت وتناهت، وأغرقت فيما أتحفتك به من المحاسن النادرة فشرفت بك وتباهت، حتّى غدا جسيم ما قدّم شرحه من الثناء وذكره، وعظيم ما وجب منه نشره فتضوّع أرجه ونشره، نغبة من بحارها الزاخرة، وشذرة من عقودها الفاخرة، وقليلا من كثيرها الجسيم، وضئيلا من جزيلها الذي استكمل خصائص التعظيم. واستثمر فأنت الجامع لمفترق الفضائل الملكية، والفارع ذرى الجلال الذي أفردتك به المواهب الملوكيّة، والممنوح أعلى رتب السيادة السارية إليك من أكرم الأصول، والملموح بارتقاء هضاب المجد التي عجز ملوك الآفاق عن [الانتهاء] «1» إليها والوصول، والأوحد الذي بذّ العظماء فعظم خطرا وقدرا، والأروع الذي انقادت له الصّعاب فرحب باعا وصدرا، والعالم بالأمور الذي أصبح أعلم ملوك الأرض بأحسن التّدبير وأدرى، والمذكي بأنوار ذكائه في عاتم النّوب سراجا وهّاجا، والمشمّر في ذات الله فلا يوجد له على غير ما أرضاه معاجا «2» ، والمبتكر من غرائب السّياسات، ما لا تزال محاسنه على مفرق الزمن تاجا، والممجّد اللهج بتمجيده كلّ مقول ولسان، والمعجز كلّ متعاط وإن كان بليغا بديع الإحسان، والممنوح المعرق في السيادة والمملكة، والمبتدع المكارم أبكارا تجلّ عن أن يشابهه أحد فيها أو يشركه؛ فآيات مجدك ظاهرة باهرة، وغرّ خلائقك في اختراع المآثر وافتراعها ماهرة، وإليك إيماء السعادة وإشاراتها، والدّسوت باعتلائك مناكبها تسامي السماء أرجاؤها، ويتحقّق في البحر الأعظم

بتصدّرك فيها رجاؤها، فلا كمال إلّا ما أصبح إليك ينسب، ولا جلال إلا ما يعدّ من خصائصك ويحسب؛ ولم تزل لربّك خاضعا، ولشرفك متواضعا؛ وأنوار الألمعيّة توضّح لك من طرق الأمانة ما يعجز عن إدراكه قويّ التجريب، وتحكم لك من أحكام السياسة ما تقصر عن أقلّه فطن الحكماء الشّيب، وتبدي لك أسرار الأزمنة المتطاولة في إقبال سنّك، وتلين بتلطفات صلابة الخطوب مع نضارة غصنك، وما برح ذكر أخبار صولتك، وحديث ما أعظمه الله من فروسيّتك وشجاعتك، يوفّر حلوم الأبطال في الملاحم إذا أطارها الذّعر فطاشت، ويسكّن نفوس الأنجاد في الملاحم إذا أطارها الذّعر فجاشت، ويحدث للجبناء جرأة وإقداما، ويجعل الكهام «1» في الحروب مذلّقا حساما؛ فخيلاء الأعوجيّة «2» زهو مما ترقبه من شرف امتطائك، وصليل المشرفيّة «3» ترنّم بمطرب قصصك وأنبائك، واهتزاز السّمهريّة «4» جذل بما كفّلتها من إشادة علائك، وضمّنتها من إبادة أعدائك، وليس بغريب أن تفضل الأملاك، وتطأ أخامص السّماك، وتختال في وشي الوصف البديع، وتشرق أسرّة محاسنك فتخجل ضوء الصّبح الصّديع «5» ؛ وقد أكرمك الله مع فضل الخليقة والفطرة، وكمال الخصائص التي غدا كلّ منها في بديع المعجزات ندرة، ببنوّة مغيث الأنام ومصلح الأيّام؛ وكفيل أمير المؤمنين وكافيه، ومبريء ملكه من أسقام الحوادث وشافيه، السيد الأجلّ الملك (وتتمة النعوت والدعاء) الذي انتضاه الله لكشف الغمم، وارتضاه لتدبير الأمم، وفضّله على ملوك العرب

والعجم، وشمخ علاؤه فتطامن «1» له كلّ عليّ ودان، وسمت مواطيء أقدامه فتمنّت منالها مواطيء التّيجان، وحاز بالمساعي الفضل الباهر أجمع، واستولى على بواهر الحكم بالنظر الثاقب والقلب الأصمع «2» ، وأفرد بكمال عزّ أن تدركه الآمال، أو يكون لا شتطاطها فيه مطمع أو مجال؛ وغدا النصر المبين تابعا لعذب ألويته، وحسن إقباله في كلّ موطن كفيل بإدبار العدوّ وتوليته، وأجاب داعي الله إذ استنصر لآل بيت النبوّة واستصرخ، ولبّى دعاءه تلبية تسطّر أخبارها على ممرّ الزمان وتؤرّخ، وأجلى شياطين الضّلال وقد تبعت في زعيمها الجاحد وثنا، وصدّها بالعزم المرهف عما أصرّت عليه من منكر الإلحاد وثنى؛ وبدّلت سطاه جبابرة الطّغاة من الأوطان بعدا وسحقا، وأمتعتهم فتكاته من الأعداء الوافرة إفناء وسحقا، وأذاقتهم حملات جيوشه وبال أمر من عاضد باطلا وعاند حقّا، وجعلتهم شفار سيوفه الباترة في التّنائف «3» حصيدا، ورمت بالإرغام والإضراع معاطسهم وخدودهم بعد أن عمروا شمّا وصيدا، وقصّد بمواضيها أشلاءهم ودماءهم فألجم غروبها وسقى، وكشف بلوامعها عن الدولة الفاطمية من معرّتهم جنحا عاتما وغسقا، وكفل أمورهم فأحسن الإيالة والكفالة، وأعادها إلى أفضل ما تقدّم لها من القوّة والفخامة والجلالة، ونظر أحوالها فقوّم كلّ معوجّ وعدّل كلّ مائل، وحباها ملبس جمال تقبح عند بهجته ملابس الخمائل. ولمّا أباد عصب العناد، عطف على الاجتهاد في الجهاد، فجابت جحافله متقاذف الأقطار، ونالت من الفتك بالكفرة في أقصى بلادها نهاية الأوطار، وانتزعت منهم الحصون، واستباحت الممنّع المصون، حتّى أصارت جلدهم المشهور فشلا، وفيض إقدامهم المذكور وشلا «4» ، وشمل الأمة بسيرة عرفت

بالعدل والإحسان، وأحظت الخلائق بالأمن المديد الظلال، وأرضتهم بالعيش الرائق الزّلال، وأنالتهم من المطالب ما اتّسعت لإدراكه خطا الآمال، وجاد ففضح الغمائم، ومنّ على ذوي الذّنوب حتّى كاد يتقرّب إليه بالجرائم، وأقال عثرات كبرت فلولا كرم سجيّته لم يرم الإقالة من خطرها رائم؛ وأمدّه الله من معجزات البلاغة والبيان، وغرائب الحكم البديعة الافتنان، ما يستخفّ الأحلام بفرط الطّرب والإفتان؛ ولم يزل منذ كان يحمي سرح الدين، ويضممّ نشر المؤمنين، ويبذل نفسه الشريفة في نصرة الدولة العلويّة بذل أكمل ناصر وأفضل معين؛ وتكبر عظائم الخطوب فيكون عزمه أعظم وأكبر، وتزهى الأيام بغرّ محاسنه وهو لا يزهى ولا يتكبّر، فقد عزّ جانب كماله، عن أن يناهضه جهد المديح، وارتفع محلّ جلاله، فلا ينال تكييفه بإشارة ولا تصريح، وعظم قدر مفاخره فلم يقابل إلا بموالاة التمجيد لخالقه والتسبيح، ووجب على متصفّح خصائصه الموالاة في التعظيم، ولزوم منهج استيداع لا يبرح عنه ولا يريم، ومبالغة قوله تعالى: ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ «1» . فبلّغ الله أمير المؤمنين في إطالة مدّته الآمال، وأبقى لمدّته باستمرار نظره الحظّ والجمال، وفتح له المشارق والمغارب بهممه العالية وعزائمه، وجعل نواجم الإلحاد حصائد شفار صوارمه، فافخر أيّها الرجل بأصلك وفرعك كيف شيت، وابجح بما منحت منه وأوتيت، ووال شكر خالقك على ما خوّلت وأوليت؛ فما فخر بمثل فخرك ملك سميدع «2» ، ولا تباهى الدّهر لأحد بمثل ما تباهى في حقّك ولا أبدع. ولما تكامل لك أيّها الأجل بلوغ هذا الفضل الجسيم، وتمّ ما منحته من المجد الحادث والقديم، جدّد أمير المؤمنين لك شعار التعظيم، وكمّل لديك المفاخر تكميل العقد النظيم، وجعل الخير في إمرته لك عيانا، وأقامك للدولة

الفائزيّة والمملكة الصالحيّة برهانا، وجعلك لكافّة المسلمين في أقطار الأرض سلطانا، وطابق بين ما خصّك به من السّمات السنيّة، وبين ما مكّنه لك من المراتب العلية، فاتّخذك لدولته ناصرا وعضدا، وانتخبك للإسلام مجدا وسندا، وأحيا بمرافدتك أنصار الدين، وشفى بنظرك صدور المؤمنين، واستخلصك لنفسه النفيسة حميما وخليلا، وبلغ بك إلى الغاية القصوى إعلاء وتبجيلا، وشرّفك بخلع بديعة من أخصّ ملابس الخلافة تروق محاسنها كلّ النواظر، وتفوق بدائعها ما دبّجه زهر الروض الناضر، وقلّدك سيفا يؤذن بالتقليد، ويبشّر بالنصر الدائم المزيد، تتنافس في متنه وفرنده «1» الجواهر، ويستولي ناصعها على الباطن منه والظاهر، وعزّزها بالتشريفات التي اكتنفتها البهجة والبهاء، وبلّغتها في العلى إلى الغاية التي ليس بعدها انتهاء، وآثر أن تبسط يدك في التدبير، ويعدق بك ما هو عنده بالمحلّ الكبير، ويجمع لك من أشتات دولته ما لم يعرف لجمع مثله في سالف الزّمن نظير، ويسند إلى كمالك ما يعود النفع بصلاحه على المأمور من الأنام والأمير. ففاوض أيّها السيد الأجلّ الملك الصالح والدك أدام الله قدرته، وأعلى كلمته، في ذلك مفاوضة أفضت إلى وقوع الإجماع على أنك أكمل ملوك دهرك دينا، وأصحّهم يقينا، وأشرفهم نفسا وأخلاقا، وأكرمهم أصولا وأعراقا، وأمثلهم طريقة وأحسنهم سيرة، وأنقاهم صدرا وأطهرهم سريرة، وأشفّهم جوهرا وأزكاهم ضريبة وأتقاهم لله سرّا وعلنا، وأولاهم بأن لا يصدر عنه من الأفعال إلّا جميلا حسنا؛ وأنك أفضل من عدق أمير المؤمنين بنظره أمر الدنيا والدين، وأسند إلى ملاحظته أحوال أمراء الدولة ورجالها أجمعين، وفوّض مصالح المسلمين منه إلى التّقيّ الأمين؛ وأنّ السيد الأجلّ الملك الصالح أدام الله قدرته لمّا أخلص محلّه عند أمير المؤمنين بتتابع الإشادة، وتفرّد باستمرار المضاعفة بإذن الله تعالى والزّيادة، واستولى على الأمد الأقصى في السموّ لديه والتعالي، وانخفضت عن

ثراه ذرى أشمخ المعالي، كان عند أمير المؤمنين الأوّل في الجلال وأنت ثانيه، والسابق في الفخار وأنت تاليه، ودلّ بفضلك على فضله دلالة الصبح على النهار، والنّماء على الإبدار، والثّمر الطيب على فضيلة الأصل والنّجار، فتبارك مولي المنن لأوليائه وحزبه القائل في محكم كتابه: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ «1» . وقرّر لك أمير المؤمنين استشفاف أمور المظالم، وإنصاف المظلوم من الظالم، والنظر في اسفهسلارية «2» العساكر المؤيّدة المنصورة إيثارا من أمير المؤمنين لأن يجعل لك خير الدنيا والآخرة ميسّرا، ويثبت لك في كلّ من أمور العاجلة والآجلة حديثا حسنا وأثرا، ورتّب ذلك لك ترتيبا يصحبه التوفيق ويلزمه. ويكمّله السعد ويتمّمه، ويحيط به اليمن والنّجاح، ويشتمل عليه الحظّ والفلاح. فتقلّد ما قلّدك أمير المؤمنين شاكرا لأنعمه متمسّكا بأسباب ولائه وعصمه، جاريا على أحسن عاداتك في مراقبة الله وخيفته، مستمرّا على أفضل حالاتك في خشيته، متّبعا أوامره في العمل بتقواه، وزاجرا للنفس عما تؤثره وتهواه؛ يقول الله في كتابه المبين: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ «3» . واعلم أن المظالم «4» كنز من كنوز الرحمة، وباب يتوصّل منه إلى مصلحة الأمّة، ووسيلة يتوسّل بها السّعداء إلى خالقهم في استبقاء ما أسبغ عليهم من النّعمة؛ فاجلس لها جلوسا عامّا ترفع فيه الحجاب، وتيسّر للوصول إليك عنده الأسباب، وتأمر بتقريب المتظلّمين وتوعز بإدنائهم لتسمع كلام الشاكين، وتوفّر على الأخذ بيد المستضعف القريع «5» ، والحرمة التي لا تجد سبيلا للإنصاف ولا تستطيع، وتتقدّم بأن تحضر بين يديك النائب في الحكم العزيز الذي على فتياه

مدار أحكام الدين، ومن تحتاجه من الموقّعين والدّواوين، وتأمر بإحضار القصص وعرضها، وتتأمّل دعاوي المتظلّمين في إبرامها ونقضها، وتوقع على كلّ منها بما يقتضيه الشرع وأحكامه، ويوجبه العدل ونظامه. وانظر في مشكل القصص نظرا يزيل إشكالها، ويجعل إلى لوازم الشرع والحقّ مآلها، وراع أمر المنازعات حتّى تنتهي إلى الأواخر، ولا يبقى فيها تأمّل لمتأمّل ولا نظر لناظر؛ وتخرج أوامرك بإيصال كلّ ذي حقّ إلى حقّه، وكفّ كلّ متعدّ عن سلوك سبيل العدوان وطرقه، وليكن الضعيف أقوى الأقوياء عندك إلى أن يصل إلى حقّه موفّرا، والقويّ أضعف الضّعفاء حتى يخرج مما عليه طائعا أو مجبرا؛ والشرع والعدل فهما قسطاسا الله في أرضه، ومعينا [ن على] «1» الحق من أراد العمل بواجب الحقّ وفرضه، فخذ بهما وأعط بين العباد، وأثبت أحكامهما فيما قرب وبعد من البلاد، وساو بهما في الحقوق بين الأنام، وصرّف النصفة بحكمهما بين الخواصّ والعوام، حتّى ينتصف المشروف من الشريف، والضعيف من ذي القوّة العنيف، والمغمور من الشهير، والمأمور من الأمير، والصغير من الكبير؛ واستكثر بإغاثة عباد الله ذخائر الرّضوان، واستفتح بقيامك بحقوق الله فيهم أبواب الجنان، واعمم بسعيد نظرك وتامّ تفقّدك وملاحظاتك جميع صدور أولياء الدولة وكبرائها، ومقدّميها المطوّقين «2» وأمرائها، وميّز بها الأعيان، ورجالها الظاهرة نجدتهم للعيان، وتوخّ الوجوه منهم بالإجلال والإكبار، وتبليغ الأغراض والأوطار، والتمييز الذي يحفظ نظام رتبهم، وينيلهم من حراسة المنازل غاية أربهم، والقهم مستبشرا كعادتك الحسنى، واجر معهم في كرم الأخلاق على مذهبك الأسنى، وعرّفهم بإقبالك على مصالح أمورهم، واتّجاهك لصالح شؤونهم، بركة اشتمالهم بفضلك، والتحافهم بظلّك، واقصد من يليهم بما يبسط

آمالهم، ويوسع في التكرمة مجالهم، ويكسبهم عزّة الإدناء والتقريب، ويخصّهم من إحفائك بأوفر سهم ونصيب؛ وكافّة الرجال فاحفظ نظامهم بحسن التدبير، وأثّر فيهم بجميل النظر أحسن التأثير، وتوخّهم بما يشدّ باهتمامك أزرهم، ويصلح بتفقّدك أمرهم، ويقف على الطاعة سرّهم وجهرهم، وييسّر لهم أسباب المصالح ويسهّلها، ويتمّم لمطالبهم أحكام الميامن ويكمّلها؛ وأصف لجميع «1» ذكرهم من سابق في التّقدمة وتال، ومخلص في المشايعة وموال، مناهل إحسان أمير المؤمنين الطامية الحمام «2» ، المتعرّضة مواردها العذبة لأدواء كافّة الأنام، فهم أنصار الدولة وأعوانها، وأبناء الدعوة وخلصاؤها وشجعان المملكة وفرسانها، ونجدة خلاصها «3» عند اعتراض الكروب، وسيوفها المذرّبة القاطعة الغروب، وأسنّتها المتوغّلة من الأعداء في سويداء القلوب، وحزبها الذي أذن الله بأنه الغالب غير المغلوب؛ ولكلّ منهم منزله من التقديم، وموضعه من الاشتمال بظلّ الطّول العميم، ومحلّه من الغناء ومكانه من الكفاية الذي بلغ إليه فسدّه. فرتّب كلّا من المقدّمين في الموضع الجدير به اللائق، وأوضح للموفّقين أنوار مراشدك ليلحق بتهذيبك السّكيت «4» منهم بالسابق. والوصايا متسعة النّطاق، متشعّبة الاشتقاق؛ ولم يستوعب لك أمير المؤمنين أقسامها، ولا حاول إتمامها: للاستغناء بما لك من المعرفة التي غدت في استنباط حكم السياسات أكبر معين، والفطرة النفيسة التي تمدّك من كل فضيلة بأغزر معين؛ ولا يزال يضيء لبصيرتك من أنوار السيد الأجلّ الملك الصالح- أدام الله قدرته- التي لا تبرح للبصائر لامعة، ولمحاسن الأفعال وغررها جامعة، ما تستعين «5» بأضوائها على الغرض المطلوب من الإصابة وأكثر.

المرتبة الثانية

هذا عهد أمير المؤمنين إليك، وإنعامه عليك؛ فتلقّه من الشّكر بما يكون للمزيد سببا مؤكّدا، ويغدو الإحسان معه مردّدا مجدّدا، وابذل جهدك فيما أرضى الله وأرضى إمام العصر، وثابر على الأعمال التي تناسب فضائلك المتجاوزة حدّ الحصر؛ والله يعضّدك بالتوفيق، ويمهّد لك إلى السعادة أسهل طريق، ويرهف في الحرب عزائمك، ويمضي في الأعداء صوارمك، ويضاعف لك موادّ النصر والتأييد، ويخصّ بناء مجدك بالإعلاء والتشييد؛ إن شاء الله. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. قلت: والذي يظهر أن مما كان يكتب في دولتهم على هذه الطريق سجلّات كبار نياباتهم، حال استفحال الدولة في مباديء أمرها، قبل خروج البلاد الشاسعة عنها واستقلاعها من أيديهم: كدمشق ومضافاتها من البلاد الشامية قبل خروجها عنهم لبني أرتق في زمن المستنصر أحد خلفائهم، وكأفريقية وما معها من بلاد الغرب قبل تغلّب المعزّ بن باديس نائب المستنصر المتقدّم ذكره بها وقطع الخطبة له، وكجزيرة صقلّيّة من جزائر البحر الرّوميّ قبل تغلّب رجّار أحد ملوك الفرنج عليها وانتزاعها من أيديهم في زمن المستنصر المذكور أيضا؛ فإنّ دمشق وأفريقية وصقلّيّة كانت من أعظم نياباتهم، وأجلّ ولاياتهم، فلا يبعد أن تكون في كتابة السّجلّات عندهم من هذه الطبقة. المرتبة الثانية (من المذهب الأوّل من سجلّات ولايات الفاطميين أن يفتتح السّجلّ بالتصدير، فيقال: «من عبد الله ووليّه» إلى آخر التصلية، ثم يؤتى بالتحميد مرة واحدة ويؤتى في الباقي بنسبة ما تقدّم، إلا أنه يكون أخصر مما يؤتى به مع التحميدات الثلاث) ثم هي إما لأرباب السّيوف أو لأرباب الأقلام من أرباب الوظائف الدّينية والوظائف الدّيوانية. فأما السّجلّات المكتتبة لأرباب السّيوف، فمن ذلك نسخة سجلّ بولاية

القاهرة من هذه الرتبة: لرفعة قدر متولّيها حينئذ، وهي: من عبد الله ووليّه (إلى آخره) . أما بعد، فالحمد لله رافع الدّرجات ومعليها، ومولي الآلاء ومواليها، ومحسن الجزاء لمن أحسن عملا، ومضاعف الحباء للذين لا يبغون عن طاعته حولا، ومنيل أفضل المواهب ومخوّلها، ومتمّم النعمة على القائم بشكرها ومكمّلها، متبع المنن السالفة بنظائرها وأشكالها، والمجازي على الحسنة بعشر أمثالها، وصلّى الله على جدّنا محمد رسوله الذي أقام عماد الدين الحنيف ورفعه، وخفض بجهاده منار الإلحاد ووضعه، وأرغم عبدة الصّليب والأوثان، ونشر في أقطار المملكة كلمة الإسلام والإيمان، وكشف غياهب الضّلال بأنوار الهدى اللامعة، وهتك حجاب الكفر ببراهين التوحيد الصادعة وسيوف النصر القاطعة، صلّى الله عليه وعلى أخيه وابن عمّه أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، سيف الحقّ الماضي المضارب، وبحر العلم الطامي اللّجج والعوارب «1» ، ومعين الحكمة العذب المشارع، والمخصوص بكلّ شرف باسق وفضل بارع، وعلى آلهما سادة الأنام، وحماة سرح الإسلام، وموضّحي حقائق الدّين، وقاهري أحزاب الملحدين، وسلّم ومجّد، وضاعف وجدّد. وإنّ أمير المؤمنين لما آتاه الله من شرف المحتد والنّجار، وتوّجه به من تيجان الإمامة المشرقة الأنوار، وألقاه إليه من مقاليد الإبرام والنّقض، وأناله إيّاه من الخلافة في الأرض، والشّفاعة في يوم العرض، وعدقه به من إيضاح سبل الهدى اللامعة، وهتك حجاب الكفر ببراهين التوحيد الصادعة وسيوف النصر القاطعة، إلى الأنام «2» ، وأطلعه عليه من أسرار الحكمة بمناجاة الإلهام، وأقامه له من إعلاء منار الملّة وتقويم عماد الحق، وأمدّ به آراءه من العنايات الرّبانيّة فيما جلّ ودقّ،

وأمضاه له في الأقطار من الأوامر والنّواهي، وأفرده به من الخصائص الشريفة التي يقصر عن تعديدها إسهاب الواصف المتناهي، ويسّره لإرادته من اقتياد كلّ أبيّ جامح، وحبّبه إليه من استعمال السّيرة المستدنية من المصالح كلّ بعيد نازح- يضاعف بهاء أيّامه باصطفاء ذوي الصّفاء، ويزيد في بهجة زمانه باستكفاء أولي الوفاء، ورفع منازل المعرقين في الولاء إلى غايات السّناء، وينيل المخلصين من الحباء، ما يدل على مواضعهم الخطيرة من الاجتباء، ويسند معالي الأمور، إلى الأعيان الصّدور، ويعدق الولايات الخطيرة، بمن حسنت منه الآثار والسّيرة، وأظهر تغاير الأمور ما هو عليه من خلوص النّية ونقاء السّريرة، واستولى على جوامع الفضل وغاياته، وقصرت همم الأكفاء عن مماثلته في الغناء ومساواته، وألقت إليه المناقب قياد المستسلم المسلّم، وأعجز تعديد محاسنه البارعة كلّ ناطق ومتكلّم، وسمت همّته إلى اكتساب الفخار، واستكمل فنون المحامد فحصلت لديه حصول الاقتناء الادّخار، وفاز من كلّ مأثرة بالنصيب الوافر المعلّى، وتشوّفت إليه الرّتب السنية تشوّف [من] «1» رأته لها دون الأكفاء أهلا، وكفى المهمّات بجنان ثابت وصدر واسع، وقرّبت عليه أفعاله المرضيّة من الميامن كلّ بعيد شاسع، ووسم جلائل التصرّفات بما خلّفه بها من مستحسن الآثار، وخلصت مشايعته من الأكدار فحلّ في أميز محلّ من الإيثار، وجارى المبرّزين من أرباب الرّياسات فسبق وأبرّ، وأحرز جميل رأي وليّ نعمته فيما ساء وسرّ. ولمّا كنت أيها الأمير المعنيّ بهذا الوصف الرفيع، المخصوص من مفاخره بكلّ رائع بديع، الحالّ من الاصطفاء في أقرب محلّ وأدناه، المرتقي من الرياسة أشمخ مكان وأسناه، الأوحد في كل فضيلة ومنقبة، الكامل الذي أوجب له الكمال صعود الجدّ وسموّ المرتبة، المصلح ما يردّ إلى نظره بالتدبير الفائق، الشامل ما يعدق به بحزمه الذي لا تخشى معه البوائق «2» ، المجمع على شكر خصائصه

وخلاله، الفائت جهد الأعيان الأفاضل بعفو استقلاله، المعتصم من المشايعة بالسبب المتين، المتميّز على الأكفاء بمآثره المأثورة وفضله المبين؛ وما زالت مساعيك في طاعة أمير المؤمنين توجب لك منه المزيد، تستدعي لمنزلتك من جميل رأيه مضاعفة التشييد، وتخصّك من الاجتباء بالنصيب، الوافر الجزيل، وتبلّغك من تتابع النّعم ما يوفي على الرجاء والتأميل. وقد باشرت جلائل الولايات، وعدق بك أفخم المهمّات، فاستعملت السّيرة العادلة، وسست السياسة الفاضلة، وجمعت على محبّتك القلوب، وبلّغت الرعية من إفاضة الإنصاف كلّ مؤثر ومطلوب؛ وإذا برقت بارقة نفاق، ونجم ناجم من مردة المرّاق، كنت الوليّ الوفيّ، والمخلص الصّفيّ، والمدافع عن الحوزة بجهاده، والمحامي عنها بماضي عزمه وصادق جلاده، والباذل مهجته دون وليّ نعمته، والجاهد فيما يحظيه بنائل مواتّه وتأكّد أذمّته «1» ؛ ومجلي ظلام الخطب الدامس بحسامه، ومزيل الخطب الكارث برأيه واعتزامه؛ ومواقفك في الحروب، تكشف الكروب، وتروي من دماء الأبطال ظامئات الغروب «2» ، وتورد سنان اللّدن العاسل «3» ، وريد الكميّ الباسل، وتحكّم ظبا المناصل، في الهامات والمفاصل، وتستبيح من مهج الأقران كلّ مصون، وترميهم من قوارع الدّمار بضروب متّسعة الفنون؛ فآثارك في كل الحالات محمودة، وشرائط الاصطفاء فيك فاضلة موجودة. وحضر بحضرة أمير المؤمنين فتاه ووزيره، وكافل ملكه وظهيره، السيد الأجل الملك الذي «4» فأثنى عليك ثناء وسّع فيه المجال، وخصّك من شكره وإحماده بما أفاض عليك حلل الفخر والجمال، وقرر لك

الخدمة في ولاية القاهرة المحروسة، فتقلّد ما قلّدك أمير المؤمنين من ذلك: عاملا بتقوى الله الذي تصير إليه الأمور، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور؛ قال الله في كتابه المبين: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ «1» . واعلم أنّ هذه المدينة هي التي أسّس على التقوى بنيانها، ولها الفضيلة التي ظهر دليلها ووضح برهانها: لأنها خصّت بفخر لا يدرك شأوه ولا تدرك آماده، وذلك أنّ منابرها لم يذكر عليها إلا أئمة الهدى آباء أمير المؤمنين وأجداده، ثم إنها الحرم الذي أضحى تقديسه أمرا حتما، وظلّ ساكنه لا يخاف ظلما ولا هضما، وغدت النعمة به متمّمة مكمّلة، والأدعية في بيوت العبادات به مرفوعة متقبّلة: للقرب من أمير المؤمنين باب الرحمة ومعدن الجلالة، وثمرة النبوّة وسلالة الرسالة؛ فاشمل كافّة الرعايا بها بالصّيانة والعناية، وعمهم بتامّ الحفظ والرّعاية، وابسط عليهم ظلّ العدل والأمنة، وسرفيهم بالسّيرة العادلة الحسنة، وساو في الحقّ بين الضعيف والقويّ، والرّشيد والغويّ، والملّيّ والذّميّ، والفقير والغنيّ، واعتمد من فيها من الأمراء والمميّزين، والأعيان المقدّمين والشّهود المعدّلين، والأماثل من الأجناد، وأرباب الخدم من القوّاد، بالإعزاز والإكرام، وبلّغهم نهاية المراد والمرام، وأقم حدود الله على من وجبت بمقتضى الكتاب الكريم، وسنّة محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، وتفقّد أمور المتعيّشين، وامنع من البخس في المكاييل والموازين، وحذّر من فساد مدخل على المطاعم والمشارب، وانتهج في ذلك سبيل الحق وطريق الواجب، واحظر أن يخلو رجل بامرأة ليست له بمحرم، وافعل في تنظيف الجوامع والمساجد وتنزيهها عن الابتذال بما تعزّ به وتكرم، واشدد من أعوان الحكم في قود أباة الخصوم، واعتمد من نصرة الحق ما تبقى به النعمة عليك وتدوم، وأوعز إلى المستخدمين بحفظ الشارع والحارات، وحراستها في جميع الأزمنة والأوقات، وواصل التّطواف في كل ليلة بنفسك في أوفى عدّة، وأظهر عدّة، وانته في ذلك وفيما يجاريه إلى ما يشهد باجتهادك، ويزيد في شكرك

وإحمادك؛ والله تعالى يوفّقك ويرشدك، ويسدّدك في خدمة أمير المؤمنين ويسعدك؛ فاعلم ذلك وأعمل به، وطالع مجلس النظر الأجليّ الملكيّ بما تحتاج إلى علمه، إن شاء الله تعالى. قلت: وعلى هذا النّمط كان يكتب سجلّ ولاية الشرقية من أعمال الديار المصرية دون غيرها من سائر الولايات، إذ كانت هي خاصّ الخليفة كالجيزيّة والمنفلوطيّة «1» الآن، وكان واليها هو أكبر الولاة عند هم لذلك. وأما الوظائف الدينية. فمنها- ما كتب به القاضي الفاضل عن العاضد بولاية قاض: من عبد الله ووليّه عبد الله أبي محمد الإمام العاضد لدين الله أمير المؤمنين، إلى القاضي المؤتمن الأمين، علم الدين، خالصة أمير المؤمنين، وفّقه الله لما يرضيه، وسدّده فيما يذره ويأتيه، وأعانه على ما عدق به ووليّه. سلام عليك فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو، ويسأله أن يصلّي على جدّه سيّد ولد آدم، وعالم كل عالم، ومبقي كلمة المتقين على اليقين، ومعلي منار الموحّدين على الملحدين، صلّى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وعلى أمراء المؤمنين، صلاة تتصل في كلّ بكرة وأصيل، ويعدّها أهل الفضل وأهل التحصيل، ووالى وجدّد، وعظّم ومجّد، وكرّر وردّد. وإن أمير المؤمنين لما آتاه الله إيّاه من نفاذ حكمه ومضاء حكمته، وفوّضه إليه من إمامة أمّته، وأفاضه عليه من أنوار كشفت غمامة كلّ غمّة، وشرّدت بعدله من بسطة ظلم وسطوة ظلمة، وأظهره له من حقّ نصب للنصر علمه وللهداية علمه، وأيّده به من كلّ عزمة فتكت بكل أزمة، ووكّل به هممه من إتمام نعمة وابتداء نعمة، وأطلق به يده من معروف روّض الآمال صوب «2» مدراره، وبدت

على الأحوال آثار إيثاره، وأخذ به الخصب من المحل ثاره واستقال به الرخاء من وهدات عثاره، وعضّد به أفعاله من أمور التوفيق اتّباعا واقتضابا، وألهمه من موالاة الآلاء التي لا تذهب عهود عهادها انقضاء ولا انتضابا، ويسّر له عزيمة من الآراء التي لا تكسب إلا حمدا أو ثوابا؛ يختصّ بإحسانه من ينصّ الاختبار على أنه أهل للاختيار، وتفيض الأحوال من حوالي أوصافه ما يديم المطار في الأوطار، وينعم على النعمة بإهدائها إلى ذوي الاستيجاب، ويصطنع الصّنيعة بإقرارها في مغارس الاستطابة والاستنجاب، ويرشّح لخدمه من عرف ذكره بأنه فائح، وعرف عرفه ناصع ناصح، ويبوّيء جنان إنعامه من أحسن عملا، واستحقّت منزلته من الكفاية أن تكون له بدلا، ولم تبغ تصرّفاته في كل الأحوال عنها حولا، ودرّجته خصائصه العلية فاقتعد صهوات الدّرجات العلى، واستحقّ بفضل تفضيله أن يولى الجميل جملا، وعرضت خلاله على تعيين الانتقاد فاقتضاها ولا يتضاهى، وزويت مسالك الغناء بصدره فضاهى فضاها. ولما كنت أيّها القاضي المشتمل على هذه الخلال اشتمال الرّوض على الأزاهر، والأفق على النّجوم الزّواهر، والعقود على فاخر الجواهر، والخواطر على خطراتها الخواطر، والنّواظر على ما تصافح من الأنوار وتباشر، المثري من كل وصف حسن، المتبوع الأثر بما فرض من المحاسن وسنّ، الكاليء ما تستحفظ بعين كفاية لا يصافح أجفانها وسن، الأمين الذي تريه أمانته متاع الدنيا قليلا، وتصحبه ناظرا عن نضارتها كليلا، والمؤثر دينه على دنياه، المطيع الذي لا يسلو العصبة عن هواه، المخلص النية في الولاء و «لكلّ امريء ما نواه» الناصح الذي ينزّه ما يلابسه عن لباس الرّيب، البعيد عن مظانّ الظّنون فلا تتطلّع الأوهام منه على عيب غيب، النقيّ الساحة أن يغرس بها وصمة، التقيّ الذي لا تخدع يده عن التمسّك ما استطاع بحبل عصمة، المحتوم الحقوق بأن يستودع دهر الوفاء، المتوسّل بمواتّ توجب له الإيفاء على الأكفاء، المستقيم على مثل الظّهيرة كهلا ويافعا، الشافع بنفسه لنفسه وكفى بالاستحقاق شافعا؛ وحسبك أنك حملت الأمانة وهي حفظ الكتاب، وأطلق الله به لسانك فشفيت القلوب من

الأوصاب، ووصل به سببك إلى رحمته يوم تنقطع الأسباب، وأصبح محلّك في الدارين آهلا أثيرا، وكنت ممن قال الله فيه: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً «1» . وقد خالطت في مواكب أمير المؤمنين المعقّبات التي من بين يديه ومن خلفه، وقربت من مجالسه المشتملة منه على عنوان عناية الله بالبريّة ولطفه، ونوره الذي كلّت العيون عن كشفه والحيل عن كسفه، وتقدّمت بخدمة الخلفاء الراشدين، أمراء المؤمنين، إلى سوابق سبقت بها في كل مضمار، وجمعت في المخالصة فيها بين الإعلان والإضمار، وسبر التجريب حالتيك بصحائف خبرة، واستمرّت بك الحال في القرب منهم وفي تقلّب الأحوال عبرة، وتدرّجت في حجب القصور، وبدت لك الغايات فما كنت عنها ذا قصور؛ فكانت التّقدمة لك مظنونة وبك مضمونة، وسريرتك على الأسرار المصونة مأمونة، وما اعوجّت معالم إلا وكان تقويمها بتقويمك، ولا استيقظت حيلة فخاف الحقّ سبيل غيّها بتهويمك «2» ؛ وإنّ كل قائل لا يملك من إصغاء أمير المؤمنين ما تملك بتلاوة الذّكر الحكيم، ولا يسلك من قلبه ما تسلك بمعجز جدّه العظيم؛ فأنت تخدم أمير المؤمنين بقلبك مواليا، وبلسانك تاليا، وبنظرك مؤتمنا، وبيدك مختزنا، لا جرم أنك حصدت ما زرعت طيّبا، وسقاك ما استمطرت صيّبا، وزفّت لك الأيادي بكرا وثيّبا، وحللت يفاع المنازل مستأنسا إذا حلّ غيرك وهداتها متهيبا. فأمّا حرمتك التي بوّأتك من الاختصاص حرما، وجعلتك بين الخواصّ علما، وتوالي يدك بلمس ما حظي من الملابس بصحبة جسده الطاهر، واشتمل على زهر النّضار وزهر الجواهر، فذلك جار مجرى السّكة والدّعوة في أنهما أمانة تعم العباد والبلاد، وهذه أمانة تخصّ النّفوس والأجساد، ولك مما في خزانته وكالة

التخيير والتعيير، وعن أغراضه الشريفة سفارة الإفراج والتغيير، وهذه مواتّ تجعل سماء السّماح لك دائمة الدّيم، وتسكن آمالك في حرم الكرم، وتعقد بينك وبين السعادة أوكد الذّمم، وتتقاضى لك جدود الجدّ بقدم الخدم. وحضر بحضرة أمير المؤمنين فتاه، الذي زهي الزمان به فتاه، ووزيره، الذي عزّ به منبره وسريره، السيد الأجلّ أفضل الملوك قدرا، وأكثرهم قدرة، وأعظمهم صبرا، وأدربهم نصرة وأفيضهم جودا غمرا، وأكشفهم لغمرة، وأمضاهم على الهول صدرا، وأردّهم لكرّة، وأثبتهم جأشا وصليل السيوف يخطب والمقاتل تسمع، وأوضحهم في استحقاق المجد حجّة شرعتها الرّماح الشّرّع، وأركبهم في طاعة أمير المؤمنين لمشقه، وأشدّهم وطأة على من جحد نوره وعقّ حقّه، فالدنيا مبتسمة به عن ثغور السّرور، والملك بكفالته بين وليّ منصور وعدوّ محصور، فأسفرت سفارته عن أنك من أمثل ودائع الصّنائع وأكفاء الاستكفاء، وأعيان من يحقّق اختيارهم وفضلهم العيان، وأفاضل من هو أهل لإسداء الفواضل؛ وأن الصنيعة ثوب عرك «1» داره، وجار قد عقد بين شكرك وبينه جواره، وقرّر لك تقدمة في الحضرة لأنك فارسهم اسما وفعلا، وأوّلهم حين تتلو وحين تتلى، والنظر على المؤذّنين بالقصور الزاهرة، والمساجد الجامعة، وبالمشاهد الشريفة: لأن الأذان مقدّمة بين يدي القرآن، وأمارة على معالم الإيمان، والنظر في تقويم ما يرد إلى الخزانة العالية الخاصّة والعامّة من الملابس على اختلاف أصنافها، والأمتعة على ائتلاف أوصافها، ومشارفة خزانة الفروش ليكمل لك النظر في الكسوات التي تصان للملبوس، والكسوات التي تبتذل للجلوس، وخزن بيت المال الخاص ليكمل لك النظر في الذهب مصوغا ومرقوما، وخزنا وتقويما؛ واستصوب أمير المؤمنين ما رآه، وأمضى ما أمضاه، وخرج أمره إلى ديوان الإنشاء أن يكتب هذا السجلّ لك بذلك.

فاعرف قدر ما عدق بك من أمور دين ودنيا، وخدم لا تقوى عليها إلا بلباس التقوى، وأنك قد أصبحت لجنّات أنعم أمير المؤمنين رضوانا، ويدك للفظ إحسانه لسانا، وباشر ذلك مستشعرا خشية الله في سرّك وجهرك، متحقّقا أنه غالب على أمرك، مدّخرا من الأعمال الصالحة ما يبقى عند فناء ذخرك، مستديما للنعمة بما يقيّدها من شكرك، وما يصونها أن تبتذل من بشرك، عالما أن التّقيّة حلية الإيمان، وضمان الأمان، وزاد أهل الجنان إلى الجنان، بقول الله سبحانه في كتابه العزيز: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى «1» . وأخلص نيّتك في خدمة أمير المؤمنين فمع الإخلاص الخلاص، وأدّ له الأمانة فإنّ أداءها أطيب القصص يوم القصاص، وقم في خدمته المقام المحمود، واستدم بها صعود ركاب السّعود، فقد عرفك الله بركة النصيحة وعوائدها، وأنجزت لك الآمال المنبسطة مواعدها، واستشرف أحوال القرّاء فهم أحقّ قوم بالتهذيب، ولزوم أساليب التأديب، فمن كان للآيات مرتّلا وللدّراسة متبتّلا، وبأثواب الصلاح متقمّصا، وبخصائص الدّين متخصّصا، ولما في صدره بقلبه لا بلسانه حافظا، وعلى آداب ما حفظ محافظا، فذلك الذي تشافه تلاوته القلوب، وتروض بأنواء المدامع جدوب الذّنوب، ومن كان دائم الإطالة في سفر البطالة، ساترا لأنوار المعرفة بظلم الجهالة، فحقّ عليك أن تصرفه وتبعده، وتجعل التوبة للعود موعده؛ وكذلك المؤذّنون فهم أمناء الأوقات، ومتقاضون ديون الصلوات، ولا يصلح للتأذين إلا من كملت أوصاف عدالته، وأمنت أوصام جهالته. وأما الأمانة في الأموال التي وكلت إلى خزنك وختمك، والأمتعة التي وكلت إلى تقويمك وحكمك، فأن تؤدّى بسلوك أخلاقك وهي الأمانة، واتّباع طباعك وهي الإباء للخيانة، وأن تستمرّ على وتيرتك، ومشكور سيرتك، ومشهور سريرتك، ومنير بصيرتك، وأن لا تؤتى من هوى تتّبعه، ولا حيف تبتدعه، ولا قويّ تنخدع له، ولا ضعيف تخدعه، ولا من محاباة وأن أحببت، ولا من مداجاة كيفما تقلّبت،

واذكر ما يتلى من آيات الله في مثلها: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها «1» والله يتولّى توفيقك وتوقيفك، ويديم [على] «2» ما يحبّ تصريفك؛ إن شاء الله تعالى. ومنها- ما كتب به القاضي الفاضل أيضا، وهي: من عبد الله ووليّه (إلى آخره) . أما بعد، فإنّ رتب الولايات متفاوتة الأقدار، متباينة الأخطار، وكلّ شيء منها عند أمير المؤمنين بمقدار، ولها رجال مشرّفو الأقدار، ومحالّها بحضرته مقدّرة تقدير منازل الأقمار، ومحالّ الأولياء بمقامه محالّ الأهلّة تتنقّل بين أوّل النّماء إلى انتهاء الإبدار «3» ؛ ومن أميزها قدرا، وأحقّها بأن يكون صدرا، وأن يشرح لمن حلّه صدرا، وأن يسوق إليه الخاطب من استحقاقه مهرا، ولاية مدينة مصر: لأنها المجاورة لمحلّ الخلافة، وكلّ مصر بالنّسبة إليها معها بالإضافة، وهي خطّة النّيل، وفرضة المنيل «4» وبها إذا هجمت الخطوب المنيل، ومنها من عثرات الأيام المقيل، ومنها تؤنس أنوار الإمامة على أنها تتوضّح بغير التأميل وبدء التأميل، ولا يؤهّل لولايتها إلا كل حامل لعبئها الثقيل، ولا تسند الخدمة فيها إلا لكل مثر من ذخائر السياسة غير فقير ولا مقلّ، ولا يتوقّل «5» رتبتها إلا من تكون به الرتب منيرة ومحاسنه لا تملّ مما يملّ، ولا يمتطي صهوتها إلا من لا يطأطيء للأطماع عزّة نزاهته ولا يذلّ، ولا يرتقي درجتها إلا من يهتدي بأعلام الديانة التي لا تضلّ، ولا يقرأ سجلّها إلا لمن يطوي مظالم الرعية طيّ الكتاب للسّجلّ. ولما كنت أيها الأمير ممن توقّدت هذه الأوصاف فيه توقّد النار في ذرى

علمها، وأوجد معاني معاليها وأنقذها من إسار عدمها، وارتقى إلى هضبات الرياسة المنيعة بما جعل خلاله المسلّم فضلها مثل سلمها، وناولته الدّراية عناني سيفها وقلمها، وشهدت الأيام بتقدّم قدمه في مراتبها وقدمها، وأمنت الصواب أن يتبع أفعاله إذا أمضاها بعيب «1» بذمّها، وكتبت أقلام رماحه سطور الطعن في صدور العدا مستمدّة من دمّها، وتجشّم مشقّات المعالي فآثرته تعفي راحة بجسمها، واجتمعت فيه صفات المحاسن المتفرّقة فقضى عليها بتجسيمها، وتصدّر الدرجات المحصنة من مطالع الحاضر لحظّه من رقتها ونسيمها، وتعرّضت ذخائر المحامد لما في طبعه من اقتناصها ونعيمها، وقرّت عين المنازل فما زوت وجه إقبالها ولا بسطت راحة تظلّمها، وانثنت إليه عقائلها المصونة فما ثنت دون ديانته عنان تلوّمها، وأثرك في كل ولاية مشكور، وسعيك في كل غاية غير مقصور، وغناؤك في المهمّات معدّ مذخور، ومساجلك عن أيسر ما وصلت إليه مدفوع مدحور، وليل شبابك بالكوكب الدّريّ من صولتك منحور، وأفعالك أفعال من لا يجوز غير محرز كسب الأجور، وخلالك خلال من انتظم في سلك الذين يرجون تجارة لن تبور. وقد سلفت لك خدم تصرّفت فيها وتدرّجت، وعرّفت «2» بطهر الذكر من رعيّتها وتأرّجت، وتحوّبت «3» من الأوزار على ما يوقع ذنبك وتحرّجت، وجريت على أجمل عادة، واقتضيت عند انقضاء شأو الإبداء استئناف شأو الإعادة. ومثل بحضرة أمير المؤمنين لسان أمره، وسيف زجره، السيد الأجلّ الذي قام بما استكفاه فأحسن وحسّن، وصان حمى الملك فأحصن وحصّن، وجاد بنفسه في

سبيل الله فما ضنّ، وكان مكان ما أمّل عند اصطفائه وفوق ما ظنّ، وسدّد قصوده، فمرقت سهامها وما مرقت عن طاعته، وأطلع سعوده، وفأنارت نجوما لأوليائه ورجوما لأهل خلاف خلافته، وأطلقت أحكام عدل الله في خلق الله أحكام مراماته وسيف إخافته؛ فالدنيا بيمن إيالته عن مآخذ السراء، وطلقاء الجود بما عملته يده من قيود الإحسان في عداد الأسراء، ورضا أمير المؤمنين عنه كافل له بأن يرضي الله في الأعداء، وملوك الأرض إن فدت السماء «1» طيّبة أنفسها له بالفداء، والدنيا متأرّجة بطيب خبره، والعلياء متبرّجة بحسن نظره، وبحار التدبير لا تفارق زبد أمواجها إلا بفاخر جوهره، وقوانين السّياسة لا توجد مسندة إلا عن اتّباع أثره، ولا حظّ لمحاربه إلا سلمه بعثاره وتثلّمه بعثيره «2» ، فأثنى عليك بحضرته واصفا، وثنى إليك عنان عنايته عاطفا، ورأى تقليدك ولايتها معربا باستحقاقك عارفا- خرج أمير المؤمنين إليه بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجلّ لك بتقليدك ولاية المعونة والحسبة بمدينة مصر والجيزة والقرافة «3» ، إنافة بك عن النّظراء، وإبانة عمّا لك من جميل الآراء، وتطرية لحظك بما حصل به من الإطراء، ورعاية لما لك من الانتهاء إلى أقصى غايات الإحسان والإجراء، وإيجابا لما تتوسل به من العناء، وذخائر الغناء والإثراء، وإشادة لقدرك الذي أشاده ما أنت عليه من الإيواء إلى ظلّ النزاهة والاستيناء «4» . فتقلّد ما قلّدته من هذه الخدمة، وارفل بما ضفا عليك من ملابس هذه النعمة

وبما صفا لديك من موارد هذه الجمّة «1» ، وقدّم تقوى الله أمامك، واتّبع وصيّتها التي استعمل الله بها إمامك؛ فبها النجاة مضمونة، والرحمة متيقّنة لا مظنونة، قال الله سبحانه في كتابه المكنون: وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ «2» . واعتمد المساواة بين الناس فيما هو حكم، والنظر بالعدل في كلّ ما هو ظلم، ولا تجعل بين الغنيّ والفقير في الحق فرقا، واسلك فيهم طريقا واحدا فقد ضلّ من سلك فيهم طرقا، واشمل أهل المدينة بطمأنينة تنيم الأخيار وتوقظ الأشرار، وأمنة تساوي فيها بين ظلام الليل ونور النهار: لتكون ولايتك لهم موسما، وموردها لثغور الأمر مبسما، وأنصف المظلوم واقمع الظالم، وكن لنفسك زعيما بنجاتها فالزعيم لها غارم، وانه عما نهى الله عنه من الفحشاء والمنكر، وأمر بالمعروف وحسبك أن تعرف به وتذكر، وخذ في الحدود بالاعتراف أو الشّهادة، ولا تتعدّ حدّها بنقص ولا زيادة؛ وكما تقيمها بالبينات، فكذلك تدرؤها بالشّبهات، وفي هذه المدينة من أعيان الدولة ووجوهها، وكلّ سامي الأقدار نبيهها، وأرباب السيوف والأقلام، والمعدودين في العلماء والأعلام، والمعدّلين الذين هم مقاطع الأحكام، والتجار الذين هم عين الحلال والحرام، والرعية الذين بهم قوام العيش في الأيام، من يلزمك أن تكون لهم مكرما، ولإيالتهم محكما، ومن ظلمهم متحرّجا متأثّما، ولسانهم في الشكر عن لسانك متكلّما، وإلى قلوبهم بجميل السّيرة متحبّبا، ولمساخطهم- ما لم تسخط الله- متجنّبا. واشدد من المستخدمين بباب الحكم في إشخاص من يتقاعد عن الحضور مع خصمه، ويتّبع حكم جهله فيخرج عن قضيّة الشرع وحكمه، وأوعز إلى أصحاب الأرباع «3» بإطلاعك على الخفايا، وإبانة كل مستور من القضايا، وأن يتيقّظوا

لسكنات الليل وغفلات النهار، وخذهم في الليل بما التزموه من الحرس من مكايد اللّصوص والدّوّار، وأيقظهم لأن يتيقّظوا فربّما اجتنى ثمر الأمن من غرس الحذار، وإذا ظفرت بجان قد أوبقه عمله، وطمح إلى الفساد أمله، فاجمع له بين التنكيل والتوكيل، أو ذي ريبة إن زاد ريبة بالحبس الطويل، وإلا فطالع بأمره إن كان من غير هذا القبيل، وواصل التّطواف في العدد الوافر، والسّلاح الظاهر، في أرجاء المدينة وأطرافها، وعمّر بسرّك سائر أرجائها وأكنافها، وانظر في الحسبة نظر من يحتسب ما عند الله خير وأبقى ومن يرغب في الأجر ويعرض عن شعار لباس التمويه والّلبس، وامنع أن يخلو رجل بامرأة ليست بذات محرم: لتكون قد سلّمت وسلمت من شبهتي المطمع والمطعم، واستوضح آلات المعاملات وغيرها، فبها تخفّ الموازين أو ترجح يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ «1» ، واعتمد في تهذيبها وتصويبها ما تحسن فيه للمسيء والمحسن، لأنك تكفّ أحدهما عن عمل المتهافت وعن المهوب الممعن. وتقدّم بنفض الأذى عن جادّة الطريق، وانه أن تحمّل دابّة أكثر مما تطيق، وتفقّد الجوامع والمساجد بالتنظيف إبانة لجمالها، وصيانة من ابتذالها، ولا تمكّن أحدا أن يحضرها إلا مؤدّيا للفرض أو منتظرا أو متطوّعا، أو عالما أو متعلما أو مستمعا، فإنها أسواق الآخرة، ومنازل التّقوى العامرة؛ وأجر الأمور على عاداتها، واسترشد في طارئاتها ومشكلاتها؛ فاعلم هذا واعمل به. إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة سجلّ بولاية قاض بثغر الإسكندرية، من إنشاء القاضي الفاضل، من هذه الرتبة، وهي:

من عبد الله ووليّه (إلى آخره) . أما بعد، فالحمد لله الذي نشر راية التوحيد وأعزّ ملّة الإسلام، وهدى بكرمه من اتّبع رضوانه سبل السّلام، رافع منار الشرع وحافظ نظامه، ومجزل الثواب لمن عمل بأمره في تحليل حلاله وتحريم حرامه؛ وسع كلّ شيء رحمة وعلما، وساوى بين الخليقة فيما كان حكما، وقال جلّ من قائل في كتابه العزيز: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً «1» . سبحانه من خالق لم يزل رؤوفا ببريّته، عادلا في أقضيته، مضاعفا أجر من خشيه وعمل بخيفته، موفّرا ذلك له يوم يودّ المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته «2» . يحمده أمير المؤمنين أن أفاض عليه أنوارا إلهيّة، وتعبّد البريّة بأن جعلها بطاعته مأمورة وعن مخالفته منهيّة، واستخلف منه على الخليقة القويّ الأمين، وآتاه ما لم يؤت أحدا من العالمين، ويسأله أن يصلّي على جدّه الذي عمّ إرساله بالرحمة، وكشف بمبعثه كلّ غمّة، وجعل شرعه خير شرع وأمّته خير أمّة، فأحيا من الإيمان ما كان رميما، وهدى بالإسلام صراطا مستقيما، وخاطبه الله فيما أنزل عليه بقوله: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً «3» وعلى أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الذي وفّر الله نصيبه من العلم والحكمة، وجعل خلافته في أرضه لا تخرج عن ذرّيته الهداة الائمّة، وعلى آلهما الأطهار، وعترتهما السادة [سلاما] «4» باقيا إلى يوم الدين. وإن أمير المؤمنين لما أفرده الله به من المآثر، وتوحّده به من المناقب

والمفاخر، وخصّه بشرفه من الإحسان إلى أوليائه بالإنعام إليهم في الدنيا والشفاعة لهم في اليوم الآخر، يرتاد لجلائل الخدم من يشار إليه ويومى، ويختار لتولّيها من يكون بأثقالها ناهضا وبأعبائها قؤوما، ويسند أمرها إلى من لا يتمارى في سؤدده ولا يختلف في فضله، ويعدق شؤونها بمن عدقت الرياسة به وبأسلافه من قبله، فيكون إذا شرّف بها عرف منزلتها ومحلّها، ووقع الاتفاق على التمثل بقوله: وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها «1» . ولما كنت أيّها القاضي المكين من البيت الذي اشتهر قدره، وارتفع ذكره، وحلت رتبته، بأوصاف كلّ من أهله في قوله وفعله، وتردّدت رياسته، في عدد كثير لا عهد للرياسة بالتردّد في مثله، وكانت لك ولمن مضى من أسلافك آثار في الخدم خلّدت لكم مجدا يبقى، وأقرّت من الحديث به ما لا يسمو إليه النّسيان ولا يرقى؛ فكل ما تتولّونه متجمّل بكم ولا يريد معكم زيادة، وكلّ ما يعتمد فيه عليكم قد نال مطلوبه وبلغ البغية والإرادة، والذي يخرج عن نظركم يتلهّف عليكم حنينا إليكم واشتياقا، وإن ردّ إليكم لم يأل تشبّثا بكم وتمسّكا واعتلاقا؛ هذا إلى ما لكم من الحرمات المرعية، والمواتّ التي ليست بمنسية، والسيد الأجلّ الأفضل الذي حسبه من المفاخر قيامه بحق الله لمّا غفل الملوك عنه وقعدوا، واستيقاظه بمفرده حين ناموا دون استخلاصه مما عراه ورقدوا؛ وإن انتصابه آية أظهرها الله للملّة، وحسم بها في رفع منار الدّين كلّ علّة، فإذا أنفقت الأعمار في [بيان] «2» أوصافه كانت جديرة بذلك حريّة، وإذا ذكرت آثاره في الإسلام كان العلم بكرمها لاحقا بالعلوم الضّرورية، فما ينسب المتوسّع في التقريظ له إلى تغال «3» ، ولا تضييع وقت يقضى في اهتمام بالثناء على مناقبه واشتغال، يواصل «4» الثناء عليك والشكر

لك، ويتابع من ذلك ما إذا ذكر اليسير منه شرّفك وجمّلك، ويصف ما كان لأخيك القاضي المكين- رحمه الله- من الاجتهاد في المناصحات، ومن الأفعال الحسنة والأعمال الصالحات، ومن الوجاهة التي أحلّته مكانا متجاوزا غاية الآمال الطامحات، ما رفعه عن طبقات كثير من سادات الناس، وجعل حاسديه في راحة لما شملهم من دعة الياس. وإنك أيّها القاضي المكين، الأشرف الأمين، قد بلغت مداه في الجلالة، وورثت مجده لا عن كلالة، وحويت فضله وفخره، وقفوت أثره وأحييت ذكره، وحزت خلاله الجميلة وأفعاله الرضيّة، وحصّلت الفضيلتين الذاتيّة والعرضيّة، ولذلك تقرّرت نعوتك «القاضي المكين» لاستيجابك فيما تقضي به جزيل الثواب، ولتمكّن أفعالك في محل الصّواب، و «الأشرف الأمين» لشرف نفسك، وكون أمانتك في حاضر يومك على ما كانت في ماضي أمسك، و «تاج الأحكام» لأن ما يصدر منها سامي المنهاج، وقد ارتفع محلّه كما ارتفع محلّ التاج، و «جمال الحكّام» لأنك لما وليت ما ولّوا جمّلتهم إذ فعلت من الواجب فوق ما فعلوا، و «عمدة الدين» لأنّ من كان مثلك ركن إليه الدين واستند، وتوكّأ على جانبه واعتمد، و «عمدة أمير المؤمنين» لأنك ذخيرة لدولته، ونعم البقية الصالحة لمملكته. ومعلوم أن ثغر الإسكندرية- حماه الله تعالى- الثغر الرفيع المقدار، الذي هو قرّة العين للإسلام وقذى في عيون الكفّار، ومحلّه مما تتطامن له معاقل التوحيد وحصونه، وهو مشتمل من الفقهاء والصلحاء والمرابطين وأهل الدّين على من لم يزل يحفظه ويصونه، وإليه تتناثل «1» السّفّار، وتتردّد التّجّار، وهو المقصود من الأقطار القصيّة النائية، ومن البلاد القريبة الدانية؛ وما زالت أحواله جارية بنظرك على أحسن الأوضاع وأفضلها، وأوفى القضايا وأكملها؛ وما كان استخدام غيرك فيه إلا ليظهر إشراق شمسك، وليزول الشكّ في تبريزك على جنسك، وليتبيّن

فضل مباشرتك وتولّيك على أن ذلك لم يكن مكتتما، وليتحقّق أنّ عقد صلاحه لا يكون بتولّي غيرك متّسقا ولا منتظما. وقد رأى أمير المؤمنين إمضاء ما رآه السيد الأجلّ الأفضل من إقرارك على الحكم والقضاء: لاطّلاعك من ذلك على سرّه، ونفاذك في جميع أمره، ولخبرتك به ودربتك، ولاستقلالك ومضائك ومعرفتك؛ وإنك إذا استمررت على عادتك، غنيت عن تجديد وصيّتك؛ فتماد على سنّتك، ولا تخرج عن سبيلك ومحجّتك؛ وأنت تعلم أنّ الشّهود بهم يعطي الحكّام ويمنعون، وبأقوالهم يفصلون ويقطعون، وبشهاداتهم تثبت الظّلامات وتبطل، وعليها يعتمد في انتزاع الحقوق ممن يدافع ويمطل؛ فواجب أن يكونوا من أتقياء الورى، وممن لا يتّبع الهوى؛ فاستشفّ أحوالهم، واستوضح أمورهم وأفعالهم؛ فمن كان بهذه الصفة فأجره على عادته في استماع مقالته، ومن كان بخلافه فقف الأمر على عدالته، واحسم مادّة الضرر في قبول شهادته؛ وقد جعل لك ذلك من غير استئذان عليه، ولا اعتراض لك فيه؛ ولا تقرّب أحدا من رتبة العدالة، وارفعها بإزالة الأطماع فيها عن الإهانة والإذالة، واغضض من أبصار المتطلّعين إليها، والمتوثّبين عليها، بالتطارح على الجهات، والتماسها بالعنايات التي هي من أقوى الشّبهات؛ وإن ورد إليك توقيع وتزكية من الباب فأصدره [في] «1» مطالعتك ليحيط العلم به، ويخرج إليك من الأمر ما تفعل على حسبه؛ وافعل في دار الضّرب وأحوال المستخدمين والمتصرّفين على ما أنت به العالم البصير، والعارف الخبير. وقد جعل لك إضافة إلى ذلك النظر في أمر جميع هذا الثّغر المحروس وأسند إليك ووكل إلى صائب تدبيرك، وإلى حسن تهذيبك، وإلى بركة سياستك، وإلى عملك فيه بمقتضى ديانتك؛ وصار جميع المستخدمين به من قبلك متصرّفين، ولأوامرك متوكّفين «2» ، وعند ما تحدّه واقفين، ولمراسمك متابعين

غير مخالفين؛ فمن أحمدته منهم وعلمت نهضته فأجره على عادته ورسمه، ومن كان بخلاف ذلك فاستبدل به وامح من الخدمة ذكر اسمه؛ فلا يد مع يدك، ولا عدول عن مقصدك؛ والاستخدام في هذا الامر قد أسند إليك وردّ، وكونه من جهة غيرك أغلق بابه وسدّ؛ فلا تصّرف فيه إلا لمن صرّفته، ولا خدمة إلا لمن استخدمته. وتأكيد القول عليك لا يزيدك حرصا، والمعرفة بهمّتك وخبرتك تغنيك عن أن توصى؛ والذي تقدّم ذكره في هذا السجلّ إرهاف لحدّك، وإعلاء لجدّك، وإطلاع لكوكب سعدك؛ والله يتولّى تأييدك وتوفيقك، ويوضح إلى الخير سبيلك وطريقك؛ فاعلم هذا واعمل به، وطالع مجلس النظر بأمور خدمتك، وما تحتاج إلى عمله في جهتك. إن شاء الله عز وجل. وأما السّجلّات المكتتبة بالوظائف الدّيوانية، فكما كتب به بعض كتّابهم بولاية ديوان المرتجع «1» : لسنيّ الدولة وجلالها، ذي الرياستين، أبي المنجّى سليمان بن سهل بن عمران. أما بعد، فإنّه من حسنت آثاره في مناصحات الأئمة الخلفاء، وارتفع محلّه في طاعتهم عن الأنظار «2» والأمثال والأكفاء، وظهرت بركات أفعاله فيما يتولّاه ظهور الشمس ليس بها من خفاء، وباهى بتدبيره كلّ ما يباشره من أمر خطير قدره،

واستدعت من الثناء والإطراء ما يتأرّج نشره ويتضوّع ذكره، وتساوى عنده القول والعمل ونافس فيه الخبر الخبر، ورتّبه مرتّبه مقدّما على من مضى من طبقته وغبر، ووسم الأعمال بسمات في العمائر تضاف إليه وتنسب، وغدت الخدم تزهى به وتعجب، وهو لا يزهى ولا ينظر ولا يعجب. كان ردّ المهمّات إليه حسن نظر لها وإذا حظرت جلالة تولّيها على غيره أضحى نفاذه منتهجا له محلّها، وكان التنويه به حقّا من حقوقه وواجبا من واجباته، والمبالغة في تكريمه وتفخيمه مما يتعيّن الانتهاء فيه إلى أقصى آماده وأبعد غاياته. ولمّا كنت في متولّي الدواوين، مشهور الشأن والقدر، وحالّا من مراتب الكفاة المقدّمين، في حقيقة الصّدر، إن انتظموا عقدا كنت فيه الواسطة، وإن قسط غيرك على معامل لم تكن أفعالك قاسطة؛ ولك السياسة التي ظلّت ساحاتها رحابا، والرياسة التي من وصفك بها فما تملّق ولا داجى ولا حاجى، والصّناعة البارعة التي تشهد بها الطّروس واليراع، والأمانة الوافية التي ارتفع فيها الخلاف ووقع عليها الإجماع، والتصرّف في أنواع الكتابة على تباين ضروبها، والاستيلاء على ظاهرها ومستورها وواضحها ومكتومها، والأخذ لها عن أهل بيتك الذين لم يزالوا فيها عريقين، ولم ينفكّوا في مداها سابقين غير ملحوقين؛ وقد زدت عليهم بما حزته بهمّتك، ونلته بقريحتك، حتّى بلغت منها ذروة شامخة عليّة، وحصّلت فضيلتين فضيلة ذاتيّة وفضيلة عرضيّة، وأمنت من يباريك ويساجلك، وكفيت من يناوئك ويطاولك؛ وكان الديوان المرتجع عن بهرام وغيره من أجلّ الدواوين وأوفاها، وأحقّها بالتقديم وأولاها: لأنه يشتمل على نواح مختارة، ويحتوى على ضياع مكنوفة بالعمارة؛ وقد زاده ميزة على غيره كونك ناظرا فيه، وأنك مدبّر أمره ومستوفيه. وحضر بحضرة أمير المؤمنين فتاه ووزيره السيد الأجلّ الأفضل الذي عزّ بحسن سيرته الملك وتضاعف بهاؤه، وضمنت مصالح الأمور تدبيراته وآراؤه، وظلّت شؤون الدولة بما يقرّره منتظمة مستقيمة، وغدت الميامن والسّعود مخيّمة في داره مقيمة، واتّفقت على الثناء عليه مختلفات الأقوال، وقضت مهابته بحماية

النّفوس وصيانة الأموال، وفاوضه في أمر هذا الدّيوان فأفاض في وصفك وشكرك، وأطنب في تقريظك وإجمال ذكرك، ونبّه على الحظ في تولّيك إيّاه، وواصل من مدحك بما يتضوّع عرفه ويطيب ريّاه، وقرّر لك من تولّيه ما يصل سبب الخيرات بسببه، وميّزك بما لم يطمع أحد من كافّة متولي الدّواوين به، فلم يجعل فيه يدا مع يدك، ولا نظرا إلا لك بمفردك؛ فلا يرفع [أحد] «1» شيئا إلى غير ديوانك من حساب ما يجري في أعماله، ولا معاملة لبيت المال إلّا معك فيما يحلّ من أمواله، فأمضى أمير المؤمنين ذلك وأمر به، وخرج أمره إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجلّ بتقليدك الدّيوان المرتجع المذكور: ثقة بأنك تأتي فيه على الإرادة، وتتأتّى لبلوغ الغرض وزيادة؛ فاستخر الله تعالى وباشر أموره بجدّك المعهود، وشمّر عن ساق عزمك المشهود وسعيك المحمود، واجر على رسمك في العمل بما يحفظ أوضاعه، ويزجي ارتفاعه، ويزيح علّته، ويغزر مادّته، فاعتقد مواصلة الليل والنهار في مصالحه فرضا إذا اعتقدها غيرك نفلا «2» ، واجعل اجتهادك لاستخراج أمواله وكن عليها إلى أن يصل إلى بيت المال قفلا، واستنظف ما فيه من تقاو «3» وباق، وافعل في تدبيره ما يجري أموره على الوفاق، واستخدم من الكتّاب من تحمده وترتضيه، ونصّهم إلى الأفعال التي تستدعي شكرك لهم وتقتضيه، ولا تسوّغ لضامن ولا عامل أن يقصّر في العمارة، واعتمد من ذلك ما يكون على كفايتك أوضح دلالة وأصحّ أمارة. وقد أمر أمير المؤمنين أن تجري الحال على ما كانت عليه من دخول ذلك وبيعه بغير مكس في جميع الأعمال، وأزاح مع ذلك علّتك ببسط يدك وإنفاذ أمرك وإمضاء قولك، وإفرادك بالنظر من غير أن يكون لأحد من متولّي الدواوين على اختلافهم نظر معك، فتماد في حسن تدبيره على سنّتك، ولا تخرج عن مذهبك

المرتبة الثالثة (من المذهب الأول من سجلات ولايات الفاطميين أن تفتتح بالتصدير أيضا

وطريقتك؛ والله يوفّقك ويسعدك، ويعينك ويعضّدك؛ فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله عز وجل. المرتبة الثالثة (من المذهب الأول من سجلات ولايات الفاطميين أن تفتتح بالتّصدير أيضا ، وهو «من عبد الله ووليه» إلى آخر التصلية على النبي صلّى الله عليه وسلّم وأمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه؛ ثم يؤتى بالبعدية، لكن من غير تحميد، بل يقال: «أما بعد فإنّ أولى» أو «إنّ أحق» ونحو ذلك؛ ويذكر مناقب المولّى ثم يأتي بالوصايا) واعلم أنّ هذه المرتبة من السّجلّات يشترك فيها أرباب السيوف وأرباب الأقلام من أصحاب الوظائف الدينيّة والوظائف الدّيوانية. فأما سجلّات أرباب السّيوف فكأصحاب زموم «1» طوائف الرّجال، يعني التّقدمة عليهم والولايات ونحو ذلك، على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وهذه نسخ ولايات لأرباب السيوف بالحضرة من هذه المرتبة. نسخة سجلّ بزمّ طائفة، من إنشاء القاضي الفاضل، وهي: من عبد الله ووليّه (إلى آخره) . أما بعد، فإنّ أمير المؤمنين يصطنع من يرتضيه لتأليف عبيده وضمّهم، ويستوقفه للنظر في تقديم رجال مملكته وزمّهم، ويختار من يجتبيه لإحراز مدحهم بالبعد من موجبات ذمّهم، ولا يؤهّل لذلك إلا من توسّل بالغناء وتقرّب، واستقلّ بالأعباء وتدرّب، وأطلق حدّه التوفيق فمضى وتذرّب «2» ، وأودع الإحسان فما زايل محلّه ولا تغرّب، ولا بس الأمور ملابسة من فطن وجرّب؛ وقد أيّد الله دولته بفتاه

وأمينه، وعقده وثمينه، السيد الأجلّ الذي غدت آراؤه للمصالح كوافل، وأذكى للتدبير عيون حزم غير ملتفتات عنه ولا غوافل، وأطلع من السّعد نجوما غير غوارب ولا أوافل، وقام بفرائض النّصائح قيام من لم يجوّز فيها رخص النّوافل، وتحدّثت بأفعاله رماحه في المحافل فما راعت الجحافل. ولمّا مثل بحضرة أمير المؤمنين أجمل ذكرك وأطابه، وقصد بك غرض الاصطناع فأصابه، واستمطر لك الإنعام الغدق السّحاب فأجابه، ووصف ما أنت عليه من شهامة شهدت وشهرت، وصرامة تظاهرت وظهرت، وكفاية برعت وفرعت، ونزاهة استودعت الأمانة فرعت، ومناصحة انفردت بوصفها، وتحلّت واسطة عقد صفّها، وجهاد لم يزل به القرآن مغريا، والصّعب المقاد مذعنا والخطب عابيا «1» في قيادها مدعيا، وقرّر لك الاستخدام في زمّ الطائفة فأمضى تقريره، واستصاب تدبيره، وخرج أمره إليه بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السّجلّ وإيداعه ما تهتدي به، وتعمل بتأديبه؛ فتقلّد ما قلّدته من ذلك عاملا بالتّقيّة فإنها الحجة والمحجّة، والجنّة، والمدد السليم، والمربح القويم، والنعمة والنّعيم، يقول الله سبحانه في كتابه الحكيم: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى «2» ؛ فانهض بشروط هذا الزّم نهوضا يؤدّي عنك من النّصح مفروضا، ويجعل لك كلّ يوم كتاب شكر مفضوضا، وسس هذه الطائفة بما يوليها دواعي الوفاق، ويحميها من عوادي الافتراق، واجهد في منافعها مجتلبا، ولأخلاف درّها محتلبا، وانتصب لاستشفاف أحوالهم وتعهّدها وملاحظة أفعالهم وتفقّدها؛ فمن ألفيته إلى فرائض الخدمة مسرعا، وبنوافلها متطوّعا، وبكرمه عمّا يشينه مترفّعا، شحذت بصيرته بالتّكرمة، ورشّحت همّته للتّقدمة، ومن وجدته لتلك الصفات الزائنة مخالفا وللصفات الشائنة مؤالفا، ولنفسه عمّا يرفعها صارفا،

قوّمت أوده وثقّفته، وأشرفت به على منهج الصّراط ووقّفته؛ فاعلم هذا واعمل به، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة سجلّ بولاية الفسطاط المعبّر عنها بمصر على نحو ما تقدّم في ولاية القاهرة، وهي: أما بعد، فإنّ أمير المؤمنين لما خصّ الله به آراءه من التأييد الذي يسدّد سهامها، ويجزل من التوفيق سهامها «1» ، وأطلق به يده من أياد تسبق آماد الآمال وتكاثر أوهامها، وألبس الدّين ببقائه من مهابة تصيّر قلوب أعدائه مهامها «2» ، وميّز به عصره من خصائص نصر لا تطيل الأيام استفهامها ولا تخشى استبهامها، ويسّره من نبإدعوته التي طبّقت أنجاد الأرض وتهامها، ورقّاه من محلّ أمانة الإمامة التي لا يظهر أرباب الألباب على أسرار الله ولا اتهامها، وناطه بتدبيره من إيالة البريّة والاعتناء بمصالحها، وأصابه من مراشد اليقين التي تستضيء العقول بمصابحها «3» ، وأتى به الأنفس الصالحة من تقواها، وصرف بما صرّفه على لسانه من الحكم عنها مضارّ الشّبه وطواها، وألبسه من هدي النبوّة التي قرّب الله إسناد من رآها وفضل من رواها، يستغزر موادّ التوفيق من خالقه بنصحه في الخلائق، ويقدّم الاستخارة بين يدي أفعاله فهي به أملك الخلال وأخصّ الخلائق، ويعتام «4» للقيام بتكاليف الاستنهاض، ويختار لتقويم الميّاد من اشتهر بالتدبير وجبر المنهاض، ويقدّم لكبار الولايات وعواليها، وخصائص الرّتب وغواليها، من تكافأت في استيعاب المحاسن خلاله، وخطب الخدم المتكثّرة لأولي الحظوظ استقلاله، وعلم استبداده بطيب الذكر وأمن انفصاله، وأوى إلى جنّة مريعة وجنّة منيعة من

الولاء وألحفته ظلاله، واستقام على محجّة واضحة من المخالصة ولم يخف زيغه ولا ضلاله، ومضت ضرائبه في المهمّات مضاء الحسام الذي لا ينبو حدّه ولا يثبت انفلاله، وصحّ بصيرة في المناصحة فما سرّ الأعداء شكّه ولا اعتلاله، وأعطى الخدم حقوقها من إقامة القوانين، ونهض بأعبائها المثقّلة نهضة المشمّرين غير الوانين، واشتدّت وطأة تبادره على المفسدين والجانين، وتظاهرت شواهد ميزته بما يكثّر له الحسّاد ويرغم الشانين «1» ، واقتنى من نفائس المحامد ما يعدّه أهل النظر قنية القانين، واستبقى من جميل الأحدوثة ما يبقى ذكره بعد فناء الفانين، ووفّقت في الخدمة مصادره وموارده، وانتظمت درر الذكر بحسن ذكره فأتلفت فوارده، ونشدت ضوالّ الغناء فالتقت عنده غرائبه وشوارده، واختصّت مساعيه بالإبرار على الأنظار، وصحّت خلاله على عيب النقد كما صحّح النار نور الأبصار، ونظر لمن أسند إليه أمره نظرا يعفيه من تطرّق الأكدار والمضارّ، ورعى له ما هو متوسّل به من آثار حقيقة بالإيثار، وكفاية تأخذ للخدم من الفخر بالثار. ولمّا كنت أيها الأمير المراد بهذا الإيراد، المطّرد إليه هذا الاستطراد، المعدود في أمراء الدولة العلويّة من الأعيان الأفراد، المخلّي سيفه بين المساعي الجميلة ينتقي منها ما اختار ويصطفي ما أراد، المهادى الصّفات الحسنة فلا جاحد من عداته ولا رادّ، المضطلع بما يعيي حمله الحازم المطيق، المستنفد في أفعاله المشكورة أقوال الواصف المنطيق، الواصل بمحمود مساعيه إلى غايات السابقين في مهل، الجامع في تدبير المهمّات بين رأي احتنك وحزم اكتهل المنظور بعين الحزم بآيات دواعيه، المترقّي إلى أمانيّه في درج مساعيه، المجيب دعوة العزم إذا قام فلم يسمع المقصّرون داعيه، المجتهد في تشييد أركان التدبير إذا ارتقب اضطرابه وخيف تداعيه، الممتثل وصايا الأدب الصالح فهو بقلبه راعيه وبسمعه واعيه، الشّهم الذي ينفذ في الأمور نفاذ السّهم، الألمعيّ الذي علا أن يماثل بما أوتي من بسطة الفهم، المتبوّيء من النعمة منزلة شكر لا يروم ضيفها

أن يريمه، ومربع حمد لا يسوم نازلها غير أن يسيمه، المباشر من مأثور السياسة ما استفاض ذكره فلم تتطرّق عليه أسباب الجحد، البالغ بسموّ المساعي ما قصّر الأكفاء عنه ولم يقصّروا عن الجهد، الحالّ من التقدمة في هضابها إذا نزل الأكفاء منها في الوهد، الحامل من أعباء المشايعة ما غدا به من الموفين على الأنظار الموفّين بالعهد، المحقوق من الوسائل بأن يجودها النجاح بأغزر ديمة وأسقى عهد، المؤدّي فيما يسند إليه فروض التفويض، المليّ بأن لا تنوب فرصة حزم إلا كان مليّا باللّحاق والتعويض، المكتفي من وصايا الحزم بما يقوم له مقام التصريح من التعريض، المستوجب أن تجدى إلى استحقاقه وتهدى سحائب الطّول الطويل العريض، المستوعب شرائط الرياسة بالاستيلاء على أدواتها، المتتبّع مظانّ الخطوب بمفاجأة الغرض في مداواتها، المبرّز على القرناء بخلال لا تطمع الهمم في مساماتها ولا مساواتها، الآخذ من كل شيء بأحسنه فأيّ حسنة لم يؤتها ولم ياتها، النافذ الآراء إذا المشكلات لم يتّضح لأرباب الألباب مصمت بيانها، المصيب شواكل الضّرائب فسهام آرائه مدلولة على شواتها «1» ، المتبرّج المقاصد لعيان الحمد إذا تحفّزت الأفعال ووارت سوآتها، المعروف بثبوت الجنان، حين يلتبس الشّجاع بالجبان، المشكور في مواقف الحرب بأفواه الجراح ولسان السّنان، المقدّم حيث الأعضاء تتزيّل والأقدام تتزلزل، المقتحم غمرات الهيجاء والأرواح عن ولايات الأجسام تعزل. وقد ولّيت الولايات فاستقللت بها أحسن استقلال، ورفع لك منار العدل فاستدللت منه بأوضح استدلال، وجعلتها على من تؤويه حرما، وعلى من يطرقها حمى، وكنت لجمهور زمانك في المصالح والنّصائح مقسّما، ولحكم التقوى ولو ضفت مشقّاتها دون حكم الهوى محكّما. وحضر بحضرة أمير المؤمنين فتاه ووزيره السيد الأجلّ الذي حلّ المشكلات من رأيه وراياته بالشمس وضحاها، وتعرّضت له آية الليل من العدا

فجلّاها بسيوفه ومحاها، وثبّت نصاب الملك الفاطميّ حين أدارت الحرب على فتكاته رحاها، واقتاد الأعداء إلى مصارعها بخزائم «1» من العزائم وأعجلها وأوحاها، وقام بنصر أئمة الهدى حين قعد الناس، ورعى الله عزيمته الصابرة في البأساء والضّرّاء وحين الباس، وخاطر في حفظ الدّين بنفس تجري محبتها مع الأنفاس، وحلّ من ملوك الأرض محلّ العين من الراس بل الراس من الحواسّ، وأتعبت الأجسام هممه الجسام، وأعدى الزّمان فتبسّم جذلا بعدله البسّام، وقسّمت المطامع أمواله فحمى المجد الموفّر عليه من الانقسام. فطالع «2» أمير المؤمنين بأخبارك بعد اختبارك، وتوسّلك إلى التقدمة بمرضيّ آثارك، وما أظهره الامتحان من نقاء سريرتك وأسرارك، واستقامتك على مثلى الطريقة واستبصارك، وأن ولاية مصر من أنفس الولايات محلّا، وأثبتها على غيرها فضلا، بمجاورتها للمقام الكريم، وحصولها من استقلال الرّكاب الشريف إليها على الشّرف العظيم، واختصاصها من مجال الخلافة بما جمع لها بين الفخرين الحادث والقديم، وأوجب لها على غيرها من البلاد مزيّة ظاهرة التكريم والتقديم، وما يمتّ به أهلها من شرف الجوار الذي لآمالهم به التخيير في الإحسان والتحكيم، وما رأى من إسناد ولايتها إليك علما أنّك ممن تزكو لديه الصّنيعة، وتروق في جيد كفايته فرائد المنن البضيعة، وتتطامن لاستحقاقه ذروة كلّ مرتبة رفيعة، خرج أمر أمير المؤمنين إليه، بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجلّ لك بالولاية المذكورة؛ فتقلّد ما قلّدك منها مقدّما تقوى الله على كل فعل وقول، متبرئا إليه من طول الحول، معدّا ذخيرتها النافعة ليوم الهول؛ قال الله في محكم الكتاب: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ «3» . وانظر في هذه الولاية حاكما بالقسطاس، وساو في الحق بين طبقات

الناس، ولا تميّز فيه رفيعا على حقير، ولا غنيّا على فقير، وأقم الحدود على من وجبت عليه إقامة يرتدع بها المغرور، وتستقيم بها الشّؤون وتنتظم الأمور، وراع من بهذه المدينة المحروسة من شهودها، ومتميّزي أهلها، ففيها الفقهاء والأتقياء، والقرّاء والعلماء، والمتميّزون الأعيان الوجوه، وأهل السلامة الذين يستوجب كلّ منهم نيل ما يأمله وبلوغ ما يرجوه، فاعتمد إعزازهم، وتوخّ تكرمتهم، ووفّهم ما يجب لهم من الحق، والقهم بالوجه المسفر الطّلق، وأمر بالمعروف ونصّ إليه، وانه عن المنكر وعاقب عليه، وتفقّد أحوال المطاعم والمشارب، وحافظ على إجرائها على أحكام الصواب وقضايا الواجب، واحظر في المكاييل والموازين البخس والتّطفيف، وقدّم الإنذار في ذلك والتحذير والتّخويف، وأوعز بتنظيف المسالك والساحات، وامنع من توعير «1» السّبل والطّرقات، واعتمد كلّ ليلة مواصلة التّطواف على أرجاء هذه المدينة وأكنافها، ومتابعة الإطلال على نواحيها وأطرافها، واعمل فيمن تظفر به من عابث وعاد، ومنتهج طريق الفساد، ما يرتدع به سواه، ويجعله موعظة لمن يعدل عن الصّواب ويتّبع هواه، واشدد من المتصرّفين على باب الحكم العزيز في قود أباة الخصوم، لينظر بينهم فيما ينتصف به المظلوم من الظّلوم، وتقدّم بتوقير الجوامع وصيانتها، وحافظ على ما عاد ببهجتها ونظافتها، وخذ المستخدمين من الأرباع بأن يتيقّظ كلّ منهم لما يجري في عمله، وأن يكون كلّ ما يحدث وينهى إليك من قبله، وانظر في الصّناعة المحروسة، وفي عمائر «2» الأساطيل المظفّرة المنصورة، وتوفّر على تدبير أمورها والاهتمام بشؤونها، وحفظ ما فيها من الأخشاب، والحديد والعدد والآلات والأسباب، وابعث المستخدمين على المناصحة فيها، وبذل الجهد في قصد مصالحها وتوخّيها، وأجر أمر هذه الولاية على ما يشهد بحسن أثرك، وجميل ذكرك وطيّب خبرك؛ فاعلم هذا واعمل به، وطالع مجلس النظر السيديّ الأجلّيّ بأمور خدمتك، وما يحتاج إليه من

جهتك؛ إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة سجلّ بولاية الأعمال القوصيّة «1» ، وهي بعد التصدير: أما بعد فإنّ أمير المؤمنين- لموضعه من خلافة الله التي أعمره إياها، وأنار بنظره محيّاها، والإمامة التي أفرعه ذراها، وناط به عراها، وما وكله إليه من القيام، بحفظ الإسلام، الذي رضيه دينا، وألبسه بعدله تحسينا وبذبّه عنه تحصينا، وما استودعه إياه من جوامع الحكم، وعدقه بكفالته من رعاية الأمم، وعضّد به آراءه من التأييد والتوفيق، وأوجبه من فرض طاعته على كلّ مطيق- يصطفي لمعونته على النّهوض بما حمّله الله من أعباء الأمانة، والشّكر على ما اختصّه به من الوجاهة عنده والمكانة، ويستكفي فيما أمر به من إحسان الإيالة في بريّته، وينتخب لتفويض أمورهم والسّلوك بهم مسالك رأفته في سيرته، من يكون اصطفاؤه لرضا الله عنه مطابقا، واجتباؤه لشرائط المراد والاقتراح موافقا، وانتصابه للمهمّات أفضل ما بديء به وقدّم اعتماده، وإسناد الأمر الجسيم إليه أوفى ما عظم بتدبّره شأنه ورفع بنظره عماده، وإن ولّي ولاية، جعلها بمهابته حرما آمنا على أهلها من المخاوف، وغدا حسن سيرته برهانا على فضله يضطّر إلى التصديق به المؤالف والمخالف، وأعاد حميد أثره محلها ربيعا ممرعا، وقرّب حسن ثنائه من المطالب ما كان بعيدا ممتنعا، وإن ندب للجلّى، عاد مظفّر المقاصد، محفوفا بالميامن والمساعد، ساحبا ذيل الفخر، حائزا لكنوز الأجر، مستعينا بتوحيده على العدد الجمّ، والعسكر الدّهم «2» . وإنّ هذه الأوصاف قد أصبحت لك أيّها الأمير أسامي لم تزدك معرفة،

وخواصّ لمهمّات إلى ملابستك إيّاها متطلّعة متشوّفة، وأفعالك الحميدة قد بنت لك بكلّ ريع «1» منارا، وجعلت لك في كل مكرمة سمات وآثارا، وجميل رأى أمير المؤمنين فيك؛ قد زاد توفيق مساعيك، وضاعف ارتقاء معاليك، وجعل الخيرة مقترنة بمقاصدك ومراميك، وسما بك إلى رتبة من الوجاهة تتذبذب دونها مطارح الهمم، وأحلّك من الثّقة بك منزلة لا تفضي إليها خواطر الظّنن والتّهم، وتحقّق من يقينك ومضاء عزيمتك، وعدل سيرتك وصفاء سريرتك، ما جعل حظّك عنده زائد النّماء، وذكرك بحضرته مكنوفا بالشكر والثّناء، ووسائلك إليه متقبّلة؛ وقد أدركت في ريّق الشباب حزامة الكهول، واستنجحت في مقاصدك بضمير من الولاء مأهول؛ ولك البيت الذي كثر فيه الأمجاد والأفاضل، وأحلّك في دعة الناس من يخافهم المباري والمناضل، وتساوت في اعتقاد تفضيلهم حالتا السّرّ والجهر، وأصلح بعزائمهم ما ظهر من الفساد في البرّ والبحر، وفتّ المطامع بفضيلة هذا النّسب وفضيلة النفس، ودلت مآثرك على ما ظهر من خصائصك دلالة الفجر على الشّمس. ولما رآك أمير المؤمنين أهلا للعون على استيجابه لطفا لله عنده، والتماس عوائد صنعه الجميل فيمن فارق سعيه ونبذ عهده، انتضى منك حساما حاسما للأدواء، معينا في اللأواء «2» ، طبّا بتأليف الأهواء، لا ينبو غراره «3» ، ولا يخشى اغتراره، ولا يفلّ حدّه، ولا يؤويه غمده، فانحقنت الدّماء، وسكنت الدّهماء، وعمّ الأمن، وعظم من الله تعالى الطّول والمنّ، وأصبح مكان القول فيك ذا سعة فسيحا، ولسان الإحماد لأفعالك منطلقا فصيحا، وحصلت من الوجاهة عند أمير المؤمنين بحيث قدرك «4» رتبة خطيرة، ولا تنأى عنك بجانبها [منزلة] «5» رفيعة

أثيرة، بل غدت خواصّها فيك لاستجزال حظّها من الجمال بك راغبة، وممتنعاتها لاستكرام الأكفاء طالبة للإفضال بل خاطبة، إذا كان ما يعدم التّتمّة بك لا يعدم شعثا واختلالا، وما حظي منها بمقاربتك يتيه زهوّا بك واختيالا، فإذا أراد أمير المؤمنين أن ينظر إلى عمل من أعمال مملكته ويرفع من محلّه، ويفيض عليه من سحائب رأفته ما يكون ماحيا لآثار جدبه ومحله، ويعمّ بالبركات أقطاره، ويبلّغ كلّا من أهله مآربه من العدل وأوطاره، استند منك إلى القويّ الأمين، والكامل الذي لا يخدع الظنّ فيه ولا يمين «1» ، إذا استكفي أمرا حمى حماه بالماضيين: حسامه واعتزامه، وتمسّك في حفظ نظامه بالحسنيين: طاعة الله وطاعة إمامه. ولما كانت مدينة قوص وأعمالها أمدى أعمال المملكة مسافة، وأبعدها من دار الخلافة، وتشتمل على كثير من أجناس الناس، وأخلاط يحتاج فيهم إلى إحسان السّياسة والإيناس، وعليه معاج المسافرين من كلّ فجّ عميق، وإليه يقصد الحجّاج إلى بيت الله العتيق، رأى أمير المؤمنين وبالله توفيقه أن يردّ ولاية الحرب بها إليك، ويعوّل في تقويم مائدها وضمّ نشرها عليك، وأن يحسم بك داءها ويحسّن بنظرك رواءها، ويعمّ أهلها بك رأفة ومنّا، فخرج أمره إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجلّ بالولاية المذكورة، فتقلّد ما قلّدك أمير المؤمنين واعتمد على تقوى الله التي جعلها شرطا في الإيمان، وأمر باعتمادها في السّرّ والإعلان، فقال في كتابه المبين: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «2» . وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، وابسط عدل أمير المؤمنين على البادين والحضّر، وأقم الحدود على من وجبت عليه بمقتضى الكتاب والسّنّة، وقم بما أمر الله به من ذلك بأنفذ عزم وأقوى منّة، وساو في الحقّ بين الضعيف والقويّ، وآس بين العدوّ والوليّ [والذميّ] «3» والملّيّ، واجعل من تضمّه هذه الولاية ساكنين في كنف الوقاية، مشمولين بالصّون والحماية، وليكن أربهم في الصلاح في أربك،

فكلّ منهم شاكر لله على النعمة بك، وبثّ في أقطارها ما يحجز النفوس العادية عن التظالم، ويعيد شيمتهم بعد العدوان مخلدة إلى التوادع والتّسالم؛ ومن أقدم على كبائر الإجرام، ولم يتحرّج عن الدّم الحرام؛ فامتثل فيه ما أمر الله به في قوله: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ «1» . واعتمد المستخدم في الحكم العزيز والدّعوة الهاديّة- ثبتهما الله- بما يقوّي عزمه، وينفّذ حكمه، وأجزل حظّه من إعزاز الجانب، وتيسير المطالب، وأحسن إليه العون على صون المؤمنين، واجتلاب المستخبثين، والمستخدمون في الأموال من مشارف «2» وعامل وغيرهما فاندبهم في عمارة الأعمال، وبلّغهم في المرافدة كنه الآمال، واشدد منهم في صون الارتفاع، وحفظه من الإفراط والضّياع، وضافرهم على استخراج الخراج، وخذهم بحمل المعاملين على أعدل منهاج. والرجال العسكرية المركزية المستخدمون معك فاستخدمهم في الخدم السانحة، وصرّفهم في المهمّات القريبة والنازحة؛ فمن استقام على طريق الصواب، أجريت أموره على الانتظام والاستتباب، ومن كان للإخلال آلفا، وللواجب مخالفا، قوّمت بالتأديب أوده، وحلّأته «3» عن مورد الفساد الذي تورّده. هذه درر من الوصايا فابعث «4» على إحضاره الثقة بهدايتك إلى كلّ صواب، واعتلاقك من الديانة والأمانة بأوثق الأسباب، وإحاطة علم أمير المؤمنين باستغنائك بذاتك، وكمال أدواتك، عن الإيقاظ والتنبيه، والإرشاد فيما تنظر فيه؛

والله يوفّقك إلى ما يرضيه، ويجعل الخيرة مكتنفة لما ترويه وتمضيه، فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة سجلّ بولاية الأعمال الغربيّة «1» ، وهي: أما بعد، فإن أمير المؤمنين- لما فضّله الله به من إمامة البشر وشرّفه، وأناله إيّاه من الخلافة التي نظم بها عقد الدين الحنيف وألّفه، وأمضاه الله له في أقطار البسيطة من الأوامر، ونقله إليه من الخصائص النبويّة التي تجمّلت بذكرها فروق المنابر، ومكّنه له من السلطان الذي تخضع له الجبابرة وتدين، وعضّده به من التأييد الذي أرغم المشركين وخفض منار الملحدين، وآثره به من مزايا التقديس والتمجيد، وألهمه إيّاه من استكمال السّيرة التي أصبح الزمن بجمالها حالي الجيد، وأنجد به ملكه من موالاة النصر ومتابعة الإظفار، وحازه له من مواريث النبوّة المنتقلة إليه عن آبائه الأطهار، واصطفاه له من إيضاح سبل الهدى المعتاد، وألهمه إيّاه من إسباغ ملابس الرحمة على الحاضر من الأمم والباد، ووفّر عليه اجتهاده من استدناء المصالح واجتلابها، وصرف إليه هممه من تمهيد مسالك الأمنة وفتح أبوابها- يتصفّح أمور دولته تصفّح العاني بتهذيب أحوالها، ويتفقّد أعمال مملكته تفقّدا يزيل شعثها ويؤمّن من اختلالها، ويعدق المهمّات الخطيرة بالصدور الأفاضل من أصفيائه، ويزيد في رفع منازل أوليائه إلى الغاية التي تشهد بجلالة مواضعهم من جميل آرائه، ويفيض عليهم من أنوار سعادته ما يظهر سناه للأبصار، ويمنحهم من اصطفائه ما لا يزال دائم الثّبات والاستقرار، ويعوّل في صيانة الرعايا من المضارّ، وحراسة الأعمال المتميّزة من عبث المفسدين والدّعّار، على من تروع مهابته ضواري الآساد، وتكفل عزائمه

بقطع دابر الفساد، ويبدع في السياسة الفاضلة ويغرب، وتعجب أنباؤه في حسن التدبير وتطرب، ويعمّ الرعايا بضروب الدّعة والسّكون، ويشملهم من الأمنة والطّمأنينة بأنواع وفنون، وتقوم كفايته بسدّ الخلل وتقويم الأود، ويبلغ في تيمّنه في اكتساب المحامد إلى أقصى غاية وأبعد أمد، ويعنى بحفظ النّواميس وإقامة القوانين، ويدأب في استعمال السيرة الشاهدة له باستكمال الفضل المبين، ولا يألو جهدا في تقريب الصّلاح واستدنائه، ويقصد من الأفعال الجميلة ما تلهج به الألسن بإطابة ثنائه. ولمّا كنت أيّها الأمير نجما من نجوم الدين المضيئة المشرقة، وثمرة من ثمرات دوحة العلاء الزّكيّة المورقة، وفذّا في الفضائل البديعة، وفردا في المحاسن التي لم تفز بنظير ذكرها أذن سميعة، وسيفا يحسم داء الفساد حدّاه، وكافيا لا يتجاوزه الاقتراح ولا يتعدّاه، وماجدا حاز المفاخر عن أهل بيته كابرا عن كابر، وعلما في المآثر يهتدي به الأعيان الأكابر، وهماما تملأ مهابته القلوب، وماضيا تلوذ بمضائه الأعمال الخطيرة وتؤوب، وصدرا تقرّ له الرؤساء بارتفاع المنزلة، ومهذّبا أغرته شيمه الرضيّة ببثّ الإنصاف وبسط المعدلة، وحازما لا يخشى اختداعه واغتراره، وعازما لا يكهم «1» عزمه ولا يكلّ غراره. وقد ألقت إليك المناقب قيادها مطيعة، وأحلّتك الرياسة في أشمخ ذروة رفيعة، وتألّفت عندك الفضائل تألّف الجواهر في العقود، وتكفّلت لك مساعيك المحمودة بتضاعف الميامن وترادف السّعود، وتكاملت فيك الخلال المطابقة لكرم أعراقك، واستعملت الأفعال الشاهدة بمبالغتك في ولاء أئمتك وإغراقك، وحصل لك من الانتماء إلى البيت الصالحي الكريم ما كسبك فخرا لا يبرح ولا يريم، وخصّك في كلّ زمن بمضاعفة التفخيم والتقديم، وأنالك من الإقبال غاية الرّجاء، وجعل وجاهتك فسيحة الفناء، وسيعة الأرجاء. ولك المهابة التي تغني غناء الجيوش المتكاثرة العدد، والشجاعة التي تسلّط قوارع الدّمار على من كفر وعند، والعزم

الذي استمدّت السيوف الباترة من مضائه، وعزّ جانب التوحيد بانتضائه لجهاد أعداء الله وارتضائه، والإقدام الذي تلوذ منه أسود الوقائع بالفرار، والبأس الذي لا يعصم منه الهرب ولا ينجّي من بوادره الحذار. وحضر بحضرة أمير المؤمنين فتاه ووزيره، وصائن ملكه وظهيره، السيد الأجلّ الذي «1» فأثنى عليك ثناء طال وطاب، وحرّر في ذكر مناقبك ومحاسنك القول والخطاب، وذكر مالك [من الأعمال] «2» في الأعمال الغربية، التي أعادت الأمنة على الرعية، وما استعملت فيهم من السّيرة العادلة، والسياسات الفاضلة، وقرّر لك الخدمة في ولاية أعمال الغربيّة؛ فخرج أمر أمير المؤمنين إليه بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجلّ لك بالولاية المذكورة؛ فتقلّد ما قلّدته عاملا بتقوى الله سبحانه الذي إليه تصير الأمور، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور؛ وقال الله جلّ من قائل في كتابه المكنون: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ «3» فاعمم بالعدل من تشتمل عليه هذه الولاية، وانته في حياطتهم وكلاءتهم إلى الغاية، وصنهم من كلّ أذى يلمّ بساحتهم، وتوفّر على ما عاد باستتباب مصلحتهم، واخصص أهل الستر والسلامة بما يصلح أحوالهم، ويشرح صدورهم ويبسط آمالهم، وقابل الأشرار منهم بما يدوّخ شرّتهم «4» ، ويكفّ عن ذوي الخير مضرّتهم، واشدد وطأتك على الدّعّار وأهل العناد، وتطلّبهم حيث كانوا من البلاد، واقصد حماية السّبل والطّرقات، وصنها من غوائل المفسدين على ممرّ الأوقات؛ ومن ظفرت به من المجرمين فاجعله مزدجرا لأمثاله، وموعظة لمن يسلك مسلك ضلاله؛ والمقدمون على سفك الدّم الحرام، والمرتكبون لكبائر الذّنوب والإجرام، فامتثل فيهم ما أمر الله تعالى به في كتابه الكريم، إذ يقول: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ

فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ «1» . وأجزل حظّ النّواب في الحكم العزيز من عنايتك، واجعل لهم نصيبا وافرا من اهتمامك ورعايتك، وعاضدهم على إقامة منار الشرع، وأجر أحوالهم على أجمل قضيّة وأحسن وضع. والمستخدمون في الأموال، تشّد منهم شدّا يبلّغهم الآمال، ويقضي بتزجية الارتفاع وتثمير الاستغلال، وعاضدهم على عمارة البلاد، ووازرهم على ما تكون به أحوالها جارية على الاطّراد. والرجال المركزيّة والمجرّدون فاستنهضهم في المهمّات القريبة والبعيدة، وخذهم بلزوم المناهج المستقيمة السّديدة، وقابل الناهض منهم بما يستوجبه لنهضته، وقوّم المقصّر بما يوزع من يسلك مسلكه ويقتفي طريقته، فاعلم هذا واعمل به وطالع، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة سجلّ بولاية ثغر الإسكندرية، كتب به لابن مصّال «2» ، من إنشاء القاضي الفاضل، وهي: أما بعد، فإنّ أمير المؤمنين- لما أكرمه الله به من شرف المنصب والنّصاب، وأجار العباد بآبائه الطاهرين من عبادة الأوثان والأنصاب، وأوردهم من موارد حكمه التي كلّ صادر عن ريّ قلبه منها صاد، وسخّره بأمره من رياح الصواب التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب، وأصمى بسهام عزائمه، من مقاتل الباطل، وحلّى بأنوار مكارمه، من أجياد الأمانيّ العواطل، وأنجزه على يد أياديه من وعود سعود تظلّ السّحب المواطر بمثلها هواطل، وتوحّده به من الإمامة التي أعزّ بها أحزاب

التوحيد، وأجراه من بركاته التي لا تقول الآمال لها هل من مزيد، وأوراه من فتكاته التي لا تقول لها الآجال هل من محيد، وأجدّ به من إرادته لأزمة الأيام فهي بين إنعامه وإسقامه تفيد وتبيد، وأحدثه له من معجزات التأييد التي تملك أحاديثها رقّ التأبيد، وشرّف به قدره في ملكوت السموات والأرض والملائكة له أنصار والملوك له عبيد، وألهمه من إيداع جليّ صنائعه حيث لا ينكر المقلّد ولا يستغرب التقليد، وأنطق به لسان كرمه من بدائع إحسان تروق بين التّرديد والتوليد- ينظر بنور الله فيمن ينظر به للجمهور، ويجلو عقائل المكارم على من هو ماهر في تقدمة المهور، ويربح الذين يرجون بولائه تجارة لن تبور، ويقتدح الأنوار المودعة في سواد الشّباب كما يودع في سواد العين بياض النّور، ويرفع رتب الأعيان حتّى إذا تعاطاها سواهم ضرب بينه وبينها بسور، وتعود أياديه إلى بيوت النّعم فكلّ بيت تولّاه كالبيت المعمور، وتهدي السرور بهم إلى صدور الثّغور، والابتسام إلى ثغور الصّدور، ويرى أنهم يستوجبون فواضله ميراثا، وإذا سلّمت إليهم أعنّة الولايات كانت لهم تراثا، وإذا تبوّءوا الرّتب العلية كانت الرياسة لهم دارا والسّياسة أثاثا، لا سيّما الصدر الذي عرفته السعادة لدولة أمير المؤمنين واحدا يجمع فضل سلفه، وندبا ما عرضت عليه جواهر الدّنيا فضلا عن أعراضها إلّا ولّاها عطف نزاهته وظلفه، وألمعيّا تتناثر معاني المعالي من شمائله كما تنتثر من غصن القلم ثمار أحرفه، وكفؤا للصّدور من أنهضه بها بنصّ تكلّفه أنهضه بها فضل كلفه، وقوّاما بالأمور يمضي عليها مضاء النّجم في بحر حندسه لا السّهم في نحر هدفه، وملّاكا للثّغور إذا حلّ منها في إسكندريتها فهو على الحقيقة نجم حلّ برج شرفه، وطودا للوقار يعتزي الحلم منه إلى أقومه لا إلى أحنفه، وشرطا للاختيار، يكتفي مصطفيه منّة معرّفه ومؤونة معنّفه، ومعنى للفخار، لم ينتصف فيه من لسان واصفه مسمع مستوصفه، وعلما للأنظار، يبدو لهم منار إشراقه ويخفى عليهم منال شرفه. ولمّا كنت أيّها الأمير واسطة عقد هذه الأوصاف الحسنى، ومنجد ألفاظها من الحقيقة بالمعنى الأسنى، المتوحّد من الرياسة باسم لا يجمع بعده ولا يثنّى،

الجاري إلى غاية من المجد لا يردّ عنها عنانه ولا يثنى، الجدير إذا ولّي أن يسكن الرعيّة اليوم عدلا لا تسكنه في غد عدنا، وينجز فيهم وعد الله الصادق في قوله: وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً «1» ، المستبدّ بالحمد حتىّ استقرّ فيما يفعل واستقرى فيما يكنى، الثّبت الذي لا تقرع الأهوال صفاته، الندب الذي لا تبلغ الأقوال صفاته، الوليّ الذي لا تكدّر الأحوال مصافاته، الجامع بين فضل السوابق وفضل اللواحق، المتجلّي في سماء الرّياسة نيّرا لا تهتضمه صروف الليالي المواحق، المشكور الفعال لا بألسنة الحقائب بل بألسنة الحقائق، المستبدّ بالهمم الجلائل المدلولة على المحاسن الدقائق، المستمدّ صوب الصواب من خاطر غير خاطل، المستجدّ ثوب الثواب بسعي ينصر الحقّ على الباطل، المستعدّ لعقب الأيام بأقران من الحزم تثنيها على الأعقاب، المستردّ بمساعيه فوارط محاسن كانت مطويّة في ضمائر الأحقاب، السامي بهمّته، إلى حيث تتقاصر النواظر السّوامي، المقرطس «2» بعزيمته، حيث لا تبلغ الأيدي الرّوامي، المستقلّ بقطّ نواجم الخطوب وحسمها، المستقرّ في النفوس أنه يقوم في ظلمها مقام نجمها، المطلق وجها فلا غرو أن تجلى به الجلّى، المطلق وصفا حسنا فلا يعرض له لولا ولا إلّا، المؤيّد العزمات، في صون ما يفوّض إليه ويليه، المتّقى الوثبات، ممن يجاوره من الأعداء ويليه، المحيي بمسعاه ما شاده أوّلوه، والمتوضّحة فيه نصوص المجد الذي كانوا تأوّلوه، والآوي إلى بيت تناسقت في عقوده الرؤساء الجلّة، والطالع منه في سماء إذا غربت منها البدور أشرقت فيها الأهلّة. ولقد زدت عليهم وما قصّروا زيادة أبيض الفجر على أزرقه، وكنت شاهد من يروي مناقبهم البديعة، ودليل من ادّعى أن المكارم لكم ملكة وعند سواكم وديعة، وقبلت وصاياهم في المعالي فكأنما كانت لديكم شريعة، ونصرتم الدولة العلويّة فكنتم لها أمثل أولياء وأخصّ شيعة، وتجمّلت أنسابكم باصطناعها وكفاكم

إن عددتم لصنائع الله صنيعة، وأباحتكم من اصطفائها كلّ درجة على تعاطي الأطماع عليّة منيعة، وقدّمتكم جيش برّها وبحرها، وكان منكم سيف جهادها ونجم ليلها وفارس كرّها، وصالت بكم على أعدائها كلّ مصال، وأغربت من يليها إلا إذا استقرّت في داركم إلى مصّال؛ وحين خرجت منها خائفا تترقّب، وأبقيت فيها حائفا يتعقّب، كنت الذهب المشهور، الذي ما بهرجه الرّغام «1» ، والحرف المجهور، الذي ما أدرجه الإدغام، وكنت وإن كنت بين الكفّار، عنهم شديد النّفار، وحللت فيهم محلّ مؤمن آل فرعون يدعوهم إلى النجاة وإن دعوه إلى النار، وعدت إلى باب أمير المؤمنين عود الغائب إلى رحله، والآئب إلى أهله، واستقررت به استقرار الجوهر في فصله، والفرع في أصله، وأبان الاستشفاف عن جوهرك الشّفّاف، وخرجت من تلك الهفوات خروج الرياح لا خروج الكفاف، وأعربت السعادة إذ حيّتك بمشيب أسود، وتبع الأماجد غبارك الذي يرفع من طريق السّودد، واعتلقت بعروة الجدّ، فلست من دد ولا منك دد «2» ، وضبّرت «3» قلب العيش الأصفى بعد العيش الأنكد؛ لا جرم أن أمير المؤمنين أنساك سيئة أمسك بحسنة يومك، وسما بك إلى أعلى رتب الأولياء وأغناك عن تعرّض سومك، وأنعم بك على قوم ما عرفوا إلا رياسة قومك. وحضر بحضرة أمير المؤمنين أمين مملكته، ويمين فتكته- السيد الأجل الذي أتى الله به سهما إلى مصر وهي كنانته؛ وأفرده بمزيّة السبق فلا حظّ لمساجله إلا أن تدمى بنانته، ورعى الرعيّة منه ناظر لا تلمّ بناظره مراود الهجود، وقام بالملك منه قائم لا يزال يورده موارد الجود، وأغنته يد الغلاب عن لسان الجلاب، ونال نادرة الأمل في نادرة الطّلاب، وجمّت فتكاته من الهرمين إلى الحرمين، وصرّف الرّمح تصريف القلم وكأنه يصول ويصلّ بقلمين، وردّ الله به العدوّ منخذلا، وطالما لقيه فأقام منجدلا، وأضحى به ذيل النعمة منسحبا وستر الأمنة منسدلا، ودبّر الأمور

فأمسكها حازما وعقلها متوكّلا- فأنهى ما لسلفك عند الأئمة الخلفاء من مزيّة الاصطفاء، وما لك في نفسك من الحسنات التي ما برحت بارحة الخفاء، وما اطّلع عليه من خلالك التي ما أخلّت بمنقبة، وأفعالك التي ما تغايرت في يوم ذي نعمة ولا يوم ذي مسغبة، وما لك من وثائق العقود، وما فيك من الأوصاف المؤكّدة لعلائق السّعود، وقرّر لك الخدمة في كذا وكذا- خرج أمر أمير المؤمنين إليه بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجلّ لك بالخدم المذكورة وهي التي فرّقت لسلفك وجمعت لديك، كما أن محاسنهم المفرّقة منتظمة العقود عليك: ليكمّل لك ولايتي الثغر والسيادة في حال، وليسدّ بك ثغر الجهاد وثغر الإمحال، ولتقوم [في هذا] «1» مقام الجحفل الجرّار وفي ذلك مقام الحيا «2» الهطّال، ولتكون فرائد الإنعام عندك تؤاما «3» ، وليجعل ابتداء تصرّفك لغيرك تماما، وليختصر لك طريق الكمال، وليجري بك في ميدان الشكر طليق الآمال، فتقلّد ما قلّدته منهما عاملا بتقوى الله التي هي مصالح الأعمال، وميدان الإتحاف والإجمال، وسبب النجاة في الابتداء وعند المآل؛ قال الله سبحانه في كتابه الذي لم يجعل له عوجا: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً «4» . وابسط العدل على من يحويه هذا الثغر الذي هو ثغر الثّغور الباسم، وأولاها بأن تكون أيامه بأوامر الله وأمر أمير المؤمنين مواسم؛ ففيه من صدور المحافل، وقلوب الجحافل، وعيون المدارس، وأعيان الفوارس، وتجّار الدنيا والآخرة، وأخبار الأمة المقيمة والمسافرة، ووفور مكارم عدل أمير المؤمنين التي هي بالرّجاء واردة وبالرضا صادرة، من يؤثر أن يكون فضل السّكون لهم شاملا، ورداء الأمن عليهم سابلا، وسحاب الإنعام عليهم هاطلا، وحالهم في الاتّساق لا متغيّرا ولا

حائلا «1» ، وساو في الحق بين أبعدهم وأقربهم، ومقيمهم ومتغرّبهم، واعتمد منهم من تقدّم ذكره بما يرهف في الطاعة خاطره ويشحذه، ويصونه من تحيّف الأيدي الجائرة وينقذه، واخصص العلماء بكرامة تعينهم على التعليم، والأعيان بمزيّة توضّح لهم ما لهم من مزيّة التقديم، واكفف عوادي أهل الشّره والشّر، واقمع غلواء «2» من اعتّز بغير الله واغترّ، وتوخّهم بإقامة المهابة وبسطها، وكفّ الشوكة وقطّها، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، وأقم الحدود إقامة من يثاب عليها ويؤجر، وتفقّدها على حدّها غير داخل في الأقلّ ولا خارج إلى الأكثر، وأذك العيون على من يلمّ بسواحل الثغر من أسطول العدو اللعين ومراكبه، واحجز باليقظة بينه وبين تلصيص مطالبه، وأمر أهله باتخاذ الأسلحة التي يعزّ الله بها جانبه، ويذلّ مجانبه، وتبلغ العدو اللعين من ذكرها ما يعملها وهي في أيديهم موفرّة، ويبذلها في مقاتلهم وبيوتهم بها معمّرة؛ قال الله سبحانه في آياته المتلوّة: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ «3» . واعتمد للأعمال البحريّة مثل ما تقدّم شرحه من تأمين الأخيار وترويع الأشرار، وتتبّع كل مريب مستخف بالليل وسارب بالنّهار؛ ومن ظفرت به قد حارب الله في أرضه، وصار قتله من فرضه، فنفّذ حكم الله فيه في آية السيف وأمضه، وادع إلى عمارة بلادها وتخفّرها، وتفقّد المصالح بها وتكثّرها، وإطابة أنفس المزارعين بما تخفّفه عنهم من وطأة كانت ثقيلة، وتقلّله عنهم من مغارم لم تكن قليلة؛ فما عمرت البلاد بمثل النزاهة التي هي شيمتك المعتادة، والمعدلة التي هي من خلالك مستفادة، واعتمد كلّا من النائب في الحكم العزيز والناظر في الدعوة الهاديّة والمشارف بالثغر والعمّال برعاية تحفظ مراتبهم، وتلحظ مطالبهم، وتنفّذ الأحكام، وتبلغ بما ينظرون فيه من المصالح غايات التّمام، وتعزّ طائفة

الإيمان، وتظهر عليهم أثر الإحسان، وتستدرّ حلب الأموال، وتستديم عمارة الأعمال، وتقضي بمواصلة الحمول وتحصيل الغلال، وتعود بها عليك عوائد الأجر والجمال؛ ومثلك اشتهارا أيّها الأمير من ولّي فلم تطل له الوصايا التي يحتاج إلى إطالتها سواه، ويوثق بما يذكيه من عيون حزم غير غوافل ولا سواه، ويحقّق أن تقواه رقيب سرّه ونجواه، وأن أمير ورعه يحكم على أسير هواه؛ والله سبحانه يجعل نعمة أمير المؤمنين لديك مأمولة الدّوام موصولة الحبل، ويتمّها عليك كما أتمّها على أبويك من قبل؛ إن شاء الله تعالى. قلت: وعلى هذا النمط كانت سجلّات سائر ولايات أعمال الديار المصرية، فكانت تكتب على نظير ذلك في الوجه القبليّ ولاية الجيزيّة، وولاية الإطفيحيّة، وولاية البهنساويّة، وولاية البوصيريّة، وولاية الأشمونين والطّحاويّة، وولاية السّيوطية، وولاية الإخميميّة، وولاية الفيّوم، وولاية واح البهنسا، وولاية الواح الداخلة، وولاية الواح الخارجة «1» . ومن الوجه البحري ولاية القليوبية، وولاية منية تردي وهي منية غمر، وولاية المرتاحية، وولاية الدّقهلية، وولاية مدينة تنّيس- وبها كانت دار الطّراز- وولاية المنوفيّة، وولاية جزيرة بني نصر وربما أضيفت إلى المنوفية وعبّر عنهما بالمنوفيّتين، وولاية جزيرة قوسينيّا «2» ، وولاية البحيرة، وولاية ثغر رشيد المحروس، وولاية ثغر نستراوه «3» ، وولاية ثغر دمياط، وولاية الفرما، بساحل الشامي فيما دون العريش. وأما البلاد الشاميّة فقد تقدّم أنها كانت خرجت عنهم وتملّكت الفرنج غالب

سواحل الشام، ولم يبق معهم إلا ساحل عسقلان وما قاربه وكان مقرّ الولاية بها في عسقلان «1» . وهذه نسخة سجل بولايتها، وهي: أما بعد، فإنّ أولى ما وفّر أمير المؤمنين حظّه من العناية والاشتمال، واعتقد العكوف على مصالحه من أشرف القربات وأفضل الأعمال، وأسند أمره إلى من يستظهر على الأسباب المعيية بحسن صبره، وعدق النظر فيه بمن لا يشكل عليه أمر لمضائه ونفاذه ومعرفته وخبره، ما كان حرزا للمرابطين ومعقلا، وملتحدا للمجاهدين وموئلا، وموجبا لكلّ مجتهد أن يكون لدرجات الثواب مرتقيا متوقّلا، عملا بالحوطة للإسلام الذي جعله الله في كفالته وضمانه، وتماديا على سياسته التي أقرّ بفضلها إقرار الضرورة كافّة ملوك زمانه، وحرصا على الأفعال التي لم يزل مقصودا فيها بألطاف الله تعالى وتوفيقه، وتبتّلا للأمور التي أرشده الله سبحانه في تدبيرها إلى منهج الصواب وطريقه، ومضاعفة من الحسنات عند أوليائه أهل الحق وحزبه وفريقه. ولما كانت مدينة عسقلان- حماها الله تعالى- غرّة في بهيم الضّلال والكفر، وحرما يمتاز عن البلاد التي كلّمها الشّرك بالناب والظّفر، وهو من أشرف الثّغور والحصون، وأهله أنصار الدّين القيّم المحفوظ المصون، وكنت أيّها الأمير من أعيان أمراء الدولة وكبرائهم، ووجوه أفاضلهم ورؤسائهم، ولك في الطاعة استرسال الأمن في مواطن المخاوف، وفي الذّبّ عنها وحمايتها مواقف كريمة لا توازى بالمواقف؛ وقد وصلت في ولائها القديم بالحديث والتالد بالطريف؛ وحين ولّيت مهمّات استنجد فيها بعزمك، واستعين عليها بحزمك، تهيّب الأعداء فيها ذكر اسمك، وكان من آثارك فيها ما شهر غفلها «2» بوسمك، فلا يباريك مبار إلا

أربيت عليه وزدت، ولا يناويك مناو إلا أنسيت ذكره أو كدت؛ فكم لك من مقام محمود يسير ثناؤه ووصفه، وكم لك من ذكر جميل يفوح أرجه ويتضوّع عرفه، وكم لك من مجال في المشايعة لا يقصر أمده ولا يكبو طرفه؛ والسيد الأجلّ الأفضل الذي عظّم الله قدره ورفع مجده، وجعله في الغضب لتوحيده دون جميع البريّة أمّة وحده، وألهمه التجرّد لنصرة الإيمان فقام بحقّ الله لمّا غفل الملوك وقعدوا، وأمدّه بموادّ السعد فاستيقظ بمفرده حين ناموا عن استخلاصه مما عراه ورقدوا، وأضحى انتصابه آية أظهرها الله للملّة، وغدا انتصاره معجزة حسم بها في رفع منار الدّين كلّ علة، فهمّته مصروفة على ما يعزّ الشريعة الحنيفية، وعزمته موقوفة على الدّفع عنها بأطراف الذّوابل وحدّ المشرفية، فبلّغه الله في كلّ ما يحاوله ما يضاعف فخره، وأعانه على ما يقدّمه لمعاده ويجعله في الآخرة ذخره، بحوله ومنّه، وطوله وفضله. فلا يزال هذا السيد الأجلّ يثني عليك ثناء يخلّد لك ولعقبك مجدا باقيا، ويحبوك من الوصف والإطراء بما يجعلك في مراتب الوجاهة والنّباهة ساميا راقيا، ويرشّحك من الخدم لأجلّها قدرا، ويطلع منك في آفاق سمائها بدرا، ويجعل لك بما يؤهّلك له صيتا ويسيّر لك ذكرا؛ وحين جدّد شكرك، وأوصل على عادته ما يشيّد أمرك، قرّر لك ولاية «ثغر عسقلان» - حماه الله تعالى- الذي هو ثغر الدّين، وكنانة الموحّدين، ووزر الأتقياء المجاهدين، وشجى في صدور الكفرة المعاندين؛ فأمضى أمير المؤمنين ما رآه من هذا التقرير، وعلم أن البركة مضمونة فيما يتكلّفه من التدبير، وخرج أمره إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجل بتقليدك ولاية هذا الثغر المحروس وعمله، وما هو منتظم معه من سهله وجبله، فاعرف قدر هذه النعمة التي رفعتك على جميع الأمراء، وأغناك فيها حسن رأي أمير المؤمنين ووزيره السيد الأجلّ الأفضل عن الوسائط والسّفراء، وأحلّتك أعلى مراتب الرّفعة والسّموّ، وأحظتك مع بعد الدّار بمزيّة القرب من قلبيهما والدّنوّ؛ فتقلّد ما قلّدك أمير المؤمنين من هذه الولاية الشامخة المحلّ، التي غدا محظورها على غيرك من المباح لك المحلّ، وتلقّها من الشكر بما يجعلها إليك آوية، ولديك مقيمة ثاوية،

واعمل فيها بتقوى الله التي إذا أظلمت الخطوب طلعت في ليلها فجرا، قال الله عز من قائل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً «1» . واشمل أهل هذه الولاية بالمماثلة بينهم فيما كان حقّا، ولا تجعل بين الشريف والمشروف في الواجب فرقا وأمر بالمعروف وابعث عليه، وانه عن المنكر وامنع من الإجراء إليه؛ وأقم الحدود مستمرّا في إقامتها على العادة، ومتوقّيا من نقص ما يؤمر به منها أو زيادة، واصرف النصيب الأجزل، والأوفر الأكمل، إلى الاستيقاظ للعدوّ المخذول المجاور لك والبحث عن أخباره وعمل المكايد له، ومواصلته بما يديم مخافته ووجله، واغزه في عقر داره، واقصده بما يقضي بخفض مناره، ولا تهمل تسيير السّرايا إليه، وإطلاع الطلائع بالمكاره عليه، واعتمده بما يشرّد عنه لذيذ منامه، وازرع في قلبه خوفا يهابك به في يقظته وفي أحلامه، وافعل في أمر من يجرّد إليك من عسكر البدل المنصور في تقرير نوب المناسر «2» ، ولتتخيّر لها كلّ متوثّب على الإقدام متجاسر، ما تقتضيه الحال مما أنت أقوم لمعرفته، وأهدى الناس في سبيله ومحجّته، ووفّر حظّ القاضي المكين متولّي الحكم والمشارفة من إعزازك وإكرامك، واشتمالك واهتمامك، ورعايتك ومعاضدتك، والعمل في ذلك بما هو معروف من سياستك، ومشهور من رياستك، وكذلك المستخدم في الدّعوة الهاديّة ثبتها الله تعالى، فاعتمده بما يعزّ أمره، ويبسط أمله ويشرح صدره، وضافر على أمر المال، ووفور الاستغلال، والعمل في ذلك بما فيه أكبر حظّ للديوان، واجر على ما هو مشهور عنك في ولايتك من حسن السياسة، والعمل بقضايا المصلحة، والتبتّل لما تستقيم به أمور الخدمة، وحفظ أهل السلامة وأرباب الدين، وإعمال السيف في مستوجبيه من المفسدين والمتمرّدين، مما أنت أنفذ الولاة فيه، وأعلمهم بما

المذهب الثاني

يوجبه الصواب ويقتضيه؛ فاعلم هذا واعمل به، وطالع مجلس النظر بما تجب المطالعة بمثله؛ إن شاء الله تعالى «1» . المذهب «2» الثاني (أن يفتتح ما يكتب في الولاية بلفظ «هذا ما عهد عبد الله ووليّه فلان أبو فلان، الإمام الفلانيّ أمير المؤمنين، لفلان الفلانيّ حين ولّاه كيت وكيت» من غير تعرّض لتحميد في أوّل ما يكتب ولا في أثنائه؛ ثم يقال: «أمره بكذا وأمره بكذا» على قاعدة ما كان يكتب في العهود بديوان الخلافة ببغداد، وهو قليل الاستعمال عندهم للغاية القصوى، ولم أظفر منه بغير هذا العهد) وهذه نسخة عهد على هذه الطريقة، كتب به عن الحاكم بأمر الله الفاطميّ، للحسين بن عليّ بن النّعمان «3» ، بقضاء الديار المصرية وأجناد الشام وبلاد المغرب، مضافا إلى ذلك النظر في دور الضرب والعيار وأمر الجوامع والمساجد، وهو: هذا ما عهد عبد الله ووليّه المنصور أبو عليّ الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين، للقاضي حسين بن عليّ بن النّعمان حين ولّاه الحكم بالمعزّيّة القاهرة ومصر، والإسكندرية وأعمالها، والحرمين حرسهما الله تعالى، وأجناد الشام، وأعمال المغرب، وإعلاء المنابر، وأئمّة المساجد الجامعة، والقومة عليها والمؤذّنين بها، وسائر المتصرّفين فيها وفي غيرها من المساجد، والنظر في مصالحها جميعا،

ومشارفة دار الضّرب «1» وعيار الذهب والفضّة «2» ، مع ما اعتمده أمير المؤمنين وانتحاه، وقصده وتوخّاه: من اقتفائه لآثاره، وانتهائه إلى إيثاره، في كلّ عليّة للدولة ينشرها ويحييها، ودنيّة من أهل القبلة يدثرها ويعفّيها؛ وما التوفيق إلّا بالله وليّ أمير المؤمنين عليه توكّله في الخيرة له ولسائر المسلمين فيما قلّده إيّاه، من أمورهم وولّاه. أمره أن يتّقي الله عز وجلّ حقّ التقوى، في السّر والجهر والنّجوى، ويعتصم بالثّبات واليقين والنّهى، وينفصم من الشّبهات والشكوك والهوى: فإنّ تقوى الله تبارك وتعالى موئل لمن وأل إليها حصين، ومعقل لمن اقتفاها أمين، ومعوّل لمن عوّل عليها مكين، ووصيّة الله التي أشاد بفضلها، وزاد في سناها بما عهد أنه من أهلها، فقال تبارك وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ «3» . وأمره أن لا ينزل ما ولّاه أمير المؤمنين [إيّاه] «4» من الأحكام في الدّماء والأشعار والأبشار، والفروج والأموال، [عن] » منزلته العظمى من حقوق الله المحرّمة، وحرماته المعظّمة، وبيّناته المبيّنة في آياته المحكمة، وأن يجعل كتاب الله عز وجلّ وسنّة جدّنا محمد خاتم الأنبياء، والمأثور عن أبينا عليّ سيد الأوصياء، وآبائنا الأئمة النّجباء- صلّى الله على رسوله وعليهم- قبلة لوجهه إليها يتوجّه، وعليها يكون «6» المتّجه، فيحكم بالحق ويقضي بالقسط، ولا يحكّم

الهوى على العقل، ولا القسط على العدل، إيثارا لأمر الله عز وجلّ حيث يقول: فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ «1» : وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ «2» . وأمره أن يقابل ما رسمه أمير المؤمنين وحدّه لفتاه برجوان «3» ، من إعزازه والشّدّ على يده، وتنفيذ أحكامه وأقضيته؛ والقصر من عنان كلّ متطاول على الحكم، والقبض من شكائمه، بالحق المفترض لله جل وعز ولأمير المؤمنين عليه: من ترك المجاملة فيه، والمحاباة لذي رحم وقربى، ووليّ للدولة أو مولى؛ فالحكم لله ولخليفته في أرضه، والمستكين له لحكم الله وحكم وليّه يستكين، والمتطاول عليه، والمباين للإجابة إليه، حقيق بالإذالة والنّهوض «4» ؛ فليتق الله أن يستحيي من أحد في حق له: وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ «5» . وأمره أن يجعل جلوسه للحكم في المواضع الضاحية للمتحاكمين ويرفع عنهم حجابه، ويفتح لهم أبوابه، ويحسن لهم انتصابه، ويقسم بينهم لحظه ولفظه قسمة لا يحابي فيها قويّا لقوّته، ولا يردي فيها ضعيفا لضعفه، بل يميل مع الحقّ ويجنح إلى جهته، ولا يكون إلا مع الحقّ وفي كفّته، ويذكر بموقف الخصوم ومحاباتهم بين يديه موقفه ومحاباته بين يدي الحكم العدل الدّيان:

يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ «1» . وأمره أن ينعم النظر في الشّهود الذين إليهم يرجع وبهم يقطع في منافذ القضايا ومقاطع الأحكام، ويستشفّ أحوالهم استشفافا شافيا، ويتعرّف دخائلهم تعرّفا كافيا، ويسأل عن مذاهبهم وتقلّبهم في سرهم وجهرهم، والجليّ والخفيّ من أمورهم؛ فمن وجده منهم في العدالة والأمانة، والنّزاهة والصّيانة، وتحرّي الصّدق، والشهادة بالحق، على الشّيمة الحسنى، والطريقة المثلى، [أبقاه] «2» وإلا كان بالإسقاط للشهادة أولى، وأن يطالع حضرة أمير المؤمنين بما يبدوله فيمن يعدّله أو يردّ شهادته ولا يقبله: ليكون في الأمرين على ما يحدّ له ويمثّله، ويأمن فيما هذه سبيله كلّ خلل يدخله؛ إذ كانت الشهادة أسّ الأحكام، وإليها يرجع الحكّام، والنظر فيمن يؤهّل لها أحقّ شيء بالإحكام؛ قال الله تقدّست أسماؤه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ «3» . وقال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً «4» . وأمره أن يعمل بأمثلة أمير المؤمنين له فيمن يلي أموال الأيتام والوصايا وأولي الخلل في عقولهم، والعجز عن القيام بأموالهم، حتى يجوز أمرها على ما يرضى الله ووليّه: من حياطتها وصيانتها من الأمناء عليهم، وحفظهم لها، ولفظهم لما يحرم ولا يحلّ أكله منها، فيتبوّأ عند الله بعدا ومقتا، آكل الحرام والموكل له سحتا «5» ؛ قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي

بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً «1» . وأمره أن يشارف أئمة المساجد والقومة عليها، والخطباء بها والمؤذّنين فيها، وسائر المتصرّفين في مصالحها، مشارفة لا يدخل معها خلل في شيء يلزم مثله: من تطهير ساحتها وأفنيتها، والاستبدال بما تبذّل من حصرها في أحيانها، وعمارتها «2» بالمصابيح في أوقاتها، والإنذار بالصّلوات في ساعاتها، وإقامتها لأوقاتها، وتوفيتها حقّ ركوعها وسجودها، مع المحافظة على رسومها وحدودها، من غير اختراع ولا اختلاع لشيء منها: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً «3» . وأمره أن يرعى دار الضّرب وعيار الذهب والفضّة بثقات يحتاطون عليهما من كل لبس، ولا يمكّنون المتصرّفين فيهما من سبب يدخل على المعاملين بهما شيئا من الوكس «4» ؛ إذ كان بالعين والورق تتناول الرّباع «5» ، والضّياع والمتاع، ويبتاع الرقيق، وتنعقد المناكح وتتقاضى الحقوق؛ فدخول الغش والدّخل فيما هذه سبيله جرحة للدّين، وضرر على المسلمين، يتبرّأ إلى الله منهما أمير المؤمنين. وأمره أن يستعين على أعمال الأمصار التي لا يمكنه أن يشاهدها بأفضل وأعلم وأرشد وأعمد من تمكنه الاستعانة به على ما طوّقه أمير المؤمنين في استعماله. قال الله عزّ وجل: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا «6» .

المذهب الثالث من مذاهب كتاب الدولة الفاطمية

هذا ما عهد أمير المؤمنين فأوف بعهده، تهتد بهديه، وترشد برشده؛ وهذا أوّل إمرة أمّرها لك فاعمل بها، وحاسب نفسك قبل حسابها، ولا تدع من عاجل النظر لها أن تنظر لمآبها: يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ «1» . وكتب في يوم الأحد لسبع ليال بقين من صفر «2» سنة 389. المذهب الثالث من مذاهب كتّاب الدولة الفاطميّة (أن يفتتح ما يكتب في الولايات بخطبة مبتدأة بالحمد لله «3» كما يكتب في أعلى الولايات في زماننا، ويقال: «يحمده أمير المؤمنين على كذا وكذا، ويسأله أن يصلّي على محمد وآله، وعلى جدّه عليّ بن أبي طالب» ثم يقال: «وإنّ أمير المؤمنين لم يزل ينظر فيمن يصلح لهذه الولاية، وإنه لم يجد من هو كفؤ لها غير المولّى، وإنه ولّاه تلك الوظيفة» ثم يوصّى بما يليق به من الوصية، ثم يقال: «هذا عهد أمير المؤمنين إليك، وحجته عليك، فاعمل به» أو نحو ذلك مما يعطي هذا المعنى) وقد أورد عليّ بن خلف من إنشائه في كتابه «موادّ البيان» «4» المؤلّف في ترتيب الكتابة للدولة الفاطمية عدّة تقاليد لأرباب السّيوف. منها- تقليد في رسم ما يكتب للوزير، [وهو] «5» : الحمد لله المنفرد بالملكوت والسلطان، المستغني عن الوزراء والأعوان،

خالق الخلق بلا ظهير، ومصوّرهم في أحسن تصوير، الذي دبّر فأتقن التدبير، وعلا عن المكلّف والمشير، المانّ على عباده بأن جعلهم بالتوازر إخوانا، وبالتظافر أعوانا، وأفقر بعضهم إلى بعض في انتظام أمورهم، وصلاح جمهورهم. يحمده أمير المؤمنين أن استخلفه في الأرض، وناط به أسباب البرم والنقض، واسترعاه على بريّته، واستخلصه لخلافته، وقيّضه لإعزاز الإسلام، وحياطة الأنام، وإقامة الحدود وتنفيذ الأحكام، ويسأله الصلاة على سيدنا محمد خاتم الأنبياء، وخيرة الأصفياء، المؤيّد فأفضل الظّهراء، وأكمل الوزراء: عليّ بن أبي طالب المتكفّل في حياته، بنصره وإظهار شريعته، والقائم بعد وفاته، مقامه في أمّته، صلّى الله عليهما،، وعلى الأئمة من ذرّيتهما، مفاتيح الحقائق، ومصابيح الخلائق، وسلّم، وشرّف وكرّم. وإنّ الله تعالى نظر لخلقه بعين رحمته، وخصّ كلّا منهم بضرب من ضروب نعمته، وأقدرهم بالتعاضد، على انتظام أمورهم الوجودية، وأوجدهم السّبل بالترافد، إلى استقامة شؤونهم الدّنيويه: لتنبجس عيون المعاون بتوازرهم، وتدرّ أخلاف المرافق بتظافرهم. وأولى الناس باتّخاذ الوزراء، واستخلاص الظّهراء، من جعله الله تعالى إلى حقّه داعيا، ولخلقه راعيا، ولدار الإسلام حاميا، وعن حماه مراميا، واستخلفه على الدّنيا وكلّفه سياسة المسلمين والمعاهدين، ولذلك سأل موسى عليه السلام وهو القويّ الأمين، في استخلاص أخيه هارون لوزارته، وشدّ أزره بموازرته، فقال: وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي «1» ، واستوزر محمد صلى الله عليه وسلم وهو المؤيّد المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ابن عمه عليّا سيد الأوصياء، بدليل قوله له: «أنت منّي كهارون من موسى

إلا أنّه لا نبيّ بعدي» لأن الإمام لو تولّى كلّ ما قرب وبعد بنفسه، وعوّل في حيطته على حواسّه، لنصّ ذلك بتطرّق الخلل، ودخول الوهن والشّلل؛ وإنما تستعين الأئمة على ما كفّلها الله بكفاة الأعوان، وأهل النّصرة في الأديان، وذوي الاستقلال والتشمير، والمعرفة بوجوه السياسة والتدبير، والخبرة بمجاري الأعمال، وأبواب الأموال، ومصالح الرجال. وإنّ أمير المؤمنين لم يزل يرتاد لوزارته حقيقا بها مستحقّا نعتها، جامعا بين الكفاية والغناء، والمناصحة والولاء، والأبوّة والاختصاص، والطاعة والإخلاص، والنّصرة والعزم، وأصالة الرأي والحزم، ونفاسة السياسة والتدبير، والنّظر بالمصلحة في الصغير والكبير، والاحتيال والتأديب، وملابسة الأيّام والتجريب، والانتماء إلى كريم المناجب، بضمير المناصب، ويكّرر في الاختيار تقليده «1» ، ويجيل في الانتقاء تأمّله وتدبّره. وكلّما عرضت له مخيلة قمن «2» توافق إيثاره، أخلف نوءها، وكلما لا حت له بارقة تطابق اختياره، خبا ضوءها، حتى انتهت رويّته إليك، وأوقفه ارتياده عليك، فرآك لها من بينهم أهلا، وبتقمّص سربالها أولى، وبالاستبداد بإمرتها أحقّ وأحرى: لاشتمالك على أعيان الخصائص التي كان زياد [لها] «3» جامعا، وحلولك في أعيان المناقب التي لم تزل ترومها متحلّيا بفرائدها، وما شهرت به من إفاضة العدل والإقساط، وإغاضة الجور والإشطاط، وإنالة الحقّ والإنصاف، وإزالة الظّلم والإجحاف، ومراعاة النّصح بإنسانك شاهدا، ومناجاته بحذارك جاهدا، ولنهوضك بالخطب إذا ألمّ وأشكل، والحادث إذا أهمّ وأعضل، وتفرّدك بالمساعي الصالحة، والآثار الواضحة، والطرائق الحميدة، والمذاهب السّديدة، والتحلّي بالنّزاهة والظّلف، والعطل من

الطّبع والنّطف «1» ، وفضل السّيرة، وصدق السّريرة، ومحبة الخاصّة والعامّة، والمعرفة بقدر الأمانة، والاضطلاع بالصّنيعة، والحفظ للوديعة. فرأى أمير المؤمنين برأيه فيما يريه، ويقضي له بالصلاح فيما يعزم عليه ويمضيه، ويسدّد مراميه ومساعيه، ويتعهّده في جميع مقاصده بلطف تحلو ثماره، وتحسن عليه وعلى الكافّة آثاره، أن قد ولّاك النظر في مملكته، وأعمال دولته: برّها وبحرها، وسهلها ووعرها، وبدوها وحضرها، وردّ إليك سياسة رجالها وأجنادها، وكتّابها وعرفائها «2» ، ورعيّتها ودواوينها، وارتفاعها ووجوه جباياتها وأموالها، وعدق بك البسط والقبض، والبرم والنّقض، والحطّ والرّفع، والعطاء والمنع، والإنعام والودع، والتصريف والصّرف، ثقة بأن الصواب منوط بما تسدي وتلحم، وتفيض وتنظم، وتنقض وتبرم، وتصدر وتورد، وتقرّر وتأتي وتذر، فلتهنأ هذه النعمة متملّيا بملبسها، ساريا في قبسها، وتلقّها من الشكر بما يسترهنها ويخلّدها، ويقرّها عليك ويؤبّدها، واعرف ما أهّلك له أمير المؤمنين من هذا المقام الأثير، والمحلّ الخطير؛ فإنّما ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. وأنت وإن كنت مكتفيا- بفضل حصافتك، وثقابة فطنتك، وحسن ديانتك، ووثاقة تجربتك- عن التبصير، مستغنيا عن التنبيه والتذكير، فإن أمير المؤمنين لا يمتنع أن يزيدك من مراشده، ما يقفك على سنن الصواب ومقاصده؛ وهو يأمرك بتقوى الله تعالى في سرّك وجهرك، واستشعار خشيته ومراقبته؛ والله قد جعل لمن اتّقاه مخرجا من ضيق أمره وحرجه، ونصب له أعلاما على مناهج فرجه. وأن

تستعمل الإنصاف والعدل، وتسبغ الإحسان والفضل، وتلين كنفك، وتظهر لطفك، وتحسن سيرك، وتفيض برّك، وتصفح وتحلم، وتعفو وتكرم، وتبصّر من ترجو صلاحه وتفهّمه، وتنصف من أفرط جماحه وتقوّمه، وتأخذ بوثائق الحزم، وجوامع العزم، والغلظة والشدّة على من طغى ولجّ في غيّه وعتا، وبارز الله وأمير المؤمنين بالخلاف والشّقاق، والانحراف والنّفاق، مستعملا فاضل التدبير عند الموادعة، وفاصل المكافحة عند المقارعة، مصلحا للفاسد، مشتّتا للشارد، مكثّرا لأولياء الدولة وخلصائها، وحاصدا لبغاتها وأعدائها، واعظا مذكّر للغافل، مؤمّنا للمظلوم الخائف، مخيفا للظالم الحائف، مستصلحا للمسيئين، مذكّرا بإحسان المحسنين، متنجّزا لهم الجزاء على بلائهم في الطاعة وآثارهم في الخدمة. وأن تنظر في رجال الدولة على اختلافهم نظرا يسلك بهم سبيل السّداد، ويجري أمورهم على أفضل العرف المعتاد؛ فأما الأماثل والأمراء، والأعيان والرؤساء، فتحفظ على من أحمدت طريقته، وعرف إخلاصه وطاعته، شعار رياسته، وتزيد في تكرمته، وتنتهي به إلى ما تتراءى إليه مواضي همّته؛ وأمّا طوائف الأجناد فتقرّهم على مراتبهم في ديوان الجيش المنصور، وتخصّهم من عنايتك بالنصيب الموفور، وتستخدمهم في سدّ الثّغور وتسديد الأمور، وتراعي وصول أطماعهم إليهم، أوقات الاستحقاق إليهم، وانفاقهم نصاب «1» الوجوب منهم؛ وأما الكتّاب المستخدمون منهم في استخراج الأموال، وعمارة الأعمال، فتخصّ كفاتهم بما تقتضيه كفايتهم، وأمناءهم بما توجبه أماناتهم، وتستبدل بالعاجز الخبيث الطّعمة، والطّبع المستشعر شعار المذمّة: ليتحفظ النّزه المأمون بنزاهته وأمانته، ويقلع الدّنس الخؤون عن دنسه وخيانته، وتأمر من تختاره لخدمة أمير المؤمنين منهم أن يسيروا بالسّير الفاضلة، ويعملوا على الرّسوم العادلة، فلا يضيّعوا حقّا لبيت مال المسلمين، ولا يخيفوا أحدا من المعاملين. وأما الرعيّة، فيأمرك أن تحكم بينها بالسّوية، وتعتمدها بعدل القضية، وترفع عنها نير الجور، وتحميها من ولاة

الظلم، وتسوسها بالفضل والرأفة متى استقامت على الطاعة، وتأدّبت في التّباعة، وتقوّمها متى أجرت إلى المنازح والافتتان، وأصرّت على مغضبة السلطان. وأما الأموال وهي العدّة التي ترهف عزائم الأولياء، وتغض من نواظر الأعداء، فتستخرجها من محقّها، وتضعها في مستحقّها، وتجتهد في وفورها، وتتوفّر على ما عاد بدرورها، وأن تطالع أمير المؤمنين بذرّة وجلّه، وعقد أمرك وحلّه، وتنهي إليه كل ما تعزم على إنهائه، وترجع فيه إلى آرائه: ليكرمك من موادّ تبصيره وتعريفه، ويزيدك من هدايته وتوقيفه، بما يفضي بك إلى جادّة الخير وسبيله، ويوضّح لك علم النّجاح ودليله. هذا عهد أمير المؤمنين إليك: وقد أودعه من تلويح الإشارة، ما يكتفى به عن تصريح العبارة، ثقة بأنك الأريب الألمعيّ، والفطن اللّوذعيّ، الذي تنتهي به متون التذكير إلى أطرافه وحواشيه، وتفضي به هوادي القول إلى أعجازه وتواليه. فتقلّد ما قلدك أمير المؤمنين، وكن عند حسن ظنّه في فضلك، وصدّق مخيلته في كمالك، والله تعالى يعرّف أمير المؤمنين وجه الخيرة في تصيير أمره إليك، وتعويله في مهماته عليك، ويوفقك لشكر الموهبة في استخلاصك، والمنحة في اجتبائك، وينهضك بما حمّلك من أعباء مظاهرته، وجشّمك من أثقال دولته، ويسدّدك إلى ما يدرّ عليك أخلاف [نعمته] «1» ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. ومنها- ما أورده في رسم تقليد زمّ الأقارب: وهو التقدمة على أقارب الخليفة، وهذه نسخته: الحمد لله الذي ابتدأ بنعمته ابتداء واقتضابا، وأعادها جزاء وثوابا، وميّز من

اختصّه بهداية خلقه، واستخلصه لإظهار حقّه، بأضفاها عطافا، وأصفاها نطافا «1» ، وأحسنها شعارا، وأجملها آثارا، واستخرجهم من أطيب البريّة أعراقا، وأطهرها شيما وأخلاقا، وأقدمها سؤددا ومجدا، وأكرمها أبا وجدّا، وتوحّد بأفضل ذلك وأعلاه، وأكمله وأسناه، محمدا صفوته من خلصائه، وخيرته من أنبيائه، فأظهره من المنجب الكريم، والمنجم الصّميم، والدّوحة الطاهر عنصرها، الشريف جوهرها، الحلو ثمرها، ورشّح من اختاره من عترته لسياسة بريّته، والدعاء إلى توحيده وطاعته. يحمده أمير المؤمنين أن شرّفه بميراث النبوّة، وفضّلة بأكرم الولادة والأبوّة، وأحلّه في الذّروة العالية من الخلافة، وناط به أمور الكافة، ويسأله الصّلاة على جدّه محمد وعليّ أبيه، صلّى الله عليهما. وإن أمير المؤمنين يرى أنّ من أشرف نعم الله عليه موقعا، وألطف مواهبه لديه موضعا، توفيقه للمحافظة على من يواشجه في كريم نسبه، ويمازجه في صميم حسبه، ويدانيه في طاهر مولده، ويقاربه في طيب محتده، وتنزيل كلّ ذي تميّز منهم في دين وعلم، ودراية وفهم، وإحلاله بالمنزلة التي يستوجبها بفاضل نسبه، وفضل مكتسبه، ويبعث أنظاره على التحلّي بخصاله، والتزيّن بخلاله: ليحصل لهم من فضل الخلائق والآداب، ما يضاهي الحاصل لهم من عراقة المناجب والأنساب؛ ولذلك لا يزال ينوط أمورهم، ويكل تدبيرهم، إلى أعيان دولته، وأماثل خاصّته، الذين يعتادون حضرته ويراوحونها، ويطالعونه بحقائق أحوالهم وينهونها، ويستخرجون أمره في مصالحهم بما يذلّل لهم قطوف إحسانه وطوله، ويعذب لهم مشارع برّه وفضله؛ وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب. فإن كان العهد إلى خادم، قال:

ولما كنت بحضرة أمير المؤمنين معدودا في أولي النّباهة، المترشّحين للاستقلال بأعباء دولته وذوي الوجاهة، المستخلصين لاستكفاء جلائل مملكته: لما اجتمع فيك من إباء النفس وعزّتها، ووثاقة الدّيانة وحصافتها، وسداد السّيرة واستقامتها، ونقاء السريرة وطهارتها، وتقيّلك منهج أمير المؤمنين ومذهبه، وتمثّلك بهديه وأدبه، ونشئك في قصور خلافته، وارتضاعك درّ طاعته- رأى- والله تعالى يعزم له على الخير في آرائه، ويوفّقه لصالح القول والعمل في انحائه- أن قلّدك زمّ بني عمّه الأشارف الإسماعيليين ثقة بسياستك وحميد طريقتك، وإنافة لمنزلتك وإعرابا عن أثير مكانتك. وإن كان العهد إلى شريف قيل بدلا من هذا الفصل: ولمّا كنت بحضرة أمير المؤمنين ممن زيّن شريف محتده، بمنيف سؤدده، وطاهر مولده، بظاهر محتده؛ وكريم تالده بنفيس طارفه، وجليل سالفه، بنبيل آنفه، مقتفيا سنن أوّليّتك، مفرّعا على أصول دوحتك، ضاربا بالسّهم المعلّى في الدين والعلم، حائزا خصل «1» السّبق في الرّجاحة والفهم، رأى أمير المؤمنين أن قلّدك نقابة بني عمّه الأشراف الفلانيين: ثقة بأنك تعرف ما يجمعهم وإيّاك من الأرحام الواشجة، والأواصر المتمازجة، وتحسن السّيرة بهم، والتعهّد لهم والتوفّر عليهم. ثم يوصل الكلام بأيّ الخطابين قدّم فيقال: فتقلّد ما قلّدك أمير المؤمنين مستشعرا تقوى الله وطاعته، معتقدا خيفته ومراقبته، سائرا فيمن ولّاك أمير المؤمنين بسيرته، مستنّا بسنّته، متأدّبا بآدابه، مقتفيا مناهج صوابه، وإكرام هذه الأسرة [التي] «2» خصّها الله تعالى بكرامته، وفرض مودّتها على أهل طاعته، ونزّهها عن الأدناس، وطهّرها من الأرجاس، فقال

جل قائلا: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «1» . واعرف لهم حقّ مراتبهم الدانية من أمير المؤمنين، ونزّلهم بحيث نزّلهم الله من الدّنيا والدّين، واعتمد تعظيم مشايخهم وتوقيرهم، وسياسة شبّانهم وتدبيرهم، وتقويم أخلاقهم وتثقيفهم، وخذهم بلزوم الطرائق الحميدة، والمذاهب السّديدة، التي تليق بأصولهم الطاهرة، وفروعهم المثمرة، ومناحتهم الصّميمة، ومناجبهم الكريمة، وتفقّد منشاهم ومرباهم، وخلطاهم وقرباهم؛ فمن تناكرت أعراقه، وأخلاقه، وأنسابه، وآدابه، بالغت في تنبيهه وتعريفه، فإن نجع ذلك فيه وإلا بسطت يدك إلى تهذيبه، وإصلاحه وتأديبه: ليستيقظ من منامة غرّته، ويرجع إلى اللائق بشرف ولادته؛ وانظر فيما أوقف عليهم من الأملاك والمستغلّات، والضيّاع والإقطاعات، والرّسوم والصّلات، واندب لتولّي ذلك من تسكن إلى ثقته وأمانته من الكتّاب، وراع سيرته في عمارته، وطريقته في تثمير ماله وزيادته؛ فإن ألفيته كافيا أمينا أقررته، وإن وجدته عاجزا خؤونا صرفته، واستبدلت به من يحسن خبرك، ويطيب أثرك، وأجر الأمر في قسمته بين ذكورهم وإناثهم على الرسوم التي يشهد بها ديوانهم، واكتب الرّقاع عنهم إلى الحضرة في اقتضاء رسومهم، وما يعرض من مهمّات أمورهم، وتتنجّز كلّ ما يتعلق بهم وتنوب عنهم فيه: لتستقيم شؤونهم بسياستك، وتنتظم أحوالهم بحسن سيرتك. هذا عهد أمير المؤمنين إليك فاعمل به وانته إلى متضمّنه، إن شاء الله تعالى. ومنها- ما أورده في رسم تقليد بنقابة العلويّين، وهو: الحمد لله الذي انتجب من أسرار عباده قادة جعلهم لمصالحهم نظاما،

وانتخب من أخيار خليقته سادة صيّرهم لأمورهم قواما، وعدق بهم هداية من ضلّ، وتقويم من دلّ «1» ، وتعليم من جهل، وتذكير من غفل، ونصبهم أعلاما على طرق الرّشاد، وأدلّة على سبل السّداد. يحمده أمير المؤمنين أن اختصّه بأثرة الخلافة والإمامة، وميّزه بمزيّة الولاية على الأمّة والزّعامة، وانهضه بما كلّفه من سياسة بريّته وتنزيلهم منازلهم من اختصاصه وإيثاره، وإحلالهم في محالّهم من استخلاصه واختياره، ويسأله الصلاة على أشرف الأمم نجارا وأطيبهم عنصرا، وأعظمهم مفخرا، سيدنا محمد صلّى الله عليه وعلى أخيه وابن عمّه، وباب حكمته وعلمه، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الراسخ في نسبه، المداني [له] «2» في حسبه، سيفه الباتر، ومعجزه الباهر، ومكاتفه المظاهر، وعلى الأئمة من ذرّيتهما المهديّين، وسلم تسليما. وإنّ أمير المؤمنين- بما خصّه الله تعالى من شرف المنجم والمولد، وكرم المحتد، وخوّله من مناصب الخلفاء والأئمّة، وناط به من إمامة الأمّة- يرى أنّ من نعم الله التي يجب التحدّث بشكرها، وتحقّ الإفاضة في نشرها، وتوفيقه للنظر في أحوال ذوي لحمته، وأولي مناسبته، المواشجين له في أرومته، المعتزين إلى كرم ولادته، وتوخّيهم بما يرفلهم في ملابس الجمال، ويوقّلهم في هضبات الجلال، ويرتّبهم في الرّتب التي يستوجبونها [ويراها] «3» أولى بمغارسهم وأنسابهم، وماسّا بأنفسهم وآدابهم؛ ولذلك يصرف اهتمامه إلى ما يجمع لهم بين شرف الأعراق، وكرم الأخلاق، وطهارة العناصر والأواصر، وحيازة المناقب والمآثر. ولما كنت بحضرة أمير المؤمنين من جلّتهم العلماء، وطهرتهم الأزكياء، وأبرارهم الصّلحاء، وخيارهم الفضلاء، الذين تضارعت أخلاقهم وأعراقهم،

وتقارعت أنسابهم وآدابهم، وتشاكهت «1» مواردهم ومصادرهم، وتشابهت أوائلهم وأواخرهم، واتفقت جيوبهم ودخائلهم، وتوضّحت عن الدين والخير مخايلهم؛ هذا مع ما يرعاه أمير المؤمنين من كريم مساعيك في خدمته، وإصابة مراميك في طاعته، واعتصامك بحبل متابعته، ونهوضك بحقوق ما أسبغه عليك من نعمته، رأى أمير المؤمنين- والله تعالى يقضي له في آرائه بحسن الاختيار، ويمدّه بالعون والتأييد في مجاري الأقدار- أن قلّدك النّقابة على الأشراف الطالبيّين أجمعين، المقيمين بالحضرة وسائر أعمال المملكة شرقا وغربا، وبعدا وقربا، ثقة بأنّك تصدّق مخيلته فيك واعتقاده، وتستدعي بكفاية ما استكفاك شكره وإحماده، وتستدرّ بالاستقلال والغناء أخلاف إحسانه وفضله، وتمتري بالاضطلاع بمضلع الأثقال فائض امتنانه وطوله؛ فتقلّد ما قلّدك أمير المؤمنين عاملا بتقوى الله وطاعته، مستشعرا لخيفته ومراقبته، وأحسن رعاية من عدق بك رعايته، وسياسة من وكل إليك سياسته، واعلم أنّ أمير المؤمنين قد ميّزك على كافّة أهل نسبك، وجميع من يواشجك في حسبك، وجعلك عليهم رئيسا ولهم سائسا، فاعرف لهم حقّ القرابة والمشابكة، وتشاجر الأنساب والمشاركة؛ فإن الله تعالى يقول: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى «2» ، وعمّهم جميعا بالتوقير والإكرام، والتفقّد والاهتمام، واتّخذ شيخهم أبا، وكهلهم أخا، وطفلهم ولدا، وافرض لهم من الحنان، والإشفاق والفضل والإحسان، ما تقتضيه الرّحم الدانية، والأواصر المتقاربة، وكن مع ذلك متفقّدا لأحوالهم، مطالعا لسيرهم وأفعالهم؛ فمن ألفيته سالكا لأقصد الطرائق، متخلّقا بأجمل الخلائق، حارسا لشرفه، متشبّها بسلفه، فزده في الأثرة زيادة ترغّب أمثاله في اقتفاء مذهبه، وتبعثه على التأدّب بأدبه، ومن وجدته مستحسنا ما لا يليق بصريح عرقه، راكبا ما ليس من طرقه، فأيقظه بنافع الوعظ، وذكّره بناجع اللّفظ؛ فإن استقام على الطريقة المثلى، ورجع

إلى الأجدر والأولى، عرفت ذلك من فعله، وفرضت له ما تفرضه لصلحاء أهله: فإن الله تعالى قد فتح باب التوبة، ووعد بإقالة أهل الإنابة؛ ومن انحرف عن التذكير، وانصرف عن التبصير، وأصرّ وتمادى، وارتكب ما يوجب حدّا، امتثلت أمر الله تعالى فيه، وأقمت الحدّ عليه، غير مصغ إلى شفاعة، ولا موجب لحّق ذريعة: فإن أمير المؤمنين يصل من ذوي أنسابه، من وكّدها بأسبابه، ويقطع من أوجب الحقّ قطيعته، ولا يراعي رحمه وقرابته. ووكلّ بهم من يروي إليك أخبارهم، ويكشف لك آثارهم: ليعلموا أنهم ببال من مطالعتك، وبعين من اهتمامك ومشارفتك، فيكبح ذلك جامحهم عن العثار والسّقط، ويمنع طامحهم من الزّلل والغلط، وتوخّهم في خطابك بالإكرام، وميّزهم عن محاورة العوام، ولا تقابل أحدا منهم ببذاء ولا سبّ، ولا قدح في أمّ ولا أب، فإنهم فروع دوحة أمير المؤمنين وعترته الذين طهّرهم الله من الأرجاس، وفرض قراهم على الناس، ووفّر اهتمامك على صيانة النّسب من الوكس، وحياطته من اللّبس، فإنه نسب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يتصل يوم انقطاع الأنساب، وسببه الذي يتّشج يوم انفراط الأسباب، وأثبت أسماء كافّة من يعتزي إلى هذا البيت منسوبة إلى أصولها: لتأمن من دخيل ملصق يتزوّر عليها، ومختلق ملحق ينضم إليها؛ وإن عرف مدّع نسبا لا حجة له فيه، ولا بينة عنده عليه، فغلّظ له العقاب، واشهره شهرة تحجزه عن معاودة الكذاب، واحتط في أمر المناكح وصنها عن العوامّ، ووقّر كرائم أهل البيت عن ملابسة اللّئام؛ وإن ادّعى أحد من الرعيّة حقّا على شريف فاحملها على السويّة وعده بإنصاف خصمه، وامنعه من ظلمه، وإن ثبت أيضا في مجلس الحكم حقّ على أحد من الأشراف فانزعه منه [وولّ] «1» على من في البلاد، أهل السّداد منهم والرّشاد، ومرهم بتقيّل مذهبك، ونقل أدبك، واصرف اهتمامك إلى حفظ أوقافهم وأملاكهم ومستغلّاتهم في سائر الأعمال، وحطها من العفاء والاضمحلال، وتوفّر على تثمير ارتفاعها، وتزجية «2» مالها، واستخدم لضبط

حاصلها، وجهات منفقها، من تسكن إلى ثقته، وتثق بنهضته، ووزّع ما يرتفع من استغلالها بينهم على رتبهم التي يشهد بها ديوانهم. هذا عهد أمير المؤمنين إليك فآنته إليه منتهجا لتمثيله، معتمدا بدليله، وطالع أمير المؤمنين بما التبس عليك وأبهم، وأشكل واستعجم: ليقفك على واضح السّنن، ويرشدك إلى أحسن السّنن، واستعن بالله يهدك لمعونته، واستهده يؤيّدك بهدايته، إن شاء الله تعالى. ومنها- ما أورده في رسم تقليد بزمّ طوائف الرجال. الحمد لله البديع تقديره، الحكيم تدبيره، الذي أتقن ما صنع وأحكمه، وكمّل ما أبدع وتمّمه، وأعطى كلّ مصلحة من مصالح عباده نظاما، وكلّ مرفق من مرافق خلقه قواما، فلا يقارب فيما خلق وصوّر، ولا يشاكل فيما قدّر ودبّر، ورأب ثلم بريّته بمن استخلصه من خاصّتها، لسياسة عامّتها، وانتخبه من أشرافها، لتسديد أطرافها، وإقامة من سادها لإصلاح فاسدها وتقويم مائدها، وتوقيفها على سنن الصواب، وتعريفها بمحاسن الآداب. يحمده أمير المؤمنين أن أحلّه في المنزلة العليّة: من اصطفائه واستخلاصه، والذّروة السنيّة: من اجتبائه واختصاصه، وفوّض إليه تنزيل الرتب وتخويلها، وإقرار المنازل وتحويلها، وناط به البرم والنقض، والرّفع والخفض، والرّيش والحصّ «1» ، والزيادة والنّقص، وسوّغه الشّكر على مواهبه السابغ عطافها، والفسيحة أكنافها، البعيدة أطرافها، و [يسأله] «2» أن يصلي على نبيّ الرحمة، ومفيد الحكمة، سيدنا محمد خاتم الرّسل، وموضّح السّبل، صلى الله عليه وعلى أخيه وابن عمّه، وخليفته على أمّته وقومه: عليّ بن أبي طالب أمير

المؤمنين، ومولى المسلمين، وعلى الأئمة من ذرّيتهما الطاهرين. وإنّ أمير المؤمنين بما فوّضه الله تعالى إليه من حماية الأنام، والمراماة عن دار الإسلام، وكفّله من غضّ نواظر أهل العناد، وتنكيس رؤوس رؤساء الإلحاد، لا يزال ينظر في مصالح عبيده، وتوفّر سياسة رجال دولته وجنوده، الذين هم حزب الله الغالبون، وجنده المنصورون، ويردّ النظر في أمورهم، والتقدّم عليهم، وزمّ طوائفهم، إلى خواصّ دولته، وأعيان مملكته، الذين بلا طرائقهم وحمد خلائقهم: من الغناء والكفاية، والسّداد وحسن السياسة، ونقّلهم في الخدم فاستقلّوا بأعبائها وأثقالها، ونهضوا بناهض أعمالها، ومضت عزائمهم في حياطة البيضة، واشتدّت صرائمهم في تحصين الحوزة، وصدقت نيّاتهم في المراماة عن الملّة، والمحاماة عن الدعوة والدّولة. ولمّا كنت بحضرة أمير المؤمنين معدّا لمهمّاته، معدودا في أماثل كفاته، مشهورا بحسن السياسة لما تورده وتصدره، معروفا بفضل السّيرة فيما تأتيه وتذره، رأى أمير المؤمنين- والله يرشده لأعود الآراء بالصلاح والإصلاح، وأدناها من الخير والنجاح- أن قلّدك زمام طائفة الرجال الفلانيين (ويوصفون بما تقتضيه مكانتهم من الدولة وحسن سيرهم في الخدمة) إنافة بقدرك، وإبانة عن خطرك، وتنويها بذكرك، وتفخيما لأمرك. وهو يأمرك بتقوى الله تعالى وطاعته، واستشعار مراقبته، ورياضة خلائقك على محبّة العدل، وإيثار الفضل، واتّباع اللّطف، واجتناب العسف، وتوخّي الإنصاف، وبسط الهيبة من غير إجحاف، وأن تخصّ هذه الطائفة من النظر في أمورها، وتعهّد صغيرها وكبيرها، بما يسدّد أحوالها، ويحقّق آمالها، وتأخذها بأحسن الآداب اللائقة بأمثالها، وسلوك الطريقة المعهودة من أعيانها وأماثلها، وتشعرها من أمير المؤمنين بما يشرح صدرها في خدمته، ويقرّ عينها في طاعته، والمسارعة إلى مكافحة أعدائه، والتميّز في نصرة أوليائه، وتطالع بحال من يستحقّ الاحترام، ويستوجب إفاضة الإنعام، وتكتب الرّقاع عنها (مستدعيا للرّباطات في الأطماع والعاجزين شاملا في التعويد والتأمير والتلقيب والولايات قاصدا في ذلك

ما يفسّح آمالها في الآجال، ويوثّقها بدرور الأمثال) «1» ، فإنهم أمراء الحروب، وكفاة الخطوب، الذين يجاهدون عن الحوزة، ويرامون عن الدولة، وافرض لهم من الإكرام، وتامّ الاهتمام، ما تقتضيه مكانتهم في الدولة، وموضعهم من الخدمة، وتكفّل أوساطهم بالرّعاية، واصرف إليهم شطرا موفورا من العناية، وألحق من برّز منهم وتقدّم، ونهض وخدم، بنظرائه وأمثاله، وساو بينه وبين أشكاله، وتعهّد أطرافهم بملاحظتك، وتفقّدهم بسياستك؛ وخذهم بلزوم السّير الحميدة، والمذاهب السّديدة، والتوفّر على ما يرهف عزائمهم، ويؤيّد أيديهم، ولا تفسّح لأحد من هذه المذاهب في مخالطة العوام ولا مشاركة التّجّار والاحتراف، ووكّل بهم من النّقباء من يبتلي سيرهم، وينهي إليك أخبارهم: فمن علمته قد اجترأ إلى نسخ المذهب، فتناوله بأليم الأدب، واحضضهم على الإدمان في نقل السلاح، والضّرب بالسيف، والمطاعنة بالرمح، والإرماء عن القوس، وميّز من مهر واستقلّ، وقصّر بمن ضجّع وأخلّ، فهم كالجوارح التي ينفعها التعليم والإجراء، ويضرّها الإهمال والإبقاء؛ وفي صرفك الاهتمام إليهم ما يزيد في رغبة ذي الهمّة العليّة، ويبعث المعروف في النفس الدّنيّة، وأن تطالبهم بالاستعداد، وارتباط الخيول الجياد، والاستكثار من السّلاح الشاك والجنن، وليكن ما تطالبهم بإعداده من هذه الأصناف على حسب الفروض من العطاء، ولا ترخّص لأحد في الاقتناع بما لا يليق بمنزلته، والرضا بما يقع دون ما يعتدّه أماثل طبقته. ومن مات من هذه الطائفة وخلّف ولدا يتيما فضمّه إلى أمثاله، وانظر في حاله، ووكّل به من يفقّهه في دينه، ويعلّمه ما لا غنى به عن تعليمه من كتاب الله وسنّته، ومن يهذبه في الخدمة ويعلّمه العمل بآلاتها، والتنقّل في حالاتها، ويطلق له من إنعام أمير المؤمنين ما يقوم بكلفتها ولوازمها، وخذ كلّ من تقدّمهم بخدمها والجري على عادتها في النّهوض بما يستنهض به، ولا يفسّح لها في التّثاقل عنه، وسوّ بينهم في الاستخدام، ولا تخصّ قوما دون قوم بالترفيه والإجمام؛ فإنّ في ذلك إرهافا لعزائمهم، وتقوية

لمننهم، وإفاضة العدل عليهم. هذا عهد أمير المؤمنين إليك، قد وكّد به الحجة عليك؛ فتأمّله ناظرا، وراجعه متدبّرا، وانته إلى مصايره ومراشده، واعمل على رسومه وحدوده، يوفّق الله مقاصدك، ويسعد مصالحك ويتولّاك، إن شاء الله تعالى. ورسوم هذه العهود يتفاضل الخطاب فيها بحسب تفاضل الطوائف ومن يولّى عليها. وهذا الأنموذج متوسّط تمكن الزيادة عليه والنقص منه. ومنها- ما أورده في رسم تقليد بإمارة الحج، وهذه نسخته: الحمد لله الذي طهّر بيته من الأرجاس، وجعله مثابة «1» للناس، وآمن من حلّه ونزله، وأوجب أجر من هاجر إليه ووصله. يحمده أمير المؤمنين أن خصّه بحيازة البيت الأعظم، والحجر المكرّم، والحطيم «2» وزمزم؛ وأفضى إليه ميراث النبوّة والإمامة، وتراث الخلافة والزّعامة، وجعله لفرضه موفّيا، ولحقوقه مؤدّيا، ولحدوده حافظا، ولشرائعه ملاحظا، ويسأله أن يصلّي على من أمره بالتأذين في الناس بالحجّ إلى بيته الحرام لشهادة منافعهم، وتأدية مناسكهم، وقضاء تفثهم «3» ، ووفاء نذرهم، وذكر خالقهم، والطواف بحرمه، والشكر على نعمه: سيدنا محمد رسوله صلّى الله عليه وعلى وصيّه وخليفته، وباب مدينة علمه وحكمته: عليّ بن أبي طالب سيد الوصيّين، وعلى الأئمة من ذرّيتهما الطاهرين.

وإنّ أولى ما صرف أمير المؤمنين إليه همّته، ووفّر عليه رعايته، مثابرا عليه، وناهضا لحق الله تعالى فيه، النظر في أمر رفق الحجيج الشاخصة إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، وردّه إلى من حلّ محلّك من الدين، وتميّز بما تميّز به صلحاء المسلمين: من العلم، ورجاحة الحلم، ونفاذ البصيرة، وحسن السريرة، وعدل السّيرة؛ ولذلك رأى أمير المؤمنين أن قلّدك أمر رفق الحجيج المتوجّهة من موضع كذا إلى الحرمين المحروسين، وولّاك الحرب والأحداث «1» بها: واثقا باستقلالك وغنائك، وسدادك وإصابة ارائك؛ فتقلّد ما قلّدك أمير المؤمنين بعزم ثاقب، ورأى صائب، وهمّة ماضية، ونفس سامية، وشمّر فيه تشميرا يعرب عن محلّك من الاضطلاع، ويدلّ على استقلالك بحقّ الاصطناع، وخصّ الحجّاج بأتمّ الأحظّ «2» ، وكن من أمرهم على تيقّظ، واعتمد ترقّبهم في المسير، وسوّ في رعايتهم بين الصغير والكبير، فإنهم جميعا إلى الله متوجّهون، وإلى بيته الحرام قاصدون، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وافدون، قد استقربوا بعيد الشّقّة، واستدمثوا خشن المشقّة، رغبة في ثواب الله وعفوه، والنجاة من عقابه وسطوه، وتقرّبا إليه بارتسام أمره وطاعته، وإيجابا للحرمة بالحلول في عراص بيته وأفنيته؛ فمرافدتهم «3» واجبة، ومساعدتهم لازبة «4» ، حتّى يصلوا إلى بغيتهم وقد شملتهم السلامة في الأنفس والأموال، والأمنة في الخيل والرجال: متوجّهين وقارّين وقافلين، بعد أن يشهدوا منافعهم، ويؤدّوا مناسكهم، ويعملوا بما حدّ لهم. وردّهم في سيرهم عن الازدحام، ورتّبهم على الانتظام، وراعهم في ورود المناهل، وامنعهم عن التحادث عليها والتكاثر فيها، حتّى لا ينفصلوا منها إلّا بعد

الارتواء، ووقوع التّساوي والاكتفاء، وقدّم أمامهم من يمنعهم من التسرّع، وأخّر وراءهم من يحفظهم من التقطّع، ورتّب ساقتهم، ولا تخلّ بحفظهم من جميع جهاتهم، وطالع أمير المؤمنين في كل منزل تنزله ومحلّ تحلّه بحقيقة أمرك ليقف عليها، ويمدّك بما ينهضك فيها. هذا عهد أمير المؤمنين إليك فتدبّره عاملا عليه، متبصّرا بما فيه، عاملا بما يحسن موقعه لك؛ ويزيدك من رضا الله وثوابه، إن شاء الله تعالى. ومنها- ما أورده في رسم تقليد الإمارة على الجهاد، وهذه نسخته. الحمد لله الصادق وعده، الغالب جنده، ناصر الحق ومديله، وخاذل الباطل ومذيله، محلّ النّكب بمن انصرف عن سبيله، ومنزل العقاب بمن تحرّف عن دليله، الذي اختار دين الإسلام فأعلى مناره، ووضّح أنواره، واستخلص له من أوليائه أعضادا لا تأخذهم في الحق لومة لائم، ولا يغمضون عن المكافحة دونه جفن حالم، وجزاهم على سعيهم في نصرته جزاء فيه يتنافس المتنافسون، وإلى غاياته يرتمي بالهمم المجدّون، قصدا من الله تعالى في إعزاز دينه، وإنجاز ما وعد به خلفاءه من إظهاره وتمكينه، وقطّا لشوكة أهل العناد، وتعفية لآثار ذوي الفساد، وتوفيرا لأحاظي من بذل الاجتهاد، من سعداء عباده في الجهاد. يحمده أمير المؤمنين أن اختصّه بلطيف الصّنع فيما استرعاه، ووفّقه للعمل بما يرضيه فيما ولّاه، وأعانه على المراماة عن دار المسلمين، والمحاماة عن ذمار الدّين، ومجاهدة [من] «1» ندّعنهما صادفا، ونكب عن سبيلهما منصرفا، وإبادة من عند عن طاعته واتّخذ معه إلها آخر لا إله إلا هو سبحانه وتعالى عما يقول المشركون علوا كبيرا؛ واستنزالهم من صياصيهم قهرا واقتسارا، وإخراجهم عن بيوتهم عزّا واقتدارا، وإذاقتهم وبال أمرهم [و] «2» عاقبة كفرهم، اتّباعا لقول الله

تعالى إذ يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ «1» . ويسأله أن يصلّي على أشهر الخلق نورا وفضلا، وأطهر البريّة فرعا وأصلا، وأرشد الأنبياء دليلا، وأقصد الرّسل سبيلا: محمد رسوله الذي ابتعثه وقد توعّر طريق الحق عافيا، وتغوّر نور الهدى خافيا؛ والناس يتسكّعون في حنادس الغمرات، ويتورّطون في مهاوي الهلكات، لا يعرفون أنهم ضلّال فيستهدون، ولا عمي فيستبصرون، فأيّده وعضّده، ووفّقه وسدّده، ونصره وأظهره، وأعانه وآزره، وانتخب له من صفوة خلقه، أولياء كاتفوه على ظهور حقّه، سمحوا بالأنفس العزيزة، والأموال الحريزة، وجاهدوا معه بأيد باسطة ماضية، وعزائم متكافية متوافية، وقلوب على الكفار قاسية، وعلى المؤمنين رؤوفة حانية؛ فلمّا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وارتسموا أمره وانتهوا إليه، شركهم معه في الوصف والثناء، وأضافهم إليه في المدح والإطراء، فقال جل قائلا: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ «2» ، صلّى الله عليه وعلى أخيه وابن عمّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سيف الله الفاصل، وسنانه العامل، ومعجز رسوله الباهر، ووزيره المظاهر، مبيد الشّجعان، ومبير الأقران، ومقطّر الفرسان، ومكسّر الصلبان، ومنكّس الأوثان، ومعزّ الإيمان، الذي سبق الناس إلى الإسلام، وتقدّمهم في الصّلاة والصّيام، وعلى الأئمة من ذرّيتهما الميامين، البررة الطاهرين، وسلّم تسليما. وإنّ أمير المؤمنين بما كلّفه الله تعالى من [أمر] «3» دينه ووعده من إظهاره وتمكينه؛ يرى أنّ أفضل ما رنا إليه ببصر بصيرته، ورمى نحوه بطامح همّته، ما شملت الدين والدنيا بركته، وعمّت الإسلام والمسلمين عائدته، وحلّ محلّ الغيث

إذا تدفّق وهمع «1» ، والنهار إذا تألّق ولمع. ولا شيء أعود على الأمة، وأدعى إلى سبوغ النّعمة من علو كلمتهم، وارتفاع رايتهم، وتحصين حوزتهم، وإيمان منصّتهم، وتأدية الفريضة في مجاهدة أعدائهم، وصرفهم عن غلوائهم، واقتيادهم بالإذلال والصّغار، وكبحهم بشكائم الإهوان والاقتسار، ومواصلتهم بغزو الديار، وتعفية الآثار، وإيداع الرّعب في صدورهم، وتكذيب أمانيّ غرورهم، ووعظهم بألسنة القواضب، ومكاتبتهم على أيدي الكتائب: لما في ذلك من ذلّ الشّرك وثبوره، وعزّ التوحيد وظهوره، ووضوح حجّة أولياء الله تعالى على أعدائه بما ينزله عليهم من نصره ومعونته، ويؤيّدهم به من تأييده وعنايته؛ لا جرم أن أمير المؤمنين مصروف العزمة، موقوف الهمّة، على تنفيذ البعوث والسّرايا، والمواصلة بالجيوش والعرايا «2» ، وتجهيز المرتزقة من أولياء الدولة، وحضّ المطّوعة من أهل الملّة، على ما أمر الله تعالى به من غزو المشركين، وجهاد الملحدين، نافذا في ذلك بنفسه، وباذلا فيه عزيز مهجته، عند تسهّل السبل إلى البعثة، ووجود الفسحة، ومعوّلا فيه عند التعذّر على أهل الشّجاعة والرّجاحة من أعيان أهل الإسلام الذين أيقنت ضمائرهم، وخلصت بصائرهم، ورغبوا في عاجل الذكر الجميل وآجل الأجر الجزيل، وأمير المؤمنين يسأل الله تعالى أن يجريه فيما يصدر ويورد، على أفضل ما لم يزل يولى ويعوّد: من التوفيق في رأيه وعزمه، والتسديد في تدبيره وحزمه، ويؤتيه من ذلك أفضل ما آتاه وليّا استخلفه، وأمينا كفّله عباده وكلّفه؛ وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب. ولمّا كنت بحضرة أمير المؤمنين ممن يعدّه لجلائل مهمّاته، ويعدّه من أعيان كفاته، ورآه سدادا للخلل، وعمادا في الحادث الجلل، وسهما في كنانته صائبا وشهابا في سماء دولته ثاقبا، وسيفا بيد الدين قاطعا، ومجنّا عن الحوزة دافعا،

رأى- وبالله التوفيق- أن يقدّمك على جيوش المسلمين، وبعوثهم الشاخصة إلى جهاد المشركين؛ فقلّدك الحرب والأحداث بها، وعقد لك لواء بيده يلوي إليك الأعناق، وينكّس لك رؤوس أهل الشّقاق، وشرّفك بفاخر ملابسه وحملانه، وضاعف لديك موادّ إحسانه، وحباك بطوق من التّبر، مرصّع بفاخر الدّرّ، عادقا هذه الخدمة منك بالنّصيح المأمون، والنّجيح الميمون، الذي تتوضّح فيه أنوار اللّبابة، وتلوح عليه آثار النّجابة، واثقا بما تنطوي عليه من الإخلاص والولاية، وتتحلّى به من الغناء والكفاية، ويفترضه من الاستمرار على سنن الطاعة، والاستقامة على سمت الانقياد والتّباعة، وتوجبه من مناصحة المسلمين، والتشمير في نصرة الدين. فتقلّد ما قلّدك أمير المؤمنين مستشعرا تقوى الله وطاعته في الإسرار والإعلان، معتقدا خيفته ومراقبته في الإظهار والإبطان، مخلص القلب، رابط اللّبّ، واثقا بنصر الله الذي يسبغه على خلصائه، ويفرغه على أوليائه، وآخذا بوثائق الحزم، متمسّكا بعلائق العزم، ناظرا من وراء العواقب، متفرّسا في وجوه التجارب، مقلّصا سجوف الآراء بإضفاء غيار التدبير، ممرّا مرائر التقرير، موغلا في المخاتل والمكايد، حارسا للمطالع والمراصد، يقظان النفس والناظر، متحرّزا في موقف الواني والمخاطر، وأن تتوجه على بركة الله وعونه وحسن توفيقه، ويمن تأييده، بعد أن تتسلّم من الجيوش المنصورة جرائد «1» بعدّة رجال أمير المؤمنين السائرين تحت رايتك، المنوطين بسياستك، وتعرضهم عليها، فتتخيّر من شهرت بسالته وكفاحه، وعتق «2» جواده وكمل سلاحه، وعرف بصدق العزيمة في مقارعة الأعداء، وحسن الطويّة في الإخلاص والولاء، وتستبدل بالورع «3» الجبان، والرّعديد

الضعيف الجنان، الناقص العدّة، المقصّر النّجدة، المدخول النّيّة، النّغل «1» الطّويّة، فإذا كملت العدّة من أهل الجلد والشّهامة، وأولي الحماسة والصّرامة، استدعيت من بيت المال ما ينفق فيهم من مستحق أطماعهم، ومعونة طريقهم، وأجريت النفقة فيهم على أيدي عارضيهم وكتّابهم، فإذا أزحت عللهم فاستصحب من العدد والسّلاح والخيم والأزواد والأموال ما يرهب الأعداء، وينهض الأولياء، وأذّن في مطّوّعة «2» المسلمين، بجهاد المشركين؛ في [كل] «3» بلدة تنزلها، ومحلّة تحلّها، وابذل لهم الظّهر والميرة والمعونة بالسلاح وما يستدعونه، وأرهف عزائمهم في غزو الكفّار، وإجلائهم عن الأوطان والدّيار، واسلك الطريق القاصد، ولا تفارق أهل المناهل والموارد، ولا تغذّ «4» السير إغذاذا تنقطع له الرجال وتتأخّر به الأزواد، ولا تتلوّم «5» في المنازل تلوّما تتصرّم فيه الآماد، ويوجد المشركين مهلة للاحتيال والاستعداد، وراع جيشك عند الحلّ والتّرحال، ولا تباعد بين مضاربهم إذا نزلوا، ولا تمكّنهم من التفرّد إذا ارتحلوا، وخذهم بالاجتماع والالتئام، والتآلف والانتظام، ولا سيّما إذا حصلوا في أرض العدوّ فإنّهم ربّما اهتبلوا «6» الفرصة في المسير المتسرّع، والمبيت المتفرّد، ونالوا منه ما تتوسّم به الهضيمة «7» على أهل الإسلام؛ والعياذ بالله. وإذا دانيت القوم فأعط الحزامة حقّها، مستعملا تارة للدّهاء والخداع، وأخرى للّقاء والقراع؛ فربما أغنت المساترة عن المكاشرة، ونابت مخايل التّلطّف عن مداخل التعسّف، وكفت

غوائل المخادعة، عن مواقف المماصعة «1» ؛ وقد قال إمام الحرب، وزعيم الطّعن والضّرب: «الحرب خدعة» «2» . وإذا عزمت على المصاع والمنافحة، والإيقاع والمكافحة، فبثّ من سرعان الفرسان الذين لا تشكّ في محض نصحهم، ولا ترتاب بصدق نيّاتهم، طلائع تطلعك على الأخبار، وعيونا تكشف لك حقائق الآثار، وتغضّ الطّرف عن مجاوري الديار، ومر من تقدّمه عليهم بأن لا يقتحم خطرا، ولا يركب غررا، وليكن من تنفذه في ذلك [من] «3» أهل الخبرة بالطّرق والساحات، والدخلات والأودية والفجوات، حتى لا يتمّ للعدوّ فيهم حيلة، ولا ينالهم منه غيلة؛ فإذا أتوك بالخبر اليقين، وأقبسوك قبس النّور المبين، بدأت الحرب مستخيرا لله تعالى، مقدّما أمامك الاستنجاح به، واستنزال النصر من عنده، مرتّبا للكتائب، معبيا للصّفوف والمقانب «4» ، زاحفا بالراجل محصّنا بالفارس والرامي مجتنّا بالتارس، واشحن القلب والجناحين بالشّجعان المستبقين، والأبطال الحلاسين «5» ، وأنزل إلى رحى الحرب من خفّ ركابه من الأنجاد الراغبين في علوّ الصّيت والذكر، الطالبين الفوز بالثواب والأجر، واجعل وراءهم ردءا، وأعدّلهم مددا يوازرونهم إن يجئهم ما لا يطيقونه ويحين «6» ، ويطايرونهم على ما خلص إليهم وادعين، وقف من التأخير والإقدام، والنّفود والإحجام، موقفا تعطي الحزامة فيه حظّها، والرويّة قسطها، مصمّما ما كان «7» التصميم أدنى لانتهاز الفرصة، واهتبال الغرّة، متلوّما ما كان «8» التلوم أحمد للعاقبة، وأسلم للمغبّة.

واعلم أنّ ريح النصر قد تهبّ للكافرين على المسلمين؛ فلا يكن ذلك قادحا منك في الدّين، فإن الله تعالى يستدرج بسنّة الباطل لا بسنّة الإظفار، ويريهم الإقدار في مخايل الأقدار، حتى إذا فرحوا بما أوتوا أوردتهم كواذب أمانيّهم موارد الهلكة، وأخذوا بغتة، ودالت دولة الحق لأوليائها مرفوعة الأعلام، آخذة بنواصي العداة والأقدام؛ وتحقّق أنّ الأمور بخواتيمها، والأعمال بتمامها؛ وأنه وليّ [المؤمنين] «1» . ما جمع موقف فئتي شكّ ويقين، وكفر ودين، إلّا كان الفلج والنصر لأهل التّقى والدّين، والخسارة والبوار على الشاكّين الكافرين، تصديقا لوعده تعالى إذ يقول: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ «2» وتحفظ بنفسك ولا تلقها في المهالك متهوّرا، ولا ترم بها في المتالف مخاطرا، ولا تساعدها على مطاوعة الحميّة والنّخوة، وتحرّز قبل السّقطة والهفوة، فإنك- وإن كنت واحدا من الجيش- أوحدهم الذين يتبادرون إليه، ويعتمدون في السياسة عليه؛ وما دمت محفوظا ملحوظا فالهيبة عالية، والعين سامية؛ وإن ألمّ بك- والله يعصمك- خطب، أو نالك- والله يكفيك- ريب، توجّه الخلل، وأرهف حدّ الوهن والشّلل. وإن دعتك نفسك إلى الجهاد، وحملك تصرّفك على الكفاح والجلاد، فليكن ذلك عند الإحجام، وتزلزل الأقدام: فإنّ ذلك يشحذ عزائم المسلمين، ويقوّي شكائم المتأخّرين، غير مضيّع للحذر، في الورد والصّدر؛ وكذلك فاحرس أماثل القوّاد، ووجوه الأجناد، الذين تشفى صدور الكفّار بمصارعهم، وتنقع غللهم بمضايعهم، وحام عنهم حماية الجفون عن المقل، وصنهم صيانة الصّوارم من الخلل، ودافع عن كافة [جند] «3» المسلمين المرتزقين والمتطوّعين، فإنّ الله تعالى قد كافى بين دمائهم، وسوّى بين ضعفائهم

وأقويائهم؛ على أنه سبحانه قد وعدهم عن بذل الأنفس في مجاهدة الملحدين، وإبادة المشركين، الجزاء الجسيم، والنعيم المقيم، والبقاء الذي لا يعتوره فناء، والجذل الذي لا يعترضه انقضاء. وقدّم على الأساطيل والمراكب الحربيّة وأعمالها ورجال البحر من تختاره لذلك من أماثل الأمراء المشهورين بالشّدّة والنّجدة، والبصارة والمهارة والخبرة بشقّة البحر والقتال فيه، ومره بالتّسحيل «1» وملازمة السّيف والإرساء من الشّطوط بحيث يتأمّل مضاربك، ليكون ما حمل عليها من ميرة وعدّة قريبا منك؛ فإن نازلت ثغرا من ثغور الساحل فاملأه بالخيل من برّه، وبالسفائن من بحره، واستخدم لحفظ ما فيها من الأزواد والأسلحة والعدد والنّفط ودهن البلسان والحبال والعرّادات «2» وغيرها من الآلات من تثق بأمانته ومعرفته، وتقدّم إليهم بالحوطة على ما يخرجونه من العواري «3» واسترجاعه بعد الغنى عنه، واستظهر بذلك استظهارا يحمد موقعه لك، ويعرف به رصين رأيك، وسديد مذهبك. واستخلص لمجالستك من أهل الأصالة والحزم، والرّجاحة والفهم، والدّراية والعلم، والتجارب في ممارسة الحروب، وملابسة الخطوب، من ترجع إلى رأيه فيما أشكل، وتعتمد على تجربته فيما أعضل؛ ولا تستبدّ برأيك فإنّ الاستبداد يعمّي المراشد، ويبهم المقاصد. ولمّا كانت الشّورى لقاح الأفهام، والكاشفة لغواشي الإبهام، أمر الله تعالى بها نبيّه عليه السلام فقال: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ «4» .

ولا تشاور جبانا ولا مثبّطا عن انتهاز الفرصة الممكنة، ولا متهوّرا يحملك على الغرّة المهلكة، وتأنّ في الآراء فإنّ التأنّي يجمّ «1» الألباب، ويجلو وجه الصواب، ويقلّص سجوف الارتياب، واضرب بعض الآراء ببعض وسجّلها، وأجل فكرك فيها وتأمّلها؛ فإذا صرّحت عن زبدتها، وانشقّت أكمامها عن ثمرتها، فأمض صحيحها، واعتمد نجيحها؛ وإذا استوى بك وبالعدوّ مرحى «2» الحرب فحرّقهم بنار الطّعن، وأذقهم وبال أمرهم، وعاقبة كفرهم، ولا ترقّ لهم واتّبع ما أمر الله تعالى به في الغلظة عليهم، فإنه يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ «3» ؛ فإن جنحوا للسّلم والموادعة مصانعين، فقابل بالقبول، فإن الله تعالى يقول: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ «4» . وابذل الأمان لمن طلبه، واعرضه على من لم يطلبه، وف لمن تعاهده بعهده، واثبت لمن تعاقده على عقده، ولا تجعل ما تفرطه من ذلك ذريعة إلى الخديعه، ولا وسيلة إلى الغيلة: فإن الله سبحانه وتعالى يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «5» ، ورسوله صلى الله عليه وسلم يقول: «الناس عند شروطهم» ، وإذا أعانك الله على افتتاح معاقل المشركين، واستضافته إلى ما بأيدي المسلمين، فارفع السيف عن قاطنيه، واعتمد اللّطف بالمقيمين فيه، وادعهم إلى الإسلام، واتل عليهم ما وعد الله به أهله من كريم المقام؛ فمن أجابك إلى استشعار ظلّه، والاعتصام بحبله، فافرض له ما تفرضه لإخوانك في الدّين، واضمم إليهم من علماء المسلمين من يبصّرهم ويرشدهم، ويثقّفهم ويسدّدهم، وخيّر من آثر المقام على دينه بين تأدية الجزية، والاستعباد والمملكة؛ فإن أدّوا الجزية فأجرهم مجرى أهل الذمّة المعاهدين، وخصّهم من الرّعاية بما أمر به في الدين، وإن أبوا ذلك فإن الله تعالى قد أباح

دماء رجالهم، واستعباد ذراريّهم ونسائهم، وابتن بالمعقل مسجدا جامعا يجمّع فيه بالمسلمين، ويخطب على منبره لأمير المؤمنين، وارفع منارته حتّى تعلو على كنائس المشركين، وانصب فيه إماما يؤدّي الصلاة في أوقاتها، وخطيبا مصقعا يخطب الناس ويعظهم، ومكبّرين يدعون إلى الصلوات، وينبّهون على حقائق الأوقات، وقوّاما وخدّاما يتولّون تنوير مصابيحه، وتعهّد تنظيفه وفرشه، وأطلق لهم من الأرزاق والجرايات ما يبعثهم على ملازمته ويعينهم على خدمته، واحتط على من يحصل في يدك من أسرى المشركين، لتفدي بهم من في قبضتهم من أسراء المسلمين، وإذا عرضوا عليك الفداء فاحذر من خديعة تتمّ فيه، أو حيلة تتوجّه في افتكاك معروف منهم بمجهول من أهل الإسلام؛ وإن كان الله تعالى قد فضّل أدنياء المسلمين على عظماء الملحدين، ولم يسوّ بينهم في دنيا ولا آخرة ولا دين، إلا أنّ هذا مما يوجب الحزم الحوطة فيه؛ وإن ظفرت بنسيب لطاغيتهم المتملّك عليهم أو خصيص «1» به فاحمله إلى حضرة أمير المؤمنين، ليقرّبها رهينة على من قبلهم من المأسورين، وسبيلا إلى انتزاع ما يبذلونه في فدايته من المعاقل والحصون. وقد أمضى لك أمير المؤمنين أن تعقد الهدنة معهم إذا رغبوا فيها على الشرائط التي تعود بعلوّ كلمة الملّة، وتجمع الخواطر والاستظهار للدولة؛ فعاقدهم محتاطا، واشترط عليهم مشطّا، وتحرّز في العقد ممّا يوجب تأوّلا، ويدخل وهنا، ويطرّق وهيا، وتحفّظ بجوالي «2» المعاهدين والأموال المقبوضة في فداء الغلّات والغنائم وسبي المشركين حتى يحمل ذلك إلى بيت مال المسلمين، فينظر أمير المؤمنين في تفريقه على مستحقّه، وإيصاله إلى مستوجبه، وافحص عن أحوال المستأمنين إليك تفحّصا يكشف ضمائرهم، ويبلو سرائرهم،

وتحرّز منهم تحرّزا يؤمّنك مكايدهم وحيلهم، وخدائعهم وغيلهم، وإذا نازلت حصنا من حصون الكفار، فكن على يقظة من مخاتلهم في الليل والنهار، وانصب الحرس والأرصاد، واحذر الغرّة ولا تهمل الاعتداد: لتعرّف أعداء الله أن طرفك ساهد، وجنانك راصد، وتفقّد أمر الجيش وأزح علّة من ترقبه في الأطماع والمواكدات، ومطّوّعته في المعاون والجرايات، ولا تغفل عنهم غفلة تضطرّهم إلى الانفلال، وتدعوهم إلى الانفصال؛ وأحسن إلى من حسن في الكفاح أثره، وطاب في الإبلاء خبره، وعده عن أمير المؤمنين بالحباء الجزيل والعطاء والتّنويل، فإنّ ذلك قادح لعزائم الأولياء، باعث لهم على التصميم في اللّقاء؛ فإذا أنت- بمشيئة الله- شفيت الصّدور، واحتذيت المأمور، وأعززت الدين، وذللت الملحدين، ودّوخت البلاد، ونكّست رؤوس أهل العناد، فانقلب بعساكر أمير المؤمنين، ومطّوّعة المسلمين، إلى حضرته واثقا بجميل جزائه، وجليل حبائه، وطالع في موردك ومصدرك؛ بما يجدّده الله لك ويفتحه على يدك، واذكر ما أشكل عليك ليمدّك أمير المؤمنين بالتبصير والتوقيف، والتعليم والتعريف، واستعن بالله فهو خير معين، وتوكّل على الله فإنه نعم الوكيل. هذا عهد أمير المؤمنين إليك، فاعمل به وانته إليه يسدّد الله مساعيك، ويصوّب مراميك، إن شاء الله تعالى. قلت: وأورد في خلال ذلك من تقاليد أرباب السيوف جملة أسقط من صدرها التحميدات. ما أورده في رسم تقليد الإمارة على قتال أهل البغي أن يقال بعد التحميد ما مثاله: وإن الله تعالى أوجب طاعة أولي الأمر على كافّة المؤمنين، وأكّد فرضها على جميع المسلمين، فقال جل قائلا، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «1» ، علما منه تعالى بأنّ الطاعة ملاك الأمر ونظامه،

ومساك الجمهور وقوامه، وأنه لا تتمّ سياسة مع الشّقاق والانحراف. وأمر سبحانه باستتابة من ألقى العصمة من يده، ونبذ الطاعة وراء ظهره، بشافي المواعظ والتبصير، ونافع التنبيه والتذكير؛ فإن أقلع وتاب، ورجع وأناب، وإلا جوهد وقوتل، وقوبل بالرّدع حتى يقبل ويعتصم بالطاعة، وينتظم في سلك الجماعة، فقال تعالى: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما «1» ، وقال: فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ «2» . وإنّ الغلاة «3» فارقوا اجتماع المسلمين، وانسلخوا من طاعة أمير المؤمنين، نابذين لبيعته، شائين بطل دعوته، وشقّوا عصا الإسلام، واستخفّوا محمل الحرام، واستوطئوا مركب السيئات والآثام، وعرّجوا عن قويم السّنن، وسمّوا بأراذل البدع أفاضل السّنن، وسعوا في الأرض بالفساد، وجاهروا بالعصيان والعناد؛ وكاتبهم أمير المؤمنين مبصّرا، ومعذرا منذرا ومخوّفا محذّرا، ودعاهم إلى التي هي أصلح في الأولى والأخرى، وأربح في البدء والعقبى، وأعلمهم أنّ الله تعالى لا يقبل صلاتهم ولا صيامهم، ولا حجّهم ولا زكاتهم؛ ولا يمضي قضاياهم ولا حكوماتهم، ولا عقودهم ومناكحاتهم، ما داموا على معصية إمامهم، ومفارقة وليّ أمرهم، الذي أوجب عليهم طاعته، وفرض في أعناقهم تباعته، وتابع في ذلك مواصلا، ووالاه مكاتبا ومراسلا، فأصرّوا على العقوق، واستمرّوا على اطّراح الحقوق، ودعوا إلى الأسوإ لها من إقدام الجيوش عليهم، ونقل العساكر إليهم، ومقابلتهم بما يقوّم أودهم، ويصلح فاسدهم ويزع جاهلهم، ويوقظ غافلهم. وإنّ أمير المؤمنين تخيّرك للتقدّم على الجيش الهاتف نحوهم: لما يعلمه من شهامتك وصرامتك، وسدادك وسياستك، وإخلاصك ووفائك، وكفايتك وغنائك؛ (ويوصف بما تقتضيه منزلته، والأمر الذي هو أهل له) ، وهو يأمرك أن

تقدم النفوذ إليهم مستنجحا دعاء أمير المؤمنين، مستنزلا لصروف الغالبين، مستشعرا لباس التقوى، في الإعلان والنّجوى، فإذا نازلتهم في عقر دارهم، فأذقهم بالمضايقة وبال أمرهم، واسلك بهم سبيل أمير المؤمنين وافتتحهم بالإرشاد، وحضّهم على ما يقضي بصلاح الدنيا والمعاد؛ فإن استقاموا وتنصّلوا وراجعوا ورجعوا فأعطهم الأمان، وأفض عليهم ظلّ الإحسان، وإن أصرّوا وتمرّدوا، وجاهدوا واعتدوا، فشمّر لمنازلتهم، وصمّم في مقاتلتهم، واثقا بأن الله تعالى قد قضى بالنصر لأولياء أمير المؤمنين وأهل طاعته، والخذلان لأعدائه وأهل معصيته، إبانة بذلك عن تأييده لمن اعتصم بحبله، ودفعه لمن انسلخ من ظلّه، وحجّة بالغة لمن تمسّك بطاعته، وموعظة شافية لمن استخفّ بحمل معصيته؛ فإن ملّكك الله تعالى البلاد، وطهّرها من أهل الفساد، وشرّد عنها الدّعار والأشرار، إلى أقاصي الدّيار، فاجبب نواعق الفتنة والضّلالة، وعفّ آثار ذوي الغيّ والجهالة، وأسبغ الأمن على أهل السّلامة، وأفرغ العدل على من سلك سبيل الاستقامة، وأجر الأمر في الخطبة لأمير المؤمنين على الرّسم المحدود، والمنهج المعهود، وطالعه بما انتهيت إليه، ليكاتبك بما تعتمد عليه. ويضمّن هذا العهد ما يقع فيه من شروط العهد المتقدّم، ويؤمر أن لا يستصحب من الجند إلّا من يثق بإخلاصه وصفائه، ويسكن إلى أمانته ووفائه، وأن يرفض المدخول النّية، النّغل الطويّة، فإنه لا شيء أضرّ على المحاربة من لقاء عدوّ بجيش مخامرين، وجند مماكرين؛ وقد يكون في العساكر من يداهن ويظهر الخدمة وهو في مثل العدوّ: إما لأنّ بينهما سالف وداد وولاية قد تأصّلت بإطماع وإفساد، أو يكون لسلطانه قليل الإحماد. وهذا الذي أوردناه ليس بمثال جامع وإنما هو الذي يتميز به هذا العهد عما تقدّمه، والكاتب إذا احتاج إلى استعماله رتّبه وقدّم ما يجب تقديمه، وأخّر ما يجب تأخيره [وأضاف إليه ما تجب] «1» إضافته؛ إن شاء الله تعالى.

وهذه نسخة سجلّ بولاية مصر، وهي: الحمد لله، الموفّق إلى دواعي رضاه، المحسن العون على ما أوجب المزيد من إفضاله واقتضاه، المثيب على ما هدى إليه من طاعته، القابل عمل من استنفد في الشكر أقصى طاقته، المتكفّل بمصالح عباده، المولي من مواهبه ما تعجز الخواطر والألسنة عن تعداده، وصلّى الله على جدّنا محمد الذي جعل اتّباعه سبيلا إلى سكن جنّات الخلود، وآلت بهداه نار الكفر إلى الهمود والخمود، وأنقذ من مهاوي الضّلال، ووسم من حادّه وحاد عن سبيله بالصّغار والإذلال، وخلّف في أمّته الثقلين كتاب الله وعترته، وأبقى بهما فيهم آيته وهدايته، وعلى أخيه وابن عمّه أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب مبرم أسباب الشريعة ومحكمها، ومطلق سيوفه في نفوس أعداء الملة ومحكّمها، وباب مدينة علم النّبوة التي لا يدخل إليها إلّا منه، وسيد من عناهم الله بقوله: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ* «1» وعلى آلهما الأئمة الهداة قوّام الإسلام، وساسة الأنام، وخلفاء الله في أرضه، والموفين بعهده والآمرين بأداء سنّته وفرضه، وركن العصمة الذي من لجأ إليه نجا، والحصن الذي ما خاب من أمّه فرجا منه فرجا، وسلّم وعظّم، ووالى وكرّم. وإنّ أمير المؤمنين- لما أودعه الله إيّاه من أسرار الحكمة، واجتباه له من إمامة الأمّة، واختاره له من كلاءة الخليفة وإيالتها، وحفظ حوزتها من المخاوف ورعايتها، وما خصّه به من بنوّة النبوّة والرّسالة، وأفرد به رأيه من الجزالة والأصالة، واكتنف به أنحاءه من التوفيق الذي لا يصدف عن غرض الإصابة ولا يحيد، وعضّده به من التأييد القاضي لعزائمه ببلوغ الغرض في نصرة التوحيد، واستودعه إياه من الإقبال الذي يجعل المستحيل لمراده إمكانا، والتأييد الذي أوضح به لإمامته برهانا، وتوحّده به من العصمة التي تصيب بها مراميه مواقع الرّشاد، وتضمن الخيرة لما يعانيه من الأمور مما سدّ وساد- يعمل خواطره فيما يكفل للنفوس برضاها، ويجزل للدّين والدنيا به حظاها، وتتظاهر به ضروب الصلاح على

الأمة، وتحيا به سنن الخيرات وتتمّ النعمة، وينظر لمن استودعه الله إيّاهم من بريّته نظر المؤدّي الأمانة إلى مؤتمنه، المستودع فيما يتقرّب به إليه من البرّ شكر سوابغ منائحه ومننه، ويقرّب على الأمة منال الخير باصطفائه من يكون لأفاضل الشّيم مستكملا، وإلى ما أزلفه إلى الله سبحانه من طاعة أمير المؤمنين متوصّلا، ولشواذّ الثناء بفاضل سيرته متحلّيا، وللتسمّح في قوانين السّياسة مجتنبا؛ ولما علم [رغبة] «1» الرعية فيه منتصبا، وفيما بلّغهم أقصى الآمال متسبّبا، وبمراقبة الله فيما يأتي ويذر متديّنا، وبحسن الجزاء على العمل بمرضاته متيقّنا: ليكون أمير المؤمنين قد قضى [ما أوجبه عليه] «2» مستخلفه باجتبائه واصطفائه، واستحمد إليه بإسناد جلائل الخدم إليه واستكفائه، وأتى ما تكون السلامة مضمونة في مباديه وعواقبه، وأحظى نبيل المراد في جميع جهاته وجوانبه، مستديما نعم الله التي أسداها إليه وأولاها، مواصلا حمده على مننه التي ظاهرها عليه ووالاها، ويستعينه على لوازم عوارفه التي من أجلّها خطرا، وأحمدها في البريّة أثرا، وأجمعها لمنافع الخاص والعام، وأعودها بحماية حوزة الإسلام، وأشهدها ببراهين الأئمّة، وأدلّها على عناية الله بهذه الأمّة، ما منحه أمير المؤمنين من موازرة فتاه ووزيره، ومعينه على المصالح وظهيره، السيد الأجل العادل أمير الجيوش أبي الحسن عليّ الظافريّ «3» ،- والدعاء- الذي أظهر الله به لأمير المؤمنين آيات حقوقه، واستأصل ببأسه شأفة من تتابع في مروقه وبالغ في عقوقه، وكسا الدهر بإيالته ملابس الجمال، وفسّح بفاضل سيرته مجال الآمال، وبذل من الجهاد غاية الاجتهاد، ووالى من عمارة البلاد ما أنطق بحمده الجماد، واستخلص نخائل الصّدور «4» بلطف سياسته ووسع عدله، ورغبت غرائب الآمال في الإيواء إلى سابغ فضله، وتبارت الليالي والأيام في خدمة أغراضه في أعاديه، واسترقّ قلوب الأولياء بما يواليه من بيض أياديه، ووضع الأشياء في مواضعها غير محاب ولا مرخّص، ولم

يحظ بأيامه النيّرة غير الطائع المخلص، ولم ينفق للباطل سوق، وأتت سيرته بما يرضي الخالق والمخلوق؛ فالله تعالى يجعل مدّته غير متناهية إلى مدى، والنصر والتوفيق لآرائه مددا، ويخلّد أبدا سعده، وينجز لأمير المؤمنين على يده وعده. ولما كانت منزلته عند أمير المؤمنين المنزلة التي تتطامن دونها المنازل والرّتب، وجلّت أن ينالها أحد ممن بعد أو قرب، وأفعاله قدوة يهتدى بأمثالها في الشّكوك، وسيرته قد عظمت عن أن تتعاطى مماثلتها همم الملوك، ومحلّه عنده من الكمال بحيث تستحكم الثّقة باختياره، ويرجع في عقد الأمور وحلّها إلى اتّباع آثاره وموافقة إيثاره، وكانت مراتب الأولياء عند أمير المؤمنين بحسب مراتبهم من قربه، وموضعهم من رضاه مضاهيا لموضعهم من قلبه، ومكانهم من الحظوة لديه مناسبا لمكانهم من الزّلفة عنده، وأحقّهم بسناء الرّتب من أقبسه زنده وكساه مجده، ولا سيّما من لم يخرج منه عن حكم الولد، وحلّ منه محلّ القلب من الكبد، ونشأ في دوحته غصنا نضيرا، وطلع في سماء جلاله قمرا منيرا، واعتلى بجدّه، وقطع بحدّه، وتظاهرت شواهد سعده في مهده؛ وكنت أيها الأمير الحاوي لهذا الفضل المبين، المعتلق من ولاء أمير المؤمنين بالحبل المتين، الذي نشأ متوقّلا في درج المعالي، وغدا متقيّلا في ظلال الصّوارم والعوالي، وأخذت بمراشد السيد الأجلّ العادل فزدت عن الظّنون وأوفيت، ووعدت عنك فصدّقت ضمانها ووفّيت، وما زلت بعين الإجلال والتعظيم ملموحا، وبأفضل خلال الرّؤساء ممنوحا، ولجلائل المراتب مؤهّلا، وبلسان الإجماع مفضّلا، ولما أعيا من أدواء النّفاق حاسما، وفي مواقف المخاوف رابط الجأش حازما، ولما يعدّ الأماجد له مذخور المضاء، وفيما تعانيه وتلابسه موفّق الآراء؛ وقد اكتنفك من اتّباعك هدي السيد الأجل العادل- أدام الله قدرته وولاءه- ناصر الدين، الأجل المظفّر المقدّم الأمين، سيف الإمام، ركن الإسلام، شرف الأنام، فخر الملوك، مقدّم الجيوش، ذي الفضائل، خليل أمير المؤمنين، أبي الفضائل عبّاس «1»

الظافريّ العادليّ، أدام الله به الإمتاع، وعضّده وأحسن عنه الدّفاع، الذي هو فخر الملوك ونجلهم، وأثراهم من المفاخر وأجلّهم، وأقدمهم في الرياسة قدما وأعرقهم، وأطيبهم أرج ثناء وأعبقهم- ما جعلك أعلى الأعيان مفخرا، وأكرم الجواهر عنصرا، وأولاهم بآلاء أمير المؤمنين وعطائه، وأسبقهم في مضمار اختياره واجتبائه، وأثبتهم عنده مكانة، وأحراهم في خدمه بتأدية الأمانة؛ وقد عرف من مواقفك المشهودة، ومقاماتك المحمودة، ما كان منك في نوبة ابن مصّال «1» وجموع ضلاله، وما استفاض من كونك سبب انهزامه وانفلاله، وانقلاب تدبيره عليه وانعكاسه، والتفريق بين جسده وراسه، وحصل لك بذلك من إحماد أمير المؤمنين ما لا يبلغ الوصف مداه، إذ كان قد جرّد سيف نصر والدك الأجل المظفّر وأنت حدّاه، رأى أمير المؤمنين- وبالله توفيقه- أن لا يضيّع ما فيك من جوهر مكنون، ولا يرجع في أمر نباهتك إلى ما تدل عليه السّنون؛ إذ كنت للكمال مع فتاء السّنّ حائزا، وبمزيّة اصطناع أمير المؤمنين واختياره إيّاك فائزا؛ وفاوض السيد الأجلّ العادل- أدام الله قدرته- في تشريفك بولاية يكشف بها شفوف جوهرك، ويوضّح لكافّة البريّة بما شرتك إيّاها ما استقرّ عنده من جميل مختبرك، ووقع التعيين على تقليدك ولاية مصر وما مع ذلك من الصّناعتين وغير هما من حقوقهما، فأمضى أمير المؤمنين ذلك لما لهذه الولاية من الحظوة بالقرب والدّنوّ، وليوفّر على الإيثار على أن يبلّغ نظرك إلى غايات العلوّ والسموّ، وخرج أمره إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجل بتقليدك الخدمة المذكورة: علما بانتظام شؤونها بإيالتك، وحياطة حوزتها بسطاك ومهابتك، وتحقّقا أنّ بسياستك تعمّها المصالح، وتتظاهر عليها الميامن والمناجح، وتظهر لها الحجة في الافتخار، على سائر

الأمصار، وتستأنف بمقارنتك من الميزة ما لم تحظ به فيما سلف من الأعصار، ويتضح بك البرهان لمن بالغ في تفضيلها، وتنال من فائض العدل بسيرتك ما تكاد تغنى به عن نيلها؛ فتقلّد ما قلدك أمير المؤمنين من ذلك: معتمدا على تقوى الله الذي إليه تصير الأمور، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور؛ قال الله تعالى في محكم كتابه المبين: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ «1» ، واجعل من تحويه هذه المدينة بالعدل مشمولين، وعلى أجمل السّيرة والرسوم محمولين، وساو في الحكم بين الشريف والدّنيّ، وآس في المقدار بين الملّيّ والذّمّيّ، وأقم الحدود على من تجب عليه بمقتضى الكتاب وصحيح الآثار، ولا تتعدّها بإقلال ولا إكثار. وفي هذه المدينة من ذوي الأنساب، وأعيان الأجناد ومتميّزي الكتّاب، وأماثل الشهود: فاعتمد تمييزهم والاحتفاء بهم، ومعونتهم على مطالبهم ومحابّهم، وكذلك من تضمّنت هذه الولاية من التّجّار والرعية، وتوخّهم بما يسكّن جاشهم، ويزيل استيحاشهم، ويفسح لهم في الرجاء والأمل، ويعينهم على صالح العمل؛ وتقدّم بحفظ الجامع العتيق «2» وصونه وتوفيره، على ما يليق به وتوقيره، وامنع من ابتذاله في غير ما جعل له، ونصب له، من الإعلان بذكره فيه وأهله، ووفّر تامّ العناية، وشامل الرّعاية، على من به من الفقهاء والعلماء والمتصدّرين والقرّاء، وحضّهم بالتكرمة على المبالغة في طلب العلوم، والتزوّد من صالح الأعمال ليوم الوقت المعلوم، وخذ جميع المستخدمين معك بلزوم الطرائق الحميدة، والمقاصد المستوفقة السديدة؛ فمن استمرّ على ما ترضاه من اجتهاده، وتستوفقه من صواب اعتماده، أجريته على رسمه في الرعاية، وتوخّيته

بالصون والحماية، ومن كان بالخدم مخلّا، وسلوكه عما يلزمه ضالّا مضلّا، فأوعز بتأديبه، وما يقضي بتقويمه وتهذيبه؛ والثّقة بوفور حظّك من الصواب، وإجرائك على ما يناط بك على الاستتباب، أغنى عن الإطالة لك في الوصايا والإسهاب؛ والله تعالى يقرن الخير بما تنظر فيه، ويجعل التوفيق مضمونا فيما تذره وتأتيه، وينيلك من رتب السعادة ما أنت له أهل، ويتمّ نعمته عليك كما أتّمها على أبويك من قبل؛ فاعلم هذا واعمل به، إن شاء الله تعالى. ومن السجلات بالوظائف الدينيّة على هذه الطريقة ما كتب به القاضي الفاضل عن العاضد بولاية بعض القضاة، وهو: الحمد لله الواسعة عطاياه، الوازعة قضاياه، المشتملة على أقسام الخلق قسمه، المبرور في سؤالهم يوم فصل القضاء قسمه، المسطور في كتابه الذي ما فرّط فيه من شيء محلّل الشرع ومحرّمه، المتمثل فيه لمن مثله مطاع الأمر ومسلّمه، الكريم الذي لا يضيع ثواب العاملين، ولا يقطع أسباب الآملين، ولا يمنع طلاب السائلين، العدل الذي قامت حجّته على الناكبين والعادلين، والحقّ الذي يقضي بالحقّ وهو خير الفاصلين، مصفّي مشارع الشريعة من أعراض الكدر، وحامي معاقل الملّة من انتقاض المدر «1» ، ومنزّه أوليائه من محاسنها في رياض الفكر، ومعرّفهم بما عرض عليهم من إنافتها لارتياض النظر، وارتكاض «2» الفطن والفطر، جاعل الحكم سلطانه الذي يأوي اللهيف إلى ظلّه، وحماه الذي يلجأ الضعيف إلى عدله، ومفزع الرائع «3» الذي يقف المشروف

والشريف عند فصله، وشفاء العلل الذي يذهب بكل [ما في] «1» صدر من علّة، ومشرع الإنصاف الذي يفضي إلى الظّمإ فيض سجله، وموعد الخلائق يوم تطوى السماء كطيّ سجلّه، ومظهره ليظهر به هذا الدين على الدّين كلّه، والآمر فيما أشكل منه بالتعريج إلى مستنبطه من أهله، وجاعل الأئمة الهادين الحجج على من رجع إلى قياس عقله أو تقليد جهله، وأحد الثقلين الذي يخفّف عن كلّ غارب كل ثقله، وأخوه الكتاب فلن يفترقا حتّى يردا الحوض يوم نهله وعلّه، وصراطه المستقيم الذي من أتى اليوم فيها بزلّة رأيه أتى غدا بزلة فعله، ومنار الأنوار المضروب على طرق الساري في ليل الضّلال وسبله، وسبب العصمة التي أشار فيها إلى الاعتصام بحبله؛ وصلّى الله على جدّنا محمد الذي عظم به جدّنا، واعتلق بسببه مجدنا، ووجب به على كل من وادّ الله ورسوله ودّنا، وأورثنا من علمه ما حاز لنا شرفي الدين والدّنا، وحلم به نجير من ضاقت به المذاهب فرجا فرجا، وحكّمه المشركون فيما شجر بينهم فلم يجدوا في أنفسهم بما قضى حرجا، وعلى أخيه وابن عمّه، القائم مقامه بفصل حكمه وفضل علمه، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الذي حرز له من المكرمات لبابها، وطابت بغبار حلمه إقامة الألباب وإلبابها، وميّزه على الكافة بقوله: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» وشهد طورا بأنه أفتاهم، فعلم أنه أقربهم به شبها وفي مدى الفضل أقصاهم، وعلى الأئمة من ذرّيتهما الذين أنعموا فأجزلوا، وحكموا فعدلوا، وحمّلوا ثقل الأمانة فحملوا، وجاهدوا في سبيل الله فعلوا بما فعلوا، واستوجبوا الحمد بما أولوا والأجر بما ولّوا، صلاة مأمونة من الشبهات، متوضّحة الشّيات. ولما كان حكم الصواب في الحكم بين الناس أن يختار من بان صوابه واتّضح، وبان عنه حكم الهوى الذي فضح، وأصغى ضميره إلى لسان الحقّ الذي فصح، وعرض جوهره على محكّ النّقد فصحّ، وميّز بينه وبين الرجال فثقل وزنا ورجح، واحتجّ به الإسلام على من نوى مناواته فنجح، وولي الأحكام بين

المسلمين فأصلح وصلح، وتسمّح إذا كان الحقّ له وإذا ما كان فيه فما أسمح ولا سمح «1» ، وجدّد جدّه من معالم العلوم ما صحّ رسمه وأمحّ «2» ، وأطلعته على خفايا المشكلات بديهة فكره لمّا لمح، وملك عنان هواه رأيه فجنح إلى هواه وما جمح، وشرح صدر الاختيار بما ملأ الأخيار من محاسنه وشرح، وتعالى الاقتراح لهذه المرتبة فكان وفق ما أراد وفوق ما اقترح، وتشبّث بعين الأعمال الصالحة وتمسّك، وتنزّه عن داء يلازمها وأعراض تشينها وتنسّك، وكثر الخوض في الباطل فإما صدع بالحق وإمّا أمسك، وأعدى فصله وفضله على من شكا أو شكّ، وغضّ عينيه عمّا أعطي سواه ومتّع به، واشترى طول راحته بنصيبه الآن من نصبه، وحسره «3» النعمة من تعبه، وأيس الظالم من ممالاته ومبالاته، وطمع المظلوم بقرب إعاناته وبعد إعناته «4» ، ومرّ مرّ الدهر وحلا حلوه فلم يشهد باستمالاته عن حالاته، ولم يرض أحد به حكم صرف دهر يجري بأذاته، ولا كشفت منه التجارب إلا عن البصائر التي تروق السّمّاع والنّظّار، والحسنات التي قضت بصائرها بقضاء مناظرة الأنظار، والديانة التي عمرت المحاريب في الليل وأطراف النهار، والأمانة التي استمسك عقدها فما خيف عليه أن يتداعى ولا أن ينهار، والصيانة التي استوى فوق مركبها فحلّت بجنّات عدن تجري من تحتها الأنهار. ولمّا كنت أيّها القاضي ملتقى هذه الأوصاف وطيّعها، ومشرق نحرها ومطلعها، وملقى عصا ارتيادها ومنجعها، ومورد فرط تلك الأموال ومشرعها، ومراد هذه السّمات التي تقع منك موقعها، وتألف عندك موضعها، وأصل هذه المحامد التي إن استعلقت بسواه فمنه فرّعها، وقارع صفاة هذه الذّروة التي ما كان لغيره أن يقرعها، ومن تعدّه الخناصر أتقى كفاة الرتب وأورعها، وأبلج أباة الرّيب وأردعها، وأشدّها قياما ومقاما في ذات الله وإن كان له أطوعها، وأمضاها حدّا إذا

كف الباطل الغروب، وأشرقها شمسا لا تتوارى بحجاب الغروب، وأقواها سلّة في تنفيذ حكم حقّ إذا ضعف الطالب والمطلوب، وأنقاها صحيفة بما أودعها من نور العمل المكتوب، وأبداها زهدا في دنياه إذا أنموا بوعدها الكاذب أمل إيتائها المكذوب، وأدومها مصاحبة لشكر لا يستقلّ به رفيقها المصحوب، وأقومها طريقة في الحسنات فما طريقه إلى الحوب بملحوب «1» ، وأقواها طمأنينة قلب إلى ذكر الذي تطمئنّ به القلوب، وأنهضها عزما بما أعيا الهمم من تكاليف الطاعة وآد «2» بسمع وبصر وفؤاد، وأقدرها على مجاهدة الشهوات أشدّ الجهاد وأنظرها لنفسه في تحصيل عمل يشهد له يوم قيام الأشهاد، وأمهدها لجنبه وذخائر التقوى نعم المهاد. وإلى اليقين «3» الذي ظهرت شواهده، والعمل الذي جمعت إليك شوارده، والدّين الذي صفت إليك موارده، والعلم الذي هبّت بمذاكرتك رواكده، والفهم الذي تظاهرت بمناظرتك مراشده، والنظر الذي ألقى فرسان الجدال بالجدالة «4» ، والأثر الذي يقضى به عليك بالعدالة، والمحاماة عن الحقّ بما يقضي لمخالفه بالإذالة ولمؤاليه بالإدالة، والإرشاد الذي ما بدا لفهم الشاكّ إلا بدا له، والفتيا التي ضربت ثبج الباطل بسيوفها، وحلّت مسامع المستفيدين بشنوفها، والجلالة التي لا يملّ مسموع أوصافها، والعدالة التي لا يملّ «5» مشروع إنصافها؛ وكم ليلة أغمدت ظلامها في نور التهجّد والناس هجود، وسكّنت جفون مناقبها بيقظات السّجود، وأنشأت الخشية غمامها فاطفأت بماء الدمع النار ذات الوقود، وبلغت رياضة الجوارح التي تريد ورياض القلب التي ترود، فأسفر الصبح منك عن سار واقف، واستسرّ لك القبول عن أنس خائف، وتأرّجت أنفاس الأسحار

باستغفارك، وتمّ عنوان السّجود بأسرارك، وابيضّت شية «1» الليل بحلى آثارك، واكتنفتك الطّهارة حتّى كأنّك مصحف، وأرهفتك الديانة حتّى كأنك مرهف، وحالفتك الرّكانة «2» وكأنك مع سلامة الخلق أحنف «3» ، وثقّفتك السّنّ فأبقت منك ما أبقت من سنان المثقّف، وعرفتك الأحكام بأنك ماض على الحقائق عند الشّبه تتوقّف، وألفتك النزاهة فشهد عدول أن نكرة المطامع عندك لا تتعرّف، وصرفتك النزاهة عن دنيا إن كانت عرائسها تزفّ فغدا مواردها تنزف، واستشرفتك المنازل التي لا تزال بأعناق الأشراف تستشرف؛ وما رأست، حتى درست، ولا تنبّهت، حتى تفقّهت، ولا أقنيت حتى أفنيت المحابر، ولا تصدّرت حتّى تصبّرت على كلف تغلب الصابر؛ فما حاباك من حباك، ولا قدّمك حتّى علم أن سواك ما ساواك؛ فرياستك لم تكن فلتة، واستشراف وجه الرياسة لك لم يكن لفتة، بل تنقّلت متدرّجا، وأثنى عليك لسان حقيقة ما كان متلجلجا؛ ولو أقعدك حسبك أو أباك «4» ، لقبلك المجد وما أباك؛ فكيف ولك نفس بنت لك الشرف الخالد، وجمعت الطريف منه إلى التالد، ولم تقنع بما ورثت من تراث رياسة الوالد. والسيد الأجلّ الذي أعاد إلى الدولة رونق نضارتها، بعد رونق إضارتها، وأفاضت عليه حيا إشارتها، وأضافت إليه نصّ إشارتها، واعطته السعادة أفضل إمارتها، بما أعطته من فضل وزارتها، واشتملت معاني النّجاح من صفحة بشره التي عجّلناك الآمال ببشارتها، وأقرّت حركاته الخلافة في دارها والأنوار في دارتها، وقصّرت مهابته أيدي الأعداء بعد استطالتها، وأخمدت نارهم بعد استطارتها،

وذلّلت رياضته الأسود فلم ترع الأسماع بزأرها ولا العيون بزيارتها- يعدّك «1» للصّدور صدرا، ويعدك بما يرفع ذوي الأقدار قدرا، ويذكرك بما تطيب به نشرا، ويحسن ملبوسه بشرا، ويراك أولى من أقام الحقّ لازما جوادّه «2» ، وأقعد الباطل حاسما موادّه، ويصفك بالعدل الذي يتألّم عليه الأضداد، والسّداد الذي لا يضرب بينك وبينه بالأسداد، والنزاهة المنزّهة عن التصنّع بالرياء، والسريرة الطيّبة النّشر والسيرة الحسنة الرّواء. ولما قرّر لك النيابة عنه في الصلاة والخطابة والقضاء والمظالم والإشراف على الجوامع والمساجد ودار ضرب العين «3» والورق والسّكّة بالحضرة وسائر أعمال المملكة، أمضى أمير المؤمنين ما قرّر، وتخيّر لهذه العطية من تخيّر، سكونا إلى أمانتك التي حملت نوقها، وركونا إلى ديانتك التي أوجبت تطلّع هذه الرتبة إليك وسوقها، وعلما أنك فارسها الذي اتّسع ميدانه، وواحدها الذي رجح ميزانه، وكفؤها الذي تمكّن مكانه؛ فتقلّد ما قلّدت من ذلك عاملا بتقوى الله التي يفوز العامل بها في مواقف الإسخاط، ويجوز بها السالك متالف الصراط، ويحوز بها الآمل معارف الاحتياط؛ قال الله في فرقانه الذي نزله على عبده ليكون للعالمين نذيرا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً «4» . والحكم فهو عقد اللباس دنيا ودينا، وسبيل الحق الذي يسلكه من جرى شمالا وسلك يمينا، وبه كفّ الله الأيدي المتعدّية، وأنقذ من النار النفوس المتردّية، وأقام حدود كلّ من استحقّها ولم يتوقّها، وأوجب قصاص الدماء على من أراقها واستباح رقّها، وبه يقف القويّ والضعيف موقفا واحدا، ويظهر أولو عدل

الله لمن كان بعين قلبه مشاهدا، وبه تتبيّن مواقع التحليل والتحريم، وفيه تتعيّن مقاطع الحكم بالتحكيم، ولمجالسه الوقار فهي جنّة لا لغو فيها ولا تأثيم، والظالم فيه وإن ظفر فإنما ظفر بما يقطع له من نار الجحيم. ولا تجعل بين المتحاكمين إليك من فرق، وساو في الحكم بين كافّة الخلق، ولا تحكم بحجّة أحد الخصمين وإن كان لها السّبق: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِ «1» ، ولا تقطع بعلمك وإن كنت عليما، ولا تبال في الله أن تغضب ظالما وترضي مظلوما، واجعل لنفسك من نظرك وإصغائك بين المترافعين إليك مقسوما، فلا تحقر خطأ الحكم وتجنب منه بينهما ما تجده [عند] » الله عظيما، واحكم بينهم بما أنزل الله ولا تكن للخائنين خصيما «3» وتجلبب بالوقار الذي يبيّن فضل الملّة، ويشهد للكفر بالذّلّة، ويلبسك فخر السّراة «4» الجلّة، ولا يمنعك مذموم التكبّر، عن محمود التدبّر، ولا جبر لكسر التجبّر، ولا خير فيمن لا يمهل رويّة التحير، فالعجلة تضيّق ميدان التخيّر؛ وإذا أوضح الملتبس لفهمك، وعزّ القطع بفصل حكمك، فأفهم الظالم ما توجّه عليه لخصمه، فربّما أوتي من سوء فهمه لا من طريق ظلمه، ولعله لا يجمع عليه بين فوت مراده وبقاء إثمه، وذاكر المقدمين على اليمين، بما على من يمين «5» ، وأن كاذبها يدع الديار بلاقع «6» ، وأن خرق الجرأة على الله ما له من راقع، وصرعة الفاجر ما لها من مزيل ولا رافع؛ ومن قطعه الحصر عن الإفصاح، وصرفه العيّ عن الإيضاح، فاستعمل معه أناة توضّح ما يختلج في صدره، ورفقا يفصح ما يختلج في فكره، فإنّ رسول

الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّكم لتختصمون إليّ ولعلّ أحدكم أن يكون ألحن بحجّته من الآخر فأقضي له على نحو ما أسمع» ولدخول المجالس دهشة تورث اللسان عقلة، ولمفاجأة المحافل حيرة تعقب البيان مهلة، فواجب عليك ممن تدلّه أن تدلّه، وممن يشده أن تشدّه: لتقضي بما تقضي، وتمضي الحكم بحقيقة تمضي؛ وإن تنجّزت قضيّة قد فرطت، وتدبّرت نوبة قد أفرطت، فبادر باستدراكها، قبل وقوعك في أدراكها، وتعذرك عن إدراكها؛ ولست معصوما من المغالط، ولا موصوما بالخطإ الفارط، ولا ملوما [إلا] «1» إذا أقمت على ما الله منه ساخط، فقد ذمّ الله من اتّقى الخلائق ولم يتّق الخلّاق، فقال تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ «2» . وكتاب الله وسنة رسوله السّراجان اللذان ما ضلّ هداهما، والمهادان اللذان ما أوضحهما إليه وأبداهما؛ وقد أغنت نصوصهما عن الأقيسة، وأوضح خصوصهما عامّة الأمور الملتبسة؛ قال الله سبحانه: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ «3» ، وقال تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «4» وإن أشكلت نازلة غير مسطورة وأعضلت واقعة غير محصورة، فاسترشد أمير المؤمنين في أمرها، وقف على بحار علمه فلن تعدم سيح درّها، فأمير المؤمنين الذي أمر الله عند التنازع بأن نردّ [إليه] «5» ما أعضل، وأثّم أخذك للاستنباط [إلا من] «6» الذين حكم الله أن يردّ عليهم ما أشكل. والشهادة فلقد أمر الله بإقامتها وكفى بالله شهيدا؛ وكفى بذلك جلالة وتمجيدا؛ ولا تتّخذ إلا العدول المقانع، ولا تسمع منهم إلا لمن هو لأمر الله سامع، فهم الأعوان التي تدفع بها نار جهنم، والجنن التي يتّقي بها الحاكم سهام

الآثام فيما حلّل وحرّم، وإلى علمهم انتهت مقاطع الحقوق التي الله بها أعلم؛ وما سرى حكم إلا بعد أن تجد أقواله دليلا، ولك السمع ولهم البصر وكلّ أولئك كان عنه مسؤولا؛ واستشفّ أمورهم فمن ألفيته آلفا لمحجّة الصواب، عائفا لمضلّة الارتياب، لا يحاف بالإغضاب، ولا يخاف بالإرهاب، ولا يحسب حسابا إلا ليوم الحساب، فاسمع مقالته، وأقرّ عدالته، ومن كان عن السبيل ناكبا، وللهوى راكبا، فأرجله عن ظهر العدالة، وتتبّع زلله بالإزالة، وواصل فيهم ألسنة حكمك، وأوجه علمك، فلا تستنب إلا من تعلم أن خطأه عليك وصوابه لك، ولا تعوّل إلّا على من لا يخجل نفسك ولا يذمّ تعويلك. وكاتبك فقلمه لسانك، ولسانه ترجمانك، إن وقّع فإليك تنسب مواقع توقيعه، وإن وصل حكما بمسطوره فمقدارك مسطور من مسموعه؛ فلا ترض بالدّون فيما يدوّن، ولا تعوّل إلا على كل من تصوّر وتصوّن. وحاجبك فهو عينك وإن سمّي حاجبا، ووجهك الذي تلقى به إذا كنت غائبا؛ فاختر من يكون متخيّرا في المقال، متحلّيا بحسن الفعال، مجرّبا في جميع الأحوال، لا يلتفت إلى دنيا دينه، ولا يخونك أمانته ولا تمتدّ يمينه، ولا يقول عنك ولا عن نفسه إلا ما يزينك ويزينه، ولا يخفّ إلى ما تخفّ به موازينه. والخطباء فرسان المنابر، وألسنة المحاضر، وتراجم الشعائر، وأئمة المجامع، وسفراء القلوب بوساطة المسامع لمقامها الرافع، ومبرّها الفارع من القلوب على دائها، وتدحر حربه شياطين الأمم عند اعتدائها، ويعرب عن الهداية ويبالغ بلاغته في إهدائها، ويتقن مخارج الحروف محسنا في أدائها وإبدائها، وتحلّ موعظته عن العيون الجامدة عقد وكائها «1» ، وينادي القلوب الصّدية فيكون صداه صوب بكائها، ويستشعر أردية الوقار فتشهد المنابر له بارتدائها، وتغذي النفوس مواعظة إذا قصدته باستنصارها على القلوب واستعدائها.

والأيتام فأنت لهم والد، وأجر نفقتك عليهم في الصحيفة وارد، وهم ودائع الله لديك، وذخائر الآباء إلّا أنهم في يديك؛ فأحسن بهم السياسة بالشّفقة، وأحسن لهم التدبير بالنّفقة؛ ومن آنست رشده، فادفع ماله إليه، ومن لم تسترشد قصده، فأنفق منه عليه؛ قال الله تنبيها وتحذيرا: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً «1» . والمساجد بيوت الله التي يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال، ومظانّ العبادة التي يعمرها أهل الاعتلاق بمعروفه والإفضال، ومصاعد الكلم الطيب والعمل الصالح، وأسواق الآخرة التي يوجب فيها المشترون صفقة البيع الرابح، فعبّد الطريق إلى زيارتها، واشرح قلوب المتطهّرين بطهارتها، وانس القائمين بالليل والمستغفرين بالأسحار بإنارتها. والمضروب بدار الضرب فهو عين ما تجب عليه الزّكوات، ونفس ما تحاز [به] «2» المستملكات، ومدار ما تشتمل عليه المعاملات، وقيم ما تحقن به الدماء في الدّيات، ومنتهى ما توفّى به الصّدقات، وتوصي به الصدقات؛ فتولّ أخذ عياره، ومباشرة تصفية درهمه وديناره، وأخلصه لتنجو من النار بلفحات ناره، واحفظ شكله الذي ينقش خاتم جوازه؛ والأسماء المسطّرة عليه وسيلة امتيازه على بقية الأحجار وإعزازه. والوكالة على باب الحكم فهي كفاح المتناضلين، وسلاح المتناصلين؛ ومن ينتفع بها لا يعزل من الخطاب، كما لا ينصّب بها من يفتح له الباطل الأبواب؛ فلا توعها إلا لمن حسمته الدّربة، في السرعة من القربة، وتدبر قول الله: وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ «3» ممن يؤمن على النساء والرجال، ولا يعجبه إرسال لسانه في الحلال، ولا يبطل الحق إذا أطلق لسانه في سعة المجال.

والمتصرّفون الذين هم أيدي الشريعة التي تشخص الخصوم، ويستعان بهم على قمع الظّلوم ونفع المظلوم، فتخيّر أن يكون أكبرهم من أهل طبقته، وأمدّهم تحسينا لسمعته وتحصينا لأمانته. هذا عهد أمير المؤمنين إليك فاهتد بهديه، وقم بفرض رعيه وحقّ وعيه، وكريم سعي الآخرة أحسن سعيه، وتصرّف بين أمر الحقّ ونهيه؛ والله سبحانه يبلّغك من مناجح أمرك، ما لا تبلغه بمطامح فكرك، وييسر لك من بديهة الإرشاد، ما تعجز عنه رويّة الارتياد؛ فاعلم هذا من أمير المؤمنين ورسمه، واعمل بموجبه وحكمه، إن شاء الله تعالى. ومن ذلك ما أورده عليّ بن خلف الكاتب في كتابه «موادّ البيان» في سجلّ بالدعوة للدولة والمشايعة لها، والموافقة على مذهبها، وهو: الحمد لله خالق ما وقع تحت القياس «1» والحواس، والمتعالي عن أن تدركه البصائر بالاستدلال والأبصار بالإيناس «2» ، الذي اختار الإسلام فأظهره وعظّمه، واستخلص الإيمان فأعزّه وأكرمه، وأوجب بهما الحجة على الخلائق، وهداهم بأنوارهما إلى أقصد الطرائق، وحاطهما بأوليائه الراشدين شموس الحقائق، الذين نصبهم في أرضه أعلاما، وجعلهم بين عباده حكّاما، فقال تعالى: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ «3» . يحمده أمير المؤمنين أن أصطفاه لخلافته، وخصّه بلطائف حكمته، وأقامه دليلا على مناهج هدايته، وداعيا إلى سبيل رحمته، ويسأله الصلاة على سيدنا

محمد نبيّه الذي ابتعثه رحمة للعالمين، فأوضح معالم الدين، وشرع ظواهره للمسلمين، وأودع بواطنه لوصيّه سيد الوصيين: عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين، وفوّض إليه هداية المستجيبين، والتأليف بين قلوب المؤمنين، ففجّر ينابيع الرّشاد، وغوّر ضلالات الإلحاد، وقاتل على التأويل كما قاتل على الرسل، حتى أنار وأوضح السّبل، وحسر نقاب البيان، وأطلع شمس البرهان، صلّى الله عليهما، وعلى الأئمة من ذرّيّتهما، مصابيح الأديان، وأعلام الإيمان، وخلفاء الرحمن، وسلّم عليهم ما تعاقب الملوان، وترادف الجديدان «1» . وإنّ أمير المؤمنين- بما منحه الله تعالى من شرف الحكمة، وأورثه من منصب الإمامة والأئمّة، وفوّض إليه من التوقيف على حدود الدين، وتبصير من أعتصم بحبله من المؤمنين، وتنوير بصائر من استمسك بعروته من المستجيبين- يعلن بإقامة الدعوة الهاديّة بين أوليائه، وسبوغ ظلّها على أشياعه وخلصائه، وتغذية أفهامهم بلبانها، وإرهاف عقولهم ببيانها، وتهذيب أفكارهم بلطائفها، وإنقاذهم من حيرة الشّكوك بمعارفها، وتوقيفهم من علومها على ما يلحب لهم سبل الرّضوان، ويفضي بهم إلى روح الجنان وريح الحنان، والخلود السرمديّ في جوار الجواد المنّان- ما يزال نظره مصروفا إلى نوطها بناشيء في حجرها، مغتذ بدرّها سار في نورها: عالم بسرائرها المدفونة، وغوامضها المكنونة، موفّرا على ذلك اختياره، وقاصية انتقاده واختباره، حتّى أدّاه الاجتهاد إليك، ووقفه الارتياد عليك، فأسندها منك إلى كفئها وكافيها، ومدرهما «2» المبرّز فيها، ولسانها المترجم عن حقائقها الخفيّة، ودقائقها المطويّة، ثقة بوثاثة دينك، وصحّة يقينك، وشهود هديك وهداك، وفضل سيرتك في كل ما ولّاك، ومحض إخلاصك، وقديم اختصاصك، وأجراك على رسم هذه الخدمة في التشريف والحملان، والتنويه ومضاعفة الإحسان؛ فتقلّد ما قلّدك أمير المؤمنين مستشعرا للتقوى، عادلا عن

الهوى، سالكا سبيل الهدى؛ فإنّ التقوى أحصن الجنن، وأزين الزّين، وادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ «1» ، فإن الله تعالى يقول: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً «2» ، وحضّ على ذلك فقال سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ «3» ، وخذ العهد على كل مستجيب راغب، وشدّ العقد على كل منقاد ظاهر، ممن يظهر لك إخلاصه ويقينه، ويصحّ عندك عفافه ودينه، وحضّهم على الوفاء بما تعاهدهم عليه، فإن الله تعالى يقول: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا «4» ، ويقول جل من قائل: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ «5» ، و [كفّ] «6» كافّة أهل الخلاف والعناد، وجادلهم باللّطف والسّداد، واقبل منهم من أقبل إليك بالطّوع والانقياد، ولا تكره أحدا على متابعتك والدخول في بيعتك، وإن حملتك على ذلك الشفقة والرأفة والحنان والعاطفة: فإنّ الله تعالى يقول لمن بعثه داعيا إليه بإذنه، محمد صلى الله عليه وسلم: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ «7» ؛ ولا تلق الوديعة إلا لحفّاظ الودائع، ولا تلق الحبّ إلا في مزرعة لا تكدي «8» على الزارع، وتوخّ لغرسك أجلّ المغارس، وتوردهم مشارع ماء الحياة المعين، وتقرّبهم بقربان المخلصين، وتخرجهم من ظلم الشكوك والشّبهات، إلى نور البراهين والآيات، واتل مجالس الحكم التي تخرج إليك في الحضرة على المؤمنين والمؤمنات، والمستجيبين والمستجيبات، في قصور الخلافة الزاهرة، والمسجد الجامع

بالمعزّيّة القاهرة، وصن أسرار الحكم إلا عن أهلها، ولا تبذلها إلا لمستحقّها، ولا تكشف للمستضعفين ما يعجزون عن تحمّله، ولا تستقلّ أفهامهم بتقبّله، واجمع من التبصّر بين أدلّة الشرائع والعقول، ودلّ على اتصال المتل بالممنون «1» ؛ فإن الظواهر أجسام والبواطن أشباحها، والبواطن أنفس والظواهر أرواحها، وإنه لا قوام للأشباح إلا بالأرواح، ولا قوام للأرواح في هذه الدار إلا بالأشباح، ولو افترقا لفسد النّظام، وانتسخ الإيجاد بالإعدام. واقتصر من البيان، على ما يحرس في النفوس صور الإيمان، ويصون المستضعفين من الافتتان، وانههم عن الإثم ظاهره وباطنه، وكامنه وعالنه، فإن الله تعالى يقول: وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ «2» . واتّخذ كتاب الله مصباحا تقتبس أنواره، ودليلا تقتفي آثاره، واتله متبصّرا، وردّده متذكّرا، وتأمّله متفكرا، وتدبّر غوامض معانيه، وانشر ما طوي من الحكم فيه، وتصرّف مع ما حلّله وحرّمه، ونقضه وأبرمه، فقد فصّله الله وأحكمه، واجعل شرعه القويم الذي خصّ به ذوي الألباب، وأودعه جوامع الصلوات ومحاسن الآداب، سببا تتّبع جادّته، وتبلغ في الاحتجاج محجّته، وتمسّك بظاهره وتأويله ومثله، ولا تعدل عن منهجه وسبله، واضمم نشر المؤمنين، واجمع شمل المستجيبين، وأرشدهم إلى طاعة أمير المؤمنين، وسوّ بينهم في الوعظ والإرشاد، والله تعالى يقول في بيته الحرام: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ «3» ، وزدلهم من الفوائد والموادّ على حسب قواهم من القبول، وما يظهر لك من جودة المحصول، ودرّجهم بالعلم ووفّ المؤمن حقّه من الاحترام، ولا تعدم الجاهل عندك قولا سلاما كما علّم ربّ السلام، وتوخّ رعاية المؤمنين، وحماية المعاهدين، وميّزهم من العامّة بما ميّزهم الله من فضل الإيمان والدين، وألن لهم جانبك واحن عليهم

والطف، وابسط لهم وجهك وأقبل إليهم واعطف، فقد سمعت قول الله تعالى لسيد المرسلين: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «1» ، ولا تفسّح لأحد منهم في التطاول بالدين، ولا الإضرار بأحد من المعاهدين والذّمّيّين، وميزّهم بالتواضع الذي هو حلية المؤمنين؛ وإذا ألبس عليك أمر وأشكل، وصعب لديك مرام وأعضل، فأنهه إلى حضرة الإمامة متّبعا قول الله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* «2» ، وقوله: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا «3» : ليخرج إليك من بصائر توقيفها، ومراشد تعريفها، ما يقفك على مناهج الحقيقة، ويذهب [بك] «4» في لاحب الطّريقة، واقبض ما يحمله المؤمنون لك من الزكاة والجزى «5» والأخماس والقربات وما يجري هذا المجرى، وتتقدّم إلى كاتب الدعوة بإثبات أسماء أربابه، واحمله إلى أمير المؤمنين لينتفع مخرجوه بتنقيله له ووصوله إليه، وتبرأ ذممهم عند الله منه، واستنب عنك في أعمال الدعوة من شيوخ علم الحكمة ومن تثق بديانته، وتسكن فيه إلى وفور صناعته، واعهد إليهم كما عهد إليك، وخذ عليهم كما أخذ عليك، واستطلق لهم من فضل أمير المؤمنين ما يعينهم على خدمته، ويحمل ثقلهم عن أهل دعوته، واستخدم كاتبا ديّنا أمينا مؤمنا بصيرا عارفا، حقيقا بالاطلاع على أسرار الحكمة التي أمر الله بصيانتها وكتمانها عن غير أهلها، نقيّا حصيفا لطيفا، ينزلهم في مجلسك بحسب مراتبهم من العلم والدين والفضل. هذا عهد أمير المؤمنين إليك فتدبّره متبصّرا، وراجعه متدبّرا، وبه الوصايا

المذهب الرابع (مما كان يكتب لأرباب الولايات بالدولة الفاطمية مرتبة الأصاغر من أرباب السيوف والأقلام)

تهدي وتسدّد، وتوفّق وترشد، واستعن بالله يمدّك بمعونته، ويدم حظّك من هدايته، إن شاء الله تعالى. قلت: وعلى هذا سائر السجلات من هذا النوع. وقد أورد في «موادّ البيان» سجلّات غير هذه حذف منها التحميد واقتصر على مقاصدها، وفيما ذكر من ذلك مقنع. المذهب الرابع (مما كان يكتب لأرباب الولايات بالدّولة الفاطمية مرتبة الأصاغر من أرباب السّيوف والأقلام) وليس لهذه الرتبة صيغ محصورة في الافتتاح، بل تفتتح بلفظ: «إنّ أمير المؤمنين لما آتاه الله من كذا يفعل كذا وكذا ولمّا كنت بصفة كذا، وحضر بحضرة أمير المؤمنين فتاه ووزيره فلان وأشار بكذا، قرّرك أمير المؤمنين في كذا» أو يقال: «إن أولى» أو «إنّ أحقّ» أو «إنّ أجدر» أو «أقمن» أو «من حسنت طريقته» أو «من كان متّصفا بكذا كان خليقا بكذا» أو «ولمّا كان كذا» أو «منشور تقدّم بكتبه فلان» ونحو ذلك. فمن المكتتب عن الخليفة من هذه المرتبة لأرباب السيوف نسخة سجلّ بزمّ. إنّ أمير المؤمنين لما آتاه الله من المحلّ الأرفع، وجعله اليوم الآمر المطاع وغدا الشفيع المشفّع، يتعهّد عبيده بعهاد كرمه، ويجير من هجر «1» النوائب من يحاول ظلّ حرمه، ويقبل وسيلة من كانت النجابة أقوى وسائله وذممه، ويؤمّنه من إلحاف حوادث الدهر به ولممه؛ فلا زال بأمورهم عانيا، وبمكارم شيمته عن رفع مسائلهم غانيا، لا سيّما من حسن في الخدمة أثرا وطاب خبرا، ونشرت أوصافه في

أيدي الثّناء فكانت برودا وحبرا؛ وضمن له الإحسان في كل زمان أن يأتي مستحمدا لا معتذرا، وعدقت به بحار المحاماة فما أخرجت منه إلا جوهرا. وغرس مقدّمات المخالصة وكان لسانح الإنعام مستثمرا، وصقل التجريب صفيحة طبعه وكان لضريبة الحزم مستأمرا، واستبد بموجبات المحامد مؤثرا لها ومستأثرا، وجعلت لديه أسباب الاستقلال التي قلّت عند سواه فظلّ منها مهدا «1» متكثرا. ولما كنت أيّها الأمير ممن قام له هذا الوصف مقام الاسم [من] «2» المسمّى، وتوضّحت مخايله به فلم يكن من اللّغز المعمّى، وقام يقرر من الخدمة مشتملا، واستقل بشرائط التعويل مستكملا، وأدرك غايات المحاسن عجلا متمهّلا «3» ، وضمنت له الشبيبة أن يعلو كاهل الرياسة متكهّلا، واشتهر بالتقدّم فلم تعرف به أوضاح الصنائع غفلا ولا مجهلا، واستوجب أن لا يزال في أفق الإنعام منهلّا عليه يغادر لديه غديرا ومنهلا، واستحقّ أن يملأ يديه من «4» ... ناظره متأمّلا، وأدّى فريضة النصيحة كافلا متكفّلا ومعملا لا متعمّلا، ونهض بتكاليف الخدمة متحمّلا فيها ما لم يزل متحمّلا. وحضر بحضرة أمير المؤمنين فتاه الذي أفتاه التوفيق باستبراره، ووليّه الذي جمّ به «5» مورد السعد بعد استنزاره: السيد الأجلّ سيف نصره المهنّد باسه، وليث حربه والسّنان ناب، وسحاب الرحمة إلى الإسلام بها حصل ربحي خضر الجناب، ومتعب الرائح في غيّه حتّى عزب في سهوب الإسهاب بأطناب الإطناب، ومستحقّ المدائح التي يعطّر بها الجناب، ويعطّل بها الرّكاب، والملك الذي خدمه الملوك لا لرتبة الغناء عنه بل لرتبة المناب، فذكرك بما جمّلك، واستمطر

لك من الإحسان ما جمّ لك، واستوفق في مناصحة الدولة عملك، وقرّبت عليك بسفارته بحضرة أمير المؤمنين أملك، وقرّر لك الخدمة بالزّمّ الفلاني إخلادا إلى ما تنطوي عليه جملتك، واعتمادا على ما تعز به كلمتك، فأجابه أمير المؤمنين إلى ما أجابك إليه، وتقدّم أمره باستخدامك فيما عيّن عليه، وخرج أمره إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجل بتقليدك ذلك، فتقلّد ما قلّدته مستشعرا لباس التقوى، ناهيا للنفس عن الهوى، سالكا الطريقة المثلى؛ قال الله سبحانه: وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى «1» . وهذه الخدمة من أمراء قبائل العرب، وهي المنبع وسواها الغرب «2» ، وما فيها من يدعى إلى خدمة إلا طبّق المفصل وأتى على الأرب؛ فخذها بالمرسوم لما تندب له من المهمّات السانحة والعوارض، والخفوف إليها بالأسلحة الرّوائع والخيول النّواهض، وألزم رجالها أن تحفظ من الطّرقات ما يصاقبها، وأن تسوق كلّ نفس بجنايتها إلى من يعفو عنها أو يعاقبها، وقدّم العرض الذي يستدلّ به على من كان بالوفاء ساقطا، وعن أعمال المملكة ساخطا، ليسترجع الدّيوان ما كان بيده، ويفتضح من كانت الخيانة سريرة مقصده، فاعلم هذا واعمل به. ومن ذلك نسخة سجل بولاية ثغر، وهي: إنّ أولى من رقّاه إنعام أمير المؤمنين إلى المحلّ اليفاع «3» ، وشفعت فيه وسائل فضائله فغني عن الاستشفاع، وعظم له النفع لما به من عظيم الانتفاع، وجرّدته يد الاختيار سيفا من سيوف الذّبّ عن الملّة والدّفاع، واستقرّ في الرّتب التي لا تنقل إلا إلى الزّيادة ولا تغيّر إلا إلى الارتفاع، وجلّيت عليه وجوه النعماء واضحة اللّثام واضعة اللّفاع «4» ، ونيطت منه وصايا الحزم بحافظ لها واع، وتوفّرت

عليه بواعث الصنائع ودعت إليه دواع- من «1» ترشّح بالاستحقاق للرتب السنيّة وتأهّل، وسبق المجارين في حلبة الإخلاص على أنهم جهدوا وتمهّل، واستوجب امتطاء كاهل الرياسة بالفتك الذي شبّ والرأي الذي تكهّل، وثبت جأشه في المقامات التي يراع لها كلّ روع «2» ويذهل، ومنعت مهابته العدوّ أن يجهل «3» عليه وأبت له حصافته أن يجهل، وغريت همته بالمطلب الأصعب من العلاء وأنفت من المطلب الأسهل، وولي الولايات الجليلة فظلّت الرعايا تعلّ من موارد عدله وتنهل، ونشأت لهم سحب الرّكاب التي برقها يتهلّل وعارضها ينهلّ. ولمّا كنت أيّها الأمير الناهض بحقوق هذه السّمات، البعيد القدر من المساواة والمسامات، المتنقّل في درجات التّقدمة والكرامات، المنفرجة عن أنوار فتكاته ظلمات المقامات، المعدّ النّجدة لمواقف البأساء والضراء والرادّ على أعقابها الأبطال المعلمة بالفتكات المعلمات، الدائم الغرام بمقامات الرّياسة وإن كانت عظيمة المؤن جسيمة الغرامات، القائم بما توجبه عليه صنائع أمير المؤمنين من حقوق المدافعة عن الحوزة وفروض المرامات، المتظاهرة فيه شواهد الفضائل بأصدق الأعذار وأوضح العلامات، المشهور المقامات، إذا جرت من متون الصّفاح جداول واهتزّت من غصون الرّماح قامات، الآخذ بالأرصاد على العدا بسيوف ترقب الرّقاب وتهيم في الهامات، الكافي الذي تنقّل في الخدم فكان من الشّكر مثري الأثر، وانتدب في المهمّات فكان مثاب التّواء مسفر السّفر، المعروف في تصرّفاته بانتهاز النّجح وقصر البجح، والمعوّل على أن تصفه أفعاله بشرح لصدر الاختيار به شرح، المعدود يوم الرّوع من كفاة الخطب وحماة السّرح، الماضي الحدّ إذا كان السيف لعدم الضارب مشتبه الحدّ بالصّفح، وقدّم فعل الاستقلال، وأخّر سؤال الاستغلال، وأسكنه من المخالصة

إلى دار ببلوغ الآمال محلال، وارتفعت كاهل المجد بسعي لمحظورها به استحلال، وسهّلت إلى الطاعة كلّ معتاص من المطالب، وغدا الاستحقاق بمرادك نعم الكفيل وبأملك نعم الطالب، واشتهرت بخلال اقتضت الرّغبة فيما اقتضته إليك من الرغائب، وعظم النفع بك حتّى لا نفع مع غيبتك بحاضر ولا ضرر مع حضورك بغائب. ومثل بحضرة أمير المؤمنين فتاه ووليّه وأمينه السيد الأجل، الذي سارت أوصافه مسير الشمس وأنارت إنارتها، وسقت مكارمه سقي الغيوث وأمارت إمارتها، وسرت خيوله مسرى طيف الخيال وإن كره الأعداء زيارتها، وقامت مهابته مقامها في البلاد وأغارت على القلوب إغارتها، ونازع الأقمار بعلوّ القدر دارها وما حسبوا الدّست «1» له دارتها، وأشارت له السعادة العلوية وأمضى التلطّف إشارتها وأحسن به شارتها، وطالع بما أنت عليه من طاعة تبذل فيها الطّاقة، وكفاية إذا تعاطاها الوصف المتّسع ضيّق نطاقه، وعدّك في سرعان الأولياء إذا رتّب سواك في الساقة، واحتسب بما لك من حسنات نظمها نظم السّياقة، وبما قرّره لك من الخدمة إلى ولاية كذا- خرج أمر أمير المؤمنين بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجل لك بالخدمة المذكورة، سكونا إلى مناصحتك التي سكنت ضميرك، وركونا إلى موالاتك التي حقّقت أملك وتقديرك، وإيرادا لك إلى الموارد التي توجب تقديمك وتصديرك؛ فتقلّد ما قلّدته منها بادئا بتقوى الله التي إن جعلتها جنّتك كانت جنّتك، وإن استشعرتها عمدتك أنجزت في الدارين من السعادتين عدتك؛ قال الله تعالى في كتابه المكنون: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ «2» ، وقال تعالى: وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ «3» ، وابدأ في هذا الثغر الجليل قدره، المصاقب لما به محلّ السعد ومقرّه، الميسّر به لكلّ عامل ثوابه وأجره،

المحضوض على رباطه لمن توفّر حظّه من ذخائر الآخرة فأحسن ذخره- بعدل القضايا وصون الرّعايا، وبثّ السّرايا، وترويع العدوّ من جميع المطالع والثّنايا، وإهداء المنايا إليه في الغدوات والعشايا، والتطّلع على ما يجنّه من المكايد والخفايا، وكفاية أوساط الصّفاح مصافحة أطراف الرّماح تحايا، ولا تخليه أن تجهّز في كل يوم إليه راية أو تنفّذ فيه رايا، وأن تسترزق الله أمواله مغانم وحريمه سبايا، وتطلع عليهم في عقر دارهم طوالع المنايا وقوارع الرّزايا، حتى لا تلوح فرجة إلا اقتحمتها، ولا تعنّ فرصة إلا اغتنمتها، وامدد على من بهذا الثغر جناح الرّعاية والذّبّ، ومهّد لهم جانب العدل ليتبوّءوا فيه آمني السّرّ والسّرب، وصنهم صيانة ترفع عنهم عوادي المضارّ، وتوطد لهم أكناف السكون والاستقرار، واعتمد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يطلق فيك ألسنة المادحين، وينظمك في سلك من نحاه الله بقوله: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ «1» وأقم الحدّ على من وجب عليه إقامة لا تتعدّى فيها الواجب، ولا تفارق بها منهج الحقّ اللّاحب، وتوخّ متولّي الحكم بإعزاز ينفّذ حكمه، وإكرام يشدّ في الحق عزمه، ويردع الظالم ويمنع ظلمه، وكذلك المستخدم في الدعوة الهاديّة عامله بما يشدّ أزره، ويشرح في دعاء المستجيبين صدره، وبالغ في عضد المستخدمين مبالغة تدرّ بها الأموال، وتوجد بها السبيل إلى توفير عطيّات الرجال، وتوسّع عليهم فيها المجال، وامنع من يتعرّض لكسب الضرائب، والإخلال بإلزام الواجب، وشرور الأقلاب، وقصد سرح المال بالتّباب، وأقم للسّور شطرا من اهتمامك تعمر أبراجه وأبدانه، وتستخدم حرّاسه وأعوانه، وترتّب عليه الوقود في الليالي المظلمة، وتعجز [عن] «2» مناله المطامع الميسورة والأيدي المتسنّمة «3» ، وواصل من عمائره ما يتلافى الخلل قبل انفراجه، ويعيد مبدأ الغارة

النوع الثاني (مما كان يكتب في الدولة الفاطمية بالديار المصرية ما كان يكتب عن الوزير)

على أدراجه، فالقليل بالغفلة يستدعي كثرة الاهتمام، وربّما لم تصب فيه المرمى ولم ينجع المرام. ومراكب الأسطول المنصورة فولّها من ترتضي نهوضه، ومن يقوم بشرائط الجهاد المفروضة؛ وإذا آنس فرصة لم يعترضها التفويت، وإذا نزل به القرن «1» ناداه بعزم المستميت، وإذا عرا المجتمع عرّض جمعه للتشتيت، واحتط على حواصل هذه المراكب فبها قوّة الإسلام على عدوّه، ومدد استظهاره وعلوّه، وأقم من الرؤساء من له حيلة في الأسفار، وخبرة بمكايد الغارات والحصار، ومثابرة يقتدر بها على فتح أبواب المنافع وسدّ أبواب المضارّ؛ ولك من البصيرة الجامعة، والألمعيّة اللّامعة، ما أنت به جدير أن تكون لك الذّكرى نافعة؛ فاعلم هذا واعمل به، إن شاء الله تعالى. النوع الثاني (مما كان يكتب في الدولة الفاطمية بالديار المصرية ما كان يكتب عن الوزير) وقد علمت في الكلام على «المسالك والممالك» أنّ الوزير إذ ذاك كان في منزلة السلطان الآن؛ وكان الشأن فيما يكتب فيه أن يفتتح بما يفتتح به المذهب الثالث «2» مما كان يكتب عن الخليفة، وهو أن يفتتح ما يكتب بلفظ: «إنّ أولى» أو «إنّ أحقّ» أو «إنّ أجدر» أو «إنّ أقمن» أو «من حسنت طريقته» أو «من كان متّصفا بكذا كان خليقا بكذا» و «بلمّا كان فلان» أو «لمّا كنت» على نحو ما تقدّم. ثم ما يكتب عن الوزير: تارة يكتب بأمر الخليفة، وتارة يصدر عن الوزير استقلالا، فيبيّنه الكاتب في كتابته، وهي: إما لصاحب سيف، أو قلم.

فمن المكتتب عن الوزير في الدولة الفاطمية لأصحاب السّيوف نسخة سجل بولاية الإسكندرية من إنشاء القاضي الفاضل رحمه الله، وهي: من عدّ من الأولياء الأماثل، ووجد عند الانتقاد قليل المماثل، وتوسّل بالحسنات التي يقبل عنده منها تشفيع الوسائل، وتقبل السفارة له الشاملة الاستحقاق الذي يغني عن المسائل، ولطف فكره لاقتناء الشّيم الموجبة لارتقاء الدرجات الجلائل، وألقت الرّتب قناعها له عند الكفء الذي يقدّم لها أفضل مهور الحلائل، وأسفرت مواقف الغناء منه عن الهزبر الشهم واللّوذعيّ الحلاحل «1» ، وأفرج له الكفاة عن صدور المنازل الرفيعة فلم يكن بينه وبينها حائل، واستقلّ بعظيم ما يفوّض إليه فلم تحمل الأقوام ما هو حامل، واتّسع مجال كفايته في كلّ أمر يضيق بالمباشر ضيق كفّة الحابل «2» ، وتتبّع آثار الخلل بعزماته تتبّع الغيث آثار الدّيار المواحل- كانت الولايات الجليلات له من المعدّ المدّخر، وقرّبت عليه منازل الآثار التي يتجمّل بها ويفتخر. ولمّا كان الأمير جامعا لما أفيض فيه من هذه الصّفة، وموصوفا بها من كلّ لسان صادق ونية منصفة، جارية على غيره مجرى النكرة ومستندة إليه استناد المعرفة، مشتملا على خلال كغرائب المكارم مستوفية متألّفة، كلفا بالشّيم الحميدة إذا افتضحت بها الشّيم المتكلّفة، قمنا أن يوفّي فيقرض سعيه إذا اقترضت المساعي المتسلّفة، نهّاضا بالمصاعب عند ما تختلف في إعطائها العزائم المتخلّفة، آويا من رجاحته إلى المعقل الحريز والحصن الحصين، حاويا لفضائل حسنة منها الفتك الجريّ والرأي الرّصين، مقدما على الأهوال إذا تغلّقت وجوهها غبرا، مصرّا على الخطرات حتى يظنّه الغمر غمرا، مصافحا للرماح، إذا

بدت أنامل الأسنّة، مباشرا للصّفاح، إذا ذعرت لها النفس المطمئنّة، جديرا أن يردّ الخيل المغيرة تدمى نحورها، وتمدحك وتذمّها الجراح التي اشتملت عليها ظهورها، وسما للأعداء سيوفك فعندك غمودها وفيهم صدورها- رأينا بما آتاه الله من رأي لا يستأخر أن يستخير، ونظر يستمرّ أن يمتاح من موارد الرّشاد ويستنير، ما خرج به أمرنا من ولايتك لثغر الإسكندرية بعد أن طالعنا مولانا صلوات الله عليه بما رأينا، واسترشدنا بميامن إمضائه ما أمضينا، وفاوضناه فيما فوّضناه إليك وأفضينا، وقضينا حقّ الخدمة فيما استمطرنا من صوب واقتضينا، إذ كان الله قد خصّ خلاله بمواتاة الأقدار، ووقف الميامن على ما يمضيه ويوقفه من أعنّة الإيراد والإصدار، وجعل الخيرة فيما يختار، والحقّ دائرا حيث دار، وأخلص للأولياء المستشعرين بولائه بخالصة ذكرى الدار، وجعل رأيه قطبا في سماء الخلافة عليه في مصالح خلق الله المدار، فصحّح ما عرضناه على مقام خلافته وصوّبه، وناجته بديهة الإلهام بما أغنته عمّا صعّد فيه المستشير وصوّبه، وخرج إلينا بأن يمضى لك هذا الأمر، ويفوّض إليك هذا الثغر؛ فلتقابل هذه النعمة بشكر يوجب استيفاء باقيها، واعتداد يمهّد درجات مراقيها، متنجّزا وعد الله لمستوفيه بإيلاء المزيد، الجدير بإحالته من حالة التقليد إلى حالة التّخليد، جاعلا تقوى الله حجته فيما يقطعه ويصله، وعمدته فيما يمنعه ويبذله، قال الله سبحانه في كتابه الذي فضّله على كل كتاب: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ «1» ؛ ولا تجعل في حكمك بين الخصماء فرقا وإن عدل أحدهما، وليكن على الحق الذي لا مفاضلة فيه مقعدهما عندك وموردهما، وانتصف للمظلوم من الظالم، واعمل في ذلك عمل من لا تأخذه في الله لومة لائم، وأقم الحدود متحرّيا، وأمضها إمضاء من لا يزال بعين طاعة الله متحلّيا، ونفّذها غير مكثر ولا مقلّ، فإن المكثر متعدّ والمقلّ مخل. وقد علمت ما للقاضي من التّقدمة الشهيرة، والرّتبة الأثيرة، والمساعي التي هي بألسنة الحمد مأثورة، والأقوال التي هي في صحائف حسن

الذكر مسطورة، والحرمات التي شهدت بها الأيام والليالي، والمواتّ التي انتظمت في سلوك التصرّفات إنتظام اللآلي، والصّفات التي زهت بها أجياد المحامد الحوالي؛ وله الخبرة بقوانين هذا الثغر وأحكامه، والعادة التي لا خلاف أنها لمصالح ما يباشره وإحكامه، وأنت مقدّم أرباب السيوف في الثّغر وهو مقدّم أرباب أقلامه، فاعرف له منزلته في الخدم المنوطة بكفالته، والأمور المحوطة بإيالته، ووفّه من أثر الإكبار حقّه، ويسّر فيما اشتدّ عليه من معونتك طرقه، وأعن الداعي على ما هو بسبيله من الإرشاد، وقم في إعلاء مناره قيام المغرم الشاد. والأموال أولى ما صرفت إليها همّك، ووقفت عليها عزمك، فاستنهض المستخدمين فيما يستادى، ولا تمكّنهم أن يحدثوا رسما ولا يسقطوا معتادا؛ ولا بدّ من المقام بظاهر البحر مدّة انفتاحه، وتفقّد الأسطول المقيم بالميناء تفقّدا يستوعب أسباب إصلاحه، وأذك العيون على سواحله فلم يخل أمر العدوّ من طارق ليل وخاطف نهار، وذدهم عن بغتات هجومهم بما يبلغهم عنك من دوام التيقّظ والاستظهار، واستنهض الرجال في نوائب الخدم وحوادثها، وصرّفهم على موجبات المتجدّدات وبواعثها. وهذا الثغر ففيه من أرباب الزّوايا العاكفين على العبادات، والعلماء الداعين الناس إلى الإفادات، من لا يدّخر الإكرام إلا لأن يؤدّى إلى استحقاقهم، ولا يصان المال إلا لأن يبذل لاستحقاقهم «1» ؛ فأوصل إليهم ما هو مقرر لهم إيصالا هنيّا، وأعفهم من مؤونة الهزّ «2» وساقط عليهم رطبا جنيّا، واستنهض لنا دعواتهم فإنها أسهم الأسحار، واستخلص لنا نيّاتهم فهم لنا جند الليل وغيرهم لنا جند النهار؛ والسلام.

ومن ذلك نسخة سجلّ بحماية الرّباع «1» ، وهي: من كان فيما يتولّاه مشكور السعي محمود الأثر، مستعملا من النصح وبذل الجهد ما يزيد الخبر فيه على طيّب الخبر، معتمدا ما يدلّ على دراية وخبرة ودربة، متوخّيا ما يجعل الخدم إذا ما ردّت إليه لم تحلّ في دار غربة- استحق أن يورى زنده، ويرهف حدّه، وتقوّى منّته «2» ، وتشحذ قريحته. ولما كنت أيّها الأمير ممن عرف نفاذه وأحمدت خلاله، وشكرت طرائقه وارتضيت أفعاله، وظهر فيما يباشره غناؤه واستقلاله، وجمع إلى الكفاية نزاهة، وإلى الأمانة نباهة، وإلى اليقظة عفافا وسدادا، وإلى النهضة حزامة لا يجد الطالب عليها مستزادا، تقدّم فتى مولانا وسيدنا باستخدامك في حماية الرّباع السلطانية بالمعزّيّة القاهرة المحروسة: سكونا إلى جدّك وتشميرك، وتعويلا على تأتّيك وتدبيرك؛ فاستخر الله وباشر ما ردّ إليك من هذه الحماية بعزم لا يمازجه فتور، وحزم لا يصاحبه قصور، واكشف أحوال هذه الرّباع كشفا يعرف به حالها، ويعلم منه استقامتها واختلالها، وانتصب لاستخراج مالها من السّكّان، واستعمل في استيدائه غاية الاستطاعة والإمكان. وملاك الأمر فيها أن تتعهّدها بالطّواف فيها، وأن تحافظ على حراسة غيرها، وتناول أجرها، ورمّ ما لعله يسترمّ منها ويتشعّث، والعكوف على ذلك بحيث لا يتوقّف فيه أمر ولا يتريّث، وحمل مال ارتفاعها إلى بيت المال المعمور بعد ما يصرف في مصالحها، ويطلق فيما يتثبّت به عليها؛ ولك من الأمير من يعينك

وينجدك، ويلبّي دعوتك ويعضّدك، ويظافرك على انتظام شؤونك ومقصدك: من الاشتمال بما يزيد على تأميلك؛ فاجعل عليه اعتمادك، وبه في الحلّ والعقد استرشادك؛ فاعلم هذا واعمل به، إن شاء الله تعالى. ومن الوظائف المكتتبة عن الوزير لأرباب الوظائف الدينية نسخة سجل بالحكم بقوص «1» ومشارفة أعمال الصعيد، وهي: من تقدّمت لأسلافه خدم ومناصحات، وكانوا مشهورين بأنّ طرائقهم في السّداد مستقيمات واضحات، وعرف جميعهم بالصّيانة والدّيانة، والثّقة والأمانة، والمحافظة على ما يحظيهم عند وليّ نعمتهم، والعمل بما يقضي بطيب ذكرهم وحسن سمعتهم، كان ذلك ذريعة له ووسيلة، وماتّة ينال بها المواهب الجزيلة. ولما كنت أيها القاضي على القضيّة المرضيّة من ولاء الدولة وطاعتها، والحرص على الإخلاص لها ومشايعتها، والتحلّي بالعلم والتمييز في أربابه، والتعلّق بفعل الخير والتمسّك بأسبابه، والعمل بما ينفعك في عاجلتك وآجلتك، والاجتهاد فيما يبعث على وفور حظّك من الإنعام وزيادتك، وكانت لك دربة فيما تعانيه ودراية، وصولة في حسن التأتّي إلى أمد بعيد وغاية؛ وقد تقدّمت لأخيك القاضي الرشيد- رحمه الله- خدمة أبانت عن حرصه ومناصحته، وأعربت عن وفور نصيبه من النّهى ورجاحته، فأدّى ذلك إلى بلوغه من رتب أمثاله أقصاها، وإلى أن استقرّت خدمه عليه وألقت عنده عصاها؛ وهذه نصيبك إذا اقتفيتها فقد عرفت مفضاها، وإذا عكفت عليها نالك من الإحسان على حسبها ومقتضاها- تقدّم فتى مولانا وسيدنا باستخدامك في النّيابة في الحكم بمدينة قوص والمشارفة بأعمال الصعيد الأعلى: تنويها بك وتكريما لك، وتمهيدا لمكان الاصطناع الذي رتّبك فيه وأحلّك؛ فاعرف قدر هذه النعمة، وقابلها ببذل الطاقة في النّصح في

الخدمة، وبالغ في الشكر الذي يثبّتها عندك ويديمها لك، واحرص على القيام بحقّها حرصا تبذّ به نظراءك وأمثالك، واعمل في ذلك بما تضمّنه التقليد المكتتب لك من مجلس القاضي الأعز الماجد أدام الله تمكينه، وما أودعه من وصايا مرشدة، وهدايات إلى الصواب مقرّبة وعن الخطإ مبعدة، وافعل في أمر المشارفة ما اشتملت عليه التذكرة المعمولة من الدّيوان فإنه يوضّح لك منهج الصّلاح، ويأتيك منه بما يزيد على البغية والاقتراح، وانتصب للعمارة والاستكثار من الزراعة بالمعدلة على المعاملين، والاستخراج لحقوق بيت المال على أحسن القوانين، وواصل من الحمول، ما يكون محقّقا للمظنون فيك والمأمول؛ فاعلم هذا واعمل به، إن شاء الله عز وجل. ومن ذلك نسخة سجل بالنيابة في الحكم والأحباس «1» والجوالي «2» بثغر دمياط «3» ، وهي: أحقّ من كانت المواهب عنده مخلّدة، والمنائح إليه متواصلة متجدّدة، والعوارف تفد عليه فتخيّم في مغناه وتقيم، والفواضل تأتي نحوه فتستقرّ في مثواه ولا تريم، والنّعم الشّتّى لا تشكو في مواطنه استيحاشا ولا اغترابا، والمنن إذا حبي بها كان نيله لها استحقاقا منه لها واستيجابا- من كرمت أعراقه ومحاتده، وشهرت أوصافه ومحامده، وصفت في المخالصة مصادره وموارده، وكثرت في تقريظه غرائب الثّناء وشوارده، وشيّد منار أسلافه بالتخلّق بخلائقهم، وأبقى الحديث عنهم بانتهاج سبلهم وطرائقهم، وأحسن برّهم، في الاقتفاء لأثرهم والاقتداء بهديهم، وإحياء ذكرهم، بالعمل بما كانوا عليه في عودهم وبدئهم.

ولما كنت أيّها القاضي لهذه الخلال جامعا، وإلى المراشد مصغيا سامعا، ولبلوغ ما ناله أسلافك بالمناصحات راجيا طامعا؛ ولك فيما يسند إليك نظر يدلّ على صواب آرائك، وفيما يردّ إلى تولّيك كفاية تميّزك على نظرائك؛ ولمّا ندبت للأحكام الشرعية، أبنت عن الديانة والألمعيّة، وحين باشرت الأعمال الدّيوانيّة، نصحت واجتهدت وأخلصت النّية؛ والذي بيدك يتمسّك بك، ويتعلّق بسببك، لأنك لما استكفيته نهضت وأحسنت، فلذلك يأبى أن يكلّفه غيرك وأن لا يتكفّله إلا أنت- تقدّم فتى مولانا وسيدنا بكتب هذا المنشور بتجديد نظرك فيما هو بيدك من النيابة في الحكم العزيز بثغر دمياط- حماه الله تعالى- والمشارفة على الأحباس به، وعلى مستخرج الجوالي فيه، تقوية لعزمك، وإمضاء لحكمك، وشدّا لأزرك، وتأكيدا لأمرك، وإنفاذا لقولك، وبسطا ليدك، وإيضاحا لميزتك، وإظهارا لتكرمتك، وإبانة عن حسن النّية وإعرابا عن جميل الرأي فيك؛ فاجر على رسمك وعادتك، واستغن بما أودعته تقاليدك من الوصايا، واستمرّ على نهجك الذي أفضى بك إلى أحمد الأفعال وأجمل القضايا، وارتبط النعمة عندك بتماديك على عادتك، وتوسّل بمشكور السعي إلى نموّ حظّك ووفور زيادتك؛ فاعلم هذا واعمل به، إن شاء الله عز وجل. ومن ذلك نسخة سجل بالحكم بالأعمال الغربية، وهي: من كان بالعلوم الدينيّة قؤوما، وفي الأمور الشرعيّة ممّن يشار إليه ويومى، وظلّ من يجاريه من طبقته قليلا إذا لم يكن معدوما، وعلم نفاذه الذي سلم من المناقضة فيه والاختلاف، وعرف اعتماده الواجب من غير ميل عنه ولا انحراف، وكان لشمل الديانة والأمانة مؤلّفا جامعا، وغدا الوصف بجميل الخلال وحميد الأفعال عنه مسموعا ذائعا؛ وآثاره في كل ما يتولّاه مدّاحه وخطباؤه، وسفراؤه في الرّتب الجليلة نزاهته وظلف نفسه وإباؤه- صارت الأحكام بنظره مزهوّة، وأضحت الخدم الخطيرة تتوقّع بإسنادها إليه استظهارا وقوّة؛ فهي تتشوّف إلى أن يوليها حظّا

من محاسنه يكسبها نضرة وبهاء، وتتصدّى من نظره فيها لما يضمن لها إدراكا للإرادة وبلوغا إليها وانتهاء. ولما كنت أيّها القاضي حائزا لهذه الصفات، محيطا بما اشتملت عليه من الأدوات، سالكا أعدل طريق في الأمور إذا أشكلت، عاملا بقضايا الواجب إذا اعتمدت الإقبال عليك واتّكلت؛ ولك الخدمة السنية، التي لا تطمح إليها كل أمنيّة، والرتب الرفيعة التي لا ينالها إلّا من كان عمله موافقا لصادق النيّة؛ وكلّ ما تباشره يغتبط بك ويأسى على فراقك، وكلّ ما حظر على غيرك مباح لك لاستيجابك له واستحقاقك؛ فمن العدل أن تكون كفايتك على الأعمال مقسّمة، وأن تكون آثارك في كل ما تعانيه من أمور المملكة علامة لك عليها وسمة؛ وكانت الخدمة في الحكم بالغربية من التصرفات الوافية المقدار، السامية الأخطار، التي لا يسمو كلّ آمل إليها، ولا يحدث كل أحد نفسه بتولّيها؛ وقد اشتهرت خبرتك بالأحكام، وحفظك فيها للنّظام، وبتّك للقصص المشكلة، ورفعك للنّوب المعضلة- فرأينا استخدامك نائبا عن القاضي الأعزّ الماجد في الصّلاة والخطابة والقضاء بالأعمال الغربية المقدّم ذكرها: إذ كنت تعدل في أحكامك، ولا تخرج عن قضايا الصواب في نقضك وإبرامك، ولا تحابي في الحق ذا منزلة، ولا تنفكّ معتمدا ما يقضي لك بالميزة المتأكّدة والرتبة المتأثّلة، وأمرنا بكتب هذا المسطور شدّا لأزرك، وتشييدا لأمرك، وإيراء «1» لزندك وتقوية لعزمك، وضمّنّاه ما تقدّم ذكره من وصفك وشكرك، وتقريظك وإجمال ذكرك، والثناء على علمك، والأبانة عن قضيّتك في قضائك وحكمك؛ فاعمل بما اشتمل عليه التقليد المكتتب لك من مجلس الحكم العزيز وانته إلى ما أودع من فصوله، وكن عاملا بمضمونه متّبعا لدليله؛ والله يوفّقك ويرشدك، ويعينك ويسدّدك؛ فاعلم هذا واعمل به، إن شاء الله عز وجل.

ومن ذلك نسخة سجل بالحكم والمشارفة «1» بثغر عسقلان من سواحل الشام، وهي: الذي منحنا الله من المفاخر الدالّة على محلّنا عنده، والمآثر التي أوصلنا بها من الشرف إلى أمد لا غاية بعده، والقضايا العادلة التي أبانت عما أجراه الله لنا من اللطائف، والسياسة الفاضلة التي تشهد لنا ببياض الصحائف، قد ضاعف حظّنا من التأييد فيما نراه ونمضيه، وضمن لنا الهداية في حق الله تعالى إلى ما يرضيه، وأجزل قسطنا من التوفيق في اجتباء من نجتبيه، وحبّب لنا إسناء المواهب لمن كان قليل النظير والشّبيه، ووقف اهتمامنا على التنبيه على كلّ مشكور المساعي، وصرف اعتزامنا إلى التفقّد للمقاصد التي هي على الاصطفاء من أقوى الدّواعي، ووفّر التفاتنا إلى تأمّل الإخلاص الذي صفت موارده، وصحّت سرائره، وأحكمت معاقده، وأحصدت مرائره، وتوكّل لصاحبه في بلوغ المطالب البعيدة المطارح، وتبتّل لمن وفّق له في سبوغ العوارف المخصبة المسارح، وجعلنا لا نغفل عمن بذل في الطاعة مهجته، وأظهر بدؤوبه وانتصابه دليله على الولاء المحض وحجّته، وأبان عن تقواه وحسن إيمانه، وتقرّب باستفراغ وسعه إلى الله تعالى وإلى سلطانه، وعمل فيما ائتمن عليه ما استوجب به جزيل الأجر، وكان له من رأيه في أعداء الملّة ما يقوم مقام العسكر الجرّ، وعلم أنّ تجارته في المخالصة نافقة مربحة، وأن مراميه في المناصحة صائبة منجحة، وتيقّن أنا بحمد الله لا نخيّب أملا، ولا نضيع أجر من أحسن عملا. ولما كنت أيّها القاضي المكين المرتضى ثقة الإمام جلال الملك وعماده ذو المعالي صفي أمير المؤمنين، مستوليا على هذه الخلال، التي تكفّلت لك بإعلاء القدر، ومحتويا على هذه الخصال، التي رتّبتك على نظرائك في الصّدر، ولك من الحرمات سوابق لا يطمع فيها بلحاقك، ومن المواتّ شوافع تجعل جسائم النعم

وقفا لاستحقاقك؛ وقد عرفت بالجدّ والتشمير، واشتهرت بصادق العزم وصائب التدبير، وجعلت مؤهّلا لكل أمر خطير ومهمّ كبير، واستقرّ أنك إذا استكفيت جسيما فقد وكل منك إلى الأمين الخبير: لأنّ لك الرياسة التي لا تجارى فيها ولا تبارى، والكفاية التي لا يختلف فيها ولا يتمارى، والفضائل التي تشهد بها أعداؤك وحسّادك اضطرارا؛ وما زالت أفعالك في كل ما تتولّاه من الخدم الجليلة دالة على كرم طباعك، وآثارك معربة عن سعة ذرعك في الخير وامتداد باعك، وأخبارك ناطقة بإبائك عن الباطل واقتفائك للحقّ واتّباعك؛ ولما نظرت في القضاء تهلّل بنظرك وجه الشرع، وأبنت عن اضطلاعك من علمه بالأصل والفرع، وعدلت في أحكامك، ولم تعدل عن الواجب في نقضك وإبرامك، وفعلت ما أقرّ عين الملّة، وأربيت على من تقدّمك من القضاة الجلّة، واعتمدت من الإنصاف ما برّدت به الغلّة وأزحت به كلّ علّة، ووفّيت هذه الخدمة جميع شروطها، وفسّحت في تولّيك أمانيّ المظلومين بعد ضيقها وقنوطها، وقمت في ذلك المقام الذي يقضي بثبوت النعمة عندك وخلودها، وبالغت في ارتباطها بالشّكر لعلمك أن شرودها بكنودها. فأما الإشراف فإنك أتيت فيه ما دلّ على حسن المعرفة، واستقبلت في وجهه كل صفة، وأوضح أنّ كلّ من باشره لم يبلغ مداك، ولا جرى مجراك، ولا وصل إلى غايتك، بل ما طمع بمداناتك ولا مقاربتك؛ وكلّ ما عدق بكفايتك فقد أتيت بحمد الله فيه على الأغراض، لا جرم أنه مستدع لزيادتك ومطالب ومتقاض؛ فحين اجتمعت لك هذه الأسباب استوجبت من إنعامنا ما يتنزّه كرمنا عن تعويقه، ومن جزيل إحساننا ما يكون تعجيله حقّا من حقوقه؛ فشرّ فناك بتجديد ما هو بيدك من الحكم العزيز والمشارفة بثغر عسقلان حماه الله تعالى، وجعلنا النيابة في الحكم عنا تنويها بك ورفعا لشانك، وتبيينا لموضعك عندنا ومكين مكانك؛ فاعمل بتقوى الله التي أمر بها في كتابه الذي به يهتدي المؤمنون فقال عزّ من قائل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ «1» ، واجر على عادتك فيما حسّن أثرك، وأطاب خبرك،

معتمدا على ما تضمّنته عهودك، واشتملت عليه تقاليدك: من المساواة بين القويّ والضعيف في الحقّ، وإجراء الشريف والمشروف في المحاكمة مجرى واحدا من غير فرق، والنظر فيمن قبلك من الشّهود، وحملهم على القانون المألوف المعهود: من إقرار من ترتضيه، والمطالعة بحال من تأباه لما توجبه طريقته وتقتضيه، والمحافظة على أن لا يتعلّق بشيء من أمور الحكم إلا من أحمد فعله، وحصل له من التزكية ما يزكّى به مثله، إلى غير ذلك مما أودع فيها، وأحاطت بها الوصايا التي لم يزل يستوعبها ويستوفيها. واستقم على سبيلك في ضبط المال وحفظه وصونه، واستعن على بلوغ المراد في ذلك بتأييد الله وتوفيقه وعونه، وتماد على سنّتك في النظر في أحوال الثغر المحروس والانتصاب لمصالحه، والتوفّر على منافعه، والاجتهاد في الجهاد بآرائك، والاستمرار في ذلك على سديد أنحائك؛ والله وليّ عونك وإرشادك، والمانّ بتبليغك فيما أنت فيه أقصى مرادك؛ فاعلم هذا واعمل به، إن شاء الله تعالى. ومن ذلك نسخة سجل بتدريس، وهي: أمير المؤمنين لما منحه الله من الخصائص التي جعلته لدينه حافظا، ولمصالح أمور المسلمين ملاحظا، ولما عاد بشمول المنافع لهم مواترا، وبما أحظاهم عنده تبارك وتعالى معينا وعليه مثابرا، لا يزال يوليهم إحسانا وفضلا ومنّا، ويسبغ عليهم إنعاما لم يزل تسم «1» هممهم إلى أن تتمنّى؛ وقد يسّر الله تعالى لخلافته ودولته، ووهب لإمامته ومملكته، من السيد الأجل الأفضل، أكرم وليّ ضاعف تقواه وإيمانه، وأكمل صفيّ وقف اهتمامه واعتزامه على ما يرضيه سبحانه، وأعدل وزير لم يرض في تدبير الكافّة بدون الرتبة العليا، وأفضل ظهير ابتغى فيما أتاه الله الدار الآخرة ولم ينس نصيبه من الدّنيا؛ فهو يظافر أمير المؤمنين

على ما عمّ صلاحه عموم الهواء، ويفاوض حضرته فيما يستخلص الضمائر بما يرفع فيه من صالح الدعاء. ولمّا انتهى إلى أمير المؤمنين ميزة ثغر الإسكندرية- حماه الله تعالى- على غيره من الثّغور، فإنه خليق بعناية تامة لا تزال تنجد عنده وتغور: لأنه من أوقى الحصون والمعاقل، والحديث عن فضله وخطير محلّه لا تهمة فيه للراوي والناقل، وهو يشتمل على القرّاء والفقهاء، والمرابطين والصّلحاء، وأن طالبي العلم من أهله ومن الواردين إليه، والطارئين عليه، متشتّتو الشّمل، متفرّقو الجمع- أبى أمير المؤمنين أن يكونوا حائرين متلدّدين «1» ، ولم يرض لهم أن يبقوا مذبذبين متبدّدين؛ وخرجت أوامره بإنشاء المدرسة الحافظيّة بهذا الثغر المحروس بشارع المحجّة منّا عليهم وإنعاما، ومستقرّا لهم ومقاما، ومثوى لجميعهم ووطنا، ومحلّا لكافّتهم وسكنا؛ فجدّد السيد الأجل الأفضل أدام الله قدرته الرغبة إلى أمير المؤمنين في أن يكون ما ينصرف إلى مؤونة كل منهم والقيام بأوده، وإعانته على ما هو بسبيله وبصدده: من عين وغلة، مطلقا من ديوانه، واسترفد أمير المؤمنين المثوبة في ذلك فأجابه جريا على عادة إحسانه، واستقرّت التقدمة في هذه المدرسة لك أيها الفقيه الرشيد جمال الفقهاء أبو الطاهر: لنفاذك واطلاعك، وقوّتك في الفقه واستضلاعك، ولأنك الصدر في علوم الشريعة، والحالّ منها في المنزلة الرفيعة، والمشتغل الذي اجتمع له الأصول والفروع، ومن إذا اختلف في المسائل والنوازل كان إليه فيها الرّجوع؛ هذا مع ما أنت عليه من الورع والتّقى، وأنّ مجاريك لا يكون إلا ناكصا على عقبه مخفقا؛ وأمر أمير المؤمنين أن تدرّس علوم الشريعة للراغبين، وتعلّم ما علّمك الله إيّاه لمن يريد ذلك من المؤثرين والطالبين؛ وخرج أمره بكتب هذا المنشور بذلك شدّا لأزرك، وتقوية لأمرك ورفعا لذكرك؛ فأخلص في طاعة الله سرّا وجهرا، فإنه تعالى يقول في كتابه: وَمَنْ يَتَّقِ

اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً «1» ، واعتمد توزيع المطلق عليهم، وتقسيمه فيهم على حسب ما يؤدّي اجتهادك إليه، ويوقفك نظرك عليه، وقرّب من ارتضيت طريقته، وأبعد من أنكرت قضيّته؛ فقد وكل ذلك إليك، وعدق بك من غير اعتراض فيه عليك؛ فمن قرأه أو قريء عليه من الأمير المظفّر والقاضي المكين- أدام الله تأييدهما- وكافّة الحماة والمتصرفين، والعمّال والمستخدمين، فليعتمد رعاية المدرسة المذكورة ومن احتوت عليه من الطلبة وإعزازهم، والاشتمال عليهم، والاهتمام بمصالحهم، والتوخي على منافعهم، وليتل هذا المنشور على الكافّة بالمسجد الجامع، وليخلّد بهذه المدرسة حجّة بما تضمّنه، إن شاء الله عزّ وجلّ. ومن ذلك سجل بولاية الحسبة من إنشاء القاضي الفاضل، وهي: من شكرت خلائقه، وتهذّبت طرائقه، وأمنت فيما يتولاه بوائقه، ونيطت بعرى الصواب علائقه، وفرجت بسداده مسالك الإشكال ومضايقه، واستحوى من الأمانة قرينا في التصرّفات يرافقه ولا يفارقه، ونهض إلى الاستحقاق ولم تعقه دونه عوائقه، وأثنى عليه لسان الاختبار وهو صحيح القول صادقه- استوجب أن يخصّ من كل قول بأجمله، وأن يعان على نيل رجائه وبلوغ أمله، وأن يقتدح زند نيّته ليرى نور عمله، وتيسّر إلى النجاح متوعّرات طرقه ومشكلات سبله، وأن يقابل جريانه في الولاية قبله فيظهر عليه أثر الإحسان فيكون الشكر من قبل الإحسان لا من قبله، ويورد من موارد النجح ما يتكفّل له بالريّ من غلله، ويوسم من مياسم الاصطناع ما يكون حلية أوصاله ويشفع سداد خلاله في سدّ خلله. ولما كنت أيها الشيخ المشتمل على ما تقدّم ذكره، المستكمل من الوصف ما يجب شكره، الآوي إلى حرز من الصيانة حريز، المستغني بغنائه عن

الاستظهار بعزوة «1» العزيز، المستوجب إلى أن يعدّ من أهل التمييز لأنه من أهل التمييز، المستوعب من الخلال الجميلة ما لا يقتضيه القول الوجيز، المخرج من قضايا الدّنايا فما يستبيح محرّمها ولا يستجيز، الممدّح في خدم كلّها أخلصته خلاص الذهب الإبريز، وكانت له مضمارا تشهد له أفعاله [فيها] «2» بالسبق والتبريز، المتوسل بأمانة عزّبها جنابه عن الشّبهة ووجدانها في الناس عزيز- تقدّم فتى مولانا السيد الأجل باستخدامك على الحسبة بمدينة كذا: فباشر أمرها مباشرة من يبذل في التقوى جهدا، فلا يرى غيرها على ظمإوردا، ولا يراه الله حيث نهاه، ولا يأمره أبدا وينهاه إلا نهاه، ولا يرى ما كشفته إلا وهو عالم أنّ الله يراه، وانته فيها إلى ما ينتهي إليه من بذل غاية وسعه، ومن لا يرتدّ عن جرركيه «3» من عموم نفعه، ومن يدلّ بتهذيب طباع الناس على طهارة طبعه، ومن يستجزل حسن صنيع الله لديه بحسن صنعه، ومن يستدعي منه بذل فضله بحظر ما أمر بحظره ومنعه، واسلك فيما تستعمله من أمرها المذهب القصد والمنهج الأقوم، واجتهد فيها اجتهاد معتصم بحبل التقوى المتين وسببها المبرم، وامنع أن يخلو رجل بامرأة ليست بذات محرم، واستوضح أحوال المطاعم والمشارب، وقوّم كلّ من يخرج في شيء منها عن السّنن الواجب، وعيّر المكاييل والموازين فهي آلات معاملات الناس، واجتهد في سلامتك من الآثام بسلامتها من الإلباس والأدناس، وحذّر أن تحمّل دابة ما لا تطيق حمله، وأدّب من يجري إلى ذلك يتوخّى فعله، وأوعز بتنظيف الجوامع والمساجد لتنير بالنّظافة مسالكها، كما تنير بالإضاءة حوالكها؛ ففي ذلك إظهار لبهجتها وجمالها، وإيثار لصيانتها عن إخلاق نضرتها وابتذالها؛ ولا تمكّن أحدا أن يحضرها إلا لصلاة أو ذكر، قاطعا للسان الخصام وموقظا لعين الفكر؛ فأما من يجعلها سوقا للتّجارة، فقد حصل بهذه الجسارة على الخسارة،

فهي ميادين الضّمّر، وموازين الرّجح في الظاهر من أعمالهم والمضمر، وما أحقّ لياليها أن تقوم بها الهجّد «1» لا السّمّر، وهل أذن الله أن ترفع لغير اسمه أو تعمّر؛ واحظر أن يحضر الطّرقات ما يمنع السلوك أو يوعره، وافعل في هذا الأمر ما يردع العابث ويزجره، وخذ النصارى واليهود والمخالفين بلبس الغيار «2» وشدّ الزّنّار، ففي ذلك إظهار لما في الإسلام من العزّة وفي المخالفة من الصّغار، وإبانة بالشدّ للتأهّب للمسير إلى النار، وتفريق بين المؤمنين والكفّار، وأدّب من يكيل مطفّفا، أو يزن متحيّفا، أدبا يكون لمعاملته مزيّفا «3» ، وله من معاودة على فعله زاجرا ومخوّفا؛ فاعلم هذا واعمل به، إن شاء الله تعالى. ومن المكتتب عن الوزير لأرباب الوظائف الديوانية سجلّ بمشارفة الجوالي بالصعيد الأدنى والأشمونين «4» ، وهي: من حسنت آثاره فيما يتولّاه، واستعمل من الاجتهاد ما يدلّ على معرفته بقدر ما تولّاه، كان اعتماده بما يؤكّد سببه وينجح قصده ويبسط يده، ويرهف حدّه فيما يضمن مصالح خدمته، وينظم أمرها في سلك إيثاره وبغيته. ولما كنت [أيها الأمير] «5» لمّا ندبت إلى مشارفة الجوالي بالصعيد الأدنى والأشمونين قد أبنت عن الخبرة والدّراية، والأمانة والكفاية، والانتصاب

للاستخراج والجباية، والاجتهاد في الوفاء بما كتبت به خطّك، والحرص على ما يجزل نصيبك من جميل الرأي وقسطك- تقدّم فتى مولانا وسيدنا بكتب هذا المنشور مضمّنا شكرك وإحمادك؛ ومودعا ما يبلّغك في الخدمة بغيتك ومرادك، وتجديد نظرك وتقوية يدك، وإعزاز جانبك، وتوخّيك بما يشرح صدرك، ويشدّ أزرك، ويرفع موضعك ويزيح عللك، ويقيم هيبتك ويفسح مجالك، ويبلّغك آمالك؛ فاجر على رسمك في هذه المشارفة واستمرّ على عادة دؤ وبك، واجعل التقرّب بالنصيحة غاية مطلوبك، وواصل الانتصاب لاستخراج مال هذه الجوالي واستنضاضه «1» واستيفائه واستنظافه، وتماد في ذلك على سنّتك الحميدة، وطريقتك السّديدة، وثق بأن ذلك يسفر لك عن بلوغ أراجيك، ويضاعف سهمك من حسن الرأي فيك؛ فليعتمد الأميران معاضدة المذكور ومؤازرته، وإعانته ومظافرته، وإجابة ندائه، وتلبية دعائه، والشدّ منه في استخراج البواقي مع المال الحاضر: ليجد السبيل إلى الوفاء بما شرطه على نفسه، وكتب خطّه به؛ والمبالغة في ذلك مبالغة يعود نفعها على الديوان، ويشهد لهما ببذل الطاقة والإمكان؛ فليعلم ذلك وليعمل به، إن شاء الله عز وجل. ومن ذلك سجل باستيفاء الأعمال القبلية، وهو: من كرم أصله ومحتده، وحسن في الولاء ظاهره ومعتقده، ولقّن المخالصة عن الماضين من أسلافه، ولزم في المناصحة منهجا لم يعدل عنه إلى خلافه، وتنقّل في جلائل الخدم بكثرة الثناء عليه والتعديد لأوصافه، وكان في كلّ ما يباشره على قضية تشهد بفضله، وتدلّ من محاسن الخلال على ما لا يجتمع إلا في مثله؛ على أنه قليل النظراء والأكفاء، كلف بالاقتداء بمكارم الأفعال والاتباع لها والاقتفاء- استوجب أن يرفع مكانه ومحلّه، واستحق أن يحمّل من أعباء المهمّات

ما لا ينهض به [إلا] «1» مثله، وصلح أن يجعل لما يراعي أمره سهما من نظره فيه، وأن يبرز من توليته إيّاه في ملبس جمال يسبغه حسن التدبير عليه ويضفيه. ولما كنت أيها الشريف، تاج الخلافة، عضد الملك، صنيعة أمير المؤمنين، من جلّة آل أبي طالب، والموفوري الحظّ من المآثر والمناقب، ولك مع نسبك الشريف ميزة بيتك في الدولة العلوية- خلد الله ملكها- وتقدّمه، واستقرارك بنجوة «2» من السناء لا يضايقه أحد من طبقتك فيها ولا يزحمه؛ وقد توليت أمورا جليلة فكنت عليها القويّ الأمين، وأهّلت لمنازل سنيّة فأوضحت لك الأثر الحسن وأظهرت منك الجوهر الثمين؛ ولم تنتقل قطّ من شيء تتولّاه، إلى غيره مما تستحفظه وتستكفاه، إلا كان الأوّل عليك يتلهّف، والثاني إليك يتطلّع ونحوك يتشوّف؛ وما برحت ملتمسا من الرتب الخطيرة مخطوبا: لأن الأسباب التي غدت في غيرك متشتّتة متفرّقة، قد ألفيت عندك مجتمعة متألّفة متّسقة؛ فلك النزاهة السابقة بك كلّ من يجاريك، والوجاهة الرافعة قدرك على من يناويك؛ والأمانة التي يشهد لك بها من لا يحابيك، والديانة التي حزتها عن الشريف عضد الدولة أبيك- تقدّم فتى مولانا وسيدنا بالتعويل عليك في تولّي ديوان الاستيفاء «3» على الأعمال القبلية وما جمع إليه، الذي هو من أجلّ الدّواوين قدرا، وأنبهها ذكرا، وأرفعها شانا، وأشمخها مكانا؛ وخرج أمره بكتب هذا التقليد لك؛ فباشر ذلك متقيا لله تعالى فيه، جاريا على مراقبة عادتك التي تزلف فاعلها وتحظيه؛ فالله تعالى يقول إرشادا لعباده وتفهيما: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً «4» .

وتبتّل إلى عمارة الأعمال، وتزجية الارتفاع واستخراج الأموال، واعتمد مواصلة الجدّ والتشمير، واعكف على الاجتهاد الذي يشهد لك بقلّة الشبيه وعدم النظير، واستنظف البواقي من كل الجهات والأماكن، وكن على ضبط ما تستخرج وصونه أحفظ له من الخزائن، وانظر في أمر الكتّاب نظر من يكشف عن جميع أسبابهم، ويعلم أنه المخاطب على خطئهم وصوابهم، وخذهم بملازمة الاشغال، والمواظبة على التنفيذ وعلى استيفاء الأعمال، ولا تسوّغ لضامن ولا عامل أن يضجّع «1» في العمارة، ولا أن يماطل بها من ساعة إلى ساعة فإن فائت ذلك لا يلحق، وفارطه لا يدرك؛ وقد أزيحت علّتك ببسط يدك وإنفاذ قولك وإمضاء حكمك؛ فتماد على سنّتك واستمرّ على رسمك، واعلم هذا واعمل به، وطالع بما تحتاج إلى المطالعة بمثله، إن شاء الله تعالى. سجل بمباشرة الأغنام والمطابخ. لما كانت الأمانة كافلة بالتنويه لأربابها، والكفاية سافرة في التمييز لمن يتعلق بأسبابها، والخبرة خلّة لا يليق التصرّف ولا يحسن إلا بها؛ وكنت أيها القاضي مشهور النّفاذ والمعرفة، خليقا إذا ذكر المرشّحون للمهمات بأجمل صفة؛ وقد علمت نباهتك، واستقرّت نزاهتك، وحسن فيما تتولاه أثرك، وطاب فيما تباشره خبرك. وحين عدقت بك الخدم فيما يستدعى ويبتاع من الأغنام برسم المطابخ السعيدة وما ينفق ويطلق منها، متصرّفا في ذلك بين يدي المخلص السديد صفيّ الملك مأمون الدولة أبي الحسن: فرج الحافظي أدام الله تأييده، فشكر سعيك، وأحمد قصدك، ورضي اجتهادك، واستوفق اعتمادك- تقدّم فتى مولانا وسيدنا فلان بكتب هذا المنشور لك، مضمّنا ما يقضي بشدّ أزرك، وشرح صدرك، وتقوية منّتك، وإرهاف عزمك في خدمتك، واعتمادك بما يؤدّي إلى

استقامة الأمر فيما عدق بك، ومساعدتك ومعاضدتك ومعونتك في أسبابك، وتبليغك أقصى طلابك؛ والأميران يعتمدان رعايتك، والشدّ منك وإعانتك، والمحافظة على مصالح أمرك والتلبية لدعوتك، وتوفير حظك من الملاحظة لشؤونك. فلتعلم هذا ولتعمل به، إن شاء الله تعالى. ومن ذلك نسخة منشور بمشارفة المواريث الحشرية «1» ، والفروض الحكمية «2» ، وهي: منشور تقدّم بكتبه فتى مولانا وسيدنا السيد الأجل الأفضل لك أيها القاضي الرشيد، سديد الدولة، أبو الفتوح محمد بن القاضي السعيد عين الدولة أبي محمد عبد الله بن أبي عقيل- أدام الله عزك- لما اشتهرت كفايتك اشتهار الشمس، وأمنت أمانتك دخول الشبهة واللبس، وسلكت مذهب أسلافك في العفاف والنزاهة وظلف النفس، وظلّت آثارك فيما تتولاه شاهدة بديانتك، وأفعالك فيما تستكفاه معربة عن نباهتك، وسيرتك فيما تتكلّفه منتهية بك إلى أقصى أمد الاحتياط مفضية، وقد أضحى سبيل تقديمك معبّدا مذلّلا، وغدوت لما يناسب كريم بيتك مرشّحا مؤهّلا؛ وإنما إبقاؤك على ما بيدك لتكمّل إصلاحه وتهذيبه، وتتمّم تثقيفه وترتيبه؛ ولذلك كتب هذا المنشور مقصورا على إقرارك على ما أنت متولّيه من الخدمة في مشارفة المواريث الحشرية، وتقرير الفروض الحكمية؛ فاجر على رسمك وعادتك، واستمرّ على منهجك في بذل استطاعتك، والزم

المعهود منك فإنه مغن عن الاستزادة، وتماد على ما أتيت فيه على البغية والإرادة، واكتف بما تضمّنته التذكرة الديوانية المعمولة لهذه الخدمة، وحافظ من الاجتهاد على ما يجدّد لك كلّ وقت ملبس نعمة؛ فاعلم هذا واعمل به، ولينسخ هذا المنشور بحيث ينسخ مثله، إن شاء الله تعالى. ومن ذلك نسخة منشور بعمالة، وهي: عند ما وصفت به من اجتهاد ومناصحة، وأمانة ليس فيها مساهلة ولا مسامحة، ومخالصة استمررت فيها القضية المستقيمة الواضحة، وكفاية تمسّكت منها بالسبب الوثيق وحصلت على الصّفقة الرابحة، ومعاملة تحرّيت فيها نهج من حبّب إليه الأعمال الصالحة، وكفاية إذا باشرت الدّهمة الكالحة أبدلتها بالغرّة الواضحة، وسمعة ما برحت الألسن لذخائر ثنائها مبيحة ولسرائر أسبابها بائحة؛ وإنك إذا أهّلت لخدمة جعلتها لشكرك لسانا، ولكتاب كفايتك عنوانا؛ ومن كان بها ملما «1» إذا رأتك دواءه كان مستعارا بك أحيانا؛ فاعتمد في هذه الخدمة ما يحقّق بك ظنّا، ويقيم لك وزنا، ويشدّ بك ركنا، ويضاعف لديك منّا، وينيلك من الإحسان ما تتمنّى، ويسني لك من الزيادة والحسنى، ويتوكّل في اقتضاء الحظّ الجزيل الأسنى، واسترفع (؟) الحسبانات التي ما يلزم رفعها، ويحفظ به شرط الكفاية ووضعها، واكشف ولا تبق ممكنا حتى تكشفه ثم استنطقه، وحاصل به أصله ثم تجمله، وحاقق الجهابذ على ما خرجت به البراآت، ورفعت به الختمات، ولا تخل وصولا، من أن تكون بخطّك موصولا، واستخرج حقوق الديوان على ما مضت به مواضي سننه، وخذ من كل شيء في خدمتك بأحسنه، وأنزل نفسك من شؤون السنة بأمنع ظل وأحصنه، واحمل التّجّار والسّفّار على عوائد العدل وشرائطه، وقضايا الصون وحوائطه، وشواهد الدّيوان وضرائبه، ولا

تتعدّ فيهم مألوف مطالبه، وانظر في الأملاك السلطانية نظرا يصلح معتلّها، ويصحّح مختلّها، ويوفّر أجرها، ويزجي غيرها؛ وكذلك الأحباس والأحكار والمواريث: فحافظ على حفظ استغلالها، وكفّ كفّ من يرى باستباحة أمر الحرمة واستحلالها؛ وقد وردت لك من الديوان تذكرة فاهتد بمنظومها، واقتد بمرسومها؛ ولك من الآراء ما يشحذ عزمك، وينفّذ حكمك، ويسني موردك، ويعلي يدك، ويمثّل الرعاية فيك، ويقيم على أن تكفي الديوان بما يكفيك؛ والسلام. تم الجزء العاشر. يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الحادي عشر وأوّله الفصل الثالث «1» (من الباب الرابع من المقالة الخامسة) والحمد لله ربّ العالمين. وصلاته على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه والتابعين، وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل

المصادر والمراجع المستعملة في حواشي الجزء العاشر من كتاب «صبح الأعشى»

المصادر والمراجع المستعملة في حواشي الجزء العاشر من كتاب «صبح الأعشى» 1 1- الأعلام (معجم تراجم) تأليف خير الدين الزركلي دار العلم للملايين- بيروت 2- الألقاب الإسلامية في التاريخ والوثائق والآثار تأليف حسن الباشا القاهرة 1957 3- الانتصار لواسطة عقد الأمصار تأليف ابن دقماق دار الآفاق الجديدة- بيروت 4- بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب تأليف محمود شكري الآلوسي دار الكتب العلمية- بيروت 5- البيان والتبيين تأليف الجاحظ تحقيق عبد السلام هارون القاهرة 1961 6- تاريخ الإسلام تأليف حسن إبراهيم حسن مكتبة النهضة المصرية- القاهرة 7- تاريخ الإسلام في الهند تأليف عبد المنعم النمر مكتبة دار العروبة- القاهرة 8- تاريخ الطبري 2 تأليف ابن جرير الطبري تحقيق أبي الفضل ابراهيم دار المعارف- القاهرة 9- تشريف الأيام والعصور في سيرة الملك المنصور تأليف القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر تحقيق مراد كامل ومحمد علي النجار وزارة الثقافة والإرشاد القومي بالجمهورية العربية المتحدة 10- تفسير الطبري تأليف ابن جرير الطبري تحقيق محمود وأحمد شاكر دار المعارف- القاهرة 11- تهذيب الأسماء واللغات تأليف محيي الدين بن شرف النووي دار الكتب المعلمية- بيروت 12- جمهرة الامثال تأليف أبي هلال العسكري تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش المؤسسة العربية الحديثة- القاهرة 13- جمهرة رسائل العرب تأليف أحمد زكي صفوت المكتبة العليمة- بيروت

1 14- الجوهر الثمين في سير الملوك والسلاطين تأليف ابن دقماق تحقيق محمد كمال الدين عز الدين علي عالم الكتب- بيروت 15- الخطط التوفيقية الجديدة لمصر القاهرة تأليف علي باشا مبارك الهيئة المصرية العامة- القاهرة 16- الخطط المقريزية تأليف أحمد بن علي المقريزي دار صادر- بيروت 17- دائرة المعارف الإسلامية تأليف مجموعة من المستشرقين الطبعة العربية دار الشعب- القاهرة 18- سيرة ابن هشام تحيق أحمد محمد عبد الحميد القاهرة 19- شرح ديوان الحماسة تأليف الخطيب التبريزي عالم الكتب- بيروت 20- طبقات سلاطين الإسلام تأليف استانلي لين بول ترجمه للفارسية عباس إقبال ترجمه عن الفارسية مكي طاهر الكعبي منشورات البصري- بغداد 21- العقد الفريد تأليف ابن عبد ربّه تحقيق عبد المجيد ترحيني دار الكتب العلمية- بيروت 22- عيون الأخبار تأليف ابن قتبية الدينوري تحقيق يوسف الطويل ومفيد قميحة 2 دار الكتب العلمية- بيروت 23- فوات الوفيات تأليف محمد بن شاكر الكتبي تحقيق احسان عباس دار صادر- بيروت 24- القاموس المحيط تأليف فيروز ابادي المؤسسة العربية للطباعة والنشر- بيروت 25- قوانين الدواوين تأليف ابن مماتي جمعه وحققه عزيز سوريال عطية مطبعة مصر- القاهرة 26- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون تأليف حاجى خليفة دار الفكر- بيروت 27- الكليات (معجم في المصطلحات والفروق اللغوية) تأليف أبي البقاء الكفوي تحقيق عدنان درويش ومحمد المصري وزارة الثقافة- دمشق 28- لسان العرب تأليف ابن منظور دار صادر- بيروت 29- مجموعد الوثائق السياسة للعهد النبوي والخلافة الراشدة جمع وتحقيق محمد حميد الله دار النفائس- بيروت 30- مآثر الإنافة في معالم الخلاقة تأليف القلقشندي تحقيق عبد الستار أحمد فراج عالم الكتب- بيروت 31- مقدمة ابن خلدون

1 تأليف عبد الرحمن بن خلدون مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني- بيروت 32- معجم الألفاظ والأعلام القرآنية تأليف محمد إسماعيل ابراهيم دار الفكر العربي- القاهرة 33- المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية- القاهرة 34- معجم المؤلفين تأليف عمر رضا كحالة مكتبة المثنى ودار إحياء التراث العربي 35- معجم البلدان تأليف ياقوت الحموي دار الكتاب العربي- بيروت 36- معجم ما استعجم تأليف عبد الله بن عبد العزيز البكري تحقيق مصطفى السقّا عالم الكتب- بيروت 37- مجمع الأمثال تأليف الميداني تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد مطبعة السنة المحمدية 38- مفتاح الأفكار تأليف الشيخ أحمد مفتاح القاهرة 39- الموسوعة العربية الميسرة بإشراف محمد غربال 2 دار الشعب ومؤسسة فرنكلين- القاهرة 40- نزهة النفوس والأبدان في تواريخ الزمان تأليف الخطيب الصيرفي تحقيق حسن حبشي مطبعة دار الكتب- القاهرة 41- نثر الدرّ تأليف منصور بن الحسين الآبي دار الشعب ومؤسسة فرنكلين- القاهرة 42- نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب تحقيق وشرح محمد أبي الفضل إبراهيم منشورات عيسى البابي الحلبي 43- وفيات الأعيان تأليف ابن خلكان تحقيق احسان عباس دار الثقافة- بيروت 44- الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي تأليف محمد حمدي المناوي دار المعارف- القاهرة 45- صبح الأعشى في صناعة الانشا تأليف القلقشندي الطبعة الأميرية- القاهرة 46- التعريف بمصطلحات صبح الأعشى تأليف محمد قنديل البقلي الهيئة المصرية العامة- القاهرة 47- القرآن الكريم.

فهرس الجزء العاشر من صبح الأعشى

فهرس الجزء العاشر من صبح الأعشى الموضوع الصفحة الوجه الخامس- فيما يكتب في ألقاب الملوك عن الخلفاء، وهو نمطان 3 النمط الأول- ما كان يكتب في قديم الزمن 3 النمط الثاني- ما يكتب به لملوك الزمان 4 الوجه السادس- فيما يكتب في متن العهود، وفيه ثلاثة مذاهب 6 المذهب الأول- وعليه عامّة الكتاب من المتقدمين وأكثر المتأخرين، وفيه طريقتان 6 الطريقة الأولى- طريقة المتقدّمين 7 الطريقة الثانية- طريقة محقّقي المتأخرين ممن جرى على هذا المذهب 44 المذهب الثاني- أن يفتتح العهد بلفظ «من فلان» باسم الخليفة وكنيته ولقب الخلافة، «إلى فلان» باسم السلطان وكنيته ولقب السلطنة كما في المكاتبات، ثم يأتي بعد ذلك بلفظ «أما بعد» 75 المذهب الثالث- أن يفتتح العهد بخطبة 100 المذهب الرابع- أن يفتتح العهد بقوله: «أما بعد فالحمد لله» أو «أما بعد فإن أمير المؤمنين» أو «أما بعد فإن كذا» ونحو ذلك 140 المذهب الخامس- أن يفتتح العهد ب «إن أولى ما كان كذا» ونحوه 150 الوجه السابع- فيما يكتب في مستند عهد السلطان عن الخليفة.. الخ 158 الوجه الثامن- في قطع الورق الذي تكتب فيه عهود الملوك عن الخلفاء، والقلم الذي يكتب به.. الخ 159

الموضوع الصفحة النوع الثالث- من العهود عهود الملوك لولاة العهد بالملك، ويتعلق النظر به من سبعة أوجه 162 الوجه الأول- في بيان صحّة ذلك 163 الوجه الثاني- فيما يكتب في الطرّة 163 الوجه الثالث- في الألقاب التي تكتب في أثناء العهد 164 الوجه الرابع- ما يكتب في المستند 164 الوجه الخامس- ما يكتب في متن العهد 165 الوجه السادس- فيما يكتب في مستند عهد وليّ العهد بالسلطنة، وما يكتبه السلطان في بيت العلامة، وما يكتب في ذيل العهد 182 الوجه السابع- في قطع ورق هذا العهد وقلمه الذي يكتب به.. الخ 182 النوع الرابع- من العهود عهود الملوك بالسلطنة للملوك المنفردين بصغار البلدان، ويتعلق النظر به من أربعة أوجه 184 الوجه الأوّل- في بيان أصل ذلك وأوّل حدوثه في هذه المملكة إلى حين زواله عنها 184 الوجه الثاني- في بيان ما يكتب في العهد، وهو على ضربين 187 الضرب الأوّل- ما يكتب في الطرّة، وهو تلخيص ما يشتمل عليه العهد [ولم يذكر الضرب الثاني] 187 الوجه الثالث- فيما يكتب في المستند عن السلطان في هذا العهد، وما يكتبه السلطان في بيت العلامة 191 الوجه الرابع- في قطع ورق هذا العهد وقلمه الذي يكتب به.. الخ 192 الباب الرابع، من المقالة الخامسة- في الولايات الصادرة عن الخلفاء لأرباب المناصب من أصحاب السيوف والأقلام، وفيه ثلاثة فصول 195 الفصل الأول- فيما كان يكتب من ذلك عن الخلفاء، وفيه خمسة أطراف 195 الطرف الأوّل- فيما كان يكتب عن الخلفاء الراشدين من الصحابة رضوان الله عليهم 195

الموضوع الصفحة الطرف الثاني- فيما كان يكتب عن خلفاء بني أميّة 198 الطرف الثالث- فيما كان يكتب عن خلفاء بني العباس ببغداد إلى حين انقراض الخلافة العباسية من بغداد، وهو على أربعة أنواع 241 النوع الأوّل- ما كان يكتب لوزراء الخلافة 241 النوع الثاني- مما كان يكتب لأرباب الوظائف من ديوان الخلافة ببغداد ما كان يكتب لأرباب الوظائف من أصحاب السيوف، وهو على ضربين 251 الضرب الأوّل- العهود، وهي أعلاها رتبة 251 الضرب الثاني- مما يكتب من ديوان الخلافة لأرباب السيوف التقاليد، وهي لمن دون أرباب العهود في الرتبة 272 النوع الثالث- مما كان يكتب لأرباب الوظائف من ديوان الخلافة ببغداد ما كان يكتب لأرباب الوظائف ببغداد من أصحاب الأقلام، وهي على ضربين 273 الضرب الأوّل- العهود 273 الضرب الثاني- مما كان يكتب بديوان الخلافة ببغداد لأرباب الوظائف من أصحاب الأقلام التواقيع 301 النوع الرابع- مما كان يكتب من ديوان الخلافة ببغداد ما كان يكتب لزعماء أهل الذمّة 303 الطرف الرابع- فيما كان يكتب عن مدّعي الخلافة ببلاد المغرب والأندلس، وله حالتان 309 الحالة الأولى- ما كان الأمر عليه في الزمن القديم [ولم يذكر الحالة الثانية] 309 الطرف الخامس- فيما كان عليه الأمر في الدولة الفاطمية بالديار المصرية، وكانت كتابة ما يكتب لديهم لأرباب الولايات على نوعين 317 النوع الأول- ما كان يكتب به عن الخليفة نفسه، ولهم فيها أربعة مذاهب 318 المذهب الأوّل- أن يفتتح ما يكتب في الولاية بالتصدير، وهو على ثلاث مراتب 318 المرتبة الأولى- أن يقال بعد التصدير المقدّم «أما بعد فالحمد لله» ، وهي على

لموضوع الصفحة ضربين 318 الضرب الأوّل- سجلّات أرباب السيوف [ولم يترجم للضرب الثاني، وهو: سجلّات أرباب الأقلام] 319 المرتبة الثانية- من المذهب الأوّل من سجلّات ولايات الفاطميين أن يفتتح السجلّ بالتصدير، فيقال «من عبد الله ووليه» ... الخ 346 المرتبة الثالثة- من المذهب الأوّل من سجلّات ولايات الفاطميين أن تفتتح بالتصدير أيضا، وهو «من عبد الله ووليّه» إلى آخر التصلية على النبي صلى الله عليه وسلم وأمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه ... الخ 368 المذهب الثاني- أن يفتتح ما يكتب في الولاية بلفظ «هذا ما عهد عبد الله ووليّه فلان أبو فلان.. الخ» 392 المذهب الثالث- أن يفتتح ما يكتب في الولايات بخطبة مبتدأة بالحمد لله كما يكتب في أعلى الولايات في زماننا، ويقال «يحمده أمير المؤمنين على كذا وكذا.. الخ» 397 المذهب الرابع- مما كان يكتب لأرباب الولايات بالدولة الفاطمية مرتبة الأصاغر من أرباب السيوف والأقلام 447 النوع الثاني- مما كان يكتب في الدولة الفاطمية بالديار المصرية ما كان يكتب عن الوزير 453 تم بإذن الله فهرس الجزء العاشر من صبح الأعشى

الجزء الحاديعشر

[الجزء الحاديعشر] [تتمة الباب الرابع من المقالة الخامسة] بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلّى الله على سيدنا محمّد وآله وصحبه الفصل الثاني من الباب الرابع من المقالة الخامسة (فيما يكتب من الولايات عن الملوك، وفيه [ثلاثة] «1» أطراف) الطّرف الأوّل (في مصطلح كتّاب الشرق) قد تقدّم في الكلام على ما كان يكتب عن الخلفاء أنّ الولايات في الخلافة العبّاسيّة ببغداد كانت تصدر عن الخلفاء دون الملوك المساهمين لهم في الأمر، لا يشاركونهم في شيء من الولايات أصلا. وقد تقدّم ذكر ما كان يكتب عن خلفائهم من الولايات هناك. والمقصود هنا ما كان يكتب عن ملوك بني جنكزخان من البيت الهولاكوهي فمن بعدهم. ولم أقف على شيء من مصطلحهم في ذلك فأورده هنا. الطّرف الثاني (في مصطلح كتّاب الغرب والأندلس فيما يكتب من الولايات عن الملوك) واعلم أنهم يعبّرون عما يكتب في جميع ولاياتهم بالظّهائر: جمع

الضرب الأول (ما يكتب لأرباب الوظائف من أصحاب السيوف)

ظهير «1» ، يفتتحونه بلفظ «هذا ظهير» كما تقدّم بيانه في الكلام على ما كان يكتب عن خلفاء المغرب. ثم هي على ثلاثة أضرب: الضرب الأوّل (ما يكتب لأرباب الوظائف من أصحاب السّيوف) وهذه نسخة ظهير بنيابة السلطنة بالحضرة من إنشاء أبي عبد الله بن الخطيب «2» ، وهي: هذا ظهير كريم، منزلته في الظهائر منزلة المعتمد به من الظّهراء، ومحلّه من الصّكوك، الصادرة عن أعاظم الملوك، محلّ أولي الرايات، الخافقة العذبات، والآراء، فتح على الإسلام، من بعد الإبهام، أبواب السّرّاء، وراق طرازا مذهبا على عاتق الدّولة الغرّاء، وأعمل عوامل الجهاد في طاعة ربّ العباد، شارعة لأهل الكفر والعناد، من باب الإعمال والإغراء- أمر به فلان لصدر صدور أودّائه «3» ، وحسامه المشهور على أعدائه، ووليّه الذي خبر صدق وفائه، وجلّى في مضمار الخلوص له مغبّرا في وجوه أكفائه، شيخ شيوخ المجاهدين، وقائد كتائبه المنصورة لغزو الكافرين والمعتدين، وعدّته التي يدافع بها عن الدّين، وسائق ورده المبرّز في الميادين، الشيخ الأجلّ الأعزّ الأسنى، الأمجد، الأسعد، الأصعد، الأعنى، الأحمى، الأحبّ، الأوصل،

الأفضل، المجاهد، الأقضى، الأرضى، الأمضى، الشهيد المقدّس، المرحوم أبي عبد الله بدر الدين ابن شيخ الشّيوخ وعلم الأعلام، المدافع عن حوزة الإسلام، البعيد الغارة في تخوم عبدة الأصنام، الشيخ الكبير، الجليل الخطير، الرفيع، الصّدر، المعظّم، الموقّر، صاحب الجهاد الأرضى، والعزم الأمضى، المقدّس، المرحوم أبي عمران (موسى) بن أبي زيد رحوبن محيو بن عبد الحق بن محيو، وصل الله سعده، وحرس مجده، وبلّغه من مظاهرة دولته وموازرة خلافته قصده. رفع قبّة العناية والاختيار على عماد، وأشاد بدعوة التعظيم [مسمعا] «1» كلّ حيّ وجماد، وقابل السعي الكريم بإحماد، وأورد من البرّ غير ثماد «2» ، واستظهر بالوفاء الذي لم تستتر ناره برماد، ولا قصّرت جياده عن بلوغ آماد، وقلّد سيف الجهاد عاتق الحسب اللّباب «3» ، وأعلق يدي الاستظهار بأوثق الأسباب، واستغلظ على الأعداء بأحبّ الأحباب. لمّا قامت له البراهين الصادقة على كرم شيمه، ورسوخ قدمه، وجنى منه عند الشّدّة والتمحيص ثمرة ما أولاه من نعمه، قابل بالرّعي كرائم ذممه، وعظائم خدمه، وشدّ اليد على عهده الذي عرفه حين انتكثت العقد وأخلق المعتقد، واستأسد النّقد «4» ، وتنكّر الصديق، وفرق الفريق، وسدّت على النّظرة الطّريق، وتميز المغرق والغريق، فأثقل له ميزان المكافات، وسجّل له رسم المصافات، وجعله يمين الملك الذي به يناضل، ويقاطع ويواصل، وسيف الجهاد، الذي يحمي بمضائه حوزة البلاد، ومرآة النّصح التي تتجلّى بها وجوه الرّشاد، فقدّمه- أعلى الله قدمه، وشكر نعمه، وأسعده فيما يمّمه، ونشر بالنصر علمه- شيخ الغزاة بحضرته العليّة، وسائر بلاده النصرية: ترجع القبائل والأشياخ إلى نظره

في السّكنات، وتستدرّ على يده من مقامه الكريم غيوم البركات، وتقرّر وسائلها بوساطة حظوته، وتقصّر خطاها اعترافا بحقّه الواجب عن خطوته؛ فعليه تدور أفلاك جماعاتهم كلّما اجتمعوا وأتلفوا، وبحجة فضله يزول إشكالهم مهما اختلفوا، وبلسانه المبين يقرّر لهم ما أسلفوا، وفي كنف رعيه ينشأ من أعقبوا من النّشأة وخلّفوا، وبإقدامه تنهض أقدامهم مهما توقّفوا، فهو يعسوب «1» كتائبهم الملتفّة، وفرزان «2» قطعهم المصطفّة، وشهم «3» جوارحهم الفارهة، وعين عيونهم النّابهة، وتأويل أمورهم المتشابهة، عن نظره يردون ويصدرون، وبإشارته يريشون «4» ويبرون وآثاره يقتفون، وبتلعة «5» دوّاره المرينيّ «6» في خدمة مقامه النصريّ يقفون، فهو الذي لا تأنف أشراف القبائل من اقتفاء آثاره، ولا تجهل رفعة مقداره، فلبيته المزيّة بالحق، المستوجبة للفخر بسابقة السعادة لعبد الحقّ «7» ، ولذاته قصب السبق، ولوفائه الشّهرة في الغرب والشّرق. فليتولّ ذلك- تولّاه الله- منشرحا بالعز صدره، مستمدّا «8» من شمس سعادته بدره، معروفا حقّه معظّما قدره؛ فهي خطّة قومه، وفريسة حومه، وطيّة أمسه ويومه، وكفء خطبته، ومرمى رتبته، وحلي جيده، ومظهر توفيقه وتسديده- مطلقا من عنان الثناء، على أهل الغناء، معاملا بصادق الإطراء، لذوي الآراء، متغمّدا بالإغضاء، هفوات أهل المضاء، معرّفا بالقبائل، والعشائر والفصائل، كلّما

وفدوا من الآفاق للاستلحاق، منبّها على مظانّ الاستحقاق، مطبّقا للطباق، مميّزا لجيادها يوم السّباق، حريصا على إنماء الأعداد، مطبّقا مفاصل الشّراد، محتاطا على الأموال التي تمتري «1» بها أكفّ الجباية ضروع العباد، واضعا مال الله حيث وضعه الحق من الورع والاستداد، [لا] «2» سيّما في هذه البلاد، حتّى تعظم المزايا والمزاين، وتتوفّر الكتائب والخزائن، ويبتهج السامع ويسرّ المعاين، ويظهر الفضل على من تقدّم، وأنّ الظّهراءكم غادرت من متردّم «3» ، ويتحسّر من قصّر ويتندم، وعند الله يجد كلّ ما قدّم. فهي قلادة الله التي يضيع من أضاعها «4» ، ويرضى عمن أعمل فيها أوامره وأطاعها. وهو- وصل الله سعادته! وحرس مجادته «5» - أولى من لاحظ ضرائرها، واستطلع من ثنايا التوكل على الله بشائرها: نسبا وحسبا، وجدّا وأبا؛ وحدّا وشبا، ونجدة وضحت مذهبا. وعلى الغزاة «6» - وفّر الله جموعهم! وأنجد تابعهم ومتبوعهم! - أن يعرفوا قدر هذا التعظيم الذي خفقت أعلامه، ووضحت أحكامه، والاختصاص الذي لطف محلّه، والاعتناء الكريم الذي ضفا ظلّه، فيكونوا من إيجاب حقّه حيث حدّ ورسم، وميّز ووسم؛ لا يتخلّف أحد منهم [في خدمته] «7» أيده الله عن إشارته الموفّقة، ولا يشذّ عن رياسته المطلقة، بحول الله تعالى وقوّته. وهذا نسخة ظهير بنيابة السلطنة ببعض الأعمال، وهي: هذا ظهير كريم، مضمّنه استجلاء لأمور الرّعايا واستطلاع ورعاية كرمت

منها أجناس وأنواع، وعدل بهر منه شعاع، ووصايا يجب لها إهطاع «1» ، أصدرناه للفقيه أبي فلان، لمّا تقرّر لدينا دينه وعدله وفضله رأينا أنّه أحقّ من نقلّده المهمّ الأكيد، ونرمي [به] من أغراض البرّ الغرض البعيد، ونستكشف به أحوال الرّعايا حتّى لا يغيب عنا شيء من أحوالها، ولا يتطرّق إليها طارق من إهمالها، وينهي إلينا الحوادث التي تنشأ فيها إنهاء يتكفل بحياطة أبشارها وأموالها. وأمرناه أن يتوجه إلى جهة كذا- حاطها الله- فيجمع الناس في مساجدهم، ويندبهم من مشاهدهم، ويبدأ بتقرير غرضنا في صلاح أحوالهم، وإحساب «2» آمالهم، ومكابدتنا المشقّة في مداراة عدوّهم الذي يعلم من أحوالهم ما غاب عنهم- دفعه الله بقدرته، ووقى نفوسهم وحريمهم من معرّته- وبما رأينا من انبتات الأسباب التي فيك تؤمّل، وعجز الحيل التي كانت تعمل، ويستدعي إنجادهم بالدعاء، وإخلاصهم فيه إلى ربّ السماء، ويسأل عن سيرة القوّاد، وولاة الأحكام بالبلاد: فمن نالته مظلمة فليرفعها إليه، ويقصّها عليه: ليبلّغها إلينا، ويوفدها مقرّرة الموجبات علينا، ويختبر ما افترض صدقة للجبل، وما فضل عن كريم ذلك العمل: ليعيّن لبناء الحصن بجبل قارة «3» يسّر الله لهم في إتمامه، وجعل صدقتهم تلك مسك ختامه، وغيره مما افترض إعانة للمسافرين، وإنجادا لجهاد الكافرين، فيعلم مقداره، ويتولّى اختباره، حتّى لا يجعل منه شيء على ضعيف، ولا يعدل به لمشروف عن شريف، ولا تقع فيه مضايقة ذي الجاه، ولا مخادعة غير المراقب لله. ومتى تحقّق أن غنيّا قصّر به فيه

عن حقه، أو ضعيفا كلّف منه فوق طوقه، فيجير الفقير من الغنيّ، ويجري من العدل على السّنن السويّ، ويعلم الناس أن هذه المعونة وإن كانت بالنسبة إلى محلّ ضرورتها يسيرة، وأن الله يضاعفها لهم أضعافا كثيرة، ليست مما يلزم، ولا من المعاون التي بتكريرها يجزم، وينظر في عهود المتوفين فيصرفها في مصارفها المتعيّنة، وطرقها الواضحة البيّنة، ويتفقّد المساجد تفقّدا يكسو عاريها، ويتمّم منها المآرب [تتميما] «1» يرضي باريها، ويندب الناس إلى تعليم القرآن لصبيانهم، فذلك أصل أديانهم، ويحذّرهم المغيب عن كلّ شيء من أعشارهم فالزكاة أخت الصلاة وهما من قواعد الإسلام، وقد اخترنا لهم بأقصى الجدّ والاعتزام، ورفعنا عنهم رسم التعريف نظرا إليهم بعين الاهتمام، وقدّمنا الثّقات لهذه الأحكام، وجعلنا الخرص «2» شرعيّا في هذا العام، وفيما بعده إن شاء الله من الأعوام. ومن أهمّ ما أسندناه إليه، وعوّلنا فيه عليه، البحث بتلك الأحواز عن أهل البدع والأهواء، والسائرين من السبيل على غير السّواء، ومن ينبز «3» بفساد العقد، وتحريف القصد، والتلبّس بالصوفيّة وهو في الباطن من أهل الفساد، والذاهبين إلى الإباحة وتأويل المعاد، والمؤلّفين بين النساء والرجال، والمتتبّعين لمذاهب الضّلال؛ فمهما عثر على مطوّق بالتهمة، منبّز بشيء من ذلك من هذه الأمّة، فليشدّ وثاقه شدّا، وليسدّ عليه سبيل الخلاص سدّا، ويسترع في شأنه الموجبات، ويستوعب الشهادات، حتّى ننظر في حسم دائه، ونعالج المرض بدوائه؛ فليتولّ ما ذكرنا نائبا بأحسن المناب، ويقصد وجه الله راجيا منه جزيل الثواب، ويعمل عمل من لا يخاف في الله لومة لائم ليجد ذلك

في مواقف الحساب. وعلى من يقف عليه من القوّاد والأشياخ والحكّام أن يكونوا معه يدا واحدة على ما قرّرناه في هذه الفصول: من العمل المقبول والعدل المبذول؛ ومن قصّر عن غاية من غاياته، أو خالف مقتضى من مقتضياته، فعقابه عقاب من عصى أمر الله وأمرنا فلا يلومنّ إلا نفسه التي غرّته وإلى مصرع النكير جرّته، والله المستعان. وهذه نسخة ظهير بالإمرة على الجهاد، وهي: هذا ظهير كريم بلغ فيه الاختيار، الذي عضّده الاختبار «1» ، الى أقصى الغاية، وجمع له الوفاق، الذي خدمه البخت والاتفاق، والأهليّة التي شهدت بها الآفاق، بين نجح الرأي ونصر الراية، وأنتجت به مقدّمات الولاء نتيجة هذه الرتبة السامية العلاء والولاية، واستظهر من المعتمد به، على قصده الكريم في سبيل الله ومذهبه، بليث من ليوث أوليائه، شديد الوطأة على أعدائه والنّكاية، وفرع من فروع الملك الأصيل معروف الأبوّة والإباية، لتتضح حجة النصر العزيز والفتح المبين ذي القوّة المتين محكمة الآية، وتدل بداية هذه الدولة الرافعة لمعالم الدين، المؤيّدة في الأقوال والأفعال بمدد الرّوح الأمين، على شرف النّهاية. أصدر حكمته وأبرز حكمه، وقرّر حدّه الماضي ورسمه، عبد الله، الغنيّ بالله [محمد ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر] «2» - عضّد الله كتائبه وشدّ عضده، ويسّر في الظهور على أعداء الله قصده- لوليّه المستولي على

ميادين حظوته وإيثاره، الفائز بالقدح المعلّى «1» من إجلاله وإكباره، ظهير استنصاره، وسيف جهاده المعدّ لصدق ضريبته ويوم افتخاره، ويعسوب قبائل الغزاة بأصقاعه الجهاديّة وأقطاره، الأمير أبي عبد الرحمن، ابن الأمير أبي عليّ، ابن السلطان أمير المسلمين أبي سعيد، ابن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق- وصل الله له أسباب سعده، وأنجز للمسلمين بمظاهرته إيّاه على الكافرين سابق وعده، لمّا وفد على بابه الكريم مؤثرا على ما كان بسبيله عن جواره «2» ، ملقيا بمحلّة الجهاد عصا تسياره، مفضّلا ما عند الله على رحب أوطانه وأقطاره، شيمة من أسرع إلى خير الآخرة ببداره، قبل اكتمال هلاله وإبداره، وعلى انبعاث أمله وترامي هممه واستقامة مداره- قابل، أيده الله، وفادته بالقبول الممدوح، والصّدر المشروح، والعناية العالية المظاهر والصّروح، وجعل له الشّرب المهنّى في مناهل الصنائع التي صنع الله لملكه والفتوح، ولم يدّخر عنه تقريبا يقف الأولياء دون مداه، وترفيعا تشهد به محافل الملك ومنتداه، إلى أن ظفرت بحقيقة الموالاة الكريمة يداه، ثم استظهر به على أعداء الله وعداه، فوفّى النّصح لله وأدّاه، وأضمره وأبداه، وتحلّى بالبسالة والجلالة والطّهارة، اللائقة بمنصب الإمارة في رواحه ومغداه، حتّى اتفقت الأهواء على فضله وعفافه، وكمال أوصافه وظهرت عليه مخايل أسلافه. ثم رأى الآن- سدّد الله رأيه، وشكر عن الإسلام والمسلمين سعيه- أن يوفد ركائب الاعتقاد الجميل على جنابه، ويفسّح ميدان الاستظهار بحسن منابه، ويصل أسبابه بأسبابه، ويضاعف بولائه الصادق اهتمامه، ويقيمه في قود عساكره لجهاد البرّ مقامه، فأضفى ملابس ودّه عليه وجعله فاتح أبواب الجنة بفضل الله بين يديه، وأجراه مجرى عضده الذي تصدق عنه الضريبة في المجال، وسيفه الذي يفرّج به مضايق الأهوال، ونصبه للقبائل الجهادية قبلة في مناصحة الله ومناصحة

مشروعه، وراية سعيدة في مظاهرة متبوعه، وعقد له الولاية الجهاديّة التي لا تعدل بولاية، ولا توازن عناية المعتمد بها بعناية، يشهد بصراحة نسبها الدين، وتتحلّى بحلى غرّتها الميادين. فالجهاد في سبيل الله نحلة نبي الأمّة، ومن بعده من الأيمّة، لا سيّما في هذا القطر المتأكّد فيه ذلك لأولي الدّين والهمّة. فليتولّ ذلك تولّي مثله وإن قلّ وجود مثله، جاريا على سنن مجده وفضله، سائرا من رضا الله على أوضح سبله، معتمدا عليه في الأمر كلّه. وليعلم أن الذي يخلق ما يشاء ويختار قد هيّأ له من أمره رشدا، وسلك به طريقا سددا «1» ، واستعمله اليوم فيما يحظيه غدا، وجعل حظّه الذي عوّضه نورا وهدى، وأبعد له في الصالحات مدى- ولينظر فيما لديه من القبائل الموفورة، والجموع المؤيّدة المنصورة، نظرا يزيح العلل، ويبلّغ الأمل، ويرعى الهمل «2» ، ويحسن القول وينجح العمل، منبّها على أهل الغناء والاستحقاق، مستدرّا للعوائد والأرزاق، معرّفا بالغرباء الواردين من الآفاق، مطبقا منهم للطباق، متغمّدا للهفوات بحسن الأخلاق، مستجيدا للأسلحة والكراع «3» ، مبادرا هيعات «4» الصّريخ بالإسراع، مسترعيا للمشورة التي يقع الحكم فيها عن حصول الإجماع، رفيقا بمن ضعف عن طول الباع، محتاطا على الإسلام في مواقف الدّفاع، مقدما عند اتّجاه الأطماع، صابرا في المضايق على القراع، متقدّما للأبطال بالاصطناع، مقابلا نصائح أولي الخبرة بحسن الاستماع، مستعملا في الحروب ما أجازه الشرع من وجوه الخداع حتّى يكون عمله وفق شهرته البعيدة المطار، وسيرته فيما أسند إليه مثلا في الأقطار، واستقامة التدبير على يديه ذريعة إلى إرغام أنوف الكفّار، بقوّة الله وحوله وعزّته وطوله.

وعلى الغزاة بالحضرة العليّة، وسائر البلاد النّصرية، ومن بني مرين وسائر القبائل المجاهدين، أن يعرفوا قدره، ويمتثلوا في مرضاتنا أمره، ويكونوا معه روحا ويدا وجسدا، وساعدا وعضدا؛ فبذلك يشمله من الله ومن مقامنا الرضا والقبول، والعزّ الموصول، ويمضي في عدوّ الله النّصول، ويتأتّى على خير الدنيا والآخرة الحصول، إن شاء الله. ومن وقف عليه، فليعرف ما لديه، بحول الله تعالى. وهذه نسخة ظهير بالتّقدمة على الطبقة الأولى من المجاهدين، لولد السلطان، وهي: هذا ظهير كريم، فاتح بنشر الألوية والبنود، وقود العساكر والجنود، وأجال في ميدان الوجود، جياد البأس والجود، وأضفى ستر الحماية والوقاية بالتّهائم والنّجود «1» ، على الطائفين والعاكفين والرّكّع السّجود- عقد للمعتمد به عقد التشريف والقدر المنيف زاكي الشّهود، وأوجب المنافسة بين مجالس السّروج ومضاجع المهود، وبشّر السيوف في الغمود، وأنشأ ريح النصر آمنة من الخمود، أمضى أحكامه، وأنهد العزّ أمامه، وفتّح عن زهر السّرور والحبور أكمامه، أمير المسلمين عبد الله محمد ابن مولانا أمير المسلمين أبي الحجاج يوسف ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد فرج بن نصر- أيد الله أمره، وخلّد ذكره- لكبير ولده، وسابق أمده، وريحانة خلده، وياقوتة الملك على يده، الأمير الكبير، الطاهر الظاهر، الأعلى، واسطة السلك، وهلال سماء الملك، ومصباح الظّلم الحلك، ومظنّة العناية الإلهيّة من مدبّر الفلك ومجرى الفلك، عنوان سعده، وحسام نصره وعضده، وسميّ جدّه، وسلالة فضله ومجده، السعيد المظفّر، الهمام، الأعلى، الأمضى، العالم، العادل، العامل، الأرضى المجاهد، المؤمّل، المعظم، أبي الحجاج يوسف- ألبسه الله من رضاه عنه

حللا لا تخلق جدّتها الأيام، ولا تبلغ كنهها الأفهام؛ وبلغه في خدمه المبالغ التي يسرّ بها الإسلام، وتسبح في البحار صنائعها الأقلام، وحرس معاليه الباهرة بعينه التي لا تنام، وكنفه بركنه الذي لا يضام- فهو الفرع الذي جرى بخصله على أصله، وارتسم نصره في نصله، واشتمل جدّه على فضله، وشهدت ألسن خلاله، برفعة جلاله، وظهرت دلائل سعادته، في بدء كل أمر وإعادته. ولمّا صرف وجهه إلى ترشيحه لافتراع هضاب المجد البعيد المدى، وتوشيحه بالصّبر والحلم والبأس والنّدى، وأرهف منه سيفا من سيوف الله لضرب هام العدا، وأطلعه في سماء الملك بدر هدى، لمن راح وغدا، وأخذه بالآداب التي تقيم من النفوس أودا، وتبذر في اليوم فتجنى غدا، ورقّاه في رتب المعالي طورا فطورا، ترقّي النبات ورقا ونورا؛ ليجده بحول الله يدا باطشة على أعدائه، ولسانه مجيبا عند ندائه، وطرازا على حلّة عليائه، وغماما من غمائم آلائه، وكوكبا وهّاجا بسمائه، وعقد له لواء الجهاد على الكتيبة الأندلسية من جنده، قبل أن ينتقل من مهده، وظلّله بجناح رايته، وهو على كتد «1» دايته، واستركب جيش الإسلام ترحيبا بوفادته، وتنويها بمجادته، وأثبت في غرض الإمارة النصرية سهم سعادته- رأى أن يزيده من عنايته ضروبا وأجناسها، ويتبع أثره ناسا فناسا، قد اختلفوا لسانا ولباسا، واتفقوا ابتغاء لمرضاة الله والتماسا، ممّن كرم انتماؤه، وازّينت بالحسب الغر «2» سماؤه، وعرف غناؤه، وتأسّس على المجادة بناؤه، حتّى لا يدع من العناية فنّا إلا جلبه إليه، ولا مقادة فخر إلا جعلها في يديه، ولا حلّة عز إلا أضفى ملابسها عليه. وكان جيش الإسلام في هذه البلاد الأندليسة- أمّن الله خلالها، وسكّن زلزالها، وصدّق في رحمة الله التي وسعت كل شيء آمالها- كلف همّته، ومرعى

أذمّته، وميدان جياده، ومتعلّق أمد جهاده، ومعراج إرادته، إلى تحصيل سعادته، وسبيل خلاله، إلى بلوغ كماله؛ فلم يدع له علّة إلا أزاحها، ولا طلبة إلا أجال قداحها، ولا عزيمة إلا أورى اقتداحها، ولا رغبة إلا فسّح ساحها، آخذا مروءته بالتهذيب، ومصافّة بالترتيب، وآماله بالتقريب، وتأنيس المريب، مستنجزا له وبه وعد النصر العزيز والفتح القريب، ورفع عنه لهذا العهد نظر من حكم الأغراض في حماته، واستشعر عروق الحسائف «1» لشريف كماته، واشتغل عن حسن الوساطة لهم بمصلحة ذاته، وجلب جباته، وتثمير ماله وتوفير أقواته، ذاهبا أقصى مذاهب التعمير بأمد حياته؛ فانفرج الضّيق، وخلص إلى حسن نظره الطريق، وساغ الرّيق، ورضي الفريق. رأى- والله الكفيل بنجح رأيه، وشكر سعيه، وصلة حفظه ورعيه- أن يحمد لهم اختياره، ويحسن لديهم آثاره، ويستنيب فيما بينه وبين سيوف جهاده، وأبطال جلاده، وحماة أحوازه، وآلات اعتزازه، من يجري مجرى نفسه النفيسة في كل معنى، ومن يكون له لفظ الولاية وله- أيده الله- المعنى، فقدّمة على الجماعة الأولى كبرى الكتائب، ومقاد الجنائب «2» ، وأجمة الأبطال، ومزنة الودق «3» الهطّال، المشتملة من الغزاة على مشيخة آل يعقوب نسباء الملوك الكرام، وأعلام الإسلام، وسائر قبائل بني مرين، ليوث العرين، وغيرهم من أصناف القبائل، وأولي الوسائل، ليحوط جماعتهم، ويرفع بتفقّده إضاعتهم، ويستخلص لله ولأبيه- أيده الله- طاعتهم، ويشرّف بإمارته مواكبهم، ويزيّن بهلاله الناهض إلى الإبرار، على فلك سعادة الأقدار، كواكبهم، تقديما أشرق له وجه الدّين الحنيف وتهلّل، وأحسّ باقتراب ما أمّل؛ فللخيل اختيال ومراح،

وللأسل «1» السّمر اهتزاز وارتياح، وللصّدور انشراح، وللأمل مغدى في فضل الله ومراح. فليتولّ ذلك- أسعده الله- تولّي مثله ممن أسرّة الملك أسرّته، وأسرة النبي صلّى الله عليه وسلّم أسرته، والملك الكريم أصل لفرعه، والنسب العربيّ مفخر «2» لطيب طبعه، آخذا أشرافهم بترفيع المجالس بنسبة أقدارهم، مقرّبا حسن اللقاء بإيثارهم، شاكرا غناءهم، مستديما ثناءهم، مستدرا لأرزاقهم، موجبا للمزيّة بحسب استحقاقهم، شافعا لديه في رغباتهم المؤمّلة، ووسائلهم المتحمّلة، مسهلا الإذن لوفودهم المتلاحقة، منفّقا لبضائعهم النافقة، مؤنسا لغربائهم، مستجليا أحوال أهليهم وآبائهم، مميزا بين أغفالهم ونبهائهم. وعلى جماعتهم- رعى الله جهادهم، ووفّر أعدادهم- أن يطيعوه في طاعة الله وطاعة أبيه، ويكونوا يدا واحدة على دفاع أعادي الله وأعاديه، ويشدّوا في المواقف الكريهة أزره، ويمتثلوا نهيه وأمره، حتّى يعظم الانتفاع، ويثمر الدّفاع، ويخلص القصد لله والمطاع؛ فلو وجد- أيده الله- غاية في تشريفهم لبلّغها، أو موهبة لسوّغها؛ لكن ما بعد ولده العزيز عليه مذهب، ولا وراء مباشرتهم بنفسه مرغب؛ والله منجح الأعمال، ومبلّغ الآمال، والكفيل بسعادة المال. فمن وقف على هذا الظّهير الكريم فليعلم مقدار ما تضمّنه من أمر مطاع، وفخر مستند إلى إجماع، ووجوب اتّباع، وليكن خير مرعيّ لخير راع، بحول الله. وأقطعه- أيده الله- ليكون بعض المدد لأزواد سفره، وسماط قفره، في جملة ما أولاه من نعمه، وسوّغه من موادّ كرمه- جميع القرية المنسوبة إلى عرب

غسّان: وهي المحلة الأثيرة، والمنزلة الشهيرة، تنطلق عليها أيدي خدّامه ورجاله، جارية مجرى صالح ماله، محرّرة من كل وظيف لاستغلاله، إن شاء الله فهو المستعان سبحانه، وكتب في كذا. وهذه نسخة ظهير لمشيخة الغزاة بمدينة مالقة «1» ، وهو: هذا ظهير كريم أطلع الرّضا والقبول صباحا، وأنشأ للعناية في جوّ الوجود، من بعد الرّكود، رياحا، وأوسع العيون قرّة [وإبصارا] «2» والصّدور انشراحا، وهيّأ للمعتمد به مغدى في السعادة ومراحا، وهزّ منه سيفا عتيقا يفوق اختيارا ويروق التماحا، وولّاه رياسة الجهاد في القطر الذي تقدّمت الولاية فيه لسلفه فنال عزّا شهيرا وازداد فخرا صراحا، وكان [له] «3» ذلك إلى أبواب السعادة مفتاحا. أمر به وأمضاه، وأوجب العمل بحسبه ومقتضاه، الأمير عبد الله محمد ابن مولانا أمير المسلمين، والمجاهد في سبيل رب العالمين، أبي الحجّاج [يوسف] «4» ابن مولانا أمير المسلمين، أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر- أيد الله أمره وأعز نصره، وأسعد زمانه وعصره- لوليه في الله الذي كساه مولاه من جميل اعتقاده حللا، وأورده من عذب رضاه منهلا، وعرّفه عوارف قبوله مفصّلا خطابها ومجملا، الشيخ أبي العلا، إدريس، ابن الشيخ أبي سعيد عثمان، بن أبى العلا، وصل الله أسباب سعادته، وحرس عليّ «5» مجادته، وأجراه من ترفيع المكانة لديه على [أحمد عادة سلفه] «6» وعادته. ولمّا كان له القدر الجليل، والمجد الأثيل، والذكر الجميل، والفضائل

التي كرم منها الإجمال والتفصيل، وأحرز قصب السّبق بذاته وسلفه إذا ذكر المجد العريض الطويل، وكان قد أعمل الرّحلة إليه يحدوه إلى خدمته التأميل، ويهوي به الحبّ الذي وضح منه السبيل، وعاق عنه الواقع الذي تبيّن فيه عذره الجميل، ثم خلّصه الله من ملكة الكفر الخلاص الذي قام به على عنايته الدليل- قابله بالقبول والإقبال، وفسّح له ميدان الرضا رحب المجال، وصرف إليه وجه الاعتداد بمضائه رائق الجمال، سافرا عن بلوغ الآمال، وآواه من خدمته إلى ربوة متّسعة الأرجاء وارفة الظّلال، وقطع عنه الأطماع بمقتضى همته البعيدة المنال؛ ثم رأى- والله ينجح رأيه، ويشكر في سبيل الله عن الجهاد سعيه- أن يستظهر بمضائه، ويرسل عليه عوارف آلائه، ويعمر به رتب آبائه، فقدّمه- أعلى الله قدمه، وشكر [آلاءه] «1» ونعمه- شيخ الغزاة والمجاهدين، وكبير أولي الدّفاع عن الدين؛ بمدينة (مالقة) حرسها الله أخت حضرة [دار] «2» ملكه، وثانية الدّرّة الثمينة من سلكه، ودار سلفه وقرارة مجده، والأفق الذي تألّق منه نور سعده، راجعا إليه نظر القواعد الغربية رندة وركوان «3» وما إليه رجوع الاستغلال والاستيراد، والعزّ الفسيح المجال البعيد الآماد، يقود جميعها إلى الجهاد، عاملا على شاكلة مجده في الإصدار والإيراد، حتّى يظهر على تلك الجهات المباركة آثار الحماية والبسالة، ويعود لها عهد المجادة والجلالة، وتتزيّن ملابس الإيالة. وهو يعمل في ذلك الأعمال التي تليق بالمجد الكريم، والحسب الصميم، حتّى ينمو عدد الحماة، ويكفّ البأس أكفّ الغزاة ويعظم أثر الأبطال الكماة؛ وتظهر ثمرة الاختيار، ويشمل الأمن جميع الأقطار، وتنحسم عنه أطماع الكفّار؛ وعلى من يقف عليه من الفرسان- وفّر الله أعدادهم، وأعزّ

الضرب الثاني (من ظهائر بلاد المغرب ما يكتب لأرباب الوظائف الدينية من أصحاب الأقلام)

جهادهم- أن يكونوا ممتثلين في الجهاد لأمره، عارفين بقدره، ممضين فيما ذكر لحكمه، واقفين عند حدّه ورسمه؛ وعلى من سواهم من الرعايا والخدّام، والولاة والحكّام، أن يعرفوا قدر هذا الاعتناء الواضح الأحكام، والبرّ المشرق القسام، فيعاملوه بمقتضى الإجلال والإكرام، والترفيع والإعظام. على هذا يعتمد، وبحسبه يعمل، بحول الله وقوّته. الضرب الثاني (من ظهائر بلاد المغرب ما يكتب لأرباب الوظائف الدينية من أصحاب الأقلام) وهذه نسخة ظهير بقضاء الجماعة «1» بالحضرة، وهو: هذا ظهير كريم أنتج مطلوب الاختيار قياسه، ودلّ على ما يرضي الله عز وجل التماسه، وأطلع نور العناية يجلو الظلام نبراسه، واعتمد بمثابة العدل من عرف بافتراع هضبتها باسه، وألقى بيد المعتمد به زمام الاعتقاد الجميل تروق أنواعه وأجناسه، وشيّد مبنى العز الرفيع في قنّة الحسب المنيع، وكيف لا والله بانيه والمجد أساسه. أمر به، وأمضى العمل بمقتضاه وحسبه، أمير المسلمين أبو الحجاج ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر- أيد الله أمره، وخلد فخره- لقاضي

حضرته العلية، وخطيب حمرائه «1» السنيّة، المخصوص لديه بترفيع المزيّة، المصروف إليه خطاب القضاة بإيالته النّصريّة، قاضي الجماعة، ومصرّف الأحكام الشرعية المطاعة، الشيخ أبي الحسن ابن الشيخ أبي محمد بن الحسن وصل الله سعادته، وحرس مجادته، وسنّى من فضله إرادته، عصّب منه جبين المجد بتاج الولاية، وأجال قداح الاختيار حتّى بلغ الغاية وتجاوز النهاية، فألقى منه بيمين عرابة «2» الراية، وأحلّه منه محلّ اللفظ من المعنى والإعجاز من الآية، وحشر إلى مراعاة ترفيعه وجوه البرّ وأعيان العناية، وأنطق بتبجيله، ألسن أهل جيله، بين الإفصاح والكنايه. ولما كان له الحسب الذي شهدت به ورقات الدّواوين، والأصالة التي قامت عليها صحاح البراهين، والآباء الذين اعتزّ بمضاء قضاتهم الدّين، وطبّق «3» مفاصل الحكم بسيوفهم الحقّ المبين، وازدان بمجالسة وزرائهم السلاطين: فمن فارس حكم أو حكيم تدبير، أو قاض في الأمور الشرعية ووزير، أو جامع بينهما جمع سلامة لا جمع تكسير؛ تعدّد ذلك واطّرد، ووجد مشرع المجد عذبا فورد، وقصّرت النظراء عن مداه فانفرد، وفرى الفرى في يد الشّرع فأشبه السيف الفرند «4» ، وجاء في أعقابهم محييا لما درس، بما حقّق

ودرس؛ جانيا لما بذر السلف المبارك واغترس، طاهر النّشأة وقورها، محمود السّجيّة مشكورها، متحلّيا بالسّكينة، حالّا من النّزاهة بالمكانة المكينة، ساحبا أذيال الصّون، بعيدا عن الاتصاف بالفساد من لدن الكون، فخطبته الخطط العليّة، واغتبطت به المجادة الأوّليّة، واستعملته دولته التي ترتاد أهل الفضائل للرّتب، وتستظهر على المناصب بأبناء التّقى والحسب، والفضل والمجد والأدب، ممن يجمع بين الطارف والتالد والإرث والمكتسب؛ فكان معدودا من عدول قضاتها وصدور نبهائها، وأعيان وزرائها، وأولي آرائها. فلمّا زان الله خلافته بالتمحيص، المتجلّي عن التخصيص، وخلص ملكه الأصيل كالذهب الإبريز من بعد التخليص، كان ممن صحب ركابه الطالب للحق بسيف الحق، وسلك في مظاهرته أوضح الطّرق، وجادل من حادّه بأمضى من الحداد الذّلق، واشتهر خبر وفائه بالغرب والشّرق، وصلّى به صلاة السفر والحضر، والأمن والحذر، وخطب به في الأماكن التي بعد بذكر الله عهدها، وخاطب عنه- أيده الله- المخاطبات التي حمد قصدها، حتّى استقلّ ملكه فوق سريره، وابتهج منه الإسلام بأميره وابن أميره، ونزل السّتر على العباد والبلاد ببركة إيالته ويمن تدبيره، وكان الجليس المقرّب المحلّ، والحظيّ المشاور في العقد والحلّ، والرسول المؤتمن على الأسرار، والأمين على الوظائف الكبار، مزيّن المجلس السلطانيّ بالوقار، ومتحف الملك بغريب الأخبار، وخطيب منبره العالي في الجمعات، وقاريء الحديث لديه في المجتمعات. ثم رأى- أيده الله- أن يشرك رعيته في نفعه، ويصرف عوامل الحظوة إلى مزيد رفعه، ويجلسه مجلس الشارع صلوات الله وسلامه عليه لإيضاح شرعه، وأصله الوثيق وفرعه؛ وقدّمه- أعلى الله قدمه، وشكر آلاءه ونعمه- قاضيا في الأمور الشرعية، وفاصلا في القضايا الدينية، بحضرة غرناطة [العلية] «1» حرسها

الله تقديم الاختيار والانتقاء، وأبقى له فخر السّلف على الخلف والله يمتّعه بطول البقاء. فليتولّ ذلك عادلا في الحكم، مهتديا بنور العلم، مسوّيا بين الخصوم حتّى في لحظه والتفاته، متصفا من الحلم بأفضل صفاته، مهيبا بالدّين، رؤوفا بالمؤمنين، مسجّلا للحقوق، غير مبال في رضا الخالق بسخط المخلوق، جزلا في الأحكام، مجتهدا في الفصل بأمضى حسام، مراقبا لله عزّ وجلّ في النّقض والإبرام، بارّا بمشيخة أهل التوثيق، عادلا إلى سعة الأقوال عند المضيق، سائرا من مشهور المذهب «1» على أهدى طريق. وأوصاه بالمشورة التي تقدح زناد التوفيق، والتثبت حتّى ينبلج قياس التحقيق، وصيّة أصدرها له مصدر الذّكرى التي تنفع، ويعلي الله بها الدرجات ويرفع، وإلا فهو عن الوصاة غنيّ، وقصده قصد سنيّ، والله عز وجل وليّ إعانته، والكفيل بحفظه من الشّبهات وصيانته. [وأمره- أيده الله- أن ينظر في الأحباس «2» على اختلافها، والأوقاف على شتّى أصنافها] «3» واليتامى التي انسدلت كفالة القضاة على ضعافها؛ فيذود عنها طوارق الخلل، ويجري أمورها بما يتكفّل لها بالأمل. وليعلم أن الله عز وجل يراه، وأن فلتات الحكم تعاوده المراجعة في أخراه، فيدّرع جنّة تقواه، فسبحان من يقول: إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ «4»

فعلى من يقف عليه أن يعرف حقّ هذا الإجلال، صائنا منصبه عن الإخلال، مبادرا أمره الواجب بالامتثال، بحول الله. وكتب في الثالث من شهر الله المحرّم فاتح عام أربعة وستّين وسبعمائة؛ عرّف الله فيه هذا المقام العليّ عوارف النصر المبين والفتح القريب، بمنّه وكرمه، فهو المستعان لا رب غيره. وهذه نسخة ظهير بقضاء الجماعة بالحضرة أيضا، وهو: هذا ظهير كريم أعلى رتبة الاحتفاء [والاحتفال] اختيارا واختبارا، وأظهر معاني الكرامة والتخصيص انتقاء واصطفاء وإيثارا، ورفع لواء الجلالة على من اشتمل عليها حقيقة واعتبارا، ورقّى في درجات العز من طاولها علاء بهر أنوارا، ودينا كرم في الصالحات آثارا، وزكا في الأصالة نجارا، وخلوصا إلى هذا المقام العليّ السعيد راق إظهارا وإضمارا، أمر به وأمضاه، وأنفذ العمل بحكمه ومقتضاه، فلان للشيخ القاضي، العدل، الأرضى، قاضي الجماعة وخطيب الحضرة العلية، المخصوص لدى المقام العليّ بالحظوة السنيّة والمكانة الحفيّه، الفاضل، الحافل، الكامل، الموقّر، المبرور أبي الحسن ابن الشيخ الفقيه، الوزير، الأجل، الأعزّ، الماجد، الأسنى، المرفّع، الأحفل، الأصلح، المبارك، الأكمل، الموقّر، المبرور، المرحوم أبي محمد بن الحسن- وصل الله عزّته، ووالى رفعته ومبرّته، ووهب له من صلة العناية الربّانية أمله وبغيته- لمّا أصبح في صدور القضاة العلماء مشارا إلى جلاله، مستندا إلى معارفه المخصوصة بكماله، مطرّزا على الإفادة العلمية والأدبيّة بمحاسنه البديعة وخصاله، محفوفا مقعد الحكم النبويّ ببركة عدالته وفضل جلاله، وحلّ في هذه الحضرة العلية المحلّ الذي لا يرقاه إلّا عين الأعيان، ولا يتبوّء مهاده إلا مثله من أبناء المجد الثابت الأركان، وموالي العلم الواضح البرهان، والمبرّزين بالمآثر العليّة في الحسن والإحسان، وتصدّر لقضاء الجماعة فصدرت عنه

الضرب الثالث (ما يكتب لأرباب الوظائف الديوانية)

الأحكام الراجحة الميزان، والأنظار الحسنة الأثر والعيان، والمقاصد التي وفت بالغاية التي لا تستطاع في هذا الميدان؛ فكم من قضيّة جلا بمعارفه مشكلها، ونازلة مبهمة فتح بإدراكه مقفلها، ومسألة مهملة عرّف نكرتها وقرّر مهملها، حتّى قرّت بعدالته وجزالته العيون، وصدقت فيه الآمال الناجحة والظّنون، وكان في تصديره لهذه الولاية العظمى من الخير والخيرة ما عسى أن يكون- كان أحقّ بالتشفيع لولاياته وأولى، وأجدر بمضاعفة النّعم التي لا تزال تترادف على قدره الأعلى. فلذلك أصدر له- أيده الله- هذا الظهير الكريم مشيرا بالترفيع والتنويه، ومؤكّدا للاحتفاء الوجيه، وقدّمه- أعلى الله قدمه، وشكر نعمه- خطيبا بالجامع الأعظم [من حضرته] «1» - عمره الله بذكره- من علية الخطباء، وكبار العلماء، وخيار الفقهاء الصّلحاء؛ فليتولّ ذلك في جمعاته، مظهرا في الخطبة أثر بركته وحسناته، عاملا على ما يقرّبه عند الله من مرضاته، ويظفره بجزيل مثوباته، بحول الله وقوّته. الضرب الثالث (ما يكتب لأرباب الوظائف الديوانية) وهذه نسخة ظهير بالقلم الأعلى المعبّر عنه في بلادنا بكتابه السر؛ وهي: هذا ظهير كريم نصب للمعتمد به الإنافة «2» الكبرى ببابه فرفعه، وأفرد له متلوّ العز جمعه ووتره وشفعه، وقرّبه في بساط الملك تقريبا [أرغم به أنف عداه ووضعه] «3» ، وفتح له باب السعادة وشرعه، وأعطاه لواء القلم الأعلى فوجب على من دون رتبته، من أولي صنعته، أن يتّبعه، ورعى له وسيلته السابقة عند

استخلاص الملك لمّا ابتزّه الله من يد الغاصب وانتزعه؛ وحسبك من ذمام لا يحتاج إلى شيء معه. أمر به الأمير فلان لفلان- وصل الله سعادته، وحرس مجادته- أطلع له وجه العناية أبهى من الصبح الوسيم، وأقطعه جناب الإنعام الجميم، وأنشقه أرج الحظوة عاطر النسيم، ونقله من كرسيّ التدريس والتعليم، إلى مرقى التّنويه والتكريم، والرتبة الّتي لا يلقّاها إلا ذو حظّ عظيم، وجعل أقلامه جيادا لإجالة أمره العليّ وخطابه السنيّ، في ميادين الأقاليم، ووضع في يده أمانة القلم الأعلى، جاريا من الطريقة المثلى على النّهج القويم، واختصه بمزيّة الشّفوف على كتّاب بابه الكريم. لمّا كان ناهض الوكر في طلبة حضرته من البداية، ولم يزل تظهر عليه لأولي التمييز مخايل هذه العناية: فإن حضر حلق العلم جلّى في حلبة الحفّاظ إلى الغاية، وإن نظم أو نثر أتى بالقصائد المصقولة، والمخاطبات المنقولة، فاشتهر في بلده وغير بلده، وصارت أزمّة العناية طوع يده، بما أوجب له المزيّة في يومه وغده. وحين ردّ الله عليه ملكه الذي جبر به جناح الإسلام، وزيّن وجوه الليالي والأيّام، وأدال الضّياء من الظلام، وكان ممّن وسمه الوفاء وشهره، وعجم الملك عود خلوصه وخبره، فحمد أثره، وشكر ظاهره ومضمره، واستصحب عليّ ركابه الذي صحب اليمن سفره، وأخلصت الحقيقة نفره، وكفل الله ورده وصدره، ميمون النّقيبة، حسن الضّريبة، خالصا في الأحوال المريبة، ناطقا عن مقامه بالمخاطبات العجيبة، واصلا إلى المعاني البعيدة بالعبارات القريبة، مبرّزا بالخدم الغريبة، حتّى استقام العماد، ونطق بصدق الطاعة الحيّ والجماد، ودخلت في دين الله أفواجا العباد والبلاد، لله الحمد على نعمه الثّرّة العهاد، وآلائه المتوالية التّرداد، رعى له- أيّده الله- هذه الوسائل وهو أحقّ من يرعاها، وشكر له الخدم المشكور مسعاها، فقصر عليه الرّتبة الشّمّاء التي خطبها بوفائه، وألبسه أثواب اعتنائه، وفسّح له مجال آلائه، وقدّمه- أعلى الله قدمه، وشكر نعمه- كاتب السّرّ، وأمير النهي والأمر، تقديم الاختبار، والاغتباط بخدمته

الطرف الثالث (في مصطلح كتاب الديار المصرية فيما قبل الخلفاء الفاطميين وفيما بعدهم إلى زماننا)

الحسنة الآثار، والتيمّن باستخدامه قبل الحلول بدار الملك والاستقرار، وغير ذلك من موجبات الإيثار. فليتولّ ذلك عارفا بمقداره، مقتفيا لآثاره، مستعينا بالكتم لأسراره، والاضطلاع بعظام أموره وكباره، متّصفا بما يجمل من أمانته وعفافه ووقاره، معطيا هذا الرسم حقّه من الرّياسة، عارفا بأنه أكبر أركان السّياسة، حتّى يتأكّد الاغتباط بتقريبه وإدنائه،، وتتوفّر أسباب الزّيادة في إعلائه؛ وهو- إن شاء الله- غنيّ عن الوصاة فهما ثاقبا، وأدبا لعيون الكمال مراقبا، فهو يعمل في ذلك أقصى العمل، المتكفّل ببلوغ الأمل. وعلى من يقف عليه: من حملة الأقلام، والكتّاب الأعلام، وغيرهم من الكافّة والخدّام، أن يعرفوا قدر هذه العناية الواضحة الأحكام، والتقديم الراسخ الأقدام؛ ويوجبوا ما أوجب من البرّ والإكرام، والإجلال والإعظام، بحول الله وقوّته؛ وكتب في كذا. الطرف الثالث (في مصطلح كتّاب الديار المصرية فيما قبل الخلفاء الفاطميين وفيما بعدهم إلى زماننا) وفيه أربع حالات: الحالة الأولى- ما كان عليه أمر نوّاب الخلفاء بهذه المملكة إلى ابتداء الدولة الطّولونيّة «1» ولم يكن لديوان الإنشاء بالديار المصرية في هذه المدّة صرف عناية، تقاصرا عن التشبّه بديوان الخلافة، إذ كانت الخلافة يومئذ في غاية العزّ ورفعة السلطان، ونيابة مصر بل سائر النيابات مضمحلّة في جانبها، والولايات الصادرة

الحالة الثانية - ما كان عليه أمر الدولة الطولونية من حين قيام دولتهم إلى انقراض الدولة الأخشيدية

عن النوّاب في نياباتهم متصاغرة متضائلة بالنسبة إلى ما يصدر من أبواب الخلافة من الولايات، فلذلك لم يقع مما كتب منها ما تتوفّر الدواعي على نقله ولا تنصرف الهمم لتدوينه مع تطاول الأيام وتوالي اللّيالي. الحالة الثانية- ما كان عليه أمر الدولة الطّولونيّة من حين قيام دولتهم إلى انقراض الدولة الأخشيديّة «1» وقد تقدّم أن أحمد بن طولون أوّل من أخذ في ترتيب الملك وإقامة شعار السلطنة بالديار المصرية. ولما شمخ سلطانه، وارتفع بها شانه أخذ في ترتيب ديوان الإنشاء لما يحتاج إليه في المكاتبات والولايات، فاستكتب ابن عبد كان «2» ، فأقام منار ديوان الإنشاء ورفع مقداره؛ وكان يفتتح ما يكتبه عنه في الولايات بلفظ «إنّ أولى كذا» أو «إن أحقّ كذا» وما أشبه ذلك. وهذه نسخة عهد كتب به ابن عبد كان عن أحمد بن طولون بقضاء برقة «3» ترشد إلى ما عداها من ذلك وهي: إنّ أحقّ من آثر الحقّ وعمل به، وراقب الله في سرّ أمره وجهره، واحترس من الزّيغ والزّلل في قوله وفعله، وعمل لمعاده ورجعته، إلى دار فاقته وفقره ومسكنته، من جعل بين المسلمين حاكما، وفي أمورهم ناظرا: [فأراق] «4» الدماء وحقنها، وأحلّ الفروج وحرّمها، وأعطى الحقوق وأخذها، ومن علم أنّ الله تبارك وتعالى سائله عن مثقال الذّرّة من عمله، وأنه إنما يتقلّب في قبضته، أيام

مدّته، ثم يخرج من دنياه كخروجه من بطن أمّه، إما سعيدا بعمله وإما شقيّا بسعيه. وإنّا- لما وقفنا عليه من سديد مذهبك وقويم طريقتك، وجميل هديك وحسن سيرتك، ورجوناه فيك، وقرّرناه عندك: من سلوك الطريقة المثلى، واقتفاء آثار أئمة الهدى، والعمل بالحق لا بالهوى- رأينا تقليدك القضاء بين أهل ثغر برقة، وأمرناك بتقوى الله الذي لا يعجزه من طلب، ولا يفوته من هرب، وبطاعته التي من آثرها سعد، ومن عمل بها حمد، ومن لزمها نجا، ومن فارقها هوى- وأن تواصل الجلوس لمن بحضرتك من الخصوم: صابرا بنفسك على تنازعهم في الحقوق، وتدافعهم في الأمور، غير برم بالمراجعات، ولا ضجر بالمحاكمات: فإنّ من حاول إصابة فصل القضاء، وموافقة حقيقة الحكم بغير مادّة من حلم، ولا معونة من صبر، ولا سهمة من كظم، لم يكن خليقا بالظّفر بهما، ولا حقيقا بالدّرك لهما- وأن تقسم بين الخصمين إذا تقدّما إليك، وجلسا بين يديك، في لحظك ولفظك، وتوفّي كلّ واحد منهما قسمه من إنصافك وعدلك، حتّى ييأس القويّ من ميلك، ويأمن الضعيف من حيفك: فإنّ في إقبالك بنظرك وإصغائك بسمعك إلى أحد الخصمين دون صاحبه ما أضلّ الآخر عن حجّته، وأدخل الحيرة على فكره ورويّته- وأن تحضر مجلس قضائك من يستظهر برأيه، ومن يرجع إلى دين وحجا وتقى: فإن أصبت أيّدك، وإن نسيت ذكّرك- وأن تقتدي في كلّ ما تعمل فيه رويّتك، وتمضي عليه حكمك وقضيّتك، بكتاب الله الذي جعله صراطا مستقيما، ونورا مستبينا، فشرع فيه أحكامه، وبيّن حلاله وحرامه، وأوضح به مشكلات الأمور، فهو شفاء لما في الصّدور. وما لم يكن في كتاب الله- جل وعز- نصّه فإنّ فيما يؤثر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم حكمه؛ وما لم يكن في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اقتفيت فيه سبيل السّلف الصالح من أئمة الهدى رضي الله عنهم الذين لم يألوا الناس اختبارا، ولا ادّخروهم نصيحة واجتهادا، عالما أنك أسعد بالعدل ممن تعدل عليه، وأحظى بإصابة الحق ممن تصيبه فيه: لما تتعجّله من جميل أحدوثته وذكره، ويذخر لك من عظيم ثوابه

وأجره، ويصرف عنك من حوب «1» ما تتقلّده ووزره- وأن يكون الذين تحكم بشهادتهم [من] «2» أهل الثّقة في أديانهم، والمعروفين بالأمانة في معاملاتهم، والموسومين بالصدق في مقالاتهم، والمشهورين بالتقدّم في عدالاتهم: فإنك جاعلهم بين الله وبينك في [كل] «3» كلام تصدره، وحكم تبرمه؛ وحقيق بأن لا ترضى لنفسك منهم إلا بما يرضى منك؛ وتعلم أن ذلك هو الصدق، وأنك قد أبليت عذرك في تخيّرهم، فإنه يعلم أن ذلك هو الصّدق من نيّتك، والصّحة من يقينك، تحسن عليه معونتك، ويحضرك التوفيق في جميع أقضيتك- وأن يكون من تستعين به على المسألة عن أحوال هؤلاء الشهود ومذاهبهم، وما يعرفون به وينسبون إليه في رحالهم ومساكنهم، أهل الورع والأمانة، والصّدق والصيانة- وأن تجدّد المسألة عنهم في كل مرّة، وتفحص عن خبرهم في كل قضية؛ ثم لا يمنعك وقوفك على سقوط عدالة من تقدّمت بتعديله من استقبال الواجب في مثله، واستعمال الحقّ في أمره- وأن تشرف على أعوانك وأصحابك، ومن تجري أمورك على يديه من خلفائك وأسبابك، إشرافا يمنعهم من الظلم للرعيّة، ويقبض أيديهم عن المآكل الرّديّة، ويدعوهم إلى تقويم أودهم، وإصلاح فاسدهم، ويزيد في بصيرة ذوي الثّقة والأمانة منهم؛ فمن وقفت منه على امتثال لمذهبك، وقبول لأدبك، واقتصار فيما يتقلّده لك، أقررته وأحسنت مكافأته ومثوبته، ومن شممت منه حيفا في حكمه، وتعدّيا في سيرته، وبسطا ليده إلى ما لا يجب له، تقدّمت في صرفه، وألزمته في ذلك ما يلزمه- وأن تختار لكتابتك من تعرف سداد مذهبه، واستقلاله بما يتقلّده، [وإيثاره للتأكد] «4» من صحته، ومن تقدّر عنده تقديما في نصيحتك فيما يجري على يديه، وتوخّيا لصدقك فيما يحضره وتغيب عن مشاهدته؛ فإنك تأمنه من أمر حكمك على ما لا

الحالة الثالثة - ما كان عليه الأمر في زمن بني أيوب.

يؤتمن على مثله إلا الأمين، وتفوّض إليه من حجج الخصوم المرفوعين إليك ما لا يفوّض إلا لذي العفاف والدّين- وأن تتفقد مع ذلك أمره، وتتصفّح عمله، وتشرف على ما تحت يديه بما يؤدّيك إلى إحكامه وضبطه، ويؤمّنك من وقوع خلل فيه- وأن تختار لحجابتك من لا يتجهّم الخصوم، ولا يختصّ بعضها دون بعض بالوصول، وتوعز إليه في بسط الوجه؛ ولين الكنف، وحسن اللفظ، ورفع المؤونة، وكفّ الأذى. فتقلّد ما قلّدناك من ذلك عاملا بما يحقّ عليك لله جلّ وعزّ ذكره، ومستعينا به في أمرك كلّه: فإنّا قلّدناك جسيما، وحمّلناك عظيما، وتبرّأنا إليك من وزره وإصره، واعتمدنا عليك في توخّي الحقّ وإصابته، وبسط العدل وإفاضته، واقبض لأرزاقك وأرزاق كتّابك وأعوانك ومن يحجبك ولثمن قراطيسك وسائر مؤنك في كل شهر أربعين دينارا، فقد كتبنا إلى عامل الخراج بازاحة ذلك، أوقات استحقاقك إيّاه ووجوبه لك، وإلى عامل المدينة بالشّدّ على يدك، والتقوية لأمرك، وضمّ العدّة التي كانت تضم إلى القضاة من الأولياء إليك، وهما فاعلان ذلك إن شاء الله تعالى. الحالة الثالثة- ما كان عليه الأمر في زمن بني أيّوب. وكانوا يسمّون ما يكتب عن ملوكهم من الولايات لأرباب السيوف والأقلام «تقاليد» و «تواقيع» و «مراسيم» وربّما عبّروا عن بعضها ب «المناشير» وهي في الافتتاحات على ثلاث مراتب: المرتبة الأولى - أن تفتتح الولاية بخطبة مبتدأة بالحمد لله تعالى ثم يؤتى بالبعديّة، ويذكر ما سنح من حال الولاية والمولّى، ويوصّى المولّى بما يليق بولايته؛ ثم يقال: «وسبيل كلّ واقف عليه من النّواب العمل به» أو نحو ذلك. وهي على ثلاثة أصناف: الصنف الأوّل- أرباب السيوف من هذه المرتبة .

وهذه نسخة توقيع بولاية ناحية وإقطاع بلادها لمتولّيها، وهي: الحمد لله على عوائده الجميلة وعواطفه، وفوائده الجزيلة وعوارفه، ناصب الحقّ وناصره، وقاصم الباطل وقاصره، ومنير الدين ومديله، ومبير الكفر ومذيله، وشادّ أزر أوليائه وسادّ ثغرهم، وناصر معزّهم ومعزّ نصرهم، الذي أضفى علينا مدارع نعمه، وأصفى لدينا مشارع كرمه، وأعلق أيدينا من العدل بأوكد الأسباب والأمراس، وصرف بنا صرف العسف وكفّ بكفايتنا كفّ البؤس عن الرعيّة والباس، وجلب إلى استجلاب الشكر من الناس همّتنا، وطوى على حبّ البرّ وإبرار المحب طويّتنا، وحسم بما أولاناه من أيد «1» مادّة كلّ يد تمتدّ إلى محظور، ويسّرنا ببساط العدل المطويّ لما طوى بعدلنا بساط الظّلم المنشور، وأبى لنا أن نكفر نعمة أو نهبها لكافر، أو ندع شكر منّة أو نودعها عند غير شاكر. ولمّا كان الأمير فلان ممن سبقت لجدّه ولأبيه- تعاهد الله بالعهاد مثواهما، وخص بثرّار الرحمة ثراهما- الحرم الأكيدة، والخدم الطريفة والتّليدة، ولم يزالا مجتهدين في تعمير هذا البيت وتشييد أسّه، ملازمي الإدآب «2» في إنمائه وتشديد غرسه، مفضيين بالموالاة إلى مواليه، مفصحين بالمعاداة لمعاديه، رأينا- لا زال الإقبال لارائنا مقابلا ومرافقا، والسعد مساعدا والتوفيق موافقا- أن نلحقه بدرجة أوّليه، ونورده من كرمنا مورد جدّه وأبيه، ونثني إليه عنان عنايتنا، ونرعاه بعين رعايتنا، ونلحفه جناح لطفنا، ونبوّئه مقعد شرف تحت ظلّنا، ونحرس حدّه من الفلول، وجدّه من الخمول، وعوده من الخور، وورده من الكدر، وأن نقرّره على ما بوّأنا فيه والده من الهبات والإنعام، والإفضال والإحسان، وجميع ما دخل تحت اسمه من المعاقل والبلدان، وسيوضّح ذلك بقلم الدّيوان.

الصنف الثاني - أرباب الوظائف الدينية.

فليقابل هذا الإنعام من الشكر بمثله، ويواز هذا الإفضال من حسن القبول بعدله، وليرتبط نعم الله عنده بالشّكر الوافي الوافر، فالسعيد من اطّرح خلّة الشاكي وادّرع حلّة الشاكر؛ وليدمن التحدّث بها، فالتحدّث بالنّعم من الشكر، ويستجذب موادّها بإيضاح سبل البر، ويجعل التقوى شعاره ودثاره، ويخلص الطاعة لله إيراده وإصداره؛ وليكن العدل ربيئته «1» ورائده، والأمر بالمعروف دليله وقائده، وليقم فيما نيط به حقّ القيام، ويشمّر في حفظ ما استرعيناه عن ساق الاهتمام، ويعلم أن منزلته عندنا أسنى المنازل وأعلاها، ومرتبته لدينا أبهج المراتب وأبهاها، ومحلّه عندنا السامي الذي لا يضاهيه سامي، ومكانه المكان الذي ليس له في الممكن أن يفترع علمه سامي؛ فسبيله علم ذلك وتحقيقه، وتيقّنه وتصديقه، وسبيل كلّ واقف على هذا المثال، [أن] «2» يقابله بالامتثال، من سائر العمّال، وأرباب الولايات والأعمال. والاعتماد على العلامة الشريفة في أعلاه، إن شاء الله تعالى. الصنف الثاني- أرباب الوظائف الدينية. وهذه نسخة توقيع بتدريس مدرسة والنظر عليها، والتحدّث على أوقافها وسائر تعلّقاتها، وهي: الحمد لله الظاهر إحسانه، الباهر برهانه، القاهر سلطانه، المتظاهر امتنانه، نحمده على إنعامه حمدا يدوم به من حلب غزارته وحلي نضارته ازدياده وازديانه، ونسأله أن يصلّي على سيدنا محمد نبيّه الشارع الشارح بيانه، وعلى آله وصحبه الذين هم أعضاد شرعه وأركانه. أما بعد، فإنّا لما نراه من تشييد بيوت ذوي البيوتات، وإمضاء حكم المروءة في أهل المروءات، وإرعاء مواتّ «3» ذوي الحقوق الحقيقة بالمراعاة وإحياء

الموات، وموالاة النّعم الشامل عمومها لأولي الخصوص والخلوص في الموالات، ما نزال نلحق درجات الأخلاف منهم في الاختصاص بالاستخلاص بالأسلاف، فنوردهم من مشارع دولتنا ومشارب نعمتنا في الاصطفاء والاصطناع أعذب النّطاف «1» ، ونجنيهم من مغارس الرجاء، ومجاري النّماء، في الإدناء والاجتباء، ثمرات النّعم الدانية القطاف، ونفيض عليهم من مدارع البهجة والبهاء، وحلل الثّناء والسّناء، في الاكرام، بالاحترام، ما يضفو على الأعطاف. ولما كان الشيخ فلان متوحّدا بالنسب الأثير الأثيل، والحسب الجليّ الجليل، والمحتد الأكيد الأصيل، والفضل الموروث والمكتسب، والزّكاء في المنتمى والمنتسب، والذّكاء الذي أنارت في أفق التوفيق ذكاؤه «2» ، والولاء الذي بان في شرعة الإخلاص صفاؤه، والدّين الذي علا سنا سنّته، في منار التحميد، والخلوص الذي حلا جنى جنّته، في مذاق التوحيد، والرّياسة التي تضوّع ريّا رياضها المونقة، والسماحة التي تنوّح حيا حياضها المغدقة، والأمانة التي نهضت بها فضائله، والموالاة التي نجحت بها عندنا وسائله- رأينا إجراءه على عادة والده في تولّي المدرسة المعمورة التي أنشأها جدّه للشافعية بحلب، وأوقافها، وأسبابها، وتدريسها، وإعادتها، واستنابة من يراه ويختاره في ذلك كله، والنظر في جميع ما يتعلّق بها كثره وقلّه، وترتيب الفقهاء فيها، وتقرير مشاهراتهم «3» على ما يراه من تفضيل وتقديم، وتفصيل وتقسيم، وتخصيص وتعميم، ونقص وتكميل وتتميم، وحفظ الوقوف بالاحتياط في مصارفها، والعمل فيها، بشروط محبّسيها، وإطلاقها بقيود واقفيها، بالابتداء بالعمارات، التي تؤذن بتوفير الارتفاعات، وتكثير المغلّات، وتنمية الثمرات، مستشعرا تقوى الله التي هي حلية الأعمال الصالحات، والعصمة الباقية والجنّة الواقية عند

النائبات. وفوّضنا ذلك إلى أمانته، وبعده إلى من يقوم مقامه من إخوته، تشييدا لبيتهم الكريم، وتجديدا لمجدهم القديم، ورفعا لمكانتهم المكينة، وحفظا لمرتبتهم المصونة، وأمرنا بإعفاء جميع أوقاف المدرسة وسائر أوقافهم، وأملاكه وأملاك إخوته وحمايتهم من جميع المظالم والمطالب، والنّوائب والشّوائب، والعوارض والعراض واللّوازم والكلف، والمؤن والسّخر، والتّبن والحطب، والأطباق والأنزال، وسائر التوزيعات والتقسيطات والأنفال، وإعفاء فلّاحيها ومزارعيها من جميع ذلك، وإطلاق كلّ ما يصل من مغلّات الأوقاف والأملاك المذكورة إلى مدينة حلب من جميع المؤن على الإطلاق، وكذلك جميع ما لهم من البضاعات والبياعات والتّجارات معفاة مطلقة لا اعتراض عليها لأحد، ولا تمدّ إلى شيء منها يد ذي يد، وليتولّ ذلك على عادته المشكورة، وأمانته المشهورة، بنظر كاف شاف، وكرم وافر واف، وورع من الشوائب صاف، وعزوف عن الدّنيّات بالدّينيّات متجاف، وسداد لركن المصالح شائد، وتذكر لترقي موادّ المناجح رائد، ورأي في ذمّة الصواب راجح، وسعي برتبة الرّشاد ناجح، وهمّة عالية في نشر العلم بالمدرسة وإعلاء مناره، وإلزام الفقهاء والطلبة بتدريسه وإعادته وحفظه وتكراره، ومروءة تامة في الاشتمال على إخوته ومخلّفي أبيه بما يصل به الرّحم، ويظهر به الكرم، ويحيي من مفاخر آبائه الرّمم، ويقوّي لهم من معاقد مكارمه العصم. وسبيل الولاة والنوّاب وكل واقف على هذا المثال إمضاء ذلك كلّه على سبيل الاستمرار، وتصرّم الأعمار، وتصرّف الأعصار، وتقلّب الأحوال والأدوار، وحفظه فيهم وفي أعقابهم على العصور والأحقاب، ووصل أسبابه عند انقطاع الأسباب، من فسخ ينقض مبرم معاقده، أو نسخ يقوّض محكم مقاعده، أو تبديل يكدّر صافي موارده ومشارعه، أو تحويل يقلّص ضافي ملابسه ومدارعه، وليبذل لهم المساعدة في كلّ ما يعود له ولجماعته بصلاح الحال، وفراغ البال ونجاح الآمال، وإقامة الجاه في جميع الأحوال. والعمل بالأمر العالي وبمقتضاه والاعتماد على التوقيع الأشرف به إن شاء الله تعالى.

الصنف الثالث - أرباب الوظائف الديوانية

الصنف الثالث- أرباب الوظائف الديوانية وهذه نسخة توقيع بوزارة، من إنشاء بعض بني الأثير «1» ، وهي: الحمد لله الذي فضّلنا على كثير من عباده، وأغنانا بمزيد عطائه عن ازدياده، وجعلنا ممن استخلفه في الأرض فشكر عواقب إصداره ومباديء إيراده. نحمده- ولسان أنعمه أفصح مقالا وأفسح مجالا، وإذا اختلفت خواطر الحامدين رويّة كاثرها ارتجالا- ونسأله أن يوفّقنا لتلقّي أوامره ونواهيه بالاتباع، وأن يصغي بقلوبنا إلى إجابة داعي العدل الذي هو خير داع، وينقذنا من تبعات ما استرعاناه يوم يسأل عن رعيّته كلّ راع. أما بعد، فإن الله قرن استخارته برشده، وجعلها نورا يهتدى به في سلوك جدده «2» ، ويستمدّ من يمن صوابه ما يغني عن الرأي ومدده، ومن شأننا أن نتأدّب بآداب الله في جليل الأمر ودقيقه، وإذا دلّ التوفيق امرءا على عمله دلّ عملنا على توفيقه، فمن عنوان ذلك أنّا اصطفينا لوزارتنا من تحمدنا الأيام من أجله، وتحسدنا الملوك على مثله، ويعلم من أتى في عصره أنه فات السابقين من قبله، وهو الوزير الأجل السيد الصدر الكبير، جلال الدين، شرف الإسلام،

مجتبى الإمام فخر الأنام؛ وليست هذه النعوت مما تزيد مكانه عرفا، ولا تستوفي من أوصافه وصفا، وإن عدّها قوم جلّ ما يدّخرونه من الأحساب، ومعظم ما يخلّفونه من التّراث للأعقاب، ولا يفخر بذلك إلا من أعدم من ثروة شرفه، ورضي من الجوهر بصدفه؛ وأنت فغير فاخر به ولا بما ورثته من مجد أبيك الذي أضحت الأيّام به شهودا، والجدود له جدودا، وغدا وكأنّ عليه من شمس الضّحى نورا ومن الصّباح عمودا، وقد علمت أنه كان إليه نسب المكارم وسيمها، وكان ما بلغه منها أعظم ما بلغه من دنياه على عظمها، لكنّك خلّفت لنفسك مجدا منك ميلاده، وعنك إيجاده، وإذا اقترن سعي الفتى بسعي أبيه فذلك هو الحسب الذي تقابل شرفاه، وتلاقى طرفاه، وغضّ الزمان عنه طرفه كما فتح بمدحه فاه؛ وإذا استطرفت سادة قوم بنيت بالسّؤدد الطريف التّليد، ولقد صدّق الله لهجة المثني عليك إذ يقول: إنّك الرجل الذي تضرب به الأمثال، والمهذّب الذي لا يقال معه: أيّ الرجال «1» ؛ وإذا وازرت مملكة فقد حظيت منك بشدّ أزرها، وسدّ ثغرها، وأصبحت وأنت صدر لقلبها وقلب لصدرها؛ فهي مزدانة منك بالفضل المبين، معانة بالقويّ الأمين، فلا تبيت إلا مستخدما ضميرك في ولائها، ولا تغدو إلا مستجديا كفايتك في تمهيدها وإعلائها. ومن صفاتك أنك الواحد في عدم النظير، والمعدود بألف في صواب التدبير، والمؤازر عند ذكر الخير على الإعانة وعند نسيانه على التذكير؛ ولم ترق إلى هذه الدرجة حتّى نكحت عقبات المعالي فقضيت أجلها، وآنست من طور السعادة نارا فهديت لها؛ ولم تبلغ من العمر أشدّه، ولا نزع عنك الشباب برده؛ بل أنت في ريعان عمرك المتجمل بريعان سؤدده، المتقمّص من سيما

الخلال ما أبرز وقار المشيب في أسوده. وهذا المنصب الذي أهّلت له، وإن كان ثاني الملك محلّا، وتلوه عقدا وحلّا، فقد علا بك قدره، وتأبّل «1» بك أمره، وأصبح وشخصك في أرجائه منار، ورأيك وفضلك من حوله سور وسوار، وله من قلمك خطيب يجادل عن أحساب الدولة فينفحها فخرا، وسيف يجالد عن حوزتها فيمنحها نصرا، ولقد كان من قبلك وقبل أبيك مكرها على إجابة خاطبه، والنّزول إليه عن مراتبه، فلمّا جئتماه استقرّ في مكانه، ورضي بعلوّ شأنكما لعلوّ شانه؛ وقد علم الآن بأنك نزلته نزول الليث في أجمه، واستقللت به استقلال الرّمح باحدمه «2» ، وما زالت المعالي تسفر بينك وبينه وأنت مشتغل بالسعي للسيادة وآدابها، عن السعي للسّعادة وطلابها، فخذ ما وصلت إليه باستحقاق فضلك ومناقبه، لا باتفاق طالعك وكواكبه. واعلم أنّ هذه النعمة وإن جاءتك في حفلها، وأناخت بك بصاحبها وأهلها؛ فلا يؤنسها بك إلا الشكر الذي يجعل دارها لك دارا، وودّها مستملكا لك لا معارا، وقد قيل: إنّ الشكر والنعمة توءمان، وإنه لا يتم إلا باجتماع سرّ القلب وحديث اللسان؛ فاجعله معروفها الذي تمسكها بإحسانه، وتقيّدها بأشطانه «3» وقد أفردنا لك من بيت المال ما تستعين به على فرائض خدمك «4» ونوافله، وتردّ فضله على ابتناء مجدك وفضائله، وذلك شيء عائد على الدولة طيب سمعته؛ فلها محمود ذكره ومنك موارد شرعته، وإذا حمدت مناهل الغدر كان الفضل للسحاب الذي أغدرها. والمفرد باسمك من بيت المال كذا وكذا.

وكلّ ما تضمّنه تقليد غيرك من الوصايا التي قرعت له عصاها، ونبذت له حصاها «1» ، فأنت مستغن عن استماعها، مكتف باطّلاع فكرك عن اطّلاعها؛ غير أنّا نسألك كما سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معاذا «2» ، ونسأل الله أن يجعل لك من أمرك يسرا ومن عزمك نفاذا، وقد أجابنا لسان حالك بأنك تأخذ بتقوى الله التي ضمن لها العاقبة، وجعل شيعتها الغالبة، وأنك تجعلها بينك وبينه سببا ممدودا، وبينك وبين الناس خلقا معهودا، حتّى تصبح وقد أمنت من دهرك عثارا، ومن أبنائه أسماعا وأبصارا- ومن شرائطها أن يكون الرجل المسلم الذي سلم الناس من يده ولسانه، وفي هذين كفاية عن غيرهما من الشّيم، التي تحفظ بها سياسات الأمم: فإنّ العدل هو الميزان الذي جعله الله ثاني الكتاب، والإحسان الذي هو الطينة التي شاركتها القلوب في جبلّتها مشاركة الأحباب. وأمّا ما سوى ذلك من سياسة الملك في تقرير أصوله، وتدبير محصوله: كالبلاد واستعمارها، والأموال واستثمارها، وولاة الأعمال واختبارها، وتجنيد الجنود واختيارها، فكلّ ذلك لا يصدر تدبيره إلا عن نظرك، ولا يمشى فيه إلا على أثرك؛ وأنت فيه الفقيه ابن الفقيه الذي سرى إليك علمه نفسا ودرسا، وثمرة وغرسا؛ فهذا كتاب عهدنا إليك: فخذه بقوّة الأمانة التي أبت السموات والأرض حملها، وما أطاقت ثقلها، والله يسلك بك سددا، ويتحرّى بك رشدا، ويلزمك التوفيق قلبا ولسانا ويدا، إن شاء الله تعالى.

ومن ذلك نسخة توقيع بإعادة النظر بثغر الإسكندرية لابن بصّاصة «1» في شهور سنة ثمان وسبعين وستمائة، وهي: الحمد لله الذي أضحك الثّغور بعد عبوسها، وردّ لها جمالها وأنار أفقها بطلوع شموسها، وأحيا معالم الخير فيها وقد كادت أن تشرف على دروسها، وأقام لمصالح الأمة من يشرق وجه الحق ببياض آرائه، وتلتذّ الاسماع بتلاوة أوصافه الجميلة وأنبائه، حمد من أسبغت عليه النّعماء، وتهادت إليه الآلاء، وخطبته لنفسها العلياء. وبعد، فأحقّ من [أماس] في أندية الرّياسة عطفا، واستجلى وجوه السعادة من حجب عزّها فأبدت له جمالا ولطفا. واصطفته الدولة القاهرة لمهمّاتها لمّا رأته خير كافل، وتنقّل في مراتبها السنية تنقّل النّيّرات في المنازل «2» ولما كان المجلس السامي، القاضي، الأجلّ، الصدر، الكبير، الرئيس، الأوحد، الكامل، المجتبى، المرتضى، الفاضل، الرشيد، جمال الدين، فخر الأنام، شرف الأكابر، جمال الصّدور، قدوة الأمناء، ذخر الدولة، رضيّ الملوك والسلاطين، الحسين ابن القاضي زكيّ الدين أبي القاسم- أدام الله رفعته- ممن أشارت إليه المناقب الجليلة، وصارت له إلى كل سؤل نعم الوسيلة- رسم بالأمر العالي، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، العادليّ، البدريّ- ضاعف الله علاءه ونفاذه- أن يفوّض إليه نظر ثغر الإسكندريّة المحروس ونظر متاجره، ونظر زكواته ونظر صادره، ونظر فوّة «3» والمزاحمتين، فيقدّم خيرة الله تعالى

ويباشر هذا المنصب المبارك، بعزماته الماضية، وهممه العالية، برأي لا يساهم فيه ولا يشارك، ليصبح هذا الثغر بمباشرته باسما حاليا، وتعود بهجته له بجميل نظره ثانيا، وينتصب لتدبير أحواله على عادته، ويقرّر قواعده بعالي همّته، ويجتهد في تحصيل أمواله وتحصين ذخائره، واستخراج زكاته وتنمية متاجره، ومعاملة التّجار الواردين إليه بالعدل، الذي كانوا ألفوه منه، والرّفق الذي نقلوا أخباره السارّة عنه؛ فإنهم هدايا البحور، ودوالبة الثّغور، ومن ألسنتهم يطّلع على ما تجنّه الصّدور، وإذا بذر لهم حبّ الإحسان نشروا له أجنحة مراكبهم وحاموا عليه كالطّيور، وليعتمد معهم ما تضمّنته المراسيم الكريمة المستقرّة الحكم إلى آخر وقت، ولا يسلك بهم حالة توجب لهم القلق والتظلّم والمقت، وليواصل بالحمول إلى بيت المال المعمور، وليملأ الخزائن السلطانيّة من مستعملات الثغر وأمتعته وأصنافه بكل ما يستغنى به عن الواصل في البرور والبحور، وليصرف همّته العالية إلى تدبير أحوال المتاجر بهذا الثغر بحيث ترتفع رؤوس أموالها وتنمي، وتجود سحائب فوائدها وتهمي، وليراع أحوال المستخدمين في مباشراتهم، ويكشف عن باطن سيرهم في جهاتهم، ليتحقّقوا أنّه مهيمن عليهم، وناظر بعين الرأفة إليهم، فتنكفّ يد الخائن منهم عن الخيانة، وتتحلّى أنامل الأمين بمحاسن الصّيانة؛ وليتفق فيما يأتيه ويذره، ويقدّمه من المهمّات ويؤخّره، مع المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، الكبير، المجاهد، المقدّم، الأوحد، النصير شمس الدين، متولّي الثغر المحروس- أدام الله نعمته- فإنه نعم المعين على تدبير المهمّات، ونعمت الشمس المشرقة في ظلم المشكلات. وليطالع بالمتجدّدات في الثغر المحروس، ليرد الجواب عليه عنها بما يشرح الصدور ويطيّب النفوس، وليتناول من الجامكية «1»

المرتبة الثانية (أن تفتتح الولاية بلفظ «أما بعد حمد الله» أو «أما بعد فإن كذا» ويؤتى بما يناسب من ذكر الولاية والمولى، ثم يذكر ما سنح من الوصايا ثم يقال «وسبيل كل واقف عليه» )

والجراية عن ذلك في غرّة كلّ شهر من استقبال مباشرته ما يشهد به الديوان المعمور لمن تقدّمه من النّظّار بهذه الجهات، وهي نظر الثغر وما أضيف إليه على ما شرح أعلاه. المرتبة الثانية (أن تفتتح الولاية بلفظ «أما بعد حمد الله» أو «أما بعد فإن كذا» ويؤتى بما يناسب من ذكر الولاية والمولّى، ثم يذكر ما سنح من الوصايا ثم يقال «وسبيل كل واقف عليه» ) فمن المكتتب لأرباب السّيوف من هذه المرتبة ما كان يكتب لبعض الولاة. وهذه نسخة بولاية الشرقية «1» ، وهي: أما بعد، فإنّا لما منحنا الله إيّاه من معجزات النصر المستنطق الألسنة بالتسبيح، وآتاناه من نظر حمى ناضر عيش الأمّة من التّصويح «2» ، وألبسناه من ثياب العظمة المخصوصة بأحسن التوشيع والتوشيح، ووفّقنا له من اصطفاء من نقبل عليه بوجه التأهيل للمهمّات والتشريح، وقوّاه من عزائمنا التي ترجّ بها أرض الكفر وتدوّخ، ووسّعه لنا من الفتوح التي أنباؤها خير ما تصدّر به السّير وتؤرّخ- لا نزال نبالغ فيما صان الحوزة وحاطها، ومدّ رواق الأمنة ومهّد بساطها، وقرّب نوازح المصالح وجمع أشتاتها، وأوجب انصرام حبال اختلال الأمور واقتضى انبتاتها. ولما كانت الأعمال الشرقية جديرة بمتابعة الاعتناء وموالاته، وإعراق كرم التعهّد فيما يحفظ نظامها بمغالاته، وأحقّها بأن تصرف إلى صونها وجوه الهمم الطّوامح، ويوقف عليها حسن الاحتفال الجامع دواعي تذليل الجامح، إذ كانت

أجدر الأعمال بكلاءة الفروع من أوضاعها والأصول، والباب الذي لا يجب أن يدخله إلّا من أذن له في القدوم إليها والوصول، ويتعيّن التحرّز على الطّرقات التي منها إليها الإفضاء، ويوكّل بما دونها من المياه عيون حفظة لا يلزمها النوم والإغضاء،- وكنت أيّها الأمير أشدّ الأمراء باسا، وأوفاهم لحسن الذكر الجميل لباسا، وأكثرهم لمهج الأعداء اختلاسا، وأجمعهم للمحاسن المختلفة ضروبا وأجناسا، وقد تناصرت على قصودك الحسنة واضحات الدلائل، وتحلّت أجياد خلالك من جواهر المفاخر بقلائد غير قلائل، واستطار لك أجمل سمعة، وفطمت سيوفك أبناء الكفر عن ارتضاعها من الملّة الإسلامية ثدي طمعة، ولا استبهمت طرق السياسة إلا هديت إلى مجاهلها، ولا حلّأ «1» التقصير سواك عن شرائع النّعم إلا غدوت بكفايتك وارد مناهلها، وكم شهدت مقام جلاد، وموقف جهاد، فمزّقت ثوب ما رقّقه نسجا، وأدلت في ليل قسطله عوادي صوارمك شرجا، وقمت فيما وكل إليك من أمور الفاقوسيّة وقلعتي صدر وأيلة «2» حرسهما الله تعالى قياما أحظاك بالثناء والصواب، واستنبت في كلّ منها من أجرى أمورها على الصواب- خرج أمر الملك الناصر بكتب هذا السجلّ بتقليدك ولاية الأعمال الشرقية المقدّم ذكرها؛ فاعتمد مباشرتها عاملا بتقوى الله التي مغنمها خير ما اقتاده مستشعروها لأنفسهم واستاقوه. قال الله تعالى: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ «3» ، وأبسط العدل على أهل هذه الولاية، واخصص أهل السّلامة بما يسبل عليهم ستر الحياطة والحماية، وتطلّب المفسدين أتمّ تطلّب، واحظر عليهم التّنقّل، في هذه البلاد والتقلّب؛ ومن

ظفرت به منهم فقابله بما يوجبه حكم جريرته، ويقتضيه موقع جريمته، ويجعله مزدجرا لسالكي طريقته، وشدّ من المستخلف على الحكم العزيز شدّا ينصر جانب الشرع ويعزّه، ويكرّ به على الباطل ترويع الحق وأزّه «1» ، وأعن المستخدمين في المال على استيفائه من وجوهه عند وجوبه، وبلّغ كلّا منهم من الإعانة على تحصيله أقصى مطلوبه، وقوّ أيديهم في تخضير البلاد وتعميرها؛ وابعث المزارعين على مباشرة أحوال الزّراعة وتقرير أمورها، وفيما يسترعونه من مصالح الأعمال، ويعود عليهم في موجبات الرجاء بمناحج الآمال، وراع أمر السّبل والطّرقات، واجعل احتراسك عليها الآن موفيا على المتقدم من سالف الأوقات، ولا تن في إنفاذ المتخبّرين «2» إلى بلاد العدوّ، وتحدّيهم في الرّواح والغدوّ، بما يمنعهم من الهدوّ، وكشف أخبارهم، وتتّبع آثارهم، وتسيير الجواسيس إلى ديارهم، حتّى لا تخفى عنك من شؤونهم خافية، ولا يجدوا سبيل غرّة «3» يهتبلونها- والعياذ بالله- بالجملة الكافية، وطالع بما يتجدّد لك وما يرد من الأنباء عليك، وغير ذلك مما يحتاج إلى علمه من جهتك، وما تجري عليه أحكام خدمتك؛ فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة بولاية الغربية من هذه المرتبة، وهي: أما بعد، فإنّا- لما آتانا الله من سعادة لطرق الإرادات فيها تعبيد، وأسبغه بنا من نعم لا يعدّها التحديد، ولا يحدّها التعديد، وأنهجنا به من اكتناف المطالب بنجاح لا يعقّبه تعسير ولا يعسّره تعقيد، وأمضاه من عزائمنا التي ما فتكت قطّ بالأعداء فقيد منهم فقيد، ولقّاه الأمنة بنظرنا من نضرة عيش جانب الجفاف دوحه المخضلّ، وأهداه بتبصيرنا من أنوار الهدى المتقدّمة كلّ ذي جهل ظلّ ممن ضلّ- لا نزال نستوضح أمور أمراء دولتنا متصفّحين، ونبلو أخبار

المؤهّلين منهم لسياسة الرعيّة المرشّحين، ونكشف شؤونهم غير متجوّرين ولا متسمّحين، ونظهر في أحوالهم آثار الإيثار لرفع درجاتهم، وأمارات الرفع منهم مقابلة على حياطة أموال من نكون عليه وصون منجاتهم، ونبوّئهم مبوّأ صدق من تصديق آمالهم وتحقيقها، ونزفّ إليهم عقائل المنح المانع شكرهم من تسيّب سيبها وتطرّق تطليقها، ونحمل لكلّ منهم ما يؤمّله من اجتهاده ويؤثره، ولا نلغي الاهتمام بما يوطّيء لهم مهاد الطّول الجزيل ويؤثّره، عملا بآداب الله سبحانه في إجزال حظوظ المحسنين من إحسان المجازاة، وإيلائهم المزيد الحاكم بنقص اعتدادهم عن الموازنة له والموازاة، كما قال سبحانه، وقوله هدى ونور وشفاء لما في الصدور: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ «1» ولما كان الأمير (والنعوت والدعاء) من أنجحهم فالا، وأرجحهم مقالا، وأصلحهم أعمالا، وأوضحهم كمالا؛ وما زالت أغصان نهاه متتابعة في بسوقها، وضرائبه نافقة أعلاق المحامد بسوقها، وعزائمه في إذلال الفرق المبالغة في فسوقها، مشمّرة عن سوقها، وما برح في شوط الفخر راكضا، ولعقود مكروه الأمور التي تزيغ الأمانة رافضا، وبأعباء القيام بفرائض الآلاء ناهضا، وما انفكّت مناقبه تعيي بيان الواصف وبنان العادّ، ومساعيه مدركة وهي وادعة ما يعجز عن أقلّه جدّ الجادّ، ورأيه [يرتق] «2» كلّ متفتّق ومنبثق من الأمور المهمّة بسداد الراتق السادّ، وجميل ذكره يفوح بما يفوق المسك فيثوب إليه من الثّواب بالنائي النادّ «3» ؛ وما فتيء دأب شيمته الإعراض، عن الموبق من الأعراض، واختيار الرّفق، والإغراق فيما يديمه إلى فكّ أعناق أسرى المسلمين من سرى العتق- خرج أمر الملك الناصر بكتب هذا السجلّ له بتقليده ولاية

المرتبة الثالثة (أن تفتتح الولاية بلفظ «رسم» ثم يذكر أمر الولاية والمولى ويوضح، ثم يقال «وسبيل كل واقف عليه» )

الأعمال الغربية. فليتقلّد ما قلّده معتمدا على تقوى الله التي صرف عن معتمدها شرب التكدير، ومنحه من المكارم عنده ما يوفي على التقدير، وليجر على عادته في بسط ظل المعدلة ومدّ رواقها، وصون مساحي «1» الرّعايا عن إملاقها منها وإخفاقها، والمساواة بها بين الأقوى والأضعف، والأدنى والأشرف، والبادي والحضّار، والمناوئين والأنصار، والخاصّ والعام، والأجنبيّ وربّ الحرمة والذّمام: لينام المستورون على مهاد الأمن، ويسلم جانب سلامة أموالهم وأرواحهم من الوهن، وليعامل المستخلف على الحكم العزيز بما يستوجبه مثله من نصرة الأحكام، ووكل إليه «2» أمر الأمراء لمن آثرها والإحكام، والإكرام الشامل لقدره، والاهتمام الشارح لصدره، وليتوخّ المستخدمين في الأموال بما يكون لعللهم مريحا، ليصل إليهم ما يرومونه نجيحا، ويلزم من جرت عادته بلزوم الحدود واجتناب تعدّيها، والتوفّر على حفظ مسالكها والمتردّدين فيها، وليطالع بما يتجدد قبله من الأحوال الطارية، وما لم تزل الرّسوم بإنهاء مثلها جارية، إن شاء الله تعالى. المرتبة الثالثة (أن تفتتح الولاية بلفظ «رسم» ثم يذكر أمر الولاية والمولّى ويوضح، ثم يقال «وسبيل كلّ واقف عليه» ) فمن المكتتب لأرباب السيوف من هذه المرتبة نسخة مرسوم بشدّ «3»

ناحية، وهي: رسم- أعلى الله المراسيم وأدام نفاذها- بالإنعام على الأمير فلان بما يفيض عليه ملابس الاصطفاء ويضفيها، ويسمي لقدمه في الثبات مدارج الارتقاء ويسنيها، ويعرب عن اختصاصه بالمنزلة التي يفضل بها على مباريه، واستخلاصه للمرتبة التي يفوت بها شأو مجاريه، ويؤهّله لثغر حارم «1» المحروس وشدّه وتولّيه أموره بكفايته ونهضته وحزامته وجدّه، وقد أمرنا بتسليم قلعة حارم وأعمالها، وسائر ما يختص بها ويضاف إليها من ضياعها ومواضعها إليه، والتعويل في ولايتها وتعميرها وتثميرها عليه، بموجب ما يفصّل من الديوان على ما كان جاريا في الإقطاع المحروس للحال، وسبيل أهل الديوان- أيدهم الله- العمل بالأمر العالي وبمقتضاه، والاعتماد على التوقيع الأشرف به، إن شاء الله تعالى. ومن ذلك نسخة مرسوم بشدّ وقف، وهي: رسم- أعلى الله المراسيم وأدام نفاذها- بالتعويل على الأمير فلان في تولية الوقوف بالجامع المعمور بحلب المحروسة، والبيمارستان، والمساجد، والمشاهد بالأماكن والمواضع، وظاهرها وباطنها وأعمالها، وتفويضها إليه، والاعتماد في جميعها عليه، سكونا إلى نهضته وكفايته، ووثوقا بخبرته ومعرفته وعلما بنزاهته، وسداده وأمانته، وذلك لاستقبال سنة سبع وثمانين وخمسمائة. فليتولّ ذلك بكفاية كافية، ونهضة وافية، وهمّة لأدواء الأحوال شافية، ونظر تامّ، لشمل المصالح ضامّ، وتدبير جميل في كل خاصّ من أسباب عمله وعامّ، وتقوى لله عزّ وجل تقوى بها يده، ويضح بالاستقامة على سننها جدده،

المرتبة الرابعة (أن يفتتح بلفظ: «إن أحق» أو «إن أولى» أو «من كانت صفته كذا» وما أشبه ذلك)

ناظرا في الوقوف ومصارفها، وتتّبع شروط واقفها، بكل ما يعود بتعمير أعمالها، وتثمير أموالها، وتدبير أحوالها، مطالبا بحساب من تقدّمه وتحقيق مبالغه تكميلا وإضافة، واحتسابا وسيافة، وليطلب شواهده، وليبن على الصحة قواعده وليلتمس ما يصح من بواقيه من جهاتها، وليكشف بما يوضّحه من سبل الأمانة وجوه شبهاتها، وقد أذن له في استخدام من يراه من النوّاب والمتصرفين والمشارفين «1» ، والوكلاء والمستخدمين، على ما جرت به العادة، من غير زيادة. وسبيل النواب- أيدهم الله- العمل بالأمر العالي وبمقتضاه، والاعتماد على العلامة الشريفة، إن شاء الله تعالى. المرتبة الرابعة (أن يفتتح بلفظ: «إن أحق» أو «إن أولى» أو «من كانت صفته كذا» وما أشبه ذلك) فمن ذلك نسخة منشور بنقابة الأشراف «2» ، وهي: من كانت أوصافه شائعة بين الأنام، وصنوف فضائله منشورة لدى الخاصّ والعام، مع شرف نسب شامخ الأعلام، وتقى فخر به على الأنام، وعلم يجلى به صدأ الأفهام، وعفّة مرائرها محكمة الإبرام- كان جديرا بإفاضة سجال النّعم عليه، وقمينا بإرسال سيل المواهب إليه. ولما كان الشيخ فلان متصفا بهذه الصفات الجميلة، ومتخصّصا بمزاياها الجليلة، وضاربا فيها بالسّهم المعلّى، ونازلا منها في الشّرف الأعلى، ومتقمّصا

ثوب الإخلاص والصّفاء، ومتّشحا بوشاح العفّة والولاء- اختصصناه بزيادة التقديم والاجتباء، وحبوناه بوفور الكرامة والاصطفاء، وأجريناه على مستمرّ رسمه بالرّعاية على ذرّيّة أهل العباء «1» ، حسب عادته المستقرّة إلى آخر عهد من كانت الإيالة إليه وإلى رحمة الله مضى: ليسير فيهم بكتاب الله العظيم وسنّة رسوله، ويسلك جدد الحق الذي يوصّله من الزّلفى إلى أقصى مناه وسوله، ويحضّهم على تلاوة القرآن، ومعرفة ما يصلح للأديان. وليسوّ في الحكم بين الضعيف فيهم والقويّ، ويعمّ بالإنصاف الفقير والغنيّ، وليحسن إلى محسنهم، وليجر على فضله لمسيئهم، بعد أن يقدّم إليه زجرا ووعيدا، ويوسعه إنذارا وتهديدا، فإن وعى وارعوى وإلا سلّط عليه أسباب الأذى، وتولّاه بما يستحقّه من الجزا، ويعيده إلى حالة الاستقامة والاستواء، ويكفّه عن دواعي الهوى. ومن وجب عليه حدّ أقامه فيه، وبادر إلى اعتماده وتوخّيه، حسب ما يوجبه حكم الشرع ويقتضيه. وليكن رؤوفا بهم ما استقاموا، ومنتقما منهم ما اعوجّوا ومالوا؛ وإن وجب على أحدهم حقّ لمليّ أو دنيّ، استخلصه منه ولم يمنعه تعلّقه بنسب شريف عليّ، وإن افترى منهم مفتر على أحد من الملل، قابله عليه بما يزجره عن قبيح العمل: فإنّ الناس في دار الإسلام ومن هو تحت الذّمام سواسية، وأقربهم إلى الله تعالى من كانت سيرته في الإسلام رضيّة، وطويّته في الإيمان خالصة نقيّة، ومن حكم عليه حاكم من الحكّام، بحقّ ثبت عنده بالبيّنة العادلة أو الإعلام، انتزعه منه أو سجنه عليه، إلى أن يرضي خصمه أو يردّ أمره إلى الحاكم ويفوّضه إليه. وليحرس أنسابهم بإثبات أصولها، وتحقيق فروعها، ومن رام دخولا فيه بدعوى يبطل فيها نقّب عن كشف حاله، وإظهار محاله، وجازاه بما يستحقّه أمثاله، ويرتدع فيما بعد مثاله: ليخلص هذا النسب الكريم، من دعوى

المجهول، واندماجه في أسرة الرسول، عليه أفضل الصلاة والتسليم، ويمنع من اتصال أيّم من الأسرة إلى عامّيّ، ولا يفسّح أن يعقد عليها عقد إلا لكفء مليّ: ليبرأ هذا المجد الشريف من التكدير، ولا تزيّفه شوائب التغيير. ولينظر في الوقوف على المشاهد والذّرّيّة، نظرا يحمده عليه من يعلمه من البريّة، ويحظيه بالصواب عند مالك المشيّة، ويبتديء بعمارة أصولها واستكمال فروعها، وقسمة مغلّها على ما تضمنه شرط الواقفين لها، وليحتط على النّذور، وينفقها على عادتها في المصالح والجمهور، عالما أنّ الله تعالى سائله عمّا توخّاه في جميع الأمور، وأنه لا يخفى عليه كلّ خفيّ مستور. قال الله سبحانه: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ «1» وأذنّا له أن يستنيب عنه في حال حياته، وبعد وفاته- فسّح الله له في المهل، وخوّله صالح العمل- الأرشد من بنيه، ومن يختاره لهذا الأمر وله يرتضيه. وقد أنعمنا عليه بإجراء ما كان باسمه مستمرّا إلى الآن، وأضفنا إليه ما يعينه على النظر في مصالح الأسرة أدام الله له علوّ الشان، من تمليك وإدرار وتيسير، وجعلناه له مستمرّا، وعليه مستقرّا، ولمن بعده من نسله والأعقاب، على توالي الأزمان والأحقاب، وحظرنا تغييره وفسخه، وتبديله ونسخه: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «2» وهو معيّن من ديوان الاستيفاء «3» المعمور، بهذا المنشور المسطور، بالأمر العالي أعلاه الله وأمضاه، عمّا كان قديما، وما أنعم عليه به آخرا، وهو القديم الذي كان له وشهد به الديوان المعمور، وهو الإقطاع من ناحية كذا، ويجرى على عادته في إطلاق ما قرّر له من ناحية كذا بشهادة الديوان الفلاني، والمحدّد الذي

أنعم به عليه لاستقبال سنة سبع وسبعين وما بعدها. وسبيل كافّة الأسرة الطالبيّين بمدينة كذا الانقياد إلى تباعته، والامتثال لاشارته، والتوفّر على إجلاله وكرامته، فإنه زعيمهم، ومقدّمهم ورئيسهم، ومن خالفه منهم قابلناه، وبأليم العقاب جازيناه، والاعتماد في ذلك أجمع على التوقيع الأشرف العالي أعلاه الله، والعلائم الديوانيّة فيه، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة بولاية الشرقية، وهي: لمّا كانت الأعمال الشرقيّة أجدر البلاد بأكيد الاهتمام وأخلق، وأولاها بإضفاء سربال الاهتبال الذي لا يخلق إذا رثّ سواه وأخلق، وأقمنها بحسن نظر يرسل لرسول عليّ الرسم الأعنّة في إدامة نضرة العمارة عليها ويطلق، وأحقّها بأن يبرم لها سبب تفقّد لا يلتصق به رهن ولا يغلق، وأجراها باعتناء يقضي لأمرها بالاطّراد، وأولاها بتعهّد يجعل مصالح الشؤون آلفة للثّواء بها والمقام عائفة للنشوز عنها والشّراد، لأنها باب الشام، وإليها ترد القوافل المتردّدة منه على مرّ الأيّام، ومنها يستكشف الأخبار ويستنهض الطوالع والمتخبّرين، وبمواصلة التفقّد تعلم الأحوال الطارئة في كل وقت وحين، فتجب المبالغة في حفظ طرقاتها ومياهها، وأن تصرف الهمم إلى ضبط أحوالها، وعامة أنقابها واتّجاهها، ويوضع بناء الحزم في صون أطرافها على أثبت قاعدة ويؤسّس، ويبالغ في إذكاء العيون على كل طارق يتخبّر للعدوّ الملعون ويتجسّس؛ وكنت أيّها الأمير من المشهورين بالشجاعة والإقدام، وذوي الكفاية الموفي ثراؤهم أيّها الأمير من المشهورين بالشجاعة والإقدام، وذوي الكفاية الموفي ثراؤهم فيها [على] «1» عارض الإعدام، وما زلت معدودا من خاص الأتراك الأعيان (بسهم) «2» ، المقصّر مجاروهم إلى غاية البسالة عن اللّحاق بهم والإدراك؛ وقد

تقدّمت ولايتك هذه الأعمال فقصدت منها قصدا سديدا، وألحفت الرعايا ظلّا من الأمنة مديدا- خرج الأمر بإيداع هذا المنشور ما أنعم به عليك من إعادتك إلى ولايتها، فبالغ في استيضاح الأنباء وكشفها، ورفع الونية في ذلك وصرفها، ووكّل به عزمة لا تلمّ سنة بطرفها، وانته فيه إلى غاية تضيق سعة القول بوصفها، وتابع في تسيير الطلائع وندبها، وعوّل من كلّ قبيلة من العربان المستنهضين على شهمها وندبها، واجتهد في حفظ الطّرقات والمناهل، واستنهض للتحرّز عليها من هو عالم بها غير جاهل، وتحفّظ من جلل يتطرّق- والعياذ بالله- على البلاد وخلل يتخلّلها، وانتض لهذه المهمات بصارم حدّ تسلم مضاربه من عجز يفلّلها، ولا تبق ممكنا في إنفاذ المتخبّرين، وإرسال من يغير على بلاد العدوّ من الخبيرين، بما [أنّ] «1» هذه سبيل المتدرّبين، وألزم أرباب الحدود من جميع الأقطار حراسة حدودهم، وخذهم باستنفاد وسعهم في الاحتياط واستفراغ مجهودهم، وطالع بما يورد قبلك؛ وأنه ما يزيح بسرعة إجابتك عنه في الخدمة عللك؛ فاعلم هذا واعمل به، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة بولاية المرتاحية «2» ، وهي: خرج الأمر بكتب هذا المنشور وتضمينه: إنّ من أظهر خلاصة جوهره السّبك، وارتفع في إشكائه بالإنصاف عن كل شاك الشّكّ، وحصل عنده [من] «3» الخلال الزكيّة نظم لا ينحلّ وعقد لا ينفكّ وأوفى على التقدير والظنّ في التدبير المفرّج به عن الرعيّة الضّنك- استوجب أن تسند إليه حمايتهم، وتجعل إليه كلاءتهم. ولمّا كنت أيها الأمير ممن أحمد عند بحر عزمه، وتجريب نصل حزمه، واعتبار فصل مقالته، واختبار أصل أصالته، وشكر استمراره على الاتّصاف بمحض الولاء، واستدراره أخلاف غرر الآلاء، واستثماره أصناف جنى الثّناء.

واستقراره أكناف وهبيّ الاعتناء، ولم تزل في رفعتك وجيها، وما برح جميل الرأي يديم بعثا لتحف الإحسان نحوك وتوجيها، وما انفكّت مجاهدتك مجاهدة في مهامّ إقدام تنويها، وشجاعتك ملقية على الكفّار كلّ كفاح يلقون منه كلّا ثقيلا ويوما كريها. أودع هذا المنشور ما رسم من استخدامك في ولاية الأعمال المرتاحيّة. فباشرها معتمدا عى تقوى الله سبحانه التي تقوى بها أسباب توفيقك وتناله، وتسلم أمور مباشرتك من خلل يكدّر استبشارك وينكّد، واعتمد العدل على من تشتمل عليه هذه الولاية وتحويه، وبالغ فيما يزيل عنهم الحيف ويزويه، واقصد ما يقضي لسربهم بالتأمين، ويبلّغهم من تحصين أوطانهم غاية التأميل، واجعل أيدي المفسدين مكفوفة عن كافّتهم، ووجوه المعتدين مصروفة عن إخافتهم، وتطلّب الأشرار، وتتبّع الدّعّار؛ ومن ظفرت به منهم فلا تكن عن التنكيل به ناكلا، ولا تقصّر في الحوطة عليه والمطالعة به عاجلا، وعامل النائب في الحكم العزيز بإنهاضه، وصون مديد باعه في تنفيذ الأحكام عن انقباضه، واعضده في إنفاذ قضاياه، واختصاصه بإكرام يقبل عليه مطلق محيّاه، وشدّ من الضامن في استيداء حقوق الديوان واستنطافها على أحسن حال من غير خروج عن الضرائب المستقرّة، وعوائد العدل المستمرّة، وتحرّز أن يكون لمناهضة العدوّ طروق إلى ناحيتك أو انتياب، وشمّر للتحفّظ من مكايدهم تشميرا يزول عن حقيقته عارض الارتياب، ولا تبق شيئا يمكّن لأهل ولايتك قواعد الأمنة منهم، وتبتّل لوقايتهم أذاهم تبتّل من لا ينام عنهم، وطالع بما يحتاج إلى علمه من جهتك إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة بولاية السّمنّوديّة «1» ، وهي:

إنّ أولى من ولي الأعمال، وتعلّقت بكفايته الآمال، وعدقت «1» به المهمّات، وأسندت إليه الولايات، من نطقت بمعدلته الألسنة، وانتفت عن عين خبرته السّنة، وكان حسن السياسة لرعيّته، كثير العمارة مدّة توليته، شهما في استخراج الحقوق من جهاتها، صارما في ردع المجرمين عن زلّات النفس وهفواتها، حسنة سيرته، خالصة مناصحته وسريرته. ولمّا كنت أيها الأمير فلان- أدام الله تأييدك وتسديدك، وحراستك وتمهيدك- أنت المتوشّح بهذه الصّفات الحسان، المتّصف بما تقدّم من الشّرح والبيان، الذي نطقت شمائلك بشهامتك، وشهدت مخايلك بنباهتك- خرج الأمر الفلاني بأن تتولى مدينة سمنّود وضواحيها، وما هو معروف بها ومنسوب إليها، بشرط بسط العدل ونشره، وإعباق عرف «2» الحق ونشره، وأن تخفّف الوطأة عنهم وتفعل ما هو أولى، وتعلم أنك تسأل من الله تعالى في الأخرى ومنّا في الأولى، وأن تصون الرعايا وتجتلب لنا أدعيتهم، وتعاملهم بما يطيّب نفوسهم ويبلّغهم بغيتهم؛ حتّى يتساوى في الحق ضعيفهم وقويّهم، ورشيدهم وغويّهم، ومليّهم ودنيّهم، وأن لا تقيم الحدود على من وجبت عليه إلا بمقتضى الشرع الشريف، والعدل المنيف، وأن تشدّ من نوّاب الحكم العزيز، وتفعل في ذلك فعل المهذّب ذي التمييز، وأن تحسر عن ساعد الاجتهاد في الجمع بين استخراج جميع الحقوق الديوانية والعمارة، وتجعل تقوى الله هي البطانة لك والظّهاره، وأن تبذل النهضة في استخراج الأموال، وتحصيل الغلال على التّمام والكمال، بحيث لا يتأخّر منها الدّرهم الفرد ولا القدح الواحد، وتفعل في ذلك فعل المشفق المشمّر الجاهد، وأن تديم مباشرتك للأقصاب في حال برشها وزراعتها وتربيتها وحملها، واعتصارها وطبخها، وتزكية أثمارها، بحيث

لا تكل الأمر في شيء من ذلك إلى غير ذي ذمّة بمفرده، ولا إلى من ليس بذي خبرة لا يعلم مشقي التصرّف من مسعده. وقد جعلنا لك النظر على جميع النّواحي الجارية في ديواننا بالوجه البحريّ خاصة لتنظر في أمرها، وتزجر أهل الجنايات بها، وتفعل فيها كلّ ما يحمد به الأثر، ويطيب بسماعه الخبر. فتقلّد ما قلّدت، وقم حقّ القيام بما إليه ندبت، واعمل فيه بتقوى الله في سرّك وجهرك، وقدّم الخوف من الله على جميع ما تأتيه أو تذره من أمرك، وتسلّمه شاكرا لما أسديناه إليك، متمسّكا بما أوجبناه عليك؛ فإنّ الشكر يوجب مزيدك، ويكثّر عديدك. وهذه نسخة بولاية النّستراويّة «1» ، وهي: من عادتنا في التدبير وشيمتنا، وسنّتنا في السياسة وسيرتنا، إسباغ المواهب والنّعم، وتنقيل عبيدنا في مراتب الخدم، استرشادا بأسلافنا الملوك واقتداء، واستضاءة بأنوارهم المشرقة واهتداء. ولمّا كنت أيّها الأمير ممن عرفت بسالته، واشتهرت شجاعته وصرامته، واستحقّ أن يلحظ بعين الرّعاية، وأن يشرّف بالارتضاء للتعويل عليه في ولاية، رأينا- وبالله توفيقنا- استخدامك في ولاية الأعمال النسّتراويّة، وخرج أمرنا إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السّجلّ بتقليدك ذلك، وتضمينه ما تعتمد عليه، وتنتهي إلى الممثّل لك فيه. فتقلّد ما قلّدته عاملا بتقوى الله فيما تسرّه وتعلنه، معتمدا فيها غاية ما يستطيعه المكلّف ونهاية ما يمكنه؛ فالله تعالى يقول إرشادا للمؤمنين وتفهيما:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً «1» ، وساو بين القويّ من هذه الولاية والضعيف، ولا تجعل في الحقّ فرقا بين المشروف والشريف، وامدد على كافّتهم رواق السّكون والأمنة، وأجرهم في المعدلة على العادة الجميلة الحسنة، وافعل في إقامة الحدود على من تجب عليه ما يوجبه كتاب الله الكريم، وتقضي به سنّة نبيه محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، وادأب في حفظ السّبل والمسالك، واجتهد في ذلك الاجتهاد الذي يجب على أنظارك وأمثالك؛ ومتى ظفرت بمن يؤذي مسافرا، أو يخيف واردا أو صادرا، فطالع بحاله ليمثّل لك في التمثيل بما تعتمده، وتؤمر في شأنه بما تنتهي إليه وتقصده، وراع المستخدمين على الحكم والدعوة فهما يتولّيان ما بإعزازه يقوم منار الإسلام، وتجري أمور الشريعة على أجمل وضع وأحسن نظام، وخذ المستخدمين في الأموال الدّيوانية بالاجتهاد في العمارة، وحمل المعاملين على ما توجبه المعدلة والحرص على ما وفّر الارتفاع، وحماه من أسباب التفريط والضّياع، واستنهض الرجال المستخدمين معك فيما ترى ندبهم إليه، واستنهاضهم فيه؛ فاعلم هذا واعمل به، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة بولاية الإسكندرية، وهي: اهتمامنا بما حاط ثغر الإسكندرية- حماه الله تعالى وحصّنه، ومنحه أتم حظ التفقّد وأكمله، وأجمل وضع التعهّد وأحسنه، وقوّى سبب استقامة شؤونه واتّساق أموره ومكّنه، ومدّ ظلّ الدّعة والسكون على كافّة من تديّره «2» وسكنه، وحفظ عليه نظام النّضارة، وأماط عنه مكروه الأحوال الضارّة، وأنام أهله على

مضجع الأمن ومهاده، وحكم بإحلالهم نجود الاتحاد على المصالح وإجلالهم عن وهاده، وحمى سوام أموالهم من مشروب ورد أجاج ومرعى نبت وخيم، وجباهم من رسوم الإحسان وعوائده ما لا ينطق لسان على زوائده بترخيم، وملا آمال الأعداء عن التطرّق إليه إخفاقا، وردّ نصول سهام مكايدهم عنه على ما عهد من فضل الله سبحانه أفواقا- إذ كان من أجلّ الثغور الإسلامية أوزارا، وأسبقها إلى غاية التفضيل ابتدارا، وأكثرها بمن حواه من صدور الدّين وأئمة المسلمين افتخارا، وأفضلها محلّا ولم يزل مفزع السّفّار من كل جهة رسلا وتجارا- أوجب أن نسند ولايته، ونردّ كلاءته، إلى من يجري في التدبير على حكم سياسته المعلوم، الحسنيّ الآخذ بيد المظلوم، ويقوم بحسن التفويض والائتمان، ويعطي بدل السّلامة من حقوق انتقامه عهدة الأمان، ويسلك فيما يعدق به طريق السّداد ويلزم نهجه، ولا يمكن أن يكون له على غير الصواب معاج ولا عرجة؛ ويأخذ في كل أحواله بوثائق الحزم، وتحلّ له أعماله الصالحة من مثوى المنازل الرفيعة ما هو على غيره من الحرام الجزم. ولما كان الأمير المعنيّ بهذا الوصف الواضح البيان، المتكافئة في ذكر مناقبه شهادة السّماع والعيان، الكاليء ما يناط به بقلب ألمعيّ وطرف يقظان، الحالّ من الورع في أسمى مكان وأعلى مظان، الجامع في إقامة شرع الإخلاص بين الفرائض والسّنن، الموفية عزائمه على مضارب المهنّدة التي لا تقي منها مانعات الجنن، الفائح من نبئه ما تؤثر صحاح الأنباء عن عليل نسيمه، الجدير بما يزفّ إليه من عقائل جزيل الإنعام وجسيمه؛ وقد أبان في ولايته بمطابقته بين شدّته ولينه، وإقامة منار الإنصاف المعرب عن امتداد باعه في الحرب وانقباض يمينه، وإروائه كافّة أهلها من نمير العون على استتباب الأمور ومعينه- خرج أمر الملك العادل بتقليده ولاية ثغر الإسكندرية حماه الله تعالى والبحيرة «1»

فليتقلّد ما قلّده إيّاه، ويباشره منشرحا صدره متهلّلا محيّاه، وليعتمد على تقوى الله التي هي خير عتاد، وأفضل ما اعتمد عليه في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد؛ وهي نجاة أهل اليقين، وفوز المتقين، قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ «1» وليبالغ في نشر راية العدل ومدّ جناحه، وتعفية أذى الجور واجتياحه، وليشمل الصغير والكبير من أهل هذه الولاية برداء النّصفة، ويعاملهم بالجميل الموفي على الصّفة، ويقم الحدود على مستوجبيها، وينته إلى الغاية في تجنّب إضاعتها وتوقّيها، وليدلّ على المفسدين عين من يتتّبع وقوعهم في قبضته ويتطلّب، ويقابل كلّا منهم بما يرى متعقّبا بإيماض برق المعاقبة غير خلّب «2» ، ولا يبق ممكنا في التنقيب على مرتكبي الآثام، والمرتكنين على سفك الدم الحرام؛ ومن ظفر به منهم فليحكّم فيه شبا «3» ظفر الانتقام ونابه، وليجر على عادته فيما يسيّر عنه أحسن السّمعة، ويشهد له بالتنزّه عن خبيث الطّعمة وقبيح الطّمعة، ويشدّ من القاضي متولّي الحكم فيما يصدره ويورده، ويحلّه ويعقده، ويمضيه من الأحكام الشرعية، ويعتمده في القضايا بما لديه من الألمعيّة، ويعاضد المستخدمين في الأموال معاضدة تثمّره، وتنمّي الارتفاع وتوفّره، وتعود على الديوان بالحظّ الوافي، وتعرب عن كونه بمثل هذه الولاية نعم الكفء الكافي، ويعامل التّجار على تباين بلدانهم، واختلاف ألسنتهم وألوانهم، معاملة يجمل أثرها ويحسن، ويتلقّهم ببشر وطلاقة تنطق بشكر استبشارهم بها الألسن،

ويحفظهم في أنفسهم وبضائعهم، ويستنفد الوسع في دفع مضارّهم وروائعهم، وبعتمد بعث رجاله على الاستعداد للجهاد، والتأهب لقراع الأضداد، وينته إلى الغاية فيما يزيل منهم اعتذارا ويزيح اعتلالا، ويوجب لهم الاقتدار على مكافحة عدوّ إن طرق الثّغر والعياذ بالله تعالى. وهذه نسخة بولاية برقة، وهي: من حقّ الأطراف المتناهية في بعد أقطارها، والبلاد الشاسعة عن ثواء المملكة ومحلّ استقرارها، التي انتظمت في سلك أعمال المملكة الناصريّة وانخرطت، واستدركت معدّاتها لمن حوته فوائت الفوائد التي سلفت وفرطت- أن يديم أكيد الاهتمام لها التحصين والتحسين، ولا يغبّ أهلها ما يغشاهم من الملاحظات مصبحين وممسين، وتزجي لها سحائب كرم التعهّد عهاده غدقا، ويعمل الأولياء في حياطتها من الغمود ألسنة ويذكون دونها من القنا حدقا، ويفوّض أمورهم إلى من تخفّ على يده كلفتهم، وتجتمع بحسن سيرته ألفتهم، ويشتمل من عنايته عليهم اشتمال الصدفة على القلوب، وتنيلهم مهابته من كفّ عدوى العدا كلّ مؤثر مطلوب. ولما كنت أيّها الأمير من أميز سالكي هذه الطرائق، وأمثل فرسان الحروب وحماة الحقائق، واشجع المجاهدين في الله حقّ جهاده، وأجسرهم على إصلاء الشّرك ضرام فتك لا يخشى إصلاد «1» زناده، ولك السياسة التي ترتّب بين الأسود والظّباء اصطحابا، والمخالصة التي لا تناجى إذا وصفت بالتغالي فيها ولا تحابى- خرج أمر الملك العادل بكتب هذا المنشور لك بما أنعم عليك بولايته وإقطاعه: وهو برقة بجميع أعمالها وحقوقها: من العقبة الصّغرى وإلى

آخر حدودها، وبما أمر به كافّة العربان المقيمين بهذه البلاد، وجميع أهلها من حاضر وباد: من الإعلان لك بشعار الطاعة، وصون ما يلزمهم أداؤه إليك من فروض النّصح عن الإضاعة، وأن يبذلوا في موافقتك غاية الاجتهاد، ويعتمدوا من امتثال مراسمك أحسن اعتماد، ويحذروا من العدول عن أمرك، ويجتنبوا مخالفة نهيك وزجرك؛ فاستمسك بحبل التقوى الفائز من يعتصم به ويتعلّق، واستشعر من خيفة الله ما يشرق لأجله عليك نور الرّضوان ويتألّق. قال الله تعالى في كتابه المكنون: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ «1» وعامل أهل هذه الولاية بالإنصاف، وإيّاك ومكروه العدول عن محجّة العدل والانحراف، وتوقّ العسف بهم والحيف عليهم، واجتنب الترخيص لأصحابك في مدّ يد أحد منهم بعدوان إليهم، وسر فيهم سيرة ترؤف بهم وترفق، وجانب سبيل من تقوم عنده أسواق اختلاق المتخرّصين وتنفق، ولا تخرج في تدبير الأمور عن قانون الشّريعة، ولا تجعل لك إلى فوز الآخرة عن تقديم العمل الصالح من ذريعة، وغلّ عنهم أيدي حاضري المفسدين وأياديهم، وأبنهم بالمهابة عن إصرارهم على المنكرات وتماديهم، وكل بهم عزما رادعا لهم وازعا، ونكّل بمن ظفرت به منهم تنكيلا يزجر من يظلّ بحر الضّلال نازعا، وشدّ من خلفاء الحكم العزيز في تنفيذ قضاياه، وخصّهم من الكرامة بما تقتضيه إقامة مناره وإنارة مزاياه، واعتمد ما يعيد الحقائق بوجوه ناضرة، ويرّد الأباطيل بصفقة خاسرة، وراع أمور التّجّار والحجّاج مراعاة تشملهم في السفر والإقامة، وتحميهم من تطرّق استهانة إلى أحد منهم واستضامة، وطالع بما يتجدّد من أحوال خدمتك، وما يحتاج إلى علمه من جهتك، إن شاء الله عز وجلّ. وهذه نسخة بولاية الفرما «2» ، وهي:

نحن- لما ضاعفه الله لدينا من إحسانه وأجزله، وعدقه «1» بنا من تدبير أمور الخلق وأسنده إلينا ووكله- نعتمد عبيدنا بتوفير الرّعاية لهم والإكرام، ونحافظ على ما يغمرهم من شامل الإفضال وسابغ الإنعام، فنقدّم للخدم من خطبها بخلوص طاعته، ونؤهّل للرّتب من أبانت شيمه عن خبرته ومناصحته. ولمّا كنت أيّها الأمير ممن ظهرت مشايعته وموالاته، وحسنت في مكافحة الأعداء مشاهده ومقاماته، ووضحت في أفعاله دلائل النّصح وبانت عليه سماته، ولك مساع مشكورة، ومواقف مشهورة، ومقاصد هي من مآثرك معدودة وفي فضائلك مذكورة، رأينا- وبالله توفيقنا- استخدامك في ولاية الفرما والجفار «2» : سكونا إلى رضا مذهبك، وثقة بانتظام الحال فيما يردّ إليك ويناط بك؛ وخرج أمرنا إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجلّ بتقليدك الولاية المذكورة وتضمينه ما نأمر به ونرسمه، مما يهديك إلى الصواب فتتمسّك به وتعكف عليه وتلزمه. فتقلّد ما قلّدته شاكرا على هذه النّعمى، عاملا بطاعة الله تعالى ومراقبته في السر والنجوى، واعتدّها زادا إلى الآخرة تطمئن به القلوب وتقوى؛ قال الله عز من قائل في كتابه: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى «3» واعتمد في أهل هذه الولاية نصفة تعمّهم ومعدلة، وسسهم سياسة تكون لسنّة الخير مؤكّدة ولسنّة الجور مبدّلة، وماثل في الحق بين قويّهم وضعيفهم، ولا تجعل مزيّة في الواجب لشريفهم على مشروفهم، وانتصف للمظلوم من المتعدّي الظالم،

واعمل بالكتاب والسنّة في الحدود التي تقيمها على ذوي الجرائر والجرائم، وانتصب لحفظ الطّرقات، وصون الصادرين والواردين في جميع الأوقات، ونكّل بمن تظفر به من المفسدين، واجعله عظة لأمثاله من الظالمين والمعتدين، وعاضد النائب في الحكم العزيز معاضدة تقضي بإعزاز الجانب، وساعده مساعدة تنفذ بها أحكامه على قضيّة الواجب، وكذلك متولّي الدّعوة الهاديّة «1» فهي مصباح الزمان، وبإشادة ذكره تقوى دعائم الإيمان؛ فاجتهد في تمييز متولّيها وإكرامه، وبلّغه في ذلك غاية مطلوبه ومرامه، وتوفّر على الشدّ من المستخدمين في الأموال، وراع [ما يحسن] «2» لدينا فيما تنظر فيه من الأعمال، واحرص على ما عاد بوفور ارتفاعها، وأجر أحوالها على أفضل رسومها وأوضاعها، بحيث يكون العدل منبسطا منبثّا، والحيف منحسما مستأصلا مجتثّا، وأجمل صحبة الرجال المستخدمين معك، وأحسن معاشرتهم مع مطالبتهم بملازمة الخدمة، واستنهاضهم في الأمور الشاقّة المهمّة، فاعلم هذا واعمل به، وطالع بما تحتاج إلى المطالعة به، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة بولاية عسقلان «3» ، وهي: من شيمنا التي غدت للمصالح ضوامن، وعلت فكلّ متطاول عندها متطامن «4» ، وهممنا الكافلة [للرعيّة] «5» بما يقرّ عيونها، والقاضية للخاصّة والعامّة بما يوجب طمأنينتها وسكونها- أنعمنا النظر فيما نرعاها به ونسوسها،

وأعملنا الفكر فيما يستقيم به أمرها ويزول معه بوسها، فيقف [بنا] الاجتهاد في ذلك على محجّة الصواب التي لا ضلال في سلوكها، ويفضي منا الحرص إلى غاية لم يبلغها أحد من مدبّري الدول وملوكها، فننتخب لخطير الخدم من كان قؤوما بها مستقلّا بآصارها، وننتجب لجليل الرّتب الأعيان من أمراء دولتنا وأنصارها، حفظا لما استحفظناه من أمور العباد والبلاد، ورفعا لعماد الصّلاح وحسما لموادّ الفساد. ولمّا كنت أيها الأمير من الأولياء الذين صفت في المخالصة ضمائرهم، وحسنت في الطاعة عقائدهم وسرائرهم، ونالوا من نبيه الحظّ ما أطنب الواصف فيما يذكره منه ويرويه، وأحمدوا المناصحة فيما رقوا فيه من درج التنويه، وقد استكفيت مهمّات من الخدم فكفيت همّها وخفّفت ثقلها، وأهّلت لولايات سنيّة فحملت كلّها، وكنت مستحقّا لها وأهلها؛ فلك مواتّ حميدة من حسن المقاصد ومشكور المساعي، وحرمات أكيدة ظلّت على اصطفائك من أوفى البواعث وأقوى الدّواعي؛ وكانت مدينة عسقلان- حماها الله تعالى- ثغر الإسلام الذي لا ثغر له في الشام سواه، والرّباط الذي من كان به فقد نال الثواب الجزيل وأحرزه وحواه، وهو في عيون الكفار- خذلهم الله- نكتة «1» وأسباب طمعهم فيه منقطعة بمحاماته منبتّة؛ ونحن نوفّر اهتمامنا عليه رعاية لمكانه المكين، وننتصي «2» الكفاة لتولّيه توصّلا إلى النّكاية في المشركين؛ وهو معقل للمسلمين المجاهدين وردّ «3» ، ومجاوروه قوم لدّ، وأمرهم أمر إدّ «4» ؛ فيجب أن يرتاد لضبطه النّدب «5» الذي لا تهتبل غرّته، ويسام لحفظه العضب «6» الذي لا

تتّقى ضربته، ويختار لصونه الشهم الذي تقف على المصالح همّته، وتنفذ فيها عزمته. وحين كانت هذه الصفات فيك موجودة، وظلّت محسوبة من خلالك معدودة، رأينا- وبالله توفيقنا- ما خرج به أمرنا إلى ديوان الإنشاء من كتب هذا السجلّ بتقليدك ولاية هذا الثغر وضواحيه، وعمله ونواحيه، ثقة بمشهور مضائك، وعلما بإبرارك على نظرائك. فتقلّد هذه الخدمة عارفا قدر ما خوّلت منها، وعاملا بتقوى الله وخيفته في جميع ما تأمر به وتنهى؛ فإن تقواه الجنّة الواقية، وإن خيفته الذّخيرة الباقية؛ وقد وعد الله المتقين بتيسير الأمور، وتكفير السّيئات وإعظام الأجور؛ قال الله عزّ من قائل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً «1» ثم قال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً «2» واستعمل العدل في جميع من يشتمل عليه عملك، ويجري عليه تولّيك ونظرك، وساو في الحق بين الضعيف والقويّ، وماثل في الحكم بين القريب والقصيّ؛ وإذا ثبت على شريف حقّ فلا تحابه لرتبته، وإذا ثبت لوضيع فخذه ممّن لزمه واستقرّ في جهته. واعتمد من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ما يستنطق بالثناء عليك ألسنة المادحين وينظمك فيمن عناهم الله تعالى بقوله: يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ «3» وأقم الحدود على من لزمته بما أمر الله به إقامة [تجري بها] «4» مجراها،

وتوقّ الزيادة فيها والنقص توقّي من يتمثّل المجازاة كأنه يراها. وهذا الثغر لمحلّه وسموّ مقداره، وقرب العدوّ منه ودنوّ داره، لا يقنع له بمركزيّته، ولا يكتفى في حقّه بمرابطيّته وقراريّته؛ فنحن نسيّر إليه العساكر المظفّرة دفعتين في كل سنة على حكم البدل: فيرده عسكر جديد مزاح العلة، كثيف العدّة، وافر العدّة، يؤثر أن يظهر أثره، ويحافظ على ما يطيب به ذكره وخبره؛ فبثّ السرايا وشنّ الغارات، وضيّق على العدوّ فسيح النّواحي والجهات، وجهّز إليه من يخيفه في مآمنه، وابعث عليه من يطرقه في أحرز أماكنه، واندب من يطالعك بخفيّ أخباره، ويظهر لك باطن أموره ومستور أسراره: لتنتهز فيه الفرصة إذا لاحت مخايلها، وتبادر الغفلة منه إذا ظهرت دلائلها، واجعل للمتطوعين من الكنانيّين نصيبا من ثواب الجهاد، واحملهم على استفراغ الوسع بغاية الحرص والاجتهاد، وافعل في هذا الباب ما تتضاعف به موادّ الأجر، وتنتسخ به الأوزار كما ينتسخ الظلام بضياء الفجر، واعضد متولّي الحكم العزيز عضدا يعلي أمره ويشدّ أزره، ويحرس نظامه، وينفّذ قضاياه وأحكامه، وكذلك متولّي الدعوة الهادية- ثبتها الله تعالى- فاعتمده بما يشرح صدره فيما يوضّحه للمؤمنين، ويهدي به المستجيبين والمتديّنين، ووفّر موفّر اهتمامك على مرافدة من يتولّى أمر المال وما يجري في الخاصّ لتدرّ أخلافه «1» ، ويزكو ارتفاعه، وتغزر مادّته، ويتوفّر مستخرجه، ويحتمي من خيانة وتحيّف، ويسلم استيداؤه من تريّث وتوقّف، واستنهض الرجال المستخدمين في الأمور السّوانح، وصرّفهم فيما ترى تصريفهم عليه من أسباب المنافع والمصالح، واستمطر الإحسان لمن أحمدت طريقته، وقوّم بالتأديب من ذممت فعله وكرهت سيرته، فاعلم هذا واعمل به، وطالع بما يحتاج إلى المطالعة بمثله، إن شاء الله عز وجل. ومن المكتتب بالوظائف الديوانية من هذه المرتبة نسخة توقيع بنظر

الدّواوين «1» ، وهي: أحقّ الأعمال بأن ينعم فيها النظر الشافي، ويندب لحمل عبئها الأمين الكافي، ويحال النظر في تقليدها للقيّم بأمرها، ويعمل الرأي لارتياد القويّ على ضبطها وحصرها، ما كان منها جامعا لمصالح الدولة، حائزا لمهامّ المملكة: وهي أعمال الدّيوان، والنظر في حفظ وجوه الأموال وما يعين على استنمائها، ويعود بالزيادة في أصول أبوابها؛ إذ كان ذلك ملاك الأمور، وزمام التدبير في حفظ الجمهور، والمعونة العظمى على الاستكثار من الرجال الذين بهم يتمّ حفظ البلاد وحماية الثّغور. ولمّا سلّطنا البحث على استصلاح من نؤهّله لهذه المنزلة، واستخلاص من نحلّه بهذه المرتبة، أدّانا الاختبار والانتقاد، وانتهى بنا الاعتيام والارتياد، إلى اختيار الشيخ فلان: حين سفرت له النّباهة في الكفاية، والوجاهة في الخبرة والدّراية، وجب.... «2» على اختصاصه بالفضل الذي تحلّى بأدبه، والعفاف الذي اشتهر من مذهبه، من الخصال الحميدة، والخلال الرّشيدة، والفضائل الموروثة والمكتسبة، والخلائق المنتقاة المهذّبة، ورأيناه أهلا لإحلال هذه المكانة، وعدلا قيّما باحتمال هذه الأمانة، وعلمنا أن الصنيعة عنده زاكية المغارس، والنعمة المفاضة عليه ضافية الملابس؛ فقلّدناه أمر الديوان بحلب وما معها من البلاد المضافة إليها والداخلة في حكمها: قاصي ذلك ودانيه، وأواسطه وحواشيه، مقدّمين الاستخارة فيما نبديه من قول، ونعزم عليه من فعل. وأمرناه أن يستشعر تقوى الله سبحانه فإنّها الجنّة الواقية، والذخيرة النافعة الباقية، ويعتلق أسبابها فإنها المنجّية من المهالك، الهادية إلى السّبل الواضحة

إذا اشتبهت المسالك، محقّقا ما توسّمناه فيه من مخايل الأصالة، ودلائل الجزالة، مصدّقا ما استلمحناه من كفايته وغنائه، واستوضحناه من استقلاله واستقصائه، وأن يبدأ فيرتّب في كل معاملة أمينا من الثّقات الكفاة، مشهودا له بالنّهضة والأمانة المستوفاة، وأن يزمّ «1» الأعمال القاصية والدانية، والبلاد القريبة والنائية، بالضبط المستقصي، والحفظ المستوفي، وبمن يرتّبه عليها من الكتّاب الأمناء، ويستصلحه لها من الحفظة النّصحاء، ويتتبّع حال من بها من النّوّاب: فمن شهدت له التجربة بالكفاية، ودلّ الاختبار منه على العفّة والأمانة، استدامه في خدمه المنوطة به، وطالع من حاله بما يقضي له حسن النظر بحسبه، ومن ألفاه متنكّبا سبيل الأمانة، مقارفا طريق العجز والخيانة، بادر إلى الاستبدال به، وعجّل قطع ما بينه من الخدمة وبين سببه، وأن يسترفع البواقي من الأموال، في سائر الجهات والأعمال، إلى آخر التاريخ الذي تليه مباشرته، ويتصل بآخره مبدأ نظره وفاتحته، موشّحة أوراق ذلك بخطوط الأمناء، مفصلة جهاته بأسماء المعاملين والضّمناء، حتّى إذا حملت إليه، وصارت حجّة على رافعها في يديه، طالبه بمواقفة من هو في ذمّته، وتقدّم بعد تصديقه على ذلك بمضايقته بعد المطالعة بجليّ الحال وحقيقته. ثم يسترفع من مستوفي الديوان وعمّاله شروط الضّمّان ورسومهم، وقواعدهم في الضمان وعوائدهم: ليكون علم ذلك عنده مبيّنا، ووقت مساس «2» الحاجة إليه حاضرا، ويطالب بجرائد «3» الضّياع خاصّها ومقطعها المشتملة على ذكر رسومها وحقوقها، وعدد فدنها ومقاسها، وجرائد الخراج اللازم لأرباب الأملاك على أملاكهم، وتحقيق المصفوح عنه والمسامح به والباقي على الأداء في جهته، وجرائد الجزية مفصّلة في نواحيها، وأسماء أربابها إلى حين رفعها- وأن يطالب نوّاب الجزية في كل شهر بختمة

تتضمّن ذكر مصارف ما يحوّل إليهم، وإقامة وجوه المال الذي جمع عليهم، مفصّلة مميّزة الابتياعات عن الإطلاقات «1» ، والضّيافات عن السّفرات والإصطبلات، وكذلك نوّاب الأهراء يسترفع منهم ما يدلّ على مثل ذلك، وسائر المتولين في سائر الخدم يطالبهم بهذه المطالبة، ويضيّق عليهم في مثل ذلك سبيل المغالطة والمواربة، ويجعل مؤاخذتهم بذلك من الأمور الراتبة، والوظائف اللازمة الواجبة، حتى يتبيّن له الكافي من العاجز، والأمين من الخائن. وليتأمّل وجوه الإخراجات، ومبلغ الإطلاقات والإدرارات، ويسترفعه من مظانّه مفصّلا بجهاته، منسوبا إلى أربابه، ويتقدّم بكتب مؤامرة جامعة لذلك التفصيل، دالة على المقدار المطلق في كل سنة محكّم النظر الدقيق دون الجليل، وليعتمد في إطلاق ما يطلق منها على سبيل ما يوقع به عند ذلك، وليكن هذا من الأمور الجارية على العادة والرسم، ويلزمه كلّ من نوّاب الديوان. ومن المكتتب منها بالوظائف الدينية نسخة تقليد بولاية الحسبة «2» ، من إنشاء الوزير ضياء الدين بن الأثير، وهي: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «3» هذا أمر يشتمل على معنى الخصوص دون العموم، ولا يختصّ به إلا ذوو

الأوامر المطاعة أو ذوو العلوم؛ وقد منحنا الله هذين الوصفين كليهما، وجعلنا من المسخلفين عليهما. فلنبدأ أوّلا بحمده الذي هو سبب للمزيد، ثم لنأخذ في القيام بأمره الذي هو على كلّ نفس منه رقيب عتيد؛ ولا ريب أن إصلاح العباد يسري إلى الأرض حتّى تزكو بطونها، وتنمو عيونها، ويشترك في بركات السماء ساكنها ومسكونها؛ والأمر بذلك حمل إن لم تتوزّعه الأكفّ ثقل على الرقاب، وإذا انتشرت أطراف البلاد فإنها تفتقر إلى مساعدة من مستنيب ومستناب؛ وقد اخترنا لمدينة كذا رجلا لم نأل في اختياره جهدا، وقدّمنا فيه خيرة الله التي إذا صدقت نيّتها صادفت رشدا، وهو أنت أيها الشيخ فلان. فابسط يدك [بقوّة] «1» إلى أخذ هذا الكتاب، وكن حسنة من حسناتنا التي ثمّ يرجح بها ميزان الثواب، وحقّق نظرنا فيك فإنه من نور الله الذي ليس دونه من حجاب. واعلم أنّ أمر الشريعة مبنيّ على التيسير لا على التعسير، ولا يضع اللسان موضع السوط إلا من أوتي زيادة في التفسير؛ وفي سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مندوحة لمن لزمها، وهي هدى لمن عمل بها ونور لمن علمها؛ ويكفي من ذلك قصة الأعرابي الذي أتى حاجته في المسجد فسارع الناس إليه، فنهاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «إنّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين، ثم دعا بذنوب «2» من ماء فصبّه عليه وقال: يا أخا العرب إنّ المساجد لم توضع لشيء من هذا وإنما وضعت للصّلاة وقراءة القرآن» . فانظر إلى هذا الرّفق النبويّ الذي شفى وكفى، وعفّى على أثر المعصية لمّا عفا؛ ولو دعا ذلك الأعرابيّ لمثلها لنقل عن لين التهذيب، إلى

شدّة التأديب؛ وكذلك فكن أنت في الرفق الذي حدّثت عنه، ومن عاد فينتقم الله منه. ونحن نأمرك أن تحتسب أوّلا بلين القول لا بالأنف والنكير، وأن تترفّق في الموعظة التي هي طريق إلى الخشية والتذكير، وأن لا تكون باحتسابك مدلّا بأنّك على الصراط المستقيم، وأن الناس بين يديك على سنن التثقيف والتقويم؛ فإن من أكبر الذنوب ذنب الإعجاب، والأولى لك حينئذ أن تعود على نفسك بالاحتساب «1» ؛ ومن أدبك وأدب أمثالك أن يقف في أمره بالمعروف مع التقوى لا مع هواه، وأن لا يفرّق في إزالة المعصية أن تكون بيده أو بيد أحد سواه؛ وإذا كنت كذلك قرنك الله بمن أنزل السكينة على لسانه ويده، وقوّم له أود الناس لتقويم أوده، والله ينظر إلى قلب ابن آدم لا إلى عمله ولا إلى جسده. وعليك بالمجاهدين الذين سلب عنهم ثوب العافية، ومن اختفى منك بالاستتار فلا تكشف عن حاله الخافية؛ وأما ذوو الهيئات فإنّ عثراتهم تقال، وأعراضهم لا تذال، ولربّما كان التجاوز عنهم داعيا إلى الانتقال؛ وفي قصة أبي محجن وسعد «2» ما ينبّئك أنّ الحياة أغنى في الازدجار، وفي الناس أذناب لا قدر لها تذبّ عنه ورؤوس تذبّ عمّا لها من الأقدار. وهاهنا من ضروريّات الوصايا ما يؤتى في مثله بتوكيد الأقوال، وأكثر ذلك يدور في المعاملات التي ألفها قوم دون قوم، واستمروا عليها يوما دون يوم؛ وقد أتى منها ما اتّفق على العمل به

كلّ فريق، وأيسر ذلك إزالة النّخامة «1» من المسجد وإماطة الأذى عن الطريق. وهذه الوصايا كلّها لا تفتقر فيها إلى التوقيف، وأنت عالم بوضع كلمها في مواضعه وغيرك الذي يتعدّى إلى التحريف؛ فامض على السّنن، وأت بالحسن، وسوّ بين حالتيك في السّرّ والعلن، وكن من خوف الله ورجائه بين رحلة سفر وقرارة وطن. وهذا عهدنا إليك تتقمّص اليوم منه رداء جميلا، وستحمل غدا منه عبئا ثقيلا، وقد فرضنا لك عن حقّ سعيك فريضة تجد بها كفافا، وتمنعك أن تمدّ عينيك إلى غيرها استشرافا؛ فإنّ العمل الذي تولّيته يستغرق أوقاتك أن تكون للدنيا كاسبة، وتشغل نفسك بالعمل والنّصب لا أن تكون عاملة ناصبة. وإذا نظرت إلى ما نيط بك وجدته قد استحصى الزّمن أو كاد، وأنت فيه بمنزلة الباني وقواعده: «وكلّ بناء على قدر بانيه وما شاد» -. ونحن نأمر ولاتنا على اختلاف مراتبهم أن يرفعوا من قدرك، ويسدّدوا من أمرك، وإذا استوعر عليك أمر من الجوانب سهّلوا من وعرك؛ والله أمر أهل طاعته بأن يكون بعضهم لبعض من الأعوان، فقال جل وتعالى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ «2»

الحالة الرابعة (مما يكتب عن ملوك الديار المصرية من الولايات

الحالة الرابعة (مما يكتب عن ملوك الديار المصرية من الولايات ما عليه مصطلح كتّاب الزمان بديوان الإنشاء بالديار المصرية مما يكتب عن السلطان لأرباب السيوف والأقلام وغيرهم من التقاليد والمراسيم والتّفاويض والتواقيع، على ما سيأتي بيانه، وفيه [ثلاثة] «1» مقاصد) المقصد الأوّل (في مقدّمات هذه الولايات، وفيه مهيعان) المهيع الأوّل (في بيان رجوع هذه الولايات إلى الطريق الشرعيّ) قد تقدّم في أوّل الكلام على العهود أنّ السلطنة في زماننا دائرة بين إمارة الاستيلاء: وهي أن يقلّده الخليفة الإمارة على بلاد ويفوّض إليه تدبيرها فيستولي عليها بالقوّة، وبين وزارة التفويض: وهي أن يستوزر الخليفة من يفوّض إليه تدبير الأمور برأيه وفصلها على اجتهاده، وأنها بإمارة الاستيلاء أشبه، على ما تقدّم بيانه هناك. وقد صرح الماورديّ في «الأحكام السلطانية» «2» أنه إذا كمل في المستولي على الأمر بالقوّة بعد تولية الخليفة له مع اشتماله على الصفات المعتبرة في المولّى في الولاية الصادرة عن اختيار الخليفة الإسلام، والحرّيّة، والأمانة، وصدق اللهجة، وقلّة الطمع، والسلامة من الميل مع الهوى، والبراءة من الشّحناء، والذّكاء، والفطنة- جاز له ما يجوز للخليفة من تولية وزارة التفويض وغيرها من سائر النّيابات، وجرى على من استوزره أو استنابه

أحكام من استوزره الخليفة أو استنابه؛ وان لم يستكمل الصّفات المعتبرة في الولاية الصادرة عن اختيار الخليفة، استناب له الخليفة لكل ولاية من تتكامل فيه شروطها. قلت: وقد كانت ملوك بني بويه وبني سلجوق مع غلبتهم على أمر الخلفاء ببغداد واستيلائهم يقتصرون في تصرّفهم على متعلّقات الملك في الجهاد والتصرّف في الأموال، ويكلون أمر الولايات إلى الخليفة يباشرها بنفسه، وتكتب عنه العهود والتقاليد على ما تشهد به نسخها الموجودة من إنشاء الصابي «1» وغيره- وكذلك الخلفاء الفاطميّون بمصر عند غلبة وزرائهم على الأمر من لدن خلافة المستنصر وإلى انقراض خلافتهم من الديار المصرية، كالصالح طلائع بن رزّيك «2» في وزارته للفائز والعاضد، ونحو ذلك: فإنّ الخليفة هو الذي كانت الولايات تصدر عنه تارة بإشارة الوزير، وتارة بغير إشارته، على ما تشهد به نسخ السّجلّات المكتتبة في دولتهم، على ما تقدّم بيانه في الفصل الأوّل من هذا الباب. على أنّ أصحابنا الشافعية وغيرهم من أئمة الفقهاء- رحمهم الله- قد صحّحوا الإمامة بغلبة الشوكة والاستيلاء على الأمر بالقهر دون استكمال شروط الإمامة، تصحيحا للأحكام الشرعية الصادرة عن المستولي بالشوكة: من العقود والفسوخ وإقامة الحدود وغيرها، على ما هو مذكور في باب الإمامة، وحينئذ فتكون جميع الولايات الصادرة عن السلطان صحيحة شرعا وإن لم يستنبه عنه الخليفة؛ وكذلك ما يترتب عليها، على ما الأمر جار عليه الآن.

المهيع الثاني (فيما يجب على الكاتب مراعاته في كتابة هذه الولايات)

المهيع الثاني (فيما يجب على الكاتب مراعاته في كتابة هذه الولايات) واعلم أنه يجب على الكاتب في ذلك مراعاة أمور. الأمر الأوّل- براعة الاستهلال بذكر اسم المولّى أو نعته أو لقبه أو الوظيفة ، أو حال الولاية، مع استصحاب براعة الاستهلال إلى آخر الخطبة ونحوها من الافتتاحات، كما أشار إليه الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ رحمه الله في كتابه «حسن التوسل» «1» كما تقدّم ذكره في الكلام على البيعات والعهود. الأمر الثاني- مراعاة قطع الورق «2» في الجملة لكلّ ما يكتب من ديوان الإنشاء من المكاتبات والولايات وغيرها. والذي يختص بهذا المكان ذكر مقادير قطع الورق فيما يتعلّق بهذه الولايات خاصّة، وهي خمسة مقادير:- أحدها قطع الثلثين، ويختصّ في الولايات بكبار التقاليد دون غيرها- وثانيها قطع النّصف، وفيه تكتب صغار التقاليد، والمراسيم المكبّرة، والتفاويض، وكبار التواقيع- وثالثها قطع الثلث، وفيه تكتب صغار المراسيم المكبّرة، والتواقيع المتوسطة- ورابعها قطع العادة المنصوري، وفيه تكتب صغار التواقيع والمراسيم التي لأصحابها بعض ميزة لا تنتهي بهم إلى رتبة قطع الثّلث- وخامسها قطع العادة الصغير، وفيه تكتب صغار التواقيع والمراسيم التي هي في الرتبة الأخيرة. الأمر الثالث- معرفة ما يناسب كلّ قطع من هذه المقادير من الأقلام . وقد تقدّم في المقالة الثالثة نقلا عن «التعريف» «3» ما لكلّ مقدار من الأقلام.

الأمر الرابع - معرفة اللقب المطابق لرتبة كل ولاية وصاحبها

والمتعلّق بهذا الموضع من ذلك أنّ لقطع الثلثين قلم الثلث الثقيل، ولقطع النصف قلم الثلث الخفيف، ولقطع الثلث قلم التوقيعات، ولقطع العادة مطلقا قلم الرّقاع. الأمر الرابع- معرفة اللّقب المطابق لرتبة كلّ ولاية وصاحبها من الألقاب الأصول المتقدّم ذكرها في الكلام على الألقاب من المقالة الثالثة، وهي المقرّ، والجناب، والمجلس، ومجلس كذا على الإضافة، وما يناسب كلّ لقب من هذه الألقاب من الفروع المرتّبة عليها، كوصف المقرّ بالكريم العالي، ووصف الجناب تارة بالكريم العالي، وتارة بالعالي مجرّدا عن الكريم، ووصف المجلس تارة بالعالي، وتارة بالسامي، وإضافة مجلس في حق أرباب السيوف إلى الأمير فيقال: مجلس الأمير، وفي حقّ أرباب الأقلام من العلماء وأصحاب الدواوين إلى القاضي فيقال: مجلس القاضي، وفي حقّ الصّلحاء إلى الشيخ فيقال مجلس الشيخ، وأنّ لمن دون هؤلاء الصّدر، ويوصف بالأجلّ فيقال: الصّدر الأجلّ، وأن لكل أصل من هذه الأصول فروعا شتّى تترتّب عليه. وتقدّم أيضا في المقالة الرابعة في الكلام على المكاتبات الصادرة عن الأبواب السلطانية بالدّيار المصرية في زماننا إلى أهل المملكة مكاتبة كل واحد ممّن جرت العادة بالمكاتبة إليه، وما يختصّ به من الألقاب الأصول والفروع. واعلم أنّ الولايات أعمّ من المكاتبات: فقد يكون للشخص ولاية من الأبواب السلطانية وليس له مكاتبة، إذ المكاتبات إنما تكون لقوم مخصوصين من أرباب الولايات. إذا علم ذلك فكلّ من له مكاتبة عن الأبواب السلطانية من أرباب السّيوف والأقلام ممن تقدّم ذكره في الكلام على المكاتبات إذا كتبت له ولاية نعت بألقابه ونعوته التي بها يكاتب عن الأبواب السلطانية؛ إلا أنّ الدعاء المصدّر به المكاتبة يجعل في الآخر دون الأوّل: فإذا كانت المكاتبة إلى أحد «أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الكريم» قيل في ألقابه في الولاية «المقرّ الكريم» إلى آخر ما يقتضيه الحال، ثم يقال: فلان أعز الله تعالى أنصاره؛ وكذلك في

النوع الأول (ألقاب أرباب السيوف)

البواقي. أمّا من لم تجر العادة بمكاتبة إليه عن الأبواب السلطانية ممن يولّى عنها فإن لكل طبقة ألقابا تخصهم. ونحن نذكر الألقاب الأصول وما يتفرّع عليها لكلّ طبقة من كل طائفة على الوضع الذي تقتضيه الولايات دون المكاتبات، ليجرى كلّ من أرباب الولايات على ما يناسبه من الألقاب. وقد علمت فيما تقدّم في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة أن الألقاب على خمسة «1» أنواع: النوع الأوّل (ألقاب أرباب السيوف) والمستعمل منها بديوان الإنشاء تسع مراتب: المرتبة الأولى- المقرّ الكريم مع الدعاء بعزّ الأنصار ، وهي: المقرّ الكريم، العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الزعيميّ، العونيّ، الغياثيّ، المثاغريّ، المرابطيّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظّهيريّ، العابديّ، الناسكيّ الأتابكيّ، الكفيليّ، معزّ الإسلام والمسلمين، سيّد أمراء العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، ممهّد الدّول، مشيّد الممالك، عماد الملّة، عون الأمة، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين، فلان (باسمه) الفلاني (بلقب الإضافة إلى لقب السلطان) أعزّ الله تعالى أنصاره. المرتبة الثانية- الجناب الكريم مع الدعاء بعزّ النّصرة ، وهي: الجناب الكريم، العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الزعيميّ، العونيّ، الغياثيّ، المثاغريّ، المرابطيّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظّهيريّ، الكافليّ، الفلانيّ، عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، مقدّم العساكر، ممهّد الدّول، مشيّد

المرتبة الثالثة - الجناب العالي مع الدعاء بمضاعفة النعمة

الممالك، عماد الملّة، عون الأمّة، ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين، فلان (باسمه) الفلاني (بلقب الإضافة إلى لقب السلطان) أعزّ الله تعالى نصرته. المرتبة الثالثة- الجناب العالي مع الدعاء بمضاعفة النّعمة ، وهي: الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، العونيّ، الزعيميّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظّهيريّ، الكافليّ، الفلانيّ، عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، ممهّد الدّول، مشيّد الممالك، عماد الملّة، عون الأمّة، ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين، فلان (باسمه) الفلاني (بلقب الإضافة إلى السلطان) ضاعف الله تعالى نعمته. المرتبة الرابعة- الجناب العالي مع الدعاء بدوام النعمة ، وهي: الجناب العالي الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المؤيّديّ، الأوحديّ، النّصيريّ، العونيّ، الهماميّ، المقدّميّ، الظّهيريّ، الفلانيّ، عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، مقدّم العساكر، كهف الملّة، ذخر الدّولة، عماد المملكة، ظهير الملوك والسلاطين، حسام أمير المؤمنين، فلان الفلاني، أدام الله تعالى نعمته. المرتبة الخامسة- المجلس العالي والدعاء بدوام النعمة ، وهي: المجلس العالي الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، العونيّ، الأوحديّ، النّصيريّ، الهماميّ، المقدّميّ، الظهيريّ، الفلانيّ، عزّ الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، مقدّم العساكر، كهف الملّة، ذخر الدولة، ظهير الملوك والسلاطين، حسام أمير المؤمنين، فلان الفلاني، أدام الله تعالى نعمته. المرتبة السادسة- المجلس الساميّ بالياء، والدعاء بدوام التأييد ونحوه ، وهي: المجلس الساميّ، الأميريّ، الكبيريّ، الذّخريّ، النّصيريّ، الأوحديّ، المؤيّديّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الأمراء، ذخر

المرتبة السابعة - السامي بغير ياء، والدعاء أدام الله رفعته ونحو ذلك،

المجاهدين، عضد الملوك والسلاطين، فلان الفلانيّ، أدام الله تأييده. المرتبة السابعة- السامي بغير ياء «1» ، والدعاء أدام الله رفعته ونحو ذلك، وهي: المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، الكبير، الغازي، المجاهد، المؤيّد، الأوحد، المرتضى، فلان الدين، مجد الإسلام، بهاء الأنام، فخر الأمراء، زين المجاهدين، عمدة الملوك والسلاطين، أدام الله رفعته. المرتبة الثامنة- مجلس الأمير، والدعاء أدام الله سعده ونحوه ، وهي: مجلس الأمير، الأجلّ، الكبير، الغازي، المجاهد، المؤيّد، الأوحد، المرتضى، فلان الدين، مجد الأمراء، زين المجاهدين، عدّة الملوك والسلاطين، فلان الفلاني، أدام الله سعده. المرتبة التاسعة- الأمير مجرّدا عن المضاف إليه ، وهي: الأمير، الأجلّ، وربّما زيد فيه فقيل الكبير، المحترم، ونحو ذلك. النوع الثاني (ألقاب أرباب الوظائف الديوانية، وهي على ستّ مراتب) المرتبة الأولى- الجناب العالي مع الدعاء بمضاعفة النّعمة؛ وفيها أسلوبان: الأسلوب الأوّل- ألقاب الوزير وهي: الجناب العالي، الصاحبيّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، الأوحديّ، الأكمليّ، القواميّ، النّظاميّ، الأثيريّ، البليغيّ، المنفّذيّ، المسدّديّ، المتصرّفيّ، الممهّديّ، العونيّ، المدبّريّ، المشيريّ، الوزيريّ، الفلانيّ، صلاح الإسلام والمسلمين، سيّد الوزراء في العالمين، رئيس الكبراء، كبير الرؤساء، أوحد الأصحاب، ملاذ الكتّاب، قوام الدّول، نظام الملك، مفيد المناجح، معتمد المصالح، مرتّب

الأسلوب الثاني - ألقاب كاتب السر

الجيوش، عماد الملّة، عون الأمة، مشير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين، فلان الفلاني، ضاعف الله تعالى نعمته. الأسلوب الثاني- ألقاب كاتب السرّ ، عند ما استقرّ ما يكتب له تقليدا في قطع الثلثين، وهي: الجناب العالي، القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، العلّاميّ، الأفضليّ، الأكمليّ، البلبغيّ، المسدّديّ، المنفّذيّ، المشيّديّ، العونيّ، المشيريّ، اليمينيّ، السّفيريّ، الأصيليّ، العريقيّ، الفلانيّ، صلاح الإسلام والمسلمين، سيد الرؤساء في العالمين، قدوة العلماء العاملين، جمال البلغاء، أوحد الفضلاء، جلال الأصحاب، كهف الكتّاب، يمين المملكة، لسان السّلطنة، سفير الأمّة، سليل الأكابر، مشير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين، فلان الفلاني، ضاعف الله تعالى نعمته. قلت: وقد كان رتبته: المجلس العالي عند ما كان يكتب له توقيع في قطع النّصف. المرتبة الثانية- المجلس العالي مع الدّعاء بدوام النعمة ؛ وفيها أربعة أساليب: الأسلوب الأوّل- ألقاب كاتب السرّ «1» على ما كان الأمر عليه في كتابة توقيع في قطع النصف، ويدعى له: أدام الله نعمته، وهي: المجلس، العالي، بالألقاب المتقدّمة له مع الجناب العالي، على ما استقرّ عليه الحال. الأسلوب الثاني- ألقاب ناظر الخاص «2» ، وهي: المجلس العالي القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الأوحديّ، الأكمليّ، الرّئيسيّ، البليغيّ،

الأسلوب الثالث - ألقاب وزير دمشق إذا صرح له بالوزارة

البارعيّ، القواميّ، النّظاميّ، الماجديّ، الأثيريّ، المنفّذيّ، المسدّديّ، المتصرّفيّ، الفلانيّ، جمال الإسلام والمسلمين، سيد الرؤساء في العالمين، قوام المصالح، نظام المناجح، جلال الأكابر، قدوة الكتّاب، رئيس الأصحاب، عماد الملّة، صفوة الدولة، خالصة الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين، فلان الفلانيّ، أدام الله تعالى نعمته. الأسلوب الثالث- ألقاب وزير دمشق إذا صرّح له بالوزارة ، وهي: المجلس العالي، الصاحبيّ، الوزيريّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الأوحديّ، القواميّ، النّظاميّ، الماجديّ، الأثيريّ، المشيريّ، الفلانيّ، صلاح الإسلام والمسلمين، سيد الوزراء في العالمين، رئيس الكبراء، كبير الرؤساء، بقية الأصحاب، ملاذ الكتّاب، عماد الملة، خالصة الدولة، مشير الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين، فلان الفلاني، أدام الله تعالى نعمته. الأسلوب الرابع- ألقاب ناظر النّظّار بالشام «1» ، إذا لم يكن وزيرا، وهي: المجلس العالي، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، الأوحديّ، الرّئيسيّ، الأثيريّ، القواميّ، النّظاميّ، المنفّذيّ، المتصرّفيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الرؤساء في العالمين، أوحد الفضلاء، جلال الكبراء، حجّة الكتّاب، صفوة الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين، فلان الفلاني، أدام الله تعالى نعمته. المرتبة الثالثة- المجلس الساميّ بالياء مع الدعاء بدوام الرفعة وما في معناها، وهي: المجلس الساميّ، القضائيّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، العالميّ،

المرتبة الرابعة - السامي بغير ياء، مع الدعاء بدوام الرفعة

الفاضليّ، الكامليّ، الرئيسيّ، الأوحديّ، الأصيليّ، الأثيريّ، البليغيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، شرف الرؤساء في الأنام، زين البلغاء، جمال الفضلاء، أوحد الكتّاب، فخر الحسّاب، صفوة الملوك والسلاطين، أدام الله تعالى رفعته. فإن كان من كتاب الإنشاء، أسقط منه «فخر الحسّاب» . المرتبة الرابعة- السامي بغير ياء، مع الدعاء بدوام الرّفعة ونحوه أيضا، وهي: المجلس السامي، القاضي، الأجلّ، الكبير، الصّدر، الرئيس، الأوحد، البارع، الكامل، الأصيل، الفاضل، فلان الدين، جمال الإسلام، بهاء الأنام، شرف الأكابر، زين الرؤساء، أوحد الفضلاء، زين الكتّاب، صفوة الملوك والسلاطين، أدام الله تعالى رفعته. المرتبة الخامسة- مجلس القاضي ، وهي: مجلس القاضي، الأجلّ، الكبير، الفاضل، الأوحد، الأثير، الرّئيس، البليغ، العريق، الأصيل، فلان الدين، مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الرؤساء، زين الكتاب، مرتضى الملوك والسلاطين، أدام الله رفعته. المرتبة السادسة- القاضي ، وهي: القاضي الأجلّ. وربّما زيد في التعظيم الصّدر، الرئيس، الكبير، ونحو ذلك. النوع الثالث (ألقاب أرباب الوظائف الدّينية- وهي أيضا على ستّ مراتب) المرتبة الأولى- الجناب العالي - وهي لمن استقرّ له كتابه تقليد في قطع الثلثين من قضاة القضاة بالدّيار المصرية وهو الشافعيّ؛ وهي: الجناب العالي، القاضويّ، الشّيخيّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، الأفضليّ، الأكمليّ، الأوحديّ، البليغيّ، الفريديّ، المفيديّ، النّجيديّ، القدويّ، الحجّيّ، المحقّقيّ، الورعيّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، الإماميّ، العلّاميّ، الأصيليّ،

المرتبة الثانية - المجلس العالي

العريقيّ، الحاكميّ، الفلانيّ، جمال الإسلام والمسلمين، شرف العلماء العاملين، أوحد الفضلاء المفيدين، قدوة البلغاء، حجّة الأمّة، عمدة المحقّقين، فخر المدرّسين، مفتي المسلمين، جلال الحكّام، بركة الدولة، صدر مصر والشام، معزّ السنّة، مؤيّد الملة، شمس الشريعة، رئيس الأصحاب، لسان المتكلمين، حكم الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين، فلان (بنسبه) أعز الله تعالى أحكامه. وكذلك قاضي القضاة الحنفيّ بالديار المصرية عند ما استقرّ المكتوب له تقليدا. المرتبة الثانية- المجلس العالي ؛ وبها كان يكتب لقاضي القضاة الشافعيّ قبل أن يستقرّ ما يكتب له تقليدا، بالألقاب والنّعوت السابقة له مع الجناب؛ وكذلك الثلاثة الباقون باختصار في الألقاب والنّعوت؛ وهي: المجلس العالي، القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، الأفضليّ، الأكمليّ، الأوحديّ، البليغيّ، الفريديّ، المفيديّ، النّجيديّ، القدويّ، الحجّيّ، المحقّقيّ، الإماميّ، الأصيليّ، العريقيّ، الحاكميّ، الفلانيّ، جمال الإسلام والمسلمين، سيّد العلماء العاملين، أوحد الفضلاء المفيدين، قدوة البلغاء، حجة الأمّة، عمدة المحدّثين، فخر المدرّسين، مفتي المسلمين، جلال الحكّام، حكم الملوك والسلاطين، فلان الفلاني (بنسبه) أعزّ الله تعالى أحكامه. المرتبة الثالثة- المجلس الساميّ بالياء، وهي: المجلس الساميّ، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الأوحديّ، الرئيسيّ، المفيديّ، البليغيّ، القدويّ، الأثيريّ، مجد الإسلام والمسلمين، جمال العلماء العاملين، أوحد الفضلاء، صدر المدرّسين، عمدة المفتين، خالصة الملوك والسلاطين، فلان الفلانيّ، أدام الله تعالى تأييده. المرتبة الرابعة- السامي بغير ياء، وهي: المجلس السامي، القاضي،

المرتبة الخامسة - مرتبة مجلس القاضي

الأجلّ، الكبير، الصّدر، الرئيس، العالم، الفاضل، الكامل، فلان الدين، مجد الصّدور، زين الأعيان، مرتضى الملوك والسلاطين، فلان، أدام الله تعالى رفعته. المرتبة الخامسة- مرتبة مجلس القاضي ؛ وهي: مجلس القاضي، الأجلّ، الكبير، العالم، الفاضل، الأوحد، الصدر، الرئيس، مجد الإسلام، بهاء الأنام، زين الأعيان، فخر الصّدور، مرتضى الملوك والسلاطين، فلان، أعزّه الله تعالى. المرتبة السادسة- مرتبة القاضي ؛ وهي: القاضي، الأجلّ. وربما زيد في التعظيم نحو الكبير، الصدر، الرئيس، ونحو ذلك. النوع الرابع (ألقاب مشايخ الصّوفية- وهي على خمس مراتب) المرتبة الأولى- المجلس العالي ؛ وبها يكتب لشيخ الشّيوخ «1» بالديار المصرية، وهي: المجلس العالي، الشيخيّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، السالكيّ «2» ، الأوحديّ، الزاهديّ، العابديّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، المفيديّ، القدويّ، الإماميّ، النّظاميّ، الملاذيّ، جلال الإسلام والمسلمين، شرف الصّلحاء في العالمين، شيخ شيوخ الإسلام، أوحد العلماء في الأنام، قدوة السالكين، بركة الملوك والسلاطين، فلان، أعاد الله تعالى من بركاته. المرتبة الثانية- المجلس الساميّ بالياء، وهي: المجلس الساميّ، الشيخيّ، الكبيريّ، الأوحديّ، الأكمليّ، العابديّ، الخاشعيّ، الناسكيّ،

المرتبة الثالثة - المجلس السامي بغير ياء

جمال الإسلام، زين الأنام، صفوة الصّلحاء، فخر العبّاد، بركة الملوك والسلاطين، أعاد الله تعالى من بركته. المرتبة الثالثة- المجلس السامي بغير ياء ، وهي: المجلس السامي، الشيخ، الصالح، الزاهد، العابد، الورع، الخاشع، الناسك، السالك، فلان الدّين، مجد الصلحاء، زين المشايخ، قدوة السالكين، بركة الملوك والسلاطين، نفع الله تعالى ببركته. المرتبة الرابعة- مجلس الشّيخ ، وهي: مجلس الشيخ، الصالح، الزاهد، العابد، الناسك، السالك، فلان الدين، مجد الصّلحاء، زين المشايخ، بركة الملوك والسلاطين، أدام الله تعالى بركته. المرتبة الخامسة- مرتبة الشيخ ، وهي: الشيخ، الصالح، الورع، الزاهد؛ ونحو ذلك، نفع الله تعالى به. النوع الخامس (ألقاب من قد يكتب له بولاية من رؤساء العامّة من التّجّار وغيرهم) وفيها أربع مراتب: المرتبة الأولى- المجلس الساميّ بالياء ، وهي: المجلس الساميّ، الصدريّ، الأجلّ، الكبيريّ، الرئيسيّ، الفلانيّ. المرتبة الثانية- الملجس السامي بغير ياء ، وهي: المجلس السامي، الصدر، الأجلّ، الكبير، الرئيس، المحترم. المرتبة الثالثة- مجلس الصّدر ، وهي: مجلس الصدر، الأجلّ، الكبير، المحترم، المؤتمن، فلان الدين. ويقال في ألقاب المهتاريّة «1» ونحوهم: الحاجّ فلان.

المرتبة الرابعة - مرتبة الصدر

المرتبة الرابعة- مرتبة الصّدر ، وهي: الصّدر، الأجلّ. فإن زيد في تكريمه قبل بعد ذلك: الكبير، المحترم. النوع السادس (ألقاب زعماء أهل الذّمّة، وهم ثلاثة) الأوّل- بطرك النصارى اليعاقبة ، وهي: الحضرة السامية، الشيخ، الرئيس، المبجّل، المكرّم، الكافي، المعزّز، المفخّر، القدّيس، شمس الرياسة، عماد بني المعمودية «1» ، كنز الطائفة الصليبيّة. الثاني- بطرك الملكانيّة «2» ، وتختصر ألقابه عمّا يكتب به لبطرك اليعاقبة بعض الاختصار. الثالث- رئيس اليهود ، وهي: الرئيس الأوحد، الأجلّ، الأعزّ، الأخصّ، الكبير، شرف الداووديين، فلان أبو فلان: سدّده الله في أقواله، وثبّته في أفعاله. قلت: ومما يجب التنبّه له أن ما تقدّم من الألقاب والنّعوت المفرّعة على الألقاب الأصول ليست مما يوقف عند حدّ، بل محتملة للزيادة والنقص بحسب

ما تقتضيه الحال، ويحتمله المقال، بل ربّما ولّي بعض المناصب من فيه صفات تستحق ألقابا ونعوتا خاصّة، فيكتب له بذلك مراعاة لما يقتضيه حاله، ويستوجبه مقامه، ثم يلي ذلك المنصب بعده من لا يستحق الوصف بالألقاب والنّعوت التي تخصّ المتقدّم، فيؤتى بها للثاني: كما اتّفق فيما كتب به في نيابة الشام حين وليها الأمير بيدمر الخوارزميّ «1» رحمه الله، وكان من الدّيانة على ما لا يوجد في غيره؛ فكتب في ألقابه حينئذ: العابديّ، الناسكيّ، الخاشعيّ، فلزمت فيمن بعده وصارت مما يكتب به إلى الآن، سواء اتصف نائبها بدين أم لا- وكما اتفق في الصاحب علم الدّين بن زنبور حين اجتمع له الوزارة ونظر الخاصّ والجيش، فكتب له بألقاب ونعوت جامعة لألقاب تلك الوظائف ونعوتها، فاستمرّ ذلك فيما يكتب به لكلّ من ولي الوزارة بعده إلى الآن؛ حتّى إنه يكتب في ألقاب الوزير الآن «مرتّب الجيوش» وهو الألقاب الخاصّة بناظر الجيش استطرادا لما كتب به لابن زنبور: لانضمام نظر الجيش إليه على ما تقدّم- وكما اتّفق فيما كتب به للشيخ تقيّ الدين السّبكي «2» من الألقاب الجليلة المقدار، الرفيعة المكانة، في قضاء الشام لرفعة مقامه، واتّساع باعه في العلم، وعلوّ مكانته في الخاصّة والعامّة فلزم كتابة ذلك لقاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية، من حيث إنه لا يليق بالحال أن يكون قاضي الشام أعلى رتبة من قاضي الدّيار المصرية. ثم سرى ذلك في كل من ولي المنصب بعد ذلك، وهلمّ جرّا إلى زماننا. ومما يلتحق بذلك أنه قد جرت العادة في الزمن المتقدّم وهلمّ جرّا إلى

الأمر الخامس - مما يجب على الكاتب مراعاته معرفة الوصف اللائق بصاحب الوظيفة.

زماننا أنه كان يكتب في الطرّة «1» لأرباب السيوف بعد الأميريّ «الكبيريّ الفلانيّ» بلقب الإضافة إلى لقب السلطان كالناصريّ ونحوه، بخلاف أرباب الأقلام فإنه لم تجر العادة بأن يكتب لهم ذلك في شيء من طرّة تقاليدهم ولا تواقيعهم، إلى أن لبس القاضي سعد الدين بن غراب الكلّوتة «2» ، واستقر إستادارا «3» في الدولة الناصرية فرج بن برقوق، ثم استقرّ مشيرا وكتب له تقليد بالإشارة كتب له في طرّة تقليده بعد الكبيريّ «الناصريّ» لجمعه بين السيف والقلم. ثم جرى بعض الكتّاب على مثل ذلك في غيره من أرباب الأقلام الأكابر: كالوزير، وكاتب السر، وناظر الخاصّ، وناظر الجيش، ومن في معناهم من أرباب الوظائف الديوانية. والحجة فيه ظاهرة من حيث إن كلّا من المذكورين إذا كتب عنه كتاب، كتب في أعلاه تحت البسملة «الملكيّ الناصريّ» وإذا كتب عنه قصّة، كتب فيها تحت البسملة «الملكيّ الفلانيّ» . ومقتضى ذلك أن يكتب لقب الإضافة إلى لقب السلطنة في تقليده أو توقيعه على ما تقدّمت الإشارة إليه من فعل بعض الكتّاب. الأمر الخامس- مما يجب على الكاتب مراعاته معرفة الوصف اللائق بصاحب الوظيفة. فيجب عليه مراعاة ما يناسبه من الأوصاف التي يقع بها تقريظه ومدحه: فإن كان نائب سلطنة وصفه بالشجاعة، والنّجدة، وقوّة العزم، والشّهامة، وشدّة الشّكيمة، ونصرة الدّين، وكفّ [الأيدي] «4» العادية، وإرهاب العدوّ،

وقمع المفسدين، وإرغام أهل العدوان، وحماية الثّغور- إن كان في ثغر- ووفور الهيبة، وبعد الصّيت، وطيران السّمعة، مع بسط المعدلة والرّفق بالرعيّة، والرأفة بخلق الله تعالى، والشّفقة عليهم، والإحسان إلى الكافّة، والأخذ بقلوبهم، والوقوف مع أحكام الشريعة، وبذل الطاعة، والمناصحة، والمخالصة، وقدم هجرته في الدولة- إن كان قديم هجرة- ومرور الدّول عليه- إن كان قد مرّت عليه دول-، وأنه نشء الدولة- إن كان ابتداء أمره فيها-، ونحو ذلك. وإن كان نائب قلعة وصفه بالحذق، واليقظة، وقوّة الحزم، وشدّة التحرّز، والمعرفة بأحوال الحصار وضروب القتال وطرق التحصين والمدافعة، ونحو ذلك. وإن كان وزيرا وصفه بحسن التدبير، وجزالة الرأي، والاحتياط في الأمور، والقيام بمصالح الإسلام، وعمارة البلاد، والنّهوض في المهمّات، وكفّ الأيدي العادية، والأخذ على يد المتعدّي، وتنمية الأموال وتثميرها، وتسهيل ما يجري من الأرزاق على يده، وبذل المجهود في معاضدة الشريعة، وشبه ذلك مما يجري هذا المجرى. وإن كان كاتب سرّ وصفه بالفصاحة والبلاغة، وقيام أقلامه في التأثير في العدوّ مقام السّيوف والرّماح، وكتبه في تفريق الكتائب مقام الجيوش والعساكر، وسداد الرأي، وكتم الأسرار، وحماية الممالك بنتائج أفكاره، وما شاكل ذلك. وإن كان ناظر جيش وصفه بالمعرفة بأمور الجيوش وترتيبها، وأصناف الأمراء، والجند، والمستخدمين، وترتيب مقاماتهم، وما ينخرط في هذا السّلك. وإن كان ناظر الخاص وصفه بالمعرفة بأمور الحساب، والنهضة في المهمّات، والمعرفة بأحوال ديوان الخاصّ وجهاته، والقدرة على تحصيل

الأموال وزيادتها، ومعرفة ما يحتاج إليه من أصناف الأقمشة والطّرز وغيرها، مع الأمانة والعفّة، وما يجري مجرى ذلك. وإن كان مستوفي الصّحبة «1» وصفه بالمعرفة بفنون الكتابة، ونظم الحسبانات، والاحتياط في استرفاعها، مع الضبط والاحتراز والأمانة والعفّة وما هو من هذا القبيل. وإن كان ناظر خزانة الخاصّ «2» وصفه بالأمانة، والعفّة، والمعرفة بأصناف الخزانة: من الأقمشة والتّشاريف، والطّرز، ومعرفة مراتب أربابها، وما يناسب كلّ واحد منهم من أنواع التشاريف من عاليها وهابطها، وما يطابق ذلك. وإن كان قاضيا وصفه بغزارة العلم، وسعة الفضل، ونصرة السّنّة، وقمع البدعة، والعدل في الأحكام، وإنصاف المظلوم من الظالم، والأخذ للضعيف من القويّ، والنزاهة عن المطاعم الوخيمة، والمطامع الرديّة، والبعد عن الأهواء في الحكم، وما ينخرط في هذا السّلك. وإن كان محتسبا «3» وصفه بعد وصفه بالفضل بالعفّة، والأمانة، وعلوّ الهمّة، وقوّة العزم، والصّرامة، ووفور الهيبة، والنّهوض بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنظر في مصالح المسلمين، وعدم محاباة أهل الدّنيا وأرباب الجاه، وأنه لا يفرّق في الحق بين الجليل والحقير، وما في معنى ذلك. وإن كان وكيل بيت المال وصفه بعد العلم والديانة بالوقوف مع الحق، والتثبّت فيه، ومراعاته المصلحة العامّة في كل ما يتعلّق به، والمعرفة بشروط

الاعذار ومواقع إبداء الدافع ونفيه، وأنه يقدّم مصالح المسلمين على مصالح نفسه، وما يقارب ذلك. وإن كان مدرّسا وصفه بسعة العلم، والتضلّع بالفنون، والأخذ من كلّ منها بحظّ وافر، وطول الباع في البحث والمناظرة، والوقوف مع الحقّ فيها، وعدم الجدال في الباطل، وتربية الطلبة، وتأديبهم، والتقريب على من عسر على فهمه شيء من المسائل، وعدم الترفّع عليهم، وتنزيلهم منازلهم في الفضل، وتقديم من برع منهم. وإن كان خطيبا وصفه بالفصاحة، والبلاغة، وقوّة اللّسن، وشدّة الشّكيمة في الكلام، وتأثير وعظه في القلوب، وانسكاب الدموع من وقع عظاته، وما أشبه ذلك. وإن كان شيخ خانقاه «1» وصفه بالورع، والزّهد، والنّسك، وقطع العلائق من الدنيا، وتربية المريدين وتسليكهم، والوقوف مع طريق السّلف الصالح. وإن كان رئيس الأطبّاء وصفه بالحذق في الطّبّ، والمهارة فيه، وتقدّمه على غيره في الفنّ، والمعرفة بالعقاقير وما فيها من نفع وضرّ والمعرفة بالأمراض والعلل وطرق العلاج، وما يجري مجرى ذلك. وإن كان رئيس الكحّالين «2» وصفه بالمعرفة في صنعة الكحل، والتقدّم على أبناء صنعته فيه، والمعرفة بحال العين وأمراضها، وأصناف الأكحال، وما يوافق كلّ علّة من ذلك، وما ينخرط في هذا السّلك. وإن كان رئيس اليهود أو بطركا من بطاركة النصارى، وصفه بالمعرفة بأمور

الأمر السادس - مما يجب على الكاتب مراعاته وصية رب كل ولاية من الولايات المعتبرة بما يناسبها.

ملّته، والوقوف مع قوانين شرعته ومعاطاة العدل في جماعته، والتزام شروط الذمة، والوقوف عند حدّها، والدخول تحت الطاعة، والوقوف عند ما حدّ له، ونحو ذلك. الأمر السادس- مما يجب على الكاتب مراعاته وصية ربّ كل ولاية من الولايات المعتبرة بما يناسبها. واعلم أن كل ما حسن وصية المولّى به، حسن وصفه به. والوصايا مختلفة باختلاف موضوعاتها، إلا أنّ الجميع يشترك في الوصيّة بتقوى الله، فهي الأسّ الذي يبنى عليه، والركن الذي يستند إليه. وهذا الباب هو الذي يطول فيه سبح الكاتب، ويحتاج فيه إلى سعة الباع؛ فإنه ما لم يكن الكاتب حاذقا بما يلزم ربّ كل ولاية ليوفّيها في الوصية حقّها، وإلا ضلّ عن الطريق، وحاد عن جادّة الصّنعة، ولذلك يقال للكاتب: «القلم الأكبر» : لأنه بصدد أن يعلّم كلّ واحد من أرباب الولايات ما يلزمه في ولايته. وحينئذ فإن كان المتولّي «نائب سلطنة» وصّي بتفقّد العساكر، وعرض الجيوش، وإنهاضها للخدمة [وانتقائه] «1» للوظائف من يليق بها، وتنفيذ الأحكام الشرعيّة، ومعاضدة حكّام الشرع الشريف، وإجراء الأوقاف على شروط واقفيها، وملاحظة البلاد وعمارتها، وإطابة قلوب أهلها، والشّدّ من مباشري الأموال، وتقوية أيديهم، وملازمة العدل، وعدم الانفكاك عنه، وتحصين ما لديه من القلاع، واستطلاع الأخبار والمطالعة بها، والعمل بما يرد عليه من المراسيم السلطانية، وأنّ ما أشكل عليه يستضيء فيه بالآراء الشريفة، والإحسان إلى الجند، وتعيين إقطاع من مات منهم لولده إن كان صالحا، ونحو ذلك. وإن كان «نائب قلعة» وصّي بحفظ تلك القلعة، وعمارة ما دعت الحاجة إلى عمارته منها، والأخذ بقلوب من فيها، وجمعهم على الطاعة، وأخذ قلوبهم

بالإحسان إليهم، وتحصينها بآلات الحصار، وادّخار آلات الحرب، من المجانيق والقسيّ وسائر الآلات: من السّهام، واللّبوس «1» ، والسّتائر «2» ، وغير ذلك. وكذلك آلات أرباب الصنائع، كآلات الحدّادين، وصنّاع القسيّ ومن في معناهم مما يحتاج إلى عمله في آلات القلعة، والاعتناء بغلق أبواب القلعة وفتحها، وتفقّد متجدّدات أحوالها في كل مساء وصباح، وإقامة الحرس، وإدامة العسس، وتعرّف أخبار المجاورين لها من الأعداء، وإقامة نوب الحمام بها، والمطالعة بكل ما يتجدّد لديه من الأخبار. وإن كان «وزيرا» وصّي بالعدل وزيادة الأموال وتثميرها، والإقبال على تحصيلها من جهات الحلّ، واختيار الكفاة الأمناء، وتجنّب الخونة، وتطهير بابه، وتسهيل حجابه، والنظر في المصالح، وأنه لا يستبدل إلا بمن ظهر لديه عجزه أو خيانته، والنظر في أمر الرواتب وإجرائها على أربابها. وإن كان «كاتب سرّ» وصّي بالاهتمام بتلقّي أخبار الممالك وعرضها على المواقف الشريفة «3» ، والاجابة عنها بما تبرز به المراسيم الشريفة، وتعريف النوّاب في الوصايا التي تكتب في تقاليدهم عن المواقف الشريفة ما أبهم عليهم، ويبيّن لهم ما يقفون عند حدّه، والنظر في تجهيز البريد والنّجّابة «4» ، وما

يبعث فيه من المصالح وينفّذ فيه من المهمّات والقصّاد، ومعرفة حقوق ذوي الخدمة والنّصيحة، وإجرائهم في رسوم الرواتب وعوائد البر والإحسان على أتمّ العوائد، وتأليف قلوبهم، والأخذ بخواطرهم، والنظر في أمر الكشّافة والدّيادب والنظّارة والمناور والمحرقات «1» وأبراج الحمام، وصرف نظره إلى رسل الملوك الواردة، ومعاملتهم بالإكرام، والأخذ في صون سرّ الملك وكتمانه حتّى عن نفسه، وضبط ألواح البريد، والاحتراز فيما تؤخذ عليه العلامة الشريفة، ومراعاة كتّاب ديوان الإنشاء، والإحسان إليهم، وأن لا يستكتب في ديوانه إلا من علم صلاحه لذلك وكفايته، ووثق منه بكتمان السرّ كما يثق به من نفسه. وان كان «ناظر جيش» «2» وصّي بالاحتياط في أمر ديوانه، والوقوف على معالم هذه المباشرة، وجرائد الجند، والإقطاعات، وتحرير الكشوف والمحاسبات، واستيضاح أمر من يموت من أرباب الإقطاعات من ديوان المواريث أو من المقدّمين والنّقباء، والاحتراز في أمر المربّعات «3» وجهات

الإقطاعات وما يترتّب عليها من المناشير، والنظر في أمر المقطعين، من الجند، والعرب، والتّركمان، والأكراد، ومن عليه تقدمة أو درك بلاد أو غير ذلك. وإن كان «ناظر خاص» وصّي بالاحتياط لديوانه، والأخذ في تحصيل أموال جهاته وتنميتها وتثميرها، وزيادتها وتوفيرها، والتحرّز فيما يرفع من حسباناتها، والاهتمام بأمر التّشاريف «1» والخلع، وما يختصّ بكل ولاية وغيرها من التّشاريف، وما جرت به العادة من الهدايا المحضّرة إلى ملوك الأقطار، والأخذ في ذلك كلّه بالحظّ الأوفى للديوان السلطانيّ، وما يجري مجرى ذلك. وإن كان «مستوفي صحبة» «2» وصّي بإلزام الكتّاب بما يلزمهم من الأعمال وتحريرها، وعمل المكلّفات وتقدير المساحات، وتمييز ما بين تسجيل الفدن في كل بلد بحسب ما يصلح لها من الزّراعة، وتمييز قيم بعضها على بعض، ومستجدّ الجرائد، وما يقابل عليه من ديوان الإقطاعات والأحباس وغير ذلك. وإن كان «ناظرا لخزانة الخاص» وصّي بتحصيل ما يحتاج إليه لتفصيل الخاصّ وتشاريف أرباب السيوف والأقلام: العرب، والتّركمان، والأكراد، وغيرهم، وهدايا الملوك وما يجري مجرى ذلك: من العتّابيّ «3» والأطلس، والمشربش، والمقندس «4» والمتمّر، والطّرازات على اختلافها: من الزّركش «5» ، والباهي، وأنواع المستعملات، وما يحمل من دار الطّراز، وما

يبتاع للخزانة العالية «1» ، وما هو مرصد لها من الجهات التي يحمل إليها متحصّلها: لينفق في أثمان المبيعات ومصروف المستعملات، والاحتراز فيما ينفق من الأثمان وقيمة المبتاع، وشهادات الرسائل المكتتبة إليه بالحمول وما يكتب بها من الرّجعات، وأن يحصّل كلّ شيء هو بصدد الحاجة إليه قبل الاحتياج. وإن كان «قاضيا» وصّي بالتروّي في أحكامه قبل إمضائها، وأن يراجع الأمر مرّة بعد أخرى، واستشارة أهل العلم، والرّجوع إليهم فيما أشكل عليه، واستخارة الله تعالى قبل الإقدام على الحكم، والقضاء بحقّ الخصم بعد وضوحه، والتسجيل له به، والإشهاد على نفسه بذلك، والتسوية بين الخصوم حتّى في تقسيم النظر إلى الخصمين، والتحرّي في استيداء الشهادات، وأن لا يقبل من الشهود إلا من عرف بالعدالة: من ربّ قلم أو سيف، والتنقيب عما يصدر من العقود، ولا يعوّل من شهود القيمة «2» إلا على كل عارف بالقيم خبير بها، والنظر في أمر الرّسل والوكلاء، والنظر في أمور أهل مذهبه، والاعتناء بشأنهم. ويزاد «الشافعيّ» التوصية بالنظر في دعاوى بيت المال ومحاكماته، والاحتراز في قضاياها ولا يقبل فيها بيّنة لوكيل بيت المال فيها مدفع، ولا يعمل فيها بمسألة ضعيفة، والنظر في أمر أموال الأيتام وأمر المتحدّثين فيها بالإحسان إليهم، وكذلك أموال الصدقات الجارية تحت نظره، والتيقّظ لإجرائها على السّداد في صرفها في وجوه استحقاقها، وأن لا يعمل في مسألة تفرّد بها مذهبه

إلا بما نصّ عليه إمامه أو كان عليه أكثر أصحابه، ولا يعتمد في ذلك مرجوحا ولا ما تفرّد به قائله، وأن لا يولي في البرّ نائبا إلا من عرف استحقاقه وأهليته لما يتولّاه. ويزاد «الحنفيّ» الوصية بالعمل بما اقتضاه مذهبه من الأمور التي فيها صلاح لكثير من الناس: كتزويج المعصرات «1» ، وشفعة الجوار «2» ، ونفقة المعتدّة البائن، وعدم سماع بيّنة الإعسار إلّا بعد مضيّ المدة المعتبرة في مذهبه والإحسان إلى من ضمّه نطاق ولايته ممن نزح إليه من أهل الشّرق وأقاصي الشّمال. ويزاد «المالكيّ» الوصية بالتحرّي في بيّنات الدّماء، والإعذار إلى الخصم ليبدي ما لديه من دافع، والعمل بما تفرّد به مذهبه مما فيه فسحة للناس: كالثّبوت بالشهادة على الخط، وولاية الأوصياء، وإسقاط الرّيع، والوقف المستردّ بعد البيع، والإحسان إلى من لديه من غرباء أهل مذهبه، لا سيّما من أتاه من بلاد المغرب. ويزاد «الحنبليّ» الوصية بالاحتياط في بيع ما دثر من الأوقاف والاستبدال بها، ورعاية المصلحة في ذلك لأهل الوقف بما أمكن، والفسخ على من غاب عن زوجته الغيبة المستوجبة للفسخ عندهم، ووقف الإنسان على نفسه، وأمر الجوائح التي يحصل بها التخفيف عن ضعفاء الناس، والمعامل على الزرع بالحرث ونحوه، وغير ذلك مما يجري هذا المجرى، والوصية بأهل مذهبه الذين هم أقلّ المذاهب عدّة وأنزرهم وظائف وأوقافا، ومعاملتهم بالإحسان.

وإن كان «قاضي عسكر» «1» وصّي بنحو ما يوصّى به [القاضي] «2» وأن يتخذ معه كاتبا يكتب للناس، وأن يقبل من الجند من كان ظاهره العدالة، فإنّ الشّهود المعدّين لتحمّل الشهادة يعزّ وجودهم في العسكر، وأن يكون له منزل معروف يقصد فيه إذا نصبت الخيام، وأحسن ما يكون ذلك عن يمين الأعلام السلطانية، وأن يكون مستعدّا للأحكام التي يكثر فصلها في العسكر: كالغنائم، والشّركة، والقسمة، والمبيعات، والردّ بالعيب، وأن يسرع في فصل القضاء بين الخصوم: لئلا يكون في ذلك تشاغل عن مواقع الحرب ومقدّماته، وغير ذلك مما يجري هذا المجرى. وإن كان «محتسبا» وصّي بالنظر في أمر المكاييل والموازين وسائر المقادير، والتحذير من الغش في الطعام والشّراب، وأن يتعرّف الأسعار، ويستعلم الأخبار في كل سوق من غير علم أهله، وأن يقيم على الأسواق وأرباب المعايش من ينوب عنه في النظر في أمورهم من الأمناء المأمونين، وأن لا يمكّن أحدا من العطّارين من بيع غرائب العقاقير إلا ممّن لا يستراب به بخط متطبب لمريض، وأن يمنع المتحيلين على أكل أموال الناس بالباطل: من الطّرقيّة وأهل النّجامة «3» ، وسائر الطوائف المنسوبة إلى بني ساسان من تعاطي ما يتعاطونه من ذلك، ويقمعهم ويحسم مادّتهم، والتصدّي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمنع من الغش وإخبار المشتري بأزيد مما اشترى به، والنظر في أمر فقهاء المكاتب «4» والعالمات «5» من النساء، ولا يمكن منهم أحدا أن يتعاطى

ذلك إلا من عرفت أمانته، وأثرت صيانته، وأن لا يستنيب إلا أهل العفّة والأمانة والنّزاهة ممن بعد عن الطمع، ونأى عن مطاعم السّوء. وإن كان «وكيل بيت المال» «1» وصّي بالعمل بالشرع الشريف في جميع أحكامه، وأنّ من مات وله ورثة تستوعب ميراثه لا يكلّفهم ثبوتا فيه تعنّت ومدافعة عن حقهم، والتّشديد في أمر من كانت قصّته منكرة، والتحرّز من شهود الزّور في مثل ذلك، وأن يرجع في كل ما يباع ويؤجّر إلى العوائد، وأن يتحرّز في شهادة شهود القيمة، ولا يرجع فيها إلا لمن يوثق به ممن يكون عنده معرفة بقيم الأشياء، وينبّه على أنّ له أن يدّعي بحق المسلمين حيث شاء عند من يشاء من أصحاب المذاهب، وأنّ الدعوى عليه لا تكون إلا في مجلس الحكم العزيز الشافعيّ، على ما جرت به العادة القديمة، والاحتياط في حقّ بيت المال، وليختر للاستنابة في الأعمال من يصلح لذلك. وإن كان «مدرّسا» وصّي بأن يقبل على جماعة درسه بطلاقة وجه، وأن يستميلهم إليه جهد استطاعته، ويربّيهم كما يربّي الولد ولده، ويستحسن نتائج أفكارهم التي يأتون بها في درسه، ويقدّم منهم من يجب تقديمه، وينزل كلّ واحد منهم منزلته، ليهزّهم ذلك إلى الإكباب على الاشتغال والازدياد في التحصيل، ثم يأتي في كل مدرّس بما يناسبه من أمور العلم الذي يدرّس فيه إن كان يدرّس في علم خاصّ. وإن كان «خطيبا» وصّي برعاية حقّ رتبة الخطابة والقيام بحق ازدواجها، وأن يأتي من المواعظ بما يقرع الأسماع بالوعد والوعيد، ويلين القلوب القاسية، وأن يعدّ لكل مقام مقالا يقوله، وأن يخفّف الخطبة، ويأتي بها بليغة مفهومة، إلى غير ذلك من متعلّقات الخطابة.

وإن كان «شيخ خانقاه» وصّي بالاجتهاد في العبادة، والمشي على طريق السّلف؛ من الزّهد والورع، والعفاف، وأن يأخذ جماعته بمآخذه في الأمور، وأن يعرف لجماعة مكانه حقوقهم الواجبة لهم وينزلهم منازلهم خصوصا أولي السابقة منهم، ويأخذ في الرفق بهم ومداراتهم، مع ترتيب من استجدّ منهم، وإجرائهم على طرائق الصّوفيّة، وتعريفهم الطريق إلى الله تعالى، وتدريج المريدين على قدر ما تحتمله أفهامهم، دون أن يهجم عليهم من أحوال الطريق بما لا تحتمله عقولهم، و [اتّباع] «1» سبيل الكتاب والسّنّة اللّذين من حاد عنهما ضلّ، ومن خرج عن جادّتهما زلّ، وكفّهم عن ارتكاب البدع والجري على منهاجها، ومن أتى ذنبا فخذه بالتوبة والاستغفار، والإنكار على من أخذ في الشّطحات، والخروج عن قانون ظاهر الشريعة، ومنع من نحا هذا النحو أو جرى على هذه الجادّة، والإحسان إلى من يقدم عليه من الآفاق، وحسن التلقّي له، وإكرام نزله بعد أن يعجّل له بالإذن، والأمر بأخذ عكّازة، وفرش سجّادة، وما ينخرط في سلك ذلك. وإن كان «رئيس الأطباء» وصّي بالنظر في أمر طائفته، ومعرفة أحوالهم، ويأمر المعالج أن يعرف أوّلا حقيقة المرض وأسبابه وعلاماته، ثم ينظر إلى السّن والفصل والبلد، وحينئذ يشرع في تخفيف الحاصل، وقطع الواصل، مع حفظ القوّة، وأن لا يهاجم الداء، ولا يستغرب الدواء، ولا يقدم على الأبدان إلا ما يلائمها، ولا يخرج عن عادة الأطباء ولو غلب على ظنّه الإصابة حتّى يتبصّر فيه برأي أمثاله، ويتجنب الدّواء، ما أمكنته المعالجة بالغذاء، والمركّب ما أمكنته المعالجة بالمفرد، ويتجنب القياس إلا ما صحّ بتجريب غيره في مثل من أخذ في علاجه، وما عرض له، وسنّه، وفصله، وبلده، ودرجة الدواء، وأن يحذر التجربة فإنها خطر، مع الاحتراز في المقادير والكيفيات، وفي الاستعمال والأوقات، وما يتقدّم ذلك الدواء أو يتأخّر عنه، ولا يأمر باستعمال دواء ولا ما

يستغرب من غذاء حتّى يحقّق حقيقته، ويعرف جديده من عتيقه، ليعرف مقدار قوّته في الفعل. وإن كان «رئيس الكحّالين» وصّي بالنظر في حال جماعته أيضا، ومعرفة أحوالهم، وأن لا يصرّف منهم إلا من عرف بحسن المداراة والملازمة في العلاج، ويأمر كلّا منهم أن لا يقدم على مداواة عين حتّى يعرف حقيقة المرض، وأن يلاطفها بما يناسبها من الغذاء، وأن يتخيّر من الكحل ما فيه شفاء العين وجلاء البصر، وأن يستشير الأطباء الطبائعيّة «1» فيما أهمّ، مما لا يستغنى عن رأي مثلهم فيه، من تخفيف المادّة بالاستفراغ أو نقص دم أو غير ذلك. وإن كان «رئيس اليهود» وصّي بضمّ جماعته، ولمّ شملهم، والحكم فيهم بقواعد ملّته، والنظر في أمور الأنكحة عندهم، وما يعتبر عندهم فيها على الإطلاق، وما يفتقر إلى الرضا من الجانبين في العقد والطّلاق، والنظر فيمن أوجب حكم دينه عليه التحريم، والتوجّه في صلاتهم تلقاء بيت المقدس إلى جهة قبلتهم، وإقامة حدود التوراة على ما أنزل الله تعالى من غير تحريف ولا تبديل للكلمة بتأويل ولا غيره، واتباع ما أعطوا عليه العهد مع إلزامه لهم [ما التزموه] «2» من حكم أمثالهم من أهل الذمة الذين أقرّوا في دار الإسلام على الصّغار والإذعان لأهل الإسلام، وعدم مضايقتهم للمسلمين في الطّرق، وتميزهم بشعارهم في الحمّام، كي لا يحصل اللّبس بالمسلمين، وحمل شعار الذمة على رؤوسهم: وهي العمائم الصّفر، ويأخذهم بتجديد صبغه في كل حين، وعدم التظاهر بما يقتضي المناقضة: من ذكر الله تعالى أو رسوله صلّى الله عليه وسلّم بسوء، أو إظهار الخمر أو معتقدهم في العزير عليه السّلام. وله أن يرتّب طبقاتهم على ما تقتضيه مراتبهم عنده، وكذلك له التحدّث في كنائس

اليهود المستمرّة إلى الآن بأيديهم، من حين عقد الذمّة، من غير تجديد متخرّب، ولا فعل ما لم تعقد عليه الذمّة ويقرّهم عليه السلف الأوّل. وإن كان «بطرك النصارى الملكانيّة» وصّي بما عليه بناء شرعته من المسامحة والاحتمال والصّبر على الأذى، وعدم الاكتراث به، وأخذ نفسه بهذه الآداب، وأنه يقدّم المصالحة بين المتحاكمين إليه قبل فصلها على البتّ فإنه قاعدة دينه المسيحيّ، ولم تخالف فيه الملة الإسلاميّة، وأنه ينقّي صدور إخوانه من الغلّ، ويتخلّق بكل خلق جميل، ولا يستكثر من الدنيا، ويتنزّه عن أموال جماعته والتوسّل إلى أخذها، وأنّ إليه أمر الكنائس والبيع، وعليه أن يتفقّدها في كلّ وقت، ويرفع ما فيها من الشّبهات، ويحذّر رهبان الدّيارات من جعلها مصيدة للمال، وأن يتجنّبوا فيها الخلوة بالنساء، ولا يؤوي إليه أحدا من الغرباء القادمين عليه يكون فيه ريبة، ولا يكتم ما اطلع عليه من ذلك عن المسامع الشريفة السلطانية، ولا يخفي كتابا يرد عليه من أحد من الملوك، أو يكتب له جوابا، ويتجنّب البحر وما يرد منه من مظانّ الرّيب. وإن كان «بطرك اليعاقبة» قيل في وصيته نحو ما تقدّم في وصيّة بطرك الملكانيّين، إلا أنه لا يقال: واعلم أنّك في المدخل إلى شريعتك طريق الباب، بل يقال: واعلم أنك في المدخل إلى شريعتك قسيم الباب، ومساو له في الأمر والنهي والتحليل والتحريم. ويقال بدل قوله «وليتجنّب البحر» : «وليتوقّ ما يأتيه سرّا من تلقاء الحبشة» . قلت: وهذه الوصايا مدخل إلى ما يرضى به أصحاب الولايات ممّن تقدّم ذكره والأمر في الزيادة والنقص في ذلك بحسب المناسبة راجع إلى نظر الكاتب. على أن المقرّ الشهابيّ ابن فضل الله رحمه الله قد ذكر في «التعريف» عدّة وصايا ليست مما يكتب الآن، فأضربنا عن ذكر مقاصدها هنا: لتورد برمّتها في الكلام على ما يكتب في متن التقاليد والتواقيع ونحوها، مع النسخ التي تورد هناك على صورة ما أوردها، لينسج على منوالها إن أمر بكتابة شيء منها.

المقصد الثاني (في بيان مقاصد ما يكتب في الولايات، وفيه جملتان)

المقصد الثاني (في بيان مقاصد ما يكتب في الولايات، وفيه جملتان) الجملة الأولى (في بيان الرّسوم في ذلك، ومقادير قطع الورق لكلّ صنف منها على سبيل الإجمال) وهي على أربعة أنواع: النوع الأوّل (التّقاليد) جمع تقليد. يقال: قلّدته أمر كذا إذا ولّيته إيّاه. قال الجوهري: وهو مأخوذ من القلادة في العنق، يقال قلّدت المرأة فتقلدت، قال: ومنه التقليد في الدّين أيضا. ثم التقاليد تشتمل على طرّة ومتن، فأما الطرّة فقد أشار إليها في «التعريف» بقوله: وعنوانها «تقليد شريف لفلان بكذا» . وأوضح ذلك في «التثقيف» «1» فقال: وصورته: أن يكتب: تقليد شريف بأن يفوّض إلى المقرّ الكريم، أو إلى الجناب الكريم، أو إلى الجناب العالي الأميريّ الكبيريّ، الكافليّ، الفلانيّ، أعزّ الله تعالى أنصاره، أو نصرته، أو ضاعف الله تعالى نعمته، نيابة السلطنة الشريفة بالشام المحروس، أو بحلب المحروسة، أو بطرابلس المحروسة، أو نحوها، على أجمل العوائد في ذلك وأكمل القواعد على ما شرح فيه. قلت: وتفصيل هذا الإجمال: إن كان المكتوب له التقليد هو النائب الكافل «2» ، كتب في طرّة تقليده: تقليد شريف بأن يفوّض إلى المقرّ

الكريم، العالي، الأميريّ، الكبيريّ، الكفيليّ، الفلانيّ، فلان الفلانيّ، بلقب الإضافة إلى لقب السلطان، كالناصريّ مثلا، كفالة السلطنة الشريفة بالممالك الإسلاميّة، أعلاها الله تعالى على أجمل العوائد في ذلك وأكمل القواعد، على ما شرح فيه. وإن كان التقليد بكفالة السّلطنة بالشام، كتب: تقليد شريف بأن يفوّض إلى المقرّ الكريم العالي، الأميريّ، الكبيريّ، الكفيليّ، فلان الناصريّ، مثلا كفالة السلطنة بالشام المحروس على أتمّ العوائد في ذلك وأجمل القواعد، على ما شرح فيه. وإن كان التقليد بنيابة السلطنة بحلب، كتب: تقليد شريف بأن يفوّض إلى الجناب الكريم العالي، الأميريّ، الكبيريّ، الكافليّ، الفلانيّ، فلان الناصريّ، أعز الله تعالى نصرته، نيابة السلطنة الشريفة بحلب المحروسة، على أجمل العوائد في ذلك وأكمل القواعد، على ما شرح فيه. وإن كان التقليد بنيابة طرابلس، كتب: تقليد شريف بأن يفوّض إلى الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، الكافليّ، الفلانيّ، فلان الناصريّ: ضاعف الله تعالى نعمته، نيابة السلطنة الشريفة بطرابلس المحروسة، على أجمل العوائد في ذلك وأكمل القواعد، على ما شرح فيه. وإن كان التقليد بنيابة السلطنة بحماة، أبدل لفظ طرابلس بحماة. وإن كان بنيابة السلطنة بصفد، أبدل لفظ طرابلس وحماة بصفد، والباقي على ما ذكر في طرابلس. وإن كان التقليد بنيابة السلطنة بغزّة- حيث جعلت نيابة- كتب: تقليد شريف بأن يفوّض إلى الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، الكافليّ، الفلانيّ،

فلان الناصريّ: أدام الله تعالى نعمته، نيابة السلطنة الشريفة بغزّة المحروسة، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، على ما شرح فيه. فإن كان مقدّم العسكر كما هو الآن، أبدل لفظ نيابة السلطنة الشريفة بلفظ «تقدمة العسكر المنصور» والباقي على ما ذكر. وإن كان التقليد بنيابة السلطنة بالكرك، كتب: تقليد شريف بأن يفوّض إلى المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، الفلانيّ، فلان الناصريّ: أدام الله تعالى نعمته، نيابة السلطنة الشريفة بالكرك المحروس، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، على ما شرح فيه. وإن كان التقليد بالوزارة، كتب: تقليد شريف بأن يفوّض إلى الجناب العالي الصاحبيّ، الفلانيّ، فلان الناصريّ: ضاعف الله تعالى نعمته، الوزارة الشريفة بالممالك الإسلامية أعلاها الله تعالى، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور، على ما شرح فيه. وإن كان التقليد بكتابة السرّ، كتب: تقليد شريف بأن يفوّض إلى الجناب العالي، القاضويّ، الكبيريّ، اليمينيّ، الفلانيّ، فلان الناصريّ: ضاعف الله تعالى نعمته، صحابة دواوين الإنشاء الشريفة بالممالك الإسلامية، أعلاها الله تعالى، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، بالمعلوم الشاهد به الدّيوان المعمور، على ما شرح فيه. وإن كان التقليد بقضاء قضاة الشافعيّة بالديار المصريّة، كتب: تقليد شريف بأن يفوّض إلى الجناب العالي، القاضويّ، الكبيريّ، الفلانيّ، فلان: أعزّ الله تعالى أحكامه، قضاء قضاة الشافعية بالديار المصرية، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور، على ما شرح فيه. وإن كان التقليد بقضاء قضاة الحنفيّة، كتب كذلك، إلا أنه يبدل لفظ الشافعية بلفظ الحنفيّة.

وإن كان التقليد لأمير مكّة، كتب: تقليد شريف بأن يفوّض إلى المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، الشريفيّ، فلان الفلانيّ: أدام الله تعالى نعمته إمرة مكة المشرّفة، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، على ما شرح فيه. وإن كان بإمرة المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، والتحية والإكرام، كتب كذلك إلا أنه يبدل لفظ مكّة المشرّفة بلفظ المدينة الشّريفة. وإن كان بإمرة آل فضل «1» ، كتب: تقليد شريف بأن يفوّض إلى المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، الفلانيّ: أدام الله تعالى نعمته إمرة آل فضل، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، على ما شرح فيه. هذه جملة ما عهدت كتابته من التقاليد المكتتبة من ديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة، فإن حدث كتابة ما يستحقّ أن يكتب له تقليد، كالأتابكيّة «2» ونحوها، كتب بالألقاب اللائقة بصاحبه. ثم وراء ذلك أمران: أحدهما- أنه قد تقدّم نقلا عن «التعريف» أنه يكتب في العنوان الذي هو الطرّة: «تقليد شريف لفلان بكذا» فإن كتب تقليد بكفالة السلطنة مثلا، كتب: «تقليد شريف للمقرّ الكريم، العالي، الأميريّ،

الكبيريّ، الفلانيّ، بكفالة السلطنة الشريفة بالممالك الإسلامية، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، على ما شرح فيه» . الثاني- أنه اقتصر في «التثقيف» على قوله في آخر الطرّة، على أجمل العوائد في ذلك وأكمل القواعد، وليس الأمر منحصرا في ذلك، بل لو عكس بأن قيل: تقليد شريف بأن يفوّض إلى فلان كذا، أو تقليد شريف لفلان بكذا على أكمل القواعد وأجمل العوائد على ما شرح فيه، لكان سائغا. فإن كان صاحب التقليد عليّ الرتبة: كالنائب الكافل، ونائب الشام، ونائب حلب، والوزير، وكاتب السرّ، ونحوهم، كتب على أجمل العوائد وأتمّها، وأكمل القواعد وأعمّها، أو بالعكس: بأن يكتب على أجمل العوائد وأعمّها، وأكمل القواعد وأتمّها، على ما شرح فيه. وأما متن التقليد، فقد قال في «التعريف» إن التقاليد كلّها لا تفتتح إلا بالحمد لله وليس إلا، ثم يقال بعدها: أما بعد، ثم يذكر ما سنح من حال الولاية وحال المولّى، وحسن الفكر فيمن يصلح، وأنه لم ير أحقّ من ذلك المولّى ويسمّى، ثم يقال ما يفهم أنه هو المقدّم الوصف أو المتقدّم إليه بالإشارة؛ ثم يقال: رسم بالأمر الشريف العالي، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ (ويدعى له) أن يقلّد كذا، أو أن يفوّض إليه كذا، والأوّل أجلّ؛ ثم يوصى بما يناسب تلك الولاية مما لا بدّ منه تارة جمليّا وتارة تفصيليّا، وينبّه فيه على تقوى الله تعالى؛ ثم يختم بالدعاء للمولّى، ثم يقال: وسبيل كل واقف عليه العمل به بعد الخطّ الشريف أعلاه. قال: ولفضلاء الكتّاب في هذا أساليب، وتفنّن كثير الأعاجيب، وكلّ مألوف غريب، ومن طالع كلامهم في هذا وجد ما قلناه، وتجلّى له ما أبهمناه. وذكره في «التثقيف» بأوضح معنى وأبين، فقال: ويكتب بعد الصّدر بخطبة مناسبة أوّلها الحمد لله إلى آخرها، ثم أما بعد، ويذكر ما يرى ذكره من حال الولاية والمولّى، ويذكر اسمه، وهو أن يقال: ولما كان المقرّ، أو الجناب،

وألقابه ونعوته إلى آخرها، ويدعى له: أعزّ الله أنصاره أو نصرته، أو نحوه، على ما جرت به عادته، ولا يزاد على دعوة واحدة؛ ثم يقال ما يفهم أنه المراد بهذه الأوصاف، أو المعنيّ بهذه الإشارة أو نحو ذلك؛ ثم يقال: اقتضى حسن رأينا الشريف، ويذكر ما يقتضي تكريمه وتعظيمه؛ ثم يقال: فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ، الفلاني (ويدعى له بما يناسب الحال ثلاث دعوات أو أربعا) أن يفوّض إلى المشار إليه كذا؛ ثم يقال: فليتقلّد ذلك، أو فليتلقّ هذا التفويض، أو نحو هذا؛ ثم يوصّى بما يناسب تلك الولاية مما لا بدّ منه، ويحرص أن ينبّه فيه على العمل بالتقوى؛ ثم يختم بالدعاء للمولّى بالإعانة والتأييد ونحو ذلك ثلاث دعوات، وأكثرها أربع، وأقلّها اثنتان؛ ثم يقال: بعد الخط الشريف شرّفه الله تعالى وأعلاه أعلاه إن شاء الله تعالى؛ ثم التاريخ والمستند، والحمدلة، والحسبلة على العادة. ولم يقل فيه: وسبيل كل واقف عليه، كما قال في «التعريف» . واعلم أنّ التقاليد على اختلافها لا تخرج في مقادير قطع الورق عن مقدارين: الأوّل- قطع الثلثين بقلم الثّلث الثقيل. وفيه يكتب لنوّاب السلطنة بمصر والشام مطلقا، وكذلك الوزير والمشير «1» ، وكاتب السر، وقاضي قضاة الشافعية والحنفيّة بالديار المصرية. الثاني- قطع النصف بقلم الثّلث الخفيف. وفيه يكتب لذوي التقاليد من أمراء العرب: وهم أمير مكة المشرّفة، وأمير المدينة الشريفة، وأمير آل فضل من عرب الشام على ما تقدّم ذكره. ولا يكتب من التقاليد شيء فيما دون هذا المقدار من قطع الورق بحال. وسيأتي الكلام على نسخ التقاليد فيما بعد، إن شاء الله تعالى.

النوع الثاني (مما يكتب في الولايات السلطانية: المراسيم)

النوع الثاني (مما يكتب في الولايات السلطانية: المراسيم) جمع مرسوم، أخذا من قولهم: رسمت له كذا فارتسمه إذا امتثله، أو من قولهم: رسم عليّ كذا إذا كتب، ويحتمل أن يكون منهما جميعا. وهي على ضربين: الضرب الأوّل (المراسيم المكبّرة) لم يتعرّض لها المقرّ الشّهابيّ ابن فضل الله في «التعريف» لأنها لم تكن مستعملة في زمنه وإنما حدثت بعده. قال في «التثقيف» : وهي على نمط التقاليد ليس بينهما اختلاف إلا في أمرين: أحدهما- أنه لا يكتب شيء من المراسيم في قطع الثلثين بل في قطع النصف أو الثلث. الثاني- أنه لا يقال فيها «تقليد شريف» بل «مرسوم شريف» . قلت: ويفترقان من أربعة وجوه. أحدها- أنه يقتصر في طرّة المرسوم على «الأميريّ» دون «الكبيريّ» بخلاف التقاليد فإنه يقال فيها «الأميريّ الكبيريّ» . الثاني- أنه يقال في المرسوم: «أن يستقرّ» ولا يقال: «أن يفوّض» ولا: «أن يقلّد» . الثالث- أنه لا يقال: «على أجمل العوائد وأتمّ القواعد» بل يقال: «على عادة من تقدّمه وقاعدته» . الرابع- أنه لا يقال في الصّدر: «أما بعد» بل «وبعد» . قال: وهي تختص بنوّاب القلاع المنصورة بالممالك الإسلامية، وأمراء العربان [ممّن] «1» بالشام وحلب، وشادّي «2» مراكز البريد وغيرهم.

ثم هي على طبقتين: الطبقة الأولى- ما يكتب في قطع النصف بقلم خفيف الثلث، وذلك للنوّاب بالقلاع: من مقدّمي الألوف والطّبلخانات «1» : كنائب حمص، والرّحبة، والبيرة، وقلعة المسلمين، وملطية، وطرسوس، وأذنة، وبهسنى، والفتوحات الجاهانيّة وغيرها ممن يكتب له المجلس العالي والساميّ بالياء أو بغير ياء على ما تقدّم بيانه في المكاتبات إليهم. وكذلك بعض أمراء العربان وهم أمير آل عليّ، وأمير آل مرا، وأمير بني عقبة «2» قال في «التثقيف» : وصورة ما يكتب في الطرّة أن يكتب: «مرسوم شريف بأن يستقرّ المجلس العالي أو الساميّ الأميريّ، الفلانيّ، فلان (ويدعى له بما يناسبه) في النيابة في الجهة الفلانية على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته على ما شرح فيه» . فإن كانت النيابة تقدمة ألف: كنيابة الرّحبة ونحوها، كتب في طرّة مرسوم نائبها: «مرسوم شريف بأن يستقرّ المجلس العالي الأميريّ الفلانيّ فلان، أدام الله تعالى نعمته، في المكان الفلانيّ على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته» . وإن كانت النيابة طبلخاناه كتب: «مرسوم شريف بأن يستقرّ المجلس السامي الأمير فلان، أدام الله تعالى تأييده في النيابة بمكان كذا، على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته» ، أو كتب: «مرسوم شريف أن يستقرّ المجلس السامي الأمير فلان الدين فلان، أدام الله تعالى تأييده في النيابة بمكان كذا، على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته» .

وإن كانت نيابة قلعة دمشق، كتب: «مرسوم شريف بأن يستقرّ المجلس العالي، الأميريّ، فلان، أدام الله تعالى نعمته في النيابة بالقلعة المنصورة بدمشق المحروسة، على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته، على ما شرح فيه» . وكذلك كلّ قلعة بحسب ألقاب نائبها التي يكاتب بها. ثم يكتب في الصّدر بعد البسملة خطبة مفتتحة بالحمد لله، ثم يقول: وبعد، ويأتي بنحو ما تقدّم ذكره في التقاليد، ثم يقال: ولما كان المجلس العالي أو الساميّ إلى آخر ألقابه، ثم يقال: فلان، ويدعى له بما جرت به عادته، ويقال ما يفهم منه أنه المقصود بما تقدّم ذكره من المدح والأوصاف السابقة؛ ثم يقال: فلذلك رسم بالأمر الشريف إلى آخره أن يستقرّ المشار إليه في كذا على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته، فليتلقّ ذلك ونحوه. ثم يوصى بما يناسب وظيفته التي تولّاها، ويختم بنظير ما تقدّم ذكره في ختم التقاليد. الطبقة الثانية- من المراسيم المكبّرة ما يكتب في قطع الثلث بقلم التوقيعات «1» قال في «التثقيف» : وصورته في الطرّة والصدر على ما تقدّم في الطبقة الأولى، إلا أن خطبته تفتتح بأمّا بعد حمد الله، وتختتم بما تقدّم ذكره. قال: وقد تكتب لنواب القلاع من أمراء العشرات: مثل نائب بغراس، ونائب الدّربساك، ونائب كركر، ونائب الكختا، ونحوها. قال: وكذلك أرباب الوظائف غير النّيابات، مثل شادّ الدّواوين بالشام وحلب، وشادّ مراكز البريد بهما، ونحو ذلك؛ وبعض أمراء العرب: كأمير بني مهديّ، ومقدّم عرب جرم، ومقدّم عرب زبيد «2» على ندرة فيه. فإن كان المرسوم بنيابة من النيابات

الضرب الثاني (من المراسيم التي تكتب بالولايات المراسيم المصغرة)

المذكورة وغيرها، كتب: «مرسوم كريم بأن يستقرّ المجلس السامي، الأمير فلان الدين أعزه الله تعالى، في النيابة ببغراس، أو بالدّربساك، أو بكركر «1» ، وما أشبه ذلك على عادة من تقدّمه وقاعدته» . وإن كان بشدّ بالشام أو بحلب، كتب: «مرسوم كريم أن يستقرّ المجلس السامي، الأمير، فلان الدين: أعزه الله تعالى في شدّ الدواوين بالمكان الفلانيّ، على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته على ما شرح فيه» . وإن كان بشدّ مراكز البريد، أبدل لفظ «شدّ الدواوين» بلفظ «شدّ مراكز البريد بالمكان الفلانيّ» . وإن كان بإمرة بني مهديّ، كتب: «في إمرة بني مهديّ، على عادة من تقدّمه وقاعدته» . وإن كان بتقدمة عرب جرم، كتب: «في تقدمة عرب جرم، على عادة من تقدّمه وقاعدته» . وإن كان بتقدمة عرب زبيد، أبدل لفظ جرم بزبيد، وعلى ذلك. الضرب الثاني (من المراسيم التي تكتب بالولايات المراسيم المصغّرة) وهي ما يكتب في قطع العادة، وبها يكتب لأرباب السيوف بالولايات الصغيرة مثل نظر الأوقاف ونحوه. وهي صنفان: الصنف الأوّل- ما يترك فيه أوصال بياض بين الطّرّة والبسملة ، وهي أعلاها، ويكتب بالسامي بغير ياء أو مجلس الأمير: وصورتها أن يكتب في الطرّة: «مرسوم شريف أن يستقرّ المجلس السامي الأمير فلان الدين، أو مجلس الأمير فلان في كذا وكذا بما لذلك من المعلوم

الشاهد به ديوان الوقف، أو نحو ذلك، على ما شرح فيه» ثم يكتب في الصّدر بعد البسملة ما صورته: «رسم بالأمر الشريف العالي، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ» (باللقب الخاصّ ولقب السلطنة) ويدعى له بما فيه براعة الاستهلال بذكر الوظيفة أو اسم صاحبها أو لقبه ونحو ذلك، وأقلّها ثلاث فقرات فما زاد «أن يستقرّ المجلس السامي، الأمير، الأجل» (إلى آخر ألقابه) ، أو أن يستقرّ مجلس الأمير، الأجلّ (إلى آخر الألقاب) لما له من كذا وكذا (ويأتي من صفات المدح بما يناسب المقام) ثم يقال: فليباشر ذلك، أو فليتلقّ ذلك، أو فليقابل صدقاتنا الشريفة بكذا ونحو ذلك؛ ثم يوصّى بما يليق به، ويدعى له بدعوتين فقط؛ ثم يقال: بعد الخط الشريف العالي أعلاه الله تعالى» . قلت: وهذا الصّنف إن روعي صاحبه، كتب في قطع العادة المنصوريّ، وإلا ففي قطع العادة الصغير. قال في «التثقيف» : ومما ينبّه عليه أنه لا يكتب مرسوم شريف في قطع العادة إلا بمثل نيابة الشّقيف بصفد «1» وصرخد وعجلون والصّبيبة، فإنه لا يولّى فيها إلا مقدّم حلقة «2» أو جنديّ، ومثل هذا لا يكتب عن

الصنف الثاني - ما يكتب في هيئة ورقة الطريق، ويكون في ثلاثة أوصال

المواقف الشريفة إلا نادرا، فإنّ كفّال الممالك يستبدّون بالتولية في ذلك. الصنف الثاني- ما يكتب في هيئة ورقة الطريق، ويكون في ثلاثة أوصال ؛ وصورته أن يكتب في الطرّة ما صورته: «مرسوم شريف أن يستقرّ فلان، أو أن يرتّب فلان في كذا وكذا، على ما شرح فيه» ويكون ذلك في سطرين، ولا يكتب في أعلاه الاسم الشريف كما يكتب في غيره: لأن من المعلوم أنه لا يكتب في هذا إلا الاسم الشريف فيستغنى عن ذكره؛ ثم يكتب في آخر ذلك الوصل: «رسم بالأمر الشريف» على نحو ما تقدّم، إلا أنه لا يحتاج في الدعاء إلى ما يكون فيه براعة استهلال، بل يكفي «أعلاه الله وشرّفه، وأنفذه في الآفاق وصرّفه» ونحو ذلك «أن يستقرّ فلان في كذا أو يرتّب في كذا، فليعتمد ذلك ويعمل بحسبه ومقتضاه، بعد الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه، إن شاء الله تعالى» . النوع الثالث (مما يكتب في الولايات السلطانية التفاويض) جمع تفويض؛ وهو مصدر فوّض الأمر إلى زيد إذا ردّه إليه، ومنه قوله تعالى: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ «1» أي أردّه إليه. قال في «التعريف» : وبه يكتب لعامّة القضاة، يعني ممن دون أرباب التقاليد، وهي من نمط التقاليد، غير أنها يقال في تعريفها «تفويض شريف لفلان بكذا» . ومقتضى ما ذكره أنه إذا كتب «تفويض شريف بقضاء قضاة الديار المصرية مثلا» يكتب في الطّرّة: «تفويض شريف للمجلس العالي، القاضويّ، الكبيريّ، بقضاء قضاة المالكيّة بالديار المصرية، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، بالمعلوم الشاهد به الديوان

النوع الرابع (التواقيع، جمع توقيع)

المعمور على ما شرح فيه» ثم يأتي بنحو ما تقدّم ترتيبه في التقاليد، إلا أنه يكون أخصر. قلت: ولم أقف على نسخة تفويض غير نسخة واحدة من إنشاء المقرّ الشهابيّ ابن فضل الله لبعض قضاة دمشق. وقد أنشأت أنا تفويضا بقضاء قضاة المالكية بالديار المصرية لقاضي القضاة جمال الدين يوسف البساطيّ، حين ولّي على أثر ولاية قاضي القضاة جلال الدين البلقينيّ «1» قضاء قضاة الشافعيّة، افتتحته بلفظ: «الحمد لله الذي شفع جلال الإسلام بجماله» وكتبت له به، وكتبت في طرّته: «تفويض شريف للمجلس العالي، القاضويّ، الجماليّ، يوسف البساطيّ المالكيّ، أعز الله تعالى أحكامه بقضاء قضاة المالكية بالديار المصرية، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، على ما شرح فيه» . وقرأته بالمجلس العامّ بالمدرسة المنصورية «2» وسيأتي ذكر نسخته في الكلام على النّسخ في المقصد الثاني من هذا الطّرف، إن شاء الله تعالى. النوع الرابع (التواقيع، جمع توقيع) قد تقدّم في مقدّمة الكتاب عن ابن حاجب النّعمان في «ذخيرة

الكتّاب» «1» : أنّ التوقيع معناه في اللغة التأثير الخفيف، ومنه قولهم: ناقة موقّعة الجنبة «2» إذا أثّر فيها الرّحل تأثيرا خفيفا، وأنه يحتمل غير ذلك. وفي اصطلاح الأقدمين من الكتّاب أنه اسم لما يكتب في حواشي القصص كخطّ الخليفة أو الوزير في الزمن المتقدّم، وخط كاتب السّرّ الآن؛ ثم غلب حتّى صار علما على نوع خاصّ مما يكتب في الولايات وغيرها. قال في «التعريف» : وهي على أنموذج التفاويض. قال: وقد يقال: أن يرتّب، وأن يقدّم، ثم قال: وعنوانها «توقيع شريف لفلان بكذا» ولا يقال فيها على اختلافها: «وسبيل كلّ واقف عليه» كما في التقاليد، بل يقال: «فليعتمد ما رسم به فيه بعد الخطّ الشريف أعلاه» . وقد ذكر في «التعريف» أنها تكون لعامّة أرباب الوظائف جليلها وحقيرها، وكبيرها وصغيرها، حتّى الطبلخانات اللاحقين بشأو الكبار فمن دونهم. وقال في «التثقيف» : إنها مختصّة بالمتعمّمين من أرباب الوظائف الدينيّة والدّيوانية، ولا يكتب لأرباب السيوف منها إلا القليل: مثل نظر البيمارستان «3» ، ونظر الجامع الجديد «4» ، ونظر الحرمين الشريفين، يعني حرم القدس وحرم الخليل عليه السّلام. قلت: والجامع بين كلاميهما أنه في زمن صاحب «التعريف» كانت

الطبقة الأولى (ما يفتتح بخطبة مفتتحة بالحمد لله، وفيها مرتبتان)

التواقيع تكتب بالوظائف لأرباب السّيوف من النّيابات وغيرها قبل أن تحدث المراسيم المكبّرة المقدّمة الذكر؛ ثم خصّت التواقيع بعد ذلك بالمتعمّمين دون أرباب السيوف. ومضى الأمر على ذلك في زمن صاحب «التثقيف» فجرى على حكمه ولم يبق ممن يكتب له توقيع من أرباب السيوف سوى نظّار الجهات الثلاث المتقدّمة الذّكر: من البيمارستان المنصوري، والجامع الجديد الناصريّ بمصر، ونظر الحرمين: حرم القدس الشريف، وحرم الخليل عليه السّلام. والحكم باق على ذلك إلى الآن. ثم التواقيع على اختلافها لا تخرج عن أربع طبقات: الطبقة الأولى (ما يفتتح بخطبة مفتتحة بالحمد لله، وفيها مرتبتان) المرتبة الأولى- ما يكتب في قطع النصف بقلم خفيف الثّلث . قال في «التثقيف» : وصورته يعني ما يكتب به لأرباب الأقلام أن يكتب في الطرّة: «توقيع شريف بأن يفوّض إلى المجلس العالي، القاضويّ، الكبيريّ، الفلانيّ (ويدعى له دعوة واحدة) [نظر الجامع الجديد الناصريّ] «1» بما جرت به عادته، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت على ما شرح فيه» . قال: فإن كان حاكما، كتب له بعد الكبيريّ، الحاكميّ. وإن كان كاتب السرّ، كتب له بعد الكبيريّ، اليمينيّ، لا غير. ثم يكتب في الصدر خطبة مفتتحة بالحمد لله ثم يقال: أما بعد، والتّتمة على نظير ما ذكر في التقاليد إلا فيما يليق بالوظيفة والمتولّي لها مما يناسب الحال. وقد ذكر في «التثقيف» أنه كان يكتب بذلك للقضاة الأربعة بالديار المصرية، والقضاة الأربعة بالشام،

وكاتب السرّ بمصر والشام، وناظر الجيش بهما، وناظر الدواوين المعمورة والصّحبة الشريفة، وهو ناظر الدولة. وحينئذ فإن كتب بذلك لقاضي القضاة الشافعيّة بالديار المصرية على ما كان الأمر عليه أوّلا، كتب في الطرّة «توقيع شريف بأن يستقرّ المجلس العالي، القاضويّ، الكبيريّ، الفلانيّ، فلان: أعزّ الله تعالى أحكامه، في قضاء قضاة الشافعيّة بالديار المصرية، على أجمل العوائد وأتمّها، وأكمل القواعد وأعمّها، بما لذلك من المعلوم الشاهد به الديوان المعمور، على ما شرح فيه» . وإن كتب به لقاضي القضاة الحنفيّة، على ما كان الأمر عليه أوّلا أيضا، كتب له نظير قاضي القضاة الشافعية إلا أنه يبدل لفظ الشافعية ب «الحنفيّة» . وإن كتب لقاضي القضاة المالكية، على ما الأمر مستقرّ عليه الآن، كتب له كذلك، وأبدل لفظ الشافعية والحنيفة ب «المالكيّة» . وإن كتب لقاضي القضاة الحنابلة فكذلك، ويقال فيه «الحنابلة» . وإن كتب به لأحد من القضاة الأربعة بالشام، فكذلك، إلا أنه يقال قضاء قضاة الشافعيّة أو الحنفية أو المالكية أو الحنابلة بالشّام المحروس. وإن كتب به لكاتب السرّ على ما كان الأمر عليه أوّلا، كتب: «توقيع شريف بأن يفوّض إلى المجلس العالي، القاضويّ، الكبيريّ، اليمينيّ «1» فلان، ضاعف الله تعالى نعمته، صحابة دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية أعلاها الله تعالى، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور، على ما شرح فيه» . وإن كتب به لكاتب السرّ بالشام، أبدل لفظ الممالك الإسلامية ب «الشأم المحروس» .

المرتبة الثانية من التواقيع - ما يكتب في قطع الثلث بقلم التوقيعات

وإن كتب به لناظر الجيش بالديار المصريّة، كتب: «توقيع شريف بأن يفوّض إلى المجلس العالي، القاضويّ، الكبيريّ، الفلانيّ: ضاعف الله تعالى نعمته، نظر الجيوش المنصورة بالممالك الإسلامية، أعلاها الله تعالى على ما شرح فيه» . وإن كتب به لناظر الجيش بالشام، أبدل لفظ الممالك الإسلامية ب «الشام المحروس» . وإن كتب به لناظر الدولة «1» ، كتب: «توقيع شريف بأن يفوّض إلى المجلس العالي، القاضويّ، الكبيريّ، الفلانيّ، فلان، ضاعف الله تعالى نعمته، نظر الدواوين المعمورة والصّحبة الشريفة «2» ، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور على ما شرح فيه» . وإن كتب به لناظر البيمارستان [وكان صاحب] «3» سيف، كتب: «توقيع شريف أن يفوّض إلى المقرّ الكريم، أو الجناب الكريم، أو العالي (على قدر رتبته) الأميريّ، الكبيريّ، الفلانيّ، فلان الناصريّ مثلا: أعزّ الله أنصاره، أو نصرته، أو ضاعف الله تعالى نعمته (بحسب ما يليق به) نظر البيمارستان المعمور المنصوريّ، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، بما لذلك من المعلوم الشاهد به الديوان المعمور على ما شرح فيه» . وكذلك نظر الجامع الجديد ونظر الحرمين الشريفين كلّ بما يناسب الألقاب. وعلى ذلك. المرتبة الثانية من التواقيع- ما يكتب في قطع الثلث بقلم التوقيعات ، وهو لمن مرتبته الساميّ بالياء. قال في «التثقيف» : وصورته في الطّرّة والصدر على ما تقدّم شرحه لكن بأخصر مما تقدّم. قال: وبذلك يكتب لنقيب الأشراف

ولقضاة القضاة بحلب وطرابلس وحماة وصفد والكرك، وكذلك لقضاة العسكر بالممالك المذكورة والمفتين بدار العدل بها، ووكلاء بيت المال بها، والمحتسبين، ونظّار الجيش بها، وكتّاب الدّست «1» بمصر والشام، وناظر البيوت «2» بالديار المصرية. وكذلك ناظر خزائن السّلاح، ومستوفي الصّحبة، وناظر بيت المال، وناظر الخزانة الكبرى «3» وخزانة الخاصّ، وناظر الأحباس «4» ، ومشايخ الخوانق الكبار: كسعيد السعداء «5» ، وبيبرس بالقاهرة «6» ، والشّميصاتيّة «7» بدمشق، وكذلك تقدمة التّركمان بالشام، وتقدمة الأكراد به، ومشيخة العائد. فإن كتب بذلك لنقيب الأشراف، كتب «توقيع شريف أن يستقرّ المجلس الساميّ، الأميريّ، الفلانيّ، فلان: أدام الله تعالى علوّه، في نقابة الأشراف بالديار المصرية، على عادة من تقدمه وقاعدته، على ما شرح فيه» . وإن كتب لقاضي قضاة الشافعية بحلب، كتب «توقيع شريف بأن يستقرّ المجلس الساميّ، القضائيّ، الفلانيّ، فلان: أيّد الله تعالى أحكامه، في قضاء

قضاة الشافعية بحلب المحروسة، على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته على ما شرح فيه. وإن كتب للحنفيّ بها كتب كذلك، وأبدل لفظ الشافعية ب «الحنفيّة» وكذا في المالكية والحنابلة. وإن كتب لأحد قضاة القضاة بغيرها: كطرابلس، وحماة، وصفد، والكرك، أبدل لفظ حلب بلفظ تلك المدينة، والباقي على حكمه. وإن كتب لأحد من قضاة العسكر بالممالك المذكورة، كتب «توقيع شريف بأن يستقرّ المجلس الساميّ، القضائيّ، فلان الشافعيّ، مثلا أو نحو ذلك: أيّد الله تعالى أحكامه، في قضاء العسكر المنصور بالمكان الفلانيّ، على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته» . وإن كتب بإفتاء دار العدل بشيء من هذه الممالك، أبدل لفظ «قضاء العسكر» بلفظ «إفتاء دار العدل» والباقي على حكمه. وإن كتب لأحد من وكلاء بيت المال بها، كتب: «توقيع شريف أن يستقرّ المجلس الساميّ، القضائيّ، الفلانيّ، فلان: أدام الله تعالى رفعته، في وكالة بيت المال المعمور بالمكان الفلانيّ، على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته» . وإن كتب لأحد من المحتسبين بهذه الممالك، كتب «توقيع شريف بأن يستقرّ المجلس الساميّ، القضائيّ، الفلانيّ، فلان: أدام الله تعالى رفعته، في نظر الحسبة الشريفة بالمكان الفلانيّ على عادة من تقدّمه وقاعدته» . وإن كتب لأحد من نظّار الجيش بها، كتب «توقيع شريف بأن يستقرّ المجلس الساميّ، القضائيّ، الفلانيّ، فلان: أدام الله تعالى رفعته، في نظر الجيوش المنصورة بالمملكة الفلانية، على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته» . وإن كتب لأحد من كتّاب الدّست بالديار المصرية، كتب «توقيع شريف بأن يستقرّ المجلس الساميّ، القضائيّ، الفلانيّ، فلان: أدام الله تعالى رفعته،

في كتابة الدّست الشريف بالأبواب الشريفة» . ثم إن كان عن وفاة عيّنه أو بنزول عيّنه. وإن كان بالشام، أبدل لفظ «بالأبواب الشريفة» بلفظ «بالشام المحروس» . وإن كتب بذلك في نظر البيوت بالديار المصرية، كتب «توقيع شريف أن يستقرّ المجلس الساميّ، القضائيّ، الفلانيّ: أدام الله رفعته، في نظر البيوت المعمورة» . وإن كتب لأحد بنظر خزائن السّلاح بالديار المصرية، كتب «توقيع شريف بأن يستقرّ المجلس الساميّ، القضائيّ، الفلانيّ: أدام الله رفعته، في خزائن السّلاح المنصورة، على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته» . وإن كتب باستيفاء الصّحبة «1» ، كتب «توقيع شريف أن يستقرّ المجلس الساميّ، القضائيّ، الفلانيّ: أدام الله رفعته، في استيفاء الصّحبة الشريفة، على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته» . وإن كتب بنظر بيت المال، كتب «توقيع شريف بأن يستقرّ المجلس الساميّ، القضائيّ، الفلانيّ: أدام الله رفعته، في نظر بيت المال المعمور، على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته» . وإن كتب بنظر الخزانة الكبرى، كتب «توقيع شريف أن يستقرّ الملجس الساميّ، القضائيّ، الفلانيّ: أدام الله رفعته، في نظر الخزانة العالية الكبرى، على عادة من تقدّمه وقاعدته» . وإن كتب بنظر خزانة الخاصّ، أبدل لفظ الخزانة العالية الكبرى بلفظ

الطبقة الثانية (من التواقيع ما يفتتح بلفظ «أما بعد حمد الله» وهو لمن رتبته السامي بغير ياء، وهي على مرتبتين)

خزانة الخاصّ الشريف، والباقي على ما تقدّم. وإن كتب بنظر الأحباس، كتب «توقيع شريف أن يستقرّ المجلس الساميّ، القضائيّ، الفلانيّ، فلان: أدام الله تعالى رفعته، في نظر الأحباس المبرورة، على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته» . وإن كتب بمشيخة الخانقاه الصّلاحية (سعيد السعداء) كتب «توقيع شريف أن يستقرّ المجلس الساميّ، الشّيخيّ، الفلانيّ: أعاد الله تعالى من بركاته، في مشيخة الخانقاه الصّلاحيّة، على عادة من تقدّمه وقاعدته» . وإن كتب بمشيخة خانقاه بيبرس، أبدل لفظ «الخانقاه الصّلاحيّة» بلفظ «الخانقاه الرّكنيّة بيبرس» والباقي على ما تقدّم. وإن كتب بمشيخة الشّميصاتية بدمشق، أبدل ذلك بلفظ «الخانقاه الشّميصاتيّة بالشام المحروس» . وإن كتب بتقدمة التّركمان بالشام، كتب «توقيع شريف بأن يستقرّ المجلس الساميّ، الفلانيّ: أعزّه الله تعالى، في تقدمة التّركمان بالشام المحروس، على عادة من تقدّمه وقاعدته» . وإن كتب بتقدمة الأكراد، أبدل لفظ «التّركمان» بلفظ «الأكراد» . وإن كتب بمشيخة العائد، كتب «توقيع شريف بأن يستقرّ المجلس الساميّ الفلانيّ: أعزّه الله تعالى، في مشيخة العائد، على عادة من تقدّمه وقاعدته» . وعلى ذلك. الطبقة الثانية (من التواقيع ما يفتتح بلفظ «أما بعد حمد الله» وهو لمن رتبته السامي بغير ياء، وهي على مرتبتين) المرتبة الأولى- ما يكتب في قطع الثلث ، وهو الأصل فيما يكتب في الثلث ثم ترقّي عنه إلى رتبة الافتتاح بالحمد. ألا ترى أن المناشير التي تكتب

المرتبة الثانية - ما يكتب من هذه الطبقة في قطع الثلث

في قطع الثّلث بقلم التوقيعات تفتتح كلّها بلفظ «أما بعد» على ما سيأتي بيانه في المقالة السادسة، في الكلام على المناشير، إن شاء الله تعالى. وصورته أن يكتب في الطرّة «توقيع شريف بأن يستقرّ المجلس الساميّ، القضائيّ، فلان الدين أو الشيخ فلان الدين في كذا، على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته، على ما شرح فيه» ثم يكتب في الصدر «أما بعد حمد الله» ويصلّي على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ ثم يقول: «فإنّ أولى الأمور بكذا من هو بصفة كذا» أو «إنّ أولى الناس بالتقديم من هو متّصف بكذا» ونحو ذلك؛ ثم يقال: «ولمّا كان المجلس» ويؤتى بنحو ما تقدّم من المفتتح بالحمد لله. قلت: وقد قلّ استعمال هذا الضّرب بديوان الإنشاء الشريف وإن كان هو الأصل فيما يكتب في هذا القطع، حتّى لا يكاد يكتب به إلا في النادر، تغاليا في رفعة المكتوب لهم، مع المسامحة لهم في مثل ذلك. المرتبة الثانية- ما يكتب من هذه الطبقة في قطع الثلث . قال في «التثقيف» : وهو قليل جدّا لا يكون إلا في تدريس كبير، أو نظر وقف كبير، أو مشيخة الحرم الشريف بالقدس الشريف، إن لم يكن في قطع الثلث، أو لرجل كبير قديم الهجرة في الخدمة الشريفة، إلا أنّ الوظيفة صغيرة لا تقتضي أن تكون في قطع الثلث. الطبقة الثالثة (من التواقيع ما يفتتح بلفظ «رسم بالأمر الشريف» وهي على مرتبتين) المرتبة الأولى- ما يكتب في قطع العادة المنصوريّ بقلم الرّقاع «1» ، وهو لمن رتبته السامي بغير ياء ممن لم تبلغ رتبته قطع الثلث. قال في «التثقيف» : وصورته أن يكتب في الطرّة «توقيع شريف بأن يستقرّ المجلس السامي القاضي

فلان الدين: أعزه الله تعالى في كذا، أو أن يرتّب، أو أن يقدّم» ويذكر ما تضمّنه الشاهد من قصة أو قائمة من ديوان الوزارة أو الخاصّ أو غير ذلك «على ما شرح فيه» . قال: ثم يكتب في الصدر بعد البسملة «رسم بالأمر الشريف العاليّ، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ، الفلاني، باللقب الخاص، ولقب السلطنة» : مثل الناصريّ، الزّينيّ، ونحو ذلك (ويدعى للسلطان بأدعية تناسب الوظيفة والمتولّي لها، وأقلّها ثلاث فقرات فما زاد) «أن يستقرّ المجلس السامي، القاضي، فلان الدين فلان، أو مجلس القاضي فلان الدين فلان: أعزّه الله تعالى في كذا، لما له من صفات هي كذا وكذا (ويأتي من صفات المدح بما يناسب المقام) ثم يقال: فليباشر ذلك، أو فليتلقّ هذا الإحسان، أو فليقابل صدقاتنا الشريفة» ونحو ذلك؛ ثم يوصى بما يليق بتلك الرتبة، ويدعى له بسجعتين فقط. ثم يقال: «بعد الخطّ الشريف أعلاه» . ثم قال: وبذلك يكتب لكتّاب الدّرج «1» ، ومستوفي الدولة «2» ، وناظر الأهراء «3» وناظر المطابخ، ومشايخ الخوانق الصّغار، والتّداريس «4» الصّغار، وأنظار الأوقاف الصّغار، ونحو ذلك مما لا يأخذه حصر. وحينئذ فإن كتب بذلك لكاتب درج، كتب في الطرّة «توقيع شريف أن

يستقرّ مجلس القاضي فلان الدين فلان: أعزّه الله تعالى في كتابة الدّرج الشريف» . وإن كتب به لمستوف من مستوفي الدولة، كتب «أن يستقرّ المجلس السامي، القاضي، فلان الدين فلان: أدام الله نعمته، في استيفاء الدولة الشريفة على عادة من تقدّمه» . وإن كتب لناظر الأهراء، كتب «أن يستقر المجلس السامي، القاضي، فلان الدين فلان: أدام الله رفعته، في نظر الأهراء السعيدة» . وإن كتب بنظر مطابخ السّكّر، كتب «أن يستقرّ المجلس السامي، القاضي، فلان الدين فلان: أدام الله تعالى رفعته، في نظر المطابخ السعيدة» . وإن كتب بمشيخة خانقاه صغيرة، كتب «أن يستقر المجلس السامي، الشّيخيّ، فلان الدين فلان، أو مجلس الشيخ فلان الدين فلان: نفع الله تعالى ببركته، في مشيخة الخانقاه الفلانية، على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته» . وإن كتب بتدريس صغير، كتب «أن يستقرّ في تدريس المدرسة الفلانية، على عادة من تقدّمه وقاعدته» . وإن كتب بنظر وقف، كتب «أن يستقرّ في نظر الوقف الفلانيّ» ونحو ذلك. ثم إن كان لشيء من ذلك معلوم يشهد به الديوان السلطانيّ ككتابة الدّرج واستيفاء الدولة، كتب بعد قوله وقاعدته: «بما لذلك من المعلوم الشاهد به الديوان المعمور» . وإن كان الشاهد بالمعلوم كتاب وقف، كتب «بما لذلك من المعلوم الشاهد به كتاب الوقف المبرور» . ويقول في آخر طرّة كل ولاية من التقاليد، والتفاويض، والمراسيم، والتواقيع على اختلافها: «على ما شرح فيه» .

الطبقة الرابعة (التواقيع الصغار؛ وهي لأصغر ما يكون من الولايات: من نظر وقف صغير ونحو ذلك، وتكون في ثلاثة أوصال ونحوها)

الطبقة الرابعة (التواقيع الصّغار؛ وهي لأصغر ما يكون من الولايات: من نظر وقف صغير ونحو ذلك، وتكون في ثلاثة أوصال ونحوها) وهي على ضربين: الضرب الأوّل- ما يكتب على مثال أوراق الطّريق. وصورتها أن يكتب في أعلى الدّرج: «توقيع شريف بأن يستقرّ فلان في كذا، على ما شرح فيه» . ويكون ذلك في سطرين؛ ثم يكتب في آخر ذلك الوصل: «رسم بالأمر الشريف العاليّ المولويّ السلطانيّ» إلى آخر ما تقدّم في الطبقة الثالثة، ويقال في الدعاء: «أعلاه الله وشرّفه، وأنفذه وصرّفه» ونحو ذلك، ثم يقال: «أن يستقر فلان في كذا» ويشرح ما تضمّنه الجواب في هامش القصّة، ثم يقال: «فليعتمد هذا المرسوم الشريف كلّ واقف عليه، ويعمل بحسبه ومقتضاه، من غير عدول عنه ولا خروج عن معناه، بعد الخط الشريف أعلاه» . الضرب الثاني- ما يكتب على ظهور القصص. وكيفيّته أن تلصق القصّة التي شملها جواب كاتب السرّ أو غيره على وصلين من ورق العادة الصغير. قال في «التثقيف» : وصورتها أن يكتب في ظاهر القصّة بغير بسملة قبل الوصل الذي وصله بنحو أربعة أصابع ما صورته: «رسم بالأمر الشريف العاليّ المولويّ السلطانيّ» على نحو ما تقدّم. ويدعى له: «أعلاه الله وشرّفه، وأنفذه وصرّفه» على ما تقدّم في الضرب الأوّل، ثم يقال: «أن يتأمّل ما أنهاه رافعها باطنا، وليتقدّم بكذا وكذا» ويشرح ما تضمّنه الجواب في هامش القصّة، ثم يقال: «فليعتمد هذا المرسوم الشريف كلّ واقف عليه، ويعمل بحسبه ومقتضاه، بعد الخطّ الشريف أعلاه» . قال: وإن كان رافع القصّة ممن هو متميّز بعض التميّز قيل: «مترجمها» بدل «رافعها» ؛ فإن زيد في قدره، قيل: «ما ذكره مجلس القاضي أو المجلس السامي القاضي» إن كان

المقصد الثالث (في بيان كيفية وضع ما يكتب في هذه الولايات في الورق، ويتعلق به عشرة أمور)

من هذه الرتبة، وتذكر بعض ألقابه، ثم يقال: «أدام الله علوّه» أو «أعزه الله، فليتقدّم» ويكمل إلى آخره. واعلم أنّ المقرّ الشّهابيّ ابن فضل الله رحمه الله قد ذكر في «التعريف» افتتاحات أخرى للتواقيع بين رتبة «أما بعد حمد الله» ورتبة «رسم بالأمر الشريف» فقال: بعد الافتتاح بأما بعد حمد الله: وقد تستفتح بقول: «أما بعد فإنّ أولى ما كان كذا» أو ما هذا معناه، وقد تستفتح بقول: «من حسنت طرائقه، وحمدت خلائقه» أو ما هذا معناه، وجعلها رتبة بعد رتبة. قلت: وهذه الافتتاحات كانت مستعملة في الدولة العباسية ببغداد، وفي الدولة الفاطميّة بالديار المصريّة والبلاد الشاميّة، ثم في الدولة التّركيّة إلى زمن المقرّ الشّهابيّ المشار إليه في الدولة الناصريّة محمد بن قلاوون؛ ثم رفضت بعد ذلك، وترك استعمالها بالديار المصرية البتّة، فلم يكن أحد من كتّاب ديوان الإنشاء يستعمل شيئا منها. المقصد الثالث (في بيان كيفيّة وضع ما يكتب في هذه الولايات في الورق، ويتعلّق به عشرة أمور) الأمر الأوّل- الطّرة ، وهي في اصطلاحهم عبارة عن طرف الدّرج من أعلاه، ثم أطلقوه على ما يكتب في رأس الدّرج مجازا، تسمية للشيء باسم محلّه. قلت: وليس صحيحا من حيث اللغة، فإنّه في الأصل مأخوذ من طرّة الثوب. وقد ذكر الجوهريّ وغيره أن طرّة الثوب هي طرفه الذي لا هدب فيه، والذي لا هدب فيه من الثوب هو حاشيتاه، بخلاف أعلاه وأسفله. نعم يجوز أن تكون مأخوذة من الطّرّ بمعنى القطع، لأن الطّرّة مقتطعة عن كتابة المتن، يفصل بينهما بياض، ومنه سمّي الشّعر المرسل على الصّدغ طرّة. وقد جرت العادة في كل ما يكتب له طرّة أن يكتب في أعلى الدّرج في الوسط بقلم الرّقاع بكل حال

الأمر الثاني - البسملة الشريفة

ما صورته «الاسم الشريف» ثم تكتب الطرّة تلو ذلك من أوّل عرض الدّرج إلى آخره، دون هامش عن يمين ولا شمال: بحيث تكون أطراف المنتصبات من أوّل السطر الأوّل ملاصقة لأسفل ما كتب في أعلى الدّرج مما تقدّم ذكره. ويأتي بالطرّة المناسبة: من تقليد، أو مرسوم، أو تفويض، أو توقيع، بالقلم المناسب لمقدار قطع ذلك الورق على ما تقدّم بيانه، ويأتي على ما يكتب في الطرّة على ما تقتضيه الحال، على ما سبق ذكره إلى أن ينتهي إلى آخره؛ فإن انتهى في أثناء سطر، ترك باقيه بياضا، وكتب في آخره «على ما شرح فيه» بحيث يوافي آخر ذلك آخر السطر، وإن انتهى ما يكتب في الطرّة في آخر السطر، كتب تحت ذلك السطر على حيال آخره «على ما شرح فيه» كما تقدّم، لا يختلف الحال في ذلك في مكتوب ولاية، إلا فيما يكتب على ظهور القصص، فإنّ العادة جرت فيه أن لا يكون له طرّة، ولا يكتب في أعلاه الاسم الشريف: لأنه قد علم أنه لا يكتب فيه إلا الاسم الشريف، فلم يحتج إلى تنبيه على ذلك. الأمر الثاني- البسملة الشريفة . ومن شأنها أن تكتب في أوّل كلّ ولاية لها شأن، عملا بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم» يعني ناقص البركة، ومحلّها من كتب الولايات في أوّل الوصل الرابع بعد أوصال البياض. أما ما لا بال له من كتب الولايات: كالتواقيع التي على ظهور القصص وما هو منها على صورة أوراق الطريق، فقد جرى الاصطلاح على أنه لا يكتب في أوّلها بسملة أصلا، بل تفتتح ب «رسم بالأمر الشريف» . قلت: وقد كان القاضي علاء الدين عليّ الكركيّ حين ولّي كتابة السرّ الشريف بالديار المصرية في أوّل سلطنة الظاهر برقوق الثانية أمر أن تكتب في أوّل هذه التواقيع بسملة لطيفة المقدار، طلبا للتبرك؛ ثم ترك ذلك بعد موته وانتقال الوظيفة إلى غيره. ولا يخفى أنّ ما عليه الاصطلاح هو الوجه: فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد قيّد ما يبدأ بالبسملة بما يكون له بال من الأمور، ومقتضاه أنّ ما لا بال له لا يبدأ فيه ببسملة. على أنه قد كان أمر أن تجعل البسملة قبل قوله «رسم بالأمر الشريف» ومقتضى ذلك أن تقع العلامة فوق البسملة، وفيه ما لا

الأمر الثالث - الافتتاح الذي يلي البسملة

يخفى، بخلاف غيره من الولايات الكبار فإنّ العلامة تكون فيها تحت السطر الثاني من البسملة، على ما سيأتي بيانه. الأمر الثالث- الافتتاح الذي يلي البسملة . وقد علمت مما تقدّم أنّ الذي استقرّ عليه افتتاح كتب الولايات على اختلافها من أعلى وأدنى لا يخرج عن ثلاثة أصناف: أحدها- الافتتاح بالحمد لله، وهو أعلاها. ثم تختلف رتبته بعد ذلك باختلاف ما يكتب فيه من مقادير قطع الورق: إذ هو تارة تفتتح به التقاليد، وتارة تفتتح به المراسيم المكبّرة، وتارة تفتتح به التفاويض، وتارة تفتتح به كبار التواقيع. الثاني- الافتتاح بأما بعد حمد الله؛ وهو المرتبة الثانية من المراسيم المكبّرة، والتواقيع الكبار؛ وتكون في قطع الثلث تارة، وفي قطع العادة المنصوريّ أخرى. الثالث- الافتتاح برسم بالأمر الشريف؛ وهو المرتبة الثالثة من المراسيم والتواقيع، وهي أدنى رتبها. وتكون في قطع العادة الصغير، وربما كتب بها في قطع العادة المنصوريّ. الأمر الرابع- البعدية فيما يفتتح فيه بالحمد لله ، وهو على ضربين: الأوّل - أن يقال بعد التحميد والتشهّد والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أما بعد، وهو الأعلى. وتكون في التقاليد خاصّة. الثاني - وبعد، وهي دون أما بعد. وتكون في التفاويض وكبار المراسيم والتواقيع. وقد مرّ القول على ذلك مستوفى في الكلام على الفواتح في المقالة الثالثة. الأمر الخامس- وصف المتولّي بما يناسب مقامه ومقام الولاية من المدح والتفريظ . وقد مرّ القول على ذلك في المقصد الأوّل من هذا الطّرف، في

الأمر السادس - الألقاب المختصة بصاحب الولاية

الكلام على مقدّمات الولايات. الأمر السادس- الألقاب المختصّة بصاحب الولاية . قد تقدّم أنه يذكر في الطّرّة بعض الألقاب التابعة للّقب الأصليّ: من المقرّ والجناب وغيرهما، مع التصريح باسم المولّى والدعاء له بما يناسبه، على ما تقدّم بيانه هناك. أما في أثناء الولاية، فإنه يستوعب جميع ألقابه ويعاد ذكر الاسم والدعاء المذكور في الطّرّة. وقد تقدّم ذكر الألقاب مستوفى في المقصد الأوّل من هذا الفصل في الكلام على مقدّمات الولايات. الأمر السابع- وصيّة صاحب الولاية بما يناسب ولايته . وقد تقدّم التنبيه على ذلك في الكلام على مقدّمات الولايات أيضا. الأمر الثامن- الدعاء لصاحب الولاية بما يناسبه إذا كان مستحقّا لذلك. وقد ذكر في «التعريف» أن من استصغر من المولّين لا يدعى له في أوّل ولاية ولا آخرها، وربما قيل بدل الدعاء أو بعده: «والخير يكون» . الأمر التاسع- الخواتم : من كتابة «إن شاء الله تعالى» والتاريخ، والمستند، والحمدلة، والتصلية، على نحو ما تقدّم في المكاتبات. فأما المشيئة، فإنه يكتب في آخر مكتوب كلّ ولاية: «إن شاء الله تعالى» في سطر منفرد. وأما التاريخ، فإنه يكتب في سطرين كما تقدّم في المكاتبات، فيكتب «كتب في يوم كذا من شهر كذا» في سطر، ويكتب «سنة كذا وكذا» في سطر تحته. وأما المستند، فإنّه يكتب تحت التاريخ، كما تقدّم في المكاتبات، فإن كان بتلقّي كاتب السرّ، كتب في سطر واحد «حسب المرسوم الشريف» ، وإن كان برسالة الدّوادار، كتب «حسب المرسوم الشريف» في سطر، ثم كتب في سطر تحته «برسالة الجناب العاليّ الأميريّ، الكبيريّ، الفلانيّ الدّوادار،

الأمر العاشر - البياض الواقع في كتب الولايات

الناصريّ» مثلا؛ وإن كان بخط السلطان، كتب «حسب الخطّ الشريف» ؛ وإن كان بإشارة النائب الكافل، كتب «بالإشارة العالية الأميريّة الكبيريّة الفلانية» في سطر، وكتب «كافل الممالك الشريفة الإسلاميّة أعلاها الله تعالى» في سطر تحته؛ وإن كان بإشارة الوزير، كتب «بالإشارة العالية الصاحبيّة الوزيريّة الفلانية» في سطر، ثم كتب في السطر الثاني «مدبّر الممالك الشريفة الإسلامية أعلاها الله تعالى» ؛ وإن كان الوزير صاحب سيف، أسقط منها «الصاحبيّة» . أللهم إلا أن يكون مرسوما صغيرا أو توقيعا صغيرا مما كتب في هيئة ورقة الطريق أو على ظهر القصّة، فإنه إن كان بتلقّي كاتب السرّ، كتب المستند على حاشية التوقيع على سمت ما بين السطر الأوّل والثاني؛ وإن كان بإشارة النائب الكافل كتب هناك «بالإشارة العالية» سطرين، على نحو ما تقدّم فيما يكتب تحت التاريخ؛ وإن كان بإشارة الوزير، فالأمر كذلك؛ وإن كان برسالة الدّوادار، كتب على الحاشية هناك «حسب المرسوم الشريف» ، ثم كتب تحت التاريخ «برسالة الجناب العالي» إلى آخر المستند. وأما الحمدلة والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ففي سطر تحت المستند، كما في المكاتبات، يكتب فيها «الحمد لله وحده» ثم يخلّي بياضا، ثم يكتب «وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه» . وأما الحسبلة، ففي سطر تحت ذلك يكتب فيه «حسبنا الله ونعم الوكيل» على ما تقدّم في المكاتبات. الأمر العاشر- البياض الواقع في كتب الولايات ، وله ستّة مواضع: الأوّل- فيما بين الطّرّة والبسملة ، وهي ثلاثة أوصال بالوصل الذي فيه الطرّة، لا يتجاوز ذلك في مقدار قطع كبير ولا صغير. إلا أنه ربما اقتصر على وصلين فيما استصغر شأنه من الرتبة الثالثة من التواقيع. الثاني- الحاشية فيما على يمين البسملة وما بعدها . وأهل زماننا يعبّرون عن ذلك بالهامش، ولم أجد له أصلا في اللغة. وقد تقدّم القول عليها في

الثالث - بيت العلامة

المقالة الثالثة، في الكلام على متعلّقات قطع الورق وما ينخرط في سلكه. أما آخر الأسطر فإنه لا بياض فيه؛ على أنّ ملوك الروم يجعلون لكتبهم حاشية من أوّل الأسطر وحاشية من آخرها، على ما تقدّم القول عليها في الكتب الواردة عن صاحب القسطنطينيّة. الثالث- بيت العلامة ؛ وهو فيما بين السطر الأوّل: وهو الذي يلي البسملة، وبين السطر الثاني: وهو الذي يكون في آخر وصل البسملة. وقد تقدّم في الكلام على مقادير الورق في المقالة الثالثة أن مقداره في الزمن القديم كان قدر شبر، وقد شاهدناه دون ذلك بقليل فيما كتب به في الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون» على ما يشهد به الموجود من تواقيعهم، ثم تناقص قليلا؛ فلمّا غلا الورق وقصّرت الأوصال نقص مقداره حتّى صار [نحو نصف شبر] «1» ، وهو على ذلك إلى الآن. ويزيد ذلك وينقص باعتبار قطع الورق فإنه في القطع الكبير يكون الوصل أطول منه في القطع الصغير. الرابع- ما بين الأسطر في متن الولاية ؛ وهو على مقدار النّصف من بيت العلامة في القطع الكبير والقطع الصغير، لا يكاد ذلك يختلف إلا في التّواقيع والمراسيم التي هي على هيئة أوراق الطريق، والتي على ظهور القصص، فإنّ ما بين السطرين منها يكون متضايقا حتّى يكون بقدر ثلاثة أصابع مطبوقة. الخامس- ما بين أسطر اللّواحق فيما بعد «إن شاء الله تعالى» فإنه يكون ما بين كلّ سطرين من ذلك قدر نصف ما بين السطرين في متن الولاية، إلا في المستند إذا كان سطرين، مثل أن يكون برسالة الدّوادار ونحوها، فإنّ السطرين يكونان متلاصقين. السادس- ما بعد اللّواحق في آخر الكتاب ، وهو قدر يسير يكون قدر إصبعين مطبوقين أو ثلاثة أصابع مطبوقات وما قارب ذلك.

المهيع الثاني (في ذكر نسخ مما يكتب في متن الولايات من التقاليد والمراسيم المكبرة والتفاويض والتواقيع)

المهيع الثاني (في ذكر نسخ مما يكتب في متن الولايات من التقاليد والمراسيم المكبّرة والتفاويض والتّواقيع) قلت: وقد كنت هممت أن أجعل ابتداآت التقاليد، والتفاويض، والمراسيم، والتواقيع: من الافتتاح ب «الحمد لله» أو ب «رسم بالأمر الشريف» في فصل مستقلّ، ومقاصدها المتعلقة بالوظيفة [في فصل على حدة ليختار] «1» الكاتب الذي لا يحسن الإنشاء ما أحب من الابتداآت المناسبة للاسم أو اللّقب ونحوهما ثم يبيّن القصد المتعلق بالوصف. ثم أضربت عن ذلك وأتيت بالنسخ على صورتها لأمور: منها- أن في تضييع النسخة إفسادا لصورتها وضياع فضيلة المنشئين وإشاعة ذكرهم. ومنها- أن يعرف أنّ الصورة التي تورد مما كتب به في الزمن السابق، وأنها مصطلح قد اصطلح عليه أهل ذلك الزمان. ومنها- أن يعرف المنشيء ترتيب من تقدّم لينسج على منواله. وإذا أراد من لا دربة له بالإنشاء أخذ تحميدة من تقليد أو توقيع وغيرهما ونقلها إلى مقصد من مقاصد الولاية لم يعجزه ذلك. ثم قسمته على ثلاثة أقسام:

القسم الأول (ولايات وظائف الديار المصرية؛ وهي على نوعين)

القسم الأوّل (ولايات وظائف الديار المصرية؛ وهي على نوعين) النوع الأوّل (الولايات بالحضرة؛ وهي على ستة أضرب) الضرب الأوّل (ولايات أرباب السيوف؛ وهي على طبقتين) الطبقة الأولى (ذوات التقاليد؛ وهي ثلاث وظائف) الوظيفة الأولى (الكفالة، وهي نيابة السلطنة بالحضرة) وقد تقدّم في الكلام على ترتيب وظائف المملكة في المقالة الثانية أن الكفالة هي أعلى رتب نيابة السلطنة، وأنّ النائب الكافل يحكم في كل ما يحكم فيه السلطان، ويعلّم في التقاليد والتواقيع والمناشير وغير ذلك، بخلاف غيره من النوّاب، فإنّ كل نائب لا يعلّم إلا على ما يختصّ بخاصّة نيابته. وقد تقدّم في مقدّمة الولايات أنّ لقبه «المقرّ الكريم» على ما استقرّ عليه الحال. وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة، كتب بها من إنشاء الشّهاب محمود الحلبيّ «1» رحمه الله، وهي: الحمد لله الذي جعل ركن الدولة في دولتنا القاهرة ثابت القواعد، على فرقد الفراقد، راقيا في رتب العلوّ الآخذة من أفق التأييد بالمطالع ومن نطق العزّ بالمعاقد، حاليا بعقود المهابة التي لا تزال لرعبها على الأعداء طلائع خيل في

المراقب وروائع «1» خيال في المراقد، حاويا من أنواع المفاخر ما لو كاثرته الدّراريّ غدت وهي لمجموعه فراقد، أو فاخرته الدّرر ثقّبتها الأفكار النواقد، مقلّدا من سيوف الظّفر ما لا تنبو في نصرة الإسلام مضاربه؛ وكيف تنبو وأوامرنا لعقود حمائلها على عواتق مجده عواقد. نحمده على نعمه التي عدقت أمور دولتنا بمن يرفع بأسه منارها، وعقدت قواعد مملكتنا بمن يوالي فضله أنوارها، وعضدت همم أوليائنا بمن إذا تخيّلت أعداء الدين مواقع صوارمه كان أمنع صونها إسارها وأنفع سلاحها فرارها. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تشرق الهمم بلوامعها، وتشرف الكلم بجوامعها، وتزكو الأمم بما تنقل الألسنة منها عن القلوب إلى مسامعها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أقامنا الله لنصر دينه، وألهمنا تفويض مصالح أمته إلى كلّ وليّ ما رفعت راية نصر إلا تلقّاها عرابة «2» مجده بيمينه، وعضّدنا في جهاد أعدائه بأعزّ صفيّ ينوب بأسه للجيش عن طليعته ويقوم رأيه في الحرب مقام كمينه، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين اختارهم لصحبته وارتضاهم، وأرهفهم لإقامة ملّته وانتضاهم، فمنهم من فاز بمزيّتي سبقه وتصديقه، ومنهم من كان الشيطان ينكّب عن طريقه، ومنهم من اختار الشهادة على الانتصار بفريقه ورفيقه، ومنهم من أقامه بشرف الأخوّة معه مقام شقيقه، صلاة يبلغه إخلاص مقيمها، ويعرض عليه إيمان مديمها، وسلم. أما بعد، فإنا- من حين أورثنا الله ملك الإسلام لا عن كلالة، وألبسنا في مواقف الذّبّ عن دينه حلل العزّ المعلمة بالجلالة، ومكّن لنا في أرضه، وأنهضنا بمسنون الجهاد وفرضه، ونشر دعوة ملكنا في طول الوجود وعرضه- لم نزل نرتاد لكفالة الممالك الإسلاميّة من تأوي

منه إلى ركن شديد، ورأي سديد؛ وحزم يقرّب من مواهب النصر كلّ بعيد، وعزم إذا أرهف صوارمه من أدنى الصعيد، وجف لهول مواقعها باب الحديد «1» ؛ فهو المطويّ في أثناء ضمائرنا وإن تقلّدنا قبله سواه، والمنويّ في أحناء سرائرنا وإنّما لا مريء ما نواه؛ قد حلب قدم هجرته الدّهر أشطره، وكتب حسن خبرته من عنوان السّير أسطره، وتمثّلت مرآة الزمان لفكره فاجتلى صور الوقائع في صفائها، وترددت تجارب الأمم على سمعه فعلم ما يأتي وما يذر في تركها واقتفائها، واستقبل دولة أسلافنا الشريفة من فواتحها، فكان لسان محاسنها، وبنان ميامنها، وخزانة سرّها، وكنانة نهيها وأمرها، وطليعة تأييدها، وذريعة أوليائها إلى عوارفها وجودها، وعنوان أخبارها، وعنان سوابقها التي لا تدرك مآثر من سلف شقّ غبارها، ويمين قبضتها المصرّفة بين البأس والنّدى، وأمين آرائها المؤيّدة بالتوفيق اللّدنيّ على العدا، وركنها المشيّد بالأسل وهو ما تبنى عليه الممالك، وحصنها المصفّح بالصّفاح فلا تستطيع الأهواء أن تتوقّل «2» إليه تلك المسالك، وزعيم جيوشها التي اجتنت من قصب قواضبه ثمر النّصر غير مرّة، ومتقدّم عساكرها التي اجتلت به وجوه الظّفر الحلوة في أيّام الكريهة المرّة. ولما كان المقرّ الكريم (الفلانيّ) هو معنى هذه الصفات المبهمة، ومبنى هذه القواعد المحكمة، وطراز حلل هذه الأحوال المعلمة، وسرّ المقاصد

الظاهرة، وسلك هذه [النجوم] «1» الزاهية بل فلك هذه الدّراريّ الزاهرة: تحلّق صوادح البراعة، فتقع دون أوصافه بمراحل، وتغوص سوابح اليراعة، فيلقيها العجز عن استخراج درر نعوته بالسّواحل؛ فأوصافه تذكر على وجه الإجمال لضيق نطاق الفصاحة عن تفصيلها، ومناقبه تشكر بلسان الإجماع لعجز ألسنة الأقلام عن بلوغها إلى غايتها ووصولها؛ فلذلك اقتضت آراؤنا الشريفة أن نفسح مجال الهدى، بتفويض إيالة الممالك إليه، وأن نقطع آمال العدا، بالاعتماد في زعامة الجيوش الإسلاميّة عليه، وأن نقرّ عيون الرّعايا بإلقاء مقاليد العدل والإحسان إلى يديه، وأن نصون عقائل الممالك من مهابته بما يغدو سورا لعواصمها، وسوارا لمعاصمها، وشنبا «2» تفترّ ثغورها عن بروقه، أو لهبا «3» يقطع طريق أمل العدا عن تخيّل خيالها في طروقه،: ليعتضد الدّين منه بركنه، ويتغلّب [على] «4» الشّرك في حالتي حربه ووهنه، ويتقلّب كلّ من رعايانا بين وهاد يمنه ومهاد أمنه- رسم بالأمر الشريف- لا زال ملكه عليّ الأركان، راقيا من أفق النصر إلى أعلى مكانة وأرفع مكان- أن تفوّض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالديار المصرية، والممالك الإسلامية، على أكمل العوائد، وأجمل القواعد، تفويضا تمضي أحكامه في الممالك الإسلامية شرقا وغربا، وبعدا وقربا؛ فلا يخرج منها شيء عن أوامره وأحكامه، ولا يعدل في سلمها وحربها عن حكمي سيوفه وأقلامه. فليستقرّ في هذه الرّتبة العالية استقرار الأركان المواكث، والأطواد اللّوابث، والأصول النّوابت، والنجوم الثوابت، مؤثّلا قواعدها برأيه السديد ورايته، معوّذا كمالها بسيف النصر وآيته، مبتدئا في إعلاء منارها من العدل بأقصاه ومن الإحسان بغايته، مكثّرا أعداد الجيوش الإسلامية برأيه السعيد، مقرّبا

من مطامح النّصر النائية كلّ بعيد، موكّلا بحركات العدوّ وسكناته جفنا لا يألف الغرار «1» ، وسيفا لا يعرف القرار، وعزما لا يرضى من عدوّه دون اصطلامه «2» الفرار؛ فلا تزال جيوش الإسلام بجميل تعاهده مزاحة العوائق، مزالة العلائق، لا مانع لها عن الركوب، ولا قاطع عن الوثوب، قد أعدّتها عزائمه، فكلّ زمانها بالتأهّب للّقاء وقت إمكانه، وأمدّت بأسها صوارمه، فهي لا تسأل عن عدد عدوّها بل عن مكانه، مقيما منار العدل الذي هو أساس الملك ودعامته، ورأس الحكم بأمر الله في خلقه وهامته، ونور الخصب الكافل بمصالح العباد والبلاد وعامته «3» ، ناشرا له في أقطار الممالك، ماحيا بنور إقامته آية ليل الظّلم الحالك، معاضدا أحكام الشريعة المطهّرة بالانقياد إليها، والاعتماد في الحلّ والعقد عليها، والاحتفال برفع منارها: فإنّ ذلك من أفضل ما قدّمته الدول الصالحة بين يديها، مقدّما عمارة البلاد على كلّ مهمّ: فإنها الأصل الذي تتفرّع عنه المصالح على افتراقها، والمادّة التي تستطيل الجيوش الإسلاميّة على العدا بتوسعها في إنقادها وإنفاقها، والأسباب التي تعين الغيوث على نماء ما بسط الله لعباده من أرزاقها؛ وآكد مصالحها الرّفق الذي ما كان في شيء إلا زانه، والعدل الذي ما اتّصف به ملك إلا حفظه وصانه؛ فقد جعلنا أمره في ذلك جميعه من أمرنا المطاع، واقتصرنا عن ذكر الوصايا بما في خصائصه الكريمة من حسن الاضطلاع وجميل الاطّلاع، واكتفينا بما في خلائقه الجميلة من محاسن لو تخيّر نفسه لم يزدها على ما فيه من كرم الطّباع؛ والله تعالى يؤيّده وقد فعل، ويجعل ركنه من أثبت قواعد الدّين وقد جعل، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة أيضا، وهي:

الحمد لله الذي زان دولتنا القاهرة من حسامها بتقليده، وصان حمى ممالكنا الشريفة من أوليائنا بمن تغدو مواقع سيوفه من كل عدوّ قلائد جيده، وزاد جلالة الملك بمن إذا ركب في مواكب نيابته أورد جياد رعبه من كل متوّج من ملوك العدا مناهل وريده، وفوّض تقدمة جيوشنا المنصورة إلى من تضاعف مهابته في عيون العدا عدد جنوده، وتغزوه سرايا خيله في يقظته وتطلع عليه طلائع خياله في هجوده، وإذا صلّت سيوفه في موقف وغى أغرت رأس كلّ مستكبر لم يعرف الله قبل ركوعه بسجوده، مشرّف أقدار أوليائنا من المراتب بما تشرف به أقدار المراتب في نفسها، ومفضّل أيام دولتنا على الدّول بما ألفته من جلالة ملكنا في أمسها، ومجمّل سير أصفيائنا من المعدلة بما إذا غرسته في قلوب الرعايا كان الدعاء الصالح ثمرة غرسها، ومقلّد خواصّنا من إيالة الملك ما إذا خطبت به الأقلام على منابر الأنامل نقلت البلاغة في تلك الأوصاف عن قسّها «1» ، ومفيض حلل الأنباء المرقومة بأسنى الرّتب على من إذا زانت حبرها «2» اللابس زانها بلبسها، وإذا أشرقت به هالة المواكب لوغى سقطت فوارس ملوك العدا عن مراكبها واضطربت الأسرّة بملوك فرسها، وإذا كتمته الأعداء أنباءها نطقت ألسنة رياحه بأسرار أهل الشرك ولا يرى أسمع من صمّها ولا أفصح من خرسها، وإذا تطاولت أبطال الوقائع للقائه افترّت ثغور سيوفه عن شنب النصر لإلفها بمعانقة الأعناق وأنسها. نحمده على نعمه التي جادت شرف أسمائنا إلى أسماع المنابر، وأنطقت بمضاعفة الأنباء لأوليائنا ألسنة الأقلام في أفواه المحابر، وأعادت بسيف النصر حقوق ملكنا الذي تلقّيناه مع الأوّلية والأولوية من أسلافنا الكرام كابرا عن كابر. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا تزال سيوفنا بإعلاء منارها

ناهضة، وجياد جهادنا لنشر دعوتها في الآفاق راكضة، وموادّ نعمنا ونقمنا لآمال حامليها باسطة ولأرواح جاحديها قابضة، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أيّده الله تعالى بنصره، وآتاه من معجزاته ما يحول البصر دون حصره، وجعله أمام الأنبياء وإمامهم مع تأخّر عصره، ونصره بالرّعب الذي زحزج كلّ ملك عن سريره وأنزل كلّ متوّج من قصره، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين هجروا في نصرته مألوف الأوطان والأوطار، وركبوا في إقامة ملّته مخوف الأهوال والأخطار، وفتحوا بيمن دعوته ما اشتملت عليه المشارق والمغارب من الأرجاء الممتدّة والاقطار، صلاة لا يزال سيف جهادنا لدوامها مقيما، وحكم جلادنا لإقامتها مديما، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من سمت التقاليد بأوصافه، وصرّفت أمور الممالك بين بأسه وإنصافه، وحلّيت مواقف الخدمة الشريفة من جواهر مهابته بما هو جدير بحلى السيف، وزيّنت مجالس العدل من إيالته بما هو مبرّأ من الميل والهوى منزّه عن الظلم والحيف، وملئت القلوب من مخافته بما يمنع ذا القوّة في الباطل من توهّم البطش وذا الصّبوة في الهوى من استزاره «1» ويحسّن لها الفرار، ويهوّن عليها في جنب ما تتوقّعه من مواقع سيوفه السّبي والإسار، وعدق به من مصالح الأقاليم ما يصرّفه بيمين دأبها اليمن ويسار شأنها اليسار، وفوّضت زعامة الجيوش منه إلى همام يقوم بأمرها على ما يجب، وليث لو لم ينهض بألوفها المؤلّفة في الوقائع لكان من نفسه وحدها في جحفل لجب، ومقدام آلاف العدا في شجاعته آحاد، وضرغام قسور «2» أهل الكفر بين يدي وثباته وثباته وأسودهم تقاد؛ من لم نزل نعدّه في

أركان البيت الشريف المنصوريّ بالخناصر، ونعدّه للمواقف التي ليس للدين فيها غير تأييد الله وحدّ السيف ناصر، وندّخره من معادن أوليائنا الذين تمسّكوا من الانتماء إلينا بأمكن الأسباب وأقوى الأواصر، ونقلّد أعطاف الأواصر منه سيفا يرمى منه بيت العدا ومعاقلهم بأفتك حاصد وأفلل حاصر؛ فكم من مواقف شفع فيها الشجاعة بالخضوع لربّه، ومواطن لبس فيها قلبه على الدّرع إذا لبس غيره الدّرع على قلبه، ومسالك سلكها في طاعة الله وطاعتنا والسيوف تنفر من قربها، ومشاهد شهدها في طاعة الله وطاعتنا والقلوب تفرّ من حجبها، وليال قطعها في خدمتنا لم يصحب غير ألسنة أسنّته وأعين شهبها، ومقاصد للدّين بلغها والسّهام لا تحملها من الفرق قوادم النّسور، وسرايا وقف بينها وبين العدا فضرب بينهم من شجاعته بسور، وبحار حرب لم تتجاسر السوابح على قطعها حتّى مدّ عليها من معوجّات سيوفه قناطر ومن مقوّمات ذوابله جسور، وكم أنام الرعايا في مهاد عدله فلم يطرقهم طيف ظالم في الكرا، ولا روّع سربهم خيال مغير أوهمهم السّرى، بل كانوا محفوظين بمهابته محفوفين بمواهبه وادعين في ظلّه الذي ما دجا عليهم ليل خطب إلا أطلع لهم بدور الأمن في غياهبه. ولما كان (فلان) هو الذي سار بذكر مهابته المثل، وصار له في قلوب الأعداء من الرّعب ما تشابه فيه القاتلان الوجل والخجل، وجمع محاسن الصفات فما أخذ عنه أو نطق به أو نظر إليه إلا وجد ملء المسامع والأفواه والمقل، ولا جرّد على العدا سيفا إلا وودّعت أرواحهم الأجساد، ولا أرهف في مجالس العدل والإحسان قلما إلّا وضمنت له الآجام التي نشأ بها كرم السّيول وسطوة الآساد، ولا طلع في أفق مواكب إلا وهالت العدا هالة بدره، ودلّت على عظم سلطاننا رفعة قدره، وشهدت له بحسن طاعتنا طاعة أمرائنا لأمره، وأسلف من خدمة والدنا السلطان الشهيد ما لم تزل له به عندنا حقوق مرعيّة، وسوابق مرضيّة، ورتبة تقديم سنيّة، ومزية تقريب جعلته مشاهدا بالعيان مقدّما في النيّة- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نروّع العدا بسيفه، ونريهم من تقدمته على الجيوش

يقظة ما كانوا يرونه حلما من طيفه، وليعلم الأعداء معاجلة أخذهم بالعنف والحيف، وأننا لا تأخذنا في الله لومة لائم فليس بيننا وبين أعداء الله ورسوله (صلّى الله عليه وسلّم) إلا السّيف. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت ممالك الإسلام به مفترّة المباسم، عالية مدى المهابة إذا طرقتها عواصف رياح العدا وقفت دون بلوغها دامية المناسم- أن تفوّض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالممالك الإسلامية على العادة في ذلك والقاعدة تفويضا يفيض على الممالك حلل المهابة، ويسلب أعداء الدين رداء الأمن فلا ينفعهم الخضوع ولا الإنابة، ويضاعف لنا أدعية الرعايا الصالحة بإجرائهم على ما ألفوه من العدل والإحسان فمنهم الدعاء الصالح ومن كرم الله الإجابة. فليتقلّد هذه الرّتبة الدّالة على ارتفاع قدره لدينا، الشاهدة له باحتفالنا بما أوجبه إخلاصه من حقوق الطاعة والولاء علينا، المنبّهة على أنه سيفنا الذي نصون الممالك بحدّه، ونصول على العدا بمضائه الذي تهلّل وجوه النصر كلّما أسفر من غمده، وليستقرّ في ذلك نافذا في المصالح الإسلامية أمره، مغيرا على جيوش الأعداء ذكره، معملة في حماية الدّين بيضه المرهفة وسمره، مجمّلة بإشراق طلعته مطالع المواكب، مسيّرة نجوم أسنّته إلى قلوب أعداء الدّين مسير الكواكب، مخفقة بخفوق رايته مساعي الكفر الصادرة عن آمالهم الكواذب، ليعلم عدوّ الله أنه أشدّ طلبا له من أجله، وألزم لعنقه من عمله، وأسبق إليه من رجع صوته، وأنزل عليه من مفاجأة موته، وليجمل النظر في مصالح الجيوش الإسلامية بما يضاعف عدّتها، ويبقي على توالي الأحقاب حدّتها وجدّتها، ويأخذهم بإدامة التمرّن في الحروب، وإطالة عنان التأهّب للرّكوب، ويعين كلّا منهم بملاحظة حاله على استدامة قوّته وإمكانه، ويجعلهم بالاقتباس من شجاعته من القوم الذين لا يسألون عن عدد عدوّهم بل عن مكانه، وليكن لكلمة الشريعة الشريفة رافعا، ولشبه من يمتنع عن الانقياد إلى الأحكام دافعا، وعلى يد من يتطرّق إلى الخروج عن أحكامه آخذا، ولمن لم يسلك

الأدب بين يدي حكّامه بما يقتضيه تعظيم الحكم العزيز مؤاخذا، وليأمر النوّاب بإقامة منار العدل الذي يوم منه خير للأرض من أن تمطر أربعين يوما، ويصرف إلى مصالح الثّغور الإسلامية وحمايتها فكرا لم يختر دعة، ونظرا يأنف أن يألف نوما، وملاك الوصايا تقوى الله وهي من خصائص نفسه الكريمة، وراحة روحه التي هي للفكر في مصالح الإسلام مديمة؛ فليجتهد في المحافظة عليها ما استطاع، ويمض بها في مصالح الإسلام أمره الذي جعلناه من أمرنا مطاع. وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة أيضا، كتب به عن السلطان الملك أبي بكر ابن الناصر محمد بن قلاوون للأمير طقزدمر أمير مجلس «1» ، في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، بعد أن بطلت النيابة في دولة أبيه الملك الناصر عدّة سنين وهي: الحمد لله الذي اصطفى لسلطاننا المنصور من ينوب عنّا في رعاية الجمهور أحسن مناب، وأضفى على ملكنا المعمور من رياسته أسرّ سربال ومن حراسته أجلّ جلباب «2» ، وكفى دولتنا الشريفة بسياسته مهمّات الأمور: فلتأييدها بقيامه دوام ولتشييدها باهتمامه استصحاب، وشفى الصّدور بصدور إشارته المباركة التي لها بأوامرنا العالية اقتران ومن ضمائرنا الصافية اقتراب، وأوفى له من برّنا العميم بحقه الذي [له] «3» بعهده استحقاق للتقديم وإيجاب، وسبقه القديم الذي له من سعيد المصاهرة أكرم اتّشاج ومن حميد المظاهرة ألزم انتساب.

نحمده على أن بصّر آراءنا بطرق الوفاق وسبل الصواب، ونشكره على أن نضّر راياتنا في الآفاق: فلقلوب العدا من خوفها إرهاق وإرهاب. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة منزّهة عن الشّكّ والارتياب، موجّهة إلى قبلتها التي ترضاها الألباب، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أظفر عزمه بالثّبات وقهر خصمه بالتّباب «1» ، ووفّر قسمه من الإنجاد ويسّر حزبه للإنجاب، وأظهر اسمه بعد اسمه فحلا في الأفواه ذكره وطاب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين سلكوا من بعده في رعاية عهده أحسن الآداب، صلاة متصلة الأسباب، موصّلة إلى خير مال متكفّلة بنعم باب «2» لا يزال لسحب جودها في الوجود انصباب، ولمقترب وفودها ورود إلى مظانّ الرّضوان من غير إغباب «3» ، ما جرّد انتقامنا على الأعداء سيف سطا يقدّ الرّقاب، وأورد إنعامنا الأولياء بحر ندى زاخر العباب، وجدّد قيامنا بعلم هدى مرّت عليه الأعوام وما لمح له أثر ولا فتح له باب، واعتمد مقامنا الشريف، في الجمع للقلوب والتأليف، على أعلى وليّ وأعلى جناب، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فإنّ أولى من اعتمدنا في الإنجاب والإنجاح على ديانته، وانتجدنا فيما أردنا من الاستصحاب للصّلاح بإعانته، واعتضدنا في تقطين الممالك وتأمين المسالك بصيالته وصيانته، ورعينا عند والدنا الشهيد- سقى الله عهده صوب «4» الرّضوان- على علوّ مكانه ودنوّ مكانته، فاكتفينا في كفالة الأمّة وإيالة النّعمة بخشيته من ربّه واستكانته- من حمدت سجاياه، وتعدّدت مزاياه واستندت إلى ما أمر الله تعالى به من العدل والإحسان في الأحكام قضاياه، ووجدت منه الزّهد والرّفق رعاة الإسلام ورعاياه، فهو الممدوح فعله، من جميع

الألسنة، الممنوح فضله، في سائر الأزمنة، الملموح عليه آثار القبول الظاهر من عناية الله لما نواه من الخير لخلق الله وأبطنه، فهو عاضد السلطنة الذي حلّ من العلياء موطنه، وكافل المملكة الذي سبق إلى كلّ مجد فأدركه، وسيف الدولة الحامي الحوزة البادي الصّولة، ومن له اشتمال على العليا، ومن يقارن التحقيق له رأيا، ولا يباين التوفيق له سعيا، ويعاون الهدى والنهى على طول المدى له أمرا ونهيا، ويعاين الورى لسلطاننا المنصور منه مهديّا يجمل لدولتنا حفظا ويحسن لملكنا رعيا. وكان فلان هو الذي لم يزل متعيّن المحاسن، متبيّن الميامن، متمكّن الرّياسة في كل الأماكن؛ فحلمه إذا اضطربت الجبال الرّواسي ثابت ساكن، وعلمه الزائد بأوضاع السّياسة وأنواع النّفاسة للوجود من بهجته زائن، ورأيه الصائب للبلاد والعباد صائن، ورعيه للخلق بالحق: القويّ منه خائف والضعيف إليه راكن، وبشره هاد للرائي وباد للمعاين، وذكره الجميل سائر في الآفاق والأقطار والمدائن، حتّى أظهر الله تعالى بإمداد نيّرنا الأعظم من إشراق بدره الكامل ما هو في سرّ الغيب كامن، وشهر سيفه الذي يغدو الإيمان من مهابته في كنف منيع وحرم آمن. ولما مضت على منصب النيابة الشريفة في أيّام والدنا الشهيد بضع سنين، وانقضت الأيام والليالي والدهر بموهبتها ضنين، ولا وطيت لها ربوة، ولا امتطيت لها صهوة، وكانت في سلك ملكه مندرجة، وبصفو سلطنته ممتزجة، إلى أن قضى عليه الرّضوان النّحب، وأفضى من الجنان إلى المحلّ الرّحب، رأينا بعده بمن كان يتحقّق ودّه أن نستأنس، وأمضينا وصيّته المباركة في اختيار ثمرة الإخلاص بمن كان له الاختصاص يغرس، وأفضينا إليه بالمناب عنّا لما كان من أنوار والدنا الشهيد في كل تسديد يقتبس، ومن الاستئثار بمجالسته يفوز فيحوز حكم الحكم لأنه كان أمير ذلك الملجس، وقضينا باعتماد أمره الكريم بعد أمرنا الشريف: لأنه الخبير الذي لا ينبهم عليه شيء من خفايا القضايا ولا يلتبس- اقتضى حسن الرأي الشريف إلقاء ما في أيدينا من مقاليد الممالك إلى

يده، وإبقاء وديعة هذا الأمر العظيم إلى صونه وعونه وتشدّده، وإيفاء جنابه إلى حميد هذه الغاية التي هي للمناسبة مناسبة لسؤدده. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يجمع شمل الإسلام بتعيّنه وتفرّده، ويرجع أمر الأنام منه إلى مأمون الرأي رشيده سفّاح السّيف مهنّده، منصور العزم مؤيّده، ويوسع الخليفة إذا وليهم بالرأفة والرحمة ومن أولى من أبي بكر بأن يخصّ أصحاب محمد عند الخلافة بإعذاب منهل الجود ومورده- أن تفوّض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالممالك الإسلامية- أعلاها الله تعالى- نيابة شاملة محيطة، كاملة بسيطة، تعني كلّ أمير ومأمور، وتدني أمرها الذي يعامل بالإجلال ويقابل بالسّرور، برّا وبحرا، وسهلا ووعرا، غورا ونجدا، بعدا وقربا، شرقا وغربا، وما منحه الله تعالى لوالدنا الناصر من الممالك ويدّخر لسلطاننا المنصور ويخبى: تستوعب أمر ما نأى من هذه الأقاليم ودنا، وتجب طاعته فيها على كلّ من كان مؤمنا، ويمتثل في ذلك كلّه أمره، وتعمل فيه الرويّة فيجمل فكره، ويؤمّل فيه فتحه ونصره، وينقل به مدحه وشكره، ولا ينفصل منحه وبرّه ناظرا في هذه النيابة الشريفة بفكره التامّ، سائرا فيها السير الجميل من الدّربة والإلهام، ناشرا ظلال المعدلة على من سار أو أقام، مظاهرا بجنابه منّا أجلّ مقام. ونحن وإن كنا نتحقّق من خلاله الحسنى كلّ وصف يسنى، ونثق منه بذي الصدر السليم الذي هو على المقاصد يعان وبالمحامد يعنى، فلسنا نخلّ بالوصية التي نعلم أنّ له عنها استغنا، ولكننا لا نترك بها التبرّك ولا ندع ما سنّ الله تعالى منها وشرع، ولا نغفل ما يجب به أن يحتفل؛ فقد وصّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصحابه، وأمضى أمره المسموع كلّ ذي رجوع إلى الله تعالى منهم وإنابة، فقد أولاه الله تعالى كلّ جميل قبل أن ولّاه، وحلّاه بالسّمات والمكرمات قبل أن رفع علاه، وأعطاه ما أرهب العدا من سطاه، وهداه إلى كلّ رشد تأتمّ به الهداة. فأهمّ ذلك تقوى الله تعالى وهو عليها مجبول، وأمرها عنده متلقّى بالقبول، والعدل فهو منه مأمول، والاتّصاف بالإنصاف فهو دأبه فيما يفعل

ويقول، والجهاد: فعزائمه في ميدانه تجول، وصوارمه بها من قراع فرسانه فلول، والزّعماء والأكابر: فلهم من محافظته اعتناء وبملاحظته شمول، والعساكر الإسلاميّة: فبتأييده تبطش أيديهم بالعدا وتصول، وزعماء البلاد فلهم إلى ظلّ رحمته إيواء وبكنف نعمته ظلول، وممالك الإسلام فما منها إلا معمور بما أوته كفالته مأهول، وثغوره فكلّها بسّام بفتكاته التي ألقى رعبها في البحر فهو بين كلّ فاجر وبين البحر يحول، وما هو بذلك من حميد المسالك موصول، ومحلّه المقدّم لأنه أهمّ الأصول: من إكرام الحكّام، وإبرام الأحكام، واستيفاء الحدود، واقتفاء السّنن المعهود: من إنجاز الوعود، وإحراز السّعود، والإجهاز على كلّ كفور وجحود، والاحتراز من فظاظة الناس بإفاضة الجود؛ فكلّ ذلك على خاطره مسرود، ولما آثره مورود، وفي ذخائره موجود، ومن خبرته معلوم معهود، وعن فكرته مشهور، ومن فطرته مشهود؛ فليسع أمرنا هذا جميع الأمراء والجنود، وليرجع إليه كلّ من هو من جملة الملّة معدود، وليقابل مرسومنا بالسمع والطاعة، أهل السنة والجماعة، ساعة الوقوف عليه وحالة الورود، والله تعالى يصلح ببقائه الوجود، ويمنح باهتمامه المقصود، ويفتح المعاقل باعتزامه الذي ليس بمردود عن مراده ولا مصدود، بل يصبح الكفر من خوفه محصورا ويمسي وهو بسيفه محصود؛ والعلامة الشريفة أعلاه، حجة بمقتضاه؛ إن شاء الله تعالى. وهذه وصيّة لنائب سلطنة، أوردها في «التعريف» قال: يوصى بتقوى الله تعالى وتنفيذ الأحكام الشرعيّة، ومعاضدة حكّامها، واستخدام السّيوف لمساعدة أقلامها، وتفقّد العساكر المنصورة وعرضها، وإنهاضهم لنوافل الخدمة وفرضها، والتخيّر للوظائف، وإجراء الأوقاف على شرط كلّ واقف، والملاحظة الحسنى للبلاد وعمارة أوطانها، وإطابة قلوب سكّانها، ومعاضدة مباشري الأموال مع عدم الخروج عما ألف من عدل هذه الأيام الشريفة وإحسانها، وتحصين ما لديه، وتحسين كلّ ما أمره إليه،

الوظيفة الثانية (الوزارة لصاحب سيف)

واستطلاع الأخبار والمطالعة بها، والعمل بما يرد عليه من المراسيم المطاعة والتمسك بسببها؛ وأنه مهما أشكل عليه يستضيء فيه بنور آرائنا العالية فهو يكفيه، ومن قتل من الجند أو مات وخلّف ولدا يصلح لإقطاعه يعيّن له ليقوم بمخلّفيه، ويقال من هذا ما يقوم بتمام الغرض ويوفّيه. الوظيفة الثانية (الوزارة لصاحب سيف) واعلم أنّ أوّل من أطلق عليه لقب الوزارة في الإسلام «أبو حفص الخلّال» وزير أبي العبّاس السّفّاح أوّل خلفائهم «1» كما ذكره القضاعيّ في «عيون المعارف «2» في أخبار الخلائف» ثم صارت الوزارة بعد ذلك للخلفاء والملوك دائرة بين أرباب السّيوف والأقلام، تارة يليها صاحب سيف وتارة يليها صاحب قلم؛ إلا أنها في أرباب الأقلام أكثر،، وعلى ذلك جرى عرف الديار المصرية من ابتداء الأمر وإلى الآن. ومما ينبّه عليه أنّ الوزير إذا كان صاحب سيف، كان في مجلس السلطان قائما في جملة الأمراء القائمين، وإذا كان صاحب قلم، كان جالسا كما يجلس أرباب الأقلام: من كاتب السرّ وغيره. وهذه نسخة تقليد بالوزارة، كتب به للأمير سيف الدين بكتمر «3» وهي: الحمد لله الذي شدّ أزر دولتنا القاهرة، من أوليائنا بأمضى سيف، وعضّد أيامنا الزاهرة، من أصفيائنا بأعدل وليّ لا يوجد في حكمه حيف، وعدق تدبير

أمور ممالكنا الشريفة بمن تحجب مهابته ذوي الأطماع الطامحة عمّا لا يحب، فلا يلم بهم فيها خاطر [ولا] «1» يطرقهم بها طيف، جاعل التأييد لآرائنا مصاحبا، والتوفيق موافقا لأوامرنا التي لا تهمل من مصالح الإسلام مندوبا ولا تدع من مهمّات الملك واجبا، والإقبال تاليا لمراسيمنا في ارتياد من يغدو قلب المحقّ من حيفه ساكنا وقلب المبطل من خوفه واجبا، واليمن تابعا لاستخارتنا في انتخاب من لم يزل في خدمتنا الشريفة للأدعية الصالحة جالبا، ولمنافع الإسلام والملك طالبا، ولمضارّهما حاجبا. نحمده على نعمه التي عضّدت أيامنا بمن جمعت أدواته، رتبتي السيف والقلم، وعدقت تدبير ممالكنا بمن أحرزت [صفاته] «2» ، مزيّتي العلم والعلم، وشدّ أزر دولتنا بمن يبيّض بمعدلته من صحائف أيّامنا ما هو أحبّ إليها من حمر النّعم. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نعدّها للقائه، ونتيمّن بها في افتقاد من نعتضد به في مصالح أهلها وانتقائه، ونقدّمها أمام كل أمر ندّخره لاعتلاء وليّنا بالتقى وارتقائه، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أرسله إلى الأمم طرّا، وخصّه بالأمّة التي جعل أمارة سبقها إلى الخيرات أن غدت محجّلة غرّا، وأيّده بنصره وبالمؤمنين الذين ما منهم إلا من أعرض عن زخرف الدنيا وإن كان حلوا وقال الحقّ وإن كان مرّا، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ولوا أمته فعدلوا، والذين تمسّكوا بسنن سنّته فما حادوا عنها ولا عدلوا، صلاة لا تزال الألسن لإقامتها مديمة، والقلوب لإدامتها مقيمة، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن أولى من أبرزت الضمائر، في الاعتضاد به مكنون طويّتها، واعتمدت الخواطر، في تصريح علانيتها بأولويّته لمصالح الإسلام على نيّتها، وتشوّفت البلاغة لرقم مفاخره، وتنافست المعاني في تخليد مآثره، وهنّأت

المعدلة نفسها، برافع لوائها، وأبّدت الدولة أنسها، بناشر برّها في الأقطار وآلائها، وافترّت ثغور الاقاليم المحروسة بمن تلهج بمصالحها ألسنة أقلامه، واخضرّت ربى آمال الأولياء بما يسفر عنه من تهلّل بهاء غرر أيامه، من هززنا منه لمصالح الإسلام سيفا يصل ما أمر الله به أن يوصل، ويفصل من مهمّات الممالك ما يقتضي الحقّ أن يفصل، ويبرز من معادن العدل والإحسان ما هو في سرّ خلائقه كامن، وينزل من استقامت سيرته في الحمى المخصب والحرم الآمن، ويصون الأموال بمهابته فلا تمتدّ إليها هواجس الأطماع، ولا تتجاسر أبصار غير الأمناء أن تقصّ نبأ رؤيتها على الأسماع، ويضاعفها بخبرته التي تهديها الأمانة إلى معادنها، وتدلّها النزاهة على مواطنها، وتبدي لها ظواهر الأعمال أسرار بواطنها، ويعمّر بيوت الأموال بعمارة البلاد، ويثمّر فروع الطّوارف من مصالحها بحفظ أصول التّلاد «1» ، ويكفّ أكفّ الظلم عن الرعايا فلا يخشى محقّ على حقه، ولا يخاف مستقيم على ما قسم له من رزقه، ولا يطمح قويّ إلى من يستضعف جانبه، ولا يطمع باغ في الحيف على أحد مخالطه في نشب «2» كان أو مجانبه. ولما كان الجناب العالي (الفلانيّ) هو الذي أشير إلى مناقبه، واعتضد منه بمطيع لله في السرّ والعلن ومراقبه، وفوّض تدبير الممالك منه إلى من لا تأخذه في الحق لومة لائم، واعتمدت أيامنا الزاهرة منه على من طالما سرى في مصالحها على جياد العزائم، وشدّ أزر الملك من موازرته بمن يكسو دست الوزارة أبّهة وجلالا، ويلبس منصبها سنا لو ملكته الشمس مارامت عن بروج شرفها انتقالا، ويمدّ على الرعايا لواء عدل لا يقلّص له هجير الظلم كما تتقلّص الظلال ظلالا، وتطلع به شموس الأرزاق على أولياء دولتنا لكن لا ترهب

كالشّموس غروبا ولا زوالا، مع مهابة تخيف الأسد في أجماتها، ومعدلة تعين الغيوث على رفع محول البلاد ودفع أزماتها، وديانة زانها التّقى، وخبرة صانها الورع وهما أفضل ما به يرتقى. وكانت الوزارة الشريفة نظام المملكة وقوامها، وذروة الدولة وسنامها، وتاج المراتب وإكليلها، وعتاد الخزائن الجامع دقيق المصالح الإسلامية وجليلها- اقتضت آراؤنا الشريفة أن تزيّن هذه الرتبة بجوهر فرنده، وأن يصدر منصبها عن مناقب لا تصدر إلا عن جهته ومفاخر لا ترد إلا من عنده، وأن يطلق في مصالحها قلمه، ويمضي في قواعدها إشاراته وكلمه، ويطلع في أفقها شمس تدبيره، ويعدق به ما يراه في أمورها من صغير الأمر وكبيره، وأن نجعل مسامع الأقاليم على سعتها إلى أوامره ونواهيه مصغية، وأن نصدّ بسمعته عمن بعد عوارض الإمهال الملهية ومواقع الإهمال المطغية. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت سحائب برّه مستهلّة، وركائب المحامد إلى حرم نعمه مهلّة- أن تفوّض إليه الوزارة الشريفة بالممالك الإسلامية على أكمل القواعد، وأجمل العوائد، تفويضا يعلي مرامه، ويمضي مضاء ألسنة الأسنة أقلامه، ويبسط في مصالح الأقاليم المحروسة يده ولسانه، ويلقي إليه من مهمّات كلّ قطر أزمّته ليصرّف على ما يراه من المصالح عنانه. فليستقرّ في هذه الرّتبة السنية استقرار الدّرر في أسلاكها، والدّراريّ في أفلاكها، نافذ الأمر في مصالح شرقها وغربها، مطاع القول في بعد أماكنها منه وقربها، ناشرا كلمة العدل في أرجائها، محققا بالإحسان آمال أمم قصرت على كرمنا ممدود رجائها، معليا منار الشرع الشريف بمعاضدة حكّامه، والوقوف عند أوامره المطاعة وأحكامه، حافظا أقدار الرّتب بأكفائها، معتمدا على ذوي البيوت المحافظين على اتّباع سير أسلافهم واقتفائها، معوّلا على ذوي الخبرة التامة مع الدّيانة، مراعيا مع ظهور المعرفة جانب العفّة والنّزاهة والصّيانة، موكّلا بمصالح بيوت الأموال والخزائن المعمورة موادّ الأموال ومعينها، صارفا إلى عمارة البلاد

الوظيفة الثالثة (الإشارة، وهي وظيفة قد حدثت كتابتها ولم يعهد بها كتابة في الزمن القديم)

جميل تدبير تعتضد البحار والسّحب منه بمساعدها على ريّ الأرض ومعينها، ميسّرا موادّ أرزاق خدم دولتنا القاهرة وأوليائها بجميل بشره وحسن روائه، مسهّلا مطالب أرباب الرواتب والصّدقات بطلاقة وجه لو تأمله امرؤ صادي الجوانح لارتوى من مائه،: ليتوفّر أهل الوظائف على خدمهم بقلوب منبسطة الآمال، ويناضل عنها الفقراء بسهام «1» الليل التي لا تطيش إذا طاشت النّبال؛ فقد جعلنا أمره في ذلك جميعه من أمرنا فليكتب يمتثل، وليقل في مصالحنا بما يراه يسر كلامه سريّ الرياح ويسر قوله سير المثل، ولا يمض عقد ولا حلّ، ولا ولاية ولا عزل، ولا رفع ولا خفض، ولا إبرام ولا نقض، إلا عن رأيه وإشارته، وبنصّ خطّه وعبارته. وفي سيرته السّريّة، وديانته التي هي من أسباب الهوى عريّة، ما يغني عن وصايا تملى على فكره، وقواعد تجلى على ذكره؛ وملاكها تقوى الله: وهي من أخصّ أوصافه، ونشر العدل والإحسان وهما من نتائج إنصاته لأمور الرعايا وإنصافه؛ لكن على سبيل الذّكرى التي تنفع المؤمنين، وترفع درجات المتقين؛ فليجعلها نجيّ خاطره، وقبلة ناظره؛ والله تعالى يعلي قدره وقد فعل، ويجعله من عباده المتقين وقد جعل؛ بمنّه وكرمه. والاعتماد [على الخط الشريف أعلاه] «2» إن شاء الله تعالى. الوظيفة الثالثة (الإشارة، وهي وظيفة قد حدثت كتابتها ولم يعهد بها كتابة في الزمن القديم) وهذه نسخة تقليد أنشأته بالإشارة للأمير جمال الدين يوسف البشاسي «3»

إستادار في الدولة الناصرية فرج، حين فوّضت إليه الإشارة مضافة إلى الإستداريّة، وكتب له به المقرّ الشمسيّ العمريّ كاتب الدّست الشريف، في شعبان سنة تسع وثمانمائة، وهي: الحمد لله الذي جدّد للديار المصريّة بالمحاسن اليوسفيّة رونق جمالها، وأعزّ جانبها بأجلّ عزيز ملأت هيبته الوافرة فسيح مجالها، وأسعد جدّها بأسعد مشير أدارت آراؤه الصائبة متقاعس الأمور ما بين يمينها وشمالها، وأكرم مآبها بأمثل كاف عاد حسن تدبيره بضروب من المصالح أنام الخلق في ظلالها، وأجاب سؤلها بأكمل لم تعدل عن خطبتها له وإن أطال في مطالها. نحمده على أن أغاث الدولة القاهرة بمن أخصب به بعد الإمحال ربعها، وطال بطوله بعد القصور فرعها، وحسن في المناظر بحسن تأتّيه لذي التأمّل ينعها. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي شرع المشورة وحثّ عليها، وعدق أمور السيف والقلم بها فردّهما عند اختلاف الرأي إليها، شهادة ترفع قائلها إلى أسنى المراتب وتعليه، وتقرّب المخلص في انتحالها من مقام الاستخلاص وتدنيه، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي ورد وارد الأمة من منهل شرعته المطهّرة ما عذب مشرعه وردا وصدرا، والتقطت السّيّارة أحاديث فضله فصيّرتها للرّفاق سمرا، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين تقيّلوا مساحب أذياله في العدل فعدلوا، ولزموا منهج سننه الواضح فما حادوا عن سواء السبيل ولا عدلوا، صلاة تفوق العدّ حصرا، وترفع بركاتها عن الأمة حصرا وتبدّل العسر يسرا، فتعيد عجاف الزمان سمانا وسنبلات الوقت بعد اليبس خضرا، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فإنّ للمملكة قواعد تبنى عليها، وأركانا تستند إليها، ودعائم يشدّ بالاعتضاد بها بنيانها، وعمدا يعتمد عليها في المهمّات سلطانها؛ وهذه المباني وإن اتّسع نطاقها، وامتدّ بامتداد المملكة رواقها، فإنّ بالسيف والقلم قوامها،

وبالتعلّق بحبالها بقاءها ودوامها؛ إذ كانا قطبين عليهما مدار فلكها، ونقطتين عنهما ينشأ الخطّ المستقيم في تدبير ملكها، وزعيمين يترافع إليهما عند التخاصم، وحكمين يرجع إلى حكمهما عند التّحاكم؛ إلا أنهما لا يستقلّان عند التحالف، ولا يقوم أحدهما برأسه لدى التّخالف؛ بل لهما إمام يرجعان إليه، ويعوّلان عند اضطراب الأمور عليه، وهو الرأي الذي لا يقطع أمر دون حكمه، ولا يهتدي سار في مهامه المهمّات إلا بنجمه؛ إذ كان على الشجاعة مقدّما، ودليله من المعقول والمنقول مسلّما، والمتّسم به لا يزال عند الملوك مبجّلا معظّما، لا يقدّمون عليه ولدا ولا والدا، ولا يؤثرون على معاضدته عضدا ولا ساعدا، إن أشار برأي تمسك الملك منه بالحبل المتين، أو محضه كلام نصح قال: إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ «1» ولما كان الجناب العاليّ، الأميريّ، الكبيريّ (إلى آخر ألقابه) يوسف الناصري: ضاعف الله تعالى نعمته، هو الذي حنّكته التّجارب و «حلب الدّهر أشطره» وعرف بتقليب الأمور على ممرّ الزمان مخبره، مع ما اشتمل عليه من الرأي الصائب، والفكر الذي إذا أبدت قريحته في الارتياء عجبا أتت فطرته السليمة بالعجائب. هذا وقد علا في الدولة القاهرة مقامه، ورشقت أغراض مقاصدها بانقضاء الآجال في الوقائع سهامه، وساس العساكر فأحسن في سياستها التدبير، وبذل في نفقاتها الأموال فمال فيها إلى الإسراف دون التقتير، واستجلب الخواطر فأخذ منها بمجامع القلوب، واقتاد النفوس الأبيّة قهرا فأطاعه من بين الشّمال والجنوب، وقام من المهمّات الشريفة بما لم يسبقه إليه سابق، وأتى من خوارق العادات في التنفيذ بما لم يلحقه فيه لاحق، وبادر إلى ترتيب المصالح فرتّبها ولم يعقه في انتهاز الفرصة عن دفع المفاسد عائق، وأخذ في حطّ الأسعار فورد منهلا من المعروف صافيا، وأمر بإبطال المعاملين فكان له عملا على توالي

الأزمان باقيا، ولازم بعد رضا الله تعالى رضا ملكه ففاز بأشرف المآثر في الحديث والقديم، وتأسّى في تعريفه بنفسه بيوسف عليه السّلام فقال: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ «1» - اقتضى حسن الرأي الشريف تنويهنا بذكره، وتقديمه على غيره ممن رام هذه الرتبة فحجب دونها وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ «2» فلذلك رسم بالأمر الشريف العاليّ، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الناصريّ، الزينيّ- لا زال يجمع لأوليائه شمل المعالي، ويرقّي أصفياءه في درجات العزّ على ممرّ الأيّام والليالي- أن تفوّض إلى المشار إليه الإشارة الشريفة التي هي أسنى المقامات وأعلاها، وأقصى المرامات لدينا وأغياها، مع ما انضمّ إلى ذلك من النظر في الوزارة الشريفة التي جلّ قدرها، وعلا في المناصب ذكرها، والخاصّ الذي اختص بمهمّاتنا الشريفة، والديوان المفرد «3» الذي غمر من ممالكنا السعيدة ذا الوظيفة وغير ذي الوظيفة، وتعلقات المملكة شرقا وغربا، ولوازمها المفترقة بعدا وقربا. فليتلقّ ما فوّض إليه بيمينه التي طالما ربحت في الطاعة صفقتها، ويقابله بالقبول الذي محلّه من القلوب مهجتها، مقدّما تقوى الله تعالى فيما خفي من مقاصده وظهر، مؤثرا رضاه في كل ما يأتي ويذر، معتمدا في المصالح اعتماد ذي اليقظة الساهر، آتيا من غرائب الرّغائب بما يحقّق قول القائل: «كم ترك الأوّل للآخر» . والوصايا كثيرة ومن بحره تستخرج دررها، ومن سوابق آرائه تستوضح

الطبقة الثانية (ممن يكتب له من أرباب السيوف ذوات التواقيع، وفيها وظائف)

أوضاحها وغررها، والله تعالى يديم عليه نعم إقبالنا الباطنة والظاهرة، ويتولّاه من العناية بما يحقّق له دائم قوله: أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ «1» . والاعتماد على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه، إن شاء الله تعالى. الطبقة الثانية (ممن يكتب له من أرباب السيوف ذوات التواقيع، وفيها وظائف) الوظيفة الأولى (نظر البيمارستان لصاحب سيف) الحمد لله رافع قدر من كان في «2» خدمتنا الشريفة كريم الخلال، ومعلي درجة من أضفى عليه الإخلاص في طاعتنا العلية مديد الظّلال، ومجدّد نعم من لم يخصّه اعتناؤنا بغاية إلا رقّته هممه فيها إلى أسنى رتب الكمال، ومفوّض النظر في قرب الملوك السالفة إلى من لم يلاحظ من خواصّنا أمرا إلا سرّنا ما نشاهد فيه من الأحوال الحوال «3» . نحمده على نعمه التي لا تزال تسري إلى الأولياء عوارفها، ومناهله التي لا تبرح تشتمل على الأصفياء عواطفها، وآلائه التي تسدّد آراءنا في تفويض القرب إلى من إذا باشرها سرّ بسيرته السريّة مستحقّها وواقفها. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة رفع الإخلاص لواءها، وأفاض الإيمان على وجوه حملتها إشراقها وضياءها، ووالى الايقان إعادة أدائها بمواقف الحق وإبداءها. ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله المخصوص بعموم الشفاعة العظمى،

المقصوص في السّنّة ذكر حوضه الذي من شرب منه شربه فإنّه بعدها لا يظما، المنصوص على نبوّته في الصّحف المنزّلة وبشّرت به الهواتف نثرا ونظما، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين فازوا من طاعته، بالرّتب الفاخرة، وحازوا بالإخلاص في محبته، سعادة الدنيا والآخرة، وأقبلوا على حظوظهم من رضا الله ورضاه فلم يلووا على خدع الدنيا الساحرة، صلاة دائمة الاتّصال آمنة شمس دولتها من الغروب والزّوال، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى الأمور بالنظر في مصالحها، وأحقّها بتوفير الفكر على اعتباد مناهجها واعتماد مناجحها، أمر جهات البرّ التي تقرّب بها السلطان الشهيد الملك المنصور (قدّس الله روحه) إلى من أفاض نعمه عليه، وتنوّع في إنشائها فأحسن فيها كما أحسن الله إليه، ورغب بها فيما عند الله: لعلمه أنّ ذلك من أنفس الذخائر التي أعدّها بين يديه، وحلّ منها في أكرم بقعة نقله الله بها عن سريره إلى مقعد صدق عند ربّه، وعمر بها مواطن العبادة في يوم سلمه بعد أن عفّى بها معاقل الكفر في يوم حربه، وأقام بها منار العلوم فعلا منالها، وأعدّ للضّعفاء بها من موادّ البرّ والإلطاف ما لو تعاطته الأغنياء قصرت عن التطاول إليه أموالها؛ وأن نرتاد لها من إذا فوّضنا إليه أمرا تحقّقنا صلاحه، وتيقّنّا نجاحه، واعتقدنا تنمية أمواله، واعتمدنا في مضاعفة ارتفاعه وانتفاعه على أقواله وأفعاله، وعلمنا من ذلك ما لا نحتاج فيه إلى اختبار ولا اعتبار، ولا يحتاج في بيان الخيرة فيه إلى دليل إلا إذا احتاج إليه النّهار، لنكون في ذلك بمثابة من ضاعف لهذه القرب أسباب ثوابها، أو جدّد لها وقفا: لكونه أتى بيوت الإحسان في ارتياد أكفاء النّظر لها من أبوابها. ولما كان فلان هو الذي نبّهت أوصافه على أنه ما ولي أمرا إلا وكان فوق ذلك قدرا، ولا اعتمد عليه فيما تضيق عنه همم الأولياء إلا رحب به صدرا، ولا طلع في أفق رتبة هلالا إلا وتأمّلته العيون لأجلّ رتب الكمال بدرا، يدرك ما نأى من مصالح ما يليه بأدنى نظر، ويسبق في سداد ما يباشره على ما يجب سداد الآراء ومواقع الفكر. ونحن نزداد غبطة بتدبيره، ونتحقّق أنّ كل ما عدقنا به إليه

الوظيفة الثانية

من أمر جليل فقد أسندناه إلى عارفه وفوّضناه إلى خبيره- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نعدق بجميل نظره هذا المهمّ المقدّم لدينا، وأن نفوّض إليه نظر هذه الأوقاف التي النظر في مصالحها من آكد الأمور المتعيّنة علينا. فرسم بالأمر الشريف- لا زال فضله عميما، وبرّه يقدّم في الرّتب من كان من خواصّ الأولياء كريما- أن يفوّض إليه كيت وكيت. فليل هذه الرتبة التي أريد بها وجه الله وما كان لله فهو أهمّ، وقصد بها النفع المتعدّي إلى العلماء والفقراء والضّعفاء ومراعاة ذلك من أخصّ المصالح وأعمّ، ولينظر في عموم مصالحها وخصوصها نظرا يسدّ خللها، ويزيح عللها، ويعمّر أصولها، ويثمّر محصولها، ويحفظ في أماكنها أموالها، ويقيم بها معالم العلوم في أرجائها، ويستنزل بها موادّ الرحمة لساكنها بألسنة قرّائها، ويستعيد صحّة من بها من الضعفاء بإعداد الذّخائر لملاطفة أسقامها ومعالجة أدوائها، ويحافظ على شروط الواقف في إقامة وظائفها، واعتبار مصارفها، وتقديم ما قدّمه مع ملاءة تدبيره باستكمال ذلك على أكمل ما يجب، وتمييز حواصلها بما يستدعي إليها من الأصناف التي يعزّ وجودها ويجتلب، وضبط تلك الحواصل التي لا خزائن لها أوثق من أيدي أمنائه وثقاته، ولا مودع لها أوفق من أمانة من يتّقي الله حقّ تقاته؛ فلذلك وكلناه في الوصايا إلى حسن معرفته واطّلاعه، ويمن نهوضه بمصالحنا واضطلاعه، إن شاء الله تعالى. الوظيفة الثانية (نظر الجامع الطولوني) «1» من إنشاء المقرّ البدريّ «2» ابن المقرّ العلائيّ بن فضل الله صاحب ديوان

الإنشاء الشريف، في الدولة الظاهرية برقوق، كتب به المقرّ الشمسيّ العمريّ كاتب الدّست الشريف لأبي يزيد الدّوادار، وهي: الحمد لله الذي أقام من أوليائنا خير ناظر، يقرّ به كل ناظر، وأدام بنا بناء المعروف الزاهر وحسنه الباهر، وأنام الأنام في مهاد الأمن بانتقاء وليّ لسان الكون حامد له ومادح وشاكر، وفتح أبواب السعادة باصطفاء صفيّ طاب بسفارته كلّ خاطر من مقيم وخاطر، ومنح أسباب السيادة بأوفى وفيّ عمر بوجوده الوجود وغمر بجوده كلّ باد وحاضر، وأبصر بالدين المتين والفضل المبين فأقمناه للنظر على بيوت الله تعالى لأولويّته بذلك: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ «1» . نحمده على نعمه التي ظهرت «2» بالمزيد فسرّت السرائر، وظهرت بنور الرّشد المديد فأشرق بها الباطن والظاهر، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز القادر، شهادة صدقت في الإخلاص بها الألسنة والضمائر، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله معدن الأسرار، وبحر الجود الزاخر، ومنبع الأنوار، صاحب الآيات الظاهرة والمعجزات الباهرة والمفاخر، الذي يبعثه الله مقاما محمودا يحمده الأوائل والأواخر، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه النّجوم الزّواهر، الذين جاهدوا في الله حقّ جهاده فكان كلّ منهم للدّين الحنيف أعظم مجتهد ومؤيّد وناصر، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن أولى من ألقيت إليه مقاليد الأمور، وصرّفناه في جميع مصالح

الجمهور، وفوّضنا إليه النظر في بيوت الله تعالى ليعمرها بنظره السعيد وتضاعف له الأجور، ومكّنّا له في دولتنا الشريفة حتّى صار قطب فلكها عليه تدور، وبسطنا يده ولسانه فهو ينطق عنّا ويأمر بالقضاء والقدر في الورود والصّدور، وقيّدنا الأرزاق بقلمه، والمهمّات بكلمه، فلا فضل إلا من فيضه المنشور- من امتاز على غيره بفضيلتي السّيف والقلم، وتقدّم في الطاعة الشريفة بأثبت قدم، كان بها من السابقين الأوّلين من القدم، واتّصف بالشّجاعة والشّهامة والمعرفة التامّة والحلم والعدل والحكم؛ فهو التّرجمان عنّا الناطق بفصل الخطاب في السّرّ للتّرك والعرب والعجم، وعرف بالرأي السديد، والنظر السعيد، والتدبير الحميد، والقول المفيد، والجود والكرم؛ وطبع على الخير الجزيل، والدّين الجميل، عمره في الحقّ قائم، لا تأخذه في الحقّ لومة لائم، طالما أحيا بحسن السّفارة من العدم. هو واحد في الفضل والنظر السعيد لأبي سعيد. فمن الذي يحكيه في الشّرف العتيد ... بطل الوغى أبو يزيد قد تفرّد في العفّة والدّيانه، والثّقة والأمانة، والتحف بالصّفا، وتردّى بالوفا، وشفى بالخير والجبر من كان بالفقر على شفا فحصل له الشّفا، ووفى بالعهود والمواثيق وذلك أمر ما خفى «1» ، ولحق في الجود والدّين بسميّه أبي يزيد البسطاميّ «2» الوليّ: قالوا: الوليّ أبو يزيد قد مضى ... وهو الفريد بفضله والصادق!

قلت: الأمير أبو يزيد مثله ... هذاك سابقه وهذا اللاحق! ولما كان فلان هو المشار إليه بهذه الصّفات الحسنة، والمناقب التي تنوّعت في مدائحها الألسنة، وعرف بالجود فملك حبّه الأفئدة فارتفعت الأصوات بالدعاء له معلنة، طالما أنال النّعم، وأزال النّقم، وجبر القلوب وكشف الكروب، وجلا ظلام الخطوب، ونشر المعروف، وأغاث الملهوف، وأنقذ من المهالك، وعمر بتدبيره الممالك، ووصل الأرزاق، وأجرى الأطلاق على الإطلاق- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نعتمد في جميع الأشياء عليه، ونلقي مقاليد الأمور إليه، وننوط به المهمّات وغيرها: ليكون العلم بالكلّيات والجزئيّات لديه. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يتحف بالمزيد من كرمه، ويسبغ جلابيب نعمه، ويجري بحر فضله الواسع، ويعمّ بنظره المقرّبين من أوليائه كلّ جامع للخير جامع، أن يستقرّ...... «1» ... فليتلقّ هذا التفويض الجليل بقبوله، ويبلّغ الجامع المذكور ما يرتقبه من عمارته التي هي غاية مأموله. ومنه تؤخذ الوصايا لأنه لساننا الناطق، وسفير مملكتنا العالم بالحقائق والدّقائق، فلا يحتاج أن يوصى ولا أن نفتح معه في الوصية بابا، وما يصلح أن يقال لغيره لا يجوز أن يكون له خطابا: ومثلك لا يدلّ على صواب ... وأنت تعلّم الناس الصّوابا! والله تعالى يؤيده في القول والعمل، ويعمّ بوجوده وجوده الوجود وقد فعل، ويبقيه مدى الدهر، ويستخدم لسعوده الساعة واليوم والجمعة والشّهر، ويجعل بابه الطاهر مفتوحا للقاصدين على الدّوام، ويقيمه واسطة عقد الملك

الوظيفة الثالثة (نقابة الأشراف)

فإنه مبارك أينما كان ورحمة للأنام؛ والاعتماد على الخطّ الشريف أعلاه حجة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى. الوظيفة الثالثة (نقابة الأشراف) وقد تقدّم في الكلام على ترتيب وظائف الدّيار المصرية في المقالة الثانية أنّ موضوعها التحدّث على الأشراف، وهم أولاد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، من فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: وقد جرت العادة أنّ الذي يتولّى هذه الوظيفة يكون من رؤوس الأشراف، وأن يكون من أرباب الأقلام، وإنما أوردته مع أرباب السّيوف لأن المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله قد ذكر في بعض دساتيره الشاميّة أنه يكتب لنقيب الأشراف «الأميريّ» ولا يكتب له «القضائيّ» ولو كان صاحب قلم. وقد رأيت له عدّة تواقيع على ذلك مكتتبة من الأبواب السلطانية وعن نائبي الشام وحلب وغيرهما، معبّرا عنه فيها ب «الأميريّ» وتوقيعه في قطع الثّلث مفتتح بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» . وهذه نسخة [توقيع] «1» بنقابة الأشراف، وهي: الحمد لله مشرّف الأنساب، وموفي الأحساب، حقوق ملاحظتهم بغير حساب، وجاعل أيّامنا الشريفة تحمد الاكتساب. نحمده بمحامد حسنة الإيجاد والإيجاب، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا شكّ في مقالها ولا ارتياب، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله ونبيّه الذي أنزل عليه الكتاب، وشرّف به الذّراريّ من شجرته المباركة الأعقاب، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة لا تتوارى شمسها بحجاب. وبعد، فإنّ خير ما صرفت الهمم إلى تشييد مبانيه، وتقييد مهمل رواعيه

وملاحظة قاصيه ودانيه، المحافظة على كلّ ما يرفع قدر الآل ويعليه، ويردّ إليهم عنان الاعتناء ويثنيه. ولمّا كانت العترة الطاهرة النبوية ورّاث الوحي الذين آل إليهم ميزاته، وأهل البيت الذين حصل لهم من السّؤدد آياته؛ وقد سأل الله وهو المسؤول لهم القربى، وخصّهم بمزايا حقيق بمثل متصرّفهم أنه بها يحبى وأنها لهم تجبى: لما في ذلك من بركات ترضي سيّد المرسلين وتعجبه، ويسطّر الله [الأجر] «1» لفاعله ويكتبه، وكان لا بدّ لهم من رئيس ينضّد سلكهم وينظّمه، ويعظّم فخرهم ويفخّمه، ويحفظ أنسابهم، ويصقل بمكارمه أحسابهم، وينمّي بتدبيره ريعهم، ويتابع تحت ظلّ هذه الشجرة الزكيّة ما زكّى ينعهم، ويحفظهم في ودائع النّسل، ويصدّ عن شرف أرومتهم من الأدعياء المدّعين بكل بسل «2» ، ويحرس نظامهم، ويوالي إكرامهم، ويأخذهم بمكارم الأخلاق، ويمدّهم بأنواع الإرفاد والإرفاق، ويتولّى ردع جانيهم إذا لم يسمع، ويتدبّر فيه قوله: «أنفك منك وإن كان أجدع» » . ولمّا كان فلان هو المشار إليه من بني هذه السّلالة، وله من بينهم ميزة باطنة وظاهرة وإن كانوا كلّهم شيئا واحدا في الإجلال والإعظام، فقد تميزّت من بين الأنامل السّبّابة على الخنصر والبنصر والوسطى والإبهام، وكم ثمر جنيّ فضّل بعضه على بعض في الأكل وهو يسقى بماء واحد، وقد امتاز على بني هاشم سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة والسلام- اقتضى حسن الرأي المنيف، أن رسم بالأمر الشريف- لا برح يختار وينتقي، ويجتبي من يخشى

الله ويتّقي- أن تفوّض إليه نقابة الأشراف الطالبيّين على عادة من تقدّمه من النّقباء السادة. فليجمع لهم من الخير ما يبهج الزهراء البتول فعله، ويفعل مع أهله وقرابته منهم ما هو أهله، وليحفظ مواليدهم، ويحرّز أسانيدهم «1» ، ويضبط أوقافهم، ويعتمد إنصافهم، ويثمّر متحصّلاتهم، ويكثّر بالتدبير غلّاتهم، ويأخذ نفسه بمساواتهم، في جميع حالاتهم، وليأخذهم بالتجمّع عن كل ما يشين، والعمل بما يزين، حتّى يضيفوا إلى السّؤدد حسن الشّيم، وإلى المفاخر فاخر القيم، وكلّ ما يفعله معهم من خير أو غيره هو له وعليه، ومنه وإليه، والله يحفظه من خلفه ومن بين يديه، بمنّه وكرمه!. وهذه نسخة وصية لنقيب الأشراف أوردها في «التعريف» فقال: ونحن نجلّك عن الوصايا إلا ما نتبرّك بذكره، ويسرّك إذا اشتملت على سرّه؛ فأهلك [أهلك؛ راقب] «2» الله ورسوله جدّك صلّى الله عليه وسلّم فيما أنت عنه من أمورهم مسؤول، وارفق بهم فهم أولاد أمّك وأبيك حيدرة والبتول، وكفّ يد من علمت أنه [قد] «3» استطال بشرفه فمدّ إلى العناد يدا، واعلم أنّ الشريف والمشروف سواء في الإسلام إلا من اعتدى، وأنّ الأعمال محفوظة ثم معروضة بين يدي الله فقدّم في اليوم ما تفرح به غدا، وأزل البدع التي ينسب إليها أهل الغلوّ في ولائهم، والعلوّ فيما يوجب الطعن على آبائهم: لأنّه يعلم أنّ السلف الصالح رضي الله عنهم كانوا منزّهين عما يدّعيه خلف السّوء من افتراق ذات بينهم، ويتعرّض منهم أقوام إلى ما يجرّهم إلى مصارع حينهم «4» ، فللشّيعة

عثرات لا تقال، من أقوال ثقال، فسدّ هذا الباب سدّ لبيب، واعمل في حسم موادّهم عمل أريب، وقم في نهيهم والسيف في يدك قيام خطيب، وخوّفهم من قوارعك [مواقع] «1» كلّ سهم مصيب؛ فما دعي «بحيّ على خير العمل» إلى خير من الكتاب والسنة والإجماع [فانظم في نادي قومك عليها عقود الاجتماع] «2» . ومن اعتزى إلى اعتزال، أو مال إلى الزّيديّة في زيادة مقال، أو ادّعى في الأئمة الماضين ما لم يدّعوه، أو اقتفى في طرق الإماميّة بعض ما ابتدعوه، أو كذب في قول على صادقهم، أو تكلّم بما أراد على لسان ناطقهم؛ أو قال: إنه تلقّى عنهم سرّا ضنّوا على الأمّة ببلاغه، وذادوهم عن لذّة [مساغه] «3» ، أو روى عن يوم السّقيفة والجمل غير ما ورد أخبارا [أو تمثّل بقول من يقول: عبد شمس قد أوقدت لبني هاشم نارا] «4» أو تمسّك من عقائد الباطن بظاهر، أو قال إنّ الذات القائمة بالمعنى تختلف في مظاهر، أو تعلّق له بأئمة السّتر «5» رجاء، أو انتظر مقيما برضوى «6» عنده عسل وماء، أو ربط على السّرداب فرسه لمن يقود الخيل يقدمها اللّواء؛ أو تلفّت بوجهه يظنّ عليّا كرّم الله وجهه في الغمام، أو تفلّت من عقال العقل في اشتراط العصمة في الإمام. فعرّفهم أجمعين أنّ هذا من فساد أذهانهم، وسوء عقائد أديانهم؛ فإنّهم عدلوا في التقرّب بأهل هذا البيت الشريف عن مطلوبهم، وإن قال قائل إنهم طلبوا فقل له: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ «7» .

وانظر في أمور أنسابهم نظرا لا يدع مجالا للرّيب، ولا يستطيع معه أحد أن يدخل فيهم بغير نسب، ولا يخرج منهم بغير سبب، وساوق المتصرّفين في أموالهم في كلّ حساب واحفظ لهم كلّ حسب. وأنت أولى من أحسن لمن طعن في أسانيد هذا الحديث الشريف أو تأوّل فيه على غير مراد قائله صلّى الله عليه وسلّم تأديبا، وأراهم مما يوصّلهم إلى الله تعالى وإلى رسوله طريقا قريبا، ونكّل بمن علمت أنه قد مالأ على الحق أو مال إلى فريق الباطل فرقا، وطوى صدره على الغلّ وغلب من أجله على ما سبق في علم الله تعالى من تقديم من تقدّم حنقا، [وجار وقد] «1» أوضحت لهم الطريقة المثلى طرقا، واردعهم إن تعرّضوا في القدح إلى نضال نصال، وامنعهم فإن فرقهم كلّها وإن كثرت خابطة في ظلام ضلال، وقدّم تقوى الله في كل عقد وحلّ، واعمل بالشريعة الشريفة فإنها النّسب الموصول الحبل. واعلم أنّ المقرّ الشهابيّ بن فضل الله قد ذكر في «التعريف» عدّة وصايا لجماعة من أرباب السّيوف، لم يكتب لأحد منهم في زماننا، بل رفض استعمالها وأهمل. ونحن نذكرها، حفظا لذكرها، واحتياطا أن يقتضي الحال في زمن كتابة شيء منها. إحداها- وصية أتابك المجاهدين. وقد تقدّم في الكلام على ترتيب وظائف الدّيار المصرية أنّ أصله أطابك «2» بالطاء المهملة ومعناه الأب الأمير، وأنّ أوّل من لقّب بذلك زنكي أطابك صاحب الموصل، ثم غلبت فيه التاء المثناة بدل الطاء، وهي: وأنت ابن ذلك الأب حقيقة، وولد ذلك الوالد الذي لم تعمل له إلا من

دماء الأعداء عقيقة؛ وقد عرفت مثله بثبات الجنان، وصلت بيدك ووصلت إلى ما لم يصل إليه رمح ولا قدر عليه سنان، ولم يزاحمك عدوّ إلا قال له: أيّها البادي المقاتل كيف تزاحم الحديد، ولا سمّي اسمك لجبّار إلا قال له: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ «1» وأنت أولى من قام بهذه الوظيفة، وألّف قلوب هذه الطائفة التي ما حلم بها حالم إلا وبات يرعد خيفة؛ فليأخذ هذا الأمر بزمامه، وليعمل لله ولإمامه، وليرم في حبّ البقاء الدائم بنفسه على المنيّة، ولينادم على معاقرة الدّماء زهور سكاكينه الحنيّة، واطبع منهم زبرا «2» تطاول السيوف بسكاكينها، وتأخذ بها الأسود في عرينها، وتمتدّ كأنّها آمال، لما تريد، وترسل كأنّها آجال، ولهذا هي إلى كلّ عدوّ أقرب من حبل الوريد، وأذك منهم شعلا إذا دعيت بأحسابها لا تجد إلّا متحاميا، وارم منهم سهاما إذا دعيت بأنسابها الإسماعيلية فقد جاء أن إسماعيل كان راميا، وفرّج بهم عن الإسلام كلّ مضيق، واقلع عن المسلمين من العوانية كلّ حجر في الطريق، وصرّف رجالك الميامين، وتصيّد بهم فإنّهم صقور ومناسرهم السّكاكين، واخطف بهم الأبصار فبأيمانهم كلّ سكّينة كأنّها البرق الخاطف، واقطف الرؤوس فإنها ثمرات أينعت لقاطف، واعرف لهم حقّهم وضاعف لهم تكريما، وأدم لهم بنا برّا عميما، وقدّم أهل النفع منهم فقد قدّمهم الله وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً «3» واعلم أنهم مثل الوحوش فزد في تأنيسهم، واشكر إقدامهم فطالما اقتحموا على الملوك وما هابوا يقظة حرسهم، وارفع بعضهم على بعض درجات في نفقات تسافيرهم وقعود مجلسهم، ولا تسوّ بينهم فما هم سواء لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ «1» وأصل هذه الدعوة ما زالت تنتقل بالمواريث حتّى انتهت إلينا حقوقها، وأومضت بنا حيث خلعت هياكلها بجرعاء «2» الحمى بروقها؛ والله تعالى يوفّقه ويرشده، ويطوّل باعه لما قصرت عنه سواعد الرّماح ووصلت إليه يده. الثانية- وصيّة أستاذ الدار «3» وليتفقّد أحوال الحاشية على اختلاف طوائفها، وأنواع وظائفها، وليرتّبها في الخدمة على ما يجب، وينظر في أمورهم نظرا لا يخفى معه شيء مما هم عليه ولا يحتجب، وليبدأ بمهمّ السّماط المقدّم الذي يقدّم، وما يتنوّع فيه من كل مطعم، وما يمدّ منه في كل يوم بكرة والعصر، وما يستدعى معه من الطّواريء التي لا يحدّها الحدّ ولا يحصرها الحصر، وأحوال المطبخ الكريم الذي منه ظهور تلك المخافي، ووفاء ذلك الكرم الوافي، والتقدّم إلى الأمناء والمشرفين فيه بأمانة الإنفاق، وصيانة المآكل مما يعاب على الإطلاق. ثم أمر المشروب وما تغلق عليه أبواب الشراب خاناه السعيدة من لطائف مأكول ومشروب، وشيء عزيز لا يجود إلا فيها إذا عزّ المطلوب، ومراجعة الأطباء فيما تجري عليه قوانينها، وتشبّ لطبخه من حمر اليواقيت كوانينها، وإفراز ما هو للخاص الشريف منها وما هو للتفرقة، وما لا يصرف إلا بخط الطبيب ولا يسلّم إلا إلى ثقة. ثم «الطشت خاناه» «4» السعيدة التي هي خزانة اللّباس، وموضع

ما نبرز به من الزّينة للناس، وما يحتاج إليه من آلات التطبيب، وما يعيّن لها من الصابون وماء الورد والطّيب، وغير ذلك من بقيّة ما هي مستقرّه، ويؤخذ منها مستدرّه، ومن يستخدم بها ممن برأ من الرّيب، وعرف بالعفاف والأدب، وعلم أنه من أهل الصّيانة، وعلى ما سلّم إليه ومن خالطه الأمانة. ثم «الفراش خاناه» وما ينصب فيها من الخيام، وما يكون فيها من فرش سفر ومقام، وشمع يفضّض كافور كافوريّته آبنوس الظّلام. ثم غلمان الإصطبل السعيد والنّجّابة «1» وإن كان إلى سواه استخدامهم، ولدي غيره مستقرّهم ومقامهم، لكنّهم ما خرجوا من عديده، ولا يروقهم ويروعهم إلا حسن وعده وخشن وعيده. ثم المناخات السّلطانية وما بها من جمال، وما يسرح فيها من مال وجمال، ومن يستخدم فيها من سيروان ومهمرد «2» ، وما فيها من قطار مزدوج وفرد؛ فيوفّر لهذه الجهة نصيبا من النظر يشاهد أمورها وقد غابت في الأقطار، وتفرّقت كالسّحب يلزمها القطار القطّار؛ وليكونوا على باله فإنهم يسرقون الذّرّة «3» من العين ومعهم الذّهب العين محمّلا بالقنطار؛ فليحسن منهم الارتياد، وليتخيّر أرقّهم أفئدة فإنّهم بكثرة ملازمتهم للإبل مثلها حتّى في غلظ الأكباد. وطوائف المعاملين، والأبقار ومن عليها من العاملين، وزرائب الغنم وخولها «4» ورعائها، وأصناف البيوت الكريمة. وما تطلبه في استدعائها، ونفقات

الأمراء المماليك السلطانيّة في إهلال كلّ هلال، وما يصرف في كساهم على جاري عادتهم أو إذا دعت إليه ضرورة الحال، وما يؤخذ عليه خطّه من وصولات تكتب، واستدعاآت تحسب من لوازمه وهي للكثرة لا تحسب؛ فليكن لهذا كلّه مراعيا، ولأموره واعيا، ولما يجب فيه دون ما لا يجب مستدعيا وإليه داعيا؛ وهو كبير البيت وإليه يرجع أمر كلّ مملوك ومستخدم، وبأمره يؤخّر من يؤخّر ويقدّم من يقدّم، ومثله يتعلّم منه ولا يعلّم، وعصاه على الكلّ محمولة على الرّقاب، مبسوطة في العفو والعقاب، ومكانه بين يدينا حيث نراه ويرانا ولدينا قاب قوسين أو أدنى من قاب «1» وعليه بتقوى الله فبها تمام الوصايا وكمال الشروط، والأمر بها فعصاه محكمة وأمره مبسوط، وكلّ ما يناط بنا: من خاصّة أمورنا في بيتنا- عمره الله ببقائنا وزاد تعميره- بتدبيره منوط. الثالثة- وصيّة أمير آخور. وقد تقدّم في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة أنّه مركّب من لفظين: عربيّ وهو أمير ومعناه معروف، وأخور فارسيّ ومعناه العلف، والمعنى أمير العلف. وكأنه في الأصل كان هو المتولّي لعلوفة الخيل، ثم ارتفعت وظيفته حتّى صار صاحبها من أكبار الأمراء المقدّمين؛ وهو يتحدّث في الإصطبلات السلطانيّة وما حوته من خيل وبغال ودوابّ وجمال وأثاث، وغير ذلك. وهذه نسخة وصيته: وليكن على أكمل ما يكون من إزاحة الأعذار، والتأهّب لحركاتنا الشريفة في ليل كان أو نهار، مقدّما الأهمّ فالأهمّ من الأمور، والأبدأ فالأبدأ من [تقديم] «2» مراكبنا السعيدة وتهيئة موكبنا المنصور، وترتيب ذلك كلّه على ما

جرت به العوائد، وتحصيل ما تدعو الحاجة إليه على قدر الكفاية والزّوائد، والنّظر في جميع إصطبلاتنا الشريفة، والجشارات «1» السعيدة، وخيل البريد، والرّكائب المعدّة لقطع كلّ مدى بعيد، وما يجتمع في ذلك وينقسم، وما يركب منها ويجنب مما يسم الأرض بالبدور والأهلّة من كلّ حافر ومنسم، وما هو برسم الإطلاق، وما يعدّ لمماليك الطّباق «2» ، وخيل التّلاد «3» ، وما يجلب من قود «4» كلّ قبيلة من القبائل ويجيء من كلّ بلد من البلاد، والمشترى مما يباع من المواريث ويستعرض من الأسواق، وما يعدّ للمواكب وللسّباق؛ وليجل رأيه في ترتيب ذلك كلّه في مراتبه على ما تقتضيه المهمّات، والاحتراز في التّلاد مما لعلّه يبدّل ويقال هو هذا أو يؤخذ بحجة أنه مات؛ وليجتهد في تحقيق ما نفق، [وليحرّره على حكم ما يتحقّق عنده لا على ما اتّفق] » ، وكذلك فليكن فحصه عمّن يستخدم عنده من الغلمان، ولا يهمل أمورهم مع معاملتهم بالإحسان، ولا يستخدم إلا من تشكر سيرته في أحواله، وتعرف خبرته فيما يراد من أمثاله؛ وكذلك الرّكّابة الذين تملك أيديهم أعنّة هذه الكرائم، والتحرّز في أمرهم ممن لعلّه يأوي إليهم من أرباب الجرائم، والأوشاقيّة «6» الذين هم مثل مماليكه وهم في الحقيقة إخوانه، وجماعة المباشرين الذين هم في مباشرة الإصطبلات السعيدة ديوانه؛ وكلّ هؤلاء يلزمهم بما يلزم أمثالهم من السّلوك، ويعلمهم بما

يجب عليهم أن يتعلّموه من خدمة الملوك، ولا يسمح لأحد منهم في أمر يفضي إلى إخلال، ولا يقتضي فرط إدلال، وليقم أودهم بالأدب فإن الأدب ما فيه إذلال؛ وكلّ هؤلاء الطوائف ممن يتجنّب العامة مخالطتهم لما طار في أيّام من تقدّم عن أمثالهم من سوء السّمعة، ويتخوّف منهم السّرعة؛ فليكن لهم منك أعظم زاجر، ومن شكي إليك منهم فسارع إلى التنكيل به وبادر، واشهر من فعلك بهم ما يوجب منهم الطّمأنينة، ولا يعود أحد بعده يكذّب يقينه؛ وأمراء أخورية الذين هم أتباعك، وبهم يمتدّ باعك، هم بحسب ما تجعلهم بصدده، وما منهم إلا من يقدر أن يتعدّى حدّه في مقام قدمه وبسط يده؛ فاجعل لكلّ منهم مقاما معلوما، وشيئا تجعل له فيه تحكيما. وتثمين الخيول المشتراة والتّقادم قوّمها بأهل الخبرة تقويم عدل، وقل الحقّ ولا يأخذك فيه لوم ولا عذل؛ وما يصرف من العليق برسم الخيول السلطانية ومن له من صدقاتنا الشريفة عليق، مر بصرفه عند الاستحقاق واضبطه بالتعليق، وتصرّف في ذلك كلّه ولا تتصرّف إلا تصرّف شفيق، وصنه بأقلام جماعة الدّيوان ولا تقنع في غير أوقات الضرورة برفيق عن رفيق؛ وكذلك البراسيم السلطانية أصلا وزيادة، ولا تصرف إلا ما نأمر به وإلا فلا تخرج فيه عن العادة؛ ونزلاؤك من أمراء العربان عاملهم بالجميل، وزد في أخذ خواطرهم ولو ببسط بساط الأنس لهم فما هو قليل، لتتضاعف رغبتهم في كلّ عام، وليستدلّوا ببشاشة وجهك لهم على ما بعده من الإنعام؛ وبغال الكؤوسات «1» السعيدة والأعلام المنصورة، وأثقال الخزانة العالية المعمورة، اجعلها من المهمّات المقدّمة، والمقدّمات لنتائج أيام النصر المعلمة، ورتّبها في مواقفها، وأتمّها أتمّ ما يكون من وظائفها؛ فبها تثبت مواقف العسكر المنصور، وإليها يأوي كلّ مستظلّ ورحى الحرب تدور، وغير ذلك من قماش الإصطبلات السعيدة من الذّهب والفضّة والحرير، وكلّ قليل

وكثير، باشره مباشرة من لا يتخلّى، وأحصه خرجا ودخلا؛ وإيّاك والأخذ بالرّخص، أو إهمال الفرص، أو طلب فائت جرم أهملته حتّى نكص. الرابعة- وصية مقدّم المماليك. وقد تقدّم في الكلام على أرباب الوظائف أنه يتحدّث في أمر المماليك السّلطانية والحكم بينهم، ويركب خلفهم إذا ركب السلطان كأنّه يحفظهم. والوصية هي: وليحسن إليهم، وليعلم أنّه واحد منهم ولكنه مقدّم عليهم، وليأخذ بقلوبهم مع إقامة المهابة التي يخيّل إليهم بها أنه معهم وخلفهم وبين يديهم، وليلزم مقدّم كلّ طبقة بما يلزمه عند تقسيم صدقاتنا الجارية عليهم: من ترتيب الطّباق، وإجراء ساقية جارية من إحساننا إليهم ولا ينس السّوّاق؛ وليكن لأحوالهم متعهّدا، ولأمورهم متفقّدا، وليستعلم أخبارهم حتّى لا يزال منها على بصيرة، وليعرف ما هم عليه مما لا يخفى عليه فإنهم وإن لم يكونوا له أهلا فإنهم جيرة، وليأمر كلّا منهم ومن مقدّميهم والسّوّاقين لهم بما يلزمهم من الخدمة، وليرتّبهم على حكم مكانتهم منّا فإن تساووا فليقدّم من له قدمة، وليعدل في كل تفرقة، وليحسن في كل عرض ونفقة، وليفرّق فيهم ما لهم من الكساوى «1» ويسبل عليهم رداء الشّفقة، وليعدّ منهم لغابنا المحميّ سباعا تفترس العادية، وليجمل النظر في أمر الصّغار منهم والكبار أصحاب الطّبقات العالية، وليأخذهم بالرّكوب في الأيّام المعتادة، والدّخول إلى مكان الخدمة الشريفة والخروج على العادة، وليدرهم في أوقات البياكير «2» والأسفار نطاقا دائر الدّهليز «3» المنصور،

الضرب الثاني (ممن يكتب له بالولايات بالديار المصرية أرباب الوظائف الدينية، وهو على طبقتين)

وليأمرهم أمرا عامّا بأن لا يركب أحد منهم إلا بدستور ولا ينزل إلا بدستور، وليحترز عليهم من طوائف الغلمان «1» ، ولا يستخدم منهم إلا معروفا بالخير ويقيم عليهم الضّمّان، وليحرّر على من دخل عليهم وخرج، ولا يفتح لأحد منهم إلا من علم أنه ليس في مثله حرج، ولا يدع للرّيبة بينهم مجالا للاضطراب، وليوص مقدّميهم بتفقّد ما يدخل إليهم فإن الغشّ أكثره من الطّعام والشّراب، وليدم مراجعتنا في أمرهم فإن بها يعرف الصواب، وليعمل بما نأمره به ولا يجد جوى في جواب. الضرب الثاني (ممّن يكتب له بالولايات بالديار المصرية أرباب الوظائف الدينية، وهو على طبقتين) الطبقة الأولى (أصحاب التقاليد ممّن يكتب له بالجناب العالي) وتشتمل على عدّة وظائف: الوظيفة الأولى (القضاء) قد تقدّم في المقالة الثانية في الكلام على ترتيب الوظائف أنّ الديار المصرية كان يليها قاض واحد، إلى أن كانت الدولة الظاهرية «بيبرس» في أوائل الدّولة التّركية، وقاضي القضاة يومئذ القاضي تاج الدين عبد الوهاب ابن

بنت الأعزّ الشافعيّ، فاضطرب الأمر لاختلاف المذاهب، فاقتضى رأي السلطان تقرير أربعة قضاة من كل مذهب قاض، وقرّر القاضي تاج الدين ابن بنت الأعزّ في قضاء قضاة الشافعية على حاله، وكتب لكلّ منهم تقليد بذلك؛ ثم خصّ قاضي القضاة الشافعية بالتولية في بلاد الريف دون غيره من القضاة الثلاثة، واستمرّ الأمر على ذلك إلى الآن. إلا أنه لما حدث بديوان الإنشاء تنويع ما يكتب لأرباب الأقلام إلى تقاليد، في قطع الثلثين، وتفاويض، وتواقيع، في قطع النصف، تقرّر الحال على أن يكتب للقضاة الأربعة تواقيع في قطع النصف ب «المجلس العالي» ، ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن ولي القاضي عماد الدين أحمد الكركيّ الأزرقيّ قضاء قضاة الشافعية «1» في أوّل سلطنة الظاهر «برقوق» الثانية، وأخوه القاضي علاء الدين عليّ كاتب السرّ، فعني بأخيه عماد الدين المذكور، فكتب له تقليدا في قطع الثلثين ب «الجناب العالي» . وبقي الثلاثة على ما كانوا عليه من كتابة التواقيع إلى أن ولي القاضي جمال الدّين محمود الحلبيّ القيسريّ المعروف بالعجميّ «2» رحمه الله قضاء قضاة الحنفيّة في الدولة الظاهريّة أيضا، مضافا إلى نظر الجيش، فكتب له تقليد في قطع الثلثين بالجناب العالي أيضا؛ وبقي المالكيّ والحنبليّ على ما كانا عليه من كتابة التواقيع في قطع النّصف. ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن ولي قاضي القضاة جمال الدين يوسف البساطيّ قضاء قضاة المالكية في الدولة الناصرية «فرج بن الظاهر برقوق» فأنشأت له تفويضا وكتبت له به، ولم يكن أحد ممن

عاصرناه كتب له تفويض غيره. ثم لما ولي الشيخ جمال الدين عبد الله الأقفهسيّ «1» قضاء المالكية، كتب له توقيع في قطع النصف، إلا أنه كتب له ب «الجناب العالي» كما يكتب لأصحاب التقاليد، وجرى الأمر فيمن بعده على ذلك. ولم يبق من هو على النّمط الأوّل سوى قاضي القضاة الحنابلة، ويوشك أن يكتب لكلّ من المالكيّ والحنبليّ أيضا تقليد: لمساواتهم بغيرهم من الأربعة. وقد ذكرت ما يكتب لهم من تقاليد وتواقيع هنا جمعا للمفترق وتقريبا للمأخذ. وهأنا أذكر ما يكتب للأربعة على الترتيب. الأوّل: (قضاء القضاة الشافعية) . وهذه نسخة تقليد بقضاء القضاة الشافعية، كتب به لقاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعزّ «2» رحمه الله، حين استقرّ أحد القضاة الأربعة بعد انفراده بالوظيفة على ما تقدّم، وهي من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر «3» رحمه الله تعالى، وهي: الحمد لله مجرّد سيف الحقّ على من اعتدى، وموسّع مجاله لمن راح إليه

واغتدى، وموضّح طريقه لمن اقتاد واقتدى، ومزيّن سمائه بنجوم تستمدّ الأنوار من شمس الهدى، الذي أعذب لشرعة الشريعة المحمّدية ينبوعا، وأقامها أصلا مدّ بثمار الرّشد فروعا. نحمده على نعمه التي ألزمتنا لتشييد مبانيها شروعا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نعمر بها من القلوب والأفواه ربوعا، ونصلّي على سيدنا محمد الذي أرسله الله إلى الخلائق جميعا، وقام بعبء الأمر يصنع حسنا ويحسن صنيعا، صلى الله عليه وعلى آله صلاة لا يبرح برقها ملموعا، ولا ينفكّ وترها «1» بالتسليم مشفوعا. وبعد، فإنّ أحقّ من جدّد له شرف التقريض، وخلّد له إرضاء الأحكام وإمضاء التفويض، وريش جناحه وإن لم يكن المهيض، وفسّح مجاله وإن كان الطويل العريض، ورفع قدره على الأقدار، وتقسّمت من سحائبه الأنواء ومن أشعّته الأنوار، من غزر مدّه فجرت منه في رياض الحقّ الأنهار، وغدا تخشع لتقواه القلوب وتنصت لقوله الأسماع وترنو لمحيّاه الأبصار، قد أوفد من إرشاده للأمة لطفا فلطفا، وأوقد من علمه جذوة لا تخبو وقبسا بالهوى لا يطفى، وفات النّظراء والنّظّار فلا يرسل أحد معه طرفا ولا يمدّ إليه من حيائه طرفا، واحتوى من علوم الشريعة على ما تفرّق في غيره، وغدا خير دليل إلى الحقّ فلا يقتدى في المشكلات إلا برأي اجتهاده ولا يهتدى في المذاهب إلا بسيره، وكان لفلك الشريعة المحمّدية قطبا، ولجثمانها قلبا ولسوارها قلبا «2» ؛ ولدليلها برهانا، ولإنسانها عينا ولعينها إنسانا؛ فكم أرضى بني الأنام عن الأيام، وكم أغضى حياء مع قدرته على الانتقام، وكم أمضى لله حكما لا انفصال لعروته ولا انفصام، وكم قضى بالجور في ماله وبالعدل في الأيتام؛ فلو استعداه الليل على النهار لأنصفه من تعدّيه، ولم يداجه لما ستره عليه من تعدّيه في دياجيه؛ فهو

الصادع بما أمر الله به ولو على نفسه، والمستردّ الحقوق الذاهبة من غير محاباة حتّى لغده من يومه وليومه من أمسه. ولما كان قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهّاب ممن هو في أحسن هذه السّمات قد تصوّر، وكادت نجوم السماء بأنواره تتكثّر، وتجوهر بالعلوم فأصبح حقيقة هو التاج المجوهر، وله مزايا السّؤدد التي لا يشك فيها ولا يرتاب، وسجايا الفضل التي إذا دخل إليه غيره من باب واحد دخل هو إليه من عدّة أبواب؛ وهو شجرة الأحكام، ومصعد كلم الحكّام، ومطلع أنجم شرائع الإسلام، ومهبط وحي المقدّمات والارتسام، ومجتمع رفاق القضايا في الحلال والحرام- خرج الأمر الشريف بتجديد هذا التقليد الشريف له بقضاء القضاة بالديار المصرية: فليستصحب من الحق ما هو مليّ باستصحابه، وليستمرّ على إقامة منار الحق الذي هو موثّق عراه ومؤكّد أسبابه، وليحتلب من أخلاف الإنصاف ما حفّله اجتهاده ليد احتلابه، عالما بأنّ كل إضاءة إنارتها من قبسه، وإن استضاء بها في دياجي المنى، وكلّ ثمرة من مغترسه، وإن مدّ إليها يد الاجتنا، وكلّ جدول هو من بحره وإن بسط إليه راحة الاغتراف، وكلّ منهج هو من جادّته وإن ثنى إلى سلوكه عنان الانصراف لا الانحراف؛ وهو بحمد الله المجتهد المصيب، والمادّة للعناصر وإن كان نصيبه منها أوفر نصيب، وسجاياه يتعلّم منها، كيف يوصّى ويعلّم، ومزاياه تقوّم الأود، كيف يقوّم، والله الموفّق بمنّه وكرمه! الثاني- قاضي القضاة الحنفيّة على ما استقرّ عليه الحال من لدن القاضي جمال الدين محمود القيسريّ وإلى آخر وقت. وموضوعها النظر في الأحكام الشرعيّة على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، ويختصّ نظره بمصر والقاهرة خاصّة. وهذه نسخة تقليد بقضاء قضاة الحنفيّة كتب به لمن لقبه شمس الدين، وهي:

الحمد لله الذي أطلع في أفق الدّين الحنيف شمسا منيرة، ورفع درجة من جعله من العلم على شريعة ومن الحكم على بصيرة، وقلّد أمور الأمة لمن يعلم أنّ بين يديه كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، ووفّق لفصل القضاء من مشى على قدم أقدم الأئمة فسار في مذهبه المذهب أحسن سيرة، الذي أدّخر للحكم في أيّامنا الشريفة من نفائس العلماء أفضل ذخيرة، وقضى بإرجاء أمره لنختار له من تحلّى به بعد العطل «1» وكلّ قضاء خيرة، وأيقظ عنايتنا لمن رقد الدهر عن فضله فباتت عين الاستحقاق باستقرار رتبته قريرة. نحمده حمد من توافت إليه النّعم الغزيرة، وتوالت عليه المنن الكثيرة في المدد اليسيرة، وأخصبت في أيامه رياض الفضائل فهي بكلّ عالم عدم النظير نضيرة، وافتتح دولته برفع منار العدل فآمال أهل الظلم عن تعاطيه قاصرة وأيدي أهل الباطل عن الامتداد إليه قصيرة، وخصّ المناصب في ممالكه بالأكفاء فإذا تلبّست بها همم غيرهم عادت خاسئة أو امتدت إليها أبصار من دونهم رجعت حسيرة. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تصلح العلن والسريرة، وتصبح بها القلوب موقنة والألسن ناطقة والأصابع مشيرة، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بعث الله به الرسل مخبرة وأنزل الكتب بمبعثه بشيرة، واجتباه من خير أمّة من أكرم أرومة وأشرف عشيرة، وأظهر أنوار ملّته إلا لمن أعمى الغيّ بصيرته وهل ينفع العمي شمس الظّهيرة، وخصّه بالأئمة الذين وفقهم للاستعانة بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة، وجعل علماءهم ورثة الأنبياء فلو ادّعيت لأحكامهم العصمة لكانت بذلك جديرة، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة نتقرّب بدوامها إلى الله فيضاعفها لنا أضعافا كثيرة، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى الأمور بأن تشاد قواعده، وتتعهّد معاهده، ويعلى مناره،

وتفاض بطلوع شمسه أنواره، ويحلّى به بعد العطل جيده، وينظم في سلك عقود الأمة فريده، وتكمّل به قوى الدين تكملة الاجساد بقوى الطبائع الأربع، وتعمّر به ربوع الملة التي ليس بعدها من مصيف لملّة ولا مربع، وتثبّت به قوائم الشرع التي ما للباطل في إمالة بعضها من مطمع، وتجلى به عمّن ضاق عليه المجال في بعض المذاهب الغمّة، ويستقرّ به عدد الحكّام على عدد الأئمة المستقرّ على عدد الخلفاء الراشدين من خلفاء الأمّة، ويمدّ به على الخلق جناح الرحمة وافر القوادم وارف الظّلال، ويجمع به عليهم ما جمع الله في أقوال أئمتهم من الحق وماذا بعد الحقّ إلّا الضّلال،- أمر القضاء على مذهب الإمام أبي حنيفة النّعمان بن ثابت رضي الله عنه الذي اشتقّ الله له من الملّة الحنيفيّة نسبة سرت في الآفاق، وأفاض عليه من موادّ القياس الجليّ كنوزا نمت على الإنفاق، وعضّد أيّامه بوليّي عهد قولهما حجة فيما تفرّدا به من الخلاف أو اجتمعا عليه من الوفاق؛ وعدّ من التابعين لقدم عهده، وسمّي «سراج الأمة» لإضاءة نوره بهما من بعده. ولما خلا بانتقال مباشره إلى الله تعالى، توقّف مدّة على ارتياد الأكفاء، وارتياء من هو أهل الاصطفاء، واختيار من تكمل به رفعة قدره، ويعيد لدسته بتصدّره على بساط سليمانه بهجة صدره، ويغدو لسرّ إمامه بعد إماتة هذه الفترة باعثا، ويصبح وإن كان واحد عصره لأبي يوسف ثانيا ولمحمد بن الحسن ثالثا؛ ويشبّه به البلخيّ «1» زهدا وعلما، والطّحاويّ «2» تمسّكا بالسّنّة وفهما، ويغترف القدوريّ «3» من بحره، ويعترف الحصريّ «4» بالحصر عن إحصاء فضله وحصره،

ويقف من مذهب ابن ثابت «1» ، على أثبت قدم وينتمي من فقه النّعمان إلى فرع زاك وأصل ثابت، وينشر من أحكامه ما إن وافق الأئمة فهو حجّة قاطعة ومحجّة ساطعة، أو خالفهم بمذهبه فهو رحمة واسعة، ونعمة وإن كانت بين الطّرق فارقة فإنها على الحق جامعة. ولما كان فلان هو المنتظر لهذه الرتبة انتظار الشمس بعد الغسق، والمرتقب لبلوغ هذه المنزلة التي تقدّمت إليها بوادر استحقاقه في السّبق، والمعطوف على من وصف من الأئمة وإن تأخّر عن زمانه عطف النّسق؛ وهو الذي ما دام يعدل دم الشهداء مداد أقلامه، وتضع الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع من نقل خطواته في طلب العلم وسعي أقدامه، ودخل من خشية الله تعالى في زمرة من حصر بإنّما «2» ، وهجر المضاجع في طاعة الله لتحصيل العلم فلو عدّت هجعاته لقلّما، وهجّر في إحراز الفضائل فقيّد أوابدها، وأحرز شواردها، ولجّج في بحار المعاني فغاص على جواهرها، ونظر نظرة في نجوم العلوم فاحتوى على زهرها وراد خمائل الفضائل فاستولى على أزاهرها، وانتهى إليه علم مذهبه فبرّز على من سلف، وجارى علماء عصره فوقفت أبصارهم عن رؤية غباره وما وقف، ونحا نحو إمامه فلو قابله يعقوب مع معرفته في بحث لانصرف، وتعيّن عليه القضاء وإن كان فرض كفاية لا فرض عين، وقدّمه الترجيح الذي جعل رتبته همزة استفهام ورتبة غيره بين بين- اقتضى رأينا الشريف اختصاصه بهذا التمييز، والتنبيه على فضله البسيط بهذا اللفظ الوجيز. فلذلك رسم أن يفوّض إليه كيت وكيت. فليتولّ هذه الرتبة التي أصبح فيها عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نائبا وبشرعه قائما، ويتقلّدها تقلّد من يعلم أنه قد أصبح على حكم الله مقدّما وعلى الله قادما، ويتثبّت تثبّت من يعتصم بالله في حكمه فإنّ أحد الخصمين قد يكون ألحن بحجّته وإن كان ظالما، ويلبس لهذا

المنصب حلّة تمنع المبطل من الإقدام عليه، وتدفع الظالم عن التطاول إلى أمر نزعه الشرع من يديه، وتؤمّن الحقّ من امتداد يدي الجور والحيف إليه، وليسوّ بين الخصمين في مجلسه ولحظه، ويعدل بينهما في إنصاته ولفظه،: ليعلم ذو الجاه أنه مساو في الحق لخصمه، مكفوف باستماع حجّته عن الطمع في ظلمه، ولا ينقض حكما لم يخالف نصّا ولا سنّة ولا إجماعا، وليشارك فيما لا يجهله من القضايا غيره من العلماء ليتزيّد بذلك مع اطّلاعه اطلاعا، وليغتنم في ذلك الاستعانة بآرائهم فإنّ الله تعالى لا ينتزع هذا العلم انتزاعا، وليسدّ مسالك الهوى عن فكره، ويصرف دواعي الغضب لغير الله عن المرور بذكره «1» ؛ وليجعل العمل لوجه الله نتيجة علمه، وليحكم بما أراه الله وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ «2» إن شاء الله تعالى. الثالث- قاضي القضاة المالكية: وهذه نسخة تقليد بقضاء قضاة المالكية، لقاضي القضاة جمال الدين يوسف البساطيّ المقدّم ذكره، في العشر الأخير من رجب الفرد سنة أربع «3» وثمانمائة، وهو: الحمد لله الذي شفع جلال الإسلام بجماله، وناط أحكامه الشرعيّة بمن اقترن بحميد مقاله جميل فعاله، وخصّ مذهب عالم المدينة بخير حاكم ما جرى حديثه الحسن يوما إلا وكان معدودا من رجاله، وعدق النظر في أحكامه بأجلّ عالم لو طلب له في الفضل مثل لعجز الزمان أن يأتي بمثاله. نحمده على أن أخلف من النّبعة الزكيّة صنوا زاكيا، وأدال من الأخ

الصالح أخا للعلوم شافيا، ولمنصبه العليّ ولله الحمد وافيا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مجرّد سيف الحق على كلّ مبطل معاند، ومرهف حدّه القاضب لكل ملحد عن سواء السبيل حائد، وأنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل نبيّ فاق الأنام بفضله وعمّ البريّة بعدله، وسدّ باب التوبة على متنقّصه فلم تكن لتقبل توبة مثله، وكان إلى مالك مصيره فلا جرم قضى بإهدار دمه وتحتّم قتله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ذبّوا عن حمى الدين وذادوا، وسلكوا سبيل المعدلة إذ حكموا فما ضلّوا عن سنن الطريق ولا حادوا، صلاة تبقى ببقاء الدّهور، ولا تزول بهجة جمالها بتوالي الأعوام والشّهور، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فإنّ أولى ما قصر عليه النظر، واستغرقت فيه الفكر وعرا العيون فيه السهر، وصرفت إليه الهمم، ورغبت في البراءة من تخلّفه الذّمم- النظر في أمر منصب الشرع الشريف الذي يأوي الملهوف إلى ظلّه، ويلجأ المستجير إلى عدله، ويتعلّق العفاة بوثيق عروته ومتين حبله، وبرهبته يكفّ الظالم عن ظلمه، وينتصف الخصم من خصمه، ويذعن العاصي إلى طاعته وينقاد الأبيّ إلى حكمه، ويأتمّ به الحائر في دجى الجهل فيستضيء بنوره ويهتدي بنجمه؛ لا سيما مذهب مالك الذي لم يزل للدّين من أهل الإلحاد مثّئرا، وللقصاص من أهل العناد مبتدرا، وبسلّ سيف الحقّ على الطّغاة المتمرّدين مشتهرا؛ ففاز من سطوات الإرهاب بأرفع المراتب، وعلا رقاب الملحدين بأرهف القواضب، وخصّ من سفك دماء المبطلين على البتّ بما لم يشاركه فيه غيره من المذاهب؛ فوجب أن يختار له من ينصّ الاختبار على أنه أهل للاختيار، ويقطع المنافس أنه الراجح وزنا عند الاعتبار، وتأخذ مناقبه البسيطة في البسط فلا تنفد إذا نفدت مناقب غيره المركّبة عند الاختصار، ويشهد له ضدّه بالتقدّم في الفضل وإن لم تتقدّم منه دعوى، ويعترف له بالاستحقاق خصمه فيتمسّك من عدم الدافع فيه بالسّبب الأقوى، ويحكم له بعلوّ الرّتبة مناوئه فيرتفع الخلاف وتنقطع النّجوى، ويسجّل له حاسده بثبوت المفاخر المحكوم بصحّتها فلا ينقضها حاكم وإن بلغ

من تدقيق النظر الغاية القصوى، وتنفذ أحكامه في البريّة فلا يوجد لها مخالف، وتحذر شيعة الباطل سطوته فلا يرى لباطل محالف، ويشتهر عنه من نصرة الحق ما يأمن معه المستضعف الخائف، ويتحقّق فيه من قيام العدل ما يرتدع به الظالم الحائف، ويستوي عنده في لزوم الحق القويّ والضعيف، ولا يفرّق في لازمه بين المشروف والشريف، ولا يميّز في حمل الأعباء الشرعيّة بين الشّاق وغيره ولا بين الثقيل والخفيف، ولا يحابي قريبا لقرابته، ولا جليلا لجلالته، ولا ظالما خوف ظلمه ولا ذا استطالة لاستطالته، ولا يستزلّه ذو لسن للسنه ولا بليغ لبلاغته، ولا يخالف بين الصديق الملاطف وغيره إلا في منع قبول شهادته. ولما كان المجلس العاليّ القاضويّ، الكبيريّ، الإماميّ، العالميّ، الصّدريّ، الرئيسيّ، الأوحديّ، العلّاميّ، الكامليّ، الفاضليّ، المفيديّ، الفريديّ، الحجّيّ، القدويّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، الحاكميّ، الجماليّ، جمال الإسلام، شرف الأنام، حاكم الحكّام، أوحد الأئمة، مفيد الأمّة، مؤيّد الملّة، معزّ السنّة، شمس الشريعة، سيف المناظرين، لسان المتكلمين، حكم الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين؛ أبو المحاسن «يوسف البساطيّ» المالكيّ- أدام الله تعالى نعمته- هو المراد من هذه الصّفات، التي وقعت من محلّه الكريم موقعها، والمقصود من هذه السّمات، التي ألفت من سيرته الفاضلة موضعها، وقارع صفاة هذه الذّروة التي ما كان ينبغي لغيره أن يقرعها، وشمس الفضل الحقيق بمثلها أن لا يتوارى جمالها بحجاب الغروب، وفاصل مشكلات القضايا إذا اشتد إشكالها وعظمت في فصلها الخطوب، ومتعيّن الولاية التي إذا كانت في حقّ غيره على الإباحة كانت في حقّه على الوجوب؛ وقد درّب الأحكام وخبرها، وعرف على التحقيق حالها وخبرها، وورد من مشاربها الرائقة أصفى المناهل فأحسن وردها وصدرها، ونفست جواهر فوائده ففاقت جواهر المعادن، وغطّت محاسن فضله فضائل غيره ولا تنكر المحاسن ل «يوسف» وهو «أبو المحاسن» ؛ فعلومه المدوّنة بالبيان والتحصيل كافلة، ومقدّمات تنبيهاته بنتائج النّوادر الحسنة متواصلة، وتهذيب ألفاظه المنقّحة تؤذن

بالتحرير، وعيون مسائله المتواردة لا تدخل تحت حصر ولا تقدير؛ فلو رآه «مالك» لقال: ما أعظم هذه الهمّة، أو أدركه «ابن القاسم» لوفّر من الثناء عليه قسمة، أو عاصره «ابن عبد الحكم» لحكم له بأنّ سهمه قد أصاب الغرض وغيره أطاش الريح سهمه، أو عاينه «أشهب» لقال قد ركب هذا الشّهباء أنّى يلحق، أو سمع «ابن وهب» كلامه لقطع بأنه هبة ربّانيّة وبمثله لم يسبق، أو بلغ «ابن حبيب» خبره لأحبّ لقاءه. أو بصر به «سحنون» لتحقّق أنه عالم المذهب ما وراءه، أو استشعر بقدومه «ابن سيرين» لبشّر به، أو جاوره «ابن عوف» لعاف مجاورة غيره أو مجاوزة طنبه، أو جالسه «ابن يونس» لتأنّس بمجالسته، أو حاضره «أبو الحسن بن القصّار» لأشجى قلبه بحسن محاضرته، أو جاراه «القاضي عبد الوهّاب» لقضى بعلوّ مكانته، أو اتّصل ذكره «بالمازريّ» لزرى على «مازر» لبعدها عن دار إقامته، أو اطّلع «القاضي عياض» على تحقيقاته لاستحسن تلك المدارك، أو ناظره «ابن عبد السلام» لسلّم أنه ليس له في المناظرة نظير ولا في تدقيق البحث مشارك، أو مرّ به «ابن الجلّاب» لجلب فوائده إلى بلاده، أو حضره «ابن الحاجب» لتحقّق أنه جامع الأمّهات على انفراده. هذا وقد حفّ بجلال لا عهد لأحد مثله، ولا طاقة لفاضل بمقاومة فضله، ولا يسمح الزمان بنظيره من بعده كما لم يسمح به من قبله؛ فاجتمع من جمال الجلال، وجلال الجمال، ما لم يكن ليدخل تحت الإمكان، وعزّز عددهما من أعلام الأئمة بثالث ورابع فقام بناء الدّين من المذاهب الأربعة على أربعة أركان؛ ولا عبرة بما يذهب إليه الذاهبون من كراهة التربيع تبعا للمنجّمين في اعتقادهم الفاسد، فقد ورد أنّ زوايا الحوض على التربيع وذلك فيه أعظم دليل وأقوم شاهد. وكان مذهب مالك رحمه الله هو المراد من هذه الولاية بالتخصيص، والمجلس الجماليّ المشار إليه هو المقصود بهذا التفويض بالتنصيص- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نوفّي مرتبته السنيّة حقّها، ونبوّيء النّعم مستحقّها، ونملّك

رقاب المعالي مسترقّها، ونقدّم على طائفة المالكية من أضحى لهم جمالا، ونتحفهم بمن أمسى لعزّهم كمالا، ونفوّض قضاء مذهبهم إلى من إذا جرى في ميدان حكمه قالت محاسن قضاياه: (هكذا هكذا وإلا فلا لا) ، ونسند الأحكام الشرعية إلى من هو بها أعرف، ونقفها على من عرف أنه على الحقائق ماض وعند السّنّة يتوقّف، ونعدق أمرها بمن ألف النزاهة فنكرة المطامع عنده لا تتعرّف، ونكل النظر فيها إلى من أمسى لشروط الاستيجاب جامعا، ونقدّم في ولاية هذا المنصب من شفع له استحقاقه وكفى بالاستحقاق شافعا. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يبسط لأوليائه من بساط الأنس ما كان مطويّا، وينيلهم من رغائب الآمال ما كان عنهم من سالف الأزمان مزويّا- أن يفوّض إليه قضاء قضاة مذهب عالم المدينة، وإمام دار الهجرة، مالك بن أنس الأصبحيّ: قدّس الله تعالى روحه. فليتلقّ ما فوّض إليه بأفضل تلقّ يليق بمثله، ويتقبّله تقبّلا يناسب رفعة محلّه، ويبتهج بأجلّ تفويض لم يسمح بتمنّيه لآخر من قبله. ومن أهمّ ما نوصيه به، ونوجّه القول إليه بسببه، تقوى الله تعالى التي هي ملاك الأمر كلّه، وقوام الدين من أصله، والاشتمال عليها في سرّه وجهره والعمل بها في قوله وفعله، ثم برّ الخلق والإحسان إليهم، والتجاوز عنهم إلا فيما أوجبه الشرع من الحقوق عليهم؛ ففي التقوى رضا الله وفي البرّ رضا الخلق وناهيك بجمعهما من رتبة فاخرة، إذ لا شكّ أنّ من حصّل رضا الله ورضا الخلق فقد حصل على خير الدنيا والآخرة؛ ووراء ذلك قاعدة في الوصايا جامعة، وتذكرة لذوي الذّكرى نافعة، وهي أن يتأمّل أحوال غيره تأمّل من جعلها لنفسه مثالا، ولنسجه منوالا؛ فما استحسنه منها أتى مثله، وما استقبحه تجنّب فعله؛ واقفا في ذلك عند ما وردت به الشريعة المطهرّة بنص صريح أو تأويل صحيح، معرضا عن العقليّات المحضة فلا مجال للعقل في تحسين ولا تقبيح. وأما أدب القضاء الجاري ذكر مثله في العهود، والنظر في أمر النّواب

وكتّاب الحكم والشّهود، فهو به أدرب وأدرى، وبمعرفة ذلك لهم وعليهم أحقّ وأحرى؛ غير أنّا نوصيه بالتثبت في أمر الدّماء وعلاقتها، وتحقّق حكمها قبل الحكم بإراقتها؛ فإن ذلك لمادّة القلق فيها أحسم، ومن تبعاتها في الدارين أسلم؛ والوصايا كثيرة ولكنّها منه تستفاد، وعنه تؤخذ وإليه تعاد؛ والله تعالى يتولّاه، ويحوطه فيما ولّاه، ويديم عليه هذه النعمة فما فوق منصبه منصب يتمنّاه؛ والاعتماد...... «1» ... إن شاء الله تعالى. وكتب لستّ إن بقين من شهر رجب الفرد عام أربع وثمانمائة، حسب المرسوم الشريف، بمقتضى الخط الشريف. وهذه نسخة توقيع بقضاء القضاة الحنفيّة بدمشق، من إنشاء القاضي ناصر الدين ابن النّشائيّ، وهي: الحمد لله الذي جعل منار الشّرع الشريف مستمرّا على الدّوام، وشمل منصب الحكم العزيز للعالم بعد العالم على ممرّ الأيام، وأجمل انتخاب من يقوم بأعباء القضايا، ومن تدوم به مزايا السّجايا، فيتخيّر لذلك الإمام بعد الإمام، وأقبل بوجه اجتبائه على وليّ نتأكّد بإنصاته وإنصافه إحكام الأحكام، وعدل باعتنائه إلى تعيين من ترتفع به في العلوم أعلام الإعلام، ومن يتأيّد به الحقّ في كل نقض وإبرام. نحمده على نعمه الوافرة الأقسام، السافرة [اللثام] «2» عن وجوه الزيادة الوسام، ونشكره على مننه الجسام، ومواهبه التي لا تبرح ثغور إحسانها لذوي الاستحقاق واضحة الابتسام.

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة كفيلة بالمرام، منيلة للإكرام، جميلة التلفّظ والالتئام، جزيلة الكنف والاعتصام، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أقام الله به شعائر الإسلام، وأظهر شرائع الدين الحنيف بحسام نصره الحسّام، وأورث من أهّله من أمّته كنوز العلوم التي لا تنفد فوائدها مع كثرة الإنفاق مدى السنين والأعوام، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين هدوا المؤمنين بإلهام الكلام، وعدوا على المشركين بسهام الكلام، وأبدوا من إرشادهم إلى خفايا القضايا ما يظهر بتهذيبهم ظهور بدر التّمام، صلاة دائمة باقية تجزل لقائلها الأجر التامّ، وترسل إليه سحائب المواهب هاطلة الغمام، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من تذهّب به مذهبه، وتحلّى به محلّ الشرع الشريف ومنصبه، وأنار بنور إرشاده ليل الشك وغيهبه، وسهل بتقريبه على فهم الطالب مطلبه، وهمى به وابل العلم وصيّبه «1» وأتيح به للمستفيد كنز الفوائد التي يدنو بها أربه، وشيم من برق شيمه بالشام ما وجد في الجود صادقه وفقد خلّبه- من علا في العلوم نسبه، وتأكّد في الدين سببه، وشيّد مبنيّ المعالي معربه، وصقل مرايا الأفهام مهذّبه، وزاحم منكب الجوزاء في ارتفاع القدر منكبه، وجمّل مواكب المباحث في الأصول والفروع موكبه، وسحّت بدقائق الحقائق سحبه، واشتاق إلى قربه موطن الحكم العزيز فما زال يرتقبه، وارتاح الزمان إلى عفافه وإنصافه فأرشد حيث نختاره لذلك وننتخبه. ولما كان المجلس العالي...... «2» ...... أيّد الله أحكامه هو الذي أرشد الطالبين في البداية «3» ، وأفاد المنتهين درجات النّهاية، وأفهم

المستفيدين صواب الهداية، وغدا سابقا في حلبة العلماء إلى أقصى غاية. كم قرّب إلى الأذهان غامض المشكل وأوضح مفهومه، وكم أشاع فرائد فوائده التي طبّق الأرض بها علومه، وكم أباح لقط ألفاظه المشحونة بالحكم فتحلّى الناس بدررها المنثورة والمنظومة، مع ما له من دين متين، واستحقاق للتقدّم مبين، وصلاح بلغ به درجات المتّقين المرتقين، واتباع لسنن الحق في الحكم بين الخلق عن يقين- اقتضى حسن الرأي الشريف أن يقرن منصب القضاء بجماله، وأن يعوّض عن إمامه المفقود بإمامه الموجود ليستمرّ الأمر على حاله. فلذلك رسم......- لا زالت أئمة العلم الشريف في أيامه يخلف بعضهم بعضا، وأقدارهم تدوم رفعتها مدى المدد فلا تجد نقصا ولا نقضا- أن يفوّض...... «1» ...... فليباشر ذلك بعلمه المأثور، وحكمه المشهور، وإنصافه الذي يعدل فيه، واتصافه بالحق الذي ما برح يوفيه، قاضيا بين الخصوم بما أمر الله عز وجل، مراقبا لخشية الله على عادته، مذيعا للملّة الحنيفيّة أنواع إفادته، قاطعا بنصل نصّه مشكل الإلباس، جامعا في أحكامه المسدّدة بمقتضى مذهبه بين الكتاب والسّنّة والقياس. والوصايا كثيرة وملاكها التقوى وهي مادّته، وطريقه المستقيم وجادّته، وما زالت عمدته التي يعتمد عليها، وعدّته التي يستند في إسناد أمره إليها؛ والله تعالى يجمّل الأيام بأحكامه، ويبلّغه من خير الدنيا والآخرة غاية مراده ومرامه، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة المالكيّة أيضا، أنشأته لقاضي القضاة جمال الدين البساطيّ المذكور عند عوده إلى الوظيفة، لأربع بقين من ذي القعدة سنة سبع وثمانمائة. وقد وافق عوده عود شيخ الإسلام جلال الدين عبد

الرحمن البلقينيّ إلى قضاء قضاة الشافعيّة أيضا، وهي: الحمد لله الذي أعاد لرتبة القضاء رونق «جمالها» وأسعد جدّها بأسعد قران ظهرت آثار يمنه بما آثرته من ظهور «جلالها» ، وأجاب سؤلها بأجلّ حاكم لم تعدل عنه يوما في سؤالها، وأسعد طلبتها بأكمل كفء لم تنفكّ عن خطبته وإن أطال في مطالها، وأكرم مآبها بأكرم كاف ما فاتها منال ماض إلا أدركته به في مالها. نحمده على أن أعطيت القوس باريها، وأعيدت مياه الاستحقاق إلى مجاريها، وردّت الشاردة إلى مالك ألفت منه بالآخرة ما ألفت من خيره في مباديها. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يخفق بالإخلاص مناطها، ويزداد مع طول الأمد نشاطها، ولا ينطوي على ممرّ الأيام- إن شاء الله تعالى- بساطها، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل نبيّ رفع قواعد الدين وشاد، وقام في الله حقّ القيام فحسم بسيف الشرع مادّة الفساد، وأحكم بسدّ الذّرائع سداد الأمور فجرت أحكام شريعته المطهّرة على السّداد، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين استنشق من معدلتهم أطيب عرف، وخصّوا من صفات الكمال بأحسن حلية وأكمل وصف، صلاة توهي عرا الإلحاد، وتفصمها، وتبكّ أعناق أهل العناد، وتقصمها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فلا خفاء في أنّ الأبصار تتشوّف لرؤية الهلال مع قرب الغيبة للأخذ منه بنصيبها، والشمس يترقّب طلوعها في كلّ يوم وإن قرب زمان مغيبها، والمسافر يسرّ بإيابه وإن تكرر قدومه من بعيد المسافة وقريبها، والسّهران يتطلّع من ليلته الطويلة إلى طلوع فجرها، والمناصب السنيّة تأرز «1» إلى

مستحقّها كما تأرز الحيّة إلى جحرها. ولما كان المجلس العاليّ، القاضويّ، (إلى آخر ألقابه) أعزّ الله تعالى أحكامه هو الذي حمدت في القضاء آثاره، وسارت بحسن السّيرة في الآفاق أخباره، وحسن بحسن تأتّيه في الورد والصّدر إيراده وإصداره، وتنافس في جميل وصفه الطّرس والقلم، وظهرت فضائله (ظهور نار القرى ليلا على علم) ، ونشرت الأيّام من علومه ما تطوى إليه المراحل، وجادت مواطر فكره بما يخصب به جناب المربع الماحل، وعمرت من منصب القضاء بولايته معاهده، وجرت بقضايا الخير في البدء والعود عوائده، ونفذت بنفاذ أوامره في الوجود أحكامه، ورقم في صحائف الأيّام على توالي الدّهور نقضه وإبرامه، وسجّل بثبوت أحقّيّته فانقطعت دون بلوغ شأوه الأطماع، وحكم بموجب فضله فانعقد على صحّة تقدّمه الإجماع؛ ففرائد فوائده المدوّنة تؤذن بالبيان والتحصيل، ومقدّمات تنبيهاته المحقّقة، تكفي نتائج إفضالها عن الإجمال والتفصيل، وجواهر ألفاظه الرائقة، نعم الذخيرة التي تقتنى، ومدارك معانيه الفائقة، حسبك من ثمرة فكر تجتنى، وتهذيب إيراداته الواضحة تغني في إدراكها عن الوسائل، وتحقيق مسائله الدقيقة تحقّق فيها أنها عيون المسائل- وكانت وظيفة قضاء قضاة المالكية بالديار المصرية في رفيع رتبتها، ووافر حرمتها، قد ألقت إليه مقاليدها، ورفعت بالانتماء إلى مجلسه العالي أسانيدها، وعرفت محلّه الرفيع فتعلّقت منه بأعزّ منال، وحظيت بجماله اليوسفيّ المرّة بعد الأخرى فقالت: لا براح لي عن هذا الجمال، وعجمت بتكرّر العود عوده فأعرضت عن السّوى، وقرّت بالإياب إليه عينا «فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى» - اقتضى حسن الرأي الشريف أن نعيد الوظيفة المذكورة إليه، ونعوّل في استكشاف مشكلات الأحكام على ما لديه، إقرارا للأمر في نصابه، وردّا له بعد الشّراد إلى مثابه، وإسعافا للمنصب بطلبته وإن أتعب غيره نفسه في طلابه. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يبديء المعروف ويعيده، ويوفّر نصيب الأولياء ويزيده- أن يفوّض إلى المجلس العالي المشار إليه قضاء القضاة

بمذهب عالم المدينة وإمام دار الهجرة «مالك بن أنس الأصبحيّ» رضي الله عنه، على جاري عادته المتقدّمة في ذلك، وأن يضاف إليه تدريس قبّة الصالح والأنظار الشاهد بها توقيعه الشريف، وأن لا يقرّر أحد في دروس المالكية من مدرّس ومعيد «1» إلا بتعيينه، على أتم العوائد وأجملها، وأعمّ القواعد وأكملها. فليعد إلى رتبته السنية برفيع قدره وعليّ همّته، ويقابل إحساننا بالشكر نتحفه بمزيد الإقبال إذ لا زيادة في العلوّ على رتبته. ثم أوّل ما نوصيه به، ونؤكّد القول عليه بسببه، تقوى الله التي هي ملاك الأمور كلّها، وأولى المفترضات في عقد الأمور وحلّها؛ فهي العصمة التي من لجأ إليها نجا، والوقاية التي ليس لمن حاد عنها من لحاق قوارع الله ملتجا. ونتبع ذلك بالتلويح إلى الاحتياط في المسائل التي تفرّد بها مذهبه الشريف ضيقا وسعة، واختصّ بها إمامه الأصبحيّ دون غيره من الأئمة الأربعة؛ وهي مسائل قليلة، آثارها في الورى كثيرة جليلة؛ منها سفك دم المنتقص والسابّ، وتحتّم قتله على البتّ وإن تاب؛ فعليه أن يأخذ في ذلك بالاهتمام، ولا يعطي رخصة في حقّ أحد من الأنبياء والملائكة عليهم السّلام، ليكون ذلك وسيلة إلى الخلوص عن القذى، وذريعة إلى سلامة الشّرف الرفيع من الأذى؛ إلا أنّا نوصيه بالتثبّت في الثّبوت، وأن لا يعجل بالحكم بإراقة الدم فإنه لا يمكن تداركه بعد أن يفوت. ومنها: الشهادة على الخط وإحياء ما مات من كتب الأوقاف والأملاك، وتقريب ما شطّ فلا يقبل فيه إلا اليقظ الواقف مع تحقّقه دون حدسه، ولا يطلق عنان الشّهود فإنّ الكاتب ربما اشتبه عليه خطّ نفسه- ومنها: ثبوت الولاية للأوصياء، فيجريها على اعتقاده، ولكن إذا ظهرت المصلحة في ذلك على وفق مراده- ومنها: إسقاط غلّة الوقف إذا استردّ بعد بيعه مدّة بقائه في يد المشتري، تحذيرا من الإقدام

على بيع الوقف وعقوبة رادعة لبائعه المجتري، إلى غير ذلك من مسائل الانفراد، وما شاركه فيه غيره من المذاهب لموافقة الاعتقاد، فيمضي الحكم فيه بأقوى العزائم، ويلزم فيها بما استبان له من الحقّ ولا تأخذه في الله لومة لائم. وأما غير ذلك من الوصايا الراجعة إلى أدب القضاء فلديه منها الخبر والخبر، ومنه تستملى فوصيّته بها كنقل التّمر إلى هجر «1» ؛ والله تعالى يعامله بلطفه الجميل، ويحفّه بالعناية الشاملة في المقام والرّحيل، إن شاء الله تعالى؛ والاعتماد............ وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة الحنابلة، وهي: الحمد لله الذي أطلع في أفق الدّين «2» القيّم شمسا منيرة، ورفع درجة من جعله من العلم على شريعة ومن الحكم على بصيرة، وقلّد أمور الأمّة بمن يعلم أنّ بين يديه كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، ووفّق لفصل القضاء من مشى على قدم إمامه الذي ادّخر منه للحكم في أيّامنا الشريفة من نفائس العلماء أفضل ذخيرة؛ وقضى بإرجاء أمره لنختار له من تحلّى به بعد العطل وكلّ قضاء خيرة، وأيقظ عنايتنا لمن رقد الدهر عن فضله فباتت عين الاستحقاق باستقرار رتبته قريرة. نحمده حمد من توافت إليه النّعم الغزيرة، وتوالت عليه المنن الكثيرة في المدد اليسيرة، وأخصبت في أيّامه رياض الفضائل فهي بكلّ عالم عدم النظير نضيرة، وافتتح دولته برفع منار العدل فآمال أهل الظلم عن تعاطيه قاصرة وأيدي أهل الباطل عن الامتداد إليه قصيرة، وخصّ المناصب في ممالكه بالأكفاء فإذا

تلبّست بها همم غيرهم عادت خاسئة أو امتدّت إليها أبصار من دونهم رجعت حسيرة. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تصلح العلن والسّريرة، وتصبح بها القلوب موقنة والألسن ناطقة والأصابع مشيرة، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي بعث الله به الرسل مخبرة وأنزل الكتب بمبعثه بشيرة، واجتباه في خير أمّة من أكرم أرومة وأشرف عشيرة، وأظهر أنوار ملّته إلا لمن أعمى الغيّ بصيرته وهل تنفع العمي شمس الظّهيرة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة نتقرّب بدوامها إلى الله فيضاعفها لنا أضعافا كثيرة، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى الأمور بأن تشاد قواعده، وتتعهّد معاهده، ويعلى مناره، وتفاض بطلوع شمسه أنواره، وتكمّل به قوى الدين تكملة الأجساد بقوى الطبائع الأربع، وتعمّر به ربوع الملة التي ليس بعدها من مصيف لملّة ولا مربع، وتثبّت به قوائم الشرع التي ما للباطل في إمالة بعضها من مطمع، أمر القضاء على مذهب الإمام الرّبّانيّ «أحمد بن حنبل» رضي الله عنه، وكان قد خلا بانتقال مباشره إلى الله تعالى، وتوقّف مدّة على ارتياد الأكفاء، والإرشاد إلى من هو أهل الاصطفاء، واختيار من تكمل به رفعة قدره، ويعيد لدسته على بساط سليمانه بهجة صدره. ولما كان فلان هو المنتظر لهذه الرّتبة انتظار الشمس بعد الغسق، والمرتقب لبلوغ هذه المنزلة التي تقدّمت إليها بوادر استحقاقه في السّبق، والمعطوف على الأئمة من أصحاب إمامه- وأن تأخر زمانه- عطف النّسق، وهو الذي ما زال يعدل دم الشهداء مداد أقلامه، وتضع الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع من نقل خطواته في طلب العلم وسعي أقدامه، ودخل من خشية الله تعالى في زمرة من حصر بإنّما، وهجر المضاجع في طاعة الله لتحصيل العلم فلو عدّت هجعاته لقلّما، وهجّر في إحراز الفضائل فقيّد أوابدها، وأحرز شواردها، ولجّج في بحار المعاني فغاص على جواهرها، ونظر نظرة في نجوم العلوم

فاحتوى على زهرها وزار خمائل الفضائل فاستوى على أزاهرها، وانتهى إليه علم مذهبه فبرّز على من سلف، وجارى علماء عصره فوقفت أبصارهم عن رؤية غباره وما وقف، وتعيّن عليه القضاء وإن كان فرض كفاية لا فرض عين، وقدّمه الترجيح الذي جعل رتبته همزة استفهام ورتبة غيره بين بين- اقتضى رأينا الشريف اختصاصه بهذا التمييز، والتنبيه على فضله البسيط بهذا اللفظ الوجيز. فلذلك رسم أن يفوّض إليه كيت وكيت. فليتولّ هذه الرتبة التي أصبح فيها عن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- نائبا وبشرعه قائما، ويتقلّدها تقلّد من يعلم أنه قد أصبح على حكم الله تعالى مقدّما وعلى الله قادما، ويثبّت تثبّت من يعتصم بحبل الله في حكمه فإنّ أحد الخصمين قد يكون ألحن بحجّته وإن كان ظالما، ويلبس لهذا المنصب حلّة تمنع المبطل من الإقدام عليه، وتدفع الظالم عن التطاول إلى أمر نزعه الشرع الشريف من يديه، ويؤمّن الحقّ من امتداد يد الجور والحيف إليه، وليسوّ بين الخصمين في مجلسه ولحظه، ويعدل بينهما في إنصاته ولفظه: ليعلم ذو الجاه أنّه مساو في الحقّ لخصمه، مكفوف باستماع حجّته عن الطمع في ظلمه، ولا ينقض حكما لم يخالف نصّا ولا سنّة ولا إجماعا، وليشارك فيما لا يجهله من القضايا غيره من العلماء ليتزيّد بذلك مع اطلاعه اطّلاعا، وليغتنم في ذلك الاستعانة بآرائهم: فإنّ الله تعالى لا ينتزع هذا العلم انتزاعا، وليسدّ مسالك الهوى عن فكره، ويصرف دواعي الغضب لغير الله عن المرور بذكره، وليجعل العمل لوجه الله نتيجة علمه، وليحكم بما أراه الله وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ. وهذه نسخة وصية أوردها في «التعريف» تشمل القضاة الأربعة، قال: وصية جامعة [لقاض] «1» من أيّ مذهب كان، وهي:

وهذه الرّتبة التي جعل الله إليها منتهى القضايا، وإنهاء الشّكايا، ولا يكون صاحبها إلا من العلماء، الذين هم ورثة الأنبياء، ومتولّي الأحكام الشرعيّة بها كما ورث عن نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم علمه، كذلك ورث حكمه؛ وقد أصبح بيده زمام الأحكام، وفصل القضاء الذي يعرض [بعضه] «1» بعده على غيره من الحكّام؛ وما منهم إلا من ينقد نقد الصيرفيّ، وينفذ حكمه نفاذ المشرفيّ؛ فليتروّ في أحكامه [قبل إمضائها، وفي المحاكمات إليه] «2» قبل فصل قضائها، وليراجع الأمر مرّة بعد مرّة حتى يزول عنه الالتباس، ويعاود فيه بعد التأمّل كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم والإجماع والقياس؛ وما أشكل عليه بعد ذلك فليجلّ ظلمه بالاستخارة، وليحلّ مشكله بالاستشارة، ولا ير نقصا عليه إذا استشار فقد أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم بالشّورى، ومرّ من أوّل السّلف من جعلها بينه وبين خطإ الاجتهاد سورا؛ فقد يسنح للمرء ما أعيا غيره وقد أكثر فيه الدّأب، ويتفطّن الصغير لما لم يفطن إليه الكبير كما فطن ابن عمر رضي الله عنهما للنخلة [و] «3» ما منعه أن يتكلّم إلا صغر سنّه ولزوما مع من هو أكبر منه للأدب؛ ثم إذا وضح له الحقّ قضى به لمستحقّه، وسجّل له به وأشهد على نفسه بثبوت حقّه، وحكم له به حكما يسرّه يوم القيامة أن يراه، وإذا كتب له به، ذكر بخير إذا بلي وبقّى الدهر ما كتبت يداه. وليسوّ بين الخصوم حتّى في تقسيم النظر، وليجعل كلّ عمله على الحقّ فيما أباح وما حظر، وليجد النظر في أمر الشهود حتّى لا يدخل عليه زيف، وليتحرّ في استيداء الشهادات فربّ قاض ذبح بغير سكّين وشاهد قتل بغير سيف؛ ولا يقبل منهم إلا من عرف بالعدالة، وألف منه أن يرى أوامر النفس أشدّ العداله- وغير هؤلاء ممن لم تجر له بالشهادة عادة، ولا تصدّى للارتزاق بسحتها «4» ومات وهو حيّ على الشّهادة، فليقبل منهم من لا يكون في قبول مثله ملامة، فربّ عدل بين منطقة وسيف وفاسق في فرجيّة «5» وعمامة- ولينقّب على

ما يصدر من العقود التي يؤسّس أكثرها على شفا جرف هار «1» ، ويوقع في مثل السّفاح إلا أنّ الحدود تدرأ بالشّبهات ويبقى العار- وشهود القيمة الذين يقطع بقولهم في حقّ كلّ مستحقّ ومال كلّ يتيم، ويقلّد شهاداتهم على كل أمر عظيم؛ فلا يعوّل منهم إلا على كلّ ربّ مال عارف لا تخفى عليه القيم، ولا يخاف معه خطأ الحدس وقد صقل التجريب مرآة فهمه على طول القدم. وليتأنّ في ذلك كلّه أناة لا تقضي بإضاعة الحقّ، ولا إلى المطاولة التي تفضي إلى ملل من استحقّ، وليمهّد لرمسه، ولا يتعلّل بأن القاضي أسير الشهود وهو كذلك وإنما يسعى لخلاص نفسه- والوكلاء هم البلاء المبرم، والشياطين المسوّلون لمن توكّلوا له الباطل ليقضى لهم به وإنما تقطع لهم قطعة من جهنّم، فليكفّ بمهابته وساوس أفكارهم، ومساوي فجّارهم، ولا يدع لمجنى أحد منهم ثمرة إلا ممنوعة، ولا يد اعتداء تمتدّ إلا مغلولة إلى عنقه أو مقطوعة، وليطهّر بابه من دنس الرسل الذين يمشون على غير الطريق، وإذا رأى واحد منهم درهما ودّ لو حصل في يده ووقع في نار الحريق؛ وغير هذا مما لا يحتاج به مثله أن يوصى، ولا أن يحصى عليه منه أفراد عمله وهو لا يحصى، ومنها النظر في أمور أوقاف أهل مذهبه نظر العموم، فليعمرها بجميل نظره فربّ نظرة أنفع من؟؟؟ الغيوم، وليأخذ بقلوب طائفته الذين خصّ من بينهم بالتقديم، وتفاوت بعد ما بينه وبينهم حتّى صار يزيل عارض الرجل منهم النظرة منه ويأسو جراحه منه التكليم. وهذه الوصايا إنما ذكرت على سبيل الذّكرى، وفيه- بحمد الله- أضعافها ولهذا ولّيناه والحمد لله شكرا؛ وقد جعلنا له أن يستنيب من يكون بمثل أوصافه أو قريبا من هذه المثابة، ومن يرضى له أن يحمل عنه الكلّ ويقاسمه ثوابه؛ وتقوى الله تعالى هي جماع الخير ولا سيّما لصاحب هذه الوظيفة، ولمن وليها أصلا وفرعا لا يستغني عنها ربّ حكم مطلق التصرّف ولا خليفة.

ويزاد الشافعيّ: وليعلم أنه صدر المجلس، وأنه أدنى القوم وإن كانوا أشباهه منا حيث نجلس، وأنه ذو الطّيلسان «1» الذي يخضع له ربّ كلّ سيف ويبلس «2» ؛ وليتحقّق أنه إنما رفعه علمه وتقاه، وأنّ سبب دينه لا دنياه هو الذي رقّاه؛ فليقدر حقّ هذه النّعم، وليقف عند حدّ منصبه الذي يودّ لو اشترى سواد مداده بحمر النّعم. ويقال في وصيته: وأمر دعاوى بيت المال المعمور، ومحاكماته التي فيها حقّ كل فرد فرد من الجمهور؛ فليحترز في قضاياها غاية الاحتراز، وليعمل بما يقتضيه لها الحقّ من الصّيانة والإحراز، ولا يقبل فيها كلّ بينة للوكيل عن المسلمين فيها مدفع، ولا يعمل فيها بمسألة ضعيفة يظن أنها ما تضرّ عند الله فإنها ما تنفع؛ وله حقوق فلا يجد من يسعى في تملّك شيء منها بالباطل منه إلا الياس، ولا يلتفت إلى من رخّص لنفسه وقال: هو مال السلطان فإنّه مالنا فيه إلا ما لواحد من الناس. وأموال الأيتام الذين حذّر الله من أكل مالهم إلا بالمعروف لا بالشّبهات، وقد مات آباؤهم ومنهم صغار لا يهتدون إلى غير الثدي للرّضاع ومنهم حمل في بطون الأمّهات؛ فليأمر المتحدّثين لهم بالإحسان إليهم، وليعرّفهم بأنهم سيجزون في بنيهم بمثل ما يعملون معهم إذا ماتوا وتركوا ما في يديهم، وليحذّر منهم من لا ولد له: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ «3» . وليقصّ عليهم في مثل ذلك أنباء من سلف تذكيرا، وليتل عليهم القرآن ويذكّرهم بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ

الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً «1» والصدقات الموكولة إلى تصريف قلمه، المأكولة بعدم أمانة المباشرين وهي في ذممه، يتيقّظ لإجرائها على السّداد في صرفها في وجوه استحقاقها، والعمل بما لا يجب سواه في أخذها وإنفاقها، والمسائل التي تفرّد بها مذهبه وترجّح عنده بها العمل، وأعدّ عنها الجواب لله إذا سأل، لا يعمل فيها بمرجوح إلا إذا كان نصّ مذهب إمامه أو عليه أكثر الأصحاب، ورآه قد حكم به أهل العلم ممن تقدّمه لرجحانه عنده وللاستصحاب. ونوّاب البرّ لا يقلّد منهم إلا من تحقّق استحقاقه، فإنه إنما يولّيه على مسلمين لا علم لأكثرهم فهم إلى ذي العلم أشدّ فاقة؛ هذا إلى ما يتعرّف من ديانتهم ومن عفافهم الذي يتجرّع المرء منهم به مرارة الصبر من الفاقة وهو به يتحلّى، ثم لا يزال له عين عليهم فإنّ الرجال كالصناديق المقفلة لا يعرف الرجل ما هو حتّى يتولّى. ويزاد الحنفيّ: وليعلم أن إمامه أوّل من دوّن الفقه وجمعه، وتقدّم وأسبق العلماء من تبعه؛ وفي مذهبه ومذاهب أصحابه أقوال في المذهب، ومسائل ما لحقه فيها مالك وهو أوّل من جاء بعده وممّن يعدّ من سوابقه أشهب؛ ومن أهمها تزويج الصّغائر، وتحصينهنّ بالأكفاء من الأزواج خوفا عليهن من الكبائر، وشفعة الجوار التي لو لم تكن من رأيهم لما أمن جار السّوء على رغم الأنوف، ولأقام الرجل الدّهر ساكنا في داره بين أهله وهو يتوقّع المخوف، وكذلك نفقة المعتدّة التي هي في أسر من طلّقها وإن بتّت من حباله، وبقيت لا هو بالذي ينفق عليها ولا هي بالتي تستطيع أن تتزوّج من رجل ينفق عليها من ماله، ومن استدان مالا فأكله وادّعى الإعسار، ولفّق له بينة أراد أن تسمع له ولم يدخل الحبس ولا أرهق من أمره الأعسار، وأهل مذهبه على أنه يسجن ويمكث مدّة، ثم إذا ادّعى أنّ له بينة أحضرت ثم هل تقبل أو لا. فهذا وأمثاله مما فيه عموم صلاح، وعظيم

نفع ما فيه جناح؛ فليقض في هذا كلّه إذا رآه بمقتضى مذهبه، وليهتد في هذه الآراء وسواها بقمر إمامه الطالع أبي حنيفة وشبهه، وليحسن إلى فقهاء أهل مذهبه الذين أدنى إليه أكثرهم الاغتراب، وحلّق بهم إليه طائر النهار حيث لا يحلّق البازيّ وجناح الليل حيث لا يطير الغراب؛ وقد تركوا وراءهم من البلاد الشاسعة، والأمداد الواسعة، ما يراعى لهم حقّه إذا عدّت الحقوق، ويجمعه وإيّاهم به أبوه أبو حنيفة وما مثله من ينسب إلى العقوق. ويزاد المالكيّ: ومذهبه له السيف المصلت على من كفر، والمذهب بدم من طلّ دمه وحصل به الظّفر؛ ومن عدا قدره الوضيع، وتعرّض إلى أنبياء الله صلوات الله عليهم بالقول الشّنيع، فإنه إنما يقتل بسيفه المجرّد، ويراق دمه تعزيرا بقوله الذي به تفرّد؛ ولم يزل سيف مذهبه لهم بارز الصّفحة، مسلّما لهم إلى مالك خازن النار من مذهب مالك الذي ما فيه فسحة؛ وفي هذا ما يصرح غدر الدّين من القذى، وما لم تطلّ دماء هؤلاء (لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى) ؛ وإنما نوصيه بالتحرّي في الثّبوت، [والبينة التي لا يستدرك بها ما يفوت،] «1» وإنما هو رجل يحيا أو يموت، فليتمهّل قبل بتّ القضاء، وليعذر إليهم لاحتمال ثبوت تفسيق الشهود أو بغضاء، حتّى لا يعجّل تلافا، ولا يعجل بما لا يتلافى؛ فكما أننا نوصيه أن لا ينقض في شدّ الوثاق عليهم إبراما، فهكذا نوصيه أن لا يصيب بغير حقّه دما حراما؛ وكذلك قبول الشهادة على الخطّ، وإحياء ما مات من الكتب وإدناء ما شطّ، فهذا مما فيه فسحة للناس، وراحة ما فيها باس؛ إلا أنه يكون الثبوت بهذه البيّنة للاتصال، لا لنزع يد ولا إلزام بمجرّدها بمال؛ وهكذا ما يراه من ولاية الأوصياء وهو مما تفرّد به هو دون البقية، وفيه مصلحة وإلا فما معنى الوصيّة؛ وهو زيادة احتراز ما تضرّ مراعاة مثلها في الأمور الشرعيّة، وسوى هذا مثل إسقاط الرّيع في وقف استردّ وقد بيع، وعطل المشتري من التكسّب

بذلك المال مدة لا يشتري ولا يبيع؛ وهذا مما يبتّ قضاءه في مثله، ويجعل عقاب من أقدم على بيع الوقف إحرامه مدّة البيع من مغلّه، وسوى ذلك مما عليه العمل، ومما إذا قال فيه قال بحقّ وإذا حكم عدل. وفقهاء مذهبه في هذه البلاد قليل ما هم، وهم غرباء فليحسن مأواهم، وليكرم بكرمه مثواهم، وليستقرّ بهم النّوى في كنفه فقد ملّوا طول الدّرب، ومعاناة السفر الذي هو أشدّ الحرب، ولينسهم أوطانهم ببرّه ولا يدع في مآقيهم دمعا يفيض على الغرب. ويزاد الحنبليّ: والمهمّ المقدّم- وهو يعلم ما حدث على أهل مذهبه من الشّناعة، وما رموا به من الأقوال التي نتركها لما فيها من البشاعة، ونكتفي به في تعفية آثارها، وإماطة أذاها عن طريق مذهبه لتأمن السالكة عليه من عثارها؛ فتعالى الله أن يعرف بكيف، أو يجاوب السائل عنه بهذا إلا بالسيف؛ والانضمام إلى الجماعة والحذر من الانفراد، وإقرار آيات الصّفات على ما جاءت عليه من الاعتقاد، وأنّ الظاهر غير المراد، والخروج بهم إلى النّور من الظّلماء، وتأويل ما لا بدّ من تأويله مثل حديث الأمة التي سئلت عن ربّها: أين هو فقالت في السماء؛ وإلا ففي البليّة بإثبات الجهة ما فيها من الكوارث، ويلزم منها الحدوث والله سبحانه وتعالى قديم ليس بحادث ولا محلّا للحوادث؛ وكذلك القول في القرآن ونحن نحذّر من تكلّم فيه بصوت أو حرف، فما جزاء من قال بالصوت إلا سوط وبالحرف إلا حتف؛ ثم بعد هذا الذي يزع به الجهّال، ويردّ دون غايته الفكر الجوّال، ينظر في أمور مذهبه ويعمل بكل ما صحّ نقله عن إمامه وأصحابه: من كان منهم في زمانه ومن تخلف عن أيامه؛ فقد كان رحمه الله إمام حقّ نهض وقد قعد الناس تلك المدّة، وقام نوبة المحنة مقام سيد تيم «1» - رضي الله عنه- نوبة الرّدّة، ولم تهبّ به زعازع المريسيّ «2» وقد هبّت مريسا «3» ، ولا

ابن أبي دواد «1» وقد جمع له كلّ ذود وساق إليه من كلّ قطر عيسا، ولا نكث عهدة ما قدّم له المأمون في وصيّة أخيه من المواثق. [ولا روّعه سوط المعتصم وقد صبّ عليه عذابه ولا سيف الواثق] «2» فليقفّ على أثره، وليقف بمسنده [على مذهبه] «3» كلّه أو أكثره، وليقض بمفرداته وما اختاره أصحابه الأخيار، وليقلّدهم إذا لم تختلف عليه الأخبار، وليحترز لدينه في بيع ما دثر من الأوقاف وصرف ثمنه في مثله، والاستبدال بما فيه المصلحة لأهله، والفسخ على من غاب مدّة يسوغ في مثلها الفسخ، وترك زوجة لم يترك لها نفقة وخلّاها وهي مع بقائها في زوجيّته كالمعلّقة، وإطلاق سراحها لتتزوّج بعد ثبوت الفسخ بشروطه التي يبقى حكمها به حكم المطلّقة، وفيما يمنع مضارّة الجار، وما يتفرّع على قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا ضرر ولا ضرار» ، وأمر وقف الإنسان على نفسه وإن رآه سوى أهل مذهبه، وطلعت به أهلّة علماء لولا هم لما جلا الزمان جنح غيهبه؛ وكذلك الجوائح التي يخفّف بها عن الضّعفاء وإن كان لا يرى بها الإلزام، ولا تجري لديه إلا مجرى المصالحة بدليل الالتزام؛ وكذل المعاملة التي لولا الرّخصة عندهم فيها لما أكل أكثر الناس إلا الحرام المحض، ولا أخذ قسم الغلال والمعامل هو الذي يزرع البذور ويحرث الأرض، وغير ذلك مما هو من مفرداته التي هي للرّفق جامعة،

الطبقة الثانية (من أرباب الوظائف الدينية أصحاب التواقيع، وتشتمل على مراتب)

وللرّعايا في أكثر معايشهم وأسبابهم نافعة؛ فإذا استقرّت الفروع «1» كانت الأصول لها جامعة. وفقهاء مذهبه هم الفقراء لقلّة المحصول وضعف الأوقاف، وهم على الرّقّة كالرّماح المعدّة للثّقاف؛ فخذ بخواطرهم، ومدّ آمالهم في غائب وقتهم وحاضرهم، واشملهم بالإحسان الذي يرغّبهم، ويقل به طلبهم لوجوه الغنى ويكثر طلّبهم. الطبقة الثانية (من أرباب الوظائف الدّينية أصحاب التواقيع، وتشتمل على مراتب) المرتبة الأولى (ما كان يكتب في النصف ب «المجلس العالي» كما كان يكتب للقضاة الأربعة أوّلا، وقد تقدّم) المرتبة الثانية (ما يكتب في قطع الثلث ب «الساميّ» بالياء) واعلم أنّ الأصل فيما يكتب من التواقيع أن يفتتح ب «أما بعد» إلا أن الكتّاب تسامحوا فيه فافتتحوا لمن علت رتبته حيث اقتضى الحال الكتابة له في الثلث ب «الحمد لله» ، وأبقوا من انحطّت رتبته عن ذلك على ما كان عليه من الافتتاح ب «أما بعد» وها أنا أورد ما سنح من ذلك مما أنشأه الكتّاب في ذلك من الافتتاحين جميعا. ويشتمل على وظائف. الوظيفة الأولى (قضاء العسكر) وقد تقدّم في المقالة الثانية أنّ موضوعها التحدّث في الأحكام في الأسفار السلطانيّة وأنّ له مجلسا يحضره بدار العدل في الحضر. وقد جرت العادة أن

يكون قضاة العسكر أربعة: من كلّ مذهب قاض. وهذه نسخة توقيع شريف بقضاء العسكر المنصور بالحضرة السلطانية، وهي: الحمد لله الذي رفع للعلم الشريف في أيّامنا الزاهرة منارا، وزاد بإعلاء رتب أهله دولتنا القاهرة رفعة وفخارا، وزان أحكامه الشريفة بحكّامه الذين طلعوا في غياهب مشكلاته بدورا وتدفّقوا في إفاضته في الأحكام الشرعيّة بحارا. نحمده على نعمه التي حلّت فحلّت، ومننه التي أهلّت الجود فاستهلّت. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تكون لقائلها ذخرا، وتعلي للمتمسّك بها في الملإ الأعلى ذكرا، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي هو أسبق الأنبياء رتبة وإن كان آخرهم عصرا، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أضحوا للمقتدين بهم شموسا منيرة وللمهتدين بعلومهم نجوما زهرا، صلاة لا تزال الألسن تقيمها، والأسماع تستديمها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من نوّهنا بذكره، ونبّهنا على رفعة قدره، وأطلقنا ألسنة الأقلام في وصف مفاخره وشكره، وأثّلنا قواعد مجده التي لو رام بنان البيان استقصاءها حال الحصر دون حصره، ونفّذنا كلم حكمه ورفعنا في أندية الفضائل ألوية فنونه وأعلام نصره، من لم يزل دم الشهداء يعدل مداد أقلامه، وتقيم منار الهدى أدلة فضائله وشواهد أحكامه، وتوضّح الحقّ حتى يكاد المتأمّل يلحظ الحكم لوضوحه ويبصره، وينصر الشرع بأمداد علمه ولينصرنّ الله من ينصره، وشيّد مذهب إمامه الإمام الفلانيّ فأصبح فسيح الأرجاء وإن لم يكن فيه فسحة، وجدّد قواعد العدل في قضايا عساكرنا المنصورة فهو مشاهد من كلمه ومن نظره في لمحه ملحة. ولما كان فلان هو الذي نعتنا بما تقدّم من الخطاب خلائقه الحسنى، وأثنينا على ما هو عليه من الإقبال على جوهر العلم دون التعرّض إلى العرض الأدنى؛ مع ما حواه من موادّ فضائل تزكو على كثرة الإنفاق، وفرائد فوائد تجلب

على أيدي الطّلبة إلى الآفاق، وقوّة في الحق، الذي لا تأخذه فيه لومة لائم، وعدل أحكام في الخلق، ألذّ من سنة الكرى في جفن نائم- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نوطّد في عساكرنا المنصورة قواعد أحكامه، ونوطّن كلّا منهم على أنه تحت ما يمضيه في أقضيته النافذة من نقضه وإبرامه. فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوّض إليه قضاء العساكر المنصورة الشريفة: على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، وأن تبسط كلمته في كلّ ما يتعلق بذلك من أحكام الشرع الشريف؛ فليحكم في ذلك كلّه بما أراه الله من علمه، وآتاه من حكمه وحكمه، وبيّن له من سبل الهدى، وعيّنه لبصيرته من سنن نبيه صلّى الله عليه وسلم التي من حاد عنها فقد جار واعتدى، وليقف من الأحكام عند ما قرّرته الشريعة المطهرّة من أحكام الله التي لا يعقلها إلا العالمون، ويأمر كلّا من المتقاضين بالوقوف عند ما حدّ له: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ «1» والوصايا وإن كثرت فمن مثله تفاد، وإن جلّت فسمعه في غنى عما يبدأ له منها ويعاد؛ وملاكها تقوى الله تعالى التي هي شعار أنسه، وحلية يومه وأمسه؛ والله تعالى يسدّده في القول والعمل، ويوفّقه لما يرضاه ويصونه من الخطإ والخطل. وهذه وصية لقاضي العسكر، أوردها في «التعريف» وهي أن يقال: وهو الحاكم حيث لا تنفذ إلا أقضية السيوف، ولا تزدحم الغرماء إلا في مواقف الصّفوف، والماضي قلمه وكلّ خطّيّ يمدّ بالدّماء، والممضى سجلّه وقد طوى العجاج كالكتاب سجلّ السماء؛ وأكثر ما يتحاكم إليه في الغنائم التي لم تحلّ لأحد قبل هذه الأمّة، وفي الشّركة وما تطلب فيه القسمة، وفي المبيعات وما يردّ منها بعيب، وفي الديون المؤجلة وما يحكم فيها بغيب؛ وكلّ هذا مما لا يحتمل طول الأناة في القضاء، واشتغال الجند المنصور عن مواقف الجهاد

الوظيفة الثانية (إفتاء دار العدل)

بالتردّد إليه بالإمضاء؛ فليكن مستحضرا لهذه المسائل ليبتّ الحكم في وقته، ويسارع السيف المصلت في ذلك الموقف ببتّه، وليعلم أن العسكر المنصور هم في ذلك الموطن أهل الشهادة، وفيهم من يكون جرحه تعديلا له وزيادة؛ فليقبل منهم من لا تخفى عليه سيما القبول، ولا يردّ منهم من لا يضرّه أن يردّه هو وهو عند الله مقبول، وليجعل له مستقرّا معروفا في المعسكر يقصد فيه إذا نصبت الخيام، وموضعا يمشي فيه ليقضي فيه وهو سائر وأشهر ما كان على يمين الأعلام؛ وليلزم ذلك طول سفره وفي مدد المقام، ولا يخالفه ليبهم على ذوي الحوائج فما هو بالصالحيّة «1» بمصر ولا بالعادليّة الشام، وليتّخذ معه كتّابا تكتب للناس وإلا فمن أين يوجد مركز الشهود، وليسجّل لذي الحق بحقه وإلا فما انسدّ باب الجحود؛ وتقوى الله هي التي بها تنصر الجنود، وما لم تكن أعلى ما يكون على أعلام الحرب وإلا فما الحاجة إلى نشر البنود. الوظيفة الثانية (إفتاء دار العدل) وموضوعها الجلوس بدار العدل حيث يجلس السلطان لفصل الحكومات، والإفتاء فيما لعلّه يطرأ من الأحكام بدار العدل. وهي وظيفة جليلة، لصاحبها مجلس بدار العدل يجلسه مع القضاة الأربعة ومن في معناهم. وهذه نسخة توقيع لمن لقبه «جمال الدين» ينسج على منوالها، وهي: الحمد لله جاعل العلم للدّين جمالا، وللدنيا عصمة وثمالا «2» ، ولأسباب

النّجاة والنّجاح شارة إذا تحلّى بها ذو التمييز كان أحسن ذوي المراتب حالا، وأجلّهم في الدارين مبدأ ومالا، وأحقّهم برتبة التفضيل التي ضربت لها السنّة المطهّرة فضل البدر على الكواكب مثالا. نحمده على نعمه التي خصّت دار عدلنا الشريف من العلماء بأكفائها، واصطفت لما قرب من مجلسنا المعظّم من دلّ على أن التأييد قرين اصطفائها. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يفترّ عن شنب الصواب، ثغرها، ويتفتّح عن فصل الخطاب، زهرها؛ ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله المخصوص بمحكم التنزيل، المنصوص في الصّحف المنزّلة على ذكر أمّته الذين علماؤهم كأنبياء بني إسرائيل، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين هم كالنّجوم المشرقة، من اقتدى بهم أهتدى، وكالرّجوم المحرقة، من اعتدى وجد منها شهابا رصدا؛ وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى ما ارتدنا له من رياض العلم من سما فيه فرعه، ورحب بتلقّي أنواع العلوم ذرعه، وبسقت في فنون الفضائل أفنانه، ونسقت فرائد الفوائد في سلك الطّروس بنانه- فتيا دار عدلنا الشريف التي أحكامنا لها تابعة، وأغصان العدل بثمار فتاويها مورقة يانعة، وأعيننا إلى أفواه مفتيها رامقة وآذاننا لمقالاتهم سامعة. ولما كان فلان هو ثمرة هذا الارتياد، ونخبة هذا الانتقاد، المعقود عليه في اختيار العلماء بالخناصر، والعريق في أصالة العلوم بأصالة ثابتة الأواصر، والذي إذا أجاب تدفّقت أنواء الفوائد، وتألّقت أضواء الفرائد، واتّخذت مسائل فقهه قواعد تترتّب الأحكام الشرعية عليها ومصادر وحيه موارد- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نزيّن بهجة هذه الوظيفة بجماله، وننزّه إشراقها بنور فضائله التي لو قابلها بدر الأفق نازعته حلّة كماله. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت أحكامه مع أوامر الشرع الشريف واقفة، ومعدلته الشريفة باقتفاء آثار الحق لمشتكيات الظّلم كاشفة- أن يفوّض إليه

الوظيفة الثالثة (الحسبة)

كذا: فليباشر هذه الوظيفة السنيّة مفجّرا ينابيع العلوم في أرجائها، محقّقا للفتاوى بتسهيل مواردها وتقريب أوجائها «1» ، موضّحا طرقها بإقامة براهينه وأدلّته، مبديا دقائقها التي يشرق بها أفق الفكر إشراق السماء بنجومها والأفق بأهلّته، مظهرا من غوامضها ما يقرّب على الأفهام مناله، ويفسّح لجياد القرائح مجاله، وينقّح لكل ذي تروّ رويّته ولكل مرتجل بديهته وارتجاله؛ فإنه الكامل الذي قطع إلى بلوغ الغاية مسالك اللّيالي، والإمام الذي غاص فكره من كل بحر لجج المعاني فاستخرج منها مكنون اللّالي؛ مع أن علمه المهذّب غنيّ عن تنبيه الوصايا، مليّ بما يلزم هذه الوظيفة من الخصائص والمزايا؛ فإنّ البحر يأبى إلّا تدفّقا، والبدر إلا تألّقا؛ والله تعالى يزيده من فضله، ويزيّن به أفق العلم ويزيد منّا دنوّا قرب محلّه. الوظيفة الثالثة (الحسبة) وقد تقدّم أنّ موضوعها التحدّث على أرباب المعايش والصّنائع، والأخذ على يد الخارج عن طريق الصّلاح في معيشته وصناعته. وحاضرة الديار المصريّة تشتمل على حسبتين: الأولى- حسبة «2» القاهرة: وهي أعلاهما قدرا، وأفخمهما رتبة، ولصاحبها مجلس بدار العدل مع القضاة الأربعة وقضاة العسكر ومفتي دار العدل وغيرهم؛ وهو يتحدّث في الوجه البحريّ من الديار المصرية في ولاية النّوّاب وعزلهم. قلت: ولم تزل الحسبة تولّى للمتعمّمين وأرباب الأقلام إلى الدولة المؤيدية شيخ، فولّاها للأمير سيف الدّين منكلي بغا الفقيه أمير حاجب مضافة

إلى الحجوبيّة «1» على أنّ في سجلّات الفاطميّين ما يشهد لها في الزمن المتقدّم. وربما أسندت حسبة القاهرة إلى والي القاهرة، وحسبة مصر إلى والي مصر. وهذه نسخة توقيع من ذلك، وهي: الحمد لله مجدّد عوائد الإحسان، ومجري أولياء دولتنا القاهرة، في أيّامنا الزاهرة، على ما ألفوه من الرّتب الحسان، ومضاعف نعمنا على من اجتنى لنا بحسن سيرته الدعاء الصالح من كل لسان. نحمده على نعمه التي لا تحصى بعدّها، ولا تحصر بحدّها، ولا تستزاد بغير شكر آلاء المنعم وحمدها. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نقيمها في كلّ حكم، وتحاول سيوفنا جاحديها فتنهض فتنطق بالحجة عليهم وهم بكم، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف من ائتمر بالعدل والإحسان، وأعدل آمر أمّته بالوزن بالقسط وأن لا يخسروا الميزان، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين احتسبوا في سبيل الله جلّ عتادهم، واحتبسوا أنفسهم في مقاطعة أهل الكفر وجهادهم؛ فلا تنتهب جنائبها في الوجود، وتسري نجائبها في التّهائم والنّجود، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من دعاه إحساننا لرفع قدره، وإنارة بدره، وإعلاء رتبته، وإدناء منزلته، وإعلام مخلص الأولياء بمضاعفة الإحسان إليه أنّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وأنّ كرمنا لا يخيّب لمن أسلف سوابق طاعته في أيّامنا الشريفة أملا، من لم تزل خدمه السابقة إلى الله مقرّبة، وعن طرق الهوى منكّبة،

وبالله مذكّرة، وعلى الباقيات الصالحات من الأعمال موفّرة، مع ما أضافه إلى ذلك من أمر بمعروف، وإغاثة ملهوف، ونهي عن منكر، واحتساب في الحق أتى فيه بكلّ ما تحمد خلائقه وتشكر، واجتناب لأعراض الدنيا الدّنيّة، واجتهاد لما يرضي الله ويرضينا من اتّباع سيرتنا السّريّة، وشدّة في الحق حتّى يقال به ويقام، ورفق بالخلق إلا في بدع تنتهك بها حرمة الإسلام، أو غشّ إن لم يخصّ ضرره الخاصّ فإنّ ذلك يعمّ العام. ولمّا كان فلان هو الذي اختصّ من خدمتنا، بما رفعه لدينا، وأسلف من طاعتنا، ما اقتضى تقريبه منّا واستدعاءه إلينا، ونهض فيما عدقناه به من مصالح الرعايا وكان مشكور المساعي في كل ما عرض من أعماله في ذلك علينا- اقتضى رأينا الشريف أن يفوّض إليه كذا، فليستقرّ في ذلك مجتهدا في كلّ ما يعمّ البرايا نفعه، ويجمل لديهم وقعه، ويمنع من يتعرّض باليسار، إلى ما لهم بغير حقّ، أو يضيّق بالاحتكار، على ضعفائهم ما بسط الله لهم من رزق، ويذبّ عنهم بإقامة الحدود شبه تعطيلها، ويعرّفهم بالمحافظة على الحق في المعاملات قواعد تحريمها وتحليلها، ويريهم بالإنصاف نار القسطاس المستقيم لعلهم يبصرون، ويؤدّب من يجد فيهم من المطفّفين: الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ «1» ويأمر أهل الأسواق بإقامة الجماعات والجمع، ويقابل من تخلّف عن ذلك بالتأديب الذي يردع من أصرّ فيه على المخالفة ويزع، ويلزم ذوي الهيئات بالصّيانة التي تناسب مناصبهم، وتوافق مراتبهم، وتنزّه عن الأدناس مكاسبهم، وتصون عن الشوائب شاهدهم وغائبهم، ولا يمكّن ذوي البيوع أن يغبنوا ضعفاء الرعايا وأغبياءهم، ولا يفسّح لهم أن يرفعوا على الحق أسعارهم ويبخسوا الناس أشياءهم. وليحمل كلّا منهم على المعاملات الصحيحة، والعقود التي غدت لها الشريعة الشريفة مبيحة، ويجنّبهم العقود الفاسدة، والحيل التي تغرّ بتدليس

السّلع الكاسدة، وهو أخبر بالبيوع المنصوص على فسادها في الشرع الشريف، وأدرى بما في عدم تحريرهم المكاييل والموازين من الإخسار والتطفيف؛ فليفعل ذلك في كل ما يجب، ويحتسب فيه ما يدّخره عند الله ويحتسب؛ ولتكن كلمته في ذلك مبسوطة، ويد تصرّفه في جميع ذلك محيطة وبما يستند إليه من أوامره محوطة، وليوص نوّابه بمثل ذلك، ويوضّح لهم بإنارة طريقته كلّ حال حالك، ويقدّم تقوى الله على كلّ أمر، ويتّبع فيه رضا الله تعالى لا رضا زيد وعمرو؛ والخطّ الشريف أعلاه. وهذه نسخة توقيع من ذلك بحسبة الفسطاط المعبّر عنه الآن بمصر عودا إليها، وهي: الحمد لله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، الشاهد بالعدل الذي تقوى به كلمة الإيمان وتنصر، والغامر بالجود الذي لا يحصى والفضل الذي لا يحصر، العامر ربوع ذوي البيوت بتقديم من انعقدت الخناصر على فضله الذي لا يجحد ولا ينكر. نحمده على نعمه التي لا تزال ألسنة الأقلام ترقم لها في صحف الإنعام ذكرا، وتجدّد لها بإصابة مواقع الإحسان العامّ شكرا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تصدع بنورها ليل الشرك فيؤول فجرا، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي قمع الله به من اغترّ بالمعاصي وغرّر، وأقام بشريعته لواء الحق الأطهر ومنار العدل الأظهر، وعلى آله وصحبه الذين سلكوا من الهداية بإرشاده منهج الحق الأنور، واحتسبوا نفوسهم في نصرته ففازوا من رضاه بالحظ الأوفى والنصيب الأوفر. وبعد، فإن الله تعالى لما جعل كلمتنا المبسوطة على العدل والإحسان مقصورة، وأوامرنا الشريفة بإقامة منار المعروف مؤيّدة منصورة، وأحكامنا المشهورة بالإنصاف في صحائف الدّهر بالمحاسن مسطورة، وألهمنا من اتّباع

الشرع الشريف ما غدت به قلوب الرعايا آمنة مسرورة- قصدنا أن نختار لمراتب الدّيانة والعفاف من لم يزل بيته بالصّدارة عليّا، ووصفه بأنواع المحامد والممادح مليّا. ولما كان فلان هو الذي ورث السّيادة، عن سلف طاهر، وتلقّى السعادة، عن بيت فروعه التقوى فأزرت بالروض الزّاهي الزّاهر، وسرت سرائره بحسن سيرته وسيره، وأبطن من الدّيانة ما أظهرته أدلّة خيره، وتنقّل في المراتب الدّينيّة فأربى في حسن السلوك على غيره، وسلك من الأمانة الطريق المثلى، واعتمد ما عدم به مضاهيا ومثلا، وجنى ما نطق بإنصافه فضل الكيل والميزان، ورجاه من أهل الخير كلّ ذي إحسان وخشيه أهل الزّيغ والبهتان؛ وكانت الحسبة المباركة بمصر المحروسة قد ألفت قضاياه وأحكامه، وعرفت بالخبر معروفه وشكرت نقضه وإبرامه، وفارقها على رغمها منه اختيارا، وعادت له خاطبة عقيلة نزاهته التي لا تجارى. فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي أن يفوّض إليه كذا. فليقدّم خيرة الله في مباشرة هذه الوظيفة، وليقم منارها بإقامة حدودها الشريفة، ولينظر في الكيل والميزان اللّذين هما لسان الحق الناطق، ولينشر لواء العدل الذي طالما خفقت بنوده في أيامنا حتّى غدا قلب المجرم وهو خافق، وليحسن النظر في المطاعم والمشارب، وليردع أهل البدع ممن هو مستخف باللّيل وسارب؛ وفيه- بمحمد الله تعالى- من حسن الألمعيّة ما يغني عن الإسهاب في الوصايا، ويعين على السّداد في نفاذ الأحكام وفصل القضايا؛ وكيف لا وهو الخبير بما يأتي ويذر، والصّدر الذي لا يعدو الصّواب إن ورد أو صدر؛ والله تعالى يعمر به للعدل معلما، ويكسوه بالإقبال في أيامنا الشريفة ثوبا بالثّواب معلما؛ والخطّ الشريف أعلاه، حجة بمقتضاه. وهذه وصية محتسب أوردها في «التعريف» وهي:

وقد ولي أمر هذه الرّتبة، ووكل بعينه النظر في مصالح المسلمين لله حسبة؛ فلينظر في الدّقيق والجليل، والكثير والقليل، وما يحصر بالمقادير وما لا يحصر، وما يؤمر فيه بمعروف أو ينهى عن منكر، وما يشترى ويباع، وما يقرّب بتحريره إلى الجنّة ويبعد من النار ولو لم يكن قد بقي بينه وبينها إلا قدر باع أو ذراع؛ وكل ما يعمل من المعايش في نهار أو ليل، وما لا يعرف قدره إلا إذا نطق لسان الميزان أو تكلّم فم الكيل. وليعمل لديه معدّلا لكلّ عمل، وعيارا إذا عرضت عليه المعايير يعرف من جار ومن عدل، وليتفقّد أكثر هذه الأسباب، ويحذّر من الغشّ فإنّ الداء أكثره من الطّعام أو الشّراب، وليتعرّف الأسعار ويستعلم الأخبار، في كل سوق من غير إعلام لأهله ولا إشعار، وليقم عليهم من الأمناء من ينوب عنه في النّظر، ويطمئنّ به وإن غاب إذا حضر، ويأمره بإعلامه بما أعضل، ومراجعته مهما أمكن فإنّ رأي مثله أفضل. ودار الضّرب والنّقود التي منها تنبثّ، وقد يكون فيها من الزّيف ما لا يظهر إلا بعد طول اللّبث؛ فليتصدّ لمهمّاتها بصدره الذي لا يحرج، وليعرض منها على المحكّ من رأيه ما لا يجوز عليه بهرج، وما يعلّق من الذهب المكسور ويروبص «1» من الفضّة ويخرج، وما أكلت النار كلّ لحامه أو بعضه فليقم عليه من جهته الرقباء، وليقم على شمس ذهبه من يرقب منه ما ترقب من الشمس الحرباء، وليقم الضّمّان على العطّارين والطّرقيّة «2» من بيع غرائب العقاقير إلا ممّن لا يستراب فيه وهو معروف، وبخطّ متطبّب ماهر لمريض معيّن في دواء موصوف. والطّرقيّة وأهل النّجامة وسائر الطوائف المنسوبة إلى ساسان، ومن يأخذ أموال الرجال بالحيلة ويأكلهم باللسان، وكل إنسان سوء من هذا القبيل هو في الحقيقة شيطان لا إنسان؛ امنعهم كلّ المنع، واصدعهم مثل الزّجاج حتّى لا ينجبر لهم صدع، وصبّ عليهم النّكال وإلا فما يجدي في تأديبهم ذات التأديب والصّفع، واحسم

الوظيفة الرابعة (وكالة بيت المال)

كلّ هذه الموادّ الخبيثة، واقطع ما يجدّد ضعفاء الناس من هذه الأسباب الرّثيثة؛ ومن وجدته قد غشّ مسلما، أو أكل بباطل درهما، أو أخبر مشتريا بزائد، أو خرج عن معهود العوائد، أشهره في البلد، وأركب تلك الآلة قفاه حتّى يضعف منه الجلد؛ وغير هؤلاء من فقهاء المكاتب وعالمات النّساء وغيرهما من الأنواع ممن يخاف من ذئبه العائث في سرب الظّباء والجاذر، ومن يقدم على ذلك ومثله وما يحاذر، ارشقهم بسهامك، وزلزل أقدامهم بإقدامك، ولا تدع منهم إلا من اختبرت أمانته، واخترت صيانته. والنّوّاب لا ترض منهم إلا من يحسن نفاذا، ويحسب لك أجر استنابته إذا قيل لك من استنبت فقلت هذا؛ وتقوى الله هي نعم المسالك، وما لك في كلّ ما ذكرناه بل أكثره إلا إذا عملت فيه بمذهب مالك. الوظيفة الرابعة (وكالة بيت المال) وهي وظيفة عظيمة الشان رفيعة المقدار، وقد تقدّم أن موضوعها التحدّث فيما يتعلّق بمبيعات بيت المال ومشترواته «1» : من أرض وآدرّ وغير ذلك مما يجري هذا المجرى، وأنّ متولّيها لا يكون إلا من أهل العلم والدّيانة، وأنّ له مجلسا بدار العدل: تارة يكون دون مجلس المحتسب، وتارة فوق مجلسه، بحسب رفعة قدر كل منهما في نفسه. وقد أضيف إليها في المباشرة نظر كسوة الكعبة الشريفة وصارا كالوظيفة الواحدة. وهذه نسخة توقيع بوكالة بيت المال: الحمد لله جامع المناصب الدينيّة، لمن خطبته لها رتبتان: العلم والعمل، ومكمّل الرّتب السّنيّة، لمن وجدت فيه أهبتان: الورع والتّقى، وعدمت منه خلّتان: الحرص والأمل، جاعل اختصاص الرّتب بأكفائها حلية الدّول،

والنظر في مصالحها الخاصّة والعامّة زينة أيامنا التي تتلفّت إلى محاسنها أجياد الأيّام الأول. نحمده على نعمه التي عصمت آراءنا من اعتراض الخلل، وأمضت أوامرنا من مصالح الأمة بما تسري به المحامد سريّ النجوم ويسير به الشّكر سير المثل. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لم نزل نستنطق بها في الجهاد، ألسنة الأسل، ونوقظ لإقامتها عيون جلاد، لها الغمود جفون والسهام أهداب والسّيوف مقل، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أظهر الله دينه على الأديان وشرّف ملّته على الملل، وأسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى وعاد ولم يكمل الليل بين السّير والقفل، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين هجروا في المهاجر إليه الأحياء والحلل، وشفوا بأسنّة سنّته العلل والغلل، وتفرّدوا بكمال المفاخر فإذا خلعت الأقلام على أوصافهم حللا غدت منها في أبهى من الحلل، صلاة تتوالى بالعشيّ والإبكار وتتواتر في الإشراق والطّفل «1» ، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى الرّتب بإنعام النظر في ارتياد أكفائها، وانتقاد فرائد الأعيان لها وانتقائها، واستخارة الله تعالى في اختيار من يكون أمر دينه هو المهمّ المقدّم لديه، واستنارة التوفيق في اصطفاء من يكون مهمّ آخرته هو المرثيّ المصوّر بين عينيه، مع ما اتصف به من محاسن سجايا جبلت عليها طباعه، وخصّ به من سوابق مزايا رحب بها في تلقّي المصالح الدينيّة صدره وباعه، رتبتان يعمّ نفعهما ويخصّ، ويحسن وقعهما بما يبديه من أوصافه ويقصّ، ويتعلّق كلّ منهما بجماعة الأمّة فردا فردا، ويشتملان على منافعهم على

اختلافها بدأ وإعادة وعكسا وطردا، ويكون المتصدّي لهما مناقشا على حقوقهم وهم ساهون، ومفتّشا عن مصالحهم وهم عنها لاهون، ومناضلا عنهم وهم غافلون، ومشمّرا للسعي في مصالحهم وهم في حبر الدّعة رافلون، ومتكلّفا لاستماع الدّعوى عنهم جوب فلوات الجواب، ومتكفّلا بالتحرّي في المحاورة عنهم وإصابة شاكلة الصّواب، ومؤدّيا في نصحهم جهده تقرّبا إلى مراضينا وله عندنا الرّضا وابتغاء ثواب الله: وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ «1» وهما وكالة بيت المال المعمور والحسبة الشريفة بالقاهرة المحروسة: فإنّ منافع وكالة بيت مال المسلمين عائدة عليهم، آئلة بأحكام الشريعة المطهّرة إليهم، راجعة إلى ما يعمّهم مسارّه، معدّة لما تدفع به عنهم من حيث لا يشعرون مضارّه، صائنة حقوقهم من تعدّي الأيدي الغاصبة، حافظة بيوت أموالهم من اعتراض الآمال العاملة الناصبة: وكذلك نظر الحسبة: فإنه من أخصّ مصالح الخلق وأعمّها، وآكد الوظائف العامّة وأكملها استقصائيّة للمصالح الدينيّة والدّنيويّة وأتمّها، يحفظ على ذوي الهيئات أقدارهم، ويبيّن بتجنّب الهنات في الصّدر مقدارهم، ويصون بتوقّي الشّبهات إيرادهم وإصدارهم، وينزّه معاملاتهم عن فساد يعارضها أو شبه تنافي كمال الصحة وتناقضها، ويحفظ أقواتهم من غشّ متلف، أو غلوّ مجحف، إلى غير ذلك من أدوية لا بدّ من الوقوف على صحة ترتيبها وتركيبها، وتتبّع الأقوال التي تجري بها الثّقة إلى غاية تجريبها؛ ولذلك لا تجمعان إلا لمن أوقفه علمه على جادّة العمل، واقتصر به ورعه على مادّة الحق فليس له في التعرض إلى غيره أمل، وسمت به أوصافه إلى معالم الأمور فوجد التّقى أفضل ما يرتقى، وعرضت عليه أدواته جوهر الذخائر فوجد العمل الصالح أكمل ما ينتقد منها وما ينتقى، وتحلّى بالأمانة، فصارت له خلقا وسجيّة، وأنس بالنّزاهة، فكانت له في سائر الأحوال للنّجاة نجيّة، وأرته فضائله الحقّ حيث هو فتمسّك بأسبابه وتشبّث بأهدابه، واتّصف به في سائر أحواله؛ فإن أخذ أخذ بحكمه وإن

أعطى أعطى به، واحترز لدينه فهو به ضنين، واستوثق لأمانته وإن لم يكن فيها بحمد الله متّهما ولا عليها بظنين، واجتنى ثمار المحامد الحلوة من كمام الأمانة المرّة، وعلم أنّ رضا الله تعالى في الوقوف مع الحقّ فوقف معه في كلّ ما ساءه للخلق وسرّه. ولمّا كان فلان هو الذي أمسكت الفضائل بما كمّلها من آداب نفسه ونفاسة آدابه، وتجاذبته الرّتب للتحلّي بمكانته فلم تكن هذه الرتبة بأحقّ به من مجالس العلم ولا أولى به، وشهدت له فضائله معنى بما شهدت له به الأئمة الأعلام لفظا، ونوّهت بذكره العلوم الدينيّة التي أتقنها بحثا وأكملها دراية وأثبتها حفظا؛ فأوصافه كالأعلام المشتقّة من طباعه، والدالّة بدوامها على انحصار سبب الاستحقاق فيه واجتماعه؛ المنبّهة على أنه هو المقصود بهذه الإشارات التي وراءها كلّ ما يحمد من اضطلاعه بقواعد هذه الرّتب واطّلاعه؛ فهو سرّ ما ذكر من نعوت وأوصاف، ومعنى ما شهر من معدلة وإنصاف، ورقوم ما حبّر من حلل أفيضت منه على أجمل أعطاف- رسم.... «1» أن يفوّض.... «2» . تفويضا يقع به الأمر في أحسن مواقعه، ونضع به الحكم في أحمد مواضعه، ويحلّ من أجياد هذه المناصب محلّ الفرائد من القلائد، ويقع من رياض هذه المراتب وقوع الحيا الذي سعد به رأي الرائد. فليباشر هاتين الوظيفتين مرهفا في مصالحهما همّة غير همّة «3» ، مجتهدا من قواعدهما فيما تبرأ به عند الله منّا ومنه الذّمّة، محاققا على حقوق بيت المال حيث كانت محاققة من يعلم أنه مطلوب بذلك من جميع الأمّة، متحرّيا للحق فلا يغدو لما يجب له مهملا، ولا لما يجب عليه مماطلا، واقفا مع حكم الله تعالى الجليّ في الأخذ والعطاء فإنّه سيّان من ترك حقّا أو أخذ باطلا، مجريا عوائد الحسبة على ما ألف من تدبيره، وعرف من إتقانه وتحريره، وشهر من

اعتماده للواجب في سائر أموره، مكتفيا بما اطّلع عليه قديما من مصالحها، منتهيا إلى ما سبقت معرفته به من أسبابها ومناجحها، والله تعالى يوفّقه في اجتهاده، ويعينه على ما يدّخره لمعاده، إن شاء الله تعالى. وهذه وصية وكيل بيت المال أوردها في «التعريف» . وهو الوكيل في جميع حقوق المسلمين وماله معهم إلا حقّ رجل واحد، والمكلّف بالمخاصمة عنهم حتّى يقرّ الجاحد، وهو القائم للدّعوى لهم وعليهم، والمطلوب من الله ومنّا بما يؤخذ لهم أو يؤخذ من يديهم، والمعدّ لتصحيح العقود، وترجيح جهة بيت المال في العقار المبيع والثمن المنقود، والمتكلّم بكتاب الوكالة الشرعية الثابتة، والثابت القدم والأقدام غير ثابتة، والمفسوح المجال في مجالس الحكّام، والمجادل بلسان الحقّ في الأحكام، والموقوفة كلّ دعوى لم تسمع في وجهه أو في وجه من أذن له في سماعها، والمرجوع إليه في إماتة كلّ مخاصمة حصل الضجر من طول نزاعها، وإبداء الدّوافع، ما لم يجد بدّا من الإشهاد عليه بعدم الدافع، والانتهاء إلى الحق كان له أو عليه ولا يقف عند تثقيل مثقّل ولا شفاعة شافع، وبوقوفه تحدّد الحدود [وتمتحن الشهود] «1» ويمشى على الطّرق المستقيمة، وتحفظ لأصحابها الحقوق القديمة، وبه يتم عقد كل بيع وإيجار إذا كانت المصلحة فيها لعامّة المسلمين ظاهرة، ولهم فيما يوكّل عنهم فيه الحظّ والغبطة بحسب الأوقات الحاضرة. ونحن نوصيه في ذلك كلّه بالعمل بما علم، والانتهاء في مقتضى قولنا إلى ما فهم، وتقديم تقوى الله فإنه متى قدّمها بين يديه سلم، والوقوف مع رضا الله تعالى فإنه متى وقف معه غنم، والعمل بالشرع الشريف كيفما توجّهت به

أحكامه، والحذر من الوقوف في طريقه إذا نفذت سهامه؛ ومن مات له ورثة معروفة تستكمل بحقّها ميراثه، وتحوز بحظّها تراثه؛ لا يكلفهم ثبوتا يكون من باب العنت، والمدافعة بحقّ لا يحتاج [مستحقّه] «1» إلى زيادة ثبت؛ وإنما أنت ومن كانت قضيّته منكرة، والمعروف من مستحقّي ميراثه نكرة، فأولئك شدّد في أمرهم، وأوط شهداءهم في الاستفسار منهم على جمرهم؛ وتتّبع باطن الحال لعله عنك لا يتستّر، ولا يمشي عليك فيه الباطل ويمشي شاهد الزّور بكميّه ويتبختر؛ فإن تحقّقت صحة شهاداتهم وإلا فأشهرهم في الدنيا ودعهم في الآخرة لا يخفّف عنهم العذاب ولا يفتّر، وكلّ ما يباع أو يؤجّر ارجع فيه إلى العوائد، وتقلّد أمر الصغير، وجدّد لك أمرا منّا في الكبير، وذلك بعد مراعاة ما تجب مراعاته، والتأنّي كلّ التأنّي حتّى يثبت ما ينبغي إثباته؛ وشهود القيمة عليهم المدار، وبشهادتهم يقدّر المقدار؛ وما لم يكونوا من ذوي الأقدار، ومن أهل الخبرة بالبزّ والجدار، وممن اشترى العقار واستغلّه وبنى الدار؛ وإلا «2» فاعلم أنّ مثله لا يرجع إليه، ولا يعوّل ولا سيّما في حقّ بيت المال عليه، فاتّفق مع ولاة الأمور من أهل الأحكام، على تعيين من تعيّن لتقليد مثل هذه الشهادة، وتعرّف منهم من له كلّ الخبرة حتّى تعرف أنه من أهل الزّهادة، ولك أن تدّعي بحق المسلمين حيث شئت ممن ترى أن حقّه عنده يترجّح، وأن بيّنتهم تكون عنده أوضح، فأمّا الدّعوى عليك فمن عادتها أن لا تسمع إلا في مجلس الحكم العزيز الشافعيّ- أجلّه الله تعالى- ونحن لا نغيّر العوائد، ولا ننقض ما بنت الدول السالفة عليه القواعد؛ فليكن في ذلك المجلس سماعها إذا تعيّنت، وإقامة البينات عليها إذا تبيّنت، والله الله في حقّ بيت المال، ثم الله الله في الوقت الحاضر والمآل، ومن تستنيبهم عنك بالأعمال لا تقرّ منهم إلا من تقرّ به عينك، ويوفّى به عند الله لا بما تحصّله من الدنيا دينك؛ ومن كان لعمله

الوظيفة الخامسة (الخطابة)

مصلحا، ولأمله منجحا، لا تغيّر عليه فيما هو فيه، ودعه حتّى يتبين لك خافيه؛ ولتستقص في كلّ وقت عنهم الأخبار، ولتستعلم حقائق ما هم عليه بمن تستصحبه من الأخيار، ولا تزال منهم على يقين، وعمل بما فيه خلاص دنيا ودين. الوظيفة الخامسة (الخطابة) وهي من أجلّ الوظائف وأعلاها رتبة في نفس الأمر. وموضوعها معروف وتختصّ هذه الطبقة من التواقيع بخطابة الجوامع. وهذه نسخة توقيع بخطابة الجامع «1» بقلعة الجبل المحروسة، حيث مصلّى السلطان، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ: الحمد لله الذي أنار بالذّكر قلوب أوليائه، وكشف بالذّكرى بصائر أصفيائه، وأنال أهل العلم بالإبلاغ عنه إلى خلقه وراثة أنبيائه، واختار لإذكارنا بآلاء الله من فرسان المنابر من يجاهد الأعداء بدعائه، ويجاهر الأودّاء من مواعظه بما يعلم كلّ منهم أنّ في مؤلم صوادعه دواء دائه؛ فإذا افتتح بحمد الله أثنى عليه بموادّ علمه حقّ ثنائه، ونزّهه بما ينبغي لسبحات وجهه وجلال قدسه وتقدّس أسمائه، وأثنى كما يجب على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم الذي آدم ومن بعده من الرّسل تحت لوائه، وإذا تليت على خيل الله خطبته تشوّقت بلقاء أعداء الله إلى لقائه، وخطبت الجنان من بذل نفوسها ونفائسها بما أقنته في سبيل الله لاتّقائه. نحمده على أن جعلنا لذكره مستمعين، ولأمره ونهيه متّبعين، وعلى حمده في كل ملأ من الأولياء مجتمعين.

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا تزال تختال بذكرها أعطاف المنابر، وتتعطّر ألسنة الأقلام بما تنقله منها عن أفواه المحابر، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي هدى الله من تقدّم من الأمة بخبره ومن تأخّر بخبره، وجعل روضة من رياض الجنة بين قبره ومنبره، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين هم أوّل من عقدت بهم من الجمع صلواتها، وأكرم من زهيت به من الجهاد والمنابر صهواتها، صلاة لا نزال نقيمها عند كلّ مسجد، ونديمها في كلّ متهم في الآفاق ومنجد، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى المنابر أن يرتاد له من أئمة العلماء علّامة عصره، ورحلة «1» مصره، وإمام وقته الذي يصدع بالحق وإن صدع، وعالم زمانه الذي يقوم في كل مقام بما يناسبه مما يأخذ في الموعظة الحسنة وما يدع، منبر نذكّر بآلاء الله على أعواده وإن لم نزل لها من الذّاكرين، وننبّه فيه على شكر الله بالرأفة على خلقه وإن لم نبرح لها بذلك وغيره من الشاكرين، ونشوّق عليه إلى الجهاد في سبيل الله بما أعدّ الله لنا على ذلك من النصر والأجر وإن كنّا على الأبد إليه مبادرين، وإلى إقامة دعوة الحق به مباكرين. ولما كان فلان هو الذي تعيّن لرقيّ هذه الرتبة فخطب لخطابتها، وتبيّن أنه كفؤها الذي تتشوق النّفوس إلى مواعظه فترغب في إطالتها لإطابتها- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نحلّي بفضائله أعطاف هذا المنبر الكريم، وأن نختصّ نحن وأولياؤنا بسماع مواعظه التي ترغّب فيما عند الله بجهاد أعداء الله، والله عنده أجر عظيم. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يطلع في أفق المنابر من الأولياء شمسا منيرة، ويقيم شعائر الدين من الأئمة الأعلام بكلّ مشرق العلانية طاهر السّريرة- أن يفوّض إليه كذا: فليحلّ هذه الرتبة التي لم تقرّب لغيره جيادها،

ويحلّ هذه العقيلة التي لا تزان بسوى العلم والعمل أجيادها، ويرق هذه الهضبة التي يطول إلّا على مثله صعودها، ويلق تلك العصبة التي تجتمع للأولياء به حشودها. وهو يعلم أنّه في موقف الإبلاغ عن الله لعباده، والإعلام بما أعدّ الله في دار كرامته لمن جاهد في الله حقّ جهاده، والإنذار لمن قصّر في إعداد الأهبة ليوم معاده؛ وهو بمحضر من حماة الإسلام، ومشهد ممن قلّدناه أمر أمّة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام؛ فليقصر خطبه على طاعة لله يحضّ عليها، وعزمة في سبيل الله يشوّق إليها، ومعدلة يصف ما أعدّ الله لولاة أمر قدّمتها بين يديها، وتوبة يبعث الهمم، على تعجيلها، وأوقات مكرمة ينبّه الأمم، على احترامها بتقوى الله وتبجيلها، ودنيا ينذر من خداعها، ويبيّن للمغترّ بها ما عرف من خلائقها المذمومة وألف من طباعها، وأخرى يوضّح للمعرض عنها وشك قدومها، ويحذّر المقصّر في طلابها من عذابها ويبشّر المشمّر لها بنعيمها. وليعلم أنّ الموعظة إذا خرجت من الألسنة لم تعد الأسماع، ولم يحصل منها على غير تعقّل القرائن والأسجاع؛ وإذا خرجت من القلوب وقعت في مثلها، وأثمرت في الحال بالمحافظة على فرض الطاعة ونفلها، وسكّنت في السرائر طباع طاعة تأبى على محاول نقلها، وقدحت في البصائر من أنواع المعرفة ما لم يعهد من قبلها. وليجعل خطبه في كل وقت مناسبة لأحوال مستمعيها، متناسبة في وضوح المقاصد بين إدراك من يعي غوامض الكلام ومن لا يعيها؛ فخير الكلام ما قلّ ودلّ؛ وإذا كان قصر خطبة الرجل وطول صلاته منبئين عن فقهه فما قصّر من حافظ على ذلك ولا أخلّ؛ وليوشّح خطبه من الدعاء لنا وللمسلمين بما يرجى أن يوافق ساعة الإجابة، وإذا توخّى الغرض بدعائه لعموم الأمة فقد تعيّنت- إن شاء الله- الإصابة؛ وهذه الوصايا على سبيل الذّكرى التي تنفع المؤمنين وترفع المحسنين، والله تعالى يجعله- وقد فعل- من أوليائه المتقين، بمنّه وكرمه، إن شاء الله تعالى. وهذه وصية خطيب أوردها في «التعريف» :

الوظيفة السادسة (الإمامة بالجوامع، والمساجد، والمدارس الكبار التي تصدر التولية عن السلطان في مثلها)

وليرق هذه الرّتبة التي رفعت له ذرا أعوادها، وقدّمت له من المنابر مقرّبات جيادها، وليصعد منها على أعلى درجة؛ وليسعد منها بصهوة كأنما كانت له من بكرة يومه المشرق مسرجة، وليرع حقّ هذه الرتبة الشريفة، والذّروة التي ما أعدّت إلّا لإمام فرد مثله أو خليفة، وليقف حيث تخفق على رأسه الأعلام، ويتكلّم فتخرس الألسنة وتجفّ في فم الذّرا الأقلام، وليقرع المسامع بالوعد والوعيد، ويذكّر بأيام الله من كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ «1» ، ويليّن القلوب القاسية وإن كان منها ما هو أشدّ قسوة من الحجارة والحديد، وليكن قد قدّم لنفسه قبل أن يتقدّم، وليسبل عليه درع التوبة قبل أن يتكلّم، وليجعل لكل مقام مقالا يقوم به على رؤوس الأشهاد، ويفوّق منه سهما لا يخطيء موقعه كلّ فؤاد، وليقم في المحراب مقام من يخشى ربّه، ويخاف أن يخطف الوجل قلبه، وليعلم أنّ صدفة ذلك المحراب ما انفلقت عن مثل درّته المكنونة، وصناديق الصّدور ما أطبقت على مثل جوهرته المخزونة، وليؤمّ بذلك الجمّ الغفير، وليتقدّم بين أيديهم فإنّه السّفير، وليؤدّ هذه الفريضة التي هي من أعظم الأركان، وأوّل الأعمال التي توضع في الميزان، وأقرب القرب التي يجمع إليها داعي كلّ أذان، وليقم بالصلاة في أوقاتها، وليرح بها الناس في أوّل ميقاتها، وليخفّف مع الإتمام، وليتحمّل عمّن وراءه فإنه هو الإمام، وعليه بالتقوى في عقد كل نيّة، وأمام كلّ قضيّة؛ والله تعالى يجعله ممن ينقلب إلى أهله وهو مسرور، وينصب له مع الأئمة المقسطين يوم القيامة عن يمين الرحمن منابر من نور؛ بمنّه وكرمه. الوظيفة السادسة (الإمامة بالجوامع، والمساجد، والمدارس الكبار التي تصدر التولية عن السلطان في مثلها) وهذه نسخة توقيع بالإمامة:

الوظيفة السابعة (التدريس، وموضوعه إلقاء المسائل العلمية للطلبة)

أما بعد حمد الله على نعمه التي جعلت أيّامنا الشريفة تزيد أهل الفضائل إكراما، وتخص بالسيادة والتقديم من أنشأه الله تعالى قرّة أعين وجعله للمتّقين إماما، وقدّمه على أهل الطاعة الذين يبيتون لربّهم سجّدا وقياما، والشّهادة له بالوحدانيّة التي تكسو مخلصها جلالا وسّاما، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أمّ الناس وعلّمهم الصلاة وأظهر في إقامة الدّين مقالا محمودا ومقاما، وعلى آله وصحبه الذين تمسّكوا بسنّته توثّقا واعتصاما- فإن خير الرتب في هذا العصر وفيما تقدّم رتبة الإمامة حيث تقدّم سيد البشر في محرابها على الأمة وأمّ، فاختارها من اتّبع الطريق المحمديّة وشرعها، وعلم سناءها ورفعها، فزاد بذلك سموّا إلى سموّه، وحصل على تضاعف الأجر ونموّه؛ وهو فلان. رسم- لا زالت أيامه الشريفة تشمل ذوي الأصالة والصّدارة بجزيل فضلها، وعوائد إنعامه تجري بإتمام المعروف فتبقي الرتب الدينيّة بيد مستحقّها وتسارع إلى تخليد النعم عند أهلها- أن يستمرّ فلان في كذا جاريا فيه على أجمل العادات؛ إعانة له على اكتساب الأجور بما يعتمده من تأهيل معهد العبادات، ورعاية لتكثير المبارّ، وترجيحا لما اشتمل عليه من حسن النظر في كل إيراد وإصدار، وتوفيرا للمناجح التي عرفت من بيته الذي كم ألف منه فعل جميل وعمل بارّ، ووثوقا بأنه يعتمد في عمارة مساجد الله سبحانه وتعالى أنه تشهد به الملائكة المتعاقبون بالليل والنهار، والله تعالى يجعل النّعم عنده مؤبّدة الاستقرار؛ إن شاء الله تعالى. الوظيفة السابعة (التدريس، وموضوعه إلقاء المسائل العلمية للطّلبة) وهذه نسخة توقيع بتدريس كتب به للقاضي عزّ الدين «1» ابن قاضي

القضاة بدر الدّين بن جماعة، عوضا عن والده، في جمادى الآخرة سنة ثلاثين وسبعمائة؛ وهي: الحمد لله متمّ فضله على كلّ أحد، ومقرّ النّعمة على كلّ والد وولد، الذي خصّ أولياءنا ببلوغ الغايات في أقرب المدد، واستصحاب المعروف فما ينزع منهم خاتم من يد إلّا ليد. نحمده بأفضل ما يحمده به من حمد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة باقية على الأبد، ونصلي على سيدنا محمد نبيّه الذي جعل شريعته واضحة الجدد، قائمة بأعلام العلماء قيام الأمد، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين شبّههم في الهدى بالنّجوم وهم مثلها في كثرة العدد، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ نعمنا الشريفة لا تتحوّل، ومواهبنا الجزيلة [لا تزال لأوليائنا] «1» تتخوّل، وكرمنا يمهّد منازل السّعود لكل بدر يتنقّل، وشيمنا الشريفة ترعى الذّمم لكلّ من أنفق عمره في ولائها، وتحفظ ما لها من المآثر القديمة بإبقائها في نجباء أبنائها؛ مع ما نلاحظه في استحقاق التقديم، وانتخاب من ترقّى منهم بين العلم والتعليم، وحصّل في الزمن القليل العلم الكثير، واستمدّ من نور والده وهو البدر المنير، وعلم بأنّه في الفضائل سرّ أبيه الذي شاع، وخليفته الذي لو لم ينصّ عليه لما انعقد [إلا] «2» عليه الإجماع، والواحد الذي ساد في رتبة أبيه وما خلت من مثله- لا أخلى الله منه البقاع!. وكان المجلس الساميّ القضائيّ، الفلانيّ، هو المراد بما قدّمنا من صفاته الجميلة، وتوسّمنا أنه لمعة البدر وهي لا تخفى لأنها لا تردّ العيون كليلة؛ ورأى والده المشار إليه من استحقاقه ما اقتضى أن ينوّه بذكره، وينبّه على المعرفة

بحقّ قدره، فآثر النّزول له عمّا باسمه من تدريس الزاوية بجامع مصر المحروسة ليقوم مقامه، ويقرّر فوائده وينشر أعلامه، ويعلم أنه قد حلّق في العلياء حتّى لحق البدر وبلغ تمامه؛ فعلمنا أنّ البركة فيما أشار، وأنّ اليمن بحمد الله فيما رجّحه من الاختيار. فلذلك رسم بالأمر الشريف- زاد الله في شرفه، وجعل أقطار الأرض في تصرّفه- أن يرتّب في هذا التدريس عوضا عن والده، أطال الله بقاءه على عادته وقاعدته إلى آخر وقت لأنه أحقّ من استحق قدره الرفيع التمييز، وأولى بمصر ممن سواه لما عرفت به مصر من العزيز ثم من عبد العزيز. ونحن نوصيك أيّها العالم- وفّقك الله- بالمداومة على ما أنت بصدده، والمذاكرة للعلم فإنّك لا تكاثر العلماء إلا بمدده، والعمل بتقوى الله تعالى في كل قصد وتصدير، وتقريب وتقرير، وتأثيل وتأثير، وتقليل وتكثير، ونصّ وتأويل، وترتيب وترتيل، وفي كل ما تزداد به رفعتك، وتطير به سمعتك، ويحسن به الثناء على دينك المتين، ويقوم به الدليل على ما وضح من فضلك المبين. واعلم بأنك قد أدركت بحمد الله تعالى وبكرمنا وبأبيك وباستحقاقك ما ارتدّ به كثير عن مقامك، ووصلت في البداية إلى المشيخة في زاوية إمامك؛ فاعمل في إفادة الطّلبة بما يرفع الرافعيّ لك به الراية، ويأتمّ بك إمام الحرمين في النّهاية؛ فقد أمسيت جار البحر فاستخرج جمانه، واجتهد لتصيب في فتاويك فإنّ أوّليك سهام رميها من كنانة؛ وسبيل كل واقف عليه العمل بمقتضاه والاعتماد «1» . وهذه نسخة توقيع بتدريس زاوية الشافعيّ بالجامع العتيق أيضا، من إنشاء

المولى زين الدين بن الخضر موقّع الدّست، كتب به لتاج الدين محمد الإخنائي شاهد خزانة الخاص، بالنّيابة عن عمّه قاضي القضاة تقيّ الدين «1» المالكيّ في أيام حياته، مستقلّا بعد وفاته، وهي: أما بعد حمد الله على أن زان مجالس المدارس في أيامنا الشريفة بتاجها، وأقرّ بها من ذوي الإنابة من يستحقّ النيابة عن تقيّ قوّى الأحكام بإحكامها وإنتاجها، ورفع قدر بيت مبارك طالما اشتهر علم علمه وصدر عن صدره فكان مادّة مسرّة النفس وابتهاجها، وجعل عوارفنا ترعى الذّرّيّة الصالحة في عقبها وتولّي كلّ رتبة من أضحى لأهلها بوجاهته مواجها، والشهادة له بالوحدانيّة التي تنفي شرك الطائفة الكافرة ومعلول احتجاجها، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي استقامت به أمور هذه الأمة بعد اعوجاجها، وتشرّفت به علماؤها حتّى صارت كأنبياء بني إسرائيل بحسن استنباطها للجمل وجميل استخراجها، وعلى آله وصحبه الذين علموا وعملوا وأوضحوا لهذه الملّة قويم منهاجها- فإنّ أولى الأولياء ببلوغ الأمل، وتعاهد مدارس العلم بصالح العمل؛ وإظهار سرّ الفوائد للطالبين، وحلّ عقود مشكلها بجميل الاطّلاع وحسن اليقين، من حوى معرفة الفروع والأصول، وحاز من مذهبه المذهب خير محصول، ونشأ في حجر الفضائل، واقتدى بحكّام بيته الذين لهم في العلوم بمصر والشام أوضح البراهين وأقوى الدّلائل، وله في الآباء والأبوّة، الديانة التي بلغ بها من الإقبال مرجوّه؛ طالما سارت أحكام عمّه- أجله الله- في الأقطار، وحكم فأبدى الحكم بين أيدينا أو في الأمصار، وله العفاف والتّقى والمآثر الجميلة وجميل الآثار، والفتاوى التي أوضح بها مشكلا، وفتح مقفلا، والفصل بين الخصوم بالحقّ المجتلى، والبركة التي لدولتنا الشريفة منها نصيب وافر، والتصميم الذي اقترن بغزارة العلم والوقار الظاهر؛ فهو- أعز الله أحكامه- من العلماء العاملين، وله

البشرى بما قاله أصدق القائلين، في النبإ الذي تتمّ به الزيادة والنماء: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ «1» ولما كان المجلس السامي هو الذي استوجب التصدير لإلقاء الدروس، وأضحى مالكيّا مالكا أزمّة الفضائل حائزا من أثوابها أفخر ملبوس، وله بخزانة خاصّنا الشريف وإصطبلاته السعيدة الشهادة البيّنة، والكتابة التي هي العزّ الحاضر فلا يحتاج معها إلى إقامة بيّنة، والكفالة التي نطقت بها الأفواه مسرّة ومعلنة، والأمانة التي حذا فيها حذو أبيه واتّبع سننه. فلذلك رسم- لا زال يديم النّعم لأهلها، ويبقي المراتب الدينيّة لمن أضحى محلّه مناسبا لمحلّها، أن يستقر [في تدريس زاوية الشافعي] «2» فلينب عن عمّه في هذا التدريس، وليقف ما يسرّ النفوس من أثره النفيس، وليفد الطلبة على عادته، وليبد لهم من النّقول ما يظهر غزير مادّته، وليستنبط المسائل، وليجب بالأدلّة المسائل، وليرجّح المباحث، وليكن لوالده- رحمه الله- أحقّ وارث، وليستقلّ بهذه الوظيفة المباركة بعد وفاة عمه أبقاه الله تعالى، وليتزيّد من العلوم ليبلغ من صدقاتنا الشريفة آمالا، والله تعالى يسدّد له بالتقوى أقوالا وأفعالا، بمنّه وكرمه. وهذه نسخة توقيع بتدريس المدرسة الصّلاحيّة «3» المجاورة لتربة الإمام الشافعيّ رضي الله عنه، كتب به لقاضي القضاة تقيّ الدين، ابن قاضي القضاة تاج الدّين ابن بنت الأعزّ. من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، وهي:

الحمد لله شافي عيّ البحث بخير إمام شافعيّ، والآتي منه في الزّمن الأخير بمن لو كان في الصّدر الأوّل لأثنى على ورعه ودينه كلّ صحابيّ وتابعيّ، ومفيد الأسماع من وجيز قوله المحرّر ما لولا السبق لما عدل إلى شرح وجيز سواه الرافعيّ. نحمده على نعم ألهمت وضع الأشياء في محلّها، واستيداعها عند أهلها، وتأتّيها بما يزيل الإشكال بانجذاب من شكله مناسب لشكلها. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يتزيّن بها المقال، ويتبيّن بها الحقّ من الضّلال، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله ونبيّه موضّح الطّرق إلى الحق المبين، وناهجها إلى حيث مجتمع الهدى ومرتبع الدّين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تهدي إلى صراط الّذين، ورضي الله عن أصحابه، الذين منهم من جاء بالصّدق وصدّق به فقوي سبب الدين المتين، ومنهم من فرق «1» بين الحق والباطل وكان إمام المتقين وسمّيّ أمير المؤمنين، ومنهم من جهّز جيش العسرة فثبّت جأش المسلمين، ومنهم من أعطاه صلّى الله عليه وسلّم الراية فأخذها منه باليمين، ورضي الله عن بقيّة الصحابة أجمعين. وبعد، فلما كان مذهب الإمام الشافعي «محمد بن إدريس» رضي الله عنه هو شهدة المتلفّظ، وكفاية المتحفّظ، وبهجة المتلحّظ وطراز ملبس الهدى، وميدان الاجتهاد الذي لا تقف أعنّة جياده عن إدراك المدى؛ وقد تجملت ديار مصر من بركة صاحبه بمن تشدّ إليه الرّحال، وتفخر جبّانة هو فيها حالّ، وجيد هو بجواهر علومه حال، ومن يحسن إلى ضريحه المنيف الاستناد، وإذا قرئت كتبه لديه قيل ما أبعد هذا المرمى الأسنى! وما أقرب هذا الإسناد!، وما أسعد حلقة تجمع بين يدي جدثه يتصدّر فيها أجلّ حبر، ويتصدّى لنشر العلوم

بها من عرف بحسن السّيرة عند السّبر، ومن لولا خرق العوائد لأجاب بالشّكر والثناء عليه صاحب ذلك القبر كلما قال: «قال صاحب هذا القبر» - حسن بهذه المناسبة أن لا ينتصب في هذا المنصب إلا من يحمد هذا السيد الإمام جواره، ومن يرضيه منه- رضي الله عنه- حسن العبارة، ومن يستحقّ أن يتصدّر بين نجوم العلماء بدارة تلك الخطّة فيقال قد جمّل الله به دارة هذا البدر وعمّر به من هذا المدرّس داره، الذي يفتقر إلى تنويل نعمه، وتنويه قلمه، من الأئمة كلّ غني، ويعجب ببلاغة خطبه، وصياغة كتبه، من يجتلي ومن يجتني، ومن يهنا المستفيدون من عذوبة ألفاظه وصفاء معانيه بالمورد الهني، ومن إذا سحّ سحابه الهطّال اعترف له بالهموّ والهمول المزني، والذي لسعد جدّه من أبيه ليث أكرم به من ليث وأكرم ببنيه من أشبال!، وأعزز به من فاتح أبواب إشكالات عجز عن فتحا القفّال!، ومن إذا قال سكت الناس، ومن إذا قام قعد كلّ ذي شماس، وإذا أخذ بالنصّ ذهب الاقتياس، وإذا قاس قيل هذا بحر المذهب المشار إليه بالأصابع في مصره جلالة ولا ينكر لبحر المصر الإشارة بالأصابع ولا القياس، ومن يزهو بتقى قلبه ورقى جوابه لسان التعويل ولسان التعويذ، كما يميس بإحاطته وحياطته قلم الفتوى وقلم التنفيذ، ومن يفخر به كلّ عالم مفيد إذا قال: أنا بين يديه طالب وأنا له تلميذ، ومن حيثما التفتّ وجدت له سؤددا جما، وكيفما نظرت رأيت له من هنا وزارة، ومن هنا خطابة، ومن هنا مشيخة، ومن هنا تدريسا ومن هنا حكما!!!؛ فهو الأصل ومن سواه فروع، وهم الأثماد وهو الينبوع، وهو مجموع السيادة، المختار منه الإفادة، فما أحسنه من اختيار وما أتمّه من مجموع. وكان قاضي القضاة، سيّد العلماء، رئيس الأصحاب، مقتدى الفرق، قدوة الطوائف، الصاحب تقيّ الدين «عبد الرحمن» ولد الصاحب قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز أدام الله شرفه، ورحم سلفه، وهو منتهى رغبة الراغب، ومشتهى منية الطالب، ومن إذا أضاءت ليالي النّفوس بأقمار فتاويه قيل (بياض العطايا في سواد المطالب) ، ومن تتّفق الآراء على أنه لسنّ الكهولة شيخ المذاهب، ومن عليه يحسن الاتفاق، وبه يجمل

الوفاق، وإذا ولي هذا المنصب ابتهج بولايته إيّاه مالك في المدينة وأبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهم في العراق، واهتزّت به وبمجاورة فوائده من ضريح إمامه جانب ذلك القبر طربا، وقالت «الأمّ» لقد أبهجت- رحم الله سلفك- بجدّك وإبائك جدّا وأبا، ولقد استحقّيت أن يقول لك منصب سلفك رضي الله عنهم: أهلا وسهلا ومرحبا، وهذه نسمات صبا، كانت الإفادة هنالك تعرفها منك من الصّبا. فالحمد لله على أن أعطى قوس ذلك المحراب باريها، وخصّ بشقّ سهامها من لا يزال سعده مباريها، وجمّل مطلع تلك السماء ببدر كم باتت عليه الدّرر تحسد دراريها، وألهم حسن الاختيار أن يجري القلم بما يحسن بالتوقيع الشريف موقعه، ويجمل في أثناء الطروس وضعه وموضعه. فرسم بالأمر الشريف العاليّ المولويّ، السلطانيّ:- أجراه الله بالصواب وكشف بارتيائه كلّ ارتياب، ولا زال يختار وينتقي للمناصب الدّينيّة كلّ عالم بأحكام السنّة والكتاب- أن يفوّض إليه تدريس المدرسة الصلاحيّة الناصريّة المجاورة لضريح الإمام الشافعيّ بالقرافة رضي الله عنه. فليخوّل ولينوّل كلّ ذي استفادة، وليجمّل منه بذلك العقد الثمين من علماء الدّين بأفخم واسطة تفخر بها تلك القلادة، وليذكر من الدروس ما يبهج الأسماع، ويرضي الانتجاع، ويجاد به الانتفاع، ويحتلبه من أخلاف الفوائد ارتضاء الارتضاع، ويتناقل الرّواة فوائده إلى علماء كل أفق من البقاع، وليقل فإنّ الأسماع لفوائده منصتة، والأصوات لمباحثه خاشعة والقلوب لمهابته مخبتة «1» ، ولينهض قويّ المسائل بما يحصّل لها أعظم انتعاش، وليمت ما أماته إمامه من البدع فيقال به له: هذا محمد بن إدريس مذ قمت أنت عاش، وليسمع بعلومه من به من الجهل صمم، وليستنطق من به من الفهاهة «2» بكم، وليحقّق عند الناس

بتعصّبه لهذا الإمام أنه قد قام بالتنويه به الآن الحاكم ابن الحاكم أخو الحاكم كما قام به فيما سلف بنو عبد الحكم. وأما غير ذلك من الوصايا فهو بحمد الله صاحب إلهامها، وجالب أقسامها، وجهينة «1» أخبارها، ومطلع أنوارها، فلا يعاد عليه ما منه يستفاد، ولا ينثر عليه درّ هو منظّمه في الأجياد، والله تعالى يعمّر بسيادته معالم الدين وأكنافه، ويزيّن بفضله المتين أوساط كلّ مصر وأطرافه، ويضيف إليه من المستفيدين من بإرفاقه وإشفاقه يكون عيشه خفضا بتلك الإضافة، ويجعله لا يخصّص حنوّه بمعهد دون معهد ولا بمسافة دون مسافة، ويبقيه ومنفعته إلى سارية سارية الإطافة واللّطافة، وألطافه بهذه الولاية تقول لكلّ طالب في القرافة «2» الق رافه. قلت: ولما توفّي قاضي القضاة بدر الدين بن أبي البقاء- تغمده الله تعالى برحمته- وكان من جملة وظائفه تدريس هذه المدرسة، كان السلطان قد سافر إلى الشام في بعض الحركات، فسافر ابنه أقضى القضاة جلال الدين حتّى أدرك السلطان بالطريق، على القرب من غزّة، فولّاه الوظيفة المذكورة مكان أبيه، وكان القاضي نور الدين بن هلال الدولة الدّمشقيّ حاضرا هناك، فأشار إليه القاضي فتح الدين فتح الله كاتب السر الشريف- عامله الله بلطفه الخفيّ- بإنشاء صدر لتوقيعه، يسطر به للعلامة الشريفة السلطانية، فأنشأ له سجعتين، هما: الحمد لله الذي أظهر جلال العلماء الشافعية بحضرة إمامهم، وأقام سادات الأبناء مقام آبائهم في بثّ علومهم وصلاتهم وصيامهم. ولم يجاوز ذلك إلى

غيره، فسطّر التوقيع بهاتين السجعتين، وعلّم عليه العلامة السلطانية. وكان من قول نور الدين بن هلال الدولة للقاضي جلال الدّين المذكور: إنّ هذا التوقيع يبقى أبيض: فإنه ليس بالديار المصرية من ينهض بتكملته على هذا الأسلوب. فسمع القاضي كاتب السرّ كلامه، فكتب لي بتكملته على ظهره، وعاد به القاضي جلال الدين فأعطانيه، وأخبرني بكلام ابن هلال الدولة وما كان من قوله، فتلكّأت عن ذلك، ثم لم أجد بدّا من إكماله وإن لم أكن من فرسان هذا الميدان، فأنشأت له على تينك السجعتين ما أكملته به، فجاء منه تلو السجعتين السابقتين اللتين أنشأهما ابن هلال الدولة: وخصّ برياسة العلم أهل بيت رأت كهولهم في اليقظة ما يتمنّى شيوخ العلماء أن لو رأوه في منامهم. وجاء من وسطه: اقتضى حسن الرأي الشريف أن ننوّه بذكره، ونقدّمه على غيره ممّن رام هذا المقام فحجب دونه وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ «1» وجاء في آخره: والله تعالى يرقّيه إلى أرفع الذّرا؛ وهذه الرتبة وإن كانت بدايته فهي نهاية غيره (وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا) . وقد أعوزني وجدان النسخة عند إرادة إثباتها في هذا التأليف لضياع مسودّتها ولم يحضرني منها غير ما ذكرته. وفيما تقدّم من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر من توقيع القاضي تقيّ الدين ابن بنت الأعز ما لا ينظر مع وجوده إلى غيره.

وهذه نسخة توقيع بتدريس المدرسة الصلاحية بمصر، المختصّة بالمالكية، المعروفة بالقمحية، بمصر المحروسة، أنشأته لقاضي القضاة جمال الدين الأقفهسيّ «1» ، وهي: الحمد لله الذي زيّن معالم المدارس من أعلام العلماء بجمالها، وميّز مراتب الكملة بإجراء سوابق الأفكار في ميادين الدّروس وفسيح مجالها، وعمّر معاهد العلم بأجلّ عالم إذا ذكرت وقائع المناظرة كان رأس فرسانها وريّس رجالها، وناط مقاصد صلاح الدين بأكمل حبر إذا أوردت مناقبه المأثورة تمسّك أهل الدّيانة منها بوثيق حبالها. نحمده على اختيار الجواهر والإعراض عن العرض، والتوفيق لإدراك المرامي وإصابة الغرض. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي خصّ أهل العلم بكريم حبائه، وشرّف مقامهم في الخليقة فجعلهم في حمل الشريعة ورثة أنبيائه، شهادة تعذب لقائلها بحسن الإيراد وردا، وتجدّد لمنتحلها بمواطن الذّكر عهدا فيتّخذ بها عند الرحمن عهدا، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل نبيّ علم وعلّم، وأكرم رسول فصّل الأحكام إذ شرع وندب وأوجب وحلّل وحرّم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين عنوا بتفسير كتاب الله تعالى فأدركوا دقيق معانيه، واهتمّوا بالحديث رواية ودراية ففازوا بتأسيس فقه الدّين وإقامة مبانيه، صلاة تحيط من بحار العلم بزاخرها، وتأخذ من الدّروس بطرفيها فتقارن الحمد في أوّلها وتصحب الدعاء في آخرها، ما تتبّع بالمنقول مواقع الأثر، وعوّل في المعقول على إجالة الفكر وإجادة النّظر، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى ما صرفت النفوس إليه هممها، وأخلصت فيه نيّتها

وخلّصت من تبعاته ذممها، وتبعت فيه آثار من سلف من الملوك الكرام، وأعارته كلّيّ نظرها وقامت بواجبه حقّ القيام- أمر المدارس التي هي مسقط حجر الاشتغال بالعلم ومستقرّ قاعدته، وقطب فلك تطلابه ومحيط دائرته، وميدان فرسان المشايخ ومدار رجالها، ومورد ظماء الطّلبة ومحطّ رحالها؛ لا سيّما المدارس الأيّوبية التي أسّس على الخير بناؤها، وكان عن صلاح الدين منشؤها فتألّق برقها واستطار ضياؤها. ومن أثبتها وثيقة، وأمثلها في الترتيب طريقة، المدرسة القمحية بالفسطاط الآخذة من وجوه الخير بنطاقها، والمخصوص بالسادة المالكيّة امتداد رواقها؛ إن اعتبرت رعاية المذاهب قالت: مالك وما مالك، وإن عملت حسبة المدارس في البرّ، كانت لها فذالك؛ قد رتّب بها أربعة دروس فكانت لها كالأركان الأربعة، وجعلت صدقتها الجارية برّا فكانت أعظم برّا وأعمّ منفعة. ولما كان المجلس العاليّ، القاضويّ، الشيخيّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، الأفضليّ، الأكمليّ، الأوحديّ، البليغيّ، الفريديّ، المفيديّ، النّجيديّ، القدويّ، الحجّيّ، المحقّقّ، الإماميّ، الجماليّ: جمال الإسلام والمسلمين، شرف العلماء العاملين، أوحد الفضلاء المفيدين، قدوة البلغاء زين الأمة، أوحد الأئمّة، رحلة الطالبين، فخر المدرّسين، مفتي الفرق لسان المتكلمين، حجّة المناظرين، خالصة الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين، أبو محمد «عبد الله الأقفهسيّ» المالكيّ- ضاعف الله تعالى نعمته- هو عين أعيان الزمان، والمحدّث بفضله في الآفاق وليس الخبر كالعيان؛ ما ولي منصبا من المناصب إلا كان له أهلا، ولا أراد الانصراف من مجلس علم إلا قال له مهلا، ولا رمى إلى غاية إلا أدركها، ولا أحاط به منطقة طلبة إلا هزّها بدقيق نظره للبحث وحرّكها، إن أطال في مجلسه أطاب، وإن أوجز قصّر محاوره عن الإطالة وأناب، وإن أورد سؤالا عجز مناوئه عن جوابه، أو فتح بابا في المناظرة أحجم مناظره عن سدّ بابه، وإن ألمّ ببحث أربى فيه وأناف، وإن أفتى بحكم اندفع عنه المعارض وارتفع فيه الخلاف؛ فنوادره المدوّنة فيها البيان والتحصيل،

ومقدّماته المبسوطة إجمالها يغني عن التفصيل، ومشارقه النيّرة لا يأفل طالعها، ومداركه الحسنة لا يسأم سامعها، وتهذيبه المهذّب جامع الأمّهات، وجواهره الثمينة لا تقاوم في القيمة ولا تضاهى في الصّفات- اقتضى حسن الرأي الشريف أن ننوّه بذكره، ونقدّمه على غيره، ممن حاول ذلك فامتنع عليه وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ «1» فلذلك رسم بالأمر الشريف العاليّ، المولويّ، السّلطانيّ، الملكيّ، الناصريّ، الزينيّ- لا زالت مقاصده الشريفة في مذاهب السّداد ذاهبة، ولأغراض الحقّ والاستحقاق صائبة- أن يستقرّ المجلس العاليّ المشار إليه في تدريس المدرسة الصّلاحية بمصر المحروسة المعروفة بالقمحية عوضا عن فلان الفلانيّ، على عادة من تقدّمه. فليتلقّ ذلك بالقبول، ويبسط في مجالس العلم لسانه فمن كان بمثابته في الفضل حقّ له أن يقول ويطول؛ وملاك الأمر تقوى الله تعالى فهي خير زاد، والوصايا كثيرة وعنه تؤخذ ومنه تستفاد؛ والله تعالى يبلّغه من مقاصده الجميلة غاية الأمل، ويرقّيه من هضاب المعالي إلى أعلى مراتب الكمال وقد فعل؛ والاعتماد على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه، حجة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة توقيع أيضا بتدريس المدرسة الصلاحيّة المذكورة، أنشأته للقاضي شمس الدين محمد ابن المرحوم شهاب الدين أحمد الدّفريّ المالكيّ، في شعبان سنة خمس وثمانمائة، وهو: الحمد لله مطلع شمس الفضائل في سماء معاليها، ومبلّغ دراريّ الذّراريّ النبيهة الذّكر بسعادة الجدّ غاية غيرها في مباديها، وجاعل صلاح الدّين أفضل

قصد فوّقت العناية سهامها بأصابة غرضه في مراميها، ومجدّد معالم المدارس الدارسة بخير نظر يقضي بتشييد قواعدها وإحكام مبانيها. نحمده على أن صرف إلى القيام بنشر العلم الشريف اهتمامنا، وجعل بخيرته العائدة إلى التوفيق في حسن الاختيار اعتصامنا. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مفيض نتائج الأفكار من وافر إمداده، ومخصّص أهل التحقيق بدقيق النّظر تخصيص العامّ بقصره على بعض أفراده، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله أوفر البرية في الفضل سهما، والقائل تنويها بفضيلة العلم: «لا بورك لي في صبيحة يوم لا أزداد فيه علما» صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين حلّوا من الفضل جواهره الثمينة، والتابعين وتابعي التابعين الذين ضربت آباط الإبل منهم إلى عالم المدينة «1» وبعد، فإنّ أولى ما صرفت إليه الهمم، وبرئت بتأدية حقّه الذّمم، وغدت النفوس بالنظر في مصالحه مشتغلة، والفكر لشرف محلّه منه إلى غيره منتقلة، النظر في أمر المدارس التي جعلت للاشتغال بالعلم سببا موصولا، ولطلبته ربعا لا يزال بمجالس الذكر مأهولا؛ لا سيّما المدارس التي قدم في الإسلام عهدها، وعذب باستمرار المعروف على توالي الأيّام وردها. ولما كانت المدرسة الصّلاحية بفسطاط مصر المحروسة قد أسّس على التقوى بنيانها، ومهّدت على الخير قواعدها وأركانها، واختصّت طائفة المالكية منها بالخصّيصة التي أغنى عن باطن الأمر عنوانها، وكان المجلس الساميّ هو الذي خطبته الرّتب الجليلة لنفسها، وعيّنته لهذه الوظيفة فضائله التي قد آن ولله الحمد بزوغ شمسها، وعهدت منه المعاهد الجليلة حسن النظر فتاقت في يومها إلى ما ألفت منه في أمسها- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نفرده بهذه الوظيفة التي يقوم إفراده فيها مقام الجمع، ونجمع له من طرفيها ما يتّفق على حسنه

البصر ويقضي بطيب خبره السّمع. فلذلك رسم بالأمر الشريف، العاليّ، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الناصريّ، الزّينيّ:- لا زال يقيم للدّين شعارا، ويرفع لأهل العلم الشريف مقدارا- أن يستقرّ في الوظيفة المذكورة لما اشتهر من علمه وديانته، وبان من عفّته المشهورة ونزاهته، واتّصف به من الإفادة، وعرف عنه من نشر العلوم في الإبداء والإعادة، وشاع من طريقته المعروفة في إيضاحه وبيانه، وذاع من فوائده التي قدّمته على أبناء زمانه، ورفعته إلى هذه المرتبة باستحقاقه على أقرانه. فليباشر تدريسها مظهرا من فوائده الجليلة ما هو في طيّ ضميره، مضمرا من حسن بيانه ما يستغنى بقليله عن كثيره، مقرّبا إلى أذهان الطلبة بتهذيب ألفاظه الرائقة ما يفيد، موردا من علومه المدوّنة ما يجمع له بين نوادر المقدّمات ومدارك التمهيد، موفّيا نظرها بحسن التدبير حقّ النظر، موفّرا رزقها بما يصدّق الخبر فيه الخبر، قاصدا بذلك وجه الله الذي لا يخيّب لراج أملا، معاملا فيه الله معاملة من يعلم أنه لا يضيع أجر من أحسن عملا. وملاك الوصايا تقوى الله تعالى فليجعلها إمامه، ويتخيّلها في كل الأحوال أمامه؛ والله تعالى يسدّده في قوله وعمله، ويبلّغه من رضاه نهاية سؤله وغاية أمله، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة توقيع بالتدريس بقبّة الصالح «1» ، أنشأته لقاضي القضاة جمال الدين «يوسف البساطيّ» بعد أن كتب له بها مع قضاء القضاة المالكية، في العشر الأخير من شعبان سنة أربع وثمانمائة، وهي: الحمد لله الذي جعل للعلم جمالا تتهافت على دركه محاسن الفضائل،

وتتوارد على ثبوت محامده المتواردة قواطع الدلائل، وتحقّق شواهد الحال من فضله ما يتلمّح فيه من لوائح المخايل. نحمده على نعمه التي ما استهلّت على وليّ فأقلع عنه غمامها، ولا استقرّت بيد صفيّ فانتزعت من يده حيث تصرّف زمامها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تزهر بمعالم الدّين غروسها، وتينع بثمار الفوائد المتتابعة دروسها، وأن سيدنا محمدا عبده ورسوله أشرف الأنبياء قدرا، وأوّلهم في علوّ المرتبة مكانا وإن كان آخرهم في الوجود عصرا؛ صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الحائزين بقربه أفخر المناقب، والفائزين من درجة الفضل بأرفع المراتب، صلاة تكون لحلق الذّكر نظاما، ولأوّلها افتتاحا ولآخرها ختاما، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ من شيمنا الشريفة، وسجايانا الزاكية المنيفة، أنّا إذا منحنا منحا لا نستعيده، وإذا أعطينا عطاء لا ننقصه بل نزيده، وإذا قرّبنا وليّا لا نقصيه، وإذا أنعمنا على صفيّ إنعاما لا نعدّه عليه ولا نحصيه. ولمّا كان تدريس المدرسة المالكية بقبّة الصالح من أعلى دروسهم قدرا، وأرفعها لدى التحقيق ذكرا، وأعظمها إذا ذكرت الدروس فخرا؛ إذ بمجال جداله تنفطر المرائر، وبميدان مباحثه تشتهر البلق من مضمرات الضمائر، وبسوق مناظرته يتميز النّضار عن الشّبه، وبمحكّ مطارحته تتبيّن الحقائق من الشّبه، وبمظانّ مجلسه يعرف العالي والسافل، وبمعركة فرسانه يعرف من المفضول والفاضل؛ ومن ثمّ لا يليه من علمائهم إلا الفحول، ولا يتصدّى لتدريسه إلا من أمسى بحسام لسانه على الأقران يصول؛ ولم يزل في جملة الوظائف المضافة لقضاء القضاة في الأوّل والآخر، تابعا لمنصب الحكم في الولاية كلّ زمن إلا في القليل النادر؛ وكان المجلس العاليّ، القاضويّ، الكبيريّ (إلى آخر ألقابه) أدام الله تعالى نعمته قد اشتملت ولايته عليه لابتداء الأمر استحقاقا، وحفظه كرمنا عليه فلم يجد الغير إليه استطراقا- اقتضى حسن الرأي

الشريف أن نتبع ذلك بولاية ثانية تؤكّد حكم الولاية الأولى، ونردفه بتوقيع يجمع له شرف القدمة والجمع ولو بوجه أولى. فلذلك رسم بالأمر الشريف العاليّ، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الناصريّ، الزّينيّ- لا زال يعتمد في مشاهد الملوك أتمّ المصالح، ويخصّ الصالح منهم بمزيد النّظر حتّى يقال ما أحسن نظر الناصر في مصالح الصّالح! - أن يستمرّ المجلس العالي المشار إليه على ما بيده من الولاية الشريفة بالتدريس بقبّة الصالح المذكورة، ومنع المعارض وإبطال ما كتب به وما سيكتب ما دام ذلك في يده، على أتمّ العوائد وأكملها، وأحسن القواعد وأجملها. فليتلقّ ما فوّض إليه بكلتا يديه، ويشكر إحساننا الشريف على هذه المنحة فإنّها نعمة جديدة توجب مزيد الشكر عليه، وليتصدّر بهذا الدرس الذي لم تزل القلوب تتقطّع على إدراكه حسرات، ويتصدّ لإلقاء فوائده التي إذا سمعها السامع قال: هنا تسكب العبرات، ويبرز لفرسان الطّلبة من ... «1» . صدره من كمينه، ويفض على جداولهم الجافّة ماسحّ به فكره من ينابيع معينه، مستخرجا لهم من قاموس قريحته درر ذلك البحر الزاخر، مظهرا من مكنون علمه ما لا يعلم لمدّه أوّل ولا يدرك لمداه آخر، وينفق من ذخائر فضله ما هو بإنفاقه مليّ، متفقّدا بفضل غنائه من هو عن فرائده المربحة غير غنيّ، مقرّرا للبحث تقريرا يزول معه الالتباس، مسندا فروعه النامية إلى أثبت الأصول من الكتاب والسنّة والإجماع والقياس، معتمدا لما عليه جادّة مذهبه في الترجيح، جاريا على ما ذهب إليه جهابذة محقّقيه من التصحيح، مقبلا بطلاقة وجهه في درسه على جماعته، باذلا في استمالتهم طاقة جهده محسنا إليهم جهد طاقته، مربّيا لهم كما يربّي الوالد الولد، موفّيا من حقوقهم في التعليم ما يبقى له ذكره على الأبد، منمّيا ناشئتهم بالتدريب الحسن تنمية الغروس، جاهدا في ترقّيهم بالتدريج حتّى يؤهّل من لم يكن تظنّ فيه أهلية الطلب لأن يتصدّى للفتاوى وإلقاء الدّروس؛

سالكا من مناهج التقوى أحسن المسالك، موردا من تحقيقات مذهبه ما إذا لمحه اللّامح لم يشكّ أنه لزمام المذهب مالك؛ والله تعالى يجريه على ما ألفه من موارد إنعامه، ويمتّع [هذه الرتبة] «1» السنيّة: تارة بمجالس دروسه وتارة بمجالس أحكامه؛ والاعتماد................ وهذه نسخة توقيع بتدريس الحديث بالجامع الحاكميّ «2» ، من إنشاء الشّهاب «محمود الحلبيّ» للشيخ قطب الدين «عبد الكريم» » وهي: الحمد لله الذي أطلع في أفق السنّة الشريفة من أعلام علمائها قطبا، وأظهر في مطالعها من أعيان أئمّتها نجوما أضاء بهم الوجود شرقا وغربا، وأقام لحفظها من أئمة أعلامها أعلاما أحسنوا عن سندها دفاعا وأجملوا عن متونها ذبّا، وشرّف بها أهلها فكلّما بعدت راحلتهم في طلبها ازدادوا من الله قربا، واختار لحملها أمناء شغفت محاسنهم قلوب أهل الفرق على اختلافها حبّا، وسلكوا باتباعها سنن السّنن فأمنوا أن تروّع لهم الشّبه سربا، وألهمنا من تعظيم هذه الطائفة ما مهّد لهم في ظل تقرّبنا إليه مقاما كريما ومنزلا رحبا، وعصم آراءنا في الارتياد له من الخلل فلا نختار له إلا من تسرّ باختياره طلبة وتغبط بتعيينه أئمة ونرضي بارتياده ربّا.

نحمده على نعمه التي صانت هذه الرتبة السنيّة بأكفائها، وزانت هذه المرتبة الشريفة بمن لم تمل عينه في تأثيل قواعدها إلى إغفائها، وجعلت هذه الدرجة العليّة فلكا تشرق فيه لأئمّة الحديث أنوار علوم تفنى الدّهور دون إطفائها. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مجادل عن سنّته الشريفة بألسنة أسنّته، مجالد عن كلمتها العالية بقبض معاقد سيوفه وإطلاق أعنّته، باعث بالجهاد دعوتها إلى كلّ قلب كان عن قبولها في حجب أكنّته، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أوتي جوامع الكلم، ولوامع السّنّة التي من اعتصم بها عصم ومن سلّم بها سلم؛ فهي مع كتاب الله أصل شرعه القويم، وحبل حكمه الذي لا تتمكّن يد الباطل من حلّ عقده النظيم، وكنوز دينه التي لا يلقّاها إلا ذو حظّ عظيم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين عضّوا على سنّته بالنّواجذ، وذبّوا عن شريعته بسيوف الجلاد القواطع وسهام الجدال النوافذ، صلاة لا يزال يقام فرضها، ويملأ بها طول البسيطة وعرضها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن أولى ما توجّهت الهمم إلى ارتياد أئمّته، وتوفّرت الدّواعي على التقرّب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتفويض مناصبه إلى البررة الكرام من أمّته- علم الحديث النبويّ صلوات الله وسلامه على قائله، وحفظه بدروسه التي جعلت أواخر زمنه في صحّة نقله ومعرفة أسراره كأوائله؛ وأن «1» نختار لذلك من نشأ في طلبه حتّى اكتهل، وسرى في تحصيله سرى الأهلّة حتّى اكتمل، وغذّي بلبان التبحّر فيه حتى امتزج بأديمه، وجدّ في تحصيله واجتهد حتّى ساوى في الطلب بين حديث عمره وقديمه، وحفظ من متونه، ما بمثله يستحقّ أن يدعى حافظا، وغلب على فنونه، حتّى قلّ أن يرى بغير علومه والنظر في أحكامه لافظا؛ فإنّه بعد كتاب الله العزيز مادّة هذا الدّين الذي يحكم بنصوصه، وتتفاوت

رتب العلماء في حسن العمل بمطلقه ومقيّده وعمومه وخصوصه، وعنهما تفرّعت أحكام الملّة فملأت علومها جميع الآفاق، وزكت أحكامها الشرعية على كثرة الإنفاق، وسرى الناس منها على المحجّة التي استوى في الإشراق ليلها ونهارها، وعلا على الملل بالبراهين القاطعة نورها ومنارها؛ وكفى أهلها شرفا أنهم يذبّون عن سنّة نبيهم ذبّ اللّيوث، ويجودون على الأسماع بما ينفع الناس في أمر دينهم ودنياهم منها جود الغيوث، ويحافظون على ألفاظها محافظة من سمعها منه صلّى الله عليه وسلّم، ويعظّمون مجالس إيرادها ونقلها حتّى كأنهم لحسن الأدب جلوس بين يديه، ويغالون في العلوّ طلبا للقرب منه وذلك من أسنى المطالب، ويرحلون لضمّ شوارده من الآفاق فياقرب المشارق عندهم من المغارب! ولما كان المجلس الساميّ الفلانيّ: هو الذي عني بكلّ ما ذكر من وصف كريم، وحديث ورع قديم، وقدم هجرة في علم الحديث اقتضت له حسن أولويّة ووجوب تقديم، وتلقّى هذا العلم كما وصف عن أئمّته حتّى صار من أعيانهم، ولقي منهم علماء أضحى باقتفائهم كما كانوا رحلة زمانهم، ونظر في علومه فأتقنها فكأنه ينطق فيها بلسان ابن الصّلاح «1» ، وأحرز غايات الكمال، في أسماء الرّجال، فإلى اطّلاعه يرجع في تجريح المجرّح وتعديل الصّحاح؛ وكان منصب تدريس الحديث الشريف النبويّ الذي أنشأناه بالجامع الحاكميّ تكثيرا لنشر أحاديث من لا ينطق عن الهوى، ونويناه لارتواء الرّواة من بحر هذا العلم الشريف بالإعانة على ذلك وإنّما لكلّ امريء ما نوى، قد استغرقت أوقات مباشره بتفويضنا الحكم العزيز على مذهبه إليه، وتوفير زمانه على...... «2» قلت: وتختلف أحوال التواقيع التي تكتب بالتداريس باختلاف

موضوعاتها: من تدريس التفسير، والحديث، والفقه، واللّغة، والنحو، وغير ذلك، في براعة الاستهلال والوصايا، وهو في الوصايا آكد. وهذه نسخ وصايا أوردها في التعريف: وصية مدرّس- وليطلع في محرابه كالبدر وحوله هالة تلك الحلقة «1» ، وقد وقت أهداب ذلك السواد منه أعظم اسودادا من الحدقة، وليرق سجّادته التي هي لبدة جواده إذا استنّ الجدال في المضمار، وليخف [أضواء] «2» أولئك العلماء الذين هم كالنّجوم كما تتضاءل الكواكب في مطالع الأقمار، وليبرز لهم من وراء المحراب كمينه، وليفض على جداولهم الجافّة معينه، وليقذف لهم من جنبات ما بين جنبيه درر ذلك البحر العجّاج، وليرهم من غرر جياده ما يعلم به أنّ سوابقه لا يهولها قطع الفجاج، وليظهر لهم من مكنون علمه ما كان يخفيه الوقار، وليهب من ممنون فضله ما يهب منه عن ظهر غنى أهل الافتقار، وليقرّر تلك البحوث ويبيّن ما يرد عليها، وما يردّ به من منعها وتطرّق بالنقض إليها، حتّى لا تنفصل الجماعة إلا بعد ظهور الترجيح، والإجماع على كلمة واحدة على الصحيح، وليقبل في الدروس طلق الوجه على جماعته، وليستملهم إليه بجهد استطاعته، وليربّهم كما يربّي الوالد الولد، وليستحسن ما تجيء به أفكارهم وإلا فكم رجل بالجبه لبنت فكر وأد؛ هذا إلى أخذهم بالاشتغال، وقدح أذهانهم للاشتغال؛ ولينشّيء الطلبة حتّى ينمّي منهم الغروس، ويؤهّل منهم من كان لا يظنّ منه أنه يتعلّم لأن يعلّم ويلقي الدّروس. وصية مقريء: وليدم على ما هو عليه من تلاوة القرآن فإنه مصباح قلبه، وصلاح قربه،

وصباح القبول المؤذن له برضا ربه، وليجعل سوره له أسوارا، وآياته تظهر بين عينيه أنوارا، وليتل القرآن بحروفه وإذا قرأ استعاذ، وليجمع طرقه وهي التي عليها الجمهور ويترك الشّواذّ، ولا يرتدّ دون غاية لإقصار، ولا يقف فبعد أن أتمّ لم يبق بحمد الله إحصار، وليتوسّع في مذاهبه ولا يخرج عن قراءة القرّاء السبعة «1» أئمة الأمصار، وليبذل للطّلبة الرّغاب، وليشبع فإنّ ذوي النّهمة سغاب، ولير الناس ما وهبه الله من الاقتدار فإنه احتضن السّبع «2» ودخل الغاب؛ وليتمّ مباني ما أتم «ابن عامر» و «أبو عمرو» له التعمير، ولفّه «الكسائيّ» في كسائه ولم يقل جدّي «ابن كثير» ؛ وحمّ به «لحمزة» أن يعود ذاهب الزمان، وعلم أنه لا «عاصم» من أمر الله يلجأ معه إليه وهو الطّوفان، وطفق يتفجّر علما وقد وقفت السّيول الدّوافع، وضر أكثر قرّاء الزمان لعدم تفهيمهم وهو «نافع» ؛ وليقبل على ذوي الإقبال على الطّلب، وليأخذهم بالتربية فما منهم إلا من هو إليه قد انتسب؛ وهو يعلم ما منّ الله عليه بحفظ كتابه العزيز من النّعماء، ووصل سببه منه بحبل الله الممتدّ من الأرض إلى السماء؛ فليقدر حقّ هذه النعمة بحسن إقباله على التعليم، والإنصاف إذا سئل فعلم الله ما يتناهى وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ «3»

وصية محدّث: وقد أصبح بالسنّة النبويّة مضطلعا، وعلى ما جمعته طرق أهل الحديث مطّلعا؛ وصحّ في الصحيح أنّ حديثه الحسن، وأنّ المرسل منه في الطلب مقطوع عنه كلّ ذي لسن، وأنّ سنده هو المأخوذ عن العوالي، وسماعه هو المرقّص منه طول الليالي، وأنّ مثله لا يوجد في نسبه المعرق، ولا يعرف مثله للحافظين «ابن عبد البرّ» بالمغرب و «خطيب بغداد» بالمشرق؛ وهو يعلم مقدار طلب الطالب فإنه طالما شدّ له النّطاق، وسعى له سعيه وتجشّم المشاقّ، وارتحل له يشتدّ به حرصه والمطايا مرزمة «1» ، وينبّهه له طلبه والجفون مقفلة والعيون مهوّمة، ووقف على الأبواب لا يضجره طول الوقوف حتى يؤذن له في ولوجها، وقعد القرفصاء في المجالس لا تضيق به على قصر فروجها. فليعامل الطلبة إذا أتوه للفائدة معاملة من جرّب، ولينشّط الأقرباء منهم ويؤنس الغرباء فما هو إلا ممن طلب آونة من قريب وآونة تغرّب، وليسفر لهم صباح قصده عن النّجاح، ولينتق لهم من عقوده الصّحاح، وليوضّح لهم الحديث، وليرح خواطرهم بتقريبه ما كان يسار إليه السّير الحثيث، وليؤتهم مما وسّع الله عليه فيه المجال، ويعلّمهم ما يجب تعليمه من المتون والرجال، ويبصّرهم بمواقع الجرح والتعديل، والتوجيه والتعليل، والصحيح والمعتلّ الذي تتناثر أعضاؤه سقما كالعليل، وغير ذلك مما لرجال هذا الشان به عناية، وما ينقّب فيه عن دراية أو يقنع فيه بمجرّد رواية، ومثله ما يزاد حلما، ولا يعرف بمن رخّص في حديث موضوع أو كتم علما. وصية نحويّ: وهو زيد الزّمان، الذي يضرب به المثل، وعمرو الأوان «2» ، وقد كثر من

سيبويه الملل، ومازنيّ الوقت ولكنه الذي لم تستبح منه الإبل، وكسائيّ الدّهر الذي لو تقدّم لما اختار غيره الرشيد للمأمون، وذو السؤدد، لا أبو الأسود، مع أنه ذو السابقة والأجر الممنون؛ وهو ذو البرّ المأثور، والقدر المرفوع ولواؤه المنصوب وذيل فخاره المجرور، والمعروف بما لا ينكر لمثله من الحزم، والذاهب عمله الصالح بكل العوامل التي لم يبق منها لحسوده إلا الجزم؛ وهو ذو الأبنية التي لا يفصح عن مثلها الإعراب، ولا يعرف أفصح منها فيما أخذ عن الأعراب، والذي أصبحت أهدابه فوق عمائم الغمائم تلاث «1» ، ولم يزل طول الدهر يشكر منه أمسه ويومه وغده وإنما الكلمات ثلاث. فليتصدّ للإفادة، وليعلّمهم مثل ما ذكر فيه من علم النحو نحو هذا وزيادة، وليكن للطلبة نجما به يهتدى، وليرفع بتعليمه قدر كل خبر يكون خبرا له وهو المبتدا، وليقدّم منهم كلّ من صلح للتبريز، واستحقّ أن ينصب إماما بالتمييز، وليورد من موارده أعذب النّطاف «2» ، وليجرّ إليه كلّ مضاف إليه ومضاف، وليوقفهم على حقائق الأسماء، ويعرّفهم دقائق البحوث حتّى اشتقاق الاسم هل هو من السّموّ أو من السيماء، وليبيّن لهم الأسماء الأعجميّة المنقولة والعربية الخالصة، وليدلّهم على أحسن الأفعال لا ما يشتبه فيه بصفات كان وأخواتها من الأفعال الناقصة، وليحفّظهم المثل وكلمات الشّعراء، ولينصب نفسه لحدّ أذهان بعضهم ببعض نصب الإغراء، وليعامل جماعة المستفيدين منه بالعطف، ومع هذا كلّه فليرفق بهم فما بلغ أحد علما بقوّة ولا غاية بعسف. وهذه وصية لغويّ أوردها في التعريف «3»

الوظيفة الثامنة (التصدير)

الوظيفة الثامنة (التصدير) وموضوعه الجلوس بصدر المجلس بجامع أو نحوه. ويجلس متكلّم أمامه على كرسيّ كأنه يقرأ عليه، يفتتح بالتفسير ثم بالرّقائق والوعظيّات، فإذا انتهى كلامه وسكت، أخذ المتصدّر في الكلام على ما هو في معنى تفسير الآية التي يقع الكلام عليها، ويستدرج من ذلك إلى ما سنح له من الكلام. وربما أفرد التصدير عن المتكلم على الكرسيّ. وهذه نسخة توقيع بتصدير أنشأته للشيخ شهاب الدين «أحمد الأنصاريّ» الشهير ب «الشابّ التائب» بالجامع الأزهر، وهي: رسم ... «1» . لا زالت صدقاته الشريفة تخصّ المجالس بمن إذا جلس صدر مجلس كان لرتبته أجمل صدر يجتبى من علماء التفسير، ومن إذا دقّق لم يفهم [شرحه إلا] «2» عنه، وإذا سلك سبيل الإيضاح كان كلامه في الحقيقة تفسير تفسير، وتصطفي من سراة الأماثل من دار نعته بين «الشابّ التائب» و «الشيخ الصالح» فكان له أكرم نعت على كلّ تقدير- أن يستمرّ المجلس الساميّ أدام الله تعالى رفعته- في كذا وكذا، لأنّه الإمام الذي لا تسامى علومه ولا تسام، والعلّامة الذي لا تدرك مداركه ولا ترام، والحبر الذي تنعقد على فضله الخناصر، وفارس الحلبة الذي يعترف بالقصور عن مجاراة جياده المناظر، وآية التفسير التي لا تنسخ، وعقد حقيقته الذي لا يفسخ، والماهر الذي استحقّ بمهارته التصدير، والجامع لفنونه المتنوعة جمع سلامة لا جمع تكسير، وترجمان معانيه الآتي من غرائب تأويله بالعجب العجاب، والعارف بهدي طريقه الذي إذا قال قال الذي عنده علم من الكتاب، وزاهد

الوظيفة التاسعة (النظر)

الوقت الذي زيّن بالعلم العمل، وناسك الدهر الذي قصّر عن مبلغ مداه الأمل. فليتلقّ ما ألقي إليه بالقبول، وليستند إلى صدر مجلس يقول فيه ويطول، وليبيّن من معاني كتاب الله ما أجمل، ويوضّح من خفيّ مقاصده ما أشكل، وليسلك في تفسيره أقوم سنن، ويعلن بأسراره الخفيّة فسرّ كتاب الله أجدر أن يكون عن علن، وليجر فيه على ما ألف من تحقيقاته فإنه إذا لم يحقّق المناظرة فمن؟، وليأخذ مشايخ أهل مجلسه بالإحسان، كما أحسن الله إليه فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، ويحضّ شبابهم على التوبة ليحبّهم الله فيتّصل في المحبة سندهم فإن «الشابّ التائب» حبيب الرحمن؛ والله تعالى يرقّيه إلى أرفع الذّرا، ويرفع مجلسه السامي على محل الثّريّا (وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا) ، إن شاء الله تعالى. الوظيفة التاسعة (النظر) وموضوعه التحدّث في أمور خاصّة بإباحة ضروراتها، وعمل مصالحها، واستخراج متحصّل جهاتها، وصرفه على الوجه المعتبر، وما يجري مجرى ذلك. وتشتمل على عدّة أنظار: منها: نظر الأحباس: جمع حبس «1» وهو الوقف: فقد تقدّم في المقالة الثانية أنه كان أصل وضعه أراضي اشتراها (الإمام الليث بن سعد رضي الله عنه) ووقفها على جهات برّ، ثم تبعه الناس في إضافة الأوقاف إلى ذلك، إلى أن كانت وزارة الصاحب بهاء الدين ابن حنّا في سلطنة الظاهر بيبرس

البندقداري، فأفرد للجوامع والمساجد والرّبط والزّوايا ونحو ذلك رزقا، وقصر تحدّث ناظر الأحباس ومباشريه عليها، وأفردت الأوقاف بناظر ومباشرين كما سيأتي: وهذه نسخة توقيع بتدريس «1» الطب بالبيمارستان المنصوريّ، كتب بها «لمهذّب الدين» «2» وهي: الحمد لله الذي دبّر بحكمته الوجود، وعمّ برحمته كلّ موجود، وحال بنفع الدواء بين ضرّ الداء كما حالت عطاياه دون الوعود؛ نحمده ونشكره وهو المشكور المحمود، ونثني عليه خير الثناء قياما وقعودا وعلى الجنوب وفي السجود، ونستزيده من فضله فإنه أهل الفضل والجود. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة الله بها والملائكة وأولو العلم شهود؛ ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المبشّر لأمته بالجنّات والخلود؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة دائمة إلى يوم الوعود «3» وبعد، فإنّا لما أقام الله بنا شعائر الإيمان، وأصبح دينه بحمد الله منصورا بنا على سائر الأديان، وجاهدنا في الله حقّ الجهاد باليد والقلب واللّسان، وشيّدنا لعلومه وشرائعه كلّ بديع الإتقان، ورتّبنا فيه من العلماء الأعيان كلّ رفيع الشان، واخترنا له الأخيار من أهل العلم بالطّب والفقه والحديث والقرآن؛ ورأينا كل من تقدّمنا من الملوك، وإن سلك في سياسة الرعية أحسن سلوك، قد اهتمّ بعلم الأديان وأهمل علم الأبدان، وأنشأ كلّ منهم مدرسة ولم يحفل ببيمارستان، وغفل عن قوله صلّى الله عليه وسلم: «العلم علمان» ، ولم يأخذ أحدا من رعيته بالاشتغال بعلم الطّب المضطّرّ إليه، ولا وقف وقفا على طلبة هذا العلم

المنصوص عليه، ولا أعدّ له مكانا يحضر من يشتغل بهذا الفن فيه، ولا نصب له شخصا يتمثّل هذا المشتغل لديه- علمنا نحن بحمد الله تعالى من ذلك ما جهلوه، وذكرنا من هذه القربة ما أهملوه، ووصلنا من هذه الأسباب الدّينية والدّنيوية ما فصلوه، وأنشأنا بيمارستانا يبهر العيون بهجة، ويفوق الأبنية بالدليل والحجّة، ويحفظ الصحة والعافية على كل مهجة؛ لو حلّه من أشفى لعوجل بالشّفا، أو جاءه من أكمده السّقم لاشتفى، أو أشرف عليه العمر بلا شفاء لعاد عنه بشفا؛ ووقفنا عليه من الأوقاف المبرورة ما يملأ العينين، ويطرف سماع جملته الأذنين، ويعيد عنه من أمّه مملوء اليدين، وأبحنا التّداوي فيه لكل شريف ومشروف ومأمور وأمير، وساوينا في الانتفاع به بين كل صغير وكبير، وعلمنا أن لا نظير لنا في ملكنا ولا نظير له في إبقائه فلم نجعل لوقفه وشرطه من نظير، وجعلنا فيه مكانا للاشتغال بعلم الطب الذي كاد أن يجهل، وشرعنا للناس إلى ورد بحره أعذب منهل، وسهّلنا عليهم من أمره ما كان الحلم به من اليقظة أسهل، وارتدنا له من علماء الطّب من يصلح لإلقاء الدروس، وينتفع به الرئيس من أهل الصّناعة والمرؤوس، ويؤتمن على صحة الأبدان وحفظ النفوس؛ فلم نجد غير رئيس هذه الطائفة أهلا لهذه المرتبة، ولم نرض لها من لم تكن له هذه المنقبة، وعلمنا أنه متى وليها أمسى بها معجبا وأضحت به معجبة. ولما كان المجلس السامي «مهذّب الدين» هو الرئيس المشار إليه، والوحيد الذي تعقد الخناصر عليه، وكان هو الحكيم «بقراط» ، بل الجليل «سقراط» ، بل الفاضل «جالينوس» ، بل الأفضل «ديسقوريدوس» - اقتضت الآراء الشريفة أن تزاد جلالته بتولية هذا المنصب الجليل جلالة، وأن تزفّ إليه تجرّ [أذيالها، ويزفّ إليها يجرّر] «1» أذياله، وأن يقال: (لم يك يصلح إلا لها ولم

تك تصلح إلّا له) . فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال للدّين ناصرا، ولأعلام العلوم ناشرا- أن يفوّض إليه تدريس الطب بالبيمارستان المبارك المنصوريّ، المستجدّ الإنشاء بالقاهرة المحروسة، علما بأنه المتمهّر في هذا الفنّ، وأنه عند الفراسة فيه والظّنّ، وأنه سقراط الإقليم إذا كان غيره سقراط الدّنّ، وثقة بأنا للجوهر قد التقطنا، وبالخير قد اغتبطنا، وعلى الخبير قد سقطنا. فليتلقّ هذه النعمة بالشكر الجليل، والحمد الجزيل، والثناء الذي هو بالنّماء والزيادة كفيل، ولينتصب لهذا العلم المبارك انتصاب من يقوم بالفرض منه والسّنّة، ويعرف له فيه الفضل ويتقلّد له فيه المنّة، ويثنى على آثاره الجميلة فيه وتثنى إليه الأعنّة، وليبطل بتقويمه الصحّة ما ألّفه ابن «بطلان» «1» ، وليرنا بتدبيره جبلّة البرّ فإنه «جالينوس» الزمان، وليبذل النّجاة من الأمراض والشفاء من الأسقام فإنه «ابن سينا» الأوان، وليجمع عنده شمل الطلبة، وليعط كلّ طالب منهم ما طلبه، وليبلّغ كلّ متمنّ من الاشتغال أربه، وليشرح لهم صدره، وليبذل لهم من عمره شطره، وليكشف لهم من هذا العلم المكنون سرّه، وليرهم ما خفي عنهم منه جهره، وليجعل منهم جماعة طبائعية «2» ، وطائفة كحّالين وجرائحيه، وقوما مجبّرين، وبالحديد عاملين، وأخرى بأسماء الحشائش وقوى الأدوية وأوصافها عالمين، وليأمر كلّا منهم بحفظ ما يجب حفظه، ومعرفة ما يزيد به حظه، وليأخذه بما يصلح به لسانه ولفظه، ولا يفتر عنهم في الاشتغال لحظة، وليفرد لكل علم من العلوم طائفة، ولكل فن من فنونه جماعة بمحاسنه

عارفة؛ وليصرف إليهم من وجوه فضائله كلّ عارفة، وليكشف لهم ما أشكل عليهم من غوامضه فليس لها من دون إيضاحه كاشفة، لينشر في هذا المكان المبارك من أرباب هذه العلوم قوم بعد قوم، ويظهر منهم في الغد- إن شاء الله- أضعاف ما هو ظاهر منهم اليوم؛ وليقال لكلّ من طلبته إذا شرع في إجازته وتزكيته: لقد أحسن شيخه الذي عليه تأدّب، وإنّ من خرّج هذا «المهذّب» ، عاملا في ذلك بشروط الواقف أعزّ الله نصره، واقفا عند أمره أمضى الله أمره؛ والخير يكون، إن شاء الله تعالى «1» وهذه نسخة توقيع بنظر الأحباس مفتتحة ب «أما بعد» وهي: أما بعد حمد الله الذي أذن أن ترفع بيوته ويذكر فيها اسمه، ويكثّر فيها قسم ثوابه ويجزل قسمه، والصلاة على سيدنا محمد الذي عظم به قطع دابر الكفر وكثر حسمه- فإنّ خير من عوّل عليه في تأسيس بيوت الله وعمارة ربوعها، ولمّ شعثها وشعب صدوعها، والقيام بوظائفها، وتسهيل لطائفها، وتأهيل نواحيها، لهبوط الملائكة لتلقّي المصلّين فيها، من كان ذا عزم لا تأخذه في الله لومة لائم، وحزم لا يلمّ بأفعاله لمم المآثم، ونظر ثاقب، ورغبة في اختيار جميل المآثر والمناقب، ومباشرة ترعى قوانين الأمور وتكتنفها اكتناف مراقب. ولما كان فلان ممّن هذه الأوصاف شعاره، وإلى هذه الأمور بداره، وكم كتب الله به للدّولة أجر راكع وساجد، وكم شكرته وذكرته ألسنة أعلام الجوامع وأفواه محاريب المساجد- اقتضى منيف الملاحظة والمحافظة على كل قريب من بيوت الله وشاهد، أن خرج الأمر الشريف- لا برح يكشف الأوجال، ويدعو له في الغدوّ والآصال رجال- أن يفوّض لفلان نظر ديوان الأحباس والجوامع

والمساجد المعمورة بذكر الله تعالى. فليباشرها مباشرة من يراقب الله إن وقّع أو توقّع، وإن أطاع أو تطوّع، وإن عزل أو ولّى، وإن أدّب من نهى عبدا إذا صلّى، وليجتهد كلّ الاجتهاد في [صرف] «1» ريع المساجد والجوامع في مصارفها الشرعيّة، وجهاتها المرعيّة، وليأخذ أهلها بالملازمة في أحيانها وأوقاتها، وعمارتها بمصابيحها وآلاتها، وحفظ ما يحفظون به لأجلها، ومعاملتهم بالكرامة التي ينبغي أن يعامل مثلهم بمثلها، وليحرّر في إخراج الحالات إذا خرّجت وأخرجت، وفي مستحقّات الأجائر إذا استحقّت وإذا عجّلت، وفي التواقيع إذا أنزلت وإذا نزّلت، وفي الاستئمارات التي أهملت وكان ينبغي لو أهّلت؛ وإذا باشر [و] «2» ظهر له بالمباشرة خفايا هذا الدّيوان، وفهم ما تحتويه جرائد الإحسان، فليكن إلى مصالحه أوّل مبادر، ويكفيه تدبر قوله تعالى: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ «3» قلت: وقد كنت أنشأت توقيعا بنظر الأحباس، للقاضي «بدر الدين حسن» الشهير بابن الدّاية «4» ، مفتتحا بالحمد لله، جاء فردا في بابه، إلا أن مسودّته غيّبت عنّي، فلم أجدها لأثبتها هاهنا كما أثبتّ غيرها مما أنشأته: من البيعات والعهود والتواقيع والرسائل وغير ذلك. ومنها- نظر الأوقاف بمصر والقاهرة المحروستين، ويدخل فيه أوقاف الحرمين وغيرهما. وهذه نسخة توقيع بنظرها، وهي: الحمد لله الذي حفظ معالم البرّ من الدّثور، وأحيا آثار المعروف

والأجور، وصان الأوقاف المحبّسة من تبديل الشروط على توالي الأيّام والشهور. نحمده على فضله الموفور، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لها في القلوب نور على نور، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله المؤيّد المنصور، الطالع البدور، المبعوث بالفرقان والنّور، والمنعوت في التوراة والإنجيل والزّبور، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما كرّت الدّهور، وطلعت كواكب ثم تغور. وبعد، فإنّ أهل الخير من المؤمنين تقرّبوا إلى الله سبحانه وتعالى من طيّبات أموالهم بأوقاف وقفوها على وجوه البرّ وعرّفوها، وجعلوا لها شروطا ووصفوها؛ فتقبّل الله لهم ذلك، ثم ماتوا فما انقطع عملهم بها وهم في برزخ المهالك؛ ووليها بعدهم الأمناء من النّظّار، فقاموا بحقوقها وحفظ الآثار، وأجروا برّها الدارّ في كلّ دار، وصانوا معالمها من الأغيار، وشاركوا واقفيها في الصدقة لأنهم خزّان أمناء أخيار. ولما كان فلان هو الذي لا يتدنّس عرضه بشائبة، ولا تمسي المصالح وهي عن فكره غائبة، ولا تبرح نجوم السّعود طالعة عليه غير غائبة، وهو أهل أن يناط به التحدّث في جهات البرّ الموقوفة، وأموال الخير المصروفة، لأنه نزّه نفسه عما ليس له فلو كانت أموال غيره غنما ما اختصّ منها بصوفة؛ فلذلك رسم...... «1» ...... فليباشر هذه الوظيفة مباشرة حسنة التأثير، جميلة التّثمير، مأمونة التغيير، مخصوصة بالتعبير، ولينظر في هذه الأوقاف على اختلافها من ربوع ومباني، ومساكن ومغاني، وخانات مسبّلة، وحوانيت مكمّلة، ومسقّفات معمورة، وساحات مأجورة غير مهجورة، وليبدأ بالعمارة فإنّها تحفظ العين وتكفي البناء

دثوره، وليتّبع شروط الواقفين ولا يعدل عنها فإنّ في ذلك سروره؛ ويندرج في هذه الأوقاف ما هو على المساجد ومواطن الذّكر: فليقم شعارها، وليحفظ آثارها، وليرفع منارها؛ والوصايا كثيرة والتقوى ظلّها المخطوب، ومراقبة الله أصلها المطلوب ووصلها المحبوب، والله تعالى يجمع على محبته القلوب، بمنّه وكرمه!. ومنها- نظر البيمارستان المنصوريّ بين القصرين لأرباب الأقلام، وهو من أجلّ الأنظار وأرفعها قدرا، ما زال يتولّاه الوزراء وكتّاب السرّ ومن في معناهم. [وهذه نسخة توقيع] «1» من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ، وهي: «2» الحمد لله رافع قدر من كان في خدمتنا الشريفة كريم الخلال، ومعلي درجة من أضفى عليه الإخلاص في طاعتنا العليّة مديد الظّلال، ومجدّد نعم من لم يخصّه اعتناؤنا بغاية إلا ورقّته همّته فيها إلى أسنى رتب الكمال، ومفوّض النظر في قرب سلفنا الطاهر إلى من لم يلاحظ من خواصّنا أمرا إلا سرّنا ما نشاهد فيه من الأحوال الحوال. نحمده على نعمه التي لا تزال تسرى إلى الأولياء عوارفها، ومننه التي لا تبرح تشمل الأصفياء عواطفها، وآلائه التي تسدّد آراءنا في تفويض قربنا إلى من إذا باشرها [سرّ] «3» بسيرته السّريّة مستحقّها وواقفها. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة رفع الإخلاص لواءها، وأفاض الإيمان على وجوه حملتها إشراقها وضياءها، ووالى الإيقان إعادة أدائها بمواقف الحقّ وإبداءها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله المخصوص بعموم

الشفاعة العظمى، المقصوص في السنة ذكر حوضه الذي من شرب منه شربة فإنه بعدها لا يظما، المنصوص على نبوّته في الصّحف المنزّلة وبشّرت به الهواتف نثرا ونظما، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين فازوا من طاعته، بالرّتب الفاخرة، وحازوا بالإخلاص في محبّته، سعادة الدنيا والآخرة، وأقبلوا على حظهم من رضا الله ورضاه فلم يلوا على خدع الدنيا الساحرة، صلاة دائمة الاتصال، آمنة شمس دولتها من الغروب والزّوال، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى الأمور بإنعام النظر في مصالحها، وأحقّها بتوفير الفكر على اعتبار مناهجها واعتماد مناجحها- أمر جهات البر التي تقرّب والدنا السلطان الشهيد- قدّس الله روحه- بها إلى من أفاض نعمه عليه، وتنوّع في إنشائها فأحسن فيها كما أحسن الله إليه، ورغب بها فيما عند الله لعلمه أنّ ذلك من أنفس الذخائر التي أعدّها بين يديه، وحلّ منها في أكرم بقعة نقله الله بها عن سريره إلى مقعد صدق عند ربّه، وعمر بها مواطن العبادة في يوم سلمه بعد أن عفّى على معاقل الكفر في يوم حربه، وأقام بها منار العلوم فعلا منالها، وأعدّ للضّعفاء بها من موادّ البرّ والإلطاف ما لو تعاطته الأغنياء قصرت عن التطاول إليه أموالها؛ وأن نرتاد لها من إذا فوّضنا إليه أمرا تحقّقنا صلاحه، وتيقّنّا نجاحه، واعتقدنا تنمية أمواله، واعتمدنا في مضاعفة ارتفاعه وانتفاعه على أقواله وأفعاله، وعلمنا من ذلك ما لا نحتاج فيه إلى إخبار ولا اختبار، ولا يحتاج في بيان الخيرة فيه إلى دليل إلّا إذا احتاج إليه النّهار، لنكون في هذا بمثابة من ضاعف لهذه القرب أسباب ثوابها؛ أو جدّد لها وقفا لكونه أتى بيوت الإحسان في ارتياد الأكفاء لها من أبوابها. ولذلك لما كان فلان هو الذي صان أموال خواصّنا، وأبان عن يمن الآراء في استئثارنا به لمصالحنا الخاصّة واختصاصنا، واعتددنا بجميل نظره في أسباب التدبير التي تملأ الخزائن، وتدلّ على أنّ من الأولياء من هو أوقع على المقاصد من سهام الكنائن، وتحقّق أنه كما في العناصر الأربعة معادن فكذلك في الرجال معادن، ونبّهت أوصافه على أنه ما ولي أمرا إلا وكان فوق ذلك قدرا،

ولا اعتمد عليه فيما تضيق عنه همم الأولياء إلا رحب به صدرا، ولا طلع في أفق رتبة هلالا إلا وتأمّلته العيون في أجلّ درج الكمال بدرا؛ يدرك ما نأى من مصالح ما يليه بأدنى نظر، ويسبق في سداد ما يباشره على ما يجب سداد الآراء ومواقع الفكر؛ فنحن نزداد كل يوم غبطة بتدبيره، ونتحقّق أن كل ما عدقنا به إليه من أمر جليل فقد أسندناه إلى عارفه وفوّضناه إلى خبيره- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نعدق بجميل نظره أمر هذا المهمّ المقدّم لدينا، وأن نفوّض إليه نظر هذه الأوقاف التي النظر في مصالحها من آكد الأمور المتعيّنة علينا. فرسم بالأمر الشريف- لا زال فضله عميما، وبرّه يقدّم في الرتب من كان من الأولياء كريما- أن يفوّض إليه كيت وكيت. فليل هذه الرتبة التي أريد بها وجه الله وما كان لله فهو أهمّ، وقصد بها النفع المتعدّي إلى العلماء والفقراء والضّعفاء، ومراعاة ذلك من أخصّ المصالح وأعمّ، ولينظر في عموم مصالحها وخصوصها نظرا يسدّ خللها، ويزيح عللها، ويعمّر أصولها، ويثمّر محصولها، ويحفظ في أماكنها أموالها، ويقيم معالم العلوم في أرجائها، ويستنزل بها موادّ الرحمة لساكنها بألسنة قرّائها، ويستعيد صحّة من بها من الضعفاء بإعداد الذّخائر لملاطفة أسقامها ومعالجة أدوائها، ويحافظ على شروط الواقف- قدّس الله روحه- في إقامة وظائفها، واعتبار مصارفها، وتقديم ما قدّمه مع ملاءة تدبيره باستكمال ذلك على أكمل ما يجب، وتمييز حواصلها لما يستدعي إليها من الأصناف التي يعزّ وجودها ويجتلب، وضبط تلك الحواصل التي لا خزائن لها أوثق من أيدي أمنائه وثقاته، ولا مودع لها أوفق من أمانة من يتّقي الله حقّ تقاته؛ وليفعل في ذلك جميعه ما عرفناه من تدبيره الجميل خبرا وخبرا، وحمدناه في كل ما يليه وردا في المصالح وصدرا؛ فإنه- بحمد الله- الميمون نظرا وتصرّفا، المأمون نزاهة وتعفّفا، الكريم سجيّة وطباعا، الرحيب في تلقّي المهمات الجليلة صدرا وباعا؛ فلذلك وكلناه في الوصايا إلى حسن معرفته واطّلاعه، ويمن نهوضه بمصالحنا واضطلاعه؛ والله تعالى يسدّده في قوله وعمله، ويحقّق بالوقوف مع مراضي

الله تعالى ومراضينا غاية أمله، إن شاء الله تعالى. ومنها- نظر الجامع الناصريّ بقلعة الجبل. وهذه نسخة توقيع بنظره، كتب به للقاضي جلال الدين القزوينيّ «1» وهو يومئذ قاضي قضاة الشافعيّة بالديار المصريّة، وهي: الحمد لله الذي زاد بنا الدين رفعة وجلالا، وجعل لنا على منار الإسلام إقبالا، وأحسن لنظرنا الشريف في كلّ اختيار مالا، ووفّق مرامي مرامنا لمن أخلصنا عليه اتّكالا. نحمده حمدا يتواتر ويتوالى، ويقرّب من المنى منالا، وتنير به معاهد نعمه عندنا وتتلالا، ونديمه إدامة لا نبغي عنها حولا ولا انتقالا. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نصدّقها نيّة ومقالا، ونرجو بالتّغالي فيها القبول منه تعالى، ويتراسل عليها القلب واللسان فلا يعتري ذاك سهو ولا يخاف هذا كلالا، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي كرم صحابة وآلا، ودلّهم على الرّشد فورّثوه علماء الأمّة رجالا، صلى الله عليه وعليهم صلاة نسترعي عليها من الحفظة أكفاء أكفالا، ونستمد لرقمها المذهبات بكرا وآصالا، وتسمو إليه الأنفاس سموّ حباب الماء حالا فحالا، ما مدّت الليالي على أيّامها ظلالا، وما بلغ سواد شبابها من بياض صبح اكتهالا، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ من بنى حقّ عليه أن يشيد، ومن أراد [أن] «2» سنّته الحسنى تبقى فليتخذ معينا على ما يريد، ومن أنشأ برّا فلا بدّ من مباشر عنه يضمن له

التجديد، ويظنّ به مع تأثيره التّخليد، ومن تاجر لله بمعروف فما يسخو بالمشاركة فيه لمن يقوم مقام نفسه أو يزيد، ومن بدأ جميلا فشرط صلاحه أن يسنده إلى من له بالمراقبة تقييد، فيما يبديء ويعيد، وأيّ إشادة أقوى، من التأسيس على التقوى، أو معين أجلّ من حاكم استخلصناه لنا ولإخواننا المسلمين، أو مباشر أنفع، من سيد ارتدى بالمجد وتلفّع، وتروّى بالعلوم وتضلّع، أو مشارك في الخير أولى من وليّ قلّدناه ديننا قبل الدّنيا، وأعليناه بالمنصبين: الحكم والخطابة فتصرّف منهما بين الكلمة العالية والدّرجة العليا، أو أحسن مراقبة من حبر يعبد الله كأنّه يراه، وإمام يدعو إليه دعاء أوّاب أوّاه، قد انفرد بمجموع المحاسن يقينا، وأصبح قدره الجليّ الجليل يعنينا وعن المدائح يغنينا؛ فحسبنا الوصف إيضاحا وتبيينا، ولكن نصرّح باسمه تنويها وتعيينا، وتحسينا لسيرة أيّامنا الشريفة بعالم زمانها وتزيينا؛ لا عذر لفكر لم ينضّد مناقبه وقد تمثلت معاليه جواهر، وقلم لم يوشّ الطّروس بمعانيه بعد ما زان من فنونها أنواع الأزاهر، وهو المجلس العاليّ القضائيّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، العلّاميّ، الكامليّ، الفاضليّ، القدويّ، المفيديّ، الخاشعيّ، الناسكيّ الورعيّ، الحاكميّ، الجلاليّ، حجة الإسلام والمسلمين، قدوة العلماء العاملين في العالمين، بركة الأمة، علّامة الأئمة عزّ السنّة، مؤيّد الدّولة، سيف الشريعة، شمس النظر، مفتي الغرر، خطيب الخطباء، إمام البلغاء، لسان المتكلّمين، حكم الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين، أبو المعالي محمد ابن قاضي القضاة سعد الدين أبي القاسم عبد الرحمن بن عمر بن أحمد القزوينيّ قاضي القضاة الشافعية: أدام الله عزّة الشرع الشريف بأحكامه، وترفيه سيوف الجلاد وأسله بلسان جداله وأقلامه؛ قاض يفرّق بين المهترجين «1» برأي لا يطيش حلمه ولا يزلّ حكمه، ويتّقي الشّبهات بورع يتبعه عمله ويهديه علمه؛ ما لحظ جهة إلا حظيت ببركة دارّة مزنها، سارية مناجحها سارّ يمنها، ولا

أقبل على بيت من بيوت الله إلا حنّ منه إلى سبحات الجلال، ولا تكلّم في وقف إلا أجراه في صالح الأعمال على أقوم مثال؛ ونحن لهذه المزايا نردّ إلى نظره الكريم ما أهمّنا من عمارة مسجد وجامع، ونقلّده من أوقافنا ما يخلفنا فيه خيرا فإنّ الأوقاف ودائع. فلذلك رسم بالأمر الشريف العاليّ المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الناصريّ- لا زال يصيب الصّواب، ولا يعدو أولي الألباب- أن يفوّض إليه نظر الجامع الناصريّ المعمور بذكر الله تعالى، بقلعة الجبل المحروسة، وأوقافه، والنظر على التربة والمدرسة الأشرفيّين وأوقافهما. ومنها- نظر مشهد الإمام الحسين رضي الله عنه بالقاهرة المحروسة. وقد تقدّم في الكلام على خطط القاهرة في المقالة الثانية أنّ الصالح طلائع بن رزّيك حين قصد نقل رأس الإمام الحسين إلى القاهرة، بنى لذلك جامعه خارج بابي زويلة «1» ، فبلغ ذلك الخليفة فأفرد لها هذه القاعة من قاعات القصر وأمر بنقلها إليها. وهذه نسخة توقيع بنظره، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ، وهي: الحمد لله الذي جعل مواطن الشّرف في أيّامنا الزاهرة، محصورة في أكفائها، ومشاهد السيادة في دولتنا القاهرة، مقصورة على من حبته أوامرنا باعتنائها، وخصّته آلاؤنا باصطفائها، الذي أجرى حسن النظر في مظانّ الآباء الطاهرة على يد من طلع في أفق العلياء من أبنائها، وعمر معاهد القربات بتدبير من بدأ بقواعد دينه وأجاد إحكام تشييدها وإتقان بنائها.

نحمده على ما خصّت به أيامنا من رفع أقدار ذوي السّيادة والشّرف، واتّصف به إنعامنا من مزيد برّ علم بحسن ظهوره على الأولياء أنّ الخير في السّرف. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يعرّف بها من اعترف، ويشرّف قدر من له بالمحافظة عليها شغف، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي طهّر الله بضعته الزاهرء وبنيها، وخصّهم بمزيّة القربى التي نزّهه أن يسأل على الهداية أجرا إلا المودّة فيها، صلى الله عليه وعلى آله الذين هم أجدر بالكرم، وأحقّ بمحاسن الشّيم، وما منهم إلا من ( تعرف البطحاء وطاته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم ) «1» ، وعلى آله وأصحابه الذين أنعم الله به عليهم، واتّبعوه في ساعة العسرة فمنهم الذين أخرجوا من ديارهم والذين يحبّون من هاجر إليهم، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من زيّنت به مواطن الشّرف، وعدقت به العناية بخدمة من درج من بيت النبوّة وسلف، وعمرت به مشاهد آثارهم التي هي في الحقيقة لهم غرف، [ونالت الدولة] «2» من تدبيره الجميل بعض حظّها، وخصّت بقعته المباركة من نظره بما ينوب في خدمة محلّه الشريف عن مواقع لحظها، وجعلت به لابن رسول الله من خدمة أبيه معها نصيبا، وفعلت ذلك إذ خبرت خدمته أجنبيّا علما أنها تتضاعف له إذا كان نسيبا، وحكمت بما قام عندها مقام الثّبوت، وأمرته أن يبدأ بخدمة أهل البيت [فإن] «3» لازمها لديها مقدّم على البيوت- من طلع شهاب فضله من الشّرف السّنيّ في أكرم أفق، وأحاطت به أسباب السّؤدد من سائر الوجوه إحاطة الطّوق بالعنق، وزان الشّرف بالسّؤدد والعلم بالعمل، والرياسة باللطف فاختارته المناصب واختالت به الدّول، وتقدّم بنفسه ونفاسة أصله فكان شوط من تقدّمه وراء خطوه وهو يمشي على مهل، واصطفته الدولة

القاهرة لنفسها فتمسّك من الموالاة بأوثق أسبابها، واعتمدت عليه في بثّ نعمها، وبعث كرمها، فعرّف في ذلك الأمور من وجهها وأتى البيوت من أبوابها، وحمدت وفود أبوابنا العالية لحسن سيرته في إكرامهم السّرى، واكتفت [حتى] «1» مع ترك الكرامة إليهم ببشاشة وجهه التي هي خير من القرى، وصان البيوت عن الإقواء بتدبيره الذي هو من موادّ الأرزاق، وزاد الحواصل بتثميره مع كثرة الكلف التي لو حاكتها الغمائم لأمسكت خشية الإنفاق. ولما كان فلان هو الذي تليت مناقب بيته الطاهر، وجليت مفاخر أصله الزاهر، وتجملت بشرف خلاله خلال الشّرف التي تركها الأوّل للآخر، وكان مشهد الإمام السيد الحسين ابن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهما السلام بالقاهرة المحروسة بقعة هي منتجع الرحمة، ومظنّة إجابة الأمّة، وروضة من شرّفت بانتقاله إليها، وتربة شهيد الزهراء صلوات الله على أبيها وعليها، وبه الآن [من] «2» رواتب القربات ووظائف العلوم وجهات الخير ما يحتاج إلى اختيار من يجمل النظر فيه، ويسلك نهج سلفه في الإعراض عن عرض الدنيا ويقتفيه- رأينا أن نختار لذلك من اخترناه لأنفسنا فكان الكفء الكريم، واختبرناه لمصالحنا فخبرنا منه الحفيظ العليم، وأن نقدّم مهمّ ذلك البيت على مهمّ بيوتنا فإنّ حقوق آل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحقّ بالتعظيم. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت مكارمه بتقريب ذوي القربى جديرة، ومراسيمه على إقدار ذوي الرّتب على ما يجب قديرة،- أن يفوّض إليه النظر على مشهد الإمام الحسين ابن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهما السلام بالقاهرة المحروسة، على قاعدة من تقدّمه في ذلك، بالمعلوم الشاهد به ديوان الوقف: لما قدّمناه من أسباب رجّحته لذلك، وبيّناه من أمور أوضحت في اختيارنا له المسالك؛ ومن أولى منه بهذه الرتبة التي شهدت له باستحقاقها مناصبه ومناسبه، أو أقدر منه على أمثال هذه الوظيفة وقد أقرّت بكماله وكرم خلاله مراتب الباب الشريف ورواتبه.

المرتبة الثالثة

فليمعن النظر في مباشرة أوقاف هذه البقعة المباركة مظهرا ثمرة تفويضها إليه، مبيّنا نتيجة تعرّضها له وعرضها عليه، منّبها على سرّ التوفيق فيما وضع أمرنا من مقاليد أمرها في يديه، مجتهدا في تمييز أموال الوقف من كل كاتب [حديث] «1» ، موضّحا من شفقة الولد [على] «2» ما نسب إلى الوالد ما شهدت به في حقّها الأحاديث، سالكا من خدمة ذلك المشهد ما يشهد له به غدا عند جدّه، ناشرا من [عنايته به] «3» لواء فضل رفعه في الحقيقة رفع لمجده؛ وليلحظ تلك المصالح بنظره الذي يزيد أموالها تثميرا، ورباعها تعميرا، وحواصلها تمييزا وتوفيرا، وارج أيّها السيد الشريف عند الله تعالى بذلك عن كل حسنة عشرا إن ذلك كان على الله يسيرا، وصن ما بيدك عن شوائب الأدناس: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «4» وقد خبرنا من سيرتك وسريرتك ما لا نحتاج أن نزداد به خبرا، ولا أن نبلوه بعد ما سلف مرّة أخرى؛ ولكن نذكّرك بتقوى الله التي أنت بها متّصف، وبوجودها فيك معروف وبوجوبها عليك تعترف؛ فقدّمها بين يديك؛ واجعلها العمدة فيما اعتمدنا فيه عليك، إن شاء الله تعالى. المرتبة الثالثة (من الوظائف الدينية ما يكتب في قطع العادة الصغير، مفتتحا ب «رسم بالأمر الشريف» ) وهو لمن كانت رتبته مجلس القاضي، وربّما كتب فيه بالسامي بغير ياء لمن قصد تعظيمه وهو قليل، وبه يكتب لأرباب الوظائف الصّغار من الخطباء، والمدرّسين، ونظّار الأوقاف، وغيرهم ممن لا ينحصر كثرة. وهذه نسخة توقيع بنظر البيمارستان «5» العتيق الذي رتّبه السلطان صلاح

الدين «يوسف بن أيّوب» في بعض قاعات قصر الفاطميّين، وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زالت أيّامه تفيد علاء، وتستخدم أكفاء، وتضفي ملابس النّعماء على كلّ عليّ فتكسوه بهجة وبهاء- أن يستقرّ فلان في نظر البيمارستان الصّلاحيّ بالقاهرة المحروسة، بالمعلوم الشاهد به الدّيوان المعمور إلى آخر وقت، لكفاءته التي اشتهر ذكرها، وأمانته التي صدّق خبرها خبرها، ونزاهته التي أضحى بها عليّ النفس فغدا بكل ثناء مليّا، ورياسته التي أحلّت قدره أسمى رتبة فلا غرو أن يكون «عليّا» . فليباشر نظر البيمارستان المذكور مباشرة يظهر بها انتفاعه، وتتميّز بها أوضاعه، ويضحى عامر الأرجاء والنّواحي، ويقول لسان حاله عند حسن نظره وجميل تصرّفه: الآن كما بدا صلاحي، وليجعل همّته مصروفة إلى ضبط مقبوضه ومصروفه، ويظهر نهضته المعروفة بتثمير ريعه حتى تتضاعف موادّ معروفه، ويلاحظ أحوال من فيه ملاحظة تذهب عنهم الباس، ويراع مصالح حاله في تنميته وتزكيته حتّى لا يزال منه شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس، وليتناول المعلوم الشاهد به الدّيوان المعمور من استقبال تاريخه بعد الخط الشريف أعلاه. واعلم أنّ من تواقيع أرباب الوظائف الدينية ما يكتب في هيئة أوراق الطريق، أو على ظهور القصص، وقد تقدّم. وهذه نسخة توقيع بالتحدّث في وقف: رسم بالأمر الشريف العاليّ المولويّ السلطانيّ الملكيّ الفلانيّ- أعلاه الله تعالى وشرّفه، وأنفذه وصرّفه- أن يستقرّ القاضي فلان الدين فلان في التحدث في الوقف الفلانيّ، بما لذلك من المعلوم الشاهد به كتاب الوقف.

الضرب الثالث (من الولايات بالحضرة السلطانية بالديار المصرية - الوظائف الديوانية)

فليعتمد هذا المرسوم الشريف كلّ واقف عليه، ويعمل بحسبه وبمقتضاه، بعد الخط الشريف، إن شاء الله تعالى. الضرب الثالث (من الولايات بالحضرة السلطانية بالديار المصرية- الوظائف الديوانية) وهي على طبقتين: الطبقة الأولى (أرباب التقاليد، في قطع الثلثين ممن يكتب له «الجناب العالي» وفيها وظيفتان) الوظيفة الأولى (الوزارة، إذا كان متولّيها من أرباب الأقلام، كما هو الغالب) وقد تقدّم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية نقلا عن «مسالك الأبصار» أن ربّها ثاني السلطان لو أنصف وعرف حقّه؛ إلا أنها لما حدثت عليها النيابة، تأخّرت وقعد بها مكانها حتّى صار المتحدّث فيها كناظر المال، لا يتعدّى الحديث فيه ولا يتّسع له في التصرّف مجال، ولا تمتد يده في الولاية والعزل لتطلّع السلطان إلى الإحاطة بجريان الأحوال في الولاية والعزل. وقد تقدّم ذكر ألقابه مستوفاة في الكلام على مقدّمة الولايات في الطّرف الأوّل من هذا الفصل والكلام على طرّة تقليده في الكلام على التقاليد. وهذه نسخة تقليد بالوزارة، كتب بها للصاحب «بهاء الدين بن حنّا» «1» ، من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، وهي: الحمد لله الذي وهب لهذه الدولة القاهرة من لدنه وليّا، وجعل مكان

سرّها وشدّ أزرها عليّا، ورضي لها من لم يزل عند ربّه مرضيّا. نحمده على لطفه الذي أمسى بنا حفيّا، ونشكره على أن جعل دولتنا جنّة أورث تدبيرها من عباده من كان تقيّا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نسبّح بها بكرة وعشيّا، ونصلّي على سيدنا محمد الذي آتاه الله الكتاب وجعله نبيّا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة نتّبع بها صراطا سويّا. وبعد، فإنّ أولى ما تنغّمت ألسنة الأقلام بتلاوة سوره، وتنعّمت أفواه المحابر بالاستمداد لتسطير سيره، وتناجت الكرام الكاتبون بشكر مجمله ومفصّله، وتناشدت الرّواة بحسن لسنه وترنّمت الحداة بطيب غزله، وتهادت الأقاليم تحف معجّله ومؤجّله، وعنت وجوه المهارق «1» لصعود كلمه الطيّب ورفع صالح عمله- ما كان فيه شكر لنعمة تمنّها على الدولة سعادة جدودها وحظوظها، وإفادة مصونها ومحفوظها، وإرادة مرموقها بحسن الاستيداع وملحوظها، وحمد لمنحة أفاءتها بركات أحسنت للمملكة الشريفة مآلا، وقرّبت لها منالا، وأصلحت لها أحوالا، وكاثرت مدد البحر فكلّما أجرى ذاك ماء أجرت هي مالا؛ وإن ضنّت السّحب أنشأت هي سحبا، وإن قيل- بشحّ سيحنا «2» -: رونق الأرض ذهب، عوّضت عنه ذهبا؛ كم لها في الوجود من كرم وكرامة، وفي الوجوه من وسوم ووسامة، كم أحيت مهجا، وكم جعلت للدولة من أمرها مخرجا، وكم وسّعت أملا، وكم تركت صدر الحزن سهلا، وكم تركت صدر الخزائن ضيّقا حرجا، كم استخدمت جيش تهجّد في بطن الليل، وجيش جهاد على ظهور الخيل، وكم أنفقت في واقف في قلب بين صفوف الحروب، وفي واقف في صفوف المساجد من أصحاب القلوب؛ كم سبيل يسّرت، وسعود كثّرت، وكم مخاوف أدبرت حين درّت، وكم آثار في البلاد والعباد آثرت وأثرّت، وكم وافت ووفّت، وكم كفت وكفّت، وكم أعفت وعفت وعفّت، وكم

بها موازين للأولياء ثقلت وموازين للأعداء خفّت، كم أجرت من وقوف، وكم عرفت بمعروف؛ كم بيوت عبادة صاحب هذه البركات هو محرابها، وسماء جود هو سحابها ومدينة علم هو بابها؛ تثني الليالي على تغليسه إلى المساجد في الحنادس «1» ، والأيام على تهجيره لعيادة الفقراء وحضور الجنائز وزيارة القبور الدّوارس؛ يكتنّ تحت جناح عدله الظاعن والمقيم، وتشكر مبارّه يثرب وزمزم ومكّة والحطيم؛ كم عمّت سنن تفقّداته ونوافله، وكم مرّت صدقاته بالوادي- فسّح الله في مدّته- فأثنت عليه رماله، وبالنادي فأثنت عليه أرامله؛ ما زار الشام إلا أغناه عن منّة المطر، ولا صحب سلطانه في سفر إلا قال: نعم الصاحب في السّفر والحضر. ولما كان المنفرد بهذه البركات هو واحد الوجود، ومن لا يشاركه في المزايا شريك وإنّ الليالي بإيجاد مثله غير ولود، وهو الذي لو لم نسمّه قال سامع هذه المناقب: هذا الموصوف، عند الله وعند خلقه معروف، وهذا الممدوح، بأكثر من هذه الممادح والمحامد من ربه ممدوح وممنوح، وهذا المنعوت بذلك، قد نعتته بأكثر من هذه النّعوت الملائك؛ وإنما نذكر نعوته التذاذا، فلا يعتقد خاطب ولا كاتب أنه وفّى جلالته بعض حقّها فإنه أشرف من هذا؛ وإذا كان لا بدّ للممادح أن تجول، وللقلم أن يقول، فتلك بركات المجلس العاليّ، الصاحبيّ، السيّديّ، الورعيّ، الزاهديّ، العابديّ، الوالديّ، الذّخريّ، الكفيليّ، الممهّدي، المشيّديّ، العونيّ، القواميّ، النّظاميّ، الأفضليّ، الأشرفيّ، العالميّ، العادليّ، البهائيّ، سيد الوزراء في العالمين، كهف العابدين، ملجأ الصالحين، شرف الأولياء المتّقين، مدبّر الدول، سداد الثّغور، صلاح الممالك، قدوة الملوك والسلاطين، يمين أمير المؤمنين، عليّ بن

محمد: أدام الله جلاله. من تشرف الأقاليم بحياطة قلمه المبارك، والتقاليد بتجديد تنفيذه الذي لا يساهم فيه ولا يشارك؛ فما جدّد منها إنما هو بمثابة آيات فتردّد، أو بمنزلة سجلات في كل حين بها يحكم وفيها يشهد؛ حتى تتناقل ثبوته الأيام والليالي، ولا يخلو جيد دولة من أنه يكون الحالي بما له من فاخر اللآلي. فلذلك خرج الأمر العالي- لا برح يكسب بهاء الدين المحمديّ أتمّ الأنوار، ولا برحت مراسمه تزهو من قلم منفّذه بذي الفقر وذي الفقار- أن يضمّن هذا التقليد الشريف بالوزارة التامة، العامّة، الشاملة، الكاملة: من المآثر الشريفة الصاحبية، البهائية، أحسن التضمين، وأن ينشر منها ما يتلقّى رايته كلّ ربّ سيف وقلم باليمين، وأن يعلم كافّة الناس ومن تضمّه طاعة هذه الدولة وملكها وسلكها من ملك وأمير، وكلّ مدينة ذات منبر وسرير، وكلّ من جمعته الأقاليم من نوّاب سلطنة، وذي طاعة مذعنة، وأصحاب عقد وحلّ، وظعن وحلّ، وذي جنود وحشود، ورافعي أعلام وبنود، وكلّ راع ورعية، وكل من ينظر في الأمور الشرعية، وكلّ صاحب علم وتدريس، وتهليل وتقديس، وكلّ من يدخل في حكم هذه الدولة الغالبة من شموسها المضيئة، وبدورها المنيرة وشهبها الثاقبة، في الممالك المصريّة، والنّوبيّة، والساحليّة، والكركيّة، والشّوبكيّة، والشاميّة، والحلبية، وما يتداخل بين ذلك، من ثغور وحصون وممالك- أنّ القلم المبارك الصاحبيّ البهائيّ في جميع هذه الممالك مبسوط، وأمر تدبيرها به منوط، ورعاية شفقته لها تحوط؛ وله النظر في أحوالها، وأموالها، وإليه أمر قوانينها، ودواوينها، وكتّابها، وحسّابها، ومراتبها، ورواتبها، وتصريفها، ومصروفها، وإليه التولية والصّرف، وإلى تقدّمه البدل والنعت والتوكيد والعطف؛ فهو صاحب الرّتبة التي لا يحلّها سواه وسوى من هو مرتضيه، من السادة الوزراء بنيه، وما سمّينا غيره وغيرهم بالصّحوبية «1» فليحذر

من يخاطب غيره وغيرهم بها أو يسمّيه؛ فكما كان والدنا الشهيد رحمه الله يخاطبه بالوالد قد خاطبناه بذلك وخطبناه، وما عدلنا عن ذلك بل عدلنا لأنه ما ظلم من أشبه أباه؛ فمنزلته لا تسامى ولا تسام، ومكانته لا ترامى ولا ترام؛ فمن قدح في سيادته من حسّاده زناد قدح أحرق بشرر شرّه، ومن ركب إلى جلالته، ثبج سوء أغرق في بحره، ومن فتل لسعادته، حبل كيد فإنما فتله مبرمه لنحره؛ فلتلزم الألسنة والأقلام والأقدام في خدمته أحسن الآداب، وليقل المتردّدون: حطّة «1» إذا دخلوا الباب؛ ولا يغرّنهم فرط تواضعه لدينه وتقواه، فمن تأدّب معه تأدّب معنا ومن تأدّب معنا تأدّب مع الله. وليتل هذا التقليد على رؤوس الأشهاد، وتنسخ نسخته حتّى تتناقلها الأمصار والبلاد؛ فهو حجّتنا على من سمّيناه خصوصا ومن يدخل في ذلك بطريق العموم، فليعملوا فيه بالنص والقياس والاستنباط والمفهوم؛ والله يزيد المجلس الصاحبيّ الوزيريّ البهائيّ سيد الوزراء من فضله، ويبقيه لغاب هذه الدولة يصونه لشبله كما صانه لأسده من قبله، ويمتّع بنيته الصالحة التي يحسن بها- إن شاء الله- نماء الفرع كما حسن نماء أصله، بمنّه وكرمه! وهذه نسخة تقليد بالوزارة، كتب به للصاحب تاج الدين «2» محمد بن فخر الدين ابن الصاحب بهاء الدين علي بن حنّا، في ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين وستّمائة، من إنشاء المولى شهاب الدين محمود الحلبيّ، تغمده الله برحمته، وهي: الحمد لله مكمّل شرف الوزارة بطلعة تاجها، ومشرّف قدرها بمن تشرق عليها أشعّة سعده إشراق الكواكب على أبراجها، ورافع لواء مجدها بمن تلقّته

بعد الجفاء في حلل سرورها وحليّ ابتهاجها، وتحلّت بعد العطل من جواهر مفاخره بما تتزيّن عقود السّعود بازدواجها، وترفل من انتسابها إلى أبّهة بهائه بما يودّ ذهب الأصيل لو امتزج بسلوك انتساجها، الذي شيّد قواعد هذه المرتبة السنيّة في أيّامنا وجدّدها، وبعث لها على فترة من الأكفاء من حسم الأدواء فكان مسيحها وشرع المعدلة فكان محمّدها، وردّها بحكم الاستحقاق إلى من لا يختلف في أنه صاحبها، ورجعها إلى من خطبته لنفسها بعد أن أحجم لشرف قدرها خاطبها. نحمده على أن شدّ أزر ملكنا بأكرم وزير، وأيمن مشير، وأجلّ من ينتهي إلى بيت كريم، وحسب صميم، ومن إذا قال لسان ملكنا: ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي «1» قالت كفايته: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ «2» ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نقرّ بها سرّا وعلنا، ونقرّ بها هذه العقيلة الجليلة عند من يكسوها مجده رفعة وسنا، ويلبس جفن الدّهر عنها وسنا، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المخصوص بكل صاحب شهد الكتاب والسّنّة بفضله، وقام بعضهم بحسن مؤازرته مقام من شدّ الله به عضد من سأله وزيرا من أهله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة لا تغرب شمسها، ولا يعزب أنسها، ولا يتفاوت في المحافظة عليها غدها وأمسها، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فإنّ أولى من خطبت بحمده الأقلام، وافتتحت به الدولة التي ابتسمت بنسيمها ثغور الأيام، وودّت مسكة الليل لو مازجت أنفاسه، وأمّل بياض النهار لو أخذ من غير سمة عوض ورق الورق قرطاسه، وتحاشدت النجوم

لتنتسق في سلك معانيه وطارت بذكره في الآفاق أنباء السّعود، وحكمت الجدود بأنه في اقتبال إقباله نهاية الآباء وغاية الجدود، وافترّت به ثغور الممالك عن أحسن الدّرّ النّضيد، وسرت بذكره رفاق الآفاق ففي كلّ ناد مناد وفي كلّ برّ بريد، واختالت به أعطاف الدولة القاهرة فأوت من الرأي السّديد إلى كلّ ركن شديد، ونطق به العدل والحقّ فخرس الظّلم وما يبديء الباطل وما يعيد، وجرت به أقدار ذوي الرّتب على أجمل مناهجها فأمّا أهل العدل فيقرّبون نجيّا وأما أهل الظّلم فاولئك ينادون من مكان بعيد، وبدت به وجوه المصالح سافرة بعد الحجاب، بارزة بعد طول الانتقال إلى الانتقاب، داخلة بوفود المحامد من كلّ باب، إلا الظّلم فإنه بحمد الله قد سدّ ذلك الباب. وأقرّ منصب الوزارة الشريفة أنّا أعدنا به الحقّ إلى نصابه، ورددناه إلى من هو أولى به بعد اغتصابه، وألبسناه من بهجة أيّامنا تاجا ردّ عليه عزّا لا تطمع يد الذّهب في انتزاعه عنه ولا استلابه، وتقليده لمن يودّ الفرقد لو عقد به إكليله؛ ويتمّنى الطّرف لو أدرك غاية مجده وإن رجع وهو حسير البصر كليله، وتفويض ذلك إلى من كان له وهو في يد غيره، ومن به وببيته تمهّدت قواعده فما كان فيه من خير فهو من سيرتهم وما كان من شرّ فمن قبل المقصّر من عثارهم في سيره؛ وما أحدث فيه من ظلم فهو منه براء إذ إثم ذلك على من اجترأ عليه، وما أجري به من معروف فإلى طريقهم منسوب وإن تلبّس منه بما لم يعط من نسب إليه؛ وما خلا منهم هذا الدّست الكريم إلا وهم بالأولويّة في صدره الجلوس، ولا تصدّى غيرهم لتعاطيه إلا وأقبلت عليه في أيّامه الجسوم وعلية النّفوس. ولذلك لمّا كانت هذه الدولة القاهرة مفتتحة بالبركات أيّامها، ماضية بكفّ الظلم ونشر العدل سيوفها وأقلامها، مستهلّة بالأرزاق سحب فضلها التي لا يقلع غمامها- اقتضت الآراء الشريفة اختيار خير صاحب يعين على الحق بآرائه، ويجمّل الدّست ببهجته وروائه، ويجري الأرزاق بوجه لو تأمّله امرؤ ظاميء الجوانح لارتوى من مائه؛ وكان المجلس العاليّ، الصاحبيّ، الوزيريّ، التاجيّ: أدام الله تعالى نعمته، ورحم سلفه، هو المخطوب لفضله،

والمطلوب لهذا الدّست الذي تعين له دون الأكفاء وإن لم يكن غير أهله من أهله، وما زال يتشوّف إليه تشوّف البروج إلى نجوم السّعود، ويتطلّع إلى محيّاه الذي هو كنور الشمس في الدّنوّ وكمحلّها في الصّعود، وما زالت الأدعية الصالحة ترتفع في أيامه لمالك عصره، والآراء تقام منها جنود لتأييده وحشود لنصره، والأموال تحمل منها إلى خزائنه بأشبه بموج البحر في الحضر دون حصره. فلذلك رسم بالأمر الشريف- ضاعف الله مواهبه العميمة، وكمّل جلال دولته بتفويض أمورها إلى ذوي الأصول العريقة والبيوت القديمة- أن تحلّى منه هذه الرتبة العلية بما حلّى به الدّين، وتعقد له راية فضلها المتين، ليتلقّاها شرقا وغربا، وبعدا وقربا؛ وبرّا وبحرا، وشاما ومصرا، ويحلّى حلاه علم وعلم، وسيف وقلم، ومنبر وسرير، ومأمور وأمير. فليتلقّ أمره بالطاعة كلّ مؤتمر بأمرنا الشريف، جار في طاعتنا المفروضة بين بيان التقليد وعنان التصريف، وليبادر إلى تدبير أمور الأقاليم بأقلامه المباركة، ويمض القواعد على ما تراه آراؤه المنزّهة عن المنازعة في الأمر والمشاركة، ولينشر كلمة العدل التي أمر الله بإضافة الإحسان إليها، ويمت بدع الظلم فإنّ الله يشكره على تلك الإماتة ويحمده عليها، ويسهّل رزق الصدقات، ووظائف القربات، فإن ذلك من أجلّ ما قدّمته [الطائفة] «1» الصالحة بين يديها، وليكثر بذلك جنود الليل فإنها لا تطيش سهامها، ويتوقّ من محاربتها بظلم فإنّه لا يداوى بالرّقى سمامها، وليعوّذ بتمائم التيسير مواهبنا فإنّ تمام النعمة تمائمها، وليطلق قلمه في البسط والقبض وليعد بتدبيره على هذا المنصب الشريف بهجته، ويتدارك بآرائه ذماءه وبدوائه مهجته، ويصن عن شوائب الظّلم حرمته، ويخلّص ذمّتنا من المآثم وذمّته، وليعلم أنّ أمور المملكة الشريفة منوطة بآرائه

وأحكامه، مضبوطة بأقواله وأقلامه؛ فليجعل فكره مرآة تجلو عليه صورها، ويقم آراءه صحفا تتلو لديه سورها، ويأمر النوّاب بما يراه من مصالحنا ليلبّوه سامعين، ويسهر جفنه في مصالح البلاد والعباد لترقد الرّعايا في مهاد الأمن وادعين؛ ويعضّد الشريعة المطهّرة بتنفيذ أحكامها، وإعلاء أعلامها، وإظهار أنوارها، وإقامة ما رفعه الله من منارها؛ ولا يعدل في أمور مباشرتها بالممالك الشريفة عن آرائه، ولا يمضي فيها عزلا ولا ولاية إلا بعد تتبّعه الواجب في ذلك واستقرائه، وهو أعلم بما يجب لهذه الرّتبة من قواعد إليه يرجع في أوضاعها، وعليه يعوّل في اصطلاحها لانفرادها فيه واجتماعها؛ فليفعل في ذلك ما هو عليه بحسن الثناء جدير، وليعتصم بالله في أموره فإنّه نعم المولى ونعم النصير، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة تقليد بالوزارة، كتب به للصاحب ضياء الدين بالاستمرار على الوزارة، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ: الحمد لله الذي شدّ أزر ملكنا الشريف، بمن أضاء في أفق الدّين علمه، وشيّد قواعد عدلنا المنيف، بمن أعلت منار الحق آياته في أحكام الممالك وحلمه، ووطّد أركان دولتنا القاهرة بمن يفعل في نكاية أعداء الله فعل الحرب العوان سلمه، وأجرى الأرزاق في أيّامنا الزاهرة على يد من كفّت أقلامه كفّ الحوادث فلا عدوان تغشى ظلمه ولا عاد يخشى ظلمه، وصان ممالكنا المحروسة بآراء من إن صرف إلى نكاية أعداء الله حدّ يراعه لم ينب موقعه ولم يعف كلمه، وإن صرفه في حماية ثغر لم يشم «1» برقه ولم يدق بالوهم ظلمه، وإن حمى جانب إقليم عزّ على الأيام ثلّ عروش ما حماه وشمه، وإن أرهفه لذبّ

عن دين الله راعت عدوّ الدين منه يقظته وسلّه عليه حلمه. نحمده على نعمه التي زانت أسنى مناصب الدنيا في أيّامنا الزاهرة بضياء الدّين، وأعلت أقدار الرّتب العليا بتصرّفها بآراء من أصبح علمه علما للمتقين وعمله سننا للمقتدين، وفجّرت ينابيع الأرزاق في دولتنا القاهرة بيد من أغنى بيدنا المعتفين وقمع بمهابتنا المعتدين. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أعاد يمنها على سمع المنابر من نعوتنا ما فقد، وأطفأ إعلانها عن حملتها لهب العناد وقد وقد «1» ، وفوّض اعتناؤنا بمصالح أهلها أمورهم إلى أكمل من انتقى لنا التأييد من ذخائر العلماء وأفضل من انتقد، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أقامنا الله للذّبّ عن أمّته، وجلا بنور جهادنا لأعدائه عن قلب كل مؤمن ما أظلّه من غمّه وران عليه من غمّته، وعضّدنا من أئمة ملّته بمن أردنا مصالح العباد والبلاد في إلقاء كلّ أمر إليه بأزمّته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم من فاز بسبقه، وحاز بتصديقه قدم صدقه، واختصّه الله بمؤازرة نبيّه دون من اجتباه من خلقه؛ ومنهم من كان الشيطان ينكّب عن طرقه، ونطق من الصواب بما نزل الذّكر الحكيم على وفقه، وسمّي الفاروق لتمييزه بين الحقّ والباطل وفرقه، ومنهم من قابل المعتدين برفقه وقتل شهيدا على حقّه، وكانت ملائكة الرحمن تستحيي من خلقه الكريم وكرم خلقه، ومنهم من طلع لامع نور الإيمان من أفقه، وكان سيفه من كل ملحد في دين الله بمثابة قلادة عنقه، وطلّق الدنيا تورّعا عنها وبيده مفاتيح ما بسط الله للّامّة من رزقه، صلاة يقيم الإيمان، فرضها، ويملأ بها الإيقان، طول البسيطة وعرضها، وتزيّن كواكب ذكرها ومواكب نصرها سماء الدنيا وأرضها، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فإنّ أولى من رقمت لأعطاف فضله حلل الكلام، ونظمت لأجياد

ذكره فرائد المعاني المستخرجة من بحار الفكر على ألسنة الأقلام، ووشّحت التقاليد من مناقبه بما هو أحسن من اتّساق الدّراريّ على هالات البدور، وجلّي على المسامع مفاخره بما هو أبهى من النّور في العيون، وأحلى من الأمن في القلوب، وأوقع من الشّفاء في الصّدور، وأطلع في أفق الطروس من أوصافه شمس أسفر بأنواع العلوم ضياؤها، وأنشئت في أثناء السطور من نعت مآثره سحب إذا قابلتها وجوه الحيا سترها بحمرة البرق حياؤها، وأودعت المهارق من ذكر خلاله لطفا يودّ ذهب الأصيل لو ناب عن أنفسها، ومنحت صدور المعاني من معاليه طرفا تتمنّى الرياض العواطر لو تلقّت عن أنفاسها- من سمت الوزارة باستقرارها منه في معدن الفضائل، واتّسمت منه بالصاحب الذي أعادت أيّامه ما فقد من محاسن السّير الأوائل، وابتسمت من علومه بالعلّامة الذي تتفرّع من أحكامه أحكام الفروع وتتفجّر من تواقيعه عيون المسائل، واتّصفت من معدلته بالمنصف الذي هجر في أيّامه هجير الحيف والظّلم فالأوقات في أيامه المباركة كلّها أسحار وأصائل، وابتهجت من إنصافه بالعادل الذي سهّل على ذوي المطالب حجاب بابه فلا يحتاج أن يطرق بالشّفاعات ولا أن يستفتح بالوسائل، وأشرقت من مفاخره بالكامل الذي حسنت به حلل الثناء فكأنها ابتسام ثغور النّور في أثناء الخمائل؛ فالعدل في أيّامه كالإحسان شامل، والمعروف بأقلامه كالسّحب المتكفّلة بريّ الأرض الهامل، والظلم والإنصاف مفترقان منه بين العدم والوجود فلا يرى بهذا آمرا ولا يردّ عن هذا آمل؛ قد أعطى دست الوزارة الشريفة حقّه: فالأقدار بآياته مرفوعة، والمضارّ بمعدلته مدفوعة، وكلمة المظلوم بإنصاف إنصاته مسموعة، وأسباب الخيرات بحسن نيّته لنيّته الحسنة مجموعة، والأقاليم بكلاءة أقلامه محوطة، وأحوال المملكة بآرائه المشتملة على مصالحها منوطة، والثّغور بحسن تفقّده مفترّة المباسم، مصونة بإزاحة الأعذار عن مرّ الرّياح النّواسم، آهلة النّواحي بموالاة الحمول التي لا تزال عيسها بإدامة السّرى دامية المناسم، والبلاد بما نشرت أقلامه من العدل معمورة، والرّعايا بما بسطت يد إحسانه من الإحسان مغمورة، وأرباب التصرّف بما تقتضيه أقلامه عن الحيف

منهيّة وبالرّفق مأمورة، والأيدي بالأدعية الصالحة لأيّامنا الزاهرة مرتفعة، والرعيّة لتقلّبها في مهاد الأمن والدّعة بالعيش منتفعة، وبيوت الأموال آهلة، على كثرة الإنفاق، والغلال متواصلة، مع التوفّر على عمارة البلاد، والحمول متوالية مع أمن من صدرت عنهم على ما في أيديهم من الطّوارف والتّلاد، والأمور بالتيقّظ لها على سعة الممالك مضبوطة، والنّفوس بالأمن على ما هي عليه من التملّي بالنّعم مغبوطة، والمناصب مصونة بأكفائها، والمراتب آهلة بالأعيان الذين تنبّهت لهم في أيّامه عيون الحظّ بعد إغفائها، ومجالس المعدلة حالية، بأحكام سيرته المنصفة، ومواطن العلم عالية، بما يملى فيها من فوائده التي أتعب ألسنة الأقلام ما فيها من صفة. ولما كان الجناب العاليّ، الصاحبيّ، الوزيريّ، الضّيائيّ، وزير الممالك الشريفة، هو الذي كرمت به مناسبها، وعظمت بالانتماء إليه مناصبها، وتحلّت بعلمه معاطفها، ونزلت على حكم حلمه عوارف برّها العميمة وعواطفها، وزهت بجواهر فضائله أجيادها، واستوت في ملابس حلل المسرّة أيامّها الزاهية وأعيادها، وأنارت بمعدلته لياليها، وأشرقت بالانتظام في سخاب «1» إيالته لآليها؛ فكم من أقاليم صان قلمه أموالها، وممالك حلّى عدله أحوالها، وبلاد أعان تدبيره السّحب على ريّها، وأعمال أبان عن استغنائها بتأثيره عن منّة الحيا حسن مسموعها ومرئيّها، وأرزاق أدرّها، ورزق أجراها على قواعد الإحسان وأقرّها، وجهات برّ أعان واقفيها عليها، وأسباب خير جعل أيّامنا بإدامة فتحها السابقة إليها، وقدم سعاية أزالها وأزلّها، وكلمة حادثة أذالها وأذلّها، ووجوه مضرّة ردّها بيد المعدلة وصدّها، وأبواب ظلم لا طاقة للرعيّة بسلوكها أغلقها بيمنى يمنه وسدّها؛ فدأبه أن يسدّد إلى مقاتل العدا باتخاذ اليد عند الفقراء سهام

الليل «1» التي لا تصدّها الدّروع، وأن يجدّد لأوليائنا من عوارف آلائنا أخلاف برّ تروي الآمال وهي حافلة الضروع- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نزيّن بمجده غرر التقاليد، ونجدّد إليه في أمور وزارتنا الشريفة إلقاء المقاليد، وأن نوشّي الطروس من أوصافه بما يجدّد على أعطافها الحبر، ونردّد على ألسنة الأقاليم من نعوته ما لا تملّ المسامع إيراد الخبر منه بعد الخبر. فلذلك رسم بالأمر الشريف العاليّ، المولويّ، السّلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ- لا زال الدّين في أيامه الشريفة مشرقا ضياؤه، آهلة باعتلائه مرابع الوجود وأحياؤه، ممدودة على الأمة ظلاله الوارفة وأفياؤه- أن يجدّد هذا التقليد باستقراره تجديدا لا يبلي الدهر حلله، ولا تقوّض الأيام حلله «2» ، بل يشرق في أفق الممالك إشراق النجوم الثّوابت، ويتفرّع في مصالح الملك تفرّع الأفنان الناشئة في الأصول النّوابت، وتختال به مناصب الدولة القاهرة في أسنى ملابسها، وتضيء به مواطن العلوم إضاءة صباحة المصباح في يد قابسها، وتسترفع لنا به الأدعية الصالحة من كلّ لسان، وتجتلى به لأيامنا الزاهرة من كل أفق وجوه الشّكر الحسان. فلتجر أقلامه في مصالح دولتنا الشريفة على أفضل عادتها، ويرسلها في نشر العدل على سجيّتها وفي إجراء الجود على جادّتها، ويكفّ بها أكفّ الحوادث فإنما تزال أسباب الظلم بحسم مادّتها، ولينطقها في مصالح الأموال بما تظلّ له مسامع الحمول مصغية، ويطلقها في عمارة البلاد بما تغدو له ألسنة الخصب حافظة ولما عداه ملغية؛ وكذلك الخزائن التي هي معاقل الإسلام وحصونه، وحماه الذي لا يبتذل بغير أمرنا الشريف في مصالح الملك والملّة مصونه؛ فليجعلها بتدبيره كالبحار التي لا تنقص بكثرة الورّاد جمامها، ولا تنزحها السّحب لكثرة ما تحمل إلى الآفاق غمامها، ولتكن كلمة العدل من أهمّ

ما تفتتح به مجالسه، وآكد ما يؤمر به محاضره من الأولياء ومجالسه، وأزكى ما يستجيد به لاستمثار الدعاء الصالح مغارسه، وأوثق ما يحوط به حمى الملك الذي إذا غفا جفن عينه كان حارسه، وأوّل ما ينبغي أن ينافس عليه حاضر دسته وغائبه، وأولى ما يعدّ على إهماله نكاله ويعدّ على إقامته رغائبه. وليلاحظ من مصالح كلّ إقليم ما كأنّه ينظر إليه بعين قلبه، ويمثّل صورته في مرآة لبّه، فيقرّ كلّ أمر على ما يراه من سداده، ويقرّر حال كلّ ثغر على ما يحصل به المراد في سداده، فيغدو لأعذاره بموالاة الحمول إليه مزيحا، ويمسي بسدّ خلله لخواطر أهل الكفر متعبا ولخواطرنا الشريفة مريحا، وينظر في أحوال من به من الجند والرجال بما يؤكّد الطاعة عليهم، ويجدّد الاستطاعة لديهم، ويزيل أعذارهم واعتذارهم [بوصول حقوقهم إليهم، ويوفّرهم على إعداد الأهبة للأعداء] «1» إذا أتوهم من فورهم، ويكفّهم بإدار الأرزاق عليهم عن اعتدائهم على الرعايا وجورهم، ويتفقّد من أحوال مباشريها وولاة الحكم والتحكّم فيها ما يعلمون به أنه مناقشهم على الأمور اليسيرة، والهفوات التي يرونها قليلة وهي بالنسبة إلى كثرة الرّعايا كثيرة، ويتعاهد أمور الرتب الدينيّة فلا تؤخذ مناصبها بالمناسب، ولا تغدو أوقافها المعدّة لاكتساب العلوم في المكاسب، بل يتعين أن يرتاد لها العلماء الأعيان حيث حلّوا، ويقرّر في رتبها الأئمّة الأكفاء وإلا اتخذ الناس رؤوسا جهّالا فضلّوا وأضلّوا. ولتكن أقلامه على كلّ ما جرت به العوائد في ذلك محتوية، وأيامه على أكمل القواعد في ذلك وغيره منطوية، فما ثمّ شيء من قواعد الوزارة الشريفة خارج عن حكمه فليكتب يمتثل، وليقل في مصالح دولتنا القاهرة يكن قوله أمضى من الظّبا وأسرى من الصّبا وأسير من المثل؛ فلا تمضى في ذلك ولاية ولا عزل، ولا منع ولا بذل، ولا عقد ولا حلّ، إلا وهو معدوق بآرائه، متوقّف على تنفيذه وإمضائه، متلقّى

ما يقرّر فيه من تلقائه، وفي الاكتفاء بسيرته ما يغني عن إطرائه، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة تقليد بالوزارة: الحمد لله الذي شدّ لدولتنا القاهرة باصطفاء أشرف الوزراء أزرا، وخصّ أيّامنا الزاهرة باجتباء من حماها عدله أن تضع أو تحمل وزرا، وأفاض إنعامنا على من طلع في أفق خدمتنا هلالا واستقلّ بحسن السّير والسّيرة بدرا، وضاعف إحساننا لمن لا نرفعه إلى رتبة شرف إلا وكان أجلّ الأكفاء على ذلك قدرة وقدرا، وجمّل ملكنا بمن إذا افتخرت الدّول ببعض مناقبه كفاها ذلك جلالا وفخرا، وإذا ادّخرت تدبيره وبذلت ما عداه فحسبها ما أبقته وقاية للملك وذخرا، وبسط عدلنا في الأقاليم بيد من حين أمرنا القلم بتقليده ذلك سجد في الطّرس شكرا؛ وافتتح بحمد الله يذكّر النعمة به على آلائه إنّ في ذلك لذكرى، وأخذ في وصف درر مفاخره التي تمثّلت له فنضّدها دون أن يستدعي رويّة أو يعمل فكرا. نحمده حمد من والى إلى أوليائه، موادّ النّعم، وأضفى على أصفيائه، ملابس الكرم، وحفظ لمن أخلص في طاعته معارف معروفه التي هي في أهل النّهى ذمم، ونبّه لمصالح رعاياه من عمّ عدله وإن لم يغف عن ملاحظة أمورهم ولم ينم. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نعلنها ونعليها، ونرخص أرواح جاحديها ونغليها، ونوالي النّعم على المتمسّك بها ونوليها، ونقرّب بيمنها رتب الأولياء من إحساننا وندنيها، ونجدّد لهم بتأييدها ملابس المنن نظهر عليهم آثار النّعم السنية فيها، ونرفعهم بحسن عنايتنا إلى أشرف غاية كانوا يسرّون أهليّتهم لها والله يبديها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أقامنا لنصر دينه فقمنا به كما أمر، وأبقى على أيّامنا حكم أيّامه فاستمرّ الحال على ما

سبقت به دعوته من تأييد الدين بعمر، وخصّنا ممن ينتمي إلى أصحابه بأجلّ صاحب ينوب عن شمس عدلنا في محو ظلمة الظّلم مناب القمر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الزّهر الغرر، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من اختيرت جواهر الكلام لرصف مفاخره، وانتخبت غرر المعاني لوصف آثاره في مصالح الإسلام ومآثره، وقامت خطباء الأقلام على منابر الأنامل بشيرة بيمن أيّامه، وتطلّعت مقل الكواكب مشيرة إلى ما أقبل على الأقاليم من إقباله وسحّت سحب أقلامه، وتبرّجت زهر النجوم لينتظم في عقود مناقبه سعودها، وتأرّجت أرجاء المهارق إذ تبلّج من ليل عن فجر عمودها، وسارت به أنباء السّعود والقلم الناطق بذكره وهو المحلّق الميمون طائره، والطّرس الموشّع بشكره وهو المخلق الذي تملأ الدنيا بشائره- من استخلصته الدولة القاهرة لنفسها فتملّاها عينا وسرّ بها قلبا، واختصّته بخواصها الشريفة فرحب بها صدرا ولبّاها لبّا، وكلف بمؤازرتها بذاتها حتّى قيل: هذه تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا » وأحلّته من وزارتها الشريفة بالمكان الأسنى والحرم الحريز، وأثنت على فضله الأسمى بلسان الكرم البسيط الوجيز، واعتمدت في أمور رعاياها على ما فيه من عدل وورع لا ينكر وجودهما من مثله وهو في الحقيقة عمر بن عبد العزيز، وأدنته عنايتنا منّا لما فيه من فضل عميم، وحسب صميم، ونسب حديث مجده قديم، وأصالة إذا افتخرت يوما تميم بقومها قالت أين تميمك من جدّه صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تميم، وغرسته لنفسها وطال ذلك الغرس وطاب الثّمر، واعتضدت بتدبيره فكان له عند أطراف العوالي في مكانه الأعزّ أظرف سمر، ووثقت بما فيه من عدل ومعرفة لا ينكر من نحا الصواب اجتماعهما في عمر، واشتقّت له بإحساننا من نسبته وصفا جميلا ونعتا جليلا، وخصّته لمزيّة ذلك الاشتقاق بمزيد قربنا فأمسى في خدمتنا جليلا وأصبح خليلا، ورعت له ما قد تمّ من تدبير أتى عليه بنفسه، وسداد ظهرت مزيّة

كل يوم منه على أمسه، وسعي جميل ما برح في مصالح الإسلام رائحا وغاديا، واجتهاد في أمور أهل الجهاد ما برح يداب فيه علما بما أعدّ الله لمن جهّز غازيا، ودان له من حسن ملاحظته الأمور ما ليس للوصف به من قبل، وتأملت ما يكشف له على البعد من المصالح التي يأمر بالصواب فيها وكيف لا وعمر الذي شاهد السّريّة على البعد من سارية الجبل، وأيقنت ببسط العدل في الرّعايا إذ هو مؤتمر والعادل آمر، وتحقّقت عمارة البلاد على يديه لأنّ عمر بحكم العدل عند الحقيقة عامر. ولذلك لما كان المجلس العاليّ الفخريّ- ضاعف الله نعمته- هو الذي قرّبته طاعتنا نجيّا، ورفعته ولايتنا مكانا عليّا، وحقّق له اجتهاده في مصالح الإسلام الأمل من رضانا وكان عند ربّه مرضيّا، وأخلص في خدمة دولتنا الشريفة فاتّخذته لخاصّ الأمور وعامّتها صفيّا، وأظهر ما بطن من جميل اجتهاده فجعلته لمصالح الملك وزيرا وصاحبا ووليّا، وأنجزت منه لتدبير أمور الممالك ما كان الزّمن به ماطلا، وأجرت على يده التي هي مليّة بتصريف الأرزاق ما لا يبرح غمامه هاطلا، وقلّدته رعاية الأمور وأمور الرّعايا علما أنه لا يترك لله حقّا ولا يأخذ باطلا، وقلّدت جيده بأسنى حلى هذه الرتبة الجليلة، وإن لم يكن منها بحكم قربه منّا عاطلا، ورفعت له لواء عدل ما زال له بالمنى في أيّامنا الشريفة حاملا، وكمّلت له ببلوغ الغاية من أفق العلوّ رفعة قدره وما زال المؤهّل للكمال باعتبار ما يؤول إليه كاملا، ونوّهت بذكره وما كان لظهور مخايل هذا المنصب الجليل عليه في وقت خاملا، ونظرت الرعايا فما عدلت بهم عن برّ رفيق، وصاحب شفيق، ووزير عمريّ السيرة ما سلك طريقا إلا وعدل شيطان الظلم عن ذلك الطريق؛ وكان هذا المنصب الجليل غاية مدار الممالك عليها، وقبلة توجّه وجوه أهل الطاعة فيما يفاض عليهم من نعمنا إليها؛ وهو الذي يتدرّع صاحبه من أنواع الطاعات لبوسا، ويعالج من أدواء المهامّ ما بغير عزائمه لا يوسى، ويتردّد في المخالصة والمناصحة من مالك أمره بمنزلة هارون من موسى- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نفوّض ذلك إلى من نهض في طاعتنا الشريفة

بما يجب، وعلمنا تحرّزه لدينه ولنا فيما يأتي ويجتنب، ومن تزاد به مع فخره أيّامنا الشريفة فخرا، ويصبح له مع ماله من الجلالة في نفسه رتب جلالة أخرى. ولهذا رسم بالأمر الشريف العاليّ، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ:- لا زال يصرّف الأقدار بيمين أيّامه، ويشرّف الأقدار ببرّه وإنعامه، ويدرّ على الأولياء وابل جوده الذي تخجل الدّيم من دوامه- أن تفوّض إليه الوزارة الشريفة الكاملة على جميع الممالك الإسلامية: شرقا وغربا، وبعدا وقربا، وبرّا وبحرا، وشاما ومصرا، على أجمل القواعد في ذلك وأكملها، وأسنى الفوائد وأفضلها، وأتمّ الأحوال التي يستغنى بمجملها عن مفصّلها. فليعط هذه الرتبة من جلالته حظّا كانت من إبطائه على وجل، ويجار الغمائم بوابل إنعامنا الذي يعلم به أن حمرة البرق في أثنائه خجل، ويطلق قلمه في مصالح الدولة القاهرة بسطا وقبضا، وإبراما ونقضا، وتدبيرا يعين النّيل والغمام على تتبّع المحل ما وجد كلّ منهما أرضا، ويعمل آراءه المباركة تدبيرا للمناجح وتدريبا، وتقريرا للقواعد وتقريبا، ونظرا يجعل لكلّ عمل من ملاحظته نصيبا، وفكرا يحاسب به على حقوق الله وحقوق خلقه فإنّ الله هو المناقش على ذلك وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً* «1» ويبدأ بالعدل الذي رسم الله به وبالإحسان في ملكنا الشريف، ويخفّف- مع الجمع بين المصالح- عن خلق الله الوطأة فإنّ الإنسان ضعيف، وينجز لأولياء دولتنا موادّ الأرزاق فإنّ سيف المنع الذي نحاشي أيّامنا عن تجريده أقلّ نكاية من التسويف، ويمنع الولاة من ظلم الرعايا باعتبار أحوالهم دون أقوالهم فإنّ منهم من يدّعي العدل ويجور ويظهر الرّفق ويحيف؛ وليتتبّع أدواء المحل تتبّع طبيب خبير، ويصرّف الأمور بجميل تدبيره فإنّ البركة معدوقة بحسن

التدبير، ويستقبل ريّ البلاد- إن شاء الله تعالى- بسداد حزم يغتفر به هذا القليل لذلك الكثير، ويستخلف بالرّفق والعدل أضعاف ما فات في أمسه فإنّ ذلك على الله يسير، وليهتمّ ببيوت الأموال فيوالي إتيان الحمول إليها من أبوابها، ويضاعف بها الحواصل التي لا يطّلع بغير حسن التدبير على أسبابها؛ فإنّها معادن الذخائر وموارد الرجال، وإذا أعدّ منها جبالا شوامخ تلا إنفاقنا في سبيل الله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ «1» وكذلك الخزائن التي هي معاقل الإسلام وحصونه، وحماه الذي لا يبتذل بغير أمرنا الشريف في مصالح الملك والملة مصونه، فيجعلها بتدبيره الجميل كالبحار التي لا تنقص بكثرة الورّاد جمامها، ولا تنزحها السّحب على كثرة ما تحمل إلى الآفاق غمامها، وليلاحظ من مصالح كلّ إقليم بما تمثّله له على البعد أفكاره، ويأمر في أحوال من به من الجند بما يؤكّد الطاعة عليهم، ويجدّد الاستطاعة لديهم، ويزيح أعذارهم واعتذارهم بوصول حقوقهم إليهم، ويوفّرهم على إعداد الأهبة للأعداء إذا أتوهم من فورهم، ويكفّهم بإدرار الأرزاق عليهم عن اعتدائهم على الرعايا وجورهم، ويجعل ثغور كل جانب- بتيسير محصولها، وتثمير ذخائرها التي هي من موارد رجالها- مصفّحة بالصّفاح، مشرقة بأسنّة الرّماح، مسدودة من جهة العدوّ عنها مسالك الرياح، ويتفقّد من أحوال مباشريه، وولاة الحكم والتحكّم فيه، ما يعلمون به أنه مناقشهم على الأمور اليسيرة، والهفوات التي يرونها قليلة وهي بالنسبة إلى كثرة الرعايا كثيرة، والأحوال التي إذا عدّدها الكتاب عليهم قالوا: يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً «2» ، ويتعاهد أمور الرّتب الدينية فلا تؤخذ مناصبها بالمناسب، ولا تعدّ رزقها المعدّة لاكتساب العلم في المكاسب، بل يتعيّن أن يرتاد لذلك العلماء الأعلام حيث حلّوا، ويقرّر في مراتبها الأكفاء وإلا اتخذ

الناس رؤوسا جهّالا فضلّوا وأضلّوا؛ وقد جعلنا أمره في ذلك جميعه من أمرنا، فليقل يمتثل، وينشر كلمة عدلنا التي يسير بطريقتها المثلى المثل؛ ولا تمضى ولاية ولا عزل، ولا منع ولا بذل، ولا عقد ولا حلّ، إلا وهو معدوق بآرائه، متلقّى من تلقائه، متوقّف على تنفيذه وإمضائه؛ وقد اختصرنا الوصايا، اكتفاء بما فيه من حسن الشّيم، واقتصرنا على ذكر بعض المزايا، إذ مثله لا يدلّ على صواب ولا يزاد ما فيه من كرم؛ لكنّ تقوى الله أولى ما ذكّر به من لم يزل لربّه ذاكرا، وأحقّ ما شكر على التوفيق من لم يبرح له به شاكرا؛ والله يزيد قدره اعتلاء، ويضاعف للدولة الشريفة احتفالا بشكره واعتناء. وهذه نسخة تقليد بالوزارة: الحمد لله الذي شدّ أزر الملك من الوزراء بالمكين الأمين، وأشرك في أمر ملكه من هو على صلاح الجمهور خير معين، وألقى مقاليد حسن تدبيره لمن دلّت عليه بركة الاستخارة، وصوّب أمر دقيقه وجليله لمن هو لجميل الثناء المعنى وإليه ببنان الاجتباء الإشارة، وناول كتابها لمن هو أحقّ بتحمل أعبائه، ورقّى منصبها لمن لا شبهة بأنه الحقيق باستعلائه، وناول قلم إعطائها ومنعها لواضع الإشارة في محلّها، وعدق تثمير أموالها بمن لا يأخذها بمقتضى يبديه إلا من حلّها. نحمده على حسن إلهامه، وشريف إفهامه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد مخلص في أدائها، محقّ في إعادتها وإبدائها، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله خير من هو بالحق مبعوث وبالصدق منعوت، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة لا تزال مستمرّة في كل وقت موقوت، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ يد الوزارة هي اليد الباسطة فيما قلّ وجلّ، والمتحكّمة فيما عدق بالملك من كلّ عقد وحلّ، والموقوف عند إشارة بنانها وإليها التحكّم في

كل إعطاء ومنع، وتفريق وجمع، وعزل وولاية، ونهاية كل نهي وأمر وما لها من غاية، وربّها من الملك كالرّوح الباصرة من العين، واللسان المعبّر عن كلّ زين وشين؛ وحسبه أنه في المحلّ من ذات اليمين، ومن مكانة التمكّن في الحرز الحصين؛ ولهذا لا يؤهّل لها إلا من انعقد على سؤدده الإجماع، وانقطعت دون لحاق شرفه الأطماع، وتأصّل في فخارها وتفرّع، وقام بفروض كفاية كفالتها وتطوّع، وسار حديث مناقبه في الآفاق، وجاء بالاختيار والاختبار بالوفاق، وحسن صورة ومعنى، وتعدّدت مناقبه فدلّت على أنه الفرد إذا اتّسقت عقوده مثنى مثنى. وكان المجلس العاليّ الفلانيّ ربّ حوزتها وسريرها، وروح بصر مرتمق هذه المحامد وإليه أمر مصيرها، والذي حكمت له السيادة بمنالها وحكّمته، وأوضحت بأصالتها وجه الصواب في اختياره لها وأحكمته، وقد حاز من متفرّق لوازمها ما تفرّق فيمن سواه، وحوى من أدواتها ما دلّ على أنّ الله خلقه فسوّاه؛ إن قال فالصواب موكّل بمنطقه، أو صمت فعظم مهابته قائم مقامه بجميل الخلق لا تخلّقه؛ قد جمع إلى التواضع فرط المهابة، وإلى الابتداء بالمعروف حسن الإجابة؛ إن ذكرت الصّدارة فهو مالك زمامها، أو الرّياسة فهو غرّة لثامها، أو الكفالة فهو مصرّف عنانها، أو الوزارة فهو عين أعيانها؛ لم تزل رتبتها متشوّقة لحلوله، ممهّدة لشريف تأهيله. ولما تحلّى منها بهذه الحلى، وسار حديث ملاءته بتخويلها في الملا، وتلا لسان القلم سور هذه المحاسن وتلا الثاني بالأوّل منها إذا تلا، رسم بالأمر العاليّ- أمتعه الله بما وهبه من حسن مؤازرته، وشدّ عضد مملكته بالإمتاع بربح حسن معاملته لله وله ولمتاجرته- أن تفوّض الوزارة المفخّمة، المكرّمة المبجّلة المعظّمة، للمشار إليه: تفويضا عامّا للقريب من مصالحها والبعيد، والطارف والتليد، والمقيم والنازح، والغادي والرائح، والسانح والبارح، والباغم والصادح «1»

فليباشر ما فوّض إليه منها مباشرة مثله لمثلها، وليعطها من نيله مناسب نيلها، وليأخذ أمرها بكلتا يديه، وليعرها جانبا من احتفاله ليظهر عليها آثار سؤدده كما ظهر شريف تخويلها عليه، وليطلق فيها لسان نهيه وأمره، وليعمل في مصالحها صالح فكره؛ فقد عدقت به مهامّها: جليلها وحقيرها، وقليلها وكثيرها، وأميرها ومأمورها، وخليلها وضريرها، وناعقها وناعبها، وكاسيها وكاسبها، ودانيها وقاصيها، وطائعها وعاصيها، ومستقبلها وحالها وماضيها، وواليها وقاضيها، ثقة بتمام تدبيره، وحميد تأثيره، وأنّه إن حكم فصل، وإن قطع أو وصل كان الحزم فيما قطع ووصل؛ إذ هو الوزير الذي قد صرف عن عمل الأوزار وسار، إلا أنه في كل منهج سار، تقطر السيادة من معاطفه، وتجني ثمر المنى من أغصان قلمه يد قاطفه؛ لا شيء يخرج عن حكمه، ولا مصلحة تعزب عن علمه؛ فولاية الحكّام معدوقة بإشارته، موقوفة على ما يثبته ببليغ عبارته. ومع جلالة قدره لا يحتاج إلى التأكيد في الأموال واستدرار أخلافها، والرّعايا والاستدامة بالإحسان ودّ أحلافها، وبيوت الأموال واستيداء حقوقها، ومراعاة جانبها إذ هي الأمّ الحنونة بتجنّب عقوقها، والخزائن فهو أدرى بما يجب من تضييق صدرها بالمناقيص عن الانشراح، والاهتمام بحواصل تشريفها المستجلبة إفاضة ملابسها قلب من غدا وراح؛ وثمّ دقائق، هو أدرى بمالها من طرائق، وحقائق، هو أعرف إذ كان فيها الفاتق الراتق؛ فهو- أجلّه الله- غنيّ عن تفصيلها، وذهنه أشرف عن الوصايا المندوبة لتوصيلها؛ والله تعالى يقدّر له وبه الخير، ويمتّع بحسن تدبيره المقرون بجميل السريرة والسّير؛ والخطّ الشريف أعلاه، حجّة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى. وهذه وصية وزير أوردها في «التعريف» وهي: يوصى بتقوى الله فإنه عليه رقيب، وإليه أقرب من كلّ قريب؛ فليجعله أمامه، وليطلب منه لكل ما شرع فيه تمامه، وليجل رأيه في كلّ ما تشدّ به الدولة أزرها،

وتسند إليه ظهرها، وليجعل العدل أصلا يبني على أسّه، والعمل في أموره كلّها لسلطانه لا لنفسه، وليدع منه الغرض جانبا، وحظّ النفس الذي لا يبدو إلا من العدوّ ليصدق من دعاه صاحبا، وليبصر كيف يثمّر الأموال من جهاتها، وكيف يخلّص بيوت الأموال بالاقتصار على الدّراهم الحلال من شبهاتها، ولينزّه مطاعم العساكر المنصورة عن أكل الحرام فإنه لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا يرى به من العين إلا ما يحرّم الهجوع، وليحذر من هذا فإن المفاجيء به كالمخاتل، وليتجنّب إطعام الجند منه فإن [آكل] «1» الدراهم الحرام ما يقاتل، وليحسن كيف يولّي ويعزل، ويسمّن ويهزل؛ وعليه بالكفاة الأمناء، وتجنّب الخونة وإن كانوا ذوي غناء؛ وإيّاه والعاجز، ومن لو رأى المصلحة بين عينيه ألفى بينه وبينها ألف حاجز؛ وليطهّر بابه، ويسهّل حجابه، ويفكّر فيما بعد أكثر مما قرب: مقدّما للأهمّ فالأهمّ من المصالح، وينظر إلى ما غاب عنه وحضر نظر المماسي والمصابح، ولا يستبدل إلا بمن ظهر لديه عجزه أو ثبتت عنده خيانته، ولا يدع من جميل نظره من صحّت لديه كفايته، أو تحقّقت عنده أمانته، وليسلك أقصد الطّرق في أمر الرواتب التي هي من صدقاتنا الشريفة وصدقات من تقدّم من الملوك، وهي إمّا لمن وجب له حقّ وإن كان غنيّا أو عرف صلاحه وهو صعلوك؛ وكذلك ما هو لأيتام الجند الذين ماتوا على الطاعة، وأمثالهم ممن خدم دولتنا القاهرة بما استطاعه؛ فإن غالب من مات منهم لم يخلّف لهم إلا ما نسمح لهم به من معروف، ونجريه لهم من جار هو أنفع من كثير مما يخلّفه الآباء للأبناء من المال المتملّك والوقف الموقوف؛ وليصرف اهتمامه إلى استخلاص مال الله الذي نحن أمناؤه، وبه يشغل أوقاته وتمتليء كالإناء آناؤه؛ فلا يدع شيئا يجب لبيت المال المعمور من مستحقه، ولا يتسمّح في تخلية شيء منه كما أننا نوصيه أنه لا يأخذ شيئا إلا بحقّه؛ وليبق لأيّامنا الزاهرة بتواقيعه ذكرا لا يفنى، وبرّا لا

الوظيفة الثانية (كتابة السر، ويقال لصاحبها «صاحب دواوين الإنشاء» )

يزال ثمره الطيّب من قلمه يجنى، ليكون من رياح دولتنا التي تغتنم ما يثيره من سحابها المطير، وحسنات أيّامنا التي ما ذكرنا وذكر معنا إلا وقيل: نعم الملك ونعم الوزير. الوظيفة الثانية (كتابة السّرّ، ويقال لصاحبها «صاحب دواوين الإنشاء» ) وقد تقدّم في الكلام على ترتيب الوظائف أنّ موضوعها قراءة الكتب الواردة على السلطان، وكتابة أجوبتها، وأخذ خطّ السلطان عليها وتسفيرها، وتصريف المراسيم ورودا وصدورا، والجلوس لقراءة القصص بدار العدل، وأنّه صار يوقّع فيما كان يوقّع فيه بقلم الوزارة. قلت: وقد كان فيما تقدّم يكتب له توقيع في قطع النصف بلقب «المجلس العالي» ثم استقرّ أن يكتب له تقليد في قطع الثلثين بلقب «الجناب العالي» . وقد تقدّم الكلام على تقليده في الكلام على التقاليد. وهذه نسخة تقليد بكتابة السر، كتب بها للمقر المحيويّ «محيي الدين «1» بن فضل الله» عند عوده إلى كتابة السّر بالديار المصرية، في جمادى الأولى سنة ثلاث ... «2» . من إنشاء الشريف شهاب الدين، أحد كتّاب الدّرج الشريف، وهي:

الحمد لله المانّ بفضله، المستعان به في الأمر كلّه، الذي رفع أوّل الأولياء من العلياء إلى محلّه، ووضع النّعم عند من ينصّ الاستحقاق على تقديمه بمنصبه ويجلّ ما فوّض إليه من أجله، وأبدع نظام السّؤدد بأجمل حال ما دام يحيى جامع شمله، وأودع سرّ ملكنا الشريف عند الحفيظين منه ومن نجله، وأرجع الرياسة إلى من سما ثباتا، ونما نباتا، وعلا عزما، ووفى حزما؛ فبيمن آثاره تضرب الأمثال ولا تجد في يمن سجاياه كمثله. نحمده على أن أعاد بنا الحقّ إلى أهله، ونشكره على أن جاد روض الامال بواكف سحاب كرمنا ووبله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من وفّق للصواب في قوله وفعله، وتحقّق منه جميل الإخلاص في جميع مذاهبه وسبله، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله المؤوي يوم الجزاء إلى سابغ ظلّه، والمروي يوم العطش الأكبر بسائغ نهله، والنبيّ الذي بعثه خاتم رسله، وآتاه من الكرامة ما لم يؤت أحدا من الأنبياء من قبله، والمجتبي من علماء صحابته من أهّله لإيداع سرّه وصونه وإبلاغ أمره وحمله، صلى الله عليه وعلى آله الذين سبقوا إلى غايات الفخار وخصّوا بخصله، ورضي الله عن أصحابه المجاهدين في حبّه المعتصمين بحبله، خصوصا الصدّيق الذي أحسن الخلافة من بعده وقاتل من ارتدّ بقتله، ومن فرق بين الحق والباطل بحسن سيرته ومحض عدله؛ ومن تلقّى عنه آيات الكتاب فأ [حسن] «1» في ترتيبه وجمعه وأدائه ونقله، ومن كان فارس حربه، وحارس سربه، وكاتب وحيه وخاطب كفله، وعن بقية المهاجرين والأنصار الذين انفردوا بأكمل الفضل وأجلّه، صلاة ورضوانا وضح بهما نور الهدى لمستدلّه، ما شفى كرمنا الصّدور بصدور إقباله إلى من قام بفرض ولائه ونفله، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فنعمنا لا تزال للعهود حافظة، وبالجود متحفة وبالسّعود

ملاحظة، وعلى المعهود من كرم شيمها محافظة، وللخدم مكافية، وللقسم موفية وبالنّعم موافية، وبمألوف الكرم ملافية، اتّباعا لسبيل الصّواب، وإيداعا للمنحة عند من لحقّه في استحقاقها إيجاب، فلمحلّه اقتران بالاقتراب، ولفعله إنجاز لوعود الصّعود وإنجاب، ولفيض الله تعالى عليه من القبول أبهى جلباب، وله سبق ولاء لملكنا بعد جفاء فيه السنين والأحقاب، وصدق ودّ ما ضاع لدينا ولا خاب، وقدم هجرة كم لها في تأييد الدّين انتصار وانتصاب، وتعدّد مناقب هي في الإشراق والرّفعة كالنّجوم وفي الكثرة عدد الرمل والحصى والتّراب؛ فما دعاه سلطاننا إلا استجاب، ولا استوعاه سرّه إلا غدا به يصان ولا يصاب، ولا استنطقنا قلمه إلا كفى الخطب بأملح خطاب، ولا استثرنا رأيه إلا حضر الرّشد وما غاب؛ فكم فرّق للأعداء من كتيبة بكتاب، وقرّب من ظفر والسيف في القراب؛ فبدعواته يستنزل من النّعماء أهمر سحاب، وببركاته جاء نصر الله والفتح وكان كيد الكافرين في تباب، وبأقلامه إنعامنا يهب وانتقامنا يهاب؛ فهي على الممالك أمنع سياج، ولها في مسالك الخير أبدع منهاج، وللدولة به وبولده استغناء وإليهما احتياج، فكم ضمّنا درر كلامهما الأدراج، وأطلعا زهر أقلامهما من المهارق في أبراج، وكم واصلت في ليل النّقس «1» السّرى والإدلاج، حتى أبدت صباح النجاح ذا ابتلاج، فلا عجب أن كان للنّعم إليهما معاد ومعاج، ولضيق الخطب عند باعهما الرّحب فسحة وانفراج. ولما كان المجلس العاليّ المحيويّ هو أسرى من تلقى إليه الأسرار، وتبقى منه عند أحرى الأحرار، فكم لها صان أين صار، وكم لخواطرنا الشريفة من أفعاله سارّ حيث سار، وكم له من كرمنا دارّ في كل دار، فمنّا لقربه إيثار، ولأثنيتنا «2» عليه إكبار، ولنا بفضائله إقرار، يوجب للنّعم عنده الإقرار- اقتضى

حسن الرأي الشريف أن نعيد إليه منصبه، ونزيد لديه الموهبة، ونجعل وجود تفضيله لدولتنا أعظم مزيّة ومنقبة، ونراه أجلّ كفء لاستجلاء عقائل الأسرار المحجّبة، وإن كان لنزاهته لا يخطبها فهي لوجاهته ترغب أن تخطبه. فلذلك رسم بالأمر الشريف العاليّ، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ- لا برح بفضل الله يحيي الدّين، وبتأييده يبين أنّه الحقّ المبين، وبتسديده يصيب عين الصواب في التعيين- أن نفوّض للمشار إليه صحابة ديوان الإنشاء الشريف بالأبواب الشريفة شرّفها الله وعظّمها: على أجمل عوائده، وأكمل قواعده، وأحسن حالاته في حسن مقاصده، ونفوذ ما يبلّغه من رسائل عدلنا في مصادر كل أمر وموارده؛ وليستقرّ باسمه من المعلوم كذا وكذا. فليتلقّ منصبه المبارك بأمل في كرمنا مبسوط، ورتبته التي يحمي حماها ويحوط، ممضيا للمهمّات والمراسم، مبقيا من يمن آثاره ما تضحى به ثغور الثّغور بواسم، معيدا لمن عنده من كتّابنا أوقات الأنس فأيّامهم به كلّها مواسم، وبها لهم من الخيرات أجزل المقاسم؛ وقد وفّروا دواعيهم إلى الخدمة إذ وفّر على نفقتهم دواعيه، وهو لسان الدولة وهم أذن صون لما يلقيه إليهم واعية، فحقّ لهم إلى وداده أن يجنحوا، وبإسعاده أن ينجحوا، وعن ولائه لن يبرحوا: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا «1» ، فلسرير الملك به سرور، وللدولة من أشعّة إنابه وطلعة شهابه نور على نور، وبهما عماد الشرف الأعلى مرفوع وبيت الفضل الاوفى معمور، وهو وبل هذا الغيث الغمر وشبل هذا الليث الهصور؛ طالما هزم الصّفوف من كتبنا بالسّطور، وجهّز بردا سرّها بالصون مكتوم وعلمها بالنصر منشور، وهو كنز الفضائل وكتابه الذّهب شذور، ومن هذه الأسرة العمرية بأفق العلياء نجوم وأهلّة وبدور، وللنّيّر الأكبر إشراق وأتلاق وسفور، وغيره بالوصايا المأمور، وسواه نبيّن له قصد السبيل حتّى لا يضلّ ولا يجور، ولا

نحتاج أن نذكّره بما هو من علمه مذكور، وفي صحائفه مسطور، ولا نعلّمه سدادا إذ هو عليه مجبول ومفطور، بل الهدى منه ملتمس ومقتفى ومقتبس، ومأثور؛ وبحمد الله ما في حزمه قصور، ولا في عزمه فتور، وهو بحر العلم المحيط وثبير «1» الحلم الموفور، وليس التقديم له بمستغرب بل فضله المعروف المشهور؛ والله تعالى يرعى له في خدمتنا عهدا قديما، ويبقيه للدعاء مواصلا ومديما، ويوزعه شكر فضل الله على ذلك وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً «2» إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة تقليد بكتابة السّر، كتب بها للقاضي شهاب الدّين بن فضل الله «3» ؛ وهي: الحمد لله على عناية حفظت ملكنا الشريف بمعقّباتها، وصانته بصاحب تصريف تقوم كتبه وآراؤه مقام الكتائب وراياتها، وسنّت لنا الخيرة لمن نجتني بقلمه النصر من ثمراتها، وبينت الحسنى في طريقته المثلى حتّى انقسم الصّبح من قسماتها، واقتسم النّجح من عاداتها، واتّسم فكره بالنّصح وقد ضلّت الأفكار عن إصاباتها فظلّت في غفلاتها. نحمده حمدا يهبّ مع الأنفاس في هبّاتها، ويهب من اللطائف الحسان أفضل هباتها، وينبّه القلوب لتقييد شوارد النّعم بصدق نيّاتها، وينافس الكرام الكاتبين على نفائس الثّناء في تسبيح لغاتها بصفيح سماواتها، ونشهد أن لا إله

إلا الله وحده لا شريك له شهادة تملأ الصّحف بحسناتها، وتملّي الوجوه بالأنوار في توجّهاتها، وتلوح من سماتها سيمياء «1» لا تشقّ على الأبصار في توسّماتها، وتفخر برقمها الأقلام بأنه لا طعن في اعتدال حركاتها، على الرّماح في اعتدال قاماتها، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أدّى الرسالة بما تحمّله من أماناتها، ورعى العهود لمن أخلص في مراعاتها، ودعا الأمّة بإذن الله إلى سبيل نجاتها، واستأمن على الوحي كتّابا سبقوا في السّعادة إلى غاياتها، وبلّغوا عنه السّنّة بإباناتها والسّور وآياتها، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه فرسان البلاغة ورواتها، وحفظة الأسرار وثقاتها، وصاغة المعاني في الألفاظ الغرّ بنفثاتها، وأولي الأحلام التي لا تطيشها وقائع الدهر بروعاتها، ولا تذهلها عن الأوراد في أوقاتها، وتلقّي الوفود بأقواتها، والأخلاق التي اتّسع نطاقها في تصرّفاتها، وامتنع حجابها أن تتخطّاه الخدع بهفواتها، صلاة تزيد الأعمار بزكاتها، وتزيّن الأعمال ببركاتها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ الملك عمود بناؤه بسرّه وارتفاعه بالتأسيس لمستقرّه، وامتناعه بعد العساكر المنصورة بكاتب يخاتل العدوّ في مكره قبل مكرّه، ويقاتل في الحرب والسّلم بنفّاذ رأيه ونفّاث سحره، ويقابل كلّ حال بما يحسن موقعه من صدمه بصدره أو صدّه بصبره، وينظر في العواقب نظر البصير بأمره، الواعي لاحتيال عذره قبل اختيال الباغي في غدره؛ إذا جادل فبالحجّة البالغة، وإذا جاوب أبطل الأهوال الزّائغة، وإذا أمرنا بالعدل والإحسان سيّرهما عنّا كالشمس البازغة، وملأ بهما حبّا لنا القلوب الفارغة؛ وقد جرّبنا على طول المدى كتّابا، وانتخبنا منهم كثيرا ارتضيناهم أصحابا، ومارسنا جماعة ازددنا بهم إعجابا، ورأينا طوائف فيهم من إن أجاد اجتناء لزهرات القول حاد عن الجادّة اجتنابا، وإن كلّف نفسه مذاهب الكتّاب أخلّ بمقاصد الملوك إن كتب عنهم كتابا. ولم نظفر بمن تمّت فيه الشروط المشروطة، ومتّ بالدائرة المحيطة إلى

الفضائل المبسوطة، وامتاز بفهم لا يقبل على الفساد ولا يقبل الأغلوطة؛ إن أمليناه إملاء ذكره، وإن حمنا حول معنى لا تؤدّي إليه العبارة فسره «1» ، وإن سردنا عليه فصلا مطوّلا خبره، وربما رأى المصلحة في اختصاره فاختصره، وإن أودعناه سرّا ستره، وصانه بمحو غيّب أثره، وكتمه إمّا بخطّه عن قلبه فلم يدركه أو بقلبه عن لحظه فلم يره، وإن خلّينا بينه وبين غرض من أغراضنا الشريفة استخرجه كما في خواطرنا وأظهره- كالمجلس العاليّ، القضائيّ، الأجليّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، العونيّ، العلّاميّ، القواميّ، النّظاميّ، المدبّريّ، المشيريّ، الفاضليّ، الكامليّ، الأوحديّ، المفوّهيّ، الخاشعيّ، السفيريّ، الشّهابي، صلاح الإسلام والمسلمين، سيّد الرؤساء في العالمين، قدوة العلماء العاملين، إمام الفضلاء والمتكلّمين، رئيس الأصحاب، ملاذ الكتّاب، سفير الأمة، عماد الملّة، لسان السلطنة، مدبّر الدّول، مشيّد الممالك، مشير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين «أحمد بن فضل الله» ضاعف الله نعمته؛ فإنّا خطبناه لهذه الوظيفة، واستخلصناه على كثرة المتعيّنين لأنفسنا الشريفة، وامتحنّاه في الأمور الجليلة واللطيفة، وحمّلناه الأعباء الثقيلة والخفيفة، وأوقفناه مرّة وأخرى أطلقنا تصريفه، وأنعمنا النظر في حاله حتى تحقّقنا تثقيفه، وكتب واستكتب عنا سرّا وجهرا فملأ قلبا وسمعا، وباشر مراسمنا العالية مصرا وشاما وصلا وقطعا فعزّ رفعة وعمّ نفعا، وأنشأ التقاليد وقلّدها، ونفّذ المهمات وسدّدها، ووقّع التواقيع وأطلق بها وقد قيّدها، ومشّى المصالح باحتراز ما بدّدها واحتراس ما عقّدها، وجهّز البرد بهمّة ما قيّدها طلب الراحة ولا أقعدها. وهو كاتب ملوك، وصانع سلوك، وشارع سلوك «2» ، وصائغ ذهب مسبوك، وناسج وشي محوك، وجامع صفات ما سواها هو المتروك؛ لا يعدو

بالكلمة محلّها، ولا يؤاخي بالقرينة إلا شكلها، ولا يسمح بمخاطبة إلا لمن تعيّن لها، ولا يعامل بالغلظة إلا من استوجبها ولا يخصّ بالحسنى إلا أهلها؛ نأمره بالتّهويل فيزلزل قواعد العدوّ، ونشير إليه بالتهوين فيفيد مع بقاء المهابة الهدوّ؛ وقد رضيناه حقّ الرضا، وأضربنا به عمّن بقي من أكابر الكتّاب ونسينا من مضى، وتعيّن علينا أن نحكم له بهذا الاعتبار ونحمله على هذا المقتضى، وأن نطلعه في سماء دستنا الشريف شهابا أضا، وأن نقلّده مهمّا ما زال هو القائم بتنفيذ أشغاله، والساعي بين أيدينا الشريفة في تدبير مقاصده وجملة أحواله، إلى ما له من بيت «1» أثّلوا مجده، وأثّروا سعده، وأرّثوا عندنا ودّه، وبنى كما بنوا، واجتنى من السّؤدد ما اجتنوا، ورمى في خدمة الدّول إلى ما رموا؛ إلا أنّ مذهبه في البيان أحلى، وأسلوبه أجلى، وقيمة كلامه أغلى، وقدحه في الكمال هو المعلّى، وأدبه بحمد الله قد لحظته سعادة أيّامنا الزاهرة فما فيه لوّ «2» ولا لولا؛ سوى أنه اتّفق معارض «3» اعترض بين السّهم والهدف، وسفه نفسه فوقف في مواقف التّلف، ودقّ عنه شأن كاتب السر فسقط من حيث طمع في السّقوط وما عرف، ورام الدّخول بين

الملك وبين يده، وبين اللّسان وما يحدّثه به الضمير من حقيقة معتقده، والاطلاع على ما لو لم يكن للإنسان لما أداره في خلده؛ والتعدّي بما ليس له من لفظه متوقع، وسرى في مسرى لو طمح إليه طرف السّها لتقطّع؛ وما علم أنّ كاتب السر هو مستودع الخبايا، ومستطلع الخفايا، وقلمه (ابن جلا وطلّاع الثّنايا) ، وفي استمداده يعرف بالمنى ويرعف بالمنايا، وله الكتابة والتوقيع، والتصرّف فيما للتنفيذ من التحسين والتّنويع، وغير ذلك من التفريق والتجميع، والتأصيل والتفريع، والترغيب والترهيب والتأمين والتّرويع. ولما دلّ ذلك المعترض بإكباره، وأطال المطار في غير مطاره، وقال الناس إنّ أبوابنا العالية جنّة حفّت من سوء أخلاقه بالمكاره، رمينا به من شاهق، وأبعدناه لآخرته أزهد ما هدر من تلك الشقاشق «1» ؛ وتقدّمنا بإنشاء هذا التوقيع الشريف تقوية لكاتب سرّنا الشريف في تصريفه، وبيّنّا أنه لا يقاس به أحد فإنّه لسان السلطان ويده وكفى بذلك دلالة على تشريفه. فرسم بالأمر الشريف العاليّ، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الناصريّ- لا زال إذا عزم صمّم، وإذا بدأ المعروف تمّم، وإذا استخار الله في شيء رضي بخيرته وسلّم- أن يستقلّ المجلس العاليّ، القضائي، الشّهابيّ «أحمد بن فضل الله» المشار إليه بصحابة دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة: رفيقا لأبيه المجلس العاليّ، القضائيّ، المحيويّ: ضاعف الله تعالى نعمته وبركته في المباشرة، وشريكا بل منفردا ليقوم معه ودونه بما قام به من كتابة باطنة وظاهرة، استقلّ كلّ منهما بها فيما بعد وقرب مما يضمّه نطاق الدولة القاهرة مع ما هو مستقرّ فيه من كتابة السر الشريف،

والتصرّف في المهمّات الشريفة والتصريف؛ وهو المنفرد بتقديم البريد وعرضه، ومباشرة ختمه وفضّه، وقراءته بين أيدينا، واستخراج مراسمنا الشريفة في كل مناب، ومشافهة وخطاب، وابتداء وجواب، وملطّف ومكبّر «1» ، ومقدّم ومؤخّر، ومكمّل ومشطّر، وإليه أمر البريد والقصّاد والنّجّابة «2» ، ومن اشتمل من الدّجى جلبابه، أو ألقته إلى ملاءة الصّباح المنشورة يد ليلة منجابة، وتعيين من يرى تعيينه منهم في المهمّات الشريفة السلطانيّة، والمصالح المقدّسة الإسلاميّة، وإليه الحمام الرسائليّ وتزجيته، وزجالته ومدرجته «3» ، ومن يصل من رسل الملوك إلى أبوابنا العالية، وجميع من يكاتب الدولة الشريفة من كل منتسب وغريب، وبعيد وقريب، وقراءة القصص لدينا، والكتابة على ما يسوغ كتابة مثله، وأخذ العلامة الشريفة من يده. وأما من نستكتبهم عنّا في ممالكنا الشريفة فهو المقلّد لأعبائهم، والمخلّى بينه وبين ما يراه في اجتبائهم، يستكتب كلّ أحد فيما يراه، ويرفع بعضهم فوق بعض درجات منهم مستيقظ ومنهم نائم في غمرات كراه؛ كلّ هذا من غير معارضة له فيه، ولا اعتراض عليه في شيء منه، يبلّغنا مهمّاتنا الشريفة ويتلقّى عنا، ومنه إلينا وإليه منّا. وأما ما يرد عليه من الرسائل عنّا بما يكتب به فيمشّي ما لا يمكن وقوفه، ويراجعنا فيما لا يكون إلا بعد مراجعتنا تصريفه؛ فليمش على هذه القاعدة، وليستقلّ بهذه الوظيفة استقلالا هو كالخبر محلّ الفائدة، ولينشر من إقبالنا الشريف عليه

بالصّلات العائدة؛ ونحن نختصر له الوصايا لأنّه الذي يمليها، ونقتصر منها على التقوى فإنها الذخيرة النافعة لمن يعانيها، والباقية الصالحة خير لمن يقتفيها، والله تعالى يقوّي أسبابه، وينير شهابه، ويزيد من المعالي اكتسابه، ويغنينا بقلمه عن سنان يتقدّم عامله، وبلسانه عن سيف يفارق قرابه، والاعتماد على الخط الشريف أعلاه. وهذه نسخة تقليد بعود القاضي شهاب الدّين بن فضل الله إلى كتابة السر. من إنشاء الشريف شهاب الدين كاتب الإنشاء الشريف، وهي: الحمد لله الذي أحمد العقبى بفضله، وأكّد النّعمى بوصله، وأودع سرّ ملكنا الشريف عند أهله، وأطلع شهاب الدين من أفق العلياء في محلّ شرفه وشرف محلّه، ورفع قدره في سيره إلى بروج السّعود وحلوله بدرجات الصّعود ونقله، وأرجع الموهبة منه إلى من يشكرها بقوله وفعله، وأينع الفرع الزاكي الذي يحيا أصله بواكف سحاب كرمنا ووبله، وأتمّ النّعمة عليه كما أتمّها على أبويه من قبله، وضمّ له أطراف الرياسة وجمع شملها بشمله، وعمّ بفضله وفضلنا أهل هذا البيت الذين فطروا على السّؤدد وبصروا من رضانا باتّباع سبله. نحمده على إضفاء ظلّه، ونشكره على إصفاء نهله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أشرق نور هداها، بمستدلّه، وأغدق نوء نداها، بمستهلّه، ونشهد أنّ سيّدنا محمدا عبده ورسوله أرسله خاتم رسله، وجعل له الفضل على الخلق كلّه، وألهم به سبل هديه وسنن عدله، وأرشده إلى فرض دينه ونفله، وأودعه السّرّ الذي لم يودعه سواه وحمّله من أعباء الرّسالة ما لم ينهض غيره بحمله، صلى الله عليه وعلى آله أغصان الشجرة الزهراء التي هي بضعة منه ونبعة من أصله، ورضي الله عن أصحابه الذين أجلّهم من أجله،

خصوصا من بادر إلى الإيمان فخصّ من السّبق بخصله «1» ، ومن أيّد به الدين وفرّ الشيطان من ظلّه، ومن جهّز جيش العسرة حتّى غزا العدا بخيله ورجله، ومن كان باب مدينة العلم ومانح جزله وفاتح قفله، وعن بقيّة المهاجرين والأنصار الذي ما منهم إلا من جاهد حتّى قام الدين بنصره ونصله، صلاة دائمة يجعلها اللسان أهمّ شغله، ويتلقّى قادمها من مواطن القبول بأكرم نزله، ما رمى قوس العزم بصائب نبله، وحمى حمى الملك بليثه وشبله، وفوّض أجلّ المناصب إلى فاضل العصر وأجلّه. أما بعد، فإنّ آراءنا لا تزال للمصالح مراعية، ولا تبرح بالإسعاد إلى الأولياء ساعية، فتدعو إلى مقامها من وفّر على الإخلاص دواعيه، وتدني من ملكها من له بالخفايا أعظم بصيرة وفي جميل القضايا أجمل طواعية، وتلقي أسرارها إلى من له لسان حقّ ناطق وأذن خير واعية، وتقدّم من له قدم صدق ثابتة ويد بيضاء طولى في المهمّات عالية، لتغدو سهام أقلامه إلى الأغراض رامية، وصوائب أفكاره عن حمى الملك محامية، وتكون عبارته للمقاصد موفية وإشارته لموعد اليمن موافية، وتضحي ديم نعمنا الواكفة لسوابق خدمه مكافية، لما يتّصل بذلك من المصالح، وتناجي خواطرنا الشريفة به المناجح، ويقبل عليه وجه الإقبال، في كل حال، ويغدو إليه طرف الإجلال، وهو طامح، فنجمّل به ممالكنا مصرا وشاما، ونسدّد به مرمى ونصيب مراما، ونحفظ له ولأبيه في خدمتنا حقّا وذماما، ونكون له في الحالتين برّا وإكراما، ونعلي محلّه إعلانا بعلوّ مكانه وإعلاما، فيؤلّف للرياسة نظاما، ويضاعف للرّتبة إعظاما، ويعمل يراعا بل حساما، ويجلو وجه المنى طلقا ويبدو بعد البشر بسّاما، ويحسن بأعباء المهمّات قياما؛ وحيث نقلته أوطانه هضاب المجد وقّلته، وأين وجّهته أعلت قدره ونوّهته، وكلما أوفدته أفاضت عليه ملبس العزّ وجدّدته، واختصّته بالتصرف وأفردته،

وانتضت ماضي اجتهاده وجرّدته، وأجرته من إجراء فضلها على ما عوّدته، واستقلّت له منائحها من كثير المواهب ما خوّلته، ومن كبير المناصب ما قلّدته. ولما كان فلان هو الذي أودع الأسرار فحفظها، واطّلع على الدقائق فرعاها ببصيرته ولحظها، وباشر مهمّاتنا فأمضاها، وسرّ خواطرنا وأرضاها، وظهرت منه بين أيدينا كفاية لا تضاهى، وقلّد أجياد أوليائنا من تقاليده عقودا، وأدنى من المقاصد بلطف عبارته بعيدا، وأغنى الدولة أن تجهّز جيشا وجهّز بريدا، وأبان بمقاله عمّا في أنفسنا فلم يبق مزيدا، وصان الأسرار فجعل لها في خلده خلودا، وجمع أشتات المحاسن فأضحى فريدا؛ كم لعمّه «1» في خدمتنا من هجرة قديمة، ولأبيه من موالاة هي للمخالصة مواصلة ومديمة، وكم لهما أسباب في الرياسة قويّة وطرائق في الهداية قويمة، وكم كاتب يسّر الله بهداهما تعليمه وتفهيمه، وقدّر على يديهما وصوله إلى رتب العلياء وتقديمه، فمنفعتهما عميمة، ونبعتهما صميمة، ولهما في الشام ومصر أجمل شيمة، وكم له هو أيضا من تقدّمات اقتضت تكريمه، وكفاية عند علومنا الشريفة معلومة، وكتابة حلل المهارق بوشيها مرقومة؛ فلو قابله الفاضل «عبد الرحيم» لبادر إلى فضله إقراره وتسليمه، أو «عبد الحميد» لكانت مناهجه الحميدة بالنسبة إلى مذاهبه ذميمة، أو سمع «عبد الرحمن» مقاله لضمّن ألفاظه معانيه العقيمة، أو أدركه «قدامة» لعرف تقديمه، واقتدى بسبله المستقيمة، أو حوى «الجوهريّ» فرائد ألفاظه لعرف أنّ صحاحه إذا قرنت بها سقيمة، أو رأى «ابن العديم» خطّه لاستغنت منه بسلاسل الذّهب نفسه العديمة، أو «الوليّ» لاستجدى من صوب إجادته أغزر ديمة، أو نظره «ابن مقلة» لوجدت مقلته نضرة خطّه ونعيمه، أو «ابن البوّاب» لكان خدين بابه وخديمه؛ فهم «2» صدور صدورهم سليمة، وأماثل

معدودة وأمثالهم معدومة. اقتضى حسن رأينا الشريف أن نلقي إليه منصبا هو أولى به، ونقرّ عينه بدنوّه منّا واقترابه، ونمتّع البصر والسمع بخطّه وخطابه. فلذلك رسم بالأمر الشريف، العاليّ، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ- لا برح يعيد نعمه كما بدأها أوّل مرّة، ويسرّ القلوب بكاف أودعه سرّه، ويحمد لأحمد الأولياء عوده ومستقرّه «1» -. فليتلقّ هذه النّعمة بشكرها وليترقّ منصبا رفيعا يناسب رفعة قدره، وليبسط قلمه في تنفيذ مهمّ الممالك من نهيه وأمره، وليحفظ ما أودعه من خفيّ سرّه، وليلاحظ المهمّات بفكره، وليحافظ على ما يعرفه من رضانا طول دهره؛ ونحن نعلم من صواب أفعاله وتسديدها، ما لا نحتاج معه إلى تكثير الوصايا وتعديدها، ولا إلى تكريرها وترديدها؛ لا سيّما وقد سلفت له بها خبرة لا نفتقر إلى استيعاب ذكراها ولا إلى تجديدها، وتقدّمت له مباشرة استبشرنا بميمونها وأثنينا على حميدها، واستدنينا سناها واستغنينا عن سواها بوجودها؛ وله بحمد الله توفّر التوفيق، وهو الحقيق بما فوّضنا إليه على التحقيق، وفضله من الشوائن عريّ وفي المجانبين عريق، وقدره بتجديد النّعم جدير وبخلال الكرم خليق، والله

تعالى يوضّح به من الخير أبين طريق، ويسرّ بمقدمه الوليّ والصديق، ويفرق به بين الحقّ والباطل فجدّه «1» الفاروق وهو من أكرم فريق، بمحمد وآله! وهذه نسخة تقليد بكتابة السرّ: الحمد لله الذي أظهر لتدبير دولتنا شهابا يعلو على فرقد الفراقد، وكمّل به عقود الممالك فسمت جواهر فرائدها على الدّراريّ إذ كان واسطة تلك الفرائد، ومعيد إحساننا إلى خير وليّ أغنى تدبيره عمّن سواه فكان بالألف ذلك الواحد، ومخوّل موادّ كرمنا لمن هو صدر أسرارنا ويمين مملكتنا في كلّ صادر عنها ووارد، ومنقّل الأكفاء إلى مراتب سعودهم فتصبح ألوية محامدهم في معاقل العزّ أفخر معاقد، ومحلّي ملكنا الشريف بأكمل كاف ما أمّ مصرا إلا تلقّته بالهناء ولا فارق شاما إلا أسفت عليه تلك الربوع والمعاهد. نحمده على نعم أقرّت عيون الأولياء لمّا أقرّتهم من موادّ جودنا على أكمل القواعد، ونشكره على ما بلّغنا من جميل المآرب وبلوغ المقاصد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجّي قائلها من جميع الشدائد، ونشهد أنّ سيد [نا محمدا سيد] «2» البشر عبده ورسوله الذي جاد بهدايته فكان أكرم جائد، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته خصوصا على أوّل الخلفاء أبي بكر الصديق الذي لا فخر كفخاره، وعلى أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب حامل أسراره وفاتح أمصاره، وعلى أمير المؤمنين عثمان بن عفّان مبدّل عسره بيساره، وعلى ابن عمّه عليّ بن أبي طالب أعزّ نسبائه وأخصّ أصهاره، وعلى بقية مهاجريه وأنصاره، صلاة سهلة المشارع عذبة الموارد. وبعد فإنّ من سجيّتنا إذا تيمّنّا بوليّ لا نزال نلحظه، ونرعى حقوق خدمه

في القرب والبعد ونحفظه، ونقابل ما أسلفه لدينا بنفائس النّعم، ونفيض عليه ملابس الجود والكرم، لا سيّما من لم يزل يظهر لنا كل يوم تعبّدا جديدا، ومن أصبح في الفصاحة والبلاغة وحيدا، ومن جمع أطراف السؤدد والرياسة فلم يبرح بهما فريدا، ومن تحسن النعم بإفاضتها عليه، وتكمل المنن بإضافة محاسنها إليه، وتزهو فرائد البلاغة بانتظامها في سلك مجده، وتشرق كواكب اليراعة في اتّساقها في فلك سعده؛ وكان للبابته في الاختصاص بنا اليد الطّولى، وتلا عليه لسان اعتنائنا في الحالين: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى » ولمّا كنت أيّها الصدر «شهاب الدين» أحقّ الناس بهذا المنصب لما لوالدك- أبقاه الله تعالى- ولعمّك- رحمة الله تعالى- من الحقوق، ولما أسلفاه من الخدم التي لا يحسن التناسي لها ولا العقوق، ولأنك جمعت في المجد بين طارف وتالد، وفقت بأزكى نفر وعمّ وإخوة ووالد، وجلالة، ما ورثتها عن كلالة، وخلال، ما لها في السّيادة من إخلال، ومفاخر، تكاثر البحر الزّاخر، ومآثر، يعجز عن وصفها الناظم والناثر، ولما نعلمه من فضائلك التي لا تجحد، رعيناك في عودك لوظيفتك وعود «أحمد» أحمد. ولما كان فلان «2» هو الذي تقطر الفصاحة من أعطاف قلمه، وتخطر البلاغة في أثواب حكمه، وتنزل المعاني الممتنعة من معاقل القرائح على حكمه، وتقف جياد البداهة المتسرّعة حيرى قبل التوسّط في علمه؛ إن وشّى الطّرس فرياض، أو أجرى النّقس فحياض، أو نظم فقلائد، أو نثر ففرائد. لا يتجاسر المعنى المطروق أن يلمّ بفكره، ولا يقدم المعنى المتخيّل المسبوق للمرور بذكره، ولا يجوز زيف الكلام على ذهنه المتّقد، ولا يثبت غثاء الكلام لدى

خاطره المنتقد، ف «عبد الحميد» ك «عبد الرحيم» في العجز عن لحاق علومه التي يجد «الراغب» «1» على نورها هدى، والأصمعيّ لو أدركه لتلا عليه: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً «2» «والطّغرائيّ» «3» لو عاصره لزاد نظمه وازداد على نوره هدى، و «الحريريّ» لو رافقه لأمن في «مقاماته» من التجريح والرّدى؛ قد قصّرت عن غاية كماله جياد القرائح، وعجزت عن وصف صفاته جميع المدائح، وشرف منصبه بانتسابه إليه، ورفع قدره بمثوله لديه؛ مع ما تميّز به من نزاهة صرف بها عن الدنيا طرفه، وزهادة زانت بالسّعد صدره وملاءة ملأت بالعفّة كفّه؛ فهو واحد زمانه، وأوحد أوانه، والبحر الذي يحدّث عن فضله ولا حرج، والروض الذي ينقل عن فضله إلى الأسماع أطيب الأرج؛ وكان قد مال عن منصبه وهو يذكره، وفارقه وهو يشكره، ونادى غيره وبقوله يلبّي، وشغل بغيره وهو يقول حسبي «شهاب الدين» حسبي: فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي «4» فلما حصل له الاستئناس، وزال عنه القلق والالتباس، قال: ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ «5» - اقتضى حسن الرأي الشريف أن نخصّه باستقرار رتبته لديه، وأن نستمرّ به على وظيفته السنية استمرار السّعود المقبل عليه. فرسم بالأمر الشريف- لا زال شهاب سعده لامعا، وسحاب كرمه هامعا، ومطاع أمره لمصالح الدّين والدنيا جامعا،- لمناقبه «6» التي وفرت ميامنها،

وأسفرت بوصف آثاره الحسنة كوامنها، وأن يعاد إليها كما يعاد السّوار إلى الزّند، أو كما يعود نسيم الصّبا إلى الرّند، فليؤنس منصبا كان إليه مشتاقا، ومجلسا كان منتظرا أن يزرّ من ملابس جلاله على عنقه أطواقا، وليجمّل هالة كانت متشوّقة إلى عقود درره. فاحمد الله على ما خصصناك به من مزيد الاعتناء، وأن السعادة في أيّامنا الشريفة متصلة فتشمل الآباء والأبناء؛ ويكفيك بهذا التوقيع الشريف إذ بلغت به جميع الأماني، وتوّجناه بيميننا الشريفة لقرب عهدها بمصافحة الرّكن اليماني، واصطفيناك بقلم عظم شأنا بتلك السّتور، وغدا معمورا بالهداية ببركة البيت المعمور، وازداد بمشافهة الحرم الشريف نورا على نور. فليحسن نظره المبارك في ذلك كلّه، وليبد ما يحسن في هذه الوظيفة من مثله؛ وفي تقدّم مباشرته في هذه الوظيفة وعلمه ما يغني عن كثرة الوصايا، وملاكها تقوى الله تعالى وهي أكمل المزايا؛ وليحمد أفعاله ويصل أسباب اعتماده بسببها؛ والله تعالى يجمّل له مواهب تخويله، ويجعل له الخير في تنقّله وتحويله؛ والخطّ الشريف أعلاه، حجّة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة تقليد بكتابة السرّ: الحمد لله الذي جعل خواطر أوليائنا بإقرار نعمنا مستقرّة، ومواطر آلائنا على ذوي الإخلاص في ولائنا دائمة الدّيم مستمرّة، وبشائر رضانا تجدّد لكلّ من ذوي الاختصاص ابتهاجه وبشره، وسوافر أوجه إقبالنا لأولي الاصطفاء والوفاء مشرقة الأوضاح متهلّلة الأسرّة، مودع أسرار ملكنا الشريف من آل «فضل الله» عند أكرم أسرة، وممتّع دولتنا بخير كاف دقّق في مصالحنا فكره، وأنفق في مناجحنا عمره، ومجمع آرائنا على أعلى عليّ حلّ من بهر بيته بمعرّفه وبهر خيره، ومطلع أنجمهم بأفق تقريبنا مرّة بعد مرّة، فنحيي نيّرهم الأكبر وقد شيّدنا بارتقائهم بيته وشددنا بعلائهم أزره. نحمده على أن جبل سجايانا، على الإحسان والمبرّة، ونشكره على أن

أجزل عطايانا، لمن لم يزل يعرف حقّه ويألف خيره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تشرح لمؤمنها صدره، وتصلح لموقنها أمره، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أسمى على الخلائق قدره، وتولّى في المضايق نصره، وأعلى في المشارق والمغارب ذكره، صلى الله عليه وعلى آله أعزّ عترة، ورضي الله عن أصحابه الذين أسدوا المنّة وسدّوا الثّغرة، صلاة ورضوانا متواصلين في كلّ أصيل ومكرّرين في كلّ بكرة، ما وهب فضل الله مستحقّا فسرّ بالعواطف والعوارف سرّه، وعقّب في سماء الإسعاد كوكب كوكبا فحلّ محلّه وقرّ مقرّه، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد فشيمنا ترعى لأوليائها حقوقا، ونعمنا الغامرة تسني صدقاتها لمن لم يزل في ولائها صدوقا، وتزيد هباتها توفيرا لمن عهدت منه لمراضيها توفيقا، وتجدّد بتعاهدها معهد الفضل فلا يمسي خليّا بل يضحي بإكرامها خليقا، وتشيّد بإحسانها بيتا أسّس على تقوى الله وطاعة سلطانها فغدا بالحفظ حقيقا، وتحمي باعتنائها جوانبه من الغير فلا يرهب حماه لها طروقا، ولا تجد بفضل الله لها عليه طريقا، وتطلع في بروج سعودها زهرا تروق شروقا، وتجمع على مهمّاتها من عظموا فضلا وكرموا فريقا، وتودع أسرارها عند سراتهم ركونا إليهم وسكونا ورضا بهم ووثوقا، وتشفع منائحها بمنائح تزيد آمالهم نجاحا وتفيد أمانيّهم تحقيقا، وترفع مكانا عليّا إلى حيث اتّسع السّرار من ملكها من كان بالميامن مليّا وفي المحاسن عريقا، ويخلف في خدمها شقيق منهم شقيقا، ويصرّف أوامرها ونواهيها من أعيانهم من تأمن المصالح مع اجتهاده تفويتا وتخاف الأعداء لسداده تعويقا، طالما ائتمنّاهم على إيداع أسرارنا فحلّت من سرائرهم مستودعا وثيقا، وعيّنوا للمعالي فصادفت طويّتنا من يقظتهم ونهضتهم تصديقا؛ فهم أولى أن نجعل لأجيادهم بعقود جودنا تطويقا، وأحقّ أن نرفع بنعمنا محلّهم، ونجمع في خدمتنا شملهم، فلا يخشون نقضا ولا تفريقا. ولما كان المجلس العاليّ الفلانيّ هو الذي لحظته عنايتنا، فعلا فعلا،

وأيقظته إشارتنا، فغدا في الحكم كهلا، وحفظته رعايتنا، فعمرت بيته العمريّ الذي ما زال بالعوارف ملموحا وللقبول أهلا، وأحظته سعادتنا، في إقامته مقام أبيه في حفظ أسرارنا التي هو أحقّ بإيداعها وأولى- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نجري بمراسمنا أقلامه، ونوفّر من إنعامنا أقسامه. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا برحت سحائبه عامّة، ومواهبه لها مزيد وإدامة، ورعايته إذا ابتدأت فضلا رأت إتمامه، وكواكبه تسير في منازل عزّها ولنيّرها الأكبر الإرشاد والإمامة- أن يفوّض إليه كذا وكذا، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، نظير ما كان مستقرّا لأخيه. فليباشر هذه الوظيفة التي لها به وبأهله أعظم فخار، وليحلّ هذه الرتبة التي ما منهم إلا من يجتبى ويستخار، وليجمّل هذا المنصب الذي إليهم مصيره في جميع الأمصار، وليحلّ المهارق بإنشاءاته التي شان مطاولها عن شأوها الإقصار، وليتوقّل هذه الهضبة التي لها على عليائهم اقتصار، وفي آبائهم وأبنائهم لها تعيين وانحصار، وليدبّج الطّروس من خطّه بالوشي الرقيم، وليبهج النفوس من خطابه بالدّرّ النظيم، وليسرج الشّموس من أوضاع كتابته التي تبرز من إبريز كنوزها «ابن العديم» ، وليجهزّ البرد التي تقدمها مهابتنا فلم يكتبها من كتائب الأعداء هزيم، وليزيّن مقاصدها التي قرن بها الفتح القريب والنصر العزيز والفضل العظيم؛ وهو بحمد الله غنيّ عن الإرشاد بالوصايا والتفهيم، عليّ القدر لا يحتاج مع ألمعيّته إلى تنبيه ولا إلى تعليم، وهم أئمة هذه الصناعة ولهم الفضل القديم، وسبيلهم السّويّ وصراطهم القويم؛ والله تعالى يوفّر لهم فضلنا العميم، ويظفر أقدارهم من لدنّا بتكرير التكريم، ويسني أمرهم في آفاق العلياء يسعد ويقعد ويقيم، ويديم لكلّ منهم في ظلّ نعمنا المزيد والتأكيد والتقديم؛ والعلامة الشريفة أعلاه، حجة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى. وهذه وصية لكاتب السرّ، أوردها في «التعريف» وهي:

وليأمر عنّا بما يقابل بالامتثال، ويقال به: السيوف لأقلامه مثال، ويبلغ [من] «1» ملوك العدا ما لا تبلغه الأسنّة، ولا تصل إليه المراكب المشرعة القلوع والخيول المطلقة الأعنّة، وليوقّع عنّا بما تذهب الأيام ويبقى، ويخلّد من الحسنات ما يلفى آخرة ويلقى، وليمل من لدنه من غرر الإنشاء ما يطرّز كلّ تقليد، وتلقى إليه المقاليد، ولينفّذ من المهمّات ما تحجب دونه الرّماح، وتحجم عن مجاراة خيل البريد به الرّياح، وليتلقّ ما يرد إلينا من أخبار الممالك على اتّساع أطرافها، وما تضمّه ملاءة النّهار ملء أطرافها، وليحسن لدينا عرضها، وليؤدّ بأدائها واجب الخدمة وليتمّ فرضها، وليجب عنّا بما استخرج فيه مراسمنا المطاعة، وبما وكل إلى رأيه فسمع له الصواب وأطاعه، وليمض ما يصدر عنّا مما يجوب الآفاق، ويزكو على الإنفاق، ويجول ما بين مصر والعراق، ويطير به الحمام الرسائليّ وتجري الخيل العتاق، ولير النوّاب ما أبهم عليهم بما يريهم من ضوء آرائنا، وليؤكّد عندهم أسباب الولاء بما يوالي إليهم من عميم آلائنا، وليأمر الولاة بما يقف به كلّ منهم عند حدّه ولا يتجاوزه في عمله، ولا يقف بعده على سواه بأمله، وليتولّ تجهيز البريد، واستطلاع كلّ خبر قريب وبعيد، والنّجّابة وما تسير فيه من المصالح، وتأخذ منه بأطراف الأحاديث إذا سالت منه بأعناق المطيّ الأباطح، وأمور النّصحاء والقصّاد، ومن يظلّ سرّهم عنده إلى صخرة أعيا الرجال انصداعها وهم شتّى في البلاد، وليعرف حقوق ذوي الخدمة منهم، وأهل النصيحة الذين رضي الله عنهم، ولا ينس عوائدهم من رسوم إحساننا الموظّف، وكرمنا الذي يستميل به القلوب ويتألّف، وليصن السرّ بجهده وهيهات أن يختفي، وليحجبه حتّى عن مسمعيه فسرّ الثلاثة غير الخفي، والكشّافة الذين هم ربيئة «2» النظر، وجلّابة كل خبر، ومن هم أسرع طروقا من الطيف، وأدخل في نحور الأعداء من ذباب السّيف، وهم أهل الرّباط

للخيل، وما منهم إلا من هو مقبل ومدرك كاللّيل؛ والدّيادب والنّظّارة «1» ، ومن يعلم به العلم اليقين إذا رفع دخانه أو ناره؛ وهم في جنبات حيث لا يخفى لأحد منهم منار، ولا يزال كلّ نبإ بتنويرهم كأنه جبل في رأسه نار؛ والحمام الرسائليّ وما يحمل من بطائق، ويتحمّل من الأنباء ما ليس سواه له بطائق، ويخوض من قطع الأنهار، ويقطع إلينا ما بعد مسافة شهر وأكثر منه في ساعة من نهار، ويعزم السّرى لا يلوي على الرّباع، ويعلم أنها من ملائكة النصر لأنها رسل ولها أجنحة مثنى وثلاث ورباع، وغير هذا مما هو به معدوق، وإليه تحدى به النّوق، من رسل الملوك الواردة، وطوائف المستأمنين الوافدة؛ وكلّ هؤلاء [هولآ] «2» مالهم المترجم، والمصرّح عن حالهم المحمحم؛ فليعاملهم بالكرامة، وليوسع لهم من راتب المضيّف ما يحبّب إليهم في أبوابنا العالية الإقامة، وليعلم أنه هو لدينا المستشار المؤتمن، والسفير الذي كلّ أحد بسفارته مرتهن، وهو إذا كتب بناننا، وإذا نطق لساننا، وإذا خاطب ملكا بعيد المدى عنواننا، وإذا سدّد رأيه في نحور الأعداء سهمنا المرسل وسناننا؛ فلينزل نفسه مكانها، ولينظر لدينا رتبته العليّة إذا رأى مثل النجوم عيانها. فليراقب الله في هذه الرتبة، وليتوقّ لدينه فإنّ الله لا يضيع عنده مثقال حبّة، وليخف سوء الحساب وليتّق الله ربّه؛ وجماعة الكتّاب بديوان الإنشاء بالممالك الإسلامية هم على الحقيقة رعيّته، وهداهم بما تمدّهم به من الآلاء ألمعيته؛ فلا تستكتب إلا من لا تجد عليه عاتبا، ولا يجد إلا إذا قعد بين يديه كاتبا، والوصايا منه تستملى.

الطبقة الثانية (من أرباب الوظائف الديوانية بالحضرة السلطانية أصحاب التواقيع، وهم على ثلاث درجات)

الطبقة الثانية (من أرباب الوظائف الديوانية بالحضرة السلطانية أصحاب التواقيع، وهم على ثلاث درجات) الدرجة الأولى (ما يكتب في قطع النصف ب «المجلس العالي» وكلّها مفتتحة ب «الحمد لله» ) وتشتمل على ثلاث وظائف سوى ما تقدّم أنه نقل إلى رتبة التقاليد، وهو كتابة السرّ. الوظيفة الأولى (نظر الخاصّ) وقد تقدّم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية أنّها وظيفة محدثة، أحدثها السلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» حين أبطل الوزارة، وأنّ أصل موضوعها التحدّث فيما هو خاصّ بمال السلطان، وأنّ صاحبها صار كالوزير لقربه من السلطان وتصرّفه في تدبير جملة الأمور، وتعيين المباشرين، إلا أنّه لا يقدر على الاستقلال بأمر، بلا لا بدّ له من مراجعة السلطان. وقد تقدّم ذكر ألقابه في الكلام على مقدّمة الولايات من هذا الفصل، وعلى طرّة توقيعه في الكلام على التواقيع. وهذه نسخة توقيع بنظر الخاصّ، كتب به للقاضي شمس الدين موسى بن عبد الوهّاب في الأيام الناصرية «محمد بن قلاوون» وهي: الحمد لله الذي جعل كلّ جرح بنا يوسى، وعجّل كلّ نعمة تبدّل بوسا، وتغيّر بالسّرور من المساءة لبوسا. نحمده حمدا يشرح صدورا ويسرّ نفوسا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ترفع لقائلها رؤوسا، وتطلع في آفاق ممالكنا الشريفة شموسا، وتنشيء في أيّامنا الزاهرة غروسا، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بشّر به

موسى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة تملأ طروسا، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن العمل بالسنّة أولى ما يتمسك به المتمسّك، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «ابدأ بنفسك» ؛ وكانت الخواصّ الشريفة هي المصلحة الخاصّة بنا، المتعلّقة دون كل شيء بأنفسنا، لأن من خزائنها العالية تتفرّق مواهبنا الشريفة في الوجود، وتتحلّى معاطف الأمراء والجنود، وكان فيها من لم يزل هو وبنوه قائمين بها أحسن قيام، وفيها من ممالكنا الشريفة ما يضاهي بمدده الغمام، من حضر منهم لا يتفقّد معه من غاب، ومن كتب منهم في شيء من مصالحها قال الذي عنده علم من الكتاب؛ كم أجرت صدقاتنا الشريفة بأقلامهم من إنعام، وتقسّموا في مصالحنا الشريفة هذا في الخاص وهذا في العامّ؛ طالما انقطع والدهم رحمه الله تعالى بعذر فمشّوا الأمور على أكمل سداد، وأجمل اعتماد، وأتمّ مالو حضر أبوهم وكان هو المتولّي لما زاد؛ فما خلت في وقت منه، أو من أحد منهم لمّا غاب من بقي يسدّ عنه؛ فلم يزل منهم ربعها مأنوسا، ولا سئل فيها عن قصّة إلا وأنبأت بها صحف إبراهيم وموسى. وكان المجلس العالي فلان هو الذي تفرّد آخرا بهذه الوظيفة، واستقلّ فيها بين أيدينا الشريفة، وسافر فيها إلى ثغر الإسكندرية- حرسها الله تعالى- فافترّ بيمن تصرّفه، وحسن تعفّفه، وعدم فيها المضاهي لأنه لا شيء يضاهى الشمس إذا حلّ سرّها في منازل شرفه؛ كم كفت له كفاية، وبدت بداية، وكم بلغ من غاية، كم له من همم، وكم تقدّمت له قدم، وكم اعترف السيف ببزّ القلم؛ كم له في خدمة المقامات العالية أولادنا أثر جميل، وفعل جليّ جليل، وسلوك فلا يحتاج في الشمس إلى دليل؛ كم أحسن في مرّة، كم رددناه إلى الكرك كرّة؛ كم غلب على السحاب فرقى إليها، وبلغ النّجوم وله قدوم عليها؛ فلما انتقل والده القاضي تاج الدين عبد الوهاب إلى رحمة الله تعالى، احتاج إلى توقيع شريف بالاستقلال في وظيفة نظر الخاصّ الشريف التي خلت عن أبيه، ليعلم كلّ متطاول إليها أنه لا يصل إليها مع وجود بنيه؛ فما عاد إلا وعاد

بعين العناية محروسا، ولا أقبل على كرمنا إلا قال قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى «1» فلذلك رسم بالأمر الشريف- زاد الله شرفه، ومكّن في الأرض تصرّفه- أن يفوّض إليه نظر الخاصّ الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة، على عادة والده رحمه الله في هذه الوظيفة، وقاعدته في رتبتها المنيفة، ليقضي ما كان في خاطر أبيه من الوطر، ولأنه في أمثاله عين الأعيان والعين أولى بالنظر. فليباشر ما أنعمت به صدقاتنا العميمة عليه على ما عهد منه بالأمس، وعرف به من حسن السلوك كمن يمشي في ضوء الشمس، وليقدّم تقوى الله والأمانة فهما أفضل ما يقدّم، وأجمل ما يعمل به من تقدّم، والنهضة فإنها هي التي تقوم بها المصالح، والتصدّي لما هو بصدده فإن به يتمّ كلّ عمل صالح، وليحتفظ على الخزائن العالية، وليكن فيها كواحد من رفقته عملا بالعادة [فيها] «2» ، وإلا فنحن نعلم من كفايته [أنه] «3» يكفيها، وليثمّر الجهات التي إليه مرجعها، والأموال التي يدوم إليه من العين تطلّعها، وليستجلب خواطر التّجّار بإيصال حقوقهم إليهم، والقائمين في خدمة أبوابنا الشريفة بتعجيل ما تنعم به صدقاتنا الشريفة عليهم، وليكن إلى ما تبرز به مراسمنا الشريفة مسارعا، ولها في كلّ ما أشكل عليه من الأمور مراجعا؛ وبقيّة هذا من كلّ ما يحتاج أن نوصيه بتعلّمه فقد علم مما جرت به عادتنا الشريفة بأن نقوله في مثله، ولهذا نختصر في الوصايا التي تشرح اكتفاء بما آتاه الله بنا من فضله؛ والله تعالى يأخذ به إلى النّجاح، ويفتتح له بنا أحسن الافتتاح؛ والاعتماد على الخطّ الشريف أعلاه، إن شاء تعالى.

وهذه نسخة توقيع بنظر الخاص: الحمد لله الذي جعل خواصّ النّعم لملكنا الشريف لأجلّها، ونفائس الذخائر من دولتنا القاهرة بمحلّها، وأخاير المفاخر مبسوطا في أيّامنا ظلّها. نحمده بمحامده التي لا نملّها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أشرق مستهلّها، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ختمت به أنبياؤها ورسلها، وبعثه الله للأرحام يبلّها، وللأولياء يجلّها، وللأعداء يذلّها، ولسيوف النصر من الغمود يسلّها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما شدّ على مطيّة رحلها، وولي المراتب أهلها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ خزائن ملكنا الشريف مستودع كلّ ثمين، وممالكنا المعظّمة لا تعدق إلّا بالثّقة الأمين، ومتاجر خواصّنا الشريفة لا يثمّرها إلا من رأيه يعضّد قلمه في اليمين، والمتجر المحروس لا يقوم بنماء محصوله إلا من له حزم سديد وعزم متين، ونظر الخواصّ هو الذّروة العالية فمرتقيها على كل ما يعترضه معين. ولما كان فلان هو المختار على يقين، والمخطوب لهذا المنصب ليزيده في التحسين والتّحصين، والذي إن نظر في القليل عاد كثيرا بالألوف والمئين؛ فإن دبّر تدبيرا حفظ وحرس وصين، وضبط في حسن الاعتماد بلغ إلى الصّين، وإن توجّه إلى الثغر المحروس تفجّر له عن أمواله الجمّة، وأخرج له من فاخر الحلل ما حسّن راقمه رقمه، وصدر عنه إلى أبوابنا الشريفة بالتّحف المثمنة، والحمول التي أوقرت «1» السّفن في النّيل، والإبل في السبيل، فأزال الغمّة، وأنار الأمور المدلهمّة، ونشر ما طواه لدينا فشكرنا له ما تقدّم به مما أتمّه. فلذلك رسم بالأمر الشريف...... فليباشر هذا المنصب الكريم بتدبير يصلح الفاسد، وينفّق الكاسد، ويكبت الحاسد، ويكثّر الأموال، ويسعد

الوظيفة الثانية (نظر الجيش)

الأحوال، ويثمّر الذّخائر، ويسرّ السّرائر، ويوفّر حاصل الجواهر، ويكثّر التّحف من كل صنف فاخر، ويوفي المهمّات الشريفة حقّها في الأوّل والآخر، وينشر التشاريف كالأزاهر. وليختر الأمناء الثّقات، وليحرّر كلّ منهم الميقات، وليبع لخاصّنا الشريف ويشتر بالأرباح في سائر الأوقات، وليتلقّ تجار الكارم «1» الواردين من عدن، باستجلاب الخواطر وبسط المنن، ونشر المعدلة عليهم ليجدوا من اليمن ما لم يجدوه في اليمن؛ وكذلك تجار الجهة الغربيّة الواردين إلى الثغر المحروس من أصناف المسلمين والفرنج: فليحسن لهم الوفادة، وليعاملهم بالمعدلة المستفادة، فإنّ مكاسب الثغر منهم ومن الله الحسنى وزيادة. والوصايا كثيرة وهو غنيّ عن الإعادة، و [ملاكها] «2» تقوى الله فليقتف رشاده، وليصلح مآبه ومعاده، ولا يتدنّس بأقذار هذه الدنيا فإنها جمرة وقّادة؛ والله تعالى يحرس إرفاقه وإرفاده، بمنّه وكرمه!: بعد الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه، إن شاء الله تعالى. الوظيفة الثانية (نظر الجيش) وقد تقدّم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية أنّ موضوعها التحدّث في الإقطاعات بمصر والشام، والكتابة بالكشف عنها، ومشاورة السلطان عليها، وأخذ خطّه، وقد تقدّم ذكر ألقابه في جملة الألقاب في الكلام على مقدّمات الولايات من هذا الفصل، وتقدّم ذكر ما يكتب في طرّة تقليده في الكلام على التواقيع.

وهذه نسخة توقيع بنظر الجيش: الحمد لله الذي عدق «1» بالأكفاء مصالح الجنود، وصرّف أقلامهم فيما نقطعه من الجود، واجتبى لمراتب السيادة من تحمده الأقلام في العطايا البيض والسّيوف في الخطوب السّود. نحمده وهو المحمود، ونشكره شكرا مشرق الميامن والسّعود، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة عذبة الورود، يجد المخلص بركتها يوم العرض ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ «2» ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أضحت به جيوش الإسلام منشورة الألوية والبنود، منصورة السّرايا في التّهائم والنّجود، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما أورق عود، وأولج نهار السيوف في ليل الغمود، وسلّم تسليما. وبعد، فإن أجلّ رتب هذه الدولة الشريفة مرتقى، وأجملها منتقى، وأكرمها هاديا حلّى بعقد السّيادة مفرقا، رتبة حكّمنا مرتقيها في أرزاق الجيوش الذين هم حماة الدين وأنصاره، ولهم رواح الظّفر وابتكاره؛ ولهذا لا يحظى بتسنّمها إلا من علا مقدارا، وشكرت الدولة الشريفة له آثارا، وجيّبت «3» عليه السعادة أثوابها، وأوكفت عليه سحابها، وأنزلته ساحاتها ورحابها، وغدت لأحاديث عليائه تروي، وحمده الميسور والمنشور والمطوي. ولما كان فلان هو الذي نمت مآثره، وكرمت مفاخره، واستوت على العلياء مظاهره، وشكر استبصاره وحياطته، وكمل سلوكه منهج الفخار وجادّته، وأحصى الجنود عددا، وإن كاثروا النجوم مددا، وأحاط بالأرض المقطعة، فلم تكن نواحيها عنه ممتنعة، ولم يغادر منها شيئا إلّا أحصاه، واتّبع سبب مراضينا

حتّى بلغ أقصاه؛ فالعلم يثني عليه والعلم، والحرب والسّلم يشكرانه لمناسبة نظره القرطاس والقلم- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نرقّيه هضبة سامية العلى، فاخرة الحلى، ومنبع أرزاق أئمة الفضل وأبطالها، ورتبة شهد منالها بعدم مثالها. فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوّض إليه [نظر الجيش ... الخ] . فليباشر هذه الوظيفة المباركة، وليحلّ ذراها الأسمى، وليجمل اطّلاعه على الجيوش المنصورة حتّى لا يغادر منها اسما «1» ، لتغدو مصالحها وريقة الغراس باسقة، وعقودها نفيسة الفرائد متناسقة، وليجر نظره المبارك فيما صرّفناه فيه، آخذا بيمن السّداد من فعله وحسن التنفيذ من فيه، ملزما من تحت نظره بإتقان ما هم بصدده من العروض والأمثلة، حتّى تغدو لديه ممثّلة، محرّرا للإقطاعات وعلم خفاياها فيما نهبه ونقطعه، ونصله ونقطعه، والمقايضات وإن اختلفت، والإفراجات وإن اكتنفت، والمغلّات الآتية والأخرى التي سلفت، وما يخصّ المتّصل، من فعل المنفصل، والمتحصل والعبرة «2» ، والخاص والعدّة لذوي الإمرة؛ ومنها مصريّ لا غنى عن تحريره، وشاميّ يفتقر إلى الإتقان في قليله وكثيره؛ ولينظر فيمن له جامكيّة «3» أو إقطاع مجزل، وكلاهما في دولتنا سماك «4» : هذا رامح وهذا أعزل. هذه وصايا جمّه، وأنت غنيّ عن أن يستقصي القلم ذكرها أو يتمّه؛ والله

تعالى يجمّل به رتبه، ويبلّغه أربه، ويرفع عليه لواء المجد وعذبه «1» ؛ بعد العلامة الشريفة أعلاها الله تعالى أعلاه، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة توقيع بنظر الجيش: الحمد لله الذي أعزّ الجيوش المنصورة، وجزّ أعناق العدا بالسّيوف المشهورة، وهزّ ألوية التأييد المنشورة، وجعل الجحافل مشرفة وأجنحتها خافقة وساقتها محدقة وقلوبها مسرورة. نحمده بمحامده المذكورة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مأثورة، موصولة غير مهجورة، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أبطل من الشيطان غروره، وصان للإسلام حوزته وثغوره، وسنّ لأمّته الاستخارة والمشورة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة نوّرت من الليل ديجوره، وكثّرت لقائلها أجوره، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أحوال جيوشنا يتعيّن حسن النظر في أمرها، والقيام بموادّ نصرها، وإسعافها بناظر يحرّر جهات أرزاقها، ويضبطها مخافة افتراقها، ويأمر بنظم جرائد أسمائهم واتفاقها، ويتقن الحلى، ويبيّن يوم العرض محلّه في ارتقاء العلى، ويصون المحاسبات لكل منفصل ومتّصل من الحلل، ويسرع في الدخول والخروج ما يصل به لكلّ حقّه عند استحقاق الأجل. ولما كان فلان هو الممدوح بألسنة الأقلام، والرئيس بين الأنام، والمشكور بين أرباب السّيوف وذوي الأقلام، والمأمون فيما يعدق به من مهامّ، والعزيز المثال، والسائر بمجده الأمثال، والمنشور فضله في كل منشور، والظاهر أثره [وتحريره] «2» في الديوان المعمور، والذي شكرته المملكة الشريفة

فهو من صدورها في الصّدور. فلذلك رسم [بالأمر الشريف ... الخ] «1» فليباشر نظر هذا المنصب السعيد بأمانة تحفظ أرزاق العساكر، وتجلو الظّلام العاكر، وليحرّر جرائد التجريد، وليصن العدّة الكاملة من التّبديد، ولتكن أوراق البياكر «2» نصب عينيه حتّى إذا طلبت منه أحضرها محرّرة، وإذا وقع فيهم حركة كانت أقلامه غير مقصّرة، وليرغّب في اقتناء الثناء حتّى يصبح عنده منه جملة من الألوف، وليكن للأمانة والنّصح نعم الألوف، وليتّق الله مع أصحاب السّيوف، وليستجلب خواطر أرباب الصّفوف، وليجعل له برّا في كل أرض يطوف، وتقوى الله فهي السبيل المعروف، فلينعم بجنّتها الدانية القطوف، وليلبس بردتها الضافية السّجوف «3» ، والله تعالى ينجّيه من المخوف، بمنّه وكرمه!. وهذه وصية ناظر جيش أوردها في «التعريف» قال: وليأخذ أمر هذا الديوان بكلّيته، ويستحضر كلّ مسمّى فيه إذا دعي باسمه وقوبل عليه بحليته؛ وليقم فيه قياما بغيره لم يرض، وليقدّم من يجب تقديمه في العرض، وليقف على معالم هذه المباشرة، وجرائد جنودنا وما تضحي له من الأعلام ناشرة، وليقتصد في كل محاسبة، ويحرّرها على ما يجب أو ما قاربه وناسبه، وليستصحّ أمر كلّ ميت تأتي إليه من ديوان المواريث الحشريّة «4» ورقة وفاته، أو يخبره به مقدّمه أو نقيبه إذا مات معه في البيكار «5» عند موافاته، وليحرّر

ما تضمّنته الكشوف، ويحقّق ما يقابل به من إخراج كلّ حال على ما هو معروف، حتى إذا سئل عن أمر كان عنه لم يخف، وإذا كشف على كشف أظهر ما هو عليه ولا ينكر هذا لأهل الكشف، وليحتوز في أمر كلّ مربعة، وما فيها من الجهات المقطعة، وكلّ منشور يكتب، ومثال عليه جميع الأمر يترتّب، وما يثبت عنده وينزل في تعليقه، ويرجع فيه إلى تحقيقه؛ وليعلم أنّ وراءه من ديوان الاستيفاء من يساوقه في تحرير كل إقطاع، وفي كل زيادة وأقطاع، وفي كل ما ينسب إليه وإن كان إنما فعله بأمرنا المطاع، فليتبصّر بمن وراءه، وليتوقّ اختلاق كلّ مبطل وافتراءه، وليتحقّق أنه هو المشار إليه دون رفقته والموكل به النظر، والمحقّق به جملة جندنا المنصور من البدو والحضر. وإليه مدارج الأمراء فيما تنزل، وأمر كلّ جنديّ له ممّن فارق أو نزّل؛ وكذلك مساوقات الحساب ومن يأخذ بتاريخ المنشور أو على السّياقة، ومن هو في العساكر المنصورة في الطّليعة أو في السّاقة. وطوائف العرب والتّركمان والأكراد، ومن عليهم تقدمة أو يلزمهم روك «1» بلاد، أو غير ذلك مما لا يفوت إحصاؤه القلم، وأقصاه أو أدناه تحت كل لواء ينشر أو علم؛ فلا يزال لهذا كله مستحضرا، وعلى خاطره محضرا، لتكون لفتات نظرنا إليه دون رفقته في السؤال راجعة، وحافظته الحاضرة غنيّة عن التّذكار والمراجعة.

الوظيفة الثالثة (نظر الدواوين المعبر عنها بنظر الدولة)

الوظيفة الثالثة (نظر الدواوين المعبّر عنها بنظر الدّولة) وقد تقدّم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية أنّ موضوعها التحدّث في كل ما يتحدّث فيه الوزير، وأن كلّ ما كتب فيه الوزير «يكشف» مثلا، كتب فيه «يكشف عمّا رسم به» ونحو ذلك. وتقدّم ذكر ألقابه في الكلام على مقدّمات الولايات من هذا الفصل، وتقدّم ذكر ما يكتب في طرّة توقيعه في الكلام على التواقيع. وهذه نسخة توقيع بنظر الدواوين، كتب به لتاج الدّين بن سعيد الدولة، وهي: الحمد لله الذي خصّ من أخلص في الطاعة من آلائنا بحسن النظر، وأجنى من غرس في قلبه أصل الإيمان من عوارف أيّامنا الزاهرة يانع الثمر، ورفع من استضاء في دولتنا القاهرة بأنوار الهدى من حجول «1» الرّتب إلى مكان الغرر، وأظهر لوامع السعادة من نعمنا على من أضاء له الرّشد فرآه بعين البصيرة قبل البصر. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة هي أرفع ما يقتنى وأنفع ما يدّخر، وأفضل ما نجت به الفرقة الموحّدة وهلكت به الفرق الأخر، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أشرف البشر، وأرأف البدو والحضر، والمبعوث إلى الأمم كافّة لما قضاه الله تعالى من سعادة من آمن وشقاوة من كفر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الميامين الغرر، صلاة دائمة الورد والصّدر، باقية العين والأثر، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من خصّه برّنا بالنظر الحسن، وشمله كرمنا من الرّتب بما يهجر في بلوغ مثله الوسن، واشتمل عليه معروفنا بما يجعل يراعه في

مصالح الدولة القاهرة جميل العبارة حسن اللّسن، من سمت به نفسه إلى سعادة الآخرة فأتته سعادة الدنيا تابعة، وسلك في مراضي الدولة القاهرة طريق الإخلاص فغدت لكلّ خير حاوية ولكلّ يمن جامعة؛ مع كفاءة جاءت المناصب على قدر، ومعرفة ما لحظت المصالح بأقرب نظر، إلا نمّت الأموال وبدرت البدر، وخبرة ما اعتبرت فيها محاسن سيرته في كل ما يباشره إلا صغّر خبرها الخبر، ونزاهة سلكت به في كل ما يليه أحسن المسالك، وعفّة رفعته من الرتب الديوانيّة إلى مفارقها ولا رتبة للتّاج إلا ذلك. ولمّا كان فلان هو الذي اجتنى من إحسان الدولة القاهرة بالطاعة أفضل الجنى، وفاز من عوارفها العميمة بجميل المخالصة ما زاد على المنى، وانتمى من أدوات نفسه إلى كمال المعرفة والعفّة وهما أفخر ما يدّخر للرّتب الجليلة وأنفس ما يقتنى، وعني من أسباب استحقاقه المناصب بما اقتضى إحسان الدولة القاهرة أن يحتفل بتقديمه وأن يعتنى. فلذلك رسم أن يفوّض إليه نظر الدواوين المعمورة: فليباشر ذلك محلّيا هذه الرتبة بعقود تصرّفه الجميل، ومجلّيا في هذه الحلبة بسبق معرفته الذي لا يحتاج إلى دليل، ومبيّنا من نتائج قلمه ما يبرهن على أنه موضع الاختيار، ومن كوامن اطّلاعه ما لا يحتاج إلى برهان إلا إذا احتاج إليه النّهار، فلا يزال فرع يراعه في روض المصالح مثمرا، وليل نقسه في ليل الأعمال مقمرا، وحسن نظره إلى ما قرب ونأى من المصالح محدقا، ولسان قلمه لما دقّ من أمور الأقاليم محقّقا، ورسم خطّه لما يستقرّ في الدواوين المعمورة مثبتا، ووسم تحريره لما يجتنى من غروس المصالح منبتا، ولدرّ أخلاف الأعمال، بحسن الاطّلاع محتلبا، ولوجوه الأموال، بإنفاق التوجه إلى تثميرها إن أقبلت مجتليا وإن أعرضت مختلبا؛ فإنّ الأمور معادن يستثيرها التصرف الجميل، ومنابت ينمّيها النظر الجليّ والإتقان الجليل. وملاك كلّ أمر تقوى الله تعالى فليجعلها إمامه، ويتخيّلها في كلّ حال أمامه؛ والله تعالى يوفّقه بمنه وكرمه!.

قلت: وربّما أضيف إلى نظر الدواوين المعمورة نظر الصّحبة الشريفة الآتي ذكرها، وكتب بهما جميعا لشخص واحد. وهذه نسخة توقيع «1» بهما جميعا، كتب بها لتاج الدّين بن سعيد الدولة على أثر إسلامه، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي، وهي: الحمد لله الذي خصّ من أخلص في الطاعة من آلائنا بحسن النظر، وأجنى من غرس في قلبه أصل الإيمان من عوارف أيّامنا الزاهرة يانع الثمر، ورفع من استضاء في دولتنا القاهرة بأنوار الهدى من حجول الرّتب إلى مكان الغرر، وأظهر لوامع السعادة من نعمنا على من أضاء له الرّشد فرآه بعين البصيرة قبل البصر. نحمده على إحسانه الذي عمر، وامتنانه الذي بهر، وفضله الذي عمّ كلّ من ظهر له الهدى فلم يعارض الحقّ إذا ظهر. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة هي أرفع ما يقتنى وأنفع ما يدّخر، وأوضح ما نجت به الفرقة الموحّدة وهلكت به الفرق الأخر، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أشرف البشر، وأرأف البدو والحضر، والمبعوث إلى الأمم كافّة لما قضاه الله من سعادة من آمن وشقاوة من كفر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الميامين الغرر، صلاة دائمة الورد والصدر، باقية العين والأثر، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من خصّه برّنا بالنظر الحسن، وشمله كرمنا من الرّتب بما يهجر في بلوغ مثله الوسن، واشتمل عليه معروفنا بما يجعل يراعه في مصالح الدولة القاهرة جميل العبارة حسن اللّسن، من سمت به نفسه إلى سعادة الآخرة فأتته [سعادة] «2» الدنيا تابعة، وسلك في مراضي الدولة القاهرة طريق

الإخلاص فغدت لكل خير حاوية ولكل يمن جامعة؛ مع كفاءة جاءت المناصب على قدر، ومعرفة ما لحظت المصالح بأقرب نظر إلا نمّت الأموال وبدرت البدر، وخبرة ما اعتبرت فيها محاسن سيرته في مباشرة إلا صغّر خبرها الخبر، ونزاهة سلكت به في كل ما يليه أحسن المسالك، وعفّة رفعته من الرتب الديوانية إلى غررها ولا رتبة للتّاج إلا ذلك. ولما كان فلان هو الذي اجتنى من إحسان الدولة القاهرة بالطاعة أفضل الجنى، وفاز من عوارفها العميمة بجميل المخالصة ما زاد على المنى، وانتمى من أدوات نفسه إلى كمال المعرفة والعفّة وهما أفخر ما يدّخر للرتب الجليلة وأنفس ما يقتنى، وعني من أسباب استحقاقه المناصب والرتب بما اقتضى إحسان الدولة القاهرة أن يحتفل بتقديمه وأن يعتنى- فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوّض إليه نظر الدواوين المعمورة ونظر الصّحبة الشريفة. فليباشر ذلك محلّيا هذه الرتبة بعقود تصرّفه الجميل، ومجلّيا في هذه الحلبة بسبق معرفته التي لا تحتاج إلى دليل، ومبيّنا من نتائج قلمه ما يبرهن على أنه موضع الاختيار، ومن كوامن اطّلاعه ما لا يحتاج إلى برهان إلا إذا احتاج إليه النّهار؛ فلا يزال فرع يراعه في روض المصالح مثمرا، وليل نقسه في ليل الأعمال مقمرا، وحسن نظره إلى ما قرب ونأى من المصالح محدقا، ولسان قلمه لما دقّ وجلّ من أمور الأقاليم محقّقا، ورسم خطّه يستقرّ في الدواوين المعمورة مثبتا، ووسم تحريره لما يجتنى من غروس المصالح منبتا، ولدرّ أخلاف الأعمال بحسن الاطّلاع محتلبا، ولوجوه الأموال، بإنفاق التوجّه إلى تثميرها إن أقبلت مجتليا وإن أعرضت مختلبا، فإن الأمور معادن يستثيرها التصرف الجميل، ومنابت ينمّيها النظر الجليّ والإتقان الجليل؛ وملاك كلّ أمر تقوى الله تعالى فليجعلها إمامه، ويتخيّلها في كل وقت أمامه، والله تعالى يوفّقه بمنّه وكرمه، والخطّ الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه.

الوظيفة الرابعة (نظر الصحبة)

الوظيفة الرابعة (نظر الصّحبة) [وموضوعها أن صاحبها يتحدث مع الوزير في كل ما يتحدّث ويشاركه في الكتابة في كل ما يكتب فيه ويوقع في كل ما يكتب فيه الوزير.] «1» . [وهذه نسخة توقيع بنظر الصحبة] «2» كتب به للشريف شهاب الدين ناظر الصّحبة، من إنشاء الشهاب محمود الحلبيّ، وهو: الحمد لله الذي جعل الشرف حيث حلّ ركابنا مصاحبا، وأطلع للفضل في أفق خدمتنا من أولياء دولتنا شهابا ثاقبا، وعدق النظر في صحبتنا بمن لم يزل لمصالحنا ملاحظا ولأوامرنا مراقبا، وفوّض أمور مباشرة حال من اجتهد أو قصّر في خدمتنا إلى من لم يزل بنفسه في واجب الطاعة منافسا وعلى فرض الموالاة محاسبا. نحمده حمد من أجمل في أوليائنا نظرا، وخصّ بالنظر في صحبتنا من اختبرت خدمته فتساوت في الطاعة والمناصحة سفرا وحضرا، واعتمد في ملاحظة مباشري ما يمرّ عليه من ممالكه على من لا يهمل له حقّا ولا يحدث له ضررا. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا تزال جيوشنا لإعلاء منارها مجهّزة، وسرايانا إلى مقاتل جاحديها البارزة مبرّزة، ووعود النصر على من ألحد فيها لنا معجّلة وعلى أيدينا منجّزة، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أنهضنا الله من جهاد أعداء دينه بما فرض، وأيقظنا لرفع أقدار أهل بيته فلم يقصّر بأحد منهم في أيّامنا أمل ولا بعد عليه غرض، وخصّنا منهم بمن تسمّك بجوهره الأعلى فلم يتعرّض من هذا الأدنى إلى عرض، صلّى الله عليه وعلى آله

وصحبه الذين ما منهم إلا من (يكاد يمسكه عرفان راحته) ، وإلّا المؤثر طاعة الله ورسوله وأولي الأمر على راحته، صلاة دائمة الاتّصال، آمنة شمس خلودها من الغروب والزّوال، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من اخترناه لصحبتنا الشريفة على علم، وأعددناه لمهمّاتنا الكريمة لما فيه من تسرّع إدراك وتثبّت في حكم، وبسطنا له فيما عدقناه به من ذلك لسانا ويدا، وحفظنا به الأحوال من [وصول] «1» مسترق السّمع إليها فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً «2» وادّخرنا أقلامه لمصالح كلّ إقليم يمر ركابنا الشريف عليه، وفوّضنا مناقشة مباشريه على ما أهملوه من حقوق الله تعالى وحقوق الرّعايا إليه، وأقمناه لتصفّح ذلك بنفسه، وتلمّح زيادة كلّ يوم على أمسه، وانتزاع الحقّ ممن مدّ يده إلى ظلم بكفّ كفّه عنه ورفع يده، وارتجاع الواجب ممّن أقدم عليه بالباطل في يومه واطّرح المؤاخذة به في غده، وغير ذلك مما أحصاه الله ونسوه، واعتمدوا فيه على المصلحة فاجتنوا ثمرة ما غرسوه- من كان له في المناصحة قدم صدق عند ربّه، وفي خدمة الدولة القاهرة قدم هجرة تقتضي مزيد قربه؛ فكان أبدا بمرأى من عنايتنا ومسمع، ومن إحساننا بالمكان الذي ليس لأحد من الأكفاء في بلوغ غايته أمل ولا مطمع، وتفرّد باجتماع الدّين والمنصب والأصالة والعلم والكرم وهذه خلال الشرف أجمع. ولمّا كان فلان هو الذي اجتنى من إحسان الدولة القاهرة بالطاعة أفضل الجنى، وفاز من عوارفها العميمة بجميل المخالصة ما زاد على المنى، وانتمى من أدوات نفسه ونسبه إلى كمال المعرفة والعفّة وهما أفخر ما يدّخر للرّتب الجليلة وأنفس ما يقتنى، وعني من أسباب استحقاقه المناصب والرتب بما

اقتضى إحسان الدولة القاهرة أن يحتفل بتقديمه وأن يعتنى. فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوّض إليه نظر [الصحبة الشريفة] «1» . فليباشر ذلك محلّيا هذه الرتبة بعقود تصرّفه الجميل، ومجلّيا في هذه الحلبة بسبق معرفته التي لا تحتاج إلى دليل، ومبيّنا من نتائج قلمه ما يبرهن على أنه موضع الاختيار، ومن كوامن اطّلاعه ما لا يحتاج إلى برهان إلا إذا احتاج إليه النّهار؛ فلا يزال فرع يراعه في روض المصالح مثمرا، وليل نقسه في ليل الأعمال مقمرا، وحسن نظره إلى ما قرب ونأى من المصالح محدقا، ولسان قلمه لما دقّ وجلّ من أمور الأقاليم محقّقا، ورسم خطّه لما يستقرّ في الدواوين المعمورة مثبتا، ووسم تحريره لما يجتنى من غروس المصالح منبتا، ولدرّ أخلاف الأعمال بحسن الاطلاع محتلبا، ولوجوه الأموال بإنفاق التوجّه إلى تثميرها إن أقبلت مجتليا وإن أعرضت مختلبا، فإنّ الأمور معادن يستثيرها التصرّف الجميل، ومنابت ينمّيها النظر الجليّ والاتقان الجليل؛ وملاك كل أمر تقوى الله تعالى فليجعلها إمامه، ويتخّيلها في كل حال أمامه؛ والله تعالى يسدّده ويوفّقه بمنّه وكرمه!؛ إن شاء الله تعالى. قلت: وربّما أضيف إلى نظر الصّحبة نظر الدواوين الشريفة، وحينئذ فيحتاج الكاتب أن يأتي في براعة الاستهلال بما يقتضي الجمع بينهما، ويورد من الوصايا ما يختصّ بكل منهما. والكاتب البليغ يتصرّف في ذلك على وفق ما يحدث له من المعاني ويسنح له من الألفاظ.

الدرجة الثانية (من تواقيع أرباب الوظائف الديوانية بالحضرة بالديار المصرية

الدرجة الثانية (من تواقيع أرباب الوظائف الدّيوانية بالحضرة بالديار المصرية ما يكتب في قطع الثلث: ب «المجلس الساميّ» بالياء، مفتتحا ب «الحمد لله» إن قصد تعظيم المكتوب له على ما هو الأكثر، أو ب «أمّا بعد حمد لله» جريا على الأصل لما يكتب في قطع الثلث، على ما تقف عليه في النّسخ) وتشتمل على وظائف: الوظيفة الأولى (كتابة الدّست) والمراد دست السلطنة. وقد تقدّم الكلام عليها في مقدّمة الكتاب في الكلام على ديوان الإنشاء، وتقدّم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية أنّ موضوعها أن يجلس أصحابها بدار العدل أيّام المواكب خلف كاتب السرّ، ويقرأون القصص على السلطان بعد قراءة كاتب السرّ، ويكتبون عليها بما تقتضيه الحال، بعد إشارة السلطان بالكتابة؛ ثم يحمل ما يكتبون عليه من القصص إلى كاتب السرّ فيعيّنها. وأنّ هذه الوظيفة كانت من أجلّ الوظائف وأرفعها قدرا، منحصرة في عدد قليل نحو الثلاثة «1» فما حولها، ثم وقع التساهل في أمرنا، ودخل فيها العدد الكثير حتّى جاوز عددهم العشرين، وبقيت الرياسة فيهم لعدد مخصوص منهم، وقنع الباقون بالاسم. وقد تقدّم ذكر طرّة توقيعه في الكلام على التواقيع. وهذه نسخة توقيع بكتابة الدّست، وهي: الحمد لله الذي فضّل الكرام الكاتبين، وأحيا بفضائل الآخرين الأوّلين

الذاهبين، وأنزل في القصص لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ «1» نحمده وهو المحمود المعين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة قوم مخلصين، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين، ورسول ربّ العالمين، والشافع في المذنبين من المؤمنين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة باقية إلى يوم الدّين، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ العدل الشريف دار جدرانها الأمر المطاع، وأبوابها الخير الذي لا يضاع، وسقفها الرحمة والاتّضاع، وصدرها الإحسان المديد الباع، وصحنها الأمن والسّرور فلا يخاف أحد فيه ولا يراع، وجلساؤها الكاتبون عارضو الرّقاع؛ وهم معدن الصّدارة، وموطن الكتابة والكناية والإشارة، وأقلامهم تأتي بحسن التشبيه والاستعارة، وتطرّز حواشي الرّقاع بوشي بادي الإنارة؛ ما اختير أحدهم للجلوس في دسته إلا وقد أرضى من اختاره، وتميّز بحسن السّمت والوفاء والوقار والشّارة. ولما كان فلان هو الذي له في السّؤدد أصل عريق، وفي الفضائل له قلم مطيق، وفي البلاغة له لسان منطيق، وإذا دبّج قرطاسه فهو للروض شقيق، ونباته الجوهر لا الآس والشّقيق، وأصبح للجلوس في الدّست الشريف أهلا على التحقيق. فلذلك رسم أن يستقر [في كتابة الدست ... الخ] «2» فليحلّ هذا الدّست الشريف مبهجا ببيانه، مثلجا للصّدور بعرفانه، متبلّجا بنور يده ولسانه، قارئا من قصص الناس وظلاماتهم في إيوانه كلّ شيء في أوانه، لا يكتم ظلامة مكتوبة في رقعة، بل يعرّف ملكه بها ويبلّغها سمعه، فإنه في هذا المحلّ أمين والأمين محلّ النّصح والخير والرّفعة؛ وإذا وقّع فهو مأمور، فليأت بما يبهج الصّدور،

ويشفي غليل الشاكي، بلفظه الزاكي، والوصايا كثيرة لكن [سنلمّ ببعضها الحاكي وهو تقوى] «1» الله فهي تاجها المجوهر، وبدرها المنوّر، وكوكبها الأزهر، والله تعالى يمتّعه بالفضل الذي لا يحوّل ولا يتغيّر؛ بمنّه وكرمه! إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة توقيع من ذلك أيضا، وهي: الحمد لله الذي أفاض على الأولياء من فضله، وأهمى عليهم من مواهبه ما يقصر عنه الغمام في وبله وطلّه، ومنح دست الملك الشريف من الألفاظ المجيدة، والفضائل المفيدة. نحمده على نعمه التي أجزلت إحسانها، وأجملت امتنانها، وبزغت مزهرة فقدّمت من الدولة أعيانها، ونشكره على عوارفه التي ألقي لأهل الثناء عنانها، ورحب لذوي البيوت صدرها وفضّ عنوانها. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تشهد القلوب إيمانها ويدّخر القائل لها ليوم المخاف أمانها، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أظهر الله به الشريعة المطهّرة وأبانها، وشرّف به هذه الأمّة ورفع على جميع الأمم شانها، وبعثه رحمة إلى كافة الخلق فأقام بمعجزاته دليل الهداية وبرهانها، وأطفأ بنور إرشاده شرر الضّلالة ونيرانها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ما منهم إلا من نزّه نفسه النفيسة وصانها، وسلك في خدمته وصحبته الطريقة المثلى فأحسن إسرار أموره وإعلانها، صلاة دائمة باقية تجمّل بالأجور اقترانها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنه لمّا كانت وظيفة توقيع الدّست الشريف من أجلّ الوظائف وأسناها، وأنفسها وأعلاها، وأجملها وأبهاها؛ القائم بها سفير الرعيّة إلى الملك

الوظيفة الثانية (نظر الخزانة الكبرى)

في حاجتهم، وترجمان معرب عن شكايتهم، وكاشف أحسن ناشر عن ظلامتهم، جالس على بساط الأنس بقرب الحضرة، منفّذ نهي مليكه وأمره، مبلّغ ذا الحاجة من إنعامه جوده وبرّه- تعين أن يندب رئيس وابن رئيس، وجوهر بحر نفيس، ذو أصل في السّؤدد عريق، ولسان في الفضائل طليق، وقلم حلّى الطّروس بما يفوق زهر الرياض وهو لها شقيق، وفاضل لا يقاس بغيره لأنه الفاضل على التحقيق؛ وكان المقرّ العالي الفلانيّ هو المشار إليه بهذه الأولويّه، والمراد من سطور هذه المحامد اللّؤلؤيّة؛ فلذلك رسم بالأمر العالي أن يستقرّ المشار إليه في وظيفة توقيع الدّست الشريف عوضا عن فلان بحكم وفاته. فليباشر ذلك مباشرة تشكر مدى الزمان، وتحمد في كلّ وقت وأوان، وليدبّج المهارق بوشي يفوق قلائد العقيان «1» ، وليملأ بالأجور لنا صحفا بما يوحيه عنا من خيرات حسان، ونحن فلا نطيل له الوصايا، ولا نحلّيه بها فهي له سجايا؛ مع ما أدّبه به علمه الجمّ، وعمله الذي ما انصرف إلى شيء إلا تمّ، ويجمعها تقوى الله تعالى وهي عقد ضميره، وملاك أموره؛ وما برح هو وبيته الكريم مصابيح أفقها ومفاتيح مغلقها، ولهم جدد ملابسها وللناس فواضل مخلقها؛ والله تعالى يزيده من إحسانه الجزيل، ونعمه التي يرتدي منها كلّ رداء جميل، ويمتّعه بإمارته التي ما شكر بها إلا قال أدبا: حسبنا الله ونعم الوكيل؛ والاعتماد في مسعاه، على الخط الكريم أعلاه. الوظيفة الثانية (نظر الخزانة الكبرى) وقد تقدّم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصريّة أنّ هذه الوظيفة كانت كبيرة الموضع من حيث إنها مستودع أموال المملكة، إلى أن حدثت عليها خزانة الخاصّ فانحطّت رتبتها حينئذ، وسمّيت الخزانة الكبرى باسم هو أعلى

منها، وأنه لم يبق فيها سوى خلع تخلع وتصرف أوّلا فأوّلا. وقد تقدّم ما يكتب في طرة توقيع ناظرها. وهذه نسخة توقيع بنظر الخزانة: الحمد لله الذي جعل الخزائن لذخائرنا كهوفا، وملابس إقبالنا شنوفا «1» ومواهبنا تجزل عطاء ومعروفا، وإقبالنا على محسن التدبير ومجمل التأثير عطوفا، وأيادينا في إسكان جنّتها قطوفا. نحمده حمدا مألوفا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أوضحت معروفا، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أزال مخوفا، وأقام الصلاة والجهاد صفوفا، وشهر على العدا عند تأييد الهدى سيوفا، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه ما سدل الليل سجوفا، وسلّم تسليما. وبعد، فإن الملك الشريف له تحف مصونة، وذخائر مكنونة، وأصناف حسان في خزائننا مخزونة، وجواهر عالية القيمة ثمينة [لا يقوم عليها إلا من] «2» لا يمدّ عين عفافه إلى المال وإن كثرت آلافه، وولج لجّة هذه الذخائر ولم تلمّ بالبلل أطرافه؛ وهو فلان: العريق في انتسابه، الوثيق انتماؤه إلى فضل الله وجنابه؛ النقيّ ثوب عرضه، التّقيّ بتمسّكه بسنّته وفرضه، الوفيّ نظره بغضّه، المستمسك بجميع الخير دون بعضه، من بيت السيادة ومن هو من بيت السّيادة فالسّؤدد نجم سمائه وطود أرضه. فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يستقرّ..... فليباشر هذه الوظيفة بعمل ونيّة، متسلّما ذخائر هذا الخزانة العليّة، وأمورها وأحوالها، وتفصيلها وإجمالها، وحمولها وأحمالها وحللها المرقومة، وذخائرها المعلومة، وجواهرها المنظومة، وأكياسها المختومة،

وصناديقها المركومة، ما عن علمه فيها شيء خاف، وصونه لها كاف، وأمر الله بين النّون والكاف «1» . وليعلم أن خزائننا تصبّ فيها سحائب التّحف والأموال والأصناف، من سائر الممالك والمدن والثّغور والأطراف، ومنها يخرج بجهاز مواهبنا وإنعامنا للأولياء الأشراف، وإنما هي لمصالح المسلمين في الجمع والائتلاف، وتقوية أهل الطاعة على أهل الاختلاف؛ فليضبط ما تطلقه وإن كانت الأقلام لا تستطيع ذلك لكثرة الإسعاف، ولتكن التشاريف «2» المثمنة الكاملة، حاصلة بمناطقها «3» المجوهرة الهائلة، وطرزها الطائلة، وتعابيها الفاضلة، حتّى إذا أنعمنا منها على أحد بشيء يأتي بحموله وقد حمد فاعله. والوصايا كثيرة وتقوى الله نظام عقدها، وغمام رفدها، وزمام مجدها، وتمام سعدها؛ فليكن متلفّعا ببردها، متضوّعا بندّها «4» ، وهو غنيّ عن الوصايا ومدّها، والله تعالى يؤيّد حركاته في قصدها؛ والخطّ الشريف أعلاه، حجة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى. وهذه وصية لناظر الخزانة، أوردها في «التعريف» . وليملأ بنظره صدور الخزائن، وليجمع فيها أشتات المحاسن، وليعدّ فيها كلّ ما يدّخر للإنفاق، ويحتفظ به للإطلاق، ويحصّل ما يضاهي البحر بالتفريع والتأصيل، والجمل والتّفاصيل، وما لا يوزن إلا بالقناطير، ولا يحصي منّه ملء

الأساطير، وما يهيّأ من التشاريف الشريفة التي تباهي أشعّة الشّموس بلمعها، وتحاسن وشائع «1» الروض بخلعها، وما فيها من مخلّقات ألوان لا تماثل بتصوير، ولا يظنّها الأولياء إلا الجنة ولباسهم فيها حرير، وما تحتوي عليه من عتّابيّ وأطلس، ومشربش ومقندس «2» ؛ وكلّ طراز مذهب وباهي، وما هو من ذهب أو له يضاهي، وكلّ ما يتشرّف به صاحب سيف وقلم، ويعطى إنعاما أو عند أوّل استخدام في خدم، وما هو مع هذا من أنواع المستعملات، والنواقص والمكمّلات، وما يحمل من دار الطّراز «3» ، ويحمد مما يأتي من المبتاع من بزّ وبزاز، وما هو مرصد للخزانة العالية من الجهات، التي يحمل إليها متحصّلها لينفق في أثمان المبيعات، وما يستعمل، وما يعلّم منه بالطّرز ويعمل، وبقية ما يدّخر في حواصلها من مال بيت المال الذي يحمل؛ وذلك كلّه فهو الناظر عليه، والمناظر عنه مما خرج من عنده ووصل إليه، والمحاجج عنه بالمراسيم التي تشك للحفظ وتنزل لديه؛ فليراع ذلك جميعه حقّ المراعاة، وليحرّر قدر ما ينفق من الأثمان وقيمة المبيعات، وليحترز فيما يزكّي بعضه بعضا من شهادة الرسائل المكتتبة إليه بالحمول وما يكتب بها من الرّجعات، وليعر المعاملين من نظره ما لا يجدون معه سبيلا، ولا يقدرون معه على أن يأخذوا فوق قدر استحقاقهم كثيرا ولا قليلا، وليقدّم تحصيل كل شيء قبل الاحتياج إليه ويدعه لوقته، ولا يمثل لديه إلا سرعة الطلب الذي متى تأخرّ أخّر لوقته؛ والأمانة الأمانة والعفاف العفاف فما كان منهما واحد رداء امريء إلّا زانه، ولولا هما لما قال

الوظيفة الثالثة (نظر خزانة الخاص)

له الملك إنّك اليوم لدينا مكين أمين وسلّم إليه الخزانة. الوظيفة الثالثة (نظر خزانة الخاصّ) وهي الخزانة التي استحدثت في الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون» عند استحداث وظيفة «نظر الخاصّ» وقد انتقل ما كان يحمل إلى الخزانة الكبرى ويصرف منها إلى هذه الخزانة، سوى الخلع، كما تقدّمت الإشارة إليه في الكلام على توقيع ناظر الخزانة الكبرى. وهذه نسخة توقيع بنظر خزانة الخاص، كتب به للقاضي شرف الدين محمد بن علاء الدين الجوجريّ «1» ، في مستهلّ شهر رجب الفرد، سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، وهي: الحمد لله الذي زاد بنظرنا الشريف شرف من لمحه من أوليائنا ولحظه، وأفاد المستأنف من برّنا من عهدنا له الفطرة السليمة وتيقّنّا منه الفكرة واليقظة، وأعاد للخلف الكريم، من المشايخ ما كان للسّلف القديم الصالح من التقديم، الذي شملهم بالتكريم، وجعلهم على خزائن جودنا العميم: لأنهم العلماء الحفظة، وجاد بالطّرف من خاصّ إنعامنا العامّ لمن لقلمه عند الإدناء من سرير الملك إنجاز عدة وللسانه عند ارتقاء منبر النّسك إبراز عظة. نحمده على أن أجزل لمن عوّل على شامل كرمنا جزاءه وعوضه، ونشكره على أن تطوّل بنوافل نعمنا لمن قام بعد أبيه بلوازم خدمتنا المفترضة، وعكف أعمالنا على بيت مبارك ما منهم إلا من شمل من إحساننا بالمنح لما بذل لسلطاننا من النّصح ومحضه. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يودع مصونها في الأرائك

المتعلّية ويقطع يقينها الشكوك المعترضة، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي عظمت عطايا بذله، فالبحار المرتفعة عنها منخفضة، وكرمت سجايا فضله، فليست بمنتقلة وأبرمت قضايا عدله، فليست بمنتقضة، وعمّت البرايا يده البيضاء التي هي بالأرزاق في الآفاق منبسطة وليست عن الإنفاق خشية الإملاق منقبضة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ما منهم إلا من أقرض الله قرضا حسنا فضاعف له ما أقرضه، صلاة تدني لقائلها في الأولى من النّعمة والأمان أمله وتؤتيه في الأخرى من الرحمة والرضوان غرضه، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن أولى من رفع بإكرامنا إلى رتبة علائه، وانتفع من مقامنا الشريف باختصاص خدمته وإخلاص ولائه- من شفع مزاياه بجمع أشتات العلوم في أبكاره وآنائه، واستودع ذخائر ملكنا المصونة فكان حفيظا عليما عند اقترابه منّا وإدنائه، وصدع القلوب بإيداع وعظه وإبدائه، واتّبع سبيل والده القويم، في الشّدّة في الحق والتّصميم، وسلك طريقته التي هداه الله إليها بتوفيقه فأدرك غايته في ابتدائه، وقنع بما آتاه الله تعالى فآثرت مكارمنا رفعة محلّه وتوسعة حبائه، وبرع في إتقان الفضائل التي آذنت بإصطفائه واجتبائه، ووقع عليه اختيارنا الذي نستخير الله تعالى له في إبرام كلّ أمر وإمضائه، وأجمع عليه رأينا الذي كم أصاب الصواب في تعيين العلماء الأنجاب فنصّ عليه الاستحقاق بإيجاب الترجيح واقتضائه. وكان المجلس السامي الشّرفيّ هو الذي قدّمناه بعد أبيه لشهادة خزائننا الشريفة فشاهدنا من حسن سيره ما أبهج، ونظمناه في سلك أولياء الملك فسلك من الخير أقوم منهج، ثم أردنا الآن أنّ هلاله ينتقل إلى رتبة الكمال لمّا تدرّب وتدرّج، وأعدنا له تامّ الإقبال حيث شرف دولتنا الأعلى- زاد الله تعالى تأييده- بذكره لدينا وبشكره عندنا يلهج- فاقتضى حسن الرأي الشريف أنّ هذا النظر

الوظيفة الرابعة (نظر البيوت والحاشية)

الجميل عنه لا يخرج، وهذا الوقر «1» الجليل لا يعدل به عن فرع منجب لأصل طيّب أثمر الولاء والدّعاء لأيّامنا الشريفة وأنتج. فلذلك رسم [بالأمر الشريف.. الخ] «2» لا زالت الصدور بصدور أحكامه تثلج، والأمور بمرور إنعامه تفضل على الحقّ الأبلج- أن يستقرّ [في نظر خزانة خاصّنا.. الخ] «3» فلينطق لسان كلمه بالإخلاص في حمد الخاصّ والعامّ من هذا الإكرام الذي بمطارفه تسربل وبعوارفه تتوّج، وليطلق سنان قلمه في تبييض المصاحف بذكر إنعام المقام الذي هو كالبحر ويفصح عن حمده فهو بحمد الله لا يتلجلج، وليحقّق ببيان حكمه ضبط الأصل والخصم والواصل والحاصل والمحضر والمخرج، ولينفق في أوليائنا من عوائد صلات نعمائنا التي تقبضها أيدي ملوك المدائن ببسط ومن بعضها صدور الخزائن تحرج، وليسلك سنن أبيه التي بها يستظهر ويفتخر ويستدلّ ويحتجّ، ويستمسك بسببه الأقوى من الدّيانة التي بابها من النجاة في الدارين غير مرتج؛ ونترك له تفصيل الوصايا لأنه قرين كفيل ملكنا القويّ الأمين ذي الإرشاد والسّداد فمع مرافقته في الإصدار والإيراد والتّكرار والتّعداد لم يحتج، والله تعالى يجعل الطّروس بذكر تقديمه تحبّر وتدبّج، والدروس تنشر وعلومه تعطّر وتتأرّج، بمنّه وكرمه، إن شاء الله تعالى. الوظيفة الرابعة (نظر البيوت «4» والحاشية) وقد تقدّم أنّ موضوعها التحدّث في كل ما يتحدّث فيه أستاد الدار «5» ، وتقدّم الكلام على ما يكتب في طرّة تقليد ناظرها.

وهذه نسخة توقيع بنظر البيوت والحاشية: الحمد لله الذي عمّر البيوت بنواله، وكثّر فيها أصناف النّعم بإفضاله، وجعل فيها الخير يتضاعف مع كلّ يوم بتجدّده ومع كلّ شهر بإقباله. نحمده على مديد ظلاله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد صادق في مقاله، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي رحم الله العالمين بإرساله، وسقى الجيش من كفّه بنبع زلاله، وأوى إلى المدينة دار هجرته وانتقاله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الناصرين لهذا الدين في كل حاله، وسلّم تسليما. وبعد، فإنّ طراز الملك الشريف البيوت الكريمة: فمنها يتفجّر ينبوع الرّزق الجاري، ومنها يضيء سقط الزّند «1» الواري؛ ومنها تبسط الخوانات «2» ، وتمدّ الأسمطة في المهمّات؛ ومنها يقوم للسعد نصبات «3» وأيّ نصبات، ومنها تقسّم ألوان الطيّبات على مقترح الشهوات، وعماد أمرها على ناظر يقوم بتأصيلها وتفريعها، وتجنسيها وتنويعها، وتكثير حاصلها، واستدعاء واصلها، وجمع كلّ ما فيه مرغوب، وادّخار كلّ ما هو محبوب، وتأليف القلوب على شكره وجلّ ما فيها عمل القلوب. ولمّا كان فلان هو الرشيد في فعله، المأمون في فضله، الأمين في عقده وحلّه، المسدّد في الحال كلّه، المعطي المباشرة حقّها على ما ينبغي في الشهر من مستهلّه، فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يستقرّ [في نظر البيوت.. الخ] . فليباشر هذه الوظيفة الكريمة مستجلبا المنافع، مشنّفا بحسن سيرته المسامع، طالعا من العفاف في أبهى المطالع، مستدعيا ما جرت العادة باستدعائه من

أصناف «1» المتجر السعيد من أصناف متعدّدة، وأنواع منضّدة، وليزح أعذار المصالح السعيدة من كلّ صنف على حدة، وليستجلب خواطر المعاملين بوفائهم وإنجازهم كلّ عدة؛ والرواتب اليوميّة ليصرفها لمستحقّها، والبيوتات فليسدّ خللها حتّى لا يظهر نقص فيها، ومرتّبات الآدر «2» الشريفة فلتكن نصب عينيه على ما يرضيها؛ وما اخترناه لهذه الوظيفة إلا لأنّه أنسب من يليها. والوصايا كثيرة وتقوى الله فلتكن أطيب ثمرات يجتنيها، وأحسن منحات يجتليها، وأزين زينة يحتليها، وهو غنيّ عما تشافهه به الأقلام من فيها؛ والله تعالى يصون هممه ويعليها، بمنّه وكرمه، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة توقيع بنظر البيوت: الحمد لله الذي جدّد لأوليائنا ملابس السّعود، وشيّد لهم مباني العزّ وضاعف لقدرهم الترقّي والصّعود، ووالى [إليهم] «3» سحائب الفضل المستهلّة بالكرم والجود. نحمده على نعمه الضافية البرود، ومننه الصافية الورود، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرغم بها أنف الجحود، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله صاحب الحوض المورود واللّواء المعقود، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين جاد كلّ منهم بماله ونفسه في رضاه والجود بالنّفيسين أقصى غاية الجود، صلاة دائمة الإقامة في التهائم والنّجود، مستمرّة الإدامة ما تعاقب السّحاب روضا بجود، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن أولى من غدت البيوت آهلة بوفود نظره، عامرة بسداده وجميل

الوظيفة الخامسة (نظر خزائن السلاح)

فكره، مشيّدة بما يبديه من أوضاح التقرير وغرره- من سما همّة وحسن سمتا، وسلك في الأمانة طريقا لا عوج فيها ولا أمتا «1» ، وحلّ في الرّتب فحلّاها، وتنقّل فيها فما قالت له إيه إلا وقال الذي فارقها آها؛ وكان فلان هو الذي استحقّ بكفايته حسن التنقّل، واستوجب الصّلة والعائد لما فيه من جميل التأتّي والتوصّل- اقتضى حسن الرأي الشريف أن ننقله إلى رتب السعادة، وأن نخصّه كلّ حين من نعمنا بالحسنى وزيادة، فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يستقرّ ... فليضبط أصولها وفروعها، ومفردها ومجموعها، وليؤنس بحياطة اجتهاده ربوعها، وليكفلها بأمانة تضمّ أطرافها، ونزاهة تحلّي أعطافها، وكتابة تحصر جليلها ودقيقها، ونباهة توفّي شروطها وحقوقها، وليحرّر واردها ومصروفها، ليغدو مشكور الهمم موصوفها، وليلاحظ جرائد حسابها، ويحفظ من الزيغ قلم كتّابها، حتّى ينمي تصرّفه فيها على الأوائل، ويشكر تعرّفه وتعطّفه على كل عامل ومعامل؛ والله تعالى يبلّغه من الخير ما هو آمل، بمنّه وكرمه، إن شاء الله تعالى. الوظيفة الخامسة (نظر خزائن السّلاح) وقد تقدّم أنّ موضوعها التحدّث فيما يستعمل ويبتاع من أنواع السّلاح الذي يحمل للزّردخاناه «2» السلطانية. وقد جرت العادة أن يحمل ما يتحصّل من

ذلك في كل سنة إلى الزّردخاناه مرّة واحدة. وقد تقدّم ما يكتب في طرة توقيع ناظرها. وهذه نسخة توقيع بنظر خزائن السلاح من إنشاء المولى «شمس الدين بن القيسرانيّ» «1» كتب به «لفخر الدين» أخي جمال الدين ناظر الخاصّ، وهي: أما بعد حمد الله تعالى الذي ضاعف فخر المناصب، بمتولّيها، ورفع قدر المراتب، بمن يكبّرها بقدره العليّ ويعليها، وأمدّ المقانب «2» ، بنظر ذي المناقب الذي يزيّن بمرهف حزمه أسلحتهم ويحلّيها، ويمضي بماضي عزمه كلّ فرند فريد ليسعّر نار صليله بنظره السعيد ويجلّيها، جاعل أيّامنا الشريفة تقدّم لخدمها كلّ سريّ تسري به هممه إلى العلياء، وتنتخب لحسن نظرها من يعلو بكرم الذات وجمال الإخاء، وتولّي من الأولياء من يعدّ للأعداء خزائن سلاح تبيدهم بها جيوشنا المؤيّدة في فيافي البيداء، إذا دارت رحى الحرب الزّبون وثارت وغى الغارة الشّعواء، والشهادة له بالوحدانيّة التي اتّسق بدرها، في سماء الإخلاص، وأشرق فجرها، بضياء القرب والاختصاص، وسما فخرها، بجلال الجمال فأصبح بحمد الله آخذا في المزيد آمنا من الانتقاص، وعلا ذكرها، بما درّعنا به من دروع التوحيد وأسبغ علينا منه كلّ سابغة دلاص «3» ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي خصّه الله بالتكريم والتعظيم، وختم به الرسل الكرام بما منحه من الاصطفاء والتقديم، وأوحى إليه في الكتاب الحكيم: أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ «4» وعلى آله وصحبه الذين هم أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ «5» ، وقرّب قربهم لديه صلّى الله عليه وأذهب بينهم- فإنّ من شيم أيّامنا

الشريفة أن تبلّغ أولياءها مراما، وترعى لأصفيائها ذماما، وتصطفي لولاية الرّتب من أضحى ثغر ولائه بسّاما، وتجرّد لحسن النظر من يجرّد بهممه حساما حسّاما، لا سيّما من اقتفى سنن أخيه- أجلّه الله- فيما يأتي ويذر، واهتدى بهديه في كلّ ورد وصدر، وحذا حذوه السديد الأثر، السعيد النظر، واتّبع رشده الساطع البلج اللامع الغرر، وسار سيره الذي تتأرّج به أرجاء الممالك فحيث سار سرّ؛ إذ هو جمال الجود، جلال الوجود، مقيل عثار الملهوف والمجهود، موئل التّهائم والنّجود، مستجلب الدعاء لنا من الطائفين والعاكفين والرّكّع السّجود، ذو المآثر التي ذكرها أعطر من الروض المجود الموجود، والمناقب التي يساوي فيها الكواكب ويسامتها في السّعود والصّعود. ولما كان المجلس العاليّ الفخريّ قد أصبح فخره بأخوّته ناميا، وقدره بأبوّته ساميا، وأصبحت مفاخره به خالدة، وجمع مزايا وسجايا جمعت له طارف السّعد وتالده- اقتضى رأينا الشريف أن [أن نشدّد به] «1» أزرا، ونجدّد له في إصلاح السلاح نظرا، ليكون لأخيه- أعزه الله تعالى- النظر على الخاصّ والعام، وبيده مقاليد خزانتنا التي يشمل منها البرايا بصنوف الإنعام، وتدبير خواصّنا الشريفة وجيوشنا المؤيّدة، وله النظر على أعمال لبوس، تقي من الجيوش البوس: البيض [ذات] القوانس «2» ، واليلب «3» المدار والسّمر المداعس «4» ، والبيض المهنّدة «5» فلذلك رسم...... لا زال يجمع لأوليائه على آلائه شملا، ويرفع أقدار أهل الكرم باستقرار النّعم إذ كانوا لها أهلا وبها أولى- أن يستقرّ فلان في

نظر خزائن السّلاح المنصورة على عادة من تقدّمه وقاعدته، وبمعلومه الشاهد به الدّيوان المعمور لهذه المآثر التي بثّها القلم، والمفاخر التي اشتهرت كالنار على العلم؛ فليكشف ما بهذه الخزائن من عدّة الحرب، والآلات المعدّة في الهيجاء للطّعن والضّرب، ويشمّر في تكثيرها عن ساعد اجتهاده، ويعزّز موادّ الإمداد بها بحسن نظره ويمن اعتماده، ويستعمل برسم جهاد الأعداء كلّ نصل صقيل، وصمصام له في الهام صليل، وصفيحة بيضاء تبيضّ بها بين أيدينا الصّحيفة، ولبوس ترهب عدوّ الله وتضاعف تخويفه، وزاعبيّ «1» يرعب، وسمهريّ «2» يزهق بلسان سنانه النّفوس ويذهب؛ وخرصان «3» تكلّم الأبطال بأسل ألسنتها في الحروب، وقواصل «4» لها في سماء العجاج شروق وفي تحليء «5» الكفّار غروب، وبدن «6» يقدّ الأبدان، ولأمة «7» لم تبار في تحصينها وتخييرها ولم تدان، وفضفاضة على جنود الإسلام تفاض، وسابغة تسبغ على كل راجل من أهل الإيمان ليقضي من أهل الشرك ما هو قاض. وليحفظ ما ينفق على هذا العدد من الضّياع، ويأت بما تأتي به الضّياع على أحسن الوجوه وأجمل الأوضاع، وليضبط ما يصرف عليها من الأموال، ويعتمد في نظرها ما تحمد عاقبة أمره في سائر الأحوال، ويتيمّن في سائر أفعاله

الوظيفة السادسة (استيفاء الصحبة)

بميامن كماله، ويسترشد بمراشده في أموره باليمن والرشد من خلال جماله، ويسلك بحسن نظره لهذه الخزائن ما ينتظر به أن يفوق أنظار الأنظار ويرتقب، ويعلم أنّ هذا أوّل إقبالنا عليه (وأوّل الغيث قطر ثم ينسكب) ؛ والله تعالى يجعل خزائن الإسلام بجمال فخره آهلة، ويوردها موارد العزّ الدائم ويصفّي من أكدار الأقذار لها مناهله؛ والعلامة الشريفة أعلاه، حجة بمقتضاه. الوظيفة السادسة (استيفاء الصّحبة) وصاحبها يتحدّث في كل ما يتحدّث فيه ناظر الصّحبة المقدّم ذكره «1» وهذه نسخة توقيع من ذلك، من إنشاء القاضي «ناصر الدّين بن النّشائي» وهي: الحمد لله الذي زاد فخار أوليائنا رفعة المقدار، وأفاد الصّحبة الشريفة خير كاف استوجب منّا بجميل خدمته جزيل الإيثار، وجاد بالجود وابتدأ السعود لمن حسن فيه الاختيار وحمد الاختبار، وارتاد للمناصب العليّة كلّ «مستوف» للمحاسن له حقوق وفاء لا تضاع وقدم ولاء أجمل فيه الإيراد والإصدار. نحمده على نعم أجزلت الآثار، ونشكره على منن أجملت المسارّ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص يترشّف ساحّ «2» ثوابها الدارّ في تلك الدار، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أيّد الله المؤمنين وأخمد نار الكفّار، وبعثه رحمة للعالمين فأقام بناء الإسلام بعد ما كاد ينهار «3» ، وأسرى به إلى السّبع الطّباق فطبّق نبأ معجزاته الأرض وملأ الأقطار،

صلاة باقية لا تزال أغصان أجورها دانية القطوف زاكية الثّمار، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أجلّ النّعم ما علت ملابسها، وأجمل المنن ما غلت نفائسها، وأكمل المنح ما زكت في رياض الإقبال غرائسها، وأجزل العطايا ما جلّيت في حلل الفخار عرائسها، وأولى الأولياء بتحويل ذلك لديه، وتخويل هذه المواهب إليه، وإسباغ أثواب الامتنان عليه، واجتبائه لرتب علت محلّا، واختياره لمنصب يصبح به جيده من عقود العناية محلّى- من شكرت أوصافه، واشتهر عفافه، وحسن منّا إسعاده وإسعافه، وحمدت خلاله ومآثره، وجاز فخر نعته وفخر ذاته فلا غرو أن تعدّدت مفاخره، وأسلفنا من خدمته ما استوجب أن يجني به ثمار الإحسان، وقدّم بين أيدينا الشريفة من يمن تصرّفه ما أنتج له مضاعفة الآلاء الحسان. ولما كان فلان هو الذي تحلّى من هذه الأوصاف بعقودها، وتجلّى في مطارف برودها، وأثنت على خصاله ألسنة الأقلام، وأثبتت جميل خلاله في صحف أوراقها وصحائف الأيّام، وحاز من الأمانة والنّزاهة كلّ ما يشكر به على الدّوام، وامتاز بحسن الكتابة التي تقرّ النواظر وتسرّ الخواطر وتزري بالروض البسّام، ما باشر رتبة إلا وفى بها، وحفظ أموالها وغلالها وضبط أمورها وكفى بها- اقتضى رأينا الشريف أن ننقله إلى درجات السعادة، ونمنحه من إقبالنا الشريف زيادة الحسنى وحسن الزّيادة، ونخصّه بوظيفة تدنيه منّا قربا لنكون قد أجملنا له الابتداء والإعادة. ولذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال فخر أوليائه بمزيد آلائه ساميا، وقدر أصفيائه بمديد عطائه ناميا- أن يستقرّ في كذا. فليتلقّ هذا الإحسان، بيد الاستحقاق، وليتقلّد عقود الامتنان، الذي طالما قلّد جوده الأعناق، وليباشر ذلك مباشرة يسرّ خبرها، ويسير خبرها، ويشنّف الأسماع تأثيرها وأثرها، وليسلك فيها من السّداد، ما يؤكّد حمده، ومن

حسن الاعتماد، ما يؤيّد سعده، وليعتمد فيها من الأمانة ما هو المشهور من اعتماده، ومن العفاف ما صحّ عنه نقل إسناده، وليدبّج المراسيم الشريفة بقلمه السعيد، وليوشّها بكتابته التي بها الحسن مبديء ومعيد، وليضبط جميع أموال الديوان المعمور وغلاله، وسائر أموره وأحواله، وليستوف بقلمه على مباشريه وعمّاله، وليحط علما بخراج بلاده وأعماله، وليسترفع الحساب شاما ومصرا، وليتصفّح الرّقاع بالممالك الشريفة المحروسة ليحوي بجميعها خبرا، وليتعيّن جملها وتفصيلها ليكون بمخرجها أدرب وبمردودها أدرى، وليحصر متحصّلها ومصروفها، ومعجّلها وموقوفها، حتّى لا يخرج شيء عن علمه، ولتكن جملة هذا الأمر محرّرة في ذهنه ليجيب عنها عند السؤال بتحقّق فهمه؛ والوصايا كثيرة وهو بها خبير عليم، حائز منها أوفى وأوفر تقسيم، وملاكها تقوى الله تعالى فليجعلها عمدته، وليتّخذها في كل الأمور ذخيرته؛ والله تعالى يضاعف له من لدنّا إحسانا، ويرفع له قدرا وشانا؛ والاعتماد على الخطّ أعلاه. وهذه وصية لمستوفي الصحبة أوردها في «التعريف» وهي: فهو المهيمن على الأقلام، والمؤمّن على مصر والشام، والمؤمّل لما يكتب بخطّه من كل ترتيب وإنعام، والملازم لصحبة سلطانه في كل سفر ومقام؛ وهو مستوفي الصّحبة، والمستولي بالهمم على كل رتبة، والمعوّل على تحريره، والمعمول بتقريره، والمرجوع في كل الأمور إلى تقديره؛ به يتحرّر كلّ كشف، ويكفّ كلّ كفّ، وبتنزيله وإلّا ما يكمل استخدام ولا صرف؛ وهو المتصفّح عنّا لكلّ حساب، والمتطلّع لكلّ ما حضر وغاب، والمناقش لأقلام الكتّاب، والمحقّق الذي إذا قال قال الّذي عنده علم من الكتاب، والمظهر للخبايا، والمطلع للخفايا، والمتّفق على صحّة ما عنده إذا حصل الخلاف، ووصل الأمر فيه إلى التّلاف؛ وليلزم الكتّاب بما يلزمهم من الأعمال، ويحررها

الدرجة الثالثة (من تواقيع أرباب الوظائف الديوانية بالديار المصرية

بمستقرّ إطلاقه وضرائب رؤوس المال، وعمل المكلفات «1» وأن يكلّفوا عملها، وتقدير المساحات وليتتبّع خللها؛ وليلزمهم بتمييز قيمها بعض عن بعض، وتفاوت ما بين [تسجيل] «2» الفدن في كل بلد بحسب ما تصلح له زراعة كلّ أرض، وبمستجدّ الجرائد وما يقابل عليه ديوان الإقطاع والأحباس، وغير ذلك مما لا يحصل فيه التباس. ومثلك لا يزوّد بالتعليم، ولا ينازع فكلّ شيء يؤخذ منه بالتسليم؛ وما ثمّ ما يوصى به ربّ وظيفة إلا وعنده ينزّل علمه، وفيه ينزّه فهمه؛ وملاك الكل تقوى الله والأمانة فهما الجنّتان الواقيتان، والجنّتان الباقيتان؛ وقد عرف منهما بما يفاض منه عليه أسبغ جلباب، وأسبل ستر يصان به هو ومن يتخذهم من معينين ونوّاب؛ والله تعالى يبلّغه من الرتب أقصاها، ويجري قلمه الذي لا يدع في مال ممالكنا الشريفة صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. الدرجة الثالثة (من تواقيع أرباب الوظائف الديوانية بالديار المصرية ما يكتب في قطع العادة: إما في المنصوريّ، مفتتحا ب «أما بعد حمد الله» أو على قدر المكتوب له في القطع الصغير، مفتتحا ب «رسم بالأمر الشريف» إن انحط قدره عن ذلك) وفيها وظائف: منها: كتابة الدّرج بديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة. وهذه نسخة توقيع بكتابة الدّرج الشريف، كتب به للقاضي تاج الدين،

عبد الرحيم بن الصاحب فخر الدين بن أبي شاكر «1» ، وهي: رسم [بالأمر الشريف]- لا زالت صدقاته الشريفة تشمل نجباء الأبنا، ومبرّاته الجسيمة تجزل للولد البارّ حسن الزيادة وزيادة الحسنى، وهباته الكريمة تقبل بوجه الإحسان على فرع الأصل الأسمى وترصّع تاجه بجوهر فخره الأسنى، وسماته الوسيمة تجمّل شدّ أزر الوزارة الفخيمة بأكفإ نجل ثنى الزمان عنان الرياسة إليه وعليه أثنى- أن يستقرّ فلان في كذا وكذا: لأنه ربّي في حجر الرياسة، واجتنى من الروض المجد الذي أعلى السعد غراسه، ونشأ من محلّ السّؤدد والفخار، وبزغ من بيت حقّت له رفعة الأقدار، وبسق غصن فرعه من أصل ثابت، وسما بدوح عزّ في مواطن المعالي نابت، وهمى ندى قلمه بانتسابه إلى سراة الكتّاب فناهيك من كاتب لأبي الخلل كابت؛ تعترف الدولة لسلفه بسالف العهود، وتغترف من منهل تدبيرهم المورود، وتتحلّى من تاجهم بأسنى العقود، وتسمو من فخر وزارتهم ووزارة فخرهم بما يملأ الوجود بالجود، وتختال من تصريف أقلامهم وأقلام تصريفهم في روض التنفيذ المجود فإن ذكرت مآثر جدّه قصّرت عن إدراكها الجدود، وإن شكرت مناقب والده- أجله الله- ففجرها الباذخ مشهود؛ وهو بلسان العامّ والخاصّ ممدوح محمود، وإلى معاني خطّه تنتهي درجات الصّعود والسّعود؛ فلا غرو لهذا الفرع الناجب أن يتبع أصله، وأن يسلك فضائله وفضله، وأن يقفو منهجه، ويحذو في الكتابة طريقته المبهجة، ويأتي من البراعة بسننها القويم، ويبرز من اليراعة وشي خطّه الرقيم، وأن يحلّي أجياد المهارق بجوهر تاجه النّضيد النّظيم، وأن تحلو ألفاظه في الإنشاء حين تمرّ على الأسماع مرور النسيم؛ سيّما وقد ظهرت عليه من مخايل الرئاسة دلائل، وشرعت له مناهل الأدب والفضائل، وحاز من حسن النشأة ما سار بشكره المثل، وحصل من الاشتغال على كنز المعرفة واشتمل، وغدا جديرا

بكل مرتبة سنيّة، وكل رفعة هي بأعدائها مبنيّة. فليباشر ذلك مباشرة يجعلها لباب المعالي مفتتحا، وللزيادة من كلّ خير سببا كلّما أبدى الدهر مساء وضحى، ولينقل في اتباع مهيع «1» المجد عن والده وجدّه أبقاهما الله تعالى، وليدأب للتحلّي بأخلاقهما الحسنة أقوالا وأفعالا، وليبهج الطّروس بوشي قلمه، ولينمّق المكاتبات ببلاغة كلمه، وليتخذ الصّون شعاره، والعفاف دثاره، والأمانة معتمده، والنزاهة مستنده، وضبط القول مادّته، وحفظ اليد واللسان جادّته؛ والوصايا كثيرة وملاكها التقوى وهي حليته الحقيقيّة وعقيدته العقليّة والمنطقيّة فليجعلها دأبه، وليرض في إعلانه لها ربّه؛ والله تعالى يعلي قدره وجدّه ويحفظه وأباه وجدّه. وهذه نسخة توقيع شريف بكتابة درج تجديدا، وهي: رسم......- لا زال يمنح الأولياء، بتجديد النّعم إحسانا، ويولي البلغاء، فضلا يعلي لهم رتبة وشانا، ويبدي لهم في ديوان إنشائه الشريف فضائل جمّة وبيانا- أن يجدّد هذا التوقيع الشريف باسم فلان تجديدا لأنوار الإحسان إليه، وتأكيدا لمزايا الامتنان لديه، وتسديدا لمستنده الذي ألقاه وجه الإقبال إليه، لما حازه من فضيلة تامّة، وبلاغة ملأت ببديع المعاني ومعاني البديع ألفاظه وكلامه، وكتابة أجرت في حواشي الطروس بمحقّق التوقيعات أقلامه، وأمانة بنت على الصّدق والعفاف أقسامه، ورياسة تأثّل مجدها، فبلغ مرامه، واتّصل سعدها، فلا يخشى انفصامه، وبعد شأوها فهي السامية إلى رفع المنازل من غير سآمة. قد اتّصف من البراعة بجميل الأوصاف وظهر استحقاقه فهو باد غير خاف، وتروّى من بحر البلاغة حيث ورد منهلها الصّاف، وسلك طرق الخير فتضاعف له الإسعاد والإسعاف، وامتاز بمزايا التجمّل في أموره

والعفاف، واستحقّ بذلك أن نجدّد له فضل الألفة، ونؤكّد له بكرمنا نيلا اعتاده وعرفه. فليستمرّ في ذلك استمرارا به أسباب الخير مؤتلفة، ووجوه الفضائل عن صنوف الكتابة غير منصرفة، وليبد من البلاغة بيانها البديع، ويجمّل منزل العلياء الرفيع، ويسلك مسلكه في الأمانة، ويتّق الله تعالى بملازمة المراقبة والدّيانة، والله تعالى يعلي مكانه، ويزيد في اقتناء الفضائل إمكانه، والاعتماد على العلامة الشريفة أعلاه، إن شاء الله تعالى. قلت وربّما كتب التوقيع لكاتب الدّرج بزيادة معلوم، فيحتاج الكاتب إلى أن يأتي بعبارة تجمع إلى ما تقدّم من براعة الاستهلال ما يليها من موجب الاستحقاق، وسبب الزيادة وترادف الإحسان. وهذه نسخة توقيع بشهادة «1» الخزانة، كتب به لابن عبادة، وهي: أما بعد حمد الله الذي أفاض على الأولياء من خزائن فضله، وأفاء لهم أوفر نصيب من إحسانه المشكور فيه عدل قسمه وقسم عدله، وأهمى عليهم من سحب مواهبه ما يقصر عنه الغمام في وبله وطلّه، وأسبغ عليهم من جوده العميم ما يصفو لديهم المرح في وارف ظلّه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبيه ورسوله أشرف رسله، وخاتم من جاء من الأنبياء من قبله، والهادي ببعثته الشريفة إلى طرق الحق وسبله، وعلى آله وصحبه الذين تابعوه في قوله وفعله، وبايعوه على المظاهرة في نصرة الدين الحنيف وأهله، وجمعوا هممهم على التئام كلمة الإيمان وجمع شمله، وأرهف كلّ منهم في نصره ماضي عزمه ونصله- فإنّ أولى من رعيت له حقوق ذمامه، ومنح أجزل العطاء الذي تقضي الأقدار

بدوامه، ولوحظ بعين الإقبال ما أسلفه من حسن الطاعة لله ولرسوله ولإمامه- من جدّ في الخدمة فأضحى الجدّ له خادما، وداوم على المناصحة فغدا سعده دائما، وأخذ من كلّ فضل بزمامه، ومتّ بما له على الدولة الشريفة من حرمته وذمامه، وسلك في أداء الأمانة السّنن القويم، وجعل على خزائن الأرض بما تلا لسان فضله: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ » وتمسّك من الإخلاص بأقوى الأسباب، وجعلت له التقوى محلّا يدخل عليه ملائكة القبول من كلّ باب، وزيّن سماء المعالي بكواكب مجده فما تشوّف إليها طرف متطاول إلا وأتبعه شهاب «2» ولما كان فلان هو الذي غدا حسن مناقبه إلى شكره مرشدا، وإلى ذكره بالجميل مسعدا، وألهج لسان القلم في وصفه منشدا، واختصّ من هذه المحامد بأوفرها قسما، وطلع في أفق هذا الثناء الجميل نجما، فلذلك رسم............... .... ومنها- استيفاء الدولة. وموضوعها التحدّث في كل ما يتحدّث الوزير وناظر الدولة، وضبط الأموال الديوانية، وكتابة الحسبانات، وكلّ ما يجري مجرى ذلك. وقد جرت العادة أن يكون فيها مستوفيان «3» . وهذه نسخة توقيع باستيفاء الدولة: أما بعد حمد الله الذي صان الأموال بالأقلام المحرّرة، والدفاتر المسطّرة، والحسبانات المصدّرة، والجوامع المسيّرة، والتيقّظ الذي استخرج

البواقي المنكسرة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أزال ظلام الظّلم ونوّره. ومحا الجور وغيّره، وأيّد الحق وأظهره، وعلى آله البررة، وصحبه خصوصا العشرة المبشّرة «1» فإنّ للدولة الشريفة من الأقلام ضابطا، ولها من الحساب نظاما أصبح عليها سياجا وحائطا، يصون الأموال أن تكون بأيدي الخائنين نهبى، ويحرز المطلقات بعدا وقربا، وقلم الاستيفاء هو الذي إذا طاشت أقلام الكتّاب كان في رأسها لجاما، وإذا خصم المباشرون بالمصروف قبل السائغ الصحيح وردّ ما كان سقيما وخرّج ما لم يكن تماما. ولما كان فلان هو الذي في الرئاسة كبير معروف، وفي السعادة حميد موصوف، وفي قلمه تصحيح كلّ مصروف، وله في الدولة آثار مرضيّة تشكرها الأقلام والسّيوف، ما نظر في حساب، إلا أزال عنه ما به يعاب، ولا رأى فلذالك «2» ، إلا وأوضح فيها المسالك، ولا عرض باقي، إلا استخرج ما يتعيّن استخراجه بقلمه الراقي، وفهمه الواقي؛ فلذلك رسم أن يستقر......... فليباشر هذه الوظيفة بتحريره وتحبيره، وتمييزه وتثميره، وتوفيره وتكثيره، وإيراده وتصديره، وتسهيله وتيسيره، وإزالة تعسيره؛ وإذا أمسك دفاتره، أظهر مآثره، وإذا نسيت الجمل أبدى تذاكره، والعمدة على شطبه في الحسبانات الحاضرة، فلا يخرج من عنده شيء بغير ثبوت فإنّ التواقيع الشريفة والمراسيم الشريفة هي كالأمثال سائرة، ولا يتّخذ المعين، إلّا الأمين، ولا يستعين، إلا بمن هو مأمون اليمين، والوصايا كثيرة وهو غنيّ عن التبيين، فليتّق الله ربّ العالمين، وليستجلب لنا الأدعية من الفقراء الصالحين؛ فإنّ صدقاتنا الشريفة تنعم عليهم بمرتّبات وأرزاق، ونعم وأطلاق، فليسهّل عليهم الصّعب في كلّ

باب وإطلاق، والله تعالى يمدّه بالإرفاق، بمنّه وكرمه، إن شاء الله تعالى. قلت: وقد يكتب لوظيفة استيفاء الدولة مفتتحا ب «رسم» . وهذه نسخة توقيع من ذلك باستيفاء الدولة، كتب به لعلم الدين بن ريشة «1» ، وهي: رسم بالأمر الشريف- لا برحت أيّامه الشريفة ترفع لذوي الكفاءة من إحسانها علما، وترجع مصالح الدولة إلى من أحسن فيها خطابا وأعمل في مهمّاتها قلما، وتختار من دأب في تكميل أدواته حتّى صار على أنظاره متقدّما- أن يرتّب فلان علما بكفايته التي وضحت، ودرايته التي فاقت مناظرها ورجحت، وأمانته التي حصّلت النماء وأربحت، وهمّته التي ميّزت الأموال بإحرازها فعلى السّداد ختمت وبالتحرّي افتتحت. فليباشر هذه الوظيفة التي تحتاج إليه باحتراز مثله، والرّتبة التي يتعيّن على مباشرها إيصال كلّ حقّ إلى أهله؛ فقد أرجعنا ضبطها وتحريرها إليه، واعتمدنا في تيسير أموالها وسدّ أحوالها عليه؛ فهو جدير ببلوغ القصد فيما قرّرناه لديه وحرّرناه بقلمه ويديه. فليبسط في مصالح الدّيوان المعمور وأمواله قلمه، وليعمل بما هو عالم من تبيين حقائق أحوال وظيفته ويخلص فيه قوله وكلمه، وليصن الأموال، ويتفقّد ما يلزم العمّال، ويحثّ على حمول بيت المال، وليسترفع الحسبانات من جهاتها على العادة، وليستودع دفاترها وجرائدها من يتحقّق تحرّزه وسداده، وليتخذ معينيه من أرباب الحذق والدّراية والاطّلاع على كل نقص وزيادة، وإبداء وإعادة، وله من نفسه ما لا يحتاج معه إلى زيادة الوصايا وتكثيرها، ومن ألمعيّته ما يدرك به الفصل في جليل الأمور وحقيرها؛ فإنّه قد تخلّق بأخلاق أهل

الأدب، وشارك في جليل الخطب وسدّ ما إليه عزمه انتدب؛ والله تعالى يبلّغه من الجود غاية الأرب، ويعينه على صالح العمل وانتهاز القرب؛ والاعتماد ... ... الخ. ومنها- استيفاء الخاصّ. وصاحبها في الخاصّ كمستوفي الدولة في ديوان الوزارة. وهذه نسخة توقيع باستيفاء الخاصّ لمن لقبه «أمين الدين» وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زالت أيامه الشريفة تقدم بمهمّاتها أمينا، وتقدّم في خدمتها من أضحى معلّى شمالا ويمينا، وتولّي الرتب السنيّة من جعل التحرّز لقلمه مصاحبا ولكلمه معينا- أن يستقرّ فلان في كذا: لما عرف من رئاسته التي ميّزته، وأمانته التي جمعت الرّفع فأحرزته، وضبطه الذي ترقّى به في المراتب وتنقّل، وإدراكه الذي يصون به غوامض المصالح ويعقل، ولما سلف له من خدمة ملك فيها السّداد، ومباشرة علم بها ما هو متّصف به من حسن الاعتماد. فليباشر هذه الوظيفة التي ولّيها، وليشهر من همّته فيها ما يرفع مكانته ويعليها، وليدم المراقبة لمصالح ديوان الخاصّ «1» الشريف في كلّ قول وعمل، وليسارع إلى ما يفيد المناجح ويبلغ من الضبط والتحرّز غاية الأمل، وليصن الأموال من ضياعها، ويحافظ على سلوك طرائق الحقّ واتّباعها، وليسترفع الحسبانات من أربابها، ويتفقّد محرّراتها التي هو أعلم وأدرى بها، ويتّخذ من معينيه من أضحت معرفته للدقائق جامعة، ويحتفل بمتحصّلات أموال الخاصّ بعزمته التي أضحت لمكانته رافعة، لا سيّما ثغر الإسكندرية «2» التي قد أصبحت جهاتها لطلب أقلامه متابعة طائعة، وليلزم كلّ عامل بتحرير ما يجب عليه وما

تنبغي فيه المراجعة، فإنا قد أقمناه لذلك مستوفيا، وليتصفّح أموره الجليلة والحقيرة مستوضحا مستقصيا، وليتّق الله الذي يبلّغه من زيادة منحنا الأمل، ويعينه على صالح العمل، والله تعالى يمنحه من الخير ما ينجح مسعاه وينزّهه عن الزّيغ والزّلل، والاعتماد......... الخ. وهذه نسخة توقيع في المعنى لمن لقبه «بدر الدين» وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال يطلع لذوي الكفاية من إحسانه في سماء الإقبال بدرا، ويرفع لمن أمّ الأبواب [من أوليائه] «1» ذوي الرئاسة قدرا، ويشفع لمن شكرت معرفته بنجح القصد فانشرح له بالمنن الجمّة صدرا- أن يستقرّ فلان في كذا: لكفايته التي خطب بسببها إلى مقرّه، ودرايته التي استوجب بها أن نطق لسان القلم بذكره، ونزاهته التي أجمعت بها أمثاله على شكره، وأمانته التي تستدعي الحقّ في حلو الأمر ومرّه، وديانته التي هي أصل في كل أمره وصيانته التي يعتمدها في سرّه وجهره، ومشارفته المصالح بعين يقظته التي يلوح لها وجه الصواب فيقف عند حدّه وقدره. فليباشر هذه الوظيفة التي أسلفها حسن الاعتماد، وليوفّها من معهود يقظته يمن الاجتهاد، وليحقّق حسن ظنّ المباشرين [ورغبتهم فيه من الإنصاف] «2» في الإرفاق والإرفاد، وليعمّر جهات الأموال بجميل الاقتصاد، وينجز الأحوال على سبيل السّداد، وليتّبع منهاج الخير في كل ما يأتيه من إصدار وإيراد، فقد رجع ضبط هذه الجهة إليه، واعتمد في تحريرها عليه؛ فليصن الأموال، ويتفقّد ما تحسن به العقبى والمآل، وليتحرّ في جميع ما هو لازم له أن يكون على الحق الواضح، والسّنن القويم فإنه المتجر الرابح والمآب الناجح، وتقوى الله تعالى

فهي عمدة كل عبد صالح، والوصايا كثيرة مبيّنة تغني عن إفصاح الشارح؛ والله تعالى يلهمه الطريق السديدة ويرشده، ويعينه بالتوفيق وينجده، إن شاء الله تعالى. ومنها- استيفاء البيوت والحاشية. وهذه نسخة توقيع بذلك، كتب بها لعلم الدين «شاكر» عوضا عن تاج الدين بن الغزولي في الأيام الأشرفية «شعبان بن حسين» «1» وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زالت صدقاته الشريفة تمنح الأكفاء من إحسانها نعما، وتضاعف لهم من عطائها كرما، وأيّامه الشريفة تعمّ البيوت الكريمة بكاف قد نشرت له الأمانة في دولته الأشرفيّة علما، ومواهبه تقدّم للوظائف من أضحى شاكرا لله تعالى وتبسط له في دواوين أعزّ الأنصار قلما- أن يستقرّ المجلس السامي القاضي، فلان الدين في كذا وكذا: لأمانته الموفورة، ومعرفته المشهورة، ومحاسنه المذكورة، وسيرته المشكورة، وكتابته التي أضحت في صفحات الحسبانات مسطورة، وديانته التي جدّدت بهجته وسروره، وخبرته بمنازل البيوت المعمورة، وقدم هجرته في الوظائف التي أوجبت نقلته إلى أجلّها، وصدارته التي رفعته إلى أرفع محلّها، كم له في دواوين أعزّ الأنصار من أقلام منفّذة، وآراء مسدّدة، ونظر أصلح به كلّ فاسد، وكبت به كلّ حاسد، وضبط لأصول الأموال، وتتبّع للمصالح في البكر والآصال. فليباشر هذه الوظيفة المباركة التي هو أخبر بمباشرتها، وأعلم بأحوال البيوت الكريمة وعمارتها، وليظهر في الحاشية السعيدة مآثره الحسنة، ونزاهته التي نطقت بشكرها الألسنة، وليبد في مباشرته من كل شيء أحسنه، وليسلك طرائق الأمانة، وليقف آثار ذوي العفاف والصّيانة، وليلازم مباشرة أعزّ وليّ في

المساء والصّباح، ولا يشغله شاغل عن مصالح ممهّد الدول من هو لسلطاننا الأشرف أمير سلاح؛ والله تعالى يفتح له من الخير أبواب النّجاح. والاعتماد على الخط الشريف أعلاه، إن شاء الله تعالى. قلت: وممّا ينخرط في سلك تواقيع أرباب الوظائف السلطانية وظائف دواوين الأمراء الخاصكيّة «1» ، فإنه ربما كتب عن السلطان التوقيع لبعض أرباب وظائف دواوينهم كما يكتب في الوظائف السلطانية. وهذه نسخة توقيع كريم بنظر دواوين بعض الأمراء، وهي: أمّا بعد حمد الله الذي هدى إلى الملّة المحمّدية من أسرّ الإيمان في قلبه ونواه، وضمّ إلى الأمّة [الإسلامية] «2» من أضمر الإخلاص فأظهره الله في متقلّبه ومثواه، وجمع لوليّ الدولة ومخلصها الفرج والفرح لأنه من توكّل عليه كفاه، والشهادة بالوحدانية التي تبلّغ قائلها من رضاه مناه، وتجعل جنّاته لمن أسرّها جنانه مستقرّه ومأواه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي قصم عداه، وفصم عرا من عاداه من أهل الشرك وعداه، وعلى آله وصحبه الذين اهتدوا بهداه، واستجدوا جداه «3» ، ولبّوا نداه، وأمّوا نداه، صلاة تجزل لمصلّيها ثوابه، وتجمل مآبه، وتحمد عقباه- فإنّ أولى من رفع له الكرم محلّا، وقلّدته النّعم عقدا محلّى، وأعيد إلى رتبة الاصطفاء، وفوّض إليه ديوان أعزّ الأخصّاء، وصرّف قلمه في مهامّه، وحصلت هممه على جميع أقسامه، وعدقت مصالحه بتدبيره، ومناجحه بتأثيله وتأثيره، ومتحصّلاته بتمييزه وتثميره،

وأحواله وأمواله: هذه بحسن تصرّفه وهذه بيمن تقريره- من دخل في دين الله القويم، واجتباه وهداه إلى الصّراط المستقيم، وكساه الإسلام حلّة شرفه، وبوّأه الإيمان مباني غرفه، ونوى الاستقامة في إقامته ومنصرفه، والتحف بجلباب الإسلام وارتدى، وتلبّس بالإيمان فصدّ عنه الأذى وردّ الرّدى، وغدا من أصحاب الصّراط السّويّ ومن اهتدى، مع كفاية أوجبت له التقريب والتقديم، وجدّدت له ملابس التكبير والتكريم، وكتابة فاق بها أمثاله، وعلا مثاله، وبلّغته من العلياء مرامه ومناله، ومعرفة بفنون الحساب، وخبرة اعترف بها الكتّاب والحسّاب، وأوجبت له من الإقبال ما لم يكن في حساب. ولما كان مجلس القاضي فلان: هو الذي أخذ القلم في مدحه والكرم في منحه، اقتضى رأينا الشريف أن نقبل على إقباله على الدين بوجه الإقبال، وأن نبلّغه في أيّامنا الشريفة ما كان يرجوه من الآمال، فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يرفع من كان للدولة وليّا، ويضع الشيء محلّه بتقديم من أضحى عرفانه جليّا «1» فليباشر ذلك مباشرة تبلّغه أملا من الاعتلاء، وتنوّله مراما من الاعتناء، وتؤمّنه من طوارق الزّمن وحوادث الاعتداء، عالما بأنّ دولتنا الفلانية المنصورة تجازي عن الحسنة بأمثالها، وأنّ أيّامنا الفلانية المشهورة المشكورة تبلّغ أولياءها غاية آمالها، وأنّنا أجزلنا برّه، وأجملنا ذكره، وأجرينا على لسان القلم حمده وشكره، فليعتمد في مباشرته الأمانة المبرّة والنزاهة التي رفعت ما ساءه ووضعت ما سرّه، وليشمّر في مصالح هذا الديوان السعيد عن ساعد اجتهاده، ويعتمد في أموره ما ألف من سداده، ويتحرّ من السعادة ما كان قبل القول من سعاده، وليتّق الله حقّ تقاته، ويجعل التقوى حلية لأوقاته، وحلّة على سائر تصرّفاته، ويسر

بتقواه سيرا خبرا «1» وخبرا، ويذر جورا وجبرا، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً «2» قلت: وغالب ما يعتنى به في تواقيع أرباب الأقلام المفتتحة ب «رسم» الدعاء المصدّر به التواقيع واشتماله على براعة الاستهلال. وهذه جملة أدعية «3» من ذلك ينسج على منوالها: أثير الدّين- لا زال فلك فضله أثيرا، وطالع سعده منيرا، وهبوب ريح مبرّاته للخيرات مثيرا. أمين الدّين- لا زال ينبغي للخدم الشريفة خير أمين، ويصطفي للقيام بالمصالح أنهض معين، ويجتبي لأهمّ المهمّات من هو غير متّهم في المناصحة وغير ظنين. بدر الدين- لا زال يولّي المناصب الدّينيّة من سلك في النزاهة مسلكا جميلا، ويولي الفضل الجزيل من أضحى إشراق بدره على آثار حظّه دليلا. برهان الدين- لا زالت أوامره الشريفة ترفع للعلماء شانا، وتقيم على استحقاقهم دليلا واضحا وبرهانا. تاج الدين- لا زالت صدقاته الشريفة ترفع تاج الفضائل على الرؤوس وبرّه الشامل يذكّي النفوس ويزكّي الغروس، وتوارد إفضاله يوشّي المهارق

ويدبّج الطّروس. تقيّ الدين- لا زالت صدقاته الشريفة تقدّم كلّ تقيّ، وترجّح ميزان من هو بالفضائل أملى مليّ، وترفع قدر من إذا سئل عن محلّه في الرياسة قيل عليّ. جمال الدين- لا زال جمال جميله للنّفوس رائقا، وإفضاله المتوافر لكل إفضال سابقا. جلال الدين- لا زالت صدقاته الشريفة تزيد جلال ذوي الفضل جلالا، وإحسانه المتواتر يوسّع في البرّ لأولي الاستحقاق مجالا، وبرّه المتتابع تقصر عنه خطا كلّ برّ فينادى: هكذا هكذا وإلا فلا لا. رضيّ الدين- لا زال رضيّ السّجايا، ظاهر المزايا، مسترسل ديم العطايا. زين الدين- لا زال نواله الشريف زينا لنائله، وسؤاله المحقّق إجابته شرفا لسائله، وقاصد بابه الشريف يؤمّ بالخير في عاجل الأمر وآجله. سراج الدين- لا زالت عنايته الشريفة تخصّ أولياءها بجزيل المواهب، وتبلّغهم من صدقاتها العامّة غاية الآمال وأقصى المطالب، وتوقد لهم من أنوار سعادتها سراجا يغلب على نور الكواكب. سريّ الدين- لا زالت صدقاته الشريفة تصطفي من أرباب الكتابة من يجيد المعاني فلا يضع لفظا إلا جعل تحته معنى سريّا، وترتضي من فرسان البراعة في ميدان اليراعة من يرتقي ببلاغته مكانا عليّا، وتجتبي من أهل الإجادة من تميّز بالإفادة فلا يزال كلامه لأجياد الطّروس حليّا. شرف الدين- لا زالت صدقاته الشريفة تضع الشيء في محلّه، وترجع الفضل إلى مستحقّه وأهله، وتختار للمناصب من ظهر شرفه بين قوله وفعله. شمس الدين- لا زالت صدقاته الشريفة تطلع في سماء المعالي من ذوي الرياسة شمسا، ونعمه الجسيمة تنبت في روض الإحسان غرسا، ومراسمه

العالية تنقل إلى رتب الرياسة من شدّت كفّه على عدد الأمانيّ خمسا. شهاب الدين- لا زالت صدقاته الشريفة تطلع في أفقها شهابا، وتهمل من جزيل المواهب للأمانيّ سحابا، وتضع الشيء في محله وتزيد الأمور انتظاما والدعاء استجلابا. صدر الدين- لا زالت آراؤه الشريفة تستجيد من ذوي الفضائل من جاوز الجوزاء نظما وفاق النّثرة «1» نثرا، [وتستعيد للمناصب] «2» من الأماثل من تقصر عن مجده الكواكب رفعة وقدرا، وتستزيد [في] «3» المراتب من فاق سحبان وائل «4» وساد الأوائل فأضحى في مجالس العلياء صدرا. صلاح الدين- لا زال أمره الشريف يقدّم من يفيد ويجيد، فيكون لكلّ أمر صلاحا، وكرمه الطويل المديد، يشمل من ذوي الفضائل من فاق «سحبان» وائل فصاحة وفاق «حاتم» الأوائل سماحا، ورأيه الرشيد السديد، يختار من إذا انتضى اليراعة غلب رأيه سيوفا وطال قلمه رماحا. ضياء الدين- لا زالت آراؤه الجميلة، تختار من ذوي الفضائل الجليلة من تزداد به المناصب ضياء، ونعمه الجزيلة، تعمّ كلّ بارع إذا ادلهمّت الخطوب كان فوه لها جلاء، وعوارفه المستطيلة، تشمل كلّ فاضل بذل في الخدمة جهده وتكسوه هيبة وبهاء. علم الدين- لا زال جزيل إحسانه، أوضح من نار على علم، ومزيد

امتنانه، يشمل أرباب السيف والقلم، وسحب بنانه تسحّ فلا تشحّ بجزيل الكرم. علاء الدين- لا زال علاء دولته يصطفي ذوي الفضائل، ويختار من الفصحاء من يفوت الأواخر كما أضحى يفوت الأوائل، ويقدّم من هو في تدبير اليراعة كعلّي بن هلال «1» وفي حسن البراعة كسحبان وائل. عزّ الدين- لا زالت صدقاته الشريفة تزيد ذوي الأقلام، من جزيل الإنعام، فتنيلهم عزّا، وتستجيد من كتّابها الأعلام، من خصّ بجواهر الكلام، فكلّ حسن إلى كلامه يعزى، وتستفيد من نجباء الأيّام، كلّ بارع كأنّ كلامه زهر الكمام، فلو خاطب سحبان لأورثه قصورا وعجزا. عماد الدين- لا زالت آراؤه الشريفة تتّخذ من نجباء الكتّاب عمادا، وتختار من ذوي الفضائل في الخطاب، من تجد لكلامه حسنا وسدادا، وتقدّم من أهل الفضل في السؤال والجواب، من لا تعدم في كلّ مقاصده رشادا. عضد الدين- لا زالت صدقاته الشريفة تجعل من إنعامها، لخدّامها، عضدا، وتلحظ بعين إكرامها، وحسن احترامها، من طال في الفضل مدى، وتزيّن مطالع أيامها، بشموس أعلامها، فلا ترى مثلهم أحدا. غرس الدين- لا زالت صدقاته الشريفة تنبت في روض الإحسان، من أرباب البيان، غرسا، وتجتني من كمام اللّسان، أزاهر النّكت «2» الحسان، وتزيّن بها طرسا، وتفيض من مواهب البنان، ما يشهد لها بجزيل الامتنان، فيطيب كلّ آمل نفسا. غياث الدين- لا زالت صدقاته الشريفة تبدي لكلّ آمل غياثها، وتضفي

ظلّها على من استجار بها واستغاثها، وتنطق ألسن أقلامها، بمواهب إنعامها، فتبذل طريفها وتراثها. فتح الدين- لا زالت صدقاته الشريفة تتخيّر من ذوي الأقلام، من يفتح أبواب الكلام، فتحا، وتهب جزيل الإنعام، لمن يستحقه من الكتّاب الأعلام، فينال بذلك ثناء وربحا، وتقرّب بيد العناية والإكرام، من ذوي الرياسة والاحترام، من هزّ على البلغاء قدحا. فخر الدين- لا زالت آراؤه الشريفة تنصّب من المناصب، من يزيد بحسن مباشرته فخرها، وتمطي ظهور المراتب، من إذا أظلمت الأيام لعدم فاضل ظهر بفضيلته فجرها. قطب الدين- لا زالت صدقاته الشريفة تدير على قطب البلاغة من أرباب اليراعة نجوما، وتشير بعنايتها إلى من حاز من الفضل فنونا وأحيا من الآداب رسوما، وتنير بدور سعدها لمن لم يزل قلمه لأسرار الملك كتوما. كريم الدين- لا زالت صدقاته الشريفة تشمل من ذوي الفضائل من عدّ في فصله وأصله كريما، فتقدّم من لا له في البلاغة مماثل فلا يزال بكل فنّ عليما، وتنصّب في المناصب من فات قيس «1» الأوائل رأيا وفاق قسّا «2» بحديث بلاغته قديما. كمال الدين- لا زالت سعادته الباهرة، تطلع في سماء العلياء من فاق البدور كمالا، وأوامره القاهرة، تقدّم أسنى البلغاء جلالا، وأسمى صدقاته الوافية، تعمّ من ذوي الفضائل من زاد المناصب بحسن مباشرته مهابة وجمالا. مجد الدين- لا زالت صدقاته الشريفة تملّك أعنّة الأقلام، من تراه لها

مجدا، وتودع بجيد الأيّام، من جواهر الفضلاء عقدا، وتشمل بأياديها الكرام، من إذا جمع البلغاء كان بينهم فردا. محيي الدين- لا زالت أوامره الشريفة تشمل من البلغاء من شهر بفصل الخطاب، وإذا ماتت الفضائل يحييها، وغيث جوده [الهامي] «1» يفيض فيض السّحاب، فيبادر العفاة ويحيّيها، وعنايته تعم ذوي الألباب، فتمهّد رتب العزّ وتهيّيها. موفّق الدين- لا زالت صدقاته الشريفة تطلع كلّ هلال من اهتدى به كان موفّقا، وتملّك من يزري بابن هلال أنّى كتب: رقاعا ومحقّقا، وتفيض لراجيها أفضل نوال من شبّهه بالغيث كان محقّقا. ناصر الدين- لا زال يقرّب من أضحى لأهل الكلام، بمرهفات الأقلام، ناصرا، ويهب طويل الإنعام، لمن باعه مديد في النّثر والنّظام، فما برح فضله وافرا، وينتخب من غدا شريعا لعادات الكرام، مضارعا لصفات الكتّاب الأعلام، وأصبح في البيان نادرا. نجم الدين- لا زالت أوامره الشريفة تطلع في أفق السعادة، من ذوي السيادة، نجما، وتعمّ بجزيل الإفادة، من عرف بالفضل وبالإجادة، وفاق أقرانه نثرا ونظما، وتسمح من عنايتها بالإرادة، لمن هو أهل الحسنى وزيادة، فتجزل له من كرمها قسما. نور الدين- لا زالت صدقاته الشريفة تعمّ بالنّوال، من هو في البراعة متّسع المجال، فيزيد الكلام نورا، وحسناته تشمل ذوي الآمال، بما يحمد في البدء والمآل، فتملأ القلوب سرورا، ومبرّاته تصل أولي الكمال، وتنتخب أخيار العمّال، فلا برح أنفذ الملوك أمورا.

الضرب الرابع (من الوظائف التي يكتب فيها بالديار المصرية مشيخة الخوانق، وكلها يكتب بها تواقيع)

نظام الدين- لا زال يتخيّر من كان في الناس مجيدا، وفي البيان مجيدا، فحسن لفظه نظاما، ويهب من برّه مزيدا، لمن كان في الخدمة مريدا، فلا ينقض للنصيحة ذماما، ويبذل كرما مفيدا، لمن يراه في الفضل مبدئا ومعيدا، فحاز فخارا وطاب كلاما. همام الدين- لا زال يرتضي من هو في فرسان اليراعة أنهض همام، ويقتضي وعد كرمه لمن نهض في الرياسة نهوض اهتمام، وينتضي عضد «1» ذهنه فيصيب مفصل كلّ كلام. وليّ الدين- لا زال يحلّي أجياد المناصب من ذوي البلاغة، بمن يحسن في الكلام الصّياغة، فينظمه حليّا، ويجلّي كرب المراتب من فرسان اليراعة، بمن راح فضله ولفظه جليّا، ويولّي المناصب من غدا في البيان وافر البضاعة، فاتخذته الأقلام وليّا. الضرب الرابع (من الوظائف التي يكتب فيها بالديار المصرية مشيخة الخوانق «2» ، وكلّها يكتب بها تواقيع) وهي على طبقات: الطبقة الأولى (ما يكتب في قطع النصف ب «المجلس العالي» مفتتحا ب «الحمد لله» وهو مشيخة الشيوخ «3» خاصّة) واعلم أنّ مشيخة الشّيوخ كانت فيما تقدّم تطلق على مشيخة الخانقاه

الصّلاحيّة، «سعيد السعداء» «1» فيكتب فيها بذلك. ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن بنى السلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» الخانقاه الناصريّة بسرياقوس «2» ، استقرّت مشيخة الشيوخ على من يكون شيخا بها، والأمر على ذلك إلى الآن. وهذه نسخة توقيع بمشيخة الشّيوخ بالخانقاه الصّلاحية «سعيد السّعداء» بالقاهرة المحروسة باسم الشيخ شمس الدين بن النّخجوانيّ «3» ، من إنشاء المقرّ الشهابيّ بن فضل الله العمريّ، وهي: الحمد لله مرقّي أوليائه، وموقّي أصفيائه، وملقّي كلمة الإخلاص لمن تلقّى سرّها المصون عن أنبيائه. نحمده على مصافاة أهل صفائه، وموافاة نعمنا لمن تمسّك بعهود وفائه، وتسلّك فأصبحت رجال كالجواهر لا تنتظم في سلكه ولا تعدّ من أكفائه، وطالع للدّين شمسا يباهي الشمس بضيائه، ويباهل البدر التّمام فيتغيّر تارة من خجله وتارة من حيائه. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نعدّها ذخرا للقائه، وفخرا باقيا ببقائه، راقيا في الدرجات العلى بارتقائه. ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله مبلّغ أنبائه، ومسوّغ الزّلفى لأحبّائه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان من أهل ولائه،

ومن عرف به الله لمّا تفكّر في آلائه، صلاة يؤمّل دوامها من نعمائه، ويؤمّن عليها سكّان أرضه وسمائه، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن أولى ما استقام به [الشخص على] «1» الطريقة «2» ، واستدام به الرجوع إلى الحقيقة، واستام به يطمئن إلى خالقه لا إلى الخليقة، وحفظ أفقه بنيّر تستضيء به النيّرات، ونوء تتقسّم به الغمائم الممطرات- طائفة أهل الصّلاح، ومن معهم من إخوان أهل الصفاء الصّوفيّة داعي الفلاح، ومن تضمّهم من الواردين إليهم إلى جناح، والصادرين عنهم بنجاح، ومن تفتح له فيهم أبواب السماء، وتمنح بنفسهم عامة الخلق ملابس النعماء، ومن يكشف بتهجّدهم جنح كلّ ظلام، ويكسف بتوجّههم عارضة كلّ بدر تمام، ويستشفى ببركاتهم من داء كل سقام، ويستسقى بدعائهم إذا قصّر النّيل وقصّ جناحه الغمام. وهم أولياء الله وأحبّاؤه، وبهم يتعلّل كل لبيب هم سقامه وهم أطبّاؤه؛ أنحلهم الحبّ حتّى عادوا كالأرواح، وأشغلهم الحبّ «3» بصوت كلّ حمام شجاهم لمّا غنّى وبرّح بهم لمّا ناح، وأطربهم كلّ سمع فوجدوا بكل شيء شجنا، وعذّبهم الهوى فاستعذبوا أن لا يلائموا وسنا، ومثّل فرط الكلف لهم الأحباب «4» فما رأوا لهم حالا إلا حسنا، وأثقل تكرار الذّكرى قلوبهم فما عدّوا غربة غربة ولا وطنا وطنا؛ قرّبت المحبة «5» لهم في ذات الله كلّ متباعد، وألّفت أشتاتهم فاختلفت الأسماء والمعنى واحد. والخانقاه الصلاحيّة بالقاهرة المحروسة المعروفة ب «سعيد السعداء» -

قدّس الله روح واقفها- هي قطب نجومهم السائرة، ومراكز أفلاكهم الدّائرة، وإليها تنحطّ رحّال سفّارهم، وعليها تحطّ رحال أسفارهم؛ تضطرب فرقهم في البلاد وإليها مرجعهم، وعليها مجتمعهم، وفيها مواضع خلواتهم، ومطالع جلواتهم «1» ، ومكان صلاتهم، وإمكان صلاتهم، ومشرق شموسهم، ومؤنق غروسهم، ومنهاج طريقتهم، ومعراج حقيقتهم «2» ، مأوى هذه الطائفة الطائفة في شرق البلاد وغربها، وبعدها وقربها، وعجمها وعربها، ومن رفع سجوفها أو هو محجوب بحجبها، والمؤهّلة والعراب، وأهل الاغتراب؛ هي فسيحهم الرّحيب، وصفيحهم القريب، ومثالهم إذا اجتمعوا في الملإ الأعلى زمرا، واخترقوا المهامه وما جازوا بيداء ولا جابوا مقفرا، وبلغوا الغاية وما أزعج ركابهم حاد في ليل سرى، ووصلوا وما فارقوا فرشهم الممهّدة إلى ما وراء الورى؛ شرط كلّ خانقاه أن لا تغلق في وجه من ينزل فيها بابا، ولا تطيل جهاتها الممنّعة له حجابا، ولا تعجل مقاماتها المرفعة له قبل...... «3» ...... وهذه نسخة توقيع بمشيخة الشيوخ، وهي مشيخة الخانقاه الناصريّة بسرياقوس، مما كتب بذلك للشيخ نظام الدين الأصفهاني، من إنشاء السيد الشريف شمس الدين: الطرّة توقيع شريف بأن يفوّض إلى المجلس العاليّ، الشيخيّ، النّظاميّ،

إسحق ابن الشيخ المرحوم جلال الدين عاصم، ابن الشيخ المرحوم سعد الدين محمد الأصفهانيّ القرشيّ الشافعيّ- أدام الله النفع ببركته- مشيخة الخانقاه السعيدة الناصريّة بسرياقوس- قدّس الله روح واقفها- ومشيخة الشيوخ بالديار المصرية والبلاد الشاميّة والحلبيّة، والفتوحات الساحلية، وسائر الممالك الإسلاميّة المحروسة، على عادته في ذلك وقاعدته ومعلومه، وأن يكون ما يخصّ بيت المال من ميراث كلّ من يتوفّى من الصوفيّة بالخانقاه بسرياقوس للشيخ نظام الدين المشار إليه، بحيث لا يكون لأمين الحكم ولا لديوان المواريث معه في ذلك حديث، وتكون أمور الخانقاه المذكورة فيما يتعلّق بالمشيخة وأحوال الصوفيّة راجعة للشيخ نظام الدين المشار إليه، ولا يكون لأحد من الحكّام ولا من جهة الحسبة ولا القضاة في ذلك حديث معه، ولا يشهد أحد من الصوفية ولا ينتسب إلا بإذنه، على جاري عادته في ذلك على ما شرح فيه، وأوّله: الحمد لله على نعمه التي ألّفت للصالحين من عباده نظاما، واستأنفت للصّائحين إلى مراده إحراما، وصرّفت أوامرنا بالعدل والإحسان لمن فوّض أموره إلى ربّه فأنجح له من مزيد التأييد مرادا ومراما، وعطفت بأوجه إقبالها الحسان على من هو متنزّه عن دنياه، متوجّه إلى أخراه، يمضي نهاره صياما وليله قياما. نحمده على أن جعلنا نرعى للأولياء ذماما، ونسعى بالنّعماء إليهم ابتداء وإتماما، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ترفع للمخلصين في علّيّين مقاما، وتدفع بأعمال الصّدق عن المتوكّلين عليه بأسا وأسقاما، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي جعله للمتّقين إماما، وفضّله على النبيّين إجلالا وإعظاما، وكمله بالسّمات المكرّمات، والصّفات المشرّفات، مما لا يضاهى ولا يسامى، صلى الله عليه وعلى آله الذين شرفوا إضافة إلى نسبه الشريف وانضماما، ورضي الله عن أصحابه الذين عرفوا الحقّ فبذلوا في إقامته اجتهادا واهتماما، صلاة تجمّل افتتاحا واختتاما، وتجزل إرباحا وإنعاما، وسلّم تسليما كثيرا.

وبعد، فشيمنا العدل والإنصاف، لمن له بيمن الأعراق اتصال وبحسن الأخلاق اتّصاف، ومن كرمنا الفضل والإسعاف، لمن لا خفاء في تعيّنه لتصدير التقديم وتكرير التكريم ولا خلاف، ومن سجايانا الجميلة أن لا تضاع حقوق من هو في الزّهادة والعبوديّة إمام، لألسنة الأيّام، بحلاه الحسنة إقرار واعتراف، ولمزايانا جميل المحافظة، وجليل الملاحظة، لمن توكّل على الله حقّ التوكّل فله انتصار بالله تعالى وانتصاف: لأنه العريق الأسلاف، الرّفيق بالضّعاف، الحقيق بتوفير التوفيق الذي له بحركاته المباركة اكتناف، المطيق النّهوض بأعباء الرّياسة: لأنّ للقلوب على محبّته ائتلاف، السّبوق إلى غايات الغلوات الذي تحفّ به في بلوغ آماد الإسعاد من الله تعالى ألطاف، والصّدوق النيّة مع الله تعالى فكم والى لنعمائه الزيادة والاستئناف. وكان المجلس العاليّ الشيخيّ، الإماميّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، الأوحديّ، القدويّ، الورعيّ، الزاهديّ، الناسكيّ، الخاشعيّ، السالكيّ، الأصيليّ، العريقيّ، القواميّ، العلّاميّ، النّظاميّ: جمال الإسلام والمسلمين، شرف العلماء في العالمين، أوحد الفضلاء، قدوة المشايخ، مربّي السالكين، كنز الطالبين، موضّح الطريقة، مبيّن الحقيقة، شيخ شيوخ العارفين، بركة الملوك والسّلاطين، وليّ أمير المؤمنين، إسحق ابن الشيخ المرحوم فلان- أدام الله النفع ببركاته- هو المفوّض أموره إلى ربّه، المعرض عن الدنيا بباطنه وقلبه، المتعوّض بما عند الله من فضله فما زال الإيثار من شأنه ودأبه، إلى إخوانه وصحبه، فهو من الذين يطعمون الطعام على حبّه، ويلهمون من العمل المبرور إلى أقربه من الله وأحبّه، ويقومون الظّلام مع أولياء الله المخلصين وحزبه، ويستديمون الإنعام من الله تعالى بالإحسان إلى عباده ففرعهم لأصلهم في صنعهم مشبه، ويستسلمون لأحكام الله تعالى وكلّهم شاكر لربّه، على حلو القضاء ومرّه صابر على سهل الأمر وصعبه، سائر بالصّدق في شرق الوجود وغربه، مثابر على الحق في عجم الخلق وعربه. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يوصّل الحقوق إلى مستحقّيها،

ويجمل الوثوق بمن تتجمّل المراتب الدينية منه بترقّيها- أن يفوّض إلى المشار إليه مشيخة الخانقاه السعيدة الناصرية بسرياقوس- قدّس الله روح واقفها- ومشيخة الشيوخ بالديار المصرية، والبلاد الشاميّة والحلبية، والفتوحات الساحليّة، وسائر الممالك الإسلاميّة المحروسة، على عادته في ذلك وقاعدته ومعلومه، وأن يكون ما يخصّ بيت المال المعمور من ميراث كلّ من يتوفّى من الصّوفية بالخانقاه المذكورة للمشار إليه، بحيث لا يكون لأمين الحكم ولا لديوان المواريث معه في ذلك حديث، وتكون أمور الخانقاه المذكورة فيما يتعلّق بالمشيخة وأحوال الصوفيّة راجعة إليه، ولا يكون لأحد من الحكّام ولا من جهة الحسبة ولا القضاة في ذلك حديث معه، ولا يشهد أحد من الصّوفية ولا ينتسب إلا بإذنه على العادة في ذلك، ويكون ذلك معدوقا بنظره. فليعد إليها عودا حميدا، وليفد من الإصلاح ما لم يزل مفيدا، وليعتصم بالله تعالى مولاه فيما تولّاه وقد آتاه الله تثبيتا وتسديدا، وليشهد بها من القوم المباركين من كان عوده قبل الصوم عيدا؛ وهو أعزّه الله تعالى المسعود المباشرة، المحمود المعاشرة، المشهود منه اعتماد الاجتهاد في الدنيا والآخرة، المعهود منه النّفع التامّ، في فقراء مصر والشام، فكم أثّر الخير وآثره، وكثّر البرّ وواتره، ويسّر السير الحسن الذي لم يبرح لسان الإجماع شاكره. ونحن نوصيه عملا بما أمر الله تعالى به رسوله صلّى الله عليه وسلّم في كتابه المبين، بقوله وهو أصدق القائلين: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ «1» وإن كنا نتحقّق ما هو عليه من العلم والدّين، والحكم الرّصين، والزّهد والورع اللذين نحن منهما على بيّنة ويقين، باتّباع شروط الواقفين، والإمتاع بالعوارف أولياء الله العارفين: فإنّه ما زال حيث حلّ في جميع الآفاق، واصلا للأرزاق، مواصلا بالأشواق، شاملا بالإرفاق، عاملا بالحقّ في إيصال الحقوق لذوي الاستحقاق. ونأمرهم

الضرب الخامس (من أرباب الوظائف بالديار المصرية بالحضرة - أرباب الوظائف العادية، وكلها تواقيع)

أن يكون لهم على تكريمه اتّفاق، وفي متابعته اجتماع واتّساق؛ فإنّه شيخ الطّوائف، وإمام تقتبس منه اللّطائف، وتلتمس منه الهداية في المواطن والمواقف؛ والله تعالى يمتّع ببركاته الأمّة، ويسمع منه في الخلوات لنا الدّعوات التي تكون لأوراده المقبولة مفتتحة ومتمّة، ويصله بعنايته التي تقيّد الهمّ وتؤيّد الهمّة، ويجعله حيث كان للفقراء نعمة وبين الناس رحمة؛ والعلامة الشريفة أعلاه، حجة بمقتضاه. الضرب الخامس (من أرباب الوظائف بالدّيار المصريّة بالحضرة- أرباب الوظائف العاديّة، وكلّها تواقيع) وهي على طبقات: الطبقة الأولى (من يكتب له في قطع النصف بالمجلس العالي، وهو رئيس الأطبّاء المتحدّث عليهم في الإذن في التطّبب والعلاج والمنع من ذلك وما يجري هذا المجرى) وهذه نسخة توقيع برياسة الطّبّ، وهي: الحمد لله مؤتي الحكمة من يشاء من عباده، ومعطي أمانة الأرواح من ترقّى في حفظها إلى رتبة اجتهاده، وجاعل علم الأبدان أحد قسمي العلم المطلق في حالي اجتماعه وانفراده، وموفّق من جعل نصح خلق الله فيه سببا لسعادة دنياه وذخيرة صالحة ليوم معاده، [ومبلّغ من كان دائبا في إعانة البريّة على طاعة ربّها بدوام] «1» الصّحّة غاية مرامه وأقصى مراده، ورافع رتبة من دلّ

اختياره واختباره على وفور علمه ونجح علاجه وإصابة رأيه وسداده. نحمده على نعمه التي خصّت بنعمنا من كمل في نوعه وفصله وحسن في علمه وعمله قوله وفعله، وجمع من أمانة وظيفته ومعرفتها ما إذا جلس في أسنى مناصبها قيل: هذا أهله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تشرق البصائر، بأضوائها وتفرق «1» الضمائر، باخلاصها من أدوائها، وتغدق بيمنها أنواء التوفيق فتتأرّج رياض الإيمان بين روائها وإروائها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أنارت ملّته، فلم تخف على ذي نظر، وعلت أدلّته، فلم ينلها من في باع رويّته قصر، وبهرت معجزاته فلو حاولت الأنفاس حصرها أفناها العيّ والحصر، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين كانوا لأدواء القلوب علاجا، ولسلسبيل الإيمان مزاجا، وللبصائر السائرة في دجى الشّبهات سراجا، صلاة دائمة الإقامة، متصلة الدّوام إلى يوم القيامة، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد: فإنّ صناعة الطّبّ علم موضوعها حفظ الأبدان النّفيسة، ومقصودها إعانة الطبيعة على حماية الأعضاء الرّئيسة، ومدارها الأعمّ، على معرفة العوارض وأسبابها، ومدركها الأتمّ، الوقوع على الصواب في معرفة الجسوم وأوصابها؛ وحينئذ تتفاوت رتب أهلها عند تشعّب مداركها، واختلاف مسالكها، وتشابه عللها، والتباس صوابها بخللها؛ إذ لا يميّز ذلك حقّ تمييزه إلا من طال في العلم تبحّره، وحسن في رتب هذا الفن تصدّره، وطابق بين نقله وعلاجه، وعرف حقيقة كل مركّب من الأدوية ومفرد بعينه واسمه وصفته ومزاجه، وتكرّرت عليه الوقائع فعرفها دربة وأحكمها نقلا، ولقّب بشرعة التقوى إذ كان الإقدام على النفوس قبل تحقّق الداء والدّواء مذموما شرعا وعقلا؛ ولذلك تحتاج إلى رئيس ينعم في مصالحها نظره، ويجمل في منافعها ورده وصدره، ويعتبر أحوال أهلها بمعيار فضله، ويلزم الداخل فيها ببلوغ الحدّ الذي لا بدّ منه

بين أرباب هذا الشأن وأهله، ويعرف لأكابر هذا الفنّ قدر ما منحهم الله من علم وعمل، ويبسط رجاء المبتديء إذا كمّل نفسه حتّى لا يكون له فيها بغير كمال الاستحقاق طمع ولا أمل. ولما كان المجلس السامي، القاضي، الأجلّ، الحكيم، فلان الدين: هو الذي بلغ من العلم غاية مراده، واحتوى من هذا الشان على ما جمع به رتب الفاضلين فيه على انفراده؛ فلو عاصره «الرئيس» «1» لاعتمد عليه في كلّيّات قانونه، أو «الرازيّ» «2» لعلم أن. «حاويه» من بعض فنونه، قد حلب هذا العلم أشطره، وأكمل قراءة هذا الفنّ رموزه وأسطره، وحلّ أسراره الغامضة، وارتوى من سحب رموزه بأنواء لم يشم غير فكره بروقها الوامضة، وأسلف من خدمة أبوابنا العالية سفرا وحضرا ما اقتضى له مزيّة شكره، وتقاضى له مزيد التنبيه على قدره والتنويه بذكره، وحمد فيه الفريدان: صحة نقله وإصابة فكره، وعلم أنه جامع علوم هذه الصّناعة فلا يشذّ منها شيء عن خاطره ولا يغيب منها نقل عن ذكره. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال شهاب فضله لامعا، وسحاب برّه هامعا- أن يكون فلان متولّي رياسة الأطباء بالديار المصرية على عادة من تقدّمه. فليباشر هذه الرياسة ناظرا في مصالحها، مطلعا من شهاب فضله ما يزين أفقها زينة السماء بمصابيحها، متفقّدا أحوال مباشريها، متلمّحا أحوال المستقلّ بأعبائها والداخل فيها، سالكا في ذلك سبيل من تقدّمه من رؤسائها، حاكما في أمورها بما جرت به العادة المستقرّة بين أكابرها وعلمائها، مطارحا من قدمت هجرته فيها بما يقتضي له مراجعة أصوله، ملزما من ظهر قصوره فيها بالتدرّب

إلى حدّ لا يقنع منه بدون حصوله، مجيبا في الإذن لمن أظهر الاستحقاق صدق ما ادّعاه، قابلا في الثّبوت من مشايخ هذه الصّناعة من لا يشهد إلا بما علمه ولا يخبر من التدرّب إلا بما رآه ووعاه، متحرّيا في الثّبوت لدينه، آذنا بعد ذلك في التصرّف إن ترقّى علمه باستحقاقه إلى رتبة تعيينه؛ وليعط هذه الوظيفة حقّها من تقديم المبرّزين في علمها، وتكريم من منحه الله درجتي نقلها وفهمها، وتعليم من ليس عليه من أدواتها المعتبرة غير وسمها واسمها، ومنع من يتطرّق من الطّرقية «1» إلى معالجة وهو عار من ردائها، وكفّ يد من يتهجّم على النفوس فيما غمض من أدوائها قبل تحقّق دوائها، واعتبار التقوى فيمن يتصدّى لهذه الوظيفة فإنّها أحد أركانها، واختيار الأمانة فيمن يصلح للاطلاع على الأعضاء التي لولا الضرورة المبيحة حرم الوقوف على مكانها؛ وليكن في ذلك جميعه مجانبا للهوى، ناويا نفع الناس فإنما لامريء ما نوى؛ والله تعالى يحقّق له الأمل، ويسدّده في القول والعمل، بمنّه وكرمه. قلت: وربّما افتتح توقيعها ب «أما بعد حمد الله» . وهذه نسخة توقيع برياسة الطّب، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ، كتب بها ل «شهاب الدين الحكيم» في المحرّم سنة تسع وسبعمائة، وهي: أمّا بعد حمد الله حاسم أدواء القلوب بلطائف حكمته، وقاسم أنواع العلوم بين من كمل استعدادهم لقبول ما اقتضته حكمة قسمته، وجاعل لباس العافية من نعمه التي هي بعد الإيمان أفضل ما أفاض على العبد من برّه وأسبغ عليه من نعمته، والمنزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته، ومقرّب ما نأى من الفضائل على من أسرى إليها على مطايا عزمه وسرى لتحصيلها على جياد همّته، وملهم آرائنا بتفويض أمانة الأرواح إلى من

أنفق في خدمة الطبيعة أيّام عمره فكان بلوغ الغاية في علمها نتيجة خدمته، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي شرح الله بالهدى صدور أمّته، وخصّه منهم بأعلام كلّ علم وأئمته، وجلا بيقين ملّته عن كلّ قلب ما ران عليه من الشّك وغمّته، وعلى آله وصحبه الذين حماهم من الزّيغ والزّلل ما فجّر الهدى لهم من جوامع الكلم وأفاض التّقى عليهم من أنوار عصمته- فإنّ أولى الأمور أن يعتمد فيها على طبيبها الخبير، ويصان جوهرها عن عرض العرض على غير ناقدها البصير، وتحمى مواردها عمن لم يعرف كيف يجتنب مواقع التكدير، وترفع كواكبها عمّن لم تدرك أفكاره دقائق الحوادث وحقائق التأثير- أمر صناعة الطّب التي موضوعها الأبدان القائمة بالعبادة، والأجسام القائمة بما يتعاقب عليها من الحوادث والزّيادة، والنّفوس التي ما عنها إن حصل فيها التفريط بدل ولا عوض، والأرواح التي إن عرض الفناء لجوهرها فلا بقاء بعده للعرض، والطبيعة التي إن خدمت على ما يحبّ نهضت على ما يجب بالصّحّة حقّ النّهوض، والأمزجة التي إن نفرت لعدم التأتّي في سياستها أعجزت من يروض. ولذلك تفتقر على كثرة أربابها، وتحتاج مع غزارة المتمسّكين بأسبابها، وتضطرّ وإن اندفعت الضرورات بكثرة متقنيها، وتتشوّف وإن وجد الجمّ الغفير من المتلبّسين بأدواتها والمتبحّرين فيها- إلى رئيس ينعم في اعتبار أكفائها النّظر، ويدفع عن رتبتها بتطرّق غير أهلها الغير، ويعرف من أحوال مباشريها ما لا يكفي في خبرها الخبر؛ فلا يقبل إلا من علم مقدار علمه، ووثق مع الحفظ بصحّة فهمه، ورضي عن خبره في الطّبّ واجتهاده، واعتبر منه كل نوع تحت أجناسه المتعدّدة على حدته وانفراده، وجاراه في كلّيّات الفنّ فرآه في كلّ حلبة راكضا، وطارحه في فصول العلم فوجده بحمل أعباء ما تفرّع منها ناهضا، واختبر دربته فوجدها موافقة لتحصيله، مطابقة لما حواه من إجمال كلّ فنّ وتفصيله، وتتبّع مواقع دينه فوجدها متينة، ومواضع أمانته فألفاها مكينة، وأسباب شفقته ونصحه فعرف أنها على ما جمع من الأدوات الكاملة معينة؛ ويتعيّن أن يكون هذا «الرئيس» في أوانه، و «الرازيّ» في زمانه، و «الفارابيّ» في كونه

أصلا تتفرّع فنون الحكم من أفنانه؛ علاجه شفاء حاضر، [وكلاءته] «1» نجاة من كل خطر مخامر، وتدبيره للصحّة تقويم، وتصفّحه تثقيف لعلماء الصّناعة وتسليم، ودروسه ذخائر ينفق من جواهر حكمها كلّ حكيم. ولما كان المجلس العاليّ الصّدريّ، الشّهابيّ، هو المراد بالتعيّن لهذه الوظيفة، والمقصود بما أشير إليه في استحقاق هذه الرتبة من عبارة صريحة أو كناية لطيفة، وأنّه جمع من أدوات هذا الفن ما افترق، واحتوى على أصوله وفروعه فاجتمعت على أولويّته الطوائف واتّفقت على تفضيله الفرق؛ فلو عاصره «أبقراط» لقضى له في شرح فصوله بالتّقدمة، ولو أدرك «جالينوس» لاقتدى في العلاج بما علّمه؛ مع مباشرة ألّفت بين الصحّة والنّفوس، وملاطفة أشرقت مواقع البرء بها في الأجساد إشراق الشّموس، واطّلاع يعرف به مبلغ ما عند كلّ متصدّ لهذه الصناعة من العلم، وتبحّر في الفنون لا يسلّم به لأحد دعوى الأهلية إلا بعد حرب جدال هو في الحقيقة عين السّلم- فرسم بالأمر العاليّ أن يستقرّ فلان في رياسة الأطبّاء الطبائعيّة بالديار المصرية والشام المحروس، على عادته وعادة من تقدّمه في ذلك، ويكون مستقلّا فيها بمفرده. فلينظر في أمر هذه الطائفة نظرا تبرأ به الذّمّة، ويحصل به على رضا الله تعالى ورضا رسوله صلّى الله عليه وسلّم في الشّفقة على الأمّة، ويعطي به الصناعة حقّها، ويطلق من يد من تطاول إليها بغير أهليّة رقّها، ويصون النفوس من إقدام من تقدّم بغير خبرة كاملة عليها، ويذبّ عن الأرواح تطرّق من يتطرّق بغير معرفة وافرة إليها، فإنّ فارط التفريط في النفوس قلّ أن يستدرك، ومن لم تجتمع فيه أدوات المعرفة التامة والدّين فما ينبغي له أن يدخل في المعالجة قبل الكمال وإن دخل فلا يترك؛ فإنّ من لازم صلاح الأرواح صلاح الأجساد، وإنّ الداء الذي لا دواء له أن تكون العلّة في واد والمعالجة في واد، فلا يقبل في التزكية إلا من يثق بدينه كوثوقه بعلمه، ولا يصرّف أحدا في هذه الصناعة إلا الذين زكت أعمالهم قبل

التزكية؛ وليشفعها بالامتحانات التي [تسفر عن وجوه الوثوق بالأهلية لثام] «1» دقائقها المنكية، فإنّ العيان شاهد لنفسه، ومن لم تنفعه شهادة فعله في يومه لم ينفعه غيره في أمسه، ولا يمض فيها حكما قبل استكمال نصاب الشّهادة، وقبل التثبّت بعد كمالها: فإنّ المعالجة محاربة للدعاء والموت بجهالة المحارب له شهادة، وليأمر من ألجيء إلى معالجة مرض لا يعرفه بمتابعة من هو أوفق منه بالتقديم، ومراجعة من هو أعلم منه به: فإنّ الحوادث قد تختلف وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ «2» وملاك الأمور تقوى الله فليجعلها حجّته فيما بين الله وبينه، والافتقار إلى توفيقه فليصرف إلى ذلك قلبه وعينه؛ والخير يكون إن شاء الله تعالى. وهذه وصية متطبّب طبائعيّ، أوردها في «التعريف» قال: وليتعرّف أوّلا حقيقة المرض بأسبابه وعلاماته، ويستقص أعراض المريض قبل مداواته، ثم ينظر إلى السّنّ والفصل والبلد؛ ثم إذا عرف حقيقة المرض، وقدر ما يحتمله المزاج من الدواء لما عرض، يشرع في تخفيف الحاصل، وقطع الواصل، مع حفظ القوى. ولا يهاجم الداء، ولا يستغرب الدّواء، ولا يقدم على الأبدان إلا بما يلائمها، ولا يبعد الشبه، ولا يخرج عن جادّة الأطبّاء ولو ظنّ الإصابة حتّى يقوى لديه الظنّ ويتبصّر فيه برأي أمثاله، وليتجنّب الدّواء، ما أمكنه المعالجة بالغذاء، والمركّب، ما أمكنه المعالجة بالمفرد؛ وإيّاه والقياس إلّا ما صحّ بتجريب غيره في مثل مزاج من أخذ في علاجه، وما عرض له، وسنّه، وفصله، وبلده، ودرجة الدّواء. وليحذر من التجربة، فقد قال أبقراط وهو رأس القوم: إنها خطر. ثم إذا اضطرّ إلى وصف دواء صالح للعلّة نظر إلى ما فيه من المنافاة وإن قلّت، وتحيّل لإصلاحه بوصف

الضرب السادس (من أرباب الوظائف بالديار المصرية) زعماء أهل الذمة

يصلح معه، مع الاحتراز في وصف المقادير والكمّيات والكيفيّات، في الاستعمال والأوقات، وما يتقدّم ذلك الدواء أو يتأخّر عنه. ولا يأمر باستعمال دواء، ولا ما يستغرب من غذاء، حتّى يحقّق حقيقته، ويعرف جديده من عتيقه: ليعرف مقدار قوّته في الفعل. وليعلم أنّ الإنسان هو بنية الله وملعون من هدمها، وأن الطبيعة مكافية وبؤسى لمن ظلمها، وقد سلّم الأرواح وهي وديعة الله في هذه الأجسام، [فليحفظها وليتق الله ففي ذلك جميع الأقسام] «1» وإيّاه ثم إيّاه أن يصف دواء ثم [يكون هو الذي] «2» يأتي به، أو يكون هو الذي يدلّ عليه، أو المتولّي لمناولته للمريض ليستعمله بين يديه، وفي هذا كلّه لله المنّة ولنا إذ هديناه له وأرشدناه إليه. وهذه نسخة توقيع برياسة الكحّالين...... «3» .... الضرب السادس (من أرباب الوظائف بالديار المصرية) زعماء أهل الذمة ويكتب لجميعهم تواقيع في قطع الثلث بألقابهم السابقة مفتتحة ب «أما بعد حمد الله» . ويشتمل هذا الضرب على ثلاث وظائف: الوظيفة الأولى (رآسة اليهود) وموضوعها التحدّث على جماعة اليهود والحكم عليهم، والقضاء بينهم

على مقتضى دينهم وغير ذلك. وقد تقدّم في الكلام على النّحل والملل أنّ الموجودين من اليهود ثلاث طوائف: وهم الرّبّانيّون، والقرّاؤون، والسامرة «1» وقد جرت العادة أن يكون الرئيس من طائفة الرّبّانيّين دون غيرهم، وهو يحكم على الطوائف الثلاث. وهذه نسخة توقيع «2» برآسة اليهود، من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، وهي: أما بعد حمد الله الذي جعل ألطاف هذه الدولة القاهرة تصطفي لذمّتها من اليهود رئيسا فرئيسا، وتختار لقومها كما اختار من قومه موسى، وتبهج لهم نفوسا كلّما قدّمت عليهم نفيسا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبيّ الأميّ، والرسول الذي أجمل الوصيّة بالملّيّ والذّمّيّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما هطل وبليّ «3» ، وما نزل وسميّ «4» - فإنّ معدلة هذه الدولة تكتنف «5» الملل والنّحل بالاحتياط، وتعمّهم من إنصافها وإسعافها بأوفر الأنصباء وأوفى الأقساط، وتلمّهم من حادث الزمن إذا اشتطّ ومن صرفه إذا شاط، وتضمّهم كما

ضمّت البنوّة إلى جناح النّبوّة الأسباط، لا تزال ترقب الإلّ «1» والذّمة، في المسلمين وأهل الذّمّة، وتقضي لهم بحسن الخيرة ورعاية الحرمة، وتبيحهم من أمر دينهم ما عليه عوهدوا، وتمنحهم من ذلك ما عليه عوقدوا، وتحفظ نواميسهم بأحبار تحمد موادّهم إذا شوفهوا وتحسن مرآهم إذا شوهدوا: من كل إسرائيليّ أجمل للتوراة الدّراسة، وأحسن لأسفار أنبيائه اقتباسه وأجمل التماسه، ومن نبّهته نباهته للتقدمة فما طعم اجتهاده يوما حتّى صار وجه الوجاهة في قومه ورأس الرّأسة، فأصبح [فيهم] معدوم النظير، معدودا منهم بكثير، وموصوفا بأنه في شرح أسفار عبرانية «2» حسن التفسير، واستحقّ من بين شيعته أن يكون رأس الكهنة، وأن تصبح القلوب في مجامعهم بحسن منطقه مرتهنة، وبأن للجهالة بتثقيفه لشيعته تحجّب «3» عقائدهم عن أن تغدو ممتهنة. ولما كان فلان «4» هو لمحاسن هذا التقريظ بهجة، ولجسد هذا التفويض مهجة، ولممادح هذا الثناء العريض لهجة، ولعين هذا التعيين غمضها، وليد هذه الأيادي بسطها وقبضها، ولأبكار أفكار هذه الأوصاف متقاضيها ومقتضّها، ومن أدنيت قطاف النعماء ليد تقدمته «على غيظ من غصّ منها» واجتنى غضّها- اقتضى حسن الرأي الشريف أن يميّز على أبناء جنسه حقّ التمييز، وأن يجاز له من التنويه والتنويل أجلّ ما جيز. ورسم بالأمر الشريف- لا زال يختار فيجمل الاختيار، ويغدو كالغيث الذي يعمّ بنفعه الرّبا والوهاد والأثمار والأشجار- أن تفوّض إليه رآسة اليهود على اختلافهم: من الرّبّانيين، والقرّائين، والسامرة بالديار المصريّة حماها الله

وكلأها. فليجعل أسبابهم بالتّقوى تقوى، وغروسهم بالتدبير لا تذوى، ومقاصدهم لا يمازجها شكّ ولا شكوى، ولينزل عليهم منّا منّا يسليهم صنعا حتّى لا يفارقوا المنّ والسّلوى؛ وليتق الله فيما يذره ويأتيه، ويحسن في اجتلاب القلوب واختلابها تأتّيه؛ وإيّاه والتّيه حتّى لا يقال: كأنّه بعد لم يخرج من التّيه» وجماعة الرّبانيّين فهم الشّعب الأكبر، والحزب الأكثر؛ فعاملهم بالرّفق الأجدى والسّرّ الأجدر، ولكونك منهم لا تمل معهم على غيرهم فيما به من النفس الأمّارة تؤمر. وجماعة القرّائين فهم المعروفون في هذه الملّة، بملازمة الأدلّة، والاحتراز في أمر الأهلّة «2» ، فانصب لأمرهم من لم يتولّه حين يتولّه؛ ومن كان منهم له معتقد فلا يخرج عن ذلك ولا يحرج، ولا يلجم منهم بلجام من نار إنكار من في ليلة سبته [بيته] «3» عليه لا يسرج. والسامرة فهم الشّعب الذين آذن التنظيف أهله بحروبه، ولم يك أحدهم لمطعم لكم ولا مشرب بأكوله ولا شروبه؛ فمن قدرت على ردّه بدليل من مذهبك في شروق كل بحث وغروبه، فاردده من منهج تحيّده عن ذلك وهروبه، وإلا فقل له: يا سامريّ بصرت بما لم تبصروا به. [وليكن حكمك فيهم بالبتّ] «4» ، وارفق بهم فإن «المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» «5» فإيّاك أن

تكون ذلك المنبتّ، ومرهم بملازمة قوانينهم كيلا يعدو أحد منهم في السّبت، واجعل أمور عقودهم مستتبّة، وأحسن التحرّي والتحرير لهم في إتقان كل كتبة؛ ولا تختر إلا الأعيان، من كل خزّان وديّان؛ ومن كان له من داود عليه السّلام لحمة نسب، وله به حرمة نسب، فارع له حقّه، وأصحبه من الرّفق أكرم رفقة. والجزية فهي لدمائكم وأولادكم عصمة، وعلى دفاعها لا دافعها وصمة، ولأجلها ورد: «من آذى ذمّيّا كنت خصمه» ، وهي ألمّ من السيف إجارة، وهي أجرة سكنى دار الإسلام كما هي لاستحقاق المنفعة بها إجارة؛ فأدّوها، وبها نفوسكم فادوها، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها «1» ، فعدّوا ألطاف الله بها ولا تعدوها؛ وداوم على مه «2» ، زجرا لتارك علامة «3» ؛ ومن قصد منها خلاصه، فقل له في الملإ: ماذا خلا؟ صه؛ ومن ركن في أمرها إلى الإخلاد والإخلال، وسكن إلى الإهمال، ولم يرض بأنّ راية الذّلّة الصفراء على رأسه تشال، فأوسعه إنكارا، وألزمه منها شعارا؛ وإن قام بنصره منهم معشر خشن فأرهم بعد العلامة خشكارا «4» ؛ وخذهم بتجنّب الغشّ الذي هو للعهد مغيّر ومغيّب، واكفف من هو بما ينافيه معيّر ومعيّب؛ وأما من هو مجيب لذلك فهو لقصده محبّب، وانقل

طباعهم عن ذلك وإن أبت عن التناقل [فانتقامنا يتلو] «1» : قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ «2» وقد علم أن الذي تتعاطونه من نفخ في البوق إنما هو كما قلتم للتّذكار، فاجتهدوا أن لا يكون لتذكار العجل الحنيذ «3» الذي له خوار؛ هذه وصايانا لك ولهم فقل لهم: هذه موهبة الدولة وإحسانها إليكم، ولطفها بكم وعاطفتها عليكم، وبصّرهم بذلك كلّما تلا إحساننا إليهم: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ* «4» وهذه نسخة توقيع برآسة اليهود أيضا: أمّا بعد حمد الله على أن جعل ملاحظة هذه الدولة القاهرة لجميع الملل ناظرة، وإحسانها لا يغفل مصلحة لأولي الأديان غائبة ولا حاضرة، والصلاة على سيدنا محمد الذي جعل ذمّته وعهده وفيّين لكل نسمة مؤمنة وكافرة- فإنّ الله تعالى لما مدّ رواق عدل هذه الأيام الشريفة على كل معاهد: من متقرّب ومتباعد، وساوى بينهم في النظر الذي صدق الرأي وصدّق الرائد- اقتضى جميلها أن يسهم لكلّ من أهل الذمة أوفر نصيب، وأن لا يقال لأحد منهم من الإجحاف ما يريب، وأن لا تكون أمورهم مضاعة، ولا تعبّداتهم مراعة، ولا شرائعهم غير مصونة، ولا أحكامهم عارية [عن] «5» حسن معونة؛ وكانت جماعة اليهود وإن كانوا أولي غيّ، وصدق النصارى فيهم وصدقوا في النصارى من أنّهم ليسوا على شيّ، لا بدّ لهم من مباشر يأخذهم بالأمر الأحوط، والناموس

الأضبط، والمراسيم التي عليهم تشرط؛ وكان الذي يختار لذلك ينبغي أن لا يكون إلا من أكبر الكهنة وأعلم الأحبار، وممن عرف من دينهم ما لأجله يصطفى ولمثله يختار، وممّن فيه سياسة تحجزه عن المضارّ، وتحجبه عن الاستنفار، وكان فلان الرئيس هو المتميّز بهذه الأوصاف على أبناء جنسه، وله وازع من نفسه، ورادع من حسن حدسه، وخدمة في مهمّات الدولة يستحقّ بها الزيادة في أنسه، وهو من بين جماعته مشهور بالوجاهة، موصوف بالنّباهة، ذو عبرانيّة حسنة التعبير، ودراسة لكتب أهل ملّته على ما فيها من التغيير- اقتضى جميل الاختصاص المنيف، أن يرسم بالأمر الشريف- لا برح يرقب الإلّ والذّمّة، ويرعى للمعاهدين الحرمة- أن تفوّض إليه رآسة اليهود الرّبّانيين والقرّائين والسامرة، على عادة من تقدّمه. فليباشر ذلك مستوعبا أمورهم كلّها، مستودعا دقّها وجلّها، مباشرا من أحوالهم ما جرت عادة مثله من الرّؤساء أن يباشر مثلها، غير مفرّط في ضبط ناموس من نواميس المملكة، ولا مغفل الإنكار على من «1» يتجاوز ذلك إلى موارد الهلكة؛ ومن فعل ما يقضي بنقض عهده، فعليه وعلى مستحسنه له من المقاتلة ما يتّعظ به كلّ من يفعل ذلك من بعده؛ بحيث لا يخرج أحد منهم في كنيسته ولا في يهوديّته ولا في منع جزيته عن واجب معهود، ومن خالف فوراء ذلك من الأدب ما تقشعرّ منه الجلود؛ وما جعلهم الله ذمّة للمسلمين إلا حقنا لدمائهم، فلا يبحها أحد منهم فتجتمع له شماته أهل الأديان من أعدائهم بأعدائهم- والوصايا كثيرة وإنما هذه نخبتها الملخّصة، وفيها من حساب الإحسان إليهم ما تغدو به أيّام الإمهال لهم ممحّصة، والله يوفّقه في كل تصرّف مرغوب، وتأفف من مثله مطلوب، بمنه وكرمه!.

وهذه وصية لرئيس اليهود أوردها في «التعريف» وهي: وعليه بضمّ جماعته، ولمّ شملهم باستطاعته، والحكم فيهم على قواعد ملّته، وعوائد أئمته، في الحكم إذا وضح له بأدلّته، وعقود الأنكحة وخواصّ ما يعتبر عندهم فيها على الإطلاق، وما يفتقر فيها إلى الرضا من الجانبين في العقد والطّلاق، وفيمن أوجب عنده حكم دينه عليه التّحريم، وأوجب عليه الانقياد إلى التحكيم، وما أدّعوا فيه التواتر من الأخبار، والتظافر على العمل به مما لم يوجد فيه نصّ وأجمعت عليه الأحبار، والتوجّه تلقاء بيت المقدس إلى جهة قبلتهم، ومكان تعبّد أهل ملّتهم، والعمل في هذا جميعه [بما شرعه موسى الكليم، والوقوف معه] «1» إذا ثبت أنه فعل ذلك النبيّ الكريم، وإقامة حدود التّوراة على ما أنزل الله من غير تحريف؛ ولا تبديل كلمة بتأويل ولا تصريف، واتباع ما أعطوا عليه العهد، وشدّوا عليه العقد، وأبقوا فيه ذماءهم «2» ، ووقوا به دماءهم؛ وما كانت تحكم به الأنبياء والربّانيّون، ويسلّم إليه الإسلاميّون منهم ويعبّر عنه العبرانيّون؛ كلّ هذا مع إلزامه لهم بما يلزمهم من حكم أمثالهم أهل الذمّة الذين أقرّوا في هذه الدّيار، ووقاية أنفسهم بالخضوع والصّغار، ومدّ رؤوسهم بالإذعان لأهل ملّة الإسلام، وعدم مضايقتهم في الطّرق وحيث يحصل الالتباس بهم في الحمّام، وحمل شعار الذمّة الذي جعل لهم حلية العمائم، وعقد على رؤوسهم لحفظهم عقد التّمائم؛ وليعلم أنّ شعارهم الأصفر، موجب لئلا يراق دمهم الأحمر، وأنّهم تحت علم علامته آمنون، وفي دعة أصائله ساكنون؛ وليأخذهم بتجديد صبغه في كلّ حين؛ وليأمرهم بملازمته ملازمة لا تزال علائمها على رؤوسهم تبين، وعدم التظاهر لما يقتضي المناقضة، أو يفهم منه المعارضة، أو يدع فيه غير السّيف وهو إذا كلّم شديد العارضة؛ وله ترتيب طبقات أهل ملّته من الأحبار فمن دونهم على قدر استحقاقهم، وعلى ما لا

تخرج عنه كلمة اتّفاقهم؛ وكذلك له الحديث في جميع كنائس اليهود المستمرّة إلى الآن، المستقرّة بأيديهم من حين عقد عهد الذمة ثم ما تأكّد بعده لطول الزمان، من غير تجديد متجدّد، ولا إحداث قدر متزيّد؛ ولا فعل شيء مما لم تعقد عليه الذّمّة، ويقرّ عليهم سلفهم الأوّل سلف هذه الأمّة، وفي هذا كفاية وتقوى الله وخوف بأسنا رأس هذه الأمور المهمّة. [وصية رئيس السامرة] «1» : ولا يعجز عن لمّ شعث طائفته مع قلّتهم، وتأمين سربهم الذي لو لم يؤمّنوا فيه لأكلهم الذئب لذلّتهم؛ وليصن بحسن السّلوك دماءهم التي كأنما صبغت عمائمهم الحمر منها بما طلّ، وأوقد لهم منها النار الحمراء فلم يتّقوها إلا بالذّلّ، وليعلم أنهم شعبة من اليهود لا يخالفونهم في أصل المعتقد، ولا في شيء يخرج عن قواعد دينهم لمن انتقد؛ ولولا هذا لما عدّوا في أهل الكتاب، ولا قنع منهم إلا بالإسلام أو ضرب الرّقاب؛ فليبن على هذا الأساس، [ولينبيء قومه أنّهم منهم وإنما الناس أجناس] «2» ، وليلتزم من فروع دينه ما لا يخالف فيه إلا بأن يقول لا مساس؛ وإذا كان كما يقول: إنه كهارون عليه السّلام فليلتزم الجدد، وليقم من شرط الذمّة بما يقيم به طول المدد، وليتمسّك بالموسويّة من غير تبديل، ولا تحريف في كلم ولا تأويل، وليحص عمله فإنه عليه مسطور، وليقف عند حدّه ولا يتعدّ طوره في الطّور، وليحكم في طائفته وفي أنكحتهم ومواريثهم وكنائسهم القديمة المعقود عليها بما هو في عقد دينه، وسبب لتوطيد قواعده في هذه الرتبة التي بلغها وتوطينه.

الوظيفة الثانية (بطركية النصارى الملكية، وهم أقدم من اليعاقبة)

الوظيفة الثانية (بطركيّة النّصارى الملكيّة «1» ، وهم أقدم من اليعاقبة) وقد تقدّم في الكلام على النّحل والملل أنهم أتباع ملكا «2» الذي ظهر قديما ببلاد الرّوم، وأنّ الروم والفرنج كلّهم اتباعه، وبالديار المصريّة منهم النّزر اليسير، ولهم بطرك يخصّهم. وهذه نسخة توقيع لبطرك الملكيّة: أمّا بعد حمد الله منوّع الإحسان، لأولي الأديان، ومؤصّله ومفرّعه لكلّ طائفة ولكل إنسان، والصلاة على سيدنا محمد الذي أباد الله به من أباد وأبان من عهده وذمّته من أبان- فإنّ الطائفة الملكيّة من النصارى لمّا كانت لهم السابقة في دينهم، ولهم أصل الرآسة والنّفاسة في تعيينهم، وما برحت لهم في الكلاءة والحفظ قدم السابقة، ورتبة بملوكهم الرّومانيّة سامقة، وما زالت لهم خدم الدول إلى أغراضها متساوقة ومتسابقة، ولهم جوار مشكور، وتبتّل مشهور، وعليهم وصايا من الملوك في كل ورود وصدور، ولهم من نفوسهم مزايا تستوجب احترامهم، وتستدعي إكرامهم، وكان لا بدّ لهم من بطريرك يلاحظ أحوالهم أتمّ الملاحظة، ويستدعي لهم من الدّولة أعظم محافظة، ويحفظ نواميس قبيلهم، ويحسن دراسة أناجيلهم، ويعرّفهم قواعد معتقداتهم، ويأخذهم بالدّعاء لهذه الدولة القاهرة في جميع صلواتهم، ويجمعهم على سداد، ويفرّقهم على مراد، وكان البطريرك فلان هو المتّفق بين طائفته على تعيينه، والمجمع على إظهار استحقاقه وتبيينه، والذي له مزايا لو كان فيه واحدة

منها لكفته في التأهيل، ولرفعته إلى منصبه الجليل. فلذلك رسم.... الخ- لا برح يعطي كلّ أحد قسطه، ويدخل كلّ لأبوابه ساجدا وقائلا حطّة «1» - أن يباشر بطركيّة النصارى الملكية على عادة من تقدّمه من البطاركة السالفة بهذه الدولة. فليحط أمورها الجزئيّة والكليّة، والظاهرة والخفيّة، وليأخذهم بما يلزمهم من قوانين شرعتهم، وكلّ ما يريدون من حسن سمعتهم؛ وأما الدّيرة والبيع والكنائس التي للملكية فمرجعها إلى صونه، وأمرها مردود إلى جميل إعانته وعونه؛ والأساقفة والرّهبان فهم سواد عين معتقده، وخلاصة منتقده، فلا يخلهم من تبجيل، وحسن تأهيل، وتتقدّم إلى من بالثغور من جماعتك بأن لا يدخل أحد منهم في أمر موبق، ولا في مشكل موثق، ولا يميلون كلّ الميل إلى غريب من جنسهم، وليكن الحذر لغدهم من يومهم وليومهم من أمسهم، ولا يشاكلون رسولا يرد، ولا قاصدا يفد؛ وطريق السلامة أولى ما سلك، ومن ترك الدخول فيما لا يعنيه ترك؛ هذه جملة من الوصية لامعة أفلح واهتدى من بها استنار، ورشد من لها استشار؛ والله يوفّقك في كل مقصد تروم، ويجعلك بهذه الوصايا تقول وتقوم. وهذه وصية لبطرك الملكية أوردها في «التعريف» وهي: وهو كبير أهل ملّته والحاكم عليهم ما امتدّ في مدّته، وإليه مرجعهم في التحريم والتحليل، وفي الحكم بينهم بما أنزل في التوراة ولم ينسخ في الإنجيل؛ وشريعته مبنيّة على المسامحة والاحتمال، والصبر على الأذى وعدم الاكتراث به والاحتفال، فخذ نفسك في الأوّل بهذه الآداب، واعلم بأنك في المدخل

إلى شريعتك طريق إلى الباب؛ فتخلّق من الأخلاق بكلّ جميل، ولا تستكثر من متاع الدنيا فإنّه قليل؛ وليقدّم المصالحة بين المتحاكمين إليه قبل الفصل البتّ فإنّ الصلح كما يقال سيّد الأحكام، وهو قاعدة دينه المسيحيّ ولم تخالف فيه المحمّديّة الغراء دين الإسلام، ولينظّف صدور إخوانه من الغلّ ولا يقنع بما ينظّفه ماء المعموديّة من الأجسام؛ وإليه أمر الكنائس والبيع، وهو رأس جماعته والكلّ له تبع؛ فإيّاه أن يتخذها له تجارة مربحة، أو يقتطع بها مال نصرانيّ يقرّبه فإنه ما يكون قد قرّبه إلى المذبح وإنما ذبحه؛ وكذلك الدّيارات وكل عمر «1» ، والقلاليّ «2» فيتعيّن عليه أن يتفقّد فيها كلّ أمر؛ وليجتهد في إجراء أمورها على ما فيه رفع الشّبهات، وليعلم أنهم إنما اعتزلوا فيها للتعبّد فلا يدعها تتّخذ متنزّهات؛ فهم إنما أحدثوا هذه الرّهبانيّة للتقلّل في هذه الدنيا والتعفّف عن الفروج، وحبسوا فيها أنفسهم حتّى إنّ أكثرهم إذا دخل فيها ما يعود يبقى له خروج؛ فليحذّرهم من عملها مصيدة للمال، أو خلوة له ولكن بالنساء حراما ويكون إنما تنزّه عن الحلال؛ وإيّاه ثم إيّاه أن يؤوي إليها من الغرباء القادمين عليه من يريب، أو يكتم عن الإنهاء إلينا مشكل أمر ورد عليه من بعيد أو قريب، [ثم الحذر الحذر من إخفاء كتاب يرد عليه من أحد من الملوك،] «3» ثم الحذر الحذر من الكتابة إليهم أو المشي على مثل هذا السّلوك، وليتجنّب البحر وإيّاه من اقتحامه فإنه يغرق، أو تلقّي ما يلقيه جناح غراب منه فإنه بالبين ينعق؛ والتقوى مأمور بها أهل كلّ ملّة، وكلّ موافق ومخالف في القبلة؛ فليكن عمله بها وفي الكناية ما يغني عن التّصريح، وفيها رضا الله تعالى وبها أمر المسيح.

الوظيفة الثالثة (بطركية اليعاقبة)

الوظيفة الثالثة (بطركيّة اليعاقبة) «1» وقد تقدّم في الكلام على النّحل والملل الخلف في نسبتهم: فقيل إنهم أتباع ديسقرس، وإنه كان اسمه في الغلمانيّة يعقوب، وقيل أتباع يعقوب البردعاني، وقيل غير ذلك، والأصحّ عند المؤرّخين الأوّل. وبطركهم يحكم على طائفة اليعاقبة، وجميع نصارى الحبشة أتباعه، وفي طاعته ملك الحبشة الأكبر، وعنه تصدر ولايته. وهذه نسخة توقيع لبطرك النصارى اليعاقبة: أما بعد حمد الله الذي أظهر دين الإسلام على الدّين كلّه، وأصدر أمور الشرائع عن عقد شرعه وحلّه، وصيّر حكم كلّ ملة راجعا إلى حكم عدله، والشهادة له بالوحدانيّة التي تدلّ على أنه الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد وليس شيء كمثله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أعظم أنبيائه وأكرم رسله، وأشرف ولد آدم ونسله، المصطفى في علم الله من قبله، ووسيلته في التوراة من غرور الشيطان وخذله، والذي أطفأ الله ببركته نار نمروذ «2» عن إبراهيم وجعلها بردا وسلاما وأجلّه من أجله، وبشّر به عيسى بن مريم عبد الله «3» وابن أمته وأقرّ موسى بن عمران كليم الله بفضله، وعلى آله الطيّبين الطاهرين من فروع أصله، وأصحابه سامعي قوله، وتابعي سبله- فإنّ الله تعالى لما ارتضى

الإسلام دينا، وأفضى بالملك إلينا وقضى لنا في البسيطة بسطة وتمكينا، وأمضى أوامرنا المطاعة بشمول اليمن شمالا ويمينا- لم نزل نولي رعايانا الإحسان رعاية وتوطينا، ونديم لأهل الذمّة منّا ذمّة وتأمينا؛ وكانت طائفة النّصارى اليعاقبة بالديار المصرية لهم من حين الفتح عهد وذمام، ووصيّة سابقة من سيدنا رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام؛ ولا بدّ من بطريرك يرجعون إليه في الأحكام، ويجتمعون عليه في كلّ نقض وإبرام. ولما كانت الحضرة السامية الشيخ الرئيس، المبجّل، المكرّم، الكافي، المعزّز المفخّر، القدّيس، شمس الرّآسة، عماد بني المعمودية، كنز الطائفة الصّليبيّة، اختيار الملوك والسلاطين، فلان: وفّقه الله، هو الذي تجرّد وترهّب، وأجهد روحه وأتعب، وصام عن المأكل والمشرب، وساح فأبعد، ومنع جفنه لذيذ المرقد، ونهض في خدمة طائفته وجدّ، وخفض لهم الجناح وبسط الخدّ، وكفّ عنهم اليد، واستحقّ فيهم التبجيل لما تميّز به عليهم من معرفة أحكام الإنجيل وتفرّد- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نلقي إليه أمر هذه الفرقة ونفوّض، ونبدّلهم عن بطريكهم المتوفّى ونعوّض. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا برحت مراسمه مطاعة، ومراحمه لإنزال أهل كرمها بيعتها مرعيّة غير مراعة «1» - أن يقدّم الشيخ شمس الرآسة المذكور على الملّة النّصرانيّة اليعقوبيّة، ويكون بطريركا عليها، على عادة من تقدّمه وقاعدته بالديار المصرية، والثّغور المحروسة، والجهات التي عادته بها إلى آخر وقت. فليسلك سبيل السّوا، ولا يملّك نفسه الهوى، وليتمسّك بخوف الله تعالى إن فعل أو نوى، أو أخبر عن الحواريّين أو روى؛ فالعليم مراقب، والعظيم

معاقب، والحكيم أمر أولي العقول بالفكرة في العواقب، والحاكم غدا بحقوق الخلق غدا يطالب؛ والظّلم في كلّ ملّة حرام والعدل واجب، فليستوف الإنصاف بين القويّ والضعيف والحاضر والغائب، وليقصد مصلحتهم وليعتمد نصيحتهم، وليمض على ما يدينون به بيوعهم وفسوخهم ومواريثهم وأنكحتهم، وليقمع غاويهم، وليسمع دعاويهم، وليلزمهم من دينهم بما وجدوه، فظنّوه واعتقدوه، وليتّبع سبيل المعدلة فلا يعدوها؛ عائدة إليه أمور القسّيسين والرّهبان، في جميع الدّيرة والكنائس بسائر البلدان، ولا يعترض عليه فيما هو راجع إليه من هذا الشان. ولا يقدّم منهم إلى رتبة إلا من استصلحه، ولا يرجح إلى منزلة إلا من رشّحه إليها ورجّحه، متّبعا في ذلك ما بيّنه له العدل وأوضحه، مرتجع الرتبة ممن لم تكن الصدور لتقدمته منشرحة، مجمعا لغيره في الإيراد والإصدار على اعتماد المصلحة؛ وقد أوضحنا له ولهم سبيل النجاة فليقتفوه، وعرّفناهم بالصواب والخيرة لهم إن عرفوه، وليسأل الله ربّه السلامة فيما له يفعل وبه يفوه؛ والعلامة الشريفة أعلاه. وهذه نسخة توقيع لبطرك النصارى اليعاقبة، كتب به للشيخ المؤتمن، في شهور سنة أربع وستين وسبعمائة، وهي: أما بعد حمد الله على نعمه التي نشرت لواء دولتنا في الآفاق، فأوى كلّ أحد إلى ظلّه، وبسطت معدلتنا في البلاد على الإطلاق، فمنحت الخاصّ والعامّ من برّنا بوابله وطلّه، واصطنعت بذمامها ملوك الملل وحكّام الطوائف فنطقوا عن أمرنا في عقد كلّ أمر وحلّه، والشهادة بوحدانيّة التي تنجح أمل المخلص في قوله وفعله، وتفتح لمن تمسّك بعروتها أبواب النجاة فيصبح في أمان في شأنه كلّه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله أشرف الأنبياء قدرا في محكم الذكر ونقله، المبعوث رحمة للعالمين زيادة في رفعة مقامه وتقريرا لفضله، المنعوت بالرأفة والرحمة في محكم كتابه الذي لا يأتيه

الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولم يستطع أحد أن يأتي بسورة من مثله، وعلى آله وصحبه الذين اتّبعوا طريقته المثلى وسلكوا مناهج سبله، وعقدوا الذّمم لأهل الملل واستوصوا بهم خيرا لما عرفوه من سعة حلمه وبذله- فإنّه لما كانت الطائفة المسيحيّه، والفرقة اليعقوبيّة، ممن أوت تحت ظلّنا الذي عمّ الوجود، وسكنت في حرم ذمامنا الذي سار نبؤه في التّهائم والنّجود، وتمسّكت من طاعتنا واتّباع أوامرنا بما سلف لها من الهدن والعهود، وكانت أحكامهم مما يحتاج إلى من يدور عليه أمرها في كلّ حال، وتنتظم به مصالح شملها ليبلغوا بها الآمال، ويأمنوا في معتقدهم فيها من الإخلال، وأنه إذا مات بطريرك لهم لا بدّ أن نرسم لهم بغيره، ليعتمدوا في ذلك ما يتقدّم به إليهم في نهيه وأمره، ويسلك بهم في أحكامهم ما يجب، ويعرّف كلّا منهم ما يأتي ويذر ويفعل ويجتنب، ويفصل بينهم بمقتضى ما يعتقدونه في إنجيلهم، ويمشّي أحوالهم على موجبه في تحريمهم وتحليلهم؛ ويزجر من خرج عن طريقه، ليرجع إلى ما يجب عليه أسوة رفيقه، ويقضي بينهم بما يعتقدونه من الأحكام، ويبيّن لهم قواعد دينهم في كل نقض وإبرام، فلما هلك الآن بطريكهم مع من هلك، رسمنا لهم أن ينتخبوا لهم من يكون لطريقته قد سلك، وأن يختاروا لهم من يسوس أمورهم على أكمل الوجوه، لنرسم بتقديمه عليهم [فيقوم] «1» بما يؤمّلونه منه ويرتجوه «2» . وكان الحضرة السامية، القدّيس، المبجّل، الجليل، المكرّم، الموقّر، الكبير، الدّيّان، الرئيس، الرّوحانيّ، الفاضل، الكافي، المؤتمن، جرجس بن القسّ مفضّل اليعقوبي، عماد بني المعموديّة، كنز الأمّة المسيحيّة، منتخب الملة الصليبيّة، ركن الطائفة النصرانية، اختيار الملوك والسلاطين- أطال الله تعالى بهجته، وأعلى على أهل طائفته درجته- قد حاز من فضائل ملّته أسماها،

وصعد من درجات الترقّي على أبناء جنسه أعلاها، فنزّه نفسه عن مشاركة الناس، وتقشّف بين أهله في المأكل واللّباس، وترك الزواج والنّكاح، واشتغل بعبادته التي لازم عليها في المساء والصّباح، وألقى نفسه إلى الغاية في الاطّراح، وساح بخاطره في الفكرة وإن لم يكن بجسده قد ساح، وارتاض بترك الشّهوات مدّة زمانه، واطّرح الملاذّ لتعلو درجته بين أهله برفعة مكانه، واشتمل من علوم طائفته على الجانب الوافر، وعرف من أوامرهم ونواهيهم ما تقرّ به منهم العين والناظر، وطلب من الربّ الرؤوف الرحيم القوّة على أعماله، وسأل الإله أن يزيّن لأهل ملّته ما يأتي به من أقواله وأفعاله، فوقع اختيارهم عليه، وسألوا صدقاتنا الشريفة إلقاء أمرهم إليه. فرسم بالأمر الشريف- لا زال إحسانه إلى سائر العالم واصلا، وجوده لكل طائفة بارتياد أكفائها شاملا- أن يقدّم حضرة القدّيس المؤتمن جرجس المشار إليه على الطائفة اليعقوبية، من الملة النصرانية، بالديار المحروسة والجهات الجاري بها العادة، ويكون بطريركا عليهم على عادة من تقدّم في ذلك ومستقر قاعدته إلى آخر وقت، قائما بما يجب عليه من أمور هذه الملّة، باذلا جهده في سلوك ما ينبغي مما ينظم عليه أمره كلّه، فاصلا بينهم بما يعتقدونه من الأحكام، متصرفا على كل أسقفّ وقسّ ومطران في كل نقض وإبرام، مالكا من أمور القسّيسين والرّهبان والشّمامسة الزّمام، مانعا من يروم أمرا لا يسوّغه وضع ولا تقرير، جاعلا نظره عليه منتقدا بالتحرّز في التخيير، زاجرا من يخرج منهم عن اتباع طريق الشريعة المطهّرة التي يصح بها عقد الذّمّة، ملزما بسلوكها في كل ملمة فإن ذلك من الأمور المهمّة، آمرا من في الدّيرة من الرّهبان بمعاملة المارّين بهم والنازلين عليهم بمزيد الإحسان ومديد الإكرام، والقيام بالضّيافة المشروطة من الشّراب والطّعام. وليتحدّث في قسمة مواريثهم إذا ترافعوا إليه، وليجعل فصل أمور أهل طائفته من المهمّات لديه، وليشفق على الكبير والصغير، وليتنزّه عن قليل متاع الدنيا والكثير، وليزهد في الجليل قبل الحقير. وفي اطّلاعه على أحكام

دينه ما يكفيه في الوصيّة، وما يرفعه بين أبناء جنسه في الحياة الدنيويّة، والاعتماد على الخط الشريف أعلاه الله أعلاه. وهذه نسخة توقيع لبطرك اليعاقبة، وهي: أما بعد حمد الله على أن جعل من إحسان هذه الدولة لكلّ ملّيّ وذمّيّ نصيبا، وفوّق إلى أهداف الرّعاية سهما فسهما ما منها إلا ما شوهد مصيبا، والصلاة على سيدنا محمد الذي أحمد الله له سرى في صلاح الخلائق وتأويبا- فإنه لمّا كان من سجايا الدولة القاهرة النظر في الجزئيّات والكلّيّات من أمور الأمّة، وتجاوز ذلك إلى رعاية أهل الذمّة؛ لا سيّما من سبقت وصية سيد المرسلين عليهم من القبط الذين شرّفهم رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- بوصلته منهم بأمّ «1» إبراهيم ولده عليه السّلام، وقبول هديّتهم التي أبقت لهم مزيّة على ممرّ الأيّام؛ وكانوا لا بدّ لهم من بطريك يحفظ سوامهم، ويضبط خواصّهم وعوامّهم، ويجمع شمل رهبانهم، ويراعي مصالح أديانهم، ويحرّر أمور أعيادهم ومواسمهم في كل كنيس، ويدعو للدولة القاهرة في كل تقديس، وتجعل له الخيرة في ضبط أمور البيع والدّيرة واختيار الأساقفة والكهّان، وحفظ النواميس المسيحيّة في كل قربان؛ ولا يصلح لذلك إلا من هو بتول، وكلّ خاشع عامل ناصب يستحقّ بذلك أنّ هذا الأمر إليه يؤول. ولما كان البطريرك فلان هو المجمع على صلاحيته للبطركية على شعبه، والتقدمة على أبناء المعموديّة من شيعته وصحبه، لما له من علم في دينه، ومعرفة بقوانينه، وضبط لأفانينه، وعقل يمنعه عن التظاهر بما ينافي العهود، ويلافي الأمر المعهود- اقتضى جميل الاختيار أنه رسم بالأمر الشريف- لا برح يضع كلّ شيء في موضعه من الاستحقاق، ويبالغ في الإرفاد لأهل الملل والإرفاق- أن يباشر بطركيّة جماعة اليعاقبة بالديار المصريّة، على عادة من تقدّمه في هذه الرتبة، ومن ارتقى قبله إلى هذه الهضبة.

فليباشر أمر هذه الطائفة، وليجعل معونته بهم طائفة، وليضبط أمورهم أحسن ضبط وأجمله، وأتمّه وأكمله، وليأخذهم بما يلزمهم من القيام بالوظائف المعروفة، والعهود المألوفة، وليلزمهم بما يلزمهم شرعا من كفّ عن تظاهر ممنوع، أو تعاطي محذور منكور الشرور والشروع، أو تنكّب عن طريق الاستقامة، وكما أنّهم عدلوا عن الإسلام لا يعدلون عن السّلامة. وأمّا أمور الدّيرة والكنائس فأمرها إليك مردود، فاجر فيها على المعهود، وأقم فيها عنك من يحسن النّيابة، ومن يجمل الإنابة، ومن يستجلب الدعاء لهذه الدولة القاهرة في كل قدّاس، ويعدّد التقدّس والأنفاس؛ وعلى رهبان الأديرة للمساجد والجوامع وظائف لا تمنع ولا تؤخّر، ولا تحوج أحدا منهم أنّه بها يذكّر؛ وليشرط على أهلها أنهم لا يأوون طليعة الكفّار، ولا من يحصل منه إلا خير وإلا يحصل الإضرار، وليأمرهم بحسن الجوار، والقيام بما هو موظّف عليهم للمسلمين السّفار وغير السّفّار؛ هذه نبذة من الوصايا مقنعة، ولو وسّع القول لكان ذا سعة؛ وفي البطريرك من النّباهة ما يلهمه الصّواب، والله يجعل حسن الظنّ به لا ارتياء فيه ولا ارتياب، بمنّه وكرمه!، والاعتماد...... الخ. وهذه نسخة توقيع لبطرك اليعاقبة، وهي: أما بعد حمد الله الذي خصّ كلّ ملّة منّا بمنّة، وأقام بأوامرنا على كلّ طائفة من نرضاه فنحقّق بإحساننا ظّنّه، وجعل من شيمنا الشريفة الوصية بأهل الكتاب عملا بالسّنّة، والشهادة بوحدانيّة التي نتّخذ بينها وبين الشّكّ والشّرك من قوّة الإيمان جنّة، وندّخر أجورها فنسمو بها يوم العرض «1» إلى أعلى غرف الجنّة، والصلاة والسلام على نبيّه محمد أكرم من أرسله إلى الأمم فأنال كلّا من البرايا يمنه، وأعظم من بعثه فشرع الدين الحنيف وسنّه، وعلى آله وأصحابه الذين لم

تزل قلوب المؤمنين بهم مطمئنة- فإنّ لدولتنا القاهرة العوارف الحسان، والشّيم الكريمة والعطايا والإحسان، والفواضل التي للآمال منها ما يربي عليها ويزيد، والمآثر التي بحر برّها الوافر المديد، ولكل ملّة من نعمها نوال جزيل، ولكلّ فرقة من مواهبها جانب يقتضي التخويل ولا يقضي بالتحويل، ولكلّ طائفة من يمنها ومنّها منائح طائفة بمزيد التنويل، ولكل أناس من معدلتها نصيب يشمل الملل، وعادة معروف تواترت مع أنها خالصة من السّامة والملل، سجيّة سخية بنا شرفت، ومزيّة مرويّة منّا ألفت؛ وإنّ من أهل الكتاب لطائفة كثرت بأبوابنا الشريفة عددا، واستصفت من مناهل جودنا موردا، وانتظمت في سلك رعايانا فأضحى سبب فضلنا لها مؤكّدا، وكانت الملّة المسيحية، والفرقة اليعقوبيّة، لا بدّ لها بعد موت بطريكها من إقامة غيره، وتقديم من يرتضى بفعله وقوله وسيره، لتقتدي به في عقد أمورها وحلّها، وتحريمها وتحليلها ووصلها وفصلها، وتهتدي به في معتقدها، وتركن إلى ما يذكره من مجموع أحكام الإنجيل ومفردها، وينتصب للفصل بين خصومها بما يقتضيه عرفانه، ويظهر لأهل ملّته بيانه، حتّى لا تجد في أمر دينها إلا ما تريده، وبما نديمه لها من استمرار الهدنة تبدي دعاءها وتعيده، فإنّ سيدنا محمدا صلّى الله عليه وسلّم أمرنا أن نستوصي بأهل الكتاب خيرا، ونحن نسلك من اتّباع شريعته المطهّرة ما نحسن فيه- إن شاء الله- سيرة يسيرة وسيرا. ولما كانت الحضرة السامية، الشيخ، الرئيس المبجّل، المكرّم، الفاضل، الكافي، الثّقة، عماد بني المعموديّة، كنز الطائفة الصليبيّه، اختيار الملوك والسلاطين، فلان- أطال الله بقاءه، وأدام على أهل طائفته ارتقاءه،- ممن اتفق على شكره أبناء جنسه، واستوجب أن يرقى إلى هذه الرّتبة بنفسه، واشتهر بمعرفة أحوال فرقه، وهجر الأهل والوطن في تهذيب خلقه، وحرّم في مدّة عمره النكاح، وسار في المهامه والقفار وساح، وأضحى خميص «1» البطن

خاوي الوفاض، قد ترك الطيّبات وهجر التّنعّم وارتاض؛ واعتمد في قوله على الإله، وسأل الرّبّ أن يبلّغه في أهل ملّته ما تمنّاه. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يجمع الفرق على الدعاء لأيّامه الشريفة، ويديم للأقربين موادّ مواهبه المألوفة- أن يقدّم الشيخ فلان على الملّة النصرانية اليعقوبيّة، ويكون بطريركا عليها على عادة من تقدّمه، ومستقرّ قاعدته، بالديار المصريّة والثّغور المحروسة، والجهات التي عادته بها، إلى آخر وقت، [فليتولّ ذلك] «1» سالكا من طرق النزاهة ما يجب، فاصلا بين النصارى بأحكام دينه التي لا تخفى عنه ولا تحتجب، مالكا أزمّة كل أسقفّ [وقومس] «2» ومطران، مرجّحا بين القدّيس والقسّيس والشّمّاس والرّهبان، لتصبح أحكام كبيرهم وصغيرهم به منوطة، ومواريثهم مقسومة بشرعته التي هي لديهم مبسوطة، ويقف كلّ منهم عند تحريمه وتحليله، ولا يخرج في شرعتهم عن فعله وقوله ولا يقدّم منهم إلا من رضي بتأهيله؛ وليأمر كلّ قاص منهم ودان، ومن يتعبّد بالدّيرة والصّوامع من الرجال والنّسوان، برفع الأدعية بدوام دولتنا القاهرة التي أسدت لهم هذا الإحسان، ويلزم كلّا منهم بأن لا يحدث حادثا، ويكرم نزل من قدم عليه راحلا أو لابثا؛ فإن هذه الولاية قد آلت إليه، وهو أدرب بما تنطوي شروطها عليه، والله تعالى يجعل البهجة [لديه] «3» مقيمة [والنعمة عليه مستديمة] «4» ؛ والخطّ الشريف أعلاه، حجة بموجبه وبمقتضاه، إن شاء الله تعالى.

النوع الثاني (ما هو خارج عن حاضرتي مصر والقاهرة: من وظائف الديار المصرية مما يكتب لأربابها. وهي ثلاث جهات)

وهذه وصية لبطرك اليعاقبة أوردها في «التعريف» قال: ويقال في وصيّة بطرك اليعاقبة مثل ما في وصيّة بطرك الملكيّه، إلا فيما ينبّه عليه. ويسقط منه قولنا: «واعلم بأنّك في المدخل إلى شريعتك طريق إلى الباب» إذ كان لا يدين بطاعة الباب «1» الذي هو رأس الملكانيّين، وإنما هو رأس اليعاقبة نظيره للملكانيّين، ويقال مكان هذه الكلمة «واعلم بأنك في المدخل إلى شريعتك قسيم الباب وأنتما سواء في الأتباع، ومتساويان فإنّه لا يزداد مصراع على مصراع» . ويسقط منه قولنا: «وليتجنّب البحر «2» وإيّاه من اقتحامه فإنّه يغرق» وثانية هذه الكلمة إذا كان ملك اليعاقبة مغلغلا [في الجنوب] «3» ولا بحر، ويبدل بقولنا: «وليتجنّب ما لعلّه ينوب، وليتوقّ ما يأتيه سرّا «4» من تلقاء الحبشة حتّى إذا قدر فلا يشمّ أنفاس الجنوب؛ وليعلم أنّ تلك المادّة وإن كثرت مقصّرة، ولا يحفل بسؤدد السّودان فإنّ الله جعل آلة الليل مظلمة وآية النهار مبصرة» ثم يختم بالوصية بالتقوى كما تقدّم، ونحو هذا والله أعلم. النوع الثاني (ما هو خارج عن حاضرتي مصر والقاهرة: من وظائف الديار المصريّة مما يكتب لأربابها. وهي ثلاث جهات) الجهة الأولى (ثغر الإسكندريّة، والوظائف فيها على ثلاثة أصناف) الصنف الأوّل (وظائف أرباب السّيوف وبها وظيفة واحدة وهي النّيابة) وقد تقدّم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية أنّها كانت أوّلا

ولاية، إلى أن طرقها الفرنج في سنة سبع وستّين وسبعمائة، فاستقرّت من حينئذ نيابة، يكتب لنائبها تقليد في قطع الثلثين ب «الجناب العالي» مع الدّعاء بمضاعفة النّعمة. وهذه نسخة تقليد بنيابة ثغر الإسكندريّة: الحمد لله على نعم باسمة الثّغر، مسفرة الفجر، رافعة القدر. نحمده حمدا يشرح الصّدر، ويطلع طلوع البدر، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تحالف من يحالفها، وتخالف من يخالفها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أفضل نبيّ رابط في سبيل الله وجاهد، وكابد في الجهاد أعداء الدّين وكايد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين خاضوا في غمرات الدّجى كلّ غمر؛ وندبوا لحماية الدّين [فكانوا ليوم] «1» كريهة وسداد ثغر. أمّا بعد، فإنّ الاهتمام بالثّغور هو أولى ما إليه حمد، وعلى مصالحها اعتمد؛ وكان ثغر الإسكندريّة المحروس هو المفترّ عن أحسن الثّنايا، والمخصوص من الحياطة بأتمّ المزايا، والذي كم شفت «2» شفاهه من سقم عند ارتشاف، والذي المثاغر به والمرابط كم له بالحسنات من ائتلاف، وكانت المصلحة تقتضي أن لا يختار له إلا كلّ كامل الأوصاف، كافل بما تستدعيه مصلحة أهله من إنصاف، ذو عزم يمضي والسّهام مستودعة في الكنائن، ويقضي بالعدل المزيل للشّوائب والشّوائن، ومن له حزم يسدّ ثغر المعايب دون كلّ ملاحظ ومعاين، وله سياسة تحفظ بمثلها الثّغور، وتصان الأمور، وله بشاشة تستجلب النّفور، وتوفّق ما بين الألسنة من أولي الودّ والصّدور، وله حياطة بينما يقال: هذا جانبه دمث إذ يقال: هذا جانبه صعب ممتنع، وبينما يقال ليقظته للمصلحة: هذا سحاب [جهام] «3» إذ يقال هذا سيل مندفع.

ولما كان فلان هو مستوعب هذه الصّفات، ومستودع هذه الأسماء والسّمات، وإليه بهذه المناقب يشار، وهو ساحب أذيال هذا الفخار- اقتضى حسن الرأي الشريف أن تفوّض إليه السلطنة الشريفة بثغر الإسكندرية المحروس، تفويضا يمضي في مصالحه لسانه وقلمه، ويصرّف بين الأوامر والنّواهي إشاراته وكلمه، ويزيّن مواكبه بطلعته، ويزيد مهابته ببعد صيته واشتهار سمعته. فليباشر هذه الوظيفة مجمّلا مواكبها، مكمّلا مراتبها، موثّلا «1» بقواعد الأمن أرجاءها وجوانبها، ناشرا لواء العدل على عوالمها، قابضا بالإنصاف لمظلوم رعيّتها على يد ظالمها، معليا منار الشرع الشريف بمعاضدة حكّامه والانقياد إلى أحكامه، والوقوف في كل أمر مع نقضه وإبرامه، وليحرس جوانب هذا الثغر ويحميها، وليصن عوارضه وما فيها ومن فيها، وليكلأه برّا وبحرا، وليرخ عليه من ذبّه «2» سترا فسترا، ولينجح لسافرته «3» طلبا، وليبلّغهم من العدل والإحسان أربا، ويجمل معاملة من وجد منهم في سفره نصبا، واتخذ سبيله في البحر عجبا. والرعيّة فهم طراز الممالك، وعنوان العمارة الذي من شاهده في هذا الثغر علم ما وراء ذلك؛ وأحسن إليهم وارأف بهم، وبلّغهم من عدل هذه الدولة غاية أربهم؛ وأمور الخمس والديوان فلها قواعد مستقرّة، وقوانين مستمرّة؛ فاسلك منها جددا واضحا؛ وابتغ لها علما لائحا؛ وغير ذلك فلا يكاد على فهمك يخفى، من تقوى الله التي بها تكفّ عين المضارّ وتكفى؛ والله تعالى يلهمك صوابا، ولا يجعل بين حجاك وبين المصالح حجابا، بمنّه وكرمه!.

الصنف الثاني (من الوظائف التي يكتب بها بثغر الإسكندرية - الوظائف الدينية، وكلها تواقيع، وفيها مرتبتان)

الصنف الثاني (من الوظائف التي يكتب بها بثغر الإسكندرية- الوظائف الدينية، وكلها تواقيع، وفيها مرتبتان) المرتبة الأولى «1» (ما يكتب منها في قطع الثلث ب «الساميّ» بالياء، وفيها وظائف) الوظيفة الأولى (القضاء) وهو الآن مختصّ بالمالكيّة، وقاضيها يتحدّث في نفس المدينة وظاهرها، ليس له ولاية فيما هو خارج عنها. وهذه نسخة توقيع بقضاء ثغر الإسكندريّة المالكيّ، كتب به للشيخ «وجيه الدين محمد بن عبد المعطي الإسكندريّ المالكيّ» وهي: الحمد لله رافع قدر من نوّه العلم بذكره، ونوّر التّقى مواقع فكره، ونبّه الورع على رفعة قدره، وأشرق به منصب الحكم العزيز إشراق الأفق بطلوع بدره، وأضاءت بنور أحكامه غوامض القضايا الشرعيّة إضاءة الدّجى بغرّة فجره، وقضى له دوام الإصابة في الاجتهاد بإحراز أجريه إذا كان أحد قسمي الاجتهاد مقتضيا لأجره، ومليء صدره بأنواع العلوم الدينية فوسّع له الشرع الشريف صدر مجلسه وأعدّ له مجلس صدره، وزخر من خاطره بحر العلم فارتوت رياض الخواطر بأنوار فرائد درّه وأسفر وجه الدين بنور علمه وعمله: فقام هذا مقام السّرور في أساريره وناب هذا مناب الشّنب «2» في ثغره. نحمده حمدا يزيد قدر النّعم تنويها، ويسوّغ في المحامد تعظيما لمسدي

المنّة وتنزيها، وينهض بشكر التوفيق في اختصاص منصب الحكم بمن كان عند الله وجيها. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تفترّ ثغور الإسلام بإدامتها، وتبنى قواعد الإيمان على إقامتها، وتشيم بوارق النصر على جاحدها من أثناء غمامتها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أنارت الآفاق بملّته، ودارت أداة التشبيه بين أنبياء بني إسرائيل وعلماء أمّته، وضاهى شرعه شمس الظهيرة في وضوح أحكامه وظهور أدلّته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين عملوا بما علموا، وجاهدوا أعداء الله فما ضعفوا لذلك ولا ألموا، وقضوا بالحق بين أمّته فلا المقضيّ لهم أثموا ولا المقضيّ عليهم ظلموا، صلاة لا تزال لها الأرض مسجدا، ولا يبرح ذكرها متهما في الآفاق ومنجدا، وسلم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من قلّد الحكم وإن نأى به الورع عن توقّعه، وخطب للقضاء وإن أعرض به الزّهد عن طلابه وتتبّعه، ودعي إليه إذ الإجابة عليه متعيّنة، ووضعت مقاليده بحكم الاستحقاق [في يديه] «1» إذ أولويّته البيّنة لا تحتاج إلى بيّنة- من عقدت على تعيّنه لهذا المنصب الجليل الخناصر، ودعت إلى استدعائه إليه فضائله الثابتة القواعد وزهادته الزاكية الأواصر، ودلّت عليه علومه دلالة الأضواء، على لوامع الشّهب، ونبّهت عليه فنونه تنبيه الأنواء، على مواقع السّحب، وشهد بورعه المتين، تفقّهه واعتزاله، وأنبأ عن نهوضه بنصرة الدين، قوّة جداله الذي هو جلاد مثله ونزاله، وتبحّر في أنواع العلوم حتّى جاوز البحر بمثله ولكنّه العذب الزّلال، وشغل نفسه بالتنوّع في الفنون فكان التحلّي بعبادة الله ثمرة ذلك الاشتغال، ومشى على قدم الأئمة العلماء من أسلافه فلم يشقّ في ذلك المضمار غباره، ونشأ على طريقة العلم والعمل: فنهاره بالانقطاع إليه ليله وليله بالاشتغال بهما نهاره.

ولما كان فلان هو الذي خطبته هذه الرتبة السنيّة لنفسها، وتشوّقت إلى الإضاءة بطلوعه في أفقها تشوّق المطالع إلى الإضاءة بطلوع شمسها، وأثنى لسان القلم على فضائله وهو يعتذر من الاختصار، واقتصرت البلاغة على اليسير من التعريض بوصفه وطالب ما لا يحصر معذور في الاقتصاد والاقتصار، وعيّن لما تعيّن عليه من مصالح الأمة وذلك يقضي لمثله من أهل الورع أن يجيب، وطلب لعموم مصالح الإسلام التي ما ينبغي لمثله من أنصار السّنّة أن يتأخّر عن مثلها أو يغيب، وكان ثغر الإسكندرية المحروس من المعاقل التي يفترّ عن شنب النصر ثغرها، ومن أركان الدين التي يغصّ بأبطالها بحرها، وهي مأوى صلحاء «1» الجهاد الذين سهام ليلهم «2» أسبق إلى العدا من سهامهم، وموطن العلماء من أهل الاجتهاد الذين يعدل دم الشهداء مداد أقلامهم؛ وهي داره التي تزهى به نواحيها، وموطن رباطه الذي يوم وليلة منه في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نخصّ منصب حكمها بعالم أفقها المنير، وزاهد ثغرها الذي ما شام برقه بصر عدوّ إلا وانقلب اليه خاسئا وهو حسير، وأن نفوّض إليه منصب القضاء والحكم العزيز بثغر الإسكندريّة المحروس، على قاعدة من تقدّمه فيه، نظرا في عموم ذلك الثغر [المحروس به] «3» إلى من انعقد إجماع أئمة عصره ومصره على سعة علمه ووفور ورعه وكمال فضله. فليباشر هذا المنصب الذي ملاك أمره العلم والتّقى، ونظام حكمه العدل والورع وهما أكمل ما به يرتقى، وليحكم بما أراه الله من قواعد مذهبه المحكمة، وأحكام إمامه التي هي بمصالح الدّين والدنيا محكّمة، وليقض بأقوال إمام دار الهجرة التي منها صدرت السنّة إلى الآفاق، وعنها أخذت ذخائر العلم التي تزكو على كثرة الإنفاق، وبها حمى الأحكام الدينية موطّأ الأكناف، وفيها

استقام عمود الملّة ممدود الطّرف على سائر الأطراف، فليل من ذلك وغيره جميع ما كان يليه من تقدّمه، وتقتضيه قواعد ولايته التي أمضينا فيه لسانه وقلمه. فأمّا ما يدخل تحت هذا الإجمال من آداب القضاء وقواعده، وأدواته وعوائده: من تخصيص الحكم بأوقاته، ومساواته بين الخصمين في إنصافه وإنصاته، واجتناب الحكم في الأوقات المقتضية لتركه، وتوقّي نقض الأحكام التي نظمها عدم مخالفة النص والإجماع في سلكه، فإنه مكتف بالإجمال عن تفصيلها، مكتف عن ذكر كثيرها بالإيماء إلى قليلها، إذ هو أدرى بأوضاعها شرعا وعرفا، وأدرب بما قد يشذّ منها عن ألمعيّته أو يخفى، وملاك الوصايا تقوى الله تعالى وهي من خصائص نفسه، وفواتح ما ابتدأ الورع بإتقان درسه، والله تعالى يؤيد حكمه، ويعلي علمه، بمنّه وكرمه! والاعتماد [على الخطّ الشريف أعلاه] إن شاء الله تعالى. واعلم أنه كان فيما تقدّم قد وليها قاض شافعيّ. وهذه نسخة توقيع بقضائها، كتب به للقاضي «علم الدين الإخنائي» الشافعي، في ثامن شعبان سنة ثلاثين وسبعمائة، وهي: الحمد لله الذي رفع لنا في كل ثغر علما، وأجرى لنا في جوار كلّ بحر ما يضاهيه كرما، وجعل من حكّام دولتنا الشريفة من يعرف بنسبه الإسنائي «1» بل السّنائي أنه يمحو من الظّلم ظلما. نحمده على أن زادنا نعما، ووفّر للأحكام الشرعيّة بنا قسما، وأغلى قيما، فأضحت تنافس الدّرّ الثمين قيما، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نجرّد لإقامتها سيفا وقلما، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي جعل

الله له شريعة ماذيّة «1» ودينا قيما، ونصب من أئمة أتباعه كلّ علم يهدي أمما، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة باقية ما بقيت الأرض والسّما، وسلّم تسليما. وبعد، فإنّ أولى الثّغور بأن لا يزال به علم مرفوع، وعلم مصون حجابه الممنوع، وعمل يمشي به أئمة الأمة على طريقه المشروع، ثغر الإسكندرية- حماها الله تعالى- فإنها من دار الملك في أعزّ مقام، ومن مجاورة البحر في موطن جهاد تخفق به الأعلام، وغالب من فيها إما فقيه يتمسّك بالشريعة الشريفة في علوّ علومه، أو ربّ مال له وقوف بمجلس الحكم العزيز ينتصف من خصام خصومه؛ ولم تزل وظيفة القضاء بها آهلة الصدور، كاملة البدور، متهلّلة بما لا يفوت الشّنب كبارق الجزع «2» إذا حكى إيماض الثّغور؛ وكان لها مدّة قد خلت ونحن نفكّر فيمن يكون سدادا لثغرها، وكافيا فيما يهمّ في الأحكام الشرعية من أمرها، وكافلا من الحق الذي أمر الله به بما يقي النفوس، وقائما في مدارسها بما يزيد معالمها إشادة في الدروس، حتّى أجمعت آراؤنا الشريفة على من يحسن عليه الإجماع وتحسم به دواعي النّزاع، ويحسد علمه علم الشمس لما علا عنها من كرة الارتفاع، ومن يتضوّع بنشر العدل في يمنى كفّه القلم، وإذا وقفت به الركائب قالت: يا ساري القصد هذا البان والعلم؛ وكان المجلس الساميّ القضائيّ العلميّ الإسنائي الشافعي، أدام الله علوّه هو العلم المنشور، والعلم المشهور، والمراد بما تقدّم من وصف مشكور، فاقتضت مراسمنا المطاعة أن تناط به من الأحكام الشرعية القضايا، وأن يبسم هذا الثغر بحكمه عن واضح الثّنايا. فلذلك رسم بالأمر الشريف، العاليّ المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ،

الناصريّ: زاده الله شرفا، وضاعف له تصرّفا- أن يفوّض إليه القضاء بمدينة إسكندرية- حماها الله تعالى- على عادة من تقدّمه وقاعدته المستقرّة إلى آخر وقت، على أنه يستنيب عنه في تحمّله وفيما شاء منه من هو موصوف بصفته، موثوق بدينه وعلمه ومعرفته؛ ولينتصب في مجلس الحكم العزيز لمن ينتصف، وليعمل بما يرضينا من مراضي الله تعالى فإنّ للعيون أن تنظر وللألسنة أن تصف، ولينظر في أمر الشهود فإنّ الأحكام الشرعية على شهادتهم تبنى، وليحترز من الوكلاء فإنّ منهم من يجعل الظنّ يقينا واليقين ظنّا، ولينظر في أمور الأيتام ويتصرّف في أموالهم بالحسنى، وليقم الحدود، على مقتضى مذهبه، وليعوّل في العقود، على من لا يخاف معه امرؤ على إلحاق في نسبه، وغير هذا مما إليه مرجعه، وإليه ينتهي مفترقه ومجتمعه وبحكمه يفصل أمره أجمعه، وليتخذ الله تعالى عليه رقيبا، ويعلم أنه سيرى كلّ ما يعمله عند الله قريبا؛ وتقوى الله هي التي نتخذ معه عليها عهدا مسؤولا ورجاء مأمولا، وقولا عند الله وملائكته وأنبيائه مقبولا، ونقلّده منها على كل مخالف سيفا مسلولا، ونحن نرغب إلى الله أن يوفّقه في حكمه، ويعينه على كل ما يملى من الوصايا بما هو مليّ به من عمله وعلمه، والخط الشريف أعلاه، حجة فيه. قلت: وكان قد استحدث بالإسكندرية قاض حنفيّ في الدولة الأشرفية «شعبان بن حسين» يولّى من الأبواب السلطانية رفيقا للقاضي المالكيّ بها، يتحدّث في الأحكام في القضايا بمذهبه خاصّة، وأمر مودع الأيتام ونظر الأوقاف، وغير ذلك من متعلّقات قضاء القضاة مختصّ بالمالكي، ثم صارت بعد ذلك تارة يولّى بها حنفيّ كذلك، وتارة تشغر منه. فإن وليها حنفيّ، كتب له في قطع الثّلث كما يكتب للقاضي المالكيّ، وليس بها الآن شافعيّ إلا نائبا عن المالكيّ، ولا حنبليّ بها أصلا.

الوظيفة الثانية (الحسبة بثغر الإسكندرية)

الوظيفة الثانية (الحسبة بثغر الإسكندرية) ومحتسبها يمضي تحدّثه فيما يختص به قاضيها، وليس له نوّاب فيما هو خارج عن ذلك من البلاد. وهذه نسخة توقيع بالحسبة بثغر الإسكندرية. الحمد لله الذي جعل المناصب في أيّامنا الزاهرة محفوظة في أكفائها، مضمونة لمن تقاضت [له] «1» من الإقبال ر [دّ] «2» جفائها، معدوقة في مالها إلى من زانها بمعرفته الحسنة [وحسن بهائها، مخصوصة] «3» بمن دلّت كفاءته وكفايته على أنه أولى بتقرّبها وأحقّ باصطفائها. أحمده على نعمه التي لم تخيّب في إحساننا أملا، ولم تضيّع سعي من أحسن [العمل] «4» في مصالح دولتنا إنّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة هي أشرف ما فاه به اللّسان، وأفضل ما تعبّد به الإنسان، وأرفع ما ملكت به في الدنيا والآخرة عظام الرّتب الحسان، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أحلّ الطيّبات وأباحها، وأزال الشّبهات وأزاحها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين تمسّكوا بأحكامه، ووقفوا مع ما شرع لهم من حلال دينه وحرامه، وحافظوا على العمل بسنّته بعده محافظتهم عليها في أيّامه، صلاة يتوقّد سراجها، ويتأكّد بها انتساق السنّة وانتساجها، وسلم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من رجع فيه حقّ منصبه إلى نصابه، وردّ به واجب رتبته إلى من جعلته سوابق سيرته أولى به، وتقاضت له سيرته عواطف كرمنا، ونهضت نزاهته باستطلاع ما غاب عنه من عوارفنا ونعمنا، وأغنته أوصافه عن تجديد ثناء يستعاد به برّنا القديم، ويستدام له به فضلنا العميم، وتستدرّ به

أخلاف كرمنا الذي تساوى في عمومه الظاعن والمقيم- من زان التقى أوصافه، وكمّلت العفّة معرفته وإنصافه، وتولّت الديانة نظره فيما عدق به من مصالح الرعايا خصوصا وعموما، وتكفلت الخبرة من اعتباره لأمور الأقوات بأن جعل لكل منها في الجودة حدّا معلوما، وباشر ما فوّض إليه فجمع بين رضا الله تعالى ورضا خلقه، وعوّل عليه في حسبة أعزّ الثغور لدينا فتصبح الرعايا فيما بسط لهم من رزقه. ولما كان فلان هو الذي أضاءت أوصافه وهل تنكر الإضاءة للسّراج، وتشوّفت إليه رتبته فلم يكن لها إلّا إليه ملاذ وإلا عليه معاج، فسلك من السّير أرضاها لربّه، ومن الأحوال أجمعها لأمن عاقبته وسلامة غبّه «1» ، ومن الاجتهاد في مصالح الرعايا ما يضاعف شكره على احتسابه، ومن الخيرة ما يعرّف كلّا ... «2» ... فليستمرّ في ذلك على عادته التي ناضلت عنه فأصابت، وقاعدته التي دعت له عواطف نعمنا فأجابت، وليزد في التحذير والتحقيق ما استطاع، ويناقش حتى يستقرّ على الصحة فيما يباع أو يبتاع، ويقابل على الغشّ بما يردع متعاطيه، ويزجر صانع الأعمال الفاسدة عن استدامتها ومن يوافقه على ذلك ويواطيه، ويثمّر أموال الأحباس بملاحظة أصولها، والمحافظة على ريعها ومحصولها، وإمضاء مصارفها على شروط واقفيها إن علمت ومزية «3» ما قدّم من شكره والثناء عليه؛ وملاك ذلك جميعه تقوى الله تعالى وهي أخصّ ما قدّم من أوصافه، والرّفق بالرّعايا وإنّه من أحسن حلى معرفته وإنصافه، والخير يكون إن شاء الله تعالى.

الوظيفة الثالثة (نظر الصادر)

الوظيفة الثالثة (نظر الصادر) وموضوعها التحدّث في قدر مقرّر يؤخذ من تجّار الفرنج الواردين إلى الإسكندرية، وعليه مرتّبات لناس مخصوصين من أهل العلم والصلاح، ينفق عليهم بمقادير معلومة من متحصّل هذه الجهة. وهذه نسخة توقيع بنظر الصادر والوارد، أنشأته عن السلطان الملك الناصر «فرج بن الظاهر برقوق» للقاضي ناصر الدين «محمد الطّناحي» إمام المقام الشريف السلطانيّ، في منتصف شهر صفر سنة أربع وثمانمائة «1» ، وهي: الحمد لله الذي جعل من سلطاننا الناصر لأخصّ وليّ أعزّ ناصر، وخصّه من فائض كرمنا المتتابع ومنّنا المترادف بأكرم وارد وأبرّ صادر، وبوّأه من فضلنا المنيف أفضل مبوّأ: فتارة تأتمّ به الملوك وتارة يخطب الكافّة على رؤوس المنابر. نحمده على أن جعلنا نتّبع في الولايات نهج الصّواب ونقتفيه، وآثرنا من أثرة الأبوة بأعلى مواقع الاجتباء والولد سرّ أبيه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي أذلّ طغاة الكفر بقمع آناف كبرائهم، وألزمهم الصّغار بمال يؤخذ من أقوياء أغنيائهم فيفرّق في ضعفاء المسلمين وفقرائهم، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي ندب إلى مبرّة أهل الفضل وذويه، ورغّب في رعاية المودّة للآباء بقوله: «إنّ من أبرّ البرّ برّ الرجل أهل ودّ أبيه» صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين عدقت بهم مهمّات فقاموا بحقّها، ووكلت إليهم جلائل الولايات، فأحرزوا بجميل التأثير قصب سبقها، صلاة يبقى على مدى الأيام

حكمها، ولا يتغيّر على مرّ الزمان رسمها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن من كريم سجايانا التي جبلنا عليها، وشريف شيمنا التي يجذبنا طيب العنصر إليها، أن نخصّ أخصّ الأولياء بأسنى الولايات، ونتحف أصفى الأصفياء بنهاية غيره في البدايات، ونرفع قدر من لم يزل ظهره للملوك محرابا، وننوّه بذكر من رغبت فيه الوظائف فعدلت إليه عن سواه إضرابا. وكان المجلس الساميّ، القاضويّ، العالميّ، العامليّ، الفاضليّ، الكامليّ، البارعيّ، البليغيّ، الماجديّ، الأوحديّ، الأثيريّ، الأثيليّ، العريقيّ، الأصيليّ، الخطيبيّ، الناصريّ، مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الرؤساء، أوحد الكبراء، صدر الأعيان، جمال الخطباء، جلال النّظّار، صفوة الملوك والسلاطين، أبو عبد الله محمد، ابن المجلس الساميّ، الجماليّ، المرحوم عبد الله الطّناحي، إمام المقام الشريف: أدام الله تعالى رفعته- قد طالت في المخالصة قدمته، ووفرت من صدق الموالاة قسمته، فرفع على الابتداء خبره، ونصب على [المدح] «1» تقدّمه فحمد في الاختيار أثره؛ وكانت وظيفتا نظر الصادر وخطابة الجامع الغربيّ بثغر الإسكندرية المحروس- حرسه الله تعالى وحماه وصان من طروق العدوّ المخذول حماه- من أرفع الوظائف قدرا، وأميزها رتبة وأعلاها ذكرا- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نسند ولايتهما إليه، ونعتمد في القيام بمصالحهما عليه. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت آراؤه مسدّدة، ونعمه على الأولياء في كلّ حين مجدّدة- أن يستقرّ المشار إليه في الوظيفتين المذكورتين عوضا عمن كانتا بيده، بما لهما من المعلوم، ويفسح له في الاستنابة على عادة من تقدّمه في ذلك: استنادا إلى أمانته التي بلغت به من العفّة منتهاها، وكفايته التي عجز المتكلّفون عن الوصول إلى مداها، وفصاحته التي أعجزت ببراعتها

الخطباء الأماثل، وبلاغته التي قضت بالعيّ على قسّ إياد وحكمت بالفهاهة «1» على سحبان وائل. فليتلقّ ما أسند إليه بيده الطّولى وباعه المديد، وليقابل هذه النعمة الحفيلة بالشّكر فإنّ الشكر مستلزم للمزيد، عالما أنّ نظر الصادر يقدّمه أهل الثغر على عامّة الوظائف ما دقّ منها وما جلّ، ويتبرّك المرتّبون عليه بما يأخذونه من راتبه وإن قلّ؛ فليحسن النظر فيه وردا وصدرا، ويميّز ريعه بحسن النظر فيه حتّى يقول المعاند: ما أحسن هذا نظرا! والجامع الغربيّ فهو أجلّ جوامع الثغر الإسكندريّ قدرا، وأعظمها في الأقطار صيتا وأسيرها في الآفاق ذكرا، يحضر الجمعة فيه أهل الشّرق والغرب، ويلمّ بخطبته سكّان الوهاد والهضب؛ فليرق منبره رقيّ من خطبه المنبر لخطبته، وعلم علوّ مقامه فقابله بعلوّ رتبته؛ ويشنّف الأسماع بوعظه، ويشج القلوب بلفظه، ويحيي العقول بتذكيره، ويبك العيون بتحذيره، وليعد للجامع ما تعوّده من الإسعاد، ويجدّد ما درس من معالم خطابته حتّى يقال: هذا ابن المنيّر «2» قد عاد؛ وعماد الوصايا تقوى الله فهي ملاك الأمور كلّها، وعليها مدار أحوال الدّنيا والآخرة في عقدها وحلّها؛ وهاتان مقدّمتا خير فليكن لنتيجتهما يرتقب، ولا يقطع بالوقوف معهما رجاءه «فأوّل الغيث قطر ثم ينسكب» والاعتماد على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه، حجة فيه بمقتضاه، إن شاء الله تعالى.

الصنف الثالث (من الوظائف التي يكتب بها بثغر الإسكندرية المحروس، الوظائف الديوانية، وهي على طبقتين)

الصنف الثالث (من الوظائف التي يكتب بها بثغر الإسكندريّة المحروس، الوظائف الدّيوانية، وهي على طبقتين) الطبقة الأولى (من يكتب له في قطع الثلث ب «المجلس الساميّ» بالياء وهو ناظر المباشرة بها، وعنه يعبّر بناظر الإسكندرية، دون ناظر الأصل «1» المقدّم ذكره في جملة الوظائف الديوانية بالحضرة) وموضوع هذه الوظيفة التحدّث في الأموال السلطانية بالإسكندريّة مما يتحصّل من المأخوذ من تجار الفرنج، وسائر المتاجر الواصلة برّا وبحرا بالقبض والصّرف والحمل إلى الأبواب السلطانية. وهذه نسخة توقيع بنظر ثغر الإسكندرية، كتب به للقاضي «جمال الدين ابن بصّاصة» وهي «2» : الحمد لله الذي أضحك الثّغور بعد عبوسها، وردّ إليها جمالها وأنار أفقها بطلوع شموسها، وأحيا معالم الخير فيها وقد كادت أن تشرف على دروسها، وأقام لمصالح الأمّة من يشرق وجه الحق ببياض آرائه، وتلتذّ الأسماع بتلاوة أوصافه الجميلة وأنبائه. نحمده حمد من أسبغت عليه النّعماء، وتهادت إليه الآلاء، وخطبته لنفسها العلياء، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ترفع قدر قائلها وتعليه، وتعزّ جانب منتحلها وتدنيه، وأن محمدا عبده ورسوله أفضل نبيّ رابط وجاهد، وأكرم رسول جنح للسّلم بأمر ربّه فهادن وعاهد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وأشياعه وحزبه.

وبعد، فأحقّ من ماس في أردية الرياسة عطفا، واستجلى وجوه السعادة من حجب عزّها فأبدت له جمالا ولطفا؛ واصطفته الدولة القاهرة لمهمّاتها لمّا رأته خير كافل، وتنقّل في مراتبها السنيّة تنقّل النيّرين في المنازل «1» . ولما كان فلان أدام الله رفعته ممن أشارت إليه هذه المناقب الجليلة، وصارت له إلى كل سؤال نعم الوسيلة، رسم بالأمر الشريف- لا زال...... أن يستقرّ في نظر ثغر الإسكندرية المحروس ويباشر هذا المنصب المبارك بعزماته الماضية، وهممه العالية، برأي لا يساهم فيه ولا يشارك: ليصبح هذا الثغر بمباشرته باسما حاليا، وتعود بهجته له بجميل نظره ثانيا، وينتصب لتدبير أحواله على عادته، ويقرّر قواعده بعالي همّته، ويجتهد في تحصيل أمواله وتحصين ذخائره، واستخراج زكاته وتنمية متاجره، ومعاملة التّجار الواردين إليه بالعدل الذي كانوا ألفوه منه، والرّفق الذي نقلوا أخباره السارّة عنه؛ فإنهم هدايا البحور، ودوالبة الثغور، ومن ألسنتهم يطّلع على ما تجنّه الصدور، وإذا بذر لهم حبّ الإحسان نشروا له أجنحة مراكبهم كالطّيور؛ وليعتمد معهم ما تضمّنته المراسيم الشريفة المستمرّة الحكم إلى آخر وقت، ولا يسلك معهم حالة توجب لهم القلق والتّظلّم والمقت، وليواصل بالحمول إلى بيت المال المعمور، وليملأ الخزائن السلطانية من مستعملات الثغر وأمتعته وأصنافه بكل ما تستغني به عن الواصل في البرور والبحور، وليصرف همّته العالية إلى تدبير أحوال [المتاجر بهذا الثغر بحيث ترتفع رؤوس أموالها وتنمي، وتجود سحائب فوائدها وتهمي، وليراع أحوال] «2» المستخدمين في مباشراتهم، ويكشف عن باطن سيرهم في جهاتهم، ليتحقّقوا أنه مهيمن عليهم، وناظر بعين الرأفة إليهم؛ فتنكفّ يد الخائن منهم عن الخيانة، وتتحلّى أنامل الأمين بمحاسن الصّيانة؛ وليطالع بالمتجدّدات في الثغر المحروس، ليرد الجواب عليه منا بما يشرح

الصّدور [ويطيّب النفوس] وليتناول من المعلوم على ذلك في غرّة كل شهر ما يشهد به الديوان المعمور؛ والله تعالى يتولّاه ويعضّده، ويؤيده ويسدّده، بمنّه وكرمه!. قلت: وربما كتب لناظرها توقيع مفتتح ب «أما بعد حمد الله» في قطع الثلث. وهذه نسخة توقيع بنظر ثغر الإسكندرية، وهي: أما بعد حمد الله مفيض حلل إنعامنا على من أخلص في طاعتنا الشريفة قلبه ولسانه، ومولي فضل آلائنا العميمة على من أرهف في مصالحنا عزمه وبنانه، ومحلّي رتب عليائنا الشريفة بمن أشرق في سماء المعالي بدره وإنسانه، وأينعت في غصون الأمانيّ قطوفه وأفنانه، ومبلّغ أقصى غاية المجد في أيامنا الزاهرة بمن تبتسم بجميل نظره الثغور، وتعتصم بحميد خبره وخبرته الأمور، وتشرق من جميل تدبيره البدور، وتعتمد على هممه الأيام والدهور، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الهادي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، والناشر لواء العدل بسننه الواضح وشرعه القويم، والمنجز لمن اقتفى سبله أوفى تكريم، وأوفر حظّ عظيم، وعلى آله وأصحابه ما اهتدى بهديهم ذوو البصائر والأبصار، وارتدى بأرديتهم المعلمة مقتفي الآثار- فإنّ أولى من أسندنا إلى نظره الجميل رتبة عزّ ما زالت طيور الآمال عليها تحوم، وعدقنا بتدبيره الجليل منصب سيادة ما برحت الأمانيّ له تروم، واعتمدنا على همّته العلية فصدّق الخبر الخبر، وركنّا إلى حميد رأيه فشهد السمع وأدّى النظر «1» . ولما كان فلان هو الذي اتّسق في ذروة هذه المعالي، وانتظم به عقد هذه

اللّآلي، وحوى بفضيلة اللسان والبيان ما لم تدركه المرهفات والعوالي؛ فما حل ذروة عزّ إلا وحلّاها بنظره الجليل، ولا رقي رتبة سيادة إلا وأسفر في ذروتها وجه صبحه الجميل، ولا عدق بنظره كفاية رتبة إلا وكان لها خير كفيل. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال ينتصي «1» للرتب العلية خير منجد وممير «2» ، ويمتطي للمناصب السنيّة نعم المولى ونعم النصير- أن يستقرّ ... ... فإنه القويّ الأمين، والمتمسّك من تقوى الله تعالى ومراقبته بالسبب المتين، والمستند بجميل كفايته، وحميد ديانته، إلى حصن حصين، والمستذري «3» بأصالته وإصابته إلى الجنّة الواقية والحرم الأمين؛ فليقدّم خيرة الله تعالى في مباشرة الوظيفة المذكورة بعزم لا ينبو، وهمّة لا تخبو، وتدبير يتضاعف على ممرّ الأيام ويربو، ونظر لا يعزب عن مباشرته فيه مثقال ذرّة إلا وهي من خاطره في قرار مكين، وضبط لا تمتدّ معه يد لامس [إليها] «4» إلا ويجد من مرهفه ما يكفّ كفّها عن الخيانة بالحقّ المبين، وليضاعف همّته في مصالح هذه الجهة التي عدقناها بنظره السعيد، وليوفّر عزمته فإن الحازم من ألقى السمع وهو شهيد؛ والوصايا كثيرة ومثله لا يدلّ عليها، والتنبيهات واضحة وهو- وفقه الله- أهدى أن يرشد إليها؛ والله تعالى يوفّقه في القول والعمل، ويصلح بجميل تدبيره وحميد تأتّيه كلّ خلل، بمنّه وكرمه!.

الطبقة الثانية (من يكتب له في قطع الثلث ب «المجلس السامي» بغير ياء أو «مجلس القاضي» وفيها وظيفتان)

الطبقة الثانية (من يكتب له في قطع الثلث ب «المجلس السامي» بغير ياء أو «مجلس القاضي» وفيها وظيفتان) الوظيفة الأولى ((كتابة الدّرج) وصاحبها هو الذي يقوم بالإسكندرية مقام كاتب السرّ بالأبواب السلطانية في قراءة المكاتبة على النائب، وكتابة الأجوبة وما يجري مجرى ذلك. وهذه نسخة توقيع من ذلك: رسم بالأمر الشريف- لا زال شاملا فضله، كاملا عدله، هاملا بالإحسان وبله، متّصلا بالجميل حبله، ملاحظا بعين العناية للبيت الزاكي فرعه الطيّب أصله، معليا نجمه إلى أسنى المراتب التي لا ينبغي أن يكون محلّها إلا محلّه- أن يستقرّ فلان في كتابة الدّرج بثغر الإسكندرية المحروس على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته، بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت: لأصالته المعرقة، وغصون نسبه المورقة، وآدابه الجمّة، وفضيلته التي أبدى بها علمه، وكتابته التي حلّت المهارق، وأبدت من الجواهر ما تتمنّى لمسه المفارق، وتذوي لنضارته أزاهر الروض النّضير، وتتفرّد في الحسن فلا تجد لها من نظير، وتبرز كالعقود في أجياد الترائب، وتنشيء كتبا تغني عن الكتائب؛ مع ماله من رآسة أثبتت معاليه، ونفاسة أضحت بجواهرها الأوصاف حالية، وصدارة توالت منه فاستوجب بها مزيد الحسنى المتوالية؛ قد خوّل في كرم الأصل فلا غرو أن أمسى نجيبا، ودعا بديع اللفظ ولطيف المعنى فغدا كلّ منهما لأمره طائعا وبالإذعان مجيبا، وعلا كوكبه فأضحى في الرّفعة بعيدا وإن كان في مرأى العين قريبا، وزكا من أكابره إلى كل فريد في سؤدده، واحد في علاه يفوق الجمع في عدده؛ فهو إنسان عين زمانه، ومالك زمام الإنشاء ومصرّف عنان بنانه، ومبرز الحسنات بسفارته المقبولة وإطلاق بيانه، فلا غرو أن استوجب منّا ما يقضي له

الوظيفة الثانية (نظر دار الطراز بثغر الإسكندرية)

بالمزيد، واستحقّ باتّباع أصله العالم التقيّ إدراك ما يريد، وتحلّى بمناقبه ومآثره، ونقل عن عفافه ومفاخره. فليستمرّ في ذلك على أجمل عوائده، وأجزل فوائده، سالكا في ذلك طرائقه الحميدة، ومناهجه ومناهج أسلافه السّديدة، مبرزا من خطّه ما يخجل به الطّروس، ويسرّ بمزاياه النفوس، وينظم كالعقود، ويلوح للأبصار حسن رونقه [المشهود] «1» ؛ والله تعالى يجعل إحساننا لدى بيته الكريم مستمرّا، وامتناننا العميم عنده مستقرّا، وثغر العناية به مفترّا، بمنّه وكرمه، إن شاء الله تعالى. الوظيفة الثانية (نظر دار الطّراز بثغر الإسكندريّة) وهذه نسخة توقيع بذلك، كتب بها لصلاح الدين بن علاء الدّين عليّ بن البرهان، سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، من إنشاء الشريف شهاب الدين كاتب الإنشاء، وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال إيثاره، يكرم من غدا صلاحه لحلّة العلى طرازا، واختياره، يقدّم للمناصب الجليلة من ورث من أبيه نهضة واحترازا- أن يستقر فلان في كذا: لكفايته المعروفة المحقّقة، ودرايته المألوفة بركاتها الموفّرة وحركاتها الموفّقة، وديانته التي منها الأكابر على ثقة، وأمانته التي تعتمد الحقّ مستدعية ومنفقة، وصيانته التي هي للواصل حافظة وعلى الحاصل مشفقة. فليباشر هذه الوظيفة التي كانت في سالف الزمان إلى الحكّام تضاف، وللعلماء الأعلام عليها نظر وإشراف، ومنها يسدل على أوليائنا لباس الإنعام وترسل أجناس الإتحاف، وتسربل الكعبة البيت الحرام في كلّ عام بجلبابها المحكم النّسج المعلم الأطراف، وليصن ذهبها عند صرفه وقبضه، وليزن

الجهة الثانية (مما هو خارج عن حاضرتي مصر والقاهرة بالديار المصرية - بلاد الريف)

خزّها «1» بتقريب مشوبه وتحرير محضه، وليبن عن حسن التدبير في إبرام حريرها ونقضه، وليستجلب رجالها وصنّاعها، وليجنّب أحوالها ضياعها، وليستجد أصنافها وأنواعها، وليتفقّد أكنافها وبقاعها، حتّى يظهر في أعمالها آثار الصلاح، وتشكر مباشرته التي هي محمودة الانتهاء مسعودة الافتتاح؛ والله يقرن رجاءه بالإرباح، ويؤذن له حيث سلك بإصابة الصواب والفلاح، بمنه وكرمه!. قلت: ودار الطّراز هذه هي التي تعمل فيها المستعملات السلطانية: مما يحمل إلى خزانة الخاصّ الشريف من الأقمشة المختلفة الصّفات: من الحرير والمقترح المخوّص بالذهب، والتّفاصيل المنقوشة بضروب النقوش المختلفة، وغير ذلك من رقيق الكتّان وغيره مما لا يوجد مثله في قطر من أقطار الأرض؛ ومنه «2» تتّخذ الأقمشة التي يلبسها السلطان وأهل دوره، ومنه تعمل الخلع والتشاريف التي يلبسها أكابر الأمراء وأعيان الدولة وسائر أهل المملكة، ومنه تبعث الهدايا والتّحف إلى ملوك الأقطار. وقد كان يكتب لناظر هذه الدار توقيع عن الأبواب السلطانية خارج عن توقيع ناظر الإسكندرية على ما تقدّم ذكره. أما الآن فقد صار ذلك تحت نظر ناظر الإسكندرية يتحدّث فيه كما يتحدّث في سائر أمورها، ومرجع الكلّ إلى ناظر الخاصّ بالأبواب السلطانية. الجهة الثانية (مما هو خارج عن حاضرتي مصر والقاهرة بالديار المصرية- بلاد الرّيف) والمراد بالرّيف في أصل اللغة موضع المياه والزّرع. وقد تقدّم أنّ ريف الديار المصريّة وجهان:

الوجه الأول (الوجه القبلي، وهو المعبر عنه بالصعيد)

الوجه الأوّل (الوجه القبلي، وهو المعبّر عنه بالصّعيد) وقد تقدّم في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك أنّه ينقسم إلى صعيد أعلى، وصعيد أسفل. وقد كانت ولايته العامّة في الزمن المتقدّم يعبّر عن صاحبها ب «والي الولاة بالوجه القبليّ» ثم استقرّت نيابة سلطنة على حدّ تقدمة العسكر بغزّة في رتبة المكاتبة، في الأيّام الظاهرية «برقوق» وهي على ذلك إلى الآن، ونائبها يكتب له تقليد بنيابة السلطنة بها في قطع النصف. وهذه نسخة تقليد شريف من ذلك، من إنشاء الشريف «شهاب الدين» كاتب الإنشاء، وهي: الحمد لله الذي رحم بتعاهد نظرنا البلاد والعباد، وحسم بموارد زواجرنا موادّ الفساد، وأحمد في هذا الوجه لنا الآثار ووطّأ بنا المهاد، وأفرد آراءنا بجميع المصالح على الجمع والإفراد، وأولى بنا الرعية الخير في استرعاء من يبذل في صيانتهم الاجتهاد، وأعلى بنا كلمة العدل فهي تنشر وتذاع وأوهى بنا كلمة الظّلم فهي تقهر وتذاد، وأجلى بانتقامنا فئة الضلال فلها عن ملكنا الشريف اندفاع وانطراد «1» . نحمده على أن قرن بآرائنا السّداد، ونشكره على أن ضمّن اصطفاءنا حسن الارتياد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تقوم حجّتها، يوم يقوم الأشهاد، وتدوم بهجتها، علما للإرشاد، ونشهد أنّ سيد البشر محمدا عبده ورسوله الذي فضل العالم وساد، وأجزل المكارم وجاد، وهدى بشرعه من حاد، وأردى بردعه من حادّ، وأجرى بجوده النفع حيث كان وأبدى ببأسه القمع لمن كاد، وأخمد بأسيافه الباطل فباد، وجعل لأنف مخالفه الإرغام ولجيش مجانفه «2» الإرعاد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأنجاب الأنجاد، صلاة

لها تضاعف وتعداد، وبفتكاتهم للنوائب إخماد، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد فإنّ الله تعالى لما أعلى هممنا وأصعدها، ووفّى عزائمنا من النصر موعدها، وأسعف بملكنا الرعية وأسعدها، وضاعف بنا لديهم النّعمة وجدّدها، وأوضح بنا سبل المعدلة وجدّدها، وأنجح بسلطاننا آمال الخليقة وأنجدها- لم نخل من ملاحظتنا أدنى الأقطار ولا أبعدها، ولم نغفل من ممالكنا ناحية إلا نحاها فضلنا وقصدها فأقرّ بها الصالحات وخلّدها، وأثرّ بها المسامحات «1» وأبّدها، ونصر الشريعة وأيّدها، وسدّ الذّريعة بأفعال حزم سدّدها، ووطّن أهلها ووطّدها، وأورد من بها موارد الأمن لما وردها. ولما واجه إقبالنا في هذه الأيّام الوجه القبليّ، وصعد إلى الصعيد الأعلى ركابنا العليّ، لمحنا بلاده وتعدّدها، وتعيّن ملاحظته وتأكّدها، وكثرة السّلّاك لسبله، والملّاك لخوله «2» ، والورّاد لنهله، والوفّاد من قبله؛ وهو منهج التّجار في التوجه من أبوابنا الشريفة والجواز، وباب اليمن والحجاز؛ وفي الحقيقة هذا المجاز يتعين له الحفظ وفيه الاحتراز، وبه كراسيّ منها السّيارة تمتار وعلى سواها من البلاد تمتاز، وبه مراكز ولاة ينفرد كلّ منها عن الآخر وينحاز، وهي: إطفيح، والبهنسى، والأشمونين، ومنفلوط، وسيوط، وإخميم، وقوص. وهذه الأقاليم مجتمعة متفرّقة، وحدود بعضها ببعض متعلّقة، وبها إقطاعات مقدّمي الألوف والطّبلخاناه والمماليك والحلقة، وإليها تردّد الرّكّاضة «3» والمرتزقة، وربّما أخاف المفسدون من بعضها سبله وقطع طرقه، فاتّهم البريّ، وسلم الجريّ، ولبّس على من هو عن الخيانة عريّ؛ فرأينا أن ننصب بهذه الأقاليم

والي ولاة يجوس بنفسه خلالها، ويدوس بخيله سهلها وجبالها، ويفجأ [مفسديها، ويبغت معتديها] «1» ، ويخمد نفاقها، ويحمد وفاقها، وينصف ضعافها، ويذهب خلافها، ويزيل شكواها، ويكفّ عدواها، ويصلح فسادها، ويوضّح سدادها، ويوصّل حقوقها، ويستأصل عقوقها، ويواصل طروقها، ويقابل بالعقاب فسوقها، ويمنع باهتمامه أهواءها، ويشفي بحسامه أدواءها. ولما كان المجلس الساميّ، الأميريّ، الحساميّ هو الذي عرف أحوالها وخبرها، وولي من أقاليمها ما علم به مصالحها واعتبرها، وعهدت منه الأمانة والكفاية، وتحقّقت نهضته في كل عمل ويقظته في كل ولاية- اقتضى حسن الرأي الشريف أن تفوّض إليه نيابة السلطنة الشريفة بهذه الأعمال المذكورة والأقاليم كلّها، وأن ينتضي فيها حسامه الذي ينبغي أن يرتضى وينتضى لمثلها، وأن يحلّ محلّه إذ اخترناه لأعلى رتب الولاة وأجلّها، وأن نصل أسباب النعمة لديه بهذه النعم التي كلّ ولاية فرع لأصلها. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت أيامه الشريفة تخصّ الرتب العلية بأهلها، وتشمل ذوي الاهتمام بإحسانها وفضلها- أن يفوّض إلى المشار إليه ولاية الولاة بالوجه القبليّ. فليباشر ذلك بهمّة تمضي في البلاد عزائمها، ونهضة تسير إلى دانيها وقاصيها صوارمها، وشهامة يدهش المتمردين قادمها، ويفقد موادّ الفساد من حسامها حاسمها. ونحن نرسم له بأمور يلازمها، ونوصيه بوصايا يداومها؛ أن يكون بتقوى الله تعالى عاملا، وللنّصح باذلا، وللشريعة معظّما، ولمراقبة الله تعالى مقدّما، وللحقّ متّبعا، وإلى الخير مسرعا، وللمؤمنين مؤمّنا، وللمنافقين موهّنا، وللرّعايا موطّنا، وللنزّاهة مظهرا ومبطنا، وعن الأبرياء كافّا، وعن الأتقياء عافّا، وعن

الأموال منزّها، وإلى ما يصلح الأعمال من صالح الأعمال «1» موجّها، وليغد في الأمور متثبّتا، ولذوي الفجور مشتّتا، ولسماع حجج الخصوم منصتا، ولا يجعل لحلوله الأقاليم حينا مؤقّتا، بل يدخل المدينة على حين غفلة من أهلها، وليبغت بحلوله هذه النواحي ليعلم ما هم عليه من ترك الفواحش أو فعلها، وليقم بكل جهة من يعلمه بما يحتاج إلى علمه، ويبكّر له بما يفتقر أهل البلاد إلى السّتر عنه وكتمه، وليلحظ المحارس والأدراك «2» ، وليجعل لكل شارد من بطشه أسرع إدراك- وقد رسمنا لولاة الأعمال المذكورة ومن فيها من نوّاب الأمراء والمشايخ بهذه الصورة وأن لا يجيروا مفسدا ولا يؤوه، ولا ينزلوا خائنا ولا يحووه، ولا يستروا مختفيا ولا يخبوه، ولا يحلّوا نازحا ولا يوطّنوه، بل يحضروه ولا يؤخّروه، ويمسكوه ولا يتركوه، ويسلموه ولا يحموه؛ ومن خالف هذا المرسوم، أو اعتمد غير هذه الرّسوم، فهو لنفسه ظلوم، وقد برئت منه الذّمة، وزالت عنه الحرمة، وزلّت قدمه، وذهب ماله ودمه؛ وقرئت مراسيمنا بذلك هنالك على منابر الجوامع، وسمعها كلّ سامع، وهم لك على امتثال أوامرنا مساعدون، وعلى اجتناب نواهينا معاضدون، وللإصلاح ما استطاعوا مريدون وقاصدون؛ فلا تمكّن أحدا من العربان ولا من الفلّاحين أن يركب فرسا، فإنما يعدّها للخيانة مختلسا، ولا يكون لها مرتبطا ولا محتسبا؛ وكن لهم ملاقيا مراقبا، فمن فعل ذلك فانتقم منه بما رسمنا معاقبا؛ ولا تمكّنهم من حمل السلاح ولا ابتياعه، ولا استعارته ولا استيداعه، وتفقّد من بالأقاليم من تجّاره وصنّاعه؛ فخذ بالقيمة ما عند التجّار، واقمع بذلك نفس الفجّار، وأضرم نار العذاب على من أضرم لعمل ذلك النار؛ وأمر كلّ فئتين متعاديتين بالمصالحة، وأكفف بذلك يد المكافحة، وحلّف بعضهم لبعض بعد تحليف أكابرهم لنا

على السّيرة الحميدة والنّيّة الصالحة، وخذهم في الجنايات بالعدل والمشاححة «1» ، وفي المطالبات بالرّفق إن لم تكن مسامحة، واحملهم على محجّة الحق الأبلج والشريعة الواضحة. وإذا رفعت إليك شكوى فأزلها، أو سئلت إقالة عثرة لذي هيئة فأقلها، أو وجب حدّ فأقمه لحينه، أو ارتبت في أمر فتروّ حتّى تهتدي ليقينه، ولا تعتقل إلا من أجرم جرما يوجب الاعتقال والحبس، ولا تسرع إلى ما تخشى فيه اللّبس، واعمل على براءة الذّمّة، واجهد أن لا يكون أمرك عليك غمّة، ولا ترجّح للهوى على خصم خصمه، ولا تظلمه فإنّ الظّلم ظلمة، وخف نقمة الله فهي أعظم نقمة، ولا تأخذك على البريء غلظة ولا قسوة كما لا ينبغي أن تأخذك في الجريء رأفة ولا رحمة؛ والله تعالى يرفع لك بالطاعة رتبا، وينجح لك بالخدمة طلبا، ويبلّغ بك في الإصلاح أربا، ويردّ بك أمر كل مفسد مخيّبا، ويوضح لك من الهداية مغيّبا، وينزل بك من الخيرات صيّبا؛ والخطّ الشريف أعلاه حجة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة تقليد بنيابة السلطنة بالوجه القبليّ أيضا، من إنشاء الشريف شهاب الدين، كتب به «لعلاء الدين المرادي» وهي: الحمد لله الذي جعل إقبالنا مسفر الوجوه، ونوالنا مبلّغا كلّا من الأولياء ما يؤمّله من القرب من أبوابنا الشريفة ويرجوه، وإفضالنا يوفّر أقسام النّعم لمن وفّر دواعيه على طاعتنا فلا يزال استحقاقه يعيّنه ويدعوه، وإجمالنا ينجز وعود التقديم لمن تعدّدت خدمه فلا يتجاوزه التكريم ولا يعدوه. نحمده على أن جعل إنعامنا يهب الجزيل ويحبوه، ونشكره على أن أقامنا نحقّ الحق فنرفعه فيدمغ الباطل ويعلوه.

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة هي خير ما ينطق به الإنسان ويفوه، لا يبرح اللسان يكرّر إخلاصها ويتلوه، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي رفع الله ببعثته عن هذه الأمة كلّ مكروه، وحمى بشرعته الدين الحنيف فلا يلمّ به التبديل ولا يعروه، وأفاض ببركاته في كل وجه ما يوسع الخير ويدرّه ويمنع الشّر ويذروه، صلى الله عليه وعلى آله الذين هم عترته وأقربوه، وصحبه الذين استمعوا قوله واتّبعوه، صلاة لا يزال وافدها يتبع سبيل الإجابة ويقفوه، ويصل إلى محل القبول ولا يجفوه، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فإنّ الله تعالى لما قرن آراءنا بالسّداد، وأحسن بنا النظر في صلاح البلاد ومصالح العباد، لم نزل نرفع أقدار المخلصين بمزيّة الاختيار والارتياد، ونجمعهم في صعيد الإحسان ونحلّهم رتب الإصعاد، وندني منهم من له تامّ اهتمام وشادّ اجتهاد، ونميز منهم من حسن حالا بالجمع والإفراد. والولاية على الولاة بالوجه القبليّ من أهم ما يلمح، وأعمّ ما يختار له من للحق ينصر وللخلق ينصح؛ إذ بهذا الوجه عيون البلدان، ووجوه العربان، وكراسيّ الأقاليم الحسان، ومراكز الولايات التي تحلّ دائرة السّوء بأهل العدوان، وإقطاعات الجند والأمراء، والخواصّ الشريفة التي على عمارتها إجماع الآراء، وعليه تتردّد التّجّار، وإليه بالميزة يشار، ومنه تتعدّد المنافع فيتعيّن أن ندفع عنه المضارّ، ونلقي أموره لمن ينتقى حزمه وعزمه ويختار. ولمّا كان فلان هو الذي له ولايات اقتضت تقديمه، وسبقت منه سوابق خدم أجزلت تكريمه، وما زال في الشام عليّ الهمّة حسن الشّيمة، وطهّر البرّ من كل فاجر، ورأى أن التّقوى أربح المتاجر، وأعذب للرعية من المعدلة الموارد فصدر من أبوابنا إلى أحمد المصادر- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نجعل له من إقبالنا النصيب الوافر، فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا برح يزيد الأقدار علاء ويظهرها من تكريمه في أحسن المظاهر- أن تفوّض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالوجه القبلّي وجميع نواحيه، على عادة من تقدّمه في ذلك

ومستقرّ قاعدته إلى آخر وقت. فليتلقّ هذه الولاية المباركة بقبول حسن، وليوقظ جفن سيفه الذي لم يعرف الوسن، وليتّق الله ربّه في السّرّ والعلن، وليحكم بما شرع الله وسنّ، وليجتهد في إحماد العواقب وإخماد الفتن، ليسكن من تردّد إليها أو سكن. وليلاحظ هذه الأقاليم بعزائمه السّيّارة، وليحافظ على سلوك سيرته السارة، وليستطلع من كل بلد أخباره، ويتتبّع من كل وال آثاره؛ وإن رأى منكرا أزاله، أو وجد مبطلا أذاله أو حقّا أداله؛ وليعظّم أحكام الشرع وحكامه، وليجعله إمامه ليسعى نوره أمامه، وليطالعنا بما تتعيّن فيه المطالعة، ويراجع أوامرنا فيما تجب فيه المراجعة، وليستجلب لأيامنا الأدعية النافعة، وليباشر بنفسه الأمور التي هي له راجعة، وليراع في القضايا المصلحة الجامعة، ولتكن حمايته للمؤمنين واقية وفتكته بالمجرمين واقعة، وليسع الرعايا بالمعدلة الواسعة، ويمنع المجترئين بالأخذة الرابية والهيبة الرادعة، ولا يمكّن أحدا من العربان بجميع الوجه القبليّ أن يركب فرسا ولا يقتنيه، ويكف بذلك الأيدي المعتدية فإنّ المصلحة لمنعهم من ركوبها مقتضية، وليقم الحرمة والمهابة، وليدم قيامه في الخدمة وانتصابه، وليرهف حدّ عزمه ويمضيه، ويجرّد سيف الانتقام على المفسدين وينتضيه؛ ومن وجده من العربان خالف المرسوم الشريف من منعه من ركوب الخيل كائنا من كان ضرب عنقه، وأرهقه من البطش بما أرهقه: ليرتدع به أمثاله، ولا يتّسع لأحد في الشرّ مجاله. وقد كتبنا إلى سائر ولاة الأقاليم بمساعدته، وأمرناهم بمعاونته ومعاضدته، وأكّدنا عليهم في المبادرة إلى ما يراه من جميع الأمور من غير تهاون ولا تقصير ولا فتور، حتّى لا تفوت مصلحة عن وقتها، ولا تزال جموع المعتدين معاجلة بكبتها؛ وقد حذّرنا العربان من مخالفة ما رسمنا بالتعرّض لما يوجب هلاك نفوسهم، وقطع رؤوسهم. وليقرأ هذا المرسوم الشريف على المنابر بجميع نواحي الوجه القبلي لتمتثل مراسمه، ويتلقّى بالقبول قادمه، وليقفوا عنده، ويقفوا رشده، ويرهبوا من

الشرّ وعيده ويستنجزوا من الخير وعده؛ وهو- بحمد الله- ما برح مهذّبا، وبأكمل الآداب مؤدّبا، وبما يفعله إلى رضا الله تعالى ورضانا مقرّبا؛ والله تعالى يجعله مختارا مجتبى، ويوزعه شكر منحنا الذي أجزل له الحبا، وخصّ به هذا العمل الجليل فضاعف خصبه واهتزّ وربا، ويطلعه مباركا ميمونا حيث حلّ قيل له: مرحبا، ويصعد به هذه الرتبة ويهبه توفيقا مستصحبا، ويمهّد به الطرق للسالكين حتّى يتلو عليه لسان التأمين: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً* «1» ؛ والخطّ الشريف أعلاه، حجة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة تقليد شريف بنيابته أيضا، من إنشاء المقرّ الشهابيّ بن فضل الله، وهي: الحمد لله مطلق التصرّف فيما كان ممنوعا، ومنطق المتصرّف ليكون قوله الصواب مسموعا، وموسّع نطاق المصرف في جميع ما تعيّن أن يكون له مجموعا. نحمده حمدا يعذب ينبوعا، وينبت بمزيد الشكر زروعا، ويدرّ ضروعا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تتفرّع فروعا، وتسكّن جموعا وتسكّت جموعا، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أقوى لأهل الطّغيان ربوعا، وأجرى لعيون الزّرد عليهم دموعا، وأغرى القسيّ بالحنين إليهم وروعا، وأسقط على لبّاتهم «2» طيور السّهام وقوعا، ومهّد البلاد بقتلاهم فآمن من خاف وأطعم من تشكّى جوعا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تعمّ درع الفجر بشفقها المخلّق صدوعا، وسلم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّه لا يستقيم نجاح الأمور، ويستدام صلاح الجمهور، إلا بتفقّد

أحوال ولاتهم، وتعهّد سلوك الرعايا مع رعاتهم، وردّ مجموع كلّ عمل إلى من لا يبيت طرفه في مصالحهم مملوءا من الوسن، ولا يقرّ له في التنقّل في مهماتهم جواد في رسن، ولا تهدأ سيوفه في الأغماد ما برقت بارقة فتن، ولا يشرب الماء إلا ممزوجا بدم ولا يبيت [إلا] «1» على دمن؛ وكانت الديار المصرية المحروسة أحوج شيء إلى هذا الموصوف، وأكثر اضطرارا إلى ما تشام له في صلاح رعاياها لوامع سيوف؛ والوجه القبليّ بها هو الجامع ما يزيد على السّبعة الأقاليم، الحائز من أهل الحضر والبادية لكلّ ظاعن ومقيم؛ قد امتدّ حتّى كاد لا ينتهي إلى آخر، ولا يلتهي بما يكنفه من برّ مقفر وبحر زاخر، قد جاور بالأودية العميقة الحوت في الماء وجاوره في السماء برفعة الجبال، وتطاول حتّى اتصل طرفاه الجنوبيّ بالجنوب والشّماليّ بالشّمال، وحوت مجاريه من النيل المبارك ما مدّ الرّزق الممتدّ، وأمدّ المدّ المبيضّ على عنبرة ثراها المسودّ؛ وهو الوجه الذي تعرف في كوثر نيله نضرة النّعيم، ويبهر حسنا من أوّل قطرة تقع من مرآه الجميل على وسيم، قد حال فيه الماء محمرّا كأنما يشرب ندى ورد الخدود، وحلا كأنما ضرب الضّرب «2» في لمى ريقه المورود، وكان لا ينهض بأعبائه، ويردّ بالغيظ متقرّحة عيون رقبائه، ويمنع كلّ منسر منسر يحذر أن ينتهب وذيل «3» خبائه، إلا من تقدّمت له درب يتعلّم في جليل الخطوب من مضائها السّيف المذرّب، ويقتدي في دقيق التلطّف بسياستها القلم المجرّب؛ وكان فلان هو الذي تتهادى كفايته الأعمال، ويتعادى نفعه والسّحب فلا يدرى لمن منهما التروّي ولمن الارتجال؛ وقد ولي الأعمال البهنساويّة وهي في هذا الوجه الجميل أبهج صورة، وأبهى فيما تكثر منافعه المشهورة، فأضحى المغلّ في

بيادره يتبادر، والإقبال يتكاثر إقباله والمحل يتنازر، ومزدرعاتها تعرف سيماها في وجوهها من أثر سجود الليل كزرع أخرج شطأه «1» فاستازر، فاقتضى حسن رأينا الشريف أن نطلق تصرّفه فيما جاوره من الأعمال، وأن نشغل له يمينا باليمين وشمالا بالشّمال. فخرج الأمر الشريف العالي- لا زال يؤيّد عزّ الدين ظهورا، ويتمّ له في أعماله نورا- أن يكون فلان كاشفا» ووالي الولاة بالوجه القبليّ بأجمعه: معطّله ومزدرعه، وبرّه وبحره، وعامره وقفره، وأهل حضره وباديته، وأصحاب زرعه وماشيته، على عادة من تقدّمه وقاعدته في ذلك، ليأمن المقيم والسالك، ويجمع على الطاعة من قبله هنالك، وينتظم عقد عقائدهم المتهالك، ويقوي الله أجره، والشرع الشريف يكون نهيه وأمره، والحكّام والأحكام هما ما هما فليحفظ زمامهما، ولينفّذ إلى الأغراض سهامهما، وليوصّل الحقوق إلى أربابها، ويسهّل المطالب على طلّابها، ولينصف إنصافا لا يشتكى معه حيف، وليقم المهابة حتّى لا يقدر على التعدّي طارق طيف، وليجرّد عزائمه فإنّ من العزائم ما هو أمضى من السّيف، وليحسن قرى النّيل القادم في كل قرية فإنّه ضيف. فعليك بما نأمرك به من تعبئة صفوف الجسور لأمداده، والاستعداد لمجرّ عوالي صواريه ومجرى جياده؛ وتفقّد قبل قدومه طريقه، واترك عن ريّ البلاد تعويقه، وأقم الجسور، فهي قيام الجسور، واحفر التّراع «3» فإنها تراعى، وأسفر له عن عرائس قراها المجلوّة وجوها كلّما قسن له إصبعا يقيس ذراعا،

واقطع بإيصال حقّ كلّ ناحية إليها من الماء منازعة الخصوم، ونبّئهم أنّ الماء قسمة بينهم لكلّ منهم شرب يوم معلوم، ولا تدع [به أحدا] «1» من أهل المفاسد، ومن جرت لهم بسوابق الفتن عوائد، ومن يتعزّز بربّ جاه، ومن لا «2» يكون له إلى حماية اتّجاه، ومن خرج بوجهه للشرّ مصرّحا، أو لباب عقاب مستفتحا، أو وقف على درب أو قطع طريق، أو توعّد أهل رفاق أو أهل فريق، أو أقدم على ضرر أحد في نفس أو مال، أو خشيت له عاقبة في بداية أو مال، أو نزل في بلد أمير ليتغطّى بجناحه، أو ترامى إلى عصبة يحمل منهم حدّ سلاحه؛ فسلّ عليهم سيفك الماضي، وأحسن إلى الناس إذا خشيت أن تسيء إليهم التقاضي؛ ومن أمسكته منهم فأمض حكم الله فيهم، وأقم الحدود على متعدّيهم، وطهّر الأرض بماء السّيوف من أنجاسهم، وعلّق منهم أناسا بحبل الوريد إلى مدارج أنفاسهم، واصلب منهم على الجذوع من تناوح الرياح بسعفهم، وأوثق منهم بالسّلاسل والأغلال من لا تقتضي جرائمهم إيصالهم في المقابلة إلى حدّ تلفهم، وأكرم قدوم من يرد عليك من الكارم «3» ، وقرّر بحسن تلقّيك أنك أوّل ما قدّمناه لهم من المكارم، فهم سمّار كلّ نادي، ورفاق كلّ ملّاح وحادي؛ ولا بدّ أن يتحدّث السّمّار، وتتداول بينهم الأسمار؛ فاجعل شكرنا دأب ألسنتهم، ومننا حلية أعناقهم، ومنحنا سببا لاستجلاب رفاقهم؛ فهم من موادّ الإرفاق، وجوادّ ما يحمل من طرف الآفاق؛ وقد بقي من بقايا أهل العقائد الفاسدة، والمعاقد البائدة، من يتعيّن إقعاد قائمهم، والتيقّظ لمتيقّظهم والنوم عن نائمهم. ونحن ننبّهك على هذه الدّقائق، ونوقفك على أطرافها ولك رأيك إذا حقّت الحقائق؛ وطالع أبوابنا العالية بما أشكل عليك، تتنزّل أنوار هدانا أقرب من رجع نفسك إليك، وأقدر حقّ هذه النّعمة فإنّنا أوليناك منها ما لا يضاهى، وولّيناك من بلادنا قبلة

الوجه الثاني (من وجهي الديار المصرية البحري، وهو الشمالي)

ترضاها، وتولّيناك حيث وجّهت وجهك شطر المسجد الحرام، ونوّعت لك أرواح الحجاز وأنت في مصر وريفها العامّ؛ والله تعالى يديم منك سيفا يروع مهزّه، ويؤيّد بك الدّين فإنه بك يقوم جاهه ويدوم عزّه؛ والاعتماد على الخط الشريف أعلاه، إن شاء الله تعالى. الوجه الثاني (من وجهي الديار المصرية البحريّ، وهو الشّماليّ) وكانوا في الزمن القديم يخصّونه باسم الرّيف، مثل اختصاص الوجه القبليّ بالصعيد. وأرباب الولايات فيه على ضربين «1» : الضرب الأوّل (أرباب السيوف) وتختصّ الكتابة منهم الآن عن الأبواب السّلطانية بنائب السلطنة بالوجه البحريّ، ومقرّه مدينة دمنهور من البحيرة. وكان في الزمن المتقدّم يكتفى في البحيرة بواليها، وكذلك في كلّ من سائر الأعمال بالوجه البحريّ، وفوق الكلّ ولاية عامّة، يعبّر عن صاحبها بوالي الولاة، وربما [زيد] «2» بالوجه البحريّ، وربّما عبّر عنه بالكاشف. ثم استقرّت نيابة في رتبة تقدمة العسكر بغزّة في أيام الظاهر برقوق، على ما تقدّم ذكره في المسالك والممالك في المقالة الثانية. وهذه نسخة تقليد تصلح لنائب الوجه البحريّ، مما كان كتب به المقرّ الشهابيّ بن فضل الله لوالي الولاة بها، وهي: الحمد لله الذي أقام بنا كاشفا لكلّ شكوى، كاسفا بال كلّ عدوى، عارفا

بنهاية كلّ دعوى، عاطفا بعدلنا إلى إزاحة كل لأوى «1» ، وإزالة كلّ بلوى. نحمده وهو أهل الحمد والتّقوى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نأمن بها الدانية والقصوى، ونؤمن بها على السّرّ والنّجوى، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف من مهّد له جنّة المأوى، وأشرف به على شرف المثوى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين فطم بشريعته نفوسهم عمّا تهوى، وفطر فطنهم عليها حتّى لا تضلّ ولا تغوى، صلاة ترتوي بفائضها السّحب ما تروى، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد فإن من سجايا أيّامنا أن نكشف كلّ كرب، ونحسن إلى رعايا بلادنا إحسانا ينوّع في كلّ ضرب، ونديم الأمن حتّى لا ندع سوى النّيل قاطع طريق أو خارجا على درب، ونجرّد من المهابة سيفا يخشى من قربه، وطيفا يبيت به طير الكرا متململا على جنبه، وخوفا لبابه من الخصائص المحمّدية أنه يتقدّم إلى قلوب الأعداء مسيرة شهر [جيش] «2» رعبه؛ وكانت الديار المصرية المحروسة هي التي لا يحمد سواها ذو وجهين، ولا يوجد لها في جانبيها مماثل في شيئين؛ والوجه البحريّ أوسعهما عرضا، وأقربهما من الرّيّ أرضا، وأصدقهما للبارق المحمرّ ومضا، وأجمعهما للذّهب مذاهب وللفضّة إفضا، وأثبتهما وطأة لمجرى النيل إذا أقبل في تيّاره يتدافع واشتدّت خيله ركضا؛ وهو الوجه المتهلّل بشرا، المتضوّع بطيب رياحه نشرا، المتزيّن بمدائنه أكثر مما زيّنه في مقاصيره قيصر وفي مدائنه كسرى، المتثنّي بعروس كلّ قرية زفّ بها النّيل في مسرى، وبه الثغور التي لا تشام لها بروق، والمحارس التي ما لعادية إليها طروق، وله من البحرين حاجزان، ومن الجانبين برّ مقفر وريف مقمر متبارزان، وفيه من الشّعوب والقبائل في الحضر والبادية من لا يؤمن منه باتره، ولا يخمد بغير ما يراق من دم مفسديهم ثائره. وكان لا يقوم بها «3» كلّ القيام، ويجمع فرائدها

المشذّرة في أكمل نظام، إلا من تقلّبت الأمور بقلبه كلّ التقليب، وجرّدت النّوب عزمه في النوائب فجرّدت سيفا يحمد في التجريب، ولم يزل منذ بلغ الحلم أميرا مطاعا، ومندوبا لا يفرق في المهمّات إذا طارت نفوس الأنظار شعاعا، وأوقدت الأسنّة سواعا، وهماما لو أومض البرق ساعة بؤسه لارتعدت فرائصه زمعا «1» لا إزماعا، أو قابله الرّيح المعتدل عند أحكامه لأطبقت الأمم على أنه لا يماثله في العدل قطعا وأجمعت على تفرّده إجماعا. وكان فلان هو العليّ همما، الجزل مداومة الجزيل ديما، المليّ بما لا يقدر على مثل دفعه البحر متدفّقا وهمي الغمام منسجما؛ وقد حمدنا له في كلّ ما باشره أثرا، وأخمدنا بجميل ملاحظته كلّ برّ ضرا، فباشر الوجه القبليّ فملأ عين الناظر المتوسّم، وعمّ سروره حتّى غامزه جاره الوجه البحريّ ببنانه المخضّب وضاحكه بثغره المتبسّم، فلما تنقّل فيهما استقرار (؟) الوجهين وما والاهما، وعرف في وجهه نضرة النعيم بما أولاهما، وأخصب جانباهما، وجدّ بهذا كلّه ثم جدّ بهذا فطاب الواديان كلاهما، فاقتضى حسن الرأي الشريف أن لا يخلو الوجهان معا من نظره الجليّ الجميل، وأن يجلو عليه محاسنهما الكاملة ليفارق على وجه جميل ويواصل على وجه جميل. فخرج الأمر الشريف- لا زال يختار عليّا، ويختال كلّ غمام يرتضي له وليّا- أن يكون والي الولاة بالوجه البحريّ جميعه، متفرّدا بأفراده ومجموعه، ومحكّما في قبائله وجموعه، وبعيده وقريبه، وبديعه وغريبه؛ وكلّ ما هو داخل فيه، عائد إلى أعماله وراجع إلى متوليه، على عادة من تقدّم وقاعدته فيما يليه، وهي ما يذكر من الأعمال: الغربيّة، الشّرقية، البحيرة، المنوفيّة، إبيار، أشمون، قليوب. ولا أمر ولا نهي إلّا إليه راجع، وله في متجدّدات الأمور مراجع، ولا أرباب تصريف إلا وله عليهم تصرّف، ولا صاحب جدّ ولا حدّ إلّا

فيه يمضي ويتوقّف؛ وتقوى الله تعالى أول ما نوصيه بسببها، ونوصّله إلى رتبها، وإقامة الشرع الشريف وإدامة مبارّه وإعلاء مناره، ومعاضدة حكمه وحكّامه وأعوانه وأنصاره، والوقوف معه في إيراده وإصداره، وإعلانه وإسراره، والعمل به فإنه ما يضلّ من مشى في ضوء نهاره، وعمارة البلاد، بإدامة العدل وتكميل الرّيّ وتوطين السّكان وقمع الفساد، واعتماد حكم التذاكر الشريفة لأمر الجراريف «1» التي تعمل، والتّرع التي تراعى والجسور التي لا يقدم جسور على أنها تهمل؛ فهما قانون الرّيّ الكامل، والضامن لخصب البرّ السابل؛ وإذا أجرى الله النيل على عاداته الجميلة لا يدع للمحل عينا حتّى يواري بالرّيّ سوءته، ويخفّف بتيسر وصول حقّ كل مكان إليه وطأته، ولا يدع عاليا إلا مستفلا، ولا معطّلا إلا معتملا، ولا طوق بحر إلا تمتدّ يد النيل إلى زرّجيوبه، ولا طائف رمل إلا يطوف طائف شرب «2» على جرعائه وكثيبه، حتّى يعمّ الجميع، ويعمر ربوعها بما ينسجه لها من ملابس حلل الربيع. وعليه بالإنصاف بين المساكين، والإنصات إلى الباكين منهم والمتباكين، ووصل أمورهم على الحق الذي نشر الله في أيّامنا الزاهرة علمه، ومقتضى الشرع الشريف فإنه ما خاب من أدام عليه حكمه وأدار إليه عمله. وأما أهل الفساد والاشتباه، ومن يحتمي بصاحب شوكة أو يتمسّك بربّ جاه، أو ينزل بلد أمير كبير مستظلّا بذراه، أو ملتجئا من خوف أو مستطعما من قرى قراه، فجميع هؤلاء تتبّع فرقهم ورفاقهم، وطهّر الأرض منهم وامسح بالسّيوف أعناقهم؛ [وأثخن] «3» في قتلاهم، وأثقل بالقيود أسراهم، وشدّد وثاقهم وكذلك من حماهم ووالاهم، أو استحسن أو منّ عليهم أو مانع عنهم، أو قال ما هو منهم وهو منهم، وكلّ أجرهم في الحكم مجراهم، وأطل تحت أطباق الثّرى ثواهم، ونبّه منهم أناسا على رؤوس الجذوع وأنم آخرين

الجهة الثالثة (درب الحجاز الشريف)

نومة لا ينتبهون بها من كراهم، حتّى يتأدّب بهم كلّ من أغرض، ويتداوى بمداواته كلّ من في قلبه مرض. وما أشكل عليك فاسترشد فيه بمطالعة أبوابنا الشريفة: لتجد هدى واضحا، وحقّا لائحا؛ والله تعالى يجعلك من الممهدين لأرضه، القائمين في أنواع الجهاد بفرضه؛ والاعتماد على الخط الشريف أعلاه. الجهة الثالثة (درب الحجاز الشريف) وقد تقدّم أنه كان في الزمن المتقدّم يكتب عن السلطان تقليد لأمير الرّكب «1» في الدولة الفاطمية وما تلاها. أما الآن فقد ترك ذلك ورفض كما رفض غيره من الكتابة لأرباب السّيوف بالحضرة السلطانية، ولم يبق الآن من يكتب له من ديوان الإنشاء شيء سوى قاضي الرّكب. وقد جرت العادة أن يكتب له توقيع في قطع العادة مفتتحا ب «رسم» . وهذه نسخة توقيع من ذلك، كتب به للشيخ «تقيّ الدين السبكيّ» «2» رحمه الله في مبدإ أمره، وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال يعين على البرّ والتّقوى، ويرتاد لوفد الله من يتمسّك في نشر الأحكام الشرعية بينهم بالسبيل الأقوم والسبب الأقوى- أن يستقرّ فلان في كذا: لما اختصّ به من غزارة علومه، وإفاضة فضائله المتنوعة إلى قوّته في الحق وتصميمه؛ فإنّ مثله من يختار لهذه الوظيفة الجارية بين وفد الله الذين هم أحقّ ببراءة الذّمم، وأولى بمعرفة حكم الله تعالى فيما يجب على المتلبّس بالإحرام والداخل إلى الحرم، وأحوج إلى الاطلاع على جزاء الصيد

فيما جزاء المتعرّض إليه مثل ما قتل من النّعم، إلى غير ذلك من ثبوت الأهلّة التي تترتّب أحكام الحجّ عليها، والحكم في محظورات الإحرام وما يجب على المتعرّض إليها؛ فليباشر هذه الوظيفة في الوقت المشار إليه على عادة من تقدّمه فيها، مجتهدا في قواعدها التي هو أولى من نهض بها وأحقّ من يوفّيها. قلت: أمّا شهود السبيل المعبّر عنهم بشهود المحمل، فإنما تكتب لهم مربّعات شريفة من ديوان الوزارة. تم الجزء الحادي عشر. يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الثاني عشر وأوّله القسم الثاني (مما يكتب من الولايات عن الأبواب السلطانية- أرباب الوظائف بالممالك الشامية) والحمد لله ربّ العالمين. وصلاته على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه والتابعين، وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل

مراجع الهوامش للجزء الحادي عشر من صبح الأعشى

مراجع الهوامش للجزء الحادي عشر من صبح الأعشى 1 1- إصطلاحات الصوفية تأليف كمال الدين عبد الرزاق القاشاني تحقيق محمد كمال إبراهيم جعفر الهيئة المصرية للكتاب. 2- الأعلام تأليف خير الدين الزركلي دار العلم للملايين- بيروت. 3- الألقاب الإسلامية في التاريخ والوثائق والآثار تأليف حسن الباشا مكتبة النهضة المصرية. 4- أمل الآمل تأليف الحرّ العاملي تحقيق السيد أحمد الحسيني مكتبة الأندلس- بغداد. 5- الانتصار لواسطة عقد الأمصار تأليف ابن دقماق دار الآفاق الجديدة- بيروت. 6- بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب تأليف محمود شكري الآلوسي دار الكتب العلمية- بيروت. 7- تاريخ اسبانيا الإسلامية 2 تأليف لسان الدين ابن الخطيب تحقيق ليفي بروفنسال دار المكشوف- بيروت. 8- تاريخ الإسلام تأليف حسن إبراهيم حسن مكتبة النهضة المصرية- القاهرة. 9- تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل تأليف أحمد السعيد سليمان دار المعارف- مصر. 10- تشريف الأيام والعصور في سيرة الملك المنصور تأليف القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر تحقيق مراد كامل ومحمد علي النجار وزارة الثقافة والإرشاد القومي بالجمهورية العربية المتحدة. 11- التعريفات تأليف علي بن محمد الجرجاني دار الكتب العلمية- بيروت. 12- التعريف بمصطلحات صبح الأعشى تأليف محمد قنديل البقلي الهيئة المصرية للكتاب. 13- تفسير الطبري

(جامع البيان عن تأويل آي القرآن) تحقيق محمود وأحمد شاكر دار المعارف- مصر. 14- جمهرة الأمثال تأليف أبي هلال العسكري تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش المؤسسة العربية الحديثة 15- الحلة السيراء تأليف ابن الأبّار تحقيق حسين مؤنس الشركة العربية للطباعة والنشر. 16- الخطط التوفيقية الجديدة لمصر القاهرة تأليف علي مبارك الهيئة المصرية للكتاب 17- الخطط المقريزية تأليف المقريزي دار صادر- بيروت. 18- دائرة المعارف الإسلامية تأليف مجموعة من المستشرقين الطبعة العربية- دار الشعب- القاهرة 19- الروض المعطار في خبر الأقطار تأليف محمد بن عبد المنعم الحميري تحقيق إحسان عباس مكتبة لبنان- بيروت. 20- سقط الزند (شروح) لأبي العلاء المعري الدار القومية للطباعة والنشر- القاهرة 21- الشعر والشعراء أو طبقات الشعراء تأليف ابن قتيبة الدينوري تحقيق مفيد قميحة دار الكتب العلمية. 22- صبح الأعشى في صناعة الإنشا 2 تأليف أبي العباس القلقشندي الطبعة الأميرية. 23- صفة جزيرة الأندلس- للحميري تحقيق بروفنسال لجنة التأليف والترجمة والنشر- القاهرة 24- طبقات الشافعية تأليف هداية الله الحسيني تحقيق عادل نويهض دار الآفاق الجديدة- بيروت 25- طبقات القراء (غاية النهاية في طبقات القراء) . تأليف ابن الجزري- القاهرة. 26- الفهرست تأليف ابن النديم دار المعرفة- بيروت. 27- فوات الوفيات تأليف محمد شاكر الكتبي تحقيق إحسان عباس دار صادر- بيروت. 28- في التراث العربي تأليف مصطفى جواد تحقيق محمد جميل شلش وعبد الحميد العلوجي وزارة الأعلام- العراق. 29- القاموس المحيط تأليف الفيروز أبادي المؤسسة العربية للطباعة والنشر- بيروت. 30- قضايا لغوية في ضوء القراءات القرآنية صبحي الصالح الجامعة اللبنانية- كلية الآداب. 31- القلقشندي وكتابه صبح الأعشى تأليف مجموعة من الباحثين

1 الهيئة المصرية للكتاب. 32- قوانين الدواوين تأليف ابن مماتي تحقيق عزيز سوريال عطية مطبعة مصر. 33- القرآن الكريم 34- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون تأليف حاجي خليفة دار الفكر- بيروت. 35- الكليات تأليف أبي البقاء الكفوي تحقيق عدنان درويش ومحمد المصري وزارة الثقافة- دمشق. 36- لسان العرب تأليف ابن منظور دار صادر- بيروت. 37- المستقصى في أمثال العرب تأليف جار الله الزمخشري دار الكتب العلمية- بيروت 38- معجم البلدان تأليف ياقوت الحموي دار إحياء التراث العربي. 39- معجم الألفاظ والأعلام القرآنية محمد إسماعيل إبراهيم دار الفكر العربي. 40- معجم عبد النور تأليف جبّور عبد النور دار العلم للملايين. 41- المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية- القاهرة. 42- مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (قبائل العرب في القرنين السابع والثامن 2 الهجريين) تأليف ابن فضل الله العمري تحقيق دوروتيا كرافولسكي المركز الإسلامي للبحوث. 43- مجمع الأمثال- للميداني تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد مطبعة السنة المحمدية 44- منطلق تاريخ لبنان تأليف كمال سليمان الصليبي منشورات كارافان- نيويورك. 45- الموسوعة العربية الميسرة بإشراف محمد شفيق غربال دار الشعب- القاهرة. 46- نزهة النفوس والأبدان في تواريخ الزمان تأليف الخطيب الصيرفي تحقيق حسن حبشي مطبعة دار الكتب- القاهرة 47- نظم دولة سلاطين المماليك عبد المنعم ماجد مكتبة الانجلو المصرية. 48- نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب تأليف أبي العباس القلقشندي دار الكتب العلمية- بيروت 49- الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة تأليف محمد حميد الله دار النفائس- بيروت. 50- وفيات الأعيان تأليف ابن خلكان تحقيق إحسان عباس دار الثقافة- بيروت.

الفصل الثاني- من الباب الرابع من المقالة الخامسة فيما يكتب من الولايات عن الملوك، وفيه ثلاثة أطراف 3 الطرف الأوّل- في مصطلح كتاب الشرق 3 الطرف الثاني- في مصطلح كتاب الغرب والأندلس فيما يكتب من الولايات عن الملوك، وفيه ثلاثة أضرب 3 الضرب الأوّل- ما يكتب لأرباب الوظائف من أصحاب السيوف 4 الضرب الثاني- ما يكتب لأرباب الوظائف الدينية من أصحاب الأقلام 19 الضرب الثالث- ما يكتب لأرباب الوظائف الديوانية 24 الطرف الثالث- في مصطلح كتاب الديار المصرية فيما قبل الخلفاء الفاطميين وفيما بعدهم......، وفيه أربع حالات 26 الحالة الأولى- ما كان عليه أمر نوّاب الخلفاء بهذه المملكة إلى ابتداء الدولة الطولونية 26 الحالة الثانية- ما كان عليه أمر الدولة الطولونية من حين قيام دولتهم إلى انقراض الدولة الأخشيدية 27 الحالة الثالثة- ما كان عليه الأمر في زمن بني أيوب 30 الحالة الرابعة- مما يكتب عن ملوك الديار المصرية من الولايات ما عليه مصطلح كتاب الزمان بديوان الإنشاء بالديار المصرية مما يكتب عن السلطان لأرباب السيوف والأقلام وغيرهم: من التقاليد والمراسيم،

والتفاويض، والتواقيع، وفيه ثلاثة مقاصد 71 المقصد الأوّل- في مقدّمات هذه الولايات، وفيه مهيعان 71 المهيع الأوّل- في بيان رجوع هذه الولايات إلى الطريق الشرعي 71 المهيع الثاني- فيما يجب على الكاتب مراعاته في كتابة هذه الولايات 73 المقصد الثاني- في بيان مقاصد ما يكتب في الولايات، وفيه جملتان 101 الجملة الأولى- في بيان الرسوم في ذلك [ولم يذكر في الأصل غيرها] ، وهي على أربعة أنواع 101 النوع الأوّل- التقاليد 101 النوع الثاني- المراسيم، وفيه ضربان 107 الضرب الأوّل- المراسيم المكبّرة 107 الضرب الثاني- المراسيم المصغرة 110 النوع الثالث- التفاويض 112 النوع الرابع- التواقيع، وهي على أربع طبقات 113 المقصد الثالث- في بيان كيفية وضع ما يكتب في هذه الولايات في الورق 126 المهيع الثاني- في ذكر نسخ مما يكتب في متن الولايات من التقاليد والمراسيم المكبرة والتفاويض والتواقيع، وهي على ثلاثة أقسام 132 القسم الأوّل- ولايات وظائف الديار المصرية، وهي على نوعين 133 النوع الأوّل- الولايات بالحضرة، وهي على ستة أضرب 133 الضرب الأوّل- ولايات أرباب السيوف، وهي على طبقتين 133 الطبقة الأولى- ذوات التقاليد، وهي ثلاث وظائف 133 الوظيفة الأولى- الكفالة، وهي نيابة السلطنة بالحضرة 133 الوظيفة الثانية- الوزارة لصاحب سيف 147 الوظيفة الثالثة- الإشارة، وهي وظيفة قد حدثت كتابتها ولم يعهد بها كتابة في الزمن القديم 151 الطبقة الثانية- ممن يكتب له من أرباب السيوف ذوات التواقيع، وفيها وظائف 155 الوظيفة الأولى- نظر البيمارستان لصاحب سيف 155

الوظيفة الثانية- نظر الجامع الطولوني 157 الوظيفة الثالثة- نقابة الأشراف 161 الضرب الثاني- ممن يكتب له بالولايات بالديار المصرية أرباب الوظائف الدينية، وهو على طبقتين 173 الطبقة الأولى- أصحاب التقاليد ممن يكتب له بالجناب العالي 173 الطبقة الثانية- من أرباب الوظائف الدينية أصحاب التواقيع، وتشتمل على مراتب 202 المرتبة الأولى- ما كان يكتب في النصف 202 المرتبة الثانية- ما يكتب في قطع الثلث، وتشتمل على وظائف 202 المرتبة الثالثة- من الوظائف الدينية ما يكتب في قطع العادة الصغير مفتتحا برسم بالأمر الشريف 263 الضرب الثالث- من الولايات بالحضرة السلطانية بالديار المصرية الوظائف الديوانية، وهي على طبقتين 265 الطبقة الأولى- أرباب التقاليد ممن يكتب له الجناب العالي، وفيها وظيفتان 265 الطبقة الثانية- من أرباب الوظائف الديوانية بالحضرة السلطانية أصحاب التواقيع، وهم على ثلاث درجات 310 الدرجة الأولى- ما يكتب في قطع النصف، وتشتمل على ثلاث وظائف 310 الدرجة الثانية- ما يكتب في قطع الثلث، وتشتمل على وظائف 327 الدرجة الثالثة- ما يكتب في قطع العادة، وفيها وظائف 346 الضرب الرابع- من الوظائف التي يكتب فيها بالديار المصرية مشيخة الخوانق، وكلها يكتب بها تواقيع 364 الضرب الخامس- من أرباب الوظائف بالديار المصرية بالحضرة أرباب الوظائف العادية، وكلها تواقيع 371 الضرب السادس- من أرباب الوظائف بالديار المصرية زعماء أهل الذمة 378 النوع الثاني- ما هو خارج عن حاضرتي مصر والقاهرة من وظائف الديار المصرية مما يكتب لأربابها، وهي ثلاث جهات 399 الجهة الأولى- ثغر الإسكندرية، والوظائف فيها على ثلاثة أصناف 399

الصنف الأول- وظائف أرباب السيوف 399 الصنف الثاني- الوظائف الدينية 402 الصنف الثالث- الوظائف الديوانية، وهي على طبقتين 413 الطبقة الأولى- من يكتب له في قطع الثلث بالمجلس الساميّ بالياء 413 الطبقة الثانية- من يكتب له في قطع الثلث بالمجلس السامي بغير ياء أو مجلس القاضي 417 الجهة الثانية- مما هو خارج عن حاضرتي مصر والقاهرة بالديار المصرية بلاد الريف، وهي وجهان 419 الوجه الأوّل- الوجه القبلي، وهو المعبر عنه بالصعيد 420 الوجه الثاني- من وجهي الديار المصرية البحري، وهو الشمالي 431 الجهة الثالثة- درب الحجاز الشريف 435 (تم فهرس الجزء الحادي عشر من كتاب صبح الأعشى)

الجزء الثاني عشر

[الجزء الثاني عشر] [تتمة الباب الثاني] [تتمة الفصل الثاني] [تتمة الطرف الثالث] [تتمة الحالة] [تتمة المقصد الثالث] [تتمة المهيع الثاني] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمد وآله وصحبه القسم الثاني (مما يكتب من الولايات عن الأبواب السلطانية-[ما يكتب لأ] «1» رباب الوظائف بالممالك الشامية) واعلم أنّ نوّاب السلطنة في التولية على ضربين: الضرب الأوّل (من لا تصدر عنه منهم تولية في عمل نيابته) وهم نوّاب الديار المصرية: من النائب الكافل، ونائب الإسكندرية، ونائب الوجه البحريّ، ونائب الوجه القبليّ، فليس لأحد منهم تصرّف في ولاية ولا عزل لنائب، ولا كاشف، ولا والي حرب. إنما النائب الكافل يكتب في بعض الأمور على القصص، والسلطان هو الّذي يباشر الكتابة على الولايات بنفسه، والنائب الكافل يكتب بالاعتماد على ما يكتب عليه السلطان، كما تقدّمت الإشارة إليه في موضعه. الضرب الثاني (من تصدر عنه التولية والعزل في عمل نيابته) وهم نوّاب السلطنة «2» بالممالك الشامية السبع «3» المقدّم ذكرها: من

النّيابات الصّغار، والوظائف الدّيوانية، والوظائف الدّينيّة، ووظائف مشايخ التصوّف، والوظائف العاديّة: كرياسة الطّبّ ونحوها، ووظائف زعماء أهل الذّمّة: من رياسة اليهود، وبطركيّة النصارى، وغير ذلك. فأمّا النّيابات الصّغار الّتي في أعمال النّيابات العظام: فما كانت نيابته إمرة عشرة فأكثر يولّي فيه النوّاب، وربما ولّى فيه السلطان. وما كانت نيابته إمرة طبلخاناه «1» فأكثر: يولّي فيه السلطان، وربّما ولّى فيه النوّاب. وما كانت نيابته تقدمة ألف، فولايته مختصّة بالسلطان دون النوّاب. وأما الوظائف الديوانيّة، فما كان منها صغيرا ككتابة الدّرج وما في معناها، فأكثر ما يوليها النّوّاب. وما كان منها جليلا: ككتابة السّرّ وما في معناها، ونظر الجيش، ونظر المال، فتوليته مختصّة بالسلطان. وما كان منها متوسّطا بين الطّرفين: ككتابة الدّست ونحوها: ففي دمشق تارة يولّي فيها السلطان، وتارة يولّي فيها النائب. وفيما دونها من النيابات غالب من يولّي فيها النّوّاب، وقد يولّي فيها السلطان. وأما الوظائف الدينيّة، فما كان منها صغيرا: كالتداريس الصّغار، والخطابات بالجوامع الصّغار، وأنظار المدارس والجوامع الصّغار، ونحو ذلك، فإنه يولّي فيها النوّاب ولا يولّي فيها السلطان إلا نادرا. وما كان منها جليلا: كقضاء القضاة، فإنّ توليته مختصة بالسلطان. وما كان منها متوسّطا بين الرتبتين: كقضاء العسكر، وإفتاء دار العدل، والحسبة، ووكالة بيت المال، ومشيخة

النيابة الأولى (نيابة دمشق ويعبر عنها بكفالة السلطنة بالشام)

الشيوخ، ونحو ذلك: فتارة يولّي فيها السلطان، وتارة يولّي فيها النّوّاب. إلا أنّ تولية السلطان فيها في النيابات الكبار كالشام أكثر، وتولية النوّاب فيها فيما دون ذلك أكثر. وأما مشيخة الخوانق فقد يولّي فيها السلطان، وقد يولّي فيها النوّاب: إلا أن تولية السلطان في مشيخة الشيوخ بالشام أكثر، وتولية النوّاب في غير مشيخة الشيوخ بدمشق وفي غيرها من وظائف الصّوفية في غير دمشق أكثر. وأما الوظائف العاديّة كرياسة الطب ونحوها، ففي جميع النيابات توليتها من النوّاب أكثر، وربّما ولّى فيها السلطان. وأما وظائف زعماء أهل الذمّة: كرياسة اليهود، وبطركيّة النصارى، فيستبدّ بها النوّاب دون السلطان: لزيادة حقارتها في الوظيفة والبعد عن حضرة السلطان. وقد تقدّم في الكلام على ترتيب الممالك بالبلاد الشامية أنه كان بها سبع «1» ممالك عظام استقرّت سبع نيابات: النيابة الأولى (نيابة دمشق ويعبر عنها بكفالة السلطنة بالشام) ووظائفها على نوعين:

النوع الأول (ما هو بحاضرة دمشق، ويشتمل ما يكتب به من وظائفها عن الأبواب السلطانية على أربعة أصناف)

النوع الأوّل (ما هو بحاضرة دمشق، ويشتمل ما يكتب به من وظائفها عن الأبواب السلطانية على أربعة أصناف) الصنف الأوّل (أرباب السيوف، وهم على طبقات) الطبقة الأولى (من يكتب له تقليد في قطع الثلثين ب «المقرّ العالي» مع الدعاء ب «عزّ الأنصار» : وهو نائب السلطنة بها) وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام، كتب به عن السلطان الملك العادل «كتبغا» «1» للأمير «سيف الدّين غرلو العادلي» من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ «2» ، وهو: الحمد لله الّذي جعل لسيف دولتنا على عاتق الملك الأعزّ نجادا، وادّخر لكفالة مملكتنا من الأولياء من تناسب وصفاه اجتهادا في مصالح الإسلام وجهادا، وعدق أمور رعايانا بمن أيقظ لها سيفه وجفنه فامتلأت عيونهم بما وهب وسلب من نومه ونوم العدا رقادا، ورفع ألوية إحساننا على من زاد برفعها ظلّ عدله انبساطا على الرعية وامتدادا، ووطّد قواعد ممالكنا بمن أجلنا الفكر في حسن اختياره انتقاء لمصالح الإسلام وانتقادا، وأدّى لشكر نعم الله الّتي لا يؤدّى شكر بعضها ولو أنّ ما في الأرض من شجرة أقلام أو كان البحر مدادا. نحمده على نعمه الّتي جعلت عزائمنا على الأبد منصورة، ومقاصدنا على

مصالح المسلمين مقصورة، وآراءنا تفوّض [زعامة] «1» الجيوش إلى من تصبح فرق الأعداء بفرقه مغزوّة وممالكهم بمهابته محصورة. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا نزال ننشر دعوتها في الآفاق، ونرهف لإقامتها في ممالكنا سيفا يصل [إلّا] ما أمر الله بقطعه ويقطع إلّا الأرزاق، ونرهب من ألحد فيها بكل وليّ لرعبه في القلوب ركض ولرايته في الجوانح خفق ولأسنّته في الصّدور إشراق، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أشرف من فوّض حكما في أيّامه إلى من اعتمد عليه، وأرأف من استخلف على من بعد عنه من أمّته من يعلم أنّ صلاحهم في يديه، وألطف من عدق شيئا من أمور أهل ملّته بمن أعانه الله وسدّده في دفع عدوّهم وصلاح ما يرفع من أحوالهم إليه؛ صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ولّوا على الأمّة فعدلوا، وأمروا بما جبله الله عليه من الرأفة والنّعمة والرحمة فامتثلوا، وعلموا أنّ الحق فيما نهج لهم من طرق طريقته المثلى فما مالوا عن ذلك ولا عدلوا، صلاة لا تغرب شمسها،، ولا يعزب أنسها، ولا تعتبر أوقات إقامتها إلا ويقصّر عن يومها في الكثرة أمسها، وسلم تسليما كثيرا. وبعد، فإن أولى ما أعملنا إليه ركائب الآراء المؤيّدة، وصرّفنا إليه أزمّة نجائب الأفكار المسدّدة، وأجلنا فيه طرف النظر الّذي لا يشقّ في بلوغ الغاية غباره ولا يدرك، وأحلنا الأمر فيه على التأييد الّذي هو عمدتنا فيما يؤخذ من ثواقب الآراء وما يترك، وقدّمنا فيه مهمّ الاستخارة الّذي يتلوه التوفيق، وعلمنا أنّ ألذّ أسباب الاهتداء إليه سلوك طريق النّصح لله ولرسوله وللإسلام فسلكنا إليه من ذلك الطريق؛ وقصرنا النيّة فيه على مصالح الأمة الّتي هي فرض العين «2» بل عين الفرض، وأطلنا الارتياد فيه لتعيّن من نرجو له ممّن عناهم الله بقوله:

الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ «1» ، وندبنا له سيفا لم يزل في صدور الأعداء صدره وفي يد جبّار السموات قائمه، وأردنا لتقدمة الجيوش فيه زعيما طالما ملّ ضوء الصبح مما يغيّره ومل سواد الليل مما يزاحمه، وقدّمنا له من نشأ في حجر ولائنا، وغذّي بلبان برّنا وآلائنا، وشهد الوقائع بين يدينا، وخبرنا من سيرته النّهوض في الرعايا بما كتب الله لهم من الرأفة والرحمة علينا- أمر نيابة سلطنتنا الشريفة بالممالك الشاميّة الّتي نابت فيها مهابتنا، عن الإقامة فيها، وجعلتها عنايتنا، من أشرف ممالكنا التي نخصّها على البعد بدوام الملاحظة ونصفيها؛ وهي واسطة عقد ممالكنا، ومحطّ رحال طرقنا إلى جهاد الأعداء ومسالكنا، وهالة أهلّة سرّى القصد إلى لحظها في أديم الأرض مواقع سنابكنا، ومواطن القربات الّتي نصّت الآثار الصحيحة عليها، ومظانّ العبادات الّتي طالما نصّت ركائب العباد العبّاد إليها، ومقام الأبدال «2» الذين هم أهل دار المقامة، ومستقرّ طائفة الدّين الذين لا يزالون ظاهرين على أعدائهم لا يضرّهم من خذلهم إلى يوم القيامة، وفلك الثغور الّذي تشرق منه كواكب سعودها، وتتصرّف من نوئه إلى من جاورها من العدا خاطفات بروقها وقاصفات رعودها؛ فكم ذي جنود أمّها فهلك وما ملك، وسلك إليها بجيوشه فزلّت وتزلزلت قدمه حيث سلك؛ ولجيشها البأس الّذي وجود الأعداء به عدم، والحدّ الّذي يعرفه أهل السّياق و [إن] «3» أنكرته أعناقهم «فما بالعهد من قدم» . وأن نفوّض [أمرها] «4» إلى من ينشر بها على الأمة لواء عدلنا، ويبسط فيها

بالرأفة والرحمة رداء فضلنا، ويحيي بها سنن الإحسان الّتي مبدأ أيامها غاية من سلف من قبلنا، ويقيم منار الملك من بأسه على أرفع عماد، وينيم الرعايا من عدله في أوطإ مهاد، ويكفّ أكفّ الظّلم [حتى لا يتجاسر] «1» إلى إعادة يده إليها عاد ومن عاد، ويجرّد إلى العدا من خياله وخيله سرايا تطرد عن موارد جفونهم بقوائمها الرّقاد، وتستعيد عواري أرواحهم من مستودعات أجسادهم فهي بحكم العاريّة «2» غير مستقرّة في الأجساد، ويصون الرّتب عن تطرّق من يفسد أحوالها لعدم أهليته: فإنّه ما سلك أحد في أيامنا طرق الفساد فساد، ويعلم به أنّا جرّدنا على العدا سيفا يسبق إليهم العذل «3» ، ويزاحم على قبض نفوسهم الأجل، وتتحلّى بتقليده الدّول، ويتحقّق بفتكه أنّه لا حاكم بيننا وبينهم إلّا السّيف الّذي إن جار فيهم فقد عدل. ولذلك لما كان المجلس العالي الفلانيّ: هو الّذي اخترناه لذلك على علم، وقلّدناه أمور الممالك: لما فيه من حدّة بأس وآية حلم، وعجمنا عوده «4» فكان ليّنا على الأولياء فظّا على العدا، وبلونا أوصافه فعلمنا منه السّداد الّذي لا يضع به النّدى في موضع السّيف ولا السّيف في موضع النّدى، وعرضنا سداده على حسن اعتبارنا للأكفاء فكان سميرنا وحمل فزيّن معروضا وراع مسدّدا، وهززناه فكان سيفا ينصل «5» حدّه الخطب إذ أعضل، وأعطيناه أمر الجيوش فلم يختلف أحد في أنّه أفضل من الأفضل. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يصطفي من الأولياء كلّ كفء كريم- أن تفوّض إليه نيابة السّلطنة الشريفة بالممالك الشامية: تفويضا يعلي قدره، ويبسط في مصالح الملك والممالك أمره، ويطلق في مصالح الدولة القاهرة

سيفه وكلمه، ويدرّ على الأولياء إحساننا الّذي إذا جارى الغيث أخجل دوامه ديمه، ويرفع بالعدل منار دوام ملكنا الّذي قرنه الله للأمّة بجودنا، ويضيف باسترفاع الأدعية الصالحة لدولتنا من كل لسان جنود اللّيل «1» إلى جنودنا، وينظر في أمور الممالك الشامية نظرا عامّا، ويعمل في سداد ثغورها وسداد أمورها رأيا ثاقبا وفكرا تامّا، ويأمر النّوّاب من سدّ خللها بما كفايته أدرى به منهم، وينبّههم من مصالحها على ما ظهر لفكره المصيب وخفي عنهم، ويلاحظ أموال ما بعد من البلاد كملاحظته أموال ما دنا، وينظر في تفاصيل أمورها: فإنّها وإن كانت على السّداد فليس بها عن حسن نظره غنى، ويسلك بالرعايا سنن إنصافه الّتي وكلته معرفتنا به إليها، ويجريهم على عوائد الإحسان الّتي كانت من خلقه سجيّة وزدناه تحريضا عليها. وهو يعلم أن الله تعالى قد أقامنا من الجهاد في أعدائه بسنّته وفرضه، ومكّن لنا في الأرض: لإقامة دعوته وإعلاء كلمته وتطهير أرضه، وعضّدنا بتأييده لنصرة الإسلام، وأمدّنا من عدد نصره بكلّ سيف تروّع الأعداء به اليقظة وتسلّه عليهم الأحلام، وبثّ سرايا جيوشنا برّا وبحرا: فهي إمّا سوار في البرّ تمرّ مرّ السّحاب أو جوار منشآت في البحر كالأعلام، ويتعاهد أحوال الجيوش الشاميّة كلّ يوم بنفسه، ويعدهم في غده بإعادة ما اعتبره من عرضهم في أمسه، ويرتّب أمر كلّ إقليم وحاله، ويتفقّد من يباشر بالتقدمة تقدّمه إلى الأطراف وارتحاله، ويأمرهم كل يوم بالتأهّب للعرض الّذي يباشره غدا بين يدينا، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام، كتب به للأمير «جمال الدين أقوش الأشرفيّ» «2» في جمادى الأولى، سنة إحدى عشرة وسبعمائة، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ رحمه الله تعالى، وهي:

الحمد لله الّذي جعل الدّين في أيامنا الزّاهرة زاهيا بجماله، ساميا بتقديم من إذا أرهف في الذّبّ عنه بسيف عزمه غدت الجنّة تحت ظلاله، حاليا بتفويض زعامة جيوشه إلى من لو فاخر به البدور تعجّبت من نقصانها وكماله، عاليا بإيالة من تتولّد معاني النصر والظفر بين الكاملين: من رويّة رأيه وارتجاله، راقيا على هام الكفر بعزائم من لا يزال تصبّح مهابته العدا بطلائع خيله وتبيّتهم بطوارق خياله، ناميا بإسناد الحكم فيه إلى من يقطع إنصافه بين المبطل ورجائه ويصل العدل [منه] «1» بين المحقّ وبين آماله. نحمده على نعمه الّتي أنامت الرّعايا من معدلتنا في أوطإ مهاد، وأدامت الدّعاء الصالح لأيامنا بإعلاء كلمتي العدل والجهاد، وأقامت الإيالة في أسنى ممالكنا بمن هو أجرى من الغيوث، وأجرأ من اللّيوث، في مصالح البلاد والعباد. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا تزال الألسن لإقامتها مديمة، والضمائر على إدامتها مقيمة، والقلوب تعقد من كلمة إخلاصها وإخلاص كلمتها في جيد الإيمان تميمة، والتوحيد يظهر أنوارها في الوجوه الوسيمة، بمأمن مطالع القلوب السليمة. ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الّذي جبله على خلق عظيم، وجعله وإن تأخّر عصره من مقام النبوّة في أعلى رتب التقديم، ومنّ على الأمّة بإرساله إليهم من أنفسهم وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين دعوا إلى طاعته وأجابوا، وحكموا بسنّته وأصابوا، وجاهدوا المعرضين عن

ملّته حتّى رجعوا إلى الهدى وأنابوا، صلاة لا تغيب أنواؤها، ولا يفارق وجوه أهلها وقلوبهم رواؤها وإرواؤها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنه- لما أجرانا الله عليه من عوائد نصره، وأغرانا به من حصد الشّرك وحصره، ومنحنا من بسطة ملك زيّنت بها أسارير البسيطة وأسرّتها، ووهبنا من فواتح فتوح علت على وجوه الكفر مساءتها وبدت على وجه الإسلام مسرّتها- لم نزل نؤدّي شكر نعم الله بالإحسان إلى عباده، ونستزيد منها بتفويض أمورهم إلى من يقوم في الذّبّ عنهم مقام الجيش على انفراده، فلا نقدّم على الرأفة بخلق الله أمرا، ولا نحابي في بسط المعدلة عليهم زيدا ولا عمرا، ولا نعدل بهم عمّن إذا ركب في موكب نيابتنا زانه وجمّله، وإذا جلس على بساط عدلنا زاده وكمّله، وإذا رسم أمرنا أصغت السّيوف إلى مراسمه، وإذا نظر بعين عنايتنا ثغرا أهدى الشّنب «1» إلى مباسمه، وإذا رام في مصالح الإسلام أمرا قرب على رأيه بعيده، وإذا جرّد جيشا إلى أعداء الإسلام جرّت قبل اللّقاء ذيول هزائمها، ورأت الفرار أمنع لها من صوارمها، ونثلت ما في كنائنها من سهام ضعفت عن الطّيران قوى قوادمها. ولما كان الجناب العالي الفلانيّ هو معنى هذه الفرائد، وسرّ هذه الأوصاف الّتي للشّرك منها مصائب هي عند الإسلام فوائد، وفارس هذه الحلبة، التي أحرز [قصب] «2» سبقها، وكفء هذه الرّتبة، التي أخذها دون الأكفاء بحقّها؛ لا تأخذه في الحقّ لومة لائم، ولا يأخذ أمر الجهاد إلا بجدّه «وما ليل المجدّ بنائم» يسري إلى قلوب الأعداء رعبه وهو في مكانه، وتؤدّي مهابته في نكاية الكفر فرض الجهاد قبل إمكانه، ويشفع «3» العدل في الرعايا بالإحسان

إليهم ويجمع بين إرهاب المعتدين وشدّة الوطأة عليهم، ويقف في أحكامه مع الشريعة الّتي أعلى الله تعالى منارها، ويستضيء بأحكامها الّتي هي لأبصار النّظّار تعير أنوارها. وكانت المملكة الشامية المحروسة من الممالك الإسلامية بمنزلة القوّة في اليمين، والواسطة في العقد الثّمين، والإدراك في الصّدور، والإشراق في البدور، وبها الأرض المقدّسة، والحصون التي هي على نكاية الأعداء مؤسّسة، ولها الجيوش الّتي ألفت في الجهاد السّرى «1» وأنفت لسيوفها في الجفون الكرى، ومرّت على مقاتل العدا أسنّتها، وصرّفت في مسالك الحرب أعنّتها، وراعت ملوك أهل الكفر سمعة أمرائها، وحاطتها أمداد النّصر في حروبها من بين يديها ومن ورائها؛ وفيها من الأئمة العلماء الأعيان من يعدل دم الشهداء مداد أقلامهم، ومن الأتقياء الصّلحاء من لا تطيش دون مقاتل أهل الكفر مواقع سهامهم- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نمتّع هذه الرتبة السنيّة بجمالها، وأن نبلّغ هذه الدرجة السريّة بمن حوى هذه الأوصاف الفاخرة غاية آمالها، ليصبح بها لواء عدلنا، مرفوع الذوائب، ومنهل فضلنا، مدفوع الشوائب، وكلمة جهادنا، نافذة في المشارق والمغارب، وقبضة بأسنا، آخذة من أعداء الدين بالذّرا والغوارب «2» ، وطليعة كتائبنا مؤتمّة بمن توقن الطّير أنّ فريقه إذا ما التقى الجمعان أوّل غالب. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت صوارمه للشّرك قامعة، ومراسمه لمصالح الدين والدنيا جامعة- أن تفوّض إليه تفويضا يرفع علمه، ويمضي في مصالح الإسلام سيفه وقلمه، وينشر في آفاق الممالك الشامية عدله، ويبسط على رعايا تلك الأقاليم المحروسة فضله وظلّه، فيطلع في أفق المواكب هالة أهلّتها، وطراز حلّتها، وطلعة لوائها، وواسطة عقود مقدّمها وآرائها، وزينة

تسييرها ووقوفها، وحلية طلائعها وصفوفها، ويجلس في مواطن الجلوس صادعا بالحق في حكمه، آمرا بإدامة التأنيب للعدوّ في أيام سلمه، معطيا منصب النيابة الشريفة حقّه من الجلالة، موفيا رتبتها المنيفة ما يجب لها من أبّهة المهابة وكفاءة الكفالة، ولا يزال لمصالح الجيوش المنصورة ملاحظا، وعلى إزاحة أعذارهم محافظا، وإلى حركات عدوّ الإسلام وسكناته متطلّعا، وإلى ما يتعين من إبطال مكايده متسرّعا، ولبواطن أحوالهم بحسن الاطلاع محقّقا، ولجموعهم بيمن الاجتماع للقائهم مفرّقا، فلا يضمرون مكيدة إلّا وعلمها عنده قبل ظهورها لديهم، ولا يسرّون غارة إلا ورايتا خيله المغيرة أسبق منها إليهم. وليكن لمنار الشّرع الشريف معليا، ولأقدار أربابه مغليا، ولرتب العلماء رافعا، ولأقوالهم في الأحكام الشرعية سامعا، ولذوي البيوت القديمة مكرما، ولأهل الورع والصّلاح معظّما، وعلى يد الظالم ضاربا، وفي اقتناء الأدعية الصاّلحة لدولتنا القاهرة راغبا، ولجميل النّظر في عمارة البلاد مديما، وبحسن الفكر في أمور الأموال معملا رأيا بمصالحها عليما، ولجهات البرّ بجليل العناية والإعانة عامرا، وعن كل ما لا يجب اعتماده ناهيا وبكل ما يتعين فعله آمرا. وفي كمال خلاله، وأدوات جماله، ما يغني عن الوصايا إلّا على سبيل الذّكرى الّتي تنفع المؤمنين، وترفع المتقين؛ وملاكها تقوى الله تعالى وهي من خصائص نفسه الكريمة، وعوائد سيرته الحديثة والقديمة؛ والله تعالى يسدّده في القول والعمل، ويؤيّده وقد فعل، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام، كتب بها للأمير «سيف الدين تنكز الناصريّ» «1» في ربيع الأوّل سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، من إنشاء الشيخ

شهاب الدين محمود الحلبيّ، وهي: الحمد لله مفوض أسنى الممالك في أيامنا الزاهرة إلى من تزهو بتقليده، ومشيّد قواعد أسمى الأقاليم في دولتنا القاهرة بمن يعلو بإيالته ما يلقى إليه معاقد مقاليده، ومسدّد الآراء في تصريف أعنّة جيوشنا المنصورة بتقديم من تغدو سيوفه من عنق كلّ متوّج من العدا قلادة جيده، وناشر لواء العدل في رعايانا وإن بعدوا بمن تنيم كلّا منهم في مهد الأمن والدّعة يد مهابته وتمهيده، ومعلي منار الجهاد في سبيله بمن إذا جرّد سيفه في وغى تهلّلت نواجذ أفواه المنايا الضواحك بين تجريبه وتجريده. نحمده على نعمه الّتي أيّدت آراءنا بوضع كلّ شيء في مستحقّه، وقلّدت سيف النّصر من أوليائنا من يأخذه في مصالح الإسلام بحقّه، وجدّدت آلاءنا لمن إذا جارت الحتوف سيوفه إلى مقاتل العدا فاتها وفاقها بمزيّتي كفايته وسبقه. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا تزال ألسنتنا ترفع منارها، وسيوفنا تصلي من جحدها قبل نارها، وآراؤنا تفوّض مصالح جملتها إلى من إذا رجته لنصرة أنالها وإذا أسدى معدلة أنارها. ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أيّده الله بنصره، وجعله سابق من تقدّم من الرّسل على عصره، وآتاه من الفضائل ما يضيق النّطق عن إحصائه ومن المعجزات ما يحول الحصر دون حصره؛ صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين تمسّكوا بهداه، وهجروا في طاعته من عاداه، ونهضوا في رضا الله تعالى ورضاه إلى مظانّ الجهاد وإن بعد مداه، صلاة يشفعها التسليم، ونبتغي إقامتها عند الله والله عنده أجر عظيم، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فإنّ أولى ما أعملنا في مصالحه الفكر، وتدبّرنا أحواله بكل رأي يسدّده الحزم المروّى ويؤيده الإلهام المبتكر، وقدّمنا فيه الاستخارة على ما جزم اليقين بأنّ الخيرة للإسلام والمسلمين في اعتماده، وتمسّكنا فيه بحبل التوفيق الذّي ما زال تتكفّل لنا في كلّ أمر بسداده وفي كلّ ثغر بسداده- أمر الممالك

الشامية الّتي هي واسطة عقد الممالك، ومجتمع ما يفضي إلى مواطن النّصر من المسالك، ومركز فلك الأقاليم الّذي تنتظم عليه بروج ثغورها، ونقطة دائرة الحصون الّتي منها مادّتها وعليها مدار أمورها، وغيل «1» ليوث الحرب الّتي كم أنشبت أظفار أسنتها في طرّة ظفر، ومواطن فرسان الوغى الّتي كم أسفر عن إطلاق أعنّتها إلى غايات النّصر وجه سفر، وأن نرتاد لكفالة أمورها، وكفاية جمهورها، وحماية معاقلها المصونة وثغورها، وزعامة جيوشها، وإرغام طارقي أطرافها من أعداء الدين وثلّ عروشها، من جرّده الدّين فكان سيفا على أعدائه، وانتقاه حسن نظرنا للمسلمين فكان التوفيق الإلهيّ متولّي جميل انتقاده وانتقائه، وعجمنا عود أوصافه فوجدناه قويّا في دينه، متمكّنا في طاعته بإخلاص تقواه وصحّة يقينه، متيقّظا لمصالح الإسلام والمسلمين في حالتي حركته وسكونه، آخذا عنان الحزم بيسر يسراه وسنان العزم بيمن يمينه، واقفا مع الحق لذاته، مقدّما مشاقّ الجهاد على سائر مآربه ولذّاته؛ ماضيا كسيفه إلّا أنه [لا] «2» يألف كالسيف الجفون «3» ، راضيا في راحة الآخرة بمتاعب الدّنيا ومصاعبها فلا يرعى في مواطن الجهاد إذا حلّها أكناف الهوينا ولا روض الهدون «4» ، مانعا حمى الإسلام لا «حمى الوقبى بضرب» يفرّق بين أسباب الحياة و « يؤلّف بين أشتات المنون » «5»

ولما كان فلان هو الّذي تشوّفت هذه الرتبة إلى أن تتجمّل به مواكبها، وتتكمل به مراتبها، وتنتظم على دسته هالة أمرائها كما تنتظم على هالة بدر السماء كواكبها؛ فإذا طلع في أفق موكب أعشت الأعداء جلالته، وأعدت الأولياء بسالته، وسرى إلى قلوب أهل الكفر رعبه، وفعل فيهم سلمه ما يفعل من غيره حربه، وإذا جلس على بساط عدل خرس الباطل، وأنجز ما في ذمّته الماطل، وتكلّم الحقّ بملء فيه، وتبرّأ الباطل حتّى ممن يسرّه ويخفيه، وإن نظر في مصالح البلاد أعان الغيث على ريّها برفقه، وأعاد رونق عمارتها بكفّ أكفّ الظلم ووصول كلّ ذي حقّ إلى حقّه- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نجعل فنون أفنانه بيمن إيالته دانية القطوف، وأن نصير جنّتها تحت ظلال سيفه: فإن «الجنة تحت ظلال السّيوف» . فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال زمن عصره، موّرّخا بالفتوح، وسيف نصره، على من كفر دعوة نوح- أن تفوّض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالشام المحروس: تفويضا يحسن به المناب في تلك الممالك عنّا، وينشر فيها من العدل والإحسان ما يلقّاه منّا، ويلبسها من حلل المهابة ما يضاعف به أمن سربها، وتصبح به السّيوف المجرّدة أحفظ لها من قربها، ويطلع في أفق مواكبها الجليلة طلوع الشّمس الّتي يعمّ نفعها، ويعشي النّواظر لمعها، ويجلس في دست نيابتنا حاكما فيها بأمرنا، جازما بحكم الشرع الشريف الّذي قد علم أنه حلية سرّنا وجهرنا، ناشرا من مهابة الملك ما ترجف له القلوب من العدا، وتصبّحهم به سرايا رعبه على بعد المدى، ملزما من قبله من الجيوش المنصورة بمضاعفة إعداد القوّة، وإدامة التّأهّب الّذي لا تبرح بسمعته بلاد أهل الكفر مغزوّة، مطّلعا على أحوال العدا بلطف مقاصده، ونكاية مكايده، وحسن مصادره في التدبير وموارده؛ فلا يبرمون أمرا إلا وقد سبقهم إلى نقض مبرمه، ولا يقدّمون رجلا إلا وقد أخّرها بوثبات إقدامه وثبات قدمه. وليعظّم منار الشرع الشريف بتكريم حكّامه، والوقوف مع أحكامه، ويرفع أقدار حملة العلم بترفيه أسرارهم، وتسهيل مآربهم وأوطارهم، وليعمّ الرعايا بعدله وإنصافه، ويسترفع

لنا أدعية الأولياء والصّلحاء بإسعاده وإسعافه. وفي خصائص أوصافه الكريمة، وسجاياه الّتي هي لمصالح الإسلام مستديمة، ما يغني عن تشّدد في القول والعمل، والله تعالى يؤيده وقد فعل، ويجعله من أوليائه المتقين وقد جعل، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام، كتب به للأمير «يلبغا الكامليّ» «1» بعد نيابته بحلب وحماة، من إنشاء المقرّ الشّهابيّ «2» بن فضل الله، وهي: الحمد لله مجري الأقدار، برفعة الأقدار، ومثري آمال من حسنت له في خدمتنا الآثار، بمواهب العطايا والإيثار، وممري غروس نعم أوليائنا الّتي رعى عهدها عهاد سحب جودنا الغزار، جاعل أصفياء مملكتنا الشريفة كلّ حين في ازدياد، ومانح المخلصين في خدمتنا مزيد الإسعاف والإسعاد، وفاتح أبواب التأييد بسيوف أنصارنا الّتي لا تهجع في الأغماد. نحمده على مواهب نصره، ونشكره على إدراك المآرب من جوده الّذي يعجز لسان القلم عن حصره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تؤيد قائلها في مواقفه، وتجمع له من خير الدّنيا بين تالده وطارفه، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الّذي هدى الله به هذه الأمة من الضّلال، وفضّل به المجاهدين حيث جعل الجنّة تحت ما لسيوفهم من ظلال، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة لا انفصام لعروتها ولا انفصال، ولا انقضاء لأسبابها ولا زوال، وسلّم تسليما كثيرا.

أما بعد، فإن أولى من انتدب لحفظ ممالك الإسلام، وأتمن على صونها بعزمه الّذي لا يسامى ولا يسام، وأسند إليه من أمور الرعايا بأجلّ الممالك ما يقضي بمزيد التكريم، واعتمد على صيانته وديانته لمّا شهد الاختبار بأنه أهل للتقديم، وجرّبت الدول مخالصته، وتحقّق اهتمامه الّذي بلّغه من العزّ غايته، وأثنت على حسن سيرته وسريرته سوابق خدمه، وشكر اهتمامه في المخالصة التي أعربت عن عزمه، ففاق أشباها وأنظارا، وكفل الممالك الشريفة الحلبيّة والحمويّة فأيّدها أعوانا وأنصارا، وبسط فيها من العدل والإنصاف ما أعلى له شأنا ورفع له مقدارا، وسلك فيها مسلكا شنّف أسماعا وشرّف أبصارا. ولما كان المقرّ الكريم (إلى آخره) هو صاحب هذه المناقب، وفارس هذه المقانب «1» ، ونيّر هذه الكواكب، كم أبهج النفوس بما له من عزم مشكور، وحزم مأثور، ووصف بالجميل موفور. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال لسيف أوليائه مرهفا، ولا برح لأخصائه مسعدا ومسعفا- أن تفوّض إلى المشار إليه نيابة السّلطنة الشريفة بالشام المحروس، على أجمل عوائد من تقدّمه في ذلك وأكمل قواعده. فليتناول هذا التقليد الشريف بيد لم يزل لها في الولاء الباع المديد الطويل، ويتلقّ هذا الإحسان بالشّكر الّذي هو بدوام النعمة خير كفيل، ويضاعف ما هو عليه من اهتمام لم يزل منه مألوفا، واعتزام إذا لاقى غيره مهمّا واحدا لاقى هو ألوفا، ويمعن النظر في مصالح هذه المملكة الشامية المحروسة، ويعتمد من حسن تدبيره ما تغدو ربوعها بحسن ملاحظته عامرة مأنوسة. وهو يعلم أن العدل من شيم دولتنا الشريفة، وسجيّة أيامنا الّتي هي على هام الجوزاء منيفة؛ فليسلك سننه، ويتبع فرضه وسننه، ويعلم أنّ عدل سنة خير من عبادة ستين سنة، ولينشر على الرعايا ملابسه الحسنة، ويعظم الشّرع الشريف وحكّامه، ويعيّن الإقطاعات لمن يستحقها من الأيتام أو يوجب الاستحقاق إكرامه؛ والله تعالى

يجعل السّعد خلفه وأمامه، ويؤيّده تأييدا يبلّغه مراده من النّصر ومرامه، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام: الحمد لله الّذي طهّر الشّام وقدّسه، وصانه وحرسه، وجعل لسلطاننا فيه قواعد بالنّصر مؤسّسة، وأنوارا للهدى مقتبسة، وكفله بمن إذا صفّ له العدوّ افترسه، وأذلّه وأركسه «1» ، وأرغم معطسه، وقطف بسيفه أرؤسه، ومن يعطى النّصر إذا امتطى فرسه، ومن كرّم الله نفسه، وكثّر أنسه، وعطّر نفسه، ومن ينصف المظلوم من ظالمه ويبلّغ السائل ملتمسه، ومن لبس ثوب العفاف والتّقى فكان خير ثوب لبسه. نحمده على أصل جود غرسه، وعارض سوء حبسه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أزالت الشّرك ومحت نجسه، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الّذي أنبع الله من أصابعه عينا منبجسة، واخضرّ العود اليابس لمّا لمسه، وأضعف الوساوس المختلسة، وانتزع الحقّ ممن بخسه، وحماه الله من الشيطان لما ولد فما نخسه، ونوّر القلب الّذي خيم عليه الضلال وطمسه، وكان الشّرك قد انبثّ في الأرض فطواه دينه وكبسه، ومحاه ودرسه، وجاء بالقرآن فطوبى لمن تلاه ودرسه، وأنزل عليه: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ «2» صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما أولج الله اللّيل في النهار وغمسه، وميّز بنصف العدد من الثلث سدسه، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فإن الشّام هو عقد النّظام، وأجل ممالك الإسلام، ومعدن النّصر الذي بروقه تشام، ومستقرّ البركات الوسام، وعسكره أفضل عسكر في حسن

الاعتزاء والاعتزام، لا يرهبون الحمام، ويخوضون لجج المنون بالحسام، ونيابة السلطنة الشريفة به من أجلّ النيابات مقدارا، وأكرمها آثارا، وأعزّها أنصارا؛ إذ هو تلقاء أوامرنا الشريفة المنطوية عليها أسرار البريد، ومن عنده تتفرّع المهمات للقريب والبعيد، وعنه يصدر البريد، وإليه يرد بكل ثناء جديد، ومنه يأتي إلى مسامعنا الشريفة بما نريد، فلا يحلّ دار سعادتها إلا من هو منصور سعيد، وذو رأي سديد، وحزم حديد، وقد اخترنا لها بحمد الله كفأها المعيد. ولما كان فلان هو الضّاري على العدا، والغيث المتوالي النّدى، والهمام الذي جرّد سيف عزمه أبدا فلا يرى مغمدا، واتّصف بحسن الصفات فما ساد سدى، قد تجملت الممالك بآرائه وراياته، وثباته ووثباته، وروض تدبيره وطيب نباته، وحسن اعتماده في خدمة ملكنا الشريف ومهمّاته؛ إن ذكرت الموالاة الصادقة كان راوي مسندها، وحاوي جيدها، والآوي إلى ظلّها المديد وطيب موردها؛ وإن ذكرت الشجاعة كان زعيم كتائبها، ومظهر عجائبها، وليث مضاربها، ومجرّد قواضبها، وفارس جنائبها «1» ، ومطلب أطلابها ومنجح مطالبها، ومجلّي غياهبها- اقتضى حسن الرأي الشريف أن يعقد عليه لواء الاحتشام، في الشام، وأن يخصّ بالبركات، المخلّصة من الدّركات. فلذلك رسم بالأمر الشريف أن تفوّض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالشام المحروس، على عادة من تقدّمه وقاعدته، وأن يكون داخلا في نيابته الشريفة ما هو مضاف إلى الشام المحروس: من ممالك وقلاع، ومدن وضياع، وثغور ومواني، وسواحل في أقاص وأداني، تفويضا اتّسقت درره، وأشرقت غرره، وتليت آياته وسوره. فليمهّد بالعدل أكناف البلاد، ولينظر بعين الرعاية والسّداد، ولينشر لواء

الطبقة الثانية (من يكتب له تقليد شريف في قطع النصف ب «المجلس العالي» وهو الوزير من أرباب السيوف، وهو بالمملكة الشامية على حد الوزير بالديار المصرية)

الإنصاف، لتكون الأمّة تحت ظلّه الضّافي وإليه الحقّ مضاف، وليدرّ الأرزاق من الأخلاف، وليأمر بإقامة الحدود على شارب السّلاف، وعلى السارقين بالقطع من خلاف، وليسترهف عزائم العساكر المنصورة في القتال والجهاد، وليأخذهم بحسن الاستعداد، وليعرف للأمراء منازلهم: فإنهم أركان وأعضاد، وأنصار وأمجاد، وأولياء دولتنا الشريفة الماحون للفساد، وممّن تتجمل بهم المواكب وتتفطّر بهم للعدا الأكباد؛ والله الله في الشّرع الشريف وإقامة مناره، وتنفيذ كلمة أحكامه وإزالة أعذاره، والتّقوى فهي أفضل شعاره، وقرّة أبصاره، والوصايا فمنه يشرق هلالها إلى أن يتمّ في إبداره، ويتكمل بأنواره، وهو غنيّ عن إكثاره. فخذ تقليدنا هذا باليمين، والبس من هذا التفويض الملبس الأسنى الثمين؛ وأخبار البريد المنصور فلا تقطعها عنا، فمنه إلينا ترد أخبار البريد وإليه ترد المهمات منّا، والله تعالى يخوّله كلّ يوم من إحساننا في الزيادة والحسنى؛ والخط الشريف أعلاه. الطبقة الثانية (من يكتب له تقليد شريف في قطع النصف ب «المجلس العالي» وهو الوزير من أرباب السيوف، وهو بالمملكة الشامية على حدّ الوزير بالديار المصرية) وهذه نسخة مرسوم من ذلك: الحمد لله مسدّد سهام الاختيار، ومسيّر الأولياء إلى منازل العلياء مسير الأهلّة إلى منازل الإبدار، الذي جدّد نعما، وعدّد كرما، وعلم مواقع الاضطرار، إلى مواقع الأوزار، فأرسل إليها من تستهلّ آراؤه ديما. نحمده حمدا كثيرا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يتّخذ صاحبا ولا وزيرا، ونصلّي على سيدنا محمد الّذي عمّر الله به البلاد تعميرا، وأحسن بالعدل تقريرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ظاهره بالسيوف والأقلام كاتبا وأميرا، صلاة لا ينقطع تواليها، ولا تزال الآفاق تتناقلها وتستهديها.

الطبقة الثالثة (من يكتب له مرسوم شريف، وهي على مرتبتين)

وبعد، فإنّ أولى من عظم شانه، وكرم مكانه، وثبت إمكانه، وأنبت في منابت الرماح قلمه الّذي هو ترجمانه، وبسطت في تشييد الممالك يده وأطلق لسانه- من كان علامة العلم، وغدا بالنشاط في كبره فتيّ السّنّ كهل الحلم، الذي فاق جلالة ونسبا، واستعلى همّة وأدبا، وعرف بالديانة الّتي طار صيتها في الآفاق شرقا ومغربا، والهمّة الّتي سواء عليها أحملت قلما أم انتضت قضبا. ولما كنت أيّها المجلس الفلاني- أدام الله تأييدك، وتسديدك وتمهيدك، وكبت حسودك، وضاعف صعودك- أنت المعنيّ بهذه المآثر، المنضّدة عليك هذه الجواهر، الدالة على مناقبك هذه المفاخر، الذي وجدناك على الانتقاد تزيد استخلاصا، وتعدو على السّبك خلاصا، فلذلك خرج الأمر الشريف أن توزّر، وتحمى موارد آرائك لتستغزر، ويكون لك الحكم في المملكة الشامية عموما، وتتصرّف في معاملاتها مجهولا ومعلوما، على أكمل قواعد الوزراء وأتمها، وأجملها وأعمّها، متصرّفا في الكثير والقليل، والحقير والجليل، تعزل وتولّي من شيت، وتكفي وتستكفي من ارتضيت. ونحن نوصيك بالرّفق الّذي هو أخلق، والعدل الّذي تستدرّ به سحب الأموال وتستغدق، والحقّ فإن كل القضايا به تتعلّق، ويمن السياسة فإن الرياسة بها تكمل وتعدق؛ وإيّاك والغرض الذي هو يهوي بصاحبه، ويرديه في عواقبه؛ واتّق الله الّذي لا تتم الصالحات إلا بتقواه، واحذر أن تكون مع من ضلّ سبيله واتبع هواه؛ والله تعالى ينجح رجاءك ويوضّح منهجك، ويعلي درجك، ويلقّنك إذا خاصمت واختصمت حججك، إن شاء الله تعالى. الطبقة الثالثة (من يكتب له مرسوم شريف، وهي على مرتبتين) المرتبة الأولى (من يكتب له في قطع النصف وهو نائب قلعة دمشق) إن كان مقدّم ألف كما كان أوّلا، كتب له ب «المجلس العالي» . أو

طبلخاناه كما هو الآن، كتب له ب «السامي» بغير ياء «1» وبالجملة فإنه يكتب له مفتتحا ب «الحمد لله» . وهذه نسخة مرسوم شريف بنيابة قلعة دمشق المحروسة، من إنشاء المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله رحمه الله، وهي: الحمد لله مشرّف القلاع، ومصرّف رجالها في الامتناع، ومعرّف من جادلها أنّ الشّمس عالية الارتفاع. نحمده حمدا يشنّف الأسماع، ويشرّف الإجماع، وتحلّق في صعوده الملائكة أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها لما بقي من قلاع الكفر الاقتلاع، واستعادة ما قرّ معهم من قرى وضاع من ضياع، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الّذي حمى به درّة الإسلام من الارتضاع، وصان به حوزة الحق أن تضاع، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة دائمة ما أسبل للّيل ذيل وامتدّ للشّمس شعاع، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن للحصون حواضر كما للبلاد، وحواضن تضمّ بقاياها ضمّ الأمّهات للأولاد، ومعاقل يرجع إليها إذا نابت النّوب الشّداد، ومعاقد يعتصم من منعتها بجبال ويتمسك بأطواد؛ وقلعة دمشق المحروسة هي الّتي تفتخر بقايا البقاع «2» بالاتصال بسببها، والتّمسّك في الشدائد بذيل حسبها؛ لا يهتدى في السلّم والحرب إلا بمنارها، ولا يقتدى في التسليم والامتناع إلا بآثارها، ولا يستقى إلا بما يفيض على السّحب من فيض أمطارها؛ قد ترجّلت لتبارز، وتقدّمت لتناهز، ودلّت بقواها فما احتجبت من سجوف الجبل بحجاب ولا احتجزت من الغمام بحاجز، بل ألقت إلى قرار الماء حجلها «3» ، وأثبتت في

مستنقع الموت رجلها، وكشفت للحرب العوان قناعها، وأشعلت أبنيتها من الذهب شعاعها، وأشغلت أفنيتها البروق أن تطاول باعها، أو تحاول ارتفاعها؛ قد جاورت قبّتها الزّرقاء أختها السّماء، وجاوزت بروجها منطقة البروج اعتلاء، وهي معقل الإسلام يوم فزعهم، وأمن قلوبهم أعاذها الله من جزعهم؛ وقد نزل العدوّ عليها ونازلها زمانا بجموعه وأعانه عليه قوم آخرون، وأقدموا وتقدّموا وهم متأخّرون، وطاولوها فكانت حسرة عليهم، ونكالا لما خلفهم وما بين يديهم، وثبّت الله بها أقدام بقيّة القلاع، وقوّى بعزائمها إقدام من فيها على الامتناع؛ وقلعة الجبل «1» المحروسة وإيّاها كالاختين، وهي لها ثانية اثنين، وكلتاهما لكرسيّ ملكنا الشريف منزل سعيد، ومتنزّه يودّ صفيح الأفلاك لو ترامى إليه من مكان بعيد. فلمّا رسمنا بنقل من كان في النيابة الشريفة بها في منازلها من مكان إلى مكان، وقدّمناه أمامها كما يهتزّ في قادمة الرمح السّنان، واتّخذنا من بروق عزائمه لبعض ثغورها الضاحكة شنبا، ومن هممه المتّصلة المدد بها ما نمدّ منها إلى سمائها سببا- اقتضى رأينا الشريف أن نعوّل في أمرها المهم، وبرّها الذي به مصالح كثير من ممالكنا الشريفة تتم، ونحلّي مشارفها بمن تضاحك البروق سيوفه في ليل كلّ نقع مدلهم، ونحمي حماها برجل تمنع مهابته حتّى عن نقل الأسنة (؟) طارق الطّيف أن يلم؛ وهو الّذي لا تزعزع له ذرا، ولا يناخ لبادرة سيله في ذرا، ولا يقدر معه الأسد أن يبيت حول غابه مصحرا، ولا الطّير أن يحلّق إليه إلا ماسحا بجناحه على الثّرى، ولا أدلجت إليه زمر الكواكب إلا تقاعست فلا تستطيع السّرى. وكان فلان هو حامي هذا الحمى، ومانع ما يحلو في الثّغور من موارد اللّمى، وغيور الحيّ فلا تبرز له إلا من عقائل المعاقل قاصرات الطّرف كالدّمى، وحافظ ما استودع من مصون، واستجمع من حصون، واستجهر من

موارد تردها من زرد الدروع عيون، ويفرّق منها المجانيق سحائب ممطرة بالمنون، فصمّم رأينا الشريف على اختياره ليوقّل «1» صهوة هذا الجواد، ويوفّي ما يجب لهذه العقيلة من مرتمق لحظ ومرتمى فؤاد، ويبحث من الشغف بها عن أمل آمل أو مراد مراد، ويعجب من عقيلتها المصونة أن أبراجها تتبرّج وما لنعماها إنعام ولا لسعادها إسعاد. فرسم بالأمر الشريف العالي المولويّ، السّلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ- أعلاه الله وشرفه، وأدام في الأرض ومن عليها تصرّفه- أن تفوّض إليه النيابة بقلعة دمشق المحروسة: على عادة من تقدّمه وقاعدته، ومقاربته ومباعدته، وتخلّيه ومساعدته، وكل ما جرت به العوائد في رجائها ورجالها، ومالها ومآلها؛ وهذه نيابة شريفة، وسحابة مطيفة، ونعمة تقابل برعايتها، وتكتم نوافجها «2» بإذاعتها؛ وتقوى الله حلية عنقها، وحلّة أفقها، ومجرى المجرّة إجلالا في طرقها. فعليك بحفظها ليلا ونهارا، وتفقّد أحوال من فيها سرّا وجهارا، وفتح بابها وغلقها مع الشمس، وتصفّح ما بها من لبس، وتتبّع أسبابها كما في النفس، والتّصدّي لملازمة الخدمة الشريفة في أبوابنا العالية ببابها، والأخذ في أدوات حفظها بمجامع أطرافها دون التمسك بأهدابها، والتّجسّس على من يلمّ فيها جفنه بكرى وما أثقله مناما، وإلزام كلّ واحد بما يلزمه من الوظائف في ليله ونهاره، وإدلاجه وابتكاره، ومن عليه في هذا المعقل إشراف من شرفاته أو تسوّر على أسواره، وإظهار الرّهج «3» والصّيت والسمعة بالاهتمام في كلّ ليلة بزفاف عروسها، وضرب الحرس لنواقيسها، والإعلان لصباح الخير لنا في صبحاتها والدعاء الصّالح في تغليسها «4» ، وصيانة ما فيها من حواصل، أو يصل إليها من

واصل، وما فيها من دخائر، وما في خزائنها العالية من مدد البحر الزّاخر، وما تشتمل عليه دار الضّرب من أموال تضرب للهبات برسمنا، وأموال الناس الّتي حملت إليها لتشرّف نقودها باسمنا، وخزائن السلاح المنصورة وما يستكثر فيها من عدد، وما يستغزر من مدد، والمجانيق الّتي تخطر منها كلّ خطّارة كالفنيق «1» ، وتصعد ومرماها إلى السماء كأنّما تخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح في مكان سحيق، شائلة عقاربها، آفلة بالأعمار كواكبها، والحدوج «2» والقسيّ والرايات وغير ذلك من سلاح، أو دروع تردّ السّهام على أعقابها وتحني قامات العوالي وتضيّق صدور الصّفاح. والبحريّة «3» وغيرهم من رجال هذه القلعة المحروسة من نجوم آفاقها، وغيوم إرعادها وإبراقها، وديمها إذا أسبلت المسالمة ذيولها وأعوانها إذا شمّرت الحرب عن ساقها. وبقيّة المستخدمين وأرباب الصنائع الذين هم عمارة أوطانها، وأمارة العناية بها من سلطانها، فكل ذلك مذخور لمنافع الإسلام، وما ريش السّهم لأنّه في كل ساعة يرمى ولا طبع السيف لأنه في كل بارقة يشام؛ فاحفظ لأوقاتها تلك الموادّ المذخورة، والحظ هؤلاء الرجال فإنهم ظهر العساكر المنصورة، وخذ بقلوبهم وأوصل إليهم حقوقهم، واجمع على طاعتنا الشريفة متفرّقهم وأكرم فريقهم؛ ومنهم المماليك السلطانية وهم إخوانك في ولائنا، والذين تشركهم في آلائنا، وبالغ في حفظ المعتقلين في سجونها، ولفظ المعتقدين خلافا في مكنونها؛ ونحن نعيذها بالله أن نقول: تفقّدها بالترميم والإصلاح، ولكنّا نامرك أن تتعهّدها بما تتعهّده من الزّين الملاح؛ ولك من معاضدة من في ذلك الإقليم، من لك برأيه طريق مستقيم،

ومن تراجعه فيما أشكل عليك من الأمور، وتجد به في طاعتنا الشريفة نورا على نور، واتبع مراسمنا المطاعة فهي شفاء لما في الصّدور؛ والوصايا كثيرة، والله تعالى يجعلك على بصيرة، ويتولّاك بما فيه حسن السّيرة، وصلاح السريرة؛ والاعتماد ... «1» . وهذه نسخة مرسوم شريف بنيابة قلعة دمشق المحروسة، كتب بها لحسام الدين «لاجين الإبراهيميّ» «2» من إنشاء الشريف شهاب الدين، رحمه الله، وهي: الحمد لله الّذي صان الحصون بانتضاء الحسام، وزان الملك بارتضاء ذوي اليقظة من الأولياء والاهتمام، وأبان سبيل السّعادة لمن أحسن بفروض الطاعة وأجمل القيام. نحمده على أن جعل نعمنا لأصفيائنا وافرة الأقسام، ونشكره على أن أقبل عليهم بأوجه إقبالنا الوسام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لعقود إخلاصها انتظام، ولسعود اختصاصها التئام، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الّذي منحه الإجلال والإعظام، ومدحه بالإفضال والإكرام، ورجّحه بمزايا الفضل على جميع الأنام، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه بدور التمام، ورضي عن أصحابه الذين لهم صدق الاعتزام، صلاة ورضوانا لهما تجديد ومزيد وتأييد ودوام، وسلم تسليما كثيرا. وبعد: فإن آلاءنا لا تزال تختار الأكفاء، وآراءنا لا تبرح تمنح ذوي

المناصحة الإصفاء، ونعماءنا تديم لملابس إجلالها على أولى الخدم الإفاضة والإضفاء، وتفي بوعود جودها لمن أدام لمناهج المخالصة الاقتفاء. ولما كان فلان هو الّذي عرفت له في مهمّاتنا خدم سالفة، وألفت منه همّة عليه خصّته بكلّ عارفة، وخوّلناه نعمنا الواكفة، وأهلناه لاستحفاظ الحصون فساعده توفّر التوفيق وساعفه، ونقّلناه في الممالك فسار سيرة حميدة اقتضت لمواهبنا لديه المضاعفة- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نرفع محلّه بأعزّ القلاع، ونطلعه بأفق سعدها أيمن إطلاع، ونندبه لضبطها فيحسن له فيها الاستقرار ويحمد منها له الاستيداع. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت صدقاته تحقّق الأطماع، وهباته تفيض ملابسها الّتي ليس لها انتزاع- أن يستقرّ في نيابة قلعة دمشق ... فليباشر النيابة بالقلعة المذكورة باذلا الاجتهاد، مواصلا للعزم والسّداد، عاملا بالحزم في كّل إصدار وإيراد، كافلا منها بحسن الاعتماد، حافظا حواصلها من الضّياع، مقرّرا أحوالها على أجمل الأوضاع، وليأخذ رجالها بالائتلاف على الخدمة والاجتماع، وليحرّضهم على المبادرة إلى المراسيم والإسراع؛ وليطالع من أمورها بما يتعين عليه لأبوابنا العالية في المطالعة ويجب لعلومنا الشريفة عليه الاطّلاع، وليراجع كافل الممالك الشامية بما جعلنا لآرائه فيه الإرجاع، وليكن له إلى إشارته إصغاء واستماع، وإلى سبيل هديه اقتفاء واتّباع، وليقف عند ما يتقدّم به إليه فبذلك يحصل له الرّشد والانتفاع، والله تعالى يجددّ عليه سوابغ نعمنا الّتي جادت بأجناس وأنواع، ويجرّد في نصرتنا حسامه الّذي من بأسه الأعداء ترهب وترتاع، ويديم له ولجميع الأولياء من صدقات دولتنا الشريفة الإمتاع؛ والخط الشريف أعلاه، حجة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى. وهذه وصية نائب قلعة أوردها في «التعريف» :

وعليه بحفظ هذه القلعة الّتي زفّت إليه عقيلتها الممنّعة، وجليت عليه سافرة ودونها السماء بالسّحب مقنّعة، وسلّمت إليه مفاتيحها، وخواتيم الثّريّا أقفال، وأوقدت له مصابيحها، وفتائل «1» البروق لا تشبّ لقفّال. فليبدأ بعمارة ما دعت الحاجة إليه من تجديد أبنيتها، وتشييد أقبيتها، وشدّ عقودها، وعدّ ما لا يحصى [في الذخائر] «2» من نقودها، [وتنبيه أعين رجالها والكواكب قد همّت برقودها] «3» ، والأخذ بقلوب من فيها، وتدارك بقية ذمائهم وتلافيها، وجمعهم على الطاعة، وبذر الإحسان فيهم إذا عرف أرضا تزكو فيها الزراعة، والتّمادي لهم: فربّ رجال تجزى عن عدّة سنين في ساعة، وتحصين هذا الحصن المنيع بما يدّخر في حواصله، ويستمد بعمارة البلاد المختصة به من واصله، وما يكون به من المجانيق الّتي لا ترقى عقاربها «4» ، ولا توقى منها أقاربها، ولا تردّ لها مضارب، ولا يكفّ من زبانى «5» زبانيتها كلّ ضارب، ولا يخطيء سهمها، ولا يخفى بين النجوم نجمها، ولا يعرف ما في صندوقها [المقفل] «6» ، من البلاء المرسل، ولا ما في فخذها المشمّر السّاق من النشاط الّذي لا يكسل؛ وغيرها من الرايات الّتي في غيرها لا تشدّ، ولسوى خيرها لا تعقد، وما يرمى فيها من السهام الّتي تشقّ قلب الصّخر، وتبكي خنساء كلّ فاقدة على صخر «7» ؛ وكذلك قسيّ اليد الّتي لا يد بها ولا قبل، وكنائن السّهام الّتي كم أصبح رجل وبه منها مثل الجبل؛ وما يصان من اللّبوس «8» ، ويعدّ للنعيم والبوس، وما يمدّ

المرتبة الثانية (من المراسيم التي تكتب بحاضرة دمشق لأرباب السيوف - ما يكتب في قطع الثلث، وفيها وظيفتان)

من الستائر الّتي هي أسوار الأسوار، ولمعاصم عقائل المعاقل منها حلّى سوى كلّ سوار؛ وهي الّتي تلاث لثمها على مباسم الشّرفات، وتضرب حجبها على أعالي الغرفات، وسوى هذا مما تعتصم به شوامخ القلال، ويتبوّأ به مقاعد للقتال؛ فكلّ هذا حصّله وحصّنه، وآحسبه وحسّنه، وأعدّ منه في الأمن لأوقات الشدائد، واجر فيه على شأو من تقدّم وزد في العوائد؛ وهكذا ما يدّخر من عدد أرباب الصنائع، ومدد التحصين المعروف بكثرة التّجارب في الوقائع، والأزواد والأقوات، وما لا يزال يفكّر في تحصيله لأجل بعض الأوقات؛ وكن من هذا مستكثرا، وله على ما سواه مؤثرا، حتى لا تزال رجالك مطمئنّة الخواطر، طيّبة القلوب ما عليها إلا السّحب المواطر؛ واعمل بعادة القلاع في غلق أبواب هذه القلعة وفتحها، وتفقّد متجدّدات أحوالها في مساء كلّ ليلة وصبحها، وإقامة الحرس، وإدامة العسس، والحذار ممّن لعلّه يكون قد تسوّر أو اختلس، وتعرّف أخبار من جاورك من الأعداء حتى لا تزال على بصيرة، ولا تبرح تعدّ لكلّ أمر مصيره، وأقم نوب الحمام الّتي قد لا تجد في بعض الأوقات سواه رسولا، ولا تجد غيره مخبرا ولا سواه مسؤولا، وطالع أبوابنا العالية بالأخبار، وسارع إلى ما يرد عليك منها من ابتداء وجواب، وصبّ فكرك كلّه إليها وإلى ما تتضمّنه من الصواب. المرتبة الثانية (من المراسيم الّتي تكتب بحاضرة دمشق لأرباب السيوف- ما يكتب في قطع الثلث، وفيها وظيفتان) [الوظيفة] الأولى- شدّ الدواوين بدمشق . وصاحبها يتحدّث فيما يتحدّث فيه شادّ «1» الدواوين بالديار المصرية، وقد تقدّم.

وهذه نسخة مرسوم شريف بشدّ الدّواوين بدمشق: الحمد لله الّذي أرهف لمصالح دولتنا القاهرة من الأولياء، سيفا ماضيا، وجرّد لمهمّات خدمتنا الشريفة من الأصفياء، عضبا يغدو الملك عن تصرّفه الجميل راضيا، وجدّد السّعود في أيامنا الزاهرة لمن لا تحتاج هممه في عمارة البلاد المحروسة متقاضيا. نحمده على نعمه الّتي تستغرق المحامد، وتستوجب الشّكر المستأنف على الحامد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مجاهد لأعدائها، مجاهر لإعلائها، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف الأنبياء قدرا، وأوّلهم في الرتبة مكانة وإن كان آخرهم عصرا، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نهضوا بما أمروا، وعمروا الدّين قبل الدنيا فلم تتمكن الأياّم من [نقض] «1» ما عمروا، صلاة يتأرّج نشرها، ويتبلّج بشرها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن أولى من عدق «2» به من مهماتنا الشريفة أعمّها نفعا، وأحسنها في عمارة البلاد وقعا، وأكثرها لخزائن الأموال تحصيلا وجمعا، وأجمعها لمصالح الأعمال، وأضبطها لحواصل الممالك الّتي إذا أعدّ منها جبالا تلا عليها لسان الإنفاق: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ «3» ، من زانت عزمه نزاهته، وكمّلت قوّته في الحقّ خبرته ونباهته، وكان من أولياء دولتنا المعدّين لشدّ أركانها، وإشادة بنيانها، والنّهوض بمصالحها المتنوّعة، ونشر كلمة عدلها الّتي تغدو بالأدعية الصالحة مبسوطة وبالأثنية العاطرة متضوّعة. ولما كان فلان هو الّذي أشير إلى محاسنه، ونبّه على إبريز فضله المظهر من معادنه، مع صرامة تخيف اللّيوث، ونزاهة تعين على عمارة البلاد الغيوث،

الوظيفة الثانية - شد المهمات

وخبرة بإظهار المصالح الخفية وفيّة، وبإبراز معادن الأموال من وجوهها الجليّة مليّة، ومعرفة تعمّ البلاد بين الرغبة والرهبة، وتجعل مثل ما يودع فيها بالبركة والنماء مثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة- اقتضت آراؤنا الشريفة أن ننبّه على حسن اعتنائنا بأمره، واعتمادنا بما قدّمه من أسباب إسناء رتبته ورفعة قدره؛ فلذلك رسم- زاد الله في علائه- أن يفوّض إليه............... فليباشر ذلك مظهرا من مصالح الدولة القاهرة ما كان في ضمير كفايته مكنونا، مبرزا من تثمير الأموال وتعمير الأعمال ما يحقّق به من خصب البلاد بمشيئة الله تعالى ما كان مظنونا، مواليا إلى الخزائن المعمورة من حمول تدبيره ما يمسي به طائر تصرّفه ميمونا، وسبب توقفه مأمونا. وليكن النّظر في عمارة البلاد هو المهمّ المقدّم لديه، والأمر الّذي يتعين توفّر اهتمامه عليه، فليجتهد في ذلك اجتهادا يظهر أثره، ويجتنى ثمره، ويحمد ورده وصدره، وتتفرّع عنه أنواع المصالح، وتترتّب عليه أسباب المناجح؛ وملاك ذلك بسط المعدلة الّتي هي خير للبلاد من أن تمطر أربعين يوما، واعتماد الرّفق الّذي لا يضرّ معه البأس قوما، ولا يجلب على فاعله مع الحزم لوما، ولا يطرد عمن أنامه العدل في مهاد الدّعة نوما؛ وليصرف إلى استجلاب الأموال وموالاة حملها همّة ناهضة، وعزمة إلى ما قرب ونأى من المصالح راكضة، وقوّة بأسباب الحزم آخذة وعلى أعنّة التدبير قابضة، وفيما خبرناه من عزائمه المشكورة، وسيرته الّتي ما برحت بين أولياء دولتنا القاهرة مشهورة، ما يكتفى به عن الوصايا المؤكّدة، ويوثق به فيما عدق به من الأمور المسدّدة؛ لكن تقوى الله تعالى أولى الوصايا وأوّلها، وأحقّ ما تليت عليه تفاصيلها وجملها؛ فليقدّم تقوى الله بين يديه، ويجعلها العمدة فيما اعتمد فيه عليه، بعد الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه. الوظيفة الثانية- شدّ المهمّات . وصاحبها يتحدّث فيما يطلب للأبواب السلطانية من المستعملات وغيرها. وقد ذكر في «التثقيف» أنّ عادته أن يكون

مقدّم ألف «1» وهذه نسخة توقيع بشدّ المهمات بدمشق، وهي: الحمد لله الّذي شدّ عرى المصالح من الأولياء بكل ذي أيد «2» ، وكلّ من هو في المهمات أبطش بعمرو من زيد، ومن له تدبير كم أغنى باقتناصه لشوارد الأمور عن حبالة صيد. [وبعد] «3» فإن أحق من استخلص لاستخلاص الأموال، واختير لصونها من الاختزال وحفظها من الاختلال، وأهّل قلمه وكلمه: هذا للتمثيل وهذا للامتثال، وفوّض إليه التّصرّف في الترغيب والترهيب، والاجتهاد في التّمييز والتّحرير والتّوفير إذ كلّ مجتهد مصيب- من اشتهر بأنه ذو حزم لا يني، وعزم عن المصالح لا ينثني، واحتفال بالأحوال الّتي منها نكر لمن يجني وشكر لمن يجتني، وله نباهة يدرك بها كلّ إيهام وكلّ إبهام، ويطلع [بها] «4» على فلتات ألسنة الأقلام، ويفهم بها مقاصد كلّ من هو من الجنّة في كلّ واد يهيم، ولا يخفى عليه جرائر الجرائد ولا مخازي المخازيم «5» ؛ وفيه رحمة كم أصبح بها وهو الأتقى، ولم يأت قساوة يكون بها هو المنبتّ «6» الذي لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى؛ وكم ساس الأمور ودبّرها فأحسن فيها السياسة وأجمل التدبير، واستخرج [الشّيء الكثير] «7» بالتخويف اليسير، حتّى جمع حسن تدبير واسترعا، وصنع حسنا وأحسن صنعا.

ولما كان فلان هو لهذا الأمر الجليل المسترعى، واسمه في أوّل مدارج التّنويه والتّنويل خير مستدعى، وفيه من جميل الأوصاف ما يرضي حسن الاقتراح وقد خبر أمور الكتبه، وقد علم من أحوالهم ما هو أحرى لهم بالتّجربة، وعرف خفايا المعاملات معرفة تامّة، وأحاط بجزئيات الجهات وكلّيّاتها إحاطة خاصّة وعامّة- اقتضى حسن الرّأي المنيف، أن رسم بالأمر الشريف- لا برح يشدّ عضد كلّ مهتمّ من الأولياء بأخي كل عزم، ويجعل له سلطانا لا يكل مصلحة إلى حزم ذي حزم- أن يفو- ض إليه شدّ- المهمات بالشام المحروس. فليضبط الأمور ضبطا مستوعبا، ولينتصب لذلك انتصابا مترتّبا، وليحترز منفّذا ومصرّفا، ومسرعا ومستوقفا، ومتى ظهر حقّ يتمسك به تمسّك الغريم «1» ، ولا يحاب فيه ذا بأس قويّ ولا ذا منهج إلى المنع والدّفع غير قويم؛ وما من جهة إلا ولها شروط صوب الصّواب، ولا يعتمد على غير الحقّ منكّبا عن ترويج الكتاب، ولتكن الحمول مسيّرة، والمتخرّجات متوفّرة، وجهات الخاصّ مقرّرة، إذ الضّمّان لا ينتظر لهم نظرة إلى ميسرة «2» ، فإنهم سوس المعاملات، وكواسر الجهات، ومنهم يحفظ أو يضاع، وبهم يترقّى أو ينحطّ الارتفاع، وجهات المقطعين الواجب له أن يجعل عليها واقية باقية، ولتحم لهم حتّى لا يتطاول إلى ذروتها امتداد الأيدي المختزلة ولا خطا العدوان الرّاقية، وليصرف وجهه بحفظه إلى مراقبة من في باب الشّدّ «3» من مقدّمين ومن رسل يأكلون أموال الناس بالباطل، ويبيعون الآجل بالعاجل، ويخيفون العامّ والخاص، وكل منهم يروم الغناء وهو رقّاص. هذه زبدة من الوصايا مقنعة، وعزمات غنيّة عن تكثير في القول أو توسعة؛ والله تعالى يكون له ويعينه، بمنه وكرمه، إن شاء الله تعالى.

الصنف الثاني (من الوظائف بدمشق الوظائف الدينية، وجميع ما يكتب فيها تواقيع، وهي على مرتبتين)

الصنف الثاني (من الوظائف بدمشق الوظائف الدينية، وجميع ما يكتب فيها تواقيع، وهي على مرتبتين) المرتبة الأولى (ما يكتب في قطع النصف ب «المجلس العاليّ بالياء» مفتتحا ب «الحمد لله» وبذلك يكتب للقضاة الأربعة بحاضرة دمشق. وهذه نسخة توقيع بقضاء الشافعية بدمشق المحروسة، كتب به لقاضي القضاة «بهاء الدين أبي البقاء السّبكي» «1» وهي: الحمد لله الّذي أقرّ أحكام الشّرع الشريف، في أيامنا الزاهرة على أكمل القواعد، وأمرّ مدار الحكم المنيف، في دولتنا القاهرة على أجمل العوائد، وأمضى فصل القضاء في ممالكنا الشامية بيد إمام غنيت فضائله عن الشواهد، وأمته الأئمّة لاقتباس الفوائد، وعدقت أحكام الملّة منه بمجاهر في الحق مجاهد، مسدّد في الدّين سهم اجتهتاد رمى به شاكلة «2» الصّواب عن أثبت يد وأشدّ ساعد. نحمده على نعمه الّتي حلّت مناصب الدين في ممالكنا الشريفة بأكفائها، وعلّت رتب العلم في دولتنا القاهرة باستقرار من جعلته فضائله غاية اختيارها ونهاية اصطفائها، ودلّت على اعتنائنا بتنفيذ أحكام من أتعبت سيرته الجميلة من سهد في اتّباعها وجهد في اقتفائها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا تزال أعلامنا بها تنتصر، وأيّامنا على الجهاد لتكون كلمتها

هي العليا تقتصر، وأقلامنا لنشر دعوتها في الآفاق تسهب ولا توجز وتطنب ولا تختصر، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف من قضت أمّته بالحقّ فعدلت، وتلقّت عنه أحكام ملّته ففاقت بذلك الأمم وفضلت، وحكمت بما أراها الله من شرعته فما مالت عن سننه القويم ولا عدلت، صلّى الله عليه وعليه آله وصحبه الذين أسلموا لله فسلموا، وعملوا في دين الله بما علموا، وبذلوا النفوس في طاعته فما استكانوا لما أصابهم في سبيل الله ولا ألموا، صلاة نؤدّي بها من أمر الله المفترض، ونرغم بإقامتها الذين في قلوبهم مرض، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن أولى من تنقّل في رتبه السّنيّة، ووطّدت له بمصر والشّام قواعد سيرته السّريّة، وأطلقت جياد اليراعة في إمضاء حكمه في المملكتين مثاني أعنتها وأنطقت صعاد البراعة في أعلاء بهائه فيهما [السنة] «1» أسنتها وأردنا أن نردّه إلى أعزّ الممالك علينا لنقرّ عينها، وقصدنا أن نعيده إلى رتبته بها لنوفّي باستعادته دينها، واخترنا أن نجدّد لهذه الوظيفة سالف عهده، وأن نريه اعتتناءنا بأمر منصبه الّذي لم يله مثله من الأئمّة من بعده، وعلمنا أنّ الديار المصرية قد اختصت بفضائله زمنا طويلا، وأن البلاد الشّاميّة قد ألفت من أحكامه ما لم ترد به بديلا- من ظهرت فضائله ظهور نعته، وتهادت فوائده رفاق الآفاق: من علماء زمانه وأئمة وقته، وعلمت أوصاف الصّدور الأول من علمه وورعه وسمته «2» ، ونشرت الأيام من علومه ما لم يطوبل تطوى إليه المراحل، ونقلت الأقلام من فنونه ما روى فيروى به السّمع الظّامي ويخصب به الفكر الماحل، وألفت الأقاليم من حكمه ما غدت به بين مسرور بإشراقه، ومروّع بفراقه، فمن أقضية مسدّدة، وأحكام مؤيّدة، وأقوال منزّهة عن الهوى، وأحوال صادرة عن زهادة محكمة القواعد ونزاهة مجتمعة القوى، وإصابة دالّة على ما وراءها من علم وورع، وإجابة في الحقّ تحيا بها السّنن وتموت البدع، وشدّة في الدّين تصدع

في كل حكم بالحقّ وإن صدع، وعدل لا يستلان جانبه، وحزم لا يستزّل صاحبه، ولا يستنزل راكبه، وقوة في الحقّ تمنع المبطل من الإقدام عليه، ولين في الله يفسح للحقّ مجال القول بين يديه، ومجالس غدت بالعلم طيّبة الأرج، وفضائل يحدّث فيها عن موادّ فكره عن البحر ولا حرج؛ وبدائع تضرب إلى استماعها أكباد الإبل، وبدائه تهرم الأيام وعمر شبابها مقتبل. ولما كان المجلس العاليّ- أدام الله نعمته- هو الّذي ورد على أبوابنا العالية ونور ولائه يسعى بين يديه، وصدر الان عنها وحلل آلائنا تضفو عليه، وأقام في خدمتنا الشريفة معدودا في أكرم من بها قطن، وعاد إلى الشّام مجموعا له بين مضاعفة النّعم والعود إلى الوطن، وهو الّذي تختال به المناقب، وتختار فضله العواقب، ويشرق قلمه بالفتاوى إشراق النّهار، وتغدق منافعه إغداق السّحب بالأمطار، وتحدق الطّلبة به إحداق الكمامة بالثّمر والهالات بالأقمار؛ وهو شافي عيّ كلّ شافعيّ، ودواء ألم كل ألمعيّ؛ طالما جانب جنبه المضاجع سهادا، وقطع اللّيل ثم استمدّه لمدد فتاويه مدادا، وجمع بين المذهبين نظرا وتقليدا، والمذهبين من القولين قديما وجديدا، وسلك جميع الطّرق إلى مذهب إمامه، وملك حسانها فأسفر له كلّ وجه تغطّى من أوراق الكتب بلثامه، وانفتحت بفهمه للتصانيف أبواب شغلت «القفّال» «1» أقفالها، ونفحت نفحات ما (للماورديّ» مثالها، ومنحت حللا يفخر «الغزاليّ» إذا نسج على منواله سربالها؛ فلو أدركه «الرّافعيّ» لشرح «الوجيز» » من لفظه، وأملى

أحكام المذاهب من حفظه، وصدّر المسائل بأقواله، وأعدّ لكلّ سؤال وارد حجّة من بحثه وبرهانا من جداله؛ فله في العلم المرتقى الّذي لا يدرك، والمنتهى الّذي لا ينازع في تفرّده ولا يشرك، والغاية الّتي أحرزها دون غيره فلولا المشقة لم تترك، وهو الّذي ما زال بهذه الرتبة مليّا، وبما عدق بذمّته من أحكامها وفيّا، وبكلّ ما يرضي الخليقة عنه من أحوالها قائما وكان عند ربّه مرضيّا، وبأعبائها مستقلّا من حين منحه الله العلم ناشئا وآتاه الحكم صبيّا. وما برح تدعوه التّقوى فيجيبها، ويترك ما لا يريب نفسه تنزيها عمّا يريبها؛ فكم فجّر بالبلاد الشّاميّة من علمه عيونا، وغرس بها من أفنان فضله فنونا، وكان لها خير جار ترك لها ما سواها، وأكرم نزيل نوى بالوصول إليها مصلحة دينه فلم يضيّع الله له نيّته الّتي نواها، وألف قواعد أهلها وعوائدهم، وعرف بحسن اطلاعه ما جبل الله عليه غائبهم وشاهدهم، وعدوه من النّعم المقبلة عليهم، واقتدوا في محبّته بالذين تبوّأوا الدّار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم؛ ثم قدم إلى الدّيار المصرية وما كان قدومه إلا علينا، ووفد إليها بحسن مودّته ومحبته اللّتين ما وفد بهما إلا إلينا، فرأينا منه إماما لا يحكم في توليته الحكم بالهوى، ولا ينوى في تقليده القضاء غير مصلحة المسلمين «ولكلّ امري ما نوى» ؛ وهو- بحمد الله- لم يزل بقواعد هذا المنصب خبيرا، وبعوائد هذه الرتبة بصيرا، وبإجرائها على أكمل السّنن وأوضح السّنن جديرا، وبإمضاء حكم الله الّذي يحقّق إيجاد الحقّ فيه للأمة أنّه من عند الله وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً «1» ، مع ما تكمّلت به فضائله من الوقوف مع الحقّ المبين، والتّحلّي بالورع المتين، والتّخلّي للعبادة الّتي أصبح من اتصف بها مع النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين. فلذلك رسم بالأمر الشريف الأشرفيّ النّاصريّ- لا زال علم العلم في

أيامه مرفوعا، وألم الجهل بما خص الله به دولته من الائمة الأعلام مدفوعا- أنّ يفوّض إلى المشار إليه قضاء القضاة الشافعيّة، ونظر الأوقاف بدمشق المحروسة وأعمالها بالبلاد الشامية، وما هو مضاف إلى ذلك من الصدقات والتّداريس والتصدير وغير ذلك، على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته ومعلومه. فليقابل هذا التقليد السعيد بيد زيد في الحقّ تمكّنها، وعلى الخير تمرّنها، وفي العدل انبساطها، وفي أحكام الله تعالى بحسن المعاضدة على الحقّ قوّتها واحتياطها، وليمض على ما ألف من سيرته الّتي زان العلم أوصافها، وزان الورع اتّصافها، وحلّى العدل مفاخرها، وأحيا التّقى مآثرها، وتناقلت رفاق الآفاق أحكامها، واستصحبت من هدايا هداها ما تتحف به حكّامها؛ وفيما نعت من محاسنه ما يغني عن الوصايا المجدّدة، والإشارات المردّدة؛ لكن الذكرى بتقوى الله تنفع المؤمنين، وترفع المتّقين، وتجمع مصالح الدنيا والدين؛ فلجعلها خلقه ما استطاع، ولير حكمها هو الحكم المتبع وأمرها هو الأمر المطاع؛ والاعتماد.. «1» . رابع عشر المحرم سنة خمس وسبعين وسبعمائة. قلت: ولم أقف على تفويض لقاض من كتابة من تقدّم سوى تفويض واحد، من إنشاء المقر الشّهابيّ «2» بن فضل الله، كتبه لقاضي القضاة «شهاب الدين ابن المجد عبد الله» بالشام المحروس، على مذهب الإمام الشافعيّ. وهذه نسخته: الحمد لله على التّمسّك بشرائعه، والتّنسّك بذرائعه، والتّوسّل إلى الله بتأييد أحكام شارعه، والتوصل به إلى دين يقطع به من الباطل أعناق مطامعه. نحمده حمدا يأخذ من الخير بمجامعه، ويضاهي الغمام في عموم

منافعه، ويباهي السيف بقلم الشرع في قهر عاصيه وحماية طائعه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تؤدّي للإيمان أمانة ودائعه، وتهدي إلى صيانة مشارعه، وتقيم من العلماء كلّ شهاب تقسم الأنوار بلوامعه، وتقسم الأبصار ببدائعه، وتجول الفتاوى في صدره الفسيح وتتجوّل في شوارعه، وترهف منهم للحكم العزيز كل قلم يدلّ السهم على مواقعه، وينبّه الرمح من مقاتل الأعداء على مواضعه، ويسري غمامه إلى الأعداء بصواعقه وإلى الأولياء بهوامعه، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الّذي أسعد الأمة بطالعه، وأصعد الأئمة في مطالعه، وأسعف الملّة بما أبقى الله فيها من حسن صنائعه ويمن طلائعه، ومن شريعته الّتي أمن حبلها الممدود من جذب قاطعهع، وكفي شر قاطعه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة [تتوالى إليه توالي] «1» العذب إلى منابعه؛ وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن الله لما أقامنا لحماية شرعه الشريف أن يستباح حماه، أو يباح لأحد من حكّامه أن يركب هواه، أو يتعدّى حدوده في سخطه أو رضاه، أو يحدث في أمره ما ليس منه إلا أن يكون ردّا على سواه [جعلنا] «2» نجدّ على إقامة مناره أن يطمس، وإدامة مبارّه أن يقلع منارها أو يبخس، استدامة لتأبيس «3» حكّامه، وتأييد أحكامه، لأنّه سحائب أنواء يعمّ الربيع ربوعها، ومشكاة أنوار يكاثر الصّباح لموعها، وأفاويق وفاق تنيم به الأمّة ضروعها، وشجرة مباركة إسلامية زكت أصولها ونمت فروعها، شكرا لله على ما خصّنا به: من تحصين ممالك الإسلام، وتحسين مسالك دار السلام، لنمنع المحن أن تسام، وبروق الفتن أن تشام، ووجوه الفتوى أن تتزين إلّا بشامة الشّام، غبطة بأن الله جعل للإسلام منها ما هو خير وأبقى، وأشرف وأتقى، وأعظم بلد تتشعّب بالمذاهب طرقا، وتودّ المجرّة لو وقفت بها على الشريعة نسقا، تتزاحم في مركزها

الأعلام، وتتضافر على الجهاد في الله بالجلاد والجدال تارة بالسيوف وتارة بالأقلام. ودمشق حرسها الله هي أمّ ذلك الإقليم، ومدده الّذي يحنو على مشارعها حنّو الوالدة على الفطيم، وتنبت بها فوائد لا تأمن معها الغواني حتّى تلمس «جانب العقد النّظيم» ؛ وهي دار العلم، ومدار الحكم، وموطن علماء تتعاقب فيها كواكبهم، وتتناوب سحائبهم، وتتناهى إلى حكمها العزيز الشكوى وتنفصل بحكم حاكمها الدعوى، ويمتدّ جنناح طيلسانه على رضوى «1» ويحلق البرق وراء فهمه ولا يبلغ غايته القصوى، ويطول قلمه على السيف المشهّر «2» ، ويرفرف سجلّه على الشرع المطهّر؛ كم حلّت في صدوره صدور، وكم طلعت منهم شموس وبدور، وكم حمدت منهم أمور عاقبة ولله عاقبة الأمور، كم أداء درس بهم ذكر، وكم أدب نفس شكر، كم بهم مجد رسخ، وجدّ لملّة ممالاة نسخ، كم أقضية لهم بالحق وصلت، وقضيّة للحقّ فصلت، ومهنة من غلبهم اللاحق حصلت، كم سجلّ صاحب هذا المنصب حامل علمه المنشور، ومصباح ديمه الحافلة على ممرّ الدّهور، بشرف مدرّس علم يطلع من محرابه، ونسّاك حلم يبدو بدره التّمام خلف سحابه، ومجلس إفادة، انعقد عليه فيه الإجماع؛ ومحفل ساد ة، كان فيهم واسطة عقد الاجتماع. [ولما] «3» تزلزلت قدم منابره، وانتهك حجاب ضمائره، واستزلّه الشيطان بكيده المتين، وأضلّه على علمه المبين، وسبق القلم الشّرعيّ، بما هو كائن، ومضى الحكم القطعيّ، بما هو من تصرّفه بائن- تردّد الاختيار الشريف فيمن نحلّي جيده بتقليدها، ونؤهّل يراعه لتسليم مقاليدها، وصوّبنا صواب النّظر فيها مصرا وشاما، واستشرفنا أعلاما، وتيقنّا لأقوى ما يكون [لها] «4» قواما، وابتكرنا أنه لا يصلح إلا من كان لحلّة المجد طرازا، ويزيد العمل إليه اعتزاء والعلم به

اعتزازا، إلى أن أجمع رأينا العالي على من لا ينكر ذو قدم ولا قدم ولا قلم، أنه السابق، ولا يجحد ربّ علم ولا عمل ولا علم، أنه الباسق، ولا يشكّ أنّ من فوائده يستمدّ المطر ومن توقّد ذهنه يقدح زناد البارق، ولا يرتاب البحر أن فرائده ما يطوّق العنق ويشنّف الأذن ويتوّج المفارق، ولا يمارى في فضله الّذي لو طلب له مثيل لم يصب، ولو ادّعى الكوكب السّاري أنّه له شبيه لمسّه النّصب، أو تلفّتت أعناق القنا إلى قلمه لأيقنت أنها كلّ على القضب؛ وهو الّذي أفنى عمره في تحصيل العلم اشتغالا، وجدّ في الطّلب لصالح العمل وإن تغالى، وبقي فقيه قوم ما جدّ منهم مثله ماجد، ولا جادت يد كريم منهم تمتدّ بما هو جائد، ودرج أقرانه إلى الله وخلّي دونهم شرعا لا يردّ واردا، وخلّف بعدهم سهما في الكنانة واحدا. وكان المجلس العاليّ- أدام الله تأييده- هو الّذي تختال به المناقب، وتختار فضائله العواقب، وتشرق بقلمه الفتاوى إشراق النّهار، وتغدق منافعه إعداق السّحب بالأمطار، وتحدق به الطّلبة إحداق الكمامة بالثّمر والهالات بالأقمار، وهو شافي عيّ كلّ شافعيّ، ودواء ألم كل المعيّ، طالما جانب جنبه المضاجع سهادا، وقطع الليل ثم استمدّه لمدد فتاويه مدادا، وجمع بين المذهبين نظرا وتقليدا، والمذهبين من القولين قديما وجديدا، وسلك جميع الطرق إلى مذهب إمامه، وملك حسانها فأسفر له كل وجه تغطّى من أوراق الكتب بلثامه، وانتفتحت [بفهمه] «1» للتصانيف أبواب شغلت «القفّال» أقفالها، ونفحت له نفحات ما «للماورديّ» مثالها، وسفحت ديم غزار يسقي «المزنيّ» سجالها، ومنحت حللا يفخر «الغزالي» إذا نسج على منواله سربالها. فرسم بالأمر الشريف- لا زال يجدّد ملابس فضله، ويقلّد كلّ عمل لصالح أهله- أن يفوّض إليه قضاء قضاة الشافعية بدمشق المحروسة وأعمالها وجندها وضواحيها، وسائر الممالك الشامية المضافة إليها والمنسوبة لها

والمحسوبة فيها، يولّى ذلك ولاية صحيحة شرعية، على عادة من تقدّمه وقاعدته المرعيّة، مع ما هو مضاف إلى من كان قبله من تدريس المدارس، تفويضا لا ينافسه فيه منافس، ولا يجالسه في درسه إلا من ارتضى من النجوم أن يجالس؛ وأذنّا له أن يستنيب عنه من لا يخجل عند الله ولا عندنا باستنابته، ولا يداخله ظنّ في خلاص ذمته بإنابته إلى الله في نيابته؛ على أنّه يتفقد أعمالهم، ويتصفّح أحوالهم: فمن نقل إليه ثقاته أنه على طريق مستقيم أقرّه، وإلا صرفه ثم لا يكون له إلى عمله كرّة؛ وهو القائم بحجّة الشرع الشريف وحجة الله عليه قائمة، وعليه إن قصّر- والعياذ بالله- في أموره تعود اللائمة؛ وأنت تعلم أنّا ما كنّا نعرفك عيانا، وإنّما وصفت لنا حتى كأنّا نراك وسمعت بما نحن عليه حتى كأنّك ترانا؛ فشيّد لمن شيّد لك شكرهم أركانا، وأعلى ذكرهم لمجدك بنيانا، وجعل لك قدرهم الجميل منّا سلطانا، وأقم بحسن سلوكك على ما قالوا فيك برهانا، واعرف لهم حقّ معروفهم وجازهم عن حسن ظنّهم بالحسنات إحسانا. ونحن نوصيك بوصايا تشهد لنا يوم القيامة عليك ببلاغها، ويعترض منها في الحلوق شجا: فأيّ الرجال يقدر على مساغها، فإن قمت بها كان لنا ولك في الأجر اشتراك، وإن أضعت حقوقها فالله يعلم أننا أخرجنا هذه الأمانة من عنقنا وقلّدناك؛ والله وملائكته بيننا وبينك شهود على ما أوليناك وما ولّيناك؛ فعليك بتقوى الله في السّرّ والإعلان، والعمل بما تعلمه سواء رضي فلان أو سخط فلان، والانتهاء إلى ما يقتضيه عموم المصالح، وإمضاء كل أمر على ما أمر الله به رسوله صلّى الله عليه وسلّم وكان عليه السّلف الصّالح، وإقامة حدود الله ولا تتعدّ حدوده، وقمع البدع لإظهار الحق لا لإثارة فتنة مقصودة؛ فقد علمت ما أنكرته أنت وأمثالك من الأئمة العلماء على من تقدّمك من تسرعه في مثل ذلك، وتطلّعه إلى مطالب سقط دونها في مهاوي المهالك؛ فإيّاك إيّاك أن تتّبع في هذا النّحو سبله، أو «تنه عن خلق وتأتي مثله» والصدقات الحكمية على مادّة المساكين، وجادّة الشّاكين، ففرّقها على

أهلها، واجمع لك الحسنات عند الله بتبديد شملها، ولا تبق منها بقية تبقى معرّضة لأكلها، فلو أراد واقفوها- رحمهم الله- أنها تبقى مخزونة، لما سمحوا ببذلها؛ وبقيّة الأوقاف شارف في أمورها، وشارك الواقفين- رحمهم الله- في أجورها، وخص الأسارى- أحسن الله خلاصهم- بما يصل به إحسانك إليهم، ويضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم. والأيتام- جبرهم الله-: منهم الطّفل والمميّز والمراهق ومن لم يملك رشده، أو من يحتاج أن يبلغ في جواز التصرّف أشدّه؛ وكلّ هؤلاء فيهم من لا يعلم من يضرّه ممن ينفعه، ولكن الله يعرّفه وفي أعماله يرفعه؛ فاجتهد أن تكون فيهم أبا برّا، وأن تتّخذ فيهم عند الله أجرا، وأن تعامل في بينك بمثل ما عاملتهم إذا انقلبت إلى الدّار الأخرى، واحفظ أموالهم أن تنتهكها أجرة العمّال، وترجع في قراضها إلى ما يجحف برؤوس الأموال؛ ومثّل أعمالك [المعروضة] «1» على الله في صحائفها المعروضة، واحذر من المعاملة لهم إلا بفائدة ظاهرة ورهن مقبوضة. والجهات الدّينيّة هي بضاعة حفظك، ووداعة لحظك، فلا تولّ كلّ جهة إلا من هو جامع لشرطها؛ قائم بموازين قسطها. والشهود هم شهداء الحقّ، وأمناء الخلق، وعلى شهاداتهم تبنى الأحكام؛ فإيّاك والبناء على غير أساس ثابت فإنّه سريع الانهدام؛ ومنهم من يشهد في قيمة المثل ويتعين أن يكون م ن أهل البلد الأمثل، لأنه لا يعرف القيمة إلّا من هو ذو سعة مموّل؛ ومنهم من أذن له في العقود فامنع منهم من للتسهل بسبب من الأسباب، وما تمهّل إشفاقا لاختلاط الأنسال والأنساب، يقبل بالتعريف ما يخلو من الموانع الشرعية من كان، ولا يحسن في تزويجه يمسك إمساكا بمعروف ولا يسرح تسريحا بإحسان؛ وهؤلاء مفاسدهم أكثر من أن

تحصى، والبلاء بهم أكبر من أن يستقصر أو يستقصى؛ فاعتبر أحوالهم اعتبارا جليّا، وفكّر في استدراك فارطهم فكرا مليّا؛ ومن لم يكن له من العلم والدّين ما يوضّح له المشتبهات، فإيّاك وتركه فربّ معتقد «1» أنه يطأ وطأ حلالا وقد أوقعه هذا ومثله في وطء الشّبهات؛ ومنهم من يعمد إلى التّحليل، ويرتكب منه محذورا غير قليل، وهو بعينه نكاح المتعة «2» الذي كان آخر الأمرين من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّهي عنه، وقام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه محذّرا منه؛ فاحسم هذه المادّة الرّديّة الّتي تؤلم عضوا فيسري إلى سائر الأعضاء ألمها، ويبقى في كثير من الذّراريّ المولودة من هذه الأنكحة الفاسدة ثلمها. والرّسل والوكلاء بمجلس الحكم العزيز ومن يلمزك «3» في الصّدقات، وما نزل في أمور ما يريدون بها تقليد حكمك بل ما يقضون به الأوقات؛ فلا تدع ممن تريد منهم إلا كلّ مشكور الطريق، مشهور القصة بين الخصوم بطلب التوفيق. والمكاتيب هي سهاخمك النّافذة، وأحكامك المؤاخذة؛ فسدّد مراميها، ولا تردفها ما عرض عليك من الأحكام حتى لا يسرع الدخول فيها؛ والمحاضر هي محل التّقويّ، فاجتهد فيها اجتهادا لا تذر معه ولا تبقي. وأما قضايا المتحاكمين إليك في شكاويهم، والمحاكمين في دعاويهم، فأنت بهم خبير، ولهم ناقد بصير؛ فإذا أتوك لتكشف بحكمك لأواءهم «4» ،

فاحكم بينهم بما أراك الله ولا تتّبع أهواءهم؛ وقد فقّهك الله في دينه، وأوردك من موارد يقينه، ما جعله لك نورا، وجلاه لك سفورا، وأقامه عليك سورا، وعلّمك ما لم تكن تعلم منه أمورا؛ فإن أشكل عليك أمر فردّه إلى كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وإجماع أصحابه فإن لم تجد فعندك من العلماء من تجعل الأمر بينهم شورى، ولأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتاب «1» كتبه إلى بعض القضاة، فاعمل بمقتضاه، واعلم بأنّ الله تعالى قد ارتضاك لخلقه فاعمل على رضاه. والأئمة العلماء هم إخوانك في الدّين، وأعوانك على ردع المبتدعين، ولسانك في المحفل وجناحك إذا جلسوا ذات الشمال وذات اليمين؛ فنزّلهم منازلهم الّتي أحلّهم الله في شرفاتها، وبوّأهم رفيع غرفاتها، وتألّف خواطرهم فإنّك تنظر إلى كثير من الأمور في صفاء مصافاتها. ومن نسب إلى خرقة الفقر «2» وأهل الصلاح هم أولياء الله المقرّبون، وأحبّاؤه الأقربون، فعظّم حياتهم، وجانب محاباتهم، فما منهم وإن اختلفت أحوالهم إلا من هو على هدى مبين، واحرص أن تكون لهم حبّا يملا «3» قلوبهم فإنّ الله ينظر إلى قوم من قلوب قوم آخرين. وانتصب للدروس الّتي تقدّمت بها على وافد الطلبة فإنّ الكرم لا يمحقه الالتماس، والمصباح لا يفني مقله كثرة الاقتباس، والغمام لا ينقصه توالي المطر ولا يزيده طول الاحتباس، والبحر لا يتغيّر عن حاله وهو لا يخلو عن الورّاد في عدد الأنفاس.

والوصايا كثيرة وإنّما هذه نبذة جامعة، وبارقة لامعة، ومنك يستفاد بساط القول، وانبساط الطّول؛ ولهذا يكتفى بما فيك، والله تعالى يكفيك، ويحصي حساب أعمالك الصّالحة ليوفيك، حتّى تجد فلا يتخلّف بك السير، وتستعدّ ليختم لك بخاتمة الخير، والاعتماد على الخط الشريف. قلت: وهذه نسخة توقيع بقضاء، أنشأته بدمشق للقاضي «شرف الدّين مسعود» «1» وهي: الحمد لله الّذي شيّد أحكام الشّرع الشريف وزاد حكّامه في أيّامنا شرفا، ورفع منار العلم على كلّ منار وبوّأ أهله من جنّات إحساننا غرفا، وأباح دم من ألحد فيه عنادا أو وجّه إليه طعنا، وأوجب الانقياد إليه بقوله تعالى: إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا «2» ، وألهم الصواب في اختيار من لم يزل لهذه الرتبة معدّا ومن رجالها معدودا، وصرف وجه إقبالنا إلى من ارتضيناه للمسلمين حاكما فأصبح بنظرنا مسعودا. نحمده حمد من اعتنى بالقيام بشرائع الإسلام وتعظيم شعائره، ونصح للرّعيّة فيمن ولّاه عليهم وأعطى منصب الشرع حقّه بتقديم أكابره. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يقضى لصاحبها بالنّجاة من النّار، ويسجّل لقائلها بالثبوت في ديوان الأبرار، وأن محمدا عبده ورسوله الّذي شرط الإيمان بالرضا بحكمه وأوجب طاعته أمرا ونهيا واستجابة وتحكيما، فقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً

مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً «1» ، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نحن بسيرهم مهتدون، وبآثارهم مقتدون، وعلى آله وصحبه الغرّ الكرام الذين قضوا بالحقّ وبه كانوا يعدلون، صلاة لا يختلف في فضلها اثنان، ولا يتنازع في قبولها خصمان، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فلما كانت مرتبة الشرع الشريف هي أعلى المراتب، ومنصب حكّامه في الورى أرفع المناصب، إليه تنتهي المخاصمات فيفصلها ثم لا تعدوه، ويحكم فيه على الخصم فيذعن لحكمه ثم لا يشنوه «2» ، بل يتفرّق الخصمان وكلّ منهما بما قضي له وعليه راض، ويقول المتمرّد الجائر لحاكمه: قد رضيت بحكمك فاقض فيّ ما أنت قاض؛ وناهيك برتبة كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو المتصدّي للقيام بواجبها، والخلفاء الراشدون- رضوان الله عليهم- محافظين على أداء رواتبها؛ ثم اختصّ بها العلماء الذين هم ورثة الأنبياء من الخليقة، واستأثروا بها دون غيرهم من سائر الناس فهم أهلها على الحقيقة؛ إذ لا يؤهّل لهذه الرتبة إلا من ارتقى إلى درجات الكمال، واتّصف بأحسن الأوصاف واحتوى على أنفس الخصال، وتضلّع من العلم الشريف بما يرويه، وفاق في العقل والنقل بما يبحثه ويرويه. ولما كان المجلس الفلانيّ هو عين هذه القلادة وواسطة عقدها، وقطب دائرتها وملاك حلّها وعقدها؛ إذ هو «شريح» الزمان ذكرا، و «أبو حامد» سيرة و «أبو الطّيّب» «3» نشرا؛ لا جرم ألبسته أيّامنا الزاهرة من الحكم ثوبا جديدا، وأفاض عليه إنعامنا نحلة نعقبها- إن شاء الله تعالى- مزيدا. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت الشريعة المطهّرة بمناصرته في أعزّ

صوان، وحكّامها بمعاضدته في أعلى درجة وأرفع مكان- أن يفوض إليه ... فليباشر هذه الوظيفة مباشرة مثله لمثلها، وليعمل بما يعلمه من أحكامها فهو ابن بجدتها «1» والخبير بمسالك وعرها وسهلها؛ فهو الحاكم الّذي لا يساوى، والإمام الّذي يقتدى به في الأحكام والفتاوى؛ فعليه بالتأنّي في الأحكام، والتّثبّت فيما يصدر عنه من النّقض والإبرام؛ ولينظر في الأمر قبل الحكم المرّة ثم الأخرى، ويكرّر النّظر في ذلك ولو أقام شهرا، ويراجع أهل العلم فيما وقف عليه ويشاورهم فما ندم من استشار، ويقدّم استخارة الله تعالى في سائر أموره فما خاب من استخار، وليدر مع الحق كيف دار، ويتّبع الصّواب أنّى توجّه ويقتفي أثره حيث سار؛ وإذا ظهر له الحقّ قضى به ولو على ابنه وأبيه، وأعزّ أصدقائه وأخصّ ذويه، غير مفرّق في فصل القضاء بين القويّ والضّعيف، والوضيع والشّريف، ولا مميّز في تنفيذ الحكم بين الغنيّ والفقير، والسّوقة والأمير، وليسوّبين الخصوم حتّى في تقسيم النظر إليهم، كما في موقف الحكم وسماع الدّعوى وردّ الأجوبة فيما لهم وعليهم، وليستخلف من النوّاب من حسنت لديه سيرته، وحمدت عنده طريقته، ويوص كلّا منهم بما نوصيه به ويبالغ في تأكيد وصيته، ويستحضر السر في قوله صلّى الله عليه وسلم: «ألا كلّكم راع وكلكم مسؤول عن رعيّته» . وليمعن النّظر في أمر الشهود الذين تترتب على شهادتهم أمور الدنيا والفروج والأموال، ويتفقّد أمرهم في كل وقت ولا يغفل عنهم في حال من الأحوال، ويحملهم من الطرائق على أحسن وجهها؛ وأحقّهم بإمعان النظر شهود القيمة والعمائر، الذين يقطع بقولهم في أملاك الأيتام والأوقاف مما تنفر عنه القلوب وتنبو عنه الضمائر. والوكلاء «2» والمتصرّفون فهم قوم فضل عنهم الشرّ فباعوه، واستحفظوا

الودّ فلم يرعوا حقه وأضاعوه؛ فهم آفة أبواب القضاة بلا نزاع، كيف وهم الضّباع الضّارية والذّئاب الجياع. وما تحت نظره من أوقاف المدارس والأسرى والصّدقات، وغيرها مما يقصد به واقفوه وجه البر وسبيل القربات، يحسن النظر في وجوه مصارفها، مع حفظ أحوالها الّذي هو أغيا مراد واقفها. وأهل العلم أبناء جنسه الذين فيهم نشأ ومنهم نجم، وجنده الذين يقصدونه بالفتاوى فيما قضى وحكم، فليوفّر لهم الإحسان، ويصنع معهم من المعروف ما يبقى ذكره على ممرّ الأزمان؛ ومثله لا يحتاج إلى كثرة الوصايا، وثوقا بما عنده من العلم بالأحكام والمعرفة بالقضايا؛ لكن عليه بتقوى الله ومراقبته يكن له مما يتبوّءه ظهيرا، ويسترشده في سائر أموره يجعل له من لدنه هاديا ونصيرا؛ والله تعالى يبلّغ واثق أمله من كرمنا مراما، ويوطّيء له المهاد ببلد حسنت مستقرّا ومقاما، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة المالكية بالشام، من إنشاء الشيخ شهاب الدّين محمود الحلبيّ تغمّده الله برحمته، وهي: الحمد لله جاعل المذاهب الشّرعيّة في أيامنا الشريفة زاهية بأركانها الأربعة «1» ، مستقرّة على النّظام الّذي غدت به قواعد الحجّة محكمة ومواقع الرحمة متّسعة، فإذا خلا ركن من مباشرة أقمنا من تكون القلوب على أولويّته مجتمعة، وانتقينا له من الأتقياء من تغدو به الأمّة حيث كانت منتفعة، واستدعينا إليه من تغدو الأدعية الصالحة لنا بتفويض الحكم إليه مرتفعة، الّذي خصّ مذهب «إمام دار الهجرة» «2» بكل إمام هجر في التّبحّر فيه دواعي السّكون

وبواعث الدّعة، وجمّل منصب حكمه بمن كمل بعلوم الدين فخره فإذا حكم غدت الأقضية لحكمه منفّذة وإذا قضى أضحت الأحكام لأقضيته متّبعة. نحمده على نعمه التي جعلت مهمّ الشّرع الشريف لدينا كالاستفهام الّذي له صدر الكلام، وبمثابة النّيّة المقدّمة حتّى على تكبيرة الإحرام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أثبت الإخلاص حكمها، وأحكم الإيمان علمها، وأبقى اليقين على صفحات الوجوه والوجود وسمها المشرق واسمها، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الّذي أخذ الله ميثاق النّبيين في الإقرار بفضله، وأرسله بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ* «1» ، وخصّه بالكتاب الذي أخرس الأمم عن مجاراته فلو اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ «2» ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين تمسكوا بسننه وسنّته، وأوضحوا شرعه الشريف لمن تلقّاه بعدهم من أئمة أمته، صلاة لا تزال بقاع الإيمان لأحكامها منبتة، وأنواء الإيقان لأوامها مقلتة «3» ؛ وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنه لما كانت الأحكام الشرعية تتوقف على ملاحظة قضاء قضاتها في غالب الأمور، وتستند إلى مراجعة أصول حكّامها في أكثر مصالح الجمهور، لم يكن بد من مراعاة أصولها الّتي إنّما تنوب الفروع عنها، وتدبّر أحوال أحكام حكّامها الّتي تنشأ أقضية النوّاب منها؛ ولذلك لمّا أصبح منصب قضاء القضاة على مذهب الإمام «مالك بن أنس» رضي الله عنه بالشّام المحروس لضعف مباشره الممتدّ، في حكم الخالي، وتعطل بعجزه المشتدّ، مما ألف به قديما حال حكمه الحالي، وتمادى ذلك إلى أن ترقّى الناس منه إلى درجة اليقين، وتناهى الحكم فيه إلى أن يعين أن يرتاد من يتعين لمثله من الأئمّة المتّقين، لئلا يخلو

هذا المذهب من قاضي قضاة يقيم مناره، ويديم أنواره، ويرفع شعاره، ويحيي مآثر إمامه وآثاره، ويؤمن كمال أفقه أن يعاود سراره «1» ؛ وكان المجلس الساميّ، القاضويّ، الفخريّ، هو الّذي لا يعدوه الارتياد، ولا يقف دونه الانتقاء والانقياد، ولا تتجاوزه الإصابة في الاجتهاد: لما عليه من علم جعله مخطوبا للمناصب، وعمل تركه مطلوبا للمراتب الّتي لا تذعن لكلّ طالب، وتقّى أعاده مرتقيا لكلّ أفق لا يصلح له كلّ شارق «2» ، وورع فتح له أبواب التّلقّي بالاستدعاء وإن لم تفتح لكلّ طارق؛ وهو هجر الكرافي تحصيل مذهب «إمام دار الهجرة» إلى أن وصل إلى ما وصل، وأنفق مدّة عمره في اقتناء فوائده إلى أن حصل من الثّروة بها على ما حصل، فسارت فتاويه في الآفاق، ونمت بركات فوائده الّتي أنفقها على الطّلبة فزكت على الإنفاق- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نبّقي فخر هذا المنصب الجليل بفخره، وأن نخصّ هذا المذهب النبيل بذخره، وأن نحلّي جيده بمن نقلنا إلى وشام «3» الوسام ما كان من حسن شنب العلم مختصّا بثغره. فرسم بالأمر الشريف- لا زال لأحكام الشرع مقيما، وللنظر الشريف في عموم مصالح الإسلام وخصوصها مديما، أن يفوّض إليه......... لما تقدّم من تعيّنه لذلك، وتبيّن من أنه لحكم الأولوية بهذه الرتبة من مذهب الإمام مالك مالك. فليل هذه الوظيفة حاكما بما أراه الله من مذهبه، مراعيا في مباشرتها حقّ الله في الحكم بين عباده وحقّ منصبه، مجتهدا فيما تبرأ به الذمة من الوقوف مع حكم الله في حالتي رضاه وغضبه، واقفا في صفة القضاء على ما نصّ فيه من شروطه وأوضح من قواعده وشرح من أدبه، ممضيا حقوق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما

يقتضيه رأي إمامه، متوّجا الحكم بنصوصه المجمع عليها من أئمة مذهبه في نقض كلّ أمر وإبرامه، جاريا في ذلك على قواعد أحكام هذا المذهب الّذي كان مشرقا في ذلك الأفق بجماله وزينه، واقفا في ذلك جميعه مع رضا الله تعالى فإنّه في كلّ ما يأتي ويذر بعينه، والله تعالى يسدّده في قوله وعمله، ويبلّغه من رضاه نهاية سوله وغاية أمله، بمنّه وكرمه، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة الحنابلة، كتب بها للقاضي علاء الدّين «منجّى التنوخي» وهي: الحمد لله الّذي رفع بعلاء الدّين قضاء قضاته، وأوضح الهدى في القيام في توليتهم بمفترضاته، وأعلى منار الشّرع بما أوقفهم عليه من أحكامه ووفّقهم له من مرضاته. نحمده حمدا نستعيد من بركاته، ونستعيذ به أن نضلّ في ضوء مشكاته، ونستعين عليه بربّ كل حكم يمدّنا قلبه بسكونه وقلمه بحركاته، ويثبت من جميل محضره لدينا ما يرفع مسّ شكاته، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يستودع إخلاصها في قلوب تقاته، وتفوّض أحكامها إلى ثقاته، ويحمى سرحها من أبطال الجلاد والجدال بكل مشتاق إلى ملاقاته، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أفضل من حكم بما أنزل الله من آياته، وجاهد في الله برأيه وراياته، وشرع من الدّين ما ينّجي المتمسك به من غواياته، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أقام شرعه منهم بكماته، وجعل حكمهم دائم النّفوذ أبدا بأقلام علمائه وسيوف حماته، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فمنصب الحكم الّذي به تفصل الأمور، وتنفرج له الصدور، وتتسدّد أقلام حكّامه سهاما، وتفيض غماما، وتتعلّم منه الأسود زئيرا، ويطول السيف صليلا والرمح صريرا، وتنتصب بين يدي حكّامه الأقدام، وتنتصف على

أحكامه الخصام «1» ، وتنكّس الرؤوس لهيبته إطراقا، وتغضّ المقل فما تدير جفونا ولا تقلّب أحداقا، ويجري بتصريفه قلم القضاء، ويجاري مرهفه البروق فتقرّ له بالمضاء؛ وقد شيّد الله مبانيه في ممالكنا الشريفة مصرا وشاما على أربعة أركان، وجمع في قضائه الأئمّة الأربعة لتكمل بهم فصول الزمان؛ ومذهب الإمام أبي عبد الله «أحمد بن حنبل» رضي الله عنه هو بالسّنّة النبوية الّطراز المذهب، وطريقة السلف الصالح في كلّ مذهب؛ وقد تجنّب من سلف من علمائه التّأويل في كثير، ووقف مع الكتاب والسّنّة وكلّ منهما هو المصباح المنير. وكانت دمشق المحروسة هي مدار قطبهم، ومطلع شموسهم ونجومهم وشهبهم، وأهلها كثيرا ما يحتاجون إلى حاكم هذا المذهب في غالب عقد كل بيع وإيجار، ومزارعة في غلال ومساقاة في ثمار، ومصالحة في جوائح «2» سماويّة لا ضرر فيها ولا ضرار «3» ، وتزويج كلّ مملوك أذن له سيّده بحرّة كريمة، واشتراط في عقد بأن تكون الامرأة في بلدها مقيمة، وفسخ إن غاب زوجها ولم يترك لها نفقة ولا أطلق سراحها، وبيع أوقاف داثرة لا يجد أرباب الوقف نفعا بها ولا يستطيعون إصلاحها. فلما استأثر الله بمن كان قد تكمّل هذا المنصب الشريف بشرفه، وتجمّل منه ببقيّة سلفه، حصل الفكر الشريف فيمن نقلده هذه الأمانة في عنقه، ونهنّيء هذا المنصب بطلوع هلاله في أفقه، إلى أن ترجح في آرائنا العالية المرجّح

المرجّى، وتعيّن واحدا لمّا ابتلي الناس بالقضاء كان المنجّى ابن المنجّى؛ طالما تطرّزت له الفتاوى بالأقلام، والتفّت به حلقة إمام، وخاف في طلب العلم من مضايقة اللّيالي فما نام- اقتضى حسن الرأي الشريف أن يفوّض إليه قضاء القضاة بالشام المحروسة على مذهب الإمام الربانيّ «أحمد بن حنبل» الشيبانيّ، رضي الله عنه. فليحكم في ذلك بما أراه الله من علمه، وآتاه من حكمه، وبينه له من سبل الهدى، وعيّنه لبصيرته من سنن نبيّه صلّى الله عليه وسلّم التي من حاد عنها فقد جار واعتدى، ولينظر في أمور مذهبه ويعمل بكل ما صحّ نقله عن إمامه، وأصحابه من كان منهم في زمانه ومن تخلّف عن أيّامه؛ وقد كان- رحمه الله- إمام حقّ نهض وقد قعد الناس تلك المدّة، وقام نوبة المحنة وقام «سيّد تيم» «1» رضي الله عنه نوبة الرّدّة، ولم تهبّ به زعازع «المرّيسيّ» «2» وقد هبّت مريسا «3» ، ولا «ابن أبي دواد» «4» وقد جمع كلّ ذود وساق له من كلّ قطر عيسا؛ ولا نكث عهد ما قدّم إليه «المأمون» في وصيّة أخيه من المواثق، ولا روّعه صوت «المعتصم» وقد صبّ عليه عذابه ولا سيف «الواثق» ؛ فليقفّ على أثره، وليقف بمسنده على

المرتبة الثانية (من تواقيع الوظائف الدينية بدمشق

مذهبه كله أو أكثره، وليقض بمفرداته وما اختاره أصحابه الأخيار، وليقلّدهم إذا لم تختلف عليه الأخبار، وليحترز لدينه في بيع ما دثر من الأوقاف وصرف ثمنه في مثله، والاستبدال بما فيه المصلحة لأهله، والفسخ على من غاب مدّة يسوغ في مثلها الفسخ وترك زوجة لم يترك لها نفقة، وخلّاها وهي مع بقائها في زوجيّته كالمعلّقة، وإطلاق سراحها لتتزوّج بعد ثبوت الفسخ بشروطه الّتي يبقى حكمها به حكم المطلّقة، وفيما يمنع مضارّة الجار، وما تفرّع على قوله صلّى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» ، وأمر وقف الإنسان على نفسه وإن رآه سوى أهل مذهبه، وطلعت به أهلّة علماء لولاهم لما جلا الزمان جنح غيهبه. وكذلك الجوائح الّتي يخفّف بها عن الضعفاء وإن كان لا يرى بها الإلزام، ولا تجري إلا مجرى المصالحة دليل الالتزام. وكذلك المعاملة الّتي لولا الرّخصة عندهم فيها لما أكل أكثر الناس إلا الحرام المحض، ولا أخذ قسم الغلال والمعامل هو الّذي يزرع البذر ويحرث الأرض، وغير ذلك مما هو [محيط] «1» بمفرداته الّتي هي للرفق جامعة، وللرعايا في أكثر معايشهم وأسبابهم نافعة، وإذا استقرّت الأصول كانت الفروع لها تابعة؛ والخط الشريف أعلاه، إن شاء الله تعالى. المرتبة الثانية «2» (من تواقيع الوظائف الدينية بدمشق ، ما يكتب في قطع الثلث مفتتحا ب «الحمد لله» إن علت رتبة المتولّي أو ب «أمّا بعد حمد الله» إن انحطت رتبته عن ذلك ب «المجلس السامي» وفيها وظائف) الوظيفة الأولى- قضاء العسكر . وبها أربعة قضاة من المذاهب الأربعة، كما بالديار المصرية. الوظيفة الثانية- إفتاء دار العدل بدمشق . وبها أربعة: من كل مذهب

الوظيفة الثالثة - الحسبة

واحد، كما بالديار المصرية. الوظيفة الثالثة- الحسبة «1» وهذه نسخة توقيع بالحسبة الشريفة: الحمد لله مجدّد النّعم في دولتنا الشريفة لمن ضفت عليه ملابسها، ومضاعف المنن في أيامنا الزاهرة لمن سمت به نفائسها، ومولي الآلاء لمن بسق غرسها لديه فزهت بجماله ثمراتها وزكت مغارسها. نحمده على نعمه الّتي تؤنس بالشكر أوانسها، وتؤسّس على التّقوى مجالسها؛ ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة استضاء بنور الإيمان قابسها، واجتنى ثمر الهدى غارسها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أشرف من أشرقت به معالم التوحيد فعمر دارسها، وأشرق دامسها، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين قلوبهم مشاهد الذّكر وألسنتهم مدارسها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن أولى من أمضي له ما كان به أمر ورسم، وجدّد له من المناصب الدّينية ما عرف به من قبل ووسم، وأثبت لترقّيه ما حتم له به من المراتب السنية بمقتضى الاستحقاق وحكم- من رقمت أوامرنا له حلّة منصب يجدّدها الإحسان، وأمرت له مراسمنا بوظيفة تؤكّد عوارفنا الحسان، وأثّلت [له] «2» نعمنا منصبا أعدّ له من كمال الأهليّة أكمل ما يعدّه لذلك الإنسان. ولما كان فلان هو الذي تحلّى من إحساننا بما يأمن [معه] «3» سعيد رتبته [من] «4» العطل «5» ، واتّسم من برّنا وامتناننا بما هو في حكم المستقر له وإن ألوى به الدّهر ومطل- اقتضى إحساننا أن نجدّد له مواقع النّعم، ونشيّد من رجائه مواضع ما شمله من البرّ والكرم، ونري من عدق بنا رجاء أمله أنّنا نتعاهد سقيا

آمال الأولياء والخدم. فلذلك رسم ... - لا زال برّه شاملا، وبدره في أفق الإحسان كاملا- أن يفوّض إليه نظر الحسبة ويستمرّ في ذلك على حكم التوقيع الشريف الّذي بيده: لما سبق من اختياره لذلك واصطفائه، وادّخاره لهذا المنصب من كفاة أعيانه وأعيان أكفائه، ولما تحلّى [به] من رياسة زانته عقودها، وتكمّل له من أصالة ضفت عليه حبرها وسمت به برودها «1» ، وتجمّل به من نزاهة أشرقت في أفق صعودها إلى الرتبة الجليلة سعودها، واتّصف به من كمال معرفة نجّزت له به من مطالب المناصب وعودها. فليباشر ذلك معطيا هذه الوظيفة من حسن النّظر حقّها، محقّقا بجميل تصرّفه تقدّم أولويّته وسبقها، وليكن لأمر الأقوات ملاحظا، وعلى منع ذوي الغدر من الاحتكار المضيّق على الضّعفاء محافظا، وعلى الغشّ في الأقوات مؤدّبا، ولإجراء الموازين على حكم القسط مرتّبا، ولمن يرفع الأسعار لغير سبب رادعا، ولمن لا يزعه الكلام من المطفّفين «2» بالتّأديب وازعا، ولقيم الأشياء محرّرا، ولقانون الجودة في المزروع والموزون مقرّرا، ولذوي الهيئات بلزوم شرائط المروءة آخذا، وعلى ترك الجمع والجماعات لعامة الناس مؤاخذا، ولتقوى الله تعالى في كلّ أمر مقدّما، وبما يخلّصه من الله تعالى لكل ما تقع به المعاملات بين الناس مقوّما؛ وفي خصائص نفسه ما يغنيه عن تأكيد الوصايا، وتكرار الحثّ على تقوى الله تعالى الّتي هي أشرف المزايا؛ فليجعلها شعار نفسه، ونجيّ أنسه، ومسدّد أحواله الّتي تظهر بها مزيّة يومه على أمسه؛ والخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه، حجّة بمقتضاه.

وهذه نسخة توقيع بنظر الحسبة الشريفة، من إنشاء المقرّ الشّهابي بن فضل الله، مضافا إلى نظر أوقاف الملوك، وهي: الحمد لله مثيب من احتسب، ومجيب المنيب فيما اكتسب. نحمده حمدا رسب الأدب صرب الطرب «1» ، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة ظاهرة الحسب، طاهرة النسب، ونشهد أن سيّدنا محمدا عبده ورسوله أفضل من انتدى وانتدب، وأدّب أمّته فأحسن الأدب، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة يكتتم أجرها فيكتتب، ويستتم بها كل صلاح [ويغتنم بها كلا فلاح] «2» ، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ الحسبة الشريفة هي قانون جوادّ «3» الأوضاع، ومضمون موادّ الإجماع، تجمع إلى الشريعة الشريفة سياسة يرهب جدّها، ويرهف حدّها، وتخشى الرعايا سطوات مباشرها، وتتنحّى عما تصبّه سيول بوادرها؛ وأصحابها الآلة الّتي هي أخت السّيف في التّأثير، ولكلّ منهما سطوة تخاف لا فرق بينهما إلّا ما بين التّأنيث والتّذكير «4» ، وله التّصرّف المطلق، والتّعرّف الّذي يفتح من الحوانيت على أربابها كلّ باب مغلق، ولركوبه في المدينة زينة يحشر لها النّاس ضحى، ورهبة يغدو بها كلّ أمين لشأنه مصلحا؛ وإليه الرجوع في كلّ تقويم، وهو المرجوّ في كلّ أمر عظيم؛ وهي بدمشق- حرسها الله تعالى- من أجلّ المناصب الّتي تتعلّق [عو] «5» اليها بيد متولّيها وتؤمل منازل البدور، وإنّ ربّها ترجع إلى تصريفه أزمّة الأمور، وينتجع سحابه الهطل غمامة الجمهور، وتحيا به سنّة عمريّة «6» لولاها لضاقت رحاب المعاملات، وضاعت بالغشّ المعايش

المتداخلات، وظهر الغبن في غالب ما يشرى ويباع، وانتشر التطفيف [الذي] يزيل راجحة الميزان ونوّ «1» الزّرّاع؛ ولكم ناب بحسن تدبيره عن الغمام، ونظر في الدّقيق والجليل للخاصّ والعام، طالما انحطّ به سعر غلا أن يقوّم، ووجد من الأقوات صنف لا يوجد ولو بذل من الشمس دينار والبدر درهم. وكان المجلس السّاميّ، والقضائيّ الأجلّيّ، والكبيريّ، الصّدريّ، الرّئيسيّ، العالميّ، الكافليّ، الفاضليّ، الأوحديّ، الأثيريّ، الماجديّ، الأصيليّ، العماديّ، مجد الإسلام، شرف الرؤساء، بهاء الأنام، جمال الصّدور، فخر الأعيان، خالصة الدّولة، صفوة الملوك السّلاطين: أدام الله علوّه، هو الّذي ربّته السّيادة على وسادها، ولبّته السّعادة إلى مرادها، وبنت العلياء قواعدها على عماده، وثنت المراتب أعناقها متشوّفة إلى حسن اعتماده، وباشر الجامع المعمور خصوصا والأوقاف الشّاميّة عموما فعمرها، وكثّر أعدادها وأنمى من بركات نظره متحصلاتها وثمرها، وشيد في كلّ منها مواطن عبادة، وملتقى حلقة ومدار سبحة ومفرش سجّادة، وأبى الله أن يقاس به أحد والجامع الفاروق وللّذين أحسنوا الحسنى وزيادة؛ فأوجب له جميل نظرنا أن نضاعف له الأجر في كلّ عمل إليه ينتسب، ونزيده في رزقه سعة: من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب؛ فرأينا أنّه أحقّ أن يقلّد من أمور الحسبة الشريفة حكمها المصرّف، وحكمها المعرّف، ويقام فيها بهدي من تقدّمه في تقرير أمورها على أثبت القواعد، وتقدير مصالحها على أجمل ما جرت به العوائد، ويطهّر أقواتها من الدّنس فيما يحضر على الموائد، وإخافة الأعناق من مضاربه الّتي تقطع ما غفا السيف عنه من مناط القلائد. فرسم بالأمر الشّريف العالي- لا زالت بمراسيمه تتلقّى كلّ رتبة، وتتوقّى

الدنايا بمن يقوم بالحسبة- أن يفوّض إليه النّظر على الحسبة الشّريفة بدمشق وما معها من الممالك الشامية المضافة إليها، بالمعلوم المستقر، الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت: مضافا إلى ما هو بيده: من نظر الأوقاف المبرورة بالشّام، وأوقاف الملوك، خلا نظر الجامع المعمور إلى آخر وقت بحكم إفراده لمن عين له، تفويضا يضمّه إلى ربائب كنفه، ويعمّه بمواهب شرفه، ويحلّه في أعلى غرفه، ويحلّيه بما يحسد الدّرّ ما رمى من صدفه. فاتّق الله في أحوالك، وانتق من يجمع عليه من النوّاب في أعمالك، وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر، فمنك المنكر لا يعرف والمعروف منك لا ينكر، واعتبر أحوال أرباب المعايش اعتبارا يصلح للناس أقواتهم، ويرغد أوقاتهم، ولا تدع صاحب سلعة يتعدّى إلى غير ما أحلّه الله له من المكاسب، ولا صاحب معيشة يقدم على تخلّل خلل في المآكل والمشارب، واقصد التّسوية بالحقّ فإنه سواء فيه البائع والمشتري، ولا فرق بين الرّخيص والثمين، وأقم الموازين بالقسط حتّى لا تتمكن كفّاتها أن تتحامل ولا تتحمل، ولا يستطيع قلبها أن يميل مع من يتموّل، ولا يقدر لسانها أن يكتم الشهادة بالحقّ وإن كان مثقال حبّة من خردل، واجعل لك على أهل المبايعات حفظة لتظلّ أعمالهم لك تنسخ، وتفقّد الأسواق مما يتولّد فيها من المفاسد فإنّ الشّيطان ربّما باض في الأسواق وفرّخ. وأرباب الصنائع فيهم من يدلّس، وفقهاء المكاتب «1» منهم من لعرضه يدنّس، والقصّاص غالبهم يتعمّد الكذب في قصصه، وأهل النّجامة «2» كم منهم من لعب مرّة بعقل امرأة وأمات رجلا بغصصه، وآخرون ممن تضلّ بهم العقول، وتظلّ حائرة فيهم النّقول، وكثير ممن سوى هؤلاء يدك مبسوطة عليهم، وأحكامك محيطة بهم من خلفهم وبين يديهم؛ فقوّم منهم من مال، وقلّد مالكا رضي الله عنه فيما رآه من المعاقبة تارة بإنهاك الجسد وتارة بإفساد المال؛ فربّما

الوظيفة الرابعة - وكالة بيت المال المعمور.

أطغى الغنى والمصباح فربما قطّب...... «1» ...... وثمّ من لا يستقيم حتّى يؤدّب، ومن لا يلمّ على شعث وأيّ الرّجال المهذّب «2» ؛ وفيك من الألمعية نور باهر، وكوكب زاهر؛ فلا حاجة إلى أن تلقي الوصايا أقلامها أيّها يكفلك، ولا تنبّهك على زينة العفاف فيها وهو حللك؛ والله تعالى يوفّق اعتمادك، ويوفّر من التّقوى زادك؛ والاعتماد على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه، حجة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى. الوظيفة الرابعة- وكالة بيت المال المعمور. وهذه نسخة توقيع بوكالة بيت المال، من إنشاء القاضي تاج الدين البارنباريّ «3» ، للقاضي نجم الدين أبي الطّيّب «4» . الحمد لله الّذي جعل الطّيّبات للطّيّبين، وهدى بالنّجم المنير السّبيل المبين، وعدق بأئمة الدّين مصالح المسلمين، وآتانا بتفويضنا إليه، وتوكّلنا عليه، شرفا في الشّأن وقوّة في اليقين. نحمده على أن أعان بخيره وهو خير معين، ونشكره على أن بصّرنا في الإرادات، بالملائكة المقرّبين، ونصرنا في الولايات، بالقويّ الأمين، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة أنوارها في القلب مشرقة على

الصّفحات والجبين، وأذكارها على اللّسان جعلت الإنسان من صالح المؤمنين، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله هادي المهتدين، وموّضح شرعة الإحسان للمحسنين، و «أبو الطّيّب» «1» و «أبو القاسم» كنّي بأولاده المطهّرين، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم من كان من السّابقين الأوّلين، ومنهم من كان مهيبا للكفر يهين، ومنهم من تزوّج بابنتي «2» الرسول ولم يتّفق ذلك لغيره من سالف السنين، ومنهم من كان الخير ملء يديه: فشمول البركة بشماله وذو الفقار في اليمين، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فأكرم التفويض ما صادف محلّا، وأبرك الولايات ما وجد قدرا معلّى، وأحسن الإحسان ما أصبح به الحال محلّى، وأسنى الأنجم ما أشرق في مطلعه وتجلّى، وأحقّ [الولاة] «3» بإعلاء منصبه من أقبلت عليه وجوه الإقبال حين تولّى، وأولى [الولايات] «4» بإجمال النّظر وإمعانه، في تشييد شانه، وتمكين مكانته ومكانه، وحفظ حوزته من سائر أركانه- وكالة بيت المال المعمور الّتي بها تصان الأرض المقيسة، ومنها تستبصر الآراء الرئيسة، وبها يؤمن الاستيلاء على المحالّ والأبنية من كلّ جائر، وبها تزاد قيم المبيعات مما هو لبيت المال ما بين عامر وداثر، وإلى متولّيها تأتي الرغبات ممن يبتاع أرضا، وبه تمضى المصالح وتقضى، وبه يظهر التمييز في الثّمن الأرضى؛ وهي في الشّام فخيمة المقدار، كريمة الآثار، مرضيّة بالربح في كل أرض بيّنة المصالح في كلّ بناء دائرة بالنجح في كل دار؛ فلا يشيم برقها، ويتوّج فرقها، ويوفّيها حقّها، إلّا من له علم وتبصرة، وعرفان أوضح الطريق وأظهره، وحسن رأي فيما

آثره وأثّره، وصدارة ورد بها منهل الكرام البررة. وكان فلان هو ذو السّؤدد العريق، والباسق في الدّوح الوريق، والمنتسب إلى أعزّ فريق، والطّيّب أصلا وفرعا على التّحقيق، والإمام في علومه الّتي أصّلت التّفريع ووصلت التّفريق، والموفّق فيما يأتي ويذر والله وليّ التّوفيق، قد أشرق بدمشق نجمه نورا، وابتسم البرق الشّاميّ به سرورا، وتصدّر بمحافلها فشرح صدورا، وابتنى له سؤددا وجعل مكارم الأخلاق عليه سورا، تلقى بمحضره المسائل فتلقى منه وليّا مرشدا، وتذكر لديه المباحث فتجد على ذهنه المتوقدّ هدى، وإذا اضطرب قول مشكل سكن بإبانته وهدا؛ إن تأوّل أصاب في تأويله، وإن نظر في مصلحة كان رأيه في السّداد موافقا لقيله، وقد استخرنا الله تعالى- وهو نعم الوكيل- في توكيله. فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوّض إليه.......... فليأت هذا المنصب المنصبّ وبل بركته من بابه، وليخيّم في فسيح رحابه، ولينعم بجنّاته في جنابه، وليحرّر ما يباع من أملاك بيت المال بشروطه ولوازمه المسطورة في كتابه، وليردع من استولى على أرض باغتصابه، فليس لعرق ظالم حقّ: وهو إما بناء بإنشائه وإمّا غراس بإنشابه، وما يرتجع إلى بيت المال المعمور من أرض وعقار، وروضات ذات غراس وأنهار، وقرّى وما يضاف إلى ذلك من آثار؛ فليحرّر مجموعه، وليسلك في ذلك الطريقة المشروعة، وليشفق إشفاق المتّقين الماهدين لمآلهم، ولينصح لنا وللمسلمين فهو وكيل بيت مالهم. ومن مات ولا وارث له من عصبة أو كلالة «1» ، فإنّ لبيت المال أرضه وداره وماله.

وقد وكلنا إليك هذا التقليد وقلّدناك هذه الوكالة، ووالدك- رحمه الله- كانت مفوّضة إليه قديما فلذلك أحيينا بك تلك الأصالة. واعلم- أعزك الله- أنّ الوصايا إن طالت فقد طاب سبحها، وإن أوجزت فقد كفى لمعها ولمحها؛ وعلى الأمرين فقد أنارها هنا بالتوفيق صبحها، وحسن بالتصديق شرحها، وأطرب من حمام أقلامها صدحها، والتّقوى فهي أوّلها وآخرها وختمها وفتحها، والله تعالى يسقي بك كلّ قضبة [ذوى] صيحها «1» ، والخير يكون إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة توقيع شريف بوكالة بيت المال بالشّام أيضا: الحمد لله كافي من توكّل عليه، ومحسن مآل من فوّض أمره إليه، ومجمّل مآب من قدّم رجاءنا عند الهجرة إلى أبوابنا بين يديه، ومقرّ عين من أسهر في استمطار عوارفنا بكمال الأدوات ناظريه. نحمده على نعمه الّتي جعلت سعي من أمّ كرمنا، مشكورا، وسعد من قصد حرمنا، مشهورا، وإقبال من أقبل إلى أبوابنا العالية محقّقا يتقلّب في نعمنا محبورا، وينقلب إلى أهله مسرورا، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة نعتضد فيها بالإخلاص ونعتصم، ونتمسّك في الدّنيا والآخرة بعروتها، التي لا تنفصم، ونوكّل في إقامة دعوتها، سيوفنا الّتي لا تزال هي وأعناق جاحديها تختصم، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أضاءت شريعته، فلم تخف على ذي نظر، وأنارت ملّته، فأبصرها القلب قبل البصر، وعمّت دعوته، فاستوى في وجوب إجابتها البشر، واختصت أمّته، بعلماء يبصرون من في طرفه عمى ويظهرون حقّ من في باعه قصر، صلّى الله عليه وعلى آله الذين عملوا بما

علموا، وعدلوا فيما حكموا، وحفظوا بالحقّ بيوت أموال الأمّة فاشترك أهل الملّة فيما غنموا، صلاة توكّل الإخلاص بإقامتها، وتكفّل الإيمان بإدامتها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد: فإن أهمّ ما صرفت إليه الهمم، وأعمّ ما نوجب في اختيار الأكفاء له براءة الذّمم، وأخصّ ما اتّخذنا الاستخارة فيه دليلا، وأحقّ ما أقمنا عنّا فيه من أعيان الأمّة وكيلا، لا يدع حقّا للأمّة ما وجد إليه سبيلا- أمر بيت مال المسلمين الذي هو مادّة جهادهم، وجادّة جلادهم، وسبب استطاعتهم، وطريق إخلاصهم في طاعتهم، وسداد ثغورهم، وصلاح جمهورهم، وجماع ما فيه إتقان أحوالهم واستقرار أمورهم؛ ومن آكد مصالحه وأهمّها، وأخصّ قواعده وأعمّها، وأكمل أسباب وفوره وأتمّها، الوكالة الّتي تصون حقوقه أن تضاع، وتمنع خواصّه أن تشاع، وتحسن عن الأمّة في حفظ أموالها المناب، وتتولّى لكلّ من المسلمين فيما فرض الله لهم الدعوى والجواب؛ ولذلك لم نزل نتخيّر لها من ذخائر العلماء من زان الورع سجاياه، وكمّل العلم مزاياه، وانعقد الإجماع على كماله، وقصرت الأطماع عن التّحلّي بجمال علمه: وهل يبارى من كان علمه من جماله. ولما كان المجلس الساميّ، الشّيخيّ، الفلانيّ، هو الّذي ظهرت فضائله وعلومه، ودلّ على بلوغ الغاية منطوق نعته ومفهومه، وحلّى علمه بالورع الّذي هو كمال الدين على الحقيقة، وسلك طريقة أبيه في التّفرّد بالفضائل فكان بحكم الإرث من غير خلاف صاحب تلك الطّريقة، مع نسب لنسيب ما مرّ حلاله، وتقّى ما ورثه من أبيه عن كلالة، وثبات في ثبوت الحقّ لا تستفزّه الأغراض، وأناة في قبول الحكم لا تحيل جواهره الأعراض، ووقوف مع الحقّ لا يبعده إلى ما [لا] «1» يجب، وبسطة في العلم بها يقبل ما يقبل ويجتنب ما

يجتنب، وتحقيق تجري الدّعاوى الشرعيّة على محجّته، وإنصاف لا يضرّ خصمه معه كونه ألحن «1» منه بحجّته، مع وفادة إلى أبوابنا العالية تقاضت له كرمنا الجمّ، وفضلنا الّذي خصّ وعمّ- اقتضت آراؤنا الشريفة أن يرجع إلى وطنه مشمولا بالنّعم، مخصوصا من هذه الرتبة بالغاية الّتي يكبو دونها جواد الهمم، منصوصا على رفعة قدره الّتي جاءت هذه الوظيفة على قدر، مداوما [لشكر أبوابنا] «2» على اختياره لها بعد إمعان الاختبار وإنعام النّظر. فرسم بالأمر الشريف أن تفوّض إليه وكالة بيت المال المعمور بالشّام المحروس. فليرق هذه الرتبة الّتي هي من أجلّ ما يرتقى، ويتلقّ هذه الوكالة الّتي مدار أمرها على التّقى وهو خير ما ينتقى، ويباشر هذه الوظيفة التي مناط حكمها في الورى الّذي لا تستخفّ صاحبه الأهواء ولا تستفزّه الرّقى، ولينهض بأعبائها مستقلّا بمصالحها، متصدّيا لمجالس حكمها العزيز لتحرير حقوق بيت المال وتحقيقها، متلقّيا ما يرد من أمر الدّعاوى الشرّعية الّتي يبتّ مثلها في وجهه بطريقها، منقّبا عن دوافع ما يثبت له وعليه، محسنا عن بيت المال الوكالة فيما جرّه الإرث الشرعيّ إليه، مستظهرا في المعاقدة بما جرت به العادة من وجوه الاحتراز، مجانبا جانب الحيف في الأخذ والعطاء بأبواب الرّخص وأسباب الجواز، منكّبا في تشدّده عن طريق الظّلم الّذي من تحلّى به كان عاطلا، سالكا في أموره جادّة العدل فإنّه سيّان من ترك حقّه وأخذ باطلا، مجتهدا في تحقيق ما وضح من الحقوق الشرعية وكمن، متتبّعا ما غالت الأيام في إخفائه فإنّ الحقّ لا يضيع بقدم العهد ولا يبطل بطول الزّمن. وفي أوصافه الحسنة، وسجاياه الّتي غدت بها أقلام أيّامنا لسنة، وعلومه التي أسرت إليها أفكاره والعيون وسنة، ما يغني عن وصايا يطلق عنان اليراعة

[الوظيفة الخامسة - الخطابة]

في تحديدها، أو قضايا ينطق لسان البراعة في توكيدها؛ ملاكها تقوى الله وهي سجيّة نفسه، ونجيّة أنسه، وحلية خلاله المعروفة في يومه وأمسه؛ فليقدّمها في كلّ أمر، ويقف عند رضا الله فيها لا رضا زيد ولا عمرو؛ والله الموفق بمنّه وكرمه. [الوظيفة الخامسة- الخطابة] «1» وهذه نسخة توقيع بالخطابة بالجامع الأموي، كتب بها لزين الدّين الفارقيّ «2» ، من إنشاء الشيخ شهاب الدّين محمود الحلبيّ: الحمد لله رافع الّذين أوتوا العلم درجات، وجاعل أرجاء المنابر بفضائل أئمّة الأمّة أرجات، وشارح الصّدور بذكره بعد أن كانت من قبل المواعظ حرجات، الّذي زان الدّين من العلماء بمن سلّمت له فيه الإمامة، وصان العلم من الأئمة المتقين بمن أصحب «3» له جامح الفضل يصرّف كيف شاء زمامه، ووطّد ذروة المنبر الكريم لمن يحفظ في هداية الأمّة حقّه ويرعى في البداية بنفسه ذمامه، ووطّأ صدر المحراب المنير لمن إذا أمّ الأمّة أرته خشية الله أنّ وجه الله الكريم أمامه. نحمده على ما منحنا من صون صهوات المنابر إلا عن فرسانها، وحفظ درجات العلم إلا عمّن ينظر بإنسان السّنّة وينطق بلسانها، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة لا تزال أفواه المحابر، تثبت طروسها، وأنواء المنابر، تنبت غروسها، وألسنة الإخلاص تلقي على المسامع من صحف الضّمائر دروسها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي شرّفت المنابر أوّلا برقيّه إليها، وآخرا بذكر اسمه الكريم عليها؛ فهي الرّتبة الّتي يزيد تبصرة على ممرّ الدّهور

بقاؤها، والدّرجة الّتي يطول إلا على ورثة علمه ارتقاؤها، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الّذين ذكّرهم بأيام الله فذكروها، وبصّرهم بآلاء الله فشكروها، وعرّفهم بمواقع وحدانيّته فجادلوا بسنّته وأسنّته الذين أنكروها، صلاة لا تبرح لها الأرض مسجدا، ولا يزال ذكرها مغيرا في الآفاق ومنجدا، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّه لمّا كانت الخطابة من أشهر شعائر الإسلام، واظهر شعار ملّة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، شرعها الله تعالى لإذكار خلقه بنعمه، وتحذير عباده من نقمه، وإعلام بريّته بما أعدّ لمن أطاعه في دار كرامته من أنواع كرمه، وجعلها من وظائف الأمة العامّة، ومن قواعد وراثة النّبوّة التامة؛ يقف المتلبّس بها موقف الإبلاغ عن الله لعباده، ويقوم النّاهض بفرضها مقام المؤدّي عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أمّته عن مراد الله ورسوله دون مراده، ويقيمها في فروض الكفايات على سنن [سبله] «1» ، ويستنزل بها موادّ الرحمة إذا ضنّ الغيث على الأرض بوبله؛ وكان المسجد الجامع بدمشق المحروسة هو الّذي سارت بذكره الأمثال، وقيل هذا من أفراد الدّهر الّتي وضعت على غير مثال، قد تعيّن أن نرتاد له بحكم خلوّه من الأئمة من هو مثله فرد الآفاق، وواحد العصر عند الإطلاق، وإمام علماء زمانه غير مدافع عن ذلك، وعلّامة أئمّة أوانه الّذي يضيء بنور فتاويه ليل الشّكّ الحالك، وناصر السّنّة الّذي تذبّ علومه عنها، وحاوي ذخائر الفضائل الّتي تنمي على كثرة إنفاقه على الطّلبة منها، وشيخ الدّنيا الّذي يعقد على فضله بالخناصر، ورحلة «2» الأقطار الّذي غدت نسبته إلى أنواع العلوم زاكية الأحساب طاهرة الأواصر، وزاهد الوقت الذي زان العلم بالعمل، وناسك الدّهر الّذي صان الورع بامتداد الفضائل وقصر الأمل، والعابد الّذي أصبح حجّة العارف وقدوة السّالك، والصّادع بالحقّ الّذي لا يبالي من أغضب

إذا رضي الله ورسوله بذلك. ولما كان فلان هو الّذي خطبته لهذه الخطابة علومه الّتي لا تسامى ولا تسام، وعيّنته لهذه الإمامة فضائله الّتي حسنت بها وجوه العلم الوسام، حتّى كأنّها في فم الزمن ابتسام، وألقى إليه مقاليدها كماله الّذي صدّ عنها الخطّاب، وسدّ دونها أبواب الخطاب، وقيل: هذا الإمام الشافعيّ أولى بهذا المنبر وأحرى بهذا المحراب- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نحلّي أعطاف هذا المنبر بفضله الذي يعيد عوده رطيبا، ويضمّخ طيبا منه ما ضمّ خطيبا، وأن نصدّر بهذا المحراب من نعلم أنّه لدى الأمّة مناج لربّه، واقف بين يدي من يحول بين المرء وقلبه. فلذلك رسم......- لا زال يولّي الرّتب الحسان، ويجري بما أمر الله به من العدل والإحسان- أن تفوّض إليه الخطابة والإمامة بجامع دمشق المحروس على عادة من تقدّمه. فليرق هذه الرّتبة الّتي أمطاه الله ذروتها، وأعطاه الفضل صهوتها، وعيّنه تفرّده بالفضائل لإذكار الأمّة عليها، ورجّحه لها انعقاد الإجماع على فضله حتّى كادت للشوق أن تسعى إليه لو لم يسع إليها، حتّى تختال منه بإمام لا تعدو مواعظه حبّات القلوب، لأنها تخرج من مثلها، ولا تدع خطبه أثرا للذّنوب، لأنّها توكّل ماء العيون بغسلها، ولا تبقي نصائحه للدّنيا عند المغترّ بها قدرا، لأنّها تبصّره بخداعها، ولا تترك بلاغته للمقصّر عن التّوبة عذرا: فإنّها تحذّره من سرعة زوال الحياة وانقطاعها، ولا تجعل فوائده لذوي النّجدة والبأس التفاتا إلى أهل ولا ولد لأنّها تبشّره بما أعدّ الله لمن خرج في سبيله، ولا تمكّن زواجره من نشر الظلم أن يمدّ إليه يدا لأنّها تخبره بما في الإقدام على ذلك من إغضاب الله ورسوله. فليطل- مع قصر الخطبة- للظّالم مجال زجره، وليطب قلب العالم العامل بوصف ما أعدّ الله له من أجره، وليجعل خطبه كلّ وقت مقصورة على

حكمه، مقصودة في وضوح المقاصد بين من ينهض بسرعة إدراكه أو يقعد به بطء فهمه؛ فخير الكلام ما دلّ ببلاغته، وإن قلّ، وإذا كان قصر خطبة الرجل وطول صلاته مئنّة «1» من فقهه فما قصّر من حافظ على حكم السّنة فيهما ولا أخلّ. [وهذه] نسخة توقيع بالخطابة بالجامع الأمويّ، كتب به للقاضي «تقيّ الدّين السبكي» «2» . الحمد لله الّذي جعل درجات العلماء آخذة في مزيد الرّقيّ، وخصّ برفيع الدرجات من الأئمة الأعلام كلّ تقيّ، وألقى مقاليد الإمامة لمن يصون نفسه النّفيسة بالورع ويقي، وأعاد إلى معارج الجلال، من لم يزل يختار حميد الخلال، وينتقي، وأسدل جلباب السّؤدد على من أعدّ للصّلاة والصّلات من قلبه وثوبه كلّ طاهر نقيّ. نحمده على أن أعلى علم الشّرع الشّريف وأقامه، وجعل كلمة التّقوى باقية في أهل العلم إلى يوم القيامة، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة عدل «3» قيّد الفضل بالشكر وأدامه، وأيّد النّعمة بمزيد الحمد فلا غرو أن جمع بين الإمامة والزّعامة، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أعلى الله به عقيرة مرتّل الأذان ومدرج الإقامة، وأغلى ببركته قيمة من تمسّك بسبيل الهدى ولازم طريق الاستقامة، صلّى الله عليه وعلى آله الذين عقدوا عهود هذا الدّين وحفظوا نظامه، وعلى أصحابه الذين ما منهم إلا من اقتدى بطريقه فاهتدى إلى

طرق الكرامة، صلاة لا تزال بركاتها تؤيّد عقد اليقين وتديم ذمامه، وسلّم تسليما كثيرا. أمّا بعد، فإن من شيم دولتنا الشريفة أن ترفع كلّ عالي المقدار مكانا عليّا، وتجعل له من اسمه وصفته قولا مسموعا وفعلا مرضيّا، وتوطّد له رتب المعالي وتزيد قدره فيها رقيّا، وتكسوهم من جلباب السّؤدد مطرفا «1» مباركا وطيّا، وتطلق لسان إمامه بالمواعظ الّتي إذا تعقّلها أولو الألباب خرّوا لطاعة ربّهم سجّدا وبكيّا. ولما كان المجلس العالي هو الّذي أعزّ أحكام الشريعة الشّريفة وشادها، وأبدى من ألفاظه المباركة المواعظ الرّبّانيّة وأعادها، وأذاع فيها أسرار اليقين وزادها، وأصلح فسادها، وقوّم منادها «2» ؛ وكيف لا وقد جمع من العلوم أشتاتا، وأحيا من معالم التّقى رفاتا، وأوضح من صفات العلماء العاملين بهديه وسمته هديا وسماتا، فلذلك خرج الأمر الشريف الصالحيّ العماديّ.......... قلت: وهذه نسخة توقيع بخطابته أيضا، أنشأته للشّيخ «شهاب الدين بن حاجّي» . الحمد لله الّذي أطلع شهاب الفضائل في سماء معاليها، وزيّن صهوات المنابر بمن قرّت عيونها من ولايته المباركة بتواليها، وجمّل أعوادها بأجلّ حبر لو تستطيع فرق قدرتها لسعت إليه وفارقت- خرقا للعادة- مبانيها، وشرّف درجها بأكمل عالم ما وضع بأسافلها قدما إلا وحسدتها على السّبق إلى مسّ قدمه أعاليها.

نحمده على أن خصّ مصاقع «1» الخطباء من فضل اللّسن بالباع المديد، وقصر الجامع الأمويّ على أبلغ خطيب يشيب في تطلّب مثله الوليد، وأفرد فريد الدّهر باعتبار الاستحقاق برقيّ درج منبره السّعيد، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تخفق على مواكب الصّفوف أعلامها، وتتوفّر من تذكير آلاء الله تعالى أقسامها، ولا تقصّر عن تبليغ المواعظ حبّات القلوب أفهامها، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل نبيّ نبه القلوب الغافلة من سناتها، وأيقظ الخواطر النّائمة من سباتها، وأحيا رميم الأفئدة بقوارع المواعظ بعد مماتها، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين علا مقامهم، ففاتت أعقابهم الرّؤوس، ورفعت في المجامع رتبهم، فكانت منزلتهم منزلة الرّئيس من المرؤوس، صلاة لا تزال الأرض لها مسجدا، ولا يبرح مفترق المنابر باختراق الآفاق لاجتماعها موردا. وبعد، فإنّ أولى ما صرفت العناية إليه، ووقع الاقتصار من أهمّ المهمّات عليه- أمر المساجد الّتي أقيم بها للدّين الحنيف رسمه، وبيوت العبادات الّتي أمر الله تعالى أن ترفع ويذكر فيها اسمه؛ لا سيّما الجوامع الّتي هي منها بمنزلة الملوك من الرّعيّة، وأماثل الأعيان من بين سائر البريّة؛ ومن أعظمها خطرا، وأبينها في المحاسن أثرا، وأسيرها في الآفاق النّائية خبرا، بعد المساجد الثلاثة التي تشدّ الرّحال إليها، ويعوّل في قصد الزيارة عليها- جامع دمشق الّذي رست في الفخر قواعده، وقامت على ممرّ الأيام شواهده، وقاوم الجمّ الغفير من الجوامع واحده، ولم تزل الملوك تصرف العناية إلى إقامة شعائر وظائفه، وتقتصر من أهل كلّ فنّ على رئيس ذلك الفنّ وعارفه؛ فما شغرت به وظيفة إلا اختاروا لها الأعلى والأرفع، ولا وقع التّردّد فيها بين اثنين إلّا تقيّلوا «2» منهما الأعلم والأروع؛ خصوصا وظيفة الخطابة الّتي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للقيام بها

متصدّيا، وعلم الخلفاء مقام شرفها بعد فباشروها بأنفسهم تأسّيا. ولما كان المجلس العاليّ، القاضويّ، الشّيخيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الأوحديّ، الأكمليّ، الرّئيسيّ، المفوّهيّ، البليغيّ، الفريديّ، المفيديّ، النّجيديّ، القدويّ، الحجّيّ، المحقّقيّ، الورعيّ، الخاشعيّ، النّاسكيّ، الإماميّ، العلّاميّ، الأثيليّ، العريقيّ، الأصيليّ، الحاكميّ، الخطيبيّ، الشّهابيّ، جمال الإسلام والمسلمين، شرف العلماء العاملين، أوحد الفضلاء المفيدين، قدوة البلغاء المجتهدين، حجّة الأمّة، عمدة المحدّثين، فخر المدرّسين، مفتي المسلمين، معزّ السنة، قامع البدعة، مؤيّد الملّة، شمس الشّريعة، حجّة المتكلّمين، لسان المناظرين، بركة الدّولة، خطيب الخطباء، مذكّر القلوب، منبّه الخواطر، قدوة الملوك والسّلاطين، وليّ أمير المؤمنين «أبو العبّاس أحمد» أدام الله تعالى نعمته: هو الّذي خطبته هذه الخطابة لنفسها، وعلمت أنّه الكفء الكامل فنسيت به في يومها ما كان من مصاقع الخطباء في أمسها؛ إذ هو الإمام، الذي لا تسامى علومه ولا تسام، والعلّامة الّذي لا تدرك مداركه ولا ترام، والحبر الّذي تعقد على فضله الخناصر، والعالم الّذي يعترف بالقصور عن مجاراة جياده المناظر، والحافظ الذي قاوم علماء زمانه بلا منازع، وعلّامة أئمّة أوانه من غير مدافع، وناصر السّنّة الذي يذبّ بعلومه عنها، وجامع أشتات الفنون الّتي يقتبس أماثل العلماء منها، وزاهد الوقت الّذي زان العلم بالعمل، وناسك الدّهر الّذي قصّر عن مبلغ مداه الأمل، ورحلة الأقطار الّذي تشّد إليه الرّحال، وعالم الآفاق الّذي لم يسمح الدّهر له بمثال- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نرفعه من المنابر على عليّ درجها، ونقطع ببراهينه من دلائل الإلباس الملبّسة داحض حججها، ونقدّمه على غيره ممن رام إبرام الباطل فنقض، وحاول رفع نفسه بغير أداة الرّفع فخفض. فلذلك رسم بالأمر الشّريف العاليّ، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، المنصوريّ، المعزّيّ- لا زال يرفع لأهل العلم راسا، ويحقّق لذوي الجهل من بلوغ المراتب السّنيّة ياسا- أن يفوّض إلى المجلس العالي المشار إليه خطابة

الجامع المذكور بانفراده، على أتمّ القواعد وأكملها، وأحسن العوائد وأجملها. فليرق منبره الّذي عاقب فيه رامحه الطّالع أعزل غيره الغارب، وليتبوّأ ذروة سنامه الأرفع من غير شريك له ولا حاجب، وليقصد بمواعظه حبّات القلوب، ويرشق شهاب قراطيسها المانعة فإنّها الغرض المطلوب، وليأت من زواجر وعظه بما يذهب مذهب الأمثال السائرة، ويرسلها من صميم قلبه العامر فإنّ الوعظ لا يظهر أثره إلّا من القلوب العامرة، ويقابل كلّ قوم من التذكير بما يناسب أحوالهم على أكمل سنن، ويخصّ كلّا من أزمان السّنة بما يوافق ذلك الزّمن؛ والوصايا كثيرة وإنّما تهذيب العلم يغني عنها، وتأديب الشريعة يكفي مع القدر اليسير منها؛ وتقوى الله تعالى ملاك الأمور وعنده منها القدر الكافي، والحاصل الوافي؛ والله تعالى يرقّيه إلى أرفع الذّرى، ويرفع على الجوزاء مجلسه العالي: «وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا» . الوظيفة السادسة- التّداريس الكبار بدمشق المحروسة. وهذه نسخة توقيع بتدريس المدرسة الرّيحانية، كتب به لقاضي القضاة «عماد الدين الطّرسوسيّ» «1» الحنفيّ، عوضا عن جلال الدّين الرّازيّ. كتب بسؤال بعض كتّاب الإنشاء، وهي: الحمد لله الّذي جعل عماد الدّين عليّا، وأحكم مباني من حكم فلم يدع عصيّا، وقضى في سابق قضائه لإمضاء قضائه أن لا يبقي عتيّا. نحمده على ما وهب به من أوقات الذّكر بكرة وعشيّا، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تنبّه بالعلم بوحدانيّته من كان غبيّا، وتكبت لمقاتل سيوف العلماء من كان غويّا، ونشهد أنّ سيّدنا محمدا عبده ورسوله الّذي كان

عند ربّه رضيّا، وعلى ذبّه عمّا شرع من الدين مرضيّا، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة لا يزال فضل قديمها مثل حديثها مرويّا، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فلّما كانت رتب العلم هي الّتي يتنافس عليها، ويتطاول إلى التّنقّل إليها، ويختار منها ما كسي بمباشرة المتقدّم ملابس الجلال، وآن له أن ينتقل إليه البدر بعد الهلال، وكانت المدرسة الرّيحانيّة بمحروسة دمشق هي ريحانة المجالس، وروضة العلم الزّاكية المغارس، وبحر الفوائد الّذي يخرج الفرائد، ومسرح العلماء الّذي قد آن أن يظفر به منهم من الألف زائد. ولمّا توفّي من آلت إليه، وعالت مسألتها إلّا عليه، وكان ممّن قد ولي الأحكام استقلالا، وكان لبصر الدّنيا جلاء وللدّين جلالا، لم تكن إلّا لمن ينسى به ذلك الذّاهب، وينسب إليه علم مذهبه كلّه وإن كان لا يقتصر به على بعض المذاهب، ويعرف من هو وإن لم يصرّح باسمه، ويعرف من «1» هو وإن لم يذكر بعلاء قدره العليّ وعلمه، ولا يمترى «2» أنّه خلف «أبا حنيفة» فيمن خلف، وحصل على مثل ما حصل عليه القاضي «أبو يوسف» «3» وذهب ذلك في السّلف الأوّل مع من سلف، وأعلم بجداله أنّ «محمد بن الحسن» ليس من أقران أبي الحسن، وأنّ «زفر» «4» لم يرزق طيب أنفاسه في براعة اللّسن، وأنّ «الطّحاويّ» «5» ما طحا به «قلب إلى الحسان طروب» و «القاضي

خان» «1» لديه منه الأنبوب، وتلقّب «شمس الأئمة» لما طلع علم أنّه قد حان من شمس النّهار غروب، و «الرّازيّ» لما جاء تيقّن أنّه يروزه «2» عن علم الجيوب، و «المرغينانيّ» مسّ ولم يرغن «3» له في مطلوب، و «الثّلجيّ» «4» ما برّد لطالب غلّه، و «الخبّازيّ» «5» لم يوجد عنده لطعام فضلة، و «الهندوانيّ» «6» ما أجدى في جلاد الجدال ولا هزّ نصله؛ ولم يزل يشار إليه والتّقليد الشريف له بالحكم المطلق بما تضمّنه من محاسن أوصافه شاهد، ودست الحكم على على كيوان شائد، ومدارس العلم تسرّ من حبّه، ما حنيت عليه من محاريبها الأضالع، ومجالس القضاء تظهر بقربه، ما لم يكن تدانى إليه المواضع. وكان الجناب الكريم، العاليّ، القضائيّ، الأجلّيّ، الإماميّ، الصّدريّ، العالميّ، العامليّ، العلّاميّ، الكامليّ، الفاضليّ، الأوحديّ، المفيديّ، الورعيّ، الحاكميّ، العماديّ، ضياء الإسلام، شرف الأنام، صدر الشّام، أثير الإمام، سيد العلماء والحكّام، رئيس الأصحاب، معزّ السّنة، مؤيّد الملّة،

جلال الأئمّة، حكم الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين، أبو الحسن عليّ بن الطّرسوسيّ الحنفيّ، قاضي القضاة بالشّام- نشر ملاءة مذهبه، وحلّى بجلوسه للحكم طرفي النّهار إضاءة مفضّضه وتوشيع مذهبه، طالما ساس الرّعيّة بحكمه، وساد نظراءه في معرفة العلوم الشّرعيّة بعلمه وحكمه، وسار مثل فضله في الأقطار وضوء الشّمس مرد شعاعه، فطال إلى السّماء وقصر الأفق الممتدّ على طول باعه، وفاض فيض الغمام وما اكتال البحر بكيله ولا صار مثل صاعه، وعرضت عليه هذه المدرسة الّتي لم يكن لغيره أن يحبى ريحانتها، ولا أن تؤدّى إلى يد سواه فيودع أمانتها، فآثرها على أنّه ترك المدرسة المقدّميّة المتقدّم له درسها، المعظّم به في كلّ حين غرسها، ليوسّع بها على الطالب مذهبه، ويفرغ لها ساعة من أوقاته المنتهبة، ويهب [لها] «1» من حقّه الّذي هو في يده ما لو شاء ما وهبه. فرسم بالأمر الشريف- لا زال يقرّب الآماد، ويرضي القوم وأقضاهم عليّ وأثبتهم طودا العماد- أن يفوّض إليه تدريس المدرسة الرّيحانية المعيّنة أعلاه، على عادة من تقدّمه وقاعدته إلى آخر وقت، بحكم تركه للمقدّمية ليهبّ عليه روحها وتهب له السّعادة ريحها؛ ولها من البشرى بعلمه ما تميس به ريحانة ريحها سرورا، وتميد وقد أكنّت جبلا من العلم وقورا، وتمتدّ وقد نافحت في مسكة اللّيل عبيرا، وفي أقحوانة الصّباح كافورا؛ وما نوصي مثله- أجلّ الله قدره- بوصية إلا وهو يعلمها، ويلقّنها من حفظه ويعلّمها؛ ومن فصل قضائه تؤخذ الآداب، وتنفذ سهام الآراء والآراب. وتقوى الله بها باطنه معمور، وكلّ أحد بها مأمور؛ وما نذكّره بها إلّا على سبيل التّبرّك بذكرها، والتّمسّك بأمرها. والفقهاء والمتفقّهة هم جنده؛ وبهم يجدّ جدّه، [فليجعلهم له في المشكلات عدّة، وليصرف في] «2» الإحسان إليهم جهده؛ والله تعالى يعينه على ما ولي،

الوظيفة السابعة - التصادير بدمشق المحروسة.

ويعيّنه لكلّ علياء لا يصلح أن يحلّها إلّا عليّ. وسبيل كلّ واقف عليه العمل به بعد الخطّ الشريف أعلاه. الوظيفة السابعة- التصادير بدمشق المحروسة. وهذه نسخة توقيع أنشأته لقاضي القضاة «بدر الدّين محمد» ابن قاضي القضاة بهاء الدّين أبي البقاء «1» ، وولده جلال الدّين محمد، بإعادة تصديرين كانا باسمهما، بالجامع الأمويّ بدمشق: أحدهما انتقل إليهما عن سلفهما، والثاني بنزول، وخرج عنهما عند استيلاء «تنم» «2» نائب الشّام على الشّام في سنة اثنتين وثمانمائة، ثم أعيد إليهما في شوّال من السنة المذكورة، في قطع الثّلث، وهي: الحمد لله الّذي جعل بدر الدّين في أيّامنا الزاهرة متواصل رتب الكمال، متردّدا في فلك المعالي بأكرم مساغ بين بهاء وجلال، منزّها عن شوائب النّقص. في جميع حالاته: فإما مرتقب الظهور في سراره، أو متّسم بالتمام في إبداره، أو آخذ في الازدياد وهو هلال. نحمده على أن أقرّ الحقوق في أهلها، وانتزع من الأيدي الغاصبة ما اقتطعته الأيام الجائرة بجهلها، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تحمي قائلها من شوائب التّكدير، وتصون منتحلها من عوارض الإصدار إذا ورد أصفى

مناهل التصدير، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أفضل نبيّ اقتفت أمّته آثاره واتّبعت سننه، وأكرم رسول دعا إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه أئمّة الحقّ وأعلام الهدى، وحماة الدّين وكفاة الرّدى، صلاة يبقى على مدى الأيّام حكمها، ولا يندرس على ممرّ اللّيالي رسمها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من رعيت له الحقوق القديمة، وحفظت له مساعيه الكريمة، وخلّدت عليه النّعم الّتي حقّ لها أن تكون بأهلها مقيمة، من كرم أصلا وطاب فرعا، وزكا منبعا وعذب نبعا، ووقع الإجماع على فضله المتواتر فأعدق الحكم بتفضيله قطعا، ومن إذا تكلّم فاق بفضله نثر اللّالي، وإذا قدر قدره انحطّت عن بلوغ غايته المعالي، وإذا طلع بدره المضيء من أفق مجلسه الموروث عن أبيه وأعمامه قال: ليت أشياخي «1» شهدوا هذا المجلس العالي، ومن إذا جلس بحلقته البهيّة غشيته من الهيبة جلالة، وإذا أطافت به هالة الطّلبة والمستفيدين قيل: ما أحسن هذا البدر في هذه الهالة!، ومن تتيه طلبته على أكابر العلماء بالانتماء إليه، وتشمخ نفوس تلامذته على غيره من المتصدّرين بالجلوس بين يديه، ومن إذا أقام بمصر طلع بالشّام بدره، ولو أقام بالشّام بقي بمصر على الّدوام ذكره. وكان المجلس العاليّ، القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، الأفضليّ، الأكمليّ، الأوحديّ، البليغيّ، الفريديّ، المفيديّ، النّجيديّ، القدويّ، الحجّيّ، المحقّقيّ، الإماميّ، الأصيليّ، البدريّ، جمال الإسلام والمسلمين، شرف العلماء العاملين، أوحد الفضلاء المفيدين، قدوة البلغاء،

حجة الأدب، عمدة المحدّثين، فخر المدرّسين، مفتي الفرق، أوحد الأئمّة، زين الأمّة، خالصة الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين، أبو عبد الله، محمد ابن المجلس العاليّ، القاضويّ، الكبيريّ، المرحوميّ، البهائيّ، أبي البقاء الشّافعيّ، السّبكيّ، ضاعف الله تعالى نعمته: هو عين أعيان الزّمان، والمحدّث بفضله على ممرّ اللّيالي وليس الخبر كالعيان، ما ولي منصبا من المناصب الدّينيّة إلّا كان له أهلا، ولا أراد الانصراف من مجلس علم إلّا قال له مهلا، ولا استبدل به في وظيفة إلّا نسب مستبدله إلى الحيف، ولا صرف عن ولاية إلّا قال استحقاقه: كيف ساغ ذلك لمتعاطيه فكيف وكيف. وكان ولده المجلس السّاميّ، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الكامليّ، البارعيّ، الأصيليّ، العريقيّ، الجلاليّ، ضياء الإسلام، فخر الأنام، زين الصدور، جمال الأعيان، نجل الأفاضل، سليل العلماء، صفوة الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين، أبو «1» محمد بلّغ الله تعالى فيه [عارفيه] «2» غاية الأمل، وأقرّ به عين الزّمان كما أقرّبه «3» عين أبيه وقد فعل، قد أرضع لبان العلم وربّي في حجره، ونشأ في بيته ودرج من وكره، وكمل له سؤدد الطّرفين: أبا وأمّا، وحصل على شرف المحتدين: خالا وعمّا؛ لم يقع عليه بصر متبصّر إلّا قال: نعم الولد، ولا تأمّله صحيح النّظر إلّا قال: هذا الشّبل من ذاك الأسد، ولا رمى والده إلى غاية إلّا أدركها، ولا أحاط به منطقة طلبة إلا هزّها للبحث وحرّكها، ولا اقتفى أثر أبيه وجدّه في مهيع فضل إلّا قال قائله: أكرم بها من ذرّيّة ما أبركها! واتّفق أن خرج عنهما ما كان باسمهما من وظيفتي التّصدير بالجامع

الوظيفة الثامنة - النظر.

الامويّ المعمور بذكر الله تعالى بدمشق المحروسة: المنتقلة إحداهما إليهما عن سلفهما الصّالح قدما، والصّائرة الأخرى بطريق شرعيّ معتبر وضعا وثابت حكما- اقتضى حسن الرّأي الشريف أن يحفظ لهما سالف الخدمة، ويرعى لهما قديم الولاء فالعبرة في التّقديم عند الملوك بالقدمة. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال لذوي البيوت حافظا، وعلى الإحسان لأهل العلم الشّريف على ممرّ الزمان محافظا- أن يعاد ذلك إليهما، ويوالى مزيد الإحسان عليهما؛ فليتلقّيا ذلك بالقبول، ويبسطا بالقول ألسنتهما فمن شمله إنعامنا الشريف حقّ له أن يقول ويطول؛ وملاك أمرهما التّقوى فهي خير زاد، والوصايا وإن كثرت فعنهما تؤخذ ومنهما تستفاد؛ والله تعالى يقرّ لهما بهذا الاستقرار عينا، ويبهج خواطرهما بهذه الولاية إبهاج من وجد ضالّته فقال: هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا «1» والاعتماد في ذلك على الخطّ الشّريف أعلاه الله تعالى أعلاه، حجّة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى. الوظيفة الثامنة- النّظر. وهذه نسخة توقيع بنظر البيمارستان النّوريّ «2» ، كتب بها لمن لقبه «شهاب الدّين» وهي: رسم......- لا زال يطلع في سماء المناصب السّنيّة من ذوي الأصالة والكفاية شهابا، ويوزع المستحقّين بجهات البرّ شكره إذ اختار لهم من أهل النّهضة من ارتدى العفاف جلبابا، ويودع صحائف الأيّام ذكره الجميل حين أحيا قربات الملوك السّالفين بانتخاب من يجدّد لهم بحسن المباشرة ثوابا- أن يحمل «مجلس الأمير» فلان: أعزّه الله تعالى فيما هو بيده من نظر البيمارستان النّوريّ بدمشق المحروسة، على حكم التّوقيع الكريم والولاية الشّرعية اللّذين

بيده، واستقراره في ذلك بمقتضاهما استقرارا يبسط في هذا المنصب يده ولسانه، ويظهر شهاب عدله الّذي يحرق من الجور شيطانه، ويبرز من مباشرته ما عرف جوهره بحسن الانتقاء وإبريزه بحسن الانتقاد، ومن تأثيره ما تبلغ به الأنفس المراد بأوسع مراد، ويبدي من تدبيره، ما ينتج تمييز الوقف وتثميره. فليباشر ذلك على عادة مباشرته الحسنة، وليسلك فيها ما عهد من طريقته المستحسنة، محصّلا من المفردات ما يصرفها لمستحقّها وقت الحاجة إليها، مثابرا على حسن معالجة المضرور الّذي لا تقدر يده من العجز عليها، مواصلا فعل الخير باستمرار صدقات الواقف ليشاركه في الأجر والثّواب، مستجلبا له من الدعاء ولنا بمشاركته في الأمر بالعمل بسنّته إلى يوم المآب، ضابطا أموال هذه الجهة بتحرير الأصول والمطلق والحساب والحسّاب، متقدّما إلى الخدّام والقومة بحسن الخدمة للعاجز والضّعيف، مؤكدا عليهم في أخذهم بالقول اللّيّن دون الكلام العنيف، ملزما لهم بجودة الخدمة ليلا ونهارا، مؤاخذا لهم بما يخلّون به من ذلك إهمالا وإقصارا، متقدّما إلى أرباب وظائف المعالجة ببذل النّصيحة، واستدراك الأدواء المسقمة بإتقان الأدوية الصّحيحة؛ وليتفقّد الأحوال بنفسه: ليعلم أهل المكان أنّ وراءهم من يقابلهم على التّقصير، وليبذل في ذلك جهده فإنّ الاجتهاد القليل يؤثر الخير الكثير. والوصايا كثيرة وعنده من التّأدّب بالعلم وحسن المباشرة ما فيه كفاية، وفي أخلاقه من جميل المآثر وما حازه في البداية ما ينفعه في النّهاية؛ ولكن تقوى الله عزّ وجلّ هي السّبب الأقوى، والمنهل الّذي من ورده يروى؛ فليجعلها له ذخيرة ليوم المعاد، ومعقلا عند الخطوب الشّداد؛ والله تعالى يبلّغه من التوفيق الأمل والمراد، بمنّه وكرمه!، والاعتماد......... إن شاء الله تعالى.

الصنف الثالث (من تواقيع أرباب الوظائف بحاضرة دمشق - تواقيع أرباب الوظائف الديوانية، وفيها مرتبتان)

الصنف الثالث (من تواقيع أرباب الوظائف بحاضرة دمشق- تواقيع أرباب الوظائف الدّيوانيّة، وفيها مرتبتان) المرتبة الأولى (ما يكتب في قطع النصف ب «المجلس العالي» وهي على ضربين) الضرب الأوّل «1» (تواقيع الوزارة بالمملكة الشّاميّة على ما استقرّ عليه الحال) فقد ذكر في «التعريف» أنّه يكتب بالشام للصاحب [عز] «2» الدين أبي يعلى «حمزة بن القلانسيّ» «3» رحمه الله ب «الجناب العالي» لجلالة قدره، وسابقة خدمه، وعناية من كتب له بذلك. لكنّه لم يبيّن مقدار قطع الورق لذلك. ولا يخفى أنه كتب به في قطع الثّلثين، على القاعدة في أنّه يكتب للجناب في قطع الثّلثين. وقد ذكر بعد ذلك أنّ الّذي استقرّ عليه الحال أنّه يكتب للوزير بالشّام «المجلس العالي» بالدعاء، كما كتب للصّاحب أمين الدّين أمين الملك. [وفيه وظائف: الوظيفة الأولى- ولاية تدبير الممالك الشامية] «4» . وهذه نسخة توقيع للصاحب «أمين الملك» المذكور بتدبير الممالك الشّاميّة والخواصّ «5» الشريفة والأوقاف المبرورة، من إنشاء الصّلاح

الصّفديّ «1» ، وهي: الحمد لله الّذي جعل وليّ أيّامنا الزّاهرة، أمينا، وأحلّه من ضمائرنا الطاهرة، مكانا أينما توجّه وجده مكينا، وخصّه بالإخلاص لدولتنا القاهرة، فهو يقينا يقينا، وعضّد بتدبيره ممالكنا الشّريفة فكان على نيل الأمل الّذي لا يمين يمينا، وزيّن به آفاق المعالي فما دجا أمر إلّا كان فكره فيه صحيحا مبينا، وجمّل به الرّتب الفاخرة فكم قلّد جيدها عقدا نفيسا ورصّع تاجها درّا ثمينا، وأعانه على ما يتولّاه فهو الأسد الأسدّ الّذي اتخذ الأقلام عرينا. نحمده على نعمه الّتي خصّتنا بوليّ تتجمّل به الدّول، وتغنى الممالك بتدبيره عن الأنصار والخول «2» ، وتحسد أيّامنا الشّريفة [عليه] «3» أيّام من مضى من الدّول الأول، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة نستمطر بها صوب الصّواب، ونرفل منها في ثوب الثّواب، ونعتدّ برّها واصلا ليوم الفصل والمآب، ونشهد أنّ محمدا عبده الصّادق الأمين، ورسوله الّذي لم يكن عن الغيب بضنين، وحبيبه الّذي فضل الملائكة المقرّبين، ونجيّه الّذي أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حجّة على الملحدين، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين صحبوا ووزروا، وأيّدوا حزبه ونصروا، وعدلوا فيما نهوا وأمروا، صلاة تكون لهم هدى إذا حشروا، وتضوّع لهم عرفهم في العرف وتطيّب نشرهم إذا نشروا، وسلّم تسليما كثيرا إلى يوم الدّين. وبعد، فإنّ أشرف الكواكب أبعدها دارا، وأجلّها سرى وأقلّها سرارا، وأعلاها منارا، وأطيب الجنّات جنابا ما طاب أرجا وثمارا، وفجّر خلاله كلّ نهر «يروع حصاه حالية العذارى» ، ورنّحت معاطف غصونه سلاف النّسيم فتراها

سكارى، ومدّت ظلال الغصون فتخال أنّها على وجنات الأنهار تدبّ عذارا. وكانت دمشق المحروسة لها هذه الصّفات، وعلى صفاها تهبّ نسمات هذه السّمات، لم يتّصف غيرها بهذه الصّفة، ولا اتّفق أولوا الألباب إلّا على محاسنها المختلفة؛ فهي البقعة الّتي يطرب لأوصاف جمالها الجماد، والبلد الذي ذهب بعض المفسّرين إلى أنّها إرم ذات العماد، وهي في الدّنيا أنموذج الجنّة الّتي وعد المتّقون، ومثال النّعيم للّذين عند ربّهم يرزقون، وهي زهرة ملكنا، ودرّة سلكنا؛ وقد خلت هذه المدّة ممّن يراعي تدبيرها ويحمي حوزتها ويحاشيها من التّدمير ويملأ خزائنها خيرا يجلى، إذا ملأنا ساحتها خيلا ورجلا- تعيّن أن ننتدب لها من جرّبناه بعدا وقربا، وهززناه مثقّفا وسللناه عضبا، وخبأناه في خزائن فكرنا فكان أشرف ما يدّخر وأعزّ ما يخبى؛ كم نهى في الأيّام وأمر، وكم شدّ أزرا لمّا وزر، وكم غنيت به أيّامنا عن الشّمس وليالينا عن القمر، وكم رفعنا راية مجد تلقّاها عرابة «1» فضله بيمين الظّفر، وكم علا ذرا رتب تعزّ على الكواكب الثّابتة فضلا عمن يتنقّل في المباشرات من البشر، وكم كانت الأموال جمادى وأعادها ربيعا غرّد به طائر الإقبال وصفر. و [لما] «2» كان [الصاحب أمين الملك] «3» هو معنى هذه الإشارة، وشمس هذه الهالة وبدر هذه الدّارة، نزل من العلياء في الصّميم، وفخرنا بأقلامه الّتي هي سمر الرّماح كما فخرت بقوسها تميم، وحفظت الأموال في دفاتره الّتي

يوشّيها فأوت إلى الكهف والرّقيم «1» ، وقال لسان قلمه: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ «2» ، وعقيم الزّمان أن يجيء بمثله «إنّ الزمان بمثله لعقيم» ، وتشبّه به أقوام فبانوا وبادوا، وقام منهم عبّاد العباد فلمّا قام عبد الله كادوا- أردنا أن تنال الشّام فضله كما نالته مصر فما تساهم فيه سواهما، ولا يقول لسان الملك لغيره: حللت بهذا حلّة ثم حلّة ... بهذا فطاب الواديان كلاهما فلذلك رسم بالأمر الشّريف أن يفوّض إليه تدبير الممالك الشّريفة، ونظر الخواصّ الشريفة والأوقاف المبرورة على عادة من تقدّمه في ذلك. فليتلقّ هذه الولاية بالعزم الّذي نعهده، والحزم الّذي شاهدناه ونشهده، والتّدبير الّذي يعترف الصواب له ولا يجحده، حتى يثمّر الأموال في أوراق الحسّاب، وتزيد نموّا وسموّا فتفوق الأمواج في البحار وتفوت القطر من السّحاب، مع رفق يكون في شدّته، ولين يزيد مضاء حدّته، وعدل يصون مهلة مدّته؛ والعدل يعمّر، والغدر يدمّر، ولا يثمّر، بحيث إنّ الحقوق تصل إلى أربابها، والمعاليم تطلع بدور بدرها كاملة كلّ هلال على أصحابها، والرّسوم لا تزداد على الطّاقة في بابها، والرّعايا يجنون ثمر العدل في أيّامه متشابها؛ وإذا أنعمنا على بعض أوليائنا بنحل «3» فلا يكدّر وردها بأنّ تؤخّر، وإذا استدعينا لأبوابنا بمهمّ فليكن الإسراع إليه يخجل البرق المتألّق في السّحاب المسخّر؛ فما أردناك إلّا لأنّك سهم خرج من كنانة، وشهم لا ينهي إلى الباطل عيانه وعنانه؛ فاشكر هذه النعمة على منائحها، وشنّف الأسماع بمدائحها، متحقّقا أنّ في

الوظيفة الثانية - كتابة السر بالشام.

النّقل، بلوغ العزّ والأمل، وأنّه لو كان في شرف المأوى بلوغ منى «لم تبرح الشّمس يوما دارة الحمل» ؛ فاستصحب الفرح والجذل، بدل الفكر والجدل. الوظيفة الثانية- كتابة السّرّ بالشّام. ويعبّر عنها بصحابة ديوان الإنشاء الشّريف بدمشق. وشأنه هناك شأن كاتب السّرّ بالأبواب السّلطانيّة. وهذه نسخة توقيع بصحابة ديوان الإنشاء بالشّام، كتب بها لفتح الدّين ابن الشّهيد «1» ، من إنشاء القاضي ناصر الدّين بن النّشائيّ، في مستهلّ ذي القعدة سنة أربع وستّين وسبعمائة، وهي: الحمد لله مجزل المنّ والمنح، ومرسل سحائب العطاء السّمح، ومعمل فكرنا الشّريف في انتخاب من أورى زند الخير بالقدح، ومنقّل السّرّ بين الأفاضل من صدر إلى صدر بحمّى يصون له السّرح، ويغني مشهور ألفاظه عن الشّرح، ومجمّل بناء الدّين، بما سكن به من صميم الفضل المبين، وما اقترن بأبوابه من حركة الفتح. نحمده على نعم عاطرة النّفح، ونشكره على منن عالية السّفح، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تنجّي قائلها من حرّ الجحيم وتقيه شرّ شرر ذلك اللّفخ، وتخطب بها ألسنة الأقلام على منابر الأنامل فتنشيء عندها من مطربات الورق على غصون الأوراق هديل الصّدح، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي بلّغ الرّسالة وأدى الأمانة وعامل الأمّة بالنّصح، وأزال عنهم التّرح وأمنه الله على أسرار وحيه فكان أشرف أمين خصّه الله في محكم آياته بالمدح، وجعله أعظم من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فلم تأخذه في الله لومة لائم

ممّن لحا «1» وممّن لم يلح، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الوفاء والصّفاء والصّفاح والصّفح، والّذين جاهدوا في الله حقّ جهاده بالنّفس والمال والكدّ والكدح، ورفعوا أعلامهم المظلّلة، ونصبوا أقلامهم المعدّلة؛ فكم لهم في المشركين من جراح لا تعرف الجرح، وذادوا عن حوزة الدّين، بإراقة دم الكفّار المتمرّدين، فحسن منهم الذّبّ والذّبح، وكانوا فرسان الكلام، وأسود الإقدام، الّذين طالما خسأت بهم كلاب الشّرك فلم تطق النّبح، صلاة دائمة باقية الصّرح، ما اقترن النّظر باللّمح، وما هطل السّحاب بالسّح «2» ، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من خطبت المناصب العليّة، محاسنه الجليلة الجلية، ورغبت المراتب الّتي هي بالخير حريّة، في جميل حالته الّتي هي بعقود المفاخر حليّة، وسحبت سحائب الإقبال الوابليّة، ذيول فضائله الفاضليّة، واكتسب العلوم الفرعيّة والأصليّة، من مجاميع فنونه الّتي تعرب عن أنواع الفوائد الجمليّة والتّفصيليّة- من شهدت المفاخر بأنّه لم يزل الشّهيد لها وابن الشّهيد، وحمدت المآثر الّتي هو الشّهير بها فما عليها في جميل الأدوات من مزيد، وتشيّدت مباني معاليه الّتي اقترن باب خيرها منه بالفتح المبين، وتمهّدت معاني أماليه بالتّخيّل اللّطيف واللّفظ المتين، وتعدّدت أوصاف شيمه فهي لمحاسن الدّهر تزيد وتزين، وغدا من الكاتبين الكرام والكرام الكاتبين، الذين تضح باطّلاعهم مراصد المقاصد وتبين. طالما اتّسق عقد نظمه المتين، وبسق غصن قلمه المثمر بالدّين، وأضاف إلى أدب الكتاب حلية العلماء المتقنين، وارتقب أفعال الجميل الّتي استوجب بها حسن التّرقّي إلى أعلى درجات المتّقين، وقلّد أجياد الّطروس جواهر ألفاظه الّتي تفوق الجوهر عن يقين؛ فهي بنضار خطّه مصوغة أبهج صياغة، وفي طريق الإنشاء سالكة نهج

البلاغة، وكذا بحار الفضائل واردة مناهلها المساغة؛ كم أعرب كلمه الطّيّب، عن سحّ سحاب الصّواب الصّيّب، وكم أغنى في المهمّات بكتبه، عن جيش الكتائب وقضبه «1» ، وكم هزأت صحائفه بالصّفائح وكم أغنت راشقات فكره الثابتة العلم عن سهو السّهم الرّائح، وكم تشاجرت أقلامه البيض الفعال هي وسمر الرّماح فكان نصرها اللّائح، وكم تعارض نشر وصفه وشذا الطّيب فألفى الزّمان ثناءه هو الفائح، وكم اشتمل على أنواع من النّفاسة فاستوجب منّا منّا يقضي له بأجزل المنى والمنائح. ولما كان المجلس العاليّ، القاضويّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الكامليّ، الأوحديّ، الأثيريّ، الرّئيسيّ، البليغيّ، المفيديّ، المجيديّ، الأصيليّ، العريقيّ، العابديّ، الزّاهديّ، المؤتمنيّ، الفتحيّ، جمال الملوك والسّلاطين، وليّ أمير المؤمنين، محمد بن الشّهيد، أدام الله نعمته، هو الّذي أعرب القلم عن صفاته، وأطرب المسامع ما أدّاه اليراع عن أدواته، ورام البنان أن يستوعب بيان شكره فلم يدرك شأو غاياته، وتسارعت بدائع البدائه من أفكاره فسابقت جريان يراعه في أبياته، وراقت أماليه، لناقلي ألفاظه ومعانيه، فشكر السّمع والفهم بها هبّات هباته؛ فآدابه مشهورة، وعلومه مذكورة، وتحلّيه بمذاهب الصّوفية ارتاضت به نفسه الخيّرة الخبيرة، وإخلاصه في عبادة الله تعالى حسنت به منه السّيرة والسّريرة، وصيانته للأسرار الشّريفة استحق بها إسناد أمرها إليه، وإيداع غوامضها لديه، والتّعويل في حفظها وفي لفظه للفظها عليه- اقتضى حسن الرّأي الشّريف أن نجتبيه لما تحقّقنا منه من ذلك، ونخصّه بصحابة ديوان الإنشاء الشّريف في أجلّ الممالك، ونجعل قدمه ثابتة الرّسوخ، والصّعود في مشيخة الشّيوخ، ليسلك فيها أحسن المسالك. فلذلك رسم بالأمر الشريف [العاليّ] » الأشرفيّ، النّاصريّ- لا زال

لأبوابه الشريفة فتح في الخير يقدمه النّصر، ولسحابه منح ما يعرف مدد أمداده القصر- أن تفوّض إليه صحابة ديوان الإنشاء الشّريف، ومشيخة الشيوخ بالشام المحروس، على عادة من تقدّمه وقاعدته ومعلومه الشاهد به الدّيوان المعمور إلى آخر وقت. فليباشر ذلك بوافر عفافه، ووافي إنصافه، ومشهور أمانته، ومشكور صيانته، كاتما للأسرار، كاتبا للمبارّ، ليكون من الأبرار، عالقا مصالح الأنام بإرشاد رأيه وصوابه ضابطا أحوال ديوانه، متحرّيا في كثير الأمور وقليلها: فإن الكتاب يظهر من عنوانه، محرّرا لما يملي معتبرا لما يكتب، مجمّلا للمطالعات الكريمة بفكره المتسرّع وتصوّره الأرتب، حافظا أزمّة ما يصدر من مثال وما يرد في المهمّات الشّريفة فهو أدرى وأدرب بما على ذلك يترتّب، محافظا كعادته على دينه، لازما لصدق يقينه، خافضا لأهل الخير جناحه، مانحا لهم نجاحه، معاملا للفقراء بكرم نفس بالله غنيّة، ملاحظا لأحوالهم بالقول والفعل والعمل والنّيّة، محترما لكبيرهم، حانيا على صغيرهم، مفكّرا فيما يعود نفعه عليهم، راكنا في الباطن والظّاهر إليهم، معنيا لهم بالاشتغال بالعبادة، مسلّكا لهم الطّريق إلى الله فإنّها الطريق الجادّة، مستجلبا لدعواتهم الصّالحة، مستفيدا من متاجر بركاتهم الرّابحة. والوصايا كثيرة ومن نور إفادته تقتبس، ومن مشهور مادّته تلتمس، وملاكها التّقوى وهي أول كلّ أمر وآخره، وبملازمتها تتمّ له مفاخره؛ والله تعالى يحرسه في السّرّ والنّجوى، ويظهر بارشاده للمعاني والبيان كلّ نجوى، بمنّه وكرمه، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة توقيع بكتابة السّرّ بالشّام، كتب به للقاضي «شرف الدّين عبد الوهّاب» «1» بن فضل الله، عند ما رسم بنقله من القاهرة إلى دمشق، في ذي

الحجّة سنة إحدى عشرة وسبعمائة، من إنشاء الشّيخ شهاب الدّين «محمود الحلبيّ» وهي: الحمد لله الّذي خصّ دولتنا الشّريفة برعاية الذّمم، وحفظ ما أسلف الأولياء من الطّاعات والخدم، وإدامة ما أسدته إلى خدم أيّامنا الزّاهرة من الآلاء والنّعم، وإفاضة حلل اعتنائها، التي هي أحبّ إلى من شرف بولائها، من حمر النّعم، وأبقى عوارفها على من لم يزل معروفا في صون أسرارها بسعة الصّدر وفي تدبير مصالحها بصحّة الرّأي وفي تنفيذ مراسمها بطاعة اللّسان والقلم. نحمده على نعمه الّتي ما استهلّت على وليّ فأقلع عنه غمامها، ولا استقرّت بيد صفيّ فانتزع من يده حيث تصرّف زمامها، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة لا نزال نعتصم بحبلها المتين، ويتلقّى عرابة «1» إخلاصنا راية فضلها باليمين، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أكرم مبعوث إلى الأمم، بالإحسان والكرم، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الّذين كرمت أنسابهم، وأضاءت لهم وجوههم وأحسابهم، فرفلوا في حلل ما اكتسوه من سننه، واكتسبوه من سننه، فحسن منها اكتساؤهم واكتسابهم، صلاة لا تزال لها الأرض مسجدا، ولا يبرح ذكرها مغيرا في الآفاق ومنجدا، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من خوّلته مكارمنا الإقامة حيث يهوى من وطنه، وبوّأته نعمنا الجمع بين ذمام برّنا وبين ما فارقه من سكنه، وملّكته عواطفنا، زمام التّصرّف حيثما أمكن من خدمتنا الشريفة، وعرّفته عوارفنا، أنّ مكانته عندنا على حالها حيث أدّى ما عدق به من وظيفة- من لم يزل قلمه لسان مراسمنا، وعنان ما نجريه في الآفاق من سوابق مكارمنا، وترجمان أوامرنا، وخطيب آلائنا التي غدت بها أعطاف التّقاليد من جملة منابرنا.

ولمّا كان المجلس العالي: هو الّذي لم يبرح صدره خزانة أسرارنا، وفكره كنانة إعلاننا في المصالح وإسرارنا، وخاطره مرآة آرائنا، ويراعه مشكاة ما يشرق: من أنوار تدبيرنا، أو يبرق: من أنواء آلائنا؛ ينطق قلمه في الأقاليم عن ألسنة أوامرنا المطاعة، وينفذ كلمه عن مراسمنا في ديوان الإنشاء بما تقابله أقلام الجماعة بالسّمع والطّاعة؛ وكانت سنّه قد علت في خدمتنا إلى أن رأينا توفير خاطره على البركات، عن كثير ممّا يتبع ركابنا الشريف من لوازم الحركات، وأن نعفيه مما يلزم الإقامة بأبوابنا الشريفة من كثرة المثول بين يدينا، وأن نقتصر به على أخفّ الوظيفتين إذ لا فرق في رتبة السّرّ بين ما يصدر عنّا أو ما يرد إلينا. فرسم بالأمر الشّريف، العاليّ، المولويّ، السّلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ، أن يكون فلان صاحب ديوان الإنشاء الشّريف بالشام المحروس، بمعلومه الشّاهد له به الديوان المعمور بالأبواب العالية، عوضا عن أخيه المجلس الساميّ، القضائيّ، المحيويّ «يحيى «1» بن فضل الله» ويستمرّ أخوه القاضي «محيي الدّين» المذكور مع جملة الكتّاب بديوان الإنشاء الشّريف بالشّام المحروس، بالمعلوم الشّاهد به الدّيوان المعمور. فليباشر هذه الرّتبة الّتي تأثلت به قواعدها وعن تقريره وتحريره أخذ كلّ من كان بأنواعها وأوضاعها عليما؛ فإنّه لم يخرج عن أخيه شيء وصل إليه، ولا فوّض له إلّا ما هو بحكم عموم الأولويّة والأوّليّة في يديه؛ وأمّا ما يتعلّق بذلك من وصايا تبسط، وقواعد تشرط، فإنّها منه استفادها من رقّمها، وعنه ارتوى بها ورواها من تعلّمها؛ ونحن نعلم من ذلك ما لا يحتاج إلى أن يزداد فيه يقينا، ولا أن نزيده بذكره معرفة وتمكينا؛ والاعتماد........ قلت: ومن غريب ما وقع: أنّه كتب للمقرّ الشّهابيّ بن فضل الله بكتابة السّر بالشّام، حين وليها بعد انفصاله من الديار المصرية توقيع مفتتح ب «أمّا بعد

حمد الله» من إنشاء المولى «تاج الدّين بن البارنباري» وكأنّه إنّما كتب بذلك عند تغيّر السلطان الملك النّاصر «محمد بن قلاوون» عليه «1» ، على ما هو مذكور في الكلام على كتّاب السّر في مقدّمة الكتاب. وهذه نسخة توقيع بكتابة السّر بالشّام المحروس: أمّا بعد حمد الله منقّل الشّهب في أحبّ مطالعها، ومعلي الأقدار بتصريف الأقدار ورافعها، ومبهج النّفوس بمعادها إلى أوطانها ومواضعها، وممضي مشيئته في خليقته بالخيرة فيما يشاء لطالعها، والشّهادة له بالوحدانيّة الآخذة من القلوب بمجامعها، والصّلاة على سيدنا محمد الّذي بصّر الأمّة بهديها ومنافعها، وصان شرعته الشريفة تلو الملل بنسخ شرائعها، وعلى آله وصحبه الّذين استودعوا أسرار الملّة فحفظوا نفيس ودائعها- فإنّ ممالكنا الشريفة هي سواء لدينا في التّعظيم، وأولياء دولتنا الشريفة يتنقّلون فيها في منازل التّكريم؛ وعندنا من «فضل الله» رعاية للعهد القديم، وتأكيد لأسباب التّقديم، فلا غضاضة لمن نقلناه من أبوابنا إليها، ولا وهن يطرأ على علوّ المراتب ويعتريها، حيث صدقاتنا دائمة، وثغور إقبالنا باسمة، ومراسمنا لمساعدة الأقدار في الأيّام حاكمة؛ و «الشّهاب» لو لم يسر في سمائه، لما اهتدى الناظرون بضيائه، والدّرّة لو مكثت في صدفها، لما حظيت في العقود بشرفها. وكان المجلس العاليّ، القضائيّ، الشّهابيّ، قد أقام في خدمتنا الشريفة بالأبواب العالية حافظا للأسرار، قائما بما نحبّ ونختار؛ ثم لمّا أخذ حظّه من القرب من أيدينا الشّريفة: رأينا أنّ عوده إلى أوطانه، وأهله من تمام إيمانه، وأنّ مرجعه إلى

الوظيفة الثالثة - نظر الجيوش بالشام.

محلّه، من نعيم الله عليه وفضله؛ وما سار إلّا والإقبال يزوّده، والاستقبال به وأهل بيته يسعده ويصعده. فلذلك رسم بالأمر الشّريف أن ينقل إلى كتابة الإنشاء الشّريف بدمشق المحروسة، وأن يكون متحدّثا عن والده، على ما كان عليه بالديار المصرية وليقرّر له من المعلوم كذا وكذا. فليسر إلى دار كرامته، وليستقرّ في موطن إقامته، قرير العين، مملوء اليدين، مسرورا برفع المحلّ في المملكتين؛ وليكن لوالده- أعزّه الله تعالى- عضدا، وليصبح له في مهماتنا الشريفة ساعدا ويدا، وليضح به اليوم برّا ليجد رضا الله غدا؛ فإنّ والده بركة الممالك، وله قديم هجرة، وسالف خدمة، وحسن طويّة، فنحن نرعاه لذلك، والمهمّات الشريفة يتلقّاها بنفسه، وليصدر فصول المطالعة مدبّجة على عادته في تدبيج طرسه، وليستعن بالله فهو وليّ الإعانة، وليعتمد على الرّفق في أمره فما كان الرّفق في شيء إلّا زانه؛ وما بعد عنّا، من كان بعيدا بالصورة قريبا بالمعنى، والله تعالى يزيده منّا منّا، والخطّ الشريف أعلاه حجّة فيه، إن شاء الله تعالى. الوظيفة الثالثة- نظر الجيوش بالشّام. وشأن صاحبها كتابة المربّعات «1» التي تنشأ من الشّام، وتنزيل المناشير الشريفة الّتي تصدر إليه. وهذه نسخة توقيع شريف من ذلك، كتب به «لموسى بن عبد الوهاب» من إنشاء السيّد الشريف شهاب الدّين، وهي: الحمد لله الّذي جعل إحساننا عائدا بصلاته، وفضلنا يجمع شمل الإسعاد بعد شتاته، وعواطفنا تنبّه جفن الإقبال من إغفائه وسناته.

نحمده على أن نصر بنا جيش الإسلام في أرجاء ملكنا الشّريف وجهاته، وجعل البركة واليمن بأمرنا في حالتي محوه وإثباته، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة زادت في جزاء المخلص وحسناته، وأضحت نورا يسعى بين يديه إلى رحمة ربّه وإلى جنّاته، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الّذي أظهر الله به واضح آياته، وأصبح النّشر عابقا من نشر راياته، ومحا الفترة «1» بهديه وسرّ سرائر أوليائه وأكمد قلوب عداته، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه ما تأرّج النّسيم في هبّاته، وأبهج العطاء بجزيل هباته، وسلّم تسليما. وبعد، فإنّ من النّعم ما إذا عادت أقرّت العيون، وحققت الآمال والظّنون، ورفعت الأقدار وإن لم يزل رفيعا محلّها، وجمعت المسارّ الممتدّ على الأفئدة ظلّها، وعمرت ربوع الإحسان، وغمرت بمنائحها الحسان، كهذه النّعمة الّتي تلقّت الإقبال من حافل غمامه، وجمعت شمل التّقديم مشفوعا بإكرامه، وأعادت سماء التّكريم هادية بقطبها، مشرقة الأرجاء بنور ربّها، وسفرت بدورها بمن هو أولى باجتلائها، وتهيّأت رتبها لمن هو جدير باعتلائها؛ وحقيق بأن تعود المواهب بعد فترتها، وأن تقبل عليه وجوه المنائح بعد لفتتها، لتصبح كواكب الإسعاد كأنّها ما أفلت، وعطايا التّخويل كأنّها ما انتقلت، ويعود عليه اليوم كأمسه، ويرجع أفق العوارف الجسام مشرقا ببدر الاجتباء وشمسه. ولمّا كان فلان هو الّذي حسنت في الخدم الشّريفة آثاره، وحمد إيراده في المهمّات الشريفة وإصداره، وشكره شامه ومصره، وسما في كلّ جهة حلّها محلّه وقدره، وتحقّقت منه رآسة قضت له بإبداء النّعم وإعادتها، وأن تجري له الدّولة من الإكرام على أجمل عادتها، وأن ترعى له حقوق ألفها حديثا وقديما، وتنشر عليه ظلال الفضل حتّى لا يفقد منها على طول المدى تكريما.

المرتبة الثانية (من مراتب أرباب التواقيع الديوانية بدمشق

فلذلك رسم بالأمر الشّريف ... «1» ... لا زال ... «2» ... أن يستقرّ ... «3» ... تجديدا لملابس سعده، وتأكيدا لقواعد مجده، وترديدا للفضل الّذي حلا منهل ورده، ورعاية لخدمه الّتي أكبّت عليها السيوف والأقلام، وشكرت تأثيرها جنودنا- نصرها الله تعالى- بمصر والشّام؛ ولما له من حسن سمت زاده وقاره، وأصل صالح طابت منه ثماره. فليستقرّ في هذه الوظيفة المباركة: عالما أنّ لسان القلم أمسك عن الوصايا لأنه خبر هذه الوظيفة فرعا وأصلا، وألفت منه ناظرا علا قدرا وكرم محتدا وفصلا، وهو بحمد الله أدرى بسلوك منهاجها القويم، وأدرب باقتفاء سننها المستقيم؛ والخير يكون، والاعتماد في ذلك على الخطّ الشّريف إن شاء الله تعالى أعلاه، حجّة بمقتضاه. المرتبة الثانية (من مراتب أرباب التّواقيع الديوانية بدمشق - من يكتب له في قطع الثلث ب «المجلس الساميّ» بالياء مفتتحا ب «الحمد لله» إن علت رتبته وإلا ب «أما بعد» ، وتشتمل على وظائف) منها- نظر الخزانة العالية «4» ، وشأنها هناك نظير الخزانة الكبرى بالديار المصرية في القديم، ونظير خزانة الخاصّ الآن. وهذه نسخة توقيع بنظر الخزانة العالية: أمّا بعد حمد الله على نعمه الّتي خصّت المناصب السنية في أيّامنا الزّاهرة بكلّ كفء كريم، وجعلت على خزائن الأرض من أولياء دولتنا القاهرة كلّ حفيظ عليم، وأفاضت ظلّ إنعامنا على من إذا أنعم النّظر في حقّ ذوي البيوت القديمة كان أحقّ بالتّقديم، والصّلاة على سيدنا محمد أفضل من حباه بفضله العميم،

واجتباه لهداية خلقه إلى السّنن القويم، وجعل سلامة الصّلاة المقبولة من النقص مقرونة بالصلاة عليه والتّسليم- فإنّ أولى من رجّحه لخدمتنا الاختيار، وقدّمه في دولتنا الاختبار، وأخلصه حسن نظرنا الشّريف رتبة أبيه من قبل، وأغدق له سحاب برّنا صوب إحسان فلم يصبه طلّ بل وبل- ومن حمد سيره وسيره، وشكر في طاعتنا ورده وصدره، وزان الأصالة بالنباهة، والرّاسة بالوجاهة، والمعرفة بالنّزاهة، وجمع بين [الظّلف] «1» والاطّلاع، والتّضلّع من العفّة والاضطلاع، والصّفات الّتي لو تخّيرها لنفسه لم يزدها على ما فيه من كرم الطّباع. ولما كان نظر الخزانة العالية بدمشق المحروسة رتبة لا يرقى إليها من الأكفاء إلا من ومن، ولا يقدّم لها من الأولياء إلا من تعيّن من رؤساء العصر وفضلاء الزّمن، وكان فلان هو الّذي عيّنه لها ارتياد الأكفاء، واصطفي هو من أهل الصّفاء، وتقدّم من وصف محاسنه ما لا يروّع تمام بدره وظهوره بالنّقص والاختفاء. فلذلك رسم بالأمر الشّريف أن يفوّض إليه نظر الخزانة المذكورة. فليباشر ذلك مباشرة من يحقّق في كفايته وفضيلته التّأميل، ويظهر حسن نظره الّذي هو كالنهار لا يحتاج إلى دليل، وليجر على جميل عادته في النهوض في خدمتنا بالسّنّة والفرض، ويضاعف اجتهاده الّذي بمثله جعل من اختير على خزائن الأرض؛ وهو يعلم أنّ هذه الرتبة مآل الأموال، وذخائر الإسلام الّتي هي مادة الجيوش وموارد الإفضال؛ فليعمل في مصالحها فكره ودأبه، وإذا كان حسن نظرنا الشريف قد جعله المؤتمن عليها: فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ «2» وفي سيرته الّتي عرفت، وصفاته الّتي إن وصفت فما

الصنف الرابع (من الوظائف بدمشق وظائف المتصوفة ومشايخ الخوانق، وفيها مرتبتان)

أنصفت، ما يغني عن تفاصيل الوصايا وجملها، وإعادة مزايا التأكيد: قولها وعملها؛ لكن ملاكها الصّيانة الّتي هو بها موصوف، والتّقوى التي هو بها معروف؛ والاعتماد على الخط الشّريف أعلاه. ومنها- صحابة ديوان النّظر، وصحابة ديوان الجيش ونحو ذلك من الوظائف الديوانية بدمشق. قلت: هذا إن كتب من الأبواب الشّريفة السّلطانية، وإلّا فالغالب كتابة ذلك عن نائب السّلطنة بدمشق. الصنف الرابع (من الوظائف بدمشق وظائف المتصوّفة ومشايخ الخوانق، وفيها مرتبتان) المرتبة الأولى (ما يكتب في قطع الثّلث ب «المجلس السّاميّ» بالياء، مفتتحا ب «الحمد لله» وبذلك يكتب لشيخ الشّيوخ بالشّام، وهو شيخ الخانقاه الصّلاحية، المسماة بالشميصاتية) «1» وهذه نسخة توقيع بذلك، وهي: الحمد لله الّذي اختار لعمارة بيوته أولياء يحبّونه ويحبّهم، وأصفياء حفّهم برحمته فاجتهدوا في طاعته فازداد قربهم، وأتقياء زهدوا في الدّنيا وأبدلوا الفاني بالباقي وطاب في مورد الصّفاء شربهم. نحمده حمد من جعل حبّ الله دثاره، وملابس التّقوى شعاره، ونشكره والشّكر لمزيد النّعم أمارة، وللقلوب الدّاثرة عمارة، ونشهد أن لا إله إلّا الله

وحده لا شريك له شهادة مخلص في التّوحيد، يتبوّأ بها جنان الخلد ويخلص من سماع قول جهنّم: هل من مزيد «1» ، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أسرى به إلى حضرة أنسه، وحظيرة قدسه، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم من سبق الأمّة بشيء وقر «2» في صدره، ومنهم من دلّت واقعة سارية على علوّ شأنه ورفعة قدره، صلاة لا تزال الأرض لها مسجدا، ولا يبرح ذكرها مغيرا في الآفاق ومنجدا، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أحقّ من عومل بالتّقديم، وأجدر من يخصّ بالتّكريم، من كان قدره في الأولياء عظيما، وذكره في الآفاق بين أهل المعرفة قديما، وتجريده عن الدنيا مشهورا، وسعيه على قدم الطاعة مشكورا، وشهوده لمقام الكمال مستجليا، واستجلاؤه لموادّ الأنس مستمليا؛ فهو في هذه الطائفة الجليلة سريّ المقدار، معروف الصفة في حلية الأولياء ومناقب الأبرار، والمتقدّم من الإمامة في مجمع الأخيار. ولما كان المجلس الساميّ، الشّيخيّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، الأوحديّ، الزّاهديّ، الورعيّ، الأصيليّ، الفلانيّ، جلال الإسلام والمسلمين، وشرف الصّلحاء في العالمين، شيخ الشّيوخ، قدوة السّالكين، معتقد الملوك والسّلاطين، أعاد الله تعالى من بركاته: هو المقصود من هذه العبارة، والملحوظ بهذه الإشارة- اقتضى حسن الرّأي الشريف أن يخصّ في الدنيا بالتّعظيم، ويميّز في هذه الأمّة بالتّكريم. فلذلك رسم بالأمر الشّريف- لا زال له من جنود اللّيل «3» جيش لا تطيش

المرتبة الثانية (من يكتب له في قطع العادة مفتتحا ب «رسم» )

سهامه، ومن فرسان المحاريب مدد لا تزلّ في ملاقاة الرّجال أقدامه- أن يستقرّ في كذا. فليقابل هذه النعمة بالسّرور، وليتأثّل هذه الفضيلة بحمد الله الشّكور، وليواظب على وظيفة الدعاء بدوام أيّامنا الزّاهرة، وليستمطر جزيل الفضل من سحائب جودنا الماطرة، وليبسط يده في عمل المصالح، وليستمرّ على السّعي الحسن والعمل الصّالح؛ فإنّ هذه البقعة مأوى القادم والقاطن، وتسمو على أمثالها من المواطن؛ وليكن لأسرارهم موقّرا، ولأقواتهم المعينة على الطّاعة ميسّرا؛ والله تعالى يجعل خلواته معمورة، وأفعاله مبرورة؛ والاعتماد في ذلك على الخطّ الشّريف. قلت: هذا إن وليها شيخ من مشايخ الصّوفية، على عادة الخوانق. وقد يليها كاتب السّرّ بالشّام، فيكتب تقليده بكتابة السّرّ في قطع النّصف «بالمجلس العالي» على عادة كتّاب السّرّ، ويشار في تقليده إلى بعض الألفاظ الجامعة بين المقامين، ويضاف إلى ألقاب كتابة السّرّ بعض ألقاب الصّوفية المناسبة لهذا المقام. على أنّه ربّما كتب بولايتها عن نائب السّلطنة بالشّام لكاتب السّرّ أو غيره. المرتبة الثانية (من يكتب له في قطع العادة مفتتحا ب «رسم» ) وهذه نسخة توقيع من ذلك، وهي: رسم بالأمر الشّريف- لا زالت أوامره تحلّ القربات محلّها، ومراسمه تسند الرّتب الدّينية لمن إذا خصّوا بمواقعها كانوا أحقّ بها وأهلها- أن يرتب فلان في كذا: إذ هو أولى من خصّ بمواطن العبادة، ونصّ بترفيه الأسرار على التّحلّي بإفاضة الإفادة، ووفّر كدّه على اجتلاء وجوه المعارف من أفق المراقبة، وجمع خاطره لاجتناء ثمرة الأنس من أفنان الطّاعات النّابتة في رياض

النوع الثاني (من وظائف دمشق ما هو خارج عن حاضرتها)

المحاسبة، مع تمسّكه بعلوم الشريعة الّذي [خلص] «1» معرفته من الشّوائب، وأحيا الدّجى من اقتبال شبيبة ظلامه إلى أن تشيب منه الذّوائب، ونفع متعدّ إلى كلّ طالب فضل وملتمس، ودين باهر من مصباح مشكاة العلم والعمل لكلّ باغي نور ومقتبس. فليستقرّ شيخا بالمكان الفلانيّ: لتعمر أرجاؤه بتهجّده، وتشرق خلواته بتعبّده، وتعذب موارده بأوراده، وتطلع مجالسه نجوم معرفته البازغة من أفق إيراده؛ ولتغدو هذه البقعة روضة أفكار، وقبلة أذكار، ومراقي دعوات، ومرافيء بركات، تستنزل بين صلوات مقبولة وخلوات، وليتناول المعلوم المستقرّ له ترفيها لسره، وتنزيها لفكره، وإعانة على الانقطاع بهذه البقعة الّتي تتصل به أسباب السّعادة في أرجائها، وتخصيصا لها منه بإمام تقى لو كان لبقعة أن تجتني بركته لكان منتهى رجائها، وليرفع من الأدعية الصالحة لأيّامنا المباركة ما لا تزال مواطن القبول لنفحاته المترقّبة متلقّية، وما لا تبرح النفوس لخشيته المانعة متوقّية؛ والاعتماد على الخطّ الشّريف أعلاه، حجة بمقتضاه. قلت: هذا إن كتب عن الأبواب السّلطانية؛ وإلّا فالغالب كتابة ذلك عن نائب السلطنة بالشّام. النوع الثاني (من وظائف دمشق ما هو خارج عن حاضرتها) وقد تقدّم في المقالة الثانية: أنّ لدمشق أربع صفقات، وهي: الغربية، والشّرقية، والقبلية، والشّمالية. فأما الصّفقة الغربية «2» : وهي المعبّر عنها بالسّاحليّة والجبليّة، على ما

منها - نيابة القدس

تقدّم فيها، ففيها من وظائف أرباب السيوف عدّة وظائف، وتولّي فيها الأبواب السّلطانية. منها- نيابة القدس . وقد تقدّم أنّها كانت في الزّمن المتقدّم ولاية صغيرة يليها جنديّ، ثم استقرّت نيابة طبلخاناه، في سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وأنّ العادة جرت أن يضاف إليها نظر الحرمين: حرم الخليل عليه السّلام، وحرم القدس، والّذي يكتب له مرسوم في قطع الثّلث ب «السّاميّ» بالياء. ومنها- نيابة قلعة الصّبيبة . وقد تقدّم أنّها من أجلّ القلاع وأمنعها، وأنّه كان يليها نائب مفرد من أجناد الحلقة «1» أو مقدّميها عن نائب دمشق، ثم أضيفت إلى والي بانياس، ثم استقرّت في سنة أربع عشرة وثمانمائة في الدولة الناصرية «فرج» نيابة. ومنها- نيابة قلعة عجلون . وقد تقدّم أنّها على صغرها حصن حصين، مبنيّة على جبل عوف «2» ، بناها أسامة بن منقذ، أحد أمراء السّلطان صلاح الدّين «يوسف بن أيّوب» في سلطنة العادل أبي بكر، وأنّه كان مكانها راهب اسمه عجلون، فسمّيت به. ثم استقرّت في الدولة الناصرية «فرج» في سنة أربع عشرة وثمانمائة إمرة طبلخاناه. وقد تقدّم أوّل هذا القسم ما يكتب للمقدّمين، وما يكتب للطّبلخاناه، وما يكتب للعشرات. أمّا أرباب الوظائف الدّينيّة. فمنها- مشيخة الخانقاه الصّلاحية بالقدس . وتوقيعها يكتب في قطع

ومنها - خطابة القدس

الثلث مفتتحا ب «الحمد لله» . ومنها- خطابة القدس ، وتوقيعها كذلك. ومنها- مشيخة حرم الخليل ، وتوقيعها في العادة يكتب مفتتحا ب «رسم» . وأمّا الصّفقة القبليّة «1» ، فالّتي يولّى بها من الأبواب السّلطانية نيابة صرخد. وقد تقدّم في الكلام على ترتيب المملكة الشّامية أنّه قد يجعل فيها من يقرب من رتب السّلطنة، وحينئذ: فإن وليها مقدّم ألف، كان مرسومه في قطع النّصف ب «المجلس العالي» ، وإن وليها أمير طبلخاناه، كان مرسومه في قطع النّصف أيضا، ب «السّاميّ» بالياء. وأما الصّفقة الشّرقية «2» فالنّيابات بها على طبقتين: الطبقة الأولى (ما يكتب به مرسوم شريف في قطع النّصف، وهو ما يليه مقدّم ألف أو طبلخاناه، وفيها نيابات) النيابة الأولى- نيابة حمص. وقد تقدّم أنّها كانت نيابة جليلة، كان يليها في الدّولة النّاصرية «محمد بن قلاوون» مقدّم ألف، وأنه ذكر في «التّثقيف» أنّها صارت الآن طبلخاناه. وحينئذ: فإن كان بها مقدّم ألف، كان مرسومه في قطع النّصف ب «المجلس العالي» ، وإن كان طبلخاناه، كان مرسومه في قطع الثّلث ب «المجلس الساميّ» بالياء.

وهذه نسخة مرسوم شريف بنيابة السلطنة بحمص: الحمد لله مقدّر كلّ أجل إلى حين، ومقرّر أمور الممالك في عباده الصّالحين، الذي جعل بنا أولياءنا من الرّابحين، وحفظ ما استرعانا من أمور عباده بولاية النّاصحين. نحمده على اختيار لا يصل إليه قدح القادحين، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة نكون بها في غمرات الحروب على السّوابح «1» سابحين، ونشهد أنّ سيّدنا محمدا عبده ورسوله أكرم المانحين، وأعظم الفاتحين، وأشرف من ولّى الأعمال الكفاة الوفاة المكافحين، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة لا تزال فيها الحفظة على أعمالنا مماسين ومصابحين، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ مراسيمنا الشّريفة وإن تأخّر وقتها إلى أجل معدود، وأمد ممدود، ومضت أيّام وليال ولها باب مسدود، وعمل سببه غير مشدود- فإنّا كالسّيف يتلاهى إذا صمّم لا يرجع، وكالغمام تتمادى مدد مدّه ثم يجود فلا يقلع، ولم نزل منذ فوّض الله أمور بلاده إلينا، وصرّف أمور جمهور عباده بيدينا، نرى أن نحمي غاباتها بأشدّ الأسود، ونرمي غاياتها بمن هو لأمر ما يسود، ونحوط جنباتها بمن لا يستبيح حرمه إلا الوفود، ونحطّ ركائب رعاياها منه على من هو المقصود، وننيب إلى ما يترجّح من مصالحهم لدينا، ونستنيب لمن يترجّى الحسنى إذا عرضت متجدّدات أمورهم علينا، وإذا انفرد بحكم لا يظنّ إلّا أنّه بمسمع من أذنينا، ومرأى من عينينا، لأنّ نوّاب الممالك الشريفة فروع عدلنا الشّريف ونحن أصلها، وأسباب إحسان بأوامرنا المطاعة قطعها ووصلها. وكانت حمص المحروسة من أكبر الممالك القديمة، والمدن العظيمة؛ تغرق الأقاليم في مدّها، وتمتدّ عساكرها فتعدّ حماة حماة من جندها؛ وهي من

الشّام المحروس في ملتقى مواكبه، ومجرّ عواليه ومجرى سوابقه ومجمع كتائبه؛ طالما كان بها الحرب سجالا، وطالما سابقت بها الرّجال آجالا؛ وكان لنا بها في الحرب يومان عوّضنا الله أدناهما بما حفظت المعارك، وضاقت الأرض بدماء القتلى ففاض إلى السّماء ما التقى بالشفق من [تلك المسالك] «1» ، واتّصلت بالبرّ والبحر من جانبيها، واتّصفت بأنّها مهبّ الرّياح، ومركز الرّماح، لما يهبّ لنا من بشرى النصر ويخفق من عصائبنا المنصورة عليها. فلمّا تطاول الأمد على خلوّها ممّن ينوب عن السّلطنة الشّريفة في أحكامها، ويؤوب إلى تسديد مرامي سهامها، لم تزل آراؤنا العالية تجول فيمن يصلح أن يقّدم قدمه إلى رتبتها العليّة، ويجرّد منها عزائمه المشرفيّة، ويجمع بها على طاعتنا الشّريفة من فيها من العساكر المنصورة، والقبائل المشهورة، والطّوائف المذكورة، ويبسط بساط العدل في كافّة جنودها ورعاياها فإنّها بهؤلاء محروسة وبهؤلاء معمورة- فرأينا أنّ أولى من حكم في عاصيها والمطيع، واتّخذ لسوريا السّور المنيع، من هو الموثوق بما أمضت السيوف من هممه، وأرضت التّجارب من سوابق خدمه، وطارت سمعة شكره في الآفاق، وطابت أثنيته فجاءت بما يعرف من الطّرب لإسحاق «2» ؛ وكان قد تقدّمت له في عينتاب «3» ، نيابة كم أصابه فيها رجل بالعين ثم إنّه من العين تاب، وقام بين أيدي كفلاء ممالكنا الشريفة حاجبا، وفهم من أحكامهم الّتي تلقّوها منّا ما أصبح لها صاحبا، فما للنّيابة إحكام أحكام إلّا وهو به عالم، ولا تولية حكم إلا وقد استحقّها لقرب ما بين الحاجب والحاكم.

وكان فلان هو المرتضى للبس هذه المفاخر، والمنتظر الّذي كم ترك الأوّل فيه للآخر- فاقتضت مراسيمنا المطاعة أن يزان جيده بهذا التقليد، وتلقى إليه المقاليد، وتمدّ يد هذه الرتبة لتلقّيه، وتخضع عنق هذه المرتبة لترقيّه، وتحوّل إليه هذه النّعمة الّتي ألحقت قدره بالأكفاء، وأهّلت هممه للاكتفاء، وشرّفت مكانه، بما أجمعت عليه آراؤنا الشريفة له من الاصطفاء، وأحسنت به الظّنّ لمّا رأت نيّته الجميلة ممثّلة من خاطره في مرآة الصّفاء. فرسم بالأمر الشّريف- لا زال مرفوعا به كلّ علم، ممنوعا به حمى كلّ حرم- أن تفوّض إليه نيابة السّلطنة الشّريفة بحمص المحروسة وأعمالها، وجندها وعمّالها، وعساكرها وعشائرها، وعامرها وغامرها، وأوّلها وآخرها، ودانيها وقاصيها، وكلّ ما في حدودها الأربعة، وداخل في جهاتها الممنّعة، على أكمل ما جرت به عوائد من تقدّمه، واستقرّت عليه القواعد المتقدّمة. فاتّق الله في أمورك، واجعل الشّرع الشّريف مشكاة نورك، وعظّم حكّامه، ونفّذ أحكامه، فهم أمنع سورك، واعدل فهو قرار خواطر جمهورك، وتيقّظ لسداد سداد ثغورك، وارفق لتطلق به نطق نطاق شكورك؛ وأقم الحدود فإنّها زيادة في أجورك. وأمّا العساكر المنصورة، فجمّل بهم في خدمتنا الشريفة مواكبك، وكمّل بعزائمهم مضاربك، ولا تستخدم منهم إلا من يسرّك أن تراه في يوم العرض، وتعقد هوادي جياده السماء بالأرض، واحم أطراف بلادك من عادية الرّجال، واحفظ جانبيها من تخطّف الغارات فسر قيامها [لا يدفعه] «1» غير احتيال، واهتمّ بالجهاد تحت صناجقنا «2» المنصورة لأعداء الله متى أجمعوا، وضرّسهم بأنياب أسنّتك فأنت صاحب العصا وهي تتلقّف ما صنعوا، وعمّر

النيابة الثانية - نيابة الرحبة

بلادها بملاحظتك الجميلة، ونمّ أمورها فهي قوام الجنود وهم إلى الثقة في النّصر الوسيلة، وسارع إلى ما ترد به مراسمنا الشّريفة عليك لنهديك إلى صراط مستقيم، وعجّل البريد فإنّك تعلم به ما لست بعليم؛ وبقيّة الوصايا لا حاجة إليها لما تعرفه من قديم، والله تعالى يمتّعك بكلّ خلق كريم؛ والخطّ الشريف أعلاه ... النيابة الثانية- نيابة الرّحبة «1» وهذه نسخة بنيابتها: الحمد لله الّذي أمدّنا بنصره، وشمل بجود سلطاننا أهل عصره، وأيّده بجنود أوّلها متّصل بأوّل عراقه وآخرها بآخر مصره، وفرّق بسهامه الأعداء في حواصل الطير بين حضنه وخصره. نحمده حمدا يقوم بشكره، ويحافظ على حسن ذكره، ويستعاذ به إلّا ممّا يدمّر على العدا من عواقب مكره، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة ترغم من جادله بكفره، وتمزّقه بين كل ناب سيف وظفره، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أرسله مقيما لأمره، ومديما في الجهاد لإعمال بيضه وسمره، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه حملة سرّه، ونقلة هديه بأسره، صلاة باقية في الوجود بقاء دهره، راقية ارتقاء زهره. وبعد، فإنّ الثغور بسدادها، والبحور بأمدادها، والنّحور لا تحلّى بأحسن من حلية نجادها، والممالك المحروسة لا تحرس إلا بشهب خرصانها «2» ، ولا تسقى بأنقع مما تطلّه من الدّماء سحب فرسانها، والفرات لا تحمى مواردها إلا

بأمثال سيوفها القواضب، ولا تمنع مخاوضها «1» إلّا بدم خاضب، والحصون لا يرضى بها كلّ منجنيق غضبان إلا بوصال مغاضب، والقلاع لا تتطلّع عيون ديادبها «2» إلا لمن ماء الكرى في جفونه ناضب، والمعاقل لا تسمح بعقائلها إلّا لمن هو على خطبتها مواظب؛ وكانت الرّحبة- حرسها الله تعالى- هي أوسع مكان رحابا، وأدنى إلى مطر سحابا، وأوثق ما أغلق على البلاد بابا، وأقرب ما سمع حرّاسها في السماء دعاء مجابا، قد ملئت سماؤها حرسا شديدا وشهبا، ومدّت كواكب الدلو واستقت من الغمام قلبا «3» ، وعدّت ما وراء المجرّة فعمّيت دونها المسالك، وحسبت لملك ونسبت إلى مالك؛ ومالك- لا أعني إلّا ابن طوق «4» - خازنها، ومنزل أمن وفي غاب الأسد مساكنها؛ وقد وقفت لبغداد في فم المضيق، وهمّت بلاد العدا أن تخوض الفرات إليها فقالت: ما لك إليّ طريق؛ قد افترّ في وجه العساكر المنصورة ثغرها الضّاحك، وردّ قرن الشمس فرعها المتماسك. فلما أغمد حسامها المسلول، وأقلع غمامها وكلّ هدب بالبكاء عليه مبلول- اقتضى رأينا الشريف أن نجدّد لعروسها زفافا، ولبيوتها أفوافا، ولسيوفها جلاء، ولسقوفها إعلاء، ونولّيها لمن تكون همّته فيها جديدة الشّباب، أكيدة الأسباب، ليكون أدعى لمصالحها، وأرعى لمناجحها، وأوعى لما يجمعه سمعه من مصالحها، وأسعى في حماية مماسيها ومصابحها؛ وكان فلان هو أصلب من في كنائننا الشريفة عودا، وأنجز وعودا، وأصدق رعودا، وأيمن إذا طلع نجمه

في أفق سعودا. فرسم بالأمر الشريف أن تفوّض إليه نيابة الرّحبة المحروسة، على عادة من تقدّمه وقاعدته؛ [فليتول ذلك] «1» مقدّما تقوى الله والعمل بما شرع، واتّباع مراسمنا الشريفة فمثله من اتّبع، وحماية أطرافها، من كل طارق إلا طارقا يطرق بخير، وصيانة أكنافها، من كل عصابة محلّقة إلى جوّها كالطّير، وحفظها من عادية كلّ أفّاك وسفّاك، وبادية أعراب وأتراك، وكلّ فارس فرس وراكب بعير، وكلّ وقفة محاصر وحقطة «2» مغير، وجانبي برّ وبحر: في أحدهما المسالك تعمى والآخر لا يعام، وصاحبي سرّ وجهر: هذا تخشى له عاقبة كلام وهذا معاقبة كلام. وليتخطّف من الأخبار ما تلمع لدينا بوارقه، ويتقطّف من الأقوال ثمراتها ولا يدع كلّ ما تجمعه حدائقه، وليجعل له من المناصحين طلائع ما منهم إلّا من هو في انتهاب الأخبار أبو الغارات، ومن إذا ألجمه الخوف كان له في لمع البروق إشارات، وليتّخذ من الكشّافة من يسبق قبل أن يرتدّ إليه طرفه، ومن الخيّالة من لا يرتدّ عن وقذ «3» الرّماح طرفه، ومن القصّاد من لا يطوي عنه خبرا، ومن الدّيادب من يعيره وقلّ أن تعار العيون نظرا، وليحفظ التّجار في مذاهبهم غدوّا ورواحا، ومساء وصباحا، وليستوص بهم خيرا فإنّهم طالما ازدانت بهم صدور الخزائن على امتلائها انشراحا، وليأخذ منهم ما لبيت المال فكم وجدوا بعطائه أرباحا، وليوصّل إلى أرباب القرارات «4» ما لهم من مقرّر معلوم، وليعطهم ما تصدّقنا به عليهم وهو مشكور وإلّا أعطاهم وهو مذموم،

وليعمّر البلاد بتوطين أهل القرى، وإنامتها بالعدل ملآنة الجفون من الكرى، وليكن للفرات متيقّظا لئلا يطغى بها التّيّار، ويغلب بمدّها المخمر على سكرها من السّكر الخمار، ويقوى على سدّها قبل أن لا يقدر على مقاواة البحار، ويتفقّد مبانيها فإنّها من أسنى ما تتفقّده الأبصار، وليغلق زروعها لتكون: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ «1» ، وليعفّ فإنّ العفاف هو الغنى، وليؤمّن من يليه فإنّ الأمان هو المنى، وليقرّ ما استقرّ بيننا وبين القوم من صلح أكّدت أواخيه، وأصبح كلّ من أهل الجانبين لا يفرّ من أخيه، ولا يرخّص لأحد فيما ينقضه لا في عاجل أمر ولا في تراخيه، حتّى إذا كشفت الحرب عن ساقها، وشدّت عقد نطاقها، فليكن بحسب مراسمنا الشريفة اعتماده في شنّ كلّ غارة، وسنّ كلّ ماض مرهفا غراره «2» ، وجوس خلال ديار العدا واختطاف كلّ قمر من دارة؛ والمحرقات «3» التي لا تحرق نباتا حتى تشبّ في ضلوعهم، والعيّارة «4» فهي الزّلازل الّتي تتساقط منها مباني ربوعهم، وموالاة البعوث: فإنّ كلّ بعث يتكفّل بشتات جموعهم؛ والعمل بكلّ ما ترد به مراسمنا العالية، والمواصلة بكتبه الّتي

النيابة الثالثة - نيابة مصياف

نرفض ما سوى أخبارها المتوالية، وإرسال كل بريد وحمام تحلّق بهما: إمّا ريح ظاهرة وإمّا ريح عادية؛ والله تعالى يقرب له الغايات المنادية، بمنّه وكرمه!. النيابة الثالثة- نيابة مصياف «1» وهذه نسخة مرسوم بنيابتها: الحمد لله الّذي صرّف ممالكنا الشّريفة في الممالك، وشرّف بنا كلّ حصن لا تعرض له المجرة في المسالك، وعرّف بالتّربية في خدمة أبوابنا العالية إلى أين ينتهي السّالك. نحمده على نعمه الّتي نعتدّ بها الحمد من ذلك، ونرغب أن نلقى الله على أداء الأمانة فيها كذلك، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فيما هو مالك، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أضاء به كلّ حال حالك، وأنجى به من مهاوي المهالك، وجمع به من الأمّة ما وهى وهي كالعقد المتهالك، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة يجد بها قائلها في الدار الآخرة كلّ هناء هنالك، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ النظر في أمور الممالك هو أوّل ما يقدّمه الملك، وأولى ما يتقدّم إليه من سلك؛ ومملكة بيت الدّعوة هي من أجلّ ما تفرّدت به ممالكنا الشّريفة، وامتدّت به في الأماكن المخيفة، وأرسلت من قلاعها من يقتلع العدا بوثوبه، ويسابق السّهم إلى مطلوبه، ويتعبّد بموالاتنا الّتي ورثها عن سلفه في طاعة أئمّتهم، وعلموا بها أن الدّولة العلوية ما انقضت حتّى انتقلت إلينا الولاية على شيعتهم، وأن الملك الإسماعيليّ فينا قد انحصر ميراثه، وأن كلّ من مات من الخلفاء الفاطميّين- رحمهم الله- نحن ورّاثه؛ فهم بهذا يبذلون نفوسهم في الطاعة الشّريفة الّتي يرونها فرضا عليهم، ويبلغون بنا أعلى مراتب الإيمان:

لأنهم إذا رأوا منكرا أزالوه بيديهم؛ كم هجموا على عدوّ من أعداء الله هجمة طيف!، وكم استطالوا بسكّين لا يتطاول إلى مباراتها سيف!، وكم أوقدوا لهم بارقة عزم فقيل: هذه سحابة صيف!، وكم ورّدوا بالدّماء خدّا غدا ينادي: يا كرام الورد ضيف!. وكانت مصياف- حرسها الله تعالى- هي كرسيّ هذه المملكة، وقلعتها هي الّتي بذوائب الجوزاء متمسّكة؛ واقتضت مراسمنا المطاعة نقل النائب بها إلى ما رسمنا به الآن، فخلت ممّن يترقّى فيها إلى أعزّ مكان، واحتاجت إلى من تغنى به عما يقال: من اعتقال رمح وتجريد سنان. فحصل الفكر الشريف فيمن نقلّده هذه النّيابة، ويتقلد أمر هذه العصابة، ويتصرّف في أمورها بمقتضى ما ترد به مراسمنا المطاعة، ويعلم أنّه من شيعتنا: لأنّه داعينا في هذه الجماعة؛ فرأينا أنّ أحقّ [الناس بها] «1» من قدّمه ولاؤه، وعظّمه انتماؤه، ونبّه عليه اهتمام هممه الّتي لا تشابهها الكواكب في سيرها، وعزائمه الّتي طالما كان بها في خدمتنا الشريفة «يظلّ بموماة «2» ويمسي بغيرها» ؛ ولم تزل به مساعيه حتّى وصل إلى المزيد، وأسرع له الشّيب في طاعتنا الشّريفة: لأنّه في كلّ وقت [كان] «3» يسمع قعقعة لجام البريد؛ وكان فلان هو الّذي أشار إليه القول بوصفه، ودلّ عليه ثناؤه بعرفه. فرسم أن تفوّض إليه النيابة بمصياف وأعمالها، على عادة من تقدّمه وقاعدته. فليقدّم تقوى الله تعالى فيما ولّيه، ولينشر جناح عدلنا الشريف على من يليه، وليعمل بالأحكام الشّرعية في كل ما يقضيه، وليسلك في أهلها أوضّح المراشد، وليبيّن لهم أنّه يدعوهم إلى سبيل الرشاد إلا ما ادعاه راشد، وليوصّل إلى المجاهدين أرزاقهم الّتي هي أثمان نفوسهم، وثمار ما دنّى القطاف من رؤوسهم. وأهل من مات أو يموت منهم على طاعتنا الشّريفة فكن عليهم

وأما الصفقة الشمالية

متعطّفا، ومن طلب منك الإنصاف فكن له منصفا، وافعل معهم أحسن الأسوة، وقل لهم عنا: إنّ الصّدقات الشّريفة قد استجابت لكم يا أهل الدّعوة، وخذ بقلوبهم، لتزداد من حبّهم، وقل للمجاهدين: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ «1» ، والأموال فصنها من الضّياع، وعمارة البلاد عليك بها فإنّ القلعة لا تكون إلا بالمدينة والمدينة لا تكون إلا بالضّياع، وامتثال مراسمنا الشّريفة وكلّ ما يرسم به سارع إلى اعتماده، وطائفة المجاهدين لا تدع منهم إلا من هو معتدّ لجهاده؛ والكتمان الكتمان! فبه تنال المطالب، وتدرك المآرب؛ وعليك بقمع المفسدين، وردع المعتدين، وإقامة الحدود: فإنّ بها أقام الله هذا الدّين؛ ونحن نغتني بما فيك من المعرفة، وبما أنت عليه- بحمد الله تعالى- من كمال كلّ صفة، عن استيعاب الوصايا الّتي لم تبرح سجاياك بها متّصفة، والله تعالى يزيدك من كلّ نوع أشرفه؛ والخط الشريف أعلاه...... وأما الصّفقة الشّمالية «2» ، فالذي يولّى بهذه الصّفقة عن الأبواب السلطانية، نيابة بعلبك فقط. وقد تقدّم في الكلام على ترتيب المملكة الشّامية أنّها كانت أوّلا إمرة عشرة، ثم صارت طبلخاناه، وأن نائب الشّام يولّي بها، وربما ولّيت من الأبواب الشّريفة السّلطانية، وحينئذ فيكون مرسوم نائبها في قطع الثّلث ب «المجلس الساميّ» بالياء. وهذه نسخة مرسوم بنيابة بعلبكّ: أما بعد حمد الله على أمل حقّق مناه، وصدّق غناه، وفرّق عليه سحب

اعتناء أورق به عوده وطاب جناه، والصلاة والسلام على نبيّه سيدنا محمد الّذي كمّل بناه، وعلى آله وصحبه ما شيّد معقل فخار مبناه- فإنّ من أعظم مدن الشّام القديمة، ودور الملك الّتي ذهب من يحلّها من الملوك وبقيت آثاره مقيمة، مدينة بعلبكّ وهي الّتي تحصّن الإسلام بقلعتها، وتحصّل الرعب في قلوب الأعداء [بمنعتها] «1» ، بنيت على عهد سليمان «2» بن داود عليهما السلام وأتقن بنّاؤها، وهالت أسوارها حتّى نسب إلى صنعة الجنّ بناؤها، ودعمت السّماء عمدها، فطالت شرفها حتّى كادت تخضخض في سجل السحاب يدها، وجمعت محاسن في سواها لا توجد، وتقرّر بملكها من الملوك: تارة سعيدا وتارة أمجد، وما خلت من علماء عظيمي الشان، وصلحاء يلمّهم الجبلان: سيس «3» ولبنان؛ وهي باب دمشق المفتوح، وسحاب الأنواء المسفوح بالسّفوح، وباب البروق الّتي آلت أنّها بأسرارها لا تبوح، ومآب السّفارة الّتي تغدو محمّلة أوقار «4» ركائبها وتروح؛ ولها العين المسبّلة الرّواتب، والجبال الرّاسية الوقار لمفرقها الشّائب، العالية الذّرى [كأنها متلفّعة] «5» من قطع السّحائب؛ و [لما] «6» كان من فيها الآن ممّن لا تستغني الدولة القاهرة عن قربه، ولا تستثني أحدا معه في تجريده سيفه المشهور من قربه، أجلنا الرّأي في كفء لعروسها، ومماثل لمركز تأوّد غروسها، فلم نجد أدرى بأحوالها، وأدرب بما يؤلّف على الطّاعة قلوب رجالها، كمن استقرّ به فيها مع أبيه الماضي- رحمه الله- الوطن [ونالا منه الوطر] «7» ، ومرت [عليهم فيه] «8» سنون وأيامّ هتف

بها داعي قصر؛ ولا غني [عنه] «1» مع ماله من ولايات صحب فيها الناس وفارقهم على وجه جميل، ورافقهم ثم انصرف وانصرفوا عنه وما ذمّه في النّازلين نزيل؛ وكان فلان هو المتوقّد الشّهاب، المتوفّل في تلك الهضاب، المشكور قولا ودينا، المشهور بوضع كلّ شيء في موضعه شدّة ولينا. فلذلك رسم......- لا زال إحسانه أحمد واختياره مقدّما- أن يرتّب في نيابة بعلبكّ على عادة من تقدّمه وقاعدته، مبتدئا حسن النظر في الأمور العامة، لا يدع ظلامة، ولا يدعّ «2» سالك طريق إلى سلامة، ولا يعدّ سمعا إلا لسماع شكر لا ملامة، ولينظر في المظالم نظرا ينجلي به سدفها «3» ، وليشكر العشير توطيا يوطأ به هدفها، وليلاحظ الأمور الديوانية، بما ينمّي به أموالها، ويندّي بسحابه المتدفّق أحوالها. والأوقاف فليشارك واقفيها في إحسانهم، وليجر حسناتها على ما كانت عليه في زمانهم، وليكن لها نعم الكفيل في دوام المحافظة وليتفقّد ما فيها من الحواصل والزّردخاناه «4» مما يذخر لوقته، ويؤخّر لفرط الشّغف به لا لمقته. ومن أهمّ ما يحتفظ به قلوب الرجال، وعمارة الأسوار فإنها للفرسان المقاتلة مجال، وعليها تنصب المجانيق وتتخطّف الآجال. وأمّا الشّريعة المطهّرة: فإنّ من تعدّى غرق أو أوشك أن يغرق، واتّباع أوامرها: وإلّا ففيم يعذّب من يعذّب ويحرق من يحرق؛ وتقوى الله تعالى هي الوصيّة الجامعة، والتّذكرة الّتي ترتدّ بها الأبصار خاشعة؛ وليفهم هذه الوصايا ولا يخرج شيئا منها من قلبه، وليتبيّن معانيها ليكون بها على بيّنة من ربّه؛ والله تعالى يكشف عنه غطاء حجّته، ويزعه عما يأخذه ويؤاخذه من نيّته، إن شاء الله تعالى.

الصنف الثاني (ممن [هم] خارج دمشق: ممن يولى عن الأبواب السلطانية - أمراء العربان، وهم على طبقتين:)

الصنف الثاني «1» (ممّن [هم] «2» خارج دمشق: ممّن يولّى عن الأبواب السلطانية- أمراء العربان، وهم على طبقتين:) الطبقة الأولى (من يكتب له منهم تقليد في قطع النّصف ب «المجلس العالي» وهو أمير آل فضل «3» خاصّة: سواء كان مستقلا بالإمارة أو شريكا لغيره فيها) وقد تقدّم في الكلام على ترتيب المملكة الشامية نقلا عن «مسالك الأبصار» أنّ ديارهم من حمص، إلى قلعة جعبر، إلى الرّحبة، آخذين على شقّي الفرات وأطراف العراق «4» وهذه نسخة تقليد بإمره آل فضل: كتب به للأمير شجاع الدين «فضل بن عيسى» عوضا عن أخيه مهنّا، عندما خرج أخوه المذكور مع قرا سنقر الأفرم ومن معهما من المتسحبين «5» ، وأقام [هو] «6» بأطراف البلاد ولم يفارق الخدمة،

في شهور سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ، وهو: الحمد لله الّذي منح آل فضل في أيّامنا الزاهرة بحسن الطاعة فضلا، وقدّم عليهم بقديم الإخلاص في الولاء من أنفسهم شجاعا يجمع لهم على الخدمة ألفة وينظّم لهم على المخالصة شملا، وحفظ عليهم من إعزاز مكان بيتهم لدينا مكانة لا تنقض لها الأيام حكما ولا تنقص لها الحوادث ظلّا. نحمده على نعمه الّتي شملت ببرّنا، الحضر والبدو، وألجهت بشكرنا، ألسنة العجم في الشّدو والعرب في الحدو، وأعملت في الجهاد بين يدينا من اليعملات «1» ما يباري بالنّصّ والعنق «2» الصّافنات في الخبب والعدو، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة ندرأ بها الأمور العظام، ونقلّد بيمنها ما أهمّ من مصالح الإسلام لمن يجري بتدبيره على أحسن نظام، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله المبعوث من أعلى ذوائب العرب وأشرفها، المرجوّ الشّفاعة العظمى يوم طول عرض الأمم وهول موقفها، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين كرمت بالوفاء أنسابهم، وأضاءت بتقوى الله وجوههم وأحسابهم، صلاة لا تزال الألسن تقيم نداءها، والأقلام ترقم رداءها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من أجنته الطاعة ثمرة إخلاصه، ورفعته المخالصة إلى أسنى رتب تقريبه واختصاصه، وألّف بمبادرته إلى الخدمة الشريفة قلوب القبائل وجمع شملها، وقلّده حسن الوفاء من أمر قومه وإمرتهم ما يستشهد فيه بقول الله تعالى: وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها «3» - من ارتقى إلى أسنى رتب دنياه

بحفظ دينه، ودلّ تمسّكه بأيمانه على صحّة إيمانه وقوّة يقينه، ولا حظته عيون السّعادة فكان في حزب الله الغالب وهو حزبنا، وقابلته وجوه الإقبال فأرته أنّ المغبون من فاته تقريبنا وقربنا، ورأى إحساننا إليه بعين لم يطرفها الجحود، ولم يطرقها إعراض السّعود، فسلك جادّة الوفاء وهي من أيمن الطّرق طريقا، واقتدى في الطاعة والولاء بمن قال فيهم بمثل قوله: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً «1» ولمّا كان المجلس العالي ... هو الّذي حاز من سعادة الدّنيا والآخرة بحسن الطّاعة ما حاز، وفاز من برّنا وشكرنا بجميل المبادرة إلى الخدمة بما فاز، وعلم مواقع إحساننا إليه فعمل على استدامة وبلها، واستزادة فضلها، والارتواء من معروفها الّذي باء بالحرمان [منه] «2» من خرج عن ظلّها، مع ما أضاف إلى ذلك: من شجاعة تبيت منها أعداء الدّين على وجل، ومهابة تسري إلى قلوب من بعد من أهل الكفر سرى ما قرب من الأجل- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نمدّ على أطراف الممالك المحروسة منه سورا مصفّحا بصفاحه، مشرّفا بأسنة رماحه. فرسم بالأمر الشريف العالي- لا زال يقلد وليّه فضلا، ويملأ ممالكه إحسانا وعدلا- أن يفوّض إليه كيت وكيت: لما تقدّم من أسباب تقديمه، وأوميء إليه من عنايتنا بهذا البيت الّذي هو سرّ حديثه وقديمه، ولعلمنا بأولويّته التي قطبها الشّجاعة، وفلكها الطّاعة، ومادّتها الدّيانة والتّقى، وجادّتها الأمانة التي لا تستزلّها الأهواء ولا تستفزّها الرّقى. وليكن لأخبار العدوّ مطالعا، ولنجوى حركاتهم وسكناتهم على البعد سامعا، ولديارهم كلّ وقت مصبّحا حتّى يظنوه من كل ثنيّة عليهم طالعا، وليدم التّأهّب حتّى لا تفوته من العدوّ غارة ولا غرّة، ويلزم أصحابه بالتيقّظ لإدامة الجهاد الّذي جرّب الأعداء [منه] «3» مواقع سيوفهم غير مرّة؛ وقد خبرنا من

شجاعته وإقدامه، وسياسته في نقض كلّ أمر وإبرامه، ما يغني عن الوصايا التي ملاكها تقوى الله تعالى وهي من سجاياه الّتي وصفت، وخصائصه الّتي ألفت وعرفت؛ فليجعلها مرآة ذكره، وفاتحة فكره؛ والله تعالى يؤيّده في سرّه وجهره، بمنه وكرمه، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة مرسوم شريف بإمرة آل فضل، كتب بها للأمير حسام الدين «مهنّا بن عيسى» «1» من إنشاء الشيخ شهاب الدّين محمود الحلبيّ، وهي: الحمد لله الّذي أرهف حسام الدّين في طاعتنا بيد من يمضي مضاربه بيديه، وأعاد أمر القبائل وإمرتهم إلى من لا يصلح أمر العرب إلّا عليه، وحفظ رتبة آل عيسى باستقرارها لمن لا يزال الوفاء والشّجاعة والطّاعة في سائر الأحوال منسوبات إليه، وجعل حسن العقبى بعنايتنا لمن لم يتطرّق العدوّ إلى أطراف البلاد المحروسة إلّا وردّه الله تعالى بنصرنا وشجاعته على عقبيه. نحمده على نعمه الّتي ما زالت مستحقّة لمن لم يزل المقدّم في ضميرنا، المعوّل عليه في أمور الإسلام وأمورنا، المعيّن فيما تنطوي عليه أثناء سرائرنا ومطاوي صدورنا، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة توجب على قائلها حسن التمسّك بأسبابها، وتقتضي للمخلص فيها بذل النّفوس والنّفائس في المحافظة على مصالح أربابها، وتكون للمحافظ عليها ذخيرة يوم تتقدّم النّفوس بطاعتها وإيمانها وأنسابها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله المبعوث من أشرف ذوائب العرب أصلا وفرعا، المفروضة طاعته على سائر الأمم دينا وشرعا، المخصوص بالأئمّة الذين بثّوا دعوته في الآفاق على سعتها ولم يضيقوا لجهاد أعداء الله وأعدائه ذرعا، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين حازوا

بصحبته الرّتب الفاخرة، وحصلوا بطاعة الله وطاعته على سعادة الدنيا والآخرة، وعلموا أنّ الجنة تحت ظلال السّيوف فلم يزحزحهم عن ظلّها الرّكون إلى الدّنيا السّاخرة، صلاة تقطع الفلوات ركائبها، وتسري بسالكي طرق النّجاة نجائبها، وتنتصر بإقامتها كتائب الإسلام ومواكبها، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فإن أولى من تلقّته رتبته، التي توهّم إعراضها بأيمن وجه الرّضا، واستقبلته مكانته، التي تخيّل صدودها بأحسن مواقع القبول الّتي تضمّنت الاعتداد من الحسنات بكل ما سلف والإغضاء من الهفوات عمّا مضى، وآلت إليه إمرته التي خافت العطل منه وهي به حالية، وعادت منزلته إلى ما ألفته لدينا: من مكانة مكينة وعرفته عندنا: من رتبة عالية- من أمنت شمس سعادته في أيّامنا من الغروب والزوال، ووثقت أسباب نعمه بأن لا يروّع مريرها في دولتنا بالانتقاض ولا ظلالها بالانتقال، وأغنته سوابق طاعته المحفوظة لدينا عن توسّط الوسائل، واحتجّت له مواقع خدمه الّتي لا تجحد مواقفها في نكاية الأعداء ولا تنكر شهرتها في القبائل، وكفل له حسن رأينا فيه بما حقّق مطالبه، وأحمد عواقبه، وحفظ له وعليه مكانته ومراتبه؛ فما توهّم الأعداء أنّ برقه، خبا حتّى لمع، ولا ظنّوا أنّ ودقه «1» ، أقلع حتّى همى وهمع، ولا تخيّلوا أنّ حسامه نبا، حتّى أرهفته عنايتنا فحيثما حلّ من أوصالهم قطع؛ وكيف يضاع مثله؟ وهو من أركان الإسلام الّتي لا تنزل الأهواء ولا ترتقي الأطماع متونها، ولا [تستقلّ] «2» الأعداء عند جهادها واجتهادها في مصالح الإسلام حسبها ودينها. ولما كان المجلس العالي ... هو الّذي لا يحول اعتقادنا في ولائه، ولا يزول اعتمادنا على نفاذه في مصالحنا ومضائه، ولا يتغيّر وثوقنا به عمّا في خواطرنا من كمال دينه وصحّة يقينه، وأنّه ما رفعت بين يدينا راية جهاد إلّا تلقّاها عرابة عزمه بيمينه؛ فهو الوليّ الّذي حسنت عليه آثار نعمنا، والصّفيّ الّذي نشأ

في خدمة أسلافنا ونشأ بنوه في خدمنا، والتّقيّ الّذي يأبى دينه إلا حفظ جانب الله في الجهاد بين يدي عزيمتنا وأمام هممنا- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نصرّح له من الإحسان بما هو في مكنون سرائرنا، ومضمون ضمائرنا، ونعلن بأنّ رتبته عندنا بمكان لا تتطاول إليه يد الحوادث، ونبيّن أن أعظم أسباب التقدّم ما كان عليه من عنايتنا وامتناننا أكرم بواعث. فلذلك رسم أن يعاد «1» إلى الإمرة على أمراء آل فضل، ومشايخهم ومقدّميهم، وسائر عربانهم، ومن هو مضاف لهم ومنسوب إليهم، على عادته وقاعدته. فليجر في ذلك على عادته الّتي لا مزيد على كمالها، ولا محيد عن مبدئها في مصالح الإسلام ومآلها، آخذا للجهاد أهبته من جمع الكلمة واتّحادها، واتّخاذ القوّة وإعدادها، وتضافر الهمم الّتي ما زال الظّفر من موادّها والنّصر من أمدادها، وإلزام أمراء العربان بتكميل أصحابهم، وحفظ مراكزهم الّتي لا تسدّ أبوابها إلّا بهم، والتّيقّظ لمكايد عدوّهم، والتّنبّه لكشف أحوالهم في رواحهم وغدوّهم، وحفظ الأطراف الّتي هم سورها من أن تسوّرها مكايد العدا، وتخطّف من يتطرّق إلى الثغور من قبل أن يرفع إلى أفقها طرفا أو يمدّ على البعد إلى جهتها المصونة يدا، وليبثّ في الأعداء من مكايد مهابته ما يمنعهم القرار، ويحسّن لهم الفرار، ويحول بينهم وبين الكرى لاشتراك اسم النّوم وحدّ سيفه في مسمّى الغرار. وأما ما يتعلق بهذه الرتبة من وصايا قد ألفت من خلاله، وعرفت من

الطبقة الثانية (من عرب الشام - من يكتب له مرسوم شريف)

كماله، فهو ابن بجدتها، وفارس نجدتها، وجهينة «1» أخبارها، وحلبة غايتها ومضمارها، فيفعل في ذلك كلّه ما شكر من سيرته، وحمد من إعلانه وسريرته؛ وقد جعلنا في ذلك وغيره من مصالح إمرته أمره من أمرنا: فيعتمد فيه ما يرضى الله تعالى ورسوله، ويبلغ به من جهاد الأعداء أمله ورسوله؛ والله الموفق بمنه وكرمه! والاعتماد....... الطبقة الثانية (من عرب الشام- من يكتب له مرسوم شريف) وهم على مرتبتين: المرتبة الأولى- من يكتب له في قطع النّصف، وهم ثلاثة: الأوّل- أمير آل عليّ «2» ، ورتبته «الساميّ» بالياء. وقد تقدّم أن منازلهم مرج دمشق وغوطتها، بين إخوانهم آل فضل وبني عمّهم آل مراء «3» ومنتهاهم إلى [الجوف والحيّانيّة إلى الشبكة إلى تيماء إلى البراذع] «4» وأنه ذكر في «التعريف» : أنهم إنما نزلوا غوطة دمشق حيث صارت الإمرة إلى مهنا بن عيسى. وهذه نسخة مرسوم شريف بإمرة آل عليّ، كتب به للأمير عزّ الدّين «جماز» «5» بعد وفاة والده محمد بن أبي بكر، من إنشاء المقرّ الشّهابيّ بن

فضل الله، وهي: الحمد لله الّذي أنجح بنا كلّ وسيلة، وأحسن بنا الخلف عمّن قضى في طاعتنا الشريفة سبيله، ومضى وخلّى ولده وسيلة، وأمسك به دمعة السّيوف في خدودها الأسيلة، وأمضى به كلّ سيف لا يردّ مضاء مضاربه بخيلة، وأرضى بتقليده كلّ عنق وجمّل كلّ جميلة. نحمده على كلّ نعمة جزيلة، وموهبة جميلة، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة ترشد من اتخذ فيها نجوم الأسنّة دليله، وتجعل أعداء الله بعزّ الدّين ذليلة، وأنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أكرم قبيله، وشرّف به كلّ قبيلة، وأظهر به العرب على العجم وأخمد من نارهم كلّ فتيلة، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة بكلّ خير كفيلة، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ دولتنا الشريفة لمّا خفق على المشرق والمغرب جناحها، وشمل البدو والحضر سماحها، ودخل في طاعتها الشريفة كلّ راحل ومقيم في الأقطار، وكلّ ساكن خيمة وجدار- ترعى النّعم بإبقائها في أهلها، وإلقائها في محلّها، مع ما تقدّم من رعاية توجب التّقديم، وتودع بها الصّنائع في بيت قديم، وتزيّن بها المواكب إذا تعارضت جحافلها، وتعارفت شعوبها وقبائلها، واستولت جيادها على الأمد وقد سبقت أصائلها، وتداعت فرسانها وقد اشتبهت مناسبها ومناصبها ومناصلها؛ وكانت قبائل العربان ممّن تعمّهم دعوتنا الشّريفة، وتضمّهم طاعتنا الّتي هي لهم أكمل وظيفة، ولهم النّجدة في كلّ بادية وحضر، وإقامة وسفر، وشام وحجاز، وإنجاد وإنجاز، ولم يزل (لآل عليّ) فيهم أعلى مكانة، وما منهم إلا من توسّد سيفه وافترش حصانه، وهم من دمشق المحروسة رديف أسوارها، وفريد سوارها، والنّازلون من أرضها في أقرب مكان، والنّازحون ولهم إلى الدار بها أقطار وأوطان؛ قد أحسنوا حول البلاد الشامية مقامهم، واستغنوا عن المقارعة على الضّيفان لما نصبوا بقارعة الطريق

خيامهم، وباهوا كلّ قبيلة بقوم كاثر النّجوم عديدهم، وأوقدوا لهم في اليفاع «1» نارا إذا همى القطر شبّتها عبيدهم؛ وهم من آل فضل حيث كان عليّها، وحديثه في المسامع حليّها؛ فلما انتهت الإمرة إلى الأمير المرحوم الشمس الدين، محمد ابن أبي بكر رحمه الله- جمعهم على دولتنا القاهرة، وأقام فيهم يبتغي بطاعتنا الشريفة رضا الله والدّار الآخرة؛ ثم أمدّه الله من ولده بمن ألقى إليه همّه، وأمضى به عزمه، ونفّذ به حكمه، ونفّل قسمه. وكان الّذي يتحمل دونه مشتقّات أمورهم، ويتلقّى شكاوى آمرهم ومأمورهم؛ ويرد إلى أبوابنا العالية مستمطرا لهم سحائب نعمنا الّتي أخصب بها مرادهم، وساروا في الآفاق ومن جدواها راحلتهم وزادهم، وتفرّد بما جمعه من أبوّته وإبائه، وركز في كلّ أرض مناخ مطيّه ومرسى خبائه، وضاهى في المهاجرة إلى أبوابنا الشريفة النّجوم في السّرى، وحافظ على مراضينا الشّريفة فما انفكّ من نار الحرب إلا إلى نار القرى، وورد عليه مرسومنا الشريف فكان أسرع من السّهم في مضائه. كم له من مناقب لا يغطّي عليها ذهب الأصيل تمويها!، وكم تنقلّ من كور «2» إلى سرج ومن سرج إلى كور فتمنّى الهلال أن يكون لهما شبيها! كم أجمل في قومه سيرة!، وكم جمّل سريرة!؛ كم أثمر لها أملا!، وكم أحسن عملا!؛ كم صفوف به تقدّمت، وسيوف أقدمت، وحتوف حمائم الحمام بها على الأعداء ترنّمت!!. وكان المجلس الساميّ الأميريّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، العضديّ، النصيريّ، الأوحديّ، المقدّميّ، الذّخريّ، الظّهيريّ، الأصيليّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، همام الدّولة، حسام الملّة، ركن القبائل، ذخر العشائر، نصرة الأمراء والمجاهدين، عضد

الملوك والسلاطين «جماز بن محمد» أدام الله نعمته-: هو المراد بما تقدّم، والأحقّ بأن يتقدّم، والّذي لو أن الصباح صوارم والظّلام جحافل لتقدّم؛ فلمّا مات والده رحمه الله نحا إلى أبوابنا العالية، ونور ولائه يسعى بين يديه، ووقف بها: وصدقاتنا الشريفة ترفرف عليه، فرأينا أنّه بقية قومه الذين سلفوا، وخلف آبائه الذين عن زجر الخيل ما عزفوا، وكبيرهم الّذي يعترف له والدهم ووليدهم، وأميرهم الّذي به ترعى عهودهم، وشجرتهم الّتي تلتفّ عليه من أنسابهم فروعها، وفريدهم الّذي تجتمع عليه من جحافلهم جموعها. فرسم بالأمر الشّريف أن تفوّض إليه إمرة آل عليّ: تامّة عامّة، كاملة شاملة، يتصرّف في أمورهم، وآمرهم ومأمورهم، قربا وبعدا، وغورا ونجدا، وظعنا وإقامة، وعراقا وتهامة، وفي كلّ حقير وجليل، وفي كلّ صاحب رغاء وثغاء وصرير وصليل، على أكمل عوائد أمراء كلّ قبيلة، وفي كلّ أمورهم الكثيرة والقليلة. ونحن نأمرك بتقوى الله فبها صلاح كلّ فريق، وإصلاح كلّ رفيق، ونجاح كلّ سالك في طريق. والحكم: فليكن بما يوافق الشّرع الشّريف، والحقوق: فخلّصها على وجه الحق من القويّ والضّعيف، والرفق بمن وليته من هذا الجمّ الغفير، والجمع الكبير، وإلزام قومك بما يلزمهم من طاعتنا الشّريفة الّتي هي من الفروض اللازمة عليهم، والقيام في مهمّاتنا الشريفة الّتي تبرز بها مراسمنا المطاعة إليك وإليهم، وحفظ أطراف البلاد والذّبّ عن الرّعايا من كلّ طارق يطرقهم إلا بخير، والمسارعة إلى ما يرسم لهم به ما دامت الأسفار في عصاها سير، والإفراج لعربك لا تسمح به إلا لمن له حقيقة وجود، وله في الخدمة الشريفة أثر موجود، ومنعهم: فلا يكون إلا إذا توجّه منعهم، أو توانت عزائمهم وقلّ نفعهم، والمهابة: فانشرها كسمعتك في الآفاق، ودع بوارق سيوفها تشام بالشّام وديمها تراق بالعراق، وخيول التّقادم: فارتد منها كلّ سابق وسابقة تقف دونهما الرّياح، ويحسدهما الطّير إذا طارا بغير جناح؛ ولا تتّخذ دوننا لك بطانة ولا

[الثاني - أمير آل فضل]

وليجة «1» ولا تقطع عنا أخبارك البهيجة، وليعرف قومه له حقّه، ويوفوه من التعظيم مستحقّه، فإنه أميرهم وأمره من أمرنا المطاع، فمن نازع فقد خالف النّص والإجماع؛ والله تعالى يوفّقه ما استطاع، بمنه وكرمه! والخط الشريف......... [الثاني- أمير آل فضل] «2» وهذه نسخة مرسوم شريف بالتّقدمة على عربي آل فضل وآل عليّ، كتب به للأمير فخر الدين «عثمان بن [مانع] «3» بن هبة وهو: الحمد لله الّذي خصّ من والى هذه الدّولة بالتّقدمة والفخر، ورمى من عاداها بالمذلّة والقهر، ومدّ في عمر أيّامها حتّى يستنفد الدّهر، وحتّى توصف أيّامها- وإن قصرت- بالمسارّ: كلّ شهر يمرّ منها كالعام واليوم كالشّهر. نحمده على ما منحنا من تأييد وظفر، وطوى دعوة من عاندنا بعد النّشر، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة إن دخلت شواهدها تحت الإحصاء فلا تدخل فوائدها تحت الحصر، وأنّ محمدا عبده ورسوله الّذي جعل الله به الهداية في المبدإ والشّفاعة في المعاد يوم الحشر، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تسعد بعد الشّقاء وتجبر بعد الكسر. وبعد، فإنّ الله سبحانه وتعالى لما مكّن لنا في الأرض، وجعل بيدنا البسط والقبض، وأرانا كيف نصنع الجميل ونجمّل الصّنع، وكيف نجبر قلب من جعل في أيامنا جبره بعد الصّدع، وكيف تصبح أنجم ذوي الأقدار في سماء مملكتنا نيّرة المطالع، وكيف نلقّي الخير في عراصها من رامه إذا كان على

الخير في غير أيّامنا مانع، وكيف نحل التقدمة فيمن إذا عقل في حللها قيل: هذا هو أحقّ بها ممّن كان، وهذا الّذي ما برحت التقدمة في بيته في صدر الزّمان، وهذا الذي إذا ذكر آل فضل وآل عليّ كانت له مرتبة الشّرف ولا غرو أن تكون مرتبة الشّرف لعثمان، وأنّنا لا نمطي صهوة العزّ إلّا لأهلها، ولا ننسخ الآية لمن تقدّم في التّقدمة إلا بخير منها أو مثلها، ولا نسلّم رايتها، إلا لمن تعقد عليه الخناصر، ولا يتسنّم ذروتها، إلا من هو أحقّ بها وأهلها في الأوّل والآخر. ولما كان المجلس السّاميّ، الأميريّ، فخر الدين، عثمان بن مانع بن هبة: هو المراد بهذا القول الحسن، والممدوح بحشد هذا المدح الّذي يسرّ السّرّ والعلن، والحقيق من الإحسان بكلّما والخير بأن، والخصيص من سوالف الخدم بما والمفضّل على سائر النّظراء ولو قيس بمن- اقتضى حسن الرّأي الشّريف، أن رسم بالأمر الشريف- لا زال ذو القدر في أيّامه يرتفع، وذو الفضل في دولته لا يعزّ عليه مطلب ولا يمتنع، وذو الأصالة الّتي يجتمع له فيها من النّعماء ما لا يلتئم له في غيرها ولا يجتمع- أن تفوّض إليه التقدمة على العربان بالشّام المحروس، وهم من يأتي ذكره، على ما استقرّ عليه الحال في ترتيبهم، وأنّ منازله الدّاروم «1» : بعدا وقربا، حضرا وبدوا، عامرا وغامرا، رائحا وغاديا، من الرّستن إلى الملّوحة «2» والعرب: آل فضل وآل عليّ حيث ساروا نزلوا منزلة المذكور، أو بمنزلة الأمير شمس الدين محمد بن أبي بكر، والخدمة واحدة، والكلمة على اتّفاق المصالح متعاضدة. فليكن للقوى جسد روحها لا بل روح جسدها، ومجموع القبائل أوحد عددها إذا صح الأوّل من عددها، وقطب فلكها الّذي على تدبيره مدارها، وعلى

الثالث - أمير آل مراء

تقريره اقتصارها، وعلى تقدمته تعويلها، وإلى نسبة إمارته جملتها وتفصيلها؛ وليجمعهم على الطّاعة فإن الطّاعة ملاك الأمر للآمر، وأسّ الخير للبادي والحاضر، وليعلم أن لكلّ منهم نقابة تعرف، وعلميّة أصالة بها يعرّف، ومنزلة يرثها الولد عن الوالد، ومشيخة ترجع من ذلك البيت إلى ذلك الواحد، فليحفظ لهم الأنساب، وليرع لهم الأسباب، وإذا أمروا بأمر من مهامّ الدّولة يتلو عليهم: ادْخُلُوا الْبابَ* «1» . والألزام له ولهم مخاوض «2» تحفظ، ومفاوز تلحظ، ومطارح لا تلفظ، ومشات ومصايف، ونفائض ومصارف، ومرابع، ومراتع، ودنوّ واقتراب، وتوطّن واغتراب، وإغارة ونهيض، وبرق ووميض. فليرتّب ذلك أجمل ترتيب، وليسلك فيه خير مذهب وتهذيب، وليدع العادي، ويلاحظ الرّائح والغادي، وليؤمّن ذلك الجانب فأمننا تطرب أبياته المحدوّ والحادي؛ وعليهم عداد مقرّر، وقانون محرّر؛ وليكن على يد شادّه شادّا؛ ولسبب تأييدهم مادّا، ويعلم أنّه وإن كان قد أغمض من جفونه فيما مضى، وأعرض عنه في الزّمن الأوّل الّذي انقضى، وقدّم عليه من كان دونه، فقد ردّ الله له أبكار الأمر وعونه؛ فلا يجعل لقائل عليه طريقا، ولا يدخل في أمر يقال عنه فيه: كان غيره به حقيقا، بل يفوق من تقدّم في الخدمة والهمّة، والصّرامة والعزمة؛ والله يوزعه شكر هذه النّعمة؛ والخط الشريف......... الثالث- أمير آل مراء «3» ، ورتبته «الساميّ» بالياء.

وقد تقدّم أنّ منازلهم حوران. وعن «مسالك الأبصار» أنّ ديارهم بين بلاد الجيدور والجولان، إلى الزرقاء [والضليل] «1» إلى آخر بصرى. ومشرقا إلى حرّة [كشب] «2» ، على القرب من مكّة المشرّفة، زادها الله شرفا. وهذه نسخة مرسوم شريف بإمرة آل مراء، كتب بها للأمير بدر الدين «شطيّ بن عمر» «3» وهي: الحمد لله الّذي زيّن آفاق المعالي بالبدر، ورفع بأيّامنا الشريفة خير وليّ أضحى بين القبائل جليل القدر، ومنح من أخلص في خدم دولتنا الشريفة مزيد الكرم فأصبح بإخلاصه شديد الأزر، وأجزل برّه لأصائل العرب العرباء فوفّر لهم الأقسام، وأسبغ ظلال كرمه على من يرعى الجار ويحفظ الذّمام. نحمده على نعم هطل سحابها، ومنن تفتّحت بالمسارّ أبوابها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تقرّب صاحبها يوم الفزع الأكبر، من المحلّ الآمن، وتورده نهر الكوثر، الذي ماؤه غير آسن، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الّذي بعثه الله من أشرف القبائل، وأوضح بنور رسالته الدّلائل، فأنقذ الله به هذه الأمّة من ضلالها، وبوّأها من قصور الجنان أعلى غرفها وأشرف ظلالها، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أوضحوا مناهج الإيمان، وشيّدوا قواعد الدّين إلى أن علت كلمته في كلّ مكان، [فكان] «4» عصرهم أجمل عصر وقرنهم خير أوان، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من أدنينا من بساط الاصطفاء محلّه، وارتشف من

سحاب معروفنا طلّه فوبله، ونال من عواطفنا منزلة القرب على بعد الدار، وحكم له حسن نظرنا الشريف بتوالي غزير كرمنا المدرار «1» ولما كان المجلس الفلانيّ: هو المشار إليه بهذا النّعت الحسن، والموصوف بالشّجاعة في السّرّ والعلن- رسم بالأمر الشريف- لا زال بدره، ساطع الأنوار، وبرّه، هامع القطار، وخيره يشمل الأولياء بجزيل الإيثار وجميل الآثار- أن يستقرّ المشار إليه في كيت وكيت: لأنّه البطل الشّديد، والفارس الصّنديد، وليث الحرب المذكور، ومن هو عندنا بعين العناية منظور. وليثق من صدقاتنا الشريفة بما يؤمّل ويعهد، وليتحقّق قربه من مقامنا الشريف والعود أحمد، وليتلقّ هذا الإحسان بقلب منشرح، وأمل منفسح، وليجتهد في أمر عربانه الذين في البلاد، فإنّا جعلنا عليه في أمورهم الاعتماد، وقد أقمناه أميرا على عرب آل مراء؛ فليشمّر عن ساعد الاجتهاد في مصالح دولتنا الشّريفة بغير زور ولا مراء، وليقمع المفسد من عربانه ويقابله بالنّكال، والصّالح الخيّر منهم يجزل له النّوال، والوصايا كثيرة ولمثله لا تقال؛ والخط الشريف أعلاه حجة فيه، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة مرسوم شريف بنصف إمرة آل مراء، كتب به لقناة بن نجّاد «2» في العشر الأخر من شهر رمضان سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، من إنشاء المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله، وهي: الحمد لله الّذي استخدم لنصرنا كلّ سيف وقناة، وكلّ سرعة وأناة، وكلّ مثقّف تسلى «3» جناياته ويعذب جناه، وكلّ ماض لا يعوقه عن مقاصده الصالحة

يعوق وهو عبد مناة «1» نحمده حمد من أغناه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يستمدّ من قبلها فلق الصّباح سناه، ويفكّ منها من قبضة السّيوف عناه «2» ، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي [بوّأه منازل الشرف] «3» وبناه، وأحلّه من العرب في مكان يخضع له رأس كلّ جبّار ويخشع بصره وتستمع لما يوحى أذناه، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تخصّهم من كل شرف بأسماه وأسناه، وسلّم تسليما. وبعد، فإنّ لكلّ ثاكلة قرارا، ولكلّ هاجرة مزارا، ولكلّ معصم سوارا لا يليق إلا بزنده، ولكلّ عنق درّا لا يصلح إلا لعقده، ولكلّ سيف طال هجوعه في غمده انسلالا، ولكلّ قناة لم تعتقل مدّة اعتقالا، وكانت إمرة آل مراء قد ثبتت من البيت الأحمديّ «4» بأوثق أوتادها، ووصلت منه في الرّفعة إلى نجادها، ولم تزل تنتقل في آفاقها بدورهم الطّالعة، وتضيء عليها من صفاحهم بروقهم اللّامعة، وتجول فيها من سوابقهم السّحب الهامعة، وتغني في حروبها عزائمهم إذا وقعت الواقعة؛ وتقدّمت للمجلس الساميّ، الأميريّ، الفلانيّ، بركابنا الشّريف صحبة حمد فيها السّرى، وخدمة أوقدت له نار القرى، وهاجر إلينا في وقت دلّ على وفائه، وسهر إلى قصدنا اللّيل وله النجم محيط المقل بإغفائه، وانقطع إلينا بأمله، ولازم من عهدنا الشريف صالح عمله، واستحق تعجيل نعمنا الشريفة وإن تأخرت لأجل موقوت، وأمل نجاحه لا يفوت. فلما آن أن تفاض عليه ثيابها، ويضاف إليه ثوابها، ويصرّف في قومه

أمره، ويشرّف بينهم قدره، ويعرف من لم يعرف المسك أنّه عندنا ذكره، ومن جهل البرّ: أنه على ما يحمد عليه شكره، ومن أنكر أنّ شيئا أصعب من الموت: أنّه في مجال الموت صبره، ومن خالف فيما هو أمضى من القضاء: أنّه في البيعة صدره، ومن ادعى أنّه لا تصيبه البيض والسّمر: أنّها مثقّفته وبتره، وزال من هذا البيت العريق الطّود وهو ثابت، ونزع منه السّنان لولا أنّه في قناته نابت؛ و [لولاه] «1» لهاجت هذه القبيلة إلى من يقبل على نباتها، ويقيل بها: تارة ينجد في نجدها وأخرى يحول في جولاتها- رسم بالأمر الشريف أن يقلّد من إمرة آل مراء ما كان الأمير «ثابت بن عسّاف» رحمه الله يتقلده إلى آخر وقت، ويرفع فيها إلى كلّ مسامتة وسمت، ليكمّل ما نقص من التّمام وصفه، ويعلم أنه حلّق إليه حتّى أتى دون نصف البدر فاختطف النّصف وذلك النّصف هو نصفه؛ ليكون لهم إحدى اليدين، وأخرى تقع لسيف بحدّين. وتقوى الله أبرك ما اشتملت عليه عودها، وانتخبت له زبيدها؛ فليتّخذها له ذروة يهتدي بها أنّى سلك من الفجاج، واقتحم من حلك العجاج. وعليه بحسن الصّحبة لرفيقه «2» ، ويمن القبول على فريقه، وإقامة الحدود على ما شرع الله من دينه القويم، وإدامة التّيقّظ [للثّأر] «3» المنيم، وإنزال عربه ومن ينزل عليه أو ينزل عليهم في منازلهم. وليجمع قومه على طاعتنا الشّريفة كلّ الجمع، ويقابل ما ترد به مراسمنا المطاعة عليه بما أوجب الله لها من الطّاعة والسّمع، وليأخذ للجهاد أهبته، ويعجّل إليه هبّته، وليقف من وراء البلاد الشامية المحروسة دريئة لأسوارها المنيعة، ونطاقا على معاقلها الرفيعة، وسدّا من بين أيديها وخلفها لباب كلّ ذريعة، وخندقا يحوط بلادها الوسيعة، وحجابا يمنع فيها من تعدّى الحقّ وخاض الشّريعة، ولا يفارق البلاد حتّى يعبّس في وجوهها السّحاب، ولا يعود

حتّى تؤذن زروعها المخيّمة بذهاب؛ والكرم هو فيه سجايا، والعزم ما برح لوشان «1» أسنّته بكلّ قناة لحايا «2» ، والحزم بيده المراويّة من آل مراء يظهر له الخفايا، والشجاعة هو في رباها المنيرة «ابن جلا وطلّاع الثّنايا» ؛ وما رضع المرمل كأفاويق الوفاق «3» ، ولا وضع شيئا «4» في موضعه كمداراة الرّفاق؛ فليكن لرفيقه أكثر مساعدة من الأخ لأخيه، وأكبر معاضدة من المصراع لقسيمه والجفن لجفنه والشّيء لما يؤاخيه. هذا يجب ويتعيّن وليس يجمعهما فرد طاعة، ولا يلزمهما لشيء واحد استطاعة؛ فكيف وهو [و] «5» رفيقه إلينا اعتزاؤهما ومنّا إعزازهما، وهما فرعان معتنقان: لدينا إجناؤهما وبيدنا إهزازهما. وليحصّل من الخيل كل سابقة تليق أن تقدّم إلينا، وسابحة في كل مهمه حين يقدم علينا. والشّرع الشريف يكون إليه مآبك، وعليه عفوك وعقابك، وبمقتضاه عقد كلّ نكاح لا يصح إلا على وجهه المرضيّ وإلّا فهو سفاح، والميراث على حكمه لمن جرّه إليه وإلا فهو ظلم صراح، وبقية ما نوصيه به إذا انتهى منه إلى هذه النّبذة فما عليه في سواها جناح. وسبيل كلّ واقف على تقليدنا هذا أن ينيب إلى نصوصه، ويؤوب إلى عمومه وخصوصه، والحذر من الخروج عنه بقول أو عمل، فالسّيف أسبق من العذل؛ والله تعالى يمتّعه بما وهبه من العزّ في النّقل «6» ، والمحاسن الّتي هي يد المسامع والأفواه والمقل؛

المرتبة الثانية (من أرباب المراسيم من العرب - من يكتب له في قطع الثلث ب «السامي» بغير ياء، مفتتحا ب «أما بعد» وهم ثلاثة أيضا)

والخط الشريف أعلاه.......... المرتبة الثانية (من أرباب المراسيم من العرب- من يكتب له في قطع الثّلث ب «السّامي» بغير ياء، مفتتحا ب «أمّا بعد» وهم ثلاثة أيضا) الأول- أمراء بني مهديّ ، وهي مقسومة بين أربعة. ورتبة كلّ منهم «مجلس الأمير» . وقد تقدّم أنّ منازلهم البلقاء، إلى مائر «1» ، إلى الصوان، إلى علم أعفر. وهذه نسخة مرسوم شريف بربع إمرة بني مهديّ، وهي: أمّا بعد حمد الله على نعمه الّتي حقّقت في كرمنا المآرب، وأجزلت من آلائنا المواهب، وقرّبت لمن رجانا بإخلاص الطاعة ما يأبى عليه من المطالب، والصّلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث من أشرف ذوائب لؤيّ بن غالب، المخصوص باللّواء الّذي لا يضحى من أوى إلى ظلّه والحوض الّذي لا ظمأ بعد وروده لشارب، وعلى آله وصحبه الذين فازوا من صحبته وطاعته بأسمى المراتب وأسنى المناقب- فإنّ أولى من رفعت رعايتنا قدره، وأطلعت عنايتنا في أفق السعادة بدره، وحقّقت آلاؤنا سوله، وبلّغته صدقاتنا مرامه ومأموله- من أحكم في طاعتنا أسباب ولائه، وأتقن في خدمتنا انتساب بعيده وانتمائه، وتقرّب إلينا بإخلاصه في اجتهاده، ومتّ بما يرضينا من احتفاله بأمور جهاده، مع ما تميّز به من أسباب تتقاضى كرمنا في تقديمه، وتقتضي إجراءه على ما ألف أولياء الطاعة من حديث إحساننا وقديمه. ولما كان فلان هو الّذي اختصّ بهذه المقاصد، وعني بما ذكر من المصادر والموارد- رسم أن يرتّب في ربع إمرة بني مهديّ. فليرتّب فيما رسم له به من ذلك قائما من وظائفها بما يجب، عالما من

مصالحها بما يأتي وما يجتنب، واقفا لاعتماد ما يرد عليه من المراسم وقوف المنتظر المرتقب، ملزما عربه من الخدم بما يؤكّد طاعتهم، ومن إعداد الأهبة بما يضاعف استطاعتهم، ومن المحافظة على أسباب الجهاد بما يجعل في رضا الله تعالى ورضانا قوّتهم وشجاعتهم، وليقدّم تقوى الله تعالى بين يديه، ويجعل توفيقه العمدة فيما اعتمد فيه عليه؛ والخير يكون، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة مرسوم شريف بربع إمرة بني مهديّ أيضا: أما بعد حمد الله على نعمه الّتي جدّدت لمن أخلص في الطّاعة رتب السّعود، ورفعت من نهض في الخدم الشريفة حقّ النّهوض إلى مناصب الجدود، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد المخصوص بلواء الحمد المعقود، وظلّ الشّفاعة الممدود، والحوض الّذي لا ينضب على كثرة الورود، وعلى آله وصحبه الذين وفّوا بالعهود، وبدت سيماهم في وجوههم من أثر السّجود- فإنّ أولى من اجتلى وجوه النّعم، واجتنى ثمرة ما غرس من الخدم، وارتقى إلى ما أنعم به عليه من التّقدّم الّذي أقامه السّعد لاستحقاقه على أثبت قدم- من نشأ في طاعتنا الشّريفة يدين بولائها، ويتقلّب في خير نعمها وآلائها، ويتعبّد بما يؤهّل له من خدمها، ويبادر إلى ما يندب له من المهامّ الشّريفة بين يدي مراسمنا أو تحت علمها. ولمّا كان فلان هو الّذي ذكرت طاعته، وشكرت خدمه وشجاعته- رسم...... أن يرتّب في ربع إمرة بني مهديّ، على عادة من تقدمه وقاعدته. فليرتّب في ذلك، قائما بما يجب عليه من وظائفها المعروفة المألوفة، وخدمها الّتي هي على ما تبرز به أوامرنا الجارية موقوفة، وليكن هو وعربه بصدد ما يؤمرون به من خدمة يبادرون إليه، وطاعة يثابرون عليها، وتأهّب للجهاد، حيث سرت الجيوش المنصورة لم يبق لهم عائق عن التوجّه بين يديها، وسياسة

الثاني - مقدم زبيد

تأخذهم من الطرائق الحميدة بسلوك ما يجب، ويعرف بها سلوك ما يسلك واجتناب ما يجتنب؛ والخير يكون، إن شاء الله تعالى. الثاني- مقدّم زبيد «1» ومنازل بعضهم بالمرج وغوطة دمشق، وبعضهم بصرخد، وحوران. وهذه نسخة مرسوم شريف بتقدمة عرب زبيد، وهي: أمّا بعد حمد الله الّذي أبقى بنا للنّعم تأبيدا، وأحسن العاقبة لأحسن عاقبة أدام لهم فيها تخليدا، وأحيا به منهم حيّا نكتب لأميرهم وإمرتهم في كلّ حين تقليدا، ونفّل منهم نوفلا «2» فلا نزال نجدّد فيهم ملابس الفخار بذكر اسمه تجديدا، ورعى بنا أبناء بيت تناسقوا أبناء وجدودا، وتباشروا بولد لمّا خلف والده ابن سعيد لا يكون إلّا سعيدا، والصّلاة والسّلام على نبيه محمد الّذي أهلك بسيفه كلّ غاشم، وأخجل بسيبه «3» كلّ غمام لوجنة الرّياض واشم، وأسعد بسببه نوفلا «4» وعبد شمس بأخوّتهما لهاشم، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه خلاصة العرب، صلاة لا يعدّ ضريبا لها الضّرب «5» ، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ العساكر المنصورة الإسلامية: منهم حاضرة أهل جدار، وبادية في قفار، وقوم هم المدن الممدّنة وقوم عليها أسوار؛ وهم صنفان: صنف

لا تملّ السيوف عواتقهم، وصنف سيوفهم تحبس بها مناطقهم؛ والعرب أكرم [أهل] «1» البوادي، وأعظم قبائلهم تضرّما كالبرق مباراة للسّحب الغوادي، قد نصبوا بقارعة الطريق خيامهم، وسرّحوا مع أسراب الظّباء سوامهم، ووقفوا دون الممالك المحروسة كتائب مصفوقة، ومواكب بما تعرف به العرب من الشّجاعة موصوفة؛ وزبيد من أفخرها قبيلة، وأكثرها فوارس: [فأمّا أحسابها] «2» فكريمة وأمّا وجوهها فجميلة؛ شاميّة أعرقت أنسابا في يمنها، وأتهمت بشطء «3» أسنّتها ما تفتّح في المجرّة من سوسنها؛ فما يبيت بطل منهم على دمن، ولا يعرف فارس إلا إذا تملّى في الخليطين «4» من شام ومن يمن؛ كم فيهم بمواقع الطّعان فطن ذو كيس، وكم صبغ منهم بالدّماء راية حمراء يمنيّ لا ينسب إلى قيس؛ كم كرب على معديكرب منهم فارس، ونسب إلى زبيد وهو خشن الملابس؛ منهم صاحب الصّمصامة «5» بقي مثلها السّيف فردا، وكم قتل من أقرانه الشّجعان من أخ صالح وبوّأه في العجاج بيديه لحدا؛ ومن نجومهم الزواهر السّراة، وغيومهم الأكابر السّراة، من لم يزل حول دمشق وما يليها من حوران، منارة منازل وأوطان؛ حاموا عن جنابها المصون، وحاموا حول غوطتها تشبّها بحمائمها على الغصون، وماثلوا بسيوفهم أنهارها، ورماحهم حول دوحات الأيك أشجارها، واستلأموا «6» بمثل غدرانها دروعا، وحكوا بما أطلّوا من دماء الأعداء شقائق روضها، وبما جرّوا من حللهم المسهّمة «7» سيلا؛ ولم يزل لهم من البيت

النّوفليّ من يجمع جماعتهم، ويضم تحت راية الدولة الشريفة طاعتهم؛ يخلف ابن منهم لأبيه أو أخ لأخيه، وينتظم كلّ فرقد مع من يناسبه وينضاف كلّ كوكب إلى من يؤاخيه. وكان مجلس الأمير الأجلّ، فلان بن فلان الزّبيدي- أدام الله عزه- هو بقيّة من سلف من آبائه، وعرف مثل الأسد القسورة بإبائه، وانحصر فيه من استحقاق هذه الرتبة ميراث أبيه، واستغرق جميع ما كان من أمر قومه وإمرتهم يليه. فرسم بالأمر الشريف- زاده الله تعالى شرفا، وذخر به لكلّ سالف خلفا- أن يرتب في إمرة قومه من زبيد النازلين بظاهر دمشق وبلاد حوران المحروس، على عادة أبيه المستقرّة، وقاعدته المستمرّة، إلى آخر وقت، من غير تنقيص له عن نجم سعده في سمة ولا سمت، تقدمة تشمل جميعهم ممّن أعرق وأشأم، وأنجد وأتهم، لا يخرج أحد منهم عن حكمه، ولا ينفرد عن قسمه، لا ممّن هو في جدار «1» ، ولا ممّن هو مصحر في قفار، يمشي على ما كان عليه أبوه، ويقوم فيهم مقامه الّذي كان عليه هو وأولوه. ونحن نوصيك بتقوى الله تعالى، وباتّباع حكم الشّريعة الشريفة ما أقمت على بلد أو أزمعت ارتحالا، وبجمع قومك على الطاعة فرسانا وركبانا ورجالا، واتّباع أوامرها الشّريفة وأمر نوّابنا الذين هم بإزائهم، وما اعتزاز من قبلك إلا لما مالوا إليه في اعتزائهم، والتّأهّب أنت وقومك لما رسم به في ليل أو نهار، وحماية حمى أنتم حوله في صحراء مصحرة أو من وراء جدار، والمطالعة بمن ينتقل من أصحابك بالوفاة، والوصايا كثيرة ومثلك أيسر ما قال له امرء كفاه؛ والله تعالى يوفقك لما يرضاه، ويؤثرك في كلّ أمر للعمل بمقتضاه؛ وسبيل كلّ واقف عليه العمل به بعد الخط الشريف شرّفه الله تعالى وأعلاه أعلاه، إن شاء الله تعالى.

النيابة الثانية (من نيابات البلاد الشامية - نيابة حلب. ووظائفها التي يكتب بها من الأبواب السلطانية على نوعين)

النيابة الثانية (من نيابات البلاد الشامية- نيابة حلب. ووظائفها الّتي يكتب بها من الأبواب السلطانية على نوعين) النوع الأوّل (من بحاضرة حلب، وهم على أصناف) الصنف الأوّل (منهم أرباب السّيوف، وهم على طبقتين) الطّبقة الأولى (من يكتب له تقليد، وهو نائب السّلطنة بها؛ وتقليده في قطع الثّلثين ب «الجناب الكريم» ) وهذه نسخة تقليد شريف بنيابة السلطنة بحلب، كتب به للأمير أستدمر «1» من إنشاء الشيخ شهاب الدّين محمود الحلبيّ، وهي: الحمد لله حافظ ثغور الإسلام في أيّامنا الزاهرة، بمن يفترّ عن شنب النّصر سيفه، وناظم نطاق الحصون في دولتنا القاهرة، على همم من لم يزل يغزو عدوّ الدّين قبل طلوع طلائعه طيفه، وناشر لواء العدل في أسنى ممالكنا بيد من لا يؤمن في الحق فوته ولا يرهب في الحكم حيفه، ومدّخر [أجر] «2» الرّباط في سبيله لمن لم يبت ليلة إلا والتأييد نزيله والنّصر سميره والظّفر ضيفه، الذي جعل الجهاد في أطراف الممالك المحروسة سورا لعواصمها،

والصّعاد «1» في مقاتل أعداء الدّين شجنا في صدورها وشجى في غلاصمها، والسّيوف الحداد تزهى بمشاركتها لاسم من بليت منه أجساد أهل الكفر بقاسمها، ورميت منه أعمارهم بقاصمها، وأرهف لهذا الأمر من أوليائنا سيفا تتحلّى الشّهباء «2» بجواهر فرنده، وتتوقّع الأعداء مواقع فتكاته قبل تألق برقه من سحب غمده، ويعرف أهل الكفر مضاربه الّتي لا تطيق مقاتلهم جحدها، وتتفرّق عصب الضلال فرقا من مهابته الّتي طالما أغارت على جيوشهم المتعدّدة وحدها. نحمده على نعمه الّتي جعلت النّصر لأجياد ممالكنا عقودا، والكفر للهب صوارمنا وقودا، والتّأييد من نتائج سيوفنا الّتي تأنف أن ترى في مضاجع الغمود رقودا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تعلي منار الهدى، وتطفيء أنوار العدا، وتخلي أجساد أهل الكفر من قوى أرواحهم فتغدو كديارهم الّتي لا يجيب فيها إلا الصّدى، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أعلى الله بناء الإيمان بتأذينه، وأيّدنا في الذّب عن ملّته، بكل وليّ يتلقّى راية النّصر بيمينه، وأعاننا على مصالح أمّته، بكلّ سيف تتألّق نار الأجل من زنده ويترقرق ماء الحياة من معينه، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين وسمت أسنّتهم من وجوه الكفر أغفالا، وكانت سيوفهم لمعاقل أهل الشّرك مفاتح فلمّا فتحت غدت لها أقفالا؛ فمنهم من فاز بمزيّة السّبق إلى تصديقه، ومنهم من كان الشيطان ينكّب عن طريقه، ومنهم من أمر بإغماد سيف الانتصار لدمه عن مريقه، ومنهم من حاز رتبة أختانه وصهره دون أسرته الكرام وفريقه، صلاة دائمة الخلود، مستمرّة الإقامة في التّهائم والنّجود، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من حلّيت التقاليد بلآليء أوصافه، وملئت الأقاليم

بمواقع مهابته وإنصافه، وريعت قلوب العدا بطروق خياله قبل خيله، وخاف الكفر كلّ شيء أشبه ظباه من توقّد شموس نهاره أو حكى أسنّته من تألّق نجوم ليله، ومدّ على الممالك من عزماته سور مصفّح بصفاحه، مشرّف بأسنّة رماحه، سامية على منطقة الجوزاء منطقة بروجه، نائية على أمانيّ العدا مسافة رفعته فلا يقدر أمل باغ على ارتقائه ولا رجاء طاغ على ولوجه- من تمهّدت بسداد تدبيره الدّول، وشهدت بسير محاسنه السّير الأول، وتوطّدت الممالك على أسنّته فحقّقت أنّ أعلى الممالك ما يبنى على الأسل، وسارت في الآفاق سمعته فكانت أسرى من الأحلام وأسبق من الأوهام وأسير من المثل، وصانت الثّغور صوارمه فلم يشم برقها إلا أسير أو كسير، أو من إذا رجع إليها بصره انقلب إليه البصر خاسئا وهو حسير، وزانت الأقاليم معدلته فلا ظلم يغشى ظلامه، ولا جور يخشى إلمامه، ولا حقّ تدحض حجّته ولا باطل يعلو كلامه؛ فالبلاد حيث حلّ بعدله معمورة، وبإيالته مغمورة، وسيوف ذوي الأقلام وأقلامهم بأوامره في مصالح البلاد والعباد منهيّة ومأمورة. ولما كان الجناب العالي هو الّذي عانق الملك الأعزّ نجاده، واللّيث الّذي لم يزل في سبيل الله إغارته وإنجاده، والكميّ الّذي كم له في جهاد أعداء الله من موقف صدق يضلّ فيه الوهم وتزلّ فيه القدم، والهمام الّذي إن أنكرت أعناق العدا مواقع سيوفه «فما بالعهد من قدم» ، والمقدام الّذي لا ننكر مشاهده في إرغام الكفر ولا تكفر، والزعيم الّذي حمت مهابته السّواحل فخاف البحر: وهو العدوّ الأزرق، من بأسه الأحمر، على بني الأصفر، والمقدّم الّذي كم ضاقت بسرايا شيعته الفجاج،! وكم أشرقت نجوم أسنّته من أفق النّصر في ظلم العجاج،! وكم حمى العذب الفرات على البعد بسيوفه وهي مجاورة للملح الأجاج!!، مع سطوة أنامت الرّعايا في مهاد أمنها، ورأفة عمرت البرايا بعاطفة إقبالها ويمنها، ورفق تكفّل لسهل البلاد وحزنها بإعانة مزنها، وشجاعة أعدّت الجيوش الّتي قبله فغدت آحادها ألوفا، وفتكات عوّدت الطّير الشّبع من وقائعه فباتت على راياته عكوفا، ومعدلة عمّت من في إيالته فأضحى الضّعيف في

الحقّ قويّا عنده والقويّ في الباطل ضعيفا. وكانت البلاد الحلبيّة المحروسة هي المملكة الّتي لا تجارى شهباؤها في حلبة فخار، والرّتبة الّتي لا يؤهّل لها من خواصّ الأولياء الأعزّة إلّا من استخرنا الله تعالى في تقليد جيد مفاخره بلآليء كفالتها فخار؛ فهي سور الممالك الّذي لا تتسوّره الخطوب، وأمّ الثّغور الّتي ما برح يسفر بابتسامها عن شنب النّصر وجه الزمن القطوب، وموطن الرّباط الّذي كلّ يوم وليلة [فيه] «1» خير من الدّنيا وما فيها، وعقيلة الأقاليم الّتي كم أشجى قلوب الملوك الأكابر صدودها وأسهر عيون العظماء الأكاسرة تجافيها؛ بل هي عقد درّه حصونه، وروض سيوف الكماة جداوله ورماح الحماة غصونه، وحمّى لم تزل عيون عنايتنا بعون الله تحفّه وأيدي تأييدنا بقوّة الله تصونه- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نرهف بحمايتها هذا السّيف الّذي تسابق الأجل مضاربه، وتبطل الحيل تجاربه، ويتقدّم خبر عزائمه خبرها فلا يدرى: هل ريح الجنوب أسرى وأسرع أم جنائبه «2» ، وتبثّ مهابته أمام سراياه إلى العدا سرايا رعب تفلّ جمعهم، وتسبق إلى التّحرز من بأسه بصرهم وسمعهم، وتسفر بكل أفق عن [شيعة] «3» مغيرة، أو كتيبة تجعلها لمعالي النصر الكامنة مثيرة. فلذلك رسم بالأمر الشّريف العالي- لا زالت أوامره مبسوطة في البسيطة، وممالكه محوطة بمهابته الشّاملة ومعدلته المحيطة- أن تفوّض إليه نيابة السّلطنة الشّريفة بالمملكة الحلبيّة: تفويضا يعوّذها من عيون العدا بآيات عزائمه، ويعوّدها اجتناء ثمر المنى والأمن من ودق صوارمه، وينظم دراريّ الأسنّة من أجياد حصونها في مكان القلائد، ويجعل كماة أعدائها لخوفه أضعف من الولدان وأجبن من الولائد، ويجرّد إلى مجاوريها من همّته طلائع تحصرهم في

الفضاء المتّسع، وتسدّ عليهم مجال الأرض الفسيحة فيغدو لهم حزنها «1» الحزن الشّامل وسهلها السّهل الممتنع. فليتقلّد هذه الرتبة الّتي بمثلها تزهى الأجياد، وبتقلّدها يظهر حسن الانتقاء لجواهر الأولياء والانتقاد، وبتفويضها إلى مثله يعلم حسن الارتياد لمصالح البلاد والعباد، وليزد جيوشها المنصورة إرهابا لعدوّهم، وإرهافا لصوارم الجهاد في رواحهم وغدوّهم، وإدامة للنّفير «2» الذي حبّبه الله إليهم، وقوّة على مجاوريهم من أهل النّفاق الذين يحسبون كلّ صيحة عليهم «3» ، فإنّهم فرسان الجلاد الذين ألفوا الوقائع، وأسوار الفرات الذين عرفوا في الذّبّ عن ملّتهم بحفظ الشّرائع، وكشّافة الكرب الذين لا يزال لهم في سائر بلاد العدا سرايا وعلى جميع مطالع ديار الكفر طلائع؛ وهم بتقدمته تتضاعف شجاعتهم، وتزيد استطاعتهم وطاعتهم؛ وليأخذهم بمضاعفة الأهب وإدامة السّعي في حفظ البلاد والذّب، والتشبّه بأسود الغابات الّتي همّها في المسلوب لا السّلب؛ وليهتمّ بكشف أحوال عدوّ الإسلام ليبرح «4» آمنا على الأطراف من حيفهم، متيقّظا لمكايدهم في رحلتي شتائهم وصيفهم، مفاجئا في كلّ منزل بسير يروّع سربهم، ويكدّر شربهم، ويجعل روح كلّ منهم من خوف قدومه نافرة عن الجسد، ويسلبهم بتوقّع مفاجأته القرار «ولا قرار على زأر من الأسد» ، ولا تزال قصّاده بأسرار قلوب الأعداء مناجية [ولا تبرح له من أعيان عيونه بين العدا فرقة ناجية] «5» وليحتفل بتدريج الحمام الّتي هي رسل أعنّته، وإقامة الدّيادب الذين إذا دعوا همهمة بألسنة النّيران لبّتهم ألسنة أسنّته؛ وليمت قلوب أعدائه بوجل

لقائه قبل الأجل، وليزد في الحزم على ابن مزيد الّذي لم ير في الأمن إلا في درع مضاعفة «لا يأمن الدّهر أن يدعى على عجل» «1» ، وليجعل أحوال القلاع المحروسة دائما بمرأى منه ومسمع، ويشيّدها من ملاحظته باحتفال لا يدع لشائم برقها وحمول أموالها [مطمعا] «2» فقد استكمل حسن النّظر في مصالحها أجمع، وليقم منار الشّرع الشّريف بمعاضدة حكّامه، والانقياد إلى أحكامه، والوقوف مع نقضه وإبرامه: فليجعل حكم الشريعة المطهّرة أمامه وإمامه، وليقم أمر الله فيمن اقتاده الشرع إلى حكمه فجاذب زمامه، وليعظّم حملة العلم الّذي أعلى الله مناره، وأفاض على الأمّة أنواره، وحفظ بهم على الملّة سنّة نبيهم صلّى الله عليه وسلم وآثاره، وليكن لأقدارهم رافعا، ولمضارّهم دافعا، ولأوقافهم بجميل الاحتفال عامرا، وفي مصالحهم بتحلية الأحوال آمرا، ولينشر لواء العدل الّذي أمر الله بنشره، ويشفعه بالإحسان الّذي هو مألوف من سجاياه ومعروف من طلاقة بشره، ويمدّ على الرّعايا ظلّ رأفته الّذي يضفي في النّعم لباسهم، ويديم إلفهم بالرّفاهية واستئناسهم، ويقم حكم سياسته على من لم يستقم، ويقف مع رضا الله تعالى في كلّ أمر: فإذا رحم فلله فليرحم وإذا انتقم فلغير الله لا ينتقم، وليعتن بعمارة البلاد ببسط العدل الّذي ما احتمى به ملك إلّا صانه، والرّفق الّذي لم يكن في شيء إلّا زانه، وتوخّي الحقّ الّذي من جعله نصب عينيه وفّقه الله له وأعانه. وكذلك أمر الأموال: فإنّها ذخيرة الملك وعتاده، ومادّة الجيش الّذي إذا صرفت إلى مصالحهم هممه لم يخش عليه انقطاعه ولا نفاده؛ وجميع الوصايا قد ألفنا من سيرته فيها فوق ما نقترح، وخبرنا من مقاصده فيها ما يقول للسان قلمها: قد عرفت ما أومأت إليه من مقاصدك فاسترح؛ وملاكها تقوى الله تعالى

ورضانا، وهو المألوف من عدله وإنصافه؛ والله تعالى يديمها بتأييده وقد فعل، ويجعله من أركان الإسلام وأعلام المسلمين وقد جعل، بمنّه وكرمه؛ والاعتماد ... «1» . إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة تقليد شريف بنيابة حلب أيضا، كتب بها عن السلطان الملك النّاصر «محمد بن قلاوون» للأمير شمس الدّين «قراسنقر» «2» باعادته إليها، من إنشاء الشيخ شهاب الدّين محمود الحلبيّ، وهي: الحمد لله الّذي جعل العواصم بإقامة فرض الجهاد في أيّامنا الشريفة معتصمة، والثّغور بما تفترّ عنه من شنب النّصر في دولتنا القاهرة مبتسمة، والصّوارم المرهفة في أطراف الممالك بأيدي أوليائنا لأرواح من قرب أو بعد عنها من الأعداء مقتسمة، والحصون المصفّحة بصفاحنا بأعلام النّصر معلمة وبسيما الظّفر متّسمة، معلي قدر من أحسن في مصالح الإسلام عملا، ورافع ذكر من يبسط إلى عزّ طاعة الله ورسوله وطاعتنا أملا، ومجدّد سعد من تلبس الأقلام من أوصافه أفخر الحلل إذا خلعت من المحامد على أوصافه حللا، ومفوّض زعامة الجيوش بمواطن الرّباط في سبيله إلى من إذا فلّلت مقاتل العدا سيوف الجلاد كانت عزائمه من السيوف المرهفة بدلا. نحمده على نعمه الّتي جعلت طاعتنا من آكد أسباب العلوّ، وخدمتنا من أنجح أبواب الرّفعة بحسب المبالغة في الخدمة والغلوّ، ونعمنا شاملة للأولياء بما يربي على طوامح الآمال في البعد والدّنوّ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تستنزل بها موادّ النّصر والظّفر، وتستجزل بها ذخائر التأييد الّتي كم أسفر عنها وجه سفر، وترهف بها سيوف الجهاد الّتي كم آلفت من آمن

وكفت من كفر، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أنزل سكينته عليه، وزويت «1» له الأرض فرأى منها ما يبلغ ملك أمّته إليه، وعرضت عليه كنوز الدّنيا فأعرض عمّا وضع من مقاليدها بيديه، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين رضي الله عنهم، ونهضوا بما أمروا به من طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر منهم، صلاة دائمة الظّلال، آمنة شمس دوامها من الزّوال، وسلّم تسليما كثيرا. أمّا بعد، فإن أولى من طوّقت أجياد الممالك بفرائد أوصافه، وفوّقت إلى مقاتل العدا سهام مهابته الّتي تحول منهم بين كلّ قلب وشغافه، وخصّت به أمّ الثّغور الّتي درّ لها حلبها، ومدّت عليها أفياء النّصر الممدودة ذوابلها وقضبها، وأهدى أرج التّبلّج افترارها وشنبها- من تقوم مهابته مقام الألوف، وتجتني سمعته من ذوابل العزائم ثمر النّصر المألوف، ويسبق خياله سرايا خيله الّتي هي أسرى من هوج الرّياح إلى هزم الجموع وتفريق الصّفوف، وتنظم أسنّة رماحه في الوغى قلوب العدا نظم السّطور وتنثر صفاحه رؤوسهم نثر الحروف، وتحيط بنطاق الممالك المتطرّفة صوارمه إحاطة الأسوار بالحصون، والخمائل بالغصون، والهالات بالأقمار، والجوانح بالأسرار، ولا تبيت ملوك العدا منه إلّا على وجل، ولا يرى في الأمن إلا في درع مضاعفة «لا يأمن الدهر أن يدعى على عجل» «2» ، ولا يخفى عن ألمعيّته ما يضمر الأعداء من الحركات قبل إظهارها، ولا ببعد على عزماته ما هي مليّة به من بدارها أعداء الدّين بدارها، وإذا جلس لنشر المعدلة تبرّأ الظلم من فكر [جواز] «3» البغي والجور على إنسان، وشفع ما تصدّى من ذلك بما أمر الله به من العدل والإحسان. ولما كان الجناب العالي الفلانيّ هو الّذي ملئت قلوب العدا برعبه،

وانطوت قلوب الرعايا على حبّه، وتهلّلت وجوه المنى في سلمه واستهلّت سحب المنايا في حربه، وجمع بين حدّة البأس ولطف التّقى فكان هو الكميّ الذي شفع الشّجاعة بالخضوع لربّه، وحاط ما وليه من الأقاليم بسوري بأسه وعدله فبات كل أحد وادعا في مهاده آمنا في سربه، وأغارت سرايا مهابته قبل طلوع طلائعه فأصبح كلّ من العدا أسير الذّعر قبل إمساكه، قتيل الخوف قبل ضربه؛ مع احتفال بعمارة البلاد، أعان السّحب على ريّها، واشتمال على مصالح العباد، قام في تيسير أرزاقهم مقام وسميّ الغمائم «1» ووليها، وتيقّظ لمصالح الثّغور أنام عنها عيون الخطوب، وإشراق في أفق المواكب كسا وجه الدّين نور البشر ووجه الكفر ظلام القطوب. وكانت المملكة الحلبية عقيلة المعاقل، وعصمة العواصم، وواسطة عقود [الممالك] «2» وسلك فرائد النّصر الّتي كم أضاءت بها إلى الكفر وجوه المسالك، لا تدرك في مضمار الفخار شهباؤها، ولا ترى إلا كما ترى النجوم في عيون العدا حصباؤها؛ ولها من الحصون المصونة كلّ قلعة يتهيّب الطّيف سلوك عقابها «3» ، ويتقاصر لوح الجوّ عن منال عقابها؛ فهي عزيزة المنال، إلّا على كريم كفاءته، بعيدة مجال الآمال، إلا على ما ألفت من إيالة كفايته، سامية الأفق إلا على شمسه، نابية الطّرف إلا على ما عرفت من سلوكه في أمسه، ظامية الغروس الّتي أنشأها في مصالحها إلى ما اعتادته من سقيا غرسه- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نزيدها إشراقا بشمس جلاله، واعتلاء بسيفه الّذي رياض الجنّة تحت ظلاله، وأن نعيد أمرها إلى من طالما حسّن عدله بقعتها، وحصّن بأسه قلعتها، وأطارت مهابته سمعتها، وأطالت سيرته سكون رعاياها في مهاد الأمن وهجعتها، وأعاد وجوده أحوال مجاوريها من العدا إلى العدم، وأباد سيفه أرواح معانديها: فلو أنكرته أعناقهم لم يكن بالعهد من قدم.

فلذلك رسم بالأمر الشّريف- لا زالت شمس عدله، مشرقة في الوجود، وغيث فضله، مستهلّ الجود في التّهائم والنّجود- أن تفوّض إليه......... ... تفويضا يحدّد ارتفاعها، ويعمّر وهادها وبقاعها، ويؤيّد اندفاع مضارّها وانتفاعها، ويعيد الإشراق إلى مطالعها، والأمور إلى مواقعها من سداد التدبير ومواضعها، والإقدام إلى جيوشها وأبطالها [والشجاعة إلى حماتها ورجالها] «1» فليطلع في أفق مواكبها طلوع نعته الكريم، ويجر في جوانبها ما ألفته من موارد عدله الّذي فارقها غمامه وأثر سيله مقيم، ويعاود مصالح تلك المملكة التي لا تصلح أمورها إلّا عليه، ويراجع عصمة تلك العقيلة الّتي لا تطمع أبصار عواصمها إلّا إليه، ويلق في قلوب مجاوريها ذلك الرّعب الّذي نعى إلى كلّ منهم نفسه وأسلاه عمّاه في يديه، ويثبّت تلك المهابة الّتي جعلت منايا العدا براحته يأمرها فيهم وينهاها، وينشر في الرعايا تلك المعدلة التي هي كالشمس: لا تبتغي بما صنعت منزلة عندهم ولا جاها، ولتكن أحوال عدوّ الإسلام بمرأى منه على عادته ومسمع، ويكفّ أطماع الكفّار على قاعدته فلا يحدث لهم إلى شيم برق الثّغور مطمح ولا في العلم بشنبها مطمع، وليكن من أرصاده، نهار عدوّ الدّين وليله، ومن أمداده، مجاز الجهاد وحقيقته فلا يبرح يبيّتهم خياله إذا لم تصبّحهم خيله، ولا يبرح له من أعيان عيونه بين العدا فرقة ناجية، وطائفة بأسرار قلوب القوم مناجية، لتكون له مقاتلهم على طول الأبد بادية، وتغدو منازلهم خاوية بين سراياه الرائحة والغادية. وليتعاهد أحوال الجيوش بإدامة عرضها، وإقامة واجبات القوّة وفرضها، وإطالة صيت السّمعة المشهورة لكماتها في طول بلاد العدا وعرضها، وإزاحة أعذارها للرّكوب، وإزالة عوائق ارتيادها للوثوب، وإعداد العدد الّتي لها من أيديهم طلوع و [في] «2» مقاتل أعدائهم غروب، وليتفقد أحوال الحصون المصونة بسداد ثغورها، وسداد أمورها، وإزاحة أعذار

الطبقة الثانية (من يكتب له في قطع الثلث ب «المجلس السامي» وفيها وظائف)

رجالها، وإرهاف همم حماتها الّتي تضيق على آمال العدا سعة مجالها، وتوفير ذخائرها، وتعمير بواطنها وظواهرها، وتحصين مسالكها الّتي يرهب الخيال المتولي إلى العيون سلوك محاجرها. وليعل منار الشّرع الشريف بتشييد مناره وإحكامه، وتنفيذه لقضايا قضاته وأحكام حكّامه، والوقوف في كلّ أمر مع نقضه في ذلك وإبرامه، ورفع أقدار حملة العلم على ما ألفوه من الرّفعة والسّموّ في أيّامه. ولتكن وطأة بأسه على أهل الفساد مشتدّة، وأوامره متقدّمة بوضع الأشياء في مواضعها: فلا توضع الحدّة موضع الأناة ولا الأناة موضع الحدّة. وليراع عهود الموادعين مهما استقاموا، ويجمع عليهم أن يكفّوا أنامل بأسه الّتي هم في قبضتها رحلوا أو أقاموا، ولتخبر ألسنة النيران بشبّها على اليفاع [والآكام] «1» من قدم لمكيدة أو طعن بمطار الحمام- وجميع ما يتعلّق بهذه المرتبة السنية من قواعد فإلى سالف تدبيره ينسب، ومن سوابق تقريره وتحريره يحسب؛ فهو ابن بجدتها، وفارس نجدتها، ومؤثّل قواعدها، وموثّر ما حمد من امتداد عضدها إلى مصالح الإسلام وساعدها؛ فليفعل في ذلك ما يشكره الله والإسلام عليه، ويثبّت الحجّة عند الله تعالى في إلقاء المقاليد إليه؛ وملاك الوصايا تقوى الله وهي سجيّة نفسه، وثمرة ما اجتنى في أيّام الحياة من غرسه، ونشر العدل والإحسان فبهما تظهر مزيّة يومه الجميل على أمسه؛ والله تعالى يجعل نعمه دائمة الاستقبال، وشمسه آمنة من الغروب والزّوال، والاعتماد...... الطبقة الثانية (من يكتب له في قطع الثّلث ب «المجلس السامي» وفيها وظائف) الوظيفة الأولى (نيابة القلعة بها) وهذه نسخة مرسوم شريف بنيابة قلعة حلب:

الحمد لله معلي قدر من تحلّى بالأمانة والصّون، ورافع مكانة من كان فيما عرض من العوارض نعم العون، ومؤهّل من أرشدنا إليه للاجتباء حسن الاختبار، ومبلّغ الإيثار من شكرت عنه محامد الآثار. نحمده حمد الشّاكرين، ونشكره شكر الحامدين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص في اعتقاده، مبرّإ من افتراء كلّ جاحد وإلحاده، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أرسله بالحقّ بشيرا ونذيرا، وأيّده بسلطان منه وطهّر [به] «1» الأرض من دنس الضّلال تطهيرا، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة لا يزال علم العلم بها منشورا، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ العناية بالحصون توجب أن لا يختار لها إلا من هو مليّ بحفظها، موفّر [لها] «2» من حسن الذّبّ غاية حظّها، حسن المرابطة، مبرّأ من دنس الأفعال السّاقطة؛ ذو قلب [قويّ] «3» وقالب، وعزم ما زال لمهمات الأمور أشجع مغالب؛ إذ هو للمرابطين بها أوثق حرز حريز، وأصون حجاب لمبارزة ذوي التّبريز، [فتصبح به] «4» مستورا عوارها، كاتمة لأسرارها أسوارها، تخاطب منازليها من مجانيقها بأبلغ لسان، وتشافه ملاجيها» من أنفة أنفها إلا أنه بأعلى مكان. ولما كانت القلعة الفلانية بهذه المنزلة الرّفيعة، والمكانة الّتي كلّ مكانة بالنّسبة والإضافة إلى علوّ مكانها المكانة الوضيعة- اخترنا لها وابتغينا، واستوعبنا بالتّأهيل لنيابتها ولم نترك في استيعابنا ولا أبقينا، فلم نجد لولايتها كفأ إلا من نظمت عقود هذا التّقليد لتقليده، ورتّلت سور هذه المحامد بمبديء لسان تقريظه ومعيده؛ إذ هو أوثق من يلقى إليه إقليدها «6» ، وأكفأ من ينجز به موعودها؛ إذ كان المكين، والثّقة المتحلّي إذ كان التحلّي مما يزين العاطل

الوظيفة الثانية (شد الدواوين بحلب)

المشين؛ إن ذكر الرّأي فهو المتّصف بسديده، أو العزم فهو الموسوم بشديده، أو التّثبّت فهو من صفة شجاعته، أو حسن المظافرة فهو الباذل فيها جهد استطاعته. ولما كانت هذه المناقب مناقبه، وهذه المذاهب مذاهبه، رسم بالأمر الشّريف العالي- زاده الله مضاء ونفاذا، واستحواء واستحواذا- أن تفوّض نيابة السّلطنة بالقلعة الفلانيّة وما هو منسوب إليها من ربض ونواح، وقرى وضواح، للمجلس السّامي فلان. فليرق إلى رتبتها المنيف قدرها، المهمّ سرّها وجهرها، وليكن من أمر مصالحها على بصيرة، ومن تفقّد أحوالها على فطنة ما زالت منه مخبورة، وليأخذ محرزها من الجند وغيرهم بالملازمة لما عدق به من الوظائف، ويتقدّم إلى واليها مع طوّافها «1» أوّل طائف، وليتفقّد حواصلها من الذّخائر، وواصلها من التبذير بمن يرتّبه على حفظها من الأخاير؛ ومهما عرض يسرع بالمطالعة بأمره، والإعلام بنفعه وضرّه. هذه نبذة كافية للوثوق بكفايته، والعلم بسديد كفالته؛ والله تعالى يحسن له الإعانة، ويجزل له الصّيانة؛ والخط الشّريف أعلاه....... الوظيفة الثانية (شدّ «2» الدّواوين بحلب) وهذه نسخة توقيع بشدّ الدّواوين بحلب: الحمد لله الّذي أرهف في خدمة دولتنا كلّ سيف يزهى النّصر بتقليده،

ويروى نبأ الفتح عن تجربته في مصالح الإسلام وتجريده، ويروى حدّه إذا قابله عدوّ الدّين من قلب «1» قلبه وموارد وريده. نحمده على نعمه السابغة حمد متعرّض لمزيده، ونشكره على مننه السّائغة شكر مستنزل موادّ تأييده، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة مقرّ بتوحيده، مسرّ مثل ما يظهر من الخضوع لكبرياء تقديسه وتمجيده، مصرّ على جهاد من ألحد في آياته بنفسه وجنوده، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أشرف من دعت دعوته الأمم إلى الاعتراف بخالقها بعد جحوده، وأنجز لأمّته من الاستيلاء على الكفر سابق وعوده، وأمال به عمود الشّرك فأهوى إلى الصّعيد بعد صعوده، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ما منهم إلا من بذل في طاعة الله وطاعته نهاية مجهوده، وأطفأ نار الكفر بعد وقودها بإيقاد لهب الجهاد بعد خموده، صلاة تقترن بركوع الفرض وسجوده، وتقام أركانها في أغوار الوجود ونجوده، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى ما أجملنا في مصالحه النّظر، وأعملنا في ارتياد الأكفاء له بوادر الفكر، واخترنا له من الأولياء من كان معدودا من خواصّنا، محبوّا بمزيد تقريبنا ومزيّة اختصاصنا، أمر الأموال الدّيوانيّة بالمملكة الحلبيّة وتفويض شدّ دواوينها المعمورة إلى من تضاعفها رتبته المكينة، ونزاهته المتينة، ويده الّتي هي بكمال العفّة مبسوطة، وخبرته الّتي بمثلها يحسن أن تكون مصالح الدولة القاهرة منوطة، ومنزلته الّتي تكفّ عن الأموال الأطماع العادية، ومهابته الّتي تكفي الأولياء من ضبط الأعمال بما يروي الآمال الصّادية، لأنّها موادّ الثّغور الّتي ما برحت عن شنب النّصر مفترّة، وأمداد الجيوش الّتي جعل الله لها أبدا على أعدائه الكرّة، ورياض الجهاد الّتي تجتنى منها ثمرات الظّفر الغضّة، وكنوز الملك الّتي ينفق منها في سبيل الله القناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة.

ولما كان فلان هو الّذي اخترناه لذلك على علم، ورجّحناه لما اجتمع فيه من سرعة يقظة وأناة حلم، وندبناه في مهمّاتنا الشريفة فكان في كلّ موطن منها سيفا مرهفا، واخترناه فكان في كلّ ما عدقناه به بين القويّ والضّعيف منصفا، وعلمنا من معرفته ما يستثير الأموال من مكامنها، ومن نزاهته ما يظهر أشتات المصالح من معادنها، ومن معدلته ما يمتّع الرعايا باجتناء ثمر المنى من إحسان دولتنا القاهرة واجتلاء محاسنها- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نحلّي جيد تلك الرتبة بعقود صفاته الحسنة، وأن ننبّه على حسن هممه التي ما برحت تسري إلى مصالح الدولة القاهرة والعيون وسنة. فلذلك رسم أن يفوّض إليه ذلك تفويضا يبسط في مصالح الأموال لسانه ويده، ويقصر على مضاعفة ارتفاع الأعمال يومه الحاضر وغده، ويحسّن بسدّ الخلل وتتبّع الإهمال مصدره الجميل ومورده؛ ويجعل [له] «1» في مصالحها العقد والحلّ، والتّصرف النافذ في كلّ ما دقّ من الأموال الدّيوانية وجلّ. فليباشر ذلك بهمّة علمنا في الحق مواقع سيفها، وأمنّا على الرعايا بما اتّصفت به من العدل والمعرفة من مواقع حتفها، وأيقظت العيون الطّامحة لسلوك ما [لا] «2» يجب بما لم تزل تتخيّله من روائع طيفها، وليثمّر الأموال بالجمع في تحصيلها بين الرّغبة والرّهبة، ويجعل ما يستخرج منها ببركة العفّة والرّفق: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ «3» وليعفّ أثر الحمايات ورسمها، ويزل بالكلّية عن تلك الممالك الحسنة وسمها القبيح واسمها، وليكن مهمّ الثغور هو المهمّ المقدّم لديه، والنّظر في كلف القلاع المحروسة هو الفرض المتعيّن أداؤه عليه، فيحمل إليها من الأموال والغلال ما يعمّ حواصلها المصونة، ويكفي رجالها الفكر في المؤونة، ويضاعف ذخائرها التي تعدّ من أسباب تحصينها، ويصبح به حمل عامها الواحد كفاية ما يستقبله

الصنف الثاني (من أرباب الوظائف بحلب - أرباب الوظائف الدينية)

مع موالاة الحمول من سنينها؛ وما عدا ذلك من الوصايا فقد ألقينا إلى سمعه ما [عليه] يعتمد، وعرّفناه أنّ تقوى الله أوفى ما به يستبدّ وإليه يستند؛ بعد الخط الشّريف. الصنف الثاني (من أرباب الوظائف بحلب- أرباب الوظائف الدّينية) وهم على طبقتين أيضا: الطبقة الأولى (من يكتب له في قطع الثلث ب «السّاميّ» بالياء، ويشتمل على وظائف) منها: قضاء القضاة. وبها أربعة قضاة: من كل مذهب قاض، كما في الديار المصرية والشّام. والشافعيّ منهم هو الّذي يولّي بالبلاد كما في مصر والشّام. وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة الشّافعية: الحمد لله الّذي رفع منار الشّرع الشريف وأقامه، ونور به كلّ ظلام وأزال به كلّ ظلامة، وجعله صراطا سويّا للإسلام والسّلامة، الذي جعل القضاة أعلاما، بهم يهتدى، ونصبهم حكّاما، بمراشدهم يقتاد ويقتدى، وأخذ بهم الحقّ من الباطل حتّى لا يعتل في قضيّة ولا يعتدى، والصّلاة على سيدنا محمد الذي أوضح الله به الطّريق، وأبدى به بين الحلال والحرام التّفريق، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تتكفل لرغبات قائلها بالتّحقيق. وبعد، فإنّ أحقّ ما [وجّهت] «1» الهمم إلى تصريفه وجها مسفرا، وقرّبت إلى يد الاقتطاف من شجرته المباركة غصنا مثمرا، وسهّدت في الاختيار له والاصطفاء لحظا ما زال للفكر في مصالح الأمّة مسهرا- الشرع الشريف الّذي

حرس الله به حومة الدّين وحمى جانبه، وحفظ به أقوال الهدى عن المجادلة من المبتدعين وأطرافه من المجاذبة؛ وكانت حراسته معدوقة باختيار الأئمة الأعلام، وموقوفة على كلّ من يطاعن البدع عند الاستفتاء برماح الخطّ وليست رماح الخطّ غير الأقلام، ومصرفة إلى كلّ منصف في قضاياه حتّى لو ترافعت إليه اللّيالي لأنصفها من الأيّام. ولما كان فلان هو مدلول هذه العبارة، ومرتمى هذه المشارة، ومرتمق هذه الإشارة، وقد حلّ من الممادح في محل صعب المرتقى على متوقّله، وطلع من منازل سعودها في بروج بعيدة الأوج إلا على سير بدره وتنقّله؛ وطالما حكم فأحكم، وفصل ففصّل، وروجع فما رجع وعدل فعدّل، وشهدت مراتبه الشريفة بأنّه خير من تنوّلها ميراثا واستحقاقا، وأجلّ من كادت تزهو به مطالع النجوم إشرافا وإشراقا؛ وكانت حلب المحروسة مركز دائرة لأيّامه، وسلك جوهر تصريفه الّذي طالما تقلدت أحسن العقود بنظامه؛ وقد افتخرت به افتخار السماء بشمسها، والرّوضة بغرسها، والأفهام بإدراك حسّها، والأيّام بما عملته من خير في يومها وأسلفته في أمسها، وقد اشتاقت إلى قربه شوق النّفس إلى تردّد النّفس، واللّيلة إلى طلوع النّجم أولا فإلى إضاءة القبس. فلذلك خرج الأمر الشّريف بأن يجدّد له هذا التوقيع بالحكم والقضاء، بالمملكة الحلبيّة وأعمالها وبلادها، على عادته. فليستخر الله تعالى وليستصحب من الأحكام ما همّته مليّة باستصحابه، ويستوعب من أمورها ما تتوضح المصالح باستيعابه، ويقم بها منار العدل والإحسان، وينهض بتدبير ما أقعده منها زمانة الزّمان. وعنده من الوصايا المباركة، ما يستغني به عن المساهمة فيها والمشاركة؛ لكن الذّكرى النافعة عند مثله نافقة؛ فإن لم يكن شعاع هلال فبارقة، وليتّق الله ما استطاع، ويحسن عن أموال اليتامى الدّفاع، ويحرس موجود من غاب غيبة يجب حفظ ماله فيها شرعا، ويقطع سبب من رام لأسباب الحقّ قطعا، ولا يراع لحائف حرمة فإنّ حرمات

الحائفين لا ترعى، وينظر في الأوقاف نظرا يحرسها ويصونها، ويبحث عنها بحثا يظهر به كمينها؛ والله تعالى يسدّده في أحكامه بمنه وكرمه! قلت: وعلى ذلك تكتب تواقيع بقية القضاة بها من المذاهب الثلاثة الباقية. ومنها: وكالة «1» بيت المال المعمور. وهذه نسخة توقيع من ذلك، كتب بها لمن لقبه «كمال الدّين» وهي: الحمد لله الّذي جعل كمال الدّين موجودا، في اقتران العلم بالعمل، وصلاح بيت المال معهودا، في استناده إلى من ليس له غير رضا الله تعالى وبراءة الذّمة أمل، وارتقاء رتب المتّقين مقصورا على من بارتقاء مثله من أئمة الأمّة تزهى مناصب الدّول، والاكتفاء بالعلماء محصورا في الآراء المعصومة بتوفيق الله من الخلل. نحمده على نعمه الّتي جعلت مهمّ مصالح الإسلام، مقدّما لدينا، واختصاص المراتب الدّينية بالأئمة الأعلام، محبّبا إلينا، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة رفع الجهاد علمها، وأمضى الاجتهاد كلمها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أشرقت سماء ملّته، من علماء أمّته، بأضوإ الأهلّة، ونطقت أحكام شرعته، على ألسنة حملة سنّته، بأوضح الأدلّة، وبزغت شمس هدايته في تهائم الوجود ونجوده فانطوت بها ظلم الأهواء المضلّة، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نصحوا لله ولرسوله، وآثروا رضاه على نفوسهم فلم يكن لهم مراد سوى مراده ولا سول غير سوله، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من تلقّاه كرمنا بوجه إقباله، واختارت له آلاؤنا من الرّتب ما صدّه الإجمال في الطّلب عن تعلّقه بباله، ورأى إحساننا مكانه من

العلم والعمل فعدق به من مصالح المسلمين ما لم يتركه أوّلا إلّا موافقة له لا رغبة عن خياله، ورعى برّنا وفادته فاقتضى إعادته من مناصبه إلى ما لم يزل مشرق الأفق بكمال طلعته وطلعة كماله- من ظهرت لوامع فوائده، وبهرت بدائع فرائده، وتدفّقت بحار فضائله، وتألّقت أشعة دلائله، وتنوّعت فنونه: فهو في كلّ علم ابن بجدته، وفارس نجدته، وحامل رايته، وجواد مضماره الّذي تقف جياد الأفكار دون غايته. ولما كان فلان هو هذا البحر الّذي أشير إلى تدفّقه، والبدر الّذي أوميء إلى كمال ما تألّق به من أفقه، وكانت وكالة بيت المال المعمور بحلب المحروسة من المناصب الّتي لا يتعيّن لها إلا من تعقد الخناصر عليه، ويشار ببنان الاختصاص إليه، ويقطع بجميل نهوضه فيما يوضع من المصالح الإسلامية بيديه؛ وله في مباشرتها سوابق، وآثار [إن] «1» لم تصفها ألسنة الأقلام أوحت بها تلك الأحوال الخالية وهي نواطق- اقتضت آراؤنا الشريفة إنعام النّظر في الإنعام عليه بمكان ألفه، ومنصب رفع ما أسلفه فيه من جميل السّيرة قدره عندنا وأزلفه. فرسم بالأمر الشريف- لا زال بابه ثمال الآمال، وأفق السّعد الّذي لو أمّه البدر لما فارق رتب الكمال- أن يفوّض إليه كذا: لما ذكر من أسباب عيّنته، وفضائل تزيّنت به كما زيّنته، ووفادة تقاضت له نزل الكرامة، واقتضت له موادّ الإحسان وموارده في السّرى والإقامة. فليل هذه الرتبة الّتي على مثله من الأئمة مدار أمرها، وبمثل قوّته في مصالحها يتضاعف درّ احتلابها ويترادف احتلاب درّها، مراعيا حقوق الأمّة فيما جرّه الإرث الشرعيّ إليهم، مناقشا عن المسلمين فيما قصره مذهبه المذهب من الحقوق الماليّة عليهم، واقفا بالحقّ فيما يثبت بطريقة المعتبر، تابعا لحكم الله فيما يختلف سبيله [و] «2» فيما يحرّر بالعيان أو يحقّق بالخبر، محافظا على ما

الطبقة الثانية (من يكتب له في قطع العادة «بالسامي» بغير ياء، أو «بمجلس القاضي» )

يؤول إلى بيت المال بلطف تدقيقه، وحسن تحقيقه، وقبول الدّافع بوجهه ودفعه بطريقه؛ ولا يمنع الحقّ إذا ثبت بشروطه الّتي أعذر فيها، ولا يدفع الواجب إذا تعيّن بأسبابه الّتي يتقاضاها الشّرع الشّريف ويقتضيها؛ وهو الوكيل عن الأمّة فيما لهم وعليهم، ومتولّي المدافعة عنهم فيما يقرّه الشرع في يديهم؛ فليؤدّ عنهم أمانة دينه، ويجتهد لهم فيما وضعناه من أمر هذه الوكالة الشريفة بيمينه؛ وملاك هذا الأمر الوقوف مع الحقّ الجليّ، والتّمسّك بالتّقوى الّتي تظهر بها قوّة الأمين وأمانة القويّ؛ والله تعالى يوفّقه ويسدّده. قلت: وفي معنى ما تقدّم من قطع الورق والألقاب الحسبة، ونظر الأوقاف الكبار، وخطابة الجوامع الجليلة، وكبار التّداريس، وما يجري مجرى ذلك: إذا كتب به من الأبواب السّلطانية، وإلّا فالغالب كتابة ذلك جميعه عن نائب السّلطنة بها. الطبقة الثانية (من يكتب له في قطع العادة «بالسامي» بغير ياء، أو «بمجلس القاضي» ) قال في «التثقيف» «1» : وهم من عدا القضاة الأربعة من [أرباب] «2» الوظائف الدينية، فيدخل في ذلك قضاء العسكر، وإفتاء دار العدل، وما يجري مجرى ذلك، حيث كتب من الأبواب السلطانية. الصنف الثالث (من أرباب الوظائف بحلب- أرباب الوظائف الديوانية، وهم على طبقتين) الطبقة الأولى (من يكتب له في قطع الثلث ب «الساميّ» بالياء؛ وتشتمل على وظائف) منها: كتابة السرّ؛ ويعبّر عنها في ديوان الإنشاء بالأبواب

السلطانية- بصاحب ديوان المكاتبات، وربّما قيل: صاحب ديوان الرسائل. قال في «التثقيف» : وربّما كتب له في قطع النّصف. وهذه نسخة توقيع شريف من ذلك، وهي: الحمد لله الّذي زان الدّولة القاهرة، بمن تغدو أسرارها من أمانته في قرار مكين، وحلّى أيّامنا الزاهرة، بمن تبدو مراسمها من بلاغته في عقد ثمين، ومجمّل الكتب السائرة، بمن إذا وشّتها براعته ويراعته قيل: هذا هو السّحر البيانيّ إن لم يكن سحر مبين. نحمده على نعمه الّتي خصّت الأسرار الشريفة بمن لم يرثها عن كلالة، ونصّت في ترقّي مناصب التّنفيذ على من يستحقّها بأصالة الرّأي وقدم الأصالة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة رقم الإخلاص طروسها، وسقى الإيمان غروسها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي آتاه جوامع الكلم، ولوامع الهدى والحكم، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين كتب في قلوبهم الإيمان، وكبت بهم أهل الطّغيان، صلاة يشفعها التّسليم، ويتبعها التّعظيم، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى الرّتب بإرتياد من تعقد على أولويّته الخناصر، ويعتمد على أصالته الّتي ما برحت في الاتصال والاتّصاف بها ثابتة الأواصر، ويعتقد في أمانته الّتي تأوي بها الأسرار إلى «صخرة أعيا الرّجال انصداعها» ، ويعتضد بفضائله الّتي يقلّ في كثير من الأكفاء اجتماعها، ويعول فيها على بلاغته، التي أعطت كلّ مقام حقّه من الإطناب والإيجاز، ويرجع فيها إلى بديهته، التي جرت بها سوابق المعالي إلى غاية الحقيقة في مضمار المجاز- رتبة هي خزانة سرّنا، وكنانة نهينا وأمرنا؛ فلا يتعين لبلوغها إلّا من ومن، ولا يعين لتلقّيها وترقّيها إلّا أفراد قلّ أن يكثر مثلهم في زمن، ولا يحسن أن تكون إلّا في بيت عريق في أنسابها، وثيق في تمكّن عرا أسبابها، عليم بقواعدها الّتي إذا اشتبهت طرق آدابها كان أدرى بها.

ولما كان فلان هو الّذي ذكرت أسباب تعيّنه لهذه الرّتبة وتعيينه، وفتحت أبواب أولويّته بتلقّي راية هذا المنصب بيمينه، مع أدوات كمّلت مفاخره، وصفات جمّلت مآثره، وكتابة، إذا جادت أنواؤها أرض طرس أخذت زخرفها، وإذا حاذت أنوارها وجه سماء ودّت الدّراريّ لو حكت أحرفها، وبلاغة، إن أطرت بوصف أغارت الفرائد، وأعارت دررها القلائد، وأتت من رقّة المعاني بما هو أحسن من دموع التّصابي في خدود الخرائد «1» ، وإن أغرت بعدوّ أعانت على مقاتله السّيوف، ودلّت على مكامنه الحتوف، وديانة، رفعته عند الله وعندنا إلى المكان الأسنى، وصيانة، جمعت له من آلائنا واعتنائنا بين الزّيادة والحسنى، وأمانة، أغنته بجوهر وصفها الأعلى عن التّعرّض إلى العرض الأدنى، وبراعة، اعتضد بها يراعه في بلوغ المقاصد اعتضاد الرّقص بالمغنى. فلذلك رسم بالأمر الشّريف أن يفوّض إليه كذا فليبشر بتلقيّ هذا الإحسان، بيد الاستحقاق، وليتلقّ عقود هذا الامتنان، الذي طالما قلّده فخره الأعناق، وليباشر ذلك مباشرة يسرّ خبرها ويسري خبرها، ويشنّف الأسماع تأثيرها وأثرها، وليسلك فيها من السّداد، ما يؤكّد حمده، ومن حسن الاعتماد، ما يؤيّد سعده؛ والوصايا كثيرة وهو بها خبير عليم، حائز منها أوفر الأجزاء وأوفى التّقسيم «2» ، وملاكها تقوى الله فليجعلها عمدته، وليتّخذها في كلّ الأمور ذخيرته؛ والله تعالى يضاعف له من لدنّا إحسانا، ويرفع له قدرا وشانا؛ والاعتماد في ذلك على الخطّ الشّريف أعلاه الله تعالى أعلاه. ومنها: نظر المملكة الحلبيّة القائم مقام الوزير.

وهذه نسخة توقيع من ذلك: كتب به لعماد الدّين «سعيد بن ريان» «1» بالعود إليها، وهي: الحمد لله رافع قدر من جعل عليه اعتمادا، ومجدّد سعد من غدا في كلّ ما يعدق به من قواعد النّظر الحسن عمادا، ومسنّي حمد من تكفّل له جميل التّصرّف أن لا تبعد الأيام عليه مرادا، ومجزل موادّ النّعم لمن إذا استمطر قلمه في المصالح همى فافتنّ أفنانا وأينع تثميرا وأثمر سدادا، وإذا أيقظ نظره في ملاحظة الأعمال استجلى وجوه المصالح انتقاء لما خفي منها وانتقادا. نحمده على نعمه الّتي لا تزال النّعم بها مجدّدة، والقواعد موطّدة، والكرم معادا، وآلائه الّتي جعل لها الشّكر ازديانا على الأبد وازديادا، ومننه الّتي لا يقوم بها ولا بأداء فرضها الحمد ولو أنّ ما في الأرض من شجرة أقلام أو كان البحر مدادا «2» ، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة لا تألو هممنا اجتهادا في إعلاء منارها وجهادا، ولا تكبو جياد عزائمنا، دون أن تسكنها من الجاحدين قلوبا وتجري بها من المنكرين ألسنة وتقلّدها من المشركين أجيادا، ولا تنبو صوارمنا، حتّى تتّخذ لها من وريد كلّ معاند موردا ومن قمم كلّ ناكث أغمادا، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أسرى الله به إليه فبلغ في الارتقاء سبعا شدادا، وأنزل عليه أشرف كتبه بيانا وأعجزها آية وأوضحها إرشادا، وبعثه إلى الأحمر والأسود فسعد من سعد به إيمانا وشقي من شقي به عنادا، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين لم يألفوا في طاعة الله وطاعته مهادا، صلاة لا تستطيع لها الدّهور نفادا، ولا تملّها الأسماع تعدادا وتردادا، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن أولى من سما به منصبه الّذي عرف به قديما، وزهيت به رتبته، التي لم يزل فيها لاقتناء الشّكر مستديما، وتحلّت به وظيفته، التي لم يبرح

يلبس بها ثوب الثناء قشيبا ويجرّ بها رداء السّعد رقيما، وتقاضت له عوارفنا معارفه الّتي لم يزل عقدها في جيد المراتب السّنيّة نظيما، وتطلّع إليه مكانه فكأنّه بقدم هجرته لم يبرح فيه وإن بعد عنه مقيما- من لم يزل قلمه بصرفه في أسنى ممالكنا الشّريفة كاسمه سعيدا، وطرف نظره فيما يليه من المناصب السّنيّة يريه من المصالح ما كان غائبا ويدني إليه من أسباب التّدبير ما كان بعيدا؛ فما أعمل في مصالح الدولة القاهرة قلما إلا وأقبلت نحوه وجوه الأموال سافرة، ولا لحظ في مهمّات وظائفها أمرا إلّا وعاودته أسباب التّثمير النافرة، ولا اعترض «1» قلمه بنطقه وفكره إلّا وغدت الثلاثة على كل ما فيه عمارة ما يفوّض إليه من الأعمال متضافرة؛ وذلك لما اجتمع فيه من عفّة نفسه وكمال معرفته وطهارة يراعه، واتّصف به من حسن اضطلاعه وجميل اطّلاعه، وجبلت عليه طباعه من نزاهة زانت خبرته ومنّ ينقل مشكورا عن طباعه. ولما كان فلان هو الّذي حنّت إليه رتبته وتلفّت إليه منصبه ودعته وظيفته النّفيسة إلى نفسها، واعتذرت بإقبالها إليه في يومها عن نشوزها عنه في أمسها، واشتاقت إلى التّحلّي بفضائله الّتي لم تزل تزهى بما ألفته منها على نظرائها من جنسها- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نجمّل لها عادتها ونجدّد له من الإحسان بمباشرتها السّعيدة إعادته، ونعيد إليه بمباشرة نظره الجميل مسرّته الّتي ألفها وسعادته. فلذلك رسم ... - لا زال برّه لعماد الدّين رافعا، وأمره بالإحسان شافعا- أن يفوّض إليه نظر المملكة الحلبيّة على عادة من تقدّمه. فليباشر هذه المملكة الّتي هي من أشهر ممالكنا سمعة، وأيمنها بقعة، وأحسنها بلادا، وأخصبها ربا ووهادا، وأكثرها حصونا شواهق، وقلاعا [سوامي] «2» سوامق، وثغورا لا تشيم ما افترّ منها البروق الخوافق، مباشرة تزيد

مصالحها على ما عرفته، وتريها من خبرته فوق ما ألفته، وتدلّ على ما فيه من كفاءة هذّبتها التّجارب، وهدتها الأنوار الثّواقب، وصرفتها الأفكار المطّلعة على الطوالع من المغارب، وسدّدها إلى الأغراض الجميلة الخلوّ من الأغراض، ووقّفها على جواهر الصّواب عدم اعتراض النّظر إلى الأعراض، وأراها التّوفيق ما تأتي من وجوه التدبير وما تذر، وعرّفتها المعرفة الاحتراس من مخالفة الصّواب فما تزال من ذلك على حذر، وفتحت لها الدّربة أبواب التّثمير فما لحظت أمرا من الأمور الديوانية إلا وبدت البدر؛ ولتكن النعم المصونة المقدّم لديه، والنظر في مصالح القلاع المحروسة هو الغرض المنصوص عليه، فليضاعف ذخائرها، ويتفقّد موارد أمورها ومصادرها؛ وفي معرفته بقواعد هذه الوظيفة ما يغني عن الوصايا، لكن ملاكها تقوى الله، فليجعلها نجيّ نفسه، وسمير أنسه؛ والخط الشريف...... ومنها- نظر الجيش بها. وهذه نسخة توقيع بنظر الجيش بالمملكة الحلبيّة، وهي: الحمد لله الّذي جعل أفق السعادة بطلوع شمسه منيرا، وأقرّ في رتب العلياء من يغدو ناظرها بحسن نظره قريرا، وحلّى مفارق المناصب السّنيّة بصدر إذا تغالى اللسان في وصفه كان بنان البيان إليه مشيرا، واختار لأمصار ممالكنا الشريفة من إذا فوّض إليه نظرها كان بنسبته إلى الإبصار حقيقا به وجديرا. نحمده وهو المحمود، ونشكره شكرا مشرق السّعود، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة عذبة الورود، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أضحت به شيوخ من الإسلام منشورة البنود، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه ما أورق عود، وأولج نهار السيوف في ليل الغمود، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن الله تعالى لما خصّ كلّ مملكة من ممالكنا الشريفة بكثرة الجيوش والأنصار، وجعل جيوشنا وعساكرنا تكاثر عدد النّجوم في كلّ مصر من

الأمصار، وكانت المملكة الشريفة الحلبيّة هي ركن من أركان الإسلام شديد، وذخر ما دعاهم داع إلّا ولبّاه منهم عدد عديد- وجب ان يختار للنّظر عليها من الأكفاء من سما في الرآسة أصله وزكا فرعه، فاستحقّ بما فيه من المعرفة تمييز قدره ورفعه، وفاق في فضل السّيادة أبناء جنسه، وأشرقت أفلاك المعالي بطلوع شمسه، وأقرّ [بنظره] «1» نظر الجيوش المنصورة، وسارت الأمثلة بما اتفّق عليه [فيه] «2» من حسن خبرة وخيرة، وكان فلان هو الّذي طلع في أفق هذا الثّناء شمسا منيرة، واختبر بالكفاية والدّراية واختير لهذا المنصب على بصيرة، وهو الذي له من جميل المباشرة في المناصب السّنية ما هو كالشّمس لا يخفى، والّذي أحسن النّظر في الأوقاف المبرورة حتّى تمنّى كلّ منصب جليل أن يكون عليه وقفا، وهو الّذي حوى من الفضائل ما لا يوجد له نظير ولا شبيه، والّذي سما إلى رتبة من المعالي رفيعة وكان ذا الجدّ النّبيه والأب [لبنيه] «3» فلذلك رسم.... لا زال يقرّ الناظر بجوده، ويحسن النظر في أمر جيوشه وجنوده- أن يفوّض إليه كذا: علما بأنه أحقّ بذلك وأولى، وأنّ كفايته لا يستثنى فيها بإلّا ولا بلو لا، وأنّ السّداد مقترن بحسن تصريفه، وعلمه قد أغنى عن تعليمه بمواقع التّسديد وتوقيفه. فليباشر ذلك بصدر منشرح، وأمل منفسح، عاملا بالسّنة من تقوى الله تعالى والفرض، عالما بأنّا عند وصولنا إلى البلاد نأمر بعرض الجيوش: فليعمل على ما يبيّض وجهه يوم العرض، وليلزم عدّة من المباشرين بعمل ما يلزمهم من التّفريع والتّأصيل، والتّجريد والتّنزيل، وتحرير الأمثلة والمقابلة عليها، وسلوك الطّريق المستقيم الّتي لا يتطرق الذّم إليها، والملاحظة لأمور الجيوش المنصورة في قليل الإقطاعات وكثيرها، وجليلها وحقيرها، بحيث يكون علمه محيطا بذلك إحاطة اللّيل، ويشترط على من يتعيّن تنزيله ما استطاع

الطبقة الثانية

من قوّة ومن رباط الخيل، ويقابل الأمور المضطربة بالإضراب، ويسلك أحسن المسالك في سيره وسيرته: فإنّنا فوّضنا إليه الجيوش المنصورة من جند المملكة الحلبيّة ومن أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب. والوصايا كثيرة وإن كثرت فعلمها عنده، وقد ضرب له منها مثل فليكن على سياقته فيما لم يذكر في العدّة؛ وأهمّ الأمور أن يتمسك من خشية الله بالسّبب الأقوى، ويجعل تقوى الله عماده في كلّ الأمور: فإنّ خير الزّاد التّقوى؛ والخطّ الشريف أعلاه حجة فيه. الطبقة الثانية من يكتب له من أهل المملكة الحلبيّة في قطع العادة مفتتحا ب «رسم» إمّا مع «مجلس القاضي» أو مع «القاضي الأجلّ» ككتّاب الدّرج ومن في رتبتهم، إن كتب لأحد منهم من الأبواب السلطانية، وإلّا فالغالب استبداد نائب السّلطنة بها بالكتابة في ذلك. فإن كتب شيء منها من الأبواب السلطانية، فليمش فيه على نحو ما تقدّم في الديار المصرية والمملكة الشامية الّتي قاعدتها دمشق. النوع الثاني (من أرباب الوظائف بالمملكة الحلبية- من هو خارج عن حاضرتها، وهم على أصناف) الصنف الأوّل (أرباب السيوف، وهم غالب من يكتب لهم عن الأبواب السّلطانية) وقد تقدّم أنّ العادة جارية بتسمية ما يكتب لمن دون أرباب النيابات العظام: من دمشق، وحلب، وطرابلس، وحماة، وصفد، وغزّة، والكرك- مراسيم، وأنّ التقاليد مختصة بالنّواب العظام المقدّم ذكرهم. ولا يخفى أنّ النيابات الدّاخلة في المملكة الحلبيّة، مما هو تحت أمر نائب السّلطنة بحلب، أكثر من كل سائر الممالك الشامية.

وبالجملة فأمرهم لا يخرج عن ثلاثة أضرب: إما مقدّم ألف، كنائب البيرة «1» ، ونائب قلعة الرّوم المعبر عنها في ديوان الإنشاء بقلعة المسلمين «2» ، ونائب ملطية «3» ، ونائب طرسوس «4» ، ونائب البلستين «5» ، ونائب البهسنى «6» ، ونائب آياس «7» المعبر عنها بالفتوحات الجاهانية. وإمّا طبلخاناه، كنائب جعبر «8» ، ونائب درندة «9» ونحوهما. وإما أمير عشرة، كنائب عين تاب «10» ، ونائب الرّاوندان «11» ، ونائب كركر «12» ، ونائب بغراس «13» ، ونائب الشّغر

وبكاس «1» ، ونائب الدّربساك، ونائب سرفندكار «2» ، ومن في معناهم. وقد تقدّم في الكلام على المكاتبات نقلا عن «التثقيف» . أنّ هؤلاء النوّاب تختلف أحوالهم في الارتفاع والانحطاط: فتارة تكون عادة تلك النيابة أمير طبلخاناه، ثم يولّى فيها عشرة وبالعكس. وقد تكون عادتها طبلخاناه فيستقرّ بها مقدّم ألف وبالعكس. والضابط في ذلك أنّ من يكتب له المرسوم: إن كان مقدّم ألف، كتب مرسومه في قطع النصف ب «المجلس العالي» ، وإن كان طبلخاناه، كتب له مرسومه في قطع النصف أيضا ب «الساميّ» بالياء، وإن كان أمير عشرة كتب مرسومه في قطع الثّلث. فأمّا ما يكتب في قطع النّصف، فإنّه يفتتح ب «الحمد لله» سواء كان صاحبه مقدّم ألف أو أمير طبلخاناه. وهذه نسخة مرسوم شريف بنيابة آياس، وهي المعبّر عنها بالفتوحات الجاهانيّة، يستضاء بها في ذلك، وهي: الحمد لله الّذي جعل من أولياء دولتنا الشّريفة كلّ سيف لا تنبو مضاربه، واصطفى لبوادر الفتوحات من أنصارنا من تحمد آراؤه وتجاربه، وألهمنا حسن الاختيار لمن تؤمن في المحافظة مآربه، وتعذب في المخالطة مشاربه، وحقّق آمالنا في مضاعفة الفتح التي أغنى الرّعب فيها عما تدافعه سيوف الإسلام وتحاربه. نحمده حمدا يضاعف لنا في التّأييد تمكينا، ونشكره شكرا يستدعي أن يزيدنا من فضله نصرا عزيزا وفتحا مبينا، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة نخلص فيها يقينا من المخاوف يقينا، ونرد من نهلها معينا، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أيده الله بالملائكة والرّوح، وزوى له

الأرض فرأى مشارقها ومغاربها ونرجو أن يكون ما زواه له مدّخرا لنا من الفتوح، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين هم خير أمّة أخرجت للإسلام، والذين ما زال الإيمان بهم مرفوع الألوية والأعلام، والذين لم يبرح داعي الضّلالة تحت قهر سيوفهم: فإذا أغفى «جرت عليه سيوفها الأحلام» ، صلاة يطيب اللّسان منها فيطرب، ويعرب عن صدق الإخلاص في تكرارها فيغرب، وسلّم تسليما. أمّا بعد، فإنّ أولى من تستند أمور الممالك لعزمته، ويلقى أمر بوادر الفتوحات السّعيدة لهمّته، ويعتمد في تدبير أحوال البلاد والعباد على يمن تصرّفه وممتدّ نهضته- من لم يزل معروفا سداد رأيه، مشكورا في الخدمة الشريفة حسن سعيه، مؤيّدا [في] «1» عزمه، مظفرا في حزمه، مأمون التّأثير، ميمون التدبير، كافيا في المهمات، كافلا بعلوّ الهمّات، إذا همّ ألقى بين عينيه [صادق] «2» عزمه، وإذا اعتمد عليه في مهمّ تلقّاه بهمّته وحزمه، وإذا جرّد كان هو السّيف اسما وفعلا، وإذا دارت رحى الحرب الزّبون «3» فهو الشهم الّذي لا يخاف سهما ولا يرهب نصلا. ولما كان.. «4» هو بدر هذا الأفق، ومقلّد هذا العقد ولا يصلح هذا الطّوق إلا لهذا العنق، وهو الّذي فاق الأولياء اهتماما، وراق العيون تقدّما وإقداما، وأرضى القلوب نصحا ووفاء، وأنضى الهمم احتفالا للمصالح واحتفاء؛ طالما جرّب فحمد عند التجارب، وجرّد فأغنى عن القواضب، واختبر فاختير، ونظر في خصائصه فلم يوجد له نظير- اقتضى حسن الرّأي الشريف أن نقلّده فتوحات أنقذها الله تعالى من شرك الشّرك، وأخرجها إلى النّور بعد ظلام الإفك، وبشّرها أنّ هذه سحابة نصر يأتي وابله إن شاء الله تعالى بعد رذاذه،

وأنّها مقدمة سعد تتلو قوله تعالى: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ «1» فلذلك رسم......- لا زال الفتح في دولته يزهو بانتظام سلكه؛ وأيامه الشريفة تستردّ مغتصب البلاد من يد الكفر إلى بسطة ملكه وقبضة ملكه، وإحسانه يحمي الحصون بسيف يروّع العدا ببأسه وفتكه- أن يفوّض...... اعتمادا على مضائه الّذي لا ينكر مثله للسّيف، وركونا إلى همّته الّتي تسرى برعبها إلى قلوب الأعداء سرى الّطيف. فليباشر النيابة المذكورة: معملا رأيه في تمهيد أحوالها، وتقرير أمورها التي راق الأولياء وراع الأعداء ما كان من مالها، مجتهدا في حفظ ما بها من القلاع والحصون، مبادرا [إلى] «2» كلّ ما يحمي حماها ويصون، قائما حقّ القيام في مصالح تقريرها، وأحوال تحريرها، وأمور تمهّدها، ومنافع تشيّدها، وحواصل تكفيها، وأسباب مصلحة توافيها بمزيد الاهتمام وتوفّيها، وليكن بأحكام الشّرع الشريف مقتديا، وبنور العدل والاحسان مهتديا، وبتقوى الله عزّ وجلّ متمسّكا، وبخشية الله متنسّكا؛ وهو يعلم أنّ هذه الفتوحات [قذى] «3» في حدقة العدوّ المخذول وشجا في حلوقهم، وعلّة في صدورهم وحسرة في قلوبهم. فليكن دأبه الاجتهاد الّذي ليس معه قرار، والتّحرّز الّذي يحلّيها أو يحميها فيكون عليها بمنزلة سور أو سوار، ويصفّحها من عزمه بالصّفاح، ويجعل عليها من شرفات حزمه ما يكون أحدّ من أسنّة الرّماح، ثم لا يزال احتياطه محيطا بها من كلّ جانب، وتيقّظه لأحوالها بمنزلة عين مراقب، واحتفاله الاحتفال الّذي بمثله يصان رداؤها من كلّ جاذب؛ ثم لا تزال قصّاده وكشّافه وطلائعه لا يقرّ بهم السّرى، ولا يعرفون طعم الكرى، يطّلعون من أخبار العدا

على حقائقها، وتتحيّل كلّ فرقة منهم على معرفة الأحوال بينهم بمكر من تعدّد طرقها واتساع طرائقها، لتكون المتجدّدات عنده بمنزلة ما يراه في مرآة نظره، وسرّ أمور العدا لديه قبل أن يشيع بينهم ذكر خبره؛ والوصايا كثيرة وهو بحمد الله لا يحتاج مع معرفته إلى تبصرة، ولا يفتقر مع حسن بصيرته إلى تذكرة، والله تعالى يتولّاه، ويعينه على ما ولّاه؛ بعد الخط الشريف أعلاه. وأما من يكتب له في قطع الثلث ب «مجلس الأمير» وهم العشرات [فقد ذكر في «التعريف» : أنّه يكتب لهم من الأبواب السلطانية على ذلك. قلت: وقد تقدّم في الطبقة السابعة أنّ الكختا، وكركر، والدّربساك، قد تكون عشرة أيضا. وفي معنى ذلك نيابة عين تاب، والراوندان، والقصير، والشغر وبكاس، إذا كانت عشرة. ونيابة دبركي إذا كانت عشرة] «1» فيفتتح فيها ب «أما بعد حمد الله» على عادة ما يكتب للعشرات. وهذه نسخة مرسوم شريف من هذه الرتبة، كتب به لنائب حجر شغلان من معاملة حلب، وهي: أما بعد حمد الله الّذي شيّد المعاقل الإسلامية بأكفائها، وصان الحصون المحروسة بمن شكرت همّته في إعادتها وإبدائها، وحمى سرحها بمن أيقظ في الخدمة الشّريفة عيون عزمه فما ألمت بعد إيقاظه بإغفائها، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الّذي انتضى سيوف التّأييد فأعزّت الهدى وأذلّت العدا حين انتضائها، وعلى آله وصحبه ما بدت النجوم في ظلمائها، وسرت الغيوم في فضائها- فإنّ من شكرت هممه، وثبتت في الطاعة الشريفة قدمه، وأشبه عزمه في مضائه صارمه، وأضحت ثغور تقديمه باسمة- أولى بأن ترفع هذه الدولة

الشريفة من محلّه، وتنشر عليه [من] «1» تكريمها وارف ظلّه، وترتضيه لقلاع الإسلام وتشييدها، وتجتبيه لصونها وتأييدها، وتجعله قرّة عينها وحلية جيدها، وتمضي كلمته في مصالحها، وتعدق به أسباب مناجحها، فيصبح ولقدره منّا إعلاء وإعلان، ويمسي وله شغل بطاعتنا العالية الشّان، وشغل بالمعقل الّذي يحرز بعزمه ويصان، فلأجل ذلك غدا وله من هذه النيابة على الحقيقة شغلان. وكان [فلان] «2» هو الّذي جادت عليه دولتنا الزاهرة بسحائبها، وأشرقت على حظوظه سعود كواكبها، وأسمت له قدرا، وجعلت له إمرة وأمرا، وصرفته إلى نيابة معقل معدود من قلاع الممالك الإسلامية وحصونها، ومعاقلها الّتي علت محلّا فالجبال الشّمّ من دونها، قد أصبح شاهقا في مبناه، ممنّعا في مغناه، محصّنا برجاله، مصونا من ماضيين: السّيف في مضائه والعزم في احتفاله- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نوقّله رتبة هذه النيابة، وننشر عليه من إحساننا سحابه. فذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال......... أن يستقرّ......... فليحلّ هذه النيابة المباركة مظهرا من عزمه ما تحمد عواقبه، وتعلو مراقبه، وتسمو مراتبه، وتتوضّح سبله ومذاهبه، محصّنا لسرحه، معزّزا موادّ نجحه، مراعيا أحوال رجاله، المعدّين من حماته وأبطاله، حتّى يغدوا يقظين فيما يندبهم إليه ويستنهضهم فيه، مبادرين إلى كل ما يحفظ هذا الحصن ويحميه؛ ومن بهذا المعقل من الرّعية فليرفق بضعفائهم، وليعاملهم بما يستجلب لنا به صالح دعائهم؛ والوصايا كثيرة وملاكها التّقوى، فليتمسّك بها في السّرّ والنّجوى، وليغرسها في كل قول يبديه، وفعل يرتضيه، فإنّ غروسها لا تذوى. والله يوفّقه لصالح القول والعمل، ويصونه من الخطإ والخطل؛ والخطّ

الصنف الثاني (مما هو خارج عن حاضرة حلب - الوظائف الدينية بمعاملتها: من القلاع وغيرها)

الشريف أعلاه، حجة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى، والحمد لله وحده. قلت: وقد تقدّم أنّه لا يكتب عن السلطان مرسوم بنيابة في قطع العادة، لأنّ ذلك لا يكون إلا لجنديّ وهو دون، ومثل ذلك إنّما يكتب عن نوّاب الممالك. الصنف الثاني (ممّا هو خارج عن حاضرة حلب- الوظائف الدّينية بمعاملتها: من القلاع وغيرها) وهي في الغالب إنّما تصدر الكتابة فيها عن نائب حلب أيضا أو قاضيها، إن كان مرجع ذلك إليه. فإن صدر شيء منها عن الأبواب السّلطانية، كان في قطع العادة مفتتحا ب «رسم» . وهذه نسخة توقيع من هذا النّمط ينسج على منواله، كتب به لقاضي قلعة المسلمين، وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال عدله مؤيّدا للحكّام، ورأيه مسدّدا في النّقض والإبرام، وسلطانه يختار للمناصب الدّينية من نطقت بشكره ألسنة الأنام- أن يستقرّ في كذا: لما اشتهر عنه من علم ودين، وظهر من حسن سيرة اقتضت له التّعيين. فليباشر هذه الوظيفة المباركة بالحقّ حاكما، وللرّفق ملازما، وللتّقوى مداوما؛ وهو غنيّ عن الإسهاب في الوصايا، مليّ بسلوك تقوى الله في القضايا؛ والله تعالى يزيده تأييدا، ويضاعف له بموادّ السعادة تجديدا؛ والعلامة الشريفة أعلاه، حجة بمقتضاه. الصنف الثالث (مما هو خارج عن حاضرة حلب- الوظائف الدّيوانية) وهي إنّما تصدر في الغالب أيضا عن نائب حلب. فإن كتب شيء منها عن الأبواب السلطانية، كان في قطع العادة مفتتحا ب «رسم بالأمر» .

وهذه نسخة توقيع من ذلك، يستضاء به فيما يكتب من هذا النوع، كتب بها بنظر جعبر، من معاملة حلب، وهي: رسم بالأمر الشّريف- لا زال منهلّ النّدى، مستهلّ الجدى «1» ، معيدا للإحسان كما بدا- أن يعاد فلان إلى وظيفته: لما ألفت من سيرة له لم تزل تحمد، وسيما خير منه على مثل الشّمس تشهد، ولأمانته الّتي لم تزل تفترّ بها الثّغور، وتخضرّ بها المعاهد: تارة في طوق النّحر وتارة في نحور البحور، وأصالة امتدّ ظلّها الظّليل، وعرف منها في العصر حسن الأصيل، وأينعت أكرم فرع زكا منبته «2» في الأرض المقدّسة وجوار الخليل، ولما أسلف في هذه المباشرة من عمل صالح، وسداد اعتماد لم يخرج عن تحرير تقرير وتقرير مصالح، وكتابة رآها الرّائي ونقلها النّاقل، وكفاية حفّت عيه مثل العروس المجلوّة من عقائل المعاقل. فليباشر هذه العروس فقد أنقدها «3» سالف الخدم وأمهرها، وليثابر سقيا الغروس الّتي أنشأها في هذه الجهة وثمّرها، وليسلك مسلكه الّذي لم يزل مخيّما على رؤوس القنن، ومهوّما به طرف الأمن لليقظة الذي لا يلمّ به الوسن، مخوّلا في وظيفته المبرّات، مستقبلا للمسرّات، مفتخرا بمباشراته الّتي تجري مجاري البحار: تارة الملح الأجاج وتارة العذب الفرات؛ وهو أعرف بما يقدّمه من أمانة بها يتقدّم، وديانة يرجّب «4» بها استكفاؤه ويحكّم؛ وتقوى الله جماعها فليكن بها متمسّكا، وبمشاغلها متنسّكا؛ والله تعالى يجعل عطاءه موفّرا، وعمله متدفّقا ليردّ جعبرا جعفرا «5»

النيابة الثالثة (نيابة طرابلس، ووظائفها التي جرت العادة بالكتابة فيها من الأبواب السلطانية على نوعين)

النيابة الثالثة (نيابة طرابلس، ووظائفها الّتي جرت العادة بالكتابة فيها من الأبواب السّلطانية على نوعين) النوع الأوّل (ما هو بحاضرة طرابلس، وهو على ثلاثة أصناف) الصّنف الأوّل (أرباب السيوف، وهم على طبقتين) الطبقة الأولى (من يكتب له تقليد) وهو نائب السلطنة بها. ومرسومه في قطع الثّلثين، ولقبه «الجناب العالي» مع الدعاء بمضاعفة النعمة. وهذه نسخة تقليد شريف بنيابتها: الحمد لله الّذي جعل لنا التّأييد مددا، والنّصر عتادا لا نفقد مع وجوده من الأولياء أحدا، والعزّ وزرا تصمّ شهبه مسامع العدا: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً «1» ، والفتح ذخرا فحيث ما نشاء مددنا إليه بقوّة الله يدا، وشددنا عليه بمعونته عضدا. نحمده على نعمه الّتي جعلت مراتب دولتنا فلكا تشرق فيه رتب الأولياء إشراق البدور، وثغور ممالكنا أفقا حيثما شامته العدا ضرب بينهم وبينه من سيوف مهابتنا بسور، وفواتح الفتوح النّائية دانية من همم أصفيائنا فإذا يمّموا غرضا طارت إليه سهامهم بأجنحة النّسور، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا

شريك له شهادة يرفع الجهاد علمها، وينصر الإيمان كلمها، ويزجي الإيقان إلى رياض التّأييد ديمها، ويستنطق التوحيد بإعلائها وإعلانها سيف أيّامنا الزاهرة وقلمها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الهادي إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم، ونبيّه المخصوص بالآيات والذّكر الحكيم، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نصروا الله فنصرهم، وأظهروا دينه فأعزّهم وأظهرهم، ويسّروا لأمّته سبل الهدى فهداهم وللسّبيل يسّرهم، صلاة لا يزال اليقين يقيم دعوتها، والتّوحيد يعصم من الانفصام عروتها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من تفترّ الثّغور بإيالته، عن شنب النّصر، وترمي الحصون بكفالته، من شام من العدا برقها بشرر كالقصر، وتقسّم السّواحل بمهابته، من جاور من أهل الكفر بحرها بين الحصد والحصر، وتمنع عزماته شواني «1» العدا أن تدّب عقاربها، أو تركب اللّجج بغير [أمانه] «2» مراكبها، أو ينتقل عن ظهر البحر إلى غير سيوفه أو قيوده محاربها- من لم يزل في نصرة الدّين لامعا كالبرق شهابه، زاخرا كالبحر عبابه، واصبا «3» على الشّرك عذابه، ظاميا إلى موارد الوريد سيفه، ساريا إلى قلوب أهل الكفر قبل جفونهم طيفه، قائمة مقام شرف الحصون أسنّة رماحه، غنّية بروج الثّغور عن تصفيحها بالجلمد بصفا صفاحه، مع خبرة بتقدمة الجيوش تضاعف إقدامها، وتثّبت في مواطن اللّقاء أقدامها، وتسدّد إلى مقاتل أهل الكفر سهامها، وتقرّب عليها في البرّ والبحر منالها وتبعد مراميها على من رامها، ومعدلة للرعايا السّكون في مهاد أمنها، والرّكون إلى ربا إقبالها ووهاد يمنها؛ فسرب الرعايا مصون بعدله، والعدل مكنون بين قوله وفعله. ولما كان فلان هو اللّيث الّذي يحمى به غابه، والنّيّر الّذي يزهى أفق تألّق

فيه شهابه، والهمام الّذي تعدي هممه فرسان الوغى فتعدّ آحادها بالألوف، والشّجاع الّذي إذا استعانت سواعد الشّجعان بسيوفها استعانت بقوّة سواعده السّيوف- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نحلّي به جيد مملكة انتظمت على وشام البحر، وأحاطت بما في ضميره من بلاد العدا إحاطة القلائد بالنّحر. فرسم بالأمر الشريف لا زال......... أن يفوض إليه كيت وكيت: لما أشير إليه من أسباب تعيّنه لهذه الرّتبة المكينة، وتحلّيه بما وصف من المحاسن الّتي تزهى بها عقائل الحصون المصونة. فليل هذه النيابة الجليلة بعزمة تجمّل مواكبها، وهمّة تكمّل مراتبها، ومهابة تحوط ممالكها، وصرامة تؤمّن مسالكها، ومعدلة تعمّر ربوعها ورباعها، ويقظة تصون حصونها وقلاعها، وشجاعة تسري إلى العدا سرايا رعبها، وسطوة تعدي السّيوف فلا تستطيع الكماة الدّنوّ من قربها، وسمعة ترهب مجاوريه حتى يتخيّل البحر [أنه] «1» من أعوانه على حربها. وليؤت تقدمة الجيوش الإسلامية حقّها من تدبير يجمع على الطاعة أمرها وأمراءها، ويرفع في مراتب الخدمة الشّريفة على ما يجب أعيانها وكبراءها، ويرهب بإدامة الاستعداد قلوب أعدائها، ويربط بأيزاكها «2» شوانيّ البحر حتّى تعتدّ الرباط في ذلك من الفروض الّتي يتعبد بأدائها؛ فلا يلوح قلع «3» في البحر للعدا إلا وهو يرهب الوقوع في حبالها، ولا تلحظ عين عدوّ سنا البرّ إلا وهي تتوقّع أن تكحل بنصالها؛ وليقم منار العدل بنشر لوائه، ويعضّد حكم الشّرع الشريف برجوعه إلى أوامره وانتهائه، وليكفّ يد الظّلم [عنها] «4» فلا تمتدّ إليها بنان، وليشفع العدل بالإحسان إلى الرعيّة فإن الله يأمر بالعدل والإحسان؛ وفي

الطبقة الثانية (من يكتب له مرسوم شريف في قطع الثلث ب «المجلس السامي» بغير ياء، وتشتمل على وظائف)

سيرته الّتي جعلته صفوة الاختيار، ونخبة ما أوضحته الحقيقة من الاختبار، ما يغني عن الوصيّة إلا على سبيل الذكرى الّتي تنفع المؤمنين، وترفع قدر الموقنين؛ وملاكها تقوى الله تعالى: فليجعلها أمام اعتماده، وإمام إصداره وإيراده؛ والله تعالى يديم موادّ تأييده وإسعاده، إن شاء الله تعالى. الطبقة الثانية (من يكتب له مرسوم شريف في قطع الثّلث ب «المجلس السّامي» بغير ياء، وتشتمل على وظائف) منها- شدّ الدّواوين بطرابلس. وهذه نسخة توقيع بها: الحمد لله مجدّد الرّتب لمن نهض فيها إخلاصه بما يجب، ومولي المنن لمن إذا اعتمد عليه من مهمّات الدّولة القاهرة في أمر عرف ما يأتي فيه وما يجتنب، ومؤكّد النّعم لمن إذا ارتيدت الأكفاء في الخدمة الشّريفة كان خيرة من يختار ونخبة من ينتخب. نحمده على نعمه الّتي سرت إلى الأولياء عوارفها، واشتمل على الأصفياء وافر ظلالها ووارفها، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تزلف لديه، وتكون لقائلها ذخيرة يوم العرض عليه، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أشرف مبعوث إلى الأمم، وأكرم منعوت بالفضل والكرم، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ولّوا أمر الأمّة فعدلوا، وسلكوا سنن سنّته فما مالوا عنها ولا عدلوا، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى ما اختير له من الأولياء كلّ ذي همّة عليه، وعزمة بمصالح ما يعدق به من مهمّات الدّولة القاهرة مليّة، وخبرة بكلّ ما يراد منها وفيّة، ويقظة تلحظ في كلّ ما قرب ونأى من المصالح الأمور الباطنة والأحوال الخفيّة، وصرامة تؤيس من استلانة جانبه، ونزاهة تؤمّن من إمالة رأيه في كلّ أمر عن سلوك واجبه، ومعرفة مطّلعة، ونهضة بكلّ ما إن حمّله من أعباء المهمّات

الشّريفة مضطلعة- أمر الأموال الديوانية: فإنّها معادن الأرزاق، وموادّ مصالح الإسلام على الإطلاق، وخزائن الدّولة الّتي لو ملكتها الغمائم لأمسكت خشية الإنفاق، وذخائر الثّغور الّتي مواقعها من أعداء الدّين مواقع الشّجا في القلوب والقذى في الأحداق. ولما كان المجلس السامي هو الّذي سمت به هممه، ورسخت في خدم الدّولة القاهرة قدمه، وتبارى في مصالح ما يعدق به من المهمّات الشّريفة سيفه وقلمه، وكانت المملكة الطّرابلسية من أشهر ممالكنا سمعة، وأيمنها بقعة، وأعمرها بلادا، وأخصبها ربا ووهادا، وأكثرها حصونا شواهق، وقلاعا سوامي سوامق، وثغورا لا تشيم ما افترّ من ثغورها البروق الخوافق، ولها الخواصّ الكثيرة، والجهات الغزيرة، والأموال الوافرة، والغلّات المتكاثفة المتكاثرة- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نرتاد لها من يسدّ خلل عطلها، ويشدّ عضد ميدها وميلها، وينهض من مصالحها بما يراد من مثله، ويعيد لها بحسن المباشرة بهجة من فقدته «1» من الأكفاء من قبله. فلذلك رسم......... أن يفوّض إليه شدّ الدواوين المعمورة بالمملكة الطّرابلسيّة والحصون المحروسة، على عادة من تقدّمه في ذلك. فليباشر ذلك بمعرفة تستخرج الأموال من معادنها، وتستثير كوامن المصالح من مكامنها، وتثمّر أموال كلّ معاملة بحسن الاطلاع عليها، وصرف وجه الاعتناء إليها، وتفقّد أحوال مباشريها، ومباشرة ما يتجدّد من وجوه الأموال فيها، وضبط ارتفاعها بعمل تقديره، وحفظ متحصّل ضياعها من ضياعه وصون بذارها عن تبذيره، وليجتهد في عمارة البلاد بالرّفق الّذي ما كان في شيء إلا زانه، والعدل الّذي ما اتّصف به ملك إلا صانه، والعفّة الّتي ما كانت في امريء إلّا وفقه الله تعالى في مقاصده وأعانه، وليقدّم تقوى الله بين يديه،

الصنف الثاني (من الوظائف بطرابلس التي يكتب لأربابها من الأبواب السلطانية - الوظائف الدينية، وهي على مرتبتين)

ويعتمد على توفيقه فيما اعتمد فيه عليه، إن شاء الله تعالى. قلت: وعلى ذلك يكتب شدّ مراكز البريد ونحوها. الصنف الثاني (من الوظائف بطرابلس الّتي يكتب لأربابها من الأبواب السلطانية- الوظائف الدّينيّة، وهي على مرتبتين) المرتبة الأولى (من يكتب له في قطع الثلث ب «المجلس الساميّ» بالياء، وتشتمل على وظائف) منها: القضاء. وبها أربعة قضاة من المذاهب الأربعة: من كلّ مذهب قاض. وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة الشّافعيّة بها، ينسج على منواله، وهي: الحمد لله الّذي أعزّ الدّين بعلمائه، وعضّد الحكم بالمتّقين من أوليائه، وأوضح الرّشد للمقتدين بمن جعلهم في الهداية كنجوم سمائه، وجعل لكلّ من الأئمّة من مطالع الظهور أفقا يهتدى فيه بأنواره ويقتدى بأنوائه. نحمده على أن جعل سهم اجتهادنا في الارتياد للأحكام مصيبا، وقسم لكلّ من أفقي ممالكنا من بركة علماء قسيمه الآخر نصيبا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تعصم من الهوى في الحكم لعباده، وتفصم العرا ممن جاهر فيها بعناده، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أضاءت أنوار ملّته، فاستشفّ العلماء لوامعها، ووضحت آثار سنّته، فأحرز أئمّة الأمّة جوامعها، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين دعوا إلى الله فأجابوا، ودعوا إلى الحكم بسنّته فأصابوا، صلاة لا تزال الألسن تقيمها، والإخلاص يديمها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى ما أدّى فيه الاجتهاد جهده، وبلغ فيه الارتياد حدّه؛

واستضيء فيه بنور التّوفيق، واستصحب فيه من استخارة الله خير رفيق- أمر الحكم العزيز وتفويضه إلى من وسّع الله تعالى مجال علمه، وسدّد مناط حكمه، وطهّر مرام قلبه، ونوّر بصره في الحكم وبصيرته فأصبح فيهما على بيّنة من ربّه، فأجرى الحق في البحث والفتيا على لسانه ويمينه، ونزّهه عن إرادة العلم لغير وجهه الكريم، ونبّهه على ابتغاء ما عند الله بذلك والله عنده أجر عظيم. ولما خلا منصب قضاء القضاة بطرابلس المحروسة على مذهب الإمام الشافعيّ رضي الله عنه: وهو المنصب الّذي يضيء بالأئمة الأعلام أفقه، وتلتقي بالفضلاء الكرام طرقه، وتحتوي على أرباب الفنون المتعدّدة مجالسه، وتزكو بالفوائد المختلفة مغارسه، وكان فلان هو الّذي أشير إلى خصائص فضله، ونبّه على أنّ الاجتهاد للأمّة أفضى إلى إسناد الحكم منه إلى أهله، وأنّه واحد زمانه، وعلّامة أوانه، وجامع الفضائل على اختلافها، وقامع البدع على افتراق شبهها منه وأتلافها، وحاوي الفروع الّتي لا تتناهى، والمربي على ربّ كلّ فضيلة لا يعرف غيرها ولا يألف سواها- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نجزم من ارتياده لهذه الرتبة بهذا الرّأي [السديد] «1» ، وأن نقرّب سراه إلى هذا المنصب الذي ناداه بلسان الرّغبة من مكان بعيد. فلذلك رسم بالأمر الشّريف- لا زال إحسانه كالبدر، يملأ المشارق والمغارب، وبرّه كالبحر، يقذف للقريب الجواهر ويبعث للبعيد السّحائب- أن يفوّض إليه كذا. فليطلع بذلك الأفق الّذي يترقّب طلوعه رقبة أهلّة المواسم، ويسرع إلى تلك الرّتبة الّتي تكاد تستطلع أنباءه من الرياح النّواسم، وينشر بها فرائده الّتي هي أحقّ أن تطوى إليها المراحل «2» ، ويقدم بها على الأسماع الظّامية لعذب

فوائده قدوم الغمام على الرّوض الماحل، ويل هذا المنصب الّذي هو فيه بين عدل ينشره، وحقّ يظهره، وباطل يزهقه، وغالب يرهقه، ومظلوم ينصره. وليكن أمر أموال الأيتام المهمّ المقدّم لديه، وحديث أوقاف البرّ من أوّل وأولى ما يصرف فكره الجميل إليه، ويتعاهد كشف ذلك بنفسه، ولا يكتفي في علمه فعل اليوم باطّلاعه [على أمره] «1» في أمسه؛ وهو يعلم أنّ الله يجعله بذلك مشاركا للواقفين في الأجر المختصّ بهم والشّكر المنسوب إليهم، خارجا من العهدة في أمر اليتامى باستعمال الذين يخشون لو تركوا من خلفهم ذرّيّة ضعافا خافوا عليهم؛ وليقم منار الحق على ما يجب وإن سرّ قوما وساء قوما، ويقم بالعدل على ما شرع: فإنّ «عدل يوم خير للأرض من أن تمطر أربعين يوما» . وأمّا ما عدا ذلك من أحوال الحكم وعوائده، وآداب القضاء وقواعده، فكلّ ذلك من خصائصه يستفاد، ومن معارفه يستزاد؛ وملاك ذلك كلّه تقوى الله وهي من أطهر حلاه الحسنة، وأشرف صفاته الّتي تتداولها الألسنة؛ فليجعلها وسيلة تسديده في القول والعمل، وذخيرة آخرته التي ليس له في غيرها أمل، ويقلد العلى فيما حدّثته من أسباب نقلته فإن كمال العزّ في النقل؛ والله تعالى يمدّه بموادّ تأييده وقد فعل، ويجعله من أوليائه المتّقين وقد جعل، بمنّه وكرمه، إن شاء الله تعالى. قلت: وعلى ذلك تكتب تواقيع القضاة الثلاثة الباقين. ومنها: وكالة بيت المال. وهذه نسخة توقيع من ذلك، وهي: الحمد لله الّذي عمر بيت مال المسلمين بسداد وكيله، ونموّ تحصيله

ومزيد تمويله، وتمسّكه بالصّدق من قيله، وسلوكه ما تبيّن [من] «1» سبيله، واعتماده الحق في دليله؛ ودفعه المضارّ وجلبه المسارّ بتخويله. نحمده على برّه وتفضيله، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له إله تنزّه عن ندّه ومثيله، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي بعثه الله لتمام هذا الدّين وتكميله، وأنزل عليه المعجزات في تنزيله، وحفظ به الذّكر الحكيم من تبديله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وقبيله، وسلّم تسليما. وبعد، فإن بيت المال المعمور هو نظام الإسلام، وذخر الأنام، وفيه محصول المسلمين تحت نظر الإمام، وفيه مادّة المجاهدين في سبيل الله على تطاول الأيّام، وإليه تجبى القناطير المقنطرة من الأموال، وعنه تصدر المبيعات من الأملاك ما بين أراض وأبنية ومحال. والوكيل على ذلك عنّا بالمملكة الطّرابلسيّة المحروسة هو الذّابّ عن حوزته، القائم بتأمين روعته، المجتهد في تمييز رجعته؛ وينبغي أن يكون من العلماء الأعلام الأئمّة، المعوّل عليهم في الأمور المهمّة، البصير بما يترجح به جانب بيت المال المعمور ويكشف كلّ غمّه، العريق في السّيادة الّتي انقادت إليها السجايا الجميلة بالأزمّة. ولما كان فلان هو الرّاقي هضبة [هذه] «2» المآثر، الطّالع كوكب مجده السّافر، المستحقّ لكلّ ارتقاء على المنابر، ويعدّ سلفا كريما نصيرا في المفاخر، ويمّتّ ببيت بحره زاخر؛ وله في مذهب الإمام الشافعيّ رضي الله عنه بحث فاق به الأشباه والنظائر، وعنده علم بالمسائل المضروب مثلها السّائر- فلذلك رسم............ فليباشر هذه الوظيفة محترزا في كلّ ما يأتيه ويذره، ويقصده ويحرّره، ويورده ويصدره، ويبيّنه ويقدّره، ويخفيه ويظهره، ويبديه ويستره، ويدنيه ويحضره، ويقرّر جانب بيت المال المعمور، بما فيه الحظّ الموفور، والغبطة في

المرتبة الثانية (من تواقيع أرباب الوظائف الدينية بطرابلس - من يكتب له في قطع العادة، مفتتحا ب «- رسم» )

كلّ الأمور؛ وهو عالم بما فيه صلاح الجمهور؛ ومن رغب في ابتياع أراض وقراح «1» ، وأبنية وأملاك ورحاب فساح؛ مما هو جار في ملك بيت المال فليوفّر جانب القيمة على ما فيه الصّلاح، وهو بحمد الله من بيت الدّين والصّلاح والإصلاح، وهو يقوي بإسناده الأحاديث الصّحاح؛ ومن له حقّ في بيت المال فليسمع دعوى مدّعيه، ولا يصرف درهما ولا شيئا إلا بحقّ واضح فيما يثبته فيه، وهو وكيل مأمون في تأتّيه، ومعنى الوكيل الّذي يوكل إليه الأمر الذي يليه. والوصايا كثيرة وأجلّها تقوى الله بالسّمع والبصر واللسان؛ فمن تمسّك بها من إنسان فإنّه يفوز بالإحسان؛ وهو غنيّ عن الوصايا بما فيه من البيان؛ والله يجعله في كلاءة الرّحمن، بمنّه وكرمه!. والخطّ الشريف أعلاه......، إن شاء الله تعالى. قلت: وقد يكتب لوكالة بيت المال ونحوها بالافتتاح ب «أمّا بعد» على قاعدة أصل الكتابة في قطع الثلث. والكاتب في ذلك على ما يراه بحسب ما يقتضيه الحال. المرتبة الثانية (من تواقيع أرباب الوظائف الدينية بطرابلس- من يكتب له في قطع العادة، مفتتحا ب «- رسم» ) وهذه نسخة توقيع من هذه الرتبة بوظيفة قراءة الحديث النّبويّ، على قائله أفضل الصلاة والسلام، لمن اسمه «يحيى» يستضاء به في ذلك، وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال رميم الفضل بأرواح عنايته يحيا، وأحاديث مننه الحسان تعيها أذن واعية من طيب السّماع لا تعيا، ولا برحت أولياء خدمه تثني على صدقاته بألسنة الأقلام، وتدير «2» على الأسماع من رحيقها كؤوسا

الصنف الثالث (من الوظائف بطرابلس التي يكتب لأربابها من الأبواب السلطانية - الوظائف الديوانية، وهي على مرتبتين)

مسكيّة الختام- أن يستقرّ في كذا استقرارا ترشف الأسماع، كؤوس روايتها فلا تروى، ورتب كماله يقصر عن طلوعها كلّ باع، فمناواته لا تنوى، وربوع معروفه لا تبيد، وآيات صلاته ينطق بتلاوتها كلّ بليغ فيبديء ويعيد، لأنّه العالم الذي أحيا من مدارس العلوم ما درس، والفاضل الّذي أضاء ببصر علومه ليل الجهل ولا غرو: «فطرّة الصّبح تمحي آية الغلس» ، والكامل الّذي لا يشوب كماله نقيصة، والأمثل الّذي أتته المعالي رخيصة، والإمام الّذي تأتمّ وراءه الأفاضل، وتأخّر عصره ففاق الأوائل؛ ما درّس إلا وجمع من فوائد «أبي حنيفة» و «ابن إدريس» ، ولا عرّس بليل الطّلب إلّا حمد عند إدراك طلبه ذلك التّعريس، ولا أعاد الدّروس للطّلبة إلا وترشّحت منه بالفوائد، ولا جمع ما فصّله العلماء إلا وأتى بالجمع الّذي لا نظير له في الفرائد. فليباشر هذه الوظيفة مباشرة أنوار هداها لا تخمد، وليلازمها ملازمة تشكره عليها الألسنة وتحمد؛ وأنت- أدام الله تعالى فوائدك- لا تحتاج إلى الوصايا إذ أنت بها عالم، وبأسبابها متمسّك وبالقيام بها يقظ غير نائم؛ لكن التقوى [أولى] «1» بمن عرف الأمور، ولباس سوابغها يبعد كلّ محذور؛ والاعتماد على الخطّ الشريف أعلاه. الصنف الثالث (من الوظائف بطرابلس الّتي يكتب لأربابها من الأبواب السلطانية- الوظائف الدّيوانية، وهي على مرتبتين) المرتبة الأولى (ما يكتب في قطع الثلث ب «المجلس الساميّ» بالياء، وتشتمل على وظائف) منها: كتابة السّرّ، ويعبّر عنه في ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية

ب «- صاحب ديوان المكاتبات» «1» وهذه نسخة توقيع من ذلك، وهي: الحمد لله الّذي جعل الأسرار عند الأحرار، وطوى الصّحف على حسنات الأبرار، وأجرى الأقلام ترجمانا للأفكار، وجعل الحفظة يكتبون الأعمال مع تطاول الأعمار، آناء اللّيل وأطراف النّهار، وبسط المعاني أرواحا، والألفاظ لها أشباحا، مع التّكرار، وأبهج الصدور بصدور الكتب والإيراد والإصدار. نحمده على فضله المدرار، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة إقرار، وعمل بالجوارح بلا إنكار، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفى من مضر بن نزار، المخصوص بالمهاجرين والأنصار، الثّاوي بأشرف بقعة تزار، المشرّف كتّاب الوحي: فهم يكتبون بما يمليه عليهم المختار، وجبريل يلقي على قلبه الآيات والأذكار، عن ربّ العزة المسبل الأستار، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه ما نفح روض معطار، وسحّ صوب أمطار، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ ملاك الملك الشّريف حفظ سرّه، والاحتفال بكتبه الشّريفة ولفظها ودرّه، وخطابها ونثره، وخطها ونشره، وختمها وعطره، وتجهيزها مع

الأمناء الثّقات الذين تؤمن غائلة أحدهم في كلّ أمره؛ وما ألقي السّرّ الشريف إلّا لأكمل الأعيان، وصدر الزّمان، وبليغ كسحبان، وفصيح كقسّ في هذا الزمان، وأصيل في الأنساب، وعريق في كرم الأحساب، وفاضل يعنو له فاضل بيسان «1» ، وينشي لفظه الدّر والمرجان، وكاتب السّرّ فلا يفوه بلسان. ولمّا كان فلان هو واسطة عقد الأفاضل، ورأس الرّؤساء الأماثل، وحافظ السّرّ في السّويداء من قلبه، وناظم الدّرّ في سطور كتبه، والمورد على مسامعنا الشريفة من عبارته ألفاظا عذابا، القائل صوابا، والمجيد خطابا، وإذا جهّز مهمّا شريفا راعاه بعينه عودا وذهابا، وإذا استعطف القلوب النافرة عادت الأعداء أحبابا، وإذا أرعد وأبرق على مأزق أغنى عن الجيوش وأبدى عجبا عجابا، وإذا كتب أنبت في القرطاس رياضا خصابا. فلذلك رسم بالأمر الشّريف أن يفوّض إليه كذا. فليحلّ هذا المنصب الشّريف حلول القمر هالته، وليعد إليه أيّام سرّه وسروره الفائتة، وليعرب عن أصول ثابتة، وفروع في منابت الخير نابتة، ولينفّذ المهمات الشّريفة أوّلا فأوّلا من غير أن يعدق مهمّا بغيره أو يبيّته إلى غده، وليحرّر البريد المنصور بيديه غير معتمد فيه على غير رشده، ولا يغب عن وظيفته طرفة عين بل يكون كالنّجم في رصده لمرتصده، وليوص كتّاب الإنشاء لديه، والمتصرّفين بين يديه، بكتم السّرّ فإن ذلك إليه؛ فإذا أفشى أحد من السّرّ كلمة، فليزجره وليأمره أن يحفظ لسانه وقلمه، وليعط كلّ قضيّة ما تستحقها من تنفيذ كلمة؛ والابتداءات والأجوبة فلتكن ثغورها بألفاظه متشنّبة «2» وعقودها بإملائه منتظمة؛ فأمّا الابتداء فهو على اقتراحه، وأمّا الجواب فهو على ما يقتضيه الكتاب الوارد باصطلاحه؛ ولا يملي إلا إلى ثقاته ونصّاحه؛ والكتب الملوكية فليوفّها مقاصدها، وليراع عوائدها؛

والتّقوى فهي الهامّ [من] «1» أمره، وختام عطره، وتمام بدره؛ والوصايا فهي كثيرة لديه وفي صدره؛ والله تعالى يكمّل به أوقات عصره، بمنّه وكرمه! والخطّ الشّريف أعلاه....... ومنها: نظر المملكة، القائمة بها مقام الوزارة. وهذه نسخة توقيع من ذلك، وهي: الحمد لله مفيض حلل إنعامنا على من أخلص في طاعتنا الشّريفة قلبه ولسانه، ومولي فضل آلائنا العميمة على من أرهف في مصالحها آلة عزمه وبنانه، ومحلّي رتب عليائنا الشّريفة بمن أشرق في سماء المعالي بدره وإنسانه، وأينعت في غصون الأمان قطوفه وأفنانه. نحمده حمدا يبلغ [به] «2» أقصى غاية المجد من تبتسم بجميل نظره الثّغور، وتعتصم بحميد خبره وخبرته الأمور، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تشرق بها البدور، ويعتمد عليها في الأيّام والدّهور، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الهادي إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم، والنّاشر لواء العدل بسننه الواضح وشرعه القويم، وعلى آله وصحبه الذين اهتدى بهديهم ذوو البصائر والأبصار، وارتدى بأرديتهم المعلمة مقتفي الآثار من النّظار، وسلّم تسليما. وبعد، فإنّ أولى من أسندنا إلى نظره الجميل رتبة عزّ ما زالت بنو الآمال عليها تحوم، وعدقنا بتدبيره الجميل منصب سيادة ما برحت الأمانيّ له تروم، واعتمدنا على هممه العليّة فصدّق الخبر الخبر، وركنّا إلى حميد رأيه فشهد السّمع له وأدّى النّظر. ولما كان فلان هو الّذي رقى في ذروة هذه المعالي، وانتظم به عقد هذه اللّآلي، وحوى بفضيلة البيان واللّسان ما لم تدركه المرهفات والعوالي؛ فما حلّ

ذروة عزّ إلّا حلّاها بنظره الجميل، ولا رقى رتبة سيادة إلا وأسفر في ذروتها وجه صبحه الجميل، ولا عدق بنظره كفالة رتبة إلا وكان لها خير كفيل. فلذلك رسم بالأمر الشّريف- لا زال ينتصي «1» للرّتب العليّة خير منجد ومغير، ويختار للمناصب السّنيّة نعم المولى ونعم النّصير- أن يفوّض إليه كذا فإنّه القويّ الأمين، والمتمسك من تقوى الله تعالى وكفايته بالسّبب المتين، والمستند بجميل كفالته وحميد ديانته إلى حصن حصين، والمستذري بأصالته الطّاهرة وإصابته إلى الجنّة الواقية والحرم الأمين. فليقدّم خيرة الله تعالى ويباشر الجهة المذكورة بعزم لا ينبو، وهمّة لا تخبو، وتدبير يتضاعف على ممرّ الأيّام ويربو، ونظر لا يعزب عن مباشرته مثقال ذرّة إلا وهي من خاطره في قرار مكين، وضبط لا تمتدّ إليه يد ملتمس إلا ويجد من مرهفه ما يكفّ كفّها بالحدّ المتين، وليضاعف همّته، في مصالح هذه الجهة التي عدقناها بنظره السعيد، وليوفّر عزمته، فإنّ الحازم من ألقى السّمع وهو شهيد؛ والوصايا كثيرة ومثله لا يدلّ عليها، والتّنبيهات واضحة وهو- وفقه الله تعالى- أهدى من أن يرشد إليها؛ والله يوفّقه في القول والعمل، ويصلح بجميل تدبيره وحميد تأثيله كلّ خلل؛ والاعتماد على الخطّ الشريف، إن شاء الله تعالى. ومنها- نظر الجيش بها: وهذه نسخة توقيع بها لمن لقبه «شمس الدّين» وهي: الحمد لله الّذي أطلع في سماء المعالي شمسا منيرة، وأينع غروس أولي الصدارة بعهاد سحب عوارفه الغزيرة، وأبدع الاحسان إلى من قدّمه الاختبار والاختيار على بصيرة.

نحمده على نعمه الّتي عم فضلها، ومدّ على أولياء الدولة القاهرة ظلّها، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تزلف لديه، وتسلف ما يجده المتمسّك بها يوم العرض عليه، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أشرف من بعث إلى الأمم كافّة، وأكرم من غدت أملاك النّصر آيته حافّة، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين حازوا بصحبته الشّرف، وفازوا بطاعة الله وطاعته من الجنان بغرف من فوقها غرف. وبعد، فإنّ أولى ما عدق بالأكفاء، وأحقّ ما صرف إليه وجه الاعتناء، وأجدر ما أوقظ له طرف كاف لا يلمّ بالإغفاء- أمر الجيوش المنصورة بطرابلس المحروسة الّتي لا ينهض بأعباء مصالحها إلا من عرف بالسّداد في قلمه وكلمه، وألف منه حسن التصرّف فيما يبديه من نزاهته ويظهره من هممه، بخبرة مؤكّدة، وآراء مسدّدة، ومعرفة أوضاع ترتيبها وأحوالها، وقواعد مقدّميها وأبطالها، وكفاية تفتح رحاب حالها. ولما كان فلان هو الصّدر المليّ بوافي الضّبط ووافر الاهتمام، والكافي الذي نطقت بكفايته ألسنة الخرصان «1» وأفواه الأقلام، والضّابط الّذي لا يعجز فهمه عن إحاطة العلم بذوي الآلام. فلذلك رسم بالأمر الشّريف- لا زال يقدم للمراتب، كافيا مشكورا، ويرشّح للمناصب، صدرا أضحى بالأمانة مشهورا- أن يفوّض إليه كذا: لأنّه الصّدر الّذي تزاحمت ألسنة الثّناء عليه، وترادفت بين أيدينا محامده فقرّرنا العوارف لديه، وشكرت عندنا هممه في سداد كلّ ما يباشره، وذكرت لدينا بالخير سيرته وسرائره. فليباشر هذه الوظيفة الجليلة متحلّيا بين الأنام بعقودها، مطلعا شمس نزاهته في فلك سعودها، ناهضا بأعباء منصبه السعيد، ضابطا قواعده بكلّ

المرتبة الثانية (من مراتب أرباب الوظائف الديوانية بطرابلس - من يكتب له في قطع العادة ب «- مجلس القاضي» )

تحرير تليد، متقنا ديوان الجيوش المنصورة، معملا في ملاحظتها نافذ البصر وحسنى البصيرة، محرّرا أوراق العدّة والعدّة، باذلا في ضبط الحلّى اهتمامه وجهده؛ والله تعالى يسعد جدّه، ويجدّد سعده؛ والخطّ الشريف أعلاه ... ... إن شاء الله تعالى. قلت: وربّما كتب مفتتحا في هذه الرتبة ب «أمّا بعد» فإنها أصل ما يكتب في قطع الثلث. المرتبة الثانية (من مراتب أرباب الوظائف الديوانية بطرابلس- من يكتب له في قطع العادة ب «- مجلس القاضي» ) وهو قليل الوقوع. والغالب في ذلك أن يكتب عن نائب السلطنة بها. وهذه نسخة توقيع من هذه الرتبة بكتابة الدّست بطرابلس، يقاس عليه ما عداه من ذلك، وهي: رسم بالأمر الشّريف- لا زال أمره الشريف، يزيد من يصطفيه شرفا، وبرّه المنيف، يفيد من يجتبيه تحفا، وخيره المطيف، يجيد لمن يختاره جودا، ويسرّ قلب من رفعه إلى صدر الدّست صعودا، فيبوّئه من جنّات العلياء غرفا- أن يستقرّ في كذا: استقرارا تجتنى منه ثمار الخيرات، وتجلى عليه عروس المسرّات، لأنّه الرئيس الّذي تفتخر هذه الوظيفة بانتسابها إليه، وتتجمّل حللها وألويتها إذا نشرت عليه، والفاضل الّذي ألقت إليه البلاغة زمامها، والكامل الذي ملك بيانها ونظامها، والأديب الّذي لا يدرك في الآداب، واللّبيب الّذي يقصر عنه طول عامّة الطّلّاب؛ كم له من كتابة حسنة الاتّساق، وبلاغة حصل على فضلها الاتّفاق، وديانة أطلق فيها لسانه ويده فشكرها الناس على الإطلاق؛ فهو مستند الرآسة، وابن من حاز كلّ فخار وراسه، والعلم المشهور علمه، وصاحب القلم المشكور رقمه؛ فالمناصب بارتفاعه إليها مفتخرة، والمراتب بعلائه مستبشرة، والأسماع بفضائله مشنّفة، والأسجاع بكلمه مشرّفة.

النوع الثاني (من الوظائف بطرابلس - ما هو خارج عن حاضرتها، وهم على ثلاثة أصناف أيضا)

فليباشر هذه الوظيفة، وليسلك فيها طريق نفسه العفيفة، وليدبّج القصص بأقلامه، وليبهج التّواقيع بما يوقّع مبرم فصيح كلامه، وليزيّن الطّروس، بكتابته، ولينعش النّفوس، ببلاغته، وليجمّل من المباشرة ما تصبح منه مطالع شرفه منيرة، وتمسي به عين محبّه قريرة؛ والوصايا فهو خطيب منبرها، ولبيب موردها ومصدرها، والتّقوى فليلازم فيها شعاره، وليداوم بها على ما يبلغ به أوطاره؛ والله تعالى يجعل سعوده كلّ يوم في ازدياد، ويسهل له ما يرفع ذكره بين العباد، بمّنه وكرمه!. والاعتماد في ذلك على الخطّ الشريف أعلاه، إن شاء الله تعالى. النوع الثاني (من الوظائف بطرابلس- ما هو خارج عن حاضرتها، وهم على ثلاثة أصناف أيضا) الصّنف الأوّل (أرباب السيوف) وقد تقدّم أنّه ليس بها مقدّم ألف سوى نائب السّلطنة بها، وحينئذ فالنيابات بمعاملتها على طبقتين: الطبقة الأولى (الطّبلخاناه) ومراسيمهم تكتب في قطع الثلث ب «السّاميّ» بالياء، مفتتحة ب «الحمد لله» . وهذه نسخة مرسوم شريف من ذلك بنيابة قلعة، تصلح لنائب اللّاذقيّة، ينسج على منوالها، وهي: الحمد لله الّذي جعل الحصون الإسلاميّة في أيّامنا الزّاهرة، مصفّحة بالصّفاح، والثّغور المصونة في دولتنا القاهرة، مشرّفة بأسنّة الرّماح، والمعاقل

المحروسة مخصوصة من أوليائنا بمن يعدّ بأسه لها أوقى الجنن وذبّه عنها أقوى السّلاح. نحمده على نعمه الّتي عوارفها عميمة، وطوارفها كالتّالدة للمزيد مستديمة، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تنطق الضمائر قبل الألسنة بإخلاصها، وتشرق القلوب بعموم إحاطتها بها واختصاصها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أشرقت بنور ملّته الظّلم، وارتوت بفور شريعته الأمم، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين امتطوا إلى جهاد أعداء الله وأعدائه غارب الهمم، صلاة سارية كالرّياح هامية كالدّيم، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى ما عقد عليه في صيانة الحصون الخناصر، واعتمد على مثله في كفاية المعاقل إذا لم يكن غير تأييد الله وحدّ السّيف ناصر- من هو في حفظ ما يليه كالصّدور الّتي تصون الأسرار، والكمائم التي تحوط الثّمار، مع اليقظة الّتي تذود الطّيف أن يلمّ بحماة حماه، والفطنة الّتي تصدّ الفكر أن يتخيّل فيه ما اشتمل عليه وحواه، والأمانة الّتي ينوي فيها طاعة الله وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وطاعتنا الشريفة ولكلّ امريء ما نواه. ولما كان فلان هو السيف الّذي تروق تجربته ويروع تجريده، وإذا ورد في الوغى منهل حرب فمشرعه من كلّ كميّ وريده- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نرهف حدّه بحفظ أسنى الحصون عندنا مكانا ومكانة، وأسمى المعاقل رفعة وعزة وصيانة. فرسم بالأمر الشّريف أن تفوّض إليه النيابة بقلعة كذا. فليباشر هذه النّيابة السّامي قدرها، الكامل في أفق الرّتب بدرها، مباشرة تصدّ الأفكار، عن توهّمها، والأبصار، عن توسّمها، والخواطر، عن تخيّل مغناها، والسّرائر، عن تمثّل صورتها ومعناها. وليكن لمصالحها متلمّحا، ولنجوى رجالها متصفّحا، ولأعذار حماتها مزيحا، وللخواطر من أسباب كفايتها مريحا، ولمواطنها عامرا، وبما قلّ وجلّ

الطبقة الثانية (العشرات)

من مصالحها آمرا، ولوظائفها مقيما، وللنّظر في الكبير والصغير من أمورها مديما، ولخدمتها مضاعفا، ولكلّ ما يتعين الاحتفال به من مهمّاتها واقفا، وملاك الوصايا تقوى الله: وهي أوّل ما يقدّمه بين يديه، وأولى ما ينبغي أن يصرف نظره إليه؛ فليجعل ذلك خلق نفسه، ومزيّة يومه على أمسه، والخير يكون، والخط الشريف أعلاه، إن شاء الله تعالى. الطبقة الثانية (العشرات) ومراسيمهم إن كتبت من الأبواب السّلطانية ففي قطع الثلث ب «السامي» بغير ياء، مفتتحة ب «أمّا بعد» إلا أنّ الغالب كتابتها عن نائب السّلطنة. وهذه نسخة مرسوم شريف بنيابة قلعة بلاطنس «1» ، من معاملتها وهي: أمّا بعد حمد الله على نعم توالى رفدها، ووجب شكرها وحمدها، وعذب لذوي الآمال وردها، والصّلاة والسلام على سيدنا محمد الّذي رفع به لقريش مجدها، فعلا جدّها «2» ، وعلى آله وصحبه صلاة لا يحصى عددها ولا يحصر حدّها- فإنّه لمّا كان فلان من قدمت تقادم خدمه، وتعالى به إلى العلياء سامي هممه، وترفّع به حسن ولائه حتّى أعلت الدولة من شأنه ورفعت من علمه، واستكفته لمصون الحصون، وجادت عليه بصوب إحسان روّى الأمانيّ فأضحت نضرة الغصون؛ وكانت قلعة فلانة هي القلعة الّتي شمخت بأنفها على القلاع علوّا، وسامت الجوزاء سموّا، فوجب أن لا يستحفظ عليها وفيها، إلّا من عرف بحسن المحافظة وتوفّيها؛ وكان المشار إليه هو عين هذه الأوصاف، والوارد من حسن الطاعة المورد الصّاف- اقتضى حسن الرأي الشّريف أن ننوّه بذكره، ونرفع من قدره.

الصنف الثاني (مما هو خارج عن حاضرة طرابلس - الوظائف الدينية)

ولذلك رسم......- لا زال...... أن تفوّض إليه النيابة بهذه القلعة المحروسة، وأن تكون بأوانس صفاته مأنوسة. فليكن فيما استحفظ كفوا، وليورد الرّعيّة من حسن السّيرة صفوا، وإذا تعارض حكم الانتقام وكان الذنب دون الحدّ فليقدّم عفوا. وعليه بالعدل، فإنّه زمام الفصل، والقلعة ورجالها، وذخائرها وأموالها، فليمعن النظر في ذلك بكرة وأصيلا، وإجمالا وتفصيلا، وتحصينا وتحصيلا. وعليه بالتّمسّك بالشّريعة المطهّرة، وأحكامها المحرّرة؛ وليردع أهل الفساد، ويقابل من ظهر منه العناد، بما يؤمّن المناهج، ويجدّد المباهج، والوصايا كثيرة، فليكن ممّا ذكر على بصيرة؛ أعانه الله على ما أولاه، ورعاه فيما استرعاه؛ والخطّ الشريف أعلاه، حجّة بمقتضاه، والخير يكون إن شاء الله تعالى. الصنف الثاني (ممّا هو خارج عن حاضرة طرابلس- الوظائف الدّينية) والغالب كتابتها عن نائب السلطنة بطرابلس. فإن كتب شيء منها عن الأبواب السلطانية، كان في قطع العادة «بمجلس القاضي» مفتتحا ب «رسم» . وهذه نسخة توقيع من ذلك بنظر وقف على جامع بمعاملة طرابلس، كتب به لمن لقبه «زين الدّين» وهي: رسم بالأمر الشّريف- لا زال كريم نظره يستنيب عنه بمصالح بيوت الله تعالى من تزداد بنظره شرفا وزينا، ويعيّن لها من الأعيان من تسرّ به خاطرا وتقرّ به عينا، ويمنحها من إذا باراه مبار وجد بينهما بونا وبينا، ويقرّر لها كلّ كاف إذا فاه راء بوصف آرائه الملموحة عيّن صوابها ولا يجد عليها عينا- أن يستقرّ بالنّظر على كذا: استقرارا يرى الوقف بنظره على ربعه طلاوة، ويجد بمباشرته في صحنه حلاوة، ويعرب عن استمراره على حسن الثّناء، ويجد من نيل ريعه أكمل وفاء، لأنّه الناظر الّذي لا يملّ إنسانه، من حسن النّظر، ولا يكلّ لسانه، عن الأمر بالمصالح ولفظه عن إلقاء الدّرر، والشّريف الّذي وجدت مخايل شرفه

الصنف الثالث (مما هو خارج عن حاضرة طرابلس - أرباب الوظائف الديوانية)

من فضل خلاله، والجواد الحائز بجوده قصب السّبق على أمثاله، والكامل الّذي لا توجد في صفاته نقيصة، والفاضل الّذي أتته الفضائل على رغمها رخيصة. فليباشر هذا النّظر مباشرة تكحل ناظره فيها بالوسن، وليقابلها من جميل سلوكه بكل وجه حسن، وليبدأ أوقاف الجامع المذكور بالعمارة، وليقطع بمدية أمانته يد من يشنّ على ماله الغارة، وليأمر أرباب وظائفه باللّزوم، وليخصّ كلّا منهم من فضله بالعموم، وليتّق الله تعالى في القول والعمل، وليجتهد على أن لا يتخلّل مباشرته الخلل؛ والاعتماد على الخطّ الشّريف أعلاه....... الصنف الثالث (مما هو خارج عن حاضرة طرابلس- أرباب الوظائف الدّيوانية) وقل أن يكتب فيها شيء عن الأبواب الشّريفة السّلطانية، وأنّ الغالب كتابة ما يكتب فيها من نائب السّلطنة بطرابلس. فإن اتّفق كتابة شيء من ذلك عن الأبواب السلطانية، مشى الكاتب فيه على نهج ما تقدّم في الوظائف الدّينية: من كتابته في قطع العادة ب «مجلس القاضي» مفتتحا ب «- رسم» لا يختلف الحال منه في ذلك إلّا في الفرق بين التّعلّقات الدّينية والدّيوانيّة. والكاتب الماهر يصرّف قلمه في ذلك وفي كلّ ما يحدث من غيره على وفق ما تقتضيه الحال، وبالله المستعان. النيابة الرابعة (نيابة حماة. ووظائفها الّتي تكتب بها من الأبواب السلطانية، ما بحاضرتها خاصّة؛ وهي على ثلاثة «1» أصناف) الصنف الأوّل (أرباب السيوف) وليس بها منهم إلّا نائب السلطنة خاصّة. ويكتب له تقليد في قطع الثلثين

ب «الجناب العالي» مع الدعاء بمضاعفة النّعمة. وهذه نسخة تقليد بنيابة حماة: الحمد لله ذي التّدبير اللّطيف، والعون المطيف، والحياطة الّتي تستوعب كلّ تصريف وكلّ تكليف. نحمده بمحامد جميلة التّفويف، حسنة التّأليف، مكمّلة التّكييف، بريّة من التّطفيف، حرية بكل شكر منيف، وذكر شريف، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة خلص تحريرها عن كلّ تحريف، وتنزّه مقالها عن تسويد تفنيد أو تسويف، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله صاحب الدّين الحنيف، والمبعوث بالرّحمة والتّخفيف، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة متناوبة تناوب الصّرير والصّريف «1» ، والشّتاء والمصيف، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ من شيم الدّولة وسجاياها، وأحكامها وقضاياها، تقديم الأهمّ فالأهمّ، وتحتيم الاتمّ من الرّأي وتحكيم التّدبير الأعمّ، وفعل كلّ ما يحوط الممالك ويحفظها، ويذكي العيون لملاحظتها ويوقظها: لما أوجبه الله من حقوقها، وحظره من عقوقها؛ ولا يكون ذلك إلا باختيار الأولياء لضبطها، والتّعويل على الأملياء بالقيام بشرطها، والاستناد من الزّعماء إلى من يوفّي من الخرّاجة «2» والعيون وافي قسطها. ولما كانت المملكة الحمويّة جديرة بالالتفات، حقيقة بالحياطة من جميع الجهات، مستدعية من جميل النّظر كلّ ما يحرس ربعها، ويديم نفعها، ويحفّل ضرعها، ويلمّ شعثها ويشعب صدعها، ويسرّ سمعها، ويفعم شرعها، ويعظّم شرعها، ويكتنفها اكتناف السّور والسّوار، والهالة للبدر والأكمام للثّمار؛ وكان فلان هو المتقشّع سحاب هذا الوصف عن بدره المنير، والمتقلّع ضباب هذا التّفويض عن نور شمسه المنعشة قوى كلّ نبت نضير، والّذي بأهليته لرتبة هذا

التفويض ما خاب المستخير، ولا ندم المستشير، والّذي يفرده استحقاقه بهذه الرتبة فلا يقول أحد من كبير ولا صغير امتثالا للمراسيم الشّريفة في حقّه: «منّا أمير ومنكم أمير» - اقتضى جميل الرأي المنيف، أن خرج الأمر الشريف- لا برح يحسن التّعويل، ويهدي إلى سواء السبيل، ويمضي مضاء القضاء المنزّل والسيف الصّقيل- أن تفوّض إليه نيابة السلطنة المعظمة في مملكة كذا وكذا. فليقدّم خيرة الله قائلا وفاعلا، ومقيما وراحلا، وموجّها ومواجها ومسجّلا وساجلا، وعالما وعاملا، ومعتمدا على الله في أمره كلّه. وليكن من هذه المعرفة قريبا، وعلى كلّ شيء حتّى على نفسه رقيبا؛ وإذا اتّقى الله كفاه الله الناس، وإن اتقى الناس لم يغنوا عنه من الله شيئا فليقس على هذا القياس، ويقتبس هذا الاقتباس. وأما الوصايا فالعساكر المنصورة هم مخلب الظّفر وظفره، وبهم يكشف من كل عدوّ سرّه، ويخلّى وطنه ووكره، ويضرب زيده وعمره، ويبدّد جمعه، ويساء صنعه، ويعمى بصره ويصمّ سمعه، وهم أسوار تجاه الأسوار، وأمواج تندفع وتندفق أعظم من اندفاق البحار، وما منهم إلا من هو عندنا لمن المصطفين الأخيار؛ فأحسن استجلاب خواطرهم، واستخلاب بواطنهم وسرائرهم، واستحلاب الشائع «1» من طاعاتهم في مواردهم ومصادرهم؛ وكن عليهم شفوقا، وبهم في غير الطاعة والاستعباد رفوقا، وأوجب لهم بالجهاد والاجتهاد حقوقا، واصرف لهم حملا لأعباء المهمّات والملمّات مطيقا، واستشر منهم ذوي الرأي المصيب، ومن أحسن التّجريب، ومن تتحقّق منه النّصح من الكهول والشيب، ممن كلل بغيرة منه ما شبّ فإنّ المرء كثير بأخيه، وإذا اجتمعت غصون في يد أيّد عست «2» على قصفه وقصف كلّ واحدة فواحدة لا يعييه.

والجهاد «1» فهو ملاك كلّ استحواء واستحواذ، وبه تتميز أفعال الكفّار بالنّفاد وأفعال الدّين الحنيف بالنّفاذ؛ وما جعل الله للمدافعين عن دين الله سواه، ولا مزجي صوب صواب إلا إيّاه؛ وعلى ذلك جعل الله أرزاقهم، وهيّأ لهم به إرفاقهم؛ فليكرمهم بأخذ الأهبة، في الاعتلاء والانصباب في كلّ هضبة، والاستعداد برباط الخيل وكلّ قوّة. ومن الوصايا الّتي ينبغي أنها ترسم في جبهات الفكر [دون توان] «2» أو ركون أن لا يستحقر عدوّا، ولا يستهزيء بقلّته لا رواحا ولا غدوّا، وليكن للاستظهار مستوعبا، ولإعمال المكايد مستوثبا، وللكشف بعد الكشف مستصحبا؛ وغير ذلك من الأمور، التي بها صلاح الجمهور. والشّرع الشريف وتنفيذ أحكامه، وتقوية أيدي حكّامه؛ فهو ميزان الإسلام والسّلامة، وقوام الصّلاح والاستقامة، وأخوه المرتضع من ثدي الحقّ، العدل الذي كم شاق وكثيرا ما على أهل الباطل شقّ، وعمّ القريب والبعيد، والسائق والشهيد، والمريب والمريد، وكلّ ذي ضعف مبيد، وكلّ ذي بأس شديد، وكلّ مستشير ومستزيد، فإنّ ذلك إذا شمل حاط، وتم به الارتياد والارتباط، وهدى إلى أقوم صراط. والحدود فهي حياة النفوس، وبها تزال البؤوس، فأقمها ما لم تدرأ بالشّبهات الشرعية، والأمور المرعيّة. والأموال فهي مجلبة الرّجال، ومخلبة الآمال، وبها يشدّ الأزر، ويقوى الاستظهار [و] «3» الظّهر، فيشدّ من الذين أمرها بهم معدوق، ويقويّ أيديهم بكلّ طريق في كلّ طروق، بحيث لا يؤخذ إلا الحق ولا يترك شيء من الحقوق.

الصنف الثاني (أرباب الوظائف الدينية، وهم على مرتبتين)

والرعية فهم عند والي الأمر ودائع: ينبغي أنّها تكون محفوظة، وبعين الاعتناء ملحوظة؛ فأحسن جوارهم، وأزل نفارهم، واكفف عنهم مضارّهم، ولا تعاملهم إلا بما لا تسأل عنه غدا بين يدي ربّك فإنه يراك حين تقوم، وأعدد جوابا لذلك فكلّ راع مسؤول. وأمّا غير ذلك فلا بدّ أن تطلعك المباشرة على خفايا تغنيك عن المؤامرة، وستتوالى إليك الأجوبة عند المسافرة في المكاتبات الواردة والصّادرة؛ والله يوفقك في كلّ منهج تسلكه وتقتفيه، ويسدّدك فيما من ذلك تنتحيه. قلت: أمّا سائر أرباب الوظائف بها: كشدّ الدواوين، وشدّ مراكز البريد وغيرهما، فقد جرت العادة أنّ النائب يستقلّ بتوليتها. فإن قدّر كتابة شيء من ذلك لأحد بها، كتب لمن يكون طبلخاناه في قطع النصف ب «السامي» بغير ياء، ولمن يكون عشرة في قطع الثلث ب «- مجلس الأمير» كما في غيرها. الصنف الثاني (أرباب الوظائف الدينية، وهم على مرتبتين) المرتبة الأولى- من يكتب له في قطع الثلث ب «الساميّ بالياء» . وهم قضاة القضاة الأربعة. المرتبة الثانية- من يكتب له في قطع العادة : إمّا في المنصوريّ، مفتتحا ب «أما بعد» وإما في الصّغير مفتتحا ب «- رسم» . وعلى ذلك تكتب تواقيع قضاة العسكر بها، ومفتي دار العدل، والمحتسب، ووكيل بيت المال، ووظائف التّداريس والتصادير، ونظر [الأحباس] «1» إن كتب شيء من ذلك عن الأبواب السلطانية، وإلّا فالغالب كتابة ذلك عن النائب بها «2»

النيابة الخامسة (نيابة صفد)

النيابة الخامسة (نيابة صفد) وقد تقدّم في الكلام على المكاتبات أنّها في رتبة نيابة طرابلس وحماة في المكاتبة، وأنّها تذكر بعد حماة في المطلقات. ووظائفها الّتي تولّى من الأبواب السّلطانية على ثلاثة أصناف: الصنف الأوّل (أرباب السيوف، وفيه وظيفتان) الوظيفة الأولى (نيابة السلطنة بها، ويكتب تقليده في قطع الثلثين) وهذه نسخة تقليد بنيابة السّلطنة بصفد، كتب به لسيف الدين «قطلقتمس» «1» السلحدار الناصريّ، في سابع رمضان سنة عشر وسبعمائة، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ، وهي: الحمد لله الّذي صان الثّغور المحروسة من أوليائنا بسيف لا تنبو مضاربه، وخصّ أسنى الممالك المصونة من أصفيائنا بعضب لا يفلّ غربه محاربه، وقدّم على زعامة الجيوش من خواصّنا ليثا يسكن إليه كلّ أسد من أسد ذائلة «2» تغالبه، حافظ نطاق البحر من أبطال دولتنا بكلّ كميّ تصدّ البحر مهابته أن يستقل براكبه أو تستقرّ على ظهره مراكبه، وناشر لواء عدلنا في أقاليمنا بما يغني كلّ قطر أن تتدفّق جداوله أو تستهلّ به سحائبه. نحمده على نعمه الّتي جعلت سيف الجهاد رائد أوامرنا، وقائد جيوشنا إلى مواقف النّصر وعساكرنا، وذائد أعداء الملة عن أطراف ممالكنا الّتي أسبق إليها من رجع النّفس في الدّجى تألّق نجوم ذوابلنا، وفي الضّحى تبلّج غرر

صوارمنا، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة يستظل الإيمان، تحت لوائها، وتعبق الأكوان، بما تنطق به الألسنة من أروائها، ويشرق الوجود بما يبدو على الوجوه من روائها، وتجادل أعداءها في الآفاق لرفع كلمة ملّتها على الملل وإعلائها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله خاتم الأنبياء، وأشرف حملة الأنباء، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه المخصوصين بأسنى مراتب الاجتباء، صلاة دائمة بدوام الأرض والسماء، وسلّم تسليما كثيرا. أمّا بعد، فإنّ أولى من فوّضت إليه زعامة الجيوش بأسنى الممالك، وعدق به من تقدّم العساكر ما يرجف بمهابته هناك أرض العدوّ هنالك، وعقد به للرعايا لواء عدل تجلّى بإشراق ليل الظّلم الحالك، وعوّل عليه من جميل السّيرة فيما تعمر به البلاد وتأمن به الرعايا وتطمئنّ به المسالك- من لم يزل في خدمة الدّولة القاهرة سيفا ترهب العدا حدّه، ويخاف أهل الكفر فتكاته تحقّقا أنّ آجالهم عنده، ويتوقّع على كلّ كميّ من عظماء الشّرك أن رأسه سيكون غمده، مع سياسة تشتمل على الرعايا ظلالها الممتدّة، وسيرة تضع الأشياء مواضعها فلا تضع الحدّة موضع اللّين ولا اللّين موضع الحدّة، وتوفّر على عمارة البلاد يعين على ريّها طلّ الأنواء والوابل، وبراءة تجعل ما يودع فيها بالبركة والنّماء: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ «1» ولمّا كان الجناب العالي هو السّيف الّذي على عاتق الدّولة نجاده، واللّيث الّذي لم يزل في سبيل الله إغارته وإنجاده، والغيث الّذي يخصب بمعدلته البلد الماحل، والأسد الّذي تصدّ ساكني البحر مهابته فيتحقّقون أنّ العطب لا السلامة في الساحل،- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نزيد حدّ عزمه إرهافا، وأن نرهب العدا ببأسه الّذي يردّ آحاد ما تقدّم عليه من الجيوش آلافا، وأن نفوّض إليه من أمور رعايانا ما إذا أسند إليه يوسعهم عدلا وإنصافا.

فلذلك رسم بالأمر الشريف: أن تفوّض إليه نيابة السلطنة الشريفة بصفد المحروسة: تفويضا يعلي قدره، ويمضي في عموم مصالحها وخصوصها نهيه وأمره، ويرهف في حفظ سواحلها وموانيها بيضه وسمره، ويصلي مجاورها من ساكني الماء من بأسه المتوقّد جمره. فليتلقّ هذه النعمة بباع شكره المديد، ويترقّ هذه المرتبة بمزيّة اعتزامه التي ليس عليها فيما يعدق به من مصالح الإسلام مزيد، وينشر بها من عموم معدلته ما لا يخصّ دون قوم قوما، ويعمّر بلادها بالعدل: فإنّ «عدل يوم واحد خير للأرض من أن تمطر أربعين يوما» ، ويبسط فيها من مهابته ما يكفّ أكفّ البغاة أن تمتدّ، ويمنع رخاء «1» أهوية أهلها أن تشتدّ، ويؤمّن المسالك أن تخاف، والرعايا أن يجار عليهم أو يحاف، وليكن من في تقدمته من الجيوش المنصورة مكمّلي العدد والعدد، ظاهري اللأمة «2» التي هي مادّة المجالدة وعون الجلد، مزاحي الأعذار فيما يرسم لهم به من الرّكوب، مزالي العوائق في التّأهّب لما هم بصدده من الوثوب، حافظي مراكزهم حفظ العيون بأهدابها، آخذي أخبار ما يشغل البحر من قطع العدا في حال بعدها كحال اقترابها، بحيث لا يشرف على البرّ من قطع المخذولين إلا أسير أو كسير، أو من إذا رجع بصره إلى السّواحل ينقلب إليه البصر خاسئا وهو حسير؛ وليكن أهل الجبال بمهابته كأهل السّهل «3» في حسن انقيادهم وطاعتهم، ويصدّ عنهم بسطوته مجال الأوهام المتّصلة فلا تنصرف إلى غير مجاوريهم من الأعداء مواقع بأسهم وشجاعتهم؛ وملاك الوصايا تقوى الله: وهي من أخصّ أوصافه، والجمع بين العدل والإحسان وهما من نتائج إنصافه؛ فليجعلهما عمدتي حكمه في القول

الوظيفة الثانية (نيابة قلعة صفد)

والعمل؛ والله تعالى يجعله من أوليائه المتّقين وقد فعل؛ والاعتماد...... إن شاء الله تعالى. الوظيفة الثانية (نيابة قلعة صفد) وهذه نسخة مرسوم شريف بنيابة قلعة صفد المحروسة، من إنشاء المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله، كتب به للأمير سيف الدين «أزاق الناصري» خامس المحرّم سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وهي: الحمد لله الّذي خصّ الحصون برفعة ذراها، وسمعة من فيها من رجال تحمي حماها، وتخطف أبصار السيوف بسناها، وتصيب برميها حتى قوس قزح إذا راماها. نحمده حمدا تبرز به المعاقل في حلاها، وتفخر به عقائل القلاع على سواها، وتشرف به شرفاتها حتّى تجري المجرّة في رباها، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة يطيب جناها، ويطنب في السماء مرتقاها، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي كتب به للأمّة هداها، وكبت عداها، وبوّأها مقاعد للقتال تقصر دونها النجوم في سراها، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة لا ينقطع عنهم قراها، وسلّم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين. وبعد، فإنّ صفد صفت، ووفّت ووفت، وكفّت وكفت، وجاورت البحر فما غمضت عنه لديادبها «1» عيون، ولا خيطت لسيوفها بالكرى جفون، ولا ونت لرماحها عزائم شابت لممها، ولا انتشت من السّهام نبال تفيض ديمها، ولا أطالت مجانيقها السّكوت إلا لتهدر شقاشقها، وتهدّ بها من الجبال شواهقها، وتهول العدا بما تريهم من التّهويل، وترمي به من كفّاتها الحجارة من سجّيل.

وهي القلعة الّتي يضرب المثل بحصانتها، ويطمئنّ [أهل] «1» الإسلام في إيداع أموالهم وأهلهم إلى أمانتها، قد أطلّت على الكواكب نزولا، وجرّدت على منطقة بروجها من البروق نصولا، وأتعبت الرياح لمّا حلّقت إليها، وأخافت الهلال حتّى وقف رقيبا عليها؛ وفيها من جنودنا المؤيّدة من نزيدهم بها مددا، وتطيب قلوبهم إذا خرجوا لجهاد أعداء الله وخلّوا لهم فيها مالا وولدا. وكانت النيابة بهذه القلعة المحروسة قد كادت تنطق بشكواها، وتتظلّم ممّن أساء صحبتها لمّا تولّاها، واقتضت آراؤنا العالية أن نزحزح ظلامه، عن صباحها، ونقوّض خيامه، عما فرش على الفلك الشاهقة من بطاحها؛ وفكّرنا فيمن له بالقلاع المحروسة دربة لا يخفى عليه بها سلوك، ولا يخاف معه على هذه الدّرّة الثمينة في سلوك، ممّن حمد في دولتنا الشريفة مساء صباح، ومن كان في أبوابنا العالية هو الفتّاح، ومن له همّة تناط بالثّريّا مطالبها، وعزمة ما القضاء إلا قواضبها، ومعرفة ما الرّمح المثقّف إلّا تجاربها، وكفاية ما الغرّ الزواهر إذا عدّدت إلّا مناقبها. وكان المجلس الساميّ- أدام الله عزّه- هو المحلّق إلى هذه المرتبة، والمخلّق بالأصيل أرديتها المذهبة، والمحقّق في صفاته الورع، والمنزّه عن تدنيس طباعه بالطّمع، وله في الأمانة اليد المشكورة، وفي الصّيانة ما يمتع به ذيول السّحاب المجرورة، ومن التّقوى ما قرّب عليه المطالب البطيّة، ومن الفروسيّة ما اتخذ كلّ ذروة صهوة وكلّ جبل مطيّة، ومن الاستحقاق ما يسهّل له من صدقاتنا الشريفة صفد: وفي اللّغة أنّ الصّفد هو العطيّة. فرسم بالأمر الشريف- شرّفه الله وعظمه، وأحكمه وحكّمه- أن يرتّب في النيابة بقلعة صفد المحروسة: على عادة من تقدّم وقاعدته في التقرير، وأمّا كيف يكون اعتماده، فسنرشده منه بصبح منير.

فقدّم تقوى الله في سرّك ونجواك، واقصر على القناعة رجواك «1» ، واحفظ هذه القلعة من طوارق اللّيل والنّهار، وأعدّ من قبلك للقتال في قرى محصّنة أو من وراء جدار، واملأ سماءك حرسا شديدا، وشهبا وكثّر رجالها لتباري بهم النّجوم في أمثالها من بروج السماء عديدا، وخذ إلى طاعتنا الشريفة بقلوبهم وهم على ذلك ولكنّا نريد أن نزيدهم توكيدا، وتألّفهم على موالاتنا حتّى لا تجد أنت ولا هم إلى المزيد مزيدا، وتفقّد الذخائر والآلات، وتيقّظ لما تلجيء إليه الضائقة في أوسع الأوقات، وحصّن مبانيها، وحصّل فيها من الذخائر فوق ما يكفيها، ومن السّلاح ما هو أمنع من أسوارها، وأنفع في أوقات الحاجة مما تكنزه الخزائن من درهمها ودينارها: من مجانيق كالعقارب شائلة أذنابها، دافعة في صدر الخطب إذا نابها، ترمي بشرر كالقصر، وتنزل من السماء بآيات النّصر؛ ومن قسيّ: منها ما تدافع بالأرجل مرامي سهامه، ومنها ما تدوّر بالأيدي كأس حمامه، ومنها ما يسكت إذا أطلق حتّى لا يسمع كلام كلامه، ومنها ما يترنّم إذا غنّى بالحمام صوت حمامه؛ و [من] «2» ستائر يستر بها وجهها المصون، ومنائر يشاهد منها أقرب من يكون أبعد ما يكون، ورهجية تجلى بها في كلّ ليلة عروسها الممنّعة، ودرّاجة تحاط بها من جهاتها السّتّ وحدودها الأربعة؛ وأقرّ نوب الحمام الرّسائليّ فبها تسقط علينا وعليك الأخبار، ويطوى المدى البعيد في أوّل ساعة من نهار، وافتح الباب وأغلقه بشمس، واحترز على ما اشتملت عليه من مال ونفس؛ وبقية الوصايا أنت بها أمسّ، والله تعالى يزيل عنك اللّبس؛ والاعتماد......

الصنف الثاني (أرباب الوظائف الديوانية)

الصنف الثاني (أرباب الوظائف الديوانية) والذين يكتب لهم من الأبواب السلطانية صاحب ديوان الرسائل، وناظر المال، وناظر الجيش، ووكيل بيت المال. وما عدا ذلك فإنّه يكتب عن نائبها، وربما كتب عن الأبواب السلطانية. الصنف الثالث ( [أرباب] «1» الوظائف الدينية، وهي على مرتبتين) المرتبة الأولى: ما يكتب في قطع الثلث ب «السّاميّ» بالياء، وهم القضاة الأربعة. المرتبة الثانية: من يكتب له في قطع العادة، وتشتمل على قضاء العسكر، وإفتاء دار العدل، والحسبة، ووكالة بيت المال. الصنف الرابع «2» (أرباب الوظائف الديوانية) والّذي يكتب به من الوظائف الديوانية بها- ثلاث وظائف، يكتب لكلّ منهم في قطع الثلث ب «الساميّ» بالياء؛ وهم: صحابة ديوان المكاتبات، ونظر المال، ونظر الجيش. فإن كتب لأحد غير هؤلاء، كتب له في قطع العادة. النيابة السادسة (نيابة غزّة) وقد تقدّم أنّها تارة تكون نيابة، وتارة تكون تقدمة عسكر «3» ، ومقدّم

الصنف الأول (أرباب السيوف)

العسكر بها يراجع نائب الشّام في أموره. وبكلّ حال فالوظائف الّتي تولّى بها من الأبواب السلطانية على صنفين: الصّنف الأوّل (أرباب السّيوف) وليس بها منهم إلّا نائب السّلطنة إن كانت نيابة، أو مقدّم العسكر إن كانت تقدمة عسكر. فكيفما كان فإنّه يكتب له تقليد في قطع الثلثين ب «الجناب العالي» مع الدعاء بدوام النّعمة. وهذه نسخة تقليد بنيابتها: كتب به للأمير «علم الدّين الجاولي» «1» من إنشاء الشّيخ شهاب الدّين محمود الحلبيّ «2» ، وهو: الحمد لله رافع علم الدّين في أيّامنا الزّاهرة، بإقامة فرض الجهاد وإدامته، وجامع رتب التّقديم في دولتنا القاهرة، لمن تفترّ الثّغور بين ترقرق عدله وتألّق صرامته، وقاطع أطماع المعتدين بمن يتوقّد بأسه في ظلال رفقه توقّد البرق في ظلل غمامته، وقامع أعدائه الكافرين بتفويض تقدمة الجيوش بأوامرنا إلى كلّ وليّ يجتنى النّصر ويجتلى من أفنان عزماته ووجاهة زعامته. نحمده على نعمه الّتي سدّدت ما يصدر من الأوامر عنّا، وقلّدت الرّتب السّنيّة بتقليدها أعزّ الأولياء منّا منّا، ورجّحت مهمّات الثّغور لدينا على ما سواها فلا نعدق أمورها إلا بمن تعقد عليه الخناصر نفاسة به وضنّا، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة لا تزال القلوب بإخلاصها متديّنة، والألسنة

بإعلانها متزيّنة، والأسنّة والأعنّة متباريين في إقامة دعوتها الّتي لا تحتاج أنوارها البيّنة إلى البيّنة، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أشرف مبعوث إلى الأمم، وأكرم منعوت بالفضل والكرم، وأعزّ منصور بالرّعب الّذي أغمدت سيوفه قبل تجريدها في القمم، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نهضوا بجهاد أعداء الله وأعدائه على أثبت قدم، وسروا لفتح ما زوي له من الأرض على جياد العزائم ونجائب الهمم، وبذلوا نفائسهم ونفوسهم للذّبّ عن دينه فلم تستزل أقدامهم حمر النّعم، ولم يثن إقدامهم بيض النّعم، صلاة لا يملّ السامع نداءها، ولا تسأم الألسن إعادتها وإبداءها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّا من حين مكّن الله لنا في أرضه، وأنهضنا بمسنون الجهاد وفرضه، وقلّدنا سيف نصره الّذي انتضاه، وأقامنا لنصرة دينه الّذي ارتضاه، لم يزل مهمّ كلّ ثغر مقدّما لدينا، وحفظ كلّ جانب جاور العدوّ برّا وبحرا متعيّنا على اعتنائنا ومحبّبا إلينا؛ فلا نرهف لإيالة الممالك إلّا من إذا جرّد سيفه أغمده الرّعب في قلوب العدا، ومن إن لم تسلك البحر خيله بثّ في قلوب ساكنيه سرايا مهابة لا ترهب موجا ولا تستبعد مدى، ومن إذا تقدّم على الجيوش أعاد آحادها إلى رتب الألوف، وجعل طلائعهم رسل الحتوف، وأعداهم بأسه فاستقلّوا أعداءهم وإن كثروا، وأغراهم بمعنى النّكاية في كتائب العدا: فكم من قلب بالرّماح قد نظموا وكم من هام بالصّفاح قد نثروا. ولذلك لمّا كان فلان هو الّذي ما زال الدّين يرفع علمه، والإقدام والرّأي يبثّان في مقاتل العدا كلومه وكلمه، والعدل والبأس يتولّيان أحكامه فلا يمضيان إلّا بالحقّ سيفه وقلمه؛ فكم نكّس راية عدوّ كانت مرتفعة، وأباح عزمه وحزمه معاقل شرك كانت ممتنعة، وكم زلزل ثباته قدم كفر فازالها، وهزم إقدامه جيوش باطل ترهب الآساد نزالها؛ فهو العلم الفرد، والبطل الّذي لأوليائه الإقبال والثّبات ولأعدائه العكس والطّرد، والوليّ الّذي لولا احتفالنا بنكاية العدا لم

نسمح بمثله، والهمام الّذي ما عدقنا «1» به أمرا إلا وقع في أحسن مواقعه وأسند إلى أكمل أهله. وكانت البلاد الغزّاويّة والسّاحليّة والجبليّة على ساحل البحر بمنزلة السّور المشرّف بالرّماح، المصفّح بالصّفاح، مروجه الحماة، وقلله الكماة، لا يشيم برقه من ساكني البحر إلا أسير أو كسير، أو من إذا رجع إليه طرفه ينقلب إليه البصر خاسئا وهو حسير، وبها الجيش الّذي كم لسيوفه في رقاب العدا من مواقع، ولسمعته في قلوب أهل الكفر من إغارة تركتها من الأمن بلاقع، وبها الأرض المقدسة، والمواطن الّتي هي على التّقوى مؤسّسة، والمعابد الّتي لا تعدق أمورها إلا بمثله من أهل الدّين والورع، والأعمال الّتي هو أدرى بما يأتي من مصالحها وأدرب بما يدع- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نعدق به نيابة ملكها، ونزيّن بلآليء مفاخره عقود سلكها، وأن نفوّض إليه زعامة أبطالها، وتقدمة عساكرها التي تلقى البحر بأزخر من عبابه والأرض بأثبت من جبالها، وأن نرمي بحرها من مهابته بأهول من أمواجه، وأمرّ في لهوات ساكنيه من أجاحه، لتغدو عقائل آهله، أرقّاء سيفه الأبيض وذابله، ويتبّر العدوّ الأزرق من بني الأصفر، خوف بأسه الأحمر. فلذلك رسم بالأمر الشّريف أن يفوّض إليه كيت وكيت: تفويضا يحقّق في مثله رجاءها، ويزيّن بعدله أرجاءها، ويصون ببأسه قاطنها وظاعنها، ويعمّر ويغمر برفقه وإنصافه مساكنها وساكنها. فليباشر هذه الرّتبة الّتي يكمّل به سعودها، وتجمّل به عقودها، مباشرة يخيف بأسها اللّيوث في أجماتها، ويعين عدلها الغيوث على دفع أزماتها،

ويغدو بها الحقّ مرفوع العلم، مسموع الكلم، ماضي السّيف والقلم، ممدود الظّلّ على من بها من أنواع الأمم، وليأخذ الجيوش الّتي بها من إعداد الأهبة بما يزيل أعذارهم عن الركوب، ويزيح عوائقهم عن الوثوب، ويجعلهم أوّل ملبّ لداعي الجهاد، وأسرع مجيب لنداء ألسنة السّيوف الحداد، وينظّم أيزاكهم «1» على البحر انتظام النّجوم في أفلاكها، والشّذور في أسلاكها، فلا تلوح للأعداء طريدة إلا طردت، ولا قطعة إلا قطعت، ولا غراب إلا حصّت قوادمه «2» ، ولا شامخ عمارة إلا وأتيح له من اللهاذم «3» هادمه، وليعل منار الشّرع الشّريف بإمضاء أحكامه، ومعاضدة حكّامه، والانقياد إلى أوامره، والوقوف مع موارد نهيهه ومصادره، ولتكن وطأته على أهل العناد مشتدّة، معرفته تضع الأشياء مواضعها: فلا تضع الحدّة موضع اللّين ولا اللّين موضع الحدّة، وليعلم أنّه وإن بعد عن أبوابنا العالية مخصوص منّا بمزيّة قربه، مختصّ بمنزلة إخلاصه الّتي أصبح فيها على بيّنة من ربّه؛ وجميع ما يذكر من الوصايا فهو مما يحكى من صفاته الحسنة، وأدواته الّتي ما برحت الأقلام في وصف كمالها فصيحة الألسنة؛ وملاكها تقوى الله وهي في خصائصه كلمة إجماع، وحلية أبصار وأسماع؛ والله تعالى يعلي قدره وقد فعل، ويؤيّده في القول والعمل؛ والاعتماد....... وهذه نسخة تقليد بتقدمة العسكر بغزّة المحروسة: الحمد لله مبديء النّعم ومعيدها، ومؤكّد أسبابها بتجديدها، ومعلي أقدارها بمزايا مزيدها، الذي زيّن أعناق الممالك من السّيوف بتقليدها، وبيّن من ميامنه ما ردّت إليه بمقاليدها.

نحمده بمحامده الّتي تفوت الدّراريّ في تنضيدها، وتفوق الدّرّ فيتمنّى منه عقد فريدها، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة نافعة لشهيدها، جامعة لتوحيدها، ناقعة لأهل الجحود ممّا يورّد الأرض بالدّماء من وريدها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي كاثر الأمم بأمّته في عديدها، وظاهر على أعداء الله بمن يفلّ بأس حديدها، فيرسل من أسنته نجوما رجوما لمريدها، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة نتظافر بتأييدها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ من عوائد دولتنا القاهرة أن تعود بإحسانها، وتجود بثبوت كلّ قدم في مكانها؛ وإذا ولّت عرف سحابها عن جهة عادت إليها، أو سلبت لها رونقا أعادت بهجته عليها؛ وكانت البلاد الغزّاويّة وما معها قد تمتّعت من قدماء ملوك «1» بيتنا الشّريف بسيف مشهور، وبطل تشام بوارق عزمه في الثّغور؛ وهو الذي عمّ بصيّبه بلادها سهلا وجبلا، وعمّر روضها بعدل أغناها أن يسقي طلّ طللا، وجمع أعمالها برّا وبحرا، ومنع جانبيها شاما ومصرا، وألف أهلها منه سيرة لولا ما استأثرنا الله به من سرّه لما أفقدناهم في هذه المدّة حلاوة مذاقها، وسريرة لا نرضى معها بكفّ الثّريّا إذا بسطت لأخذ ميثاقها، ولم نرفع يده إلا لأمر قضى الله به لأجل موقوت، ومضى منه ما يعلم أنه بمرجوعه القريب لا يفوت، لأنّ الشمس تغيب لتطلع بضوء جديد، والسّيف يغمد ثم ينتضى فيقدّ القدّ والجيد، والعيون تسهّد ثم يعاودها الرّقاد، والماء لو لم يفقد في وقت لما وجد لموقعه برد على الأكباد. فلّما بلغ الكتاب أجله، وأخذ حقّه من المسألة، وانتقل من كان قد استقرّ فيها إلى جوار ربّه الكريم، وفارق الدّنيا وهو على طاعتنا مقيم- اقتضت آراؤنا الشريفة أن يراجع هذه العقيلة كفؤها القديم، وترجع هذه الأرض المقدّسة إلى من فارقها وما عهده بذميم. من لم تزل به عقائل المعاقل تصان، وخصور

الحصون بحمائل سيوفه تزان، ومباسم الثّغور تحمى في كلّ ناحية من أسنّته بلسان، وحمى الثّغرين وما بينهما من الفجاج، وجاور البحرين فمنع جانبيهما: فهذا عذب فرات وهذا ملح أجاج، وله في العدا وقائع زلزلت لمواقعها الألوف، ومواقف لولا ما نعقت فيها من غربان البين لطال على الدّيار الوقوف؛ وهو الّذي مدحت له في بيتنا المنصور المنصوريّ من الخدمة سوابق، وحمدت طرائق، وكثرت محاسن، وكبرت ميامن، ولمعت كواكب، وهمعت سحائب، وصدحت حمائم، وفتّحت كمائم، وعزّت جيوشنا المؤيّدة له بمضارب، وهزت سيوفا حدادا وهو بالسّيف ضارب. وكان المجلس العالي- أدام الله تعالى نعمته- هو الّذي حمدت له آثار، وحسنت أخبار، وعمّت مدح، وتمّت منح؛ فرسمنا [بإقراره في] «1» هذا المنصب الشّريف في محلّه، وإعادته إلى صيّب وبله، وإنامة أهلها مطمئنّين في عدله، وإقرار عيون من أدرك زمانه بعوده ومن لم يدرك زمانه بما سيرونه من فضله. فرسم بالأمر الشريف- لا زالت ملابس نعمه، تخلع وتلبس برودها، وعرائس كرمه، تفارق ثم تراجع غيدها- أن تفوّض إليه أمور غزّة المحروسة وأعمالها وبلادها، والتّقدمة على عساكرها وأجنادها، والحكم في جميع ما هو مضاف إليها من سهل ووعر، وبرّ وبحر، وسواحل ومواني، ومجرى خيول وشواني «2» ، ومن فيها من أهل عمد، ورعايا وتجّار وأعيان في بلد، ومن يتعلق فيها بأسباب، ويعدّ في صف كتيبة وكتاب. على عادة من تقدّم في ذلك، وعلى ما كان عليه من المسالك. وسنختصر له الوصايا لأنّه بها بصير، وقد تقدّم لها على مسامعه تكرير،

الصنف الثاني (الوظائف الديوانية بغزة)

ورأس الأمور التّقوى وهو بها جدير، وتأييد الشّرع الشريف فإنّه على هدى وكتاب منير، والاطلاع على الأحوال ولا ينبئك مثل خبير. والعدل فهو العروة الوثقى، والإنصاف حتّى لا يجد مستحقّا، والعفاف فإنّ التّطلع لما في أيدي الناس لا يزيد رزقا، والاتّصاف بالذّكر الجميل هو الذي يبقى، وعرض العسكر المنصور ومن ينضمّ إليه من عربه وتركمانه وأكراده، وكلّ مكبّر في جحافله ومكثّر لسواده؛ وأخذهم بالتأهّب في كلّ حركة وسكون، والتّيقّظ بهم لكلّ سيف مشحوذ وفلك مشحون، والاحتراز من قبل البرّ والبحر، وإقامة كلّ يزك في موضعه كالقلادة في النّحر، ولا يعيّن إقطاعا إلا لمن يقطع باستحقاقه، ويقمع العدا بما يعرف في صفحات الصّفاح من أخلاقه، ولا يخل المباشرين من عناية تمدّ إليهم ساعد المساعدة، فلا يخلّوا في البلاد بعمارة تغدو في حللها مائدة؛ وليحفظ الطّرقات حفظا تكون به ممنوعة، ويمسك المسالك فإنّه في مفرّق طرقاتها المجموعة، وليقدّم مهمّات البريد وما ينطق على جناح الحمام، وليتّخذهما نصب عينيه في اليقظة والمنام؛ فربّ غفلة لا يستدرك فائتها ركض، ورسالة لا يبلّغها إلّا رسول ينزل من السماء وآخر يسيح في الأرض، ويرصد ما ترد به مراسمنا العالية ليسارع إليه ممتثلا، ويطالعنا بما يتجدّد عنده حتّى يكون لدينا ممثّلا؛ وهو يعلم أنّه واقف من بابنا الشريف بالمجاز، وقدّام عينينا حقيقة وإن قيل على طريق المجاز؛ فليؤاخذ نفسه مؤاخذة من هو بين يدينا، ويعمل بما يسرّه أن يقدّم فيما يعرض من أعماله علينا؛ والله تعالى يزيده حظوة لدينا، ويؤيّد به الإسلام حتّى لا يدع على أعداء الله للدّين دينا، والاعتماد....... الصنف الثاني (الوظائف الديوانية بغزّة) وبها ثلاث وظائف: يكتب لكلّ منها في قطع العادة ب «السامي» بغير ياء؛

النيابة السابعة (نيابة الكرك؛ وأرباب الولايات بها من الأبواب السلطانية على أصناف)

وهي: كتابة الدّرج القائمة مقام كتابة السّرّ «1» ، ونظر المال؛ ونظر الجيش. قال في «التثقيف» : أمّا قاضيها ومحتسبها ووكيل بيت المال بها، فإنّهم نوّاب عن أرباب هذه الوظائف بالشّام، فلا يكتب لأحد منهم شيء عن المواقف الشريفة. قلت: وما ذكره بناء على أنّها تقدمه عسكر. أمّا إذا كانت نيابة فإنّ هذه الوظائف يكتب بها عن الأبواب السّلطانية. وقد يكتب حينئذ بوكالة بيت المال والحسبة عن النّائب، ويكون ذلك جميعه في قطع العادة، مفتتحا ب «أمّا بعد» في المنصوريّ «2» ، أو ب «- رسم» في الصّغير، على حسب ما يقتضيه الحال. على أنّه قد حدث بها في الدولة الظاهرية قاض حنفيّ يكتب له من الأبواب السّلطانية. النيابة السابعة (نيابة الكرك؛ وأرباب الولايات بها من الأبواب السلطانية على أصناف) الصنف الأوّل (أرباب السيوف) وليس بها منهم غير نائب السّلطنة، ويكتب له تقليد في قطع الثلثين ب «المجلس العالي» . وهذه نسخة تقليد بنيابة السّلطنة بالكرك، كتب به للأمير «سيف الدين أيتمش» «3» من إنشاء الشيخ شهاب الدّين محمود الحلبيّ، وهو:

الحمد لله الّذي خصّ بعزائمنا معاقل الإسلام وحصونه، وبصّرنا باختيار من نرتّبه في كلّ معقل منها من أمجاد الأمراء ليحفظه ويصونه، وجعلها بعنايتنا روضا تجتلي أبصار الأولياء من بيض صفاحنا نوره وتجتني من سمر رماحنا غصونه، وعوّذها من آيات الحرس بما لا تزال حماتها وكماتها يروون خبره عن سيفنا المنتضى لحفظها ويقصّونه. نحمده على نعمه الّتي أعلت بنا بناء الممالك، وحاطتها من نبل مهابتنا، بما لو تسلّلت بينه الأوهام ضاقت بها المسالك، وصفّحتها من صفاح عنايتنا، بما يحول برقه بينها وبين ما يستر طيف العدا من الظّلام الحالك، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تعصم من أوى إلى حرم إخلاصها، وتنجي غدا من غدا من أهل تقريبها واختصاصها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أضاءت ملّته، فلم تخف على ذي بصر، وعلت شرعته، فغدا باع كلّ ذي باع عن معارضتها ذا قصر، وسمت أمّته، فلو جالدها معاد أوبقه الحصر أو جادلها مناو أوثقه الحصر، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين كانت معاقلهم صهوات جيادهم، وحصونهم عرصات جلادهم، وخيامهم ظلال سيوفهم، وظلالهم أفياء صعادهم، صلاة لا يزال الإخلاص لها مقيما، والإيمان لها مديما، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى الحصون الإسلامية بأن تحوط عنايتنا أركانه، وتتعاهد رعايتنا مكانه، وتلاحظ مهابتنا أحواله فتحلّيها، وتشاهد أوامرنا قواعده فتشيّدها بجميل النّظر وتعليها، وتحول سطواتنا بين آمال الأعداء وتوهّمه، وتحجب مخافة بأسنا أفكار أهل العناد عن تأمّل ما في الضّمير وتوسّمه- حصن انعقد الإجماع على انقطاع قرينه، وامتناع نظيره فيما خصّه الله به من تحصينه؛ فهو فرد الدّهر العزيز مثاله، البعيد مناله، المستكنّة في ضمائر الأودية الغوامض بقعته، المستجنّة بقلل الجبال الشواهق نقعته، السّائر في أقطار الأرض صيته وسمعته.

ولما كانت قلعة الكرك المحروسة هي هذه العقيلة الّتي كم ردّت آمال الملوك راغمة، ومنعت أهواء النّفوس أن تمثّلها في الكرى الأجفان الحالمة، وكان فلان ممّن ينهض مثله بحفظ مثلها، ويعلم أنّ أمانتها الّتي لا تحملها الجبال قد أودعت منه إلى كفئها ووضعت كفايتها في أهلها؛ فهو سيفنا الّذي يحوطها ذبابه، ووليّنا الّذي من طمح بصره إلى أفق حلّه أحرقه شهابه، ونشو أيّامنا الّتي تنشّيء كلّ ليث يقنص الظّفر ظفره وينبو بالسيوف نابه، وغذيّ دولتنا الذي ما اعتمدنا فيه على أمر إلّا كرم به نهوضه وحسن فيه منابه- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نخصّها بمهابة سيفه، ونحصّنها بما فيه من قوّة في الحقّ تكفّ كلّ باغ عن حيفه. فلذلك رسم بالأمر الشّريف- لا زالت الحصون المصونة تختال من ملكه في أبهى الحلل، وتعلو معاقل الكفر بسلطانه علوّ ملّة الإسلام على الملل- أن تفوّض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالكرك المحروس تفويضا يعلي قدره، ويطلع في أفقها بدره، ويطلق في مصالحها سيفه بالحقّ وقلمه، ويمضي في حمايتها أفعاله وكلمه، ويسدّد في أمورها آراءه المقرونة بالصّواب وهممه. فليباشر هذه الرّتبة العليّة صورة ومعنى، المليّة إذا طاولت الكواكب بأن لا يعلم [منها] «1» أسمى وأسنى، وليجتهد في مصالحها اجتهادا يوالي له من شكرنا المنح، ويأتي فيه من مواضينا بالغرض المقترح، ويزيدها إلى حصانتها حصانة وقوّة، ويزينها بسياسته الّتي تغدو قلوب أهل العناد بمخافتها مغزوّة، ولينظر في مصالح رجالها فيكون لحماتهم مقدّما، ولمقدّميهم مكرما، ولأعذارهم مزيحا، ولخواطرهم بتيسير مقرّراتهم مريحا، وليكن لمنار الشّرع الشريف معظّما، ولأحكامه في كل عقد محكّما، ولما قرب وبعد من بلاد نيابته عامرا، ولأكفّ الجور عن الرعية كافّا: فلا يبرح عن الظّلم ناهيا وبالعدل آمرا؛ وملاك الوصايا

تقوى الله فليجعلها حلية نفسه، ونجيّ أنسه، ووظيفة اجتهاده الّتي تظهر بها مزيّة يومه على أمسه؛ والله تعالى يسدّده في أحواله، ويعضّده في أفعاله وأقواله، بمنّه وكرمه!. وهذه نسخة تقليد السّلطنة بالكرك، كتب به للأمير «تلكتمر الناصريّ» عندما كان المقرّ الشّهابيّ أحمد «1» ولد السلطان الملك النّاصر بالكرك، وهو: الحمد لله الّذي جعل بنا الممالك محصّنة الحصون، محميّة بكلّ سيف يقطر من حدّه المنون، ممنّعة لا تتخطّى إليها الظّنون، محجّبة لا تراها من النجوم عيون، رافلة من الكواكب في عقد ثمين، منيعة أشبهت السّماء واشتبهت بها فأصبحت هذه البروج من هذه لا تبين. نحمده على نعمه الّتي رفعت الأقدار، وشرّفت المقدار، وحلّت في ممالكنا الشّريفة كلّ عقيلة ما كان معصمها الممتدّ إلى الهلال ليترك بغير سوار، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة رفعت للحصون العالية رتبا، وملئت بها سماؤها حرسا وشهبا، وأعلت مكانها فاقتبست من البرق نارا ووردت من السّحاب قلبا، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أشرف من بعث ولاة على الأمصار، وكفاة على الأقطار، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه ما صدحت الحمائم، وسفحت الغمائم، وسلّم تسليما كثيرا. أمّا بعد، فإنّ خير من حميت به الممالك، وحمدت- ولله المنّة- منه

المسالك، وارتقت هممه إلى الشّمس والقمر والنّجوم وما أشبه ذلك، من حصل الوثوق به في أشرف مملكة لدينا، وأفضل ما يعرض في دولتنا الشريفة من أعمالها الصالحة علينا: وهي الّتي قعدت من الجبال على مفارقها، واتّصلت من النّجوم بعلائقها، وتحدّرت الغمائم من ذيولها، وطفت على السماء وطافت على الكواكب فجرت المجرّة من سيولها، وكان الكرك المحروس هو المراد، ومدينته التي لم يخلق مثلها في البلاد، وقلعته تتشكّى الرّياح لها طلوع واد ونزول واد؛ وهي أرض تمتّ بأنّها لنا سكن، ونمّت مناقبها بما في قلوبنا من حبّ الوطن، واستقرّت للمقامات العالية أولادنا- أعزّهم الله بنصره- فانتقلت من يمين إلى يسار، وتقابلت بين شموس وأقمار، وجاد بها البحر على الأنهار. فلمّا خلت نيابة السلطنة المعظمة بها عرضنا على آرائنا الشّريفة من تطمئنّ به القلوب، ويحصل المطلوب، وتجري الأمور به على الحسنى فيما ينوب، وتباري عزائمه الرياح بمرمى كل مقلة وهزّة جيد، ولا يشكّ في أنّه كفوّ هذه العقيلة، وكافي هذه الكفالة الّتي ما هي عند الله ولا عندنا قليلة، وكافل هذه المملكة الّتي كم بها بنيّة أحسن من بنيّة وخميلة أحسن من خميلة، من كان من أبوابنا العالية مطلعه، وبين أيدينا الشّريفة لا يجهل موضعه؛ طالما تكمّلت به الصفوف، وتجمّلت به الوقوف، وحسن كلّ موصوف، ولم تخف محاسنه الّتي هو بها معروف؛ كم له شيمة عليّة، وهمّة جليّة، وتقدمات إقدام بكلّ نهاية غاية مليّة، وعزائم لها بنعته مضاء السّيف وباسمه قوّة الحديد وهي بالنسبة إليه ملكيّة؛ وكان المجلس العالي- أدام الله نعمته- هو لابس هذه البرود الّتي رقمت، والعقود الّتي نظمت، وجامع هذه الدّرر الّتي قسمت، والدّراريّ الّتي سمت إلى السماء لما وسمت، وهو من الملائك في الوقار، وله حكم كالماس وبأس يقطع الأحجار، وهو ملك نصفه الآخر من حديد كما أنّ لله ملائكة نصفهم من الثّلج ونصفهم من نار، وهو الّذي اقتضت آراؤنا الشريفة أن نجعله في خدمة ولدنا- أمتعه الله ببقائنا- نائبا بها، وقائما بحسن منابها، والمتصرّف فيها بين أيديه الكريمة، والمتلقّي دونه لأمورها الّتي قلّدنا بها عنقه أمانة عظيمة.

فلذلك خرج الأمر الشريف- لا زال به سيف الدّين ماضيا، ولا برح كلّ واحد بحكم سيفه في كلّ تجريد وقلمه في كلّ تقليد راضيا- أن تفوّض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالكرك المحروس وما معه على عادة من تقدّمه فيها، وقاعدته التي يتكفل لها بالإحسان وبكفّ العدوان ويكفيها؛ وكلّ ما فيها من أمر فهو به منوط، وكلّ عمل لها به محوط، وحكمه في مصالحنا الشريفة في جميع بلادها مبسوط، وله تطالع الأمور، ومنه تصدر المطالعة، وبه تزال كلّ ظلامة، وتزاح كلّ ملامة، ويؤيّد الشرع الشريف ويؤبد حكمه، وينثر علمه وينشر علمه، وتقام الحدود بحدّه، والمهابة بجدّه. ورجال هذه القلعة به تتألّف على طاعتنا الشريفة قلوبهم، والرعايا يعمهم بالعدل والإحسان وأيسر ما عندنا مطلوبهم؛ وهؤلاء هم شيعتنا قبلك، ورعيّتنا الذين هم لنا ولك؛ فرفرف عليهم بجناحك، وخذهم بسماحك؛ والمسارعة إلى امتثال مراسمنا الشريفة هي أوّل ما نوصيك باعتماده، وأولى ما يقبس من نوره ويستمدّ من أمداده؛ فلا تقدّم شيئا على الانتهاء إلى أمره المطاع؛ والعمل في السّمع والطاعة باكر له ما يمكن أن يستطاع؛ وخدمة أولادنا فلا تدع فيها ممكنا، واعلم بأنّ خدمتهم وخدمتنا الشريفة سواء لأنّه لا فرق بينهم وبيننا؛ وهذه القلعة هي الّتي أودعناها في يمين أمانتك، وحميناها بسيفك وصنّاها بصيانتك؛ فالله الله في هذه الوديعة، وأدّ الأمانة فإنّها نعمت الذّريعة، واحفظها بقوّة الله وتحفّظ بأسوارها المنيعة، وعليك بالتّقوى لتّقوى والوقوف عند الشّريعة؛ والله تعالى يزيدك علوّا، ويبلّغك مرجوّا؛ والاعتماد...... قلت: وربّما ولي نيابة الكرك من هو جليل الرتبة رفيع القدر، من أولاد السلطان أو غيرهم، فتعظم النيابة بعظمه، ويرفع قدرها بارتفاع قدره، وتكون مكاتبته وتقليده فوق ما تقدّم، بحسب ما يقتضيه الحال من «الجناب» أو غيره. وهذه نسخة تقليد بنيابة السلطنة بالكرك، كتب بها عن السلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» لولده الملك الناصر «أحمد» قبل سلطنته، وكتب له فيه ب «الجناب العاليّ» من إنشاء الشريف شهاب الدّين، وهي:

الحمد لله الّذي أسعدنا بوراثة الملك والممالك، وأرشدنا للرّأي المصيب في أن نستنيب من نشاء من ذلك، وأيّدنا بالعون والصّون في حفظ ما هنا ولحظ ما هنالك، وعوّدنا الإمداد بيمنه المتداول والإنجاد بمنّه المتدارك، وسدّدنا بالفضل والإسعاف إلى أن نتّبع من العدل والإنصاف أنجح السّبل وأوضح المسالك، وعضّدنا من ذريّتنا بكلّ نجل معرق، ونجم مشرق، يرشق شهابه، في الكرب الحالّ ويأتلق صوابه، في الخطب الحالك، وأفردنا بالنّظر الجميل، والفكر الجليل، إلى أسعد تخويل تنير بمرآته في الآفاق الشّهب الطوالع وتسير ببشراه في الأقطار النّجب الرّواتك «1» نحمده! وكيف لا يحمد العبد المالك!، ونشكره على أن أهّلنا لإقامة الشّعائر وإدامة المناسك، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل في جبروته، عن مشابه وتعالى في ملكوته، عن مشارك، ونشهد أنّ سيّدنا محمدا عبده ورسوله الّذي أنجد جنوده من الملأ الأعلى بالملائك، وأمدّ بعوثه بالنّصر والظّفر في جميع المواقف والمعارك، وأيّد أمّته بولاية ملوك يجلسون في النّعيم على الأرائك، ويحرسون حمى الدّين بجهادهم واجتهادهم من كلّ فاتن وفاتك، صلّى الله عليه وعلى آله سفن النّجاة المؤمّنين من المخاوف والمنقذين من المهالك، ورضي الله عن أصحابه الذين نظموا شمل الإيمان، وهزموا جمع البهتان، بكلّ باتر وفاتك، صلاة ورضوانا يضحي لقائلهما في اليوم العبوس الوجه الطّلق والثّغر الضّاحك، وينشر فيحشر مع النّبيّين والصدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك، ما ابتهل بصالح الدّعاء، وناجح الاستدعاء، لأيّامنا كلّ عابد وناسك، وعوّل حسن آرائنا على تقديم من هو لجميل آثارنا سالك، وأقبل بالإقبال سنا شهابه المنير يجلو ما تثير من ليل نقعها السّنابك، فحصل للكرك والشّوبك بهذا القدوم فخار مسيرك بينهما وبين النجوم الشّوابك. أمّا بعد، فإن الله تعالى آثرنا بتوفير التوفيق، ويسّرنا من الهدى إلى أقوم

طريق، ووهبنا في الملك النّسب العليّ العريق، والحسب الّذي هو بالتّقديم والتّحكيم حقيق، وقلّدنا من عهد بيعة السّلطنة ما لحمده في الآفاق تطريق، ولعقده في الأعناق تطويق، ففيّأنا من شجرة هذا البيت الشريف النّاصريّ المنصوريّ كلّ غصن وريق، وهيّأ للبريّة تكريما عميما بتقديم من له المجد يتعيّن وبه السّؤدد يليق، وأطلع في أفق أعزّ الممالك علينا من بيتنا شهاب علا هو للبدر في الكمال والجمال شبيه وشقيق، وأطعنا أمر الله تعالى في معاملة الولد البارّ معاملة الوالد الشّفيق، وأودعنا لديه ما أودعه الله تعالى لدينا: مملكة مرتفعة متسعة ليرتفع محلّه ويتّسع أمله ولا يضيق، وجمعنا له أطرافها لتكون لكلمته العليا بها الاجتماع من غير تفريق. ولما كان الجناب العاليّ، الولديّ، الشهابيّ، سليل الملوك والسلاطين، خليل أمير المؤمنين، هو الّذي تشير رتب الكفالة بترقّيه، وتقرّ عيون الأولياء بتعيّنه لإلقاء أمرنا المطاع وتلقّيه، وتلهج الألسنة ضارعة إلى الله تعالى أن يخلّد ملك بيته الشريف ويبقيه، وتعرج إلى السّموات دعوات الأتقياء أن يوقّيه الله مما يتقيّه؛ ونمسك في هذا المقام لسان المقال عن مدحه أدبا، ونترك الافتخار بالمال والعديد إيثارا لثواب الله وطلبا، وندرك موعظة الله سبحانه في كتابه قصدا وأربا؛ والباقيات الصّالحات خير عند ربّك ثوابا وخير عقبا «1» وببركة هذا القصد يتمّ لنا فيه المراد، ويعمّ هذه المملكة النفع بهذا الإفراد، فإنها معهد النصر والفتح، ومشهد الوفر والمنح، ومصعد العزّ الّذي لما وطئنا صرحه تدكدك للعدا كلّ صرح، وتملّك للهدى كلّ سرح، ونشقنا بها لقرب المزار من طيب طيبة «2» أعظم نفح، وقد بقينا بجاه الحالّ بها في تيسير التّأييد فكان كاللّمح، وجرى خلفنا السّمح بعد ذلك على عادته في الحكم والصّفح، وسرى ذكرنا في

الشّرق والغرب وللحداة به أطرب صدح، وآتى الله من فضله ملكنا نعما تجلّ عن العدّ والشّرح، فيها منشأ دولة الدّول ومنها فتح الفتوح، وبإضافته إلينا تفاؤل خير مشهور ملموح، كما قيل قبلها كرك نوح «1» ؛ فبتطهير الأرض من الكفّار، عزائمنا تغدو وتروح، وبالاستناد بأطول الأعمار، أمارة بادية الوضوح، وآثار بركة الاسم الشّريف المحمّديّ تظهر علينا في الحركات والسّكنات وتلوح، وفخار هذه المملكة المباركة: لاختصاصها بالحرمين الشّريفين عليها طلاوة وسعادة وفيها روح؛ وكنّا قد سلكنا بهذا الولد النّبيل، سنّة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل، في ولده إسماعيل، عليهما السّلام التامّ في كلّ بكرة وأصيل، حيث فارقه وأفرده، وتفقّده في كلّ حين وتعهّده، حتّى شدّ الله تعالى به عضده ورفع هو وأبوه قواعد البيت وأعانه لمّا شيّده، فأجمل الله لنا هذا القصد وأحمده، وكمّل هذا الشّروع وأسعده؛ وأجزل له من فوائده أوفر هبة وأنجز له من عوائده أصدق عدة، فأحللناه في هذه المدّة بمملكة الكرك فسلك من حسن السجايا أحسن مسلك، وملك قلوب الرّعايا وبما وهب من المنح تملك، وبسنتنا في التواضع للحق مع الخلق تمسك وبشيمنا وخلقنا في الجود تخلّق فبذل وما أمسك. ولما بلغ أشدّه واستوى، وبزغ شهاب علاه الّذي هو وبدر السماء سوا، وحاز مكارم الأخلاق وحوى، وفاز سلطاننا في نجابته بحسن النية: «وإنّما لكل امريء ما نوى» - حكّمناه في هذه النيابة الّتي ألفها ودرّبها، وعرف أمورها وجرّبها، واستعمال خواطر أهلها واستجلبها، وأدنى لهم لمّا دنا منهم الميامن ولمّا قرّبها منهم قرّبها، واستحقّ كفالتها واستوجبها، وأظهر الله تعالى فيه من الشّمائل أنجبها، ومن الخلائق أرحبها، ومن الأعراق أطيبها، ومن العوارف أنسبها، ومن العواطف أقربها، ومن البسالة أرهفها وأرهبها، ومن الجلالة أحبّها

إلى القلوب وأعجبها، ومن السيادة ما أخذت نفسه لها أهبها، ومن الزيادة ما يتعيّن له شكر الله الواهب الّذي وهبها، ومن السّعادة ما رفعت الأقدار على مناكب الكواكب رتبها، وأطلعت لحماته سماء العلياء شهبها، ورقّت على هامة الجوزاء منصبها، واستصحبت من العناية لهذا البيت مزيّة فرض الله بها له الطاعة وكتبها؛ فاستخرنا الله تعالى الّذي يختار لنا ويخير، وسألناه التّأييد والتّيسير؛ وفوّضنا إليه وهو الكفيل لنا بالتدبير، في كلّ مبدإ ومصير، واستعنّا به وهو نعم النّصير، واقتضى حسن الرّأي الشريف أن نسرج شهابه المنير، وننتج للأولياء يمن التّأثيل بحسن هذا التّأثير، وننهج في برّه سبلّا تقدّمنا إليها كلّ ذي منبر وسرير، ونثلج الصّدور ونقرّ العيون بسعيد هذا الإصدار وحميد هذا التّقرير. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا برح أمره يصيب السّداد فيما إليه يصير، وخبره يحمل الموافاة فللألسنة عن مكافأة برّه تقصير- أن تفوّض نيابة السّلطنة الشريفة بالكرك المحروس والشّوبك للجناب العاليّ، الولديّ، الشهابيّ، وما ينضم إلى ذلك وينضاف، من جميع الأقطار والأكناف؛ وجمعنا له من هذه المملكة الأطراف، وجعلنا له على سهلها وجبلها إشراف، وصرّفناه منها فيما هو عن علمه الكريم غير خاف، نيابة كاملة، كافلة شاملة، عامّة، تامّة، وافرة، سافرة، يستلزم طاعته فيها الافتراض، وتنحسم عنه فيها موادّ الاعتراض، وتنفذ مراسمه من غير توقّف ولا انتقاض، وتبسط يده البيضاء من غير انقباض، ويرتفع رأيه من غير انخفاض. فلتقدر رعيّة هذه البلاد نعمة هذا التفويض قدرها، وليسألوا الله أن يوزعهم لحسن هذا التفويض شكرها؛ فقد أنشأ لهم يسرها، وأفاء لهم برّها، وألقى إليهم جودها وخيرها، وأبقى عندهم عزّها ونصرها، وليتّبعوا السّبيل القويم، وليجمعوا على الطاعة الّتي تبقي عليهم نعمة العافية وتديم، وليسمعوا ويطيعوا لما يرد إليهم من المراسيم؛ فمن لم يستقم كما أمر لا يستمرّ بهذه البلاد ولا يقيم؛ والعاقل لنفسه خصيم، والجاهل من عدم النّعمة وحرم النّعيم؛

وفراستنا تلمح نتائج الخير من هذا التّقديم، وسياستنا تصلح ما قرب منّا وما بعد بتعريف أحكام التّحكيم؛ وكيف لا؟ وهو الكريم بن الكريم بن الكريم، المؤمّل لتمام السّؤدد قبل أن يعقد عليه التّميم، المشتمل على الخلال الموجبة له الفضل العميم، المتوصّل بيمن حركاته إلى أن يكون لمثل هذا الملك العظيم، وإلى أمانته استيداع وإلى صيانته تسليم، المقبل وجهدنا الإقبال فتتلو الرّجال: ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ «1» ونحن نأمرك من التّقوى بما به من الله أمرنا، ونبصّرك من الهدى بما له هدينا وبصّرنا، ونبقي لديك من بدائعها ما به خصصنا وأوثرنا، ونوصيك اتّباعا للكتاب والسّنّة، ونؤتيك من الهداية ما لله في الإرشاد إليه المنّة: فقد وعظ ووصّى لقمان- عليه السّلام- ابنه، وأوصى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معاذ بن جبل لمّا بعثه إلى اليمن فحقّق الله تعالى في نجاحه رجاءه وفي فلاحه ظنّه، ونذكّر جنابك، ونرجو أن تكون ممن تنفعه الذّكرى، ونسيّر شهابك، إلى أفق السّعد، ونأمل أن تيسّر لليسرى، ونؤمّرك فنزيد علم عزّك رفعا ولواء مجدك نشرا، ونأمرك ثقة بحسن أخلاقك، فيتلو لسان وفاقك: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً «2» ؛ فمثلك من أيّدته العصم، وأصعدته الهمم، وحمدته الأمم، وأرشدته إلى الحكم ما عهدته فكرته من الحكم، وسدّدته أعراقه وأخلاقه فلا يزاد على ما فيه من كرم؛ فلا نذكّر منك ناسيا، ولا نفكّر لاهيا، ولا نأمر وننهى إلّا من لم يزل بالمعروف آمرا وعن المنكر ناهيا. فاتّق الله تعالى: فعلى التّقوى مرباك، وراقب الله تعالى: فالمراقبة للملوك من بيتك ملاك، وجدّ في نصرة الحقّ ولا تأب: فقد أنجد الله تعالى بذلك جدّك وأباك، واعدل فبالعدل تعمر الدّول وأقم منار الشّرع، فهو الأصل الذي يرّد إليه من القضايا كلّ فرع، ومجاله الرّحب إذا ضاق الذّرع؛ فأيّد حاكمه، وشيّد معالمه، وأكّد الإلزام بأحكامه اللّازمة.

الصنف الثاني - أرباب الوظائف الدينية

والأمراء والجند فهم جناح النّجاح، وصفاح الصّفاح؛ فاعتمد أحوالهم بالصّلاح، وأرد فيهم ما استطعت الإصلاح، والخيّالة والرجّالة الذين يحمى بهم مصون الحصون أن يستباح؛ فالحظ أمورهم بعين فكرك في كلّ مساء وصباح، فمن نهض في الخدمة تعيّن من النّعمة أن يزاد ومن قصر في العزم قضى الحزم أن يزاح؛ والرعايا فهم للإحسان ودائع، وللامتنان صنائع؛ فأعذب لهم من المعدلة المشارع، وانصب لهم من إقامة الحرمة الزواجر والرّوادع، وأخصب لهم من النّعمة مربعا يرغّب الجامح ويقرّب الطائع؛ وأهل الذّمة فآوهم إلى كنف العدل الواسع، واحمهم أن تمتدّ إلى أنفسهم يد جان وإلى أموالهم يد طامع، وأقم عليهم بأسا يحلّ بهم إذا اعتدوا القواصم والقوارع، وأدم لهم مهابة تسدّ من فساد الذّرائع، وعاود آراءنا الشّريفة وراجع، وواصل بأنبائك السّارّة وأفعالك البارّة وتابع، وبما تتطلّع إليه خواطرنا العاطفة من متجدّداتك المباركة أتحف وطالع؛ والله تعالى يشنّف بحسن سيرتك المسامع، ويشرّف بحلول عدلك المحافل والمجامع، ويوزعك شكر نعمته ويجعل لك من عصمته أعظم وازع، ويمتّعك بأيّامنا الّتي فيها الخير الشّامل والبرّ الجامع، ويصون بخلالك الحسنى [ما استحفظت] «1» من أسنى الودائع، ويزيّن سماء العلياء بجلالك فمنها لك قمراها والنجوم الطوالع، ويوفّق بجميل قصدك إلى أن تأخذ من القلوب بالمجامع، ويحقّق في إسعاد جنابك المطالب ويشرق بإصعاد شهابك المطالع؛ والعلامة [الشريفة أعلاه حجّة بمقتضاه] «2» الصنف الثاني- أرباب الوظائف الدّينية . وبها قاض واحد شافعيّ؛ وتوقيعه في قطع الثلث ب «الساميّ» بالياء. الصنف الثالث- الوظائف الدّيوانية ؛ وهي ثلاث وظائف، يكتب لكلّ منها توقيع في قطع العادة: الأولى كتابة الدّرج، الثانية نظر المال، الثالثة نظر الجيش.

القسم الثالث (مما يكتب من الولايات عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية - ما يكتب لأرباب الوظائف بالمملكة الحجازية)

القسم الثالث (مما يكتب من الولايات عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية- ما يكتب لأرباب الوظائف بالمملكة الحجازية) وقد تقدّم أنّها تشتمل على ثلاث قواعد: القاعدة الأولى (مكة المشرّفة، وبها وظيفتان) الوظيفة الأولى (الإمارة) وقد تقدّم أنّ إمارتها في بني الحسن بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما، وأنّها كانت تولّى من أبواب الخلافة ببغداد إلى حين انقراضها، إلّا ما تغلّب عليه الفاطميّون أصحاب مصر في خلال ذلك. ثم استقرّت آخرا من جهة ملوك مصر إلى الآن. ويكتب له تقليد في قطع النّصف ب «المجلس العالي» بزيادة ألقاب تخصّه، وقد تقدّمت ألقابه في أوّل هذا الطّرف. وهذه نسخة تقليد بإمرة مكّة المشرّفة: كتب بها عن الملك الناصر «محمد بن قلاوون» لأسد الدّين «رميثة» «1» بن أبي نميّ؛ بإمرة مكّة المشرّفة، عوضا عن أخيه «عطيفة» عند قتل الأمير الدمرجان دار وولده خليل، من إنشاء المولى تاج الدين بن البارنباري رحمه الله، في المحرّم سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، وهي: الحمد لله الحكيم: فالشّريف من اتبع أوامره، العظيم: فالسّعيد من اتّقى غضبه بأعماله الزاكية ونيّاته الطاهرة، الكريم: فالفائز من سلك مراضيه

في الدنيا ليأمن في الآخرة؛ ومن أخاف عاكف حرم الله وباديه فقد باء بالأفعال الخاسرة، ومن عظم شعائر الله فقد رفل في حلل الإقبال الفاخرة. نحمده على ألطافه الباطنة والظّاهرة، ونشكره ونرجوه وما زال ينجح راجيه ويزيد شاكره، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة من اتخذ الحق ناصره وأودع إخلاصها ضمائره، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي بعثه الله من الحرم فألّف القلوب النّافرة، وفتح مكّة فطهّرها من الزّمرة الكافرة، وقال في ذلك اليوم: «من أغلق عليه بابه فقد أمن» فأمسى أهلها ونفوسهم بالأمن ظافرة، صلّى الله عليه وعلى آله بني الزهراء العترة الزاهرة؛ وعلى صحبه النّجوم السافرة، وسلّم تسليما كثيرا. أمّا بعد، فإنّ الحكم [بالعدل] » شعارنا، وبالله اقتداؤنا واقتدارنا، وفي الإحسان رغبتنا، وفي كلّ عنق منّتنا، نصفح ونمنح، ونرعى من أمسى قديم الهجرة في ولايتنا وأصبح، ونقيم من أهل البيت لحفظ ذلك البيت الأصلح فالأصلح، ونقدّم من لم يزل مقدّما وإلى صوب الصواب يجنح فينجح، وننجي من الهلكة من لاح له منهج الخير فسلكه فأفلح. وكانت مكّة المعظمة هي أمّ القرى، والبلد الأمين المجزل فيه القرى؛ نشأ الإسلام في بطحائها، وحرّمها الله فلا ينفّر صيدها، ولا يعضد «2» شجرها، ولا تحلّ لقطتها «3» إلّا لمنشد تأكيدا لتشريفها وإعلائها، وطلعت شمس النّبوّة من شعابها، وغسلت الذّنوب بوبل سحابها؛ فيها زمزم وكزة جبريل «4» ، وفيها

بدأ الوحي والتّنزيل، وإليها أعنقت «1» الرّكاب ففي كلّ أبطح للمطيّ مسير ومسيل؛ فكم أتى إليها من سائر الناس سائر، وكم أتى إليها الناس رجالا وعلى كلّ ضامر؛ فالرّحمة مستقرّة بين نواحيها والعيون تتملّى بأنوار تلك الأستار حتّى تجتليها، والشّفاه تتشرّف بتقبيل ذلك الحجر الّذي يشهد لها في غد ويقيها، فطوبى لمتّقيها، وسحقا لمن أخاف وفد الله فيها؛ ونحن قد بصّرنا الله بخدمة بيتها المحرّم، وحرمها المعظّم، وكرّر إليها حجّنا وكرّمه، فلله الحمد أن كرّر حجّنا وكرّم؛ وما برحنا نقيم في إمارتها من العترة النّبويّة كلّ شريف النّسب، وكلّ من يكتسب فيها رضا الله تعالى: وكلّ آمريء وما اكتسب؛ فمن أصلح منهم أقمناه، ومن حاد عن الطاعة وجحد النّعمة أزلناه، ومن أخاف فيه السبيل لم نجعل له إلى الخير سبيلا، ومن استقام على الطريقة توكّلنا على الله وولّيناه، وكفى بالله وكيلا. وكان فلان هو الّذي ما زالت خواطرنا الشريفة تقدّمه على بني أبيه، وتختاره أميرا وتجتبيه؛ وربّما سلفت من بيته هنات صفحنا عنها الصّفح الجميل، وما قابلناهم إلا بما يليق لمجدهم الحسنيّ الحسن الأصيل؛ والإمرة وإن كانت بيد غيره هذه المدّة فما كان في الحقيقة أمير عندنا سواه، لأنّه كبير بيته المشكور من سائر الأفواه. والآن قد اقتضت آراؤنا الشريفة أن نقيمه في بلده أميرا مفردا إليه يشار، وأن نصطفيه- وإنّه عندنا لمن المصطفين الأخيار- وأن نجعل الكلمة واحدة ليأمن النّزيل والجار؛ ومتى تجاذب الأمر كلمتان فسد نظامه، ومتى أفرد الحكم حسنت أحكامه، ومتى توحّد الأمر زال الاختلاف، وزاد الائتلاف، وأقبلت أيّامه. فلذلك رسم بالأمر الشّريف أن تفوّض إليه إمرة مكّة المشرّفة، على عادة

والده. فليتقلّد ما فوّضناه إليه من الإمرة والنيابة بمكة المعظّمة، شاكرا ما أنعم الله به عليه من مراضينا التي لا نجاة لمن لم ينل منها نصيبا موفورا، ولا فوز لمن لم يدرك منها حظّا كبيرا، وليشرع في تمهيد البلاد من إزالة المظلمة، وليطهّرها من كلّ مجتريء على الله تعالى في البقعة المحرّمة، ولا يقرّب من في قلبه مرض فيعديه، ولا يرجع لمن فيه شقاق ظاهر في صفحات وجهه وفلتات فيه، وليعلم أن هذا بلد حرام حرّمه الله يوم خلق السّموات والأرض، وصيّر حجّ بيته على مستطيعه من الفرض، وجعله للنّاس معادا ومعاذا، وقال صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة: «إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» . فليمنع الدّماء من أن تراق، والأموال من أن تؤخذ بغير استحقاق؛ والظّلم في البلد الحرام حرام، وبنو حسن أحقّ باتباع سنّة الإسلام؛ واتّق الله لتلقاه بالوجه الأبيض والعمل الأغرّ، واتّبع سنّة جدّك: فعلى اتّباعها حثّ وأمر، والق وفد الله في البرّ والبحر بالحسنى فهم أضيافه، وأمّن الحجّ ليتمّ نسكه وطوافه. هذا تقليدنا لك أيّها الشّريف: فطب نفسا بمراضينا، وصفحنا عما مضى ومنحنا الرّضا حقّا يقينا، لأنّا نتحقّق أنّ الإحسان يحرسنا ويقينا، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة تقليد شريف لأمير مكّة المشرّفة: الحمد لله الّذي جعل البيت مثابة «1» للناس وأمنا، ونصب فيه للقانتين ركنا، وجعل أرض الحرم لا تبيد بركاتها ولا تفنى، وجعل لشجرة النّسب الهاشميّ فيها أصلا شريفا كم أخرج غصنا، وآتى بني الحسن فيها إحسانا من لدنه وحسنا،، وأقام منهم أميرا في ذلك المحل الأسنى.

نحمده فرادى ومثنى، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة كاملة اللّفظ والمعنى، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي شيّد الله به للدّين خير مبنى، وأضحت الضّلوع على محبّته تحنى، وثمار الخير مما بين روضته ومنبره تجنى، وخصّه الله بالشّرع المستقيم والدّين الأهنى، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة في الصدور لها سكنى، وسلّم تسليما. وبعد، فإنّ أمّ القرى، خير البلاد بلا مرا، قد جعل الله للناس إليها رحلة وسرى، وهجروا في قصدهم إليها لذيذ الكرى، ونصب فيها بيتا متين العرى، وأنبع فيها بئرا مأوها يشفي السّقيم ويبريء الورى «1» ، وجعل فيها للشّرف بيتا عالي الذّرى، فأميرها المطاع، من أهل بيت النّبوّة لا يخيّب ولا يضاع، ذو همّة تخافها السّباع، ويرهبها البطل الشّجاع، يعدّ من الآباء أسلافا كراما، كمصابيح السماء تجلو ظلاما، وقد طيّب الله مقامهم وأعلى مقامهم حين جاوروا مقاما. ولما كان...... هو شريف العرب، المعرق في النّسب، الطّيّب الحسب، المحيي من آثار آبائه ما ذهب، الشّريف النّفس: فلا يلتفت إلى العرض الأدنى من الرّقّة وأكّد شكره الحرم وأهله، وأثنى على صفاء سيرته الصّفا وعلى مروءته المروة إذ طاب أصله؛ قد اقتفى في الكرم أباه وجدّه، وأمّن سبيل الحاجّ من جهة البرّ ومن جهة البحر من جدّة. فلذلك رسم أن يفوّض إليه............ فليحلّ البلد الحرام حاكما وآمرا، وليستجلب له من العاكف والباد شاكرا، وليحسن للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود، وليتّبع آثار آبائه أهل الكرم والجود، وليؤمّن الخائف في تلك التهائم والنّجود، وليردع الحائف عن حيفه فلا يعود، وليعلم أنّه بواد غير ذي زرع ولكن فيه للبركات ظلّ ممدود، وخير مشهود؛ وبمكة مولد أشرف مولود، وجدّه الحسن رضي الله عنه فليكن حسن الفعال فكما ساد يسود،

وليعرب عن الثّناء الأبيض عند ما يتمسك بتلك السّتور السّود، وليتلقّ المحمل الشريف في كلّ عام، بالاحتفال والإكرام، والطاعة الّتي يبلغ بها المرام، وليقف مع أمراء الحاج مقيما لحرمتهم بجميل الاحترام، وليكفّ الأشرار من العبيد والموالي، عن النّهب والتّخطّف لوفد الله الّذي قطع السّرى بالأيام والليالي، وليلازم خدمة المحمل الشريف على ما يناسب شرفه، حتّى يقف بعرفة، ثم يدفع إلى المزدلفة، إلى أن يقضي الحجّ ويرحل من مكّة المشرّفة، وليكن سياجا على الحجّاج، في تلك الفجاج، حتّى لا يفقد أحدهم عقالا، ولا يجد اختزالا، ويرحلون عن مكّة المعظمة من الذّنوب خفافا وبمننه ثقالا. والوصايا كثيرة وهو غنيّ عن أن نطيل له فيها مقالا، وتقوى الله فمن تمسّك بها حسن حالا، وأنتم أهلها كرّمكم الله أهلا وآلا؛ والله الله في حفظ جانب الصّحابة رضي الله عنهم فليردع عن الخوض فيهم جهّالا، والله يجعله مغمورا مسرورا بنعم الله تعالى، بمنّه وكرمه!. وهذه وصيّة لأمير مكّة، أوردها في «التعريف» : وليعلم أنّه قد ولّي حيث ولد بمكّة في سرّة «1» بطحائها، وأمّر عليها ما بين بطن نعمانها إلى فجوة روحائها «2» ؛ وأنّه قد جعلت له ولاية هذا البيت الّذي به تمّ شرفه، وعلت غرفه، وعرف حقّه له أبطحه ومعرّفه «3» ؛ إذ كان أولى ولاة هذا

الحرم بتعظيم حرماته، وسرور جوانبه بما يلوح من البشر على قيماته، ولأنّه أحقّ بني الزّهراء بما أبقته له آباؤه، وألقته إليه من حديث قصيّ جدّه الأقصى أنباؤه؛ وهو أجدر من طهّر هذا المسجد من أشياء ينزه أن يلحق به فحش عابها «1» ، وشنعاء هو يعرف كيف يتتبّعها «وأهل مكّة أعرف بشعابها» . فليتلقّ راية هذه الولاية باليمين، وليتوقّ ما يتخوّف به ذلك البلد الأمين؛ وليعلم أنّه قد أعطى الله عهده وهو بين ركن ومقام، وأنّه قد بايع الله: والله عزيز ذو انتقام؛ وليعمر تلك المواطن، ويغمر ببرّه المارّ والقاطن، وليعمل في ذلك بما ينجّث عنه نجاره «2» ، ويأمن به سكّان ذلك الحرم الّذي لا يروّع حمامه فكيف جاره، ولينصت إلى اسمه [عز وجلّ] حيث يعلن به الدّاعي على قبّة زمزم في كلّ مساء وليعرف حقّ هذه النّعمة، وليعامل من ولّي عليهم بما يليق أن يعامل به من وقف تحت ميزاب الرّحمة؛ وقد أكد موثقه والله الله في نقضه، ومدّ يده على الحجر الأسود يمين الله في أرضه؛ وليتبصّر أين هو فإنّ الله قد استأمنه على بيته الّذي بناه، وسلّمه إليه بمشعره الحرام ومسجد خيفه ومناه؛ وإنّه البيت المقصود: وكلّ من تشوّق حمى ليلى فإنّما قصده أو لعلع بلعلع «3» فإنّما عناه؛ وفي جمعه يجتمع كلّ شتيت، وفي ليالي مناه يطيب المبيت، وبمحصّبه «4» تقام المواسم، وتفترّ الثّغور البواسم، وتهبّ من قبل نعمان الرّياح النّواسم، وفي عقوة «5» داره محطّ الرّحال في كلّ عام، ومعرّ كل

الوظيفة الثانية (قضاء مكة، ويكتب به توقيع في قطع الثلث ب السامي» بالياء)

ذات عود تجذب بقلع وعوذ «1» تقاد بزمام، وإليه تضرب التّجار البراريّ والبحار، وتأتيه الوفود على كلّ قطار يحدى من الأقطار؛ وكلّ هؤلاء إنّما يأتون في ذمام الله بيته الّذي من دخله كان آمنا، وإلى محلّ ابن بنت نبيّه الّذي يلزمه من طريق برّ الضيف ما أخذ لهم وإن لم يكن ضامنا. فليأخذ بمن أطاع من عصى، وليردع كلّ مفسد ولا سيما العبيد فإنّ العبد المفسد لا يزجره إلا العصا، وليتلقّ الحجّاج بالرّحب والسّعة، فهم زواره وقد دعاهم إلى بيته وإنّما دعاهم إلى دعة، وليتلقّ المحمل الشريف والعصائب المنصورة، وليخدم على العادة الّتي هي من الأدب مع الله تعالى معنى ومعنا صورة، وليأخذ بخواطر التّجار فإنّهم سبب الرّفق لأهل هذا البلد وتوسعة ما لديهم، والمستجاب فيهم دعوة خليله إبراهيم- صلوات الله عليه- إذ قال: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ «2» ولا تتحيّف أموالهم بغرامة يقلّ بها الغنم، ولا بظلامة فإنّه بإزاء هذا البيت الّذي يردّ دونه من أراد فيه إلحادا بظلم؛ ولينظر كيف حبس دونه الفيل، وليكفّ عادية من جاوره من الأعراب حتّى لا يخاف ابن سبيل، وليقم شعائر الشّرع المطّهر، وأوامر أحكامه الّتي قامت بأبويه: بحكم جدّه سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم وسيف أبيه حيدر، وليأمر طوائف الأشراف وأشياعهم وسائر أهل موالاتهم وأتباعهم بلزوم ما كان عليه صالح السّلف وما عليه الإجماع، وتجنّب ما كانت الزّيديّة زادت فيه وكفّ الأطماع، وليتّق الله فإنّه مسؤول لديه عما استرعاه وقد أصبح وهو له راع؛ وإيّاه أن يتّكل على شرف بلده، فإن الأرض لا تقدّس أحدا، أو شرف محتده، فإن في يوم القيامة لا ينفع ولد والدا ولا والد ولدا. الوظيفة الثانية (قضاء مكّة، ويكتب به توقيع في قطع الثلث ب الساميّ» بالياء) وهذه نسخة توقيع بقضاء مكّة المشرّفة:

الحمد لله الّذي أنفذ الأحكام، بالبلد الحرام، وأيد كلمة الشّرع في بلده ومنشئه بين الرّكن والمقام، وجعل الإنصاف الجزيل، حول حجر إسماعيل، متّسق النّظام. نحمده حمدا حسن الدّوام، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة عبد قائم بحقّها أحسن القيام، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله السامي من ولد سام، والّذي قام لله حتّى ورمت منه الأقدام، وأسري به من مكّة إلى السماء مرّتين: في اليقظة والمنام، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه أئمّة الصّلاة والصّيام، وسلّم تسليما. وبعد، فإنّ وظيفة القضاء بمكّة المعظمة هي أجلّ منصب بتلك الأباطح، ونورها في الجبين لائح، فإنّ الشّرع نشأ منها والوحي أنزل فيها فزهيت البطائح، وظهرت النّصائح، وأطربت الصّوادح، وأسكتت النّوائح، وغمرت المنائح، وانتشرت المصالح؛ فمن ولي الحكم بها وعدل فذلك هو العدل الصالح؛ وكيف لا؟ وماء زمزم شرابه، وأستار البيت تمسّها أثوابه، وعلى الله أجره وثوابه، وفي ذلك الجناب الشريف كرم جنابه، وإذا دعا الله عند الملتزم «1» جاءه من القبول جوابه. ولمّا كان فلان هو فرع «2» الدّوحة المثمرة، ومحصّل من العلوم الشّرعية المادّة الموفّرة، وله البحوث الّتي [هي] «3» عن أحسن الفوائد وغرر الفرائد

القاعدة الثانية (المدينة النبوية، وبها ثلاث وظائف)

مسفرة، ورضيّ أهل الحرم، لما جبل عليه من خير وكرم، [تمسك] «1» بالعروة الوثقى والقويّ الأتقى فلا جرم. فلذلك رسم.........- لا زال.......... فليكن في أمّ القرى، كالوالد المشفق على الورى، وليتمسّك من التّقوى بأوثق العرا، وليخش ربّ هذا البيت إنّه سميع يسمع ويرى، ووفد الله قطعوا إليه المراحل في السّرى، ليصافحوا كفّه المضمّخ عنبرا، وليقض بين الخصوم بالحقّ فمثله من درأ الباطل: قد جعله الله جار بيت عالي الذّرا، وفي أرض شرّف الله جبالها وقدّس غيرانها فمنها غار ثور وغار حرا «2» ، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يتعبد في غار حرا، وأوى إلى غار ثور لما هاجر مؤيّدا مظفرا؛ والوصايا كثيرة وملاكها تقوى الله فليتمسّك بها من أمام وورا، والله تعالى يجعل نهاره منوّرا، وليله مقمرا، بمنه وكرمه! القاعدة الثانية (المدينة النبوية، وبها ثلاث وظائف) الوظيفة الأولى (الإمارة) والأمر فيها على ما مرّ في إمارة مكّة المشرّفة. وقد تقدّم أن إمارتها في بني الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما، ويكتب لها تقليد في قطع النّصف ب «المجلس العالي» أيضا بألقاب مخصوصة، وقد تقدّم ذكر ألقابه. وهذه نسخة تقليد شريف بإمارة المدينة النبوية، كتب به للأمير بدر الدين «وديّ بن جمّاز» «3» من إنشاء المقرّ الشهابيّ بن فضل الله، سقى الله عهده:

الحمد لله الّذي صرّف أمرنا في أشرف البقاع، وشرّف قدرنا بملك ما انعقد على فضله الإجماع، وعرّف أهل طيبة الطّيبة كيف طلع البدر عليهم من ثنيّات الوداع، وأمدّها بوديّ صغّر للتّحبّب وإلّا فهو واد متدفّق الأجراع. نحمده على نعمه الّتي أغنت مهابط الوحي عن ارتقاب البرد اللّمّاع، وارتقاء النظر مع بدره المنير إلى كلّ شمس سافرة القناع، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تخمد من الضلال ما شاع، ومن البدع ما استطار له في كلّ أفق شعاع، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله أشرف من أنفت به حميّة الامتناع، وألفت بنا سنّته أن ترعى لأهلها ولا تراع، وعصفت ريحها بمن يمالي دينه فمال إلى الابتداع، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ليس في فضل أحد منهم نزاع، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن الاهتمام بكلّ جهة على قدر شرفها، وعلى حسب الدّرّة الثمينة كرامة صدفها، والكمامة بثمرها، والغمامة بمطرها، والهالة بما يجلو الدّجى من قمرها؛ والمدينة الشريفة النبويّة لولا ساكنها ما عاجت إليها الركائب، ولا ناجت حدائقها غرّ السّحائب، ولا وقفت بتأرّج شذا الرّوضة الغنّاء بها الجنائب، ولا بكى متيّم دمن العقيق بمثله من دم ذائب، ولا هاج إليها البرق متألّقا، ولا هام صبّ فيها بظبيات سلع والنّقا «1» ، ولكنّها مثوى النّبوّة ترابها، ومهوى الرّسل جنابها، ومأوى كتاب الله الفسيح رحابها؛ دار الهجرة الّتي تعالت شمس الشريعة بأفقها، وتوالت سحب الهدى من بين أبيرقها «2» ، وهي ثانية مكّة المعظمة في فضلها إلّا ما ذهب إليه في تفضيلها على مكّة مالك بن أنس، ومنها انبعثت للهدى نوّارة كلّ نور وشعاع كلّ قبس، وكانت لنبيّ هذه الأمّة صلّى الله

عليه وسلّم أبقى داريه، وأعلى سماء حوت ثلاثة أقمار منه ومن جارية. ولما كان بها لبعض الولاة من الشّيعة مقام، ولهم فيها تحامل لا يجوز معه من الانتقاد إلّا الانتقال أو الانتقام، حتّى إنّه فيما مضى لمّا كثر منهم على بغض الصاحبين- رضي الله عنهما- الإصرار، واشرأبّوا في التّظاهر بسبّهما إلى هتك الأستار، دبّ من النار في هذا الحرم الشريف ما تعلّق بكلّ جدار، وأبت لها حميّة الغضب إلّا أن يطهّر ما سنّته أيدي الرّوافض بالنّار؛ فلما اتّصل بنا الآن أنّ منهم بقايا وجدوا آباءهم على أمّة، واقتدوا بهم في مذهب الإماميّة بما لا أراده الله تعالى ولا رسوله صلّى الله عليه وسلّم ولا أولئك الأئمة، وحضر المجلس العالي الأميريّ الأصيليّ، الكبيريّ العادليّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الزّعيميّ، المقدّميّ، الذخريّ، الكافليّ، الشّريفي، الحسيبيّ، النّسيبيّ، الأوحديّ، البدريّ، عزّ الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، جمال العترة الطاهرة، جلال الأسرة الزّاهرة، طراز العصابة العلويّة، كوكب الذّرّيّة الدّرّيّة، خلاصة البقية النّبويّة، ظهير الملوك والسلاطين، نسيب أمير المؤمنين، وديّ بن جمّاز الحسيني- أدام الله تعالى نعمته- بين أيدينا الشريفة بمحضر قضاة القضاة الأربعة الحكّام، وتذمّم «1» بأنّ مع طلوع بدره المنير لا تبقى ظلامة ولا ظلّام، وتكفّل لأهل السّنة بما أشهدنا الله به عليه ومن حضر، وتلقّى بإظهار فضل الترتيب كما هم عليه: النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثم أبو بكر ثم عمر؛ فما اختصّهما الله بجواره إلا ليثبت لهما على غيرهما إفضالا، وليجعل قبورهما في معرفة أقربهم منه درجة مثالا، لما تواترت به الأحاديث الشريفة في فضائلهما ممّا هو شفاء الصّدور، ووفاء بعهده إذ يقول: «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي؛ عضّوا عليها بالنّواجذ وإيّاكم ومحدثات الأمور» ؛ فلم يسعنا إلا أن نجعل له منّا تقليدا يمحو بحدّه ما حدث من أحداث البدع، ويجدّد من عهد جدّه نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم في معرفة حقّ أصحابه رضي الله

عنهم ما شرع، وثوقا بأنّه من بيت كان أوّل هذا الدّين الحنيف من دلّه «1» ، ومبدأ هذا الحقّ الظاهر ما أثّلته ومثّلته في سلفه الشريف بأقارب متّصله؛ وأنّه هو المورث من الفخار ما ورثه عن آبائه الكرام، المحدّث عن كرم الجدود بما لا يحقر له جوار أو يخفر ذمام، المشرق من الأسرة العلويّة بدرا تماما، المحدق به من الكواكب العلويّة ما يظن به أبا تسمّى وابنا تسامى، المنتخب من آباء صدق أحسن في ديارهم الصنيع، وحفظ من حسبهم الكريم ما أوشك أن يضيع، واستضاء بلامعة من هدى سلفه السابق، وهامعة من ندى ما يرويه السّحاب عن الجود والبرق عن المهارق، تهتزّ بمقدمه المدينة سرورا، وتفترّ رباها منه بنسب كأنّ على نسبه من شمس الضّحى نورا، ويتباشر ما بين لابتيها «2» بمن يحمي حماها، ويحيّي محيّاها، وتتشوّف منه ربا كلّ ثنيّة إلى ابن جلادها، وطلّاع ثناياها، مع ما لا يجحد من أنّ له فيها من أبيه حقّ الوراثة، وأنّه لما كان هذا ثاني المسجدين احتاج إلى ثاني اثنين تعظيما للواحد وفرارا من الثّلاثة، ليكون هو ومن فيها الآن بمنزلة يدين كلتاهما تقبل الأخرى، وأذنين كلتاهما توعي درّا، وعينين ما منهما إلا ما يدرك أمرا بعيدا، وفرقدين لا يصلح أن يكون أحدهما فريدا، وقمرين لا يغلّب أحدهما على الآخر في التّسمية بالقمرين، وعمرين وكفى شرفا أن لا يوجد في الفضل ثالث للعمرين. فرسم بالأمر الشريف العاليّ، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ- زاد الله به المواطن شرفا، وزاد به البواطن الشريفة حبّا وشغفا- أن يفوّض إليه نصف الإمرة بالمدينة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، شريكا

للأمير سيف الدين ابن أخيه «1» ، ورسيلا معه فيما يليه، ولكلّ منهما حقّ لا يكاد الآخر يخفيه، هذا له برّ الولد وهذا له حرمة الوالد لأنّ ابن الأخ ولد وعمّ الرّجل صنو أبيه؛ فتقسم الإمرة بينهما نصفين، وتوسم جباه الكتب الصادرة عنهما لهما باسمين. والوصايا تمدّ من عنانها، وتعدّ من أعيانها؛ فأوّلها تقوى الله فإنّها من شعائر القلوب، وبشائر الغيوب، وأمائر نجاح كلّ مطلوب، والاعتصام بالشّريعة الشريفة: فإنّها الحبل الممدود، والجبل الّذي كم دونه من عقبة كؤود، والانتهاء إلى ما نصّ عليه الكتاب والسنة والإجماع، وقصّ جناح من مال به الهوى إلى مجاذبة الأطماع، وتلقّي وفد الله الزائر بما ألفه نزيل هذا الحمى من كرامة الملتقى، وتوقّي المذمّة فإنّها دنس لا يحمد مثله نقاء هذا النقا؛ ونعني بالمذمّة ما نسب إلى الرّوافض من البدع الّتي لا تطهّرها غرّ السحاب، ولا يستبيح معها لدخول المسجد الطّاهر من قنع بمقامه حوله التّيمّم بالتراب؛ ولا يدع أحدا من هذه الفرقة الضّالّة بعلي ولا يعيّره بما يكون به مثلة، ولا يشبّه قلبه في محبّة أهل البيت- سلام الله عليهم- بإناء امتلأ ماء ولم تبق فيه فضلة. ولا يظنّ جاهل منهم أنّ عليه- كرّم الله وجهه- كان على أحد من الصاحبين معاتبا أو عاتب، أو أنّه تأوّل في خلافتهما معتقدا أنّ أحدا منهما غاصب؛ فما تأخّر عن البيعة الأولى قليلا إلّا لاشتغاله بما دهمه بموت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المصائب، وإلّا فقد اتخذ أمّ ولد من سبي أبي بكر رضي الله عنه لاكما يدّعيه كلّ كاذب، وقد تزوّج عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ابنته أمّ كلثوم وأقام بأمره الحدود وناب عنه وهو غائب؛ فيكفّ من عادية هؤلاء الروافض الأشرار ما سيصلون في المواقفة بناره، وسيصلون إلى الموافقة على ما طار من شراره، ولا يدع للإماميّة إماما يقتدي به منهم قوم شرار، ولا قاضيا يقضي

بينهم: فإنّه إنّما يقطع لمن قضى له أو عليه قطعة من نار، ولا عالما يرفع له علم، ولا يفتح لهم بفتوى على مذاهبهم فم، حتّى ولا ما يتحرّك به في فم الدواة القلم. وليطهّر هذا المسجد الشريف من دنسهم، وليمط ما يحمله أديم مجلدات التّصانيف من نجسهم؛ وسكّان هذا الحرم الشريف ومن أقام عندهم من المجاورين، أو خالطهم من زمر المقيمين والسائرين، يحسن لأمورهم الكفالة، ولا يتعرض لأحد منهم بما يؤذي نفسه ولا يناله؛ فهم في جوار نبينا صلّى الله عليه وسلّم وفي شفاعته، وكلّ منهم نزيل حرمه ومكثّر سواد جماعته، وحقّهم واجب على كل مسلم فكيف على حامي ذلك الحمى، بل من له إلى نسبه الشّريف منتمى. واصحب رفيقك بالمعروف فإنّكما مفترقان والسعيد من لا يذمّ بعد فراقه، ومستبقان إلى كلّ مورد لا يدرى أيّكما المجدّ في سباقه، ومتّفقان على فرد أمر وأفضلكما من دوام صاحبه على إرفاقه، وصحبه على وفاقه. وأمّا ما للمدينة الشريفة من تهائم ونجود مضافة إليها، ومستظلّة بجدرها أو متقدّمة في الصّحراء عليها، فهي ومن فيها: إما أن توجد بقلوبهم فهم أعوان، وإما أن تنفر فهم أشبه شيء بالإبل إذا نفرت تعلّق بذنب كلّ بعير شيطان؛ فأقربهما إلى المصلحة تقريبهم، وتأليفهم بما يقرب به بعيدهم ويزداد قربى قريبهم؛ والرّكبان الّتي تتّقد بهم جمرات الأصباح «1» والعشايا، ويعتقد كلّ منهم في معاجه إلى المدينة الشريفة أنّ تمام الحجّ أن تقف عليها المطايا؛ فهم هجود سرى، ووفود قرى، وركود في أفق الرّحال خلعت مقلهم على النجوم الكرى، ومعهم المحامل الشريفة الّتي هي ملتفّ شعابهم، ومحتفّ ركابهم، وهي من أسرّتنا المرفوعة، ومبرّتنا المشروعة؛ فعظّم شعائر حرماتها، وقبّل أمام منابرها الممثلة مراكز راياتها، وأكرم من جاء في خفارتها، ومن جال في دجى اللّيل لا

يستضيء إلّا بما يبدو من إشارتها، وقد أشهدنا عليك من هو لك يوم القيامة خصيم، وأنت وشأنك فيما أنت به عليم. وباقي الوصايا أنت لها متفطّن، وعليها متوطّن، وما ينتفع الشريف بحسبه، إن لم يكن عمله بحسبه، ولا يرتفع بنسبه، إن لم يتجنّب مكان نشبه «1» ، والله تعالى يمتّع بدوام شرفه، ولا يضيّع له أجر حالّ عمله الصالح وسلفه؛ والاعتماد....... وهذه نسخة تقليد شريف بإمرة المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام: الحمد لله الفرد بلا شريك، الواحد لا من أعداد تقتضي التّشويك، المليك الّذي يتناهى إليه تقليد كلّ مليك. نحمده حمدا يكمّل مواهب التّمليك، ويحمد عواقب التّسليك، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تصدع التّشكيك، وتصدّ كلّ أفيك «2» ، وتسدّ خلل التّدريك، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله خير من حمي به عريك «3» ، وحمى عليه تريك، وحمل حتّى تأتّى له التحرير في التّحريك، وتأنّى وما فاته على أعدائه النّصر الوشيك، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تخلص كالذّهب السّبيك، وترفع ما شيّد وتمنع ما شيك، وسلّم تسليما كثيرا. أمّا بعد، فلما كانت المدينة الشريفة النبوية- على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- حرما لا يستباح، وحمى ليس إلّا لمن انتهكه دم مباح، وجنابا ما على من حلّه جناح، ومهبط وحي لا يمسّح بأركانه لغير الملائكة جناح، ولا يمسّك

بعصمة من أغضى فيه على قذى، وسكت لساكنيه على أذى. ولمّا اتصل بنا عن الرّوافض ما لا صبر لمسلم يرجو الله واليوم الآخر عليه، ولا وجه لمن قنع فيها بإخراج يديه، ولا عذر لمن لقي الله مغضبا لما ينهى إليه، لا مغضبا لما ينال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من التعرّض إلى صاحبيه، مما تقاضى منّا ما يمحو ظلامه الممتدّ، وظلمه المشتدّ، وبدعهم فسواء من ابتدعها ومن ارتدّ- فمكّنّا بتقليدنا الشريف من أعطى الله وأعطانا على قوله موثقا، وجرّد عزائم لا تردّها من خدعهم الرّقى، وأشهد الله عليه ومن حضر أنّه لا يدع هذه الفرقة الضالّة حتى يدعّ يتيمها، ويعدّ لمقاتل السّيوف حطيمها: مما تضمنه نصّ ماضي ذلك التّقليد، وما ضم ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد، ونبّهنا على أنّه بدر لم يبق مع طلوعه ظلمة ولا ظلامة، ولا إضاعة ولا إضامة «1» ، ولا ما تتجنّب به الرّكائب تمام الحجّ في مواقفها، ولا تنكر ما جهلت في قباب قباء من معارفها، وترد أعطانها ولا يسوقها إلى الأبرق بارق على أطلاله، ولا يعجبها إن خيل لها في النخيل مقيل في ظلاله. وكان المجلس العالي- أدام الله تعالى نعمته هو المتكفّل بتطهير ذلك الحرم الشريف من ألم كلّ قول يفترى، ولمّ كلّ باطل يلمّ يقظة أو طيف كرى، وإزالة كلّ شحّ فيها على من أمّل قرى أمّ القرى، وإماتة كلّ بدعة تسكب على مثلها العبرات، وإماطة كلّ أذى من طريق منى والجمرات، ومنع شقاشق شيعة تغلي مراجلها من الزّفرات، وقطع كلّ نجوى ينادون بها من وراء الحجرات، وقلع طائفة لولا إقامة حدود الله لكفاهم ما يقطّع أكبادهم من الحسرات؛ وكان بها من أولاد أخيه، بل بعضه منه وبعضه من بني أبيه، من التهى عمّا تتحلّى به شيم الشريف الشريفة، وانتهى إلى ما لا يعنيه ولا يغنيه في

تأخير خليفة وتقديم خليفة، وأهمل حقوقا عواقبها مع الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلم مخيفة، وأوهم عقوقا لأصحابه بل له لقوله: «دعوا لي أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مدي أحدهم ولا نصيفه» . وبقي يتّصل بنا في هذا المعنى ما لا يقال ممّا يقال عنهم، ويصل أذاهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صاحبيه وقد قال: «إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما يرون النّجم الطالع في أفق السماء، وإنّ أبا بكر وعمر منهم» يطلبون في التقديم على من قدّمه الله ردّ فائت ما جرى به القدر «1» ، ويضربون صفحا عما لا أراده الله ولا رسوله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: «لا أدري ما قد بقي لي فيكم فاقتدوا باللّذين من بعدي: أبي بكر وعمر» . مع ما أضيف إلى هذا من قوادح نواب، وفواتح أبواب، وحوادث تزعج مقرّ النبوّة أنباؤها، وتمتدّ على مشارق الأنواء ظلماؤها، وتغيّر عوائد الوفود في كرامة زائرهم، وإدامة بشاشة الملتقى لسائرهم، وأمن سربهم أن يراع، وشربهم أن يتمثّل به لغير برق شعاع، وضمّهم إلى ذلك الحمى الّذي لا يضام نزيله، ولا يرام في طريق المجرّة سبيله، ولا يضلّ سار إليه ووجوه سكّان الحمى دليله، ولا يضيع وقد تلقّاه من النّسيم بليله بليله، ولا يقف وقفة المريب وضوء الصباح من أيمن النّقا قنديله، ولا يخشى وشعب ذلك الحيّ شعبه وقبيله قبيله، وإراحة ركابهم الّتي أزعجها حادي السرى، وإمتاعهم بقرب الجوار عوضا من دموعهم عمّا جرى. فلمّا لم يبق لمن أشرنا إليه- ممّن أعطانا عهد موثقه، وسار لا يريد إلا نقاء نقاه وبراءة أبرقه- إلّا أن يحطّ بالمدينة الشريفة ركابه، ويبعد الشّكوى مما لا عهد من معاهدها اقترابه- أصرّ من فيها من ذوي قرابته «2» على منعه أن

يدخلها إلّا بقتال يخلّ مقاعد الحرم، ويحلّ معاقد «1» الحرم، ويشعل نارا يصلى بها من لم تمتدّ له يد إليها إلى وقود، ويروع من الآلف فيها من يمتدّ له في غير مراتع غزلان النّقا سجاف قيام معقود، وقدم إلى أبوابنا العالية من كان فيها مقيما، وأنعمنا عليه بإبقاء النّصف ففاته الكلّ لمّا لم يقنع أن يكون قسيما؛ فأبت حميّتنا لله ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم ولتلك المواطن المعظمة إلّا أن نطهّرها مما أسبلت على سريره أذيالها، وما أطاقت على مضضه الأليم احتمالها. فرسم بالأمر الشريف- لا زال قدره عاليا، وبرّه لا يخلّ بوديّ ولا يخلي مواليا- أن تفوّض إليه إمرة المدينة الشّريفة النبويّة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام: مستقلّا بأعبائها، مستهلّا سحابه على أرجائها، إمرة تستوعب جميعها، وتستوعي لمراسمه رباها وربوعها وعاصيها ومطيعها، وتهائمها ونجودها، وقريبها وبعيدها، وكلّ ما يدخل لها في حدّ، وينتظم لها في عدّ، وأهل حاضرتها وباديتها، وما تقف عليه من السّحب ركائب رواعيها وغاديتها، ومن تتبسّم بهم ثناياها، وتتنسّم لهم أرواح بكرها وعشاياها، ومن يضمّهم جناحها المفضّل، ويلمّهم وشاحها المفصّل، ويجمعهم جيشها السائر، ويلفّهم في شملة الدّجى قمرها الزّاهر- تفويضا يدخل فيه كلّ شريف ومشروف، ومجهول ومعروف، ومستوطن من أهلها، وغريب انتهت [به] إليها مطارح سبلها، ما فيه تأويل، ولا تعليل، ولا استثناء، ولا انثناء، ولا تخرج منه الأرض المغبّرة ولا الرّوضة الغنّاء، لا شبهة فيه لداحض، ولا حجّة لمعارض؛ يستقلّ بها جميعها بدره التمام، وبرّه الغمام، وبحره الّذي يأبى فريده أن يؤاخى في نظام، وأمره الّذي يتلقّى به عن الثقة من سادات بيته مقاليد الأحكام، وتقاليد ما يجري به القلم ويمضي السيف الحسام، إفرادا في التحكيم، وأنفة لمثله من ضرر التّقسيم، وفرارا من الشّركة «2» المشتقة من الشّرك:

إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ «1» ، ولاية تامة، عامة، كاملة، شاملة، لا يبقى من أهل نجد من لا يدخل في حكمها، وينضاف إلى قسمها، تقابل السّوابق في غاياتها، وتقاتل الجحافل تحت راياتها، ويعدّ مع أهل بدر فيها، ويعدّ من حقوقها ما يوفّيها. وقد سبق من الوصايا ما فيه غنى، إلّا ما لا تخل العوائد به مما يذكر هنا؛ وقد حويت بحمد الله في جميع طباعك، وجميل انطباعك، من حقّ اعتزامك؛ وصدق التزامك، ما هو كالسّنا للشّمس، والمنى للنّفس، مما تحسد على شرفه النّجوم، وتنافس العلياء ما تعلق به الغيوم. فكمّل بتقوى الله شرفك، واتّبع في الشريعة الشّريفة سلفك؛ وكتاب الله المنزّل، أنتم أهل بيت فيكم تنزّل، وسنة جدّكم سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا تهمل، وهي مجدكم المؤثل، ومعرفة حقّ من مضى عنكم، وإلا فعمّن تنقل، ومنكم، وإلا فممّن تؤمّل، وإزالة البدع وإلّا فلأيّ شيء سيوفكم تصقل، و [لماذا] «2» رماحكم تعدّل؛ والرافضة وغلاة الشّيعة هم دنس من انتمى إلى هذا البيت الشريف بولائه، وسبب وقوف من يقصد الدّخول تحت لوائه؛ فهم وإن حسبوا من أمداده، ليسوا- وحاشى نوره الساطع- إلّا من المكثّرين لسواده؛ أرادوا حفظ المودّة في القربى فأخلّوا، وقصدوا تكثير عددهم فقلّوا، وأنف من هو بريء من سوء مذهبهم، أن يتظاهر بالولاء فيعدّ من أهل البدع بسببهم؛ مع أنّهم طمعوا في رضا الله فأخطأتهم المطامع، وصحيح أنّهم زادوهم عددا إلّا أنّها كزيادة الشّغياء «3» أو كزيادة الأصابع.

فصمّم عزمك على ما عاهدت الله عليه من رفع أيدي قضاتهم، ومنعهم هم ومن اتّبع خطوات الشّيطان في سبيل مرضاتهم، وحذّرهم ممّا لا يعود معه على أحد منهم ستر يسبل، ولا يبقى بعده لغير السّيف حكم يقبل؛ فمن خاض للسّلف الصالح يمّ ذمّ أغرق في تياره، أو قدح فيهم زناد عناد أحرق بناره؛ وألزم أهل المدينة الشريفة- على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم- بكلمة السنة فإنّها أوّل ما رفعت بتلك المواطن المعظّمة أعلامها، وسمعت في تلك الحجرة المكرّمة أحكامها، مع تعفية آثار ما ينشأ على هذه البدعة من الفتن حتّى لا ينعقد لها نقع مثار، وتوطئة أكناف الحمى لئلا يبقى به لمبطل في مدارج نطقه عثار؛ والوصية بسكّان هذا الحرم الشريف ومن ينزل به من نزيل، ويجاور به مستقرّا في مهاد إقامة أو مستوفزا على جناح رحيل، ومن يهوي إليهم من ركائب، ويأوي إليهم من رفقة مالت من نشوات الكرى بهم راقصات النّجائب، ومن يصل من ركبان الآفاق، وإخوان نوّى يتشاكون إليهم مرّ الفراق، ومن يتلاقى بهم من طوائف كلّهم في بيوت هذا الحيّ عشّاق، وأمم شتّى جموعهم: من مصر وشام ويمن وعراق، وما يصل معهم في مسيل وفودنا، وسبيل جودنا، ومحاملنا الشريفة الّتي ينصب لنا بها في كلّ أرض سرير، وأعلامنا الّتي ما سمّيت بالعقبان إلّا وهي إليها من الأشواق تطير؛ فمتى شعرت بمقدم ركابهم، أو برقت لك عوارض الأقمار من سماء قبابهم، فبادر إلى تلقّيهم، وقبّل لنا الأرض في آثار مواطيهم، وقم بما يجب في طاعة الله وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وطاعتنا [وأخرج عنهم كلّ يد ولا تخرجهم عن جماعتنا] «1» . وأهل البادية هم حزبك الجيش اللهام، وحربك إذا كان وقودها جثث وهام، وهم قوم لم يؤدّبهم الحضر، ولا يبيت أحد منهم لأنفته على حذر، فاستجلب بمداراتك قلوبهم الأشتات، وبادر حبال إبلهم النّافرة قبل البتات، وترقّب مراسمنا المطاعة إذا ذرّت لك مشارقها، وتأهّب لجهاد أعداء الله متى

لمعت لك من الحروب بوارقها، وأحسن كما أحسن الله إليك، ولولا أنّ السيف لا يحتاج إلى حلية لأطلنا حمائل ما نمليه عليك؛ فما شهد للشّريف بصحّة نسبه، أزكى من عمله بحسبه؛ والله تعالى يقوّي أسبابك المتينة، ويمتع العيون بلوامعك المبينة، ويمسك بك ما طال به إرجاف أهل المدينة، والاعتماد ... وهذه نسخة تقليد بإمرة المدينة النبوية، وهي: الحمد لله الّذي خصّ بالنّصرة، دار الهجرة، وأطلع للإيمان فجره، بتلك الحجرة، وطيّب طيبة وأودع فيها سليل الأسرة. نحمده حمدا نأمن به مكره «1» ، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة عبد تمسّك بالحجّ وتنسّك بالعمرة، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي شرّف الله قدره، وأنفذ أمره، وأيّده في ساعة العسرة، وكان أكرم الناس في العشرة، وأسخى العالمين إذ يبسط بالجود راحتيه فما أسمح عشره، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة ثبتت شجرتها من الأرض فاتّصلت فروعها بالسّدرة «2» ، وسلّم تسليما. وبعد، فإنّ المدينة النبوية معدن الهدى والوقار، ومسكن الرّضوان والأنوار، ومهبط الملائكة الأبرار، ومنزل الوحي في اللّيل والنهار، ودار الهجرة

للنبيّ المختار، وتربة مدفنه الزّاكي المعطار؛ تشدّ الرّحال إليها من أقاصي الأقطار، ويأتي إليها الظّالمون لأنفسهم بالاستغفار، فيرجعون وقد محيت عنهم الأوزار؛ فقلوب أهل الاشتياق مقيمة في فناء تلك الدّار، وإن كانت أجسامهم بعيدة من وراء البحار، وبها من آل البيت سادة أطهار، وأمراء كبار، يتقرّب إلى الله بحبّهم في الإعلان والإضمار، ويتوسّل بولائهم في دعوة الأسحار، قد ضمّوا إلى كرم الراحة، وسماحة الأنفس المرتاحة، شجاعة وبسالة، وعلويّة فعّالة، وتمسّكا بالمروءة المعروفة بشرف الأصالة؛ وهم يتوارثون إمرتها عن آباء سادات، وكرام لهم في الفضل عادات. ولما كان فلان هو بقية الأسرة المتضوّعة، وثمرة الشّجرة المتفرّعة، والمخصوص بالوصف الّذي رفعه، والقول الّذي اتّبعه حين سمعه- ما زال في المدينة النبويّة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام مشكور الطّريقة، محفوظ الوثيقة، معروف الحقيقة، موصوف الآثار الحسنة بين الخليقة، يجتني لكلّ صالحة من تلك الرّوضة الشريفة المثمرة الوريقة، ويحمي السّرح أن ينتهب، ويطفيء نار الفتن فما تلتهب، ويعظّم المجاورين والواردين والقادمين على حمى سيّد العجم والعرب. فلذلك رسم أن يستقرّ.......... فليحلّ هذا الرّبع المعمور بالتّقى، وليباشر هذه الإمرة الشّريفة زادها الله علوّا وارتقا، وليستعمل السكينة فإنّها جميلة اللّقا، وليسلك الأدب مع ساكن النّقا، وليعتمد على حسن اليقين فإنّه له وقا، وقد جاور العقيق فأصبح بقلائده الفاخرة مطوّقا، وليحكم بالعدل في بلد نشأ منه العدل والإنصاف فمنذ اجتمعا فيه ما افترقا، وليصن شرفه من الولوج في فتنة، وليغمد سيفه ولا يشهره في وقت محنة، ويحقن الدّماء أن تراق، ويتلقّ الزّوّار بالإرفاق، فإنّهم جاءوا من أقاصي الآفاق، رجالا وعلى النّياق، تحثّهم الصّبابة والأشواق. وكلمة الشّرع وشعار السّنّة فليكن معظّما لها باتفاق بغير شقاق، وشيخ

الحرم الشّريف وخدّامه ومجاوريه فليكرم محسنهم ويعامله بحسن الأخلاق، ويتجاوز عن مسيئهم بطيب أخلاق، وحواصل الحرم الشّريف المخزونة فيه فلتكن محميّة من التبذير في وقت الإنفاق، وتلك دار هم سكانها الطيّبو الأعراق؛ والتّقوى فمن بيتهم الشّريف آثارها الإشراق، وعليهم نزل الفرقان والتّحريم والطّلاق، فماذا عسى أن يوصيه وهو أهل الفضل على الإطلاق؛ والله تعالى يجعل نجاره في الفخر مجلّيه في السّباق، بمنّه وكرمه!. وهذه وصية لأمير المدينة أوردها في «التعريف» ، وهي: «1» فكمّل بتقوى الله شرفك، واتّبع في الشريعة الشريفة سلفك؛ وكتاب الله المنزّل، أنتم أهل بيت فيكم تنزّل، وسنة جدّك سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا تهمل، وهي مجدكم المؤثّل، ومعرفة حقّ من مضى، عنكم، وإلا فعمّن تنقل، ومنكم، وإلّا فممّن تؤمّل، وإزالة البدع وإلّا فلأيّ شيء سيوفكم تصقل، ولماذا رماحكم تعدّل، والرافضة وغلاة الشّيعة هم دنس من انتمى إلى هذا البيت الشريف بولائه، وسبب وقوف من يقصد الدّخول تحت لوائه؛ فهم وإن حسبوا من أمداده، ليسوا- وحاشى نوره الساطع- إلا من المكثّرين لسواده؛ أرادوا حفظ المودّة في القربى فأخلّوا، وقصدوا تكثير عددهم فقلّوا، وأنف من هو بريء من سوء مذهبهم، أن يتظاهر بالولاء فيعدّ في أهل البدع بسببهم؛ مع أنّهم طمعوا في رضا الله فأخطأتهم المطامع، وصحيح أنّهم زادوهم عددا إلّا أنّها كزيادة [الشّغياء أو كزيادة] «2» الأصابع. فصمّم عزمك على ما عاهدت الله عليه من رفع أيدي قضاتهم، ومنعهم من اتّباع خطوات الشيطان في سبيل مرضاتهم، وحذّرهم مما لا يعود معه على أحد منهم ستر يسبل، ولا يبقى معه لغير السّيف حكم يقبل؛ فمن خاض

للسّلف الصالح يمّ ذمّ أغرق في تيّاره، أو قدح فيهم زناد عناد أحرق بناره؛ وألزم أهل المدينة الشريفة النبويّة بكلمة السّنّة فإنّها أوّل ما رفعت بتلك المواطن المعظمة أعلامها، وسمعت في تلك الحجرة المكرّمة أحكامها، مع تعفية [آثار] «1» ما ينشأ على هذه البدعة من الفتن حتّى لا ينعقد لها نقع مثار، وتوطئة أكناف [ذلك] «2» الحمى لئلا يبقى به لمبطل في مدارج نطقه عثار؛ والوصيّة بسكّان هذا الحرم الشريف على الحالّ به أفضل الصلاة والسلام ومن ينزل به من نزيل، ويجاور به مستقرّا في مهاد إقامة أو مستوفزا على جناح رحيل، ومن يهوي إليهم من ركائب، ويأوي إليهم من رفقة مالت من نشوات الكرى بهم راقصات النّجائب، ومن يصل من ركبان الآفاق، وإخوان نوى يتشاكون إليهم مرّ الفراق، ومن يتلاقى بها من طوائف كلّهم في بيوت هذا الحيّ عشّاق، وأمم شتّى جموعهم من مصر وشام [ويمن] «3» وعراق، وما يصل معهم في مسيل وفودنا، وسبيل جودنا، ومحاملنا الشريفة الّتي ينصب لنا بها في كلّ أرض سرير، وأعلامنا الّتي ما سمّيت بالعقبان إلّا وهي إليها من الأشواق تطير. فمتى شعرت بمقدم ركابهم، أو برقت [لك] «4» عوارض الأقمار من سماء قبابهم، فبادر إلى تلقّيهم، وقبّل لنا الأرض في آثار مواطيهم، وقم بما يجب في طاعة الله وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وطاعتنا، وأخرج عنهم كلّ يد ولا تخرجهم عن جماعتنا. وأهل البادية هم حزبك الجيش اللهام، وحربك إذا كان وقودها جثث وهام، وهم قوم لم يؤدّبهم الحضر، ولا يبيت أحد منهم لأنفته على حذر، فاستجلب بمداراتك قلوبهم الأشتات، وبادر حبال إبلهم النّافرة قبل الانبتات، وترقّب مراسمنا المطاعة إذا ذرّت لك مشارقها، وتأهّب لجهاد أعداء الله متى لمعت لك من الحروب بوارقها، وأحسن كما أحسن الله إليك؛ ولولا أنّ السّيف لا يحتاج إلى حلية لأطلنا حمائل ما نمليه عليك؛ فما شهد للشّريف

الوظيفة الثانية (القضاء)

بصحّة نسبه، أزكى من عمله بحسبه، والله تعالى يقوّي أسبابك المتينة، ويمتع العيون بلوامعك المبينة، ويمسك بك ما طال به إرجاف أهل المدينة. الوظيفة الثانية (القضاء) وكان في الزّمن القديم بها قاض واحد شافعيّ، ثم استقرّ بها قاضيان آخران: حنفيّ ومالكيّ، يكتب لكلّ منهم توقيع في قطع الثلث ب «الساميّ» بالياء. وهذه نسخة تقليد بقضاء الشافعية بالمدينة النبوية: الحمد لله الّذي جعل الشرع الشريف دافق السّيول، وفي طيبة له الأصول، ومنها نشأ وتفرّع فله في البسيطة عموم وشمول، وكلّ قطر به مشمول، وكل ربع به مأهول، وتأكّد به المعلوم وتبدّد به المجهول، وزالت الشرائع كلّها وهو إلى آخر الدّهور لا يزول. نحمده وحمده يطول، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة عمرت [بها] «1» طلول، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله أشرف رسول، وأكرم مأمول، وأفضل مسؤول، ومهنّد من سيوف الله مسلول، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبي الفروع والأصول، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ الشرع الشريف معدنه في أرض ثوى خير الرّسل فيها، ومنشؤه في بلد ملائكة الله تحميها؛ فلا يلي أقضية الناس إلّا من طالت ذوائب علمه، وأشرقت ثواقب فهمه، وبنيت على الأصول قواعد حكمه، وتحلّى بالورع فتجلّى في سماء النجاة كنجمه. ولما كان فلان هو الّذي جذبته السعادة إلى مقرّها، وخطبته المغفرة إلى

الوظيفة الثالثة (مشيخة الحرم الشريف)

موطن برّها، وأهّلته الأقدار إلى جوار نبيّ هو خاتم الأنبياء وفاتح أمرها، وأصبح للحكم في المدينة، مستحقّا لما فيه من سكينة، وتحصيل للعلم ومن حصّل العلم كان الله معينه. فلذلك رسم أن يستقرّ............. فليباشر منصبا جليلا في محلّ جليل، وليعلم أنّ سائر الأمصار تغبطه وتحسده وما لمنصبه من مثيل؛ أين يوجد سواه في كل سبيل؟ من قاض هو بسيّد المرسلين نزيل، ومن يصبح ويمسي جارا للمستجير في المحشر الطّويل. فاحكم بين ناس طيبة بورع وتأصيل، وتحرير في تحريم وتحليل، واتّق الله في كلّ فعل وقيل، واستقم على الحقّ حذار أن تميل؛ فصاحب الشّرع أنت منه قريب والنبيّ من الله قريب وحبيب وخليل، وماذا عسى أن نوصيه وهو بحمد الله تعالى كالنّهار لا يحتاج إلى دليل. وأما الخطابة: فارق درج منبرها، وشنّف الأسماع من ألفاظك بدرّها وحرّر ما تقوله من المواعظ فإن صاحب العظات يسمعك، وتواضع لله فإنّ الله يرفعك؛ وهذا المرقى فقد قام فيه النبيّ الأميّ سيد الثّقلين، ومن بعده الخليفتان قرّتا العين، ومن بعدهما عثمان ذو النّورين، وعليّ رضي الله عنه أبو الحسنين؛ فاخشع، عند المطلع، واصدع، بما ينفع، وانظر لما تقوله فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم هناك يسمع، وقاضي المدينة وخطيبها يرجو أن ليس للشيطان فيه مطمع؛ والله تعالى يحوز له الخير ويجمع، بمنّه وكرمه!. الوظيفة الثالثة (مشيخة الحرم الشريف) وقد جرت العادة أن يكون له خادم من الخصيان المعبّر عنهم بالطّواشيّة، يعيّن لذلك من الأبواب السلطانية، ويكتب له توقيع في قطع الثلث ب «المجلس الساميّ» بالياء مفتتحا ب «الحمد لله» .

وهذه نسخة توقيع شريف من ذلك: الحمد لله الّذي شرف بخدمة سيدّ الرّسل الأقدار، وفضل بالتأهّل للدّخول في عداد كرمه بخدمته من اختاره لذلك من المهاجرين والأنصار، وجعل الاختصاص بمجاورة حرمه أفضل غاية تهجر لبلوغها الأوطان والأوطار، وعجّل لمن حلّ بمسجده الشريف تبوّأ أشرف روضة تردها البصائر وترودها الأبصار. نحمده على نعمه الّتي أكملها خدمة نبيّه الكريم، وأفضلها التّوفّر على مصالح مجاوري قبر رسوله الهادي إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم، وأجملها الانتظام في سلك خدمة حرمه [لأنها] بمنزلة واسطة العقد الكريم النّظيم، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة مزلفة لديه، مقرّبة إليه، مدّخرة ليوم العرض عليه، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله أشرف نبيّ بعث إلى الأسود والأحمر، وأكرم من أنار ليل الشّرك بالشّرع الأقمر، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين فخرت الحبشة بهجرتهم الأولى، ونجا النّجاشيّ بما اتّخذ عندهم من السّابقة الحسنة واليد الطّولى، وأولي بلالهم من السّبق إلى خدمة أشرف الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام أفضل ما يولى، صلاة لا يزال شهابها مرشدا، وذكرها في الآفاق مغيرا ومنجدا وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى [من] «1» اعتمد عليه من أفاء الله عليه من نعمه، وأفاض عليه من ملابس كرمه، وشرّف قدره بأن أهّله لخدمة سيد الرّسل بل لمشيخة حرمه، وخصّه برتبة هي أسنى الرّتب الفاخرة، وأجمع الوظائف لشرف الدّنيا والآخرة- من رجّحه لذلك دينه المتين، وورعه المكين، وزهده الّذي بلغ به إلى هذه الرتبة الّتي سيكون بها- إن شاء الله تعالى- وجيها في الدّنيا والآخرة ومن المقرّبين. ولمّا كان فلان هو الّذي أدرك من خدمة سيّد الرسل غاية سوله، وزكت

عند الله هجرته الّتي كانت على الحقيقة إلى الله ورسوله، وسلك في طريق خدمته الشّريفة أحسن السّلوك، وانتهت به «1» السّعادة إلى خدمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليعرض بجوهرها الأعلى عن عرض خدمة الملوك، وفاز من مجاورة الحجرة الشريفة بما عظمت عليه [به] «2» المنّة، وحلّ به مما بين القبر والمنبر في روضة من رياض الجنّة، وأقام في مقام جبريل، ومهبط الوحي والتنزيل، يتفيّأ ظلال الرّحمة الوارفة، ويتهيّأ من تلك النّعمة بالعارفة بعد العارفة- تعيّن أن يكون هو المحلّى بعقود مشيخة ذلك الحرم، والمتولّي لمصالح هذه الطائفة الّتي له في التّقدّم عليهم أثبت قدم. فرسم بالأمر الشريف لا زال......... أن تفوّض إليه المشيخة على خدّام الحرم الشريف النّبويّ: للعلم بأنّه العامل الورع، والكافل الّذي يعرف أدب تلك الوظيفة: من خدمة الرسول صلّى الله عليه وسلم- على ما شرع، والزّاهد الّذي آثر جوار نبيّه على سواه، والخاشع الّذي نوى بخدمته الدّخول في زمرة من خدمه في حياته: «ولكلّ امريء ما نواه» . فليستقرّ في هذه الوظيفة الكريمة قائما بآدابها، مشرّفا بها نفسه الّتي تشبّثت من خدمته الشريفة بأهدابها، سالكا في ذلك ما يجب، محافظا على قواعد الورع في كلّ ما يأتي وما يجتنب، قاصدا بذلك وجه الله الّذي لا يخيّب لرابح أملا، ولا يضيّع أجر من أحسن عملا، ملزما كلّا من طائفة الخدّام بما يقرّبه عند الله زلفى، ويضاعف الحسنة الواحدة سبعين ضعفا، هاديا من ضلّ في قوانين الخدمة إلى سواء السبيل، مبديا لهم من آداب سلوكه ما يغدو لهم منه أوضح هاد وأنور دليل؛، وفيه من آداب دينه ما يغني عن تكرار الوصايا، وتجديد القضايا؛ والله تعالى يسدّده في القول والعمل، ويوفّقه لخدمة سيّد المرسلين صلّى الله عليه وسلّم وقد فعل؛ بمنّه وكرمه.

القاعدة الثالثة الينبع (وبها وظيفة واحدة، وهي النيابة)

القاعدة الثالثة الينبع «1» (وبها وظيفة واحدة، وهي النيابة) وقد تقدّم أنّ نيابتها في بني الحسن، من بني قتادة أيضا. وعدل بها عن لفظ الإمارة إلى لفظ النيابة تصغيرا لشأنها عن مكّة والمدينة. ويكتب لنائبها مرسوم شريف في قطع الثلث «بالمجلس السامي» بغير ياء. وهذه نسخة مرسوم شريف بنيابة الينبع، كتب به «لمخذم بن عقيل» في عاشر رجب الفرد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، من إنشاء المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله، وهو: الحمد لله الّذي أتمّ لدولتنا الشريفة أنعما، وأحسن في تقديم شريف كلّ قوم تقدّما، وأمضى في كفّ كفّ الأعداء رمحا سمهريّا وسيفا مخذما «2» نحمده حمدا يكاثر عدد القطر إذا همى، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تؤمّن بالإدمان عليها منجدا ومتهما، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي شرّف من إليه انتمى، وعلى نسبه الشريف ارتمى، وبجواره المنيع احتمى، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين طلعوا في صباح كلّ نهار شموسا وفي عشيّة كلّ ليل أنجما، وسلّم تسليما. وبعد، فإنّ أولى من أعدنا له سعادة جدّه، وعدنا إلى عوائده الحسنى لأبيه وجدّه، ورعت صدقاتنا الشريفة قصده الجميل، وشرفه الّذي سما به من أصله إلى النّجم فرع لا ينال طويل، وأقرّت عينه بسكنه، واستقرّت به مراسمنا العالية في مسكنه، وأغنته عنايتنا الشريفة عن انتظار كلّ نجم سعادة يطلع، وبعثت إليه كلّ خير إلى وطنه وهو «ينبع» ، منزلة نسبه الصّميم، والحسب الّذي يتمسّك به

في قومه كلّ كريم، والشّرف الّذي أنارت كواكبه، والوصف الّذي ينظم الدّرّ ثاقبه «1» ولمّا كان المجلس السّامي، الأمير الأجلّ، الكبير، الشريف، الحسيب، النّسيب، الأوحد، العضد، النصير، الأصيل، فلان الدين، مجد الإسلام، زين الأنام، شرف الأمراء الأشراف، فخر العترة الطّاهرة، جمال الأسرة الزاهرة، نسيب الخلافة، عضد الملوك والسلاطين «مخذم بن عقيل» أيّده الله تعالى- هو الّذي تقدّمت إليه كلّ إشارة، وحسنت به كلّ شارة، وتعجّلت له بمراضينا الشريفة من مخلّق الشّفق كلّ بشارة، وحصل في الينبع ما حصل من الاعتداء، وامتدّت الأيدي به إلى ما كان لحجّاج بيت الله من وديعة، وظنّ أنّه لا يشيع خبره في البيداء، فخالف «2» الواجب وتعدّى الشّريعة، فاقتضت آراؤنا الشريفة تفويضها إلى العارف منها بما يجب، العالم من طريق سلفه الصّالح بما يأتي فيها ويجتنب، العامل في طاعتنا الشريفة بما هو به وبمثله من أهل الشّرف يليق، الماشي في خدمتنا الشريفة وفي خدمة الوفود إلى بيت الله الحرام على الطّريق. فرسم بالأمر الشريف- أعلاه الله تعالى وشرفه، وأنفذه وصرّفه- أن تفوّض إليه النيابة بالينبع على عادة من تقدّمه وقاعدته إلى آخر وقت. فليقدّم تقوى الله في كلّ ما تقدّم، ويقف مع حكم الشرع الشريف فإنّه المهمّ المقدّم، وليستوص بالحجّاج خيرا فإنّهم وفد الله وهو عليه سيقدم، وليؤمّن الطّريق فإنّه بين حرمين: بيت الله ومسجد رسوله صلّى الله عليه وسلم، وليحفظ أمانة الله فيما يخلّي ويخلّف عنده الحجاج- كتب الله سلامتهم- من وداعة «3» ،

القسم الرابع (مما يكتب من الولايات عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية - ما يقع على سبيل الندور

وليأخذ بقلوب الجلّابة فإنّهم في توسيعهم على أهل الحرمين كالمتصدّقين وإن كانوا تجارا ببضاعة، وليوصّل من تأخّر من أبناء السبيل إلى مأمنهم، وليخصّ بالعدل أهل بلده ليستقرّوا آمنين في موطنهم؛ والرّفق فهو الّذي بحلله يزيّن، وبحليه يستحسن، والّتأنّي في معرفة الحقّ من الباطل فإنّ به الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الباطل يبيّن، ولزوم الطاعة، التي أوجبها الله لنا على عباده وندب إليها، وملازمة الجماعة، التي يكفيه من بركاتها أنّ يد الله عليها، وإقامة الخدمة فيما قبله من البلاد، وكلّ حاضر وباد، وكلّ من كاد أو كاد، أو تعرّض لعناد العباد؛ فمن أقدم على محذور، أو تقدّم إلى محظور، أو ارتكب في الخلاف أمرا من الأمور، فجرّه بالبغي إلى مصرعه، وحرّك السيف لمضجعه، ودع الرّمح الّذي اعتقله للشّقاق يبكي للإشفاق عليه بأدمعه؛ وقد رأيت كيف طريقتنا المثلى، وسيرتنا الّتي لا تجد لها مثلا؛ فاسلك هذه المحجّة، وحسبك أن تتّخذ بينك وبين الله حجّة؛ وفي هذا عن بقية الوصايا غنى، والله يزيل عنك الخوف في الخيف ويبلّغك المنى في منى؛ والاعتماد....... القسم الرابع «1» (مما يكتب من الولايات عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية- ما يقع على سبيل النّدور ، وهو الّذي يقع في حين من الأحيان من غير أن يسبق له نظير) قال الشّيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ في «حسن التوسل» : ويحتاج الكاتب فيه إلى حسن التّصّرف على ما يقتضيه الحال. [فمن ذلك] ما يكتب به للنيابة الخارجة عن المملكة إذا رغب فيها متوليها. وهذه نسخة تقليد شريف من ذلك، كتب به المولى الفاضل شهاب الدين

محمود الحلبيّ لمتملّك سيس، بإقراره على ما هو قاطع النّهر من بلاده، وهي «1» : الحمد لله الّذي خصّ أيّامنا الزاهرة، باصطناع ملوك الملل، وفضّل دولتنا القاهرة، بإجابة من سأل بعض ما أحرزته لها البيض والأسل، وجعل من خصائص ملكنا إطلاق الممالك وإعطاء الدّول، والمنّ بالنّفوس الّتي جعلها النّصر لنا من جملة الخول، وأغرى عواطفنا بتحقيق رجاء من مدّ إلى عوارفنا كفّ الأمل، وأفاض بمواهب نعمائنا، على من أناب إلى الطاعة حلل الأمن بعد الوجل، وانتزع بآلائنا، لمن تمسّك بولائنا، أرواح رعاياه من قبضة الأجل، وجعل برد العفو عنه وعنهم بالطاعة نتيجة ما أذاقهم العصيان من حرارة الغضب: إذ ربّما صحّت الأجسام بالعلل. نحمده على نعمه الّتي جعلت عفونا ممّن رجاه قريبا، وكرمنا لمن دعاه بإخلاص الطاعة مجيبا، وبرّنا لمن أقبل إليه مثيبا بوجه الأمل منيبا، وبأسنا مصيبا لمن لم يجعل الله له في التّمسك بمراحمنا نصيبا، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تعصم دم من تمسّك بذمامها، وتحسم موادّ من عاندها بانتقام حسامها، وتفصم عرى الأعناق ممّن أطمعه الغرور في انفصال أحكامها وانفصامها، وتقصم من قصد إطفاء ما أظهره الله من نورها واقتطاع ما قضاه من دوامها، وتجعل كلمة حملتها هي العليا ولا «2» تزال أعناق جاحديها في قبضة أوليائها وتحت أقدامها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله المبعوث بالهدى ودين الحقّ إلى كلّ أمّة، المنعوت في الكتب المنزّلة بالرأفة والرّحمة، المخصوص مع عموم المعجزات بخمس: منها «3» الرّعب الّذي كان يتقدّمه إلى من قصده ويسبقه مسيرة شهر إلى من أمّه، المنصوص في الكتب «4» المحكمة

على جهاد أمّته الذين لا حياة لمن لم يتمسّك من طاعتهم بذمّة، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين فتحوا بدعوته الممالك، وأوضحوا بشرعته إلى الله المسالك، وجلوا بنور سنّته عن وجه الزّمن كلّ حال حالك، وأوردوا من كفر بربّه «1» ورسله موارد المهالك، ووثقوا بما وعد الله نبيّه حين [زوى له مشارق الأرض ومغاربها من أنّ ملكهم سيبلغ إلى ما زوى الله له من ذلك] «2» صلاة لا تزال الأرض لها مسجدا، ولا يبرح ذكرها مغيرا في الآفاق ومنجدا، ما استفتحت ألسنة الأسنّة النّصر بإقامتها، وأبادت أعداءها باستدامتها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّه لما آتانا الله ملك البسيطة، وجعل دعوتنا بأعنّة ممالك الأقطار محيطة، ومكّن لنا في الأرض، وأنهضنا من الجهاد في سبيله بالسّنّة والفرض، وجعل كلّ يوم تعرض فيه جيوشنا من أمثلة يوم العرض، وأظلّتنا بوادر الفتوح، وأظلّت على الأعداء سيوفنا الّتي هي على من كفر بالله وكفر النّعمة «3» دعوة نوح، وأيّدنا بالملائكة والرّوح، على من جعل الواحد سبحانه ثلاثة: فانتصر بالأب والابن والرّوح، وألقت إلينا ملوك الأقطار السّلام، وبذلت كرائم بلادها وتلادها رغبة في الالتجاء [من عفونا] «4» إلى ظلّ أعلى من الأعلام، وتوسّل من كان منهم يظهر الغلظة بالذّلّة والخضوع، وتوصّل من كان منهم يبدي القوّة بالإخلاص الّذي رأوه لهم أقوى الجنن وأوقى الدّروع- عاهدنا الله تعالى أن لا نردّ منهم آملا، ولا نصدّ عن مشارع كرمنا ناهلا، ولا نخيّب من إحساننا راجيا، ولا نحلّيء «5» عن ظلّ برّنا لاجيا؛ علما أنّ ذلك شكر للقدرة الّتي جعلها الله لنا على ذلك الآمل، ووثوقا بأنّه حيث كان في قبضتنا متى نشاء نجمع عليه الأنامل؛ اللهمّ إلّا أن يكون ذلك اللّاجيء للغلّ مسرّا، وعلى عداوة الإسلام مصرّا، فيكون هو

الجاني على نفسه، والحاني «1» على موضع رمسه، والمفرّط في مصلحة يومه وغده بتذكير «2» عداوة أمسه. ولمّا كان من تقدّم بالمملكة الفلانية قد زيّن له الشيطان أعماله، وعقد بحبال الغرور آماله، وحسّن له التّمسّك بالتّتار الذين هم بمهابتنا محصورون في ديارهم، مأسورون في حبائل إدبارهم، عاجزون عن حفظ ما لديهم، قاصرون عن ضبط ما استلبته السّرايا «3» المنصورة من يديهم، ليس منهم إلّا من له عند سيوفنا ثار، ولها في عنقه آثار، ومن يعلم أنّه لا بدّ له عندنا من خطّتي خسف: إمّا القتل أو الإسار. وحين تمادى المذكور في غيّه، وحمله الغرور على ركوب جواد بغيه، أمرنا جيوشنا المنصورة فجاست خلال تلك الممالك، وداست حوافر خيلها ما هنالك، وساوت في عموم القتل والأسر بين العبد والحرّ والمملوك والمالك، وألحقت رواسي جبالهم بالصّعيد، وجعلت حماتهم كزروع فلاتهم منها قائم وحصيد؛ فأسلمهم الشيطان ومرّ، وتركهم وفرّ، وماكرهم وماكر، وأعلمهم أنّ موعدهم الساعة والساعة أدهى وأمرّ، وأخلفهم ما ضمن لهم من العون، وقال لهم: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ «4» وكان الملك فلان ممّن تدبّر طرق النّجاة فلم ير إليها سوى الطّاعة سبيلا، وتأمّل أسباب النّجاح فلم يجد عليها غير صدق الانتماء دليلا؛ فأبصر بالخدمة موضع رشده، وأدرك بسعيه نافر سعده، وأراه الإقبال كيف ثبتت قدمه في الملك الذي زلت عنه قدم من سلف، وأظهر له الإشفاق على رعاياه مصارع من أورده سوء تدبير أخيه موارد التّلف، وعرّفه التمسّك بإحساننا كيف احتوت يده على

ما لم يبق غضبنا في يد أخيه منه إلّا الأسى والأسف، وحسّنت له الثّقة بكرمنا كيف يجمل الطّلب، وعلّمته الطاعة كيف يستنزل عوارفنا عن بعض ما غلبت عليه سيوفنا: وإنّما الدنيا لمن غلب، وانتمى إلينا فصار من خدم أيّامنا، وصنائع إنعامنا، وقطع علائقه من غيرنا، فلجأ منّا إلى ركن شديد، وظلّ مديد، ونصر عتيد، وحرم [يأوي أمله] «1» إليه، وكرم تقرّ نضارته ناظريه، وإحسان يمتّعه بما أقرّه عطاؤنا في يديه، وامتنان يضع عنه إصره والأغلال الّتي كانت عليه- اقتضى إحساننا أن نغضي له عن بعض ما حلّت جيوشنا ذراه، وحلّت سطوات عساكرنا عراه، وأضعفت عزمات سرايانا قواه، ونشرت طلائع جنودنا ما كان ستره صفحنا عنهم من عورات بلادهم وطواه، وأن نخوّله بعض ما وردت خيولنا مناهله، ووطئت جيادنا غاربه وكاهله، وسلكت كماتنا فملكت دارسه وآهله، وأن [نبقي مملكة] «2» هذا البيت الّذي مضى سلفه في الطاعة عليه، ويستمرّ ملك الأرمن «3» الذي أجمل السّعي في مصالحه بيديه، لتتيمّن رعاياه به، ويعلموا أنّهم أمنوا على أرواحهم وأولادهم بسببه، [ويتحقّقوا أن أثقالهم بحسن توصّله إلى طاعتنا قد خفّت، وأنّ بوادر الأمن بلطف توسّله إلى مراضينا قد أطافت بهم وحفّت، وأنّ سيوفنا التي كانت مجرّدة على مقاتلهم بجميل استعطافه قد كفتهم بأسها وكفّت، وأن سطوتنا الحاكمة على أرواحهم قد عفت عنهم بملاطفته وعفّت؛ فرسم أن يقلّد كيت وكيت ويستقرّ بهذه المملكة الفاسدة استقرارا لا ينازع في استحقاقه، ولا يعارض فيما سبق من إعطائه له وإطلاقه، ولا يطالب عنه بقطيعة، ولا يطلب منه بسببه غير] «4» طوية مخلصة ونفس مطيعة، ولا تخشى عليه يد جائرة، ولا سريّة في طلب الغرّة سائرة، ولا تطرق كناسه أسد جيوش مفترسة، ولا سباع نهاب مختلسة؛ بل تستمرّ بلاده المذكورة في ذمام

رعايتنا، وحضانة عنايتنا، وكنف إحساننا، ووديعة برّنا وامتناننا؛ لا تطمح إليها عين معاند، ولا يمتدّ إليها إلّا ساعد مساعد وعضد معاضد. فليقابل هذه النّعمة بشكر الله الّذي هداه إلى الطاعة، وصان بإخلاص ولائه نفسه ونفائس بلاده من الإضاعة، وليقرن ذلك بإصفاء موارد المودّة، وإضفاء ملابس الطاعة الّتي لا تزداد بحسن الوفاء إلا جدّة، واستمرار المناصحة في السّرّ والعلن، واجتناب المخادعة ما ظهر منها وما بطن، وأداء الأمانة فيما استقرّ معه الحلف عليه، ومباينة ما يخشى أن يتوجّه بسببه وجه عتب إليه، واستدامة هذه النّعمة بحفظ أسبابها، واستقامة أحوال هذه المنّة برفض موجبات الكدر واجتنابها، وإخلاص النّيّة الّتي لا تعتبر ظواهر الأحوال الصالحة إلّا بها. ومن ذلك ما يكتب به لحكم رماة البندق «1» . قد جرت العادة أنه إذا كان للسلطان عناية برمي البندق، أقام لرماته حاكما من الأمراء الذين لهم عناية برمي البندق. وهذه نسخة توقيع من ذلك: الحمد لله الّذي خصّ أيّامنا الزاهرة، باستكمال المحاسن في كلّ مرام، وجعل [من] أولياء دولتنا القاهرة، من أصاب من كلّ مرمى بعيد شاكلة الصّواب حتّى أصبح حاكما فيه بين كلّ رام، وجمع لخواصّنا من أشتات المفاخر ما إذا برزوا فيه للرياضة ليلا [أغنت] «2» قسيّهم عن الأهلّة ورجومها عن رجوم الظّلام،

وسدّد مقاصد أصفيائنا في كلّ أمر فما شغلوا بمسرّة سرّ إلا وكانت من أقوى أسباب التّمرّن على خوض الغمرات العظام، واقتحام الحرب اللهام، واشتمال جلابيب الدّجى في مصالح الإسلام. نحمده على نعمه الوسام، وأياديه الجسام، وآلائه الّتي ما برحت بها ثغور المسارّ دائمة الابتسام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تعصم من الزّلل، وتؤمّن من الزّيغ والخلل، وتلبس المتمسّك بها من أنوار الجلالة أبهى الحلل، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله المنزّه عن الهوى، المخصوص بالوحي الّذي علّمه شديد القوى، الدّالّ على اعتبار الأعمال بصّحة القصد بقوله صلّى الله عليه وسلم: «إنّما الأعمال بالنّيات وإنّما لكلّ امريء ما نوى» ، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين وفّق الإخلاص مساعيهم، ووفّر الإيمان دواعيهم، صلاة دائمة الاتّصال، مستمرّة الإقامة بالغدوّ والآصال، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّه لمّا كان رمي البندق من أحسن ما لهت به الكماة، في حال سلمها، ومن أبهج ما حفظت به الرّماة، حياة نفوسها وعزّة عزمها، على ما فيه من اطّراح الراحة واجتنابها، واستدعاء الرّياضة واجتنائها، وخوض الظّلمات في الظّلام، وتوخّي الإصابة في غمرات الدّجى الّتي تخفى فيها المقاتل على حدق السّهام، وارتقاب ظفر، يسفر عنه وجه سفر، ومهاجمة خطر، تفضي إلى بلوغ وطر- وله شرائط تقتضي التقدّم بين أربابه، وقواعد لا يخالفها «1» من كان مبرّزا في أصحابه، وأدوات كمال، لا بدّ للمتحلّي بهذه الرّتبة منها، وحسن خلال، تهدر أعمال من بعد عليه مرامها وقصرت مساعيه عنها، وعوائد معلومة، بين أرباب هذا الشّأن وكبرائه، ومقاصد مفهومة، فيما يتميز به المصيب الحاذق على نظرائه. ولمّا كان الجناب العالي الفلانيّ ممّن يشار إليه في هذه الرتبة ببنان

التّرجيح، ويرجع إلى أقواله فيما اقتضى التّعديل فيما بين أربابها والتّجريح، ويعمل فيها بإشارته الخالصة من الهوى والأغراض، ويعوّل فيها على قدم معرفته المميزة بين أقدار الرّماة مع تساوي إصابة الأغراض، لاحتوائه على غايات الكمال فيها، وسبقه منها إلى مقامات حسان لا يعطيها حقّها [إلا] «1» مثله ولا يوفّيها- اقتضى رأينا الشريف أن نعدق به أحكامها، ونرّد إلى أمره ونهيه كبراءها وحكّامها. فرسم بالأمر الشريف أن يكون حاكما في البندق لما يتعين من اختصاصها بجنابه، ويتبين من أولويّته بالحكم في هذا الفنّ على سائر أربابه. فليل ذلك حاكما بشروطه اللّازمة بين أهله، المعتبرة بها خلال الكمال في قول كلّ أحد منهم وفعله، المميّزة بين تفاوت الرّماة بحسب كيفية الرّمي وإتقانه، المرجحة في كثرة الطّير بإمكانه له في وقت البروز ومكانه، المهدرة ما يجب بين أهل هذا الفنّ إهداره، المثبتة ما يتعيّن في كمال الأدوات إثباته في قدم الكبراء وإقراره؛ وليعمل في ذلك جميعه بما تقتضيه معرفته المجمع في فنّه عليها، ويتقدّم فيها بما تدله عليه خبرته الّتي ما برح وجه الاختيار مصروفا إليها؛ والله تعالى يسدّده في القول والعمل، ويبلّغه مراتب الرّفعة في خلاله الجميلة وقد فعل؛ والخير يكون، إن شاء الله تعالى. قلت: وربّما كان المرسوم المكتتب لمن هو دون من تقدّم من أمير عشرة أو من في معناه، فيفتتح ب «أما بعد» ويكمل على نحو ما تقدّم. وهذه نسخة ثانية لحاكم البندق، مفتتحة ب «أما بعد» وهي: أمّا بعد حمد الله الّذي لا معقّب لحكمه، ولا يعزب شيء عن علمه، ولا قنوط من رحمته وسعة حلمه، ملهم أهل محاربة أعداء دينه بالرّياضة لها في أيّام سلمه، ومنجز وعود السّعود لمن كان النّجم مبدأ همّته، والصّدق حلّة

سجيّته، والعزّ حلية اسمه، والصّلاة والسلام على سيدنا محمد الّذي هدى الله بنور ملّته العادلة من تردّى في ظلمات ظلمه، ورفع منار النّبوّة بما خصه به من افتتاح التقدّم في رتبتها وختمه، وعلى آله وصحبه الّذي سرى كلّ منهم إلى غاية الكمال على نجائب همّته وجياد عزمه- فإنّ أولى من رعيت له أسباب قدمه وتقدّمه، وفتحت له أبواب حكمه في رتبته وتحكّمه، وأعيد إلى مكانته الّتي رقاها باستحقاقه قديما، ورفع إلى منزلته الّتي لم يزل بقواعدها خبيرا وبأوضاعها عليما- من ارتقى في رتبته إلى نجم أفقها، واقتدى في مناهجه بدليل مسالكها وطرقها، فأتى في مصالحها بيوت الإصابة من أبوابها، ونقل فيها أوضاع الإجادة عمّن كان أدرى بها، وتقدّم فيها تقدّم هجرته وسبق قدمه، وبلغ في مقاماتها الغاية بين وثبات ساعده وثبات قدمه، وجمع من أشتات الطّير ما افترق في غيره، وحوى من السّبق إلى أنواعها ما حكم بسعد نجمه ويمن طيره؛ فكم ليلة أسفر فيما أبرزوه عن صباح نجاحه، وكم طائر زاحم النّسرين بقوادمه أصبح لديه محمولا بجناحه، وكم أنزلت أهلّة قسيّة الطير على حكمها، وكم حكت بنادقه في رجوم الطّير المحلّقة إلى السماء انقضاض نجمها، وكم أبصر مقاتل الطّير وهي من اللّيل في ظلمات بعضها فوق بعض، وكم اشتغل من الطير الواجب «1» بندب رمي لم يشغله من إعداد الأهبة للجهاد عن الفرض، حتّى كاد النّسر الطائر إذا توهّم أنّ الهلال قوسه يغدو كأخيه واقعا، والمرزم «2» المحلّق في الأفق يمسي لإشارة بنادقه الصّمّ متتبّعا، حتى أصبح وهو الكبير في فنّه بآداب التعريف، وأضحى وهو الخبير بنوعه بطريق النّقل والتّوقيف. ولمّا كان فلان هو كبير هذا الفنّ وخبيره، ومقدّم هذا النّوع الّذي لم يزل بنجلائه عظيم كلّ عصر وأميره، وقديم هذا المرمى الّذي جلّ المراد به الجدّ لا

اللّعب، وأليف هذا المرام الّذي ينشط إليه اللّاعب ويستروح إليه التّعب- اقتضى الرأي الشريف أن نجعله حاكما في هذه الرتبة الجليلة بما علم أو علّم منها، فاصلا بين أهلها بمعرفته الّتي ما برحت يؤخذ بها في قواعدها وينقل عنها- فرسم بالأمر الشريف أن يكون حاكما في البندق. فليستقرّ في هذه الرتبة الّتي تلقّاها، بيمين كفايته ويمنه، وارتقاها، بتفرّده في نوعه وتقدّمه في فنّه، وليعتمد الإنصاف في أحكام قواعدها، وإجراء أمر أربابها على أحوالها المعروفة وعوائدها، وينافس المعروفين بها على التّحلّي بآدابها، والتّمسك من المروءة والأخوّة بأفضل أهدابها، وينصف بينهم فيما يعتدّ به من واجبها، ويلزم الداخل فيها بالمشي على المألوف من طرقها والمعروف من مراتبها، ولا يحكم في التقديم والتأخير بهوى نفسه، ولا يقبل من لم يتحرّ الصّدق في يومه أنّه قبل منه في أمسه؛ فإنّ استدامة شروطها أمان من السّقوط عن درجها، وإذا حكّمت نفوس أهلها الصّدق في أقوالها وأفعالها فقد خرجت من خطّ حرجها؛ وليرع لذوي التقدّم فيها قدم هجرتهم، واشتهار سيرتهم الحسنة بين أسرتهم؛ وقد خبر من أوصافه الحسنة، وسابق رتبته الّتي لم تكن عين العناية عنها وسنة، ما اقتضى استقرار رتبته على مكانتها ومكانها، واكتفي له من مبسوط الوصايا بعنوانها؛ فليتّق الله في قوله وعمله، ويجعل الاعتماد على توفيقه غاية أمله؛ والخير يكون، إن شاء الله تعالى. ومن ذلك ما يكتب به في إلباس الفتوّة. اعلم أنّ طائفة من الناس يذهبون إلى إلباس لباس الفتوّة، ويقيمون لذلك شروطا وآدابا جارية بينهم. ينسبون ذلك في الأصل إلى أنّه مأخوذ عن الإمام عليّ كرّم الله وجهه. والطريق الجاري عليه أمرهم الآن أنّه إذا أراد أحدهم أخذ الطّريق عن كبير من كبراء هذه الطائفة، اجتمع من أهلها من تيسّر جمعه، وتقدّم ذلك الكبير

فيلبس ذلك [المريد] «1» ثيابا، ثم يجعل في كوز أو نحوه ماء ويخلط به بعض ملح، ويقوم كلّ منهم فيشرب من ذلك الماء وينسبه إلى كبيره. وربّما اعتنا «ابن بذلك بعض الملوك. وقد جرت العادة في ذلك أنه إذا ألبس السلطان واحدا من الأمراء أن يكتب له بذلك توقيعا. وهذه نسخة توقيع بفتوّة، من إنشاء القاضي محيي الدّين بن عبد الظاهر، وهو: الحمد لله الّذي جعل أنساب الفتوّة، متصلة بأشرف أسباب النّبوّة، وأفضل من أمدّه منه بكلّ حيل وقوّة، وأسعد من سما فكان عليّا على كلّ من سام علوّه. نحمده حمدا تغدو الأفواه به مملوّة، ونشكره على مواهبه بآيات الشّكر المتلوّة، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة من جعل إلى منهج التوحيد رواحه وغدوّه، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي شدّ الله أزره بخير من أفتى وفتّى فنال كلّ فتويّ من الفتيان به شرف الأبوّة والبنوّة، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نصروا وليّه وخذلوا عدوّه، صلاة موصّلة إلى نيل الأمانيّ المرجوّة. وبعد، فإنّ خير من اتّصل به رجاء الرجال الأجواد، وطوى البعيد إلى تحصيل مرامه كلّ طود من الأطواد، وأماط به عن مكارم الأخلاق لثام كلّ جود وامتطى ظهر خير جواد، واستمسك من ملابس الشّرف بما يؤمّن ويؤمّل وما يشد به من كلّ خير لباس التّقوى، وما تؤيّد به عزيمته فتقوى، وما يتقيد به على رؤوس الأحزاب، وما يتنزل به عليه أحسن آية من هذا الكتاب- من اشتهر بالشّجاعة الّتي تقدّم بها على قومه، وحمد أمسها في يومه، وبالشّهامة الّتي لها ما للسّهام من تفويق، ولزرق الأسنّة من تحذيق، ولبيض الصّفاح من حدّة متون، وللسّمهريّة من ازدحام إذا ازدحمت المنون، ومن صدق العزيمة، ما يشهد به كرم الشّيمة، ومن شدّة الباس، ما يجتمع به على طاعته كثير من الناس، ومن صدق اللهجة واللّسان، ما اتّصف عفافه منهما بأشرف ما يتّصف به

الإنسان، ومن طهارة النّفس ما يتنافس على مثله المتنافسون، ويستضيء بأنواره القابسون، ويرفل في حلل نعمائه اللّابسون؛ و [كان] «1» من الذين أبانوا عن حسن الطاعة وأنابوا، وإذا دعوا إلى استنفار جهاد واجتهاد لبّوا وأجابوا، والذين لا يلوون ألسنتهم عن الصّدق، ولا يولّون وجوههم عن الحقّ، والذين لا يقعدهم عن بلوغ الأوطار مع إيمانهم حبّ الأوطان، وإذا نفذوا في حرب الأعداء لا ينفذون إلا بسلطان. ولما كان فلان ذو المفاخر، والمآثر، أمير الفتيان، مميّز الإخوان والأعيان، هو صاحب هذا المحفل المعقود، والممدوح بهذا المقال المحمود، والممنوح بهذا المقام المشهود، والثّناء الّذي سرّ باله بما سربله أثواب العزّة والفخار، والاعتناء الّذي استخير الله في اصطفائه واختباره في ذلك فخار- اقتضى حسن الرأي الشريف- كرّم الله أنصاره، وأعلى مناره- أن نجيب وسائل من وقف في هذا القصد وقفة سائل، لينال بذلك كلّ إحسان وإحسان كلّ نائل، ودعا إلى الكريم العامّ بالإنعام، والدعاء لسلطان يدعى له ويدعو كلّ الأنام، فقال: أسأل الله وأسأل سلطان الأرض، ملك البسيطة إمام العصر، رافع لواء النّصر، ناصر الملّة المحمديّة، محيي الدّولة العبّاسيّة، فاتح البلاد والقلاع والأمصار، قاهر الكفّار مبيد الفرنج والأرمن والتّتار، سلطان الزّمان، خسروان إيران، شاهنشاه القان، سلطان العالم وارث الملك، سلطان العرب والعجم والتّرك، الذي انتهى إليه عن أمير المؤمنين الإمام الأوّاب، المغوار، عليّ بن أبي طالب ذي الفخار، شرف الفتوّة واتّصال الأنساب. قلت: هذا ما وقفت عليه من نسخة هذا التّوقيع. وقد ذكر الشيخ شهاب الدّين محمود الحلبيّ في كتابه «حسن التوسل» نسخة تقليد أنشأه في الفتوّة، أسقط منه أوّل الخطبة وهو:- وابتدأ منه بقوله «2» : نحمده على ما منحنا من نعم شتّى، ووهبنا من علم وحلم غدونا بهما

أشرف من أفتى [في الكرم وفتّى] «1» وآتانا ملك خلال الشّرف الّذي لا ينبغي لغير ما اختصّنا به من الكمال ولا يتأتّى، وخصّنا به من رفع أهل الطاعة إلى سماء النّعم يتبوّأون من جنان الكرم حيث شاءوا: وغيرهم لا تفتّح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجّنة حتّى، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة من انتمى في فخار أبوّة التّقى إلى حسب عليّ، وانتهى [من بنوّة المروءة] «2» إلى سبب قويّ ونسب زكيّ، وارتدى حلل الوقار بواسطة الفتوّة عن خير وصيّ عن أشرف نبيّ، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي نور شريعته جليّ، وجاه شفاعته مليّ، وبسيفه وبه حاز النّصر من انتمى إليه: فلا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ. وبعد، فإنّ أولى من لبّى إحساننا نداء ودّه، وربّى امتناننا نتاج ولائه الموروث عن أبيه وجدّه، ورقّاه كرمنا إلى رتبة علاء «3» يقف جواد الأمل عن بلوغها عند حدّه، وتلقّت كرائمنا «4» وفد قصده بالتّرحيب، وأنزلت جار رجائه «5» من مصر نصرها بالحرم الآمن والرّبع الخصيب، وأذنت لأمله ما نأى من الأغراض حتى بلغه بفضلها سهم اجتهاده المصيب، وأعدّت له من حلل الجلالة ما هو أبهى من رداء السّماء الّذي تزداد على الأبد جدّة برده القشيب، وخصّته لابتناء المجد بأجلّ بنوّة جعلت له في إرث خلال الشّرف أوفر «6» حظّ وأوفى «7» نصيب- من سمت منابر المجد بذكره، وابتسمت أسرّة الحمد بشكر أوصافه ووصف شكره، واختالت موادّ «8» الثناء بحسن خلاله، واختارت كواكب السّناء إقبال طوالعه بطوالع إقباله، وتمّسك من طاعتنا بأمثل «9» أسباب الهدى،

واعتصم بعروة بنوّة الأبناء «1» فأوطأه التّوثّق بها رقاب العدا، واتّصف بمحاسن الشّيم في مودّتنا فأضحى فتيّ السّنّ كهل الحلم يهتزّ للنّدى، وانتمى إلينا فأصبح لدينا ملكا مقرّبا، وأوجب من حقوق الطاعة علينا ما أمسى به لدينا- مع جلالة الأبناء- ابنا وغدونا له- مع شرف الآباء- في نسب الفخر العريق أبا، ونشأ في مهاد الملك فسما به للعلم والعلم، بالسّيف والقلم «2» ، والبأس والكرم، واعتزى إلى أبوّة حنوّنا ببنوّة رجائه فتشبّه بعدل أيامنا: «ومن يشبه «3» أباه فما ظلم» ، وتحلّى بصدق الولاء وهو أوّل ما يطلب في سرّ هذا النّسب ويعتبر، وتحلّى لنكاية عدوّ الإسلام بلطف [مكايده إذ] «4» السيوف تجزّ الرّقاب «وتعجز عما تنال الإبر» . ولمّا كان فلان هو الّذي زان بموالاتنا عقود مجده، وزاد في طاعتنا على ما ورث من مكارم أبيه وجدّه، [وساد الملوك في اقتبال] «5» شبابه، وصان ملك أبيه عن عوارض أوصابه باتّباع ما أوصى به، وأنفت صوارمه أن تكون لغير جهاد أعداء الله معدّة، وعزائمه أن تتّخذ عدوّ الله وعدوّه أولياء تلقي إليهم بالمودّة، وسهامه أن تسدّد [إلّا] «6» إلى مقاتل العدا، وأسنّته أن يبلّ لها من غير مناهل صدور الكفر صدى، مع اجتماع خلال الشّرف لشرف خلاله، وافتراق أسباب السّرار عن هالة كماله، وسؤاله ما ليس لغيره أن يمدّ إليه يدا، والتماسه من كرمنا العميم أجلّ ما نحل والد ولدا؛ وأنّه وقف على قدم الرّجاء الثّابت، ومتّ بقدم غروس الولاء الّتي أصلها في روض المودّة نابت، وقال: أسأل الله وأسأل سلطان

الأرض، القائم لجهاد أعداء الله بالسّنة والفرض، فاتح الأمصار، الذي لم تزل سيوفه تهاجر في سبيل الله عن غمودها إلى أن صار له من الملائكة الكرام أنصار، الذي كرّم الله شرف الفتوّة بانتمائها إليه، وأعلى قدر بنوّة المروءة باتّصالها به عن الخلفاء الراشدين عن أب [فأب] «1» عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه، وأورثه من خلقه الكرم والبأس فتحلّيا منه بأجلّ مواف [وأكمل] «2» موافق، ومنحه بحفظ العهد من خصائصه ما عهد به إليه النّبيّ الأمّيّ من أنّه ما يحبّه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، أعزّ الله سلطانه، وأوطأ جياده معاقل الكفر وأوطانه، أن يتقبل قصدي بقبول حسن، ويقبل بوجه كرمه على أملي الّذي لم يقعد به عن فروض الطاعات وسننها وسن، وينظمني في سلك عقود الفتوّة ملتزما بأسبابها، مقتديا «3» بطاعته الّتي هي أكمل أنسابها، متّصفا بموالاته الّتي لا يثبت لها حكم إلّا بها، آتيا بشروط خدمته الّتي من لم يأت بها على ما يجب فما أتى البيوت من أبوابها. فاستخرنا الله تعالى في عقد لواء هذا الفخار لمجده فخار، ونظمناه لعقد هذا المقام الكريم واسطة لمثله كان يزينها الادّخار. فرسم «4» بالأمر الشريف- لا زال جوده يعلي الجدود، ويوطّد لأبناء ملوك الزّمن من رتب الشرف فوق ما وطّدت الآباء والجدود- أن نصل سببه بهذا السّبب الكريم، ونعقد حسبه في الفتوّة بأواخي هذا الحسب الصّميم، ونعذق «5» نسبه بأصالة هذه الأبوّة الّتي هي إلا عن مثله عقيم، ويفاض عليه شعار هذا

الخلق المتّصل عن أكرم وصيّ بمن قال الله تعالى في حقّه: إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ «1» فليحلّ هذه الهضبة الّتي أخذت من [أفق العزّ بالمعاقد] «2» ويحلّ هذه الرتبة الّتي دون بلوغها من نوع الفراقد ألف راقد، ويجرّ رداء الفخر على أهداب الكواكب، ويزاحم بمواكب مجده النجوم على ورود نهر المجرّة بالمناكب، وليصل شرف «3» هذه النسبة من جهته بمن «4» رآه أهلا لذلك، وليفت في الفتوّة بما علم من مذهبنا الّذي انتهى «5» فيه منّا إلى مالك، وليطل على ملوك الأقطار، بهذه الرتبة الّتي تفانى الرّجال على حبّها، ويصل على صروف الأقدار، بهذه العناية الّتي جعلته- وهي حلية حزب الله- من حزبها، وليصل سرّ هذا الفضل العميم بإيداعه إلى أهله، وانتزاعه ممن لم يره أهلا لحمله. قلت: وما تقدّم مما يكتب عن الأبواب الشريفة السلطانية بالديار المصرية والممالك الشامية، لأرباب السيوف، وأرباب الأقلام وغيرهم: من التّقاليد، والتّفاويض، والتّواقيع، والمراسيم: المكبّرة والمصغّرة، ليس هو على سبيل الاستيعاب، بل على سبيل التمثيل والتّذكير، لينسج على منواله، وينهج على نهجه. فإنّ استيفاء ما يكتب في ذلك مما يشقّ، ويقف القصد دونه. بل لا بدّ من حوادث تحدث لم يسبق لها مثال يقتفى أثره. فيحتاج الكاتب إلى حسن التّصرّف في إيراد ما يلائم ذلك ويناسبه. وكلّ كاتب ينفق من كسبه، على قدر سعته، والله تعالى هو الموفق إلى نهج الصواب، والهادي إلى طريق الحقّ في الأمور كلّها، بمنّه وكرمه.

الفصل الثالث من الباب الرابع من المقالة الخامسة (فيما يكتب من الولايات عن نواب السلطنة؛ وفيه طرفان)

الفصل الثالث من الباب الرابع من المقالة الخامسة (فيما يكتب من الولايات عن نوّاب السلطنة؛ وفيه طرفان) الطرف الأوّل (في مقدّمات هذه الولايات، ويتعلق بها مقاصد) المقصد الأوّل (في بيان من تصدر عنه الولايات: من نوّاب السلطنة) اعلم أنّ نوّاب السلطنة بالديار المصرية لا تصدر عنهم ولاية في جليل ولا حقير، بل التولية والعزل منوطان بالسّلطان، والكتابة في ذلك معدوقة به، سواء في ذلك النائب الكافل، ونائب الإسكندرية، ونائبا الوجهين: القبليّ والبحريّ، إلا ما يكتب عليه النائب الكافل من القصص في صغائر الولايات: من نظر الأوقاف وغيرها، ثم تعيّن ويكتب بها تواقيع سلطانية. أما نوّاب السلطنة بالممالك الشامية: وهم نائب السلطنة بالشام، ونائب السّلطنة بحلب، ونائب السلطنة بطرابلس، ونائب السلطنة بحماة، ونائب السّلطنة بصفد، ونائب السلطنة بغزّة، إذا كانت نيابة لا تقدمة عسكر «1»

المقصد الثاني (في بيان الولايات التي تصدر عن نواب السلطنة بالممالك الشامية)

المقصد الثاني (في بيان الولايات الّتي تصدر عن نوّاب السلطنة بالممالك الشامية) قد تقدّم في الكلام على الولايات الصادرة عن الأبواب السلطانية بالممالك الشامية، أنّ نوّاب هذه الممالك يستبدّون بتولية ولاة الأعمال، وقد يستبدّون أيضا بتولية صغار النّواب، كالقلاع والبلدان الّتي تكون نيابتها إمرة عشرة. وربّما استبدّوا بتولية بعض النيابات التي تكون نيابتها إمرة طبلخاناه؛ إلّا أنّ تولية العشرات عن النّواب أكثر وتولية الطبلخاناه عن السّلطان أكثر. أمّا النيابات الّتي تكون نيابتها تقدمة ألف، فإنّها مختصة بالسلطان. والنيابات الّتي يكون متولّيها جنديّا أو مقدّم حلقة فإنّها مختصة بالنوّاب. وأنّ تولية أكابر أرباب الأقلام: ككاتب السّرّ، والوزير بالشّام، حيث جعلت وزارة، وناظر النّظار، حيث جعلت نظرا، وأصحاب دواوين المكاتبات، ونظّار المال بسائر الممالك، ونظّار الجيش، وقضاة القضاة بها- فإنّ التولية في ذلك تختص بالسلطان دون النوّاب. وما عدا ذلك يولّي فيه السلطان تارة، والنّوّاب أخرى. وربّما حصلت الولاية في بعض ذلك من بعض النّوّاب ثم يكتب من الأبواب السلطانية بالحمل عليها، على ما تقدم بسط القول فيه هناك، فليراجع منه. المقصد الثالث (في افتتاحات التواقيع والمراسيم بتلك الولايات تقدّم في الكلام على الولايات الصادرة عن الأبواب السلطانية أنّه يراعى فيها براعة الاستهلال في الافتتاح وأنّ الافتتاح فيها ب «الحمد لله» أعلى من الافتتاح ب «أما بعد» ، والافتتاح ب «أمّا بعد» أعلى من الافتتاح ب «- رسم بالأمر الشريف» ، وأنّ لفظ «أما بعد» أعلى من لفظ «وبعد» ، وأنه يراعى في الولايات وصف المتولّي والولاية، ويؤتى لكلّ أحد من ذلك بما يناسبه من صفات المدح، ثم يقال: «ولما كان فلان هو المشار إليه بالصفات المتقدّمة، اقتضى حسن الرّأي أن يستقرّ في كذا ونحو ذلك» . ثم يؤتى من الوصايا بما يناسب مقام الولاية والمتولّي لها، ثم يؤتى بالاختتام: من المشيئة والتّاريخ،

والحمدلة، والتّصيلة، والحسبلة. والأمر فيما يكتب عن النوّاب جار على هذا المنهج إلّا في أمور قليلة: منها: أنّ جميع ما يكتب عن النوّاب بالشّأم يقال فيه «توقيع» ولا يقال فيه «تقليد» ولا «تفويض» وربما قيل «مرسوم» في أمور خاصّة. ومنها: أن التوقيع يوصف ب «الكريم» لا ب «الشّريف» فيقال: «توقيع كريم أن يستقرّ فلان في كذا» أو «مرسوم كريم لفلان بكذا» بخلاف ما يكتب عن الأبواب السلطانية، فإنّه يوصف بكونه «شريفا» فيقال: «تقليد شريف» و «تفويض شريف» و «مرسوم شريف» و «توقيع شريف» على ما تقدّم ذكره. ومنها: أنّ «1» الكاتب يأتي بنون الجمع [جاريا «2» في ذلك على من تصدر عنه الولاية، كما أنّ الولايات عن الأبواب السلطانية [يجري فيها على] «3» العادة في الكتابة عن الملوك، وكأنّهم راعوا في ذلك أنّ المكتوب عنه هو السلطان في الحقيقة، وفعل النائب كأنّه فعله نفسه، كما يقال: هزم الأمير الجيش، وفتح السلطان المدينة، والّذي هزم وفتح إنّما هو جنده لا هو في نفس الأمر. ومنها: أنّه إذا افتتح التوقيع ب «- رسم بالأمر» - لا يوصف ب «الشّريف» بل ب «العاليّ» على ما تقدّم. فيقال: «رسم بالأمر العاليّ، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الفلاني الفلانيّ» . وكذلك إذا أتي بذكر «رسم» بعد الافتتاح ب «الحمد لله وأما بعد» فإنّه يقال فيه: «العالي» دون «الشريف» . قلت: هذا ما كان الأمر عليه في الزّمن المتقدّم كما أشار إليه المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في «التعريف» . ثم استقرّ الحال على وصف الأمر

المقصد الرابع (في بيان الألقاب)

ب «الشريف» فيقال: «رسم بالأمر الشريف العالي» إلى آخره، كما يكتب عن السلطان. ومنها: أنّه يقال في آخر التوقيع: «والاعتماد على الخط الكريم أعلاه» ولا يقال: «على الخط الشريف» ، كما في السلطان. ومنها: أنّه لا يذكر في تواقيع النوّاب مستند كتابتها، كما يكتب فيما يكتب عن السلطان. المقصد الرابع (في بيان الألقاب) قد تقدّم في المقالة الثالثة، في الكلام على الولايات الصادرة عن الأبواب السلطانية أنّ أعلى ما يكتب لأرباب السيوف «المقرّ الكريم» ثم «الجناب الكريم» ثم «الجناب العالي» ثم «المجلس العالي» ثم «المجلس الساميّ» بالياء ثم «المجلس السامي» بغير ياء، ثم «مجلس الأمير» ثم «الأمير» . وأن أعلى ما يكتب لأرباب الوظائف الديوانية: «الجناب العالي» ثم «المجلس العالي» ثم «المجلس الساميّ» بالياء، ثم «المجلس السامي» بغير ياء، ثم «مجلس القاضي» ثم «القاضي» . وأن أعلى ما يكتب لأرباب الوظائف الدينيّة: «المجلس العالي» . ثم استقرّ أعلى ما يكتب لهم: «الجناب العالي» و «المجلس العالي» بعده، ثم «الساميّ» بالياء، ثم «السامي» بغير ياء، ثم «مجلس القاضي» ثم «القاضي» على ما تقدّم في أرباب الوظائف الديوانية، إلّا فيما يقع الاختلاف فيه من الألقاب والنّعوت الخاصّة بكلّ منهما. وأنّ أعلى ما يكتب لأرباب الوظائف الصّوفيّة: «المجلس العالي» ثم «المجلس الساميّ» بالياء ثم «المجلس السامي» بغير ياء، ثم «مجلس الشيخ» ثم «الشيخ» .

الصنف الأول (أرباب السيوف، ولألقابهم مراتب)

وأنّه يكتب لأرباب الوظائف العادية: «المجلس السامي، الصدر الأجل» أو «مجلس الصدر» أو «الصدر» . وأنه يكتب لزعماء أهل الذّمة ألقابهم المتعارفة. فيكتب لرئيس اليهود: «الرئيس» ولبطاركة النّصارى: «البطرك» ونحو ذلك. فأمّا ما يكتب عن نوّاب الشام، فعلى أصناف، كما تقدّم في الألقاب الّتي تكتب عن الأبواب السلطانية، مع اختلاف في بعض الألقاب بزيادة ونقص، وعلوّ وهبوط. الصنف الأوّل (أرباب السيوف، ولألقابهم مراتب) المرتبة الأولى- المقرّ الشريف «1» ؛ وبذلك يكتب للطبقة الأولى من مقدّمي الألوف بالشّام، وحلب، وطرابلس، إذا ولّي أحد منهم نظر وقف، أو نحو ذلك. أمّا غير هذه الممالك الثلاث، فقد تقدّم أنّه ليس في شيء منها تقدمة ألف، ويقال فيه عندهم: «المقرّ الشريف، العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، العونيّ، الغياثيّ، الزّعيميّ، الظّهيريّ، المخدوميّ، الفلانيّ، عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، عون الأمّة، كهف الملّة، ظهير

المرتبة الثانية - المقر الكريم

الملوك والسلاطين، فلان الفلانيّ: أعزّ الله تعالى أنصاره» . المرتبة الثانية- المقرّ الكريم ؛ وبذلك يكتب للطبقة الثانية من مقدّمي الألوف، ويقال فيه: «المقرّ الكريم، العالي، المولويّ» . بنحو الألقاب المتقدّمة. المرتبة الثالثة- المقرّ العالي ؛ وبه يكتب للطبقة الثالثة من مقدّمي الألوف، ويقال فيه: «المقرّ العالي، المولويّ» بنحو الألقاب المتقدّمة أيضا [كما] «1» يكتب لنقيب الأشراف بحلب، وهي: «المقرّ العالي، الأميريّ، الكبيريّ، النقيبيّ، الحسيبيّ، النّسيبيّ، العريقيّ، الأصيليّ، الفاضليّ، العلّاميّ، العارفيّ، الحجيّ، القدويّ، النّاسكيّ، الزّاهديّ، العابديّ، الفلانيّ، جلال الإسلام والمسلمين، جمال الفضلاء البارعين، فخر الأمراء الحاكمين، زين العترة الطاهرة، شرف الأسرة الفاخرة، حجّة العصابة الهاشمية، قدوة الطائفة العلويّة، نخبة الفرقة الناجية الحسنيّة، شرف أولي المراتب، نقيب ذوي المناقب، ملاذ الطّلّاب الدّاعين، بركة الملوك والسلاطين، فلان: أسبغ الله عليه ظلاله» . المرتبة الرابعة- الجناب «2» الكريم . وبه يكتب للأمراء الطّبلخاناه، ويقال

المرتبة الخامسة - الجناب العالي

فيه: «الجناب الكريم، العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العضديّ، النّصيريّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الذّخريّ، الظّهيريّ، الفلانيّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، ظهير الملوك والسلاطين، فلان: أعزّ الله تعالى نصرته» . المرتبة الخامسة- الجناب العالي . وبه يكتب لأمراء العشرينات، ويقال فيه: «الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، الذّخريّ، النّصيريّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الأوحديّ، الأكمليّ، الظّهيريّ، الفلانيّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، ظهير الملوك والسلاطين، فلان أدام الله تعالى نعمته» . المرتبة السادسة- المجلس «1» العالي . وبه يكتب لأمراء العشرات، ويقال فيه: «المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، الأجلّيّ، المجاهديّ، العضديّ، النّصيريّ، الهماميّ، الأوحديّ، الذّخريّ، الفلانيّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، عضد الملوك والسلاطين، فلان: أدام الله تعالى رفعته» . المرتبة السابعة- المجلس الساميّ بالياء . وبه يكتب لمقدّمي الحلقة وأعيان جند الحلقة، ويقال فيه: «المجلس الساميّ، الأميريّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، المجاهديّ، الأعزّيّ، الأخصّيّ، الأكمليّ، الأوحديّ، الفلانيّ، مجد الأمراء، زين الأكابر، ذخر المجاهدين، فلان: أدام الله توفيقه» . المرتبة الثامنة- المجلس السامي بغير ياء . وبه يكتب للطّبقة الثانية من جند الحلقة، ويقال فيه: «المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، الكبير، الغازي، المجاهد، المرتضى، المختار، فلان الدّين، مجد الإسلام، بهاء الأنام، زين الأمراء، فخر المجاهدين، عمدة الملوك والسلاطين، فلان: أعزّه الله تعالى» .

المرتبة التاسعة - مجلس الأمير

المرتبة التاسعة- مجلس الأمير . وبه يكتب للطّبقة الثالثة من جند الحلقة، ويقال فيه: «مجلس الأمير، الكبير» . بنحو ألقاب السامي بغير ياء. المرتبة العاشرة- الأمير . وبه يكتب لجند الأمراء ونحوهم، ويقال فيه: «الأمير الأجلّ» . الصنف الثاني (من أرباب الولايات بالممالك الشامية- أرباب الوظائف الديوانية، وفيهم مراتب) المرتبة الأولى- المقرّ الشريف ؛ وبه يكتب لكاتب السّرّ بالشّام، وصاحب ديوان الرسائل بحلب، ومن في معناهما. وهذه ألقاب كتب بها لكاتب السّرّ بدمشق بولاية مشيخة الشّيوخ، وبولغ فيها جدّ المبالغة، إلّا أنّها ليست حسنة التّأليف، ولا رائقة التّرتيب، وهي: «المقرّ الشّريف، العالي، المولويّ، القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، العلّاميّ، الإماميّ، الفريديّ، المفيديّ، القدويّ، الحجّيّ، الأجلّيّ، الحبريّ، المحقّقيّ، المدقّقيّ، الزّاهديّ، العارفيّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، المسلّكيّ، العابديّ، المرشديّ، الرّبّانيّ، الورعيّ، الممهّديّ، المشيّديّ، المشيريّ، السّفيريّ، اليمينيّ، الملاذيّ، الشّيخيّ، الفلانيّ، جلال الإسلام والمسلمين، سيّد الأكابر والرّؤساء في العالمين، عون الأمّة، صلاح الملّة، جمال المملكة، نظام الدّولة، عزّ الملك، لسان الممالك، زين الأولياء، مظهر أنباء الشّريعة وناصرها، مؤيّد الحقّ والمعين على إظهاره، قامع البدع ومخفي أهلها، رحلة الحفّاظ، علم المفسّرين، حجّة الطالبين، سيف المناظرين، قدوة العبّاد والزّهاد، ملجأ الصّلحاء والعارفين، حسنة الأيّام، فرد الزّمان، غرّة وجه الأوان،

المرتبة الثانية - المقر الكريم

شيخ المشايخ، مفيد كلّ غاد ورائح، موصّل السّالكين، مربّي الأتقياء والمريدين، كنز السّالكين والمرشدين، ممهّد الدّول، مشيّد الممالك، مجمّل الأمصار، مدبّر أمور سلطانه في اللّيل والنّهار، مجهد نفسه في رضا مولاه، معين الخلائق على حقوقهم، مذلّ حزب الشّيطان، ملك البلغاء والمتكلّمين، خلاصة سلف القوم المباركين، بركة الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين، فلان الفلانيّ: أسبغ الله تعالى ظلاله» . المرتبة الثانية- المقرّ الكريم ؛ وبه يكتب للطبقة الثانية من أرباب الوظائف الديوانية. ويقال فيه: «المقرّ الكريم، العالي، المولويّ، القاضويّ» . بنحو الألقاب السابقة مع «المقرّ الشريف» . المرتبة الثالثة- الجناب الكريم ؛ وبه يكتب للطبقة الثالثة من أرباب الوظائف الديوانية. وهذه ألقاب كتب بها لبعض الكتّاب بكتابة الإنشاء والجيش بحلب، وهي: «الجناب الكريم، العالي، المولويّ، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، البارعيّ، الكامليّ، الماجديّ، الأوحديّ، الأثيريّ، الأثيليّ، الأصيليّ، القواميّ، النّظاميّ، الفلانيّ، ضياء الإسلام والمسلمين، أوحد الفضلاء في العالمين، خالصة الملوك والسلاطين، فلان، ضاعف الله تعالى نعمته» . المرتبة الرابعة- الجناب العالي ؛ وبه يكتب لكتّاب الدّست ونحوهم. وهذه ألقاب كتب بها لبعض كتّاب الدّست بالشّأم، وهي: «الجناب العالي، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الأكمليّ، البارعيّ، الأوحديّ، القواميّ، النّظاميّ، المفوّهيّ، الرّئيسيّ، الماجديّ، الفلانيّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الرّؤساء في العالمين، أوحد الفضلاء الماجدين، قدوة البلغاء، جمال الكّتّاب، زين المنتشئين، خالصة الملوك والسلاطين، فلان، أدام الله تعالى نعمته» .

المرتبة الخامسة - المجلس العالي

المرتبة الخامسة- المجلس العالي ؛ وهذه ألقاب كتب بها لكاتب درج بالشام جليل القدر، وهي: «المجلس العالي، القضائيّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، البارعيّ، الكامليّ، الرّئيسيّ، الأوحديّ، الأثيريّ، الأصيليّ، العريقيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، شرف الرّؤساء في الأنام، حجّة البلغاء، قدوة الفضلاء، أوحد الأمناء، زين الكتّاب، رضيّ الدّولة، صفوة الملوك والسلاطين، فلان، أدام الله علوّه» . المرتبة السادسة- المجلس الساميّ بالياء ؛ وهذه ألقاب كتب بها لبعض كتّاب دمشق بنظر الرّباع «1» وهي: «المجلس الساميّ، القضائيّ، الأجليّ، الكبيريّ، الرّئيسيّ، الأوحديّ، الأكمليّ، الماجديّ، الأثيريّ، الأثيليّ، الأصيليّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، شرف الرّؤساء، أوحد الفضلاء، صفوة الملوك والسلاطين، أدام الله تعالى علوّه» . المرتبة السابعة- المجلس السامي بغير ياء ؛ وهذه ألقاب كتب بها لكتّاب درج بالشام، وهي: «المجلس السامي، القاضي، الأجلّ، الكبير، الفاضل، الأوحد، الأثير، الرئيس، البليغ، الأصيل، فلان الدّين، مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الرّؤساء، أوحد الفضلاء، زين الأعيان، فخر الصدور، نجل الأكابر، سليل العلماء، صفوة الملوك والسلاطين، فلان، أدام الله تعالى رفعته» . المرتبة الثامنة- مجلس القاضي ؛ وهي: «مجلس القاضي، الأجلّ،

المرتبة التاسعة - القاضي

الكبير» والباقي من نسبة ألقاب السامي بغير ياء. المرتبة التاسعة- القاضي ؛ ويقال فيها: «القاضي، الأجلّ» . وربّما زيد على ذلك قليلا، كما تقدّم في السلطانيات. الصنف الثالث (من أرباب الولايات بالممالك الشامية- أرباب الوظائف الدّينية، وفيه مراتب) المرتبة الأولى- المقرّ الشريف . وبذلك يكتب لقضاة القضاد ومن في معناهم. وهذه ألقاب كتب بها لقاضي القضاة المالكيّ بدمشق بتصدير، وهي: «المقرّ الشريف، العالي، المولويّ، القضائيّ، الكبيريّ، الإماميّ، العالميّ، العلّاميّ، الفريديّ، المفيديّ، الخاشعيّ، النّاسكيّ، الرّحليّ، القدويّ، الملاذيّ، العابديّ، المحقّقيّ، المدقّقيّ، المحسنيّ، الحاكميّ، الفلانيّ، جلال الإسلام والمسلمين، سيّد العلماء في العالمين، قدوة البارعين، سيّد المناظرين، لسان المتكلّمين، ملاذ الطالبين، كنز المتفقّهين، إمام الأئمّة، حجة الأمّة، ناصر الشريعة، فرد الزمان، أوحد الوقت والأوان، رحلة القاصدين، حكم الملوك والسلاطين، فلان، أسبغ الله ظلاله» «1» المرتبة الثانية- المقرّ الكريم . وبه يكتب لمن دونه من هذه الرتبة. وهذه ألقاب كتب بها لقاضي القضاة بحلب بوظيفة دينيّة، وهي: «المقرّ الكريم، العالي، المولويّ، القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ،

المرتبة الثالثة - الجناب الكريم

الأصيليّ، العريقيّ، القواميّ، النّظاميّ، الإماميّ، العلّاميّ، القدويّ، المفيديّ، الشّيخيّ، الرّكنيّ، الصاحبيّ، الحاكميّ، المحسنيّ، الفلانيّ، فلان الإسلام والمسلمين، شرف الفضلاء في العالمين، قدوة العلماء العاملين، لسان المتكلمين، برهان المناظرين، صدر المدرّسين، رحلة الطالبين، بقيّة السلف الكرام الدارجين، بركة الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين، فلان، أعزّ الله تعالى أحكامه» . المرتبة الثالثة- الجناب الكريم ؛ وهذه ألقاب كتب بها لبعض المشايخ بتدريس بالشّام، وهي: «الجناب الكريم، العالي، المولويّ، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، المفيديّ، الفريديّ، المحقّقيّ، المدقّقيّ، الأوحديّ، الأكمليّ، الفلانيّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف العلماء في العالمين، جمال الفضلاء المدرّسين، خالصة الملوك والسلاطين، فلان، أسبغ الله تعالى ظلّه» . المرتبة الرابعة- الجناب العالي ؛ وهذه ألقاب من ذلك كتب بها لقاض من قضاة العسكر «1» بالشام، وهي: «الجناب العالي، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الرئيسيّ، الأكمليّ، الإماميّ، العلّاميّ، المفيديّ، المحقّقيّ، الفريديّ، البارعيّ، المدقّقيّ، الأوحديّ، القدويّ، الحبريّ، الحافظيّ، الأصيليّ، الأثيريّ، النّاسكيّ، الورعيّ، العلّاميّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف العلماء العاملين، زين الحكّام في العالمين، حجّة المذهب، إمام البلغاء، مفتي المسلمين، مفيد الطالبين، قطب الزّهّاد، ملاذ

المرتبة الخامسة - المجلس العالي

العبّاد، خالصة الملوك والسلاطين، فلان، أدام الله تعالى نعمته» . المرتبة الخامسة- المجلس العاليّ «1» ؛ وهي: «المجلس العاليّ، القضائيّ، الأجليّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الكامليّ، الرّئيسيّ، الأوحديّ، الأثيريّ، الأثيليّ، الأصيليّ، العريقيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، شرف الرّؤساء في الأنام، حجّة الفضلاء، صدر المدرّسين، مرتضى الملوك والسلاطين، فلان، أدام الله تعالى علوّه» . المرتبة السادسة- المجلس الساميّ بالياء ؛ وهي: «المجلس الساميّ، القضائيّ، العالميّ، الفاضليّ، الكامليّ، الأوحديّ، الأصيليّ، العريقيّ، المحقّقيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام والمسلمين، أوحد الفضلاء في العالمين، صدر المدرّسين، أوحد المفيدين، مرتضى الملوك والسلاطين، فلان، أدام الله سعادته» . المرتبة السابعة- المجلس السامي بغير ياء ؛ وهي: «المجلس السامي، القاضي، الأجلّ، الكبير، الأوحد المرتضى، الأكمل، فلان الدين، مجد الإسلام، بهاء الأنام، زين الفضلاء، أوحد العلماء، رضيّ الملوك والسلاطين، فلان، أدام الله عزه» . المرتبة الثامنة- مجلس القاضي ؛ وهي: «مجلس القاضي، الأجلّ» بنحو الألقاب المذكورة في «السامي» بغير ياء. المرتبة التاسعة- القاضي ؛ وهي: «القاضي الأجلّ» على ما تقدّم.

الصنف الرابع (من أرباب الولايات بالممالك الشامية - مشايخ الصوفية)

الصنف الرابع (من أرباب الولايات بالممالك الشامية- مشايخ الصوفيّة) ولم أقف على شيء من ألقاب ما كتب من هذا الباب، سوى [ما كتب] «1» في مشيخة الشيوخ بالشام لكاتب السّرّ، وقد تقدّم ذكره في أوّل الألقاب الديوانية هناك، وألقاب الجناب العالي فيما كتب به في مشيخة الزاوية الأمينيّة بدمشق، وهي: «الجناب العالي، الشيخيّ، العالميّ، العامليّ، العلّاميّ، الأوحديّ، القدويّ، العابديّ، الزاهديّ، الورعيّ، الناسكيّ، الخاشعيّ، المسلّكيّ، المرقّيّ، الربانيّ، الأصيليّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، حسنة الأيام، قدوة الزّهّاد، ملاذ العبّاد، جمال الورعين، مربيّ المريدين، أوحد السالكين، خلف الأولياء، بركة السلاطين، فلان، أعاد الله تعالى من بركته» . ومن هذا يؤخذ ما حدث كتابته مما هو فوق ذلك أو دونه. الصنف الخامس (من أرباب الولايات بالممالك الشامية- أمراء العربان) ولم أقف على شيء مما كتب به من ألقابهم، سوى ألقاب «السّامي» بغير ياء لبعض أمراء بني مهديّ، وهي: «المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، الكبير، المجاهد، الأصيل، العريق، الأوحد، فلان الدين، مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف العربان، زين القبائل، عمدة الملوك والسلاطين، فلان، أعزّه الله تعالى» وعليه يقاس ما عساه يكتب من هذا النّمط.

الصنف السادس (من أرباب الولايات بالممالك الشامية - أرباب الوظائف العادية، كرآسة الطب ونحوها)

الصنف السادس (من أرباب الولايات بالممالك الشامية- أرباب الوظائف العادية، كرآسة الطّبّ ونحوها) وألقاب رئيس الطّبّ «1» : «المجلس العالي، القضائيّ» على نحو ما تقدّم في الدّيوانيات. الصنف السابع (من أرباب الولايات بالنيابات الشامية- زعماء أهل الذّمة) وهي رآسة اليهود، وبطركيّة النّصارى. أما رئيس اليهود ، فالذي رأيته لهم من ألقابه في عهد قديم، كتبه ابن الزكيّ «2» في الدولة الأيوبية، قال في ألقابه: «الرئيس، الأوحد، الأجلّ، الأعزّ، الأخصّ، الكبير، شرف الداووديين، فلان» . وأما بطرك النّصارى، فرأيت لهم فيه طريقتين: الطريقة الأولى : «البطرك المحتشم، المبجّل، فلان، العالم بأمور دينه، المعلّم أهل ملّته، ذخر الملّة المسيحيّة، كبير الطائفة العيسويّة، المشكور بعقله عند الملوك والسلاطين، وفقه الله تعالى» . الطريقة الثانية : «مجلس القسّيس، الجليل، الرّوحانيّ، الخطير، المتبتّل، ابن المطران، النّاصب، الخاشع، المبجّل، قدوة دين النّصرانيّة، فخر الملة العيسويّة، عماد بني المعموديّة، جمال الطائفة الفلانية، صفوة الملوك والسلاطين، فلان، أدام الله تعالى بهجته» .

المقصد الخامس (في بيان مقادير قطع الورق المستعمل فيما يكتب عن نواب الممالك الشامية)

المقصد الخامس (في بيان مقادير قطع الورق المستعمل فيما يكتب عن نوّاب الممالك الشامية) قد تقدّم في المقالة الثالثة، في الكلام على مقادير قطع الورق، أنّ الورق المستعمل في دواوين الممالك الشامية على ثلاثة مقادير: قطع الطلحية الشامية الكاملة، وهو في عرض الطّليحة المعبر عنها بالفرخة وطولها، وقطع نصف الحمويّ، وهو في نصف عرض الطّلحية الّتي في قطع الحمويّ وطولها، وربّما نقصت في الطول، وقطع العادة، وهو على نحو من قطع العادة البلدي؛ وقد تقدّم ذكره. فما كان منها في طول الشاميّ الكامل كتب بقلم» الثلث، وما كان في قطع نصف الحمويّ كتب بقلم التوقيعات، وما كان في قطع العادة كتب بقلم الرّقاع؛ ثم ما كان في قطع الطلحية، افتتح ما يكتب فيه ب «الحمد لله» ، وما كان في قطع نصف الحمويّ، افتتح ما يكتب فيه ب «أمّا بعد حمد الله» ، وما كان في قطع العادة، افتتح ما يكتب فيه ب «- رسم بالأمر الشريف» سواء في ذلك علت الألقاب أو انحطّت، حتّى إنه ربّما كتب ب «المقرّ» في قطع العادة، اعتبارا بحال الوظيفة. المقصد السادس (في بيان ما يكتب في طرّة «2» التواقيع) اعلم أنّ النوّاب بالممالك الشاميّة عادتهم في العلامة كتابة اسم النائب، كما أنّ السلطان فيما يكتب عنه من الولاية يكتب في العلامة اسمه، وحينئذ

فيحتاج الكاتب إلى أن يكتب في أعلى الدّرج في الوسط ما صورته: «الاسم الكريم» ثم يكتب من أوّل عرض الدّرج ما صورته: «توقيع كريم باستقرار المقرّ الشريف أو الكريم، أو الجناب الكريم أو العالي، أو المجلس العالي أو السامي، أو مجلس الأمير أو القاضي، أو الشيخ، ونحو ذلك، في كذا وكذا إلى آخره» . فإن كان فيه معلوم كتب آخرا: «بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور، أو الشاهد به كتاب الوقف» ونحو ذلك ثم يكتب: «حسب ما رسم به على ما شرح فيه» . ولفظ: «حسب ما رسم به» مما جرت به عادة كتّابهم، بخلاف ما يكتب به من الأبواب السلطانية على ما تقدّم ذكره. وهذه طرّة توقيع بنقابة الأشراف بحلب المحروسة، كتب به للشريف «غياث الدين أحمد» بن محمد بن إبراهيم المعروف بابن الممدوح، وهي: توقيع كريم باستقرار المقرّ العاليّ، الأميريّ، الكبيريّ، الشّريفيّ، النّقيبيّ، الحسيبيّ، الأصيليّ، العزّيّ، بركة الملوك والسلاطين، أحمد ابن المقرّ العاليّ، الشّريفيّ، النّقيبيّ، الشّهابيّ، أحمد «1» الحسيني، أسبغ الله ظلالهما، في وظيفة نقابة السّادة الأشراف، ونظر أوقافها، والحكم في طوائفهم على اختلافهم أجمعين، عوضا عن والده المشار إليه برضاه، على عادته في ذلك ومستقرّ قاعدته، وتعاليمه المستمرة إلى آخر وقت، حسب ما رسم به بمقتضى الخطّ الكريم، على ما شرح فيه. وهذه نسخة طرة توقيع بكشف الصفقة القبلية بالشام، مما كتب به ل «غرس الدين خليل الناصريّ» وهي: توقيع كريم بأن يستقرّ الجناب الكريم، العاليّ، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، الغرسيّ، ظهير الملوك والسلاطين، خليل الناصريّ، أدام الله تعالى

نعمته، في كشف البلاد القبليّة المحروسة بالشام المحروس، على عادة من تقدّمه في ذلك ومستقرّ قاعدته، حسب ما رسم به، على ما شرح فيه. وهذه نسخة طرّة توقيع بالمهمنداريّة «1» بالشام المحروس، كتب به ل «غرس الدين خليل الطناحيّ» وهي: توقيع كريم باستقرار الجناب العاليّ، الأميريّ، الكبيريّ، الغرسيّ، عضد الملوك والسلاطين، خليل الطناحيّ، أدام الله تعالى نعمته، في وظيفة المهمنداريّة الثانية بالشام المحروس، عوضا عن حسام الدّين حسن بن صاروجا، بحكم شغورها عنه، لما اتفق من الغضب الشّريف عليه، واعتقاله بالقلعة المنصورة بحلب المحروسة، على أجمل عادة، وأكمل قاعدة، حسب ما رسم به، على ما شرح فيه. وهذه نسخة طرّة توقيع بتصدير الجامع الأمويّ بالشام، كتب به للقاضي «ناصر الدين» بن أبي الطّيّب كاتب السّر بالشام، وهي: توقيع كريم بأن يستقرّ المقرّ الشريف، الناصريّ، محمد بن أبي الطيب العمريّ، العثمانيّ، الشافعيّ، صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالمملكة الشريفة الشاميّة المحروسة، عظّم الله تعالى شأنه، في وظيفة التّصدير بالجامع الأمويّ المعمور بذكر الله تعالى، عوضا عن القاضي صدر الدّين عبد الرحمن الكفريّ الشافعيّ، بحكم وفاته إلى رحمة الله تعالى، بما له من المعلوم الّذي

يشهد به ديوان الوقف المبرور، حسب ما رسم به، على ما شرح فيه. وهذه نسخة طرّة توقيع بإعادة مشيخة الشّيوخ بالشام إلى القاضي «ناصر الدين بن أبي الطّيّب» المذكور أعلاه، وهي: توقيع كريم بأن تفوّض إلى المقرّ الشريف العاليّ، المولويّ، القاضويّ، النّاصريّ، محمد بن أبي الطيب العمريّ، العثمانيّ، الشافعيّ، صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالمملكة الشريفة الشامية المحروسة، أعاد الله تعالى من بركاته، وأسبغ ظلاله، مشيخة الشّيوخ بالشام المحروس، وظيفته الّتي خرجت عنه، المرسوم الآن إعادتها إليه، عوضا عمن هي بيده، بمعلومه في النظر والمشيخة، الشاهد بهما ديوان الوقف المبرور، إلى آخر وقت، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، حسب ما رسم به، على ما شرح فيه. وهذه طرّة توقيع بالحمل على النزول والتقرير الشّرعيّ، بالزاوية الأمينيّة، بالقدس، كتب به للشيخ «برهان الدين الموصليّ» وهي: توقيع كريم بأن يحمل الجناب العاليّ، الشيخيّ، البرهانيّ، إبراهيم ابن سيدنا المرحوم الشيخ القطب، تقيّ الدّين أبي بكر الموصليّ، رضي الله عنه وأعاد من بركاتهما، في وظيفتي النظر والمشيخة، بالزاوية الأمينية بالقدس الشريف، على حكم النزول الشّرعيّ، واستمرار ذلك بمقتضاهما، ومنع المنازع بغير حكم الشّرع الشّريف، حسب ما رسم به، على ما شرح فيه. وهذه طرّة مرسوم بربع تقدمة إمرة بني مهديّ كتب به ل «عيسى بن حناس» وهي: مرسوم كريم بأن يستقرّ المجلس السامي، الأمير، شرف الدّين،

المقصد السابع (في بيان كيفية ترتيب هذه التواقيع)

عيسى بن حناس «1» ، أعزّه الله تعالى، في ربع تقدمة بني مهديّ، على عادة من تقدّمه، حملا على ما بيده من التّوقيع الكريم، على ما شرح فيه. وهذه طرّة توقيع ببطركية النصارى الملكيّة «2» بالشام، كتب به ل «داود الخوري» وهي: توقيع كريم بأن يستقرّ البطريرك، المحتشم، المبجّل، داود الخوري، المشكور بعقله لدى الملوك والسلاطين، وفّقه الله تعالى، بطريرك الملكيّة بالمملكة الشريفة الشامية المحروسة، حسب ما اختاره أهل ملّته المقيمون بالشام المحروس، ورغبوا فيه، وكتبوا خطوطهم به، وسألونا تقريره دون غيره، حسب ما رسم به، على ما شرح فيه. المقصد السابع (في بيان كيفية ترتيب هذه التواقيع) قد جرت عادة كتّاب هذه النيابات أن تكتب الطّرّة بأعلى الدّرج كما تقدّم. ثم يترك وصلان بياضا بما في ذلك من وصل الطّرّة؛ ثم تكتب البسملة في أوّل الوصل الثالث، ثم يكتب تحت البسملة على سمت الجلالة: «الملكيّ الفلانيّ» ثم يخلّى بيت العلامة نحو ستة أصابع معترضة، ثم يكتب السطر الثاني ويوافي كتابة السّطر، ويكون ما بينهما بقدر أصبعين، والباقي على نحو ما تقدّم في السلطانيات.

الطرف الثاني (في نسخ التواقيع المكتتبة عن نواب السلطنة بالممالك الشامية)

الطرف الثاني (في نسخ التواقيع المكتتبة عن نوّاب السلطنة بالممالك الشامية) قد تقدّم في المقالة الثانية أنّ بالبلاد الشامية سبع نيابات: دمشق، وحلب، وطرابلس، وحماة، وصفد، وغزّة إن كانت نيابة، والكرك. وأنّ أعلاها دمشق، ثم حلب، ثم طرابلس. وفي معنى طرابلس حماة وصفد. وقد اقتصرت في نسخ التواقيع على ما يكتب في ثلاث نيابات [تقديما لها] «1» على ما عداها. النيابة الأولى الشام (والتواقيع الّتي تكتب بها على خمسة أصناف) الصنف الأوّل (ما يكتب بوظائف أرباب السيوف، وهو على ضربين) الضرب الأوّل (ما هو بحاضرة دمشق؛ وهو على مراتب) المرتبة الأولى (ما يفتتح ب «الحمد لله» وفيها وظائف) وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيع بولاية دمشق: الحمد لله الّذي جعل هذه الأيّام الزاهرة تنقل أولياء آلائه الشريفة إلى أعلى المراتب، وتجزل لهم من مننه الجمّة المواهب، وتضاعف لهم النّعمة بكرمها الّذي إذا أنهمل كان كالغيث السّاكب. نحمده على أن جعل نظرنا يلمح أهل الهمم ويراقب، ونشهد أن لا إله إلا

الله وحده لا شريك له شهادة يبلغ قائلها ببركتها المنى والمآرب، وتهون عليه كلّ المصاعب، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الّذي أظهر الله ببعثته الحقّ في المشارق والمغارب، وأنار به ظلم الغياهب، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين شيّدوا منار الإسلام وأقاموه بالسيوف القواضب، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ المناصب بمتولّيها، والمعالي بمعلّيها، والعقود ليست بمن تحلّيه بل بمن يحلّيها، وأطيب البقاع جنابا ما طاب أرجا وثمارا، وفجّر خلاله كلّ نهر «يروع حصاه حالية العذارى» ، ورنّحت معاطف غصونه سلاف النّسيم فتراها سكارى، وتمتدّ ظلال الغصون فيخال أنّها على وجنات الأنهار عذارا. ولمّا كانت دمشق المحروسة لها هذه الصفات، وعلى ضفّاتها تهبّ نسمات هذه السّمات، لم يتّصف غيرها بهذه الصفة، [ولا اتفق أولو الألباب إلا على محاسنها المختلفة] «1» وكان الجناب الكريم هو من أعيان الدّولة وأماثلهم، ووجوه رؤسائهم وأفاضلهم، وله في طاعتنا استرسال الأمن من سوء مواطن المخاوف، ووصل في ولائها القديم بالحديث والتّالد بالطّارف، وتولّى مهمّات الخدم فأبان في جميعها عن مضاء عزمه، وكان من حسن آثاره فيها ما شهر غفلها بوسمه؛ فمن ناواه من أقرانه أربى عليه وزاد، ومن باراه من أنظاره أنسى ذكره أو كاد. فلذلك رسم بالأمر الشّريف أن يستقرّ في ولاية مدينة دمشق المحروسة. فليباشر هذه الولاية، عاملا بتقوى الله تعالى التي أمر بها في محكم الكتاب، حيث يقول: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ «2» ، وليشمل كافّة الرّعايا بالحفظ والرّعاية، ويجزل حظّهم من

الملاحظة والعناية، وليساو في الحقّ بين ضعيفهم وقويّهم، وفقيرهم وغنيّهم، وليلزم أتباعه بحفظ الشوارع والحارات، وحراستها في جميع الأزمنة والأوقات، مع مواصلة التّطواف كلّ ليلة بنفسه في أوفى عدّة، وأظهر عدّة، منتهيا في ذلك وفيما يجاريه إلى ما يشهد باجتهاده، ويعرب عن سداده، ويعلم منه صواب قصده واعتماده، وبذل مناصحته في إصداره وإيراده؛ والله تعالى يعينه على ما ولّاه، ويحفظ عليه ما نوّله وأولاه، بمنّه وكرمه. وهذه نسخة توقيع بنظر الجامع الأمويّ، لصاحب سيف: كتب به في الدّولة الظّاهرية «برقوق» لناصر الدين «محمد» ابن الأمير جمال الدين، عبد الله ابن الحاجب، عند مصاهرته الأمير بطا الدوادار «1» ، وهي: الحمد لله الّذي قدّم أعظم الأمراء ليعمّ مواطن الذّكر بنظره السّعيد، وأقام لتعظيم بيوت أذن الله أن ترفع، [أميرا] «2» في الاكتساب للأجور أسرع من البريد، وأطرب المسامع بسيرته في أحسن معبد جلّيت فيه عروس مهرها كتاب الله تعالى والنّور من زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة ومرئيّ «3» عليه من مكان بعيد. نحمده على أن أحلّ ناصر الدين بجماله الأسنى أشرف المراتب، وبوّأه المحلّ الرّفيع الّذي بلّغ به الأمّة المحمديّة المآرب، وسار خبر سيرته في المشارق والمغارب، وبلّغ بمشارفة نظره السعيد الشّاهد والغائب، حمدا نرفعه على النّسر الطائر، ونتمثل بقول القائل: كم ترك الأوّل للآخر، ونشهد أن لا إله

إلا الله وحده لا شريك له الّذي خلق العباد لعبادته، وفضّل بعض المساجد على بعض لما سبق في علمه من إرادته، ونشهد أنّ سيدنا محمدا خير الخلائق عبده ورسوله الّذي سنّ الجمعة والجماعة، وعمر المساجد بالرّكوع والسّجود إلى قيام السّاعة، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين اتّبعوه في قيام الليل إلّا قليلا، ولازموا المساجد بكرة وأصيلا، وحضّوا على الجماعة إلى يوم تكون الجبال فيه كثيبا مهيلا «1» ، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فلمّا كان جامع دمشق المحروسة رابع المساجد، وموطن كلّ راكع وساجد، وتقصده الأمم من الأقطار، ولم يخل من العبادة في اللّيل والنهار، ورواتب حكّام الشريعة عليه، والعلماء الأعلام تبثّ فيه العلوم وتأوي إليه، وغالب المساجد إلى سماط وقفه مضافة، وخطابته تضاهي مرتبة الخلافة؛ وهو أجلّ عجائب الدّنيا التي وضعت على غير مثال، وبه يفتخر أهل الهدى على أهل الضّلال- تعيّن أن يكون الناظر في أمره من عظم قدرا، وطاب ذكرا، وفتح لوقفه باب الزّيادة على مضيّ الساعات، وجمع أمواله بعد الشّتات، ووصل الحقوق لأربابها الذين كأنّهم جراد منتشر، ولم يضع من ماله مثقال حبّة ومن قال: إنّه صدقة فيومه يوم عسر، وعمّ جميع المساجد المضافة إليه بالفرش والتّنوير، وبدّأ الأئمّة والمؤذّنين والخدمة بعد العمارة على الكبير والصّغير. وكان الجناب الكريم- ضاعف الله تعالى نعمته- هو الّذي يقوم في هذا الأمر أحسن مقام، ويصلح له في مصلحته الكلام. رسم بالأمر العاليّ، المولويّ، السّلطانيّ، الملكيّ، الظّاهريّ، السّيفيّ- لا زال هذا الدّين القيّم قائما بمحمّده، والمساجد المعمورة [معمورة] «2» بإكرام مسجده- أن يستقرّ الجناب الناصريّ المشار إليه في النّظر

المرتبة الثانية (ما يفتتح ب «أما بعد حمد الله» وفيها وظائف)

السعيد على الجامع الأمويّ المعمور بذكر الله تعالى، وأوقافه المبرورة، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، بالمعلوم الشاهد به ديوان الوقف المبرور، إلى آخر وقت. فليباشر ذلك: لما يعرف من فعاله الحسنة، وخبرته الّتي نطقت بها من المحابر الأفواه ومن الأقلام الألسنة؛ ولما حازه من فضيلتي السّيف والقلم، وأعماله الّتي بدت للمهتدي بها كنور لا نار على علم، وليعمّر ما دثر من الأوقاف وليوصل الحقوق إلى أربابها، وليدفع الأموال إلى من هو أولى بها، ويكفّ كفّ الظّلم وليبلّغ المستحقّ المآرب، وليحجب الخونة عن التّوصّل إلى مثقال ذرّة بجدّه فهو كجدّه حاجب، وليبدأ بالعمارة والفرش والتّنوير في جميع الأوقات، وأرباب الصّلاة والصّلات. والوصايا كثيرة وهو بها أدرى؛ وتقوى الله عزّ وجلّ ملاكها ولا زال يفيدها كما يعلّم الشّجاعة زيدا وعمرا؛ والله تعالى يجعله أبدا للدّين ناصرا، ويصلح عمله أوّلا وآخرا؛ والاعتماد في معناه، على الخطّ الكريم أعلاه. المرتبة الثانية (ما يفتتح ب «أما بعد حمد الله» وفيها وظائف) وهذه نسخة توقيع [بتولية] «1» الزكاة، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة «2» ، وهي: أمّا بعد حمد الله مسعد من زكّاه عمله، ووفّاه وعد الخير أمله، ومصعد من وفت في تدبير الوظائف تفاصيل أمره ووفرت في تثمير الأموال جمله، والصّلاة

والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله الّذي أمرنا بالصّلاة والزّكاة، وشفى جانب الدّين القيّم من الشّكاة، وعلى آله وصحبه الذين سار على نهجه القويم سائرهم، وتزكّى- وإنّما يتزكّى لنفسه- منجدهم وغائرهم- فإنّ أحقّ الوظائف أنّ يندب لحمايتها الحسام، ويترتّب لكفايتها من تحلّت بالمحامد شيمه الجسام- وظيفة الزّكاة الّتي وصلت سبب مكانها بإمكانها، وبنيت شريعة الإسلام على أحد أركانها، ومدحت المملكة بمعالي البرّ والإحسان المنظّمة من ديوانها. ولما كان فلان ممّن زكت صفاته، وسمت بالجميل سماته، ووضحت كفاءته ودرايته، وصلحت حمايته الحساميّة ووقايته، وكان اليمن في قبضة مضائه، وتجريده وانتضائه، وكان نفوذ أمره واقفا عند حدّه واقعا على وفق ارتضائه- تعيّن أن يوصل سبب الشّدّ بأسبابه، ويرجع إليه في الزكاة المستحقّ نصابها حتّى يقال: رجع الحقّ بالحسام إلى نصابه. فلذلك رسم أن يرتب...... «1» علما بأنّه الكافي الّذي إذا شدّ سدّ، وإذا قصر رأيه على الصّنع الجميل مدّ، والخبير الّذي إذا جمع مالا وعدّده كان مشكورا، وإذا فرقه في مستحقّيه كان خلاف الغير بالخير مذكورا، والنّاهض الذي ما تبرّم بمضايق المهمّات ولا شكاها، والمهيب الّذي قد أمّن من سار بالبضاعة إليه وقد أفلح من زكّاها. فليستقرّ في هذه الجهة استقرارا يزيد مكانه وإمكانه، ويثمّر عمله وديوانه، وليوصّل كلّ ذي حقّ إلى حقّه فإنّما بسطت أيدي ولاة الأمور ليبسط عدله متولّيها وإحسانه. وتقوى الله تعالى هي العمدة؛ فليحقّق باعتمادها فيه ظنون الرّاجين، وليستعن بها على رضا المستنهضين له وعلى رضا المحتاجين؛ والله تعالى يلهمه الخير في ذوي الصادر والوارد حتّى يكونوا إلى خير

«لاچين» «1» خير لاجين. وهذه نسخة توقيع بشدّ الحوطات «2» بدمشق. كتب به لشرف الدين يحيى بن العفيف، [بإجرائه] «3» على عادته، وحمله على ما بيده من التّوقيع الشّريف، وهي: أمّا بعد حمد الله الّذي سهّل الخيرات بأسبابها، وأقرّ في الوظائف السّنية كفاة أربابها، وكمّل أدوات من حنّكته التّجارب في المباشرات حتّى دخل المناصب العليّة من أبوابها، والصلاة والسلام الأتمّين الأكملين على سيدنا محمد الّذي جاء برشد الشريعة وصوابها، وعرّف بحسن الصّنيعة وثوابها، وعلى آله وصحبه وعترته الطاهرين- فإنّ أولى من لفتنا إليه جيد الإحسان، وألقينا إليه طرف التّكريم فبلغ الأمانيّ والأمان، ولحظناه بعين عنايتنا فنال من فضلنا ما أخجل الغيث الهتّان، ومنحناه من برّنا ما شرح له صدرا، واستصحبنا له ما ألفه من كرمنا وجعلنا له بعد عسر يسرا، وأيقظنا حظّه وقد كاد أن يغفى، وأطلعنا كوكب سعده بعد أن كاد يخفى- من ألفت مهمّاتنا منه الهمم العليّة، وسلك بين أيدينا المسالك المرضيّة، وأتمن على أموال الحوطات الدّيوانية، فنمت بحسن أمانته، وشكرت الدولة جميل تدبيره ودرايته. وكان المجلس العالي فلان- أدام الله عزّه- هو الّذي أخبر عنه الوصف بما أثبته العيان، وأظهر الاختبار منه حسن السّيرة والسّريرة والسّجايا الحسان.

المرتبة الثالثة (من تواقيع وظائف أرباب السيوف بدمشق - ما يفتتح ب «- رسم بالأمر العالي» وفيه وظائف)

فلذلك رسم بالأمر العالي- أعلاه الله تعالى، وضاعف إحسانه على أهل الهمم ووالى- أن يستمرّ المشار إليه في شدّ الحوطات الديوانية بدمشق المحروسة، على عادته، ومستقرّ قاعدته، وحمله على ما بيده من التّوقيع الشريف المستمرّ حكمه. فليباشر هذه الوظيفة على أجمل عوائده، وليعد إليها على أكمل قواعده؛ إلّا أنّ التّذكرة بتقوى الله تعالى لا بدّ من اقتباس ضياها، والتّنبيه على سلوك سبيل هداها؛ فلتكن قاعدة أمله، وخاتمة عمله. والاعتماد في معناه، على الخطّ الكريم أعلاه، إن شاء الله تعالى. المرتبة الثالثة (من تواقيع وظائف أرباب السّيوف بدمشق- ما يفتتح ب «- رسم بالأمر العالي» وفيه وظائف) وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيع بشدّ مراكز البريد، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب بها لمن لقبه «بدر الدين» في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وهي: رسم بالأمر العالي- لا زالت البرد سائرة بأوامر عدله المديد، وهوامر جوده المجيد، وسوائر الأخبار عن بأسه ونداه المرويّ سندهما عن ثابت ويزيد، ولا برحت جوامع عطاياه وقضاياه: هذه فاتحة لمصالح الآمال باب الزّيادة وهذه فاتحة لمصالح الإسلام باب البريد- أن يستقرّ المجلس على عادته الأولى، وقاعدته الّتي ما برحت قدم مساعيه فيها المقدّمة ويد أمانته الطّولى، علما بكفاءته التي شهدت بها حتّى الخيل الماثلات خرسا فأفصحت، المواصلات سعيا فأنجحت، الموريات قدحا «1» إلا أنّ ألسنة الأحوال في شهادتها ما

قدحت، المغيرات على السّرى صبحا ما دار عليها شفق العشيّ فاغتبقت «1» ، حتّى دار عليها شفق الفجر فاصطبحت. ومراكز الطّرق الّتي حمتها مهابته فكأنّها مراكز الأسل، ومراكض السّبل، كلّ واد منها وما حمل وكل حدب وما نسل؛ واعتمادا على سداد عزمه الّذي وافق خبره الخبر، ورشاد سعيه الّذي كلّ أوقاته من وجوه الإجادة ووجوه الجياد غرر، وركونا إلى أنّه الكافي فيما يعتمده ويراه، السّاري في المهمّات لا يملّ وهيهات أن يمل البدر من سراه؛ كم أعان الإسلام على ما اتّخذه من قوّة ومن رباط الخيل، وكم جاد على الجياد على الغيث «2» حتّى سارت بين يديه كالسّيل، وكم حفظ عليها قوتها وقوّتها فبعد ما كانت تموت بالعدد صارت تعيش بالكيل. فليباشر ما عوّل فيه عليه، وأعيد من حقّه وإن كان خرج عنه إليه، وليطلق يد أمره ونهيه بما يسرّه أن يقدّمه بين يديه، حريصا على أن تنطق هذه الدّوابّ الخرس غدا بثنائه، مجريا لقوائمها وللإقامة بها على عادة إجرائه، متخيرا لها كلّ حسن الإمرة والسّياسة عند رحيلها وقدومها، ومن إذا عرضت عليه بالعشيّ الصّافنات الجياد طفق مسحا ولكن بإماطة الأذى عن جسومها، موسّعا عليها من المباني والأحوال كلّ مضيق، آمرا بما يحتاج إليه نوعها البديع من صناعتي ترشيح وتطبيق، مستأمنا من الأيدي من يردّ عنها الأيادي الضّائمة، ومن يساوي بينها في الأقوات حتّى لا تكون كما قال الأوّل: «خيل صيام وخيل غير صائمة» ، متحرّيا في تكفيتها أجمل الطّرق والطّرائق، مستجلبا صنوف العليق فلا تنقطع من برّه العلائق؛ والله تعالى يمدّه بعونه ورشده، ويجعل عزمه سابقا إلى التوفيق «سبق الجواد إذا استولى على أمده» ، بمنّه وكرمه.

وهذه نسخة توقيع بنقابة النّقباء «1» ، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة أيضا، كتب بها لشهاب الدين «بولاقي» عوضا عن أبيه، في سنة أربع وثمانمائة، وهي: رسم بالأمر العالي- لا زال بإنعامه يسفر عن وجه الأمل نقابه، ويحفظ لكافي الخدمة أعقابه، ويلوي باستمرار النّعم أدوار الزّمان وأحقابه، ويطلع في آفاق دولته شهاب كلّ عزم تحمد عساكره المنصورة ارتقاءه وارتقابه- أن يرتّب المجلس السّامي، الأمير:......... علما بأوصافه الحسنة، وأوضاعه الّتي لا يحتاج الحكم بفضلها إلى إقامة بيّنة، وكفاءته الّتي تنطق بها ألسنة الأحوال المؤمّنة وقلوب العساكر المؤمنة، وهمّته الّتي إذا وقّفت المواقف على الأعداء عرّفته أصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة، وتصديقا لدلالة عزمه الواعد، وتحقيقا لحماية شهابه الواقد، وركونا إلى قيامه مقام أبيه رحمه الله في الخدمة حتّى كأن لم يفقده من الجيش فاقد؛ وأنّه لدرجات الاستحقاق راقي، وأنّه العوض عن أب لاقى منيّته وكلّ آمريء لاقي المنيّة وابن لاقي، وأنّه كفء هذه المنزلة كما حكم الرأي واقتضى، وكما شهد «2» لغرّته بغرر الفوائد وكيف لا وهو ابن النّقيب المرتضى!. فليتلقّ بشهابه المضيء هذا المطلع الأسنى، وليقم في هذه الوظيفة على قدم الخدمة صورة ومعنى، مقدّما على النّقباء تقديم إمامهم، معلّما لجند الإسلام معلوم مقامهم، مالئا بإتقان معرفة الحلى سمع من استملاه، محظيا

للجنديّ معينا له على حصول الخير حتّى يشكره شكر من أطعمه وحلّاه، ناظما للمواكب عقد مجتمعها الثّمين، مصاحبا لها صحبة يثنى بها عليه وحسبه أن يكون من أصحاب اليمين، مرتّبا لها أحسن ترتيب، منقّبا عن محاسن تجمّلها: فإنّ اسم النّقيب مشتقّ من التّنقيب. وليكاثر حملة السّيوف فإنّه حامل سيف وعصا، وإنّه بهذه مخلّص حقوق من أطاع وبهذا موبق نفس من عصى؛ وليحرص على أن يقوم بوعد الاجتهاد المنجز، وعلى أن يكون سيف تحريض على جرحى الأعداء مجهز، وعلى أن يحصل في مواطن الجهاد على الأجرين: أجر المقاتل وأجر المجهّز؛ والله تعالى يحمد في الخير طرائقه، ويؤيّد عزمه الجيشيّ حتّى تلهج بشكره ألسنة الأعلام الخافقة، والاعتماد....... وهذه نسخة توقيع بشدّ خزائن السلاح، من إنشاء ابن نباتة أيضا، وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زالت أسنّة نجوم السّعد من سلاحه، وصواعقها من أعوان صفاحه، وسماكها الرّامح من أنصار رماحه، ولا برح يعمل معادن الأرض حتّى يفنى ذهبها وحديدها على يدي بأسه وسماحه- أن يرتّب...... لأنّه الناهض الّذي تتزيّن الوظائف بسمته وباسمه، وتتعيّن المصالح والمناجح بعزمه وحزمه، والمسدّد من آرائه سهاما، والمجرّد من اهتمامه كلّ ماضي الحدّ إذا كان بعض الاهتمام كهاما «1» ، والوفيّ في شدّ الجهات قولا وعملا، والمليّ بحمل السلاح واستعماله على رغم القائل: «أصبحت لا أحمل السّلاح ولا» ، والخبير بمحاسن الاقتراح، والكافي ولا عجب إذا سلّمت له ذوو الوظائف وألقت عليه السلاح؛، ذو العزم الأشدّ، والرّأي الأسدّ، والذّكيّ الّذي إذا تناول بعض الأسلحة وانتسبت شجاعته رأيت القوس في يد عطارد في بيت الأسد. فليباشر هذه الوظيفة المباركة بعزم أقطع من حسام، وأمانة أقوم من ألف

وصيانة أحصن من لام «1» ؛ معتبرا لأحوالها، مقرّرا لمطالب مآلها من مالها، موفّرا من أسلحتها الّتي تتوفّر بها من الخير سهامه، منصفا لصناعها الذين يحمد عند استعمالهم صنيعه واهتمامه، مكثرا لخزائنها من ذخائر العدد، مجهّزا لجيوش الإسلام من مادّة عملها بأنفع مدد: من قسيّ تقضي أهلها بقطع أعمار العدا، وسيوف صقيلة إذا نادت ديار النّاكثين أجابت الندا، ودروع تموّجت غدرانها إلا أنّها في مهالك الحرب لا تغوّر، ورماح أطّردت كعوبها فكلّها على عدوّ الإسلام كعب مدوّر؛ إلى غير ذلك مما يدلّ على عزمه الحميد، ويقضي للنّعمة عليه بالمزيد؛ والله تعالى يثقّف عزمه، ويوفّر من السّلاح والنّجاح سهمه. وهذه نسخة توقيع بشدّ الجوالي «2» ، من إنشاء ابن نباتة أيضا، وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زالت سعود أوامره واضحة الأدلّة، نافذة الحكم على كلّ ملّة، قائمة لخصب البلاد بالعدل، مقام السّحب المستهلّة- أن يرتّب فلان في شدّ الجوالي بدمشق المحروسة: لما ظهر من نجابته، واشتهر من حزمه ومهابته، وبدا من هممه العوالي، وعزائمه الّتي تجلو صدأ الهمّ بالجوالي، وإذا قيل لحاسده: له ولأبيه إمرة الخيل قال: والجوى لي، وأنّه الكافي الّذي إذا استنهض كانت عزائمه شابة، ونفحات ذكره الجميل هابّة، ونجل الهمام الّذي أشهد على كفاءته النّهار وعلى تعبّده اللّيل، وأعدّ لمصالح الإسلام ما استطاع من قوّة ومن رباط الخيل، وأنّ مرباه جميل، ومنشاه في منازل الخير دليل.

الضرب الثاني (ممن يكتب له عن نائب السلطنة بالشام من أرباب السيوف - من هو بأعمال دمشق؛ ومواضعهم على ثلاث مراتب أيضا)

فليباشر هذه الوظيفة المباركة بعزم يثمّر مالها، ويقرّر على السّداد أحوالها، ويستخلص الحقّ من أهل الاعتقاد الباطل، ويستخرج الوفر من أهل الجلد الماطل؛ فلا نصرانيّ إلّا وهو يتضرّع تحت الزّرقاء من باسه، ولا يهوديّ إلا وهو يشكو الصّفراء «1» في راسه، ولا سامريّ إلّا والنار الحمراء مطلّة على أنفاسه، حتّى تكون أوصاف شدّه متلوّة، وعزائمه في الجوالي مجلوّة، وهممه جارية على إيلافها ومألوفها، مجزّئة لأقلام الحساب والدّراهم على حروفها، صحيحة الوزن غير منهوك، آخذة الدّينار من وازنه، وهو كالمأخوذ منه مصكوك، شدّا تنعقد على اختياره الخناصر، وكما أنّ للإسلام منه قوّة فليكن للوظائف الدينية منه ناصر. الضرب الثاني (ممن يكتب له عن نائب السلطنة بالشام من أرباب السيوف- من هو بأعمال دمشق؛ ومواضعهم على ثلاث مراتب أيضا) المرتبة الأولى (ما يفتتح ب «الحمد لله» وفيها وظائف) وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيع بنيابة بعلبكّ كتب بها لركن الدين «عمر بن الطحان» وهي: الحمد لله الّذي جمّل بمحاسن زينه من استحقّ الصّعود إلى أعلى المنازل، وجعل نجم سعده بارتقائه إلى سماء المناصب طالعا غير آفل، وصان بعقله الراجح أحصن المعاقل. نحمده على إحسانه الواصل، وغيث جوده الّذي هو على الدّوام هاطل، حمدا ينطق بمدح معدلته كلّ لسان قائل، ويزيد خيره على كلّ عام قابل، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له الّذي ألحق جياد الأواخر بالأوائل،

وجعل أجمل الأمراء يفوق البدور الكوامل، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الّذي جعله لديه أعظم الوسائل، وتلازم هو وجبريل في علوّ المنازل، والتّقدّم في المحافل، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه سادات العشائر والقبائل، والمجاهدين في سبيل الله بالبيض البواتر والسّمر الذّوابل، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فلمّا كانت بعلبكّ المحروسة من أعزّ بلاد الإسلام، وأبهج مدن الشّام- تعيّن أن نعيّن لها حاكما ديّنا خبيرا، أمينا أميرا؛ شجاعا مهتابا «1» ، بطلا برمحه وسيفه في صدور الأعداء ورقابهم طعّانا ضرّابا، وكان الجناب الكريم فلان- ضاعف الله تعالى نعمته، وحرس من الغير مهجته- من بيت كان على التّقوى أساسه، وعدّت لدفع المعضلات أناسه، واشتهرت همّتهم فلا يردّ لهم سهم ولا يطاق باسه؛ طالما نفوا عن الدّين الحنيفيّ خبث الكفر بعدما تمكنت أدناسه، وشمّروا عن ساعد الاجتهاد فمحي بسيوفهم ضلال الشّرك وأرجاسه؛ وهو أعزّه الله تعالى ممّن شجى بشجاعته، حلوق الكتائب، ووفّى بعدله وحسن سياسته، حقوق المناصب، وقام في خدمة الدّولة الشريفة أحسن قيام، وهذّبته بمرورها اللّيالي والأيام، وتأهل لحلول الرتب العليّة، وتعيّن لارتقاء المراتب السّنيّة؛ فأردنا أن نختبره فيما نولّيه، ونخبر عزمه فيما نوليه. فلذلك رسم بالأمر العالي- لا زال أمره مستمرّ الإحسان، مجزلا لذوي الاستحقاق عوارف النّعم الحسان- أن يستقرّ الجناب الكريم المشار إليه- ضاعف الله تعالى نعمته- في نيابة السّلطنة الشريفة ببعلبكّ المحروسة والبقاعين «2» المعمورين، على عادة من تقدّمه في ذلك، ومستقرّ قاعدته، بالمعلوم الّذي يشهد به الديوان المعمور، إلى آخر وقت.

فليباشر هذه النيابة الشريفة بخاطر منفسح حاضر، وقلب منشرح على الخيرات مثابر، وليتّخذ الشرع الشريف إماما، وليتوخّ أوامره ونواهيه نقضا وإبراما، وليقف عند حدوده المشروعة، ولا يتعدّها ومن يتعدّ حدود الله فيده من الإيمان منزوعة، وليلن جانبه للرّعية، وليحملهم من العدل والإنصاف على المحجّة الواضحة الجليّة؛ فإنّهم الرعية الضعفاء «1» الصالحون الذين أنعم الله عليهم بتفويض أمورهم إليه، وليعرّفهم قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «اللهمّ من ولي من [أمور] «2» أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به ومن شقّ عليهم فاشقق عليه» ، وليعمّر البلاد، وليقمع أهل الفساد، وليمهّد البقاع، وليحيي موات الضّياع، وليقم على القلعة المنصورة الحرس، ولا يغفل عن حفظها بمعرفته الّتي أكدت له من السّعادة سببا؛ والله تعالى يبلّغه من إحساننا أربا، وينجح له من فضلنا طلبا، ويحرسه بسورتي فاطر وسبا؛ والاعتماد في معناه، على الخط الكريم أعلاه. وهذه نسخة توقيع بكشف البلاد القبلية، كتب به لغرس الدين خليل الناصريّ في الدولة الظاهرية «برقوق» وهي: الحمد لله الّذي جرد من أولياء هذه الدّولة الشّريفة سيوفا تحسم موادّ الفساد، وتبيد أهل الزّيغ والعناد، وتعمّ ببأسها وبعدلها البلاد، حمدا مستمرّا على الآباد، مزوّدا غرسها النافع ونعم الزّاد، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ربّ العباد، القائم على كلّ نفس بما كسبت والمجازي لها بما عملت يوم يقوم الأشهاد، ونشهد أنّ سيدنا محمدا خير الخلائق عبده ورسوله الّذي بلّغه في الدنيا والآخرة أقصى المراد، وفضّله على الخلائق: الآلاف والمئين والعشرات والآحاد، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين فتحوا البلاد،

بسيوفهم الحداد، ومزّقت رماحهم من مخالفي دينهم القويم القلوب والأكباد، وسلّم تسليما كثيرا إلى يوم التّناد. وبعد، فلمّا كانت المملكة القبليّة جلّ البلاد الشامية، وبها أرزاق العساكر الإسلامية، وطريق الحاجّ إلى بيت الله الحرام، وزيارة نبيّه عليه أفضل الصّلاة والسلام، وإلى الأرض المقدّسة، التي هي على الخيرات مؤسّسة، وإلى الأبواب الشريفة السلطانية، وممر التّجار قاصدين الدّيار المصريّة، ومنازل العربان، ومواطن العشران «1» - وجب أن يفوّض حكمها إلى من عرف بالشّهامة والشجاعة، واليقظة الّتي لا يغفل بها عن مصلحة المسلمين ساعة؛ من أثمر غرسه وما يفوّه، وأينع بالمروءة والفتوّة، وتقدّم في الكمال على زيد وعمرو، وأضرم في قلوب الأعداء نارا أحرّ من الجمر. وكان الجناب الكريم- أدام الله نعمته- هو المشهور بهذه الصّفات، والمنعوت بالشّجاعة والإقدام وحسن الأدوات. فلذلك رسم بالأمر العالي- لا زال إحسانه يثّمر غرسا، وجوده يسرّ نفسا- أن يستقرّ الجناب المشار إليه في كشف البلاد القبلية المحروسة على منوال من تقدّمه وعادته، وحدوده في ذلك ومستقرّ قاعدته. فليباشر ذلك بهمّته العليّة، وشجاعته الأحزميّة، ونفسه الأبيّة، وليبيّض وجهه في هذه النّوبة حتّى يطرب الناس بالنّوبة الخليليّة، وليعدل في الكبير والصغير، وليقمع رؤوس عشير اتخذوا رأسهم مولى: فلبئس المولى ولبئس العشير، وليدفع أذى العرب، وليحذّرهم شرّا اقترب، وليكثر الركوب إلى المعاملات، ولا يخش من كثرة الحركات، وليعلم أنّ كلّ ما هو آت آت، وليتخذ الشّرع الشريف إماما، وليتوخّ أوامره ونواهيه نقضا وإبراما، وليقف عند

حدوده المشروعة، ولا يتعدّها: ومن يتعدّ حدود الله فيده من الإيمان منزوعة، وليلن جانبه للرّعية، وليحملهم من العدل والإنصاف على المحجّة الواضحة الجليّة؛ فإنهم الرعية الضّعفاء الذين أنعم الله عليهم بتفويض أمورهم إليه، وليعتمد قول النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «اللهمّ من ولي من أمور أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به ومن شقّ عليهم فاشقق عليه» ؛ والوصايا كثيرة وتقوى الله عزّ وجلّ نظامها وقوامها، واتّباع سنّة نبيّه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم قيادها وزمامها، والاعتماد في معناه، على الخطّ الكريم أعلاه. وهذه نسخة توقيع بكشف الرّملة، كتب به لأبي بكر «أمير علم» «1» ، في الدولة الظاهرية «برقوق» وهي: الحمد لله الّذي قلّد أجياد المجاهدين، سيف نصره، وأكّد بعزائم أهل اليقين، حماية حوزة الإسلام وصيانة ثغره، وجعل ألسنة أسنّة المرابطين في فم الثّغر زينا إذا ازدان بغرّة بدره، وأنزل بأعداء الدّين قوادح نقمه وقوارع قهره. أحمده أن حمى بأولي النّجدة والبأس للمسلمين حمى، وأشكره على ما همع من صيّب نعمائه وهمى، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة أتّخذها عند الله ذخرا، وأرجو بها في العقبى أجرا، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي آيد يده بالسّيف وأمدّه أيدا، وعلى آله الذين حلّى بهم للإسلام جيدا، وصحبه الذين جلا ببوارق صفاحهم، وخوارق رماحهم، غمم المجال، وغمم القتال، فلم يهمل الأعداء ولم يمهلهم رويدا. وبعد، فإنّ أولى من جعل في نحر البحر هماما صارم «2» ، وأشدّ من قاطع

أعداء الدين وصارم، من تضرب بشجاعته الأمثال، ويورد في صدور الأبطال صمّ الأسل النّهال، ويحمي حمى الثّغر فلا يدع عدوّا ولا يرهب نهبا، ويرقى رقاب الكفر فيؤمنون وإن كان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفينة غصبا «1» ولما كان الجناب الكريم فلان- أدام الله تعالى نعمته- هو الّذي أخلص في الطّاعة، ونصح سلطانه حسب الطاقة والاستطاعة- رسم بالأمر الشريف العالي- لا زال سيف عدله ماضيا، وكلّ بحكمه راضيا- أن يستقرّ الجناب المشار إليه كاشفا بالرّملة المعمورة، على عادة من تقدّمه في ذلك. فليباشر ذلك معمّرا تلك البلاد بعدله، مجتهدا على إيصال الحقّ إلى أهله، وليتخذ الشّرع الشريف إماما، وليتوخّ أوامره ونواهيه نقضا وإبراما، وليقف عند حدوده المشروعة، ولا يتعدّها: ومن يتعدّ حدود الله فيده من برّ الإيمان منزوعة، وليلن جانبه للرّعية، وليحملهم من العدل والإنصاف على المحجّة الواضحة الجليّة، [فإنّهم الرعية الضّعفاء الذين أنعم الله عليهم بتفويض أمورهم إليه] «2» ، وليعتمد فيهم قول النّبي صلّى الله عليه وسلم: «اللهمّ من ولي من أمور أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ومن شقّ عليهم فاشقق عليه» . والوصايا كثيرة وأهمّها التّقوى فليلازم عليها فإنّها تحفظه، وبالسيادة والسعادة تلحظه؛ والله تعالى يكمّل توفيقه، ويسهّل إلى نجح المقاصد طريقه؛ والاعتماد في معناه، على الخط الكريم أعلاه. قلت: ومن تأمّل وصايا هذه التواقيع الثلاثة المتقدّمة الذكر، علم ما كان عليه كتّاب الزمان، من انتزاع الفقرات من توقيع، وترصيعها في توقيع آخر، من غير تغيير لفظ في أكثرها.

المرتبة الثانية (من تواقيع أرباب السيوف ممن بأعمال دمشق - ما يفتتح ب «أما بعد حمد الله» وفيها وظائف)

المرتبة الثانية (من تواقيع أرباب السيوف ممّن بأعمال دمشق- ما يفتتح ب «أما بعد حمد الله» وفيها وظائف) وهذه نسخ تواقيع من ذلك. نسخة توقيع بنيابة بعلبكّ لمن دون من تقدّم في المرتبة الأولى، من إنشاء الشيخ جمال الدّين بن نباتة، كتب به لمن لقبه «ناصر الدين» ؛ وهي: أمّا بعد حمد الله الّذي لم يخل مملكة إسلامية من قوّة ولا ناصر، ولم يحل أمرها على ذي عزم قاصر، ولم يحلّ وجهها إلا بمن نسي به القديم وشهد له المعاصر، ولم يلق مقاليدها إلا لمن وضح برأيه الإبهام وثبتت بفضله الشهادة وعقدت على ذكره الخناصر، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الّذي شيّد معالم الدّين وأركانه، وجدّد مكان الحقّ وإمكانه، وعلى آله وصحبه الذين تابعوا في الخلق عدله وإحسانه، وشايعوا في النّصر نصله وسنانه، ما استناب الودق «1» في سقيا الرياض غدرانه، وخلع على الغصون خلعا خطر فيها الزّهر بأكمامه وعقد من الثّمر تيجانه- فإنّ شرف الأماكن بساكنيها، وجسوم الديار بنفوس قاطينها، والمنازل بكواكبها، والمناصب بنصيبها من الكفاءة ونائبها، وإنّ مدينة بعلبكّ علم في المدائن مرفوع الخطّة، وجسم من جسوم الديار قد آتاه الله بسطة، بنية سليمان عليه السّلام فهي بالملك قديمة الاختصاص، ومبتنى الجانّ المنسوبة عقودها العلية والدّرية إلى كلّ بناء وغوّاص، وشام الشّام المعجبة، وروضة نداه المعشبة، وثنيّة ثغره الباسم، وعرف أعراق حياه النّاسم، ومأوى صلحائه أحياء بين أوطانها، وأمواتا بين صفيح لبنانها؛ لو عرضت البلاد سحبا لقيل لسحابها: يا كثير المنن، ولو صوّرت أناسيّ لقيل لإنسانها: يا طيّب النّجر واللّبن؛ لا يمنع ماعونها، ولا ينقطع عونها عن البلاد وما أدراك ما عونها، ولا

تليق من النوّاب إلّا بكلّ سرّي العزم والهمّة، عليّ الآراء في الملمّة المدلهمّة، ناجح القول والعمل، صالح لأن يثني على نيابته البعلبكّية صالحو المدينة والجبل، مكمّل لسلوك الحقّ الأنجى والعزم الأنجد، مؤهّل لارتقاء الرّتب التي [إن خلت من ماجد تناولها] «1» الأمجد. وكان فلان هو جملة هذا التّفصيل، وجمال هذا التّفضيل، وكفء هذه العقيلة، وسعد هذه المنزلة الّتي مدّت بالسّيف والقلم ذراعه ونظّمت من البناء إكليله. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت الممالك بمحاسن أيّامه إرم ذات العماد، والبلاد ذات الخصب السّنيّ لا ذات السّنة الجماد- أن يرتّب في نيابة بعلبكّ المحروسة: مجدّدا بهمّته العالية علوّ صرحها، وحماية سرحها، ورعاية جبلها وسفحها، موريا في مصالحها زناد فكره الّتي لا تتمكّن أقوال العداة من قدحها، مصرّفا أوامره كيف شاءت، منصفا للأحوال المنوطة برعايته إن دنت أو تناءت، باسطا لعدل قلمه على المجيدين، وسطوات سيفه على المعتدين، وازعا بمهابته من جاور جبال العمل من الضّالّين، فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ «2» وليتبوّأ منها معقلا يحمده المناصر والمهاجر، وليحط منها ثغرا مساويكه الأسل والمسعى إليه على المحاجر، وليجر أمور الديوان على سنن التّمييز والتّثمير، وليدبّر الأوقاف المبرورة بمحاسن التّدبير، وليشارك أهلها في الأجر الأوّل بالأجر الأخير؛ والأسوار هي وقلوب الرّجال من أهمّ ما يعمّره، ووفور الحواصل والسّلاح ممّا للوليّ ولقاء العدوّ يدّخره، وتقوى الله عزّ وجلّ ممّا لا يزال لسانه يستحلي القول فيه فيكرّره؛ والله تعالى يمدّه بإعانته ولطفه، ويكفيه ما أهمّ من الأمور فما كفي من لم يكفه.

وهذه نسخة توقيع بولاية الولاة بالشّام المحروس لمن لقبه «عزّ الدّين» من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة أيضا؛ وهي: أمّا بعد حمد الله الذي جعل للولاة في هذه الدّولة عزّا يتجدّد، وعزما يتشدّد، [وفعلا إذا حكم لا يتعدّى ورأيا لا يتعدّد] «1» ، وكافي ولاة يتلذّذ الواصف بذكر اهتمامه الّذي إذا اهتمّ لا يتلدّد، وإذا اعتبر عزمه وحزمه فهذا فضل يتجدّد، وهذا وصف لا يتحدّد، والصلاة والسلام على سيد الخلق محمد، وعلى آله وصحبه ذوي العزّ المؤبّد، والعزم المؤيّد، ما كتب قلم الغيث الجائد على طرس الرّوض فجوّد- فإنّه لما كانت الولاة في خدمة البلاد جيشا يحمون سرحها، ويعمرون صرحها، ويخصبون بالعدل قبل العمارة سفحها، ويحكمون في رعاياها، ويتمكّثون في قضاياها، ويقرعون ثغورها ويفرعون ثناياها- تعيّن أن نقدّم على هذا الجيش المذكور أميرا يقرّر أمرها، وينسّق من ميمنته وميسرته يمنها ويسرها، ويجرّد من الرّأي سلاحه، ويسرّ قلبه بالتّدبير ويريش جناحه. وكان المجلس السامي هو الأمير الدّالّ عليه هذه الإمارة، المعنيّ بهذه الشّارة والإشارة، المستحقّ بشريف نفسه مدارج الارتقاء، ومباهج الانتقاد والانتقاء، المسبل أذيال مفاخره أيّ إسبال، المرقوم باسمه ورسمه على أرجاء الولايات: «عزّ يدوم وإقبال» ، المقيم من أمانته ومهابته بين حرزين، الشّهم الذي لا يذلّ وهو من نعته ومنتسبه بين عزّين، الصّمصام الّذي تسرّ [به] يد من ارتضاه وانتضاه، والماشي على الحقّ الظّاهر حتّى يقال: أهذا والي الولاة أم قاضي القضاة؟. فلذلك رسم بالأمر الشريف- شرّفه الله وعظّمه- أن

يستقرّ......... اعتمادا على شهامته الّتي بمثلها تمهّد البلاد، وكفاءته التي تفصح بالخيرات السّنيّة ألسنة الجماد، وصرامته الّتي تشدّ على أيدي الولاة فيردون الحقوق من أيدي الاغتصاب، ودرايته الّتي ينتسبون إليها فينشدون: وكنّا كالسّهام إذا أصابت ... مراميها فراميها أصاب «1» فليباشر هذه الرّتبة بكفئها: من العزم العالي، والقدر الغالي، والمعدلة التي تتمسّك منها الأحوال بأوثق العرا، وتتلو سيّارتها المرفقة: وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى «2» ، مراعيا لجميع الأحوال، مثمّرا لمربع الأموال، واليا على ولاة إن شكّوا في صنع الله فما لهم من الله من وال، ماشيا من تقوى الله تعالى في كلّ أمر على أقوى وأقوم منوال؛ والله تعالى يخصب البلاد بغمام رأيه الصّيّب، ويطيّب الأماكن المنبتة بمثله: «وكلّ مكان ينبت العزّ طيّب» . وهذه نسخة توقيع بولاية البلقاء والصّلت «3» ، من إنشاء ابن نباتة، وهي: أمّا بعد حمد الله مضاعف النّعمة، ومرادف رتب الإحسان لمن أخلص في الخدمة، ومجدّد منازل العزّ لمن طلعت كواكب اهتمامه في آفاق الأمور المهمّة، ومؤكّد سهام الخير المقتسمة، لمن سدّد في شرف الأغراض رأيه بل سهمه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبيّ الأميّ هادي الأمّة، وعلى آله وصحبه حماة الدّين من العوارض الملمّة، صلاة تكون بين أرواحهم الزّكية مودّة ورحمة- فإنّ أحقّ الأولياء بمزيد الآلاء المتّصلة، وتجديد النّعم المقبلة وتقديم المساعي الّتي لا تلبس حلل الفخار إلا مكتملة- من وضحت في صفات الفضل آياته، وتقابلت في حالتي التّدبير سطاه وأناته، وروّى غلّة البلد الخائف

ففاض على المعتدين جدول سيفه وجرت بالدّم قناته، وقام على قدم الاجتهاد، وقسم بين جفنه وجفن سيفه السّهاد. ولما كان المجلس هو المقصود بهذه الكناية، والمشهود له في طلق هذه الغاية، والعالي بهممه على ذوي الارتقاء، والوالي الّذي إذا ركب الولاة لاشتهار ذكر كان من بينهم فارس البلقاء، والنّاهض بتثمير الأموال غمام رأيه الصّيّب، والطّيّب بسياسته محلّ الولاية: «وكلّ مكان ينبت العزّ طيّب» - تعين أن نتزيّد منصبه إذا تزيّدت المناصب، وأن تستمرّ مرتبته إذا مرّت لذهابها المراتب، وأن يشتمل في استمرارها عليه، وأن يكون في إعراب الدّولة القاهرة مضافا ومضافا إليه. فلذلك رسم بالأمر الشريف- أعلى الله تعالى أبدا عماده، وجعل لولاة أيّامه الحسنى وزيادة- أن يستمرّ على ولاية البلقاء على عادته، وأن تضاف إليه ولاية الصّلت: جمعا له بين الأختين حلالا، والذّروتين منالا، والرّايتين نهوضا بهما واستقلالا، وعلما بوفاء عزمه الّذي أمر أمره، ورفعا لقدره الّذي حسن أن يقول لمنصب البلقاء: «لنا الأبلق الفرد الّذي سار ذكره» ، وتيمّنا بغرّة الصّلت فإنّ الصّلت هو الجبين الواضح بشره؛ وكيف لا؟ وهو الكافي الّذي جمع مال الجهات فاوعى، وقسم فنون المصالح جنسا ونوعا، وحسم أدواءها بحسام رفقه كرها وطوعا. فليباشر بالعزّ واليمن جهتيه، وليأخذهما بكلتا يديه، وليفض وجه عزمه في أرض الدّولة حتّى يكون شبه البلقاء اللازم لإحدى ولايتيه، محصّنا بسماكي سيفه وقلمه فنعم البلدتان، مثمّرا بسداد قوله وفعله ومن دونهما جنّتان، موفيا للحقوق، معفيا لاعتراف النّعمة من العقوق، راقيا بهمته- إن شاء الله تعالى- إلى رتب لو رامها نجم الأفق لعاقه العيّوق «1» ، عاملا بتقوى الله عزّ وجلّ فإنّ

خير الدنيا والآخرة بتقوى الله معدوق؛ والله تعالى يوضّح لرأيه أجمل الطرائق، وينجح على البلقاء وغيرها سعيه السّائق، وفكره السابق، بمنه وكرمه!. وهذه نسخة توقيع بولاية نابلس، من إنشاء ابن نباتة أيضا؛ وهي: أمّا بعد حمد الله على ماهنّأ من المواهب، وهيّأ من عليّ المراتب، وأنجز من وعود السّعود بعد مطال المطالب، وزيّن من سماء الوظائف عند إزهائها بزينة الكواكب، وعمرّ من صدور الولاة والولاية بعليّ تثني عليه الرعيّة «ولو سكتوا أثنت عليه الحقائب» ، والصلاة على سيدنا محمد عبده ورسوله الذي جرّد لنصر الإيمان حدّه القاضب، وحزبه الغالب، وندب لإحياء الحقّ عليه بعدما همّت به النّوادب، وعلى آله وصحبه الذين هم في الممات جمال الكتب كما كانوا في الحياة جمال الكتائب، صلاة تتعطر بنفحاتها الصّبا وتتقطّر من خلف سراها الجنائب- فإنّ عقائل الولايات أولى بخطبة أكفائها، ورغبة السّراة من ذوي اصطفائها، ونسبة من يقوم للأمور المعلّلة بقانونها وشفائها «1» . ولما كانت بلد نابلس المحروسة من أعلى عقائل البلاد قدرا، وأمرا الجهات أمرا، وأسرى الولايات محلّا وذكرا، وأوفى النّواحي من زمان بني أيّوب على تكاليف الملك صبرا، وأنزه البقاع الّتي لو رآها الملك المصريّ لما استغلى غوطة الشّام بشبرين من شبرا «2» ؛ بلد أعارته الحمامة طوقها وحمّلت الثّناء فوق طوقه، ونجم نبات واديها الزّهر حتّى تساوى النّجمان من تحته ومن فوقه- تعيّن أن يختار لولايتها من تعيّن ولاؤه، وتمكن في الرّتب علاؤه، وتبيّن في مصالح الولايات احتفاله واحتفاؤه، وشهر وفاؤه بالخدمة فلا شرف بسعي إلّا له منه شينه وراؤه وفاؤه، من شهدت السّواحل الشاميّة في مباشرته أنّه أجرى منها

المال بحرا، وأفاض الوصف درّا، وشهدت الزّكاة- وديوانها المادح- أنّه أفلح من زكّاها خبرا وخبرا. فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يرتّب فلان...... علما بأنّه الأوحد الذي جمع الأوصاف المتقدّمة، وأسمع من المحامد نتيجة لها من كلا قوله وفعله مقدّمة، وأطلع في آفاق الوظائف كنجوم الجوزاء الثّلاثة رأيه وسيفه وقلمه، واطّلع على محاسن التّدبير فكان في رعايا بلده ممّن تواصوا بالصّبر وتواصوا بالمرحمة، وأنّه الكافي الّذي إذا ولي ثمّر، وإذا صال على المفسدين دمّر، وإذا شامت المهمّات بارق عزم، أسبل وإذا سامت قواه شمّر، وأنّه الأمين إذا تصرّف، والمأمون إذا تعرّف، والشّجاع إذا تحصّنت البلاد بنسبه الحصنيّ: فسواء في شمول الأمن ما توسّط منها وما تطرّف. فليباشر هذه الولاية المباركة بعزم يوضّح بشرها، وينجح أمرها، ويقيم في خطبة علاه عذرها، وحزم يثمر مالها وغلالها، وينقع غلّتها ويضع أغلالها، وبأس يدع المفسد من سيفه أو قيده في طوق أو حجل «1» ، ويذر السّارق والمارق يشير بلا كفّ ويسعى بلا رجل، مشيّدا لنواحيها بالتّرغيب والتّرهيب على أوثق المباني، مصلحا بين أهل الأهواء حتّى لا يضرّ قول القائل: «رفيقك قيسيّ وأنت يماني» ، متفقّدا من الأحوال كلّ جليل وحقير، ناهضا في تلقّي المهمات على قدم التقدم بالعزم الأثير، جاعلا من لدى محجّة عمله لصلاح العشيرة نعم العشير، عاملا بتقوى الله تعالى في كلّ أمر وإليها بالحديث يشير. وهذه نسخة توقيع بشد الدّواوين بغزّة، من إنشاء ابن نباتة، كتب به ل «علاء الدّين بن الحصنيّ» المقدّم ذكره في التّوقيع قبله، وهي: أمّا بعد حمد الله على كلّ نعمة جلّت، ونعمة في أهلها حلت وحلّت، ورتبة بانتساب كافيها وباسمه تحصّنت على الحقيقة وتعلّت، والصلاة والسلام على سيدنا

المرتبة الثالثة (من تواقيع أرباب السيوف بأعمال دمشق ما يفتتح ب «- رسم» وفيها وظائف)

محمد خير من سلّمت عليه الألسنة وصلّت، وسلّت به سيوف النصر وصلّت، صلاة دائمة ما أمليت على الأسماع فملّت، ولا قابلتها وجوه الملائكة إلا تهلّلت ولا سحب الرّضوان إلّا انهلّت- فإنّ منزلة يستقى [من] مهمّات الدّولة خبرها، ويستدعى من جانبي مصر والشّام سبرها، ويحمد إليها من ناحيتي الساحل والجبل سراها وسيرها؛ وتلك وظيفة شدّ الدّواوين المعمورة بغزّة المحروسة التي تلتقط من ساحل بحرها درر الخير المقتبل، وتقول المهمّات الشريفة لسراة استنهاضها: يا سارية الجبل- حقيقة أن يتخيّر لها من الشاكرين من يحمد اجتهاده وجدّه، ومن السّابقين إلى المقاصد من يحسن- كما يقال- تقريبه وشدّه، ومن شكرت في الولايات آلاؤه، ومن إذا علا نظر رأيه في المصالح قيل: دام علاؤه، ومن إذا دبّر جهة قالت بلسان الحال: لقد زاد في المصالح حسنا، ولقد تحصّنت بانتساب ذكره فلا عدمت منه حصنا. ولذلك رسم بالأمر الشريف أن يستقرّ............ لما عرف من حزمه وعزمه، ولما جدّد في مقدّمات القدر من رفعه وفي إعلاء المهمّات من جزمه، ولما عهد من هممه في جهات دبّرها، وفي ولايات ثمّرها، وفي وظائف شدّها: أمّا على العتاة فشدّدها وأمّا على المستحقّين فيسّرها، ولما اشتهر من ذكره الّذي لا برح عليّا، ولما ظهر من درايته الّتي جعلت كوكب سعده وسعيه درّيّا، ولما بهر من تميّزه الّذي إذا هزّ عصاه بيد تساقط على المقاصد رطبا جنيّا. فليباشر هذه الوظيفة المباركة مباشرة تبيّض لها وجها وعرضا، وإذا أثنى عليه المثني تبرعا كافأه حتّى يكون قرضا، مجتهدا في تثمير الأموال والغلال، ضابطا لأمور الدّيوان حتّى لا يشكو الخلّة ولا الاختلال، قائما بحقوق الخدمة، مستزيدا- بشكر الأقوال والأفعال- لما يرسخ له من أقسام النّعمة، عليّا على كلّ حال إذا وفّت الفكر قدره وإذا ذكر اللّسان اسمه. المرتبة الثالثة (من تواقيع أرباب السيوف بأعمال دمشق ما يفتتح ب «- رسم» وفيها وظائف) وهذه نسخ تواقيع من ذلك:

نسخة توقيع بنيابة قلعة القدس، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب بها لشرف الدين «موسى الردّادي» ؛ وهي: رسم......- لا زالت ولاة أيّامه عالية الشّرف، سامية المستشرف آوية من جنّات خير الدّنيا والآخرة إلى غرف من فوقها غرف- أن يستقرّ المجلس السامي...... علما باهتمامه الوفي، واعتزامه المتيقّظ إذا نام حدّ المشرفي، واستنادا إلى رأيه الّذي يقول نجمه الطّالع: «ما أبعد العيب والنّقصان من شرفي» !!، وإرشاد سعيه إلى أن اتّخذ من الأرض المقدّسة دارا، ومن حرمه الشّريف جارا، واتّقاد ذهنه وشجاعته اللّذين آنس بهما من جانب الطّور نارا، وكيف لا؟ وقد قالت همّته: يا موسى أقبل ولا تخف، وأخرج يدك البيضاء في النيابة تكن أحقّ من اغترف بها الإحسان واعترف. فليباشر ما فوّض إليه مباشرة يعلو بها شرف اسمه ومسمّاه، ويبدو للاختيار والاختبار فضل التقدّم الّذي إذا بدا له كفاه، وليجر بهذه الرتبة رأيا حسن الإحكام، وليواظب على حفظ هذه القلعة الّتي فتح بها عليه فإنّها من أعظم فتوح الإسلام، وليمدّ عليها من كفايته سورا حول سورها، وليتفقّد رجالها وعددها تفقّد الشّهب في ديجورها، وليردّ عنها بعزمه الرّدّادي عيون الأعادي الزّرق حتّى لا يراع في أرض الحرم ولا حمامات طيورها، وليشكر نعمة أوته إلى هذه المنازل الطّاهرة، وليقرّب ليد آمله طلب خير الدّنيا والاخرة، وليقدّم من الوصايا تقوى الله الّتي عن أصلها تتفرّع نعمه الباطنة والظّاهرة، حتّى يجعل له في الوادي المقدّس ربعا مأنوسا، وجمعا محروسا، وأحاديث حسنة تقول لمستمع مثلها في الآفاق: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى * «1» والله تعالى يمدّه بإعانته، ويلهمه شكر ما رزق من فضل مكانه ومكانته، بمنّه وكرمه!

وهذه نسخة توقيع بنيابة قلعة صرخد «1» لمن لقبه «جمال الدين» وهي: رسم بالأمر- لا زال يتخيّر لقلاعه النّائب ويتحيّز «2» من النّائبة، ويمدّها بسحائب برّه وفكره الصّائبة، ويندب لخدمتها كلّ سيف يرضي النّادب «3» ويقيم على غيرها النّادبة- أن يرتّب مجلس الأمير...... لأنّه الكافي الّذي تسرّ الحصون بأمثاله، وتبتسم شرفات القلاع لإقباله، وتنشرح منازلها بتنقّل نجوم الهداية من أفعاله وأقواله، والمليّ بأداء الخدمة، والمرشّح لما هو أوفى وأوفر من الأمور المهمّة. فليباشر نيابة هذه القلعة القديم أثرها، والشّهير خيرها وخبرها، بعزمة سيف قاطعة، وحدّة بأس ذائعة، ومهابة ذكر لشياطين النّفاق عنها رادعة؛ فإنّها من بناء المردة «4» : فليردّ عنها آفة جنسها، وليحط برقى عزائمه حول نفاستها

ونفسها، وليجر أمرها على السّدد «1» ، وليبنها بلزومه المهديّ أوثق ممّا بناها أولئك بالصّفّاح والعمد، وليرض الآثار السّليمانيّة بسلمان بيت الملازمة على طول الأبد، وليجتهد فيما هو بصدده حتى تدمّر بتدمر «2» جوانح الحسدة بالكمد، مكثّرا بذكرى مهابته لعددها، موفّرا لعددها، مستوجبا لاستجلاب الإنعام عليه باستجلاب مددها. وهذه نسخة توقيع بنيابة قلعة الصّبيبة «3» ، وهي: رسم بالأمر العالي- لا زال إحسانه يعيد إلى الحصون ناصرها وزينها، ويفيد أصحاب الهمم صونها، ويحرسها بمن إذا نظر فيها وحماها كان عونها وعينها- أن يستقرّ المجلس الساميّ الأميريّ......... لما ألفته هذه القلعة المنصورة من تحصينه وتحسينه، وعرفته من ترتيبه في عمارتها وتزيينه، ولأنّه الأدرى بالمصالح العائد نفعها، والأدرب بمناجحها الحميد وقعها، الذي

باشرها من قبل فأحسن السّلوك، ونصح هذه الدولة القاهرة فأثنى على سيرته ملوك الحصون وحصون الملوك. فليعد إلى هذا المعقل المنيع عود الماء إلى مشاربه، وليسر في أرجاء أبراجها مسير القمر بين كواكبه، وليتفقّد أمور رجالها المستخدمين، وليستجلب قلوب حفظتها الأقدمين، متحاشيا من رأي القاصر الغبيّ، قائما بالمهمّات الّتي تزاحم منه بشيخ لا تزاحم بصبيّ، مقيما على رفع الأدعية لهذه الدولة القاهرة، مستزيدا بالشّكر لنعم الله الباطنة والظّاهرة، مجتهدا معتمدا على تقوى الله تعالى الّتي جعلت له مكانا مكينا في الدّنيا وطريقا سهلا إلى الآخرة، والله تعالى ينجح قصده، ويتقبل جهاده وجهده، بمنّه وكرمه. قلت: هذا كان شأنها حين كان يولّى بها مقدّم حلقة أو جنديّ من الشّام. لكن قد تقدم في الكلام على ترتيب الممالك الشّامية في المقالة الثالثة أنّها استقرّت في الدولة الناصرية «فرج» في سنة أربع عشرة وثمانمائة [ولاية] «1» وحينئذ فتكون ولايتها من الأبواب السلطانية. فإن عادت إلى ما كانت عليه أوّلا، عاد الحكم كذلك. وهذه نسخة توقيع بنيابة قلعة حمص، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، وهي: رسم بالأمر- لا زال يندب لخدمة قلاعه كلّ سيف مختبر، ومجرّب عبرت عليه العبر، ومؤدّ لفرائض الخدمة: إمّا بقيام عند الصّبا وإمّا بقعود عند الكبر- أن يرتّب فلان في نيابة قلعة حمص المنصورة إجابة لسؤاله فيما سأله: من التّوفر على مواصلة الصّلوات، ورفع الدّعوات، وجمع ثوابي الجهاد

والخلوات، وتقضّي باقي العمر وادعا، متنسّكا طائعا، إذا بكى بجواره حتّى النّهر العاصي «1» رقّ عليه فما يعدم منه بكا. فليباشر نيابة هذه القلعة العليّ خبرها ومخبرها، المليّ سماعها ومنظرها، المطلّة على مراكز الرّماح المشهورة، ومهاب الرياح: إمّا بغيث السّهام ممطرة وإمّا بسهام الغيث ممطورة، المجاورة «2» لسيف الله «خالد» فهي بإعراب المجاورة منصورة غير مكسورة، معتبرا لأحوالها، مستدعيا لما تحتاج إليه من عددها وعدد رجالها، محصّنا باستدعاء السّلاح وسلاح الأدعية الجديرين بأمثالها. وهذه نسخة توقيع بنيابة قلعة جعبر «3» ، قبل أن تنقل إلى حلب، وهي: رسم بالأمر الشريف- أعلى الله تعالى في سماء الملك كواكبه، ونصر في أقطار الأرض كتبه وكتائبه، وصرّف بأوامره العالية كلّ نائب وفرّق بها كلّ نائبة- أن يرتّب............ علما بأنّه الكافي الّذي تعقد على همّته الخناصر، ويثني على تقديم عزائمه القديم والمعاصر، وتقوى الجهات وتنصر باسمه بعد أن كانت بغير قوّة ولا ناصر، واعتمادا على كفاءته النافعة، وشهامته

الرّائقة الرّائعة، ودرايته الّتي تضيء بها القلعة وتسمو حتّى يقول الاستيقان: ما هذه شميس «1» هذه شمس طالعة. فليباشر هذه القلعة القديم أثرها، الحميد خبرها وخبرها، المصغّر «2» تصغير التّحبيب والتّحسين اسمها ومنظرها، المنفرد سهلها بذيل الآفاق فتمسك «3» بسحبها، المنشدة لارتقاب نهضة حال من علم ابن منصور بها، راقيا صرحها، راعيا بالمصالح سرحها، مجتهدا فيما يقضي لقدره بالرّفعة، ولرائد أمله بخصب النّجعة، جاعلا هذه المنزلة أوّل درجاته: وحسبه بمنزلة يكون أوّل درجاتها قبّة قلعة؛ والله تعالى يسدّد عزمه وحزمه؛ ويحمد في الكفاة خبره كما أحمد فيهم اسمه، بمنّه وكرمه. وهذه نسخة توقيع بنيابة مغارة زلّايا؛ من إنشاء ابن نباتة، وهي: رسم بالأمر- لا زال يزيد قلاع الإسلام علاء في السّمة والاسم، وفي القوّة والجسم، وفي اعتناء يجمع لعقيلتها بين الحسن والقسم «4» - أن يرتّب مجلس الأمير......... لقيامه بواجب الخدمة، وملازمة فرائضها المهمّة، وعزمته الوفيّة في النفس، الزّائد وصفها على الأمس، العليّ نسبها وحسبها: فتارة إلى العلى وتارة إلى الشّمس. فليباشر هذه القلعة الّتي علت بنفسها محلّا وسكنا، وقال ساكن مغارها لثاني اثنين من حزمه وعزمه: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا «5» ، واستعلى ثنيّتها فأنشد: «أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا» «6» ، ونادى بقعتها: هذا عزمي وحزمي لا يقال

ولا يازلّايا، مجتهدا في سداد أمورها، وتحصينها بالمهابة القائمة مقام سورها، مستجلبا ما يحتاج إليه وما يرتّب من عدّة، ملازما لزوم الخمس لأوقات مباشرتها لا يوصف بالزّوال بل بطول المدّة. وهذه نسخة توقيع بولاية القدس، من إنشاء ابن نباتة، وهي: رسم بالأمر............ لا زال يشمل بظلّه وفضله، ويجمّل بإحسانه وعدله، وينقّل شمس الولاة من البرج الظّاهر إلى مثله- أن ينقل فلان من كذا إلى ولاية القدس الشريف: علما بكفايته الّتي تقدّمت، وشهامته الّتي تحكّمت، وإمامته الّتي سلمت فيما سلّمت، وهمّته الّتي وضحت شمسا فلا تنفس، وقالت لقيامه في المصالح: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ «1» . فليباشر هذه الولاية مباشرة تمحو بضياء شمسه ظلما وظلاما، وتقول لنار الحوادث في المشاهد الجليلة: يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً «2» مجتهدا فيما هو بصدده، عارفا بوجوه المصالح حتّى يكون السّكن «3» أعرف بشمس بلده، ناهضا بأمور الدّيوان جليّها وخفيّها، وعبء المهمات حافلها وحفيّها، مستزيدا بالشكر لمباديء النّعم، قائلا في محلّ البلدين المباركين: ما سرت من حرم إلّا إلى حرم. وهذه نسخة توقيع بولاية غزّة، وهي:

رسم بالأمر- لا زال ينشيء في رياض الإحسان غرسا، ويحقّق في استحقاق الكفاة حدسا، ويقدّم من لا تزال الولايات تحمد له يوما وتذكر لقومه أمسا- أن يرتّب......... لما عرف من عزمه الّذي جرّد منه الاختيار والاختبار جميلا، وكمال شخصه الّذي اتّخذه التوفيق فلم يقل: لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا «1» ، واعتماد الّذي يصبح في المحامد ويمسي، وينافس مرباه فهذا يقول: ثمري وهذا يقول: غرسي. فليباشر هذه الولاية بعزم مقتبل الشّبيبة، وحزم لا يقعد الرأي المحيل تجريده في المصالح وتجريبه، ونفع في المهمّات وردع للمفسدين تحمد موارده ومصادره، وذكر له حسن تلتقط من ساحل الشام جواهره، مستزيدا لما رسخ له من درجات الأمور المهمّة، منزّه العرض عن كلّ لائمة مرجّحا تقوى الله تعالى في كلّ ملمّة؛ والله تعالى يحمد في الخدمة آثاره؛ ويعزّ في ولاية حربه الساقة «2» إذا هانت الحرب على النّظّارة. وهذه نسخة توقيع بولاية لدّ «3» ، لمن اسمه «نجم الدين أيّوب» وهي: رسم بالأمر- لا زالت نجوم أوامره سعيدة، وظلال عوارفه مديدة، ومنازل الولايات حامدة لمن يقدّمه وطوالع أفقها حميدة- أن يرتّب......... اعتمادا على كفاءته الّتي تشيّد له مجدا، وتعقب مسعاه حمدا، وتكفي من هذه الجهة وأهلها بلدا وقوما لدّا «4» : لما احتوى عليه من موجبات الاصطناع ودواعيه، وفات باستقلاله أمد مساجله ومناويه، واشتمل على الخلال الّتي

قضت بتقديمه، والأفعال الّتي استدعت المبالغة في تفخيمه وتكريمه، وسلك من المخالصة ما يوجب الاستحقاق والاستيجاب، ويوصّل حميد مسعاه إلى بلوغ الآمال وإدراك المحابّ. فليباشر هذه الولاية: عاملا بتقوى الله تعالى فيما يسرّه ويعلنه، معتمدا فيها غاية ما يستطيعه المكلّف ونهاية ما يمكنه؛ وليسوّ بين القويّ من أهل هذه الولاية والضّعيف، ولا يجعل في الحقّ فرقا بين المشروف والشّريف، ويمدّ على كافتّهم رواق السّكون والأمنة، وليجرهم في المعدلة على العادة الجميلة الحسنة، وليأخذ في الأمور الدّيوانيّة بالاجتهاد مراعيا في ذلك حال العمارة، آتيا من الإحسان إلى الرّعية ما يكون للعدل شارة، وافيا في ذلك كلّه بالمطلوب، صابرا على تكاليف المهمّات ولا ينكر الصّبر لايّوب. وهذه نسخة توقيع بولاية بيسان «1» ، لمن لقبه «شهاب الدين» من إنشاء ابن نباتة؛ وهي: رسم بالأمر- لا زالت شهب أوقاته سعيدة، وسحب هباته ساحبة الجود مديدة، وبحور نعمائه الحقيقيّة كبحور الأعاريض المجازيّة: كاملة منسرحة مديدة- أن يستقرّ......... اعتمادا على عزمه المنير شهابه، الكثير توقّده في أوقات المهمات والتهابه، واستنادا إلى كفاءته الّتي يشهد بها ولاؤه في الخدمة وولايته، وشهامته الّتي يجزم بها في الأمر رأيه وترفع في الخدمة ولايته ومهابته، وعلما بسياسته الّتي يقمع بها أهل الفساد، وتكاد تفخر بيسان بفضلها كما فخرت ب «فاضلها» «2» على البلاد.

فليقم في وظيفته على قدم اجتهاده، وكرم ارتياده واعتياده، شافيا لأحوال أهل ناحيته من الوصب «1» ، مثمّرا الغلال والأموال بعزم قد ارتفع وانتصب، ظاهرا في الخدمة مجهوده، مليّنا لحديد من عصى عليه في عمله كما أورثه داوده؛ والله تعالى يوفّقه. وهذه نسخة توقيع بولاية صيدا، لمن لقبه «شجاع الدين» ب «المجلس العالي» ؛ وهي: رسم بالأمر العالي- أنفذه الله في الأقطار، ونجّم بولاته أيّام الأوطان والأوطار، وأجرى بشكره سفن الركائب وركائب السّفن إذا سفّ وإذا طار- أن يستقرّ فلان...... ركونا إلى عزمه وحزمه، وسكونا إلى اهتمامه الّذي حكم فيه الاختبار بعلمه، وعلما أنّ للولايات به الانتفاع، ولحصونها الامتناع والارتفاع، وأنّه إذا ولي رعى وإذا أقوى «2» كان أعصم راع، وإذا فكّر في الرأي ووقب «3» في المهمّ كان نعم الشّجاع. فليباشر ولاية عمله ناهضا بأعبائه، رافعا بالعدل لأرجائه ورجائه، حريصا على طيب الأخبار المنتشرة من كافور صبحه ومسك مسائه، وليتفقّد أحوال برّه وبحره، ويتيقّظ لذلك البرّ وجهره، وذلك البحر وسرّه، حتّى يتحدّث البحر عن عزمه ولا حرج، ويسير ذكره كنسيم الرّوض لا ضائع الصّنع ولكن ضائع الأرج، ويعتمد مصالح النواحي وسكّانها، والأموال وديوانها، والجهات وضمّانها، ونجوم التقسيطات في البلدة وتحرير ميزانها، ويجمع بين اللّين والشّدّة بسياسة لا يخرج بها الرّأي عن إبانها، وتقوى الله تعالى هي العمدة فعليها يعتمد،

وعلى ركنها يستند، حتّى تجعل له على المصالح أيدا، وحتّى تثني نحو الثناء عليه عمرا وزيدا، وحتّى تجعل له بأسا في الأعداء يكيد كيدا، وحسن ذكر في البلد يصيد «صيدا» «1» . وهذه نسخة توقيع بولاية قاقون «2» ، من إنشاء ابن نباتة؛ وهي: رسم بالأمر- لا زال يندب لمصالح الولايات سيوفا، ويقدّم ظنّا في الكفاة يعلم أنّه سيوفى، ويدني من ثمرات الإنعام والإرغام لأيدي المجتنين قطوفا- أن يستقرّ......... اعتمادا على همّته الشّائدة، ودرايته السّائدة، وأمانته الشّاهدة، وصفات عزمه الّتي هي في الولايات «معن» وهي «زائدة» «3» ؛ مجتهدا على أن يثمر عمل ولايته فتزكو أعماله، وترد عليه المهمّات فتتلقّاها بالكفاءة أفعاله المعروفة وأقواله، وتشهد منه الأحوال معنى بل معاني يثبت بها في الأذهان قبوله وإقباله. وهذه نسخة توقيع بولاية صرخد «4» ، من إنشائه، لمن لقبه «جمال الدين» وهي: رسم بالأمر أعلاه الله تعالى، وبلّغ بأيّامه الرتب وأهلها آمالا، وزان الولايات بما ينتج من مقدّمة فعله وقوله جمالا- أن يرتّب مجلس الأمير............ لأنّه الكافي الّذي عرفت في المهمّات همّته،

وألفت عزمته، وأديرت أوصافه عقارا صرخديّة «1» ولا عجب أن سرت بالنّواحي خدمته، والنّاهض الّذي وفّى الولاية حقّها، وأدّى الأمانة وسلك طرقها، وأطلع في سماء الولايات شهب رأيه فحمى وزان أفقها. فليباشر هذه الولاية بعزم سنيّ، وحزم سريّ، ومهابة تأخذ للضّعيف من القويّ، وديانة تمشي من الكفاءة والأمانة على صراط سويّ، مثمرا للمال والغلال، راقما لحلل الذّكر بحسن الخلال، محسّنا لذكر ولايته حتّى يجمع لها بالوصف والنّعت بين الحسن والجمال؛ وإيّاه والجبن عن المهمّات فما كل جبن صرخديّ محمود العاقبة والمآل. وهذه نسخة توقيع بولاية سلميّة «2» ، من إنشائه، كتب به ل «- شهاب الدين الحجازيّ» ؛ وهي: رسم......- لا زال يطلع شهب الولاة مشرقة، وينشيء سحب الإحسان مغدقة، ولا برحت أقلام علائمه كالغصون بأحسن ثمرات الدّوح مثمرة مورقة- أن يرتّب............ علما أنّه الناهض الّذي إذا ولي كفى، وإذا طبّ الولاية المعتلّة بتقديم المعرفة شفى، وركونا إلى عزمه الّذي أبى لشهابه أن يخمد، وكفاءته الّتي قضت لاسمه بالعود: فإنّ العود أحمد، واعتمادا على سيرته الحسنة السّمعة، الحقيقة بالرّفعة، وعلى سطوته

بالمفسدين الّتي حسّنت أن يقال فيه: «لقد أوقع الجحّاف بالبشر وقعة» «1» فليباشر هذه الولاية بعزمه المتوالي، واجتهاد رأيه الّذي يطرب بارقه المتعالي، جاريا على عادة سدده، مجتهدا فيما هو بصدده، مسدّدا- إن شاء الله- في القول والعمل، مانعا لناحيته الأعرابيّة من تطرّق الخلل وتطرّف الجلل، مصلحا بالتّدبير عمل ما يشهد بعزائمه الوفيّة، وهممه الجليّة، وإذا سأل عن شدّ الولاة واحد قيل: سل ميّة عن سلميّة. وهذه نسخة توقيع بشدّ متحصّل قمامة «2» ، من إنشاء ابن نباتة؛ وهي: رسم بالأمر- بسط الله تعالى على الأمم مهابته وظلّه، وبأسه وفضله، ووجّه إليه آمال الخلق من كلّ قبلة، وأعلى آراءه الّتي يقال لعدلها: «لقد جدت حتّى جزت في كلّ ملّة» - أن يرتّب......... مضافا لما بيده، واستنادا إلى صحيح خبره في الكفاءة وعلوّ سنده، وارتيادا لهممه الّتي إن رواها مسلم عن طوعه رواها نصرانيّ عن تجلّده، وسكونا إلى حركته الّتي تحصّل مالا، وتصل إلى مالا، وتستخرج الوفر من مكمنه، وتأخذ الحقّ [من] قدّام يدي الماثل ومن خلف أذنه، وعلما أنّ ما لمتحصل قمامة مثل عزمه المختار، ورفقه الذي يستنزل درّ القصد المدرار، واجتهاده الّذي زرعه المستنهضون فاستوى على سوقه يعجب الزّرّاع ليغيظ بهم الكفّار. فليباشر هذه الوظيفة بشدّة ولين يجعل كلّ واحد منهما في موضعه ومقامه، وحقّ منير يجعل سبت نور كلّ لياليه وأيامه، وأمانة مدلّة، وكفاءة مظلّة،

الصنف الثاني (مما يكتب لأرباب الوظائف بدمشق - تواقيع أرباب الوظائف الدينية؛ وهي على ضربين)

وصيانة توجب مزيد الخير إذا له، ومهابة إذا أدخلت مستخرج قمامة أصلحته وجعلت أعزّة أهلها أذلّة؛ لا يثني هممه النّفيسة، ولا يلتفت- كما يقال- لتبخير الكنيسة، بل يستعمل فراسة تروع من حمل عن أداء الحقّ بهتانا، ومناقشة تكشف عن جبال التّجلّد أكنانا، ورأفة مع ذلك بالظّاهري العجز: ذلك بأنّ منهم قسّيسين ورهبانا، ومتابعة للضّرائب القديمة لا يصرف عنها، واستخلاص ما على الرّأس حتّى يقال: «ليس تحت الزّرقاء أخضع منها» ، عاملا بتقوى الله تعالى فإنّ أهل معاملته أهل ذمّة، مجتهدا في استحقاق ما يترشح له من ولايات الأمور المهمّة. الصنف الثاني (ممّا يكتب لأرباب الوظائف بدمشق- تواقيع أرباب الوظائف الدّينية؛ وهي على ضربين) الضرب الأوّل (ما يكتب لمن هو بحاضرة دمشق، وهو على ثلاث مراتب) المرتبة الأولى (ما يفتتح ب «الحمد لله» ) وهذه نسخ تواقيع من ذلك: توقيع بنظر الحسبة «1» بالشّام، كتب به للقاضي «نور الدين عليّ بن أبي الفرج» ب «الجناب الكريم» ؛ وهو: الحمد لله الّذي جعل مقام الأولياء عليّا، ورقى بهم إلى طور العناية

فأشرق نورهم سنيّا، ووفّقهم للأمر بالمعروف فلم يزل غيث النّدى بهم وليّا، وزند سبل الرّشاد والحكمة وريّا. نحمده حمدا كثيرا طيّبا زكيّا، ونشكره شكرا لا يزال غصنه بالزّيادة جنيّا، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة نكرّرها بكرة وعشيّا، ونسلك بها صراطا سويّا، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده الّذي اختاره صفيّا، وقرّبه نجيّا، ورسوله الّذي قام به الحقّ وأصبح به الباطل خفيّا، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة ينال بها المؤمن يوم العطش ريّا، ويحوز بها في جنّة المأوى حللا وحليّا، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فإنّ أولى ما يلزم الفكر [فيه] ويتعيّن، ويتمّ النّجح بحسن النّظر فيه ويتبيّن- أمر الحسبة الشريفة: فإنّها المنصب الّذي به صلاح أحوال الرّعية، وقوام إقامة الحدود الشّرعيّة؛ تسلك العامّة لمستوليه سبل صنائعه ذللا، وتكسو بإتقانها أنواع بضائعها حللا، وينتفع بمعرفته الآمر والمأمور، وتحاط المعايش عن غشيان الغشّ من حرمته بسور، وتطمئنّ القلوب بإصلاح المطاعم وتتهنّى، وتقول الألسنة: شكرا لمن سنّ هذه السّنّة الشّريفة وسنّى، وردع ذوي الغشّ عن غوايتهم: فم غشّنا ليس منّا؛ لا سيّما بدمشق فإنّها شامة البلاد المحروسة، وموطن البركة المأثورة والبهجة المأنوسة؛ بلد شاع ذكرها في المغارب والمشارق، وإنّ محاسنها لن تقاس بغيرها: والجامع الفارق. وكان فلان ممن تحلّى من عقود المحامد بجواهرها، وارتدى من حلل المآثر بمفاخرها، وعرف بالنّهضة والعفاف، واتصّف بجميل المعرفة والإنصاف، وحسنت سيرته في أحكامه، وحمدت قواعد [تعهّده] «1» ونضارة نظامه. فلذلك رسم بالأمر العالي- لا زال يولي جميلا، ويولّي في الوظائف السّنيّة جليلا- أن يستقرّ المشار إليه في نظر الحسبة الشّريفة بالشام

المحروس، على عادة من تقدّمه في ذلك، والقاعدة المستمرة، بالمعلوم المستمرّ للوظيفة المذكورة، إلى آخر وقت: وضعا للشّيء في محلّه، وتفويضا لجميل النّظر إلى أهله. فليباشر ذلك آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر، سالكا من حسن الطريقة ما يحمد به ويشكر، ويسرّه حين تتلى سور محاسنه وتذكر، متفّقدا أحوال العامّة ومعايشها في كلّ آن، ملتفتا في أمر ما يكال أو يوزن إلى قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ «1» ، مشمّرا عن ساعده في الإجراء على العوائد المستحبّة، محترزا فيما يأمر به: فإنّ الله تعالى لا يخفى عليه مثقال حبّة؛ ولينظر في الدّقيق والجليل، والكثير والقليل، وليستكثر الأخبار، وليستعلم الأسعار، ولا يغفل عن تعاهد السّوقة آناء الليل وأطراف النّهار، وليلاحظ أمر السّكّة السلطانية بإصلاح العيار، وضبط أحوال النّقود بمقدار، وليقم من خدمته رقيبا على من اتّهم في صنعته أو استراب، وليبالغ في النّظر في أمر المآكل والمشارب فإنّ أكثر الدّاء من الطعام والشّراب، وليزجر بتأديبه من افترى، أو تلقّى الرّكبان أو غدا في الأقوات محتكرا؛ وليعلم أنّه قلّد أمر هذه الوظيفة المباركة: فليختر من يستنيب، وليبصر كيف يسلك برعايته من حكم عليه فما يلفظ من قول إلّا لديه رقيب؛ والوصايا كثيرة وأصلها التقوى الّتي هي أجلّ ما يقتني المؤمن ويكتسب، وأجدر بالزّيادة: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ «2» . والله تعالى يديم علاه، ويتولاه فيما تولّاه. وهذه نسخة توقيع بنظر الجامع الأمويّ، من إنشاء الشيخ جمال الدّين بن

نباتة، كتب به للقاضي «عماد الدين بن الشيرازي» في الدولة الصالحية «1» «صالح بن الناصر محمد» ب «الجناب الكريم» ؛ وهي: الحمد لله الّذي أذن لبيوته أن ترفع فرفع عمادها، وأعاد أحسنها إلى نظر من صرّف أمورها بما حسن وصرفها عمّا دهى، وأحيا الآثار الأمويّة حتّى غدت كالهاشمية تدعو أجوادها وسجّادها، وأنجز وعد أهلها بمن أشارت إلى مباشرته أعلام أعلام المنابر بالأصابع ونصّت المآذن أجيادها. نحمده على ماهيّأ من الفوائد، وهنّأ من العوائد، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة يقوم بها الخطاب شاهدا ويقوم بها الخطباء في المشاهد، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أوتي الجوامع من الكلم وجعلت له الأرض من المساجد، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين عمروا بيوت العبادات بهدايته، وظهروا في مجال الجمع وسجال الجموع تحت رايته، صلاة متصلة السّير كالسّيل، مسبلة الغمام كالذّيل، واضحة كردع الخلوق لدلوك الشّمس «2» فائحة كفتيت المسك إلى غسق اللّيل. وبعد، فإنّ أولى الأمور الدّينية بتقديم الاهتمام، وتقرير الاعتزاء إلى الاعتزام، وتشمير ساعد الرّأي وزهراته على الأكمام- أمر تكون إقامة الصّلوات أحد أركانه، وتدبير المصالح مشيرا إلى علوّ شانه، وأرزاق العلماء والصّلحاء تستدرّ من هطّاله وهتّانه. وكان الجامع الأمويّ بدمشق المحروسة لهذه الأركان بمنزلة الأسّ الرّاسخ تمكينه، والفرع الشّامخ في وجه السّحاب عرنينه، وبنية زمان بني أميّة

الذين عفا شرف مفاخرهم وما عفا شرفه وفخره، ووكر الإسلام الّذي مضى لبد «1» أمثاله وما بقي إلّا نسر السماء ونسره؛ ذو المرأى الشارح والفضل المشروح، والحسن الّذي إن تغالى في وصف الجوامع قوم قيل: باب الزيادة مفتوح؛ تفخر به دمشق وحقّ لها على كلّ مصر أن تفخر، وتبعث نظرات حسنه الفخر من حملة فصوص الترخيم إلى الأسود والأحمر؛ يحمد المجاور به مغناه وغناه، ويسع أرباب العلم والمقاصد ناديه ونداه، ويطالع المسك سطور مياهه المتجعّدة فأوّل ما يقرأ من تنبيه عزمه باب المياه؛ وقد عهد أن يتولّى نظره كلّ سنيّ المفاخر، سريّ المآثر، كريم الفرع والأصل، ماضي العزم كالنّصل، حائز من أقلامه أمد العلياء وقصب الخصل «2» ولذلك رسم بالأمر الشّريف- لا زال وجه الفضل بدولته الشريفة واضحا، وميزان العدل والإحسان راجحا، ولا زال في كنف من منّ به على الدّين والدنيا وآتاهما صالحا- أن يفوّض إلى فلان نظر الجامع الأمويّ المذكور: لما عرف من أنه الرئيس الّذي ما ساد سدى، والكامل الّذي إذا آنس [سار] «3» نار فكرته وجد على النار هدى، وأنّه باشر نظر هذا الجامع قديما فجمّله، ورصد سناه فكمّله، واستشهد في محضر ديوانه على النّزاهة أقلامه المعدّلة، وتدبيره المعدّ له، وكثرّ أوقافه وكانت قد اضمحلّت، وشيّد عمائره وكانت قد استقلّت، وملأ حواصله وكانت أقلام المكتسبة تنشد: «أسائلها أيّ المواطن حلّت» ، ولما ألف هذا الجامع المعمور من عواطفه، وعرف من عوارفه، وشهد من جلوسه لمصالح وقفه أحسن الله مكافأة جالسه وواقفه، فأثبت في صدر المحافل أنّ الله

تعالى قد رزقه من الفضل جسيما، وكتب له من شرف الاكتساب والانتساب حديثا وقديما، وألقى إلى يده قلم كفاءة وأمانة كان كرمها للآملين حصينا وكان قلمها للخائنين خصيما؛ كم وفّر به المصالح فوفّى، وكم جمع بهمّته المحاولة مالا فجهّز به من جند الدّعاء صفّا، كم سرّ بمناقبه سراة سلف ما منهم إلّا جواد لا يرضى في سبق المكارم بحاتمه، وكاتب يكبر عن قول الواصف: إنّ ياقوتا في فصّ خاتمه، ورئيس هو أجلّ ما أهدت شيراز إلى دمشق من عالي طراز الفضل وعالمه. فليباشر ما فوّض إليه بعزم لا تفلّ مضاربه، ورأي لا تأفل كواكبه، ومعدن وفاء بالمنصب لا تبرح لجناة الخيانة مهالكه ولجناة الجنان مطالبه، ناظرا في حسن وظيفتها باجتهاد لا يملّ من النّظر، مثمرا لأوقافها بغصن قلمه الّذي لا ينكر لأصله الصّائب أطايب الثّمر، ملاحظا لمباني هذا الجامع بسعادته: وإنّ السّعادة لتلحظ الحجر، صارفا لذوي الاستحقاق مستحقّهم كما عهدوا من إمام براعته المنتظر، مجتهدا على أن يرضي الوظيفة والقوم، معينا عدوى أنامله الخمس على عددها من فريضة اللّيلة واليوم، عالما أنّ الله تعالى قد أحيا هذا الدّيوان فإنّه كما علم أصل في بابه، آمرا بما يقترح لنظام هذا الدّيوان وكتّابه، منتقدا حال من إذا عمّر دواة في وقف كانت سببا لعمرانه أو سببا- والعياذ بالله تعالى- لخرابه، مطالبا من ظنّ أنّ حسابه يهمل في دهر هذه المباشرة «فكان حساب الدّهر غير حسابه» ، متخيرا من الكفاة كلّ مأثور الفضيلة، ومن الأمناء كلّ مأمون الرّذيلة، ومن القوّام كلّ من لا يقعد عن الواجب، ومن الوقّادين كلّ من لا يعاب بطول الفتيلة، جاعلا تقوى الله تعالى، في كلّ ما يأتي ويذر سائقه إلى الفوز ودليله؛ والله تعالى يمدّه بالسداد، ويصل مفاخره بالسّند ويحرس شرف بيته من السّناد، ويجعل كلّ منصب كريم باسمه وقلمه كما قال الأوّل: «رفيع العماد طويل النّجاد» . وهذه نسخة توقيع بنظر مدرسة الشيخ أبي عمر، من إنشاء ابن نباتة، كتب

به للقاضي «تقيّ الدين» بالجناب العالي؛ وهي: الحمد لله الّذي عمر عهد التّقى بتقيّه، وأقرّ نظره بمشاهدة أبيض العرض نقيّه، وأخصب منازل الأولياء بمن ينوب تثميره وتدبيره عن الغيث مناب وليّه، ومن إذا شهد مقام الزّهّاد بمعروفه شهد سداد العزم بسريّه. نحمده على جليّ اللّطف وخفيّه، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة وافي الحقّ وفيّه، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده أكرم بعبده ونبيه، ورسوله وصفيّه، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة يمزج أرجها كافور صباح النهار بمسك عشيّه. وبعد، فخير النظر ما كان به الثّواب مأمولا، والعمل مقبولا، والآخرة للناهض فيه خيرا من الأولى، وتخيّر الأكفاء لمناصبه الدّينية سببا لخير الدّارين موصولا. ولمّا كانت المدرسة الصالحية بجبل الصالحية المعروفة بالشيخ العارف أبي عمر: رضي الله عنه وأرضاه، وسقى سبل الغيث آثاره الطاهرة وثراه، مما يتعيّن في مصالحها حسن النّظر، ويتبين في القيام بأمرها فضل الآراء والفكر؛ إذ هي زاوية الخير النافعة، ومدرسة الذكر الجامعة، وعشّ القرآن المترنّمة أطياره بخفقان القلوب الخاشعة، وصفّة «1» الفقراء الذين لا يسألون النّاس إلحافا، والأصفياء من الطّمع الذين لا يتقاضون الدهر إنصافا وإن صافى، ومرتكض سوابق الأعمال والأقوال، ومقرّ القرّاء والقراءة على ممّر الليالي الطوال، ومعدن التّلاوة المأثور غناؤها في ذلك الجبل وما كلّ المعادن ولا كلّ الجبال، والبنية لله وتحتاج من ينظر بنور الله في وقفها، ويحفظ مسالك جمعها وصرفها، وينمّي حال درهمها بتدبيره الوافي: فربّما أبقتها الأحوال منه على نصفها.

وكان فلان ممّن لحظ أمورها على بعد فشغف الملحوظ باللّاحظ، وحفظها على نأي فكأنّما روت بالإجازة عن الحافظ، وأدار عليها من رشفات قلمه نغبة السّاقي، وأنهلها شربة مضى بها ما مضى من تعدّد المال: وفي الجرائد باق يطلب الباقي؛ وسأل أهلها بعد ذلك ملازمته للنّظر فلزموا، ورفعوا قصصهم في طلبه لهذه الوظيفة فجزموا؛ وكيف لا؟ وهو نعم الناظر والإنسان، وفي مصالح القول والعمل ذو اليدين واللّسان، وذو العزائم الّتي تقيّدت في حبّه الرّتب: «ومن وجد الإحسان» ، والمتقدّم فعله ورأيه في العاجل والآجل، والمأمون الّذي يعزى إلى عقيلة نسبة الرشيد ولا عجب أن يعزى المأمون إلى مراجل «1» ؛ كم جرت ألسنة الأوقاف بأوصافه، وكم روى الجامع الصحيح خبرا عن مسلّم عفافه، وكم جدّد لبنائه زخرفا بعد ما كاد نادب الرّسوم يقف على أحقافه؛ كم وفّر على الأيتام ميراث وفرها، وكم قال اختبار الملوك الباقية: «لأشكرنّك ما حييت» فقال ماضي الملوك ذوي الأوقاف: «ولتشكرنّك أعظمي في قبرها» - فاقتضى الرأي أن يجاب في طلبه المهمّ سؤال القوم، وأن يتّصل أمس الإقبال باليوم، وأن تبلغ هذه الوظيفة أملها فيه بعد ما مضت عليها من الدّهر ملاوة، وهذه المدرسة الّتي لولا تداركه لكانت كما قال الخزاعيّ: «مدارس آيات خلت من تلاوة» . ولذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يراعي مصالح المؤمنين- أن يفوّض إليه النّظر على هذه المدرسة المعمورة، وأوقافها المبرورة، إجابة لسؤال من فيها من جماعة الفقراء ورغبتهم فيه، وارتقابهم لعزمه الّذي إذا نظر حالها الأوّل تلا فيه تلافيه؛ على أن يتّبع في أمرها شرط الواقف برأى غير قاعد، وإن كان لا

يزيد فيها على أربعمائة نفر إلّا أن يزيد ريع الوقف وهو- إن شاء الله- ببركته وهمّته زائد. فليباشر ما فوّض إليه مباشرة من إذا بدأ أعاد، وإذا دعي لمثل هذا الحال الضّعيف طبّ وعاد، ومثمرا لمالها- على عادة غصن قلمه الأخضر- أثمارا، مستخلصا للبواقي من أربابها الّتي تنهب العين وتدّعي لفتراتها انكسارا، قائلا في حال هذه المدرسة بالعطف، مساويا في المواساة بين فقرائها عند الميزان والصّرف، نازلا بنور بشره وودّه بينهم منازل القلب والطّرف، مجهّزا لجيش عسرتهم فإنّهم جمع للتّلاوة والصلوات، متطلّعا لخبرهم فإنّهم أجناد صفوف الأسحار وسلاحهم الدّعوات، وتقوى الله تعالى مشتقّ منها اسمه فلتكن شقيقة نفسه في الخلوات؛ والله تعالى يحفظ عليه حظّا نفيسا، وقدرا للنجوم جليسا، ويحيي به ميّت الوظائف حتّى يقال: أسليمان أنت أم عيسى؟. وهذه نسخة توقيع بخطابة الجامع الأمويّ، من إنشاء ابن نباتة، كتب به باستمرار القاضي تاج الدين ب «الجناب العالي» ؛ وهي: الحمد لله الّذي رفع للمنابر رأسا باستقرار تاجها، وجمع لصدور المحاريب شملا بعوائد ابتهاجها، وزيّن مواقع النّعم بالتّكرار كما تزان لآليء النّظام بازدواجها، وبيّن مطالع الفرج بعد الغمّ: وما الدّهر إلّا ليل غمّة ثم صبح انفراجها. نحمده على معاد الآمال ومعاجها، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تمشي البصائر إلى الحقّ بسراجها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله القائم على المنابر لمداواة الفهوم وعلاجها، ومداراة الخصوم وحجاجها، القائل له تأديب ربّه: وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ «1» آية يسري

الفطن على منهاجها، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه بحور النّعم والنّقم عذبها وأجاجها، وبدور مساجد التّقى ومشاهد الوغى عند عجاج ليلها وليل عجاجها، صلاة كصلاتهم آمنة من خداجها «1» ، ما مدّت نفحات الروض إلى مخالطة سيرهم يد احتجاجها، ومازجت معاليهم النّجوم فحسن بكأس الثّريّا شرف امتزاجها. وبعد، فإنّ أولى الناس باستقرار مناصب الدين العريقة، واستمرار علوّ الدّرجات: إمّا من المراتب مجازا وإمّا من المنابر حقيقة، واستمطار الوظائف بعيادة فضله ولا سيّما أعواد الخطابة، واستبصارها بلفظه ولا سيّما إذا سلّمت الرّاية العباسيّة من نطقه لعرابة- من درج من عشّ فروعها خافقا عليه جناحا علميه، وصعد إلى عرشها مقبّلة بنظرات الجفون المتسامية آثار قدميه، وأعرق نسبه في موطن مكانها المكين، وبلغ مقامه مقام سلفه أربعين سنة في الطّلوع بأفقها المبين، وقال استحقاق ميراثه: «وماذا تدّري الخطباء «2» منّي» «وقد جاوزت» بمقام السّلف «حدّ الأربعين» ، ومن إذا سمعت خطابته قال الحفل: لا فضّ فوه، ولا عدم البيت ولا بنوه، ومن إذا طلع درج المنبر قال المستجلون لسناه: أهلّ البدر؟ قيل لهم: أخوه، ومن إذا قام فريدا عدّ بألف من فرائد الرجال تنظّم، وإذا أقبل في سواد طيلسانه واحدا قيل: جاء السّواد الأعظم.

ولما كان فلان هو معنى هذه الإشارة، وفحوى هذه العبارة، وصدر هذا التّصدير: ومن سواه أحقّ بصفات الصّدارة؟، ومن إذا ضرب المثل بالخطابة النّباتيّة «1» في حلب قال لخطابته بدمشق: «إيّاك أعني فاسمعي يا جارة» ؛ ومن نشأ في محلّ فخار طيب المعاقد، ومن وضع رجله على المنابر ومدّ عزمه إلى الفراقد، ومن شمّر في أوائل عمره إلى العلياء وحيدا وخلّف دونها من أنداده ألف راقد، ومن إذا صعد للخطابة أنشد الحفدة: ولمّا رأيت الناس دون محلّه ... تيقّنت أنّ الدّهر للنّاس ناقد [وكان] «2» الجامع الأمويّ المعمور بذكر الله تعالى بدمشق المحروسة هو الذي كلّ بنان إلى حسنه يشير؛ وكلّ ذي مذهب إذا عاين تصنيف وضعه قال هذا لفقه المحاسن هو الجامع الكبير، [تعيّن أنه المسلّم ليده] «3» المعلم بطرازي نسبه ورشده، المقدّم ليد نصرته سيف خطابة لا يخرج بيد الاستحقاق عن حدّه، تكاد المنابر تعود للنّشأة الأولى طربا لسجع بيانه، يسهب ويقول الناس ليته لا اختصر، ويودّون لو لبس كلّ يوم سواد أهبته وزيد فيه منهم سواد القلب والبصر، وعارضه من العظماء الكفاة من نوى بدلا فأبى حنوّ الدّولة إلا عطفا، ونازله وارد من القضاء ولكن أنزل الله عليه مع القضاء لطفا. ولذلك رسم بالأمر الشريف أن يستقرّ على عادته في خطابة الجامع المذكور، وما يتعلق بذلك: من تدريس وتصدير، وتقرير وتقدير، وتأثيل وتأثير، ومحكوم بالتفويض إليه ومحكّم، ومرسوم لا يغيّر عليه ما رسم به وما يرسم، وأن يمنع دليل الاعتراض ويدفع، ويكفّ حتّى تتصل العناية بهذا البيت الذي هو من بيوت أذن الله أن ترفع، وحتّى يعلم أنّ قوما أحسنوا صحبة الدّول

فسعدوا، ونبّهوا عهود الخدمة لأعقابهم وهجدوا، وحتّى يقول هذا النّجل الظافر بعد آبائه وأخيه: ليت أشياخي ببدر شهدوا. فليعد حديث منصبه القديم، وليقم إلى تشّنيف الأسماع من نثير لفظه بأبهى من العقد النظيم، وليفكّ أسرى القلوب برواتب إشارته: فإنّه «الفاضل عبد الرحيم» ؛ وليبك العيون بوعظه وإن أقرّها بمشاهدته؛ وليحرص على فخر الدولة الشريفة به كما فخر سيف الدّولة بابن نباتته «1» ووصايا هذه الرّتبة متشعّبة وهو على كلّ حال أدرب وأدرى بها، وما استقرّت على قبض سيوفها يده إلّا ورجعت الحقوق إلى نصابها؛ وكذلك ما هو معدوق بوظائفه: من مدارس علوم، ومجالس نظر طالما نظر في كتبها وهو الصحيح نظرة في النّجوم- لا يحتاج فيها إلى مطالعة الوصايا فإنّه من كلّ أبوابها دخل، ولا يمرّ بها على أذنه فم المبلّغ فإنّها من فمه أحلى ومن تسويغ فمه أحلّ؛ ولكنّ التّذكار بتقوى الله تعالى فيما يأتي ويذر أسّ جليل، ووجه تتفاضل وجوه الألفاظ من ذكره على لفظ جميل، وألفاظ الخطيب المتّقي إذا وصلت من القلب إلى القلب وفت بريّ الغليل؛ والله تعالى يمدّه بألطافه، ويجريه على عوائد إسعاده وإسعافه، ويروي بصواب كلمه الأسماع وبصوب الغمام عهود أسلافه. وهذه نسخة توقيع بتدريس المدرسة المسرورية بدمشق، من إنشاء الشّيخ صلاح الدين الصّفديّ «2» ، كتب به للشيخ «تقيّ الدين السّبكي» «3»

ب «المقرّ الكريم» ؛ وهي: الحمد لله الّذي جعل تقيّ الدّين عليّا، وأوجده فردا في هذا الملإ فكان بكلّ علم مليّا، وأظهر فضله الجليل فكان كالصّباح جليّا. نحمده على نعمه الّتي تكاثرت فأخجلت الغمائم، وتوفّرت الألسنة على حمده فتعلّمت أسجاعها الحمائم، وتأثّرت بموافقها الأحوال فأخملت زهر الخمائل في الكمائم، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة لا شبهة تعكّر ما صفا من لجّتها، ولا ريبة توعّر ما تسهل من محجّتها، ولا ظلمة باطل تكدّر ما أنار من حجتها. ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الّذي جمعت فيه مكارم الأخلاق، وتفرّد بمزايا منها أنّه حبيب الخلّاق، وشارك الأنبياء في معجزاتهم وزاد عليهم بما أتيح له من خمس لم يعطهنّ غيره منهم على الإطلاق، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الّذي تفقّهوا في الدّين، وحازوا الأجور لمّا جروا إلى جزّ الغلاصم من الملحدين، وأنزلوا لمّا نازلوا أبطال الباطل والمعتلين من المعتدين، صلاة يفوح نسيم ريّاها المتأرّج، ويلوح وسيم محيّاها المتضرّج، ما فرّج العلماء مضايق الجدال في الدّروس، وقبلت ثغور الأقلام وجنات الطّروس، وسلّم تسليما كثيرا إلى يوم الدّين. وبعد، فإنّ المدارس- عمرها الله تعالى بالعلماء- لواقفيها شروط، ولأهلها همم أنزلها بالنجوم منوط؛ يغوصون بحور البحوث في طلب اللّآلي، ويقطعون ظلل الظّلام بالسّهر في حبّ المعالي؛ سيّما المدرسة المسروريّة: فإنّ واقفها- أثابه الله تعالى- شرط في المدرّس بها شروطا قلّ من يقلّها، أو يتحلّى بعقودها أو يحلّها؛ وكان مفرقها قد تحلّى بتاج تجوهر، ومغلقها قد ضمّ منه فاضلا تمهّدت به قواعد المذهب لمّا تمهّر، فأعرض عنها، ونفض يده منها،

رغبة في الإقبال على شانه، وانقطاعا إلى مالك الأمر وديّانه، فخلا ربعها من أنسه، وكادت تكون طللّا بعد درسه. وكان فلان- أسبغ الله ظلّه- قد وافق بعض ما فيه شرط الواقف، وشهد بنشر علومه البادي والعاكف، وطاف بكعبة فوائده كلّ طائف، ينصرف عنه باللّطائف؛ أمّا «التّفسير» فإنّه فيه آية، وأمّا «الحديث» فإنّه الرّحلة في الرّواية والدّراية، وأما «الأصول» فإنّه زأر ب «الرازيّ» حتّى اختفى، وأمّا «الفقه» فلو شاء أملى في كلّ مسألة منه مصنّفا، وأمّا «الخلاف» فقد وقع الاتّفاق على أنّه شيخ المذاهب، وأمّا «العربية» ف «الفارسيّ» «1» يعترف له فيها بالغرائب؛ إلى غير ذلك من العلوم الّتي هو لها حامل الرّاية، وله بالتّدقيق فيها أتمّ عناية، وإذا كان أهل كلّ علم في المبادي كان هو في الغاية. فلذلك رسم بالأمر العالي- أعلاه الله تعالى- أن يفوّض إليه كذا وكذا: وضعا للشّيء في محلّه، ومنعا لتاريخ ولاية غيره أن يفجأ في غير مستهلّه؛ فالآن أمسى الواقف مسرورا على الحقيقة، والآن جرى الخلاف فيها على أحسن طريقة؛ وهو- أسبغ الله تعالى ظلّه- أجلّ خطرا من أن يذكّر بشيء من الوصايا، وأعظم قدرا من أن تدلّ ألمعيّته على نكتها الخفايا، لأنّه بركة الإسلام، وعلّامة الأعلام، وأوحد المجتهدين والسّلام؛ والله تعالى يمتّع المسلمين ببقائه، ويعلي درجات ارتقائه؛ والخطّ الكريم أعلاه الله تعالى أعلاه، حجة في ثبوت العمل بمقتضاه، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة توقيع بتدريس المدرسة الناصرية الجوّانية، من إنشاء الصّلاح الصّفدي أيضا، كتب به للقاضي ناصر الدين «محمد بن يعقوب» كاتب السّرّ

يومئذ بالشام، حين عاد إلى تدريسها بعد انفصاله عنها، ب «المقرّ الكريم» ؛ وهي: الحمد لله الّذي بدأ النّعم وأعادها، وأفاء المنن وأفادها، وزان المناصب السّنيّة بمن يليها وزادها، وشاد عماد المعالي بأربابها وصانها عمّا دهى. نحمده على نعمه الّتي بدأت بالمعروف وتمّمت، وخصّصت بالإحسان وعمّمت، وبرّأت من النّقائص وسلمّت، وفلّت بالألطاف الخفية صوارم الحوادث وثلّمت، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تضيء بها الحنادس «1» ، وتزكو بأنوائها منابت الإيمان والمغارس، وتسمو باقتنائها إلى علّيين النفوس النّفائس، ويرغم المؤمنون بإعلائها من الكفار المعاطس، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الّذي تمّم للناس مكارم الأخلاق، وأخجل بجود كفّه الفيّاض صوب الغيث الدّفاق، وفضح البدر اللّياح في الدّجى بنور جبينه البرّاق، وتقدّم النّبيين والمرسلين في حلبة الشّرف على جواد فضله السّبّاق، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه أعلى من نصبوا للهدى أعلاما، وأرقى من أصبح العلم لفضلهم الباهر رقّاما، وأحلى من كان الزمان بوجودهم وجودهم للعفاة أحلاما، وأقوى من كان الإيمان بهم إذا استنجد على الكفر أقواما، صلاة لا ينفد لها أمد، ولا يفنى لها مدد، ما شبّ بارق وخمد، وشفى الغمام طرف زهر من الرّمد، وسلّم تسليما كثيرا إلى يوم الدّين. وبعد، فإنّ مدارس العلم الشريف لها الذكر الخالد، والشّرف الطّارف والتّالد، بها تتبيّن فوارس الجلاد في مضايق الجدال، وتتجلّى بدور الكلام في مطالع الكمال، وتبدو شموس الجمال فيما لها من فسيح المجال؛ والمدرسة الناصرية- أثاب الله تعالى واقفها- هي الواسطة في عقودها، والدّرّة الثمينة بلا كفء لها بين قيم نقودها، قد تدبّج فيها البناء، وتأرجّ عليها الثّناء، وتخرّج عنها الحسن فإنّ له بها مزيد اعتناء.

وكان المقرّ الفلانيّ قد نفض يده من عنانها، ورفض عن اختيار بهاء جنانها، وثنى طلبته عن محاورتها، ورمى أمنيّته من مجاورتها، فساء من بها من أهل العلم فراقه، وأوحشهم وجهه الّذي أخجل البدور رونقه والبحر اندفاقه، وفقدوا مكارمه الّتي ما سمع «السّمعانيّ» بمثلها ولا وصلت إلى «الصّوليّ» ولا ضمّتها أوراقه «1» فلذلك رسم بالأمر العالي أن يعاد إلى تدريسها: لأنّ العود أمدح وأحمد، والرّجوع إلى الحقّ أسعف وأسعد. فليباشر ما فوّض إليه مباشرة ألفت من كمال أدواته، وعرفت من جمال ذاته، ناشرا أعلام علومه المتنوّعة، وفضائله الّتي تقصر عن الثّناء عليها أنفاس الرّياض المتضوّعة؛ فلو عاصره «ابن عطيّة» أمسك عنه في «2» تفسيره، أو «صاحب الكشّاف» «3» لغطّى رأسه من تقصيره، أو «الرّافعيّ» «4» لأصبحت راية رأيه في الفقه خافضة رافعة، أو «النّوويّ» «5» رحمه الله لاستعار منه زهرات روضته اليانعة، أو «الآمديّ» «6» لما امتدّت له معه في أصوله خطوة، أو «ابن

الحاجب» «1» لما كان له مع ابن الحاجب حظوة، أو «ابن يعيش» «2» لمات ذكره في النحو فكان فقيدا، أو «ابن مالك» «3» لأمسى «تسهيله» تعقيدا، أو «الشّبليّ» «4» لعلم أنّه ما شبّ له في التّصرّف مثل شبله، أو «ابن عربيّ» «5» لأعرب عن عجمة وما تمسّك صوفيّ بحبله؛ إلى غير ذلك من إنشاء إنشاء ساد في العبدين «6» : «عبد الحميد» و «عبد الرّحيم» ، ونظم كلّما نظمأ إلى رشفه طافت علينا قوافيه بكأس مزاجها من تسنيم «7» ؛ وعلى الجملة فتفصيل معارفه يضيق عن فضّها فضاء هذا التّوقيع الكريم، وسرد محاسنه لا تتّسع له حواشيّ هذا البرد الرّقيم؛ ولكن أشارت أنملة القلم منها إلى نبذة، وعلمنا أنّ القلوب تشتاق إلى أوصافه ففلذنا لها من ذلك فلذة. وأما الوصايا فمثله لا يذكّر بشيء منها، ولا يقال له: دع هذه الودعة وهذه الدّرّة صنها؛ لأنّ الأمر والنّهي له في ذلك، وإذا أطلع بدور وصيّة ضوّأ أحوال الدّياجي الحوالك؛ ولكن تقوى الله عزّ وجلّ ذكرها في كلّ توقيع طرازه

المعلم، ونكتته الّتي طودها لا يثلّ وحدّها لا يثلم، فليكن مستصحب حالها الحالي، مستصعب فراقها الّذي يهوّنه البال البالي؛ والله تعالى لا يخلي ربوع العلم من أنسه، ويجعل سعده في غد زائدا كما زاد في يومه على أمسه؛ والخط الكريم أعلاه، حجّة في ثبوت العمل بمقتضاه. وهذه نسخة توقيع بتدريس المدرسة النّوريّة «1» ، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب به لقاضي القضاة «نجم الدين الحنفيّ» بنزول والده عنها ب «الجناب الكريم» ؛ وهي: الحمد لله الّذي أنمى أهلّة العلم فأبدرت، وفروعه فأثمرت، ونجومه فاستقلّت مطالعها النّوريّة وتنّورت، ولالئه في بحار اللّفظ والفضل فتجوهرت، وأنهاره الّتي أخذت في المدّ ماخذ تلك البحار فاسترحبت واستبحرت. نحمده على نعمه الّتي قرّت وقرت، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة إذا خصّلها اليقين وفرت، وإذا نصّلها «2» الإخلاص مضت في أوداج الباطل وفرت «3» ، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الحاكم في فصل الأقضية لمّا شجرت «4» ، والنّاظم درر الإيمان حتّى زهت في أعناق العقائد وزهرت، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه فئة الحقّ الّتي ظهرت وطهرت، وعصابة الإسلام الّتي سرت خلفها سرايا الدّين فهاجرت في الله ونصرت،

صلاة طيبة تحلو إذا تكرّرت، وتحيّة باقية تشرق شمسها إذا الشّمس كورت، وتعبق نفحات نشرها إذا الصّحف نشرت. أما بعد، فإنّ منازل العلم من خير ما أبقى الآباء للأعقاب، وأكمل ما ذخر لنجباء الأبناء على مدى الأحقاب، وأعدل ما شهد بلسان حاله المتمثّل أنّ وكر العقاب لابن العقاب؛ وكانت المدرسة النّوريّة الكبرى بدمشق المحروسة هي الواسطة والمدارس درر، والصّبح وأوطان العلم غرر، ومنزلة الحكم الأمنع، وبيت القضاء الّذي أذن الله لقدره أن يرفع، ومكان ذي اليد الماضي سيف حكمه إذا قرعت العصا لذي الإصبع، وذات العماد الّتي ادّخرها لنجله، وأعدّ فضلها في العباد والبلاد لفضله؛ وكان ذلك «1» قد نزل لولده فلان عن الحكم على هذا الحكم، ونطق بمزيّة الاستحقاق وقلوب بعض الأعداء صمّ بكم، ورغب- أجلّه الله- فيما يرغب فيه من الانقطاع ذو السّن «2» العالي، والقدر الغالي، وانتظم تقليده الشريف فكان أجود حلية على أحسن جيد حالي، ثم التوقيع بتدريس هذه المدرسة الّتي زكيّ في أهل الفضل شهيدها «3» ، ونظرها الذي خلف في حكمه وليّ عهده عن أبيه: فلله أمين هذه الخلافة ورشيدها. ولذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوّض إلى فلان تدريس المدرسة النّوريّة ونظرها: لاستحقاقه لها بشفعة منصب الحكم العزيز، ومنشإ الفضل الحريز، ووجيز النزول المكتتب، وقبول هبة والده الّذي يعتاد أن يهب الجليل لمن يهب، وتشريفه بإنعامها النّفيس، وإجلاسه بها على مرتبة حكم وبساط نظر وسجادة تدريس، وعلما بأنّ نجم ذلك النّيّر أولى بهذه المنازل، وشبل ذلك الأسد أحقّ بهذا الغاب الماثل، وأنّه كوكب هذا المذهب المنير، وإمام جامعيه المعروفين: كبير وصغير، وصاحب شبيبة العزم المقتبل، والرّأي الموفي على

قياس الأمل، وتجنيس الجود والإجادة، وتكميل بحري العلم والبرّ واجتهاد الزّيادة؛ وأنّه ممّن آتاه الله رفعة في القدر والاسم، وزاده بسطة في العلم والجسم، وأحكم بديهة علمه فما تستوقف الاسماع رويّته، وأعلاه وعظّمه فما هو النّجم الّذي تستصغر الأبصار رؤيته. فليباشر تدريس هذه المدرسة ونظرها بعزمه الباهر وصفا، التّالي بلسان الحمد: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى «1» جاريا على أعراق نسبه المشهور، فائض اللّفظ والفضل فإنّه بحر من البحور، مظهرا من مباحثه الّتي تقلّد العقول بأبهى مما تقلّد النّحور، مهتديا من رأيه ومن بركة الواقف- رضي الله عنه- بنور على نور؛ والله تعالى يزين بنجمه أفق السّيادة، ويزيد فيما وهبه من الفضل إن كان التّمام يقبل زيادة. توقيع بتدريس المدرسة الرّيحانية الحنفيّة، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي «عماد الدين الحنفي» ب «الجناب الكريم» ؛ وهو: الحمد لله الّذي جمّل مدارس العلم بذات عمادها، وصاحب نفلها واجتهادها، ومنشر عهدها ومنشيء عهادها، وواصل مناسبها الّتي لو ادّعاها دونه زيد لكانت دعوى زيادها، ومفصح فتاويها على منبر قلم اهتز عوده ونفح وأطرب: فناهيك بثلاثة أعوادها!. نحمده على نعمه الّتي قضى الحمد بازديادها، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تعدّها النفس لمعادها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله هادي الأمّة إلى سبيل رشادها، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه بحار العلم وأطوادها، ما قامت الطّروس والسّطور لعيون الألفاظ مقام بياضها وسوادها. أمّا بعد، فإنّ لمذاهب العلم رجالا يوضّحون طرقها، ويمدّون في

المباحث طلقها، ويعمّرون مدارسها: فيا لها من ذات دروس يكون العمران معتلقها ومعتنقها!. ولمّا كانت المدرسة الرّيحانية بدمشق في أيدي العلماء نخبة ريحانيّة، وشقيقة نفس نعمانيّة، مأهولة المنازه والمنازل بكّل ذي فضل جليّ، وعلم مليّ، ووصف كريم، ونفس نفيس يتلّقاه منها روح وريحان وجنّة نعيم؛ وخلت الآن من إمام كرمت خلاله، وعظمت خصاله، ومضى وتمضّى وما يبقى إلّا الله جلّ عن الحوادث جلاله- فتعيّن أن نختار لتدريس مكانها من يفتخر به المكان والزّمان، ويتشيد بزيادة علمه لصاحب مذهبها أضعاف ما شاده زياد للنّعمان، من شيّد الشريعة الشريفة مقاله ومقامه، وعلا عماده إلى عقود الشّهب فلله مراده ومرامه، من لو عاصره «ابن الحسين» «1» لحسن أن يعترف بقدره الجليل، وقال عند محاضرة بحثه كما قال «أبو يوسف» «2» : فصبر جميل، واستزاد «شمس الشريعة» فكيف «السراج» من لمعه البريقة، وقال «ابن الساعاتي» «3» : ما رأيت أرفع من هذا القدر درجة ولا أبدع من هذا الذّهن دقيقه. ولذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال عاليا بأمره كلّ عماد، زاهيا بمحامد ملكه كلّ ناطق وجماد، أن يفوّض لفلان......... لأنّه المعنيّ بما تقدّم من الأوصاف الحلوة إذا تكرّرت، والمقصود بألفاظها إذا تعنونت الأفهام وتيسّرت، والمعوّذة فرائد مباحثه المفرّقة ب إِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ «4» ، وإمام المذهب الحنفيّ والحكم الأحنفيّ، وحصاة القلب الّتي

تنسف بإشارتها جبال «النّسفيّ» «1» ، ولسان النّظر الّذي أشرف على بعده فاختفى في قربه المشرفيّ، وصاحب الفنون وما وسقت، وأفنان الحكم والحكم وما بسقت، ونعوت الفضل والفضائل وما عطفت من البيان ونسقت. فليتولّ تدريس هذه المدرسة المعمورة مؤيّد الولاية، مجدّد البداية لحنيفيّتها والنهاية، ساجدا قلم الفتاوى والفتوّة كلّما تلا كرمه وكلمه آية بعد آية، منفقا من ألفاظه حتّى يستغني عن «الكنز» «2» وصاحبه، ويردّ فرع المقال على الأصل وطالبه، ويعرض عن أعاريض «البسيط» ، ويغرق في أفكار وارده «المحيط» ، ويمدّ سماط العلم الّذي وفى بعد «القدوريّ» «3» وما خان، وتفخر بقاضيها أعظم مدينة فما يضرّها فقد «قاضي خان» «4» ، وتتذكرّ المقدّمية في طلبته فوائد الحلقة، وينتقل الجناب الكريم من تقدمتها إلى ما هو أوفى في الغرض وأوفر في النّفقة؛ والله تعالى يزيد رتب العلم به سرورا، ويجعل له باستطلاعها كتاب حكم وحكم يلقاه منشورا. وهذه نسخة توقيع بتصدير بالجامع الأمويّ، كتب به لقاضي القضاة «علم

الدين ابن «1» القفصي» قاضي قضاة دمشق ب «المقرّ الشريف» وهي من تلفيق كتّاب الزمان. على أنها بالمدرس أليق منها بالمصدّر؛ وهي: الحمد لله الّذي أعلى علم أئمّة الدّين إلى أعلى الغرف، وميّزهم بالعلم الشّريف الّذي يسمو شرفه على كلّ شرف، وأوضح بهم منهج الحقّ القويم فعلا بإرشادهم سبيل الهدى وانكشف. نحمده على ما أفاض من نعمه المتواترة كلّ حين، ونشكره على إحياء معاهد المعابد بمن حذا حذو الأولياء المتّقين، حمدا يظهر الآيات المحمّديّة والبراهين، ويبسط ظلّ من هو عن الحقّ لا يمين. ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ربّ العالمين، الذي علّم الإنسان ما لم يعلم وهو العالم بما تخفي الصّدور ويعلم عباده المؤمنين، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أوتي علم الأولين والآخرين، وكان من دعائه لشيبة «2» : «اللهمّ فقّهه في الدّين» ! صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الّذي عملوا بما علموا فكانوا أئمّة المسلمين، والعمدة على أقوالهم الّتي نقلوها عن خاتم النبيين، على توالي الأيّام والجمع والأشهر والسّنين، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فلمّا كانت أعلام العلماء في الآفاق منشورة، وربوع الفوائد بطريقتهم المثلى معمورة، وصدور المعابد الشّريفة محتاجة إلى صلتها بكفئها الفرد مسرورة، وكان فلان- أسبغ الله تعالى ظلاله، وضاعف جلاله- هو الّذي ملأت مباشرته العيون والأسماع، وانعقدت على تفرّده في عصره كلمة الإجماع، واشتهر ذكره الجميل بأنواع المكرمات وأطاعه من مشكل المذهب ما هو على غيره شديد الامتناع، وأضحت فضائله «المدوّنة» «3» ولفظه الجلّاب،

وكنفه «الموطّأ» «1» للطلبة يغنيهم عن معاهد «عبد الوهاب» ؛ وعزيمته لا يلحق غبارها في المعارك، ولا يظنّ خدّام العلوم الشرعية والأدبية إلا أمّ مالك وابن مالك. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يجمع لمن برع في العلوم من ألوان المناصب المختلفة، ويرفع قدر القوم الذين قلوبهم على التقوى مؤتلفة- أن يستقرّ المشار إليه في وظيفة التّصدير بالجامع الأمويّ بدمشق المحروسة- عمره الله تعالى بذكره- عوضا عن فلان بحكم نزوله عن برضاه، حملا على ما بيده من النّزول الشّرعيّ، بالمعلوم الّذي يشهد به ديوان الوقف المبرور، على أجمل عادة، وصرفه إليه مهنّأ ميسّرا أسوة أمثاله. فليباشر هذه الوظيفة على عادة مباشراته الّتي حفّت بالعلوم، وافتخرت بحسن المنطوق الدّالّ على المعنى المفهوم، ويمدّ موائد علمه المحتوية على أنواع الفضائل، وليبيّن ما يخفى على الطلبة بأوضح الدلائل، وليؤدّ الفوائد الواصلة إلى الأذهان على أحسن أسلوب، وليقرّر الأصول الّتي امتدّت فروعها بقواعد السّنة المحمّدية وفي ثمرها الجنيّ تقوية القلوب، وليكرم منهم من يضح فضله لديه ويبين، وليبسط هممهم بقوله صلّى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين» ، وليوضّح طريق إرشاده ليسهل سلوكها عليهم، وليجعل وفود فوائده في كلّ وقت واصلة إليهم، وليتّبع «إمام دار الهجرة» في مذهبه المذهب، وليخلّد من صفاته الجميلة ما يذهب الزّمان ولا يذهب، وليسمح للفقهاء بمواصلة فضله الأعم، فإنّه أن يهدى به واحد خير من حمر النّعم. والوصيا كثيرة ومنه يطلب بيانها، وبه تقوى أسبابها ويعلو بنيانها؛ ولكن الذّكرى تنفع المؤمنين، ويظهر [بها] سرّ خبرهم ويستبين؛ وتقوى الله تعالى هي

المرتبة الثانية (من تواقيع أرباب الوظائف الدينية بحاضرة دمشق - ما يفتتح ب «أما بعد حمد الله» ؛ وفيها عدة وظائف)

العروة الوثقى، والخصلة الّتي بها يعظم كلّ واحد ويرقى؛ فليواظب عليها، وليصرف وجه العناية إليها؛ والله تعالى المسؤول أن يجعل علم علمه دائما في الآفاق منشورا، وذكره الطّيّب على ألسنة الخلائق كلّ أوان مذكورا. المرتبة الثانية (من تواقيع أرباب الوظائف الدّينية بحاضرة دمشق- ما يفتتح ب «أما بعد حمد الله» ؛ وفيها عدّة وظائف) وهذه نسخ تواقيع من ذلك. توقيع بقضاء العسكر بدمشق، كتب به للقاضي شمس الدّين «محمد الإخنائي» «1» الشافعيّ، ب «الجناب العالي» ؛ وهو: أما بعد حمد الله تعالى مضاعف النّعمة، ومرادف رتب الإحسان لمن أخلص في الخدمة، ومجدّد منازل السّعد لمن أطلعت كواكب اهتمامه في آفاق الأمور المهمّة، والصلاة والسلام الأتمّين الأكملين على سيدنا محمد وآله الّذي بشّر بنصر هذه الأمة، ووعد بأن سيكشف به غمام كلّ غمّة، وأنّه يتجاوز عن أهلها بشفاعته وكيف لا؟ وقد أرسل للعالمين رحمة، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تجزل لقائلها نصيبه من الأجر وتوفّر قسمه- فإنّ أحقّ الأولياء من تأكّدت له أسباب السعادة، وكافأناه بالحسنى وزيادة، وبلّغناه من إقبالنا غاية مآربه ومطالبه، وعرفت منه العلوم الّتي لا يشكّ فيها، والنّباهة الّتي لا يقدر أحد من أقرانه يوفّيها، والخبرة الوافية الوافرة، والدّيانة الباطنة والظّاهرة، وسار بعلومه المثل، وسلك مسلك الأولياء في العلم والعمل، واعتبرت أحواله الّتي توجب

التقديم، واختبرت فعاله الّتي ضاعفت له مزيد التكريم. وكان فلان- أدام الله تعالى نعمته- هو الّذي أتقن العلوم بحثا وتهذيبا، وبرهن عن المسائل الشّرعية بأفهام تزيدها إلى الطالبين تقريبا، وأوضح عويص مشكلاتها، وصحّح من ألسن العرب لغاتها. فلذلك رسم بالأمر العالي- لا زالت شمسه بالعناية مشرقة، وأنواء فضائل أوليائه مغدقة- أن يستقرّ فلان في وظيفة قضاء العساكر المنصورة الشاميّة: حملا على ما بيده من النّزول الشّرعيّ، على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته، ومعلومه الذي يشهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت؛ فهو الحاكم الّذي لم يزل للعساكر المنصورة نعم الصّاحب، والمورد على سمعهم من الأحكام الشّرعية ما يفتدي به الحاضر والغائب، والقائم بأعباء العساكر المنصورة، والحافظ لنظام الملك الشريف على أحسن صورة. فليباشر هذه الوظيفة المباركة وليحلّ في قضاء العساكر المنصورة بطلعته السّنيّة، وليفصل بينهم في الأسفار كلّ قضيّة، وليعرّفهم طرق القواعد الشّرعيّة، وليحترز في كلّ ما يأتيه ويذره، ويقصده ويحذره، ويورده ويصدره. والوصايا كثيرة ومنه تستفاد، وإليه يرجع أمرها ويعاد؛ ولكن لا بدّ للقلم من المرح في ميدان التّذكار، والتّنبيه على منهاج التّقوى الّتي هي أجمل شعار؛ والله تعالى يمنحه من إحساننا جزيل العطاء والإيثار، ويسمعه من أنباء كرمنا كلّ آونة أطيب الأخبار، بمنّه وكرمه!. توقيع بنظر جامع يلبغا اليحياويّ «1» ، كتب به للأمير جمال الدين «يوسف شاه» العمريّ الظاهريّ ب «الجناب الكريم» ؛ وهو:

أمّا بعد حمد الله الّذي أظهر جمال الأتقياء في كلّ مشهد وجامع، وقدمه بما أولاه على كلّ ساجد وراكع، وخصّه من فضله بما قصرت عنه الآمال والمطامع، والصلاة والسلام الأتمّين الأكملين على سيدنا محمد عبده ورسوله مولي الخير الواسع، والإحسان المتتابع، ومن أحيا جود جوده النّفوس وسرّ القلوب وأطرب ذكر عظاته المسامع، وعلى آله وصحبه النّجوم الطّوالع، والذين أودعهم العلم الّذي آتاه لإقامة دينه من لا تخيب لديه الودائع؛ والتّشريف و [الإكرام] «1» ، والتّبجيل والإعظام- فإنّ أولى من رعينا له حقّ الخدم، ووقوفه في الطاعة الشريفة على أثبت قدم، من قام بما لم يقم به غيره، وحسنت سيرته وسيره. وكان فلان أدام الله تعالى نعمته، وحرس من الغير مهجته، ممّن جمّل الممالك ودبّرها، وضبط أموال الأوقاف وحرّرها، وارتفع على الرؤوس، وحصّل أموال الأوقاف الّتي فطر تحصيلها أكباد الخونة وسرّ من مستحقّيها النّفوس- تعيّن أن نعرف له مقداره الّذي لا يخفى، ونوفّيه بعض حقّه فإنّه الّذي بالإحسان قد أوفى. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يقبل على فضل وليّه، ويضاعف له البرّ المستمطر من غيث جوده ووليّه- أن يستقرّ فلان في كذا، على عادة من تقدّمه في ذلك ومستقرّ قاعدته، بالمعلوم الشاهد به ديوان الوقف المبرور إلى آخر وقت. فليباشر هذه الأوقاف، وليسلك فيها طرق العدل والإنصاف، وليتّبع شرط واقفها- رحمه الله تعالى- المجمع على صحّته من غير خلاف، وليحي ما تشعّث وتخرّب في الجامع المشار إليه وأوقافه بعين بصيرته، وليقم بالمعروف من معرفته؛ وهو أعزّه الله تعالى أولى من باشره، وعمر داثره، وأحرى من تحرّى

مبارّه ومآثره، وميّز أوقافه، وتدارك بتلافيه تلافه. وهو غنيّ عن شرح الوصايا فإنّها من آدابه تعرف، ومن بحر أدواته تغرف؛ وملاكها تقوى الله تعالى الرّؤوف، فليكن على مستحقّي هذا الوقف عطوف؛ والله تعالى يجزل له أجرا، ويجعل له ما يفعله من الخير ذخرا. توقيع بنظر تربة أرغون شاه، كتب به «لقجا السيفي بوطا» ، ب «الجناب العالي» ؛ وهو: أمّا بعد حمد الله الّذي بلّغ الأولياء من مبرّاته الأمل والإرادة، وألقى مقاليد الأمور إلى من استحقّ بحسن مباشرته الزّيادة، والصّلاة والسلام الأتمّين الأكملين على سيدنا محمد عبده ورسوله صاحب لواء الحمد والنّصر، ومن جاءت آيات تفضيله كفلق الصّبح وجمّلت محاسنه كلّ عصر، وعلى آله وصحبه الذين نصروه فنصرهم الله، وحجبوه بأنفسهم عن البأس ولم يحجبوه عن النّاس لخفض جناحه لمولاه، والتّشريف والتّكريم، والتّبجيل والتّعظيم. ولمّا كان فلان- أدام الله تعالى نعمته- هو المعروف بالأوصاف الجميلة، والمنعوت بالنّعوت الّتي أتت في وصفه بكلّ فضيلة، فلذلك رسم بالأمر العالي- لا زال إحسانه عميما، وفضله لذوي الاستحقاق أبدا مقيما- أن يستقرّ فلان في كذا، على عادة من تقدّمه في ذلك ومستقر قاعدته، بالمعلوم الّذي يشهد به ديوان الوقف المبرور إلى آخر وقت. فليباشر ذلك بهمّته العليّة، ونفسه الأبيّة؛ والوصايا كثيرة وأهمّها التّقوى؛ فليلازم عليها فإنّها تحفظه، وبالسّيادة تلحظه؛ والله تعالى يكمّل توفيقه، ويسهّل إلى نجح المقاصد طريقه، بمحمّد وآله!. توقيع بتدريس الجامع الأمويّ عودا إليه، من إنشاء جمال الدين بن نباتة،

كتب به للقاضي «فخر الدين المصريّ» وهو: أمّا بعد حمد الله معيد الحقّ إلى نصابه، والغيث إلى مصابّه، واللّيث- وإن غاب- إلى مستقرّ غابه، وشرف المكان إلى من هو أحقّ وأولى به، وبحر العلوم إلى دوائر محافله في الدّروس وإلى قويّ أسبابه، والصّلاة والسلام على سيدنا محمد الّذي هاجر فرجع بغنيمته وإيابه، وطلع من ثنيّات الوداع طلوع البدر المشرق في أثناء سحابه، وعلى آله وصحبه الشّائمين سبل صوبه السّالكين سبيل صوابه، ما قطف من غصون أقلام العلماء ثمر «البيان والتّبيين» متشابها وغير متشابه- فإنّ شرف الكواكب في سيرها ورجوعها، ونموّ تشعّلها ما بين فترة مغيبها وطلوعها؛ لا سيّما العلماء الذين يهتدى بأنوارهم، ويقتدى بآثارهم، ومصابيح الحقّ التي تقدح ولا يقدح في أزندة أفكارهم. وكان من قصد بهذا التّلويح ذكره، وعرف من هذا المعنى المفهوم فخره، قد حمد بمجالس التّصدير بالجامع الأمويّ ما ذكره من سلف أعيانه، وقام بوجود الدّليل على وجود ماضي برهانه، وجادل لسانه وقلم يده عن الشّريعة: وغيره من العيّ لا من يده ولا من لسانه، ثم هجر مكانه هجرة على العذر محمولة، وهاجر إلى حرم الله تعالى وحرم رسوله صلّى الله عليه وسلّم هجرة مقبولة، ورام بعض الصّبيان التقدّم إلى رتبة الشيخ فقالت: إليك عنّي، فأنا من مخطوبات الأكابر فما أنا منك ولا أنت منّي؛ ثم حضر إلى محلّه الكريم من غاب، ورجع إلى مستقرّه الأمثل به: وما كلّ حمزة أسد الله فليسكن في ذلك الغاب. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت صلات مراسمه جميلة العوائد، جليلة الفوائد، وأقلامها أغصانها ممدود بها الرّزق فهي على الوصفين موائد- أن يستمرّ على عادته في كذا وكذا، وإبطال ما كتب به لغيره: عملا باختبار الحاضر، واختيار نظر الناظر، وعلما بأنّ هذه المرتبة لمن له إتقان عقلها

ونقلها، وتلاوة في موضع الوقف: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها «1» فقولا للممنوع: ما كلّ عزّ بدائم، ولا كلّ ذي طلب بكمال الوجوب قائم، ومن أين لهذه الرتبة مثل هذا الكفء الّذي اشتهر فخره، وزهت به على الأمصار شامه ومصره؟؛ وهذا الإمام، وكلّ مضاه مأموم، وهذا المقدام، تحت علم العلم وكلّ مباه مهزوم، وهذا الثّابت وكلّ ندّ مشرّد، وهذا الكامل وكل ضدّ مبرّد. فليستمرّ على عادته الجميلة مجمّلا لزمانه ومكانه، مكمّلا في وشائع العلم ما يشي «ابن الصّباغ» «2» من ألوانه؛ مالكا لما حررّه «الشافعيّ» ، جازما بفعل ما نصبه «الرّافعيّ» ، ساميا عن وفاء الواصف: فسواء في ذكره إسراف بيان أو إسراف عيّ، شاملا للطلبة المعتادين بعطفه، مقابلا للمستفتين بلطائفه ولطفه، باحثا عن درر الجدال بفكره إذا بحث قلم بعض المجادلين عن حتفه بظلفه، داعيا لهذا الملك الصالحيّ فإنّ دعاء العالم الصالح سور من بين يديه ومن خلفه؛ والله تعالى يجريه على خير العوائد، ويمدّه بإقبال النعم الزوائد، بمنّه وكرمه!. توقيع بتدريس المدرسة الدماغية «3» بدمشق، من إنشاء ابن نباتة. كتب به للقاضي جمال الدين، أبي الطّيب، الحسن بن علي، الشافعيّ؛ وهو: أمّا بعد حمد الله رافع منادى العلم بمفرده، وبيت التّقى بقافية سؤدده،

ونظم المفاخر بمن إذا قيل: «أبو الطّيب» أصغى الحفل لمنشده، ومشهد الفضل بإمامه: وحسبك من يكون «الحسن بن علي» إمام مشهده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله سيد الخلق وسنده، وعلى آله وصحبه السائرين في العلم والحلم على جدده، ما سحب نسيم الرّوض برده وافترّ لعس «1» السحاب عن ثغر برده- فإنّ للعلم أبناء ينشأون في ظلاله، ويسكنون في حلاله، ويفرّقون للخلق بين حرام المشتبه وحلاله، ويجمّلون وجه الزمان: فلا عدم الزمان منهم جمال وجهه ولا وجه جماله؛ ترتشف شفاه المدارس من كلمهم كلّ عذب المساغ، وتشافه منهم كلّ ذي فضل ما هو عند البلاغ ببلاغ، وتشاهد ما خصّوا به من الشّرف والرّآسة فلا عجب أنّ محلّهم منهما محلّ الدماغ!. وكانت المدرسة الشافعية الدماغية بدمشق المحروسة رأسا في مدارس العلم، وهامة في أعضاء منازل ذوي الحكم والحلم؛ لا تسمو همّتها إلا بكلّ سامي العمامة، هامي الفضل كالغمامة، ساجع اللّفظ إلّا أنّه أبهى وأزهى من طوق الحمامة، كائد للملحد مكرم للطالب ولا كيد لابن الخطيب ولا كرامة- واسطة بين العادلية والأشرفيّة تليق بمن يكون عقد كلامه المثمن، ونظامه الأمكن، وبيانه المنشد «أجارة بيتينا» يعني بيت النسب وبيت المسكن. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يجدّد لوجوه العلم جمالا، ولوجوب الحمد نوالا، ولوجود الفضل كرما ما قال قط ولا نوى: لا- أن يفوّض إلى فلان- أيّد الله مجده، وحرس للمسلمين أباه وأعلى بالسعادة جدّه- تدريس المدرسة الدّماغية المذكورة: لأنّه جمال العلم المعقودة على خطبته الآمال، المعدوقة بمقدّمات فضله وفصله نتائج الأقوال الصالحة والأعمال، المحبوبة إلى الله والخلق سيماه وشيمه ولا نكر: فإنّ الله جميل يحبّ الجمال؛ ولأنّه العالم

الذي إذا قال لم يترك مقالا لقائل، وإذا شرح على قياسه أتى بما لم تستطعه الأوائل، وإذا جارى العلماء كاد «إمام الحرمين» يقول: أنا المصلّي وأنت السابق، «والغزاليّ» : من لي أن أنسج على منوال هذا اللفظ الرّائق؟؛ «وابن دقيق العيد» «1» : ليت لي من هذه الدّقائق بلغة؟، و «ابن الصّباغ» : هذا الّذي صبغه الله من المهد عالما! ومن أحسن من الله صبغة؟؛ ولأنه العالم الّذي أحيا ذكر «ابن نقطة» «2» بعد ما دارت عليه الدوائر، وأغنى وحده دمشق عمن أتى في النسب «بعساكر» ، ولأنّه في البيان ذو الانتقاد والانتقاء، والعربيّ الّذي إن كان لرقاب الفضلاء «ابن مالك» فإن قرينه «أبو البقاء» ، والكامل حسبا، ومثل جيّده المنقود لا يبهرج، والواصل نسبا، ومثل فرعه بعد أصله: «ولله أوس آخرون وخزرج» . فليباشر هذا التّدريس بعزائم سريّة، ومباحث تستنار منها معارف القول التّبريّة، وطرائف لا تحبس بدمشق على نقداتها المصرية، ولينصر مذهب الإمام الشافعيّ رضي الله عنه فإنّ قومه الأنصار، وليخفض جناحه للطّلبة فطالما خفضت الملائكة أجنحتها ليصير فلا عجب أن صار!؛ وليفد وافديه وهو قاعد أضعاف ما أفادهم صاحب المكان وهو واقف؛ وتقوى الله عزّ وجلّ أولى ما طالعه في سرّه وجهره من «عوارف المعارف» «3» ؛ والله تعالى يمدّه بإسعاده

ولطفه، ويحوطه بمعقّبات من بين يديه ومن خلفه، ويضيء بارق كلمه الصّيّب، ويطرب أسماع الطّلبة بالطّيّب من معاني «أبي الطّيّب» . توقيع بتدريس المدرسة الرّكنية الحنفيّة بظاهر دمشق، كتب به للقاضي بدر الدين «محمد بن أبي المنصور» الحنفيّ ب «المقرّ العالي» ؛ وهو: أمّا بعد حمد الله الّذي أطلع بدر الدّين مشرقا في منازل السّعود، وحرس سماء مجده فلا يطيق من رام جنابها الاستطراق إليها ولا الصّعود، وجعل ركنه الشديد في أيّامنا الزاهرة المشيد وظلّه الممدود، والصلاة والسلام الأتمّين الأكملين على سيدنا محمد ذي الحوض المورود، والكرم والجود، وعلى آله وصحبه نجوم الهدى وأعيان الوجود، ما أورق عود، وحمدت عقبى الصّدور والورود، صلاة دائمة إلى اليوم الموعود- فإنّ أعلام الهدى لم تزل منشورة بمعالم العلماء، وأقطار الأرض ما برحت مشرقة بمن تستغفر لهم الحيتان في البحر والملائكة في السماء، وطول الأرض إلى فضائلهم أشدّ اضطرارا وأحوج إلى القرب إليهم والانتماء؛ وكان فلان- أدام الله تعالى تأييده- من بيت شهدت الأيام مفاخره، وحمد الأنام أوائله وأواخره، وأضحت عيون الزمان إلى مآثره ناظرة، وغصون الفنون بفرائده ناضرة، وأوصافه الجليلة للأبصار والبصائر باهرة، وأصناف الفضائل من إملائه واردة صادرة. فلذلك رسم بالأمر العالي- زاده الله تعالى على العلماء إقبالا، وضاعف إحسانه إليهم ووالى- أن يستمرّ المشار إليه فيما هو مستمرّ فيه: من تدريس المدرسة الرّكنية الحنفيّة، بظاهر دمشق المحروسة، حملا على ما بيده من الولاية الشّرعية والتوقيع الشريف: رعاية لجانبه وتوقيرا، وإجابة لقصده الجميل وتوفيرا، واستمرارا بالأحقّ وتقريرا. فليباشر ذلك مباشرة ألفت منه، واشتهر وصفها الزّكيّ عنه، وليوضّح للطّلبة سبل الهداية، وليوصّلهم من مقاصدهم الجميلة إلى الغاية، وليسلك

طريقه والده، فإنّها الطريقة المثلى، وليتحلّ من جواهر فرائده، فإنّها أعلى قيمة وأغلى، وليمل على الأسماع فضائله التي لا تملّ حين تملى. وهذه نسخة توقيع بتدريس المدرسة الخاتونية البرّانية «1» الحنفيّة بدمشق، كتب بها للشيخ صدر الدين «عليّ بن الآدميّ» الحنفيّ ب «الجناب الكريم» . وكأنّه في الأصل لمن لقبه: «بدر الدين» لأنّ البدر هو المناسب لهذا الافتتاح، فنقله بعض جهلة الكتّاب إلى «صدر الدين» كما تراه؛ وهذه نسخته: أمّا بعد حمد الله الّذي زان أهل العلم الشريف بصدر أخفى نوره الشّموس، وأعلاه- لما حازه من الشّرف الأعلى- على الرؤوس، وجعل كلّ قلب يأوي إلى تبيان بيانه يوم الدّروس، والصلاة والسلام الأتمّين الأكملين على سيدنا محمد الّذي أذهب الله ببركته عن هذه الأمّة كلّ مكر وبوس، وخصّهم في الدّنيا بطيب الحياة وفي الآخرة بسرور النفوس، وعلى آله وصحبه صلاة مثمرة الغروس- فإنّ أولى من تنصرف إليه الهمم، من تبدو دلائل علمه كنور لا نار على علم، وتسير فضائله في الآفاق سير الشّموس والأقمار، وتبرز إذا يبديها صدره من حجب وأستار. وكان فلان- ضاعف الله تعالى نعمته، وحرس من الغير مهجته- هو الّذي أشير إلى ما حواه صدره الكريم من الفضائل، واشتهر في دروسه بإقامة الحجج وإيضاح الدّلائل، وبرع في العلوم الدّينية، وفاق أبناء عصره في الصّناعة الأدبيّة، وأنفق كنزه على الطّلاب، فأصبح «عمدة المحدّثين» وأمسى «مختار الأصحاب» ، «أبو يعلى» ينزل ببابه، و «ابن عقيل» يرتدّ على أعقابه، و «ابن

الحاجب» يرفعه على عينه، و «الرّازيّ» يدّخر كسبه لوفاء دينه، و «ابن بطّة» يطير من مواقع سهامه، و «مقاتل» مجروح بحدّ كلامه، و «ابن قدامة» متأخّر عن مجاراته، و «الأثرم» يخرس عند سماع عباراته. فلذلك رسم بالأمر العالي- لا زال يجمع لمن برع في العلوم من ألوان المناصب المختلفة، ويرفع قدر القوم الذين قلوبهم على التّقوى مؤتلفة- أن يستمرّ الجناب الكريم المشار إليه بالمدرسة الخاتونية البرّانية الحنفيّة، حملا على ما بيده من النّزول الشّرعيّ والولاية الشرعية: لأنّه الخلاصة الّتي صفت من الأقذار، والعدّة ليوم الجدال إذا ولّى غيره الأدبار، والمختار الّذي جنحت المناصب السّنيّة إلى اختياره دون من سواه، رغبة فيما ادّخره من الفضائل وحواه؛ «بدايته» «نهاية الطلاب» ، وعلومه «تحفة الأصحاب» ؛ إن حدّث «فابن معن» بصحّة نقله يحيا، أو فسّر «فمجاهد» عن مجاراته يعيا، و «الزّمخشريّ» يبعد عن الجوار، و «البغويّ» يبتغي الوقوف على الآثار، و «سيبويه» عندما ينحو يقصد «التسهيل» من لفظه المغرب المعرب، و «ابن عصفور» يكاد يطير طربا لما يبديه من «المرقص المطرب» ، و «أبو يوسف» أصبح بصحبته منصورا، و «محمد بن الحسن» أضحى برفعته مسرورا؛ هو في القدر «عليّ» وفي الطريقة «محمود» وفي العلوم «محمد» ، وفي النطق الحركة «سعيد» وفي النظر «أسعد» ، وفي النّضارة «النعمان» و «طاووس» يتحلّى جزءا من كمال خصاله، و «الحسن» يقتدي بحسن فعاله؛ نشأ في العفّة والصّيانة، وكفله التوفيق وزانته الأمانة؛ فهو بحر العلوم، ومستخلص درّها المكنون ومظهر سرّها المكتوم؛ لو رآه «الإمام» لقاس علاه بالشّمس المنيرة، ولو عاصر الأصحاب لغدت أعينهم به قريرة. فليباشر هاتين الوظيفتين اللّتين اكتستا به بعد نور الشّمس جلالا، وليلق علومه الّتي يقول القائل عند سماعها: هكذا هكذا وإلّا فلا لا، وليعلّم الطّلبة إذا أدهشتهم كثرة علومه أنّ فوق كلّ ذي علم عليم، وليتكرّم عليهم بكثرة الإفادة فإنّ عليّا هو الكريم، وليفق في مباشرة النّظر كلّ مثيل ونظير، ولا ينّبئك مثل

خبير، وليجتهد على عمارة معاهدها بذكر الله تعالى، وأداء الوظائف بحسن ملاحظته: ليزداد عند الخليقة جلالا؛ وفيه- بحمد الله- ما يغني عن تأكيد الوصايا، ويعين على السّداد وفصل القضايا؛ وكيف لا؟ وهو الخبير بما يأتي ويذر، والصّدر الّذي لا يعدو الصّواب في ورد ولا صدر؛ والله تعالى يسرّ القلوب بعلوّ مراتبه، ويقرّ العيون ببلوغ مقاصده ومآربه، بمنّه وكرمه!. توقيع بخطابة جامع جرّاح، من إنشاء ابن نباته، كتب به ل «- شرف الدين ابن عمرون» ب «المجلس العالي» ؛ وهو: أمّا بعد حمد الله الّذي قسم للمنابر شرفا يتجدّد، وعطفا من الفصحاء يتأكّد، وعلما مرفوعا لا يتعدّى وعلما منصوبا لا يتعدّد، والصلاة والسلام على سيد الثّقلين وصاحب القبلتين محمد، وعلى آله وصحبه القانتين القائمين الرّكع السّجّد، ما عظّم خطيب ومجّد، وبدا في حلية سيادة وأهبة خطابة وهو على الحالين مسوّد- فإنّ لصهوات المنابر فرسانا، ولصدور المحاريب أعيانا، ولعيون المشاهد أناسيّ يراعي منها الاستحقاق لكلّ عين إنسانا. ولمّا كان جامع جراح المعمور بذكر الله تعالى ممّا أسّس على التّقوى، ووسم بأهل الزّهد سمة إذا ضعفت السّمات تقوى، مجمع الصّلحاء من كلّ ناحية، ومنتجع الفقراء: فنعم الجامع لهم ونعمت الزّاوية!، ومفزع العظماء عند استدفاع حرب وكرب، ومطلع لنور الهداة الّذي أغرب فأطلع نجومهم من الغرب- تعيّن أن نختار له الخطباء والأئمّة، وننتخب لمنصبه من أفاضل الأمّة، وتتناسب حضّار منبره بصاحب علومهم وأعلامهم وإمامهم، المسرورين به يوم يأتي كلّ أناس بإمامهم. فرسم بالأمر- لا زالت أعواد المنابر بذكره أرجة، وأعلامها كالألسنة بحمده لهجة- أن يفوّض لفلان......... علما باستحقاق شرفه لهذه

المرتبة الثالثة (من تواقيع أرباب الوظائف الدينية بحاضرة دمشق - ما يفتتح ب «- رسم بالأمر» ؛ وفيها وظائف)

الرّتبة، وصعود هذه الذّروة الهضبة، ولأنّه الأولى بدرجات الرّتب النّفائس، والأجدر بجنى فروعها الموائس، والإمام على الحالين إذا قامت صفوف المساجد وإذا قعدت صفوف المدارس، والعربيّ الّذي إذا رقى ذروة منبر أطلقت عليه لفظة فارس، والورع الّذي آثر في مناصبه الباقية على الفانية، ومنابر الحكم المضيئة على مراتب الحكم الماضية، وعلى مجالس الدّعاوى مجالس الدّعوات، وعلى مقام الصّلات مقام الصلوات، وعلى القضاء الفرض، وعلى [الرّحبة المحلّ الأرقى] «1» ولو كمفحص «2» القطاة من الأرض، وعلى عرض الدّنيا القليل جوهر الفضل الكثير، وعلى كتاب «أدب القاضي» كتاب «الجامع الصغير» «3» فليباشر هذه الوظيفة المباركة: خطيبا تدرأ مواعظه الخطوب، واعظا من قلب تقيّ تصل هدايا تقاه إلى القلوب، فصيحا تكاد المنابر تهتزّ طربا ببيانه، نجيحا تكاد أجنحة أعلامها تطير فرحا بمكانه، شاملا بنفحات فضله النّواسم، كاملا لو تقدّم زمانه لم يقل: «فلا الكرج الدّنيا ولا النّاس قاسم» ؛ والله تعالى يسدّد أقواله وأفعاله، ويرفع على المنابر والرّتب والمراتب مقامه ومقاله، ويمتّعه بهذه الرّتبة الّتي أشبهت معنى في الخلافة: «فلم يكن يصلح إلّا لها ولم تكن تصلح إلا له» . المرتبة الثالثة (من تواقيع أرباب الوظائف الدينية بحاضرة دمشق- ما يفتتح ب «- رسم بالأمر» ؛ وفيها وظائف) وهذه نسخ تواقيع من ذلك:

نسخة توقيع بالتّدريس بالجامع الأمويّ والإفتاء به، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب بها للشيخ «فخر الدين المصريّ» استمرارا ب «المجلس العالي» وهي: رسم بالأمر الشّريف- لا زال لدولته الفخر على الإطلاق، والمنّ على الأعناق، والكرم لطالبي الإرفاد والإرفاق، والتّكريم والتّقديم لذوي التّأهيل والاستحقاق، ولا برحت النّعم الثابتة للسّاجعين بمدحه المطرب قائمة مقام الأطواق- أن يستقرّ فلان......... نفع الله ببقائه، ورفع عيون الأنجم لدرجات ارتقائه، لفوائده الّتي شملت الورى، وعلت الذّرا، وحمدت الأفهام عند صباحها السّرى، وقعد بها مسبل ذيل الحياء وسار بذكره من لا يسير مشمّرا، ومنزلته الّتي نصبت للهدى علما، وألفاظه الّتي أعربت عن بدائع بهرت فما فتح بمثلها العلماء فما، واستنباطه الّذي يقول للأول: قال وقلتم، وأقام وزلتم، واحتياطه الّذي يقول للسائلين: اهبطوا من انتساب حلقته مصرا فإنّ لكم ما سألتم؛ وأنّه الفاضل الّذي ما استنار بعلمه فتّى فتاه، والنّافع الّذي ما استطبّ بكلماته سقيم ذهن فلمّا تحرّكت شفتاه شفتاه؛ كم جلس للأشغال فثنى أنفس المارّة عن أشغالها!، ونصر العلم في حلقته المجنّدة فكان من أمرائها المنصور ولم يكن للأنداد من رجالها!، كم سلّم لبيان بحثه الحقيقيّ والمجازيّ!، وكم سطّرت لمناظرته المحمدية مع أهل الزّيغ سير ومغازي!، وكم خلص دينار فهمه المصريّ على النّقد فهيهات أن يروز مثله «الرّازي» !؛ كم فخرت مصر بانتسابه؛ ودمشق بسقيا سحابه!، وكم قال الرازي: ليت لي هذا الفخر فأروي في الأوّل بفتى خطيبه وفي الآخر بفتيّ خطابه. فليستمرّ- نفع الله به- على وظيفته المأثورة، وحلقته الّتي نصبت على مصايد كلماته المشهورة، ومائدة علمه المنصوبة وذيول منافعها في الآفاق مجرورة، وليواظب على جلوسه بالجامع المنشرح المشروح، ودرسه المتضمّن

فتح أبواب العلوم وغيره كما يقال: على المفتوح، سالكا من نهج الإفادة مسالكه، مكاثرا بأجنحة فتاويه الطّيّارة ما يبسط لديه من أجنحة الملائكة، متصرّفا على عادة عبادته في مواطن العلم والعمل، مستندا في جلسته إلى سارية يقول لها وقاره وحلمه: يا سارية الجبل الجبل، داعيا لهذه الدّولة الشريفة: فإنّ دعاء العالم مثله طائر لآفاق القبول من أوكار القبل؛ والله تعالى يمدّه بعونه ولطفه، ويحوط مجالس علمه بالملائكة المقرّبين من بين يديه ومن خلفه، بمنّه وكرمه!. وهذه نسخة توقيع بتدريس مدرسة القصّاعين، من إنشاء ابن نباتة، كتب به لفخر الدين «أحمد بن الفصيح» «1» الحنفيّ المقريّ ب «المجلس السامي» ، وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال يقدّم من العلماء أفخرهم ذكرا، وأحمدهم أمرا، وأفصحهم نسب فضائل وفضائل نسب يقول الاستحقاق: كلاهما وتمرا- أن يرتّب فلان......: لما شهر من علومه السّنيّة، وفوائده السّريّة، ووجوه فضائله الحسنة، وعيون كلماته المتيقّظة إذا كانت بعض العيون مستوسنة، ولأنّه غريب في الوصف والمكان، وصاحب علم لا يكاد يوجد له شقيق وإن كان منسوبا إلى «النّعمان» ، وإمام قراءات ثبتت له فيها على «أبي عليّ» الحجّة، وتوضّحت ببيانه المحجّة، وتعيّن محلّه الأثير، وروى الطالب من علمه عن «نافع» ومن ذهنه في الفوائد عن «ابن كثير» ، وأنّه فخر الحنفيّة القائم في السّمعة مقام «رازيها» ، المطلّ بمنسر قلمه على المعاني إطلال بازيها، «الأكمل» الذي له من علوم صدره خزانة، «الصّدر» الذي كلّ صدر يشهد له بعلوّ المكانة.

فليباشر تدريس هذه المدرسة المباركة: حقيقا بجلوس صدرها، خليقا بتجديد شرفها وذكرها، مظهرا للخبايا النّكت في زواياها، جديرا بأن يكون في خفايا المسائل ابن جلاها وطلّاع ثناياها، يملأ ببيان بحوثه فكر الواعي وسمعه، ويشير ببنان قلم فتياه ما يتجدّد له من رفعة، ويبسط إدلال الطّلبة حتّى يأكلوا في القصّاعية معه في القصعة؛ والله تعالى يسرّه من مدارس الحنفيّة بهذه البداية، ويقرّه بما يتجدّد من وظائفها التالية: وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ «1» بمنّه وكرمه!. وهذه نسخة توقيع بتدريس المدرسة الطّرخانية، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي جمال الدين «يوسف الحنفيّ» بنزول من والده؛ وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زالت مواطن العلم مكمّلة بذكره، مبجّلة بأمره، مؤهّلة لكلّ يوسفيّ الجمال يذكّر عزيز شامه عزيز مصره- أن يستقرّ فلان في كذا، بحكم ما قرّره مجلس الحكم العزيز الشافعيّ، ونعم المالك لمذهب شافع، واتبّاعا لما حرّره الجناب الشريف التّقويّ ذو النّسب الصّحابيّ الّذي كلّ أمر لأمره تابع، وعملا بما رآه رأيه الكريم الّذي إذا كان الجمال شافعا كان هو للجمال شافع، وإذا أنشأ من أبناء العلماء فروعا [لا] «2» تميل عليهم الأيام ميلة، وإذا وقفت في طريقهم الأنداد قال اقتصار نسبه الأنصاريّ: يأبى الله ذاك وبنو قيلة «3» ، وقبولا لنزول هذا الوالد الّذي أعرقت في آفاق العلم مطالعه، وإقبالا على هذا الولد الّذي نجحت في استحقاق التّقديم مطامعه، وعلما بنجابة هذا الفاضل الّذي طاب أصلا وفرعا، وقدّم نفسه ووالده وترا وشفعا، وهذا البادي الشّبيبة الّذي يأمر بفضائله على الشّيب وينهى، وهذا الواضح الدّلالة على مفاخر قومه: فحبّذا الدّعوى وبيّنتها منها، وهذا النّجيب الّذي قدمه أبوه منجبا، وذكاؤه

معجبا، وقلمه في الأوراق معشبا، واشتغاله: إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت من محفوظات كتبي ما يقارب أحد عشر كوكبا، وإذا درّس كان لطلبته ملاذا، وإذا عانده معاند قال برفيع همّته: يوسف أعرض عن هذا، وإذا قرأ كتب فصاحته أذهل ذوي الألباب، وإذا فتح لتفسير كتاب الله فاتحة، عوّذ بفضل: الم ذلِكَ الْكِتابُ «1» ، وإذا روى الأحاديث أطربت حقيقته السماع، وإذا أخذ في دقائق النّقل والعقل علم وعقل أنّ الفكرة صناع «2» فليباشر هذه المدرسة المباركة ببيان عربيّ وإن كان نسبها طرخانيّا، وعلم روضي لا يعرف العلماء شقيقه وإن كان مذهبه نعمانيّا، ومباحث تذكي نار قريحته: فكم طبخ لأنداده من أصحاب «القدوريّ» قدرا، ولزوم درس يسرّ أباه بمذهبه: فإنّه القاضي «أبو يوسف» خبرا في الحقيقة وخبرا؛ والله تعالى يصون شبيبته المقبلة من طوارق الحدثان، وينفع بعلوم بيته الّتي من شكّ منها في الحقّ فكأنه من الحدثان. وهذه نسخة توقيع بتصدير بالجامع الأمويّ، من إنشاء ابن نباتة، كتب به ل «- شمس الدين بن الخطيب» ؛ وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زالت نعمه ظاهرة الفضل كالشّمس، طاهرة الوضوح من دنس اللّبس، وافرة النّموّ فيومها قاصر عن الغد زائد على الأمس- أن يرتّب فلان في كذا ويرتّب له كذا على المصالح؛ فكم للمسلمين في جامع علمه مصالح، وفي منافع قصده مناجح، وفي فوائده نصيب، وفي طرق هداه معالم: ولا تنكر «المعالم» لابن الخطيب، ليتناول هذا الرّاتب المستقرّ من أحلّ الجهات وأجلّها، وتكون شمسه المباركة خير شمس تجري لمستقرّ لها،

الضرب الثاني (من تواقيع أرباب الوظائف الدينية بالشام - ما يكتب به لمن هو بأعمال دمشق؛ وهو على مرتبتين)

عوضا عما نزل عنه من تدريس الحلقة المعدوقة بصاحب حمص وتصديرا بالجامع الأمويّ يبسط به أنواره الشّمسيّة، وينقل اسمه إلى إمرة العلم بدمشق عوضا عن الحلقة الحمصيّة؛ فليعتمد ما رسم به، ولا يتحوّل عما قضى العدل والإحسان بموجبه. الضرب الثاني (من تواقيع أرباب الوظائف الدّينية بالشام- ما يكتب به لمن هو بأعمال دمشق؛ وهو على مرتبتين) المرتبة الأولى (ما يفتتح ب «أمّا بعد حمد الله» وفيها وظائف) توقيع بتدريس المدرسة النّوريّة [بحمص] «1» من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب به للقاضي زين الدين «عمر البلفياني» ب «المجلس العالي» ؛ وهو: أمّا بعد حمد الله الّذي جعل لوجوه العلم زينا وأيّ زين، وأقرّ لأماكنها عينا بمن يكون التّنبيه على فضل مكانته فرض عين، ونشر أحاديثها بمن إذا حدّث عن يد تمكّنه في العقل والنّقل قيل: صدق «ذو اليدين» ، وأحيا مذاهبها بمن إذا عقدت الخناصر على أمثاله العلماء كان أوّل العقد وثاني الغيث وثالث «العمرين» ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله الّذي أوضح تبيين الهدى وسنّه، وأرهف شبا الحقّ وسنّه، وعلى آله وصحبه الذين منهم «عليّ» مفتاح مدينة العلم و «عمر» سراج أهل الجنّة، ما جرت أقلام العلم والجود في هذه الأيّام الصّالحيّة طلقة العنان مطلقة الأعنّة- فإنّ أولى العلماء بمدارس علم لا خلت، ومجالس فهم عزّت بأهلها فلا تعزّلت، ومشاهد عقل

ونقل لا عقلت ألسنتها بعد مستحقّيها ولا انتقلت- من أضاءت مشكاتها النّوريّة بمصابيح كلمه، وفتّحت كمائمها النّوريّة عن زهرات الهدى بقطرات قلمه، وتذكرت بأوقاته الأخيرة عهود أهلها من هداة الاسلام وأوقات ذي سلمه. ولمّا كان فلان هو المقصود بخلاصة هذا المعنى، والممدود إليه نظر هذا الوصف الأسنى، والعالم الّذي تشبث بأسباب محاسنه بلد «الهرمين» ، والسابق وإن خلا وقته الطاهر خلف وقت «إمام الحرمين» ؛ كم اجتنى ثمر الفوائد من أصل وفرع!، وكم بات قلمه من ورق فتاويه وإسكات مناويه بين وصل وقطع!؛ كم صدق برق بديهته الأفكار حين شامت!، وكم نبّهت عند ليالي المشكلات «عمر» «1» ثم نامت!، وكم تهادت نظره كتب العلم حتّى قال «كتاب الأمّ» «2» : نعم الولد النّجيب، وقال «كتاب الروضة» : نعم أخو الغائث الصّائب على رياض القول المصيب، وقال «الشامل» من فضله: هذا لطلبته «نهاية المطلب» ، وقال «التنبيه» على محاسنه: ليت «النّابغة» رآه فدرى أيّ الرّجال «المهذّب» «3» ، وكانت المدرسة الشّهيدية النّوريّة بحمص المحروسة قد شهدت مع من شهد بفضله، وسعدت بنبله، ووسمت بعلم علمه، وسمت سموّ الشهباء: هذه بمقرّ تدريسه وهذه بمجلس حكمه؛ ثم زار دمشق زورة

تشوّقت [إليه] «1» بعدها تلك المشاهد، وتشوّفت إلى العود هاتيك المعاهد، وقضى الوفاء أن يعاد إليها أحسن إعادة، وأن يرجع إلى الأماكن الشهيدية الشاهدة ببرّه فتكون منه عادة ومنها شهادة، واقتضى الاستحقاق أن يردها بالمعلوم المستقرّ وزيادة وأحسن ما ورد البحر في الزيادة. فلذلك رسم بالأمر الشريف- أعلاه الله وشرّفه، وحلّى بسيره الصالحة سمع الدّهر وشنّفه- أن يستقرّ فلان في تدريس المدرسة النّورية بحمص المحروسة على عادته، وعلى نهج إفاءته وإفادته، بالمعلوم المقرّر له بمجلس الحكم العزيز الشافعيّ بدمشق المحروسة: رعاية لتلك المعاهد النّوريّة الّتي تتأرّج بها الآصال والبكر، وأنوار القبول القائلة لوفدها الطارق: «عليك سلام الله يا عمر» . فليعد إلى هذه الوظيفة عود الحليّ إلى العاطل، وليقبل على رتبته المرتقبة إقبال الغيث على الماحل، وليقل بلسان تقدّمه لمعانديه: إن كان أعجبكم عامكم فعودوا إلى حمص في قابل، ولينصر بقاعها الحمصيّة بجلاد جداله فإنّها من أوّل جند الإسلام، وليقم الآن في هذه الأوقات الشّاميّة فإنّه بركة الوقت والبركة في الشّام، مثمرا من أقلام علومه أزكى الغروس، مظهرا من مباحثه النّفائس مبهجا من طلبته النّفوس، عامرا لمعاهدها بدروسه: ويا عجبا لمعاهد تعمر بالدّروس «2» !، ذاكرا للوصايا الحسنة الّتي لا تقصّ عليه فهو أخبر بها، والّتي من أوّلها وأولاها تقوى الله تعالى وهي بأفعاله أمسك من تفاعيل العروض بسببها، والله تعالى يعضّده في رحلته ومقامه، ويمتع الرّتب تارة بمجالس دروسه وتارة بمجالس أحكامه، ويروي صدى مصر والشّام من موارد علمه، هذه بأوفى من نيلها وهذا بأوفر من غمامه.

المرتبة الثانية (من تواقيع أرباب الوظائف الدينية بأعمال دمشق - ما يفتتح ب «- رسم بالأمر» ؛ وفيها وظائف)

المرتبة الثانية (من تواقيع أرباب الوظائف الدينية بأعمال دمشق- ما يفتتح ب «- رسم بالأمر» ؛ وفيها وظائف) وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيع بحسبة بعلبكّ: من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب بها ل «- شهاب الدين بن أبي النور» ؛ وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زالت شهب أوامره عالية السّنا والسّناء، وفيّة لذوي الاستحقاق بمزيد الاعتناء والاغتناء، جليّة البرّ بمن شهد بحسن حسبته حتّى لسان الميزان وفم الكيل وشفة الإناء- أن يستمرّ فلان...... لما ذكر من أوصافه الّتي ضاعفت فيه الرّغبة، وحالفت به سموّ الرّتبة، وشهدت بها حسبته تلو الشّهود: وحسبك من اجتمعت على فضله شهادة الفرض وشهادة الحسبة، ولما صحّ من كفاءته وتجربيه، ووضح في هذه الوظيفة من تدريبه الّتي تدري به، ولما تعيّن من استمرار شهابه في المنزلة الّتي تكتسي من أضوائه وتكتسب، وهذه الرتبة الّتي تعلو بمعرفته: وكفاه أنّه يرزق من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب! وأنّه فيها ذو الرّأي الزّائد، والنّفع الوارد، والشّهاب الّذي نور هداه في وجه المريد وأثركيّ حسبته في وجه المارد، وأنّه وليها ولاية لا تزال تذكر وتشكر، وعرف بوفائها وكان أوفى من أمر بمعروف أو نهى عن منكر، وأنّه قام حقّ القيام حتّى قال البلد: رعى الله زمانك، واجتهد حتّى قال الاعتبار للميزان: لا تذكر الزّيغ ولا تحرّك به لسانك. فليستمرّ في حسبته المباركة استمرارا يستحلى ذكره، ويستجلى في الاسم شهابه وفي السّمة بدره، وليحتسب في نفع المسلمين حسبة يحتسب بها عند المملكة ثناءه وعند الملائكة أجره، سالكا على نهج العزم الجميل، جاعلا أوّل نظره من أقوات الرّعيّة في الدّقيق والجليل، مستبينا لما التبس من غشّ المطاعم والمشارب فلم يستبن، حاكما- ولا سيّما في قاعات بعلبك- برأي

يفرّق بين الماء واللّبن، حاثّا على بيع المآكل بخبرة من ملإ بصره، حريصا على أن لا ينشد لسان الدّاخل فيه «ومن لم يمت بالسّيف مات بغيره» ، دافعا ضرر المجتري البائع عن المشتري المسكين: ذكيّا فيما يذكّي فيذبح بسكّين ويذبح متناوله بغير سكّين، قاضيا بالحقّ في كلّ ما يشترى ويباع، متكلّما في أنواع الملابس وغيرها بالباع والذّراع، وازنا بالعدل في كلّ موزون ومكيول، رادعا لكلّ عمّال مداهن في كلّ مدهون ومعمول، حاملا على الحال المستقيم كلّ حيّ لديه وكلّ من هو على آلة حدباء محمول؛ ومن زاد في الإضرار فليمنع زائده، ومن زاد في الاشتطاط وتجبير الشراء فليقطع بالنّكال زائده، ومن دنّس في الأشربة فلا يلبث أن يغلّظ التّأديب وأن يريقه، ومن سقى الضّعفاء منها كما يقال: سقية فليسقه من السّوط ما يكاد ينثر جسمه على الحقيقة، ومن عانى صناعة ليس له فيها يد فليلزمه بما بسط في إفساده اليدين، ومن حكم في صناعة الطّبّ بما لم يسغ في المسائل فليصرفه منها بخفيّ حنين، ومن تمرّد في معاملته فليردّه بالقهر إلى صالح مردّه، ومن عدا وعتا فليعامله بما يخرجه من التّرح لا من الفرح من جلده، مقداما في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ولا جزع، مستعينا بالديوان فيما أهمّ: فإنّ الله يزع بالسلطان ما لا يزع، مجتهدا فيما يزيد تقدّم سعيه المشكور، وصنعه المبرور، منيرا لآفاق منصبه وكيف لا وهو الشّهاب بن أبي النّور؟؛ وتقوى الله تعالى هي السبيل الأقوم فليكن لها منهاجا، وليواظب على طريقة الحقّ: فكم شرّ عنها حاد وكم خير منها جا «1» !. توقيع بنظر السبيل بدرب الحجاز، بالركب الشاميّ، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي «قطب الدين السبكي» ؛ وهو: رسم بالأمر- لا زال يقرّ بالوظائف الدّينية من يحبّها وتحبّه، ومن يتوارد

على ذكره بادي الشّكر وركبه، ومن إذا بدت مطالع الخير فهو نيّره وإذا دار فلك الثناء فهو قطبه- أن يستقرّ......: لما ذكر من وصفه الجميل، واستحقاقه الذي دلّ [عليه] البرهان في محفله وبرهن في موكبه الدليل، وديانته الّتي هي لمباني الأوصاف الرّفيعة أساس، وكفاءته الّتي لها من نفسه نصّ ومن نفس قومه قياس، ومرباه في بيت تقيّ صحّت تجارب معدنه على السّبك، و [دلت] «1» مناقبه على استحقاق الرّتب الّتي يقول بشيرها: قفا نبتسم! ويقول حاسدها: قفا نبك، ولما تقدّم من تشوّفه لهذه العزمة الناجحة، وتشوّقه من هذه المبرّة الشريفة الصالحيّة بسلوك تلك الفجاج الصّالحة، ولأنّ الضّعف عاقه عن الماضي فأطلقته الآن هذه القوّة، وجعلت له بأوفى القادرين على الحسنات والإحسان أسوة، ومكّنته في هذه الشّقّة الطويلة على سحب أذيال المعروف من منزل الكسوة إلى منازل ذات الكسوة «2» فليباشر هذه الوظيفة المبرورة بعزم يبير من الوجد ماكنه «3» ، وحزم يثير من المدح المشكور كامنه، وسمعة على ألسنة التذكار يمضي وتبقى حتّى تكاد تكون للكواكب السبعة ثامنة، متصرّفا في الإرفاد والإرفاق، بآراء يؤيد الله [بها] الذين هم رفاق وأيّ رفاق، منفقا في سبيل الله على يده أعدل إنفاق، حاميا عدله من لفظة نفاق، مخصبا بإنعام الدّولة الشريفة في القفر الماحل، حاملا للمنقطع على أنهض وأبرك الرواحل، مواصلا لنقل الأزواد إقامته ومسيره، وبالماء والشّراب الطّيبين الطّهورين ضعيفه وفقيره، وبأنواع الأدوية والعقاقير الّتي تعمّ متتابع الرّكب [و] عقيره، وتجبر على الحالين كسيره، وبوفاء جميع المستحقّين تاليا عن لسان الدولة الشريفة: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ «4» داعيا بخلود ملكها في تلك المشاهد الّتي هي بقبول مصاعد الدّعوات ونزول

الصنف الثالث (من التواقيع التي تكتب لأرباب الوظائف بدمشق - ما يكتب لأرباب الوظائف الديوانية؛ وهي على ضربين)

مواعد البركات جديرة؛ والله تعالى يتقبّل دعاءه وسعيه، ويحسن كلاءته ورعيه، بمنه وكرمه!. الصنف الثالث (من التواقيع الّتي تكتب لأرباب الوظائف بدمشق- ما يكتب لأرباب الوظائف الدّيوانية؛ وهي على ضربين) الضرب الأوّل (ما يكتب لمن بحاضرة دمشق منهم؛ وهو على ثلاث مراتب) المرتبة الأولى (ما يفتتح ب «الحمد لله» ؛ وفيها وظائف) وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيع بكتابة الدّست بدمشق، كتب به لتاج الدين «عبد الوهاب» ابن المنجا التنوخيّ، عوضا عن شمس الدين «محمد بن حميد» بالوفاة؛ وهي: الحمد لله الّذي جعل تاج الأولياء أينما حلّ حلّى المراتب وزانها، وغدا على التّحقيق كفأها ووزانها، وألبسها من براعته ويراعته عقودا تزرّ دررها «1» وجمانها، ومنح دستها العليّ من ألفاظها المجيدة بيانها، وزادها بأصالته فخارا يستصحب وقتها وزمانها، وارتقى ذروتها الّتي طالما زاد بالمعالي أركانها، فتبوّأ بمزيد المجد مكانها. نحمده على نعمه الّتي أجزلت إحسانها، وأجملت امتنانها، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تشهد القلوب إيمانها، ويدّخر القائل إلى يوم المخاف أمانها، ويتبوّأ بها في الدّار الآخرة من يخلص فيها جنانه جنانها،

ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الّذي أظهر الله تعالى به الشريعة المطهرة وأبانها، وشرّف هذه الأمّة ورفع على جميع الأمم شانها، وبعثه رحمة إلى كافّة الخلق فأقام بمعجزاته دليل الهداية وبرهانها، وأطفأ بنور إرشاده شرر الضّلالة ونيرانها، وأحمد بدينه القويم وصراطه المستقيم معتقدات [طوائف] «1» الشّرك وأديانها، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ما منهم إلا من نزّه نفسه النّفيسة وصانها، وسلك في خدمته وصحبته الطريقة المثلى فأحسن إسرار أموره وإعلانها، صلاة دائمة باقية تحمد بالأجور اقترانها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من جدّدنا رفعة تاجه، وسدّدنا قوله في مجلس عدل ينشر فيه بكلمة الحقّ ما انطوى من أدراجه، وحدّدنا له محلّ سفارة يلحظ فيه حوائج السائل فيغنيه عن إلحاحه ولجاجه- من هو في السّؤدد عريق، ولسانه في الفضائل طليق، وقلمه حلّى الطروس بما يفوق زهر الرّياض وهو لها شقيق؛ وكان فلان هو الّذي علا تاجه مفرق الرّآسة، وجلا وصفه صور المحاسن والنّفاسة. فرسم بالأمر العاليّ- لا زال يولي جميلا، ويولّي المناصب الجليلة جليلا- أن يستقرّ المشار إليه في وظيفة توقيع الدّست الشريف بالشام المحروس، عوضا عن فلان بحكم وفاته إلى رحمة الله تعالى، بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت. فليباشر ذلك مباشرة تشكر مدى الزمان، وتحمد كلّ وقت وأوان، وليملأ بالأجور لنا صحفا بما يؤدّيه عنّا من خير وإحسان؛ والوصايا كثيرة وأهمّها التقوى؛ فليلازم عليها في السّرّ والنّجوى؛ والله تعالى يحرسه ويرعاه، ويتولّاه فيمن تولاه؛ والاعتماد..............

[وهذه نسخة] توقيع بنظر الخاصّ، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي «بهاء الدين بن ريّان» ؛ وهي: الحمد لله معلي رتب الأعيان، ومبقي أحبّاء السّيادة على ممرّ الأحيان، ومبدي «بهاء» المناصب، بمن فضله الواضح والصّبح سيّان، ومنشي ثمرات المناقب، في منابت أهلها حيث الفرع باسق والأصل «ريّان» . نحمده على أن يسّر البيت المعلّى بحسنه، وأيقظ جفن الآمال من وسنه، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تجمع لنا من خيري الدّنيا والآخرة كرم المطلبين، وشرف المنصبين، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المشرق فضله على أهل المشرقين والمغربين، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أصبح الثناء عليهم وقفا، واشتمال الذّكر عليهم عطفا، صلاة تضيء آفاق القبول بشمعة صبح لا تقطّ ولا تطفى، وسلّم. أما بعد، فإنّ للمناصب الدينية نسبة ببيوت أهل الدّيانة، ولخاصّ الرّتب تعلقا بالخاصّ من ذوي الكفاءة والأمانة؛ والمنازل بكواكبها المتألّقة، والحدائق بمغارسها المتأنّقة، ونفوس الدّيار بسكّان معاهدها المتشوّفة المتشوّقة. ولمّا كان الخاصّ الشريف والوقف المنصوريّ لوجه المناصب الشامية بمنزلة حسن الشامتين، ولرائد الخصب من جهتي الدنيا والآخرة بمحلّ نفع الغمامتين؛ هذا على صنع البرّ الممدود مقصور، وهذا لسحاب الخير سفّاح لأنهر جهة ل «- لمنصور» ؛ يعلو هذا بالنّاظر في دقائقه إلى أعلى الدرّج، ويتلو هذا بلسان ميزانه المنفق على المارستان: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ «1» - لا يليق الجمع بين رتبتيهما إلّا لمن يجمع بسعيه فضل الدّارين، ومن يجيد بنان قلمه الحلبيّ حلب ضرعيهما الدّارّين، ومن نشأ في بيت سعادة أذن الله لقدره أن يرفع، وأقلام بيته

أن تنفع، ولمحاسن ذويه أن تشفع بجمالها إلى قلوب الأولياء فتشفّع، ومن يسرّ برواية فضله وبرؤيته السّمع والعين، ومن يفترض شرفه وشرف إخائه حبّ «الحسن» و «الحسين» ، ومن تبتهج جوانح المحاريب بتعبّده، وتلهج ألسنة مصابيح المساجد بالثّناء على تردّده وتودّده، وتستبق جياد عزمه: فبينما الكميت «1» في الشّهباء تابع أدبه إذا بابن أدهم «2» رسيل تزهّده، ومن تقول مناصب حلب: «لله درّ بهائه المقتبل!، ومن ينشد ثبات وقاره مع لطافة خلقه: «يا حبّذا جبل الرّيّان من جبل» «3» !، ومن تنفح أخباره منافح الأزهار، ومن يشهد بفضله جيش المحراب في اللّيل وبمباشرته جيش الحرب في النهار، ومن تأسى بلدة فارقها فراق العين للوسن، ومن يروي صامت دمشق وغيرها من تدبيره عن «عامر» وعن «حسن» . فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال من ألقابه الشريفة صالح المؤمنين، وعماد الدّاعين لدولته القاهرة والمؤمّنين- أن يفوّض للجناب العالي...... فإنّه المعنيّ بهذه الأوصاف المتقدّمة، والمقصود بإفاضة حللها المعلمة، والموصوف الّذي يحلو وصفه إذ كرّر، ويستعبد الأوصاف والأسماع إذا حرّر، والأحقّ برتبة عزّ في النّظار مضى وأبقى ثناءه، ومكان نظر إن لم يقل الدعاء اليوم: أدام الله عزّه! قال: أدام الله بهاءه، واللّائق بتقرير منصب تقصر دونه

المطامع، وتصدير ديوان إن انقطعت روايته عن «حمزة» فقد اتّصلت روايته عن «نافع» . فليباشر هذين المنصبين المنجبين، مجتهدا في مصالح الخاصّ الشريف، والوقف الّذي لا تحتاج همّته فيه إلى توقيف، حتّى يكون خير الخاصّ عامّا، وأمر الوقف تامّا، وريعهما بالبركات خير محفوف، والمنصوريّ من جهة المعاضدة قد أضحى وهو بالعضدين موصوف. والوصايا متعدّدة وهو أدرى وأدرب بها، وتقوى الله تعالى أولى وصيّة تمسّك المرء بسببها، وشكر النعمة أدلّ على نبيه همم الرجال وعلى فضل مهذّبها؛ والله تعالى يسدّد قلمه، ويثبّت في مطالع العزّ قدمه، بمنّه وكرمه!. توقيع بنظر الخزانة العالية «1» ، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي «تقيّ الدين بن أبي الطّيّب» ب «الجناب العالي» ؛ وهو: الحمد لله الّذي له خزائن السموات والأرض، وبحكمته يهب منها ما يشاء لمن يشاء رضي المعاند أم لم يرض، وبمنّته فضّلت مراتب أهل التّقى على الرّتب كما فضّل على النافلة الفرض، وبعنايته بنيت بيوت أهل السّيادة على الطّول وبقي صالح عملهم إلى العرض، وبهدايته سما إلى أعلى الخزائن من تقرضها أوصاف قلمه وقلم أبيه أحسن القرض. نحمده على ما منح من خزائن فضله، ونشكره والشّكر ضامن المزيد لأهله، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة يدّخرها الإنسان لنيّته وقوله وفعله، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الّذي جمع بفيئه وفرّق

ببذله، وأعطى ما لم تنطو ضمائر الأكياس في صدور الخزائن على مثله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه السّالكين سنن فضيلته وفضله، التابعين في الكرم والبأس قياس بيانه ونصّ نصله، ما أطلعت خزانة الوسميّ آثار نقط الغيث كالدّراهم، وخلعت على الدنيا خلع الروض متقلنسة بمستدير الظّلال مزرورة بمعقود الكمائم، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ الرّتب ذخائر قوم في خزائن الاختيار، وأخاير أهل تزكو نقود شيمهم على محكّ الاعتناء والاعتبار، وفروع خلف تظهر مظاهر نصولها الزكيّة سابغة الظّلّ رائقة الزّهر فائقة الثّمار؛ إذا احتيج منهم إلى ذخيرة نفعت، وإلى أخير وقت أربى على عزائم الأول وما صنعت، وإلى فروع شجرة سرت محامدها الضّائعة: لا ممّا ضاعت بل ممّا تضوّعت. ولما كانت رتبة نظر الخزانة العالية بدمشق المحروسة أحقّ بمن هذا وصفه، وهذا نعته في مقدمّة الذّكر الجميل وهذا إليه عطفه؛ إذ هي مرتبة العلياء ومكانها، وزهرة سماء المملكة وميزانها، ومنشأ غيوث صلاتها الهامرة، ومنبت رياض خلعها الزاهرة، وأفق السعادة ومطلع نجمها المنير، وجنّة أولياء الدّولة ولباسهم فيها حرير، ومعنى شرف الاكتساء والاكتساب، ومأوى الفاضل- والحمد لله- الذي يحفظها التحصيل بحساب ويعطيها الجود بغير حساب. وكان الجناب...... «1» ممن تضم أعطافه أنوار السّعادة، وتحفّ أطرافه و...... «2» . السّيادة، وتنتقل جلسته: إمّا من تنفيذ الديوان لمرتبة وإمّا من تدريس العلم لسجّادة، ذو الفضل والفضائل حسن التّجنيس والتّطبيق، والكتابة: من حساب وإنشاء زاكية النّثر على التّعليق، ونفحات البرّ من نفحات العيش أجود، والشبيبة فيها النهى فمكانه كما قال البحتريّ: نسب أسود، والهمم الّتي حاولت منال الشّهب الممتنعة ولات حين مناص، والكلمة الّتي لو

عاين «البصريّ» فرائد نحرها لقال: كلّ هذه درّة الغوّاص، والعزائم الّتي رامت المناصب فما قبلت من خزانتها سوى الرّفيع وما رضيت من ديوانها سوى الخاص؛ كم نبّهت منه المقاصد «عمر» «1» ثم نامت!، وكم أجلسته كواكب اليمن في صدر محفل ثم قامت!، كم حوى من الحمد سنيّا!، وملأ الرّباع خيرا وفيّا!، وقيض الله للفقراء والأيتام حنانا من لدنه وزكاة وكان تقيّا. فلذلك رسم بالأمر الشرّيف- لا برح صالح الدّهر كالزّهر، مالك نفوس الأولياء والأعداء: هاتيك بالإنعام وهاتيك بالقهر- أن يفوّض إليه نظر الخزانة العالية مضافا إلى ما بيده من نظر الخاصّ الشريف: لأنّ مثله لا يصرف عن وظيفة بسناه تعترف، ومن نداه تغترف، وأنّ اجتماع العدل والمعرفة قاض بأنّ «عمر» لا ينصرف، وأنّ الخاصّ لخاصّ الأولياء أمسّ مكانة، وأنّ الخزانة أنسب بمن عرف بالصّيانة، وأنّ خزائن الأرض، وهي مصر لو نطق نظيرها لقال: ليس لي مثل هذه الخزانة، وأنّ عين الأعيان أولى بالنّظر، وأنّ الأنظار لا بل الصّحابة أحقّ ب «عمر» ؛ لما علم من سيرته النّقيّة، وسريرته التقيّة، وصفاته الّتي يمتدّ فيها نفس القول حتّى ينقطع وفي الأوصاف بعد بقيّة وبقيّة. فليباشر ما فوّض إليه من أعلى المراتب المنجبات، والوظائف المعجبات المعشبات، والجهات الّتي ما لها كبيته الطّيّبي: والطّيّبون للطّيّبات، مستجدّا من نظر هذه الخزانة ثوب سعده الجديد، معملا في مصارف الذّهب والفضّة بصر آرائه الحديد، منبّها لها عزمه العمريّ ونعم من ينبّه، مشبها في الكفاءة أباه المرحوم وما ظلم من أشبه، مقرّرا من أحوالها أحسن مقرّر، محرّرا من أمورها أولى ما اعتمد والخزانة أولى بالمحرّر، حافظا لمالها بقلم التّحصيل حتّى ينفّذ قلم الإطلاق، صائنا لوفرها حتّى ينفقه الكرم خشية الإمساك بعدما أمسكه الصّون خشية الإنفاق، مستدعيا من أصنافها كلّ ما تنوّع وتصنّف، وتوشّع

المرتبة الثانية (من تواقيع أرباب الوظائف الديوانية بحاضرة دمشق - ما يفتتح ب «أما بعد حمد الله» )

وتفوّف، مثبتا كلّ ما خلع من ديوانها العزيز وتخلّف، مؤلّفا للكساوى «1» في رحلة كلّ صيف وشتوة، مواصلا للأحمال من دمشق على كلّ حال من جهة الكسوة، منهيا لإنعامها بقلم الإطلاق التّام، متلقّفا بعصا قلمه في يده البيضاء ما تأفك عصا الأقلام، حريصا على أن يكون بابها في الكرم كما يقال: «سهل الحجاب مؤدّب الخدّام» ، عاملا بتقوى الله تعالى الّتي بها يبدأ الذّكر الجميل ويختم، ويلبس بها في الدّنيا والآخرة رداء الخير المعلم، غنيّا عن تبيين بقايا الوصايا الّتي هو فيها بحر، وابن بحر بكتاب «البيان والتبيين» أعلم؛ والله تعالى يمدّه بفضله، ويحفظ عليه الفضل الّذي هو من أهله، ويملأ آماله بغمام الخير الصّيّب، ويديم سعادة بيته الّذي لا يرفع الشّكر لطيبه إلا الكلم الطّيّب. المرتبة الثانية (من تواقيع أرباب الوظائف الديوانية بحاضرة دمشق- ما يفتتح ب «أمّا بعد حمد الله» ) وهذه نسخ تواقيع من ذلك: [نسخة] توقيع بنظر الأسرى ونظر الأسوار، كتب بها لدوادار الأمير «سودون الطرنطاي» » كافل الشّام، وإن كانت هي في الأصل ديوانية أو دينية؛ وهي: أمّا بعد حمد الله الّذي خصّ أولياءه بفضله الوافر، وعمّهم بحسن نظره فأشرق صبح صباحهم السّافر، وانتضى من عزائمهم لنصرة الدّين سيفا يسرّ المؤمن ويغيظ الكافر، واجتبى من الكفاة من يشيّد معاقل الإسلام بفضله

المتظافر، والصلاة والسلام الأتمّين الأكملين على سيدنا محمد الّذي أضاء برسالته الوجود، وخصّه الله تعالى بالصّفات الفائقة والمآثر الحسنة والجود، وعلى آله وصحبه الذين حرسوا الملّة الحنيفيّة من جهادهم بأمنع سور، وأوهنوا جانب الكفر وأنقذوا الأسير وجبروا المكسور، صلاة دائمة مدى الأيّام والشّهور، معلية للأولياء علم النّصر المنشور- فإنّ أولى من عدقنا به المناصب السّنيّة، وفوّضنا إليه جليل الوظائف الدّينيّة، ونطنا به فكّ رقبة المسلم من أسره، وخلاصه من عدوّه الّذي لا يرثي لمسكنته ولا يرقّ لكسره، وأجرينا قلمه ببذل الفداء، وجعلنا مداده درياقا «1» لمرض الأسر الّذي يعدل ألف داء، وأقمناه للعاني من شرك الشّرك منقذا، وللدافع في بيداء العدا بحسن إعانته منجدا، وللأسوار الممنّعة بجميل نظره متفقّدا- من أضحى فضله ظاهرا، وجلاله باهرا، وخلاله موصوفة بالمحاسن أوّلا وآخرا. وكان فلان هو الّذي بهرت مآثره الأبصار وملأت الأسماع، وانعقدت على تفرّده في عصره بالمفاخر كلمة الإجماع، وسارت الرّكبان بذكره الّذي طاب وجوده الّذي شاع، وصفت سريرته، فأضحى جميل الإعلان، وحمدت سفارته، فكانت عاقبة كلّ صعب ببركتها أن لان. فلذلك رسم بالأمر العاليّ- لا زال يولي جميلا، ويولّي في الوظائف جليلا- أن يستقرّ المشار إليه في وظيفتي نظر الأسرى والأسوار بدمشق المحروسة، على أجمل عادة، وأكمل قاعدة، بالمعلوم الشاهد به ديوان الوقف المبرور إلى آخر وقت: وضعا للشيء في محله، وتفويضا لجميل النّظر إلى أهله. فليباشر ذلك مباشرة تسرّ النفوس، وتزيد بها الغلال وتزكو بها الغروس، وليجر أحوال الوقف المبرور على مقتضى شرط الواقف والشّرع الشريف،

وليتصرّف في تحصيل المال وإنفاقه أحسن تصريف، وليجتهد على تخليص المأسور، وإغاثة من ضرب بينه وبينه بسور، ويسارع إلى تشييد الأسوار الممنّعة، وإتقان تحصينها ليتضاعف لمن حوته منّا الأمن والدّعة؛ والوصايا كثيرة وملاكها تقوى الله تعالى وسلوك صراط الحقّ المستقيم: فليواظب عليها، وليصرف وجه عنايته إليها؛ والله تعالى يديم علاه، ويتولّاه فيما تولاه، بمنه وكرمه. توقيع بصحابة ديوان الأسرى «1» ، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي شرف الدين «سالم بن القلاقسيّ» ؛ وهو: أمّا بعد حمد الله الّذي جدّد بطالع الشّرف قواعد بيت السّيادة، ومشاهد حوك السّعادة، ومصاعد ذرا الأقلام الّتي قسمت مجاني قصبها للإفاءة والإفادة، ومعاهد القوم الذين سلكوا مسالك سلفهم الحسنى: ولو كان التمام يقبل هنا مزيدا قيل: وزيادة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الّذي شدّ الله برسالته أزر الحقّ وشاده، وعلى آله وصحبه ذوي الأقدار المستزادة المستجادة، ما اتّصل بحديث الفضل سنده وأمن بيت التقوى سناده- فإنّ البيوت المنتظم فخارها، المأمون من عروض الأيّام زحافها وانكسارها، أولى بأن تنتخب لهم المناصب كما تنتخب للبيوت المعاني، وتستقرى الوظائف العليّة كما تستقرى لمواضع كلمها المباني، وتختار لنجل الأصحاب «2» بينهم كلّ جهة مأمونة الصّحابة، موقورة السّحابة، مجرورة ذيل الخيرات السّحابة، مصونة عن غير الأكفاء كما يصان للجهات حجبا، لائقة بالأفاضل لأنّ لأوقاف الأسرى بالفاضل نسبا. فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يرتّب في كذا: علما بأنّه الرئيس الّذي إذا

ولي وظيفة كفاها، وإذا وعدها بصلاح التّدبير وفاه وفاها، وإذا وصل نسبها بنسبه كان من إخوان صفائها لا من إخوان صفاها، والخبير الّذي استوضح بيمن الرّأي مذاهبه ومسالكه، والعالم الّذي إذا مشّى الأمور بسط جناح الرّفق وإذا مشى بسطت له أجنحتها الملائكة، والجليل الّذي إذا نظر ذهنه في المشكلات دقّق، والكاتب الّذي تعينت أقلام علمه وكفاءته إلّا أنّ كلّها في الفصل محقّق؛ هذا وخطّ عذاره ما كتب في الخدّ حواشيه، وليل صباه ما اكتمل، فكيف إذا أطلعت كواكب المشيب دياجيه؛ وكيف لا؟ وأبوه- أعلى الله تعالى جدّه- صاحب المجد الأثيل، والفضل الأصيل، ووكيل السلطنة الّذي إذا تأمّلت محاسنه قالت: حسبنا الله ونعم الوكيل. فليباشر هذه الوظيفة برأي يسهّل- بمشيئة الله- عسيرها، ويفكّ- بعون الله- أسيرها، واجتهاد سنيّ يحسن قلمه في الأمور مسرى، واعتماد سريّ لا يرى ديوان أسرى منه أسرى، مشبها أباه في عدله ومن أشبه أباه فما ظلم، وتوقّد رأيه لدى طود حلم وعلم «فيالك من نار على علم!» ، حتّى يأمن ديوان مباشرته من ظلم الظالم، ويشعل ذكاءه حتّى يقال: عجبا للمشعل نارا وهو سالم!، ويثمّر مال الجهة بتدبيره، ويشرك لفظ إطلاق الديوان في ماله وأسيره، وتنتقل الأسرى من ركوب الأداهم إلى ركوب الشّهب والحمر من دراهمه ودنانيره، ويحمد على الإطلاق، وينفق خشية الإمساك إذا أمسك [غيره] «1» خشية الإنفاق، ويمشي بتقوى الله- عزّ وجلّ- في الطّريق اللّاحب «2» ، وينسب إلى ديوانه وقومه فيقال: صاحب طالما انتسب من سلفه لصاحب؛ والله تعالى ينجح لكواكب رأيه مسيرا، ويجبر به من ضعف الحال كسيرا، ويكافيء سادات بيته الذين يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً «3»

المرتبة الثالثة (من تواقيع أرباب الوظائف الديوانية بحاضرة دمشق - ما يفتتح ب «- رسم بالأمر الشريف» )

المرتبة الثالثة (من تواقيع أرباب الوظائف الديوانية بحاضرة دمشق- ما يفتتح ب «- رسم بالأمر الشريف» ) وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيع............ «1» .......... من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي «علاء الدين بن شرف الدين بن الشهاب محمود» عند موت أبيه وهو صغير؛ وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال يجبر ببرّه مصاب الأبناء بآبائهم، ويسرّهم بما يتجدّد في كواكب الشّرف من علائهم، ويعتق قلوبهم من إسار الحزن حتّى ينشأوا من الصّغر على أنساب عفّتهم وولائهم- أن يستقرّ...... اعتمادا على نجابته الشاهده، ومخايل همّته السائدة، واستنادا إلى أصالته الّتي لا يبدي فرعها إلّا زكيّ الثّمر، ولا يهدي بحرها إلّا أنفس الدّرر، ولا يخلّف أفقها إلّا كبيرا تستصغر الأبصار رؤيته: والذّنب للطّرف لا للكوكب في الصّغر، وعلما أنّه من أسرة شهابيّة لا يهتدى في الإنشاء إلّا بنورهم، ولا يتحدّث بالعجائب إلّا عن بحورهم، ولا ينبت أقلام البلاغة إلّا عشبهم، ولا تعشب روضات الصحائف إلا سحبهم، ولا تثبت أفلاك الكتابة إلا كتبهم، صغيرهم في صدور الإنشاء كبير، وملقّن آيات فضلهم يروي أعداد الفوائد عن «ابن كثير» ، وعليّهم بعد «أبي بكر» تقول المحامد لسلفه وخلفه: منّا أمير ومنكم أمير؛ وأنّه اليوم لا سيف إلّا «ذو الفقار» من أذهانهم، ولا فتّى إلّا «عليّ» من ولدانهم، وأنّ فرخ البطّ سابح، وسعد القوم للأنداد ذابح «2» ، وخواتم صحف الجمع الظاهر أشبه

بالفواتح، والبلاغة في الدنيا كنوز والأقلام في أيديهم مفاتح، وأنّ [الكلام حليته] «1» وسمته، وأنّه إذا خدم دولة بعد مخلّفه قيل للذاهب: لقد أوحشنا وجهه وللقادم: لقد آنستنا خدمته. فليأخذ في هذه الوظيفة بقوّة كتابه، وليتناول باليمن واليمين قلم جدّه كما تناول راية مجده عرابة «2» ، وليتقلّد بقلائد هذه النّعم عقيب ما نزع التمائم، وليجهد في إمرار كلمه الحلو الّذي أوّل سمائه قطر ثم صوب الغمائم، مجوّدا خطّه ولفظه حتّى تتناسب عقده، ناشئا على كتم السّرّ حتّى كأنّ الفؤاد قبره والجنب لحده، مهتديا بالعلم الشّهابيّ في برّ أخيه الأكبر فإنّه من بوارق المزن، مبتديا مع أخيه الآخر السّرور إذ ينزع عنهما لباسهما من الحزن؛ والله تعالى يزيد في فضله، ويتمّ عليه النعمة كما أتمهّا على أبيه من قبله، ويفقّهه في السيادة حتّى يحسن في الفخار ردّ الفرع إلى أصله. توقيع بنظر مطابخ السّكّر، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي «شرف الدّين بن عمرون» ؛ وهو: رسم......- لا زالت سمة المناصب في دولته الشّريفة مشرّفة، وأقلام الكفاة مصرّفة، وألفاظ الشّكر ثابتة عند ذوي الاستحقاق ومصنّفة، والنّعماء المنصفة لأمثالهم حلوة المذاقين من نوع ومن صفة- أن يستقرّ...... لما عرف من شيمه المستجادة، وهممه المستزادة، وكفاءته اللّائق بها حسن النّظر الثّابت بفضلها رقم الشّهادة، وأصالته الّتي نهض أوّلها بمهمّات الدّول فلو رآه معاوية- رضي الله عنه- لقال: يا عمرون أنت عمرو وزيادة، ولما ألف من مباشرته المنيفة خبرا وخبرا، وأنظاره السّامية إلى معالي

الأمور نظرا، ووظائفه الّتي لا يكاد يبلغ العشر منها ذوو الهمم العليّة، وجهاته التي عرف بها سلفه وخلفه فلا غرو أن لبس عمامة مفاخره بيضاء وسكّريّة. فليباشر هذه الوظيفة الحلوة معنى ومذاقا، الحليّة عقدا ونطاقا، المحسوبة على مطالع الشّرف وفقا وآفاقا، جاعلا شكر النّعمة من أوفى وأوفر مزاياه، وصلف الهمّة من أولى وأوّل وصاياه، حافظا للمطابخ وإن كان عادة آبائه بذلها، مدّخرا للجفان وإن كانت سمة قراهم إزالتها ونقلها، حريصا على أن لا يجعل لأيدي الأقلام الخائنة مطمحا، وعلى أن ينشد كلّ يوم للتّدبير لا للتّبذير: [لنا] الجفنات الغرّ يلمعن في الضّحى محرّرا لحساب درهمها ومحمولها، ومصروفها ومحصولها، محترزا على مباشرته من الخلل في هذين المكانين، حذرا من كفّتها وقبّانها فإنّها تتكلّم في الحمد أو في الذّم بلسانين، بل تعلن- إن شاء الله- بحمده المقرّر، وتكرّر الأحاديث الحلوة عنه فمن عندها خرج حديث الحلو المكرّر؛ والله تعالى يمدّ مساعيه بالنّجح الوفي، ويلهم همّته أن تنشد: «ما أبعد العيب والنّقصان من شرفي!» . توقيع بنظر دار الطّراز «1» ، من إنشاء ابن نباتة؛ وهو: رسم بالأمر- لا زالت سيره بمرقوم المحامد مطرّزة، ودولته بمحاسن التأييد والتّأبيد معزّزة، ونعمه ونقمه: هذه على الأعداء مجهزة وهذه إلى الأولياء مجهّزة- أن يرتّب فلان: لكتابته الّتي رقمت الطّروس، وطرّزت بالظّلماء أردية الشّموس، وأثمرت أقلامه بمحاسن التّدبير فكانت في جهات الدّول نعم الغروس، وحسابه الّذي ناقش ونقش، ورقم الأوراق ورقش، واعتزامه الّذي

علّم رشدا، وسلك طريقا في الخدمة جددا، وقوي اسمه وتكاثرت أوصافه فما كان من أنداده أضعف ناصرا وأقلّ عددا؛ وأنّه الكافي الّذي إذا قدّم نهض، وإذا سدّد سهم قلمه أصاب الغرض، والسّامي إلى سماء رتبه بالقلب والطّرف، والمنزّه لقلمه الحرّ من أن يستعبد على حرف. فليباشر هذه الوظيفة بكفاءة عليها المعوّل، وأقلام إذا تمشّت في دار الطّراز على الورق قيل: «شمّ الأنوف من الطّراز الأوّل» ، مستدعيا لأصنافها ومالها، عادلا في قسمة رجائها ورجالها، معملا راحته بالقلم فإنّ كتابتها متعبة، مهتديا في طرق حسابها فإنّها متشعّبة، ماشيا على نهج الاحتراز، ساعيا إلى الرّتب بإرهاف عزم كالسّيف الجراز «1» ، سعيد السّعي- إن شاء الله تعالى- حتّى يقول سناء الملك المستنهض له: هذا القاضي السّعيد وهذه دار الطّراز؛ والله تعالى يوفّقه في جميع أحواله، ويؤيّد مساعي قلمه الّذي تنسج أقلام الكفاة على منواله. توقيع بنظر الرّباع «2» ، من إنشاء الشيخ صلاح الدّين الصّفديّ، باسم القاضي نجم الدين «أحمد بن نجم الدين محمد بن أبي الطّيّب» ؛ وهو: رسم بالأمر العالي- لا زال نجم [آلائه] «3» يتّقد نورا، وخاطر أوليائه يتّحد بالآمال سرورا- أن يرتّب المجلس الساميّ القضائيّ- أدام الله تعالى علوّه- في نظر الرّباع الدّيوانية، ومباشرة الأيتام- حرسهم الله تعالى- على عادة من تقدّمه وقاعدته، بالمعلوم الّذي يشهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت: لأنّه النّجم الّذي بزغ في أفق الرّآسة، وجمّل ما آثره قبيله وأناسه «4» ، والأصيل الّذي

شاد الفضل مجده، وأحكم الفخر عقده، والرّئيس الّذي يصدق التّفرس في شمائله، ويحكم الظن الصائب في أثناء مخايله. فليباشر ذلك مباشرة هي معروفة من هذا البيت، مألوفة من كبيرهم وصغيرهم: فإنّهم لا لوّ فيهم ولا ليت «1» ، معتمدا على سلوك طريقة أخيه وأبيه، مجتهدا على اتباع اعتمادها في توخيّه الصّواب أو تأبّيه، حتّى يقال: هذا صنو ذلك الغصن الناضر، وهذا شبل ذلك اللّيث الخادر، وتصبح الرّباع بحسن نظره آهلة بالأهلّة، كاملة بالمحاسن الّتي تمسي الأقمار منها مستهلّة، وتعود الأيتام بمشارفته كأنهم لم يفقدوا برّ والدهم، ولم يحتاجوا مع تدبيره إلى مساعدهم. والوصايا كثيرة وأهمها تقوى الله عزّوجلّ فإنّها الحصن الأوقى، والمعقل المنيع المرقى؛ فليتّخذها لعينيه نصبا، وليشغل بها ضميره حتّى يكون بها صبّا؛ والله تعالى ينمّي غصنه الناضر، ويقرّ بكماله القلب والنّاظر؛ والخطّ الكريم أعلاه الله تعالى أعلاه، حجّة في ثبوت العمل بما اقتضاه؛ والله الموفّق بمنه وكرمه!. توقيع باستيفاء المقابلة واستيفاء الجيش «2» ؛ وهو: رسم بالأمر- لا زالت المناقب في دولته الشريفة شمسيّة الأنوار، قرشيّة الفخار، مشتقّة المحامد من الأسماء والآثار، محصّلة بأقلام اليمين ما يبذله الكرم من أقسام اليسار- أن يستقرّ...... حسب الاستحقاق المقتضى،

والاختيار المرتضى، وعين الرّأي الّذي ما بينه وبين الرّائي حاجب، وتقدّم السّنّة القديمة فإنّ التقديم لقريش واجب، ولأنّ الصفات الشّمسيّة أولى بشرف آفاقها، ومنازل إشرافها وإشراقها، ومطالع سعدها المنزّهة عن اللّبس، وجلائل قلمها العطارديّ في يد الشّمس، ولأنّ المشار إليه أحقّ بمصاعد المرتقين، ولأنّه تربّى في بيت التّقى فكان الله معه إنّ الله مع المتّقين. فليباشر هاتين الوظيفتين على العادة المعروفة بعزمه السديد، ومدّات قلمه التي بحرها في السبع بسيط وظلّها في النّفع مديد، وليتمثّل بديوان مقابلة فريدا لا يرهب مماثلة، وليجبر أحوالها بضبطه حتّى يجمع بين الجبر والمقابلة، وليمدّ الجيوش المنصورة من أوراقه بأعلامه، ومن قصبات السّبق برماح تعرف بأقلامه، وليسترفع من الحسبانات ما يمحو بإيضاحه وتكميله من مقدّمات ظلم وإظلام، وليجمع بين ضرّتي الدنيا والآخرة في شريعة الإسلام؛ والله تعالى يمدّ قرشيّته بأنصار من العزم، وتابعين بإحسان من نوافذ نوافل الحزم. توقيع بصحابة ديوان الأسواق «1» ، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، وهو: رسم بالأمر- لا زالت أسواق نعمه قائمة، وأجلاب كرمه دائمة، ولا برحت المناصب مكمّلة بكفاة أيّامه الذين يحقّقون ظنونها السامية ويرعون أحوالها السّائمة- أن يرتّب فلان.........: علما بكتابته الّتي وسمت الدّفاتر أحسن سمة، واستبقت إلى صنع الخير المسوّمة، وكفاءته الّتي لا تزال تنمو لديه وتنتمي، ويراعته الّتي إذا سئل عنها السّوق قال: هي عصاي أتوكّأ عليها وأهشّ بها على غنمي، ودرايته الّتي تعين المملكة على المير «2» ، ويشهد

تيمّنها أنّ الخيل في نواصيها الخير، وتحقّق فيه الظّنّ والأمل، وتحوط السّوق عن الخائن حتّى يقول: لا ناقة لي في هذا ولا جمل، وأنّه الكافي الّذي إن قال أو فعل كان مسدّدا، وإن ضبط ديوان الشّدّ «1» السعيد كان على الزّائغين من الكتبة حرفا مشدّدا. فليباشر هذه الوظيفة المباركة متمكّن الأسباب، مالك الحزم والرفقّ حتّى تكثر لديه الجلّاب، معينا لبيت المال على الإنفاق، قائما بحقوق ذوي الاستحقاق، عالما أنّه [متولّي] «2» أكثر جهات الخير المطلق فليكن بها مشكورا على الإطلاق، مجتهدا في رضا المطالبين حتّى يتّبعوا سنن المرسلين في هذه [الصفة] «3» يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، مواظبا على الديوان الّذي هو بصحابته معدوق، سالكا سبل الصّيانة والكفاءة فكلاهما نعم السّبيل المطروق، محترزا من ذي خيانة إن غفل عنه طفق مسحا بالسّوق؛ والله تعالى يوفّق عزائمه التي هي أشهر من علم، وهمّته الّتي قاسمت «أبا الطّيّب» : والخيل تشهد والقرطاس والقلم» . نسخة توقيع بشهادة الخزانة العالية «4» ، من إنشاء ابن نباتة، كتب به لجمال الدين «عبد الله بن العماد الشيرازيّ» ؛ وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زالت سمة المناصب في دولته بأسماء الكفاة مجمّلة، وخلع المفاخر على بيوت السيادة مكمّلة، وخزائن الملك بين نقيضين من جنس واحد: فبينما هي بأقلام الكفاة محتفظة إذا هي بأقلام الكفاة مبذّلة- أن يستقرّ المجلس الساميّ.........: علما بمحاسنه التي وضح

جمالها، وتفسّح في العلياء مجالها، ونجح في منابت الفضل أصلها، وشرف بكواكب اليمن اتّصالها، ومعاليه التي تهلّل بها وجه الأصالة، وكمل بيت الرّآسة والجلالة، ومساعيه الّتي استوفى بها أجناس الفضل وتوريثه فما أخذها عن كلال ولا ورثها عن كلالة، وسيرته الّتي تطوي فخار الأقران حين تنشر، وهمّته التي أنشدت السّعادة فرعها الكريم: «مباديك في العلياء غاية معشر» ، ومكانته من بيت السيادة الرّفيع عماده، البديع سنده المنيع سناده، المديد من تلقاء المجرّة طنبه الثّابتة من حيّز النّجوم أوتاده، وأنّه نجل السّراة الذين أخذوا من الفضل في كلّ واد، واستشهدوا على مناقبهم كلّ عدوّ وكلّ وادّ «1» ، وحملوا من صناعاتهم رايات عبّاسيّة سارت بها رماح أقلامهم تحت أبدع سواد، وملأوا قديم الأوطان بشرف الأخير: فسواء على شيراز محاسن «ابن العميد» ومحاسن «ابن العماد» ، وتبيّنت مناقبهم بهذا النّجل السّعيد طرق المراتب كيف تسلك، وإحراز المناصب كيف يكون لها يد أرباب البيوت أملك، ودرجات الوظائف كيف تسرّ الوالد بالولد حتّى يقول: لا أبالي هي اليوم لي أم لك!؛ كم استنهض والده لجليل فكفى، وجميل قصد فوفى، وأوقات علت حتى أضحت إلى علاه تنتسب، ومناصب رزق- بتقواه فيها- من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب؛ وجاء هذا الولد ذخيرة والده فحسنت للخزانة الذّخيرة، وعضّدت الأوّلة من السيادة بالأخيرة. فليباشر هذه الوظيفة مباشرة هي أعلى منها وأشرف سيرة، مجتهدا فيما يبيّض وجه علمه ونسبه، عارفا قدر هذه الرّتبة من أوائل رتبه، متيقّظ الأفكار والطّرف، متأرّج المعرفة إذا ذكروا العرف، زاكيا تبر شهادته على التّعليق فلا ينتقد عليه في متحصّل ولا صرف، حتّى تقول الخزانة: نعم العزم الشاهد! وحتّى يشهد بوفاء فضله المضمون، وحتّى يعلم بأمانته أنّ عبد الله هو «المأمون» ؛ وتقوى الله تعالى في الوصايا أوّل وأولى ما تمسّك به، واستقام على

شرف مذهبه؛ والله تعالى يسرّ الإسلام بتنبيه قدره ويقرّ الأوصاف بمهذّبه!. توقيع بشهادة الأسوار؛ وهو: رسم بالأمر- لا زال يمدّ على الإسلام من عنايته سورا، ويجدّد للأولياء برّا ميسورا، ويسعدهم بكلّ توقيع يكون بالحساب يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا- أن يرتّب المجلس.........: علما بعزمه الساهد «1» ، وحزمه الشاهد، وكفاءته وأمانته الّتي ما كان وصفهما حديثا يفترى، ونظرا لحاله وحال الأسوار: فيالها شهادة كان أصلها نظرا. فليباشر هذه الرتبة المباركة كما عهد منه مباشرة حسنة الآثار، مشرقة الأنوار، جاعلة تلك العمائر حلية لدمشق: فبينما هي سور إذا هي سوار، ضابطا لمتحصّلها ومصروفها، محرّرا لوقفها محترزا من وقوفها، جاريا على جميل عادته، زاكيا بكرم الله تعالى على التّوفيق تبر شهادته، حتّى تشهد هذه الوظيفة بهمّته المتمكّنة الأسباب، ويضرب بين المدينة وبين من كادها بسور باطنه فيه الرّحمة وظاهره من قبله العذاب؛ والله تعالى يسدّده في كلّ أمر، ويحفظ همّته وبركته «ليوم كريهة وسداد ثغر» . توقيع بمشارفة «2» خزائن السّلاح، لمن لقبه «جمال الدين إبراهيم» ؛ وهو: رسم بالأمر العاليّ- أعلى الله تعالى أعلام حمده، وجعل أحكام المقادير

من جنده، ولا زالت أفلاك الشّهب من خزائن سلاح سعده- أن يرتّب......: حملا على حكم النّزول الشّرعيّ، والطّلوع إلى رتب الاستحقاق المرعيّ، وعلما بكفايته الّتي بلّغته آمالا، وجعلت للوظائف بذكره جمالا، وثمّرت بقلمه للجهات مالا، وأوصلته على رغم الأنداد لما لا، واعتمادا على أمانته الّتي أعدّها ملاذا، واكتفى بها سلاح عزمه نفاذا، وصيانته التي طالما اعترض [لها] «1» عرض الدّنيا فقالت: يا إبراهيم أعرض عن هذا، واستنادا إلى نشأته في بيت علت في المناصب أعلامه، وصدقت في المراتب حلومه وأحلامه، وتناسبت الآن تصرّفاته السعيدة: فإمّا في تدبير الجيوش وإمّا في تثمير السلاح أقلامه. فليباشر هذه الوظيفة المباركة بعزم بادي النّجا والنّجاح، وقلم على حالتي وظيفته وهمّته ماضي عزم السّلاح، مقرّرا لعملها ومعمولها، ضابطا لواصلها ومحمولها، حتّى يذهب لسان سيفها بشكره، وتطلع أهلّه قسيّها بميامين ذكره، وتكون كعوب رماحها كلّها كعب مبارك بمباشرته وبشره؛ والله تعالى يسدّد قلمه في وظيفته تسديد سهامها، ويوفّر له من أنصباء المراشد وسهامها. قلت: وهذا توقيع بوظيفة بكتابة ديوانيّة لسامريّ، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة؛ وهو: رسم بالأمر- لا زال قلم أوامره الفضّيّ يظهر ثمره، مسمعا حديث الإنعام الشامل حتّى سمره- أن يرتّب فلان في كذا: علما بكفايته الّتي يعذر بها في قومه على سلوك التّيه، وحذق حسابه الّذي هو ألذّ من السّلوى لمجتنيه ومجتبيه، وقريحته الّتي إذا اختارها اختيار قوم موسى فاز من العمل بمطلوبه، وإذا قيل: يا سامريّ ما قدّمك على القرناء في الحساب؟ قال: بصرت بما لم يبصروا به، وأمانته الّتي حاطت حياطة الصّعدة «2» السّمراء، ورفعت رايته على الأنداد قائلة:

الضرب الثاني (من الوظائف الديوانية بالشام - ما هو خارج عن حاضرة دمشق. وغالب ما يكتب فيها من التواقيع مفتتح ب «- رسم» )

ما حاط البيضاء والصّفراء كصاحب الحمراء «1» !، واعتمادا على كتابته الّتي شهدت بها من حسباناته الأسفار المبيّنة، وإقراء لصناعاته الّتي سحرت الفكر حتّى قيل: هذا من شعب القرّايين «2» والكهنة. فليباشر هذا الاستيفاء لأوفى منه مترقّيا، ولكلمات الاختيار متلقّيا، ناهضا بالخدمه، مجدّدا باعتزامه الإسرائيليّ ذكر النّعمة، عارفا قدر الإنعام الّذي رعى وشمل كلّ ذمّة، سالكا من الاجتهاد في خدمة حسابه كلّ طريقة، غائظا للحساد من أهل ملّته: فيعبدون العجل مجازا وحقيقة، مجتهدا في استنزال المنّ لا المنع، معوّذا آلاف الحواصل بعشر كلمات راتبة منه في السّمع، معلّقا على جميعها هيكلا من أمانته فهو أدرى في الهيكل بشرط الجمع، صائنا لنفسه من عدوان الخيانة حتّى لا يعدو في سبت ولا في أحد، متنزها عن أكل المال مع الخونة حتّى يقال: نعم السّامريّ الّذي لا يأكل مع أحد. الضرب الثاني (من الوظائف الديوانية بالشام- ما هو خارج عن حاضرة دمشق. وغالب ما يكتب فيها من التواقيع مفتتح ب «- رسم» ) وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيع بنظر غزّة؛ وهي: رسم بالأمر- لا زال النّصر المكرّر، يحلو بذكره، والسّعد المقرّر، يجلو وجوه الآمال بدهره، ولا برح سراج الخدم مضيئا عند ليالي نهيه الحالك وأمره- أن يستقرّ فلان......: لما عرف في المناصب من نهوضه الّذي راق وراج، وفي المهمّات من رأيه الّذي يمشّي أحوال الجهات المستقيمة بسراج، ولما شهر

له في الأنظار المتعدّدة من علوّ الهمم، وفي الوظائف المتردّدة من العزمات الّتي يقول السّداد: نبّه [لها] عمرا «1» ثم نم، ولما وصف من أمانته ودرايته وهما المراد «2» من مثله، ورآسة خلقه وخلقه المشيدين عن حسن الثناء وسهله، وآثاره الحميدة المنتقلات وكيف لا؟ وهو المنتسب إلى سلف يحمد لسان الإسلام أثر عقله ونقله. فليباشر هذه الوظيفة المباركة على العادة مباشرة يحمد أثرها، ويسند عن صحيح عزمه خبرها وخبرها، ويورق بغصون الأقلام ورق حسابها ويروق ثمرها، مجتهدا فهو من نسل المجتهدين في عوائد التّحصين والتّحصيل، والتّأثير والتّأثيل، مليّا بما يجبر كسر هذه البلاد بالصّحّة ويأسو جرجها بعد التّعديل، حريصا على أن يحيي- بمشيئة الله تعالى وتدبيره- عملها الّذي لم يبق الموت من ذمائه غير القليل، سالكا من النّزاهة والصّيانة طريقته المثلى، ومن الكفاءة والأمانة عادته الّتي ترفع درجته- إن شاء الله- إلى ما هو أعلى وأغلى، مسترفعا للحساب ولقدره في الخدمة، شاكرا: فإنّ الشّكر ضمين لازدياد النّعمة بعد النّعمة، سراجا وهّاج الذّكاء على المنار ولا ظلم مع وجوده ولا ظلمة؛ والله تعالى يعلي قدره، ولا يطفيء ذكره. توقيع بصحابة ديوان الحرمين، من إنشاء ابن نباتة، لمن لقبه «شمس الدّين» ؛ وهو: رسم بالأمر- لا زالت أوامره نافذة في الآفاق، عاطفة عطف النّسق على ذوي الاستحقاق، مطلعة شمس التّقى والعلم في منازل الإشراق- أن يستقرّ المجلس......: علما باستحقاقه لما هو أكثر وأكبر، وأوفى وأوفر، وإطلاعا

لشمسه وإن اعترضها غمّ غيم في مطالع شرفها الأنور، وإعلاما بأنّه غيم يزور ويزول، ونقص لا يقيم إلا كما يذهب عارض من أفول، واعتمادا على ما عرف من وفاء صحابته، وألف من سناء درايته ودرابته، ووصف من أيّام ديونته «1» بعد أيّام حكمه بعد أيّام خطابته!، واستنادا إلى نشأته في بيت العلم المستفاد، والحكم المستجاد، والفضل المستزاد، وتربية الوالد الّذي كان الاختيار يحلف بالفخر أنه ما يرى أظهر من ذات العماد. فليباشر صحابة ديوان هذين الحرمين الشّريفين بأمل مبسوط، وحال بينما هو منحوس حظّ إذا هو- إن شاء الله- مغبوط، واجتهاد مضمون لجدواه فضل الزيادة، وسير لا يزال بشمسه حتّى تجري لمستقرّ لها من منازل السّعادة، ومباشرة لأوقافها تعان وتعاد أجمل إعانة وأكمل إعادة، وصحابة يتنوّع في نفعها ويتعين حتّى تكون منه عادة ومنها شهادة. توقيع بنظر الشّعرا «2» وبانياس، من إنشاء ابن نباتة، لمن لقبه «صدر الدّين» واسمه «أحمد» بالعود؛ وهو: رسم بالأمر- لا زالت صدور الكفاة منشرحة في أيّامه، منسرحة الآمال في إنعامه، ولا برح عوده أحمد إلى المناصب في ظلال سيوفه وأقلامه. ومنه: فليباشر هذه الوظيفة الشاكرة له أوّلا وآخرا، وليجتهد فيما يزيده من الاعتناء والاغتناء باطنا وظاهرا، وليستزد بشكره من النّعمة فما أخلف وعد المزيد

شاكرا، وليحرص على أن يرى أبدا في المراتب صدرا ولا يرى عن ورود الإحسان صادرا. توقيع بنظر حمص، من إنشاء ابن نباتة، كتب به لابن البدر ناظر حمص بالنّزول من أبيه عند ما أسنّ؛ وهو: رسم بالأمر- لا زال حسن النّظر من مواهبه، ويمن الظّفر من مراكبه؛ وسقي البلاد صوب العدل من سحائبه، ولا برح سنا البدر من خدمه فإذا أحسّ بالسّرار ألقى الخدمة إلى أزهر كواكبه- أن يستقرّ المجلس......: لما علم من رأيه الأسدّ، وعزمه الأشدّ، ومربى والده حتّى يبين عظم الهناء بالشّبل عندما وهن عظم الأسدّ، وركونا إلى نجابته الّتي سمت أصلا وفرعا، وقدمت غناء ونفعا، وتبسّمت كمائم أصلها المستأنفة حيث كاد الزمان ينعى منه ينعا، واستنادا إلى أنّ الصّناعة شابّة، ونسمات التّمكين هابّة، وإلى أنّ أغصان العزائم نضرة، وإلى أنّ مع القدرة قدرة، وإلى أنّ كوكب العزّ في المنزلة قد خلف بدره، واعتمادا على سهام تنفيذه الصائبة، وأحكام هممه الواجبة، وأقلام يده الّتي تحسن إخراج الأمل فيه وكيف لا؟ وهي الحاسبة الكاتبة. فليباشر هذا النّظر المفوّض إليه ساميا نظره، زاكيا في الخدمة خبره وخبره، شاكرا هذا الإنعام الّذي برّ أباه وأسعد جدّه ومزيد الإنعام مضمون المزيد «1» لمن شكره، عالما أنّ هذه المملكة الحمصيّة من أقدم ذخائر الأيام، وأكرم ما أفاء الله من غنيمتها وظلّها على جند الإسلام، وأنّها من مراكز الرّماح كما شهر فليمدّها من تدبيره برماح الأقلام، وليواظب بحسن نظره على تقرير أحوالها، وتقريب آمالها، وتأثير المصالح في أعمالها، ولا يحمّص «2» أمرها في التّضييق فكفى ما حمّصتها الأيام على تعاقب أحوالها، بل يجتهد في إزاحة

أعذارها بسداد الرّأي الرابح، وإشاعة الذّكر الحسن مع كلّ غاد ورائح، ورفع الأيدي بالأدعية الصالحة في تلك المشاهد للملك «الظاهر» في هذا الوقت والملك «الصالح» ، حتّى يشهد سيف الله «خالد» بمضاء سيف حزمه وعزمه، وحتّى يتوفّر من غرض الخير والحمد نصيب سهمه؛ وتقوى الله تعالى أوّل الوصايا وآخرها فلتكن أبدا في همّة فهمه. توقيع بنظر الرّحبة «1» من إنشاء ابن نباتة لمن لقبه «تاج الدين» ؛ وهو: رسم بالأمر- لا زال مليء السّحاب، بسقيا الآمال الواردة، مملوء الرّحاب بكفاة الأعمال السّائدة، مخدوم الممالك والأيّام بأقلام الدواوين الحاسبة وأقلام الدواوين الحامدة- أن يستقرّ.........: لكفاءته الّتي وافق خبرها الخبر، ونشر ذكرها نشر الحبر، وصناعة حسابه الّتي لو عاش «أبو القاسم المعرّي» «2» لم يكن له فيها قسيما، ولو عاصرها «ابن الجرّاح» بقدمه وإقدامه لا نقلب عنها جريح الفكر هزيما؛ بل لو ناو أه الشّديد الماعز لذبح بغير سكين، والتّاج الطويل لرجع عن هذا التّاج الطائل رجوع المسكين. فليباشر ما فوّض من هذه الوظيفة إليه، ونبّه الاختبار فيها نظره الجميل وناظريه، جاريا على عوائد هممه الوثيقة، ماشيا على أنجح طريق من آرائه وأوضح طريقة، نازلا منزلة العين من هذه الجهة الّتي لو صوّرت بشرا لكان ناظرها على الحقيقة؛ مفرّجا لمضايقها حتّى تكون كما يقال رحبة، مقتحما من حزون أحوالها العقبة وما أدراك ما العقبة؟، فكّ من رقاب السّفّار المعوّقين

رقبة، وأطعم أرباب الاستحقاقات في يوم ذي مسغبة، وساعف بتيسير المعلوم كلّ كاتب ذي متربة «1» ، حريصا على أن يغني الديوان بوفره، وتغنّي حداة التّجار بشكره، وعلى أن يقوم رجال الاستخدام في المهمّات بنصره، وعلى أن تساق بفضّيّ قلمه الأموال أحسن سوق، وعلى أنّ يكون لأهل الرّحبة من إحسانه «مالك» ومن جدوى تدبيره «طوق» ؛ والله تعالى يوضّح في المصالح منهاجه، ويعلي على رؤوس الأوصاف تاجه. توقيع بنظر جعبر «2» قبل أن تنقل إلى عمل حلب، من إنشاء ابن نباتة، كتب به «لهبة الله بن النفيس» ؛ وهو: رسم بالأمر- لا زالت المناصب في دولته الشريفة تستقبل هبة الله بشكرها، ونتائج الذّكر النّفيس بمقدّمات نشرها وبشرها- أن يرتّب.........: لكفاءته التي اشتهرت، وأمانته التي طهرت فظهرت، ومباشرته الّتي ضاهت نجوم السماء إذا زهرت، ونجوم الأرض إذا أزهرت، وأنّه الّذي جرّب عزمه فزكا على التّجريب، ورقي في مطالع التّدريج والتّدريب، ونصّ حديث اجتهاده المقرّب فكان سابقا على النّصّ والتّقريب، وأنّ هذه البقعة المباركة ممّن أطاب التّاريخ خبرها، وقصّ سيرها، وحمد صاحبها العقيليّ من قديم أثرها، وعرف بركتها لمّا استسقى بها من السّماء على لسان بعض الحيوان مطرها. فليباشر هذا الثّغر المحروس بكفاءة باسمة، وعزمة كالحسام لأدواء الأمور حاسمة، ورأي للنّجاح حسن الاستصحاب، وتثمير كما ملأ الرّحبة

فليملأ بمضاعفته الرّحاب، موفّرا العدد للحواصل وحواصل العداد، فاتحا لأفواه القفول بذكره الجميل في التّهائم والنّجاد، ماشيا فيما يأتي ويذر على سداد الطّرق وطرّق السّداد. توقيع بنظر البقاع «1» ، من إنشاء ابن نباتة؛ وهو: رسم بالأمر- لا زال يهنّيء للكفاة رزقا، ويهيّء لتجديد المناصب مستحقّا، ولا برحت البقاع بأيّامه الكريمة تسعد كما تسعد الرّجال ولا تشقى- أن يرتّب...... حسب ما تضمنته مكاتبة الجناب الفلانيّ: منبّها على قدر هذا الناظر المهذّب وصفه، المرتّب على نحو الثناء نعته وعطفه، المشهور بمباشرته انتفاع الوظائف وارتفاعها، الشاهد بكفاءته وأمانته مسالك الأعمال وبقاعها، واعتمادا على مباشرته الزكية، وكتابته الّتي لا يداهنها المداهنون وهي نعم البعلبكيّة. فليباشر هذه الوظيفة المتيمّنة بمطالع رشده، ومطالب سدّده، عالما أنّ البقاع كالرّجال تسعد وتشقى: فليكن سعدها على قلمه ويده، مجتهدا فيما يبيّض وجه شاكره، حريصا على ازدياد الصفات الّتي كانت في عقد حساب العمل محلّ بنانه فجعلته الآن محلّ ناظره، مثمّرا لأموال النواحي وغلالها، واضعا عن أرباب الاسحقاقات ما عليها من سوء التدبير: من إصرها وأغلالها، محتاطا لنفسه في الحوطات حتّى لا يذكر إلا بخير، ولا يعرف قلمه إلا بمير، ناثرا حبّ حبّه حتّى تهوي إليه ألفاظ الثّناء هويّ الطّير، جاعلا تقوى الله مقصده: فإنّها السبيل إلى فوز الدارين لا غير.

الصنف الرابع (مما يكتب لأرباب الوظائف بالشام - تواقيع مشايخ الخوانق، وهي على ضربين)

الصنف الرابع (مما يكتب لأرباب الوظائف بالشام- تواقيع مشايخ الخوانق، وهي على ضربين) الضرب الأوّل (ما هو بحاضرة دمشق، وهو على ثلاث مراتب) المرتبة الأولى (ما يفتتح ب «الحمد لله» ) وهو توقيع شيخ الشيوخ بدمشق: وهي مشيخة الخانقاه الصلاحية المعروفة بالشّميصاتية «1» ، وقد تقدّم أنها يكتب بها أيضا من الأبواب السلطانية. ثم هي تفرد تارة عن كتابة السّر بالشام، وتارة تضاف إليها. توقيع بمشيخة الشّيوخ بالشام، من إنشاء الشّيخ جمال الدين بن نباتة، كتب به للشيخ «علاء الدين عليّ» مفردة عن كتابة السّرّ؛ وهو: الحمد لله الّذي جعل شرف أوليائه عليّا، وفضله الجليل جليّا، واتّصال علائهم كاتصال كوكب الشّرف بإيلاء الخيرات مليّا، وحاضر أفقهم كغائبه إذا سطّرت دعواته واستمطرت هباته كان على كلا الحالين وليّا. نحمده على توالي النّعم الأنيقة، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تستمرّ بأصلها فروع الحقيقة، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أجدر الخلق بكرم الخليقة، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين سلكوا بهداه أحسن طريق وسلكوا في أحسن طريقة، صلاة دائمة لا تزال بها عقائد الإخلاص موثقة وألسنة الذّكر طليقة، وتحيّة إذا بدت في حضرة الادّكار كانت للأعين من النّور نهاره وكانت للأنجم من القدر شقيقه.

أما بعد، فإنّ أولى المراتب الدينية بتقديم العناية، وتفخيم الرعاية، وتكريم التولية ولا سيما إذا كانت منتسبة إلى أهل الولاية- مرتبة مشيخة الشيوخ التي يجمع عباد الله الصالحين نطاقها، ويضمّهم رواقها، وتطلعهم مطالع كواكب الهدى آفاقها المنيرة وأوفاقها. ولما خلت الآن هذه الرّتبة بالشام المحروس من شيخ تدور هذه الطائفة على قطبه، وتجتمع على مائدة قرباته وقربه، وتمشي على قدمه وتناجي صلاح أحوالها عن قلبه- تعيّن أن نختار لها من كملت بالله أداته، وصفت في مشاهد الحقّ ذاته، وزكت في علمي الإبانة والأمانة شهادته المفصحة ومشاهداته، وأجمع الناس على فوائد تسليكه واسلاك قلمه حيث بدت في وجوه الحسن حسناته، ووجوه الشام شاماته، لما شهر من معرفته وعرفانه، ولما دعي له ببقاء نوح لما فاض في العلم من طوفانه، ولما قام في الأذهان من طبقة قدره الموصوف، ولما سار من رسالة أخباره فإذا قالت الآثار: «هذا السّريّ» قال الإيثار: «وفضله معروف» . فليباشر هذه المشيخة المباركة بصدر للسّالكين «1» رحيب، وبرّ للسائلين مجيب، وفضل يقول الرائد والمريد بدار إقامته: قفا نبك من ذكرى منزل وحبيب، وبشر وبشرى يملآن عين المجتلي ويد المجتدي، وعطف ولطف إذا قال الذّاكر لمن مضى: راح مالكي! قال المعاين: وجاء سيّدي؛ وليراع أمور الخوانق الشاميّة ما غاب منها وما حضر، وما سمع منها وما نظر، وليهذب قلوب ساكنيها حتّى يعود كإخوان الصّفاء من المودّة قوم كانوا إخوان الصّفا من الحجر، قائما بحقوق الرّتبة قيام مثله من أئمّة العلم والعمل، داعيا لهذه الدّولة العادلة فإنّه أقصى دواعي الأمل، معربا- لأنّ العربيّة من علومه- عن الإيضاح غنيّا عن تفصيل الجمل؛ وهو المسلّك «2» فما يحتاج لتسليك درر الوصايا، المخبوء لمثل

هذه الزّوايا المبرورة: فنعم الزّوايا المحبوّة بنعم الخبايا؛ والله تعالى يعيد على الأمّة بركاته، ويمتّعهم باستسقاء الغيوث: إمّا ببسطها عند برّه، وإمّا ببسطها عند دعواته. وهذه نسخة توقيع بمشيخة الشيوخ بالشام أيضا، مضافة إلى كتابة السّرّ به، كتب بها للقاضي ناصر الدين «محمد بن أبي الطّيّب» كاتب السّرّ بالشام ب «المقرّ الشريف» ؛ وهي: الحمد لله الّذي شرح صدور أوليائه بمعرفة الحقّ واتّباعه، وجعلهم خواصّه الذين غدوا من أتباع الحبيب وأشياعه، ورفع ذكرهم على رؤوس الأشهاد وآواهم إلى مقام الأنس في محلّ القرب بالتّسليك المحمّديّ الّذي أوصل إليه مزيده بانقطاعه، وخصّهم ببركات من حضّهم على الأعمال الصالحة بقصده الجميل وعلمه الغزير واتّضاعه، ومنحهم بمن أوضح لهم الطّريق المستقيم بإبدائه الحقّ وإبدار إبداعه، وغذاهم بالحكمة فنشأوا بالمعرفة وصار لهم العقل السّليم بالتّحفّظ من الأهوية الرّديّة فسلمت لهم الطّيبة على قانون الصّحّة بحسن تركيبه وأوضاعه، وأفاض عليهم من بحر علمه ما نالوا به الرّشد فصاروا أولياء بملازمة أوراده ومتابعة أوزاعه. نحمده على ما ألهمنا من وضع الشّيء في محلّه، وإيصال الحقّ إلى أهله، وإجابة سؤال الفقراء وإعانتهم بمن أغناهم عن السّؤال بفضائله وفضله، حمدا يعيد كشّاف الكرب على مريديه وطلبته، ويرفع مقام من قام بشعار الدّين بتعظيم قدره وعلوّ درجته، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له الّذي من تقرّب منه ذراعا، تقرّب منه باعا، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة وإذا تقرّب إليه عبده

بالنوافل أحبّه، وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ «1» ، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الّذي أضاءت الأكوان من نور هديه فاهتدت به أصحاب المعارف المسلّمون لموجدهم الأمر والإرادة، ومن هو روح الوجود الّذي أحيا كلّ موجود وسلّك طريق سنّته الموصّلة إلى عالم الغيب والشّهادة، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين صفت قلوبهم من الأكدار وإلى التّقوى سبقوا، وصدقوا في المحبّة فاستحقوا ثناء مولاهم: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا «2» ؛ فمنهم من شمّت من فيه رائحة كبد مشويّة من خشية الله، ومنهم من حدّث بما شاهده ببصره وبصيرته على البعد ورآه، ومنهم من أحيا ليله واستحيت منه ملائكة السماء، ومنهم من اتّخذه أخا إذ هو باب مدينة العلم وركن العلماء، صلاة دائمة تطيّب أوقات المحبّين، وتطرب بسماعها قلوب المتّقين أهل اليقين؛ وسلّم تسليما. أمّا بعد، فإنّ أولى من قدّمناه إلى أهل الصلاح، ورفعناه إلى محلّ القرب وروح الأرواح، وحكّمناه على أهل الخير، ومكّنّاه في حزب الله الّذي غلب لمّا اجتهدوا على إخراج حزب الشّيطان من قلوبهم وزحفوا على قراره بجيش التّقوى وسمتهم الزّهد وحسن السّير، وولّيناه أجلّ المناصب الّذي تجتمع فيه قلوب الأولياء على الطّاعة، وأحللناه أرفع المراتب الّذي خطبه منهم خيار الجمع لجلوة عروس الجمال في الخلوة بعقد ميثاق سنّة المحبّة وشهادة قلوب الجماعة- من جمّله صورة ومعنى، وافتخر به أحاد ومثنى، وباشره على أحسن الوجوه، وبلّغ كلّا من مريديه وطلبته من فضائله وفضله ما يؤمّله ويرجوه، ومدّ موائد علومه المحتوية على أنواع الفضائل المغذّية للقلوب، وجلس في حلل الرّضا فكسا القوم الذين لا يشقى بهم الجليس ملابس التّقوى المطهرة من العيوب،

وظهر في محفلهم للهداية كالبدر وهم حوله هالة، وكان دليلهم إلى الحقّ فغدوا بتسليكه من مشايخ الرّسالة، وجاهد في بيان معاني القرآن العظيم حتّى قيل لمّا فسّره: هذا «مجاهد» ، واستدلّ على تنزيه من تكلم به- سبحانه- عن التشبيه والتعليل «وفي كلّ شيء له آية تدلّ على أنّه واحد» ، ونقل الحديث المحمّديّ الذي هو «موطّأ» لتفهيم «الغريب» منه وميز «صحيحه» لكّل «مسلم» فأطرب بسماعه الوفود، وأفاد العباد «تنبيه الغافلين» فقاموا في الخدمة فأصبحوا تعرفهم بسيماهم: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ «1» ، وخفض جناحه الّذي عبر به الشّعرى العبور والنّسر الطائر «2» ، وسار إحسانه إلى طوائف الفقراء فصار مثلا فحبّذا «المثل السّائر» . وكان فلان- أعاد الله تعالى من بركاته وأسبغ ظلاله- هو الّذي أقامه الله تعالى لهذه الطائفة المباركة مرّة بعد مرّة، وذكرت صفاته الجميلة فكان مثله للعيون قرّة، واتّصف بهذه الصّفات الّتي ملأت الأفواه والمسامع كما ملأت مرءآته المقل، وحصل البشر بمعروفه الذي تتبعه السريّ «أبو يزيد» «3» فجرى على عادة القوم الكرام ووصل، ونبعت عناصر فضائله فكانت شراب الذين صفت قلوبهم من كدرها، وأمطرت سحائب علومه الإلهيّة الدارّة من سماء الحقيقة فسالت أودية بقدرها، وظهرت لمعة أنوار شمس معارفه عند التّجلّي على المريد، وساق نفوس القائمين لمّا عزّ مطلبهم بأصله الّذي شرح طلاسم قلب الفاني بذكر الباقي فغرقوا في بحار المحبّة وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ «4» .

فلذلك رسم بالأمر العالي- لا زال يرفع أهل العلم والعمل إلى أعلى مقام، ويبني لهم في جنّات القرب قصور الرّضا: لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها «1» ومزيدهم الإكرام- أن تفوّض إليه مشيخة الشيوخ بالشام المحروس: وظيفته التي خرجت عنه، المرسوم الآن إعادتها عليه، عوضا عمّن كانت بيده، بمعلومي النّظر والمشيخة الشاهد بهما ديوان الوقف المبرور إلى آخر وقت، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، تفويضا نظمت بالقبول عقوده، ودامت في دار السعادة سعوده، وفي درج المعالي صعوده. فليتلقّ ذلك بالقبول، وليبلّغ الفقراء من إقباله الجمّ الّذي ألجم عدوّه المنى والسّول، وليعامل المريدين بالشّفقة المعروفة من رحمة دينه وإفضاله، وليشمل كلّا منهم بعنايته ولطفه فإنّ الخلق عيال الله وأحبّهم إليه أشفقهم على عياله، وليأمرهم بملازمة إقامة الصّلاة طرفي النهار وزلفا «2» من اللّيل، وإذا مالوا- والعياذ بالله تعالى- يوما إلى منافسة بينهم فليقل: اتّقوا الله ما استطعتم وكونوا عباد الله إخوانا ولا تميلوا كلّ الميل، وليفسح لهم حرم الخير الّذي وقفوا فيه تجاه قصر تعبّده الّذي علا بالجوهر الفرد وقوّة الإخلاص، وليدخلهم منه جنّة إقبال فوائده التي فيها من أبكار معانيه حور مقصورات في خيام أداته لم يطمثهنّ إنس قبلهم ولا جانّ وأعجز قصره العالي وجوهره الغالي كلّ بنّاء وغوّاص، وليجعلهم له على جبل اعتماده ومروة مروءته إخوان الصّفا، وليقمهم في ركن مقام المناجاة إذا زمزم مطرب حيّهم تلقاء أهل الوفا، وليقدّم السابقين بمعرفة حقّهم ونجدتهم بالورع الّذي يغلبون به الشيطان فإنّ حزب الله هم الغالبون، وليداو قلوبهم المرضى بشراب المحبّة وتركيب أدوية الامتلاء من الدنيا ليغتذوا وقت السّحر [بحديث] «3» (هل من تائب) ، ولا يسقهم كاسات تضعف عنها قوّتهم

المرتبة الثانية (من تواقيع مشايخ الأمكنة بحاضرة دمشق - ما يفتتح ب «أما بعد حمد الله» ؛ وفيها وظائف)

حتّى ينقّوا من بردة الهوى المضرّة ويغتسلوا بحارّ مجاري دموع الخشوع ويلبسوا جديد ملابس التّقى ويغدوا من الحبائب. ومنه تعرف الوصايا، وعنه تنقل المزايا، وكرم الأخلاق والسّجايا؛ وليأمر السالكين بمداومة الأعمال الّتي قامت بحسن العقائد واستقلّت، وليحضّ المريدين أوائل التّسليك على ذلك فإن أحبّ الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قلّت، وليعرّفهم المحبة بذكر الله لئلّا يقوموا على قدم الهيام، وليبيّن لهم المعنى إذا لم يعرفوا المعنى ليقطعوا الهواجر في طلب الصّيام، وليفرّق بين الواردات بملازمة الأوراد لئلّا يقعوا من الاشتباه في حيرة، وليأمرهم بادّخار العمل الصالح لتكون التقوى لقلوبهم قوتا والزّهد ميرة، وليقمع أهل البدع، وليرفع من اتّضع، وليتفقد أحوال أوقافهم بجميع الخوانق والرّبّط والزوايا بالجميل من النّظر، وليزد في الأجور بما يؤثّر فيها نظره الذي ما زال لهم منه أوفر نصيب فحبّذا العين والأثر؛ والوصايا وإن كثرت فهو مفيدها وعنده منبعها، وتقوى الله الّذي هو شيخها ومريدها في بيته المبارك حلاوة ذوقها ومجمعها؛ والله تعالى يكلؤه في اللّيل والنهار بآياته البّينات، ويرفعه بها ويرقّيه إلى أعلى الدّرجات. المرتبة الثانية (من تواقيع مشايخ الأمكنة بحاضرة دمشق- ما يفتتح ب «أمّا بعد حمد الله» ؛ وفيها وظائف) نسخة توقيع بمشيخة إقراء القرآن، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب به للشيخ شهاب الدين «أحمد بن النقيب» ب «المجلس العالي» ؛ وهي: أمّا بعد حمد الله رافع شهب الهدى أعلاما، وجاعل رتب أفضلها أعلى ما، ومحلّ أحمدها من مدارس الآيات منازل بدر إذا محا المحاق من هذا اسما أثبت من سموّ هذا قمرا تماما، ومسكنه من مواطن الذكر جنّات قوم بارتقائهم وبقاء ذكرهم خالدين فيها حسنت مستقرّا ومقاما، والصلاة والسلام على سيدنا

محمد أرفع من اتّخذ القرآن إماما، وأنفع من عقد استحقاق النّبوّة على حمده خنصرا وجلا الحقّ بهداه إبهاما، وعلى آله وصحبه أمنع من لبس بسرد الآيات درعا واقتسم من بركتها سهاما- فإنّ وظيفة يكون القرآن الكريم، ربيع فصلها وفضلها، ورتبة يكون الذّكر الحكيم، مداوي قلوب جفلها، ومشيخة يكون مريد الآيات البيّنات وارد زوايا أهلها- لأحقّ أن تتخيّر لها الأكفاء من ذوي الفضل الأثير، والأدلّاء على أشرف نتاج الهداية من ذوي الحلم الساكن والعزم المثير. ولما كانت مشيخة إقراء القرآن بالتّربة المعروفة بأم الصالح بدمشق المحروسة، هي كما يقال: أمّ العلم وأبوه، وأخوه وحموه، وصاحبته وأهل الكتاب والسّنة بنوه، وخلت الآن من شيخ [كان] «1» يحمي حماها، وتقسم الخلوات والآيات من بركته وتلاوته ب «الشّمس وضحاها والقمر إذا تلاها» ، وكان فلان هو الذخيرة المخبوءة لهذا الأمر، وذو السّيرة المحبوّة بهذا الشّرف الغمر، وصاحب القراءة والبيان الّذي لا يعوز زمان طلبته [أبو] «2» عمر ولا أبو عمرو، والجامع لعلوم كتاب الله تعالى جمع سلامة في فنّه، وصحّة في شرف ذهنه، وجواز أمر يشهد أنّ البحر يخرج [لدى] «3» المشكلات من صدره ويدخل عند عقد الحبا في ردنه، والقاريء الّذي إذا قال مبيّنا قال الّذي عنده علم الكتاب، والتّالي الّذي إذا قصر أو مدّ، مدّ إلى سموات العلى بأسباب، والمشير إلى علمه المرسوم بمصحفه فلا عدم إشارته ومرسومه أولو الألباب، والمجلّي وإن سمّاه العرف تاليا، والمنقّب عن غوامض التّفسير: و «ابن النقيب» أولى بسند التّفسير عاليا، والإمام السّنّي وإن سمّاه الشرع الإمام الحاكم دهرا وأقام له في أفق كلّ فضل داعيا، والسّامي الّذي يسلك بفخره على «العراقيّ» أوضح محجّة، والعربيّ الّذي ما «للفارسيّ» دخول في باب تيقّنه وإن جاء بحجّة، وذو

الرّوايات المروية سحائبه، وخلف العلماء الأبيض فما «خلف الأحمر» ممّا يقاربه، ولا «ثعلب» مما تضجّ لديه ثعالبه، ولا «ابن خروف» مما يدانيه وهو «اللّيث» ومن الأقلام مخالبه، وبقية السادة القرّاء المنشد قول الحماسيّ: وإنّي من القوم الذّين هم هم ... إذا مات منهم سيّد قام صاحبه! بدور سماء، كلّما غاب كوكب، ... بدا كوكب، تأوي إليه كواكبه! «1» تعيّن أن يخطب لهذه المشيخة خطبة الفتى لاقتبال مجده والشّيخ لتوقيره، ويطلب لهذه الرتبة طلبا يقضي الأمل فيه بعنوان تيسيره. فرسم بالأمر الشريف أن يستقرّ......: وضعا للأشياء في محلّها، ورفعا لأقدار الأفاضل إلى أعلى رتب الفضل وأجلّها، وعلما بمقدار هذا العالم السابق في أفق الهدى شهابا، المدفّق على رياض العلم سحابا، النّاقل إلى مجالس الاشتغال خطا يقول لها المؤمن بالإكرام والكافر بالإرغام: الَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً «2» فليباشر هذه الوظيفة مباشرة مثله من ذوي الأناة والإفادة، وكفاة المناصب الذين على سعيهم الحسنى وعلى الدّولة تصل الزّيادة، وليسلك في الأشغال عادة نطقه الأحسن، وليعامل طلبته في المباحث بغير ما ألفوا من الخلق الأخشن، وليعلم أنّه قد جمع بين برّه وتربة الأمّ كي تقرّ عينها ولا تحزن؛ فليسرّها بنبله، وليبرّها بفضله، وليوفرّ السّعي إليها كلّ وقت في المسير، وليفسّر أحلام أملها فيه فمن مفردات علومه التّفسير، وليحسن لتلامذته الجمع، وليحم حمى رواياتهم من الخطإ ولا عجب أن يحمى حمى السّبع! تاليا كلام ربّه كما أنزل وحسبه، داعيا بنسب قراءته إلى ابن كعب «3» فحبذا نسبه المبارك وكعبه، ناصبا بمنظر شخصه

المرتبة الثالثة (من تواقيع مشايخ الأماكن بحاضرة دمشق - ما يفتتح ب «- رسم بالأمر» )

أشخاص أمثاله الأول بعد ما ضمهم صفيح اللّحد وتربه، حتّى يميس «الكسائيّ» في برد مسرّته الفاخر، ويفتح عيون «حمزة» على زهرات روض عبق المباخر، ويترنّم ورشان «ورش» «1» في الأوراق على بحره الزّاخر، ويظهر بفضله ذكر «الشّاطبيّ» فيكون «القاضي الفاضل» رحمه الله قد أظهره في الزمن الأوّل و «القاضي الفاضل» أجلّه الله قد أظهره في الزمن الآخر؛ وتقوى الله تعالى كما علم ختام الوصايا البيض فليتناول مسكها الذي هو بشذا المسك ساخر، والله تعالى ينفع بعلوم صدره الّذي ما ضاق عن السّؤال فملّه، ويمتع بعلوّ قدره الّذي إن لم يكن هو لفضل الثناء فمن له. المرتبة الثالثة (من تواقيع مشايخ الأماكن بحاضرة دمشق- ما يفتتح ب «- رسم بالأمر» ) توقيع بمشيخة الجواليقية، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة؛ وهو: رسم بالأمر- لا زال حسن اعتقاده يستنزل النّصر فينصر، ويستبصر مطالع الفوز فيبصّر، ويستجلب الأدعية الصالحة من كلّ زاهد إذا حام في أفق العبادة حلّق وما قصّر- أن يستقرّ......: حملا على الوصية التامّة الحكم والأساس؛ وعلما بأنّه ممّن حلّ في مشيخته لباس بلاس «2» ، ونزع في الزّهد عما عدّ زينة في النّاس، وسرّح شعره حقيقة التّسريح فأطلقه، ومحارقّ سواده وبياضه فأعتقه، ولازم طريق مشايخه فما، وشكر الحال فجعل في منبت كلّ شعرة لسانا للشّكر وفما، وسرّ طائفة وردوا على آثاره مناهل الوفا، وصفت

الضرب الثاني (من تواقيع مشيخة الأماكن - ما هو بأعمال دمشق؛ وفيه مرتبة واحدة، وهي الافتتاح ب «- رسم» )

قلوبهم ووجوههم فدارت عليهم كؤوس إخوان الصّفا، حتّى مشوا إلى مطالب الخير مشي الرّخاخ «1» ، وفاخروا أقواما دنّسوا عزّة رتبتهم فلولا أدبهم لا نشدوهم: «عقول مرد ولحى أشياخ» . فليقم في مشيخة قياما يحيي القوم بأنفاسه، ويبهجهم بكرامة الكشف من قلبه وتكريم الكشف من راسه، سالكا بهم في طرائق الخير مستبشرين، آمرا بتقصير الملابس ورعا حتّى يدخل بهم إلى النّسك محلّقين ومقصّرين؛ والله تعالى ينفع به، ويغني حاله بمذهب مذهبه. الضرب الثاني (من تواقيع مشيخة الأماكن- ما هو بأعمال دمشق؛ وفيه مرتبة واحدة، وهي الافتتاح ب «- رسم» ) وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيع بمشيخة الحرم الخليليّ، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب به للشيخ «شمس الدين بن البرهان» الجعبريّ ب «المجلس» ؛ وهي: رسم بالأمر الشريف- أعلاه الله تعالى، وبسط عدله الّذي لا يبلغه الواصف ولو تغالى، وسرى لأولياء بني الأولياء ببرّه الّذي تسنّن بسنّة الغيث ثم توالى- أن يستقرّ......- أدام الله تعالى ببركته الانتفاع، وباقتداء سلفه الارتفاع، وأعاد من بركات بيته الّذي قام البرهان بفضله وقال بوضوح شمسه الإجماع- في مشيخة حرم سيدنا الخليل صلوات الله عليه وسلامه، على عادته القديمة المقدّمة، ومستقرّ قاعدته المعلومة المعلمة، بعد إبطال ما كتب به لغيره فإنّ هذا الوليّ أولى، ولأنّ الحقّ معه وباع الحقّ أطول على المعنيين إطالة «2» وطولا، وضعا للشّيء في محلّه الفاخر، وحملا على ما بيده من تواقيع شريفة

توارث بركتها ملوك البسيطة في الأوّل والآخر، وعلما أنّه بقيّة العلم المشيد، والزّهد العتيد، وخليفة السّلف الصالح وما منهم إلّا من هو «أمين» العزم «رشيد» ، وأنّه الشيخ وكلّ من عرفه في بقائه ولقائه مريد، والقائم بالمقام الخليليّ- صلوات الله تعالى على ساكنه- مقاما مجتبى، والمنتسب إلى خدمة الحرم الإبراهيميّ مخدوما صلّى الله عليه ونسبا، والقديم الهجرة فلا تتركه الأوطان ولا تهجره، والمقيم بالبلد الخليليّ على إقامة الخير: فما ضرّه أنّ العدوّ يشكوه إذا كان «الخليل» يشكره؛ وقد سبقت له مباشرات في هذا الحرم الشريف فكان عزمها تماما، وشكرها لزاما، وكانت على الصّادرين كتلك النّار النبويّة بردا وسلاما. فليعد إلى مباشرة وظائفه المذكورة في التواقيع الشريفة الّتي بيده، وليكن يومه في الفضل زائدا على أمسه مقصّرا عن غده، بثناء يتلقّى أضياف أبي الأضياف، بأليف أحوال الداخلين إليه شتاء وصيفا وإن لم تكن رحلة إيلاف، جاريا في بركة التّدبير والتثمير على عادته وعادة سلفه فنعم الخلف ونعم الأسلاف، مواظبا على عادة تقواه ورفع الأدعية لهذه الدّولة الشريفة، جاعلا ذلك منه أوّل وآخر كلّ وظيفة؛ والله تعالى ينفع ببركات سلفه وبه، ويكافيء عن الأضياف بسط راحته بالخيرات وفضل تعبه. توقيع بمشيخة الزاوية الأمينية بالقدس ونظرها، كتب به للقاضي «برهان الدين» بن الموصلي ب «الجناب العالي» ؛ وهو: رسم ... - لا زال يجري الأولياء في مقاصدهم على أجمل عادة، ويختار منهم لمواطن الخير من يرعاها بنظر يثمّر لها السّعادة- أن يحمل فلان في وظيفتي النظر والمشيخة بالزاوية الأمينيّة بالقدس الشريف، على حكم النّزول والتقرير الشّرعيّين المستمرّ حكمهما إلى آخر وقت، واستمراره في الوظيفتين المذكورتين بمقتضاهما، ومنع المنازع بغير حكم الشرع الشريف.

الصنف الخامس (مما يكتب لأرباب الوظائف بالشام - تواقيع العربان)

فليباشر ذلك بما يقتدى به من تسليكه وتأديبه، وتسرّع رغبته في هذا المقام ومن عناية تهذيبه؛ والوصايا كثيرة ولكن لا تقال لمثله إذ هو معلّمها، وتقوى الله سبحانه أهمّها وأعظمها؛ والله تعالى المسؤول أن يرشدنا إليها، وأن يجعل في كلّ الأمور اعتمادنا عليها، بمنّه وكرمه!. الصنف الخامس (ممّا يكتب لأرباب الوظائف بالشام- تواقيع العربان) والّذي وقفت عليه من ذلك مرسوم مكتتب بربع تقدمة بني مهديّ ب «المجلس السامي» بغير ياء، كتب به ل «- موسى بن حناس» مفتتحا ب «أما بعد» ؛ وهو: أما بعد حمد الله تعالى الّذي جمع على الطاعة الشريفة كلّ قبيلة، وبسط على ذوي الإخلاص [ظلال نعمه] «1» الظّليلة، والشهادة بأنّه الّذي لا إله إلّا هو وحده لا شريك له شهادة أتخذها للتوحيد دليله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ورسوله الّذي اتخذه الله تعالى حبيبه وخليله، وآتاه الدّرجة الرفيعة والوسيلة، وعلى آله وصحبه صلاة مباركة أصيلة- فإن الأولى لتزكية القوم ترعى «2» ، وذا الإخلاص ينجح له كلّ مسعى، والجدير بالنّعم من يجيب بالطّاعة حين يدعى، من سلك في الخدمة الشريفة مسلك الأسلاف، وتجنّب ما يفضي إلى الشّقاق والخلاف؛ فعند ذلك رفعنا مراتبه، وضاعفنا مواهبه، وأنرنا بالإقبال الشّريف كواكبه، وأجملنا مكاسبه، وبسطنا في ربع تقدمة بني مهديّ كلامه، ونفّذنا أمره على طائفته: قوله وإبرامه، من أضحى مشكورا من كلّ جانب، مجتهدا في المصالح وبلوغ المآرب، من عرف بالأمانة فسلكها، واشتهر بالصّيانة فملكها، وحاز أوصافا حسنة، وسيرة نطقت بها الألسنة، وكان فلان هو الذي أضحى على عربانه مقدّما، ومن أكابرهم معظّما.

الصنف السادس (مما يكتب لأرباب الوظائف بالشام - تواقيع زعماء أهل الذمة: من اليهود والنصارى)

فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت مراسمه الشريفة عالية نافذة، وأوامره بصلة الأرزاق عائدة- أن يستقرّ...... على عادته وقاعدته: حملا على ما بيده من التوقيع الكريم. فليباشر هذه الإمرة مع شركائه مباشرة حسنة، وليسر فيها سيرا تشكره عليه الألسنة، وليظهر السّداد، وليبذل الطّاعة والاجتهاد، وليسلك المسالك الحسنة؛ والله تعالى يجعله من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، والوصايا كثيرة وملاكها تقوى الله تعالى؛ والله تعالى يجعل إحساننا إليه يتوالى. قلت: وقد تقدّم أنّه يكتب بإمرة بني مهديّ من الأبواب السلطانية أيضا. على أنّ هذا التوقيع من التواقيع الملفقة، ليس فيه مطابقة للتواقيع، وليس برائق اللفظ، ولا مؤنق المعنى. الصنف السادس (مما يكتب لأرباب الوظائف بالشام- تواقيع زعماء أهل الذّمة: من اليهود والنصارى) وهذه نسخة توقيع لبطرك النصارى مفتتحا ب «أما بعد» كتب به للبطرك «ميخائيل» وهي: أمّا بعد حمد الله الّذي جعلنا نشمل كلّ طائفة بمزيد الإحسان، ونفيض من دولتنا الشريفة على كلّ بلد اطمئنانا لكلّ ملّة وأمان، ونقرّ عليهم من اختاروه ونراعيهم بمزايا الفضل والامتنان، والشّهادة بأنّه الله الّذي لا إله إلّا هو الواحد الذي ليس في وحدانيته قولان، والفرد المنزّه عن الجوهر والأقنوم والوالد والولد والحلول والحدثان، [شهادة] «1» أظهر إقرارها اللّسان، وعملت بها الجوارح والأركان، والصّلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله المبعوث إلى كافّة الملل والإنس والجان، الذي بشّر به عيسى وآمن به موسى وأنزل عموم رسالته

في التّوراة والإنجيل والزّبور والفرقان، فصحّ النّقل بنبوّته وآدم في الماء والطّين وأوضح ذلك البرهان، وعلى آله وصحبه الذين سادوا بإخلاص الوحدانيّة، وشادوا أركان الملة المحمّديّة، وأعزّوا الإيمان وأذلّوا الطّغيان، صلاة ينفح طيبها، ويفصح خطيبها، ويفرح بها الرحمن- فإنّ أولى من أقمناه بطريكا على طائفة النصارى الملكيّة، على ما يقتضيه دين النصرانية والملّة العيسويّة، حاكما لهم في أمورهم، مفصحا عما كمن في صدورهم- من هو أهل لهذه البطريكية «1» ، وعارف بالملّة المسيحيّة، أخذه لها «2» أهل طائفته، لما يعلمون من خبرته ومعرفته، وكفايته ودربته، وندب إلى ولاية يستحقّها على أبناء جنسه، ورغب في سلوكه لها مع إطابة نفسه، مع ما له من معرفة سرت أخبارها، وظهرت بين النّصارى آثارها، وكان فلان- أدام الله تعالى بهجته- هو من النصارى الملكيّة بالمعرفة مذكور، وسيره بينهم مشكور، القائم فيهم بالسّيرة الحسنة، والسّالك في مذاهبهم سيرا تشكره عليها الألسنة. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال إحسانه العميم لكلّ طائفة شاملا، وبرّه الجسيم لسائر الملك بالفضل متواصلا- أن يستقرّ بطركا على النصارى الملكيّة بالشام وأعماله، على عادة من تقدّمه في ذلك، وتقوية يده على أهل ملّته، من تقادم السنين بحكم رضاهم، ومنع من يعارضه في ذلك: حملا على ما بيده من التوقيع الكريم المستمرّ حكمه إلى آخر وقت. فليباشر هذه البطركية مباشرة محمودة العواقب، مشكورة لما تحلّت به من جميل المناقب، وليحكم بينهم بمقتضى مذهبه، وليسر فيهم سيرا جميلا ليحصل لهم غاية قصده ومأربه، ولينظر في أحوالهم بالرّحمة، وليعمل في تعلّقاتهم بصدق القصد والهمّة، وليسلك الطريق الواضحة الجليّة، وليتخلّق بالأخلاق المرضيّة، وليفصل بينهم بحكم مذهبه في موارثهم وأنكحتهم،

وليعتمد الزّهد في أموالهم وأمتعتهم، حتّى يكون كلّ كبير وصغير ممتثلا لأمره، واقفا عندما يقدّم به إليه في سرّه وجهره، منتصبين لإقامة حرمته، وتنفيذ أمره وكلمته؛ وليحسن النظر فيمن عنده من الرّهبان، وليرفق بذوي الحاجات والضّعفاء: من النّساء والصّبيان، والأساقفة والمطارنة والقسّيسين زيادة للإحسان، إحسانا جاريا في المساء والصّباح، والغدوّ والرّواح. فليمتثلوا أمره بالطّاعة والإذعان، وليجيبوا نهيه من غير خلاف ولا توان؛ ولا يمكّن النّصارى في الكنائس من دقّ الناقوس، ورفع أصواتهم بالضّجيج ولا سيما عند أوقات الأذان لإقامة النّاموس، وليتقدّم إلى جميع النصارى بأنّ كلّا منهم يلزم زيّه، وما جاءت به الشروط العمريّة «1» لتكون أحوالهم في جميع البلاد مرعيّة، وليخش عالم الخفيّات، وليستعمل الأناة والصّبر في جميع الحالات؛ والوصايا كثيرة وهو بها عارف، والله تعالى يلهمه الرّشد والمعارف. قلت: وهذا التوقيع فيه ألفاظ ومعان غير مستحسنة، وألفاظ ومعان منكرة، أفحشها قوله: مفصحا عما كمن في صدورهم. فإنّه لا يعلم ما تخفي الصدور وتكنّه إلّا الله تعالى. واعلم أنّه ربما افتتح توقيع البطريرك عندهم ب «- رسم بالأمر» . توقيع لبطرك النصارى بالشام أيضا، كتب به للبطريرك «داود الخوري» ب «البطرك المحتشم» ؛ وهو: رسم بالأمر- لا زال يعزّ بالالتجاء إلى حرمه من يأوي إليه، ويقصد عدله

من أهل الملل ويعتمد عليه- أن يستقرّ فلان- وفّقه الله تعالى- بطريرك الملكية، بالمملكة الشريفة الشاميّة المحروسة، حسب ما اختاره أهل ملّته المقيمون بالشام المحروس ورغبوا فيه، وكتبوا خطوطهم به، وسألوا تقريره في ذلك دون غيره؛ إذ هو كبير أهل ملّته، والحاكم عليهم ما امتد في مدّته، وإليه مرجعهم في التّحريم والتّحليل، وفي الحكم بينهم بما أنزل الله تعالى في التّوراة ولم ينسخ في الإنجيل؛ وشرعته مبنيّة على المسامحة والاحتمال، والصّبر على الأذى وعدم الاكتراث [به] «1» والاحتفال. فخذ نفسك في الأوّل بهذه الآداب، واعلم بأنّ لك في المدخل إلى شريعتك طريقا إلى الباب «2» ؛ فتخلّق من الأخلاق بكلّ جميل، ولا تستكثر من متاع الدنيا فإنه قليل، وقدّم المصالحة بين المتحاكمين إليك قبل الفصل البتّ فإنّ الصّلح كما قيل: سيّد الأحكام، وهو قاعدة دينك المسيحيّ ولم تخالف فيه المحمديّة الغرّاء دين الإسلام، ونظّف صدور إخوانك من الغلّ ولا تقنع بما ينظّفه ماء المعمودية من الأجسام «3» ؛ وإليك الأمر في البيع، وأنت رأس جماعتك والكلّ لك تبع؛ فإيّاك أن تتخذها لك تجارة مربحة، أو تقتطع بها مال نصرانيّ تقرّبه فإنّه ما يكون قد قرّبه إلى المذبح وإنّما ذبحه؛ وكذلك الديارات والقلالي «4» ، [يتعين عليه أن يتفقّد فيها كل أمر في] «5» الأيام والليالي،

وليجتهد في إجراء أمورها على ما فيه رفع الشبهات، وليعلم أنّهم إنّما اعتزلوا فيها للتّعبد فلا يدعها تتّخذ متنزّهات؛ فهم إنّما أحدثوا هذه الرّهبانية للتّقّلل في هذه الدنيا والتّعفّف عن الفروج، وحبسوا فيها أنفسهم حتّى إنّ أكثرهم إذا دخل إليها ما يعود يبقى له خروج؛ فليحذّرهم من عملها مصيدة للمال، أو خلوة له ولكن «1» بالنّساء حراما ويكون إنّما تنزّه عن الحلال؛ وإيّاه ثم إيّاه أن يؤوي إليه من الغرباء القادمين عليه من يريب، أو يكتم عن الإنهاء إلينا مشكل أمر ورد عليه من بعيد أو قريب؛ ثم الحذر الحذر من إخفاء كتاب يرد [إليه] «2» من أحد من الملوك، ثم الحذر الحذر من الكتابة إليهم أو المشي على مثل هذا السّلوك؛ وليجنّب البحر وإيّاه من اقتحامه فإنّه يغرق، أو تلّقي ما يلقيه إليه جناح غراب منه فإنّه بالبين ينعق؛ والتّقوى مأمور بها أهل كلّ ملّة، وكلّ موافق ومخالف في القبلة؛ فليكن عمله بها وفي الكتابة ما يغني عن التصريح، وفيها رضا الله تعالى وبها أمر المسيح. توقيع برآسة اليهود بالشام، [جاء] مفتتحا «برسم» من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، وهو: رسم بالأمر- لا زال جوده في كلّ ملّة، وغمام كرمه على الخلق كأنه ظلّة، وذمام نعمه يبلّغ المسلم والذّمّيّ من الاستحقاق محلّه، أن يستقر الحكيم [فلان] «3» ومنه:- وأن يعاملهم على ما ألفوه من الأحكام، وينصف صاحب حقّهم

النيابة الثانية (من النيابات التي يكتب عن نوابها بالولايات - نيابة حلب)

من متطلّبهم: حتّى لا يعدو أحد في سبت ولا في سائر الأيّام، ويهذّب وحشيّ جاهلهم بإيناسه، ويعالج سقم كاهلهم حتّى تطلع الصّفراء من راسه. فليقم مقاما في هذه الطائفة القديمة، وليعبّر من أسفار عبرانيّة عن عوائد قضاياهم النظيمة، مفرّحا بمعرفته كلّ حرّان، جامعا كلّ شعث على عدل عنده وإحسان، شاكرا لظلل النّعمة، عارفا بالعوارف الّتي ترعى يمينها كلّ ذمّة. النيابة الثانية (من النيابات الّتي يكتب عن نوابها بالولايات- نيابة حلب) وهي على نحو من نمط دمشق فيما يكتب عن نائبها؛ فيكتب عن نائبها أيضا بالتواقيع لأرباب الوظائف بحاضرة حلب وأعمالها: من أرباب السّيوف، وأرباب الأقلام الدّينية، وأرباب الأقلام الديوانية، ومشايخ الأماكن وغيرهم، مرتّبة على المراتب الثلاث: من الافتتاح ب «الحمد لله» ، والافتتاح ب «أمّا بعد حمد الله» ، والافتتاح ب «- رسم بالأمر» . وهذه نسخ تواقيع مما كتب به لأرباب السيوف بحاضرة حلب وأعمالها، يستضاء بها في ذلك: توقيع بنقابة الأشراف «1» ، كتب به للشريف عزّ الدّين «أحمد بن أحمد الحسيني» ب «المقرّ العالي» ؛ وهو: أمّا بعد حمد الله الّذي خلّد السيادة في بيوت الشّريف أحمد تخليد، وقلّد تقاليد السّعادة، لأهل الإفادة، أسعد تقليد، وجدّد الوفادة، لحرم العبادة، بعزّ العصابة المحمدية آكد تجديد، والصلاة والسلام على سيد الخلق الّذي عقد العهدين لأمّته، بالثّقلين: من كتاب الله وعترته، وسرّ النفوس المؤمنة هداه بكلّ أبيّ من أسرته، وأقرّ العيون المراقبة بكلّ سريّ من أهل بيته تبرق أنوار

النبوّة من أسرّته، وعلى آله حبل النّجاة للمتمسّك، وسبل الهداة للمتنسّك، وصحبه نجوم الهدى، ورجوم العدا، وأئمّة الخير لمن بهم اقتدى، صلاة وسلاما، يتعاقبان دواما، ويتلازمان على الألسنة مدى المدى لزاما، ما حلا بعين وطف «1» ، وما علا علويّ ذرا شرف- فإنّ أهمّ ما اعتنى به ولاة أمور الإسلام، وأعمّ ما اقتنى منه رعاة أجور الحكّام- رعاية مصالح أهل البيت، وانتهاز الفرصة في موالاتهم حتّى لا يقال لفواتها: ليت، وتعظيم ما عظّم الله تعالى من حقوقهم، وتكريم ما كرّم رسوله من برّهم واجتناب عقوقهم، وتقديم أحقّهم بالتقديم لا حقّ سبّاقهم إلى غايات الغلوات وسبوقهم، والتّعبد بالتّعب والاجتهاد في نفعهم، ونصب النفوس للنّصب لتجر ذيول الفخر بموالاتهم، وإعلائهم على الرؤوس ورفعهم، اختيارا لرأي من زاد في العناية بالعترة الطاهرة وأربى، وأتمارا بقوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى «2» خصوصا نقابة الأشراف، والنّظر فيما لهم من الأوقاف؛ فهي شاملة جمعهم، وجامعة شملهم، وواصلة نفعهم، ونافعة كلّهم، وبفضل مباشرها تسبغ عليهم النّعمة، وتستدرّ ببركة إجماعهم عليه سحب الرّحمة، وبكفالته تجمع المنّة لمراتبهم وأحسابهم، وبإيالته تدفع الظّنّة عن مناقبهم وأنسابهم؛ وهو القائم عن ولاة الأمور من خدمهم بفروض الكفاية، والدّائم الدّأب لمرآة أدبهم لتحسن لهم الرّعاية، فوجب الاحتفال باختيار من يحلّي هذا المنصب الشريف، وتعيّن الابتهال في امتياز من يسبغ عليه هذا الظّلّ الوريف، ممّن قدم في هذه السيادة بيته، وارتفع بخفض العيش لقرابته بعفافه وديانته صيته، وتنزّه عن كلّ ما يشين وتبرّا، واكتسى حلل الفخار العلية ومن أعراض الدنيا الدّنيّة تعرّى. وكان فلان بن فلان- أسبغ الله تعالى ظلالهم، وضاعف بمعالي الشّرف

جلالهم- ممّن حاز في هذه الخلال المنازع «1» ، وجاز نهاية هذه الخصال بلا منازع، وورد من حياض المناقب الجميلة أعذب المشارع، ودرى المراقي إلى المجد ودرب، وبلغت نفوس محبّيه من مخايل سعوده الأرب، وقرّت عيون أقاربه بما حصل له من القرب، ونشأ في حجر السّعادة، وارتضع لبان الإفادة، ولحق بالسابقين الأوّلين من أهل بيته في الزّهادة، وتبتّل بالإخلاص فظهرت على وجهه أنوار العبادة، وانقطع على العمل، وبلغ من العلوم الأمل: قؤوم تشبّث بالمجرّة وهو شامة في شامه المنسوب: ورث السّيادة كابرا عن كابر ... كالرّمح أنبوب على أنبوب أصل فخار سما، وفرع نجار نما، وغيث فضل همى، أثبت في أعلى المعالي قدما، وناسب قدره سعيه كرما، وجلّت صفات محاسنه اللّائقة، وحلّت الأفواه مدائح سجاياه الرّائقة، وتملّت الألسن وما ملّت ما تملي عنه بالخير كلّ ناطقة. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت أوامره ببرّ آل موالاته ماضية، ونواهيه بقهر أهل معاداته قاضية- أن يستقرّ...... استقرارا يقرّ عين العلا، ويسرّ نفوس أهل الولا، ويضع الأشياء في محلّها، ويسند الأمور إلى أهلها، ويستجلب الأدعية، ويحمل بالولاء الجميل ألوية، ويشرح خواطر الأشراف ويطيّب نفوسهم، ويرفع بعد سجود الشّكر بالدعاء رؤوسهم. فليباشر هذه الوظيفة مباشرة يقفو بها آثار بيته الطاهر، بعزم كريم: لكلّ مصلح بالخير غامر، ولكلّ مفسد بالضّير قاهر، وحزم حليم: لكلّ حقّ ناصر، ولكلّ كسر جابر، وليصل بالبرّ رحمه، وليلن للضعيف كلمه، وليقم بأعباء هذه الوظيفة قيام عمّه الشّريف وأبيه، وليصم عن أموال الأوقاف صياما يقرّبه الله تعالى به ويجتبيه، ليحمد، هذا المنصب الجليل، في بيته الأصيل، عوده على

أحمد؛ ولينفع قرابته بتثمير أموالهم، وليشفع النهضة بالمعرفة في تثمير غلالهم، لتدرّ بركته أخلاف أرزاقهم، وتقرّ خواطرهم بمضاعفة أرزاقهم وإطلاقهم، ويخصب في جنابه مرعاهم، ويقرّب في بابه مسعاهم، وتنطق بشكره ألسنتهم الشريفة، وتنطبق على صحبته ظلال بيوتهم الوريفة، وليعتبر ويختبر أشغالهم وليمنع شبّانهم من الاحتراف بحرف الأدنياء، وليأمر الآباء بتعهّد تربية الأبتاء، وليأمرهم من العمل بما يناسب معاليهم، وليجبرهم بتدبيره السّديد جبرا يميّزهم بحسن السّمت من أوليائهم: وكلّنا من مواليهم. والوصايا كثيرة، وعين علومه بتعدادها بصيرة؛ وتقوى الله تعالى لا يهمل النّصّ عليها، والإشارة بحسن البيان وحسن البنان إليها؛ فلتكن ركن استناده، ورأس مال اعتماده؛ والله تعالى يديمه في صعود درج السّعود مدّة حياته، ويجمع له خيري الدنيا والآخرة برفع درجاته. وهذه نسخة توقيع بنقابة الجيوش بحلب، كتب به ل «- ناصر الدين بن أيتبك» ب «السّامي» بغير ياء؛ وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال أمره الشريف يعضّد الجيوش بأعضد ناصر، ويرشد أولياء الخدمة إلى ارتقاء رتب المعالي فكلّ إنسان عن إدراك محلّها قاصر- أن يستقرّ فلان- أدام الله توفيقه، وجعل اليمن والسّعد قرينه ورفيقه- ... استقرارا يظهر ما لم يخف من نهضته وكفايته، ويشهر معلن سرّ يقظته ودرايته؛ لأنّه الفارس الّذي أعزّ كلّ راجل بشجاعته، والممارس الّذي خبر الوقائع بحسن دربته ودراية صناعته، والعارف الّذي اتّصف بالخبرة وحسن الصّفة، وعرف في أموره بالعدل والمعرفة، والهمام الّذي علت همّته فوق كلّ همّة، وكشف بجزيل مروءته من الكربات كلّ غمّة، وسار في الجيوش سيرة والده، فشهد كلّ بما حواه من طارف الفضل وتالده. فليباشر ذلك: سائرا في الجنود أحسن سيرة، مراقبا الله تعالى فيما يبديه

من القول والفعل والعلانية والسّريرة، ملازما ما يلزمه من حقوق هذه الوظيفة، قائما بما يجب من أداء الخدمة الشّريفة، ولينفّذ ما يؤمر به من الأوامر، عالما بما يتعيّن من حقوق المأمور والآمر، [وليجتهد] «1» في جمع العساكر وإعلامهم بالمهمّات، وليتفقّد أحوال الجند في سائر الأوقات، وليسفر النّقاب عن الوجوه بالحلية يوم العرض، وليسبل حجاب السّتر على من أدركه العجز عن أداء الفرض؛ والوصايا كثيرة لا تحتاج إلى التّعداد، وتقوى الله تعالى هي العمدة في كلّ الأمور وعليها الاعتماد. توقيع بالمهمنداريّة «2» بحلب، كتب به ل «غرس الدين الطناحي» ب «الجناب العالي» ؛ وهو: رسم بالأمر الشريف- لا زالت عزائمه تندب للمهمّات من غرست برياض وليّه أدواح الهمم فزكا غرسا، وتقرّر لها من شاب فوده في إفادة الوفود فأجاب قصدا وأطاب نفسا، ولا برحت عنايته تشمل من أولياء خدمها كلّ شهم إذا سلّ عضبا أزال نفسا وأسال نفسا، وتعيّن من أعيانهم كلّ جميل يودّ المنافس لو شاهده ولا تبخس يد الرّقيّ منه نفسا- أن يستقرّ............ لأنّه ذو الهمم الّتي لا تلحق جيادها، ولا تسبق جودة جيادها «3» ، لا منتهى لصغار هممه فأنّى تدرك كبارها، ولا تدرك سوابقه فأنّى تقتفى آثارها؛ له قدم إقدام في الثّرى لا يزال «4» راسخا، وهامة همّة لم يزل شرفها على الثّريّا باذخا، ولأنّه الفارس

الذي تفرّست في مخايله الشّجاعة، وتبضّع الشّهامة في الحروب فكانت أربح بضاعة؛ كم أزرت سمر رماحه بهيف القدود، وأخجلت بيض صفاحه كلّ خود أملود «1» ، وكم جرّدت من مطربات قسيّه الأوتار فتراقصت الرؤوس، وشربت الرّماح خمر الدّماء فعربدت على النّفوس: له همم تعلو السّحائب رفعة، ... وكم جاد منها بالنّفائس والنّفس! وتجنى ثمار الفضل من دوح غرسه! ... ولا غرو أن تجنى الثّمار من الغرس! فليباشر هذه الوظيفة مباشرة تحمده فيها الورّاد، وتشكره بالقصد ألسنة القصّاد، وتذكره البريديّة «2» بالخير في كلّ واد، وليهيّء لهم [من القرى ما يهيّئه] «3» المضيف، وليحصّل لهم التّالد منه والطّريف، وليتلقّهم بوجه الإقبال، وليبدأهم بالخير ليحسن له المآل، وليجعل التّقوى إمامه في كلّ أمر ذي بال، وليتّصف بالإنصاف فهو أحمد الأوصاف في جميع الأحوال. توقيع بتقدمة البريديّة بحلب، كتب به لعماد الدين «إسماعيل» ب «المجلس العالي» ؛ وهو: رسم بالأمر الشريق- لا زالت عنايته الكريمة تقدّم إلى الرّتب العليّة من بنى أسّ إقدامه من المروءة على أشرف عماد، وتعيّن للمهمّات الشّريفة من امتطى من جياد العزم أسبق جواد، وتندب لها من أولياء خدمه كلّ ندب لم يزل ساعد سعده مبنيّا على السّداد، وتصعد إلى أفقها من ذوي الشّهامة من فاقت بيمينه الصّعاد- أن يستقرّ.......: لأنّه ذو الهمم الّتي سامى بها الفراقد، والكفء الّذي نشط إلى القيام بالعزائم إذا قعد عنها من ذوي الهمم ألف راقد،

والمقدّم الّذي قدّمه الإقدام على قضاء الأمور المعضلات، وحلّى أجياد ذوي المآرب إذ حلّ لهم منها بيمن عزمه المشكلات؛ ما علا جواد بريد إلّا وسابق الطّرف «1» بل الطّرف إلى المراد، ولا ندب إلى مهمّ للحكم فيه نيلا لأمل إلّا قدح من رأيه في فضائه أورى زناد، والفارس الّذي تمايلت بكفّه العوامل «2» عجبا فأخجلت الأغصان، وحلت إذ حلّت بقلوب الأعداء وإن كانت من المرّان «3» ، والشّهم الّذي سبق السّهم إلى الغرض، والشّجاع الّذي ما أعرض عن محاربة الأقران: فصفّى جوهر شجاعته من العرض، واليقظ الّذي لم يكن يناظره إنسان، ولا انطبق على أسيافه المسهّدة بيمينه أجفان. فليباشر هذه التّقدمة مباشرة يشهد الحاسد له فيها بالتقديم، ويقرّ الجاحد أنّه أهدي لما أسدي إليه إلى صراط عزم مستقيم، وليطر إلى قضاء المهمّات الشريفه بأجنحة السّداد، وليمتط من جواد الجوادّ «4» أسبق جواد، وليسوّ بين البريدية في الأشغال، وليقبل عليهم فيما يرومونه من حسن السّفارة بوجه الإقبال، وليسلك سنن الصّدق والتّقوى وليجعلهما له أحسن سنّة، وليلبس سوابغ الإنصاف فإنّها من سهام الخلل جنّة. نسخة توقيع بنيابة عينتاب «5» ، كتب به لناصر الدين «محمد بن شعبان» ب «المجلس العالي» عوضا عمن كان بها؛ وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال إحسانه العميم، يرفع لناصر الدين قدرا، وامتنانه الجسيم، ينفّذ له في حفظ الممالك المنصورة أمرا، ويولّي أمر الرّعية

من حسنت سيرته سرّا وجهرا- أن يستقرّ.........: لأنه شهم سهم عرفانه مصيب، وفارس ربع خبره وخبره خصيب، له مناقب جليلة، وسيرة محمودة جميلة، تنقّل في المراتب تنقّل البدر في سعوده، وارتقى ذروة السيادة ارتقاء الكوكب في منازل صعوده؛ ما باشر مباشرة إلّا ونشرت له بها أعلام شكره، ولا علا منزلة إلّا تليت بها سور حمده وذكره؛ لم يزل متّبعا للحقّ في أحكامه، سالكا سبل الصّواب في نقضه وإبرامه؛ فتح له إقبالنا الكريم بابه، فلذلك قدّم على غيره في هذه النّيابة. فليباشرها مقتفيا آثار العفاف، مرتديا أردية العدل والإنصاف، مقيما منار الشرع الشريف، منصفا من القويّ الضّعيف؛ والله تعالى يوفّقه للصواب فيما تولّاه؛ والخطّ الكريم شاهد أعلاه. قلت: وعلى نيابة عينتاب هذه يقاس ما في معناها من نيابات العشرات «1» ، فيجري الحكم في تواقيعها كذلك. أمّا الطبلخانات «2» فقد تقدّم أنّ الأصل أنّه لا يولّى فيها إلّا من الأبواب السلطانية. وهذه نسخة مرسوم بإمارة الرّكب الحلبيّ المتوجّه إلى الحجاز الشريف، كتب به لشهاب الدين «أحمد بن الطنبغا» ب «الجناب الكريم» . والبياض «3» فيه وصل واحد؛ وهي: رسم بالأمر العاليّ- لا زال يمنح وفد الله تعالى بمن لم يزل شهاب هممه في أفق الصيانة منيرا، ويسند أمرهم إلى كلّ ندب لا يزال على الحقّ ظاهرا وعلى ذوي الباطل ظهيرا- أن يستقرّ فلان من أعيان الموالي الأمراء الطبلخانات

بحلب المحروسة- أعزّ الله تعالى نصرته- أميرا على ركب الحاجّ الحلبيّ في هذا العام المقبل، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، حسب ما رسم به، استقرارا يحمد به الوفد عند صباح هممه السّرى، ويبلغ بهم قرى الغفران بأمّ القرى، وينال به طيب العيش بطيبة وطابة «1» ، ويدرك بجياد فضله آرابه، ويمنح به زيارة سيّد البشر عليه أفضل الصلاة والسلام، ويفوّق به سهم إصابته من البشر إلى مرامي المرام، ويشهد به بين قبره ومنبره روضة من رياض الجنّة، ويلبس به سوابغ القبول لتكون له من سهام الذّنوب أوقى جنّة، ويتردّى [به] برود التّقى حين ينزع محرّمات الإحرام، ويقبل به على ذكر الله تعالى في الوهاد والبقاع والآكام، ويستقبل به حرم بيت الله الحرام، ويشبّ له الهنا حين دخوله المسجد من باب بني شيبة، ويتعاطى به أسباب التّوبة، لينال من العفو من الله الكريم سيبه، ولا يقتصر به عن التّطاول إلى الدعاء إلى الله تعالى لتعمّه الرحمة بفضله وطوله، ويدخل به حرما آمنا يتخطّف الناس من حوله، ويفتح به إلى المقام بابا من الأمن إلى يوم القيامة مقيم، ويذكر بوقوفه بعرفات وقوفه يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ «2» فليباشر هذه الإمرة المباركة مباشرة يتيقظ منها لهجر المنام، وليصرف وجه سهامه إليها في المسير والمقام، ولينفق على الحاجّ من كنوز معدلته، وليجعل القيام بمصالحهم من أكبر همّته، وليسع بالصّفا في حراستهم من أهل الفساد، وليعتمد صونهم من ذوي العناد، وليعاملهم بالإرفاد والإرفاق، وليقطع من بينهم شقّة الشّقاق، وليجعل تقوى الله إمامه في القول والعمل. وهذه نسخ تواقيع لأرباب الوظائف الدينية بحلب: توقيع بقضاء القضاة، كتب به لقاضي القضاة جمال الدّين «إبراهيم «3» بن

أبي جرادة» قاضي قضاة حلب المحروسة الشهير ب «ابن العديم» من إنشاء ... «1» ... الحنفي ب «المقرّ الكريم» ؛ وهو: الحمد لله الّذي رفع مراتب المناصب العليّة وكساها من ملابس أهلها حلل الجمال، وجمع شملها فاقترنت بإلفها اقتران النّيّرين: شمس الضّحى وبيت الكمال، ورفع عنها يد المتطاول والمتناول فأصبح رقم طرازها الموشّى منتسجا على أحسن منوال، وقطع الأطماع عن إدراك شأوها فلا يصل إليها إلّا كلّ فحل من الرجال. نحمده على نعمه الّتي اعترف من اغترف من بحرها الوافر بالخير الكامل والفضل المديد، واقترف من اقتطف ثمار جودها جميل النّوال المفيد، وجزيل الإحسان العديد، حمدا يوافي نعمه ويكافي مزيده، ويعمّ بالإنعام الشّامل نائله ومريده، ونشكره على مننه الّتي يقصر لسان الإطناب عن حصرها وتعدادها، وتعجز بنات الفكر عن إدراك وصفها وتردادها، شكرا ينال به العبد رضا المعبود، ويبلغ به من مقاصد الكرم والجود غاية المقصود، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ولا ضدّ، ولا والد له ولا ولد ولا ندّ، شهادة تبيّض وجه قائلها عند العرض، وينطق بها لسان التوحيد يوم تبدّل الأرض غير الأرض، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الّذي أظهر الله به الحقّ وأعلنه، وبهر بحقائق معجزاته العقول فاعترف كلّ بصحّة ما عرّفه وبيّنه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نصر الله بهم الإسلام وأبّد أحكامه، وأحكم بهم مباني الإيمان المنيرة وأيد إحكامه، صلاة تتعطّر بنفحات عرفها أرجاء المدارس، وينادي لسان فضلها لرائد فرائد المعالي على طول المدا: رس «2» ، وسلّم ومجدّ وكرّم، وشرّف وبجّل وعظّم.

وبعد: فإنّ أولى من لحظته عين العناية والقبول، وأجدر من بلغ من مقاصد المناصب العلية غاية القصد والسّول، وأعزّ من رقي ذرا المعالي وارتقى، وأجلّ من وصف بالأوصاف الجميلة ونعت بالدّيانة والتّقى- من سارت سيرة فضله في الآفاق، ودلّ على صفاء السريرة منه حسن الأخلاق، واشتهر بالعلوم الجزيلة، والمناقب الجليلة، وعرف في الإنصاف بالأوصاف المحمودة والخصال الجميلة، وأظهر من العلوم الشريفة، ما حيّر العقول، وحقّق من المسائل اللّطيفة، ما جمع فيه بين المنقول والمعقول، ودقّق المباحث حتّى اعترف بفضله الخاصّ والعام، وفرّق بين الحقيقة والمجاز فلا يحتاج إلى استعارة إذا تشبّه الأخصام، وحكم بما أراه الله فأحكامه مرضيّة، وقضاياه في الجملة قد أنتجت فهي مقدّمة في كلّ قضيّة، وثابر على إلقاء الدّروس في وقتها وأوانها، وقرّر كلّ مسألة في محلّها ومكانها، وأفاد طلّاب العلم الشريف من فوائده الجمّة، وكشف لهم عن غوامض المباحث فجلا عن القلوب كلّ غمّة، وجال في ميادين الدّروس فحيّر الأبطال، وحاز قصب السّبق في حلبة اللّقاء فردّ متأسّفا كلّ بطال، ونظر في أمور الأوقاف بما أراه الله فأتقن بحسن النظر وجه ضبطها، وأجرى أمور الواقفين على القواعد المرضيّة فوافق المشروط في شرطها، وجمع ما تفرّق من شملها فأجمل وفصّل، وحفظ أموالها فحصّل وأصّل؛ فهو الحاكم المشهور بالعدل والمعرفة، والناظر الّذي حمدت الأمور تصرّفه، والإمام الّذي ائتم الأنام بأقواله وأفعاله، والعالم الّذي يحمد الطالب إليه شدّ رحاله، والمدّرس الّذي أفاد بفقهه المفيد النافع، وترفّع في البداية والنّهاية فهو المختار في المنافع، وسلك منهاج الهداية، فنال من العلوم الغاية؛ فبدائع ألفاظه لعقائد الدّين منظومة، وكنز عرفانه عزيز المطلب ومحاسنه المشتملة على الكمال معلومة. ولما كان فلان- أعزّ الله تعالى أحكامه، وقرن بالتوفيق والسّداد نقضه وإبرامه، هو المشار إليه بالأوصاف والنّعوت، والمعوّل عليه إذا نطق بالفضائل والحاضرون سكوت، والمشكور أثر بيته المشهور، والمنشور علم علمه من

السّنة والشّهور؛ يا له من بيت لم يزل معمورا بالتّقوى والصّلاح، محميّا بأسلحة أهله: فمن أحكامهم السّيوف ومن أقلامهم الرّماح؛ فهو العديم المثل وبيته العديم، وحرم فضل يحجّ إليه الرّاحل والمقيم؛ فاستحقّ أن تقابل مقاصده بالإقبال، ويقابل بما يؤمّله مقابلة مثله ولا كسائر الأمثال. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت مراسمه المطاعة تقرّ الحقّ في يد مستحقّه، وتردّ الأمر إلى وليّه ومالك رقّه، وتسوق هدي الإحسان إلى محلّه، وتضع الاستحقاق في يد مستحقّه والحقّ وضع الشّيء في محلّه- أن يستقرّ......... بحكم ظهور الحقّ بيده المباركة، وخفاء الباطل الّذي ليس له في الحقّ مشاركة، استقرارا مباركا ميمونا، بالخير والسّعد مقرونا؛ لأنّه الأحقّ بأمر وظائفه، والطائف حول حرمها الممنوع طائفه، وأولى من عقلت عليه عقيلته، وردّت إليه فريدته، وباشر بنفسه الكريمة ما عهد إليه سلفه، وانفرد به فلا يناله- إن شاء الله- إلّا خلفه؛ طالما ألفت منه الأوقاف منّ الشّفقة والخير، وحفظ جهاتها المحميّة عن تطاول يد الغير، ونعم بحسن نظره من المدارس كلّ دارس، وفازت منه الدّروس بالعالم العارف والبطل الممارس. فليباشر ذلك على ما تقدّم له من حسن المباشرة، وليجتهد- على عوائده- في تحصيل ريعه مثابرا على الأجور أشدّ مثابرة، وليصرف أموال الأوقاف في مصارفها، بعد العمارة والتّثمير المبدّأين في شرط واقفها، وليسوّ- على مقتضى معدلته- بين القويّ والضعيف، والشابّ الصّغير والشّيخ النّحيف، على قدر تفاوتهم في العلم الشريف، وليطلق لسانه في إلقاء الدّروس على عادته، وليمهّد للمشتغلين طريق الفهم لينالوا من إفادته؛ وهو بحمد الله تعالى أولى من أدّى الأمور على الوجه المستقيم، ووفّى المناصب حقّها فإنّ الوفاء جدير ب «- إبراهيم» «1»

والوصايا كثيرة وإليه مرجوعها، ومن بحار علمه ودينه المتين ينبوعها؛ والله تعالى يؤيّد به المناصب، ويرفع بعلوّ رتبته المراتب. نسخة توقيع بخطابة جامع، كتب به لقاضي القضاة «كمال الدين عمر» ابن قاضي القضاة جمال الدين إبراهيم «1» بن أبي جرادة الحنفيّ، الشهير بابن العديم ب «المقرّ الشريف» وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زالت عنايته ترقّي في منازل المجد من تتأثّل بفضله بهجة وكمالا، وتذلّل جيادها لفرسان الفضائل فتجيد لهم في ميدان البلاغة مجالا، وتسلّم رايتها [إلى من صدق بارق سعده، ووهب من العلم] «2» ملكا لا ينبغي لأحد من بعده- أن يستقرّ...... لأنّه الإمام الّذي [لو] «3» تقدّم عصره لكان أحد أئمة الاجتهاد، والعارف الّذي بلغ بولايته مريد الفضل غاية المراد، والعالم الّذي وجدت أخبار علومه نسبة يطابقها في الخارج صالح العمل، واتبع سنن الكتاب والسّنّة فلم يتخلّل طريقته المثلى خلل، والمحقّق الذي وجد إلى كنه الحقيقة أكمل مجاز، والمفوّه الّذي بلغ من البلاغة في كلام البشر حدّ الإعجاز؛ إن خطب شنّف بدرر مواعظه الأسماع، وشرّف بغرر فرائده الأسجاع، واهتزّت أعواد المنابر طربا لكلمه الطّيّب، وروّى أوام «4» القلوب سحّ فضله الصّيّب، وإن قرأ في محرابه أقرّ بفضله الجمع الجامع، واستقلّ «ابن كثير» حين وجد «الكسائيّ» عاريا مما لديه وفضله الجمّ أكمل «نافع» : خطيب إذا الصّادي تصدّى لفضله: ... ليروى، فأنواء العلوم تغيثه! وإن يرو للجلّاس أخبار أحمد، ... فخير جليس لا يملّ حديثه!

وهو الكامل الّذي أدرك درجات الكمال في البداية فأمن في النّهاية وهو قاض من النقص، وسارت عيس الطّلّاب إلى حضرته الكريمة واحدة ولكن بالنّص، والصّاحب الّذي استصحب يسار العفاة باليمين، وأزال ظنّ قاصده في برّه الشامل باليقين؛ كم أطلق بأقلامه المفيدة مكرمة بصلة الأرزاق، ونسخ بمحقّق فضله رقاع «1» الأول بالعطاء على الإطلاق، ولو نظر الملكان: هاروت وماروت ما ملكه من كتابته السّاحرة لأقرّا أنّه السّحر الحلال، ولو قابله «ابن هلال» لا نخسف بدر فضله عند الكمال: ففي كفّه الأقلام تهزأ بالقنا، ... وتخشى سطاها الأسد في غاب غابها! يروع سيوف الهند وري «2» يراعه، ... وقد طار من خوف حديد ذبابها! فليباشر هذه الخطابة مباشرة ترشف منها كؤوس كلمه الأسماع، وليكشف لها عن وجوه فضائله القناع، ولينثر عليهم من درر بلاغته ما تلتقطه أفواه المسامع، ولينشر من طيّ لسانه علم علمه الّذي لا يقاس عليه غيره أبى الله والفارق الجامع، وليطرب بمواصيل أسجاعه القاطعة بفضائله المكمّلة، وليظهر ما جمعه من محاسنه الّتي هي الجمع الّذي لا نظير له، ولينفق على الجمع يوم الجمعة مما آتاه الله تعالى من كنوز الفضائل، وليبلّغهم من بلاغته التي أخملت ذكر «قسّ» و «سحبان وائل» ؛ وأنت- أسبغ الله تعالى ظلالك- معدن الفضائل فأنّى تهدى إليك الوصايا؟، والمتصف بصفات الكمال فكيف تعرض عليك المزايا؟؛ ولكنّ الوصية بتقوى الله تعالى من شعائر الإسلام، والله تعالى يديمك غرّة في جبهة الأيّام. وهذه نسخة توقيع بتدريس بالجامع المذكور، كتب به للقاضي علاء

الدين «عليّ الصّرخديّ» الشافعيّ، نائب الحكم العزيز بحلب ب «المقرّ العالي» ؛ وهي: رسم بالأمر- لا زالت صدقاته تمنح دروس العلم الشريف بعلّي العلوم، وتندب لها من ذوي الاجتهاد من ساير بهممه البرق وسائر النّجوم، وتقرّر للطّلبة من أولى العناية من حقّق الفضائل واطّلع على سرّها المكتوم، وتدير عليهم من مشرب فوائده ما يخال أنّه الرّحيق المختوم- أن يستقرّ فلان......... استقرارا تقرّ به أعين الطّلّاب، وتلمح من صوب فضله عين الصّواب، ويشيّد به دارس الدروس، ويطلع به في سماء الفضائل أنور شموس، وتنشر به أعلام العلوم من طيّ الألسنة، ويذهب من كلّ الطّلبة في تحصيل العلم الشريف وسنه، لأنّه الحبر الّذي شهدت بفضله الأسفار، ورحلت إلى فوائده الجمّة السّفّار، والبحر الّذي جرت سفن الأذهان به فلم تدرك غاية قراره، وعجزت الأمثال عن خوض تيّاره، والعالم الّذي أقرّ بعلمه الأعلام، وشهدت بإحكام أحكامه الأحكام؛ ما برز في موطن بحث إلّا وبرّز على الأقران، ولا جاراه مجتهد إلّا وكانا كفرسي رهان، ولا نطق بمنطق إلّا وأنتجت مقدّمات هممه العليّة واجتهاده على فضله أكمل برهان، ولا أجرى جياد علومه إلى غاية إلّا مطلقة العنان، ولا رآه من أخبر عن فضله إلّا تمثل له: ليس الخبر كالعيان؛ إن تصدّر للفوائد التقطت الأسماع درّ علمه النفيس، وإن درّس تخال الطّلبة أنّه «ابن إدريس» ؛ فهو طود فضل لا يسامى علّوا ورفعة، ولا ينوي مناو أته مناويء ولو كان «ابن رفعة» : إمام غدا للسّالكين مسلّكا، ... عليم، وكم أولى الفضائل من ولي! علا فأسال البحر من فيض علمه! ... وذلك سيل جاء بالفضل من علي! فليباشر هذا التّدريس المبارك مباشرة يثبت بها فوائده، وينثر بها فرائده، ويطرب الطّلّاب بطريف العلم وتالده، ويجمع لهم من صلة الفضل وعائده،

وليلازم المباشرة ملازمة لا ينفكّ عنها أيّام الدّروس، ولينر القلوب بمصابيح الكتاب والسّنة ويسرّ النفوس. وأنت- أمتع الله بفوائدك- من نورك الوصايا تقتبس، وكم آنس الطّالب نار فضلك فأتى منها بأنور قبس؛ والله تعالى يبقيك للعلوم كنزا لا تفنى مواهبه، ويديمك للطّلّاب بحرا لا تنقضي عجائبه. وهذه نسخة توقيع بتدريس بالجامع المذكور لحنفيّ، كتب به للشّيخ شمس الدين «محمد القرميّ» «1» الحنفيّ، ب «الجناب العالي» ؛ وهي: رسم بالأمر- لا زالت عنايته الكريمة تطلع شمس الدّين للهداية في أفق المدارس، وتشيّد بالعلماء الأعلام من ربوعها كلّ دارس، وتمنح الفقهاء بمن إذا تصدّى للإفادة جادت نفسه بالدّرر النّفائس، وتندب لها من أولي البلاغة من إذا ألّف فصلا وجدت غصون أقلامه في روضات الطّروس أحسن موائس- أن يستقرّ فلان: استقرارا تجمّل به الدّروس بالفوائد، وتمنح الطّلبة منها بالصّلة والعائد، ويمدّ لهم من موادّ العلوم أشرف موائد، ويوردهم من مناهلها أعذب موارد، لأنّه شمس العلوم ومصباحها، وقمر ليل المشكلات وصباحها، وساعد الفتاوى الطائرة بفضائله في الآفاق وجناحها، وروح كؤوس العلوم وراحها، وطليعة الحقائق وعنوانها، وعين الدقائق وإنسانها، والإمام الّذي أئتمّ به الطلّاب فاستحقّ الإمامة، والعالم الّذي اجتهد على فضل العلوم فاستوجب أن ينعت بالعلّامة، والفاضل الّذي ضبطت أقواله للاطّلاع على سرّها المكتوم، فاختصّ فعل علمه المتعدّي باللّزوم لاتّصافه بالعموم؛ كم التقطت من دروسه الجواهر، وتمثل لأبكار فوائده: كم ترك الأوّل للاخر؛ قابلته الأسفار عن وجوه فوائدها

بالإسفار، وأظهرت لذكاء ذكائه ما ضمّته أحشاؤها من الإضمار؛ فهو المختار لهذا التّدريس: إذ درر فوائده منظومة، والمجتبى للإفادة بسلوكه طرق الهداية إلى دقائقها المكتومة، وكم استنارت الطّلبة من سمر فضله حتّى كاد أن يكون ثالث القمرين، وجمع في صدره بحري المنقول والمعقول حتّى قيل: هذا «مجمع البحرين» : هو البحر، إلّا أنّ فيه عجائبا ... ووافر فضل ليس يوجد في البحر! بلاغته السّحر الحلال، وإنّما ... بديع معانيها يجلّ عن السّحر! فليباشر هذا التّدريس ناثرا درر فرائده، ناشرا غرر فوائده، جائدا بجياد فضائله السّابقة إلى الغايات، عائدا بصلات حقائقه لتكمل للطّلبة به المسرّات، وليلازم أيّام الدّروس ما أسدي إليه من هذه الوظيفة، وليرتق من درج التّقوى لغرف المعارف الشّريفة. وهذه نسخة توقيع بإمامة وتصدير بجامع منكلي بغا الشّمسي «1» بحلب، كتب به للشيخ شمس الدين «محمد الإمام» ، ب «الجناب العالي» ؛ وهي: رسم بالأمر- لا زالت صدقاته العميمة تطلع شمس الدّين في أفق المعالي، وترفع من أوليائه خدمة من جيده بالفضل حالي، وتمنح برّها من أعربت عن لحنه الطّيّب وتشنّفت من فيه باللّآلي، وتسفح غيث جودها على من أجمع على طيب مسامرته ورفع أدعيته الأسماع واللّيالي ... أن يستقرّ

فلان- أدام الله تعالى ضياء شمسه، وبنى له ربع السّعد من جوده على أسّه...... لأنّه الإمام الذي شهدت بحسن قراءته المحاريب، والآتي من فضل فضائله بالأغاريب، والفاضل الّذي سلك طرق الفضائل أحسن سلوك، وشهد بسبق جياد جوده في حلبة الاختبار كلّ حتّى الملوك، والكامل الّذي كملت أوصافه المحمودة فأمن النّقائص، واختصّ بجميل الشّيم وحسن الخصائص؛ ما أمّ إلّا وشهد بفضله كلّ مأموم، وأقرّوا أنّ أسماعهم ارتشفت رحيق فضائله من كأسها المختوم، وما سامر الخواصّ إلّا وشهد العوامّ بحسن صفاته، ولا حدّث إلّا وكانت الملوك من رواته. فليباشر هذه الوظائف المباركة مباشرة تقرّ بها النّواظر، وتجتمع الألسنة على أنّه أكرم إنسان وخير ناظر، وليتصدّر لإلقاء الفوائد، وليكسب الأسماع من علمه بالطّريف والتّالد، وليتناول معلومه أوان الوجود والاستحقاق، هنيّا ميسّرا من غير تقييد على الإطلاق، وليتّق الله فيما أسدي إليه من ذلك، وليسلك من سنن التّقوى- بقدم الصّدق- أحسن المسالك. وهذه نسخ تواقيع لأرباب الأقلام الديوانية بحلب وما معها: توقيع بكتابة الدّست بحلب، كتب به ل «بهاء الدين بن الفرفور» ونظر بيت المال بحلب، ب «الجناب العالي» ؛ وهو: رسم بالأمر- لا زال ينظم عقود الإحسان في أجياد أوليائه، ويجزل لهم بوافر نظره وافي عطائه، ويجري بهاء الدّين على أحسن نظام فينجز له عدة وفائه- أن يستقرّ......... استقرارا يبلغ به وجوه الآمال، ويكسو الدّواوين ملابس البهاء والكمال، ويزيدها رفعة بما يفضله من ذلك الجمال؛ لأنّه الفاضل الّذي إذا قصد المعانيّ أصاب، وإذا سئل عن كلّ معنى لطيف أجاد وأجاب، والفصيح الّذي إذا تكلّم أجزل وأوجز، وأسكت كلّ ذي لسن بفصاحته وأعجز، والبليغ الّذي أبدع في مكاتباته بمنثوره ومنظومه، واللّبيب الّذي أطلع من أزهار كلمه المسموعة في رياض الطّروس ما يخجل الرّوض إذا افتخرت

بمشمومه، والكاتب الّذي قطعت بمعرفته الأقلام، والحاسب الّذي عقدت على خبرته خناصر الأنام، والأديب الّذي جمع بين «1» قلم الإنشاء الشّريف، وحاز ما في ذلك من تالد وطريف؛ فلله درّه من كاتب زيّن الطّروس بحسن كتابته، وجمّل الألفاظ والمعاني بجميل درايته وفصاحته. فليباشر ما عدق به من ذلك مباشرة مقرونة بالسّداد، مشكورة المساعي والاعتماد، مظهرا براعة يراعه، باسطا يد إيداعه الجميل وإبداعه، مفوّفا حواشي القصص بتوقيعاته، موشّيا برود الطّروس بترصيعاته وتوشيعاته، ناظرا على اعتماد مصالح بيت المال المعمور، وتحصيل حواصله على الوجه المشهور والطّريق المشكور، عاملا بتقوى الله عزّ وجلّ في ضبط مصالح ديوان الجيوش المنصورة، سالكا من حسن الاعتماد طرقا على السّداد والتّوفيق مقصورة؛ والوصايا كثيرة وتقوى الله تعالى عمادها، فليجعلها عمدته فيما يتمّ به للنفس المطمئنة مرادها؛ وليتناول معلومه المستقرّ لذلك أوان وجوبه؛ والله تعالى يبلّغه غاية قصده ومطلوبه. توقيع بصحابة ديوان الأموال بحلب، من إنشاء ابن الشّهاب محمود، كتب به للقاضي شمس الدّين «محمد بن محمد» ، أحد كتّاب الدّست بحلب، ب «المجلس العالي» ؛ وهو: رسم بالأمر- لا زالت صدقاته العميمة تسرّ نفوسا، وتطلع في هالات الوظائف السّنيّة عوض الشّمس شموسا، وتسقي غرس نعمائها الهبات الهنيّة فتزهي أغصانا يانعة وغروسا- أن يستقرّ......: لأنّه الأوحد الكامل، والرئيس الفاضل، ولأنّه حاز قصب السّبق في المباشرات، والمناصب الجليلة والمراتب السّنيّات؛ طالما بذل جهده في خدمة الدّول، وسلك بجميل مباشرته طريق السّلف وسبيل الأول، فأدرك بحسن سيرته ويمن طريقته نهاية السّؤل

وغاية الأمل، وأتى الأمور على قدر ولا يقال: على عجل، ولأنّه الأمين في صنعة الإنشاء، والتابع في فنه فنون الأدباء؛ إن رقم الطّروس طرّز، وإن بارز الأقران في مواطن الافتخار برّز، وإن بسط الجرائد، تغار من حسنهنّ الخرائد؛ طالما نطق بالحكم، واشتهر بين أصحابه مثل اشتهار النّار على علم؛ نظم المحاسن في نثره البديع، وجمع بين الأضداد فيما يبديه من الإنشاء ويحلّيه من التّصريع؛ قدمت هجرته في الخدمة الشريفة، واقتطف من زهر الصّدقات الشريفة أحسن منصب وأجمل وظيفة، وتحلّى جيده بالقلائد، وحصّل بسعيه مجموع الفرائد، فعادت عليه الصّدقات الشريفة بأجمل العوائد؛ قد استحقّ التقديم، واستوجب من الصّدقات العميمة نهاية التّكريم. فليباشر هذه الوظيفة مباشرة حسنة الآثار، جميلة الإيراد والإصدار، ناظما بقلمه الحساب على أنواعه، محكما له على سداد أوضاعه، وليطلع شمسه في سماء هذه الوظيفة، وليجن من روضها الأريض كلّ يانعة لطيفة، وليعلم أنّ هذه بوادر خير سرت إليه، وسوابغ نعم خلعت عليه، وأنّ الصدقات العميمة لا بدّ أن توليه بعد ذلك برّا، وتترادف عليه تترى، وتعلي له بين رفاقه المرفقين قدرا؛ ومثله لا ينبّه على وصيّة، لا دانية ولا قصيّة؛ لكن التقوى لا بدّ منها، ولا يجوز أن يغفل عنها؛ فليجعلها اعتماده في كلّ الأمور، وليتناول معلومه المقرّر له على الوظيفة المذكورة في غرر الشهور؛ والله تعالى يضاعف له بمضاعفة الصدقات عليه أوقات السّرور، ويقيه بلطفه كلّ محذور. توقيع بنظر بهسنى «1» ، من عمل حلب، كتب به لفتح الدين «صدقة بن زين الدين، عبد الرحيم المصريّ» ، ب «المجلس السامي» ؛ وهو:

رسم بالأمر- لا زالت صدقاته العميمة تفتح لأولياء خدمته أبواب الخيرات، ولا برحت تهدي إليهم أنواع المسرّات- أن يستقرّ......... في وظيفة النظر بمدينة بهسنى المحروسة عوضا عمّن بها، بالمعلوم الّذي يشهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت، على العادة في ذلك والقاعدة، استقرارا يسرّ خاطره، ويقرّ ناظره؛ لأنّه الماهر في صناعته، والرّابح في متاجر بضاعته. فليباشر هذه الوظيفة مباشرة حسنة، لتصبح الألسنة بشكرها معلنة، وليصرّف قلمه فيما يعود نفعه عليه، وليجتهد فيما يستجلب الأثنية «1» إليه، وليقبض معلومه أوان وجوبه هنيّا، وليتناوله بيد استحقاقه مريّا؛ والوصايا كثيرة وهو- بحمد الله تعالى- غير محتاج إليها، لأنّه الفاعل لها والدّالّ عليها؛ وتقوى الله تعالى عمادها، وبه قوامها وسنادها؛ فليتمسّك بسببها في الحركات والسّكنات، والله تعالى يهيّء له أسباب المسرّات. توقيع بكتابة الإنشاء ونظر الجيش بدبركي «2» ، كتب به للقاضي شهاب الدين «أحمد بن أبي الطيب العمريّ العثماني» ، ب «الجناب الكريم» ، وهو: رسم بالأمر- لا زال يجمّل الثغور بمن تزهو برحيق كلمه الطيب [المناصب] «3» ، ويكمّل محاسنها بمن لم تزل الصّحف تقود من جياد فضله أجمل جنائب، وحباها بشهاب يهتدى إلى المقاصد بنجم رأيه الثّاقب، وسرّها بكلّ ندب لم تزل كتبه تردّ من الدّعّار الكتائب- أن يستقرّ...... في وظيفتي كتابة الإنشاء الشريف والجيش المنصور بدوركي المحروسة، عوضا عن فلان،

النيابة الثالثة (مما يكتب من التواقيع بالولايات عن نواب السلطنة بها - نيابة طرابلس)

بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت، لأنه من بيت رفع علم قدره على السحائب، وانتصبت راية آرائهم بالتمييز في مواكب العزة عن المواكب، وأضيف إلى مجدهم شرف الكمال فانجرّ بالإضافة ذيل مجدهم على الكواكب، وجزم أولو الفضل بنسبتهم إلى المعالي فحازوا قصبها استحقاقا وما زاحموا عليها بالمناكب، وأسّس أصله على عماد شرف «الفاروق» و «ذي النّورين» فتفرّع على أكمل تناسل بتناسب. النيابة الثالثة (مما يكتب من التواقيع بالولايات عن نوّاب السلطنة بها- نيابة طرابلس) وهي على ما تقدّم في دمشق: من تقسيمها إلى تواقيع أرباب السيوف، وتواقيع وظائف أرباب الأقلام الدينية، وتواقيع أرباب الوظائف الديوانية، وأرباب الوظائف بمشيخة الأماكن وغيرهم، وتقسيم ذلك إلى ما يفتتح ب «الحمد لله» ، وما يفتتح ب «أما بعد حمد الله» ، وما يفتتح ب «- رسم بالأمر» . وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيع بشدّ الدواوين بطرابلس، كتب به لصلاح الدّين «صلاح الحافظي» ، ب «الجناب الكريم» ؛ وهي: الحمد لله الّذي أيّد هذه الدولة وسدّدها بأنواع الصّلاح، وعمر العالم بعدل سلطانها وجعل أيّامه مقرونة بالنّجاح، وأقام لتدبير المملكة [كل] «1» كفء كاف مشهور باليمن والفلاح. نحمده على نعمه الغامرة في المساء والصّباح، ونشكره على آلائه في كلّ غدوّ ورواح، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة خالصة ضوئية كالمصباح، وأنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله أشرف من اصطفاه وأرسله بالدين

الحنيفيّ فبشر وأنذر وحلّل وحرّم [وحظر] «1» وأباح، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة دائمة مستمرّة ما حيعل «2» الدّاعي إلى الفلاح. وبعد، فإنّ أولى الأولياء بمضاعفة الأحسان، وأن يعلى له في المكان والإمكان- من عرف بأجلّ المباشرات في الفتوحات، واشتهر فيها بالكفاية والصّيانة وجميل التّدبير وحسن الصّفات. ولمّا كان فلان هو المنفرد بهذه الصّفات الحسنة، واتّفقت على نعوته الجميلة الألسنة، والوحيد بهذه السّجايا، الفريد بشرف المزايا، عقدت الخناصر عليه، واقتضت الآراء أن يسند تدبير المملكة إليه: فإنّها لم تجد لها كفأ غيره، ولا من يجمع شمل شتات أقوالها ولم يفرّط مثقال ذرّة. فلذلك رسم بالأمر- لا زال يندب لتدبير الممالك كلّ كفء كاف، ويورد أولياءه من موارد إحسانه موردا عذبا صاف- أن يفوّض إلى الجناب الكريم- أدام الله علوّ قدره، وأيده بالمعونة في أمره- شدّ الدّواوين المعمورة الطّرابلسيّة، بالمعلوم المستقرّ، الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت، على عادة من تقدّمه. وهذه نسخة توقيع بالاستمرار في شدّ الدّواوين: الحمد لله الّذي قرن الشّدّة بالفرج وجبر بعد الانكسار، وامتحن عباده بأنواع من المحن ليعلم الصادقين في الاصطبار، وأطلع في أفق العلا سعد السّعود ساطعا بالنّور بعدما غار، وجمع لمن انقطع به حبل الرّجاء من الخلق فتوكّل عليه بين نيل المطلوب وتمحيص الأوزار. نحمده وفي محامده تطيب الآثار، ونشكره على ما أسبل من النّعم الغزار،

ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له إله كشف الغمّ بعدما غم القلوب وغطّى على الأبصار، وفرّج الهمّ، وقد كان ادلهمّ، وأظلمت منه النّواحي والأقطار، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار، سيّد ولد آدم في الدّنيا وسيدهم في دار القرار، صلّى الله عليه وعلى آله الأطهار، وصحابته الأخيار، ما أظلم ليل وأضاء نهار. وبعد، فإن الله تعالى لطف بهذه الدّولة المعظّمة في المقام والسّير، فما مضى لأحد معها يوم سرور إلا والّذي من بعده خير، ونصب خيام عدلها على الخلق وشرع أطنابها، ورغب العباد في فضلها العميم وفتح لهم بابها، وجعلها كاشفة للكروب الموجبة للحزن والضّيق، راشفة من خزائن ملكه ومعادن نصره كأس رحيق، تصل بقوّته وتقطع، وتفرّق بإرادته وتجمع؛ ثم جعل المال نظام ملكها القويم، وقوام سلكها النّظيم؛ به تمضي أوامره ونواهيه، وتجري على السّداد بما يحبّه ويرضيه؛ فتعيّن إعداد من يقيم بعزمه عمده، ويقعد من أخذ منه بغير استحقاق ممن أقعد الدّين زنده؛ وقدّر الله تعالى في هذا الوقت ما قضاه، ونفّذ حكمه فيمن خرج عن طاعته وأمضاه، فلم تبق مملكة إلّا ومسّها وأهلها الإضرار، ولا بقعة إلّا ولحق أهلها بأس أولئك الفجّار، فأدرك اللّطف الإلهيّ ممالك الإسلام، وحل الرّكاب الشريف بأرض الشام، فكان بردا وسلام «1» ، ونجا المخلص وهلك الناكث النّاكل بقدوم سلطان الإسلام، خلّد الله ملكه [ليقذف] «2» بالحقّ على الباطل، وأيد الله دولته الشريفة بعونه المتواصل. وكان فلان له مباشرات عديدة، وتأثيرات حميدة، وآخر ما كان في وظيفة شدّ الدواوين بطرابلس: فباشرها مباشرة جميلة الأثر، مشكورة السّير عند من ورد وصدر، ودبّر مهمات يعجز عن حصرها أولو العقول والفكر، وحصّل للديوان المعمور أموالا كالطّوفان ولكن بلا غرق، واستعجب منها كيف حصرتها

الأقلام أو وسعها الورق!؟؛ والّذي كان بوظيفة الشّدّ الآن زاهد عنها، ليس له رغبة فيها ولا في شيء منها. فتعين إعادة الجناب الفلانيّ إليها، ورسم بالأمر- لا زالت أيام دولته الشريفة تصلح الشان، وتعيد الخير إلى ما كان- أن يستقرّ....... فليعد إليها عود الحسام إلى غمده، والماء إلى منهل ورده، وليباشرها بمباشرته المعروفة، وعزائمه المألوفة، وهممه الموصوفة، مسترفعا المتحصل ومصروفه، وليتحقّق أنّ الله تعالى سيصل رزقه فلا يوجس في نفسه خيفة، وليجعل تقوى الله تعالى دأبه في كلّ قضيّة ثقيلة كانت أو خفيفة، والله تعالى يمدّه بألطافه المطيفة، بمنه وكرمه. وهذه نسخة توقيع بنقابة العساكر بطرابلس: الحمد لله الأوّل بلا آخر، الغنيّ في ملكه عن النّاصر، المنزّه في سلطانه عن المؤازر، المتوحّد بعدم الأشباه والنّظائر، المبيد لكلّ مظاهر بالعناد مجاهر، العليم بما تكنّه الأفكار وتجنّه الضّمائر، الرّقيب على كلّ ما تردّد من الأحوال بين سوادي القلب والناظر. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة خالصة يرغم بها كلّ جاحد وكافر، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله المبعوث والشّرك مدلهمّ الدّياجر، والرّشد قد خيّم عليه الضّلال فما له من قوّة ولا ناصر، فأقام به الدّين الحنيفيّ النّيّر الزّاهر، ورفع ذكره في سائر الأقطار والأمصار على رؤوس المنابر، صلّى الله عليه وعلى آله أهل المكارم والمآثر، ما حمد السّرى عند الصّباح سائر، وخمد شرر الشّرّ بكلّ مناضل ومناظر، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من سيقت إليه وفود النّعم، ومنح من الخيرات أجزل القسم، وعدقت الأمور بعزائمه، واعتمد على همته الّتي هي في المضاء كأسنّته

وصوارمه، ورعيت عهود ولائه الّتي لا تنكر، ووصفت مساعيه الّتي استحقّ أن يحمد بها ويشكر- من إذا عوّل عليه في المهمّات كفاها، وإذا استطبّت المعضلات به شفاها، وسارت أنباء مهابته غورا ونجدا، واتّصف بحسن التدبير الذي عليه من الإقبال أكمل إجدا «1» ولمّا كان فلان هو الّذي تناقلت تباشير أخباره الرّكبان، وأثنى على شهامته السّيف والسّنان، وشرفت بمحاسنه الأقلام، وارتفع ذكره بالشجاعة على رؤوس الأعلام. فلذلك رسم......- لا زال للدّين الحنيفيّ ناصرا، وللأعداء قامعا قاهرا، وللحقّ مؤيّدا باطنا وظاهرا- أن يستقرّ الجناب العالي المشار إليه أمير نقباء العساكر المنصورة الطّرابلسيّة، عوضا عمّن كان بها، على عادته وقاعدته: لأنّه الحبر الّذي عقدت على خبرته الخناصر، وورث الشّهامة كابرا عن كابر، وأضحى بتدبيره واضح الغرر، شاهدا له به العين والبصر؛ إن جال بين صفوف العساكر كان أسدا، وإن رتّب جيوشها أحصاها حليّة وعددا. فليباشر هذه الوظيفة محرّرا أحوال العساكر المنصورة، مقرّرا لهم في منازلهم على أكمل عادة وأجمل صورة، بمناصحة ضمّخ بمسكها، ومخالصة قام مقام واسطة جوهر سلكها، وملازمة خدمة تأزّرت بها أعطافه، وصفاء طويّة شرفت بها أوصافه، ومحبّة عدل جمع فيها بين قوله وفعله، وإخلاص يحسن بالمرء أن يكون ملتحفا بظلّه: لكي يتمّ الله النّعم عليه كما أتمّها على أبيه من قبله؛ وليقصد رضا الله تعالى في هذا الأمر، لا رضا زيد ولا عمرو؛ والله تعالى يتولّاه فيما تولّاه، والاعتماد في ذلك على الخط الكريم أعلاه، حجة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى.

وهذه نسخة توقيع بنقابة الأشراف بطرابلس ب «المجلس الساميّ» بالياء؛ وكتب فيه «القضائي» على خلاف الأصل، وهي: رسم بالأمر- لا زال يرفع لذوي الأصالة الشّريفة قدرا، وينقلهم إلى الرّتب السّنيّة ويعلي لهم ذكرا، ويشملهم من إحسانه بما يسرّ لهم قلبا ويشرح صدرا، ويبلّغهم من المآرب أوفاها، ومن ملابس القبول أجملها وأسناها- أن يستقرّ فلان- أدام الله نعمته- في نقابة السّادة الأشراف بالمملكة الطرابلسيّة، على ما تقدّم من عادته في ذلك: استقرارا جاريا فيه على أجمل العادات، واعتمادا على ما عهد من سلفه الشّريف الذّات، ورعاية له في تجديد المسارّ، وترجيحا لما اشتمل عليه من حسن الكفاية في كلّ إيراد وإصدار، ورفعة ليده الباسطة على أبناء جنسه، وتقوية يجد أثرها في معناه وحسّه، رسما يستوجب به النّعم الجزيلة، وولاية توليه من الكرم سوله، وعناية تصبح بها ربوع أنسه مأهولة، لأنّه أولى أن يقرّ في هذه الوظيفة ويزاد، وأحقّ أن يرعى لما سبق له من السّداد، وأجدر أن لا يضاع حقّه حيث له إلى ركن الشّرف المنيف استناد. فليباشر هذه الوظيفة المباركة مبسوطا أمله في المزيد، منوطا رجاؤه في نعمنا باستئناف وتجديد، محوطا ما بيده من كرمنا العديد؛ وهو غنيّ أن نثّني له الوصايا ونعيد، مليّ بحسن السجايا الّتي جبلت على التّحقيق والتّوفيق والتّسديد؛ والله تعالى يطوّق بمنن جودنا منه الجيد، ويغدق له سحائب رفدنا التي تجريه على ما ألف من فضلها العديد؛ والعلامة الشريفة- أعلاها الله تعالى- أعلاه، حجة بمقتضاه. وهذه نسخة توقيع بشدّ الشواني «1» بطرابلس، كتب به لعلاء الدين «أيدغمش» ، وهي:

رسم ... - لا زالت أيامه، قائمة بالجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ، وأعلامه، حائمة على التقاط مهج العدا في البرّ والبحر بما يقرّب لهم الأجل- أن يستقرّ فلان في شدّ الشّواني المعمورة المنصورة على العادة في ذلك، بهمّته العلية، وعزمته الّتي هي ببلوغ المقاصد مليّة، وشهامته الّتي ترهب العدا، وشجاعته الّتي تلبسهم أردية الرّدى، وبسالته الّتي تبسلهم «1» في البحر فتصيّرهم كالأسماك لا يسام لهم صدى. فليجتهد في ذلك جدّ الاجتهاد، وليعمد فيه السّداد والسّداد، وليوقظ أجفان سيوفه من الغمض، وليرهب العدا بشدّة وطأته الّتي لها الثّبات في الأرض، وليلازم مواظبة الشواني ليلا ونهارا، وليكن هو ومن حوله لمن بها أنصارا؛ والله تعالى يجزل له مبارّا، ويرفع له مقدارا، بمنّه وكرمه. وهذه نسخة توقيع بشدّ دار الضّرب «2» ، كتب به ل «علاء الدين الدّوادار» ؛ وهي: رسم ... - لا زال إحسانه يجود غماما، وفضله الشامل على الأولياء المتقين إماما، وسحائب برّ كرمه هامية على أوليائه، هاملة على أصفيائه، فتراهم يخرّون للأذقان سجّدا وينتصبون قياما- أن يستقرّ المشار إليه في شدّ دار الضّرب: إعانة له على الخدمة الشّريفة، وإرفادا له بمعلومها إذ هي ليست له بوظيفة، لأنه أكبر من ذلك قدرا، وأحقّ بكلّ منزلة عليّة وأحرى؛ ولكن هذه الجهة هي قانون المعاملة، وسكّتها بشعار الملك متّصلة وبين الحقّ والباطل فاصلة، ومنها النّقوش الّتي هي رستاق الأرزاق، وصدر كلّ إطلاق وفنداق «3» ؛

حكيم ما أرسل في حاجة إلّا وأذن لها بالنّجاح، ولا استؤمن عليه امرؤ باذن الإمام إلا وحقّ له [الاتصاف] «1» بالصلاح والفلاح؛ هذا وهو في الأصل مذموم، وطالبه محروم: لأنه مقسوم، والأجل محتوم، ولكن تطهيره من الدنس واجب، والحسبة في عياره حتى يغدو وبودق «2» صفائه من الغشّ ناضب. فليعتمد المشار إليه في شدّ هذه الجهة حسن التقوى ويلاحظ بعزمه أمورها لتكون على السّداد، ويعتمد على السّيد النّاظر فإنّه نعم العماد، ويفوّض إليه كشف الرّوباص «3» وحكّ العيار فهو به أدرى وأحرى وأدرب بإدحاض غشّ الفساد، وليتناول معلومه المقرّر له عند الوجوب والاستحقاق، هنيّا ميسّرا خالصا من التّنازع والشّقاق، ومثله فلا يدلّ على [صواب] «4» : إذ تقوى الله تعالى كلمة الفصل وفصل الخطاب، والله تعالى يجعلها لنا وله زادا وحرزا، وذخرا يوم المعاد وركزا «5» وهذه نسخة توقيع بشدّ البحر «6» بمينا طرابلس؛ وهي:

رسم بالأمر- لا زال سيفه قاطعا من الأعداء نحرا، وأمره نافذا برّا وبحرا، وفعله صالحا دنيا وأخرى- أن يستقرّ الجناب المشار إليه في شدّ مينا البحر بطرابلس. فليباشر هذه الوظيفة شارحا لها صدرا، فاتحا لها بحسن مباشرته الجميلة بصرا وفكرا، باعثا لها في الآفاق بمباشرته ذكرا جميلا، باحثا عمّا يتعلق بمتحصل المينا المعمورة بكرة وأصيلا، مسوّيا بين الناس فيما رزق الله وفتح، وبعث من فضله ومنح، بحيث لا يقدّم عزيزا ولا يؤخّر ذليلا، ولا يراعي في ذلك صديقا ولا خليلا. وليقدّم خوف الله تعالى على خوف خلقه، وليسّو بين الضّعيف والقويّ فيما بسط الله من رزقه؛ وآكد ما نوصيه به تقوى الله تعالى فيما هو بصدده؛ فليجعلها في أموره الباطنة والظاهرة من عدده؛ والله تعالى يقدّمه في مباشرته لاقتناء محاسن المعروف وزبده، ويرزقه من الأجر على ما يعمله من الخير مع تجّار هذا البحر بما هو أكثر من زبده. توقيع كريم بنيابة اللّاذقيّة، من إنشاء القاضي تاج الدين بن البارنباري، كتب به ل «- شمس الدين» ابن القاضي، ب «الجناب العالي» ؛ وهو: الحمد لله الّذي زاد «شمس» الأولياء إشراقا، ومنحه في هذه الدّولة الشريفة إرفادا وإرفاقا، وصان الثّغور المحروسة بعزماته الّتي سرّت قلوبا وأقرّت أحداقا، وجدّدت لأوليائها من مواهبها عطاء وفاقا. نحمده على حكمه وفعله، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تمنح قائلها مزيد فضله، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الّذي أيّده الله بملائكته المقرّبين، وشد أزره من أصحابه بالآباء والبنين، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه أئمّة الدّين، صلاة تمنح قائلها غرف الجنان وَالْعاقِبَةُ

لِلْمُتَّقِينَ* «1» وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ من شيم هذه الدّولة إذا بدأت تعود، وإذا نظرت تجود، وإذا قدّمت وليّا لحظته بأعين السّعود. وكان الجناب العالي- أدام الله نعمته- عين القلادة، وبيت السّيادة، ومعدن السّعادة، وأهلا أن يدبّر الأمور، ويسّد الثّغور، ونيابة اللّاذقيّة مجاورة البحور، وجزيرة العدوّ بينها وبينها نهار فهي في أمرها له قاعدة في النّحور، وقد رأيناه أهلا أن يصون نحرها، ويتقلّد أمرها، ويحفظ برّها، ويدفع شرّها. فلذلك رسم بالأمر- أعلى الله تعالى شرفه- أن تفوّض إليه نيابة اللّاذقية المحروسة، على عادة من تقدّمه. فليسر إليها سير الشّمس في أبراج شرفها، وليقبل عليها إقبال الدّرّة على التّرائب بعد مفارقة صدفها؛ وأوّل ما نأمره [به] : إرهاب العدوّ بالعدّة والعديد، وإظهار المهابة في القريب والبعيد، وتفقّد الأيزاك «2» بنفسه من غير اتّكال على سواه كما يفعل البطل الصّنديد، وليخلع عنه ملابس الوشي ويلبس الحديد، وليهجر المضاجع ويتّخذ ظهر جواده مستقرّه العتيد، حتّى ينتشر له صيت بين أهل التّثليث كما انتشر صيته بين أهل التوحيد. وابسط بساط العدل ليطأه الموالي والعبيد، واحكم بالحقّ فالحقّ مفيد والباطل مبيد، ومتى تسامع التّجّار بعدلك جاءوا بالأصناف والمتجر الجديد، واركن إلى حكم الشّرع الشريف فإنّه يأوي إلى ركن شديد، واتّق الله تجده أمامك فيما تروم وتريد، وتمسّك بالسّيرة الحسنة يزدك الله رفعة وأنت أحقّ بالمزيد، وعقبها نستنجز لك تشريفا شريفا مقرونا بتقليد أعظم من هذا التقليد؛ والخطّ الكريم أعلاه حجة به، إن شاء الله تعالى.

توقيع بنيابة قلعة حصن الأكراد «1» ، كتب به لشهاب الدين «أحمد الناصري» ؛ وهو: الحمد لله الّذي أطلع في سماء الدّين شهابا، وفتح لمن خافه واتّقاه إلى الخيرات أبوابا، وحباه من إفضاله وألبسه من حلل إنعامه ونعمائه أثوابا. نحمده على نعمه الّتي أجزل لنا بمزيد حمدها أنعما وثوابا، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة نتّخذها من النار حجابا، ونعتدّ بها في الآخرة مفازا حدائق وأعنابا، وكواعب أترابا، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي شرّفه على الأنبياء منصبا ونصابا، وسبى بطلعته وطليعته قلوبا وأحزابا، وقرّبه إلى أن كان قاب قوسين وأسمعه من لذيذ كلامه خطابا، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه: أكرم به وبهم آلا وأصحابا، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من انتدب، لحفظ المعاقل الإسلاميّة وانتخب، وأحرى من لحظته عين عنايتنا فكان إليها من العين أقرب، وأحقّ من اعتمد على بسالته وإيالته بما سبر من الأنام والأيام وجرّب- من عرف بشجاعة أين منها عمرو بن معدي «2» ، وأمانة كفت حين كفّت كفّ التّعدّي، وعفّة جعلها في أحواله كلّها نصب العين، وسياسة ما زال يصلح بها بين ذوي المشاققة ذات البين؛ وكان فلان هو الموصول المقدّم، الموصوف بهذه الصفات الّتي سرّ السّاحل بها فتبسّم. فلذلك رسم بالأمر- لا زال يطلع في آفاق الحصون المصونة شهابا، ويرفع الأولياء بإحسانه الّذي يؤكّد لهم في جوده أسبابا- أن يستقرّ [المجلس العالي] «3» نائبا بقلعة حصن الأكراد المحروس وأعمالها، على عادة من تقدّمه ومستقرّ قاعدته.

فليباشر ما ولّيناه وأوليناه، مباشرة تسفر عن حسن فطنته وذكائه، وتضيء الآفاق بنور شهابها وسنائه، وتظهر معروفها المعروف بعدم غيبته وخفائه، معتمدا على الله تعالى في إبدائه وإنهائه، شارحا لكلّ قلب ألانه إحسانه بعد غلظته وجفائه، مانحا من بحر جوده وعدله بالدّرّ لا بجفائه، مكرما لمن بهذا المعقل: من أمرائه وأجناده وأغنيائه وفقرائه، مقيما لمنار الشّرع الشريف الّذي لا تستقيم الأمور إلّا بمتابعته وإبدائه، وليظهر من شجاعته وبسالته ما لا فائدة في خفائه، وليشهر سيفه، في وجه من أظهر حيفه، وعدم خوفه، من سطوة ربّه وكرمائه. وأعظم ما نوصيه به التّقوى، فإنّه بملازمتها يقوى، على دفع الشّرّ وفعل الخير وإسدائه، والوصايا كثيرة وهو المجرّب بالعمل بها لمن يرغب في استيلائه؛ والله تعالى يحرق بشهاب عدله كلّ متمرّد.......... واعلم أنّه ربّما كتب توقيع نائب حصن الأكراد مفتتحا ب «أمّا بعد حمد الله» . وهذه نسخة توقيع بنيابة حصن الأكراد، كتب به باسم «شهاب الدين الجاكي» ب «الجناب العالي» ؛ وهي: أمّا بعد حمد الله الّذي جعل شهاب الدّين يتنقّل في مطالع سعده، وجدّد أثواب النّعماء لمن قدمت هجرته وظهر خيره فأنجز له الإقبال صادق وعده، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تبلّغ قائلها إنالة قصده، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أيّده الله بنصر من عنده، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين كانوا من أنصاره وجنده، صلاة دائمة يبلغ المؤمن بها غاية رشده، وسلّم تسليما كثيرا- فإنّ أولى من شمله إحسان هذه الدّولة الشريفة ونوّله مراده، وأجزل عليه النّعم فكان أحقّ بها لحسن طويّته فأجراه الله على أحسن عادة، وبلّغه غاية القصد ومعدن السعادة- من سلك مسالك الأمناء الثّقات، واشتهرت عنه العفّة وحسن الصّفات، فتعيّن تقديمه وتقريبه إلى أجلّ ولايات الفتوحات.

ولمّا كان فلان- أدام الله عزّه، وأنجح قصده- هو المنعوت بصفات السّداد، المشهور بالنّهضة والشّجاعة في هذه البلاد، الذي حوى المكارم والإفضال، ووافق خبره خبره في سائر الأحوال. فلذلك رسم بالأمر- لا زال شهاب فضله ساطعا، ونور إحسانه لامعا- أن يستقرّ المجلس العالي الشّهابيّ المشار إليه في ولاية الأعمال الحصنيّة والمناصف «1» عوضا عمّن بها، على عادته وقاعدته: لأنّا وجدناه شمس أعيان الأماثل، وألفيناه قليل النّظير والمضاهي والمماثل، وعليه عقدت الخناصر، واتّفقت الآراء الثاقبة في الباطن والظاهر، ولما جمع من كرم الشّيم وجميل الخلال، وحاز من النّباهة الرفيعة الذّرا المديدة الظّلال. فليتوجّه إلى محلّ ولايته، وليظهر ما أكمنه من العدل والإنصاف في ضمائره بحسن سياسته، ولينصف المظلوم ممّن جار عليه واعتدى، ويتّبع في ذلك ما يوضّح له من طريق منار الهدى، وليبسط المعدلة ويمدّ باعه، وليبد الظّلم ويقصم ذراعه، وليصرف همّته في عمارة البلاد، وتأمين العباد، وسلوك سبل الرّشاد، وليجتهد في سدّ الخلال، وإصلاح ما فسد بغيره من الأحوال، وليجعل تقوى الله محجّته، واتّباع العدل حجّته، وسلوك الحقّ عدّته، فقد جاءت التّقوى في التنزيل مؤكّدة، ووردت في كثير من السّور مردّدة؛ والله تعالى يعينه على ما ولّاه، ويحرسه ويتولّاه، بعد الخط الكريم أعلاه. وهذه نسخة توقيع بنيابة قلعة المرقب «2» والولاية بها، كتب به لصلاح الدين «خليل» ، ب «الجناب العالي» ؛ وهي:

الحمد لله الّذي جعل هذه الدولة الشريفة مقرونة بالتأييد والنّجاح، ووفّق أولياءها إلى سلوك سبل السعادة وشيّدها بالصّلاح، وخوّلهم في أيّامها المراتب العلية ليبتهلوا بأدعيتهم وبدوامها في المساء والصّباح. نحمده على نعمه الّتي لا يبرح مخلصها في ازدياد وارتياح، ونشكره على آلائه شكرا نستحقّ به المزيد كما أوضح في القرآن أكمل إيضاح، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة معلنة بالفلاح، وأنّ محمدا عبده ورسوله الذي أنزل عليه في محكم كتابه العزيز: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ «1» صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الغرّ الكرام الأشباح «2» ، ما ترنّم طائر على غصن وحيعل الدّاعي إلى الفلاح، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن أولى من عدقت به نيابة أجلّ المعاقل والثّغور وفوّضت إليه، وعوّل في حفظها ومباشرتها الحسنة الجميلة عليه- من عقدت على حزمه الخناصر، وورث الشّجاعة والشّهامة كابرا عن كابر، وهو الّذي نما فرعا وزكا [أصلا] «3» ، وفاق في المكارم على نظرائه قولا وفعلا، فأضحى وافر الثّناء واضح الغرر، شاهدا له به العين والبصر. ولما كان فلان هو المنعوت بهذه الصّفات، والموصوف في مواقف الحروب بما لديه من الثّبات والوثبات، المشكورة خدمته، شاما ومصرا، المشهورة بين الهمم همّته، برّا وبحرا. فلذلك رسم ... لا زالت مراسيمه الشريفة مبثوثة بالعدل والإحسان، ومعدلته تستدعي بدوام دولته الشريفة لسان كلّ إنسان- أن تفوّض إليه نيابة قلعة

المرقب المحروس، والولاية بالأعمال الشرقيّة، وما هو منسوب إليها، على العادة في ذلك ومستقرّ القاعدة: إذ هو أحقّ بها وأهلها، وأكمل [من] «1» يجمع شتات شملها. فليباشر ما ندب إليه من هذه الجهات مباشرة تقصر الأفكار عن توهّمها، والأبصار عن توسّمها، والخواطر عن تخيّل مبناها، و [الأذهان] «2» عن تمثّل صورتها ومعناها، وليكن لمصالحها متلمّحا، ولأحوال رجالها متصفّحا، ولأقدار جهاتها مربحا، وللخواطر بأداء أحوالها على السّداد مريحا، ولوظائفها مقيما، وللنظر في الكبير والصّغير من مصالحها مديما، ولحرمتها مضاعفا، وعلى كلّ ما يتعيّن الاحتفال به من مهمّاتها واقفا، ويعدّ للعدوّ المخذول عند تحرّكه العزم الشديد، ويهجر لبس الوشي ويتألّف لبس الحديد، ويتّخذ ظهر جواده مستقرّه العتيد، ويشمّر للجهاد ذيلا، ومعاذ الله أن يميل عنه ميلا، ويبسط العدل للرّعيّة، ويعاملهم المعاملة المرضيّة، ويحسن إلى الأمراء البحريّة «3» ، ويلاحظ مصالحهم في كلّ قضيّة، ويتفقّد الرّجال، وأرباب الأدراك «4» والشّواني ويحذّرهم من الإهمال، ويأمرهم باليقظة والاحتراز في اللّيل والنهار وسائر الأحوال، وليعمل ما يحتاج إليه من آلات الجهاد وليكن على حذر مما يتجدّد كلّ يوم، وليوقع الرّهبة في قلوب الأعداء بخيله في اليقظة وخياله في النّوم، ويتفقّد المواني في سائر الأوقات في اللّيل والنهار، وليحذّر أمراء الأيزاك من الغفلة فإن

الغافل لا يزال على شفا جرف هار «1» وليتّق الله في أقواله وأفعاله. والوصايا كثيرة وهو أدرب بها وأدرى، وأبواب الخيرات واسعة وهو إليها أسرع وأجرى، وليشكر الله تعالى على ما ولّاه، والاعتماد على الخط الكريم أعلاه. وهذه نسخة توقيع بنيابة حصن عكّار «2» كتب به ل «- ناصر الدين الكرديّ» ، ب «الجناب العالي» ؛ وهي: الحمد لله الّذي نصر هذا الدّين الحنيفيّ بسيّد البشر، وخصّ هذه الدولة الشريفة بالتأييد والظّفر، ووافى الأولياء بجودها الّذي لم يزل من ذمة الوفاء ينتظر. نحمده على منّه الّذي طالما بدا في جبهات الأولياء بشره وظهر، ونشكره على جوده الّذي أغنى عن التّحجيل والغرر «3» ، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها يوم الفزع الأكبر، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أقام الله بسيفه الإيمان فاشتهر، وكفّ به يد الطّغيان وزجر، صلّى الله عليه وعلى آله ما اتصلت عين بنظر وأذن بخبر، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى [الأولياء بالمناصب] «4» من رعيت له خدم عديدة، وعرفت له في أجلّ الثّغور مباشرات سعيدة، واشتهرت شهامته وكفايته في الآفاق،

وظهرت أمانته ظهور الشّمس في الإشراق، وتقدّم بذلك على نظرائه وفاق. ولمّا كان الجناب العالي هو المنعوت بهذه الصفات الجميلة، والمحتوي على هذه المزايا الجليلة، الذي شاعت شجاعته مع طهارة يد- ولا عجب فإنّ هذا الشّبل من ذاك الأسد- وسارت الرّكبان في الممالك بنهضتهما في المباشرات، وسدّ الخلل في المهمّات المعضلات. فلذلك رسم ... - لا زالت أيّامه مبثوثة بالعوارف والإحسان، ومعدلته تستدعي بدوام دولته الشريفة لسان كلّ إنسان- أن تفوّض إليه نيابة قلعة حصن عكّار المحروس، على عادة من تقدّمه وقاعدته، بالمرتّب الشاهد به الديوان المعمور. فليقدّم خيرة الله تعالى ويتوجّه إليها، ويصرف وجه الإقبال عليها، وينظر في عمارتها ومصالحها، ويستدرك ما استهدم من بيوت حواصلها، ليصبح وجه هذا الثّغر بحلوله به باسما، وينشر له من حسن تدبيره وجميل تأثيره علما، وليحسن إلى الأمراء البحريّة، وينزلهم منازلهم على العادات المرضيّة، وليعدل في الرّعيّة، وينصف المظلوم من الظالم في كلّ قضيّة، ويلزم أرباب الوظائف من المقدّمين والرّجّالة بالخدمة بالنّوبة على العادة، ويوصّل إليهم معلومهم من جهاتهم المعتادة، ويتّبع الحقّ المحض في كلّ أمر، لا يقتدي برأي زيد ولا عمرو، وليعلم أنّه مطالب بالعدل في وظيفته، فإنّ كلّ راع مسؤول عن رعيّته؛ والوصايا كثيرة ومعظمها تقوى الله في سائر الأمور: فليتمسّك بها يقوى فإنّها السّبب الأقوى؛ والله تعالى يتولاه في السّر والنّجوى؛ بعد الخطّ الكريم أعلاه. وهذه نسخة توقيع بنيابة بلاطنس «1» ب «الجناب العالي» ؛ وهي:

الحمد لله الّذي أسبغ نعمه على أوليائه، وأجزل كرمه على أصفيائه، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها من وبيل العذاب، وتجدّد له أسباب السعادة في الدنيا ويوم الحساب، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله المبعوث بالنّور المبين، المخصوص بالدّين المتين، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأهله وأصفيائه وأترابه. وبعد، فأنّ القلاع المنصورة ممّا يتعيّن الاحتفال بأمرها، والاهتمام بحفظ رجالها في سرّها وجهرها؛ ومن أجلّ قلاع الساحل المحروس، وأجمل مساكن البحر المأنوس، قلعة بلاطنس. فلذلك رسم ... - لا زالت صدقاته تشمل كلّ أوحد، وتجبر كلّ وليّ أمجد- أن يستقرّ......... إذ هو الخبير، الذي ليس لمعرفته نظير، والضّابط الّذي يحاقق على الجليل والحقير، والنّقير والقطمير «1» ، والشّجاع الذي هو في يوم النّضال على أخذ العدوّ لقدير، والضّرغام الّذي أعطاه الله القوّة والمعرفة التامّة فهو بهما جدير. فليسر إلى الثّغر المحروس، ويعتمد في أموره ما هو فيه من الخبرة مغروس. وهذه نسخة توقيع بتقدمة العسكر بجبلة «2» ، كتب به ل «- صلاح الدّين الحافظي» ، ب «الجناب العالي» ؛ وهي: الحمد لله الّذي جعل هذه الدّولة الشريفة تنقل كلّ وليّ إلى درجات

سعده، وتؤكّد أسباب الارتقاء لمن حمدت مآثره وحسنت سيرته في اليوم والّذي من بعده، وتجدّد أثواب النّعماء لمن ظهر خيره وخبرته فأنجز له الإقبال صادق وعده. نحمده على نعمه الّتي أجزلت لمستحقّها مواهب رفده، ونشكره على مننه التي خصّت كلّ كاف بتأثيل مجده، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة يبلغ بها قائلها غاية قصده، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الّذي أيّده الله تعالى بنصر من عنده، وآمنه على وحي الرّسالة فنصح الأمّة غاية جهده، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الّذي كانوا من أنصاره وجنده، صلاة دائمة باقية يبلغ بها المؤمن غاية رشده، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ الجناب العالي لمّا تقدمت له مباشرات، في أجلّ الولايات وأحسن النيابات، وهو يسير في كلّ منها أجمل سير، ويحسن إلى رعيّتها فلا غرو أن يذكروه بكلّ خير؛ كم قام بمهمّات من غير عسف أهل البلاد، وكم أعان الدّيوان المعمور من غير ضرر للعباد، وكم ميّز أموالا فكانت أيّام مباشراته أعياد، وكم له من خدم سار بها الرّكاب وبلغ بها المراد، وكم أثنى عليه لسان القلم حتّى نفد المداد، وكم وصفت هممه وحسن تأتّيه في كلّ توقيع وتقليد على أنّ الكاتب ما زاغ عن الحقّ ولا مال عن الصّدق فيها ولا حاد. فاقتضى محمود رأينا الّذي ما برح بعون الله يصيب، وجميل فكرنا الّذي ما دعوناه لأمر إلّا وبالإصابة بحمد الله يجيب، أن نعيّن له وظيفة نريحه فيها من التّعب، ونوفّره من تبعات الطّلب؛ وكان من تقدمة العسكر بجبلة يعتريه ألم يعوقه عن الرّكوب في الخدم الشريفة والنزول، سيّما في هذا الوقت الّذي فيه يتحرّك العدوّ المخذول. فلذلك رسم ... - لا زالت أيّامه الشريفة تيسّر أسباب النّجاح، وعوارفه تطوى لها أرض البعد عن أوليائها كما تطوى لذي الصّلاح- أن يستقرّ

الجناب......... في تقدمة العسكر المنصور بجبلة، على عادة من تقدّمه وقاعدته. فليباشرها مباشرة تليق بشجاعته، وتعهد من حسن سياسته، وليكرم الشّرع الشريف، وليردع من يحيد عن الحقّ أو يحيف، وليجمع الأمراء المقدّمين والحلقة المنصورة على الركوب في الخدمة الشّريفة، وليشكر نعمة الله تعالى المطيفة، وليتيقّظ لردع العدوّ المخذول، وليعلم أنّنا استرعيناه أمر ذلك وكلّ راع مسؤول، وليتحقّق أنّ العدوّ المخذول طالب للهالكين منهم بالثار، وهم قاصدون جبلة فلتكن عنده يقظة واستبصار، وليرتّب الأيزاك وليعمّر المواني بالرجال، ويتفقّدهم في الليل أكثر من النهار، وليهجر النّوم في طلب الظّفر والمنى فمن سهر لذلك ما خاب، ولا يأمن مكيدتهم ويغترّ بهم فيقول: قد ضرب بينهم وبينها بسور له باب؛ وباقي الوصايا فهو بها أعلم، ولم يبرح متلفّعا بثوبها المعلّم؛ وملاكها تقوى الله تعالى فمن لم يعمل بها يأثم، ومن تركها يندم، ومن لزمها فهو في الدارين مقدم؛ والله تعالى يتولاه، والاعتماد على الخطّ الكريم أعلاه، إن شاء الله تعالى. واعلم أنّه ربّما افتتح توقيع مقدّم العسكر بجبلة ب «أمّا بعد حمد الله» . توقيع بتقدمة العسكر بجبلة، ممّا كتب به لحسام الدين العلائيّ ب «الجناب العالي» ؛ وهو: أمّا بعد حمد الله على نعمه الّتي تجزل لكلّ وليّ من موادّ فضلها إنعاما، وتمنح من عوارفها أقساما، وتبلّغ من النّجح لذوي الاستحقاق آمالا وتجعل في نحور الباغين حساما، والشّهادة له بالوحدانية الّتي لم تزل للأولياء المتقين لزاما، وترفع لهم في الجنّات مقاما، والصّلاة على سيّدنا محمد الّذي محا الله بنبوّته عن الأمة المحمديّة آثاما، وشرّفه على سائر خلقه وجعله للأنبياء ختاما، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ظافروه وبايعوه دهورا وأعواما، صلاة

دائمة تزيد مردّدها عزّا وإكراما- فإنّ الاهتمام بكلّ جهة هو على قدرها، والعناية بقطرها. ولما كانت مدينة جبلة المحروسة مخصوصة بمقام بر [كات السيد السّند] «1» الزّاهد الّذي ترك الدّنيا والأهل والولد، والوليّ المبرّز في عبادة الخالق، والمتوكّل الّذي لم يدّخر قوت ساعة لساعة اعتمادا على الرّزاق- تعيّن النظر في أمرها وحفظها من العدوّ المخذول، وإن كان بهذا السّيّد السّند قد تبين حفظها، وكان فلان ممّن باشرها فأحسن فيها المباشرة، وكلأ حفظها بيقظته وعينه السّاهرة- اقتضى رأينا أن نعيده إليها، ونسبغ ظلّه عليها. فلذلك رسم بالأمر- لا زال حسامه قاطعا من الأعداء نحرا، وفعله صالحا دنيا وأخرى- أن يعاد المشار إليه إلى تقدمه العسكر المنصور بجبلة المحروسة، عوضا عمّن بها، وعلى عادته وقاعدته. فليعد إليها عود الحسام إلى غمده، والماء إلى منهل ورده، وليقدّم خيرة الله في المسير إليها، وليبسط العدل ليأمن أهلها بقدومه عليها، وليكرم من بها من العسكر المنصور، ويحسن إلى الرّعيّة بها ليصبح خير مشكور، ولينصف المظلوم ممّن ظلمه، وينشر للشّرع الشريف علمه، وليخلّص الحقّ من القويّ والضّعيف، والدّنيّ والشريف، وليلزم من بهذا الثّغر بعمل اليزك المعتاد، والتّيقّظ لأمر العدوّ المخذول ومضاعفة الاجتهاد، وليلازم تقوى الله تعالى في الأقوال والأفعال، والله تعالى يمنحه من فضله ما يرجو من الآمال. وهذه نسخ تواقيع لأرباب الوظائف الدينية بطرابلس. توقيع بنظر الحسبة بطرابلس، كتب به للقاضي «ناصر الدين بن شيصة» ؛ وهو:

الحمد لله مبشّر الصابرين، وموصّل الأرزاق على يد أصفيائه من العالمين، ومعيد كلّ وليّ إلى منصبه ولو بعد حين. نحمده على فضله المبين، ونشكره على أن جعلنا من عباده المؤمنين، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة ندّخرها ليوم الدّين، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، الذي أرسله بواضح الحجج ومحكم البراهين، وأنزل عليه كتابا عربيّا مبين «1» ، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الغرّ المحجّلين، صلاة مستمرّة على ممرّ الأيام والشّهور والسّنين، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من غزّرنا موادّ رفده، وأجزلنا له حظوظ سعده، وبلّغناه من إقبالنا غاية قصده، وحمدنا تصرّفه من قبل عندما رسم لما جدّد [من] «2» بعده، وأعدناه إلى رتبة ألفت منه حسن السياسة والتّدبير، وعرف فيها بالكفاية والصّيانة ويمن التأثير- من له ولسلفه في المباشرات الجليلة يد طولى، فكان بوظيفته أحقّ وأولى. ولما كان المجلس العالي هو المتّصف بصفات الكمال، المشكور في سائر الأحوال، فلذلك رسم بالأمر- أنفذه الله في الآفاق، وأجراه بصلة الأرزاق- أن يعاد فلان- أدام الله نعمته- إلى نظر الحسبة الشريفة بالمملكة الطّرابلسيّة على عادته وقاعدته، مضافا إلى ما بيده من بيت المال المعمور: لأنه الفاضل الذي لا يجارى، والعالم بأحوال الرّعيّة فلا يناظر في ذلك ولا يمارى، والفيلسوف الّذي يظهر زيف كلّ مريب، والنّحرير «3» الذي بخبرته يسير كلّ حبيب ولبيب.

فلينظر في الدّقيق والجليل، والكثير والقليل، وما يحصر بالمقادير وما لا يحصر، وما يؤمر فيه بمعروف أو ينهى عن منكر، وما يشترى ويباع، وما يقرّب بتحريره إلى الجنّة ويبعد عن النار ولو لم يكن قد بقي بينه وبينها إلا قدر باع أو ذراع، وكلّ ما يعمل من المعايش في نهار أو ليل، وما لا يعرف قدره إلا إذا نطق لسان الميزان أو تكلّم فم الكيل؛ وليعمل لديه معدّلا لكلّ عمل، وعيارا إذا عرضت عليه المعايير يعرف من جار ومن عدل، وليتفقّد أكثر هذه الأسباب، ويحذّر من الغشّ: فإنّ الدّاء أكثره من الطعام والشّراب؛ وليتعرّف الأسعار، ويستعلم الأخبار من كلّ سوق من غير إعلام لأهله ولا إشعار؛ وليقم عليهم من الأمناء من ينوب عنه في النّظر، ويطمئنّ به إن غاب أو حضر، ودار النّقود والضرب الّتي منها تنبثّ، وقد يكون فيها من الزّيف ما لا يظهر إلا بعد طول اللّبث، فليتصدّ لمهمّها بصدره الّذي لا يحرج، وليعرض منها على المحكّ [من رأيه «1» ما لا يجوز عليه بهرج، وما يعلق من الذهب المكسور ويروبص من الفضة ويخرج، وليقم الضّمّان على العطّارين والطّرقيّة في بيع غرائب العقاقير إلّا ممن لا يستراب فيه وهو معروف، وبخطّ طبيب ماهر لمريض معيّن في دواء موصوف؛ والطّرقيّة وأهل النّجامة وسائر الطوائف المنسوبة إلى ساسان، ومن يأخذ أموال الرّجال بالحيلة ويأكلهم باللّسان، وكلّ إنسان سوء من هذا القبيل هو في الحقيقة شيطان لا إنسان، فامنعهم كلّ المنع، واصدعهم مثل الزّجاج حتّى لا ينجبر لهم صدع، وصبّ عليهم النّكال وإلّا فما تجدي في تأديبهم ذات التّأديب والصّفع، ومن وجدته قد غشّ مسلما، أو أكل بباطل درهما، أو أخبر مشتريا بزائد، أو خرج عن معهود العوائد، أشهره بالبلد، وأركب تلك الآلة قفاه حتّى يضعف منه الجلد؛ وغير هؤلاء [من فقهاء المكاتب، وعالمات النساء وغيرهما من الأنواع] «2» ممن يخاف من ذئبه العائث في سرب الظباء والجآذر،

ومن يقدم على ذلك أو مثله وما يحاذر، ارشقهم بسهامك، وزلزل أقدامهم بإقدامك، ولا تدع منهم إلّا من اخترت أمانته، واختبرت صيانته؛ والنوّاب لا ترض منهم إلا من يحسن نفاذا، ويحتسب لك أجر استنابته إذا قيل لك: من استنبت؟ فقلت: هذا؛ وتقوى الله هي نعم المسالك، وما لك في كلّ ما ذكرناه بل أكثره إلّا إذا عملت فيه بمذهب مالك؛ والله تعالى يسدّدك ويرشدك ويوفّقك إلى أحسن المسالك. توقيع بالخطابة والإمامة بالجامع المنصوريّ بطرابلس، كتب به للخطيب «جمال الدين إبراهيم» ، ب «المجلس السامي» بغير ياء؛ وهو: رسم بالأمر الشريف- لا زال عود منابر الإسلام بماء إحسانه رطيبا، وبرد شعائر الدين الحنيفيّ في أيّامه الزاهرة قشيبا، ومواهبه ومناقبه تقيم لممادحه في كلّ واد شاعرا ولمحامده في كلّ ناد خطيبا- أن يرتب المجلس السامي، الإمام، العامل- رحم الله تعالى السّلف، وزاد مجد الخلف- خطيبا وإماما بالمسجد الجامع المعمور المنصوريّ بطرابلس المحروسة، عوضا عن فلان، وعلى عادته وقاعدته، وبمعلومه الشاهد به الديوان المعمور المستقرّ باسمه، إلى آخر وقت: رعاية لأهليّته الواضحة الدلائل، وفضيلته الناطقة الشّواهد الصّادقة المخايل، وأوصافه الجميلة الّتي بها تعرف من أبيه الشّمائل، ولأنّه الصّدر ابن الصدر النّجيب، والخطيب الإمام ابن الإمام الخطيب، والولد النّجيب الّذي حذا حذو والده في الصّلاح ما خاب ولا يخيب، والنّجل النّبيه المهذّب الّذي أشبه أباه في الدّين والورع: ومن أشبه أباه فما ظلم في النّباهة والتّهذيب. فليباشر هذه الخطابة والإمامة الّتي هو ابن جلاها، وطلّاع ثناياها، زائنا حلاها، زائدا علاها، وليرق ذروة هذا المنصب الّذي هو أعلى المناصب الدّينيّة، وليتلقّ نعم الله عزّ وجلّ بالشّكر الّذي يوجب المزيد ويكسب المزيّة، وليقم مقام والده في هذه الرّتبة السّنيّة، بإخلاص العمل وصدق النّيّة، مجلّيا في

مضمار البيان الّذي سلّمت إليه أعنّته، وألقيت إليه أزمّته، محلّيا بقلائد المواعظ وفرائد الأمثال أعواد المنبر الّذي لو أمكنه لسعى إليه، مشنّفا الأسماع بجواهر الأوامر وزواهر الزّواجر الّتي يصدع بها عليه. وليسر كسيرة والده في الطّريقة المثلى وسلوك المنهج الأسدّ، وليجتهد في إحياء رسومه في العبادة واقتفاء آثاره في العلم والزّهادة حتّى يقول الناس: هذا الشّبل من ذاك الأسد، جاريا على أفضل العوائد في ديانته، ساريا بأجمل القواعد من صيانته، وليوصّل إليه معلومه الشاهد به الدّيوان المعمور المستقرّ إلى آخر وقت، على عادة من تقدّمه وقاعدته: لاستقبال مباشرته أحيان الوجوب وأزمان الاستحقاق، رزقا دارّا، سارّا، هنيّا، مرضيّا، من غير تنغيص، ولا تنقيص؛ والاعتماد على العلامة الكريمة أعلاه، وثبوته إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة توقيع بخطابة، كتب به للشيخ «صدر الدين الخابوري» ، ب «المجلس الساميّ» بالياء؛ وهي: رسم......- لا زالت أيّامه الشّريفة تضع الأشياء في محلّها، وتفوّض المناصب المنيفة إلى أهلها، وتشرّف صدور المحافل بصدر العلماء في حزنها وسهلها- أن تفوّض إلى فلان الخطابة بالجامع الناصريّ المعروف «بجامع التوبة» بطرابلس المحروسة وجوبا وتعيّنا، اقتضى في تقدّم الفاضل على المفضول تيقّنا وتبيّنا، لأنّه الحبر الّذي لا يجارى في فضائله، والبحر الّذي يجود فيجيد بفواضله، والصّدر الّذي ملئت بفوائده وفرائده بزمانه محافل صدوره وصدور محافله؛ كم نطقت ألسن الأقلام بأفواه المحابر بفضله في الأقاليم والآفاق، وكم من عبارة بفصاحة وبلاغة حققت أنّه بها فات الفصحاء والبلغاء وفاق؛ لقد أصبح شمل هذا الجامع بهذا الفاضل الّذي طال ارتقابه له جامعا، وأمسى وقد ظفرت يمناه من اليمن به والبركة بما لم يكن بشيء منه في مثل هذه

الأيّام طامعا، فلذلك بادر منبره المنيف وحلّ له حقوته «1» مسارعا؛ ووطّأ- لامتطائه إيّاه- صهوته، وغفر للدّهر بهذه الحسنة الجميلة فيما سلف منه هفوته، وعلم أنّه الخطيب الذي استقرّ يطالع المنابر من خطبته بما يفجّر من العيون منابع المدامع، ويشوّق إلى الآخرة من ألفاظ يشنّف بها المسامع، وأنّ قسّا لا يقاس به في خطبه وعظاته، وأنّ سحبان يودّ من خجله أن يسحب ذيله على مآثره المأثورة عنه ليعفّي آثار فلتات كلماته ولفتات لفظاته. فليباشر هذه الوظيفة المباركة بالله تعالى مذكّرا، ولما أمر عباده ونهاهم عنه على أسماعهم مكرّرا، ويعلم أنّه في المحراب مناج لربه، واقف بين يدي من يحول بين المرء وقلبه؛ فليعتصم بالله عزّ وجلّ في قوله وفعله، ويتيقّن أنّ الكلمة إذا خرجت من قلب لا تقع إلا في مثله. وفي إحاطة علمه المشهور، وفضله المشهود المشكور، ما يغني عن وصيّة بها يتذكّر، وتذكرة في صحيفة فكره ترقم وتسطّر؛ وليوصّل إليه معلومه على هذه الوظيفة الشاهد به الديوان المعمور، وليوفّر خاطره من التّبذّل في تحصيل معلومه الجاري له وطلبه، وليعامل بما يليق من الإجلال والإعظام بوظيفته الشّريفة والمحلّ العالي الرّفيع من منصبه؛ والعلامة الكريمة أعلاه، حجّة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخ تواقيع لأرباب الوظائف الديوانية بطرابلس: نسخة توقيع بشهادة الجيوش بطرابلس، كتب به للقاضي بدر الدين «محمد بن الفرفور» ، ووالده يومئذ ناظر الجيوش بها، ب «المجلس العالي» ؛ وهي:

أما بعد حمد الله الّذي زيّن سماء المعالي ببدرها، وأنبت في رياض السّعادة يانع زهرها، ورفع المناصب السّنيّة إلى شرف محلّها ومحلّ شرفها، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة خالصة في قولها وفعلها، وأنّ محمدا عبده ورسوله أرسله بالملّة الحنيفيّة قائما بفرضها ونفلها، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر مبلّغا لرسالات ربّه كلّها، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة لا ينحصر عددها، ولا ينقضي أمدها، وسلّم تسليما كثيرا- فإنّ أولى من خطبته المناصب من هو أحقّ بها وأهلها [وله] فيها نسبة لا ينكر فضلها، ومباشرات في الممالك الإسلامية مشهورات بالكفاية والعفّة في برّها وبحرها. ولمّا كان فلان- حرس الله جنابه وأسبغ ظلّ والده- هو المعنيّ بهذه الإشارة، وشمس هذه الهالة وبدر هذه الدّارة. فلذلك رسم......- زاده الله تعالى عظمة وشرفا، ومنحة في الجنان قصورا وغرفا- أن يستقرّ......: إقرارا لعين والده، وجمعا له بين طريف السّعد وتالده، لأنّه النّبعة الّتي نشأت في رياش السّيادة، والزّهرة الّتي برزت في كمام السّعادة؛ فلا يزال فرعه- إن شاء الله- بسعادة هذه الدّولة الشريفة ينمي إلى أن يتأصّل، وزهرته تزهى إلى أن تبلغ الإثمار وتتوصّل. فليباشر هذه الوظيفة المباركة مباشرة تظهر فيها كفايته عند الانتقاد، وتحمد فيها عقبى الاختيار والاختبار والرّشاد، وليسلك في أمانته سنن أبيه- أسبغ الله ظلّه- التي أحكمها في كلّ ما أبدى وأعاد، ويتّبع طرقه الهادية إلى سبيل السعادة والإرشاد، ويبد ما اكتسبه من والده عن سلفه من هذه الصّناعة وهو أحقّ بهذا السّند، ولا يخرج عن رأي أبيه- أيّده الله- حتّى يقول الناس: هذا الشّبل من ذاك الأسد، وليشمّر في تحصيل الفضائل الّتي تبلغ بها الآمال، وتصلح الأحوال، وليتلقّ هذه المباشرة بعزمه الشديد، بنفسه لا بالتّقليد، فإنّه شاهد ومسؤول بقوله يوفّق في الاستحقاق وفي النّقود والكيول؛ وتقوى الله هي السّبب الأقوى، فليتمسّك بحبلها يقوى؛ والوصايا كثيرة في ذلك ووالده بها

أعلم؛ والله تعالى يسلّكه سبيل الهدى فإنّه أنجح الطّرق وأسلم؛ والله تعالى يتولّى عونه، ويديم صونه؛ والاعتماد...... توقيع بكتابة الدّرج بطرابلس، كتب به ب «المجلس الساميّ» بالياء؛ وهو: رسم بالأمر الشّريف- لا زالت مراسمه العالية تطلع في أفلاك المعالي بدرا منيرا هاديا إلى الفضائل مأمونا من السّرار «1» ، ومكارمه الوافية ترفع من أعلام المعاني صدرا كبيرا رشيدا في البيان أمينا على الأسرار، ومراحمه الكافية تقرّعيون الأعيان والأخيار- أن يرتّب فلان- ضاعف الله تعالى أنوار فضائله التي يأتمّ بها المستضيء والمهتدي، ويعشو إلى قراها المستعين والمقتدي- في كتابة الدّرج السعيد بطرابلس المحروسة بما قرّر له من المعلوم الوارد في الاستئمار الشّريف على ما يتعيّن بقلم الاستيفاء جهته، ويبّين تفصيله وجملته، نظرا إلى استحقاقه الظّاهر، وفضله الباهر؛ وبلاغته الّتي أفصحت عن بيان البليغ القادر، وفصاحته الّتي بلغت الكمال بعون الملك القادر، وإطرابه، في إطنابه، وإعجازه، في إيجازه؛ فله في الدلائل قدرة «المنصور» وفي الفضائل قوّة «الناصر» ؛ طالما أزهر بقلمه «المهديّ» للصواب، «السّفّاح» كالسّحاب، روض العلوم والآداب، وأظهر ببيانه «المنتصر» في الخطاب، «المقتدر» على الاقتضاب، طرق الفنون، واضحة العيون، محكمة الأسباب، وسبل الحكم مفتّحة الأبواب؛ فهو بالسنا والسناء بدر «المسترشد» ، وبالجدا والجداء «معزّ» «المستنجد» ، وبفرط الحيا والحياء سحاب المستمطر و «المستظهر» ، وبغرب الذّكا والذّكاء برق «المستبصر» و «المستنصر» . فليباشر هذه الوظيفة المباركة «معتصما» بحبل التّقوى، «مستعصما» من

المراقبة بالسّبب الأقوم الأقوى، مجدّدا رسوم هذه الصناعة الّتي ربعها قد درس ومحلّها قد أقوى، فإن «المتّقي لله» «الرّاضي» به هو «الراشد» «الفائز» بالسّعادة، و «المتوكّل» عليه «المطيع» له هو «الواثق» ببلوغ القصد الحائز للارادة؛ وليطرّز حلل البيان بوشي بنانه الّذي أصبح ديباج الطّرس به «معتزّا» ، وليقوّم معاني البديع بعامل قلمه الخطّيّ الّذي أمسى الفضل به كالسّمهريّ قائما مهتزا، «مستكفيا» بما يصرّعه ويرصّعه نظما ونثرا من البدائع، «مستعليا» لما يرفّعه ويفرّعه من غرر الفقر، ودرر الفكر، بخاطره الوقّاد النّقّاد المنقاد الطائع، «مقتفيا» فيما ينشئه آثار ما يصدر عن «الحاكم» و «الآمر» ، «مكتفيا» فيما يبديه بمقدار ما تبرز به المراسيم والأوامر، «حافظا» للسّرّ «العزيز» كاتبا كاتما فلا يعضده فيه «عاضد» ولا يظفر به «ظافر» ، «معتمدا» على الكتمان في جميع ما يورده ويصدره، مقتصدا بالتّوفيق في سائر ما يخفيه ويظهره. والوصايا فمن آدابه تستفاد، والنّصائح فلها منه المبدأ وإليه المعاد؛ فليتسنّم ذروة أعلاها، وليتنسّم نفحة ريّاها....... توقيع بشهادة دار الضّرب بطرابلس؛ وهو: رسم بالأمر- لا زال رأيه الشريف يقرّب من الأمور صوابا، ولا برح أفق سماء مملكته الشريفة يطلع بفلكه بدرا منيرا وشهابا- أن يرتّب فلان......: لأنه العدل الّذي اشتهرت عدالته، والأمين الّذي بهرت فظهرت أمانته، والرّئيس الّذي ما برح صدر المحافل، والفاضل الّذي فاق بفضله على الأقران والأماثل، وشهدت بنزاهته المشهورة الأواخر والأوائل. فليباشر هذه الوظيفة مباشرة مطابقة لعدالته المشهورة، معربّة عن أصالته المخبورة، موضّحة عن ديانته الّتي غدت في العالمين معروفة غير منكورة، ليصبح هذا المنصب مشرقا بنوره، سنيّ الأرجاء بساطع ضياء شهابه ونور بدوره؛ وهو- أعزّه الله- غنيّ عن وصيّة منه تستفاد، أو تنبيه على أمر منه يبدأ

وإليه يعاد؛ وليتناول معلومه الشاهد به الديوان المعمور هنيّا ميسّرا، ولا يقف أمله عنده: فإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا. توقيع بنظر اللّاذقيّة «1» ، كتب به للقاضي «برهان الدين» الأذرعيّ؛ وهو: رسم بالأمر- أنفذه الله في الآفاق، وطوّق بمنّه وفواضل برّه الأعناق- أن يستقرّ المجلس السامي- حرس الله مهجته، وأهلك حسدته- في نظر اللاذقية المحروسة، على عادة من تقدّمه وقاعدته، بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت: علما بأمانته المشهورة، وكتابته الّتي هي بين أهل الصّناعة مشكورة، وخبرته الّتي هي في المباشرات معروفة غير منكورة، وكفايته المألوفة الموفورة؛ فإنّه باشر الحسبة الشّريفة ونهى وأمر، واتّبع في أحكامه ما أمر به «أمير المؤمنين عمر» ، وضبط أموال بيت المال بحسن نظره وميّز وثمّر. فليباشر هذه الوظيفة المباركة مباشرة على أجمل العادات، ويسترفع مالها من الحسبانات، ويوصّل إلى أرباب الاستحقاق ما لهم من الحقوقات، على ما يشهد به الديوان المعمور في سائر الأوقات؛ فإنّ هذه الوظيفة من أجلّ المباشرات؛ وليتناول معلومه الشاهد به الديوان المعمور هنيّا ميسّرا على جاري العادة لمن تقدّمه في الفروع وسائر الجهات، وليعتمد على تقوى الله تعالى في سائر الحركات والسّكنات؛ والله تعالى يتولّاه، والاعتماد على الخط الكريم أعلاه. توقيع أيضا في المعنى: لا زالت صدقاته الشريفة تقيم لاتباع الحقّ برهانا، وتسدي إلى كلّ أحد خيرا وإحسانا- أن يرتّب فلان ناظرا باللّاذقيّة المحروسة وما هو مضاف إليها،

على عادة من تقدّمه وقاعدته ومعلومه الشاهد به الديوان المعمور: لأنّه طالما باشر نظر بيت المال فوفّر الأموال، وأصلح ما فسد من الأحوال، وسدّد بحسن تدبيره الأقوال والأفعال، وأظهر من الأمانة ما تميّز به في مباشراته، وفاق به على قرنائه وأهل زمانه وأوقاته، ثم باشر الحسبة فسلك فيها مسلك السّرّ والجهر وصدق الخبر، وسلك مسلك أمير المؤمنين عمر. فليباشر هذا النّظر بقلب منشرح، وأمل منفسح، وليظهر فيه ما جرّب به من الأمانة، وتجنّب الخيانة، وليجتهد في تحصيل أموال الدّيوان المعمور، ويبسط قلمه في إصلاح الأمور، وليوصّل إلى أرباب المرتّبات ما هو لهم مستحق، فإنّهم به أولى وأحق، وليوصّل إليه معلومه أوان وجوبه واستحقاقه....... توقيع بمشارفة حصن الأكراد، كتب به للقاضي «بدر الدين» ب «المجلس العالي؛ وهو: رسم بالأمر الشّريف- لا زالت مراسمه العالية تولي الأنام برّا، وتجدّد بإسباغ الإنعام بشرا، وتضوّع في كلّ ناد من أندية الثّناء والدعاء نشرا، وتطلع في كلّ أفق من آفاق السّيادة من صدور الأعيان وأعيان الصّدور بدرا- أن يرتّب فلان في مشارفة حصن الأكراد المحروس: لما هو عليه من العفّة والصّلف «1» ، والنّزاهة الّتي عرف بها واتّصف، والرّآسة الّتي انتقلت إلى الخلف عن السّلف، والعدالة الّتي لا يتكلّف لسلوك نهجها: ومن العجب خلوّ البدر عن الكف!، كم حفظت بمباشرته الأموال، وصلحت بملاحظته الأحوال، وعقدت الخناصر على سيرته وحسن سيره، واشتهر بجميل تدبير أوجب تقديمه على غيره.

فليباشر هذه الوظيفة الّتي هي من أجلّ الوظائف، وليشكر ما أولي من المعروف وأسدي إليه من العوارف، وليبذل جهده في صلاح الأحوال، وتثمير الأموال، وتقرير القواعد على السّداد، وإجراء العوائد على وفق المراد، فإنّه ممّن دلّت خبرته على جميل آثاره، ولاحت الغبطة في اختياره الّذي أغنى عن تقديم اختباره؛ كيف لا؟ وهو ممّن نشأ في خدور فنون الكتابة، واشتهر في مواطن النّضال مع وفور الانتقال بحسن الإصابة؛ فهو إن شاء الإنشاء بلغ منه المرام، وإن بسط الجرائد للتّصرّف قيل: هذا الكاتب النّظّام؛ كم له من يد بيضاء في التّبييض والتّسويد، وهمّة علياء بلغ بها من السّيادة ما كان يريد. فليقدّم خيرة الله تعالى في هذا الأمر ويجعلها إمامه، وليتمسّك بها مقتديا بمن قدمها أمامه، وليكن عند حسن الظّنّ به ليبلغ من سعادة الدّارين مرامه. والوصايا الّتي يعمّ نفعها، ويتعيّن على تناسب الأعمال جمعها، به تسلك سبلها، وعنه تؤخذ تفاصيلها وجملها؛ فليسلك منها الأقوم الأرشد، وليتمسّك بالأقود الأحمد، بحزم وافر، وعزم غير قاصر؛ وليتناول معلومه الشاهد به الديوان المعمور أحيان الوجوب والاستحقاق رزقا دارّا، هنيّا ميسّرا سارّا، من غير تقتير ولا تكدير، ولا تنغيص ولا تأخير. توقيع بمشيخة المقام الأدهميّ، كتب به باسم الشيخ «عبد الله السطوحيّ» ب «المجلس العالي» ؛ وهو: أما بعد حمد الله الّذي سقى محلنا بإيابه «1» ، وأنبت عشبنا بسحابه، وأقرأنا كتاب وجهه وأغنانا عن وجه كتابه، وجعل لكلّ مقام مقالا من صدق

أوليائه، ومنحهم بما اختار لهم من سرائر مواهبه وعطائه، وجمع قلوب الفقراء على العبادة والدعاء بواسطة من أحبابه وأخصّاء نجبائه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد نجم السّرى، وليث الشرّى، وسيّد من وطيء الثّرى، وعلى آله وصحبه الذين منهم من لو أقسم لأبرّ قسمه ربّ السما، وسلّم تسليما كثيرا- فلمّا كان الاعتناء بالأمور الدّينيّة من الواجبات، والمحافظة عليها [مما] «1» تبادر إليه من النّفوس الرّغبات؛ وبيوت الله تعالى فهي قوام الدّين المتين، ولا ينهض بعمارتها إلا الذين اتّقوا وآمنوا بربّ العالمين، فطوبى لهم ونعم أجر العاملين. ومن البيوت العامرة، والسّراة الطاهرة، والمقامات الّتي إذا حلّ بساحتها أكمه العين بصرته نجوما زاهرة- مقام من ذكر كرامته أشأم في أقطار الأرض وأيمن وأنجد وأتهم، السّيّد الجليل وليّ الله «إبراهيم بن أدهم» «2» ، سيّد الأولياء، وسلطان الأتقياء، رحمة الله عليه ما سار على الطّريق سائر، وما امتطى ظهر قلوص مسافر، مقام بالزّهد موصوف، وبالبركات معروف، وله الإطلاقات المشهورة، والمناهل المأثورة، في وردها المبرورة، قد استولت عليه يد التّبذير، وعاد بعد طول سماطه في تقصير، واختلف فيه النيّات فكان في كيس الفقير «3» ، فكشف الله هذه النّقمة، وأدام سوابغ النّعمة، وأسبل على هذا المقام ظلال الحرمة، وأرسل الله على عباده المتّقين باعثا من عنده، وأيقظهم لعلمه بأن كلّا واقف عند أمره وحدّه، وأنطق لسان من لا رادّ لأمره، فكشف غمّة هذا المقام وعزل من يخاف عليه من سوء تدبيره وشرّه. فلذلك رسم- أن تفوّض مشيخة المقام الجليل الأدهميّ بثغر جبلة المحروس- على ساكنه الرحمة والرضوان- إلى فلان- نفع الله ببركاته، وأعاد

على المسلمين من صالح دعواته- عوضا عمن كان بها بحكم انفصاله حسب ما وردت المراسيم الشريفة- شرفها الله تعالى وعظمها- عند اتّصال العلوم الشريفة- زادها الله تعظيما- بأمر المقام المشار إليه واعتماد المتصرفين فيه: إذ وضعت الآن الأشياء في محلّها، وأسندت الأمور إلى أهلها، وقلّدت هذه المثوبة إلى من يظهر سرائر فضلها، ولحظت الآراء حجر هذا المقام والأثر، ولا شكّ أنّ السّعادة تلحظ الحجر؛ كم له من آيات مشهورة، وكرامات بلسان الحمد مذكورة، ومساع في الخيرات مبرورة، وقد عمّ الزوايا بأجناس المكارم، وبسط للزّائرين من إكرامه سماطا يقول الزّائر: هذا ولا حاتم: نزور ديارا زارها جود كفّه ... ومن دونها للزّائرين مراحل، ونرجع عنها والجفون قريرة: ... كما راجعت مأوى الحقوف المساحل! «1» فليتلقّ- أعاد الله من بركته- هذه الولاية، وليجعل للمقام المشار إليه من خاطره الكريم أوفر عناية، ويستخلف عنه إذا توجّه إلى [مشيخة كذا] «2» بحصن الأكراد فإنّها مستمرّة بيده وولايتها باقية عليه، وأمرها في إبدائه وإعادته عليه؛ والله تعالى يتولّاه، فيما ولّاه؛ والاعتماد....... قلت: وقد أتيت على جملة من تواقيع أرباب الوظائف: بدمشق وحلب وطرابلس وأعمال كلّ منها، يستغني بها الماهر عمّا سواها، ويقيس عليها ما عداها؛ إذ لا سبيل إلى استيفاء جميعها، والإتيان على جملتها. وفيما ذكر من هذه الممالك الثلاث تنبيه على ما يكتب بحماة وصفد اللّتين هما في رتبة طرابلس، وتلويح إلى ما عداها، مما هو دونها كغزّة إذا كانت نيابة، والكرك الّتي هي دون ذلك.

والله تعالى هو الهادي إلى التوفيق، والمرشد للسّداد، بمنّه وكرمه. تم الجزء الثاني عشر. يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الثالث عشر وأوّله المقالة السادسة (فيما يكتب في المسامحات، والإطلاقات السلطانية، والطّرخانيات وتحويل السنين والتذاكر؛ وفيها أربعة أبواب) والحمد لله رب العالمين، وصلاته على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه والتابعين، وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل.

مصادر ومراجع الهوامش للجزء الثاني عشر من صبح الأعشى

مصادر ومراجع الهوامش للجزء الثاني عشر من صبح الأعشى 1 1- القرآن الكريم. 2- أساس البلاغة- للزمخشري- دار صادر- بيروت. 3- الأعلاق الخطيرة- تأليف ابن شداد-. تحقيق يحيى عبّارة- وزارة الثقافة، دمشق. 4- الأعلام- خير الدين الزركلي-. دار العلم للملايين- بيروت. 5- الألقاب الإسلامية في التاريخ والآثار والوثائق- تأليف حسن الباشا.- مكتبة النهضة المصرية. 6- الإنتصار لواسطة عقد الأمصار تأليف ابن دقماق-. دار الآفاق الجديدة- بيروت. 7- بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب- تأليف محمود شكري الآلوسي-. دار الكتب العلمية- بيروت. 8- تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل- تأليف أحمد السعيد سليمان-. دار المعارف- مصر. 9- تاريخ التمدّن الإسلامي- تأليف جرجي زيدان. 2 10- التعريفات- تأليف علي بن محمد الجرجاني-. دار الكتب العلمية- بيروت. 11- التعريف بمصطلحات صبح الأعشى- تأليف محمد قنديل البلقي- الهيئة المصرية للكتاب. 12- تشريف الأيام والعصور في سيرة الملك المنصور- تأليف محيي الدين بن عبد الظاهر. تحقيق مراد كامل ومحمد علي النجار- وزارة الثقافة والإرشاد- ج. ع. م. 13- تهذيب الأسماء واللغات- للنووي-. دار الكتب العلمية- بيروت. 14- جمهرة أمثال العرب- تأليف أبي هلال العسكري-. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش- المؤسسة العربية الحديثة. 15- جنى الجنتين في تمييز نوعي المثنيين- تأليف المحبّي- دار الآفاق الجديدة.

16- الجوهر الثمين في سير الملوك والسلاطين- تأليف ابن دقماق-. تحقيق محمد كمال الدين عز الدين علي- عالم الكتب. 17- حسن التوسل في صناعة الترسّل- تأليف شهاب الدين محمود الحلبي-. تحقيق أكرم عثمان يوسف- وزارة الثقافة والإعلام العراقية. 18- الحسبة والمحتسب في الإسلام- نصوص جمعها وقدّم لها نقولا زيادة- المطبعة الكاثوليكية- بيروت. 19- الحياة العقيلة في عصر الحروب الصليبية بمصر والشام-. تأليف أحمد أحمد بدوي- دار نهضة مصر للطباعة والنشر. 20- الخطط التوفيقية الجديدة لمصر القاهرة- تأليف علي مبارك- الهيئة المصرية للكتاب. 21- خطط المقريزي-. دار صادر- بيروت. 22- دائرة المعارف الإسلامية- مجموعة من المستشرقين- الطبعة العربية-. دار الشعب- القاهرة. 23- شذرات الذهب- تأليف ابن العماد الحنبلي-. دار إحياء التراث العربي. 24- شرح أبيات مغني اللبيب- تأليف عبد القادر بن عمر البغدادي. تحقيق عبد العزيز رباح وأحمد يوسف دقاق-. 25- شرح ديوان الحماسة- للتبريزي-. منشورات عالم الكتب- بيروت. 2 26- صبح الأعشى في صناعة الإنشا- القلقشندي- الطبعة الأميرية- القاهرة. 27- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع- تأليف محمد بن عبد الرحمن السخاوي-. دار مكتبة الحياة- بيروت. 28- طبقات الشافعية- تأليف هداية الله الحسيني-. تحقيق عادل نويهض. دار الآفاق الجديدة- بيروت. 29- طبقات الشعراء- تأليف ابن قتبية الدينوري-. تحقيق مفيد قميحة-. دار الكتب العلمية- بيروت. 30- العقد الفريد- تأليف ابن عبد ربه- تحقيق عبد المجيد الترحيني. دار الكتب العلمية بيروت. 31- فوات الوفيات- تأليف محمد شاكر الكتبي-. تحقيق إحسان عباس-. دار صادر- بيروت. 32- القاموس المحيط- للفيروزأبادي- المؤسسة العربية للطباعة والنشر- بيروت. 33- القلقشندي وكتابه صبح الأعشى- مجموعة من الباحثين- الهيئة المصرية للكتاب. 34- قوانين الدواوين- تأليف ابن مماتي-. تحقيق عزيز سوريال عطية- مطبعة مصر. 35- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون- تأليف حاجي خليفة-. دار الفكر بيروت.

1 36- الكليات- تأليف أبي البقاء الكفوي-. تحقيق عدنان درويش ومحمد المصري- وزارة الثفاقة- دمشق. 37- لسان العرب- تأليف ابن منظور-. دار صادر- بيروت. 38- مجمع الأمثال- للميداني-. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد- مطبعة السنّة المحمدية. 39- مراصد الإطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع- تأليف عبد المؤمن البغدادي-. تحقيق علي محمد البجاوي-. دار أحياء الكتب العربية. 40- مسالك الأبصار في ممالك الأمصار. (قبائل العرب في القرنين السابع والثامن الهجريين) . تأليف ابن فضل الله العمري-. تحقيق دوروثيا كرافولسكي. 41- المستقصى في أمثال العرب- للزمخشري-. دار الكتب العلمية- بيروت. 42- معجم البلدان- ياقوت الحموي-. دار إحياء التراث العربي- بيروت. 43- معجم الألفاظ والأعلام القرآنية- محمد اسماعيل إبراهيم-. دار الفكر العربي. 44- معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي-. للمستشرق زامباور- مطبعة جامعة فؤاد الأول. 45- معجم الشعراء- المرزباني- تصحيح وتعليق: د- ف- كرنكو-. دار الكتب العلمية- بيروت. 2 46- معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس-. تحقيق عبد السلام هارون- دار الفكر. 47- المعجم الوسيط- مجمع اللغة العربية- القاهرة. 48- معجم عبد النور- تأليف جبور عبد النور-. دار العلم للملايين. 49- منطلق تاريخ لبنان- تأليف كمال سليمان الصليبي- منشورات كارافان- نيويورك. 50- الموسوعة العربية الميسرة- بإشراف محمد شفيق غربال-. دار الشعب القاهرة. 51- الموسوعة الفلسطينية- هيئة الموسوعة الفلسطينية- دمشق. 52- مقدمة ابن خلدون- تأليف عبد الرحمن ابن خلدون. دار الكتاب اللبناني- بيروت. 53- نزهة النفوس والأبدان في تواريخ الزمان- تأليف الخطيب الصيرفي-. تحقيق حسن حبشي-. مطبعة دار الكتب- الظاهرة. 54- النظم الإسلامية- تأليف صحبي الصالح-. دار العلم للملايين- بيروت. 55- هدية العارفين- إسماعيل باشا البغدادي- دار الفكر- بيروت. 56- الوثائق السياسة للعهد النبوي والخلافة الراشدة- تأليف محمد حميد الله-. دار النفائس- بيروت. 57- وفيات الأعيان- تأليف ابن خلكان-. تحقيق إحسان عباس. دار الثفافة- بيروت.

فهرس الجزء الثاني عشر من صبح الأعشى

فهرس الجزء الثاني عشر من صبح الأعشى الموضوع الصفحة القسم الثاني- مما يكتب من الولايات عن الأبواب السلطانية- ما يكتب لأرباب الوظائف بالممالك الشامية؛ ونواب السلطنة في التولية على ضربين 3 الضرب الأوّل- من لا تصدر عنه منهم تولية في عمل نيابته 3 الضرب الثاني- من تصدر عنه التولية والعزل في عمل نيابته؛ وكان في البلاد الشامية سبع ممالك عظام استقرّت سبع نيابات 3 النيابة الأولى- نيابة دمشق، ويعبّر عنها بكفالة السلطنة بالشام، ووظائفها على نوعين 5 النوع الأوّل- ما هو بحاضرة دمشق، ويشتمل ما يكتب به من وظائفها عن الأبواب السلطانية على أربعة أصناف 6 الصنف الأوّل- أرباب السيوف، وهم على طبقات 6 الطبقة الأولى- من يكتب له تقليد في قطع الثلثين ب «المقرّ العالي» مع الدعاء ب «عزّ الأنصار» وهو نائب السلطنة بها 6 الطبقة الثانية- من يكتب له تقليد شريف في قطع النصف ب «المجلس العالي» وهو الوزير من أرباب السيوف 22 الطبقة الثالثة- من يكتب له مرسوم شريف؛ وهي على مرتبتين 23 المرتبة الأولى- من يكتب له في قطع النصف، وهو نائب قلعة دمشق.. 23 المرتبة الثانية- من المراسيم الّتي تكتب بحاضرة دمشق لأرباب السيوف، ما يكتب في قطع الثلث، وفيها وظيفتان 31 الوظيفة الأولى- شدّ الدواوين بدمشق 31 الوظيفة الثانية- شدّ المهمّات 33

الصنف الثاني- من الوظائف بدمشق الوظائف الدينية، وجميع ما يكتب فيها تواقيع، وهي على مرتبتين 36 المرتبة الأولى- ما يكتب في قطع النصف ب «المجلس العاليّ» بالياء، مفتتحا «بالحمد لله» 36 المرتبة الثانية- من تواقيع الوظائف الدينية بدمشق، ما يكتب في قطع الثلث مفتتحا ب «الحمد لله» إن علت رتبة المتولي، أو «أما بعد حمد الله» إن انحطّت رتبته عن ذلك ب «المجلس السامي» وفيها وظائف 57 الوظيفة الأولى- قضاء العسكر 57 الوظيفة الثانية- إفتاء دار العدل بدمشق 57 الوظيفة الثالثة- الحسبة 58 الوظيفة الرابعة- وكالة بيت المال المعمور 63 الوظيفة الخامسة- الخطابة 69 الوظيفة السادسة- التداريس الكبار بدمشق المحروسة 76 الوظيفة السابعة- التصادير بدمشق المحروسة 80 الوظيفة الثامنة- النّظر 83 الصنف الثالث- من تواقيع أرباب الوظائف بحاضرة دمشق- تواقيع أرباب الوظائف الديوانية، وفيها مرتبتان 85 المرتبة الأولى- ما يكتب في قطع النصف ب «المجلس العالي» وهي على ضربين 85 الضرب الأوّل- تواقيع الوزارة بالمملكة الشاميّة على ما استقرّ عليه الحال، وفيه وظائف 85 الوظيفة الأولى- ولاية تدبير الممالك الشامية 85 الوظيفة الثانية- كتابة السرّ بالشام 85 الوظيفة الثالثة- نظر الجيوش بالشام 96 المرتبة الثانية- من مراتب أرباب التواقيع الديوانية بدمشق- من يكتب له في قطع الثلث ب «المجلس الساميّ» بالياء، مفتتحا ب «الحمد لله» إن علت رتبته، وإلّا ب «أما بعد» وتشتمل على وظائف 98

الصنف الرابع- من الوظائف بدمشق وظائف المتصوّفة ومشايخ الخوانق، وفيها مرتبتان 100 المرتبة الأولى- ما يكتب في قطع الثلث ب «المجلس الساميّ» بالياء، مفتتحا ب «الحمد لله» وبذلك يكتب لشيخ الشيوخ بالشام 100 المرتبة الثانية- من يكتب له في قطع العادة مفتتحا ب «رسم» 102 النوع الثاني- من وظائف دمشق ما هو خارج عن حاضرتها، وقد تقدم في المقالة الثانية أن لدمشق أربع صفقات 103 الصفقة الغربية- وهي المعبر عنها بالساحلية والجبلية، وتولّي فيها الأبواب السلطانية 103 الصفقة القبليّة- ويولّى بها من الأبواب السلطانية نيابة صرخد 105 الصفقة الشرقية- والنيابات فيها على طبقتين 105 الطبقة الأولى- ما يكتب به مرسوم شريف في قطع النصف، وهو ما يليه مقدّم ألف أو طبلخاناه، وفيها نيابات 105 النيابة الأولى- نيابة حمص 105 النيابة الثانية- نيابة الرحبة 109 النيابة الثالثة- نيابة مصياف 113 الصفقة الشمالية- والّذي يولّى بهذه الصفقة عن الأبواب السلطانية نيابة بعلبكّ فقط 115 الصنف الثاني-[لم يتقدم تقسيمه إلى أصناف، ولعلّ مراده أن ما تقدّم من التولية من الصفقات صنف أول وهذا صنف ثان] ممن هم خارج دمشق: ممن يولّى عن الأبواب السلطانية- أمراء العربان، وهم على طبقتين 118 الطبقة الأولى- من يكتب له منهم تقليد في قطع النصف ب «المجلس العالي» 118 الطبقة الثانية- من عرب الشام- من يكتب له مرسوم شريف، وهم على مرتبتين 124 المرتبة الأولى- من يكتب له في قطع النصف 124

المرتبة الثانية- من يكتب له قي قطع الثلث ب «السامي» يغير ياء مفتتحا ب «أما بعد» 136 النيابة الثانية- من نيابات البلاد الشامية- نيابة حلب، ووظائفها الّتي يكتب بها من الأبواب السلطانية على نوعين 141 النوع الأوّل- من بحاضرة حلب، وهم على أصناف 141 الصنف الأوّل- أرباب السيوف، وهم على طبقتين 141 الطبقة الأولى- من يكتب له تقليد، وهو نائب السلطنة بها، وتقليده في قطع الثلثين ب «الجناب الكريم» 141 الطبقة الثانية- من يكتب له في قطع الثلث ب «المجلس السامي» وفيها وظائف 151 الوظيفة الأولى- نيابة القلعة بها 151 الوظيفة الثانية- شدّ الدواوين بحلب 153 الصنف الثاني- من أرباب الوظائف بحلب- أرباب الوظائف الدينيّة، وهم على طبقتين 156 الطبقة الأولى- من يكتب له في قطع الثلث ب «الساميّ» بالياء 156 الطبقة الثانية- من يكتب له في قطع العادة ب «السامي» بغير ياء، أو ب «مجلس القاضي» 160 الصنف الثالث- من أرباب الوظائف بحلب- أرباب الوظيفة الديوانية، وهم على طبقتين 160 الطبقة الأولى- من يكتب له في قطع الثلث ب «الساميّ» بالياء 160 الطبقة الثانية- من يكتب له من أهل بالمملكة الحلبيّة في قطع العادة مفتتحا ب «رسم» 167 النوع الثاني- من أرباب الوظائف بالمملكة الحلبيد- من هو خارج عن حاضرتها، وهم على أصناف 167 الصنف الأوّل- أرباب السيوف 167 الصنف الثاني- مما هو خارج عن حاضرة حلب، الوظائف الدينية بمعاملتها: من القلاع وغيرها 174

الصنف الثالث- مما هو خارج عن حاضرة حلب- الوظائف الديوانيّة 174 النيابة الثالثة- نيابة طرابلس، ووظائفها على نوعين 176 النوع الأوّل- ما هو بحاضرة طرابلس، وهو على ثلاثة أصناف 176 الصنف الأوّل- أرباب السيوف، وهم على طبقتين 176 الطبقة الأولى- من يكتب له تقليد 176 الطبقة الثانية- من يكتب له مرسوم شريف في قطع الثلث ب «المجلس السامي» بغير ياء 179 الصنف الثاني- من الوظائف بطرابلس الّتي يكتب لأربابها من الأبواب السلطانية- الوظائف الدينيّة وهي على مرتبتين 181 المرتبة الأولى- من يكتب له في قطع الثلث ب «المجلس الساميّ» بالياء 181 المرتبة الثانية- من تواقيع أرباب الوظائف الدينيّة بطرابلس من يكتب له في قطع العادة مفتتحا ب «رسم» 185 الصنف الثالث- من الوظائف بطرابلس الّتي يكتب لأربابها من الأبواب السلطانية- الوظائف الديوانية وهي على مرتبتين 186 المرتبة الأولى- ما يكتب في قطع الثلث ب «المجلس الساميّ» بالياء 186 المرتبة الثانية- من مراتب أرباب الوظائف الديوانية بطرابلس- من يكتب له في قطع العادة ب «مجلس القاضي» 192 النوع الثاني- من الوظائف بطرابلس- ما هو خارج عن حاضرتها، وهي على ثلاثة أصناف أيضا 193 الصنف الأوّل- أرباب السيوف، والنيابات بمعاملتها على طبقتين 193 الطبقة الأولى- الطبلخاناه 193 الطبقة الثانية العشرات 195 الصنف الثاني- مما هو خارج عن حاضرة طرابلس- الوظائف الدينية. 196 الصنف الثالث- مما هو خارج عن حاضرة طرابلس- أرباب الوظائف الديوانية 197 النيابة الرابعة- نيابة حماة، ووظائفها الّتي يكتب بها عن الأبواب السلطانية، ما بحاضرتها خاصّة وهي على ثلاثة أصناف [ذكر صنفين

فقط] 197 الصنف الأوّل- أرباب السيوف 197 الصنف الثاني- أرباب الوظائف الدينية 201 النيابة الخامسة- نيابة صفد، ووظائفها الّتي تولّى من الأبواب السلطانية على ثلاثة أصناف 202 الصنف الأوّل- أرباب السيوف 202 الصنف الثاني- أرباب الوظائف الديوانية 208 الصنف الثالث- أرباب الوظائف الدينية 208 الصنف الرابع-[وقد تقدّم له التقسيم إلى ثلاثة أصناف] أرباب الوظائف الديوانية [وهذا الصنف هو بمعنى الصنف الثاني، وقد زاد فيه اللقلب وقطع الورق] 208 النيابة السادسة- نيابة غزّة، والوظائف الّتي تولّى بها من الأبواب السلطانية على صنفين 208 الصنف الأوّل- أرباب السيوف 209 الصنف الثاني- الوظائف الديوانيّة 215 النيابة السابعة- نيابة الكرك، وأرباب الولايات بها من الأبواب السلطانية على أصناف 216 الصنف الأوّل- أرباب السيوف 126 الصنف الثاني- أرباب الوظائف الدينيّة 227 الصنف الثالث- الوظائف الديوانيّة 227 القسم الثالث- مما يكتب من الولايات عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية- ما يكتب لأرباب الوظائف بالمملكة الحجازية، وقد تقدّم أنها تشتمل على ثلاث قواعد 228 القاعة الأولى- مكّة المشرّفة، وبها وظيفتان 228 الوظيفة الأولى- الإمارة 228 الوظيفة الثانية- قضاء مكّة 235 القاعدة الثانية- المدينة النبوية، وبها ثلاث وظائف 237

الوظيفة الأولى- الإمارة 237 الوظيفة الثانية- القضاء 253 الوظيفة الثالثة- مشيخة الحرم الشريف 254 القاعدة الثالثة- الينبع، وبها وظيفة واحدة وهي النيابة 257 القسم الرابع [وقد تقدّم له تقسيمه إلى ثلاثة أصناف فقط]- مما يكتب من الولايات عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية- ما يقع على سبيل النّدور، وهو الّذي يقع في حين من الأحيان من غير ان يسبق له نظير 259 الفصل الثالث، من الباب الرابع من المقالة الخامسة- فيما يكتب من الولايات عن نوّاب السلطنة، وفيه طرفان 275 الطرف الأوّل- في مقدّمات هذه الولايات، ويتعلق بها مقاصد 275 المقصد الأوّل- في بيان ما تصدر عنه الولايات: من نوّاب السلطنة 275 المقصد الثاني- في بيان الولايات الّتي تصدر عن نوّاب السلطنة بالممالك الشامية 276 المقصد الثالث- في افتتاحات التواقيع والمراسيم بتلك الولايات 276 المقصد الرابع- في بيان الألقاب، وأمّا ما يكتب عن نوّاب الشام فعلى أصناف 278 الصنف الأوّل- أرباب السيوف 279 الصنف الثاني- من أرباب الولايات بالممالك الشامية- أرباب الوظائف الديوانية 282 الصنف الثالث- من أرباب الولايات بالممالك الشامية- أرباب الوظائف الدينيّة 285 الصنف الرابع- من أرباب الولايات بالممالك الشامية- مشايخ الصوفيّة 288 الصنف الخامس- من أرباب الولايات بالممالك الشامية- أمراء العربان 288 الصنف السادس- من أرباب الولايات بالممالك الشامية- أرباب الوظائف العادية 289 الصنف السابع- من أرباب الولايات بالممالك الشامية- زعماء أهل الذمّة 289

المقصد الخامس- في بيان مقادير قطع الورق المستعلى فيما يكتب عن نوّاب الممالك الشامية 290 المقصد السادس- في بيان ما يكتب في طرّة التواقيع 290 المقصد السابع- في بيان كيفيّة ترتيب هذه التواقيع 294 الطرف الثاني- في نسخ التواقيع المكتتبة عن نوّاب السلطنة بالممالك الشامية، وقد اقتصر في نسخ التواقيع على ما يكتب ثلاث نيابات 295 النيابة الأولى- الشام، والتواقيع الّتي تكتب بها على خمسه أصناف 295 الصنف الأوّل- ما يكتب بوظائف أرباب السيوف، وهو على ضربين 295 الضرب الأوّل- ما هو بحاضرة دمشق، وهو على مراتب 925 المرتبة الثانية- ما يفتتح ب «الحمد لله» 295 المرتبة الثالثة- من تواقيع وظائف أرباب السيوف بدمشق- ما يفتتح ب «رسم بالأمر العالي» 302 الضرب الثاني- ممن يكتب له عن نائب السلطنة بالشام من أرباب السيوف- من هو بأعمال دمشق، ومواضعهم على ثلاث مراتب أيضا 307 المرتبة الثانية- من تواقيع أرباب السيوف- ما يفتتح ب «أما بعد حمد الله» 313 الصنف الثاني- مما يكتب لأرباب الوظائف بدمشق- تواقيع أرباب الوظائف الدينيّة، وهي على ضربين 334 الضرب الأوّل- ما يكتب لمن هو بحاضرة دمشق، وهو على ثلاث مراتب. 334 المرتبة الأولى- ما يفتتح ب «الحمد الله» 334 المرتبة الثانية- ما يفتتح ب «أما بعد حمد الله» 358 المرتبة الثالثة- ما يفتتح ب «رسم بالأمر» 370 الضرب الثاني- من تواقيع أرباب الوظائف الدينيّة بالشام- ما يكتب به لمن هو بأعمال دمشق، وهو على مرتبتين 375 المرتبة الأولى- ما يفتتح ب «أما بعد حمد الله» 375 المرتبة الثانية- ما يفتتح «برسم بالأمر» 378

الصنف الثالث- من التواقيع الّتي تكتب لأرباب الوظائف بدمشق- ما يكتب لأرباب الوظائف الديوانية، وهي على ضربين 381 الضرب الأوّل- ما يكتب لمن بحاضرة دمشق منهم، وهو على ثلاث مراتب 381 المرتبة الأولى- ما يفتتح ب «الحمد لله» 381 المرتبة الثانية- ما يفتتح ب «أما بعد حمد الله» 388 المرتبة الثالثة- ما يفتتح ب «رسم بالأمر الشريف» 392 الضرب الثاني- من الوظائف الديوانية بالشام- ما هو خارج عن حاضرة دمشق، وغالب ما يكتب فيها من التواقيع مفتتح ب «رسم» 402 الصنف الرابع- مما يكتب لأرباب الوظائف بالشام- تواقيع مشايخ الخوانق، وهي على ضربين 409 الضرب الأوّل- ما هو بحاضرة دمشق، وهو على ثلاث مراتب 409 المرتبة الأولى- ما يفتتح ب «الحمد لله» 409 المرتبة الثانية- ما يفتتح ب «أما بعد حمد الله» 415 المرتبة الثالثة- ما يفتتح ب «رسم بالأمر» 418 الضرب الثاني- من تواقيع مشيخة الأماكن- ما هو بأعمال دمشق؛ وفيه مرتبة واحدة، وهي الافتتاح ب «رسم» 419 الصنف الخامس- مما يكتب لأرباب الوظائف بالشام- تواقيع العربان. 421 الصنف السادس- مما يكتب لأرباب الوظائف بالشام- تواقيع زعماء أهل الذمّة 422 النيابة الثالثة- مما يكتب من التواقيع بالولايات عن نوّاب السلطنة بها- نيابة طرابلس 448 تمّ فهرس الجزء الثاني عشر من صبح الأعشى

الجزء الثالث عشر

[الجزء الثالث عشر] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمد وآله وصحبه المقالة السادسة فيما يكتب في [الوصايا الدينية ، و] «1» المسامحات، والإطلاقات السلطانية والطّرخانيات، وتحويل السنين والتذاكر؛ وفيها أربعة أبواب: الباب الأوّل في الوصايا الدينيّة؛ وفيه فصلان الفصل الأول فيما لقد ماء الكتّاب من ذلك اعلم أنّه كان لقدماء الكتّاب بذلك عناية عظيمة بحسب ما كان للملوك من الإقبال على معالم الدّين؛ ومن أكثرهم عناية بذلك أهل الغرب: لم يزالوا يكتبون بمثل ذلك إلى نواحي ممالكهم، ويقرأ على منابرهم؛ ولهم في ذلك الباع الطويل والهمة الوافرة. وهذه نسخة من ذلك كتب بها بها أبو زيد الداراري: أحد كتّاب الأندلس عن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين المنصور: أحد خلفاء بني أميّة «2» بالأندلس؛ وهي:

الحمد لله الذي جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلين تتفرّع عنهما مصالح الدنيا والدّين، وأمر بالمعروف والإحسان إرشادا إلى الحق المبين، والصلاة على سيدنا محمد الكريم المبتعث بالشريعة التي طهّرت القلوب من الأدران واستخدمت بواطن القلوب وظواهر الأبدان طورا بالشّدّة وتارة باللين، القائل- ولا عدول عن قوله عليه السّلام-: «من اتّقى الشّبهات استبرأ لدينه» تنبيها على ترك الشكّ لليقين، وعلى آله الكرام أعلام الإسلام المتلقّين راية الاهتداء في إظهار السّنن وإيضاح السّنن باليمين، الذين مكّنهم الله تعالى في الأرض فأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر: وفاء بالواجب لذلك التمكين. والرّضا عن الأئمة المظهرين للدّين المتين، البالغين بالبلاد والعباد نشرا

للعدل وإتماما للفضل إلى أقصى غاية التمهيد والتأمين، رضي الله عنهم أجمعين! وعن تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين!. وإنّا كتبناه لكم- كتب الله لكن اتّباعا إلى ما ينهى من المصالح إليكم، واستماعا إلى ما يتلى من المواعظ عليكم- من حضرة إشبيلية «1» - كلأها الله-. والذي نوصيكم به تقوى الله تعالى والعمل بطاعته والاستعانة به والتوكّل عليه، وأن تعلموا أنا لم نقم هذا المقام الذي حفظ الله به نظام الحق من انتثاره، وأمدّنا بعونه الجميل على إحياء الدّين وإفاضة أنواره، إلا لنستوفي كلّ نظر يعود على الأمة باستقامة أخراها وأولاها، ونهيب بها إلى أسمى رتب السعادة وأعلاها، ونوقظ بصائرها بنافع الذكرى من كراها. فعلينا لها بحكم ما تقلّدناه من إمامتها، وتحمّلناه من أمانتها، أن نتخوّلها بالحكمة والموعظة الحسنة، ونرشدها إلى المناهج الواضحة والسّبل البيّنة، ونضفي على خاصّتها وعامّتها ظلّ الدّعة والأمنة؛ وإذا كنّا نوفّيها تمهيد دنياها، ونعتني بحماية أقصاها وأدناها، فالدّين أهمّ وأولى، والتّهمّم بإحياء شرائعه وإقامة شعائره أحقّ أن يقدّم وأحرى. وعلينا أن نأخذ بحسب ما نأمر به وندع، ونتّبع السّنن المشروعة ونذر البدع، ولها أن لا ندّخر عنها نصيحة، ولا نغبّها «2» إرادة من الأدواء مريحة، ولنا [عليها] «3» أن تطيع وتسمع؛ وقد علم الله أنا لم نتحمّل أمانة الإسلام، لنستكثر من الدنيا وزخرفها، ولم نتصدّ لهذا المقام، لنستأثر بنعيمها وترفها، وإنما كان قصدنا قبل وبعد إقامة الكافّة في أوثر قراها وأوطإ كنفها؛ وبحسب هذه النية التي طابقها العمل، ولم يتعدّها الأمل، نيلت من الخيرات نهايات، كانت الخواطر تستبعد منالها، وتيسّرت

إرادات، كانت الأمّة منذ زمان لم تر مثالها، وساعدت العناية الربّانيّة فلم تؤن «1» مقصودا جميلا، ولا منّا جزيلا. وإلى هذا- أدام الله كرامتكم- فإنا لم نزل مع طول المباشرة للأحوال كلّها، وتردّد المشاهدة لعقد الأمور وحلّها، نقف وقوف المتأمل على جزئيّات الأمور وكليّاتها، ولا يغيب عن تصفّحنا وتعرّفنا شيء من مصالح الجهات وكيفيّاتها، ولم نمرّ بمائل إلا تولّينا إقامته، وأعدنا إليه اعتداله واستقامته ولا انتهينا إلى صواب قول أو عمل إلا شدنا مبناه، وأظهرنا لفظه ومعناه. والآن حين استوفى إشرافنا على البلاد قاطبة، ولزمنا بحكم القيام لله في خلقه بحقّه أن نتعهّد الكافّة دانية ونائية وشاهدة وغائبة، ورجونا أن نتخلّص من القسم الأوّل في قوله عليه السّلام: «اللهمّ من ولي من أمر أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به» بأعمال على الرّفق دائبة، وعلى الحقّ مواظبة- صرفنا أعنّة الاعتناء بجوامع المصالح فرأينا الدّين ينظم تبدّدها، ويستوعب تعدّدها، لا تشذّ مصلحة عن قوانينه، ولا تنال بركة إلا مع تحصينه وتحسينه؛ والله تعالى يعيننا وإياكم على إقامة حدوده، وإدامة عهوده. وأوّل ما يتناول به الأمر كافّة المسلمين الصلاة لأوقاتها، والأداء لها على أكمل صفاتها، وشهودها إظهارا لشرائع الإيمان في جماعاتها، فقد قال عليه السّلام: «أحبّ الأعمال إلى الله الصّلاة؛ فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيّعها فهو لما سواها أضيع» . وقال عمر رضي الله عنه: «ولا حظّ في الإسلام لمن ترك الصّلاة» ؛ فهي الرّكن الأعظم من أركان الإيمان، والأسّ الأوثق لأعمال الإنسان، والمواظبة على حضورها في المساجد، وإيثار ما لصلاة الجماعة من المزيّة على صلاة الواحد، أمر لا يضيّعه المفلحون، ولا يحافظ عليه إلا المؤمنون. قال ابن مسعود رضي الله عنه: «لقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلا منافق معلوم النّفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرّجلين حتّى يقام في الصّف» ، وشهود الصبح والعشاء الأخرة شاهد بتمحيص الإيمان؛

وقد جاء: «إن شهود الصّبح في جماعة يعدل قيام ليلة» وحسبكم بهذا الرّجحان. والواجب أن يعتنى بهذه القاعدة الكبرى من قواعد الدّين، ويؤخذ بها في كافّة الأمصار الصغير والكبير من المسلمين، ويلحظ في التزامها قوله عليه السّلام: «مروا أولادكم بالصّلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر سنين» . وبحسب ذلكم رأينا أن نلزم جار كلّ مسجد، وأمير كلّ سوق وشيخ كلّ زقاق ومعلّم كلّ جهة الانتداب لهذا السعي الكريم، والبدار لما فيه من الأجر العظيم، وأن يحضّ كلّ من في جهته أو سوقه أو حومة مسجده أو موضع صنعته أو تجارته أو تعليمه على الصّلاة وحضورها، والاعتناء بأحكام طهورها، وأن لا يتخلّف عن الجماعة إلا لعذر بيّن، أو أمر يكون معه الشّهود غير ممكن. وعليهم أن يلتزموا هذه الوظيفة أتمّ التزام، ويقوموا بها مؤتجرين «1» أحسن قيام، ويشمّروا عن ساعد كلّ جدّ واعتزام، ويتعرّفوا كلّ من تحتوي عليه المنازل ممن بلغ حدّ التكليف من الرجال، ويتعهدوهم الحين بعد الحين والحال إثر الحال، ويطلبوهم بالذّكر بملازمة هذا العمل الذي قدّمه الله على سائر الأعمال. وليحذر المسلم أن يواقع بإضاعة المكتوبة أمرا إمرا «2» ، ويترك من فرائض الإسلام ما يقتل متعمّد تركه حدّا أو كفرا. وعلى معلّمي كتاب الله أن يأخذوا الصّبيان بتعلّم الصلاة والطهارة والإدامة لإقامتها والموالاة وحفظ ما تقام به وأقلّ ذلك سورة فاتحة الكتاب. وعلى كل إنسان في خاصّته أن يأخذ صغار بنيه وكبارهم وسائر أهله ومن إلى نظره بذلك ويأمرهم به؛ قال الله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها «3» ، وقال عليه الصلاة والسلام: «كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته» . ثم اعلموا أنّ الصلاة بما آثرها الله به من وظائفها الشريفة، وخصائصها

المنيفة، تنتظم من أعمال البرّ ضروبا لا تحصر، وتعصم من مواقعة ما يشنأ «1» وينكر، وتحظي من الخيرات العميمة الجسمية بالقسم الأوفى الأوفر؛ قال الله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ «2» ونحن لا نوسع تاركها بحال عذرا، ولا نؤخّر له عقابا وزجرا، ولا نزال نجبره على إقامتها قسرا، وإذا استمرّ التعهّد لها مع الأحيان، وعمل الناس بما جدّدناه من إجراء التذكير بها بين القرابة والصّحابة والجيران، وتواصوا بالمحافظة عليها حسب الإمكان، لم تزل بيوت أذن الله تعالى أن ترفع ويذكر فيها اسمه معمورة بتلاوة القرآن، ولم تنفكّ إلا للإقامة عن الأذان. ومما يزيد هذه الوظيفة تأكيدا، ويوفّي قواعدها تشييدا، درس كتاب الصلاة والطهارة حتّى يستكملوه وعيا وحفظا، ويؤدّوا مضمّنه لفظا، فلفظا، ففي ذلك من الإشراف على أحكام العبادتين ما تبين مزيّته وفضله، ولا يسمع المؤمن بحال جهله؛ ثم إذا أحكموه انتقلوا إلى درس كتاب الجهاد، وعمروا الآناء بتعرّف ما أعدّ الله للمجاهدين من الخير المستفاد؛ فالجهاد في سبيل الله فرض على الأعيان، وقد تأكّد تعيّنه لهذه البلاد المجاورة لعبدة الأصنام والصّلبان، ونرجو أن ينجز الله ما وعد به من الفتح القريب لأهل الإيمان؛ وليطلبوا الناس بعرض ما يتدارسون تثبيتا لمحفوظاتهم «3» ، واستزادة لقسمهم من الأجر وحظوظهم. ومن مقدّمات الجهاد، وأقوى أسباب الاعتداد، تعلّم الرّماية التي ورد الحضّ عليها، وندب الشرع إليها. قال عليه السّلام في قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ «4» «ألا إنّ القوّة الرّمي» ، قالها ثلاثا: فأظفروا الناس بتعلمهم، ولترتّبوهم طبقات على قدر إجادتهم وتقدّمهم، قال عليه السّلام: «من

ترك الرّمي بعد ما علّمه رغبة عنه فإنّها نعمة تركها أو قال كفرها» ، وقال عليه السلام: «من رمى بسهم في سبيل الله فبلغ العدوّ أو لم يبلغ كان له كعتق رقبة» . وليعلموا أنهم يطلبون في وقت الحاجة بما يثمره هذا التأكيد من بدارهم، ويترتّب عليه من ائتمارهم، وليحرصوا على أن يلفى عددهم وافرا في حالتي إيرادهم وإصدارهم. ومما فيه مصلحة كريمة الأثر، واضحة الحجول والغرر، يكون ذكرها جميلا، وأجرها جزيلا، تعهّد الضّعفاء والفقراء، وإسهامهم من الكثير كثيرا ومن القليل قليلا بحسب الإصابة والرّخاء، ووضع الصدقات في أهل التعفّف الذين لا يسألون الناس إلحافا أوّل ما يجيء حين العطاء؛ فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «ليس المسكين بهذا الطّوّاف الذي يطوف على الناس فتردّه التّمرة والتّمرتان، وإنّما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدّق عليه ولا يقوم فيسأل النّاس» ؛ فتفقّدوا هذا الصّنف فهو أولى بالإيثار، وأحقّ أهل الإقتار، والمؤمنون إخوة ويعنى الجار بالجار، وليعن الغنيّ الفقير فذلك من مكارم الآثار. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة تعيّنت إقامتها على المسلمين جميعا؛ فمن رأى منكرا فلينهه إليكم وعليكم تغييره وتعفية أثره على ما يوجبه الدّين ويقتضيه، وليأخذوا الحقّ من كل من تعيّن عليه سواء في ذلك القويّ والضعيف، والمشروف والشريف؛ وكلّ من ارتكب منكرا كائنا من كان، عزّ قدره أوهان، فليبالغ في عقابه، وينكّل على قدر ما ارتكب من المنكر وأتى به، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «إنّما أهلك الذين من قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحدّ؛ وإنّني والّذي نفسي بيده لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» ، وقال لأسامة في الحديث نفسه: «أتشفع في حدّ من حدود الله» ؛ وقد حدّ عمر رضي الله عنه ولده، وحدّ عثمان رضي الله عنه أخاه. فلتكن هذه الوظيفة منكم بمرأى ومسمع، ولتسلكوا

في إقامتها على الخامل والنّبيه أوضح مهيع، ووفّوا المعروف حقّه من الإظهار، وتلقّوا المنكر بأتمّ وجوه الإنكار، ثم عليكم أجمعين بالتّواصي بالخير والتّعاون على البرّ والتقوى: وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ «1» وقال عليه السّلام: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تجسّسوا وكونوا عباد الله إخوانا» . وبالجملة فعلى المؤمن أن يستنفد وسعه في الاقتداء برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والسّلف من بعده؛ ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة؛ ولم ينشأ ما نشأ من الأهوال، ولا طرأ في هذه الأمة ما طرأ من الاختلال، إلا بمفارقة الاقتداء الذي هو للدّين رأس المال؛ ورضي الله عن عمر حيث قال: «فرضت الفرائض وسنّت السّنن وتركتم على الواضحة إلا أن تضلّوا بالناس يمينا وشمالا» . ومن أشدّ المنكرات- بغير نكير- وجوب تغيير: الخمر التي هي أسّ الإثم والفجور، وأمّ الخبائث والشّرور، وأسّ كلّ خطيئة ورأس كل محظور؛ فليشتدّ أتمّ الاشتداد في أمرها، ويبحث غاية البحث عن مكامن عصرها، ويتفقّد الأماكن المتّهمة ببيعها، ويتسبّب بكلّ وجه وكل طريق إلى قطعها، وليبادر حيث كانت إلى إراقة دنانها، وليبالغ إلى أقصى غايات الاجتهاد في شانها؛ وإنّ الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه؛ فليتّق الله مدمن شربها فإنها رجس من عمل الشيطان، وليحذر ما في قوله عليه السّلام: «لا يشرب المؤمن الخمر حين يشربها وهو مؤمن» من إخراجه عن أهل الإيمان؛ وشرب الخمر لجاج في الطّبع، فلا خير فيها مع الاعتناء المبنيّ على الشّرع؛ ولو نهي الناس عن فتّ البعر لفتّوه حرصا غالبا على ما تقدّم فيه من الزّجر والمنع، فمن عثر عليه بعد من شارب لها أو عاصر، مستسرّ بها أو مجاهر، فليضرب الضرب المبرّح، ويسجن السجن الطويل، وليبقّ إلى أن تصحّ توبته صحة لا تحتمل التأويل؛ ثم إن عاد فالحسام المصمّم يحسم داءه إذا أعضل، ويصدّ به سواه عما استحلّ من هذا الحرام واستهسل.

ومن أشدّ ما حذّر منه، وأكّد النهي عنه، كتب الفلسفة لعن الله واضعها! فإنهم بنوها على الكفر والتعطيل، وأخلوها من البرهان والدّليل، وعدلوا بها ضلالا وإضلالا عن سواء السبيل، وجعلوها تكأة لعقائدهم ومقاصدهم المخيّلة ركونا إلى الباطل وتمسّكا بالمستحيل، وقد كان سيدنا الإمام المنصور رضي الله عنه قد جدّ فيها بالتحريق والتّمزيق، وسدّ بإمضاء عزمه المسدّد ورأيه المؤيّد وجوه طلّابها بكل طريق، فحسبنا أن نقتدي في ذلك بأثره الجميل، ونأخذ في إحراقها حيث وجدت وإهانة كاتبيها وطالبيها وقاريها ومقريها، ولا يعدل عن السيف في عقاب من انتحلها واستوهبها- وإن السيف في حقّه لقليل؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام: «تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما: كتاب الله وسنّة نبيّه» وبحسب العاقل كتاب الله وسنّة الرسول. ويتعلق بهذا المنهيّ عنه ما استرسل فيه مردة أهل الأهواء، والمتنكّبون فيما تلبّسوا به من الأدران عن سنن الاهتداء، أولئك قوم اعتقدوا إباحة المحظورات كلّها، وعدّوا بإيهاماتهم السخيفة، وتخيّلاتهم الضعيفة، كلّ واهي العقد منحلّها، وادّعوا أنهم من الملة وأعمالهم تقضي بأنهم ليسوا من أهلها؛ فليبحث عن ذلك الصّنف الأوّل وهذا الثان، فمذهبنا أن نطهّر دين الله مما لصق به من الأدران، وأن نعيده إلى ما كان عليه قبل والله المستعان. ومن الوظائف التي يجب أن تعتنوا بها غاية الاعتناء، وأن تقدّموا النظر فيها على سائر الأشياء، أمر أسواق المسلمين فقد اتّصل بنا ما تطرّق للتّجارات من مسامحات تعفّي عليها الخدع، ولا ينثرها إلا الحرص والطمع، ولا توافق الشرع ولا يطابقها الورع، حتى شاب أكثر المعاملات الفساد، ولا يجري على القانون الشرعيّ في كثير من المبايعات الانعقاد، وتصدّى المتحيّلون فيها لحيل يقصدونها، وأنواع لاجتلاب السّحت «1» يرصدونها؛ وربّما ورد التاجر من القطر

الشاسع، وحسّن الظنّ بالمشتري منه أو البائع، فيبلغ في خدعته، والإضرار به في سلعته، أسو أالمبالغ، ويرتكب من محرّم الخلابة «1» ما ليس بالسائغ، وسمع من ذلك أن من لا يتّقي الله تعالى يلابس الرّبا في تجارته، ويبني عليه جميع إدارته؛ وحفظ المكاسب من الخبائث أوجب الواجبات، والحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور متشابهات، ويمحق الله الرّبا ويربي الصدقات؛ فلتلزموا الأمناء المعروفين بالدّيانة، المشهورين بالأمانة، تفقّد هذه الأسواق، وليحص كلّ أمين من تشتمل عليه سوقه من التّجّار، وليعرف المختار منهم من غير المختار، ومن لا يصلح للتجارة في سوق المسلمين يقام منها على أسو إ حال، ومن عثر منهم على ربا في معاملته عاجلتموه بأشدّ العقاب وأسو إ النّكال؛ فخلّصوا المتاجر من الشوائب، ومروهم بأن يسيروا في بيعهم وشرائهم واقتضائهم على أجمل المذاهب، وأن يحذروا الغشّ فقد قال عليه السّلام: «من غشّنا فليس منّا» والانتفاء من الإيمان من أعظم المصائب؛ وإذا اعتبرت في المبايعات الوجوه الشرعيّة ولحظت الأحكام زكّى الله عمل التاجر، وبورك له فيما يدير من المتاجر. ثم لتوصوا كلّ من تقدّمونه لشغل من الأشغال أن يبدأ بصلاح نفسه قبل سواها، وأن يلتزم الأعمال التي يؤثرها الله تعالى ويرضاها، وحذّروهم كلّ الحذر أن تقفوا لهم على ما يشين، أو تسمعوا لهم قبيحا يخفى أو يبين؛ فمن سمعتم عنه أدنى سبب من هذا فعاجلوه بالعقاب الشّديد، والنّكال المبيد، إن شاء الله تعالى والسلام. قلت: وعلى هذه المعاني والأمور المأمور بها في هذا الكتاب قد كانت الخلفاء تكتب بها في المكاتبات على أنحاء متفرّقة على ما تقدّم في مقاصد المكاتبات من المقالة الرابعة، وكانوا يولّون على الصلاة والمساجد من يقوم بأمرها على ما تقدّم، وإنّ أكثر هذه الأمور الآن مضمّنة في تواقيع أصحاب الحسبة على ما تقدّم ذكره في الكلام على الولايات في المقالة الخامسة، وبالله التوفيق.

الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة السادسة (فيما يكتب من ذلك في زماننا)

الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة السادسة (فيما يكتب من ذلك في زماننا) وهو قليل: لقلّة الاعتناء بأمر الدين والاكتفاء في ذلك بالتفويض إلى متولّي الحسبة؛ إلا أنه ربّما كتب في ذلك في الأمور المهمة عند تعدّي الطّور في أمر من الأمور الدّينية، والخروج فيه عن الحدّ. ثم هو على ضربين: الضرب الأوّل (ما يكتب عن الأبواب السلطانية) وهذه نسخة توقيع شريف من هذا النوع كتب به في الأيام ... «1» أن لا يباع على أهل الذمّة رقيق حين كثر شراء أهل الذمة من اليهود والنصارى العبيد والجواري وتهويدهم وتنصيرهم «2»

الضرب الثاني (مما يكتب في الأوامر والنواهي الدينية - ما يكتب عن نواب السلطنة بالممالك)

الضرب الثاني (مما يكتب في الأوامر والنّواهي الدينية- ما يكتب عن نوّاب السلطنة بالممالك) وهذه نسخة توقيع كريم بمنع أهل صيدا وبيروت وأعمالهما من اعتقاد الرافضة والشّيعة وردعهم، والرّجوع إلى السنّة والجماعة، واعتقاد مذهب أهل الحق، ومنع أكابرهم من العقود الفاسدة والأنكحة «1» الباطلة، والتعرّض إلى أحد من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وأن لا يدعوا سلوك [طريق] أهل السنة الواضحة، ويمشوا في شرك أهل الشك والضّلال، وأنّ كل من تظاهر بشيء من بدعهم قوبل بأشدّ عذاب وأتمّ نكال؛ وليخمد نيران بدعهم المدلهمّة، وليبادر إلى حسم فسادهم بكل همّة، وتصريفهم عن [التّهوّك في مهالك أهوائهم إلى ما نصّ عليه الشرع] «2» واعتبره، وتطهير بواطنهم من رذالة اعتقادهم الباطل إلى أن يعلنوا جميعهم بالترضّي عن العشرة، وليحفظ أنسابهم بالعقود الصحيحة، وليداوموا على اعتقاد الحقّ والعمل بالسنّة الصريحة- في خامس عشرين «3» جمادى الآخرة سنة أربع وستين وسبعمائة؛ وهي: الحمد لله الذي شرع الحدود والأحكام، وجدع بالحق [أنوف] «4» العوامّ الأغتام الطّغام «5» ، وجمع الصّلاح والنّجاح والفلاح في الأخذ بسنّة خير الخلق وسيّد الأنام، وقمع الزائغين عمّا عليه أهل السنة من الحق في كلّ نقض وإبرام. نحمده على نعمه الجسام، ومننه التي تومض بروقها وتشام، وآلائه التي لا تسأم ولا تسام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ليس لمن تمسّك

بعروتها الوثقى انفصال ولا انفصام، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الداعي إلى الملك العلّام، والهادي إلى الحق بواضح الإرشاد والإعلام، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين هم أئمة الإسلام، وهداة الخلق إلى دار السّلام، خصوصا أبا بكر الصديق الذي سبق الناس بما وقر «1» في صدره لا بمزيّة صلاة ولا بمزيد صيام، وعمر بن الخطّاب الذي كان له في إقامة الحق أعظم مقام، ومن أهل الصلاح والفساد انتقاء وانتقام، وعثمان بن عفّان الذي جمع القرآن فحصل لشمل سوره وآياته بما فعل أحسن التئام، وأنفق ماله محتسبا لله تعالى فحاز من الثواب رتبة لا ترام، وعليّ بن أبي طالب الذي كان صهر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وابن عمه ووارث علمه اللهام «2» ، والمجادل عن دينه بالعلم والمجاهد بين يديه بالحسام، والباقين من العشرة الكرام، صلاة تستمدّ بركاتها وتستدام، وينمو فضلها بغير انقضاء ولا انصرام. وبعد، فإن الله تعالى بعث محمدا صلّى الله عليه وآله وسلّم بشرعه الذي ارتضاه، ودينه الذي قضاه، وحكمه الذي أبرمه وأمضاه، فبلّغ الرسالة، وأوضح الدّلالة، وأفصح المقالة، وجاهد في الله طوائف الأعداء، وأمال الله تعالى إلى قبول قوله وتصديقه من سبقت له العناية من الأودّاء، ونصره على مخالفيه من المشركين والحاسدين حتّى مات كل منهم بما في نفسه من الداء، وبيّن الطريق، وبرهن على التحقيق، فأعلن النّذارة والبشارة، ومهّد قواعد الدين تارة بالنص وتارة بالإشارة، وتمّ الدين بإحكام أحكامه، وشيّدت قواعده بإعلاء أعلامه، وعمّت الدعوة وتمّت، وفشت الهداية ونمت، ودخل الناس في الدين أرسالا، وبلغت نفوس المؤمنين من إعلاء كلمة التوحيد آمالا، وأصبحت الخيرات والبركات تتواتر وتتوالى، وخمدت نار الشّرك وطفئت مصابيح الضلالة ووحّد الله تبارك وتعالى. فلمّا تكامل ما أراد الله تعالى إظهاره في زمانه، وتمّ ما شاء إبرازه في إبّانه، وأعلنت الهداية، ومحيت الغواية، وقام عمود الدين،

ودحضت حجة الملحدين، واستوسق أمر الإسلام واستتبّ، وتبّت يدا مناوئه وتبّ- اختار الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم جواره وقربه، فقضى نحبه ولقي ربّه؛ فقام خلفاؤه بعده بآثاره يقتدون، وبهديه وإرشاده يهتدون، ولأحكامه يتّبعون، ولأوامره يستمعون، ولمعاني ما جاء به يعون، وإلى قضاياه يرجعون، لا يغيّرون ولا يبدّلون، ولا يتعرّضون ولا يتأوّلون، فقضى على ذلك الخلفاء الراشدون، والأئمّة المهديّون؛ لم يتّبع أحد منهم في زمانهم عقيدة فاسدة، ولم يظهر أحد مقالة عن سواء السبيل حائدة؛ ثم تفرّقت الآراء، وتعدّدت الأهواء، واختلفت العقائد، وتباينت المقاصد، ووهت القواعد، وتصادمت الشّواهد، وتفرّقت الناس إلى مقرّ بالحقّ وجاحد، وظهرت البدع في المقالات، وضلّ كثير في كثير من الحالات، وتهافت غالبهم في الضّلالات، وقال كلّ قوم مقالة تضمّنت أنواعا من الجهالات؛ وكان من أسخفهم عقلا، وأضعفهم نقلا، وأوهنهم حجّة، وأبعدهم من الرّشد محجّة، طائفة الرافضة والشّيعة، لارتكابهم أمورا شنيعة، وإظهارهم كلّ مقالة فظيعة، وخرقهم الإجماع، وجمعهم قبيح الابتداع، فتبدّدوا فرقا، وسلكوا من فواحش الاعتقادات طرقا، وتنوّع ناسهم، وتعدّدت أجناسهم، وتجرّأوا على تبديل قواعد الدّين، وأقدموا على نبذ أقوال الأئمة المرشدين، وقالوا ما لم يسبقوا إليه، وأعظموا الفرية فيما حملوا كلام الله ورسوله- عليه السّلام- عليه، وباؤوا بإثم كبير وزور عظيم، وعرّجوا «1» عن سواء السبيل فخرجوا عن الصراط المستقيم، وفاهوا بما لم يفه به قبلهم عاقل، وانتحلوا مذاهب لا يساعدهم عليها نقل ناقل، وتخيّلوا أشياء فاسدة حالهم فيما نخيّلها أسو أمن حال باقل «2» ، وتمسّكوا بآثار موضوعة، وحكايات إلى غير الثّقات مرفوعة، ينقل عن أحدهم ما ينقله عن مجهول غير معروف، أو عمن هو بالكذب والتدليس مشهور وموصوف؛ فأدّاهم ذلك إلى القول بأشياء- منها ما يوجب الكفر

الصّراح، ويبيح القتل الذي لا حرج على فاعله ولا جناح- ومنها ما يقتضي الفسق إجماعا، ويقطع من المتّصف به عن العدالة أطماعا- ومنها ما يوجب عظيم الزّجر والنّكال- ومنها ما يفضي بقائله إلى الويل والوبال. لعب الشيطان بعقولهم فأغواهم، وضمّهم إلى حزبه وآواهم، ووعدهم غرورا ومنّاهم، وتمنّوا مغالبة أهل الحق فلم يبلغوا مناهم، مرقوا من الدّين، وخرقوا إجماع المسلمين، واستحلّوا المحارم، وارتكبوا العظائم، واكتسبوا الجرائم، وعدلوا عن سواء السبيل، وتبوأوا من غضب الله شرّ مقيل. مذهبهم أضعف المذاهب، وعقيدتهم مخالفة للحق الغالب، وآراؤهم فاسدة، وقرائحهم جامدة، والنّقول والعقول بتكذيب دعاويهم شاهدة، لا يرجعون في مقالتهم إلى أدلّة سليمة، ولا يعرّجون في استدلالهم على طريق مستقيمة، يعارضون النّصوص القاطعة، ويبطلون القواعد لمجرّد المنازعة والمدافعة، ويفسّرون كلام الله تعالى بخلاف مراده منه، ويتجرّأون على تأويله بما لم يرده الله ولم يرد عنه؛ فهم أعظم الأمة جهالة، وأشدّهم غواية وضلالة؛ ليس لهم فيما يدّعونه مستند صحيح، ولا فيما ينقلونه نقل صريح. فلذاك كانوا أقلّ رتبة في المناظرة، وأسو أالأمّة حالا في الدنيا والآخرة، وأحقر قدرا من الاحتجاج عليهم، وأقلّ وضعا من توجيه البحث إليهم؛ أكابرهم مخلّطون، وأصاغرهم مثلهم ومعظمهم مخبّطون؛ بل كلّهم ليس لأحد [منهم] حظّ في الجدال، ولا قدم في صحة الاستدلال؛ ولو طولب أحد منهم بصحّة دعواه لم يجد عليها دليلا، ولو حقّق عليه بحث لم يلق إلى الخلاص سبيلا؛ غاية متكلّمهم أن يروي عن منكر من الرجال مجهول، ونهاية متعلّمهم أن يورد حديثا هو عند العلماء موضوع أو معلول؛ يطعنون في أئمة الإسلام، ويسبّون أصحاب النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، ويدّعون أنهم شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وهو بريء منهم، منزّه عما يصدر عنهم، فقدره أرفع عند الله والناس، ومحلّه أعلى بالنص والقياس، ويحرم أن ينسب إليه الرّضا بهذه العقائد، أو التقرير لهذه المفاسد، فإن طريقته هي المثلى، وسيرته هي العليا؛ فالأخذ بالحق إليه يؤول، والصواب معه حيث يفعل أو يقول، ولا يصحّ نقل شيء من هذا

عنه، ولا يحل نسبه شيء إليه منه؛ ومنصبه أجلّ من ذلك، ومكانه أعزّ مما هنالك؛ غير أنّ هؤلاء يعرض لأحدهم في دينه شبهة، يقلّد فيها مثله في الضلالة وشبهه، ويتردّد في نفسه من الغمّ برهة لا يجد لخلاصه منها وجهة، ولا يوجّه قلبه إلى طلب النجاة منها وجهه، ولا يقع نظر بصيرته على طريق الصواب ولا يحقّق كنهه، فيرتكب خطرا يوجب توبيخه في القيامة وجبهه، وتسودّ في الموقف ناصية منه وجبهة، ويعدم لتحيّره في الضلال عقله وفهمه وفقهه؛ قد صرفوا إلى الطعن في العلماء، ومخالفة ربّ الأرض والسماء، همّهم وهممهم، وافتروا على الله كذبا فذمّهم وأباح دمّهم، وقال لسان حال أمرهم أرى قدمهم أراق دمهم، وهان دمهم فها ندمهم. وقد بلغنا أن جماعة من أهل بيروت وضواحيها، وصيدا ونواحيها، وأعمالها المضافة إليها، وجهاتها المحسوبة عليها، ومزارع كل من الجهتين وضياعها، وأصقاعها وبقاعها، قد انتحلوا هذا المذهب الباطل وأظهروه، وعملوا به وقرّروه، وبثّوه في العامّة ونشروه، واتخذوه دينا يعتقدونه، وشرعا يعتمدونه، وسلكوا منهاجه، وخاضوا لجاجه، وأصّلوه وفرّعوه، وتديّنوا به وشرعوه، وحصّلوه وفصّلوه، وبلّغوه إلى نفوس أتباعهم ووصّلوه، وعظّموا أحكامه، وقدّموا حكّامه، وتمّموا تبجيله وإعظامه؛ فهم بباطله عاملون، وبمقتضاه يتعاملون، ولأعلام علمه حاملون، وللفساد قابلون، وبغير السّداد قائلون، وبحرم حرامه عائذون، وبحمى حمايته لائذون، وبكعبة ضلاله طائفون، وبسدّة شدّته عاكفون؛ وإنهم يسبّون خير الخلق بعد الأنبياء والمرسلين، ويستحلّون دم أهل السّنّة من المسلمين، ويستبيحون نكاح المتعة ويرتكبونه، ويأكلون مال مخالفيهم وينتهبونه، ويجمعون بين الأختين في النكاح «1» ، ويتديّنون بالكفر الصّراح، إلى

غير ذلك من فروع هذا الأصل الخبيث، والمذهب الذي ساوى في البطلان مذهب التثليث- فأنكرنا ذلك غاية الإنكار، وأكبرنا وقوعه أشدّ إكبار، وغضبنا لله تعالى أن يكون في هذه الدولة للكفر إذاعة، وللمعصية إشادة وإشاعة، وللطاعة إخافة وإضاعة، وللإيمان أزجى بضاعة، وأردنا أن نجهّز طائفة من عسكر الإسلام، وفرقة من جند الإمام، تستأصل شأفة هذه العصبة الملحدة، وتطهّر الأرض من رجس هذه المفسدة؛ ثم رأينا أن نقدّم الإنذار، ونسبق إليهم بالإعذار، فكتبنا هذا الكتاب، ووجّهنا هذا الخطاب، ليقرأ على كافّتهم، ويبلّغ إلى خاصّتهم وعامّتهم، يعلمهم أن هذه الأمور التي فعلوها، والمذاهب التي انتحلوها، تبيح دماءهم وأموالهم، وتقتضي تعميمهم بالعذاب واستئصالهم؛ فإنّ من استحلّ ما حرّم الله تعالى وعرف كونه من الدين ضرورة فقد كفر، وقد قال الله تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ «1» عطفا على ما حكم بتحريمه، وأطلق النصّ فتعيّن حمله على تعميمه؛ وقد انعقد على ذلك الإجماع، وانقطعت عن مخالفته الأطماع، ومخالفة الإجماع حرام بقول من لم يزل سميعا بصيرا وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً «2» ونكاح المتعة منسوخ «3» ، وعقده في نفس الأمر مفسوخ، ومن ارتكبه بعد علمه بتحريمه واشتهاره، فقد خرج عن الدّين بردّه الحقّ وإنكاره، وفاعله إن لم يتب فهو مقتول، وعذره فيما يأتيه من ذلك غير مقبول، وسبّ الصحابة رضوان الله عليهم مخالف

لما أمر به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من تعظيمهم، ومنابذ لتصريحه باحترامهم وتبجيلهم، ومخالفته عليه السّلام فيما شرعه من الأحكام، موجبة للكفر عند كل قائل وإمام، ومرتكب ذلك على العقوبة سائر، وإلى الجحيم صائر. ومن قذف عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها بعدما برّأها «1» الله تعالى فقد خالف كتابه العظيم، واستحقّ من الله النّكال البليغ والعذاب الأليم، وعلى ذلك قامت واضحات الدلائل، وبه أخذ الأواخر والأوائل، وهو المنهج القويم، والصّراط المستقيم، وما عدا ذلك فهو مردود، ومن الملّة غير معدود، وحادث في الدين، وباعث من الملحدين، وقد قال الصادق في كل مقالة، والموضّح في كل دلالة: «كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة» ؛ فتوبوا إلى الله جميعا، وعودوا إلى الجماعة سريعا، وفارقوا مذهب أهل الضّلالة، وجانبوا عصبة الجهالة، واسمعوا مقالة الناصح لكم في دينكم وعوا، وعن الغيّ ارجعوا، وإلى الرّشاد راجعوا، وإلى مغفرة من ربّكم وجنة عرضها السموات والأرض باتّباع السنة بادروا وسارعوا؛ ومن كان عنده امرأة بنكاح متعة فلا يقربها، وليحذر من غشيانها وليتجنّبها، ومن نكح أختين في عقدين فليفارق الثانية منهما فإنّ عقدها هو الباطل، وإن كانتا في عقد واحد فليخرجهما معا عن حبالته «2» ولا يماطل، فإنّ عذاب الله شديد، ونكال المجرم في الحميم كلّ يوم يزيد، ودار غضب الله تنادي بأعدائه هل من مزيد؛ فلا طاقة لكم بعذابه، ولا قدرة على أليم عقابه، ولا مفرّ للظالم منه ولا خلاص، ولا ملجأ ولا مناص؛ فرحم الله تعالى امرأ نظر لنفسه، واستعدّ لرمسه، ومهّد لمصرعه، ووطّأ لمضجعه، قبل فوات الفوت، وهجوم الموت، وانقطاع الصّوت، واعتقال اللسان، وانتقال الإنسان، قبل أن تبذل التوبة ولا تقبل، وتذرى الدموع وتسبل،

وتنقضي الآجال وينقطع الأمل، ويمتنع العمل، وتزهق من العبد نفسه، ويضمّه رمسه، ويرد على ربه وهو عليه غضبان، وإنّ سخطه عليه بمخالفة أمره قد بان، ولا ينفعه حينئذ النّدم، ولا تقال عثرته إذا زلّت به القدم؛ وقد أعذر من أنذر، وأنصف من حذّر؛ فإنّ حزب الله هم الغالبون، والذين كفروا سيغلبون، وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون. ألهمنا الله وإيّاكم رشدنا، ووفّق إلى مراضيه قصدنا، وجمعنا وإياكم على الطاعة، وأعاننا جميعا على السّنّة والجماعة، بمنّه وكرمه!. وهذه نسخة مرسوم كتب به عن نائب المملكة الطرابلسيّة إلى نائب حصن الأكراد «1» ، بإبطال ما أحدث بالحصن: من الخمّارة، والفواحش، وإلزام أهل الذّمّة بما أجري عليهم أحكامه من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب «2» رضي الله عنه- في أواخر جمادى الأولى سنة خمس وستين وسبعمائة؛ وهو: المرسوم بالأمر العاليّ- لا زال قصده الشريف المثابرة على تغيير المنكر، وشدّ أزر المنكر، مشمّرا في إراحة القلوب بإزاحة مواطن الفواحش: من سفاح ومخدّر وميسر ومسكر- أن يتقدّم الجناب الكريم باستمرار ما وفّقنا الله تعالى له ورسمنا به، وأعطيناه دستورا يجده من عمل به يوم حسابه: من إبطال الخمّاره، وهدم مبانيها بحيث لا يبقى للنّفس الأمّارة عليها أمارة، وإخفاء معالمها التي توطّنها الشيطان فقطن، وإزالة ما بها من الفواحش التي ما ظهر منها أقلّ مما بطن، وإخلاء تلك البلاد من هذا الفساد الموجب لكثرة المحن والاختلاف وإراقة ما بها من الخمور، التي هي رأس الإثم والشّرور، وإحراق كل مخدّر مذموم في الشّرع محذور، وإذهاب اسم الحانة بالكليّة بحيث لا يتلفّظ به مسلم ولا كافر، ولا يطمع نفسه في الترتيب عليها من هو على خزيه وبغيه مظافر. وقد غيّرنا هذا المنكر بيد

أطال الله بفضله في الخير باعها، وغنمنا إزالة هذه المفسدة فأحرزنا برّها واصطناعها، خوفا من وعيد قوله تعالى: كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ «1» ورجاء أن نكون من المراد بقوله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «2» وعملا بقوله عليه السّلام: «من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده» ، وعلما بأنّ أمير الرعية إذا لم يزل المنكر من بينهم فكيف يفلح في يومه وحال السّؤال عنهم في غده. وقد صار حصن الأكراد بهذه الحسنة في الحصن المنيع، وأهله المتمسّكون بالعروة الوثقى في مربع خصيب مريع، وضواحيه مطهّرة من خبث السّفاح ونجاسة الخمور، ونواحيه كثيرة السّرور قليلة الشّرور، قد أعلى الله تعالى به كلمته، وأجاب لصغيره وكبيره في هذا الأمر دعوته؛ وما ذلك إلا بتوفيق من أهّلنا لذلك، وألهمنا رشدنا وطهّرنا من هذه المفاسد تلك المسالك، وله الحمد على ما وفّق إليه، وأعان عبده في ولايته عليه؛ فإن المنكر إذا فشا ولم ينكر آن خراب الديار، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «إنّ الله ليغار» ، فعند ذلك تمنع السماء درّها، وتمسك الأرض بذرها، ويجفّ الضّرع، وييبس الزّرع، وتعطش الأكباد، وتهلك البلاد. فليبسط الجناب الكريم يده في إزالة ما بقي من منكر، متفقّدا لجليله وحقيره بالفحص الشديد وما على ذلك يحمد بكل لسان ويشكر، مترقّبا من يدخل البلد ذلك ليقابله بالضرب بالسياط، آخذا في تتبّع خلاله بالحزم والتحرّي والاحتياط، إلى أن تصل بنا أخباره، ويعلو لدينا في سياسته ونهضته مناره، وتحمد عندنا إيالته وآثاره، وهو بحمد الله كما نعهد شديد على كل مفسد ومعاند، سديد الآثار والأثارة والمقاصد. وأما أهل الذمّة فما رفع عنهم السيف إلا بإعطاء الجزية والتزام الأحكام،

وأخذ عهود أكيدة عليهم من أهل النقض والإبرام. فليتقدّم الجناب الكريم بإلزامهم بما ألزمهم به الفاروق رضوان الله عليه، وليلجئهم في كل أحوالهم إلى ما ألجأهم إليه: من إظهار الذّلّة والصّغار، وتغيير النّعل وشدّ الزّنّار، وتعريف المرأة بصبغ الإزار؛ وليمنعوا من إظهار المنكر والخمر والناقوس، وليجعل الخاتم أو الحديد في رقابهم عند التجرّد في الحمّام، وليلزموا بغير ذلك من الأحكام التي ورد بها المرسوم الشريف من مدّة أيّام؛ ومن لم يلتزم منهم بذلك وامتنع، وأعلن بكفره وأعلى كلمته ورفع، فما له حكم إلا السيف، وغنم أمواله وسبي ذراريّه وما في ذلك على مثله حيف؛ فهاتان مفسدتان أمرنا بالزامهما فرارا من سخط الله تعالى وحذارا، إحداهما إبطال الحانة والثانية إخفاء كلمة اليهود والنّصارى. فليتقدّم الجناب المشار إليه باستمرار ما رسمنا به فهو الحق الذي لا شكّ فيه، والنّور الذي يتبعه المؤمن ويحكيه، ونرجو من كرم الله تعالى استمرار هذه الحسنة مدى الأزمان، واستثمار شجرها المائد الأغصان، وإبطال هذا الحزن المسمّى ظلما بالفرح «1» ، وإعمال السيف في عنق من ارتضاه بين أظهر المسلمين فانهتك سرّه وافتضح. وليقمع أهل الشرك والضلال، بما يلزم الصّغار عليهم والإذلال، إلى أن لا يرفع لهم راس، ولا يشيّدوا كيدا إلا على غير أساس، وليستجلب الجناب الكريم لهذه الدولة الشريفة ولنا الدعاء من المسلمين، والفقراء والصالحين والمساكين، وليطب قلوبهم باستمرار ما أزلناه، ومحونا آثاره وأبطلناه، وقصدنا بإبطاله من تلك الأرض، مسامحة من الحكم العدل يوم العرض؛ ومن أعاد ما أبطلناه أو أعان على إعادته، أو أمر بتشييده وبناء حجارته، أو رتّب مرتّبا على خدر بغيّ وموّه ودلّس بالأفراح، أو أطلق أن يباع منكر أو سوّل له شيطانه أنه من الأرباح، فإن الله تعالى يحاكمه وهو أحكم الحاكمين، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

الباب الثاني فيما يكتب في المسامحات والإطلاقات؛ وفيه فصلان.

الباب الثاني فيما يكتب في المسامحات والإطلاقات؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل فيما يكتب في المسامحات والمسامحات جمع مسامحة، وهي [الجود والموافقة على ما أريد منه] «1» والمراد المسامحة بما جرت به عادة الدواوين السلطانية: من المقرّرات واللوازم السلطانية، وهي على ضربين: الضرب الأوّل (ما يكتب من الأبواب السلطانية) وقد جرت العادة أنّ السلطان إذا سمح بترك شيء من ذلك كتب به مرسوم شريف وشملته العلامة الشريفة؛ وهو على مرتبتين: المرتبة الأولى- المسامحات العظام. وقد جرت العادة أن تكتب في قطع الثلث مفتتحة ب «الحمد لله» . وصورتها أن يكتب في أعلى الدّرج بوسطه الاسم الشريف كما في مراسيم الولايات، ثم يكتب من أوّل عرض الورق إلى آخره «مرسوم شريف أن يسامح بالجهة الفلانية وإبطال المكوس بها، أو أن يسامح بالباقي بالجهة الفلانية، أو أن

يسامح أهل الناحية الفلانية بكذا وكذا، ابتغاء لوجه الله تعالى، ورجاء لنواله الجسيم على ما شرح فيه» ثم يترك وصلان بياضا غير وصل الطّرّة، ويكتب في أوّل الوصل الثالث البسملة، ثم الخطبة بالحمد «1» لله إلى آخرها، ثم يقال: وبعد، ويؤتى بمقدّمة المسامحة: من شكر النعمة، والتوفية بحقها ومقابلتها بالإحسان إلى الخلق، وعمل مصالح الرعية وعمارة البلاد، وما ينخرط في هذا السّلك، ثم يقال: ولذلك لما كان كذا وكذا اقتضت آراؤنا الشريفة أن يسامح بكذا، ثم يقال: فرسم بالأمر الشريف أن يكون الأمر على كذا وكذا، ثم يقال: فلتستقرّ هذه المسامحة ويؤتى فيها بما يناسب، ثم يقال: وسبيل كلّ واقف على هذا المرسوم الشريف العمل بمضمونه أو بمقتضاه، ويختم بالدعاء بما يناسب. وهذه نسخة مرسوم بمسامحة ببواقي دمشق وأعمالها، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ «2» رحمه الله تعالى؛ وهي: الحمد لله الرؤوف بخلقه، المتجاوز لعباده عما قصّروا فيه من حقّه، المسامح لبريّته بما أهملوه من شكر ما بسط لهم من رزقه، جاعل دولتنا القاهرة مطلع كرم؛ تجتلى أنوار البرّ في البرايا من أفقه، ومنشأ ديم، تجتلب أنواء الرّفق بالرعايا من برقه، ومضمار جود يحتوي على المعروف من جميع جهاته ويشتمل على الإحسان من سائر طرقه؛ فلا برّ تنتهي إليه الآمال إلا ولكرمنا إليه مزيّة سبقه، ولا أجر يتوجّه إليه وجه الأمانيّ إلا تلقّته نعمنا بمتهلّل وجه الإحسان طلقه، ولا

معروف تجدب منه أرجاء الرجاء إلا واستهلّت عليه آلاؤنا من صوب برّنا المألوف لآلي ودقه «1» نحمده على نعمه التي عمّت الرّعايا بتوالي الإحسان إليهم، وأنامتهم في مهاد الأمن بما وضعت عنهم مسامحتنا من إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، وأنالتهم ما لم تطمح آمالهم إليه: من رفع الطّلب عن بواقي أموال أخّروها وراء ظهورهم وكانت كالأعمال المقدّمة بين يديهم. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبعث على نشر رحمته، التي وسعت كلّ شيء في عباده، وتحثّ على بثّ نعمته، التي غمرت كلّ حيّ على اجتماعه وسعت إلى كل حيّ على انفراده، وتحضّ على ما ألهمنا من رأفة بمن قابله بتوحيده وشدّة على من جاهره بعناده. ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أسكت ألسنة الشرك وأخرسها، وعفّى معالم العدوان وطمسها، وأثّل قواعد الدين على أركان الهدى وأسّسها، وأوضح سبل الخيرات لسالكها فإذا سعدت بالملوك رعاياها فإنما أسعدت الملوك بذلك في نفس الأمر أنفسها، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين شفعوا العدل بالإحسان، وجمعوا بين ملك الدنيا والآخرة بإحياء السّنن الحسان، وزرعوا الجهاد بالإيمان في كل قلب فأثمر بالتوحيد من كلّ لسان، صلاة جامعة أشتات المراد، سامعة نداء أربابها يوم يقوم الأشهاد، قامعة أرباب الشكّ فيها والإلحاد، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإننا لما آتانا الله من ملك الإسلام، وخصّنا به من الحكم العامّ، في أمة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وأيّدنا به من النصر على أعداء دينه، وأمدّنا به من تأبيد تأييده ودوام تمكينه، وجعل دولتنا مركزا مدار ملك الأمة الإسلامية عليه، وفلكا مآل أمور الأمّة المحمدية في سائر الممالك على اختلافها

إليه، ورزقنا من النصر على أعدائه ما أعزّ المسلمين وأدالهم، وأذلّ المشركين وأذالهم، وكفّ بالرّعب أطماعهم، وأعمى بما شاهدوه أبصارهم وأصمّ بما سمعوه أسماعهم، وحصرهم بالمهابة في بلادهم، وأيأسهم بالمخافة من نفوسهم قبل طارفهم وتلادهم- لم نزل نرغب في حسنات تحلّى بها أيامنا، وقربات تجري بها أقلامنا، ومكرمات تكمل بها عوارفنا وإنعامنا، ومآثر يخلّد بها في الباقيات الصالحات ذكرنا، ومواهب تجمّل بها بين سير العصور الذاهبة سيرتنا الشريفة وعصرنا، ومصالح يصرف بها إلى مصالح البلاد والعباد نظرنا الجميل وفكرنا، نهوضا بطاعة الله فيما ألقى مقاليده إلينا، وأداء لشكره فيما أتمّ به نعمه العميمة علينا، واكتسابا لثوابه فيما نقدّمه من ذخائر الطاعات بين يدينا، ونظرا في عمارة البلاد بخفّة ظهور ساكنيها، وإطابة لقلوب العباد من تبعات البواقي التي كانت تمنعهم من عمارة أراضيهم وتنفّرهم من التوطّن فيها، ورغبة فيما عند الله والله عنده حسن الثواب، وتحرّيا لإصابة وجه المصلحة الإسلاميّة في ذلك والله الموفّق للصواب. ولذلك لمّا اتّصل بنا [أنّ] باقي البلاد الشامية من البواقي التي يتعب ألسنة الأقلام، إحصاؤها، ويثقل كواهل الأفهام، تعداد وجوهها واستقصاؤها، مما لا يسمح بمثله في سالف الدّهور، ولا يسخو به إلا من يرغب مثلنا فيما عند الله من أجور لا تخرجه عن مصالح الجمهور- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نعفي منها ذمما كانت في أغلال إسارها، وأثقال انكسارها، وروعة اقتضائها، ولوعة التردّد بين إنظار المطالبة وإمضائها، وأن نعتق منها نفوسا كانت في سياق مساقها، وحبال إزهاقها وإرهاقها، لتتوفّر الهمم على عمارة البلاد، بالأمن على الطارف والتّلاد، وتجمع الخواطر على حسن الخلف، بما حصل لهم من المسامحة عما عليهم من ذلك سلف، بذمم بريّة من تلك الأثقال، عريّة عن عثرات تلك البواقي التي ما كان يقال إنها تقال. فرسم بالأمر الشريف- زاده الله تعالى علوّا وتشريفا، وأمضاه بما يعم الآمال رفقا بالرعايا وتخفيفا، وأجراه من العدل والإحسان بما يعمّ البلاد، ويجبر العباد،

فإن الأرض يحييها العدل ويعمرها الاقتصار على الاقتصاد- أن يسامح.......... فليستقرّ حكم هذه المسامحة استقرارا يبقي رسمها، ويمحو من تلك البواقي المساقة رسمها واسمها، ويضع عن كواهل الرعايا أعباءها، ويسيّر بين البرايا أخبارها الحسنة وأنباءها، ويسقط من جرائد الحساب تفاصيلها وجملها، ويحقّق بتعفيته آثارها رجاء رعيّة بلادنا المحروسة وأملها. فقد ابتغينا بالمسامحة بهذه الجمل الوافرة ثواب الله وما عند الله خير وأبقى، وأعتقنا بها ذمم من كانت عليه من ملكة المال الذي كان له باستيلاء الطّلب واستمراره مسترقّا، تقرّبا إلى الله تعالى لما فيه من إيثار التخفيف، ووضع إصر التكليف، وتقوية حال العاجز فإنّ غالب الأموال إنما تساق على الضعيف، وتوفير همّ الرّعايا على عمارة البلاد وذلك من آكد المصالح وأهمّها، وتفريغ خواطرهم لأداء ما عليهم من الحقوق المستقبلة وذلك من أخصّ المنافع وأعمّها؛ فليقابلوا هذه النّعم بشكر الله على ما خصّ دولتنا به من هذه المحاسن، ويوالوا حمده على مامتّعهم به من موادّ عدلها التي ماء إحسانها غير آسن، ويبتهلوا لأيّامنا الزاهرة بالأدعية التي تخلّد سلطانها، وتشيّد أركانها، وتعلي منار الدين باعتلائها، وتؤيّدها بالملائكة المقرّبين على أعداء الله وأعدائها، وسبيل كل واقف على مرسومنا هذا: من ولاة الأمر أجمعين العمل بمضمونه، والانتهاء إلى مكنونه، والمبادرة إلى إثبات هذه الحسنة، والمسارعة إلى العمل بهذه المسامحة التي تستدعي مسارّ القلوب وثناء الألسنة، وتعفية آثار تلك البواقي التي عفونا عن ذكرها، ومحو ذكر تلك الأموال التي تعوّضنا عن استيفائها بأجرها. وهذه نسخة مرسوم شريف بالمسامحة بالبواقي في ذمم الجند والرّعايا بالشام، كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون في شهور سنة اثنتين

وسبعمائة بخط العلّامة كمال الدين محمد الزّملكانيّ «1» من إنشائه، وقريء على المنبر بالجامع الأمويّ بدمشق المحروسة؛ وهي: الحمد لله الذي وسع كلّ شيء رحمة وعلما، وسمع نداء كلّ حيّ رأفة وحلما، وخصّ أيامنا الزاهرة بالإحسان فأنجح فيها من عدل وخاب من حمل ظلما، وزان دولتنا بالعفو والتجاوز فهي تعتدّ المسامحة بالأموال الجسيمة غنما إذا اعتدّتها الدّول غرما. نحمده على نعمه التي غمرت رعايانا بإدامة الإحسان إليهم، وعمرت ممالكنا بما نتعاهد به أهلها من نشر جناح الرأفة عليهم، وخفّفت عن أهل بلادنا أثقال بواقي الأموال التي كانوا مطلوبين بها من خلفهم ومن بين يديهم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لم تزل تشفع لأهلها العدل بالإحسان، وتجمع لأربابها بالرأفة والرّفق أشتات النّعم الحسان، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي جلا الغمّة، وهدى الأمّة، وسنّ الرأفة على خلق الله والرحمة، وحثّ على الإحسان إلى ذوي العسرة لما في ذلك من براءة كل مشغول الذّمّة، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذي أمروا بالتيسير، واقتنعوا من الدنيا باليسير، وأوضحوا طرق الإحسان لسالكيها فسهل على المقتدي بهم في الحنوّ على الأمة الصعب ويسّر العسير، صلاة تدّخر ليوم الحساب، وتعدّ للوقت الذي إذا نفخ في الصّور فلا أنساب، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن الله تعالى لمّا خصّ أيامنا الزاهرة بالفتوح التي أنامت الرعايا، في مهاد أمنها، وأنالت البرايا، مواقع يمنها ومنّها، وكفّت أكفّ الحوادث عن البلاد

وأهلها، ونشرت عليهم أجنحة البشائر في حزن الأرض وسهلها، وأعذبت من الطّمأنينة مواردهم، وعمّت بالدّعة والسكون قاطنهم وراحلهم، وبدّلتهم من بعد خوفهم أمنا، ونوّلتهم بأجابة داعي الذّبّ عنهم منّا منّا، رأينا أن نفسّح لهم مجال الدّعة والسكون، وأن لا نقنع لهم بما كان من أسباب المسارّ حتّى نتبعها بما يكون، وأن نصفّي بالإعفاء من شوائب الأكدار شربهم، ونؤمّن بالإغفاء عن طلب البواقي التي هي على ظهورهم كالأوزار سربهم، وأن نشفع العدل فيهم كما أمر الله تعالى بالإحسان إليهم، ونضع عنهم بوضع هذه الأثقال إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، وأن نوفّر على عمارة البلاد هممهم، ونبري من تبعات هذه الأموال اللازمة لهم ذممهم، ونريح من ذلك أسرارهم، ونطلق من ربقه الطلب المستمرّ إسارهم، ونسامحهم بالأموال التي أهملوها وهي كالأعمال محسوبة عليهم، ونعفيهم من الطلب بالبواقي التي نسوها كالآجال وهي مقدّمة بين يديهم، لتكون بشراهم بالنصر كاملة، ومسرّتهم بالأمن من كلّ سبيل شاملة. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال برّه عميما، وفضله لحسن النظر في مصالح رعاياه مديما- أن تسامح مدينة دمشق المحروسة وسائر الأعمال الشامية بما عليها من البواقي المساقة في الدواوين المعمورة إلى المدد المعينة في التذكرة الكريمة المتوّجة بالخط الشريف؛ وجملة ذلك من الدراهم «1» ألف ألف وسبعمائة ألف وستة وأربعون ألفا ومائة ألف وخمسة وأربعون درهما، ومن الغلال المنوّعة تسعة آلاف وأربعمائة واثنتان وأربعون غرارة «2» ، ومن الحبوب مائتان وثمان وعشرون غرارة، ومن الغنم خمسمائة رأس، ومن الفولاذ ستّمائة وثمانية أرطال، ومن الزّيت ألفان وثلاثمائة رطل، ومن حبّ الرّمّان ألف وستّمائة رطل.

فليتلقّوا هذه النعمة بباع الشكر المديد، ويستقبلوا هذه المنّة بحمد الله تعالى فإنّ الحمد يستدعي المزيد، ويرفلوا في أيامنا الزاهرة، في حلل الأمن الضافية، ويردوا من نعمنا الباهرة، مناهل السعد الصافية، ويقبلوا على مصالحهم بقلوب أزال الأمن قلقها، وأذهبت هذه المسامحة المبرورة فرقها، ونفوس أمنت المؤاخذة من تلك التّبعات بحسابها، ووثقت بالنجاة في تلك الأموال من شدّة طالب يأبى أن يفارق إلّا بها، وليتوفّروا على رفع الأدعية الصالحة لأيّامنا الزاهرة، ويتيمّنوا بما شملهم من الأمن والمنّ في دولتنا القاهرة؛ فقد تصدّقنا بهذه البواقي التي أبقت لنا أجرها وهي أكمل ما يقتنى، وخفّفت أثقال رعايانا وذلك أجمل ما به يعتنى. وسبيل كل واقف على هذا المرسوم الشريف اعتماد حكمه، والوقوف عند حدّه ورسمه؛ ويعفّي آثار هذا الباقي المذكور بمحو رسمه واسمه، بحث لا يترك لهذه البواقي المذكورة في أموالنا انتساب، ولا يبقى لها إلى يوم العرض عرض نورده ولا حساب؛ والخط الشريف شرفه الله تعالى أعلاه حجة بمقتضاه. وهذه نسخة مسامحة بمكوس على جهات مستقبحة بالمملكة الطرابلسية، وإبطال المنكرات، كتب بها في الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون» أيضا في شهور سنة سبع عشرة وسبعمائة «1» ؛ وهي: الحمد لله الذي جعل الدّين المحمّديّ في أيامنا الشريفة على أثبت عماد، واصطفانا لإشادة أركانه وتنفيذ أحكامه بين العباد، وسهّل علينا من إظهار شعائره ما رام من كان قبلنا تسهيله فكان عليه صعب الانقياد، وادّخر لنا من أجور نصره أجلّ ما يدّخر ليوم يفتقر فيه لصالح الاستعداد. نحمده على نعم بلّغت من إقامة منار الحق المراد، وأخمدت نار الباطل

بمظافرتنا ولولا ذلك لكانت شديدة الاتّقاد، ونكّست رؤوس الفحشاء فعادت على استحياء إلى مستسنّها أقبح معاد، ونشكره على أن سطّر في صحائفنا من غرر السّير ما تبقى بهجته ليوم المعاد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يجدها العبد يوم يقوم الأشهاد، وتسري أنوار هديها في البرايا فلا تزال آخذة في الازدياد، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بعثه الله بالإنذار إلى يوم التّناد، والإعذار إلى من قامت عليه الحجة بشهادة الملكين فأوضح له سبيل الرّشاد، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم من ردّ أهل الردّة إلى الدّين القويم أحسن ترداد، ومنهم من عمّم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سائر العباد والبلاد، ومنهم من بذل ماله للمجاهدين ونفسه للجهاد، ومنهم من دافع عن الحق فلا برح في جدال عنه وفي جلاد، صلاة تهدي إلى السّداد، وتقوّم المعوجّ وتثقّف الميّاد، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن الله تعالى منذ ملّكنا أمور خلقه، وبسط قدرتنا في التصرّف في عباده والمطالبة بحقّه، وفوّض إلينا القيام بنصرة دينه، وفهّمنا أنه تعالى قبض قبل خلق الخلائق قبضتين فرغبنا أن نكون من قبضة يمينه، وألقى إلينا من مقاليد الممالك، وأقام الحجة علينا بتمكين البسطة وعدم المشاقق في ذلك، ومهّد لنا من الأمر ما على غيرنا توعّر، وأعدّ لنا من النّصر ما أجرانا فيه على عوائد لطفه لا عن مرح في الأرض ولا عن خدّ مصعّر- ألهمنا إعلاء كلمة الإسلام، وإعزاز الحلال وإذلال الحرام، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وأن لا نختار على دار الآخرة دار الدّنيا؛ فلم نزل نقيم للدّين شعارا، ونعفّي للشّرك آثارا، ونعلن في النصيحة لله تعالى ولرسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم جهرا وإسرارا، ونتّبع أثر كرم نقتفيه، وممطول بحقّه نوفّيه، ونعلم حق قربة نشيّده، ومخذولا استظهر عليه الباطل نؤيّده، وذا كربة نفرجها، وغريبة فحشاء استطردت من أدؤر «1» الحق نخرجها، وسنّة سيئة تستعظم النفوس زوالها فتجعلها هباء منثورا، وجملة عظيمة أسّست على غير

التقوى مبانيها فيحطمها كرمنا فنؤدّي الجزاء عنها موفورا؛ فاستقصينا ذلك في ممالكنا الشريفة مملكة مملكة، واستطردنا في إبطال كل فاحشة موبقة مهلكة، فعفّينا من ذلك بالديار المصرية ما شاع خبره، وظهر بين الأنام أثره، وطبّقت بمحاسنه الآفاق، ولهجت به ألسنة الدّعاة والرّفاق: من مكوس أبطلناها، وجهات سوء عطّلناها، ومظالم رددناها إلى أهلها، وزجرناها عن غيّها وجهلها، وبواق سامحنا بها وسمحنا، وطلبات خفّفنا عن العباد بتركها وأرحنا، ومعروف أقمنا دعائمه، وبيوت لله عز وجل أثرنا منها كل نائمة؛ ثم بثثنا ذلك في سائر الممالك الشامية المحروسة، وجنينا ثمرات النصر من شجرات العدل التي هي بيد يقظتنا مغروسة. ولما اتّصل بعلومنا الشريفة أنّ بالمملكة الطرابلسية آثار سوء ليست في غيرها، ومواطن فسق لا يقدر غيرنا على دفع ضررها وضيرها، ومظانّ آثام يجد الشيطان فيها مجالا فسيحا، وقرى لا يوجد بها من [كان] «1» إسلامه مقبولا ولا من [كان] «2» دينه صحيحا، وخمورا يتظاهر بها ويتصل سبب الكبائر بسببها، وتشاع بين الخلائق مجهرا، وتباع على رؤوس الأشهاد فلا يوجد لهذا المنكر منكرا، ويحتجّ في ذلك بمقرّرات سحت لا تجدي نفعا، وتبقى في يد آخذها كأنها حيّة تسعى. ومما أنهي إلينا أن بها حانة عبّر عنها بالأفراح قد تطاير شررها، وتفاقم ضررها، وجوهر فيها بالمعاصي، وآذنت لولا حلم الله وإمهاله بزلزلة الصّياصي، وغدت لأهل الأهوية مجمعا، ولذوي الفساد مربعا ومرتعا، يتظاهر فيها بما أمر بستره من القاذورات، ويؤتى بما يجب تجنّبه من المحذورات، ويسترسل في الأفراح بها بما يؤدّي إلى غضب الجبّار، وتهافت النفوس فيها كالفراش على الاقتحام في النار. ومنها- أن المسجون إذا سجن بها أخذ بجميع ما عليه بين السجن وبين

الطّلب، وإذا أفرج عنه ولو في يومه انقلب إلى أهله في الخسارة بشرّ منقلب، فهو لا يجد سرورا بفرجه، ولا يحمد عقبى مخرجه. ومنها: أنّ بالأطراف القاصية من هذه المملكة قرى سكّانها يعرفون بالنّصيرية لم يلج الإسلام لهم قلبا، ولا خالط لهم لبّا، ولا أظهروا له بينهم شعارا، ولا أقاموا له منارا، بل يخالفون أحكامه، ويجهلون حلاله وحرامه، ويخلطون ذبائحهم بذبائح المسلمين، ومقابرهم بمقابر أهل الدّين، وكل ذلك مما يجب ردعهم عنه شرعا، ورجوعهم فيه إلى سواء السبيل أصلا وفرعا، فعند ذلك رغبنا أن نفعل في هذه الأمور ما يبقى ذكره مفخرة على ممّر الأيّام، وتدوم بهجته بدوام دولة الإسلام، ونمحو منه في أيامنا الشريفة ما كان على غيرها به عارا، ونسترجع للحق من الباطل ثوبا طالما كان لديه معارا، ونثبت في سيرة دولتنا الشريفة عوارف لا تزال مع الزمن تذكر، وتتلو على الأسماع قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ «1» فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال بالمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا وزاجرا، ولا متثال أوامر الله تعالى مسارعا ومبادرا- أن يبطل من المعاملات بالمملكة الطرابلسية ما يأتي ذكره:

1 جهات الأفراح المحذورة بالفتوحات خارجا عما لعله يستقرّ من ضمان الفرح الخ؛ وتقديرها: أقصاب للأمراء بحكم أن بعض الأمراء كان لهم جهات زرع أقصاب وقرّروا على بقية فلّاحيهم العمل بها والقيام بنظيره آخر العمل؛ وتقدير ذلك: هبة الشادّ بنواحي الكهف تشدّ فيما كان يستأدى من كل مدير؛ وتقدير متحصله: 2 السجون بالمملكة الطرابلسية خارجا عن سجن طرابلس بحكم أنه أبطل بمرسوم شريف متقدّم التاريخ؛ وتقديرها: عفاية الشام بكور طرابلس واقفة والسرون وما معه بحكم أن المذكورين كانوا ثبتوا على المراكز بالبحر، فلما شكت المراكز بالعساكر المنصورة قرّر على ذلك في السنة: ضمان المشعل بطرابلس مما كان أوّلا بديوان الشام بالفتوحات ثم استقر بالديوان المعمور في شهور سنة ست عشرة وسبعمائة وتقديره: 3 سجن الأقصاب المحدّث بأمر أقصاب الديوان المعمور التي كان فلّاحو الكورة بطرابلس يعملون بها ثم أعفوا عن العمل وقرّر عليه في السنة: حق الديوان بصهيون بطرابلس وقصريون بطرابلس عمن كان معا في حصنها؛ وتقدير متحصل ذلك: المستحدث إقطاعا من بعض الأمراء على الفلاحين مما لم تجر به عادة: من حشيش وملح وضيافة؛ وتقديره:

فليبطل هذا على ممرّ الأزمنة والدّهور، إبطالا باقيا إلى يوم النّشور، لا يطلب ولا يستادى، ولا يبلغ الشيطان في بقائه مرادا. ويقرأ مرسومنا هذا على المنابر ويشاع، وتستجلب لنا منهم الأدعية الصالحة فإنها نعم المتاع. وأما النّصيريّة فليعمروا في بلادهم بكل قرية مسجدا، ويطلق له من أرض القرية رقعة أرض تقوم به وبمن يكون فيه من القوّام بمصالحه على حسب الكفاية، بحيث يستفزّ الجناب الفلانيّ نائب السلطنة بالمملكة الطرابلسيّة والحصون المحروسة- ضاعف الله تعالى نعمته- من جهته من يثق إليه لإفراد الأراضي وتحديدها وتسليمها لأئمّة المساجد المذكورة، وفصلها عن أراضي المقطعين وأهل البلاد المذكورة، ويعمل بذلك أوراقا وتخلّد بالديوان المعمور حتى لا يبقى لأحد من المقطعين فيها كلام، وينادى في المقطعين وأهل البلاد المذكورة بصورة ما رسمنا به من ذلك. وكذلك رسمنا أيضا بمنع النّصيريّة المذكورين من الخطاب، وأن لا يمكّنوا بعد ورود هذا من الخطاب جملة كافية، وتؤخذ الشهادة على أكابرهم ومشايخ قراهم لئلا يعود أحد منهم إلى التظاهر بالخطاب ومن تظاهر به قوبل أشدّ مقابلة. فلتعتمد مراسمنا الشريفة ولا يعدل عن شيء منها، ولتجر المملكة الطرابلسيّة مجرى بقيّة الممالك المحروسة في عدم التظاهر بالمنكرات، وتعفية آثار الفواحش وإقامة شعائر الدّين القويم: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » ؛ والاعتماد على الخط الشريف أعلاه.

وهذه نسخة توقيع بالمسامحة في جميع المراكز بما يستأدى على الأغنام الدغالي الداخلة إلى حلب، وأن يكون ما يستخرج من تجار الغنم على الكبار منها خاصّة، من إنشاء المقرّ الشهابيّ بن فضل الله «1» ، مما كتب به في شهور سنة سبع وثلاثين وسبعمائة؛ وهي: الحمد لله ذي المواهب العميمة، والعطايا التي لا تجود بها يد كريمة، والمنن التي عوّضنا منها عن كل شيء بخير منه قيمة، والمسامحة التي ادّخر لنا بها عن كل مال حسن مآل وبكلّ غنم غنيمة. نحمده على نعمه التي غدت على كثرة الإنفاق مقيمة، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله أكرم من سمح وسامح في أمور عظيمة، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة مستديمة، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فمنذ ملّكنا الله لم نزل نرغب إليه، ونعامله بما نهبه له ونربح عليه، ولم نبق مملكة من ممالكنا الشريفة حتى سامحنا فيها بأموال، وسامينا فيها بنفع أرضها السّحب الثّقال، وكانت جهة العداد بالمملكة الحلبية المحروسة مثقلة الأوزار بما عليها، مشدودة النّطاق بما يغلّ من الطلب يديها، مما هو على التّركمان بها محسوب، وإلى عديدهم عدده منسوب، ونحن نظنّه في جملة ما أسقطته مسامحتنا الشريفة وهو منهم مطلوب، وهو المعروف بالدغالي زائدا على الرّؤوس الكبار، ومعدودا عند الله من الكبائر وهو في حساب الدّواوين من الصّغار؛ فلمّا اتصل بنا أنّ هذه المظلمة ما انجلى عنهم ظلمها، ولا رفع من الحساب عنهم قلمها- أكبرنا موقع بقائها، وعلمنا أنها مدّة مكتوبة لم يكن بدّ من المصير إلى

انقضائها، واستجلبنا قلوب طوائف التّركمان بها، وأوثقنا أسبابهم في البلاد بسببها، لأمرين كلاهما عظيم: لرغبتنا فيما عند الله ولما لهم من حقّ ولاء قديم؛ كم صاروا مع الجيوش المنصورة جيوشا، وكم ساروا إلى بلاد ملوك الأعداء فثلّوا «1» لهم عروشا، وكم كانوا على أعقاب العساكر المؤيّدة الإسلامية ردفا ومقدّمتهم في محاصرة جاليشا «2» ، وكم قتلوا بسهامهم كافرا وقدّموا لهم رماحهم نعوشا؛ ومنهم أمراء وجنود، ونزول ووفود، وهم وإن لم يكونوا أهل خباء فهم أهل عمود، وذوو أنساب عريقة، وأحساب حقيقة، إلى القبجاق «3» الخلّص مرجعهم، والفرس بفرسان دولتنا الشريفة تجمعهم- فاقتضى رأينا الشريف أن نرعى لهم هذه الحقوق بإبطال تلك الزيادة المرادة، وأن نتناسى منها ما هو في العدد كالنّسيء في الكفر زيادة. فرسم بالأمر الشريف- لا زالت مواهبه تشمل الآفاق، وتزيد على الإنفاق، وتقدّم ما ينفد إلى ما هو عند الله باق- أن يسامح جميع التّراكمين الدّاخل عدادهم في ضمان عداد التّركمان بالمملكة الحلبية المحروسة بما يستأدى منهم على الأغنام الدغالي، وأن يكون ما يستخرج منهم من العدد على الكبار خاصة: وهو عن كل مائة رأس كبار ثلاثة أرؤس كبار خاصّة لا غير من من غير زيادة على ذلك، مسامحة مستمرّة، دائمة مستقرّة، باقية بقاء الليالي والأيام، لا تبدّل لها أحكام، ولا

المرتبة الثانية - من المسامحات أن تكتب في قطع العادة مفتتحة برسم بالأمر الشريف.

تتغيّر بتغيّر حاكم من الحكّام؛ نرجو أن نسرّ بها في صحائف أعمالنا يوم العرض، لا يتأوّل فيها حساب، ولا تمتدّ إليها [يد] «1» حسّاب، ولا يبقى عليها سبيل للدواوين والكتّاب، ولا تسيّب أغنامهم ليرعاها منهم أولئك الذّئاب؛ كلّما مرّ على هذه المسامحة زمان أكّد أسبابها، وبيّض في صحائف الدفاتر حسابها، لا تعارض ولا تناقض ولا يتأوّل فيها متأوّل في هذا الزمان ولا فيما بعده من الزمان، ولا يدخل حكمها في النسيان، ولا ينقص أجرها المضمون، ولا تطلب أصحاب هذه الدغالي عليها بعداد في قرن من القرون، ولا يستحقر بما يستأدى منها جليلة ولا حقيرة، ولا يسمح لنفسه من قال إنها صغيرة وهي عند الله كبيرة: لتطيب لأهلها ومن تسامع بما شملهم من إحساننا الشريف النّفوس، ولا تصدّع لهم بسبب هذا الطّلب رؤوس؛ فمن تعرّض في زماننا أمدّنا الله بالبقاء أو كشف في هذه الصدقة الجارية وجه تأويل، أو سكن فيها إلى مداومة بقليل، أو طلب من ظالم بعينه مداواة قوله العليل، فسيجد ما يصبح به مثلة، ويتوب به مثله ويكون لمن بعده عبرة بمن قدّم قبله؛ ونحن نبرأ إلى الله ممن يتعرّض بعدنا إلى نقضها؛ وهذه المسامحة عليه حجّتنا التي لا يقدر عند الله على دحضها. ولتقرأ على المنابر وتعل كلمتها، وتمدّ في أقطار الأرض كما امتدّ السحاب ترجمتها؛ وسبيل كل واقف عليها من أرباب الأحكام: أصحاب السيوف والأقلام، ومن يتناوب منهم على الدّوام، العمل بما رسمنا به واعتماد ما حكم بموجبه، بعد الخط الشريف شرفه الله تعالى أعلاه، إن شاء الله تعالى. المرتبة الثانية- من المسامحات أن تكتب في قطع العادة مفتتحة برسم بالأمر الشريف. وغالب ما يكتب ذلك للتّجار الخواجكية «2» بالمسامحة بما يلزمهم من

المكوس والمقرّرات السلطانية عن نظير ثمن ما يبتاع منهم من المماليك. والعادة أن يكتب في طرّتها «توقيع شريف بمسامحة فلان بما يجب عليه من الحقوق الديوانية بالديار المصرية والبلاد الشامية» بحسب ما يرسم له به. وهذه نسخة توقيع من ذلك؛ وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال يتبع السّماح بمثله، ويشمل الرعايا كلّ وقت في ممالكه الشريفة بعدله، ويواصل إليهم رفقه ورفده فلا يبرحون في مهاد من نعمه وإسعاد من فضله- أن يسامح المجلس السامي (إلى آخر ألقابه) أدام الله تعالى رفعته بما يجب عليه من الحقوق الدّيوانية بالديار المصرية والبلاد الشامية، وسائر الممالك الإسلامية، فيما يبيعه ويبتاعه ويتعوّضه من سائر الأصناف خلا الممنوعات: صادرا لا غير أو صادرا وواردا، بنظير المماليك الذين ابتاعهم برسم الأبواب الشريفة بكذا وكذا ألف درهم. فليعتمد هذا المرسوم الشريف كلّ واقف عليه ويعمل بحسبه ومقتضاه، من غير عدول عنه ولا خروج عن حكمه ومعناه؛ والخطّ الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه حجة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة دعاء آخر يفتتح به توقيع مسامحة، وهو: لا زالت نعمه عميمة، وسجاياه كريمة، ومواهبه في الآفاق سائرة وفي الأقطار مقيمة، أن يسامح فلان بكذا وكذا. آخر: لا زالت صدقاته الشريفة تحقّق وسائل طالبها، وأوامره المطاعة نافذة في مشارق الأرض ومغاربها، أن يسامح فلان بكذا وكذا.

الضرب الثاني (ما يكتب عن نواب السلطنة بالممالك الشامية)

قلت: والعادة في مستند ذلك أنه تحضّر به قائمة من ديوان الخاص الشريف فيكتب عليها كاتب السر بالتعيين، ويخلّدها كاتب الإنشاء عنده شاهدا له بذلك كما في غيره من سائر المستندات. الضرب الثاني (ما يكتب عن نوّاب السلطنة بالممالك الشاميّة) وغالب ما يكون في مسامحات التّجار بمقرّر ما يبتاعونه أو يشترونه، أو بقدر معيّن يحصل الوقوف عنده، ويعبّر عما يكتب فيه بالتواقيع كما في الولايات عندهم، وأكثر ما يفتتح برسم بالأمر. وهذه نسخة مرسوم شريف بمسامحة كتب بها عن نائب الشام في الدولة الناصرية «فرج» «1» لخواجا محمد بن المزلّق، وهي: رسم بالأمر العالي- لا زال قصد ذوي الحقوق عنده ناجحا، وإحسانه للمقرّب إليه مسامحا- أن يسامح الجناب العاليّ، الصّدريّ، الكبيريّ، المحترميّ، المؤتمنيّ، الأوحديّ، الأكمليّ، الرئيسيّ، العارفيّ، المقرّبيّ، الخواجكيّ، الشمسيّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأكابر في العالمين، أوحد الأمناء المقرّبين، صدر الرؤساء، رأس الصّدور، عين الأعيان، كبير الخواجكية، سفير الدولة، مؤتمن الملوك والسلاطين: محمد بن المزلّق، عين الخواجكية بالمملكة الشريفة الشامية المحروسة- أدام الله تعالى نعمته- بما يجب عليه من الحقوق الديوانية بالطّرقات المصرية، وجميع البلاد الشامية المحروسة

والركاه بدمشق، وحلب، وطرابلس، وحماة، وصفد، وغزّة، وحمص، وبعلبكّ المحروسات، والبروك، والمقطعين، وقطيا، مما يبيعه ويبتاعه ويتعوّضه من جميع الأصناف خلا الممنوعات صادرا وواردا، ويثمّن عليه بقيمة ما يشتريه بما مبلغه من الدراهم النّقرة «1» الجيّدة مائتا ألف درهم، ولا يطالب عن ذلك بحقّ من الحقوق ولا بمقرّر من المقرّرات، مسامحة باقية مستمرّة، دائمة أبدا مستقرّة، لا ينتقض حكمها، ولا يغيّر رسمها، لخدمته الدّول على اختلافها، ولمبالغته في التقرّب بما يرضي الخواطر الكريمة وينفع الناس بما يحضره من أنواع المتاجر وأصنافها، ولاستحقاقه لهذا الإنعام، ولاختصاصه به دون الخاصّ والعام. فليتلقّ ذلك بالحمد والابتهال؛ والله تعالى يبلّغه من مزيد إنعامنا الآمال؛ والاعتماد في معناه، على الخط الكريم أعلاه، إن شاء الله تعالى.

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة السادسة

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة السادسة (فيما يكتب من الإطلاقات: إمّا تقريرا لما قرّره غيره من الملوك السابقة، وإمّا ابتداء لتقرير ما لم يكن مقرّرا قبل، وإما زيادة على ما هو مقرّر؛ وفيه طرفان) الطرف الأوّل (فيما يكتب عن الأبواب السلطانية؛ وهو على ثلاث مراتب) المرتبة الأولى (ما يكتب في قطع الثلث مفتتحا بالحمد لله؛ وهو أعلاها) وهذه نسخة توقيع شريف باستقرار ما أطلقه السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب بالديار المصرية للعمريّين أعصاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون «1» ، من إنشاء المقرّ الشّهابي بن فضل الله؛ وهي: الحمد لله الذي أبدأ الجميل وأعاده، وأجرى تكرّمنا على أجمل عادة، وقفّى بنا آثار الذين أحسنوا الحسنى وزيادة. نحمده على أن جعل جودنا المقدّم وإن تأخّر أياما، والمطيّب لذكر من تقدّم

حتّى كأنما حاله مثل المسك ختاما، والصّيّب «1» الذي تقدّمه من بوادر الغيث قطر ثم استهلّ هو غماما، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرفع أعلامها ونمنع أن تطمس الليالي لمن جاهد عليها من ملوك الزمان أعلاما، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي هدى به إلى أوضح المسالك، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين فتحوا من الأرض ما وعد أنه سيبلغ ملك أمّته إلى ما زوي «2» من ذلك، وسلم. وبعد، فإن أفضل النّعم ما قرن بالإدامة، وأعظم الأجور [أجر] «3» من سنّ سنة [حسنة] «4» فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، وأحسن الحسنات ما رغّبت السلف الصالح في خلفهم، وأمرّت بأيديهم ما حازوه من ميراث سلفهم؛ وكان المولى الشهيد الملك الناصر صلاح الدين، منقذ بيت المقدس من المشركين، أبو المظفّر يوسف بن أيوب- قدّس الله روحه- هو الذي كان على قواعد العمريّين بانيا، والفاتح لكثير من فتوحات أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتوحا ثانيا؛ ولما أعلى الله بمصر دولته المنيرة، ومحا به من البدع الإسماعيلية عظائم كثيرة، حبّس ناحية «شباس الملح» «5» وما معها جميع ذلك بحدّه وحدوده وقريبه وبعيده، وعامره وغامره، وأوّله وآخره، على المقيمين بالحرمين الشريفين من الذّرّية العمريّة، كما قاله في توقيعه الشريف المكتتب بالخط الفاضل عمر الأنام، واقتفى بهداه بعده من إخواننا الصالحين ملوك الإسلام؛ فجدّدنا لهم هذا التوقيع الشريف تبرّكا بالمشاركة واستدراك ما فاتنا مع سلفهم الكريم بالإحسان إلى أعقابهم. ومرسومنا أن يحملوا على حكم التوقيع

الشريف الصّلاحيّ وما بعده من تواقيع الملوك الكرام، ولا يغيّر عليهم فيه مغيّر من عوائد الإكرام، ولا يقبل فيهم قول معترض ولا تتعرّض إليهم يد معترّض، ولا يفسح فيهم لمستعص إن لم يكن رافضا فإنه برفض حقّهم مترفّض، وليعامل الله فيهم بما يزيد جدّهم رضي الله عنه رضا، ويحبّس تحبيسا ثانيا لولانا لقيل لمن يطالب بها كيف تطالب بشيء مضى مع من مضى؛ ونحن نبرأ إلى الله ممن سعى في نقضها بسبب من الأسباب، أو مدّ فيها إلى فتح باب، أو تأوّل في حكم هذا الكتاب عليهم وقد وافق حكم جدّهم حكم الكتاب، وأن لا يقسم شيء من ريع هذه الناحية على غير المقيمين منهم بالحرمين الشريفين. ومن خاف على نفسه في المقام فيهما ممن كان في أحدهما ثم فارقه على عزم العود إلى مكانه، وأقام وله حنين إلى أوطانه، ولم يلهه استبدال أرض بأرض وجيران بجيران عن أرضه وجيرانه، إتباعا لشرطها الأوّل بمثله، واتّباعا [لمن] فيها «1» فاز مع السابقين الأوّلين بمزيد فضله. وليكن النظر فيه لأمثل هذا البيت من المستحقين لهذا الحبس «2» كابرا عن كابر، ناظرا بعد ناظر، اتّباعا للمراد الكريم الصّلاحيّ في مرسومه المقدّم، وتفسيرا لمن لا يفهم، من غير مشاركة معهم لأحد من الحكّام، لا أرباب السيوف ولا أرباب الأقلام: لنكون نحن ومحبّسها- أثابه الله على هذه الحسنة- متناصرين، ولتجد البقيّة التي قد ناصرها ناصرين الناصر الأوّل منهما بناصرين، وليحذر من تتبّع عليهم تأويلا، ومن وجد في قلبه مرضا فأعداهم به تعليلا؛ فما كتبناه لتأويل حصل عليهم، ولا لتعليل المراسيم الملوكية التي هي في يديهم، وإنما هو بمثابة إسجال اتّصل من حاكم إلى حاكم، وسيف جدّدنا

المرتبة الثانية (ما يفتتح بأما بعد حمد الله» )

تقليده ليضرب به على يد الظالم، وجود أعلمنا من يجيء أنه على مدى الليالي والأيام ضرب لازم، وفضل إن تقدّمنا إليه من الملوك الكرام حاتم، فإن كرمنا عليه خاتم؛ فقد نبّهوا رحمهم الله مكافأة على إحسانهم إلى الذرّية العمرية عمرا، ثم ماتوا وأحالوا على جودنا المحمديّ فإنهم ببركات من سمّينا باسمه صلّى الله عليه وآله وسلّم لأنواع الحسنات أسرا، فكان توقيعنا هذا لهم بمنزلة الخاتمة الصالحة، والرحمة التي أربت أوائلها على الغيوث السافحة؛ فلقد تداركنا رمق برّهم المعلّل، ولحقنا سابق معروفهم فلم نتمهّل، وأعدنا ما بدأوا به من الجميل فتكمّل، وقرنّا مراسيمنا المطاعة بعضها ببعض وربما زاد الآخر على الأوّل، فأمددناها منه بما لو لم يكن مداده أعزّ من سواد القلب والبصر لما كان قرّة عين لمن يتأمّل: ليرتفع عن هذه الناحية وعمر فيها كلّ كارث كارث، ويزال عنهم إلا ما يكون من مجدّدات الخير خير حادث، ويعلم الملكان المتقدّمان أمامنا أن نعزّز بثالث. وجميع النوّاب والولاة والمتصرفين، والمسارعين إلى الخيرات ونعوذ بالله من المتوقّفين، ومن يدخل في دائرة الأعمال، وينضمّ إلى راية العمّال، فإنا نحذّره أن يتعرّض فيها إلى سوء مآل، أو يردّ منها يده إلى جيبه بمال، أو يشوّش على أهلها ما استقاموا على أحسن حال، وإن يحمد الله من تقدّمنا من الملوك واتّبعوا فيه التوفيق في علاماتهم فإنا نحمده وهو أملنا ولنا في الغيب آمال؛ والله تعالى يجعل هذه الحسنة خالصة لوجهه الكريم، معوّضة منه بالثواب العظيم، واصلة بالرحمة لرميم هذا البيت القديم، إن شاء الله تعالى، والاعتماد............ المرتبة الثانية (ما يفتتح بأما بعد حمد الله» ) وهو على نحو ما تقدّم في الولايات: إما في قطع الثلث أو في العادة المنصوريّ. وهذه نسخة توقيع شريف من ذلك؛ وهي: أما بعد حمد الله الذي جعل أيّامنا مطلعا للسّعادة، وجعل لأوليائها، من

إحساننا الحسنى وزيادة، وأضفى حلل بهائها، على من لم يجتمع لغيره ما اجتمع له من أوصاف السّيادة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله الذي شيّد الله به مباني الدين الحنيفيّ ورفع عماده، ونصر جيوش الإسلام ومهّد مهاده، وعلى آله وصحبه الذين ما منهم إلا من جعل طاعته ونصرته عمدته واعتماده، واتخذ مظافرته ومؤازرته في كل أمر عتاده، صلاة مستمرّة على كرّ الجديدين «1» إلى يوم الشّهادة- فإنّ أولى من تلحظه دولتنا الشريفة في أقبالها بمزيد إقبالها، وتعلي قدره إلى غاية تقصر الأفلاك عن إدراك منارها وبعد «2» منالها، وتضاعف له أسباب الإحسان من حسن نظرها واشتمالها، وتشيّد مباني عزّه فلا تصل يد الزمن إلى بعض تصرّمها، وتسبغ ملابس النّعم عليه فيختال في أضفاها ومعلمها، وتجدّد من مزايا جودها ما يحسن به الجزاء عما أسلفه من خدمها- من نظر في مصالح أحوالها المنصورة فأحسن النظر، وعضّد أنصارها بآرائه التي تشرق بها وجوه الأيّام إشراق الدّراريّ والدّرر، وأضحى وله في العلياء المحلّ الأثيل، والمناقب التي هي كالنهار لا تحتاج إلى دليل، والسيادة التي تكسو الزمن حلل البهاء فيجرّ منها على المجرّة ذيلا ضافيا، والمآثر التي لولا ما أحيته من معالم الرّآسة كان طللا عافيا، مع ما له من الحقوق التي تشكرها الأيّام والدّول، والخدم التي كم بلغ بمخالصته فيها من قصد وأمل، والسّجايا التي إذا خلعت عليها حللا من الثناء وجدتها منه في أبهى الحلل. ولما كان فلان هو الذي تحلّى من هذا الثناء بدرّه الثّمين، وتلقّى راية هذا المجد كما تلقّاها عرابة «3» باليمين، وتنضّدت كواكب هذا المدح لتنتظم سلكا

المرتبة الثالثة (مما يكتب به في الاطلاقات)

لمآثره، واتّسقت فرائد هذا الشكر لترصّع عقودا لمفاخره- وجب علينا أن نجدّد له في أيامنا ما تتضاعف به أسباب النّعم لديه، ويتحقّق منه إقبالنا بوجه الإقبال عليه. فلذلك رسم بالأمر الشريف- زاد الله تعالى في علائه، وأضفى على أوليائه حلل آلائه، وأبقى على الزمن بوجوده رونق بهائه- أن يستقرّ للمشار إليه في الشهر كذا وكذا مضافا إلى غير ذلك من لحم وتوابل وعليق على ما يشهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت؛ فليتلقّ إحساننا بيد إستحقاق لها في الفضل باع شديد، ويثق منّا بالإقبال الذي لا يزال عنده إن شاء الله وهو ثابت ويزيد، ويتناول ما قرّر باسمه في كل شهر من استقبال تاريخه بعد الخطّ الشريف أعلاه، إن شاء الله تعالى. المرتبة الثالثة (مما يكتب به في الاطلاقات) أن يكتب في قطع العادة مفتتحا برسم بالأمر الشريف؛ والرسم فيه على نحو ما تقدّم في الولايات، وهو أن يقال: «رسم بالأمر لا زال......... أن يستقرّ باسم فلان كذا وكذا: لأنه كذا وكذا» ونحو ذلك. وهذه نسخة توقيع شريف بمرتّب على الفرنج الجرجان الواردين لزيارة القدس أنشأته لشرف الدّين قاسم؛ وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال عدله الشريف لمال الفيء بين ذوي الاستحقاق قاسما، وفضله العميم لأولي الفضل في سلك الصّلات ناظما، ومعروفه المعروف لمواقع البرّ يؤمّ عالما ويبيت غانما- أن يستقرّ لمجلس القاضي فلان الدين على الفرنج الجرجان الواردين لزيارة قمامة «1» بالقدس الشريف كذا

وكذا: لما اشتمل عليه: من مبين العلم ومتين العمل وجميل السّيرة، واجتمع لديه: من طيّب الذّكر وجميل الأثر وصفو السّريرة، ولإقامته بالمسجد الأقصى الذي هو أحد المساجد الثالثة التي تشدّ الرحال إليها، وإحدى القبلتين المعوّل في أوّل الإسلام عليها، ومجاورة الصّخرة المعظّمة، والآثار الشريفة والأماكن المكرّمة، وقيامه بما يجب من الدعاء لدولتنا القاهرة، والابتهال إلى الله تعالى بدوام أيّامنا الزاهرة. فليتناول هذا المعلوم مهنّأ ميسّرا، وليرج من كرمنا الوافر فوق ذلك مظهرا، وليشهر سلاح دعائه بتلك الأماكن الشريفة على أعداء الله وأعداء الدّين، ويرمهم بسهام الليل التي لا تخطيء إن شاء الله تعالى الطّغاة المتمرّدين، فبذلك يستحقّ هذا السّهم من الفيء حقّا، ويعدّ من المقاتلة الذّابّين عن الإسلام صدقا؛ وليقم على جادّة الاستقامة في الدّين وليكن مما سوى ذلك بريّا، ويقابل هو ومثله إنعامنا بالشكر يتلو عليهم لسان كرمنا فكلوه هنيّا مريّا؛ والخط الشريف أعلاه......... وهذه نسخة توقيع شريف أيضا أنشأته باسم بهاء الدّين، أبي بكر بن غانم، كاتب الدّست الشريف بالشام المحروس باستمرار مرتّبه على الفرنج الجرجان الواردين إلى ثغر الرملة المحروس؛ وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال إحسان كرمه يزين ببهاء حسنه المكارم، وكرم

إحسانه تتراكم سحائبه الهامية فتزري بالسّيول وتهزأ بالغمائم، وفيء نواله يقسم في أوليائنا خلفا بعد سلف فهم من فضله بين غانم وابن غانم- أن يستقرّ مرتّب المجلس السامي......... «1»

الباب الثالث من المقالة السادسة في الطرخانيات

الباب الثالث من المقالة السادسة في الطّرخانيّات والمراد بها أن يصير الشخص مسموحا له بالخدم السلطانية: يقيم حيث شاء، ويرتحل متى شاء: تارة بمعلوم يتناوله مجّانا، وتارة بغير معلوم «1» ؛ وفيه فصلان: الفصل الأوّل في طرخانيّات أرباب السّيوف واعلم أنّ الطرخانية تكتب للأمراء تارة وللأجناد أخرى، وأكثر ما تكتب لمن كبرت سنّه وضعفت قدرته وعجز عن الخدمة السلطانية. وقد جرت العادة أن يسمّى ما يكتب فيها مراسيم؛ وهي على ثلاث «2» مراتب: المرتبة الأولى (أن يفتتح المرسوم المكتتب في ذلك بالحمد لله) والرسم فيه على نحو من الولايات: وهو أن تستوفي الخطبة إلى آخرها، ثم يقال: وبعد، ثم يقال: ولما كان فلان ونحو ذلك، ثم يقال: اقتضى رأينا

الشريف، ثم يقال: فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يستقرّ فلان طرخانا يتصرّف على اختياره، يسير ويقيم في أيّ مكان اختاره من بلاد المملكة، وما يجري مجرى ذلك. وهذه نسخة مرسوم شريف بطرخانيّة لأمير؛ وهي: الحمد لله اللطيف بعباده الرؤوف بخلقه، المانّ بفضله الغامر بجوده الجائد برزقه، المتفضّل على العبد: في الصّبا بصفحه وفي الكهولة بعفوه وفي الشّيخوخة بعتقه. نحمده على أن جبلنا على اصطناع الصنائع، وخصّنا برفع العوائق وقطع القواطع، وألهمنا عطف النّسق وإن كثرت مما سواه التّوابع، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تسكن الرحمة في قلب قائلها، وترفع سطوة الغضب عن منتحلها في أواخر السّطوة وأوائلها، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل نبيّ أوعد فعفا، وأكرم رسول وعد فوفى، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين سلكوا في المعروف سننه، ونهجوا في الإحسان إلى الخلق نهجه فكان لهم في رسول الله أسوة حسنة، صلاة تقيل العثرات، وتتلو بلسان قبولها إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ «1» وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن أولى من رمقته المراحم الشريفة، بعين عنايتها، ولحظته العواطف المنيفة، بلحظ رعايتها، [من أهلّه إخلاصه لأن يقوم مقا] «2» ما لا يفارقه ولا يباين، وأن لا يحطّ من قدره العالي بسبب ما اتّفق إذ كلّ مقدّر كائن، وأن يصرّف اختياره في الإقامة حيث شاء من الممالك المحروسة والمدائن. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال من شيمه السّماح، ومن كرمه بلوغ النجا والنّجاح، ومن نعمه الصّفح عن الذّنب المتاح، حتّى يحفظ على الأنفس النفيسة الأموال ويريح لها الأرواح، [ولا برح يولي] «3» من قسمة المكرمات ما

ينسى به الذّنب فكأنّه كان برقا أومض ولمح وراح- أن يكون المشار إليه طرخانا يقيم حيث شاء وأين أراد من البلاد الإسلامية المحروسة معاملا بمزيد الإكرام والاحترام، وأوفر العناية والرّعاية حسب ما اقتضته المراسيم الشريفة في ذلك عند ما شملته الصدقات العميمة والمراحم الشاملة بالعفو الشريف، والحكم المنيف، والإقبال والرّضا، والصّفح عمّا مضى، لما رأيناه من ترفيه خاطره، وقرار قلبه برفع التكليف عنه وقرّة ناظره، ولما تخلّقت به أخلاقنا، من التيمّن الذي ألبسه أثواب الأمان، وجبلت عليه طباعنا، من الرأفة والرحمة والراحمون يرحمهم الرحمن، ولما مهّده له عندنا اعترافه الذي هو له في الحقيقة أقوى شفاعة، ولما تحقّقناه من أنه لم يفعل ذلك إلا لوفور الطاعة التي أوجبت له الإرهاب إذ الهرب من الملوك طاعة، وكيف لا وقد تيقّن سخطنا الشريف وعلم، وخشي مهابتنا الشريفة ومن خاف سلم. فليتقلّد عقود هذه المنن التي طوّقت جيده بالجود، وليشكر مواقع هذا الحلم الذي سرّ وسار كالمثل السائر في الوجود، وليقابل هذا الإقبال بالدعاء لأيّامنا الزاهرة، وليحظ بمواهبنا العميمة وصدقاتنا الباهرة، وليحط علما بأنّ إحساننا العميم قد أعاد إليه ما ألفه من الإسعاد والإصعاد، وأنّ صفحنا الشريف قد أضرب عمّا مضى والماضي لا يعاد؛ فليقم حيث شاء من البلاد المحروسة، متفيّئا ظلال مواهبنا التي يغدو وسرائره بها مأنوسة، واردا بحار عطايانا الزاخرة، ممتّعا بملابس رضانا الفاخرة، طيّب القلب منبسط الأمل، منشرح الصدر بما عمّه من الإنعام وشمل، مرعيّ الجناب في كل مكان، معظّم القدر على توالي الأزمان، مبتهجا بغمد ما عرض من ذلك التقطيب، مستبشرا بإقبالنا الذي يلذّ به عيشه ويطيب؛ والله تعالى يديم له عوارفنا المطلقة، وغمائم كرمنا المغدقة، ومواهبنا التي انتشرت له في كلّ قطر فهي لأنواع العطايا مستغرقة، ومنننا التي تسير معه حيثما سار وتقيم لديه أنّى أقام فلا تزال عنده مخيّمة في الأماكن المتفرّقة؛ والاعتماد على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه.

المرتبة الثانية (أن يفتتح مرسوم الطرخانية ب «أما بعد» )

المرتبة الثانية (أن يفتتح مرسوم الطّرخانية ب «أما بعد» ) والرسم فيه كما في الولايات أيضا يقال فيه: [أما بعد] «1» فإن كذا وكذا، ثم يقال: ولما كان كذا وكذا، اقتضى رأينا الشريف، ثم يقال: ولذلك رسم بالأمر الشريف، ويكمّل عليه. وهذه نسخة مرسوم من ذلك؛ وهي: أما بعد حمد الله على نعمه التي أو زعتنا بالإحسان إلى عباده أداء شكرها، وآلائه التي ألهمتنا بالتخفيف عن بريّته اقتران محامده بذكرها، ومننه التي وفّق بها دولتنا الشريفة لأن يكون العدل والإحسان أولى ما أجرته بفكرها، وأحقّ ما أمرّته بذكرها، والصلاة والسلام على رسوله الذي أوضح سبل المعروف، وشرع سنن العدل المألوف، ووصفه الله تعالى بالرأفة والرحمة فبه يقتدي كلّ رحيم وبه يأتمّ كلّ رؤوف، وعلى آله وصحبه الذين رفعوا منار العدل لسالكه، وقرّبوا منال الفضل لآخذه وبيّنوا الحيف والاشتطاط لتاركه- فإن الله تعالى خصّ أيامنا الزاهرة بتعاهد أهل خدمتنا بالعدل والإحسان، وتفقّد رعايانا بإزالة ما يكدّر عليهم موارد النّعم الحسان؛ فلا نزال ننعم النظر في أمورهم، ونفيض عامّ إحساننا على خاصّهم وجمهورهم، ليناموا من عدلنا في مهاد الدّعة، ويبيت ضعيفهم من مراحمنا الشريفة في أتمّ رأفة وفقيرهم في أوفر سعة. ولما كان فلان ممن توفّر في الخدمة الشريفة قسمه، وكبر في الطاعة سنّه ووهن عظمه، وعجزت عن الركوب والنزول حركته، وذهبت مواقف حربه ولم يبق إلا أن تلتمس بركته- اقتضى حسن الرأي الشريف أن يضاعف إليه الإحسان، ويعامل بوافر البرّ وجزيل الامتنان. فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يوالي المنن، ويولي الأولياء من

المعروف كلّ جميل حسن- أن يستقرّ المذكور طرخانا لا يطلب لخدمة في نهار ولا ليل، ولا يلزم بالقيام بنزك «1» ولا خيل؛ فليمض حكم هذه الطّرخانية لا تتأوّل ألسنة الأقلام في نصّه، ولا تتطرّق أوهام الأفهام إلى اعتراض ما ثبت من إعفائه بنقضه ولا نقصه؛ وسبيل كل واقف عليه اعتماد مضمونه والوقوف عند حكمه، والانتهاء إلى حدّه واتّباع رسمه، إن شاء الله تعالى «2»

الفصل الثاني من الباب الثالث من المقالة السادسة

الفصل الثاني من الباب الثالث من المقالة السادسة (فيما يكتب في طرخانيّات أرباب الأقلام) وهو قليل نادر قلّ أن يكتب؛ وإذا كتب فغالب ما يفتتح برسم، ويسمّى ما يكتب فيه تواقيع. وهذه نسخة طرخانية كتب بها عن الملك الناصر محمد بن قلاوون للقاضي قطب الدين بن المكرّم أحد كتّاب الدّرج الشريف بالأبواب الشريفة، عند إقامته بالحجاز الشريف، بأن يستقر طرخانا بنصف معلومه الذي كان له على كتابة الدّرج الشريف وأن يقيم حيث شاء؛ وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال يأمر فيطاع، ويصل فيعين على الانقطاع، ويرى على اقتراح الآمل جوده المكرر المكرم فالآمل يقترح ما استطاع- أن يستقرّ للمجلس السامي القضائي فلان بن المكرّم نفع الله به من معلومه عن كتابة الدرج الشريف الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت النّصف من كل شهر، على الأدعية الصالحة لهذه الدولة القاهرة، ويقيم حيث شاء، ثم يستقرّ ذلك لأولاده من بعده، ثم لأولاد أولاده بالسّويّة إعانة له على بلوغ قصده ورغائبه، واستعانة بحاضر الجود دون غائبه، وإكراما لجانبه؛ وطالب وجه الله تعالى [يعان] «1» على الفوز بكنوز مطالبه.

وما كنا لنسمح ببعده عن أبوابنا الشريفة، ولا نجيبه لمفارقة ما بيده من وظيفة، لأنه ما يدرك أحد من أبناء عصره مدّه ولا نصيفه؛ ولديوان إنشائنا جمال بعقود كتابته النظيمة ومعاني ألفاظه اللطيفة؛ وإنّما لإقباله على الآجلة، وإعراضه عن العاجلة، واستيعاب أوقاته بأداء الفريضة والنافلة، أسعفنا سؤاله بالإجابة، وأعنّاه على الإنابة، وأجزلنا سهمه من الإحسان فبلغ سهمه الإصابة، ومن أحسن سبيلا ممن أخذ لنفسه قبل الحين، ونفض يديه من الدنيا فراح بالخير مملوء اليدين، فنظر إلى معاده فأقبل على الله قرير العين؛ وها نحن قد كرّمناه في وقت واحد بانشاء ولدين. فليشكر لصدقاتنا هذه النّعم المتزايدة، والصّلات العائدة، والإحسان إليه وإلى بنيه جملة واحدة، وليدع لدولتنا القاهرة حين يقوم لله قانتا، وحين يقول ناطقا وحيث يفكّر صامتا، وعند فطره من صومه، وفي أعقاب الصلوات في ليلته ويومه، وليوصّل إليه هذا المرتّب ميسّرا لا يكدّر مورده بتأخير، وليصرف إليه مهنّأ لا يشان طوله بتقصير، ولا يحوج إلى عناء وطلب، ولا يلجأ في تناوله إلى كدّ وتعب، بل يرفّه خاطره عمّا فاز به من حسن المنقلب؛ والله تعالى يمدّه بعونه وفضله، وينجب فرعه ببركة أصله؛ والخطّ الشريف أعلاه حجة فيه، إن شاء الله تعالى.

الباب الرابع من المقالة السادسة

الباب الرابع من المقالة السادسة (فيما يكتب في التوفيق بين السّنين الشمسيّة [والقمريّة] » المعبر عنه في زماننا بتحويل السّنين، وما يكتب في التذاكر؛ وفيه فصلان) الفصل الأوّل [فيما يكتب في التوفيق بين السنين؛ وفيه طرفان: الطرف الأوّل] «2» (في بيان أصل ذلك) اعلم أنّ استحقاق الخراج [و] «3» جبايته منوطان بالزّروع والثّمار من حيث إن الخراج من متحصّل ذلك يؤخذ، والزّروع والثّمار منوطة بالشّهور والسنين الشمسيّة من حيث أن كل نوع منها يظهر في وقت من أوقاتها ملازم له لا يتحوّل عنه ولا ينتقل للزوم كل شهر منها وقتا بعينه من صيف أو شتاء أو خريف أو ربيع؛ واستخراج الخراج في الملّة الإسلامية منوط بتاريخ الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وشهوره وسنوه عربية. والشهور العربية تنتقل من وقت إلى وقت؛ فربما كان استحقاق الخراج في أوّل سنة من السّنين العربية، ثم تراخى الحال فيه إلى أن صار استحقاقه في أواخرها، ثم تراخى حتّى صار في السنة

الثانية فيصير الخراج منسوبا للسنة السابقة، واستحقاقه في السنة اللاحقة، فيحتاج حينئذ إلى تحويل السّنة الخراجيّة السابقة إلى التي بعدها على ما سيأتي ذكره. قال في «موادّ البيان» «1» : والسبب في انفراج ما بين السنين الشمسية والهلاليّة أنّ أيّام السنة الشمسية هي المدّة التي تقطع الشمس الفلك فيها دفعة واحدة، وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم بالتقريب حسب ما توجبه حركتها، وأيّام السنة الهلاليّة هي المدّة التي يقطع القمر الفلك فيها اثنتي عشرة دفعة، وهي ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما وسدس يوم؛ فيكون التفاوت بينهما أحد عشر يوما وسدس يوم، فتكون زيادة السنين الشمسية على السنين الهلالية في كل ثلاث سنين شهرا واحدا وثلاثة أيام ونصف يوم تقريبا، وفي كل ثلاث وثلاثين سنة سنة بالتقريب؛ فإذا تمادى الزمان تفاوت ما بين السنين تفاوتا قبيحا «2» ، فيرى السلطان عند ذلك أن تنقل السنة الشمسية إلى السنة الهلاليّة بالاسم دون الحقيقة توفيقا بينهما، وإزالة للشبهة في أمرهما؛ ومتى أو عز بذلك لم يقف على الغرض فيه إلا الخاصّة دون العامّة؛ و [ربما أسرع] إلى ظنّ المعاملين وأرباب الخراج والأملاك أنّ ذلك عائد عليهم بظلم وحيف، وإلى ظنّ مستحقّي الإقطاع أنه منتقص لهم، ونسبوا الجور إلى السلطان بسبب ذلك وشنّعوا عليه، فرسم بلغاء الكتّاب في هذا المعنى رسوما تعود بتفهيم الغبيّ، وتبصير العميّ، وتوصل المعنى المراد إلى الكافّة إيصالا يتساوون في تصديقه وتيقّنه، ولا تتوجّه عليهم شبهة ولا شكّ فيه. قلت: وقد ذكر أبو هلال العسكري في «الأوائل» أنّ أوّل من أخّر النّيروز المتوكّل على الله، أحد خلفاء بني العبّاس، وذلك أنه بينما هو يطوف في متصيّد له

إذ رأى زرعا أخضر، فقال: قد استأذنني عبيد الله بن يحيى «1» في فتح الخراج وأرى الزّرع أخضر؛ فقيل له: إن جباية الخراج الآن قد تضرّ بالناس إذ تلجئهم إلى أنهم يقترضون ما يؤدّون في الخراج، فقال: أهذا شيء حدث أو لم يزل كذا؟ فقيل له: بل حدث؛ وعرّف أنّ الشمس تقطع الفلك في ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم، وأنّ الروم تكبس في كل أربع سنين يوما فيطرحونه من العدد، فيجعلون شباط ثلاث سنين متواليات ثمانية وعشرين يوما؛ وفي السنة الرابعة ينجبر من ذلك الرّبع اليوم يوم تامّ، فيصير شباط تسعة وعشرين يوما، ويسمّون تلك السنة الكبيسة. وكانت الفرس تكبس للفضل الذي بين سنيها وبين سنة الشمس في كل مائة وستّ عشرة سنة شهرا؛ فلما جاء الإسلام عطّل ذلك ولم يعمل به فأضر بالناس ذلك، وجاء زمن هشام بن عبد الملك فاجتمع الدّهاقنة إلى خالد بن عبد الله القسريّ «2» وشرحوا له ذلك (ولم يعمل به فأضرّ بالناس ذلك) «3» ، وقد سألوه أن يؤخّر إليه [فأرسل] «4» الكتب إلى هشام سرّا في ذلك، فقال هشام: أخاف أن يكون ذلك من قول الله تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ «5» فلما كان أيّام الرشيد اجتمعوا إلى يحيى بن خالد البرمكيّ، وسألوه في تأخير النّيروز نحو شهر فعزم على ذلك، فتكلم أعداؤه فيه وقالوا: تعصّب للمجوسية، فأضرب عنه فبقي على ذلك إلى اليوم؛ فأحضر المتوكّل حينئذ إبراهيم بن العباس «6» ، وأمره أن يكتب عنه كتابا في تأخير النّيروز بعد أن تحسب

الأيام، فوقع الاتّفاق على أن يؤخّر إلى سبعة وعشرين يوما من حزيران، فكتب الكتاب على ذلك. قال العسكري: «وهو كتاب مشهور في رسائل إبراهيم بن العباس» «1» ؛ ثم قتل المتوكل قبل دخول السنة الجديدة، ووليّ المنتصر واحتيج إلى المال فطولب به الناس على الرسم الأوّل؛ وانتقض ما رسمه المتوكل فلم يعمل به حتّى ولي المعتضد، فقال لعليّ بن يحيى المنجم «2» : تذكر ضجيج الناس من أمر الخراج؛ فكيف جعلت الفرس مع حكمتها وحسن سيرتها افتتاح الخراج في وقت مالا يتمكّن الناس من أدائه فيه؟ فشرح له أمره، وقال: ينبغي أن يردّ إلى وقته، ويلزم يوما من أيام الرّوم «3» فلا يقع فيه تغيّر، فقال له المعتضد سر إلى عبيد الله بن سليمان «4» فوافقه على ذلك، فصرت إليه ووافقته، وحسبنا حسابه فوقع في اليوم الحادي عشر من حزيران «5» ، فأحكم أمره على ذلك، وأثبت في الدواوين؛ وكان النّيروز الفارسي إذ ذاك يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من صفر سنة اثنتين وثمانين ومائتين، ومن شهور الروم الحادي عشر من نيسان. وقد قال أبو الحسين عليّ بن الحسين «6» الكاتب رحمه الله: عهدت جباية

الخراج في سنين قبل سنة إحدى وأربعين ومائتين في خلافة أمير المؤمنين المتوكّل رحمة الله عليه تجري لكل سنة في السنة التي بعدها بسبب تأخّر الشهور الشمسيّة عن الشّهور القمرية في كل سنة أحد عشر يوما وربع يوم وزيادة الكسر عليه؛ فلما دخلت سنة اثنتين وأربعين ومائتين، كان قد انقضى من السّنين التي قبلها ثلاث وثلاثون سنة، أوّلهن سنة ثمان ومائتين من خلافة أمير المؤمنين المأمون رحمة الله عليه، واجتمع من هذا المتأخّر فيها أيام سنة شمسيّة كاملة: وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم وزيادة الكسر، وتهيّأ إدراك غلّات وثمار سنة إحدى وأربعين ومائتين في صدر سنة اثنتين وأربعين [ومائتين] ، فأمر أمير المؤمنين المتوكل رحمة الله عليه بإلغاء ذكر سنة إحدى وأربعين ومائتين، إذ كانت قد انقضت ونسب الخراج إلى سنة اثنتين وأربعين ومائتين «1» قال صاحب «المنهاج في صنعة الخراج» «2» : ولما نقلت سنة إحدى وأربعين ومائتين إلى سنة اثنتين وأربعين، جبى أصحاب الدواوين الجوالي «3» والصدقات لسنتي إحدى واثنتين وأربعين ومائتين في وقت واحد، لأن الجوالي بسرّ من رأى ومدينة السلام ومضافاتهما كانت تجبى على شهور الشمس، الأهلة، وما كان عن جماجم أهل القرى والضّياع والمستغلّات كانت تجبى على شهور فألزم أهل الجوالي خاصّة في مدة الثلاث وثلاثين سنة «4» ، ورفعها العمّال في

حسباناتهم فاجتمع من ذلك ألوف ألوف دراهم، فجرت الأعمال بعد نقل المتوكّل على ذلك سنة بعد سنة، إلى أن انقضت ثلاث وثلاثون سنة آخرتهن انقضاء سنة أربع وسبعين ومائتين، فلم ينبّه كتّاب أمير المؤمنين- المعتمد على الله رحمة الله عليه- على ذلك، إذ كان رؤساؤهم في ذلك الوقت إسماعيل بن بلبل وبني الفرات، ولم يكونوا عملوا في ديوان الخراج والضّياع في خلافة أمير المؤمنين المتوكل رحمه الله، ولا كانت أسنانهم أسنانا بلغت معرفتهم معها هذا النّقل، بل كان مولد أحمد بن الفرات قبل هذه السنة بخمس سنين، ومولد عليّ أخيه فيها، وكان إسماعيل يتعلّم في مجلس لم يبلغ أن ينسخ، فلما تقلّدت لناصر الدين [أبي أحمد طلحة الموفق] «1» رحمة الله عليه أعمال الضّياع بقزوين ونواحيها لسنة ستّ وسبعين ومائتين، وكان مقيما بأذربيجان، وخليفته بالجبل والقرى جرادة بن محمد، وأحمد بن محمد كاتبه، واحتجت إلى رفع جماعتي إليه- ترجمتها بجماعة [سنة] «2» ست وسبعين ومائتين [التي أدركت غلّاتها وثمارها في سنة سبع وسبعين ومائتين] «3» ، ووجب إلغاء ذكر سنة ستّ وسبعين ومائتين؛ فلما وقفا على هذه الترجمة أنكراها وسألاني عن السبب فيها فشرحته لهما، ووكّدت ذلك بأن عرّفتهما أني قد استخرجت حساب السنين الشمسية والسنين القمرية من القرآن [الكريم بعد] «4» ما عرضته على أصحاب التفسير، فذكروا أنه لم يأت فيه شيء من الأثر، فكان ذلك أوكد في لطف استخراجي: وهو أن الله تعالى قال في سورة الكهف: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً «5» ، فلم أجد أحدا من المفسّرين عرف ما معنى [قوله] «6» : وازدادوا تسعا، وإنما خاطب الله جل وعز نبيّه بكلام العرب وما تعرفه من الحساب؛ فمعنى هذه التسع أن الثلاثمائة كانت شمسية بحساب العجم ومن كان لا يعرف السنين القمرية، فإذا أضيف إلى الثلاثمائة القمريّة زيادة التسع كانت سنين شمسيّة [صحيحة] «7» فاستحسناه؛ فلما انصرف

جرادة مع الناصر- رحمة الله عليه- إلى مدينة السلام وتوفّي الناصر رضوان الله عليه وتقلد أبو القاسم عبيد الله بن سليمان رحمه الله كتابة أمير المؤمنين: المعتضد بالله صلوات الله عليه، أجرى له جرادة ذكر هذا النقل، وشرح له سببه: تقرّبا إليه، وطعنا على أبي القاسم عبيد الله رحمه الله في تأخيره إيّاه. فلما وقف المعتضد بالله رحمه الله على ذلك تقدّم إلى أبي القاسم بإنشاء الكتب بنقل سنة ثمان وسبعين ومائتين إلى سنة تسع وسبعين ومائتين، فكتب، وكان هذا النقل بعد أربع سنين من وجوبه؛ ثم مضت السنون سنة بعد سنة إلى أن انقضت الآن ثلاث وثلاثون سنة أولاهن السنة التي كان النقل وجب فيها: وهي سنة خمس وسبعين ومائتين، وآخرتهن انقضاء سنة سبع وثلاثمائة، فوافق ذلك خلافة المطيع لله في وزارة أبي محمد المهلّبي، فأمر بنقل سنة ستّ وثلاثمائة إلى سنة سبع وثلاثمائة، ونسبة الخراج إليها فنقلت، وأمر بالكتابة بذلك من ديوان الإنشاء فكتب به. وقد حكى أبو الحسين هلال بن المحسن بن أبي إسحاق إبراهيم الصابي عن أبيه «1» أنه قال: لما أراد الوزير أبو محمّد المهلّبي نقل السنة أمر أبا إسحاق والدي وغيره من كتّابه في الخراج والرسائل بإنشاء كتاب عن المطيع لله رحمة الله عليه في هذا المعنى، وكلّ منهم كتب، وعرضت النّسخ على الوزير أبي محمّد فاختار منها كتاب والدي وتقدّم بأن يكتب إلى أصحاب الأطراف. وقال لأبي الفرج ابن أبي هاشم «2» خليفته: اكتب إلى العمال بذلك كتبا [محققة] «3» ، وانسخ في أواخر [ها] «4» هذا الكتاب السلطاني، فغاظ أبا الفرج وقوع التفضيل والاختيار لكتاب والدي، وقد كان عمل نسخة اطّرحت في جملة ما اطّرح، وكتب: «قد رأينا نقل سنة خمسين [إلى إحدى وخمسين] «5» فاعمل على

ذلك» ولم ينسخ الكتاب السلطاني، وعرف الوزير أبو محمد ما كتب به أبو الفرج، فقال له: لماذا أغفلت نسخ الكتاب السلطاني في آخر الكتاب إلى العمّال وإثباته في الديوان؟ فأجاب جوابا علّل «1» فيه، فقال له يا أبا الفرج: ما تركت ذلك إلا حسدا لأبي إسحاق على كتابه، وهو والله في هذا الفن أكتب أهل زمانه. قال صاحب «المنهاج في صنعة الخراج» : وقد كان نقل السنين في الديار المصرية [أغفل] «2» حتى كانت سنة تسع وتسعين وأربعمائة الهلاليّة فنقلت سنة تسع وتسعين الخراجية إلى سنة إحدى وخمسمائة فيما رأيته في تعليقات أبي. قال: وآخر ما نقلت السنة في وقتنا هذا أن نقلت سنة خمس وستين وخمسمائة إلى سنة سبع وستين وخمسمائة الهلالية، فتطابقت السنتان. وذلك أنني لما قلت للقاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني: إنه قد آن نقل السنة، أنشأ سجلّا بنقلها نسخ في الدواوين، وحمل الأمر على حكمه، ثم قال: وما برح الملوك والوزراء يعنون بنقل السنين في أحيانها، ومطابقة العامين في أوّل زمان اختلافهما بالبعد وتقارب اتفاقهما بالنّقل. قلت: والحاصل أنه إذا مضى ثلاث وثلاثون سنة من آخر السنة، حوّلت السنة الثالثة والثلاثون إلى تلو السنة التي بعدها، وهي الخامسة والثلاثون، وتلغى الرابعة والثلاثون؛ ومقتضى البناء على التحويل الذي كان في خلافة المطيع في سنة سبع وثلاثمائة المقدّم ذكره أن تحوّل سنة سبع وثلاثمائة إلى سنة تسع وثلاثمائة، ثم تحوّل سنة أربعين وثلاثمائة إلى اثنتين وأربعين وثلاثمائة، وتلغى سنة إحدى وأربعين، ثم تحوّل سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة إلى سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، وتلغى سنة أربع وسبعين، ثم تحوّل سنة ست وأربعمائة إلى سنة ثمان وأربعمائة، وتلغى سنة سبع، ثم تحول سنة تسع وثلاثين وأربعمائة إلى سنة إحدى وأربعين وأربعمائة،

وتلغى سنة أربعين؛ ثم تحوّل سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة إلى سنة أربع وسبعين وأربعمائة، وتلغى سنة ثلاث وسبعين؛ ثم تحوّل سنة خمس وخمسمائة إلى سنة سبع وخمسمائة، وتلغى سنة ستّ؛ لكن قد تقدّم من كلام صاحب «المنهاج في صنعة الخراج» أن التحويل كان تأخّر بالديار المصرية إلى سنة تسع وتسعين وأربعمائة، فحوّلت سنة تسع وتسعين الخراجية إلى سنة إحدى وخمسمائة، فيكون التحويل بالديار المصرية قد وقع قبل استحقاقه بمقتضى الترتيب المقدّم ذكره بستّ سنين من حيث إنه كان المستحقّ مغلّ سنة خمس وخمسمائة إلى سنة سبع وخمسمائة كما تقدّم، فنقلت سنة تسع وتسعين وأربعمائة إلى سنة إحدى وخمسمائة. والأمر في ذلك قريب إذ التحويل على التقريب دون التحديد. ثم مقتضى ترتيب التحويل الرابع في الديار المصرية بعد تحويل سنة تسع وتسعين وأربعمائة إلى سنة إحدى وخمسمائة أن تحوّل بعد ذلك سنة ثنتين وثلاثين وخمسمائة إلى سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، وتلغى سنة ثلاث وثلاثين؛ ثم تحوّل سنة خمس وستين وخمسمائة إلى سنة سبع وستين وخمسمائة، وتلغى سنة ستّ وستين؛ ثم تحوّل سنة ثمان وتسعين وخمسمائة إلى سنة ستمائة، وتلغى سنة تسع وتسعين وخمسمائة؛ ثم تحوّل سنة إحدى وثلاثين وستّمائة إلى سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وتلغى سنة اثنتين وثلاثين؛ ثم تحوّل سنة أربع وستين وستمائة إلى سنة ستّ وستين وستمائة، وتلغى سنة خمس وستين؛ ثم تحوّل سنة سبع وتسعين وستمائة إلى سنة تسع وتسعين وستمائة، وتلغى سنة ثمان وتسعين؛ ثم تحوّل سنة سبعمائة وثلاثين إلى سنة سبعمائة واثنتين وثلاثين، وتلغى سنة إحدى وثلاثين؛ ثم تحوّل سنة ثلاث وستين وسبعمائة إلى سنة خمس وستين وسبعمائة، وتلغى سنة أربع وستين وسبعمائة؛ وتحوّل سنة ست وتسعين وسبعمائة إلى سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، وتلغى سنة سبع وتسعين؛ ثم لا يكون تحويل إلى تسع وعشرين وثمانمائة، فتحول إلى سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة؛ لكن قد حوّل كتّاب الدواوين بالديار المصرية وأرباب الدولة بها سنة تسع وأربعين وسبعمائة:

الطرف الثاني (في صورة ما يكتب في تحويل السنين؛ وهو على نوعين)

(وهي سنة الطاعون الجارف العامّ) إلى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وألغوا سنة خمسين. وكان يقال: مات في تلك السنة كلّ شيء حتّى السنة؛ وسيأتي ذكر المرسوم المكتتب بها في تحويل السنين في هذه المقالة، إن شاء الله تعالى. ونقل ذلك لتأخير وقع من إغفال تحويل سنة سبعمائة وثلاثين المتقدّمة الذكر، وآخر سنة حوّلت في زماننا سنة ... «1» . الطرف الثاني (في صورة ما يكتب في تحويل السنين؛ وهو على نوعين) «2» النوع الأوّل (ما كان يكتب في ذلك عن الخلفاء؛ وفيه مذهبان) المذهب الأوّل (أن يفتتح ما يكتب ب «أمّا بعد» ) وعلى ذلك كان يكتب من ديوان الخلافة ببغداد. وهذه نسخة ما ذكر أبو الحسين بن علي الكاتب المقدم ذكره أنه كتب به في ذلك في نقل سنة ثمان وسبعين ومائتين إلى سنة تسع وسبعين ومائتين في خلافة المعتضد بالله أمير المؤمنين؛ وهي «3» : أمّا بعد، فإنّ أولى ما صرف إليه أمير المؤمنين عنايته، وأعمل فيه فكره ورويّته، وشغل به تفقّده ورعايته، أمر الفيء الذي خصّه الله به وألزمه جمعه وتوفيره، وحياطته وتكثيره، وجعله عماد الدّين، وقوام أمر المسلمين، وفيما يصرف منه إلى أعطيات الأولياء والجنود، ومن يستعان «4» به لتحصين البيضة والذّبّ عن الحريم، وحجّ البيت، وجهاد العدوّ، وسدّ الثّغور، وأمن السبل، وحقن الدّماء، وإصلاح ذات البين، وأمير المؤمنين يسأل الله راغبا إليه، ومتوكّلا

عليه، أن يحسن عونه على ما حمّله منه، ويديم توفيقه لما أرضاه، وإرشاده إلى ما يقضي [بالخير] «1» عنه وله. وقد نظر أمير المؤمنين فيما كان يجري عليه أمر جباية هذا الفيء في خلافة آبائه [الخلفاء] «2» الراشدين فوجده على حسب ما كان يدرك من الغلّات والثّمار في كل سنة أوّلا أوّلا على مجاري شهور سني الشمس في النّجوم التي يحلّ مال كلّ صنف منها فيها، ووجد شهور السنة الشمسية تتأخّر عن شهور السنة الهلاليّة أحد عشر يوما وربعا وزيادة عليه، ويكون إدراك الغلات والثّمار في كل سنة بحسب تأخّرها. فلا تزال السنون تمضي على ذلك سنة بعد سنة حتى تنقضي منها ثلاث وثلاثون سنة وتكون عدّة الأيام المتأخّرة منها أيام سنة شمسيّة كاملة، وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم وزيادة عليه، فحينئذ يتهيّأ بمشيئة الله وقدرته إدراك الغلّات التي تجري عليها الضرائب والطّسوق «3» في استقبال المحرّم من سني الأهلّة. ويجب مع ذلك إلغاء ذكر السنة الخارجة إذ كانت قد انقضت ونسبتها إلى السنة التي أدركت الغلّات والثمار فيها، وإنه وجد ذلك قد كان وقع في أيام أمير المؤمنين المتوكّل على الله رحمة الله عليه عند انقضاء ثلاث وثلاثين سنة، آخرتهن سنة إحدى وأربعين ومائتين، فاستغني عن ذكرها بإلغائها ونسبتها إلى سنة اثنتين وأربعين ومائتين؛ فجرت المكاتبات والحسبانات وسائر الأعمال بعد ذلك سنة بعد سنة إلى أن مضت ثلاث وثلاثون سنة، آخرتهنّ انقضاء سنة أربع وسبعين ومائتين، [ووجب إنشاء الكتب بإلغاء ذكر سنة أربع وسبعين ومائتين] «4» ونسبتها إلى سنة خمس وسبعين ومائتين، فذهب ذلك على كتّاب أمير المؤمنين [المعتمد على الله وتأخّر الأمر أربع سنين إلى أن أمر أمير المؤمنين] «5» المعتضد بالله رحمه الله في سنة

سبع وسبعين ومائتين بنقل خراج سنة ثمان وسبعين ومائتين إلى سنة تسع وسبعين ومائتين؛ فجرى الأمر على ذلك إلى أن انقضت في هذا الوقت ثلاث وثلاثون سنة: أولاهنّ السنة التي كان يجب نقلها فيها، وهي سنة خمس وسبعين ومائتين، وآخرتهن انقضاء شهور خراج سنة سبع وثلاثمائة، ووجب افتتاح خراج ما تجري عليه الضرائب والطسوق في أوّلها [وإن] «1» من صواب التدبير واستقامة الأعمال، واستعمال ما يخفّ على الرعية معاملتها به نقل سنة الخراج لسنة سبع وثلاثمائة إلى سنة ثمان وثلاثمائة، فرأى أمير المؤمنين- لما يلزمه نفسه ويؤاخذها به «2» ، من العناية بهذا الفيء وحياطة أسبابه، وإجرائها مجاريها، وسلوك سبيل آبائه الراشدين رحمة الله عليهم فيها- أن يكتب إليك وإلى سائر العمّال في النواحي بالعمل على ذلك، وأن يكون ما يصدر [إليكم] «3» من الكتب وتصدرونه عنكم وتجري عليه أعمالكم ورفوعكم وحسباناتكم وسائر مناظراتكم على هذا النّقل. فاعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين واعمل به مستشعرا فيه وفي كلّ ما تمضيه تقوى الله وطاعته، ومستعملا [عليه] «4» ثقات الأعوان وكفاتهم، مشرفا عليهم ومقوّما لهم، واكتب بما يكون منك في ذلك، إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة ما كتب به أبو إسحاق الصابي عن المطيع لله بنقل سنة ستّ «5» وثلاثمائة إلى سنة سبع وثلاثمائة؛ وهي: أما بعد، فإنّ أمير المؤمنين لا يزال مجتهدا في مصالح المسلمين، وباعثا لهم على مراشد الدنيا والدّين، ومهيّئا لهم إلى أحسن الاختيار فيما يوردون ويصدرون، وأصوب الرأي فيما يبرمون وينقضون؛ فلا تلوح له خلّة داخلة على

أمورهم إلا سدّها وتلافاها [ولا حال عائدة بحظّ عليهم إلا اعتمدها وأتاها] «1» ولا سنّة عادلة إلا أخذهم باقامة رسمها، وإمضاء حكمها والاقتداء بالسلف الصالح في العمل بها والاتباع لها؛ وإذا عرض من ذلك ما تعلمه الخاصّة بوفور ألبابها، وتجهله العامّة بقصور أفهامها، وكانت أوامره فيه خارجة إليك وإلى أمثالك من أعيان رجاله، وأماثل عمّاله، الذين يكتفون بالإشارة، ويجتزئون بتيسير الإبانة والعبارة، لم يدع أن يبلغ من تلخيص اللفظ وإيضاح المعنى إلى الحدّ الذي يلحق المتأخّر بالمتقدّم، ويجمع بين العالم والمتعلّم؛ ولا سيّما إذا كان ذلك فيما يتعلّق بمعاملات الرعيّة، ومن لا يعرف إلا الظّواهر الجلية دون البواطن الخفيّه، ولا يسهل عليه الانتقال عن العادات المتكررة إلى الرّسوم المتغيّرة، ليكون القول بالمشروح لمن برّز في المعرفة مذكّرا، ولمن تأخّر فيها مبصّرا، ولأنه ليس من الحق أن تمنع هذه الطبقة من برد اليقين في صدورها، ولا أن يقتصر على اللّمحة الدالّة في مخاطبة جمهورها، حتّى إذا استوت الأقدام بطوائف الناس في فهم ما أمروا به وفقه ما دعوا إليه وصاروا فيه على كلمة سواء لا يعترضهم شكّ الشاكّين ولا استرابة المستريبين، اطمأنّت قلوبهم، وانشرحت صدورهم، وسقط الخلاف بينهم، واستمرّ الاتفاق فيهم، واستيقنوا أنهم مسوسون على استقامة من المنهاج، ومحروسون من جرائر الزّيغ والاعوجاج؛ فكان الانقياد منهم وهم دارون عالمون، لا مقلّدون مسلّمون، وطائعون مختارون، لا مكرهون ولا مجبرون. وأمير المؤمنين يستمدّ الله تعالى في جميع أغراضه ومراميه، ومطالبه ومغازيه، مادّة من صنعه تقف به على سنن الصّلاح، وتفتح له أبواب النّجاح، وتنهضه بما أهّله لحمله من الأعباء التي لا يدّعي الاستقلال بها إلا بتوفيقه [ومعونته] «2» ، ولا يتوجه فيها إلا بدلالته وهدايته؛ وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل.

وأمير المؤمنين يرى أنّ أولى الأقوال أن يكون سدادا، وأحرى الأفعال أن يكون رشادا، ما وجد له في السابق من حكم الله أصول وقواعد، وفي النّص من كتابه آيات وشواهد، وكان مفضيا بالأمة إلى قوام من دين ودنيا، ووفاق في آخرة وأولى، فذلك هو البناء الذي يثبت ويعلو، والغرس الذي ينبت ويزكو، والسّعي الذي تنجح مباديه وهواديه، وتبهج عواقبه وتواليه، وتستنير سبله لسالكيها، وتوردهم موارد السعود في مقاصدهم فيها، غير ضالّين ولا عادلين، ولا منحرفين ولا زائلين. وقد جعل الله عزّ وجلّ من هذه الأفلاك الدائرة، والنّجوم السائرة، فيما تتقلّب عليه من اتّصال وافتراق، ويتعاقب عليها من اختلاف واتّفاق، منافع تظهر في كرور الشّهور والأعوام، ومرور اللّيالي والأيّام، وتناوب الضّياء والظلام، واعتدال المساكن والأوطان، وتغاير الفصول والأزمان، ونشء النّبات والحيوان؛ فما في نظام ذلك خلل، ولا في صنعة صانعه زلل، بل هو منوط بعضه ببعض، ومحوط من كلّ ثلمة ونقض؛ قال الله سبحانه: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ «1» ، وقال جلّ من قائل: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ «2» وقال: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ «3» ، وقال عزّت قدرته: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ «4» ففضّل الله تعالى في هذه الآيات بين الشمس والقمر، وأنبأنا في الباهر من حكمه، والمعجز من كلمه، أنّ لكلّ منهما طريقا سخّر فيها وطبيعة جبل عليها، وأن كلّ تلك المباينة والمخالفة في المسير، تؤدّي إلى موافقة وملازمة في

التدبير؛ فمن هنالك زادت السنة الشمسية فصارت ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربعا بالتقريب المعمول عليه؛ وهي المدّة التي تقطع الشمس فيها الفلك مرّة واحدة، ونقصت السنة الهلالية فصارت ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوما وكسرا، وهي المدّة التي يجامع القمر فيها الشمس اثنتي عشرة مرة، واحتيج إذا انساق هذا الفضل إلى استعمال النقل الذي يطابق إحدى السنتين بالأخرى إذا افترقتا، ويداني بينهما إذا تفاوتتا. وما زالت الأمم السالفة تكبس زيادات السنين على افتنان من طرقها ومذاهبها، وفي كتاب الله عز وجل شهادة بذلك إذ يقول في قصّة أهل الكهف: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً «1» فكانت هذه الزيادة بأن الفضل في السنين المذكورة على تقريب التقريب. فأما الفرس فإنهم أجروا معاملاتهم على السنة المعتدلة التي شهورها اثنا عشر شهرا، وأيامها ثلاثمائة وستون يوما، ولقّبوا الشهور اثني عشر لقبا، وسمّوا أيام الشهر منها ثلاثين اسما، وأفردوا الأيّام الخمسة الزائدة، وسمّوها المسترقة وكبسوا الرّبع في كل مائة وعشرين سنة شهرا. فلما انقرض ملكهم، بطل في كبس هذا الربع تدبيرهم، وزال نوروزهم عن سنّته، وانفرج ما بينه وبين حقيقة وقته، انفراجا هو زائد لا يقف، ودائر لا ينقطع، حتّى إنّ موضوعهم فيه أن يقع في مدخل الصيف وسينتهي إلى أن يقع في مدخل الشتاء، [ويتجاوز ذلك؛ وكذلك موضوعهم في المهرجان أن يقع في مدخل الشتاء] «2» وسينتهي إلى أن يقع في مدخل الصيف ويتجاوزه. وأما الروم فكانوا أتقن منهم حكمة وأبعد نظرا في عاقبة: لأنهم رتّبوا شهور السنة على أرصاد رصدوها، وأنواء عرفوها، وفضّوا الخمسة الأيام الزائدة على

الشّهور، وساقوها معها على الدّهور، وكبسوا الرّبع في كل أربع سنين يوما، ورسموا أن يكون إلى شباط مضافا فقرّبوا ما بعّده غيرهم، وسهّلوا على الناس أن يقتفوا أثرهم، لا جرم أن [المعتضد بالله صلوات الله عليه على أصولهم بنى، ولمثالهم احتذى] «1» في تصييره نوروزه اليوم الحادي عشر من حزيران، حتّى سلم مما لحق النواريز في سالف الأزمان، وتلافوا الأمر في عجز سني الهلال عن سني الشمس، بأن جبروها بالكبس فكلّما اجتمع من فضول سني الشمس ما يفي بتمام شهر جعلوا السنة الهلاليّة التي يتّفق ذلك فيها ثلاثة عشر هلالا؛ فربّما تمّ الشهر الثالث عشر في ثلاث سنين وربّما تمّ في سنتين بحسب ما يوجبه الحساب، فتصير سنتا الشمس والهلال عندهم متقاربتين أبدا لا يتباعد ما بينهما. وأمّا العرب فإن الله جل وعزّ فضّلها على الأمم الماضية، وورّثها ثمرات مساعيها المتعبة، وأجرى شهر صيامها ومواقيت أعيادها وزكاة أهل ملّتها، وجزية أهل ذمّتها، على السنة الهلاليّة، وتعبّدها فيها برؤية الأهلة، إرادة منه أن تكون مناهجها واضحة، وأعلامها لائحة، فيتكافأ في معرفة الغرض ودخول الوقت الخاصّ منهم والعام، والناقص الفقه والتام، والأنثى والذكر، وذو الصّغر والكبر، فصاروا حينئذ يجبون في سنة الشمس حاصل الغلّات المقسومة وخراج الأرض الممسوحة، ويجبون في سنة الهلال الجوالي والصدقات والأرجاء «2» والمقاطعات والمستغلّات، وسائر ما يجري على المشاهرات، وحدث من التعاظل والتداخل بين السنين ما لو استمر لقبح جدّا، وازداد بعدا، إذ كانت الجباية الخراجية في السنة التي تنتهي إليها تنسب في التسمية إلى ما قبلها فوجب مع هذا أن تطرح تلك السّنة وتلغى، ويتجاوز إلى ما بعدها ويتخطّى؛ ولم يجز لهم أن يقتدوا بمخالفيهم في كبس سنة الهلال بشهر ثالث عشر؛ لأنهم لو فعلوا ذلك لتزحزحت الأشهر الحرم عن مواقعها، وانحرفت المناسك عن حقائقها، ونقصت الجباية عن سني

الأهلة القبطية بقسط ما استغرقه الكبس منها، فانتظروا بذلك الفضل إلى أن تتمّ السنة، وأوجب الحساب المقرّب أن يكون كل اثنتين وثلاثين سنة شمسية ثلاثا وثلاثين سنة هلالية، فنقلوا المتقدّمة إلى المتأخّرة نقلا لا يتجاوز الشمسية، وكانت هذه الكلفة في دنياهم مستسهلة مع تلك النعمة في دينهم. وقد رأى أمير المؤمنين نقل سنة خمسين وثلاثمائة الخراجيّة إلى سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة الهلالية جمعا بينهما، ولزوما لتلك السّنّة فيهما. فاعمل بما ورد به أمر أمير المؤمنين عليك، وما تضمنه كتابه هذا إليك، ومر الكتّاب قبلك أن يحتذوا رسمه فيما يكتبون به إلى عمّال نواحيك، ويخلّدونه في الدواوين من ذكورهم ورفوعهم، ويقرّرونه في دروج الأموال «1» ، وينظمونه في الدفاتر «2» والأعمال، ويبنون «3» عليه الجماعات والحسبانات، ويوعزون بكتبه من الروزنامجات «4» والبراآت، وليكن المنسوب كان «5» من ذلك إلى سنة خمسين وثلاثمائة التي وقع النقل [عنها معدولا به إلى سنة إحدى وخمسين التي وقع النقل] «6» إليها، وأقم في نفوس من بحضرتك من أصناف الجند والرعية وأهل الملّة والذمّة أنّ هذا النقل لا يغيّر لهم رسما، ولا يلحق بهم ثلما، ولا يعود على

المذهب الثاني (مما كان يكتب عن الخلفاء في تحويل السنين

قابضي العطاء بنقصان ما استحقّوا قبضه، ولا على مؤدّي حقّ بيت المال بإغضاء عما وجب أداؤه، فإن قرائح أكثرهم فقيرة إلى إفهام أمير المؤمنين الذي يؤثر أن تزاح فيه العلّة، وتسدّ به منهم الخلّة «1» ، إذ كان هذا الشأن لا يتجدّد إلا في المدد الطّوال التي في مثلها يحتاج إلى تعريف الناشي، وإذكار الناسي، وأجب بما يكون منك جوابا يحسن موقعه لك، إن شاء الله تعالى. المذهب الثاني (مما كان يكتب عن الخلفاء في تحويل السنين أن يفتتح ما يكتب بلفظ: «من فلان أمير المؤمنين إلى أهل الدولة» ونحو ذلك) ثم يؤتى بالتحميد وهو المعبّر عنه بالتصدير؛ وعليه كان يكتب خلفاء الفاطميين بالديار المصرية. قال في «موادّ البيان» : والطريق في ذلك أن يفتتح بعد التصدير والتحميد؛ [وهو على ضربين] «2» : الضرب الأوّل (ما كان يكتب في الدولة الأيوبية) وكانت العادة فيه أن يفتتح بخرجت الأوامر ونحو ذلك، ثم يذكر فيه نحوا مما تقدّم. وهذه نسخة مرسوم بتحويل السنة القبطية [إلى السنة العربية] «3» ، من إنشاء القاضي الفاضل عن الملك الناصر «صلاح الدين يوسف بن أيوب» تغمّده الله برحمته؛ وهي «4» :

خرجت الأوامر الصّلاحيّة بكتب هذا المنشور وتلاوة مودعه بحيث يستمرّ، ونسخه في الدّواوين بحيث يستقرّ؛ ومضمونه: إنّ نظرنا لم يزل تتجلّى له الجلائل والدقائق، ويتوخّى من الحسنات ما تسير به الحقائب والحقائق، ويخلّد من الأخبار المشروعة، كلّ عذب الطرائق رائق، ويجدّد من الآثار المتبوعة، ما هو بثناء الخلائق لائق، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير إلا جهدنا أن نكتسبها، ولا يثوّب بنا الداعي إلى مثوبة إلا رأينا أن نحتسبها، لا سيّما ما يكون للسنين الماضية ممضيا، وإلى القضايا العادلة مفضيا، ولمحاسن الشريعة مجلّيا، ولعوارض الشّبه رافعا، ولتناقض الخبر دافعا، ولأبواب المعاملات حافظا، ولأسباب المغالطات لافظا، وللخواطر من أمراض الشّكوك مصحّحا، وعن حقائق اليقين مفصحا، وللأسماع من طيف الاختلاف معفيا، ولغاية الإشكال من طرق الأفهام معفّيا. ولما استهلّت سنة كذا الهلالية، وقد تباعد ما بينها وبين السنة الخراجية إلى أن صارت غلّاتها منسوبة إلى ما قبلها، وفي ذلك ما فيه: من أخذ الدّرهم المنقود، عن غير الوقت المفقود، وتسمية بيت المال ممطلا وقد أنجز، ووصف الحق المتلف بأنه دين وقد أعجز، وأكل رزق اليوم وتسميته منسوبا إلى أمسه، وإخراج المعتدّ لسنة هلاله إلى حساب المعتدّ إلى سنة شمسه. وكان الله تعالى قد أجرى أمر هذه الأمّة على تاريخ منزّه عن اللّبس، موقّر عن الكبس، وصرّح كتابه العزيز بتحريمه، وذكر ما فيه من تأخير وقت النّسيء وتقديمه؛ والأمّة المحمدية لا ينبغي أن يدركها الكسر «1» ، كما أنّ الشمس لا ينبغي أن تدرك القمر، وسننها بين الحق والباطل فارقة، وسنتها أبدا سابقة، والسّنون

بعدها لاحقة، يتعاورها الكسر الذي يزحزح أوقات العبادات عن مواضعها، ولا يدرك عملها إلا من دقّ نظره، واستفرغت في الحساب فكره؛ والسنة العربية تقطع بخناجر أهلّتها الاشتباه، وتردّ شهورها حالية بعقودها موسومة الجباه؛ وإذا تقاعست السنة الشمسية عن أن تطأ أعقابها، وتواطي حسابها، اجتذبت قراها قسرا، وأوجبت لحقّها ذكرا، وتزوّجت سنة الشمس سنة الهلال وكان الهلال بينهما مهرا؛ فسنتهم المؤنثة وسنتنا المذكّرة، وآية الهلال هنا دون آية الليل هي المبصرة؛ وفي السّنة العربيّة إلى ما فيها من عربيّة الإفصاح، وراحة الإيضاح، الزيادة التي تظهر في كل ثلاث وثلاثين سنة توفي على عدد الأمم قطعا، وقد أشار الله إليها بقوله: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً «1» وفي هذه السنة الزائدة زيادة، من لطائف السّعادة، ووظائف العبادة، لأن أهل ملّة الإسلام يمتازون على كل ملة بسنة في نظير تلك المدّة قصدوا صلاتها، وأدّوا زكاتها، وحجّوا فيها البيت العتيق الكريم، وصاموا فيها الشهر العظيم، واستوجبوا فيها الأجور الجليلة، وأنست فيها أسماعهم بالأعمار الطويلة؛ ومخالفوهم فيها قد عطّلت صحائفهم في عدوانهم، وإن كانت عاطلة، وخلت مواقفهم في أديانهم، وإن لم تكن قطّ آهلة. وقد رأينا باستخارة الله سبحانه والتيمّن باتّباع العوائد التي سلكها السّلف، ولم تسلك فيها السّرف، أن ينسخوا أسماءها من الخراج، ويذهب ما بين السنين من الاضطراب والاعوجاج، لا سيما والشهور الخراجيّة قد وافقت في هذه الشهور الشهور الهلالية، وألقى الله في أيامنا الوفاق بين الأيّام، كما ألقى باعتلائنا الوفاق بين الأنام، وأسكن بنظرنا ما في الأوقات من اضطراب وفي القلوب من اضطرام. فليستأنف التاريخ في الدواوين المعمورة، لاستقبال السنة المذكورة، بأن توسم بالهلاليّة الخراجيّة لإزالة الالتباس، ولإقامة القسطاس، وإيضاحا لمن أمره عليه غمّة من الناس؛ وعلى

الضرب الثاني (ما يكتب به في زماننا)

هذا التقرير، تكتب سجلّات التحضير، وتنتظم الحسبانات المرفوعة، والمشارع الموضوعة، وتطّرد القوانين المشروعة، وتثبّت المكلّفات المقطوعة؛ ولو لم يكن بين دواعي نقلها، وعوارض زللها وزوالها، إلا أنّ الأجناد إذا قبضوا واجباتهم عن منشور إلى سنة خمس في أواخر سنة سبع وسقط ساقطهم بالوفاة، وجرى بحكم السمع لا بالشّرع إلى أن يرث وارثه دون بيت المال مستغلّ السنة الخراجية التي يلتقي فيها تاريخ وفاته من السنة الهلالية وفي ذلك ما فيه، مما يباين الإنصاف وينافيه [لكفى] «1» وإذا كان العدل وضع الأشياء في مواضعها فلسنا نحرم أيّامنا المحرّمة بذمامنا، ما رزقته أبناؤها من عدل أحكامنا، بل نخلع عن جديدها «2» المس كل المس، و [نمنع] «3» تبعة الضّلال أن تسند مهادنته إلى نور الشمس، ولا نجعل أيامنا معمورة بالأسقاط التي تجمعها، بل مغمورة بالأقساط التي تنفعها؛ فليبن التاريخ على بنيانه وليحسم الخلف الواقع في السنين، بهذا الحقّ الصادع المبين، ولينسخ المشهود به في جميع الدواوين، وليكاتب بحكمه من الخراج إلى من يمكنه من المستخدمين- ومنها أن المستجدّ من الأجناد لو حمل على السنة الخراجية في استغلاله، وعلى الهلاليّة في استقباله، لكان محالا على ما يكون محالا، وكان يتعجّل استقبالا، ويباطن استغلالا؛ وفي ذلك ما ينافر أوصاف الإنصاف ويصون الفلاح إن شاء الله تعالى. الضرب الثاني (ما يكتب به في زماننا) وقد جرت العادة أن يكتب في قطع الثّلث وأنه يفتتح بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» ثم يقال: وبعد فإنا لما اختصّنا الله تعالى به من النظر في أمر الناس

ومصالحهم، ويذكر ما سنح له من ذلك ثم يقال: ولمّا كان، ويذكر قصة السنين: الشمسية والقمريّة، وما يطرأ بينهما من التباعد الموجب لنقل الشمسية إلى القمرية، ثم يقال: اقتضى الرأي الشريف أن يحوّل مغلّ سنة كذا إلى سنة كذا وتذكر نسخة ذلك، ثم يقال: فرسم بالأمر الشريف الفلاني لا زال......... أن تحوّل سنة كذا إلى سنة كذا. وهذه نسخة مرسوم بتحويل السنة القبطية إلى العربية؛ وهي: الحمد لله الذي جعل الليل والنهار آيتين، وصيّر الشهور والأعوام لابتداء المدد وانتهائها غايتين، ليعلم خلقه عدد السنين والحساب، وتعمل بريّته على توفية الأوقات حقّها من الأفعال التي يحصل بها الاعتداد ويحسن بها الاحتساب. نحمده على ما خصّ أيامنا الزاهرة من إنعام النظر في مصالح خلقه، وإمعان الفكر في تشييد ما بسط لهم من رزقه، وإزالة الضّرر في تيسير القيام بما أوجب عليهم من حقّه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عاصمة من الزيغ ذا هوى، معتصمة من التوفيق بأقوى أسباب التوثيق وأوثق أسباب القوى، شافعة حسن العمل في مصالح العباد بحسن النية، فإنّ الأعمال بالنيات وإنّما لكلّ امريء ما نوى، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وحجة على العاملين، ونشر دعوته في الآفاق فأيّده لإقامتها بنصره وبالمؤمنين، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أمروا فأطاعوا، ونهوا فاجتنبوا ما نهوا عنه ما استطاعوا، صلاة تنمي نماء البدور، وتبقى بقاء الدّهور، وتطوى بنشرها مراحل الأيام إلى يوم النّشور. وبعد، فإنّا لما اختصّنا الله تعالى به من التوفّر على مصالح الإسلام، والتناول لما تنشرح به في مواقف الجهاد، صدور السيوف وتنطق به في مصالح العباد، ألسنة الأقلام، نتبع كلّ أمر فنسدّ خلله، ونثقّف ميله، ونقيم أوده، وننظر ليومه بما يصلح به يومه ولغده بما يصلح غده، إصلاحا لكل حال بحسبه، وتقريبا لكل شيء على ما هو أليق بشأنه وإقرارا لكلّ أمر على ما هو الأحسن به.

ولما كان الزمن مقسوما بين سنين شمسية يتّفق فيها ما أخرج الله تعالى من الرّزق لعباده، ويحصل بها ميقات القوت الذي قال الله تعالى فيه: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ «1» وقمريّة لا يعوّل في أحكام الدّين إلا عليها، ولا يرجع في تواريخ الإسلام إلّا إليها، ولا تعتبر العبادة الزمانيّة إلا بأهلّتها، ولا يهتدى إلى يوم الحجّ الأكبر إلا بأدلّتها، ولا يعتدّ في العدد التي تحفظ بها الأنساب إلا بأحكامها، ولا تعلم الأشهر الحرم إلا بوجودها في الأوقات المخصوصة من عامها، وكان قد حصل بينهما من تفاوت الأيام في المدد، واختلاف الشّهور الهلالية في العدد، ما يلزم منه تداخل مغلّ في مغل، ونسبة شيء راح وانقضى إلى ما أدرك الآن وحصل، ويؤدّي ذلك إلى إبقاء سنة بغير خراج، وهدر ما يجب تركه فليس الوقت إليه محتاج، وإلغاء ما يتعيّن إلغاؤه، وإسقاط ما تلتفت إليه الأذهان وهو لا يمكن رجاؤه، وإن كان ذلك الإسقاط لا ضرر فيه على العباد والبلاد، ولا نقص ينتج منه للأمراء والأجناد، ولا حقيقة له ولا معنى، ولا إهمال شيء أفقر تركه ولا إبقاؤه أغنى، ولكن صار ذلك من عوائد الزّمن القديمة، ومصطلحا لا تزال العقول بالاحتياج إلى فعله عليمة، وأمرا لا بدّ للملك منه، وحالا لا مندوحة للدّول عنه، لتغدو التصرّفات على الاستقامة ماشية، والمعاملات من الحق ناشية، ويعفى رسم ما لم يكن في الحقيقة رابط، ويزال اسم مالو توسّمه الفضل لأضحى كأنه يغالط- اقتضى حسن الرأي الشريف أن تحوّل هذه السنة التي يحصل بها الكبس، وأن يدحضها يقين النفس، وأن يرفع ما بها من أشكال الإشكال، ويزال هذا السبب الذي نشأ عنه دخول الأكثر باستدراج الأقلّ فلا يكون للأذهان عليه اتّكال- نظرا بذلك في مصالح الأمّة، ودفعا لما يجدونه من أوهام مدلهمّة، وعملا يطابق به الدليل حكمه، ويوافق فيه اللفظ معناه والفعل اسمه، وتخفيفا عن الرعية من لزوم ما لا يلزم في الحقيقة عملا بقوله تعالى: ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ «2»

فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال عدله سائرا في الأيّام والأنام، وفضله [سائدا] «1» بالرّفق الذي تغدو به العقول والعيون كأنها من الأمن في منام- أن يحوّل مغلّ سنة تسع وأربعين وسبعمائة بالديار المصرية المحروسة، لمغلّ سنة خمسين وسبعمائة، ويلغى اسم مغل السنة المذكورة، من الدّواوين المعمورة، ولا ينسب إليها مغلّ بل يكون مغلّ سنة خمسين وسبعمائة تاليا لمغل سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وتستقرّ السنة حينئذ هلاليّة خراجيّة بحكم دوران السنين، واستحقاق هذا التحويل من مدّة خمس عشرة سنة، حيث اتفاق مبدإ السنين الشمسية والقمريّة، ووقوع الإغفال عن هذا المبهم في الدول الماضية، لتكون هذه الدولة الشريفة قائمة بما قعد عنه من مضى من الدول، مقوّمة بعون الله لكل متأوّد من الزّيغ والخلل، لما في ذلك من المصالحة العامّة، والمنحة التامّة، والحقّ الواضح، والقصد الناجح، والمنهج القويم، والصّراط المستقيم، والاعتماد على الشهور القمريّة قال الله تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ «2» فليعتمد حكم ما قرّرناه، وليمتثل أمر ما أمرناه، وليثبّت ذلك في الدّواوين، وليشهر نبؤه المبين، وليسقط ما تخلّل بين هاتين السنتين من المغلّ الذي لا حقيقة له، وليترك ما بينهما من التفاوت الذي لا تعرف الحسبانات معدّله، وليمح اسم هذه الأيام من الدفاتر، ولينس حكمها فإنها أولى بذلك في الزمن الآتي والغابر؛ فليس المغلّ سوى للعام الذي وجد فيه سببه، وظهر فيه حصوله وتعيّن طلبه، وأدرك في إبّانه، وجاء في زمانه، وأينع به ثمر غرسه، واستحقّ في وقته لا كما يلزم أن يكون اليوم في أمسه؛ وفي ذلك من الأسباب الباعثة على ما رسمنا به، والدّواعي اللازمة لذهابه، والبراهين القاطعة بقطعه، والدلائل الواضحة على دفعه، ما قدّمناه: من المصالح المعيّنة، والطّرق المبيّنة، وإزالة الأوهام، وتأكيد

الأفهام، وإراحة الخواطر، وإزاحة ما تتشوّق إليه الظّنون في الظاهر؛ وليبطل ذلك من الارتفاعات «1» بالكلّيّة، ويسقط من الجرائد لتغدو الحسبانات منه خليّة، ولا يذكر مغلّ السنة المدحوضة في سجلّ ولا مشروح، ولا مشهود يغدو حكمه ويروح، ولا مكلّفات تودعها الأقلام شيئا على المجاز وهو في الحقيقة مطروح، لتثبت الحسنات لأيامنا الزاهرة في هذا المحو، ويكشف ما ينتج بسماء العقل من غيم الجهالة بما وضح من هذا الصّحو، ويتمسّك في صحة العبادات والمعاملات بالسنين العربية من غير خروج عن ذلك النحو؛ والله تعالى يبيّن بنا طرق الصواب، ويحسن ببقاء ملكنا الشريف المآل والمآب، ويجعل دولتنا توضّح الأحكام على اختلاف الجديدين «2» : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ «3» والاعتماد فيه على الخط الشريف- أعلاه الله تعالى- أعلاه، إن شاء الله تعالى. حادي عشرين «4» جمادى الأولى سنة خمسين وسبعمائة. حسب المرسوم الشريف؛ بالإشارة الكافلية السيفيّة، كافل الممالك الشريفة الإسلامية، أعزّ الله تعالى نصرته؛ ثم الحمدلة والتصلية والحسبلة. قلت: وهذه النسخة صدرها إلى قوله: والشهور الهلالية أجنبيّ عما بعد ذلك من تتمة الكلام. وذلك أني ظفرت بعجز النسخة، وهو المكتتب في تحويل سنة تسع وأربعين في نفس المرسوم الشريف الذي شملته العلامة الشريفة، وقد قطع أوّله فركّبتها على هذا الصدر. ومن عجيب ما يذكر في ذلك أن سنة تسع وأربعين التي حوّلت إلى سنة

خمسين هي السنة التي وقع فيها الطاعون الجارف الذي عمّ الأقطار خلا المدينة النبويّة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام التي أخبر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه لا يدخلها الطاعون، وكثر فيها الموت حتى انتهى إلى عشرين ألفا في اليوم الواحد؛ وكان يقال في هذه السنة لما حوّلت: [مات كلّ شيء حتى السنة] «1» لإلغائها؛ وجعل مغلّ سنة خمسين تاليا لمغل سنة ثمان وأربعين كما تقدّم.

الفصل الثاني من الباب الرابع من المقالة السادسة

الفصل الثاني من الباب الرابع من المقالة السادسة (فيما يكتب في التذاكر [وفيه ثلاثة أضرب] «1» ) والتّذاكر جمع تذكرة. قال «في موادّ البيان» : وقد جرت العادة أن تضمّن جمل الأموال التي يسافر بها الرسول ليعود إليها إن أغفل شيئا منها أو نسيه، أو تكون حجة له فيما يورده ويصدره، قال: ولا غنى بالكاتب عن العلم بعنواناتها وترتيبها. فأما عنوان التذكرة فيكون في صدرها تلو البسملة؛ فإن كانت للرسول يعمل عليها، قيل: تذكرة منجحة صدرت على يد فلان عند وصوله إلى فلان بن فلان، وينتهي بمشيئة الله تعالى إلى ما نصّ فيها، وإن كانت حجة له يعرضها لتشهد بصدق ما يورده، قيل: تذكرة منجحة صدرت على يد فلان بن فلان بما يحتاج إلى عرضه على فلان. وأما الترتيب فيختلف أيضا بحسب اختلاف العنوان: فإن كانت على الرسم الأوّل، كان بصدرها «قد استخرنا الله عزّو جل وندبناك، أو عوّلنا عليك، أو نفّذناك، أو وجّهناك إلى فلان: لإيصال ما أودعناك وشافهناك به من كذا وكذا» ويقصّ جميع الأغراض التي ألقيت إليه مجملة. وإن كانت محمولة على يده كالحجة له فيما يعرضه، قيل: «قد استخرنا الله عزّ وجل وعوّلنا عليك في تحمّل تذكرتنا هذه والشّخوص بها إلى فلان، أو النّفوذ، أو التّوجّه، أو المصير، أو القصد

بها وإيصالها إليه، وعرض ما تضمّنته عليه، من كذا وكذا» ويقصّ جميع أغراضها. ثم قال: وهذه التذاكر أحكامها أحكام الكتب في النّفوذ عن الأعلى إلى الأدنى، وعن الأدنى إلى الأعلى، فينبغي أن تبتنى على ما يحفظ رتب الكاتب والمكتوب إليه: فإن كانت صادرة عن الوزير إلى الخليفة مثلا فتصدّر بما مثاله «قد استخرت الله تعالى، وعوّلت عليك في الشّخوص إلى حضرة أمير المؤمنين- صلوات الله عليه- متحمّلا هذه التّذكرة؛ فإذا مثلت بالمواقف المطهّرة، فوفّها حقّها من الإعظام والإكبار، والإجلال والوقار، وقدّم تقبيل الأرض والمطالعة بما أشاء مواصلته من شكر نعم أمير المؤمنين الضافية عليّ، المتتابعة لديّ، وإخلاصي لطاعته، وانتصابي في خدمته، وتوفيري على الدعاء بثبات دولته، وخلود مملكته، وطالع بكذا وكذا» وعلى هذا النظام إلى آخر المراتب، يعني مراتب المكاتبات. قلت: والذي جرى عليه اصطلاح كتّاب الزمان في التذاكر أنّ التذكرة تكتب في قطع الشاميّ، تكسر فيها الفرخة الكاملة نصفين، وتجعل دفترا وورقة إلى جنب أخرى لا كرّاسة بعضها داخل بعض، وتكون كتابتها بقلم الرّقاع، وتكون البسملة في أعلى باطن الورقة الأولى ببياض قليل من أعلاها وهامش عن يمينها؛ ثم يكتب السطر التالي من التذكرة على سمت البسملة ملاصقا لها، ثم يخلّى قدر عرض إصبعين بياضا ويكتب السطر التالي، ثم يخلّى قدر إصبع بياضا ويكتب السطر التالي؛ ويجري في باقي الأسطر على ذلك حتى يأتي على آخر الورقة، ثم يكتب باطن الورقة التي تليها كذلك، ثم ظاهرها كذلك، ثم الورقة الثانية فما بعدها على هذا الترتيب إلى آخر التذكرة، ثم يكتب «إن شاء الله تعالى» ثم التاريخ، ثم الحمدلة والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم الحسبلة، على نحو ما تقدّم في المكاتبات والولايات وغيرها على ما تقدّم بيانه في المقالة الثالثة في الكلام على الخواتم. وهذه نسخة تذكرة أنشأها القاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين

يوسف بن أيّوب، سيّرها صحبة الأمير شمس الدين الخطيب: أحد أمراء الدولة الصلاحية إلى أبواب الخلافة ببغداد في خلافة الناصر لدين الله، وهي: تذكرة مباركة، ولم تزل الذّكرى للمؤمنين نافعة، ولعوارض الشكّ دافعة، ضمّنت أغراضا يقيّدها الكتاب، إلى أن يطلقها الخطاب. على أن السائر سيّار البيان، والرسول يمضي على رسل التبيان؛ والله سبحانه يسدّده قائلا وفاعلا، ويحفظه بادئا وعائدا ومقيما وراحلا. الأمير الفقيه شمس الدين خطيب الخطباء- أدام الله نعمته، وكتب سلامته، وأحسن صحابته- يتوجّه بعد الاستخارة ويقصد دار السلام، والخطّة التي هي عشّ بيضة الإسلام، ومجتمع رجاء الرّجال، ومتّسع رحاب الرّحال؛ فإذا نظر تلك الدار الدارّ سحابها، وشافه بالنظر معالم ذلك الحرم المحرّم على الخطوب خطابها، ووقف أمام تلك المواقف التي تحسد الأرجل عليها الرّؤوس، وقام بتلك المنازل التي تنافس الأجسام فيها النّفوس- فلو استطاعت لزارت الأرواح محرمة من أجسادها، وطافت بكعبتها متجرّدة من أغمادها- فليمطر الأرض هناك عنّا قبلا تخضّلها، بأعداد لا نحصّلها؛ وليسلّم عليها سلاما نعتدّه من شعائر الدين اللازمة، وسنن الإسلام القائمة، وليورد عنا تحيّة يستنزلها من عند الله تحية مباركة طيّبة، وصلاة تخترق أنوارها الأستار المحجّبة، وليصافح عنّا بوجهه صفحة الثّرى، وليستشرف عنّا بنظره فقد ظفر بصباح السّرى، وليستلم الأركان الشريفة، فإن الدّين إليها مستند، وليستدم الملاحظات اللّطيفة، فإنّ النّور منها مستمدّ؛ وإذا قضى التسليم وحقّ اللقاء، واستدعى الإخلاص جهد الدعاء، فليعد وليعد حوادث ما كانت حديثا يفترى، وجواري أمور إن قال منها كثيرا فأكثر منه ما جرى، وليشرح صدرا منها لعلّه يشرح منا صدرا، وليوضّح الأحوال المستسرة فإنّ الله لا يعبد سرّا: ومن الغرائب أن تسير غرائب ... في الأرض لم يعلم بها المأمول كالعيس أقتل ما يكون لها الظّما «1» ... والماء فوق ظهورها محمول

فإنّا كنا نقتبس النار بأيدينا، وغيرنا يستنير، ونستنبط الماء بأيدنا، وغيرنا يستمير، ونلقى السّهام بنحورنا، وغيرنا يغيّر التصوير، ونصافح الصّفاح بصدورنا، وغيرنا «1» يدّعي التصدير، ولا بدّ أن نستردّ بضاعتنا، بموقف العدل الذي تردّ به الغصوب، ونظهر طاعتنا، فنأخذ بحظّ الألسنة كما أخذنا بحظ القلوب؛ وما كان العائق إلا أنّا كنا ننظر ابتداء من الجانب الشريف بالنعمة، يضاهي ابتداءنا بالخدمة، وإيجابا للحق، يشاكل إيجابنا للسّبق، إلى أن يكون سحابها بغير يد مستنزلا، وروضها بغير غرس مطفلا. كان أوّل أمرنا أنا كنّا في الشام نفتح الفتوحات مباشرين بأنفسنا ونجاهد الكفّار متقدّمين لعساكره نحن ووالدنا وعمّنا؛ فأيّ مدينة فتحت، أو معقل ملك، أو عسكر للعدوّ كسر، أو مصافّ للإسلام معه ضرب، فما يجهل أحد، ولا يجحد عدوّ، أنّا نصطلي الجمرة، ونملك الكسرة، ونتقدّم الجماعة، ونرتّب المقاتلة، وندبّر التعبئة، إلى أن ظهرت في الشام الآثار التي لنا أجرها، ولا يضرّنا أن يكون لغيرنا ذكرها. وكانت أخبار مصر تتّصل بنا بما الأحوال عليه فيها من سوء التدبير، ومما دولتها عليه من غلبة صغير على كبير، وأن النّظام قد فسد، والإسلام بها قد ضعف عن إقامته كلّ قائم بها وقعد، والفرنج قد احتاج من يدبّرها إلى أن يقاطعهم بأموال كثيرة، لها مقادير خطيرة، وأنّ كلمة السّنة بها وإن كانت مجموعة، فإنها مقموعة، وأحكام الشريعة وإن كانت مسمّاة، فإنّها متحاماة، وتلك البدع بها على ما يعلم، وتلك الضّلالات فيها على ما يفتى منها بفراق الإسلام ويحكم، وذلك المذهب قد خالط من أهله اللّحم والدّم، وتلك الأنصاب قد نصبت آلهة تتّخذ من دون الله تعظّم وتفخّم، فتعالى الله عن شبه العباد، وويل لمن غرّه تقلّب الذين كفروا في البلاد.

فسمت هممنا دون همم ملوك الأرض إلى أن نستفتح مقفلها ونسترجع للإسلام شاردها ونعيد على الدّين ضالّته منها فسرنا إليها بعساكر ضخمة، وجموع جمّة، وبأموال انتهكت الموجود، وبلغت منّا المجهود، وأنفقناها من خالص ذممنا وكسب أيدينا، ومن أسارى الفرنج الواقعين في قبضتنا، فعرضت عوارض منعت، وتوجّهت للمصريين حيل باستنجاد الفرنج «1» تمّت: ولكلّ أجل كتاب، ولكلّ أمل باب. وكان في تقدير الله سبحانه أنّا نملكها على الوجه الأحسن، وناخذها بالحكم الأقوى الأمكن، فغدر الفرنج بالمصريين غدرة في هدنة عظم خطبها وخبطها، وعلم أنّ استئصال كلمة الإسلام محطّها، وكاتبنا المسلمون من مصر في ذلك الزمان، كما كاتبنا المسلمون من الشام في هذا الأوان، بأنّا إن لم ندرك الأمر وإلا خرج من اليد، وإن لم ندفع غريم اليوم لم يمهل إلى الغد؛ فسرنا بالعساكر الموجودة والأمراء الأهل المعروفة إلى بلاد قد تمهّد لنا بها أمران، وتقرّر لنا فيها في القلوب ودّان: الأوّل لما علموه من إيثارنا المذهب الأقوم «2» ، وإحياء الحقّ الأقدم، والآخر لما يرجونه من فكّ إسارهم، وإقالة عثارهم؛ ففعل الله ما هو أهله، وجاء الخبر إلى العدوّ فانقطع حبله، وضاقت به سبله، وأفرج عن الديار بعد أن كانت ضياعها ورساتيقها وبلادها وإقليمها قد نفذت فيها أوامره، وخفقت عليها صلبانه، وأمن من أن يسترجع ما كان بأيديهم حاصلا، وأن يستنقذ ما صار في

ملكهم داخلا، ووصلنا البلاد وبها أجناد عددهم كثير، وسوادهم كبير، وأموالهم واسعة، وكلمتهم جامعة، وهم على حرب الإسلام أقدر منهم على حرب الكفر، والحيلة في السّرّ منهم أنفذ من العزيمة في الجهر. وبها راجل من السّودان «1» يزيد على مائة ألف رجل كلهم أغتام «2» أعجام، إن هم إلا كالأنعام، لا يعرفون ربّا إلا ساكن قصره، ولا قبلة إلا ما يتوجّهون إليه من ركنه. وبها عسكر من الأرمن باقون على النّصرانية موضوعة عنهم الجزية كانت لهم شوكة وشكّة، وحميّة وحمة، ولهم حواش لقصرهم من بين داع تلطف في الضّلال مداخله، وتصيب العقول مخاتله، ومن بين كتّاب أقلامهم تفعل أفعال الأسل، وخدّام يجمعون إلى سواد الوجوه سواد النّحل، ودولة قد كبر عليها الصغير، ولم يعرف غيرها الكبير، ومهابة تمنع خطرات الضمير، فكيف لحظات التدبير. هذا إلى إستباحة للمحارم ظاهرة، وتعطيل للفرائض على عادة جارية، وتحريف للشّريعة بالتأويل، وعدول إلى غير مراد الله في التنزيل، وكفر سمّي بغير اسمه، وشرع يتستّر به ويحكم بغير حكمه. فما زلنا نسحتهم سحت المبارد للشّفار، ونتحيّفهم تحيّف الليل والنهار للأعمار، بعجائب تدبير، لا تحتملها المساطير، وغرائب تقرير، لا تحملها الأساطير، ولطف توصّل ما كان في حيلة البشر ولا قدرتهم إلا إعانة المقادير، وفي أثناء ذلك استنجدوا علينا الفرنج دفعة إلى بلبيس، ودفعة إلى دمياط، في كل منهما وصلوا بالعدوّ المجهر، والحشد الأوفر، وخصوصا في نوبة دمياط فإنهم نازلوها بحرا في ألف مركب مقاتل وحامل، وبرّا في مائتي ألف فارس وراجل، وحصروها شهرين يباكرونها ويراوحونها، ويماسونها ويصابحونها، القتال الذي يصليه

الصّليب، والقراع الذي ينادى به من مكان قريب، ونحن نقاتل العدوّين «1» : الباطن والظاهر، ونصابر الضّدّين: المنافق والكافر، حتّى أتى الله بأمره، وأيّدنا بنصره، وخابت المطامع من المصريّين ومن الفرنج ومن ملك الرّوم ومن الجنويّين وأجناس الرّوم لأن أنفارهم تنافرت، ونصاراهم تناصرت، وأناجيل طواغيتهم رفعت، وصلب صلبوتهم أخرجت، وشرعنا في تلك الطوائف من الأجناد والسّودان والأرمن فأخرجناهم من القاهرة تارة بالأوامر المرهقة لهم، وبالذّنوب الفاضحة منهم، وبالسّيوف المجرّدة وبالنار المحرقة، حتّى بقي القصر ومن به من خدمه قد تفرّقت شيعه، وتمزّقت بدعه، وخفتت دعوته، وخفيت ضلالته؛ فهنالك تمّت لنا إقامة الكلمة والجهر بالخطبة والرفع للواء السّواد الأعظم، والجمع لكلمة السّواد الأعظم، وعاجل الله الطاغية الأكبر بفنائه، وبرّأنا من عهدة يمين كان حنثها أيسر من إثم إبقائه، إلا أنه عوجل لفرط روعته، ووافق هلاك شخصه هلاك دولته. ولما خلا ذرعنا، ورحب وسعنا، نظرنا في الغزوات إلى بلاد الكفّار، فلم تخرج سنة إلا عن سنّة أقيمت فيها برّا وبحرا، ومركبا وظهرا، إلى أن أوسعناهم قتلا وأسرا، وملكنا رقابهم قهرا وقسرا، وفتحنا لهم معاقل ما خطر أهل الإسلام فيها منذ أخذت من أيديهم، وما أوجفت فيها خيلهم ولا ركابهم مذ ملكها أعاديهم؛ فمنها ما حكمت فيه يد الخراب، ومنها ما استولت عليه يد الاكتساب، ومنها قلعة بثغر أيلة «2» كان العدوّ قد بناها في بحر الهند، وهو المسلوك منه إلى

الحرمين واليمن، وغزا ساحل الحرم فسبى منه خلقا، وخرق الكفر في هذا الجانب خرقا، فكادت القبلة أن يستولى على أصلها، ومساجد الله أن يسكنها غير أهلها، ومقام الخليل صلوات الله عليه أن يقوم به من ناره غير برد وسلام، ومضجع الرسول شرّفه الله أن يتطرّقه من لا يدين بما جاء به من الإسلام، ففتح الله هذه القلعة وصارت معقلا للجهاد، وموئلا لسفّار البلاد، وغيرهم من عبّاد العباد؛ فلو شرح ما تمّ بها للمسلمين من الأثر الجليل، وما استدّ من خلّاتهم، وأحرق من زروع المشركين ورعي من غلّاتهم، إلى أن ضعفت ثغورهم، واختلّت أمورهم، لاحتيج فيه إلى زمن يشغل عن المهمات الشريفة لسماع مورده، وإيضاح مقصده. وكان باليمن ما علم من ابن مهديّ «1» الضالّ وله آثار في الإسلام، وثار طالبه النبيّ عليه الصلاة والسلام، لأنه سبى الشرائف الصالحات وباعهنّ بالثمن البخس، واستباح منهن كلّ ما لا تقرّ عليه نفس، وكان ببدعه دعا إلى قبر أبيه وسمّاه كعبة، وأخذ أموال الرعايا المعصومة وأجاحها، وأحلّ الفروج المحرّمة وأباحها، فأنهضنا إليه أخانا بعسكرنا بعد أن تكلّفنا له نفقات واسعة، وأسلحة رائعة، وسار فأخذناه ولله الحمد، وأنجح الله فيه القصد، ووردتنا كتب عساكرنا وأمرائنا بما نفذ في ابن مهديّ وبلاده المفتتحة ومعاقله المستضافة؛ والكلمة هنالك بمشيئة الله إلى الهند سارية، وإلى ما لم يفتضّ الإسلام عذرته مذ أقام الله كلمته متمادية.

ولنا في المغرب، أثر أغرب، وفي أعماله أعمال دون مطلبها كما يكون المهلك دون المطلب؛ وذلك أن بني عبد المؤمن قد اشتهر أنّ أمرهم أمر، وملكهم قد عمر، وجيوشهم لا تطاق، وأوامرهم لا تشاقّ، ونحن والحمد لله قد ملكنا مما يجاورنا منه بلادا تزيد مسافتها على شهر، وسيّرنا عسكرا بعد عسكر رجع بنصر بعد نصر، ومن البلاد المشاهير، والأقاليم الجماهير- لكّ- برقة- قفصة- قسطيلية- توزر؛ كلّ هذه تقام فيها الخطبة لمولانا الإمام المستضيء بالله سلام الله عليه، ولا عهد للإسلام بإقامتها، وتنفّذ فيها الأحكام بعلمها المنصور وعلامتها. وفي هذه السنة كان عندنا وفد قد شاهده وفود الأمصار، مقداره سبعون راكبا كلّهم يطلب لسلطان بلده تقليدا، ويرجو منّا وعدا ويخاف وعيدا. وقد صدرت عنا بحمد الله تقاليدها، وألقيت إلينا مقاليدها، وسيّرنا الخلع والألوية، والمناشير بما فيها من الأوامر والأقضية. وأما الأعداء الذين يحدقون بهذه البلاد، والكفّار الذين يقاتلونها بالممالك العظام والعزائم الشّداد، فمنهم صاحب قسطنطينيّة وهو الطاغية الأكبر، والجبّار الأكفر، وصاحب المملكة التي أكلت على الدّهر وشربت، وقائم النّصرانية التي حكمت دولته على ممالكها وغلبت، وجرت لنا معه غزوات بحريّة، ومناقلات ظاهريّة وسرّية، وكانت له في البلاد مطامع منها أن يجبي خراجا، ومنها أن يملك منها فجاجا، وكانت غصّة لا يسيغها الماء، وداهية لا ترجى لها الأرض بل السّماء، فأخذنا ولله الحمد بكظمه، وأقمناه على قدمه، ولم نخرج من مصر، إلى أن وصلتنا رسله في جمعة واحدة في نوبتين بكتابين كلّ واحد منهما يظهر فيه خفض الجناح، وإلقاء السّلاح، والانتقال من معاداة، إلى مهاداة، ومن مناضحة، إلى مناصحة، حتّى إنه أنذر بصاحب صقلّية وأساطيله التي يرد ذكرها، وعساكره التي لم يخف أمرها. ومن هؤلاء الكفّار صاحب صقلّيّة هذا كان حين علم أن صاحب الشام

وصاحب قسطنطينيّة قد اجتمعا في نوبة دمياط فغلبا وهزما وكسرا، أراد أن يظهر قوّته المستقلّة بمفردها، وعزمته القائمة بمجرّدها، فعمر أسطولا استوعب فيه ماله وزمانه: فإنه إلى الآن منذ خمس سنين يكثّر عدّته، وينتخب عدّته، ويجتلب مقاتلته إلى أن وصل منها في السنة الخالية إلى إسكندريّة أمر رائع، وخطب هائل، ما أثقل ظهر البحر مثل حمله، ولا ملأ صدره مثل خيله ورجله؛ ما هو إقليم بل أقاليم نقله، وجيش ما احتفل ملك قطّ بنظيره لولا أنّ الله خذله؛ ولو ذهبنا نصف ما ذهب، فيه من ذهب، وما أخذ منه من سلاح وخيل وعدد ومجانيق، ومن أسر منه من خيّالة كبار، ومقدّمين ذوي أقدار، وملوك يقاطعون بالجمل التي لها مقدار، وكيف أخذه وهو في العدد الأكثر بالعدد الأقلّ من رجالنا، وكيف نصر الله عليه مع الأصعب من قتاله بالأسهل من قتالنا، لعلم أنّ عناية الله بالإسلام تغنيه عن السلاح، وكفاية الله لهذا الدّين تكفيه مؤونة الكفاح؛ ومن هؤلاء الجنويّين الذين يسرّبون الجيوش- البنادقة- البياشنة «1» - الجنوية كلّ هؤلاء تارة لا تطاق ضراوة ضرّهم، ولا تطفأ شرارة شرّهم، وتارة يجهّزون سفّارا يحتكمون على الإسلام في الأموال المجلوبة، وتقصر عنهم يد الأحكام المرهوبة؛ وما منهم الآن إلا من يجلب إلى بلدنا آلة قتاله وجهاده، ويتقرّب إليها بإهداء طرائف أعماله وبلاده؛ وكلّهم قد قرّرت معه المواصفة، وانتظمت معه المسالمة، على ما نريد ويكرهون، ونؤثر ولا يؤثرون «2»

ولما قضى الله بالوفاة النّورية، وكنّا في تلك السنة على نيّة الغزو، والعساكر قد ظهرت، والمضارب قد برزت، ونزل الفرنج بانياس وأشرفوا على احتيازها، ورأوها فرصة مدّوا إليها يد انتهازها، استصرخ بنا صاحبها للممانعة، واستنهضنا لتفريج الكرب الواقعة، فسرنا مراحل اتّصل بالعدوّ أمرها، وعوجل بالهدنة الدّمشقيّة التي لولا مسيرنا ما انتظم حكمها ولا قبل كثيرها ولا قليلها؛ ثم عدنا إلى البلاد فتوافت إلينا الأخبار بما الدولة النّوريّة عليه من تشعّب الآراء وتوزّعها، وتشتّت الأمور وتقطّعها، وأن كلّ قلعة قد حصل فيها صاحب، وكلّ جانب قد طمح إليه طالب؛ والفرنج قد بنوا بلادا يتحيّفون بها الأطراف الإسلامية، ويضايقون بها البلاد الشاميّة، وأمراء الدولة قد سجن أكابرهم وعوقبوا وصودروا، والمماليك الذين للمتوفّى أغرار خلقوا للأطراف لا للصّدور، وجعلوا للقيام لا للجلوس في المحفل المحصور، وقد مدّوا الأعين والأيدي والسّيوف، وساءت سيرتهم في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، وكلّ واحد يتّخذ عند الفرنج يدا، ويجعلهم لظهره سندا، ويرفع عنهم ذخيرة كانت للإسلام، ويفرّج لهم عن أسير من أكابر الكفّار كان مقامه مما يدفع شرّا، ولا يزيد نار الكفر جمرا، وإطلاقه يجلب قطيعة تقوّي إسلاما وتضعف كفرا، فكثرت إلينا مكاتبات أهل الآراء الصائبة، ونظرنا للإسلام ولنا ولبلاد الإسلام في العاقبة، وعرفنا أن البيت المقدّس إن لم تتيسّر الأسباب لفتحه، وأمر الكفر إن لم يجرّد العزم في قلعه، وإلا ثبتت عروقه،

واتسعت على أهل الدين خروقه، وكانت الحجة لله قائمة، وهمم القادرين بالقعود آثمة؛ وإنا لا نتمكن بمصر منه مع بعد المسافة، وانقطاع العمارة وكلال الدواب، وإذا جاورناه كانت المصلحة بادية، والمنفعة جامعة، واليد قادرة، والبلاد قريبة، والغزوة ممكنة، والميرة متسعة والخيل مستريحة، والعساكر كثيرة، والجموع متيسرة، والأوقات مساعدة؛ وأصلحنا ما في الشام من عقائد معتلّة، وأمور مختلّة؛ وآراء فاسدة، وأمراء متحاسدة، وأطماع غالبة، وعقول غائبة، وحفظنا الولد القائم بعد أبيه، وكفلناه كفالة من يقضي الحقّ ويوفيه؛ فإنّا به أولى من قوم يأكلون الدنيا باسمه، ويظهرون الوفاء بخدمه وهم عاملون بظلمه، والمراد الآن هو كل ما يقوّي الدولة، ويؤكّد الدعوة، ويجمع الأمة، ويحفظ الألفة، ويضمن الزّلفة، ويفتح بقيّة البلاد، ويطبّق بالاسم العبّاسيّ كلّ ما تخطئه العهاد- ونحن نقترح على الأحكام المعهودة، وننتظر أن يأتي الإنعام على الغايات المزيدة؛ وهو تقليد جامع لمصر والمغرب واليمن والشام، وكلّ ما تشتمل عليه الولاية النّورية، وكل ما يفتحه الله للدولة بسيوفنا وسيوف عساكرنا، ولمن نقيمه من أخ وولد من بعدنا، تقليدا يضمن للنّعمة تخليدا، وللدّعوة تجديدا، مع ما ينعم به من السّمات التي يقتضيها الملك؛ فإنّ الإمارة اليوم بحسن نيّتنا في الخدمة تصرّف بأقلامنا، وتستفاد من تحت أعلامنا، ويتبيّن أنّ أمراء الدولة النّورية يحتاج إليهم في فتح البلاد القدسية ضرورة: لأنها منازل العساكر، ومجمع الأنفار والعشائر؛ فمتى لم يكن عليهم يد حاكمة، وفيهم كلمة نافذة، منعهم ولاة البلاد، وبغاة العناد. وبالجملة فالشام لا ينتظم أمره بمن فيه، وفتح بيت المقدس ليس له قرن يقوم به ويكفيه؛ والفرنج فهم يعرفون منا خصما لا يملّ الشرّ حتّى يملّوا، وقرنا لا يزال يحرّم السيف حتّى يحلّوا، حتى إنا لمّا جاورناهم في هذا الأمد القريب، وعلموا أنّ المصحف قد جاء بأيدينا يخاصم الصليب، استشعروا بفراق بلادهم، وتهادوا التعازي لأرواحهم بأجسادهم؛ وإذا سدّد رأينا حسن الرأي ضربنا بسيف يقطع في غمده، وبلغنا المنى بمشيئة الله ويد كلّ مسلم تحت برده، واستنقذنا أسيرا من المسجد الذي أسرى الله إليه بعبده.

الضرب الثاني (ما كان يكتب لنواب السلطنة بالديار المصرية عند سفر السلطان عن الديار المصرية)

هذا ما لاح طلبه على قدر الزمان، والأنفس تطلب على مقدار الإحسان؛ فإنّ في استنهاض نيّات الخدّام بالإنعام ما يعود على الدولة منافعه، وتنكأ الأعداء مواقعه، وتبعث العزائم من موت منامها، وتنفض عن البصائر غبار ظلامها؛ والله تعالى ينجد إرادتنا في الخدمة بمضاعفة الاقتدار، ومساعدة الأقدار، إن شاء الله تعالى. الضرب الثاني (ما كان يكتب لنوّاب السلطنة بالديار المصرية عند سفر السلطان عن الديار المصرية) والعادة أن يكتب فيما يتعلق بمهمّات الديار المصرية وأحوالها ومصالحها، وما يترتّب فيها، وما يمشى على حكمه بمصر والقاهرة المحروستين، وسائر أعمال الديار المصرية، وما تبرز به المراسيم الشريفة في أمورها وقضاياها، واستخراج أموالها وحمولها، وعمل جسورها وحفائرها، وما يتجدّد في ذلك، وما يجري هذا المجرى من سائر التعلّقات، وتصدر بذلك التذكرة. وهذه نسخة تذكرة سلطانية كتب بها عن السلطان الملك الصالح عليّ، ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي، لكافل السلطنة بالديار المصرية، الأمير زين الدين كتبغا، عند سفر السلطان الملك [المنصور] » إلى الشام، واستقرار كتبغا المذكور نائبا عنه في سنة تسع [وسبعين] «2» وستمائة، من إنشاء [محمد] «3» بن المكرّم بن أبي الحسن الأنصاريّ، أحد كتّاب الدرج يومئذ ومن خطّه نقلت؛ وهي:

تذكرة نافعة، للخيرات جامعة، يعتمد عليها المجلس العاليّ، الأميريّ، الزّينيّ، كتبغا المنصوريّ، نائب السلطنة الشريفة- أدام الله عزه- في مهمّات الديار المصرية وأحوالها ومصالحها، وما يترتّب بها، وما يبتّ ويفصل في القاهرة ومصر المحروستين وسائر أعمال الديار المصرية، صانها الله تعالى، وما تستخرج به المراسيم الشريفة، المولوية، السلطانية، الملكية، الصالحيّة الفلانية- أنفذها الله تعالى- في أمورها وقضاياها، وولاياتها وولاتها، وحمولها وحفيرها وحفظها ومتجدّداتها على ما شرح فيه: - فصل الشّرع الشريف: يشدّ من حكّامه وقضاته في تنفيذ قضاياه وتصريف أحكامه، والشّدّ منه في نقضه وإبرامه. - فصل العدل والانصاف والحق: يعتمد ذلك في جميع المملكة الشريفة: مدنها وقراها وأعمالها وولاياتها: بحيث يشمل الرعايا من خاصّ وعامّ، وبعيد وقريب، وغائب وحاضر، ووارد وصادر، ويستجلب الأدعية الصالحة من جميع الناس لهذه الأيّام الزاهرة، ويستنطق الألسنة بذلك؛ فإنّ العدل حجة الله ومحجّة الخير، فيدفع كلّ ضرر ويرفع كلّ ضير.

- فصل الدماء: يعتمد فيها حكم الشرع الشريف. ومن وجب عليه قصاص يسلّم لغريمه ليقتصّ منه بالشرع الشريف، ومن وجب عليه القطع يقطع بالشرع الشريف. - فصل الأمور المختصّة بالقاهرة ومصر المحروستين، حرسهما الله تعالى: لا يتجوّه «1» فيها أحد، ولا يقوى قويّ على ضعيف، ولا يتعدّى أحد على أحد جملة كافية. - فصل: يتقدم بأن لا يمشي أحد في المدينة ولا ضواحيها في الحسينيّة والأحكار «2» في الليل إلا لضرورة، ولا يخرج أحد من بيته لغير ضرورة ماسّة، والنساء لا ينصرفن في الليل ولا يخرجن ولا يمشين جملة كافية. - فصل الحبوس: تحرس وتحفظ بالليل والنهار؛ وتحلق لحى الأسارى كلّهم: من فرنج وأنطاكيّين وغيرهم، ويتعهّد ذلك فيهم كلما تنبت، ويحترز في أمر الداخل إلى الحبوس، ويحترز على الأسارى الذين يستعملون، والرجال الذي يخرجون معهم، وتقام الضّمّان الثّقات على الجانداريّة «3» الذين معهم، ولا يستخدم في

ذلك غريب، ولا من فيه ريبة، ولا تبيت الأسارى الذين يستعملون إلا في الحبوس، ولا يخرج أحد منهم لحاجة تختص به ولا لحمّام ولا كنيسة ولا فرجة، وتتفقّد قيودهم وتوثّق في كل وقت. ويضاعف الحرس في الليل على خزانة البنود «1» باظهار ظاهرها وعلوّها وحولها وكذلك خزانة الشمائل «2» وغيرها من الجيوش. - فصل: يرتّب جماعة من الجند مع الطّوّاف «3» في المدينة لكشف الأزقّة وغلق الدّروب وتفقّد أصحاب الأرباع، وتأديب من يخلّ بمركزه من أصحاب الأرباع، وتكون الدّروب مغلقة. وكذلك تجرّد جماعة الحسينيّة والأحكار وجميع المراكز، ويعتمد فيها هذا الاعتماد؛ ومن وجد في الليل قد خالف المرسوم ويمشي لغير عذر يمسك ويؤدّب.

- فصل [الأبواب] : يحترز على الأبواب غاية الاحتراز، ويتفقّد في الليل خارجها وباطنها وعند فتحها وغلقها. - فصل: الأماكن التي يجتمع فيها الشّباب وأولو الدّعارة ومن يتعانى العيث والزّنطرة «1» ، لا يفسح لأحد في الاجتماع بها في ليل ولا نهار، ويكفّون الأكفّ اللئام بحيث تقوم المهابة وتعظم الحرمة، وينزجر أهل الغيّ والعيث والعبث. - فصل: يرتّب المجرّدون «2» حول المدينتين بالقاهرة ومصر المحروستين على العادة، وكذلك جهة القرافة وخلف القلعة وجهة البحر، وخارج الحسينية، ولا يهمل ذلك ليلة واحدة، ولا يفارق المجرّدون مراكزهم إلا عند السّفور وتكامل الضوء. - فصل: يتقدّم بأن لا تجتمع الرجال والنساء في ليالي الجمع بالقرافتين «3» ، ويمنع النساء من ذلك.

- فصل: مهمّات الغائبين في البيكار «1» المنصور تلحظ ويشدّ من نوّابهم في أمورهم ومصالحهم، ويستخلص حقوقهم لنوّابهم وغلمانهم ووكلائهم؛ ومن كانت له جهة يستخلص حقّه منها ولا يتعرّض إلى جهاتهم المستقرّة فيما يستحقّونه؛ ويقوّي أيديهم، وتؤخذ الحجج على وكلائهم بما يقبضونه حتى لا يقول مؤكّلوهم في البيكار: إنّ كتب وكلائنا وردت بأنهم لم يقبضوا لنا شيئا، فيكون ذلك سببا لردّ شكاويهم. - فصل: خليج القاهرة ومصر المحروستين يرسم بعمله وحفره وإتقانه في وقته: بحيث يكون عملا جيّدا متقنا من غير حيف على أحد، بل كلّ أحد يعمل ما يلزمه عملا جيّدا. - فصل: جسور ضواحي القاهرة يسرع في إتقانها وتعريضها، ويجتهد في حسن رصفها وفتح مشاربها، وحفظها من الطارق عليها، وتبقى متقنة مكملة إلى وقت النّيل المبارك؛ ولا يخرج في أمرها عن العادة، ولا يحتمي أحد عن العمل فيها بما يلزمه؛ ويحمل الأمر في جراريفها ومقلقلاتها «2» على ما تقدّمت به المراسيم الشريفة في أمر الجسور القريبة والبعيدة. - فصل في الأعمال والولايات: تتنجّز الأمثلة الشريفة السلطانية، المولوية، الملكية، الصالحية، الفلانية، شرفها الله تعالى، بإتقان عمل الجسور وتجويدها وتعريضها وتفقّد القناطر والتّراع، وعمل ما تهدّم منها وترميم ما وهى، وإصلاح ما تشعّث من أبوابها،

وتحصيل أصنافها التي تدعو الحاجة إليها في وقت النّيل، وتعتمد المراسيم الشريفة من أنّ أحدا لا يعمل بالجاه، ومن وجب عليه فيها العمل يعمل على العادة في الأيام الصالحيّة؛ ويؤكّد على الولاة في مباشرتها بنفوسهم، وأن لا يتّكلوا على المشدّين «1» ؛ وأيّ جهة حصل منها نقص أو خلل كان قبالة ذلك روح والي ذلك العمل وماله؛ ويشدّد على الولاة في ذلك غاية التشديد، ويحذّر أتمّ التحذير، وتؤخذ خطوط الولاة بأنّ الجسور قد أتقن عملها على الوضع المرسوم به، وأنها أتقنت ولم يبق فيها خلل، ولا ما يخشون عاقبته، ولا ما يخافون دركه، وأنها عملت على ما رسم. - فصل: يتقدّم إلى الولاة ويستخرج الأمثلة الشريفة السلطانية بترتيب الخفراء على ما كان الحال رتّب عليه في الأيام الظاهريّة: أن يرتّب من البلد إلى البلد خفراء ينزلون ببيوت شعر على الطّرقات على البلدين، يخفرون الرائح والغادي؛ وأيّ من عدم له شيء يلزمه دركه، وينادى في البلاد أن لا يسافر أحد في الليل ولا يغرّر، ولا يسافر الناس إلا من طلوع الشمس إلى غروبها، ويؤكّد في ذلك التأكيد التام. - فصل الثغور المحروسة: يلاحظ أمورها ومهمّاتها، ويستخرج الأمثلة الشريفة السلطانية في مهمّاتها وأحوالها وحفظها، والاحتراز على المعتقلين بها، والاستهظار في حفظهم، والتيقّظ لمهمّات الثغر، واستجلاب قلوب التّجار، واستمالة خواطرهم، ومعاملتهم بالرّفق والعدل حتى تتواصل التجار وتعمر الثغور، ويؤكّد عليها في المستخرج وتحصيل الأموال، وأصناف الذّخائر، وأصناف الخزائن المعمورة والحوائح خاناه «2» ، ويوعز إليهم بأنّ هذا وقت انفتاح البحر وحضور التّجار وتزجية

الأموال، وصلاح الأحوال، والنهضة في تكثير الحمول، ويؤكّد عليهم في المواصلة بها، وأن تكون حمولا متوفّرة، وأنه لا يفرّط في مستخرج حقوق المراكب الواصلة، ولا يقلّل متحصّلها، ولا ينقص حملها، ويسيّر بحملها حملا إلى بيت المال المعمور على العادة، ويؤكّد عليهم في الاستعمالات، وتحصيل الأقمشة والأمتعة على اختلاف أصنافها وإزالة الأعذار فيها: بحيث لا يتوقّف أمر الاستعمالات ولا يؤخّر مهمّها عن وقته؛ ومهما وصل من المماليك والجواري والحرير والوبر والأطلس والفضّة الحجر، وأقصاب الذهب المغزول يعتمد في تحصيله العادة. - فصل: يؤكّد على ولاة الأعمال في استخلاص الحقوق الديوانية من جهاتها، والمواصلة بالحمول في أوقاتها، ومباشرة أحوال الأقصاب ومعاصرها في أوقاتها، واعتماد مصلحة كل عمل على ما يناسبه وتقتضيه مصلحته: من مستخرج ومستغل، ومحمول ومزدرع، ومستعمل ومنفق، ويحذّرهم عن حصول خلل، أو ظهور عجز، أو فتور عزم، أو تقصير رأي، أو ما يقتضي الإنكار ويوجب المؤاخذة، ويشدّد في ذلك ما تقتضيه فرص الأوقات التي ينبغي انتهازها على ما يطالعون به. - فصل [أموال] «1» الخراج الديوانية: يحترز عليها وتربّى وتنمّى، ولا يطلق منها شيء إلا بمرسوم شريف منّا، ويطالع بأنّ المرسوم ورد بكذا وكذا ويعود الجواب بما يعتمد في ذلك. - فصل حقوق الأمراء والبحرية والحلقة «2» المنصورة والجند وجهاتهم: يستخلص أموالهم ووكلاءهم، ويوجد الشهادات بما عليهم من غلّة

ودراهم، وغير ذلك، ولا يحوج الوكلاء إلى شكوى منهم تتصل بمن هو في البيكار، ويحسم هذه المادّة، ويسدّ أبواب المماطلة عنهم. - فصل: يتقدّم إلى الولاة والنّظّار والمستخدمين بعمل أوراق بما يتحصّل للمقطعين الأصلية «1» في كل بلد، ولمقطع الجهة، ولمن أفرد له طين بجهة، ولمن جهته على الرسوم: ليعلم حال المقطعين في هذه السنة الجيشيّة والجهاتيّة وما تحصّل لكل منهم، ولا يحصل من أحد من الولاة مكاشرة ولا إهمال، ولا يطمع في الوكلاء لأجل غيبة الأمراء والمقطعين في البيكار، ولا يحوج أحد من المقطعين إلى شكوى بسبب متأخّر ولا ظليمة ولا إجحاف. - فصل: إذا خرج جاندار «2» من مصر إلى الأعمال لا يعطى في العمل أكثر من درهمين نقرة «3» ، ويوصّل الحقّ الذي جاء فيه لمستحقّه؛ فإن حصل منه قال وقيل أو حيف أو تعنّت يرسم عليه، ويسيّر الحقّ مع صاحبه معه، ويطالع بأن فلانا الجاندار حضر وجرى منه كذا وكذا، ويشرح الصورة ليحسم الموادّ بذلك. - فصل: إذا سيّر أحد من الولاة رسولا بسبب خلاص حقّ من بعض قرى أعماله فيكون ما يعطى الجاندار عن مسافة سفر يوم نصف نقرة، وعن يومين درهم واحد

الضرب الثالث (ما كان يكتب لنواب القلاع وولاتها: إما عند استقرار النائب بها، وإما في خلال نيابته)

لا غير؛ وأيّ جاندار تعدّى وأخذ غير ذلك يؤدّب ويصرف من تلك الولاية. - فصل: تكتب الحجج على كل وكيل يقبض لمخدومه شيئا من مغلّه أو جهته: من الديوان أو الفلّاحين، ولا يسلّم له شيء إلا بشهادة بحجج مكتتبة عليه، تخلّد منها حجّة الديوان المعمور بما قبضه من جهته أو إقطاعه، وتبقى الحجج حاصلة حتى إذا شكا أحد إلينا وسيّرنا عرّفناهم بمن يشكو من تأخّر حقه، يطالعوننا بأمر وكيله وما قبض من حقه، وتسيّر الشهادة عليه طيّ مطالعته، (ويحترز من الشهادات) بما وصل لكلّ مقطع، حتّى إنا نعلم من مضمون الحجج والشهادات متحصّل المقطعين من البلاد والجهات مفصّلا وجملة ما حصل لكل منهم: من عين وغلة وما تأخّر لكل منهم، ويعمل بذلك صورة أمور البلاد والمقطعين وأحوالهم، ويزيل شكوى من تجب إزالة شكواه، وتعلم أحوالهم على الجليّة. - فصل: تقرأ هذه التذاكر على المنابر فصلا فصلا، ليسمعها القريب والبعيد، ويبلّغها الحاضر والغائب، ويعمل بمضمونها كل أحد؛ ومن خرج عنها أو عمل بخلافها فهو أخبر بما يلقاه من سطواتنا وشدّة بأسنا؛ والسلام. الضرب الثالث (ما كان يكتب لنوّاب القلاع وولاتها: إما عند استقرار النائب بها، وإما في خلال نيابته) والعادة فيها أن يكتب فيها باعتماد الكشف عن أحوال القلعة وأسوارها وعرض حواصلها، ومقدّمي رجالها، وترتيب الرجال في مراكزهم، وكشف مظالم الرعايا، والنظر في الاحتراز على القلعة وعلى أبوابها، والاحتفاظ بمفاتيحها على العادة، وتحصيل ما يحتاج إليه فيها من الزاد والحطب والملح والفحم وغير ذلك، والمطالعة بمتجدّدات الأخبار.

وهذه نسخة تذكرة كتب بها عن السلطان الملك المنصور قلاوون بسبب قلعة صرخد من الشام، عند استقرار الأمير سيف الدين باسطي نائبا بها، والأمير عز الدين واليا بها في سنة تسع وسبعين وستمائة، من إنشاء القاضي محيي «1» الدّين بن عبد الظاهر صاحب ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية؛ وهي: تذكرة مباركة نافعة، لكثير من المصالح جامعة، يعتمد عليها الأميران: سيف الدين وعزّ الدين عند توجّههما إلى قلعة صرخد «2» المحروسة: يعتمدان العدل في الرعية، وسلوك منهج الحق في كل قضيّة، واعتماد ما يرضي الله تعالى ويرضينا؛ وليكن الإنصاف لهما عقيدة والتقوى دينا، ولا يتطلّع أحدهما إلى ما في يد أحد من مال ولا نشب «3» ، ولا يعارض أحد أحدا بلا سبب، وليتّقوا «4» الله ويخشوه، ويتجنّبوا الباطل ولا يغشوه، ولا يظنّ أحد منهم أن قد بعد عنا فيطمح إلى الظلم أو يطمع، فإنا منهم بمرأى ومسمع، وليكونوا على المصالح متفقين، وبأذيال الحق متعلّقين، وعلى الرعيّة مشفقين. - فصل: يتقدّمان بكشف أسوار القلعة المنصورة وأبراجها وبدناتها وأبوابها، وما

يحتاج إلى إصلاح وترميم وعمارة، ويحرّران أمر ذلك تحريرا، ويجتهدان في إصلاح ما يجب إصلاحه وترميم ما يجب ترميمه، والمطالعة بما كشفاه وما اعتمداه. - فصل: يتقدّمان بعرض حواصل القلعة المنصورة، والخزانة المعمورة، ويحقّقون ما بها من الأموال والغلال والذخائر والحواصل، ويعملون بذلك أوراقا محرّرة، ويسيّرون نسختها إلى الباب الشريف. - فصل: يتقدّمان بعرض مقدّمي رجال القلعة، وأرباب الجامكيّات «1» والرواتب بها، ويحرّران أمر مقرراتهم: من جامكية وجراية، ويجريان في صرف ذلك على العادة الجارية المستقرّة. - فصل: يستوضحان من الأمير عزّ الدين والأمير علم الدين المنصرفين عن المصالح المختصّة بهذه القلعة وعن أمورها، جليلها وحقيرها، فإنهما قد أحسنا في ذلك التدبير، وأجملا التأثير، وسلكا أجمل مسلك، ويهتديان بما يوضّحانه لهما من المصالح والمهمّات ليكون دخولهما في هذا الأمر على بصيرة. - فصل: يكون أمر النيابة والحكم العامّ في القلعة المنصورة، وتنزيل الرجال واستخدامهم وصرف من يجب صرفه- للأمير سيف الدّين باسطي بمشاركة الأمير عز الدين في أمر الرجال والاستخدام والصّرف، ويكون أمر النيابة راجعا للأمير سيف الدين باسطي والحكم فيها له، ويكون أمر ولاية القلعة للأمير عزّ الدين، ويجريان في ذلك على عادة

من تقدّمهما في هذه النيابة والولاية؛ ويكون الأمير سيف الدين في الدار التي كان يسكنها الأمير عزّ الدين؛ وحكمه في النيابة كحكمه؛ ويسكن الأمير عزّ الدين في الدار التي كان يسكن فيها الأمير علم الدّين، وحكمه في الولاية كحكمه. ولا يتعدّى أحد طوره، ولا يخرج عما قرّر فيه، ويرعى كلّ منهما لصاحبه حقّه فيما رتّب فيه، ويتفقان على المصالح كلّها، ويكونان كروحين في جسد واحد. - فصل: يتقدّمان بأن يترتّب الرجال في مراكزهم ومنازلهم على العادة في الليل والنهار، والحرسيّة «1» على العادة في الليل والنهار. وإن كان ثمّ خلل في ذلك أو تفريط أو إهمال، فليستدرك الفارط ويرتّب الأمر فيه على أحسن ترتيب. - فصل: ينتصبان في أوقات العادة في باب القلعة لكشف مظالم الرعية في القلعة والبرّ، ويعتمدان إنصافهم، وتلبية داعيهم، وسماع كلمهم، وكفّ ظالمهم وإعانة مظلومهم، واعتماد ما يجب من العدل وبسطه في الرعية، وكفّ الأيدي العادية. - فصل: أبواب القلعة إذا أغلقت في كل ليلة تبيّت المفاتيح عند النائب في المكان المعتاد بعد ختم الوالي عليها على العادة؛ وإذا تسلّمها يتسلّمها بختمها على العادة. - فصل: الذّخائر والغلال يجتهد في تصحيلها بالقلعة؛ ولا تخزن غلة جديدة على غلة عتيقة. وكلّ هري يخزن فيه غلّة يحرّر أمرها وتشال عيّنتها في كيس وتجعل في الخزانة ويختم عليها؛ ولا يصرف من الجديد قبل نفاد العتيق، ولا يترك العتيق ويصرف من الجديد. وكذلك بقية الحواصل يسلك فيها هذا المسلك.

- فصل: مهما جرت العادة بتثمينه على أرباب الجامكيّات والمقرّرات، فليجر الأمر فيه على العادة من غير حيف، وليدخل الديوان والمباشرون في التثمين لئلّا يسلك أمر التثمين على الرّجّالة والضّعفاء مع قلّة معلومهم «1» ويوفّر من ذلك أرباب الدّواوين مع كثرة معلومهم، بل يكونوا أوّل من يثمّن عليه؛ ومن لا قدرة له: مثل راجل ضعيف أو ربّ معلوم قليل، فليرفق به في ذلك، نظرا في حقّ الضعفاء. - فصل: يكثّرون من الأحطاب ومن الفحم والملح بالذخائر، وكذلك من كلّ ما تدعو الحاجة إليه، ويجتهدون في تحصيل الأموال وتوفيرها بالخزانة المعمورة: بحيث لا يكون لهما شغل يشغلهما عن ذلك، بل يصرفان الهمّة في غالب أوقاتهما إلى الفكرة في مال يحصّلونه، أو صنف يدّخرونه، ولا يهملان ذلك. - فصل: يطالعان الأبواب العالية في غالب أوقاتهما بما يتجدّد عندهما من المصالح، وبما يتميّز من الأموال، و [بما] حمل إلى الخزائن وإلى الأهراء من الأموال والغلال. وكذلك يطالعان نائب السلطنة بدمشق المحروسة على العادة في ذلك؛ ولتكن مطالعتهما جامعة وعليها خطّهما. ومن لاحت له مصلحة في بعض الأوقات واختار أن يطالع بانفراده فليطالع. - فصل: لا يمكّنان أحدا من الرجال المرتّبين بالقلعة المحروسة وأرباب النّوب أن يخلّ بنوبته ولا يفارقها، ولا يخرج من القلعة أحد من الرجال إلا بدستور «2» ويعود في يومه والله الموفق.

قلت: وبالجملة فالتذاكر منوطة بحال المكتوب له التذكرة، والمكتوب بسببه؛ فيختلف الحال باختلاف الأسباب، ويؤتى لكل تذكرة بفصول تناسبها بحسب ما تدعو الحاجة إليه. واعلم أنّ اللائق بالتذاكر الخارجة من ديوان الإنشاء أن تكون في الفصاحة والبلاغة على حدّ الرسائل، فيعلو شأن التّذكرة باعتبار اشتمالها على الفصاحة والبلاغة، وينحطّ بفواتهما؛ وانظر إلى تذكرة القاضي الفاضل المبتدإ بها؛ وما اشتملت عليه من الفصاحة والبلاغة، وأين هي من التذكرتين اللتين بعدها؛ فإنه قد أهمل فيهما مراعاة الفصاحة والبلاغة جملة، بل لم تراع في الأخيرة منهما قوانين النحو، إذ يكون يتكلّم بصيغة التثنية على سياق ما عقدت له التذكرة لاشتمالها على اثنين فإذا هو قد عدل إلى لفظ الجمع، ثم يعود إلى لفظ التثنية؛ هذا، وهي منسوبة إلى القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، صاحب ديوان الإنشاء يومئذ، وهو من بيت الكتابة والبلاغة، إلا أنه قد يريد بعدوله من التثنية إلى الجمع أن ينتقل إلى خطاب جمع المتحدثين في القلعة فيما يتعلّق بذلك الفصل الذي يكون فيه، وإلا فلا يجوز صدور مثل ذلك عنه وتكراره المرّة بعد الأخرى.

المقالة السابعة في الإقطاعات والقطائع؛ وفيها بابان

المقالة السابعة في الإقطاعات والقطائع؛ وفيها بابان الباب الأوّل في ذكر مقدّمات الإقطاعات؛ وفيه فصلان الفصل الأوّل في ذكر مقدّمات تتعلّق بالإقطاعات؛ وفيه ثلاثة أطراف الطرف الأوّل (في بيان معنى الإقطاعات وأصلها في الشرع) أما الإقطاعات فجمع إقطاع، وهو مصدر أقطع؛ يقال: أقطعه أرض كذا يقطعه إقطاعا، واستقطعه إذا طلب منه أن يقطعه، والقطيعة الطائفة من أرض الخراج. وأما أصلها في الشرع فما رواه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق بسنده إلى ابن سيرين عن تميم الداريّ أنه قال: «استقطعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أرضا بالشأم قبل أن تفتح فأعطانيها، ففتحها عمر بن الخطاب في زمانه فأتيته، فقلت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أعطاني أرضا من كذا إلى كذا، فجعل عمر ثلثها لابن السبيل، وثلثا لعمارتها، وثلثا لنا» . وفي رواية: استقطعت أرضا بالشام فأقطعنيها، ففتحها عمر في زمانه فأتيته، فقلت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أعطاني أرضا من كذا إلى كذا، فجعل عمر ثلثها لابن السبيل، وثلثها لعمارتها، وترك لنا ثلثا.

وذكر الماورديّ في «الأحكام السلطانية» : أنّ أبا ثعلبة الخشنيّ رضي الله عنه سأل النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يقطعه أرضا كانت بيد الروم فأعجبه ذلك، وقال ألا تسمعون ما يقول؟ فقال: والذي بعثك بالحق ليفتحنّ عليك، فكتب له بذلك كتابا «1» وذكر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أقطع الزّبير بن العوّام ركض فرسه من موات البقيع «2» فأجراه ورمى بسوطه رغبة في الزيادة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أعطوه منتهى سوطه» . وذكر أنّ الأبيض بن حمّال استقطعه ملح مأرب فأقطعه، فأخبره الأقرع بن حابس أنه كان في الجاهلية [وهو بأرض ليس فيها غيره من ورده أخذه، وهو مثل الماء العدّ «3» بالأرض، فاستقال الأبيض في قطيعة الملح فقال قد أقلتك على أن تجعله منّي صدقة، فقال النبيّ عليه الصلاة والسلام: هو منك صدقة، وهو مثل الماء العدّ من ورده أخذه] «4» وذكر أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» : أنّ أوّل من أقطع القطائع بالأرضين أمير المؤمنين عثمان بن عفّان رضي الله عنه (ولا وجه له بعد ما تقدّم ذكره) «5» ؛ اللهم إلا أن يريد أن عثمان أوّل من أقطع القطائع بعد الفتح، فإنّ ما أقطعه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كان قبل الفتح كما تقدّم. قال بعد ذلك: ويروى أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: أقطع قطائع فاقتدى عثمان به في

الطرف الثاني (في بيان أول من وضع ديوان الجيش، وكيفية ترتيب منازل الجند فيه، والمساواة والمفاضلة في الإعطاء)

ذلك، وأقطع خبّاب بن الأرتّ وسعد بن أبي وقّاص وسعيد بن زيد والزّبير، وأقطع طلحة أجمة الجرف «1» : وهو موضع النّشاستج «2» ، فكتب إلى سعيد بن العاص وهو بالكوفة أن ينفّذها له. الطرف الثاني (في بيان أوّل من وضع ديوان الجيش، وكيفيّة ترتيب منازل الجند فيه، والمساواة والمفاضلة في الإعطاء) ذكر أبو هلال العسكري في «الأوائل» والماورديّ في «الأحكام السلطانية» أن أوّل من وضع الديوان في الإسلام أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه. قال الماورديّ: واختلف [الناس] «3» في سبب وضعه [له] «4» : فقال قوم: سببه أن أبا هريرة قدم عليه بمال من البحرين، فقال له عمر: ما جئت به؟ قال خمسمائة ألف درهم، فاستكثره عمر، وقال: أتدري ما تقول؟ قال نعم! مائة ألف خمس مرات، فقال عمر: أطيّب هو؟ قال لا أدري. فصعد عمر المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس! قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم كلنا لكم كيلا، وإن شئتم عددنا لكم عدّا، فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين: رأيت الأعاجم يدوّنون ديوانا، فدوّن أنت لنا ديوانا. وذهب آخرون إلى أن سبب وضع الديوان أنّ عمر بعث بعثا وعنده الهرمزان «5» ، فقال لعمر: هذا بعث قد أعطيت أهله الأموال، فإن تخلّف منهم

رجل وأخلّ بمكانه، فمن أين يعلم صاحبك به؟ فأثبت لهم ديوانا، فسأله عن الدّيوان ففسّره له. ويروى أنّ عمر رضي الله عنه استشار المسلمين في تدوين الدواوين، فقال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: تقسم كلّ سنة ما اجتمع إليك من المال، ولا تمسك منه شيئا. وقال عثمان: أرى مالا كثيرا يسع الناس، فإن لم يحصوا حتّى يعلم من أخذ ممن لم يأخذ، خشيت أن ينتشر الأمر- فقال خالد بن الوليد «1» رضي الله عنه: قد كنت بالشام فرأيت ملوكها دوّنوا ديوانا وجنّدوا جنودا، فدوّن ديوانا وجنّد جنودا، فأخذ بقوله ودعا عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم، (وكانوا من شباب «2» قريش) فقال: اكتبوا [الناس] «3» على منازلهم! فبدأوا ببني هاشم فكتبوهم، ثم أتبعوهم أبا بكر وقومه، [ثم عمر وقومه] «4» وكتبوا القبائل ووضعوها على الخلافة، ثم رفعوه إلى عمر، فلما نظر فيه، قال: لا! وما وددت أنه هكذا، ولكن ابدأوا بقرابة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: الأقرب فالأقرب حتّى تضعوا عمر حيث وضعه الله، فشكره العبّاس على ذلك، وقال: وصلتك رحم. وروى زيد بن أسلم عن أبيه «5» : أن بني عديّ جاءوا إلى عمر، فقالوا: إنك خليفة أبي بكر، وأبو بكر خليفة رسول الله، فلو جعلت نفسك حيث جعلك هؤلاء القوم الذين كتبوا؟ فقال: بخ. بخ يا بني عديّ!! إن أردتم إلّا الأكل على ظهري، وأن أذهب «6» حسناتي لكم، لا والله! حتّى تأتيكم الدعوة ولو انطبق «7» عليكم الدفتر. يعني ولو أن تكتبوا آخر الناس. إنّ صاحبيّ سلكا طريقا، فإن خالفتهما خولف بي؛ والله ما أدركنا الفضل في الدنيا والآخرة «8» ، ولا نرجو الثواب

عند الله على عملنا إلا بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم، فهو أشرفنا، وقومه أشرف العرب، ثم الأقرب فالأقرب؛ وو الله لئن جاءت الأعاجم بعمل وجئنا بعمل دونهم، لهم أولى بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم منّا يوم القيامة: فإنّ من قصّر به عمله لم يسرع به نسبه. وروي أنّ عمر رضي الله عنه حين أراد وضع الديوان «1» ، قال: بمن أبدأ؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف: ابدأ بنفسك، فقال عمر: أذكر أنّي حضرت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يبدأ ببني هاشم وبني عبد المطّلب؛ فبدأ بهم عمر، ثم بمن يليهم من قبائل قريش بطنا بعد بطن، حتى استوفى جميع قريش، ثم انتهى إلى الأنصار، فقال عمر: ابدأوا برهط سعد بن معاذ من الأوس «2» ، ثم بالأقرب فالأقرب لسعد. وأما المساواة والمفاضلة في العطاء فقد اختلف فيه: فكان أبو بكر رضي الله عنه يرى التسوية [بينهم] «3» في العطاء [ولا يرى التفضيل بالسابقة] «4» كما حكاه عنه الماورديّ في «الأحكام السلطانية» . قال أبو هلال العسكري في «الأوائل» : وقد روي عن عوانة أنه قال: جاء مال من البحرين إلى أبي بكر رضي الله عنه فساوى فيه بين الناس، فغضبت الأنصار، وقالوا له: فضّلنا، فقال: إن أردتم أن أفضّلكم فقد صار ما عملتموه للدّنيا، وإن شئتم كان ذلك لله، فقالوا: والله ما عملناه إلا لله! وانصرفوا؛ فرقي أبو بكر رضي الله عنه المنبر؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا معشر الأنصار لو شئتم [أن] «5» تقولوا: إنا آويناكم وشاركناكم أموالنا ونصرناكم بأنفسنا لقلتم، وإنّ لكم من الفضل ما لا يحصى له عدد، وإن طال الأمد، فنحن وأنتم كما قال الغنويّ:

جزى الله عنّا جعفرا حين أزلقت «1» ... بنا نعلنا في الواطئين «2» فزلّت أبوا أن يملّونا ولو أنّ أمنّا ... تلاقي الّذي لا قوه «3» منّا لملّت هم أسكنونا في ظلال بيوتهم ... ظلال بيوت أدفأت وأكنّت قال الماورديّ: وإلى ما رأى أبو بكر رضي الله عنه ذهب عليّ رضي الله عنه في خلافته، وبه أخذ الشافعيّ ومالك. وكان عمر رضي الله عنه يرى التفضيل بالسابقة في الدّين، حتّى إنه ناظر أبا بكر رضي الله عنه في ذلك، حين سوّى بين الناس، فقال: أتساوي بين من هاجر الهجرتين وصلّى إلى القبلتين وبين من أسلم عام الفتح خوف السيف؟! - فقال أبو بكر: إنما عملوا لله، وإنما أجورهم على الله، وإنما الدّنيا [دار] «4» بلاغ [للراكب] «5» ، فقال له عمر: لا أجعل [من قاتل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كمن قاتل معه؛ فلما وضع الديوان جرى] «6» على التفضيل بالسابقة؛ ففرض لكلّ رجل شهد بدرا من المهاجرين [الأوّلين] «7» خمسة آلاف درهم كلّ سنة، ولكل من شهد بدرا من الأنصار أربعة آلاف درهم «8» ، ولكلّ رجل هاجر قبل الفتح ثلاثة آلاف درهم، ولكلّ رجل هاجر بعد الفتح ألفين؛ وفرض لغلمان أحداث من أبناء المهاجرين والأنصار أسوة من أسلم بعد الفتح؛ وفرض للناس على منازلهم، وقراءتهم القرآن، وجهادهم بالشام والعراق؛ وفرض لأهل اليمن وقيس: لكل رجل من ألفي درهم إلى ألف درهم، إلى خمسمائة درهم، إلى ثلاثمائة درهم «9» ، ولم ينقص

الطرف الثالث (في بيان من يستحق إثباته في الديوان، وكيفية ترتيبهم فيه)

أحدا عنها، وقال: لئن كثر المال لأفرضنّ لكلّ رجل أربعة آلاف درهم: ألفا لفرسه «1» ، وألفا لسلاحه، وألفا لسفره، وألفا يخلّفها في أهله؛ وفرض للمنفوس» مائة درهم، فإذا ترعرع فرض له مائتين، فإذا بلغ زاده. وكان لا يفرض للمولود شيئا حتّى يفطم، إلى أن سمع ليلة امرأة تكره ولدها على الفطام، وهو يبكي، فسألها عنه- فقالت: إن عمر لا يفرض للمولود حتى يفطم فأنا أكرهه على الفطام حتى يفرض له- فقال يا ويح عمر! كم احتقب «3» من وزر وهو لا يدري؛ ثم أمر مناديا فينادي: ألا لا تعجلوا أولادكم بالفطام، فإنا نفرض لكلّ مولود في الإسلام. قال الماورديّ: ثم روعي في التفضيل عند انقراض أهل السوابق التقدّم في الشجاعة والبلاء في الجهاد. وأما تقدير العطاء فمعتبر بالكفاية حتّى يستغني بها عن التماس مادّة تقطعه عن حماية البيضة. ثم الكفاية معتبرة من ثلاثة أوجه: أحدها عدد من يعوله من الذّراريّ والمماليك- والثاني عدد ما يرتبط من الخيل والظّهر- والثالث: الموضع الذي يحلّه في الغلاء والرّخص فتقدّر [كفايته في] «4» نفقته وكسوته لعامه كلّه. ثم تعتبر حاله في كل عام، فإن زادت نفقاته زيد، وإن نقصت نقص؛ فلو تقدّر رزقه بالكفاية، فمنع الشافعيّ من زيادته على الكفاية وإن اتّسع المال، لأن أموال بيت المال لا توضع إلا في الحقوق اللازمة؛ وأجاز أبو حنيفة زيادته حينئذ. الطرف الثالث (في بيان من يستحق إثباته في الديوان، وكيفية ترتيبهم فيه) فأما من يستحق إثباته في الديوان، ففيه خمسة أمور:

أحدها- البلوغ. فلا يجوز إثبات الصّبيّ في الدّيوان؛ وهو رأي عمر رضي الله عنه، وبه أخذ الشافعيّ رضي الله عنه، بل يكون جاريا في جملة عطاء الذّراريّ. الثاني- الحرّيّة. فلا يثبت في الديوان مملوك، بل يكون تابعا لسيّده داخلا في عطائه، خلافا لأبي حنيفة فإنه جوّز إفراد المملوك بالعطاء؛ وهو رأي أبي بكر رضي الله عنه. الثالث- الإسلام، ليدفع عن الملّة باعتقاده، حتّى لو أثبت فيهم ذمّيّ لم يجز، ولو ارتد منهم مسلم سقط. الرابع- السّلامة من الآفات المانعة من القتال. فلا يجوز أن يكون زمنا «1» ولا أعمى ولا أقطع، ويجوز أن يكون أخرس أو أصمّ. أما الأعرج، فإن كان فارسا جاز إثباته أو راجلا فلا. الخامس- أن يكون فيه إقدام على الحرب ومعرفة بالقتال، فإن ضعفت همّته عن الإقدام، أو قلّت معرفته بالقتال لم يجز إثباته. فإذا وجدت فيه هذه الشروط، اعتبر فيه خلوّه عن عمل وطلبه الإثبات في الديوان؛ فإذا طلب فعلى وليّ الأمر الإجابة إذا دعت الحاجة إليه. ثم إن كان مشهور الاسم فذاك، وإلا حلّي ونعت، بذكر سنّه وقدّه ولونه وصفة وجهه، ووصف بما يتميّز به عن غيره، كي لا تتفق الأسماء، أو يدّعي في وقت العطاء، ثم يضمّ إلى نقيب عليه أو عريف يكون مأخوذا بدركه. وأما ترتيبهم في الديوان فقد جعلهم الماورديّ في «الأحكام السلطانية» على ضربين:

الضرب الأوّل- الترتيب العامّ. وهو ترتيب القبائل والأجناس حتّى تتميّز كلّ قبيلة عن غيرها وكلّ جنس عمن يخالفه، فلا يجمع بين المختلفين، ولا يفرّق بين المؤتلفين: لتكون دعوة الديوان على نسق معروف النسب يزول فيه التنازع والتجاذب. فإن كانوا عربا روعي فيهم القرب من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، كما فعل عمر رضي الله عنه: فتقدّم العرب المستعربة: وهم عدنان من ولد إسماعيل عليه السّلام، على العرب العاربة: وهم بنو قحطان عرب اليمن: لأن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم من عدنان. ثم عدنان تجمع ربيعة ومضر؛ فتقدّم مضر على ربيعة: لأن النّبوّة في مضر، ومضر تجمع قريشا وغير قريش، فتقدّم قريش على غيرهم: لأن النبوّة فيها، فيكون بنو هاشم هم قطب الترتيب، ثم من يليهم من أقرب الأنساب إليهم حتّى يستوعب قريشا، ثم من يليهم في النّسب حتّى يستوعب جميع مضر، ثم من يليهم حتى يستوعب جميع عدنان. وإن كانوا عجما لا يجتمعون على نسب، فالمرجوع إليه في أمرهم: إما أجناس وإما بلاد؛ فالمميّزون بالأجناس كالتّرك والهند؛ ثم تتميز التّرك أجناسا، والهند أجناسا. والمميّزون بالبلاد: كالدّيلم والجبل؛ ثم تميّز الديلم بلدانا، والجبل بلدانا. فإذا تميّزوا بالأجناس أو البلدان: فإن كانت لهم سابقة ترتّبوا عليها في الديوان، وإن لم تكن لهم سابقة ترتّبوا بالقرب من وليّ الأمر؛ فإن تساووا فبالسّبق إلى طاعته. الضرب الثاني- الترتيب الخاصّ: وهو ترتيب الواحد بعد الواحد، فيقدّم فيه بالسابقة بالإسلام كما فعل عمر رضي الله عنه؛ فإن تساووا ترتّبوا بالدّين؛ فإن تقاربوا فيه رتّبوا بالسّن؛ فإن تقاربوا بالسّن رتّبوا بالشّجاعة؛ فإن تقاربوا فيها، كان وليّ الأمر بالخيار بين أن يرتّبهم بالقرعة أو على رأيه واجتهاده.

الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة السابعة (في بيان حكم الإقطاع)

الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة السابعة (في بيان حكم الإقطاع) قال في «الأحكام السلطانية» : وإقطاع السلطان مختصّ بما جاز فيه تصرّفه، ونفذت فيه أوامره، دون ما تعيّن مالكه وتميّز مستحقّه. ثم الإقطاع على ضربين: الضرب الأوّل (إقطاع التّمليك) «1» والأرض المقطعة بالتمليك إمّا موات، وإمّا عامر، وإمّا معدن. فأمّا الموات فإن كان لم يزل مواتا على قديم الزمان، لم تجر فيه عمارة، ولم يثبت عليه ملك، فيجوز للسلطان أن يقطعه من يحييه ويعمره. ثم مذهب أبي حنيفة أنّ إذن الإمام شرط في إحياء الموات؛ وحينئذ فيقوم الإقطاع فيه مقام الإذن. ومذهب الشافعيّ أن الإقطاع يجعله أحقّ بإحيائه من غيره. وعلى كلا المذهبين يكون المقطع أحقّ بإحيائه من غيره. وأما إن كان الموات عامرا فخرب وصار مواتا عاطلا، فإن كان جاهليّا: كأرض عاد وثمود، فهي كالموات الذي لم تثبت فيه عمارة في جواز إقطاعه.

قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «عادت الأرض لله ولرسوله، ثم هي لكم منّي، يعني أرض عاد» . وإن كان الموات إسلاميّا جرى عليه ملك المسلمين، ثم خرب حتّى صار مواتا عاطلا، فمذهب الشافعيّ أنه لا يملك بالإحياء، عرف أربابه أم لم يعرفوا؛ ومذهب مالك أنه يملك بالإحياء، عرف أربابه أم لم يعرفوا؛ ومذهب أبي حنيفة أنه إن عرف أربابه لم يملك بالإحياء، وإلّا ملك. ثم إذا لم يجز أن يملك بالإحياء على مذهب الشافعي، فإن عرف أربابه لم يجز إقطاعه، وإن لم يعرفوا جاز إقطاعه وكان الإقطاع شرطا في جواز إحيائه؛ فإذا صار الموات إقطاعا لمن خصّه الإمام به لم يستقرّ ملكه عليه حتى يحييه ويكمل إحياؤه، فإن أمسك عن إحيائه كان أحقّ به يدا وإن لم يصر له ملكا. وأمّا العامر: فإن تعيّن مالكوه، فلا نظر للسلطان فيه إلا ما تعلّق بتلك الأرض من حقوق بيت المال إذا كانت في دار الإسلام، سواء كانت لمسلم أو ذمّيّ، وإن كانت في دار الحرب التي لم يثبت عليها للمسلمين يد جاز للإمام أن يقطعها ليملكها المقطع عند الظّفر بها، كما أقطع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم تميما وأصحابه أرضا بالشام قبل فتحه، على ما تقدّم ذكره في أوّل الباب. وإن لم يتعيّن مالكوه: فإن كان الإمام قد اصطفاه لبيت المال من فتوح البلاد: إما بحقّ الخمس، أو باستطابة نفوس الغانمين، لم يجز إقطاع رقبته: لأنه قد صار باصطفائه لبيت المال ملكا لكافّة المسلمين، فصار «1» على رقبته حكم الوقف المؤبّد؛ والسلطان فيه بالخيار بين أن يستغلّه لبيت المال وبين أن يتخيّر له من ذوي المكنة والعمل من يقوم بعمارة رقبته، ويأخذ خراجه، ويكون الخراج أجرة عنه تصرف في وجوه المصالح. وإن كان العامر أرض خراج لم يجز إقطاع رقابها تمليكا.

الضرب الثاني (من الإقطاع إقطاع الاستغلال)

وأما إقطاع خراجها فسيأتي في إقطاع الاستغلال فيما بعد، إن شاء الله تعالى. وإن كان الموات قد مات عنه أربابه من غير وارث، صار لبيت المال ملكا لعامّة المسلمين. ثم قيل: تصير وقفا على المسلمين بمجرّد الانتقال إلى بيت المال، لا يجوز إقطاعها ولا بيعها. وقيل: لا تصير وقفا حتّى يقفها الإمام؛ ويجوز للإمام بيعها إذا رأى فيه المصلحة ويصرف ثمنها في ذوي الحاجات. ثم قيل: يجوز إقطاعها كما يجوز بيعها، ويكون تمليك رقبتها بالإقطاع كتمليك ثمنها. وقيل: لا يجوز إقطاعها وإن جاز بيعها: لأن البيع معاوضة والإقطاع صلة. الضرب الثاني (من الإقطاع إقطاع الاستغلال) «1» فأما الخراج: فإن كان من يقطعه الإمام من أهل الصّدقات لم يجز أن يقطع مال الخراج: لأن الخراج فيء لا يستحقّه أهل الصدقة كما لا يستحقّ الصدقة أهل الفيء؛ وأجاز إقطاعه أبو حنيفة. وإن كان من أهل المصالح ممن ليس له رزق مفروض فلا يصحّ أن يقطعه على الإطلاق، وإن جاز أن يعطى من مال الخراج: لأنهم من نفل أهل الفيء لا من فرضه، وما يعطونه إنما هو من غلّات المصالح؛ فإن جعل لهم من مال الخراج شيء أجري عليه حكم الحوالة لا حكم الإقطاع. وإن كان من مرتزقة أهل الفيء وهم أهل الجيش، فهم أخصّ الناس بجواز الأقطاع: لأن لهم أرزاقا مقدّرة تصرف إليهم مصرف الاستحقاق، من حيث إنها أعواض عما أرصدوا نفوسهم له من حماية البيضة والذّبّ عن الحريم.

ثم الخراج: إما جزية وهو الواجب على الجماجم، وإما أجرة وهو الواجب على رقاب الأرض. فإن كان جزية لم يجز إقطاعه أكثر من سنة، لأنه غير موثوق باستحقاقه بعدها لاحتمال أن يسلم الذمّيّ فتزول الجزية عنه. وإن كان أجرة جاز إقطاعه سنين لأنه مستقرّ الوجوب على التأييد. ثم له ثلاث أحوال: إحداها- أن يقدّر بسنين معلومة، كما إذا أقطعه عشر سنين مثلا، فيصحّ، بشرط أن يكون رزق المقطع معلوم القدر عند الإمام، وأن يكون قدر الخراج معلوما عند الإمام وعند المقطع، حتّى لو كان مجهولا عندهما أو عند أحدهما لم يصحّ. ثم بعد صحّة الإقطاع يراعى حال المقطع في مدّة الإقطاع: فإن بقي إلى إنقضاء مدّة الإقطاع على حال السلامة فهو على استحقاق الإقطاع إلى انقضاء المدّة، وإن مات قبل انقضاء المدّة بطل الإقطاع في المدّة الباقية، ويعود الإقطاع إلى بيت المال. وإن كان له ذرّية دخلوا في عطاء الذراريّ دون أرزاق الأجناد، ويكون ما يعطونه تسبّبا لا إقطاعا. وإن حدث بالمقطع زمانة في تلك المدّة ففي بقاء الإقطاع قولان: (أحدهما) أنّ إقطاعه باق عليه إلى انقضاء المدّة (والثاني) أنه يرتجع منه. الثانية- أن يقطعه مدّة حياته ثم لعقبه وورثته بعد موته، فلا يصحّ: لأنه يخرج بذلك عن حقوق بيت المال إلى الأملاك الموروثة، فلو قبض منه شيئا بري أهل الخراج بقبضه: لأنه عقد فاسد مأذون فيه ويحاسب به من جملة رزقه: فإن كان أكثر ردّ الزيادة، وإن كان أقلّ رجع بالباقي؛ وعلى السلطان أن يظهر فساد الإقطاع حتّى يمتنع هو من القبض ويمتنع أهل الخراج من الدّفع ولم يبرأوا بما دفعوه إليه حينئذ. الثالثة- أن يقطعه مدّة حياته. ففي صحّة الإقطاع قولان للشافعي بالصحّة والبطلان؛ ثم إذا صحّ الإقطاع فللسلطان استرجاعه منه بعد السنة التي هو فيها، ويعود رزقه إلى ديوان العطاء. أما السنة التي هو فيها: فإن حلّ رزقه فيها قبل حلول خراجها لم يسترجع منه في سنته لاستحقاق خراجها في رزقه، وإن حل

خراجها قبل حلول رزقه جاز استرجاعه منه: لأنّ تعجيل المؤجّل وإن كان جائزا فليس بلازم. وأما العشر فلا يصحّ إقطاعه، لأنه زكاة الأصناف، فيعتبر وصف استحقاقهم عند دفعها إليهم؛ وقد يجوز أن لا يوجد فلا تجب. قلت: هذا حكم الإقطاع في الشريعة، وعليه كان عمل الخلفاء والملوك في الزمن السالف؛ أما في زماننا فقد فسد الحال وتغيّرت القوانين، وخرجت الأمور عن القواعد الشرعية، وصارت الإقطاعات ترد من جهة الملوك على سائر الأموال: من خراج الأرضين، والجزية، وزكاة المواشي، والمعادن، والعشر، وغير ذلك. ثم تفاحش الأمر وزاد حتّى أقطعوا المكوس على اختلاف أصنافها، وعمّت بذلك البلوى؛ والله المستعان في الأمور كلّها.

الباب الثاني من المقالة السابعة (فيما يكتب في الإقطاعات في القديم والحديث؛ وفيه فصلان)

الباب الثاني من المقالة السابعة (فيما يكتب في الإقطاعات في القديم والحديث؛ وفيه فصلان) الفصل الأوّل في أصل ذلك والأصل فيه ما روي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أقطع تميما الدّاريّ أرضا بالشأم وكتب له بها كتابا. وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق فيه طرقا مختلفة، فروى بسنده إلى زياد بن فائد «1» ، عن أبيه فائد، عن زياد بن أبي هند، عن أبي هند الداريّ أنه قال: قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مكّة ونحن ستّة «2» نفر: تيم بن أوس، ونعيم بن أوس أخوه، ويزيد بن قيس، وأبو هند بن عبد الله، وهو صاحب الحديث، وأخوه الطيّب بن عبد الله [كان اسمه برا] «3» فسماه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عبد الرحمن «4» ، وفاكه بن النعمان، فأسلمنا وسألنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يقطعنا أرضا من أرض الشأم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «سلوا حيث شئتم» . فقال

تميم: أرى أن نسأله بيت المقدس وكورها، فقال أبو هند: [هذا محلّ ملك العجم] «1» وكذلك يكون فيها ملك العرب وأخاف أن لا يتمّ لنا هذا، فقال تميم: فنسأله بيت جبرين وكورتها، فقال أبو هند: هذا أكبر وأكبر. فقال: فأين ترى أن نسأله؟ فقال: أرى أن نسأله القرى التي تقع فيها تلّ مع آثار إبراهيم، فقال تميم: أصبت ووفّقت- قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لتميم: «أتحبّ أن تخبرني بما كنتم فيه أو أخبرك؟» - فقال تميم: بل تخبرنا يا رسول الله نزداد إيمانا- فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أردتم أمرا فأراد هذا غيره» ونعم الرأي رأى- قال: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بقطعة جلد من أدم، فكتب لنا فيها كتابا نسخته: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* «هذا [كتاب] «2» ذكر [فيه] «3» ما وهب محمد رسول الله للدّارييّن؛ إذا أعطاه الله الأرض، وهب لهم بيت عينون وحبرون «4» [والمرطوم] «5» وبيت إبراهيم بمن فيهنّ لهم أبدا «6» «شهد عبّاس بن عبد المطّلب، وجهم «7» بن قيس، وشرحبيل بن حسنة، وكتب» . قال: ثم دخل بالكتاب إلى منزله [فعالج] «8» في زاوية الرّقعة وغشّاه بشيء لا يعرف، وعقده من خارج الرّقعة بسير عقدتين، وخرج إلينا به مطويّا وهو يقول: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ

وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ «1» ثم قال: انصرفوا حتّى تسمعوا بي قد هاجرت. قال أبو هند: فانصرفنا. فلما هاجر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة، قدمنا عليه فسألناه أن يجدّد لنا كتابا، فكتب لنا كتابا نسخته: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» * «هذا ما أنطى «2» محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لتميم الدّاريّ وأصحابه، إنّي أنطيتكم عينون وحبرون والرطوم وبيت إبراهيم برمّتهم وجميع ما فيهم نطيّة «3» بتّ، ونفّذت وسلّمت ذلك لهم ولأعقابهم من بعدهم أبد الأبد؛ فمن آذاهم فيها آذاه الله» . «شهد أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطّاب، وعثمان بن عفّان، وعليّ بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وكتب» «4» فلما قبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وولي أبو بكر وجّه الجنود إلى الشام، فكتب لنا كتابا نسخته: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» * «من أبي بكر الصدّيق إلى عبيدة بن الجرّاح «5» ؛ سلام عليك، فإنّي أحمد إليك الله الّذي لا إله إلّا هو» . «أما بعد: امنع من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من الفساد في قرى

الدّارييّن؛ وإن كان أهلها قد جلوا عنها وأراد الدّاريّون أن يزرعوها «1» فليزرعوها، فإذا رجع أهلها إليها فهي لهم وأحقّ بهم والسلام عليك» . وروى بسنده أيضا إلى الزّهريّ وثور بن يزيد عن راشد بن سعد، قالا: قام تميم الداريّ وهو تميم بن أوس، رجل من لخم، فقال يا رسول الله، إنّ لي جيرة من الرّوم بفلسطين لهم قرية يقال لها حبرى، وأخرى يقال لها بيت عينون: فإن فتح الله عليك الشأم فهبهما لي، قال: هما لك، قال: فاكتب لي بذلك، فكتب له: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» * «هذا كتاب من محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لتميم بن أوس الداريّ؛ إنّ له قرية حبرى «2» وبيت عينون، قريتها «3» كلّها، سهلها وجبلها، وماءها وحرّتها، وأنباطها وبقرها، ولعقبه من بعده، لا يحاقّه فيها أحد، ولا يلجه عليهم أحد بظلم. فمن ظلمهم أو أخذ من أحد منهم شيئا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» وكتب عليّ. فلما ولي أبو بكر، كتب لهم كتابا نسخته: «هذا كتاب من أبي بكر، أمين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي استخلف في الأرض بعده، كتبه للدّارييّن: أن لا تفسد عليهم مأثرتهم «4» قرية حبرى وبيت عينون، فمن كان يسمع ويطيع فلا يفسد منها شيئا، وليقم عمرو بن العاص «5» عليهما فليمنعهما من المفسدين» .

وروى ابن مندة بسنده إلى عمرو بن حزم رضي الله عنه أنه قال: أقطع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم تميما الداريّ، وكتب: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» * «هذا كتاب من محمد رسول الله لتميم بن أوس الداريّ: إنّ له صهيون «1» قريتها كلّها، سهلها وجبلها، وماءها وكرومها، وأنباطها وورقها، ولعقبه من بعده، لا يحاقّه فيها أحد، ولا يدخل عليه بظلم؛ فمن أراد ظلمهم أو أخذه منهم فإنّ عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» . قلت: وهذه الرّقعة التي كتب بها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم موجودة بأيدي التميميّين خدّام «2» حرم الخليل عليه السّلام إلى الآن؛ وكلّما نازعهم أحد أتوا بها إلى السلطان بالديار المصريّة ليقف عليها ويكفّ عنهم من يظلمهم. وقد أخبرني برؤيتها غير واحد؛ والأديم التي هي فيه قد خلق لطول الأمد.

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة السابعة

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة السابعة (في صورة ما يكتب في الإقطاعات؛ وفيه طرفان) الطرف الأوّل (فيما كان يكتب من ذلك في الزّمن القديم) وكانت الإقطاعات في الزّمن الأوّل قليلة؛ إنّما كانت تجبى الأموال إلى بيت المال ثم ينفق منه على الجند على ما تقدّم ذكره، وربّما أقطعوا القرية ونحوها وقرّروا على مقطعها شيئا يقوم به لبيت المال في كل سنة؛ ويسمّون ذلك المقاطعة. ثم ما كان يكتب في ذلك على ضربين، كلاهما مفتتح بلفظ «هذا» : الضرب الأوّل (ما كان يكتب عن الخلفاء؛ ولهم فيه طريقتان) الطريقة الأولى (طريقة كتّاب الخلفاء العبّاسيّين ببغداد) وكان طريقهم فيها أن يكتب «هذا كتاب من فلان (بلقب الخليفة) إنك ذكرت من أمر ضيعتك الفلانية كذا وكذا، وسألت أمير المؤمنين في كذا وكذا، وقد أجابك أمير المؤمنين إلى سؤالك في ذلك ونحوه» . وهذه نسخة مقاطعة كتب بها عن المطيع لله الخليفة العبّاسي، من إنشاء أبي إسحاق الصابي «1» ؛ وهي:

هذا كتاب من عبد الله الفضل، الإمام، المطيع لله، أمير المؤمنين، لفلان بن فلان. إنّك رفعت قصّتك تذكر حال ضيعتك المعروفة بكذا وكذا، من رستاق كذا وكذا، من طسّوج كذا وكذا، وأنها أرض رقيقة قد توالى «1» عليها الخراب، وانغلق أكثرها بالسّدّ والدّغل، وأنّ مثلها لا [تتّسع يد الليالي للإنفاق عليه، وقلب بالانبله «2» واستخراج سدوده وقفل أرضه، ولا] يرغب الأكرة «3» في ازدراعه والمعاملة فيه. وإن أمير المؤمنين مقاطعك عن هذه الضّيعة على كذا وكذا من الورق المرسل في كلّ سنة، على استقبال سنة كذا وكذا الخراجيّة، مقاطعة مؤبّدة، ماضية مقرّرة نافذة، يستخرج مالها في أوّل المحرّم من كلّ سنة، ولا تتبع بنقض ولا يتأوّل فيها متأوّل، ولا تعترض في مستأنف الأيّام، [ما] «4» اجتهدت في عمارتها، وتكلّفت الإنفاق عليها واستخراج سدودها، وقفل «5» أراضيها واحتفار سواقيها، واجتلاب الأكرة إليها، وإطلاق البذور والتقاوى فيها، وإرغاب المزارعين بتخفيف طسوقها بحق الرقبة ومقاسماتها، وكان في ذلك توفير لحقّ بيت المال وصلاح ظاهر لا يختلّ. وسألت أمير المؤمنين الأمر بذلك والتّقدّم به والإسجال لك به، وإثباته في ديوان السّواد ودواوين الحضرة وديوان الناحية، وتصييره ماضيا لك ولعقبك وأعقابهم، ومن لعلّ هذه الضّيعة أو شيئا منها ينتقل إليه ببيع أو ميراث أو صدقة أو غير ذلك من ضروب الانتقال. وإنّ أمير المؤمنين بإيثاره الصّلاح «6» ، واعتماده أسبابه، ورغبته فيما عاد

بالتوفير على بيت المال، والعمارة والتّرفيه للرّعية، أمرنا بالنظر فيما ذكرته، واستقصاء البحث عنه، ومعرفة وجه التدبير، وسبيل الحظّ فيه، والعمل بما يوافق الرّشد في جميعه، فرجع إلى الدّيوان في تعرّف ما حكيته من أحوال هذه الضّيعة، فأنفذ منه رجل مختار ثقة مأمون، من أهل الخبرة بأمور السّواد وأعمال الخراج: قد عرف أمير المؤمنين أمانته وعلمه ومعرفته، وأمر بالمصير إلى هذه الناحية، وجمع أهلها: من الأدلّاء والأكرة والمزارعين، وثقات الأمناء والمجاورين، والوقوف على هذه الأقرحة، وإيقاع المساحة عليها، وكشف أحوال عامرها وغامرها، والمسير على حدودها، وأخذ أقوالهم وآرائهم في وجه صلاح وعمارة قراح منها، وما يوجبه صواب التدبير فيما التمسته من المقاطعة بالمبلغ الذي بذلته. وذكرت أنه زائد على الارتفاع، والكتاب بجميع ذلك إلى الديوان، ليوقف عليه وينهى إلى أمير المؤمنين فينظر فيه: فما صحّ عنده منه أمضاه، وما رأى الاستظهار على نظر الناظر فيه استظهر فيما يرى منه، حتّى يقف على حقيقته، ويرسم [بما] «1» يعمل عليه. فذكر ذلك الناظر أنه وقف على هذه الضّيعة، وعلى سائر أقرحتها وحدودها ونطاقها، بمشهد من أهل الخبرة بأحوالها: من ثقات الأدلّاء والمجاورين، والأكرة والمزارعين، والأمناء الذين يرجع إلى أقوالهم، ويعمل عليها، فوجد مساحة بطون الأقرحة «2» المزدرعة من جميعها، دون سواقيها وبرورها وتلالها وجنائبها ومستنقعاتها، وما لا يعتمد من أرضها، بالجريب «3» الهاشميّ الذي تمسح به الأرض في هذه الناحية كذا وكذا جريبا: منها جميع القراح المعروف بكذا وكذا، ومنها قراح كذا وكذا، ومنها الحصن والبيوت، والساحات، والقراحات، والخزّانات، ووجد حالها في الخراب والانسداد،

وتعذّر «1» العمارة، والحاجة إلى عظيم المؤونة وفرط النّفقة «2» ، على ما حكيته وشكوته، ونظر في مقدار أصل هذه الخزّانات من هذه الضّيعة، وما يجب عليها، وكشف «3» الحال في ذلك. ونظر أمير المؤمنين فيما رفعه هذا المؤتمن المنفذ من الديوان، واستظهر فيه بما رآه من الاستظهار، ووجب عنده من الاحتياط، فوجد ما رفعه صحيحا صحّة عرفها أمير المؤمنين وعلمها، وقامت في نفسه، وثبتت عنده، ورأى إيقاع المقاطعة التي التمستها على حقّ بيت المال في هذه الضّيعة، فقاطعك عنه في كلّ سنة هلاليّة، على استقبال سنة كذا وكذا الخراجية، على كذا وكذا: درهما صحاحا مرسلة بغير كسر ولا كعائه «4» (؟) ولا حقّ حرب ولا جهبذة «5» ولا محاسبة ولا زيادة، ولا شيء من جميع المؤن وسابق التواقيع «6» والرّسوم، تؤدّى في أوّل المحرّم من كلّ سنة، حسب ما تؤدّى المقاطعة، مقاطعة ماضية مؤبّدة، نافذة ثابتة، على مضيّ الأيام، ولزوم «7» الأعوام، لا تنقض ولا تفسخ، ولا تتبع، ولا يتأوّل فيها، ولا تغيّر «8» على أن يكون هذا المال: وهو من الورق المرسل كذا وكذا في كل سنة مؤدّى في بيت المال، ومصحّحا عند من تورد عليه في هذه الناحية أموال خراجهم ومقاطعاتهم وجباياتهم، لا يعتلّ فيها بآفة تلحق الغلّات، سماويّة ولا أرضيّة، ولا بتعطّل أرض، ولا بقصور عمارة، ولا نقصان ريع، ولا بانحطاط سعر، ولا بتأخّر قطر، ولا بشرب غلّة «9» ، ولا حرق

ولا شرق «1» ، ولا بغير ذلك من الآفات بوجه من الوجوه، ولا بسبب من الأسباب؛ ولا يحتجّ في ذلك بحجّة يحتجّ بها [التّناء] «2» ، والمزارعون، وأرباب الخراج في الالتواء بما عليهم، وعلى أن لا يدخل عليك في هذه المقاطعة يد ماسح ولا مخمّن، ولا حازر، ولا مقدّم، ولا أمين، ولا حاظر، ولا ناظر، ولا متتبّع، ولا متعرّف لحال زراعة وعمارة، ولا كاشف لأمر زرع وغلّة، ماضيا ذلك لك ولعقبك من بعدك، وأعقابهم، وورثتك وورثتهم «3» ، أبدا ما تناسلوا، ولمن عسى أن تنتقل هذه الأقرحة أو شيء منها إليه بإرث، أو بيع، أو هبة، أو نحل، أو صدقة، أو وقف، أو مناقلة، أو إجارة، أو مهايأة «4» ، أو تمليك، أو إقرار، أو بغير ذلك من الأسباب التي تنتقل بها الأملاك من يد إلى يد، ولا ينقض ذلك ولا شيء منه، ولا يغيّر ولا يفسخ، ولا يزال ولا يبدّل، ولا يعقّب، ولا يعترض فيه بسبب زيادة عمارة، ولا ارتفاع سعر ولا وفور غلّة، ولا زكاء ريع، ولا إحياء موات، ولا اعتمال «5» معطّل، ولا عمارة خراب، ولا استخراج غامر، ولا صلاح شرب «6» ، ولا استحداث غلّات لم يجر الرسم باستحداثها وزراعتها، ولا يعدّ ولا يمسح ما عسى أن يغرس بهذه الأقرحة: من النّخل وأصناف الشّجر المعدود والكرم، ولا يتأوّل عليك فيما لعلّ أصل المساحة أن تزيد به فيما تعمّره وتستخرجه من الجبابين «7» والمستنقعات، ومواضع المشارب المستغنى عنها، إذ كان أمير المؤمنين قد عرف جميع ذلك، وجعل ما يجب على شيء منه عند وجوبه داخلا في هذه المقاطعة، وجاريا معها.

على أنّك إن فصّلت شيئا من مال هذه المقاطعة على بعض هذه الأقرحة من جميع الضّيعة، وأفردت باقي مال المقاطعة بباقيها عند ملك ينتقل منها عن بدل، أو فعل ذلك غيرك ممّن جعل له في هذه المقاطعة ما جعل لك من ورثتك وورثتهم، وعقبك وأعقابهم، ومن لعلّ هذه الضّيعة أو شيئا من هذه الأقرحة ينتقل إليه بضرب من ضروب الانتقال، قبل ذلك التفصيل منكم عند الرّضا والاعتراف ممّن تفصلون باسمه، وتحيلون عليه، وعوملتم على ذلك، ولم يتأوّل عليكم في شيء منه. وعلى أنك إن التمست أو التمس من يقوم مقامك ضرب منار على هذه الضيعة، تعرف به حدودها ورسومها وطرقها، ضرب ذلك المنار أيّ وقت التمسوه، ولم يمنعوا منه؛ وإن تأخّر ضرب المنار لم يتأوّل عليكم به، ولم يجعل علّة في هذه المقاطعة، إذ كانت شهرة هذه الضيعة وأقرحتها في أماكنها، ومعرفة مجاورها بما ذكر من تسميتها ومساحتها، تغني عن تحديدها أو تحديد شيء منها، وتقوم مقام المنار في إيضاح معالمها، والدّلالة على حدودها وحقوقها ورسومها. وقد سوّغك يا فلان بن فلان أمير المؤمنين وعقبك من بعدك وأعقابهم، وورثتك وورثتهم أبدا ما تناسلوا، ومن تنتقل هذه الأقرحة أو شيء منها إليه- جميع الفصل بين ما كان يلزم هذه الضّيعة وأقرحتها من حقّ بيت المال وتوابعه، على الوضيعة التامة، وعلى الشروط القديمة، وبين ما يلزمها على هذه المقاطعة، وجعل ذلك خارجا عن حاصل طسّوج «1» كذا وكذا، وعما يرفعه المؤتمنون، ويوافق عليه المتضمّنون، على غابر الدهر ومرّ السنين، وتعاقب الأيّام والشهور. فلا تقبل في ذلك سعاية ساع، ولا قدح قادح، ولا قرف قارف، ولا إغراء مغر، ولا قول معنّف، ولا يرجع عليك فيما سوّغته ونظر لك به في حال من

الأحوال، ولا يرجع في التقريرات، ولا تنقض بالمعاملات وردّها إلى قوام أصولها، ولا ضرب من ضروب الحجج والتأويلات، التي يتكلم عليها أهل العدل على سبيل الحكم والنظر، وأهل الجور على سبيل العدوان والظّلم، ولا تكلّف يا فلان بن فلان، ولا عقبك من بعدك، ولا ورثتك، ولا أعقابهم، ولا أحد ممن تخرج هذه الضّيعة أو هذه الأقرحة أو شيء منها إليه، على الوجوه والأسباب كلّها- إخراج توقيع، ولا كتاب مجدّد، ولا منشور بانفاذ شيء من ذلك، ولا إحضار سجلّ به، ولا إقامة حجّة فيه في وقت من الأوقات. وعلى أن لا يلزمك ولا أحدا ممن يقوم مقامك في هذا المقاطعة مؤونة، ولا كلفة، ولا ضريبة، ولا زيادة، ولا تقسيط كراء منه، ولا مصلحة، ولا عامل بريد، ولا نفقة، ولا مؤونة جماعة، ولا خفارة، ولا غير ذلك. ولا يلزم بوجه من الوجوه في هذه المقاطعة زيادة على المبلغ المذكور المؤدّى في بيت المال في كلّ سنة خراجية، وهو من الورق على المرسل كذا وكذا، ولا تمنع من روز جهبذ «1» أو حجّة كاتب أو عامل بما لهذه المقاطعة إذا أدّيته أو أدّيت شيئا منه أوّلا أوّلا، حتّى يتكّمل الأداء، وتحصل في يدك البراءة في كلّ سنة بالوفاء بجميع المال بهذه المقاطعة. وعلى أن تعاونوا على أحوال العمارة، وصلاح الشّرب، وتوفّر عليكم الضّيافة والحماية، والذّبّ والرّعاية. ولا يتعقّب ما أمر به أمير المؤمنين أحد من ولاة العهود والأمراء والوزراء وأصحاب الدواوين، والكتّاب والعمّال والمشرفين، والضّمناء والمؤتمنين، وأصحاب الخراج والمعاون «2» ، وجميع طبقات المعاملين، وسائر صنوف

المتصرّفين- يبطله أو يزيله عن جهته، أو ينقضه، أو يفسخه، أو يغيّره، أو يبدّله، أو يوجب عليك أو على عقبك من بعدك وأعقابهم وورثتهم أبدا ما تناسلوا، ومن تخرج هذه الضيعة أو شيء منها [إليه] «1» حجة على سائر طرق التأويلات؛ ولا يلزمك شيئا فيه، ولا يكلّفكم عوضا عن إمضائه، ولا ينظر في ذلك أحد منهم نظر تتبّع ولا كشف، ولا بحث، ولا فحص. فإن خالف أحد منهم ما أمر به أمير المؤمنين، أو تعرّض لكشف هذه المقاطعة أو مساحتها أو تخمينها، أو اعتبارها والزيادة في مبلغ مالها، أو ثبت في الدّواوين في وقت من الأوقات شيء يخالف ما رسمه أمير المؤمنين فيها: إما على طريق السّهو والغلط، أو العدوان والظّلم والعناد والقصد، فذلك كلّه مردود، وباطل، ومنفسخ، وغير جائز، ولا سائغ، ولا قادح في صحّة هذه المقاطعة وثبوتها ووجوبها، ولا معطّل لها، ولا مانع من تلافي السّهو واستدراك الغلط في ذلك، ولا مغيّر لشيء من شرائط هذه المقاطعة، ولا حجّة تقوم عليك يا فلان بن فلان، ولا على من يقوم في هذه المقاطعة بشيء من ذلك: إذ كان ما أمر به أمير المؤمنين من ذلك على وجه من وجوه الصلاح، وسبيل من سبله رآهما وأمضاهما، وقطع بهما كلّ اعتراض ودعوى، واحتجاج وقذف، وأزال معهما كلّ بحث وفحص، وتبعة وعلاقة؛ وإن كان من الشرائط فيما سلف من السنين وخلا من الأزمان ما هو أوكد وأتمّ وأحكم وأحوط لك، ولعقبك وورثتك، وأعقابهم وورثتهم، ومن تنتقل هذه الأقرحة أو شيء منها إليه «2» مما شرط في هذا الكتاب بحال، أوجبها لك الاحتياط على اختلاف مذاهب الفقهاء والكتّاب وغيرهم مما للخلفاء أن يفعلوه وتنفّذ فيه أمورهم، وحملت وحملوا عليه، وهو مضاف إلى شروط هذا الكتاب التي قد أتى عليها الذّكر، ودخلت تحت الحصر، ولم يكلّف أحد منكم إخراج أمر به.

وإن التمست [أنت] «1» أو أحد من ورثتك وأعقابك، ومن عسى أن تنتقل هذه الضّيعة والأقرحة أو شيء منها إليه في وقت من الأوقات تجديد كتاب بذلك، ومكاتبة عامل أو مشرف، أو إخراج توقيع ومنشور إلى الديوان بمثل ما تضمّنه هذا الكتاب، أجبتم إليه ولم تمنعوا منه. وأمر أمير المؤمنين بإثبات هذا الكتاب في الدّواوين، وإقراره في يدك، حجّة لك ولعقبك من بعدك وأعقابهم، وورثتك وورثتهم، ووثيقة في أيديكم، وفي يد من عسى أن تنتقل هذه الضيعة أو الأقرحة أو شيء منها إليه، بضرب من ضروب الانتقال التي ذكرت في هذا الكتاب والتي لم تذكر فيه، وأن لا تكلّفوا إيراد [حجة] » من بعده، ولا يتأوّل عليكم متأوّل فيه. فمن وقف على هذا الكتاب وقرأه أو قريء عليه: من جميع الأمراء، وولاة العهود والوزراء، والعمّال، والمشرفين، والمتصرّفين، والناظرين «3» في أمور الخراج، وأصحاب السيوف على اختلاف طبقاتهم، وتباين منازلهم وأعمالهم، فليمتثل ما أمر به أمير المؤمنين ولينفّذ لفلان بن فلان وورثته وورثتهم، وعقبه وأعقابهم، ولمن تنتقل هذه الأقرحة أو شيء منها إليه- هذه المقاطعة، من غير مراجعة فيها، ولا استثمار عليها، ولا تكليف [له] «4» ولا لأحد ممن يقوم بأمرها إيراد حجّة بعد هذا الكتاب بها. وليعمل بمثل ذلك من وقف على نسخة من نسخ هذا الكتاب في ديوان من دواوين الحضرة، وأعمالها أو الناحية، وليقرّ في يد فلان بن فلان أو يد من يورده ويحتجّ به ممن يقوم مقامه، إن شاء الله تعالى.

الطريقة الثانية (ما كان يكتب في الإقطاعات عن الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية)

الطريقة الثانية (ما كان يكتب في الإقطاعات عن الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية) وهو على نحو مما كان يكتب عن خلفاء بني العبّاس. قال في «موادّ البيان» : والرسم فيها أن يكتب: أمير المؤمنين بما وهبه الله تعالى: من شرف الأعراق، وكرم الأخلاق، ومنحه من علوّ الشان، وارتفاع السّلطان، يقتدي بإذن الله سبحانه في إفاضة إنعامه وبرّه، على الناهضين بحقوق شكره، ويوقع أياديه عند من يقوم بحقّها، ويتألّفها بحمدها وشكرها، ولا ينفّرها ويوحشها بكفرها وجحدها، ويتحرّى بعوارفه المغارس التي تنجب شجرتها، وتحلولي ثمرتها؛ والله تعالى نسأله أن يوفّقه في مقاصده، ويريه مخايل الخير في مصادره وموارده، ويعينه على إحسان يفيضه ويسبغه، وامتنان يضفيه ويفرغه. ولما كان فلان بن فلان ممن غرس أمير المؤمنين [إحسانه] «1» لديه فأثمر، وأولاه طوله فشكر، ورآه مستقلّا بالصّنيعة، حافظا للوديعة، مقابلا العارفة بالإخلاص في الطاعة، مستدرّا بالانقياد والتّباعة، أخلاف الفضل والنّعمة (ويوصف الرجل المقطع بما تقتضيه منزلته) ثم يقال: رأى أمير المؤمنين مضاعفة أياديه لديه، ومواصلة إنعامه إليه، وإجابة سؤاله، وإنالته أقاصي آماله، وتنويله ما نحت إليه أمانته، وطمحت نحوه راحته، وإسعافه بما رغب فيه من إقطاعه الناحية الفلانية، أو الدار أو الأرض، أو تسويغه ما يجب عليه من خراج ملكه، وما يجري هذا المجرى. ثم يقال: ثقة بأنّ الإحسان مغروس منه في أكرم مغرس وأزكاه، وأحقّ منزل بالتنويل وأولاه، وخرج أمره بإنشاء هذا المنشور بأنه قد أقطعه الناحية الفلانية، لاستقبال سنة كذا بحقوقها وحدودها، وأرضها العامرة ووجوه جباياتها، (وينص على كلّ حق من حقوقها، وحدّ من

حدودها) فإذا استوفى القول عليه، قال: إنعاما عليه، وبسطا لأمله، وإبانة عن خطره. فليعلم ذلك كافّة الولاة والنّظّار والمستخدمين من أمير المؤمنين ورسمه، ليعلموا عليه وبحسبه، وليحذروا من تجاوزه وتعدّيه، وليقرّ بيده بعد العمل بما نصّ فيه، إن شاء الله تعالى. قلت: والتحقيق أنّ لهم في ذلك أساليب: منها ما يفتتح بلفظ «هذا» والمعروف أنه كان يسمّى ما يكتب في الإقطاعات عندهم سجلّات كالذي يكتب في الولايات. وهذه نسخة منشور من مناشيرهم، من إنشاء القاضي الفاضل لولد من أولاد الخليفة اسمه حسن ولقبه حسام الدين، مفتتح بلفظ «هذا» ، وهي: هذا كتاب من أمير المؤمنين لولده الذي جلّ قدرا أن يسامى، وقرّ في ناظر الإيمان نورا وسلّته يد الله حساما، وحسن به الزمان فكان وجوده في عطفه حلية والغرّة ابتساما، وأضاءت وجوه السعادة لمنحها «1» بكريم اسمه إتّساما، وتهيّأت الأقدار لأن تجري على نقش خاتم إرادته امتثالا وارتساما- الأمير فلان، جريا على عادة أمير المؤمنين التي أوضح الله فيها إشراق العوائد، واتّباعا لسنّة آبائه التي هي سنن المكارم والمراشد، وارتفادا مع ارتياح [إلى موارد] «2» كرمه التي هي موارد لا يحلّأ «3» عنها وارد، واختصاصا بفضله لمن كفاه من الشّرف أنّه له والد، وعموما بما يسوقه الله على يده من أرزاق العباد، وإنعاما جعل نجله طريقه إلى أن يفيض على كلّ حاضر وباد.

وأمير المؤمنين بحر ينتشيء من آله السّحاب المنزّل، ويمدّهم جوادّ العطاء الأجزل- أمر بكتبه لما عرضت لمقامه رقعة بكذا وكذا، وخرج أمر أمير المؤمنين إلى وليّه وناصره، وأمينه على ما استأمنه الله عليه وموازره، السيد الأجلّ الذي لم تزل آراؤه ضوامن للمصالح كوافل، وشهب تدبيره من سماء التوفيق غير غاربة ولا أوافل، وخدمه لأمير المؤمنين لا تقف عند الفرائض حتّى تتخطّى إلى النّوافل، وجاد فأخلاف النّعم به حوافل، وأقبل فأحزاب الخلاف به جوافل، وأيقظ عيونا من التدبير على الأيّام لا تدّعي الأيّام أنها غوافل- بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بإقطاع ناحية كذا بحدّها، والمعتاد من وصفها المعاد، وما يدلّ عليه الديوان من عبرتها «1» ، ويتحصّل له من عينها وغلّتها، إلى الديوان الفلانيّ: إقطاعا لا ينقطع حكمه، وإحسانا لا يعفو رسمه، وتسويغا لا يطيش سهمه، وتكميلا لا يمحى وسمه، وتخويلا لا يثنى عزمه، يتصرّف فيه هذا الديوان ويستبدّ به مالكا، ويفاوض فيه مشاركا، ويزرعه متعمّلا ومضمّنا، ويستثمره عادلا في أهله محسنا، لا تتعقّبه الدواوين بتأوّل ما، ولا الأحوال بتحوّل ما، ولا الأيّام بتقلّبها، ولا الأغراض بتعقّبها، ولا اختلاف الأيدي بتنقّلها، ولا تعترضه الأحكام بتأوّلها. وقد أوجب أمير المؤمنين على كلّ وال أن يتحامى هذه الناحية بضرره، ويقصدها بجميل أثره، ويحيطها بحسن نظره، ويتّقي فيها ركوب عواقب غرره، ويجتنب فيها مطالب ورده وصدره، ونزول مستقرّه، ولا يمكّن منها مستخدما، ولا يكلّف أهلها مغرما، ويجريها مجرى ما هو من الباطل حمى، ما لم يقل فيها بميل، أو يخف من سبلها سبيل؛ وله أن يتطلّب الجاني بعينه، ويقتضيه بأداء ما استوجب من دينه، وأخذه مسوقا بجرائم ذنبه إلى موقف حينه؛ فمن قرأه فليعمل به.

وهذه نسخة سجلّ بإقطاع، عن العاضد آخر خلفاء الفاطميين أيضا لبعض أمراء الدولة، من إنشاء القاضي الفاضل أيضا؛ وهي: أمير المؤمنين- وإن عمّ جوده كما عمّ فضل وجوده، وسار كثير إحسانه وبرّه في سهول المعمور ونجوده، ورحم الله الخلق بما استأثره دون الخلائق من قربه في سجوده- فإنه يخص بني القربى من جدّه، والضاربين معه في أنصباء مجده: من سلالته الزكيّة، وطينته المسكيّة، وأعراقه الشريفة، وأنسابه المنيفة؛ فكل غرّاء لا تخفى أوضاحها، إلا إذا فاضت أنوارهم، وكل عذراء لا يعهد إسماحها «1» ، إلا إذا راضت أخطارهم. ولمّا عرضت بحضرته ورقة من ولده الأمير فلان الذي أقرّ الله به عين الإسلام، وأنجز به دين الأيّام، وأطلعه بدرا في سماء الحسب، وجلا بأنواره ظلام النّوب، وامتاح «2» من منبع النبوّة وارتوى، واستولى على خصائص الفضل الجليّ واحتوى، وأعدّ الله لسعد الأمّة ذا مرّة «3» شديد القوى، وأدنى الاستحقاق من الغايات حتّى تأهّب لأن يكون بالواد المقدّس طوى، وأضحت كافّة المؤمنين مؤمّنين على مكارمه، وأمست كافّة الخائفين خائفين من سيل أنفسهم على صوارمه؛ وآراؤه أعلى أن يضاهيها [رأي] «4» وإن جلّ خطره، وأعطيته أرقى أن يدانيها عطاء وإن حسن في الأحوال أثره؛ وإن جلّ خطره؛ وأعطيته أرقى أن يدانيها عطاء وإن حسن في الأحوال أثره؛ وإنما ينبع بملكه منها ما راق بعين اختياره وإيثاره، وسعد بالانتظام في سلك جوده الذي يعرّضه أبدا لانتثاره؛ وتضمّنت هذه الرّقعة الرغبة في كذا وكذا، وذكر الديوان كذا. خرج أمر أمير المؤمنين إلى فتاه وناصره، ووزيره ومظاهره، السيد الأجلّ الذي انتصر الله به لأمير المؤمنين من أعدائه، وحسم بحسامه ما أعضل من

عارض الخطب ودائه، ونطقت بفضله ألسن حسّاده فضلا عن ألسنة أودّائه، وسخت الملوك بأنفسها أن تكون فداء له إذا حوّزها المجد في فدائه، الذي ذخره الله لأمير المؤمنين من آدم ذخيرة، وجمع له في طاعته بين إيقاظ البصيرة وإخلاص السّريرة، وفضّلت أيامه على أيّام أوليائه بما حلّاها من جميل الأحدوثة وحسن السّيرة، وسهّل عليه التّقوّي في المنافع والعكوف على المصالح، وأجنى من أقلامه ورماحه ثمرات النّصائح، وفاز بما حاز من ذخائر العمل الصالح بالمتجر الرّابح، وألهمه من حراسة قانون الملك ما قضى بحفظ نظامه، ولم ينصرف له عزم إلا إلى ما صرف إليه رضا ربّه ورضا إمامه. ونفذت أوامره بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السّجل إلى الديوان الفلانيّ بإقطاعه الناحية وما معها منسوبا إليها وداخلا فيها لاستقبال [سنة] كذا، منحة سائغة، لا يعترضها التكدير، ونعمة سابغة، لا ينقضها التّغيير، وحباء موصول الأسباب، وعطاء بغير منّ ولا حساب، يتحكّم فيه على قضايا الاختيار، وتنفذ فيه أوامره الميمونة الإيراد والإصدار. ومنها- أن يفتتح السّجلّ بلفظ: «إنّ أمير المؤمنين» ويذكر من وصفه ما سنح له، ثم يذكر حكم الإقطاع، وكيفية خروجه. وهذه نسخة سجلّ من ذلك كتب به لبعض وزرائهم، من إنشاء القاضي الفاضل؛ وهي: إنّ أمير المؤمنين لما أطلق الله يد برّه من أميال تبدو على الأحوال شواهد آثارها، وتروض الآمال سحائبها بسائب مدرارها، وتتنزّه مواعدها عن إنظارها، ومواردها عن أن يؤتى بأنظارها، ويقوم بناصرها فيكون أقوى أعوانها على الشكر وأنصارها، وألهمه من مواصلة المنن التي لا تنقطع روايتها ولا تتناهى مراتبها، وموالاة المنح التي تهبّ على جناب الخير شمائلها وجنائبها، وتلتقي في مسارح المدائح غرائبها ورغائبها، وحبّبه إليه من انتهاز فرص المكارم في الأكارم، وابتداء المعروف وابتدار مغانمه التي لا تعقبها مغارم- يولي آلاءه من يجزي عن

حسنتها عشرا، ويعقل عقائلها عند من يسوق إليها من استحقاقها مهرا، ويقابل بالإحسان إحسان أجلّ أوليائه قدرا، ويضاعف الامتنان عند من لم يضعف في موازرته أزرا، ويودع ودائع جوده في المغارس الجيّدة بالزّكاء والنّماء، ويزكّي أصول معروفه لمن يفتخر بالانضواء إلى موالاته والانتماء، ويستكرم مستقرّ مننه وآلائه، ويحسن إلى الإحسان ثم يبتهج بموالاته لديه وإيلائه. ولما كان السيد الأجلّ أمير الجيوش آية نصر أمير المؤمنين التي انبرت فما تبارى، ونعمة الله التي أشرقت أنوارها وأورت فما تتوارى، وسيف حقّه الذي لا تكلّ مقاطعه، وبحر جوده الذي لا تكدّر مشارعه، والمستقلّ من الدّفاع عن حوزته بما عجزت عنه الأمم، والعليّ على مقدار الأقدار إذا تفاوتت قيم الهمم، والكاشف الجلّى عن دولته وقد عظمت مظالم الظّلم، والجامع على المماراة والمواراة قلب المؤالف والمخالف ولسان العرب والعجم، والمتبوّيء من الملك ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، والمتوقّل «1» من الفخر محلّا لا يطمع النّجم فيه من بعده، والمغير على الحرب العوان بقبليّة البكر، والمنفّذ بمبتدع العزمات ما لولا وقوعه لما وقع [في] «2» الفكر، والقاضي للدّين بحدّ سيوفه مطلول حقّه وممطول دينه، والقائم لأمير المؤمنين مقاما قام به أبوه في نصرة جدّه صلى الله عليهما يوم بدره ويوم حنينه. ولقد أظهر الله آيات نضارة نظره على الأرض فأخذت زخرفها وازّينت، وابتدت أيديه الجنى فتظاهرت أدلّتها على دولته وتبينت، واستلأمت «3» المملكة من تدبيره بجنّة تتحاماها الأقدار وهي سهام، ووثقت من عنايته إلى هجر الخطوب بما يعيد نارها وهي برد وسلام؛ وما ضرّها مع تيقّظ جفنه أن يهجع في جفنه طرف الحسام، ولا احتاجت وقلبه يساور جسيم أمورها أن تتعب في وأدها

الأجسام؛ فأيّ خير يولى- وإن عظم- يناهض استحقاقه؟ وأيّ غاية وإن جلّت تروم نيل مدى مسعاه ولحاقه؟؛ وأنّى لأعراض الدنيا أن تهدي لجوهره عرضا، ولا تبلغ مبالغ النعم الجلائل أن تعتدّ اليوم من مساعيه عوضا؟، وهل لأمير المؤمنين أعمال في مجازاته عن قيامه بغمد رأيه ومجرّد عضبه، ودفاعه عن حوزة عدّته وذبّه، وكرّه في مواقف كربه، وكفايته للأمة في سلمه وحربه، وإيالته التي خصّ الأرض منها فضل خصبه، إلا أن يذكره بقلبه عند ربّه، وأن يرفع الحجب عند كلّ سؤال كما يرفع الله عند دعائه مسدل حجبه؟. وعرضت بحضرة أمير المؤمنين مطالعة منه عن خبر باسمه الكريم مقصور على الرّغبة في خروج الأمر بتمليك جهته التي تقوم عدّتها عدّة ألف، مستخرجا بها الخطّ الشريف بإمضاء التمليك وإجازته، وتسليم الملك وحيازته. فتلقّى أمير المؤمنين هذه الرغبة بإفراز جرى فيه من الأوامر على أفضل سنن، وتقبّلها منه بقبول حسن، وتهللت عليه لسؤاله مصابيح الطّلاقة والبشر، ونفذت «1» مواقع توقيعه ما لا تبلغه مواقع ماء المزن في البلد القفر، وشمله خطّه الشريف بما نسخته: خرج أمره إليه بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السّجلّ بتمليك الجهة المقدّم ذكرها بجميع حدودها وحقوقها، وظاهرها وباطنها، وأعاليها وأسافلها، وكلّ حقّ لها، داخل فيها وخارج عنها، وما هو معروف بها ومنسوب إليها، تمليكا مخلّدا، وإنعاما مؤبّدا، وحقّا مؤكّدا، يجري على الأصل والفرع، ويحكم أحكام الكرم والشّرع، ماضيا لا تتعقّب حدوده بفسخ، جائزا لا تتجاوز عقوده بنسخ، موصولة أسبابه فلا تتطرّق أسباب التغيير إليها، موروثا حتّى يرث الله الأرض ومن عليها. فليعتمد كافّة ولاة الدّواوين، ومن يليهم من المتصرّفين، حمل الأمر على موجبه، والحذر من تعدّيه وتعقّبه، وامتثال ما رسمه أمير المؤمنين وحدّه،

الضرب الثاني (مما كان يكتب في الإقطاعات في الزمن المتقدم ما كان يكتب عن ملوك الشرق القائمين على خلفاء بني العباس)

والوقوف عند أمره الذي عدم من مال فردّه، وليقرّ في يد الديوان حجّة لمودعه بعد نسخه في الدواوين بالحضرة، إن شاء الله تعالى. الضرب الثاني (مما كان يكتب في الإقطاعات في الزمن المتقدّم ما كان يكتب عن ملوك الشرق القائمين على خلفاء بني العبّاس) وطريقتهم فيه أن يكتب في الابتداء: «هذا كتاب» ونحو ذلك، كما كان يكتب عن خلفاء بني العبّاس في ذلك، ثم يذكر عرض أمره على الخليفة، واستكشاف خبر ما تقع عليه المقاطعة من الدواوين، وموافقة قولهم بما ذكره في رقعته، ويذكر أنّ أمير المؤمنين وذلك السّلطان أمضيا أمر تلك المقاطعة وقرّراه. ثم ربّما وقع تسويغ ما وجب لبيت المال لصاحب المقاطعة زيادة عليها ليكون في المعنى أنّه باشرها. وهذه نسخة مقاطعة بضيعة كتب بها عن صمصام الدولة [بن عضد الدولة] «1» بن ركن الدولة بن بويه؛ وهي: هذا كتاب من صمصام الدولة، وشمس الملّة، أبي كاليجار، بن عضد الدولة وتاج الملة أبي شجاع، بن ركن الدّولة أبي عليّ مولى أمير المؤمنين، لمحمد بن عبد الله بن شهرام. إنك ذكرت حال ضياعك المعروفة برسدولا والبدريّة من طسّوج نهر الملك «2» ، والحظائر والحصّة بنهر قلّا من طسّوج قطربّل «3» ، وما لحقها: من

اختلال الحال ونقصان الارتفاع، [واندثار] «1» المشارب، واستئجام «2» المزارع، وطمع المجاورين، وضعف الأكرة والمزارعين، وظلم العمّال والمتصرّفين، لتطاول غيباتك عنها، وانقطاعك بالأسفار المتصلة عن استيفاء حقوقها، وإقامة عماراتها، والإنفاق على مصالحها، والانتصاف من المجاورين لها والمعاملين فيها؛ ووصفت ما تحتاج إلى تكلّفه من الجملة الوافرة: لاحتفار أنهارها، وإحياء مواتها، واعتمال متعطّلها، وإعادة رسومها، وإطلاق البذور فيها، وابتياع العوامل لها، واختلاف الأكرة إليها. وسألت أن تقاطع عن حقّ بيت المال فيها وجميع توابعه، وسائر لزومه، على ثلاثة آلاف درهم في كلّ سنة، معونة لك على عمارتها، وتمكينا من إعادتها إلى أفضل أحوالها، وتوسعة عليك في المعيشة منها. فأنهينا ذلك إلى أمير المؤمنين الطائع لله، وأفضنا بحضرته فيما أنت عليه من الخلائق الحميدة، والطرائق الرّشيدة، وما لك من الخدمات القديمة والحديثة، الموجبة لأن تلحق بنظرائك من الخدم المختصّين، والحواشي المستخلصين، بإجابتك إلى ما سألت، وإسعافك بما التمست، فخرج الأمر- لا زال عاليا- بالرجوع في ذلك إلى كتّاب الدواوين، وعمّال هذه النّواحي، وتعرّف ما عندهم فيه مما يعود بالصّلاح، ويدعو إلى الاحتياط. فرجع إليهم فيما ذكرته وحكيته، فصدّقوك في جميعه، وشهدوا لك بصحّته، وتردّد بينك وبينهم خطاب في الارتفاع الوافر القديم، وما توجبه العبر لعدّة سنين، إلى أن استقرّ الأمر على أن توقّعت على هذه الضّياع المسمّاة في هذا الكتاب خمسة آلاف درهم ورقا مرسلا بغير كسر، ولا كفاية، ولا حقّ خزن، ولا جهبذة ولا محاسبة، ولا غير ذلك من المؤن كلّها.

ثم أنهينا ذلك إلى أمير المؤمنين الطائع لله، فأمر- زاد الله أمره علوّا- بإمضاء ذلك، على أن يكون هذا المال، وهو خمسة آلاف درهم مؤدّى في الوقت الذي تفتتح فيه المقاطعات: وهو أوّل يوم من المحرّم في كلّ سنة، على استقبال السنة الجارية، سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة الخراجية، عن الخراج في الغلّات الشّتويّة والصّيفية، والمحدثة والمبكّرة الجارية على المساحة، والحاصل من الغلّات الجارية على المقاسمة والجوالي، والمراعي، والأرحاء «1» ، وسائر أبواب المال، ووجوه الجبايات وتقسيط المصالح، والحماية، مع ما يلزم ذلك من التوابع كلّها: قليلها وكثيرها، والرسوم الثابتة في الدواوين بأسرها، وعن كلّ ما أحدث ويحدث بعدها على زيادة الارتفاع ونقصانه، وتصرّف جميع حالاته: مقاطعة مقرّرة مؤبّدة، ممضاة مخلّدة، على مرور الليالي والأيّام، وتعاقب السنين والأعوام، لك ولولدك، وعقبك من بعدك، ومن عسى أن تنتقل هذه الضياع إليه بميراث، أو بيع، أو هبة، أو تمليك، أو مناقلة، أو وقف، أو إجارة، أو مباذرة، أو مزارعة أو غير ذلك من جميع الوجوه التي تنتقل الأملاك عليها، وتجري بين الناس المعاملات فيها، لا يفسخ ذلك ولا يغيّر، ولا ينقض ولا يبدّل، ولا يزال عن سبيله، ولا يحال عن جهته، ولا يعترض عليك ولا على أحد من الناس فيه ولا في شيء منه، ولا يتأوّل عليك ولا على غيرك فيه، بزيادة عمارة، ولا زكاء ريع، ولا غلوّ سعر، ولا إصلاح شرب، ولا اعتمال خراب، ولا إحياء موات، ولا بغير ذلك من سائر أسباب وفور الارتفاع ودرور الاستغلال. وحظر مولانا أمير المؤمنين الطائع لله، وحظرنا بحظره على كتّاب الدّواوين: أصولها وأزمّتها، وعمّال النواحي، والمشرفين عليها، وجميع المتصرّفين على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم، الاعتراض عليك في هذه المقاطعة، أو إيقاع ثمن أو مساحة على ما كان منها جاريا على الخراج، أو تقرير

أو حزر «1» ، أو قسمة على ما كان منها جاريا على المقاسمة، أو أن تدخلها يد مع يدك لناظر أو حاظر أو مستظهر أو معتبر أو متصفّح، إذ كان ما يظهر منها من الفضل على مرور السنين مسوّغا لك، لا تطالب به، ولا بمرفق عنه، ولا على ما ظهر عليه وعلى شيء منه، ولا يلتمس منك تجديد كتاب، ولا إحضار حجّة، ولا توقيع به ولا منشور بعد هذا الكتاب: إذ قد صار ذلك لك وفي يدك بهذه المقاطعة، وصار ما يجب من الفضل بين ما توجبه المسائح والمقاسمات وسائر وجوه الجبايات، وبين مال هذه المقاطعة المحدودة المذكورة في هذا الكتاب خارجا عمّا عليه العمّال، ويرفعه منهم المؤتمنون، ويوافق عليه المتضمّنون، على مرور الأيّام والشهور، وتعاقب السنين والدّهور؛ فلا تقبل في ذلك نصيحة ناصح، ولا توفير موفّر، ولا سعاية ساع، ولا قذف قاذف، ولا طعن طاعن. ولا يلزم عن إمضاء هذه المقاطعة مؤونة، ولا كلفة، ولا مصانعة، ولا مصالحة، ولا ضريبة، ولا تقسيط، ولا عمل بريد، ولا مصلحة من المصالح السلطانية، ولا حقّ حماية، ولا خفارة، ولا غير ذلك من جميع الأسباب التي يتطرّق بها عليك، ولا [على من] «2» بعدك، لزيادة على مالها المحصور المذكور في هذا الكتاب، ولا حقّ خزن ولا جهبذة، ولا محاسبة ولا مؤونة ولا زيادة. ومتى استخرج منك شيء أو من أحد من أنسبائك، أو ممّن عسى أن تنتقل إليه هذه المقاطعة بشيء زائد عليها على سبيل الظلم والتّأوّل والتعنّت لم يكن ذلك فاسخا لعقدها، ولا مزيلا لأمرها، ولا قادحا في صحّتها، وكان لك أن تطالب بردّ المأخوذ زائدا على مالها، وكان على من ينظر في الأمور إنصافك في ذلك وردّه عليك، وكانت المقاطعة المذكورة ممضاة على تصرّف الأحوال كلّها. ثم إنّا رأينا بعد ما أمضاه مولانا أمير المؤمنين، وأمضيناه لك من ذلك وتمامه وإحكامه ووجوبه وثبوته، أن سوّغناك هذه الخمسة آلاف درهم المؤدّاة

الطريقة الثانية (مما كان يكتب في الإقطاعات في الزمن المتقدم - ما كان يكتب عن الملوك الأيوبية بالديار المصرية)

عن هذه المقاطعة على استقبال سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة الخراجية، تسويغا مؤبّدا، ماضيا على مرّ السنين: ليكون في ذلك بعض العوض عن باقي أملاكك وضياعك التي قبضت عنك، وبعض المعونة فيما أنت متصرّف عليه من خدمتنا، ومتردّد فيه من مهمّات أمورنا؛ وأوجبنا لك في هذا التّسويغ جميع الشروط التي تشترط في مثله، مما ثبت في هذا الكتاب ومما لم يثبت فيه: لينحسم عنك تتبّع المتتبّعين، وتعقّب المتعقبين، وتأوّل المتأوّلين على الوجوه والأسباب. وأمرنا- متى وقع على مال هذا التّسويغ (وهو خمسة آلاف درهم) ارتجاع، بحدث يحدث عليك، أو بتعويض تعوّض عنه، أو بحال من الأحوال التي توجب ارتجاعه- أن يكون أصل المقاطعة ممضى لك، ورسمها باقيا عليك وعلى من تنتقل هذه الضياع إليه بعدك، على ما خرج به أمر أمير المؤمنين في ذلك، من غير نقض ولا تأوّل فيه، ولا تغيير لرسم من رسومه، ولا تجاوز لحدّ من حدوده، على كلّ وجه وسبب. فليعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين الطائع لله وأمره، ومن امتثالنا وإمضائنا، وليعمل عليه جماعة من وقف على هذا الكتاب: من طبقات الكتّاب، والعمّال، والمشرفين، والمتصرفين في أعمال الخراج والحماية والمصالح، وغيرهم. وليحذروا من مخالفته، وليمضوا بأسرهم لمحمد بن عبد الله بن شهرام ومن بعده جميعه، وليحملوه على ما يوجبه. وليقرّ هذا الكتاب في يده وأيديهم بعده حجة له ولهم، ولينسخ في جميع الدواوين، إن شاء الله تعالى. الطريقة الثانية (مما كان يكتب في الإقطاعات في الزمن المتقدّم- ما كان يكتب عن الملوك الأيوبيّة بالديار المصرية) وكانوا يسمّون ما يكتب فيها تواقيع؛ ولهم فيه أساليب:

الأسلوب الأول (أن يفتتح التوقيع المكتتب بالإقطاع بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» )

الأسلوب الأوّل (أن يفتتح التوقيع المكتتب بالإقطاع بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» ) وكان من عادة خطبهم أن يؤتى فيها بعد التحميد بالصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلم، ثم يؤتى ببعديّة، ثم يذكر ما سنح من حال السلطان، ثم يوصف صاحب الإقطاع بما تقتضيه حاله من صفات المدح، ويرتّب على ذلك استحقاقه للإقطاع. وقد كان من عادتهم أنهم يأتون بوصية على ذلك في آخره. وهذه نسخة توقيع على هذا الأسلوب، كتب به عن السلطان صلاح الدين «يوسف بن أيوب» رحمه الله، لأخيه العادل «أبي بكر» بإقطاع بالديار المصرية، وبلاد الشام، وبلاد الجزيرة، وديار بكر، في سنة ثمانين وخمسمائة، بعد الانفصال من حرب الكفار بعكّا وعقد الهدنة معهم؛ وهي: الحمد لله الذي جعل أيّامنا حسانا، وأعلى لنا يدا ولسانا، وأطاب محتدنا أوراقا وأغصانا، ورفع لمجدنا لواء ولجدّنا برهانا، وحقّق فينا قوله: سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً «1» نحمده على سبوغ نعمته، ونسأله أن يجعلنا من الداخلين في رحمته. ثم نصلّي على رسوله محمد الذي أيّده بحكمته، وعصمه من الناس بعصمته، وأخرج به كلّ قلب من ظلمته، وعلى آله وأصحابه الذين خلفوه فأحسنوا الخلافة في أمّته. أما بعد، فإن فروع الشّجرة يأوي بعضها إلى بعض لمكان قربه، ويؤثر بعضها بعضا من فضل شربه؛ ونحن أهل بيت عرف منا وفاق القلوب ودّا، وإيثار الأيدي رفدا؛ وذلك وإن كان من الحسنات التي يكثر فيها إثبات الأقلام، فإنه من مصالح الملك التي دلّت عليها تجارب الأيّام؛ وكلا هذين الأمرين مشكورة مذاهبه، محمودة عواقبه، مرفوعة على رؤوس الأشهاد مناقبه؛ وما من أحد من

أدانينا إلا وقد وسمناه بعوارف يختال في ملابسها، ويسرّ في كلّ حين بزفاف عرائسها، ولم نرض في بلّ أرحامهم بمواصلة سلامها دون مواصلة برّها وإدناء مجالسها؛ ولإخوتنا من ذلك أوفر الأقسام، كما أنّ لهم منّا رحما هو أقرب الأرحام؛ وقد أمرنا بتجديد العارفة لأخينا الملك العادل، الأجلّ، السيد، الكبير، سيف الدين، ناصر الإسلام «أبي بكر» أبقاه الله. ولو لم نفعل ذلك قضاء لحقّ إخائه الذي ترفّ عليه حواني الأضالع، لفعلناه جزاء لذائع خدمه التي هي نعم الذّرائع؛ فهو في لزوم آداب الخدمة بعيد وقف منها على قدم الاجتهاد؛ وفي لحمة شوابك النّسب قريب وصل حرمة نسبه بحرمة الوداد؛ وعنده من الغناء ما يحكم لآماله ببسطة الخيار، ويرفع مكانته عن مكانة الأشباه والأنظار، ويجعله شريكا في الملك، والشريك مساو في النقض والإمرار؛ فكم من موقف وقفه في خدمتنا فجعل وعره سهلا، وفاز فيه بإرضائنا وبفضيلة التقدّم فانقلب بالمحبّذين إرضاء وفضلا؛ ويكفي من ذلك ما أبلاه في لقاء العدوّ الكافر الذي استشرى في هياجه، وتمادى في لجاجه، ونزل على ساحل البحر فأطلّ عليه بمثل أمواجه، وقال: لا براح، دون استفتاح؛ الأمر الذي عسرت معالجة رتاجه، وتلك وقائع استضأنا فيها برأيه الذي ينوب مناب الكمين في مضمره، وسيفه الذي ينسب من الاسم إلى أبيضه ومن اللّون إلى أخضره؛ ولقد استغنينا عنهما بنضرة لقبه الذي تولّت يد الله طبع فضله، وعنيت يد السّيادة برونق صقله؛ فهو يفري قلوب الأعداء قبل الأجساد، ويسري إليهم من غير حامل لمناط النّجاد، ويستقصي في استلابهم حتّى ينتزع من عيونهم لذّة الرقاد؛ وليس للحديد جوهر معدنه المستخرج من زكاء الحسب، وإذا استنجد قيل له: يا ذا المعالي! كما يقال لسميّه: يا ذا الشّطب؛ ولو أخذنا في شرح مناقبه لظلّ القلم واقفا على أعواد منبره، وامتدّ شأو القول فيه فلم ينته مورده إلى مصدره؛ فمهما خوّلناه من العطايا فإنه يسير في جنب غنائه، ومهما أثنينا عليه فإنّه سطر في كتاب ثنائه. وقد جعلنا له من البلاد ما هو مقتسم من الديار المصرية والشاميّة، وبلاد

الجزيرة وديار بكر: ليكون له من كلّ منها حظّ تفيض يده في أمواله، ويركب في حشد من رجاله، ويصبح وهو في كلّ جانب من جوانب ملكنا كالطّليعة في تقدّم مكانها، وكالرّبيئة «1» في إسهار أجفانها. فليتسلّم ذلك بيد معظّم قدرا، ولا يستكثر كثرا، ويحمل منها رفدها غيثا أو بحرا؛ وكذلك فليعدل في الرعيّة الذين هم عنده ودائع، وليجاوز بهم درجة العدل إلى إحسان الصنائع؛ فإذا أسند هذا الأمر إلى ولاته فليكونوا تقاة لا يجد الهوى عليهم سبيلا، ولا يحمد الشيطان عندهم مقيلا، وإذا حمّلوا ثقلا لا يجدون حمله ثقيلا. وقد فشا في هذا الزمن أخذ الرّشوة وهي سحت أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنبذه، ونهى عن أخذه، وعن الرغبة في تداوله؛ وهو كأخذ الرّبا الذي قرنت اللّعنة بمؤكله وآكله. وأما القضاة الذين هم للشريعة أوتاد، ولإمضاء أحكامها أجناد، ولحفظ علومها كنوز لا يتطرّق إليها النّفاد، فينبغي أن يعوّل فيهم على الواحد دون الاثنين، وأن يستعان منهم في الفصل بذي الأيدي وفي اليقظة بذي اليدين؛ ومن رام هذا المنصب سائلا فليلمه وليغلظ القول في تجريع ملامه، وليعرف أنه ممّن رام أمرا فأخطأ الطّريق في استجلاب مرامه؛ وأمر الحكّام لا يتولّاه من سأله، وإنما يتولّاه من غفل عنه وأغفله. وإذا قضينا حقّ الله في هذه الوصايا فلنعطفها على ما يكون لها تابعا، ولقواعد الملك رافعا؛ وذاك أنّ البلاد التي أضفناها إليك: فيها مدن ذات أعمال واسعة، ومعاقل [ذات] حصانة مانعة، وكلّها يفتقر إلى استخدام الفكر في تدبيره، وتصريف الزمان في تعميره؛ فولّ وجهك إليها غير وان في تكثير قليلها، وترويض مخيلها، وبثّ الأمنة على أوساطها، وإهداء الغبطة إلى أفئدة

الأسلوب الثاني (أن يفتتح التوقيع بالإقطاع بلفظ: «أما بعد فإن كذا» )

أهلها حتّى تسمع باغتباطها؛ وعند ذلك يتحدّث كلّ منهم بلسان الشّكور، ويتمثل بقوله تعالى: بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ «1» واعلم أنه قد يجاورك في بعضها جيران ذو بلاد وعساكر، وأسرّة ومنابر، وأوائل للمجد وأواخر؛ وما منهم إلا من يتمسّك منّا بودّ سليم، وعهد قديم، وله مساعدة نعرف له حقّها (والحقّ يعرفه الكريم) . فكن لهؤلاء جارا يودّون جواره، ويحمدون آثاره؛ وإن سألوك عهدا فابذله لهم بذل وفيّ واقف على السّنن، مساو بين السرّ والعلن؛ ولا يكن وفاؤك لخوف تتّقي مراصده، ولا لرجاء ترقب فوائده؛ فالله قد أغناك أن تكون إلى المعاهدة لاجيا، وجعلك بنا مخوفا ومرجوّا لا خائفا ولا راجيا؛ وقد زدناك فضلة في محلك تكون بها على غيرك مفضّلا، وقد كنت من قبلها أغرّ فأوفت بك أغرّ محجّلا؛ وذاك أنّا جعلناك على آية الخيل تقودها إلى خوض الغمار، وتصرّفها في منازل الأسفار، وترتّب قلوبها وأجنحتها على اختلاف مراتب الأطوار؛ فنحن لا نلقى عدوّا ولا ننهد إلى بلد إلا وأنت كوكبنا الذي نهتدي بمطلعه، ومفتاحنا الذي نستفتح المغلق بيمن موقعه، ونوقن بالنصر في ذهابه وبالغنيمة في مرجعه؛ والله يشرح لك صدرا، وييسّر لك منّا أمرا، ويشدّ أزرنا بك كما شدّ لموسى بأخيه أزرا، والسلام. الأسلوب الثاني (أن يفتتح التوقيع بالإقطاع بلفظ: «أما بعد فإنّ كذا» ) ويذكر ما سنح له من أمر السلطان أو الإقطاع أو صاحبه، ثم يتعرّض إلى أمر الإقطاع؛ وهو دون الأسلوب الذي قبله في الرتبة. وهذه نسخة توقيع بإقطاع من هذا الأسلوب، كتب بها لأمير قدم على الدولة فاستخدمته؛ وهي:

أما بعد، فإنّ لكلّ وسيلة جزاء على نسبة مكانها، وهي تتفاوت في أوقات وجوبها ومثاقيل ميزانها؛ ومن أوجبها حقّا وسيلة الهجرة التي طوى لها الأمل من شقّته ما طوى، وبعث بها على صدق النّية «ولكلّ امريء ما نوى» ؛ فالأوطان إليها مودعة، والخطوات موسّعة، والوجوه من برد الليل وحرّ النهار ملفّعة، وقد توخّاها قوم في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحظوا في الدّنيا باعتلاء المنار، وفي الآخرة بعقبى الدار، وقدّموا على من آوى ونصر فقال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ «1» ؛ ثم صارت هذه سنّة فيمن هاجر من أقوام إلى أقوام، واستبدل بأنام عن أنام؛ وكذلك فعلت أيّها الأمير فلان- وفقك الله- وقد تلقّيت هجرتك هذه بالكرامة، وزخرفت لها دار الإقامة؛ فما ابتغيت بها بغية إلا سهّلت لك فجاجها، أو عاج عليك معاجها، وحمد لديك تأويبها وإدلاجها، وأصبحت وقد وجدت خفضا غبّ السّرى، وخيطت منك الجفون على أمن الكرى، وتبوّأت كنف الدولة التي هي أمّ الدّول إذ صرت إلى القرية التي هي أمّ القرى. ونحن قد أدنيناك منّا إدناء الخليط والعشير، ورفعناك إلى محلّ الاختصاص الذي هو المحلّ الأثير، وآخينا بينك وبين عطايانا كما ووخي بين الصّحابة النّبويّة يوم الغدير. هذا ولك وسيلة أخرى تعدّ من حسان المناقب، وتوصف بالصّفات الأطايب؛ وما يقال إلا أنها من الأطواد الرّواس، وأنها تبرز في اللباس الأحمر وغيرها لا يبرز في ذلك اللّباس؛ وهي التي تجعلك بوحدتها في كثرة، وتتأمّر بها من غير إمرة؛ وطالما أطالت يدك بمناط البيض الحداد، وفرّجت لك ضيق الكرّ وقد غصّ بهوادي الجياد، وحسّنتك العيون وقد رميت منك بشرق القذا ونبوة السّهاد؛ ومن شرف الإقدام أن العدوّ يحبّ العدوّ من أجله، ويضطرّه إلى أن يقرّ بفضله؛ ومذ وصلت إلينا وصلناك بأمرائنا الذين سلفت أيّامهم، وثبتت في

مقامات الغناء أقدامهم، وتوسّمنا أنك الرجل الذي يزكو لديك الصّنيع، وأنك ستشفعه بحقوق خدمتك التي هي نعم الشفيع. وقد عجّلنا لك من الإقطاع ما لا نرضى أن تكون عليه شاكرا، وجعلناه لك أوّلا وإن كان لغيرك آخرا؛ وهو مثبت في هذا التّوقيع بقلم الديوان الذي أقيم لفرض الجند كتابا، ولمعرفة أرزاقهم حسابا؛ وهو كذا وكذا. فتناول هذا التّخويل الذي خوّلته باليمين، واستمسك به استمساك الضّنين. واعلم أنه قد كثر الحواسد لما مددناه من صنعك، وبسطناه من ذرعك؛ فأشج حلوقهم بالسّعي لاستحقاق المزيد، وارق في درجات الصّعود وألزمهم صفحة الصّعيد. والذي نأمرك به أن [تعدّ] «1» نفسك للخدمة التي جعلت لها قرنا وأنت بها أغنى، وأن تنتهي فيها إلى الأمد الأقصى دون الأدنى؛ فلا تضمم جناحك إلّا على قوادم من الرجال لا على خواف، وإذا استنفرت فانفر بثقال من الخيل وخفاف، وكن مذخورا لواحدة يقال فيها: يا عزائم اغضبي، ويا خيل النّصر اركبي؛ وتلك هي التي تتظلّم بها الجماجم من الضّراب، وتلاقى فيها عصب الغربان والذّباب؛ ولا تحتاج مع هذه إلى منقبة تتجمّل بتفويفها، وتتكثّر بتعريفها، وتنتمي إلى تليدها باستحداث طريفها. والله تعالى يشدّ بك أزرا، ويملأ بك عينا وصدرا، ويجعل الفلج مقرونا برأيك ورايتك حتّى يقال: «ومكروا مكرا» وجرّدنا بيضا وسمرا؛ والسلام إن شاء الله تعالى.

الأسلوب الثالث (أن يفتتح التوقيع المكتتب بالإقطاع بما فيه معنى الشجاعة والقتال وما في معنى ذلك، وهو أدنى من الذي قبله رتبة)

الأسلوب الثالث (أن يفتتح التوقيع المكتتب بالإقطاع بما فيه معنى الشجاعة والقتال وما في معنى ذلك، وهو أدنى من الذي قبله رتبة) وهذه نسخة توقيع بإقطاع من هذا النّمط، كتب به لبعض الأمراء الصّغار؛ وهي: القلم والرّمح قلمان كلاهما أسمر، وكما تشابها في المنظر فكذلك تشابها في المخبر؛ غير أنّ هذا يركب في عسكر من القول وهذا يحمل في عسكر؛ وقد نطق أحدهما بالثناء على أخيه فأحسن في نطقه، وأقرّ له بالفضيلة ومن الإنصاف أن يقرّ لذي الحق بحقّه؛ غير أنّ هذه الفضيلة تعزى إلى من يقيم أود الساعي بتقويم أوده، ولا يرى لها سبيلا قصدا إلا بالوطء على قصده؛ وهو أنت أيّها الأمير فلان، أيّدك الله!. وقد اخترناك لخدمتنا على بصيرة، وأجريناك من اعتنائنا على أكرم وتيرة، ورفعنا درجتك فوق درجة المعلّي لمن سبقك وإنها لكبيرة. ولم يكن هذا الاختيار إلا بعد اختبار لا يحتاج معه إلى شهادة، ولو كشف الغطاء لم يجد اليقين من زيادة «1» ؛ فطالما عجمت نبعتك، وتيمّنت طلعتك، ولم تعرض سلعة الغناء إلا نفقت سلعتك؛ ومثلك من تباهي الرجال بمكانه، وتخلّي له فضلة عنانه، ويتّسع ميدان القول في وصفه إذا ضاق بغيره سعة ميدانه؛ وما يقال إلا أنّك الرجل الذي تقذف الجانب المهمّ بعزمك، وترمي برأيك قبل رماء سهمك، وبك يحسر دجى الحرب الذي أعوزه الصّباح، ويحمى عقابها أن يحصّ «2» له جناح؛ فأسباب الاعتضاد بك إذن كثيرة الأعداد، وأنت الواحد المشار إليه ولا تكثر إلا مناقب الآحاد.

وقد بدأناك من العطاء بما يكون ببسم الله في صدر الكتاب، وجعلناه كالغمامة التي تأتي أوّلا بالقطار ثم تأخذ في الانسكاب؛ وخير العطاء ما ربّ بعد ميلاده، وأينع ثمره بعد جداده؛ وإن صادف ذلك وسائل خدم مستأنفة كان لها قرانا، وصادف الإحسان منه إحسانا؛ وقد ضمن الله تعالى للشّاكر من عباده مزيدا، ولم يرض له بأن يكون مبدئا حتّى يكون معيدا؛ وكذلك دأبه فيمن عرف مواقع نعمه، وعلم أن صحّتها لا تفارقه ما لم يعدها بسقمه. ونحن أولى من أخذ بهذا الأدب الكريم، وألزم نفسه أن تتحلّى بخلقه وإنه للخلق العظيم؛ وعطاؤنا المنعم به عليك لم يذكر في هذا التوقيع على حكم الامتنان، بل إثباتا لحساب الجند الذين هم أعوان الدّولة ولا بدّ من إحصاء الأعوان؛ وهو كذا وكذا. فامدد له يدا تجمع [مع] «1» الشّكر مواظبة، [ومع] «2» الطّاعة مراقبة، وكن في التّأهّب للخدمة كالسّهم الموضوع في وتره، وأصخ بسمعك وبصرك إلى ما تؤمر به فلا ائتمار لمن لم يصخ بسمعه وبصره. وملاك ذلك كلّه أن تتكثر من فرسان الغوار، وحماة الذّمار، والذين هم زينة سلّم ومفزع حذار؛ ومثل هؤلاء لا يضمّهم جيش إلا تقدّمه جيش من الرّعب، ودارت منه الحرب على قطبها ولا تدور رحّى إلا على قطب؛ وإذا ساروا خلف رايتك نشرت ذوائبها على غابة من الآساد، وخفقت على بحر من الحديد يسير به طود من الجياد. ومن أهمّ الوصايا إليك أن تضيف إلى غنائهم غنى يبرزهم في زهرة من اللّباس، ويعينهم على إعداد القوّة ليوم الباس، ويقصّر لديهم شقّة الأسفار التي تذهب بنزقات الشّماس، وينقطع دون قطعها طول الأنفاس؛ وأيّ فائدة في عسكر يأخذ بعد المسرى في حوره، ولا يزيد صبره بزيادة سفره، ويكون حافره وخفّه سواء في انتساب كلّ منهما إلى شدّة حجره.

الطرف الثاني (ما يكتب في الإقطاعات في زماننا)

فانظر إلى هذه الوصية نظر من طال على صحبه بالكفّ الأوسع، وعلم ما يضرّ فيهم وما ينفع؛ والله يمنحك من لدنه توفيقا، ويسلك بك إلى الحسنى طريقا، ويجعلك خليقا بما يصلحك وليس كلّ أحد بصلاحه خليقا، والسلام. الطرف الثاني (ما يكتب في الإقطاعات في زماننا) وهو على ضربين: الضرب الأوّل (ما يكتب قبل أن ينقل إلى ديوان الإنشاء) وفيه جملتان: الجملة الأولى- في ابتداء ما يكتب في ذلك من ديوان الجيش. اعلم أنّ مظنّة الإقطاعات هو ديوان الجيش دون ديوان الإنشاء؛ وما يكتب فيه من ديوان الإنشاء هو فرع ما يكتب من ديوان الجيش. ثم أوّل ما يكتب من ديوان الجيش في أمر الإقطاع إما مثال، وإما قصّة، وإما نزول «1» فأما المثال، فإنه يكتب ناظر الجيش في نصف قائمة شاميّ، بعد ترك الثلثين من أعلاها بياضا، في الجدول الأيمن من القائمة ما صورته: «خبز فلان المتوفّى إلى رحمة الله تعالى» أو «المرسوم ارتجاعه» أو «المنتقل لغيره» ونحو ذلك. ويكون «خبز» سطرا، وباقي الكلام تحته سطرا. وتحت ذلك ما صورته: «عبرة كذا وكذا دينارا» بالقلم القبطي. وفي الجدول الأيسر ما صورته: «باسم فلان الفلانيّ» وإن كان زيادة عيّن؛ ثم يشمله الخط الشريف

الجملة الثانية - في صورة ما يكتب في المربعة الجيشية.

السلطاني بما مثاله: «يكتب» ثم يكتب تحته ناظر الجيش ما مثاله: «يمتثل المرسوم الشريف» ويعيّنه على من يختاره من كتّاب الجيش، ثم يترك بعد ذلك بديوان النظر؛ ويكتب تاريخه بخطّ كاتب ناظر الجيش بذيل المثال، ويخلّده الكاتب المعيّن عليه، ويكتب بذلك مربّعة «1» على ما سيأتي ذكره. وأما القصص فتختلف بحسب الحال: فتارة ينهى فيها وفاة من كان بيده الإقطاع، وتارة انتقاله عنه، وتارة ارتجاعه، وتارة طلب إعادة ما خرج عنه، وتارة طلب تجديد، ونحو ذلك. ويكتب ناظر الجيش على حاشيتها بالكشف. ويكتب الكشف بذيل ظاهرها من ديوان الجيش بما مثاله: «رافعها فلان أنهى ما هو كذا وكذا، وسأل كذا وكذا» ويذكر حال الإقطاع. ثم يشملها الخطّ الشريف السلطاني بما مثاله: «يكتب» . وباقي الأمر على ما تقدّم في ذكر المثال. وأما الإشهادات فتكون تارة بالنزول، وتارة بالمقايضة؛ وربّما وقع ذلك بالشركة، ثم يكتب ناظر الجيش على ظاهر الإشهاد بالكشف، ويعمل فيه على ما تقدّم في القصّة. الجملة الثانية- في صورة ما يكتب في المربّعة الجيشية. قد جرت عادة ديوان الجيش أنه إذا عيّن ناظر الجيش المثال أو القصة أو الإشهاد على أحد من كتّاب ديوان الجيش، يخلّد الكاتب ذلك عنده، ثم تكتب به مربّعة من ديوان الجيش وتكمّل بالخطوط على ما تقدّم، وتجهّز إلى ديوان الإنشاء، فيعيّنها كاتب السّرّ على من يكتب بها منشورا على ما سيأتي. وصورة المربّعة أن يكتب في ورقة مربّعة، يجعل أعلى ظاهر الورقة الأولى

منها بياضا، ويكتب في ذيلها معترضا: آخذا من جهة أسفل المربعة إلى أعلاها أسطرا قصيرة على قدر عرض ثلاثة أصابع ما صورته: «مثال شريف- شرّفه الله تعالى وعظمه- بما رسم به الآن: من الإقطاع» باسم من عين فيه من الأمراء أو من المماليك السلطانية بالديار المصرية، أو بالمملكة الفلانية، أو من الحلقة المصرية أو الشامية، أو نحو ذلك «على ما شرح فيه حسب الأمر الشريف شرّفه الله تعالى وعظمه» . وتحت ذلك كلّه ما صورته: «يحتاج [إلى الخط] «1» الشريف أعلاه الله تعالى» . ثم يكتب داخل تلك الورقة- بعد إخلاء هامش عرض إصبعين- البسملة، وتحتها في سطر ملاصق لها: «المرسوم بالأمر الشريف العاليّ، المولوي، السلطانيّ» ثم ينزل إلى قدر ثلثي الصفحة، ويكتب في السّطر الثاني بعد البياض الذي تركه على مسامتة السّطر الأول: «الملكيّ الفلانيّ الفلانيّ» بلقب السلطنة: كالناصريّ، ولقب السلطان الخاص كالزّينيّ «أعلاه الله تعالى وشرّفه، وأنفذه وصرّفه، أن يقطع من يذكر: من رجال الحلقة بالدّيار المصرية أو المملكة الشامية أو نحو ذلك، ما رسم له به الآن في الإقطاع، حسب الأمر الشريف شرّفه الله تعالى وعظّمه» . ثم يكتب في الصفحة الثانية مقابل البسملة: «فلان الدّين فلان الفلانيّ، المرسوم إثباته في جملة رجال الحلقة المنصورة بالديار المصرية أو الشامية، بمقتضى المثال الشّريف أو المربّعة الشريفة المشمولة بالخط الشريف» . ثم يكتب تحت السّطر الأخير في الوسط ما صورته: «في السنة كربستا» إن كان جميع البلد أو البلاد المقطعة لا يستثنى منها شيء، أو يكتب: «خارجا عن الملك والوقف» أو نحو ذلك «على ما يقتضيه الحقّ» .

الضرب الثاني (فيما يكتب في الإقطاعات من ديوان الإنشاء؛ وفيه خمس جمل)

ثم يكتب تحت ذلك على حيال السّطور ممتدّا من أوّل السّطر إلى آخره: «خبز» . ثم يكتب تحته: «فلان بن فلان الفلانيّ، بحكم وفاته، أو بحكم نزوله برضاه» ونحو ذلك على عادته- ناحية كذا. ناحية كذا. ناحية كذا. وإن كان فيه نقد ونحوه ذكره، ويستوفي ذلك إلى آخر: «بعد الخط الشريف- شرفه الله تعالى- إن شاء الله تعالى» . ثم يؤرّخ في سطرين قصيرين ويحضر إلى صاحب ديوان الإنشاء، فيعيّنه على من يكتبه من كتّاب الإنشاء، على ما سيأتي بيانه. الضرب الثاني (فيما يكتب في الإقطاعات من ديوان الإنشاء؛ وفيه خمس جمل) الجملة الأولى (في ذكر اسم ما يكتب في الإقطاعات من ديوان الإنشاء) قد اصطلح كتّاب الزمان على تسمية جميع ما يكتب في الإقطاعات: من عاليها ودانيها، للأمراء والجند والعربان والتّركمان وغيرهم- مناشير؛ جمع منشور. والمنشور في أصل اللّغة خلاف المطويّ. ومنه قوله تعالى: وَكِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ «1» واعلم أن تخصيص ما يكتب في الإقطاعات باسم المناشير مما حدث الاصطلاح عليه في الدولة التّركية. أما في الزّمن المتقدّم فقد كانوا يطلقون اسم المناشير على ما هو أعمّ من ذلك: مما لا يحتاج إلى ختم: كالمكتوب بالإقطاع على ما تقدّم، والمكتوب

الجملة الثانية (في بيان أصناف المناشير

بالولاية، والمكتوب بالحماية، وما يجري مجرى ذلك. وربّما سمّي ما يكتب في الإقطاع مقاطعة، وربما سمّي سجلّا وغير ذلك. أما الآن فإذا أطلقت المناشير لا يفهم منها إلا ما يكتب في الإقطاعات خاصّة؛ وخصّوا كلّ واحد مما عداها باسمه، على ما هو مذكور في مواضعه دون ما عداها؛ ولا مشاحّة في الاصطلاح بعد فهم المعنى. قلت: ومن خاصّة المناشير أنّها لا تكتب إلا عن السلطان مشمولة بخطّه، وليس لغيره الآن فيها تصرّف، إلّا ما يكتب فيه النائب الكافل «1» ابتداء. الجملة الثانية (في بيان أصناف المناشير ، وما يخصّ كلّ صنف منها: من مقادير قطع الورق، وما يختصّ بكلّ صنف منها من طبقات الأمراء والجند) اعلم أنّ المناشير المصطلح عليها في زماننا على أربعة أصناف: يختصّ بكلّ صنف منها مقدار من مقادير قطع الورق. الصّنف الأوّل- ما يكتب في قطع الثّلثين وهو لأعلى المراتب من الأمراء. قال في «التعريف» «2» : ومن كان مؤهّلا لأن يكتب له تقليد كان منشوره من نوعه ومن دون ذلك إلى أدنى الرّتب. قال في «التثقيف» «3» : وفي قطع الثّلثين يكتب لمقدّمي الألوف بالديار المصرية، سواء كان من أولاد السلطان أو الخاصكية «4» أو غيرهم، وكذلك جميع

الصنف الثاني - ما يكتب في قطع النصف.

النوّاب الأكابر بالممالك الإسلامية، والمقدّمون بدمشق. وكلّ من له تقليد في قطع الثلثين يكون منشوره في قطع الثلثين. الصنف الثاني- ما يكتب في قطع النّصف. قال في «التثقيف» : وفيه يكتب لأمراء الطّبلخانات «1» بمصر والشام، سواء في ذلك الخاصكيّة وغيرهم. وكذلك الأمراء المقدّمون من نوّاب القلاع الشامية. وفي معناهم المقدّمون بحلب وغيرها: من نوّاب القلاع وغيرهم. الصنف الثالث- ما يكتب في قطع الثلث. قال في «التثقيف» : وفيه يكتب لأمراء العشرات مطلقا بسائر الممالك، يعني مصر والممالك الشامية بجملتها. قال: وكذلك الطّبلخانات من التّركمان والأكراد بالممالك الإسلامية. الصنف الرابع- ما يكتب في قطع العادة المنصوريّ. قال في «التثقيف» : وفيه يكتب للمماليك السّلطانية، ومقدّمي الحلقة، ورجال الحلقة. إلا أنه يختلف الحال بين المماليك السلطانية، ومقدّمي الحلقة، وبين رجال الحلقة بزيادة أوصال الطّرّة، والإتيان بالدّعاء المناسب: يعني أنه يترك في طرّة مناشير المماليك السلطانية ثلاثة أوصال بياضا، وفي مناشير رجال الحلقة وصلان. قلت: ولا فرق في ذلك بين حلقة مصر وغيرها من المماليك الشاميّة. الجملة الثالثة (في بيان صورة ما يكتب في المناشير في الطّرّة والمتن) قال في «التثقيف» : إن كان المنشور في قطع الثّلثين، كتب في طرّته من يمين الورق بغير هامش ما صورته:

«منشور شريف بأن يجري في إقطاعات المقرّ الكريم» أو «الجناب الكريم العاليّ الأميريّ الكبيريّ» وإن كان نائبا زيد بعدها: «الكافليّ الفلانيّ» يعني بلقبه الخاصّ «فلان الفلانيّ» بلقب الإضافة إلى لقب السلطان: كالناصريّ ونحوه. ثم الدعاء بما جرت به عادته دعوة واحدة «ما رسم له به الآن من الإقطاع» ويشرح ما تضمّنته المربّعة إلى آخره، فمن ذلك جميعه سطران بقلم الثلث. قال: والأحسن أن يكون آخر السطر الثاني الدعاء، والتتمة بالقلم الرّقاع أسطرا قصارا بهامش من الجانبين، ثم يكتب في الوسط سطرا واحدا بالقلم الغليظ: «والعدّة» وتحته بالقلم الدقيق «خاصته، ومائة طواشيّ «1» أو تسعون طواشيّا أو ثمانون طواشيّا أو سبعون طواشيّا» حسب ما يكون في المربّعة. ويترك ثلاثة أوصال بياضا بما فيه من وصل الطّرّة؛ ثم تكتب البسملة في أوّل الوصل الرابع، وبعدها خطبة مفتتحة بالحمد، ويكمّل بما يناسبه، ثم يقال: «أما بعد» ويذكر ما ينبغي ذكره على نحو ما تقدّم في التقاليد. قال في «التعريف» : إلا أن المناشير أخصر، ولا وصايا فيها. قال في «التثقيف» : ثم يذكر بعد ذلك اسمه بأن يقول: «ولمّا كان الجناب» وبقية الألقاب والنعوت والدّعاء- ولا يزاد على دعوة واحدة «هو المراد بهذه المدح، والمخصوص بهذه المنح» أو نحو ذلك- «اقتضى حسن الرّأي الشريف أن نخوّله بمزيد النعم» . وإن كان المنشور في قطع النّصف كتب على ما تقدّم، إلا أنه لا يقال: «أن يجرى في إقطاعات» . بل إن كان مقدّما بحلب أو غيرها أو طبلخاناه خاصكيّا، أو كان من أولاد السّلطان، كتب: «أن يجري في إقطاع المجلس العاليّ أو

الساميّ» . وإن كان طبلخاناه ممّن عدا هؤلاء كتب «منشور شريف بما رسم به من الإقطاع للمجلس السامي» والتّتمة على حكم ما تقدّم من غير فرق. وأما ما يكتب في قطع الثلث فيكتب: «منشور شريف بما رسم به من الإقطاع لمجلس الأمير» . وأما التجديدات فيكتب في طرّتها: «منشور شريف رسم بتجديده باسم فلان بن فلان الفلاني، بما هو مستقرّ بيده من الإقطاع الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت» ويشرح حسب ما تضمنته المربّعة، ثم يقال: «على ما شرح فيه» . وأما الزيادات والتّعويضات، فقال في «التعريف» : إذا رسم للأمير بزيادة أو تعويض: فإن كان من ذوي الألوف: كالنّوّاب الأكابر، ومقدّمي الألوف بمصر والشام، كتب له في قطع الطّرّة على العادة، وبعد البسملة: «خرج الأمر الشريف العاليّ، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ، الفلانيّ، ويدعى له بما يناسب الحال «أن يجرى في إقطاعات المقرّ الفلانيّ أو الجناب الفلانيّ» . وفي التّتمة نظير ما تقدّم في المناشير المفتتحة بالخطبة، على ما تقدّم بيانه. والذي ذكره في «التعريف» : أنه يكتب في ذلك لمقدمي الألوف أو من قاربهم: «أما بعد حمد الله» . وإن كان من أمراء الطبلخاناه الصغار فمن دونهم حتّى جند الحلقة، كتب له في قطع العادة: «خرج الأمر الشريف» . قال في «التثقيف» : وكذلك الزيادات والتعاويض، سواء في ذلك كبيرهم وصغيرهم. قال: ويمكن أن يميّز أمير آل فضل فيكتب له ذلك في قطع الثلث. قال في «التعريف» : أما إذا انتقل الأمير من إقطاع إلى غيره، فإنه يكتب له كأنّه مبتدأ على ما تقدّم أوّلا. واعلم أنه لم تجر العادة بأن تكتب في أعلى الطرّة إشارة إلى العلامة السلطانية، كما يكتب في الولايات الاسم الشريف في أعلى الطّرّة. قال في «التثقيف» : والسبب فيه أنّ العلامة لا تخرج عن أحد ثلاثة أمور: إما الاسم

الجملة الرابعة (في الطغرى التي تكون بين الطرة المكتتبة في أعلى المنشور وبين البسملة)

الشريف مفردا، كما في الأمثلة السلطانية إلى من جرت العادة أن تكون العلامة له الاسم الشريف، وما «1» يتعلّق بالتقاليد والتواقيع والمراسيم الشريفة، وأوراق الطريق، أو يضاف إلى الاسم الشريف والده، أو أخوه، وذلك ممّا يتعلق بالأمثلة الشريفة خاصة إلى من جرت عادته بأن تكون العلامة إليه كذلك، وذلك بخلاف المناشير: فإنّ العلامة فيها على ما جرت به العوائد، أن يكتب السلطان: «الله أملي» أو «الله وليّي» أو «الله حسبي» أو «الملك لله» أو «المنّة لله وحده» لا يختلف في ذلك أعلى ولا أدنى؛ فلا يحتاج إلى إشارة بسببها ينبه عليها، لأن ترك الإشارة إليها دليل عليها، وإشارة إليها، كما ذكر النحاة علامات الاسم والفعل ولم يذكروا للحرف علامة، فصار ترك العلامة إليها علامة، بخلاف الأمثلة: فإنها تختلف: فتكون العلامة فيها تارة «الاسم» ، وتارة «أخوه» ، وتارة «والده» . الجملة الرابعة (في الطّغرى «2» التي تكون بين الطّرّة المكتتبة في أعلى المنشور وبين البسملة) قال في «التعريف» : قد جرت العادة أن تكتب للمناشير الكبار كمقدّمي الألوف والطبلخانات طغرى بالألقاب السلطانية؛ ولها رجل مفرد بعملها وتحصيلها بالدّيوان. فإذا كتب الكاتب منشورا أخذ من تلك الطّغراوات واحدا، وألصقها فيما كتب به. قال في «التعريف» : وتكون فوق وصل بياض فوق البسملة. قال في «التثقيف» : فبعد وصلين أو ثلاثة من الطّرّة. قلت: ولم تزل هذه الطّغرى مستعملة في المناشير إلى آخر الدولة الأشرفيّة «شعبان بن حسين» «3» ثم تركت بعد ذلك ورفض استعمالها وأهملت. ولا يخفى أنه يرد عليها السّؤال الوارد على الطّغرى المكتتبة في أوّل المكاتبات إلى سائر ملوك الكفر من تقديم اسم السلطان على البسملة، على ما تقدّم بيانه في موضعه.

وقد تقدّم الاحتجاج لذلك بقوله تعالى في قصّة بلقيس: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «1» وأنه يحتمل أن يكون قوله: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ حكاية عن قول بلقيس، ويكون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هو أوّل الكتاب، فلا يكون في ذلك حجة على تقدّم الاسم على البسملة. وأنه إنما يتّجه الاحتجاج بذلك على القول بأنّ قوله: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ من كلام سليمان عليه السّلام، وأنه إنما قدّم اسمه على البسملة وقاية لاسم الله تعالى، من حيث إنه كان عادة ملوك الكفر أنهم إذا لم يرضوا كتابا مزّقوه أو تفلوا فيه، فجعل اسمه حالّا محلّ الوقاية. ولا شكّ أنّ مثل ذلك لا يجيء هنا، لأن المحذور فيه مفقود، من حيث إنّ هذه المناشير إنما تلقى إلى المسلمين القائمين بتعظيم البسملة والموفين لها حقّها. وحينئذ فيكون لترك استعمالها وجه ظاهر من جهة الشرع، بخلاف ما في المكاتبات إلى ملوك الكفر. واعلم أن هذه الطّغراوات تختلف تركيباتها باعتبار كثرة منتصباتها من الحروف وقلّتها، باعتبار كثرة آباء ذلك السلطان وقلّتهم؛ ويحتاج واضعها إلى مراعاة ذلك باعتبار قلّة منتصبات الكلام وكثرتها. فإن كانت قليلة أتي بالمنتصبات كما سيأتي بيانه بقلم جليل مبسوط، كمختصر الطّومار ونحوه، لتملأ على قلّتها فضاء الورق من قطع الثلثين أو النّصف. وإن كانت كثيرة أتي بالمنتصبات بقلم أدقّ من ذلك، كجليل الثّلث ونحوه اكتفاء بكثرة المنتصبات عن بسطها. ثم تختلف الحال في طول المنتصبات وقصرها باعتبار قطع الورق: فتكون منتصباتها في قطع النّصف دون منتصباتها في قطع الثلثين. ثم قد اصطلح واضعوها على أن يجعلوا لها هامشا أبيض من كلّ من الجانبين بقدر إصبعين مطبوقين، وطرّة من أعلى الوصل قدر ثلاثة أصابع مطبوقة. ثم إن كانت في قطع النصف جعلت منتصباتها مع تصوير الحروف بأسفلها

في الطول بقدر ... «1» ذراع، وفي العرض بقدر ... «2» . ذراع. وإن كانت في قطع الثلثين جعل طولها مقدار ... «3» . ذراع، وعرضها مقدار ... «4» . ذراع. ثم تارة تكون منتصبات محضة يقتصر فيها من اسم السلطان على ما هو مذكور من اسمه واسم أبيه، وتارة يجعل اسم السلطان واسم أبيه بأعالي المنتصبات في الوسط بقلم الطّومار قاطعا ومقطوعا، بحيث يكون ما بين أعلى الاسم وآخر أعلى المنتصبات قدر أربعة أصابع أو خمسة أصابع مطبوقة. ثم إذا ألصق الكاتب الطّغرى، كتب بأسفلها في بقية وصلها في الوسط، بعد إخلاء قدر إبهام بياضا ما صورته: «خلّد الله سلطانه» . وهذه صورة طغرى منشور بألقاب السلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» مضمونها: «السلطان الملك الناصر، ناصر الدّنيا والدّين، محمد ابن السلطان الشهيد الملك المنصور، سيف الدين قلاوون» . وعدد منتصباتها من الألف وما في معناها خمسة وثلاثون منتصبا بقلم النّصف، وهو بقدر قلم الثلث الثقيل وقدر نصفه. وترتيب منتصباتها [منتصبان] «5» متقاربان بينهما بياض لطيف بقدر مرود دقيق، ثم منتصب يحفّه بياضان، كلّ منهما أعرض من المنتصب الأسود بيسير. وبعد ذلك منتصبان متقاربان بينهما على ما تقدّم. وكذلك إلى آخر المنتصبات، فتختتم بمنتصبين مزدوجين، كما افتتحت بمنتصبين مزدوجين، على ما اقتضاه تحرير التقسيم، وهي في طول نصف ذراع بذراع القماش القاهريّ مع زيادة نحو نصف قيراط، وعرض مثل ذلك. وتحتها في الوسط بقلم الثلث الجليل بعد خلوّ عرض إصبع بياضا ما صورته: «خلّد الله سلطانه» ؛ وهي هذه:

وهذه نسخة طغرى منشور أيضا بألقاب السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن قلاوون، مضمونها: «السلطان الملك الأشرف ناصر الدنيا والدين ابن الملك الأمجد ابن السلطان الملك الناصر ابن الملك المنصور قلاوون» . وعدد منتصباتها من الألفات وما في معناها خمسة وأربعون منتصبا، بقلم جليل الثّلث، بين كلّ منتصبين قدر منتصب مرّتين بياضا، وطولها ثلث ذراع وربع ذراع بالذراع المقدّم ذكره، وعرضها كذلك؛ واسم السلطان بأعاليها بقلم الطّومار بالحبر قاطع ومقطوع كما أشار إليه في «التعريف» . مثاله: شعبان بن حسين- الشين والعين والباء والألف سطر، والنون من شعبان وابن سطر مركب فوق الشين والعين، وحسين سطر مركب فوق ذلك؛ وطول ألف شعبان تقدير سدس ذراع، وقد قطعت النون الألف وخرجت عنها بقدر

الجملة الخامسة (في ذكر طرف من نسخ المناشير التي تكتب في الإقطاعات في زماننا)

يسير، وأوّل الاسم بعد المنتصب السادس عشر من المنتصبات، وآخر النون من حسين البارزة عن ألف شعبان إلى جهة اليسار بعدها أحد عشر منتصبا من جهة اليسار؛ وهي هكذا: الجملة الخامسة (في ذكر طرف من نسخ المناشير التي تكتب في الإقطاعات في زماننا) قد تقدّم الكلام في الجملة الثالثة على صورة ما يكتب في المناشير وما تفتتح به وذكر ترتيبها، واختلاف حالها باختلاف حال مراتب أصحابها صعودا وهبوطا، فأغنى عن ذكر إعادته هنا. واعلم أن الأحسن بالمناشير أن تكون مبتكرة الإنشاء، ليراعى فيها حال المكتوب له في براعة الاستهلال وغيرها من المناسبات والمطابقات؛ فإن تعذّر ذلك فالأحسن أن تكون براعة الاستهلال منقولة في الإسم والكنية واللّقب ونحوها

النوع الأول (ما يفتتح ب «الحمد لله» ، وهو على ثلاثة أضرب)

ليكون ذلك أقرب إلى الغرض المطلوب؛ فإن تعذّر ذلك فينبغي أن تكون براعة الاستهلال قاصرة على معنى الإقطاع وما ينجرّ إليه من ذكر كرم السلطان ومنّه وإحسانه إلى أخصّائه، وما ينخرط في هذا السّلك. ثم نسخ المناشير على ثلاثة أنواع: النوع الأوّل (ما يفتتح ب «الحمد لله» ، وهو على ثلاثة أضرب) الضرب الأوّل (مناشير أولاد الملوك) وهذه نسخ مناشير من ذلك: نسخة منشور، كتب به عن الملك المنصور قلاوون لابنه الناصر محمد في سلطنة أبيه المذكور، من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر؛ وهي: الحمد لله الذي زيّن سماء الملك بأنور كوكب بزغ، وأعزّ ملك نبغ، وأشرف سلطان بلغ إلى ما بلغ ذوو الاكتهال من اختيار شرف الخلال وما بلغ. نحمده حمدا تزيد به النعماء وتنمي، وتهمل به الآلاء وتهمي، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة خالصة من كلّ ريب، واقصة «1» كلّ عيب، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي بعثه الله تعالى بمكارم الأخلاق، ومعاداة ذوي النّفاق، وساوى بين الصّغير والكبير من أولي الاستحقاق، في الإرفاد والإرفاق، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما رقّ نسيم وراق، وما خصفت أوراق. وبعد، فإن الهواتف أبين ما تشدو، إذا حفّت الرياض بها من كلّ جانب، والسماء أحسن ما تبدو، إذا تزيّنت بالكواكب السيّارة والشّهب الثّواقب، والسعادة

الضرب الثاني (من نسخ المناشير المفتتحة بالحمد مناشير الأمراء مقدمي الألوف)

أحمد ما تحدو، إذا خصّصت بمن إليه، وإلّا ما تشدّ الركائب، وعليه، وإلا ما تثني الحقائق والحقائب؛ ومن هو للملك فلذة كبده، ونور مقلته وساعد يده، ومن تتيمّن السلطنة بملاحظة جبينه الوضي، وتستنير بالأنور المضي، ومن تغضب الدنيا لغضبه وتزهى إذا رضي، ومن نشأ في روض الملك من خير أصل زكيّ، وفاحت أزاهره بأعطر أرج وأطيب نشر ذكيّ، وطلع في سماء السّلطنة نجما ما للنيّرين ما له من الإضاءة، ويزيد عليهما بحسن الوضاءة، ومن تشوّف النصر له من مهده، وتشوّق الظّفر إلى أنه يكون من جنده، واستبشرت السلطنة بأن صار لها منه فرع باسق، وعقد متناسق، وزند وار وجناح وارف، وفخار تليد وعزّ طارف، وطرفان معلمان تنشر فيهما المطارف. ولهذه المحاسن التي تشرئبّ إلى قصدها آمال الخلائق المنتجعة- اقتضى حسن البرّ الوصول، وشرف الإقبال والقبول، أن خرج الأمر العاليّ- لا برحت مراسمه متزينة زينة السماء بكواكبها، ومزاحمة سمك السّماك بمناكبها- أن يجرى في ديوان الجناب العاليّ المولويّ، الملكيّ، الناصريّ....... قلت: كما أنّ هذا المنشور منشور سلطان فهو في البلاغة لحسن إنشائه سلطان المناشير. الضرب الثاني (من نسخ المناشير المفتتحة بالحمد مناشير الأمراء مقدّمي الألوف) وهذه نسخ مناشير منها: نسخة منشور، كتب به للأمير بدر الدين بيدرا «1» ، أستادار الملك المنصور قلاوون، من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر رحمه الله؛ وهي:

الحمد لله الذي جعل بدر الدين تماما على الّذي أحسن، وإماما تقتدي النجوم منه بالضّياء الأبين والنّور الأزين، ونظاما يجمع من شمل الذّرى ما يغدو به حماه الأحمى وجنابه الأصون. نحمده حمد من أعلى صوته وصيته أعلن، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تغدو وتبدو عند الذّبّ وفي القلب مكانها الأمكن، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ونبيّه الذي أوهى الله به بناء الشّرك وأوهن، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه ورضي عمّن آمن به وعمّن أمّن. وبعد، فإنّ خير النّعماء ما أتي به على التّدريج، وأتى كما يأتي الغيث بالقطر والقطر لإنبات كل زوج بهيج، وأقبل كما تقبل الزيادة بعد الزيادة فبينا يقال: هذا خليج يمدّه البحر إذ يقال: هذا بحر يستمدّ منه كلّ خليج، وبينا يقال: هذا الأمير، إذ يقال: هذا الممير، وبينا يقال: هذا الهلال، إذ يقال: هذا هو البدر المنير. ولمّا كان فلان من هذه الدّولة بموضع الغرّة من الجبين، وسكان الرّاحة من اليمين، وله سوابق خدمة لا يزاحمه أحد في طرق طروقها، ولا تستكثر له زيادة بالنسبة إلى موجبات حقوقها؛ وهو من التّقوى بالمحلّ الأسمى، على غيره من الطّرّاق، والمكان الأحمى، الذي مكانه منه- وإن كان أمير مجلس «1» - صدر الرّواق، وله الكرامات التي ترى الخدود لها صعر، وكم سقت من سمّ العداة دافة الذّعر، وكم قابل نوره نارا فصارت بردا وسلاما، وتكلّم على خاطر فشاهد الناس منه شيخا من حيث الشبيبة أجلّ الله قدره غلاما؛ فهو المجاهد للكفّار، وهو المتهجّد في الأسحار، وهو حاكم الفقراء وإن كان سلطانه جعله أستاذ الدّار؛ وهو صاحب العصا التي أصبح بحملها مضافة إلى السّيف يتشرّف، ومعجزها لا يستكثر له أنها لكلّ حيّة تتلقّف، وهو الذي تحمد الكشوف والسّيوف فتوحه وفتحه، والذي يشكر يده عنان كلّ سابح وزمام كلّ سبحة؛ وكم أسال بيديه من دماء الأعداء ماء

جرى، وعمل بين يديه للفقراء ما جرى، وكم وليّ لله خفي شخصه فأظهر محضه فقال الوليّ: وما أدري درا لولا بيدرا- اقتضى حسن الرأي الشريف أن يجمّل إحسان الدولة القاهرة له عملا، وأن يحسن له علّا ونهلا، وأن يختار له إذ هو صاحب العصا كما اختار موسى قومه سبعين رجلا. وخرج الأمر العاليّ- لا زال ظلّه ظليلا، بامتداد الفيء بعد الفيء، وعطاؤه جزيلا، بتنويل الشيء بعد الشيء- وهو ذو الكرم والكرامات، وصاحب العصا بالأستادارية، ولا يستكثر لصاحبها سحر الحيّات. وهذه نسخة منشور من ذلك لمن لقبه سيف الدّين، من إنشاء المقرّ الشهابيّ بن فضل الله «1» ؛ وهي: الحمد لله الذي جرّد في دولتنا القاهرة سيفا ماضيا، ووفّق من جعل فعله لمزيد النّعم متقاضيا، وأسعد بإقبالنا الشريف من أصبح به سلطانه مرضيّا وعيشه راضيا. نحمده على نعمه التي تسرّ مواليا وتسوء معاديا، وتقدّم من أوليائنا من يقوم مقامنا إذا سمع مناديا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة كم أروت في موارد الوريد من الرّماح صاديا، وأورت هاديا، ورفعت من أعيان الأعلام هاديا، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أنزل القرآن بصفاته حاليا، وأحلّنا ببركة المشاركة في اسمه المحمّديّ مكانا عاليا، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة لا يبرح كلّ لسان لها تاليا، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ صدقاتنا الشريفة لم تزل تجدّد إنعاما، وتزيد إكراما، وتضاعف لكلّ من أضحى ناصرنا بحقيقة ولائه إجلالا وإعظاما، ليترقّى إلى أعلى الدّرج،

ويعلم أنه قد ورد البحر فيحدّث عن كرمه ولا حرج، ومن رأى التقرّب إلى الله تعالى بمراضينا الشريفة فتقرّب إليها، وأقبل بقلب مخلص عليها، وأشبه البدور في مواقفه توسّما، وحكى السّيف بارق ثغره لمّا أومض في حومة الحرب متقسّما، وأقدم حين لم يجد بدّا أن يكون مقدّما، ووصفت الطّعنات التي أطلعت أسنّتها الكواكب بها درّيّة، والحملات التي تقرّ العدا لفعلاتها أنها بهادريّة؛ كم له من محاسن، وكم عرفت له من مكامن، وكم له من صفات كالعقود يصدق بها من قال: الرجال معادن؛ كم له من همّة تترقّى به إلى المعالي، كم له من عزمة يروى حديثها المسند عن العوالي؛ كم به أمور تناط، وكم جمهور يحاط؛ كم له من احتفاء واحتفال، وكم له من قبول وإقبال، وكم له من وثبات وثبات، وكم له من صفات وصفات، وكم له إماتة كماة؛ كم له من مناقب تصبح وتمسي، وكم له من معارف لمّا علم بها ملكه- خلّد الله ملكه- قالَ الْمَلِكُ: ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي «1» فلذلك لا تزال آراؤنا العالية تعقد له في كلّ وقت راية، وتسعى به إلى أبعد غاية، وتتبع له عناية بعد عناية، حتى لا تخلو دولتنا الشريفة من سيف مشهور، وعلم منشور، وبطل لا يردّ عن الصّميم تصميما، ولا تعدّ أكابر الأمراء إلا ويكون على العساكر مقدّما وعلى الجيوش زعيما: ليعلم كلّ مأمور وأمير، وكلّ مماثل ونظير، أنّ حسن نظرنا الشريف يضاعف لمن تقرّب إلينا بالطاعة إحسانا، ويوجب على من وجد الميسور بهذا المنشور امتنانا: لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً «2» ولمّا كان فلان هو المعنيّ بهذه المقاصد، والمخصوص بهذه الممادح والمحامد، والواحد الذي ما قدّم على الألف إلّا وكالألف ذلك الواحد.

فلذلك خرج الأمر الشريف- لا زالت أيّامه موصولة الخلود، موسومة بمزايا الجود- أن يجرى في إقطاعه......... وهذه نسخة منشور من ذلك لمن لقبه «شمس الدين» كتب به في الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون» ؛ وهي: الحمد لله الذي جعل دولتنا القاهرة مطلع كلّ قمر منير، ومجمع كلّ مأمور وأمير، وموقع كلّ سحاب يظهر به البرق في وجه السّحاب المطير، الذي شرّف بنا الأقدار، وزاد الاقتدار، وجعل ممالكنا الشريفة سماء تشرق فيها الشّموس والأقمار. نحمده على نعمه التي تختال أولياؤنا بها في ملابسها، وتختصّ بنفائسها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نجرّد سيف الدّين لإقامتها، ونحافظ بوقائعه في الحرب على إدامتها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي خصّه بمزيّة التقريب، وشرفه على الأنبياء بالمكان القريب، صلّى الله عليه وعلى آله الذين عظّمهم بقربه، وكرّمهم بحبّه، وقدّمهم في السّلف الصّالح إذا جاء كلّ ملك بأتباعه وكلّ ملك بصحبه، وسلّم. وبعد، فإن أولى الأولياء أن تشمله صدقاتنا الشريفة بحسن نظرنا الشريف، وبرفعة قدره المنيف، ليتمّ له إحسانها، ويزيد إمكانها، حتّى ينتقل هلاله إلى أكمل مراتب البدور، ويمتدّ بحصنه المستظلّ به كثير من الجمهور، ويتقدّم في أيّامنا الشريفة إلى الغاية التي يرجوها، ويقدّم قدمه إلى مكانة أمثاله التي حلّوها، وتتكمّل بنا نعمة الله: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها «1» - الناصريّ بحقيقة ولائه، البهادريّ «2» شجاعة في لقائه، من تكفّلت صدقاتنا العميمة له بما لم يكن

في أمله، وجمّلت حمايتنا الشريفة معاطفه بأبهى مما ينسجه الربيع من حلله، وتوسّمنا فيه من معرفة تقرّب إلى مراضينا الشريفة بها دريّا، وهمّة جرّدنا بها منه سيفا بهادريّا، وطلعة أطلعت منه بالبهاء كوكبا درّيّا، مع ما تخوّل فيه من نعمنا الشريفة، وقام به في أبوابنا العالية من أحسن القيام في كلّ وظيفة. ولما كان فلان هو الذي أشرنا إليه، ونبّهنا مقل النجوم عليه، فاقتضت آراؤنا الشريفة أن نبلّغه أقصى رتب السعادة، ونعجّل له بحظّ الذين أحسنوا الحسنى وزيادة، ليعدّ في أكابر أمراء دولتنا الشريفة إذا ذكروا، والمقدّمين على جيوشنا المنصورة إذا بادروا إلى مهمّ شريف أو ابتدروا، ليعلم كلّ أحد كيف يجازى كلّ شكور، وكيف يتحلّى بنعمنا الشريفة كلّ سيف مشهور، وكيف نذكر واحدا منهم فيغدو في زعماء العساكر المؤيّدة وهو مذكور، ليبذلوا في خدمة أبوابنا الشريفة جهدهم، ويتوكّلوا على الله تعالى ثم على صدقاتنا العميمة التي تحقّق قصدهم. فلذلك خرج الأمر الشريف......... وهذه نسخة منشور من ذلك، كتب به في الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون» لمن لقبه «بدر الدين» ؛ وهي: الحمد لله الذي زيّن أفق هذه الدّولة القاهرة ببدرها، وسيّرة في درج أوجها ونصرها، ونقّله في بروج إشراقها ومنازل فخرها. نحمده على نعمه المنهلّة ببرّها، المتهلّلة ببشرها، المتزيّدة كلّما زدنا في حمدها وشكرها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنطق بها القلوب في سرّها وجهرها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله المبعوث إلى الأمم

بأسرها، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تملأ الوجود بأجرها، وتضمن لأمّتها النّجاة يوم حشرها. وبعد، فإنّ أولى من تنعّمت النّعمى بتواليها عليه ومرّها، وخير من استقرّت الخيرات عنده في مستقرّها، وأعلى من عمّمته ألسنة الأقلام ببدائع نظمها ونثرها، وخصّصته بمحامد تتأرّج المناشير بنشرها- من كان للدولة القاهرة يشرح صدرها، بتيسير أمرها، ويشدّ أزرها، بحمل وزرها، ويتكفّل بأداء فرائض إتمامها ونصرها، ويوصّل حمل ما يفتحه من الحصون الضّيّقة إلى مصرها. ولما كان فلان هو بدر هذه السماء ومنير زهرها، ونيّر نجوم هذه المقاصد ومبتدأ فخرها، وفريدة عقد هذه القلائد ويتيمة درّها، وصاحب هذه الألغاز ومفتاح سرّها- اقتضت الآراء الشريفة أن تزفّ إليه عرائس العوارف، ما بين عوانها وبكرها، وترفّ عليه نفائس اللّطائف، ما بين شفعها ووترها، وتتهادى إليه الهدايا ما بين صفرها وحمرها، وتتوالى عليه الآلاء ما بين ثمرها وزهرها، وأن تزاد عدّته المباركة في كمّيّتها وقدرها، وأن تكمّل عشراته التّسع بعشرها، ليعلم أنه لا يبرح في خلدها وسرّها، وأنها لا تخليه ساعة من سعيد فكرها. فلذلك خرج الأمر العاليّ- لا زالت الأقدار تخصّ دولته القاهرة بإطابة ذكرها، وإطالة عمرها، ولا برحت الأملاك كفيلة بنصرها، بمضاء بيضها وإعمال سمرها- أن يجري......... وهذه نسخة منشور من ذلك كتب به في الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون» لمن لقبه «صلاح الدين» ، وهي: الحمد لله الذي أتحف الممالك الشريفة من سعيد تدبيرنا، بصلاحها، وصرف حميد تأثيرنا، بإنجاب الأولياء وإنجاحها، وأسعف طوامح أمانيّهم: من اقترابهم من خواطرنا الشريفة في بعدهم وتدانيهم بإجابة سؤالها وإصابة اقتراحها. نحمده على أن جعل نصر دولتنا الشريفة قريبا من نصّاحها، ونشكره على أن

وصل أراجيّهم بإرباحها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تحسن المآل والعاقبة لذوي الإخلاص كما أحسنت في ابتدائها وافتتاحها، ويؤذن حسن اعتنائها لأحوال أولي الاختصاص بإصلاحها، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي عمّت مواهبه، بإبراق سمائها وإغداق سماحها، وسمت مناقبه، بائتلاق غررها وإشراق أوضاحها، وأمّت مواكبه، ديار العدا فشدّت عليهم مشهور قراعها ومنصور كفاحها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أصابت أكفّهم في السّلم بمسعفات أقلامها وصالت أيديهم في الحرب بمرهفات رماحها، ما جرت الأقدار بمتاحها، وسرت المبارّ لممتاحها، وظهرت آثار الإقبال التامّ على من له بخدمتنا اهتمام واحتفال فلاح على مقاصده معهود فلاحها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من لمحه نظرنا الشريف حيث كان، ورجّحه فكرنا الحسن الجميل فمنحه الإجمال والإحسان، من لم يزل شكره أرجا بكلّ مكان، وذكره بهجا تسري به الركائب وتسير به الرّكبان، وصدره الرحيب مستودع الأسرار فلا تصاب إذ كانت فيه تصان، وقدره عندنا المحفوظ المكانة، فإن بعد فهو قريب دان، وأمره منّا الملحوظ بالإعانة، فلا نزال نوليه البرّ ونعلي له الشّان. ولما كان فلان.......... وهذه نسخة منشور، كتب به للأمير سعد الدين مسعود بن الخطيري، من إنشاء الشريف شهاب الدين كاتب الإنشاء؛ وهو: الحمد لله على نعمه التي زادت سعودا، وضاعفت صعودا، وكرّمت في أيّامنا من لا حاجب له عن أن نمنحه من إنعامنا مزيدا، وقدّمت بين أيدينا الشريفة من أوليائنا من غدا قدره عندنا خطيرا وحظّه لدينا مسعودا. نحمده على أن أنجز لأصفيائنا من وفائنا وعودا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تحمد لمخلصها صدورا وورودا، وتلقى مؤمنها بالبشر إذا جمع الموقف وفودا، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي شرّف بإنجاده مطرودا،

وأردف بالملائكة جنودا، وأوصل به حقوقا وأقام حدودا، وحجب ببركاته وفتكاته الأسواء فغدا العدل موجودا، وأضحى الحكم مقصودا، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ما منهم إلا من كان بالمؤمنين رحيما وعلى المشركين شديدا. أما بعد، فنعمنا إذا أولت وليّا، منحها والت، وإذا قدّمت صفيّا، وهبته مزيدها وأنالت، وإذا أقبلت بوجه إقبالها على مخلص تتابعت إليه المسرّات وانثالت، لا سيّما من أطابت الألسنة الثناء عليه وأطالت، وجبلت سجاياه على العدل والمعرفة فما حافت ولا مالت، وأوصلت رأفته منّا المستضعفين وعلى المجرمين سطوته صالت؛ فبيمن مقاصده هانت الخطوب وإن كانت فتكاته في الحروب كم هالت، وهممه في السّلم قد جلّت ويوم الرّوع كم جالت، وعزائمه كم غارت فأغارت وللمعتدين كم غالت، وكم سبق إلى خدمتنا صاحب الشمس وكيف لا وهو البدر ولكنه لم يزل وإن هي زالت. وكان فلان هو الذي نقّلناه في درجات التّقديم حتّى كمل بدره، ووقّلناه في مراتب التّكريم حتّى أصبح وهو المسعود حظّه المحمود ذكره، وخوّلناه مواهب جودنا العميمة فاستدّ «1» باعه واشتدّ أزره. فلذلك خرج الأمر الشريف- لا برح إنعامه يجلّ عن الحصر، ودولته يخدمها العزّ والنّصر، وإكرامه يقضي بمسرّات الأولياء بالجمع ويفضي إلى أعمار الأعداء بالقصر-.......... وهذه نسخة منشور، كتب به لعلاء الدين إيدغمش أمير آخور «2» الناصريّ

[كتب به في الدولة الناصرية] «1» محمد بن قلاوون، من إنشاء الشريف؛ وهو: الحمد لله الذي زاد علاء دولتنا الشريفة، وأفاد النّعماء التامّة من قام بين أيدينا أتمّ قيام في أتمّ وظيفة، وأجاد الآلاء المتوالية بمن أعنّة الجياد بإشارته مصرّفة ومنّة الجود بسفارته مصروفة، وأراد الاصطفاء لأعزّ همام: في قلوب الأولياء له محبّة وفي قلوب الأعداء منه خيفة، وأباد أولي العناد بفتكاته التي بها الغوائل مكفيّة والطّوائل مكفوفة، وشاد الملك الأعزّ بإرفاد وليّ له الشجاعة المشكورة والطاعة المعروفة. نحمده على أن جعل اختياراتنا بالتّسديد محفوظة وبالتأييد محفوفة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة السّرائر لإخلاصها ألوفة، والضّمائر على اختصاصها معطوفة، ونشهد أنّ سيدّنا محمدا عبده ورسوله الذي نسله من النّبعة المنيفة وأرسله بالشّرعة الحنيفة، وفضّله بالرّفعة على ظهر البراق إلى السّبع الطّباق وجنود الأملاك به مطيفة، صلّى الله عليه وعلى آله ذوي الهمم العليّة والشّيم العفيفة، ورضي الله عن أصحابه الذين لو أنفق أحد مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه، صلاة تبيّض بالأجور الصّحيفة وتعوّض بالوفور من مبرّاتنا الجليلة بفكرتنا الجميلة اللطيفة، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فكرمنا يسبغ المواهب والمنائح، ونعمنا تبلّغ المآرب والمناجح، فلا نبرح ننقل في درجات الصّعود من هو في خدمتنا لا يبارح، ويتكفّل صالح نظرنا الشريف صلاح حال من أجمل النصائح وأثّل المصالح، فكم راض لنا من جامح، وخاض بحر الوغى على ظهر سابح، وحمى رواق الإسلام من رعبه بذبّ ورمى أعناق الكفّار من عضبه بذابح، وأصمى المقاتل بكل نابل يستجنّ في الجوانح، وانتمى إلى سعادة سلطاننا الناصر الفاتح، وسما عزم إعلائه بتقريبه وإدنائه إلى السّماك الرامح. طالما مسّ الكفّار الضّرّ إذ مسّاهم بالعاديات الضّوابح «2» ، وأحسّ

كلّ منهم بالدّمار لما ظنّ أنه لحربه يكابد ولحزبه يكافح، وصبّحهم بإغاراته على الموريات قدحا «1» فأغرى بهم الخطوب الفوادح، وطرحهم بالفتكات إلى الهلكات فصافحت [رقابهم] «2» رقاب الصّفائح، وأخلى من أهل الشّرك المسارب والمسارح، وأجلى أهل الإفك عن المطارد والمطارح. ولمّا كان فلان هو الذي استثار إليه شأن هذه المدائح، وسار بذكره وشكره كلّ غاد ورائح. خرج الأمر الشريف- لا برح سبيل هداه الواضح، وجزيل نداه يغدو كالغوادي بالعائد والبادي من فضله وهو الناصح،.......... وهذه نسخة منشور، كتب به للأمير شمس الدين سنقر البكتوتي الشهير بالمسّاح؛ وهي: الحمد لله الذي أجزل المواهب، وجدّد من النّعم ما لا تزال الألسنة تتحدّث عن بحرها بالعجائب، وأطلع في أفق الدولة الشريفة شمسا تستمدّ من أنوارها الكواكب. نحمده على نعم يتوالى درّها توالي السحائب، ويغالى درّها عن أن تطوّق «3» به الأذنان والتّرائب، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تختصّ قائلها من درجات القبول والإقبال بأسمى الدّرجات وأسنى المراتب، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي اصطفاه من لؤيّ بن غالب، وصان ببعثته الشريفة رداء النّسك عن كلّ جاذب، وخصّه بأشرف المواهب، وصيّر الإيمان بنور

هدايته واضح السّبل والمذاهب، صلى الله عليه وعلى آله وصخبه صلاة لا يمضي جزء من الدّهر إلا ووجودها فيه وجود الفرض الرّاتب، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أحقّ من حلّي من النّعماء بأفضل العقود، وخصّ بأضفى ملابس الإقبال وأصفى مناهل الإفضال: فاستعذب من هذه الورود، واختال من هذه في أجمل البرود، ومنح من الإقبال بكلّ غادية تخجل السحاب إذ يجود، وإن رقمت بها الأقلام سطورا في طروس أزرت بالزّهر اليانع والرّوض المجود، ونقل قدره من منزل عزّ إلى منزل أعزّ فكان كالشّمس تنتقّل في منازل الشّرف والسّعود- من ظهرت مكارم سماته، واشتهرت محاسن صفاته، وطلعت في سماء العجاج نجوم خرصانه ولمعت في دجى النّقع بروق ظباته «1» ، وقدّم على الجيوش والجحافل فظهرت نتائج التأييد والتّسديد من تقدّمه وتقدماته، وهزم جيوش الأعداء، في مواقف الهيجاء؛ بثبات أقدامه في إقدامه ووثباته، وتجرّد في المهمّات والملمّات تجرّد الماضيين: من سيوفه وعزماته. ولما كان فلان هو الموصوف بهذه الأوصاف الجليلة، والمنعوت بهذه المحاسن الجميلة، والمشار إليه بهذه المحامد والممادح التي تزهو على زهر الكواكب، وتسمو بما له من جميل المآثر والمناقب- أوجب له الاختيار المزيد، وقضى له الامتنان بتخويله نعما وتنويله مننا: تضحي هذه عقدا في كلّ جيد، وتمسي هذه مقرّبة له من الآمال كلّ بعيد- واقتضى حسن الرّأي الشريف أن يمنح بهذا المنشور، ليخصّ من الأولياء بالسعد الجديد والجدّ السعيد. فلذلك خرج الأمر الشريف.........

وهذه نسخة منشور، كتب به للأمير خاص «1» ترك في الرّوك «2» الناصريّ؛ وهي: الحمد لله على نعمه التي سرت إلى الأولياء ركائبها، وهمت على رياض الأصفياء سحائبها، وتوالت إلى من أخلص في الطاعة بغرائب الاحسان رغائبها، وتكفّلت لمن خصّ بأسنى رتب البرّ الحسان مكارمها العميمة ومواهبها، وغمرت بحار كرمها الزاخرة من يحدّث عن شجاعته ولا حرج كما يحدّث عن البحور التي لا تفنى عجائبها. نحمده على نعمه التي إذا أغبّتنا سحائب النّدى أعقبت سحائب، وخصّت الخواصّ من درج الامتنان بمراتب تزاحمها الكواكب على نهر المجرّة بالمناكب، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا يزال الجهاد يرفع ألويتها، والجلاد يعمر بوفود الإخلاص أنديتها، والإيمان يشيّد في الآفاق أركانها الموطّدة وأبنيتها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أيده الله بنصره، وخصّه بمزيّة التّقدّم على الأنبياء مع تأخّر عصره، وآتاه من المعجزات ما تكلّ ألسنة الأقلام عن إحصائه وحصره، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين حاطوا دينه بالمحافظة على جهاد أعدائه، وأيّدوا ملّته بإعادة حكم الجلاد في سبيل الله وإبدائه، صلاة لا يزال الإيمان يقيم فرضها، والإيقان يملأ طول البسيطة وعرضها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن أولى من ضوعفت له النّعم، ووطّدت له الرّتب التي لا تدرك غاياتها إلا بسوابق الخدم، وأشرقت به مطالع السّعود، وحقّقت له مطالب الاعتلاء والصّعود، ورفعته مواقع الإحسان إلى أسنى المراتب التي هو مليّ بارتقائها، وتولّت له هوامع البرّ والامتنان انتقاء فرائد النّعم التي هو حقيق باختيارها

وانتقائها، وبلّغته العناية بأجلّ مما مضى قدرا، واستقبلته الرعاية من أفق الإقبال بما إذا حقّق التأمّل وجد هلاله بدرا- من ربّي في ظلّ خدمتنا التي هي منشأ الآساد، ومربى فرسان الجهاد، وعرين ليوث الوغى التي آجامها عوالي الصّعاد، وبراثنها مواضي السّيوف الحداد، وفرائسها كماة أهل الكفر وحماة أرباب العناد؛ فكم له في الجهاد من مواقف أعزّت الدّين، وأذلّت المعتدين، وزلزلت أقدام الأبطال، وزحزحت ذوي الإقدام عن مواقف المجال، وحكّمت صفاته «1» في القمم، وأنبتت صفاحه في منابت الهمم، وفرّقت ما لأهل الكفر من صفوف، وأرتهم كيف تعدّ ألوف الرجال بالآحاد وآحادها بالألوف. ولما كان فلان هو الذي أشير إلى مناقبه، ونبّه على شهرة إقدامه في كل موقف يمن عواقبه، وأوميء إلى خصائص أوصافه التي ما زال النصر يلحظها في مشاهد الجهاد بعين ملاحظه ومراقبه- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نجدّد اعتلاء مجده، ونزيد في أفق الارتقاء إضاءة إقباله وإنارة سعده. فلذلك خرج الأمر الشريف لا زال...... الخ. وهذه نسخة منشور كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون لجمال الدّين أقوش الأشرفي «2» ، المعروف بنائب الكرك عند خروجه من الجبّ؛ وهي: الحمد لله مفرّح القلوب، ومفرّج الكروب، ومبهج النفوس بذهاب غياهب الخطوب، ومبلّغ من تقادم عهده في حفظ ولائنا نهاية المرغوب، وغاية المطلوب، الذي أعاد إلى المخلصين في طاعتنا النعمة بعد شرودها، وعوّضهم عن تقطيب الأيّام بابتسامها وعن خمولها بسعودها، وألقى على الأول منهم جمالا لا يسع الأذهان أن تّتصف بإنكار حقوقه وجحودها.

نحمده على ما وهبنا من الأناة والحلم، وخصّ به دولتنا من المهابة التي تخشى يوم الحرب والمواهب التي ترجى يوم السّلم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تكفّلت بالنجاة لقائلها، وأغنت من حافظ عليها عن ضراعات النّفوس ووسائلها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله المبعوث برعاية الذّمم، والمنعوت بحسن الرأفة التي هي شعار أهل الوفاء والكرم، [صلى الله عليه] وعلى آله وصحبه ما تلافت الأقدار نفوسا من العدم، وتوافت الأمانيّ والمناجح فأظفرت من أخلص نيّته الجميلة بردّ ضالّة النّعم، صلاة تضفي على الأولياء حلل القبول والرضا، وتصفي من الأكدار مناهل سرورهم فكأنّ الخطب أبرق وأومض فمضى، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من انتظمت بعد الشّتات عقود مسارّه، وابتسمت بعد القطوب ثغور مبارّه، واشتملت عواطفنا عليه فجلبت أسباب منافعه وسلبت جلباب مضارّه، واحتفلت عوارفنا بالملاحظة لعهده الوثيق العرا، والمحافظة على سالف خدمته التي ما كان صدق ولائها حديثا يفترى، وسبق له من الاختصاص في الإخلاص ما يرفعه من خاطرنا مكانة عالية الذّرا- من أضحى من السابقين الأوّلين في الطاعة، والباذلين في أداء الخدمة والنّصيحة لدولتنا جهد الاستطاعة، والمالكين للمماليك بحسن الخلّة وجميل الاعتزام، والمحافظين على تشييد قواعد الملك بآرائه وراياته التي لا تسامى ولا تسام، وأمسى هو الوليّ الذي لا يشاركه أحد في إخلاص الضمير في موالاتنا وصفاء النّيّة، ولا يساهمه وليّ فيما اشتمل عليه من صدق التعبّد وجميل الطّويّة، المخلص الذي انفرد بخصائص الحقوق السابقة والآنفة، وامتاز بموجبات خدم لا تجحد محافظتها التالدة والطارفة، وطلعت شمس سعادته في سماء مملكتنا فلم يشبها الغروب، وأضاء بدره في أفق عزّه فكان سراره «1» مذهبا لأعين الخطوب. ولما كان فلان......... الخ.

الضرب الثالث - مما يفتتح بالحمد مناشير أمراء الطبلخاناه.

الضرب الثالث- مما يفتتح بالحمد مناشير أمراء الطبلخاناه. وقد تقدّم أنّها كمناشير مقدّمي الألوف في الترتيب إلا أنها أخصر منها. وهذه نسخ مناشير من ذلك: نسخة منشور كتب به لبعض الأمراء؛ وهي: الحمد لله رافع الأقدار، ومجزل المبارّ، وجاعل يمين كرمنا مبسوطة باليسار. نحمده على غيث فضله الدّارّ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة سرّت الأسرار، وأذهب نورها ما كان للشرك من سرار، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أنجد له في نصر الحق وأغار، وأرهف من سيف النّصر الغرار، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم من كان ثاني اثنين في الغار، ومنهم من سبقت له دعوة سيد المرسلين من سالف الأقدار، ومنهم من كرّم الله وجهه فكان له من أعظم الأنصار. وبعد، فإنّ العطايا أيسر ما يكون تنويلها، وأسرّ ما يلفى تخويلها، إذا وجدت من هو لرايتها متلقّيا، وفي ذرا الطاعة مترقّيا، ومن إذا صدحت حمائم التأييد كانت رماحه الأغصان، وألويته الأفنان، ومن تردّى ثياب الموت حمرا فما يأتي لها الليل إلا وهي بالشهادة مخضرّة من سندس الجنان، وإذا شهر عضبه، أرضى ربّه، وإذا هزّ رمحه، حمى سرحه، وإذا أطلق سهما، قتل شهما، وإذا جرّد حساما، كان حسّاما، وإذا سافرت عزائمه لتطلب نصرا، حلّت سيوفه فجاءت بالأوجال جمعا وبالآجال قصرا. ولما كان فلان هو الذي جمع هذه المناقب الجمّة، وامتاز بالصّرامة وعلوّ الهمّة، استحقّ أن ينظر إليه بعين العناية، وأن يجعل ابتداؤه في الإمرة دالّا على أسعد نهاية.

فلذلك خرج الأمر الشريف- لا زال يرفع الأقدار، ويجزل المبارّ، أن يجرى في إقطاع......... الخ. وهذه نسخة منشور لمن لقبه زين الدين؛ وهي: الحمد لله الذي وهب هذه الدولة من أوليائها أحسن زين، ومنحها منهم من يشكر السيف والعنان منه اليدين، ومن يملأ ولاؤه القلب وثناؤه السّمع وبهاؤه العين. نحمده على نعمه التي نفت عن نور الملك كلّ شيء من شين، وأبقت له من كماته وحماته من لا في إخلاصه ريب ولا في محافظته مين «1» ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة متبرّي من اتخاذ إلهين اثنين، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله شهادة متمسّك من هذه وهذه بعروتين، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة دائمة ما جمع المسافر من الصلوات بين الأختين، وما جلس خطيب بين خطبتين، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ خير من رقى خطيبه إلى أرفع رتبة، وأنجح في تخويل النّعم على كل طلبة ورغبة، لا بل أهديت إليه عرائس النّعماء وقد ابتدأت هي بالخطبة، وكثّر له في معروف أصبح ببذله معروفا، وأعين على جود أمسى به موصوفا، وذلّلت له قطوف إحسان كم ذلّل الأولياء [من أجله] «2» في مراضي الدولة ومحابّها قطوفا فقطوفا- من خلف الملك أحسن الخلف، ومن له بفعل الخير أعظم كلف، ومن يشهد له بالشّجاعة الخيل واللّيل والبيداء، والسيف والرمح والأعداء؛ فلا غزوة إلا له فيها تأثير وأثر، ولا ندوة إلا وبها من وصفه بالذكر الجميل سمر، تتشوّف إلى ملاحظة غرّته كلّ عين ويتبيّن لحياطته في الوجود كلّ أثر، ما أنار وجهه في نهار سلم إلا وقيل الشمس ولا بدا في ليل خطب إلّا وقيل القمر.

ولما كان فلان هو بدر هذه الهالة، وجلّ هذه الجلالة، ونور هذه المقلة، ولابس هذه الحلّة- اقتضى حسن الرأي الشريف أن تكثّر لديه النّعم وأن يجري بتنمية الإحسان هذا القلم. فلذلك خرج الأمر الشريف- لا برح يجود، وبالخيرات يعود- أن يجري في إقطاعه......... الخ. وهذه نسخة منشور من ذلك؛ وهي: الحمد لله الذي أيّد دولتنا القاهرة بكل راية تعقد، وأمير يؤمّر وجنود تجنّد، وكلّ بطل إذا جرّد عزمه سلّم إليه المهنّد، واشتبه الرمح بمعاطفه فلم يدر أيّهما تأوّد. نحمده كما يجب أن يحمد، ونمدحه بما لا يماثله الدّرّ المنضّد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أفضل ما به نشهد، ونصلّي على نبيّه وعبده سيدنا محمد، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه في كل مقال يتجدّد، صلاة فيها الأقلام لا تتردّد فيما تتردّد، ورضي الله عن أصحابه وسلّم وكرّم ومجّد، ما غرب فرقد وطلعت شمس ثم ما غربت شمس وطلع فرقد. وبعد، فإنّ لآرائنا العالية المزيد في كل ما تقتضيه، وفي كل من ترتضيه، من جميع أوليائها، لجميل آلائها، ممن فاق أبناء جنسه، وكان في أمثاله وحيدا لأنه لا يوجد له نظير وهو كثير بنفسه، وتسابقت الخيل إلى ارتقائه على صهواتها، والتطمت بحار الوغى لما ألقى له كلّ سابح في غمراتها، وافتخرت القسيّ بمدّه الذي لا تخرج به الأقمار عن هالاتها، والسيوف لأنه إذا اشتركت معه في لقب كان أسمى مسمّياتها، والرماح لأنه كم له عليها من منّة لما أطلقها في الحروب من اعتقال راياتها، وتجدّدت الألسنّة فيما يتلوه من سورات الفرسان لأنه أكبر آياتها؛ وهو الذي انتظمت به المعالي والعوالي قصدها الذي به يرى غمرات الموت

ثم يزروها على ما هي عليه من إهالاتها «1» ، مع ماله في خدمتنا الشريفة من سوابق لا تجارى في سبيل، ولا يلحق لها شأوا أشهب الصبح ولا أدهم الليل ولا أشقر البرق ولا أصفر الأصيل: فاقتضت صدقاتنا الشريفة له الإحسان، وتقاضت عوارفنا الحسان، فرفعت له رتبة لا يبلغها كثير من الناس إلا باللسان؛ وكان فلان هو الذي حسن وصفا، وشكرت مساعيه سجاياه وهو أوفر وأوفى. فلذلك خرج الأمر الشريف...... الخ. وهذه نسخة منشور؛ وهي: الحمد لله على نعمه التي أسنت المواهب، وأغنت الأولياء بآلائها عن دوم الدّيم وسحّ السحائب. نحمده على غرائب الرّغائب، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تتكفّل لقائلها ببلوغ المآرب، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي افتخرت باسمه المناقب، وانتصرت بعزمه المقانب «2» ، وقهر بباسه كلّ جان وعمر بناسه كلّ جانب، وكشف الله ببركته اللّأؤاء «3» ، وغلب بفتكاته الأعداء؛ وكيف لا وهو سيّد لؤيّ بن غالب، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أذلّ بجهادهم المحارب، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من أعذبنا نهله، وأنجحنا أمله، وأجزلنا [له] «4» من هبات جودنا [وأغدقنا عليه من منن عطائنا ورفدنا- من نازل الأعداء يوم الوغى فراح] «5»

إلى أعلامهم فنكّسها وإلى أعناقهم فوقصها «1» ، وحكّم سيفه في أشلائهم وأرواحهم: فهذه اقتناها وهذه اقتنصها؛ ما فوّق يوم الرّوع سهمه إلا أصاب المقاتل، ولا شهر سيفه إلا قهر ببأسه كلّ باسل، ولا سارت عقبان راياته إلى معترك الحرب ضحى إلا ظلّل بعقبان طير في الدماء نواهل. ولما كان فلان هو الذي يشير إليه بنان هذا المدح، ويسير إليه إحسان هذا المنح- فلذلك خرج الأمر الشريف: لا برحت ظلال كرمه وارفة، وسحائب نعمه واكفة- أن يجرى في إقطاعه...... الخ. وهذه نسخة منشور تصلح لمن مات أبوه؛ وهي: الحمد لله الذي جعل سماء كرمنا، على الأولياء هامية السّحاب، وعوارف نعمنا، جميلة العقبى للأعقاب، وعواطف أيامنا الشريفة تجزل العطاء وتجبر المصاب. نحمده على نعمه التي ما سخنت «2» العيون إلا أقرّتها، ولا اكتأبت النّفوس بملمّة إلا سرّتها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا يزال ربع الأنس بها معمورا، وصدع النّفس بها مجبورا، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أصبح شعث الإيمان به ملموما، وحزب الطّغيان به مهزوما، وداء البهتان بحسامه محسوما، صلّى الله عليه وعلى آله الذين كان هو بدر السيادة وكانوا نجوما، صلاة لا يبرح ذكرها في صحائف القبول مرقوما، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من درّت أخلاف جودنا لخلفه، ورعى كرمنا خدم سلفه، ونقّلنا هلاله من تقريبنا إلى منازل شرفه، وأجراه إحساننا على جميل عوائده، وسوّغه نوالنا أعذب موارده، جمع له إنعامنا بين طارفه وتالده، من أستمسك من

النوع الثاني

سبب إخلاصنا بآكده، وحذا في ولائنا أحسن حذو ولا غرو أن يحذو الفتى حذو والده، واشتهر بالشّهامة التي أغنت بمفردها عن الألوف، وعرف بالإقدام الذي طالما فرّق الجموع واخترق الصّفوف، ما دنا من الأعداء إلا دنت منهم الحتوف، ولا أظلم ليل النقع إلا جلته أنجم الصّعاد وأهلّة السّيوف. ولما كان فلان هو الممدوح بجميل هذه الشّيم، والممنوح جزيل هذه النّعم، والشبيه في موالاتنا بأبيه ومن أشبه أباه فما ظلم. فلذلك خرج الأمر الشريف- لا برحت سحب كرمه هاطلة الأنواء، شاملة الآباء والأبناء- أن يجرى في إقطاعه...... الخ. النوع الثاني (من المناشير ما يفتتح ب «أما بعد» ويختصّ بأمراء العشرات ومن في معناهم: كأمراء العشرينات ونحوهم ممّن لم يبلغ شأو الطّبلخانات) وهي على ضربين: الضرب الأوّل (في مناشير العشرات، كائنا ذلك الأمير من كان) وهذه نسخ مناشير من ذلك: نسخة منشور من ذلك؛ وهي: أما بعد حمد الله على نعمه التي يبديها ويعيدها، ويفيئها ويفيدها، ويديمها على من شكر ويزيدها، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي نزلت لنصره ملائكة السماء وجنودها، وأخذت على الإقرار بنبوته مواثيق الأملاك وعهودها، وعلى آله وصحبه الذين هم أمناء الأمّة وشهودها- فإنّ أحقّ من تقلّب في إنعامنا، وتقدّم في أيّامنا، وتوالت إليه آلاؤنا تترى، وتكرّرت عليه نعماؤنا مرّة بعد أخرى، من ظهرت آثار خدمته، وصحتّ أخبار نجدته، وشكرت مساعيه الجليلة،

وحمدت دواعيه الجميلة، وكان له من صفاته الحسنى، ما ينيله من الدّرجات الأعلى ومن المطالب الأسنى. ولما كان فلان ممّن زانته طاعته، وقدّمه إقدامه وشجاعته، وشهدت له مواقف الحروب، أنه مجلي الكروب، وأقرّ له يوم الوغى، بإبادة من بغى، وكان له مع الشهامة الرأي الثاقب، والسّهم الصائب، يصيب ولا يصاب، جذع القريحة، رابط الجأش عند تغيّر الأذهان الصحيحة- اقتضى حسن الرأي الشريف أن ترفع درجته، وتعلى رتبته، وينظم في عقود الأمراء، ويسلك به جادّة الكبراء، لترقّيه في درج السعادة، وتبلغ به رتبة السيادة. فلذلك خرج الأمر الشريف- لا برحت هامية غوادي آلائه، سابغة ملابس نعمائه- أن يجرى في إقطاعه...... الخ. وهذه نسخة منشور من ذلك؛ وهي: أما بعد حمد الله على نعمه التي فسّحت في كرمها مجال المطالب، وفتّحت لخدمها أبواب نجح المآرب، وحقّقت في عوارفها آمال من تقرّب إليها من الخدمة والطاعة بأنجح ما تقرّب الراغب إلى الرغائب، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي زوى «1» الله له [الأرض] «2» ليرى ما تنتهي إليه الكواكب، وعلى آله وصحبه الذين استسهلوا في جهاد أعدائه المصاعب، ورمى الله من ألحد في دينه من سطواتهم بعذاب واصب «3» ، فإنّ أولى من تلقّته وجوه النّعم السوافر، واستقبلته نعم العوارف التي هي من غير الأكفاء نوافر، وأتته السّعود المقبلة، وواتته الآلاء المقيمة والمستقبلة، من صحّت شجاعته في مواقف الجهاد المدلهمّة، وسمحت شهامته في الوغى بمجال السّيوف المرهفة لدفع الخطوب الملمّة، وأقرّت له أقرانه بأنه فارس

هيجائها الذي كم كشف بأسنّته عن قلوب العدا للمؤمنين غمّ غمّة. ولما كان فلان هو المشهود له بهذه المواقف، المشهور بالوقوف في المواطن التي يثبت بها وما بالحتف شكّ لواقف- «1» اقتضى حسن الرأي الشريف......... الخ. وهذه نسخة منشور من ذلك؛ وهي: أما بعد حمد الله على جيوش كثّرها، وجيوب للعدا بالأسنّة زرّرها، وجنوب بالنوم على فرش الأمن الوثيرة آثرها، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أيّد الله به الأمة وظفّرها، وثبّت مواقفه ونضّرها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تستمدّ الأيّام والأنام من رقيّها آصالها وبكرها- فإنّ من ورد البحر أغناه بمدّه، ومن تعرّض لسقيا السّحاب جاد له برفده، ومن جاور كوكب السعد فاض عليه من سعده، ومن تيمّم نادي النّدى كان أدنى إلى نيل قصده، ومن يمتّ بخدمة كان من حقّه رعاية عهده. ولما كان فلان هو الذي قدّم خدما شهدت بها غرر الأيّام، ولسان كلّ ذابل وحسام، وكلّ كميّ لوت إلى فؤاده من يده طيور سهام، وجرّبناه فحمدناه بالتجريب، ودرّبناه حتّى تأهل للتأمير بالتّدريب، واستحقّ المكافأة على ما آثره، وكانت له خدمة عندنا كالحسنة له عنها عشرة. فلذلك خرج الأمر الشريف- لا زال يمدّ أولياءه ويسعدهم، ويقرّب أخصّاءه ولا يبعدهم، أن يجرى في إقطاعه...... الخ. وهذه نسخة منشور من ذلك؛ وهي:

الضرب الثاني (في مناشير أولاد الأمراء

أما بعد حمد الله على نعم منحها، وأبواب فضل فتحها، وآمال للأولياء أنجحها، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي هدى الله به الأمة الإسلامية وأصلحها- فإن أولى من همت عليه سحائب الإحسان، وافتتحته أيامنا الشريفة بمقدّمة كرم تميّزه بين الأقران- من جعل الولاء له خير ذخيرة، وأجمل فيما أسرّه وأبداه من حسن السّيرة والسّريرة، وكانت له الطاعة التي يحسن فيها الاعتقاد، والشجاعة التي ظهرت في مواقف الحروب والجهاد، والخدمة التي لم يزل فيها مشكور المساعي، والموالاة التي لم يبرح عليها موفّر الدّواعي. ولما كان فلان ممن له الخدمة التي تقضي بالتقديم، وتوجب له على إحسان دولتنا الشريفة رفعة القدر ومزيد التكريم- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نحلّه مراتب ذوي الأمر والإمرة، وننظمه في سلك من سرّه بإنعامه ورفع قدره. فلذلك خرج الأمر الشريف لا برح...... الخ. الضرب الثاني (في مناشير أولاد الأمراء ؛ وهي كالتي قبلها إلا أنه يقع التعرّض فيها إلى الإشادة بآبائهم، وربما أطيل فيها مراعاة لهم) وهذه نسخة مناشير من ذلك: وهذه نسخة منشور؛ وهي: أما بعد حمد الله الذي جعل سيف دولتنا للدين المحمّديّ ناصرا، وجمع شمل أعزّ الأولياء والأبناء في خدمتنا على إنعامنا الذي أضحى بين الأنام مثلا سائرا، وأقرّ الأعين من ذراريّ أصفيائنا بما يفوق الدّراريّ التي غدا نورها في أفقها زاهيا زاهرا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أيّده الله من أوليائه بعشيرته الأقربين، وشدّ أزره من أصحابه بالأبناء والبنين، وعلى آله وصحبه صلاة لا نزال بها في درج النصر مرتقين، ولا يبرح لنا بها حسن العاقبة بالظّفر على الأعداء والعاقبة للمتّقين- فإنّ أنمى الغروس من كان أصله في درج الولاء ثابتا، وأزهى الثمر ما كان في أغصان الوفاء نابتا، وأبهى الأهلّة ما بزغ في سماء الإخلاص،

وطلع آمنا من السّرار والانتقاص، وأعزّ الأولياء من نشأ في ظلّ القرب والاختصاص، وتلقّى ولاءنا عن أبوّة كريمة جمعت له من العلياء شمل طارفه وتالده، وحذا في عبوديتنا حذو والده، ولا غرو أن يحذو الفتى حذو والده، وتحلّى بطريقته المثلى في الموالاة التي عدم له فيها المضاهي والمماثل، ولاحت على أعطافه مخايل الإخلاص فيعرف فيه من تلك المخايل. ولما كان فلان هو جوهر ذلك السيف المشكور بالمضاء، عند الانتضاء، ونور ذلك البدر المشهور في أفق العلياء، بالغناء والسّناء؛ كم لأبيه في خدمتنا عند تزلزل الأقدام من مواقف، وكم أسلف في طاعتنا من مخالصة عند الاختلاف وهو عليها عاكف؛ ما تقدّم في كتيبة الإقدام إلا والنّصر له معاضد، ولا جرّد في مهمّ إلا أغنى عما سواه واستحقّ أن ينشد «ولكنّ سيف الدّولة اليوم واحد» . اقتضى حسن الرأي الشريف أن ننضّد لسعادتهما عقدا منضّدا، وأن نخصّ كلّا منهما بإمرة حتى يغدو لنا من هذا والدا من أعز الأنصار ومن هذا ولدا. فلذلك خرج الأمر الشريف- لا برح [يوفّر] «1» لأوليائه، من الإحسان المدد، ويكثّر لأصفيائه، من الأعوان على الطاعة العدد، ويشمل برّه ومعروفه الوالد والولد- ... الخ. وهذه نسخة منشور؛ وهي: أما بعد حمد الله الذي زيّن سماء دولتنا من ذراريّ أوليائنا بمن يفوق الدّراريّ إشراقا، وأنار مطالع مواكبنا المنصورة من كواكب أصفيائنا بمن يبهر العيون ائتلاقا واتّساقا، وجمع شمل السعادة لأهل بيت اتّسقت عقود ولائهم في طاعتنا فحسنت في جيد الدّهر انتظاما وانتساقا، جاعل سيوف دولتنا في مراضينا مرهفة الغرار، مرتقبة الأعداء فما جرّدت عليهم إلا أرتهم مصارع الاغترار، والشهادة له بالوحدانية التي نطق بها لسان التوحيد والإقرار، وجعلت وسيلة إلى الخلود بدار

القرار، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أنجده الله من خاصّته بالأعوان والأنصار، ورفع لواء نبوّته حتّى صار منشور الأعلام في الأمصار، وعلى آله وصحبه الذين ميّزهم الله بشرف قربه، وجعل للآباء منهم فضل المزيّة من قلبه، ورفع أقدارهم بأن جعل منهم حبّه وابن حبّه- فإن أولى من جمع شمل السعادة في إزاره، ورفعت رأية الإمارة لفخاره، [من نشأ على إخلاص الولاء] «1» الذي أشبه فيه أباه، [ولمعت] «2» بروق أسنّته التي [كم أغمدها في رقاب عداه] «3» ، كم جرّد النصر لنا من أبيه سيفا في مواقف التأييد وأمضاه؛ كم زكا فرعه السامي في رياض الإخلاص، وأبدر هلاله المشرق في مطالع الاختصاص. ولما كان فلان هو الذي نشأ في خدمتنا وليدا، وغذّي بلبان طاعتنا فأمسى حظّه سعيدا، وأضحى رأيه حميدا، ولم يزل لأبيه أعزّه الله حقوق ولاء تأكدت أسبابها، ومدّت في ساحة الاعتداد أطنابها، وحسن في وصف محافظتها إسهاب الألسنة وإطنابها- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نرقّي هلاله إلى منازل البدور، وأن نطلعه في سماء عزّ بادية الإنارة واضحة السّفور، وأن نعلي من ذلك قدره إلى محلّ الإمارة، وأن نتوّجه منها بما يكون أعظم دليل على إقبالنا وأظهر أمارة. فلذلك خرج الأمر الشريف لا زال ... الخ. وهذه نسخة منشور؛ وهي: أما بعد حمد الله على آلائه التي أقرّت عيون أصفيائنا بما خصّت به آباءهم من عموم النّعم، وسرّت قلوبنا بما جدّدت لذراريّهم من حسن الترقّي إلى ما يناسبهم من شريف الخدم، وأنشأت في دولتنا الشريفة من أولاد خواصّنا كلّ شبل له من الظّفر ظفر ومن مسبل الذوائب أجم، وإذا شاهدت الأسود الكواسر شدّة وثباته وثباته، شهدت بأنه أشبه في افتراس الفوارس أباه ومن أشبه أباه فما ظلم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي ما زال دين الله بمجاهدة أعدائه مرفوع

العلم، ونصر الله باقيا في أمّته يتناقله من الأبناء من كان ثابت القدم من القدم، وعلى آله الذين جلوا بأسنّتهم وسنّتهم غياهب الظّلم- فإن أولى من وطّدت له درج «1» السعود ليتوقّل في هضبها، ويتنقّل في رتبها، ويتلقّى بوادر إقبالها، ويترقّى إلى أسنى منازل السعد منها وأيّام شبيبته في اقتبالها، ويرفل في حلل جدّتها المعلمة الملابس، ويرتاد في رياض يمنها النامية المنابت الزاكية المغارس- من نشأ في ظلّ آلائنا، وغذّي بلبان ولائنا، ولقّي فروض طاعتنا ناشئا فهو يتعبّد بحفظها، ويدين بالمحافظة على معناها ولفظها، وينقل عن أبيه قواعدها وأحكامها فهو الشّبل ابن اللّيث، والنّدى الصادر عن الغيث، والفرند «2» المنتسب إلى معدن ولائنا عنصره، والهلال الذي سيضيء بإشراق جودنا عليه نيّره. ولما كان فلان هو الذي توشّح عقد هذا الثناء بثمينه، ورشّح لتناول راية الإمارة بيمينه، وقابل إقبال طلعتنا فأكسبه اشراقنا إنارة جبينه- اقتضى حسن الرأي الشريف أن ننضّد عقود الإحسان بتحلية نحره، وأن نضفي عليه ملابس جودنا وبرّه. فلذلك خرج الأمر الشريف لا برح...... الخ. وهذه نسخة منشور؛ وهي: أمّا بعد حمد الله منوّر الأهلّة في آفاقها، ومنوّل عوارفه بإرفاقها، ومكمّل عطاياه بإطلاقها، ومنشيء ذراريّ الأولياء كالدّراريّ في إشراقها، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي جمع القلوب بعد افتراقها، وشفع في الخليفة إلى خلّاقها، وعلى آله وصحبه البحور في اندفاقها، والبدور في ائتلاقها، فإن أبناء الأولياء أشبال الأسود، وعليهم عاطفتنا تجود، قد أنشأت نعمنا آباءهم فأصبحوا

النوع الثالث (من المناشير ما يفتتح بخرج الأمر الشريف)

للدولة أنصارا، وألحقناهم بهم في التقديم فأقرّوا أبصارا، وكان ممّن ترعرع ناشيا، وغدا فرعا زاكيا، وتدرّب على الصّهوات يمتطيها، وتأهّل لحلول النعم برضا مفضيها، ودلّت حركاته على أنّ الشجاعة سجيّة طباعه، وأنه تروّى بلبان الطاعة من وقت رضاعه، وأنّ أباه، أجلّه الله أحسن مرباه، فأشبهه بجميل اتّباعه، وهو فلان المنتخب في الدولة الناضرة، المشبه في الإضاءة النجوم السافرة. فلذلك خرج الأمر الشريف...... الخ. النوع الثالث (من المناشير ما يفتتح بخرج الأمر الشريف) وحكمها حكم أواخر المناشير المفتتحة بالحمد لله، وبأما بعد حمد الله، يقتصر فيها على هذا الافتتاح الذي هو آخر المناشير، ويدعى له بما يناسب. وهذه نسخة منشور ينسج على منوالها؛ وهي: خرج الأمر الشريف العاليّ، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ، الفلانيّ، (بلقب السلطنة واللقب الخاص) أعلاه الله تعالى وشرّفه، وأنفذه في الآفاق وصرّفه، أن يقطع باسم فلان ... ثم يذكر ما اشتملت عليه المربّعة الجيشية. قلت: وقد تقدّم أن مناشير العربان منها ما يفتتح بالحمد لله، ومنها ما يفتتح بأما بعد حمد الله، ومنها ما يفتتح بخرج الأمر الشريف، ومناشير التّركمان والأكراد منها ما يفتتح بأما بعد حمد الله؛ ومنها ما يفتتح بخرج الأمر الشريف، على ما تقدّم بيانه؛ ولا يخفى أنّ الترتيب في مناشيرهم على ما تقدّم ذكره في جميع المراتب، إلا أنه قد تمتاز هذه الطوائف بألفاظ تخصّهم، لا سيّما مناشير العرب فإنهم يمتازون بألفاظ وألقاب تخصّهم. وهذه نسخة منشور لأمير عرب مفتتحة بالحمد لله ينسج على منوالها، وهي: الحمد لله الذي أرسل ديم كرمنا دائمة الإمداد، وشمل بجودنا كلّ حاضر وباد، وجعل أيّامنا الشريفة تخصّ بطولها كلّ طيّب النّجار طويل النّجاد.

نحمده حمدا بحلاه يزدان ومن جداه يزاد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تمهد لقائلها خير مهاد، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الكريم الأجداد الرحيب الناد، أرسله لإصلاح الفساد، وإرباح الكساد، وكشف العناء وإزالة العناد، صلّى الله عليه وعلى آله الذين أرهفوا في جهاد أعداء الله البيض الحداد، وأرعفوا السّمر الصّعاد «1» ، وعلى أصحابه الذين كانوا يوم الفخار السادات ويوم النّزال الآساد، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى من عمرنا بكرمنا مربعه وناديه، وأمطرنا ثرى أمله بغادية مغادية، وسفر له وجه إحساننا عن واضح أسرّته، وقابله إقباله فقدّمه على قبيلته وميّزه على أسرته، من أخلص في طاعتنا ضميرا، واتّبع جادّة موالاتنا فأصبح بتجديد نعمنا جديرا، وحذا في خدمتنا أحسن حذو، وعرف بجميل المخالصة في الحضر والبدو، واشتهر بالشّجاعة التي طالما فرّقت جموعا، وأقفرت من الأعداء ربوعا، واتصف بالإقدام الذي ما ألف عن محارب رجوعا: كم أنهل مثقّفاته في دماء النّحور، وأشرع صعاده فأوردها الأوردة وأصدرها في الصّدور، ورفع من أسنتها في ليل النّقع نارا قراها لحوم العدا وأضيافها الآساد والنّسور. ولما كان فلان هو الممنوح هذا الإنعام الغمر، والممدوح في مواقف الحروب بإقدام عمرو. فلذلك خرج الأمر الشريف- لا برحت شاملة مواهبه، هاملة سحائبه- أن يجرى في إقطاع...... الخ. أما الزيادات والتعويضات فإنها ان افتتحت «بأما بعد» فعلى ما تقدّم في أمراء العشرات؛ إلا أنه يقال «أن يجرى في إقطاعات» على الجمع، وإن افتتحت «بخرج الأمر الشريف» ، فعلى ما تقدّم في إقطاعات الأجناد، إلا أنه يقال «أن يجرى» ولا يقال «أن يقطع» .

المقالة الثامنة [في الأيمان] ، وفيها بابان

المقالة الثامنة [في الأيمان] «1» ، وفيها بابان الباب الأوّل في أصول يتعيّن على الكاتب معرفتها قبل الخوض في الأيمان؛ وفيه فصلان الفصل الأوّل فيما يقع به القسم؛ وفيه طرفان الطرف الأوّل (في الأقسام التي أقسم بها الله تعالى في كتابه العزيز) اعلم أنه قد ورد في القرآن الكريم أقسام أقسم الله تعالى بها إقامة للحجّة على المخالف بزيادة التّأكيد بالقسم؛ وهي على ضربين: الضرب الأوّل- ما أقسم الله تعالى فيه بذاته أو صفاته؛ والمقصود منه مجرّد التأكيد. وقد ورد ذلك في مواضع يسيرة من القرآن: منها قوله تعالى: فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ «2» ، وقوله: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ » ،

الضرب الثاني - ما أقسم الله تعالى فيه بشيء من مخلوقاته ومصنوعاته.

وقوله: فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا «1» ، وقوله: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ «2» ومنها قوله تعالى: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ «3» ، وقوله: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ «4» ، وقوله: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ «5» ، وقوله: حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ* «6» الضرب الثاني- ما أقسم الله تعالى فيه بشيء من مخلوقاته ومصنوعاته. والمقصود منه مع التأكيد التّنبيه على عظيم قدرته وجلاله عظمته، من حيث إبداعها، تعظيما له لا لها. وقد ورد ذلك في مواضع كثيرة من القرآن، لا سيّما في أوائل السّور: فأقسم تعالى بالسّماء والأرض، والشّمس والقمر، والنّجوم والرّياح، والجبال والبحار، والثّمار واللّيل والنهار، وما تفرّع عنهما من الأوقات المخصوصة، وبالملائكة الكرام المسخّرين في تدبير خلقه، إلى غير ذلك من الحيوان والثّمار وغيرها. وقيل المراد في القسم بها وقت كذا. فأمّا ما في أوائل السّور فقال تعالى: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً «7» ، وقال جلّ وعزّ: وَالذَّارِياتِ ذَرْواً فَالْحامِلاتِ وِقْراً فَالْجارِياتِ يُسْراً فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً «8» ، وقال جلّت عظمته: وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍ

مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ «1» ، وقال: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى «2» ، وقال: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ «3» ، وقال: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً وَالنَّاشِراتِ نَشْراً فَالْفارِقاتِ فَرْقاً فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً «4» ، وقال: وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً «5» ، وقال: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ «6» ، وقال: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ «7» ، وقال: وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ «8» ، وقال: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ وَوالِدٍ وَما وَلَدَ «9» ، وقال: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى «10» ، وقال: وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى «11» ، وقال: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ «12» ، وقال: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ «13» وأقسم بالملائكة القائمين في عبادته، والمسخّرين في تدبير مخلوقاته في قوله: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً «14» . قيل المراد بالصّافّات: الصّافّون

صفوفا، وبالزّاجرات الملائكة التي تزجر السّحاب. وفي قوله: فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً «1» قيل: المراد الملائكة التي تقسّم الأرزاق على الخلق. وفي قوله: وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً «2» قيل: النازعات الملائكة تنزع روح الكافر عند الموت، والناشطات تنشط روح المؤمن كما ينشط العقال من يد البعير. وقوله تعالى: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً وَالنَّاشِراتِ نَشْراً فَالْفارِقاتِ فَرْقاً فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً «3» ، وقوله تعالى: وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ «4» ، وقوله تعالى: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ وَوالِدٍ وَما وَلَدَ «5» ، وقوله تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحاها وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها وَالسَّماءِ وَما بَناها وَالْأَرْضِ وَما طَحاها وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها «6» ، وقوله تعالى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ «7» ، وقوله تعالى: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً فَالْمُورِياتِ قَدْحاً فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً «8» وقوله تعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ «9» . أقسم بالعصر وهو الدهر1» . وأما في أثناء السور فمنه قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ «11» ؛

الطرف الثاني (في الأقسام التي تقسم بها الخلق؛ وهي على ضربين)

وقوله: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ «1» ، وقوله: فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ «2» الطرف الثاني (في الأقسام التي تقسم بها الخلق؛ وهي على ضربين) الضّرب الأوّل (ما كان يقسم به في الجاهليّة) اعلم أنّ مبنى الأيمان على الحلف بما يعظّمه الحالف ويتّحرّز من الحنث عند الحلف به. فأهل كلّ ملّة يحلفون بما هو عظيم لديهم في حكم ديانتهم. ولا خفاء في أنّ كلّ معترف لله تعالى بالرّبوبيّة من أهل الديانات يحلف به، سواء كان من أهل الكتاب أو مشركا، ضرورة اعترافهم بألوهيّته تعالى، والانقياد إلى ربوبيّته. وقد حكى الله تعالى عن الكفّار في القرآن الكريم رعاية القسم بالله فقال تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها «3» وقال جلّ وعزّ: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ «4» ، وقال جلّ من قائل: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ «5» ثم اليهود يحلفون بالتّوراة، والنّصارى يحلفون بالإنجيل، وعبدة الأوثان من العرب كانوا يحلفون بأوثانهم؛ وكان أكثر حلف عرب الحجاز باللّات والعزّى.

وربما جنحوا عن صورة القسم إلى ضرب من التّعليق، مثل أن يقول: إن فعلت كذا فعليّ كذا، أو فأنا كذا، أو فأكون مخالفا لكذا أو خارجا عن كذا أو داخلا في كذا، وما أشبه ذلك. وقد كانت العرب تأتي في نظمها ونثرها [عند] «1» حلفها بالتّعليق بإضافة المكروه إلى مواقعة ما يحذرونه: من هلاك الأنفس والأموال، وفساد الأحوال، وما يجري مجرى ذلك. قال الجاحظ: قال الهيثم: يمين لا يحلف بها أعرابيّ أبدا، وهي أن يقول: لا أورد الله لك صافيا «2» ، ولا أصدر لك واردا، ولا حططت رحلك، ولا خلعت نعلك، يعني إن فعلت كذا. وقال النّابغة الذّبيانيّ: ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه ... إذا فلا رفعت سوطي إليّ يدي وقال الأشتر النّخعيّ: بقّيت وفري وانحرفت عن العلى، ... ولقيت أضيافي بوجه عبوس! إن لم أشنّ على ابن حرب غارة ... لم تخل يوما من نهاب نفوس! وقال معد [ان] «3» بن جوّاس الكنديّ: إن كان ما بلّغت عنّي، فلا منى ... صديقي وشلّت من يديّ الأنامل! وكفّنت وحدي منذرا بردائه ... وصادف حوطا من أعاديّ قاتل!

الضرب الثاني (الأقسام الشرعية)

وقال عديّ بن زيد «1» : فإن لم تهلكوا فثكلت عمرا ... وجانبت المروّق والسّماعا! ولا ملكت يداي عنان طرف ... ولا أبصرت من شمس شعاعا! ولا وضعت إليّ على خلاء ... حصان يوم خلوتها قناعا! وقال عمرو بن قميئة «2» : فإن كان حقّا كما خبّروا ... فلا وصلت لي يمين شمالا. وقال العلويّ البصريّ: ويقول للّطرف اصطبر لشبا القنا ... فهدمت ركن المجد إن لم تعقر! وإذا تأمّل شخص ضيف طارقا ... متسربلا سربال ليل أغبر! أوما إلى الكوماء «3» هذا طارق ... عزّتني الأعداء إن لم تنحري! وقال محمد بن الحصين الأنباريّ: ثكلتني التي تؤمّل إدرا ... ك المنى بي وعاجلتني المنون! إن تولّى بظلمنا عبد عمرو ... ثم لم تلفظ السّيوف الجفون! الضرب الثاني (الأقسام الشرعية) والمرجوع فيه إلى صيغة الحلف وما يحلف به. فأما صيغة الحلف ففيه صريح وكناية: فالصريح يكون مع الإتيان بلفظ

الصنف الأول - اسم الله تعالى الذي لا يشاركه فيه غيره

الحلف، كقوله: أحلف بالله لأفعلنّ كذا، وأقسم بالله لأفعلنّ كذا، مع الإتيان بحرف من حروف القسم: وهي الواو كقوله: والله، والباء الموحدة كقوله: بالله لأفعلنّ كذا، والتاء المثناة فوق كقوله: تالله لأفعلنّ كذا. وقد ورد القسم في القرآن الكريم بالواو، كما في قوله تعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ «1» وبالتاء المثناة: كما في قوله تعالى حكاية عن الخليل عليه السّلام: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ «2» ، وقوله حكاية عن إخوة يوسف عليه السّلام خطابا لأبيهم: قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ «3» ، وقوله حكاية عنهم في خطاب يوسف عليه السّلام: قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا «4» فإذا أتى باليمين بصيغة من هذه الصّيغ انعقدت يمينه، نوى اليمين أو لم ينو. والكناية كقوله بلّا- بحرف القسم- وبالّه؛ ولعمر الله، وايم الله، وأشهد بالله، وأعزم بالله. فإذا أتى بصيغة من هذه الصّيغ ونوى اليمين انعقدت، وإلا فلا. وفي معنى ذلك تعليق التزام فعل أو تركه، بشرط أن يكون ذلك قربة، كقوله: إن فعلت كذا فعليّ نذر كذا، أو يكون كفّارة يمين، مثل أن يقول: إن فعلت كذا فعليّ كفّارة يمين. وأما ما يحلف به فهو على أربعة أصناف: الصنف الأوّل- اسم الله تعالى الذي لا يشاركه فيه غيره ، وهو الله والرّحمن. ولا نزاع في انعقاد اليمين به بكلّ حال إذ لا ينصرف بالنّية إلى غيره، قال تعالى: فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا «5» : أي هل تعلم أحدا

الصنف الثاني - اسم الله تعالى الذي يسمى به غيره على سبيل المجاز،

تسمّى الله غيره، وقال جلّ وعزّ: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى «1» ، فجعل اسمه الرحمن قرينا لاسمه الله. ولا عبرة بتسمية مسيلمة الكذّاب- لعنه الله- نفسه رحمن اليمامة تجهرما «2» ، إذ لم يتسمّ به إلا مقيّدا بإضافته إلى اليمامة. وكذلك الأزل «3» الذي ليس قبله شيء. الصنف الثاني- اسم الله تعالى الذي يسمّى به غيره على سبيل المجاز، وعند الإطلاق ينصرف إلى الله تعالى: كالرّحيم، والعليم والحليم، والحكيم، والخالق، والرّازق، والجبّار، والحقّ، والرّبّ. فإن قصد به الله تعالى انعقدت اليمين، وإن قصد به غيره فلا تنعقد، ويديّن «4» الحالف. الصنف الثالث- ما يستعمل في أسماء الله تعالى مع مشاركة غيره له فيه : كالموجود، والحيّ، والنّاطق؛ ولا تنعقد به اليمين، قصد الله تعالى أو لم يقصد: لأن اليمين إنّما تنعقد بحرمة الاسم، وإنما يكون ذلك في الخاصّ دون المشترك. الصنف الرابع- صفات الله تعالى . فإن كانت الصّفة المحلوف بها صفة لذاته كقوله: وعظمة الله، وجلال الله، وقدرة الله، وعزّة الله، وكبرياء الله، وعلم الله، ومشيئة الله، انعقدت اليمين وإلّا فلا. ولو قال: وحقّ الله، انعقدت اليمين عند الشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله. وذهب أبو حنيفة إلى أنها لا تنعقد: لأنّ حقوق الله تعالى هي الطاعات، وهي مخلوقة، فلا يكون الحلف بها يمينا. ولو قال: والقرآن انعقدت اليمين عند الشافعيّ رضي الله عنه خلافا لأبي حنيفة. وكان كان أكثر حلف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «والذي نفسي بيده» وأيمان الصحابة

في الغالب: وربّ محمد، وربّ إبراهيم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كثيرا ما يحلف: «لا ومقلّب القلوب» . ثم اليمين الشّرعية التي يحلّف بها الحكّام: إن كان مسلما «أحلف بالله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشّهادة، الذي أنزل القرآن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم» ، وإن كان يهوديّا «أحلف بالله الذي أنزل التّوراة على موسى ونجّاه من الغرق» ، وإن كان نصرانيّا «أحلف بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى بن مريم» .

الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة الثامنة

الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة الثامنة (في بيان معنى اليمين الغموس، ولغو اليمين، والتّحذير من الحنث والوقوع في اليمين الغموس؛ وفيه طرفان) الطرف الأوّل (في بيان معنى اليمين الغموس، ولغو اليمين) أما معناها «1» ، فقال الشافعيّ رضي الله عنه: هي أن يكون الحالف في خبره كاذبا. وقال غيره: هي أن يحلف على ماض وإن لم يكن «2» ، وهما متقاربان. وإنما سمّيت الغموس لأنّها تغمس صاحبها في الإثم. وقد اختلف في وجوب الكفّارة فيها: فذهب الشافعيّ رضي الله عنه إلى وجوب الكفّارة فيها تغليظا على الحالف، كما أوجب الكفّارة في قتل العمد، وهو مذهب عطاء والزّهريّ وابن عيينة وغيرهم. وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد رضي الله عنهم إلى أنه لا كفّارة فيها، احتجاجا بأنها أعظم من أن تكفّر: لأنها من الكبائر العظام، وهو مذهب الثّوريّ واللّيث وإسحاق، وحكي عن سعيد بن المسيّب.

الطرف الثاني (في التحذير من الوقوع في اليمين الغموس)

وأما لغو اليمين فقد اختلف فيه أيضا: فذهب الشافعي إلى أنه ما وقع من غير قصد: ماضيا كان أو مستقبلا كقوله: لا والله، وبلى والله «1» ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وذهب أبو حنيفة إلى أنه الحلف على الماضي من غير قصد الكذب في يمينه؛ مثل أن يظنّ شيئا فيحلف عليه؛ وهو الرواية الثانية عن أحمد؛ وحكي عن مالك أن هذه هي اليمين الغموس. الطرف الثاني (في التّحذير من الوقوع في اليمين الغموس) أما اليمين الغموس فإنّها من أعظم الكبائر، وناهيك أنها تغمس صاحبها في الإثم. وقد قال تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ «2» ، وقال جلّ وعزّ: وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا «3» وفي الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع بها مال امريء مسلم لقي الله عزّ وجلّ وهو عليه غضبان» . وقد قيل إن التوحيد (وهو: الذي لا إله إلا هو) إنما أوصل في اليمين رفقا بالحالف كي لا يهلك لوقته؛ فقد روي عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: «إذا حلف الحالف بالله الذي لا إله إلا هو، لم يعاجل لأنه قد وحد الله تعالى» . ويروى أن جعفر بن محمد عليه السّلام، ادّعى عليه مدّع عند قاض، فأحلفه جعفر بالله، لم يزد على ذلك، فهلك ذلك الحالف لوقته، فقال القاضي ومن حضر: ما هذا؟ فقال: إن يمينه بما فيه ثناء على الله ومدح يؤخّر العقوبة كرما منه عزّ وجلّ وتفضّلا. وقال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه:

«أحلفوا الظّالم إذا أردتّم يمينه بأنه بريء من حول الله وقوّته، فإنه إذا حلف بها كاذبا عوجل» . ومن غريب ما يحكى في ذلك أن عبد الله بن مصعب الزّبيريّ سعى بيحيى ابن عبد الله بن الحسن إلى الرشيد، بعد قيام يحيى بطلب الخلافة؛ فجمع بينهما وتواقفا، ونسب يحيى إلى الزّبيريّ شعرا يقول منه: قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتها ... إنّ الخلافة فيكم يا بني حسن فأنكر الزبيريّ الشّعر، فأحلفه يحيى، فقال: قل قد برئت من حول الله وقوّته، واعتصمت بحولي وقوّتي، وتقلّدت الحول والقوّة من دون الله استكبارا على الله، واستغناء عنه، واستعلاء عليه، فامتنع؛ فغضب الرشيد وقال: إن كان صادقا فليحلف؛ وكان للفضل بن الربيع فيه هوى، فرفسه برجله، وقال: ويحك احلف! فحلف ووجهه متغيّر وهو يرعد، فما برح من موضعه حتّى أصابه الجذام فتقطّع ومات بعد ثلاثة أيام؛ ولما حمل إلى قبره ليوضع فيه انخسف به حتّى غاب عن أعين الناس، وخرجت منه غبرة عظيمة، وجعلوا كلّما هالوا عليه التّراب انخسف، فسقّفوه وانصرفوا.

الباب الثاني من المقالة الثامنة (في نسخ الأيمان الملوكية؛ وفيه فصلان)

الباب الثاني من المقالة الثامنة (في نسخ الأيمان الملوكيّة؛ وفيه فصلان) الفصل الأوّل في نسخ الأيمان المتعلّقة بالخلفاء؛ وهي على نوعين النوع الأوّل (في الأيمان التي يحلّف بها على بيعة الخليفة عند مبايعته؛ وهي الأصل في الأيمان الملوكية بأسرها) وأوّل من رتّبها الحجّاج بن يوسف حين أخذه البيعة لعبد الملك بن مروان على أهل العراق، ثم زيد فيها بعد ذلك، وتنقّحت في الدولة العبّاسية وتنضدت. وكان عادتهم فيها أن يجري القول فيها بكاف الخطاب، كما في مكاتباتهم يومئذ، وربّما أتي فيها بلفظ المتكلم. وهذه نسخة يمين أوردها أبو الحسين الصّابي «1» في كتابه «غرر البلاغة» وهي: تبايع عبد الله أمير المؤمنين فلانا: بيعة طوع واختيار، وتبرّع وإيثار، وإعلان وإسرار، وإظهار وإضمار، وصحّة من غير نغل، وسلامة من غير دغل، وثبات من غير تبديل، ووفاء من غير تأويل، واعتراف بما فيها من اجتماع الشّمل، واتّصال الحبل، وانتظام الأمور، وصلاح الجمهور، وحقن الدّماء، وسكون الدّهماء، وسعادة الخاصّة والعامّة، وحسن العائدة على أهل الملّة والذّمّة- على

أن عبد الله فلانا أمير المؤمنين عبد الله الذي اصطفاه، وأمينه الذي ارتضاه، وخليفته الذي جعل طاعته جارية بالحقّ، وموجبة على الخلق، وموردة لهم مورد الأمن، وعاقدة لهم معاقد اليمن، وولايته مؤذنة بجميل الصّنع، ومؤدّية لهم إلى جزيل النّفع، وإمامته التي اقترن بها الخير والبركة، والمصلحة العامّة المشتركة، وأمّل فيها قمع الملحد الجاحد، وردّ الجائر الحائد، ووقم «1» العاصي الخالع، وعطف الغاوي المنازع، وعلى أنك وليّ أوليائه، وعدوّ أعدائه: من كلّ داخل في الجملة، وخارج عن الملّة، وعائذ بالحوزة، وحائد عن الدّعوة، ومتمسّك بما بذلته عن إخلاص من آرائك، وحقيقة من وفائك، لا تنقض ولا تنكث، ولا تخلف ولا تواري ولا تخادع، ولا تداجي ولا تخاتل، علانيتك مثل نيّتك، وقولك مثل طويّتك، وعلى أن لا ترجع عن شيء من حقوق هذه البيعة وشرائطها على ممرّ الأيام وتطاولها، وتغيّر الأحوال وتنقّلها، واختلاف الأوقات وتقلّبها، وعلى أنك في كلّ ذلك من أهل الملّة الإسلامية ودعاتها، وأعوان المملكة العباسيّة ورعاتها، لا يتداخل قولك مواربة ولا مداهنة، ولا يعترضه مغالطة ولا يتعقّبه مخالفة، ولا تحبس به أمانة، ولا تقلّه خيانة، حتّى تلقى الله تعالى مقيما على أمرك، ووفيّا بعهدك، إذ كان مبايعو ولاة الأمر وخلفاء الله في الأرض إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً «2» عليك بهذه البيعة التي أعطيت بها صفقة يدك، وأصفيت فيها سريرة قلبك، والتزمت القيام بها ما طال عمرك، وامتدّ أجلك- عهد الله إنّ عهد الله كان مسؤولا وما أخذه على أنبيائه ورسله، وملائكته وحملة عرشه، من أيمان مغلّظة وعهود مؤكّدة، ومواثيق مشدّدة: على أنك تسمع وتصغي، وتطيع ولا تعصي، وتعتدل ولا تميد، وتستقيم ولا تميل، وتفي ولا تغدر، وتثبت ولا تتغيّر؛ فمتى زلت عن هذه المحجّة خافرا لأمانتك، ورافعا لديانتك، فجحدت الله تعالى ربوبيّته، وأنكرت

وحدانيّته، وقطعت عصمة محمد صلّى الله عليه وسلّم منك وجذذتها، ورميت طاعته وراء ظهرك ونبذتها، ولقيت الله يوم الحشر إليه، والعرض عليه، مخالفا لأمره، وناقضا لعهده، ومقيما على الإنكار له، ومصرّا على الإشراك به، وكلّ ما حلّله الله لك محرّم عليك، وكلّ ما تملكه يوم رجوعك عن بذلك، وارتجاعك ما أعطيته في قولك: من مال موجود ومذخور، ومصنوع ومضروب، وسارح ومربوط، وسائم ومعقول، وأرض وضيعة، وعقار وعقدة، ومملوك وأمة، صدقة على المساكين، محرّمة على مرّ السنين؛ وكلّ امرأة لك تملك شعرها وبشرها، وأخرى تتزوّجها من بعدها طالق ثلاثا بتاتا، طلاق الحرج والسنة، لا رجعة فيها ولا مثنويّة؛ وعليك الحجّ إلى بيت الله الحرام الذي بمكة ثلاثين دفعة حاسرا حافيا، وراجلا ماشيا، نذرا لازما، ووعدا صادقا، لا يبرئك منها إلا القضاء لها، والوفاء بها، ولا قبل منك توبة ولا رجعة، ولا أقالك عثرة ولا صرعة، وخذلك يوم الاستنصار بحوله، وأسلمك عند الاعتصام بحبله؛ وهذه اليمين قولك قلتها قولا فصيحا، وسردتها سردا صريحا، وأخلصت فيها سرّك إخلاصا مبينا، وصدقت بها عزمك صدقا يقينا؛ والنّيّة فيها نيّة فلان أمير المؤمنين دون نيّتك، والطّويّة دون طويّتك؛ وأشهدت الله على نفسك بذلك وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً* «1» يوم تجد كلّ نفس عليها حافظا ورقيبا. وهذه نسخة يمين بيعة أوردها ابن حمدون في «تذكرته» وأبو الحسن بن سعد في «ترسّله» تواردت مع البيعة السابقة وأيمانها في بعض الألفاظ، وخالفت في أكثرها؛ وهي: تبايع الإمام أمير المؤمنين بيعة طوع وإيثار، ورضا واختيار، واعتقاد وإضمار، وإعلان وإسرار، وإخلاص من طويّتك، وصدق من نيّتك، وانشراح

صدرك وصحّة عزيمتك، طائعا غير مكره، ومنقادا غير مجبر، مقرّا بفضلها، مذعنا بحقّها، معترفا ببركتها، ومعتدّا بحسن عائدتها، وعالما بما فيها وفي توكيدها من صلاح الكافّة، واجتماع الكلمة الخاصّة والعامّة، ولمّ الشّعث، وأمن العواقب، وسكون الدّهماء، وعزّ الأولياء، وقمع الأعداء- على أن فلانا عبد الله وخليفته، والمفترض عليك طاعته، والواجب على الأمة إقامته وولايته، اللّازم لهم القيام بحقّه، والوفاء بعهده، لا تشكّ فيه، ولا ترتاب به، ولا تداهن في أمره ولا تميل؛ وأنك وليّ وليّه، وعدوّ عدوّه: من خاصّ وعام، وقريب وبعيد، وحاضر وغائب، متمسك في بيعته بوفاء العهد، وذمّة العقد، سريرتك مثل علانيتك، وظاهرك فيه مثل باطنك، وباطنك فيه وفق ظاهرك؛ على أنّ إعطاءك الله هذه البيعة من نفسك، وتوكيدك إيّاها في عنقك، لفلان أمير المؤمنين عن سلامة من قلبك، واستقامة من عزمك، واستمرار من هواك ورأيك، على أن لا تتأوّل عليه فيها، ولا تسعى في نقض شيء منها، ولا تقعد عن نصرته في الرّخاء والشّدّة، ولا تدع النّصر له في كلّ حال راهنة وحادثة، حتّى تلقى الله تعالى موفيا بها، مؤدّيا للأمانة فيها، إذ كان الذين يبايعون ولاة الأمر وخلفاء الله في الأرض إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ. عليك بهذه البيعة التي طوّقتها عنقك، وبسطت لها يدك، وأعطيت بها صفقتك؛ وما شرط فيها من وفاء وموالاة، ونصح ومشايعة، وطاعة وموافقة، واجتهاد ومبالغة- عهد الله إنّ عهد الله كان مسؤولا، وما أخذ الله على أنبيائه ورسله عليهم السلام؛ وأخذ على عباده من وكيدات مواثيقه، ومحكمات عهوده، وعلى أن تتمسّك بها ولا تبدّل، وتستقيم ولا تميل. وإن نكثت هذه البيعة، أو بدّلت شرطا من شروطها، أو عفّيت رسما من رسومها، أو غيّرت حكما من أحكامها، معلنا أو مسرّا، أو محتالا أو متأوّلا، أو زغت عن السبيل التي يسلكها من لا يخفر الأمانة، ولا يستحلّ الغدر والخيانة، ولا يستجيز حلّ العقود- فكلّ ما تملكه من عين أو ورق أو آنية أو عقار أو زرع أو ضرع

النوع الضرب الثاني (الأيمان التي يحلف بها الخلفاء)

أو غير ذلك من صنوف الأملاك المعتقدة» ، والأمور المدّخرة، صدقة على المساكين، محرّمة عليك أن ترجع من ذلك، إلى شيء من مالك، بحيلة من الحيل، على وجه من الوجوه وسبب من الأسباب، أو مخرج من مخارج الأيمان؛ وكلّ ما تفيده في بقيّة عمرك: من مال يقلّ خطره أو يجلّ، فتلك سبيله إلى أن تتوفّاك منيّتك، ويأتيك أجلك. وكلّ مملوك لك اليوم أو تملكه إلى آخر أيامك أحرار سائبون لوجه الله تعالى، ونساؤك يوم يلزمك الحنث «2» ، ومن تتزوّج بعدهنّ مدّة بقائك طوالق ثلاثا بتاتا، طلاق الحرج والسّنّة «3» ، لا مثنويّة فيها ولا رجعة، وعليك المشي إلى بيت الله الحرام ثلاثين حجّة حافيا حاسرا راجلا، لا يرضى الله منك إلا بالوفاء بها، ولا يقبل الله منك صرفا ولا عدلا، وخذلك يوم تحتاج إليه، وبرّأك الله من حوله وقوّته، وألجأك إلى حولك وقوّتك، والله تعالى بذلك شهيد وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً*. [النوع] الضرب الثاني «4» (الأيمان التي يحلّف بها الخلفاء) وقلّ من تعرّض لها لقلّة وقوعها، إذ الخليفة قلّما يحلّف: لعلوّ رتبته، وارتفاع محله؛ ومدار تحليف الخلفاء بعد القسم بالله على التّعليق بوقوع المحذور عليهم، ولزومه لهم، مثل البراءة من الخلافة والانخلاع منها، وما يجري مجرى ذلك. ولم أقف على ذلك إلا في ترسل الصّابي، وذلك حين كان الأمر معدوقا «5» بالخلفاء.

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الثامنة: (في نسخ الأيمان المتعلقة بالملوك؛ وفيه خمسة مهايع)

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الثامنة: (في نسخ الأيمان المتعلقة بالملوك؛ وفيه خمسة مهايع «1» ) المهيع الأوّل (في بيان الأيمان التي يحلّف بها المسلمون؛ وهي على نوعين) النوع الأوّل (من الأيمان التي يحلّف بها المسلمون: أيمان أهل السّنّة) وهي اليمين العامة التي يحلّف بها أهل الدولة: من الأمراء والوزراء والنوّاب، ومن يجري مجراهم. وهذه نسخة يمين أوردها في «التعريف» وهي: أقول وأنا فلان: والله والله والله، وبالله وبالله وبالله، وتالله وتالله وتالله، والله العظيم الذي لا إله إلا هو، الباريء الرحمن الرحيم، عالم الغيب والشهادة، والسّر والعلانية، وما تخفي الصّدور، القائم على كلّ نفس بما كسبت، والمجازي لها بما عملت، وحقّ جلال الله، وقدرة الله، وعظمة الله، وكبرياء الله، وسائر أسماء الله الحسنى، وصفاته العليا إنّني من وقتي هذا، وما مدّ الله في عمري، قد أخلصت نيّتي، ولا أزال مجتهدا في إخلاصها، وأصفيت طويّتي، ولا أزال مجتهدا في إصفائها، في طاعة مولانا السلطان فلان الفلاني- خلّد الله ملكه- وخدمته ومحبّته، وامتثال مراسيمه، والعمل بأوامره، وإنني والله العظيم [حرب

لمن حاربه، سلم لمن سالمه، عدوّ لمن عاداه، وليّ لمن والاه من سائر الناس أجمعين، وإنني والله العظيم] «1» لا أضمر لمولانا السلطان فلان سوءا ولا غدرا، ولا خديعة ولا مكرا، ولا خيانة في نفس ولا مال، ولا سلطنة، ولا قلاع ولا حصون، [ولا بلاد ولا غير ذلك] «2» ولا أسعى في تفريق كلمة أحد من أمرائه، ولا مماليكه، ولا عساكره، ولا أجناده، ولا عربانه ولا تركمانه ولا أكراده، ولا استمالة طائفة منهم لغيره، ولا أوافق على ذلك بقول ولا فعل ولا نيّة ولا بمكاتبة [ولا مراسلة] «3» ، ولا إشارة ولا رمز، ولا كناية ولا تصريح؛ وإن جاءني كتاب من أحد من خلق الله تعالى بما فيه مضرّة على مولانا السلطان أو أهل دولته لا أعمل به، ولا أصغى إليه، وأحمل الكتاب إلى ما بين يديه الشريفتين، هو ومن أحضره إن قدرت على إمساكه. وإنني والله العظيم أفي لمولانا السلطان بهذه اليمين من أوّلها إلى آخرها، لا أنقضها ولا شيئا منها، ولا أستثني فيها ولا في شيء منها، ولا أخالف شرطا من شروطها، ومتى خالفتها أو شيئا منها، أو نقضتها أو شيئا منها، أو استثنيت فيها أو في شيء منها طلبا لنقضها، فكلّ ما أملكه: من صامت وناطق صدقة على الفقراء والمساكين، وكلّ زوجة في عقد نكاحه أو يتزوّجها في المستقبل فهي طالق [ثلاثا بتاتا على سائر المذاهب] «4» ، وكلّ عبيدي وإمائي أحرار لوجه الله؛ وعليه الحجّ إلى بيت الله الحرام بمكّة المعظّمة، والوقوف بعرفة ثلاثين حجّة متواليات متتابعات كوامل، حافيا ماشيا، وعليه صوم الدّهر كلّه إلا المنهيّ عنه، وعليه أن يفكّ ألف رقبة مؤمنة من أسر الكفّار، ويكون بريئا من الله تعالى ومن رسوله صلّى الله عليه وسلم ومن دين الإسلام إن خالفت هذه اليمين أو شرطا من شروطها. وهذه اليمين يميني وأنا فلان، والنّيّة فيها بأسرها نيّة مولانا السلطان فلان، ونيّة مستحلفيّ له بها، لا نيّة لي في باطني وظاهري [سواها] «5» ؛ أشهد الله عليّ بذلك، وكفى بالله شهيدا؛ والله على ما أقول وكيل.

قلت: عجيب من المقرّ الشّهابي رحمه الله ما أتى به في نسخة هذه اليمين، فإنه أتى بها بلفظ التكلم إلى قوله: «وكلّ زوجة» فعدل عن التكلم إلى الغيبة، وقال في نكاحه، وكذلك ما بعده إلى قوله «من أسر الكفار ويكون بريئا من الله ومن رسوله صلّى الله عليه وسلّم إن خالفت هذه اليمين» وأتى بصيغة التكلم إلى آخر الكلام. فإن كان فرّ في قوله: «وكل زوجة في نكاحه» خوفا من أن يقول «في نكاحي» فتطلق زوجته هو، فلا وجه له: لأن الحاكي لا يقع عليه الطّلاق، وكذا ما بعده من العتق وغيره. وأعجب من ذلك كلّه قوله: ويكون بريئا من الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم ومن دين الإسلام إن خالفت؛ فجمع بين الغيبة والتّكلّم في حالة واحدة!!. على أن ما ذكره بلفظ الغيبة إنما هو فيما سطّره في النّسخة. أما إذا كتبت اليمين التي يحلّف بها، فإنها لا تكون في الجميع إلا بلفظ التكلّم؛ فما المعنى في أنّه خاف من الوقوع في المحذور عند حكاية القول، ولم يخف مثل ذلك فيما يكتبه في نفس اليمين؟. وقد ذكر صاحب «التثقيف» جميع ذلك بلفظ التكلم، مع المخالفة في بعض الألفاظ وزيادة ونقص فيها. وهذه نسختها؛ وهي: أقول وأنا فلان بن فلان: والله والله والله، وبالله وبالله وبالله، وتالله وتالله وتالله، والله الذي لا إله إلا هو، الباريء الرحمن الرحيم، عالم الغيب والشّهادة، والسّر والعلانية، وما تخفي الصّدور، القائم على كلّ نفس بما كسبت، والمجازي لها بما احتقبت، وحقّ جلال الله، وعظمة الله، وقدرة الله، وكبرياء الله، وسائر أسماء الله الحسنى، وصفاته العليا، وحقّ هذا القرآن الكريم ومن أنزله، ومن أنزل عليه- إنني من وقتي هذا، ومن ساعتي هذه، وما مدّ الله في عمري قد أخلصت نيّتي، ولا أزال مجتهدا في إخلاصها، وأصفيت طويّتي، ولا أزال مجتهدا في إصفائها- في طاعة السلطان الملك الفلانيّ، فلان الدنيا والدّين فلان- خلّد الله ملكه- وفي خدمته ومحبّته ونصحه، وأكون وليّا لمن والاه، عدوّا

لمن عاداه، سلما لمن سالمه، حربا لمن حاربه: من سائر الناس أجمعين؛ لا أضمر له سوءا ولا مكرا، ولا خديعة ولا خيانة في نفس، ولا مال، ولا ملك؛ ولا سلطنة، ولا عساكر، ولا أجناد، ولا عربان، ولا تركمان، ولا أكراد، ولا غير ذلك، ولا أسعى في تفريق كلمة أحد منهم عن طاعته الشريفة، وإنّني والله العظيم أبذل جهدي وطاقتي في طاعة مولانا السلطان الملك الفلانيّ، فلان الدنيا والدين المشار إليه؛ وإن كاتبني أحد من سائر الناس أجمعين بما فيه مضرّة على ملكه لا أوافق على ذلك بقول ولا فعل ولا نيّة؛ وإن قدرت على إمساك الذي جاءني بالكتاب أمسكته، وأحضرته لمولانا السلطان الملك الفلانيّ المشار إليه، أو النائب القريب منّي. وإنّني والله العظيم أفي لمولانا السّلطان المشار إليه بهذه اليمين من أوّلها إلى آخرها، لا أستثني فيها ولا في شيء منها، ولا استفتي فيها ولا في شيء منها. وإن خالفتها أو شيئا منها، أو استثنيت منها، أو استفتيت طلبا لنقضها أو نقض شيء منها، فيكون كلّ ما أملكه من صامت وناطق صدقة على الفقراء والمساكين من المسلمين، وتكون كلّ زوجة في عقد نكاحي أو أتزوّجها في المستقبل طالقا ثلاثا بتاتا على سائر المذاهب، وتكون كلّ أمة أو مملوك في ملكي الآن أو أملكه في المستقبل أحرارا لوجه الله تعالى، ويلزمني ثلاثون حجّة متواليات متتابعات، حافيا حاسرا، وعليّ صوم الدّهر بجملته إلا الأيام المنهيّ عن صومها. وهذه اليمين يميني، وأنا فلان بن فلان، والنّيّة في هذه اليمين بأسرها نيّة مولانا السلطان الملك الفلانيّ المشار إليه، ونيّة مستحلفيّ له بها، لا نيّة لي في غيرها، ولا قصد لي في باطني وظاهري سواها. أشهد الله عليّ بذلك، وكفى بالله شهيدا، والله على ما أقول وكيل. قلت: وربّما كان للسلطان وليّ عهد بالسّلطنة فيقع التّحليف للسّلطان ولولده جميعا، وهي على نحو ما تقدّم، لا يتغير فيها إلا نقل الضمير من الإفراد إلى التّثنية.

وهذه نسخة يمين حلّف عليها العساكر للسلطان الملك المنصور «قلاوون» في سنة ثمان وسبعين وستمائة له ولولده وليّ عهده الملك الصالح علاء الدين «عليّ» أوردها ابن المكرّم في تذكرته؛ وهي: والله والله والله، وبالله وبالله وبالله، وتالله وتالله وتالله، والله العظيم الذي لا إله إلا هو، الرحمن الرحيم، الطّالب الغالب، المدرك المهلك، الضارّ النافع، عالم الغيب والشّهادة، والسّرّ والعلانية وما تخفي الصدور، القائم على كلّ نفس بما كسبت، والمجازي لها بما احتقبت، وحقّ جلال الله، وعزّة الله، وعظمة الله، وسائر أسماء الله الحسنى، وصفاته العليا- إنّني من وقتي هذا، ومن ساعتي هذه، وما مدّ الله في عمري قد أخلصت النّيّة، ولا أزال مجتهدا في إخلاصها، وأصفيت طويّتي ولا أزال مجتهدا في إصفائها، في طاعة السّلطان فلان، وطاعة ولده وليّ عهده فلان، وخدمتهما وموالاتهما، وامتثال مراسيمهما، والعمل بأوامرهما. وإنّني والله العظيم حرب لمن حاربهما، سلم لمن سالمهما، عدوّ لمن عاداهما، وليّ لمن والاهما. وإنّني والله العظيم لا أسعى في أمر فيه مضرّة على مولانا السلطان، ولا في مضرّة ولده، في نفس ولا سلطنة، ولا إستمالة لغيرهما، ولا أوافق أحدا على ذلك بقول ولا فعل، ولا مكاتبة ولا مشافهة، ولا مراسلة، ولا تصريح. وإنّني والله العظيم لا أدّخر عن السّلطان ولا عن ولده نصيحة في أمر من أمور ملكهما الشريف، ولا أخفيها عن أحدهما، وأن أعلمه بها في أقرب وقت يمكنني الإعلام له بها، أو أعلم من يعلمه بها، وأن الخ «1» .......

النوع الثاني (من الأيمان التي يحلف بها المسلمون أيمان أهل البدع؛ والذين منهم بهذه المملكة ثلاث طوائف)

النوع الثاني (من الأيمان التي يحلّف بها المسلمون أيمان أهل البدع؛ والذين منهم بهذه المملكة ثلاث طوائف) الطائفة الأولى (الخوارج) وهم قوم ممن كانوا مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، حملوه على أن رضي بالتّحكيم بينه وبين معاوية، وأشاروا بإقامة أبي موسى الأشعريّ حكما عن عليّ، وإقامة عمرو بن العاص حكما عن معاوية، فخدع عمرو أبا موسى: بأن اتّفق معه على أن يخلعا عليّا ومعاوية جميعا، ويقيم المسلمون لهم خليفة يختارونه؛ فتقدّم أبو موسى وأشهد من حضر أنّه خلعهما، فوافق عمرو على خلع عليّ، ولم يخلع معاوية؛ وبقي الأمر لمعاوية؛ فأنكروا ذلك حينئذ، ورفضوا التّحكيم، ومنعوا حكمه، وكفّروا عليّا ومعاوية ومن كان معهما بصفّين، وقالوا: لا حكم إلا لله ورسوله، وخرجوا على عليّ، فسمّوا الخوارج، ثم فارقوه وذهبوا إلى النّهروان فأقاموا هناك، وكانوا أربعة آلاف غوغاء لا رأس لهم؛ فذهب إليهم عليّ رضي الله عنه فقاتلهم، فلم يفلت سوى تسعة أنفس: ذهب منهم اثنان إلى عمان، واثنان إلى كرمان، واثنان إلى سجستان، واثنان إلى الجزيرة، وواحد إلى اليمن؛ فظهرت بدعتهم بتلك البلاد وبقيت بها. ثم من مذهبهم منع التّحكيم على ما تقدّم، وتخطئة عليّ وأصحابه، ومعاوية وأصحابه بصفّين في اعتمادهم إيّاه، بل تكفيرهم على ما تقدّم؛ ومنها امتناع ذلك عن رضا أصلا «1» وأنهم يمنعون التأويل في كتاب الله تعالى. ومنهم من يقول: إن سورة يوسف عليه السّلام ليست من القرآن، وإنما هي قصّة من

القصص، ومن أدخلها في القرآن فقد زاد فيه ما ليس منه، على ما سيأتي ذكره. ويقولون: إن إمارة بني أميّة كانت ظلما، وإنّ قضاءهم الذي رتّبوه على التحكيم باطل. ويذهبون إلى تخطئة عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعريّ فيما اتفقا عليه عند تحكيمهما؛ ويشنّعون على معاوية وأصحابه، ويقولون: استباحوا الفروج والأموال بغير حقّ. ثم منهم من يكفّر بالكبائر، ومنهم من يكفّر بالإصرار على الصّغائر بخلاف الكبائر من غير إصرار على ما يأتي ذكره. ويصوّبون فعلة عبد الرحمن بن ملجم في قتله عليّا رضي الله عنه، وينكرون على من ينكر ذلك عليه، لا سيما من ذهب من الشّيعة إلى أن ذلك كفر. وفي ذلك يقول شاعرهم: يا ضربة من وليّ «1» ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إنّي لأذكره يوما فأحسبه ... أوفى الخليقة عند الله ميزانا وكذلك يصوّبون فعل عمرو بن بكر الخارجيّ في قتل خارجة بن أبي حبيبة «2» صاحب شرطة عمرو بن العاص بمصر، حين قتله على ظنّ أنه عمرو بن العاص، لما لهم عنده من الإحن والضّغائن، وأنهم يصوّبون فعل قطام زوج عبد الرحمن بن ملجم في [اشتراطها على ابن ملجم حين خطبها ثلاثة آلاف وعبدا وقينة وقتل عليّ] «3» ، وأنهم يستعظمون خلع طاعة رؤوسهم، وأنهم يجوّزون كون الإمام غير قرشيّ، بل هم يجوّزون إمامة الحرّ والعبد جميعا، وينسبون من خالفهم إلى الخطإ، ويستبيحون دماءهم بمقتضى ذلك. واعلم أن ما تقدّم ذكره من معتقدات الخوارج هو مقتضى ما رتّبه من يمينهم في «التعريف» على ما سيأتي ذكره. على أن بعض هذه المعتقدات يختصّ بها

بعض فرق الخوارج دون بعض على ما سيأتي بيانه، ولكلّ منهم معتقدات أخرى تزيد على ما تقدّم ذكره. وهأنا أذكر بعض فرقهم، وبعض ما اختصّت به كلّ فرقة منهم، ليبني على ذلك من أراد ترتيب يمين لفرقة منهم: فمنهم المحكّمة- وهم الذين يمنعون التّحكيم. ومنهم الأزارقة- وهم أتباع نافع بن الأزرق، وهم الذين خرجوا بفارس وكرمان أيّام ابن الزّبير، وقاتلهم المهلّب بن أبي صفرة، وهم الذين يكفّرون عليّا مع جمع من الصحابة، ويصوّبون فعل ابن ملجم، ويكفّرون القعدة عن القتال مع الإمام وإن قاتل أهل دينه، ويبيحون قتل أطفال المخالفين ونسائهم، ويسقطون الرّجم عن الزّاني المحصن، وحدّ القذف عن قاذف الرّجل المحصن دون قاذف المرأة المحصنة، ويخرجون أصحاب الكبائر عن الإسلام، ويقولون: التّقيّة غير جائزة. ومنهم النّجدات- وهم أصحاب نجدة بن عامر، يكفّرون بالإصرار على الصغائر دون فعل الكبائر من غير إصرار، ويستحلّون دماء أهل العهد والذّمّة وأموالهم في دار التّقيّة، ويتبرّأون ممن حرّمها. ومنهم البيهسيّة- وهم أصحاب أبي بيهس بن [جابر] «1» ، يرون أنه لا حرام إلا ما وقع عليه النّصّ بقوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً «2» الآية. ويكفّرون الرّعيّة بكفر الإمام. ومنهم العجاردة «3» - وهم الذين ينكرون كون سورة يوسف من القرآن،

ويقولون: إنما هي قصّة من القصص، ويوجبون التّبرّي من الطّفل، فإذا بلغ دعي إلى الإسلام. ومنهم الميمونية «1» - وهم فرقة يقولون: إن الله تعالى يريد الخير دون الشّر، ويجوّزون نكاح بنات البنات وبنات أولاد الإخوة والأخوات. ومنهم الإباضيّة «2» - يرون أنّ مرتكب الكبيرة كافر للنعمة لا مشرك، ويرون أنّ دار مخالفيهم من المسلمين دار توحيد، ودار السلطان منهم دار بغي. ومنهم الثّعالبة «3» - يرون ولاية الطّفل حتّى يظهر عليه إنكار الحقّ فيتبرّأون منه. ومنهم الصّفريّة «4» - يرون أنّ ما كان من الكبائر فيه حدّ كالزّنا لا يكفّر به، وما كان منها ليس فيه حدّ: كترك الصّلاة يكفّر به. وكأن الذي أورده في «التعريف» متّفق عليه عندهم، أو هو قول أكثرهم فاكتفى به.

الطائفة الثانية (الشيعة)

وقد رتب في «التعريف» تحليفهم على مقتضى ما ذكره من اعتقادهم فقال: وأيمانهم أيمان أهل السّنّة، ويزاد فيها: وإلا أجزت التّحكيم، وصوّبت قول الفريقين في صفّين، وأطعت بالرّضا منّي حكم أهل الجور، وقلت في كتاب الله بالتأويل، وأدخلت في القرآن ما ليس منه، وقلت: إن إمارة بني أميّة عدل، وإن قضاءهم حقّ، وإن عمرو بن العاص أصاب، وإنّ أبا موسى ما أخطأ، واستبحت الأموال والفروج بغير حقّ، واجترحت الكبائر والصّغائر، ولقيت الله مثقلا بالأوزار، وقلت: إن فعلة عبد الرحمن بن ملجم كفر، [وإن قاتل خارجة آثم، وبرئت من فعلة قطام] «1» ، وخلعت طاعة الرّؤوس، وأنكرت أن تكون الخلافة إلّا في قريش، وإلّا فلا روّيت سيفي ورمحي من دماء المخطئين. الطائفة الثانية (الشّيعة) وهم الذين شايعوا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وقالوا بإمامته وخلافته: نصّا ووصاية، جليّا أو خفيّا، وإن الإمامة لا تخرج عنه وعن بنيه إلا بظلم من غير ذلك الإمام «2» ، أو بتقيّة منه لغيره. قال الشّهرستانيّ في «النّحل والملل» : ويجمعهم القول بوجوب التّعيين للإمام والتنصيص عليه ممّن قبله، وثبوت عصمة الأئمّة وجوبا عن الكبائر والصغائر، والقول بالتّولّي للأئمّة والتّبرّي من غيرهم. وقال في «التعريف» يجمعهم حبّ عليّ رضي الله عنه، وتختلف فرقهم فيمن سواه. فأما مع إجماعهم على حبّه فهم مختلفون في اعتقادهم فيه، فمنهم أهل غلوّ مفرط وعتوّ زائد: ففيهم من أدّى به الغلوّ إلى أن اتّخذ عليّا إلها وهم النّصيريّة-

الفرقة الأولى (الزيدية)

قال: ومنهم من قال: إنّه النبيّ المرسل وإنّ جبريل غلط، ومنهم من قال: إنه شريك في النّبوّة والرسالة، ومنهم من قال: إنه وصيّ النّبوّة بالنّصّ الجليّ، ثم تخالفوا في الإمامة بعده وأجمعوا بعده على الحسن ثم الحسين؛ وقالت فرقة منهم: وبعدهما محمد بن الحنفيّة. ثم قد ذكر في «التعريف» أن الموجود من الشيعة في هذه المملكة خمس فرق: الفرقة الأولى (الزّيديّة) وهم القائلون بإمامة زيد بن عليّ بن الحسين السّبط، ابن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه؛ وهو الذي رأسه مدفون بالمشهد الذي بين كيمان مصر، جنوبيّ الجامع الطّولونيّ، المعروف بمشهد الرّأس، فيما ذكره القاضي محيي الدّين بن عبد الظاهر في خطط القاهرة. قال في «التعريف» : وهم أقرب القوم إلى القصد الأمم. قال: ولهم إمام باق باليمن إلى الآن، وصنعاء داره، وأمراء مكّة المعظّمة منهم. ثم قال: وحدّثني مبارك بن عطيفة بن أبي نميّ: أنهم لا يدينون إلا بطاعة ذلك الإمام، ولا يرون إلا أنّهم نوّابه، وإنما يتّقون صاحب مصر لخوفهم منه وللإقطاع، وصاحب اليمن لمداراته لواصل الكارم «1» ورسوم الأنعام. ومن ثمّ عدّهم من جملة من بهذه المملكة من طوائف البدع. وكان من مذهب زيد هذا جواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل، ويقول: إنّ عليّا رضي الله عنه كان أفضل الصّحابة رضوان الله عليهم، إلا أنّ الإمامة فوّضت إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لمصلحة رأوها، وقاعدة دينيّة راعوها: من

الفرقة الثانية (من الشيعة: الإمامية)

تسكين نائرة الفتنة، وتطييب قلوب العامّة، مع تفضيل عليّ على الشّيخين عندهم في أوانهم. وأتباعه يعتقدون أنّ هذا هو المعتقد الحقّ، ومن خالفه خرج عن طريق الحقّ، وضل عن سواء السّبيل. وهم يقولون: إن نصّ الأذان بدل الحيعلتين: «حيّ على خير العمل» يقولونها في أذانهم مرّتين بدل الحيعلتين، وربّما قالوا قبل ذلك: «محمد وعليّ خير البشر، وعترتهما خير العتر» ومن رأى أن هذا بدعة فقد حاد عن الجادّة. وهم يسوقون الإمامة في أولاد عليّ كرّم الله وجهه من فاطمة رضي الله عنها، ولا يجوّزون ثبوت الإمامة في غير بنيهما؛ إلا أنّهم جوّزوا أن يكون كلّ فاطميّ عالم زاهد شجاع خرج لطلب الإمامة إماما معصوما واجب الطاعة، سواء كان من ولد الحسن أو الحسين عليهما السلام، ومن خلع طاعته فقد ضلّ. وهم يرون أن الإمام المهديّ المنتظر من ولد الحسين رضي الله عنه دون ولد الحسن، ومن خالف في ذلك فقد أخطأ. ومن قال: إنّ الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أفضل من عليّ وبنيه فقد أخطأ عندهم وخالف زيدا في معتقده. ويقولون: إن تسليم الحسن الأمر لمعاوية كان لمصلحة اقتضاها الحال، وإن كان الحقّ له. قال في «التعريف» : وأيمانهم أيمان أهل السّنّة، يعني فيحلّفون كما تقدّم، ويزاد فيها: وإلّا برئت من معتقد زيد بن عليّ، ورأيت أنّ قولي في الأذان: «حيّ على خير العمل» بدعة، وخلعت طاعة الإمام المعصوم الواجب الطّاعة، وادّعيت أن المهديّ المنتظر ليس من ولد الحسين بن عليّ، وقلت بتفضيل الشيخين على أمير المؤمنين عليّ وبنيه، وطعنت في رأي ابنه الحسن لما اقتضته المصلحة، وطعنت عليه فيه. الفرقة الثانية (من الشّيعة: الإمامية) وهم القائلون بإمامة اثني عشر إماما: أوّلهم أمير المؤمنين عليّ المرتضى، ثم ابنه الحسن المجتبى، ثم أخوه الحسين شهيد كربلاء، ثم ابنه عليّ السّجّاد

زين العابدين، ثم ابنه محمد الباقر، ثم ابنه جعفر الصّادق، ثم ابنه موسى الكاظم، ثم ابنه عليّ الرّضا وهو الذي عهد إليه المأمون بالخلافة ومات قبل أن يموت المأمون، ثم ابنه محمد التّقي، ثم ابنه عليّ النقي، ثم ابنه الحسن الزّكيّ المعروف بالعسكريّ، ثم ابنه محمد الحجّة، وهو المهديّ المنتظر عندهم، يقولون إنه دخل مع أمّه صغيرا سردابا بالحلّة على القرب من بغداد ففقد ولم يعد، فهم ينتظرونه إلى الآن، ويقال: إنهم في كلّ ليلة يقفون عند باب السّرداب ببغلة مشدودة ملجمة من الغروب إلى مغيب الشّفق ينادون: أيّها الإمام! قد كثر الظّلم! وظهر الجور فاخرج إلينا! ثم يرجعون إلى اللّيلة الأخرى، وتلقّب هذه الفرقة بالأثني عشريّة أيضا، لقولهم بإمامة اثني عشر إماما، وبالموسويّة لقولهم بانتقال الخلافة بعد جعفر الصادق إلى ابنه موسى الكاظم المقدّم ذكره دون أخيه إسماعيل إمام الإسماعيليّة الآتي ذكره، وبالقطعيّة لقولهم بموت إسماعيل المذكور في حياة أبيه الصادق والقطع بانتقال الإمامة إلى موسى «1» قال في «التعريف» : وهم مسلمون، إلا أنهم أهل بدعة كبيرة سبّابة. وهم يقولون: بإمامة عليّ رضي الله عنه نصّا ظاهرا، وتعيينا صادقا، احتجاجا بأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من يبايعني على ماله، فبايعه جماعة، ثم قال: من يبايعني على روحه وهو وصيّي ووليّ هذا الأمر من بعدي، فلم يبايعه أحد، حتّى مدّ أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام يده إليه فبايعه على روحه ووفى بذلك» . قال في «العبر» «2» : وهذه الوصيّة لا تعرف عن أحد من أهل الأثر، بل هي من موضوعاتهم؛ ويخصّونه بوراثة علم النبيّ صلّى الله عليه وسلم. ويروون أنه صلّى الله عليه وسلّم قال يوم غدير خمّ: «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وأدر الحقّ على لسانه كيفما دار» ويرون أنّ بيعة الصّدّيق رضي الله عنه يوم السّقيفة غير صحيحة: حين اجتمع

الأنصار بعد موت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ليبايعوه، وذهب إليهم أبو بكر رضي الله عنه ومعه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة، وروى لهم أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يصلح هذا الأمر إلّا لهذا الحيّ من قريش» فرجعوا إلى قوله وبايعه عمر، ثم بايعه الناس على ما تقدّم ذكره في الكلام على مبايعات الخلفاء في المقالة الخامسة، وأنّ القائم فيها مجترم لا سيّما أوّل باد بذلك. ويقولون: إن الحقّ كان في ذلك لعليّ بالوصيّة. ويقولون: إن القيام على أمير المؤمنين عثمان بن عفّان رضي الله عنه، وحصره في الدار كان واجبا لاعتقادهم عدم صحّة خلافته مع وجود عليّ رضي الله عنه، وإن المتأخّر عن حصره كان مخطئا. ويرون جواز التّقيّة خوفا على النّفس، وأنّ عليّا رضي الله عنه إنما تأخّر عن طلب الإمامة عند قيام من كان قبله بها تقيّة على نفسه «1» ويرون أنّ من أعان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الخلافة كان مخطئا: لبطلان خلافته بترتّبها على خلافة أبي بكر ووجود عليّ الذي هو أحقّ بها. ويزعمون أنّ الصّدّيق رضي الله عنه منع فاطمة رضي الله عنها حقّها من إرثها «2» من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تعدّيا، وأنّ من ساعد في تقديم تيم بخلافة أبي بكر، أو تقديم عديّ بخلافة عمر، أو تقديم أميّة بخلافة عثمان كان مخطئا. ويزعمون أنّ عمر رضي الله عنه لم يصب في جعل الأمر شورى بين بقيّة العشرة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، لاستحقاق تقدّم عليّ على الجميع.

ويصوّبون قول حسان بن ثابت رضي الله عنه فيما كان من موافقته في حديث الإفك «1» في حقّ عائشة رضي الله عنها، ولا يرون تكذيبه في ذلك. ويرون أنّ عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها كانت مخطئة في قيامها على عليّ يوم الجمل، وأنّ من قام معها كان مخطئا للموافقة على الخطإ. ويقولون إنّ من قام مع معاوية على عليّ بصفّين وشهر السّيف معه عليه فقد ارتكب محظورا، وينكرون ما وقع من زياد بن أبيه من الدّعوى الباطلة؛ وذلك أنه بعد قتل الحسين عليه السّلام جهّز جيشا إلى المدينة النبوية مع مسلم ابن عبد الله فقتلوا وسبوا وبايعوا من تبعهم على أنّهم خول ليزيد. ويقولون ببطلان حكم ابن مرجانة، ويعدّون من العظائم قيام عمر بن سعد في قتال الحسين؛ وحقيق أن ينكروا عليه ذلك ويستعظموه! فقد قيل: إنه بعد قتله أمر جماعة فوطئوا صدر الحسين وظهره بالخيل، وكان يزيد قاتله الله قد أمره بذلك. ويرون أن الأمر صار بعد الحسن عليه السّلام إلى أخيه الحسين، ويقولون: إنّ الإمامة عند الحسن مستودعة لا مستقرّة، ولذلك لم تثبت في بنيه. ويعدّون من العظائم فعل شمر بن [ذي] «2» الجوشن: وهو الذي احتزّ رأس الحسين، وأنّ من ساعده على ذلك مرتكب أعظم محظورات بأشدّ بليّة، وحقيق ذلك أن يستعظموه! فأيّ جريمة أعظم من قتل سبط رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟. وقد ذكر صاحب «نظم السّمط في خبر السّبط» : أنه وجد في حجر مكتوب قبل البعثة بألف سنة ما صورته: أترجو أمّة قتلت حسينا ... شفاعة جدّه يوم الحساب؟ ويقال: إنّ الذي احتزّ رأس الحسين إنما هو سنان بن أنس النّخعي.

ويعدّون من العظائم أيضا سبي معاوية أهل البيت عند غلبة عليّ رضي الله عنه بصفّين وسوقهم معه إلى دمشق سوقا بالعصيّ، ويرون أنّ خلافة يزيد بن معاوية كانت من أعظم البلايا، وأن المغيرة بن شعبة أخطأ حيث أشار على معاوية بها، ويقولون بالتّبرّي من عمرو بن العاص رضي الله عنه لانتمائه إلى معاوية، وخديعته أبا موسى الأشعريّ يوم الحكمين حتى خلع عليّا، وإنّ من ظاهره أو عاضده كان مخطئا. وكذلك يتبرّؤون من بسر بن [أبي] «1» أرطاة: لأنّ معاوية بعثه إلى الحجاز في عسكر فدخل المدينة وسفك بها الدّماء، واستكره الناس على البيعة لمعاوية، وتوجه إلى اليمن بعد ذلك فوجد صبيّين لعبيد الله بن عبّاس [عامل عليّ] «2» على اليمن فقتلهما. ويرون تخطئة عقبة بن عبد الله المرّي، ويقدحون في رأي الخوارج: وهم الذين خرجوا على عليّ رضي الله عنه بعد حرب صفّين، على ما تقدّم ذكره [في الكلام] «3» على أيمان الخوارج: وهو مفارقتهم عليّا رضي الله عنه، وتخطئتهم له في الغنائم. ويقولون: إنّ الامامة انتقلت بعد الحسين السّبط عليه السّلام في أبنائه إلى تمام الأثني عشر؛ فانتقلت بعد الحسين إلى ابنه زين العابدين، ثم إلى ابنه محمد الباقر، ثم إلى ابنه جعفر الصّادق، ثم إلى ابنه موسى الكاظم، ثم إلى ابنه عليّ الرّضا، ثم إلى ابنه محمد التّقيّ «4» ، ثم إلى ابنه علي النّقي، ثم إلى ابنه الحسن الزّكيّ، ثم إلى ابنه محمد الحجّة، وهو المهديّ المنتظر عندهم، على ما تقدّم ذكره في أوّل الكلام على هذه الفرقة، وإنّ من خالف ذلك فقد خالف الصّواب.

ويستعظمون دلالة من دلّ بني أميّة وبني العبّاس على مقاتل أهل البيت. أما دلالة بني أميّة، فبعد غلبة معاوية بصفّين. وأما دلالة بني العبّاس، فعند تنازع بني العبّاس وأهل البيت في طلب الخلافة، زمن أبي جعفر المنصور وما بعده. ويقولون: ببقاء حكم المتعة: وهي النكاح المؤقّت الذي كان في صدر الإسلام. ويشنّعون على نجدة بن عامر الحنفي «1» الخارجيّ حيث زاد في حدّ الخمر، وغلّظ فيه تغليظا شديدا، كما حكاه الشّهرستانيّ عنهم. ويستعظمون البراءة من شيعة أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه، واتبّاع أهوية أهل الشام من متابعي بني أميّة والغوغاء القائمين بالنّهروان: وهم الخوارج الذين خالفوا عليّا بعد قضيّة التحكيم بصفّين، وأقاموا بالنّهروان من العراق لقتال عليّ، ورئيسهم يومئذ عبد الله بن وهب، فسار إليهم عليّ وكانوا أربعة آلاف فقتلوا عن آخرهم «2» ، ولم يقتل من أصحاب عليّ سوى سبعة أنفس. ويرون أنّ أبا موسى الأشعريّ رضي الله عنه أخطأ في موافقته عمرو بن العاص رضي الله عنه: حيث حكم بخلع عليّ ولم يخلع عمرو معاوية. ويعتمدون في القرآن الكريم على مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، دون المصحف الذي أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم، فلا يثبتون ما لم يثبت فيه قرآنا «3»

ويتبرّأون من فعل ابن ملجم في قتله أمير المؤمنين رضي الله عنه، وحقّ لهم التّبرّي من ذلك. ويرون أنّ موالاة ابن ملجم وإسعافه في صداق زوجته قطام جريرة. ويرون محبة قبيلة همدان من المحبوب المطلوب: لمشايعتهم عليّا رضي الله عنه ومحبّتهم أهل البيت كما هو المشهور عنهم؛ حتّى يحكى أنّ أمير المؤمنين عليّا رضي الله عنه صعد يوما المنبر وقال: ألا لا ينكحنّ أحد منكم الحسن بن عليّ فإنه مطلاق، فنهض رجل من همدان وقال: والله لننكحنّه ثم لننكحنّه! إن أمهر أمهر كثيفا، وإن أولد أولد شريفا!. فقال عليّ رضي الله عنه حينئذ: لو كنت بوّابا على باب جنّة ... لقلت لهمدان ادخلي بسلام! ويقولون باشتراط العصمة في الأئمّة، فلا يكون من ليس بمعصوم عندهم إماما. وقد رتّب في «التعريف» يمينهم على هذه العقائد، فقال: وهؤلاء يمينهم هي: إنّني والله والله والله العظيم، الرّبّ الواحد الأحد، الفرد الصّمد، وما أعتقده من صدق محمد صلّى الله عليه وسلّم ونصّه على إمامة ابن عمّه ووارث علمه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يوم غدير خمّ، وقوله: «من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه! وعاد من عاداه! وأدر الحقّ على لسانه كيفما دار!» وإلّا كنت مع أوّل قائم يوم السّقيفة، وآخر متأخّر يوم الدّار، ولم أقل بجواز التّقيّة خوفا على النّفس، وأعنت ابن الخطّاب، واضطهدت فاطمة، ومنعتها حقّها من الإرث، وساعدت في تقديم تيم وعديّ وأميّة، ورضيت بحكم الشّورى، وكذّبت حسّان بن ثابت يوم عائشة، وقمت معها يوم الجمل، وشهرت السّيف مع معاوية يوم صفّين، وصدّقت دعوى زياد، ونزلت على حكم ابن مرجانة «1» ، وكنت مع عمر بن سعد في قتال الحسين،

الفرقة الثالثة (من الشيعة: الإسماعيلية)

وقلت: إنّ الأمر لم يصر بعد الحسن إلى الحسين، وساعدت شمر بن [ذي] «1» الجوشن على فعل تلك البليّة، وسبيت أهل البيت وسقتهم بالعصيّ إلى دمشق، ورضيت بإمارة يزيد، وأطعت المغيرة بن شعبة، وكنت ظهيرا لعمرو بن العاص، ثم لبسر بن [أبي] «2» أرطاة، وفعلت فعل عقبة بن عبد الله [المرّي] «3» وصدّقت رأي الخوارج، وقلت: إن الأمر لم ينتقل بعد الحسين بن عليّ في أبنائه إلى تمام الأئمّة، إلى الإمام المهديّ المنتظر، ودللت على مقاتل أهل البيت بني أميّة وبني العبّاس، وأبطلت حكم التّمتّع، وزدت في حدّ الخمر ما لم يكن، وحرّمت بيع أمّهات الأولاد، وقلت برأيي في الدّين، وبرئت من شيعة أمير المؤمنين، وكنت مع هوى أهل الشّام والغوغاء القائمة بالنّهروان، واتّبعت خطأ أبي موسى وأدخلت في القرآن ما لم يثبته ابن مسعود، وشركت ابن ملجم وأسعدته في صداق قطام، وبرئت من محبّة همدان، ولم أقل باشتراط العصمة في الإمام، ودخلت مع أهل النصب الظّلّام. قلت: قد ذكر في «التعريف» فرقة الإمامية هذه من الشّيعة الذين بهذه المملكة، ولم أعلم أين مكانهم منها. الفرقة الثالثة (من الشّيعة: الإسماعيلية) وهم القائلون بإمامة إسماعيل بن جعفر الصّادق، وأنّ الأمامة انتقلت إليه بعد أبيه دون أخيه موسى الكاظم المقدّم ذكره في الكلام على فرقة الإماميّة، وهم يوافقون الإماميّة المقدّم ذكرهم في سوق الإمامة من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه إلى جعفر الصّادق، ثم يعدلون بها عن موسى الكاظم الذي هو الإمام عند الإماميّة إلى إسماعيل هذا، ثم يسوقونها في بنيه، فيقولون: إنّ الإمامة انتقلت بعد أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه إلى ابنه الحسن، ثم إلى أخيه

الحسين، ثم إلى ابنه عليّ زين العابدين، ثم إلى ابنه محمد الباقر، ثم إلى ابنه جعفر الصّادق، ثم إلى ابنه إسماعيل- الذي تنسب إليه هذه الفرقة- بالنّصّ من أبيه. فمن قائل: إن أباه مات قبله، وانتقلت الإمامة إليه بموته. ومن قائل: إنه مات قبل أبيه. وفائدة النّصّ ثبوتها في بنيه بعده. ثم يقولون: إنها انتقلت من إسماعيل المذكور إلى ابنه محمد المكتوم، ثم إلى ابنه جعفر الصدق «1» ، ثم إلى ابنه محمد الحبيب، ثم إلى ابنه عبيد الله المهديّ أوّل خلفاء الفاطميين ببلاد المغرب، وهو جدّ الخلفاء الفاطميّين بمصر، ثم إلى ابنه القائم بأمر الله أبي القاسم محمد: ثاني خلفاء الفاطميّين ببلاد المغرب، ثم إلى ابنه المنصور بالله أبي الطاهر إسماعيل: ثالث خلفاء الفاطميّين ببلاد المغرب، ثم إلى ابنه المعزّ لدين الله أبي تميم معدّ: أوّل خلفاء الفاطميّين بمصر بعد قيامه ببلاد المغرب (وهو باني القاهرة) ، ثم إلى ابنه العزيز بالله أبي المنصور نزار: ثاني خلفائهم بمصر، ثم إلى ابنه الحاكم بأمر الله أبي عليّ المنصور: ثالث خلفائهم بمصر، ثم إلى ابنه الظاهر لإعزاز دين الله أبي الحسن عليّ: رابع خلفائهم بمصر، ثم إلى ابنه المستنصر بالله أبي تميم معدّ: خامس خلفائهم بمصر. ثم من هاهنا افترقت الإسماعيلية إلى فرقتين: مستعلويّة ونزاريّة. فأمّا المستعلويّة فيقولون: إن الإمامة انتقلت بعد المستنصر بالله المقدّم ذكره إلى ابنه المستعلي بالله، أبي القاسم أحمد: سادس خلفائهم بمصر، ثم إلى ابنه الآمر بأحكام الله أبي عليّ المنصور: سابع خلفائهم بمصر؛ ثم إلى ابنه «2»

الحافظ لدين الله أبي الميمون عبد المجيد بن أبي القاسم: ثامن خلفائهم بمصر، ثم إلى ابنه الظافر بأمر الله أبي المنصور إسماعيل، تاسع خلفائهم بمصر، ثم إلى ابنه الفائز بنصر الله أبي القاسم عيسى بن الظّافر: عاشر خلفائهم بمصر، ثم إلى العاضد لدين الله أبي محمد عبد الله بن يوسف بن الحافظ: حادي عشر خلفائهم بمصر، وهو آخرهم حتّى مات «1» وأما النّزاريّة فإنهم يقولون: إن الإمامة انتقلت بعد المستنصر إلى ابنه نزار بالنّصّ من أبيه دون ابنه المستعلي؛ ويستندون في ذلك إلى أنّ الحسن بن الصّبّاح كان من تلامذة أحمد بن عطاش «2» صاحب قلعة أصبهان وألموت، وكان شهما عالما بالتّعاليم والنّجوم والسّحر، فاتّهمه ابن عطاش بالدّعوة للفاطميّين خلفاء مصر، فخاف وهرب منه إلى مصر في خلافة المستنصر المقدّم ذكره، فأكرمه وأمره بدعاية الناس إلى إمامته، فقال له ابن الصّباح: من الإمام بعدك؟ فقال له: ابني نزار، فعاد ابن الصّباح من مصر إلى الشّام والجزيرة وديار بكر وبلاد الرّوم، ودخل خراسان، وعبر إلى ماوراء النّهر، وهو يدعو إلى إمامة المستنصر وابنه نزار بعده. قال الشّهرستانيّ في «الملل والنحل» «3» : وصعد قلعة ألموت في شعبان سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة واستظهر وتحصّن. ثم النّزاريّة يزعمون أنّ نزارا المذكور خرج من الإسكندرية حملا في بطن جارية، تقيّة على نفسه، وخاض بلاد الأعداء حتّى صار إلى ألموت. ورأيت في «المغرب» لابن سعيد أنه إنّما صار من عقبه من وصل إلى تلك البلاد، وصارت الإمامة في بنيه هناك.

والمستعلوية ينكرون ذلك إنكارا، ويقولون: إنه قتل «1» بالإسكندرية: سار إليه الأفضل بن أمير الجيوش وزير المستعلي وحاصره بالإسكندرية، ثم ظفر به وأتى به إلى المستعلي، فبنى عليه حائطين فمات، ثم فرّ بعض بني نزار إلى بلاد [مشارق أفريقية] «2» وأقام بالمغرب، والقائمون بها الآن من ولده، وهو الذي تشهد به كتب التواريخ: كمغرب ابن سعيد «3» وغيره. ثم الإسماعيليّة في الجملة: من المستعلويّة والنّزاريّة يسمّون أنفسهم أصحاب الدّعوة الهادية، تبعا لإمامهم إسماعيل المذكور، فإنه كان يسمّى صاحب الدّعوة الهادية. قال في «التعريف» : وهم وإن أظهروا الإسلام وقالوا بقول الإمامية، ثم خالفوهم في موسى الكاظم وقالوا: إنّ الإمامة لم تصر إلى أخيه إسماعيل فإنّهم طائفة كافرة يعتقدون التّناسخ والحلول. وذكر في «مسالك الأبصار» : أن ملخّص معتقدهم التّناسخ. ثم قال: ولقد سألت المقدّم عليهم والمشار إليه فيهم: (وهو مبارك بن علوان) عن معتقدهم

وجاذبته الحديث في ذلك مرارا، فظهر لي منه أنّهم يرون أنّ الأرواح مسجونة في هذه الأجسام المكلّفة بطاعة الإمام المطهّر على زعمهم؛ فإذا انتقلت على الطاعة كانت قد تخلّصت وانتقلت للأنوار العلويّة، وإن انتقلت على العصيان هوت في الظّلمات السّفلية. وذكر في «العبر» : أنّ منهم من يدّعي ألوهيّة الإمام بنوع الحلول، ومنهم من يدّعي رجعة من مات من الأئمّة بنوع التناسخ والرّجعة، ومنهم من ينتظر مجيء من يقطع بموته، ومنهم من ينتظر عود الأمر إلى أهل البيت. ثم المستعلويّة والنّزاريّة يتّفقون في بعض المعتقدات ويختلفون في بعضها. فأمّا ما يتفقون عليه من الاعتقاد، فهم يتّفقون على أنه لا بدّ من إمام معصوم: ظاهر أو مستور. فالأئمّة الظاهرون هم الذين يظهرون أنفسهم ويدعون الناس إلى إمامتهم، والمستورون هم الذين يستترون ويظهرون دعاتهم. وآخر الظّاهرين عندهم إسماعيل الذي ينسبون إليه، وأوّل المستورين ابنه المكتوم. ومن معتقدهم أنّ من مات ولم يعرف إمام زمانه أو لم يكن في عنقه بيعة إمام، مات ميتة جاهليّة، ويرون أن العلم لا يكون إلا بالتعليم من الأئمّة خاصّة، وأنّ الأئمّة هم هداة الناس؛ ويقولون: إن للأئمّة أدوارا في كلّ دور منها سبعة أئمّة: ظاهرين أو مستورين. فإن كان أهل الدّور ظاهرين يسمّى ذلك الدّور دور الكشف، وإن كانوا مستورين يسمّى دور السّتر. ويقولون بوجوب موالاة أهل البيت، ويتبرّأون ممن خالفهم، وينسبونهم إلى الأخذ بالباطل، والوقوع في الضّلال، لا سيما النّواصب، وهم الطائفة المعروفة بالناصبيّة أتباع ... «1» ، ويرمونهم

بالعظائم، وينسبونهم إلى اعتماد المحال والأخذ به. ومن خرج عندهم عن القول بانتقال الإمامة بعد الحسن السّبط عليه السّلام، ثم أخيه الحسين، ثم في أئمّتهم المتقدّم ذكرهم، إلى إمامهم إسماعيل الذي ينسبون إليه بالنّصّ الجليّ، فقد حاد عن الحقّ. وهم يعظمون ... «1» ويستعظمون القدح فيه، وأن من وقع في ذلك فقد ارتكتب خطأ كبيرا. ولدعاة الأئمّة المستورين عندهم من المكانة وعلوّ الرّتبة الرّتبة العظمى، لا سيما الداعي القائم بذلك أوّلا: وهو الداعي إلى محمد المكتوم أوّل أئمتهم المستورين على ما تقدّم ذكره، فإن له من الرّتبة عندهم فوق ما لغيره من الدّعاة القائمين بعده. ومما اشتهر من أمر الدّعاة لأئمتهم المستورين أنه كان ممّن ينسب إلى التّشيّع رجل اسمه رمضان، ويقال: إنه صاحب كتاب «الميزان» في نصرة الزندقة، فولد له ولد يقال له: ميمون، نشأ على أهبة في التّشيع والعلم بأسرار الدّعاء لأهل البيت، ثم نشأ لميمون ولد يقال له: عبد الله، وكان يعالج العيون ويقدحها، فسمّي القدّاح «2» ، واطّلع على أسرار الدّعوة من أبيه، وسار من نواحي كرخ وأصبهان إلى الأهواز والبصرة وسلمية من أرض الشام يدعو الناس إلى أهل البيت، ثم مات ونشأ له ولد يسمّى أحمد فقام مقام أبيه عبد الله القدّاح في الدّعوة، وصحبه رجل يقال له رستم بن الحسين بن حوشب النّجّار من أهل الكوفة، فأرسله أحمد إلى اليمن، فدعا الشّيعة باليمن إلى عبد الله المهديّ فأجابوه، وكان أبو عبد الله الشّيعيّ من أهل صنعاء من اليمن، وقيل من أهل

الكوفة، يصحب ابن حوشب، فحظي عنده وبعثه إلى المغرب. ومن نسب أحدا من هذه الدعاة إلى ارتكاب محظور أو احتقاب إثم فقد ضلّ وخرج عن جادّة الصواب عندهم. ويرون تخطئة من مالأ على الإمام عبيد الله المهديّ: أوّل أئمتهم القائمين ببلاد الغرب على ما تقدّم، وارتكابه المحظور وضلاله عن طريق الحقّ؛ وكذلك من خذل الناس عن اتّباع القائم بأمر الله بن عبيد الله المهديّ، ثاني خلفائهم ببلاد المغرب، أو نقض الدولة على المعزّ لدين الله: أوّل خلفائهم بمصر؛ ويرون ذلك من أعظم العظائم، وأكبر الكبائر. ومن أعيادهم العظيمة الخطر عندهم يوم غدير خمّ (بفتح الغين المعجمة وكسر الدال المهملة وسكون المثناة تحت وراء مهملة في الآخر، ثم خاء معجمة مضمومة بعدها ميم) : وهو غيضة بين مكّة والمدينة على ثلاثة أيام من الجحفة. وسبب جعلهم له عيدا أنهم يذكرون أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نزل فيه ذات يوم فقال لعليّ رضي الله عنه: «اللهم من كنت مولاه فعليّ مولاه، أللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيث دار» على ما تقدّم نحوه في الكلام على يمين الإمامية. وقد كان للخلفاء الفاطميّين بمصر بهذا العيد اهتمام عظيم، ويكتبون بالبشارة به إلى أعمالهم، كما يكتبون بالبشارة بعيد الفطر وعيد النّحر ونحوهما. ويعتقدون في أئمّتهم أنهم يعلمون ما يكون من الأمور الحادثة. وقد ذكر المؤرّخون عن عبيد الله المهديّ جدّ الخلفاء الفاطميّين بمصر أنه حين بنى المهديّة بمشارق أفريقية من بلاد المغرب طلع على سورها ورمى بسهم وقال: إلى حدّ هذه الرمية ينتهي صاحب الحمار؛ فخرج بالمغرب خارجيّ يعرف بأبي يزيد صاحب الحمار، وقصد المهديّة حتّى انتهى إلى حدّ تلك الرمية، فرجع ولم يصل المهديّة. وكان الحاكم بأمر الله أحد خلفاء مصر من عقب المهديّ المذكور يدّعي

علم الغيب على المنبر بالجامع المعروف به على القرب من باب الفتوح بالقاهرة، فكتبوا له بطاقة فيها: بالظّلم والجور قد رضينا ... وليس بالكفر والحماقه إن كنت أوتيت علم غيب ... بيّن لنا كاتب البطاقه فترك ما كان يقوله ولم يعد إليه قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ «1» وهم يقدحون في عيّاش «2» بن أبي الفتوح الصّنهاجيّ، وزير الظّافر: أحد الخلفاء الفاطميّين بمصر. وذلك أنّه كان له ولد حسن الصّورة اسمه نصر، فأحبّه الظافر المذكور حتّى كان يأتي إليه ليلا إلى بيته، فرمى عيّاش الظافر بابنه، وأمره أن يستدعيه فاستدعاه، فأتى إليه ليلة على العادة، فاجتمع عيّاش بن «3» السلار هو وابنه نصر على الظافر وقتلاه، وهربا إلى الشام، فأسرهما الفرنج، ثم فدي ابنه وصلب على باب زويلة «4»

وهم يقدحون في عيّاش المذكور ويرمونه بالنّفاق بسبب ما وقع منه في حقّ الظافر من رميه بابنه وقتله إياه. قلت: وعيّاش هذا هو الذي أشار إليه في «التعريف» في صورة يمين الإسماعيلية بابن السلار. وهو وهم منه، إذ ليس عياش بابن السلار، وإنما ابن السلار هو زوج أمّ عيّاش المذكور، وكان قد وزّر للظّافر المذكور قبل ربيبه عيّاش وتلقّب بالعادل، واستولى على الأمر حتّى لم يكن للظافر معه كلام، ثم دسّ عليه ربيبه عيّاش من قتله، ووزّر للظّافر بعده. فابن السلار هو العادل وزير الظافر أوّلا لا عيّاش ربيبه. ومن أكبر الكبائر عندهم وأعظم العظائم أن يرمى أحد من آل بيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلم لا سيّما الأئمّة بكبيرة، أو ينسبها [أحد] إليهم، أو يوالي لهم عدوّا أو يعادي وليّا. وأما ما يختص به المستعلوية، فإنهم ينكرون إمامة نزار بن المستنصر المقدّم ذكره، ويكذّبون النّزاريّة في قولهم: إن نزارا خرج حملا في بطن جارية حتّى صار إلى بلاد الشّرق. ويقولون: إنه مات بالإسكندرية ميتة ظاهرة. ويقولون: إنه نازع الحقّ أهله وجاذب [الخلافة ربّها] «1» من حيث إن الحقّ في الإمامة والخلافة كان لإمامهم المستعلي بالله فادّعاه لنفسه. ويقولون: إن شيعته على الباطل، وموافقتهم في اعتقادهم إمامته خطأ. ويرون من الضّلال اتباع الحسن بن الصّبّاح «2» داعية نزار والنّاقل عن المستنصر النّصّ على إمامته، ويرون

الكون في جملة النّزاريّة من أعظم الأضاليل، لا سيّما من كان فيهم آخر أدوار الأئمّة التي هي في كلّ دور سبعة أئمّة، على ما تقدّم ذكره في صدر الكلام على أصل معتقد هذه الفرقة. ثم هم يعظّمون راشد الدين سنان «1» : وهو رجل كان بقلاع الدّعوة بأعمال طرابلس من البلاد الشامية في زمن السلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب، انتهت رياستهم إليه. قال في «مسالك الأبصار» : وكان رجلا صاحب سيميا، فأراهم بها ما أضلّ به عقولهم: من تخييل أشخاص من مات منهم على طاعة أئمتهم في جنّات النعيم، وأشخاص من مات منهم على عصيان أئمّتهم في النار والجحيم؛ فثبت ذلك عندهم واعتقدوه حقّا. ومن قدح في ذلك فقد دخل في أهل الضلال. ويقدحون في ابن السلار المقدّم ذكره ويسفّهون رأيه «2» فيما كان منه: من إزالة الخطبة للفاطميّين وحطّ رايتهم الصّفراء والخطبة لبني العبّاس ورفع

رايتهم السّوداء، وما كان منه من الفعلة التي استولى بها على قصر الفاطميّين ومن فيه، وأخذ أموالهم بعد موت العاضد. وأما ما يختص به النّزاريّة، فإنهم يقولون: إنّ الأمر صار إلى نزار بعد أبيه المستنصر على ما تقدّم ذكره، وإن من جحد إمامته فقد أخطأ، ويزعمون أنه خرج من الإسكندريّة حملا في بطن أمة وخاض بلاد أعدائه الذين هم المستعلويّة بمصر حتّى صار إلى بلاد الشرق. ويقولون: إن الاسم يغير الصورة بمعنى؛ ويرون أن الطّعن على الحسن بن الصّباح المقدّم ذكره فيما نقله عن المستنصر من قوله: الإمامة بعدي في ولدي نزار، من أعظم الآثام، ويعظّمون علاء الدّين صاحب قلعة ألموت؛ وهي قلعة بالطّالقان بناها السلطان ملكشاه السّلجوقيّ؛ وذلك أنه أرسل عقابا فبرّز في مكانها؛ فلمّا وافى مكانها بنى فيه هذه القلعة وسماها ألموت، ومعناه تعليم العقاب «1» وعلاء الدّين هذا هو ابن جلال الدّين الحسن «2» الملقّب بإلكيا، وهو من عقب الحسن بن الصّبّاح المقدّم ذكره، وكان أبوه جلال الدّين قد أظهر شعائر الإسلام، وكتب بذلك إلى سائر بلاد الإسماعيليّة بالعجم والشّام فأقيمت فيها، ثم توفّي بقلعة ألموت المذكورة في سنة ثمان عشرة وستمائة، فاستولى ابنه علاء

الدّين هذا على قلعة ألموت المذكورة، وخالف رأي أبيه المذكور إلى مذهب النّزاريّة، وصار رأسا من رؤوسهم؛ والتّبرّي منه عندهم من أشدّ الخطإ. واعلم أنّ أصل هذه الفرقة كانت بالبحرين في المائة الثانية وما بعدها، ومنهم كانت القرامطة الذين خرجوا من البحرين حينئذ، نسبة إلى رجل منهم اسمه قرمط، خرج فيهم وادّعى النّبوّة وأنّه أنزل عليه كتاب؛ ثم ظهروا بالمشرق «بأصبهان» : في أيام السلطان ملكشاه السّلجوقيّ، واشتهروا هناك بالباطنية: لأنهم يبطنون خلاف ما يظهرون «1» ، وبالملاحدة: لأن مذهبهم كلّه إلحاد؛ ثم صاروا إلى الشّام، ونزلوا فيما حول طرابلس، وأظهروا دعوتهم هناك، وإليهم تنسب قلاع الإسماعيلية المعروفة بقلاع الدّعوة، فيما حول طرابلس، كمصياف، والخوابي، والقدموس، وغيرها. ولمّا افترقوا إلى مستعلويّة ونزاريّة كما تقدّم، أخذ من منهم ببلاد المشرق بمذهب النّزاريّة، عملا بدعوة ابن الصّباح المقدّم ذكره، وأخذ من منهم بالشّام بقلاع الإسماعيلية بمذهب المستعلويّة، وصاروا شيعة لمن بعد المستعلي من خلفاء الفاطميّين بمصر، واشتهروا باسم الفداويّة، ووثبوا على السّلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب بالشام مرّات وهو راكب ليقتلوه فلم يتمكّنوا منه. ثم صالحهم بعد ذلك على قلاعهم بأعمال طرابلس في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة؛ ثم انتموا إلى ملوك مصر في أيام الظاهر بيبرس، واشتهروا باسم الفداويّة لمفاداتهم بالمال على من يقتلونه. وقد ذكر في «مسالك الأبصار» نقلا عن مقدّمهم: مبارك بن علوان: أن كلّ من ملك مصر كان مظهرا لهم. ولذلك يرون إتلاف نفوسهم في طاعته: لما ينتقلون إليه من النعيم الأكبر في زعمهم. ورأيت نحو ذلك في «أساس السّياسة» لابن ظافر «2» ؛ وذكر أنّهم يرون أن ملوك مصر كالنوّاب لأئمّتهم: لقيامهم مقامهم.

أما أيمانهم التي يحلّفون بها فقد قال في «التعريف» جريا على معتقدهم المتقدّم: إن اليمين الجامعة لهم أن يقول: «إنّني والله والله الواحد الأحد، الفرد الصّمد، القادر القاهر، الذي لا إله إلا هو، وحقّ أئمّة الحقّ، وهداة الخلق، عليّ وبنيه أئمة الظّهور والخفاء، وإلّا برئت من صحيح الولاء، وصدّقت أهل الأباطيل، وقمت مع فرقة الضّلال، وانتصبت مع النّواصب في تقرير المحال، ولم أقل بانتقال الإمامة إلى السّيد الحسين، ثم إلى بنيه بالنّصّ الجليّ، موصولة إلى جعفر الصادق، ثم إلى إبنه إسماعيل صاحب الدّعوة الهادية، والأثرة الباقية، وإلّا قدحت في القّدّاح، وأثّمت الدّاعي الأوّل، وسعيت في اختلاف الناس عليه، ومالأت على السّيّد المهديّ، وخذلت الناس عن القائم، ونقضت الدّولة على المعزّ، وأنكرت أن يوم غدير خمّ لا يعدّ في الأعياد، وقلت: أن لا علم للأئمّة بما يكون، وخالفت من ادّعى لهم العلم بالحدثان، ورميت آل بيت محمد بالعظائم، وقلت فيهم بالكبائر، وواليت أعداءهم، وعاديت أولياءهم» . قال: ثم من هنا تزاد النّزاريّة: «وإلّا فجحدت أن يكون الأمر صار إلى نزار وأنه أتى حملا في بطن جارية لخوفه خوض بلاد الأعداء، وأن الاسم لم يغيّر الصورة، وإلا طعنت على الحسن بن الصّبّاح، وبرئت من المولى علاء الدّين صاحب الألموت، ومن ناصر الدّين سنان الملقّب براشد الدّين، وكنت أوّل المعتدين؛ وقلت: أنّ ما رووه كان من الأباطيل، ودخلت في أهل الفرية والأضاليل» . قال: وأمّا من سواهم من الإسماعيلية المنكرين لإمامة نزار، فيقال لهم عوض هذا: وإلا قلت: «إن الأمر صار إلى نزار، وصدّقت القائلين أنّه خرج حملا في بطن جارية، وأنكرت ميتته الظاهرة بالإسكندرية، وادّعيت أنّه لم ينازع الحقّ أهله، ويجاذب الخلافة ربّها، ووافقت شيعته، وتبعت الحسن بن صبّاح، وكنت في النّزاريّة آخر الأدوار» .

الفرقة الرابعة (من الشيعة: الدرزية)

قال: ثم يجمعهم آخر اليمين أن يقال: وإلّا قلت مقالة ابن السّلار في النّفاق وسدّدت رأي ابن أيّوب، وألقيت بيدي الرّاية الصّفراء، ورفعت السّوداء، وفعلت في أهل القصر تلك الفعال، وتمحّلت مثل ذلك المحال. قلت: ما ذكره في «التعريف» فيما تزاده النّزارية: «ومن ناصر الدّين سنان الملقّب براشد الدّين» وهم: فإنّ المذكور إنّما هو من إسماعيلية الشّام الذين هم شيعة المستعلويّة لا من الإسماعيلية النّزاريّة الذين هم ببلاد المشرق، على ما تقدّم بيانه. فكان من حقّه أن يلحق ذلك بيمين من سواهم من الإسماعيلية الذين هم المستعلوية. وكذلك قوله: ثم يجمعهم آخر اليمين أن يقال: «وإلّا قلت مقالة ابن السّلار في النّفاق، وسدّدت رأي ابن أيّوب» إلى آخره، فإنّ ذلك مما يختص بالمستعلويّة، لأن ابن السّلار كان وزير الظافر كما تقدّم، والظافر من جملة الخلفاء القائمين بمصر بعد المستعلي، الذين خالفت النّزاريّة في إمامتهم. وكذلك قضية ابن أيّوب إنما كانت مع العاضد آخر خلفائهم بمصر؛ وكلّ ذلك مختصّ بإسماعيلية الشّام الذين هم شيعة المستعلوية دون النّزاريّة، وحينئذ فكان من حقّه أن يقتصر في زيادة يمين النزارية على آخر «وبرئت من المولى علاء الدّين صاحب ألموت» ويزيد في يمين من سواهم من الإسماعيلية بعد قوله آخر الأدوار: «وإلّا برئت من ناصر الدّين سنان الملقّب براشد الدّين، وكنت أوّل المعتدين، وقلت: إنّ مارآه كان من الأباطيل، ودخلت في أهل الفرية والأضاليل» ثم يقول بعد ذلك: «وإلّا قلت مقالة ابن السّلار في النّفاق، وسدّدت رأي ابن أيّوب، وألقيت بيدي الرّاية الصّفراء، ورفعت السّوداء، وفعلت في أهل القصر تلك الفعال، وتمحّلت مثل ذلك المحال» . الفرقة الرابعة (من الشّيعة: الدّرزيّة) قال في «التعريف» : وهم أتباع أبي محمد الدّرزيّ. قال في «التعريف» :

وكان من أهل موالاة الحاكم أبي عليّ المنصور بن العزيز خليفة مصر. قال: وكانوا أوّلا من الإسماعيليّة، ثم خرجوا عن كلّ ما تمحّلوه، وهدموا كلّ ما أثّلوه، وهم يقولون برجعة الحاكم، وأن الألوهية انتهت إليه وتديرت ناسوته، وهو يغيب ويظهر بهيئته ويقتل أعداءه قتل إبادة لا معاد بعده، بل ينكرون المعاد من حيث هو، ويقولون نحو قول الطبائعية: إن الطبائع هي المولّدة، والموت بفناء الحرارة الغريزية، كانطفاء السراج بفناء الزّيت إلا من اعتبط، ويقولون: دهر دائم، وعالم قائم؛ أرحام تدفع، وأرض تبلع؛ بعد أن ذكر أنهم يستبيحون فروج المحارم وسائر الفروج المحرّمة، وأنهم أشدّ كفرا ونفاقا من النّصيريّة الآتي ذكرهم، وأبعد من كلّ خير وأقرب إلى كلّ شرّ. ثم قال: وأصل هذه الطائفة هم الذين زادوا في البسملة أيّام الحاكم، فكتبوا: «باسم الحاكم الله الرحمن الرحيم» ، فلما أنكر عليهم كتبوا: «باسم الله الحاكم الرحمن الرحيم» ، فجعلوا في الأوّل الله صفة للحاكم، وفي الثاني العكس. وذكر أن منهم أهل كسروان «1» ومن جاورهم. ثم قال: وكان شيخنا ابن تيمية رحمه الله تعالى يرى أنّ قتالهم وقتال النّصيريّة أولى من قتال الأرمن: لأنهم عدوّ في دار الإسلام وشرّ بقائهم أضرّ. وقد رتّب على هذا المعتقد أيمانهم في «التعريف» فقال: وهؤلاء أيمانهم: «إنّني والله وحقّ الحاكم، وما أعتقده في مولاي الحاكم، وما اعتقده أبو محمد الدّرزيّ الحجة الواضحة، ورآه الدّرزيّ مثل الشّمس اللّائحة، وإلا قلت: إن مولاي الحاكم مات وبلي، وتفرّقت أوصاله وفني، واعتقدت تبديل الأرض والسماء، وعود الرّمم بعد الفناء، وتبعت كلّ جاهل، وحظرت على نفسي ما أبيح لي، وعملت بيدي على ما فيه فساد بدني، وكفرت بالبيعة المأخوذة، وألقيتها ورائي منبوذة» .

الفرقة الخامسة (من الشيعة: النصيرية؛ بضم النون وفتح الصاد المهملة)

الفرقة الخامسة (من الشّيعة: النّصيريّة؛ بضم النون وفتح الصاد المهملة) قال في «إرشاد القاصد» «1» : وهم أتباع «نصير» غلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وهم يدّعون ألوهية عليّ رضي الله عنه مغالاة فيه. قال الشّهرستانيّ: [ولهم جماعة ينصرون مذهبهم وينوبون عن أصحاب مقالاتهم] «2» قال: وبينهم خلاف في كيفية إطلاق الألوهيّة على الأئمة [من أهل البيت] «3» واختلافهم راجع ... «4» ويزعمون أن مسكن عليّ السّحاب، وإذا مرّ بهم السّحاب قالوا: السلام عليك يا أبا الحسن، ويقولون: إنّ الرّعد صوته، والبرق ضحكه؛ وهم من أجل ذلك يعظّمون السّحاب، ويقولون: إن سلمان الفارسيّ رسوله، وإن كشف الحجاب عمّا يقوله من أيّ كتاب بغير إذن ضلال، ويحبّون ابن ملجم قاتل عليّ رضي الله عنه، ويقولون: إنه خلّص اللّاهوت من النّاسوت، ويخطّئون من يلعنه. قال في «التعريف» : ولهم خطاب بينهم، من خاطبوه به لا يعود يرجع عنهم ولا يذيعه ولو ضرب عنقه. قال: وقد جرّب هذا كثيرا، وهم ينكرون إنكاره. قال في «إرشاد القاصد» : وهم يخفون مقالتهم، ومن أذاعها فقد أخطأ عندهم، ويرون أنهم على الحقّ، وأنّ مقالتهم مقالة أهل التّحقيق، ومن أنكر ذلك فقد أخطأ.

الطائفة الثالثة (من أهل البدع: القدرية)

قال في «التعريف» : ولهم [اعتقاد] «1» في تعظيم الخمر، ويرون أنها من النّور. ولزمهم من ذلك أن عظّموا شجرة العنب التي هي أصل الخمر حتّى استعظموا قلعها. ويزعمون أن الصّدّيق وأمير المؤمنين عمر وأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنهم تعدّوا عليه «2» ومنعوه حقّه من الخلافة، كما تعدّى قابيل بن آدم عليه السّلام على أخيه هابيل، وكما اعتدى النّمرود على الخليل عليه السّلام، وكما يقوم كلّ فرعون من الفراعنة على نبيّ من الأنبياء عليهم السلام. قال في «التعريف» : وهي طائفة ملعونة مرذولة مجوسيّة المعتقد، لا تحرّم البنات ولا الأخوات ولا الأمّهات. قال: ويحكى عنهم في هذا حكايات. وقد رتّب في «التعريف» حلفهم على مقتضى هذا المعتقد، فقال: وأيمانهم: إنّني وحقّ العليّ الأعلى، وما اعتقده في المظهر الأسنى، وحقّ النّور وما نشأ منه، والسّحاب وساكنه، وإلّا برئت من مولاي عليّ العليّ العظيم، وولائي له، ومظاهر الحقّ، وكشفت حجاب سلمان بغير إذن، وبرئت من دعوة الحجّة نصير، وخضت مع الخائضين في لعنة ابن ملجم، وكفرت بالخطاب، وأذعت السّرّ المصون، وأنكرت دعوى أهل التّحقيق، وإلّا قلعت أصل شجرة العنب من الأرض بيدي حتّى أجتثّ أصولها وأمنع سبيلها، وكنت مع قابيل على هابيل، ومع النّمرود على إبراهيم، وهكذا مع كل فرعون قام على صاحبه، إلى أن ألقى العليّ العظيم وهو عليّ ساخط، وأبرأ من قول قنبر «3» ، وأقول: إنه بالنار ما تطهّر. الطائفة الثالثة (من أهل البدع: القدريّة) وهم القائلون بأن لا قدر سابق، وأن الأمر أنف: يعني مستأنفا؛ ولكنهم لما سمعوا قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلم «القدريّة مجوس هذه الأمّة» قلبوا الدليل وقالوا بموجب

الحديث، وقالوا: القدريّة اسم لمن يقول بسبق القدر. ثم غلب عليهم اسم المعتزلة بواسطة أن واصل بن عطاء أحد أئمّتهم كان يقرأ على الحسن البصريّ فاعتزله بمسألة خالفه فيها. وهم يسمّون أنفسهم أهل التّوحيد [وأهل العدل] «1» ويعنون بالتوحيد نفي الصفات القديمة عن الله تعالى: كالحياة والعلم والإرادة والقدرة؛ وأنه تعالى حيّ بذاته، [عالم بذاته] «2» مريد بذاته، قادر بذاته، لا بحياة وعلم وإرادة وقدرة؛ ويعنون بالعدل أنّهم يقولون: إنّ العبد إنما يستحقّ الثّواب والعقاب بفعله الطاعة والعصيان، وباعتبار أنّه الخالق لأفعال نفسه دون الله تعالى، تنزيها له تعالى عن أن يضاف إليه خلق الشّرّ: من كفر ومعصية. وإذا كان العبد هو الخالق لأفعال نفسه الموجد لها فليس قدر سابق. ولهم أئمّة كثيرة، لهم مصنّفات في الأصول والفروع: منهم واصل بن عطاء، وأبو الهذيل العلّاف، وإبراهيم النّظّام، وبشر بن المعتمر، ومعمر بن عبّاد، وأبو عثمان الجاحظ، [وأبو عليّ الجبّائي] «3» وابنه أبو هاشم، وغيرهم. وعندهم أنّه لا قدر سابق بل الأمر أنف، وأن الله تعالى إنما يخلق الأفعال والمشيئة، وأن العبد هو المكتسب لأفعاله كما تقدّم. وممّن علت رتبته فيهم الجعد بن درهم، اجتمع على مروان بن محمد آخر خلفاء بني أميّة، وأخذ عنه مروان مذهبه في القول بالقدر وخلق القرآن، وعلت رتبته عنده، وبه سمّي مروان المذكور الجعديّ «4» وكانت له واقعة مع هشام بن عبد الملك بن مروان. ويستعظمون الإيمان بالقدر: خيره وشرّه، ويتبرؤون منه، وينكرون القول بأنّ ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. ويقولون: إذا كان أمر مفروغ منه ففيم يسدّد الإنسان ويقارب؟. ويطعنون في رواة حديث: «اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له» . ويتأوّلون قوله تعالى: وَإِنَّهُ فِي أُمِ

المهيع الثاني (في الأيمان التي يحلف بها أهل الكفر ممن قد يحتاج إلى تحليفه؛ وهم على ضربين)

الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ «1» ويستعظمون البراءة من اعتقادهم، ولقاء الله تعالى على القول بأن الأمر غير أنف. وقد رتّب في «التعريف» أيمانهم على هذا المعتقد، فقال: ويمينهم: «والله والله والله العظيم ذي الأمر الأنف، خالق الأفعال والمشيئة، وإلّا قلت: بأن العبد غير مكتسب، وأنّ الجعد بن درهم محتقب «2» ، وقلت: إن هشام بن عبد الملك أصاب دما حلالا منه، وإن مروان بن محمد كان ضالّا في اتّباعه، وآمنت بالقدر خيره وشرّه، وقلت: إن ما أصابني لم يكن ليخطئني وما أخطأني لم يكن ليصيبني، ولم أقل: إنه إذا كان أمر قد فرغ منه ففيم أسدّد وأقارب، ولم أطعن في رواة حديث «اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له» ولم أتأوّل معنى قوله تعالى: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ . وبرئت مما اعتقد، ولقيت الله وأنا أقول: إنّ الأمر غير أنف. وبالله التوفيق والعصمة» . المهيع الثاني (في الأيمان التي يحلّف بها أهل الكفر ممّن قد يحتاج إلى تحليفه؛ وهم على ضربين) الضرب الأوّل (من زعم منهم التّمسّك بشريعة نبيّ من الأنبياء عليهم السلام؛ وهم أصحاب ثلاث ملل) الملّة الأولى (اليهود) واشتقاقها من قولهم: هاد إذا رجع. ولزمها هذا الاسم من قول موسى عليه

السلام: إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ «1» أي رجعنا وتضرّعنا. ومنتحلها اليهود المتمسّكون بشريعة موسى عليه السّلام. قال السلطان عماد الدّين صاحب حماة في تاريخه «2» : وهم أعمّ من بني إسرائيل: لأن كثيرا من أجناس العرب والرّوم وغيرهم قد دخلوا في اليهوديّة وليسوا من بني إسرائيل. وكتابهم الذي يتمسّكون به «التّوراة» وهو الكتاب الذي أنزل على موسى عليه السّلام. قال أبو جعفر النّحّاس، في «صناعة الكتّاب» : وهي «3» مشتقّة من قولهم: ورت ناري ووريت، وأوريتها إذا استخرجت ضوءها: لأنه قد استخرج بها أحكام شرعة موسى عليه السّلام، وكان النّحّاس بجنح إلى أن لفظ التّوراة عربيّ؛ والذي يظهر أنه عبرانيّ معرّب «4» : لأن لغة موسى عليه السّلام كانت العبرانية، فناسب أن تكون من لغته التي يفهمها قومه، قال الشّهرستانيّ في «النّحل والملل» : وهي أوّل منزل على بني إسرائيل سمّي كتابا، إذ ما قبلها من المنزّل إنما كان مواعظ ونحوها. قال صاحب حماة: وليس فيها ذكر القيامة ولا الدّار الآخرة ولا بعث ولا جنّة ولا نار، وكلّ وعيد يقع فيها إنما هو بمجازاة دنيويّة، فيوعدون على مجازاة الطّاعة بالنّصر على الأعداء، وطول العمر، وسعة الرّزق ونحو ذلك؛ ويوعدون على الكفر والمعصية بالموت ومنع القطر والحميّات والحرب، وأن ينزل عليهم بدل المطر الغبار والظّلمة ونحو ذلك، يشهد لما قاله قوله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ «5» ، الآية، فجعل الظّلم سببا للتحريم. قال: وليس فيها أيضا ذمّ الدنيا، ولا طلب الزّهد فيها، ولا وظيفة صلوات معلومة، بل في التوراة الموجودة بأيديهم الآن نسبة أمور إلى الأنبياء عليهم السلام من الأسباط وغيرهم لا تحلّ حكايتها.

واعلم أنّ التوراة على خمسة أسفار: أوّلها- يشتمل على بدء الخليقة والتاريخ من آدم إلى يوسف عليه السّلام. وثانيها- فيه استخدام المصريّين بني إسرائيل، وظهور موسى عليه السّلام عليهم، وهلاك فرعون، ونصب قبّة الزمان وهي قبّة [كان ينزل على موسى فيها الوحي] «1» وأحوال التّيه، وإمامة هارون عليه السّلام، ونزول العشر كلمات في الألواح على موسى عليه السّلام، وهي شبه مختصر ممّا في التوراة يشتمل على أوامر ونواه وسماع القوم كلام الله تعالى. وقد أخبر الله تعالى عنها بقوله: وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ «2» قال مجاهد: وكانت الألواح من زمرّدة خضراء، وقال ابن جبير: من ياقوتة حمراء، وقال أبو العالية: من زبرجد، وقال الحسن: من خشب نزلت من السماء، ويقال: إنها كانت لوحين. وإنما جاءت بلفظ الجمع: لأن الجمع قد يقع على الاثنين، كما في قوله تعالى: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ والمراد اثنان. وثالثها- فيه كيفية تقريب القرابين على سبيل الإجمال. ورابعها- فيه عدد القوم، وتقسيم الأرض بينهم، وأحوال الرّسل الذين بعثهم موسى عليه السّلام من الشام، وأخبار المنّ والسّلوى والغمام. وخامسها- فيه أحكام التّوراة بتفصيل المجمل، وذكر وفاة هارون ثم موسى عليهما السلام، وخلافة يوشع بن نون عليه السّلام بعدهما. ثم قد ذكر الشّهرستانيّ وغيره أن في التّوراة البشارة بالمسيح عليه السّلام، ثم بنيّنا محمد صلّى الله عليه وسلم، إذ قد ورد ذكر «المشيحا» في غير موضع، وأنه يخرج واحد في آخر الزمان، هو الكوكب المضيء الذي تشرق الأرض بنوره. وغير خاف على ذي لبّ أنّ المراد بالمشيحا المسيح عليه السّلام، وأنّ المراد بالذي يخرج في آخر

الزمان نبيّنا محمد صلّى الله عليه وسلم؛ بل ربّما وقعت البشارة بهما جميعا في موضع واحد، كما في قوله: إن الله تعالى جاء من طور سيناء وظهر «1» من ساعير وعلن بفاران. وساعير هي جبال بيت المقدس حيث مظهر المسيح عليه السّلام، وفاران جبال مكّة حيث ظهر النبيّ صلّى الله عليه وسلم. قال الشّهرستانيّ: ولما كانت الأسرار الإلهيّة، والأنوار الرّبانيّة، في الوحي والتنزيل، [والمناجاة والتّأويل] «2» على ثلاث مراتب: مبدإ ووسط وكمال، وكان المجيء أشبه شيء بالمبدإ، والظهور أشبه بالوسط، والعلن أشبه بالكمال، عبّر في التوراة عن ظهور صبح الشريعة [والتّنزيل] «3» بالمجيء [على طور سيناء] «4» ، وعن طلوع شمسها بالظهور [على ساعير] «5» ، وعن بلوغ درجة الكمال [والاستواء] «6» ، بالعلن [على فاران] » ؛ وقد عرفوا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بوصفه في التّوراة حقّ المعرفة: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ «8» وقد ذكر المفسّرون عن ابن عبّاس رضي الله عنه أن موسى عليه السلام لما ألقى الألواح عند رجوعه إلى قومه، تكسّرت فلم يبق منها إلا سدسها. ويروى أن التّوراة كانت سبعين وسق بعير.. «9» وأنها رفع منها ستّة أسباعها وبقي السّبع؛ ففي الذي بقي الهدى والرحمة، وفي الذي رفع تفصيل كلّ شيء. وليعلم أنّ اليهود قد افترقوا على طوائف كثيرة، المشهور منها طائفتان:

الطائفة الأولى (المتفق على يهوديتهم؛ وهم القراؤون)

الطائفة الأولى (المتّفق على يهوديّتهم؛ وهم القرّاؤون) وهم وإن كانوا فرقتين «1» ، فإنّهم كالفرقة الواحدة، إذ توراتهم واحدة، ولا خلاف في أصل اليهوديّة بينهم. وقد اتفق الجميع على استخراج ستمائة وثلاث عشرة فريضة من التّوراة يتعبّدون بها. ثم كلّهم متفقون على نبوّة موسى وهارون ويوشع عليهم السلام، وعلى نبوّة إبراهيم وإسحاق ويعقوب: وهو إسرائيل، والأسباط: وهم بنوه الاثنا عشر الآتي ذكرهم آخرا «2» وهم ينفردون عن الطائفة الثانية الآتي ذكرها: وهي السّامرة بنبوّة أنبياء غير موسى وهارون ويوشع عليهم السلام، وينقلون عن يوشع تسعة عشر كتابا زيادة على التّوراة يعبّرون عنها بالنّبوّات تعرف بالأول. ثم الرّبّانيّون ينفردون عن القرّائين بشروح موضوعة لفرائض التّوراة المتقدّمة الذّكر، وضعها أحبارهم، وتفريعات على التّوراة ينقلونها عن موسى عليه السلام. ويتّفق الرّبّانيّون والقرّاؤون على أنّهم يستقبلون صخرة بيت المقدس في صلاتهم، ويوجّهون لها موتاهم، وعلى أن الله تعالى كلّم موسى عليه السّلام على طور سيناء: وهو جبل في رأس بحر القلزم في جهة الشّمال على رأس جزيرة في آخره، داخل بين ذراعين يكتنفانه. وهم مختلفون في أمرين: أحدهما- القول بالظّاهر والجنوح إلى التأويل. فالقرّاؤون يقفون مع ظواهر نصوص التّوراة، فيحملون ما وقع فيها منسوبا إلى الله تعالى: من ذكر الصّورة، والتكلّم، والاستواء على العرش، والنّزول على طور سيناء، ونحو ذلك على

ظواهره، كما تقوله الظاهرية من المسلمين، وينجرّون من ذلك إلى القول بالتّشبيه، والقول بالجهة. والرّبّانيّون يذهبون إلى تأويل ما وقع في التّوراة من ذلك كلّه؛ كما تفعل الأشعريّة من المسلمين. الثاني- القول بالقدر. فالرّبّانيّون يقولون بأن لا قدر سابق وأن الأمر أنف كما تقوله القدريّة من المسلمين. والقرّاؤون يقولون بسابق القدر كما تقوله الأشعريّة. أما ما عدا ذلك فكلا الفريقين يقولون: إن الله تعالى قديم أزليّ واحد قادر، وإنه تعالى بعث موسى بالحقّ، وشدّ أزره بأخيه هارون. ويعظّمون التوراة التي هي كتابهم أتمّ التعظيم، حتّى إنهم يقسمون بها كما يقسم المسلمون بالقرآن، وكذلك العشر كلمات التي أنزلت على موسى عليه السّلام في الألواح الجوهر؛ وقد تقدّم أنها مختصر ما في التوراة، مشتملة على أوامر ونواه وسماع كلام الله تعالى، وهم يحلفون بها كما يحلفون بالتّوراة، ويعظّمون قبّة الزّمان وما حوته: وهي القبة التي كان ينزل على موسى فيها الوحي. ومن أعظم أنواع الكفر عندهم تعبّد فرعون وهامان لعنهما الله. (وكان اسم فرعون موسى فيما ذكره المفسرون الوليد بن مصعب، وقيل: مصعب بن الرّيّان. واختلف فيه: فقيل كان من العمالقة، وقيل من النّبط. وقال مجاهد: كان فارسيّا وهامان وزيره) والتّبرّي من إسرائيل (وهو يعقوب عليه السّلام) ومعنى إسرائيل فيما ذكره المفسرون «عبد الله» كأنّ «إسرا» عبد، و «إيل» اسم الله تعالى بالعبرانية. وقيل: إسراء من السّرّ، وكأّنّ إسرائيل هو الذي شدّده الله وأتقن خلقه. ومن أعظم العظائم عندهم الأخذ بدين النّصرانية، وتصديق مريم عليها السلام في دعواها أنها حملت من غير أن يمسّها بشر؛ ويرمونها بأنها حملت من يوسف النّجّار، وهو رجل من أقاربها كان يخدم البيت المقدّس معها، ويرون تبرئتها من ذلك جريرة تقترف. ويستعظمون الوقوع في أمور:

منها: القول بإنكار خطاب الله تعالى لموسى عليه السّلام وسماعه له. ومنها: تعمّد طور سيناء الذي كلّم الله تعالى موسى عليه بالقاذورات، ورمي صخرة بيت المقدس التي هي قبلتهم بالنّجاسة، ومشاركة بختنصّر في هدم بيت المقدس وقتل بني إسرائيل، وإلقاء العذرة «1» على مظانّ أسفار التّوراة. ومنها: الشّرب من النّهر الذي ابتلي به قوم طالوت ملك بني إسرائيل، والميل إلى جالوت ملك الكنعانيّين: وهو الذي قتله داود عليه السّلام، ومفارقة شيعة طالوت الذين قاموا معه على جالوت. وذلك أنّه لمّا رفعت التّوراة وتسلّط على بني إسرائيل عدوّهم من الكنعانيّين الذين ملكهم جالوت، كانت النّبوّة حينئذ فيهم في شمعون، وقيل في شمويل، وقيل في يوشع بن نون، فقالوا له: إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، فقال لهم ما أخبر الله تعالى به: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً «2» ولم يكن من سبط الملك، إذ كان الملك من سبط معروف عندهم، فقيل: كان سقّاء، وقيل: كان دبّاغا، فأنكروا ملكه عليهم، وقالوا كما أخبر الله تعالى: أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا «3» الآية؛ فلما فصل طالوت بالجنود أراد الله تعالى أن يريه من يطيعه في القتال ممّن يعصيه، فسلّط عليهم العطش وابتلاهم بنهر من حولهم، قيل: هو نهر فلسطين، وقيل: نهر بين الأردنّ وفلسطين، فقال لهم طالوت: إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي «4» إلى قوله: وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ. ومنها: إنكار الأنبياء الذين بعثهم الله تعالى إليهم: وهم موسى وهارون ويوشع ومن بعدهم: من أنبيائهم عليهم السلام، ومن قبلهم: من إبراهيم وإسحاق ويعقوب صلوات الله عليهم، والأسباط الاثني عشر الآتي ذكرهم، والدّلالة على

دانيال النّبيّ عليه السّلام حتّى قتل، وإخبار فرعون مصر بمكان إرمياء النّبيّ عليه السلام عند اختفائه بها، والقيام مع البغي والفواجر يوم يحيى بن زكريّا عليهما السلام في المساعدة عليه. ومنها: القول بأن النار التي أضاءت لموسى عليه السّلام من شجرة العوسج بالطّريق عند مسيره من مدين حتّى قصدها وكانت وسيلة إلى كلام الله تعالى له نار إفك لا وجود لها؛ وكذلك أخذ الطّرق على موسى عليه السّلام عند توجّهه إلى مدين فارّا من فرعون، والقول في بنات شعيب اللّاتي سقى لهنّ موسى عليه السلام بالعظائم ورميهنّ بالقبيح. ومنها: الإجلاب مع سحرة فرعون على موسى عليه السّلام والقيام معهم في غلبته، والتّبرّي ممن آمن منهم بموسى عليه السّلام. ومنها: قول من قال من آل فرعون: اللّحاق اللّحاق: لندرك من فرّ: من موسى وقومه عند خروجهم، كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله: فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ «1» ومنها: الإشارة بتخليف تابوت يوسف عليه السّلام بمصر حين أراد موسى عليه السّلام نقله إلى الشّام ليدفنه عند آبائه: إبراهيم وإسحاق ويعقوب: وذلك أنّهم جعلوا تابوته في أحد شقّي النّيل فأخصب وأجدب الجانب الآخر، فحوّلوه إلى الجانب الآخر فأخصب ذلك الجانب وأجدب الجانب الأوّل، فجعلوه وسط النّيل فأخصب جانباه جميعا، إلى أن كان زمن موسى عليه السّلام وضرب النّيل بعصاه فانفلق عن التّابوت، فأخذ في نقله إلى الشام ليدفنه عند آبائه كما تقدّم، فأشار بعضهم ببقائه بمصر فوقع في محظور لمخالفة موسى عليه السّلام فيما يريده.

ومنها: التّسليم للسّامريّ وتصديقه على الحوادث التي أحدثها في اليهوديّة على ما سيأتي ذكره في الكلام على السّامرة في الطائفة الثانية من اليهود. ومنها: نزول أريحا: مدينة الجبّارين من بلاد فلسطين. ومنها: الرّضا بفعل سكنة سدوم من بلاد فلسطين أيضا وهم قوم لوط. ومنها: مخالفة أحكام التّوراة التي ورد [الحثّ] «1» فيها عليها. ومنها: استباحة السّبت بالعمل فيه والعدو فيه: إذ استباحته عندهم توجب هدر دم مستبيحه من حيث إنه مسخ من مسخ باستباحته قردة وخنازير، والله تعالى يقول: وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً «2» ومنها: إنكار عيد المظلّة وهو [سبعة أيام أوّلها الخامس عشر من تشرى] «3» وعيد الحنكة وهو [ثمانية أيام يوقدون في الليلة الأولى من لياليه على كل باب من أبوابهم سراجا وفي الليلة الثانية سراجين وهكذا حتى يكون في الليلة الثامنة ثمانية سرج] «4» وهما من أعظم أعيادهم. ومنها: القول بالبداء على الله في الأحكام، وهو أن يخطر له غير الخاطر الأوّل، وهو تعالى منزّه عن ذلك، ورتّبوا عليه منع نسخ الشرائع، ويزعمون أن النّسخ يستلزم البداء، وهو مما اتّفق كافّة اليهود على منعه، على ما تقدّم أوّلا. ومنها: اعتقاد أنّ المسيح عليه السّلام هو الموعود به على لسان موسى عليه السلام، المذكور بلفظ المشيحا وغير ذلك، على ما تقدّمت الإشارة إليه. ومنها: الانتقال من دين اليهودية إلى ما سواها من الأديان، إذ عندهم أنّ شريعة موسى عليه السّلام هي التي وقع بها الابتداء، وبها وقع الاختتام.

ومنها: الانتقال من اليهوديّة إلى ما عداها من الأديان: كالإسلام والنّصرانية وغيرهما، فإنه يكون بمثابة المرتدّ عند المسلمين. «1» ومنها: استباحة لحم الجمل: فإنه محرّم عندهم، ومن استباحه فقد ارتكب محظورا عظيما عندهم؛ وقد دخل ذلك في عموم قوله تعالى إخبارا بما حرّم عليهم: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ «2» ، يعني ما ليس بمنفرج الأصابع كالإبل وما في معناها. ومنها: استباحة أكل الشّحم خلا شحم الظّهر، وهو ما علا فإنه مباح لهم؛ وعن ذلك أخبر الله تعالى بقوله: وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما «3» ومنها: استباحة أكل الحوايا. قال ابن عباس وغيره: هي المباعر. وقال أبو عبيدة: هي ما تحوّى من البطن أي استدار، والمراد شحم الثّرب. وكذلك استباحة ما اختلط من الشّحم بعظم وهو شحم الألية، وعنه أخبر تعالى بقوله: أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ «4» عطفا على الشّحوم المحرّمة. على أن بعض المفسّرين قد عطف قوله تعالى: أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ على المستثنى في قوله: إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما ، فحمله على الاستباحة؛ والموافق لما يدّعونه الأوّل، ويرون أن سبب نزول هذه الآية أنّ اليهود قالوا لم يحرّم علينا شيء إنما حرّم إسرائيل على نفسه الثّرب وشحم الألية فنحن نحرّمه، فنزلت. على أنّ اليهود القرّائين والرّبّانييّن يجملونها فيبيعونها ويأكلون ثمنها، ويتأوّلون أن آكل ثمنها غير آكل منها، وإلى ذلك الإشارة بقوله صلّى الله عليه وسلم: «قاتل الله

اليهود! حرّمت عليهم الشّحوم فباعوها وأكلوا ثمنها» والسامرة مخالفون في ذلك، ويقولون بتحريم الثّمن أيضا، على ما سيأتي ذكره. وليعلم أن القرّائين والرّبّانيين يحرّمون من الذّبيحة كلّ ما كانت رئته ملتصقة بقلبه أو بضلعه، والسّامرة لا يحرّمون ذلك. ومنها: مقالة أهل بابل في إبراهيم عليه السّلام، وهي قولهم [إنه لمن الظالمين في تكسير أصنامهم] «1» ومنها: أن يحرّم الأحبار الذين هم علماؤهم على الواحد منهم، بمعنى أنهم يمنعونه من مباحاتهم في المآكل والمشارب والنّكاح وغير ذلك حرمة يجمعون عليها، وتتأكّد بقلب حصر الكنائس عليها؛ إذ من عادتهم أنهم إذا حرّموا على شخص وأرادوا التّشديد عليه قلبوا حصر الكنائس عند ذلك التّحريم تغليظا على المحرّم عليه. ومنها: الرّجوع إلى التّيه بعد الخروج منه؛ فإنهم إنما خرجوا إليه عند سخط الله تعالى عليهم بمخالفة موسى عليه السّلام عند امتناعهم عما أمروا به من قتال الجبّارين، كما أخبر تعالى عن ذلك بقوله: قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ «2» قال المفسّرون: وكان يتيهون ستّة فراسخ في أربعة فراسخ، يمشون كلّ يوم ويبيتون حيث يصبحون؛ فأمر الله تعالى موسى عليه السّلام فضرب الحجر بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، وكانوا اثني عشر سبطا لكلّ سبط عين؛ فإذا أخذوا حاجتهم من الماء احتبس وحملوا الحجر معهم، وكانت ثيابهم فيما يروى لا تخرّق ولا تتدنّس، وتطول كلّما طال الصّبيان. ومنها: تحريم المنّ والسّلوى الذي امتنّ الله تعالى عليهم به كما أخبر بذلك

بقوله تعالى: وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى «1» ويقال إنه التّرنجبين. وقال ابن عبّاس: والمراد بالمنّ الذي يسقط على الشّجر وهو معروف. قال قتادة: كان المنّ يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس كسقوط الثّلج، فيأخذ الرجل منهم ما يكفيه ليومه، فإن أخذ أكثر من ذلك فسد. وأما السّلوى، فقيل: هي طائر كالسّمانى، وقال الضّحّاك: هي السّمانى نفسها، وقال قتادة: هو طائر إلى الحمرة كانت تحشره عليهم الجنوب. ومنها: التّبرّؤ من الأسباط: وهم أولاد يعقوب عليهم السلام، وعددهم اثنا عشر سبطا: وهم يوسف، وبنيامين، ونفتالي «2» ، وروبيل «3» ، ويهوذا، وشمعون، ولاوي، ودان، وربولي «4» ، ويشجر «5» ، وجاد، وأشر «6» ؛ ومنهم تفرّع جميع بني إسرائيل ولد كلّ منهم أمّة من الناس. وسمّوا أسباطا أخذا من السّبط وهو التتابع، إذ هم جماعة متتابعون. وقيل: من السّبط وهو الشّجر، فالسّبط الجماعة الراجعون إلى أصل واحد. ومنها: القعود عن حرب الجبّارين مع القدرة على حربهم: وذلك أنهم أمروا بدخول الأرض المقدّسة: وهي بيت المقدس فيما قاله ابن عباس والسّدّيّ وغيرهما، والشام فيما قاله قتادة، ودمشق وفلسطين وبعض الأردنّ فيما قاله الزّجّاج، وأرض الطّور فيما قاله مجاهد؛ وكان فيها قوم جبّارون من العمالقة كما أخبر الله تعالى؛ والجبّار هو المتعظّم الممتنع من الذّلّ والقهر أخذا من الإجبار: وهو الإكراه كأنّه يجبر غيره على ما يريده.

قال ابن عبّاس: لما بعث موسى عليه السّلام من قومه اثني عشر نقيبا ليخبروه خبرهم، رآهم رجل من الجبّارين فأخذهم في كمّه مع فاكهة كان قد حملها من بستانه وجاء بهم إلى الملك فنثرهم بين يديه، وقال: إن هؤلاء يريدون قتالنا؛ وكان من أمرهم ما قصّه الله تعالى في كتابه بقوله: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ «1» فكان في قعودهم عن حرب الجبارين مع القدرة والنّشاط مخالفة لما أمروا به. وقد رتّب في «التعريف» أيمان اليهود على هذا المقتضى، فقال: ويمينهم: «إنني والله والله والله العظيم، القديم الأزليّ الفرد الصّمد الواحد الأحد المدرك المهلك، باعث موسى بالحقّ، وشادّ أزره بأخيه هارون، وحقّ التوراة المكرّمة وما فيها وما تضمّنته، وحقّ العشر كلمات التي أنزلت على موسى في الصّحف الجوهر، وما حوته قبّة الزّمان، وإلّا تعبّدت فرعون وهامان، وبرئت من بني إسرائيل، ودنت بدين النّصرانية، وصدّقت مريم في دعواها، وبرّأت يوسف النّجّار، وأنكرت الخطاب، وتعمدت الطّور بالقاذورات، ورميت الصّخرة بالنّجاسة، وشركت بختنصّر في هدم بيت المقدس وقتل بني إسرائيل، وألقيت العذرة على مظانّ الأسفار، وكنت ممّن شرب من النّهر ومال إلى جالوت، وفارقت شيعة طالوت، وأنكرت الأنبياء، ودللت على دانيال، وأعلمت جبّار مصر بمكان

إرمياء، وكنت مع البغيّ والفواجر يوم يحيى، وقلت: إن النّار المضيئة من شجرة العوسج نار إفك، وأخذت الطّرق على مدين، وقلت بالعظائم في بنات شعيب، وأجلبت مع السّحرة على موسى، ثم برئت ممن آمن منهم، وكنت مع من قال: اللّحاق اللّحاق لندرك من فرّ، وأشرت بتخليف تابوت يوسف في مصر، وسلّمت إلى السّامريّ، ونزلت أريحا مدينة الجبّارين، ورضيت بفعل سكنة سذوم، وخالفت أحكام التّوراة، واستبحت السّبت وعدوت فيه، وقلت إن المظلّة ضلال، وإن الحنكة محال، وقلت بالبداء على الله تعالى في الأحكام، وأجزت نسخ الشرائع، واعتقدت أنّ عيسى بن مريم المسيح الموعود به على لسان موسى بن عمران، وانتقلت عن اليهودية إلى سواها من الأديان، واستبحت لحم الجمل والشّحم والحوايا أو ما اختلط بعظم، وتأوّلت أنّ آكل ثمنه غير آكله، وقلت مقالة أهل بابل في إبراهيم، وإلّا أكون محرّما حرمة تجمع عليها الأحبار، وتقلب عليها حصر الكنائس، ورددت إلى التّيه، وحرمت المنّ والسّلوى، وبرئت من كلّ الأسباط، وقعدت عن حرب الجبّارين مع القدرة والنّشاط» . قلت: قوله في هذه اليمين في حرمة الشّحم وما في معناه: وتأوّلت أن آكل ثمنه غير آكله، بمعنى أنه يستعظم الوقوع في تأوّل ذلك، وهو خلاف معتقدهم: لأنهم يتأوّلون أن آكل ثمنه غير آكله كما تقدّم عنهم، وإنما تمنع ذلك السّامرة، فكان من حقّه أن يورد ذلك في يمين السّامرة وأن يقول هنا: ولم أتأوّل أن آكل ثمنه غير آكله فتنبه لذلك. واعلم أنّ أوّل ما استحدثت هذه الأيمان لأهل دين اليهوديّة فيما ذكره محمد بن عمر المدائنيّ في كتاب «القلم والدّواة» في زمن الفضل بن الرّبيع وزير الرّشيد، أحدثها كاتب له قال له: كيف تحلّف اليهوديّ قال: أقول له: وإلّا برئت من إلهك الذي لا تعبد غيره ولا تدين إلّا له، ورغبت عن دينك الذي ارتضيته، وجحدت التّوراة وقلت: إنّ حمار العزيز راكب جمل موسى، ولعنك ثمانمائة حبر على لسان داود وعيسى بن مريم، ومسخك الله كما مسخ أصحاب السّبت فجعل منهم القردة والخنازير، وخالفت ما دوّنه دانيال وأشلوما ويوحنّا، ولقيت الله بدم

الطائفة الثانية (من اليهود: السامرة)

يحيى بن زكريا، وهدمت الطّور صخرة صخرة، وضربت بالنّاقوس في بيت المقدس، وتبرأ منك الأسباط وآباؤهم: إسرائيل، وإسحاق، وإبراهيم، وغمست لحية الجاثليق في معموديّة النّصارى، وانقلبت عن السّبت إلى الأحد، وإلّا قدّر الله لك أن تلقى الذي يخرج من الماء ليلة السّبت، وصيّر الله طعامك لحم الخنزير وكروش الجمال ومعد الخنازير، وسلّط الله عليك وعلى أهلك بختنصّر ثانية يقتل المقاتلة ويسبي الذّرّيّة ويخرّب المدائن، وأراك الله الأيدي التي تنال الرّكب من قبيل الأسباط، وآخذك الله بكلّ لسان جحدته وبكلّ آية حرّفتها، وقلت في موسى الزّور، وإنّه في محلّ ثبور، وفي دار غرور، وجحدت إهيا أشر إهيا «1» أصبئوت آل شدّاء. وهذه اليمين لازمة لك ولبنيك إلى يوم القيامة. قلت: هذه اليمين في غاية الإتقان والتّشديد، إلا أنّ قوله: وآخذك الله بكلّ لسان جحدته وبكلّ آية حرّفتها غير مناسب لتحليفهم: لأنهم يرون أن لا إثم عليهم في الجحد ولا يعترفون بالتّحريف بل ينكرونه. على أن أكثرها غير متوارد على اليمين التي أوردها في «التعريف» : فلو ألحقها بها ملحق في آخرها على صيغة اليمين الأولى من إيرادها بصيغة التكلم، مثل أن يقول: وإلا برئت من إلهي الذي لا أعبد غيره ولا أدين إلّا له، وألا رغبت عن ديني الذي ارتضيته، وعلى ذلك في الباقي، لكان حسنا. الطائفة الثانية (من اليهود: السّامرة) وهم أتباع السّامريّ الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله في سورة الأعراف «2» :

وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ . قال بعض المفسّرين: واسمه موسى بن ظفر، وكان أصله من قوم يعبدون البقر فرأى جبريل عليه السّلام مرّة وقد جاء إلى موسى راكبا على فرس الحياة، فأخذ قبضة من تراب من تحت حافر فرسه. وكان بنو إسرائيل قد خرجوا معهم حليّ [استعاروه] «1» من القبط، فأمرهم هارون أن يحفروا حفرة ويلقوا فيها ذلك الحليّ حتّى يأتي موسى فيرى فيه رأيه، فجمعوا ذلك الحليّ كلّه وألقوه في تلك الحفرة، فجاء السّامريّ فألقى ذلك التراب عليه، وقال له: كن عجلا جسدا له خوار، فصار كذلك. قال الحسن: صار حيوانا لحما ودما. وقيل: بل صار يخور ولم تنقلب عينه. فقال لهم السّامريّ: هذا إلهكم وإله موسى، فعكفوا على عبادته، ونهاهم هارون فلم ينتهوا [فجاء موسى] «2» وحرّق العجل وذرّاه في اليمّ كما أخبر الله تعالى عنه بقوله: وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً «3» فأمروا بقتل أنفسهم كما أخبر تعالى بقوله: فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ » الآية. فقتل منهم سبعون ألفا ثم رفع عنهم القتل بعد ذلك. وقد اختلف في السّامرة: هل هم من اليهود أم لا؟ والقرّاؤون والرّبّانيّون ينكرون كون السّامرة من اليهود. وقد قال أصحابنا الشافعية رحمهم الله: إنهم إن وافقت أصولهم أصول اليهود فهم منهم حتّى يقرّوا بالجزية وإلا فلا. ثم السّامرة لهم توراة تختصّهم غير التوراة التي بيد القرّائين والرّبّانيين، والتّوراة التي بيد النّصارى؛ وهم ينفردون عن القرائين والربانيين بإنكار نبوّة من بعد موسى ما عدا هارون ويوشع عليهما السلام، ويخالفونهم أيضا في استقبال صخرة بيت المقدس، ويستقبلون طور نابلس ويوجّهون إليه موتاهم، زاعمين أنّه

الذي كلّم الله تعالى موسى عليه، ويزعمون أنّ الله تعالى أمر داود عليه السّلام ببناء بيت المقدس عليه، فخالف وبناه بالقدس: قاتلهم الله أنّى يؤفكون. وهم قائلون أيضا: إن الله تعالى هو خالق الخلق الباريء لهم، وإنه قادر قديم أزليّ. ويوافقون على نبوّة موسى وهارون عليهما السلام، وأن الله تعالى أنزل عليه التّوراة، إلا أنّ لهم توراة تخصّهم تخالف توراة القرّائين والرّبانيّين المتقدّمة الذّكر، وأنه أنزل عليه أيضا الألواح الجوهر المتضمّنة للعشر كلمات المتقدّمة الذّكر، ويقرّون أنّ الله تعالى هو الذي أنقذ بني إسرائيل من فرعون ونجّاهم من الغرق، ويقولون: إنه نصب طور نابلس المقدّم ذكره قبلة للمتعبّد. ويستعظمون الكفر بالتّوراة التي هم يعترفون بها، والتّبرّي من موسى عليه السلام دون غيره من بني إسرائيل، ويعظّمون طورهم طور نابلس المقدّم ذكره، ويستعظمون دكّه وقلع آثار البيت الذي عمر به، ويستعظمون استباحة السّبت كغيرهم من اليهود، ويوافقون القرّائين في الوقت مع ظواهر نصوص التّوراة، ويمنعون القول بالتأويل الذاهب إليه الرّبانيّون من اليهود، وينكرون صحّة توراة القرّائين والرّبانيّين، ويجعلون الاعتماد على توراتهم، ويقولون: لا مساس: بمعنى أنه لا يمسّ أحدا ولا يمسّه. قال في «الكشاف» : كان إذا مسّ أحدا أو مسّه أحد حصلت الحمّى للماسّ والممسوس وقد أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله تعالى حكاية عن موسى عليه السّلام للسّامريّ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ «1» ويحرّمون من الذّبائح «2» ، ويحرّمون أكل اللحم مختلطا بلبن، زاعمين أنّ في توراتهم النّهي عن أكل لحم الجدي بلبن أمّه؛ ويستعظمون السّعي إلى الخروج إلى الأرض التي حرّم عليهم سكناها وهي مدينة أريحا. ومن أكبر الكبائر عندهم وطء المرأة الحائض، والنّوم معها في مضجع

الملة الثانية الفرقة الثالثة (ممن تدعو الضرورة إلى تحليفه - النصرانية)

واحد، لا سيما إذا فعل ذلك مستبيحا له. ومن أعظم العظائم عندهم إنكار خلافة هارون عليه السّلام، والأنفة من كونها. وقد رتّب في «التعريف» يمينهم على مقتضى ذلك، فذكر أنّ يمينهم: «إنني والله والله والله العظيم، الباريء، القادر، القاهر، القديم، الأزليّ، ربّ موسى وهارون، منزل التوراة والألواح الجوهر، منقذ بني إسرائيل، وناصب الطّور قبلة للمتعبّدين، وإلّا كفرت بما في التوراة، وبرئت من نبوّة موسى، وقلت: إنّ الإمامة في غير بني هارون، ودكّيت الطّور، وقلعت بيدي أثر البيت المعمور، واستبحت حرمة السّبت، وقلت بالتأويل في الدّين، وأقررت بصحّة توراة اليهود، وأنكرت القول بأن لا مساس، ولم أتجنّب شيئا من الذّبائح، وأكلت الجدي بلبن أمّه، وسعيت في الخروج إلى الأرض المحظور عليّ سكنها، وأتيت النّساء الحيّض زمان الطّمث مستبيحا لهنّ، وبتّ معهنّ في المضاجع، وكنت أوّل كافر بخلافة هارون، وأنفت منها أن تكون. [الملة الثانية] الفرقة الثالثة «1» (ممّن تدعو الضرورة إلى تحليفه- النّصرانيّة) وقد اختلف في اشتقاقها، فقيل: أخذا من قول المسيح للحواريّين: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ* «2» وقول الحواريّين: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ* «3» وقيل: من نزوله هو وأمّه- بعد عودها به من مصر- بالنّاصرة: وهي قرية من بلاد فلسطين من الشام: وقيل غير ذلك. والنّصارى- هم أمّة عيسى عليه السّلام، وكتابهم الإنجيل. وقد اختلف في اشتقاقه «4» على ثلاثة مذاهب حكاها أبو جعفر النّحّاس «5» في «صناعة الكتّاب» :

أحدها- أنه مأخوذ من قولهم: نجلت الشّيء إذا أخرجته، بمعنى أنه خرج به دارس من الحقّ. والثاني- أنه مأخوذ من قولهم: تناجل القوم إذا تنازعوا، لأنه لم يقع في كتاب من الكتب المنزّلة مثل التنازع الواقع فيه. قاله أبو عمرو الشّيبانيّ. والثالث- أنه مأخوذ من النّجل بمعنى الأصل: لأنه أصل العلم الذي أطلع الله تعالى فيه خليقته عليه، ومنه قيل للوالد نجل: لأنه أصل لولده. ثم ذكر هذه الاشتقاقات جنوح من قائلها إلى أنّ لفظ الإنجيل عربيّ، والذي يظهر أنه عبرانيّ: لأنّ لغة عيسى عليه السّلام كانت العبرانيّة؛ وقد قال صاحب «إرشاد القاصد» : إن معنى الإنجيل عندهم البشارة. واعلم أنّ النّصارى بجملتهم مجمعون على أن مريم حملت بالمسيح عليه السلام، وولدته ببيت لحم من بلاد القدس من الشّام، وتكلّم في المهد، وأنّ اليهود حين أنكروا على مريم عليها السلام ذلك فرّت بالمسيح عليه السّلام إلى مصر، ثم عادت به إلى الشام، وعمره اثنتا عشرة سنة، فنزلت به القرية المسمّاة ناصرة المقدّم ذكرها، وأنه في آخر أمره قبض عليه اليهود وسعوا به إلى عامل قيصر ملك الرّوم على الشام، فقتله وصلبه يوم الجمعة، وأقام على الخشبة ثلاث ساعات، ثم استوهبه رجل من أقارب مريم اسمه يوسف النّجّار من عامل قيصر، ودفنه في قبر كان أعدّه لنفسه في مكان الكنيسة المعروفة الآن بالقمامة «1» بالقدس، وأنّه مكث في قبره ليلة السّبت ونهار السّبت وليلة الأحد، ثم قام من صبيحة يوم الأحد، ثم رآه بطرس الحواريّ وأوصى إليه؛ وأنّ أمّه جمعت له الحواريّين فبعثهم رسلا إلى الأقطار للدّعاية إلى دينه، وهم في الأصل اثنا عشر حواريّا: بطرس (ويقال له: سمعان، وشمعون الصّفا أيضا) «2» ، وأندراوس وهو

أخو بطرس المقدّم ذكره، ويعقوب بن زيدي، ويوحنّا الإنجيليّ، وهو أخو «1» أندراوس، وفيلبس، وبرتلوماوس، وتوما: ويعرف بتوما الرسول، ومتّى ويعرف بمتّى العشّار، ويعقوب بن حلفا، وسمعان القناني (ويقال له شمعون أيضا) ، وبولس «2» (ويقال له تداوس) ، وكان اسمه في اليهودية شاول، ويهوذا الأسخر يوطي (وهو الذي دلّ يهود على المسيح حتّى قبضوا عليه بزعمهم) وقام مقامه بنيامين، ويقولون: إنه بعد أن بعث من بعث من الحواريّين صعد إلى السّماء. وهم متّفقون على أن أربعة من الحواريّين تصدّوا لكتابة الإنجيل: وهم بطرس، ومتّى، ولوقا «3» ، ويوحنّا، فكتبوا فيه سيرة المسيح من حين ولادته إلى حين رفعه، وكتب كلّ منهم نسخة على ترتيب خاصّ بلغة من اللّغات. فكتب بطرس إنجيله باللّغة الرّوميّة في مدينة رومية قاعدة بلاد الرّوم، ونسبه إلى تلميذه مرقس أوّل بطاركة الإسكندرية، ولذلك يعرف بمرقس الإنجيليّ، وقيل: إن الذي كتبه مرقس نفسه. وكتب متّى إنجيله بالعبرانيّة في بيت المقدس، ونقله بعد ذلك يوحنّا بن زيدي إلى اللّغة الرومية. وكتب لوقا إنجيله بالرّومية وبعث به إلى بعض أكابر الرّوم، وقيل: بل كتبه باليونانّية بمدينة الإسكندرية. وكتب يوحنّا إنجيله باليونانية بمدينة أفسس، وقيل مدينة رومية. قال الشّهرستانيّ: وخاتمة إنجيل متّى: «إني أرسلكم إلى الأمم كما أرسلني أبي إليكم، فاذهبوا وادعوا الأمم باسم الأب والابن وروح القدس» ثم اجتمع برومية من توجّه إليها من الحواريّين ودوّنوا قوانين دين النصرانية على يد أقليمش «4» تلميذ بطرس الحواريّ، وكتبوا عدد الكتب التي يجب قبولها والعمل بمقتضاها، وهي عدّة كتب: منها الأناجيل الأربعة المتقدمة الذّكر، والتّوراة التي

بأيديهم، وجملة كتب من كتب الأنبياء الذين قبل المسيح عليه السّلام، كيوشع بن نون، وأيّوب، وداود، وسليمان عليهم السلام، وغيرهم «1» ثم لما مات الحواريّون أقام النّصارى لهم خلائف، عبّر عنهم بالبطاركة جمع بطرك، وهي كلمة يونانية مركّبة من لفظين، أحدهما «بطر» ومعناه.. «2» ، والثانية «يرك» ومعناه.. «3» ، ورأيت في ترسّل العلاء بن موصلايا «4» : كاتب القائم بأمر الله العبّاسيّ «فطرك» بإبدال الباء فاء، والعامة يقولون: «بترك» بابدال الطاء تاء، وهو عندهم خليفة المسيح، والقائم بالدّين فيهم. وقد كان لبطاركتهم في القديم خمسة «5» كراسيّ، لكلّ كرسيّ منها بطرك. الأوّل منها بمدينة رومية، والقائم به خليفة بطرس الحواريّ المتوجه إليها بالبشارة؛

والثاني بمدينة الإسكندريّة، والقائم به خليفة مرقس تلميذ بطرس الحواريّ المقدّم ذكره وخليفته بها؛ والثالث بمدينة بزنطية: وهي القسطنطينيّة؛ والرابع بمدينة أنطاكية من العواصم التي هي في مقابلة حلب الآن؛ والخامس بالقدس. وكان أكبر هذه الكراسيّ الخمسة كرسيّ رومية لكونه محلّ خلافة بطرس الحواريّ، ثم كرسيّ الإسكندرية، لكونه كرسيّ مرقس خليفته. ثم اصطلحوا بعد ذلك على أسماء وضعوها على أرباب وظائف دياناتهم، فعبروا عن صاحب المذهب بالبطريق، وعن نائب البطرك بالأسقفّ، وقيل الأسقفّ عندهم بمنزلة المفتي، وعن القاضي بالمطران، وعن القاريء بالقسّيس، وعن صاحب الصلاة وهو الإمام بالجاثليق «1» ، وعن قيّم الكنيسة بالشّمّاس، وعن المنقطع إلى المولى للعبادة بالرّاهب. وكانت الأساقفة يسمّون البطرك أبا، والقسوس يسمون الأسقفّ أبا، فوقع الاشتراك عندهم في اسم الأب، فوقع اللّبس عليهم، فاخترعوا لبطرك الإسكندرية اسم الباب، ويقال فيه البابا «2» بزيادة ألف، والبابه بإبدال الألف هاء، ومعناه عندهم أبو الآباء: لتمييز البطرك عن الأسقفّ، فاشتهر بهذا الاسم، ثم نقل اسم الباب إلى بطرك رومية لكونه خليفة بطرس الحواريّ؛ وبقي اسم البطرك على بطرك الإسكندرية وغيره من أصحاب الكراسيّ. واعلم أن النّصارى مجمعون على أن الله تعالى واحد بالجوهر ثلاثة بالأقنوميّة؛ ويفسّرون الجوهر بالذّات والأقنوميّة بالصّفات: كالوجود والعلم والحياة؛ ويعبرون عن الذّات مع الوجود بالأب، وعن الذّات مع العلم بالابن؛ ويعبرون عن الذّات مع الحياة بروح القدس؛ ويعبّرون عن الإله باللّاهوت، وعن

الإنسان بالنّاسوت؛ ويطلقون العلم على الكلمة التي ألقيت إلى مريم عليها السلام فحملت منها بالمسيح عليه السّلام؛ ويخصّونه بالاتّحاد دون غيره من الأقانيم. واجتمع منهم ثلاثمائة وثمانية عشر، وقيل وسبعة عشر «1» أسقفّا من أساقفتهم بمدينة نيقية «2» من بلاد الرّوم بحضرة قسطنطين ملك الرّوم عند ظهور أريوش الأسقفّ وقوله: إن المسيح مخلوق، وإنّ القديم هو الله تعالى، وألّفوا عقيدة استخرجوها من أناجيلهم لقّبوها بالأمانة «3» ، من خرج عنها خرج عن دين النّصرانية؛ ونصّها على ما ذكره الشّهرستانيّ في «النّحل والملل» وابن العميد مؤرّخ النّصارى في تاريخه ما صورته: «نؤمن بالله الواحد الأب، مالك كلّ شيء، وصانع ما يرى وما لا يرى، وبالابن الواحد أيشوع المسيح ابن الله، بكر الخلائق كلّها، وليس بمصنوع، إله حقّ من [إله حق من] «4» جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوالم وكلّ شيء، الذي من أجلنا و [من] «5» أجل خلاصنا نزل من السّماء، وتجسّد بروح القدس، وولد من مريم البتول، وصلب أيام فيلاطوس، ودفن ثم قام في اليوم الثالث وصعد إلى السّماء، وجلس عن يمين أبيه، وهو مستعدّ للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الأموات والأحياء. ونؤمن بروح القدس الواحد الحيّ الذي يخرج من أبيه،

الفرقة الأولى (الملكانية)

وبمعموديّة واحدة لغفران الخطايا، وبجماعة [واحدة] «1» قدسيّة مسيحيّة جاثليقيّة، وبقيام أبداننا، وبالحياة الدّائمة أبد الآبدين. ووضعوا معها قوانين لشرائعهم سمّوها الهيمانوت «2» ثم اجتمع منهم جمع بقسطنطينيّة عند دعوى مقدونيوس المعروف بعدوّ روح القدس، وقوله: إن روح القدس مخلوق، وزادوا في الأمانة المتقدّمة الذّكر ما نصه: «ونؤمن بروح القدس المحيي المنبثق من الأب» ولعنوا من يزيد بعد ذلك على كلام الأمانة أو ينقص منها. وافترق النّصارى بعد ذلك إلى فرق كثيرة، المشهور منها ثلاث فرق: الفرقة الأولى (الملكانيّة) قال الشّهرستانيّ: وهم أتباع ملكان الذي ظهر ببلاد الرّوم؛ ومقتضى ذلك أنّهم منسوبون إلى ملكان صاحب مذهبهم. ورأيت في بعض المصنّفات أنّهم منسوبون إلى مركان قيصر أحد قياصرة الرّوم، من حيث إنّه كان يقوم بنصرة مذهبهم، فقيل لهم مركانيّة، ثم عرّب ملكانيّة «3» ؛ ومعتقدهم أن جزءا من اللّاهوت حلّ في النّاسوت، ذاهبين إلى أن الكلمة، وهي أقنوم العلم عندهم، اتّحدت بجسد المسيح وتدرّعت بناسوته ومازجته ممازجة الخمر [اللبن] «4» أو الماء اللّبن؛ لا يسمّون العلم قبل تدرّعه ابنا، بل المسيح وما تدرّع به هو الابن؛ ويقولون: إن الجوهر غير الأقانيم كما في الموصوف والصّفة، مصرّحين بالتثليث،

قائلين بأن كلّا من الأب والابن وروح القدس إله، وإليهم وقعت الإشارة بقوله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ «1» وهم يقولون: إن المسيح قديم أزليّ من قديم أزليّ، وإن مريم ولدت إلها أزليّا، فيطلقون الأبوّة والبنوّة على الله تعالى وعلى المسيح حقيقة، متمسّكين بظاهر ما يزعمون أنه وقع في الإنجيل من ذكر الأب والابن: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً «2» ثم هم يقولون: إن المسيح ناسوت كليّ لا جزئيّ، وإن القتل والصّلب وقعا على الناسوت واللّاهوت معا كما نقله الشّهرستانيّ في «النّحل والملل» وإن كان الشيخ شمس الدّين بن الأكفاني في كتابه «إرشاد القاصد» قد وهم فنقل عنهم القول بأن الصّلب وقع على النّاسوت دون اللّاهوت. ومن معتقدهم أيضا أنّ المعاد والحشر يكون بالأبدان والأرواح جميعا، كما تضمّنته الأمانة المتقدّمة، وأنّ في الآخرة التّلذّذات الجسمانيّة بالأكل والشّرب والنّكاح وغير ذلك كما يقوله المسلمون. ومن فروعهم أنهم لا يختتنون، وربّما أكل بعضهم الميتة. وممّن تمذهب بمذهب الملكانيّة الرّوم والفرنجة ومن والاهم. والملكانية يدينون بطاعة الباب: وهو بطرك رومية المقدّم ذكره، قال في «الروض المعطار» : من قاعدة الباب أنه إذا اجتمع به ملك من ملوك النّصارى ينبطح على بطنه بين يديه، ولا يزال يقبّل رجليه حتّى يكون هو الذي يأمره بالقيام «3»

الفرقة الثانية (اليعقوبية)

الفرقة الثانية (اليعقوبيّة) وهم أتباع ديسقرس بطرك الإسكندريّة في القديم: وهو الثامن من بطاركتها من حين بطركيّة مرقس الإنجيلّي نائب بطرس الحواريّ بها. قال ابن العميد في تاريخه: وسمّي أهل مذهبه يعقوبية: لأن اسمه كان في الغلمانية يعقوب. وقيل: بل كان له تلميذ اسمه يعقوب فنسبوا إليه. وقيل: بل كان شاويرش بطرك أنطاكية على رأي ديسقرس، وكان له غلام اسمه يعقوب فكان يبعثه إلى أصحابه: أن اثبتوا على أمانة ديسقرس فنسبوا إليه. وقيل: بل نسبوا إلى يعقوب البردغاني تلميذ سويرس بطرك أنطاكية، وكان راهبا بالقسطنطينيّة فكان يطوف في البلاد ويدعو إلى مذهب ديسقرس. قال ابن العميد: وليس ذلك فإنّ اليعاقبة ينسبون إلى ديسقرس قبل ذلك بكثير، ومعتقدهم أن الكلمة انقلبت لحما ودما فصار الإله هو المسيح. ثم منهم من قال إن المسيح هو الله تعالى. قال المؤيّد صاحب حماة: ويقولون مع ذلك إنه قتل وصلب ومات وبقي العالم ثلاثة أيّام بلا مدبّر. ومنهم من يقول: ظهر اللاهوت بالنّاسوت، فصار ناسوت المسيح مظهر الحقّ لا على طريق حلول جزء فيه، ولا على سبيل اتّحاد الكلمة التي هي في حكم الصّفة، بل صار هو هو، كما يقال: ظهر الملك بصورة إنسان، وظهر الشّيطان بصورة حيوان، وكما أخبر التّنزيل عن جبريل عليه السّلام بقوله تعالى: فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا «1» وأكثرهم يقول: إن المسيح جوهر واحد إلا أنّه من جوهرين، وربّما قالوا: طبيعة واحدة من طبيعتين. فجوهر الإله القديم وجوهر الإنسان المحدث تركّبا تركّب النّفس والبدن فصارا جوهرا واحدا أقنوما واحدا، وهو إنسان كلّه وإله كلّه،

فيقال: الإنسان صار إلها ولا ينعكس، فلا يقال: الإله صار إنسانا، كالفحمة تطرح في النار فيقال: صارت الفحمة نارا، ولا يقال: صارت النار فحمة؛ وهي في الحقيقة لا نار مطلقة ولا فحمة مطلقة، بل هي جمرة. ويقولون: إنّ الكلمة اتحدت بالإنسان الجزئيّ لا الكلّيّ، وربّما عبّروا عن الاتحاد بالامتزاج والادّراع والحلول، كحلول صورة الإنسان في المرآة. ومنهم من يقول: إن الكلمة لم تأخذ من مريم شيئا لكنّها مرّت بها كمرور الماء بالميزاب، وإنّ ما ظهر من شخص المسيح عليه السّلام في الأعين هو كالخيال والصّورة في المرآة، وإن القتل والصّلب إنما وقعا على الخيال. وزعم آخرون منهم أنّ الكلمة كانت تداخل جسد المسيح أحيانا فتصدر عنه الآيات: من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص؛ وتفارقه في بعض الأوقات فترد عليه الآلام والأوجاع. ثم هم يقولون: إن المعاد إنما هو روحانيّ فيه لذّة وراحة وسرور، ولا أكل ولا شرب ولا نكاح. ومن فروعهم أنهم يختتنون، ولا يأكلون الحيوان إلا بعد التّذكية. وقد حكى ابن العميد مؤرّخ النّصارى أن ديسقرس صاحب مذهب اليعقوبية حين ذهب إلى ما ذهب: من مذهبه المقدّم ذكره، رفع أمره إلى مركان قيصر ملك الروم يومئذ، فطلبه إلى مدينة خلقدونية «1» من بلاد الرّوم، وجمع له ستّمائة وأربعة وثلاثين أسقفّا، وناظروه بحضرة الملك فسقط في المناظرة، فكلمته زوجة الملك فأساء الرّدّ فلطمته بيدها، وتناوله الحاضرون بالضرب، وأمر بإخراجه؛ فسار إلى القدس، فأقام به واتبعه أهل القدس وفلسطين ومصر والإسكندرية؛ وقد اتّبعه على ذلك أيضا النّوبة والحبشة، وهم على ذلك إلى الآن.

الفرقة الثالثة (النسطورية)

الفرقة الثالثة (النّسطوريّة) ومقتضى كلام ابن العميد أنهم أتباع نسطوريوس بطرك القسطنطينيّة. ويحكى عنه أن من مذهبه أن مريم عليها السلام لم تلد إلها، وإنما ولدت إنسانا، وإنّما اتّحد في المشيئة لا في الذّات، وأنه ليس إلها حقيقة بل بالموهبة والكرامة. ويقولون بجوهرين وأقنومين، وإن كرلس بطرك الإسكندرية وبطرك رومية خالفاه في ذلك، فجمعا له مائتي أسقفّ بمدينة أفسس «1» ، وأبطلوا مقالة نسطوريوس وصرّحوا بكفره، فنفي إلى إخميم من صعيد مصر ومات بها، فظهر مذهبه في نصارى المشرق: من الجزيرة الفراتيّة والموصل والعراق وفارس «2» والذي ذكره الشّهرستانيّ في «النّحل والملل» أنهم منسوبون إلى نسطور الحكيم الذي ظهر في زمان المأمون، وتصرّف في الأناجيل بحكم رأيه، وقال: إن الله تعالى واحد ذو أقانيم ثلاثة: الوجود والعلم والحياة؛ وإن هذه الأقانيم ليست بزائدة على الذّات ولا هي هي، وإن الكلمة اتّحدت بجسد المسيح عليه السّلام لا على طريق الامتزاج، كما ذهبت إليه الملكانيّة، ولا على طريق الظّهور كما قالته اليعقوبيّة، ولكن كإشراق الشّمس في كوّة، أو كظهور النّقش في الخاتم؛ قال الشّهرستانيّ: ويعني بقوله إنه واحد بالجوهر أنه ليس مركّبا من جنس بل هو بسيط واحد. ويعني بالحياة والعلم أقنومين جوهرين أي أصلين مبدأين للعالم. قال: ومنهم من يثبت لله تعالى صفات زائدة على الوجود والحياة والعلم: كالقدرة والإرادة ونحوهما. ومنهم من يطلق القول بأن كلّ واحد من الأقانيم الثلاثة حيّ ناطق إله. ومنهم من يقول: إن الإله واحد، وإن المسيح ابتدأ من مريم عليها السلام،

وإنه عبد صالح مخلوق، خلقه الله تعالى وسماه ابنا على التّبنّي لا على الولادة والاتّحاد. ثم هم يخالفون في القتل والصّلب مذهب الملكانية واليعقوبية جميعا، فيقولون: القتل والصّلب وقعا على المسيح من جهة ناسوته لا من جهة لا هوته: لأن الإله لا تحله الآلام. قال صاحب حماة «1» : وهم عند النصارى كالمعتزلة عندنا. وليعلم أن للنّصارى أشياء يعظّمونها و [أشياء] «2» يستعظمون الوقوع فيها. فأما التي يعظّمونها فإنهم يعظمون المسيح عليه السّلام حتّى انتهوا فيه إلى ما انتهوا: من دعوى الألوهيّة والبنوّة لله سبحانه، تعالى الله عما يشركون، واسمه عندهم أيشوع فعرّب عيسى، وإنّما سمي المسيح لكونه ممسوح القدمين لا أخمص له «3» ويعظّمون مريم عليها السلام لولادتها المسيح عليه السّلام، ويعبّرون عنها بالسّيّدة، وبالبتول، وبالعذراء. ويعظمون مريحنّا «4» المعمدان، وهم عندهم يحيى بن زكريّا عليه السّلام، ومعنى «مر» السّيّد، و «يحنّا» يعني يحيى؛ ويسمّونه المعمدان لأنهم يزعمون أنّ مريم عليها السلام حين عودها من مصر إلى الشأم ومعها السّيد المسيح تلقّاه يحيى عليه السّلام فعمّده في نهر الأردنّ من بلاد فلسطين، يعني غمسه فيه، ويجعلون ذلك أصلا للمعموديّة: وهو الماء الذي يغمسون فيه عند تنصّرهم، ويقولون: إنه لا يصح تنصّر نصرانيّ دون تعمّد. ولماء المعمودية بذلك عندهم من التّعظيم ما

لا فوقه. وبعضهم يقول: إن المراد بمر يحنّا المعمدان غير يحيى بن زكريّا عليهما السلام. ويعظمون الحواريّين: وهم أصحاب المسيح عليه السّلام. وقد تقدّم أن عدّتهم اثنا عشر حواريّا، ومعنى الحواريّ الخاصّ، ومنه قيل للدّقيق النّاصع البياض دقيق حوّارى، سمّوا بذلك لأن المسيح عليه السّلام استخلصهم لنفسه. ويعظّمون البطاركة لأنهم خلفاء الدّين عندهم، ويرون لهم من الحرمة ما لدين النّصرانية عندهم من الحرمة، بل يجعلون أمر التّحليل والتّحريم منوطا بهم، حتّى لو حرّم البطرك على أحدهم زوجته لم يقربها حتّى يحلّها له. وسيأتي «1» ما لبطرك اليعقوبية عند صاحب الحبشة من الحرمة عند ذكر المكاتبة إليه فيما بعد، إن شاء الله تعالى. وكذلك يعظّمون أرباب الوظائف الدّينية عندهم: من البطريق، والأسقفّ، والمطران، والقسّيس، والشّمّاس، والراهب؛ وقد تقدّم تفسيرهم فيما مرّ. ويعظّمون يوسف النّجّار: وهو قريب لمريم عليها السلام، يقال: إنه ابن عمّها، كان معها في خدمة بيت المقدس، وهو الذي استوهب المسيح بعد الصّلب بزعمهم حتّى دفنه. واليهود يرمون مريم عليها السلام معه بالفجور على ما تقدّم. ويعظّمون مريم المجد لانيّة المقدّم ذكرها، ويزعمون أنها.. «2» أخرج منها سبعة شياطين، وأنها أوّل من رأى المسيح حين قام من قبره. ومن عادتهم أنه إذا مات منهم أحد ممن يعتقدون صلاحه صوّروا صورته في حيطان كنائسهم ودياراتهم يتبركون بها. ويعظّمون قسطنطين بن قسطنطين ملك الرّوم، وذلك أنّه أوّل من أخذ بدين

النصرانية من الملوك وحمل على الأخذ به. وقد اختلف في سبب ذلك فقيل: إنه كان يحارب أمّة البرجان بجواره وقد أعجزه أمرهم، فرأى في المنام كأنّ ملائكة نزلت من السماء ومعها أعلام عليها صلبان، فعمل أعلاما على مثالها وحاربهم بها فظهر عليهم. وقيل: بل رأى صورة صليب في السماء. وقيل: بل حملته أمّه هيلاني على ذلك. ويعظمون هيلاني أم قسطنطين المقدّم ذكره، ويقولون: إنها رحلت من قسطنطينيّة إلى القدس، وأتت إلى محلّ الصّلب بزعمهم، فوقفت وبكت، ثم سألت عن خشبة الصّلب، فأخبرت أن اليهود دفنوها وجعلوا فوقها القمامات والنّجاسات، فاستعظمت ذلك، واستخرجتها وغسلتها وطيّبتها وغشّتها بالذّهب، وألبستها الحرير، وحملتها معها إلى القسطنطينيّة للتّبرّك، وبنت مكانها كنيسة، وهي المسمّاة الآن بالقمامة، أخذا من اسم القمامة التي كانت موضوعة هناك. ويعظّمون من الأمكنة بيت لحم حيث مولد المسيح عليه السّلام، وكنيسة قمامة حيث قبره، وموضع خشبة الصّلب التي استخرجتها هيلاني أم قسطنطين بزعمهم. وكذلك يعظّمون سائر الكنائس: وهي أمكنة عباداتهم كالمساجد للمسلمين. وأصلها في اللّغة مأخوذ من قولهم: كناس الظّبي: وهو المكان الذي يستتر فيه، سمّيت بذلك لاستتار هم فيها حال عبادتهم عن أعين الناس. وكذلك يعظّمون الدّيارات: وهي أمكنة التّخلّي والاعتزال كالزّوايا للمسلمين. ويعظّمون المذبح: وهو مكان يكون في الكنيسة يقرّبون عنده القرابين ويذبحون الذّبائح، ويعتقدون أنّ كلّ ما ذبح عليه من القربان صار لحمه ودمه هو لحم المسيح ودمه حقيقة. ويعظمون من الأزمنة أعيادهم الاتي ذكرها عند ذكر أعياد الأمم: كعيد

الغطاس من أعيادهم الكبار، وموقعه في الحادي عشر من طوبه «1» من شهور القبط، وعيد السّيدة من أعيادهم الصّغار، وموقعه في الحادي والعشرين من بؤونه منها، وعيد الصّليب، وموقعه عندهم في السابع عشر من توت، إلى غير ذلك من الأعياد الآتي «2» ذكرها مع أعياد الأمم، في الكلام على الأزمنة من هذه المقالة، إن شاء الله تعالى. وأما الأشياء التي [يتعبّدون] «3» بها، فإنهم يصلّون سبع صلوات في اليوم واللّيلة؛ وهي: الفجر، والضّحى، والظّهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ونصف اللّيل؛ ويقرأون في صلاتهم بمزامير داود عليه السّلام كما تفعل اليهود. والسّجود في صلاتهم غير محدود العدد، بل قد يسجدون في الرّكعة الواحدة خمسين سجدة. وهم يتوضّأون للصلاة، ولا يغتسلون من الجنابة، وينكرون الطّهر للصّلاة على المسلمين وعلى اليهود، ويقولون: الأصل طهارة القلب. وإذا أرادوا الصّلاة ضربوا بالنّاقوس، وهو خشبة مستطيلة نحو الذراع يضرب عليها بخشبة لطيفة فيجتمعون. وهم يستقبلون في صلاتهم المشرق، وكذلك يوجّهون إليه موتاهم. قال الزّمخشريّ: ولعلّ ذهابهم إلى ذلك لأخذ مريم عليها السلام عنهم مكانا شرقيّا كما أخبر تعالى بقوله: إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا «4» ولهم صيامات في أوقات متفرّقة. منها: صومهم الكبير: وهو ستّون «5» يوما أوّلها يوم الاثنين. وموقع أوّله في

شباط أو أذار من شهور السّريان، بحسب ما يقتضيه حسابهم، يفطرون في خلالها يوم الأحد، تبقى مدّة صيامهم منها تسعة وأربعون يوما. ومنها: [صومهم الصّغير] «1» : وهو ستّة «2» وأربعون يوما يصومونها بعد الفصح الكبير بخمسين يوما، أوّلها يوم الاثنين أيضا؛ وعندهم فيه خلاف. ومنها: صوم العذارى: وهو ثلاثة أيام، أوّلها يوم الاثنين الكائن بعد كانون الثاني، في صيامات أخرى يطول ذكرها، ولكثرة صيامهم قيل: إذا حدّثت أن نصرانيّا مات من الجوع فصدّق. وأمّا ما يحرّمونه، فإنهم يقولون بتحريم لحم الجمل ولبنه كما يقوله اليهود، ويقولون: بحلّ لحم الخنزير خلافا لليهود، وهو مما ينكره اليهود عليهم من مخالفة أحكام التوراة. ويحرّمون صوم يوم الفصح الأكبر، وهو يوم فطرهم من صومهم الأكبر. ويحرّمون على الرجل أن يتزوّج امرأتين في قرن واحد. ويحرّمون طلاق الزوجة بل إذا تزوّج أحدهم امرأة لا يكون له منها فراق إلا بالموت. وأما الأشياء التي يستعظمون الوقوع فيها: فمنها: جحود كون المسيح هو المبشّر به على لسان موسى عليه السّلام. ومنها: إنكار قتل المسيح عليه السّلام وصلبه؛ فإنهم يعتقدون أن ذلك كان سببا لخلاص اللاهوت من النّاسوت، فمن أنكر عندهم وقوع القتل والصّلب على المسيح خرج عن دين النصرانية، بل إنكار رؤيته مصلوبا عندهم ارتكاب محظور. على أنّهم ينكرون على اليهود ارتكابهم ذلك، ويستعظمون مشاركتهم في ذلك، فيالها من عقول أضلّها بارئها!.

ومنها: كسر صليب الصّلبوت، وهو الخشبة التي يزعمون أن المسيح عليه السلام صلب عليها. وقد تقدّم أن هيلاني أمّ قسطنطين استخرجتها من القمامة وغسلتها وطيّبتها وغشّتها بالذّهب وألبستها الحرير وحملتها معها للتّبرك. ومنها: الرّجوع عن متابعة الحواريّين الذين هم أصحاب المسيح عليه السلام. ومنها: الخروج عن دين النّصرانية أو التّبري منه، والقول بدين التوحيد أو دين اليهودية. ومنها: الوقوع في حقّ قسطنطين وأمّه هيلاني: لقيامهما في إقامة دين النّصرانية أوّلا على ما تقدّم ذكره. وكذلك الاستهانة بالبطاركة أو أحد من أرباب الديانات عندهم: كالأساقفة ونحوهم ممن تقدّم ذكره. ومنها: القعود عن أهل الشّعانين: وهم أهل التّسبيح الذين كانوا حول المسيح عليه السّلام حين ركب الحمار بالقدس ودخل صهيون يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهم حوله يسّبحون الله تعالى ويقدّسونه. ومنها: صوم يوم الفصح الأكبر، وصرف الوجه في الصلاة عن الشّرق، واستقبال صخرة بيت المقدس موافقة لليهود. ومنها: هدم كنيسة قمامة: لكونها عندهم في محلّ القبر بزعمهم. وكذلك غيرها من الكنائس والدّيرة. ومنها: تكذيب أحد من نقلة الإنجيل الأربعة الذين كتبوه كمتّى وغيره، أو تكذيب أحد من القسوس: وهم الذين يقرأون الإنجيل والمزامير، وتكذيب مريم المجد لانية فيما أخبرت به عن المسيح من قيامه من قبره الذي كان دفن فيه بزعمهم؛ فإنهم يزعمون أنّها أوّل من رآه عند قيامه. ومنها: القول بنجاسة ماء المعمودية: وهو الماء الذي ينغمسون فيه عند تنصّرهم.

ومنها: عدم اعتقاد أن القربان الذي يذبح في المذبح لا يصير لحمه ودمه هو لحم المسيح ودمه؛ ولعمري إن هذه لعقول ذاهبة. ومنها: استباحة دماء أهل الديارات، والمشاركة في قتل الشّمامسة الذين هم خدّام الكنائس. ومنها: خيانة المسيح في وديعته. وذلك أنّهم يزعمون أن كلّ ما خالفت فيه فرقة من الفرق الثلاث الفرقة الأخرى كقول الملكانية بأنّ المعاد جسمانيّ، وقول اليعقوبية: إن المعاد روحانيّ، فإنّ الفرقة الأخرى يستعظمون الوقوع فيما ذهب إليه مخالفها؛ وكذلك كلّ ما جرى هذا المجرى. وقد رتّب الكتّاب أيمان النّصارى على هذه المعتقدات. قال محمد بن عمر المدائني في كتاب «القلم والدّواة» : وقد يذهب على كثير من الكتّاب ما يستحلف به اليهود والنصارى عند الحاجة إلى ذلك منهم، فيستحلفون بأيمان الإسلام وهم مستحلّون للحرام، ومجترئون على الآثام، ويتأثّمون من أيمانهم، والاستقسام بأديانهم. ثم أشار إلى أنّ أوّل ما رتّبت الأيمان التي يحلّف بها النصارى على هذه الطريقة في زمن الفضل بن الرّبيع، فحكى عن بعض كتّاب العراق أنه قال: أراد الفضل بن الربيع: يعني وزير الرّشيد أن يستحلف كاتبه «عونا النصراني» فلم يدر كيف يستحلفه، فقلت: ولّني استحلافه، قال: دونك، فقلت له: إحلف بالهك الذي لا تعبد غيره، ولا تدين إلّا له، وإلا فخلعت النّصرانيّة، وبرئت من المعمودية، وطرحت على المذبح خرقة حيضة يهوديّة، وقلت في المسيح ما يقوله المسلمون إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ «1» ، وإلا فلعنك البطريك الأكبر، والمطارنة، والشّمامسة، والقمامسة، والدّيرانيّون، وأصحاب الصوامع عند مجتمع الخنازير وتقريب القربان، وبما استغاثت به النّصارى ليسوع، وإلّا فعليك جرم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفّا الذين

خرجوا من نيقية حتى أقاموا عمود النصرانية، وإلّا فشققت الناقوس وطبخت به لحم جمل وأكلته يوم الاثنين مدخل الصّوم (واتحمت من كل بركه يوما) «1» ورميت الشاهد بعشرين حجرا جاحدا بها، وهدمت كنيسة لدّ، وبنيت بها كنيسة اليهود، وخرقت غفارة مريم وكهنونة داود، وأنت حنيف مسلم؛ وهذه اليمين لازمة لك ولعقبك من بعدك. وقال فقال عون: أنا لا أستحلّ أن أسمع هذه فكيف أقولها! وخرج من جميع ما طالبه به الفضل، فأمر بها الفضل فكتبت نسخا وفرّقت على الكتّاب وأمرهم بحفظها وتحليف النصارى [بها] «2» قلت: وقد أكثر الناس من ترتيب نسخ الأيمان لتحليف النّصارى، فمن مطنب ومن موجز، على اختلاف مقاصدهم فيما يقع به التّحليف ويوافق آراءهم فيه. وقد رتّب المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في «التعريف» لهم أيمانا على مقتضى آراء فرقهم الثّلاث المتقدّمة الذّكر: من الملكانيّة، واليعقوبية، والنّساطرة. فأما الملكانيّة، فقال: إنّ يمينهم: «والله والله والله العظيم، وحقّ المسيح عيسى ابن مريم، وأمّه السّيدة مريم، وما أعتقده من دين النّصرانيّة، والملّة المسيحية ... وإلّا أبرأ من المعمودية، وأقول: إن ماءها نجس، وإن القرابين رجس، وبرئت من مريحنّا المعمدان والأناجيل الأربعة، وقلت: إن متّى كذوب، وإن مريم المجد لانية باطلة الدّعوى في إخبارها عن السّيد اليسوع المسيح، وقلت في السيدة مريم قول اليهود، ودنت بدينهم في الجحود، وأنكرت اتّحاد اللّاهوت بالنّاسوت، وبرئت من الأب والابن وروح القدس، وكذّبت القسوس، وشاركت في ذبح الشّمامس، وهدمت الديارات والكنائس، وكنت ممّن مال على قسطنطين ابن هيلاني، وتعمّد أمّه بالعظائم، وخالفت المجامع التي أجمعت الأساقفة بروميّة والقسطنطينيّة، ووافقت البرذعانيّ بأنطاكية، وجحدت مذهب الملكانيّة، وسفّهت

رأي الرّهبان، وأنكرت وقوع الصّلب على السّيّد اليسوع، وكنت مع اليهود حين صلبوه، وحدت عن الحواريّين، واستبحت دماء الدّيرانيّين، وجذبت رداء الكبرياء عن البطريرك، وخرجت عن طاعة الباب، وصمت يوم الفصح الأكبر، وقعدت عن أهل الشّعانين، وأبيت عيد الصّليب والغطاس، ولم أحفل بعيد السّيدة، وأكلت لحم الجمل، ودنت بدين اليهود، وأبحت حرمة الطّلاق، وخنت المسيح في وديعته، وتزوّجت في قرن بامرأتين، وهدمت بيدي كنيسة قمامة، وكسرت صليب الصّلبوت، وقلت في البنوّة مقال نسطورس، ووجّهت إلى الصّخرة وجهي، وصدّيت عن الشّرق المنير حيث كان المظهر الكريم، وإلّا برئت من النورانيين والشعشعانيين، ودنت غير دين النّصارى، وأنكرت أنّ السّيد اليسوع أحيا الموتى، وأبرأ الأكمه والأبرص، وقلت بأنّه مربوب، وأنّه ما رؤي وهو مصلوب، وأنكرت أن القربان المقدّس على المذبح ما صار لحم المسيح ودمه حقيقة، وخرجت في النصرانية عن لا حب الطريقة، وإلّا قلت بدين التّوحيد، وتعبدت غير الأرباب، وقصدت بالمظانيات غير طريق الإخلاص، وقلت: إنّ المعاد غير روحانيّ «1» ، وإن بني المعمودية لا تسيح في فسيح السماء، وأثبتّ وجود الحور العين في المعاد، وأن في الدار الآخرة التّلذّذات الجسمانية «2» ، وخرجت خروج الشّعرة من العجين من دين النّصرانية، وأكون من ديني محروما، وقلت إن جرجس لم يقتل مظلوما. وأما اليعاقبة، فقال: إنه يبدل قوله: اتحاد اللّاهوت بالنّاسوت بقوله: مماسّة اللّاهوت للنّاسوت. ويبطل قوله: ووافقت البرذعانيّ بأنطاكية، وجحدت مذهب الملكانيّة. ويبدّل بقوله: وكذّبت يعقوب البرذعانيّ، وقلت: إنه غير نصراني، وجحدت اليعقوبية، وقلت إن الحق مع الملكانية. ويبطل قوله: وخرجت عن طاعة الباب، ويبدل بقوله: وقاتلت بيدي عمدشيون، وخرّبت كنيسة قمامة وكنت أوّل مفتون.

وإن كان من النساطرة أبدل القولين وأبقى ما سواهما، وقال عوض مماسة اللّاهوت للنّاسوت: إشراق اللّاهوت على النّاسوت، ويزاد بعد ما يحذف: وقلت بالبراءة من نسطورس وما تضمّنه الإنجيل المقدّس. وهذه نسخة يمين حلّف عليها ملك النّوبة للسلطان الملك المنصور «قلاوون» عند استقراره نائبا عنه في بلاد النّوبة؛ وهي: والله والله والله، وحقّ الثّالوث المقدّس، والإنجيل الطّاهر، والسيدة الطّاهرة العذراء أمّ النّور، والمعمودية، والأنبياء، والرّسل، والحواريّين، والقدّيسين، والشّهداء الأبرار، وإلّا أجحد المسيح كما جحده بودس، وأقول فيه ما يقول اليهود، وأعتقد ما يعتقدونه، وإلّا أكون بودس الذي طعن المسيح بالحربة- إنّني أخلصت نيّتي وطويّتي من وقتي هذا وساعتي هذه للسّلطان الملك فلان، وإني أبذل جهدي وطاقتي في تحصيل مرضاته، وإنني ما دمت نائبه لا أقطع المقرّر عليّ في كلّ سنة تمضي: وهو ما يفضل من مشاطرة البلاد على ما كان يتحصّل لمن تقدّم من ملوك النّوبة، وأن يكون النّصف من المتحصّل للسلطان مخلّصا من كلّ حقّ، والنّصف الآخر مرصدا لعمارة البلاد وحفظها من عدوّ يطرقها، وأن يكون عليّ في كلّ سنة كذا وكذا. وإنّني أقرّر على كلّ نفر من الرّعية الذين تحت يدي في البلاد من العقلاء البالغين دينارا عينا، وإنّني لا أترك شيئا من السّلاح ولا أخفيه، ولا أمكّن أحدا من إخفائه؛ ومتى خرجت عن جميع ما قرّرته أو عن شيء من هذا المذكور أعلاه كلّه، كنت بريئا من الله تعالى ومن المسيح ومن السّيدة الطاهرة، وأخسر دين النّصرانية، وأصلّي إلى غير الشّرق، وأكسر الصّليب، وأعتقد ما يعتقده اليهود. وإنّني مهما سمعت من الأخبار الضّارّة والنافعة طالعت به السّلطان في وقته وساعته، ولا أنفرد بشيء من الأشياء إذا لم يكن مصلحة، وإنّني وليّ من والى السلطان وعدوّ من عاداه؛ والله على ما نقول وكيل. قلت: وسيأتي ذكر أيمان الفرنج على الهدنة عند ذكر ما أهمله في «التعريف» : من نسخ الأيمان في آخر الباب، إن شاء الله تعالى.

الملة الثالثة (المجوسية

الملة الثالثة (المجوسيّة : وهي الملّة التي كان عليها الفرس ومن دان بدينهم) وهم ثلاث فرق: الفرقة الأولى- الكيومرتيّة - نسبة إلى كيومرث، ويقال: جيومرت بالجيم بدل الكاف. وهو مبدأ النّسل عندهم كآدم عليه السّلام عند غيرهم، وربّما قيل: إن كيومرث هو آدم عليه السّلام. وهؤلاء أثبتوا إليها قديما وسمّوه يزدان، ومعناه النّور، يعنون به الله تعالى، وإلها مخلوقا سمّوه أهرمن، ومعناه الظّلمة، يعنون به إبليس. ويزعمون أن سبب وجود أهرمن أنّ يزدان فكّر في نفسه أنه لو كان له منازع كيف يكون، فحدث من هذه الفكرة الرّدية أهرمن، مطبوعا على الشّرّ والفتنة والفساد والضّرر والإضرار، فخرج على يزدان وخالف طبيعته، فجرت بينهما محاربة كان آخر الأمر فيها على أن اصطلحا أن يكون العالم السّفليّ لأهرمن سبعة آلاف سنة، ثم يخلّي العالم ويسلّمه ليزدان. ثم إنه أباد الذين كانوا في الدّنيا قبل الصّلح وأهلكهم، وبدأ برجل يقال له كيومرت، وحيوان يقال له الثّور، فكان من كيومرت البشر ومن الثّور البقر وسائر الحيوان. وقاعدة مذهبهم تعظيم النور، والتّحرّز من الظّلمة، ومن هنا انجرّوا إلى النار فعبدوها: لما اشتملت عليه من النور. ولمّا كان الثّور هو أصل الحيوان عندهم المصادف لوجود كيومرت، عظّموا البقر حتّى تعبّدوا بأبوالها. الفرقة الثانية- الثّنويّة - وهم على رأي الكيومرتيّة في تفضيل النّور والتحرّز من الظّلمة، إلا أنهم يقولون: إن الاثنين اللذين هما النور والظلمة قديمان. الفرقة الثالثة- الزّرادشتية الدائنون بدين المجوسيّة- وهم أتباع زرادشت الذي ظهر في زمن كيستاسف «1» السّابع من ملوك

الكيانية، وهم الطّبقة الثانية من ملوك الفرس، وادّعى النبوّة وقال بوحدانيّة الله تعالى، وأنّه واحد لا شريك له ولا ضدّ ولا ندّ، وأنه خالق النّور والظّلمة ومبدعهما، وأن الخير والشّرّ والصّلاح والفساد إنما حصل من امتزاجهما، وأن الله تعالى هو الذي مزجهما لحكمة [رآها] في التركيب، وأنهما لو لم يمتزجا لما كان وجود للعالم، وأنّه لا يزال الامتزاج حتّى يغلب النّور الظّلمة، ثم يخلص الخير في عالمه وينحطّ الشّر إلى عالمه، وحينئذ تكون القيامة. وقال باستقبال المشرق حيث مطلع الأنوار، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، واجتناب الخبائث. وأتى بكتاب قيل صنّفه، وقيل أنزل عليه. قال الشّهرستاني: اسمه «زندوستا» «1» وقال المسعوديّ في «التنبيه والإشراف» : واسم هذا الكتاب «الإيستا» وإذا عرّب أثبتت فيه قاف فقيل: «الإيستاق» وعدد سوره إحدى وعشرون سورة، تقع كلّ سورة في مائتي ورقة؛ وعدد حروفه ستّون حرفا، لكلّ حرف سورة مفردة، فيها حروف تتكرر وفيها حروف تسقط. قال: وزرادشت هو الذي أحدث هذا الخطّ والمجوس تسمّيه: دين تبره، أي كتاب الدين. وذكر أنه كتب باللغة الفارسيّة الأولى في اثني عشر ألف جلد ثور بقضبان الذّهب حفرا، وأن أحدا اليوم لا يعرف معنى تلك اللغة، وإنما نقل لهم إلى هذه الفارسية شيء من السّور في أيديهم يقرؤونها في صلواتهم: في بعضها الخبر عن مبتدإ العالم ومنتهاه، وفي بعضها مواعظ. قال: وعمل زرادشت لكتاب «الإيستا» شرحا سماه «الزند» ومعناه عندهم: ترجمة كلام الرّب، ثم عمل لكتاب «الزند» شرحا سماه: «بادزنده» وعملت علماؤهم لذلك الشّرح شرحا سموه: «يازده» . ومن حيث اختلاف الناس في كتاب زرادشت المقدّم ذكره هذا: نزّل عليه أو صنّفه قال الفقهاء: إن للمجوس شبهة كتاب: لأنه غير مقطوع بكونه كتابا منزّلا.

وأتى زرادشت كيستاسف الملك بمعجزات. منها: أنه أتى بدائرة صحيحة بغير آلة، وهو ممتنع عند أهل الهندسة. ومنها: أنه مرّ على أعمى، فأمرهم أن يأخذوا حشيشة سمّاها ويعصروها في عينيه، فأبصر. قال الشّهرستانيّ: وليس ذلك من المعجزة في شيء، إذ يحتمل أنه كان يعرف خاصّة الحشيشة. وهم يقولون: إن الله تعالى خلق في الأوّل خلقا روحانيّا، فلما مضت ثلاثة آلاف سنة أنفذ الله تعالى مشيئته في صورة من نور متلأليء على [تركيب] «1» صورة الإنسان، وخلق الشّمس والقمر والكواكب والأرض (وبنو آدم حينئذ غير متحرّكين) في ثلاثة آلاف سنة. ثم المجوس يفضّلون الفرس على العرب وسائر الأمم، ويفضّلون مالهم: من مدن وأبنية على غيرها من الأبنية؛ فيفضّلون إقليم بابل على غيره من الأقاليم، ومدينته على سائر المدن، من حيث إنّ أو شهنج أوّل طبقة الكيانية «2» من ملوك الفرس هو الذي بناها؛ ويقولون: إنه أوّل من جلس على السّرير، ولبس التّاج، ورفع الأعمال، ورتّب الخراج؛ وكان ملكه بعد الطّوفان بمائتي سنة، وقيل: بل كان قبل الطوفان. ويفضّلون الكتابة الفهلوية وهي الفارسية الأولى على غيرها من الخطوط، ويزعمون أن أوّل من وضعها طهمورث: وهو الذي ملك بعد أو شهنج المقدّم ذكره. ويجحدون سياسة بني ساسان، وهم الطّبقة الثالثة «3» من ملوك الفرس منسوبون إلى ساسان، ويسخطون [على] «4» الروم، لغزوهم الفرس وتسلّطهم

عليهم ببلاد بابل، ويعبدون النّار، ويرون أنّ الأفلاك فاعلة بنفسها، ويستبيحون فروج المحارم من البنات والأمّهات، ويرون جواز الجمع بين الأختين إلى غير ذلك من عقائدهم. ويعظّمون النّيروز: وهو أوّل يوم من سنتهم وعيدهم الأكبر. وأوّل من رتّبه جمشيد أخو طهمورث. ويعظّمون أيضا المهرجان: وهو عيد مشهور من أعيادهم. ويسخطون [على] بيوراسب؛ وهو رابع ملوكهم: وهو الضحاك، يقال له بالفارسية: الدهاش، ومعناه عشر آفات. وكان ظلوما غشوما، سار فيهم بالجور والعسف، وبسط يده بالقتل، وسنّ العشور والمكوس واتّخذ المغنّين والملاهي، وكان على كتفه سلعتان مستورتان بثيابه يحرّكهما إذا شاء، فكان يدّعي أنهما حيّتان، تهويلا على ضعفاء العقول، ويزعم أن ما يأخذه من الرّعية يطعمه لهما ليكفّهما عن الناس، وأنهما لا يشبعان إلا بأدمغة بني آدم؛ فكان يقتل في كلّ يوم عددا كثيرا من الخلق بهذه الحجة. ويقال: إن إبراهيم الخليل عليه السّلام كان في آخر أيامه. وكان من شأنه أنه لما كثر جوره وظلمه على الناس، ظهر بأصبهان رجل اسمه كابي، ويقال: كابيان من سفلة الناس، قيل حدّاد، كان الضّحّاك قد قتل له ابنين فأخذ كابي المذكور درفسا، وهو الحربة، وعلّق بأعلاها قطعة نطع كان يتّقي بها النّار، ونادى في الناس بمحاربة الضّحّاك، فأجابه خلق كثير، واستفحل أمره، وقصد الضّحاك بمن معه، فهرب الضّحاك منه، فسأله الناس أن يتملّك عليهم فامتنع لكونه من غير بيت الملك، وأشار بتولية إفريدون من عقب جمشيد المقدّم ذكره، فولّوه، فتبع الضّحاك فقبض عليه وقتله، وسار فيهم بسيرة العدل وردّ ما اغتصبه الضحّاك إلى أهله، فصار لكابي المذكور عندهم المقام الأعلى، وعظّموا درفسه الذي علق به تلك القطعة من النّطع، وكللوه بالجواهر، ورصّعوه باليواقيت، ولم يزل عند ملوكهم يستفتحون به في الحروب العظيمة حتّى كان

معهم أيام يزدجرد آخر ملوكهم عند محاربة المسلمين لهم في زمن عثمان، فغلبهم المسلمون واقتلعوه منهم. وهم يعظمون أفريدون ملكهم المقدّم ذكره، لقيامه في هلاك الضّحاك وقتله. وفي أوّل ملك أفريدون هذا كان إبراهيم الخليل عليه السّلام. ويقال: إنه ذو القرنين المذكور في القرآن الكريم. وهم يعظمون أيضا من ملوكهم سابور الملقّب بذي الأكتاف، لأخذه بثار العجم من العرب. وذلك أنه كان يتبع العرب بالجزيرة الفراتيّة وما جاورها، وسار في طلبهم حتّى بلغ البحرين، ليهلكهم قتلا، لا يقبل من أحد منهم فداء؛ ثم أخذ في خلع أكتافهم، فلذلك سمّي ذا الأكتاف. ويعظمون ماني بن فاتن «1» : وهو رجل ظهر في زمن سابور بن أردشير بعد عيسى عليه السّلام، وادّعى النبوّة وأحدث دينا بين المجوسية والنّصرانية. وكان يقول: بنبوة المسيح عليه السّلام، ولا يقول بنبوّة موسى عليه السلام، وقال: إنّ العالم مصنوع من النّور والظّلمة، وأنهما لم يزالا قديمين حسّاسين سميعين بصيرين. وله أتباع يعرفون بالمانويّة. ويتبرؤون من مزدك: وهو رجل مشهور منسوب عندهم إلى الزندقة أيضا، ظهر في زمن قباذ أحد ملوك الفرس من الأكاسرة، وادّعى النبوّة ونهى عن المخالفة والمباغضة، وزعم أنّ ذلك إنما يحصل بسبب النساء والمال، فأمر بالاشتراك والمساواة فيهما، وتبعه قباذ على ذلك، فتوصّلت سفلة الرجال إلى أشراف النّساء، وحصل بذلك مفسدة عظيمة. وكان يقول: إن النّور عالم حساس، والظلام جاهل أعمى، والنّور يفعل بالقصد والاختيار، والظّلمة تفعل على الخبط والاتفاق، وإنّ امتزاج النّور والظّلمة كان بالاتفاق والخبط دون القصد والاختيار، وكذلك الخلاص. وله أتباع يقال لهم المزدكيّة، ولم يزل على ذلك حتّى قتله

المهيع الثالث (في الأيمان التي يحلف بها الحكماء)

شروان بن قباذ هو وأتباعه، وقتل معهم المانويّة أتباع ماني المقدّم ذكره، وعادت الفرس إلى المجوسيّة القديمة. وقد رتّب في «التعريف» للمجوس يمينا على مقتضى ما عليه عقيدة المجوس أتباع زرادشت المقدّم ذكره؛ وهي: «إنّني والله الرّبّ العظيم، القديم، النّور، الأوّل، ربّ الأرباب، وإله الآلهة، ماحي آية الظّلم، والموجد من العدم، مقدّر الأفلاك ومسيّرها، ومنوّر الشّهب ومصوّرها، خالق الشّمس والقمر، ومنبت النجوم والشّجر، والنّار والنّور، والظّلّ والحرور، وحقّ جيومرت وما أولد من كرائم النّسل، وزرادشت وما جاء به من القول الفصل، والزّند وما تضمنه، والخطّ المستدير وما بيّن، وإلّا أنكرت أنّ زرادشت لم يأت بالدائرة الصحيحة بغير آلة، وأن مملكة إفريدون كانت ضلالة، وأكون قد شاركت بيوراسب فيما سفك طعما لحيّتيه، وقلت إن كابيان لم يسلّط عليه، وحرقت بيدي الدّرفس، وأنكرت ما عليه من الوضع الذي أشرقت عليه أجرام الكواكب، وتمازجت فيه القوى الأرضية بالقوى السّماوية، وكذّبت ماني وصدّقت مزدك، واستبحت فضول الفروج والأموال، وقلت بإنكار الترتيب في طبقات العالم، وأنه لا مرجع في الأبوّة إلّا إلى آدم، وفضّلت العرب على العجم، وجعلت الفرس كسائر الأمم، ومسحت بيدي خطوط الفهلويّة، وجحدت السّياسة السّاسانيّة، وكنت ممّن غزا الفرس مع الرّوم، وممن خطّأ سابور في خلع أكتاف العرب، وجلبت البلاء إلى بابل، ودنت بغير دين الأوائل، وإلّا أطفأت النار، وأنكرت فعل الفلك الدّوّار، ومالأت فاعل الليل على فاعل النّهار، وأبطلت حكم النّيروز والمهرجان، وأطفأت ليلة الصّدق مصابيح النّيران، وإلّا أكون ممّن حرّم فروج الأمهات، وقال بأنّه لا يجوز الجمع بين الأخوات، وأكون ممّن أنكر صواب فعل أردشير، وكنت لقومي بئس المولى وبئس العشير. المهيع الثالث (في الأيمان التي يحلّف بها الحكماء) وهم المعبّر عنهم بالفلاسفة، جمع فيلسوف: ومعناه باليونانيّة محبّ

الصنف الأول - البراهمة

الحكمة. وأصله «فيلاسوف» ؛ ففيلا معناه محبّ، وسوف معناه الحكمة؛ وهم أصحاب الحكم الغريزيّة والأحكام السماوية، فمنهم من وقف عند هذا الحدّ، ومنهم من عرف الله تعالى وعبده بأدب النّفس. قال الشّهرستانيّ: وهم على ثلاثة أصناف: الصنف الأوّل- البراهمة ، وهم لا يقرّون بالنّبوّات أصلا، ولا يقولون بها. الصّنف الثاني- حكماء العرب » ؛ وهم شرذمة قليلة، وأكثر حكمتهم فلتات الطّبع، وخطرات الفكر، وهؤلاء ربما قالوا بالنبوّات. الصّنف الثالث- حكماء الروم «2» ؛ وهم على ضربين: الضرب الأوّل (القدماء منهم الذين هم أساطين الحكمة) وهم سبعة حكماء: ثاليس «3» الملطي، وانكساغورس، وانكسمانس، وانباديقلس «4» ، وفيثاغورس، وسقراط، وأفلاطون، ومذاهبهم مختلفة، وبعضهم عاصر بعض الأنبياء عليهم السلام، وتلقّف منه، كانباديقلس: كان في زمن داود عليه السّلام، ومضى إليه وتلقّى عنه، واختلف إلى لقمان واقتبس منه الحكمة، وكذلك فيثاغورس: كان في زمن سليمان عليه السّلام، وأخذ الحكمة من معدن النبوّة. الضرب الثاني (المتأخرون منهم؛ وهم أصحاب أرسطاطاليس؛ وهم ثلاث طوائف) طائفة منهم تعرف بالمشّائين: وهم الذين كانوا يمشون في ركابه يقرأون

عليه الحكمة في الطريق وهو راكب. وطائفة تعرف بالرّواقيين: وهم الذين كان يجلس لتعليمهم بالرّواق. والطائفة الثالثة فلاسفة الإسلام: وهم حكماء العجم «1» أما قبل الإسلام فإنه لم ينقل عن العجم مقالة في الفلسفة، بل حكمهم كلّها كانت مستفادة من النّبوّات: إما من الملّة القديمة، وإما من غيرها من الملل. ومعتقدهم أن الله تعالى واجب الوجود لذاته، وأنه ليس بجوهر ولا عرض، وأن ما سواه صادر عنه على ترتيب، وأنه تعالى واحد فرد، ليس له شريك ولا نظير، باق أبديّ سرمديّ، وأنه الذي أوجد الأشياء وكوّنها، ويعبّرون عنه بعلّة العلل، وأنه قادر، يفعل إن شاء ولا يفعل إن لم يشأ، فاعل بالذات ليس له صفة زائدة على ذاته، مريد، له إرادة وعناية لا تزيد على ذاته، وأنه أوّل لا بداية له، آخر لا نهاية له، وأنه يستحيل أن يتغيّر، منزّه عن أن يكون حادثا أو عرضا للحوادث، حيّ متّصف بصفات البقاء السّر مديّة، وأنه حكيم بمعنى أنه جامع لكلّ كمال وجلال، وأنه خالق الأفلاك بقدرته، ومدبّرها بحكمته، ويقولون: إن الأرض ثابتة لا تتحرّك، والماء محيط بها من سائر جهاتها على ما اقتضته الحكمة الإلهية، وكشف بعض أعلاها لسكنى الخلق فيه، فهي كبطّيخة ملقاة في بركة ماء، ويحيط بالماء الهواء، ويحيط بالهواء النّار، ويحيط بالنار فلك القمر وهو الأوّل، ويحيط بفلك القمر فلك عطارد وهو الثاني، ويحيط بفلك عطارد فلك الزّهرة وهو الثالث، ويحيط بفلك الزّهرة فلك الشّمس وهو الرابع، ويحيط بفلك الشّمس فلك المرّيخ وهو الخامس، ويحيط بفلك المرّيخ فلك المشتري وهو السادس، ويحيط بفلك المشتري فلك زحل وهو السابع، ويحيط بفلك زحل فلك الكواكب وهو الثامن، وهو الذي فيه الكواكب الثابتة بأسرها، وهي ما عدا الكواكب السّبعة التي في الأفلاك السّبعة المقدّم ذكرها: من البروج الاثني عشر ومنازل القمر الثمانية والعشرين وغيرها. ويحيط بالكواكب الفلك الأطلس وهو الفلك التاسع؛ والأفلاك التسعة دائرة بما فيها من المشرق إلى المغرب، بحيث تقطع في اليوم والليلة دورة

كاملة، والكواكب السبعة التي في الأفلاك السبعة الأوّلة، وهي: زحل، والمشتري، والمرّيخ، والشّمس، والزّهرة، وعطارد، والقمر، متحركة بالسّير إلى جهات مخصوصة: الشّمس والقمر يسيران بين المشرق والمغرب وبقيّة الكواكب يختلف سيرها استقامة ورجوعا؛ والكواكب التي في الفلك الثامن ثابتة لا تتحرّك؛ والله تعالى هو الذي يسيّر هذه الأفلاك والكواكب ويفيض القوى عليها. ويقولون: إن الشمس إذا سخّنت الأرض بواسطة الضّوء صعد من الرّطب منها بخار، ومن البارد اليابس دخان. ثم بعضه يخرج من مسامّ الأرض فيرتفع إلى الجوّ، وبعضه يحتبس في الأرض بوجود ما يمنعه من الخروج منها: من جبل ونحوه. فأما ما يخرج من مسامّ الأرض، فإن كان من البخار، فما تصاعد منه في الهواء يكون منه المطر والثّلج والبرد وقوس قزح والهالة؛ ثم ما ارتفع من الطبقة الحارّة من الهواء إلى الباردة تكاثف بالبرد وانعقد غيما، وإن كان ضعيفا أثّرت فيه حرارة الشمس فاستحال هواء، ومهما انتهى إلى الطّبقة الباردة تكاثف وعاد وتقاطر وهو المطر. فإن أدركها برد شديد قبل أن تجتمع، جمدت ونزلت كالقطن المندوف وهو الثّلج، وإن لم تدركها برودة حتى اجتمعت قطرات من الجوانب أذهبت برودتها، انعقدت بردا؛ وإذا صار الهواء رطبا بالمطر مع أدنى صقالة، صار كالمرآة فيتولد من ضوء الشمس الواقع في قفاه قوس قزح، فإن كان قبل الزّوال رؤي في المغرب، وإن كان بعد الزوال رؤي في المشرق، وإن كانت الشمس في وسط السماء لم يمكن أن يرى إلا قوسا صغيرا إن اتّفق. وفي معنى ذلك الهالة المحيطة بالقمر؛ إلا أنّ الهالة إنما تحصل من مجرّد برودة الهواء وإن لم يكن مطر. وإن كان ما يخرج من مسامّ الأرض دخانا: فإن تصاعد وارتفع في وسط البخار وضربه الرّيح في ارتفاعه، ثقل وانتكس فحرّكه الهواء فحصل الرّيح. وإن لم يضربه الرّيح، تصاعد إلى عنصر النار واشتعلت النار فيه فصار منه نار تشاهد،

وربما استطال بحسب طول الدّخان فيسمّى كوكبا منقضّا. وإن كان الدّخان كثيفا واشتعل بالنار ولكنه لم يستحل على القرب، بل بقي زمانا، رؤي كأنّه كوكب ذو ذنب. وإن بقي شيء من الدخان في تضاعيف الغيم وبرد، صار ريحا في وسط الغيم فيتحرّك فيه بشدّة فيحصل منه صوت وهو الرّعد، فإن قويت حركته اشتعل من حرارة الحركة الهواء والدّخان فصار نارا مضيئة وهو البرق. وإن كان المشتعل كثيفا ثقيلا محرقا، اندفع بمصادفة الغيم إلى جهة الأرض وهي الصاعقة: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ «1» ويقرّون أن الله تعالى مكوّن الأكوان، ومنمّي المعادن والنّبات والحيوان. فأما المعادن- فهي التي تتكوّن فيها جواهر الأرض: من الذّهب والفضّة وغيرهما. وذلك أن البخار والدّخان في الأرض فإنها [إن] «2» تجتمع وتمتزج، فإن غلب الدخان كان الحاصل منه مثل النّوشادر «3» والكبريت. وربّما تغلّب البخار في بعضه فيصير كالماء الصّافي المنعقد المتحجّر، فيكون منه الياقوت والبلّور ونحوه ممّا لا يتطرّق تحت المطارق. وإن استحكم امتزاج الدخان منه بالبخار وقلّت الحرارة المحققة في جواهرها، انعقد منه الذّهب والفضّة والنّحاس والرّصاص ونحوها مما يتطرّق بالمطرقة. وأما النبات- فإنهم يقولون: إن العناصر قد يقع بها امتزاج واختلاط أتمّ من امتزاج البخار والدّخان المقدّم ذكره، وأحسن وأقرب إلى الاعتدال، فيحصل من ذلك النّموّ الذي لا يكون في الجمادات. وينشأ عن ذلك ثلاثة أمور: أحدها- التّغذية بقوّة مغذّية: وهي قوّة محيلة للغذاء تنخلع عنها صورتها

وتكسوها صورة المتغذّي، فتنتشر في أجزائه وتلتصق به وتسدّ مسدّ ما تحلّل من أجزائه. وثانيها- التّنمية بقوّة منمّية، بأن يزيد الجسم بالغذاء في أقطاره على التناسب اللائق بالنامي حتّى ينتهي إلى منتهى ذلك الشيء. وثالثها- التّوليد بقوّة مولّدة: وهي التي تفصل جسما من جسم شبيه به. وأما الحيوان- فإنهم يقولون إن تكوّنه من مزاج أقرب إلى الاعتدال وأحسن من الذي قبله، من حيث إن فيه قوّة النباتية وزيادة قوّتين، وهما المدركة والمتحرّكة؛ ومهما حصل من الإدراك انبعثت الشّهوة والنّزوع، وهو إما لطلب ما يحتاج إليه في طلب الملائم الذي به بقاء الشّخص «1» : كالغذاء، أو بقاء النّوع: كالجماع، ويسمّى قوّة شهوانية، وإما للهرب ودفع المنافي، وهي قوّة غضبيّة؛ فإن ضعفت القوّة الشّهوانية فهو الكراهة، وإن ضعفت القوّة الغضبيّة فهو الخوف. والقوّة المدركة تنقسم إلى باطنة: كالخيالية والمتوهّمة والذّاكرة والمفكّرة، وإلى ظاهرة: كالسّمع والبصر والذّوق والشّمّ واللّمس، فاللّمس قوّة منبثّة في جميع البشرة، تدرك الحرارة والبرودة والرّطوبة واليبوسة والصّلابة واللّين والخشونة والملاسة والخفّة والثّقل. والشّمّ في زائدتي الدّماغ الشبيهتين بحلمتي الثّدي. والسّمع في عصبة في أقصى الصّماخ، والذّوق في عصبة مفروشة على ظاهر اللّسان بواسطة الرّطوبة العذبة التي لا طعم لها، المنبسطة على ظاهر اللّسان. والابصار يحصل عن انطباع مثل صورة المدرك في الرّطوبة الجليديّة التي تشبه البرد والجمد فإنّها كالمرآة، فإذا قابلها يكون انطبع فيها مثل صورته فتحصل الرّؤية. ويرون أنّ النّفس محلّها العلو. ويقولون: إن النفس في أوّل الصبا تكون

عالمة بالمعقولات المجرّدة والمعاني الكلّية بالقوّة، ثم تصير بعد ذلك عالمة بالفعل. ثم إن سعدت بالاستعداد للقبول، انقطعت حاجتها عن النّظر إلى البدن ومقتضى الحواسّ؛ إلا أن البدن لا يزال يجاذبها ويشغلها ويمنعها من تمام الاتصال بالعلويّات؛ فإذا انحطّ عنها شغل البدن بالموت ارتفع عنها الحجاب، وزال المانع، ودام الاتصال، وكمل حالها بعد فراق البدن، والتذّت به لذّة لا يدرك الوصف كنهها. وإن كانت النفس محجوبة عن هذه السعادة فقد شقيت. وعندهم أنه إنّما تحجب باتّباع الشهوات، وقصر الهمة على مقتضى الطّبع، وبإقامته في هذا العالم الخسيس الفاني، فترسخ في نفسه تلك العادة ويتأكّد شوقه إليها، فتفوت بالموت آلة درك ذلك الشّوق ويبقى التشوّق وهو الألم العظيم الذي لا حدّ له، وذلك مانع من الوصال والاتصال. وهذه النفس ناقصة بفقد العلم، ملطّخة باتباع الشّهوات، بخلاف النّفس السابقة. ويقولون: إن الهيولى قابلة لتركيب الأجسام، ويخالفون أهل الطبيعة في قولهم: بإنكار المعاد وفناء الأرواح، فيذهبون إلى أنّ الأرواح باقية وأن المعاد حقّ. ويرون أن التّحسين والتقبيح راجعان إلى العقل دون الشّرع، كما هو مذهب المعتزلة وغيرهم. ويقولون: إن الإله تعالى فاعل بالذات ليس له صفة زائدة على ذاته، عالم بذاته وبسائر أنواع الموجودات وأجناسها، لا يعزب عن علمه شيء، وإنه يعلم الممكنات الحادثة. ويقولون بإثبات النبوّات لأن العالم لا ينتظم إلا بقانون متبوع بين كافّة [الناس] «1» يحكمون به بالعدل، وإلّا تقاتلوا وهلك العالم، إذ النبيّ هو خليفة الله في أرضه، بواسطته تنتهي إلى الخلق الهداية إلى مصالح الدّنيا والآخرة، من

حيث إنه يتلقّى عن الملك والملك يتلقّى عن الله تعالى؛ إلا أنهم يقولون: إن النبوّات غير متناهية وإنها مكتسبة ينالها العبد بالرياضات. وهاتان المقالتان من جملة ما كفروا به: بتجويز النّبوّة بعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الذي أخبر تعالى أنه خاتم النبيين، وقولهم إنها تنال بالكسب. وقد حكى الصّلاح الصّفديّ في «شرح لامية العجم» أن السلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب إنما قتل عمارة اليمنيّ الشاعر، حين قام فيمن قام بإحياء الدولة الفاطميّة بعد انقراضها، على ما تقدّم ذكره في الكلام على ترتيب مملكة الديار المصرية في المقالة الثانية، مستندا في ذلك إلى بيت نسب إليه من قصيدة، وهو قوله: وكان مبدأ هذا الدّين من رجل ... سعى فأصبح يدعى سيّد الأمم «1» فجعل النبوّة مكتسبة، [وهم مجمعون] «2» على أن الله تعالى ليس بجسم ولا جسمانيّ، وأنه ليس في جهة ولا يدخل تحت الحدّ والماهيّة. وهذه نسخة يمين رتبها لهم في «التعريف» ؛ وهي: إنني والله والله والله [العظيم] «3» ، الذي لا إله إلا هو، الواحد الأحد، الفرد الصّمد، الأبديّ، السّرمديّ، الأزليّ، الذي لم يزل علّة العلل، ربّ الأرباب، ومدبّر الكلّ [القدير] «4» القديم؛ الأوّل بلا بداية، والآخر بلا نهاية، المنزّه عن أن يكون حادثا أو عرضا للحوادث، الحيّ الذي اتّصف بصفات البقاء والسرمدية والكمال، والمتردّي برداء الكبرياء، والجلال، مدبّر الأفلاك ومسيّر

المهيع الرابع (في بيان المحلوف عليه، وما يقع على العموم، وما يختص به كل واحد من أرباب الوظائف مما يناسب وظيفته)

الشّهب، مفيض القوى على الكواكب، وباثّ الأرواح في الصّور، مكوّن الكائنات، ومنمّي الحيوان والمعدن والنبات، وإلّا فلا رقيت روحي إلى مكانها، ولا اتّصلت نفسي بعالمها، وبقيت في ظلم الجهالة وحجب الضّلالة؛ وفارقت نفسي غير مرتسمة بالمعارف ولا مكمّلة بالعلم، وبقيت في عوز النّقص وتحت إمرة الغيّ، وأخذت بنصيب من الشّرك، وأنكرت المعاد، وقلت بفناء الأرواح، ورضيت في هذا بمقالة أهل الطبيعة، ودمت في قيد المركّبات وشواغل الحس، ولم أدرك الحقائق على ما هي عليه، وإلا فقلت: إن الهيولى غير قابلة لتركيب الأجسام، وأنكرت المادّة والصّورة، وخرقت النواميس، وقلت: إن التّحسين والتّقبيح إلى غير العقل، وخلّدت مع النفوس الشّرّيرة، ولم أجد سبيلا إلى النّجاة، وقلت: إن الإله ليس فاعلا بالذات، ولا عالما بالكلّيات، ودنت بأن النبوّات متناهية وأنها غير كسبيّة، وحدت عن طرائق الحكماء، ونقضت تقرير القدماء، وخالفت الفلاسفة، ووافقت على إفساد الصّور للعبث، وحيّزت الرّبّ في جهة، وأثبتّ أنه جسم، وجعلته فيما يدخل تحت الحدّ والماهية [ورضيت بالتّقليد في الألوهية] «1» المهيع الرابع (في بيان المحلوف عليه، وما يقع على العموم، وما يختصّ به كلّ واحد من أرباب الوظائف مما يناسب وظيفته) اعلم أن المحلوف عليه في الأيمان الملوكيّة تارة يشترك فيه جميع من يحلّف من أهل الدولة، وتارة يختلف باختلاف ما يمتاز به بعضهم عن بعض مما لا تقع الشّركة بينهم فيه. فأما ما يقع فيه الاشتراك، كطاعة السلطان وما في معناها: من إخلاص النّيّة وإصفاء الطّويّة، وما يجري مجرى ذلك، فذلك مما يشترك فيه كلّ حالف يحلف

للسلطان على اختلاف عقائدهم: من مسلم: سنّيّ أو بدعيّ، وكافر: يهوديّ أو نصرانيّ، أو غيرهما. فكلّ أحد يحلّف بما تقتضيه عقيدته في التعظيم، على ما تقدّم بيانه في أيمان الطوائف كلّها. فإذا انتهى إلى المحلوف عليه، قال: إنّني من وقتي هذا ومن ساعتي هذه وما مدّ الله في عمري قد أخلصت نيّتي ولا أزال مجتهدا في إخلاصها، وأصفيت طويّتي ولا أزال مجتهدا في إصفائها، في طاعة مولانا السلطان المالك الملك الفلانيّ فلان الدنيا والدّين فلان، ابن السلطان السّعيد الشّهيد الملك فلان الدّنيا والذّين فلان خلد الله تعالى ملكه، وفي خدمته ومحبّته ونصحه، وأكون وليّا لمن والاه، عدوّا لمن عاداه، سلما لمن سالمه، حربا لمن حاربه من سائر الناس أجمعين، لا أضمر له سوءا ولا مكروها ولا خديعة ولا خيانة، في نفس ولا مال ولا ملك ولا سلطنة ولا عساكر ولا جند ولا عربان ولا تركمان ولا أكراد ولا غير ذلك، ولا أسعى في تفريق كلمة أحد منهم عن طاعته الشريفة. وإنّني والله العظيم أبذل جهدي وطاقتي في طاعة مولانا السلطان الملك فلان الدّنيا والدّين المشار إليه، وإن كاتبني أحد من سائر الناس أجمعين بما فيه مضرّة على ملكه لا أوافق على ذلك بقول ولا فعل ولا عمل ولا نيّة، وإن قدرت على إمساك الذي جاءني بالكتاب أمسكته وأحضرته لمولانا السلطان الملك فلان المشار إليه أو النائبه القريب منّي. وأما ما يقع فيه الاختلاف، فما يتباين الحال فيه باختصاص ربّ كلّ وظيفة بما لا يشاركه فيه الآخر. وقد أشار في «التّعريف» إلى نبذة من ذلك فقال: وقد يزاد نوّاب القلاع ونقباؤها والوزراء وأرباب التّصرّف في الأموال والدوادارية وكتّاب السّرّ زيادات، يعني على ما تقدّم. فأما نوّاب القلاع ونقباؤها فيزاد في تحليفهم: وإنّني أجمع رجال هذه القلعة على طاعة مولانا السلطان فلان وخدمته في حفظ هذه القلعة وحمايتها وتحصينها، والذّبّ عنها، والجهاد دونها، والمدافعة عنها بكلّ طريق، وإنّني أحفظ حواصلها

وذخائرها وسلاح خاناتها على اختلاف ما فيها من الأقوات والأسلحة، وإنّني لا أخرج شيئا منها إلا في أوقات الحاجة والضّرورة الدّاعية المتعيّن فيها تفريق الأقوات والسلاح، على قدر ما تدعو الحاجة إليه، وإنّني أكون في ذلك كواحد من رجال هذه القلعة، وكلّ واحد ممن يتبعني كواحد ممن يتبع أتباع رجال هذه القلعة، لا أتخصّص ولا أمكّن من التخصيص، وإنّني والله والله والله لا أفتح أبواب هذه القلعة إلا في الأوقات الجاري بها عادة فتح أبواب الحصون، وأغلقها في الوقت الجاري به العادة، ولا أفتحها إلا بشمس، ولا أغلقها إلا بشمس، وإنّني أطالب الحرّاس والدرّاجة وأرباب النّوب في هذه القلعة بما جرت به العوائد اللازمة لكلّ منهم مما في ذلك جميعه مصلحة مولانا السلطان فلان، وإنّني لا أسلّم هذه القلعة إلا لمولانا السلطان فلان، أو بمرسومه الشّريف وأمارته الصحيحة وأوامره الصريحة، وإنّني لا أستخدم في هذه القلعة إلا من فيه نفعها وأهليّة الخدمة، لا أعمل في ذلك بغرض نفسي، [ولا أرخّص فيه لمن يعمل بغرض نفس له] «1» ، وإنّني أبذل في ذلك كلّه الجهد، وأشمّر عن ساعد الجدّ، قال: ويسمّي القلعة التي هو فيها. وأما الوزراء وأرباب التّصرّف [في الأموال] «2» فمما يزاد في تحليفهم: وإنّني أحفظ أموال مولانا السلطان فلان- خلّد الله ملكه- من التّبذير والضّياع، والخونة وتفريط أهل العجز، ولا أستخدم في ذلك ولا في شيء منه إلا أهل الكفاية والأمانة، ولا أضمّن جهة من الجهات الديوانية إلا من الأمناء الأتقياء القادرين، أو ممن زاد زيادة ظاهرة وأقام عليه الضّمّان الثّقات، ولا أوخّر مطالبة أحد بما يتعين عليه بوجه حقّ من حقوق الديوان المعمور والموجبات السلطانية على اختلافها. وإنّني والله العظيم لا أرخّص في تسجيل ولا قياس، ولا أسامح أحدا بموجب يجب عليه، ولا أخرج عن كلّ مصلحة تتعيّن لمولانا السلطان فلان ولدولته، ولا أخلي كلّ ديوان يرجع إليّ أمره، ويعدق بي أمر مباشرته من تصفّح

لأحواله، واجتهاد في تثمير أمواله، وكفّ أيدي الخونة عنه، وغلّ أيديهم أن تصل إلى شيء منه، ولا أدع حاضرا ولا غائبا من أمور هذه المباشرة حتّى أجدّ فيه، وأبذل الجهد الكلّيّ في إجراء أموره على السّداد وحسن الاعتماد، وإنّني لا أستجدّ على المستقرّ إطلاقه ما لم يرسم لي به إلا ما كان فيه مصلحة ظاهرة لهذه الدّولة القاهرة، ونفع بيّن لهذه الأيام الشريفة، وإنّني والله أؤدّي الأمانة في كلّ ما عدق بي وولّيت: من القبض والصّرف، والولاية والعزل، والتأخير والتقديم، والتقليل والتكثير، وفي كلّ جليل وحقير، وقليل وكثير. وأما الدّواداريّة وكتّاب السّرّ فيزاد فيهما: وإنّني مهما اطلعت عليه من مصالح مولانا السلطان فلان- خلّد الله ملكه- ونصائحه، وأمر داني ملكه ونازحه، أوصّله إليه، وأعرضه عليه، ولا أخفيه شيئا منه ولو كان عليّ، ولا أكتمه ولو خفت وصول ضرره إليّ. ويفرد الدّوادار: بأنّي لا أؤدّي عن مولانا السلطان رسالة في إطلاق مال، ولا استخدام مستخدم، ولا إقطاع إقطاع، ولا ترتيب مرتّب، ولا تجديد مستجدّ، ولا شادّ شاغر «1» ، ولا فصل منازعة، ولا كتابة توقيع ولا مرسوم، ولا كتاب، صغيرا كان أو كبيرا، إلّا بعد عرضه على مولانا السلطان فلان ومشاورته، ومعاودة أمره الشريف ومراجعته. ويفرد كاتب السر: بأنّه مهما تأخرت قراءته من الكتب الواردة على مولانا السلطان فلان من البعيد والقريب، يعاوده فيه في وقت آخر، فإن لم يعاوده فيه بمجموع لفظه، لطوله الطّول المملّ، عاوده فيه بمعناه في الملخّصات، وأنه لا يجاوبه بشيء لم ينصّ المرسوم الشريف فيه بنصّ خاصّ، وما لم تجر العادة بالنصّ فيه لا يجاوب فيه إلا بأكمل ما يرى أن فيه مصلحة مولانا السلطان فلان ومصلحة دولته بأسدّ جواب يقدر عليه، ويصل اجتهاده إليه، وأنه مهما أمكنه

المراجعة فيه لمولانا السلطان فلان راجعه فيه وعمل بنص ما يرسم له به فيه. (هذا ما انتهى إليه كلامه) «1» قال في «التثقيف» «2» : ويزاد النّوّاب مثل قوله: ولا أسعى في تفريق كلمة أحد منهم عن طاعته الشريفة، وعليّ أن أبذل جهدي وطاقتي في ذلك كلّه وفي حفظ المملكة التي استنابني فيها، وصيانتها وحمايتها، وما بها من القلاع والثّغور والسواحل. ثم يأتي بعده: وإن كاتبني أحد الخ. قلت: والمراد أنه يؤتى باليمين العامة التي يحلف عليها كلّ أحد، ثم يزاد لكلّ واحد من أرباب الوظائف ما يناسبه مما تقدّم، ثم يؤتى على بقيّة اليمين من عند قوله: وإنّني أفي لمولانا السلطان بهذه اليمين، إلى آخرها أو ما في معنى ذلك من أيمان أهل البدع وأصحاب الملل على ما تقدّم ذكره. ثم قال في «التثقيف» : وقد تتجدّد وقائع وأمور تحتاج إلى التّحليف، بسببها تتغيّر صيغة المحلوف عليه بالنسبة إلى ما رسم به فيها. ثم أشار إلى أنه لم ير مدّة مباشرته بديوان الإنشاء أحدا ممن ذكره في «التعريف» من أرباب الوظائف حلّف، وإنما ذكرها لاحتمال أن تدعو الحاجة إليها في وقت من الأوقات، أو أنها كانت مستعملة في المتقدّم، فيكون في تركها إهمال لبعض المصطلح. قلت: وقد أهملا في «التعريف» و «التثقيف» : ذكر يمينين مما رتبه الكتّاب وحلّفوا به في الزمن المتقدّم مما لا غنى بالكاتب عنه. الأولى- اليمين على الهدنة التي تنعقد بين ملكين أو نائبهما، أو ملك ونائب ملك آخر، على ما سيأتي ذكره في المقالة التاسعة، إن شاء الله تعالى. وتقع اليمين فيها على ما فيه تأكيد عقد الهدنة والتزام شروطها والبقاء عليها

وعدم الخروج عنها أو عن شيء من ملتزماتها، وغير ذلك مما يدخل به التّطرق إلى النّقض والتّوصّل إلى الفسخ. وهذه نسخة يمين حلّف عليها السلطان الملك المنصور «قلاوون» على الهدنة الواقعة بينه وبين الحكّام بمملكة عكّا وصيدا وعثليث وبلادها، من الفرنج الاستبارية «1» ، في شهر ربيع الأوّل سنة اثنتين وثمانين وستمائة، في مباشرة القاضي فتح الدّين بن عبد الظاهر كتابة السّر، على ما أورده ابن مكرّم في تذكرته؛ وهي «2» : أقول وأنا فلان: والله والله والله، وبالله وبالله وبالله، وتالله وتالله وتالله، والله العظيم، الطّالب، الغالب، الضّارّ، النافع، المدرك المهلك؛ عالم ما بدا وما خفي، عالم السّر والعلانية، الرّحمن الرحيم، وحقّ القرآن ومن أنزله ومن أنزل عليه، وهو محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلم؛ وما يقال فيه من سورة سورة، وآية آية، وحقّ شهر رمضان، إنّني أفي بحفظ هذه الهدنة المباركة التي استقرّت بيني وبين مملكة عكّا والمقدّمين بها على عكّا وعثليث وصيدا وبلادها، التي تضمّنتها هذه الهدنة، التي مدّتها عشر سنين كوامل، وعشرة أشهر، وعشرة أيام، وعشر ساعات، أوّلها يوم الخميس خامس ربيع الأوّل سنة اثنتين وثمانين وستمائة «3» للهجرة من أوّلها إلى آخرها، وأحفظها وألتزم بجميع شروطها المشروحة فيها، وأجري الأمور على أحكامها إلى انقضاء مدّتها، ولا أتأوّل فيها ولا في شيء منها، ولا استفتي فيها طلبا لنقضها ما دام الحاكمون بمدينة عكّا وصيدا وعثليث- وهم كافل المملكة بعكّا،

ومقدّم بيت الرّوم «1» ، ومقدّم بيت الاستبار «2» ، ونائب مقدّم بيت الاستبار إلى الآن «3» ، ومن تولى «4» بعدهم في كفالة مملكة، أو مقدّم بيت بهذه المملكة المذكورة- وافين باليمين التي يحلّفون عليها (في «5» ولدي الملك الصالح، ولأولاده، على استقرار هذه الهدنة المحرّرة الآن) عاملين بها وبشروطها المشروحة فيها إلى انقضاء مدّتها، ملتزمين أحكامها، وإن نكثت في هذه اليمين فيلزمني الحجّ إلى بيت الله الحرام بمكّة حافيا حاسرا ثلاثين حجّة، ويلزمني صوم الدّهر كلّه إلا الأيام المنهيّ عنها. ويذكر بقية [شروط] «6» اليمين إلى آخرها، ثم يقول: والله على ما نقول وكيل. وهذه نسخة يمين حلّف عليها الفرنج المعاقدون على هذه الهدنة أيضا، في التاريخ المقدّم ذكره على ما أورده ابن مكرّم أيضا؛ وهي: والله والله والله، وبالله وبالله وبالله، وتالله وتالله وتالله، وحقّ المسيح وحقّ المسيح، وحقّ الصّليب وحقّ الصّليب، وحقّ الأقانيم الثلاثة من جوهر واحد المكنّى بها عن الأب والابن وروح القدس إله واحد، وحقّ الصليب «7» المكرّم الحالّ في النّاسوت، وحقّ الإنجيل المطهّر وما فيه، وحقّ الأناجيل الأربعة التي نقلها متّى ومرقس ولوقا ويوحنّا، وحقّ صلواتهم وتقديساتهم، وحقّ التلامذة الاثني

عشر، والاثنين وسبعين، والثلاثمائة وثمانية عشر المجتمعين للبيعة «1» ، وحقّ الصّوت الذي نزل من السماء على نهر الأردنّ فزجره، وحقّ الله منزل الإنجيل على عيسى بن مريم روح الله وكلمته، وحقّ السيدة مارية أمّ النّور (ومارية مريم) » ويوحنّا المعمودي ومرتمان ومرتماني، وحقّ الصّوم الكبير، وحقّ ديني ومعبودي وما أعتقده من النّصرانية، وما تلقّيته عن الآباء والأقسّاء المعمودية- إنّني من وقتي هذا وساعتي هذه، قد أخلصت نيّتي، وأصفيت طويّتي في الوفاء للسلطان الملك المنصور ولولده الملك الصالح ولأولادهما، بجميع ما تضمّنته هذه الهدنة المباركة التي انعقد الصّلح عليها، على مملكة عكّا وصيدا وعثليث وبلادها الداخلة في هذه الهدنة، المسماة فيها، التي مدّتها عشر سنين كوامل، وعشرة أشهر، وعشرة أيّام، وعشر ساعات، أولها يوم الخميس ثالث حزيران سنة ألف وخمسمائة وأربع وتسعين للإسكندر بن فيلبس اليوناني، وأعمل بجميع شروطها شرطا شرطا، وألتزم الوفاء بكلّ فصل في هذه الهدنة المذكورة إلى انقضاء مدّتها. وإنّني والله والله وحقّ المسيح، وحقّ الصّليب، وحقّ ديني لا أتعرّض إلى بلاد السّلطان وولده، ولا إلى من حوته وتحويه من سائر الناس أجمعين، ولا إلى من يتردّد منهم إلى البلاد الداخلة في هذه الهدنة بأذيّة ولا ضرر في نفس ولا في مال. وإنّني والله وحقّ ديني ومعبودي أسلك في المعاهدة والمهادنة والمصافاة والمصادقة وحفظ الرّعية الإسلامية، المترددين في البلاد السلطانية، والصادرين منها وإليها- طريق المعاهدين المتصادقين الملتزمين كفّ الأذيّة والعدوان عن النّفوس والأموال، وألزم الوفاء بجميع شروط هذه الهدنة إلى انقضائها، ما دام الملك المنصور وافيا باليمين التي حلف بها على الهدنة، ولا أنقض هذه اليمين ولا شيئا منها، ولا أستثني فيها ولا في شيء منها طلبا لنقضها، ومتى خالفتها ونقضتها فأكون بريئا من ديني واعتقادي ومعبودي، وأكون مخالفا للكنيسة، ويكون عليّ الحجّ إلى القدس الشريف ثلاثين حجّة حافيا حاسرا،

ويكون عليّ فكّ ألف أسير مسلم من أسر الفرنج وإطلاقهم، وأكون بريئا من اللاهوت الحالّ في النّاسوت، واليمين يميني وأنا فلان، والنية فيها بأسرها نيّة الملك المنصور، ونية ولده الملك الصالح، ونية مستحلفيّ لهما بها على الإنجيل الكريم، لا نيّة لي غيرها، والله والمسيح على ما نقول وكيل. وكذلك كتبت اليمينان، من جهة السلطان الملك الظاهر بيبرس، ويمين صاحب بيروت وحصن الأكراد والمرقب من الفرنج الاسبتارية في شهر رمضان سنة خمس وستين وستمائة. قلت: ومقتضى ما ذكره ابن المكرّم في إيراد هذه الأيمان أن نسخة اليمين تكون منفصلة عن نسخة الهدنة كما في غيرها من الأيمان التي يستحلف عليها، إلا أنّ مقتضى كلام «موادّ البيان» : أن اليمين تكون متّصلة بالهدنة. والذي يتّجه أنه إن تيسّر الحلف عقب الهدنة- لوجود المتحالفين- كتب في نفس الهدنة متّصلا بها، وإلّا أفرد كلّ واحد من الجانبين بنسخة يمين، كما في غيرها من الأيمان. وربّما جرّدت الهدنة عن الأيمان، كما وقع في الهدنة الجارية بين الظاهر بيبرس وبين دون حاكم الريد أرغون «1» ، صاحب برشلونة من بلاد الأندلس، في شهر رمضان سنة سبع وستين وستمائة على مقتضى ما أورده ابن المكرّم في تذكرته. واعلم أنه قد يكتفى باليمين عن الهدنة [باليمين] «2» في عقد الصّلح. وقد ذكر القاضي تقيّ الدّين ابن ناظر الجيش في «التثقيف» : أنه رتّب يمينا حلّف عليها الفرنج بالأبواب السلطانية بالديار المصرية عند عقد الصّلح معهم، في سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، فيها زيادات على ما ذكره المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في «التعريف» ؛ وهي:

والله والله والله العظيم، إله إبراهيم، مالك الكلّ، خالق ما يرى وما لا يرى، صانع كلّ شيء ومتقنه، الربّ الذي لا يعبد سواه، وحقّ المسيح، وحقّ المسيح، وحقّ المسيح، وأمّه السيدة مريم، وحقّ الصليب، وحقّ الصليب، وحقّ الصليب، وحقّ الإنجيل، وحقّ الإنجيل، وحقّ الإنجيل، وحقّ الأب والابن وروح القدس إله واحد من جوهر واحد، وحقّ اللاهوت المكرّم، الحالّ في النّاسوت المعظّم، وحقّ الأناجيل الأربعة التي نقلها متّى ومرقس ولوقا ويوحنّا، وحقّ اللاهوت والنّاسوت وصليب الصّلبوت، وحقّ التلاميذ الاثني عشر، والاثنين وسبعين، والثلاثمائة وثمانية عشر المجتمعين على البيعة، وحقّ الصّوت الذي نزل على نهر الأردنّ فزجره، وحقّ السيدة مارية أمّ النّور، وحقّ بيعة وقديس وثالوث، وما يقوله في صلاته كلّ معمدانيّ، وحقّ ما أعتقده من دين النصرانية، والملّة المسيحية- إنّني أفعل كذا وكذا، ومتى خالفت هذه اليمين التي في عنقي، أو نقضتها أو نكثتها، أو سعيت في إبطالها بوجه من الوجوه، أو طريق من الطّرق- برئت من المعمودية، وقلت: إن ماءها نجس، وإن القرابين رجس، وبرئت من مريحنّا المعمدان، والأناجيل الأربعة، وقلت: إنّ متّى كذوب، وإن مريم المجدلانية باطلة الدّعوى في إخبارها عن السّيد اليسوع المسيح، وقلت في السيدة مريم قول اليهود، ودنت بدينهم في الجحود، وبرئت من الثالوث، وجحدت الأب، وكذبت الابن، وكفرت بروح القدس، وخلعت دين النصرانية، ولزمت دين الحنيفيّة، ولطخت الهيكل بحيضة يهوديّة، ورفضت مريم، وقلت: إنها قرنت مع الأسخر يوطي في جهنّم، وأنكرت اتحاد اللاهوت والنّاسوت، وكذّبت القسوس، وشاركت في ذبح الشّمامس، وهدمت الديارات والكنائس، وكنت ممن مال على قسطنطين بن هيلاني، وتعمدت أمّه بالعظائم، وخالفت المجامع التي اجتمعت عليها الأساقف برومية والقسطنطينيّة، وجحدت مذهب الملكانيّة، وسفّهت رأي الرّهبان، وأنكرت وقوع الصّلب على السّيد اليسوع، وكنت مع اليهود حين صلبوه، وحدت عن الحواريّين، واستبحت دماء الدّيرانيّين، وجذبت رداء الكبرياء عن البطريرك، وخرجت عن طاعة الباب، وصمت يوم

الفصح الأكبر، وقعدت عن أهل الشّعانين، وأبيت عيد الصليب والغطاس، ولم أحفل بعيد السّيّدة، وأكلت لحم الجمل، ودنت بدين اليهود، وأبحت حرمة الطّلاق، وهدمت بيدي كنيسة قمامة، وخنت المسيح في وديعته، وتزوّجت في قرن بامرأتين، وقلت: إن المسيح كآدم خلقه الله من تراب، وكفرت بإحياء العيازرة، ومجيء الفارقليط الآخر، وبرئت من التلامذة الاثني عشر، وحرّم عليّ الثلاثمائة وثمانية عشر، وكسرت الصّلبان، ودست برجلي القربان، وبصقت في وجوه الرّهبان عند قولهم: كير اليصون «1» ، واعتقدت أن (بعسه كفر الجون) «2» ، وأنّ يوسف النّجّار زنى بأم اليسوع وعهر، وعطّلت النّاقوس، وملت إلى ملّة المجوس، وكسرت صليب الصّلبوت، وطبخت به لحم الجمل، وأكلته في أوّل يوم من الصّوم الكبير، تحت الهيكل بحضرة الآباء، وقلت في البنوّة مقال نسطورس، ووجّهت إلى الصّخرة وجهي، وصدّيت عن الشّرق المنير حيث كان المظهر الكريم، وإلّا برئت من النّورانيين والشّعشانيين، وأنكرت أنّ السّيد اليسوع أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص، وقلت: إنّه مربوب، وإنه ما رؤي وهو مصلوب، وأنكرت أن القربان المقدّس على المذبح ما صار لحم المسيح ودمه حقيقة، وخرجت في النّصرانية عن لا حب الطريقة، وإلّا قلت بدين التوحيد، وتعبّدت غير الأرباب، وقصدت بالمظانيات غير طريق الإخلاص، وقلت: إن المعاد غير روحانيّ «3» ، وإن بني المعمودية لا تسيح في فسيح السماء، وأثبتّ وجود الحور العين في المعاد، وأنّ في الدار الآخرة التلذذات الجسمانية، وخرجت خروج الشّعرة من العجين من دين النصرانية، وأكون من ديني محروما، وأقول: إن جرجيس لم يقتل مظلوما، وخرقت غفارة الرّب، وشاركت الشّرير في سلب ثيابه، وأحدثت تحت صليبه، وتجمّرت بخشبته، وصفعت الجاثليق. وهذه اليمين

يميني وأنا فلان، والنّية [فيها] بأسرها نية مولانا السلطان الملك الأشرف، ناصر الدّنيا والدّين «شعبان» ونيّة مستحلفيّ، والإله والمسيح على ما أقول وكيل. قلت: خلط في هذه اليمين بعض يمين اليعاقبة الخارجة عن معتقد الفرنج الذين حلّفهم من مذهب الملكانية؛ يظهر ذلك من النّظر فيما تقدّم من معتقدات النصرانية قبل ترتيب أيمانهم. على أنه قد أتى فيها بأكثر ما رتّبه المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في تحليفهم على صداقته، وزاد ما زاد من اليمين المرتّبة في التّحليف على الهدنة السابقة وغيرها. اليمين الثانية- مما أهمله في «التعريف» يمين أمير مكّة. والقاعدة فيها أن يحلّف على طاعة السلطان، والقيام في خدمة أمير الرّكب، والوصيّة بالحجّاج، والاحتفاظ بهم. وهذه نسخة يمين حلّف بها الأمير نجم الدّين أبو نميّ أمير مكّة المشرّفة، في الدّولة المنصورية قلاوون الصالحي، في شعبان سنة إحدى وثمانين وستمائة. ونسختها على ما ذكره ابن المكرّم «1» في تذكرته بعد استيفاء الأقسام: إنّي أخلصت نيّتي، وأصفيت طويّتي، وساويت بين باطني وظاهري في طاعة مولانا السلطان الملك المنصور، وولده السلطان الملك الصالح، وطاعة أولادهما وارثي ملكهما، لا أضمر لهم سوءا ولا غدرا في نفس ولا ملك ولا سلطنة. وإنّني عدوّ لمن عاداهم، صديق لمن صادقهم؛ حرب لمن حاربهم، سلم لمن سالمهم. وإنّني لا يخرجني عن طاعتهما طاعة أحد غيرهما، ولا أتلفّت في ذلك إلى جهة غير جهتهما، ولا أفعل أمرا مخالفا لما استقرّ من هذا الأمر، ولا أشرك في تحكمهما عليّ ولا على مكّة [المشرّفة] «2» وحرمها وموقف جبلها زيدا ولا عمرا. وإنّني ألتزم ما اشترطته لمولانا السلطان ولولده في أمر الكسوة الشريفة

المهيع الخامس (في صورة كتابة نسخ الأيمان التي يحلف بها)

المنصورية الواصلة من مصر المحروسة وتعليقها على الكعبة الشريفة في كل موسم، وأن لا يعلوها كسوة غيرها، وأن أقدّم علمه المنصور على كلّ علم في كلّ موسم، وأن لا يتقدّمه علم غيره. وإنّني أسهّل زيارة البيت الحرام أيام مواسم الحجّ وغيرها للزّائرين والطّائفين والبادين والعاكفين، والآمّين لحرمه والحاجّين والواقفين. وإنني أجتهد في حراستهم من كلّ عاد بفعله وقوله، ومتخطّف للناس من حوله. وإنّني أؤمّنهم في سربهم، وأعذب لهم مناهل شربهم؛ وإنّني والله أستمرّ بتفرّد الخطبة والسّكّة بالاسم الشريف المنصوريّ، وأفعل في الخدمة فعل المخلص الوليّ، وإنّني والله والله أمتثل مراسيمه امتثال النائب للمستنيب، وأكون لداعي أمره أوّل سامع مجيب. وإنني ألتزم بشروط هذه اليمين من أوّلها إلى آخرها لا أنقضها. المهيع الخامس (في صورة كتابة نسخ الأيمان التي يحلف بها) وقد جرت العادة أنه إذا أستقرّ ملك، في الملك يحلّف له جميع الأمراء والنوّاب في المملكة، وإذا استقرّ نائب من النوّاب في نيابة حلّف ذلك النائب عند استقراره؛ وربّما اقتضت الحال التحليف في غير هذه الأوقات. ثم الأيمان التي يحلّف بها على ضربين: الضرب الأوّل (الأيمان التي يحلّف بها الأمراء بالديار المصرية) وقد جرت العادة أن كتّاب ديوان الإنشاء يجتمع من يجتمع منهم بالقلعة، ويتصدّى كلّ واحد منهم لتحليف جماعة من الأمراء والمماليك السلطانية وغيرهم، وينصب المصحف الشريف على كرسيّ أمام الحالفين، ويحلّف كلّ كاتب من كتّاب الإنشاء من يحلّفه تجاه المصحف بألفاظ اليمين المتقدّمة الذّكر على الوجه الذي يرسم تحليفهم عليه؛ ويكتب كلّ واحد من أولئك الكتّاب أسماء الذين حلّفهم في ورقة ويؤرّخها ويحملها إلى ديوان الإنشاء فتخلّد فيه.

الضرب الثاني (الأيمان التي يحلف بها نواب السلطنة والأمراء بالممالك الشامية وما انضم إليها)

الضرب الثاني (الأيمان التي يحلف بها نوّاب السلطنة والأمراء بالممالك الشامية وما انضمّ إليها) وقد جرت العادة أنه إذا أريد تحليف نائب من نوّاب الممالك الخارجة عن الحضرة بالدّيار المصرية أو أمير من أمرائها أن تكتب نسخة يمين من ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية، وتجهّز إلى النائب أو الأمير الذي يقصد تحليفه فيحلف على حكمها متلفظا بألفاظها جميعها. قال في «التثقيف» : وصفة ما يكتب في النّسخة بعد البسملة من يمين الورق «أقول وأنا» .... ثم يخلي بياضا قليلا بقدر أصبعين لموضع كتابة الحالف اسمه، ثم يكتب تحته من يمين الورق بهامش دقيق جدّا «والله والله والله» وتكمّل تتمّة النسخة على ما تقدّم ذكره. وتكون سطورها متلاصقة سطرا إلى سطر إلى عند قوله «وهذه اليمين يميني وأنا» ..... فيخلّي بعد ذلك بياضا قليلا لموضع كتابة اسم الحالف أيضا؛ ثم يكتب من يمين الورق: «والنّية في هذه اليمين بأسرها» إلى آخر النسخة. قلت: وكذلك نسخ الأيمان التي تكتب ليحلّف بها في الهدن التي تفرد الأيمان فيها عن الهدن، يخلّى فيها بياض لكتابة الاسم بعد قوله «أقول وأنا» ...... وبعد قوله «وهذه اليمين يميني وأنا» ..... سواء في ذلك اليمين التي يحلّف بها السلطان أو الملك الذي تقع معه المهادنة: من ملوك الإسلام أو ملوك الكفر. وقد جرت العادة أن يكون الورق الذي تكتب فيه نسخ الأيمان التي يحلّف بها النوّاب وغيرهم من الأمراء الخارجين عن الحضرة في قطع العادة. أما ما يحلّف به على الهدن فلم أقف فيه على مقدار قطع الورق. والذي يظهر أن كلّ يمين تكون في قطع الورق الذي يكاتب بها ذلك الملك الذي يحلّف.

المقالة التاسعة في عقود الصلح والفسوخ الوردة على ذلك، وفيها خمسة أبواب

المقالة التاسعة في عقود الصّلح والفسوخ الوردة على ذلك، وفيها خمسة «1» أبواب الباب الأوّل في الأمانات؛ وفيه فصلان الفصل الأوّل في عقد الأمان لأهل الكفر قال في «التعريف» : وهو أقوى أمور الصّلح دلالة على اشتداد السّلطان، إذ كان يؤمّن الخائف أمنا لا عوض عنه في عاجل ولا آجل؛ وفيه طرفان: الطرف الأوّل (في ذكر أصله وشرطه وحكمه) اعلم أنّ الأمان هو الأمر الأوّل من الأمور الثلاثة التي يرفع بها القتل عن الكفّار. قال العلماء: وهو من مكايد القتال ومصالحه، وإن كان فيه ترك القتال: لأن الحاجة [داعية] «2» إليه. والأصل فيه من الكتاب قوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ «3» ، ومن السّنّة قوله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويجير عليّهم أدناهم، وهم يد على من سواهم» .

وقد ذكر الفقهاء له أركانا وشرائط وأحكامها. فأما أركانه، فثلاثة: الأوّل- العاقد للأمان من المسلمين. وليعلم أنّ الأمان على ضربين: عامّ وخاصّ؛ فالعامّ هو عقده للعدد الذي لا يحصر كأهل ناحية؛ ولا يصحّ عقد الأمان فيه إلا من الإمام أو نائبه كما في الهدنة. والخاصّ هو عقده للواحد أو العدد المحصور؛ ويصحّ من كلّ مسلم مكلّف [وإن لم تكن] «1» له أهلية القتال، فيصح من العبد والمرأة والشّيخ الهرم والسّفيه والمفلس، بخلاف أمان الصّبيّ والمجنون. الثاني- المعقود له، ويصح عقده للواحد والعدد من ذكور الكفّار وإناثهم. نعم في تأمين المرأة عن الاسترقاق خلاف. الثالث- صيغة العقد. وهي كلّ لفظ يفهم الأمان كناية كان أو صريحا، وفي معنى ذلك الأشارة المفهمة. ويعتبر فيه قبول الكافر، فلا بدّ منه، حتى لو ردّ الأمان لم ينعقد، وفيما إذا سكت خلاف. نعم لو دخل للسّفارة بين المسلمين والكفّار في تبليغ رسالة ونحوها؛ أو لسماع كلام الله تعالى لم يعتبر فيه عقد الأمان، بل يكون آمنا بمجرد ذلك؛ أما لو دخل لقصد التجارة بغير أمان فإنه لا يكون آمنا إلّا أن يقول الإمام أو نائبه: من دخل تاجرا فهو آمن. وأما شرطه، فأن لا يكون على المسلمين ضرر في المستأمن: بأن يكون طليعة أو جاسوسا، فإنّه يقتل ولا يبالى بأمانه، ويعتبر أن لا تزيد مدّة الأمان على سنة «2» بخلاف الهدنة، فقد تقدّم أنها تجوز عند ضعف المسلمين إلى عشر سنين.

الطرف الثاني (في صورة ما يكتب فيه)

وأما حكمه، فإذا عقد الأمان لزم المشروط، فلو قتله مسلم وجبت الدّية. ثم هو جائز من جهة الكفّار، فيجوز للكافر نبذه متى شاء، ولازم من جهة المسلمين، فلا يجوز النّبذ إلا أن يتوقّع من المستأمن الشّرّ، فإذا توقّع منه ذلك جاز نبذ العهد إليه ويلحق بمأمنه؛ وبقيّة فقه الفصل مستوفى في كتب الفقه. الطرف الثاني (في صورة ما يكتب فيه) والأصل ما رواه ابن إسحاق أنّ رفاعة بن زيد الجذامي «1» قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هدنة الحديبية، فأهدى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم غلاما، وأسلم وحسن إسلامه؛ وكتب له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتابا إلى قومه فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم» «هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد: إني بعثته إلى قومه عامّة ومن دخل فيهم يدعوهم إلى الله تعالى وإلى رسوله؛ فمن أقبل منهم ففي حزب الله [وحزب] «2» رسوله، ومن أدبر فله أمان شهرين» . فلما قدم رفاعة على قومه أجابوا وأسلموا. ثم للكتّاب فيه مذهبان: المذهب الأوّل- أن يفتتح الأمان بلفظ : «هذا كتاب أمان» أو «هذا أمان» وما أشبه ذلك، كما افتتح النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما كتب به لرفاعة بن زيد على ما تقدّم. وعلى ذلك كتب عمرو بن العاص رضي الله عنه الأمان الذي كتب به لأهل مصر عند فتحها؛ ونصّه بعد البسملة:

«هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملّتهم «1» وأموالهم وكنائسهم وصلبهم وبرّهم وبحرهم، لا يدخل عليهم شيء من ذلك ولا ينتقص، ولا تساكنهم النّوبة. وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية- إذا اجتمعوا على هذا الصّلح، وانتهت زيادة نهرهم- خمسين ألف ألف. وعليه ممّن جنى نصرتهم «2» ، فإن أبى أحد منهم أن يجيب رفع عنهم من الجزى بقدر [هم وذمّتنا ممّن أبى بريّة، وإن نقص نهرهم عن غايته إذا انتهى، رفع عنهم بقدر] «3» ذلك؛ ومن دخل في صلحهم: من الرّوم والنّوبة فله ما لهم وعليه ما عليهم «4» ؛ ومن أبى واختار الذّهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه أو يخرج من سلطاننا. وعليهم ما عليهم أثلاثا في كلّ ثلث جباية ثلث ما عليهم. على ما في هذا الكتاب عهد الله [وذمّته] «5» وذمّة رسوله وذمّة الخليفة أمير المؤمنين [وذمم المؤمنين] «6» وعلى النّوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسا، وكذا وكذا فرسا، على أن لا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة. شهد الزّبير وعبد الله ومحمد ابناه، وكتب وردان وحضر» . وعلى ذلك كتب الحافظ لدين الله أحد خلفاء الفاطميّين الأمان لبهرام الأرمنيّ، حين صرف من وزارته وهرب عنه «7» إلى بلاد الأرمن، وكتب إلى الحافظ يظهر الطاعة ويسأل تسيير أقاربه، فكتب له بالأمان له ولأقاربه.

فأما ما كتب له هو فنصّه بعد البسملة: هذا أمان أمر بكتبه عبد الله ووليّه عبد المجيد أبو الميمون، الحافظ لدين الله أمير المؤمنين، للأمير المقدّم، المؤيّد، المنصور، عزّ الخلافة وشمسها، وتاج المملكة ونظامها، فخر الأمراء، شيخ الدولة وعمادها، ذي المجدين، مصطفى أمير المؤمنين، بهرام الحافظيّ: فإنك آمن بأمان الله تعالى، وأمان جدّنا محمد رسوله، وأبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلّى الله عليهما، وأمان أمير المؤمنين، على نفسك ومالك، وأهلك وجميع حالك، لا ينالك سوء، ولا يصل إليك مكروه، ولا تقصد باغتيال، ولا يخرج بك عن عادة الإحسان والإنعام، والتّمييز والإكرام، وحراسة النّفس، والصّون للحريم والأهل، والرّعاية في القرب والبعد، ما دمت متحيّزا إلى طاعة الدولة العلويّة، ومتصرّفا على أحكام مشايعتها، مواليا لمواليها، ومعاديا لمعاديها، ومستمرّا على مرضاة إخلاصك. فثق بهذا الأمان واسكن إليه، واطمئنّ إلى مضمونه؛ والله بما أودعه كفيل وعليه شهيد؛ وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله، عليه يتوكّل وإليه ينيب. وأما الأمان الذي كتب لأقاربه فنصّه: هذا أمان تقدّم بكتبه عبد الله ووليّه، لبسيل وزرقا، وبهرام ابن أختهما، ومن ينتمي إليهم ويتعلّق بهم، ويلتزمون أمره ممن دونهم، ومن يتمسّك بسببهم، مضمونه: إنكم معشر الجماعة بأسركم لما قصدتم الدّولة ووفدتم عليها، وتفيّأتم ظلّها وهاجرتم إليها، شملكم الصّنع الجميل، وغمركم الإنعام السّابغ والإحسان الجزيل، وكنفتم بالرّعاية التامّة، والعناية الخاصّة لا العناية العامّة، ووفّر حظّكم من الواجبات المقرّرة لكم، والإقطاعات الموسومة بكم، وكنتم مع ذلك تذكرون رغبتكم في العود إلى دياركم، والرّجوع إلى أوطانكم، والتفاتا إلى من تركتموه من ورائكم. وقد سرتم من الباب على قضيّة

المذهب الثاني - أن يفتتح الأمان المكتتب لأهل الكفر بالتحميد

المخالفة، وقد أمّنكم أمير المؤمنين، فأنتم آمنون بأمان الله تعالى وأمان جدّنا محمد رسوله وأبينا أمير المؤمنين: عليّ بن أبي طالب، صلى الله عليهما، وأمان أمير المؤمنين، على نفوسكم وأهليكم وأموالكم وما تحويه أيديكم ويحوزه ملككم، ويشتمل عليه احتياطكم، لا ينالكم في شيء من ذلك مكروه، ولا سبب مخوف، ولا يمسّكم سوء، ولا تخشون من ضيم، ولا تقصدون بأذيّة، ولا يغيّر لكم رسم، ولا تنقض لكم عادة، وأنتم مستمرّون في واجباتكم وإقطاعاتكم على ما عهدتموه، ولا تنقصون منها، ولا تبخسون فيها. هذا إذا رغبتم في الإقامة في ظلال الدّولة؛ فإن آثرتم ما كنتم تذكرون الرّغبة فيه من العودة إلى دياركم عند انفتاح البحر، فهذا الأمان لكم إلى أن تتوجّهوا مشمولين بالرعاية، ملحوظين بالعناية، ولكم الوفاء بجميع ذلك؛ والله لكم به وكيل وكفيل، وكفى به شهيدا. المذهب الثاني- أن يفتتح الأمان المكتتب لأهل الكفر بالتّحميد ، ثم يقال: «ولما كان كذا وكذا اقتضى حسن الرّأي الشريف كذا وكذا» ثم يقال: «فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يكون كذا وكذا» على نحو ما يكتب في الولايات. وعلى ذلك كتب عن السلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» أمان لفراكس صاحب السّرب «1» من ملوك النصارى بالشّمال وزوجته ومن معهما من الأتباع، عند طلبهم التّمكين من زيارة القدس الشريف، وإزالة الأعراض عنهم، واستصحاب العناية بهم، إلى حين عودهم آمنين على أنفسهم وأموالهم، من إنشاء الشريف شهاب الدّين كاتب الإنشاء. ونصّه بعد البسملة: أمّا بعد حمد الله الذي أمّن بمهابتنا المناهج والمسالك، ومكّن لكلمتنا المطاعة في الأقطار والآفاق والممالك، وأعان على «2» لساننا بدعوة الحقّ التي

تنفي كلّ كرب حاك وتكفي كلّ كرب حالك، والشّهادة له بالوحدانية التي تنفي المشابه والمشارك، وتفي بالميعاد من الإصعاد على الأرائك، والصّلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أنجده ببعوث الملإ الأعلى من الملائك، وأيّده بالصّون الملازم والعون المتدارك، ووعده أن سيبلغ ملك أمّته ما بين المشرق والمغرب وأنجز له ذلك، وعلى آله وصحبه الذين زحزحوا عن المهالك، ونصحوا لله ورسوله وأكرم بأولئك!!! - فإنّ كرمنا يرعى الوفود، وشيمنا تدعى فتجود، وذممنا بها لحظ الحقوق وحفظ العهود؛ فبخدمنا ينجح كلّ مقصود، وبنعمنا تمنح الأمانيّ والمنى وهما أعظم نعمتين في الوجود؛ فليس آمل عن أبواب سماحنا بمردود، ولا متوسّل إلينا بضراعة إلا ويرجع بالمرام ويعود. ولما كانت حضرة الملك الجليل، المكرّم، المبجّل، العزيز، الموقّر، «إستيفانوس فراكس» : كبير الطائفة النّصرانية، جمال الأمّة الصّليبيّة، عماد بني المعمودية، صديق الملوك والسلاطين، صاحب السّرب- أطال الله بقاءه- قد شمله إقبالنا المعهود، ووصله إفضالنا الذي يحجز عن ميامنه السّوء وينجز الوعود- اقتضى حسن الرّأي الشريف أن نيسّر سبيله، ونوفّر له من الإكرام جسيمه كما وفّرنا لغيره من الملوك مسوله، وأن يمكّن من الحضور هو وزوجته ومن معهما من أتباعهما إلى زيارة القدس الشريف، وإزالة الأعراض عنهم، وإكرامهم ورعايتهم، واستصحاب العناية بهم، إلى أن يعودوا إلى بلادهم، آمنين على أنفسهم وأموالهم، ويعاملوا بالوصيّة التامّة، ويواصلوا بالكرامة والرعاية إلى أن يعودوا في كنف الأمن وحريم السّلامة؛ وسبيل كلّ واقف عليه أن يسمع كلامه، ويتبع إبرامه، ولا يمنع عنهم الخير في سير ولا إقامة، ويدفع عنهم الأذى حيث وردوا أو صدروا فلا يحذروا إلمامه؛ والله تعالى يوفّر لكلّ مستعين من أبوابنا أقساط الأمن وأقسامه، ويظفر عزمنا المحمديّ بالنّصر السّرمديّ حتّى يطوّق الطائع والعاصي حسامه. والعلامة الشريفة أعلاه حجّة فيه؛ والخير يكون إن شاء الله تعالى.

الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة التاسعة (في كتابة الأمانات لأهل الإسلام وما يكتب فيها

الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة التاسعة (في كتابة الأمانات لأهل الإسلام وما يكتب فيها ، ومذاهب الكتّاب في ذلك في القديم والحديث، وأصله؛ وفيه طرفان) الطرف الأوّل (في أصله) اعلم أنّ هذا النوع فرع ألحقه الكتّاب بالنوع السابق، وإلا فالمسلم آمن بقضيّة الشّرع بمجرّد إسلامه، بدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحقّها» . وإنما جرت عادة الملوك بكتابة الأمان لكلّ من خاف سطوتهم، لا سيّما من خرج عن الطّاعة، وخيف استشراء الفساد باستمرار خروجه عن الطاعة خوفا، حتّى صار ذلك هو أغلب ما يكتب من دواوين الإنشاء. وقد ورد في السّنّة ما يدلّ لذلك «1» ، وهو ما رواه أبو عبيد في «كتاب الأموال» عن أبي العلاء بن عبد الله بن الشّخّير أنه قال: كنا بالمربد ومعنا مطرّف إذ أتانا أعرابيّ ومعه قطعة أديم، فقال: أفيكم من يقرأ؟ قلنا: نعم، فأعطانا الأديم فإذا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم» «من محمد رسول الله لبني زهير بن أقيش من عكل. إنّكم إن شهدتم أن

الطرف الثاني (فيما يكتب في الأمانات)

لا إله إلا الله [وأن محمدا رسول الله] «1» وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزّكاة، وفارقتم المشركين، وأعطيتم من الغنائم الخمس، وسهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والصّفيّ؛ (أو قال: وصفيّة) فأنتم آمنون بأمان الله ورسوله» . الطرف الثاني (فيما يكتب في الأمانات) وللكتّاب في ذلك مذهبان: المذهب الأوّل- أن يفتتح الأمان بلفظ: «هذا كتاب أمان» أو «هذا أمان» ونحو ذلك، على ما تقدّم في الفصل السابق. قال في «موادّ البيان» «2» : والرسم فيه: «هذا كتاب أمان، كتبه فلان بن فلان الفلانيّ، أمير المؤمنين أو وزيره، لفلان بن فلان الفلانيّ الذي كان من حاله كذا وكذا، فإنه قد أمّنه بأمان الله تعالى وأمان رسوله صلّى الله عليه وسلّم وأمانه» . فإن كان عن الوزير قال: «وأمان أمير المؤمنين فلان بن فلان وأمانه، على نفسه وماله، وشعره، وبشره، وأهله، وولده، وحرمه، وأشياعه، وأتباعه، وأصحابه، وحاله، وذات يده، وأملاكه، ورباعه، وضياعه، وجميع ما يخصّه ويخصّهم- أمانا صحيحا، نافذا واجبا لازما، لا ينقض ولا يفسخ ولا يبدّل، ولا يتعقّب بمخاتلة، ولا دهان ولا مواربة، ولا حيلة، ولا غيلة، وأعطاه على ذلك عهد الله وميثاقه وصفقة يمينه، بنيّة خالصة له ولجميع من ذكر معه، وعفا له عن كلّ جريرة متقدّمة، وخطيئة سالفة، إلى يوم تاريخ هذا الأمان، وأحلّه من ذلك كلّه، واستقبله بسلامة النّفس ونقاء السريرة، وأوجب له من الرّعاية ما أوجبه لأمثاله، ممن شمله ظلّه، وكنفته رعايته، حاضرا وغائبا، وملّكه من اختياره قريبا وبعيدا، وأن لا يكرهه على ما لا يريده، ولا يلزمه بما لا يختاره» .

النوع الأول (ما يكتب عن الخلفاء؛ وفيه مذهبان)

قلت: هذا ما أصّله صاحب «مواد البيان» في كتابة الأمانات؛ ومقتضاه افتتاح جميع الأمانات المكتتبة عن الخليفة أو الوزير أو غيرهما بلفظ «هذا» . وسيأتي أن الأمانات قد تفتتح بغير هذا الافتتاح: من الحمد وغيره، على ما سيأتي بيانه، ولعل هذا كان مصطلح زمانه فوقف عنده. وبالجملة فالأمانات المكتتبة لأهل الإسلام على نوعين: النوع الأوّل (ما يكتب عن الخلفاء؛ وفيه مذهبان) المذهب الأوّل- طريقة صاحب «مواد البيان» المتقدّمة الذّكر؛ وهي أن يفتتح الأمان بلفظ «هذا» وحينئذ فيقال: «هذا كتاب أمان كتبه عبد الله فلان أبو فلان أمير المؤمنين الفلانيّ، أعزّ الله تعالى به الدّين، وأدام له التّمكين، لفلان الفلانيّ، فإنّه قد أمّنه بأمان الله تعالى، وأمان رسوله صلّى الله عليه وسلّم وأمانه، على نفسه، وماله، وشعره، وبشره، وأهله، وولده، وحرمه، وأشياعه، وأتباعه، وأصحابه، وحاله، وذات يده، وأملاكه، ورباعه، وضياعه، وجميع ما يخصّه ويخصّهم- أمانا صحيحا، نافذا واجبا لازما، لا ينقض ولا يفسخ، ولا يبدّل، ولا يتعقّب بمخاتلة، ولا دهان ولا مواربة، ولا حيلة ولا غيلة، وأعطاه على ذلك عهد الله وميثاقه وصفقة يمينه، بنيّة خالصة له ولجميع من ذكر معه، وعفا له عن كلّ جريرة متقدّمة، وخطيئة سالفة، إلى يوم تاريخ هذا الأمان، وأحلّه من ذلك كلّه، واستقبله بسلامة النّفس ونقاء السريرة، وأوجب له من الرّعاية ما أوجبه لأمثاله: ممّن شمله ظلّه، وكنفته رعايته، حاضرا وغائبا، وملّكه من اختياره قريبا وبعيدا، وأن لا يكرهه على ما لا يريده، ولا يلزمه بما لا يختاره» . وغير ذلك مما يقتضيه الحال ويدعو إليه المقام. المذهب الثاني- أن يفتتح الأمان بخطبة مفتتحة بالحمد، والرسم فيه أن

يستفتح الأمان بخطبة يكرّر فيها الحمد مرتين أو ثلاثا فأكثر، بحسب ما يقتضيه حال النّعمة على من يصدر عنه الأمان في الاستظهار على من يؤمّنه. يحمد الله في المرّة الأولى على آلائه، وفي الثانية على إعزاز دينه، وفي الثالثة على بعثة نبيّه، وفي الرابعة على إقامة ذلك الخليفة من بيت النبوّة لإقامة الدّين؛ ويأتي مع كلّ واحدة منها بما يناسب ذلك، ثم يذكر الأمان في الأخيرة. وهذه نسخة أمان من هذا النّمط، كتب به عن بعض متقدّمي خلفاء بني العبّاس ببغداد، أوردها أبو الحسين أحمد بن سعيد في «كتاب البلاغة» «1» الذي جمعه في الترسّل: الحمد لله المرجوّ فضله، المخوف عدله، باريء النّسم، ووليّ الإحسان والنّعم، السابق في الأمور علمه، النّافذ فيها حكمه، بما أحاط به من ملك قدرته، وأنفذ من عزائم مشيئته؛ كلّ ما سواه مدبّر مخلوق وهو أنشاه وابتداه، وقدّر غايته ومنتهاه. والحمد لله المعزّ لدينه، الحافظ من حرماته ما تربّض المتربّضون «2» عن حياطته، المذكي من نوره ما دأب الملحدون لإطفائه حتّى أعلاه وأظهره كما وعد في منزل فرقانه بقوله جلّ ثناؤه: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ* «3» والحمد لله الذي بعث محمدا رحمة للعالمين، وحجّة على الجاحدين، فختم به النبيين والمرسلين، صلوات الله عليهم أجمعين، وجعله الدّاعي إلى دين

الحق، والشّهيد على جميع الخلق، فأدّى إليهم ما استودع من الأمانة، وبلّغهم ما حمّل من الرّسالة؛ فلما أنقذ الله به من التّورّط في الضّلالة، والتّهوّر في العمى والجهالة، وأوضح به المعالم والآثار، ونهج به العدل والمنار، اختار له ما لديه، ونقله إلى ما أعدّ له في دار الخلود، من النّعيم الذي لا ينقطع ولا يبيد، ثم جعله في لحمته وأهله وراثة بما قلدهم من خلافته في أمّته، وقدّم لهم شواهد ما اختصّهم به من الفضيلة، وزلفة الوسيلة، في كتابه النّاطق، على لسان نبيّه الصادق، صلّى الله عليه وسلّم- منها ما أخبر به من تطهيره إيّاهم: ليجعلهم لما اختاره معدنا ومحلّا، إذ يقول جلّ وعزّ: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «1» ، ومنها ما أمر الله به رسوله صلّى الله عليه وسلّم من مسألته أمّته المودّة؛ فقد أوضح لذوي الألباب أنهم موضع خيرته، بتطهيره إياهم، وأهل صفوته، بما افترض من مودّتهم، وولاة الأمر الذين قرن طاعتهم بطاعته. ولم يزل الله بعظيم منّه وإنعامه يدعم أركان دينه، ويشيّد أعلام هداه، بإعزاز السلطان الذي هو ظلّه في أرضه، وقوام عدله وقسطه، والحجاز الذّائد لهم عن التّظالم والتّغاشم، والحصن الحريز عند مخوف البوائق وملمّ النّوائب؛ فليس يكيد ولاته المستقلّين بحقّ الله فيه كائد، ولا يجحد ما يجب لهم من حقّ الطاعة جاحد، إلّا من انطوى على غشّ الأمّة، ومحاولة التّشتيت للكلمة. والحمد لله على ما تولّى به أمير المؤمنين في البدء والعاقبة: من الإدلاء بالحجّة، والتّأييد بالغلبة، (عند نشوه من حيز وطأة الخفض) «2» ، متّبعا لكتاب الله حيث سلك به حكمه، مقتفيا سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث انسابت أمامه، باذلا لله نفسه، لا يصدّه وعيد من تكبّر وعتا، ولا يوحشه خذلان من أدبر وتولّى، منتظرا لمن نكث عهده وغدر بيعته والتمس المكر به

في حقّه الآيات الموجبة في قوله: ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ «1» ، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ «2» ، مكتفيا بالله ممّن خذله، مستعينا به على من نصب، لا يستفزّه ما أجلب به الشيطان من خيله ورجله، وهو في أنصاره المعتصمين، لا تستهويهم الشّبه في بصائرهم، ولا تخونهم قواعد عزائمهم في ساعة العسرة من بعد ما كادت تزيغ قلوب فريق منهم؛ فكتّبهم أمير المؤمنين، وأنهدهم لعدوّه، ينتظرون إحدى الحسنيين: من الفلج المبين، والفوز «3» بالشّهادة والسعادة؛ فليس يلفتهم عن حقّهم ما يتلقّون به من الترغيب والترهيب، ولا يزدادون على عظيم التّهاويل والأخطار إلا تقحّما وإقداما، متمثّلين لسير إخوانهم قبلهم فيما اقتص الله عليهم من شأنهم، إذ يقول جلّ وعزّ: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ «4» وكان بداية جند أمير المؤمنين في حربهم التّقدّم بالإعذار والإنذار، والتّخويف بالله جلّ وعزّ وأيّامه، وما هم مسؤولون عنه في مقامه: من عهوده المؤكّدة عليهم في حرمه، وبين ركن كعبته ومقام خليله، المعلّقة في بيته، الشاهد عليها وفوده. فكان أوّل ما بصّرهم الله به حجّته التي لا يقطعها قاطع، ولا يدفعها دافع، ثم ما جعلهم الله عليه من التناصر والتّوازر الذي فتّ في أعضادهم، ورماهم به من التّخاذل والتّواكل؛ فكلّما نجمت لهم قرون اجتثّها الله بحدّ أوليائه، وكلّما مرق منهم مارق أسال الله مهجته، وأورثهم أرضه ودياره. ومخلوعهم المبتديء بما عادت عليهم نقمته ونكاله قد أعلق بالرّدّة، وصرّحت شياطينه بالغدر والنّكث، يرى بذلك الذّلّ في نفسه وحزبه، وتنتقص

عليه الأرض من أطرافها وأقطارها، ويؤتى بنيانه من قواعده، ويردّ الله جيوشهم مفلولة، وجنودهم مخلّاة عن مراكزها، مقموعا باطلها؛ وليس مع ما ناله من سخط الله جلّ وعزّ نازعا عن انتهاك محارمه ومآثمه، ولا محدثا عن جائحة يحلّها به إحجاما عن التّقحّم في ملاحمه الملبسة له في عاجل ما يرديه ويوبقه، وآجل ما يرصد الله به المعاندين عن سبيله، النّاكبين عن سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأمير المؤمنين- إذ جمع الله له متباين الألفة، وضمّ له منتشر الفرقة، على معرفته بحربه وحزبه، وعدوّه ووليّه، ومن سعى له أو عليه، أو أطاع الله أو عصاه فيه: من واف ببيعة، أو خاتر بإلّ وذمّة-[جدير] «1» أن يعمّ بجميل نظره كافّة رعيّته، ويتعطّف عليهم بحسن عائدته، ويشملهم بمبسوط عدله وكريم عفوه، وتقديم أهل الأفكار المحمودة، في المواطن المشهودة، بما لم تزل أنفسهم تشرئبّ إليه، وأعينهم ترنو نحوه، لتحمد عنهم عاقبة الطاعة، ويعجّل لهم الوفاء بما وعدهم من الجزاء، إلى ما ذخره لهم من حسن المثوبة ومزيد الشّكران. وأمر لفلان بكذا، ولمن قبله من أهل الغناء بكذا، وأمّن الأسود والأحمر، ما خلا الملحد ابن الربيع، فإنّه سعى في بلاد الله وعباده سعي المفسدين، والتمس نقض وثائق الدّين. فجميع من حلّ مدينة السلام آمنون بأمان الله، غير متبعين بترة «2» ، ولا مطلوبين بإحنة، فلا تدخلنّ أحدا وحشة منهم لضغينة يظنّ بأمير المؤمنين الانطواء عليها، ولا يحملنّه ما عفا له عنه من ذنبه على [خلاف] «3» ما هو مستوجب من ثواب طاعته أو نكال معصيته، فإنّ الله جلّ وعزّ يقول: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ «4»

النوع الثاني (من الأمانات التي تكتب لأهل الإسلام، ما يكتب به عن الملوك؛ وهو على ضربين)

فاحمدوا الله على ما ألهم خليفتكم، من إثابة أهل السوابق منكم بأوفى سعيهم، والتطوّل على عامّة جنده بما شملهم برفقه وحسنت عليهم عائدته، وما تعطّف به على أهل التفريط: من إقالة هفواتهم وعثراتهم، حتى صرتم بنعمة الله إخوانا مترافدين، قد أذهب الله أضغانكم ونزع حسائك «1» صدوركم، وردّ ألفتكم إلى أحسن ما يكون، وصرتم بين متقدّم بغناء، ومقمع بإحسان؛ فحافظوا على ما يرتبط به راهن النّعمة، ويستدعى به حسن المزيد، إن شاء الله تعالى. النوع الثاني (من الأمانات التي تكتب لأهل الإسلام، ما يكتب به عن الملوك؛ وهو على ضربين) الضرب الأوّل (ما كان يكتب من هذا النّمط في الزمن السابق ، مما كان يصدر عن وزراء الخلفاء والملوك المتغلّبين على الأمر معهم؛ ولهم فيه أسلوبان) الأسلوب الأوّل (أن يصدّر بالتماس المستأمن الأمان) وهذه نسخة أمان من هذا الأسلوب، كتب بها أبو [إسحاق بن] «2» هلال الصابي، عن صمصام الدّولة، بن عضد الدّولة، بن ركن الدّولة، بن بويه الدّيلميّ لبعض من كان متخوّفا منه؛ وهو: هذا كتاب من صمصام الدّولة وشمس الملّة أبي كاليجار، بن عضد الدّولة

وتاج الملّة أبي شجاع، بن ركن الدّولة أبي عليّ مولى أمير المؤمنين- لفلان بن فلان. إنّك ذكرت رغبتك في الانحياز إلى جملتنا، والمصير إلى حضرتنا، والسّكون إلى ظلّنا، والسّكنى في كنفنا، والتمست التّوثقة منّا بما تطيب به نفسك، ويطمئنّ إليه قلبك، فتقبّلنا ذلك منك، وأوجبنا به الحقّ والذّمام لك، وأمّنّاك بأمان الله جلّ ثناؤه، وأمان رسوله صلّى الله عليه وسلّم، [وأمان] «1» أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، وأماننا- على نفسك، وجوارحك، وشعرك، وبشرك، وأهلك، وولدك، ومالك، وذات يدك: أمانا صحيحا ماضيا نافذا، واجبا لازما؛ ولك علينا بالوفاء به إذا صرت إلينا عهد الله وميثاقه، من غير نقض له ولا فسخ لشيء منه، ولا تأوّل عليك فيه على [كلّ] «2» وجه وسبب. ثم إنّا نتناولك إذا حضرت بالإحسان والإجمال، والاصطناع والإفضال، موفين بك على أملك، ومتجاوزين حدّ ظنّك وتقديرك. فاسكن إلى ذلك وثق به، وتيقّن أنك محمول عليه، ومفض إليه. ومن وقف على كتابنا هذا: من عمّال الخراج والمعاون وسائر طبقات الأولياء والمتصرّفين في أعمالنا، فليعمل بما فيه، وليحذر من تجاوزه أو تعدّيه، إن شاء الله تعالى. وعلى نحو من ذلك كتب أبو إسحاق الصابي، عن صمصام الدّولة المقدّم ذكره، الأمان لجماعة من عرب المنتفق «3» ، بواسطة محمد بن المسيّب «4» ؛ وهو:

هذا كتاب منشور من صمصام الدّولة، وشمس الملّة، أبي كاليجار، بن عضد الدّولة وتاج الملّة أبي شجاع، بن ركن الدّولة أبي عليّ، مولى أمير المؤمنين لجماعة من العرب من المنتفق، الرّاغبين في الطاعة والداخلين فيها مع أولياء الدّولة. إن محمد بن المسيّب سأل في أمركم، وذكر رغبتكم في الخدمة، والانحياز إلى الجملة، والتمس أمانكم على نفوسكم وأموالكم، وأهلكم وعشيرتكم، على أن تلزموا الأستقامة، وتسلكوا سبيل السّلامة، ولا تخيفوا سبيلا، ولا تسعوا في الأرض فسادا، ولا تخالفوا للسلطان وولاة أعماله أمرا، ولا تؤوا له عدوّا، ولا تعادوا له وليّا، ولا تجيروا أحدا خرج عن طاعته، ولا تذمّوا لأحد طلبه، ولا تخونوه في سرّ ولا جهر، ولا قول ولا عمل، فرأينا قبول ذلك منكم، وإجابة محمد إلى ما رغب فيه عنكم، وتضمّنته العهدة فيما عقد من هذا الأمان لكم على شرائطه المأخوذة عليكم: في الكفّ عن الرّعيّة والسّابلة، وأهل السّواد والحاضرة، وترك التّعرّض للمال والدّم، أو الانتهاك لذمّة أو محرم، أو الارتكاب لمنكر أو مأثم. فكونوا على هذه الحدود قائمين، وللصّحّة والاستقامة معتقدين، ولأحداثكم ضابطين، وعلى أيدي سفهائكم آخذين؛ وأنتم مع ذلك آمنون بأمان الله جلّ جلاله، وأمان رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وأمان مولانا أمير المؤمنين، وأماننا: على نفوسكم وأموالكم وأحوالكم، وكلّ داخل في هذا الأمان وشرائطه معكم: من أهلكم وعشيرتكم وأتباعكم، ومن ضمّته حوزتكم. ومن قرأ هذا الكتاب من عمّال الخراج والمعاون، والمتصرّفين في الحمّارة والسّيارة وغيرهم من جميع الأسباب، فليعمل بمتضمّنه، وليحمل جماعة هؤلاء القوم على موجبه، إن شاء الله تعالى.

الأسلوب الثاني (أن لا يتعرض في الأمان لالتماس المستأمن الأمان)

الأسلوب الثاني (أن لا يتعرّض في الأمان لالتماس المستأمن الأمان) وهذه نسخة أمان على هذا الأسلوب، أورده أبو الحسين بن الصابي «1» في كتابه «غرر البلاغة» ونصه بعد البسملة: هذا كتاب من فلان مولى أمير المؤمنين لفلان. إننا أمّنّاك على نفسك ومالك وولدك وحرمك، وسائر ما تحويه يدك، ويشتمل عليه ملكك، بأمان الله جلّت أسماؤه، وعظمت كبرياؤه، وأمان محمد رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وأماننا- أمانا صحيحا غير معلول، وسليما غير مدخول، وصادقا غير مكذوب، وخالصا غير مشوب، لا يتداخله تأويل، ولا يتعقّبه تبديل، قد كفله القلب المحفوظ، وقام به العهد الملحوظ- على أن تشملك الصّيانة فلا يلحقك اعتراض معترض، وتكنفك الحراسة فلا يطرقك اغتماض مغتمض، وتعزّك النّصرة فلا ينالك كفّ متخطّف، ولا تمتدّ إليك يد متطرّف، بل تكون في ظلّ السلامة راتعا، وفي محاماة الأمانة وادعا، وبعين المراعاة ملحوظا، ومن كلّ تعقّب وتتبّع محفوظا؛ لك بذلك عهد الله الذي لا يخفر، ومواثيقه التي لا تنكث، وذمامه الذي لا يرفض، وعهده الذي لا ينقض. المذهب الثاني (مما يكتب به في الأمانات لأهل الإسلام- أن يفتتح الأمان بلفظ: «رسم» كما تفتتح صغار التواقيع والمراسيم؛ وهي طريقة غريبة) وهذه نسخة أمان على هذا النّمط، أوردها محمد بن المكرّم أحد كتّاب ديوان الإنشاء في الدولة المنصورية «قلاوون» في تذكرته التي سماها: «تذكرة اللّبيب» كتب بها عن المنصور قلاوون المقدّم ذكره، للتّجّار الذي يصلون إلى

مصر من الصّين والهند والسّند واليمن والعراق وبلاد الرّوم، من إنشاء المولى فتح الدّين بن عبد الظاهر صاحب ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بالديار المصرية؛ وهي: رسم «1» - أعلى الله الأمر العالي- لا زال عدله يحلّ الرعايا من الأمن في حصن حصين، ويستخلص الدعاء لدولته الزاهرة [من] «2» أهل المشارق والمغارب فلا أحد إلا وهو من المخلصين، ويهيّيء برحابها للمعتفين جنّة عدن من أيّ أبوابها شاء الناس دخولا: من العراق، من العجم، من الرّوم، من الحجاز، من الهند، من الصّين- أنه من أراد من الصّدور الأجلّاء الأكابر التّجّار وأرباب التّكسّب، وأهل التّسبّب، من أهل هذه الأقاليم التي عدّدت والتي لم تعدّد، ومن يؤثر الورود إلى ممالكنا إن أقام أو تردّد- النّقلة إلى بلادنا الفسيحة أرجاؤها، الظّليلة أفياؤها وأفناؤها، فليعزم عزم من قدّر الله له في ذلك الخير والخيرة، ويحضر إلى بلاد لا يحتاج ساكنها إلى ميرة ولا إلى ذخيرة: لأنها في الدنيا جنّة عدن لمن قطن، ومسلاة لمن تغرّب عن الوطن؛ ونزهة لا يملّها بصر، ولا تهجر للإفراط في الخصر «3» ، والمقيم بها في ربيع دائم، وخير ملازم؛ ويكفيها أن من بعض أوصافها أنها شامة الله في أرضه، وأن بركة الله حاصلة في رحل من جعل الإحسان فيها من قراضه والحسنة من قرضه، ومنها ما إذا أهبط إليها آمل كان له ما سأل، إذ أصبحت دار إسلام بجنود تسبق سيوفهم العذل؛ وقد عمّر العدل أوطانها، وكثّر سكّانها، واتّسعت أبنيتها إلى أن صارت ذات المدائن، وأيسر المعسر فيها فلا يخشى سورة المداين؛ إذ المطالب بها غير متعسّرة، والنّظرة فيها إلى ميسرة، وسائر الناس وجميع التّجار، لا يخشون فيها من يجور فان العدل قد أجار.

فمن وقف على مرسومنا هذا من التّجار المقيمين باليمن والهند، والصّين والسّند، وغيرهم، فليأخذ الأهبة في الارتحال إليها، والقدوم عليها، ليجد الفعال من المقال أكبر، ويرى إحسانا يقابل في الوفاء بهذه العهود بالأكثر، ويحلّ منها في بلدة طيّبة وربّ «1» غفور، وفي نعمة جزاؤها الشّكر- وهل «2» يجازى إلا الشّكور- وفي سلامة في النّفس والمال، وسعادة تجلّي الأحوال وتموّل الآمال؛ ولهم منا كلّ ما يؤثرونه: من معدلة تجيب داعيها، وتحمد عيشتهم دواعيها، (وتبقي أموالهم على مخلّفيهم، وتستخلصهم لأن يكونوا متفيّئين في ظلالها وتصطفيهم) «3» ؛ ومن أحضر معه بضائع من بهار وأصناف تحضرها تجّار الكارم فلا يحاف عليه في حقّ، ولا يكلّف أمرا يشقّ، فقد أبقى لهم العدل ما شاق ورفع عنهم ما شقّ؛ ومن أحضر معه منهم مماليك وجواري فله في قيمتهم ما يزيد على ما يريد، والمسامحة بما يتعوّضه بثمنهم على المعتاد في أمر من يجلبهم من البلد القريب فكيف من البعيد: لأن رغبتنا مصروفة إلى تكثير الجنود، ومن جلب هؤلاء فقد أوجب حقّا على الجود؛ فليستكثر من يقدر على جلبهم، ويعلم أن تكثير جيوش الإسلام هو الحاثّ على طلبهم: لأنّ الإسلام بهم اليوم في عزّ لواؤه المنشور، وسلطانه المنصور، ومن أحضر منهم فقد أخرج من الظلمات إلى النّور، وذمّ بالكفر أمسه وحمد بالإيمان يومه، وقاتل عن الإسلام عشيرته وقومه. هذا مرسومنا إلى كلّ واقف عليه من تجّار شأنهم الضّرب في الأرض: يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ «4» ، ليقرأوا منه ما تيسّر لهم من حكمه، ويهتدوا «5» بنجمه، ويغتذوا «6» بعلمه، ويمتطوا «7» كاهل الأمل الذي يحملهم على الهجرة، ويبسطوا «8» أيديهم بالدّعاء لمن يستدني إلى بلاده

الضرب الثاني (من الأمانات التي تكتب لأهل الإسلام ما عليه مصطلح زماننا؛ وهي صنفان)

الخلائق ليفوزوا من إحسانه بكلّ نضارة وبكلّ نظرة، ويغتنموا «1» أوقات الرّبح فإنّها قد أدنت قطافها، وبعثت بهذه الوعود الصادقة إليهم تحقّق لهم حسن التّأميل، وتثبت عندهم أن الخطّ الشريف [أعلاه الله] «2» حاكم بأمر الله على ما قالته الأقلام ونعم الوكيل. قلت: هذا المكتوب وإن لم يكن صريح أمان فإنه في معنى الأمان، كما أشار إليه ابن المكرّم؛ وفيه غرابتان: إحداهما- الافتتاح «برسم» ، والثانية- الكتابة به إلى الآفاق البعيدة والأقطار النائية، إشارة إلى امتداد لسان قلم هذه المملكة إليهم. الضرب الثاني (من الأمانات التي تكتب لأهل الإسلام ما عليه مصطلح زماننا؛ وهي صنفان) الصنف الأوّل (ما يكتب من الأبواب السلطانية) والنظر فيه من جهة قطع الورق، ومن جهة الطّرّة، ومن جهة ما يكتب في المتن. فأما قطع الورق فقد قال في «التثقيف» : إنّ الأمان لا يكتب إلا في قطع العادة. قلت: والذي يتّجه أن تكون كتابة أمان كلّ أحد في نظير قطع ورق المكاتبة إليه. فإن كان ممن تكتب المكاتبة إليه في قطع العادة، كتب له في قطع العادة. وإن كان في قطع فوق ذلك، كتب فيه. وأما الطّرّة فقد قال في «التثقيف» : إنه يكتب في أعلى الدّرج، في الوسط، الاسم الشّريف، كما في المكاتبات وغيرها، ثم يكتب من أوّل عرض الورق إلى آخره كما في سائر الطّرر ما صورته:

«أمان شريف لفلان بن فلان الفلانيّ بأن يحضر إلى الأبواب الشريفة، أو إلى بلده أو مكانه، أو نحو ذلك آمنا على نفسه وأهله وماله، لا يصيبه سوء، ولا يناله ضيم، ولا يمسّه أذى، على ما شرح فيه» . قلت: والعلامة في الأمان الاسم؛ والبياض بعد الطّرّة على ما في المكاتبات إما وصلان أو ثلاثة، بحسب ما تقتضيه رتبة صاحب الأمان، وبحسب ما يقتضيه الحال: من مداراة من يكتب له الأمان: لخوف استشراء شرّه وما يخالف ذلك. وأما متن الأمان: فإنّه تكتب البسملة في أوّل الوصل الثالث أو الرابع، بهامش من الجانب الأيمن كما في المكاتبات، ثم يكتب سطر من الأمان تحت البسملة على سمتها، ويخلّى موضع العلامة بياضا كما في المكاتبات، ثم يكتب السّطر الثاني وما يليه على نسق المكاتبات. قال في «التعريف» : ويجمع المقاصد في ذلك أن يكتب بعد البسملة: «هذا أمان الله تعالى وأمان نبيّه محمد [نبيّ الرحمة] «1» صلّى الله عليه وسلم وأماننا الشّريف، لفلان بن فلان الفلانيّ [ويذكر أشهر أسمائه وتعريفه] «2» ، على نفسه وأهله وماله، وجميع أصحابه وأتباعه وكلّ ما يتعلق به: من قليل وكثير، وجليل وحقير- أمانا لا يبقى معه خوف ولا جزع في أوّل أمره ولا آخره، ولا عاجله ولا آجله، يخصّ ويعمّ، وتصان به النّفس والأهل والولد والمال وكلّ ذات اليد. فليحضر هو وبنوه، وأهله وذووه وأقربوه، وغلمانه وكلّ حاشيته، وجميع ما يملكه من دانيته وقاصيته، وليصل بهم إلينا، ويفد على حضرتنا في ذمام الله وكلاءته وضمانة هذا الأمان، له ذمّة الله وذمة رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن لا يناله مكروه منّا، ولا من أحد من قبلنا، ولا يتعرّض إليه بسوء ولا أذى، ولا يرنّق له مورد بقذى؛ وله منّا

الإحسان، والصّفاء بالقلب واللّسان، والرعاية التي تؤمّن سربه [وتهنّيء شربه] «1» ويطمئنّ [بها] » خاطره، وترفرف عليه كالسّحاب لا يناله إلا ماطره. فليحضر واثقا بالله تعالى وبهذا الأمان الشريف؛ وقد تلفّظنا له به ليزداد وثوقا، ولا يجد بعده سوء الظّنّ إلى قلبه طريقا. وسبيل كلّ واقف عليه إكرامه في حال حضوره، واجراؤه على أحسن ما عهد من أموره؛ وليكن له ولكلّ من يحضر معه أوفر نصيب من الإكرام، وتبليغ قصارى القصد ونهاية المرام؛ والاعتماد على الخطّ الشريف أعلاه» . وذكر في «التثقيف» بصيغة أخرى أخصر من هذه؛ وهي: «هذا أمان الله عزّ وجلّ، وأمان رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وأماننا الشريف لفلان بن فلان الفلانيّ، بأن يحضر إلى الأبواب الشريفة آمنا على نفسه وأهله وماله، لا يصيبه سوء، ولا يناله ضيم، ولا يمسّه أذى. فليثق بالله وبهذا الأمان الشريف ويحضر إلى الأبواب الشريفة، آمنا مطمئنّا، لا يصيبه سوء، ولا يناله أذى في نفس ولا مال ولا أهل ولا ولد. والاعتماد على الخطّ الشريف أعلاه، والله الموفّق بمنه وكرمه» . وزاد فقال: ثم التاريخ والمستند والحسبلة. ولا يكتب فيه: «إن شاء الله تعالى» لأنها تقتضي الاستثناء فيما وقع من الأمان المذكور. ثم قال: هذا هو الأمر المستقرّ من ابتداء الحال وإلى آخر وقت، لم يكتب خلاف ذلك. غير أنّ القاضي شهاب الدّين ذكر النّسخة المذكورة بزيادات حسنة لا بأس بها، لكنّني لم أر أنه كتب بها في وقت من الأوقات. ثم قال: وهي في غاية الحسن، وكان الأولى أن لا يكتب إلّا هي. قلت: وقد رأيت عدّة نسخ أمانات فيها زيادات ونقص عمّا ذكره في «التعريف» و «التثقيف» . والتحقيق ما ذكره صاحب «موادّ البيان» : وهو أن مقاصد

الأمان تختلف باختلاف الأحوال، والذي يضبط إنّما هو صورة الأمان، أما المقاصد فإن الكاتب يدخل في كلّ أمان ما يليق به مما يناسب الحال. وهذه نسخة أمان، كتب بها لأسد الدّين رميثة «1» أمير مكّة، في سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، من إنشاء القاضي تاج الدين بن البار نباري؛ وهي: هذا أمان الله سبحانه وتعالى، وأمان رسوله سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأماننا الشريف، للمجلس العالي الأسديّ رميثة ابن الشريف نجم الدّين محمد بن أبي نميّ: بأن يحضر إلى خدمة السّنجق «2» الشريف المجهّز صحبة الجناب السّيفيّ أيتمش الناصريّ، آمنا على نفسه وماله وأهله وولده وما يتعلّق به، لا يخشى حلول سطوة قاصمة، ولا يخاف مؤاخذة حاسمة، ولا يتوقّع خديعة ولا مكرا، ولا يجد سوءا ولا ضرّا، ولا يستشعر مهابة ولا وجلا، ولا يرهب بأسا وكيف يرهب من أحسن عملا؟؛ بل يحضر إلى خدمة السّنجق آمنا على نفسه وماله وآله، مطمئنّا واثقا بالله وبرسوله وبهذا الأمان الشريف المؤكّد الأسباب، المبيّض للوجوه الكريمة الأحساب؛ وكلّ ما يخطر بباله أنّا نؤاخذه به فهو مغفور، ولله عاقبة الأمور؛ وله منّا الإقبال والتّأمير والتّقديم، وقد صفحنا الصّفح الجميل: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ «3» فليثق بهذا الأمان الشّريف ولا تذهب به الظّنون، ولا يصغ إلى الذين لا

يعلمون، ولا يستشر في هذا الأمر غير نفسه، ولا يظنّ إلّا خيرا فيومه عندنا ناسخ لأمسه؛ وقد قال صلّى الله عليه وسلّم [فيما يرويه عن ربه] «1» : «أنا عند ظنّ عبدي بي فليظنّ بي خيرا» . فتمسّك بعروة هذا الأمان فإنها وثقى، واعمل عمل من لا يضلّ ولا يشقى؛ ونحن قد أمّنّاك فلا تخف، ورعينا لك الطاعة والشّرف؛ عفا الله عما سلف؛ ومن أمّنّاه فقد فاز؛ فطب نفسا وقرّ عينا فأنت أمير الحجاز. قلت: هذا الأمان إنشاء مبتكر مطابق للواقع، وهكذا يجب أن يكون كلّ أمان يكتب. وهذه نسخة أمان كتب بها عن السلطان الملك الظاهر «برقوق» عند محاصرته لدمشق بعد خروجه من الكرك بعد خلعه من السّلطنة «2» : أمّن فيها أهل دمشق خلا الشيخ شهاب الدّين بن القرشيّ وجردمر «3» الطاربي، كتب في ليلة

يسفر صباحها عن يوم الأربعاء السادس والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام، سنة إحدى وتسعين وسبعمائة؛ وهي: هذا أمان الله سبحانه وتعالى، وأمان نبيّه سيدنا محمد نبيّ الرّحمة، وشفيع الأمّة، وكاشف الغمّة، صلّى الله عليه وسلّم، وأماننا لكلّ واقف عليه من أهل مدينة دمشق المحروسة: من القضاة، والمفتين، والفقهاء، وطالبي العلم الشّريف، والفقراء والمساكين، والأمراء، والأجناد، والتّجّار، والمتسبّبين، والشّيوخ، والكهول والشّبّان، والكبار والصّغار، والذّكور والإناث، والخاصّ والعامّ من المسلمين وأهل الذمة، إلا جردمر الطاربي، وأحمد بن القرشيّ- على أنفسهم، وأموالهم، وأولادهم، وأهلهم، وحرمهم، وأصحابهم، وأتباعهم، وغلمانهم، وقبائلهم، وعشائرهم، ودوابّهم، وما يملكونه من ناطق وصامت، وكلّ ما يتعلق بهم: من كثير وقليل، وجليل وحقير، أمان لا يبقى معه خوف ولا جزع، في أوّل أمره ولا في آخره، ولا في عاجله ولا في آجله، ولا ضرّ، ولا مكر، ولا غدر، ولا خديعة، يخصّ ويعم، وتصان به النفس والمال، والولد والأهل، وكلّ ذات يد. فليحضروا بينيهم، وأهلهم وذويهم، وأقربائهم، وغلمانهم، وحاشيتهم، وجميع ما يملكونه من ناطق وصامت، ودان وقاص، وليصلوا بهم إلينا، وليفدوا بهم على حضرتنا الشريفة في ذمام الله تعالى وكلاءته، وضمان هذا الأمان. لهم ذمّة الله تعالى وذمّة رسوله سيدنا محمد نبيّ الرّحمة، صلّى الله عليه وسلّم- أن لا ينالهم مكروه منّا، ولا من أحد من قبلنا، ولا يتعرّض إليهم بسوء ولا أذى، ولا يرنّق لهم مورد بقذى؛ ولهم منّا الإحسان، والصّفاء بالقلب واللّسان، والرعاية التي نؤمّن بها

سربهم، ونهنّيء بها شربهم، ويطمئنّ بها خاطرهم، وترفرف عليهم كالسّحاب لا ينالهم إلا ماطرهم. فليحضروا واثقين بالله تعالى وبرسوله صلّى الله عليه وسلّم، وبهذا الأمان الشريف. وقد تلطّفنا بهم ليزدادوا وثوقا، ولا يجد سوء الظّنّ بعد ذلك إلى قلوبهم طريقا. وسبيل كلّ واقف عليه إكرامهم في حال حضروهم، وإجراؤهم على أكمل ما عهدوه من أمورهم؛ وليكن لهم ولكلّ من يحضر معهم وما يحضر أوفر نصيب من الإكرام، والقبول والاحترام، وتبليغ قصارى القصد ونهاية المرام، والصّفح والرّضا، والعفو عما مضى؛ وليتمسّكوا بعروة هذا الأمان المؤكّد الأسباب، الفاتح إلى الخيرات كلّ باب، وليثقوا بعروته الوثقى، فإنّه من تمسّك بها لا يضلّ ولا يشقى، وليشرحوا بالصّفح عما مضى صدرا، ولا يخشوا ضيما ولا ضرّا، ولا يعرض كلّ منهم على نفسه شيئا مما جنى واقترف، فقد عفا الله عما سلف. ونحن نعرّفهم أن هذا أماننا بعد صبرنا عليهم نيّفا وأربعين يوما مع قدرتنا على دوس ديارهم وتخريبها، واستئصال شأفتهم، ولكنّا منعنا من ذلك الكتاب العزيز والسنة الشريفة، فإنّنا مستمسكون بهما، وخوفنا من الله تعالى ومن نبيّه سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم واليوم الآخر يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ «1» وهم يغالطون أنفسهم ويظنون أن تأخيرنا عنهم عن عجز منّا. فليتلقّوا هذا الأمان الشريف بقلبهم وقالبهم، وليرجعوا إلى الله تعالى، وليصونوا دماءهم وأموالهم وأولادهم، وحرمهم وديارهم، فقد رأوا ما حلّ بهم من نكثهم وبغيهم. قال الله عزّ وجلّ: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً «2» ، وقال عزّ من قائل: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا «3» في معرض المدح لمن وفي بعهده، وقال جلّ وعلا:

ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ ، و «1» ، وقال تبارك وتعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ «2» ، وقال تعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ «3» ، وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه: المكر والبغي والخديعة» ، وقال عليه السّلام: «المرء مجزيّ بعمله» ، وقال عليه السّلام: «الجزاء من جنس العمل» ، وقال أهل التصوّف: (الطّريق تأخذ حقّها) ، وقال أهل الحكمة: (الطّبيعة كافية) ، وقال الشاعر: قضى الله أنّ البغي يصرع أهله ... وأنّ على الباغي تدور الدّوائر! ثم إنّهم يعلّلون آمالهم بعسى ولعلّ، ويقولون: العسكر المصريّ. واصل إليهم نجدة لهم؛ وهذا والله من أكبر حسراتنا أن تكون هذه الإشاعة صحيحة، وبهذا طمعت آمالنا، وصبرنا هذه المدّة الطّويلة، وتمنّينا حضوره ورجوناه، فإنّه بأجمعه مماليك أبوابنا الشريفة، وقد صارت الممالك الشريفة الإسلامية المحروسة في حوزتنا الشريفة، ودخل أهلها تحت طاعتنا المفترضة على كلّ مسلم يؤمن بالله تعالى وبنبيّه سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم وباليوم الآخر: من حاضر وباد، وعربان وأكراد وتركمان، وقاص ودان؛ وهم يتحققون ذلك ويكابرون في المحسوس ويتعلّلون بعسى ولعلّ، ويقولون: يا ليت، فيقال لهم: هيهات. فليستدركوا الفارط قبل أن يعضّوا أيديهم ندما، وتجري أعينهم بدل الدّموع دما؛ وهذا منّا والله أمان ونصيحة في الدنيا والآخرة؛ والله تعالى ربّ النّيّات، وعالم الخفيّات، يعلمون ذلك ويعتمدونه؛ والله تعالى يوفّقهم فيما يبدئونه ويعيدونه؛ والخطّ الشريف شرّفه الله تعالى وأعلاه، وصرّفه في الآفاق وأمضاه- أعلاه، حجّة فيه.

الصنف الثاني (من الأمانات الجاري عليها مصطلح كتاب الزمان، ما يكتب عن نواب الممالك الشامية)

قلت: وهذا الأمان أوّله ملفّق من كلام «التعريف» وغيره، وآخر كلام سوقيّ مبتذل نازل، ليس فيه شيء من صناعة الكلام. (تنبيه) من غرائب الأمانات ما حكاه محمد بن المكرّم في كتابه: «تذكرة اللّبيب» أن رسل صاحب اليمن وفدت على الأبواب السلطانية، في الدولة المنصورية «قلاوون» في شهر رمضان، سنة ثمانين وستمائة، وسألوا السلطان في كتب أمان لصاحب اليمن، وأن يكتب على صدره صورة أمان له ولأولاده، فكتب له ذلك وشملته علامة السلطان، وعلامة ولده وليّ عهده «الملك الصالح علي» وأعلمهم أنّ هذا ممّا لم تجربه عادة، وإنّما أجابهم إلى ذلك إكراما لمخدومهم، وموافقة لغرضه واقتراحه. الصنف الثاني (من الأمانات الجاري عليها مصطلح كتّاب الزّمان، ما يكتب عن نوّاب الممالك الشامية) وهو على نحو ما تقدّم ذكره مما يكتب عن الأبواب السلطانية، إلا أنه يزاد فيه: «وأمان مولانا السّلطان» وتذكر ألقابه المعروفة، ثم يؤتى على بقيّة الأمان، على الطريقة المتقدّمة، ويقال في طرّته: «أمان كريم» . ويقال في آخره: «والعلامة الكريمة» كما تقدّم في التواقيع. وهذه نسخة أمان كتب به عن نائب السّلطنة بحلب في نيابة الأمير قشتمر «1» المنصوريّ، في الدولة الأشرفية «شعبان بن حسين» لبعض من أراد تأمينه؛ وهي: هذا أمان الله سبحانه وتعالى، وأمان نبيّه سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأمان مولانا السلطان الأعظم، العالم، العادل، المجاهد، المرابط، المثاغر، المؤيّد،

المالك، الملك الأشرف، ناصر الدّنيا والدّين، سلطان الإسلام والمسلمين، محيي العدل في العالمين، منصف المظلومين من الظالمين، قامع الكفرة والمشركين، قاهر الطّغاة والمعتدين، مؤمّن قلوب الخائفين والتائبين، ملك البحرين، صاحب القبلتين خادم الحرمين الشريفين، وارث الملك، سلطان العرب والعجم والتّرك، ملك الأرض، الحاكم في طولها والعرض، سيّد الملوك والسلاطين، قسيم أمير المؤمنين «شعبان» ابن الملك الأمجد جمال الدّنيا والدّين «حسين» ابن مولانا السلطان الشّهيد الملك الناصر، ناصر الدّنيا والدّين، سلطان الإسلام والمسلمين «محمد» ابن مولانا السلطان الشهيد الملك المنصور «قلاوون» - خلّد الله ملكه، وجعل الأرض بأسرها ملكه- إلى فلان بالحضور إلى الطاعة الشريفة: طيّب القلب، منبسط الأمل، آمنا على نفسه وماله وأولاده، وجماعته وأصحابه ودوابّه، لا يخاف ضررا ولا مكرا، ولا خديعة ولا غدرا؛ وله مزيد الإكرام والاحترام، والرعاية الوافرة الأقسام، والعفو والرّضا، والصفح عمّا مضى. فليتمسّك بعروة هذا الأمان المؤكّد الأسباب، الفاتح إلى الخيرات كلّ باب، وليثق بعروته الوثقى، فإنّه من تمسّك بها لا يضلّ ولا يشقى؛ وليشرح بالصّفح عما مضى صدرا، ولا يخش ضيما ولا ضرّا، ولا يعرض على نفسه شيئا مما جنى واقترف، فقد عفا الله عمّا سلف؛ والخطّ الكريم- أعلاه الله تعالى- أعلاه حجّة فيه. قلت: ومما ينبغي التنبيه عليه في الأمانات، أنه إن احتاج الأمر في الأمان إلى الأيمان، أتى بها بحسب ما يقتضيه حال الحالف والمحلوف له، على ما تقدّم ذكره في المقالة الثامنة.

الباب الثاني من المقالة التاسعة (في الدفن)

الباب الثاني من المقالة التاسعة (في الدّفن) والمراد به دفن ذنوب من يكتب له حتّى لم تر بعد؛ وفيه فصلان: الفصل الأوّل في أصله وكونه مأخوذا عن العرب والأصل فيه ما ذكره في «التعريف» أن العرب إذا جنى أحد منهم جناية، وأراد المجنيّ عليه العفو عما وقع، فالتّعويل في الصّفح فيها على الدّفن. قال في «التعريف» : وطريقتهم فيه أن تجتمع أكابر قبيلة الذي يدفن بحضور رجال يثق بهم المدفون له، ويقوم منهم رجل، فيقول للمجنيّ عليه: نريد منك الدّفن لفلان، وهو مقرّ بما أهاجك عليه؛ ويعدّد ذنوبه التي أخذ بها ولا يبقي منها بقيّة؛ ويقرّ الذي يدفن ذلك القائل على أن هذا جملة ما نقمه على المدفون له، ثم يحفر بيده حفيرة في الأرض، ويقول: قد ألقيت في هذه الحفيرة ذنوب فلان التي نقمتها عليه، ودفنتها له دفني لهذه الحفيرة؛ ثم يردّ تراب الحفيرة إليها حتّى يدفنها بيده. قال: وهو كثير متداول بين العرب، ولا يطمئنّ خاطر المذنب منهم إلا به؛ إلا أنه لم تجر للعرب فيه عادة بكتابة، بل يكتفى بذلك الفعل بمحضر كبار الفريقين؛ ثم لو كانت دماء أو قتلى عفّيت وعفت بها آثار الطلائب.

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة التاسعة (فيما يكتب في الدفن عن الملوك)

الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة التاسعة (فيما يكتب في الدّفن عن الملوك) قال في «التعريف» : صورته أن يكتب بعد البسملة: «هذا دفن لذنوب فلان، من الان لا تذكر ولا يطالب بها، ولا يؤاخذ بسببها، اقتضته المراحم الشّريفة السّلطانية الملكيّة الفلانية، ضاعف الله تعالى حسناتها وإحسانها: وهي ما بدا من الذنوب لفلان من الجرائم التي ارتكبها، والعظائم التي احتقبها، وحصل العفو الشّريف عن زللها، وقابل الإحسان العميم بالتغمّد سوء عملها؛ وهي: كذا وكذا (وتذكر) دفنا لم تبق معه مؤاخذة بسبب من الأسباب، ومات به الحقد وهيل عليه التّراب، ولم يبق معه لمطالب بشيء منه مطمع، ولا في إحيائه رجاء وفي غير ما وارت الأرض فاطمع، وتصدّق بها سيّدنا ومولانا السلطان الأعظم (ويذكر ألقابه واسمه) تقبّل الله صدقته- وعفا عنها، وقطع الرّجاء باليأس منها، وأبطل منها كلّ حقّ يطلب، وصفح منها عن كل ذنب كان [به] «1» يستذنب، ودفنها تحت قدمه، ونسيها في علم كرمه، وخلّاها نسيا منسيّا لا تذكر في خفارة ذممه، وجعله بها مقيما في أمن الله تعالى إلى أن يبعث الله تعالى خلقه، ويتقاضى كما يشاء حقّه، لا يتعقّب في هذا الأمان متعقّب، ولا ينتهي إلى أمد له نظر مترقّب، لا ينبش هذا الدّفين، ولا يوقف له على أثر في اليوم ولا بعد حين، ولا يخشى فيه صبر مصابر، ولا يقال فيه: إلّا وهبها كشيء لم يكن أو كنازح به الدّار أو من غيّبته المقابر. ورسم بالأمر الشريف العاليّ، المولويّ، السّلطانيّ، الملكيّ

الفلانيّ- أعلاه الله تعالى وشرّفه، وغفر به لكلّ مذنب ما أسلفه- أن يكتب له هذا الكتاب بما عفي له عنه وحفر له ودفن، وأصبح بعمله غير مرتهن، ودفن له فيه دفن العرب، وقطع في التّذكّر له أرب كلّ [ذي] «1» أرب، ودرس في القبور الدّوارس، وغيّب مكانه فيما طمر في اللّيالي الدّوامس. وسبيل كلّ واقف على هذا الكتاب- وهو الحجّة على من وقف عليه، أو بلغه خبره، أو سمعه أو وضح له أثره- أن يتناسى هذه الوقائع، ويتّخذها فيما تضمّنته الأرض من الودائع، ولا يذكر منها إلا ما اقتضاه حملنا الذي يؤمن معه التّلف، وعفونا الذي شمل وعفا الله عمّا سلف. قال في «التثقيف» : ولم أكن رأيت شيئا من هذا ولا وجدته مسطورا إلا في كتابة «التعريف» . قال: والذي أعتقده أنه لم يكتب به قطّ، وإنما الرجل بسعة فضله وفضيلته، أراد أن يرتّب هذه النّسخة لاحتمال أن يؤمر بكتابة شيء من هذا المعنى، فلا يهتدي الكاتب إلى ما يكتبه. ثم قال: على أنه كرّر فيها ذكر السلطان مرّتين، والثالثة قال: رسم بالأمر الشريف، فهي على غير نحو من النّظام المعهود والمصطلح المعروف، بحكم أن فيها أيضا توسّعا كثيرا في العبارة والألفاظ التي تؤدّي كلّها معنى واحدا. قال: وكان الأولى بنا اختصار ذلك وعدم كتابته، لكنّنا أرادنا التنبيه على ما أشار إليه، ليكون هذا الكتاب مستوعبا لجميع ما ذكر، ممّا يستعمل ومما لا يستعمل. قلت: ما قاله في «التثقيف» كلام ساقط صادر عن غير تحقيق؛ فإنّه لا يلزم من عدم اطّلاعه على شيء كتب في هذا المعنى ولا سطّر فيه أن لا يكون مسطورا لأحد في الجملة. وماذا عسى يبلغ اطّلاع المطّلع فضلا عن غيره؟ وإن كان صاحب «التعريف» هو الذي ابتكر ذلك، كما أشار إليه في «التثقيف» فنعمت السّجيّة الاتية بمثل ذلك مما لم يسبق إليه. وأما إنكاره تكرير ذكر السلطان فيها،

فلا وجه له بعد انتظام الكلام وحسن ما أتى به في «التعريف» سواء كان فيه مبتكرا أو متّبعا أو منتزعا له من الأصل السابق. وأحسن ما يكتب في ذلك في تأمين العربان: لأنه إنما أخذ عنهم؛ فإذا صدر إليهم شيء يعرفونه ويجري على قواعدهم التي يألفونها، تلقّوه بالقبول، واطمأنّت إليه قلوبهم، ووقع منهم أجلّ موقع؛ وبالله المستعان.

الباب الثالث من المقالة التاسعة (فيما يكتب في عقد الذمة، وما يتفرع على ذلك؛ وفيه فصلان)

الباب الثالث من المقالة التاسعة (فيما يكتب في عقد الذّمّة، وما يتفرّع على ذلك؛ وفيه فصلان) الفصل الأوّل في الأصول التي يرجع إليها هذا العقد؛ وفيه طرفان الطرف الأوّل (في بيان رتبة هذا العقد، ومعناه، وأصله من الكتاب والسّنّة، وما ينخرط في سلك ذلك) أما رتبته، فإنه دون الأمان بالنّسبة إلى الإمام؛ وذلك أنه إنما يقرّره بعوض يأخذه منهم، بخلاف الأمان. وأما معناه، فقد قال الغزاليّ في «الوسيط» «1» : إنه عبارة عن التزام تقريرهم في ديارنا، وحمايتهم، والذّبّ عنهم ببذل الجزية أو الإسلام من جهتهم. وأما الأصل فيه: فمن الكتاب قوله تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ «2» فجعل الجزية غاية ما يطلب منهم، وهو دليل تقريرهم بها.

ومن السّنّة ما ورد «أن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين وجّه معاذ بن جبل إلى اليمن. قال: إنّك سترد على قوم معظمهم أهل كتاب فاعرض عليهم الإسلام، فإن امتنعوا فاعرض عليهم الجزية وخذ من كلّ حالم دينارا، فإن امتنعوا فاقتلهم» «1» فجعل القتل بعد الامتناع عن أداء الجزية يدلّ على تقريرهم بها أيضا. وقد قرّر أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه نصارى الشّام بإيالتهم على شروط اشترطوها في كتاب كتبوا به إليه، مع زيادة زادها. قال الإمام الحافظ جمال الدّين أبو صادق محمد، ابن الحافظ رشيد الدّين أبي الحسين يحيى، بن علي، بن عبد الله القرشيّ في كتابه المرسوم «بالزّبد المجموعة، في الحكايات والأشعار والأخبار المسموعة» : أخبرنا الشيخ الفقيه أبو محمد عبد العزيز بن عبد الوهّاب بن إسماعيل الزّهريّ المالكيّ وغير واحد من شيوخنا إجازة، قالوا: أنبأنا أبو الطّاهر إسماعيل بن مكّيّ بن إسماعيل الزّهريّ، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن الوليد الفهريّ الطّرطوشيّ قراءة عليه، قال: أخبرنا قاضي القضاة الدامغانيّ، أخبرنا محمد، أخبرنا أبو محمد عبد الرّحمن بن عمر بن محمد التّجيبيّ فيما قرأت عليه، أخبرنا أبو سعيد أحمد بن عمر بن زياد الأعرابي بمكّة سنة أربعين وثلاثمائة، أخبرنا محمد بن إسحاق أبو العبّاس الصّفّار، أخبرنا الرّبيع بن تغلب أبو الفضل، أخبرنا يحيى بن عقبة بن أبي العيزار عن سفيان الثّوريّ، والوليد بن روح، والسّريّ بن مصرّف، يذكرون عن طلحة بن مصرف، عن مسروق، عن عبد الرّحمن بن غنم «2» ، قال: كتبت لعمر بن الخطّاب حين صالح نصارى الشّام:

«بسم الله الرحمن الرحيم» «هذا كتاب «1» لعبد الله عمر أمير المؤمنين، من نصارى مدينة كذا وكذا، إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذراريّنا وأموالنا وأهل ملّتنا، وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها قلّيّة «2» ولا صومعة راهب، ولا نجدّد ما خرب منها: ديرا ولا كنيسة، ولا نخفي ما كان منها في خطط «3» المسلمين، ولا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال نطعمهم، ولا نؤوي في منازلنا ولا كنائسنا جاسوسا، ولا نكتم غشّا للمسلمين، ولا نعلّم أولادنا القرآن، ولا نظهر شركا، ولا ندعو إليه أحدا، ولا نمنع من ذوي قرابتنا الدّخول في الإسلام إن أرادوه، وأن نوقّر المسلمين ونقوم لهم في مجالسنا إذا أرادوا الجلوس، ولا نتشبّه بهم في شيء من لباسهم: في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر، ولا نتكلّم بكلامهم، ولا نتكنّى بكناهم، ولا نركب السّروج، ولا نتقلّد السّيوف، ولا نتّخذ شيئا من السلاح، ولا نحمله معنا، ولا تنقش على خواتيمنا بالعربيّة، ولا نبيع الخمور وأن نجزّ مقادم رؤوسنا، وأن نلزم ديننا حيث ما كنّا، وأن نشدّ زنانيرنا «4» على أوساطنا، وأن لا نظهر الصّليب على كنائسنا، ولا كتبنا في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم، ولا نضرب بنواقيسنا في كنائسنا إلّا ضربا خفيفا، ولا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا ولا في شيء من حضرة المسلمين، ولا نخرج سعانين ولا باعوثا «5» ، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا،

ولا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم، ولا نجاورهم بموتانا، ولا نتّخذ من الرّقيق ما يجري عليه سهام المسلمين، ولا نطّلع عليهم في منازلهم» . قال عبد الرحمن: فلما أتيت عمر بالكتاب زاد فيه: «ولا نضرب أحدا من المسلمين. شرطنا ذلك على أنفسنا وأهل ملّتنا، وقبلنا عليه الأمان. فإن نحن خالفنا عن شيء مما شرطناه لكم وضمنّاه على أنفسنا فلا ذمّة لنا، وقد حلّ لكم منّا ما يحلّ لأهل «1» المعاندة والشّقاق» . وفي رواية له من طريق أخرى «أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلّاية ولا صومعة راهب» . وفيها:- «وأن لا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد في ليل ولا نهار، وأن نوسّع أبوابها للمارّة وابن السّبيل» . وفيها:- «وأن ننزل من مرّ بنا من المسلمين ثلاثة أيّام نطعمه» . وفيها:- «وأن لا نظهر صليبا أو نجسا في شيء من طرف المسلمين وأسواقهم» . وفيها:- «وأن نرشد المسلمين ولا نطّلع عليهم في منازلهم» . قال أبو صادق المقدّم ذكره: ومما ذكره أهل التاريخ أن الحاكم الفاطميّ أمر اليهود والنّصارى إلا الجبابرة بلبس العمائم السّود، وأن يحمل النّصارى في أعناقهم من الصّلبان ما يكون طوله ذراعا ووزنه خمسة أرطال، وأن تحمل اليهود في أعناقهم قرامي الخشب على وزن صلبان النّصارى، وأن لا يركبوا شيئا من المراكب المحلّاة، وأن تكون ركبهم من الخشب، وأن لا يستخدموا أحدا من المسلمين، ولا يركبوا حمارا لمكار مسلم، ولا سفينة نوتيّها مسلم، وأن يكون في أعناق النصارى- إذا دخلوا الحمّام- الصّلبان، وفي أعناق اليهود الجلاجل:

الطرف الثاني (في ذكر ما يحتاج الكاتب إلى معرفته في عقد الذمة)

ليتميّزوا بها من المسلمين، وأفرد حمامات اليهود والنصارى عن حمامات المسلمين ونهوا عن الاجتماع مع المسلمين في الحمّامات، وخطّ على حمامات النّصارى صور الصّلبان، وعلى حمّامات اليهود صور القرامي «1» قال: وذلك بعد الأربعمائة. ثم قال: ولقد أحسن فيما فعل بهم، عفا الله عنّا وعنه، ورزقنا من ينظر في أمورنا وأمورهم بالمصلحة. الطرف الثاني (في ذكر ما يحتاج الكاتب إلى معرفته في عقد الذّمّة) واعلم أنّ ما يحتاج الكاتب إليه من ذلك يرجع إلى ثمانية أمور: الأمر الأوّل- فيمن يجوز أن يتولّى عقد الذّمة من المسلمين ؛ ويختصّ ذلك بالإمام أو نائبه في عقدها؛ وفي آحاد الناس خلاف، والأرجح أنه لا يصحّ منه لأنه من الأمور الكلّية، فيحتاج إلى نظر واجتهاد. الأمر الثاني- معرفة من تعقد له الذّمة . ويشترط في المعقود له: التّكليف والذّكورة والحرّية؛ فلا تعقد لصبيّ ولا مجنون ولا امرأة ولا عبد، بل يكونون تبعا، حتّى لا تجب على أحد منهم الجزية، وفيمن ليس أهلا للقتال: كالشّيخ الكبير والزّمن «2» خلاف، والأصحّ صحّة عقدها له. ويعتبر في المعقود له أيضا أن يكون زاعم التّمسّك بكتاب: كاليهوديّ يزعم تمسّكه بالتّوراة، والنّصرانيّ يزعم تمسّكه بالتّوراة والإنجيل جميعا؛ وفي المتمسّك بغير التّوراة والإنجيل: كصحف إبراهيم

الأمر الثالث - معرفة صيغة العقد

وزبور داود خلاف، والأصحّ جواز عقدها له. وكذلك المجوس، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» . والسّامرة إن وافقت أصولهم أصول اليهود، عقد لهم وإلّا فلا. وكذلك الصّابئة إن وافقت أصولهم أصول النّصارى، ولا يعقد لزنديق، ولا عابد وثن، ولا من يعبد الملائكة والكواكب. ثم إذا كملت فيه شروط العقد فلا بدّ من قبوله العقد. ولو قال: قرّرني بكذا فقال: قرّرتك، صحّ. ولو طلبها طالب من الإمام وجبت إجابته. الأمر الثالث- معرفة صيغة العقد : وهي ما يدل على معنى التّقرير من الإمام أو نائبه، بأن يقول: أقررتكم أو أذنت لكم في الإقامة في دارنا على أن تبذلوا كذا وكذا وتنقادوا لحكم الإسلام. الأمر الرابع- المدّة التي يعقد عليها . ويعتبر فيها أن تكون مطلقة بأن لا يقيّدها بانتهاء، أو بما شاء المعقود له من المدّة. ولا تجوز إضافة ذلك إلى مشيئة الإمام، لأن المقصود من عقدها الدّوام. وقوله صلّى الله عليه وسلّم «أقرّكم ما أقرّكم الله» إنما ورد في المهادنة لا في عقد الذّمّة. الأمر الخامس- معرفة المكان الذي يقرّون فيه ؛ وهو ما عدا الحجاز، فلا يقرّون في شيء من بلاد الحجاز: وهي مكّة، والمدينة، واليمامة، ومخاليفها- يعني قراها:- كالطّائف بالنّسبة إلى مكّة، وخيبر بالنّسبة إلى المدينة، ونحو ذلك. وسواء في ذلك القرى والطّرق المتخلّلة بينها. ويمنعون من الإقامة في بحر الحجاز، بخلاف ركوبه للسفر. وليس لهم دخول حرم مكّة لإقامة ولا غيرها، إذ يقول تعالى: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا «1» فلو تعدّى أحد منهم بالدخول ومات ودفن في الحرم، نبش وأخرج منه ما لم يتقطّع، فإن تقطّع ترك. وقيل: تجمع عظامه وتخرج؛ وعليه يدلّ نصّ الشافعيّ رضي الله عنه في «الأمّ» .

الأمر السادس - معرفة ما يلزم الإمام لهم بعد عقد الذمة

الأمر السادس- معرفة ما يلزم الإمام لهم بعد عقد الذّمّة . إذا عقد لهم الإمام الذّمّة فينبغي أن يكتب أسماءهم ودينهم وحلاهم، وينصب على كلّ جمع عريفا: لمعرفة من أسلم منهم، ومن مات ومن بلغ من صبيانهم، ومن قدم عليهم أو سافر منهم، وإحضارهم لأداء الجزية، أو شكوى من تعدّى الذّمّيّ عليه من المسلمين ونحو ذلك؛ وهذا العريف هو المعبّر عنه في زماننا بالديار المصرية بالحاشر. ثم يجب الكفّ عنهم بأن لا يتعرّض متعرّض لأنفسهم ولا أموالهم، ويضمن ما أتلف منها، ولا تراق خمورهم إلا أن يظهروها، ولا تتلف خنازيرهم إذا أخفوها، ولا يمنعون التّردّد إلى كنائسهم؛ ولا ضمان على من دخل دار أحد منهم فأراق خمره وإن كان متعدّيا بالدّخول، وأوجب أبو حنيفة عليه الضّمان. ويجب ذبّ الكفّار عنهم ما داموا في دارنا، بخلاف ما إذا دخلوا دار الحرب. الأمر السابع- معرفة ما يطلب منهم إذا عقد لهم الذّمّة . ثم المطلوب منهم ستّة أشياء: منها: الجزية: وهي المال الذي يبذلونه في مقابلة تقريرهم بدار الإسلام. قال الماورديّ في «الأحكام السلطانية» : وهي مأخوذة من الجزاء: إمّا بمعنى أنها جزاء لتقريرهم في بلادنا، وإما بمعنى المقابلة لهم على كفرهم «1» وقد اختلف الأئمة في مقدارها: فذهب الشّافعيّ رضي الله عنه إلى أنها مقدّرة الأقلّ، وأقلّها دينار أو اثنا عشر درهما نقرة «2» في كلّ سنة على كلّ حالم، ولا يجوز الاقتصار على أقلّ من الدّينار؛ وغير مقدّرة الأكثر، فتجوز الزيادة على الأقلّ برضا المعقود له. ويستحبّ للإمام المماكسة: بأن يزيد «3» عليهم بحسب ما

يراه. ونقل ابن الرّفعة عن بعض أصحاب الشافعيّ أنه إذا قدّر على العقد غاية لم يجز أن ينقص عنها. ويستحبّ أن يفاوت فيها: فيأخذ من الفقير دينارا، ومن المتوسّط دينارين، ومن الغنيّ أربعة دنانير. وذهب أبو حنيفة إلى تصنيفهم ثلاثة أصناف: أغنياء، يؤخذ منهم ثمانية وأربعون درهما. وأوساط يؤخذ منهم أربعة وعشرون درهما. وفقراء، يؤخذ منهم اثنا عشر درهما «1» فجعلها مقدّرة الأقل والأكثر، ومنع من اجتهاد الإمام ورأيه فيها. وذهب مالك إلى أنه لا يتقدّر أقلّها ولا أكثرها، بل هي موكولة إلى الاجتهاد في الطّرفين. ومنها: الضّيافة: فيجوز للإمام بل يستحبّ أن يشترط على غير الفقير منهم ضيافة من يمرّ بهم من المسلمين زيادة على الجزية، ويعتبر ذكر مدّة الإقامة، وأن لا تزيد على ثلاثة أيام، وكذلك يعتبر ذكر عدد الضّيفان من فرسان ورجّالة، وقدر طعام كلّ واحد وأدمه، وقدر العليق وجنس كلّ منهما، وجنس المنزل. ومنها: الانقياد لأحكامنا؛ فلو ترافعوا إلينا أمضينا الحكم بينهم برضا خصم واحد منهم، ونحكم بينهم بأحكام الإسلام. ومنها: أن لا يركبوا الخيل. ولهم أن يركبوا الحمير بالأكف عرضا: بأن يجعل الرّاكب رجليه من جانب واحد. وفي البغال النفيسة خلاف: ذهب الغزاليّ وغيره إلى المنع منها والراجح الجواز، إلا أنهم لا يتخذون اللّجم المحلّاة بالذّهب والفضّة «2»

ومنها: أن ينزلوا المسلمين صدر المجلس وصدر الطريق. وإن حصل في الطّريق ضيق [ألجئوا] «1» إلى أضيقه. ويمنعون من حمل السّلاح. ومنها: التمييز عن المسلمين في اللّباس: بأن يخيطوا في ثيابهم الظاهرة ما يخالف لونها، سواء في ذلك الرجال والنّساء. والأولى باليهود الأصفر، وبالنّصارى الأزرق والأكهب (وهو المعبّر عنه بالرّماديّ) وبالمجوسيّ- الأسود والأحمر. ويشدّ الرجال منهم الزّنّار من غير الحرير في وسطه، وتشدّه المرأة تحت إزارها، وقيل فوقه. ويميّزون ملابسهم عن ملابس المسلمين، وتغاير المرأة لون خفّيها: بأن يكون أحدهما أبيض والآخر أسود، ونحو ذلك. ويجعل في عنقه في الحمّام جلجلا أو خاتما من حديد. وإن كان على رأس أحدهم شعر أمر بجزّ ناصيته. ويمنعون من إرسال الضّفائر كما تفعل الأشراف. ولهم لبس الحرير والعمامة والطّيلسان. والذي عليه عرف زماننا في التّمييز أنّ اليهود مطلقا تلبس العمائم الصّفر، والنّصارى العمائم الزّرق، ويركبون الحمير على البراذع، ويثني أحدهم رجله قدّامه، وتختصّ السّامرة بالشّام بلبس العمامة الحمراء، ولا مميّز يعتادونه الآن سوى ما قدّمناه. ومنها: أنهم لا يرفعون ما يبنونه على [بنيان] «2» جيرانهم من المسلمين، ولا يساوونه به ولو كان في غاية الانخفاض، ويمنع من ذلك وإن رضي الجار المسلم، لأن الحقّ للدين دون الجار، وله أن يرفع ما بناه بمحلّة منفصلة عن أبنية المسلمين. ولو اشترى بناء عاليا بقي على حاله، فلو انهدم فأعاده لم يكن له الرّفع على المسلم ولا المساواة. ومنها: أنهم لا يحدثون كنيسة ولا بيعة فيما أحدثه المسلمون من البلاد: كالبصرة، والكوفة، وبغداد، والقاهرة، ولا في بلد أسلم أهلها عليها: كالمدينة واليمن. فإن أحدثوا فيها شيئا من ذلك نقض، نعم يترك ما وجد منها ولم يعلم

الأمر الثامن - معرفة ما ينتقض به عهدهم

حاله، لاحتمال اتصال العمارات به. وكذلك لا يجوز إحداث الكنائس والبيع فيما فتح عنوة، ولا إبقاء القديم منها لحصول الملك بالاستيلاء. أمّا ما فتح صلحا بخراج على أن تكون الرّقبة لهم، فيجوز فيها إحداث الكنائس وإبقاء القديمة منها، فإن الأرض لهم. وإن فتحت صلحا على أن تكون لنا: فإن شرط إبقاء القديمة بقيت وكأنّهم استثنوها. ويجوز لهم إعادة المتهدّمة منها، وتطيين خارجها دون توسيعها. الأمر الثامن- معرفة ما ينتقض به عهدهم . وينتقض بأمور: منها: قتال المسلمين بلا شبهة، ومنع الجزية، ومنع إجراء حكمنا عليهم؛ وكذا الزّنا بمسلمة أو إصابتها باسم نكاح، والاطلاع على عورات المسلمين وإنهاؤها لأهل الحرب، وإيواء جاسوس لهم، وقطع الطّريق، والقتل الموجب للقصاص، وقذف مسلم، وسبّ نبيّ جهرا، وطعن في الإسلام أو القرآن إن شرط عليهم الانتقاض وإلا فلا. أما لو أظهر ببلد الإسلام الخمر أو الخنزير أو النّاقوس أو معتقده في عزير والمسيح عليهما السلام أو جنازة لهم أو سقى مسلما خمرا فإنه يعزّر.

الفصل الثاني من الباب الثالث من المقالة التاسعة (ما يكتب في متعلقات أهل الذمة (عند خروجهم) عن لوازم عقد الذمة)

الفصل الثاني من الباب الثالث من المقالة التاسعة (ما يكتب في متعلّقات أهل الذّمة (عند خروجهم) «1» عن لوازم عقد الذّمّة) واعلم أنه ربّما خرج أهل الذّمّة عن لوازم عقد الذّمة، وأظهروا التمييز والتّكبّر وعلوّ البناء، إلى غير ذلك مما فيه مخالفة الشروط، فيأخذ أهل العدل: من الخلفاء والملوك في قمعهم والغضّ منهم وحطّ مقاديرهم، ويكتبون بذلك كتبا ويبعثون بها إلى الآفاق ليعمل بمقتضاها، غضّا منهم وحطّا لقدرهم، ورفعة لدين الإسلام وتشريفا لقدره، إذ يقول تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ* «2» وهذه نسخة كتاب كتب به عن المتوكّل على الله حين حجّ، سمع رجلا يدعو عليه، فهمّ بقتله، فقال [له الرجل] «3» : والله يا أمير المؤمنين ما قلت ما قلت إلّا وقد أيقنت بالقتل، فاسمع مقالي ثم مر بقتلي، فقال: قل! - فشكا إليه استطالة كتّاب أهل الذّمّة على المسلمين في كلام طويل، فخرج أمره بأن تلبس النّصارى واليهود ثياب العسليّ، وأن لا يمكّنوا من لبس البياض كي لا يتشبّهوا بالمسلمين، وأن تكون ركبهم خشبا، وأن تهدم بيعهم المستجدّة، وأن تطلق عليهم الجزية، ولا يفسح لهم في دخول حمّامات خدمها من أهل الإسلام [وأن تفرد لهم حمامات خدمها من أهل الذمّة] «4» ، ولا يستخدموا مسلما في حوائجهم لنفوسهم، وأفردهم

بمن يحتسب عليهم. وقد ذكر أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» : أن المتوكّل أوّل من ألزمهم ذلك؛ وهي: أما بعد فإنّ الله [تعالى] «1» اصطفى الإسلام دينا فشرّفه وكرّمه، وأناره ونضرّه وأظهره، وفضّله وأكمله؛ فهو الدّين الذي لا يقبل غيره؛ قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ «2» ، بعث به صفيّه وخيرته من خلقه، محمّدا صلّى الله عليه وسلّم، فجعله خاتم النّبيّين، وإمام المتّقين، وسيّد المرسلين: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ «3» ، وأنزل كتابا [عزيزا] «4» : لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ «5» ، أسعد به أمّته، وجعلهم خير أمّة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله، وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ «6» ، وأهان الشّرك وأهله، ووضعهم وصغّرهم وقمعهم وخذلهم وتبرّأ منهم، وضرب عليهم الذّلّة والمسكنة، فقال: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ «7» واطّلع على قلوبهم، وخبث سرائرهم وضمائرهم، فنهى عن ائتمانهم، والثّقة بهم: لعداوتهم للمسلمين، وغشّهم وبغضائهم، فقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ «8» ، وقال

تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً «1» ، وقال تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً «2» ، وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ «3» وقد انتهى إلى أمير المؤمنين أنّ أناسا لا رأي لهم ولا رويّة يستعينون بأهل الذّمة في أفعالهم، ويتّخذونهم بطانة من دون المسلمين، ويسلّطونهم على الرّعيّة، فيعسفونهم ويبسطون أيديهم إلى ظلمهم وغشّهم والعدوان عليهم، فأعظم أمير المؤمنين ذلك، وأنكره وأكبره، وتبرّأ منه، وأحبّ التقرّب إلى الله [تعالى] بحسمه والنّهي عنه، ورأى أن يكتب إلى عمّاله على الكور والأمصار، وولاة الثّغور والأجناد، في ترك استعمالهم لأهل الذّمّة في شيء من أعمالهم وأمورهم، وإلا شراك لهم في أماناتهم «4» ، وما قلّدهم أمير المؤمنين واستحفظهم إيّاه، إذ جعل في المسلمين الثّقة في الدّين، والأمانة على إخوانهم المؤمنين، وحسن الرّعاية لما استرعاهم، والكفاية لما استكفوا، والقيام بما حمّلوا بما أغنى عن الاستعانة [بأحد] «5» من المشركين بالله، المكذّبين برسله، الجاحدين لآياته، الجاعلين معه إلها آخر، ولا إله إلا هو وحده لا شريك له؛ ورجا أمير المؤمنين- بما ألهمه الله من ذلك، وقذف في قلبه- جزيل الثّواب، وكريم المآب، والله يعين أمير المؤمنين على نيّته على تعزيز الإسلام وأهله، وإذلال الشّرك وحزبه. فلتعلم هذا من رأي أمير المؤمنين، ولا تستعن بأحد من المشركين، وأنزل

أهل الذّمّة منازلهم التي أنزلهم الله بها، [واقرأ] «1» كتاب أمير المؤمنين على أهل أعمالك وأشعه فيهم، ولا يعلم أمير المؤمنين أنّك استعنت ولا أحد من عمّا لك وأعوانك بأحد من أهل الذّمّة في عمل الإسلام. وفي أيام المقتدر بالله، وفي سنة خمس وتسعين ومائتين، عزل كتّاب النّصارى وعمّا لهم، وأمر أن لا يستعان بأحد من أهل الذّمّة حتّى أمر بقتل ابن ياسر النّصرانيّ عامل يونس الحاجب، وكتب إلى عمّا له بما نسخته: عوائد الله عند أمير المؤمنين توفي على غاية رضاه «2» ونهاية أمانيه، وليس أحد يظهر عصيانه. إلا جعله الله عظة للأنام، وبادره بعاجل الاصطلام «3» : وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ* «4» ؛ فمن نكث وطغى وبغى، وخالف أمير المؤمنين، وخالف محمدا صلّى الله عليه وسلّم، وسعى في إفساد دولة أمير المؤمنين، عاجله أمير المؤمنين بسطوته وطهّر من رجسه دولته وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ* «5» وقد أمر أمير المؤمنين بترك الاستعانة بأحد من أهل الذّمة، فليحذر العمال تجاوز أوامر أمير المؤمنين ونواهيه. وفي أيام الآمر بأحكام الله الفاطميّ بالديار المصرية، امتدّت أيدي النّصارى، وبسطوا أيديهم بالخيانة، وتفنّنوا في أذى المسلمين وإيصال المضرة إليهم. واستعمل منهم كاتب يعرف بالرّاهب، ولقّب بالأب القدّيس، الرّوحانيّ

النّفيس، أبي الآباء، وسيّد الرّؤساء، مقدّم دين النّصرانية، وسيّد البتركيّة «1» ، صفيّ الرّبّ ومختاره، وثالث عشر الحواريّين، فصادر اللّعين عامّة من بالديار المصرية: من كاتب وحاكم وجنديّ وعامل وتاجر، وامتدّت يده إلى النّاس على اختلاف طبقاتهم، فخوّفه بعض مشايخ الكتّاب من خالقه وباعثه ومحاسبه، وحذّره من سوء عواقب أفعاله، وأشار عليه بترك ما يكون سببا لهلاكه. وكان جماعة من كتّاب مصر وقبطها في مجلسه، فقال مخاطبا له ومسمعا للجماعة: نحن ملّاك هذه الدّيار حرثا وخراجا، ملكها المسلمون منّا، وتغلّبوا عليها وغصبوها، واستملكوها من أيدينا؛ فنحن مهما فعلنا بالمسلمين فهو قبالة ما فعلوا بنا، ولا يكون له نسبة إلى من قتل من رؤسائنا وملوكنا في أيام الفتوح؛ فجميع ما نأخذه من أموال المسلمين وأموال ملوكهم وخلفائهم حلّ لنا، وهو بعض ما نستحقّه عليهم؛ فإذا حملنا لهم مالا كانت المنّة لنا عليهم، وأنشد: بنت كرم يتّموها أمّها ... وأهانوها فديست بالقدم ثمّ عادوا حكّموها بينهم ... ويلهم من فعل مظلوم حكم فاستحسن الحاضرون من النّصارى والمنافقين ما سمعوه منه، واستعادوه، وعضّوا عليه بالنّواجذ، حتّى قيل: إنّ الذي احتاط عليه قلم اللّعين من أملاك المسلمين مائتا ألف واثنان وسبعون ألفا، ومائتا دار وحانوت وأرض بأعمال الدّولة، إلى أن أعادها إلى أصحابها أبو عليّ بن الأفضل «2» ، ومن الأموال ما لا يحصيه إلا الله تعالى. ثم انتبه من رقدته «3» ، وأفاق من سكرته، وأدركته الحميّة الإسلامية،

والغيرة المحمّديّة، فغضب الله غضبة ناصر للدّين، وثائر للمسلمين، فألبس أهل الذّمّة الغيار، وأنزلهم بالمنزلة التي أمر الله أن ينزلوا بها من الذّل والصّغار، وأمر أن لا يولّوا شيئا من أعمال الإسلام، وأن ينشأ في ذلك كتاب يقف عليه الخاصّ والعامّ. وهذه نسخته: الحمد لله المعبود في أرضه وسمائه، والمجيب دعاء من يدعو «1» بأسمائه، المنفرد بالقدرة الباهرة، المتوحّد بالقوّة الظاهرة، وهو الله الّذي لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة، هدى العباد بالإيمان إلى سبيل الرّشاد، ووفّقهم في الطاعات لما هو أنفع زاد في المعاد، وتفرّد بعلم الغيوب فعلم من كلّ عبد إضماره كما علم تصريحه يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ «2» ، الذي شرّف دين الإسلام وعظّمه، وقضى بالسعادة الأبديّة لمن انتحاه ويمّمه، وفضّله على كلّ شرع سبقه وعلى كلّ دين تقدّمه، فنصره وخذلها، وأشاده وأخملها، ورفعه ووضعها، وأطّده وضعضعها، وأبى أن يقبل دينا سواه من لأوّلين والآخرين، فقال تعالى وهو أصدق القائلين: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ «3» ، وشهد به بنفسه، وأشهد به ملائكته وأولي العلم الذين هم خلاصة الأنام، فقال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ «4» ولمّا ارتضاه لعباده وأتمّ به نعمته، أكمله لهم وأظهره على الدّين كلّه

وأوضحه إيضاحا مبينا، فقال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً «1» وفرق به بين أوليائه وأعدائه، وبين أهل الهدى والضّلال، وأهل البغي والرّشاد، فقال تعالى: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ «2» وأمر تعالى بالثّبات عليه إلى الممات، فقال وبقوله يهتدي المهتدون: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ «3» ؛ وهي وصيّة إمام الحنفاء لبنيه وإسرائيل: يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ «4» وشهد على الحواريّين عبد الله ورسوله وكلمته عيسى به مريم وهو الشّاهد الأمين، قال تعالى: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ «5» وأمر تعالى رسوله أن يدعو أهل الكتاب إليه، ويشهد من تولّى منهم بأنّه عليه فقال تعالى وقوله الحقّ المبين: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ «6»

وصلّى الله على الذي رفعه باصطفائه إلى محلّه المنيف، وبعثه للناس كافّة بالدّين القيّم الحنيف. أما بعد، فإن الله سبحانه ببالغ حكمته وتتابع نعمته، شرّف دين الإسلام وطهّره من الأدناس، وجعل أهله خير أمّة أخرجت للناس؛ فالإسلام الدّين القويم الذي اصطفاه الله من الأديان لنفسه، وجعله دين أنبيائه ورسله وملائكة قدسه؛ فارتضاه واختاره، وجعل خير عباده وخاصّتهم هم أولياءه وأنصاره، يحافظون على حدوده ويثابرون، ويدعون إليه ويذكّرون، ويخافون ربّهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون؛ فهم بآيات ربّهم يؤمنون، وإلى مرضاته يسارعون، ولمن خرج عن دينه مجاهدون، ولعباده بجهدهم ينصحون، وعلى طاعته مثابرون، وعلى صلواتهم يحافظون، وعلى ربّهم يتوكّلون، وبالآخرة هم يوقنون: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* «1» هذا وإنّ أمّة لله هداها إلى دينه القويم، وجعلها- دون الأمم الجاحدة- على صراط مستقيم، توفي من الأمم سبعين، هم خيرها وأكرمها على ربّ العالمين- حقيقة بأن لا نوالي من الأمم سواها، ولا نستعين بمن حادّ الله خالقه ورازقه وعبد من دونه إلها، وكذّب رسله، وعصى أمره واتّبع غير سبيله، واتّخذ الشّيطان وليّا من دون الله؛ ومعلوم أن اليهود والنّصارى موسومون بغضب الله ولعنته، والشّرك به والجحد لوحدانيّته؛ وقد فرض الله على عباده في جميع صلواتهم أن يسألوا هداية سبيل الذين أنعم الله عليهم: من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين، ويجنّبهم سبيل الذين أبعدهم من رحمته، وطردهم عن جنّته، فباءوا بغضبه ولعنته: من المغضوب عليهم والضالين. فالأمة الغضبية هم اليهود بنصّ القرآن، وأمة الضّلال هم النصارى المثلّثة، عبّاد الصّلبان؛ وقد أخبر تعالى عن اليهود بأنّهم بالذّلّة والمسكنة والغضب

موسومون، فقال تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ «1» وأخبر بأنّهم باؤوا بغضب على غضب وذلك جزاء المفترين، فقال: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ «2» وأخبر سبحانه أنه لعنهم، ولا أصدق من الله قيلا، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا «3» وحكم سبحانه بينهم وبين المسلمين حكما ترتضيه العقول، ويتلقّاه كلّ منصف بالإذعان والقبول، فقال: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ «4» وأخبر عمّا أحلّ بهم من العقوبة التي صاروا بها مثلا في العالمين، فقال تعالى: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ «5» بِما كانُوا يَفْسُقُونَ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ «6» ثم حكم عليهم حكما مستمرّا عليهم في الذّراريّ والأعقاب، على ممرّ

السنين والأحقاب، فقال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ «1» ، فكان هذا العذاب في الدّنيا بعض الاستحقاق: وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ «2» ، وأنهم أنجس الأمم قلوبا وأخبثهم طويّة، وأرداهم سجيّة، وأولاهم بالعذاب الأليم، فقال: أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ «3» ، وأنهم أمّة الخيانة لله ورسوله ودينه وكتابه وعباده المؤمنين، فقال: وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ «4» وأخبر عن سوء ما يسمعون ويقبلون، وخبث ما يأكلون ويحكمون، فقال تعالى: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ «5» وأخبر تعالى أنه لعنهم على ألسنة أنبيائه ورسله بما كانوا يكسبون، فقال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ «6» وقطع الموالاة بين اليهود والنّصارى وبين المؤمنين، وأخبر أنّ من تولّاهم فإنه منهم في حكمه المبين، فقال تعالى وهو أصدق القائلين: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ «1» وأخبر عن حال متولّيهم بما في قلبه من المرض المؤدّي إلى فساد العقل والدّين، فقال: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ «2» ثم أخبر عن حبوط أعمال متولّيهم ليكون المؤمن لذلك من الحذرين، فقال: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ «3» ونهى المؤمنين عن اتّخاذ أعدائه أولياء، وقد كفروا بالحقّ الذي جاءهم من ربّهم، وإنهم لا يمتنعون من سوء ينالونهم به بأيديهم وألسنتهم إذا قدروا عليه فقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ. إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ «4» وجعل سبحانه لعباده المسلمين أسوة حسنة في إمام الحنفاء ومن معه من المؤمنين، إذ تبرّأ ممّن ليس على دينهم امتثالا لأمر الله، وإيثارا لمرضاته وما عنده، فقال تعالى: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا

وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ «1» ، وتبرّأ سبحانه ممن اتّخذ الكفّار أولياء من دون المؤمنين فقال: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ «2» فمن ضروب الطاعات إهانتهم في الدّنيا قبل الآخرة التي هم إليها صائرون، ومن حقوق الله الواجبة أخذ جزية رؤوسهم التي يعطونها عن يد وهم صاغرون، ومن الأحكام الدّينية أن يعمّ جميع الأمّة إلا من لا تجب عليه باستخراجها، وأن يعتمد في ذلك سلوك سبيل السّنّة المحمّدية ومنهاجها، وأن لا يسامح بها أحد منهم ولو كان في قومه عظيما، وأن لا يقبل إرساله بها ولو كان فيهم زعيما، وأن لا يحيل بها على أحد من المسلمين، ولا يوكّل في إخراجها عنه أحدا من الموحّدين، بل تؤخذ منه على وجه الذّلّة والصّغار، إعزاز للإسلام وأهله وإذلالا لطائفة الكفّار، وأن تستوفى من جميعهم حقّ الاستيفاء؛ وأهل خيبر وغيرهم في ذلك على السّواء. وأمّا ما ادّعاه الجبابرة من وضع الجزية عنهم بعهد من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنّ ذلك زور وبهتان، وكذب ظاهر يعرفه أهل العلم والإيمان، لفّقه القوم البهت وزوّروه، ووضعوه من تلقاء أنفسهم ونمّقوه، وظنّوا أن ذلك يخفى على الناقدين، أو يروج على علماء المسلمين؛ ويأبى الله إلّا أن يكشف محال المبطلين، وإفك المفترين؛ وقد تظاهرت السنن وصحّ الخبر بأن خيبر فتحت عنوة، وأوجف عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون على إجلائهم عنها كما أجلى إخوانهم من أهل الكتاب؛ فلمّا ذكروا أنهم أعرف بسقي نخلها ومصالح أرضها، أقرّهم فيها كالأجراء وجعل لهم نصف الارتفاع، وكان ذلك شرطا مبينا، وقال: «نقرّكم فيها ما شئنا» ؛ فأقرّ بذلك الجبابرة صاغرين، وأقاموا على هذا الشّرط في الأرض عاملين؛ ولم يكن للقوم من الذّمام والحرمة، ما يوجب إسقاط الجزية عنهم دون من عداهم

من أهل الذّمّة؛ وكيف؟ وفي الكتاب المشحون بالكذب والمين، شهادة سعد بن معاذ وكان قد توفّي قبل ذلك بأكثر من سنتين، وشهادة معاوية بن أبي سفيان، وإنّما أسلم عام الفتح بعد خيبر سنة ثمان؛ وفي الكتاب المكذوب أنه أسقط عنهم الكلف والسّخر، ولم تكن على زمان خلفائه الذين ساروا في الناس أحسن السّير. ولما اتّسعت رقعة الإسلام، ودخل فيه الخاصّ والعام، وكان في المسلمين من يقوم بعمل الأرض وسقي النّخل، أجلى عمر بن الخطّاب اليهود من خيبر بل من جزيرة العرب حتّى [قال] «1» : «لا أدع فيها إلا مسلما» . وفي شهر رجب سنة سبعمائة وصل إلى القاهرة المحروسة وزير صاحب المغرب حاجّا، فاجتمع بالملك النّاصر «محمد بن قلاوون» ، ونائبه يومئذ الأمير سلار، فتحدّث الوزير معه ومع الأمير بيبرس الجاشنكير في أمر اليهود والنّصارى، وأنهم عندهم في غاية الذّلّة والهوان، وأنهم لا يمكّن أحد منهم من ركوب الخيل ولا الاستخدام في الجهات الدّيوانية، وأنكر حال نصارى الدّيار المصرية ويهودها بسبب لبسهم أفخر الملابس، وركوبهم الخيل والبغال، واستخدامهم في أجلّ المناصب، وتحكيمهم في رقاب المسلمين، وذكر أن عهد ذمّتهم انقضى من سنة ستمائة من الهجرة النّبويّة، فأثّر كلامه عند أهل الدّولة، لا سيّما الأمير بيبرس الجاشنكير، فأمر بجمع النصارى واليهود، ورسم أن لا يستخدم أحد منهم في الجهات السلطانية، ولا عند الأمراء، وأن تغيّر عمائمهم، فيلبس النّصارى العمائم الزّرق، وتشدّ في أوساطهم الزنانير، ويلبس اليهود العمائم الصّفر ويدقوا.... «2» في البيع في إبطال ذلك فلم يقبل منهم، وغلّقت الكنائس بمصر والقاهرة، وسمّرت أبوابها، ففعل بهم ذلك، وألزموا بأن لا يركبوا إلا الحمير، وأن

يلفّ أحدهم إحدى رجليه إذا ركب، وأن يقصّر بنيانهم المجاور للمسلمين عن بناء المسلم. وكتب بذلك إلى جميع الأعمال ليعمل بمقتضاه، وأسلم بسبب ذلك كثير منهم؛ وألبس أهل الذّمة بالشام: النّصارى الأزرق، واليهود الأصفر، والسامرة الأحمر. ثم عادوا إلى المباشرات بعد ذلك، فانتدب السلطان الملك «الصالح صالح» ابن الملك الناصر في سنة خمس «1» وخمسين وسبعمائة لمنعهم من ذلك، وألزمهم بالشروط العمريّة، وكتب بذلك مرسوما شريفا وبعث بنسخته إلى الأعمال فقرئت على منابر الجوامع. وهذه نسخته «2» - صورة ما في الطّرّة: «مرسوم شريف بأن يعتمد جميع طوائف اليهود والنّصارى والسّامرة: بالديار المصرية، والبلاد الإسلامية المحروسة وأعمالها، حكم عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، لمن مضى من أهل ملّتهم: وهو أن لا يحدثوا في البلاد الإسلامية ديرا ولا كنيسة ولا صومعة راهب، ولا يجدّدوا ما خرب منها، ولا يؤوا جاسوسا ولا من فيه ريبة لأهل الإسلام، ولا يكتموا غشّا للمسلمين، ولا يعلّموا أولادهم القرآن، ولا يظهروا شركا، ولا يمنعوا ذوي قرابة من الإسلام إن أرادوه، ولا يتشبّهوا بالمسلمين في لباسهم، ويلبسون الغيار الأزرق والأصفر، وتمنع نساؤهم من التّشبّه بنساء المسلمين، ولا يركبوا سرجا، ولا يتقلّدوا سيفا، ولا يركبوا الخيل ولا البغال، ويركبون الحمير بالأكف عرضا، ولا يبيعوا الخمور، وأن يلزموا زيّهم حيث كانوا، ويشدّوا زنانيرهم غير الحرير على أوساطهم؛ والمرأة البارزة من النصارى تلبس الإزار الكتّان المصبوغ أزرق، واليهودية الإزار الأصفر؛ ولا يدخل أحد منهم الحمّام إلا بعلامة تميّزه عن المسلمين في عنقه: من خاتم

حديد أو رصاص أو غير ذلك، ولا يعلوا على المسلمين في البناء ولا يساووهم، بل يكونون أدون «1» منهم، ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربا خفيفا، ولا يرفعوا أصواتهم في كنائسهم، ولا يخدموا في دولتنا الشريفة- ثبّت الله قواعدها- ولا عند أحد من أمرائها- أعزّهم الله تعالى- ولا يلوا وظيفة يعلو أمرهم فيها على أحد من المسلمين، وأن يحمّل الأمر في مواريث موتاهم على حكم الشريعة الشريفة المحمّديّة، وتوقع عليهم الحوطة «2» الدّيوانية أسوة موتى المسلمين، وأن لا يدخل نسوة أهل الذّمة الحمّامات مع المسلمات، ويجعل لهنّ حمّامات تخصّهنّ يدخلنها، عملا في ذلك بما رجّحه علماء الشّرع الشريف، على ما شرح فيه» . ونصّه بعد البسملة الشريفة. الحمد لله الذي بصّر سلطاننا الصّالح، باعتماد مصالح الدّين والدّنيا، ويسّر لرأينا الراجح، توفير التّوفيق إثباتا ونفيا، وتحرير التّحقيق أمرا ونهيا، وقهر بأحكام الإسلام، من رام نكث العهد ونقض الذّمام، بتعدّي الحدود عدوانا وبغيا، وجسر على اقتحام ذنوب عظام، تحلّ به في الدّارين عذابا وخزيا، وتكفّل للأمة المحمّدية في الأولى والأخرى بالسعادة السّرمديّة التي لا تتناهى ولا تتغيّا، وجعل كلمة الذين كفروا السّفلى وكلمة الله هي العليا. نحمده أن أصحب فكرنا رشدا وأذهب بأمرنا غيّا، ونشكره على أن جبر بأحكام العدل للإيمان وهنا وآثر لذوي البهتان بالانتقام وهيا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واحد أحد، فرد صمد، خلق ورزق وانشأ وأفنى وأمات وأحيا، وتقدّس وتمجّد عن الصّاحبة والولد، وأوجد عيسى بن مريم كما أوجد آدم ولم يكن شيئا وجعله عبدا صالحا نبيّا زكيّا، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أنزل عليه مع الرّوح الأمين قرآنا ووحيا، واستأصل به شأفة الكفّار وأنزل بهم

من الأخطار الداهية الدّهيا، واتّبع ملّة أبيه إبراهيم الذي أري الصّدق وصدّق الرّؤيا، وجمع الله به الشّتات فهدى قلوبا غلفا وأسماعا صمّا وأبصارا عميا، وبلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمّة فبشرى لمن وفّق من أمّته فرزق لحكمته وعيا، ورفع الضلالة، وردّ الضالة، وأجمل للعهد حفظا وللذّمام رعيا، ونسخت شريعته الشرائع، وسدّت الذّرائع، وشمخت على النّجوم الطوالع، فهي أسمى منها رفعة وأنمى عددا وأسنى هديا، صلّى الله عليه وعلى آله فروع الزّهراء الذين عنوا بقوله تعالى: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ «1» أمرع سقيا، خصوصا صدّيقه ورفيقه في الممات وفي المحيا، ومن استخلفه في الصّلاة عنه إشارة إلى أنه أحقّ لرتبة الخلافة بالرّقيا، ومن فرق منه الشّيطان ووافق الفرقان له رأيا، ويسّر الله تعالى في أيّامه المباركة من الفتوحات ما لا أتّفق لغيره ولا تهيّا، وذا النّورين الذي قطع اللّيل تسبيحا وقرآنا وأحيا، واستحيت منه ملائكة السماء لمّا من الله استحيا، وعلى الصّهر وابن العمّ المجاهد الزّاهد الذي طلّق ثلاثا الدّار الفانية التي ليس لها بقيا، وسرّه لمّا قضى على الرّضا نحبه، فوجد الأحبّة: محمدا وحزبه، وحمد اللّحاق واللّقيا، وعلى تتمّة بقيّة العشرة الأبرار، وبقيّة المهاجرين والأنصار، رحمة تديم لمضاجعهم صوبها الدّارّ السّقيا، صلاة وافرة الأقسام سافرة القسمات باهرة المحيّا، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فأحكام الشّرع الشريف أولى بوجوب الاتّباع، وذمام الدّين الحنيف يبير من عصى ويجير من أطاع، وحرمات الملّة المحمّديّة أحقّ بأن تحفظ فلا تضاع؛ ومن المهمّات التي تصرف إليها الهمّة، ويرهف لها حدّ العزمة، وتقام على متعدّي حدودها بالانتقام الجزية، اعتبار أحوال الملّتين من أهل الذّمّة الذين حقن منهم الدّماء حكم الإسلام، وسكّن عنهم الدّهماء ما التزموه من الأحكام، مع القيام بالجزية في كلّ عام، وسلّموا لأوامر الشّريعة المطهّرة التي لولا الانقياد إليها والاستسلام، لأغمد في نحورهم حدّ الحسام؛ فهم تحت قهر سلطان

الإيمان سائرون، ولأمر دين الحقّ الذي نسخ الله به الأديان صائرون، وهم المعنيّون بقوله تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ «1» ولمّا فتح الله تعالى ببركة سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما فتح من البلاد، واسترجع بأيدي المهاجرين والأنصار من أيدي الكفّار العادية كثيرا من الأمصار واستعاد- وأكثر ذلك في خلافة أمير المؤمنين «عمر بن الخطّاب» رضي الله عنه، فإنها كانت للفتح مواسم، وبالمنح بواسم، وتظافرت فيها للمسلمين غرائز العزائم، التي أعادت هزاهزها الكفّار يجرّون ذيول الهزائم- عقد أمراؤه الفاتحون لها بأمره- رضي الله عنه وعنهم- لأهل الكتاب عهدا، وحدّوا لهم من الآداب حدّا لا يجوز أن يتعدّى؛ ولم تزل الخلفاء بعد ذلك والملوك في جميع بلاد الإسلام يجدّدونها، وبالمحافظة والملاحظة يتعهّدونها؛ وآخر من ألزمهم أحكامها العادلة، وعصمهم بذمّتها التي هي لهم ما استقاموا بالسّلامة كافلة، والدنا السلطان الشّهيد «الملك الناصر» ناصر الدّنيا والدّين، سقى الله تعالى عهده عهاد الرّحمة، ولقّى نفسه الخير لنصحه الأمّة؛ فإنه- قدّس الله روحه- جدّد لهم في سنة سبعمائة لباس الغيار، وشدّد عليهم بأس النّكال والإنكار، وعقد لهم ذمّة بها الاعتبار، وسطّر في الصحائف منها شروطا لهم بالتزامها إقرار، وبأحكامها أمكنهم في دار الإسلام الاستقرار، وخذل الفئتين المفتريتين عملا بقول الله تعالى: وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ* «2» ولمّا طال عليهم الأمد تمادوا على الاغترار، وتعادوا إلى الضرّ والإضرار، وتدرّجوا بالتكبّر والاستكبار، إلى أن أظهروا التّزيّن أعظم إظهار، وخرجوا عن المعهود في تحسين الزّنّار والشّعار، وعتوا في البلاد والأمصار، وأتوا من الفساد بأمور لا تطاق كبار.

ولما وضح عندنا منهم الاستمرار على ذلك والإصرار، أنكرنا عليهم أشدّ إنكار، ورأينا أن نتّبع فيهم ما أمر الله تعالى به في الكتاب والسّنّة، وأبينا [إلا معاملتهم] «1» بأحكام الملّة المحمّديّة التي كم لها على الملتين العيسويّة والموسويّة من منّة، وادّخر الله تعالى لنا هذه الحسنة التي هي من جملة الفتوحات التي يفتح الله تعالى بها لنا في الدّنيا أبواب السّعادة وفي الآخرة أبواب الجنّة، فاستفتينا في أمرهم المجالس العالية حكّام الشّريعة المطهّرة، واقتدينا بأقوال مذاهبهم المحرّرة، التي لنا بهديها إلى إصابة الصّواب تبصرة، وعقدنا لهم مجلسا بدار عدلنا الشريف، وألزمناهم أحكام أهل الذّمّة التي بالتزام أوائلهم لها جرى عليهم حكم هذا التّكليف، وأخذناهم بالعهد الذي نسوه، وألبسناهم ثوب الهوان الذي لبسوا [و] «2» لما طال عليهم الزمان نزعوه ولم يلبسوه، وأجرينا عليهم الآن شروطه المضبوطة، وقوانينه التي هي من التّبديل والتّغيير محوطة؛ فمن جاوزها، فقد شاقق الشّريعة الشريفة وبارزها، ومن خالفها، فقد عاند الملّة الإسلاميّة وواقفها، ومن صدف عن سبلها وتنكّبها، فقد اقترف الكبائر وارتكبها؛ وحظرنا عليهم أن يجعل أحد منهم له بالمسلمين شبها، وصيّرنا عليهم الذّلّة التي ضربها الله تعالى عليهم وأوجبها. فلذلك رسم بالأمر الشريف العاليّ، المولويّ، السّلطانيّ، الملكيّ، الصّالحيّ، الصّلاحيّ- لا زال أمره الممتثل المطاع، وزجره به عن المآثم امتناع وارتداع، ورأيه الصالح يريد الإصلاح ما استطاع- أن يعتمد جميع طوائف النّصارى واليهود والسّامرة بالديار المصرية وجميع بلاد الإسلام المحروسة وأعمالها: من سائر الأقطار والآفاق، وما أخذ على سالفيهم في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه من أكيد العهد ووثيق الميثاق: وهو أن لا يحدثوا في البلاد الإسلامية وأعمالها ديرا ولا كنيسة ولا قلّاية ولا صومعة راهب، ولا يجدّدوا فيها ما خرب منها، ولا يمنعوا كنائسهم التي عوهدوا

عليها، وثبت عهدهم لديها، أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم، ولا يؤوا جاسوسا ولا من فيه ريبة لأهل الإسلام، ولا يكتموا غشّا للمسلمين، ولا يعلّموا أولادهم القرآن، ولا يظهروا شركا، ولا يمنعوا ذوي قرابة من الإسلام إن أرادوه، وإن أسلم أحد منهم لا يؤذوه ولا يساكنوه، وأن يوقّروا المسلمين، وأن يقوموا من مجالسهم إن أرادوا الجلوس، وأن لا يتشبهوا بشيء من المسلمين في لباسهم قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر، بل يلبس النّصرانيّ منهم العمامة الزّرقاء عشرة أذرع غير الشعرى «1» فما دونها، واليهوديّ العمامة الصّفراء كذلك، وتمنع نساؤهم من التّشبّه بنساء المسلمين ولبس العمائم، ولا يتسمّوا بأسماء المسلمين، ولا يتكنّوا بكناهم، ولا يتلقّبوا بألقابهم، ولا يركبوا سرجا، ولا يتقلّدوا سيفا، ولا يركبوا الخيل ولا البغال، ويركبون الحمير بالأكف عرضا من غير تزيّن ولا قيمة عظيمة لها «2» ، ولا يتخذوا شيئا من السّلاح، ولا ينقشوا خواتيمهم بالعربيّة، ولا يبيعوا الخمور، وأن يجزّوا مقادم رؤوسهم، وأن يلزموا زيّهم حيث ما كانوا، ويشدّوا زنانيرهم غير الحرير على أوساطهم؛ والمرأة البارزة من النصارى تلبس الإزار الكتّان المصبوغ أزرق، واليهوديّة الإزار المصبوغ أصفر؛ ولا يدخل أحد منهم الحمّام إلا بعلامة تميزه عن المسلمين في عنقه: من خاتم نحاس أو رصاص أو جرس أو غير ذلك، ولا يستخدموا مسلما في أعمالهم؛ وتلبس المرأة البارزة منهم خفّين: أحدهما أسود، والآخر أبيض، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم، ولا يرفعوا بناء قبورهم، ولا يعلوا على المسلمين في البناء، ولا يساووهم، ولا يتحيّلوا على ذلك بحيلة، بل يكونون أدون من ذلك، ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربا خفيفا، ولا يرفعوا أصواتهم في كنائسهم، ولا يخرجوا شعانين، ولا يرفعوا أصواتهم على موتاهم، ولا يظهروا النّيران، ولا يشتروا مسلما من الرّقيق ولا مسلمة، ولا من جرت عليه سهام المسلمين، ولا من منشؤه مسلم، ولا يهوّدوا ولا ينصّروا رقيقا، ويجتنبون أوساط الطريق توسعة للمسلمين، ولا

يفتنوا مسلما عن دينه، ولا يدلّوا على عورات المسلمين، ومن زنى بمسلمة قتل؛ ولا يضعوا أيديهم على أراض موات للمسلمين ولا غير موات ولا مزدرع، ولا ينسبوه لصومعة ولا كنيسة ولا دير ولا غير ذلك، ولا يشتروا شيئا من الجلب الرقيق ولا يوكّلوا فيه، ولا يتحيّلوا عليه بحيلة، ومتى خالفوا ذلك فقد حلّ منهم ما يحلّ من أهل النّفاق والمعاندة. وكذلك رسمنا أنّ كلّ من مات من اليهود والنّصارى والسّامرة: الذّكور والإناث منهم يحتاط عليهم من ديوان المواريث الحشريّة «1» بالديار المصرية وأعمالها وسائر البلاد الإسلاميّة المحروسة، إلى أن تثبت ورثته ما يستحقّونه من ميراثه بمقتضى الشّرع الشريف، وإذا أثبتوا ما يستحقّونه يعطونه بمقتضاه، ويحمل ما فضل بعد ذلك لبيت المال المعمور؛ ومن مات منهم ولا وارث له يستوعب، حمل موجوده لبيت المال المعمور، ويجرون في الحوطة على موتاهم من دواوين المواريث ووكلاء بيت المال المعمور مجرى من يموت من المسلمين: ليتبيّن أمر مواريثهم، ويحمل الأمر فيها على حكم الشّرع الشريف، عملا بالفتاوى الشّرعية المتضمّنة إجراء مواريث موتاهم على حكم الفرائض الشّرعيا بحكم الملّة الاسلاميّة المحمّديّة: من إعطاء كلّ ذي فرض وعصبة ما يستحقّه شرعا، من غير مخالفة ولا امتناع، ولا مواقفة ولا دفاع؛ فإنّ ذلك ممّا يتعيّن أن يكون له إلى بيت المال المعمور فيه إرجاع، ولتعلّق حقوق المؤمنين بذلك، ولأنه يعيد حيث تفيا إلى المسلمين ما يستحقّه بيت المال من مال كلّ هالك، ولأنّا المطالبون بما يؤول إلى ميراث المسلمين من تراث أولئك، لتكون هذه الحسنة في صحائفنا مسطّرة، وإن كانت الأيام قد تمادت عليها ومعرفتها نكرة، وتعادت إليها أيديهم العادية فاختلست من الذّهب والفضّة القناطير المقنطرة.

ورسمنا أن لا يخدم نصرانيّ ولا سامريّ ولا يهوديّ في دولتنا الشريفة، ثبّت الله قواعدها، ولا في دواوين الممالك المحروسة والأعمال، ولا عند أحد من أمرائنا أعزّهم الله تعالى، ولا يباشر أحد منهم وكالة ولا أمانة، ولا ما فيه تأمّر على المسلمين، بحيث لا يكون لهم كلمة يستعلون بها على أحد من المسلمين في أمر من الأمور؛ فقد حرّم الله ذلك نصّا وتأويلا، وضمّن حكمه في الحال والاستقبال قرآنا وتنزيلا، فقال تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا «1» ، وأوضح في اجتنابهم للمتّقين علم اليقين، فقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «2» وقد نهى الله موالاتهم وأضاف بسخطه كلّ خزي إليهم، فقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ «3» وقد أذلّهم الله جلّ وعزّ لافترائهم واجترائهم من كتابه العزيز في مواضع عدّة، فقال تعالى: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ «4» ، فوجب أن لا يكونوا على الأعمال أمنة، ولا للأموال خزنة: لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اليهود والنصارى خونة» . وقال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: «لا تستعملوا اليهود والنّصارى فإنّهم أهل رشا في دينهم ولا تحلّ الرّشا» ؛ فباعتزالهم واختزالهم يؤمن من مكرهم وخيانتهم ما يختشى. ولما قدم عليه أبو موسى الأشعريّ من البصرة وكان عامله بها، دخل عليه المسجد، واستأذن لكاتبه وكان نصرانيّا، فقال له أمير المؤمنين عمر:- ولّيت ذمّيّا على المسلمين، أما سمعت قول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا

الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ «1» هلّا اتخذت حنيفيّا؟ - فقال يا أمير المؤمنين: لي كتابته وله دينه، فأنكر أمير المؤمنين عليه ذلك، وقال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزّهم إذ أذلّهم الله، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله-. فاتّبعنا في صرفهم الكتاب والسّنّة والأثر، ومنعنا عن المسلمين- بغلّ أيديهم عن المباشرة- الأذى والضّرر، ودفعنا عن أمير المؤمنين من سوء معاشرتهم ما ألموا له من الأذى مع شرّ معشر. فليعتمد حكم هذا المرسوم، الذي هو بالعدل والإحسان موسوم، وليخلّد في صحائف المثوبات ليستقرّ ويستمرّ ويدوم، وليشع ذكره في الممالك، وليذع أمره في المسالك؛ وعلى حكّام المسلمين- أيدهم الله تعالى- وقضاتهم، ومتصرّفيهم وولاتهم، أن يوقعوا بمن تعدّى هذه الحدود، من النصارى واليهود، ويردعوا بسيف الشّرع كلّ جهول من أهل الجحود، ويحلّوا العذاب بمن حمله العقوق على حلّ العقود، ويذلّوا رقاب الكافرين بالإذعان لاستخراج الحقوق وإخراج الأضغان والحقود. وقد رسمنا بأن يحمل الأمر في هذا المرسوم الشريف على حكم ما التزم في المرسوم الشريف الشّهيديّ الناصريّ المتقدّم المكتتب في رجب سنة سبعمائة، المتضمّن للشهادة على بطركي النصارى اليعاقبة، والملكيّة، ورئيس اليهود بالتّحريم وإيقاع الكلمة على من خالف هذا الشّرط المشروط والحدّ المحدود، وأن لا يحلّوا ما انبرم من محكم العقود، فيحلّ عليهم عذاب غير مردود؛ والله تعالى يعين سلطان الحقّ على ما يرجع بنفع الخلق ويعود، ويزين بصالح المؤمنين ملك الإسلام وممالك الوجود، ويهين ببأسه أعداء الدّين، الذين لهم عن السبيل المبين، صدوف وصدود، ويسلك به شرعة الشّرع الشريف ومنهاجه: من إماتة البدع وإحياء السّنن وإدامة الصّون

وإقامة الحدود، ويهلك بسطوته الكافرين كما هلك بدعوة صالح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمود. والعلامة الشريفة أعلاه حجّة فيه. تم الجزء الثالث عشر. يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الرابع عشر وأوّله الباب الرابع من المقالة التاسعة والحمد لله رب العالمين. وصلاته على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه والتابعين، وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل

ثبت المراجع

ثبت المراجع 1- الأحكام السلطانية والولايات الدينية. تأليف أبي الحسن الماوردي. دار الكتب العلمية- بيروت. 2- الإشارة إلى من نال الوزارة. تأليف ابن الصيرفي المصري. تحقيق عبد الله مخلص. منشورات المعهد العلمي الفرنسي- القاهرة- 1924. 3- الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة. تأليف ابن شداد. تحقيق يحيى عبّادة. منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي- دمشق. 4- الأعلام (قاموس تراجم) . تأليف خير الدين الزركلي. دار العلم للملايين- بيروت. 5- الأغاني. تأليف أبي الفرج الأصفهاني. تحقيق مجموعة من الباحثين بإشراف محمد أبو الفضل إبراهيم. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 6- الانتصار لواسطة عقد الأمصار. تأليف ابن دقماق. دار الافاق الجديدة- بيروت. 7- الأوائل. تأليف أبي هلال العسكري. تحقيق محمد المصري ووليد قصّاب. منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي- دمشق. 8- الألقاب الإسلامية في التاريخ والوثائق والاثار. تأليف حسن الباشا. مكتبة النهضة المصرية- 1957. 9- بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب. تأليف محمود شكري الالوسي. دار الكتب العلمية- بيروت. 10- تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل. تأليف أحمد السعيد سليمان. دار المعارف- مصر. 11- تاريخ الإسلام. تأليف حسن إبراهيم حسن. مكتبة النهضة المصرية- القاهرة. 12- تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك) .

تأليف أبي جعفر الطبري. دار الكتب العلمية- بيروت. 13- تاريخ ابن الفرات. تأليف محمد بن عبد الرحيم بن الفرات. تحقيق قسطنطين زريق ونجلاء عز الدين. المطبعة الأمريكية- بيروت. 14- تشريف الأيام والعصور في سيرة الملك المنصور. تأليف محيي الدين بن عبد الظاهر. تحقيق مراد كامل ومحمد علي النجار. منشورات وزارة الثقافة والإرشاد. القومي بالجمهورية العربية المتحدة. 15- التعريفات. تأليف علي بن محمد الجرجاني. دار الكتب العلمية- بيروت. 16- تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) . تأليف أبي عبد الله القرطبي. دار الشام للتراث- بيروت. 17- تهذيب تاريخ ابن عساكر. تأليف عبد القادر بدران- دمشق. 18- جمهرة الأمثال. تأليف أبي هلال العسكري. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش. المؤسسة العربية الحديثة. الطبعة الأولى 1964. 19- جمهرة رسائل العرب في عصور العربية الزاهرة. تأليف أحمد زكي صفوت. المكتبة العلمية- بيروت. 20- الجوهر الثمين. تأليف ابن دقماق. تحقيق محمد كمال الدين عز الدين علي. عالم الكتب- بيروت. 21- الخطط التوفيقية الجديدة لمصر القاهرة. تأليف علي باشا مبارك. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 22- الخطط المقريزية (المواعظ والاعتبار) . تأليف أحمد بن علي المقريزي. دار صادر- بيروت. 23- دائرة المعارف الإسلامية. الطبعة العربية. منشورات كتاب الشعب- القاهرة. 24- الذيل على كشف الظنون (إيضاح المكنون) . تأليف إسماعيل باشا البغدادي. دار الفكر- بيروت. 25- الروض المعطار في خبر الأقطار. تأليف محمد بن عبد المنعم الحميري. تحقيق إحسان عباس. مكتبة لبنان- بيروت. 26- سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب. تأليف محمد أمين البغدادي السويدي. دار الكتب العلمية- بيروت. 27- سفر نامه. تأليف ناصر خسرو. ترجمة يحيى الخشاب.

دار الكتاب الجديد- بيروت. 28- السيرة النبوية لابن هشام. تحقيق مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي. منشورات البابي الحلبي. الطبعة الأولى 1967. 29- شذرات الذهب في أخبار من ذهب. تأليف ابن العماد الحنبلي. مكتبة القدسي- القاهرة. 30- شرح ديوان الحماسة. تأليف الخطيب التبريزي. عالم الكتب- بيروت. 31- الشعر والشعراء (طبقات الشعراء) . تأليف ابن قتيبة الدينوري. تحقيق مفيد قميحة. دار الكتب العلمية- بيروت. 32- صبح الأعشى في صناعة الإنشا. تأليف القلقشندي. طبعة دارالكتب المصرية. 33- صفة جزيرة الأندلس (منتخب من الروض المعطار) . تحقيق ليفي بروفنسال- القاهرة- 1937. 34- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع. تأليف محمد بن عبد الرحمن السخاوي. مكتبة الحياة- بيروت. 35- طبقات سلاطين الإسلام. تأليف استانلي لين بول. ترجمه عن الفارسية مكي طاهر الكعبي. حققه علي البصري. منشورات البصري- بغداد. 36- فتوح البلدان. تأليف البلاذري. تحقيق صلاح الدين المنجد. مكتبة النهضة المصرية القاهرة. 37- الفقه على المذاهب الخمسة. تأليف محمد جواد مغنية. دار الجواد- بيروت. 38- فوات الوفيات. تأليف محمد بن شاكر الكتبي. تحقيق إحسان عباس. دار صادر- بيروت. 39- الفهرست. تأليف ابن النديم. دار المعرفة- بيروت. 40- القاموس المحيط. تأليف الفيروز ابادي. المؤسسة العربية للطباعة والنشر- بيروت. 41- القرآن الكريم. 42- القلقشندي وكتابه صبح الأعشى. مجموعة من الباحثين في الجمعية المصرية للدراسات التاريخية. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 43- قوانين الدواوين. تأليف ابن مماتي. تحقيق عزيز سوريال عطية. مطبعة مصر- 1943. 44- الكامل في التاريخ. تأليف ابن الأثير. دار صادر- بيروت. 45- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون.

تأليف حاجي خليفة. دار الفكر- بيروت. 46- الكليات (معجم في المصطلحات والفروق اللغوية) . تأليف أبي البقاء الكفوي. تحقيق عدنان درويش ومحمد المصري. ووزارة الثقافة والإرشاد القومي- دمشق. 47- لسان العرب- تأليف ابن منظور. دار صادر- بيروت. 48- مآثر الإنافة في معالم الخلافة. تأليف القلقشندي. تحقيق عبد الستار أحمد فراج. عالم الكتب- بيروت. 49- المتعة ومشروعيتها في الإسلام. تحقيق الشيخ عبد الله نعمة. دار الزهراء- بيروت. 50- محيط المحيط. تأليف بطرس البستاني. مكتبة لبنان- بيروت. 51- مذكرات جوانفيل (القديس لويس: حياته وحملاته على مصر والشام) . ترجمة وتعليق حسن حبشي. دار المعارف بمصر. الطبعة الأولى 1968. 52- مصطلحات صبح الأعشى. تأليف محمد قنديل البقلي. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 53- معجم الألفاظ والأعلام القرآنية. تأليف محمد إسماعيل إبراهيم. دار الفكر العربي- القاهرة. 54- معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي. تأليف المستشرق زامباور. أخرجه زكي محمد حسن بك وحسن أحمد محمود. مطبعة جامعة فؤاد الأول- 1951. 55- معجم البلدان. تأليف ياقوت الحموي. دار الكتاب العربي- بيروت. 56- معجم الشعراء. تأليف المرزباني. دار الكتب العلمية- بيروت. 57- معجم عبد النور المفصل. تأليف جبّور عبد النور. دار العلم للملايين- بيروت. 58- معجم قبائل العرب القديمة والحديثة. تأليف عمر رضا كحالة. مؤسسة الرسالة- بيروت. 59- معجم مقاييس اللغة. تأليف أحمد بن فارس. تحقيق عبد السلام محمد هارون. دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت. 60- المعجم الوسيط. مجمع اللغة العربية- القاهرة. 61- المغرب في حلى المغرب. تأليف ابن سعيد المغربي. تحقيق شوقي ضيف. دار المعارف بمصر. 62- مقدمة ابن خلدون تأليف عبد الرحمن بن خلدون. دار الكتاب اللبناني- بيروت.

63- منطلق تاريخ لبنان. تأليف كمال سليمان الصليبي. منشورات كارافان- نيويورك. 64- الموسوعة العربية الميسرة- بإشراف محمد شفيق غربال. دار الشعب ومؤسسة فرنكلين- القاهرة. 65- الموسوعة الفلسطينية. القسم العام: أربعة مجلدات. هيئة الموسوعة الفلسطينية- دمشق. 66- الميزان في تفسير القرآن. تأليف محمد حسين الطباطبائي. مؤسسة الأعلمي للطباعة- بيروت. 67- نزهة النفوس والأبدان في تواريخ الزمان. تأليف الخطيب الصيرفي. تحقيق حسن حبشي. منشورات وزارة الثقافة بالجمهورية العربية المتحدة- 1970- مطبعة دار الكتب. 68- النظم الإسلامية. تأليف الشيخ صبحي الصالح. دار العلم للملايين- بيروت. 69- الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة. جمعها محمد حميد الله. دار النفائس- بيروت. 70- الوزارة والوزراء العصر الفاطمي. تأليف محمد حمدي المناوي. دار المعارف بمصر. 71- وفيات الأعيان. تأليف ابن خلكان. تحقيق إحسان عباس. دار الثقافة- بيروت. 72- ولاة مصر. تأليف محمد بن يوسف الكندي. تحقيق حسين نصار. دار بيروت ودار صادر- 1959. 73- يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر. تأليف أبي منصور الثعالبي. دار الباز للنشر والتوزيع- مكة المكرمة.

فهرس

[فهرس] الموضوع الصفحة المقالة السادسة فيما يكتب في الوصايا الدينية، والمسامحات، والاطلاقات السلطانية والطّرخانيات؛ وتحويل السنين والتذاكر، وفيها أربعة أبواب 3 الباب الأوّل- في الوصايا الدينية، وفيه فصلان 3 الفصل الأوّل- فيما لقدماء الكتاب من ذلك 3 الفصل الثاني- فيما يكتب من ذلك في زماننا، وهو على ضربين 13 الضرب الأوّل- ما يكتب عن الأبواب السلطانية 13 الضرب الثاني- ما يكتب عن نوّاب السلطنة بالممالك 14 الباب الثاني- فيما يكتب في المسامحات والاطلاقات، وفيه فصلان 24 الفصل الأوّل- فيما يكتب في المسامحات، وهي على ضربين 24 الضرب الأوّل- ما يكتب من الأبواب السلطانية، وهو على مرتبتين 24 المرتبة الأولى- المسامحات العظام 24 المرتبة الثانية- من المسامحات أن تكتب في قطع العادة الخ 39 الضرب الثاني- ما يكتب عن نوّاب السلطنة بالممالك الشامية 41 الفصل الثاني- فيما يكتب من الاطلاقات، وفيه طرفان 43 الطرف الأوّل- فيما يكتب عن الأبواب السلطانية، وهو على ثلاث مراتب 43 المرتبة الأولى- ما يكتب في قطع الثلث مفتتحا ب «الحمد لله» 43 المرتبة الثانية- ما يفتتح ب «أما بعد حمد الله» 46 المرتبة الثالثة- مما يكتب به في الاطلاقات أن يكتب في قطع العادة

مفتتحا ب «رسم بالأمر الشريف» 48 الباب الثالث- في الطّرخانيات، وفيه فصلان 51 الفصل الأوّل- في طرخانيات أرباب السيوف، وهي على ثلاث مراتب (لم يذكر إلا مرتبتين) 51 المرتبة الأولى- أن يفتتح المرسوم المكتتب في ذلك ب «الحمد لله» . 51 المرتبة الثانية- أن يفتتح مرسوم الطرخانيات ب «أما بعد» 54 الفصل الثاني- فيما يكتب في طرخانيات أرباب الأقلام 56 الباب الرابع- فيما يكتب في التوفيق بين السنين الشمسية والقمرية المعبر عنه في زماننا بتحويل السنين وما يكتب في التذاكر، وفيه فصلان 58 الفصل الأوّل- فيما يكتب في التوفيق بين السنين، وفيه طرفان 58 الطرف الأوّل- في بيان أصل ذلك 58 الطرف الثاني- في صورة ما يكتب في تحويل السنين، وهو على نوعين (لم يذكر إلا نوعا واحدا) 67 النوع الأوّل- ما كان يكتب في ذلك عن الخلفاء، وفيه مذهبان 67 المذهب الأوّل- أن يفتتح ما يكتب ب «أما بعد» 67 المذهب الثاني- مما كان يكتب عن الخلفاء في تحويل السنين أن يفتتح ما يكتب بلفظ «من فلان أمير المؤمنين إلى أهل الدولة» ونحو ذلك، وفيه ضربان 75 الضرب الأوّل- ما كان يكتب في الدولة الأيوبية 75 الضرب الثاني- ما يكتب به في زماننا 78 الفصل الثاني- فيما يكتب في التذاكر [وفيه ثلاثة أضرب] (ولم يذكر الضرب الأوّل) 84 الضرب الثاني- ما كان يكتب لنوّاب السلطنة بالديار المصرية عند سفر السلطان عن الديار المصرية 96 الضرب الثالث- ما كان يكتب لنوّاب القلاع وولاتها: إما عند

استقرار النائب بها وإما في خلال نيابته 105 المقالة السابعة في الاقطاعات والقطائع، وفيها بابان 111 الباب الأوّل- في ذكر مقدّمات الاقطاعات، وفيه فصلان 111 الفصل الأوّل- في ذكر مقدّمات تتعلق بالاقطاعات، وفيه ثلاثة أطراف 111 الطرف الأوّل- في بيان معنى الاقطاعات وأصلها في الشرع 111 الطرف الثاني- في بيان أوّل من وضع ديوان الجيش وكيفية ترتيب منازل الجند فيه والمساواة والمفاضلة في الاعطاء 113 الطرف الثالث- في بيان من يستحق إثباته في الديوان وكيفية ترتيبهم فيه 117 الفصل الثاني- في بيان حكم الاقطاع، وهو على ضربين 120 الضرب الأوّل- إقطاع التمليك 120 الضرب الثاني- إقطاع الاستغلال 122 الباب الثاني- فيما يكتب في الاقطاعات في القديم والحديث، وفيه فصلان 125 الفصل الأوّل- في أصل ذلك 125 الفصل الثاني- في صورة ما يكتب في الاقطاعات، وفيه طرفان 130 الطرف الأوّل- فيما كان يكتب من ذلك في الزمن القديم، وهو على ضربين 130 الضرب الأوّل- ما كان يكتب عن الخلفاء، ولهم فيه طريقتان 130 الطريقة الأولى- طريقة كتاب الخلفاء العباسيين ببغداد 130 الطريقة الثانية- ما كان يكتب في الاقطاعات عن الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية 139

الضرب الثاني- مما كان يكتب في الاقطاعات في الزمن المتقدم ما كان يكتب عن ملوك الشرق القائمين على خلفاء بني العباس، وفيه طريقتان 146 الطريقة الأولى- أن يكتب في الابتداء «هذا كتاب» كما كان يكتب عن خلفاء بني العباس في ذلك 146 الطريقة الثانية- ما كان يكتب عن الملوك الأيوبية بالديار المصرية، ولهم فيه أساليب 150 الأسلوب الأوّل- أن يفتتح التوقيع المكتتب بالاقطاع بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» 151 الأسلوب الثاني- أن يفتتح التوقيع بلفظ «أما بعد فإنّ كذا» 154 الأسلوب الثالث- أن يفتتح التوقيع بما فيه معنى الشجاعة والقتال، وما في معنى ذلك 157 الطرف الثاني- ما يكتب في الاقطاعات في زماننا، وهو على ضربين 159 الضرب الأوّل- ما يكتب قبل أن ينقل إلى ديوان الإنشاء، وفيه جملتان 159 الجملة الأولى- في ابتداء ما يكتب في ذلك من ديوان الجيش 159 الجملة الثانية- في صورة ما يكتب في المربعة الجيشية 160 الضرب الثاني- فيما يكتب في الاقطاعات من ديوان الإنشاء، وفيه خمس جمل 162 الجملة الأولى- في ذكر اسم ما يكتب في الاقطاعات من ديوان الإنشاء 162 الجملة الثانية- في بيان أصناف المناشير، وما يخص كل صنف منها من مقادير قطع الورق 163 الجملة الثالثة- في بيان صورة ما يكتب في المناشير في الطرّة والمتن. 164 الجملة الرابعة- في الطّغرى التي تكون بين الطرّة المكتتبة في أعلى

المنشور وبين البسملة 167 الجملة الخامسة- في ذكر طرف من نسخ المناشير التي تكتب في الاقطاعات في زماننا، وهي على ثلاثة أنواع 171 النوع الأوّل- ما يفتتح ب «الحمد لله» وهو على ثلاثة أضرب 172 الضرب الأوّل- مناشير أولاد الملوك 172 الضرب الثاني- مناشير الأمراء مقدّمي الألوف 173 الضرب الثالث- مناشير أمراء الطبلخاناه 188 النوع الثاني- من المناشير ما يفتتح ب «أما بعد» وهو على ضربين 193 الضرب الأوّل- في مناشير العشرات كائنا ذلك الأمير من كان 193 الضرب الثاني- في مناشير أولاد الأمراء 196 النوع الثالث- من المناشير ما يفتتح ب «خرج الأمر الشريف» 200 المقالة الثامنة في الأيمان، وفيها بابان 202 الباب الأوّل- في أصول يتعين على الكاتب معرفتها قبل الخوض في الأيمان، وفيه فصلان 202 الفصل الأوّل- فيما يقع به القسم، وفيه طرفان 202 الطرف الأوّل- في الأقسام التي أقسم بها الله تعالى في كتابه العزيز 202 الطرف الثاني- في الأقسام التي تقسم بها الخلق، وهي على ضربين 206 الضرب الأوّل- ما كان يقسم به في الجاهلية 206 الضرب الثاني- الأقسام الشرعية 208 الفصل الثاني- في بيان معنى اليمين الغموس ولغو اليمين والتحذير من الحنث والوقوع في اليمين الغموس، وفيه طرفان 212 الطرف الأوّل- في بيان معنى اليمين الغموس ولغو اليمين 212 الطرف الثاني- في التحذير من الوقوع في اليمين الغموس 213 الباب الثاني- في نسخ الأيمان الملوكية، وفيه فصلان 215

الفصل الأوّل- في نسخ الأيمان المتعلقة بالخلفاء، وهي على نوعين 215 النوع الأوّل- في الأيمان التي يحلف بها على بيعة الخليفة عند مبايعته 215 [النوع] الثاني- الأيمان التي يحلف بها الخلفاء (ووقع سهوا: الضرب الثاني الخ) 219 الفصل الثاني- في نسخ الأيمان المتعلقة بالملوك، وفيه خمسة مهايع (لم يذكر المهيع الخامس) 220 المهيع الأوّل- في بيان الأيمان التي يحلّف بها المسلمون، وهي على نوعين 220 النوع الأوّل- أيمان أهل السنة 220 النوع الثاني- أيمان أهل البدع، وهم ثلاث طوائف 225 الطائفة الأولى- الخوارج 225 الطائفة الثانية- الشيعة، وهم خمس فرق 229 الفرقة الأولى- الزيدية 230 الفرقة الثانية- الإمامية 231 الفرقة الثالثة- الاسماعيلية 238 الفرقة الرابعة- الدّرزية 251 الفرقة الخامسة- النّصيرية 253 الطائفة الثالثة- القدرية 254 المهيع الثاني- في الأيمان التي يحلّف بها أهل الكفر، وهم على ضربين 256 الضرب الأوّل- من زعم منهم التمسك بشريعة نبيّ من الأنبياء، وهم أصحاب ثلاث ملل 256 الملة الأولى- اليهود، وهم طائفتان 256 الطائفة الأولى- المتفق على يهوديتهم، وهم القرّاؤون 260 الطائفة الثانية- من اليهود السامرة 270 [الملّة الثانية]- النصرانية (ووقع سهوا: الفرقة الثالثة الخ) وهم

ثلاث فرق 273 الفرقة الأولى- الملكانية 279 الفرقة الثانية- اليعقوبية 281 الفرقة الثالثة- النسطورية 283 الملة الثالثة- المجوسية، وهم ثلاث فرق 294 الفرقة الأولى- الكيومرتية 294 الفرقة الثانية- الثنوية 294 الفرقة الثالثة- الزرادشتية 294 المهيع الثالث- في الأيمان التي يحلّف بها الحكماء، وهم على ثلاثة أصناف 299 الصنف الأوّل- البراهمة 300 الصنف الثاني- حكماء العرب 300 الصنف الثالث- حكماء الروم، وهم على ضربين 300 الضرب الأوّل- القدماء منهم 300 الضرب الثاني- المتأخرون منهم، وهم أصحاب أرسطاطاليس 300 المهيع الرابع- في بيان المحلوف عليه، وما يقع على العموم، وما يختص به كل واحد من أرباب الوظائف مما يناسب وظيفته 307 المهيع الخامس- في صورة كتابة نسخ الأيمان التي يحلّف بها، وهي على ضربين 319 الضرب الأوّل- الأيمان التي يحلّف بها الأمراء في الديار المصرية 319 الضرب الثاني- الأيمان التي يحلّف بها نوّاب السلطنة والأمراء بالممالك الشامية، وما انضم إليها 320 المقالة التاسعة في عقود الصلح والفسوخ الواردة على ذلك، وفيها خمسة أبواب 321 الباب الأوّل- في الأمانات، وفيه فصلان 321

الفصل الأوّل- في عقد الأمان لأهل الكفر، وفيه طرفان 321 الطرف الأوّل- في ذكر أصله وشرطه وحكمه 321 الطرف الثاني- في صورة ما يكتب فيه 323 الفصل الثاني- في كتابة الأمانات لأهل الإسلام، وفيه طرفان 328 الطرف الأوّل- في أصله 328 الطرف الثاني- فيما يكتب في الأمانات، وفيه مذهبان 329 المذهب الأوّل- أن يفتتح الأمان بلفظ: «هذا كتاب أمان الخ» وهو على نوعين 329 النوع الأوّل- ما يكتب عن الخلفاء، وفيه مذهبان 330 المذهب الأوّل- أن يفتتح الأمان بلفظ: «هذا» 330 المذهب الثاني- أن يفتتح الأمان بخطبة مفتتحة بالحمد 330 النوع الثاني- ما يكتب به عن الملوك، وهو على ضربين 335 الضرب الأوّل- ما يكتب من هذا النمط مما كان يصدر عن وزراء الخلفاء والملوك المتغلبين على الأمر معهم، ولهم فيه أسلوبان 335 الأسلوب الأوّل- أن يصدر بالتماس المستأمن الأمان 335 الأسلوب الثاني- ألا يتعرّض في الأمان لالتماس المستأمن الأمان 338 المذهب الثاني- مما يكتب به في الأمانات لأهل الإسلام أن يفتتح الأمان بلفظ: «رسم» 338 الضرب الثاني- من الأمانات التي تكتب لأهل الإسلام ما عليه مصطلح زماننا، وهي صنفان 341 الصنف الأوّل- ما يكتب من الأبواب السلطانية 341 الصنف الثاني- من الأمانات الجاري عليها مصطلح كتاب الزمان- ما يكتب عن نوّاب الممالك الشامية 349 الباب الثاني- من المقالة التاسعة في الدفن (دفن الذنوب) وفيه فصلان 351

الفصل الأوّل- في أصله وكونه مأخوذا عن العرب 351 الفصل الثاني- فيما يكتب في الدفن عن الملوك 352 الباب الثالث- فيما يكتب في عقد الذمة، وفيه فصلان 355 الفصل الأوّل- في الأصول التي يرجع إليها هذا العقد، وفيه طرفان 355 الطرف الأوّل- في بيان رتبة هذا العقد، ومعناه وأصله من الكتاب والسنة 355 الطرف الثاني- في ذكر ما يحتاج الكاتب إلى معرفته في عقد الذمة 359 الفصل الثاني- ما يكتب في متعلقات أهل الذمة عند خروجهم عن لوازم عقد الذمة 365 (تم فهرس الجزء الثالث عشر من كتاب صبح الأعشى)

المجلد الرابع عشر

[المجلد الرابع عشر] بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمد وآله وصحبه [تتمة المقالة التاسعة] الباب الرابع من المقالة التاسعة (في الهدن الواقعة بين ملوك الإسلام وملوك الكفر؛ وفيه فصلان) الفصل الأوّل في أصول تتعيّن على الكاتب معرفتها؛ وفيه ثلاثة أطراف الطرف الأوّل (في بيان رتبتها ومعناها، وذكر ما يرادفها من الألفاظ) أما رتبتها فإنها متأخرة- عند قوّة السلطان- عن عقد الجزية: لأن في الجزية ما يدلّ على ضعف المعقود له، وفي الهدنة ما يدلّ على قوّته. وأما معناها فالمهادنة في اللّغة المصالحة؛ يقال: هادنه يهادنه مهادنة إذا صالحه؛ والاسم الهدنة. وهي إما من هدن بفتح الدال يهدن بضمّها «1»

هدونا إذا سكن، ومنه قولهم: «هدنة على دخن» . أي سكون على غلّ «1» ، أو تكون قد سميت بذلك لما يوجد من تأخير الحرب بسببها. ويرادفها ألفاظ أخرى: أحدها- الموادعة، ومعناها المصالحة أيضا، أخذا من قولهم: عليك بالمودوع: يريدون بالسّكينة والوقار، فتكون راجعة إلى معنى السّكون. وإما أخذا من توديع الثّوب ونحوه: وهو جعله في صوان يصونه، لأنه بها تحصل الصيّانة عن القتال. وإما أخذا من الدّعة: وهي الخفض والهناء، لأن بسببها تحصل الراحة من تعب الحرب وكلفه. الثاني- المسالمة ومعناها ظاهر: لأن بوقوعها يسلم كلّ من أهل الجانبين من الآخر. الثالث- المقاضاة، ومعناها [المحاكمة مفاعلة من القضاء بمعنى الفصل والحكم] «2» . الرابع- المواصفة، سمّيت بذلك لأن الكاتب يصف ما وقع عليه الصّلح من الجانبين. على أن الكتّاب يخصّون لفظ المواصفة بما إذا كانت المهادنة من الجانبين، ولا شكّ أن ذلك جار في لفظ الموادعة والمسالمة والمقاضاة أيضا: لأن المفاعلة لا تكون إلا بين اثنين إلا في ألفاظ قليلة محفوظة، على ما هو مقرّر في علم العربية. أما لفظ الهدنة فإنّه يصدق أن يكون من جانب واحد، بأن يعقد الأعلى الهدنة لمن هو دونه. على أنها عند التّحقيق ترجع إلى معنى المفاعلة، إذ لا تتصوّر إلا من آثنين.

الطرف الثاني (في أصل وضعها)

وأما في الشّرع فعبارة عن صلح يقع بين زعيمين في زمن معلوم بشروط مخصوصة، على ما سيأتي بيانه فيما بعد، إن شاء الله تعالى. والأصل فيها أن تكون بين ملكين مسلم وكافر، أو بين نائبيهما، أو بين أحدهما ونائب الآخر. وعلى ذلك رتّب الفقهاء رحمهم الله باب الهدنة في كتبهم. قال صاحب «موادّ البيان» «1» : وقد يتعاقد عظماء أهل الإسلام على التّوادع والتّسالم واعتقاد المودّة والتّصافي، والتّوازر والتّعاون، والتّعاضد والتّناصر، ويشترط الأضعف منهم للأقوى تسليم بعض ما في يده والتّفادي عنه بمعاطفته والانقياد إلى اتّباعه، والطاعة والاحترام في المخاطبة، والمجاملة في المعاملة، أو الإمداد بجيش، أو امتثال الأوامر والنواهي وغيرها مما لا يحصى. قلت: وقد يكون الملكان متساويين في الرّتبة أو متقاربين، فيقع التّعاقد بينهما على المسالمة والمصافاة، والموازرة والمعاونة، وكفّ الأذيّة والإضرار وما في معنى ذلك، دون أن يلتزم أحدهما للآخر شيئا يقوم به أو إتاوة يحملها إليه؛ ولكلّ مقام مقال، والكاتب الماهر يوفّي كلّ مقام حقّه، ويعطي كلّ فصل من الفصول مستحقّه. الطرف الثاني (في أصل وضعها) أمّا مهادنة أهل الكفر فالأصل فيها قوله تعالى: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ «2» الآية، وقوله: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها «3» . وما ثبت في صحيح البخاريّ من حديث عروة بن الزّبير رضي الله عنه،

أنّ قريشا وجّهت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو بالحديبية «1» - حين صدّه قريش عن البيت- سهيل بن عمرو، فقال للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هات [اكتب] «2» بيننا وبينك كتابا «3» ، فدعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الكاتب «4» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم» ، فقال سهيل: «أما الرّحمن فو الله ما أدري ما هو؟ ولكن اكتب: باسمك اللهمّ، كما كنت تكتب «5» ، فقال المسلمون: «والله لا نكتب إلّا: بسم الله الرحمن الرحيم» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اكتب: باسمك اللهم» - ثم قال: «هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله» - فقال سهيل: «والله لو كنّا نعلم أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك؛ ولكن اكتب: محمد بن عبد الله» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «والله إني لرسول الله وإن كذّبتموني، اكتب محمد بن عبد الله» : ثم قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «على أن تخلّوا بيننا وبين البيت فنطوف به» - فقال سهيل: «والله لا تتحدّث العرب أنّا قد أخذنا ضغطة، ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب- قال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منّا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا- قال المسلمون: سبحان الله! كيف يردّ إلى المشركين وقد جاء مسلما! فبينما هم كذلك، إذ جاء أبو جندل يرسف في قيوده، وقد خرج من مكّة حتّى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين- فقال سهيل: هذا يا محمد أوّل ما أقاضيك عليه أن تردّه إليّ-

فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنا لم نقض الكتاب بعد» - قال: فو الله [إذا] «1» لا أصالحك على شيء أبدا- قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فأجزه لي» - قال: ما أنا بمجيزه لك- قال: «بلى فافعل» - قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز بن حفص: بلى قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين: أردّ إلى المشركين وقد جئت مسلما؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذّب عذابا شديدا في الله تعالى. قال عمر بن الخطّاب: فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: ألست نبيّ الله حقّا؟ قال بلى! قلت: ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ قال بلى! قلت: فلم نعطي الدّنيّة في ديننا إذا؟ قال: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري» . قلت: هذا ما أورده البخاريّ في حديث طويل. والذي أورده أصحاب السّير أن الكاتب كان عليّ بن أبي طالب، وأن نسخة الكتاب: «هذا ما قاضى «2» عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو، [اصطلحا] على وضع الحرب عن الناس عشر سنين، وأنه من أحبّ أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه» . وأشهد في الكتاب على الصّلح رجالا من المسلمين والمشركين «3» .

الطرف الثالث (فيما يجب على الكاتب مراعاته في كتابة الهدن)

الطرف الثالث (فيما يجب على الكاتب مراعاته في كتابة الهدن) قال في «موادّ البيان» : وهذا الفنّ من المكاتبات له من الدّولة محلّ خطير، ومن المملكة موضع كبير؛ ويتعين على الكاتب أن يخلّى له فكره، ويعمل فيه نظره، ويتوفّر عليه توفّرا يحكم مبانيه، ويهذّب معانيه. والذي يلزم الكاتب في ذلك نوعان: النوع الأوّل (ما يختص بكتابة الهدنة بين أهل الإسلام وأهل الكفر) وهي الشروط الشرعية المعتبرة في صحّة العقد بحيث لا يصحّ عقد الهدنة مع إهمال شيء منها. وهي أربعة شروط: الأوّل- في العاقد. ويختلف الحال فيه باختلاف المعقود عليه: فإن كان المعقود عليه إقليما: كالهند والرّوم ونحوهما، أو مهادنة الكفّار مطلقا، فلا يصحّ العقد فيه إلا من الإمام الأعظم أو من نائبه العامّ المفوّض إليه التّحدّث في جميع أمور المملكة. وإن كان على بعض القرى والأطراف، فلآحاد الولاة المجاورين لهم عقد الصّلح معهم. الثاني- أن يكون في ذلك مصلحة للمسلمين: بأن يكون في المسلمين ضعف أو في المال قلّة، أو توقّع إسلامهم بسبب اختلاطهم بالمسلمين، أو طمع في قبولهم الجزية من غير قتال وإنفاق مال. فإن لم تكن مصلحة فلا يهادنون بل يقاتلون حتّى يسلموا أو يؤدّوا الجزية إن كانوا من أهلها. الثالث- أن لا يكون في العقد شرط يأباه الإسلام: كما لو شرط أن يترك بأيديهم مال مسلم، أو أن يردّ عليهم أسير مسلم انفلت منهم، أو شرط لهم على المسلمين مال من غير خوف على المسلمين، أو شرط ردّ مسلمة إليهم، فلا يصحّ العقد مع شيء من ذلك، بخلاف ما لو شرط ردّ الرجل المسلم أو

المرأة الكافرة فإنه لا يمنع الصّحّة. قال الغزالي: وقد جرت العادة أن يقول: [نهادنكم] «1» على أنّ من جاءكم من المسلمين رددتموه، ومن جاءنا مسلما رددناه. فإن كان في المسلمين ضعف وخيف عليهم، جاز التزام المال لهم دفعا للشّرّ، كما يجوز فكّ الأسير المسلم إذا عجزنا عن انتزاعه. الرابع- أن لا تزيد مدّة الهدنة عن أربعة أشهر عند قوّة المسلمين وأمنهم، ولا يجوز أن تبلغ سنة بحال؛ وفيما دون سنة وفوق أربعة أشهر قولان للشافعيّ رضي الله عنه، أصحّهما أنه لا يجوز، أما إذا كان في المسلمين ضعف وهناك خوف، فإنه تجوز المهادنة إلى عشر سنين؛ فقد هادن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهل مكّة عشر سنين كما رواه أبو داود في سننه. ولا تجوز الزيادة عليها على الصحيح؛ وفي وجه تجوز الزيادة على ذلك للمصلحة. فلو أطلق المدّة فالصحيح من مذهب الشافعيّ أنّها فاسدة؛ وقيل: إن كانت في حال ضعف المسلمين حملت على عشر سنين، وإن كانت في حال القدرة: فقد قيل تحمل على الأقل: وهو أربعة أشهر، وقيل على الأكثر: وهو ما يقارب السنّة. ولو صرّح بالزيادة على ما يجوز عقد الهدنة عليه: فإن زاد على أربعة أشهر في حال القوّة أو على عشر سنين في حال الضّعف صح في المدّة المعتبرة وبطل في الزائد؛ فإن احتيج إلى الزيادة على العشر، عقد على عشر ثم عشر ثم عشر قبل تقضّي الأولى؛ قاله الفورانيّ «2» وغيره من أصحابنا الشافعية. وذهب أصحاب مالك رحمهم الله إلى أن مدّتها غير محدودة، بل يكون موكولا إلى اجتهاد الإمام ورأيه.

النوع الثاني (ما تشترك فيه الهدن الواقعة بين أهل الكفر والإسلام، وعقود الصلح الجارية بين زعماء المسلمين؛ وهي ضربان)

النوع الثاني (ما تشترك فيه الهدن الواقعة بين أهل الكفر والإسلام، وعقود الصّلح الجارية بين زعماء المسلمين؛ وهي ضربان) الضرب الأوّل (الشروط العادية التي جرت العادة أن يقع الاتّفاق عليها بين الملوك في كتابة الهدن خلا ما تقدّم) وليس لها حدّ يحصرها، ولا ضابط يضبطها، بل بحسب ما تدعو الضرورة إليه في تلك الهدنة بحسب الحال الواقع. فمن ذلك- أن يشترط عليه أن يكون لوليّه مواليا، ولعدوّه معاديا، ولمسالمه مسالما، ولمحاربه محاربا، ولا يواطيء عليه عدوّا، ولا يوقع عليه صلحا، ولا يوافق على ما يقدح في أمره، ولا يقبل سؤال سائل، ولا بذل باذل، ولا رسالة مراسل مما يخالف الاتّفاق الجاري، والأخذ على يد من سعى في نقض الصّلح ونكث العهد إن كان من أهل طاعته، والمقاتلة إن كان من المخالفين له، وأنّه إذا جنى من أهل مملكتهم جان كان عليه إحضاره أو الأخذ منه بالجناية. ومن ذلك- أن يشترط عليه أن يكفّ عن بلاده وأعماله، ومتطرّف ثغوره، وشاسع نواحيه- أيدي الداخلين في جماعته، والمنضمّين إلى حوزته، ولا يجهّز لها جيشا، ولا يحاول لها غزوا، ولا يبدأ أهلها بمنازعة، ولا يشرع لهم في مقارعة، ولا يتناوبهم بمكيدة ظاهرة ولا باطنة، ولا يعاملهم بأذيّة جليّة ولا خفيّة، ولا يطلق لأحد ممّن ينوب عنه في إمارة جيشه، ومن ينسب إلى جملته، ويتصرّف على إرادته- عنانا إلى شيء من ذلك بوجه من الوجوه، ولا سبب من الأسباب، وأن لا يجاوز حدود مملكته إلى المملكة الأخرى بنفسه ولا بعسكر من عساكره. ومن ذلك- أن يشترط عليه أن يفرج عمّن هو في حوزته ممّن أحاطت به

ربقة الأسر، ويمكّنهم من المسير إلى بلادهم: بأنفسهم وخدمهم وعيالهم وأتباعهم، وأصناف أموالهم، في أتمّ حراسة، وأكمل خفارة، دون كلفة ولا مؤونة تلحقهم على إطلاقهم، ونحو ذلك. ومن ذلك- أن يشترط عليه مالا يحمله إليه في كلّ سنة، أو أن يسلّم إليه ما يختاره: من حصون وقلاع وأطراف وسواحل مما وقع الاستيلاء عليه من بلاد المسلمين، أو أحبّ انتزاعه أو استضافته من بلاد من يهادنه من ملوك الكفر، وأن يبقي من بها من أهلها، ويقرّرهم فيها بحرمهم وأولادهم ومواشيهم وأزوادهم وسلاحهم وآلاتهم، دون أن يلتمس عن ذلك أو عن شيء منه مالا، أو يطلب عنه بدلا، وما ينخرط في هذا السّلك. ومن ذلك- أن يشترط عليه عدم التّعرّض لتجّار مملكته، والمسافرين من رعيّته، برّا وبحرا بنوع من أنواع الأذيّة والإضرار، في أنفسهم ولا في أموالهم، وللمجاورين للبحر عدم ركوب المراكب الحربيّة التي لا يعتاد التّجّار ركوب مثلها. ومن ذلك- أن يشترط عليه إمضاء ما وقعت عليه المعاقدة، وأن لا يرجع عن ذلك ولا عن شيء منه، ولا يؤخّر شيئا عن الوقت الذي [اتفق عليه] «1» . ومن ذلك- أن يشترط عليه أنه إذا بقي من مدّة الهدنة مدّة قريبة مما يحتاج إلى التّعبيء فيه، أن يعلمه بما يريده من مهادنة أو غيرها. ومن ذلك- أن يشترط عليه أنه إذا انقضى أمد الهدنة على أحد من الطائفتين وهو في بلاد الآخرين، أن يكون له الأمن حتّى يلحق مأمنه. ومن ذلك- أن يشترط مالا يحمله إليه في الحال أو في كلّ سنة، أو حصونا، أو بلادا يسلّما من بلاده، أو مما يغلب عليه من بلاد مهادنه، إلى غير ذلك من الأمور التي يجري عليها الاتّفاق مما لا تحصى كثرة.

الضرب الثاني (مما يلزم الكاتب في كتابة الهدنة - تحرير أوضاعها، وترتيب قوانينها، وإحكام معاقدها)

الضرب الثاني (مما يلزم الكاتب في كتابة الهدنة- تحرير أوضاعها، وترتيب قوانينها، وإحكام معاقدها) وذلك باعتماد أمور: منها- أن يكتب الهدنة فيما يناسب الملك الذي تجري الهدنة بينه وبين ملكه؛ ولم أرمن تعرّض في الهدن لمقدار قطع الورق، وإن كثرت كتابتها في الزّمن المتقدّم بين ملوك الديار المصرية وبين ملوك الفرنج، كما سيأتي ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى. والذي ينبغي أن يراعى في ذلك مقدار قطع الورق الذي يكاتب فيه الملك الذي تقع الهدنة معه: من قطع العادة أو الثّلث أو النّصف. ومنها- أن يأتي في ابتدائها ببراعة الاستهلال: إما بذكر تحسين موقع الصّلح والنّدب إليه ويمن عاقبته، أو بذكر السلطان الذي تصدر عنه الهدنة، أو السّلطانين المتهادنين، أو الأمر الذي ترتّب عليه الصّلح، وما يجري هذا المجرى مما يقتضيه الحال ويستوجبه المقام. ومنها- أن يأتي بعد التّصدير بمقدّمة يذكر فيها السّبب الذي أوجب الهدنة ودعا إلى قبول الموادعة. فإن كانت الهدنة مع أهل الكفر، احتجّ للإجابة إليها بالائتمار بأمر القرآن والانقياد إليه، حيث أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم بالمطاوعة على الصّلح والإجابة إلى السّلم بقوله: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ «1» ، وما وردت به السّنّة، من مصالحته صلّى الله عليه وسلّم قريشا عام الحديبية، وذكر ما سنح له من آيات الصّلح وأحاديثه، وما جرى عليه الخلفاء الراشدون من بعده، وكفّهم عن القتال وقوفا عند ما حدّ لهم، وأنّه لولا ذلك لشرعوا الأسنّة

إلى مخالفيهم في الدّين، وركضوا الجياد إلى جهاد من يليهم من الملحدين. وإن كان الصّلح بين مسلمين احتجّ بنحو قوله تعالى: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما «1» ، وبأحاديث التّحذير من تقاتل المسلمين كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النّار» وما يجري هذا المجرى. ومنها- أن يراعي المقام في تبجيل المتهادنين أو أحدهما بحسب ما يقتضيه الحال، ووصف كلّ واحد منهما بما يليق به: من التعظيم، أو التّوسّط، أو انحطاط الرّتبة بحسب المقام، ويجري على حسب ذلك في الشدّة واللين. فإن كانت الهدنة بين متكافئين سوّى بينهما في التعظيم، وجرى بهما في الشّدّة واللّين على حدّ واحد، إلا أن يكون أحدهما أسنّ من الآخر، فيراعي للأسنّ ما يجب له على الحدث من التّأدّب معه، ويراعي للحدث ما يجب له على الكبير من الحنوّ والشّفقة. وإن كانت الهدنة من قويّ لضعيف، أخذ في الاشتداد، آتيا بما يدلّ على علوّ الكلمة، وانبساط القدرة، وحصول النّصرة، واستكمال العدد، وظهور الأيد، ووفور الجند، وقصور الملوك عن المطاولة، وعجزهم عن المحاولة، ونحو ذلك مما ينخرط في هذا السّلك، لا سيّما إذا كان القويّ مسلما والضعيف كافرا، فإنه يجب الازدياد من ذلك، وذكر ما للإسلام من العزّة، وما توالى له من النّصرة، وذكر الوقائع التي كانت فيها نصرة المسلمين على الكفّار في المواطن المشهورة، والأماكن المعروفة، وما في معنى ذلك. وإن كانت الهدنة من ضعيف لقويّ، أخذ في الملاينة بحسب ما يقتضيه الحال، مع إظهار الجلادة، وتماسك القوّة، خصوصا إذا كان القويّ

المعقود معه الهدنة كافرا. وإن شرط له مالا عند ضعف المسلمين للضرّورة أتى في كلامه بما يقتضي أنّ ذلك رغبة في الصّلح المأمور به، لا عن خور طباع وضعف قوّة؛ إذ الله تعالى يقول: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ «1» . ومنها- أن يتحفظ من سقط يدخل على الشريعة نقيصة، إن كانت المهادنة مع أهل الكفر، أو يجرّ إلى سلطانه وهيصة «2» ، إن كانت بين مسلمين؛ ويتحذّر كلّ الحذر من خلل يتطرّق إليه: من إهمال شيء من الشروط، أو ذكر شرط فيه خلل على الإسلام أو ضرر على السلطان، أو ذكر لفظ مشترك أو معنى ملتبس يوقع شبهة توجب السبيل إلى التأوّل، وأن يأخذ المأخذ الواضح الذي لا تتوجّه عليه معارضة، ولا تتطرّق إليه مناقضة، ولا يدخله تأويل. ومنها- أن يبيّن أن الهدنة وقعت بعد استخارة الله تعالى وتروية النّظر في ذلك وظهور الخير فيه، ومشاورة ذوي الرّأي وأهل الحجى، وموافقتهم على ذلك. ومنها- أن يبيّن مدّة الهدنة. فقد تقدّم أن الصّحيح من مذهب الشافعي أنه إذا لم تبيّن المدّة في مهادنة أهل الكفر فسدت الهدنة. قال في «التعريف» : وقد جرت العادة أن يحسبوها مدّة سنين شمسيّة فيحرّر حسابها بالقمريّة. ويذكر سنين وأشهرا وأيّاما وساعات حتّى يستوفي السنين الشّمسية المهادن عليها. أما في عقد الصّلح بين مسلمين فإنه لا يشترط ذلك، بل ربّما قالوا: إن ذلك صار لازما للأبد، حتّى في الولد وولد الولد.

ومنها- أن يبيّن أن الهدنة وقعت بين الملكين أنفسهما، أو بين نائبيهما، أو بين أحدهما ونائب الآخر، ويستوفي ما يجب لكلّ قسم منها. فإن كانت بين الملكين أنفسهما بغير واسطة بين ذلك، ذكر ما أخذ عليهما من العهود والمواثيق، والأيمان الصادرة من كلّ منهما، وذكر ما وقع من الإشهاد بذلك عليهما، وما جرى من ثبوت حكمه إن جرى فيه ثبوت ونحو ذلك. وإن كانت بين المكتوب عنه ونائب الآخر، بيّن ذلك، وتعرّض إلى المستند في ذلك: من حضور كتاب من الملك الغائب، بتفويض الأمر في ذلك إلى نائبه، وأنه وصل على يده أو يد غيره، والإشارة إلى أنّه معنون بعنوانه، مختوم بختمه المتعارف عنه أو وكالة عنه. ويتعرّض إلى قيام البيّنة بها وثبوتها بمجلس الحكم ونحو ذلك من المستندات. وإن كانت بين نائبين، بيّن ذلك وذكر مستند كلّ نائب منهما على ما تقدّم ذكره. ويتعرّض إلى أن النائب في ذلك قام فيه باختياره وطواعيته، لا عن إكراه ولا إجبار، ولا قسر ولا غلبة، بل لما رأى لنفسه ولمستنيبه في ذلك من المصلحة والحظّ، وأنّ كتاب الهدنة قريء عليه وبيّن له فصلا فصلا، وترجم له بموثوق به، إن كان لا يعرف العربيّة ونحو ذلك. ومنها- أن يتعرّض إلى ما يجري من التّحليف في آخرها: على الوفاء، وعدم النّكث والإخلال بشيء من الشروط، أو الخروج عن شيء من الالتزامات، أو محاولة التأويل في شيء من ذلك، أو السّعي في نقضه أو في شيء منه، وما في معنى ذلك: فإن كانت بين ملكين، تعرّض إلى تحليف كلّ منهما على التّوفية بذلك. وإن كانت بين أحدهما ونائب الآخر، حلّف الملك كما تقدّم؛ وستأتي

صورة الحلف الذي يقع في الهدن في الكلام على الأيمان «1» فيما بعد، إن شاء الله تعالى. ومنها- أن يحرّر أمر التّاريخ بالعربيّ وما يؤرّخ به في مملكة الملك المهادن: من السّريانيّ والرّوميّ وغيرهما. قال في «التعريف» : ولهم عادة أن يحسبوها مدّة سنين شمسيّة فيحرّر حسابها بالقمريّة، ويذكر سنين وأشهرا وأيّاما وساعات حتّى يستكمل السنين الشمسية المهادن عليها. وقد تقدّم في الكلام على التّاريخ من المقالة الثالثة كيفية معرفة التواريخ واستخراجها. ومنها- أن يقع الإشهاد على كلّ من المتعاقدين بذلك، ولا بأس بإثبات ذلك. وقد جرت العادة أنه يشهد على كلّ ملك جماعة من أهل دولته ليقضى على ملكهم بقولهم وإن كان مخالفا في الدّين. وقد ثبت في الصّحيح أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم «أشهد على مصالحته مع قريش رجالا من المسلمين ورجالا من المشركين» . وربّما طلب النائب عن الملك الغائب إحضار نسخة مهادنة من جهة مستنيبه على ما وقع به العقد، مشمولة بخطّ الكتّاب، مشهودا عليه فيها بأهل مملكته، أو تجهّز إليه نسخة يكتب عليها خطّه، ويشهد عليه فيها أهل مملكته. والغالب الاكتفاء بالرّسل في ذلك.

الفصل الثاني في صورة ما يكتب في المهادنات والسجلات، ومذاهب الكتاب في ذلك؛ وفيه طرفان.

الفصل الثاني في صورة ما يكتب في المهادنات والسّجلّات «1» ، ومذاهب الكتّاب في ذلك؛ وفيه طرفان. الطرف الأوّل (فيما يستبدّ ملوك الإسلام فيه بالكتابة عنهم- وتخلّد منه نسخ بالأبواب السلطانية، وتدفع منه نسخ إلى ملوك الكفر) ثم ما يكتب في ذلك على نمطين: النّمط الأوّل (ما يكتب في طرّة الهدنة من أعلى الدّرج) وقد جرت العادة أن يفتتح بلفظ «هذا» أو لفظ «هذه» وما في معنى ذلك، مثل أن يكتب: «هذا عقد صلح» أو «هذا كتاب هدنة» أو «هذه موادعة» أو «هذه مواصفة» وما أشبه ذلك. وربّما حذف المبتدأ وهو «هذا» واكتفي بالخبر عنه، مثل أن يقال: «كتاب هدنة» أو «كتاب موادعة» أو «عقد مصالحة» وما أشبه ذلك.

النمط الثاني (ما يكتب في متن الهدنة، وهو على نوعين)

وهذه نسخة بعقد صلح أنشأتها لينسج على منوالها؛ وهي: هذا عقد صلح انتظمت به عقود المصالح، وانتسقت بواسطته سبل المناجح، وتحدّث بحسن مقدّمته الغادي وترنّم بيمن نتيجته الرّائح- عاقد عليه السلطان فلان فلانا القائم في عقد هذا الصّلح عن مرسله فلان، حسب ما فوّض إليه الأمر في ذلك في كتابه الواصل على يده، المؤرّخ بكذا وكذا، المعنون بعنوانه، المختوم بطابعه المتعارف عنه- على أن يكون الأمر كذا وكذا. ويشرح ملخّص ما يقع من الشروط التي يقع عليها الاتفاق بينهما في الصّلح إلى آخرها؛ ثم يقال: على ما شرح فيه. النّمط الثاني (ما يكتب في متن الهدنة، وهو على نوعين) النوع الأوّل (ما تكون الهدنة فيه من جانب واحد) بأن يكون الملكان متكافئين، [فيتعاقدان إما على حصن] «1» وإما على مال يعطيه الملك المعقودة له الهدنة لعاقدها، كما كان يكتب عن صاحب الديار المصرية. وللكتّاب فيه مذهبان: المذهب الأوّل (أن تفتتح الهدنة بلفظ: «هذا ما هادن عليه» أو «هذه هدنة أو موادعة أو مواصفة أو سلّم أو صلح» أو نحو ذلك، على نحو ما تقدّم في الكلام على الطرّة) وعلى ذلك كتب كتاب القضيّة بين النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبين قريش عام

الحديبية، على ما تقدّم ذكره في الكلام على أصل مشروعيّتها. وهذه نسخة هدنة كتب بها عن سلطان قويّ، لملك مضعوف، باشتراط مال يقوم به المضعوف للقويّ في كلّ سنة أو حصون يسلّمها له أو نحو ذلك؛ وهي: هذا ما هادن عليه، وأجّل إليه، مولانا السلطان فلان- خلّد الله سلطانه وشرّف به زمانه- الملك فلانا الفلانيّ: هادنه حين تردّدت إليه رسله، وتوالت عليه كتبه، وأمّله، ليمهله، وسأله، ليكفّ عنه أسله، حين أبت صفاحه أن تصفح، وسماء عجاجه بالدّماء إلا أن تسفح؛ فرأى- سدّد الله آراءه- أن الصّلح أصلح، وأن معاملة الله أربح، وهادن هذا الملك (ويسميه) على نفسه وأهله، وولده ونسله، وجميع بلاده، وكلّ طارفه وتلاده، وماله من ملك ومال، وجهات وأعمال، وعسكر وجنود، وجموع وحشود، ورعايا في مملكته من المقيم والطّاريء، والسّائر بها والساري- هدنة مدّتها أوّل تاريخ هذه الساعة الراهنة وما يتلوها، مدّة كذا وكذا من سنين وأشهر وساعات، يحمل فيها هذا الملك فلان إلى بيت مال المسلمين، وإلى تحت يد مولانا السلطان فلان قسيم أمير المؤمنين، في هذه المدّة كذا وكذا- يقوم به هذا الملك من ماله، ومما يتكفّل بجبايته من جزية أهل بلاده وخراج أعماله، على أقساط كذا وكذا- قياما لا يحوج معه إلى تكلّف مطالبة، ولا إلى تناوله بيد مغالبة. على أن يكفّ مولانا السلطان عنه بأس بأسائه، وخيله المطلّة عليه في صباحه ومسائه، ويضمّ عن بلاده أطراف جنوده وعساكره وأتباعهم، ويؤمّنه من بطائهم وسراعهم، ويمنع عن بلاد هذا الملك المتاخمة لبلاده، والمزاحمة لدوافق أمداده، ويردّ عنها وعمّن جاورها من بقيّة ما في مملكته، وهي كذا وكذا أيدي النّهب، ويكفّ الغارات ويمنع الأذى، ويردّ من نزح من رعايا هذا الملك إليه، ما لم يدخل في دين الإسلام ويشهد الشّهادتين،

ويقرّ بالكلمتين المعتادتين، ويؤمّن جلّابة هذا الملك وتجّاره المتردّدين من بلاده إلى بلاد الإسلام في عوارض الأشغال، ولا يحصل عليهم ضرر في نفس ولا مال؛ وإن أخذت المتجرّمة منهم مالا أو قتلت أحدا، أمر بإنصافهم من ذلك المتجرّم، وأن يؤخذ بحقّهم من ذلك المجرم. وعليه مثل ذلك فيمن يدخل إليه من بلاد الإسلام، وأن لا يفسح لنفسه ولا لأحد من جميع أهل بلاده في إيواء مسلم متنصّر، ولا يرخّص لذي عمّى منهم ولا متبصّر. وأنه كلما وردت إليه كتب مولانا السّلطان فلان أو كتب نوّابه، أو أحد [من المتعلّقين] «1» بأسبابه، يسارع إلى امتثاله والعمل به في وقته الحاضر ولا يؤخّره ولا يمهله، ولا يطرحه ولا يهمله. وعليه أن لا يكون عينا للكفّار، على بلاد الإسلام وإن دنت به أو بعدت الدّار، ولا يواطيء على مولانا السّلطان فلان أعداءه [وأوّلهم التّتار] «2» ، وأن يلتزم ما يلزمه من المسكة بالمسكنة، ويفعل ما تسكت عنه به الأسنّة وما أشبهها من الألسنة، وعليه أن ينهي ما يتجدّد عنده من أخبار الأعداء ولو كانوا أهل ملّته، وينبّه على سوء مقاصدهم، ويعرّف ما يهمّ سماعه من أحوال ما هم عليه. هذه هدنة تمّ عليها الصّلح إلى منتهى الأجل المعيّن فيه ما استمسك بشروطها، وقام بحقوقها، ووقف عند [حدّها الملتزم به] «3» ، وصرف إليها عنان اجتهاده وبنى عليها قواعد وفائه، وصان من التكدير فيها سرائر صفائه، سأل هو في هذه الهدنة المقرّرة، وأجابه مولانا السلطان إليها على شروطها المحرّرة، وشهد به الحضور بالمملكتين وتضمّنته هذه الهدنة المسطّرة؛ وبالله التوفيق. قلت: الظاهر أنه كان يكتب بهذه النّسخة عن صاحب الديار المصرية

والممالك الشامية، لمتملّك سيس «1» ؛ فإنّ في خلال كلام المقرّ الشّهابيّ بعد قوله: ولا يواطيء على مولانا السلطان فلان أعداءه: «وأوّلهم التّتار» ، وقد تقدّم في الكلام على الممالك أن متملك سيس كان يماليء التّتار ويميل إليهم، ويساعدهم في حرب المسلمين ويكثّر في سوادهم. وعلى مثل ذلك يكتب لكلّ ملك مضعوف في مهادنة الملك القويّ له. وهذه نسخة هدنة من هذا النّمط، كتب بها أبو إسحاق الصّابي، عن صمصام الدّولة، بن عضد الدّولة، بن ركن الدّولة، بن بويه الدّيلميّ؛ بأمر أمير المؤمنين الطّائع لله، الخليفة العبّاسيّ ببغداد يومئذ، لوردس «2» المعروف بسفلاروس ملك الرّوم، حين حيل بينه وبين بلاده، والتمس أن يفرج له طريقه إلى بلاده، على شروط التزمها، وحصون يسلّمها، على ما سيأتي ذكره، وهي: هذا كتاب من صمصام الدّولة، وشمس الملّة، أبي كاليجار، بن عضد الدّولة وتاج الملّة أبي شجاع، بن ركن الدّولة أبي عليّ، مولى أمير المؤمنين، كتبه لوردس بن بينير المعروف بسفلاروس ملك الروم.

إنك سألت بسفارة أخينا وعدّتنا، وصاحب جيشنا (أبي حرب ربار بن شهر اكويه) تأمّل حالك في تطاول حبسك، واعتياقك عن مراجعة بلدك، وبذلت- متى أفرج عنك، وخلّي طريقك، وأذن لك في الخروج إلى وطنك، والعود إلى مقرّ سلطانك- أن تكون لوليّنا وليّا، ولعدوّنا عدوّا، ولسلمنا سلما، ولحربنا حربا: من جميع الناس كلّهم، على اختلاف أحوالهم وأديانهم، وأجناسهم وأجيالهم، ومقارّهم وأوطانهم؛ فلا تصالح لنا ضدّا مباينا، ولا تواطيء علينا عدوّا مخالفا، وأن تكفّ عن تطرّق الثغور والأعمال التي في أيدينا وأيدي الدّاخلين في طاعتنا: فلا تجهّز إليها جيشا، ولا تحاول لها غزوا، ولا تبدأ أهلها بمنازعة، ولا تشرع لهم في مقارعة، ولا تتناولهم بمكيدة ظاهرة ولا باطنة، ولا تقابلهم بأذيّة جليّة ولا خفيّة، ولا تطلق لأحد ممن ينوب عنك في قيادة جيوشك، ومن ينسب إلى جملتك، ويتصرّف على إرادتك- الاجتراء على شيء من ذلك على الوجوه والأسباب كلّها، وأن تفرج عن جميع المسلمين وأهل ذمّتهم الحاصلين في محابس الرّوم، ممّن أحاطت بعنقه ربقة الأسر، واشتملت عليه قبضة الحصر والقسر، في قديم الأيّام وحديثها، وبعيد الأوقات وقريبها، المقيمين على أديانهم، والمختارين للعود إلى أوطانهم؛ وتنهضهم بما ينهض به أمثالهم، وتمكّنهم من البروز والمسير بنفوسهم وحرمهم وأولادهم وعيالاتهم وأتباعهم، وأصناف أموالهم، موفورين مضمونين، متبذرقين «1» محروسين، غير ممنوعين، ولا معوّقين، ولا مطالبين بمؤونة ولا كلفة صغيرة ولا كبيرة. وأن تسلّم تتمّة سبعة من الحصون، وهي: حصن أرحكاه المعروف بحصن الهندرس، وحصن السناسنة، وحصن حويب، وحصن أكل، وحصن أنديب، وحصن حالي، وحصن تل حرم، برساتيقها ومزارعها إلى من نكاتبك

بتسليمها إليه، مع من بها من طبقات أهلها أجمعين، المختارين لسكناها والاستقرار فيها، بحرمهم وأولادهم وأسبابهم ومواشيهم وأصناف أموالهم وغلّاتهم وأزوادهم وسلاحهم وآلاتهم، ليكون جميعها حاصلا في أيدينا وأيدي المسلمين، على غابر الأيام والسّنين، من غير أن تلتمس عنها أو عن شيء منها مالا، ولا بدلا، ولا عوضا من الأعواض كلّها. وعلى أنك تمضي ما عقدته على نفسك من ذلك كلّه بابا بابا، وتفي به أوّلا أوّلا، منذ وقت وصولك إلى أوائل أعمالك، وإلى غاية استيلائك عليها، ونفاذ أمرك فيها، ولا ترجع عن ذلك ولا عن بعضه، ولا تؤخّر شيئا من الوقت الذي تقدر فيه عليه، ولا ترخّص لنفسك في تجاوز له ولا عدول عنه. ومتى سعت طائفة من الطّوائف التي تنسب إلى الروم والأرمن وغيرهم في أمر يخالف شرائط هذا الكتاب، كان عليك منعهم من ذلك إن كانوا من أهل الطاعة والقبول منك، أو مجاهدتهم وممانعتهم إن كانوا من أهل العنود عنك، والخلاف عليهم حتّى تصرفهم عما يرومونه، وتحول بينهم وبين ما يحاولونه، بمشيئة الله وإذنه، وتوفيقه وعونه. واشترطت علينا بعد الذي شرطته لنا من ذلك التّخلية عن طريقك وطريق من تضمّنته جملتك، واشتملت عليه رفقتك: من طبقات الأصحاب والأتباع، في جميع أعمالنا حتّى تنفذ عنها إلى ما وراءها، غير معوّق، ولا معتقل، ولا مؤذى، ولا معارض، ولا مطالب بمؤونة ولا كلفة، ولا ممنوع من ابتياع زاد ولا آلة، ولا نؤثر عليك أحدا ناوأك في أعمالك، ونازعك سلطان بلادك، ودافعك عنه وناصبك العداوة فيه: ممّن ينتسب إلى الرّوم والأرمن والخزرية وسائر الأمم المضادّة لك، ولا نوقّع معه صلحا عليك، ولا موافقة على ما يعود بثلمك أو قدح في أمرك، ولا نقبل سؤال سائل، ولا بذل باذل، ولا رسالة مراسل فيما خالف شرائط هذا الكتاب أو عاد بإعلاله، أو إعلال وثيقة من وثائقه.

ومتى وفد إلينا رسول من جهة أحد من أضدادك، راغبا إلينا في شيء يخالف ما انعقد بيننا وبينك- امتنعنا من إجابته إلى ملتمسه، ورددناه خائبا خاليا من طلبته. وإذا سلّمت الحصون المقدّم ذكرها إلى من نكاتبك بالتّسليم إليه، كان لك علينا أن نقرّ من فيها وفي رساتيقها على نعمهم ومنازلهم وضياعهم وأملاكهم، وأن لا نزيلهم عنها ولا عن شيء منها، ولا نحول بينهم وبين ما تحويه أيديهم من جميع أموالهم، وأن نجريهم في المعاملات والجبايات على رسومهم الجارية الماضية التي عوملوا عليها، على مرّ السنين، وإلى الوقت الذي يقع فيه التّسليم، من غير فسخ ولا تغيير ولا نقض ولا تبديل. فأنهينا إلى مولانا أمير المؤمنين الطائع لله ما سألت والتمست، وضمنت وشرطت واشترطت من ذلك كله، واستأذنّاه في قبوله منك، وإيقاع المعاهدة عليه معك؛ فأذن- أدام الله تمكينه- لنا فيه، وأمرنا بأن نحكمه ونمضيه، لما فيه من انتظام الأمور، وحياطة الثّغور، وصلاح المسلمين، والتّنفيس عن المأسورين. فأمضيناه على شرائط، وتراضينا جميعا به، وعاقدناك عليه، وحلفت لنا باليمين المؤكّدة التي يحلف أهل شريعتك بها، ويتحرّجون من الحنث فيها على الوفاء به، وأشهدنا على نفوسنا، وأشهدت على نفسك الله جلّ ثناؤه، وملائكته المقرّبين، وأنبياءه المرسلين، وأخانا وعدّتنا أبا حرب ربار بن شهر اكويه مولى أمير المؤمنين، ومن حضر المجلس الذي جرى فيه ذلك، باستقرار جميعه بيننا وبينك، ولزومه لنا ولك. ثم حضر بعد تمام هذه الموافقة واستمرارها، وثبوتها واستقرارها، قسطنطين بن بينير أخو وردس بن بينير، وأرمانوس بن وردس بن بينير، فوقّعا على هذا الكتاب، وأحاطا به علما، واستوعباه معرفة، وشهدا على وردس ابن بينير ملك الرّوم بإقراره به، والتزامه إياه. ثم تبرّع كلّ واحد منهما بأن

أوجب على نفسه التّمسّك به والمقام عليه متى قام وردس بن بينير فيما هو موسوم به من ملك الرّوم، وجعل جميع الشرائط الثابتة في هذا الكتاب المعقود بعضها ببعض أمانة في ذمّته، وطوقا في عنقه، وعهدا يسأل عنه، وحقّا يطالب في الدّنيا والآخرة به؛ وصار هذا العقد جامعا لهم ولنا، ولأولادنا وأولادهم، وعقبنا وعقبهم، ما عشنا وعاشوا، يلزمنا وإيّاهم الوفاء بما فيه علينا وعليهم، ولنا ولهم، على مرور اللّيالي والأيام، واختلاف الأدوار والأعوام. أمضى وأنفذ صمصام الدّولة وشمس الملّة أبو كاليجار ذلك كلّه على شرائطه وحدوده، والتزمه وردس بن بينير المعروف بسفلاروس ملك الرّوم، وأخوه قسطنطين، وابنه أرمانوس بن وردس بن بينير، وضمنوا الوفاء به، وأشهدوا كلّ واحد منهم على نفوسهم بالرّضا به، طائعين غير مكرهين ولا مجبرين، ولا علّة بهم من مرض ولا غيره، بعد أن قرأه عليهم، وفسّره لهم وخاطبهم باللغة الرّومية من وثق به، وفهموا عنه، وفقهوا معنى لفظه، وأحاطوا علما ومعرفة به، بعد أن ملكوا نفوسهم، وتصرّفوا على اختيارهم، وتمكّنوا من إيثارهم، ورأوا أن في ذلك حظّا لهم، وصلاحا لشأنهم، وذلك في شعبان سنة ست وسبعين وثلاثمائة. وقد كتب هذا الكتاب على ثلاث نسخ متساويات، خلّدت اثنتان منها بدواوين مدينة السّلام، وسلمت الثالثة إلى وردس بن بينير ملك الرّوم وأخيه وابنه المذكورين معه فيه. وهذه نسخة هدنة من ملك مضعوف لملك قويّ، كتب بها الفقيه أبو عبد الله بن ... «1» ... أحد كتّاب الأندلس، عن بعض ملوك الأندلس من المسلمين، من أتباع «المهديّ بن تومرت» القائم بدعوة الموحّدين، مع «دون

فرّانده» «1» صاحب قشتالة من ملوك الفرنج بعقد الصّلح على مرسية من بلاد الأندلس، وهي: هذا عقدنا بعد استخارة الله تعالى واسترشاده، واستعانته واستنجاده، نيابة عن الإمارة العليّة بحكم استنادنا إلى أوامرها العالية، وآرائها الهادية، عقدناه- والله الموفّق- لقشتالة مع فلان النائب في عقده معنا عن مرسله إلينا، الملك الأجلّ الأسنى المبجّل «دون فرّانده» ملك قشتالة، وطليطلة، وقرطبة، وليون، وبلنسية- أدام الله كرامته وميزته بتقواه- حين وصلنا من قبله كتاب مختوم بطابعه المعلوم له والمتعارف عنه، تفويضا منه إليه، في كل ما يعقد له وعليه، وعاقدنا على أن يكون السّلم بيننا وبين مرسله المذكور لعامين اثنين، أوّلهما شهر المحرّم الذي هو أوّل سنة تاريخ هذا الكتاب، الموافق من الأشهر العجميّة شهر كذا، على جميع ما تحت نظرنا الآن من البلاد الراجعة إلى الدّعوة المهديّة- أسماها الله تعالى- حواضرها وثغورها، مواسطها وأطرافها، من جزيرة شقر «2» إلى بيرة «3» والمنصورة «4» وما يليها-

حرس الله جميعها- سلما محافظا عليها من الجهتين، محفوظا عهدها عند أهل الملّتين، لا غدر فيها، ولا إخلال في معنى من معانيها، ولا تشنّ في مدنها غارة، ولا تذعر سيّارة؛ ومهما وقع إغوار، أو حدث إقدار، على جهة المجاهرة، إذا اتّصلت والمساترة؛ فإن كان من جهة النصارى، فعلى ملك قشتالة تسريح الأسارى، وردّ الغنائم والنّهب، والإنصاف من الغنيمة إن عدمت العين، وأعوز الطّلب، وعلينا مثل ذلك سواء، ليقابل بالوفاء؛ هذا بعد أن يتّبع الأمر ويعلم من أين كان. ومن هذه المهادنة أن لا يتسبّب إلى الحصون بالغدر ولا بالشّرّ، ولا يتجاوز النصارى حدود بلادهم وأرضهم بشيء من البناء، ولا يصل من بلد قشتالة مدد لمخالفنا، ولا معونة لمفاتننا. وكل ما يرجع إلى هذه الدّعوة، ويدخل في الطّاعة من البلاد بعد هذا العقد فداخل في السّلم، بزيادة نسبته من المال الذي هو شرط في صحّة هذا الحكم، وإذا بقي من مدّة هذه المسالمة شهران اثنان، فعلى ملك قشتالة أن يعلمنا بغرضه في المهادنة أو سواها، إعلاما من مذاهب الوفاء أوفاها. وقد التزم رسول المذكور لنا هذه الشّروط، وأحكم معنا- نيابة عنه فيها- العقود والرّبوط، على كلّ ما ذكرناه. والتزمنا في هذا السلم لملك قشتالة المذكورة- مكافأة عن وفاء عهده، وصحّة عقده- مائة ألف دينار واحدة، وأربعين ألف دينار في كلّ عام من عامي هذا الصّلح المقدّم الوصف، مقسّما ذلك على ثلاثة أنجم في العام، ليتقاضاها ثقاته، ويوفّى عينها على التمام والكمال، قبض منها كذا ليوصّلها إلى مرسله، والتزم له تخليص باقي كذا عند انقضاء كذا على أوفى وجه وأكمله؛ فإن وفّي له بذلك بعد الأربعين

المذهب الثاني (أن تفتتح المهادنة قبل لفظ «هذا» ببعدية)

يوما المؤقّتة، فالسّلم باقية وحكمها ثابت، وإلا فالسّلم مفسوخة ولا حكم لها إن عجز عن الوفاء له، بحصول ما بقي من الشّروط في استصحاب الحكم واتّصال العمل، إن شاء الله تعالى. وعلى ما تضمّنه هذا الكتاب أمضى فلان- أعزّه الله- بحكم النيابة، عن الأمر العالي- أسماه الله- هذا العقد الصّلحيّ، وأشهد بما فيه على نفسه وحضره (المعسل طور) «1» المذكور، فترجم له الكتاب وبيّنت له معانيه، وقرّر على مضامينه، فالتزم ذلك كلّه عن مرسله ملك قشتالة حسب ما فوّض إليه فيه، وأشهد بذلك على نفسه، في صحّته وجواز أمره في كذا؛ والله الموفّق لما يرضاه، ومقدّم الخير والخيرة فيما قضاه، بمنّه والسّلام. المذهب الثاني (أن تفتتح المهادنة قبل لفظ «هذا» ببعديّة) وهذه نسخة هدنة بين ملكين متكافئين دون تقرير شيء من الجانبين، كتب بها الفقيه المحدّث أبو الرّبيع بن سالم «2» من كتّاب الأندلس، في عقد صلح على بلنسية وغيرها من شرق الأندلس؛ وهي: وبعد، فهذا كتاب موادعة أمضى عقدها والتزمه، وأبرم عهدها وتممه، فلان لملك أرغون، وقومط برجلونة «3» ، (ويرنسب مقت بشلى، حافظة) «4» بن

بطرة «1» ، بن أدفونش «2» ، بن ريموند، أدام الله كرامته بتقواه له خاتما وعنوانا، المعهود صدوره في أمثالها من المراوضات الصّلحيّة تضرّعا وإعلانا، متضمّنا من الإحالة في عقد المسالمة عليه، والتّفويض في إبرام أسبابها والتزام فصولها وأبوابها إليه، ما أوجب صحيح النّظر، وصريح الرّأي المعتبر، مقاربة فيه، وموافقة منه على ما يحفظ حقّ المسلمين ويوفّيه، جنوحا منه إلى ما جنح إليه من ذلك متقاضيه، وتحرّيا للعمل على شاكلة الصّواب والإيثار لما يقتضيه، بعد محاولات بلغ منها النّظر غايته من الاجتهاد، وإراغات قرن بها من استخارة الله تعالى واستنجاده ما رضي فيه من فضله العميم معهود التّسديد والإنجاد، فأجلى ذلك عن إمضاء عهد السّلم لملك ارغون «3» على بلنسية وكافّة جهاتها أطرافا ومواسط، وثغورا وبسائط، وكذلك شاطبة ودانية، وما ينتظم معهما من أحوازهما ويرجع إلى حكم بلنسية، وحالها من الجهة النّائية والدانية، لمدّة عامين اثنين، ويحقّق عدده، أن نفتتحه، بيوم الأحد الرابع والعشرين لشهر نوبر «4» ، الموافق لعاشر ذي القعدة المؤرّخ به

هذا الكتاب، الذي هو من عام أحد وعشرين وستّمائة بتاريخ الهجرة- مسالمة تضع بها الحرب بين الجانبين أوزارها، وتمهّد للهدنة بين الطائفتين آثارها، وترفع (اللبنة) «1» عمن ذكر من الملّتين أذيّتها وأضرارها، البرّ والبحر في ذلك سيّان، والمساترة فيها بالأذى والمجاهرة ممنوعان، وحقيقة اللّازم من ذلك غنيّ ببيانه ووضوحه عن الإيضاح والتّبيان؛ لا التباس ولا إشكال، ولا غائلة ولا احتيال؛ ليس إلّا الأمن الكافل لكافّة من تشتمل عليه كافّة المواضع المذكورة من المسلمين، ومن تحويه بلاد ملك أرغون من الطّوائف أجمعين. وكلّ منتم إلى خدمة هذه المملكة الأرغونيّة بما كان من وجوه الانتماء، أو ناظر في جزء منها كائنا ما كان من الأجزاء، فهو في هذا الحكم داخل، وتحت هذا الرّبط الصّلحيّ واصل، ولا حجّة لمن كان له منهم حصن ينفرد به عن هذه المملكة، على ما لهم في ذلك من العوائد المتعارفة. فإن نقض بجزء منه وذهب إلى أن يكون في حصنه منفردا فهو وما اختار، إذا تنكّب الإضرار؛ فإن رام التّطرّق بشيء إلى أحد الجانبين كان على المسلمين وعلى أهل أرغون التظافر على استنزاله، والتظاهر على قتاله، حتّى يكفّوا ضرره، ويعفّوا أثره. والحدود الفاصلة بين الجزأين هي أوساط المسافات، على ما عرف من متقدّم المسالمات، ويد كلّ فريق منهم مطلقة فيما وراء حدّه بما شاء، من انتشاء برسم الإصلاح والإنشاء؛ وكلّ من قصد المسلمين من رجال المملكة الأرغونيّة بريئا من تبعة الفساد فقبول قصده مباح، وليس في استخدامه والإحسان إليه جناح؛ والطريق للتّجّار المعهود وصولهم من بلاد أرغون إلى بلنسية في البرّ والبحر مباحة الانتياب، محفوفة بالأمنة التامّة في الجيئة والذّهاب؛ على تجّار البحر منهم أن يتجنّبوا ركوب الأجفان «2» الحربيّة التي

يمكن بها الإضرار، ويستغني عن [ركوبها] «1» التّجّار؛ والاسترهاب مرفوع عن هؤلاء الواصلين برسم التّجارة على اختلافهم، وتباين أصنافهم، فيما لم تجنه أيديهم، ولا كان منسوبا إلى تعدّيهم، وكلّ معتقل من الطائفتين بأدنى شيء يطرّق إلى حكم هذه السّلم خلافا، أو يلحق بعهدها إخلافا، فعلى أهل موضعه الإنصاف ممن جناه، وصرف ما سلبته يداه، وإحضاره مع ذلك ليعاقب بما أتاه. وليس لأحد من الطائفتين أن يتسبّب باسترسال، إلى الإنصاف من جناية حال، بل يقوم بدفع ذلك حيث يحبّ، ويطلبه في الموضع الذي ينبغي فيه الطّلب، حتّى يخاطب الناظر على المملكة التي نسبت إليها هذه الإذاية، وصدرت عن أهلها [تلك] «2» الجناية، بطلب الإنصاف من عدوانها، وتعاد عليه الأعذار في شانها، وعليه- ولا بدّ- التّخليص منها عملا بالوفاء الذي يجب العمل به، وقياما بحقّ العهد الذي أكّد الاعتلاق بسببه، ومتى غادر مغادر من أحد الملّتين حصنا من حصون الأخرى فله الأمن على الكمال، والرّعي الحافظ للنّفس والمال، حتى يلحق بمأمنه، ويعود سالما إلى وطنه. فعلى هذه الشروط المحقّقة، والرّبوط الموثّقة، انعقد هذا السّلم، وعلى من ذكر من المسلمين وأهل أرغون الحكم؛ وهذا الكتاب ينطق في ذلك بالحقّ اللازم للطائفتين، ويعرب عن حقيقة ما انعقد بين من سمّي من أهل الملّتين، والتزم كلّة عن ملك أرغون النائب عنه بتفويضه إليه، واستنابته إيّاه عليه، الزعيم بطره ابن (فدانف بكدريش) «3» على أتم وجوه الالتزام، وأبرم ذلك ملك أرغون بأوثق علائق الإبرام، وكلّ ذلك بعد أن بيّنت له الفصول المتقدّمة غاية التّبيين وأفهمها حقّ الإفهام، وألزم نفسه مع ذلك وصول كتاب هذا الملك الذي تولّى النّيابة عنه في هذا العقد، مصرّحا

النوع الثاني (من الهدن الواقعة بين ملك مسلم وملك كافر - أن تكون الهدنة من الجانبين جميعا)

بالتزامه وإمضائه فيه عمله، وفق ما تضمّنه كتابه الذي أرسله، وأشهد مع ذلك زعماء دولته وكبراء القائمين عليه، تحقيقا لمعناه، وتوثيقا لمبناه، إن شاء الله تعالى. النوع الثاني (من الهدن الواقعة بين ملك مسلم وملك كافر- أن تكون الهدنة من الجانبين جميعا) وفيها للكتّاب ثلاثة مذاهب: المذهب الأوّل (أن تفتتح الهدنة بلفظ: «هذه هدنة» ونحو ذلك) قال في «التعريف» : وسبيل الكتابة فيها أن يكتب بعد البسملة: هذه هدنة استقرّت بين السّلطان فلان والسّلطان فلان، هادن كلّ واحد منهما الآخر على الوفاء عليه، وأجّل له أجلا ينتهي إليه، لما اقتضته المصلحة الجامعة، وحسمت به موادّ الآمال الطّامعة، تأكّدت بينهما أسبابها، وفتحت بهما أبوابها، وعليهما عهد الله على الوفاء بشرطها، والانتهاء إلى أمدها، ومدّ حبل الموادعة إلى آخر مددها، ضربا لها أجلا أوّله ساعة تاريخه وإلى نهاية المدّة، وهي مدّة كذا وكذا؛ على أنّ كلّ واحد منهما يغمد بينه وبين صاحبه سيف الحرب، ويكفّ ما بينهما من السّهام الراشقة، وتعقل الرّماح الخطّارة «1» ، وتقرّ على مرابطها الخيل المغيرة. وبلاد السلطان فلان كذا وكذا، وبلاد السلطان فلان كذا وكذا، وما في بلاد كلّ منهما من الثّغور، والأطراف والمواني والرّساتيق «2» والجهات والأعمال: برّا وبحرا، وسهلا

المذهب الثاني (أن تفتتح الهدنة بلفظ: «استقرت الهدنة بين فلان وفلان» ويقدم فيه ذكر الملك المسلم)

وجبلا، ونائيا ودانيا، ومن فيها: من ملكها المسمّى وبنيه، وأهله وأمواله، وجنده وعساكره وخاصّ من يتعلّق به وسائره، ورعاياه على اختلاف أنواعهم، وعلى انفرادهم واجتماعهم، البادي والحاضر، والمقيم والسّائر، والتّجّار والسّفّارة، وجميع المتردّدين من [سائر] «1» الناس أجمعين. على أن يكون على فلان كذا و [على فلان] «2» كذا [ويعين ما يعين] «3» : من مال، أو بلاد، أو مساعدة في حرب، أو غير ذلك، يقوم بذلك لصاحبه، وينهض من حقّه المقرّر بواجبه، وعليهما الوفاء المؤكّد المواثيق، والمحافظة على العهد والتّمسّك بسببه الوثيق- هدنة صحيحة، نطقا بها، وتصادقا عليها، وعلى ما تضمّنته المواصفة [المستوعبة بينهما فيها، وأشهدا الله عليهما بمضمونها، وتواثقا على ديونها، وشهد من حضر مقام كلّ منهما على هذه الهدنة وما تضمّنته من المواصفة] «4» ، وجرت بينهما على حكم المناصفة، رأيا فيها سكون الجماع، وغضّ طرف الطّماح. وعلى أنّ على كلّ منهما رعاية ما جاوره من البلاد والرّعيّة، وحملهم في قضاياهم على الوجوه الشّرعيّة؛ ومن نزح من إحدى المملكتين إلى الأخرى أعيد، وما أخذ منها باليد الغاصبة استعيد؛ وبهذا تم الإشهاد، وقريء على المسامع على رؤوس الأشهاد. المذهب الثاني (أن تفتتح الهدنة بلفظ: «استقرّت الهدنة بين فلان وفلان» ويقدّم فيه ذكر الملك المسلم) وعلى ذلك كانت الهدن تكتب بين ملوك الدّيار المصرية، وبين ملوك الفرنج، المتغلّبين على بعض البلاد الشامية.

وهذه نسخة هدنة على هذا النّمط، دون تقرير من الجانبين، كتبت بين الملك الظّاهر «بيبرس البندقداري» صاحب الدّيار المصرية، وبين الاسبتار «1» بحصن الأكراد والمرقب «2» ، في رابع شهر رمضان سنة خمس وستين وستّمائة؛ وهي: استقرّت الهدنة المباركة الميمونة بين مولانا السلطان الملك الظّاهر ركن الدّين أبي الفتح «بيبرس» الصّالحيّ النّجميّ، وبين المقدّم الكبير الهمام فلان مقدّم بيت الاسبتار الفلانيّ بعكّا، والبلاد السّاحليّة، وبين فلان مقدّم حصن الأكراد، وبين فلان مقدّم حصن المرقب، وجميع الإخوة الاسبتار، لمدّة عشر سنين متوالية وعشرة أشهر وعشرة أيّام وعشر ساعات: أوّلها يوم الاثنين رابع رمضان سنة خمس وستّين وستّمائة من الهجرة النّبويّة على صاحبها أفضل الصّلاة والسّلام، الموافق لليوم الثّلاثين من أيّام «3» ..... سنة ألف وخمسمائة وتسعة وسبعين للإسكندر «4» بن فيلبّس اليونانيّ- على أن جميع المملكة الحمصيّة والشّيزريّة «5» والحمويّة وبلاد الدّعوة المباركة، واقع عليها الاتفاق المبارك، ومستقرّة لها هذه الهدنة الميمونة بجميع حدود هذه الممالك المعروفة، وبلادها الموصوفة، وقراها وضياعها، وسهلها وجبلها، وعامرها وغامرها، ومزروعها ومعطّلها

وطرقاتها ومياهها، وقلاعها وحصونها- على ما يفصّل في كلّ مملكة، ويشرح في هذه الهدنة المباركة للمدّة المعيّنة إلى آخرها. وعلى أن المستقرّ بمملكة حمص المحروسة أنّ جميع المواضع والقرى والأراضي التي من نهر العاصي، وتغرّب إلى الحدّ المعروف من الغرب لبلد المناصفات: عامرا وداثرا، وبما فيها من الغلّات صيفيّا وشتويّا، والعداد «1» وغيرها من الفوائد جميعها- تقرّر أن يكون النّصف من ذلك للسّلطان الملك الظاهر ركن الدنيا والدّين أبي الفتح «بيبرس» ، والنّصف لبيت الاسبتار. وعلى أن كلّا من الجهتين يجتهد ويحرص في عمارة بلد المناصفات المذكورة بجهده وطاقته، ومن دخل إليها من الفلّاحين بدوابّ، أو من التّركمان، أو من العرب، أو من الأكراد، أو من غيرهم، أو الفناة- كان عليهم العداد كجاري العادة، ويكون النّصف للسلطان، والنّصف لبيت الاسبتار. وعلى أن الملك الظاهر يحمي بلد المناصفات المقدّم ذكرها من جميع عسكره وأتباعه، وممّن هو في حكمه وطاعته، ومن جميع المسلمين الدّاخلين في طاعته كافّة. وكذلك مقدّم بيت الاسبتار وأصحابه يحمون بلاد مولانا السلطان الدّاخلة في هذه الهدنة. وعلى أنّ جميع من يتعدّى نهر العاصي مغرّبا لرعي دوابّه: سواء أقام أو لم يقم، كان عليه العداد سوى قناة «2» البلد ودوابّه، ومن يخرج من مدينة حمص ويعود إليها، ومن غرّب منهم ومات كان عليه العداد.

وعلى أن يكون أمر فلّاحي بلد المناصفات في الحبس والإطلاق والجباية راجعا إلى نائب مولانا السلطان، باتّفاق من نائب بيت الاسبتار، على أن يحكم فيه بشريعة الإسلام إن كان مسلما، وان كان نصرانيّا يحكم فيه بمقتضى دولة حصن الأكراد. وأن يكون الفلاحون الساكنون في بلاد المناصفات جميعها مطلقين من السّخر من الجانبين. وعلى أن الملك الظاهر لا يأخذ في بلد المناصفات المذكورة: من تركمان ولا عرب ولا أكراد ولا غيرهم عدادا ولا حقّا من حقوق بلد المناصفات، إلا ويكون النّصف منه للملك الظاهر، والنّصف الآخر لبيت الاسبتار. وعلى أن الملك الظاهر لا يتقدّم بمنع أحد من الفلّاحين المعروفين بسكنى بلاد المناصفات من الرّجوع إليها، والسّكن فيها إذا اختاروا العود، وكذلك بيت الاسبتار لا يمنعون أحدا من الفلّاحين المعروفين بسكنى بلاد المناصفات من الرّجوع إليها والسّكن فيها إذا اختاروا العود. وعلى أن الملك الظاهر لا يمنع أحدا من العربان والتّركمان وغيرهم: ممّن يؤدّي العداد، من الدّخول إلى بلد المناصفات، إلّا أن يكون محاربا لبعض الفرنج الداخلين في هذه الهدنة، فله المنع من ذلك. وأن تكون خشارات الملك الظاهر وخشارات عساكره وغلمانهم وأهل بلده ترعى في بلد المناصفات آمنة من الفرنج والنّصارى كافّة. وكذلك خشارات بيت الاسبتار وخشارات عسكرهم وغلمانهم وأهل بلدهم ترعى آمنة من المسلمين كافّة في بلد المناصفات. وعند خروج الخشارات من المراعي وتسليمها لأصحابها، لا يؤخذ فيها حقّ ولا عداد ولا تعارض من الجهتين. وعلى أن تكون مصيدة السّمك الرّوميّة مهما تحصّل منها، يكون النّصف منه للملك الظاهر والنّصف لبيت الاسبتار، وكذلك المصايد التي في الشّطّ الغربيّ من العاصي يكون النّصف منه للملك الظاهر والنصف لبيت

الاسبتار، ويكون لبيت الاسبتار في كلّ سنة خمسون دينارا صوريّة عن القشّ، ويكون القشّ جميعه للملك الظاهر يتصرّف نوّابه فيه على حسب اختيارهم، ويكون اللّينوفر مناصفة: النّصف منه للملك الظاهر والنّصف لبيت الاسبتار. وتقرّر أن الطاحون المستجدّ المعروف بإنشاء بيت الاسبتار، الذي كان حصل الحرب فيه، والبستان الذي هناك المعروف بإنشاء بيت الاسبتار أيضا يكون مناصفة، وأن يكون متولّي أمرهما نائب من جهة نوّاب السلطان ونائب من جهة بيت الاسبتار، يتوليان أمرهما والتّصرّف فيهما وقبض متحصّلهما. وتقرّر أنّ مهما يجدّده بيت الاسبتار على الماء الذي تدور به الطاحون ويسقي البستان من الطواحين والأبنية وغير ذلك، يكون مناصفة بين الملك الظاهر وبين بيت الاسبتار. وأما المستقرّ بمملكة شيزر المحروسة، فهي شيزر، وأبو قبيس وأعماله، وعينتاب وأعمالها، ونصف زاوية بغراس المعروفة بحماية بيت الاسبتار وأعمالها، وجميع أعمال المملكة الكسروية والبلاد المذكورة بحدودها المعروفة بها، وقراها المستقرّة بها، وسهلها وجبلها وعامرها وغامرها. وما استقرّ بمملكة الملك المنصور، ناصر الدّين «محمد» بن الملك المظفّر أبي الفتح «محمود» بن الملك المنصور «محمد» بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب فهي: حماة المحروسة وقلاعها ومدنها، والمعرّة وقراها وسهلها وجبلها وأنهارها، ومنافعها وثمارها وعامرها وغامرها؛ وبلاد رقيبة وبلاد بارين «1» . بحدودها وتخومها وعامرها وداثرها وجميع من فيها وما فيها- على أن الملك المنصور لا يرخّص للتّركمان ولا للعرب أن ينزلوا بلد رقيبة وبارين سوى

ثلاثين بيتا يحملون الغلّة لقلعة بارين، وإن أرادوا الزيادة يكون بمراجعة الإخوة الاسبتارية والاتفاق معهم على ذلك. وعلى أنّه إن تعدّى أحد من أصحابه بأذيّة، أو تعدّى أحد من الفرنجة في بلاده بأذيّة، كانت المهلة في ذلك خمسة عشر يوما؛ فإن انكشفت الأخيذة «1» ، أعيدت، وإلا تحلّف الجهة المدّعى عليها أنها ما علمت وما أحسّت، وكما لهم، كذلك عليهم. والمستقرّ لمملكة الصاحبين: نجم الدّين وجمال الدّين، والأمير صارم الدّين نائبي الدّعوة المباركة، وولد الصاحب رضيّ الدّين، وهي: مصياف والرّصافة وجميع قلاع الدّعوة «2» وحصونها وسهلها ووعرها وعامرها وداثرها، ومدنها وبلادها، وضياعها وطرقاتها، ومياهها ومنابعها، وجميع بلاد الإسماعيلية بجبلي بهرا واللّكّام، وكلّ ما تشتمل عليه حدود بلاد الدّعوة وتخومها- أن يكون الجميع آمنين من على الرّصيف الذي بشيزر إلى نهاية الأراضي التي بحصون الدّعوة وبلادها. وحماية القرية المعروفة (بعرطمار) «3» يكون له أسوة الإسماعيلية. وإن علم الأصحاب أن أحدا من الإسماعيلية قد عبر إلى بيت الاسبتار لأذيّة، أعلموا بيت الاسبتار قبل أن تجري أذيّة، وما لم يعلموا به عليهم اليمين أنّهم ما علموا به، وإن لم يحلفوا يردّوا الأذيّة التي تجري. وتقرّر أن يكون فلّاحو بيت الاسبتار رائحين وغادين ومتصرّفين في بيعهم وشرائهم، مطمئنّين لا يتعدّى أحد عليهم. وكذلك جميع فلّاحي بلاد الإسماعيلية لا يتعدّى أحد عليهم، وأن يكونوا آمنين مطمئنّين في جميع بلاد

الاسبتارية؛ وإن تعدّى أحد من الجهتين في سوق أو طريق، في ليل أو نهار، تكون المهلة خمسة عشر يوما؛ فإن ردّت الشّكوى كلّها فما يكون إلا الخير بينهم؛ ومن توجّهت عليه اليمين حلف، ومن لم يفعل يحلّف وإلا يردّ الأذيّة. وتكون الضّيعة التي رهنها عبد المسيح رئيس المرقب الاسبتار، وهي «المشيرقة» تكون آمنة إن كان الحال استقرّ عليها إلى آخر وقت عند كتابة هذه الهدنة المباركة بين الأصحاب وأصحابهم. ويحمل الأمر في الحقوق. ويبطل ما هو على بلاد الدّعوة المباركة من جميع ما لبيت الاسبتار على حماية مصياف والرّصافة، وهو في كلّ سنة ألف ومائتا دينار قومصيّة، وخمسون مدّا حنطة، وخمسون مدّا شعيرا، ولا تبقى قطيعة على بلاد الدّعوة جميعها، ولا يتعرّض بيت الاسبتار ولا نوّابهم ولا غلمانهم إلى طلب قديم من ذلك ولا جديد، ولا منكسر ولا ماض، ولا حاضر ولا مستقبل على اختلافه. وتقرّر أن تكون جميع المباحات من الجهتين مطلقة مما يختصّ بالمملكة الحمصيّة، يسترزق بها الصّعاليك، وأنّ نوّاب الملك الظاهر يحمونهم من أذيّة المسلمين من بلاده المذكورة، وأن نوّاب بيت الاسبتار يصونونهم ويحرسونهم ويحمونهم من النّصارى والفرنج من جميع هذه البلاد الداخلة في هذه] «1» الهدنة. ولا يتعرّض أحد من المسلمين كافّة من هذه البلاد الدّاخلة في [هذه] «2» الهدنة [إلى بلاد الاسبتارية] «3» بأذيّة ولا إغارة، ولا يتعرّض أحد من جميع الفرنجة من هذه البلاد الداخلة في هذه الهدنة بحدودها الجارية في يد نوّاب الاسبتار وفي أيديهم، إلى بلاد الملك الظاهر بأذيّة ولا إغارة. وعلى أنه متى دخل في بلاد المناصفات أحد ممن يجب عليه العداد

وامتنع من ذلك، وكان عداد إحدى الجهتين حاضرا: إمّا عداد ديوان الملك الظاهر، وإمّا عداد بيت الاسبتار، فلنائب العداد الحاضر من إحدى الجهتين أن يأخذ من ذلك الشّخص الممتنع عن العداد أو الخارج من بلد المناصفات رهنا بمقدار ما يجب عليه من العداد، بحضور رئيس من رؤساء بلد المناصفات، ويترك الرّهن عند الرّئيس وديعة إلى أن يحضر النائب الآخر من الجهة الأخرى، ويوصّل إلى كلّ من الجهتين حقّه من العداد. وإن خرج أحد ممن يجب عليه العداد، وعجز النائب الحاضر عن أخذ رهنه: فإن دخل بلدا من بلاد الملك الظاهر، كان على النوّاب إيصال بيت الاسبتار إلى حقّهم مما يجب على الخارج من العداد، وكذلك إن دخل الخارج المذكور إلى بيت الاسبتار، كان عليهم أن يوصّلوا إلى نوّاب الملك الظاهر حقّهم مما يجب على الخارج من العداد. وكذلك يعتمد ذلك في المملكة الحمويّة وبلاد الدّعوة المحروسة. وعلى أن التّجّار والسّفّار والمتردّدين من جميع هذه الجهات المذكورة يكونون آمنين من الجهتين: الجهة الإسلامية، والجهة الفرنجية والنّصرانيّة، في البلاد التي وقعت هذه الهدنة عليها- على النّفوس والأموال والدّوابّ وما يتعلق بهم، يحميهم السّلطان ونوّابه، ويتعاهدون البلاد الداخلة في هذه الهدنة المباركة الواقع عليها الصّلح وفي بلد المناصفات- من جميع المسلمين، ويحميهم بيت الاسبتار في بلادهم الواقع عليها الصّلح وفي بلد المناصفات- من الفرنج والنصارى كافّة. وعلى أن يتردّد التّجّار والمسافرون من جميع المتردّدين على أيّ طريق اختاروه من الطّرق الداخلة في عقد هذه البلاد الداخلة في هذه الهدنة المباركة المختصّة بالملك الظاهر، وبلاد معاهديه، وبلاد المناصفات، وخاصّ بيت الاسبتار والمناصفات، يكون الساكنون والمتردّدون في الجهتين آمنين مطمئنّين على النّفوس والأموال، تحمي كلّ جهة الجهة الأخرى.

وعلى أنّ ما يختص بكلّ جهة من هذه الجهات: الإسلامية، والفرنجية الاسبتارية، لا يكون عداد على مالها في المناصفات: من الدّوابّ والغنم والبقر والجمال وغيرها، على العادة المقرّرة في ذلك. وعلى أنّ إطلاق الرّؤساء يكون باتفاق من الجهتين: الإسلامية، والفرنجية الاسبتارية. ومتى وقعت دعوى على الجهة الأخرى، وقف أمرها في الكشف عنها أربعين يوما؛ فإن ظهرت أعيدت على صاحبها، وإن لم تظهر حلف ثلاثة نفر ممّن يختارهم صاحب الدّعوى على ما يعلمونه في تلك الدّعوى، وإن ظهرت بعد اليمين أعيدت إلى صاحبها، وإن كان قد تعوّض عنها أعيد العوض. وعلى أن يكشفوا عن الأخيذة بجهدهم وطاقتهم. ومتى تحققت أعيدت إلى صاحبها، فإن حلفوا يبرؤون من الدعوى، وإن ظهرت بعد اليمين أعيدت على صاحبها، وإن امتنع المدّعى عليه من اليمين حلف المدّعي، ولا يستحق «1» عوض ما عدم من كل شيء مثله. وكذلك يجري الأمر في القتل: عوض الفارس فارس، وعوض الرّاجل راجل، وعوض البركيل بركيل «2» ، وعوض التّاجر تاجر، وعوض الفلّاح فلّاح. وإذا انقضت الأربعون يوما المذكورة لكشف الدعوى ولم يحلف المدّعى عليه للمدّعي وجب عليه العوض حتّى يردّ، وإن ردّ اليمين على المدّعي ومضى على ذلك عشرة أيّام، ولم يحلف صاحب الدعوى بطلت دعواه وحكمها، وإن حلف أخذ العوض. ومتى هرب من إحدى الجهتين إلى الأخرى أحد، ومعه مال لغيره أعيد جميع ما معه، وكان الهارب مخيّرا بين المقام والعود. وإن هرب عبد وخرج عن دينه، أعيد ثمنه، وإن كان باقيا على دينه أعيد.

وعلى أن لا يدخل أحد من القاطنين في بلد المناصفات: من الفلّاحين والعرب والتركمان وغيرهم، إلى بلاد الفرنج والنّصارى كافّة لإغارة ولا أذيّة بعلم الملك الظاهر وبلاد معاهديه، [ولا يدخل أحد] «1» بلاد المسلمين لإغارة ولا أذيّة بعلم بيت الاسبتار ولا رضاهم ولا إذنهم. وعلى أنّ الدعاوى المتقدّمة على هذا الصّلح يحمل أمرها على شرط المواصفة التي بين الملك الظاهر وبين معاهديه وبين بيت الاسبتار. وعلى أن هذه الهدنة تكون ثابتة مستقرّة، لا تنقض بموت أحد من الجهتين، ولا وفاة ملك ولا مقدّم، إلى آخر المدّة المذكورة، وهي: عشر سنين وعشرة أشهر وعشرة أيّام وعشر ساعات، أوّلها يوم تاريخه. وعلى أن نوّاب الملك الظاهر ومعاهديه لا يتركون أحدا من التّركمان، ولا من العربان، ولا من الأكراد، يدخل بلاد المناصفات بغير اتّفاق من بيت الاسبتار أو رضاه، إلا أن يكفلوه على نفوسهم في هذه الطوائف المذكورة، ويعلموا حاله، لئلّا تبدو منهم أذيّة أو ضرر أو فساد ببلد المناصفات وببلد النصارى. ولنوّاب مولانا السلطان أن تتركهم على شرط أنهم يعلم بهم بيت الاسبتار في غد نزولهم المكان، إن كان المكان قريبا. وإن ظهر منهم فساد كان النوّاب يجاوبون بيت الاسبتار. وعلى أن المهادنة بحدودها يكون الحكم فيها كما في المناصفات، والحدود في هذه البلاد جميعها تكون على ما تشهد به نسخ الهدن، وما استقرّ الحال عليه إلى آخر وقت. وعلى أن تخلّى أمور المملكة الحمصيّة على ما كان مستقرّا في الأيام الأشرفيّة، على ما قرّره الأمير علم الدّين «سنجر» .

هذا ما وقع الاتّفاق والتّراضي عليه من الجهتين، وبذلك جرى القلم الشريف السلطانيّ الملكيّ الظاهريّ: حجّة بمقتضاه، وتأكيدا لما شرح أعلاه. كتب في تاريخ كذا وكذا. وهذه نسخة هدنة من هذا النّمط، عقدت بين السلطان الملك الظاهر «بيبرس» أيضا، وبين ملكة بيروت «1» من البلاد الشامية، في شهور سنة سبع وستين وستمائة حين كانت بيدها، وهي: استقرّت الهدنة المباركة بين السّلطان الملك الظاهر ركن الدين

«بيبرس» وبين الملكة الجليلة المصونة الفاخرة، فلانة ابنة فلان، مالكة بيروت وجميع جبالها وبلادها التّحتية مدّة عشر سنين متوالية، أوّلها يوم الخميس سادس رمضان سنة سبع وستين وستمائة الموافق لتاسع أيار سنة ألف وخمسمائة وثمانين يونانية- على بيروت وأعمالها المضافة إليها، الجاري عادتهم في التّصرّف فيها في أيام الملك العادل، أبي بكر بن أيّوب، وأيام ولده الملك المعظّم عيسى، وأيّام الملك الناصر صلاح الدّين يوسف بن الملك العزيز، والقاعدة المستقرّة في زمنهم إلى آخر الأيام الظاهرية، بمقتضى الهدنة الظاهريّة، وذلك مدينة بيروت وأماكنها المضافة إليها: من حدّ جبيل إلى حدّ صيدا، وهي المواضع الآتي ذكرها: جونية بحدودها، والعذب «1» بحدودها، والعصفورية بحدودها، والراووق بحدودها، وسنّ الفيل بحدودها، والرح والشّويف «2» بحدودها، وأنطلياس بحدودها، والجديدة «3» بحدودها، وحسوس «4» بحدودها، والبشرية «5» بحدودها، والدكوانة وبرج قراجار بحدودها، وقرينة بحدودها، والنصرانية بحدودها، وجلدا «6» بحدودها، والناعمة بحدودها، ورأس الفيقة، والوطاء المعروف بمدينة بيروت، وجميع ما في هذه الأماكن من الرّعايا والتّجّار، ومن سائر أصناف الناس أجمعين، والصّادرين منها والواردين إليها من جميع أجناس النّاس، والمتردّدين إلى بلاد السلطان فلان، وهي: الحميرة «7»

وأعمالها وقلاعها وبلادها وكلّ ما هو مختصّ بها، والمملكة الأنطاكية وقلاعها وبلادها، وجبلة واللّاذقيّة وقلاعها وبلادها، وحمص المحروسة وقلاعها وبلادها، وما هو مختصّ بها، ومملكة حصن عكّا وما هو منسوب إليه، والمملكة الحمويّة وقلاعها وبلادها وما هو مختصّ بها، والمملكة الرّحبيّة «1» وما هو مختصّ بها: من قلاعها وبلادها، والمملكة البعلبكّيّة وما هو مختصّ بها: من قلاعها وبلادها، والمملكة الدّمشقية وما هو مختصّ بها: من قلاعها وبلادها ورعاياها وممالكها، والمملكة الشّقيفية وما يختصّ بها من قلاعها وبلادها ورعاياها، والمملكة القدسيّة وما يختصّ بها، والمملكة الحلبيّة وما يختصّ بها، والمملكة الكركيّة والشّوبكيّة وما يختص بها من القلاع والبلاد والرّعايا، والمملكة النّابلسيّة، والمملكة الصّرخديّة، ومملكة الدّيار المصريّة جميعها: بثغورها، وحصونها، وممالكها، وبلادها، وسواحلها، وبرّها، وبحرها، ورعاياها، وما يختصّ بها، والسّاكنين في جميع هذه الممالك: المذكورة وما لم يذكر من ممالك السّلطان وبلاده، وما سيفتحه الله تعالى على يده ويد نوّابه وغلمانه يكون داخلا في هذه الهدنة المباركة، ومنتظما في جملة شروطها، ويكون جميع المتردّدين من هذه البلاد وإليها آمنين مطمئنّين على نفوسهم وأموالهم وبضائعهم، من الملكة فلانة وغلمانها، وجميع من هو في حكمها وطاعتها: برّا وبحرا، ليلا ونهارا، ومن مراكبها وشوانيها «2» . وكذلك رعيّة الملكة فلانة وغلمانها يكونون آمنين على أنفسهم وأموالهم وبضائعهم من السّلطان ومن جميع نوّابه وغلمانه ومن هو تحت حكمه وطاعته: برّا وبحرا، ليلا ونهارا: في جبلة، واللّاذقيّة، وجميع بلاد السلطان، ومن مراكبه وشوانيه.

وعلى أن لا يجدّد على أحد من التّجّار المتردّدين رسم لم تجر به عادة، بل يجرون على العوائد المستمرّة، والقواعد المستقرّة من الجهتين. وإن عدم لأحد من الجانبين مال، أو أخذت أخيذة، وصحت في الجهة الأخرى ردّت إن كانت موجودة، أو قيمتها إن كانت مفقودة. وإن خفي أمرها كانت المدّة للكشف أربعين يوما، فإن وجدت ردّت، وإن لم توجد حلّف والي تلك الولاية المدّعى عليه، وحلّف ثلاثة نفر ممّن يختارهم المدّعي، وبرئت جهته من تلك الدّعوى. فإن أبى المدّعى عليه من اليمين حلّف الوالي المدّعي، وأخذ ما يدّعيه. وإن قتل أحد من الجانبين خطأ كان أو عمدا، كان على القاتل في جهته العوض عنه نظيره: فارس بفارس، وبركيل ببركيل، وراجل براجل، وفلّاح بفلّاح. وإن هرب أحد من الجانبين إلى الجانب الآخر بمال لغيره، ردّ من الجهتين هو والمال، ولا يعتذر بعذر. وعلى أنه إن تاجر فرنجي صدر من بيروت إلى بلاد السّلطان يكون داخلا في هذه الهدنة، وإن عاد إلى غيرها لا يكون داخلا في هذه الهدنة. وعلى أنه إن تاجر فرنجي صدر من بيروت إلى بلاد السّلطان يكون داخلا في هذه الهدنة، وإن عاد إلى غيرها لا يكون داخلا في هذه الهدنة. وعلى أنّ الملكة فلانة لا تمكّن أحدا من الفرنج على اختلافهم من قصد بلاد السّلطان من جهة بيروت وبلادها، وتمنع من ذلك وتدفع كلّ متطرّق بسوء، وتكون البلاد من الجهتين محفوظة من المتجرّمين المفسدين. وبذلك انعقدت الهدنة للسلطان، وتقرّر العمل بهذه الهدنة والالتزام بعهودها والوفاء بها إلى آخر مدّتها من الجهتين: لا ينقضها مرور زمان، ولا يغيّر شروطها حين ولا أوان، ولا تنقض بموت أحد من الجانبين. وعند انقضاء الهدنة تكون التّجّار آمنين من الجهتين مدّة أربعين يوما، ولا يمنع أحد منهم من العود إلى مستقره؛ وبذلك شمل هذه الهدنة المباركة الخطّ الشريف حجّة فيها، والله الموفّق، في تاريخ كذا وكذا. وهذه نسخة هدنة عقدت بين السلطان الملك الظاهر «بيبرس» وولده

الملك السّعيد، وبين الفرنج الاسبتارية، على قلعة لدّ بالشام، في سنة تسع وستين وستمائة؛ وهي: استقرّت الهدنة المباركة بين السّلطان الملك الظّاهر ركن الدّين «بيبرس الصّالحيّ» قسيم أمير المؤمنين وولده الملك السّعيد ناصر الدّين «محمد بركه خاقان» «1» خليل أمير المؤمنين، وبين المباشر المقدّم الجليل افريز «2» أولد كال مقدّم جميع بيت اسبتار سرجوان بالبلاد السّاحليّة، وبين جميع الإخوة الاسبتارية، لمدّة عشر سنين كوامل متواليات متتابعات، وعشرة أشهر، أوّلها مستهلّ رمضان سنة تسع وستين وستمائة للهجرة النبويّة المحمّديّة، الموافق للثامن عشر من نيسان سنة ألف وخمسمائة واثنتين وثمانين للإسكندر بن فيلبّس اليونانيّ- على أن تكون قلعة لدّ «3» بكمالها وربضها وأعمالها، وما هو منسوب إليها ومحسوب منها، بحدودها المعروفة بها من تقادم الزمان، وما استقرّ لها الآن، وما يتعلّق بذلك: من المواضع، والمصايد، والملّاحات، والبساتين، والمعاصر، والطّواحين، والجزائر: سهلها وجبلها، وعامرها، وداثرها، وما يجري بها من أنهار، وينبع بها من عيون، وما هو مبنيّ بها من عمائر، وما استجدّ بها من القراح «4» وغير ذلك،

وكلّ ما عمّر في أراضي المناصفات على دورها وأنهارها، وما بحدود ذلك من نهر «بدرة» «1» إلى جهة الشّمال، وما استقرّ «لبلدة» «2» من هذه الجهات إلى آخر الأيام النّاصريّة من الحدود المعروفة بها والمستقرّة لها، وحصن برغين «3» وما ينسب إلى ذلك من البلاد والضّياع والقرى التي كانت مناصفة- تكون جميع «بلدة» وهذه الجهات خاصّا إلى آخر الزائد للملك الظّاهر، ولا يكون لبيت الاسبتار ولا للمرقب فيها حقّ ولا طلب بوجه ولا سبب إلى حين انقضاء مدّة الهدنة وما بعدها إلى آخر الزائد، ولا لأحد من جميع الفرنجة فيها تعلّق ولا طلب بوجه ولا سبب. وكذلك مهما كان مناصفة كقلعة «العليقة» «4» في بلادها لبيت الاسبتار، يكون ذلك جميعه للدّيوان المعمور والخاصّ الشريف، ولا يكون للمرقب فيها شيء ولا لبيت الاسبتار. وكذلك كلّ ما هو في بلاد الدّعوة المباركة جميعها وقلاعها من القرى- لا تكون فيها مناصفة لبيت الاسبتار ولا للمرقب، ولا حقّ، ولا رسم، ولا شرط، ولا طلب في جميع بلاد الدّعوة: مصياف المحروسة، والكهف، والمنيقة، والقدموس، والخوابي، والرّصافة، والعليقة، وكلّ ما هو في هذه

القلاع وفي بلادها من مناصفة، يكون ذلك خاصّا للملك الظاهر، وليس لبيت الاسبتار ولا الفرنجة فيه حديث ولا طلب. وعلى أن تكون بلاد المرقب وحدودها من نهر لدّ ومقبّلا ومغرّبا إلى حدود بلاد مرقبة المعروفة بها، الدّاخل جميعها في الفتوح الشريف، واستقرارها بحكم ذلك في الخاصّ المبارك الشّريف، وحدّ البيوت المحاذية لسور الرّبض، تستقرّ جميعها مناصفة بين السّلطان وبين بيت الاسبتار نصفين بالسّويّة، وما في جميع هذه البلاد: من بساتين، وطواحين، وعمائر، ومصايد، وملّاحات، ووجوه العين، والمستغلّات الصّيفيّة والشّتويّة، والقطاني، والحقوق المستخرجة، وما هو مزروع من الفدن لأهل الرّبض وبيادرها: يكون ذلك مناصفة بين السلطان وبين بيت الاسبتار سرجوان بالسّويّة نصفين. وما هو داخل الرّبض وداخل المرقب، فإنه مطلق من الملك الظاهر للمقدّم الكبير «افريز أولد كال» «1» مقدّم بيت الاسبتار سرجوان وخيّالته، ورجاله وحمّالته ورجّالته ورعيّته، برسم إقامتهم وسكناهم من داخل الأسوار، وعن سور الرّبض المحاذية للسّور تكون مناصفة جميعها، بما فيه من حقوق طرقات وأحكار، ومراعي المواشي على اختلاف أصوافها وأوبارها، وجميع السخريات، وكلّ أرض مزروعة أو غير مزروعة مهما أخذ منه من حقّ أو عداد يكون مناصفة. وكلّ ما هو من المواني والمراسي البحريّة المعروفة جميعها بحصن المرقب: من مينا بلدة إلى مينا القنطرة المجاورة لحدود مرقبة- تكون هي وما يتحصّل منها من الحقوق المستخرجة من الصادرين والواردين والتّجّار، وما ينعقد عليه ارتفاعها، وتشهد به الحسبانات- جميعه مناصفة. وما يدخل في

ذلك من أجناس البضائع على اختلافها يؤخذ الحقّ [منه] «1» مناصفة على العادة الجارية من غير تغيير لقاعدة من حين أخذ بيت الاسبتار المرقب إلى تاريخ هذه الهدنة المباركة مناصفة على العادة الجارية، بل تجري التّجّار في الحقوق على عادتهم في البضائع التي يحضرونها والمتجر كائنا من كان. يعتمد ذلك في كلّ ما يصل للمتردّدين والمقيمين بالقلعة والرّبض: من عامّة وغير عامّة، وخيّالة وغير خيّالة، على اختلاف أجناسهم، خلا ما يصل للإخوة ولغلمانهم المعروفين بالإخوة الاسبتارية من الحبوب والمؤونة والكسوة والخيل التي هي برسم ركوبهم خاصّة، لا يكون عليها حقّ، بشرط أنه لا يكون فيها للتّجّار شيء من ذلك، وما خلا ذلك جميعه يؤخذ الحقّ منه مناصفة على ما شرحناه. وعلى أنه لا يحمي أحد من الإخوة الخيّالة، والوزراء، والكتّاب، والنّوّاب، والمستخدمين شيئا على اسم بيت الاسبتار، ليستطلق الحقّ ويمنع من استيدائه، ولو أنّه أقرب أخ إلى المقدّم أو ولد المقدّم، إذا ظهر منه خلاف ما وقع عليه الشّرط، أخذ جميع ماله مستهلكا للجهتين: للدّيوان السّلطانيّ المعمور، ولبيت الاسبتار، إن كان خارجا من البحر أو نازلا إلى البحر، صادرا وواردا، وكذلك في البرّ صادرا وواردا بعد المحاققة على ذلك وصحّته. وعلى أنّ نوّاب المباشر المقدّم الكبير لبيت الاسبتار، وولاته وكتّابه ومستخدميه وغلمانه، يكونون آمنين مطمئنّين على نفوسهم وأموالهم وجميع ما يتعلّق بهم. وكذلك غلماننا وولاتنا ونوّابنا ومستخدمونا وكتّابنا ورعايا بلادنا يكونون آمنين مطمئنّين على نفوسهم وأموالهم، متّفقين على مصالح البلاد وأخذ الحقوق، وسائر المقاسمات والطّرقات والبساتين والطّواحين،

والحقوق المقرّرة على الفدن على اختلاف أجناسها. وكذلك الرّآسة واستخراج وجوه العين، والحبوب، والتصاريف الجاري بها العادة المقرّرة على الفدن، من جميع ما يتعلّق بها. وعلى أن جميع الضمانات يكون نوّاب السلطان ونوّاب بيت الاسبتار متّفقين جملة على ذلك، لا ينفرد أحد منهم بشيء إلا باتفاق وتنزيل في دفاتر الديوان المعمور وديوان بيت الاسبتار، ولا يطلق ولا يحبس إلا باتّفاق من الجهتين، ولا ينفرد واحد دون آخر. وعلى أنّ أيّ مسلم تصدر منه أذيّة يحكم فيه بما يقتضيه الشرع الشريف في تأديبه، يعتمد ذلك فيه نائبنا: من شنق يجب عليه، أو قطع، أو أدّب بحكم الشّرع الشريف: من شنق، وقطع، وكحل أعين، بحيث لا يعمل ذلك إلا بحضور نائب من جهة بيت الاسبتار، حاضر يعاين ذلك بعينه، ويكون قد عرف الذّنب وتحقّقه. وإن كان ذنبه يستوجب جناية أو غرامة دراهم أو ذهب أو مواش أو غير ذلك على اختلاف أجناسه، يكون ما يستأدى مناصفة للدّيوان المعمور ولبيت الاسبتار وصاحب المرقب. فإن كان فيها «1» قماش وبضائع على اختلاف أجناسه، وصاحبه مسلم، يأخذ بضاعته من غير اعتراض من الجهتين بعد أداء الحقّ للدّيوان المعمور ولبيت الاسبتار. وإن لم يعرف صاحب البضاعة وكانت لمسلم، أعيدت للخزانة السّلطانية، ولا يكون لبيت الاسبتار فيها تعلّق. وإن كان صاحب البضاعة نصرانيّا على اختلاف أجناس النّصارى، تؤخذ بضاعته، من غير اعتراض من جهتنا، بعد أداء الحقّ، وإن لم يعرف صاحب البضاعة، وكانت لنصرانيّ، تبقى تحت يد بيت الاسبتار، خلا من كان من بلاد مملكة السّلطان على

اختلاف دينه: إن كان نصرانيّا أو ذميّا، على اختلاف جنس دينه، ليس لبيت الاسبتار عليهم اعتراض، ويحمل ذلك جميعه على اختلاف أجناس البضائع للدّيوان المعمور. وعلى أنه متى انكسر مركب، وظهر إلى برّ المواني بضاعة، وقصد صاحبه شيله إلى جهة يختارها في البرّ والبحر، ولا يتبع، فيؤخذ الحقّ منه: إن باع يؤخذ الحقّ، وإن حمل يؤخذ الحقّ، ويكون الحقّ للجهتين: وهو الحقّ المعروف الجاري به العادة. وعلى أن التّجّار السّفّارة والمتردّدين بالبضائع من بلاد المسلمين والنّصارى متى ما خرجوا من المواني المحدودة أعلاه يتوجّهون بخفارة «1» الجهتين من غير حقّ: لا يتناول من الخفارة شيء منسوب إلى نفوسهم إلى أن يخرجهم ويحضرهم إلى برّ حدود المرقب آمنين مطمئنّين تحت حفظ الجهتين. ومتى وصل التّجّار من مملكة السّلطان إلى بلاد المرقب وموانيها، فالتّرتيب على الخفارة من الجهتين، مع تدرّك الرّؤساء الحفظ للطرقات صادرا وواردا، بحيث إنّهم يحضرون إلى بلاد المرقب، وإلى المواني بالمرقب المحدودة أعلاه، طيّبين آمنين على أرواحهم وأموالهم بالخفارة من الجهتين، على ما شرحناه. وعلى أنّ غلمان المباشر المقدّم لبيت الاسبتار والإخوة والخيّالة والرّعيّة المقيمين بقلعة المرقب والرّبض، يكونون آمنين مطمئنّين على أنفسهم وأموالهم ومن يلوذ بهم ويتعلّق، في حال صدورهم وورودهم إلى بلادنا الجارية في مملكتنا في البرّ، منّا ومن نوّابنا بالمملكة والبلاد الجارية في حكمنا، ومن ولدنا الملك السّعيد، ومن أمرائنا وعساكرنا المنصورة. وإن قتل قتيل أو أخذت أخيذة في حدود المناصف ببلاد المرقب، فيقع الكشف

عن ذلك عشرين يوما: فإن وجد فاعل ذلك، يؤخذ الفاعل بذنبه، وإن لم يظهر فاعل ذلك مدّة عشرين يوما فيمسك رؤساء مكان قطع الطّريق وأخذ الأخيذة، وقتل القتيل، إن كان أخذ وقتل- مكان من قتل القتيل أو أخذ الأخيذة- أقرب القرباء إلى الذي قطع عليه الطريق أو قتل قتيلا، فإن خفي الفاعل لذلك، وعجز عن إحضاره بعد عشرين يوما، يلزم أهل نوّاب الجهتين من القرباء الأقرب لذلك المكان بألف دينار صوريّة: للدّيوان السلطانيّ النّصف، ولنقيب الاسبتار النّصف، ولا تتكاسل الولاة في طلب ذلك، ويكون طلبه يدا واحدة، ولا يختص الواحد دون الآخر، ولا يحابي أحد منهم لأخذ الفلّاح في هذا أو غيره في مصلحة عمارة البلاد، واستخراج الحقوق، ومقاسمة الغلال، وطلب المفسدين ليلا ونهارا. وعلى أن لا تغيّر الهدنة المباركة بأمر من الأمور، لا من جهتنا ولا من جهة ولدنا الملك السّعيد، إلى انقضاء مدّتها المعيّنة أعلاه وفروعها، ولا تتغيّر بتغيّر المقدّم المباشر لبيت الاسبتار الحاكم على المرقب وغيره. وإذا جرت قضيّة في أمر من الأمور يعرّفهم نوّابنا، ويحقّق الكشف إلى مدّة أربعين يوما؛ فمن يكون للبداية يخرج منها على من يثبت «1» ويكون قد عرف دينه الذي بدا من جهة كلّ واحد. وإذا تغيّر النّواب بالمرقب وحضر نائب مستجدّ يعتمد ما تضمّنته هذه الهدنة، ولا يخرج عن هذه المواصفة. وإذا تسحّب من المسلمين أحد على اختلاف أجناسه، إن كان مملوكا أو غير مملوك، أو معتوقا أو غير معتوق، أو كائنا من كان من المسلمين على اختلاف منازلهم، وإن كان غلاما أو غير غلام- يردّ بجميع ما يوجد معه، إن كان قليلا أو كثيرا يردّ. ولو أنّ المتسحّب دخل الكنيسة وجلس فيها يمسك بيده ويخرج ويسلّم لنوّابنا بجميع ما معه؛ وإن كان خيلا أو قماشا أو دراهم أو ذهبا وما يتعامل الناس به، يسلّم بما معه إلى نوّابنا على ما شرحناه. وكذلك إذا تسحّب أحد

من جهتهم من الفرنج أو النّصارى إلى أبوابنا الشريفة، أو وصل إلى جهة نوّابنا يمسك ويسلّم بما يحضر معه: من الخيل والأقمشة والعدّة وجميع ما يصل إن كان قليلا أو كثيرا، يمسكه نوّابنا ويسلّمون ذلك بما معه لنائب المقدّم الماستر «1» المقيم بالمرقب، وأخذوا «2» الخطوط بذلك بتسليمه بما حضر معه. وعلى أنهم لا يكون لهم حديث مع قلعة العليقة، ولا الرّعيّة الذين فيها، ولا مع نوّاب ابن الرديني المقيمين فيها: لا بكتاب، ولا بمشافهة، ولا برسالة، ولا بقول، ولا يطلع أحد من جهتهم إليهم، ولا يمكّن أحد من الحضور إليهم، [والوصول] «3» إلى جهتهم من القلعة المذكورة، ولا تسيّر إليهم مؤونة ولا تجارة ولا جلب على اختلاف أجناسه، ولا تكون بينهم معاملة. وإن حضر من جهة قلعة العليقة إليهم يمسكون ويسلّمون لنوّابنا ويأخذوا «4» بذلك خطوطهم. وعلى أنهم لا يجدّدون عمارة قلعة، ولا في القلعة عمارة، ولا في البدنة «5» ولا في أبراجها، ولا [يعتمدون] «6» إصلاح شيء منها إلا إذا عاينه نوّابنا أو أبصروا أنه يحتاج إلى الضّرورة في ترميم يرمّمونه بعد أن يعاينه نوّابنا من هذا التاريخ، ولا يجدّدون عمارة في ربضها «7» ، ولا في سورها، ولا في

أبراجها، ولا يجدّدون حفر خندق، وعمارة خندق، أو تجدّد بناية خندق أو قطع جبل، أو تحصّن عمارة، أو تحصّن بقطع جبل، منسوبا لتحصين يمنع أو يدفع. ولم نأذن لهم بسوى البناية [على] أثر الدّور التي أحرقت عند دخول العساكر صحبة الملك السّعيد. وقد أذنّا لهم في عمارة باطن الرّبض على أثر الأساس القديم. وعلى أنّ صهيون «1» وأعمالها، وبرومه «2» وأعمالها، والقليعة وأعمالها، وعيدوب «3» وأعمالها، الجارية تحت نظر الأمير سيف الدّين محمد ابن عثمان صاحب صهيون- يجري حكم هذه البلاد المختصة به حكم بلادنا في المهادنة، بحكم أنّ بلاده المذكورة جارية في ممالكنا الشّريفة. وعلى أنه لا يمكّن بيت الاسبتار من دخول رجل غريبة في البرّ ولا في البحر إلى بلادنا، بأذيّة ولا ضرر يعود على الدّولة، وعلى بلادنا وحصوننا ورعيّتنا، إلا أن يكونوا يدا غالبة، صحبة ملك متوّج. وعلى أنّ البرج الداخل في المناصفة، وهو برج معاوية الذي عند المحاصّة الداخلة في مناصف المرقب الآن، يخرّب ما يخصّنا منه، وهو النّصف من البرج المذكور أعلاه؛ وأن الجسر المعروف بجسر بلدة لم يكن لبيت الاسبتار فيه شيء من البرّين، وأنه خالص للديوان المعمور دون بيت الاسبتار؛ وأن الدّار المستجدّة عمارتها بقلعة المرقب برسم الماستر المقدّم الكبير، الذي هو عايز «4» تكميل عمارة سقف القبو بالحجارة والكلس، لا

تكمّل عمارتها، ويبقى على حاله، وهو في وسط القلعة الظاهر منه قليل إلى البرّ الشّرقيّ وهو المذكور أعلاه. وعلى أن نوّاب الاسبتار بالمرقب لا يخفون شيئا من مقاسمات البلاد ولا شيئا من حقوقها الجارية بها العادة أن بيت الاسبتار يستخرجونه ولا يخفون منه شيئا؛ وكلّ ما كان يستأدى من البلاد في أيدي الاسبتار قبل هذه الهدنة يطلعون نوّابنا عليه ولا يخفون منه شيئا قليلا ولا كثيرا من ذلك. وعلى أنّ السلطان يأمر نوّابه بحفظ مناصفات بلاد المرقب الداخلة في هذه الهدنة، من المفسدين والمتلصّصين والحراميّة ممن هو في حكمه وطاعته. وكذلك الماستر المقدّم افريز أولد كال يلزم ذلك من الجهة الأخرى. ومتى وقع- والعياذ بالله- فسخ بسبب من الأسباب، كان التّجّار والسّفّار آمنين من الجهتين إلى أن يعودوا بأموالهم، ولا يمنعون من السّفر إلى أماكنهم من الجهتين، وتكون النهاية لهم أربعين يوما. وتكون هذه الهدنة منعقدة بشروطها المذكورة، مستقرّة بقواعدها المسطورة للمدّة المعيّنة، وهي: عشر سنين وعشرة أشهر كوامل، أوّلها مستهلّ رمضان سنة تسع وستّين وستمائة إلى آخرها، متتابعة متوالية، لا تفسخ بموت أحد من الجهتين، ولا بعزل وال وقيام غيره موضعه، ولا زوال رجل غريبة، ولا حضور يد غالبة، بل يلزم كلّا من الجهتين حفظها إلى آخرها، ومن تولّى بعد الآخر حفظها إلى آخرها، بالشّروط المشروطة فيها أوّلا وآخرا. والخطّ أعلاه، حجّة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى. في تاريخ كذا وكذا. وهذه نسخة هدنة عقدت بين السلطان الملك المنصور «قلاوون» الصالحيّ صاحب الدّيار المصريّة والبلاد الشاميّة وولده الملك الصالح «عليّ» وليّ عهده، وبين حكّام الفرنج بعكّا وما معها من بلاد سواحل

الشّام، في شهور سنة آثنتين وثمانين وستمائة، وهي يومئذ بأيديهم؛ وصورتها «1» : استقرّت الهدنة بين مولانا السّلطان الملك المنصور سيف الدّين أبي الفتح «قلاوون» الملكيّ الصّالحيّ وولده السلطان الملك الصالح علاء الدّين «عليّ» - خلّد الله تعالى سلطنتهما «2» - وبين الحكّام بمملكة عكّا، وصيدا، وعثليث، وبلادها التي انعقدت عليها هذه الهدنة، وهم: (الشيخان أو دهيل المملكة بعكّا) «3» ، وحضرة المقدّم الجليل (افريز كاسام ديبا حول) «4» مقدّم بيت الديويّة، وحضرة المقدّم الجليل (افريز سكفل للورن) «5» مقدّم بيت الاسبتارية، والمرشان الأجلّ (افريز) «6» كورات نائب مقدّم بيت الاسبتار الآمن «7» - لمدّة عشر سنين كوامل، وعشرة أشهر، وعشرة أيّام، وعشر ساعات: أوّلها يوم الخميس خامس ربيع الأوّل سنة اثنتين وثمانين وستمائة للهجرة النّبويّة، صلوات الله على صاحبها وسلامه، الموافق للثالث

من حزيران سنة ألف وخمسمائة وأربع وتسعين لغلبة الإسكندر بن فيلبّس اليونانيّ- على جميع بلاد السّلطان وولده «1» ، وهي التي في مملكتهما وتحت حكمهما وطاعتهما وما تحويه أيديهما يومئذ: من جميع الأقاليم والممالك، والقلاع، والحصون الإسلامية، وثغر دمياط «2» ، وثغر الإسكندريّة المحروستين، ونسترو «3» ، وسنتريّة «4» وما ينسب إليها من المواني والسواحل، وثغر فوّة «5» ، وثغر رشيد، والبلاد الحجازية، وثغر غزّة المحروس، وما معها من المواني والبلاد، والمملكة الكركيّة «6» ، والشّوبكيّة وأعمالها، والصّلت وأعمالها، وبصرى «7» وأعمالها، ومملكة بلاد الخليل صلوات الله عليه وسلامه، ومملكة القدس الشّريف وأعمالها، وبيت لحم «8» وأعماله

وبلاده، وجميع ما هو داخل فيها ومحسوب منها، وبيت جبريل «1» ، ومملكة نابلس «2» وأعمالها، ومملكة الأطرون «3» وأعمالها، وعسقلان «4» وأعمالها وموانيها وسواحلها، ومملكة يافا والرّملة وميناها، وقيساريّة وميناها وسواحلها وأعمالها، وأرسوف «5» وأعمالها، وقلعة قاقون «6» وأعمالها وبلادها، وأعمال العوجاء «7» وما معها من الملاحة، والفتوح السّعيد وأعمالها ومزارعها، وبيسان وأعمالها وبلادها، والطّور وأعماله، واللّجون «8» وأعماله، وجينين «9» وأعمالها، وعين جالوت وأعمالها، والقيمون «10»

وأعماله وما ينسب إليه، وطبريّة وبحيرتها وأعمالها وما معها، والمملكة الصّفدية وما ينسب إليها، وتبنين وهونين «1» وما معهما من البلاد والأعمال، والشّقيف المحروس المعروف بشقيف أرنون «2» وما معه من البلاد والأعمال وما هو منسوب إليه، وبلاد الفرن «3» وما معه خارجا عما عيّن في هذه الهدنة المباركة، ونصف مدينة إسكندرونة، ونصف ضيعة مأرب «4» بفدنهما وكرومهما وبساتينهما وحقوقهما؛ وما عدا ذلك من حقوق «5» إسكندرونة المذكورة، يكون جميعه بحدوده وبلاده للسلطان الملك المنصور ولولده النّصف، والنّصف الآخر لمملكة عكّا. والبقاع العزيزي «6» وأعماله، وشعرا «7» وأعمالها، وشقيف تيرون «8» وأعماله، والعامر جميعها (ولا با

وغيرها) «1» ، وبانياس وأعمالها «2» وقلعة الصّبيبة وأعمالها وما معها من البحيرات والأعمال، وكوكب وأعمالها وما معها، وقلعة عجلون وأعمالها، ودمشق والمملكة الدّمشقيّة- حرسها الله تعالى- وما لها من القلاع والبلاد والممالك والأعمال، وقلعة بعلبكّ المحروسة وما معها وأعمالها، ومملكة حمص وما لها من الأعمال والحدود، ومملكة حماة المحروسة ومدينتها وقلعتها وبلادها وحدودها، وبلاطنس وأعمالها، وصهيون وأعمالها، وبرزية «3» وأعمالها، وفتوحات حصن الأكراد المحروس وأعماله، وصافيثا وأعمالها، و [ميعار و] «4» أعمالها، والعريمة وأعمالها، وقدقيا «5» وأعمالها، وحلبا «6» وأعمالها، والقليعة «7» وأعمالها، وحصن عكّار «8» وأعماله وبلاده، وقلعة شيزر «9» وأعمالها، وأفامية «10» وأعمالها، وجبلة «11» وأعمالها، وأبو قبيس «12» وأعماله، والمملكة الحلبيّة وما هو مضاف إليها من القلاع والمدن والبلاد والحصون، وأنطاكية وأعمالها وما دخل في الفتوح

المبارك، وبغراس «1» وأعمالها، والدّربساك «2» وأعمالها، والرّاوندان وأعمالها، وعينتاب وأعمالها، وحارم «3» وأعمالها، ويبرين «4» وأعمالها، وسيح «5» الحديد وأعماله، وقلعة نجم وأعمالها، وشقيف دركوش «6» وأعماله، والشّغر وأعماله، وبكاس «7» وأعماله، والسّويداء وأعمالها، والباب وبزاعا وأعمالهما، والبيرة وأعمالها، والرّحبة وأعمالها، وسلمية وأعمالها، وشميمس «8» وأعمالها، وتدمر وأعمالها، وما هو منسوب إليها، وجميع ما هو منسوب لمولانا السلطان ولولده من البلاد التي عيّنت في هذه الهدنة المباركة، والتي لم تعيّن. وعلى جميع العساكر، وعلى جميع الرّعايا من سائر الناس أجمعين: على اختلافهم، وتغيّر أنفارهم وأجناسهم وأديانهم، للقاطنين فيها، والمتردّدين في البرّ والبحر، والسّهل والجبل، في اللّيل والنهار، يكونون آمنين مطمئنّين في حالتي صدورهم وورودهم- على أنفسهم، وأموالهم، وأولادهم، وحريمهم، وبضائعهم، وغلمانهم، وأتباعهم، ومواشيهم، ودوابّهم، وعلى جميع ما يتعلّق بهم، وكلّ ما تحوي أيديهم من سائر الأشياء على اختلافها، من الحكّام بمملكة عكّا: وهم كفيل المملكة بها، والمقدّم

(افريز كليام ديبا حول) «1» مقدّم بيت الديوية، والمقدّم (افريز بيكوك للورن) «2» [مقدّم بيت الاسبتار] «3» ، وافريز اهداب «4» نائب مقدّم بيت الاسبتار الامن، ومن جميع الفرنج والإخوة، والفرسان الدّاخلين في طاعتهم وتحويه مملكتهم السّاحليّة، ومن جميع الفرنج على اختلافهم، الذين يستوطنون عكّا والبلاد الساحليّة الداخلة في هذه الهدنة من كلّ واصل إليها في برّ أو بحر على اختلاف أجناسهم وأنفارهم، لا ينال بلاد السّلطان وولده، ولا حصونهما، ولا قلاعهما، ولا بلادهما، ولا ضياعهما، ولا عساكرهما، ولا جيوشهما، ولا عربهما، ولا تركمانهما، ولا أكرادهما، ولا رعاياهما، على اختلاف الأجناس والأنفار، ولا ما تحويه أيديهم من المواشي والأموال والغلال وسائر الأشياء منهم غدر «5» ولا سوء، ولا يخشون من جميعهم أمرا مكروها ولا إغارة، ولا تعرّضا ولا أذيّة. وكذلك ما يستفتحه ويضيفه السلطان وولده على يديهما، وعلى يد نوّابهما وعساكرهما: من بلاد، وحصون، وقلاع، وملك، وأعمال، وولايات، برّا وبحرا، سهلا ووعرا. وكذلك جميع بلاد الفرنج التي استقرّت الآن عليها هذه الهدنة [من البلاد الساحلية] «6» وهي مدينة عكّا وبساتينها، وأراضيها وطواحينها، وما يختصّ بها من كرومها، وما لها من حقوق حولها، وما تقرّر لها من بلاد في هذه الهدنة [وعدتها بما فيها من مزارع ثلاثة وسبعون ناحية خاصّا

للفرنج] «1» وهي: البصة «2» ومزرعتها، مجدل «3» ، حمصين، رأس عبده «4» ، المنواث «5» ومزرعتها، الكابرة «6» ومزرعتها، نصف وفيه جمعون «7» ، كفر بردى ومزرعتها، كوكب «8» عمقا ومزرعتها، المونية، كفر ياسيف» ومزرعتها، توسيان، مكر حرسين ومزرعتها، الحديدة «10» ، الغياضة، العطوانية، مرتوقا الحارثية «11» ثمرا الطرة، الرنب «12» ، البابوحيه «13» ومزرعتها، العرج ومزرعتها، المزرعة السّميرية البيضاء، دعوق والطاحون، كردانه «14» والطاحون، حدرول «15» ، تل النحل، الغار، الرخ والمجدل، تلّ كيسان، البروة «16» ، الرامون، ساسا السياسية، الشبيكة، المشيرقة، العطرانية، المنيير، اكليل، هرياسيف

العربية، هوشة «1» ، الزراعة «2» الجديدة الشمالية، الرحاحيه، قسطه، كفرنبتل، الدويرات «3» ، ماصوب «4» ، متماس «5» ، العباسية، سيعانه «6» ، عين الملك، المنصورة «7» ، الرصيفة، حبابا «8» ، سرطا «9» ، كفرتا «10» ، أرض الزراعة، رولس «11» ، صغد عدي، سفرعم «12» ، هذه البلاد المذكورة [تكون] خاصّا للفرنج. حيفا والكروم والبساتين التي لها جميعها، والقصر وهو الحوش وكفر توثا، وهي: الكنيسة «13» ، والطيرة «14» ، والسعبة،

والسعادة، والمعر «1» ، والباجور «2» ، وسومرا. تكون حيفا وهذه البلاد المذكورة بحدودها وأراضيها خاصّة للفرنج. وكذلك قرية (مارنياباره) «3» بها، المعروفة بها وكرومها وغروسها يكون خاصّا للفرنج. ودير السياح «4» ، ودير مارلياس «5» بأراضيهما المعروفة بهما وكرومهما وبساتينهما يكون خاصّا للفرنج. وعلى أن يكون للسّلطان الملك المنصور ولولده الصّالح، من بلاد الكرمل وهي: الدالية «6» ، ودونه، وضريبة الريح، والكرك، ومعليا، والرامون «7» ، ولوبيه «8» ، وبسور، وخربة يونس، وخربة خميس، ورشميا، ودوابه «9» ، يكون خاصّا للفرنج في بلاد أخرى ذكرها. وما عدا ذلك من البلاد الجبلية جميعها للسلطان ولولده بكمالها. «10» وتكون جميع هذه البلاد العكّاويّة وما عيّن في هذه الهدنة المباركة من البلاد السّاحليّة آمنة من السّلطان الملك المنصور وولده الملك الصّالح،

وآمنة من عساكرهما وجنودهما ومن خدمهما، وتكون هذه البلاد المشروحة أعلاه، الداخلة في هذه الهدنة المباركة: الخاصّ بها» ، وما هو مناصفة- مطمئنّة هي ورعاياها، وسائر أجناس الناس فيها، والقاطنين بها، والمتردّدين إليها على اختلاف أجناسهم وأديانهم، والمتردّدين إليها من جميع بلاد الفرنجة والسّفّار، والمتردّدين منها وإليها في برّ وبحر، في ليل أو نهار، سهل وجبل، آمنين على النّفوس والأموال والأولاد، والمراكب والدّوابّ، وجميع ما يتعلّق بهم، وكلّ ما تحويه أيديهم من الأشياء على اختلافها، من السّلطان وولده، وجميع من هو تحت طاعتهما، لا ينالهم ولا ينال هذه البلاد المذكورة التي انعقدت عليها الهدنة سوء ولا ضرر ولا إغارة، ولا ينال إحدى الجهتين المذكورتين: الإسلاميّة والفرنجية من الأخرى ضرر ولا أذيّة، ويكون ما تقرّر أنه يكون خاصّا للفرنج حسب ما بيّن أعلاه لهم، وما تقرّر أن يكون للسّلطان ولولده خاصّا لهما، والمناصفات تكون كما شرح. ولا يكون للفرنج من البلاد والمناصفات إلا ما شرح في هذه الهدنة وعيّن فيها من البلاد. وعلى أنّ الفرنج لا يجدّدون في غير عكّا وعثليث وصيدا: ممّا هو خارج عن

أسوار هذه الجهات الثّلاث المذكورات، لا قلعة، ولا برجا، ولا حصنا، ولا مستجدّا. وعلى أنه متى هرب أحد- كائنا من كان- من بلاد السّلطان وولده إلى عكّا والبلاد السّاحلية المعيّنة في هذه الهدنة، وقصد الدّخول في دين النّصرانيّة وتنصّر بإرادته، يردّ جميع ما يروح معه ويبقى عريانا، وإن كان ما يقصد الدّخول في دين النصرانية ولا يتنصّر، ردّ إلى أبوابهما العالية بجميع ما يروح معه، بشفاعة ثقة بعد أن يعطى الأمان. وكذلك إذا حضر أحد من عكّا والبلاد السّاحليّة الداخلة في هذه الهدنة، وقصد الدّخول في دين الإسلام وأسلم بإرادته، يردّ جميع ما معه ويبقى عريانا، وإن كان ما يقصد الدّخول في دين الإسلام ولا يسلم، يردّ إلى الحكّام بعكّا، والمقدّمين بجميع ما يروح معه بشفاعة بعد أن يعطى له الأمان. وعلى أنّ الممنوعات المعروف منعها قديما تستقرّ على قاعدة المنع من الجهتين. ومتى وجد مع أحد من تجّار بلاد السّلطان وولده من المسلمين وغيرهم على اختلاف أديانهم وأجناسهم شيء من الممنوعات بعكّا والبلاد السّاحليّة الداخلة في هذه الهدنة، مثل عدّة السّلاح وغيره، يعاد على صاحبه الذي اشتراه منه، ويعاد إليه ثمنه، ويردّ ولا يؤخذ ماله استهلاكا، ولا يؤذى. وللسّلطان ولولده أن يفتصلا «1» في من يخرج من بلادهما من رعيّتهما، على اختلاف أديانهم وأجناسهم، بشيء من الممنوعات. وكذلك كفيل المملكة بعكّا والمقدّمون لهم أن يفتصلوا في رعيّتهم الذين يخرجون بالممنوعات من بلادهم الدّاخلة في هذه الهدنة. ومتى أخذت أخيذة من الجانبين، أو قتل قتيل من الجانبين، على أيّ وجه كان- والعياذ بالله- ردّت الأخيذة بعينها إن كانت موجودة أو قيمتها إن

كانت مفقودة، والقتيل يكون العوض عنه بنظيره من جنسه: فارس بفارس، وبركيل «1» ببركيل، وتاجر بتاجر، وراجل براجل، وفلّاح بفلّاح، فإن خفي أمر القتيل والأخيذة، كانت المهلة في الكشف أربعين يوما؛ فإن ظهرت الأخيذة أو تعيّن أمر المقتول، ردّت الأخيذة بعينها ويكون العوض عن القتيل بنظيره، وإن لم تظهر كانت اليمين على والي المكان المدّعى عليه، وثلاثة نفر يقع اختيار المدّعي عليهم، من تلك الولاية. وإن امتنع الوالي عن اليمين حلّف من الجهة المدّعية ثلاثة نفر تختارهم الجهة الأخرى وأخذ قيمتها. وإن لم ينصف الوالي ولا ردّ المال، أنهى المدّعي أمره إلى الحكّام من الجهتين، وتكون المهلة بعد الإنهاء أربعين يوما، ويلزم الولاة من الجهتين بالوفاء بهذا الشّرط. ومتى أخفوا قتيلا أو أخيذة، أو قدروا على أخذ حقّ ولم يأخذه كلّ واحد في ولايته، يتعيّن على الذي يوليه من ملوك الجهتين إقامة السّياسة «2» فيه: من أخذ الرّوح والمال والشّنق، والإنكار التامّ على من يتعيّن عليه الإنكار إذا فعل ذلك في ولايته وأرضه. وإن هرب أحد بمال واعترف ببعضه وأنكر بعض ما يدّعى به عليه، لزمه أن يحلف أنه لم يأخذ سوى ما ردّه؛ فإن لم يقنع المدّعي بيمين الهارب، حلف والي تلك الولاية أنه لم يطّلع على أنه وصل معه غير ما ردّه؛ وإن أنكر أنّه لم يصل معه شيء أصلا، استحلف الهارب أنه لم يصل معه للمدّعي شيء. وعلى أنه إذا انكسر مركب من مراكب تجّار السّلطان وولده التي انعقدت عليها الهدنة، ورعيّتهما من المسلمين وغيرهم: على اختلاف أجناسهم وأديانهم، في مينا عكّا وسواحلها، والبلاد السّاحليّة التي انعقدت

عليها الهدنة، كان كلّ من فيها آمنا على الأنفس والأموال والأتباع والمتاجر؛ فإن وجد أصحاب هذه المراكب التي تنكسر تسلّم مراكبهم وأموالهم [إليهم] «1» ؛ وإن عدموا بموت أو غرق أو غيبة، فيحتفظ بموجودهم ويسلّم لنوّاب السّلطان وولده. وكذلك المراكب المتوجّهة من هذه البلاد السّاحلية المنعقد عليها الهدنة للفرنج، يجري لها مثل ذلك في بلاد السّلطان وولده، ويحفظ بموجودها إن لم يكن صاحبها حاضرا إلى أن يسلّم لكفيل المملكة بعكّا أو المقدّم. ومتى توفّي أحد من التّجّار الصادرين والواردين، على اختلاف أجناسهم وأديانهم، من بلاد السّلطان وولده، في عكّا وصيدا وعثليث، والبلاد السّاحلية الداخلة في هذه الهدنة على اختلاف أجناسهم وأديانهم [فيحتفظ على ماله حتى يسلم لنواب السلطان وولده] «2» ، وإذا توفّي أحد في البلاد الإسلامية الداخلة في هذه الهدنة، يحتفظ على ماله إلى حين يسلّم إلى كفيل المملكة بعكّا والمقدّمين. وعلى أنّ شواني «3» السّلطان وولده إذا عمّرت وخرجت لا تتعرّض بأذيّة إلى البلاد الساحليّة التي انعقدت عليها هذه الهدنة؛ ومتى قصدت الشّواني المذكورة جهة غير هذه الجهات، وكان صاحب تلك الجهة معاهدا للحكّام بمملكة عكّا، فلا تدخل إلى البلاد التي انعقدت عليها هذه الهدنة ولا تتزوّد منها؛ وإن لم يكن صاحب تلك الجهة التي تقصدها الشّواني المنصورة معاهدا للحكّام بمملكة عكّا والبلاد التي انعقدت عليها الهدنة، فلها أن تدخل إلى بلادها وتتزوّد منها. وإن انكسر شيء من هذه الشّواني- والعياذ بالله- في مينا من مواني البلاد التي انعقدت عليها الهدنة وسواحلها: فإن

كانت قاصدة [إلى] من له مع مملكة عكّا ومقدّمي بيوتها عهد، فيلزم كفيل المملكة بعكّا ومقدّمي البيوت بحفظها، وتمكين رجالها من الزّوادة وإصلاح ما انكسر منها، والعود إلى البلاد الإسلامية، [ويبطل حركة ما ينكسر] «1» منها- والعياذ بالله- أو يرميه البحر. هذا إذا كانت قاصدة من له مع مملكة عكّا ومقدّميها عهد، فإن [قصدت من] «2» لم يكن لها معهم عهد، فلها أن تتزوّد وتعمر رجالها من البلاد المنعقد عليها هذه الهدنة، وتتوجّه إلى البلاد المرسوم لها بقصدها، ويعتمد هذا الفضل من الجهتين. وعلى أنّه متى تحرك أحد من ملوك [البحر] «3» الفرنجة وغيرهم من جوّا البحر لقصد الحضور لمضرّة السّلطان وولده في بلادهما المتّفقة «4» عليها هذه الهدنة، فليلزم «5» نائب المملكة والمقدّمين بعكّا، أن يعرّفوا السلطان وولده بحركتهم قبل وصولهم إلى البلاد الإسلاميّة الداخلة في هذه الهدنة بمدّة شهرين، وإن وصلوا بعد انقضاء مدّة شهرين، فيكون كفيل المملكة بعكّا، والمقدّمون بريئين «6» من عهدة اليمين في هذا الفصل. ومتى تحرّك عدوّ من جهة البرّ من التّتار وغيرهم، فأيّ من سبق الخبر إليه من الجهتين يعرّف الجهة الأخرى بما سبق الخبر إليه من أمرهم. وعلى أنه إن قصد البلاد الشّاميّة- والعياذ بالله- عدوّ من التّتار وغيرهم في البرّ، وانحازت العساكر الإسلامية من قدّام العدوّ، ووصل العدوّ إلى

القرب من البلاد السّاحليّة الداخلة في هذه الهدنة وقصدوها بمضرّة، فيكتب «1» إلى [كفيل] المملكة بعكّا، والمقدّمين بها أن يدرؤوا عن بيوتهم ورعيّتهم وبلادهم بما تصل قدرتهم إليه. وإن حصل- والعياذ بالله- جفل «2» من البلاد الإسلاميّة إلى السّاحليّة الداخلة في هذه الهدنة، فيلزم كفيل المملكة بعكّا، والمقدّمين بها حفظهم والدّفع عنهم ومنع من يقصدهم بضرر، ويكونون آمنين مطمئنّين بما معهم. وعلى أنّ النّائب بمملكة عكّا «3» والمقدّمين بها يوصون في سائر البلاد الساحلية التي وقعت الهدنة عليها، أنّهم لا يمكّنون حراميّة البحر من الزوادة من عندهم ولا من حمل ماء، وإن ظفروا بأحد منهم يمسكونه، وإن كانوا يبيعون عندهم بضائع فيمسكها كفيل المملكة بعكّا والمقدّمون حتّى يظهر صاحبها وتسلّم إليه. وكذلك يعتمد السلطان وولده [في أمر الحراميّة هذا الاعتماد] «4» . وعلى أن الرّهائن بعكّا والبلاد السّاحلية الدّاخلة في هذه الهدنة، كلّ من عليه منهم مبلغ أو غلّة، فيحلف والي ذلك المكان الذي منه الرّهينة، ويحلف المباشر والكاتب في وقت أخذ هذا الشّخص رهينة أنه عليه كذا وكذا: من دراهم أو غلّة أو بقر أو غيره، فإذا حلف الوالي والمباشر والكاتب قدّام نائب السلطان وولده على ذلك يقوم أهل الرّهينة عنه بما للفرنج عليه ويطلقونه. وأما الرّهائن الذين أخذوا منسوبين إلى الجفل والاختشاء أنهم لا يهربون إلى بلاد الإسلام ويمتنع الولاة والمباشرون من اليمين عليهم، فأولئك يطلقون.

وعلى أن لا يجدّد على التّجّار المسافرين: الصادرين والواردين من الجهتين حقّ لم تجر به عادة، ويجروا على عوائدهم المستمرّة إلى آخر وقت، وتؤخذ منهم الحقوق على العادة المستمرّة، ولا يجدّد عليهم رسم ولا حقّ لم تجر به عادة. وكلّ مكان عرف باستخراج الحقّ فيه يستخرج بذلك المكان من غير زيادة من الجهتين، في حالتي سفرهم وإقامتهم، ويكون التّجّار والسّفّار والمتردّدون آمنين مطمئنّين مخفّرين من الجهتين في حالتي سفرهم وإقامتهم، وصدورهم وورودهم بما صحبتهم من الأصناف والبضائع التي هي غير ممنوعة. وعلى أنه ينادى في البلاد الإسلامية والبلاد الفرنجية الدّاخلة في هذه الهدنة: أنه من كان من فلّاحي بلاد المسلمين يعود إلى بلاد المسلمين مسلما كان أو نصرانيّا، وكذلك من كان من فلّاحي بلاد الفرنج مسلما كان أو نصرانيّا، معروفا قراريّا من الجهتين، ومن لم يعد بعد المناداة يطرد من الجهتين. ولا يمكّن فلّاحو بلاد المسلمين من المقام في بلاد الفرنج المنعقد عليها هذه الهدنة، ولا فلّاحو بلاد المسلمين من المقام في بلاد المسلمين التي انعقدت عليها هذه الهدنة؛ ويكون عود الفلّاح من الجهة إلى الجهة الأخرى بأمان. وعلى أن تكون كنيسة النّاصرة وأربع بيوت من أقرب البيوت إليها لزيارة الحجّاج وغيرهم من دين الصّليب: كبيرهم وصغيرهم على اختلاف أجناسهم وأنفارهم: من عكّا والبلاد الساحليّة الداخلة في هذه الهدنة، ويصلّي بالكنيسة الاقسّاء «1» والرّهبان، وتكون البيوت المذكورة لزوّار كنيسة النّاصرة خاصّة، ويكونون آمنين مطمئنّين في توجّههم وحضورهم إلى حدود البلاد الداخلة في هذه الهدنة. وإذا نقبت الحجارة التي بالكنيسة المذكورة ترمى برّا، ولا يحطّ حجر منها على حجر لأجل بنايته «2» ، ولا يتعرّض إلى

الأقسّاء والرّهبان، وذلك على وجه الهبة لأجل زوّار دين الصّليب بغير حقّ. ويلزم السلطان وولده حفظ هذه البلاد المشروحة التي انعقدت عليها الهدنة من نفسهما وعساكرهما وجنودهما، ومن جميع المتجرّمة والمتلصّصين والمفسدين: ممّن هو داخل تحت حكمهما وطاعتهما. ويلزم كفيل المملكة بعكّا والمقدّمين بها حفظ هذه البلاد الإسلامية المشروحة التي انعقدت عليها الهدنة، من نفسهم وعساكرهم وجنودهم، وجميع المتجرّمة والمتلصّصين والمفسدين: ممن هو داخل تحت حكمهم وطاعتهم بالمملكة السّاحليّة الداخلة في هذه الهدنة. ويلزم كفيل المملكة بعكّا، ومقدّمي البيوت بها الحكّام بعكّا والبلاد الساحلية الداخلة في هذه الهدنة- القيام بما تضمّنته هذه الهدنة من الشّروط جميعها، شرطا شرطا، وفصلا فصلا، والعمل بأحكامها، والوقوف مع شروطها إلى انقضاء مدّتها. ويفي كلّ منهم بما حلف به من الأيمان المؤكّدة: من أنّه يفي بجميع ما في هذه الهدنة على ما حلفوا به. تستمرّ هذه الهدنة المباركة بين السّلطان وولده وأولادهما وأولاد أولادهم، وبين الحكّام بمملكة عكّا، وصيدا، وعثليث؛ وهم الشيخان (أودرا) «1» المقدّمون المذكورون فلان وفلان إلى آخرها، لا تتغيّر بموت ملوك أحد الجهتين، ولا بتغيّر مقدّم وتولية غيره، بل تستمرّ على حالها إلى آخرها وانقضائها، بشروطها المحدودة، وقواعدها المقرّرة، كاملة تامّة، ومتى انقضت هذه الهدنة المباركة، أو وقع- والعياذ بالله- فسخ، كانت المهلة في ذلك أربعين من الجهتين. وينادى برجوع كلّ أحد إلى وطنه بعد الإشهاد، ليعود الناس إلى مواطنهم آمنين مطمئنّين، ولا يمنعون من السّفر من الجهتين، ولا تبطل بعزل أحد من الجهتين، وتشيّد أحكامها متتابعة

متوالية، بالسنين والشّهور والأيّام إلى انقضائها، ويلزم المتولي حفظها والعمل بشروطها وفصولها، وفروعها وأصولها، ويجري الحال فيها على أجمل الحالات إلى آخرها. وعلى جميع ذلك وقع الرّضا والصّفح والاتّفاق، وحلف عليها من الجهتين، والله الموفّق «1» . وهذه نسخة هدنة، عقدت بين الملك الأشرف، صلاح الدّين «خليل» ابن الملك المنصور سيف الدّين «قلاوون» صاحب الديار المصريّة والبلاد الشّامية، وبين دون حاكم الريد أرغون «2» ، صاحب برشلونة من بلاد الأندلس، على يد رسله: أخويه وصهريه الآتي ذكرهم، في صفر سنة اثنتين وتسعين وستّمائة؛ وهي: استقرّت الموّدّة والمصادقة بين الملك الأشرف، وبين حضرة الملك الجليل، المكرّم، الخطير، الباسل، الأسد، الضرّغام، المفخّم، المبجّل «دون» حاكم الريد أرغون، وأخويه دون ولذريك «3» ، ودون بيدرو، وبين صهريه اللّذين طلب الرّسولان الواصلان إلى الأبواب الشريفة عن مرسلهما الملك دون حاكم أن يكونا داخلين في الهدنة والمصادقة،

وأن يلتزم الملك دون حاكم عنهما بكلّ ما التزم به عن نفسه، ويتدرّك أمرهما، وهما الملك الجليل، المكرّم، الخطير، الباسل، الأسد، الضّرغام، دون شانجه «1» ، ملك قشتالة، وطليطلة، وليون، وبلنسية، وأشبيلية، وقرطبة، ومرسية، وجيّان، والغرب، الكفيل بمملكة أرغون وبرتقال «2» - والملك الجليل دون أتفونش «3» ملك برتقال، من تاريخ يوم الخميس تاسع عشر صفر سنة اثنتين وتسعين وستّمائة، الموافق لثلاث بقين من جنير «4» سنة ألف ومائتين واثنتين وتسعين لمولانا السّيّد المسيح عليه السّلام، وذلك بحضور رسولي الملك دون حاكم، وهما: المحتشم الكبير «روصوديمار موند» الحاكم، عن الملك دون حاكم في بلنسية، ورفيقه المحتشم العمدة «ديمون المان قراري» برجلونة، الواصلين بكتاب الملك دون حاكم، المختوم بختم الملك المذكور، المقتضي معناه أنّه حمّلهما جميعا أحوالهم ومطلوبهم، وسأل أن يقوما فيما يقولانه عنه، فكان مضمون مشافهتهما وسؤالهما تقرير قواعد الصّلح والمودّة والصّداقة، والشّروط التي يشترطها الملك الأشرف على الملك دون حاكم، وأنّه يلتزم بجميع هذه الشّروط الآتي ذكرها، ويحلف الملك المذكور عليها هو وأخواه وصهراه المذكورون، ووضع الرسولان المذكوران خطوطهما بجميع الفصول الآتي ذكرها، بأمره ومرسومه، وأن الملك دون حاكم وأخويه وصهريه يلتزمون بها؛ وهي: استقرار المودّة والمصادقة من التّاريخ المقدّم ذكره، على ممرّ السنين والأعوام، وتعاقب اللّيالي والأيّام: برّا وبحرا، سهلا ووعرا، قربا وبعدا. وعلى أن تكون بلاد السلطان الملك الأشرف، وقلاعه، وحصونه،

وثغوره، وممالكه، ومواني بلاده وسواحلها، وبرورها، وجميع أقاليمها ومدنها، وكلّ ما هو داخل في مملكته، ومحسوب منها، ومنسوب إليها: من سائر الاقاليم الرّوميّة، والعراقيّة، والمشرقيّة، والشّاميّة، والحلبية، والفراتيّة، واليمنية، والحجازيّة، والدّيار المصرية، والغرب. وحدّ هذه البلاد والأقاليم وموانيها وسواحلها من البرّ الشّاميّ من القسطنطينيّة والبلاد الرّومية السّاحليّة، وهي: من طرابلس الغرب، وسواحل برقة، والإسكندريّة، ودمياط، والطّينة، وقطيا، وغزّة، وعسقلان، ويافا، وأرسوف، وقيساريّة، وعثليث، وحيفا، وعكّا، وصور، وصيدا، وبيروت، وجبيل، والبيرون «1» ، وأنفة طرابلس الشّام، وأنطرسوس، ومرقيّة، والمرقب، وساحل المرقب: بانياس وغيرها، وجبلة، واللّاذقيّة، والسّويديّة وجميع المواني والبرور إلى ثغر دمياط وبحيرة تنّيس. وحدّها من البرّ الغربيّ: من تونس وإقليم إفريقية وبلادها وموانيها، وطرابلس الغرب وثغورها، وبلادها وموانيها، وبرقة وثغورها وبلادها وموانيها، إلى ثغر الإسكندريّة ورشيد وبحيرة تنّيس وسواحلها وبلادها وموانيها. وما تحويه هذه البلاد والممالك المذكورة والّتي لم تذكر، والمدائن والثّغور والسّواحل والمواني والطّرقات في البرّ والبحر، والصّدور والورود، والمقام والسّفر، من عساكر وجنود، وتركمان، وأكراد، وعربان، ورعايا، وتجّار، وشواني، ومراكب، وسفن، وأموال، ومواش، على اختلاف الأديان والأنفار والأجناس، وما تحويه الأيدي، من سائر أصناف الأموال والأسلحة والأمتعة والبضائع والمتاجر، قليلا كان أو كثيرا، قريبا كان أو بعيدا، برّا كان أو بحرا- آمنة «2» على الأنفس، والأرواح، والأموال

والحريم، والأولاد من الملك دون حاكم ومن أخويه وصهريه المذكورين، ومن أولادهم، وفرسانهم، وخيّالتهم، ومعاهديهم، وعمائرهم، ورجالهم، وكلّ من يتعلّق بهم. وكذلك كلّ ما سيفتحه الله تعالى على يد الملك الأشرف، وعلى يد أولاده وعساكره وجيوشه، من القلاع والحصون، والبلاد والأقاليم، فإنه يجري عليه هذا الحكم. وعلى أن تكون بلاد الملك دون حاكم وبلاد أخويه وصهريه وممالكه المذكورة في هذه الهدنة، وهي: أرغون وأعمالها وبلادها: صقلّية «1» وجزيرتها وبلادها وأعمالها، برّبولية «2» وأعمالها وبلادها، جزيرة مالقة، وقوصرة وبلادها وأعمالها، ميورقة ويابسة «3» وبلادها، وأرسويار» وأعمالها، وما سيفتحه الملك دون حاكم من بلاد أعدائه الفرنج المجاورين له بتلك الأقاليم- آمنين من الملك الأشرف وأولاده، وعساكره وجيوشه، وشوانيه وعمائره، هي ومن فيها من فرسان وخيّالة ورعايا، وأهل بلاده آمنين مطمئنّين على الأنفس والأموال، والحريم والأولاد، في البرّ والبحر، والصّدور والورود. وعلى أنّ الملك دون حاكم هو وأخواه وصهراه أصدقاء من يصادق الملك الأشرف وأولاده، وأعداء من يعاديهم من سائر الملوك الفرنجية وغير الملوك الفرنجية. وإن قصد الباب «5» برومية، أو ملك من ملوك الفرنج: متوّجا كان أو غير متوّج، كبيرا كان أو صغيرا، أو من الجنويّة، أو من البنادقة أو من سائر الأجناس على اختلاف الفرنج والرّوم، والبيوت: بيت الإخوة

الديويّة، والاسبتارية، والرّوم، وسائر أجناس النّصارى- مضرّة بلاد الملك الأشرف، بمحاربة أو أذيّة، يمنعهم الملك دون حاكم هو وأخواه وصهراه ويردّونهم، ويعمرون شوانيهم ومراكبهم، ويقصدون بلادهم، ويشغلونهم بنفوسهم عن قصد بلاد الملك الأشرف وموانيه وسواحله وثغوره المذكورة، وغير المذكورة، ويقاتلونهم في البرّ والبحر بشوانيهم وعمائرهم، وفرسانهم وخيّالتهم ورجّالتهم. وعلى أنّه متى خرج أحد من معاهدي الملك الأشرف من الفرنج عن شروط الهدنة المستقرّة بينه وبينهم، ووقع ما يوجب فسخ الهدنة، لا يعينهم الملك دون حاكم ولا أحد من أخويه ولا صهريه، ولا خيّالتهم، ولا فرسانهم، ولا أهل بلادهم، بخيل ولا خيّالة، ولا سلاح ولا رجّالة، ولا مال ولا نجدة، ولا ميرة، ولا مراكب ولا شواني ولا غير ذلك. وعلى أنّه متى طلب الباب برومية، وملوك الفرنج، والرّوم، والتّتار، وغيرهم من الملك دون حاكم أو من أخويه أو من صهريه أو من بلادهم، إنجادا، أو معاونة: بخيّالة، أو رجّالة، أو مال، أو مراكب، أو شواني، أو سلاح- لا يوافقهم على شيء من ذلك، لا في سرّ ولا جهر، ولا يعين أحدا منهم ولا يوافقه على ذلك. ومتى اطّلعوا على أنّ أحدا منهم يقصد بلاد الملك الأشرف لمحاربته أو لمضرّته بشيء، يعرّف الملك الأشرف بخبرهم، وبالجهة التي اتّفقوا على قصدها في أقرب وقت، قبل [حركتهم] «1» من بلادهم، ولا يخفيه شيئا من ذلك. وعلى أنّه متى انكسر مركب من المراكب الإسلاميّة في بلاد الملك دون حاكم، أو بلاد أخويه أو بلاد صهريه، [فعليهم] «2» أن يخفروهم، ويحفظوا

مراكبهم وأموالهم، ويساعدوهم على عمارة مراكبهم، ويجهّزوهم وأموالهم وبضائعهم إلى بلاد الملك الأشرف. وكذلك إذا انكسرت مركب من بلاد دون حاكم، وبلاد أخويه وصهريه، ومعاهديه في بلاد الملك الأشرف، يكون لهم هذا الحكم المذكور أعلاه. وعلى أنّه متى مات أحد من تجّار المسلمين ومن نصارى بلاد الملك الأشرف، أو ذمّة أهل بلاده، في بلاد الملك دون حاكم وبلاد أخويه وصهريه وأولاده ومعاهديه، لا يعارضوهم في أموالهم ولا في بضائعهم، ويحمل مالهم وموجودهم إلى بلاد الملك الأشرف ليفعل فيه ما يختار. وكذلك من يموت في بلاد الملك الأشرف من أهل مملكة الملك دون حاكم وبلاد أخويه وصهريه ومعاهديهم، فلهم هذا الحكم المذكور أعلاه. وعلى أنّه متى عبر على بلاد الملك دون حاكم أو بلاد أخويه أو صهريه أو معاهديه رسل من بلاد الملك الأشرف قاصدين جهة من الجهات القريبة أو البعيدة، صادرين أو واردين، أو رماهم الرّيح في [بلاده] «1» ، تكون الرّسل وغلمانهم وأتباعهم، ومن يصل معهم من رسل الملوك أو غيرهم- آمنين محفوظين في الأنفس والأموال، ويجهّزهم إلى بلاد الملك الأشرف. وعلى أنّ الملك دون حاكم وأخويه وصهريه متى جرى من أحد من بلادهم قضيّة توجب فسخ المهادنة، كان على كلّ من الملك دون حاكم وأخويه وصهريه طلب من يفعل ذلك وفعل الواجب فيه. وعلى أنّ الملك دون حاكم وأخويه وصهريه يفسح كلّ منهم لأهل بلاده وغيرهم من الفرنج، أنّهم يجلبون إلى الثّغور الإسلامية، الحديد والبياض والخشب وغير ذلك. وعلى أنّه متى أسر أحد من المسلمين في البرّ أو البحر، من مبدإ تاريخ

هذه المهادنة من سائر البلاد: شرقها وغربها، أقصاها وأدناها، ووصلوا به إلى بلاد الملك دون حاكم وبلاد أخويه وصهريه ليبيعوه بها، فيلزم الملك دون حاكم وأخويه وصهريه فكّ أسره وحمله إلى بلاد الملك الأشرف. وعلى أنّه متى كان بين تجّار المسلمين، وبين تجّار بلاد الملك دون حاكم وأخويه وصهريه معاملة في بضائعهم، وهم في بلاد الملك الأشرف، كان أمرهم محمولا على موجب الشّرع الشريف. وعلى أنّه متى ركب أحد من المسلمين في مراكب بلاد الملك دون حاكم وأخويه وصهريه، وحمل بضاعته معهم وعدمت البضاعة، كان على الملك دون حاكم وعلى أخويه وصهريه ردّها إن كانت موجودة، أو قيمتها إن كانت مفقودة. وعلى أنّه متى هرب أحد من بلاد الملك الأشرف الدّاخلة في هذه المهادنة إلى بلاد الملك دون حاكم وأخويه وصهريه، أو توجّه ببضاعة لغيره وأقام بتلك البلاد، كان على الملك دون حاكم وعلى أخويه وصهريه ردّ الهارب أو المقيم ببضاعة غيره، والمال معه إلى بلاد الملك الأشرف ما دام [المذكور] مسلما؛ وإن تنصّر، يردّ المال الذي معه خاصّة. ولمملكة الملك دون حاكم وأخويه وصهريه فيمن يهرب من بلادهم إلى بلاد الملك الأشرف هذا الحكم المذكور أعلاه. وعلى أنّه إذا وصل من بلاد الملك دون حاكم وبلاد أخويه وصهريه ومعاهديه من الفرنج من يقصد زيارة القدس الشّريف، وعلى يده كتاب الملك دون حاكم وختمه إلى نائب الملك الأشرف بالقدس الشّريف، يفسح له في الزّيارة مسموحا بالحقّ ليقضي زيارته ويعود إلى بلاده آمنا مطمئنّا في نفسه وماله، رجلا كان أو امرأة، بحيث إن الملك دون حاكم لا يكتب لأحد من أعدائه ولا من أعداء الملك الأشرف في أمر الزيارة بشيء. وعلى أنّ الملك دون حاكم يحرس جميع بلاد الملك الأشرف هو

وأخواه وصهراه من كل مضرّة، ويجتهد كلّ منهم في أنّ أحدا من أعداء الملك الأشرف لا يصل إلى بلاد الملك الأشرف، ولا ينجدهم على مضرّة بلاد الملك الأشرف ولا رعاياه، وأنه يساعد الملك الأشرف في البرّ والبحر بكلّ ما يشتهيه ويختاره. وعلى أنّ الحقوق الواجبة على من يصدر ويرد ويتردّد من بلاد الملك دون حاكم وأخويه وصهريه، إلى ثغري الإسكندريّة ودمياط، والثّغور الإسلامية، والممالك السّلطانية، بسائر أصناف البضائع والمتاجر على اختلافها، تستمرّ على حكم الضرائب المستقرّة في الدّيوان المعمور إلى آخر وقت، ولا يحدث عليهم فيها حادث. وكذلك يجري الحكم على من يتردّد من البلاد السلطانية إلى بلاد الملك دون حاكم وأخويه وصهريه. تستمرّ هذه المودّة والمصادقة على حكم هذه الشّروط المشروحة أعلاه بين الجهات على الدّوام والاستمرار، وتجري أحكامها وقواعدها على أجمل الاستقرار؛ فإن الممالك بها قد صارت مملكة واحدة وشيئا واحدا؛ لا تنتقض بموت أحد من الجانبين، ولا بعزل وال وتوليه غيره، بل تؤيّد أحكامها، وتدوم أيّامها، وشهورها وأعوامها. وعلى ذلك انتظمت واستقرّت في التاريخ المذكور أعلاه، وهو كذا وكذا، والله الموفّق بكرمه إن شاء الله تعالى. قلت: وهذه النّسخ الخمس المتقدّمة الذّكر نقلتها من تذكرة محمد بن المكرّم «1» ، أحد كتّاب الإنشاء بالدّولة المنصورية «قلاوون» المسّماة: «تذكرة اللّبيب، ونزهة الأديب» من نسخة بخطّه، ذكر فيها أن النّسخة الأولى منها كتبها بخطّه على مدينة صفد. وليس منها ما هو حسن التّرتيب، رائق الألفاظ، بهج المعاني، بليغ المقاصد، غير النّسخة الأخيرة المعقودة بين

الملك الأشرف وبين الملك دون حاكم. أما سائر النّسخ المتقدّمة فإنها مبتذلة الألفاظ، غير رائقة التّرتيب، لا يصدر مثلها من كاتب عنده أدنى ممارسة لصناعة الكلام. والعجب من صدور ذلك في زمن «الظّاهر بيبرس» و «المنصور قلاوون» وهما من هما من عظماء الملوك!!! وكتابة الإنشاء يومئذ بيد بني عبد الظّاهر الذين هم بيت الفصاحة ورؤوس أرباب البلاغة!!! ولعلّ ذلك إنما وقع، لأن الفرنج كانوا مجاورين للمسلمين يومئذ ببلاد الشّام، فيقع الاتّفاق والتراضي بين الجهتين على فصل فصل، فيكتبه كاتب من كلّ جهة من جهتي المسلمين والفرنج بألفاظ مبتذلة غير رائقة، طلبا للسّرعة، إلى أن ينتهي بهم الحال في الاتّفاق والتراضي، إلى آخر فصول الهدنة، فيكتبها كاتب الملك المسلم على صورة ما جرى في المسودّة، ليطابق ما كتب به كاتب الفرنج؛ إذ لو عدل فيها كاتب السلطان إلى الترتيب، وتحسين الألفاظ وبلاغة التّركيب، لاختلّ الحال فيها عما وافق عليه كاتب الفرنج أوّلا، فينكرونه حينئذ، ويرون أنه غير ما وقع عليه الاتّفاق، لقصورهم في اللّغة العربيّة، فيحتاج الكاتب إلى إبقاء الحال على ما توافق عليه الكاتبان في المسودّة. وبالجملة فإنما ذكرت النّسخ المذكورة- على سخافة لفظها، وعدم انسجام ترتيبها- لا شتمالها على الفصول التي جرى فيها الاتّفاق فيما تقدّم من الزّمان، ليستمدّ منها الكاتب ما لعلّه لا يحضر بباله من مقاصد المهادنات، أغنانا الله تعالى عن الحاجة إليها. واعلم أنه قد جرت العادة، إنه إذا كتبت الهدنة، كتب قرينها يمين يحلف بها السلطان أو نائبه القائم بعقد الهدنة، على التّوفية بفصولها وشروطها، ويمين يحلف عليها القائم عن الملك الكافر بعقد الهدنة، ممّن يأذن له في عقدها عنه، بكتاب يصدر عنه بذلك، أو تجهّز نسختها إلى الملك الكافر ليحلف عليها، ويكتب خطّه بذلك، وتعاد إلى الأبواب السلطانية.

المذهب الثالث (أن تفتتح المهادنة بخطبة مبتدأة ب «الحمد لله» )

المذهب الثالث (أن تفتتح المهادنة بخطبة مبتدأة ب «الحمد لله» ) وعلى هذا بنى صاحب «موادّ البيان» «1» أمره في كتابة الهدنة، حيث قال: والرسم فيها أن تفتتح بحمد الله تعالى على الهداية إلى دين الإسلام الذي أذلّ كلّ دين وأعزّه، وخذل كلّ شرع ونصره، وأخفى كلّ مذهب وأظهره، والتّوغّل في توحيده، وتقديسه وتمجيده، والثّناء عليه بآلائه، والصلاة على خير أنبيائه، محمد صلّى الله عليه وسلّم. قلت: ولم يأت بصورة هدنة منتظمة على هذا الترتيب، بل أشار إلى كيفيّة عملها. ثم قال: والبليغ يكتفي بقريحته في ترتيب هذه المعاني إذا دفع إلى الإنشاء فيها، إن شاء الله تعالى. ولم أقف لغيره على صورة هدنة مفتتحة بالتحميد، ولا يخفى أن الابتداء به في كلّ مهمّ من العهود وجلائل الولايات ونحو ذلك هو المعمول عليه في زماننا. الطرف الثاني (فيما يشارك فيه ملوك الكفر ملوك الإسلام في كتابة نسخ من دواوينهم) اعلم أنّ الغالب في الهدن الواقعة بين ملوك الديار المصرية وبين ملوك الكفر أن تكتب نسخة تخلّد بديوان الإنشاء بالدّيار المصرية، ونسخة تجهّز إلى الملك المهادن. وربّما كتبت نسخة من ديوانه مفتتحة بيمين. وهذه نسخة هدنة «2» وردت من جهة الأشكري، صاحب القسطنطينيّة في شهر رمضان سنة ثمانين وستمائة؛ مؤرّخة بتاريخ موافق لأواخر المحرّم من السّنة المذكورة، فعرّبت فكانت نسختها على ما ذكره ابن مكرّم في «تذكرته» :

إذ قد أراد السلطان العظيم، النّسيب، العالي، العزيز، الكبير الجنس، الملك، المنصور، سيف الدّين «قلاوون» صاحب الديار المصرية ودمشق وحلب، أن يكون بينه وبين مملكتي محبّة- فمملكتي تؤثر ذلك، وتختار أن يكون بينها وبين عزّ سلطانه محبّة. ولهذا وجب أن يتوسّط هذا الأمر يمين واتّفاق: لتدوم المحبّة التي بهذه الصّورة فيما بين مملكتي وعزّ سلطانه ثابتة بلا تشويش. فمملكتي [من] «1» هذا اليوم، وهو يوم الخميس الثامن من شهر أيار من التاريخ [الرومي] التابع «2» لسنة ستة آلاف وسبعمائة وتسع وثمانين لآدم- تحلف بأناجيل الله المقدّسة، والصّليب المكرّم المحيّى، أنّ مملكتي تكون حافظة للسّلطان العظيم، النّسيب، العالي، العزيز، الكبير الجنس، سيف الدّين «قلاوون» صاحب الدّيار المصرية ودمشق وحلب، ولولده «3» ولوارث ملك عزّ سلطانه: محبّة مستقيمة، وصداقة كاملة نقيّة، ولا يحرّك ملكي أبدا على عزّ سلطانه حربا، ولا على بلاده ولا على قلاعها، ولا على عساكره، ولا يتحرّك ملكي أبدا على حربه «4» ، بحيث إنّ هذا السّلطان العظيم، النّسيب، العالي، العزيز، الكبير الجنس، الملك المنصور سيف الدّين «قلاوون» صاحب الدّيار المصرية ودمشق وحلب، يحفظ مثل ذلك لمملكتي ولولد مملكتي الحبيب (الكمينوس، الانجالوس، الدوقس، البالا ولوغس، الملك ايرلنك) «5» ، ولا يحرّك عزّ سلطانه على مملكتنا حربا قطّ، ولا على بلادنا، ولا على قلاعنا، ولا على عساكرنا، ولا يحرّك أحدا آخر أيضا على حرب مملكتنا، وأن تكون الرّسل

المتردّدون عن عزّ سلطانه أيضا مطلقا [آمنين، لهم] «1» أن يعبروا في بلاد مملكتي بلا مانع ولا عائق، ويتوجّهوا إلى حيث يسيرون من عزّ سلطانه، وكذلك يعودون إلى عزّ سلطانه، وأن لا يحصل للتّجّار الواردين من بلاد عزّ سلطانه [ضرر] «2» من بلاد مملكتي، ولا يحذرون من أحد جورا ولا ظلما، بل يكون لهم مباحا أن يعملوا متاجرهم. (ونظير هذا- التّجّار الواردون إلى بلاد عزّ سلطانه من أهل بلاد ملكي، يقومون بالحقّ الواجب على بضائعهم، وليقم) «3» كذلك التّجّار الواردون من بلاد عزّ سلطانه إلى بلاد ملكي بالحقّ الواجب على بضائعهم. وإن حضر من بلاد «سوداق» تجّار وأرادوا السّفر إلى بلاد عزّ سلطانه، فلا ينال هؤلاء تعويق في بلاد ملكي، بل في عبورهم وعودهم يكونون بلا مانع ولا عائق بعد القيام بالحقّ الواجب. وهؤلاء التّجّار الذين من بلاد عزّ سلطانه والذين من أهل سوداق إن حضر صحبتهم مماليك وتجّار «4» ، فليعودوا بهم إلى بلاد عزّ سلطانه بلا عائق ولا مانع، ما خلا إن كانوا نصارى، لأنّ شرعنا وترتيب مذهبنا «5» لا يسمح لنا في أمر النّصارى بهذا. وأمّا إن كان في بلاد عزّ سلطانه مماليك نصارى: روم وغيرهم من أجناس النّصارى، متمسّكون بدين النصارى، ويحصل لقوم منهم العتق، فليكن للذين معهم عتائق مباح ومطلق من عزّ سلطانه، أن يفدوا في البحر إلى بلاد مملكتي. وكذلك إن أراد أحد من أهل بلاد عزّ سلطانه أن يبيع مملوكا نصرانيّا هذه صورته لأحد من رسل مملكتي، أو لتجّار وأناس بلاد

مملكتي، أن لا يجد في هذا تعويقا، بل يشتروا المذكور ويفدوا به في البحر إلى بلاد مملكتي بلا عائق. وأيضا إن أراد هذا السلطان العظيم النّسيب، أن يرسل إلى بلاد ملكي بضائع متجرا، وأرادت مملكتي أن ترسل إلى بلاد عزّ سلطانه بضائع متجرا، فليكن هكذا: وهو إن أراد عزّ سلطانه أن تكون بضائع متاجره في بلاد ملكي منجّاة من القيام بكلّ الحقوق، فلتكن أيضا بضائع متاجر مملكتي في بلاد عزّ سلطانه منجّاة مثل ذلك من كلّ الحقوق، وإن أراد أن تقوم متاجر ملكي في بلاده بالحقوق الواجبة [يقوم] بمثل ذلك. وأيضا أن يطلق عزّ سلطانه لملكي أن يرسل أناسا من بلاد مملكتي إلى بلاد عزّ سلطانه، فيشترون «1» لي خيلا جيادا ويحملونها إلى بلاد ملكي. وكذلك إن أراد عزّ سلطانه شيئا من خيرات بلاد ملكي، فمملكتي أيضا تطلق لعزّ سلطانه أن يرسل أناسه ليشتروه ويحملوه إلى عزّ سلطانه. ولمّا كان في البحر «كرسالية» «2» من بلاد غريبة، وقد يتّفق في بعض الأوقات أن يعملوا خسارة في بلاد ملكي، وكذلك يجدون هؤلاء «الكرسالية» قوما من بلاد عزّ سلطانه فيعملون لهم خسارة، ثم إنّ هؤلاء «الكرسالية» يفعلون هذا في الآفاق في تخوم بلاد ملكي، لأجل هذا صار: إذا حضر قوم من بلاد مملكتي إلى بلاد عزّ سلطانه بمتجر يمسكون من أهل بلاد عزّ سلطانه ويغرّمون. ولهذا فليصر مرسوم من عزّ سلطانه في كلّ بلاده أن أحدا من أهل بلاد مملكتي لا يغرّم بهذا السّبب ولا يمسك، وإن عرض أن يقول أحد من أهل بلاد عزّ سلطانه: إن غرّم أو ظلم من أهل بلاد ملكي فليعرّف ملكي بذلك. وإذا كان الذي وضع الغرامة من أهل بلاد ملكي، فملكي يأمر، وتعاد تلك الخسارة إلى بلاد عزّ سلطانه. وكذلك إن قال أحد من أهل بلاد مملكتي: إنه ظلم أو غرّم من أحد من بلاد عزّ سلطانه، يأمر عزّ سلطانه، وتعاد

الغرامة إلى بلاد ملكي. وأيضا إذ قد أزمعت المحبّة أن نصير بهذه الصّورة، وتكون الصّداقة بين مملكتي وعزّ سلطانه خالصة، حتّى إنه أرسل يقول لملكي على معونة ونجدة ملكي في البحر لمضرّة العدوّ المشترك، فمملكتي تفوّض هذا الأمر إلى اختيار عزّ سلطانه، أن يرتب في نسخة اليمين مع بقيّة الفصول المعيّنة فيه، وتأتي الصورة كيف تعين وتنجد مملكتي في البحر. وإن كان لا يريد نجدة ومعونة مملكتي، فمملكتي تسمح بهذا الفصل أن لا يضعه عزّ سلطانه في نسخة يمينه، وهذه اليمين منا بحفظ ملكي لعزّ سلطانه ثابتة غير متزعزعة إن كان هذا السلطان العظيم يحلف لي يمينا بمثلها، وأنه يحفظ المحبّة لمملكتنا، ثابتة غير متزعزعة، والسّلام. وهذه نسخة اتّفاق، كتبت من الأبواب السلطانية عن الملك المنصور «قلاوون» عن نظير الهدنة المتقدّمة، الواردة من قبل صاحب القسطنطينيّة، مفتتحة بيمين موافقة لها، وهي: أقول وأنا فلان: إنه لما رغب حضرة الملك الجليل، كرميخائيل، الدوقس، الأنجالوس، الكمينيوس، البالا ولوغس، ضابط مملكة الرّوم والقسطنطينيّة العظمى، أكبر ملوك المسيحيّة، أبقاء الله- أن يكون بين مملكته وبين عزّ سلطاني، محبة وصداقة ومودّة لا تتغيّر بتغيّر الأيام، ولا تزول بزوال السّنين والأعوام، وأكّد ذلك بيمين حلف عليها، تاريخها يوم الخميس ثامن شهر أيار سنة ستة آلاف وسبعمائة وتسع وثمانين لآدم، صلوات الله عليه، بحضور رسول عزّ سلطاني، الأمير ناصر الدّين بن الجزريّ، والبطرك الجليل «أنباسيوس» بطرك الاسكندرية، وحضر رسولاه فلان وفلان إلى عزّ سلطاني بنسخة اليمين، ملتمسين أن يتوسّط هذا الأمر أيضا يمين واتفاق من عزّ سلطاني، لتدوم المحبّة فيما بين مملكته وعزّ سلطاني، وتكون ثابتة مستمرّة على الدّوام والاستمرار. فعزّ سلطاني من هذا اليوم، وهو يوم الاثنين مستهلّ رمضان المعظم،

سنة ثمانين وستّمائة للهجرة النّبويّة المحمّديّة، على صاحبها أفضل الصّلاة والسّلام، يحلف بالله العظيم، الرّحمن الرّحيم، عالم الغيب والشّهادة، والسّرّ والعلانية وما تخفي الصّدور، وبالقرآن العظيم، وبمن أنزله، وبمن أنزل عليه، وهو النّبيّ الكريم، محمد صلّى الله عليه وسلّم- على استمرار الصّداقة، واستقرار المودّة النّقيّة، للملك الجليل كريمخائيل، ضابط مملكة الرّوم والقسطنطينيّة العظمى، ولولد مملكته الحبيب الكمينيوس الانجالوس، الدّوقس، البلا ولوغس، الملك إير إندرو بنفوس «1» ولوارثي مملكة ملكه، ولا يحرّك عزّ سلطاني أبدا على مملكته حربا، ولا على بلاده، ولا على قلاعه، ولا على عساكره، في برّ ولا بحر، ولا يحرّك عزّ سلطاني أحدا آخر على حربه، بحيث إن الملك الجليل «كرميخائيل» يحفظ مثل ذلك لعزّ سلطاني، ولملكي، ولبلادي، ولقلاعي، ولعساكري، ولولدي، السّلطان الملك الصالح علاء الدين «عليّ» ولوارثي ملكي من أولادي، ويستمرّ على هذه الصداقة والمودّة النّقيّة، ولا يحرّك ملكه على عزّ سلطاني حربا قطّ، ولا على بلادي، ولا على قلاعي، ولا على عساكري، ولا على مملكتي، ولا يحرّك أحدا آخر على حرب مملكة عزّ سلطاني في البرّ ولا في البحر، ولا يساعد أحدا من أضداد عزّ سلطاني، ولا أعدائي من سائر الأديان والأجناس، ولا يوافقه على ذلك، ولا يفسح لهم في العبور إلى مملكة عزّ سلطاني لمضرّة شيء فيها بجهده وطاقته. وأن الرسل المسيّرين من مملكة عزّ سلطاني إلى برّ «بركة» وأولاده وبلادهم وتلك الجهات، وبحر «سوداق» وبرّه، يكونون آمنين مطمئنّين مطلقا: لهم أن يعبروا في بلاد مملكة الملك الجليل، كرميخائيل من أوّلها إلى آخرها، بلا مانع ولا عائق: أرسلوا في برّ أو بحر، على ما تقتضيه مصلحة ذلك الوقت لمملكة عزّ سلطاني، آمنين مطمئنّين، غير ممنوعين

بجميع من يصل معهم من رسل تلك الجهات وغيرها، وكلّ من معهم من مماليك وجوار وغير ذلك. وأن لا يحصل للتّجّار الواردين من مملكة الملك الجليل كرميخائيل إلى بلاد عزّ سلطاني جور ولا ظلم، ويترددون آمنين مطمئنّين يعملون متاجرهم، ولهم الرّعاية في الصّدور والورود، والمقام والسّفر، بحيث يكون لتجّار مملكة عزّ سلطاني في بلاد مملكة الملك الجليل كرميخائيل مثل ذلك، ويكونون مرعيّين، لا يجدون من أحد في بلاد مملكة الملك الجليل كرميخائيل جورا ولا ظلما. ومن عليه حقّ واجب في الجهتين على ما استقرّ عليه الحال، يقوم به من غير حيف ولا ظلم. وأنّ من حضر من التّجّار: من سوداق وغيرها بمماليك وجوار تمكّنهم مملكة الملك الجليل كرميخائيل من الحضور بهم إلى مملكة عزّ سلطاني ولا تمنعهم. وأن الكرسالية متى تعرّضوا إلى أخذ أحد من التّجار المسلمين في البحر، ونسبت الكرسالية إلى رعيّة مملكة الملك الجليل كرميخائيل، يسيّر عزّ سلطاني إليه في طلبهم، ولا يتعرض أحد من نوّاب مملكة عزّ سلطاني إلى هذا الجنس بسببهم، إلا أن يتحقّق أنهم آخذون، أو تظهر عين المال معهم، على ما تضمّنته نسخة يمين الملك الجليل كرميخائيل؛ ولمملكة الملك الجليل كرميخائيل من بلاد عزّ سلطاني مثل ذلك. وعلى أنّ الرسل المتردّدين من الجهتين: من مملكة عزّ سلطاني، ومن مملكة الملك الجليل كرميخائيل، يكونون آمنين مطمئنّين في سفرهم ومقامهم: برّا وبحرا، وتكون رعيّة بلاد عزّ سلطاني، ورعية بلاد الملك الجليل كرميخائيل، في الجهتين من المسلمين وغيرهم آمنين مطمئنّين، صادرين واردين، محترمين مرعيّين. وهذه اليمين لا تزال محفوظة ملحوظة، مستمرّة مستقرّة، على الدّوام والاستمرار. قلت: وهذه النّسخة الواردة من صاحب القسطنطينيّة المتقدّمة عليها، وإن عبّر عنهما في خلالهما بلفظ اليمين، فإنهما بعقد الصّلح أشبه، واليمين جزء من أجزاء ذلك، ولذلك أوردتها في عقود الصّلح دون الأيمان.

الباب الخامس من المقالة التاسعة (في عقود الصلح الواقعة بين ملكين مسلمين؛ وفيه فصلان)

الباب الخامس من المقالة التاسعة (في عقود الصّلح الواقعة بين ملكين مسلمين؛ وفيه فصلان) الفصل الأوّل (في أصول تعتمد في ذلك) اعلم أنّ الأصل في ذلك ما ذكره أصحاب السّير وأهل التّاريخ، أنه لمّا وقع الحرب بين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وبين معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه، في صفّين، في سنة سبع وثلاثين من الهجرة- توافقا على أن يقيما حكمين بينهما، ويعملا بما يتّفقان عليه. فأقام أمير المؤمنين عليّ أبا موسى الأشعريّ حكما عنه، وأقام معاوية عمرو بن العاص حكما عنه؛ فاتّفق الحكمان على أن يكتب بينهما كتاب بعقد الصّلح، واجتمعا عند عليّ رضي الله عنه، وكتب كتاب القضيّة بينهما بحضرته، فكتب فيه بعد البسملة: هذا ما تقاضى أمير المؤمنين عليّ، فقال عمرو: هو أميركم، أما أميرنا فلا. فقال [الأحنف: لا تمح اسم أمير المؤمنين فإني أخاف إن محوتها أن لا ترجع إليك أبدا. لا تمحها وإن قتل الناس بعضهم بعضا، فأبى ذلك عليّ مليّا من النّهار. ثم إن الأشعث] «1» بن قيس قال: أمح اسم أمير المؤمنين؛ فأجاب عليّ ومحاه. ثم قال عليّ: الله أكبر! سنّة بسنّة [ومثل بمثل] «2» . والله

إني لكاتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الحديبية، فكتبت: محمد رسول الله، فقالوا: لست برسول الله، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فأمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمحوه، فقلت: لا أستطيع أفعل! فقال إذن أرنيه فأريته فمحاه بيده، وقال: «إنّك ستدعى إلى مثلها فتجيب» . وهذه نسخة كتاب القضيّة بين أمير المؤمنين عليّ وبين معاوية، فيما رواه أبو عبد الله الحسين بن نصر بن مزاحم المنقريّ، في «كتاب صفّين والحكمين» بسنده إلى محمد بن عليّ الشّعبيّ؛ وهو «1» : [بسم الله الرحمن الرحيم] . هذا ما تقاضى عليه عليّ بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان وشيعتهما، فيما تراضيا من الحكم بكتاب الله وسنّة نبيّه محمد صلّى الله عليه وسلّم، قضيّة عليّ على أهل العراق ومن كان من شيعته من شاهد أو غائب، وقضيّة معاوية على أهل الشّام ومن كان من شيعته من شاهد أو غائب، إنا رضينا أن ننزل عند حكم كتاب الله بيننا حكما فيما اختلفنا فيه من فاتحته إلى خاتمته، نحيي ما أحيا، ونميت ما أمات. على ذلك تقاضينا، وبه تراضينا. وإنّ عليّا وشيعته رضوا أن يبعثوا عبد الله بن قيس «2» ناظرا ومحاكما، ورضي معاوية وشيعته أن يبعثوا عمرو بن العاص ناظرا ومحاكما، على أنهم أخذوا عليهما عهد الله وميثاقه، وأعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه، ليتّخذان الكتاب إماما فيما بعثاله، لا يعدوانه إلى غيره في الحكم بما وجدا فيه مسطورا، وما لم يجداه

مسمّى في الكتاب ردّاه إلى سنّة رسول الله الجامعة، لا يتعمّدان لها خلافا، ولا يتّبعان في ذلك لهما هوى، ولا يدخلان في شبهة. وأخذ عبد الله بن قيس، وعمرو بن العاص على عليّ ومعاوية عهد الله وميثاقه بالرّضا بما حكما به من كتاب الله وسنّة نبيّه، ليس لهما أن ينقضا ذلك [ولا يخالفا] «1» إلى غيره، وأنهما آمنان في حكومتهما على دمائهما وأموالهما وأهليهما، ما لم يعدوا الحقّ، رضي بذلك راض أو أنكر منكر، وأنّ الأمة انصار لهما على ما قضيا به من العدل. فإن توفّي أحد الحكمين قبل انقضاء الحكومة، فأمير شيعته وأصحابه يختارون رجلا، [يألون] «2» عن أهل المعدلة والإقساط، على ما كان عليه صاحبه من العهد والميثاق والحكم بكتاب الله وسنّة رسوله، وله مثل شرط صاحبه. وإن مات واحد من الأميرين قبل القضاء، فلشيعته أن يولّوا مكانه رجلا يرضون عدله. وقد وقعت [هذه] «3» القضيّة بيننا و [معها] «4» الأمن والتّفاوض، ووضع السّلاح، وعلى الحكمين عهد الله وميثاقه: ليحكمان بكتاب الله وسنّة نبيّه، لا يدخلان في شبهة ولا يألوان اجتهادا، ولا يتعمّدان جورا، ولا يتّبعان هوى، ولا يعدوان ما في كتاب الله تعالى وسنّة رسوله، فإن لم يفعلا برئت الأمّة من حكمهما، ولا عهد لهما ولا ذمّة. وقد وجبت القضيّة على ما سمّينا في هذا الكتاب من موقع الشّرط على الأميرين والحكمين والفريقين، والله أقرب شهيدا وأدنى حفيظا، والناس آمنون على أنفسهم وأهليهم وأموالهم إلى انقضاء مدّة الأجل، والسّلاح موضوع، والسّبيل

مخلّى، والشاهد والغائب من الفريقين سواء في الأمر. وللحكمين أن ينزلا منزلا عدلا بين أهل العراق وأهل الشّام، ولا يحضرهما فيه إلا من أحبّا عن ملإ «1» منهما وتراض. وأجّل القاضيين المسلمون إلى رمضان: فإن رأى الحكمان تعجيل الحكومة فيما وجّها له، عجّلاها، وإن أرادا تأخيرها بعد رمضان إلى انقضاء الموسم، فإن ذلك إليهما. فإن هما لم يحكما بكتاب الله وسنّة نبيّه إلى انقضاء الموسم، فالمسلمون على أمرهم الأوّل في الحرب، ولا شرط بين واحد «2» من الفريقين. وعلى الأمّة عهد الله وميثاقه على التّمام «3» على ما في هذا الكتاب. وهم يد على من أراد في هذا الكتاب إلحادا أو ظلما، أو أراد له نقضا. شهد على ما في هذا الكتاب من أصحاب عليّ: الأشعث بن قيس [الكنديّ] «4» ، وعبد الله بن عبّاس، والأشتر بن الحارث «5» ، وسعيد بن قيس الهمدانيّ، والحصين والطّفيل ابنا الحارث بن المطّلب، وأبو أسيد بن ربيعة الأنصاريّ، وخبّاب بن الأرتّ، وسهل بن حنيف الأنصاريّ، وأبو اليسر بن عمرو الأنصاريّ، ورفاعة بن رافع بن مالك الأنصاريّ، وعوف بن الحارث بن المطّلب القرشيّ، وبريدة الأسلميّ، وعقبة بن عامر الجهنيّ، ورافع بن خديج الأنصاريّ، وعمرو بن الحمق الخزاعيّ، والحسن والحسين ابنا عليّ، وعبد الله بن جعفر الهاشميّ، واليعمر بن عجلان

الأنصاريّ، وحجر بن عديّ الكنديّ، وورقاء «1» بن سميّ البجليّ، وعبد الله ابن الطّفيل الأنصاريّ «2» ، ويزيد بن حجيّة الدكريّ «3» ، ومالك بن كعب الهمدانيّ، وربيعة بن شرحبيل، وأبو صفرة، والحارث بن مالك، وحجر بن يزيد، وعقبة بن حجيّة. ومن أصحاب معاوية: حبيب بن مسلمة الفهميّ «4» ، و [أبو] الأعور السّلميّ «5» ، وبسر بن أرطاة القرشيّ، ومعاوية بن حديج الكنديّ، والمخارق بن الحارث الحميريّ، وزميل «6» بن عمرو السّكسكيّ، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد «7» المخزوميّ، وحمزة بن مالك الهمدانيّ، وسبع بن زيد الحميريّ «8» ، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعلقمة بن مرثد الكلبيّ، وخالد بن الحصين السّكسكيّ، وعلقمة بن يزيد الحضرميّ، ويزيد ابن الحرّ «9» العبسيّ، ومسروق بن حملة العكّيّ، ونمير بن يزيد الحميريّ، وعبد الله بن عامر القرشيّ، ومروان بن الحكم، والوليد بن عقبة القرشيّ، وعقبة «10» بن أبي سفيان، ومحمد بن أبي سفيان، ومحمد بن عمرو بن العاص، ويزيد بن عمرو الجذاميّ، وعمّار بن الأخوص الكلبيّ، ومسعدة ابن عمر القينيّ، وعاصم بن المستنير الجذاميّ، وعبد الرحمن بن ذي كلاع

الحميريّ، والصباح بن جلهمة الحميريّ، وثمامة بن حوشب، وعلقمة بن حكيم، وحمزة بن مالك [الهمداني] «1» . وإنّ بيننا على ما في هذه الصّحيفة عهد الله وميثاقه. وكتب عمير يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين. وأخرج أيضا بسنده إلى أبي إسحاق الشّيبانيّ أن عقد الصّلح كان عند سعيد بن أبي بردة في صحيفة صفراء عليها خاتمان: خاتم في أسفلها، وخاتم في أعلاها. في خاتم عليّ «محمد رسول الله» وفي خاتم معاوية «محمد رسول الله» . قلت: وذكر روايات أخرى فيها زيادة ونقص أضربنا عن ذكرها خوف الإطالة، إذ فيما ذكرنا مقنع. على أن المؤرّخين لم يذكروا من ذلك إلا طرفا يسيرا.

الفصل الثاني من الباب الخامس من المقالة التاسعة (فيما جرت العادة بكتابته بين الخلفاء وملوك المسلمين على تعاقب الدول؛ مما يكتب في الطرة والمتن)

الفصل الثاني من الباب الخامس من المقالة التاسعة (فيما جرت العادة بكتابته بين الخلفاء وملوك المسلمين على تعاقب الدول؛ ممّا يكتب في الطّرّة والمتن) أما الطّرّة: فليعلم أنّ الذي ينبغي أن يكتب في الطّرّة هنا: «هذا عقد صلح» ويكمل على ما تقدّم في الهدنة، ولا يكتب فيه: «هذه هدنة» لما يسبق إلى الأذهان من أن المراد من الهدنة ما يجري بين المسلمين والكفّار. وأما المتن فعلى نوعين: النوع الأوّل (ما يكون العقد فيه من الجانبين) ولم أر فيه للكتّاب إلا الاستفتاح بلفظ: «هذا» ، وعليه كتب كتاب القضيّة بين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وبين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، على ما تقدّم ذكره. وعلى ذلك استكتب هارون الرّشيد ولديه: محمدا الأمين، وعبد الله المأمون: العهدين اللّذين عهد فيهما بالخلافة بعده لابنه الأمين، وولّى خراسان ابنه المأمون، ثم عهد بالخلافة من بعد الأمين للمأمون، وأشهد فيهما، وبعث بهما إلى مكّة فعلّقا في بطن الكعبة، في جملة المعلّقات التي

كانت تعلّق فيها، على عادة العرب السّابقة: من تعليق القصائد ونحوها. وبذلك سمّيت القصائد السبع المشهورة: بالمعلّقات لتعليقهم إيّاها في جوف الكعبة. أما عهد الأمين، فنسخته بعد البسملة- على ما ذكره الأزرقيّ «1» في أخبار مكّة- ما صورته: هذا كتاب لعبد الله هارون أمير المؤمنين، كتبه محمد ابن أمير المؤمنين في صحّة من بدنه وعقله، وجواز من أمره، طائعا غير مكره. إنّ أمير المؤمنين هارون ولّاني العهد من بعده، وجعل لي البيعة في رقاب المسلمين جميعا، وولّى أخي عبد الله ابن أمير المؤمنين هارون العهد والخلافة وجميع أمور المسلمين من بعدي، برضا منّي وتسليم، طائعا غير مكره، وولّاه خراسان بثغورها، وكورها، وجنودها، وخراجها، وطرازها «2» ، وبريدها، وبيوت أموالها، وصدقاتها، وعشرها وعشورها، وجميع أعمالها، في حياته وبعد وفاته، فشرطت لعبد الله ابن «3» أمير المؤمنين عليّ الوفاء بما جعله له أمير المؤمنين هارون: من البيعة والعهد، وولاية الخلافة وأمور المسلمين بعدي، وتسليم ذلك له، وما جعل له من ولاية خراسان وأعمالها، وما أقطعه أمير المؤمنين هارون من قطيعة، أو جعل له من عقدة «4» أو ضيعة من ضياعه وعقده، أو ابتاع له من الضّياع والعقد،

وما أعطاه في حياته وصحّته: من مال، أو حليّ، أو جوهر، أو متاع، أو كسوة، أو رقيق، أو منزل، أو دوابّ، قليلا أو كثيرا، فهو لعبد الله ابن أمير المؤمنين موفّرا عليه، مسلّما له. وقد عرفت ذلك كلّه شيئا فشيئا باسمه وأصنافه ومواضعه، أنا وعبد الله ابن هارون أمير المؤمنين. فإن اختلفنا في شيء منه فالقول فيه قول عبد الله بن هارون أمير المؤمنين، لا أتبعه بشيء من ذلك، ولا آخذه منه، ولا أنتقصه، صغيرا ولا كبيرا [من ماله] «1» ولا من ولاية خراسان ولا غيرها مما ولّاه أمير المؤمنين من الأعمال، ولا أعزله عن شيء منها، ولا أخلعه، ولا أستبدل به غيره، ولا أقدّم عليه في العهد والخلافة أحدا من الناس جميعا، ولا أدخل عليه مكروها في نفسه ولا دمه، ولا شعره ولا بشره، ولا خاصّ ولا عامّ من أموره وولايته، ولا أمواله، ولا قطائعه، ولا عقده، ولا أغيّر عليه شيئا لسبب من الأسباب، ولا آخذه ولا أحدا من عمّاله وكتّابه وولاة أمره- ممن صحبه وأقام معه- بمحاسبة، ولا أتتبّع شيئا جرى على يديه وأيديهم في ولاية خراسان وأعمالها وغيرها مما ولاه أمير المؤمنين في حياته وصحّته: من الجباية، والأموال، والطّراز، والبريد، والصّدقات، والعشر والعشور، وغير ذلك، ولا آمر بذلك أحدا من الناس، ولا أرخّص فيه لغيري، ولا أحدّث نفسي فيه بشيء أمضيه عليه، ولا ألتمس قطيعة له، ولا أنقص شيئا مما جعله له هارون أمير المؤمنين وأعطاه في حياته وخلافته وسلطانه من جميع ما سمّيت في كتابي هذا. «2» وآخذ له عليّ وعلى جميع الناس البيعة، ولا أرخّص لأحد- من جميع الناس كلّهم في جميع ما ولّاه- في خلعه ولا مخالفته، ولا أسمع من أحد من البريّة في ذلك قولا، ولا أرضى بذلك في سرّ ولا علانية، ولا أغمض عليه، ولا أتغافل عنه، ولا أقبل من برّ من العباد ولا فاجر، ولا صادق ولا كاذب، ولا ناصح ولا غاشّ، ولا قريب

ولا بعيد، ولا أحد من ولد آدم عليه السّلام: من ذكر ولا أنثى- مشورة، ولا حيلة، ولا مكيدة في شيء من الأمور: سرّها وعلانيتها، وحقّها وباطلها، وظاهرها وباطنها، ولا سبب من الأسباب، أريد بذلك إفساد شيء مما أعطيت عبد الله بن هارون أمير المؤمنين من نفسي، وأوجبت له عليّ، وشرطت وسمّيت في كتابي هذا. وإن أراد به أحد من الناس أجمعين سوءا أو مكروها، أو أراد خلعه أو محاربته، أو الوصول إلى نفسه ودمه، أو حرمه، أو ماله، أو سلطانه أو ولايته: جميعا أو فرادى، مسرّين أو مظهرين له- فإنّي انصره وأحوطه، وأدفع عنه، كما أدفع عن نفسي، ومهجتي، ودمي، وشعري، وبشري، وحرمي، وسلطاني، وأجهّز الجنود إليه، وأعينه على كلّ من غشّه وخالفه، ولا أسلمه [ولا أخذله] «1» ولا أتخلّى عنه، ويكون أمري وأمره في ذلك واحدا [أبدا] «2» ما كنت حيّا. وإن حدث بأمير المؤمنين هارون حدث الموت، وأنا وعبد الله ابن أمير المؤمنين بحضرة أمير المؤمنين، أو أحدنا، أو كنّا غائبين عنه جميعا: مجتمعين كنّا أو متفرّقين، وليس عبد الله بن هارون أمير المؤمنين في ولايته بخراسان [فعليّ لعبد الله ابن أمير المؤمنين أن أمضيه إلى خراسان] «3» وأن أسلّم له ولايتها بأعمالها كلّها وجنودها، ولا أعوقه عنها، ولا أحبسه قبلي، ولا في شيء من البلدان دون خراسان، وأعجّل إشخاصه إلى خراسان واليا عليها مفردا بها، مفوّضا إليه جميع أعمالها كلّها، وأشخص معه من ضمّ إليه أمير المؤمنين: من قوّاده، وجنوده، وأصحابه، وكتّابه، وعمّاله، ومواليه، وخدمه، ومن تبعه من صنوف الناس بأهليهم وأموالهم، ولا أحبس عنه

أحدا، ولا أشرك معه في شيء منها أحدا، ولا أرسل أمينا ولا كاتبا ولا بندارا «1» ، ولا أضرب على يديه في قليل ولا كثير. وأعطيت هارون أمير المؤمنين وعبد الله بن هارون على ما شرطت لهما على نفسي، من جميع ما سمّيت وكتبت في كتابي هذا- عهد الله وميثاقه، وذمّة أمير المؤمنين وذمّتي، وذمة آبائي وذمم المؤمنين، وأشدّ ما أخذ الله تعالى على النّبيّين والمرسلين وخلقه أجمعين: من عهوده ومواثيقه، والأيمان المؤكّدة التي أمر الله عزّ وجلّ بالوفاء بها، ونهى عن نقضها وتبديلها. فإن أنا نقضت شيئا مما شرطت لهارون أمير المؤمنين ولعبد الله بن هارون أمير المؤمنين وسمّيت في كتابي هذا، أو حدّثت نفسي أن أنقض شيئا ممّا أنا عليه، أو غيّرت أو بدّلت، أو حلت أو حلت أو غدرت، أو قبلت [ذلك] من أحد من الناس: صغيرا أو كبيرا، برّا أو فاجرا، ذكرا أو أنثى، وجماعة أو فرادى- فبرئت «2» من الله عزّ وجلّ، ومن ولايته، ومن دينه، ومن محمد صلّى الله عليه وسلم، ولقيت الله عزّ وجلّ يوم القيامة كافرا مشركا؛ وكلّ امرأة هي اليوم لي أو أتزوّجها إلى ثلاثين سنة طالق ثلاثا، البتّة، طلاق الحرج «3» ، وعليّ المشي إلى بيت الله الحرام ثلاثين حجّة: نذرا واجبا لله تعالى في عنقي، حافيا راجلا، لا يقبل الله منّي إلا الوفاء بذلك، وكلّ مال هو لي اليوم، أو أملكه إلى ثلاثين سنة هدي «4» بالغ الكعبة الحرام، وكلّ مملوك هو لي اليوم، أو أملكه إلى ثلاثين سنة أحرار لوجه الله عزّ وجلّ. وكلّ ما جعلت لأمير المؤمنين ولعبد الله بن هارون أمير المؤمنين،

وكتبته وشرطته لهما، وحلفت عليه، وسمّيت في كتابي هذا لازم لي الوفاء به، ولا أضمر غيره، ولا أنوي إلّا إيّاه؛ فإن أضمرت أو نويت غيره فهذه العقود والمواثيق والأيمان كلّها لازمة، واجبة عليّ، وقوّاد أمير المؤمنين وجنوده وأهل الآفاق والأمصار في حلّ من خلعي وإخراجي من ولايتي عليهم، حتّى أكون سوقة من السّوق، وكرجل من عرض «1» المسلمين، لا حقّ لي عليهم، ولا ولاية، ولا تبعة لي قبلهم، ولا بيعة لي في أعناقهم، وهم في حلّ من الأيمان التي أعطوني، براء من تبعتها ووزرها في الدّنيا والآخرة. شهد سليمان ابن أمير المؤمنين المنصور، وعيسى بن جعفر، وجعفر بن جعفر، وعبد الله بن المهديّ، وجعفر بن موسى أمير المؤمنين، وإسحاق بن موسى أمير المؤمنين، وإسحاق بن عيسى بن عليّ، وأحمد بن إسماعيل بن عليّ، وسليمان بن جعفر بن سليمان، وعيسى بن صالح بن عليّ، وداود بن عيسى بن موسى، ويحيى بن عيسى بن موسى، وداود بن سليمان بن جعفر، وخزيمة بن حازم، وهرثمة بن أعين، ويحيى بن خالد، والفضل بن يحيى، وجعفر بن يحيى، والفضل بن الرّبيع مولى أمير المؤمنين، والقاسم بن الرّبيع مولى أمير المؤمنين، ودماثة بن عبد العزيز العبسيّ، وسليمان بن عبد الله بن الأصمّ، والربيع بن عبد الله الحارثيّ، وعبد الرحمن بن أبي الشّمر الغسّانيّ، ومحمد بن عبد الرحمن قاضي مكّة، وعبد الكريم بن شعيب الحجبيّ، وإبراهيم بن عبد الله الحجبيّ، وعبد الله بن شعيب الحجبيّ، ومحمد بن عبد الله بن عثمان الحجبيّ، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن نبيه الحجبيّ، وعبد الواحد بن عبد الله الحجبيّ، وإسماعيل بن عبد الرحمن بن نبيه الحجبيّ، وأبان مولى أمير المؤمنين، ومحمد بن منصور، وإسماعيل بن صبيح، والحارث مولى أمير المؤمنين، وخالد مولى أمير المؤمنين.

وكتب في ذي الحجة سنة ستّ وثمانين ومائة: وأما ما كتبه المأمون، فنصّه بعد البسملة «1» : هذا كتاب لعبد الله هارون أمير المؤمنين، كتبه له عبد الله بن هارون أمير المؤمنين، في صحّة من عقله، وجواز من أمره، وصدق نيّة فيما كتب من كتابه، ومعرفة ما فيه من الفضل والصّلاح له ولأهل بيته ولجماعة المسلمين. إنّ أمير المؤمنين هارون ولّاني العهد والخلافة وجميع أمور المسلمين في سلطانه بعد أخي محمد بن هارون أمير المؤمنين، وولّاني في حياته وبعده خراسان وكورها، وجميع أعمالها: من الصّدقات والعشر والبريد والطّراز وغير ذلك، واشترط لي على محمد ابن أمير المؤمنين الوفاء بما عقد لي من الخلافة والولاية للعباد والبلاد بعده، [وولاية] «2» خراسان وجميع أعمالها، ولا يعرض لي في شيء ممّا أقطعني أمير المؤمنين أو ابتاع لي من الضّياع والعقد والدّور والرّباع، أو ابتعت منه [لنفسي] «3» من ذلك، وما أعطاني أمير المؤمنين هارون من الأموال والجوهر والكسا والمتاع والدّواب [والرقيق وغير ذلك، ولا يعرض لي ولا لأحد من عمالي وكتّابي بسبب محاسبة] «4» ، ولا يتتبّع لي في ذلك ولا لأحد منهم أثرا، ولا يدخل عليّ ولا على أحد ممن كان معي ومنّي، ولا عمّالي ولا كتّابي، ومن استعنت به من جميع الناس- مكروها: في دم، ولا نفس، ولا شعر، ولا بشر، ولا مال، ولا صغير، ولا كبير [من الأمور] » فأجابه إلى ذلك وأقرّ به، وكتب له به

كتابا كتبه على نفسه ورضي به أمير المؤمنين [هارون وقبله وعرف صدق نيّته فيه، فشرطت لعبد الله هارون أمير المؤمنين] «1» وجعلت له على نفسي أن أسمع لمحمد ابن أمير المؤمنين وأطيعه ولا أعصيه، وأنصحه ولا أغشّه، وأوفّي ببيعته وولايته، ولا أغدر ولا أغدر ولا أنكث، وأنفّذ كتبه وأموره، وأحسن مؤازرته ومكانفته «2» ، وأجاهد عدوّه في ناحيتي بأحسن جهاد ما وفى لي بما شرط لي ولعبد الله هارون أمير المؤمنين، وسمّاه في الكتاب الذي كتبه لأمير المؤمنين ورضي به أمير المؤمنين، ولم ينقص شيئا من ذلك، ولم ينقض أمرا من الأمور التي اشترطها لي عليه هارون أمير المؤمنين. وإن احتاج محمد بن هارون أمير المؤمنين إلى جند وكتب إليّ يأمرني بإشخاصهم إليه، أو إلى ناحية من النّواحي، أو إلى عدوّ من أعدائه خالفه أو أراد نقص شيء من سلطانه وسلطاني الذي أسنده هارون أمير المؤمنين إلينا وولّاناه-[فعليّ] «3» أن أنفّذ أمره ولا أخالفه، ولا أقصّر في شيء كتب به إليّ. وإن أراد محمد بن أمير المؤمنين هارون أن يولّي رجلا من ولده العهد والخلافة من بعدي، فذلك له، ما وفّى لي بما جعل لي أمير المؤمنين هارون واشترط لي عليه، وشرطه على نفسه في أمري، وعليّ إنفاذ ذلك والوفاء له بذلك، ولا أنقض ذلك ولا أغيّره، ولا أبدّله، ولا أقدّم [قبله] «4» أحدا من ولدي، ولا قريبا ولا بعيدا من الناس أجمعين، إلّا أن يولّي هارون أمير المؤمنين أحدا من ولده العهد من بعدي، فيلزمني [ومحمدا] «5» الوفاء بذلك. وجعلت لأمير المؤمنين ومحمد بن أمير المؤمنين عليّ الوفاء بما اشترطت وسمّيت في كتابي هذا، ما وفّى لي محمد ابن أمير المؤمنين هارون

بجميع ما اشترط لي هارون أمير المؤمنين عليه في نفسي، وما أعطاني أمير المؤمنين هارون من جميع الأشياء المسمّاة في الكتاب الذي كتبه له، [وعليّ] «1» عهد الله تعالى وميثاقه، وذمّة أمير المؤمنين، وذمّتي، وذمّة آبائي، وذمم المؤمنين، وأشدّ ما أخذ الله عزّ وجلّ على النبيّين والمرسلين من خلقه أجمعين من عهوده ومواثيقه، والأيمان المؤكّدة التي أمر الله عزّ وجلّ بالوفاء بها [ونهى عن نقضها وتبديلها] «2» ؛ فإن أنا نقضت شيئا مما اشترطت وسمّيت في كتابي هذا له، أو غيّرت، أو بدّلت، أو نكثت، أو غدرت- فبرئت من الله عزّ وجلّ ومن ولايته ومن دينه، ومن محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولقيت الله سبحانه وتعالى يوم القيامة كافرا مشركا، وكلّ امرأة لي اليوم أو أتزوّجها إلى ثلاثين سنة طالق ثلاثا البتّة [طلاق] «3» الحرج، وكلّ مملوك لي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة أحرار لوجه الله تعالى، وعليّ المشي إلى بيت الله الحرام الذي بمكّة ثلاثين حجّة، نذرا واجبا عليّ وفي عنقي، حافيا راجلا، لا يقبل الله منّي إلا الوفاء به، وكلّ مال هو لي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة هدي بالغ الكعبة، وكل ما جعلت لعبد الله هارون أمير المؤمنين أو شرطت في كتابي هذا لازم لي، لا أضمر غيره ولا أنوي سواه. شهد فلان وفلان، بأسماء الشهود المقدّم ذكرهم في كتاب الأمين المبتدإ بذكره. قال الأزرقيّ: ولم يزل هذان الشرطان معلقين في جوف الكعبة حتّى مات هارون الرّشيد؛ وبعد ما مات بسنتين، في خلافة الأمين [كلّم] «4» الفضل بن الربيع محمد بن عبد الله الحجبيّ في إتيانه بهما، فنزعهما من الكعبة وذهب بهما إلى بغداد، فأخذهما الفضل فخرّقهما وحرّقهما بالنّار. قلت: وعلى نحو من ذلك كتب أبو إسحاق الصّابي مواصفة بالصّلح بين شرف الدّولة وزين الملّة أبي الفوارس، وصمصام الدّولة وشمس

الملّة أبي كاليجار، ابني عضد الدّولة بن ركن، الدّولة بن بويه، في النّصف من صفر سنة ستّ وسبعين وثلاثماية. ونصّها بعد البسملة الشّريفة: هذا ما اتّفق واصطلح وتعاهد وتعاقد عليه شرف الدّولة وزين الملّة أبو الفوارس، وصمصام الدّولة أبو كاليجار، ابنا عضد الدّولة وتاج الملّة أبي شجاع بن ركن الدّولة أبي عليّ، موليا أمير المؤمنين الطائع لله- أطال الله بقاءه، وأدام عزّه وتأييده، ونصره وعلوّه وإذنه. اتّفقا وتصالحا، وعاهدا وتعاقدا، على تقوى الله تعالى وإيثار طاعته، والاعتصام بحبله وقوّته، والالتجاء إلى حسن توفيقه ومعونته، والإقرار بانفراده ووحدانيّته، لا شريك له ولا مثل، ولا ضدّ ولا ندّ، والصلاة على محمد رسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم تسليما، والطّاعة لأمير المؤمنين الطّائع لله، والالتزام بوثائق بيعته، وعلائق دعوته، والتّوازر على موالاة وليّه، ومعاداة عدوّه، وعلى أن يمسكا [ذات] «1» بينهما بالسّير الحميدة، والسّنن الرشيدة، التي سنّها لهما السّلف الصالح من آبائهما وأجدادهما في التآلف والتّوازر، والتّعاضد والتّظافر، وتعظيم الأصغر للأكبر، وإشبال «2» الأكبر على الأصغر، والاشتراك في النّعم، والتّفاوض في الحظوظ والقسم، والاتّحاد بخلوص الطّوايا والخفايا، وسلامة الخواطر، وطهارة الضّمائر، ورفع ما خالف ذلك من أسباب المنافسة، وجرائر المضاغنة، وجوالب النّبوة، ودواعي الفرقة، والإقران لأعداء الدّولة، والإرصاد لهم، والاجتماع على دفع كلّ ناجم، وقمع كلّ مقاوم، وإرغام أنف كلّ ضار متجبّر، وإضراع خدّ كلّ متطاول مستكبر، حتّى يكون الموالي لأحدهم منصورا من جماعتهم، والمعادي له مقصودا من سائر جوانبهم، فلا يجد

المنابذ على أحدهم مفزعا عند أحد من الباقين ولا اعتصاما له، ولا التجاء إليه، لكن يكون مرميّا بجميع سهامهم، ومضروبا بأسياف نقمتهم، ومأخوذا بكلّيّة بأسهم وقوّتهم، ومقصودا بغالب نجدتهم وشدّتهم؛ إذ كانت هذه الآداب القويمة، والطّرائق السّليمة، جارية للدّول مجرى الجنن «1» الدّافعة عنها، والمعاقل المانعة لها، وبمثلها تطمئنّ النعم وتسكن، كما أنّ بأضدادها تشمئزّ وتنفر. ولما وفّق الله تعالى شرف الدّولة وزين الملّة أبا الفوارس، وصمصام الدّولة وشمس الملّة أبا كاليجار اعتقاد هذه الفضائل وإيثارها، والتّظاهر بها واستشعارها، ودعاهما مولاهما الطائع لله أمير المؤمنين إلى ما دعاهما إليه من التّعاطف والتآلف، والتّصافي والتّخالص، وأمر صمصام الدّولة أبا كاليجار بمراسلة شرف الدّولة أبي الفوارس في إحكام معاقد الأخوّة، وإبرام وثائق الألفة- امتثل ذلك وأصغى إليه شرف الدّولة وزين الملّة أبو الفوارس: أصغى إليه شرف الدّولة إصغاء المستوثق المستصيب، وتقبّله تقبّل العالم اللّبيب، وأنفذ إلى باب أمير المؤمنين رسوله أبا نصر «خرشيد بن ديار بن مأفنة» بالمعروف من كفايته، والمشهور من اصطناع الملك السّعيد عضد الدّولة وتاج الملّة رضوان الله عليه له، وإيداعه إيّاه وديعة الإحسان التي يحقّ عليه أن يساوي في حفظها بين الجهتين، ويوازي في رعايتها بين كلا الفريقين. فجرت بين صمصام الدّولة وشمس الملة أبي كاليجار وبينه مخاطبات استقرّت على أمور أتت المفاوضة عليها، وأثبت منها في هذه المواصفة ما احتيج إلى إثباته منها [أمر] «2» عامّ للفريقين، وقسمان يختصّ كلّ واحد منهما بواحد منهما.

فأما الأمر الذي يجمعهما عمومه، ويكتنفهما شموله، فهو: أن يتخالص شرف الدّولة وزين الملّة أبو الفوارس، وصمصام الدّولة وشمس الملّة أبو كاليجار في ذات بينهما، ويتصافيا في سرائر قلوبهما، ويرفضا ما كان جرّه عليهما سفهاء الأتباع: من ترك التّواصل، واستعمال التّقاطع، ويرجعا عن وحشة الفرقة، إلى أنس الألفة، وعن منقصة التّنافر والتّهاجر، إلى منقبة التّبارّ والتّلاطف، فيكون كلّ واحد منهما مريدا لصاحبه من الصّلاح مثل الذي يريده لنفسه، ومعتقدا في الذّبّ عن بلاده وحدوده مثل الذي يعتقده في الذّبّ عما يختصّ به، ومسرّا مثل ما يظهر: من موالاة وليّه، ومعاداة عدوّه، والمراماة لمن راماه، والمصافاة لمن صافاه؛ فإن نجم على أحدهما ناجم، أو راغمه مراغم، أو همّ به حاسد، أو دلف إليه معاند، اتّفقا جميعا على مقارعته: قريبا كان أو بعيدا، وترافدا على مدافعته: دانيا كان أو قاصيا، وسمح كلّ منهما لصاحبه عند الحاجة إلى المواساة في ذلك في سائر أحداث الزّمان ونوبه، وتصاريفه وغيره، بما يتّسع ويشتمل عليه طوقه من مال وعدّة، ورجال ونجدة، واجتهاد وقدرة، لا يغفل أخ منهما عن أخيه، ولا يخذله ولا يسلمه، ولا يترك نصرته، ولا ينصرف عن مؤازرته ومظاهرته بحال من الأحوال التي تستحيل بها النّيّات: من إرغاب مرغب، وحيلة محتال، ومحاولة محاول، ولا يقبل أحدهما مستأمنا إليه من جهة صاحبه: من جنديّ، ولا عامل، ولا كاتب، ولا صاحب، ولا متصرّف في وجه من وجوه التصرفات كلّها، ولا يجير عليه هاربا، ولا يعصم منه مواربا، ولا يتطرّف له حسدا، ولا يتحيّفه حقّا، ولا يهتك له حريما، ولا يتناول منه طوفا «1» ، ولا يخيف له سبيلا، ولا يتسبّب إلى ذلك بسبب باطن، ولا باعتلال ظاهر، ولا يدع موافقته، وملاءمته، ومعاونته ومظافرته في كلّ قول وفعل، وسرّ وجهر، على سائر الجهات، وتصرّف الحالات، ووجوه التّأويلات. يلتزم كلّ

واحد منهما ذلك لصاحبه التزاما على التماثل والتّعادل، والتّوازي والتّقابل. وأما الأمر الذي يختصّ شرف الدّولة وزين الملّة به، ويلتزمه صمصام الدّولة وشمس الملّة له، فهو أن يقدّمه صمصام الدّولة وشمس الملّة على نفسه، ويعطيه ما أعطاه الله له من فضل سنّه، ويطيعه في كلّ ما أفاد الدّولة الجامعة لهما صلاحا، وهاض من عدوّهما جناحا، وعاد على وليّهما بعزّ، وعلى عدوّهما بذلّ، وأن يقيم صمصام الدّولة الدّعوة على منابر ما في يده من مدينة السّلام وسائر البلدان والأمصار، التي أحاطت بهما حقوقه، وضربت عليهما حدوده، لأمير المؤمنين ثم لشرف الدّولة وزين الملّة أبي الفوارس، ثم لنفسه، ويجري الأمر في نقش سكك دور الضّرب التي يطبع بها الدّينار والدّرهم في جميع هذه البلاد على المثال، ويوفّي صمصام الدّولة وشمس الملّة أبو كاليجار شرف الدّولة وزين الملّة أبا الفوارس في المكاتبات والمخاطبات حقّ التّعظيم، وشعار التّفخيم، على التّقرير بينه وبين خرشيد بن ديار بن مأفنة في ذلك. وأما الأمر الذي يختصّ صمصام الدّولة وشمس الملة أبو كاليجار به، ويلتزمه شرف الدولة وزين الملّة أبو الفوارس له، فهو ترك التّعرّض لسائر ممالكه، وما يتّصل بها من حدودها الجارية معها، والإفراج منها عما يودّه ويسرع إليه أصحاب شرف الدولة وزين الملّة، وتجنّب التّحيّف لها أو لشيء من الحقوق الواجبة فيها، ومراعاته في الأمور التي يحتاج فيها إلى نظره وطوله، وإجماله وفضله، وما يجب على الأخ الأكبر مراعاة أخيه وتاليه فيه، ممّا ثبتت في هذه المواصفة جملته، واشتملت المفاوضة مع خورشيد بن ديار ابن مأفنة على تفصيله. اتّفق شرف الدّولة وزين الملّة أبو الفوارس، وصمصام الدّولة وشمس الملّة أبو كاليجار، بأمر أمير المؤمنين الطائع لله، وعلى الاختيار منهما، والانشراح من صدورهما من غير إكراه ولا إجبار، ولا اصطبار ولا

النوع الثاني (مما يجري عقد الصلح فيه بين ملكين مسلمين - ما يكون العقد فيه من جانب واحد)

اضطرار- على الرّضا بذلك كلّه، والالتزام له، ويصير جميعه عهدا مرجوعا إليه، وعقدا معمولا عليه، وحلف كلّ منهما على ما يلتزمه من ذلك يمينا عقدها بأن يحلف صاحبها بمثلها، على ما يلتزمه منه. فقال صمصام الدّولة: والله الذي لا إله إلا هو (ويستتم اليمين) . النوع الثاني (ممّا يجري عقد الصّلح فيه بين ملكين مسلمين- ما يكون العقد فيه من جانب واحد) وللكتّاب فيه مذهبان: المذهب الأوّل (أن يفتتح عقد الصّلح بلفظ: «هذا» كما في النوع السابق) وهذه نسخة عقد صلح من ذلك، كتب بها أبو إسحاق الصّابي، بين الوزير أبي نصر سابور بن أزدشير «1» ، والشّريفين: أبي أحمد الحسين بن موسى، وأبي الحسن محمد ابنه الرّضيّ، بما انعقد من الصّلح والصّهر بين الوزير المذكور، وبين النّقيب أبي أحمد الحسين وولده محمد، حين تزوّج ابنه محمد المذكور بنت سابور المذكور، وجعله على نسختين، لكلّ جانب نسخة، بعد البسملة ما صورته: هذا كتاب لسابور بن أزدشير، كتبه له الحسين بن موسى الموسويّ، وولده محمد بن الحسين الموسويّ. إنّا وإيّاك- عندما وصله الله بيننا من الصّهر والخلطة، ووشجه من

الحال والمودّة- آثرنا أن ينعقد بيننا وبينك ميثاق مؤكّد، وعهد مجدّد، تسكن النفوس إليهما، وتطمئنّ القلوب معهما، وتزداد الألفة بهما على مرّ الأيّام، وتعاقب الأعوام، ويكون ذلك أصلا مستقرّا نرجع جميعا إليه، ونعوّل ونعتمد عليه، وتتوارثه أعقابنا، وتتبعنا فيه أخلافنا. فأعطيناك عهد الله وميثاقه، وما أخذه على على أنبيائه المرسلين، وملائكته المقرّبين، صلّى الله عليهم أجمعين، عن صدور منشرحة، وآمال في الصّلاح منفسحة- أنّا نخلص لك جميعا وكلّ واحد منّا إخلاصا صحيحا يشاكل ظاهره باطنه، ويوافق خافيه عالنه، وأنّا نوالي أولياءك، ونعادي أعداءك، ونصل من وصلك، ونقطع من قطعك، ونكون معك في نوائب الزمان وشدائده، وفي فوائده وعوائده، وضمنّا لك ضمانا شهد الله بلزومه لنا، ووجوبه علينا، وأنا نصون الكريمة علينا، الأثيرة عندنا، فلانة بنت فلان- أدام الله عزّها- المنتقلة إلينا، كما تصان العيون بجفونها، والقلوب بشغافها، ونجريها مجرى كرائم حرمنا، ونفائس بناتنا، ومن تضمّه منازلنا وأوطاننا، ونتناهى في إجلالها وإعظامها، والتّوسعة عليها في مراغد عيشها وعوارض أوطارها، وسائر مؤنها ومؤن أسبابها، والنّهوض والوفاء بالحقّ الذي أوجبه الله علينا لها ولك فيها، فلا نعدم شيئا ألفته: من إشبال عليها، وإحسان إليها، وذبّ عنها، ومحاماة دونها، وتعهّد لمسارّها، وتوخّ لمحابّها، ونكون جميعا وكلّ واحد منا مقيمين لك ولها على جميع ما اشتمل عليه هذا الكتاب في حياتك- أطالها الله- وبعد الوفاة إن تقدّمتنا، وحوشيت من السّوء في أمورك كلّها، وأحوالك أجمعها. ثم إنا نقول- وكلّ واحد منا، طائعين مختارين، غير مكرهين ولا مجبرين، بعد تمام هذا العقد بيننا وبينك، ولزومه لنا ولك-: والله الذي لا إله إلّا هو الطّالب الغالب، المدرك المهلك، الضّارّ النّافع، المطّلع على السّرائر، المحيط بما في الضمائر، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور، وحقّ محمد النّبيّ، وعليّ الرضيّ- صلى الله عليهما وسلّم وشرّف

ذكرهما، وسادتنا الأئمّة الطيبين، الطاهرين، رحمة الله عليهم أجمعين، وحقّ القرآن العظيم، وما أنزل فيه من تحليل وتحريم، ووعد ووعيد، وترغيب وترهيب، لنفينّ لك يا سابور بن أزدشير، والكريمة الأثيرة ابنتك فلانة- أحسن الله رعايتها- بجميع ما تضمّنه هذا الكتاب، وفاء صحيحا، ولنلتزمنّ لك ولها شرائطه ووثائقه، فلا نفسخها، ولا ننقضها، ولا نتتبّعها، ولا نتعقّبها، ولا نتأوّل فيها، ولا نزول عنها، ولا نلتمس مخرجا ولا مخلصا منها، حتّى يجمعنا الموقف بين يدي الله، والمقدم على رحمة الله، ونحن يومئذ ثابتان عليها، ومؤدّيان للأمانة فيها، أداء يشهد الله تعالى به وملائكته يوم يقوم الأشهاد، ويحاسب العباد؛ فإن نحن أخللنا بذلك أو بشيء منه، أو تأوّلنا فيه أو في شيء منه، أو أضمرنا خلاف ما نظهر، أو أسررنا ضدّ ما نعلن، أو التمسنا طريقا إلى نقضه، أو سبيلا إلى فسخه، أو ألممنا بإخفار ذمّة من ذممه، أو انتهاك حرمة من حرمه، أو حلّ عصمة من عصمه، أو إبطال شرط من شروطه، أو تجاوز حدّ من حدوده- فالذي يفعل ذلك منّا يوم يفعله أو يعتقده، وحين يدخل فيه ويستجيزه- بريء من الله جلّ ثناؤه، ومن نبوّة رسوله محمد، ومن ولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلّى الله عليهما وسلّم، ومن القرآن الحكيم العظيم، ومن دين الله الصحيح القويم، ولقي الله يوم العرض عليه، والوقوف بين يديه، وهو به- سبحانه- مشرك، ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم مخالف، ولأهل بيته معاد، ولأعدائهم موال، وعليه الحجّ إلى بيت الله الحرام العتيق الذي بمكّة: راجلا، حافيا، حاسرا، وإماؤه عواتق، ونساؤه طوالق، طلاق الحرج والسّنّة، لا رجعة فيه ولا مثنويّة، وأمواله- على اختلاف أصنافها- محرّمة عليه، وخارجة عن يديه، وحبيسة في سبيل الله، وبرّأه الله من حوله وقوّته، وألجأه إلى حوله وقوّته. وهذه اليمين لازمة لنا، وقد أطلق كلّ واحد منا بها لسانه، وعقد عليها ضميره؛ والنّية في جميعها نيّة فلان بن فلان، لا يقبل الله من كلّ واحد منّا إلا الوفاء بها، والثّبات عليها، والالتزام بشروطها، والوقوف على حدودها،

المذهب الثاني (أن يفتتح عقد الصلح بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» وربما كرر فيها التحميد إعلاما بعظيم موقع النعمة)

وكفى بالله شهيدا، وجازيا لعباده ومثيبا. وذلك في يوم كذا، من شهر كذا، من سنة كذا. المذهب الثاني (أن يفتتح عقد الصّلح بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» وربّما كرّر فيها التحميد إعلاما بعظيم موقع النّعمة) وهذه نسخة عقد صلح كتب بها أبو الحسين أحمد بن سعد عن بعض الأمراء لمن كان ... «1» ... ونصّها على ما ذكره في «كتاب البلاغة» «2» في الترسل، بعد البسملة: الحمد لله الذي خلق العباد بقدرته، وكوّن الأمور بحكمته، وصرّفها على إرادته. لم يلطف عنه خفيّ، ولا امتنع عنه قويّ؛ ابتدع الخلائق على اختلاف فطرها، وتباين صورها، من غير مثال احتذاه، ولا رسم اقتفاه، وأيّدهم بنعمته، فيما ركبه فيهم من الأدوات الدّالّة على ربوبيّته، الناطقة بوحدانيّته، واكتفوا بالمعرفة به- جلّ جلاله- بخبر العقول، وشهادة الأفهام، ثم استظهر لهم في التّبصرة، وغلبهم في الحجّة، برسل أرسلها، وآيات بيّنها، ومعالم أوضحها، ومنارات لمسالك الحقّ رفعها، وشرع لهم الإسلام دينا وارتضاه واصطفاه، وفضّله واجتباه، وشرّفه وأعلاه، وجعله مهيمنا على الدّين كلّه، وقدّر العزّ لحزبه وأهله، فقال جلّ جلاله: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ* «3» وأيّده بأنبيائه الدّاعين إليه، والنّاهجين لطرقه، والهادين لفرائضه، والمخبرين عن شرائعه، قرنا بعد قرن، وأمّة بعد أمّة، في فترة بعد فترة «4» ،

وبيّنة بعد بيّنة، حتّى انتهى تقديره- جلّ جلاله- أن بعث النّبيّ الأمّيّ، الفاضل الزّكيّ، الذي قفّى به على الرّسل، ونسخ بشريعته شرائع الملل، وبدينه أديان الأمم، على حين تراخي فترة، وترامي حيرة؛ فأباخ «1» به نيران الفتن بعد اضطرامها، وأضاء به سبل الرّشاد بعد إظلامها، على علم منه- تعالى ذكره- بما وجده عنده من النّهوض بأعباء الرّسالة، والقيام بأداء الأمانة، فأزاح بذلك العلّة، وقطع المعذرة، ولم يبق للشّاكّ موضع شبهة، ولا للمعاند دعوى مموّهة، حتى مضى حميدا تشهد له آثاره، وتقوم بتأييد سنّته أخباره، قد خلّف في أمّته، ما أصارهم به إلى عطف الله ورحمته، والنّجاة من عقابه وسخطه، إلّا من شقي بسوء اختياره، وحرم الرّشاد بخذلانه، صلّى الله عليه وعلى آله الطيبين أفضل صلاة وأتمّها، وأوفاها وأعمّها. والحمد لله الذي خصّ سيدنا الأمير بالتّوفيق، وتوحّده بالإرشاد والتّسديد، في جميع أنحائه، ومواقع آرائه، وجعل همّته (إذ كانت الهمم منصرفة إلى هشيم الدّنيا وزخارفها، التي يتحلّى بها الأبناء وتدعوها إلى نفسها) مقصورة على ما يجمع له رضا ربّه، وسلامة دينه، واستقامة أمور مملكته، وصلاح أحوال رعيّته، وأيّده في هذه الحال المعارضة، والشّبهة الواقعة، التي تحار في مثلها الآراء، وتضطرب الأهواء، وتتنازع خواطر النفوس، وتفتلج وساوس الصّدور، ويخفى موقع الصّواب، ويشكل منهج الصّلاح- بما اختار له من السّلم والموادعة، والصّلح والموافقة، الذي أخبر الله تعالى في كتابه على فضله، والخير الذي في ضمنه، بقوله جلّ وعزّ: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ «2» وقوله جلّ ذكره: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ «3» حتّى أصبح السّيف مغمودا، ورواق الأمن ممدودا، والأهواء

متّفقة، والقلوب مؤتلفة، والكلمة مجتمعة، ونيران الفتن والضّلالة خامدة، وظنون بغاتها والسّاعين لها كاذبة، وطبقات الأولياء والرّعيّة- بما أعيد إليهم من الأمنة تعقب الخيفة، والأنسة من بعد الوحشة- مستبشرة، وإلى الله عزّ وجلّ- في إطالة بقاء الأمير وإدامة دولته، وحراسة نعمته وتثبيت وطأته- راغبين، وفي مسالمته مخلصين. ولو لم يكن السّلم في كتاب الله مأمورا به، والصّلح مخبرا عن الخير الذي فيه، لكان فيما ينتظم به: من حقن الدّماء، وسكون الدّهماء، ويجمع من الخلال المحمودة، والفضائل الممدودة، المقدّم ذكرها- ما حدا عليه، ومثّل للعقول السّليمة والآراء الصّحيحة موضع الخير فيه، وحسن العائدة على الخاصّ والعامّ به، فيما يتجلّى للعيون، من مشتبهات الظّنون، إذ الدّين واقع، والشّكّ جانح بين المحقّ والمبطل، والجائر والمقسط. وقد قال الله جلّ ثناؤه: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ «1» ناظرا للمسلمين من معرّة أو مضرّة تلحق بعضهم بغير علم، ومؤثرا تطهيرهم من ظنّ العدوان، مع رفعه عنهم فرطات النّسيان، وكافّا أيدي المسلمين عن المشركين، كما كفّ أيديهم عن المسلمين، تحنّنا على بريّته، وإبقاء على أهل معصيته، إلى أن يتمّ لهم الميقات الذي أدناه، والأمر الذي أمضاه، وموقع الحمد في عاقبته، والسّلامة في خاتمته، وبلّغهم من غاية البقاء أمدها، ومن مرافق العيش أرغدها، مقصورة أيدي النّوائب عما خوّله، ومعصومة أعين الحوادث عما نوّله، إنه جواد ماجد. قلت: وعلى هذا المذهب كتب عقد الصّلح بين السّلطان الملك النّاصر أبي السّعادات «فرج» بن السّلطان الملك الظّاهر «برقوق» ، وبين المقام الشّريف القطبيّ تيمور كوركان «2» صاحب ماوراء النّهر، بعد طروقه

الشّام وفتحه دمشق وتحريقها وتخريبها، وإرسال كتابه في معنى طلب الصّلح، وإرسال الأمير أطلمش لزمه، المأسور «1» في الدّولة الظاهريّة «برقوق» صحبة الخواجا نظام الدين مسعود الكججاني. جهّز ذلك إليه قرين كتاب من الأبواب السلطانية صحبة الخواجا مسعود المذكور، والأمير شهاب الدين بن أغلبك، والأمير قانبيه، في جمادى الأولى «2» سنة خمس وثمانمائة، بإشارة المقرّ الفتحيّ صاحب ديوان الإنشاء الشريف، من إنشاء الشيخ زين الدّين طاهر، ابن الشيخ بدر الدين حبيب الحلبيّ، أحد كتّاب الدّست الشّريف بالأبواب السلطانية، وهو مكتوب في قطع ... «3» ... بقلم ... «4» ... وفي طرّته ما صورته: «مرقوم «5» شريف جليل عظيم، مبجّل مكرّم جميل نظيم، مشتمل على عقد صلح افتتحه المقام الشريف، العاليّ، القطبيّ، نصرة الدّين، تيمور كوركان، زيدت عظمته، يكون بينه وبين المقام الشريف، السّلطان، المالك، الملك النّاصر أبي السّعادات «فرج» بن السلطان الشّهيد، الملك الظّاهر أبي سعيد «برقوق» خادم الحرمين الشريفين، خلّد الله تعالى

ملكه، انعقد بمباشرة السّفير عن المقام الشريف القطبيّ، المشار إليه ووكيله في ذلك، الخواجا نظام الدّين مسعود الكججاني، بشهادة من حضر صحبته من العدول بالتوكيل المذكور، على حكم إشارة مرسله إليه ومضمون مكاتبته، وقصده تجهيز الأمير أطلمش لزمه، وحلف المقام القطبيّ على الموافاة والمصافاة، واتّحاد المملكتين، وإجراء الأمور على السّداد، وعمل مصالح العباد والبلاد» . والبياض ثلاثة أوصال بوصل الطّرّة، والبسملة في أوّل الوصل الرابع بهامش عن يمينها، وتحت البسملة سطر، ثم بيت العلامة، والسّطر الثاني بعد بيت العلامة. والعلامة بجليل الثّلث بالذّهب ما صورته: «الله أملي» . ونسخة المكتوب بعد البسملة ما صورته: الحمد لله الذي جعل الصّلح خير ما انعقدت عليه المصالح، والإصلاح بين النّاس أولى ما اتّصلت به أسباب المناجح، وأحقّ ما نطقت به ألسن المحامد وأثنت عليه أفواه المدائح. نحمده على نعمه التي جمعت أشتات القلوب الطوائح، وأضافت إلى ضياء الشّمس نور القمر فاهتدى بهما كلّ غاد ورائح، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلّغ قائلها أهنى المنائح، وتتعطّر مجالس الذّكر بعرف روائحها الرّوائح، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من آخى بين المتحاكمين فنصح لله ورأى الصّلح من أعظم النّصائح، وأكمل رسول انقادت لأخلاقه الرّضيّة، وصفاته المرضيّة، جوانح النّفوس الجوانح، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإنّ أولى ما اجتمعت عليه آراء أولي الألباب، وركنت إليه قلوب ذوي المعرفة من أهل المودّة والأحباب- ائتلاف القلوب بعد اختلافها، واتصافها بالتّلبّس بأحسن أوصافها، والعمل على الصّلح الذي هو أصلح للناس، وأربح متاجر الدّنيا والآخرة وأدفع لليأس والباس، إذ هو مفتاح أبواب الخيرات الشّاملة، ومصباح مناهج الفكر الصّحيحة الكاملة،

والدّاعي إلى كلّ فعل جميل، والسّاعي بكلّ قول هو شفاء صدى الغليل ونجاة من داء العليل. ولمّا كان المقام الشّريف، العاليّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، المؤيديّ، المظفّريّ، الملجئيّ، الملاذيّ، الوالديّ، القطبيّ، نصرة الدّين، ملجأ القاصدين، ملاذ العابدين، قطب الإسلام والمسلمين، تيمور كوركان، زيدت عظمته- هو الباديء بإحياء هذه السّنّة الحسنة، والحادي إلى العمل بمقتضى مفاوضته الشريفة التي هي لذلك متضمّنة، الواردة إلى حضرة عبد الله ووليّه، السّلطان المالك، الملك النّاصر، زين الدّنيا والدّين، أبي السّعادات «فرج» بن السّلطان الشّهيد الملك الظّاهر، أبي سعيد «برقوق» خادم الحرمين الشّريفين- خلّد الله تعالى ملكه- على يد سفير حضرته، المجلس السّاميّ، الشّيخيّ، النّظاميّ، مسعود الكججانيّ، المؤرّخة بمستهلّ شهر ربيع الأوّل سنة تاريخه. وجلّ مضمونها، وسرّ مكنونها- قصد إيقاع الصّلح الشريف بين المشار إليهما، ونسج المودّة والمحبّة والمصادقة بينهما، وإسبال رداء محاسنها عليهما، بمقتضى تفويض المقام الشّريف القطبيّ المشار إليه الأمر في الصّلح المذكور إلى الشّيخ نظام الدّين مسعود المذكور، وتوكيله إيّاه فيه، وإقامته مقام نفسه الشّريفة، وجعل قوله من قوله، وأنّه- عظّم الله تعالى شأنه- أشهد الله العظيم عليه بذلك، وأشهد عليه من يضع خطّه من جماعته المجهّزين صحبة الشّيخ نظام الدّين مسعود المذكور، وهما: الشّيخ بدر الدّين أحمد بن الشّيخ الإمام العالم شمس الدين محمد بن الجزريّ الشّافعي، والصّدر الأجلّ كمال الدّين كمال أغا «1» ، وأنّ ذلك صدر عن المقام الشريف القطبيّ المشار إليه، لموافقته على الصّلح الشريف، وإجابة

القصد فيه بإطلاق الأمير أطلمش لزم المقام القطبيّ المشار إليه، وتجهيزه إلى حضرته العالية، وأنّه عاهد الله عزّ وجلّ بحضور جمّ غفير من أمراء دولته وأكابرها، ومن حضر مجلسه، باليمين الشّرعية الجامعة لأشتات الحلف: بالله الذي لا إله إلا هو ربّ البريّة وباريء النّسم، على ذلك جميعه، وعلى أنه لا يدخل إلى البلاد الداخلة في مملكة مولانا السّلطان الملك النّاصر المشار إليه، وأنّه مهما عاهد وصالح وعاقد عليه الشّيخ نظام الدّين مسعود الوكيل المذكور يقضي به المقام القطبيّ المشار إليه، ويمضيه ويرتضيه، وانفصل الأمر على ذلك. فعند ما وقف مولانا السّلطان الملك النّاصر المشار إليه- خلّد الله تعالى ملكه- على المكاتبة الشّريفة المشار إليها، وتفهّم مضمونها، ورأى أن المصلحة في الصّلح: تبرّكا بما ورد في كتاب الله عزّ وجلّ، وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم- استخار الله عزّ وجلّ، وأمر بتجهيز الأمير أطلمش المذكور، وتسليمه للشّيخ نظام الدّين مسعود المذكور، وأذن لهما في التّوجّه إلى حضرة المقام الشريف القطبيّ المشار إليه: بموافقة مولانا أمير المؤمنين المتوكّل على الله- أدام الله تعالى أيّامه- على ذلك، وحضور الشّيخ الإمام الفرد الأوحد، شيخ الإسلام، سراج الدّين، عمر البلقينيّ- أعاد الله تعالى على المسلمين من بركاته- وقضاة القضاة الحكّام- أعزّ الله تعالى أحكامهم- ومشايخ العلم الشّريف والصّلاح، وأركان الدّولة الشّريفة، ومن يضع خطّه في هذا الصّلح الشّريف بالشهادة بمضمونه. وعقد الصّلح الشريف بين مولانا السّلطان الملك الناصر المشار إليه- خلّد الله تعالى ملكه- وبين الشّيخ نظام الدّين مسعود الوكيل المذكور عن المقام الشّريف القطبيّ المشار إليه- زيدت عظمته- على حكم مضمون مفاوضته الشريفة المقدّم ذكرها، وما قامت به البيّنة الشّرعية، بشهادة العدلين المذكورين الواصلين صحبة الوكيل المذكور بالتّوكيل المشروح فيه، فكان صلحا صحيحا شرعيّا، تامّا كاملا معتبرا مرضيّا، على أحسن الأمور وأجملها، وأفضل الأحوال وأكملها.

وحلف مولانا السّلطان الملك النّاصر المشار إليه- خلّد الله ملكه- وعاهد الله عزّ وجلّ نظير ما حلف وعاهد عليه المقام الشّريف القطبيّ المشار وإليه من القول والعمل، واستقرّت بمشيئة الله تعالى الخواطر، وسرّت القلوب وقرّت النّواظر، لما في ذلك من حفظ ذمام العهود الشريفة، وإقامة منار الشّرع الشريف وامتداد ظلال أعلامه الوريفة، وإجراء كلمة الصّدق، على لسان أهل الحقّ، وصون أمانة الله تعالى وشعار دينه بين الخلق، فلا يتغيّر عقد هذا الصّلح الشريف على مدى الليالي والأيام، ولا ينقضي حكمه ولا ينحلّ إبرامه على توالي السّنين والأعوام. هذا: على أن لا يدخل أحد من عساكرهما وجندهما ومماليكهما إلى حدود مملكة الآخر، ولا يتعرّض إلى ما يتعلّق به من ممالك وقلاع، وحصون وسواحل وموان وغير ذلك من سائر الأنواع، ورعاياهما من جميع الطوائف والأجناس، وما هو مختصّ ببلاد كلّ منهما ومعروف به بين الناس: حاضرها وباديها، وقاصيها ودانيها، وعامرها وغامرها، وباطنها وظاهرها، ولا إلى من فيها من الرّعيّة والتّجّار والمسافرين، وسائر الغادين والرّائحين في السّبل والطّرق: متفرّقين ومجتمعين. هذا على أن يكون كلّ من المقامين الشّريفين المشار إليهما مع الآخر على أكمل ما يكون في السّرّاء والضّرّاء: من حسن الوفاء، وجميل المودّة والصّفاء، ويكونا في الاتحاد كالوالد والولد، وعلى المبالغة في الامتزاج والاختلاط كروحين في جسد، مع ما يضاف إلى ذلك من مصادقة الأصدقاء، ومعاداة الأعداء، ومسالمة المسالمين، ومحاربة المحاربين، في السّرّ والإعلان، والظّهور والكتمان؛ وبالله التّوفيق، وهو العالم بما تبدي الأعين وما تخفي الصّدور، وعليه التّكلان «1» في كلّ الأمور، في الغيبة والحضور، والورود والصّدور.

الباب السادس من المقالة التاسعة (في الفسوخ الواردة على العقود السابقة؛ وفيه فصلان)

الباب السادس من المقالة التاسعة (في الفسوخ الواردة على العقود السابقة؛ وفيه فصلان) الفصل الأوّل (الفسخ؛ وهو ما وقع من أحد الجانبين دون الآخر) قال في «التعريف» : وقلّ أن يكون فيه إلا ما يبعث به على ألسنة الرّسل. قال: وقد كتب عمّي الصاحب شرف الدّين [أبو محمد] «1» عبد الوهّاب رحمه الله، سنة دخول العساكر الإسلامية ملطية «2» ، سنة أربع عشرة وسبعمائة فسخا على «التكفور» متملك سيس «3» ، كان سببا لأن زاد قطيعته. ولم يذكر صورة ما كتبه في ذلك. وقد جرت العادة أنه إذا كان الفسخ من الجانب الواحد أن يذكر الكاتب فيه موجب الفسخ الصادر عن المفسوخ عليه: من ظهور ما يوجب نقض العهد، ونكث العقد، وإقامة الحجّة على المفسوخ عليه من كل وجه.

قال في «التعريف» : والذي أقول فيه: إنه إن كتب فيه، كتب بعد البسملة: هذا ما استخار الله تعالى فيه فلان، استخارة تبيّن له فيها غدر الغادر، وأظهر له بها سرّ الباطن ما حقّقه الظّاهر؛ فسخ فيها على فلان ما كان بينه وبينه من المهادنة التي كان آخر الوقت الفلانيّ آخر مدّتها، وطهّر السيوف الذّكور «1» فيها من الدّماء إلى انقضاء عدّتها، وذلك حين بدا منه من موجبات النّقض، وحلّ المعاقدة التي كانت يشدّ بعضها ببعض (وهي كذا وكذا، وتذكر وتعدّ) مما يوجب كلّ ذلك إخفار الذّمّة، ونقض العهود المرعيّة الحرمة، وهدّ قواعد الهدنة، وتخلية ما كان قد أمسك من الأعنّة؛ كتب إنذارا، وقدّم حذارا؛ وممن يشهد بوجوب هذا الفسخ، ودخول ملّة تلك الهدنة في حكم هذا النّسخ، ما تشهد به الأيّام، ويحكم به عليه النّصر المكتتب للإسلام؛ وكتب هذا الفسخ عن فلان لفلان وقد نبذ إليه عهده، وأنجز وعده، وأنفذ إليه سهمه بعد أن صبر مليّا على ممالاته، وأقام مدّة يداري مرض وفائه ولا ينجح فيه شيء من مداواته، ولينصرنّ الله من ينصره، ويحذر من يأمن مكره من يحذره؛ وأمر فلان بأن يقرأ هذا الكتاب على رؤوس الأشهاد، لينقل مضمونه إلى البلاد، أنفة من أمر لا يتأدّى به الإعلان، وينصب به هذا الغادر لواء لا يقال إذا يقال: هذا اللّواء لغدرة فلان بن فلان.

الفصل الثاني المفاسخة؛ وهي ما يكون من الجانبين جميعا

الفصل الثاني المفاسخة؛ وهي ما يكون من الجانبين جميعا قال في «التعريف» : وصورة ما يكتب فيها: هذا ما اختاره فلان وفلان من فسخ ما كان بينهما من المهادنة التي هي إلى آخر مدّة كذا. اختارا فسخ بنائها، ونسخ أنبائها، ونقض ما أبرم من عقودها، وأكّد من عهودها، جرت بينهما على رضا من كلّ منهما بإيقاد نار الحرب التي كانت أطفئت، وإثارة تلك الثّوائر التي كانت كفيت، نبذاه على سواء بينهما، واعتقاد من كلّ منهما، أن المصلحة في هذا لجهته، وأسقط ما كان يحمله للآخر من ربقته، ورضي فيه بقضاء السّيوف، وإمضاء أمر القدر والقضاء في مساقات الحتوف، وقد أشهدا عليهما بذلك الله وخلقه ومن حضر، ومن سمع ونظر، وكان ذلك في تاريخ كذا وكذا.

المقالة العاشرة في فنون من الكتابة يتداولها الكتاب وتتنافس في عملها، ليس لها تعلق بكتابة الدواوين السلطانية ولا غيرها؛ وفيها بابان

المقالة العاشرة في فنون من الكتابة يتداولها الكتّاب وتتنافس في عملها، ليس لها تعلّق بكتابة الدّواوين السلطانية ولا غيرها؛ وفيها بابان الباب الأوّل في الجدّيّات؛ وفيه [ستة] «1» فصول. الفصل الأوّل في المقامات وهي جمع مقامة بفتح الميم؛ وهي في أصل اللّغة اسم للمجلس والجماعة من الناس. وسمّيت الأحدوثة من الكلام مقامة، كأنها تذكر في مجلس واحد يجتمع فيه الجماعة من الناس لسماعها. أما المقامة بالضّم، فبمعنى الإقامة، ومنه قوله تعالى حكاية عن أهل الجنّة: الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ «2» . واعلم أن أوّل من فتح باب عمل المقامات، علّامة الدّهر، وإمام الأدب، البديع الهمذانيّ «3» : فعمل مقاماته المشهورة المنسوبة إليه، وهي

في غاية من البلاغة، وعلوّ الرّتبة في الصّنعة. ثم تلاه الإمام أبو محمد القاسم الحريريّ «1» ، فعمل مقاماته الخمسين المشهورة، فجاءت نهاية في الحسن، وأتت على الجزء الوافر من الحظّ، وأقبل عليها الخاصّ والعامّ، حتّى أنست مقامات البديع وصيرّتها كالمرفوضة. على أن الوزير ضياء الدّين بن الأثير في «المثل السّائر» لم يوفّه حقّه، ولا عامله بالإنصاف، ولا أجمل معه القول، فإنه قد ذكر أنه ليس له يد في غير المقامات، حتّى ذكر عن الشيخ أبي محمد أحمد بن الخشّاب أنه كان يقول: إن الحريريّ رجل مقامات، أي إنّه لم يحسن من الكلام المنثور سواها، فإن أتى بغيرها فلا يقول شيئا. وذكر أنه لما حضر بغداد، ووقف على مقاماته، قيل: هذا يستصلح لكتابة الإنشاء في ديوان الخلافة، ويحسن أثره فيه، فأحضر وكلّف كتابة كتاب فأفحم، ولم يجر لسانه في طويله ولا قصيره، حتّى قال فيه بعضهم: شيخ لنا من ربيعة الفرس ... ينتف عثنونه من الهوس أنطقه الله بالمشان وفي ... بغداد أضحى الملجوم بالخرس «2» !

واعتذر عنه بأن المقامات مدارها جميعها على حكاية تخرج إلى مخلص، بخلاف المكاتبات فإنها بحر لا ساحل له، من حيث أن المعاني تتجدّد فيها بتجدّد حوادث الأيام، وهي متجدّدة على عدد الأنفاس. وهذه المقامة التي قدّمت الإشارة إليها في خطبة هذا الكتاب، إلى أنّي كنت أنشأتها في حدود سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، عند استقراري في ديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة، وأنها اشتملت- مع الاختصار- على جملة جمّة من صناعة الإنشاء، ووسمتها ب «الكواكب الدّرّيّة، في المناقب البدريّة» ووجّهت القول فيها لتقريظ المقرّ البدريّ، بن المقرّ العلائيّ، بن المقرّ المحيويّ، بن فضل الله، صاحب ديوان الإنشاء «1» بالأبواب السلطانية بالدّيار المصرية يومئذ، جعلت مبناها على أنه لا بدّ للإنسان من حرفة يتعلّق بها، ومعيشة يتمسّك بسببها، وأن الكتابة هي الحرفة التي لا يليق بطالب العلم سواها، ولا يجوز له العدول عنها إلى ما عداها، مع الجنوح فيها إلى تفضيل كتابة الإنشاء وترجيحها، وتقديمها على كتابة الدّيونة «2» وترشيحها.

وقد اشتملت على بيان ما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من الموادّ، وما ينبغي أن يسلكه من الجوادّ، مع التّنبيه على جملة من المصطلح بيّنت مقاصده، ومهّدت قواعده، على ما ستقف عليه في خلال مطاويها إن شاء الله تعالى؛ وهي: حكى النّاثر ابن نظّام، قال: لم أزل من قبل أن يبلغ بريد عمري مركز التّكليف، ويتفرّق جمع خاطري بالكلف بعد التّأليف؛ أنصب لاقتناص العلم أشراك التّحصيل، وأنزّه توحيد الاشتغال عن إشراك التّعطيل، مشمّرا عن ساق الجدّ ذيل الاجتهاد، مستمرّا على الوحدة وملازمة الانفراد، أنتهز فرصة الشّباب قبل تولّيها، وأغتنم حالة الصّحّة قبل تجافيها؛ قد حالف جفني السّهاد، وخالف طيب الرّقاد، أمرّن النّفس على الاشتغال كي لا تملّ فتنفر عن الطّلب وتجمح، مميلا جانب قصدها عن ركوب الأهواء والميل إليها، صارفا وجه غايتها عن المطالب الدّنيويّة والرّكون إليها، متخيّرا أليق الأماكن وأوفق الأوقات، قانعا بأدنى العيش راضيا بأيسر الأقوات، أونس من شوارد العقول وحشيّها، وأشرّد عن روابض المنقول حوشيّها، وألتقط ضالّة الحكمة حيث وجدتها، وأقيّد نادرة العلم حيث أصبتها، مقدّما من العلوم أشرفها، ومؤثرا من الفنون ألطفها، معتمدا من ذلك ما تألفه النفس ويقبله الطّبع، مقبلا منه على ما يستجلي حسنه النّظر ويستحلي ذكره السّمع، منتقيا من الكتب أمتعها تصنيفا، وأتمّها تحريرا وأحسنها تأليفا، منتخبا من أشياخ الإفادة أوسعهم علما وأكثرهم تحقيقا، ومن أقران المذاكرة أروضهم بحثا وألطفهم تدقيقا، عارفا لكلّ عالم حقّه، وموفّيا لكلّ علم مستحقّه؛ قد استغنيت بكتابي عن خلّي ورفيقي، وآثرت بيت خلوتي على شفيقي وشقيقي؛ أجوب فيافي الفنون لتظهر لي طلائع الفوائد فأشهدها عيانا، وأجول في ميدان الأفكار لتلوح لي كمائن المعاني فلا أثني عنها عنانا، وأشنّ غارات المطالعة على كتائب الكتب فأرجع بالغنيمة، وأهجم على حصون الدّفاتر ثم لا أولّي عن هزيمة، بل كلّما لاحت لي فئة من البحث تحيّزت إليها، أو ظهرت لي

كتيبة من المعاني حملت عليها، إلى أن أتيح لي من الفتح ما أفاضته النّعمة، وحصلت من الغنيمة على ما اقتضته القسمة. فبينا أنا أرتع في رياض ما نفّلت، وأجتني ثمار ما خوّلت، إذ طلع عليّ جيش التّكليف فحصرني، وخرج عليّ كمين التّكليف فأسرني، فأمسيت في أضيق خناق، وأشدّ وثاق، قد عاقني قيد الاكتساب عن الاشتغال، وصدّني كلّ الكدّ عن الاهتمام بالطّلب والاحتفال، فغشيني من القبض ما غشيني، وأخذني من الوحشة ما أخذني، وتعارض فيّ حكم العقل بين الكسب وطلب العلم، وتساويا في التّرجيح فلم تجنح واحدة منهما إلى السّلم، فصرت مدهوشا لا أحسن صنعا، وبقيت متحيّرا لا أدري أيّ الأمرين أقرب إليّ نفعا: إن طلبت العلم للكسب فقد أفحشت رجوعا، وإن تركت الكسب للعلم هلكت ضيعة ومتّ جوعا. فلما علمت أنّ كلّا منهما لا يقوم إلا بصاحبه، ولا يتمّ الواجب في أحدهما ما لم يقم في الآخر بواجبه، التمست كسبا يكون للعلم موافقا، وبحملته لائقا، ليكون ذلك الكسب للعلم موضوعا والعلم عليه محمولا، والجمع ولو بوجه أولى، فجعلت أسبر المعايش سبر متقصّد وأسير في فلوات الصّنائع سير متعهّد، لكي أجد حرفة تطابق أربي، أو صنعة تجانس طلبي. فبينما أنا أسير في معاهدها، وأردّد طرفي في مشاهدها، إذ رفع لي صوت قرع سمعي برنّته، وأخذ قلبي بحنّته، فقفوت أثره متّبعا، وملت إليه مستمعا، فإذا رجل من أحسن الناس شكلا، وأرجحهم عقلا، وهو يترنّم وينشد: إن كنت تقصدني بظلمك عامدا ... فحرمت نفع صداقة الكتّاب السّائقين إلى الصّديق ثرى الغنى ... والنّاعشين لعثرة الأصحاب والنّاهضين بكلّ عبء مثقل ... والنّاطقين بفصل كلّ خطاب

والعاطفين على الصّديق بفضلهم ... والطّيّبين روائح الأثواب ولئن جحدتهم الثّناء فطالما ... جحد العبيد تفضّل الأرباب! فلما سمعت منه ذلك، وأعجبني من الوصف ما هنالك، دنوت منه دنوّ الواجل، وجلست بين يديه جلوس السّائل، وقلت: هذه وأبيك صفات الملوك بل ملوك الصّفات، وأكرم الفضائل بل أفضل المكرمات؛ ولم أك أظنّ أنّ للكتابة هذا الخطر الجسيم، وللكتّاب هذا الحظّ العظيم؛ فأعرض مغضبا، ثم فوّق بصره إليّ معجبا، وقال: هيهات فاتك الحزم، وأخطأك العزم؛ إنها لمن أعظم الصّنائع قدرا، وأرفعها ذكرا؛ نطق القرآن الكريم بفضلها، وجاءت السّنّة الغرّاء بتقديم أهلها، فقال تعالى جلّ ثناؤه، وتباركت أسماؤه: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ «1» فأخبر تعالى أنه علّم بالقلم، حيث وصف نفسه بالكرم، إشارة إلى أن تعليمها من جزيل نعمه، وإيذانا بأن منحها من فائض ديمه؛ وقال جلّت قدرته: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ «2» فأقسم بالقلم وما سطّرته الأقلام، وأتى بذلك في آكد قسم فكان من أعظم الأقسام. وقال تقدّست عظمته: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ «3» فجعل الكتابة من وصف الكرام، كما قد جاء فعلها عن جماعة من الأنبياء عليهم السّلام؛ وإنما منعها النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، معجزة قد بيّن تعالى سببها، حيث ذكر إلحادهم بقوله: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها «4» . هذا: وقد كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في كثرة الكتّاب راغبا؛ فقد روي أنه كان له عليه أفضل الصّلاة والسّلام نيّف وثلاثون كاتبا، هم نخبة أصحابه، وخلاصة

أترابه؛ ومن ائتمنهم على أسرار الوحي والتّنزيل، وخاطب بألسنة أقلامهم ملوك الأرض فأجابوا بالإذعان على البعد والمدى الطّويل؛ وكتب الملوك أيضا إليه ابتداء وجوابا، وكاتب أصحابه وكاتبوه فأحسن استماعا وأفحم خطابا، وبذلك جرت سنّة الخلفاء الراشدين فمن تلاهم، وعلى نهجه مشت ملوك الإسلام ومن ضاهاهم. فالكتابة قانون السّياسة، ورتبتها غاية رتب الرّياسة؛ عندها تقف الإنافة، وإليها تنتهي مناصب الدّنيا بعد الخلافة؛ والكتّاب عيون الملوك المبصرة وآذانهم الواعية، وألسنتهم النّاطقة وعقولهم الحاوية، بل محض الحقّ الذي لا تدخله الشّكوك؛ وإن الملوك إلى الكتّاب أحوج من الكتّاب إلى الملوك؛ وناهيك بالكتابة شرفا، وأعل بذلك رتبة وكفى، أنّ صاحب السّيف والعلم يزاحم الكاتب في قلمه، ولا يزاحم الكاتب صاحب السّيف والعلم في سيفه وعلمه. وعلى الجملة فهم الحاوون لكلّ وصف جميل، وشأن نبيل؛ الكرم شعارهم، والحلم دثارهم، والجود جادّتهم، والخير عادتهم، والأدب مركبهم، واللّطف مذهبهم؛ ولله القائل: وشمول كأنّما اعتصروها ... من معاني شمائل الكتّاب! فلما انقضى قيله، وبانت سبيله، قلت: لقد ذكرت قوما راقني وصفهم، وشاقني لطفهم، ودعاني طيب حديثهم، وحسن أوصافهم، وجميل نعوتهم، إلى أن أحلّ بناديهم وأنزل بواديهم، فأجعل حرفتهم كسبي، وصنعتهم دأبي، ليجتمع بالعلم شملي، ويتّصل بالاشتغال حبلي، فأكون قد ظفرت بمنيتي، وفزت ببغيتي، فأي قبيل من الكتّاب أردت؟ وإلى أيّ نوع من الكتابة أشرت؟ أكتابة الأموال؟ أم كتابة الإنشاء والخطابة؟، أم غيرهما من أنواع الكتابة؟ فنظر إليّ متبسّما، وأنشد مترنّما: قوم إذا أخذوا الأقلام من غضب ... ثم استمدّوا بها ماء المنيّات

نالوا بها من أعاديهم وإن بعدوا ... ما لم ينالوا بحدّ المشرفيّات! فقلت: كأنّك تريد كتابة الإنشاء دون سائر الكتابات، وهي التي تقصدها بالتّصريح وتشير إليها بالكنايات؛ فقال: وهل في أنواع الكتابة جملة نوع يساويها، أو في سائر الصّنائع على الإطلاق صنعة تضاهيها؟ إنّ لها للقدح المعلّى، والجيد المحلّى، والذّروة المنيفة، والرّتبة الشّريفة؛ كتّابها أسّ الملك وعماده، وأركان الملك وأطواده، ولسان المملكة النّاطق، وسهمها المفوّق الرّاشق؛ ولله حبيب بن أوس الطّائيّ «1» حيث يقول: ولضربة من كاتب ببنانه ... أمضى وأقطع من رقيق حسام! قوم إذا عزموا عداوة حاسد ... سفكوا الدّما بأسنّة الأقلام! قلمها يبلّغ الأمل، ويغني عن البيض والأسل؛ به تصان المعاقل، وتفرّق الجحافل: فلكم يفلّ الجيش وهو عرمرم ... والبيض ما سلّت من الأغماد! فقلت: إن كتّاب الأموال يزعمون أن لهم في ذلك المقام الأعلى، والطّريقة المثلى، ويستشهدون لفضلها، وتقدّم أهلها، بقول الإمام أبي محمد القاسم الحريريّ، رحمه الله، في مقاماته «2» : «إنّ صناعة الحساب مبنيّة «3» على التّحقيق، وصناعة الإنشاء مبنيّة على التّلفيق، وقلم الحاسب ضابط، وقلم المنشيء خابط «4» ؛ وبين إتاوة توظيف المعاملات، وتلاوة طوامير السّجلّات، بون لا يدركه قياس، ولا يعتوره التباس؛ إذ الإتاوة تملأ الأكياس، والتّلاوة تفرّغ الرّاس، وخراج

الأوارج «1» ، يغني النّاظر، واستخراج المدارج، يعنّي الخاطر؛ والحسبة «2» حفظة الأموال، وحملة الأثقال؛ والنّقلة الأثبات، والسفرة الثّقات؛ وأعلام الإنصاف والانتصاف، والشّهود المقانع في الاختلاف «3» ؛ ومنهم المستوفي الذي هو يد السّلطان، وقطب الدّيوان؛ وقسطاس الأعمال، والمهيمن على العمّال؛ وإليه المآب في السّلم والهرج، وعليه المدار في الدّخل والخرج؛ وبه مناط الضّرّ والنّفع، وفي يده رباط الإعطاء والمنع؛ ولولا قلم الحسّاب، لأودت ثمرة الاكتساب، ولاتّصل التّغابن إلى يوم الحساب؛ ولكان نظام المعاملات محلولا، وجرح الظّلامات مطلولا، [وجيد التّناصف مغلولا] «4» ، وسيف التّظالم مسلولا؛ على أنّ يراع الإنشاء متقوّل، ويراع الحساب متأوّل، والمحاسب مناقش، والمنشيء أبو براقش» «5» . فوصف كتابة الأموال بأتمّ الصّفات، ونبّه من شيم أهلها وشياتهم على أكرم الشّيم وأحسن الشّيات. فقال: هذه الحجّة معارضة بمثلها، بل باطلة من أصلها؛ وأين ذلك من قوله في صدر كلامه؟:

«اعلموا أن صناعة الإنشاء أرفع، وصناعة الحساب أنفع؛ وقلم المكاتبة خاطب، وقلم المحاسبة حاطب «1» ؛ وأساطير البلاغات تنسخ لتدرس، ودساتير الحسبانات تنسخ وتدرس «2» ؛ والمنشيء جهينة الأخبار «3» ، وحقيبة الأسرار، ونجيّ العظماء، وكبير النّدماء؛ وقلمه لسان أسرار «4» الدّولة، وفارس الجولة، ولقمان الحكمة، وترجمان الهمّة؛ وهو البشير والنّذير، والشّفيع والسّفير، به تستخلص الصّياصي «5» ، وتملك النّواصي، ويقتاد العاصي، ويستدنى القاصي؛ وصاحبه بريء من التّبعات، آمن كيد السّعاة، مقرّظ بين الجماعات، غير معرّض لنظم الجماعات» «6» . فهذه أرفع المراتب، وأشرف المناقب، التي لا يعتورها شين، ولا يشوبها مين؛ وصدر الكلام يقتضي التّرجيح، ويؤذن بالتّرشيح؛ والرّفع، أبلغ في الوصف من النّفع؛ فقد ينتفع بالنّزر اليسير، ولا يرتفع إلا بالأمر الكبير، على أنّه لو اعتبر نفع كتابة الإنشاء لكان أبلغ، وإقامة الدّليل عليه أسوغ؛ وأنّى لكتّاب الأموال، من التأثير في فلّ الجيوش من غير قتال، وفتح الحصون من غير نزال؛ فهذه هي الخصّيصى» التي لا تساوى، والمنقبة التي لا تناوى:

تلك المكارم لا قعبان «1» من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا! فقلت: الآن قد انقطعت الحجّة، وبانت المحجّة، فما الذي يحتاج كاتب الإنشاء إلى ممارسته؟ فقال: إذا قد تعلّقت من الصّنعة بأسبابها، وأتيت البيوت من أبوابها. اعلم أن كاتب الإنشاء لا تظهر فصاحته، وتبين بلاغته، وتقوى يراعته، وتجلّ براعته، إلا بعد تحصيل جملة من العلوم، ومعرفة الاصطلاح والإحاطة بالرّسوم؛ ثم أهمّ ما يبدأ بتحصيله، ويعتمد عليه في جملة الأمر وتفصيله، حفظ كتاب الله العزيز الذي هو معدن الفصاحة، وعنصر البلاغة، وإدامة قراءته وتكرير مثانيه، مع العلم بتفسيره وتدبّر معانيه، حتّى لا يزال دائرا على لسانه حاضرا في ذكره، ولا يبرح معناه ممثّلا في قلبه مصوّرا في فكره، ليكون مستحضرا له في الوقائع التي يحتاج إلى الاستشهاد به فيها، ويضطرّ إلى إقامة الأدلّة القاطعة عليها، فلله الحجّة البالغة، ولآياته الأجوبة الدّامغة؛ خصوصا السّير والأحكام، وما يتعلّق بذلك من مهمّات الدّين وقواعد الإسلام، وما اشتمل عليه كلام النّبوّة من الألفاظ البديعة التي أبكمت الفصحاء، والمعاني الدّقيقة التي أعيت البلغاء؛ مع النّظر في معانيها ومعرفة غريبها، والاطّلاع على ما للعلماء في ذلك من الأقوال بعيدها وقريبها، لتكون أبدا حجّته ظاهرة، وأدلّته قويّة متظاهرة؛ فإنّ الدّليل إذا استند إلى النّصّ انقطع النّزاع وسلّم المدّعى ولزم؛ والفصاحة والبلاغة غايتهما- بعد كتاب الله تعالى- في كلام من أوتي جوامع الكلم؛ والعلم بالأحكام السّلطانيّة وفروعها، وخصوصها وشيوعها، والتّوغّل في أشعار العرب والمولّدين، وأهل الصّناعة من المحدثين، وما ورد عن كلّ فريق منهم من الأمثال نثرا ونظما، وما جرى بينهم من المحاورات والمناقضات حربا وسلما؛ والتّعويل من ذلك على الأشعار البديعة التي اختارها العلماء بها،

فتمسّكوا بأوتادها وتعلّقوا بسببها، والأمثال الغريبة التي انتقوها، ودوّنوها ورووها، واستيضاح القسمين واستكشاف غوامضهما، واستظهار النّوعين واستمطار عوارضهما، والاطّلاع على خطب البلغاء، ورسائل الفصحاء، وما وقع لهم في مخاطباتهم، ومكاتباتهم، والعلم بأيّام العرب وحروبهم، وما كان من الوقائع بين قبائلهم وشعوبهم، والنّظر في التّواريخ وأخبار الدّول الماضية، والقرون الخالية، وسير الملوك وأحوال الممالك، ومعرفة مكايدهم في الحرب المنقذة من المهاوي والمنجية من المهالك، مع سعة الباع في اللّغة التي هي رأس ماله، وأسّ مقاله، وكنزه المعدّ للإنفاق، ومعينه بل مغيثه وقت الضّرورة على الإطلاق، والنّحو الذي هو ملح كلامه، ومسك ختامه، والتّصريف الذي تعرف به أصول أبنية الكلمة وأحوالها، وكيفيّة التّصرّف في أسمائها وأفعالها، وعلوم المعاني والبيان والبديع التي هي حلية لسانه، وآية بيانه، ومعرفة أبوابها وفصولها، وتحقيق فروعها وأصولها: من الفصاحة وطرائقها، والبلاغة ودقائقها، واختيار المعاني وترتيبها، ونظم الألفاظ وتركيبها، والفصل والوصل ومواقعهما، والتّقديم والتّأخير ومواضعهما؛ ومواطن الحذف والإضمار، وحكم الرّوابط والأخبار، وغير ذلك من الحقيقة والمجاز، والبسط والإيجاز، والحلّ والعقد، وتمييز الكلام جيّده من رديّه بصحّة النّقد، مع معرفة أنواع البديع وطرائقها، والاطّلاع على غوامض أسرارها وفرائد دقائقها. على أن آكد شيء يجب تحصيله قبل كلّ حاصل، ويستوي في الاحتياج إلى معرفته المفضول من الكتّاب والفاضل، العلم بالخطّ وقوانينه: من الهجاء والنّقط والشّكل، والفرق بين الضّاد والطّاء المتخالفين في الصّورة والشّكل، مع المعرفة بآلات الكتابة وصفاتها، وتباين أنواعها واختلاف صفاتها. هذه أصوله التي يبنى عليها، وقواعده التي يرجع إليها؛ فإذا أحاط بهذه الفنون علما، وأتقنها فهما، غزرت عنده الموادّ، واتّضحت له الجوادّ،

فأخذ في الاستعداد، وسهل عليه الاستشهاد؛ فقال عن علم وتصرّف عن معرفة واستحسن ببرهان، وانتقد بحجّة وتخيّر بدليل وصاغ بترتيب وبنى على أركان، واتّسع في العبارة مجاله، وفتح له من باب الأوصاف أقفاله، وتلقّى كلّ واقعة بما يماثلها، وقابل كلّ قضيّة بما يشاكلها، وعلم المجيد فنسج على منواله، وظهر له القاصر فأعرض عن أقواله، وحصل له القوّة على فهم الخطاب، وأنشأ الجواب بحسب الوقائع والأعراض، على طبق المقاصد والأغراض؛ ومتى أخلّ بشيء من ذلك فاتته الفضائل، وعلقت به الرذائل، وقلّت بضاعته، ونقصت صناعته، وساءت آثاره، وقبحت أخباره؛ وخلط الغرر بالعرر، ولم يميّز بين الصّدف والدّرر، فأخرج الصّنعة عن أماكنها، وطمس من الكتابة وجوه محاسنها، فجرّ اللّوم إلى نفسه، وأمسى مهزأة لأبناء جنسه. ووراء ذلك علوم هي كالنافلة للكاتب، والزّيادة للرّاغب: منها ما تكمل به صناعته، وتعظم به مكانته: كعلم الكلام، وأصول الفقه وسائر الأحكام، والمنطق والجدل، وأحوال الفرق والنّحل والملل، وعلم العروض والميزان المحكم، وعلم القوافي وحلّ المترجم؛ والحساب المفتوح وما يترتّب عليه من المعاملة، وما تستخرج به المجهولات: من حساب الخطأين والدّرهم والدّينار والجبر والمقابلة، وحساب الدّور والوصايا، والتّخت والميل وما لأعماله على غيرها من المزايا، والعلم بالفلاحة، وأحوال المساحة، وعلم عقود الأبنية والمناظر المحقّقة، ومراكز الأثقال والمرايا المحرقة، وعلم جرّ الأثقال الأبيّة، والعلم بالآلات الحربيّة، وعلم المواقيت والبنكامات «1» ، والتّقاويم

والزّيجات، وعلم تسطيح الكرة والتّوصّل بها إلى استخراج المطالب الفلكيّة، وكيفية الأرصاد وأحكام النّجوم والآلات الظّلّيّة، وعلم الطّبّ والبيطرة، وأحوال سائر الحيوان وعلم البيزرة «1» . ومنها ما تكمل به ذاته، وتتمّ به أدواته، كعلم التّعبير وعلم الأخلاق وعلم السّياسة، وعلم تدبير المنزل وعلم الفراسة، وغير ذلك من العلوم التي أضربنا عن ذكرها خشية الإطالة، وأعرضنا عن إيرادها خوف الملالة؛ فهذه علوم فضلة يعظم بعلمها أمره، وفضيلة يرتفع بتحصيلها ذكره؛ بل لا يستغني عن العلم برؤوس مسائلها، وإشارات أربابها الآخذة من بحارها بأطراف سواحلها؛ على أنّه قد ترد عليه أوقات لا يسعه جهل ذلك فيها، وتمرّ عليه أزمان يودّ لو تشترى فيشتريها. قلت: قد بانت لي علومها، فما رسومها؟ قال: إن أعباءها لباهظة حملا، وإنها لكبيرة إلّا «2» ؛ ولكن سأحدث لك مما سألت ذكرا، وأنبّئك بما لم تحط به خبرا. فمن ذلك: المعرفة بالولايات ولواحقها، على اختلاف مقاصدها وتباين طرائقها، من البيعات وأحكامها، والعهود وأقسامها، والتّقاليد وصفاتها، والتّفاويض ومضاهاتها، والمراسيم وأوضاعها، والتّواقيع

وأنواعها، والخطب ومناسباتها، والوصايا ومطابقاتها، ثم العلم بالمناشير ومراتبها، والمربّعات الجيشيّة «1» ومعايبها، ومعرفة رتب المكاتبات وطبقاتها، ومن يستحقّ من الرّتب أدناها أو يستوجب الرّفع إلى أعلى درجاتها: من المكاتبات الصادرة عن الأبواب الشريفة الخليفتيّة، والمكاتبات الواردة عليها وعلى أرباب المناصب من سائر الآل والعترة النّبويّة، وملوك المسلمين والقانات، وملوك الكفر وأرباب الدّيانات، وأهل المملكة من النّوّاب والكشّاف والولاة، والأمراء والوزراء والعربان والقضاة، وسائر حملة الأقلام، وأهل الصّلاح وبقيّة الأعلام، ونساء الملوك والخوندات «2» ، ومكاتبات التّجّار وما عساه يطرأ من المكاتبات المستجدّات، وكتب البشرى بوفاء النّيل والقدوم من الغزو والسّفر، واسترهاف العزائم، والبطائق المحمولة على أجنحة الحمائم، والملطّفات التي يضطرّ إليها، ويعوّل في الأمور الباطنة عليها، وأوراق الجواز في الطّرقات، والإطلاقات في التّسفير والمثالات المطلقات، ومعرفة الأوصاف التي يكثر في المكاتبات تكرارها، ويتّسق في جيد المراسلات إيرادها وإصدارها: كوصف الأنواء والكواكب، والأفلاك العليّة المراتب، والآلات الملوكية الجليلة المقدار، والسّلاح وآلات الحصار، والخيل المسوّمة، والجوارح المعلّمة، وجليل الوحش وسباعه، وطير الواجب «3» وأتباعه، والأمكنة والرّياض، والمياه والغياض، وغير ذلك مما يعزّ ويغلو، ويرتفع ويعلو؛ وإخوانيّات المكاتبات وطبقاتها، وتميز كلّ طبقة منها عن أخواتها، وما تشتمل عليه من الابتداء والجواب، والتّشوّق والعتاب، والتّرفّق والاعتذار، والشّفاعة وطلب

الصّفح والعفو عند الاقتدار، والتّهاني والتّعازي، وما يكتب مع الهديّة ويجاب عنها من المجازيّ وغير المجازي. وغير ذلك من مقاصد المكاتبات التي يتعذّر حصرها، ويمتنع على المستقصي ذكرها؛ ومعرفة الطّغراة «1» والطّرّة والعنوان والتّعريف، والعلامة في الكتب على أماكنها الفارقة بين انحطاط القدر والتّشريف، وتتريب الكتاب وطيّه وختمه، وتعمية ما في الكتب بضرب من الحيلة وإخفاء ذلك وكتمه، ونسخ الأيمان التي يستحلف بها، ويتمسّك للوفاء بسببها، كيمين البيعة العامّة للموافق والمخالف، وما يختصّ من ذلك بالنّوّاب وأرباب الوظائف، وأيمان أصحاب البدع والأهواء، وأهل الملل والحكماء، وكتابة الهدن والمواصفات، والأمانات والدّفن والمفاسخات، ومعرفة الأسماء والكنى والألقاب، وبيان المستندات ومحلّها المصطلح عليه بين الكتّاب؛ وكتابة التّاريخ وما أخذت به كلّ طائفة وثابت إليه تمسّكا، وما يفتتح به في الكتابة تيمّنا ويختتم به تبرّكا؛ ومعرفة قطع الورق: من كامل البغداديّ والشّاميّ والثّلثين والنّصف والثّلث والمنصوريّ والعادة، ومن يستحقّ من هذه المقادير أعلاها أو يوقف به مع أدنى رتبها من غير زيادة؛ والأقلام المناسبة لهذه الأقدار، من الرّقاع والتّواقيع والثّلث ومختصر الطّومار؛ والعلم بالأوضاع وكيفية الترتيب، ومقادير البياض ومباعدة ما بين السّطور والتقريب؛ ومعرفة الرّزاديق «2» وقطّانها، والنّواحي والبلدان وسكّانها،

والأمم وممالكها، وطرق الأقاليم ومسالكها، ومراكز البريد ومسافاتها، وأبراج الحمام ومطاراتها، وهجن الثّلج والسّفن المعدّة لنقله، والمحرقات المؤدّية إلى اجتياح العدوّ وتفريق شمله، والمناور وأماكنها، والقصّاد ومكامنها. هذه رسومها على سبيل الإجمال، والإشارة إلى مصطلحاتها بأخصر الأقوال. واعلم أنّ حسن الخطّ من الكتابة واسطة عقدها، وقوّة الملكة على السّجع والازدواج ملاك حلّها وعقدها، على أنّ خير الخطّ ما قري، وأحسن السّجع ما سلّم من التّكلّف وبري؛ وللكتّاب في بحر الكتابة سبح طويل، وتفنّن يسفر عن كلّ وجه جميل. قلت: فهل لهذه الرّتبة الرّئيسة، والمنقبة النّفيسة، سمط يلمّها، أو سلك يضمّها؟ فقال: سبحان الله: إن بيتها لأشهر من «قفانبك» «1» ، وأظهر للعيان من شامخات جبال النّبك «2» ؛ أيخفى من البدر ضوءه الباهر، ونوره الزّاهر؟ إن ذلك لقاصر على «آل فضل الله» «3» حقّا، ومنحصر في المقرّ

البدريّ صدقا؛ فهو قطبها الذي تدور عليه، وابن بجدتها التي ترجع في علومها ورسومها وسائر أمورها إليه، فلو رآه «الفاضل عبد الرحيم» «1» لم ير لنفسه فضلا ولا رضي لفيه مقالا، أو عاينه «عبد الحميد الكاتب» لقال: هكذا هكذا وإلّا فلا لا، أو عاصره «قدامة» «2» لجلس قدّامه، أو أدركه «ابن قتيبة» لاتّخذه في «أدب الكاتب» شيخه وإمامه، أو بصر به «الصّابيّ» «3» لصبا إليه ومال، أو قارن زمانه «الحسن بن سهل» بل «الفضل» أخوه لأقام ببابه وما زال، أو جنح «ابن العديم» «4» إلى مناوأته لأدركه العدم، أو جرى «الصاحب ابن عبّاد» في مضمار فضله لكبا وزلّت به القدم، أو اطّلع «ابن مقلة» «5» على حسن خطّه لقال: هذا هو الجوهر الثّمين، أو نظر «ابن هلال» «6» إلى بهجة رونقه لقال: إنّ هذا لهو الفضل المبين؛ إن تكلّم نفث سحرا، أو كتب خلت زهرا أو تخيّلت درّا. يؤلّف اللّؤلؤ المنثور منطقه ... وينظم الدّرّ بالأقلام في الكتب! قد علا نسبا، وفاق حسبا، وورث الفضل لا عن كلالة، واستحقّ الرّتبة بنفسه وإن كانت له بالأصالة: فحيّهلا بالمكرمات وبالعلى ... وحيّهلا بالفضل والسّؤدد المحض!

فلما سمعت ذلك زال عنّي الإلباس، وقلت: ذلك من فضل الله علينا وعلى النّاس. ثم قلت: أقسمت عليك بالذي تشير إليه، إلا تدلّني عليه، فقال: إنّه صفيّ الملك ونجيّه، وكاتب سرّه ووليّه، والقريب منه إذا بعدوا، والمخصوص بالمقام إذا طردوا، والموجّه إليه الخطاب إذا حضروا، والمستأثر بالورود إذا صدروا، والمتكلّم بلسان الملك إذا سكتوا، والناطق بفصل الخطاب إذا بهتوا، والصّائل بحسام لسانه وخطّيّ «1» قلمه، والحامي الممالك بجيوش سطوره وجند كلمه، والمشتّت شمل العدوّ ببديع ألفاظه ودقيق حكمه، والحائز قصب السّبق بكرم فضله وفضل كرمه، والمروي ظمأ الوافدين إليه بواكف وبله وفائض ديمه، والمجلي غياهب الظّلم بنيّر بدره ومضيء أنجمه: فما زال بدرا في سماء سيادة ... يشار إليه في الورى بالأنامل بسيط مساعي المجد يركب نجدة ... من الشّرف الأعلى وبذل الفواضل إذا سال أعيى السّامعين جوابه ... وإن قال لم يترك مقالا لقائل قلت: حسبك! قد دلّني عليه عرفه، وأرشدني إليه وصفه، وبان لي محتده الفاخر وحسبه الصّميم، وعرفت أصله الزّاكي وفرعه الكريم، ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ* «2» . ثم عرّجت إلى حماه، وملت إلى حيّه كي أراه، فإذا به قد برز تتلألأ أنواره، وتشرق بالجلالة أقماره؛ قد علته الهيبة وغشيته السّكينة وحفّته الرياسة وجلّلته السعادة، وحكمت بعزّ منال قدره الأقدار كما اقتضته الإرادة.

فلما رأيته استصغرت الرّتبة مع شرفها الباذخ في جانبه، وعلمت أن ما تقدّم من المدح لم يوفّ حقّه ولم يقم ببعض واجبه؛ فغلبت هيبته إقدامي، وحالت حرمته بيني وبين مرامي، فقلت: إنا لله! قد فاتتني مآربي، ورجعت من فوري إلى صاحبي، فأظهرت له الأسف، وقصصت عليه القصّة قال: لا تخف؛ إنها لمنقبة عمريّة، وأثرة عدويّة؛ فالفاروق جدّه، وبنو عديّ قبيله وجنده «1» . هذا وإنّه لألطف وأرقّ من النّسيم السّاري، والماء الجاري، وأحيى من العذراء في خدرها، وأشفق من الوالدة إذا ضمّت ولدها إلى صدرها، وأحلم من «معن بن زائدة» ، وإن كان أفصح من «قسّ بن ساعدة» . يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فلا يكلّم إلا حين يبتسم! بالعزائم الفاروقيّة فتحت الأمصار، وبالهيبة العمريّة أقرّ المهاجرون والأنصار؛ ويشهد لذلك قصّة «ابن عبّاس» في العول «2» وسكوته في خلافة عمر وصمته، وجوابه بعد ذلك للقائل له: هلّا قلت ذلك في زمن عمر؟ بقوله: إنّه كان مهيبا فهبته؛ كيف؟ وما سلك فجّا إلا وسلك الشّيطان فجّا غير فجّه وضاقت عليه الفجاج، ولم تماثل هيبته بهيبة غيره وإن عظمت سطوته حتى قال الشّعبيّ: إن درّة «3» عمر لأهيب من سيف الحجّاج؛ وهو مع ذلك يلطف بالأرامل والمساكين، ويعين الفقراء والمحتاجين؛ فقد اتضحت لك القضيّة، وتحقّقت أنها سمات إرثيّة.

فعند ذلك ذهب روعي، وقوي روعي «1» ؛ وقلت: فهل له أتباع من الكتّاب فأتعلق بحبالهم، وأتأسّى بهم في أقوالهم وأفعالهم؟ لكي أتّسم بسمة الكتّاب، وأثبت في جملة غلمان الباب، قال: أجل! رأس الدّست الشريف صنوه الكريم، وقسيمه في حسبه الصّميم؛ به شدّ عضده، وقوي كتده «2» ، فاجتمع الفضل له ولأخيه، وورثا سرّ أبيهما «والولد سرّ أبيه» ؛ ثم كتّاب ديوان الإنشاء جنده وأتباعه، وأولياؤه وأشياعه؛ وكتّاب الدّست منهم أرفع في المقام «3» ، وكتّاب الدّرج أجدر بالكتابة وصنعة الكلام. قلت: القسم الثاني أليق بمقداري، وأقرب إلى أوطاري؛ ثم ودّعت صاحبي شاكرا له على صنيعه وحامدا له على أدبه، وتركته ومضيت وكان ذلك آخر العهد به؛ ثم عدت إليه هو فرفعت إليه قصّتي، وسألته الإسعاف بإجابة دعوتي، فقابلها بالقبول، وأنعم بالمسؤول، وقرّرني في كتابة الدّرج الشّريف، واكتفى بالعرف عن التّعريف؛ وطابق الخبر الخبر، واستغنيت بالعيان عن الأثر؛ ثم قمت عجلا، وأنشدت مرتجلا: إذا ما بنو الفاروق في المجد أعرقوا، ... ونالوا بفضل الله ما لا كمثله وجلّت دجى الظّلماء أنوار بدرهم، ... وعمّت بقاع الأرض أنواء فضله تعالت ذرى العلياء فيهم وأنشدت: ... أبى الفضل إلّا أن يكون لمثله! ثم تشرفت بتقبيل يده، ومضيت إلى ما أنا بصدده؛ قد منعتني هيبتي من اللّياذ به والقرب إليه، وصيّرت عاطر مدحي وخالص أدعيتي وقفا عليه؛

وصرت إلى الدّيوان، فوجدت قوما قد حفّهم الحسن وزانهم الإحسان؛ فقلت: الحمد لله! هؤلاء فتية ذاك الكهف بلا امتراء، وأشبال ذاك الأسد من غير افتراء؛ فجلست جلوس الغريب، وأطرقت إطراق الكئيب؛ إذ كنت في هذه الصّنعة عصاميّا لا عظاميّا «1» ، ومتهما لا تهاميّا؛ غير أني تعلقت منها بحبال القمر، واستوقدت نارها من أصغر الشّرر؛ فتلقّوني بالرّحب، وأحلّوني من ديوانهم بالمكان الرّحب، وقابلوني بالجميل قبل المعرفة، وعاملوني بالإحسان والنّصفة. فلما رأيت ذلك منهم حمدت مسراي، وشكرت مسعاي، ودعوت لصاحبي أوّلا إذ حبّب صنعتهم إليّ وشاقني، ودلّني عليهم وساقني. ولما تحققت أني قد أثبتّ في ديوانه، وكتبت من جملة غلمانه، رجعت القهقرى عن طلب الكسب، واستوى عندي المحل والخصب، واكتفيت بنظري إليه عن الطّعام والشّراب، وتيقّنت أن نظرة منه إليّ ترقّيني إلى السّحاب، وتلوت بلسان الصّدق على الملإ وهم يسمعون: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ «2» . وفيما تضمّنته هذه المقامة من فضل الكتابة وشرف الكتّاب مقنع من غيرها، ومغن عن سواها، والحمد لله والمنّة. وهذه نسخة مقامة أنشأها أبو القاسم الخوارزميّ في لقائه لأديب يعرف بالهيتيّ، وانقطاعه في البحث، وغلبة الخوارزميّ له. أوردها ابن حمدون في «تذكرته» وهي: وصيّة لكلّ لبيب، متيقّظ أريب، عالم أديب، يكره مواقف السّقطات،

ويتحفّظ من مصادف الغلطات، ويتلطّف من مخزيات الفرطات، أن يدّعي دون مقامه، ويقتصر من تمامه، ويغضّ من سهامه، ويظهر بعض شكيمته، ويساوم بأيسر قيمته، ويستر كثيرا من بضاعته، ويكتم دقيق صناعته، ولا يبلغ دقيق غاية استطاعته، وأن يعاشر الناس بصدق المناصحة، وجميل المسامحة، وأن لا يحمله الإعجال بما يحسنه، على الازدراء بمن يستقرنه، والافتراء على من يعترضه ويلسنه، ليكون خبره أكثر من خبره، ونظرته أروع من منظره، ويكون أقرب من الاعتذار، وأبعد من الخجلة والانكسار. فليس الفتى من قال: إنّي أنا الفتى ... ولكنّه من قيل: أنت كذلكا وكم مدّع ملكا بغير شهادة ... له خجلة إن قيل: أن لست مالكا! ولقد نصرت بالاتّضاع، على ذي نباهة وارتفاع؛ وذلك أني أصعدت في بعض الأعوام، مع جماعة من العوام؛ بين تاجر وزائر، إلى العزل والحائر «1» ، حتّى انتهينا إلى قرية شارعة، آهلة زارعة، وما منّا إلا من أملّته السّمريّة «2» فاعترضته، وأسقمته وأمرضته، وفتّرته فقبضته، وكثر منا الجؤار، واستولى علينا الدّوار، فخرجنا منها خروج المسجون، وقد تقوّسنا تقوّس العرجون، فاسترحنا بالصّعود، من طول القعود: كأنّنا الطّير من الأقفاص ... ناجية من أحبل القنّاص طيّبة الأنفس بالخلاص ... منفضات الرّيش والنّواصي! فما استتمّت الرّاحة، ولا استقرّت بنا الرّاحة، حتى وقف علينا واقف، وهتف بنا هاتف: أيّكم الخوارزميّ؟ فقالوا له: ذلك الغلام المنفرد، والشّابّ المستند؛ فأقبل إليّ، وسلّم عليّ، وقال: إن النّاظر يستزيرك، فليعجّل إليه مصيرك؛ فقمت معه، يتقدّمني وأتبعه، حتّى انتهى بي إلى جلّة من

الرجال، ذوي بهاء وجلال، وزينة وجمال، من أشراف الأمصار، وأعيان ذوي الأخطار؛ من أهل واسط وبغداد، والبصرة والسّواد. ترى كلّ مرهوب العمامة لاثما ... على وجه بدر تحته قلب ضيغم! فقام إليّ ذو المعرفة لإكرامه، وساعده الباقون على قيامه، وأطال في سؤاله وسلامه؛ وجذبوني إلى صدر المجلس فأبيت، ولزمت ذناباه واحتبيت؛ وأخذوا يستخبروني عن الحال، والمعيشة والمال، وداعية الارتجال، وعن النّيّة والمقصد، والأهل والولد، والجيران والبلد. وما منهم إلا حفيّ مسائل ... وواصف أشواق ومثن بصالح ومستشفع في أن أقيم لياليا ... أروح وأغدو عنده غير بارح ثم قال قائلهم: هل لقيت عين الزّمان وقلبه، ومالك الفضل وربّه، وقليب الأدب وغربه، إمام العراق، وشمس الآفاق؟. فقلت: ومن صاحب هذه الصّفة المهولة، والكناية المجهولة، فقالوا: أو ما سمعت بكامل هيت، ذي الصّوت والصّيت؟: ذاك الذي لو عاش [دهرا] «1» إلى ... زمانه ذا وابن صوحان وابن دريد وأبو حاتم ... وسيبويه وابن سعدان وعامر الشّعبيّ وابن العلا ... وابن كريز وابن صفوان قالوا مجاب كلّهم: إنّه ... سيّدنا، أو قال: غلماني. فقلت لهم: قد قلّدتّم المنّة، وهيّجتم الجنّة، إلى لقاء العالم المذكور، والسّيّد المشهور، وقد كانت الرياح تأتيني بنفحات هذا الطّيب، وهدر هذا

الخطيب؛ فالآن لا أثر بعد عين، سأصبّح لأجله عن سرى القين، اغتناما للفائدة، والنّعم الباردة، ووجدانا للضّالّة الشّاردة. أين أمضي وما الذي أنا أبغي ... بعد إدراكي المنى والطّلابا؟ فإذا ما وجدت عندكم العلم ... قريبا فما أريد الثّوابا اذهبوا أنتم فزوروا عليّا: ... لأزور الهنيتيّ «1» والآدابا لن أبالي إن قيل الخوارز ... ميّ أخطا فعله أو أصابا! فقالت الجماعة: بل أصبت، ووجدت ما طلبت؛ وقديما كنا ننشر أعلاقك، ونتمنّى اتّفاقك، ونتداول أوصافك، ونحب مضافك؛ ونكبر لديه ذكرك، ونعظّم لديه قدرك، فيتحرّك منك ساكنه، وتتقلقل بك أماكنه، ونسأل الله سبحانه أن يجمع بينك وبينه بمحضرنا، وتلامح عينك عينه بمنظرنا، ويلتفّ غبارك بغباره، ويمتزج تيّارك بتيّاره، ويختلط مضمارك بمضماره، فيعرف منكما السّابق والسّكيت، والسّوذانق والكعيت «2» ، ويتبيّن من الذي يحوي القصب؛ فإنكما كما قال الشاعر: هما رمحان خطّيّان كانا ... من السّمر المثقّفة الصّعاد تهال الأرض أن يطا عليها ... بمثلهما نسالم أو نعادي! فقال [بعض الجماعة] «3» لقد تنكّبتم الإنصاف، وأخطأتم الاعتراف، وأبعدتم القياس، وأوقعتم الالتباس؛ أين ابن ثلاثين، إلى ابن ثمانين؟ وابن اللّبون، من البازل الأمون «4» ؟ والرّمح الرّازح، من الجواد القارح، والكودن المبروض «5» ، من المجرّب المروض.

وابن اللّبون إذا ما لزّ في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس «1» ! كم لديهم بطائح وسباخ، وساكن صرائف وأكواخ، بين يديه سوادية أنباط، وعلوج أشراط، ورعاع أخلاط، وسفل سقّاط، في بلدة إن رأيت سورها، وعبرت جسورها، صحت: واغربتاه، وإن رأيت وجها غريبا ناديت: واأبتاه؛ لا أعرف غير النّبطيّة كلاما، ولا ألقى سوى والدي إماما، في معشر ما عرفوا التّرحال، ولا ركبوا السّروج والرّحال، ولا فارقوا الجدار والطّلال. أولئك معشر كبنات نعش «2» ... خوالف لا تغور مع النّجوم! [فأنّى له] «3» بمصاولة رجل جوّال، رحّال حلّال، بهيت وضع، وبالكوفة أرضع، وببغداد أثغر، وبواسط أحفر، وبالحجاز وتهامة فطامه، وبمصر والمغرب كان احتلامه، وبنجد والشّام بقل عارضه، وباليمن وعمان قويت نواهضه، وبخراسان بلغ أشدّه، وببخارى وسمرقند تناهى جدّه، وبغزنة والهند شاب واكتهل، ومن سيحون وجيحون علّ ونهل، وبميسان والبصرة عوّد وقرح، وبالجبال جله وجلح «4» ؛ فهو يعدّ «المازنيّ» إمامه، وابن «جنّيّ» غلامه، و «المتنبّي» من رواته، و «المعرّي» حامل دواته، و «الصّابي» باري قلمه، و «الصّاحب» رافع علمه، و «ابن مقلة» من ناقلي غاشيته، «وبني أبي حفصة» بعض حاشيته، وقد قرأ الكتب وتلاها، وحفظ العلوم ورواها، ودرس الآداب ووعاها، ودوّن الدّواوين وألّفها، وأنشأ

الحكم وصنّفها، وفصّل المشكلات وشرحها، وارتجل الخطب ونقّحها؛ فهو البحر المورود، والإمام المقصود، والعلم المصمود، هذا بون ومرتقى شديد. أتلقون بالأعزل الرّامحا ... وبالأكشف الحاسر الدّارعا وبالكودن السّابق السّابحا ... وبالمنجل الصّارم القاطعا؟ فما استتم كلامه حتى أقبل: فإذا نحن به قد طلع مهرولا، وأقبل مستعجلا، فرأيت رجلا أجلح، أهتم أفلح، أفلح أردح، طويلا عنطنط، يحكي ذئبا أمعط، أجمع أحبط «1» ، فتلقّوه معظّمين، وله مفخّمين، فقصد في المجلس صدره، وأسند إلى المخدّة ظهره؛ فما استقرّ به المكان، حتى قيل له: هذا فلان؛ فقبض من أنفه، ونظر إليّ بشطر من طرفه، وقال ببعض فيه؛ هلمّوا ما كنتم فيه، تعسا للشّوهاء وجالبيها، والقرعاء وحالبيها: جاء زيد مجرّرا رسنه ... فحل لا يمنعه سننه «2» (؟) أحبّه قومه على شوق ... إن القرنبى في عين أمّها حسنة «3» ! كان لنا شيخ بالأنبار، كثير الأخبار، قد بلغ من العمر أملاه، ومن السّنّ أعلاه، قرأت عليه جميع الكتاب، وعلم الأنساب، و «مسائل ابن السّرّاج» ، و «ديوان ابن العجّاج» ، و «كتاب الإصلاح» ، و «مشروح الإيضاح» ، وشعر الطّرمّاح، و «العين» للفرهودي، و «الجمهرة» للأزدي؛ وأكثر من المصنّفات، المجهولات والمعروفات؛ ينفخ في شقاشقه، ويزبد في بقابقه،

ويتعاظم في مخارقه؛ وجعل القوم يقسمون بيننا الألحاظ، ويحسبون الألفاظ؛ وما منهم إلا من اغتاظ لسكوتي وكلامه، وتأخّري وإقدامه. ثم هذى الشيخ إذ وصف له رجل على الغيب ثم رآه، فاحتقره وازدراه؛ وأنشد متمثّلا: لعمر أبيك تسمع بالمعيدي «1» ... بعيد الدّار خير أن تراه فقال: هذا المعيديّ هو ضمرة، بن ضمرة بن جابر، بن قطن، بن نهشل، بن دارم، بن مالك، بن حنظلة، بن مالك، بن زيد مناة، بن تميم، ابن مرّة، بن أدّ، بن طابخة، بن اليأس، بن مضر، بن نزار، بن معدّ، بن عدنان. والمعيديّ تصغير معديّ؛ وهو الذي قالت فيه نادبته: أنعى الكريم النّهشليّ المصطفى ... أكرم من خامر أو تخندفا! فقلت: ما بعد هذا المقال، وجه للاحتمال، وما يجب لي بعد هذه المواقحة، غير المكافحة، ولم يبق لي بعد المغالبة، من مراقبة: ما علّتي وأنا جلد نابل «2» ... والقوس فيه وتر عنابل تزل عن صفحته المعابل! ... ما علتي وأنا [رجل] جلد والقوس فيه وتر عردّ

مثل ذراع البكر أو أشدّ «1» فعطفت عليه عطف الثّائر العاسف، والتفتّ إليه التفات الطّائر الخاطف، فقلت له: يا أخاهيت، قد قلت ما شيت، فأجب الآن إذا دعيت، والزم مكانك، وغضّ عنانك، وقصّر لسانك؛ إنّ نادبة ضمرة خندفته، لمّا وصفته، وما سمعت في نسبتك إياه لخندف ذكرا، فأبن عن ذلك عذرا؛ فقال: إن خندف هي امرأة اليأس بن مضر، غلبت على بنيها فنسبوا إليها، كطهيّة ومزينة، وبلعدويّة وعرينة، والسّلكة وجهينة، وندبة وأذينة، وكشبيب ابن البرصاء وابن الدّعماء. فقلت له: سئلت، فأجبت وأصبت؛ فأخبرني عن خندف هل هو اسم موضوع، أو لقب مصنوع؟؛ فوقف عند ذلك حماره، وخمدت ناره، وركد جريانه، وسكن هذيانه، وفتر غليانه، وظهر حرانه، وذلّ وانقمع، وانطوى واجتمع، فاضطّرّه الحياء، وألجأه الاستجداء، إلى أن قال وهو يخفي لفظه، ويطرق لحظه: أظنّه لقبا. فقلت: هو كما ظننت فما معناه وما سببه؟ وكيف كان موجبه؟ فلم يجد بدّا من أن يقول: لا أدري، فقال وقد أذقته مرّ الإماتة، وأحسّ من القوم بتظاهر الشّماتة: وودّ بجدع الأنف لو أنّ صحبه ... تنادوا وقالوا في المناخ له: نم! ثم أقبلوا إليّ، وعكفوا عليّ، بأوجه متهلّلة، وألسنة متوسّلة؛ في شرح الحال، والقيام بجواب السّؤال، فقلت: هذا بديع عجيب، أنا أسأل وأنا أجيب؛ إن اليأس بن مضر تزوّج ليلى بنت ثعلبة «2» ، بن حلوان، بن إلحاف «3» ، بن قضاعة، بن معدّ، (في بعض النّسب) ، فولد له منها: عمرو وعامر وعمير؛ ففقدتهم ذات يوم، فألحى على ليلى باللّوم، فقال: اخرجي

في أثرهم، وأتيني بخبرهم؛ فمعنت في طلبهم، وعادت بهم، فقالت: ما زلت أخندف في اتّباعهم، حتى ظفرت بلقائهم، فقال لها اليأس: أنت خندف. والخندفة في الاتّباع، تقارب الخطو في إسراع؛ وقال عمرو: يا أبتي أنا أدركت الصّيد فلويته، فقال له: أنت مدركة إذ حويته. وقال عامر أنا طبحته وشويته. فقال له: أنت طابخة إذ شويته. فقال عمير: أنا انقمعت في الخباء، فقال له: أنت قمعة للاختباء؛ فلصقت بها وبهم هذه الألقاب، وجرت بها إليهم الأنساب. فقال حينئذ: هذا علم استفدته، وفضل استزدته؛ وقد قال الحكيم: مذاكرة ذوي الألباب؛ نماء في الآداب؛ فقلت له متمثّلا. أقول له والرّمح يأطر متنه ... تأمّل خفافا: إنّني أنا ذلكا! ثم لم يحتبس إلا قليلا، ولم يمسك طويلا، حتى عاد إلى هديره، وأخذ في تهذيره، طمعا بأن يأخذ بالثّار، ويعود الفيض له في القمار، فعدل عن العلوم النّسبيّة، وجال في ميدان العربيّة، ولم يحسّ أن باعه فيها أقصر، وطرفه دون حقائقها أحسر، فقال: حضرت يوما حلبة من حلبات العلوم، وموسما من مواسم المنثور والمنظوم، وقد غصّ بكلّ خطيب مصقع، وحكم مقنّع، وعالم مصدع، ومليء من كلّ عتيق صهّال، وفتيق صوّال، ومنطيق جوّال؛ فأخذوا في فنون المعارضات، وصنوف المناقضات، وسلكوا في معاني القريض، كلّ طويل عريض، حتّى أخذ السّائل منهم بالمخنّق، ببيت [الفرزدق] «1» . وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع ... من المال إلّا مسحتا أو مجلّف «2» ! فكثر فيه الجدال، وطال المقال؛ وما منهم إلا من أجاد القياس،

وأصاب القرطاس، ووقع على الطّريق، وأتى بالتّحقيق؛ فلمّا رأيتهم في غمرتهم ساهون، وفي ضلالتهم يعمهون، «1» فناديتهم: إليّ فسارعوا، ومنّي فاسمعوا؛ فإنّي أنا ابن بجدتها، وعالم ما تحت جلدتها؛ ثم إنّي أبديت لهم سراره، وأبقيت ناره، وحللت عقده، ومخضت زبده، وأطرت لبده، وبجست حجره، وأبثثتهم عجره وبجره، فقالوا: لله أبوك! فإنّك أسبقنا إلى غاية، وأكشفنا لغياية، وأجلانا لشبهة، وأضوأنا في بدهة؛ وما أعلم اليوم على ظهرها من يقوم بعلم ما فيه، ويطّلع على خافيه. فأدركني الامتعاض، وأخذني الانتفاض، فأنشدته: من ظنّ أنّ عقول النّاس ناقصة ... وعقله زائد أزرى به الطّمع! وقلت له: ادّعيت، فوق ما وعيت؛ فأخبرني عن أوّل هذ البيت، يا مجري الكميت، وكيف ننشده: وعضّ بالفتح أو وعضّ بالضم؟ فقال: كلاهما مرويّ، فقلت: نبتديء بالفعل ثم نعود إلى الاسم ياذا الإعجاب، تهيّأ للسّائل في الجواب، وأخبرني لم فتحت آخر الماضي؟ فأسرع من غير التغاضي، وقال: لأنّه مبنيّ عليه، لا يضاف سواه إليه. فقلت: هذا جواب نعلمه، ومن صبيان المكتب لا نعدمه؛ وإنما ألتمس منك الفائدة فيها، وأطلب كشف خافيها. فقال: ما جاء عن أمّة النّحاة، وسائر الرّواة، في هذا غير ما شرحته، ولا زاد على ما أوضحته. فقلت: دع عنك هذا وأخبرني عن هذا البناء، ألعلّة أم لغيرها؟ فأقبل يتردّد ويتزحزح، ويتثاءب تارة ويتنحنح. فلما سدّ عليه من طريقه، وحصل في مضيقه، وغصّ بريقه، قال: لا أعلم!. فقالت الجماعة: أعذر إليك من ألقى سلاحه، وغضّ جماحه، ومن أدبر بعد إقباله، عدل عن قتاله: والحقّ أبلج لا يحدّ سبيله ... والحقّ يعرفه ذوو الألباب!

والآن فقد فازت قداحك، وبانت غررك وأوضاحك، وأجدت النّضال، وأدركت الخصال، فأوضح لنا عمّا سألت، وأرشدنا إلى ما دللت، لئلّا يقال: هذا بهت، ومحال بحت؛ فقلت حبّا وكرامة، اسمع أنت يا طغامة «1» ؛ إنّ الفعل من فاعله، كالولد من ناجله، لا يخلو الفعل من علامة الفاعل، في لفظ كلّ قائل، وهي الفتحة من ماضيه وواقعه، والزّوائد في مستقبله ومضارعه. وبيان ذلك: أن الفتحة لا تكون مع التاء والنون ... «2» ... فتثبت الفتحة، ثم تقول: أخرجت وأخرجنا، فتسقط ما ذكرنا، وعلامتان لمعنى محال، لا يوجبهما الحال؛ فإن كانت النون التي مع الألف ضمير المفعول عادت الفتحة، فتقول: أخرجنا الأمير، فهذا بيّن؛ فصفّقت الجماعة وسمحت، وحسنت وبحبحت؛ وجعل الأديب يضطرب اضطّراب العصفور، ويتقلّب تقلّب الصّقور، متيقّنا أن أسده صار جرذا، وبازيه عاد صردا «3» ؛ ودوره انقلبت مخشلبا «4» ، وزيتونه تحوّل عربا، وقناه تغيّر قصبا، وأن مستقيمه تعوّج؛ وجيّده تبهرج، وصحيحه تدحرج، وجديده تكرّج؛ فقال منشدهم: ترى الرّجل النّحيف فتزدريه ... وتحت ثيابه أسد مزير، ويعجبك الطّرير فتبتليه ... فيخلف ظنّك الرجل الطّرير. فما عظم الرّجال لهم بفخر ... ولكن فخرهم كرم وخير! «5» فأخذه الإبلاس «6» ، وضاقت به الأنفاس، وسكنت منه الحواسّ،

ورفضه الناس، وجعل ينكت الأرض، ويواصل بكفّه العضّ، ويتشاءم بيومه، ويعود على نفسه بلومه؛ يمسح جبينه، ويكثر أنينه؛ فقمت فقامت معي الجماعة وتركته، واستهانت به وفركته؛ فلما بقي وحده، تمنّى لحده، وأسبل دمعته، وودّ أنّ الأرض بلعته. وكان كمثل البوّ «1» ما بين روّم ... تلوذ بحقويه السّراة الأكابر فأصبح مثل الأجرب الجلد مفردا ... طريدا فما تدنو إليه الأباعر! فقام فتبعني، ووقف وودّعني، وأطال الاعتذار، وأظهر التّوبة والاستغفار، وقال: مثلك من ستر الخلل، وأقال العثرة والزّلل؛ فقد اغتررت من سنّك بالحداثة، ومن أخلاقك بالدّماثة؛ فقلت: كلّ ذلك مفهوم معلوم، وأنت فيه معذور لا ملوم؛ وما جرى بيننا فهو منسيّ غير مذكور، ومطويّ غير منشور، ومخفيّ غير مشهور: و [جدال] «2» أهل العلم ليس بقادح ... ما بين غالبهم إلى المغلوب! ثم سكت فما أعاد، ونزلت وعاد، وكان ذلك أوّل عهد به وآخره، وباطن لقاء وظاهره، وكلّ اجتماع وسائره.

الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة العاشرة (في الرسائل)

الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة العاشرة (في الرّسائل) وهي جمع رسالة، والمراد فيها أمور يرتّبها الكاتب: من حكاية حال من عدوّ أو صيد، أو مدح وتقريض، أو مفاخرة بين شيئين، أو غير ذلك مما يجري هذا المجرى. وسمّيت رسائل من حيث إنّ الأديب المنشيء لها ربّما كتب بها إلى غيره مخبرا فيها بصورة الحال، مفتتحة بما تفتتح به المكاتبات، ثم توسّع فيها فافتتحت بالخطب وغيرها. ثم الرّسائل على أصناف: الصنف الأوّل (منها الرّسائل الملوكيّة؛ وهي على ضربين) الضرب الأوّل (رسائل الغزو؛ وهي أعظمها وأجلّها) وهذه نسخة رسالة أنشأها القاضي محيي الدّين بن عبد الظّاهر، رحمه الله بفتح [الملك الظّاهر] «1» لقيساريّة من بلاد الروم، واقتلاعها من أيدي

التّتار، واستيلائه على ملكها، وجلوسه على تخت بني سلجوق، ثم العود منها إلى مملكة الدّيار المصرية؛ كتب بها إلى الصّاحب بهاء الدّين بن حنّا، وزير السلطان الملك الظاهر، ومعرفة ما كان في تلك الغزوة، وما اشتملت عليه حال تلك السّفرة؛ وهي: يقبّل الأرض بساحات الأبواب الشريفة السّيّديّة، الصّاحبية البهائيّة- لا زالت ركائب السّير تحثّ إلى أرجائها السّير، وصروف الزّمن تسالم خدّامها وتحلّ الغير بالغير، ولا برحت موطن البرّ ومعدن الجود وبحر الكرم وعكاظ الخير- وينهي بعد رفع أدعيته التي لا تزال من الإجابة محوطة، ولا تبرح يداه بها مبسوطة، أنّ العبيد من شأنهم إتحاف مواليهم بما يشاهدونه في سفراتهم من عجائب، وإطلاعهم على ما يرونه في غزواتهم من غرائب؛ ليقضوا بذلك حقوق الاسترقاق، وتكون نعم ساداتهم قد أحسنت لأفواههم الاستنطاق، ويتعرّضوا لما عساه يعنّ من مراحمهم التي ما عندهم غيرها ينفد وما عندها باق. ولمّا كان المملوك قد انتظم في سلك الخدم والعبيد، وأصبح كم له قصيد في مدح هذا البيت الشّريف كلّ بيت منها بقصيد بيت القصيد، وأنّ في مآثره الرّسائل التي قد شاعت، وضاعت نفحاتها في الوجود وكم رسالة غيرها في غيره ضاعت- رأى أن يتحف الخواطر الشّريفة من هذه الغزوة بلمح يختار منها من يؤلّف، ويسند إليها من يؤرّخ أو يصنّف؛ وإنّما قصد أن يتحف بها أبواب مولانا مع بسط القول واتّساع كلماته، لأن الله قد شرّف المملوك بعبوديّة مولانا: واللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ «1» . فإن كان المملوك قد طوّل في المطارحة، فمولانا يتطوّل في المسامحة؛ وإن قال أحد: هذا هذى، فما زال شرح الوقائع مطوّلا كذا؛ وتالله ما ورّخ مثلها في التواريخ

الأوّل، ولعمري إنّ خيرا من سيرة ذلك البطّال سيرة هذا البطل، والأمر أعلى في قراءتها واستماعها، والتّمهّل في حجلها حتّى تسفر حسن نقابها وترفع مسدول قناعها،....... «1» ..... قد أحاطت العلوم الشريفة بالعزمات الشّريفة السّلطانية، وأنها استصحبت ذلك، حتى تصفّحت المهالك؛ وسرنا لا يستقرّ بنا في شيء منها قرار، ولا يقتدح من غير سنابك الخيل نار، ولا نمرّ على مدينة إلا مرور الرّياح على الخمائل في الأصائل والأبكار، ولا نقيم إلا بمقدار ما يتزيّد الزّائر من الأهبة، أو يتزوّد الطائر من النّغبة؛ نسبق وفد الرّيح من حيث ننتحي، وتكاد مواطيء خيلنا بما تسحبه أذيال الصّوافن تمتحي، تحمل همنا الخيل العتاق، ويكبو البرق خلفنا إذا حاول بنا اللّحاق، وكلّ يقول لسلطاننا نصره الله: أين أزمعت أيّهذا الهمام؟ ... نحن نبت الرّبا وأنت الغمام! ومرّ لا يفعل السّيف أفعاله، ولا يسير في مهمه إلا عمّه ولا جبل إلا طاله: تسايره السّواري والغوادي، ولا ينفكّ الغيث من انسكاب في كلّ ناد ووادي: فباشر وجها طالما باشر القنا ... وبلّ ثيابا طالما بلّها الدّمّ! وكان مولانا السّلطان من حلب قد أمر جميع عساكره بادّراع لامات حربهم، وحمل آلات طعنهم وضربهم: فجاز له حتّى على الشّمس حكمه ... وبان له حتّى على البدر ميسم يمدّ يديه في المفاضة ضيغم ... وعينيه من تحت التّريكة أرقم! ورحلوا من حلب في يوم الخميس ثاني ذي القعدة جرائد على الأمر

المعهود، قد خففوا كلّ شيء حتّى البنود والعمود، فسرنا في جبال نشتهي به سلوك الأرض، وأودية تهلك الأشواط فيها إذا ملئت الفروج من الرّكض. نزور ديارا ما نحبّ مغناها، ولا نعرف أقصاها من أدناها، واستقبلنا الدّرب فكان كما قال المتنبّي: رمى الدّرب بالخيل العتاق «1» إلى العدا ... وما علموا أنّ السّهام خيول شوائل تشوال العقارب بالقنا ... لها مرح من تحته وصهيل فلمّا تجلّى من دلوك وصنجة ... علت كلّ طود راية ورعيل على طرق فيها على الطّرق رفعة ... وفي ذكرها عند الأنيس خمول! ومررنا على مدينة دلوك، وهي رسوم سكّانها، ضاحكة عن تبسّم أزهارها وقهقهة غدرانها، ذات بروج مشيّدة، وأركان موطّدة، ونيران تزاويق موقدة، في عمد من كنائسها ممدّدة؛ وسرنا منها إلى مرج الدّيباج نتعادى، وذلك في ليلة ذات أندية وإن لم تكن من جمادى؛ ظلماتها مدلهمّة، وطرقاتها قد أصبح أمرها علينا غمّة؛ لا يثبت تربها تحت قدم المارّ، وكأنّما سالكها يمشي على شفا جرف هار؛ فبتنا هنالك ليلة نستحقر بالنّسبة إلى شدّتها ليلة الملسوع، وتتمنّى العين بها هجعة «2» هجوع؛ وأخذنا في اختراق غابات أشجار تخفي الرّفيق عن رفيقه، وتشغله عن اقتفاء طريقه، ينبري منها كلّ غصن يرسله المتقدّم إلى وجه رفيقه، كما يخرج السّهم بقوّة من منجنيقه؛ حولها معاثر أحجار كأنّها قبور بعثرت، أو جبال تفطّرت، بينها مخائض، لا بل مغائض، كأنّها بحار فجّرت؛ ما خرجنا منها إلا إلى جبال قد تمنطقت بالجداول وتعمّمت بالثّلوج، وعمّيت مسالكها فلا أحد إلا وهو قائل: فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ «3» أو إلى سبيل من خروج؛ تضيق مناهجها بمشي

الواحد، وتلتفّ شجراتها التفاف الأكمام على السّاعد؛ ذات أوعار زلقة، وصدور شرقة، وأودية بالمزدحمين مختنقة؛ بينما يقول منتحيها: قد نلت السّماء بسلّم من هذه الشّواهق، إذا هو متضائل «1» قد هبط في مأزق متضايق؛ لم تزل هذه الجبال تأخذنا وترمينا، وتلك المسارب تضمّنا وتلك المشارب تظمينا: تسوّد الشّمس منّا بيض أوجهنا ... و [لا] «2» تسوّد بيض العذر واللّمم ونترك الماء لا ينفكّ من سفر ... ما سار في الغيم منه سار في الأدم! حتى وصلنا الحدث الحمراء المسمّاة الآن بكينوك، ومعناها المحرقة، (كان الملك قسطنطين والد صاحب سيس قد أخذها من أصحاب الرّوم وأحرقها، وتملّكها وعمرها، بقصد الضّرر لبلاد الإسلام والتّجّار، فلما كان في سنة اثنتين وسبعين «3» وسبعمائة سيّر مولانا السلطان إليها عسكر حلب فافتتحها بالسّيف وقتل من كان بها من الرّجال وسبى الحريم والذّرّيّة، وخربت من ذلك الحين، وما بقي بها من يكاد يبين، فشاهدنا ما بنى سيف الدّولة بن حمدان منها والقنا تقرع القنا وموج المنايا حولها متلاطم، وقيل حقيقة هناك: على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وهي التي عناها أبو الطّيّب بقوله: غصب الدّهر والملوك عليها ... فبناها في وجنة الدّهر خالا فهي تمشي مشي العروس اختيالا ... وتثنّى على الزّمان دلالا!) «4»

فبتنا بها [وانثنينا] «1» وخيلنا مبثوثة فوق «الأحيدب» كما نثرت الدّراهم فوق العروس، [وحوافرها على الوكور في أعلى القنن تدوس] «2» ؛ إذا زلقت [تمشي على صلد الصفا] «3» كالأراقم على البطون، وإن تكاسلت جرّ بعضها بعضا بالصّهيل: «والحديث شجون» ؛ وخضنا في أثناء ذلك مخائض سوافح، كأنّها لأجل عوم الخيل بها سمّي كلّ منها لأجل ذلك سابح «4» ؛ كلّما قلنا: هذا بحر قد قطعناه اعترض لنا جبل، وكلّما قلنا: هذا جبل طلعناه بان لنا واد يستهان دون الهويّ فيه نفاد الأجل؛ لم نزل كذلك حتّى وصلنا كوكصوا «5» وهو النّهر الأزرق، وهو الذي ردّ الملك الكامل منه سنة الدّربندات لما قصد التّوجّه إلى الرّوم، وهذا النّهر بين [جبال هو] «6» مهوى رجامها، ومثوى غمامها، وملوى زمامها، ومأوى قتامها، فللوقت عبرناه ركضا، وأعجلت الخيل فما درت هل خاضت لجّة أم قطعت أرضا؛ [وسارت العساكر متسلّلة في تلك الجبال الشّم] «7» ووقع السّنابك يسمع من تلك الجبال الصّم؛ حتّى وصلوا إلى أقجا دربند «8» فما ثبتت يد فرس لمصافحة صفاها، ولا نعله لمكافحة رحاها، ولا رجله لمطارحة قواها؛ وتمرّنت الخيل على الاقتحام والازدحام في التّطرّق، وتعوّدت ما تعوّدته الأوعال من التّسرّب والتّسلّق، فصارت تنحطّ انحطاط الهيدب، وترتفع

ارتفاع الكوكب، وتسري سريان الخيال، وتمكّن حوافرها الجياد فتزول منها الجبال؛ حتّى حصل الخروج من منتهى أقجا دربند، وهو خناق ذلك المأزق الذي كم أمسك على طارق، وفم ذلك الدّرب الذي كم عضّت أنيابه على مساوق ومسابق، وذلك في يوم الأربعاء ثامن ذي القعدة، وبات السلطان والناس في وطأة هناك، وسمحت السّحب بما شاءت من برد وبرد، وجاءت الرّياح بما آلمت الجلد واستنفدت الجلد؛ وانتشرت العساكر في وطأة هناك حتّى ملأت المفاوز، وملكت الطّرق على المارّ وأخذتها على الجائز، وقدّم مولانا السلطان الأمير شمس الدّين سنقرا الأشقر في الجاليش «1» في جماعة من العساكر، فوقع على ثلاثة آلاف فارس من التّتار مقدّمهم كراي، فانهزموا من بين يديه، وأخذ منهم من قدّم للسّيف السلطانيّ فأكل نهمته وأسأر «2» ، واستمرّت تلك سنّة فيمن يؤخذ من التّتار ويؤسر؛ وذلك في يوم الخميس تاسع ذي القعدة. وبات التّتار على أجمل ترتيب لأنفسهم وأجمل منظر، وبات المسلمون على أتمّ تيقّظ وأعظم حذر «3» ، ولم يتحقّقوا قدوم مولانا السلطان في جيوش الإسلام، ولا أنّه حضر بنفسه النّفيسة ليقوم في نصرة دين الله «4» هذا المقام. فلمّا كان يوم الجمعة عاشر ذي القعدة تتابع الخبر بعد الخبر بأن القوم قد قربوا، وأنهم ثابوا وثبوا: وقد تمنّوا غداة الدّرب «5» في لجب ... أن يبصروه فلمّا أبصروه عموا! (وشرع مولانا السلطان فوصّى جنوده بالتّثبّت عند المصدمة،

والاجتماع عند المصادمة) «1» ورتّب جيش الإسلام اللّجب، على ما يجب، وأراهم من نور رأيه ما لا على بصر ولا بصيرة يحتجب، فطلعت العساكر مشرفة على صخرات «2» هوني من بلد أبلستين، وكان العدوّ ليلته تلك بائتا على نهر زمان، وهو أصل نهر جهان «3» ، وهو نهر جيحان المذكور في الحديث النّبويّ، وإنّما الأرمن لا تنطق بالهاء «4» . فلما أقبل الناس «5» من علو الجبل شاهدوا المغل قد ترتّبوا أحد عشر طلبا كلّ طلب يزيد على ألف فارس حقيقة، وعزلوا عسكر الرّوم عنهم خيفة منهم، وجعلوا عسكر الكرج «6» طلبا واحدا بمفرده، ولمّا شاهدوا سناجق مولانا السلطان المنصورة ومن حولها من المماليك الظاهرية، وعليهم الخود الصّفر المقترحة «7» ، وكأنّها في شعاع الشّمس نيران مقتدحة، رجعوا إلى ما كانوا عقدوا من العزائم فحلّوا، وسقط في أيديهم ورأوا أنّهم قد ضلّوا، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ* «8» وعلى الموت يتراسلون؛ فانصبّت الخيل إليهم من أعلى الجبل انصباب السّيل، وبطلت الحيلة منهم ونفي الحيل؛ فشمّروا عن السّواعد، ووقفوا وقفة رجل واحد؛ وهؤلاء المغل كان طاغية التّتار آبغا- أهلكه الله- قد اختارهم من كلّ ألف مائة، ومن كل مائة عشرة، ومن كلّ عشرة واحدا لأجل هذا اليوم، وعرفهم بسيما الشّجاعة وعرضهم لهذا السّوم؛ وكان فيهم من المقدّمين الكبار «تدلون» ؛ ومعنى هذا الاسم النفّاذ يعني أنه ما كان في عسكر قطّ إلا نفّذة، والمقدّم الآخر

(نفوا) «1» وإليه أمر بلاد الروم وعساكر المغل بها، وأرختوا أخو تدلون، وبهادر بخشى، ومن مقدّمي الألوف دنرك، وصهر آبغا، وقرالق وخواصّه: بيض العوارض طعّانون من لحقوا ... من الفوارس شلّالون للنّعم! قد بلّغوا بفناهم فوق طاقته ... وليس يبلغ ما فيهم من الهمم في الجاهليّة إلّا أنّ أنفسهم ... من طيبهنّ به في الأشهر الحرم! فعندما شاهدوا نجد الملائكة، وتحقّقوا أن نفوسهم هالكة، أخلدت فرقة منهم إلى الأرض فقاتلت، وعاجت المنايا على نفوسهم وعاجلت، وباعت نفوس المسلمين لهم وتاجرت، وكسرت وما كاسرت، وجاء الموت للعدوّ من كلّ مكان، وأصبح ما هناك «2» منهم وقد هان؛ وللوقت خذلوا وجدّلوا، ولبطون السّباع وحواصل الطّيور حصّلوا، وصاروا مع عدم ذكر الله بأفواههم وقلوبهم، يقاتلون قياما وقعودا وعلى جنوبهم، فكم من شجاع ألصق ظهره إلى ظهر صاحبه وحامى، وناضل ورامى، وكم فيهم من شهم، ما سلّم قوسه حتّى لم يبق في كنانته سهم، وذي سنّ طارح به فما طرحه حتّى تثلّم، وذي سيف حادثه بالصّقال فما جلى محادثة حتى تكلّم؛ وأبانوا عن نفوس في الحرب أبيّة، وقلوب كافرة ونخوة عربيّة، واشتدّت فرقة من العدوّ من جهة الميسرة معرّجين على السناجق الشريفة من خلفها، منقلبين بصفوفهم على صفّها: فلزّهم الطّراد إلى قتال ... أحدّ سلاحهم فيه الفرار! فثاب مولانا إليهم، ووثب عليهم، فضحّى كلّ منهم بكلّ أشمط «3» وأفرى الأجساد فأفرط؛ ولحق مولانا السلطان منهم من قصد التّحصين

بالجبال فأخذهم الأخذة الرّابية، وقتلهم فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ «1» . وما الفرار إلى الأجبال «2» من أسد ... تمشي النّعام به في معقل الوعل؟ وانهزمت جماعة يسيرة طمع فيها من العوامّ من كان لا يدفع عن نفسه، وأخذتهم المهاوي فما نجا منهم إلا آيس من حياة غده في أمسه. مضوا متسابقي الأعضاء فيه ... لأرؤسهم بأرجلهم عثار «3» إذا فاتوا الرّماح تناولتهم ... بأرماح من العطش القفار! وقصدت ميمنة عسكرنا جماعة من المغل ذوو بأس شديد، فقاتلهم المسلمون حتّى ضجر الحديد من الحديد؛ (وكان مولانا الصاحب زين الدّين- حرس الله جلاله- لما دعيت نزال أوّل مسابق، وأسرع راشق، وأقرب مطاعن، وأعظم معاون؛ فذكر من شاهده أنه أحسن في معركته، وأجمل في كرّته، وأجاد في طعنته، وزأر زئير اللّيث، وسابق حتّى لم يبق حيث، ووقف دريئة للرّماح من عن يمينه وشماله، وخضّب بما تحدّر من دم عدوّه أكناف سرجه وعنان لجامه، وكانت عليه من الله باقية واقية في تقدّمه وإقدامه، وشاهدناه وقد خرج من وسط المعركة وهو شاكي السّلاح، وقد أخذ نصيبه ونصيب فرسه من سالم الجراح؛ وأراد الله أن لا يخليه من إسالة دم يعظّم الله الأجر بسائله- فجعله- والمنّة لله- من بعض أطراف أنامله. ولقد ذكر الأمير عزّ الدّين أيدمر الدّوادار الظّاهريّ، قال: لقيتني وقد تكسّر رمحي، وعاد- لولا لطف الله- إلى الخسارة ربحي، فأعطاني المولى الصاحب زين الدّين رمحه فإذا فيه نصول، وبسنّه من قراع الدّارعين فلول؛ ورأيت دبّوس المولى الصاحب زين الدّين وقد تثلّم، وكان الخوف

عليه في ذلك اليوم شديدا ولكنّ الله سلّم؛ ولقد بلغ مولانا السلطان خبره فسأله فما أجابه بغير أن قال: سيف مولانا السلطان هو الذي سفك، وعزمه هو الذي فتك. ومن يك محفوظا من الله فلتكن ... سلامته ممّن يحاذر هكذا ويخرج من بين الصّفوف مسلّما ... ولا منّ يبديه ولا ناله أذى!!) «1» وأما العدوّ فتقاسمت الأيدي ما يمتطونه من الصّواهل والصّوافن، وما يصولون به من سيوف وقسيّ وكنائن، وما يلبسونه من خود ودروع وجواشن، وما يتموّلونه من جميع أصناف المعادن؛ فغنم ما هنالك، وتسلّم من استشهد من المسلمين رضوان وتسلّم من قتل من الكفّار مالك. وكان الذين استشهدوا في هذه الوقعة من المقدّمين: شرف الدّين قيران العلائيّ [أحد مقدّمي الحلقة] «2» وعزّ الدّين أخو الأمير جمال الدّين المحمّديّ، ومن المماليك السلطانية: شرف الدّين (فلحق) «3» الجاشنكير الظّاهريّ، وأيبك الشّقيفيّ الذي كان وزير الشّقيف. وكان المجروحون عدّة لطيفة لم يعلم عددها لقلّتها، بل لخفّتها؛ وأورث الله المسلمين منازلهم فنزلوها، ووطاقاتهم وخركاواتهم «4» فتموّلوها، وكان مولانا السلطان وكان أعداؤه كما قيل: فمسّاهم وبسطهم حرير ... وصبّحهم وبسطهم تراب!!

(وأصبح الأعداء لا ترى إلا أشلاؤهم، ولا تبصر إلا أعياؤهم؛ كأنّما جزر أجسادهم جزائر يتخلّلها من الدّماء السّيل، وكأنّما رؤوسهم المجموعة لدى الدّهليز المنصور أكر تلعب بها صوالجة من الأيدي والأرجل من الخيل) «1» : ألقت إلينا دماء المغل طاعتها ... فلو دعونا بلا حرب أجاب دم «2» ! فكم شاهد مولانا السلطان منهم مهيب الهامة، حسن الوسامة، تتفرّس في جهامة وجهه الفخامة، قد فضّ الرّمح فاه فقرع السّنّ على الحقيقة ندامة: ووجوها أخافها منك وجه ... تركت حسنها له والجمالا! أو كما قيل: لا رحم «3» الله أرؤسا لهم ... أطرن عن هامهنّ أقحافا! وأقبل بعض الأحياء من الأسارى على الأموات يتعارفون، ولأخبار شجاعتهم يتواصفون؛ فكم من قائل: هذا فلان وهذا فلان، وهذا كان وهذا كان؛ وهذا كان يحدّث نفسه بأنه يهزم الألوف، وهذا يقرّر في ذهنه أنه لا تقف بين يديه الصّفوف؛ وكثرت الأسارى من المغل فاختار السلطان من كبرائهم البعض، وعمل فيهم بقول الله عزّ وجلّ: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ «4» . فجعلهم للسّيوف طعمة، وأحضرت الأسارى من الرّوم فترقّب مولانا السّلطان فيهم الإلّ والذّمّة: وما قتل الأحرار كالعفو عنهم ... ومن لك بالحرّ الذي يحفظ اليدا!

وكان في جملة الأسارى الرّوميّين مهذّب الدين بكلارنكي «1» ، يعني أمير الأمراء ولد البرواناه، ونور الدّين جاجا «2» أكبر الأمراء، وجماعة كثيرة من أمراء الرّوم ومقدّمي عساكره «3» ، فكان البرواناه أحقّ بقول أبي الطّيّب: نجوت بإحدى مقلتيك جريحة ... وخلّفت إحدى مهجتيك تسيل! أتسلم للخطّيّة ابنك هاربا ... ويسكن في الدّنيا إليك خليل؟ لأنه شمّر الذّيل، وامتطى- هربا- أشهب الصّبح وأحمر الشّفق وأصفر الأصيل وأدهم اللّيل؛ وثمّ يخبر من خلفه بما تمّ، وهمّ قلبه رفيقه حين همّ «4» : فنحن في جذل والرّوم في وجل ... والبرّ في شغل والبحر في خجل ودخل البرواناه مدينة قيصريّة «5» في تاريخ يوم الأحد ثاني عشر الشّهر

المذكور، فأفهم غياث الدّين سلطانها، والصاحب فخر الدّين [وزيرها] «1» ، والأتابك مجد الدّين، والأمير جلال الدّين المستوفي، والأمير بدر الدّين ميكائيل النّائب، والأمير فلان الدين الطّغرائي، وهو ولد عزّ الدّين أخي البرواناه، وهو الذي يكتب طرر المناشير- أنّ المسلمين [أسروا] «2» بعض المغل وبقيتهم منهزمون، ويخشى منهم دخول قيصريّة وإتلاف ما يكون بها في طرائقهم حنقا على الإسلام؛ فأخذهم جرائد، وأخذ زوجته كرجي خاتون بنت غياث الدّين صاحب أرزن الرّوم، فاستصحبت معها أربعمائة جارية لها، وكان لها مالا كان لصاحب الرّوم من البخاتيّ «3» والخيام والآلات، وتوجهوا كلهم إلى حرنه «4» توقات، وهو مكان حصين مسيرة أربعة أيام من قيصريّة، ولما خرجوا من قيصرية حملهم على سرعة الهرب، وأنذرهم عذابا قد اقترب، وهوّل على بقيّة أمراء الرّوم فاتّبعوه إلا قليلا منهم، وأخفى البرواناه أمره وأمر من معه حتّى ولا مخبر يخبر عنهم. وكان مولانا السلطان قد جرّد الأمير شمس الدّين سنقرا الأشقر في عدد مستظهرا به لإدراك من فات من المغل [والتوجّه لقيسارية، وأمّن أهلها] «5» ، فمرّوا في طريقهم بفرقة [من التتار] «6» معها بيوتهم فأخذ منها جانبا، ودخل عليهم اللّيل فمرّ كلّ في سربه ذاهلا ذاهبا. ورحل مولانا السلطان في بكرة السّبت حادي عشر ذي القعدة من مكان المعركة، فنزل

قريب القرية المعروفة بريّان «1» ، وهذه القرية قريب الكهف والرّقيم حقيقة، لا ما يقال: إنه قريب حسبان من بلاد البلقاء، وقريبا منه صلد من الصّفا عليه كتابة بالرّوميّة أو غيرها من الخطّ القديم، وأما القرية المذكورة المسماة بريّان فإنّ بيوتها بنيت حول سنّ جبل قائم كالهرم إلا أنّه ملموم، وعمّرت البيوت في سفحه حوله بيتا فوق بيت فبدت كأنّها مجرّة النّجوم، وما من بيت منها إلا وبه مقاعد ذوات درابزينات منجورة، ورواشن «2» قد بدت في أكمل صورة، يختمها من أعلاها أحسن بنيان، ويعلوها من رأسها منزل مسنّم الرأس كما يعلو الصّعدة السّنان، وتطوف بهذه القرية جبال كأنّها أسوار بل سوار، وكأنّها في وسطها إناء فيه جذوة نار؛ ويتفرّع منها أنهار، هي في تلك الأودية كأنّها بهبوطها كثيب قد انهار؛ ذوات قناطر لا تسع غير راكب، ومضايق لا يلفى عبرها لناكب؛ قدّر الله أنّ العساكر خلصت منها ولكن بعد مقاساة الجهد، وخرجت وقد رقّ لها قلب كلّ وهد؛ ونزلنا قريبا منها حتّى تخلّص من تخلّص، وحضر من كان في المضايق قد تربّص، وقال: كلّ الأرض حصحص «3» . ورحلنا من هناك في يوم الأحد ثاني عشر شهر ذي القعدة وكانت السماء قد حيّت الأرض بتيجان أمطارها، وأغرقت الهوامّ في أحجارها، والفتخ «4» في أوكارها؛ وأصبحت الأرض لا تتماسك حتّى ولا لمرور الأراقم، والجبال لا تتماسك أن تكون للعصم عواصم؛ تضع بها من الدّواب كلّ [ذات] «5» حمل، وتزلق في صقيلها أرجل النّمل؛ وسرنا على هذه الحالة نهارنا كلّه إلى

قريب الغروب، وقطعناه بتسلّمنا أيدي الدّروب من أيدي الدّؤوب، ونزلنا عشاء في منتقع أرض تطوف بها جبال شاهقة، ومياه دافقة، تعرف قاعة تلك الأرض بوطأة (قشلا وسار) «1» من أعمال أصاروس العتيق؛ ويقرب من تلك الجهة معدن الفضّة. وبينما نحن قد شرعنا في أهبة المبيت، ولم نقض الشّمل الشّتيت «2» ؛ وإذا بالصّادح قد صدح، والنّذير قد سنح، رافعا عقيرته بأن فوجا من التّتار في فجوة هنالك قد استتروا، وفي نجوة لغرّة قد انتظروا؛ فركب مولانا السلطان وركب الناس في السّلاح، وعزموا على المطار فعاقهم تتابع الغيث وكيف يطير مبلول الجناح؟؛ ثم لطف الله وعاد مولانا السلطان وهو يقول للناس: لا بأس؛ فنمنا نومة السّليم «3» ، وصدرت أفكارنا شاغرة في كلّ واد تهيم، وأصبحنا فسلكنا جبالا لا يحيط بها الوصف، وتنبسط عذراء الطّرف فيها حين يكبو فيها الطّرف؛ ننحطّ منها إلى جنادل، يضعف عن الهويّ إليها قويّ الأجادل؛ بينا نقول: قد أحسن الله لها نفادا ومنها نفاذا؛ وإذا بعد الأودية أودية وبعد الجبال جبال نشكر عند ذاك هذه وذاك عند هذا؛ ومررنا على قرية «أوتراك» ، وتحتها قناطر وخان من حجر منحوت، ثم خان آخر للسّبيل على رأس رابية هناك تعرف باشيبدي «4» ، قريبا من حصن سمندو، التي عرّض بها أبو الطّيّب في قوله: فإن يقدم فقد زرنا سمندو ... وإن يحجم فموعده الخليج! وكان مولانا السلطان قد سيّر إليها خواصّه بكتاب إلى نائبها فقبله

وقبّله، وأذعن لتسليم حصنها المنيع وللنّزول لأمر السلطان عنها إن استنزله؛ فشكر مولانا السلطان له تلك الإجابة، ووفّاه من الشّكر حسابه. وكذلك [والي] «1» قلعة دوندا [ووالي] «2» دوالوا، فكلّهم أجابوا وأطاعوا ولكلمة الإذعان قالوا؛ ونزلنا في وطأة قريب قرية تعرف بحمرها، وكان الناس قد فرغت علوفات خيلهم أو كادت، والخيل قد باتت ليالي بلا عليق فما استفادت، وشاركتها خيول الكسوب (؟) في عليقها، وما ساعدتها في طروقها ولا في طريقها، فضعفت عن حمل نفوسها فما ظنّك براكبيها؛ وكاد الفارط- لولا لطف الله عزّ وجلّ- أن يفرط فيها؛ فصادفنا في هذه اللّيلة بعض أتبان أمسكت أرماقها، وأحسنت إرفادها وإرفاقها. وأصبحنا في يوم الثلاثاء رابع عشر ذي القعدة راحلين في جبال كأنها تلك الأول، وهابطين في أودية يتمنّى سالكها من شدّة مضايقها أن لو عاد إلى ترقّي أعلى جبل؛ وما زلنا كذلك حتّى أشرفنا على خان هناك يعرف بقرطاي يدلّ على شرف همّة بانيه «3» ، وطلب ثواب الله فيه؛ وذلك أنه من أكبر الأبنية سعة وارتفاعا، وأحسنها شكلا وأوضاعا؛ كلّه مبنيّ بالحجر المنحوت المصقول الأحمر الذي كأنّه رخام، ومن ظاهر أسواره وأركانه نقوش لا يتمكن أن يرسم مثلها بالأقلام؛ وله خارج بابه مثل الرّبض ببابين بأسوار حصينة، مبلّط الأرض، فيه حوانيت. وأبواب الخان حديد من أحسن ما يمكن استعماله، وداخله أواوين صيفيّة، وأمكنة شتويّة، وإصطبلات على هذه الصورة لا يحسن الإنسان أن يعبّر عنها بكيف، وما منها إلا ما يجده الإنسان رحلة للشّتاء والصّيف؛ وفيه الحمّام والبيمارستان والأدوية والفرش والأواني والضّيافة لكلّ طارق على قدره، حمل لمولانا السلطان من ضيافته

لمّا مرّ عليه، وكثر الناس فما وصل أحد إليها ولا إليه؛ وعليه أوقاف عظيمة، وضياع كثيرة حوله وفي غيره من البلاد، وله دواوين وكتّاب ومباشرون يتولّون استخراج أمواله والإنفاق فيه؛ ولم يتعرّض التّتار إلى إبطال شيء من رسومه، وأبقوه على عوائد تكريمه؛ وأهل الرّوم يبالغون في تبجيل بانيه- رحمه الله- وتعظيمه؛ ونزلنا تلك اللّيلة قريب قرية تقرب من قيصريّة من حقوق وادي صلعومة شرقيّ الجبل المعروف بعسيب، وفيه قبر امريء القيس الشاعر، [وهو الذي يقول فيه] : أجارتنا «1» إن الخطوب تنوب ... وإنّي مقيم ما أقام عسيب أجارتنا إنّا غريبان ها هنا ... وكلّ غريب للغريب نسيب!! وهذا الجبل يعلوه جبل «أرجاس» ، وهو الذي يضرب الرّوم الأمثال بتساميه، وتتضاءل الجبال في جميع الدّنيا لتعاليه؛ لا تسحب ذيول السّحائب إلا دون سفحه، ولا يعرف من ثلوجه شتاء وصيفا ومن مثال الأبخرة المتصعّدة منه عشاؤه من صبحه. ولما كان يوم الأربعاء منتصف ذي القعدة، وهو يوم شرف الزّهرة ركبت العساكر المنصورة مترتبة، وملأت الفضاء متسرّبة؛ وركب مولانا السلطان في زمرته، وذوي أمره وإمرته، يختال جواده في أفسح ميدان، ويصيح به فرحا ومرحا كأنّه نشوان درى أنه سلطان: تظلّ ملوك الأرض خاشعة «2» له ... تفارقه هلكى وتلقاه سجّدا! وخرج أهل قيصرية وأكابرها، وعلماؤها وزهّادها وتجّارها، ورعاياه ونساؤها وصغارها، فأكرم مولانا السلطان ممشاهم، وشكر مسعاهم، وتلقّى قضاتهم وعلماءهم ركبانا، وحادثهم إنسانا فإنسانا؛ وحصلت لجماعة من

الفقراء والناس حالات وجد مطربة، وصدحات ذكر معجبة. وكان دهليز السلطان غياث الدّين صاحب الرّوم وخيامه وشعار سلطنة الرّوم قد بني جميع ذلك في وطأة قريب الجوسق والبستان المعروف بكيخسرو، وترجّل النّاس على اختلاف طبقاتهم في الرّكاب الشّريف من ملك وأمة ومأمور وأمير، وارتفعت الأصوات بالتّهليل والتّكبير: رجا الرّوم من ترجى النّوافل كلّها ... لديه ولا ترجى لديه الطّوائل! ونزل مولانا السلطان في تلك المضارب المعدّة لكرم الوفادة، وضربت نوبة سلجوق على باب دهليزه على العادة؛ وأذن مولانا السلطان للناس في التقرّب إلى شريف فسطاطه، وشملهم بنظره واحتياطه؛ وحضر أصحاب الملاهي، فما ظفروا بغير النّواهي، وقيل لهم: ارجعوا وراءكم فالتمسوا، واذهبوا إلى واد غير هذا الوادي فاقتبسوا؛ فهذه الهناة لا تنفق هنا، وما هذا موضع الغناء بل هذا موضع الغنى؛ وشرع مولانا السلطان في إنفاق اللهى «1» ، وعيّن لكلّ جهة شخصا وقال: أنت لها؛ وحكم وحكّم، وعلم وعلّم؛ واعتمد على الأمير سيف الدّين جاليش في النّيابة، وأعطى كلّا بيمينه كتابه، [وكتب إلى أولاد قرمان، أمراء التركمان، وهم ألوف، وما فيهم للتتار ألوف، وأكّد عليهم في الحضور] «2» ، وأقام الحجّة على من انتزح بالاستعطاف، وتأمين من خاف، فما خرج كبيرهم «3» عن المخاتلة، ولا زعيمهم عن المطاولة؛ فلمّا علم مولانا السلطان أنهم لا يفلحون، ولغير التّتار لا يصلحون، وأنّهم إن أصبحوا على الطاعة لا يمسون وإن أمسوا لا يصبحون، عاد عن تلك الوعود، واختار أن ما بدأ إليه يعود، وأن يبعث نفسه إلى ما بعثه الله إليه من المقام المحمود، فركب يوم الجمعة سابع عشر ذي

القعدة مستقبلا من الله كلّ الخير، ونصب «جتر» «1» بني سلجوق على رأسه فشاهد الناس منه صاحب القبّة والسّبع وصاحب القبّة والطّير؛ ودخل قيصريّة في بكرة هذا اليوم وكانت دار السلطنة قد فرشت لنزوله، وتخت بني سلجوق وقد هيّيء لحلوله؛ وهي دار تزهو، ومنازل من يتعبّد أو منازه من يلهو، أنيقة المبتنى، تحفّ بها بساتين عذبة الجنى؛ جدارنها بأحسن أصناف القاشانيّ مصفّحة، وبأجمل نقوشه مصرّحة؛ فجلس مولانا السلطان في مرتبة الملك في أسعد وقت، ونال التّخت بحلوله أسعد البخت: وما كان هذا التّخت من حين نصبه ... لغير المليك الظّاهر النّدب يصلح مليك على اسم الله ما فتحت له ... صوارمه البيض المواضي وتفتح أتته وفود الرّوم والكلّ قائل ... «رأيناك تعفو عن كثير وتصفح» فأوسعهم حلما وجاد لهم ندى ... وأمسوا على منّ وأمن وأصبحوا ولو أنّهم لم يجنحوا لمنكّب ... عن الحقّ والنهج القويم لأفلحوا ولكنّهم أعطوا يدا فوقها يد ... تصافح كفّا زندها النار يقدح!! «2» وأقبل الناس على مولانا السلطان يهنّؤّونه، وعلى كفّه الشريف يقبّلونه «3» ؛ وبعد ذلك حضرت القضاة والفقهاء والعلماء والصّوفيّة وذوو المراتب من أصحاب العمائم على عادة بني سلجوق في كلّ جمعة، ووقف أمير المحفل وهو كبير المقدار عندهم، له وسامة وفخامة، وله أكبر كمّ وأوسع عمامة، وأخذ في ترتيب المحفل على قدر الأقدار، وانتصب قائما بين يدي مولانا

السلطان منتظرا ما إليه به يشار؛ وشرع القرّاء يقرأون جميعا وفرادى بأحسن تلحين، وأجمل تحسين، فأتت أصواتهم بكلّ عجيب، وعدلوا عن التّرتيل إلى الترتيب. ولما فرغوا شرع أمير المحفل صارخا، وبكور فمه نافخا، فأنشد وأورد بالفارسيّة «1» ما يعجب مدلوله، ويهول مقوله؛ وأطال وما أطاب، واستصوب من يعرف مقاله قوله، والله أعلم بالصواب. ولما «2» انقضى ذلك مدّ سماط ليس يناسب همم الملوك، فأكل الناس منه للشّرف لا للسّرف، ثم عاد كلّ منهم إلى مقامه فوقف؛ وقام مولانا السلطان إلى مكان الاستراحة فأقام ساعة أو ساعتين، ثم خرج إلى مخيّمه قرير العين؛ وكان بدار الملك حرم السّلجوقية قد أصبحوا لا ترى إلا مسكنتهم ومساكنهم، قد نبت بهم مواطئهم ومواطنهم؛ على أبوابهم أسمال ستور من حرير، ومشايخ خدّام يستحقّ كلّ منهم- لكبر سنّه- أن يدعى بالكبير؛ عليهم ذلّة الانكسار، وأماير الأفتقار؛ فجبرهم مولانا السلطان وآنسهم، وأحسن إليهم؛ وتوجّه من توجّه إلى صلاة الجمعة في قيصريّة وبها سبع جمع تقام، وبها خطباء إن هم إلا كالأنعام؛ فصلّينا في جامع السّلطان وهو جامع عليّ يدلّ على احتفال ملوكها ببيوت عباداتهم، ورأينا فيه من دلائل الخير ما يقضي بحسن إراداتهم؛ فحضر أهل المدينة وأكابرها، وجلسوا حلقا لا صفوفا، وأجروا من البحث بالعجميّة صنوفا، واجتمعت جماعة من حفظة الكتاب العزيز فتخارجوا القراءة آية آية، وهي قراءة بعيدة عن الدّراية؛ بل إنها تبرزها أصوات مترنّمة، وألحان لتفريق الكلمات مقسّمة، ينطقون بالحروف كيف اتّفقت، ولا يتوقّفون على مخارج الحروف أنها بها نطقت أو لا نطقت. فلما آن وقت الأذان قام صبيّ عليه قباء من وسط جماعة عليهم أقبية قعود على دكّة المؤذّنين، فابتدأ بالتّكبير أوّلا وثانيا بمفرده من غير إعانة ولا

إبانة. ولما تشهّد ساعدوه جميعهم بأصوات محمحمة ملعلعة، ونغمات متنوّعة؛ يمسكون له النّغم بأحسن تلحين، ويترنّمون بالأصوات إلى آخر التّأذين؛ وفرغ الأذان وكلّهم قعود ما منهم أحد غير الصّبيّ وقف، وما منّا أحد لكلمة من الأذان عرف؛ ولما فرغ الأذان طلع شيخ كبير السّنّ يعرف بأمير محفل المنبر، وشرع في دعاء لا نعرفه، وادعاء لا نألفه: كأنّه مخاصم، أو وكيل شرع أحضره لمشادّة خصمه محاكم بين يدي حاكم؛ وطلع الخطيب بعد ذلك فخطب ودعا لمولانا السلطان بغير مشاركة، ودعا الناس بما تلقّته من الأفواه الملائكة؛ وانقضت الجمعة على هذه الصّورة المسطورة؛ وضربت السّكّة باسم مولانا السلطان، وأحضرت الدّراهم إليه في هذا اليوم، فشاهدها فرأى أوجهها باسمة باسمه الميمون، وأقرّت الألسنة بهذه النعمة وقرّت العيون؛ وشاهدت بقيساريّة مدارس وخوانق وربطا تدلّ على اهتمام بانيها، ورغبتهم في العلوم الشّرعية والدّينية، مشيدة بأحسن الحجار الحمر المصقولة المنقوشة، وأراضيها بأجمل تلك مفروشة، وأواوينها وصففها مؤزّرة بالقاشانيّ الأجمل صورة، وجميعها مفروشة بالبسط الكرجيّة والعالية، وفيها المياه الجارية، ولها الشّبابيك على البساتين الحسنة، وسوق قيصريّة طائف بها من حولها، وليس داخل المدينة دكّان ولا سوق. والوزير في بلاد الرّوم جميعها يعرف بالصّاحب «فخر الدّين خواجا عليّ» ولا يحسن الكتابة ولا الخطّ، وخلعته من مماليكه خاصّة مائتا مملوك، ودخله في كلّ يوم- غير دخل أولاده وغير الإقطاعات التي له ولأولاده وخواصّه- سبعة آلاف درهم سلطانية. ولقد شاهدت في مدرسته من خيامه وخركاواته شيئا لا يكون لأكبر الملوك، وله برّ ومعروف، وهو بالخير موصوف: والمسمّون بالوزير كثير ... والوزير الذي لنا المأمول! وعليّ هذا وذاك عليّ ... وعليّ هذا له التّفضيل!

الذي زلت عنه شرقا وغربا ... ونداه مقابلي لا يزول! ومعي أينما سلكت كأنّي ... كلّ وجه له بوجهي كفيل! وأمّا معين الدّين سليمان البرواناه وزوجته كرجي خاتون، فظهر لهما بن الموجود البادي للعيون كلّ نفيس، وبحمد الله استولى مولانا السلطان مماليكه من موجوده ودار زوجته المذكورة على ملك سليمان وصرح لقيس. ولما أقام مولانا السلطان بقيصريّة هذه المدّة، فكّر في أمر عساكره مصالحه بما لا يعرفه سواه، ونظر في حالهم بما أراه الله، وذلك لأن لأقوات قلّت، [وقيسارية ألقت ما فيها من المؤن وتخلّت] «1» والسّيوف من لمصارعة ملّت، والسّواعد من المصادمة كلّت، وأنّه ما بقي في الرّوم من الكفّار من يغزى، ولا بجزاء السّوء يجزى؛ ولا بقي في البلاد غير رعايا كالسّوائم الهاملة، ولا دية- للكفر منهم- على عاقل وعاقلة؛ وأنّه إن أقام فالبلاد لا تحمله، وموادّ بلاده لا تصله، وأعشاب الرّوم بالدّوس قد اضمحلّت، وعلوفاتها قد قلّت، وزروعها لا ترتجى لكفاية، ولا ترضى خيول العساكر المنصورة بما ترضى به خيول الرّوم من الرّعي والرّعاية، وأن الحسام الصّقيل الذي قتل التّتار به في يد القاتل، وأنّهم إن كان أعجبهم عامهم فيعودون إلى الرّوم في قابل. ورحل في يوم الاثنين عشرين «2» من ذي القعدة بعد أن أعطى أمراءه وخواصّه كلّ ما أحضر إليه من الأعنّة والأزمّة، وكلّ ما يطلق على تولّيه اسم النّعمة؛ فنزل بمنزلة تعرف بعترلوا «3» ؛ وفي هذه المنزلة ورد إلى السلطان رسول من جهة غياث الدّين سلطان الرّوم، ومن جهة البرواناه والكبراء الذين

معه، يسمّى ظهير الدّين التّرجمان- وفي الحقيقة هو من عند البرواناه- يستوقف مولانا السلطان عن الحركة وما علموا إلى أين، بل كان الأمر شائعا بين الناس أن الحركة إلى جهة سيواس؛ فعدّد مولانا السلطان عليه حسن وفائه بعهده، وأنه أجاب دعاءهم مرّة بعد مرّة من أقصى ملكه مع بعده، وأنهم ما وقفوا عند الشّروط المقرّرة، ولا وفوا بمضمون الرّسائل المسيّرة، وأنهم لما جاء الحقّ وزهق الباطل طلبوا نظرة إلى ميسرة، وأن أعنّتهم للكفر مسلّمة، وأنّهم منذ استيلاء التّتار [على الروم] «1» هم أصحاب المشأمة؛ وعلم مولانا السلطان أن بلاد الرّوم ما بها عسكر يستخلصه لنفسه، ولا من يقابل المغل في غده خوفا ممّا شاهده كلّ منهم في أمسه، وأنهم أهل التذاذ، لا أهل نفاذ، وأهل طرب، لا أهل حرب [وغلب] «2» ؛ وأهل طيبة عيش، لا قوّاد جيش؛ فردّ السلطان إلى سليمان البرواناه مدّيده «3» ، وقال: قل له: إنّني قد عرفت الروم وطرقاتها، وأخذت أمّه أسيرة وابن بنته وولده، ويكفينا ما جرى من النّصر الوجيز، وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ «4» وما كلّ من قضى فريضة الحجّ يجب عليه المجاورة، ولا بعد هذه المناصرة مناصرة، ولا بعد هذه المحاورة محاورة، ونحن فقد ابتغينا فيما آتانا الله: من حقن دماء أهل الرّوم وعدم نهب أموالهم الدّار الآخرة، وتنزّهنا عن أموال كنتم للتّتار تستحبّونها، ومغارم كثيرة هي لهم من الجنّات مغانم يأخذونها حين يأخذونها؛ وما كان جلوسنا في تخت سلطنتكم لزيادة بتخت آل سلجوق «5» ، [بل] «6» لنعلمكم أنّه لا عائق لنا عن أمر من الأمور يعوق؛

وأنّ أحدا لا ينبغي له أن يأمن لنا سطوة، وليتحقّق كلّ أنّ كلّ مسافة جمعة لنا خطوة، وسروجنا- بحمد الله- أعظم من ذلك التّخت جلالا، وأرفع منالا، وكم في ممالكنا كراسيّ ملك نحن آية ذلك الكرسيّ، وكم لنا فتح كلّه- والحمد لله- في الإنافة الفتح القدسيّ. من كان فوق محلّ الشّمس موضعه ... فليس يرفعه شيء ولا يضع «1» ! واستصحب السلطان معه تحت الرّضا والعفو من أكابر الرّوميين- الأمير سيف الدّين جاليش النّائب بالرّوم، وهو رجل شيخ نبيه له اشتغال بعلم؛ وكان له في الرّوم صورة، وهو أمير دار يعني أمير المظالم. واستصحب ظهير الدّين [متوّج] مشرّف الممالك، ومرتبته دون الوزارة وفيه فضل، ونسخ كثيرا من العلوم بخطّه، مثل الصّحاح في مجلّد واحد، وغير ذلك. واستصحب الأمير نظام الدّين أوحد بن شرف الدّين بن الخطير، وإخوته وجماعته وجماعة والده، وأولاد عمّه ضياء الدّين بن الخطير المستشهد رحمه الله. واستصحب من الأمراء: الأمير مظفّر الدّين محاف «2» (؟) والأمير سيف الدّين كجكيا «3» الجاشنكير، والأمير نور الدّين المنجنيقيّ، وأصحاب ملطية أولاد رشيد الدّين أمير عارض، وهم: كمال الدّين وإخوته، وأمير عليّ صاحب كركر. واستصحب قاضي القضاة بملطية، وهو القاضي حسام الدّين ابن قاضي العسكر، ووالده الذي كان يترسّل عن السلطان علاء الدّين إلى الملوك، وهو رجل عالم فاضل. وأكثر هؤلاء حضروا ببيوتهم ونسائهم وغلمانهم وحفدتهم.

والذين حضروا تحت الغضب- ولد البرواناه المذكور، وولد خواجا يونس، وهو ابن بنت البرواناه، ووالدة البرواناه، والأمير نور الدّين جاجا «1» ، وهو أكبر أمراء الرّوم أصحاب النّعمة والنّعم، والأمير قطب الدّين أحمد أخو الأتابك، والأمير سيف الدّين سنقر حاه الروناسيّ «2» ، والأمير سراج الدّين إسماعيل بن جاجا، والأمير نصرة الدّين صاحب سيواس، والأمير كمال الدّين عارض الجيش، والأمير حسام الدّين ركاوك «3» قريب البرواناه، والأمير سيف الدّين الجاويش «4» ، والأمير سراج الدّين أخو حسام الدّين، والأمير شهاب الدين غازي بن علي شير التّركمانيّ «5» . ومن المغل: مقدّمي الألوف والمئات- زيرك «6» وسرطلق» ، وحنوكه «8» ، وسركده «9» ، وتماديه «10» . ثمّ رحل السلطان في اليوم الثاني ونزل بمنزلة قريب خان السلطان علاء الدّين كيقباذ، ويعرف بكرواني صراي، وهذا الخان بنية عظيمة من نسبة خان قرطاي، وله أوقاف عظيمة. ومن جملة ما وجد قريبا منه أذواد كثيرة من الأغنام عبثت فيها العساكر المنصورة، سألت عنها فقيل: إنها وقف على هذا الخان يذبح نتاجها للواردين على هذا الخان، وهذه الأغنام له من جملة

الوقوف، قدّر الله استيفادها جملة لمّا كثرت على هذا الخان من الجيوش المنصورة الضّيوف. ورحلنا في اليوم الثالث وهو يوم الأربعاء ثاني عشرين من الشّهر، ونزلنا في وطأة عادة التّتار ينزلون بها تسمّى روران «1» كودلوا، وكودلوا اسم جبال تلك الوطأة. ورحلنا في يوم الخميس ثالث عشرين من ذي القعدة، فعارضنا بها- في وطأة خلف حصن «سمندو» من طريق غير الطريق التي كنّا توجّهنا منها- نهر يعرف بنهر قزل صو، قريب كودلوا الصغير. ومعنى قزل صو النّهر الأحمر؛ وهذا النّهر صعب المخاض، واسع الاعتراض، عالي المهبط، زلق المسقط، مرتفع المرتقى، بعيد المستقى، لا يجد السّالك من أو حال حافتيه إلا صعيدا زلقا؛ فوقف مولانا السلطان بنفسه، وجرّد سيفه بيده، وباشر العمل بنفسه هو وجميع خواصّه، حتّى تهيّأ المكان جميعه، ووقف راجلا يعبّر الناس أوّلا فأوّلا: من كبير وصغير وغلام، وهو في أثناء ذلك يكرّ على من يزدحم، يكرّر التّأديب لمن يطلب بأذيّة رفيقه ويقتحم؛ وما زال من رابعة هذا النهار لى الساعة الثامنة حتّى عبرت الناس سالمين. ولمّا خفّت البرور، ولم يبق لا المرور، ركب فرسه وعبر الماء والألسنة له داعية، وعليه من الله واقية باقية، فنزل في واد هناك به «مرعى ولا كالسّعدان» ، «ومرأى ولا كشعب وّان» «2» . ثم رحل في يوم الجمعة فنزل عند صحرات قراجار «3» حصار، وهي قرية

كانت عامرة فيما مضى، قريبة من «هدر رجال» «1» قبالة بازار بلّو، وهذا البازار هو الذي كانت الخلائق تجتمع إليه من أقطار الأرض، ويباع فيه كلّ شيء يجلب من الأقاليم، ويقرب من كودلوا الكبير. وسرنا في يوم السّبت سوقا طول النّهار، حتّى نزلنا في وطأة الأبلستين، وفي هذا النهار عبر مولانا السلطان- نصره الله- على مكان المعركة لمشاهدة أمم التّتار، وكيف تعاقبت عليهم من العقبان كواسرها، وكفّ بأسهم من النّسور مناسرها «2» ، وكيف أصبحوا لا يندبهم إلا البوم، وتحقّقوا أن الّتي أهلكتهم زرق الأسنّة لا زرق الرّوم، فرآهم لمن بقي عبرة، وعرضوا على ربّهم صفّا وجاؤوه كما خلقوا أوّل مرّة، وأبصر الرّياح لأشلائهم متخطّفة، والهوامّ في أجسادهم متصرّفة، وشاهدهم وقد هذأهم «3» كلّ شيء حتّى الوحوش والرّياح: فهذه من صديدهم متكرّعة وهذه عليهم متقصّفة. قد سوّدت شجر الجبال شعورهم ... فكأنّ فيه مسفّة الغربان! ولمّا عاينهم مولانا السلطان وعاينهم الناس، أكثروا شكر الله على هذه النّعم التي أمست لكافّة الكفر كافّة وشالّة ودارزة، وأثنوا على مننه التي سنّت «4» إليهم خيار العساكر المنصورة حتّى أصبحت تلك الأرض بهم بارزة، وحضرت من أهل الأبلستين هنالك جماعة من أهل التّقى والدّين، واستخبرهم مولانا السلطان عن عدّة قتلى المغل فقالوا: فَسْئَلِ

الْعادِّينَ «1» ، فاستفهم من كبيرهم عن عدّة المغل كم من قتيل، فقال: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ «2» وقال بعضهم ممن عدّهم وممّن عنده علم من الكتاب «3» : أنا عددت ستّة آلاف وسبعمائة وسبعين نفرا وضاع الحساب؛ هذا: غير من آوى إلى جبل يعصمه من ماء السّيوف فما عصمه، وغير من اعتقد أن فرسه تسلّمه «4» فأسلمه: [فلقد غدوا خلل الرماح كأنما ... غضبت رؤوسهم على الأجسام أحجار ناس فوق أرض من دم ... ونجوم بيض في سماء قتام] «5» فتركهم مولانا السلطان ومضى والفلوات مزرعة لجسومهم، والدّود- لأنّها مؤمنة وهم كفّار- وقد أثّرت كالنواسر في لحومهم، فرسم مولانا السلطان بتقدّم الأثقال والحرّاس والدّهليز «6» المنصور صحبة الأمير بدر الدّين الخزندار، والدّخول في «أقجه دربند» ، وأقام مولانا السلطان في ساقة العسكر المنصور بقيّة يوم السّبت ويوم الأحد: فهو يوم الطّراد أوّل سابق ... وهو يوم القفول آخر سائق! وانتظر في هذين اليومين صيدا من العدوّ يعنّ، وما من دماءهم إلى السّيف يحنّ؛ فلمّا لم يجد أحدا رحل في يوم الاثنين فنزل قريبا من الخان الذي في الدّربند، وركب يوم الاثنين من طريق غير التي حضر منها، فسلك طريقا من الأوعار يبسا، وسلك من قلل الجبال في هضاب كأنّ كلّا منها ألف حملت من الأنجم قبسا؛ فقاسى العالم في هذا اليوم من الشّدّة ما لا يدخل في

قياس، وكادوا يهلكون لولا أن الله عزّ وجلّ تدارك النّاس، فتسابقوا ولكن على مثل حدّ السّيف، وتسلّلوا ولكن سلّ حوافر الخيل كيف؟ وهبطوا من جبال يستصعبها كلّ شيء حتّى طارق الطّيف؛ يستصعب الحجر المحلّق من شاهق وقوعه في عقابها، ويستهول النّجم الثّاقب ترفّع شعابها، بالقرب منها جبل شاهق يعرف «بسقر» وما أدراك ما سقر، لا يبقي على شيء من الدّوابّ ولا يذر؛ له عقبة لوّاحة للبشر «1» ، أعان الله على الهبوط منها، وفاز بمشيئة الله وبسعادة مولانا السلطان من زحزح عنها؛ وعدّينا كوكصوا وهو النّهر الأزرق، وبات مولانا السلطان هناك، وكان قضيم البغال تلك اللّيلة ورق البلّوط، إلا من أمست عناية الله أن تيسّر في شعير بخمسة عشر درهما كلّ مدّ يحوط. ورحل مولانا السلطان في يوم الأربعاء تاسع عشرين من ذي القعدة فنزل قريب كسول (؟) المقدّم ذكرها، وعدل إلى طريق مرعش فزال بحمد الله «2» الداعي، وقالوا للشّعير: ما فينا لك مخاطب ولا منّا فيك بماله مخاطر، وللخيول قد حصل لك في مصر الرّبيع الأوّل في شعبان وفي الشّام في ذي

الحجّة الرّبيع الآخر، فأرتعت لا يروعها أصحاب الموازين في تلك المساجد، واستمرّت في مروج يتأسف عليها ابن المساجد (؟) ؛ وقسّم مولانا السلطان تلك الأعشاب كما تقسّمت في آفاق السماء النّجوم، وأوقف كلّ أحد في مقام حتّى قال: وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ «1» ؛ فكم هنالك من مروج أعشبت فأعجبت، وانجابت السماء عنها فأنجبت، وأربت على زهر النّجوم فاهتزّت وربت: يصدّ الشّمس أنّى واجهتنا ... فيحجبها ويأذن للنّسيم «2» ! يتخلّلها هنالك أترع الحياض، ويلهو بها كلّ شيء فكم قصف العاصي بها في تلك الرّياض. هذا كلّه: وخير من أرزنجان، حارة برجوان؛ وخير من أراضي توريز، قطعة من إيليز، وكوم من كيمان سفط ميدوم، خير من قصر في قيصريّة الرّوم؛ ونظرة إلى المقياس، خير من سيواس؛ ومناظر اللّوق، خير من كيقباذ آل سلجوق؛ وتربة من ترب القرافة، خير من مروج العرافة؛ وشبر من شبرا، خير من سطا ومرا: وجلوس في باب دارك خير ... من جلوس في [باب] «3» إيوان كسرى والتماحي لنور وجهك خير ... لي من أنّني أشاهد بدرا! يا وليّا يولي الأيادي سرّا ... ووزيرا فليس يكسب وزرا ما رأينا والله فيمن رأينا ... لك مثلا من البريّة طرّا كم خبرنا الرّجال في كلّ أرض ... فإذا أنت أعظم الخلق قدرا!

الضرب الثاني (من الرسائل الملوكية رسائل الصيد)

كم فلان قالوا وقالوا فلانا ... فإذا النّاس دون علياك حسرى لك مدح قد طبّق الأرض سبحا ... ن إله به إلى النّاس أسرى! ما رأينا مصرا كمصر ولا مثلك فينا، والحمد لله شكرا! الضرب الثاني (من الرسائل الملوكية رسائل الصّيد) وهذه نسخة رسالة في صيد السّلطان الشّهيد الملك الناصر بن السّلطان الشّهيد الملك المنصور «قلاوون» من إنشاء القاضي تاج الدين البارنباريّ «1» ؛ وهي: الحمد لله الذي نعّم النّفوس الشّريفة بإدراك الظّفر، وأنعم على هذه الأمّة بمحمّدها الذي أنار كوكب نصره وسفر، وشرع لها على لسان نبيّها صلّى الله عليه وسلّم- الغنيمة في السّفر، وأسعف هذه الدّولة الشريفة بدوام سلطانها الذي حفّت أيّامه بالعزّ والتّأييد والظّفر. نحمده على أن أقرّ العيون بفضله بما أقر، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة ألانت قلب من نفر، وكرمت أسبابها فلا يتمسّك بها إلّا أعزّ فريق ونفر، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أعزّ من آمن وأذلّ من كفر، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين تجاوز الله عن ذنوبهم وغفر، وسلّم تسليما. وبعد، فإنّ في ابتغاء النّصر ملاذا تدركها كلّ ذات شرفت، وتملكها السّجايا التي تعارفت بالفخار وائتلفت، وتنالها النّفوس التي مالت إلى العزّ

وإلى تلقائه صرفت؛ ومنشؤها من حالتين: إمّا في موقف عزّ عندما تلمع بروق الصّفاح، وتشيب من هول الحرب رؤوس الرّماح، وتسرح جوارح النّبال لتحلّ في الجوارح وتصيد في الأرواح؛ وإمّا في موطن سلّم عندما تنبسط النفوس إلى امتطاء صهوات الجياد في الأمن والدّعة، وتنشرح الصّدور إلى معاطاة الصّيود والمسرّات مجتمعة، وتطلق البزاة فتصيد، وتتصرّف بأمر الملوك الصّيد، وترسل الحوامي الممسكة، وتلقى على ما سنح من الوحش فلا ترى إلا مدركة؛ وتفاض النّعم السّلطانية وتجزل مواهبها، وتلوح العصابة الشّريفة وتنبعث مواكبها. وكان الله تعالى قد جمع للمواقف الشّريفة، المعظّمة، السّلطانية، الملكيّة، النّاصريّة، خلّد الله سلطانها- سعادة الحالتين حربا وسلما، وآتاه فيهما النّصر الأرفع والعزّ الأسمى، ووسم بصدقاته وعزماته الأمرين وسما، ونصره نعتا وعظّمه سمعة وشرّفه اسما، فأيّام حروبه كلّها رفعة وانتصار، واستيلاء واستظهار، وقوة تحيا بها المؤمنون وتفنى الكفّار؛ وأيّام سلمه كلّها عدل وهبة، وصدقات منجية منجبة، ورفع ظلامات متشعبة، وقمع نفوس متوثّبة، وحسم خطوب مستدّة، وحفظ الحوزة الإسلامية من كلّ بأس ووقايتها من كلّ شدّة، وفي خلال كلّ عام تصرف عزائمه الشريفة إلى ابتغاء صيد الوحش والطّير: لما في ذلك من تمرين النّفوس على اكتساب التّأييد، وحصول المسرّة بكلّ ظفر جديد؛ فيرسم- خلد الله سلطانه- في الوقت الذي يرسم به من مشتى كلّ عام بإخراج الدّهليز المنصور فينصب في برّ الجيزة بسفح الهرم، في ساعة مباركة آخذة في إقبال الجود والكرم؛ فتمدّ بالتّأييد أطنابه، وترفع على عمد النّصر قبابه، ويحاط بحراسة الملائكة الكرام رحابه، وتضرب خيام الأمراء حوله وطاقا، وتحفّ به [مثل] «1» النّجوم بالبدر إشراقا؛ ويستقلّ الرّكاب الشريف- شرّفه الله- بعد ذلك بقصد عبور النّيل المبارك فيظهر من القلعة المحروسة والسّلامة تحجبه من المخافة، والحراسة

تصحبه فيما قرب ونأى من المسافة، ولسان السّعد قد خاطبه بالتّحيّة وشافه، ومماليكه الأمراء قد حفّوا به أطلابا «1» ، وسنيّ موكبه قد بعث أمامه من الإضاءة نجّابا «2» ؛ ولم يزل حتّى يأتي النّيل المبارك ويستوي على الكرسيّ في الفلك المشحون، محوطا بالنّصر الميمون والجيش المأمون، وقد استبشر باعتلائه البحر والنّون «3» ، وأضحى لظهر الفلك من الفخار [بحضرته] «4» المكرّمة، ما لصهوات أجياده العتاق المسوّمة، فلهذا نشر أعلام بشراها، وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها «5» ، فسارت به في اليمّ، ونصر الله قد تمّ، وصعد من فلكه، على ما يسرّ نفوس المؤمنين في كمال سلطانه وعزّة ملكه، واستقرّ على جواد شرفت صهوته، وقرنت بالأناة والسّكون خطوته، عربيّ النّجار، يختال في سيره كأنّما انتشى من العقار: ويختال بك الطّرف ... كأنّ الطّرف نشوان ترى الطّرف درى أو ... ليس يدري أنّك سلطان! وسار في زروع مخضرّة، وثغور نبات مفترّة؛ وقد طلعت للظّفر شموسه وبدوره، وأعدّت للصّيد بزاته وصقوره، من كلّ متوقّد اللّحظ من الشّهامة، محمول على الرّاحات من فرط الكرامة، يتوسّم فيه النّجاح، قبل خفق الجناح، ويخرج من جوّ السّماء ولا حرج ولا جناح؛ وبازها الأشهب،

يجيء بالظفر ويذهب بصدر مفضّض وناظر مذهب، له منسر أقنى، طالما أغنى، كأنّما هو شبا السّنان وقد حباه الكماة طعنا: وصارم في يديك منصلت ... إن كان للسّيف في الوغى روح متّقد اللّحظ من شهامته ... فالجوّ من ناظريه مجروح! قد راش النّجح جناحه، وقرن الله باليمن غدوّه ورواحه، ونصره في حربه حيث جعل منسره رمحه ومخلبه صفاحه، في قوادمه السّعد قادم، وفي خوافيه النّصر ظاهر المعالم، كأنّما ألهم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «بورك لأمّتي في بكورها» ، فيسرح والطّير جاثمة في وكورها، ويخرج في إغباش السّحر وعليه سواد، فيهابه الصّادح في الجوّ والباغم في الواد، ويأمر- خلّد الله سلطانه- أمراءه فيضربون على الطّير حلقة وهي لاهية في التقاط حبّها، غافلة عمّا يراد بها، فيذعرونها بخفق الطّبول وضربها، ومولانا السلطان- خلّد الله ملكه- لنافرها مترقّب، ولطائرها بالجارح معقّب، فما يدنو الكركيّ مقرورا حتّى يؤوب مقهورا، ساقطا من سمائه إلى أرضه، ومن سعته إلى قبضه، فسبحان من خلق كلّ جنس وقهر بعضه ببعضه؛ هذا: والجارح قد أنشب فيه مخالبه، وسدّ عليه سبله في جوّ السّماء ومذاهبه؛ ولم يزل- خلّد الله تعالى سلطانه- عامّة يومه متوغّلا في التّمتّع بلذّات صيوده، وأوقات سعوده، وحصول أربه ومقصوده، وجنود الملائكة حافّون به وبجنوده، حتّى ينسخ النهار الليل بظلمائه، ويلمع الطّارق بأضوائه، فيعود عند ذلك الرّكاب الشريف إلى المخيّم المنصور والجوارح كاسبة، والأقدار واهبة، والجوارح مسرورة، والطّيور مأسورة، والنّفوس ممتّعة، والمواهب منوّعة، والأرجاء مضوّعة، والله تعالى مع سلطانه بكلاءته: «ومن كان مع الله كان الله معه» ، فيرفع أمامه فانوسان توءمان، كأنهما كوكبان بينهما اقتران، أو فرقدان رفعتهما يدان، فيدنو إلى مخيّمه المنصور في سرادق العزّ الحفيل، وعصابة النّصر الأثيل، وتترجّل الأنصار قبل فسطاطه المعظّم على قدر ميل، ويسعى بالشّموع لتلقّيه، ويسوّى تخت الملك لترقّيه، فعند ذلك

يطوف بالدهليز أمراء الحرس بالشّموع المرفوعة، والمزاهر المسموعة، فإذا طلع الفجر مستطيلا، وجاء الصّبح شيئا قليلا، عرضت عليه النّعم فأعطاها، والمهمّات الإسلامية فقضاها، وقدّمت له الجياد المسوّمة فامتطاها، ويسرح إلى الصّيد والجوارح التي صادت بالأمس قد استأسدت، وبسعادته إلى ظفرها قد أرشدت؛ فإذا سار ركابه الشّريف فرّقت على أثره عساكر الإسلام، وقوّضت تلك الخيام كأنها الأيّام. ولم يبرح ذلك دأبه في كلّ يوم من أيّام حركته حتّى يأخذ حظّه من صيد الطّير، فعند ذلك يثني عنان السّير، إلى اقتناص الوحش فيعدّ لإمساكها كلّ هيكل قيد الأوابد «1» قد عقد الخير بناصيته فأصبح حسن المعاقد. فمن أشهب: كريم المغار، ذي إهاب من النّهار، وأديم كأنّه صحيفة الأبرار، أبيض مثل الهدى، له في الصّبح إثارة النّصر وإغارة على العدا؛ علا قدرا وغلا قيمة، وله إلى آل أعوج «2» نسبة مستقيمة، إذا استنّ في مضمار يسبق البروق الخاطفة، ويخلّف الرّيح حسرى وهي واقفة، يجده الفارس بحرا، وله عند مجرى العوالي مع السّوابق مجرى. ومن أحمر: كأنّما صبغ بدم الأعداء أديمه، وكأنّما هو شقيق الشّقيق وقسيمه؛ كرمت غرره وحجوله، وحسنت أعراقه وذيوله، مكرّ مفرّ كجلمود صخر حطّته من عليّ سيوله» ؛ حكى لونه محمرّ الرّحيق، وله كلّ يوم ظفر جديد مع أنه عتيق.

ومن أدهم: مدرك كاللّيل، منصبّ كالسّيل، كريم النّاصية، جوّاب قاصية، كأنّ غرّته صبح تنفّس في الدّجى الحالك، وكأنّه من اللّيل باق بين عينيه كوكب يضيء المسالك، وكأنّ حجوله بروق تفرّقت في جوانب الغسق فحسن منظرا لذلك؛ سنابكه يوري قدحها «1» ، وغرّته ينير صبحها، وجوارحه مسودّ جنحها، وصهوته كمن فيها العزّ فلا يزال ظاهرا نجحها. وممّا سوى ذلك من الجياد المختبرة، والصّافنات المعتبرة: إذا ما صرفت اللّحظ نحو شياتها ... وألوانها فالحسن عنك مغيّب «2» ! وإنما هي بصبرها على الظّما، وشدّة عدوها في النّور والظّلما، وسبقها إلى غايات رهانها، وثباتها تحت رايات فرسانها. وتليها الفهود الحسن منظرها، الجميل ظفرها، الكاسب نابها وظفرها؛ تفرّق اللّيل في أهبها المجتمعة، وأدركت العواصم في هضابها المرتفعة، وجوهها كوجوه اللّيوث الخادرة، ووثباتها على الطّريدة وثبات الفئة المؤمنة على الفئة الكافرة، مقلّصة الخواصر، عزماتها على الوحش حواصر؛ ما أطلقت على صيد إلا قنصته سريعا، ولا بصرت بعانة من حمر إلا أخذتها جميعا. ثم الحوامي المعلّمة، والضّواري التي أضحت بالنّجح متوسّمة، ما منها إلّا طاوي الخاصرة، وثباته طائلة غير قاصرة، بنيوب كالأسنّة،

وساعدين مفتولين تسبق بهما ذوات الأعنّة، لو رآه عديّ بن حاتم رضي الله عنه لضمّه إلى ما لديه، وأكل مما أمسك عليه. وتضرب العساكر حلقة ما يلتقي طرفاها إلا إلى اللّيل في اتّساعها، تحوي سائر الأوابد على اختلاف أنواعها. فمن نعام: خضّب ظليمها «1» لمّا أكل ربيعا، وأحمرّت أطراف ريشه فكأنّها سهام أصابت نجيعا، طالت أعناقها النّاحلة فكأنّها خطّيّة، واشتدّت قوائمها الحاملة فكأنّها مطيّة، شاركت الطّير في وجود الجناح، وفارقتها في كثافة الاشباح، وأشبهت الوحش في مسكن القفار، وشدّة النّفار، قد اجتمع في ظاهرها اللّونان من الوحش والطّير وائتلف في باطنها الضّدّان من ماء ونار. ومن ظباء: مسودّة الأحداق، حكت الحبائب في كحل المقل وحسن سوالف الأعناق؛ ابيضّت بطونها، واحمرّت متونها، وراقت أوراقها، وحلكت آماقها؛ نافرة في صحرائها، طيّب مرعاها فالمسك من دمائها. ومن بقر وحشية: عفر الإهاب، ساكنة الهضاب؛ لها في حقاف الرّمل مرابض، حذرا من قانص قابض؛ كم في ... «2» ... من لوّى يتهادى، كأنّ إبرة روقه قلم أصاب من الدّواة مدادا. ومن حمر إهابها أقمر منسوبة إلى أحد «3» ولم تركّب متونها، وقد حكى الجزع «4» الذي لم يثقّب في دجى اللّيل عيونها.

وعندما تلتقي حلقة العساكر يلحقها- خلّد الله سلطانه- ومعه الجوارح الصائدة، والحوامي الصائلة، والأسهم النّافذة، والفهود الآخذة، فتموج الوحش ذعرا، وترى مسالكها قد سدّت عليها سهلا ووعرا، وضرب دون نجاتها بسور من الجياد والفرسان، وحيل بينها وبين خلاصها بنبال وخرصان؛ فحينئذ تفرّ النّعام عن رمالها، والظّباء عن ظلالها، والبقر عن جآذرها، والحمر عن بولها؛ ويقبض- خلّد الله سلطانه- من جنس الوحش كلّ نوع، ولو يمسكها بجارح لأمسكها كما تمسك عداة الإسلام بالرّوع؛ وتجزل منها المكاسب، وتملأ منها الحقائب؛ فإذا أخذ حظّه من القبض ولذّة اكتسابه، رسم لأمرائه بالصّيد عند صدور ركابه؛ فيصيدون ويقنصون، زادهم الله من فضله- فإنهم في طاعته مخلصون؛ فيكثر عند ذلك كلّ قنص ذبيح، ويأتي كلّ بما اقتنصه ليظهر التّرجيح؛ فإذا استكمل أوقات الصّيد من الطّير والوحش ثنى ركابه الشّريف إلى جهة القلعة المحروسة والقفار قد شرفت بمرور مواكبه، والوحش والطّير قد افتخرت بكونها أصبحت من مكاسبه. هذا كلّه وإن كانت النفس تراه لهوا، وتبلغ به كلّ ما تهوى، ففي طيّه من تمرين الجنود على الحرب ما تشدّ به العزمات وتقوى؛ فيؤمّ الركاب الشّريف عائدا إلى سرير ملكه بالقلعة المحروسة، والسّلامة قد قضت ما يجب عليها من حراسته، والأقدار قد وفت ما ينبغي من كلاءته؛ فلم يك إلا وهو صاعد إلى القلعة المحروسة وألسنة السّعادة تخاطبه، وسريره قد اهتزت فرحا بمقدمه جوانبه، والصّيد المبارك قد سعدت مباديه وحمدت عواقبه؛ فيلقي أهبة السّفر، ويأخذ فيما بطن من المصالح الإسلامية وظهر، وتنشده ألسنة السلامة ما أملى عليها العزّ والتّأييد والظّفر: ملك البسيطة آب من سفره ... والنّصر والتّأييد في أثره فكأنّه في عزّ موكبه ... بدر تألّق في سنا خفره ما في البريّة مثله ملك ... أوتي الذي أوتيه من ظفره!

الصنف الثاني (من الرسائل ما يرد منها مورد المدح والتقريض)

يسري إلى أعدائه رهب ... ممّا يبث الناس من خبره فالله ربّ النّاس فاطرنا ... يؤتيه ما يربي على وطره!! الصنف الثاني (من الرسائل ما يرد منها مورد المدح والتّقريض) إما بأن يجعل المدح مورد الرّسالة ويصدّر بمدح ذلك الشّخص المراد، وإما بأن يصدّر بما جرية «1» يحكيها المنشيء ويتخلّص منها إلى مدح من يقصد مدحه وتقريضه، وما يجري مجرى ذلك. وللكتّاب وأهل الصّناعة في ذلك أفانين مختلفة المقاصد، وطرق متباينة الموارد. وهذه نسخة رسالة أنشأها أبو عمرو عثمان بن بحر الجاحظ سمّاها «رسالة الشّكر» قصد بها تقريض وزير المتوكّل وشكر نعمه لديه، مصدّرا لها بذكر حقيقة الشّكر وبيان مقاصده؛ وهي: جعلت فداك، أيّدك الله وأكرمك وأعزّك، وأتمّ نعمته عليك وعندك. ليس يكون الشّكر- أبقاك الله- تامّا، ومن حدّ النّقصان خارجا، حتّى يستصحب أربع خلال، ويشتمل على أربع خصال: [الخصلة الاولى] أوّلها: العلم بموقع النّعمة من المنعم عليه ، وبقدر انتفاعه بما يصل إليه من ذلك: من سدّ خلّة، أو مبلغ لذّة وعلوّ في درجة، مع المعرفة بمقدار احتمال المنعم للمشقّة، والذي حاول من المعاناة والكلفة في بذل جاه مصون، أو مفارقة علق ثمين. وكيف لا يكون كذلك؟ وقد خوّل من نعمه بعض ما كان حبيسا على حوادث عدّة، فزاد في نعم غيره بما انتقص من نعم نفسه وولده. فكلّما تذكّر الشاكر ما احتمل من مؤونة البذل، سهل عليه احتمال ما نهض به من ثقل الشّكر. والخصلة الثانية: الحرّيّة الباعثة على حبّ المكافأة واستحسان

المجازاة. والشّكر من أكبر أبواب الأمانة، وأبعده من أسباب الخيانة؛ ولن يبلغ أحد في ذلك غاية المجد إلا بمعونة الطمع، وإلا الحرب سجال بينهما، والظّفر مقسوم عليهما. كذلك حكم الأشياء إذا تساوت في القوّة، وتقاربت في بلوغ المدّة. وقد زعم ناس أن الشّاكر والمنعم لا يستويان، كما أن الباديء بالظّلم والمنتصر لا يعتدلان، لأنّ الباديء أخذ ما ليس له، والمنتصر لم يتجاوز حقّه الذي هو له، ولأن الباديء لم يكن مهيّجا على الظّلم بعلّة جناها المنتصر، والمنتصر مهيج على المكافأة بعلّة جناها الباديء، والمثوّر للطباع المغضب، والمستخفّ المهيّج أعذر من السّاكن الوادع المطمئن. فلذلك قالوا: إن الباديء أظلم، والمنتصر أعذر. وزعموا أن المنعم هو الذي أودع صدر الشاكر المحبّة بإنعامه عليه، وهيّجه بذلك على مكافأته لإحسانه إليه، فقد صار المنعم شريك الشّاكر في إحسانه، وتفرّد بفضل إنعامه دون مشاركة غيره؛ والمنعم هو الذي دفع للشاكر أداة الشّكر، وأعاره آلة الوفاء، فهو من ههنا أحقّ بالتقديم، وأولى بالتّفضيل. هذا، وقد قال بعض الحكماء والأدباء والعلماء: من تمام كرم المنعم التّغافل عن حجّته، والإقرار بالفضيلة لشاكر نعمته، لأن المحاجّة مغالبة، ولا تتمّ مودّة إلا مع المسامحة. ولذلك قال الرّبعيّ لناس من العرب يختصمون: هل لكم في الحقّ أو خير منه؟ قالوا: قد عرفنا الحقّ، فما الذي هو خير منه؟ قال: التّغافل فإنّ الحقّ مرّ. ألا ترى إلى بنت هرم بن سنان لما قالت لابنة زهير بن أبي سلمى في بعض المناحات، أو في بعض المزاورات: إنّه ليعجبني ما أرى من حسن شارتكم، ونقاء نفحتكم. قالت ابنة زهير: أما والله لئن قلت ما قلت، فما ذلك إلا من فضول ما وهبتم، ومن بقايا ما أنعمتم. قالت بنت هرم: لا بل لكم الفضل، وعلينا الشّكر؛ أعطيناكم ما يفنى، وأعطيتمونا ما يبقى. وقيل لعبد الله بن جعفر حين أجزل لنصيب الشّاعر في الهبة، وكثّر له في العطيّة: أتنيل هذا العبد الأسود كلّ هذا النّيل، وتحبوه بمثل هذا الحباء؟ فقال عبد الله بن جعفر: أما والله لئن كان أسود الجلد إنه

والخصلة الثالثة: الديانة بالشكر

لأبيض الشّعر؛ أعطيناه دراهم تفنى، وثيابا تبلى، ورواحل تنضى، وأعطانا ثناء يبقى، وحديثا يثنى، ومكارم لا تبلى. فلهذه الخصال تكاملت خصال المجد فيهم، فظهر عنوان كرم الخير عليهم، فصاروا في زمانهم منارا، ولمن بعدهم أعلاما. وليس تتمّ معاني كرم المنعم، ومعاني وفاء الشاكر، حتّى تتوافى أقوالهما، وتتّفق أهواؤهما على تدافع الحجة، والإقرار بالمعجزة، فيزداد بذلك المنعم فضلا والشّاكر نبلا. هذا جملة القول في خصلتين من الأربع التي قدّمنا ذكرها، وشهرنا أمرها. والخصلة الثالثة: الدّيانة بالشّكر ، والإخلاص للمنعم في تصفية الودّ، فإن الدّين قائد المروءة، كما أن المروءة خطام «1» الحميّة. وهذه الخصال وإن تشعّبت في بعض الوجوه، وافترقت في بعض الأماكن، فإنها ترجع إلى نصاب يجمعها، وإلى إناء يحفظها، منه نجمت، وعنه انبثّت، وإليه رجعت. ولاجتماع هذه الخصال على مخالفة الهوى، ومجانبة الهوينى، وعلى اتّهام دواعي الشّهوة، والامتناع من كلب الطّبيعة- وفّق الأوّلون بينها في جملة الاسم، وقارنوا بينها في جمهرة الحكم. ولذلك قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: اعتبر عزمه بحميّته، وحزمه بمتاع بيته. ومدار جميع الأحوال المحمودة على الصّبر، ولن يتكلّف مرارة الصّبر من يجهل عاقبة الصّبر. وقالوا: لمّا صار ثقل الشّكر لا يحتمل إلا بالصّبر، صار الشّكر من نتاج الصّبر. وكما أنه لا بدّ للحلم- مع كرم الحلم- من الصّبر، فكذلك لا بدّ للشّكر- مع كرم الشّكر- من الصّبر. فالصّبر يجري مع جميع الأفعال المحمودة، كما يجري الهوى مع جميع الأفعال المذمومة. ولذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خلق الله عزّ وجلّ النّار وحفّها بالشّهوات، وخلق الجنّة وحفّها بالمكاره» .

والخصلة الرابعة: وصف ذلك الإحسان باللسان البين

والخصلة الرابعة: وصف ذلك الإحسان باللّسان البيّن ، وتخيّره بالبيان النيّر، وباللّفظ العذب الشّهيّ، والمعنى الشّريف البهيّ؛ فإن الكلام إذا كان حسنا، جعلته الحكماء أدبا، ووجدت الرّواة إلى نشره سببا، حتّى يصير حديثا مأثورا، ومجدا مذكورا، وداخلا في أسمار الملوك، وسوقا من أسواق المتأدّبين، ووصلة في المجالس، وزيادة في العقل، وشحذا للسان، وترهيفا للقلب، وتلطيفا للفكر، وعمارة للصّدر، وسلّما إلى العظماء، وسببا إلى الجلّة الكبراء. وإذا لم يكن اللّفظ رائعا، والمعنى بارعا، وبالنّوادر موشّحا، وبالملح مجلوّا، لم تصغ له الأسماع، ولم تنشرح له الصّدور، ولم تحفظه النّفوس، ولم تنطق به الأفواه، ولم يخلّد في الكتب، ولم يقيّد بالدّرس، ولم يجذل به قائل، ولم يلتذّ به سامع. ومتى لم يكن كذلك كان كلاما ككلام اللّغو، ومعاني السّهو، وكالهجر «1» الذي لا يفهم، والمستغلق الذي لا يعلم. وليس- أبقاك الله- شيء أحوج إلى الحذق، ولا أفقر إلى الرّفق، من الشّكر النّافع، والمديح النّاجع، الذي يبقى بقاء الوشم، ويلوح كما يلوح النّجم. كما أنّه لا شيء أحوج إلى وسع الطّاقة، وإلى الفضل في القوّة، وإلى البسطة في العلم، وإلى تمام العزم- من الصّبر. وعلى أن الشّكر في طبقات متفاوتة، ومنازل متباينة؛ وإن جمعها اسم، فليس يجمعها حكم؛ فربّما كان كلاما تجيش به الصّدور، وتمجّه الأفواه، وتجدف به الألسنة، ويستعمل فيه الرّأي المقتضب، والخاطر المحتار، والكلام المرتجل، فيرمى به على عواهنه، وتبنى مصادره على غير موارده، لا يتعذّر فيه الشّاكرون لانتفاع المنعمين، كما تعذّر المنعمون لانتفاع الشّاكرين. وليست غاية القائل إلا أن يعدّ بليغا مفوّها، أو يستزيد به إلى نعمه السّالفة نعما آنفة؛ أو ليس إلا ليغترّ كريما، أو يختدع غنيّا لا يتفقّد ساعات القول، ولا يتعرّف

أقدار المستمعين؟ وليس غايته إلا الكسب والتّعرّض والانتفاع والتّرنّح؛ وعلى هذا يدور شكر المستأكلين، وإحماد المتكسّبين. وهذا الباب وإن جعلته العوامّ شكرا، فهو بغير الشّكر أشبه، وبذلك أولى؛ وربّما كان شكره عن تأنّق وتذكير، وعن تخيّر وتخيير، وعن تفقّد للحالات، وتحصيل للأمور في المقامات التي تحيط بمهجته، وبحضرة عدوّ لا يزال مترصّدا لنعمته؛ فربّما التمس الزيادة في غبطه، وربّما التمس شفاء دائه وإصلاح قلبه، ونقض المبرم من معاقد حقده، على قدر الرّد، وعلى قدر تصرّف الحالات في المصلحة، لأن الشاكر كالرّائد لأهله، وكزعيم رهطه، والمشار إليه عند مشورته؛ فربّما اختار أن يكون شكره شعرا: لأن ذلك أشهر، وربّما اختار أن يكون كلاما منثورا: لأن ذلك أنبل، وربّما أظهر اليسر وانتحل الثّروة، وجعل من الدّليل على ذلك كثرة النّفقة، وحسن الشّارة، ويرى أن ذلك أصدق المدحين، وأنبل الشّكرين، ويجعل قائده إلى هذا المذهب، وسابقه إلى هذا التّدبير قول نصيب «1» : فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب! وممّا يدخل في هذا الباب وليس به- قول العنزيّ «2» : يابن العلاء ويابن القرم مرداس ... إنّي لأطريك في أهلي وجلّاسي حتّى إذا قيل: ما أعطاك من صفد؟ ... طأطأت من سوء حال عندها راسي! أثني عليك ولي حال تكذّبني ... بما أقول فأستحيي من النّاس! وبين هذين الشّكرين طبقات معروفة، ومنازل معلومة. وموضع الشّكر

من قلب السّامع في القبول والاستنامة، على قدر حسن النّيّة؛ والذي يعرف به الشّاكر من صدق اللهجة، ومن قلّة السّرف، واعتدال المذاهب، والاقتصاد في القول. وهذا باب سوى الباب الآخر من حسن الوصف، وجودة الرّصف؛ ولذلك لمّا أحسن بعض الواعظين في الموعظة، وأبلغ في الاعتبار وفي ترقيق القلوب، ولمّا لم ير أحدا يخشع، ولا عينا تدمع، قال: يا هؤلاء إما أن يكون بي شرّ، أو يكون بكم شرّ. وقيل لجلساء الفضل الرّقاشيّ «1» ، وعبد الصّمد بن الفضل الرّقاشيّ: ما بال دموعكم عند الفضل أغزر، وعند عبد الصّمد أنزر، وكلام عبد الصّمد أغزر، وكلام الفضل أنزر؟ قالوا: لأن قلب الفضل أرقّ، فصارت قلوبنا أرقّ، والقلوب تتجارى. وقالوا: طوبى للممدوح إذا كان للمدح مستحقّا، وللدّاعي إذا كان للاستجابة أهلا، وللمنعم إذا حظي بالشّكر، وللشّاكر إذا حظي بالقبول. إني لست أحتشم من مدحك، لأني لست أتزيّد في وصفك، ولست أمدحك من جهة معروفك عندي، ولا أصفك بتقديم إحسانك إليّ، حتّى أقدّم الشّكر الذي هو أولى بالتّقديم، وأفضّل الصّنف الذي هو أحقّ بالتّفضيل. وفي الخبر المستفيض، والحديث المأثور: «ما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى. وقليل باق خير من كثير فان» . تذاكر الناس عند بعض الحكماء طبقات السّابقين في الفضل، وتنزيل حالاتهم في البرّ، ومن كانت الخصلة المحمودة فيه أكثر، والخصلة الثانية فيه أوفر، فقال ذلك الحكيم: ليس بعجب أن يسبق رجل إلى الإسلام، وكلّ

شيء، فقد سبق إلى تقديمه ناس وأبطأ آخرون؛ وليس بعجب أن يفوق الرّجل أترابه في الزّهد، وأكفاءه في الفقه، وأمثاله في الذّبّ: وهذا يوجد في كلّ زمان، ويصاب في كلّ البلدان؛ ولكنّ العجب العجيب، والنّادر الغريب، الذي تهيّأ في عمر بن الخطّاب رضي الله عنه واتّسق له؛ وذلك أنه غبر عشر حجج: يفتح الفتوح، ويدوّخ البلاد، ويمصّر الأمصار، ويدوّن الدّواوين، ويفرض الفروض، ويرتّب الخاصّة، ويدبّر العامة، ويجبي الفيء، وترمي إليه الأرض بأفلاذ كبدها، وأنواع زخرفها، وأصناف كنوزها، ومكنون جوهرها، ويقتل ملوكها، ويلي ممالكها، ويحلّ ويعقد، ويولّي ويعزل، ويضع ويرفع، وبلغت خيله إفريقية، ودخلت خراسان: كلّ ذلك بالتّدبير الصّحيح والضّبط، والإتقان والقوّة، والإشراف، والبصر النّافذ، والعزم المتمكّن، ثم قال: لا يجمع مصلحة الأمّة، ولا يحوشهم على حظّهم من الألفة واجتماع الكلمة، وإقامتهم على المحجّة، مع ضبط الأطراف، وأمن البيضة- إلا لين في غير ضعف، وشدّة في غير عنف. ثم غبر بعد ذلك سنيّه كلّها على وتيرة واحدة، وطريقة مطّردة؛ لا ينجرف عنها، ولا يغيّرها، ولا يسأمها، ولا يزول عنها: من خشونة المأكل والملبس، وغلظ المركب، وظلف «1» النّفس عن صغيرها وكبيرها، ودقيقها وجليلها، وكلّ ما يناجز الناس عليه؛ لم يتغيّر في لقاء ولا في حجاب، ولا في معاملة ولا في مجالسة، ولا في جمع ولا في منع، ولا قبض ولا بسط: والدّنيا تنصبّ عليه صبّا، وتتدفّق عليه تدفّقا؛ والخصلة من خصاله، والخلّة من خلاله، تدعو إلى الرّغبة، وتفتح باب الألفة، وتنقض المبرم، وتفيد المروءة وتفسح المنّة، وتحلّ العقدة، وتورث الاغترار بطول السّلامة، والاتّكال على دوام الظّفر، ومواتاة الأيّام، ومتابعة الزّمان. وكان ثباته عشر حجج على هذه الحال أعجوبة، ومن البدائع الغريبة. وبأقلّ من هذا يظهر العجب، ويستعمل الكبر، ويظهر الجفاء، ويقلّ التّواضع.

ونحن وإن كنّا لا نستجيز أن نلحق أحدا بطباع عمر ومذهبه، وفضل قوّته، وتمام عزمه، فإنّا لا نجد بدّا من معرفة فضل كلّ من استقامت طريقته، ودامت خليقته، فلم يتغيّر عند تتابع النّعم، وتظاهر الصّنع، وإن كانت النّعم مختلفة الأجناس، ومتفاوتة في الطّبقات. وكيف يلحق به أحد؟ مع قوله: «لو أنّ الصّبر والشّكر بعيران ما باليت أيّهما ركبت» ، ولكنّا على حال لا ندع تعظيم كلّ من بان من نظرائه في المرتبة، وأشباهه في المنزلة، إذ كان أدومهم طريقة، وأشدّهم مريرة، وأمضاهم على الجادّة الوسطى، وأقدرهم على المحجّة العظمى. ولا بدّ من أن يعطى كلّ رئيس قسطه، وكلّ زمان حظّه؛ ولا يعجبني قول القائل: لم يدع الأوّل للآخر شيئا، بل لعمري لقد ترك له العريض الطّويل، والثّمين الخطير، واللّقم «1» النّهج، والمنهج الرّحب. ولو أنّ الناس مذ جرت هذه الكلمة على أفواه العوام، وأعجب بها الأغمار من الرّجال- قلّدوا هذا الحكم، واستسلموا لهذا المذهب، وأهملوا الرّويّة، ويئسوا من الفائدة، [إذن] لقد كان ارتفع من الدّنيا نفع كثير، وعلم غزير. وأيّ زمان بعد زمان النّبيّ صلّى الله عليه وآله أحقّ بالتّفضيل، وأولى بالتقديم، من زمان ظهرت فيه الدّعوة الهاشميّة، والدّولة العبّاسيّة، ثم زمان المتوكّل على الله، والنّاصر لدين الله، والإمام الذي جلّ فكره، وكثر شغله بتصفية الدّين وتهذيبه، وتلخيصه وتنقيحه، وإعزازه وتأييده، واجتماع كلمته، ورجوع ألفته. وقد سمعت من يقول- ويستشهد العيان القاهر، والخبر المتظاهر-: ما رأيت في زماننا من كفاة السّلطان وولاته، وأعوانه وحماته، من كان يؤمّل لمحلّك، ويتقدّم في التّأهّب له، إلا وقد كان معه من البذخ والنّفخ، ومن الصّلف والعجب، ومن الخيلاء، ومن إفراط التّغيّر للأولياء، والتّهكّم على الخلطاء، ومن سوء اللقاء، ما لا خفاء به على كاتب

ولا على عامل، ولا على خطيب ولا على أديب، ولا على خاصّيّ ولا على عامّيّ. فجمعت- والحمد لله على النّعمة فيك- بين التّواضع والتّحبّب، وبين الإنصاف وقلّة التّزيّد؛ فلا يستطيع عدوّ معلن، ولا كاشح مسرّ، ولا جاهل غبيّ، ولا عالم مبرّز، يزعم أنه رأى في شمائلك وأعطافك- عند تتابع النّعم، وتظاهر المنن- تغيّرا في لقاء ولا في بشر عند المساءلة، ولا في إنصاف عند المعاملة، واحتمال عند المطاولة: الأمر واحد، والخلق دائم، والبشر ظاهر، والحجج ثاقبة، والأعمال زاجية، والنفوس راضية، والعيون ناطقة بالمحبّة، والصّدور مأهولة بالمودّة، والدّاعي كثير، والشاكي قليل؛ وأنت بحمد الله تزداد في كلّ يوم بالتّواضع نبلا، وبالإنصاف فضلا، وبحسن اللّقاء محبّة، وبقلة العجب هيبة. وقال سهل بن هارون في دعائه لبعض من كان يعتني بشأنه: «اللهم زده من الخيرات، وابسط له في البركات، حتّى يكون كلّ يوم من أيامه موفيا على أمسه، مقصّرا عن فضيلة غده» «1» . وقال في هذا المعنى أعشى همدان، وهو من المخضرمين: رأيتك أمس خير بني معدّ ... وأنت اليوم خير منك أمس وبعد غد تزيد الخير ضعفا «2» ... كذاك تزيد سادة عبد شمس! قد- والله- أنعم الله عليك وأسبغ، فاشكر الله وأخلص. محتدك

شريف، وأرومتك كريمة، والعرق منجب، والعدد دثر «1» ، والأمر جميل، والوجوه حسان، والعقول رزان، والعفاف ظاهر، والذّكر طيّب، والنّعمة قديمة، والصّنيعة جسيمة، وما مثلكم إلا كما قال الشّاعر: إنّ المهالبة «2» الكرام تحمّلوا ... دفع المكاره عن ذوي المكروه زانوا قديمهم بحسن حديثهم ... وكريم أخلاق بحسن وجوه! النعمة محفوظة بالشّكر، والأخلاق مقوّمة بالأدب، والكفاءة محفوفة بالحذق، والحذق مردود إلى التوكّل، والصّنع من وراء الجميع إن شاء الله. هذا إلى ما ألبسك الله من القبول، وغشّاك من المحبّة، وطوّقك من الصّبر، فبقي الآن أن نشتهي ما أنت فيه شهوة في وزن هذه المرتبة، وفي مقدار هذه المنزلة، فإنّ الرغبة وإن قويت، والرّهبة وإن اشتدّت، فإنهما لا يثمران من النشاط، وينتجان من القوّة على المباشرة والكدّ، ما تثمره الشّهوة وإن ضعفت، والحركة من ذات النّفس وإن قلّت، لأن النّفس لا تسمح بمكنونها كلّه، وتجود بمخزون قواها أجمع، إلا بالشهوة دون كلّ علّة محرّكة، وكلّ سبب مهيّج. قال يحيى بن خالد لجعفر بن يحيى حين تقلّد الوزارة، وتكلّف النّهوض بأعباء الخلافة: «أي بنيّ، إنّي أخاف عليك العجز: لعظيم ما تقلّدت، وجسيم ما تحمّلت. إني لست آمن أن تتفسّخ تحت ثقلها تفسّخ الجمل تحت الحمل الثّقيل. قال جعفر: لكنّي أرجو القوّة، وأطمع أن أستقلّ بهذا الثّقل وأنا مبتهل غير مبهور، وأجيء قبل السّوابق وأنا ثاني.

يقول: وأنا ثاني عناني، لأنّي لم أجهد فرسي ركضا. قال يحيى: إن لكلّ رجاء سببا، فما سبب رجائك؟ قال: شهوتي لما أنا فيه، والمشتهي للعمل لا يجد من ألم الكدّ ما يجده العسيف «1» الأسيف. قال يحيى: إن نهضت بثقلها فبهذا، وإلّا فلا. وأنا أسأل الله أن يصرف شهوتك إلى حبّ ذلك، وهواك إلى الاحتفاظ بنعمتك: بشكر المصلحين، والتوكّل على ربّ العالمين. وحقّ لمن كان من غرس المتوكّل على الله وابتدائه، ومن صنائعه واختياره، أن يخرّج على أدبه وتعليمه، وعلى تثقيفه وتقويمه، وأن يحقّق الله فيه الأمل، وينجز فيه الطّمع، وأن يمدّ له في السّلامة، ويجزل له من الغنيمة، ويطيّب ذكره، ويعلي كعبه، ويسرّ صديقه، ويكبت عدوّه. وهذه نسخة رسالة تسمّى «الإغريضيّة» ، أرسلها أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعرّي التّنوخي إلى أبي القاسم الحسين بن عليّ المغربي «2» ؛ وهي:

[بسم الله الرحمن الرحيم وبه الإعانة] «1» . السّلام «2» عليك أيّتها الحكمة المغربيّة، والألفاظ العربيّة؛ أيّ هواء رقاك، وأيّ غيث سقاك؛ برقه كالإحريض، وودقه مثل الإغريض «3» ؛ حللت الرّبوة، وجللت عن الهبوة «4» ؛ أقول لك ما قال أخو [بني] «5» نمير، لفتاة بني عمير: زكا لك صالح وخلاك ذمّ ... وصبّحك الأيامن والسّعود! لأنا آسف على قربك من الغراب الحجازيّ، على حسن الزّيّ، لمّا أقفر، وركب السّفر، فقدم جبال الرّوم في نوّ «6» ، أنزل البرس «7» من الجوّ،

فالتفت إلى عطفه وقد شمط فأسي، وترك النّعيب أو نسي، وهبط إلى الأرض فمشى في قيد، وتمثّل ببيت دريد «1» : صبا ما صبا حتّى علا الشّيب رأسه ... فلمّا علاه قال للباطل: ابعد! وأراد الإياب، في ذلك الجلباب، فكره الشّمات، فكمد حتّى مات؛ وربّ وليّ أغرق في الإكرام، فوقع في الإبرام، إبرام السّأم، لا إبرام السّلم «2» ؛ فحرس الله سيدنا حتّى تدغم الطاء في الهاء «3» ، فتلك حراسة بغير انتهاء؛ وذلك أن هذين ضدّان، وعلى التّضادّ متباعدان، رخو وشديد، وهاد وذو تصعيد، وهما في الجهر والهمس، بمنزلة غد وأمس؛ وجعل الله رتبته التي [هي] «4» كالفاعل والمبتدا، نظير الفعل في أنها لا تنخفض أبدا، فقد جعلني: إن حضرت عرف شاني، وإن غبت لم يجهل مكاني، ك «يا» في النّداء، والمحذوف من الابتداء، إذا قلت: زيد أقبل، والإبل الإبل، بعد ما كنت كهاء الوقف إن ألقيت «5» فبواجب، وإن ذكرت فغير لازب «6» . إنّي وإن غدوت [في زمان] «7» كثير الدّد، كهاء العدد، لزمت المذكّر، فأتت بالمنكر، مع إلف يراني في الأصل، كألف الوصل، يذكرني بغير «8» الثّناء، ويطّرحني عند الاستغناء، وحال كالهمزة تبدل العين،

وتجعل بين بين، وتكون تارة حرف لين، وتارة مثل الصّامت الرّصين، فهي لا تثبت على طريقة، ولا تدرك لها صورة في الحقيقة «1» ، ونوائب ألحقت الكبير بالصّغير، كأنها ترخيم التّصغير، ردّت المستحلس إلى «حليس» ، [وقابوس] «2» إلى قبيس؛ لأمدّنّ صوتي بتلك الآلاء، مدّ الكوفيّ صوته في هؤلاء، وأخفّف عن حضرة سيدنا [الوزير] «3» الرّئيس الحبر، تخفيف المدنيّ ما قدر عليه من النّبر «4» ؛ إن كاتبت فلست «5» ملتمس جواب، وإن أسهبت في الشّكر فلست «6» طالب ثواب، حسبي ما لديّ من أياديه، وما غمر

من فضل السّيّد الأكبر أبيه، أدام الله لهما القدر «1» ما دام الضّرب الأوّل من الطّويل صحيحا «2» ، والمنسرح خفيفا سريحا؛ وقبض الله يمين عدوّهما عن كلّ معن، قبض العروض من أوّل وزن «3» ، وجمع له المهانة إلى التّقييد، كما جمعا في ثاني المديد «4» ، وقلم قلم الفسيط، وخبل كسباعيّ البسيط «5» ، وعصب [الله] الشّرّ بهامة شانئهما وهو مخزوّ، عصب الوافر الثّالث «6» وهو مجزوّ، بل أضمرته الأرض إضمار ثالث الكامل «7» ، وعداه أمل الآمل،

وسلّم سيّدانا أعزّ الله نصرهما ومن أحبّاه وقرّباه سلامة متوسّط المجموعات «1» ، فإنه آمن من المروّعات؛ فقد افتننت في نعمهما الرّائعة، كافتنان الدّائرة الرّابعة، وذلك أنّها أمّ ستّة موجودين، وثلاثة مفقودين «2» . وأنا أعد نفسي مراسلة حضرة سيدنا الجليلة عدة ثريّا اللّيل «3» ، وثريّا سهيل «4» ، هذه القمر، وتلك عمر «5» ، وأعظّمه في كلّ وقت، إعظاما في مقة وبعض الإعظام في مقت «6» ؛ فقد نصب للآداب قبّة صار الشّام فيها كشامة المعيب، والعراق كعراق الشّعيب «7» ؛ أحسب ظلالها من البردين «8» ، وأغنت

العالم عن الهندين، هند الطّيب، وهند النّسيب، ربّة الخمار، وأرباب قمار، أخدان التّجر، وخدينة الهجر «1» .. «2» ما حاملة طوق من اللّيل، وبرد من المرتبع مكفوف الذّيل، أوفت الأشاء، فقالت للكئيب ما شاء؛ تسمعه غير مفهوم، لا بالرّمل ولا بالمزموم؛ كأن سجيعها قريض، ومراسلها الغريض؛ فقد ماد لشجوها العود، وفقيدها لا يعود؛ تندب هديلا فات، وأتيح له بعض الآفات «3» - بأشوق إلى هديلها من عبده إلى مناسمة أنبائه، ولا أوجد على إلفها منه على زيارة فنائه؛ وليست الأشواق، لذوات الأطواق، ولا عند السّاجعة، عبرة متراجعة، إنما رأت الشّرطين «4» ، قبل البطين، والرّشاء بعد العشاء، فحكت صوت الماء في الخرير، وأتت براء دائمة التّكرير، فقال جاهل فقدت حميما، وثكلت ولدا كريما «5» : وهيهات يا باكية، أصبحت فصدحت، وأمسيت فتناسيت؛ لا همام لا همام «6» ، ما رأيت أعجب من هاتف الحمام: سلم فناح، وصمت وهو

مكسور الجناح؛ إنّما الشّوق لمن يدّكر في كلّ حين، ولا يذهله مضيّ السّنين. وسيّدنا الوزير أطال الله بقاءه القائل النّظم في الذّكاء مثل الزّهر، وفي النّقاء مثل الجوهر، تحسب بادرته التّاج؛ ارتفع عن الحجاج «1» ، وغابرته الحجل في الرّجل؛ يجمع بين اللّفظ القليل، والمعنى الجليل، جمع الأفعوان في لعابه بين القلّة وفقد البلّة «2» ؛ خشن فحسن، ولان فما هان؛ لين الشّكير، يدلّ على عتق المحضير «3» ، وحرش الدّينار آية كرم النّجار؛ فصنوف الأشعار بعده كألف السّلم، يلفظ بها في الكلام، ولا تثبت لها هيئة بعد اللّام، خلص من سبك النّقد خلوص الذّهب من اللهب، واللّجين من يد القين، كأنّه لآل في أعناق حوال، وسواه لطّ في عنق ثطّ «4» ، ما خانته قوّة الخاطر الأمين، ولا عيب بسناد ولا تضمين «5» ؛ وأين النّثرة «6» من العثره،

والغرقد من الفرقد؟؛ فالسّاعي في أثره فارس عصا بصير، لا فارس عصا قصير «1» . وأنا ثابت على هذه الطّويّة ثبات حركة البناء «2» ، مقيم تلك الشّهادة بغير استثناء، غنيّ عن الأيمان فلا عدم، مقسم على ما قلت فلا حنث ولا ندم؛ وإنّما تخبأ الدّرّة للحسناء الحرّة، ويجاد باليمين في العلق الثّمين، ما أنفسه خاطرا امترى الفضّة من القضّة، والوصاة من مثل الحصاة «3» ؛ وربّما نزعت

الأشباه، ولم يشبه المرء أباه؛ ولا غرو لذلك: الخضرة أمّ اللهيب، والخمرة بنت الغربيب «1» . وكذلك سيدنا: ولد من سحر المتقدّمين، حكمة للحنفاء المتديّنين؛ كم له من قافية تبني السّود «2» ، وتثني الحسود، كالميت، من شرب العاتقة الكميت: نشوره قريب، وحسابه تثريب «3» ؛ أين مشبّهو النّاقة بالفدن، والصّحصح برداء الرّدن «4» ؛ وجب الرّحيل، عن الرّبع المحيل؛ نشأ بعدهم واصف، غودر رأله كالمناصف «5» ، إذا سمع الخافض صفته للسّهب الفسيح، والرّهب الطّليح، ودّ أنّ حشيّته بين الأحناء، وخلوقه عصيم الهناء «6» ، وحلم بالقود في الرّقود، وصاغ برى ذوات الأرسان، من برى البيض الحسان، شنفا لدرّ النّحور، وعيون الحور، وشغفا بدرّ بكيّ، وعين مثل الرّكيّ «7» ، وإعراضا عن بدور، سكنّ في الخدور، إلى [حول] «8» ،

كأهلّة المحول؛ فهنّ أشباه القسيّ، ونعام السّيّ «1» ؛ وإن أخذ في نعت [الخيل] «2» فيا خيبة من سبّه «3» الأوابد بالتّقييد، وشبّه الحافر بقعب الوليد «4» ، نعتا غبط به الهجين المنسوب، والبازيّ اليعسوب، إذ رزق من الخير، ما ليس لكثير من سباع الطّير؛ وذلك أنه على الصّغر، سمّي بعض الغرر؛ وقد مضى حرس «5» ، وخفت جرس؛ وللقالع «6» ، أبغض طالع، والأزرق، يجنّبك عنه الفرق. فالآن سلمت الجبهة من المعض، وشمل بعضها بركات بعض، فأيقن النّطيح، أنّ ربّه لا يطيح، والمهقوع، نجاء «7» راكبه من الوقوع، فلن يحرب، قائد [المغرب] «8» ، ولن يرجل، سائس الأرجل «9» ، والعاب، وإن لحق الكعاب «10» ، فإنّه ناكب، عن ناقلات المراكب. وقالت خيفانة امريء

لقيس: الدّبّاءة، لراعي المباءة «1» ، والأثفيّة، للقدر الكفيّة، نقما على جاعل [عذرها] «2» كقرون العروس، وجبهتها كمحذّف التّروس «3» ؛ وأنّى للكنديّ، قواف كهجمة السّعدي «4» : إذا اصطكّت بضيق حجرتاها ... تلاقى العسجديّة واللّطيم «5» ! فالقسيب «6» ، في تضاعيف النّسيب، والشّباب في ذلك التّشبيب؛ ليس رويّه «7» بمقلوب، ولكنّه من إرواء القلوب؛ قد جمع أليل ماء الصّبا، وصليل ظماء الظّبا «8» ؛ فالمصراع كوذيلة الغريبة «9» ، حكت الزّينة والرّيبة، وأرت الحسناء سناها، والسّمجة ما عناها؛ فأما الرّاح فلو ذكرها لشفت من الهرم، وأنتفت من الكرم إلى الكرم، ولم ترض دنان العقار، بلباس القار، ونسج العناكب، على المناكب، ولكن تكسى من وشي ثيابا، ويجعل طلاؤها

زريابا «1» ؛ ولقد سمعته ذكر خيمة يغبط المسك جارها من الشّيام، ويودّ سعد الأخبية أنه سعد الخيام «2» . ووقفت على «مختصر إصلاح المنطق» الذي كاد بسماة الأبواب، يغني عن سائر الكتاب، فعجبت كلّ العجب من تقييد الأجمال، بطلاء الأحمال «3» ؛ وقلب البحر، إلى قلت النّحر «4» وإجراء الفرات، في مثل الأخرات «5» ؛ شرفا له تصنيفا شفى الرّيب، وكفى من ابن قريب «6» ، ودلّ على جوامع اللّغة بالإيماء، كما دلّ المضمر على ما طال من الأسماء. أقول في الإخبار: أمرت أبا عبد الجبّار؛ فإذا أضمرته، عرف متى قلت: أمرته؛ وأبلّ من المرض والتّمريض، بما أسقط من شهود القريض؛ كأنّهم في تلك الحال، شهدوا بالمحال، عند قاض، عرف أمانتهم بالانتقاض، على حقّ علمه بالعيان، فاستغنى فيه عن كلّ بيان. وقد تأمّلت شواهد «إصلاح المنطق» فوجدتها عشرة أنواع في عدّة إخوة الصّدّيق، لمّا تظاهروا على غير حقيق، وتزيد على العشرة بواحد، كأخ ليوسف لم يكن بالشّاهد. والشّعر الأوّل وإن كان سبب الأثرة، وصحيفة

المأثرة، فإنه كذوب القالة، نموم الإطالة؛ وإنّ «قفانبك» [على حسنها] «1» ، وقدم سنّها، لتقرّ بما يبطل شهادة العدل الرّضا، فكيف بالبغيّ الأنثى؟! قاتلها الله عجوزا لو كانت بشريّة، كانت من أغوى البريّة. وقد تمادى بأبي يوسف رحمه الله الاجتهاد، في إقامة الأشهاد، حتى أنشد رجز الضّبّ «2» ، وإن معدّا من ذلك لجدّ مغضب؛ أعلى فصاحته يستعان بالقرض، ويستشهد بأحناش الأرض «3» ؟! ما رؤبة عنده في نفير «4» ، فما قولك في ضبّ دامي الأظافير؟! ومن نظر في كتاب يعقوب وجده كالمهمل، إلا باب فعل وفعل، فإنّه مؤلّف على عشرين حرفا: ستّة مذلّقة «5» ، وثلاثة مطبقة «6» ، وأربعة من الحروف الشّديدة «7» ، وواحد من المزيدة «8» ، ونفيثتين: الثّاء والذّال، وآخر متعال «9» والأختين العين والحاء، والشّين مضافة إلى حيّز الراء. فرحم الله أبا يوسف لو عاش لفاظ كمدا، أو احفاظّ حسدا «10» ؛ سبق ابن السّكّيت ثم صار السّكيت «11» ، وسمق ثم حار «12» وتدا للبيت؛ كان الكتاب

تبرا في تراب معدن، بين الحثّ وبين المتّدن «1» ؛ فاستخرجه سيّدنا واستوشاه «2» ، وصقله فكره ووشّاه، فغبطه النّيّرات على التّرقيش، والآل النّقيش «3» ؛ فهو محبوب ليس بهين، على أنه ذو وجهين؛ ما نمّ قطّ ولا همّ، ولا نطق ولا أرمّ «4» ، فقد ناب في كلام العرب الصّميم، مناب مرآة المنجّم في علم التّنجيم؛ شخصها ضئيل ملموم، وفيها القمران والنّجوم. وأقول بعد في إعادة اللّفظ: إنّ حكم التّأليف في ذكر الكلمة مرّتين، كالجمع في النكاح بين الأختين: الأولى حلّ يرام، والثانية بسل «5» حرام؛ كيف يكون في الهودج لميسان، وفي السّبّة «6» خميسان؛ يا أمّ الفتيات حسبك من الهنود، ويا أبا الفتيان شرعك من السّعود؛ عليك أنت بزينب ودعد، وسمّ أيّها الرّجل بسوى سعد؛ ما قلّ أثير، والأسماء كثير. مثل يعقوب مثل خود «7» كثيرة الحليّ ضاعفته على التّراق، وعطّلت الخصر والسّاق؛ كان يوم قدوم تلك النّسخة يوم ضريب «8» حشر الوحش مع الإنس، وأضاف الجنس إلى غير الجنس؛ ولم يحكم على الظّباء، بالسّباء، ولا رمى الآجال، بالأوجال؛ ولكنّ الأضداد تجتمع، فتستمع؛ وتنصرف بلذّات، من غير أذاة؛ وإن عبده موسى لقيني نقابا «9» ؛ فقال: هلمّ كتابا؛ يكون لك شرفا، وبموالاتك في حضرة سيدنا- أطال الله بقاءه- معترفا؛

فتلوت عليه هاتين الآيتين: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى «1» . وأحسبه رأى نور السّؤدد فقال لمخلّفيه، ما قاله موسى صلّى الله عليه لأهليه: إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً «2» ، فليت شعري: ما يطلب؟ أقبس ذهب؟ أم قبس لهب؟ بل يتشرّف بالأخلاق الباهرة، ويتبرك بالأحساب الطاهرة: باتت حواطب ليلى يقتبسن «3» لها ... جزل الجذا غير خوّار ولا دعر! «4» وقد آب من سفرته الأولى ومعه جذوة من نار قديمة: إن لمست فنار إبراهيم، أو أونست فنار الكليم؛ واجتنى بهارا حبت به المرازبة كسرى، وحمل في فكاك الأسرى، وأدرك نوحا مع القوم، وبقي غضّا إلى اليوم؛ وما انتجع موسى إلا الرّوض العميم، ولا اتّبع إلا أصدق مقيم «5» ؛ وورد عبده الزّهيريّ من حضرته المطهّرة وكأنّه زهرة بقيع «6» ، أو وردة ربيع، كثيرة الورق، طيّبة العرق؛ وليس هو في نعمته كالرّيم، في ظلال الصّريم «7» ؛ والجاب، في السّحاب المنجاب «8» ؛ لأن الظلام يسفر، والغمام ينسفر؛ ولكنّه مثل النّون في اللّجّة، والأعفر تحت جربة «9» .

وقد كنت عرّفت سيدنا في ما سلف أن الأدب كعهود في غبّ «1» عهود، أروت النّجاد فما ظنّك بالوهود؟؛ وأنّي نزلت من ذلك الغيث ببلد طسم «2» ، كأثر الوسم؛ منعه القراع، من الإمراع؛ «يابوس، بني سدوس» «3» العدوّ حازب، والكلأ عازب «4» ؛ يا خصب بني عبد المدان؛ ضأن في الحربث وإبل «5» في السّعدان؛ فلما رأيت ذلك أتعبت الأظلّ «6» ، فلم أجد إلّا الحنظل، فليس في اللّبيد، إلا الهبيد «7» ؛ جنيته من شجرة اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار. لبن الإبل عن المرار مرّ، وعن الأراك طيّب حرّ «8» . هذا مثلي في الأدب، فأما في النّشب «9» ، فلم تزل لي بحمد الله تعالى وبقاء سيّدنا بلغتان: بلغة صبر، وبلغة وفر، أنا منهما بين اللّيلة المرعيّة، واللّقوح الرّبعيّة «10» ، هذه عام، وتلك مال وطعام، والقليل، سلّم إلى

الجليل، كالمصلّي يريغ الضّوء «1» ، بإسباغ الوضوء، والتّكفير، بإدامة التّعفير، وقاصد بيت الله يغسل الحوب، بطول الشّحوب. وأنا في مكاتبة حضرة سيّدنا الجليلة، والميل عن حضرة سيّدنا الأجلّ والده- أعزّ الله نصره- كسبا بن يعرب، لما ابتهل في التّقرّب، إلى خالق النّور، ومصرّف الأمور، نظر فلم ير أشرق «2» من الشّمس يدا، فسجد لها تعبّدا. وغير ملوم سيّدنا لو أعرض عن شقائق النّعمان الرّبيعيّة «3» ، ومدائحه اليربوعيّة «4» ؛ مللا من أهل هذه البلد المضاف إلى هذا الاسم؛ فغير معتذر، من أبغض لأجلهم بني المنذر، وهم إلى حضرته السّنيّة رجلان: سائل، وقائل؛ فأمّا السّائل فألحّ، وأما القائل فغير مستملح؛ وقد سترت نفسي عنها ستر الخميص، بالقميص؛ وأخي الهتر، بسجوف السّتر، فظهر لي فضله الذي مثله مثل الصّبح إذا لمع تصرّف الحيوان في شؤونه وخرج من بيته اليربوع، وبرز الملك من أجلّ الرّبوع، وقد يولع الهجرس «5» ، بأن يجرس، في البلد الجرد، قدّام الأسد الورد. وإني خبّرت أن تلك الرسالة الأولى عرضت بالمعرض الكريم «6» : فأوجب ذلك رحيل أختها، متعرّضة لمثل بختها؛ وكيف لا تنفع «7» ، وفي اليم تقع، وهي بمقصد سيّدنا فاخرة، ولو نهيت الأولى لا نتهت الآخرة.

كملت الرسالة [التي كتبها أبو العلاء إلى الوزير الكامل أبي القاسم المغربي] «1» قلت: وهذه رسالة أنشأتها في تقريض المقرّ الكريم الفتحيّ «2» ، أبي المعالي فتح الله، صاحب دواوين الإنشاء بالديار المصرية والممالك الإسلاميّة، أدام الله تعالى معاليه، في شهور سنة أربع عشرة وثمانمائة؛ وهي: الحمد لله الذي جعل الفتح محطّ رحال القرائح الجائدة، ومستقرّ نواها، ومحيط دائرة الأفكار الواردة، ومركز شعاع كواها، ومادّة عناصر الأفهام الجائلة، وعتاد شكيمة قواها. نحمده على أنّ خصّ المملكة المصرية من إيداع سرّها المصون بأوسع صدر رحيب، وأنهض بتدبير مصالحها من إذا سرت كتائب كتبه إلى عدوّ أنشد من شدّة الفرق: قفانبك من ذكرى حبيب، وأقام لنصرتها بأسل الأقلام وصفاح المهارق «3» من إذا طرقها على البعد طارق تلا لسان يراعته: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ «4» ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تسير بها برد الهداية إلى آفاق الأخلاق فتشيّد لقلاع الإيمان بأقطار القلوب أركانا، وترقم أسرار شعائرها بنقس «5» القبول في صحف الإقبال فتبدّل داعيها بإذاعة خبرها من الإسرار إعلانا، وتدين بطاعتها ملوك الممالك

النائية خضوعا فتتّخذ كتب رسائلها على المفارق بعد اللّثم تيجانا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل نبيّ سنّ المعروف وندب إليه، وأكرم رسول جعل خير بطانتي الملك التي تأمره بالخير وتحثّه عليه، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين سلكوا في السّير سبيله واتّبعوا في السّيرة سننه واقتفوا فيه سننه، واتّبعوا في المعروف آثاره فتلا عليهم تالي الإخلاص: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ «1» ، صلاة تتناقل على مرّ الزمان أخبارها، ويتصدّى لروايتها من الأمّة على تمادي الدّهر أحبارها، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن رياسة أهل الدّول تتفاوت باعتبار قرب الرئيس من ملكه في مخاطبته ومناجاته، واعتماد تصرّفه في أمور دولته وتنفيذ مهمّاته، والاستناد على رأيه في جليل خطوبه وعظيم ملمّاته: فعال تمادت في العلوّ كأنّما ... تحاول ثأرا عند بعض الكواكب ولا خفاء أنّ صاحب ديوان الإنشاء من هذه الرتبة بالمحلّ الأرفع، والمنزلة التي لا تدافع ولا تدفع، والمقام الذي تفرّد بصدارته فكان كالمصدر لا يثنّى ولا يجمع؛ إذ هو كليم الملك ونجيّه، ومقرّب حضرته وحظيّه، بل عميد المملكة وعمادها، وركنها الأعظم وسنادها، حامي حومتها وسدادها، وعقدها المتّسق ونظامها، ورأس ذروتها العلياء وسنامها، وجهينة خبرها، وحقيبة وردها وصدرها، ومبلّغ أنبائها وسفيرها، وزند رأيها الموري ومشيرها. فحيّهلا بالمكرمات وبالعلى ... وحيّهلا بالفضل والسّؤدد المحض هذا، وهو الواسطة بين الملك ورعيّته، والمتكفّل لقصيّهم بدرك قصده وبلوغ بغيته، والمسعد للمظلوم من عزائم توقيعاته بما يقضي بنصرته؛

وحينئذ فلا يصلح لها إلا من كان من كرام الخيم «1» بارز الخيام لاصطناع المعروف، ومع سموّ الرّتبة سامي الهمّة لإغاثة الملهوف، ومع عزّ الجناب لدى ملكه ليّن الجانب لذي المسألة، ومع قربه بحضرة سلطانه قريبا من الرّعيّة حتّى من المسكين والأرملة. وغير خاف أن كلّ وصف من هذه الأوصاف مع مقابله كالضّدّين اللّذين لا يجتمعان بحال، والنّقيضين اللّذين قضى العقل بأنّ الجمع بينهما محال، وأنّى يجتمع العالي والهابط، والمرتفع والسّاقط؟ أم كيف تتّصل الأرض بالسّماء، أو يقع امتزاح عنصر النّار بعنصر الماء؟ ومن ثمّ عزّ هذا المطلب لهذه الوظيفة حتّى إنّه لأعزّ من الجوهر الفرد، وقلّ وجوده حتّى لم يوجد إلا في الواحد الفذّ [الفرد] ، فلا تراه إن تراه إلا في حيز النّادر، ولا تظفر به إلا ظفرك ببيض الأنوق «2» إن كان يظفر به ظافر؛ إلا أنه ربّما سمح الدّهر فأتى بالفذّ من هذا النّوع في الزّمن المتباعد، أو أسعد الدّهر فأسعف بالواحد بعد ألف واحد. ثم قد مضت برهة من الأيام وجيد ديوان الإنشاء من نظر من هو متّصف ببعض هذه الأوصاف عاطل، والدّهر يعد بمن يقوم فيه بتفريج كربة الملهوفين ولكنّه يماطل: يرفّه ما يرفّه في التّقاضي ... وليس لديه غير المطل نقد! إلى أن طلع نيّر الزّمان وتوضّح شروقه، وظهرت تباشير صباحه وأفل بطلوع السّعد عيّوقه «3» ، فأقبلت الدولة الظاهرية بسعادتها، وتلقّتها الأيام الناصرية جارية منها على وفق عادتها، ووفّر للدّولتين من انتخاب الأصفياء

قسمتها، ومخضت لها الرّأي الصائب حتّى ظهرت في الوجود زبدتها؛ فكان خلاصة اصطفائهما، وزبدة انتقائهما، المقرّ الأشرف، العاليّ، المولويّ، القاضويّ، الكبيريّ، السّفيريّ، المشيريّ، الفتحيّ، نظام الممالك الإسلامية وزمام سياستها، ومنفّذ أمورها، وجامع رآستها؛ أبو المعالي فتح الله صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية، زاد الله تعالى في ارتقائه على تعاقب الدّول، وأجراه من خفيّ اللّطف على أجمل العوائد وقد فعل، فألقي إليه من أسرار المملكة مقاليدها، واتّفقت بحسن سفارته باتّفاق الرّواة أسانيدها، فنفذت بتنفيذه أمورها، وكملت بصحيح رأيه كسورها، فجرت الأمور بحسن تدبيره على السّداد، ومشت الأحوال بلطف سفارته على أتمّ المراد، واعترفت له الكافّة بالسّيادة فأطاعت، وعرفت له الرّعية تقدّمه في الرآسة فرعت حرمته وراعت. وإنّ أمور الملك أضحى مدارها ... عليه كما دارت على قطبها الرّحى! قد استعبد الخطّ فأصبح له كالخديم، وأتى من المعروف بكلّ غريب فأنسى من أثر عنه ذلك في الزّمن القديم؛ فلو رآه «خالد بن برمك» لأحجم عن ملاقاته عظما، أو ناوأه «يحيى بن خالد» لمات من مناوأته عدما، أو سابقه «الفضل وجعفر» ابناه لسبقهما كرما: مناقب لو أنّي تكلّفت نسخها ... لأفلست في أقلامها ومدادها! أو سمع به «الحسن بن سهل» لقطع إليه الحزن والسّهل، أو بصر به «الفضل» أخوه، لما رأى أنه للفضل أهل، أو عاينه «أبو عليّ بن مقلة» لعلم أنه فاقه حظّا وخطّا، أو نظر «ابن هلال» إلى أهلّة نوناته لتحقّق أنه سبقه إلى تحرير هندسة الحروف وما أخطا: إذا أخد القرطاس خلت يمينه ... تفتّح نورا أو تنظّم جوهرا! فإن تكلّم أتى من بيانه بالسّحر الحلال، أو حاور أتى من البلاغة بما

يقصّر عن رتبته «سحبان» في المقال، أو ترسّل أعيى «عبد الحميد» في رسائله، أو كتب رتعت من روض خطّه في زهر خمائله: يؤلّف اللّؤلؤ المنثور منطقه ... وينظم الدّرّ بالأقلام في الكتب! فرأيه السيف لا ما صنع الهند، وعقله الصّارم لا ما استودع الغمد: ففي رأيه نجح الأمور ولم يزل ... كفيلا بإرشاد الحيارى موفّقا! أقلامه تزري بالصّوارم وتهزأ بالأسل، وتجري بصلة الأرزاق فتزيد على الأماني وتربو على الأمل: بت جاره فالعيش تحت ظلاله ... واستسقه فالبحر من أنوائه! فمكارمه تغني من الإملاق، وبواكره بالإسعاد تبادر الغدوّ والإشراق، وعطاياه تسير سير السّحاب فتمطر الغيث على الآفاق. كريم مساعي المجد يركب نجدة ... من الشّرف الأعلى وبذل الفواضل قد خدمته الحظوظ وأسعدته الجدود، وقسمت المنازل السّنيّة فكان له منها سعد السّعود: لو عدّد الناس ما فيه لما برحت ... تثني الخناصر حتّى ينفد العدد! فلو غرس الشّوك أثمر العنباء «1» أنّى أرادها، أو حاول العنقاء في الجوّ لصادها، أو زرع في السّباخ «2» لكان ذلك العام والسّنة الخصبة، ولضوعفت مضاعفة حسناته فأنبتت كلّ حبّة سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة: وإذا السعادة لا حظتك عيونها ... نم فالمخاوف كلّهن أمان واصطد بها العنقاء فهي حبائل ... واقتد بها الجوزاء فهي عنان!

قد لبس شرفا لا تطمع الأيام في خلعه، وتقمّص من الفضل جلبابا لا تتطلّع الأيام إلى نزعه، وانتهى إليه المجد فوقف، وعرف الكرم مكانه فانحاز إليه وعطف. فقصرت عنه خطا من يجاريه، وضاق عنه باع من يباريه: نالت يداه أقاصي الكرم الّذي ... مدّ الحسود إليه باعا ضيّقا! فمناقبه تسبق أقلام الكاتب، وتستغرق طاقة الحاسب؛ لسس لارتفاعها غاية، ولا لتداولها نهاية؛ فلا توفي جامعة بشرطها، ولا تقوم جريدة ببسطها: وقد وجدت مكان القول ذا سعة ... فإن وجدت لسانا قائلا فقل! قد هتف بمدحه خطباء الأقلام على منابر الطّروس، ونطقت بفضله أفواه المحابر فنكّست لرفعة قدره شوامخ الرّؤوس، وطلعت في أفق المهارق سعود إيالته السعيدة فأفلت لوجوده النّحوس، ورقمت محاسنه بنقس اللّيل على صفحات النّهار فارتسمت، وحملت أخبار معروفه فتزاحمت الآفاق على انتشاق أرج ريحه العبقة واستهمت: لقد كرمت في المكرمات صفاته ... فما دخلت لاء عليها ولا إلّا! اتّفقت الألسنة على تقريضه فمدح بكلّ لسان، وتوافقت القلوب على حبّه فكان له بكلّ قلب مكان، واستغرقت ممادحه الأزمنة والأمكنة فاستولى شكره على الزّمان والمكان: ولم يخل من إحسانه لفظ مخبر ... ولم يخل من تقريضه بطن دفتر! على أنّي أستقيل عثرتي من التّقصير في إطرائه، والتّعرّض من مدحه لما لا أنهض بأعبائه؛ فلو أن «الجاحظ» نصيري، و «ابن المقفّع» ظهيري، و «قسّ بن ساعدة» يسعدني، و «سحبان وائل» ينجدني، و «عمرو بن الأهتم» يرشدني، لكان اعترافي بالعجز في مدحه أبلغ مما آتيه، وإقراري بالتّقصير في شكره أولى مما أصفه من توالي طوله وأياديه:

ولو أنّ لي في كلّ منبت شعرة ... لسانا يطيل الشّكر فيه لقصّرا! وهذه نسخة رسالة للشيخ الإمام العالم معين الدّين تاج العلماء، خطيب الخطباء، زين الأئمة، قدوة الشّريعة، الصّدر أبي الفضل يحيى بن جعفر «1» بن الحسين بن محمد الحصكفي رحمه الله، سماها: «عتاب الكتّاب، وعقاب الألقاب، المشتملة على أصول الغريب والإغراب» وهي: عذيري من وزراء النصبة وكتّابها، وكبراء الدّسوت وأربابها، وأواخي الدّول وأطنابها، ونوّاب الدّواوين وأنيابها «2» ، وجباة بيوت الأموال، والسّعاة في زمّ نشر الأحوال، وساسة الممالك، وصحف أسرار المآلك «3» ، الشّامخين بأنوف التّيه والكبرياء، والسّاحبين ذيول العجب والخيلاء، الرّافلين في حلل البهاء، والغافلين عن فروض العلاء، الذين تبوّؤوا السّؤدد من غير سداد، وتسنّموا الرّتب بلا إعداد، فكأنهم الحاصب، وعدوّ الله المناصب؛ شغلهم الأشر والفجور، وكلّ على بسطته يجور؛ همهم محح «4» الأجراح، وشجّ الراح بالماء القراح، وامتطاء المرد، والعتاق الجرد؛ أملهم تنجيد الأفنية، وتشييد الأبنية، والزّيادة في الرّقيق والكراع والخول والاتباع، وليس بغال، كثرة خيل وبغال، بما باعوه من الورع والدّيانة وأضاعوه من العفة والصّيانة: قد ملكوا الدّنيا على غرّة ... ونافسوا فيها السّلاطينا!

توزّعوا الدّولة والملك والحضرة والإسلام والدّينا شادوا بأعمالهم دورهم ... وأخربوا فيها الدّواوينا عفّوا وما عفّوا بأقلامهم ... مساكنا تحوي مساكينا غرّتهم الدّنيا بأن أظهرت ... عن غلظة تضمرها لينا والدّهر كم جرّع في مرّة ... مرّا وحينا ساقه حينا يا أنفسا ذلّت بإتيانهم ... ويك أتأتين الأتاتينا لا ترغبي في رسلهم إنّما ... تمرين في القعب الأمرّينا! وكان يجدي القصد لو أنّهم ... يدرون شيئا أو يدرّونا. موتى همو فليك تقريظهم ... إن كنت لا تأبين، تأبينا لا يعتني الفضل بإطراء من ... يكون فيه الهجو مغبونا لو رمت شيئا دون أقدارهم ... لهجوهم لم تجد الدّونا!!! قد أخلدوا إلى الوضاعة، عن تحصيل البضاعة، وكفاهم من البراعة، بري اليراعة، وعنوا باسوداد اللّيقة «1» ، عن سؤدد الخليقة، وأحالوا على الرّمم، عند قصور الهمم؛ ومن أعظم الآفات، فخرهم بالعظم الرّفات. وكأنّهم لصميم هاشم ... أو من لهاميم العباشم «2» غشموا فما يغشاهم ... بالطّوع إلا كلّ غاشم لا يعين أحدهم على مروّة، ولا ينعش ذا أخوّة، ولا يرعى وارث أبوّة، ولو اعتزى إلى بنوّة؛ فهو غير آس بجوده، ولا مواس بموجوده؛ يروقك كيّسه والغلام، وتروعك دويّه والأقلام؛ فإذا استنطق قلمه الصّامت، أجذل عدوّه الشّامت؛ فزاد أدراجه ناقصا، وعاد على أدراجه ناكصا. فهو الذي أملى لهم حلمه ... مع الخنا والنّكد الباهض:

لو أنّني ولّيت تأديبهم ... شفيت صدر النّقه «1» النّاهض! من ناظر يضحي بلا ناظر ... وعارض يمسي بلا عارض ومشرف للدين ما قصده ... في الوطب «2» إلا زبدة الماخض وخازن إن لفّ مرضاته ... من حلوهم عفّ عن الحامض ومن خبيث جاءنا ذكره ... في الذّكر بين البكر والفارض وكاتب لو أنصفوا مهره ... لكان أولى منه بالرّائض!! إن وقّع، رأيت اللّفظ المرقّع، وإن أطال وأسهب، أذال عرضه وأنهب، وكان أحقّ بتقليد الفهود، عند تقليد العهود، وأولى بشطر المناشير، عن سطر المناشير، وأجدر بقبض الرّوح، إذا انبسط للشّروح، وأخذ في ذكر الوقائع والفتوح، كفّه بالجلم «3» ، أولى منها بالقلم، وأخلق بالمسحاة، من السّحاة، وأليق بالفؤوس، من الطّروس، يبري ويقطّ، ولا يدري ما يخطّ، إذ ليس في السّفط، غير السّقط؛ إن فاتحته أو طارحته، ظفرت بغصّة الماتح «4» ، وخشر المفاتح؛ إن خطّ: فنونه كلامه، وخلط فنونه في كلامه. إن وقّعوا وقعوا في ذمّ كلّ فم ... أو أنفذوا أنفذتهم أسهم الكلم أو قلّدوا قلّدوا خزيا يجلّلهم ... أو أقطعوا قطّعوا شتما بجعلهم أراقم المال والأعمال إن رقموا ... جاؤوا من الرّقم والألفاظ بالرّقم فالله يأخذ منهم للدّواة ... وللأنقاس بالحقّ والقرطاس والقلم!! فالجديد بهم سمل، والسّوام بينهم همل، ولا علم عندهم ولا عمل؛ لهفي على الفضل المذال، برفعة الأنذال، وضياع الحقوق، وانصياع البيضة عن العقوق.

ثم ما على سيّدنا الوزير، مع اصطحاب البمّ والزّير «1» ، ونفاق سوقه، وانغماسه في فسوقه، واتّصال صبوحه بغبوقه، وتخلّيه في البهو، للّعب واللهو، من ظهر غيّ يركب، وذي يسار ينكب، وساع يشي، وراع يرتشي، ورسوم حيف تجدّد، وسوآت تعدّد، ما يضرّه من شكوى الجارح البغاث «2» ، وصريخ لا يغاث، ووال يعسف بأهل مصره، وإن شركه في إصره، وقاض لا ينصف الرّعية، ولا يتّبع القضايا الشّرعية، وفقيه يسفّ إلى تحصيل عرض زائل، وتعجيل غرض من سائل؛ ماله ولحفظ المال، ومحاسبة العمال؟: أم ما على العامل نمس الدّجاج ... إن نقص الكرم وزاد الخراج؟ عليه أن يحصل في كمّه ... شيء وإن أخلى جميع الخراج وهو خراج عند ما ينتهي ... يبطّ بالمبضع ما في الخراج!! شغلهم بالشّهد المشور، لا بمشهد يوم النّشور، وقصدهم الجمع والاكتساب، ومتى الجمع والحساب، إنما هو مال يحتقب «3» ، لا مآل يرتقب، وفساد في الأرض، لا إعداد ليوم العرض: وإنّي لأرثي للمراتب تحتوي ... عليها قرود فوقهن برود سراع إلى السّوآت فيما يشينهم ... ولكنّهم عما يزين ركود يقاظ إذا ما ثوّب اللّؤم داعيا ... وعند نداء المكرمات رقود وما غرّني إلّا جلاوز حولهم ... وإلا قيام بينهم وقعود لقد حسدوا ظلما على ما أتاهم ... وهل لأخي نقص يسود حسود؟ وللسّيّد المحسود كفّ عن العلى ... تذود وأخرى بالنّوال تجود لحا الله دنيانا التي ضلّ سعيها ... وفيها علينا بالضّلال شهود.

إذا صغّرت كاسم الحسين محلّة ... علت وعلا فيها يزيد يزيد إنما الصّدر من صدّره كماله، وحسنت أعماله، وجرّد العزمات، فشرّد الأزمات، ونفى بذبّه الكربات، واصطفى لربّه القربات، فسهّل الغنى، وأفعم الإنا، ووضع مواضع النّقب الهنا؛ فهو يهشّ للنّوال، ويبشّ عند السّؤال؛ لا يشوب ورده القذا، ولا يبطل منّه بالمنّ والأذى؛ يبشر بشره بمحاسن الأخلاق، وينشر نشره الطّيّب في الآفاق، ويحسم بدواته داء الإملاق، ويحرز بقصبته قصب السّباق: يجرّدها من مثل وفضة نابل ... أجنّتها من نافذات المعابل وفي خطّه المنسوب تزري شباتها ... بلهذم منسوب إلى الخطّ ذابل وإن بذرت عن حبّة القلب أنبتت ... من البرّ قبل البرّ سبع سنابل!! دؤوبه لإقالة العاثر، وعمارة الدّاثر، وإشاعة المآثر؛ همّه في معضلة تراض، ومعدلة تفاض، وخلل يسدّ، وجلل يصدّ، وعان بظهره يعان، وعات بقهره يهان؛ بابه مفتوح، وخيره ممنوح، وما أقلّ اللّائم، لمن أكثر الولائم، وأغفل الجادب، لمن صنع المآدب، وأخلص الإخاء، لمن استخلص السّخاء، فبذل الرّغوة والصّريح، والسّنام الإطريح «1» ، لا كمن يشحّ بالقتار، لفرط الإقتار، ويضنّ بالوضر «2» ، على المحتضر؛ ويبخل بالعراق «3» ، عمّن روحه في التّراق، ويسرّ الغميرة «4» ، لمن يبتغي الميرة، ويبطن الدّاء، لمن ينتظر الغداء، ويسعر الأحشاء، لمن ترقّب العشاء:

مسلط سيرته نقمة ... وجائر قسمته ضيزى «1» ليس بذي لبّ يملّ الثّأى ... ولا لباب يملأ الشّيزى «2» ! يحقد على الإخوان، عند ظهور الخوان؛ فتراه يحدّق، إلى من يشدّق، وينتقم، ممن يلتقم، ويذلّ الأكيل، ويحلّ به التّنكيل، ويبغض الشّرّيب، وإن كان الخدن القريب؛ فالحائن «3» من يرد، فيزدرد، والخائن من ينبسط، فيسترط «4» ؛ يشنأ من الأجراس، صوت الأضراس، وحشرجة البلاعم، بدحرجة المطاعم، وهرهرة الشّدوق، وجرجرة الحلوق، وقد صدّت حواجز بلواه، أفواها تصدّت لحلواه، وحكمت لجامه، بحكمة لجامه، وعدّت بكيوانه، لهى وعدت بألوانه؛ رغيفه أعرز «5» من الغريف، وأغرب من الشّيء الطّريف؛ صريف «6» بابه، دون صريف نابه، ويحكم صكّ بابه، عن كبابه، ويعدّ سديف جفانه، من سديف أجفانه، يمانع بلديده، عن سفّود قديده، ويصافح بصفحة وريده، عن صحفة ثريده؛ حمله من نجوم الحمل، وسمكه فوق السّماك الأعزل، وحوته بين الحوت والأسد، وجديه عند جدي الفرقد؛ دون عجّته ارتفاع العجاجة، وتحت دجاجته ذنب الدّجاجة: يدرج في القدر درّاجه ... ليلقط الحبّ وطيهوجه «7» ففي السّموات سماناته ... وعند ديك العرش فرّوجه

يحرس مائدته الدّلو والعقرب، وهما منّا أدنى وأقرب؛ يعجبه التّثمير والاحتجان، ويلذّ له التّوفير والاختزان؛ وقصر مفاجأة أحوال، تصرّح عن أهوال؛ وكأنّك بالأيام بعد الابتسام، شاهرة للحسام؛ قد كشرت عن أنيابها العصل، في بكرها والأصل، وأجلت عن سليب مسحوب، لتنكّر مصحوب؛ وآخر يتردّد في البوس، ويخلّد في الحبوس؛ قد حصل على سلّة الحاوي، من سلة الحلاوي، ومن طعم العسل، على طعن الأسل، ومن العذب البارد، على حزّ المبارد: تقبض من خطوه الكبول ... فهو على قيده يبول خلا من الخير فهو طبل ... وهكذا تضرب الطّبول يشكو إلى الله مستغيثا ... وما له عنده قبول ذاك بما كان مستطيلا ... تردي دواهيه والميول! فهم بين حصى تعصر، وقفا يقصر، وكعاب مثقوبة، وأنواع عقوبة؛ أو يقال فلان أنارته شعوب «1» ، ووارته الجبوب، واكتفى بسلفة الممات، من المقدّمات؛ وما ظنّك بالشّلو الطّريح، في ضنك الضّريح، تحته البرزخ الموصود، وفوقه الجبل المنضود؛ انظر كيف هجر بابه المقصود، وجانبت جنابه الوفود، وأخلقت رباعه، وتفرّقت أتباعه؛ ثم تشويه الحوب «2» ، أبشع من تشويه الشّحوب؛ وويل للقوم البور، من بعثرة القبور: ويا خسار الأنفس الغاويه ... من بعد تلك الحفر الهاويه وكلّ من خفّت موازينه ... فأمّه في بعثه هاويه وليس يدري ويحه ماهيه ... نار على سكّانها حاميه! أعاذنا الله من خلال يقضي جهلها بالشّنار، وأفعال تفضي بأهلها إلى النّار، بكرمه وإحسانه، وطوله وامتنانه.

الصنف الثالث (من الرسائل المفاخرات؛ وهي على أنواع)

الصنف الثالث (من الرسائل المفاخرات؛ وهي على أنواع) منها: المفاخرة بين العلوم. وهذه نسخة رسالة في المفاخرة بين العلوم، أنشأتها في شهور سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، لقاضي القضاة شيخ الإسلام، علّامة الزمان، جلال الدّين «1» ، عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام، بقيّة المجتهدين، أبي حفص عمر البلقينيّ الكنانيّ، الشّافعيّ،- أمتع الله تعالى المسلمين ببقائه- ذكرت فيها نيّفا وسبعين علما، ابتدأتها بعلم اللّغة، وختمتها بفنّ التاريخ؛ ذاكرا فخر كلّ علم على الذي قبله، محتجّا عليه بفضائل موجودة فيه دون الآخر؛ وجعلت مصبّ القول فيها إلى اشتماله على جميعها، وإحاطته بكلّها، مع الإشارة إلى فضل والده، شيخ الإسلام، ومساهمته له في الفضل، على ما ستقف عليه إن شاء الله تعالى؛ وهي: الحمد لله الذي جعل للعلم جلالا تودّ جلائل الفضائل أن تكون له أتباعا، وأطلق ألسنة الأقلام من جميل ثنائه بما أنطق به ألسنة العالم ليكون الحكم بما ثبت من مأثور فضله إجماعا، وأجرى من قاموس فكره جداول أنهار العلوم الزّكيّة فنعّش قلوبا ونزّه أبصارا وشنّف أسماعا. أحمده على أن أفاض نتائج الأفكار على الأذهان السّليمة لذي النّظر الصحيح، وبثّ جياد الألسنة في ميدان الجدال فحاز قصب السّبق منها كلّ لسان ذلق فصيح، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي قهرت بيّنات دلائله الملحد المعاند، وبهرت قواطع براهينه الألدّ الخصيم والجدل

المكايد، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أظهر من واضح الحجج الجليّة ما سقط بحجّيّته دعوى المعارض، وأتى من فصل الخطاب بما أفحم به الخصوم فلم يستطع أشدّهم في البلاغة شكيمة أن يأتي له بمناقض، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين فازوا من جليل المناقب بكل وصف جميل، واشتهرت في الوجود مفاخرهم فلم يحتج في إثباتها إلى إقامة دليل، صلاة يتمسّك في دعوى الشّرف بمتين حبلها، وتتّفق أدلّة العقل والنّقل على القطع بعلوّ شأنها وتوفّر فضلها. وبعد، فلما كانت العلوم مشتركة في أصل التّفضيل، متّفقة الفضل في الجملة وإن تفاوتت في التفصيل، مسلّما أصل الشّرف فيها من غير منازع، مجمعا على أنه لا شيء من العلم من حيث هو علم بضّارّ ولا شيء من الجهل من حيث هو جهل بنافع، مع اختلافها في التّفاضل باختلاف موضوعاتها، وتفاوتها في الشّرف بحسب الحاجة إليها أو وثاقة حججها أو نفاسة غاياتها؛ عطس كلّ منها بأنف شامخ غير مسلّم للآخر ولا مسالم، ومدّ إلى العلياء يد المطاولة فتناول الثّريّا قاعدا غير قائم، وادعى كلّ منها أن بحره الطّامي، وفضله النّامي، وجواده الطّامح، وسماكه الرّامح، زاعما أن حسامه القاطع وعضبه القاضب، وقدحه المعلّى وسهمه الصّائب، ونجمه الساري وشهابه الثّاقب، وأنّ نشر الثناء على مجامره موقوف، وخطيب المحامد بمنابره معروف، وفلك الفضل على قطبه دائر، وكلّ شرف عليه محبّس وكلّ فخر عليه قاصر؛ فماس بعطفه ومال، وبسط في الكلام لسانه فقال وطال. هذا: وإنّها اجتمعت يوما اجتماع معنى لا صورة، وقامت لها سوق بالبحث معروفة وعلى الجدال مقصورة، وتفاوضت بلسان الحال وتخاطبت، وتحاورت في دعوى الشّرف وتجاوبت، وألمّت بالمنافرة فتنافرت، وتسابقت في ميدان الافتخار فتفاخرت، وأخذ كلّ منها في نصرة مذهبه، وتحقيق مطلبه، بأنواع الحجج والاستدلالات، وإقامة البراهين والأمارات، وما

يتوجّه على ذلك من الأسئلة والاعتراضات. فكان أوّل باديء بدأ منها بالكلام وفتح باب الجدال والخصام، «علم اللّغة» فقال: قد علمتم معشر العلوم أنّي أعمّكم نفعا، وأوسعكم مجالا وأكثركم جمعا؛ على قطب فلكي تدور الدوائر، وبواسطتي تدرك المقاصد ويستعلم ما في الضمائر، وبدلالتي تعلم المعاني المفردات، ويتميّز ما يدلّ على الذوات مما يدلّ على الأدوات، وتتبيّن دلالات العامّ والخاص، ويتعرف ما يرشد إلى الأنواع والأجناس وما يختصّ بالأشخاص؛ على أن كلّكم كلّ عليّ، ومحتاج في ترجمة مقصوده إليّ؛ فلفظي «المحكم» وأقوالي «الصّحاح» ، وكلامي «الجامع» وسيف لساني «المجرّد» ناهيك من سلاح، وفضلي «المجمل» لا يحتاج إلى بيان. استأثر الله تعالى بتعليمي لآدم عليه السّلام، وآثره بي معرفة على الملائكة فكان خصيصة له على الملائكة الكرام. فلما انقضى قيله، وبانت للمستبين سبيله، ثاب إليه «علم التّصريف» مبتدرا، ولنفسه ولسائر العلوم منتصرا، فقال: رويدك أيّها المساجل، وعلى رسلك يا ذا المناضل؛ فقد ذلّ من ليس له ناصر، وحطّ قدر من ترفّع على أبناء جنسه ولو عقدت عليه الخناصر، وما يجدي البازي بغير جناح، أو يغني السّاعي إلى الحرب بغير سلاح؛ وأنّى يطعن رمح بغير سنان، أو يقطع سيف لم يؤيّد بقائم ولم تقبض عليه بنان؛ إنّك وإن حويت فضلا، وأعرقت أصلا، وكنت للكلام نظاما، وإلى بيان المقاصد إماما، فأنت غير مستقلّ بنفسك، ولا قائم برأسك؛ بل أنا المتكفّل بتأسيس مبانيك، والملتزم بتحرير ألفاظك وتقرير معانيك، بي تعرف أصول أبنية الكلمة في جميع أحوالها، وكيفية التّصرّف في أسمائها وأفعالها، وما يتّصل بذلك من أحوال الحروف البسيطة وترتيبها، واختلاف مخارجها، وبيان تركيبها، والأصليّ منها والمزيد، والمهموس والرّخو والشّديد؛ و.. «1» تقديره، والصحيح والمعتلّ

وتحريره، وكيفية التّثنية والجمع، والفصل والوصل والابتداء والقطع، وأنواع الأبنية وتغيّرها عند اللّواحق، وكيفية تصريف الفعل عند تجرّده عن العوائق، وأمثلة الألفاظ المفردة في الزنة والهيئة وما يختصّ من ذلك بالأسماء والأفعال، وتمييز الجامد منها والمشتقّ وأصناف الاشتقاق، وكيف هو على التّفصيل والإجمال. على أنّك لو خلّيت ومجرّد التعريف، وبيان المقاصد بالاصطلاح أو التّوقيف، لكان «علم الخطّ» يقوم مقامك في الدّلالة الحاليّة لدى الملتقى، ويترجّح عليك ببعد المسافة مع طول البقا؛ مع ما فيه من زيادة ترتيب الأحوال، وضبط الأموال، وحفظ العلوم في الأدوار، واستمرارها على الأكوار، وانتقال الأخبار من زمان إلى زمان، وحملها سرّا من مكان إلى مكان؛ بل ربّما اكتفي عنك بالإشارة والتّلويح، وقامت الكناية منها مقام التصريح. فعندها غضب علم النّحو واكفهرّ، وزمجر واشمخرّ، وقال: يا لله! «استنّت الفصال حتّى القرعا» «1» ، و «استنسرت البغاث» فكان أشدّ ثلمة وأعظم صدعا، لقد ادّعيت ما ليس لك ففاتك الحبور، و «من تشبّع بما لم ينل فهو كلابس ثوبي زور» ؛ وهل أنت إلا بضعة منّي؟، تسند إليّ وتنقل عنّي، لم يزل علمك بابا من أبوابي، وجملتك داخلة في حسابي، حتّى ميّزك «المازنيّ» فأفردك بالتّصنيف، وتلاه «ابن جنّي» فتبعه في التأليف؛ واقتصر «ابن مالك» منك في تعريفه على الضروريّ الراجب، وأحسن بك «ابن الحاجب» في شافيته فرفع عنك الحاجب، وأنت مع ذلك كلّه مطويّ ضمن كتبي، نسبتك متّصلة بنسبتي وحسبك لا حق بحسبي، أنا ملح الكلام، ومسك الختام، لا يستغني عنّي متكلم، ولا يليق جهلي بعالم ولا متعلم؛ بي

تتبين أحوال الألفاظ المركّبة في دلالتها على المقاصد، ويرتفع اللّبس عن سامعها فيرجع من فهمها بالصّلة والعائد؛ فلو أتى المتكلّم في لفظه بأجلّ معنى ولحن لذهبت حلاوته، وزالت طلاوته، وعيب على قائله وتغيرت دلالته، وقد كانت الخلفاء تحثّ على النّحو وترشد إليه، وتحذر اللّحن وتعاقب عليه: وإذا طلبت من العلوم أجلها ... فأجلّها عندي مقيم الألسن! فبينما هو كذلك إذ برزت «علوم المعاني والبيان والبديع» جملة، وحملت عليه بصدق العزم في اللّقاء حملة، وقالت: جعجعة رحا من غير طحن، وتصويت رعد من غير مزن؛ لقد أتيت بغير معرب، وأعربت عن لحن ليس بمطرب، الحقّ أبلج، والباطل لجلج؛ إنّ الفوز لقدحنا، والوري لقد حنا؛ نحن لبّ العربيّة وخلاصتها، والمعترف لنا بالفضل عامّتها وخاصّتها؛ وهل أنت إلا شيء جرى عليك الاصطلاح، وساعدك الاستعمال فأمنت الاطّراح؛ فلو اصطلح على نصب الفاعل ورفع المفعول لم يخلّ بالتّفاهم في المقاصد، وها كلام العامّة لذلك أقوم دليل وأعظم شاهد. فقال «علم الشعر» : أراكم قد نسيتم فضلي الذي به فضلتم، وصرمتم حبلي الذي من أجله وصلتم؛ أنا حجّة الأدب، وديوان العرب؛ عليّ تردون، وعنّي تصدرون؛ وإليّ تنتسبون، وبي تشتهرون، مع ما اشتملت عليه من المدح الذي كم رفع وضعا، وجلب نفعا، ووصل قطعا، وجبر صدعا؛ والهجو الذي كم حطّ قدرا، وأخمد ذكرا، وجعل بين الرّفيع والوضيع في حطيطة القدر نسبا وصهرا؛ إلى غير ذلك من أنواعي الشّعرية التي شاع ذكرها، وأضواعي العطرية التي فاح نشرها؛ بل لا يكاد علم من العلوم الأدبيّة يستغني عن شواهدي، ولا يخرج في أصوله عن قوانيني وقواعدي، حتّى «علم النّثر» الذي هو شقيقي في النّسب، وعديلي في لسان العرب، لم يزل أهله يتطفّلون عليّ في بيت يحلّونه، ويقفون من بديع محاسني عند حدّ لا يتعدّونه.

فقال «علم القافية» : إنّك وإن تألّق برق مباسمك، وطابت أيّام مواسمك، فأنت موقوف على مقاصدي، ومغترف من رويّ مواردي؛ أنا عدّة الشّاعر، وعمدة الناثر؛ لا يستغني عني شعر ولا خطابة، ولا يستنكف عن الوقوف على أبوابي ذو ترسّل ولا كتابة؛ طالما عثر الفحول في ميداني، وتشعّبت عليهم طرقي فضلّوا السّبيل واختلفت عليهم المباني؛ فلم يفرّقوا بين التّكاوس «1» والتّراكب في التّعارف، ولم يميّزوا بين التّدارك والتّواتر والتّرادف. فقال «علم العروض» : لقد أسمعت القول في الدّعوى من غير توجيه فدخل عليك الدّخيل، وأوقعك الوصل دون تأسيس في هوّة النّقص: فهل إلى خروج من سبيل؟؛ أنا معيار القريض وميزانه، وعليّ تبنى قواعده وأركانه؛ لم يزل الشّعر في علوّ رتبته بفضلي معترفا ولحقّي متحقّقا، ومن بحوري مغترفا، وبأسبابي متعلّقا؛ فأبياته بميزاني محرّرة، وأجزاؤه بقسطاس تفاعيلي مقدّرة، وبفواصلي متّصلة، وبأوتادي مرتبطة غير منفصلة. فقال «علم الموسيقى» : لقد أسرفت في الافتخار فضللت الطّريق وبنت عنها، وورّطت نفسك فيما لا فائدة فيه فلزمت دائرة لا تنفكّ عنها، وأتيت من طويل الكلام بما لا طائل تحته فثقل قولا، وجئت من بسيط القول بما لو اقتصرت منه على المتقارب لكان بك أولى؛ فأنت بين ذي طبع وزّان لا يحتاج إلى معيارك في نظم قريضه، وآخر نبت طباعه عن الوزن فلم ينتفع من علمك بضربه ولا عروضه؛ فإذا لا فائدة فيك ولا حاجة إليك، ولا عبرة

بك ولا معوّل عليك؛ وكفى بك هضما، ونقيصة وذمّا، واستدلالا على دحض حجّتك، وضعف أدلّتك، قول ابن حجّاج: مستفعلن فاعلن فعول ... مسائل كلّها فضول قد كان شعر الورى صحيحا ... من قبل أن يخلق الخليل! على أنه إن ثبتت لك فائدة، وعاد منك على الشّعر أو الشّعراء عائدة، فإنّما تفاعيلك مقدّمة لألحاني، وأوزانك وسيلة إلى أوزاني؛ نعم أنا غذاء الأرواح، وقاعدة عمود الأفراح، والمتكفّل ببسط النّفوس وقبضها، والقائم من تعديلها وتقويتها بنفلها وفرضها؛ أحرّك النّفس عن مبدئها فيحدث لها السّرور وتظهر عنها الشّجاعة والكرم، وأبعثها إلى مبدئها فيحدث لها الفكر في العواقب وتزايد الهموم والنّدم؛ فتارة أستعمل في الأفراح وزوال الكروب، وتارة في علاج المرضى وأخرى في ميادين الحروب، وآونة في محلّ الأحزان واجتماع المآتم، ومرّة يستعملني قوم في بيوت العبادات فأبعثهم على طلب الطاعات واجتناب المحارم؛ وآتي من غريب الألحان، بما يشبع به الجائع ويروى به الظّمآن، ويأنس به المستوحش وينشط به الكسلان، وتدنو لسماعه السّباع، ويعنو له بعد الشّدّة الشّجاع، مع ما يتفرّع عني من «علم الآلات الرّوحانيّة» التي تنعش الأرواح، وتجلب الأفراح، وتنفي الأتراح، وتؤثر في البخيل السّماح، وتفعل في الألباب ما لا تفعل في اللّبّات «1» بيض الصّفاح. فقال «علم الطّب» : لقد أضعت الزّمان في اللهو، وملت مع الأريحية فماس بك العجب وزاد بك الزّهو، وداخلك الطّيش فقنعت بالإطراب، وعنيت بمعرفة اللّحن ففاتك الإعراب؛ تذكّر العشّاق أحوال النّوى فيسلمها الهوى إلى الهوان، وتتنقّل في نواحي الإيقاع تنقّل الهائم

فتمسي في حجاز وتصبح في أصبهان؛ وأنت وإن ادّعيت أنك العلم الرّوحانيّ، والمستولي بتحريك الطبائع الأربع على النّوع الإنسانيّ وغير الإنسانيّ، فأنت غير مستغن عني، ولا فنّك في الحقيقة منفكّ عن فنّي؛ بل قواعدك مرتّبة على قواعدي، وفوائدك مستفادة من فوائدي، وأهل صناعتك يتطفّلون في معرفة الملائم والمنافي على ساقط لباب موائدي؛ وأنّى تنبسط بك الروح مع وجود السّقم، أو يستريح إليك القلب مع شدّة مقاساة الألم؟؛ بل أنا قوام الأبدان، وغاية ملاك الإنسان؛ بي تحفظ صحّة الأجسام، وتتمكّن النفس من استكمال قوّتيها النظرية والعملية بواسطة زوال الأسقام وانتفاء الآلام، مع ما يتّضح بالنظر في التّشريح الذي هو أحد أنواعي من سرّ قوله تعالى: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ «1» ، وما يظهر من حال الصّحة والمرض وسرّ الموت من أنه تعالى بدأ الخلق أوّل مرّة وإليه يحشرون- مع ما يلتحق بي من «علم خواصّ العقاقير» الغريبة، والأحجار التي تؤثّر بتمزيجها الصّناعيّ التآثير العجيبة، وتأتي من نوادر الأفعال بالأعمال الغريبة؛ على أنّي لست بمختصّ في الحقيقة ببدن الإنسان، ولا قاصر على نوع من أنواع الحيوان، وإنما أفردت بنوع البشر اهتماما بشانه، وتنبيها على جلالة قدره وعلوّ مكانه. ثم ألحق بالإنسان في الاعتناء به الخيول فاشتقّ لها منّي «علم البيطرة» ، وتلاها في الاعتناء جوارح الطيور لاهتمام الملوك بشأنها فاستنبط لها من أجزائي «علم البيزرة» ، وأهمل ما سوى ذلك من جنس الحيوان، فلم يعتن بأمره ولم يهتمّ له بشان. فقال علم القيافة «2» : لقد ارتقيت مرتقى صعبا، وولجت مولجا صلبا،

وأتيت من مشكلات القضايا بما ضاقت مطالبه، وعرّضت نفسك لمغالبة الموت والموت لا شيء يغالبه، واقتصرت في تشريحك الأعضاء على ذكر منافعها وصفاتها، وأضربت عما تدلّ عليه بصورها وكيفياتها؛ أين أنت من إلحاق الابن بالأب بالصّفات المتماثلة، والحكم بثبوت النّسب بدلائل الأعضاء كما يحكم بالبيّنة العادلة؟؛ فهذه هي الفضيلة التي لا تساوى، والمنقبة التي لا تعادل ولا تناوى؛ وكفاك لذلك شاهدا، وعلى ثبوته في الشّريعة المطهّرة مساعدا؛ وأنه لا يعتور ذلك معارضة ولا نقض، استبشار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقول مذحج المدلجيّ: «إنّ هذه الأقدام بعضها من بعض» . فقال «علم قصّ الأثر» «1» : نعم إنّ شأنك لغريب، وإنّ اجتهادك لمصيب؛ غير أنّي أنا أغرب منك شأنا، وأدقّ في الإدراك معنى؛ إذ أنت إنما تلحق المحقّق بالمشاهدة بمثله، وتقيس فرعا على أصل ثم تلحق الفرع بأصله؛ وأنا فأدرك المؤثّر من الأثر، وأستدلّ على الغائب بما يظهر من اللّوائح في الرّمل والمدر؛ وربّما ميّزت أثر البعير الشّارد من المراتع، وفرّقت بالنّظر فيه بين الصحيح والظّالع «2» ، فأدركت من الأمر الخفيّ ما تدركه أنت من الظّاهر، وقضيت على الغائب بما تقضي به على الحاضر. فقال «علم غضون الكفّ والجبهة» : ما الذي أتيت به من الغريب، أو أظهرته بعلمك من العجيب؟؛ فلو ابتليت بأرض صلبة لوقفت آمالك، أو محت الرّيح معالم الأثر لبطلت أعمالك، أو ولج من تقفّي أثره الماء لفات حدسك الصائب، أو جعل الماشي مقدّم نعله مؤخّره لقلت: إنّ الذّاهب قادم والقادم ذاهب؛ لكن أنا كاشف الأسرار الخفيّة، والمستدلّ على لوازم

الإنسان بما ركّب فيه من الدلائل الخلقيّة؛ أستخرج من أسارير الجبهة وغضون الكفّ أمورا قد أرشدت الحكمة الإلهيّة إليها، وجعلت تلك العلامة في الإنسان دلالة عليها. فقال «علم الكتف» : إنه ليس في الاستدلال على الشّيء بلازمه أمر مستغرب، ولا ما يقال فيه: هذا من ذاك أعجب، وإنما الشّأن أن يقع الاستدلال على الشّيء بما هو أجنبيّ منه، وخارج عنه، كما أستدل أنا بالخطوط الموجودة في كتف الذّبيحة على الحوادث الغريبة، والأسرار العجيبة، مما أجرى الله به العادة في ذلك، وجعله علامة دالة على ما هنالك. فقال «علم خطّ الرّمل» : لقد علمت أنك لست بمحقّق لما أنت له متوسّم، ولا واثق بالإصابة فيما أنت عنه تترجم؛ وغايتك الوقوف مع التجارب، والرّجوع فيما تحاوله إلى التقارب، مع ما أنت عليه من الرّفض والإهمال، وما رميت به من القطيعة وقلّة الاستعمال؛ أما أنا ففارس هذا الميدان، ومالك زمام هذا الشان؛ فكم من ضمير أبرزته، وأمر خفيّ أظهرته، ومكان عيّنته فوافق، وأمد قدّرته فطابق؛ على أنه ليس لك أصل ترجع إليه، ولا دليل تعتمد عليه؛ فأنا أثبت منك قواعد، وأوضح عند الاعتبار في الدلالة على المقاصد؛ فإن عدوت طورك، أو جزت في الاحتجاج خصمك، فمداك، أنه كان نبيّ يخطّ فمن وافق خطّه فذاك. فقال «علم تعبير الرّؤيا» «1» : إنّك وإن أظهرت السّرائر، وأبرزت الضمائر، فإنّ أمرك موقوف في حدسك على الدّلالة الحاليّة، ومقصور في تخمينك على الأمور الاحتمالية؛ أين أنت منّي حين أعبّر عما شاهدته النفس في النّوم من عالم الغيب؟ وكيف أكشف عنه الحجب بالتّأويل فيقع كفلق

الصّبح من غير شكّ ولا ريب، فأخبر بحوادث تقع في العالم قبل وجودها، وآتي من حقائق النّذارة والبشارة بما ينبّه على التحذير من نحوسها والتّرقّب لموافاة سعودها. فقال «علم أحكام النّجوم» : حقيق ما أوّلت، وصحيح ما عنه عبّرت وعليه عوّلت؛ إلا أنك قاصر على وقائع مخصوصة ترشد إليها، وأمور محدودة تنبّه عليها؛ على أنه ربّما نشأت الرؤيا عن فكرة وقعت في اليقظة فاتّصلت بالمنام، أو حدثت عن سوء مزاج أو رداءة مطعم ونحو ذلك فكانت أضغاث أحلام؛ أما أنا فإني أدلّ بما أجراه الله تعالى من العادة، على الحوادث العامّة مصاحبا لمقتضيات الإرادة، ليظهر ما في الحكمة الإلهيّة من قضايا التّدبير، ويتبيّن ما اشتملت عليه الأفلاك العلويّة من تقدير التّرتيب وترتيب التّقدير، مع ما يترتّب على ذلك من الأعمال العجيبة، والأحوال الغريبة، التي تبهر العقول، ويمتنع إليها من غير طريقي الوصول: من «علم السّحر» على الإطلاق، و «علم الطّلّسمات» «1» الغريبة و «علم الأوفاق» ، وكذلك «علم النيرنجيات» و «علم السّيمياء» الأخذ بالأحداق. فقال «علم الهيئة» : مالك ولأباطيل تنمّقها، وأكاذيب تزخرفها وتزبرقها «2» وأماثيل يعتمدها المعتمد فتخيب، وأقاويل تارة تخطيء وتارة تصيب؛ ولقد وردت الشريعة المطهّرة بالنّهي عن اعتبارك، وجاءت السّنّة الغرّاء بمحو أخبارك وإعفاء آثارك؛ وناهيك بفساد هذا الاعتقاد وردّ هذا

المذهب، ما ثبت في الصحيح من أنه من قال: مطرنا بنوء كذا فهو كافر بالله مؤمن بالكوكب؛ على أنك في الحقيقة نوع من أنواعي، معدود من جندي ومحسوب من أتباعي؛ نعم أنا القائم من دليل الاعتبار في القدرة بتمام الفرض، والقائد بزمام العقل إلى التّفكّر في خلق السموات والأرض؛ عنّي يتفرّع علم الزيجات والتقاويم الذي به يعرف موضع كلّ واحد من الكواكب السّيّارة ومدّة إقامتها، وزمن تشريقها وتغريبها ومقدار رجوعها واستقامتها، وحال ظهورها واختفائها في كلّ زمان، وما يتّصل بذلك من الاتّصال والانفصال والخسوف والكسوف واختصاص ذلك بمكان دون مكان. فقال «علم كيفيّة الأرصاد» : ما علم الزّيجات والتّقاويم الذي تقدّمه في الذّكر عليّ، وتؤثره من الفضل بما لديّ؛ إذ بي تتعرّف كيفية تحصيل مقادير الحركات الفلكيّة، والتوصّل إليها بالآلات الرّصدية، التي عليها يترتب علم الزّيجات، ويعرف في التقويم الاتّصالات والانفصالات والامتزاجات، مع ما يلتحق بي من «علم الكرة» الذي منه تعرف كيفية اتخاذ الآلات الشّعاعيّة، ويتوصّل به إلى استخراج المطالب الفلكيّة. فقال «علم المواقيت» : كيف وأنا سيّد علوم الهيئة وزعيمها، وشريفها في الشريعة وكريمها؛ بي تعرف أوقات العبادات، وتستخرج جهة القبلة بل سائر الجهات، وتعلم أحوال البلدان ومحلّها من المعمور في الطّول والعرض، ومقادير أبعادها وانحراف بعضها عن بعض، مع ما ينخرط في هذا السّلك من معرفة السماوات وارتفاع الكواكب، ومطالعها من أجزاء البروج والطّالع منها والغارب، وغير ذلك من الشّعاعات المخروطة، والظّلال القائمة والمبسوطة، إلى غير ذلك مما يلتحق بي، وينسب إليّ ويتعلّق بسببي: من علم «الآلات الظّلّيّة» التي تعرف بها ساعات النهار، ويظهر منها الماضي والباقي بأقرب ملتمس وألطف اعتبار، من نحو الرّخامات القائمات، والمبسوطات منها والمائلات.

فقال «علم الهندسة» : إن فضلك لمشهور، ومقامك في الشّرف غير منكور؛ إلا أن آلاتك بي مقدّرة، وأشكالك بأوضاعي محرّرة؛ فأنا إمامك الذي به تقتدي، ونجمك الذي به تهتدي؛ بل جميع علوم الهيئة في الحقيقة موقوفة علي، وراجعة في قواعدها إليّ؛ لولاي لم يعرف السّطح والكرة، ولم يميّز بين الخطوط والقسيّ والدّوائر المقدّرة، مع ما ينشأ عني، ويستملى من صحابي ويقتبس منّي، من أحوال المقادير ولواحقها، ومعرفة ظواهرها الواضحة ودقائقها، وأوضاع بعضها عند بعض ونسبها، وخواصّ أشكالها والطّرق إلى عمل ما سبيله أن يعمل لها، واستخراج ما يحتاج إلى استخراجه بالبراهين اليقينيّة القاطعة، وإظهارها إلى الحسّ بالأشكال البيّنة والحدود الجامعة المانعة. فقال «علم عقود الأبنية» : نعم، إلا أنّي أنا أجلّ مقاصدك، وأعذب مواردك، ونور عيونك، وعروس فنونك؛ منّي يستفاد بناء الحصون والأسوار، ويتعرّف شقّ الأقنية وحفر الأنهار، وعمارة المدن وعقد القواصر، وسدّ البثوق وبناء القناطر، وتنضيد المساكن ووضع المنازل، ونصب الأشجار وترتيب الرّياض ذوات الخمائل. فقال علم «جرّ الأثقال» : صدقت ولكنّي أنا أساس مبانيك وقاعدة سنادك، وحامل أثقالك وعمود اعتمادك؛ بي تعرف كيفية نقل الثّقل العظيم بالقوّة اليسيرة، حتّى تنقل مائة ألف رطل بقوّة خمسمائة وذلك من الأسرار النّفيسة والأعمال الخطيرة. فقال «علم مراكز الأثقال» : إلا أنّك محتاج إليّ في أعمالك، ومتوقّف عليّ في جميع أحوالك، من حيث استخراج مراكز الأجسام المحمولة، وبيان معادلة الجسم العظيم بما هو دونه لتوسّط المسافة بالآلات المعمولة. فقال «علم المساحة» : أراك قد غفلت عن معرفة المقادير

والمسافات التي هي مقدّمة عليك في وضع المباني، ومنفردة عنك بكثير من المعاني؛ من [أنواع] الخراج والزراعات، وتقدير الرّساتيق والبياعات، وكيفيّة ذرع المثلّثات، والمربّعات، والمدوّرات، والمستطيلات، وغير ذلك من دقائق الأعمال، وإدراك كمّيات المقادير على التفصيل والإجمال. فقال «علم الفلاحة» : فإذا قد اعترفت أنّك من جملة لواحقي، مندرج في حقوقي وداخل تحت مرافقي؛ فأنا في الحقيقة المقصود منك في الوضع بالقياس، والمتّحد بك دون غيري من غير التباس، مع ما أنا عليه من معرفة كيفية تدبير النّبات من بدء كونه إلى تمام تدبيره، وتنمية الحبوب والثّمار بإصلاح الأرض وما تخلّلها من المعفّنات كالسّماد وغيره، وما أبديه من اللّطائف في إيجاد بعض الفواكه في غير فصله، وتركيب بعض الأشجار على بعض واستخراج بعضها من غير أصله. فقال علم «إنباط المياه» : إلا أنّي أنا بداية عملك، وغاية منتهى أملك؛ لا يتم لك أمر بدوني، ولا تنبت لك خضراء ما لم تسق من بئاري وعيوني؛ فأنا الكفيل بإحياء الأرض الميّتة وإفلاحها، والقائم بتلطيف مزاجها وإصلاحها. فقال «علم المناظر» : ما الذي تجدي أنت وطرفي عنك مرتدّ، ونظري إليك غير ممتدّ؛ وأنّى تستطيع مياهك التّرقي من الأغوار إلى النّجود، وتتنقّل عيونك وأنهارك بين الهبوط والصّعود، إذا لم أكن لك ملاحظا، وعلى الاعتناء بأمرك محافظا، مع ما أشتمل عليه غير ذلك من تحقيق المبصرات في القرب والبعد على اختلاف معانيها، وما يغلط فيه البصر كالأشجار القائمة على شطوط المياه حيث ترى وأسافلها أعاليها. فقال علم «المرايا «1» المحرقة» : إنّك وإن دقّقت النّظر، وحقّقت كلّ

ما وقع عليه حاسّة البصر، فأنا مقصدك الأعظم، ومهمّك المقدّم؛ طالما أحرقت القلاع بشعاعي، وحصّنت الجيوش بدفاعي، وقمت بما لم يقم به الجيش العرمرم والعسكر الجرّار، وأغنيت مع انفرادي عن كثرة الأعوان ومعاضدة الأنصار. فقال «علم الآلات الحربيّة» : وإنّ حدّك لكليل، وإنّ جداك لقليل، وإنّ المستنصر بك لذليل؛ وماذا عسى تصل في الإحراق إليه، أو تسلّط في الحروب عليه؟؛ أنا باع الحرب المديد، والمحصّن من كلّ بأس شديد، والتّالي بلسان الصّدق على الأعداء: قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ «1» . فأنا نفس المقصود وعين المراد، وعمود الحقّ وقاعدة الجهاد. فقال «علم الكيماء» : ما أنت والقتال، ومواقعة الحروب وقوارع النّزال؛ وهل أنت إلا آلة من الآلات، لا تستقلّ بنفسك في حالة من الحالات؛ وأنّي يغني السّلاح عن الجبان مع خور الطّباع، أو يحتاج إليه البطل الصّنديد والمجرّب الشّجاع؛ فالعبرة بالمقاتل، لا بالذّوابل، والعمدة على الرّجال، لا ببوارق السّيوف عند النّزال؛ وبكلّ حال فالعمدة في الحروب وجمع العساكر على النّقدين دون ما عداهما، والاستناد إلى الذّهب والفضّة بخلاف ما سواهما؛ وإليّ هذا الحديث يساق وعليّ فيه يعتمد، وعنّي يؤخذ وإليّ في مثله يستند، أحاول بحسن التدبير، ما طبخته الطبيعة على ممرّ الدّهور «2» ، فآتي بمثله في الزّمن القريب، وأجانس بين المعادن في ممازجتها فيظهر عنها كلّ معنى غريب، وأبرز من خصائص الإكسير ما يقلب المرّيخ قمرا من غير لبس، ويحيل الزّهرة شمسا وناهيك بإحالة الزّهرة إلى الشّمس؛ فصاحبي أبدا عزيز المنال، شريف النّفس عن الطّلب عفيف اللسان عن السّؤال.

فقال «علم الحساب المفتوح» : إنّك وإن دفعت عنا، وجلبت غنى، فأموالك الجمّة، وحواصلك الضّخمة، محتاجة إلى حسّابي، غير غنيّة عن كتّابي؛ أنا جامع الأموال وضابط أصولها، والمتكفّل بحفظ جملتها وتفصيلها، مع احتياج كثير من العلوم إليّ في الضّرب والقسمة والإسقاط. قد أخذت من «علم الارتماطيقي» الذي هو أصل علوم الحساب بجوانبه، وتعلّقت منه بأسهل طرقه وأقرب مذاهبه؛ وناهيك بشرف قدري، ورفعة ذكري، قول أبي محمد الحريريّ في بعض مقاماته، منبّها على شرف قلمي وسنيّ حالاته: «ولولا قلم الحسّاب لأودت ثمرة الاكتساب، ولا تّصل التّغابن إلى يوم الحساب» «1» . فقال «علم حساب التّخت والميل» : مه! فما أنت إلا علم العامّة في الأسواق، تدور بين الكافّة على العموم وتتداول بينهم على الإطلاق؛ تكاد أن تكون بديهيّا حتّى للأطفال، وضروريّا للنساء والعبيد في جميع الأحوال؛ يتّسع عليك مجال الضّرب فتقصر عنه همّتك المقصّرة، وتتشعّب عليك مدارك القسمة فتأتي بها على التّقريب غير محرّرة؛ أين أنت من سعة باعي، وامتداد ذراعي، وتحرير أوضاعي؟؛ لا يعتمد أهل الهيئة في مساحة الأفلاك والكواكب غير حقائق أموري، ولا يعوّلون فيها- على سعة فضائها- إلا على صحاحي وكسوري. فقال «علم حساب الخطأين» : مالي ولعلم لا يوصّل إلى المقصود إلا بعد عمل طويل؟ ويحتاج صاحبه مع زيادة العناء إلى استصحاب تخت وميل، وقد قيل: كلّ علم لا يدخل مع صاحبه مع الحمّام فجداه قاصر ونفعه قليل؛ على أنّ غيرك يشاركك فيما أنت فيه، ويوصل إلى مقصودك بطريق لا يدخله الغلط ولا يعتريه؛ وإنما الشّأن في استكشاف غامض أو إظهار غريب،

ولا أعجب من أن تصيب إخراج المجهول من الأعداد بخطأين فيقال: أتى بخطأين وهو مصيب. فقال «علم الجبر والمقابلة» : حسبك! فإنّما أنت في استخراج المجهولات كنقطة من قطر، أو نغبة من بحر؛ تقتصر منها بطرقك القاصرة وأعمالك النّاكبة، على ما أمكن صيرورته من العدد في أربعة أعداد متناسبة؛ نعم أنا أبو عذرتها، وابن بجدتها، وأخو نجدتها؛ أستخرج جميع المجهولات، من مسائل المعاملات، والوصايا والتّركات، وغير ذلك مما يجري هذا المجرى، وينحو هذا النّحو ويسري هذا المسرى، مما يدخل تحت الأموال والجذور، والأعداد المطلقة من الصّحاح والكسور. فقال «علم حساب الدّرهم والدّينار» : مالك ولادّعاء التّعميم في استخراج المجهولات وكشف الغوامض؟ وإنّما أنت قاصر على استعلام المجهولات العدديّة المعلومة العوارض، دون ما تزيد عدّته على المعادلات الجبريّة، فقد فاتك حينئذ الدّعاوى الحصرية؛ لكنّي أنا كاشف هذه الحقائق، ومبيّن سبلها بألطف الطّرائق؛ فبي إليها يتوصّل، وعلى قواعدي لاستخراج مقاصدها يجمل ويفصّل. فقال «علم حساب الدّور والوصايا» : إنّ استخراج المجهولات وإن عظم نفعا، وحسن وضعا، فأنا أعظم منه فائدة، وأجلّ منه عائدة؛ أبيّن مقدار ما يتعلّق بالدّور من الوصايا، حتى يتّضح لمن يتأمّل، وأقطع الدّور فتعود المسألة من أظهر القضايا، ولولا ذلك لدار أو تسلسل. فقال «علم الفقه» : وهل أنت إلا نبذة من الوصايا التي هي بارقة من بوارقي، تتعلّق بأطنابي وتدخل تحت سرادقي؛ بي تتميّز معالم الأحكام، ويتبيّن الواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام، ويتعرّف ما يتقرّب به إلى الله تعالى من العبادات، وسائر أنواع التّكاليف الشّرعيّة العملية مما تدعو إليه الضرورات وتجري به العادات؛ فأنا إمام العلوم الذي به يقتدى،

وعميدها الذي عليه يعتمد ونجمها الذي به يهتدى؛ فلولا إرشادي لضلّ سعي المكلّفين، ولأمسوا في ديجاء مدلهمّة فأصبحوا عن ركائب الخير مخلّفين. وناهيك أن من جملة أفرادي، وآحاد أعدادي:- «علم الفرائض» الذي حضّ الشارع على تعلّمه وتعليمه، وأخبر بأنّه نصف العلم منبّها على تعظيم شأنه وتفخيمه، وبالغ في إثبات قواعده وإحكام أسّه، فقال: «إنّ الله لم يكل قسمة مواريثكم إلى ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل بل تولّاها فقسمها بنفسه» . فقال «علم أصول الفقه» : إن مقالك لعال، وإنّ جيدك لحال؛ غير أنّي أنا المتكفّل بتقرير أصولك، وتوجيه المسائل الواقعة في خلال أبوابك وفصولك؛ بي تعرف مطالب الأحكام الشّرعيّة العملية وطرق استنباطها، ومواد حججها واستخراجها بدقيق النّظر وتحقيق مناطها؛ فبأصولي فروعك مقرّرة، وبمحاسن استدلالي حججك منقّحة محرّرة؛ قد مهّدت طرقك حتى زال عنها الإلباس، وبنيت على أعظم الأصول فروعك فاسندتها للكتاب والسّنّة والإجماع والقياس. فقال «علم الجدل» : قد علمت أن الدّليل لا يقوم برأسه، ولا يستقلّ بنفسه، بل لا بدّ في تقريره من النّظر في معرفة كيفيّة الاستدلال، والطّريق الموصّل إلى المطلوب على التّفصيل والإجمال؛ وأنا المتكفّل بذلك، والموصّل بكشف حقائق البحث إلى هذه المدارك؛ بي تعرف كيفيّة تقرير الحجج الشّرعيّة، وقوادح الأدلة وترتيب النّكت الخلافيّة؛ فموضوعك عليّ محمول، ونظرك إلى نظري بكلّ حال موكول. فقال «علم المنطق» : خفّض عليك! فهل أنت إلا نوع من قياساتي المنطقيّة أفردت بالتّصنيف، وخصصت بالمباحث الدّينية فخالطت أصول الفقه في التأليف؟؛ فأنت إذا فرد من أفرادي، وواحد من أعدادي، مع ما اشتمل عليه سواك من القياسات البرهانيّة القاطعة في المناظرات،

والقياسات الخطابيّة والبلاغات النّافعة في مخاطبات الجمهور على سبيل المخاصمات والمساورات؛ وكذلك حال القياسات الشّعريّة، وكيف يستعمل التّشبيه المفيد للتّخيّل الموجب للانفعالات النّفسانيّة: كالإغراء والتّحذير، والتّرغيب والتّرهيب والتّعظيم والتّحقير، وغير ذلك من معرفة الألفاظ والمعاني المفردة من حيث هي عامّة كلّيّة، وتركيب المعاني المفردة بالنسبة إلى الإيجابية والسّلبية؛ تعصم مراعاتي الفكر عن الخطإ فلا يزلّ، وتهديه سواء السّبيل فلا يحيد عن الصّراط السّويّ ولا يضلّ، وأسري في جميع المعقولات فأتصرّف فيما يدقّ منها ويجلّ. فقال علم «دراية الحديث» : قد علمت بما ثبتت به الأدلّة بالتّلويح والتّصريح، أنه لا مجال للعقل في تحسين ولا تقبيح؛ وحينئذ فلا بدّ من نصّ شرعيّ تعتمد عليه، وتستند في مقدّماتك إليه؛ ولا أقوى حجّة، وأوضح محجّة، من كلام الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، الذي لا ينطق عن الهوى إذا تكلّم؛ فإذا استندت إلى نصوصه، واعتمدت عليه في عمومه وخصوصه، فقد حسن منك المقدّم والتّالي، وكانت مقدّماتك في البحث أمضى من المرهفات ونتائجك أنفع من العوالي؛ وقد تحققت أنّي إمام هذا المقام، ومالك قياد هذا الزّمام. فقال «علم رواية الحديث» : لقد ذكرت من الصّحيح المتّفق عليه بما لا طعن فيه لمريب، وتعلّقت من كلام النّبوّة بأوثق سبب فأتيت بكل لفظ حسن ومعنى غريب؛ إلا أن الدّراية، موقوفة على الرّواية؛ وكيف يقع نظر الناظر في حديث قبل وصوله إليه، أو يتأتّى العلم بمعناه قبل الوقوف عليه؟؛ وهل يثبت فرع على غير أصل في مقتضى القياس، أو يرقى من غير سلّم أو يبنى على غير أساس؟؛ فعلى المحدّث تقديم العلم بالرواية بشرطها، ومعرفة أقواله صلّى الله عليه وسلّم بالسّماع المتّصل وتحريرها وضبطها. فقال «علم التّفسير» : قد تبيّن لدى العلماء بالشّريعة أن حكم الكتاب والسّنّة واحد، وإن اختلفت في الأسماء فلم تختلف في المقاصد؛ إلا أنهما

وإن اتّفقا في الدّلالة والإرشاد، فقد اختصّ الكتاب في النّقل بالتّواتر وجاء أكثر السّنّة بالآحاد. فقال «علم القراآت» : إلا أنه لا ينبغي للمفسّر أن يقدم على التّفسير ما لم يكن بقراءة السّبع والشّاذّ عالما، وبلغاتها عارفا وللنّظر في معانيها ملازما؛ مع ما يلتحق بذلك من علم قوانين القراءة المتعلّق من المصاحف بخطّها، والأشكال والعلامات المتكفّلة بتحريرها وضبطها. فقال «علم النّواميس» : (وهو العلم بمتعلّقات النّبوةّ) : إنّك لفرع من فروع الكتاب المبين، وما نزل به الرّوح الأمين على قلب سيّد المرسلين؛ وإليّ النّظر في أحوال النّبوة وحقيقتها، ومسيس الحاجة إليها في بيان الشّريعة وطريقتها، والفرق بين النّبوة الحقّة، والدّعاوى الباطلة غير المحقّة، ومعرفة المعجزات المختصّة بالأنبياء والرّسل عليهم السّلام، والكرامات الصّادرة عن الصّدّيقين الأبرار والأولياء الكرام؛ فأنا المقدّم على سائر العلوم الشّرعية، وإمام الأصليّة منها والفرعيّة. فقال «العلم الإلهي» : لقد تحقّقت أنّ اللازم المحتّم، والواجب تقديمه على كلّ مقدّم، العلم بمعرفة الله تعالى والطّريق الموصّل إليها، وأثبات صفاته المقدّسة وما يجب لها ويستحيل عليها، وأنه الواجب الوجود لذاته، وباعث الرّسل لإقامة الحجّة على خلقه بمحكم آياته؛ وأنا الزّعيم بإقامة الأدلّة على ذلك من المعقول والمنقول، والمتكفّل بتصحيح مقدّماته البرهانيّة بتحرير المقدّم والتّالي والموضوع والمحمول. فقال «علم أصول الدّين» : فحينئذ قد فزت من جمعكما بالشّرفين، وجمع لي منكما الفضل بطرفيه فصرت بكما معلم الطّرفين، وميّزت بين صحيح الاعتقاد وفاسده فكان لي منهما أحسن الاختيارين، وبيّنت طريق الحقّ لسالكها فكنت سببا للفوز والنّجاة في الدّارين؛ فانا المقصود للإنسان بالذّات في كمال ذاته، وكلّ علم يستمدّ منّي في مباديه ويفتقر إليّ في مقدّماته.

فقال «علم التّصوّف» : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا، إذ كان كلّ امريء بما عمل مجازى وبما كسب رهينا؛ إنّه يجب على كلّ من كان بمعتقد الحقّ جازما، أن يكون عن دار الغرور متجافيا ولأعمال البرّ ملازما؛ فإنّما الدّنيا مزرعة للآخرة، إن حصلت النّجاة فتلك التّجارة الرّابحة وإن كانت الأخرى فتلك إذا كرّة خاسرة؛ فمن لزم طريقتي في الإعراض عن الدّنيا والزّهد فيها سلّم، ومن اغترّ بزخرفها الفاني فقد خاب في القيامة وندم. فلما كثرت الدّعاوى والمعارضات، وتتابعت الحجج والمناقضات، نهض «علم السياسة» قائما، وقصد حسم مادّة الجدال وطالما، وقال: أنا جذيلها المحكّك وعذيقها المرجّب «1» ، وسائسها الكافي وحاكمها المهذّب؛ لقد ذكر كلّ منكم من فضله ما يشوّق السّامع، وأظهر من جليل قدره ما تنقطع دونه المطامع، وأتى من واضح كلامه بما لا يحتاج في إثباته إلى دليل ظنّيّ ولا برهان قاطع؛ غير أنه لا يليق بالمنصف أن يتخطّى قدره المحدود ولا يتعدّى جزءه المقسوم، ولكلّ أحد حدّ يقف عنده وما منّا إلّا له مقام معلوم؛ فلو سلك كلّ منكم سبيل المعدلة، وأنصف من نفسه فوقف عند ما حدّ له، لكان به أليق، ولمقام العلم أرفق. فقال «علم تدبير المنزل» : لقد تحرّيت الصّواب، ونطقت بالحكمة وفصل الخطاب؛ لكنّه لا بدّ لكم من حبر عالم، وإمام حاكم، يكون لشملكم جامعا، ولمواقع الشّكّ في محلّ التفاضل بينكم رافعا، محيط من كلّ علم بمقصوده ومراده، عارف بما تشمل عليه مباديه من حدّه وموضوعه وفائدته واستمداده، ليبلغ به من الفضل منتهاه، ويقف به من الشّرف عند حدّ لا يتعدّاه؛ فلا يدّعي مدّع بغير مستحقّ، ولا يطالب طالب ما ليس له بحقّ؛ إلا أنّ المحيط بكلكم علما، والقائم بجميعكم فهما، أعزّ من الجوهر الفرد

والكبريت الأحمر، وأقلّ وجودا من بيض الأنوق «1» بل بيض الأنوق في الوجدان أكثر. فقال «علم الفراسة» : على الخبير سقطت، وبابن بجدتها حططت؛ أنا بذلكم زعيم، وبمظنّته عليم؛ فللعلم عرف ينمّ على صاحبه، وتلوح عليه بوارقه وإن أكنّه بين جوانبه؛ فحامل المسك لا تخفى ريحه على غير ذي زكام، والنّهار لا يخفى ضوءه على ذي بصر وإن تسترت شمسه بأذيال الغمام؛ ولقد تصفّحت وجوه العلماء الكملة، الذين طواياهم على أجمل العلوم منطوية وعلى تفاصيلها مشتملة، وسبرت وقسّمت، وتفرّست وتوسّمت، فلم أجد من يليق لهذا المقام، ويصلح لقطع الجدال والخصام، ويعرف بلغة كلّ علم فيجيب بلسانه، ويحكم فلا ينقض حكمه غيره لانحطاطه عن بلوغ مكانه، إلا البحر الزّاخر، و [الفاضل] «2» الذي لا يعلم لفضله أوّل ولا يدرك لمداه آخر؛ حبر الأمة، وعلّامة الأئمة، وناصر السّنة وحاميها، وقامع البدعة وقاميها «3» ، نجل شيخ الإسلام، وخلاصة غرر الأيّام، جلال الدّين، بقيّة المجتهدين، أبو الفضل عبد الرحمن البلقينيّ الشّافعيّ، النّاظر في الحكم العزيز بالديار المصرية، وسائر الممالك الإسلامية وما أضيف إلى ذلك من الوظائف الدّينية، لا زالت فواضل الفضائل معروفة: فهو العالم الذي إذا قال لا يعارض، والحاكم الذي إذا حكم لا يناقض، والإمام الذي لا يتخلّل اجتهاده خلل، والمناظر الذي ما حاول قطع خصم إلا كان لسانه أمضى من السّيف أذا يقال: «سبق السّيف العذل» :

إذا قال بذّ القائلين ولم يدع ... لملتمس في القول جدّا ولا هزلا إن تكلّم في الفقه فكأنما بلسان «الشّافعيّ» تكلّم، و «الرّبيع» عنه يروي و «المزنيّ» منه يتعلّم، أو خاض في أصول الفقه، قال «الغزاليّ» : هذا هو الإمام باتفاق، وقطع السّيف «الآمديّ» بأنه المقدّم في هذا الفنّ على الإطلاق، أو جرى في التّفسير، قال «الواحديّ» : هذا هو العالم الأوحد، وأعطاه «ابن عطيّة» صفقة يده بأن مثله في التّفسير لا يوجد، واعترف له «صاحب الكشّاف» بالكشف عن الغوامض، وقال الإمام «فخر الدّين» : «هذه مفاتيح الغيب وأسرار التّنزيل» فارتفع الخلاف واندفع المعارض، أو أخذ في القراءات والرّسم أزرى بأبي «عمرو الدّاني» ، وعدا شأو «الشّاطبيّ» في «الرّائية» وتقدّمه في «حرز الأماني» ، أو تحدّث في الحديث شهد له «السّفيانان» بعلوّ الرتبة في الرّواية، واعترف له «ابن معين» بالتّبريز والتّقدّم في الدّراية، وهتف «الخطيب البغداديّ» بذكره على المنابر، وقال «ابن الصّلاح» : لمثل هذه الفوائد تتعيّن الرّحلة وفي تحصيلها تنفد المحابر، أو أبدى في أصول الدّين نظرا تعلّق منه «أبو الحسن الأشعريّ» بأوفى زمام، وسدّ باب الكلام على المعتزلة حتّى يقول «عمرو بن عبيد» و «واصل بن عطاء» ليتنا لم نفتح بابا في الكلام، أو دقّق النظر في المنطق بهر «الأبهريّ» في مناظرته، وكتب «الكاتبيّ» على نفسه وثيقة بالعجز عن مقاومته، أو ألمّ بالجدل رمى «الأرمويّ» نفسه بين يديه، وجعل «العميديّ» عمدته في آداب البحث عليه، أو بسط في اللغة لسانه اعترف له «ابن سيده» بالسّيادة، وأقرّ بالعجز لديه «الجوهريّ» وجلس «ابن فارس» بين يديه مجلس الاستفادة، أو نحا إلى النّحو والتّصريف أربى فيه على «سيبويه» ، وصرف «الكسائيّ» له عزمه فسار من البعد إليه، أو وضع أنموذجا في علوم البلاغة وقف عنده «الجرجانيّ» ، ولم يتعدّ حدّه «ابن أبي الاصبع» ولم يجاوز وضعه «الرّمانيّ» ، أو روى أشعار العرب أزرى ب «الأصمعيّ» في حفظه، وفاق

«أبا عبيدة» في كثرة روايته وغزير لفظه، أو تعرّض للعروض والقوافي استحقّها على «الخليل» ، وقال «الأخفش» : عنه أخذت «المتدارك» واعترف «الجوهريّ» بأنه ليس له في هذا الفن مثيل، أو أصّل في الطّبّ أصلا قال «ابن سينا» : هذا هو القانون المعتبر في الأصول، وأقسم «الرازيّ» بمحيي الموتى إن «بقراط» لو سمعه لما صنّف «الفصول» ، أو جنح إلى غيره من العلوم الطبيعية فكأنما طبع عليه، أو جذب له ذلك العلم بزمام فانقاد إليه، أو سلك في علوم الهندسة طريقا لقال «أو قليدس» : هذا هو الخطّ المستقيم، وأعرض «ابن الهيثم» عن حلّ الشكوك وولّى وهو كظيم، وحمد «المؤتمن بن هود» عدم إكمال كتابه «الاستكمال» وقال: عرفت قدر نفسي: وفوق كلّ ذي علم عليم، أو عرّج على علوم الهيئة لا عترف «أبو الرّيحان البيرونيّ» أنه الأعجوبة النادرة، وقال «ابن أفلح» : هذا العالم قطب هذه الدائرة، أو صرف إلى علم الحساب نظره لقال «السّموأل بن يحيى» : لقد أحيا هذا الفنّ الدّارس، ونادى «ابن مجلي الموصليّ» : قد انجلت عن هذا العلم غياهبه حتى لم يبق فيه عمه لعامه ولا غمّة على ممارس. وقد وجدت مكان القول ذا سعة ... فإن وجدت لسانا قائلا فقل! وكيف لا تلقي إليه العلوم مقاليدها، وتصل به الفضائل أسانيدها، وهو ابن شيخ الإسلام وإمامه، وواحد الدّهر وعلّامه، وجامع العلوم المنفرد، ومن حقّق وجوده في أواخر الأعصار أنّ الزّمان لا يخلو من مجتهد، ومن لم يزل موضوع الأوضاع المعتبرة عليه محمولا، ومن كان على رأس المائة الثّامنة مضاهيا لعمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى؛ فالخناصر عليه وعلى ولده تعقد، ولا غرو إن قام منشدهما فأنشد: إن المائة الأولى على رأسها أتى ... لها عمر الثّاني لذا الدّين صائنه ووالى رجال بعد ذاك كمثله ... فها عمر وافى على رأس ثامنه

يظاهره نجل سعيد غدت به ... معاقل علم في ذرا الحقّ آمنه إذا شيخ إسلام أضاء سراجه ... رأيت جلالا من سنا الفضل قارنه! فلا يعدم الإسلام جمع علاهما ... ولن يبرحا للدّين دأبا ميامنه! فقال «علم الأخلاق» : أصبت سواء الثّغرة وجئت بالرّأي الأكمل، وعرفت من أين تؤكل الكتف فطبّقت المفصل بالمفصل؛ إلا أنّ من محاسن الأخلاق، ومعالم الإرفاق، أن تعودوا بفضلكم، وترجعوا بمعروفكم وبرّكم، إلى من جرى بكم في التّفاخر مجرى الإنصاف، وبسط لسان كلمه بما اشتمل عليه كلّ منكم من جميل الأوصاف؛ ثم كان من شأنه أن وصل بالاتّفاق والالتئام حبلكم، وجمع بالمحلّ الكريم بعد التباعد شملكم، وذكركم بحسن المصافاة أصل الوداد القديم، وتلا بلسان الألفة فيكم: فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ «1» ، بأن ينتصب كلّ منكم له شفيعا إلى هذا السّيّد الجليل، ويكون له وسيلة إلى هذا الإمام الحفيل، أن يصرف إليه وجه العناية، وينظر إليه بعين الإقبال والرّعاية، ليعزّ في الناس جانبه، ويطلع في أفق السّعد بعد الأفول غاربه، ويبلغ من منتهى أمله ما له جهد، ويسعد بالنّظر السعيد جدّه فقد قيل: «من وقع عليه نظر السّعيد سعد» . على أنه- أمتع الله الإسلام ببقائه وبقاء والده، وجمع بينهما في دار الكرامة كما جمع لهما بين طارف المجد وتالده- قد فتح له من التّرقّي أوّل باب، ولا شكّ أنّ نظرة منه إليه بعد ذلك ترقّيه إلى السّحاب. فأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه ... وأوّل الغيث قطر ثم ينسكب! فقال «علم التاريخ» : اهبطوا مصرا فإنّ لكم ما سألتم، وقرّوا عينا فإلى القصد الجليل وصلتم، وعلى غاية الأمل- ولله الحمد- حصلتم؛ فقد بلوت الأوائل والأواخر، وخبرت حال المتقدّم والمعاصر، فلم أر فيمن مضى

وغبر، وشاع ذكره واشتهر، من ذوي المراتب العليّة، والمناصب السّنيّة، من يساوي هذا السّيّد الجليل فضلا! أو يدانيه في المعروف قولا وفعلا؛ قد لبس شرفا لا تطمع الأيام في خلعه، ولا يتطلّع الزمان إلى نزعه، وانتهى إليه المجد فوقف، وعرف الكرم مكانه فانحاز إليه وعطف، وحلّت الرّآسة بفنائه فاستغنت به عن السّوى، وأناخت السّيادة بأفنائه فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى، فقصرت عنه خطا من يجاريه، وضاق عنه باع من يناويه، واجتمعت الألسن على تقريضه فمدح بكلّ لسان، وتوافقت القلوب على حبّه فكان له بكلّ قلب مكان: ولم يخل من إحسانه لفظ مخبر ... ولم يخل من تقريظه بطن دفتر! فهو الحريّ بأن يكتب بأقلام الذّهب جميل مناقبه، وأن يرقم على صفحات الأيام حميد مطالبه؛ فلا يذهب على ممرّ الزمان ذكرها، ولا يزول على توالي الدّهور فخرها. ولما تمّ للعلوم هذا الاجتماع الذي قارن السّعد جلاله، وتفجّرت ينابيع الفضل خلاله، أقبلوا بوجوههم على الشّعر معاتبين، وبما يلزمه من تقريض هذا الحبر ومدحه مطالبين، وقالوا: قد أتى النّثر من مدحه بقدر طاقته، وإن لم يوف بجليل قدره ورفيع مكانته، فلا بدّ من أن تختم هذه الرسالة بأبيات بالمقام لائقة، ولما نحن فيه من القضيّة الواقعة مطابقة، قائمة من مدحه بالواجب، سالكة من ذلك أحسن المسالك وأجمل المذاهب، لتكمل هذه الرسالة نظما ونثرا، وتفتنّ في صناعة الأدب خطابة وشعرا، فقال: سمعا وطاعة، واستكانة وضراعة؛ ثم لم يلبث أن قام عجلا، وأنشد مرتجلا: بشراكم معاشر العلوم أن ... جمعتم بصدر حبر كامل! فنونه لم تجتمع لعالم ... وفضله لم يكتمل لفاضل! يشفي الصّدور إن غدا مناظرا ... وبحثه فزينة المحافل! كم عمّرت دروسه من دارس ... وزيّنت بحليها من عاطل!

وو أوضحت أقواله من مشكل ... لمّا أتى بأوضح الدّلائل! وكم غدت آراؤه حميدة ... ونبّهت بجدّها من خامل. وحكمه فكم أقال عثرة ... وجوده ففوق قصد الآمل! هذا: وقد فاق الورى رآسة ... محفوفة بألطف الشّمائل! من ذا يروم أن ينال شأوه؟ ... أنّى له بأمثل الأماثل؟ مولى علا فوق السّماك رتبة ... قد زيّنت بأفضل الفواضل! فما له في فضله من مشبه، ... وما لبحر جوده من ساحل! حاشى لراج فضله أن ينثني ... صفر اليدين أو ممنّى الآجل! قلت ولم أرمن تعرّض للمفاخرة بين العلوم سوى القاضي الرّشيد أبي الحسين بن الزبير في مقالته المقدّم ذكرها «1» ؛ على أنّها لم تكن جارية على هذا النّمط، ولا مرتّبة على هذا التّرتيب، مع الاقتصار فيها على علوم قليلة، أشار إلى المفاضلة بينها على ما تقدّم ذكره. ولكنّ الله تعالى قد هدى بفضله إلى وجوه التّرجيح التي يرجح بها كلّ علم على خصمه، ويفلج به على غيره؛ والمنصف يعرف لذلك حقّه. والذي أعانني على ذلك جلالة قدر من صنّفت له وعلوّ رتبته، واتساع فضله، وكثرة علومه، وتعداد فنونه، إذ صفات الممدوح تهدي المادح وترشده. ومنها المفاخرة بين السّيف والقلم؛ وقد أكثر الناس منها: فمن عال وهابط، وصاعد وساقط. وهذه رسالة في المفاخرة بين السّيف والقلم، أنشأتها للمقرّ الزّيني أبي يزيد «2» الدّوادار الظّاهريّ، في شهور سنة أربع وتسعين وسبعمائة، وسمّيتها: «حلية الفضل وزينة الكرم، في المفاخرة بين السّيف والقلم» ؛ وهي:

الحمد لله الذي أعزّ السّيف وشرّف القلم، وأفردهما برتب العلياء فقرن لهما بين المجد والكرم، وساوى بينهما في القسمة فهذا للحكم وهذا للحكم. أحمده على أن جمع بخير أمير بعد التّفرّق شملهما، ووصل بأعزّ مليك بعد التّقاطع حبلهما، وأرغب إليه بشكر يكاثر النجوم في عديدها، ويكون للنّعمة على ممرّ الزّمان أبا يزيدها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يأتمّ الإخلاص بمذهبها، ولا ينجو من سيفها إلا من أجاب داعيها وأقرّبها، وأن محمدا عبده ورسوله الذي خصّ بأشرف المناقب وأفضل المآثر، واستأثر بالسؤدد في الدّارين فحاز أفخر المعالي ونال أعلى المفاخر، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين قامت بنصرتهم دولة الإسلام فسمت بهم على سائر الدّول، وكرعت في دماء الكفر سيوفهم فعادت بخلوق النّصر لا بحمرة الخجل، صلاة ينقضي دون انقضائها تعاقب الأيام، وتكلّ ألسنة الأقلام عن وصفها ولو أنّ ما في الأرض من شجرة أقلام. وبعد، فإنّه ما تقارب اثنان في الرّتبة إلا تحاسدا، ولا اجتمعا في مقام رفعة إلا ازدحما على المجد وتواردا، ورام كلّ منهما أن يكون هو الفائز بالقدح المعلّى، وأن يكون مفرقه هو المتوّج وجيده هو المحلّى، وادّعى كلّ منهما أن جواده هو السابق في حلبة السّباق، والفائز بقصب السّبق بالاتّفاق، وأن نجمه هو الطالع الذي لا يأفل، وسؤدده هو الحاكم الذي لا يعزل، وأن المسك دون عبيره، والبحر لا يجيء نقطة في غديره، والدّرّ لا يصلح له صدفا، ونفيس الجوهر لا يعادله شرفا، وأن منابر المعالي موقوفة على قدمه، ومجامر المفاخر فائحة بنشر كرمه. ولمّا كان السّيف والقلم قد تدانيا في المجد وتقاربا، وأخذا بطرفي الشّرف وتجاذبا؛ إذ كانا قطبين تدور عليهما دوائر الكمال، وسعدين يجتمعان في دائرة الاعتدال، ونجمين يهديان إلى المعالي، ومصباحين

يستضاء بهما في حنادس اللّيالي، وقاعدتين تبنى الدّول على أركانهما، وشجرتين يجتنى العزّ من أغصانهما؛ جرّ كلّ منهما ثوب الخيلاء فخرا فمشى وتبختر، وأسبل رداء العجب تيها فما تخبّل ولا تعثّر، واتسع له المجال في الدّعوى فجال، وطاوعته يد المقال فقال وطال، وتطرّقت إليهما عقارب الشّحناء ودبّت، وتوقّدت بينهما نار المنافسة وشبّت، وأظهر كلّ منهما ما كان يخفيه فكتب وأملى، وباح بما يكنّه صدره والمؤمن لا يكون حبلى؛ وبدأ القلم فتكلم، ومضى في الكلام بصدق عزم فما توقف ولا تلعثم، فقال: باسم الله تعالى أستفتح، وبحمده أتيمّن وأستنجح؛ إذ من شأني الكتابة، ومن فنّي الخطابة؛ وكلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله تعالى فهو أجذم، وكلّ كلام لا يفتتح بحمده فأساسه غير محكم ورداؤه غير معلم؛ والعاقل من أتى الأمر من فصّه، وأخذ الحديث بنصّه؛ والحقّ أحقّ أن يتّبع، والباطل أجدر أن يترك فلا يصغى إليه ولا يستمع؛ إني لأوّل مخلوق بالنّص الثابت والحجّة القاطعة، والمستحقّ لفضل السّبق من غير منازعة؛ أقسم الله تعالى بي في كتابه، وشرّفني بالذّكر في كلامه لرسوله وخطابه، فقال جلّ من قائل: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ » ، وقال جلّت قدرته: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ «2» ، فكان لي من الفضل وافر القسمة، وخصصت بكمال المعرفة فجمعت شوارد العلوم وكنت قيّم الحكمة. فقال السّيف: بسم الله والله أكبر: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ «3» . لكلّ باغ مصرع، وللصّائل بالعدوان مهلك لا ينجو منه ولا ينجع؛ وفاتح باب

الشّرّ يغلق به، وقادح زند الحرب يحرق بلهبه؛ أقول بموجب استدلالك، وأوجب الاعتراض عليك في مقالك: نعم أقسم الله تعالى بالقلم ولست بذلك، وكان أوّل مخلوق ولست المعنيّ بما هنالك؛ إنّ ذلك لمعنى يكلّ فهمك عن إدراكه، ويضلّ نجمك أن يسري في أفلاكه؛ وأنت وإن ذكرت في التنزيل، وتمسكت من الامتنان بك في قوله: عَلَّمَ بِالْقَلَمِ بشبهة التّفضيل؛ فقد حرّم الله تعالى تعلّم خطّك على رسوله، وحرمك من مسّ أنامله الشريفة ما يؤسى على فوته ويسرّ بحصوله؛ لكنّي قد نلت في هذه الرتبة أسنى المقاصد، فشهدت معه من الوقائع ما لم تشاهد، وحلّاني من كفه شرفا لا يزول حليه أبدا، وقمت بنصره في كلّ معترك: وسل حنينا وسل بدرا وسل أحدا!!!؛ ذكر الله تعالى في القرآن الكريم جنسي الذي أنا نوعه الأكبر، ونبّه على ما فيه من المنافع التي هي من نفعك أعمّ وأشهر، وما اجتمع فيه من عظيمي الشّدّة والباس، فقال تقدّست عظمته: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ «1» . على أنك لو اعتبرت جنسي القصب والحديد، وعرفت الكليل منهما والجليد، لتحققت تسلط الحديد عليك قطّا وبريا، وتحكّمه فيك أمرا ونهيا. فقال القلم: فررت من الشريعة وعدلها، وعوّلت على الطبيعة وجهلها، فافتخرت بحيفك وعدوانك، واعتمدت في الفضل على تعدّيك وطغيانك، فملت إلى الظّلم الذي هو إليك أقرب، وغلب عليك طبعك في الجور: و «الطّبع أغلب» ؛ فلا فتنة إلا وأنت أساسها، ولا غارة إلا وأنت رأسها، ولا شرّ إلا وأنت فاتح بابه، ولا حرب إلا وأنت واصل أسبابه؛ تؤكّد مواقع الجفاء، وتكدّر أوقات الصّفاء، وتؤثّر القساوة، وتؤثر العدواة؛ أما أنا فالحقّ مذهبي، والصّدق مركبي، والعدل شيمتي، وحلية الفضل زينتي؛ إن حكمت أقسطت، وإن استحفظت حفظت وما فرّطت؛ لا أفشي سرّا يريد صاحبه

كتمه، ولا أكتم علما يبتغي متعلّمه علمه؛ مع عموم الحاجة إليّ، والافتقار إلى علمي والاكتساب مما لديّ؛ أدير في القرطاس كاسات خمري فأزري بالمزامير وأهزأ بالمزاهر، وأنفث فيه سحر بياني فألعب بالألباب وأستجلب الخواطر، وأنفذ جيوش سطوري على بعد فأهزم العساكر: فلكم يفلّ الجيش وهو عرمرم ... والبيض ما سلّت من الأغماد! فقال السّيف: أطلت الغيبة، وجئت بالخيبة، وسكتّ ألفا، ونطقت خلفا. السّيف أصدق أنباء «1» من الكتب ... في حدّه الحدّ بين الجدّ واللّعب إنّ نجادي لحلية للعواتق، ومصاحبتي آمنة من البوائق؛ ما تقلّدني عاتق إلا بات عزيزا، ولا توسّدني ساعد إلا كنت له حرزا حريزا؛ أمري المطاع وقولي المستمع، ورأيي المصوّب وحكمي المتّبع؛ لم أزل للنّصر مفتاحا، وللظلام مصباحا، وللعزّ قائدا، وللعداة ذائدا؛ فأنّى لك بمساجلتي، ومقاومتي في الفخر ومنافرتي؟؛ مع عري [جسمك] «2» ونحافة بدنك، وإسراع تلافك وقصر زمنك، وبخس أثمانك على بعد وطنك، وما أنت عليه من جري دمعك، وضيق ذرعك، وتفرّق جمعك، وقصر باعك، وقلّة أتباعك. فقال القلم: مهلا أيّها المساجل، وعلى رسلك أيها المغالب والمناضل؛ لقد أفحشت مقالا، ونمّقت محالا، فغادرتك سبل الإصابة، وخرجت عن جادّة الإنابة، وسؤت سمعا فأسأت جابة «3» ؛ إنّي لمبارك الطّلعة

وسيمها، شريف النّفس كريمها، آخذ بالفضائل من جميع جهاتها، مستوف للممادح بسائر صفاتها؛ فطائري ميمون، وغولي مأمون، وعطائي غير ممنون؛ أصل وتقطع، وأعطي وتمنع، وتفرّق وأجمع؛ وإنّ ازدراءك بي من الكبر المنهيّ عنه، وغضّك عنّي من العجب المستعاذ منه؛ ومن حقّر شيئا قتله، ومن استهان بفاضل فضله؛ وإنّي وإن صغر جرمي فإني لكبير الفعال، وإن نحف بدني فإني لشديد البأس عند النّزال؛ وإن عري جسمي فكم كسوت عاريا، وإن جرى دمعي فكم أرويت ظاميا، وإن ضاق ذرعي فإني بسعة المجال مشهور، وإن قصر باعي فكم أطلقت أسيرا وأنا في سجن الدّواة مأسور؛ إذا امتطيت طرسي، وتدرّعت نقسي، وتقلدت خمسي، وجاشت على الأعداء نفسي:- رأيت جليلا شأنه وهو مرهف ... ضنّى وسمينا خطبه وهو ناحل! أنسيت إذ أنت في المعدن تراب تداس بالأقدام؟ وتنسفك الرّياح وتزري بك الأيام؟ ثم صرت إلى القين «1» تقعد لك السّنادين بالمراصد، وتدمغك المقامع وتسطو بك المبارد؛ ثم لولا صقالك لأذهبك الجرب وأكلك الصّدى، مع قلّة صبرك على المطر والنّدى. فقال السّيف: إنّا لله! لقد استأسدت الثّعالب، واستنسرت البغاث فعدّ العصفور نفسه من طير الواجب «2» ، وجاء الغراب إلى البازيّ يهدّده، ورجع ابن آوى على الأسد يشرّده؛ فلو عرفت قدر نفسك، ولزمت في السّكينة طريق أبناء جنسك، ووقفت عند ما حدّ لك، وذكرت عجزك وكسلك، لكان أجدر بك، وأحمد لعاقبتك، وأليق بأدبك. إن الملوك لتعدّني لمهمّاتها، وتستنجد بي في ملمّاتها، وتتعالى في

نسبي، وتتغالى في حسبي، وتتنافس في قنيتي وتتحاسد، وتجعلني عرضة لأيمانها فتتعاقد بالحلف عليّ وتتعاهد، وتدّخرني في خزائنها ادّخار الأعلاق، وتعدّني أنفس ذخائرها على الإطلاق، فتكلّلني الجواهر، وتحلّيني العقود فأظهر في أحسن المظاهر؛ أبرز للشّجعان خدّي الأسيل فأنسيهم الخدود ذوات السّوالف، وأزهو بقدّي فأسلبهم هيف القدود مع لين المعاطف، وأوهم الظّمآن من قرب أن بأنهاري ماء يسيل، وأخيّل للمقرور من بعد أنّي جذوة نار فيطلبني على المدى الطّويل؛ ويخالني متوقّع الغيث برقا لامعا، ويظنّني الجائز في الشّرق نجما طالعا؛ فالشّمس من شعاعي في خجل، واللّيل من ضوئي في وجل، وما أسرعت في طلب ثار إلا قيل: «فات ما ذبح» و «سبق السّيف العذل» . فقال القلم: برّق لمن لا عرفك، وروّج على غير الجوهريّ صدفك؛ فما أنت من بزّي ولا عطري، ولست بمساو حدّك القاطع بقلامة ظفري؛ إنّ برقك لخلّب، وإن ريحك لأزيب «1» ، وإن ماءك لجامد، وإن نارك لخامد؛ ومن ادّعى ما ليس له فقد باء بالفجور، ومن تشبّع بما لم يعط فهو كلابس ثوبي زور. ومن قال: إنّ النّجم أكبرها السّهى ... بغير دليل كذّبته ذكاء «2» ! أنا جذيلها المحكّك، وعذيقها المرجّب، وكريمها المبجّل وعالمها المهذّب؛ يختلف حالي في الأفعال السّنية باختلاف الأعراض، وأمشي مع المقاصد الشريفة بحسب الأغراض، وأتزيّا بكلّ زيّ جميل، فأنزل في كلّ حيّ وأسير في كلّ قبيل؛ فتارة أرى إماما عالما، وتارة لدرّ الكلام ناثرا وأخرى

لعقود الشّعر ناظما، وطورا تلفيني جوادا سابقا، ومرّة تجدني رمحا طاعنا وسهما راشقا، وآونة تخالني نجما مشرقا، وحينا تحسبني أفعوانا مطرقا؛ قد فقت الشّبّابة في الطّرب، وبرّزت عليها في كلّ معنى وإن جمع بيننا جنس القصب؛ فكانت للأغاني، وكنت للمعاني، وجاءت بغريب النّغم، وجئت ببديع الحكم، ولعبت بالأسماع طربا، وولعت بالألباب فاتّخذت لدهرها مما عراها عجبا. فقال السّيف: ذكّرتني الطّعن وكنت ناسيا، وطلبت التّكثّر فازددت قلّة وعدت خاسيا، فكنت كطالب الصّيد في عرّيسة «1» الأسد إن لقيه أهلكه، وخالفت النّصّ فألقيت بيديك إلى التّهلكة؛ فاقنع من الغنيمة بالإياب، وعدّ الهزيمة مع السّلامة من أربح الأكساب؛ فلست ممن يشقّ غباري، ولا يقابل في الهيجاء ضرمي ولا يصطلي بناري؛ فكم من بطل أبطلت حراكه، وكم من شجاع عجلت هلاكه، وكم صنديد أرقت دمه، وكم ثابت الجأش زلزلت قدمه. وأراد القلم أن يأخذ في الكلام، ويرجع إلى الجدال والخصام، فغلب عليه رقّة طبعه وحسن موارده، وسلاسة قياده وجميل مقاصده، فمال إلى الصّلح وجنح إلى السّلم، وأعرض عن الجهل وتمسّك بالحلم، وأقبل على السّيف بقلب صاف، ولسان رطب غير جاف، فقال: قد طالت بيننا المجادلة، وكثرت المراجعة والمقاولة، مع ما بيننا من قرابة الشّرف، وأخذ كلّ منّا من الفضل بطرف؛ فنحن في الكرم شقيقان، وفي المجد رفيقان؛ لا يستقلّ أحدنا بنفسه، ولا يأنس بغير صاحبه وإن كان من غير جنسه؛ وقد حلبت الدّهر أشطره، وعلمت أصفاه وأكدره، وقلّبته ظهرا وبطنا، وجبت فيافيه سهلا وحزنا؛ وإنّ معاداة الرّفيق، ومباينة الشّقيق، توجب شماتة العدوّ وتغمّ الصديق؛ فهل لك أن تعقد للصلح عقدا لا يتعدّى حدّه، ولا يحلّ على طول

الزّمان عقده؟ لنكون أبدا متآلفين، وعلى السّرّاء والضّرّاء متصاحبين، حتى لا يضرب بنديمي جذيمة «1» مع اصطحابنا مثل، ولا يتشبّه بنا الفرقدان إلا باءا بالخطل. ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث، أيّ الرّجال المهذّب «2» فقال السّيف: لقد رأيت صوابا، ورفعت عن وجه المحجّة نقابا، وسريت أحسن مسرى وسرت أجمل سير، وصحبك التّوفيق فأشرت بالصّلح: والصّلح خير. وقد يجمع الله الشّتيتين بعدما ... يظنّان كلّ الظّنّ أن لا تلاقيا! ثم قالا: لا بدّ من حكم يكون الصّلح على يديه، وحاكم نرجع في ذلك إليه، لنحظى بزيادة الشّرف، ونظفر من كمال الرّفعة بغرف من فوقها غرف؛ ولسنا بفائزين بطلبتنا، وظافرين ببغيتنا، إلا لدى السّيّد الأكمل، والمالك الأفضل، الماجد السّريّ، والبطل الكميّ، والبحر الخضمّ، والغيث الأعمّ، مولى المعالي ومولي النّعم، وممتطي جواد العزّ ورافع أعلام الكرم، جامع أشتات الفضائل ومالك زمامها، وضابط أمر الدّولة الظاهرية وحافظ نظامها، المقرّ الكريم، العاليّ، المولويّ، الزّينيّ، أبي يزيد الدّوادار الظّاهريّ: ضاعف الله تعالى حسناته المتكاثرة، وزاده رفعة في الدّارين ليجمع له الارتقاء بين منازل الدّنيا والآخرة؛ فهو قطب المملكة الذي عليه تدور، وفارسها الأروع وأسدها الهصور، وبطلها السّميدع وليثها

الشهير، وأبو عذرتها حقّا من غير نكر وابن بجدتها السّاقطة منه على الخبير، ومعقلها الأمنع وحرزها الحصين، وعقدها الأنفس وجوهرها الثّمين، وتلادها العليم بأحوالها، والجدير بمعرفة أقوالها وأفعالها، وترجمانها المتكلّم بلسانها، وعالمها المتفنّن في أفنانها، وطبيبها العارف بطبّها، ومنجدها الكاشف لكربها. هذا: وإنّه لمالك أمرنا، ورافع قدرنا، والصّائل منا بالحدّين، والجامع منا بين الضّدّين؛ فلو لقيه «فارس عبس» لولّى عابسا، أو طرق حمى «كليب» لبات من حماه آيسا، أو قارعه «ربيعة بن مكدّم» «1» لعلا بالسّيف مفرقه، أو نازله «بسطام» «2» لبدّد جمعه وفرّقه؛ كما أنه لو قرن خطّه بنفيس الجوهر لعلاه قيمة، أو قاسمه «ابن مقلة» في الكتابة لما رضي أن يكون قسيمه، أو فاخره «ابن هلال» لرأى انه سبقه إلى كلّ كريمة. وبالجملة فعزّه الظاهر وفضله الأكمل، وسماكه الرّامح وسماك غيره الأعزل؛ فلا يسمح الزمان أن يأتي له بنظير، ولا أراد مدّع بلوغ شأوه إلا قيل: اتّئد فلقد حاولت الانتهاض بجناح كسير: فحيّهلا بالمكرمات وبالعلى ... وحيّهلا بالفضل والسّؤدد المحض فالحمد لله الذي جمعنا بأكرم محلّ وأفضل، وأحسن مقام وأجمل؛ فهلمّ إليه يعقد بيننا عقد الصّلح، ونبايعه على ملازمة الخدمة والنّصح. ثم لم يلبثا أن كتبا بينهما كتابا بالصّلح والمصافاة، وتعاهدا على الودّ والموافاة، وأعلن بعقد الصّلح مناديهما، وحدا بذكر التّعاضد والتّناصر حاديهما، وراح ينشد:

الصنف الرابع

حسم الصّلح ما اشتهته الأعادي ... وأذاعته ألسن الحسّاد! وزالت عنهما الأحقاد والإحن، وباتا في أعزّ مكان وأشرف وطن، وثلّث قرانهما فأسعد، ثم قام منشدهما فأنشد: لا ينكر الصّلح بين السّيف والقلم ... فعاقد الصّلح عالي القدر والهمم! أبو يزيد نظام الملك مالكنا ... وواصل العلم في علياه بالعلم. فهو المراد بما أبديه من مدح ... وغاية القصد من ترتيب ذا الكلم! وإن جرى مدح سيف أو علا قلم، ... فذاك وصف لما قد حاز من كرم! قلت: وسبب إنشائي لهذه الرسالة أن الأمير أبا يزيد الموضوعة له، تغمّده الله تعالى بالرحمة والرضوان، كان من جودة الخطّ وتحرير قواعده في الطّبقة العليا، وعظمت مكانته عند سلطانه الملك الظاهر «برقوق» وعلت رتبته حتى ولّاه وظيفة الدّواداريّة بإمرة تقدمة ألف، ولم يزل مقدّما عنده حتى مات هو متولّيها، وأولاني عند عملها له من الصّلة والبرّ المتوالي ما يقصر عنه الوصف، ويكلّ عنه اللّسان. الصّنف الرابع الصّنف الخامس «1» (من الرسائل- الأسئلة والأجوبة؛ وهي على ضربين) الضرب الأوّل «2» (الأسئلة الامتحانيّة) قد جرت عادة مشايخ الأدب وفضلاء الكتّاب أنهم يكتبون إلى الأفاضل بالمسائل يسألون عنها: إمّا على سبيل الاستفهام واستماحة ما عند المكتوب إليه في ذلك، وأمّا على سبيل الامتحان والتّعجيز. ثم تارة يجاب

عن تلك الأسئلة بأجوبة فتكتب، وتارة لا يجاب عنها، بحسب ما تقتضيه الحال. وهذه رسالة كتبها الشيخ جمال الدين بن نباتة المصريّ إلى الشيخ شهاب الدّين محمود الحلبيّ صاحب ديوان الإنشاء بالمملكة الشّامية، وقد بلغه أن بعض أهل الديوان نال منه، وأن الشيخ شهاب الدّين المذكور ناضل عنه ودافع، فكتب إليه يشكره على ذلك ويسأل كتّاب الدّيوان عن أسئلة بعضها يرجع إلى صنعة الإنشاء، وأكثرها يرجع إلى فنّ التّاريخ. وقد بيّنت بعضها ونبهت عليه في مواضعه في خلال هذا الكتاب، وهي: لا يخرج الكره منّي غير نائبة «1» ... ولا ألين لمن لا يبتغي ليني! الاستفتاح ب «لا» تيمّن ببركة الشّهادة، وهي ههنا مقراض يقطع من العيب المدّة ويحسم المادّة؛ فحسم الله عن سيدنا الإمام العلّامة القدوة، شهاب الدّين، مكمّل الآداب، وملك الشّعراء والكتّاب، شرّ كلّ عين حاسد ولو أنها عين الشّمس، وحماه عن مدّ ألسنة ذوي الاغتياب والارتياب من الهمج والهمس، وهيّأ له أسباب الخير حتى يكون يومه فيه مقصّرا عن الغد زائدا على الأمس، واستخدم له الأقدار حتّى تكون فرائض تقبيل أنامله العشر عندهم كفرائض الخمس، وجعل ما يردّ عنه العين من العيب- بعد شأنه عن المتناول- وقاية عن اللّمس، حتّى يكون المعنيّ بقول القائل:

ولا عيب فيه غير أنّ علاءه «1» ... إذا حدّدوه كان قد جاوز الحدّا ولا عيب أيضا في مآثر بيته ... سوى أنّها تروى بألسنة الأعدا! وحتّى يؤمّن عليه القائل: ما كان أحوج ذا الكمال إلى ... عيب يوقّيه من العين! ويقبل من الآخر قوله: شخص الأنام إلى كمالك فاستعذ ... من شرّ أعينهم بعيب واحد! العبد يخدم بسلام ما روضة نقّطها الجوّ بدرّ سحائبه، وأفرغ عليها الأفق سفط كواكبه، وامتدّ نوء الذّراع لتدبيج سمائها، وتأريج أرجائها، وتخميش معاصم أنهارها المنشقّة بأفنائها، وصقال نسماتها السّحرية، ومغازلة عيونها السّحريّة، وهوان الغالية «2» بنفحاتها الشّجريّة، تصرف دنانير أزهارها الصّروف، ويسلّ جدولها على الهموم السّيوف، وتجذب حمائمها القلوب بالأطواق، ويتشفّع دوحها إلى النواظر بالأوراق؛ قد ترقرق في وجناتها ماء الشّباب، وغنّى مطرب حمامها وعنتره «3» في حك من الذّباب، وبحرها رونق السّيف وفي قلب روضته الذّباب. فما كلّ أرض مثل أرض هي الحمى ... وما كلّ نبت مثل نبت هو البان! يوما بأبهج منه أشواقا، وأطيب منه انتشاقا واتّساقا؛ والطّيّبون للطيبات، ولكلّ غيث نبات، وما لذلك الغيث إلا هذا النّبات. ونعود فنقول: لا أدري أأتعجّب:

على أنّها الأيّام قد صرن كلّها ... عجائب حتّى ليس فيها عجائب!! من قوم هم ما هم: شرب مناسب، وطيب مكاسب، قد أمكنتهم المعالي، وطاوعتهم الأيام واللّيالي، وخدمتهم جواري السّعود، وتطامنت لكلّ منهم مراقي الصّعود؛ كابر بسكون الجأش منحدر «1» (؟) وكنت قد استجديت كلّا منهم ولكن بالكلام، واستسقيت ولكن قطرة من غمام الأقلام: وأيسر ما يعطي الصّديق صديقه ... من الهيّن الموجود أن يتكلّما! «وليسعد النّطق إن لم يسعد الحال» فضنّ وظنّ ما ظنّ، واستعطف بنسيم الكلام غصن يراعه فما عطف ولا حنّ؛ وبخل بما رزقه الله فإنّ الفضيلة من الرّزق، وحرمني لذّة ألفاظه فإنها التي إذا أدخلت في رقّ دخل حرّ البلاغة تحت ذلك الرّق؛ وهل هو البحر فكيف شحّ بمدّة من مدّه، والغيث ولا أقول: إن الذي حبسه إلا ما قسمه الله تعالى من الحظّ عند عبده: وإذا الزّمان جفاك وهو أبو الورى ... طرّا فلا تعتب على أولاده! فأعلى الله كلمة سيدنا العلّامة في الدّارين، وشكر غنيّ جود كرمه وكلمه الدّارّين؛ [فهو] صاحب ديوانهم، وحجّة زمانهم؛ فلقد وصفني بما يزيد على الجواب، وشافهني من الشّكر بما لا يتوارى من الرّزق بحجاب، وأمّنني العزّ والزمان حرب، ونصرني والأيام سيوف تتنوّع من الضّرب في كلّ ضرب، وأعطاني كرمه والمحلّ محل، وفي قلب الزّمان ذحل «2» ، ونحلني شهدة إحسانه والأوقات كإبر النّحل، حتى عذرني في حبّه من كان من اللائمين، واهتديت من لفظه وفضله بقمرين لا يميل أحدهما ولا يمين، وصلت من جاهه وماله بيدين إلا أن كلتيهما في الإعراض يمين: ويلومني في حبّ علوة نسوة ... جعل الإله خدودهن نعالها!

وحرس الله سيّدنا شهاب زمانهم، كما حرس به سماء ديوانهم؛ فلقد أسمعنى من الشّكر ما أربى على الأرب، وجعلني كحاجب «1» حين دخل على كسرى وهو واحد من العرب خرج وهو سيّد العرب، وهدتني أنواره وأنا أخبط من ليل القريحة في عشواء، وجادت عليّ أنواؤه وناهيك بتلك الأنوار من الأنواء، ورفعتني ألفاظه ولكن على السّماك برغم حسودي العوّاء؛ وهذه قصائده فيّ تتدارسها ألسنة الأقلام، وتكتب بأنقاس اللّيالي على صفحات الأيّام؛ من كلّ بيت هو بيت مال لا ينقصه الإنفاق، ولولا التّقى لقلت: إنّه البيت الذي أمر الله تعالى بحجّه الرّفاق من الآفاق؛ فمتى أتفرّغ لطلب مدحه، وقد شغلني بمنحه؟ ومتى أجاريه بامتداح وإنما مدحي له من فوائد مدحه: وما هو إلّا من نداه وإنّما ... معاليه تمليني الذي أنا كاتبه! أم أتعجّب ممن ثنيت عنان الثّناء إليه، وجلوت عرائس المدائح عليه، وعاديت في تنضيد أو صافه الكرى، وأنضيت بالقلم له في نهار الطّرس وليل النّقس من السّير والسّرى، ومدحته بملء فيّ واجتهدت في وصفه وكان سواء علىّ أن أجهدت، في وصفه أو اجتهدت، فجازاني مجازاة السّنمّار «2» ، وأوقعني من عنت عتبه في النّار، وجعل محاسني التي أدلي بها ذنوبا فكيف يكون الاعتذار؟: وكان كذئب السّوء إذ قال مرّة ... لعمروسة «3» والذّئب غرثان مرمل:

أأنت التي من غير سوء شتمتنى؟ ... فقالت: متى ذا؟ قال: ذا عام أوّل فقالت: ولدت الآن بل رمت غدرة ... فدونك كلني لا هنالك مأكل! وحلّ هذا المترجم، وتحقيق هذا الظّنّ المرجّم، أنه بلغني أن جماعة من الذين استفتيتهم استنباطا لفوائدهم، والتقاطا لفرائدهم، لا تكليفا لهم فيما لا يقوم به إلّا الأقوى من الأقوام، ولا يستنجد به في هذا الوقت إلا بأرباب صفحات السّيوف لا أرباب قصبات الأقلام، أرادوا الغضّ منّي، ونفي الإحسان عنّي؛ وهيهات! أنا أبو النّجم وشعري شعري هأنا وبضاعتي، وهذه يدي لا أنّي ألقيت بها إلى السّلم ولكن لأعرض صناعتي: هو الحمى ومغانيه مغانيه وإنهم اجتمعوا بالميدان على حديثي، وذكروا قديمي وحديثي، وتسابقوا في الغيبة أفراس رهان، وأعجب كلّا منهم أن يقول: هذه الشّقراء في يدي وهذا الميدان؛ ولاموا وعذلوا، وهمّوا بالسّبّ وفعلوا، واستطابوا لحم أخيهم فسلقوه بألسنة حداد وأكلوا، حتى تعدّى ذلك إلى من جاد عليّ بالجواب، وفعله إمّا جزاء للمدح وإمّا للثّواب: فقلت لها عيثي جعار «1» وجرّري ... بلحم امريء لم يشهد اليوم ناصره! وما كان المليح أن يغري بي من سبق مدحه إليّ، ومن انتصر بعزّه لنفسه فما انتصر لديّ «وهذا لعمري جهد من لاله جهد» وما تخلو هذه الأفعال: إمّا

أن تكون مجازاة على مدحهم، فأين الكرام وفضلهم، والمنصفون وعدلهم؟، أو ظنّا أنّي عرّضت بهم فيمن عرّضت، فأين ذكاء الألبّاء وأين عقلهم؟ وهل تظنّ السّماء أن يدا تصل إليها، والنّجوم أن خلقا تحكم عليها؟ والذّهب محروس لا يصدا جرمه، والجوهر معروف لا يجهل حكمه؛ ومن الذي تحدّثه نفسه أن يجحد الشّمس فضلها الطّائل، أو يحسّن له عقله أن يقول: سحبان وائل كباقل «1» ؟؛ [فقلت] «2» أدركني ذلك اليوم ولمّا أمزّق، وأنجدني بكلّ لفظة هي أمضى من السّهم وأرشق، وأضوء من النّجم وأشرق؛ وما أعرف كيف صبري على هذا الحرب في صورة السّلم؟ وما أظنّه أراد إلا أن يعلّم قلبي الذي في يده الحكم، كما علمه للقلم؛ وحيث قضى الحديث ما قضى، ومضى الوقت وما كان إلا سيفا في عرض العبد مضى: فكرّت تبتغيه فصادفته ... على دمه ومصرعه السّباعا فأنا أنشد الله تعالى هؤلاء السادة الغائبين، أو القوم العاتبين، هل يعرفون أنّ الذي عرّضت به منهم قوم قد استولى عليهم العيّ بجريضه «3» ، ونزل فيهم الجهاد بقضّه وقضيضه، وأصبح بابهم لهم كبستان بلا ثمار، وديوانهم على رأي أبي العلاء كديوان أبي مهيار؛ لا يحسن أحدهم في الكتابة غير العمامة المدرّجة، والعذبة المعوّجة، والعباءة الضّيّقة والأثواب المفرّجة، ويتناول السلم باليمين وكتابه إن شاء الله تعالى بالشمال، ومشى هذا على هذا ولكن على الضّلال؛ لو سئل أحدهم عن «البديع» في الكتابة لم يعرف من السؤال غير التّرديد، وعن «عبد الحميد» لزاد في الفكر ونقص: وعبد الحميد عبد الحميد، و «الصّاحب» لقال: إنه تبرقع بمجلسي، و

«الخوارزميّ» لقال: سرج فرسي، و «الفاضل» لقال: ها هو ذا ذيل ملبسي. فإن كان الأمر كذلك ففيم الملام والتفنيد: علّقوا اللّحم للبزاة ... على ذروتي حضن» ثمّ لاموا البزاة أن ... قطّعت نحوها الرّسن لو أرادوا صيانتي ... حجبوا وجهك الحسن! والوجه الحسن ههنا وجه المنصب وحجابه عن شين تلك الآثار، وتخميش تلك الألفاظ. وإن كان غير ذلك فما مثلي مع من ذكرني إلا قول القائل: سافر بطرفك حيث شئت فلن ترى إلّا بخيلا! فقيل له: بخّلت الناس، فقال: كذّبوني بواحد. وهأنا فلتكذّبوني بواحد ممّن عرّضت، وصحيح ممّن أمرضت، وليبرز إلى مضجعه، وليكن على يقين من مصرعه؛ ولا يترك شيئا من أدواته، ولا يأتي إلّا ومعه نادبته من حمائم همزاته. وأنا أقترح عليه من مسائل الكتابة بعض ما اقترحه الفضلاء، ونبّه عليه العلماء؛ وإلّا فما أنا أبو عذرته، ومالك إمرته، ولا يلوم إلّا القائل: من تحلّى بغير ما هو فيه ... فضحته شواهد الإمتحان! فإنه الذي نبهّني عليه وإن لم أكن ساهيا، وذكّرني الطّعن وما كنت ناسيا، حتى رميته من هذه المسائل، في مجاهل، لا يهتدى فيها بغير الذّهن الواقد، واقتحمت به في بحار لا يعصم منها جبل الفكر الجامد؛ على أنّها فيما أغفلت كالثّمد من البحار، واللّمحة من النّهار، ولولا الاختصار، لأتيت منها بالجمع الجمّ فلنحمد الله والاختصار، فأقول:

من كتب في الورق واستنبطه؟ ومن ختم الكتاب بالطّين وربطه؟ ومن غيّر طين الكتاب بالنّشا وضبطه؟ ومن قال: أمّا بعد في كتابه؟ ومن جعلها في الخطب وأسقطها في ابتدائه في المكاتبة وجوابه؟، ومن كره الاستشهاد في مكاتبات الملوك بالأشعار؟، وكيف تركها على ما فيها من الاثار، ومن الّذي أراد أن يكتب نثرا فجاء شعرا؟، ومن وضع هذه الطّرّة في التقاليد واخترعها؟، وما حجّته إذ قدّمها على اسم الله ورفعها؟، ومن الّذي باعد بين السّطور ووسّعها؟، وكيف ترك بالتعاظم في كتبه سنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله ولم يسعه من التّواضع ما وسعها؟، ومن استغنى بكتابة آية من كتاب الله عن الجواب؟، ومن اكتفى ببيت من الشّعر عما يحتاج من تطويله الكتاب؟، ومن الّذي عانى المترجمات ورتّبها؟ وأخفى ملطّفات الجواسيس وغيّبها؟، ومن الّذي سنّ البرد وبعثها في الملماّت؟، وما أوجز مكاتبة كتب بها عن خليفة في معنى؟، وما أبلغ جواب وأوجزه أجاب به عن خليفة من لا سمّى لا كنّى؟، ولم أرّخ بهجرة النّبي صلّى الله عليه وآله؟ وكيف لم يؤرّخ بمولده أو غير ذلك من الأيام؟، ومن الذي أمره الخليفة بكتابة معنى فارتجّ عليه الكلام ولقّنه في المنام؟، ومن الذي وصف برسالة طويلة شيئا لم يصفه بنثار ولا نظام؟، وكيف جاز للكاتب أن يكتب آية من الكتاب في لفظة يحسبها من لا يحفظ أنّها من عنده لا من حفظه؟، مثل قوله مع الرسول: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «1» ، وقول الآخر في كتابه: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ «2» ، وكثير من هذا؟ وهل يؤخذ عليه في مثل ذلك ما أخذ على الحجّاج في أسماء «3» المستغيثين به من أهل السّجن: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ «4» ؟، وما الفرق بينهما؟

وعلام يطوّل الكاتب باء البسمله؟، ولا يثبت إلا قليلا واو الحسبله؟، ولا يحمدل ولا يبسمل على ما ألف، وكيف يعلّم في بعض السّجعات على الأسماء المقصورة بالياء والأصل فيها الألف؟؛ وأسأله كيف يصف القراطيس والأقلام ويستدعيها؟، والسّكّين والدّواة ويستهديها، وكيف يكتب ملك طلب منه عدوّ قطيعة عن جيشه يعطيها؟، وكيف يكتب عن خليفة استسقى ولم يمطر؟، وخليفة صارع فصرع كالمعتصم وكيف يعذر؟، وما الذي يكتب في نار وقعت في حرم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ وما الّذي يكتب عن المهزوم إلى من هزمه في معنى ركونه إلى الإحجام؟، وكيف يهنّي خليفة خلع فرجع، وغرّب عن السّجن وطلع؟، وأسره العدوّ ثم تخلص واستقام بعد ما نهضه الدّهر بمرض، أو تمرّض فانتهض؟، وكيف يهنّي من زوّج بعد موت أبيه أمّه، ويعزّي والدا قتل ولده وولدا قتل والده ويصوّب حكمه؟، ويكتب عمن حاصر حصنا وتركه بعد تسهيل المسالك، وكيف يكتب في نيل لم يوف لا أحوج الله لذلك؟، ويعزّي كافرا عن بعض الأعزّاء الألزام، وينشيء عهد يهوديّ بوزارة أمير المؤمنين عليه السّلام؟، ويكتب تقليدا لثلاثة أو أربعة من الحكّام، ويستنجد بأموال أو مساكين (؟) من عدوّ كافر على كافر؟ ويبشّر عدوّا بأخذ بلاده منه، ويعتذر عن ملك أخذت شوانيه وحجزت عنه؟، ويهنّي خصيّا بزواجه، ويعتذر عمن فرّ وترك ولده تحكم الظّبا في أوداجه؟، ويكتب لملك بنى مباني فاحترقت أو وقعت، أو أجرى خيول رهان فسبقت خيله وانقطعت؟، أو خرج لصيد فلم يجد ما يصاد، أو لبرزة بندق احتفل فيها ولم يصرع شيئا من الواجب المعتاد؟، أو ركب أوّل يوم من تملّكه فتقطّر «1» به الجواد، أو وضعت له أنثى فضّلها بكلام على ما يرجوه من ذكور الأولاد. ومن ههنا أكفّ القلم عن شوطه، وأرفع عنه ما وضعه اللسان من سوطه، خوفا من الملال والصّخب، وكفى بالغرفة عن معرفة النهر.

فإذا نشط هذا الكاتب من هذا العقال، وتصرّف في فنون هذا المقال، وخرج من هذه الأسئلة خروج السّيف من الصّقال، امتدّت كفّ الثّريّا في هذا النّسيان بمسح جبهته، وجاء بجواب هذا النكث كما يقال: برمّته، وأماط لثامها، وشمّر عن أزهارها أكمامها- انقطعت الأطماع دون غايته، وبسطت أيدي رسائل البلغاء لمبايعة رسالته، بل أتته وحمل قلمه على أقلام فرسان الكلام سوداء رايته، وبان هنالك ظلم العائب وحيفه، فكان كمن سلّ لنحره سيفه، وعذر على توالي التّأنيب مؤنّبه، وكان يومئذ له الويل لا لمن يكذّبه، وامتاز هذا الفاضل بما تحدثه هذه الواقعة من الفخر وتجلبه: فعاجوا فأثنوا بالّذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب! والمسؤول من إحسان سيّدنا أن يسدّ الخلل كيف ما وجده، ويصلح الخطأ والخطل كما عوّدته منه وكما عوّده؛ فإنّه أمير هذه الصّناعة ونحن الرعايا، وشيخ الفصاحة ونحن الفقراء الذين كم وجدنا في زواياه منها خبايا؛ وما هذه الرسالة إلا يد امتدّت تسأل من الحلم ما يسعها، وهذه السّطور إلا حبائل تتصيّد من عوائده ما ينفعها ويرفعها. فأرخ عليها ستر معروفك الّذي ... سترت به قدما عليّ عواري! والله تعالى العالم أنها وردت عن قلب مذهول عن حسن الإيقان، معدّد عليه نوائب الدّهر بأنامل الخفقان، مرميّ بسهام الأعادي في قسيّ الضّلوع، غائص في بحر الهمّ وكلما رمت أن يلقي إليّ درّ الكلام ألقى درّ الدّموع: أبكي فتجري مهجتي في عبرتي ... وكأنّ ما أبكيته أبكاني! لا يدع لي الفكر في قلّة [مصافاة] «1» الإخوان وقتا أستنبط فيه معنى، ولا

يفسح لي التّعجّب من أبناء الزّمان لنقصهم أن أصحّح نقدا ولا وزنا؛ أجنح لسلم الأيّام فكأنّي لحربها جنحت، وأقدح فكرتي في استعطاف الزّمان فكأنّي فيه قد قدحت؛ فلو قضى الله لي بالمنية من المنيّة لأرحت الزّمان واسترحت: فالأرض تعلم أنّني متصرّف ... من فوقها وكأنني من تحتها! ولا فرق فيما بيننا غير أنّنا ... بمسّ الأذى ندري ومن مات لا يدري ولا بدّ لي أن أطلّق هذه الصّناعة طلاقا قطعيّا، لا طلاقا رجعيّا، وأجاهرها جهارا حربيّا لا جهارا عينيّا، وأضع صعدة حملها من أدب عن بدني، وأتولى قوس داله مع سهم بائها فما أصبت غير كبدي؛ «كأنّما القوس منها موضع الوتر» ، و «وقلت اذهبي يا صبوتي بسلام» فماذا لقيت من آفاتها، ومنيت به من الخوف في عرفاتها، ومطرت لا من عوارض قطرها ولكن من عوارض مرجفاتها: وإنّي رأيت الحبّ في القلب والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحبّ يذهب! ومع هذا الحديث لم أشكّ أنّ أحدا سينتقد على تشبيهي، وطرقه قديمة في استفتاح المكاتبة، واستنجاح المخاطبة، ويقول: تلك أمّة قد خلت، ودولة فاضليّة أدبرت مثل ما أقبلت؛ فكيف تبعها وترك طريقة فضلاء عصره، وأبناء مصره؛ فالجواب ما قاله القاضي السّعيد بن سناء الملك رحمه الله تعالى، فما كان أسعد خاطره!، وأكثر ذهب لفظه وجواهره!!: إنّي رأيت الشّمس ثم رأيتها ... ماذا عليّ إذا عشقت الأحسنا؟! (وذكرت أن الاس عدره ونسيت أن الاس أفعلها) «1» . انتهت إلى هذا الموضع، والدّيك قد نعى بعيد الظّلام، وبلّغ عن

الصنف الخامس

الصّبح السّلام، والأزهار قد سلبته عينه فقام من كراه يصيح، وميدان الغصون قد أصخب بمغنى الأطيار وشغب الرّيح، ونسر السّماء قد فرّ من الغداة وبازيها، والنّجوم قد حملت إلى ملحدها من الغرب على نعوش دياجيها، والمجرّة من الجوزاء عاطلة الخصر، وخاقان الصّبح قد حمل على نجاشيّ الظّلام راية النّصر. لا برح سيّدنا معصوم الرّويّة والارتجال، مسجلا بشجاعة اليراعة والحرب سجال، محمود المواقف والمساعي «والنّقس نقع والطّروس مجال» ، والسّلام. [الصّنف الخامس] (الصنف السادس (من الرسائل ما تكتب به الحوادث والماجريات)) ويختلف الحال فيها باختلاف الوقائع: فإذا وقعت للأديب ماجرية وأراد الكتابة بها إلى بعض إخوانه، حكى له تلك الماجرية في كتابه مع تنميق الكلام في ذلك، إما ابتداء وإما جوابا، عند مصادفة ورود كتابه إذ ذاك إليه. وهذه نسخة رسالة أنشأها الإمام قاضي قضاة المسلمين محيي الدّين، أبو الفضل يحيى، ابن قاضي القضاة الإمام محيي الدّين أبي المعالي محمد، بن عليّ، بن محمد، بن الحسين، بن عليّ، بن عبد العزيز، بن عليّ، بن الحسين، ابن محمد، بن عبد الرحمن، بن القاسم، بن الوليد، بن القاسم، بن عبد الرحمن، بن أبان، بن عثمان، بن عفّان رضي الله عنه، لمّا ورد إلى القاهرة المحروسة في التّاسع من جمادى الأولى من سنة تسع وعشرين وستمائة وتعرف «برسالة النّمس» ؛ وهي: وردت رقعة سيّدنا أسعده الله بتوفيقه، وأوضح في اكتساب الخيرات

سبل طريقه، فوقفت عليها وقوف السّارّ «1» بورودها، المستسعد بوفودها، المبتهل إلى الله في إبقاء مهجته التي يتشرّف الوجود بوجودها: وليس بتزويق اللّسان وصوغه ... ولكنّه قد مازج اللّحم والدّما! وفضضتها عن مثل النّور تفتحه الصّبا، وبرود الرّياض تساهمت في اكتساء وشيها الأهضاب والرّبا؛ يكبو جواد البليغ في مضمار وصفها، وينبو عضب لسانه عن مجاراتها في رصفها؛ يخجل محيّا النهار بياض طرسها، ويودّ الليل لو نفضت عليه صبغة نقسها، وتحسد الكواكب رائق معانيها، وتتمنّى لو أعيرت فضل إشراقها وتلاليها، في كلّ فقرة روضة وكلّ معنى كأس مدام، وكلّ ألف ساق وكلّ سين طرّة غلام، وكلّ واو عطفة صدغ وكلّ نون تقويس حاجب، وكلّ لام مشقة عذار وكلّ صاد خطّة شارب؛ تصيب من سامعها أقصى ما يراد بالنّفث في العقد، وتستولي بلفظها على لبّه استيلاء الجواد على الأمد. فلما اجتليت منها المعاني المسهبة في اللّفظ الموجز، وأجلت طرفي منها ما بين نزهة المطمئنّ وعقلة المستوفز، وأسلمت قيادي إلى سحرها المحلّل وإن جنى قتل العاشق المتحرّز- علمت أن سيّدنا أجرى في حلبة السّباق فحاز قصب سبقها، وذلّلت له البلاغة فتوغّل في شعابها وطرقها، وحكّمت يده في أعنّة الفضائل فسلّمت القوس إلى باريها، ودرجات العلى إلى مستحقّيها؛ فمن وائل؟ ومن سحبان؟ ومن عبد الحميد؟ وابن صوحان، وأيّ خبر يقابل العيان؟ ومن يقاوم ما هو كائن بما كان؟؛ فسألت خاطري الجامد أن يعارض بوابله طلّها، وأن يقابل بجثمانه ظلّها، وأن يجاريها في حلبة المساجلة وإن دعي بالسّكيت، ولقد أسمعت لو ناديت حيّا وكيف بنطق من ميت؛ وأنّى يطمع في مجاراة البحر ولات حين لعلّ أوليت؛ فوجدته أصلد من

الصّخرة مسّا، وألفيت «باقلا» لديه «قسّا» ؛ فما كلّ من طرق قرى، ولا من إذا خلق فرى؛ وهذا المعهود من خاطري إذا كان جامّا فكيف وقد نضب ماؤه وكدّرت الحوادث بحر علمه والغير، فمن دون أن تستخرج منه الدّرر أن يلين لضرس الماضغ الحجر؛ فبذل جهده لما شعّبت الهموم سبله، وتقنّع بالخلق من لا جديد له. هذا مع واقعة وقعت له فأصبح متشتّتا، وثنى عنانه عن كلّ شيء إليها متلفّتا، وذلك أنّه في بارحته استولى عليه القلق بسلطانه، واستلبت يد الأرق كراه من بين أجفانه، كأنّه ساورته ضئيلة سمّها ناقع «1» ، أو مدّت إليه خطاطيف حجن «2» لها أيدي الخطوب نوازع: إذا اللّيل ألبسني ثوبه ... تقلّب فيه فتى موجع فتارة فكرته متوجّهة نحو قلّة حظّه، وآونة لا يقع إلّا على ما يقذفه طارف لحظه؛ وإنّ يد الخمول قد استولت عليه، وأزمّة المطالب صرفت عنه وحقّها أن تصرف إليه، والسعادة شاردة عنه وما أجدرها أن تطيف ببابه وتستقرّ بين يديه: لئن كان أدلى حابل فتعذّرت ... عليه وكانت رادة فتخطّت لما تركته رغبة عن حباله ... ولكنّها كانت لآخر خطّت!! ولقد جهد في سلّم الدّهر وهو يحاربه، «وكيف توقّى ظهر ما أنت راكبه» ؟ فما شام بارقة أمل إلا أخفقت ورجع بخفّي حنين، وقرّت أعين

أعاديه كلّما سخنت منه العين، فلقد أصبح «أفرغ من حجّام ساباط» «1» وإن كان «أشغل من ذات النّحيين» «2» . وكلما تأمّل جدّه «3» العاثر النّاكص، ونظر رزقه النّاضب النّاقص، وقابله الدّهر بالوجه العابس الكالح، ومنّى نفسه عقبى يوم صالح، ربع عليها فمن لي بالسّانح بعد البارح «4» ؟ وناجى نفسه بإعمال الركائب، والاضطراب في المشارق والمغارب، وأن يرى بالجود طلعة نائر وبالعرمس «5» غرّة آئب، ويصل التّهجير بالسّرى، ويبتّ من قيد الأوطان موثقات العرى؛ وإن كسدت فضيلة من فضائله، أو رثّت وسيلة من وسائله، اكتسب بأخرى من أخواتها، ونفث في عقدها ومتّ بها وقال: أنا ابن بجدتها؛ فإلام وعلام وحتّى متى، أجاور من أنا فيهم أضيع من قمر الشّتا؟ وحالي أظهر من أن يقام عليه دليل، و «إذا ذلّ مولى المرء فهو ذليل» : وما أنا كالعير المقيم بأهله ... على القيد في بحبوحة الدّار يرتع ثم استهول تقحّم الإغوار والإنجاد، واستفتح لقادح زناد الحظّ

الإكداء والإصلاد، وأقول: أخطأ مستعجل أو كاد، فأثوب مثاب من حلب الدّهر أشطره، وأخذ إذا ارتفع عن الدّنيّة من حظّه أيسره، وبنى كما بنى سلفه وقرّر ما قرّره، فأقول: ارفض الدّنيّة ولا تلو عليها، فتكون «أحمق من الممهورة إحدى خدمتيها» «1» «فالحرّة تجوع ولا تأكل بثدييها» : ولسنا بأوّل من فاته ... على رفقه بعض ما يطلب وقد يدرك الأمر غير الأريب ... وقد يصرع الحوّل القلّب! وتارة يخطر أن لو شكوت حالي إلى أصدقائي من ذوي الجاه، وسألتهم بإلحاقي بهم في الابتغاء من فضل الله، وأحضّهم على انتهاز فرصة الإحسان قبل الفوت، وأضرب لهم: «أعن أخاك ولو بالصّوت» فليس على مثلي ممن يخيفه الدّهر في ذلك من جناح، «وهل ينهض البازيّ بغير جناح» ؛ ثم أرى أنهم لو فضل عنهم شيء لجادوا، بل لو زويت «2» الأرض لهم لازدادوا، ولو ملّكوا ظلّ الله لأصبحت لديهم ضاحيا، وما حالي بخاف عليهم وكفى برغائها مناديا، وقبلي بغى «3» عليّ ففاته وأدرك الجدّ السّعيد معاويا؛ وإلى كم أعلّل تعليل الفطيم بالخضاب: سئمت العيش حين رأيت دهري ... يكلّفني التّذلّل للرّجال! وأخرى يسلّي نفسه عن مصابها ومصائبها، ويمنّيها كرّ الأيام بتعاقبها، ويقصّ عليها تقلّب اللّيالي بالأمم الماضية في قوالبها، وأنها ما قدّمت لأحد سعادة إلا عقّبتها بتغيير، وما سقت صفو الأماني بشرا إلا شابت كأسه بتكدير،

وأنّ سبيل كلّ أحد منها سبيل ذي الأعواد «1» ، وقصاراي ولو اتخذت الأرض مسكنا وأهلها خولا سبيل ربّ القصر من سنداد «2» ، ولو عمّرت عمر نوح كنت كأنّي وآدم وقت الوفاة على ميعاد؛ فإن شئت فارفع عصا التّسيار أوضع؛ فما هو إلّا: «حارب بجدّ أودع» . فبينا أنا أعوم في هذه الخواطر متفكّرا، وأقرع سنّ النّدم على تقضّي عمري في غير مآربي متحسّرا، وأتسلّى بمصارع الأوّلين أخرى معتبرا: ولو أنجزتني الأيام مواعيد عرقوب، لأفضت بي إلى أحلى من ميراث العمّة الرّقوب، ولقد تقاعس أملي حتى قنعت بحالي «وشرّ ما ألجأك «3» إلى مخّة عرقوب» ثم يخاطبني حجاي بأن تثبّت واصبر، فالليل طويل وأنت مقمر، فستبلغ بك الأسباب، وينتهي بك إلى المقدور الكتاب؛ فلا تعجل «فجري المذكيات غلاب» «4» . فاستروحت إلى فتح باب كان مرتجا، وارتدت باستجلاء محيّا السماء من بعض همّي فرجا، وانتشقت من نسيم السّحر ما وجدت به من ضيق فكري مخرجا، ففتحته عن شبّاك كتخطيط الأوفاق، أو كرقعة شطرنج وضعت بين الرّفاق؛ ألبس من صبغة اللّيل شعارا، واتّخذ لاستجلاء وجه الغزالة نهارا؛ جلد على القيام والكدّ، صبور على الحالين في الحرّ والبرد؛ يحوّل

جثمان المرء عما واراه، ويبيخ إنسان الطّرف رعي حماه؛ يديل من ظلمة اللّيل ضوء النهار، وينمّ بما استودعته من الأسرار؛ يشرف إلى غيضة قد التفّت أشجارها، وتهدّلت ثمارها، ورقصت أغصانها إذ غنّت أطيارها، واطّردت بصافي الزّلال أفهارها، ونمّت بعرف العنبر الشّحريّ «1» أزهارها؛ وقد قامت عرائس النّارنج على أرجلها، تختال في حليها وحللها؛ قد ألبست من أوراقها خلعا خضرا، وحلّيت من ثمارها تبرا، ونظّم قداحها في جيادها لؤلؤا رطبا، ورنّحها نسيم السّحر فمالت عجبا؛ وقد مدّت في أرضها من البنفسج مفارش سندس فروزت «2» بالجداول، كبساط أخضر سلّت أيدي القيون «3» عليه صقيلات المعاول، وقد حدّقت عيون الرّقباء من النّرجس قائمة على ساق، ولعبت بها يد النّسيم فتمايلت كعناق المحبّين عند الفراق؛ فاجتلينت محيّا وسيما تتبلّج أسرّته، ومنظرا جسيما تروق بهجته؛ قد مدّ السّماط بساطا أزرقا، بزهر الكواكب مشرقا، وطرّزه بالشّفق طرازا مذهبا، وأبدى تحته للأصباح مفرقا أشيبا: ورث قميص اللّيل حتّى كأنّه ... سليب بأنفاس الصّبا متوشّح ورقّع منه الذّيل صبح كأنّه ... وقد لاح شخص أشقر اللّون أجلح ولاحت بقيّات النّجوم كأنّها ... على كبد الخضراء نور يفتّح! وجنح البدر للغروب فتداعت الكواكب تتبعه كوكبا فكوكبا، فكأنه ملك اتّخذ المجرّة عليه مضربا، وتوّج بالثّريا إكليلا، وخنست «4» الكواكب بين يديه توقيرا له وتبجيلا، واصطفّت حوله خدما وجنودا، ونشرت من أشعّتها ألوية وبنودا، وأخذت مقاماتها في مراكزها كجيوش عبّئت للقاء مناجزها، ومسابقها أخذ فرصة النّصر ومناهزها:

ولاح سهيل من بعيد كأنّه ... شهاب ينحّيه عن الريح قابس! وانبرى نسيم السّحر عليلا، وجرّ على أعطاف الأزهار ذيلا بليلا، وروى أحاديث الرّياض بلسان نشره، مذيعا لأسرار خزاماه وزهره، وغرّدت خطباء الطّير على منابر الأغصان، واستنبطت من قلوب المحبّين دفائن الأشجان، وحثّ داعي الفلاح، طائفة التّقى والصّلاح، على أن تؤدّي فرضها ونفلها، وترتقي بخضوعها بين يدي مولاها درجات السّعادة التي كانت أحقّ بها وأهلها، وهتف بشير النّجح بمن أحيا ليلته لما تمزّق قميص اللّيل وانفرى: «عند الصّباح يحمد القوم السّرى» . فبينا أنا أتفكّر في أنّ جملة ما عاينته سيصبح زائلا، وعن تلك الصّبغة العجيبة حائلا، وأتدبّر: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا «1» إذ أهدت إليّ الأيام إحدى طرفها وغرائبها، وكبرى أوابدها وعجائبها، فطرق سمعي من الشّبّاك نبأة، وتلتها وجبة تتبعها وثبة، فاستعذت من كيد الشّيطان المريد، وقلت: أسعد أم سعيد؛ وإذا بنمس قد فارق وجاره إلى وجاري، واختارني على الصّحراء جارا فارتضيته لجواري، فولج مستأنسا، ومرح بين يديّ آنسا، وأراني أحد كتفيه في الاسترسال ليّنا والآخر بالتّمنّع شامسا، فمدّ له الحرص على جوره حبائل مكره وشباكه، ويد الغبش تحول دون قنصه وإمساكه، وبقايا الظّلام تقضي بتمنّعه، وتصدّ عن جعله من الوثاق في موضعه، وأنا ملازمه ملازمة المعسر لربّ الدّين، حتى يتبيّن الصّبح لذي عينين. فلما خشيت على صلاتي الفوت عدلت إلى تأدية فرضها، وتوجيهها بين يدي موجبها وعرضها؛ فلما انفتلت من مصلّاي، وانصرفت عن مناجاة مولاي، برقت لي بارقة، خيّل إليّ أنها صاعقة، فقلت: أذرّ قرن الغزالة؟ وإلا فلات حين

ذبالة؛ فقيل: إنّ الغلام نظر إليه شزرا، وهزّ له المهنّد فشقّ له من الظّلماء فجرا، وأبدى له وجها مكفهرّا، ورام أن يمطيه من المنيّة مركبا وعرا، كأنّه قد لاقى أسدا هزبرا، وأترع له كأس الحمام بالوافي، ورماه بثالثة الأثافي، فعطفت عليه باللّائمة منكرا لجهله، وهتفت به زاجرا عن قبح فعله، ثم عذرته: «ومن لك بأخيك كلّه» ؛ وقلت له: ماذا تراك تصنع لو لاقيت أسدا أغلبا؟، لقد خلت أنّك ترتدّ- وإن كنت وليدا- أشيبا؛ أمن هذا بادرت إلى السّيف مخترطا؟، «إنّك لأجبن من المنزوف ضرطا» «1» لقد أظهرت من الفشل ما جاوز قدر الحدّ، ووضعت المزاح في محلّ الجدّ وقابلت الأسهل بالأشدّ؛ فسحقا لك وبعدا، لقد قدح مرجّيك بعدها زنادا صلدا، واستنبع الماء جلمدا جلدا. فصوّب طرفه فيّ وهتف مناديا، وأظهر وفاء أزرى بالسّموءل بن عاديا: أنج هربا ولا إخالك ناجيا؛ إنّي رميت من الخطوب بأصعبها، ولا ينبّئك بالحروب كمجرّبها، والغاصّ باللّقمة أخبر بها؛ فلقد أوطأني ما لا أستقيل منه العثرة، وما لاقيت في حرب كهذه المرّة، والعوان لا تعلّم الخمرة «2» لقد صرّح لي بالشّرّ ولم يجمجم، وكشر عن أنيابه غير متبسّم، و «حسبك من شرّ سماعه» و «است البائن أعلم» «3» ، تالله إنّه لأجرأ من خاصي الأسد، ولئن سبرته لتعلمنّ ما بين الذّئب والتّقد؛ ولقد رضيت نفسي من الغنيمة أن تؤوب بذمائها «4» ، لما تشبّث بخنصري فخضبها بدمائها،

فقلت: «أجفل عن جنابك الخير وأجلى» «أضرطا وأنت الأعلى» «1» ؟، ثم تضاحكت إليه لمّا شاهدت استعباره، وأويت له إذ رأيت استكثاره الخطب واستكباره، وقلت: من ضاف الأسد قراه أظفاره، ومن حرك الدّهر أراه اقتداره؛ وعدلت إلى الذّلول الشّامس، المستأسد المستأنس، ومددت يدي إليه فانقاد لها طائعا، وخضع لإجابة دعوتي سامعا. فلمّا حازه في القبضة الإسار، وبطل الإقلال من ذلك اللّفظ والإكثار- وقد كان أعزّ من الأبلق العقوق، وأبعد من بيض الأنوق- استجليت صورته متأمّلا، إذ لم يبق له سوى قبضتي موئلا، فرأيت هامة فحمة، وجثّة ضخمة، وشدقا أهرتا «2» رحبا، ذا مرّة على اختلاف الحوادث صعبا، وأنيابا محدّدة عصلا كالنّصال، وطرفا مخالسا غير غرّ بالمكر والختال، كأنّه شهاب يتوقّد، أو شعلة نار لم تخمد، وسامعتين تتوجّسان ما دار في الأوهام، وتدركان ما يناجي به المرء نفسه ولو في الأحلام؛ قد نيطت بعنق صغرت هامته بالنسبة إليه، إن استدبرته قلت: هو مشرف عليها أو استقبلته قلت: هي مشرفة عليه، يشتمل على نحر خصيب، وصدر رحيب، فيه نزعتا بياض كهلالين قرنا في نسق، أو نجمي ذؤابة ظهرا في غسق، تسرّ نفس الناظر إليها، ويعقد خنصر الاختيار في حسن الشّيات عليها، اتّصل ذلك بمنكب عتيد، وساعد شديد، وبرثن شثن «3» ومخلب حديد: ذوات أشاف ركّبت في أكفّها ... نوافذ في صمّ الصّخور نواشب معقّفة التّرهيف عوج كأنّها ... تعقرب أصداغ الحسان الكواعب قد جاور جؤجؤا «4» نهدا، وقابل كاهلا ممتدّا؛ يكاد خصره ينعقد

اضطمارا، وهمّته تتسعّر نارا؛ برجلين تسبق في الحضر يديه، وتقدّ بأظفارها أذنيه، وذنب كالرّداء المسبل يجرّه اختيالا ومرحا، ويتيه عجبا وفرحا، إن انساب قلت: انساب أفعوان، أو صال قلت: أسد خفّان «1» ، أو وثب سبق الوهم في انحطاطه، أو طلب أدرك البرق من نشاطه، أو طلب فات الطّرف في انخراطه؛ أنعم مسّا من أرنب، وأزهى من ثعلب، قد كساه الظّلام خلعته، وقبّل الصّباح طلعته؛ حاز من القندس «2» صقاله وبهجته، ومن الفنك لينه ونعمته؛ ألبس رداء الشّباب، ونزّه عن تزوير الخضاب؛ إن اختلس فما تأبّط شرّا، أو خاتل أزرى بالشّنفرى مكرا؛ أحدّ نفسا من عمرو بن معدي، لا يصلد قادح زناد بطشه ولا يكدي؛ أنزق من أبي عبّاد، وأصول من عنترة بن شدّاد؛ أفتك من الحارث بن ظالم، وأنهر فصدا للدّم من حاتم، لا يلين ولا يشكو إلى ذي تصميت، «كأنّه كوكب في إثر عفريت» ؛ يكاد عند المخاتلة في انسيابه، يفوت الخاطر أو يخرج من إهابه، إن قارن طيرا أباحه منسرا كمنسر الأسد، أغلب فيه شغا «3» كأنّه عقد ثمانين في العدد، فينشده: ألا عم صباحا أيّها الطّلل البالي، فلا يحسّ له بعين ولا أثر سجيس «4» اللّيالي؛ فكأنّ قلوبها رطبا ويابسا لدى وكره العنّاب والحشف البالي «5» ؛ اعتاد قنص السانح والبارح «6» ، فما فات ورد المنيّة منه غاد ولا رائح؛ طويل القرا مدمج

الأعظم، له مخاتلة سرحان وهجمة ضيغم؛ أحنّ من نقبة «1» ، «وأظلم من حيّة» ، أطيش من فراشة، وأسبق إلى الغايات من عكّاشة «2» ؛ أخطف من عقاب، وأشجع من ساكن غاب، أسرق من جرذ وأنوم من فهد، وألين من عهن «3» وأخشن من قدّ؛ بأسه قضاء على الطّير منزل، وبطشه ملك بآجالها مرسل. فلمّا تأملت خلقه، وسبرت بتجربة الفراسة خلقه، عجّلت له جريرا مستحصد المرّة لوثاقه، وأحكمت شدّه في محلّ خناقه، وقلت له: إنّي مجرّبك سحابة هذا النهار، «ومن سلك الجدد أمن من العثار» ، فعل ذي خبرة بمكره، وعلى ثقة من غدره؛ فإنّ اللّئيم ذو صولة بعد الخضوع، وفضح التّطبّع شيمة المطبوع؛ وكيف الثّقة به وإن استقرّ ولم ينبس؟ وأنّى الطّمأنينة إليه وهو الأزرق المتلمّس؟. ثم انصرفت إلى البلد لبعض شاني، والاجتماع بأخلّائي وأخداني، واستغرقت أديم النهار فيما توجّهت له، وقطعت عمر يوم ما كان أطوله! فلما قضيت نهمتي، من نجعتي، وحانت مع وجوب الشّمس رجعتي، ألفيته عمد إلى الوثاق فقرضه، ووفّاه بالكيل الوافي ما اقترضه، وصال على شيخة نستسعد بدعائها، ونفزع إن دهمنا همّ قبل نداء أولي البطش إلى ندائها؛ ذات خلق عظيم، ومنطق رخيم، وقلب رحيم، ووجه ذي نضرة ونعيم؛ إن قامت أحيت اللّيل بالسّهر، أو قرأت رأيتنا حولها زمرا بعد زمر؛ إن حادثتها نطقت بالسّحر محلّلا، أو تاركتها رأت الصّمت على كثير من النّطق مفضّلا؛ تسرّ نفسك في حالة الصّخب، وتريك وجه الرّضا في صورة الغضب؛ فمدّ إليها يد العدوان، وأطاع بأذاها أمر الشّيطان، ولم يرقب فيها

إلّا «1» ولا ذمّة، وحملها فحمّلنا من أذاها غمّة، ومزّق قشيب أثوابها، وحكّم مخالبه الحديدة في إهابها، فعظم مصاب من حوت داري بمصابها. فلما وصلت رأيتها باكية ذات قلب مريض، وجناح مهيض، فسلّيتها بأنّ المصائب تلقّاها الأبرار، وترفّقت بها إلى أن رقأت تلك الأدمع الغزار، وأوردت: «إنّ جرح العجماء جبار» «2» ؛ وقلت: إيها لك وآها، لقد ارتكبت خطّة ما أليقها بعذرك وأولاها!!، «فلقد أنصف القارة من راماها» «3» ثم آليت أليّة برّة، لأوطئنّه من الوثاق جمرة، ولأقتصّنّ بهذه المرّة تلك المرّة؛ وأتيته بسلسلة تنبو أنيابه عن عجمها، ولا تثبت شياطين مكره برجمها؛ قد أبدع قينها الصّنعة بإحكامها، وأتى بالعجب في نظامها، فلله هو ممن تحكّم فيما يقطع الجلمد، فجعله من اللّطافة يحلّ ويعقد؛ فاستودعت عنقه منها أمينا لا يخفر وثيق ذمّته، ولا تتطرّق الأوهام إلى تهمته، مستحكم القوّة في الشّد، فتغيّظ تغيّظ الأسير على القدّ «4» ، ونظر إليّ بطرف حديد، وتذلّل بعد بأس شديد، وبصبص «5» بذنبه فقلت: «أمكرا وأنت في الحديد» «6» . فلمّا أيس من الخلاص، تلوت: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ «7» .

فلما تمّ ما ذكرته، وأبدأته وأعدته، وردت رقعة سيّدنا على عقابيل «1» هذه الوقعة التي وقعت، وصدّت عن الجواب ومنعت، واقتضى بي الحال كتب هذه الخرافة وإن تشبّثت بأذيال الجدّ، فأخرجتها مخرج الهزؤ وإن دلّت على حوز قصبات المجد، ليعلم أن في الزّوايا خبايا، وإذا صحّ أنّ الأصول عليها تنبت الشّجر «فأنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا» . هذا: وإن أبقى قراع الخطوب في حدّي فلولا، «فالفحل يحمي شوله معقولا» «2» ؛ ولقد تجمّعت الخطوب عليّ من كلّ وجهة وأوب، وطرقت الرّزايا جنابي من كلّ صوب، وجريت مع الخطوب كفرسي الرّهان، وما هممت بمقصد إلا سقط بي العشاء على سرحان؛ وبكل حبل يختنق الشّقيّ، ولعمرك ما يدري امرؤ كيف يتّقي؛ والجلد يرى عواقب الأمور فيحمد عند النّجاح عقبى السّير وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ «3» . تجوز المصيبات الفتى وهو عاجز ... ويلعب صرف الدّهر بالحازم الجلد فسطّرت هذه الأحرف إلى سيّدنا ليوافق خبري عند أصحابه خبره، و «من يشتري سيفي وهذا أثره» واعلم أنها سيضرب بها في بابها المثل، وقد «أوردها سعد وسعد مشتمل» «4» . وهذه رسالة في الشّكر على نزول الغيث، من إنشاء أبي عبد الله

محمد «1» بن أبي الخصال الغافقي الأندلسيّ، نقلتها من خطّ الشيخ شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن سيّد الناس اليعمريّ المصريّ «2» وهي: الحمد لله الذي لا يكشف السّوء سواه، ولا يدعو المضطرّ إلا إيّاه. ننزل فقرنا بغناه، ونعوذ من سخطه برضاه، ونستغفره من ذنوبنا: وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ «3» . وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له إلها علا فاقتدر، وأورد عباده وأصدر، وبسط الرّزق وقدر، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي بشّر وأنذر، ورغّب وحذّر، وغلّب البشرى على الإقناط، ودلّ على الصّراط، وأشار إلى السّاعة بالأشراط، ولم يأل أمّته في الذّبّ والاحتياط، صلّى الله عليه وعلى الوزراء الخلفا، والبررة الأتقيا، والأشدّاء الرّحما، والأصحاب الزّعما، صلاة تملأ ما بين الأرض والسّما، وتوافيهم في كلّ الأوقات والآنا، وتضع الثّناء موضع الثّنا «4» . ولما لقحت «5» حرب الجدب عن حيال، وأشفق ربّ الصّريحة والعيال، وتنادى الجيران للتّفرّق والزّيال، وتناوحت في الهبوب ريحها الجنوب والشّمال، وتراوحت على القلوب راحتا اليمين والشّمال، وأحضرت

أنفس الأغنياء الشّح، وودّوا أن لا تنشأ مزنة ولا تسحّ، وتوهّم خازن البرّ، أنّ صاعه يعدل صاع الدّرّ، وخفّت الأزواد، وماجت الأرض والتقت الرّواد، وانتزعت العازب القصيّ، فألقت العصيّ، وصدرت بحسراتها، وقد أسلمت حزراتها، وأصبحت كلّ قنّة فدعاء «1» ، وهضبة درعاء، (صفاه وها ونقبا وها) «2» ؛ والصّبح في كل أفق قطر أو قطع، والأرض كلّها سيف ونطع، والشّعر يشمر ذيله للنّفاق، ويضمّر خيله للسّباق؛ وجاء الجدّ وراح الهزل، وقلنا: هذه الشّدّة هذا الأزل؛ وللمرجفين في المدينة عجاجة ظنّوها لا تلبد، وقسيّ نحو الغيوب تعطف وتلبّد؛ فما يسقط السّائل منهم إلا على ناب يحرق، وشهاب يبرق؛ حتّى إذا عقدوا الأيمان، وأخذوا بزعمهم الأمان، وقالوا: لا يطمع في الغيث، وزحل في اللّيث، فإذا فارق الأسد، لكدّ ما أفسد «3» : تخرّصا وأحاديثا ملفّقة ... ليست بنبع إذا عدّت ولا غرب! أنشأ الله العنان «4» ، وقال له: كن فكان؛ فبينما النّجوم دراريّها الأعلام، وأغفالها التي لا تحمد عندهم ولا تلام؛ قد اختلط مرعاها بالهمل، ولم تدر السدّة بالحمل؛ ولا علم الجدي بالرّئبال، ولا أحسّ الثّور بالرّامي ذي الشّمال؛ إذ غشيتها ظلل الغمام، وحجبتها أستار كأجنحة الحمام، وأخذت عليها في الطّروق، مصادر الغروب والشّروق؛ فما منها إلا مقنّع بنصيف، أو مزمّل في نجاد خصيف؛ لم تترك له عين تطرف، ولا ثقبة يطلع منها أو يشرف؛ فباتت بين دور متداركة السّقوط، ودرر متناثرة السّموط، وديم منحلّة الخيوط، وجيوش منصورة الأعلام، ثابتة الأقدام، وكتائب

صادقة الهجوم، صائبة الرّجوم، تطلب المحل ما بين التّخوم والنّجوم، وما زالت ترميه بأحجاره، وتحترشه في أجحاره، وتغزوه في عقر داره، حتّى عفّت على آثاره، وأخذت للحزن والسّهل بثاره. فيا أيّها المؤمن بالكواكب، انظر إلى الدّيم السّواكب، واسبح في لجج سيولها، وارتح في ممرّ ذيولها، وسبّح باسم ربّك العظيم الذي قذف بالحقّ على الباطل، وأعاد الحلي إلى العاطل؛ فبرود الظواهر مخضرّة، وثغور الأزاهر مفترّة، ومسرّات النّفوس منتشرة، والدّنيا ضاحكة مستبشرة، وأرواح الأدواح حاملة، وأعطاف الأغصان مائلة، وأوراق الأوراق تفصّل، وأجنحة الظّلال تراش وتوصل، وخطباء الطّير تروي وتخبر، وشيوخ المحارب تهلّل وتكبّر، وإن من شيء إلا يخضع لجبروته، ويشهد لملكوته، وتلوح الحكمة ما بين منطقه وسكوته. فأما الخطاطيف فقد سبق هاديها، ونطق شاديها، وتراجع شكرا لله ناديها؛ فعشّ يرمّ، ولبنة إلى أخرى تزمّ، وشعث يلمّ، وبدأة توفّى وتتم؛ وكأنّها حنّت نحو المشاهد، وسابقت اللّقالق إلى المعاهد، فظلّت اللّقالق بعدها نزّاعا، وسقطت على آطامها أوزاعا، وأجدّت إقطاعا، وأجابت من الخصب أمرا مطاعا، وحازت من الحدائق والبساتين إقطاعا؛ وسيغرّد في روضته المكّاء «1» ، ويضحكه هذا الوابل البكّاء، وترومه فلا تلحظه ذكاء؛ تحته من الأفنان النّاعمة قلاص، وأحصنته من الخضراء التّبّعيّة دلاص؛ فالويل لأهل الأقوال المنكرات، والنّيل لأهل الثّناء والخيرات، والمرعى والسّعدان «2» ، وأرض بكواكب النّور تزدان، وبقاع تدين الغيث كما تدان؛ أذكرها فذكرت، وسكرت من أخلاقه فشكرت، وعرّفها ما أنكرت؛ كأنّما

أعداؤها من أم خارجة نسب أو ملح، قالت لها: خطب فقال: نكح، فمثلت الأزهار بسبيله، ونبتت في مسيله، وثبتت كاللّحظة في شطّي خميله. فمن نرجس ترنو الرّواني بأحداقه، وتستعير الشّمس بهجة إشراقه، ويودّ المسك نفحة انتشاقه، يحسد السّندس خضرة ساقه، ويتمنّاه الحمام بدلا من أطواقه؛ كحلّة ندى تترقرق، أو غصن بان لا يزال يورق. ومن عرار تغنّى مطالعه على عرار، وكلفت به السّواري والغوادي كلف عمرو بعرار؛ فجاء كسوالف الغيد ترفّ، وكوميض الثّغور يعبق ويشفّ. ومن أقحوان جرى على الثّنايا الغرّ، وسبك من ناصع الدّرّ؛ يقبّله النّسيم فيعبق، ويصبح الجوّ بما [ ... «1» ] ويغبق، ويستقبله ناظرا الشمس فيشرق. ومن بنفسج كأطواق الورق، أو كاليواقيت الزّرق، تشرّف بأبدع الخلق، وتألّف من الغسق والخلق؛ تلحظه من بين أوراقه نواظر دعج بالأجفان وقيت، وبدموع الكحل سقيت؛ نسيمه ألين من الحرير، ونفسه أعطر من العبير؛ يفاخر به كانون البرد، مفاخرة نيسان بالورد. وكلّ ربوة قد أخذت زخرفها وازّيّنت، وبيّنت من آيات الله ما بيّنت، كما تتوّج في إيوانه كسرى، واستقبلته وفوده تترى، وانقلبت عن حسن ناديه النّواظر حسرى، وكلّ تلعة مذانب نصولها تسلّ ومضارب فصولها لا تثنى؛ وأراقم تنساب، ولجين يدأب ويذاب؛ على حافاتها نجوم من النّور مشتبكة، وجيوب عن لبّات الغواني منتهكة؛ فلو افتتحت الظّهور والبطون،

ونطقت السّهول والحزون، لقالت: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ «1» . فشكرا لربّنا شكرا، وسحقا للذين بدّلوا نعمة الله كفرا؛ اللهمّ باريء النّسم، وداريء القسم، وناشر الرّحمة والنّعم، ومنزل الدّيم، وباعث الرّمم، ومحيي الأمم؛ فإنّا نؤمن بقدرك: خيره وشرّه، ونطوي غيثك على غرّه، ولا نتعرّض لنشره حتّى تأذن بنشره، ونعتقد ربوبيّتك كلّ الاعتقاد، ونبرأ إليك من أهل المروق والإلحاد، ونستزيدك من مصالح العباد ومنافع البلاد؛ رزقنا لديك، ونواصينا بيديك، وتوكّلنا عليك، وتوجّهنا إليك؛ ولا نشرك بك في غيبك أحدا، ولا يجد عبد من دونك ملتحدا؛ تباركت وتعاليت، وأمتّ الحيّ وأحييت الميت؛ لا هادي لمن أضللت ولا مضلّ لمن هديت، فاكفنا فيمن كفيت، وتولّنا فيمن تولّيت، إنّك تقضي ولا يقضى عليك، وتقرأ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً «2» الآية. وهذه نسخة رسالة، كتب بها الصاحب فخر الدّين عبد الرّحمن بن مكانس، تغمّده الله برحمته، إلى الشّيخ بدر الدين البشتكي عندما زاد النّيل الزيادة المفرطة، سنة أربع وثمانين وسبعمائة «3» ؛ وهي: ربّنا اجعلنا في هذا الطّوفان من الآمنين، وسلام على نوح في العالمين.

ما تأخير مولانا بحر العلم وشيخه عن رؤية هذا الما؟، وما قعاده عن زرقة هذا النّيل الذي جعل الناس فيه بالتّوبة كالملائكة لمّا غدا هو أيضا كالسّما؟، وكيف لم ير هذا الطّوفان الذي استحال للزّيادة فما أشبه زيادته بالظّما؛ فهي كزيادة الأصابع الدّالّة في الكفّ على نقصه، وأولى أن ننشد بيت المثل بنصّه: طفح السّرور عليّ حتّى إنّه ... من عظم ما قد سرّني أبكاني! فإنه قارب أن يمتزج بنهر المجرّة بل وصل وامتزج؛ وأرانا من عجائبه ما حقّق أنه المعنيّ [بقول القائل] : «حدّث عن البحر ولا حرج» ؛ وتجاوز في عشر الثّلاثين الحدّ، وأرانا بالمعاينة في كلّ ساحل منه ما سمعناه عن الجزر والمدّ، وأساء في دفعه فلم يدفع بالتي هي أحسن، وأقعد الماشي عن التّسبّب والحركة حتّى شكا إلى الله في الحالين جور الزمن، وسقى الناس من ماء حياته المعهودة كما شربوا من الموت أصعب كاس، وسئل ابن أبي الرّدّاد «1» عن قياس الزيادة فقال: زاد بلا قياس؛ امتلأ اليباب، وهال العباب، وضاع العدّ واختلط الحساب؛ كال فطفّف، وزار فما خفّف؛ غسل الجسور، وأعاد الإملاق بعزمه إلى البحور، وبرع فكان أولى بقول الحلّي من ابن منصور: بمكارم تذر السّباسب أبحرا ... وعزائم تذر البحار سباسبا!

جمع في صعوده إلى الجبال بين الحادي والملّاح، ودخل النّاس إلى أسواق مصر وخصوصا سوق الرّقيق على كلّ جارية ذات ألواح، وغدا التّيّار ينساب في كلّ يمّ كالأيم، وأصحبت هضاب الموج في سماء البحر وكأنّما هي قطع الغيم، واستحالت الأفلاك فكلّ برج مائيّ، وتغيّرت الألوان فكلّ ما في الأرض سمائيّ، وحكى ماؤه حكاكة الصّندل لمّا مسّه شيطان الرّيح فتخبّط، وزاد فاستحال نفعه فتحقّق ما ينسب إلى الصّندل من الاستحالة إذا أفرط؛ فلقد حكت أمواجه ودوائره الأعكان «1» والسّرر، وغدا كلّ حيّ ميّتا من زيادته لا كما قال المعرّي: حيّا من بني مطر «2» ؛ وتحالى إلى أن أقرف اللّيمون الأخضر، واحمرّت عينه على الناس فأذاقهم الموت الأحمر؛ ولقد صعب سلوكه وكيف لا؟ وهو البحر المديد، وأصبح كلّ جدول منه جعفرا «3» ويزيد: فلست أرى إلا إفاضة شاخص ... إليه بعين أو مشيرا بأصبع! فلكم قال الهرم للسّارين يا سارية الجبل، وأنشد وقد شمّر ساقه للخوض: أنا الغريق فما خوفي من البلل؟ وكم قال أبو الهول: لا هول إلا هول هذا البحر، وقال المسافرون: ما رأينا مثل هذا النّيل من هنا إلى ماوراء النّهر، وقال المؤرّخون: لم ننقل كهذه الزيادة من عهد النّهروان وإلى هذا الدّهر. وكيف يسوغ لمولانا في هذه الأيام غير ارتشاف فم الخمور؟ ولم لا يغيّر مذهبه ويطيّب على هذه الخلج بالسّلسل والدّور؟؛ وكيف وكيف؟!!،

ولم لا يتّخذ مولانا حمو النّيل وبرده رحلة الشّتاء والصّيف؟؛ وهو في المبادرة إلى علوّ المعالي وغلوّ المعاني، وانتهاز الفرص في بلاغ الآمال وبلوغ الأماني: عجب من عجائب البرّ والبحر ... ونوع فرد وشكل غريب! نعم: من قاسكم بسواكم ... قاس البحار إلى الثّماد! أعلى الأنام في العلوم قدرا، وإمام النّحاة من عهد سيبويه وهلمّ جرّا، وشيخ العروضيين على الحقيقة برّا وبحرا: وشيخ سيحون والنّيل ... والفرات ودجله وشيخ جيحون أيضا ... وشيخ نهر الأبلّه! أي والله: أقولها لو بلغت ما عسى: ... الطّبل لا يضرب تحت الكسا! لا مخبأ لعطر بعد عروس، أنت أعوم في بحور الشّعر من ابن قادوس «1» ، وأصلح إذا حدّثت من صالح بن عبد القدّوس، وأشهى إذا هزلت من ابن حجّاج إلى النّفوس: ولو أنّ بحر النّيل جاراك مازحا ... وحقّك ما استحلى له الناس زائدا! نعود إلى ما كنّا فيه من وصف النيل، وذكر حاله الذي أصبح كما قال ابن عبد الظّاهر: كوجه جميل: فلو رآه مولانا وقد هجم على مصر فجاس خلال الدّيار، ودخل إلى المعشوق فتركه كالعاشق المهجور لم ير منه غير

الآثار، لبكى بعيني «عروة» ، وأوى من الرّصد وقد تفجّرت من صلده عيون النّزّ إلى ربوة، أورنا لروض «الجزيرة» وقد خلع حلاه، وتخلخلت عرائس أشجاره على الحالين بالمياه، والنّخيل وقد قتلت ملّاكها- حين فتك- بالأسف، وجفّ أحمر ثمرها وأصفره قأرانا العنّاب والحشف، و «الجيزة» وقد قلت لها: تبّا لجارك النّيل إذ أفسدك صورة ومعنى، وسكن مغانيك فسقى ديارك بغير استثنا، وقراها الغربيّة وقد قلت لها حين أوت إلى أعالي الأرض هربا من المياه، واعتصمت بالجبل الغربيّ: لا عاصم اليوم من أمر الله- وكلّ سفينة وقد علت على وجه الماء، وارتقت لارتقاء البحر إلى أن اختلطت بالسّماء؛ وقد قالت لها أترابها عند الفراق: إلّا ترجعي، وقلنا لها نحن على سبيل التّفاؤل: يا سماء أقلعي؛ والنّيل تبدو عليه القلوع خافية فكأنّها الخيام بذي طلوح «1» ، وجار على الناس بطغيانه فكأنّما هو أخو فرعون مصر أو ابن طوفان نوح. فلقد طار النّسر مبلول الجناح، ودنا نهر المجرّة من السّكارى بالشّخاتيت «2» إلى أن كاد يدفعه من قام بالرّاح، ونرجس البساتين وقد ابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم، وفارق أحبابه من الرّياحين ولم يبق له غير القلانس صديق وغير الماء حميم، والورد وقد قيل له: مالك من آس، وغصن البان وقد قيل له: طوبى لمن عانقك ولا باس، والأسماك وقد ألجمهم العرق، والقلقاس وقد شكا شكوى ابن قلاقس وابنه من الغرق «3» ،

والقصب بالجيزة وقد شرب ماء النّزّ فهو بئس الشّراب، والقصب ببولاق لم ينجه من مشاهدة الغرق إلا كونه غاب، والفارسيّ بالبساتين وقد ترجّل ووقع فأرانا كيف تكسير الأقصاب؛ وقيل للآس: عالج جيرانك بالغيطان فالنّاس بالنّاس، وبادر إلى جبر ما كسر فالحاجة تدعو المكسور في الحالين إلى الآس. هذا وأنا مقيم بالروضة «1» إذ زهت على سائر الرّياض، وسلّم جوهر حصبائها من أكثر هذه الأعراض؛ وإن اعتلّت بالاستسقاء فهو عين الصّحّة كما ينسب السّقم إلى العيون المراض، أو كما قال المملوك قديما من قصيدة في بعض الأغراض: وقائل: في لحاظ الغيد باقية ... من السّقام وما ضمّت خصورهم وفي النّسيم فقلت: الأمر مشتبه ... عليك فالزم فأنت الحاذق الفهم قلت الصّحيح ولكنّي بموجبه ... أقول: تلك دواة برؤها السّقم! قد أحاط بها النّيل إحاطة المراشف باللّما، فأشرقت ضياء بين زرقته فكأنّها البدر في كبد السّما: بصحن خدّ لم يغض ماؤه ... ولم تخضه أعين النّاس! متعطّش مع هذا الطّوفان لريّاك، متشوّف وإن كنت مغازل النّجوم الأرضية والسّمائيّة يا بدر لرؤياك؛ لكنّي يسليني أني ما نظرت إلى النّيل إلا

رأيتك من سائر الجهات، ولا لمحت بيوت البحر بل البحور إلا رأيتك عمارة الأبيات: ولا هممت بشرب الماء من عطش ... إلا رأيت خيالا منك في الماء! ولكن للعيان لطيف معنى ... له طلب المشاهدة الكليم! فهلمّ إلى التّمتّع برؤية هذا النّيل الذي لم تر مثله العيون، والنّظر إلى سائر المخلوقات لعمومه وكلّ في فلك يسبحون؛ فليس يطيب للتّلميذ رؤية هذا البحر بغير رؤية شيخه، ولا يلذّ له التّملّي بمشاهدة هذا الفلك ما لم يشرق وجهه وذهنه ببدره ومرّيخه؛ فما هذا الإهمال؟، وليت شعري يا أديب تشاغلك بأيّ الأعمال؟، أبالكتابة؟ فلتكن في هذا النّيل الذي هو كالطّلحيّة «1» بغير مثال، أو بالنّثر والنّظم؟ ففي هذا البحر الذي منه تؤخذ الدّرر وفيه تضرب الأمثال؛ ولقد ولّد فيه الفكر للمملوك، كيف تصادم الأكفاء وقهر الملوك للملوك؛ فإنه لم يسمع في مملكة الإسلام، ولا ورّخ في عام من الأعوام، بمثل هذه الزيادة الزائدة، والجري على خرق العادة التي لا جعل الله بها صلة ولا منها عائدة؛ وغاية ما وصل إليه في الماضي من عشرين: فضيّق بسعته المسالك، وأوجب المهالك، وتطرّق تطرّق أهل الجرائم والفساد فقطع الطّريق على السّالك، وأحوج مرّات إلى الاستضحاء لا أحوج الله لذلك. ودليل ما شمل به من الفساد، وما عامل به البلاد وأهل البلاد، ما قاله أدباء كلّ عصر، عندما أبيح للمسافر في مدّ عرضه القصر. فمن ذلك ما قاله مولانا القاضي الفاضل، وما هو رحمه الله إلا بحر طفح درّه، فلله درّه، من رسالة:

«ورود مثاله يتضمّن نبأ سطوره العظيمة أمر طوفان النّيل التي كأنّها جداوله، وأنّه جاد لمؤمّله بنفسه التي ليس في يده غيرها فليتّق الله سائله ... ...» . ومنها: «ولم يزل يجري لمستقرّ له، ويضمّه شيئا فشيئا إلى أن أدرك آخره أوّله؛ حتى إذا تكامل سموّ أمواجه حالا على حال، وتنوّر أقاصي الأرض من بنية المقياس فأدناها النّظر العال، فلم يترك بقعة كانت من قبل فارغة إلا وكلّها عند نظره ماق، وليت هواه المعتلّ كان عدلا فحمّل كلّ غدير ما أطاق؛ وطالما جرى بالصّفا ولكن كدّر صفاه بهذا المسعى، والمرجوّ من الله أن يتلو ما أفسده هذا الماء ما يصلحه خروج المرعى» . وما قاله القاضي محيي الدّين بن عبد الظاهر، سقى الله تلك الألفاظ النّيليّة صوب الماطر: «.. وينهي إليه أمر النّيل الذي سرّ في أوائله الأنفس بأنفس بشرى، ويقصّ عليه نبأه العظيم الذي ما يرينا من آية إلا هي أكبر من الأخرى، ويصف له ما ساقه إلى الأرض من كلّ طليعة إذا تنفّس اللّيل تفرّق صبحها وتفرّى؛ فهو وإن كان خصّ الله البلاد المصرية بوفوره ووفائه، وأغنى به قطرها عن القطر فلم يحتج إلى مدّ كافه وفائه، ونزّهه عن منّة الغمام الذي هو إن جاد فلا بدّ من شهقة رعده ودفعة بكائه، فقد وطيء بلادها بعسكره العجّاج، وزاحم ساحتها بأفواج الأمواج، فعمل فيها بذراعه، ودار عليها بخناقه وتخلّلها بنزاعه، وحملها على سواري الصّواري تحت قلوعه وما هي إلا عمد قلاعه، وزار زرابيّ الدّور المبثوثة، وجاس خلال الحنايا كأنّ له فيها خبايا موروثة، ومرق كالسّهم من قناطره المنكوسة، وعلا زبد حركته ولولاه ظهرت في باطنه من الأقمار والنّجوم أشعّتها المعكوسة، وحمل على بركة الفيل «1» حمل الأسود على الأبطال، وجعل «المجنونة» «2» من تيّاره

المنحدر في السّلاسل والأغلال؛ والمرجوّ من الله أن يزيل أذاه، ويعيد علينا منه ما عهدناه؛ فأنّ له الإياب الأكبر، وفيه العجائب والعبر؛ فها وجود الوفاء، عند عدم الصفاء، وبلوغ الهرم، إذا احتدم واضطّرم؛ وأمن كلّ فريق، إذا قطع الطّريق، وفرح قطّان الأوطان، إذا كسر وهو كما يقال: سلطان؛ إلى غير ذلك من خصائصه، وبراءته مع الزيادة من نقائصه؛ طالما فتح أبواب الرّحمة بتعليقه، وفاز كلّ أحد عند رؤية مائه المعصفر بتحليقه» . وما قاله المولى زين الدّين عمر الصّفديّ- تغمّده الله بعفوه- وجمع له بين حلاوة الكوثر وصفوه: «وأما النّيل فقد أخذ الدّار والسّكّان، وقال ابن الخامل كما قال ابن النّبيه: الأمان الأمان، وبكى الناس عندما رأوه مقبلا عليهم بالطّوفان، وانسابت أراقم غدرانه في الإقليم فابتلعت غدران أراقمه، ومحاسيله المتدفّق معالمه المجهولة فاستعمل الأقلام في إثبات معالمه، وأحاط بالقرى كالمحاصر فضرب بينها وبين السماء بسور، وأخذ الطريق على السّالكين فلا مركب إلا المراكب ولا عاصم إلا البحور» . وما قاله السديد «ابن كاتب المرج» «1» ، نصرة الأقباط، وأحد عمد

الشّعر المشهورة بالفسطاط؛ فما أطيب مدائحه النّبويّة التي جعلها سورا بينه وبين النار، وما أعجب رثاءه: جعل الله قبره بالرحمة كالرّوض غبّ القطار!!!: يا نيل يا ملك الأنهار قد شربت ... منك البرايا شرابا طيّبا وعذا وقد دخلت القرى تبغي منافعها ... فعمّها بعد فرط النّفع منك أذى فقال: يذكر عنّي أنّني ملك ... وتعتدي ناسيا: إنّ الملوك إذا «1» ! وما قاله شيخنا الشّيخ جمال الدين بن نباتة «2» الذي أطاعته من الآداب جوانح نظمها ونثرها، وسخّرت له بحور الشّعر فقالت له الآداب: اختر من درّها؛ فسبحان من يسّر له ممتنع الكلام وهوّنه، وجعله من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه؛ فما أشفّ دقيق فكره الجليل، وما أكثر ما يضحك زهر تقاطيعه على زهر مقطّعات النّيل؛ فما كان إلا مخصوصا في الأدب ببحور الهبات، وكلامه في العذوبة والبلاغة يزري بالفرات وابن الفرات «3» ؛ وإن قيل أيّ أصدق كلمة قالها شاعر بعد لبيد، يقال قول ابن نباتة: فلا عجب للفظي حين يحلو ... فهذا الفطر من ذاك النّبات! وأما النّيل فقد استوى على الأرض فثبتت فيها قدمه، وامتدّ نصل تيّاره كالسّيف الصّقيل فقتل الإقليم وهذا الاحمرار إنّما هو دمه: حمرتها من دماء ما قتلت ... والدّم في النّصل شاهد عجب!

فلم يترك وعدا بل وعيدا إلا وفّاه، ولا وهدا بل جبلا إلا أخفاه؛ أقبل كالأسد الهصور إذا احتدّ واضطّرم، وجاء من سنّ الجنادل فتحدّر وعلا حتى بلغ أقصى الهرم، وعامل البلاد بالحيلاء وكيف لا؟ وهو سلطان جائر أيّد بالنّصر، قائلا: إن كنت بليت بالاحتراق في أرضكم فأنا أفيض بأن أرمي من بروق تيّاري بشرر كالقصر. هذا وطالما قابلنا قبلها بوجه جميل، وسمعنا عنه كلّ خبر خير ثابت ويزيد كما قال «جميل» ، وكلّ بديع من آثار جود يصبغ الثّرى فيخضرّ بخلاف المشهور عن صبغة اللّيل، وطالما خصصناه بدعاء فكانت الراحة به كمقياسه ذات بسطة، وكمنازل الخصب بقدومه المبارك ذات غبطة، ومنحناه بولاء وثناء هذا يدور من الإخلاص بفلك وهذا يعذب من البحار بنقطة؛ كم ورد إلى البلاد ضيفا ومعه القرى، وكم أتى مرسلا بمعجز آيات الخصب إلى أهل القرى؛ فهو جواد قد خلع الرّسن، ساهر في مصالح الخلق وقد ملأ الأمن أجفانهم بالوسن، جامع لأهل مصر من سقياه ومرعاه ووجهه بين الماء والخضرة والوجه الحسن؛ كم بات سير مقياسه يشمل بظلّه الغائبين والحاضرين، وكم رفع على الوفاء راية صفراء فاقع لونها تسرّ النّاظرين، وبلغ وبلّغ بخرير التّيّار سلامه، وبات الناس بوفائه من حذار الغلاء تحت السّتر والسّلامة، وخلّق صدر العمود «1» وكيف لا يخلّق بشير العباد والبلاد، ودعا مصر لأخذ زخرفها فسواء قيل: ذات العمود أو ذات العماد، وبسط يده ببركة الماء فقيل: سلام لك من أصحاب اليمين، وخضّب بنانه وأقسم بحصول الخير فقيل لمخضوب البنان يمين، وأشار إلى وصول المدّ المتتابع، وقبض يده المخلّقة على الماء فوفت وما خابت فروج الأصابع، ونادى رائد

الوفاء ولكن كم حياة في الأرض لمن ينادي، وتمّت أصابع الزيادة ونمت حتّى قال الناس: ما ذي أصابع ذي أيادي. هذا وقد قرنت زرابيّ الدّور المثوثة بالنّمارق «1» ، وقال المقياس: تغطّت منها الدّرج فنال الرّجاء وظهرت الدّقائق؛ فهو جمّ المنافع، عذب المنابع، يشار في الحقيقة والمجاز إليه بالأصابع. فأعاده الله إلى ذلك النّفع المعهود، وأرانا منه الأمان من الطّوفان إلى أن نرد الحوض المورود، وكفى أهل مصر هذه المصيبة التي إذا أصابتهم قالوا: إنّا لله وإنا إليه راجعون، ولا ابتلاهم بمثل ما ابتلى به قوما جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم فإنّما يستغشي ثيابه منهم الفقراء في المطر ويجعل أصابعه في آذانه منهم المؤذّنون؛ اللهمّ إنك وليّ النّعمة، وأولى برحمة خلقك من فيض هذه الرّحمة» . وما قاله صاحبنا الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة «2» الذي كان أغرب من زرقاء اليمامة، وأعجب إذا ركب بغلته وزرزوره من أبي دلامة، الأديب الذي كان حجّة العرب، والناثر الذي كان بنسبته إلى الطّيور محرّك المناطق وإلى الشّعر صنّاجة الأدب، والنّاظم الذي كان إذا أنشد مقاطيعه في التّشبيب فاق على المواصيل ذوات الطّرب، والصّديق الذي كانت منه عوائد الوفاء مألوفة، وشيخ الصّوفيّة الذي لا عجب إذا كانت له المقامات الموصوفة، أسكنه الله فسيح الجنان، وخصّ ذلك الوجه الجميل بالعارض الهتّان، من مقامته الزّعفرانيّة عن أبي الرّياش: «فاعتنقته لدى السّلام، وقلت: ما وراءك يا عصام؛ فقد بلغنا أن النّيل

تزايد دفعه، وأدّى إلى الضّرر نفعه، فقال: خذ العفو، ولا تكدّر بذكر النّيل الصّفو؛ فقد امتزج بالمعصرات ثجّاجه، وأعيى طبيب الغيطان علاجه: وشرّق حتّى ليس للشّرق مشرق ... وغرّب حتّى ليس للغرب مغرب! قلت: فما فعل النّغير «1» ، بجزيرة الطّير، قال: لم يبق بها هاتف يبشّر بالصّباح، ولا ساع يسعى برجل ولا طائر يطير بجناح، إلا اتخذ نفقا في الأرض أو سلّما في السّماء، أو أوى إلى جبل يعصمه من الماء، فأذاق بها الحمام الحمام في المروج، وترك أرضها كسماء ما لها من فروج، وتلا على الحمام: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ «2» . وكم في سماء مائها من نسر واقع، وبومة تصفّر على ديارها البلاقع: ومنهل فيه الغراب ميت ... سقيت منه القوم واستقيت! قلت: فمصر؟ قال: زحف عليها بعسكره الجرّار، ونفط مائه الطّيّار. قلت: فالجيزة؟ قال: طغى الماء حتّى علا على قناطرها وتجسّر، ووقع بها القصب من قامته حين علا عليه الماء وتكسّر، فأصبح بعد اخضرار بزّته شاحب الإهاب، ناصل الخضاب، غارقا في قعر بحر يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب «3» ، وقطع طريق زاويتها على من بها من المنقطعين والفقراء، وترك الطّالح كالصّالح يمشي على الماء، فتنادوا مصبحين، ألّا يدخلنّها اليوم عليكم مسكين، وأدركهم الغرق فأيسوا من الخلاص، وغشيهم من اليمّ ما غشيهم ولات حين مناص، وخرّ عليهم السّقف من فوقهم فهدّت قواهم، واستغاثوا من كثرة الماء بالذين آمنوا وعملوا الصّالحات وقليل ما هم.

قلت: فالرّوضة؟ قال: أحاط بها إحاطة الكمام بزهره، والكأس بحباب خمره: فكأنّها فيه بساط أخضر ... وكأنّه فيها طراز مذهب! فلم يكن لها بدفع أصابعه يدان، وكم أنشد مرجها حين مرج البحرين يلتقيان: أعينيّ كفّا عن فؤادي فإنّه ... من البغي سعي اثنين في قتل واحد قلت: فدار النّحاس «1» ؟ قال: أنحس حالها، وأفسد ما عليها وما لها، فدخل من حمّامها الطّهر، وقطع الطريق بالجامع الظّهر؛ فألحق مجاز بابه بالحقيقة، ورقي منه على درجتين في دقيقة؛ كم اغترف ما جاوره من الغرف غرفا، وأطلق من مائه الأحمر النّار بموردة الخلفا. قلت: فالخليج الحاكميّ «2» ؟ قال: خرج عسكر موجه بعد الكسر على حميّة، ومرق من قسيّ قناطره مروق السّهم من الرّميّة. قلت: فالمنشاة «3» ؟ قال: أصبحت للبحر مقرّة، بعد أن كانت للعيون قرّة، وقيل لمنشئها: أنّى يحيي هذه الله بعد موتها قال: يحييها الذي أنشأها

أوّل مرّة؛ قد مال على ما فيها من شون الغلال كلّ الميل، وتركها تتلو بفمها الذي شفتاه مصراعا بابها: يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ «1» . قلت: فجزيرة أروى «2» ؟ قال: قد أفسد جلّ ثمارها، وأتى على مغانيها فلم يدع شيئا من رديّها وخيارها؛ أخلق ديباجة روضها الأنف، وترك قلقاسها في الجروف على شفا جرف: بعيني رأيت الماء يوما وقد جرى ... على رأسه من شاهق فتكسّرا! طالما تضرّع بأصابعه إلى ربّه، ولطم برؤوسه الحيطان مما جرى من الماء على قلبه، وتمثّل بقول الأوّل: وإن سألوك عن قلبي وما قاسى ... فقل: قاسى، وقل: قاسى وقل: قاسى، لم يفده تحصّنه من ورقه بالدّرق والسّتائر، ولا حنّ عليه حين تضرّع بأصابعه فصحّ أن الماء سلطان جائر. قلت: فحكر ابن الأثير «3» ؟ قال: لم يبق منه غير الثّلث والثلث كثير؛ قد أخمل من دوره خمائلها، وجعل عاليها سافلها؛ فكم دار أعدم صاحبها قراره، ونادى في عرصاتها المتداعية: إيّاك أعني فاسمعي يا جارة؛ فأصبحت بعد نفعها قليلة الجدا، مستولية عليها يد الرّدى، شبيهة بدار الدّنيا لأنها دار متى أضحكت في يومها أبكت غدا. قلت: فبولاق؟ قال: إملاق، قد التفّت بها من الزّلق السّاق بالسّاق،

فأتى من النّوتية على الصّغير والكبير، ومن المراكب وممرّها على النّقير والقطمير «1» . هذا بعد أن ترك جامع الخطيريّ «2» على خطر، وحيطانه يانعة الثّمر؛ قد دنا قطافها، وحان تلافها؛ فكأنّي به وقد منع رفده، وتلا على محرابه سورة السّجدة. قلت: فجزيرة الفيل «3» ؟ قال: اقتلع أشجارها بشروشها، وترك سواقيها خاوية على عروشها. قلت: فالتاج والسبعة وجوه «4» ؟ قال: هجم على حرمها، وعمّ الوجوه من فرقها إلى قدمها؛ فبلّ ثرى الموتى في التّخوم، وعنت الوجوه للحيّ القيّوم؛ قلت: فما الحيلة؟، قال: ترك الحيلة: دعها سماويّة تجري على قدر ... لا تفسدنها برأي منك راضي «5» طال الكتاب، وخرجنا عن فصل الخطاب: ولربّما ساق المحدّث بعض ما ... ليس النّديّ إليه بالمحتاج! وكأنّي بقائل يقول: أليس من الكبر أن يستخدم هذا في رسالته ملوك الكلام، ومن الحمق أن يجلي عرائس أفكاره بما للناس من حلي النّثار

والنّظام، فأقول: مسلّم أنّ كلّ ما أوردته درر وجواهر، وعقود كزهر الرّبيع عيون وجوهها النواضر نواظر، ولكنّها هاهنا أمثل، وجمع شملها على هذي العروس أجمل: وفي عنق الحسناء يستحسن العقد! وعلى الجملة فيرجع المملوك إلى التّواضع وهو الأليق بالأدب، فيقول: لا عيب على الفقيرة إذا تجمّلت بحليّ الغنيّة، ولا عار على الجوهريّ إذا نظم سلكا كانت درره على الطّرق مرميّة؛ ونرجع إلى ما ولّده الفكر من عجب البحر، وما ظهر من دفع الملوك لأمثالها عن جريها إلى غاياتها بصور القمر، فأقول: إنما قالت الأدباء ذلك لما جرى من جور النّيل على الأرض، ولما عمّ الناس من الإرجاف بطول أذاه وهرجه فكأنّما هم في يوم العرض؛ وكلّ ذلك وما وصل إلى هذا الارتفاع، وربّما كان أنقص من هذه الزيادة بقريب الذّراع. وعلى هذا القياس إنّما دفع ضرره، وجمّل في البلاد أثره، وحسّن في السّماء خبره وفي الأرض مخبره، السّريّ الذي اهتمامه بالمعروف معروف، وسيف الدّين الذي سهر في مصالح الرّعايا لمّا تنام ملء أجفانها السّيوف، أتابك العساكر، والملك الذي هو بالإسلام وله منصور وناصر؛ حصّن سائر الكوى بالجسور، وركز على أفواه البحر والخليج الأمراء كما يركز المجاهدون على الثّغور، وقابل البحر من سطواته بما ليس له به قبل، وردّ دفعه بكلّ دفع من الرّأي والتّدبير يغني عن البيض والأسل، وحاربه بجيش عزم إلى أن ولّى هاربا مع التراع والقناطر، وجاهده بجند ركزهم على جوانبه لمّا تحقّق أن البحر سلطان جائر، وحصره بالتّضييق عليه كما تحصر البرك والتراع، وغلّ يده عن التّصرّف فسقاه الموت كما سقى الناس أنواع النّزاع؛ فما هو إلا أن تضاءل بنيران سطواته واحترق، وذلّ خاضعا وكفى به تضرّعا بالأصابع وتوسّلا بالملق، وأطاع لمّا لم تنجه مجاهرته من تيّاره بالسيوف ولا تحصّنه من داراته بالدّرق.

على أنه تطاول ليضاهي بأصابعه جود أياديه فقصّر، وتحسّر فركب خيل خيلائه ليحاكي بأسه فوقع من جسور عجبه وتقطّر، وسمت نفسه كبرا لأن يبلغ قدره فقيل: يا بحر هذا خليفة الله في أرضه والله أكبر؛ نعم: رأى البحر الخضمّ نداه طام ... يفيض على الورى منه بحار فصار البحر ملتطما وأضحى ... على الحالين ليس له قرار! فلو زدت في أيّام غيره من الملوك المترفين، وفيمن يؤثر ملاذّ نفسه على مصالح المسلمين، كنت أيّها الملك بلغت قصدك، وفعلت في أبناء مصرك جهدك، وكنت من الملوك الّذين إذا دخلوا قرية انتعلوا فيها الأهلّة، وأفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة؛ لكن هبّ قبولك إدبارا، ولاقت ريحك إعصارا؛ فليس لك به قبل، «والسّيل أدرى بالجبل» ؛ فما لك سبيل إلى بلاده، ولا طاقة بإياب الخير على عناده؛ فإنه خادم الحرمين، والمدعوّ له حتّى في مواقف الحرب بين العلمين؛ حامي السّواحل والثّغور، والمخدوم بأيادي السّحائب وأصابع البحور، وإن كنت يا أبا خالد أبا جعفر فلست بمنصور؛ والرّأي أن تقف مستغفرا، وتقول معتذرا؛ لم أفرط بالزيادة في أيامه، ولم أفض على طرف الميدان إلا لأفوز بتقبيل آثار جوادّ خيله ومواطيء أقدامه، ونتّبع نواهيه ونمتثل أوامره، وندعو له كالرّعايا بطول البقاء في الدّنيا وحسن الثواب في الآخرة. ونحن نسأل الله كما بلّغ بك المنافع، أن يرينا كوكب نؤئك عن قريب راجع؛ وكما أغنى بزيادتك عن الاستسقاء، لا يحوجنا في نقصك إلى الاستضحاء، إنه سميع مجيب الدّعاء، بمنّه وكرمه.

الفصل الثالث من الباب الأول من المقالة العاشرة (في قدمات البندق)

الفصل الثالث من الباب الأوّل من المقالة العاشرة (في قدمات البندق) جمع قدمة بكسر القاف وسكون الدال المهملة، وهي رسائل تشتمل على حال الرّمي بالبندق «1» ، وأحوال الرّماة، وأسماء طير الواجب، واصطلاح الرّماة وشروطهم. وهذه نسخة قدمة، كتب بها شيخنا الشيخ شمس الدّين محمد بن الصّائغ الحنفيّ الأديب رحمه الله، لصلاح الدّين بن المقرّ المحيويّ بن فضل الله؛ ونصّها: الحمد لله الذي سدّد لصلاح الدّين سهام الواجب، وشيّد بنجاح المطلوب مرام الطّالب، وجعل حصول الرّزق الشّارد بالسّعي في المناكب، وسهّل الممتنع على القاصدين فما منهم إلا من رجع وهو صائب.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ولد ولا صاحب، شهادة تزجر طير الإشراك بهذه الأشراك من كلّ جانب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي قرّبه فكان قاب قوسين أو أدنى وهذه أعلى المراتب، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين رقوا في العلياء لمراق لم يسم إليها طير مراقب، صلاة يسبق بها المصلّي إلى بقاع شرف يشرق سناه في المشارق والمغارب، ويرجع طائرا بالسّرور ولا رجوع الطائر الشّارد إلى المشارب. وبعد، فإن الصّيد من أحلّ الأشياء وأحلاها، وأجلّها وأجلاها، وأبهرها وأبهاها، وأشهرها وأشهاها، وأفخرها قيمة، وأغزرها ديمة؛ بورود الطّير فيه إلى المناهل تنشرح الصدور، وبوقوعه في شرور الشّرك يتمّ السّرور؛ يحصّل عند متعاطيه نشاطا، ويزيده انبساطا، ويشرح خاطره، ويسرّح ناظره، ويملأ عينه قرّة، وقلبه مسرّة؛ يشجّع الجبان، ويثبّت الجنان، ويقوّي الشّهوة، ويسوّي الخطوة، ويسوق الظّفر، ويشوق النّظر، ويروق منه الورد والصّدر، ويفوق فيه الخبر على الخبر. قال بعض الحكماء: «قلّما يغمش ناظر زهرة، أو يزمن مريع طريدة» ؛ يعني بذلك من أدمن الحركة في الصّيد ونظر إلى البساتين، فاستمتع طرفه بنضرتها، وأنيق منظرها. ومن ذا الذي ينكر لذّة الاصطياد، والطّرب بالقنص على الإطراد؟ ولله درّ القائل: لولا طراد الصّيد لم تك لذّة ... فتطاردي لي بالوصال قليلا. هذا الشّراب أخو الحياة وما له ... من لذّة حتّى يصيب عليلا! يا حسنه من فعل اعتلّت بالنّسيم موارده ومصادره، وفاقت أوائله في اللّذاذة أواخره؛ ولله القائل: إنّما الصّيد همّة ونشاط ... يعقب الجسم صحّة وصلاحا ورجاء ينال فيه سرور ... حين يلقى إصابة ونجاحا!

وما أطيب الاقتناص بعد الشّرود، وكيف يرى موقع الوصل بعد الصّدود: وزادني رغبة في الحبّ أن منعت ... أحبّ شيء إلى الإنسان ما منعا! تقضي رياضات النّفوس السامية بمعاطاة كاسه، ومصافاة ناسه، لما فيهم من الفتوّة، وكمال المروّة، وصدق اللسان، وثبات الجنان، وطيب الأخلاق، وحفظ الميثاق؛ لا يعرفون غير الصّدق وإن كانوا يميلون إلى الملق، ولا يبغون بصاحبهم بديلا يعطفون عليه عطف النّسق؛ لا سيّما تعاطي صيد طيور الواجب، الذي سنّة الأكابر وجعلوا أمره من الواجب، وتشرّفت به هممهم العالية: تارة إلى السّماء، وآونة إلى مشارع الماء. لا يتمّ سرورهم إلا برؤية تمّ كبدر التّمام، ومصباح الظّلام؛ يفرّ من ظلّه فرارا، ويريك بياض لونه وسواد منقاره شيبا ووقارا؛ ولا يداوي هموم لغبهم مثل كيّ، لأجنحته الخوافق في الخافقين نشر وطيّ، ولا تبتهج نفوسهم النّفيسة إلا بإوزّة، يزدري دلالها بالكاعب المعتزّة، ولا يطرب أسماعهم غير لغات اللّغلغة، حين تمتدّ كأنها مدامة في الزّجاجة مفرغة، ولا يؤنسهم إلا الأنيسة الأنيسة، والدّرّة النّفيسة، ولا يذهب حرجهم غير الحبرج الصّادح، المستوقف بحسنه كلّ غاد ورائح؛ تكاد قلوبهم تطير بالفرح عند رؤية النّسر الطائر، وتجبر خواطرهم بكسر ذلك الكاسر؛ إذا عاينوا عقبانا أعقبهم الفرح، ونزح عنهم التّرح، وإن كرّ كركيّ فرّ عنهم البوس، ورأوا على رأسه ذلك التّاج الذي لم يعل مثله على الرّؤوس؛ وإن عرض غرنوق غرقوا في بحار أفكارهم، وجدّوا إلى أن يقع بمجدول أوتارهم، وإن لاح ضوع كالذّهب المصوغ، ألقوه في الحبال وهو بدمه مصبوغ، وإن مرّ مرزم كالخودة الحسناء، ضربوا له الآلة الحدباء، وإن مرّ السّبيطر أجنحته كالسّحائب، جاءته المرامي من كلّ جانب، وإن عنّ عنز عمدوا إليه، حتّى يسقط في يديه؛ قد تعالوا في رتبها، وتغالوا في وصف وشيها، وجعلوا كلّ آلة

صنيعة، وربّة جمال منيعة، وبعيدة الرّمي بديعة:- من كلّ قوس هي في العين كالحاجب، أو النّون التي أجادها الكاتب؛ تدوّر الطائر عند الرّمي وتذيبه، وتئنّ أنينا أولى به من تصيبه. وبندق جبلت طينته على صوب الصّواب، يستنزل الطّير ولو استتر بذيل السحاب؛ كأنه النّجم الثّاقب، والشّهاب الصّائب؛ يرى الطّير كالسحاب الواكف، فينقضّ عليه انقضاض البرق الخاطف، ويرجع النّسر من حتفه راتعا، ويغدو بعد أن كان طائرا واقعا، ويصير بعد أن كان كاسرا مكسورا، وفي سوار القسيّ مأسورا؛ فهنالك يلفى الغالب وهو مغلوب، والطير الواجب وهو مندوب؛ فحينئذ تنشرح النفوس، وتطرب ولا طربها بالكؤوس. ولما كان بهذه المنزلة العظيمة، والمرتبة الجسيمة، تعاطته الملوك وأبناء الملوك، ونظموا عقده بحسن السّلوك «1» ، وارتاضت به النفوس الطاهرة، واعتاضت به عن الكؤوس الدّائرة، ورأت به تكميل الأدوات، وسامت به فعل الواجب وإن قيل: إنّ ذلك من الهفوات؛ فهو تعب تنشأ الراحة عنه، ولعب لم يكن شيء أشبه بالجدّ منه. فلذلك قصد الجناب الكريم، العاليّ، الصّلاحيّ، صلاح الدّنيا والدين، ونجاح الطّالبين، سليل الوزراء، ونجل الكبراء، وصدر الرؤساء، وعين العظماء، ابن المقرّ المحيويّ بن فضل الله، أدام الله تعالى علاه،

وكبت عداه، وأعلى معاليه، وشكر مساعيه، وأطال حياته، وأطاب ذاته- أن يسلك تلك المسالك، ويريض نفسه الكريمة بذلك، ويتحيّل على تحصيل اللذات بالتّحوّل، عملا بقول الشاعر: تنقّل فلذّات الهوى في التّنقّل! وعمد إلى تحصيل آلاته، سائرا كالبدر في هالاته، فسار مع سرايا كالنّجوم، يتفاكهون في الحديث بالمنثور والمنظوم، ويخلطون جدّ القول بهزله، كلّما خلط لهم طلّ الجود بوبله، وانحدروا في النّيل بجمعهم الصحيح، وقصدوا المرامي العالية ولم يقنعوا من الأيام بالرّيح، وظلّوا يسيرون في تلك المراكب، التي كأنها قطع السّحائب. هذا وهم يتشوّفون إلى المصايد، ويشرفون إلى الشّوارد، فيطلعون أحيانا إلى البرّ متفرّجين، وبطيب ذلك النسيم متأرّجين: نسيم قد سرى فيهم بنشر ... فأذكرهم بمسراه السّريّا! كرامته استقرّت حين وافى ... له نفس يعيد الميت حيّا! ويجتنون من الغصن الزّاهي قدّا، ويجتلون من الورد الزّاهر خدّا، ويتأمّلون ضحك الأرض من بكاء السماء، وشماخة القضب عند خرير الماء؛ لا تذوق أجفانهم طعم الكرى، ولا يميلون عن السّير ولا يملّون السّرى؛ ما منهم إلا من إذا رأى الطّير جائشا، عاد من وقته له حائشا؛ بينما هم يسيرون متفرّقين، حتّى إذا لاح لهم طير تداعوا إليه غير مقصّرين والتفّوا محلّقين؛ ولم يزالوا كذلك ينهمون العيش، بالدّعة والطّيش؛ حتّى إذا أقبل اليوم المبارك الثامن والعشرون من جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، وهو اليوم الذي عزم فيه الجناب الصّلاحيّ على الاصطياد، بالبنادق الحداد، فتباشرت به الطّيور، وسدّت بأجنحتها الثّغور، وسهل عندها فيه نزول الرئيس، فجادت له بالنّفيس، وخرجت من قشرها، وسمحت عند مدّ القوس بحزّ

نحرها، ورغب كلّ منها أن يكون له بذلك أوفر القسم، وترجّى أن يكون هو المكتوب له في القدم. ومدّ يده نحو السّما، فأصاب مرزما؛ فيا له من صيد فاق به على الأكابر الصّيد! ويا له من يوم صار بنحر الطّير يوم العيد!! قام فيه بواجب ما شرعه الرّماة من الشّرع، وذكّرنا بهذا الصّرع يوم ذلك الصّرع؛ فلا زال سهمه مسدّد الأغراض، وجوهره محميّا من الأعراض؛ يجري بمراده المقدور، ويطيعه في سائر الأمور. وقد نظمت مخمّسا مشتملا على ذكر طيور الواجب، وطرّزته باسمه، لأن هذه القدمة قد قدّمت له وجعلت برسمه؛ غير أني أعتذر عنها، لعدم مادّة عندي أستمدّ منها: جلّ كؤوسا عطّلت بالرّاح ... ولا تطع فيها كلام لاحي واشرب هنيئا واسقني يا صاح ... واذكر زمانا مرّ بالأفراح هبّت به فيما مضى رياحي! ... أيام كنت أصحب الأكابرا وأغتدي مع الرّماة سائرا ... ولا أزال بالغيار غائرا إذا رأيت في المياه طائرا ... نحوته من سائر النّواحي! فتارة كنت أصيد النّسرا ... وبعده العقاب يحكي الجمرا والكيّ والكركيّ صدت جهرا ... وصدت غرنوقا «1» وعنزا قهرا وكنت بالإوزّ في انشراح! ... وتارة تمّا كبدر التّمّ تتبعه أنيسة كالنّجم

ولغلغ أسود مسك الهمّ ... وحبرج عن الرّماة محمي والضّوع مع سبيطر «1» سيّاح! ... وكم وكم قد صدت يوما مرزما أنزلته بالقوس من جوّ السّما ... جناحه يحكي طرازا معلما على بياض شية شبه الدّما ... كأنّه ليل على صباح! حيث الصّبا تشفع بالقبول ... وشملنا يجمع بالشّمول في مجلس ليس به فضولي ... وجاءنا التّوقيع في الوصول: فسادكم يغفر بالصّلاح ... السّيّد الفائق في أفعاله والمزدري بالبدر في كماله ... والمشتري حسن الثّنا بماله لا أحد يحكيه في نواله: ... إلا أخوه معدن السّماح! من ساد في الدّنيا على الكتّاب ... وصان سرّ الملك في حجاب عليّ العالي على السّحاب ... الباذل المال بلا حساب! «2» زاده الله نعما، وأجرى له في النّدى يدا، وثبّت له في العلى قدما؛ بمنّه وكرمه. وهذه نسخة رسالة في صيد البندق، من إنشاء الشيخ شهاب الدّين أبي الثّناء محمود بن سلمان الحلبيّ، رحمه الله؛ وهي «3» :

الرّياضة- أطال الله بقاء الجناب الفلانيّ، وجعل حبّه كقلب «1» عدوّه واجبا، وسعده كوصف عبده للمسارّ جالبا، وللمضارّ حاجبا- تبعث النفس على مجانبة الدّعة والسّكون، وتصونها عن مشابهة الحمائم في الرّكون إلى الوكون، وتحضّها على أخذ حظّها من كلّ فنّ حسن، وتحثّها على إضافة الأدوات الكاملة إلى فصاحة اللّسن، وتأخذ بها طورا في الجدّ وطورا في اللّعب، وتصرفها من ملاذّ السّموّ في المشاقّ التي يستروح إليها التّعب؛ فتارة تحمل الأكابر والعظماء في طلب الصّيد على مواصلة السّرى، ومقاطعة الكرى، ومهاجرة الأوطار، ومهاجمة الأخطار، ومكابدة الهواجر، ومبادرة الأوابد التي لا تدرك حتى تبلغ القلوب الحناجر؛ وذلك من محاسن أوصافهم التي يذمّ المعرض عنها، وإذا كان المقصود من ميلهم جدّ الحرب فهذه صورة لعب يخرج إليها منها. وتارة يدعوهم «2» إلى البروز إلى الملق، ويحدوهم «3» في سلوك طريقها مع من هو دونهم على ملازمة الصّدق ومجانبة الملق، فيعتسفون إليها الدّجى، إذا سجى، ويقتحمون في بلوغها حرق «4» النّهار، إذا انهار، ويتنعّمون بوعثاء السّفر، في بلوغ الظّفر، ويستصغرون ركوب الخطر، في إدراك الوطر، ويؤثرون السّهر على النّوم، واللّيلة على اليوم، والبندق على السّهام، والوحدة على الالتئام. ولمّا عدنا من الصّيد الذي اتّصل به «5» حديثه، وشرح له قديم أمره وحديثه، تقنا إلى أن نشفع صيد السوانح، برمي الصّوادح، وأن نفعل في الطّير الجوانح، بأهلّة القسيّ ما تفعل الجوارح، تفضيلا لملازمة الارتحال، على الإقامة في الرّحال، وأخذا بقولهم:

لا يصلح النّفس إذ كانت مدبّرة ... إلّا التّنقّل من حال إلى حال! فبرزنا وشمس الأصيل تجود بنفسها، وتسير «1» من الأفق الغربيّ إلى موضع «2» رمسها، وتغازل عيون النّور بمقلة أرمد، وتنظر إلى صفحات الورد نظر المريض إلى وجوه العوّد، فكأنها كئيب أضحى من الفراق على فرق، أو عليل يقضي بين صحبه بقايا مدّة الرّمق؛ وقد اخضلّت عيون النّور لوداعها، وهمّ الرّوض بخلع حلّته المموّهة بذهب شعاعها: والطّلّ في أعين النّوّار تحسبه ... دمعا تحيّر لم يرقأ ولم يكف: كلؤلؤ ظلّ عطف الغصن متّشحا ... بعقده وتبدّى منه في شنف يضمّ من سندس الأوراق في صرر ... خضر ويجنى من الأزهار في صدف والشّمس في طفل الإمساء تنظر من ... طرف غدا وهو من خوف الفراق خفي كعاشق سار عن أحبابه وهفا ... به الهوى فتراآهم على شرف إلى أن نضّى المغرب عن الأفق حلي «3» قلائدها، وعوّضه عنها من النّجوم بخدمها وولائدها؛ فلبثنا بعد أداء الفرض لبث الأهلّة، ومنعنا جفوننا أن ترد النّوم إلا تحلّة؛ ونهضنا وبرد اللّيل موشّع، وعقده مرصّع؛ وإكليله مجوهر، وأديمه معنبر؛ وبدره في خدر سراره مستكنّ، وفجره في حشا مطالعه مستجنّ؛ كأن امتزاج لونه بشفق الكواكب خليطا مسك وصندل، وكأنّ ثريّاه لامتداده معلّقة بأمراس كتّان إلى صمّ جندل «4» : ولا حت نجوم اللّيل زهرا كأنّها ... عقود على خود من الزّنج تنظم محلّقة في الجوّ تحسب أنّها ... [طيور] «5» على نهر المجرّة حوّم

إذا لاح بازي الصّبح ولّت يؤمّها ... إلى الغرب خوفا منه نسر ومرزم! إلى حدائق ملتفّة، وجداول محتفّة؛ إذا خمش النّسيم غصونها اعتنقت اعتناق الأحباب، وإذا فرك مرّ المياه متونها انسابت في الجداول انسياب الحباب، ورقصت في المناهل رقص الحباب؛ وإن لثم ثغور نورها حيّته بأنفاس المعشوق، وإن أيقظ نواعس ورقها غنّته بألحان المشوق؛ فنسيمها وان، وشميمها لعرف الجنان عنوان، ووردها من سهر نرجسها غيران: وطلّها في خدود الورد منبعث ... طورا وفي طرر الرّيحان حيران! وطائرها غرد، وماؤها مطّرد؛ وغصنها تارة يعطفه النّسيم إليه فينعطف، وتارة [يعتدل] «1» تحت ورقائه فتحسب أنها همزة على ألف؛ مع ما في تلك الرياض من توافق المحاسن وتباين التّرتيب، إذ كلّما اعتلّ النّسيم صحّ الأرج وكلّما خرّ الماء شمخ القضيب: فكأنّما تلك الغصون إذا ثنت ... أعطافها ريح «2» الصّبا أحباب: فلها إذا افترقت من استعطافها ... صلح ومن سجع الحمام عتاب وكأنّها حول العيون موائسا ... شرب وهاتيك المياه شراب! فغديرها كأس وعذب نطافها ... راح وأضواء النّجوم حباب! يحيط بملق نطاقها صاف، وظلال دوحها ضاف، وحصاها لصفاء مائها في نفس الأمر راكد وفي رأي العين طاف؛ إذا دغدغها النّسيم حسبت ماءها بتمايل الظّلال فيه يتبرّج ويميل؛ وإذا طّردت عليه أنفاس الصّبا ظننت أفياء تلك الغصون تارة تتموّج وتارة تسيل: فكأنه محبّ هام بالغصون هوى فمثّلها في قلبه، وكأنّ النسيم كلف بها غار من دنوّها إليه فميلها عن قربه:

والنّور «1» مثل عرائس ... لفّت عليهنّ الملاء شمّرن فضل الأزرعن ... سوق خلاخلهنّ ماء والنّهر كالمرآة تنظر «2» ... وجهها فيه السّماء!!! وكأن صوافّ الطّيور المتّسقة «3» بتلك الأرض «4» خيام، أو ظباء بأعلى الرّقمتين قيام، أو أباريق فضّة رؤوسها لها أقدام «5» ، ومناقيرها المحمرّة أوائل ما انسكب من المدام، وكأن رقابها رماح أسنّتها من ذهب، أو شموع أسود رؤوسها ما انطفى وأحمره ما التهب؛ وكنا كالطّير الجليل عدّة، وكطراز العمر الأوّل جدّة: من كلّ أبلج كالنّسيم لطافة ... عفّ الضّمير مهذّب الأخلاق مثل البدور ملاحة، وكعمرها ... عددا، ومثل الشّمس في الإشراق! ومعهم قسيّ كالغصون في لطافتها ولينها، والأهلّة في نحافتها وتكوينها، والأزاهر في ترافتها وتلوينها؛ بطونها مدبّجة، ومتونها مدرّجة؛ كأنها كواكب الشّولة في انعطافها، أو أرواق الظّباء في التفافها؛ لأوتارها عند القوادم أوتار، ولبنادقها [في] «6» الحواصل أوكار؛ إذا انتضيت لصيد «7» ذهب من الحياة نصيبه، وإن انتضت لرمي بدا لها أنها أحقّ به ممن يصيبه؛ ولعلّ ذاك الصّوت زجر لبندقها أن يبطيء في سيره، أو يتخطّى الغرض إلى غيره، أو وحشة لمفارقة أفلاذ كبدها، أو أسف على خروج بنيها من يدها؛ على أنها طالما نبذت بنيها بالعراء، وشفعت لخصمها التّحذير بالإغراء:

مثل العقارب أذنابا معقّدة ... لمن تأمّلها أو حقّق النّظرا! إن مدّها قمر منهم وعاينه ... مسافر الطّير فيها أو نوى «1» سفرا فهو المسيء اختيارا إذ نوى سفرا ... وقد رأى طالعا في العقرب القمرا! ومن البنادق كرات متّفقة السّرد، متّحدة العكس والطّرد، كأنما خرطت من المندل الرّطب أو عجنت من العنبر الورد؛ تسري كالشّهب في الظلام، وتسبق إلى مقاتل الطّير مسدّدات السّهام: مثل النّجوم إذا ما سرن في أفق ... عن الأهلّة لكن نونها راء ما فاتها من نجوم اللّيل إن رمقت ... إلا ثبات يرى فيها وأضواء تسري ولا يشعر اللّيل البهيم بها ... كأنّها في جفون اللّيل إغفاء وتسمع الطّير إذ تهفو قوادمه ... خوافقا في الدّياجي وهي صمّاء!!! يصونها جراوة «2» كأنها درج درر، أو درج غرر، أو كمامة ثمر، أو كنانة نبل، أو غمامة وبل؛ حالكة الأديم، كأنّما رقمت بالشّفق حلّة ليلها البهيم: كأنّها في وضعها مشرق ... تنبثّ منه في الدّجى الأنجم أو ديمة قد أطلعت قوسها ... ملوّنا وانبثقت تسجم! فاتّخذ كلّ له مركزا، وتقضّى من الإصابة وعدا منجزا، وضمن له السّعد أن يصبح لمراده محرزا: كأنّهم في يمن أفعالهم ... في نظر المنصف والجاحد: قد ولدوا في طالع واحد ... وأشرقوا من مطلع واحد! فسرت علينا من الطّير عصابة، أظلّتنا من أجنحتها سحابة، من كلّ طائر

أقلع يرتاد مرتعا، فوجد ولكن مصرعا، وأسفّ يبتغي ماء جمّا فوجد ولكن السّمّ منقعا، وحلّق في الفضاء يبغي ملعبا فبات هو وأشياعه سجّدا لمحاريب القسيّ وركّعا؛ فتبرّكنا بذلك الوجه الجميل، وتداركنا أوائل ذلك القبيل. فاستقبل أوّلنا تمام بدره، وعظم في نوعه وقدره؛ كأنه برق كرع في غسق، أو صبح عطف على بقيّة الدّجى عطف النّسق؛ تحسبه في أسداف المنى غرّة نجح، وتخاله تحت أذيال الدّجى طرّة صبح؛ عليه من البياض حلّة وقار، وله كدهن «1» عنبر فوق منقار من قار؛ له عنق ظليم، والتفاتة ريم، وسرى غيم يصرّفه نسيم: كلون المشيب، وعصر الشّباب ... ووقت الوصال، ويوم الظّفر! كأنّ الدّجى غار من لونه ... فأمسك منقاره ثم فرّ! فأرسل إليه عن الهلال نجما، فسقط منه ما كبر بما صغر حجما؛ فاستبشر بنجاحه، وكبّر «2» عند صياحه، وحصّله «3» من وسط الماء بجناحه. وتلاه كيّ نقيّ اللّباس، مشتعل شيب الرّاس، كأنّه في عرانين شيبه لا وبله كبير أناس؛ إن أسفّ في طيرانه فغمام، وإن خفق بجناحه فقلع له بيد النّسيم زمام؛ ذو عيبة كالجراب، ومنقار كالحراب، ولون يغرّ في الدّجى كالنّجم ويخدع في الضّحى كالسّراب؛ ظاهر الهرم، كأنما يخبر عن عاد ويحدّث عن إرم: إن عام في زرق الغدير حسبته ... مبيضّ غيم في أديم سماء أو طار في أفق السّماء ظننته ... في الجوّ شيخا عائما في ماء متناقض الأوصاف فيه خفّة الجهّال ... تحت رزانة العلماء!

فثنى الثاني إليه عنان بندقه، وتوخّاه فيما بين رأسه وعنقه، فخّر كمارد انقضّ عليه نجم من أفقه؛ فتلقاه الكبير بالتّكبير، واختطفه قبل مصافحة الماء «1» من وجه الغدير. وقارنته إوزّة حلباء دكناء، وحلّتها حسناء «2» ؛ لها في الفضاء مجال، وعلى طيرانها خفّة ذوات التّبرّج وخفر ربّات الحجال؛ كأنّما عبّت في ذهب، أو خاضت في لهب؛ تختال في مشيتها كالكاعب، وتتأنّى في خطوها كاللّاعب، وتعطف «3» بجيدها كالظّبي الغرير، وتتدافع في سيرها مشي القطاة إلى الغدير: إذا أقبلت تمشي فخطرة كاعب ... رداح، وإن صاحت فصولة حازم «4» وإن أقلعت قالت لها الرّيح: ليت لي ... خفا ذي الخوافي أو قوى ذي القوادم فأنعم بها في البعد زاد مسافر ... وأحسن بها في القرب تحفة قادم! فلوى الثالث جيده إليها، وعطف بوجه إقباله «5» عليها، فلجّت في ترفّعها ممعنة، ثم نزلت على حكمه مذعنة؛ فأعجلها عن استكمال الهبوط، واستولى عليها بعد استمرار القنوط. وحاذتها لغلغة تحكي لون وشيها، وتصف حسن مشيها، وتربي عليها بغرّتها، وتنافسها في المحاسن كضرّتها؛ كأنها مدامة قطبت بمائها، أو غمامة شفّت عن بعض نجوم سمائها: بغرّة بيضاء ميمونة ... تشرق في اللّيل كبدر التّمام! وإن تبدّت في الضّحى خلتها ... في الحلّة الدّكناء برق الغمام!

فنهض الرابع لاستقبالها، ورماها عن فلك سعده بنجم وبالها؛ فجدّت في العلوّ مبتذّة «1» ، وتطاردت أمام بندقه ولولا طراد الصّيد لم تك لذّة؛ وانقضّ عليها من يده شهاب حتفها، وأدركها الأجل لخفّة طيرانها من خلفها، فوقعت من الأفق في كفّه، ونفر ما في بقايا صفّها عن صفّه. وأتت في إثرها أنيسة آنسة «2» ، كأنّها العذراء العانسة، أو الأدماء «3» الكانسة، عليها خفر الأبكار، وخفّة ذوات الأوكار، وحلاوة المعاني التي تجلى على الأفكار، ولها أنس الرّبيب، وإدلال الحبيب، وتلفّت الزائر المريب من خوف الرّقيب؛ ذات عنق كالإبريق، أو الغصن الوريق، قد جمع صفرة البهار إلى حمرة الشّقيق، وصدر بهيّ الملبوس، شهيّ إلى النفوس، كأنّما رقم فيه النهار باللّيل أو نقش فيه العاج بالآبنوس، وجناح ينجيها من العطب، يحكي لونها المندل الرّطب لولا أنه حطب: مدبّجة الصّدر تفويفه ... أضاف إلى اللّيل ضوء النهار لها عنق خاله من رآه ... شقائق قد سيّجت بالبهار! فوثب الخامس منها إلى الغنيمة، ونظم في سلك رميه تلك الدّرّة اليتيمة، وحصل بتحصيلها بين الرّماة على الرّتبة الجسيمة. وأتى على صوتها حبرج تسبق همّته جناحه، ويغلب خفق قوادمه صياحه؛ مدبّج المطا، كأنّما خلع حلّة منكبيه على القطا؛ ينظر من لهب، ويخطو على رجلين من ذهب: يزور الرّياض، ويجفو الحياض ... ويشبه في اللّون كدر القطا

ويغوي «1» الزّروع ويلهو بها ... ولا يرد الماء إلا خطا! فبدره السادس قبل ارتفاعه، وأعان قوسه بامتداد باعه، فخرّ على الألاء كبسطام بن قيس «2» ، وانقضّ عليه راميه [فحصّله] «3» بحذق وحمله بكيس. وتعذّر على السّابع مرامه، ونبا [به] «4» عن بلوغ الأرب مقامه؛ فصعد هو وترب له إلى جبل، وثبت في موقفه من لم يكن له بمرافقتهما قبل. فعنّ له نسر ذو قوائم «5» شداد، ومناسر حداد، كأنّه من نسور لقمان بن عاد؛ تحسبه في السماء ثالث «6» أخويه، وتخاله في الفضاء قبّته المنسوبة إليه؛ قد حلق كالفقراء رأسه، وجعل مما قصّر من الدّلوق الدّكن لباسه، واشتمل من الرّياش العسليّ إزارا، وألف العزلة فلا تجد له إلا في قنن الجبال الشّواهق مزارا؛ قد شابت نواصي اللّيل وهو لم يشب، ومضت الدّهور وهو من الحوادث في معقل أشب: مليك طيور الأرض شرقا ومغربا ... وفي الأفق الأعلى له أخوان! له حال فتّاك، وحلية ناسك ... وإسراع مقدام، وفترة وان! فدنا من مطاره، وتوخّى ببندقه عنقه فوقع في منقاره؛ فكأنّما هدّ منه

صخرا، أو هدم به بناء مشمخرّا؛ ونظر إلى رفيقه، مبشّرا له بما امتاز به عن فريقه. وإذا به قد أظلته عقاب كاسر، كأنّما أضلّت صيدا أفلت من المناسر؛ إن حطّت فسحاب انكشف، وإن أقامت فكأنّ قلوب الطّير رطبا ويابسا لدى وكرها العنّاب والحشف «1» ، بعيدة ما بين المناكب: إذا أقلعت لجّت علوّا كأنّما ... تحاول ثأرا عند بعض الكواكب «2» يرى الطّير والوحش في كفّها ... ومنقارها ذا عظام مزاله فلو أمكن الشّمس من خوفها ... إذا طلعت ما تسمّت غزاله! فوثب إليها الثامن وثبة ليث قد وثق من حركاته بنجاحها، ورماها بأوّل بندقة فما أخطأ قادمة جناحها؛ فأهوت كعود صرع، أو طود صدع؛ قد ذهب باسها، وتذهّب بدمها لباسها؛ وكذلك القدر يخادع الجوّ عن عقابه، ويستنزل الأعصم من عقابه، فحملها بجناحها المهيض، ورفعها بعد التّرفّع في أوج جوّها من الحضيض، ونزل إلى الرّفقة، جذلا بربح الصّفقة. فوجد التّاسع قد مرّ به كركيّ طويل الشّفار، سريع النّفار، شهيّ الفراق، كثير الاغتراب يشتو بمصر ويصيف بالعراق؛ لقوادمه في الجوّ حفيف، ولأديمه لون سماء طرأ عليها غيم خفيف؛ تحنّ إلى صوته الجوارح، وتعجب من قوّته الرّياح البوارح؛ له أثر حمرة في رأسه كوميض جمر تحت رماد، أو بقيّة جرح تحت ضماد، أو فصّ عقيق شفت عنه بقايا ثماد؛ ذو منقار كسنان، وعنق كعنان؛ كأنّما ينوس، على عودين من آبنوس:

إذا بدا في أفق مقلعا ... والجوّ كالماء تفاويفه: حسبته في لجّة مركبا ... رجلاه في الأفق مجاديفه! فصبر له حتّى جازه مجلّيا، وعطف عليه مصلّيا، فخرّ مضرّجا بدمه، وسقط مشرفا على عدمه؛ وطالما أفلت لدى الكواسر من أظفار المنون، وأصابه القدر بحبّة من حمإ مسنون؛ فكثر التكبير من أجله، وحمله على وجه الماء برجله «1» . وحاذاه غرنوق حكاه في زيّه وقدره، وامتاز عنه بسواد رأسه وصدره؛ له ريشتان ممدودتان من رأسه إلى خلفه، معقودتان من أذنيه مكان شنفه «2» : له من الكركيّ أوصافه ... سوى سواد الصّدر والرّاس إن شال رجلا وانبرى قائما ... ألفيته هيئة برجاس! فأصغى العاشر له منصتا، ورماه متلفّتا؛ فخرّ كأنّه صريع الألحان، أو نزيف بنت الحان؛ فأهوى إلى رجله بيده [وأيده] «3» ، وانقضّ عليه انقضاض الكاسر على صيده. وتبعه في المطار ضوع «4» ، كأنّه من النّضار مصنوع، تحسبه عاشقا قد مدّ صفحته، أو بارقا قد بثّ لفحته: طويلة رجلاه مسودّة ... كأنّما منقاره خنجر مثل عجوز رأسها أشمط ... جاءت وفي رقبتها معجر «5» !

فاستقبله الحادي عشر ووثب، ورماه حين «1» حاذاه من كثب، فسقط كفارس تقطّر عن جواده، أو وامق «2» أصيبت حبّة فؤاده؛ فحمله بساقه، وعدل به إلى رفاقه. واقترن به مرزم له في السماء سميّ «3» معروف، ذو منقار كصدغ معطوف، كأن رياشه فلق اتّصل به شفق، أو مآء صاف علق بأطرافه علق: له جسم من الثّلج ... على رجلين من نار: إذا أقلع ليلا قلت ... برق في الدّجى ساري! فانتحاه الثاني عشر ميمّما، ورماه مصمّما، فأصابه في زوره، وحصّله من فوره، وحصل له من السّرور ما خرج به عن طوره. والتحق به سبيطر، كأنه [مدية] «4» مبيطر؛ ينحطّ كالسّيل، ويكرّ على الكواسر كالخيل، ويجمع من لونيه بين ضدّين يقبل منهما بالنّهار ويدبر باللّيل؛ يتلوّى في منقاره الأيم «5» ، تلوّي التّنّين في الغيم: تراه في الجوّ ممتدّا وفي فمه ... من الأفاعي شجاع أرقم ذكر: كأنّه قوس رام عنقه يدها ... ورجله رجلها «6» والحيّة الوتر! فصوّب الثالث عشر إليه بندقه، فقطع لحيه وعنقه؛ فوقع كالصّرح الممرّد، أو الطّراف الممدّد.

واتّبعه عناز «1» أصبح في اللّون ضدّه، وفي الشّكل ندّه؛ كأنّه ليل ضمّ الصّبح إلى صدره، أو انطوى على هالة بدره: تراه في الجوّ عند الصّبح حين بدا ... مسودّ أجنحة مبيضّ حيزوم «2» : كأنّه حبشيّ «3» عام في نهر ... وضمّ في صدره طفلا من الرّوم! فنهض تمام القوم إلى التّتمّة، وأسفرت عن نجح الجماعة تلك اللّيلة المدلهمّة؛ وغدا ذلك الطّير الواجب واجبا، وكمل العدد به قبل أن تطلع الشمس عينا أو تبرز حاجبا؛ فيا لها ليلة حضرنا بها الصادح في الفضاء المتّسع، ولقيت فيها الطير ما طارت به من قبل على كلّ شمل مجتمع، وأصبحت أشلاؤها على وجه الأرض كفرائد خانها النّظام، أو شرب كأنّ رقابها من اللّين لم يخلق لهنّ عظام؛ وأصبحنا مثنين على مقامنا، منثنين بالظّفر إلى مستقرّنا ومقامنا، داعين للمولى جهدنا، مذعنين له قبلنا أوردّنا، حاملين ما صرعنا إلى بين يديه، عاملين على التّشرّف بخدمته والانتماء إليه: فأنت الذي لم يلف من لا يودّه ... ويدعى له في السّرّ أو يدّعى له: فإن كان رمي، أنت توضح طرقه ... وإن كان جيش: أنت تحمى قبيله «4» ! والله تعالى يجعل الآمال منوطة به وقد فعل، ويجعله كهفا للأولياء وقد جعل، بمنّه وكرمه. [إنما أثبتّ هذه الرسالة بكمالها لكثرة ما اشتملت عليه من الأوصاف، ولتعلق بعضها ببعض] «5» .

الفصل الرابع من الباب الأول من المقالة العاشرة (في الصدقات؛ وفيه طرفان)

الفصل الرابع من الباب الأوّل من المقالة العاشرة (في الصّدقات؛ وفيه طرفان) الطرف الأوّل (في الصّدقات الملوكيّة وما في معناها) قد جرت العادة أنه إذا تزوّج سلطان أو ولده أو بنته أو أحد من الأمراء الأكابر وأعيان الدّولة أن تكتب له خطبة صداق تكون في الطّول والقصر بحسب صاحب العقد، فتطال للملوك وتقصّر لمن دونهم بحسب الحال. وهذه نسخة صداق، كتب به للملك السّعيد بركة، ابن السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداريّ، على بنت الأمير سيف الدّين قلاوون الصالحيّ الألفيّ قبل سلطنته، بالقلعة المحروسة، من إنشاء القاضي محيي الدّين بن عبد الظاهر؛ وهي: الحمد لله موفّق الآمال لأسعد حركة، ومصدّق الفأل لمن جعل عنده أعظم بركة، ومحقّق الإقبال لمن أصبح نسيبه سلطانه وصهره ملكه، الذي جعل للأولياء من لدنه سلطانا نصيرا، وميّز أقدارهم باصطفاء تأهّله حتّى حازوا نعيما وملكا كبيرا، وأفرد فخارهم بتقريبه حتّى أفاد شمس آمالهم ضياء وزاد قمرها نورا، وشرّف به وصلتهم حتّى أصبح فضل الله عليهم بها عظيما وإنعامه كثيرا، مهيّيء أسباب التّوفيق العاجلة والآجلة، وجاعل ربوع

كلّ إملاك من الأملاك بالشّموس والبدور والأهلّة آهلة، جامع أطراف الفخار لذوي الإيثار حتّى حصلت لهم النّعمة الشاملة وحلّت عندهم البركة الكاملة. نحمده على أن أحسن عند الأولياء بالنّعمة الاستيداع، وأجمل لتأميلهم الاستطلاع، وكمّل لأخيارهم الأجناس من العزّ والأنواع، وأتى آمالهم بما لم يكن في حساب أحسابهم من الابتداء بالتّخويل والابتداع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة حسنة الأوضاع، مليّة بتشريف الألسنة وتكريم الأسماع، ونصلّي على سيدنا محمد الذي أعلى الله به الأقدار، وشرّف به الموالي والأصهار، وجعل كرمه دارّا لهم في كلّ دار، وفجره على من استطلعه من المهاجرين والأنصار مشرق الأنوار، صلّى الله عليه وعليهم صلاة زاهية الأزهار، يانعة الثّمار. وبعد، فلو كان اتصال كلّ شيء بحسب المتّصل به في تفضيله، لما استصلح البدر شيئا من المنازل لنزوله، ولا الغيث شيئا من الرّياض لهطوله، ولا الذّكر الحكيم لسانا من الألسنة لترتيله، ولا الجوهر الثمين شيئا من التّيجان لحلوله؛ لكن ليتشرّف بيت يحلّ به القمر، ونبت يزوره المطر، ولسان يتعوّذ بالآيات والسّور، ونثار يتجمّل باللآليء والدّرر؛ ولذلك تجمّلت برسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصهاره وأصحابه، وتشرّفت أنسابهم بأنسابه، وتزوّج صلّى الله عليه وسلّم منهم، وتمّت لهم مزيّة الفخار حتى رضوا عن الله ورضي عنهم. والمرتّب على هذه القاعدة الفاضلة نور يستمدّه الوجود، وتقرير أمر يقارن سعد الأخبية منه سعد السّعود، وإظهار خطبة تقول للثّريّا لانتظام عقودها: كيف، وإبراز وصلة يتجمّل بترصيع جوهرها متن السّيف الذي يغبطه على إبداع هذا الجوهر به كلّ سيف، ونسج صهارة يتمّ بها- إن شاء الله- كلّ أمر

سديد، ويتّفق بها كلّ توفيق تخلق الأيّام وهو جديد، ويختار لها أبرك طالع: وكيف لا تكون البركة في ذلك الطّالع وهو السّعيد؟. وذلك بأن المراحم الشريفة السلطانية أرادت أن تحصّن المجلس الساميّ بالإحسان المبتكر، وتفرده بالمواهب التي يرهف بها الحدّ المنتضى ويعظم الجدّ المنتظر، وأن ترفع من قدره بالصّهارة مثل ما رفعه صلّى الله عليه وسلّم من قدر صاحبيه: أبي بكر وعمر، فخطب إليه أسعد البريّة، وأمنع من تحميها السيوف المشرفيّة، وأعزّ من تسبل عليها ستور الصّون الخفيّة، وتضرب دونها خدور الجلال الرّضيّة، وتتجمّل بنعوتها العقود: وكيف لا؟ وهي الدّرّة الألفيّة؛ فقال والدها وهو الأمير المذكور: هكذا ترفع الأقدار وتزان، وكذا يكون قران السّعد وسعد القران!!!؛ وما أسعد روضا أصبحت هذه المراحم الشريفة السلطانية له خميلة!، وأشرف سيفا غدت منطقة بروج سمائها له حميلة!، وما أعظمها معجزة آتت الأولياء من لدنها سلطانا!، وزادتهم مع إيمانهم إيمانا! وما أفخرها صهارة يقول التوفيق لإبرامها: ليت!، وأشرفها عبوديّة كرّمت سلمانها بأن جعلته من أهل البيت «1» !. وإذ قد حصلت الاستخارة في رفع قدر المملوك، وخصّصته بهذه المزيّة التي تقاصرت عنها آمال أكابر الملوك؛ فالأمر لملك البسيطة في رفع درجات عبيده كيف يشاء، والتّصدّق بما يتفوّه به هذا الإنشاء؛ وهو: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب مبارك تحاسدت رماح الخطّ وأقلام الخطّ على تحريره، وتنافست مطالع النّوّار ومشارق الأنوار على نظم سطوره، فأضاء نوره

بالجلالة وأشرق، وهطل نوءه بالإحسان فأغدق، وتناسبت فيه أجناس تجنيس لفظ الفضل فقال الاعتراف: هذا ما تصدّق، وقال العرف: هذا ما أصدق مولانا السلطان: أصدقها ما ملأ خزائن الأحساب فخارا، وشجرة الأنساب ثمارا، ومشكاة الجلالة أنوارا، وأضاف إلى ذلك ما لولا أدب الشّرع لكان أقاليم ومدائن وأمصارا، فبذل لها من العين المصريّ ما هو باسم والدها قد تشرّف، وبنعوته قد تعرّف، وبين يدي هباته وصدقاته قد تصرّف. وهذه نسخة صداق المقام الشّريف العالي السّيفيّ «أنوك» ، ولد السلطان الشّهيد الملك النّاصر «محمد بن قلاوون» على بنت المقرّ المرحوم السّيفيّ «بكتمر الساقي» . وكان العاقد قاضي القضاة جلال الدّين القزوينيّ، والقابل السلطان الملك الناصر والد الزّوج؛ وهي: الحمد لله مسيّر الشّمس والقمر، وميسّر حياة كلّ شيء باتصال الرّوض بالمطر، ومبشّر المتّقين من دراريّ الذّراري بأسعد كوكب ينتظر، وأحمد عاقبة تهتزّ لها أعطاف عظماء الملوك على كبر، وتنجاب عن الأنجاب كما تتفتّح الأكمام عن الثّمر، الذي مدّ من الشّجرة المباركة الملوكيّة فروعا التفّت بعضها على بعض، ورفّت على من استظلّ بها فراقب السماء على الأرض. نحمده على نعمه التي أطابت لنا جنى الغروس، وأطالت منا منى النّفوس، وأطافت بملوكنا حتّى مدّت لسؤالهم الأيدي وخضعت لأمرهم الرّؤوس، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نتّخذها عصمة نافعة، ونعمة لحسن العاقبة جامعة، ورحمة تبارك على أئمّتنا وعلى أبنائهم البدور الطالعة، والأنوار الساطعة، والبروق اللامعة، والغيوث الهامعة، والسّيول الدّافعة، والسّيوف القاطعة، والأسود التي هي عن حرم حضرتها مانعة، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أزان من تمسك له بحسب،

وشرّف من اعتزى إليه بالقربى أو اعتزّ منه بصهر أو نسب، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذي أرضاهم ورضي عنهم، وكرّمهم بصلته الشريفة لما زوّجهم وتزوّج منهم، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فإنّ من عادة الغمام أن يتفقّد الأرض بمطره، والبحر أن يسقي الزّروع بما فاض من نهره، والمصابيح أن تمدّ بأنوارها ما يتوقّد، والسّماء أن لا يخلو أفقها من اتّصال فرقد بفرقد؛ ولو توقّفت القربى على مقاربة كبير، أو مقارنة نظير، لما صلحت الأغماد لمضاجع السّيوف ولا دنت الكواكب من الشّمس والقمر المنير، ولا صافحت يمين شمالا، ولا جاورت جنوب شمالا، ولا حوت الكنائن سهاما، ولا جمع السّلك للجواهر نظاما، ولا طمح طرف إلى غاية، ولا قدر لسان إنسان على تلاوة سورة ولا آية؛ وإنّما الصّدقات الشّريفة الملوكية لها في البرّ عوائد، وفي الخير سجايا يقتدي فيها الولد بالوالد. ولم يزل من المقام الشريف، الأعظم، العاليّ، المولويّ، السّلطانيّ، الملكيّ، النّاصريّ، أعزّ الله سلطانه على من لاذ به تسبل ذيول الفخار، وتودع في هالات أقمارهم ودائع الأنوار، وتؤهّل أهلّتهم لأن يكون منها أحد الأبوين لذرّيّته الأطهار، وتخطب من حجبهم كلّ مصونة يغور بها بدر الدّجى وتغار منها شمس النّهار. وكان من تمام النّعمة الشريفة السلطانية، النّاصريّة، على من تعرّض لسحابها الماطر، ووقف للاغتراف من بحرها الزّاخر- ما رفعت به ذكره إلى آخر الأبد، وأتمّت له السعادة إذ كان يعدّ في جدود من ينسب إليه من ولد، وأكّدت له بالقربى مزيّة مزيد، واستخرجت من بحره جوهرة لا يطمع في التّطوّق بها كلّ جيد، وقالت: نحن أحقّ بتكميل ما بيننا، وتخويل الخؤولة من أولينا، وتأهيل من قرّ بنا عينا وقرّبناه إلينا، وتفضيل غرس نعمة نحن غرسناه واجتنينا ثمراته بيدينا، فاقتضى حسن الاختيار الشريف الملكيّ

الناصريّ، لولده المقام العاليّ السّيفيّ، أحسن الله لهما الاختيار، وأجرى بإرادتهما اقتدار الأقدار- أن تزفّ أتمّ الشموس إلى ستوره الرفيعة، وتصان أكمل معاقل العقائل بحجبه المنيعة، وتحاط أشرف الدّرر في مستودعه، وتناط أشرف الدّراريّ بمطلعه، وتساق إليه الكريمة حسبا، العظيمة بأبيه- عظّم الله سلطانه- أبا، الذي كم له في خدمة الدولة القاهرة من مناقب كالنجوم، ومذاهب تشبّه بها البرق فتشبّث بأذيال الغيوم، ومراتب تقدّم فيها على كلّ نظير قال: وما منّا إلّا من له مقام معلوم؛ من قدره لا يسامى ولا يسام، ورأيه لا يرامى ولا يرام، وسيفه في غير طاعتنا الشّريفة لا يشيم ولا يشام، وهو «سيف الدولة» لا كما يسمّى به من استعار «1» هذا اللّقب في سالف الأيام؛ كم له في مراضي سلطانه من رغبة بذل بها ما لديه، وسمح فيها بولده وهو أحبّ شيء إليه، وجاد بروحه أو بما هو أعزّ عليه؛ كم نبّهت بعزائمه السّيوف من سناتها، [و] كم وهبت من مكارمه الأيام ما يعدّ من حسناتها؛ كم التهبت صوارمه نارا فجرت أنهارا فجّرت من جنباتها؛ كم لسماء الملك بشهبه من حرس، وبقضبه من قبس، وكم قام وقعد في مصلحة وكان أدناهم من ملكه مقاما لمّا قام وأعلاهم مجلسا لمّا جلس، فسمع المقام العاليّ السّيفيّ وأطاع، وانتهى إلى ما برزت به مراسم والده- أنفذها الله- وامتثل أمره المطاع، وعمل برأيه الشريف وهو ناصر السّنّة فقدّم فيها ما استطاع، وسارع إلى ما أمر الله به من الألفة والاجتماع، واتّبع السّنّة النّبويّة في تكثير الأمّة بذرّية أئمّة ملوكيّة كلّ واحد منها له الأمّة أتباع، لعلمه اليقين أنه لو خطب له والده في أقطار الأرض إلى جميع الملوك، لم يجد منهم إلا كلّ ملك عظيم وهو له عبد مملوك، فأحيى سنّة شريفة ملوكيّة ما برحت الخلفاء والملوك تحفظ بها قلوب أوليائها على أمداد المدى، ويكفي من هذا ميمون فعل «المأمون» لمّا

تزوّج «بوران» من أبيها «ابن سهل» وخطب «المعتضد» إلى «ابن طولون» ابنته «قطر النّدى» . ورأى والدها أعزّه الله تعالى قدرا هاله مهابة فسلّم وقال: للمالك التّصرّف وللملك التّصريف، وإذا اقتضى حسن النّظر الشّريف تشريف عبد فياحبّذا التّشريف، ويا حبّذا السّبب الذي اتصلت له بالمقام الشّريف الأسباب، واحتفلت ديم النّعم واحتفّت للاجتماع على سنّة وكتاب، فتحاسدت على إثباته صفر الأصائل وحمر النّعم، وتنافست على رقم سطوره صحائف السّحاب وصفيح الماء وصليل السّيف وصرير القلم، وتمنّت الكواكب لو اجتمعت مواكب في يومه المشهود، والمناقب لو أنها حوله بمقانب خافقة البنود، وودّت نسمات الأسحار لو كانت هي التي سعت بالاتّفاق، والحمائم لو أبيح لها أن تغرّد وتخلع ما في أعناقها من الأطواق، بل السّيوف لمّا رأت مقام الجلالة أغضت وغضّت الأحداق، والرّماح لمّا بدالها سرير الملك مائلا وقفت على ساق. فبرزت المراسم الشريفة- زادها الله شرفا- بتحرير هذا الكتاب الكريم، وتنضيد ما يصلح من الدّرر لهذا العقد النظيم، ونفّذ المرسوم العاليّ المولويّ السلطانيّ ما أمر به وصدّق، وتأدّب إجلالا لمقام أبيه الشريف فأطرق، وتواضع لله فلم يقل: هذا ما تصدّق، بل قال: هذا ما أصدق المقام العاليّ السّيفيّ أنوك ابن مولانا السلطان الأعظم، مالك رقاب الأمم، الملك النّاصر، السّيّد الأجلّ، العالم، العادل، الغازي، المجاهد، المؤيّد، المرابط، المثاغر، المظفّر، المنصور، الشّاهنشاه، ناصر الدنيا والدّين، سلطان الإسلام والمسلمين، محيي العدل في العالمين، منصف المظلومين من الظالمين، ملك البسيطة، ناصر السّنّة، ركن الشريعة، ظلّ الله في أرضه، القائم بسنّته وفرضه، وارث الملك، ملك العرب والعجم

والتّرك، خداوند عالم پادشاه بني آدم «1» ، بهلوان جهان «2» ، شهريار إيران «3» ، إسكندر الزّمان «4» ، مملّك أصحاب المنابر والأسرّة والتّخوت والتّيجان، فاتح الأقطار، واهب الممالك والأقاليم والأمصار، مبيد البغاة والطّغاة والكفّار، صاحب البحرين، حامي الحرمين، خادم القبلتين، كفيل العبّاد والعباد، مقيم شعائر الحجّ والجهاد، إمام المتّقين، قسيم أمير المؤمنين، أبي المعالي محمد بن السلطان الشهيد الملك المنصور، السّيّد، الأجلّ، العالم، العادل، المجاهد، المؤيّد، سيف الدّين، والد الملوك والسلاطين، أبي الفتح «قلاوون» ، خلّد الله سلطانه، ونصر جنوده وجيوشه وأعوانه-: الحجاب «5» الكريم، الرفيع، المنيع، المصون، المكنون، الجهة المكرّمة، المفخّمة، المعظّمة، بنت الجناب الكريم، العاليّ، الأميريّ، الأجليّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الزّعيميّ، المقدّميّ، الغياثيّ، الغوثيّ، الذّخريّ، الأوحديّ، الظّهيريّ، الكافليّ، السّيفيّ، ركن الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصير الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، مقدّم العساكر، عون الأمة، غياث الملّة، ممهّد الدّول،

مشيّد الممالك، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين، بكتمر الساقي الناصريّ، ضاعف الله نعمته. أصدقها ما تلقّت به أنسابها إجلالا، وبلغت به أحسابها جمالا، وطلعت في سماء الملك هلالا، ولبست فخارا، وقبست أنوارا، وأوت إلى حصن حصين، ووصلت إلى مقام أمين، [وآبت] «1» بأموال وبنين، ما لولا أدب الشّرف، وتجنّب السّرف، والعمل بالشّرع في تعيين معلوم، وتبيّن مقدار مفهوم، لخرج عن كلّ وصف محدود، وقدر معدود، ولما قام به موجود، ولكان مما تقلّ له الممالك ولا يستكثر لأجله الوجود. قدّم لها من الذّهب العين المصريّ المسكوك ما هو بنقد ممالك والده معروف، ومن حقوقه مقبوض وفي هباته مصروف، ما يحمد مآلا، وينمّى مالا، ويأتي كلّ دينار منه ووجهه بذكر الله واسم أبيه يتلالا. أصدقها على بركة الله تعالى وعونه وتوفيقه كذا وكذا، عجّل لها كذا وكذا، قبضه وكيل والدها من وكيله، قبضا تامّا كاملا، وتأخّر بعد ذلك كذا وكذا دينارا حالّا، على ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ «2» . وولي تزويجها منه على الصّداق المعيّن بإذن والدها- أعزّة الله تعالى- المقدّم ذكره:- العبد الفقير إلى الله تعالى، قاضي القضاة، حاكم الحكّام، خطيب خطباء المسلمين، جلال الدّين، خالصة أمير المؤمنين، أبو المعالي، محمد ابن قاضي القضاة سعد الدّين أبي القاسم، عبد الرحمن ابن الشّيخ الإمام العالم العلّامة إمام الدّين، أبي حفص عمر بن أحمد القزوينيّ الشافعيّ، الحاكم بالديار المصرية المحروسة وأعمالها وبلادها، وجندها

وضواحيها، وسائر الممالك المضافة إليها، بالولاية الشّرعية، أدام الله أيّامه، وأعزّ أقضيته وأحكامه، فقبل مولانا السلطان- خلّد الله ملكه- لولده المسمّى- أدام الله تعالى نعمته- ذلك منه قبولا شرعيّا، يخاطب عليه شفاها بحضور من تمّ العقد بحضوره، في دار الملك بالقصر الأبلق، بقلعة الجبل، حرسها الله تعالى، بكرة يوم السّبت حادي عشرين من صفر سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة. وهذه نسخة صداق المقرّ الشّريف إبراهيم ابن السلطان الشهيد الملك الناصر محمد بن قلاوون، من إنشاء المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله؛ وهي: الحمد لله مغني الملوك بالمظافرة، ومكثّر زينة الأسماء بنجومهم الزّاهره، ومكبّر أقدار الأولياء بما تمّت النّعمة به من شرف المصاهرة. نحمده على نعمه التي شرّفت قدرا، وصرّفت أمرا، وأطلعت من هالة البدر المنير شمسا لا تتخذ غير الأفق خدرا، ولا تتمنّى الليالي والأيام إلا أن تقلّدها من الأشعّة ياقوتا ومن الكواكب درّا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تجمع من حماة الدّين نسبا وصهرا، وترفع في أنباء الأبناء لها حسبا وذكرا، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي عصم به، وخصّ صفوة الخلق في المصاهرة باختلاط نسبهم بنسبه، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تستوثق بها الأسباب، وتستوسق الأنساب، وتبقى أنوارها بملك أبناء الملوك كلمة باقية في الأعقاب، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فلمّا جمع الله بملوك البيت الشريف المنصوريّ- كثّر الله عددهم- شتات الإسلام، ومحا ببوارق جهادهم ما امتدّ من ظلام، حتّى انتهت النّوبة إلى من أصبحت به الدولة القاهرة وكلّ أوقاتها أنوار صباح، ونوّار أقاح، وسماء سماح، وأسمى نعم لا تعدّ إلا معاقد تيجان الملوك على كلّ جبين وضّاح، المقام الشريف العاليّ المولويّ، السّلطانيّ، الملكيّ،

النّاصريّ، زاد الله شرفه، وأعلى على شرفات بروج السماء غرفه، فأحبّ- لما أجراه الله به وبمن سلف من ملوك بيته الشريف من تأييد هذه الأمّة، وتأييد ما شملها بفتوحاتهم المذهبات الفتوح من سوابغ النّعمة،- أن يعمل بقول نبيّه المشرّف بموافقه اسمه ومتابعة حكمه في التزويج، وأن تقع مواقع أمطاره على كلّ أرض حرّه فتنبت كلّ زوج بهيج. وكان من بنيه- أدام الله سعودهم- من يطيع في كلّ أمر أمره العالي أدام الله تمكينه، ولولا هذا لما رضي سوى أقران الفرسان له قرينة، وكان من نجبائهم إذا عدّت الأولاد، وأحبّائهم إذا كان كما يقال: الولد ثمرة الفؤاد؛ ومن هو لجملتهم جمال، ولدولتهم دلال، ولغابهم أسد الأشبال- من يعترف كلّ من عرفه بفضله، ويؤمّل في أبنائه ما لأبناء سميّه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم من بركة نسله. برز المرسوم الشريف العاليّ، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الناصريّ، أنفذه الله في الأقطار- بأن يتخير لمغرسه الكريم، ونسبه الصّميم، وصباحه المشرق، وسماحه المغدق، فصادف الإحسان موضعه، وانتخب له من مشرق البدر التّمام مطلعه، ومن هو من هذه الدّولة القاهرة على الحقيقة باليمين، ومن هو البحر الزّاخر ومن مكنونه يستخرج أفخر الثّمين، فبادر الخاطب إليه إلى اغتنام هذا الشّرف الذي لا يطاول، وعاجل هذه النّعمة التي لولا فضل الله وصدقات سلطانه- خلّد الله ملكه- ما كانت مما تحاول، وقال: إن رضيت تلك السّتور بهذه المخطوبة، أو أهلّت تلك السماء العلياء هذه المحجوبة، فهي لما أهلّت له في خدمة ذلك المقام الأمين، وهي كما شاء مالكها المتصدّق من ذوات العفّة وإلا فهي مما ملكت اليمين، فأتمّت الصدقة الشريفة عوارفها بما هو أشرف مقاما، وأعظم لها في رتبة الفخار فهي تسمو بهذا ولا تسامى، وشرّفته بما وصلت إليه عند المقرّ الشريف من المقام الكريم، ولم تكن إلا من ذوات العقود ولا كيد ولا كرامة لما ينجلي به اللّيل البهيم، ولا لما يتحلّى في جيد الجوزاء من عقد درّها النّظيم؛ ولولا إجلال المقام عن التطويل لما اختصر القائل فقال:

الطرف الثاني (في صدقات الرؤساء والأعيان وأولادهم)

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أصدق.. الخ........... الطرف الثاني (في صدقات الرّؤساء والأعيان وأولادهم) وهي على نحو من الصّدقات الملوكيّة في التّرتيب، إلا أنها أخصر، ومن الألقاب بحسب أحوال أصحابها من أرباب السيوف والأقلام. وهذه نسخة صداق جمال الدّين عبد الله [بن سيف الدين أبي سعيد أمير حاجب] «1» على بنت بيدمر العمريّ، من إنشاء المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله؛ وهي: الحمد لله مبلّغ كلّ آمل ما يرجوه، وراعي ذمم من لم ينسوا عهده ولم يخلفوه، ومكمّل الخير لكل ذي [.. «2» .] يصدّ من يجفوه، ومجيب كلّ منيب يدعوه قائما وقاعدا: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ «3» . نحمده حمدا نكرّر فضله ونتلوه، ونحلّ معضله ونجلوه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يتظافر عليها الآمر المسلم وبنوه، وتبيضّ بها وجوه الأودّاء، وتسودّ وجوه الأعداء، يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه، ونشهد أن سيّدنا محمدا عبده ورسوله الذي سعد به ذووه، وصعد قدر صهره وحموه، وشرّف نسبا ما التقى فيه على سفاح هو ولا أوّلوه، صلّى الله عليه

وعلى آله وصحبه صلاة لا يزال بها الرّوض الأرج يفوه، والسّحر يبلّغها ولو سكت وختم بالبرق فوه، وسلّم تسليما. وبعد، فإن أزهى زهر طاب مجتنوه، وطال باعا في الفخار مجتبوه، زهر كمامة جرت عنها لأمة كميّ، وأبرزتها سنّة الإسلام من حجاب ذي أنف حميّ، وطلعت من أفق بدريّ طالما سنح مجتلوه، وحمى سيف أمن في كلئه بكلاءته مختلوه. وكان الجناب الجماليّ عبد الله ابن المرحوم سيف الدّين أبي سعيد أمير حاجب، أدام الله تعالى علاه، ورحم أباه، هو ولد ذلك الوالد، وطارف ذلك التالد، ونشو هذه الدولة الشريفة الكاملية التي أخذ منها حظّه بالتمام والكمال، وأصبحت به كالغادة الحسناء ذات الحسن والجمال، ولم يمت أبوه في أيّام سلطانها- خلّد الله ملكه- حتّى قرّت به عينه، وساواه في الإمرة لولا تفاوت العدّة وقدم المدّة بينه وبينه، وجاء منه ولد نجيب، وابن شاع وذاع سرّ أبيه وحمد وهذا عجيب!!!. ولما انتقل والده رحمه الله تعالى إلى رحمة ربّه، وشرب بالكأس الذي لا بدّ لكلّ حيّ من شربه- تطلّب مثل ذلك الأب ولم يزل يجدّ حتّى وجد، وظفر بوالد إن لم يكن ولده حقيقة فإنه عنده مثل الولد، وهو المقرّ بيدمر، وهو الوالد الذي لم يفقد معه من والده ذرّة، والأب الذي هو أرأف من كلّ أمّ برّة، والنّيّر البدريّ الذي سعد قرانا، وصعد وداس بقدمه أقرانا، وقسّم دهره شطرين: نهاره للضّيوف قرى وليله لله قرآنا. هذا إلى أنه طالما طيّب لزكاة أمواله وثمّرها، وزيّن في أعماله بمدرسة عمّرها، وقيّد شوارد حسناته وثقّفها، مع أنه شيّد الممالك وسدّد أمورها، وسدّ ثغورها، وحمى ببيض سيوفه السّواد الأعظم، ورمى بصوائب سهامه

النّوائب ولم تستعظم، ولم تزل نوب الأيام تجرّب منه مسوريّا «1» ، وتجرّد حرّا كريما جاء في أوّل السّنة صقرا بدريّا، فكان من تمام برّه بمن سلف إجابة ولده، وإجالة الرّأي فيما يكون سببا لصيانة عزمته وذات يده، فأنعم له بعقيلته الممنّعة، وربيبته التي غدت الشمس منها سافرة مقنّعة، وقال: على الخير والخيرة، وابن أخ كريم وجدع الحلال أنف الغيرة؛ وما أسنى عقدا يكون متولّيه، ومنشئه إحسانا منه ومسنيه، مولى به نظمت عقود الّلآلي، ورقمت بعلمه أعلام الأيّام وذوائب اللّيالي، وسلّمت القضايا به إلى منفّذ أحكامها، ومنيل الفضل لحكّامها، البحر الزّاخر، والنّجم الذي كم ترك الأوّل منه للآخر، والغمام إلا أنه قضت صواعقه على الخصوم، والإمام الذي أجمعت عليه السّنّة ولم تنكر الشّيعة أنه الإمام المعصوم، والعالم الذي ما برحت بروقه تشام، وحقوقه على أهل مصر والشّام، والذي ولّى الظّلم منذ ولي، واعترف ذوو الفضل والفصل في القضاء أنّ أتقاهم تقيّ الدّين وأقضاهم: قاضي القضاة أبو الحسن ... ببقائه يجلى الحزن و [هو] «2» الذي في حكمه ... يجري على أقوى [سنن] «3» ! طود إذا وازنته ... بالطّود في حكم وزن! والبحر طيّ ردائه ... قلد «4» العقود بلا ثمن! فأضاء المحفل به وبالحاضرين، وقام شعار الدين حتّى قال القائل: هذه سيوف المجاهدين وهذا سيف المناظرين، وقيل: هذا وقت جود قد حضر، وموضع سرور ينبغي أن يعجّل منه ما ينتظر، فابتدأ السعد محياه الوسيم، وافتتح فقال:

بسم الله الرحمن الرحيم هذا........... وهذه نسخة صداق ناصر الدّين محمد بن الخطيريّ، من إنشاء المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله؛ وهي: الحمد لله الذي زاد الأصول الطّيّبة قربا، وزان الأنساب الطّاهرة بصلة تتأكّد حبّا، وصان كرائم البيوت القديمة الفخار بمن يناضل عن حسبه ذبّا، ويناظر العلياء فلم يبن إلا بين منازل النّجوم بيوتا ولم يسبل سوى السّمر سمر القنا حجبا. نحمده حمد من دعاه قبل بثّ النّسم فلبّى، واستدعاه لأخذ العهد عليه أمام تفريق القسم فما تأبّى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تستنطق ألسنة وتشكر قلبا، وتستغدق أنواء السّرور فتضيء البشائر بروقا وتمطر الرّحمة سحبا، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي قام في تكثير الأمّة حتى زاد عددها على مواقع القطر وأربى، وقال مما أمر به: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى «1» صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وعلى أقربائه صلاة تضمّ آلا وصحبا، ما سارت الشّهب تقطع الآفاق شرقا وغربا، وسلّم تسليما. وبعد، فإنّ أولى ما اشتبك وشيجه، واشتبه في منابت الأيك بهيجه، وانتبه في أرائك الخمائل أريجه، وانتدب لإتيانه الأفق وظهر عليه من ذهب العشاء تمويهه ومن لمع الصّباح تدبيجه- ما اتّبعت فيه الشريعة المطهّرة حيث لا تختلف الأئمّة، والسّنة النبويّة على من سنّها أفضل الصلاة والسّلام فيما تأتلف به البعداء وتكثر لمباهاته الأمم يوم القيامة هذه الأمّة، وتدنو به الأجانب بعضهم من بعض ويجعل بينهم مودّة ورحمة، وتعدّ به أياد جمّة لا

تحصر ويخلّد به في العاقبة شرف الذّكر ويتعجّل به شرف النّعمة؛ وهو النّكاح الذي تشتدّ به الأواصر، وتعتدّ به الموارد لتمثيل أكثر الصّور من أزكى العناصر، وتمتدّ به همم الأبطال لما يستخرجه بحفدة أبنائه من أتمّ قوّة وناصر. وأكمله ما تماثلت في أشرف البيوت العريقة وجوه فخاره، وتقابلت في مطالع السّعود- حيث البدر المنير والشّرف الخطير- مشارق شمومه ومطالع أقماره. وكان الأبوان في أهل الفخار من جرثومة بسقا، وأرومة تفرّقت فروعها ثم تلاقى منها غصنان واعتنقا، من بيت ما حجبه إلا مواضي الصّفاح، ولا شهبه إلا طلائع الأسنّة في رؤوس الرّماح، ولا سحبه إلا ما يفيض على جنباته من النّفوس أو يفيض من السّماح، ولا سجفه إلا المناقب لولا أن الثّريّا جاذبت ما يعرض في السماء أثناء الوشاح؛ وكان هو الرّاغب إلى عمّه، الخاطب إليه ما لم يكن يخبأ إلا لقسمه، الطّامح بنظره إلى عقيلة الفخار في غرفها، الطّامع بخطبة الشّمس شمس النّهار إلا أنها في بيت شرفها، المتوقّع من كرم عمّه الإجابة التي لحظها بأمله، وتولية يد كريمة لا يعتدل الزمان إلا إذا حملت شمسها في بيت حمله، توقّعا لنسل لا يزال به شرف هذا البيت الكريم موجودا، ونسب إذا عدّ ولد منه الآباء عدّ جدّين سعيدين هذا مسعودا وهذا محمودا، فتلقى قصده بإكرام بوّأه أكناف الشّرف، وأوطأه فرش الكرامة ممتّعا بنعيم التّرف، ابتداعا للكرم المألوف، واتّباعا للسّنّة الشّريفة إذ كان الأقربون أولى بالمعروف. فتباريا جودا سارع كلّ منهما في أداء حقّه إلى الواجب، وتجاريا إليه ليلحقا شأو أبويهما وكلّ منهما يعلم أنه العين والعين لا ترتفع على الحاجب؛ وأتمّ الجناب الشّرفيّ محمود- أدام الله نعمته بحسن إجابته، ويمن رغبته في أهل عصبته، وأهّل جنوده إلى أن ساروا إلى الهيجاء تحت عصابته- بأن فوّض هذا الأمر إلى أخيه الكبير والد الخاطب، وسكت وقال: هو في التّصرف وعنّي المخاطب، وله الأمر ولولا الشّرف بنسبة الأخوّة إليه لما قلنا:

إلا أنّنا ملك يده، وإذا كان العمّ صنو الأب فأيّ فرق بين ولدي وولده؟، ولئن اختصّ في نسبة هذه الزّوجة في يومه هذا فإنّ أولادها لا تعرف إلّا به في غده؛ فكمل هذا العقد، وأشرق به السّعد الطالع أضوأ ممّا قدّم وأخّر من النّقد، وكان من تمام التّكريم، أن قال قائله: بسم الله الرحمن الرحيم......... وهذه نسخة صداق القاضي تقيّ الدّين؛ وهي: الحمد لله الذي رفع إلى المنازل العليّة من كان تقيّا، وجمع شمل من لم يبرح لسنن السّنن تابعا وبها حفيّا، وخلع أثواب الثّواب على من سرّح طرف طرفه في روض التّأهّل وجعله وضيّا. نحمده على نعمه التي من هزّ جذع نخلها تساقط عليه رطبا جنيّا، ونشكره على فضله الذي كم أجرى لقاصده من بحره المعروف سريّا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تمنح قائلها في غرف الجنّة مكانا عليّا، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي آتاه الله الكتاب وجعله نبيّا، الآمر بالنّكاح ليكاثر بهم الأمم يوم يقرّبه الله نجيّا، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كان يحلّ منهم في حالتي الكرم والكرامات وليّا، ما أطلع التوفيق في آفاق الاتّصال من الأنساب الكريمة كوكبا درّيّا؛ وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن أولى السّنن بالاتباع سنّة النّكاح، التي أخفى نور مصباحها شمس الصّباح، وخفقت على معالمها أعلام النّجاة والنّجاح، وحمد المسير إلى ربوعها الآهلة بأهلّة العصمة في الغدوّ والرّواح؛ يا لها سنّة سنّة وجهها جميلة، وأصابع نيل نيلها بل أياديه جزيلة، بها تحمى أشجار النّسب ويطيب جناها، وتبلغ النفوس من الصّيانة أقصى مناها، ويظفر أولو الرّغبة فيما أحلّ الله بمطلوبهم، وتؤلّف بين من لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين

قلوبهم؛ وهي الوسيلة التي تكثّر سواد هذه الأمّة، والذّريعة إلى [بقاء] «1» النّوع الذي أظهر الله في سماء التّكريم نجمه، وإليها الإشارة في قوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً «2» . ولما كان كذلك رغب في اقتناء آثارها، واهتدى بالضّوء اللّامع من أقمارها، من يتشرف المكان بذكر وصفه، ويتعطر ما انتشر في طيبه من طيب عرفه، ماجد عمر البلاد السّاحليّة بدوام ديمه، وجواد ما جاوره البحر إلا ليقتبس من كرمه، ورئيس امتطى ذروة العلياء بحسن السّلوك، وأريحيّ لو لم يكن صدرا لما أودع سرّ الملوك، إن تكلّم أبرز لك الجوهر المصون، وإن كتب ضحكت لبكاء قلمه ثغور الثّغور والحصون؛ لله نسبه المشهور بين الأكابر الأعيان، وبيته المعمور بالعين المرفوع خبرها إلى فتيان «3» ، فخطب من علا قدرها، واشتهر بالحسن الجميل ذكرها، وجلّت عن أن ترى العيون لها في الصّون شبيها، وعمّت البقاع سحب بركة أبيها؛ أكرم به عالما عاملا، وإماما لم يزل يبدي فضلا ويسدي نائلا؛ كم له من آثار مشهورة، ومناقب مأثورة، وصدقات مبرورة، ومواطن بذكر الله معمورة. فقوبل بالبشر قول رسوله، وردّ رائده مخبرا ببلوغ سوله، وقيل له بلسان الحال: هذا ما كانت تنتظر الآمال؛ يا له عقدا غلت جواهر عقوده، وأنارت في آفاق الاتّفاق أنجم سعوده، وتمايلت قدود أغصان الأفراح،

وزهت مجالس السّرور بالانشراح، وهبّت قبول الإقبال، وقام القلم خطيبا على منبر الطّرس فقال: هذا ما أصدق......... وهذه نسخة صداق من إنشاء الشيخ صلاح الدين الصّفديّ، للقاضي بدر الدين خطيب بيت الآثار، على بنت شمس الدّين الخطيب من بيت الآثار، تسمّى سولي، في مستهل جمادى الآخرة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، في مجلس مولانا قاضي القضاة تقيّ الدين السّبكيّ الشافعيّ، أدام الله أيّامه؛ وهي: الحمد لله الذي زيّن سماء المعالي ببدرها، وأنبت في رياض السّعادة يانع زهرها، وألهم ذوي الهمم أن يبذلوا في الكرائم غوالي مهرها. نحمده على نعمه التي جلّلت ما ضفا من لباسها، وسوّغت ما صفا من رضاب كاسها، وخصّنا بما عمّت به من أنواع أجناسها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أعلمنا في الإيمان نصّها بالأداء، وبنى اسمها على الفتح كما فتح المضاف في النّداء، ورفع خبرها: إمّا على رأي الرّواة للشّهرة وإما على رأي النّحاة بالابتداء، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي شرع النّكاح لهذه الأمّة، ومنع السّفاح فلم يكن أمرنا علينا غمّة، ونهج الصّواب فما ظنّك بالصّباح إذا ابتلج عقيب اللّيلة المدلهمّة، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين تلقّوا أوامره بالطاعة، واجتنبوا نواهيه حتّى بلغوا جهد الاستطاعة، وفهموا مراده بمكاثرة الأمم فكان البضاع «1» عندهم خير بضاعة، صلاة رضوانها يضيء إضاءة الكواكب في أبراجها، وغفرانها يكاثر البحار في

أعداد موجها، ما اتّصل سبب بالنكاح، وانفصل نسب بالسّفاح، وسلّم تسليما كثيرا إلى يوم الدّين. وبعد، فإن النّكاح من محاسن هذا الدين القيّم، وفضائل هذا الشّرع الذي لا زال شرفه بدرا بين مشرقات النّجوم وهو مخيّم؛ به يحفظ النّسب الشّرود، ويرعى عهد القرينة الولود الودود. وكان فلان ممن أشبه أباه، وأبين ما أودعه من نفائس العلوم وحباه؛ تصدّر في المجالس، ودرّس في المدارس، وأورد ما عنده من النّفائس؛ كيف لا؟ وهو سبط شيخ الإسلام وإمام المسلمين، وقاضي قضاة الشّافعيّة وأوحد المجتهدين؛ وقد أراد الآن إحصان فرجه، وأن تنزل الزّهرة مع بدره في برجه. فلذلك رغب المجلس العالي (المسمّى) وخطب الجهة «1» المصونة المحجّبة، النّقيّة، التّقية، العفيفة، الخاتون «2» غصن الإسلام، شرف

الخواتين، جمال ذوات السّتور، قرّة عين الملوك والسلاطين، السّيّدة «سولي» بنت فلان، صان الله حجابها- فأكرم موارد قصده، وحباه أنفس درّة في عقده. فلذلك قام خطيب هذا الحفل الكريم، والنّجم الذي لم يزل نجمه بالطّالع المستقيم، وقال: بسم الله الرحمن الرحيم............ قلت: وهذه نسخة صداق زين الدّين صدقة السّيفيّ أزدمر، على بنت أمير المؤمنين «المتوكّل على الله» ، أنشأته له في خلافة أخيها المستعين بالله العبّاسيّ؛ وهي: الحمد لله مستخرج الدّوحة الهاشميّة من أطيب العناصر، ومفرّع النّبعة العبّاسيّة من أكرم صنو انعقدت على فضله الخناصر، ومخصّص بيت الخلافة منها بأعزّ جانب ذلّت لعزّه عظماء الملوك ما بين متقدّم ومعاصر. نحمده على أن صان عقائل الخلفاء بمعاقل الحسب، وحصر كفاءتها في العلم والدّين حيث لم يكافآ بحرفة ولا نسب، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي سنّ النّكاح وشرعه، وأرغم بالحلّ أنف الغيرة لدى الإباء وقمعه، شهادة يستنشق من ريّا عبيرها كلّ شذى أريج، وتجتنى ثمار ينعها بشريف النّتاج من كلّ زوج بهيج، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل نبيّ وفر في الفضل سهمه حتى لم يساهم، وأكرم رسول رخّص في تزويج بناته من صحابه وإلا فأين كفء رسول الله من العالم؟، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين شرّفهم بقربه، وقرن الصّهر بالنّسب فيهم فخصّ مصاهرته أخصّهم به، صلاة تصل سبب قائلها بسببه، وتجعل الفخار بها كلمة باقية في عقبه، وسلّم تسليما كثيرا.

وبعد، فإنّ أولى ما أطال فيه المطيل، وشحذ في وصفه الذّهن الكليل، ورقمت محاسن ذكره على صفحة النّهار بذائب ذهب الأصيل- ما تواصلت به الأنساب، وتوصّل بواسطته في دراريّ الذّراري إلى شرف الأحساب، وتوفّرت عليه الدّواعي فاشتدّت به الأواصر، وحسنت في طريق قصده المساعي فتأكّدت به المودّة في البواطن والظواهر، وهو النّكاح الذي ندب الله تعالى إلى معاطاته، وحضّ على التّحلّي بحليه حتى ألحقه بالعبادة في بعض حالاته، طلبا للتّحصين الكافل بسلوك نهج الاستقامة، ورغبة في تكثير النّسل الواقع [به] مكاثرة الأمم يوم القيامة. هذا وكرائم بيت الخلافة، وربائب محتد المجد والإنافة، في حيّز لو طلب مناو مكافأتها لطلب معوزا، أو رام مقاوم مضاهاتها في علوّ الرّتبة لرام معجزا، لما اختصّت به من السّيادة التي لا يرقى إلى منزلتها، والمعالي التي لا تسمو النّفوس وإن شمخت إلى رتبتها، إذ كان النّظير لشرف أرومتها ممتنعا، والنّقيض بما ثبت من طيب جرثومتها مرتفعا؛ فبرق معاليها في التّطاول لا يشام، وجوهر فخارها في المآثر لا يسامى ولا يسام؛ فعزّ بذلك في الوجود مكافيها، وامتنع- خوف الهجوم بالاختطاب- موافيها؛ إلا أن المواقف الشريفة المقدّسة المتوكّلة- زاد الله تعالى في شرفها، وأدام رعايتها بحلّة الملوك وحمايتها وكنفها- مع ما انفردت به من العزّ الشّامخ الذي لا يساوى، والشّرف الباذخ الذي لا يناوى، قد رغب تفضّلها في أهل الفضل فمال إليهم، واختصّ باقباله أهل الدّين فأقبل بكلّيته عليهم، محلّا لهم من شريف مقامه العليّ محلّ الاصطفاء، ومقدّما لهم في المصاهرة على أبناء الملوك والخلفاء، فوافق في الفضل «شنّ طبقة» ، وحاول سارّة النّعم منها خير خاطب فتلقّى بقبول: إنّ الله تصدّق عليكم بصدقة، فعند ذلك ابتدر القلم منبر الطّرس فخطب، وخطب بالمحامد لسانه اللّسن فكتب: هذا ما أصدق العبد الفقير إلى الله تعالى، الجناب العاليّ، الأميريّ، الكبيريّ، الشّيخيّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، العابديّ، الخاشعيّ، النّاسكيّ،

البليغيّ، المفوّهيّ، الصّدريّ، الرئيسيّ، الأصيليّ، العريقيّ، الزّينيّ، أبو المعالي صدقة- الجهة الشّريفة العالية، الكبرى، المعظمة المحجّبة، المصونة، سليلة الخلافة، فرع الشجرة الزّكيّة، جليلة المصونات، جميلة المحجّبات، سارّة، البكر البالغ، ابنة سيّدنا ومولانا المقام الأشرف، المقدّس، العاليّ، المولويّ، السّيّديّ، الإماميّ، النّبويّ، المتوكّل على الله «أبي عبد الله محمد» أمير المؤمنين، ابن المقام الأشرف العاليّ، المولويّ، الإماميّ، المعتضد بالله «أبي الفتح أبي بكر» ابن الإمام المستكفي بالله «أبي الرّبيع سليمان» ابن الإمام الحاكم بأمر الله «أبي العباس أحمد» لا زال شرفه باذخا، وعرنينه «1» الشّريف شامخا، وذكر مناقبه العليّة لكلّ منقبة ناسخا- صداقا جملته كذا وكذا، زوّجها منه بذلك فلان، وقبله فلان، وتمّ على بركة الله تعالى وحسن توفيقه، كاملة شروطه ولوازمه، مباركة عوذه وتمائمه، ميمونة فواتحه وخواتمه، مفتتحة بطيب العيش أزاهره مفترّة عن [نوره] «2» إن شاء الله تعالى كمائمه.

الفصل الخامس من الباب الأول من المقالة العاشرة (فيما يكتب عن العلماء وأهل الأدب مما جرت العادة بمراعاة النثر المسجوع فيه، ومحاولة الفصاحة والبلاغة؛ وفيه طرفان)

الفصل الخامس من الباب الأوّل من المقالة العاشرة (فيما يكتب عن العلماء وأهل الأدب مما جرت العادة بمراعاة النّثر المسجوع فيه، ومحاولة الفصاحة والبلاغة؛ وفيه طرفان) الطرف الأوّل (فيما يكتب عن العلماء وأهل الأدب؛ ثم هو على صنفين) الصنف الأوّل (الإجازات بالفتيا والتّدريس والرّواية وعراضات الكتب ونحوها) أما الإجازة بالفتيا، فقد جرت العادة أنه إذا تأهّل بعض أهل العلم للفتيا والتّدريس- أن يأذن له شيخه في أن يفتي ويدرّس، ويكتب له بذلك. وجرت العادة أن يكون ما يكتب في الغالب في قطع عريض، إما في فرخة الشّاميّ أو نحوها من البلديّ، وتكون الكتابة بقلم الرّقاع أسطرا متوالية، بين كلّ سطرين نحو أصبع عريض. وهذه نسخة إجازة بالفتيا والتّدريس على مذهب الإمام الشافعيّ رضي الله عنه وأرضاه، كتبت لي حين أجازني شيخنا العلّامة سراج الدّين أبو حفص عمر بن أبي الحسن الشهير بابن الملقّن «1» ، سقى الله تعالى عهده،

عند قدومه ثغر الإسكندرية، وأنا مقيم به في شهور سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، وكتب لي بذلك القاضي تاج الدّين بن غنوم موقّع الحكم العزيز بالإسكندرية في درج ورق شاميّ في قطع الشاميّ الكامل، وسنّي يومئذ إحدى وعشرون سنة، فضلا من الله ونعمة. ونسختها بعد البسملة الشريفة: الحمد لله الذي رفع للعلماء مقدارا، وأجزل نعمه عليهم إذ أعلى لهم منارا، ووفّق بسواء الطّريق من اقتدى بهم إيرادا وإصدارا؛ أشرعت هممهم العليّة في حلبة السّباق فهي لا تجارى، وتحلّوا بالمفاخر جهرا وقد عجز غيرهم أن يتحلّى بها إسرارا؛ أبرز بهم في هالات المفاخر أقمارا، وأزال بضياء علومهم ريب الشّكّ حتّى عاد ليل الجهالة نهارا؛ جعلهم لدينه أنصارا، وصيّرهم نخبة أصفيائه إذ أودعهم من المعارف أسرارا، واختصّهم بكونهم ورثة أنبيائه: وناهيك بها فخارا. أحمده حمد من هدي إلى الحقّ فجعله شعارا، واستضاء بنور الهدى فلجأ إلى مولاه في حالتي سرّه وجهره افتقارا، وعجز عن شكر ما أسدى إليه من النّعم لمّا توالى عليه وبلها مدرارا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تصديقا وإقرارا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله والأصنام قد عبدت جهارا، والكفّار قد أعرضوا عن الحقّ استكبارا، فقام بأمر الله انتصارا، وقهر من أعرض عن الله اغترارا، وأخمد بضياء نوره الباطل وأهدره إهدارا، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تزيدنا في ديننا استبصارا، وتحطّ عنّا من ثقل الذّنوب أوزارا، وتبوّؤنا إن شاء الله تعالى في دار الخلود قرارا. أما بعد، فقد وضح لذوي الأبصار والبصائر، واتّضح عند ذوي

الأسرار والسّرائر، واستقرّ عند ذوي القلوب السّليمة، والعقول الرّاجحة المستقيمة، أنّ منزلة علم الشّريعة عند الله تعالى أعلى المنازل، وفضله أفضل المآثر وآثر الفضائل، وخصوصا معرفة تفاصيل أحكام أفعال المكلّفين بالشّريعة المحمّديّة، التي من علمها وعمل بها وعلّمها فقد سعد السّعادة الأبدية؛ إذ هي الشريعة الجامعة لمصالح الدّنيا والآخرة، النّاسخة لما خالفها من الشّرائع الغابرة، الباقية إلى أن يأتي وعيد الله وكلّ شريعة سواها داثرة؛ فقد أعظم الله تعالى على من حفظها على عباده المنّة، إذ جعله وقاية لهم من مهالك الجهل وجنّة، ووعده أن ينزل في أعلى منازل الجنّة، لما شهدت به نصوص الكتاب والسّنّة؛ قال الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً «1» ، فنبّهه على أنّ العلم أقوى أسباب العبادة، إذ خصّه به وحضّه على أن يطلب منه الزّيادة، وقال تعالى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ «2» ، فثنّى بذكرهم بعده، لكونهم أفضل الخلائق عنده، وقال تبارك وتعالى اسمه، وتقدّس علمه: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ «3» ؛ فأوضح بذلك أنّ أولياءه من خلقه العلماء؛ إذ وصفهم وخصّهم بأنهم الخائفون منه الأتقياء. وقال عليه السّلام: «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين» ، وقال أيضا: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له طريقا إلى الجنّة» ، وقال أيضا: «ألا إنّ الدّنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله تعالى وما والاه، وعالم ومتعلّم» . ولما كان فلان- أدام الله تعالى تسديده وتوفيقه، ويسّر إلى الخيرات طريقه- ممّن شبّ ونشأ في طلب العلم والفضيلة، وتخلّق بالأخلاق المرضيّة الجميلة الجليلة، وصحب السّادة من المشايخ والفقهاء، والقادة من الأكابر

والفضلاء، واشتغل عليهم بالعلم الشريف اشتغالا يرضي، وإلى نيل السعادة- إن شاء الله تعالى- يفضي- استخار الله تعالى سيّدنا وشيخنا وبركتنا العبد الفقير إلى الله تعالى، الشيخ الإمام العلّامة، الحبر الفهّامة، فريد دهره، ونسيج وحده، جمال العلماء، أوحد الفضلاء، عمدة الفقهاء والصّلحاء، سراج الدّين، مفتي الإسلام والمسلمين، أبو حفص عمر ابن سيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى، الشيخ الإمام العالم، العامل، الأوحد، الكامل، القدوة، المرحوم نور الدين أبي الحسن عليّ، ابن سيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى، الشيخ الصالح، الزاهد، العابد، الخاشع، الناسك، القدوة، المرحوم شهاب الدّين بركة الصالحين، أبي العبّاس أحمد، ابن سيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى، الشيخ الصالح، القدوة العارف، المرحوم، شمس الدّين، أبي عبد الله محمد الأنصاريّ الشافعيّ، أدام الله تعالى النّفع به وببركته، وأشركنا والمسلمين في صالح أدعيته، بمحمد وآله وصحبه وعترته. وأذن وأجاز لفلان المسمّى فيه، أدام الله تعالى معاليه، أن يدرّس مذهب الإمام المجتهد المطلق العالم الرّبّاني، أبي عبد الله محمد بن إدريس المطّلبيّ، الشافعيّ، رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنّة متقلّبه ومثواه، وأن يقرأ ما شاء من الكتب المصنّفة فيه، وأن يفيد ذلك لطالبيه، حيث حلّ وأقام، كيف ما شاء متى شاء وأين شاء، وأن يفتي من قصد استفتاءه خطّا ولفظا، على مقتضى مذهبه الشريف المشار إليه: لعلمه بديانته وأمانته، ومعرفته ودرايته، وأهليّته لذلك وكفايته. فليتلقّ أيده الله تعالى هذه الحلّة الشريفة، وليترقّ بفضل الله تعالى ذروة هذه المرتبة المنيفة، وليعلم قدر ما أنعم الله تعالى عليه، وأسدى من الإحسان الوافر إليه، وليراقبه مراقبة من يعلم اطّلاعه على خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وليعامله معاملة من يتحقّق أنه يعلم ما يخفيه العبد وما يبديه في الورود والصّدور، ولا يستنكف أن يقول فيما لا يعلم: لا أعلم: فذاك

قول سعد قائله. وقد جاء: «جنّة العالم «لا أدري» فإن أخطأها أصيبت مقاتله» ؛ فالله تعالى يرزقنا وإياه التّوفيق والتحقيق، ويسلك بنا وبه أقرب طريق، ويهدينا إلى سواء السبيل، فهو حسبنا ونعم الوكيل. وكتب في تاريخ كذا. وكتب شيخنا الشيخ سراج الدين المشار إليه تحت ذلك بعد حمد الله تعالى ما صورته: «ما نسب إليّ في هذه الإجازة المباركة من الإذن لفلان- أدام الله تعالى النّفع به، وأجرى كلّ خير بسببه، بتدريس مذهب الإمام المطّلبيّ، محمد بن إدريس الشافعيّ، قدّس الله روحه، ونوّر ضريحه، والإفتاء به لفظا وخطّا- صحيح. فإنه ممن فاق أقران عصره بذكائه، وبرع عليهم بالاستحضار وتحرير المنقول ووفائه. وقد اعتنى وفّقه الله تعالى وإيّاي من جملة محفوظاته ب «مختصر الجوامع» لشيخنا العلّامة كمال الدّين النشائيّ، تغمده الله تعالى بغفرانه، فاستحضر بحضرتي مواضع منه جمّة، وأزال ببديع فصاحته جملة مدلهمّة، وأظهر من مشكلاته ما يعجز عنه اللبيب، ومن أغاريبه ما يقف عنده البارع الأريب. فليتّق الله حينئذ فيما يبديه، وليتحرّ الصواب في لفظه وخطّه وليراقب الله فيه؛ فإنه موقّع عن الله تعالى فليحذر الزّلل، ومحاولة الخطإ والخطل، ويستحضر ما اشتملت عليه من الجلالة، فإن الله تعالى تولّاها بنفسه حيث قال: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ «1» . وأجزت له مع ذلك أن يروي عنّي مالي من التآليف، ومنها «جامع الجوامع» أعان الله على إكماله، وكذا شرح «صحيح الإمام أبي عبد الله

محمد بن إسماعيل البخاريّ» ، ومنها «البدر المنير، في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشّرح الكبير» للإمام أبي القاسم الرّافعيّ، وبه تكمل معرفة الفقيه ويصير محدّثا فقيها. وأجزت له مع ذلك ما جاز لي وعنّي روايته بشرطه عند أهله، زاده الله وإيّاي من فضله؛ ومنها الكتب الستة: «البخاريّ» و «مسلم» و «أبو داود» و «التّرمذيّ» و «النّسائيّ» و «ابن ماجه» ، والمسانيد: «مسند أحمد» و «مسند الشافعي» وغير ذلك. وكان ذلك في تاريخ كذا. وكتب عمر بن عليّ بن أحمد الأنصاريّ الشّافعيّ، غفر الله لهم: حامدا ومصلّيا ومسلّما وأشهد عليه جماعة من أهل العلم بآخره» . قلت: وتكون ألقاب المجاز على قدر رتبته، مثل أن يكتب له: «الفقير إلى الله تعالى، الشيخ، الإمام، العالم العامل، الأوحد، الفاضل، المفيد، البارع، علم المفيدين، رحلة القاصدين، فلان الدين، أبو فلان فلان بن فلان» (بحسب رتب آبائه) . وإنما أهملت ذكر الألقاب في هذه الإجازة، من حيث إنه لا يليق بأحد أن يذكر ألقاب نفسه في مصنّف له، لأنه يصير كأنّه أثنى على نفسه. وأمّا الإجازة بعراضة الكتب، فقد جرت العادة أن بعض الطّلبة إذا حفظ كتابا في الفقه، أو أصول الفقه، أو النّحو، أو غير ذلك من الفنون، يعرضه على مشايخ العصر، فيقطع الشيخ المعروض عليه ذلك الكتاب، ويفتح منه أبوابا ومواضع، يستقرئه إيّاها من أيّ مكان اتّفق، فإن مضى فيها من غير توقّف ولا تلعثم، استدلّ بحفظه تلك المواضع على حفظه لجميع الكتاب، وكتب له بذلك كلّ من عرض عليه، في ورق مربّع صغير، يأتي كلّ منهم بقدر ما عنده من الملكة في الإنشاء، وما يناسب ذلك المقام من براعة الاستهلال ونحوها: فمن عال، ومن هابط. وربّما خفّف بعضهم فكتب:

«وكذلك عرض عليّ فلان» ، أو: «عرض عليّ وكتبه فلان» : إما رياسة وتأبّيا عن شغل فكره وكدّ نفسه فيما يكتبه، وإما عجزا عن مضاهاة من يكتب معه. وقد اخترت أن أضع في هذا المحلّ ما وافق الصنعة، وجرى على أسلوب البلاغة. فمن ذلك ما كتب به الشيخ الإمام العلّامة، لسان العرب، وحجّة الأدب، بدر الدين محمد بن أبي بكر المخزوميّ المالكيّ «1» للنّجل النبيل الذي تنتهي الألقاب ولا نهاية لمناقبه، شهاب الدّين أبي العباس أحمد ابن سيدنا الفقير إلى الله تعالى، ذي الأوصاف التي تكلّ شبا الألسن عن حدّها، شمس الدّين أبي عبد الله محمد العمريّ الشافعي، حين عرض عليه «عمدة الأحكام» «2» للحافظ عبد الغنيّ، و «شذور الذّهب» للشيخ جمال الدّين بن هشام، في رمضان سنة سبع عشرة وثمانمائة؛ وهو: أما بعد حمد الله على كرمه الذي هو عمدتنا في النّجاة يوم العرض وناهيك بها عمدة، وسندنا الذي لا يزال لسان الذّوق يروي حديث حلاوته عن «صفوان بن عسّال» من طريق «شهدة» «3» والصلاة والسّلام على سيدنا محمد الذي أحيا بروح سنّته الشريفة كلّ من جاء ومن ذهب، وأعربت كلماته النّفيسة عن عقود الجوهر و «شذور الذّهب» وعلى آله وصحبه الذين

أحسنوا الرواية والدّراية، وبنوا الأمر على أساس التقوى وأعربوا عن طرق الهداية، ما انهلّ من أفق الكرم المحمديّ كلّ عارض صيّب، وتحلّت الاسماع والأفواه من أخباره بنفائس الشّذور البديعة وحلاوة الكلم الطّيّب- فقد عرض عليّ الجناب العاليّ البارعيّ، الأوحديّ، الألمعيّ، اللّوذعيّ، الشّهابيّ، شهاب الدين، نخبة النّجباء، أوحد الألبّاء، نجل السّادة العظماء، سلالة الأعيان العلماء، أبو العبّاس أحمد ابن سيدنا المقرّ الكريم العاليّ، المولويّ، العالميّ، الفاضليّ، البليغيّ، المفيديّ، الفريديّ، المفوّهيّ، الشّمسيّ، العمريّ، أطاب الله حديثه، وجمع له بالإعراب عن علوّ الهمّة قديم الفضل وحديثه- طائفة متفرّقة من «عمدة الأحكام» للحافظ عبد الغنيّ المقدسيّ، و «شذور الذّهب» للعلامة جمال الدّين بن هشام رحمة الله عليهما- عرضا قصرت دونه القرائح على طول جهدها، وكانت الألفاظ الموردة فيه لأمة حرب الفئة الباغية عليه فأحسن عند العرض في سردها، وزيّن- أبقاه الله- تلك الأماكن بطيّب لحنه وإعراب لفظه، وآذن امتحانه فيها بأنّ جواهر الكتابين قد حصلت بمجموعها في خزانة حفظه. فحبّذا هو من حافظ روى حديث فضله عاليا، وتلا على الأسماع ما اقتضى تقديمه على الأقران فلله درّه مقدّما وتاليا، وسار في حكم العرض على أعدل طريق وناهيك بالسّيرة العمريّة، وصان منطقه عن خلل المعاني وكيف لا؟ وقد تمسّك بطريقة والده وهي «المقدّمة الشّمسيّة» ، وسابق أقرانه فكانت له زبدة التّفضيل في حلبة السّباق، وطابق بين رفع شأنه وخفض شانيه ولا ينكر لمن هو من هذا البيت حسن الطّباق، واشتغل فلم يقع التنازع في حسن دخوله من باب الاشتغال، ونصب فكره لتحصيل العلم فتعيّن تمييزه على كلّ حال، وتوقّدت نار ذهنه فتلظّى حاسده بالالتهاب، ورويت أحاديثه بالغة في العلوّ إلى سماء الفضل ولا بدع إذا رويت أحاديث الشّهاب، وافتخر من والده بالفاضل الذي ارتفع في ديوان الإنشاء خبره، وهزّ المعاطف بتوقيعه الذي لا يزال يحرّره ويحبّره، ووشّى المهارق فكأنّما هي رياض قد غرّد فيها

بسجعه، ونحاها بإنشائه الذي هو عمدة المتأدّبين فلا عجب في رفعه، ونظم ببيانه نفائس الدّرر ففدتها بالعين «صحاح الجوهريّ» ، وفتح بجيش بلاغته معاقل المعاني الممتنعة وحسبك بالفتح العمريّ: بيانه السّحر قد أخفى معاقده ... لكن أرانا لسرّ الفضل إنشاء إذا أراد أدار الرّاح منطقه ... نظما ويطربنا بالنّثر إن شاء! والله تعالى يبهج نفسه بما يصبح به الحاسد وهو مكمد، ويقرّ عينه بهذا الولد النّجيب حتى لا يبرح يقول: أشكر الله وأحمد، بمحمد وآله. ومن ذلك ما كتب به الشيخ شمس الدّين محمد بن عبد الدائم، لولدي نجم الدّين أبي الفتح محمد، حين عرض عليه «المنهاج» في الفقه للنّوويّ، في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة؛ وهو: الحمد لله الذي أوضح بنجم الدّين منهاج الفقه وأناره، وأفصح لسانه بكتاب من عند الله وأثاره، فسطعت أنوار شهابه لمن استنبطه وأثاره- من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين ويرفع مناره- والصلاة والسّلام على سيدنا محمد المخصوص بعموم الرّسالة، والمنصوص فضله بجميع أنواع الدّلالة، وعلى آله وصحبه نجوم الهدى، وشهب التّأسّي والاقتدا. وبعد، فقد عرض عليّ الفقيه الفاضل نجل الأفاضل، وسليل الأماثل، ذو الهمّة العليّة، والفطنة الذّكيّة، والفطرة الزّكية، نجم الدّين، أبو عبد الله محمد بن فلان: نفع الله به كما نفع بوالده، وجمع له بين طارف العلم وتالده- مواضع متعدّدة من «المنهاج» في فقه الإمام الشافعيّ المطّلبيّ- رضي الله عنه وعنّا به- تأليف الحبر العلّامة وليّ الله أبي زكريا بن شرف بن مري النّوويّ، سقى الله تعالى ثراه، وجعل الجنّة مأواه، دلّ حفظه لها على

حفظ الكتاب، كما فتح الله له مناهج الخير دقّه وجلّه، وكان العرض في يوم كذا. وكتب علّامة العصر الشيخ عزّ الدّين بن جماعة «1» ما صورته: كذلك عرض عليّ المذكور باطنها عرضا حسنا، محرّرا مهذّبا مجادا متقنا؛ عرض من أتقن حفظه، وزيّن بحسن الأداء لفظه، وأجزل له من عين العناية حظّه، مرّ فيه مرور الهملاج الوساع «2» ، في فسيح ذي السّباع. وقد دلّني ذلك منه- نفعه الله تعالى ونفع به، ووصل أسباب الخير بسببه، على علوّ همّته، ووفور أريحيّته، وتوقّد فكرته، واتّقاد فطنته؛ وأصله في ذلك كلّه عريق: سجيّة تلك منهم غير محدثة ... إنّ الخلائق- فاعلم- شرّها البدع! وقد أذنت له أن يروي عنّي الكتاب المذكور، وجميع ما يجوز لي وعنّي روايته من مصنّفاتي وغيرها من منظوم ومنثور، ومنقول ومعقول ومأثور، بشرطه المعتبر، عند أهل الأثر. وكتب فلان في تاريخ كذا. ومن ذلك ما كتبته لمن اسمه «محمد» ولقبه «شمس الدين» من أبناء بعض الإخوان: وقد عرض عليّ «الأربعين حديثا» للشيخ محيي الدّين النّوويّ رحمه الله، و «الورقات» في الأصول لإمام الحرمين، و «اللّمحة

البدريّة» في النّحو للشيخ أثير الدّين أبي حيّان دفعة واحدة، وهو لدون عشر سنين؛ وهو: الحمد لله الذي أطلع من دراريّ الأفاضل في أفق النّجابة شمسا، وأظهر من أفاضل الذّراري ما يغضّ به المخالف طرفا ويرفع به المحالف رأسا، وألحق بالأصل الكريم فرعه في النجابة فطاب جنّى وأعرق أصلا وزكا غرسا، وأبرز من ذوي الفطر السليمة من فاق بذكائه الأقران فأدرك العربيّة في لمحة، وسما بفهمه الثاقب على الأمثال فأمسى وفهم «الورقات» لديه كالصّفحة، وخرق بكرم بدايته العادة فجاز الأربعين لدون العشر وأتى على ذلك بما يشهد له بالصّحّة، والصلاة والسّلام على سيدنا محمد الذي عمّت بركة اسمه الشريف سميّه ففاز منها بأوفر نصيب، وخصّ بإلهام التّسمية به أولو الفضل والنّهى فما سمّي به إلا نجيب، وعلى آله وصحبه الذين أينعت بهم روضة العلم وأزهرت، وأورقت شجرة المعارف وأثمرت. وبعد، فقد عرض عليّ فلان مواضع من كتاب كذا وكتاب كذا، فمرّ فيها مرور الصّبا، وجرى في ميدانها جري الجواد فما حاد عن سنن الطريق ولا كبا «1» . وأما الإجازة بالمرويّات على الاستدعاءات:- فمن ذلك ما كتب به الشّيخ صلاح الدين الصّفديّ رحمه الله على استدعاء كتب له به القاضي شهاب الدين أحمد الحنبلي خطيب بيت الآلهة، وكاتب الدّست بالشّأم، يطلب منه فيه الإجازة لنفسه؛ وهو: الحمد لله الذي إذا دعي أجاب، وإذا أنعم على الأديب بذوق أتى في نظمه ونثره بالعجاب، وإذا وهب البليغ فطرة سليمة لم يكن على حجاه حجاب.

نحمده على نعمه التي منها البلاغة، وأتقان ما لصناعة الإنشاء من حسن الصّياغة، وصيد أوابد المعاني التي من أعمل فكره في اقتناصها أو روّى [أمن] «1» رواغه، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة فطر الضمير على إخلاصها، وجبل الفكر على افتناء أدلّتها القاطعة واقتناصها، وجعلت وقاية لقائلها يوم يضيق على الخلائق فسيح عراصها، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أفصح من نطق بهذا اللسان، وجاء من هذه اللغة العربيّة بالنّكت الحسان، وحثّ على الخير وحضّ على الإحسان، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين رووا أقواله، وبلّغوا لمن لم يره سننه وأفعاله، وعلموا أنّ هذه الشّرعة المطهّرة أذخرها الله تعالى له فلم تكن تصلح إلا له، صلاة هامية الغفران، نامية الرّضوان، ما أجاب مجيب لمن استدعى، وعملت إنّ في المبتدإ نصبا ولم تغيّر على الخبر رفعا، وسلّم تسليما كثيرا إلى يوم الدّين. وبعد، فإن [علم] «2» الرّواية من محاسن الإسلام، وخصائص الفضلاء الذين تخفق لهم ذوائب الطروس وتنتصب رماح الأقلام، ولم تزل رغبة السّلف تتوفّر عليه، وتشير أنامل إرشادهم للأنام بالحثّ إليه. قيل للإمام أحمد بن حنبل- رضي الله عنه- ما يشتهي؟ فقال: سند عال، وبيت خال. وما برح الأئمّة الكبار يرتحلون إلى أقاصي الأقاليم في طلبه، ويتحملون المشاقّ والمتاعب فيه ويتجمّلون بسببه؛ فقد ارتحل الإمام الشافعيّ رضي الله عنه وغيره إلى عبد الرّزّاق باليمن، وكان فيمن أخذ عنه ممن هو أحقّ بالتفضيل عليه قمن؛ ولكنه فنّ يحتاج إلى ذوق يعاضد من لا يعانده، وأمر لا يصبر عنه من ألفه وما يعلم الشّوق إلا من يكابده؛ فما عند من طلب الرواية أجلّ من أبناء جنسه، ولا عند المفيد المفيد أحلى من قوله: حدّثنا فلان أو انشدنا فلان لنفسه، ولكن:

ما كلّ من طلب المعالي نافذا ... فيها ولا كلّ الرّجال فحولا! ولما كان الشيخ الإمام شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد ابن الشيخ ... .... ممّن نظم فودّت الدّرر في أفلاكه لو اتّسقت، وكتب فرقم الطّروس ووشّاها، وغشّاها من زهرات الرّياض ما غشّاها، وحلّ المترجم فسحر عقل كلّ لبيب وخلب لبّه، ووقع على القصد فيه فكأنّه شيء من الغيب خصّ الله به قلبه، وأتى فيه ببدائع ما تساوى ابن الصّيرفيّ ولا ابن [نباتة] «1» عندها بحبّة، وخطب فصدع القلوب، وأجرى ذنوب المدامع من أهل الذّنوب، وحذّر فكانت أسجاعه كألحان إسحاق وسامعه يبكي بأجفان يعقوب؛ كأنّما هو في حلّة الخطابة بدر في غمامة، أو منبره غصن وهو فوقه حمامة، أو بحر وفضائله مثل أمواجه ودرّه يحكي كلامه؛ لو رآه «ابن نباتة» ما أورقت بالفصاحة أعواده، أو «ابن المنيّر» ما رقمت بالبلاغة أبراده، أو «ابن تيميّة» ما حظيت بالجدود أجداده؛ فأراد أن يشرّف قدري، ويعرّف نكري، فطلب الإجازة مني وأنا أحقّ بالأخذ عنه، واستدعى ذلك منّي: وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه. فنعم قد استخرت الله تعالى وأجزت له ما يجوز لي تسميعه، وذكرت هنا شيئا من مرويّاتي وأشياخي رحمهم الله وذكرت مصنّفاتي: إجازة قاصر عن كلّ شيء ... يسير من الرّواية في مفازه: لمن ملك الفضائل واقتناها ... وجاز مدى العلى سبقا وحازه! ومن ذلك ما كتب به الشيخ العلّامة شمس الدّين محمد بن الصائغ «2» على استدعاء لبعض من سأله الإجازة:

أقول بعد حمد الله الذي لا يخيّب من استجدى كرمه، ولا يخيب من استدعى نعمه، والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه وخدمه وما اسود مدمه «1» : أثرت الجوى بي إذ أردت جوابي ... وعظّمت خطبي إذ قصدت خطابي: ومن أنا في الدّنيا أجيب ومن أنا! ... أجيز؟ مضى الأشياخ تحت تراب! عجيب لطلّاب لدينا تخلّفوا ... وكم قد أتانا دهرنا بعجاب! نحن إلى الموبلحة أمر ناي ... عربناه بالعذيب عذاب «2» (؟) يا أخانا: إنّ بضاعتنا في العلم مزجاة، وصناعتنا في الوقت مرجاة، ونسيم أخباره عليل، وأدب إخباره قليل، وتصانيفي وجوه أكثرها مسودّة، وآمالي في تبييضها لقصر الهمم ممتدّة؛ سئلت قديما من بعض الفضلاء أن أعدّها، فكتبت فيها رسالة لا أعرف لصقل الأذهان حدّها؛ ومنّ الله بعد ذلك بتصانيف أخر، ومقاطيع إن لم تكن كالزّهر فهي كالزّهر؛ ثم عدّد نيّفا وثلاثين مصنّفا، منها «مجمع الفرائد» في ستّ «3» عشرة مجلّدة. ثم أنشد في آخر ذلك: ولقد شرّفت قدري ... بنفيس من هدايا: بنظام شنّف السّمع ... بدرّ كالثّنايا فارو منّي وارو عنّي ... واغن عن شدّ المطايا وانتق الفضل وحصّل، ... واحظ منّي بمزايا وتحرّ الصّدق واعلم ... أنه خير الوصايا!!! أجزت لك أن تروي هذه وغيرها عنّي، ولك الفضل في قبول ذلك منّي.

الصنف الثاني (التقريضات التي تكتب على المصنفات المصنفة والقصائد المنظومة)

الصنف الثاني (التّقريضات التي تكتب على المصنّفات المصنّفة والقصائد المنظومة) قد جرت العادة أنه إذا صنّف في فنّ من الفنون أو نظم شاعر قصيدة فأجاد فيها أو نحو ذلك، أن يكتب له أهل تلك الصناعة على كتابه أو قصيدته بالتّقريض والمدح، ويأتي كلّ منهم بما في وسعه من البلاغة في ذلك. فمن ذلك ما كتب به الشيخ صلاح الدين الصّفديّ على مصنّف وضعه الشيخ تاج الدّين عليّ بن الدّرهم الموصليّ الشافعيّ في الاستدلال على أن البسملة من أوّل الفاتحة؛ وهي: وقفت على هذا التصنيف الذي وضعه هذا العلّامة، ونشر به في المذهب الشافعيّ أعلامه، وأصبح ونسبته إليه أشهر علم وأبهر علامة؛ فأقسم ما سام الرّوض حدائقه، ولا شام أبو شامة بوارقه، كلّ الأئمة تعترف بما فيه من الأدلّة، وكلّ التصانيف تقول أمامه: بسم الله؛ كم فيه من دليل لا يعارض بما ينقضه، وكم فيه من حجّة يكلّ عنها الخصم لأنّ عقله على محكّ النّقد يعرضه؛ قد أيّد ما ادّعاه بالحديث والأثر، ونقل مذهب كلّ إمام سبق وما عثر؛ لقد سرّ الشافعيّ بنصّ قوله الذي هذّبه، وجعل أعلام مذهبه مذهبة، وأتى فيه بنكت تطرب من أسرار الحرف، وفوائد عرف بها ما بين ابن الدّرهم وبين البوني من البون في تفاوت الصّرف: أكرم به مصنّفا ... فاق تصانيف الورى! ليل المداد فيه ... بالمعنى المنير أقمرا! كم فيه برد حجّة ... قد حاكه محرّرا، وكم دليل سيفه ... إذا التقى خصما فرى فلم يكن من بعده ... مخالف قطّ يرى!! ومن ذلك ما كتب به المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله على قصيدة ميميّة،

للشيخ غرس الدّين خليل الصّفديّ المعروف بالصّلاح الصّفديّ، مدح بها الأمير سيف الدين ألجاي الدّوادار النّاصريّ، في شهور سنة تسع وعشرين وسبعمائة؛ وهي: وقفت على هذه القصيدة التي أشرقت معانيها فكادت ترى، وتمكّنت قوافيها فاستمسك بها الأدب لمّا كانت الميمات فيها كالعرا، فوجدتها مشتملة من البلاغة بوزنها على البحر المحيط، لطيفة لا تقاس بأمثالها من الكلام المركّب لأنها من البسيط، فنظرت إليها مكتسبا من بيانها سحر الحدق، متعجّبا من منشئها لغرس يسرع الإثمار في الورق، ثم فطنت إلى أنّ الممدوح بها أعزّه الله تعالى سحّت ديمه فروّضت الطروس، وبرّحت مناقبه بما كان مصونا في أخبية النّفوس؛ وقد استوجب هذا المادح عطّف الله تعالى قلبه عليه من منائحه حظّا جزيلا، وحبّا يقول به لمن قصد المساواة به: لو كنت متّخذا خليلا لا تخذت فلانا خليلا: مدبّر الملك له على العلى مقاعد ... تهوي إلى جنابه القصّاد والقصائد! قلت: وكتبت على قصيدة نظمها شرف الدّين عيسى بن حجّاج الشاعر المعروف بالعالية «1» ، مدح بها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وضمّنها أنواع البديع، ضاهى بها بديعيّة الصّفيّ الحلّيّ، في شهور سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، ما صورته: أما بعد حمد الله الذي أحلّ سحر البيان، وأقدر أهل البلاغة من بديع التّخيّل على ما يشهد بصحّته العيان، وذلّل برائض أفكارهم صعاب الألفاظ

فامتطوا من متون أحاسنها الجياد، وأوضح لهم طرق الفصاحة فغدت لديهم- بحمد الله تعالى- سهلة القياد، وأحيى ميّت الأدب بروح الأنفاس العيسويّة وعمّر بأنسها ربوعه الخالية، وحمى نفس الفضل في رقعة المساجلة أن تصل إليه فرازنة «1» الدّعاوى ولا غرو أنّ حماها العالية، والصّلاة على رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم أفصح من نطق بالضّاد، وأوتي جوامع الكلم فلن تحصر معاني كلامه الأعداد- فإنّي وقفت على البديعيّة البديعة التي نظمها الفاضل الأرفع، واللّوذعيّ المصقع، أديب الزّمان، وشاعر الأوان، شرف الدّين أبو الرّوح عيسى العالية- أعلى الله تعالى منار أدبه ورفعه على مناويه، وبلغ به من قصب السّبق ما يمتنع أن يراه على البعد مضاهيه- فألفيتها الدّرّة الثمينة غير أنها لا تسام، والخريدة «2» المخدّرة إلا أنها لا يليق بها الاحتشام: تروم احتشاما ستر لألاء وجهها! ... ومن ذا لذات الحسن يخفي ويستر؟ قد اتّخذت من الاحتشام معقلا وحصنا لا يغشى، وانتبذت من حسّادها مكانا قصيّا فلا تخاف دركا ولا تخشى: ولم أدر- والألفاظ منها شريفة- ... إلى البدر تسمو أم إلى الشّمس ترتقي؟ أراد المدّعي بلوغ شأوها الجري في مضمارها فقيل: كلّا، ورام الملحد في آياتها الغضّ منها عنادا فأبى الله إلّا: ما إن لها في الفضل مثل كائن! ... وبيانها أحلى البيان وأمثل! فأمسوا في معارضتها غير طامعين، وتلت عليهم آيات بلاغتها: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ «3» :

كم جدّلت يوم الوغى من جندل ... صاحت به فما أطاق تصبّرا! وكيف لا تخضع لها الأعناق، وتذلّ لها رقاب الشّعراء على الإطلاق، وهي اليتيمة التي أعقمت الأفهام عن مثلها، والفريدة التي اعترف كلّ طويل النّجاد بالقصور عن وصلها: زادت على، من ذا يطيق وصالها؟ ... ومحلّها منه الثّريّا أقرب! وأنّى بذلك وقد أخذت من المحاسن بزمامها، وأحاطت من الطّلاوة بكمامها، وأحدقت رياض الأدب بحدائقها، واقتطفت من أفنان الفنون ثمار معان تلذّ لناظرها وتحلو لذائقها؟: ولا تعر غيرها سمعا ولا نظرا ... في طلعة الشّمس ما يغنيك عن زحل وتصرّفت في جميع العلوم وإن كانت على البديع مقصورة، وشرفت بشرف متعلّقها فأصبحت بالشرف مشهورة: أهانت الدّرّ حتّى ماله ثمن، ... وأرخصت قيمة الأمثال والخطبا! لا جرم أضحت أمّ القصائد وكعبة القصّاد، ومحطّ الرّحال ومنهل الورّاد، فأربت في الشّهرة على «المثل السائر» ، واعترف بفضلها جزالة البادي وسهولة الحاضر: فللأ فاضل في عليائها سمر ... إنّ الحديث عن العلياء أسمار! فأعجب بها من بادرة جمعت بين متضادّين سمر وسمر، وقرنت بين متباعدين زهر وزهر، وجادت بمستنزهين روض ونهر، وتفنّنت في أساليب الكلام وجالت، وطاوعتها يد المقال فقالت وطالت، ودعت فرسان العربيّة إلى المبارزة فنكسوا، وتحقّق المفلقون العجز عن مؤاخاتها ولو حرصوا: فأعرب عن كلّ المعاني فصيحها ... بما عجزت عنه نزار ويعرب! إن ذكرت ألفاظها فما الدّرّ المنثور؟ أو جليت معانيها أخجلت الرّوض

الممطور، أو اعتبر تحرير وزنها فاق الذّهب تحريرا، أو قوبلت قوافيها بغيرها زكت توفيرا وسمت توقيرا، أو تغزّلت أسكتت الورق في الأغصان، أو امتدحت قفت إثر «كعب» وسلكت سبيل «حسّان» ؛ فإطنابها- لفصاحتها- لا يعدّ إطنابا، وإيجازها- لبلاغتها- يمدّ على المعاني من حسن السّبك أطنابا: أبن لي مغزاها أخا الفهم إنّها ... إلى الفضل تعزى أو إلى المجد تنسب؟ هذا وبراعة مطلعها تحثّ على سماع باقيها شغفا، وبديع مخلصها يسترق الأسماع لطافة ويسترقّ القلوب كلفا، وحسن اختتامها تكاد النّفوس لحلاوة مقطعه تذوب عليها أسفا: لها من براهين البيان شواهد ... إذ الفضل ورد والمعالي موارد! وبالجملة فمآثرها الجميلة لا تحصى، وجمائلها المأثورة لا تعدّ ولا تستقصى؛ فكأنّما «قسّ بن ساعدة» يأتمّ بفصاحتها، و «ابن المقفّع» يهتدي بهديها ويروي عن بلاغتها، «وامرؤ القيس» يقتبس من صنعة شعرها، و «الأعشى» يستضيء بطلعة بدرها؛ فلو رآها «جرير» لرأى أنّ نظمه جريرة اقترفها، أو سمعها «الفرزدق» لعرف فضلها وتحقق شرفها، أو بصربها «حبيب بن أوس» لأحبّ أن يكون من رواتها، أو اطّلع عليها «المتنبّي» لتحيّر بين جميل ذاتها وحسن أدواتها: فللبصائر هاد من فضائلها ... يهدي أولي الفضل إن ضلّوا وإن حاروا ولا نطيل فمبلغ القول فيها أنّ آيتها المحكمة ناسخة لما قبلها، وبرهانها القاطع قاض بأن لا تسمح قريحة أن تنسج على منوالها ولا يطمع شاعر أن يسلك سبلها: وآيتها الكبرى التي دلّ فضلها ... على أنّ من لم يشهد الفضل جاحد!

الطرف الثاني (فيما يكتب عن القضاة؛ وهو على أربعة أصناف)

الطرف الثاني (فيما يكتب عن القضاة؛ وهو على أربعة أصناف) الصنف الأوّل (التقاليد الحكميّة؛ وهي على مرتبتين) المرتبة الأولى (أن تفتتح بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» ) ثم يقال: «أما بعد» ثم يقال: «ولمّا علمنا من حال فلان الفلانيّ كذا وكذا، استخرنا الله تعالى وفوّضنا إليه كذا وكذا، فليباشر ذلك» ويوص بما يناسب. ثم يقال: «هذا عهدنا إليك، وحجّتنا عند الله عليك، فاعلم هذا واعمل به، وكتب ذلك عن الإذن الفلانيّ» . وهذه نسخة تقليد: الحمد لله الوليّ الحميد، الفعّال لما يريد، نحمده على ما أولانا من إحسانه فهو المولى ونحن العبيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة توصّلنا إلى جنّة نعيمها مقيم، وتقينا من نار عذابها شديد أليم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبيّ الكريم، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه المشتملين على الطاعة والقلب السّليم، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فإن مرتبة الحكم لا تعطى إلّا لأهلها، والأقضية لا ينصب لها إلّا من هو كفء لها، ومن هو متّصف بصفات الأمانة والصّيانة، والعفّة والدّيانة؛ فمن هذه صفته استحقّ أن يوجّه ويستخدم، ويترقّى ويتقدّم. ولمّا علمنا من حال فلان الفلانيّ الأوصاف الحميدة، والأفعال السّديدة، فإنه قد حوى المعرفة والعلوم، والاصطلاح والرّسوم، وجمعت فيه خصال حملتنا على استنابته، وقوّتنا على نيابته- استخرنا الله تعالى وفوّضنا إليه كذا وكذا. فليباشر ذلك متمسكا بحبل الله المتين، إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ

لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ «1» وليجتهد في إقامة الدّين وفصل الخصومات، وفي النّظر في ذوي العدالات والتّلبس بالشهادات وإقامة البيّنات؛ فمن كان من أهل العدالة نزها، وإلى الحقّ متوجّها، فليراعه ويقدّمه على أقرانه، ومن كان منهم خلاف ذلك فليقصه ويطالعنا بحاله. ولينظر في أمر الجوامع والمساجد ويفعل في ذلك الأفعال المرضيّة، وفي أموال الأيتام يصرف منها اللّوازم الشّرعية؛ فمن بلغ منهم رشيدا أسلم إليه ما عساه يفضل له منها، ويقرّر الفروض، ويزوّج الخاليات من الأزواج والعدد والأولياء، من الأزواج الأكفاء، ويندب لذلك من يعلم ديانته، ويتحقّق أمانته، ويتخيّر لكتابة الصّكوك من لا يرتاب بصحّته، ولا يشكّ في ديانته وخبرته، وينظر في أمر المتصرّفين، ومن عنده من المستخدمين؛ فمن كان منهم على الطريقة الحميدة فليجره على عادته، وليبقه على خدمته، ومن كان منهم بخلاف ذلك فليستبدل به وليقصه. هذا عهدي إليك، وحجّتي غدا عند الله عليك؛ فاعلم هذا واعمل به. وكتب ذلك عن الإذن الكريم الفلانيّ، وهو في محلّ ولايته وحكمه وقضائه، وهو نافذ القضاء والحكم ماضيهما، في التاريخ الفلانيّ. (ثم يكتب الحاكم علامته والتاريخ) وحسبنا الله ونعم الوكيل. وهذه نسخة تقليد: الحمد لله الحكم العدل الهادي عباده صراطا مستقيما، الحاكم الذي لا يظلم مثقال ذرّة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما، المثيب من قدّم له الطاعة من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال، الرّقيب على ما يصدر من أفعالهم فلا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مردّ له وما لهم من دونه من وال.

أحمده على نعمه التي تنشيء السّحاب الثّقال، وأستعيذه من نقمه التي يرسلها فيصيب بها من يشاء من عباده وهو شديد المحال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تفيد المخلص بها في الإقرار النّجاة يوم المآل، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي نعته بأكرم الشّيم وأشرف الخصال، وعرّفه بما يجب من عبوديّته فقال: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ «1» ، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين اتّبعوه في الأقوال والأفعال، وسلّم تسليما كثيرا. أما بعد، فإن من حسنت سريرته، وحمدت سيرته، وعرف بورع وشهر بعفاف، وديانة وخير وإنصاف، وأضحى نزه النّفس عن الأمور الدّنيّة، فقيها دربا بالأحكام الشّرعية، عارفا بالأوضاع المرضية- استحقّ أن يوجّه ويستخدم، ويرقّى ويتقدّم. ولمّا علمنا من حال فلان الفلانيّ من الأوصاف الحميدة، والأفعال السّديدة- استخرنا الله تعالى وفوّضنا إليه كذا وكذا. فليكن متمسّكا معتصما بحبل الله القويّ المتين، إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ «2» وليباشر ما قلّدناه- أعانه الله سبحانه وتعالى- ويراع حقوق الله تعالى في السّرّ والعلانية: فإنّه معين من استعان به وتوكّل عليه، وهادي من استرشده وفوّض أموره إليه. وليجتهد في فصل الأحكام بين المتنازعين، والمساواة في العدل بين المتحاكمين؛ قال الله تعالى: وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ «3» .

وأن يثبت في الخصومات، ويفرق بين الحقائق والشّبهات، وينصف كلّ ظالم من ظالمه بالشّريعة المحمّديّة، ليكون ذلك سببا للسعادة الأبديّة، وينظر في أمر الشهود: فمن كان منهم نزها، وإلى الحقّ متوجّها، فليراعه، ومن كان منهم غير ذلك طالعنا بحاله، وينظر في أمر الجوامع والمساجد معتمدا في ذلك قول الله العزيز القاهر: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ «1» . وينظر في أمر الأيتام، ويحتاط على ما لهم من الأموال، ويفعل في ذلك على جاري عادة أمثاله من الحكّام: من نفقة وكسوة ولوازم شرعيّة؛ فمن بلغ منهم رشيدا أسلم إليه ما فضل من ماله بالبيّنة المرضيّة، ويقرّر الفروض على مقتضى قول الله تعالى: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ «2» ، ويزوّج النّسوة الخالية من العدد والأولياء، ممّن رغب فيهنّ من الأكفاء، ويندب لذلك من يعلم أمانته وخبرته، وينظر في أمر المتصرّفين: فمن كان منهم على الطّريقة المأثورة أجراه على عادته، وأبقاه على حكمه وخدمته، ومن كان منهم خلاف ذلك يبعده ويقصيه، ويستبدل به غيره ليبقى مكانه وفي تصرّفه. هذا عهدي إليك، وحجّتي يوم القيامة عند الله عليك؛ فلتعلم ذلك وتعمل به إن شاء الله تعالى. (ويؤرّخ، ويكون ذلك بخطّ الحاكم) ويكتب: «وحسبنا الله ونعم الوكيل» ويتوّجه بعلامته الكريمة. وهذه نسخة تقليد: الحمد لله ذي الفضل والسخاء، واللّطف في الشّدّة والرّخاء، الذي

من تواضع إليه رفعه، ومن أطاعه نفعه، ومن أخلص له في العبادة أمال عنه كيد الشيطان ودفعه، الذي أحاط علمه بالموارد والمصادر، واستوت عنده أحوال الأوائل والأواخر، واطّلع على ضمائر النفوس ولا ينبغي لغيره أن يطّلع على الضمائر، الخافض الرّافع، والمعطي المانع؛ فإليه الأمر والتدبير، المقسط الجامع: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ «1» . أحمده حمدا يقضي للسعادة بالتّيسير، وأشكره شكرا يسهّل من المآرب العسير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له سبحانه نعم المولى ونعم النّصير، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أرسله بالهدى والكتاب المنير، وجعله للأمّة خير بشير ونذير، صلّى الله عليه وعلى آله وصحابته شهادة يحلّ المخلصون بها جنّة يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ* «2» . أما بعد، فإنّ من كان عارفا بأحكام الشّريعة، متهيّئا لنيل درجاتها الرّفيعة، مستندا إلى بيت مشكور، وقدر موفور، قلّد الأحكام الدّينيّة، ليعمل فيها بالشريعة المحمّديّة. ولمّا علمنا فلان بن فلان بن فلان الفلانيّ، قلّدناه كذا وكذا. فباشر أعانك الله: محافظا على تقوى الله الذي إليه المرجع والمصير، قال الله تعالى في كتابه العزيز: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) * «3» . واستشعر خيفة الله واجعلها نصب عينك، وتمسّك بالحقّ واجعله حجابا بين النار وبينك، وانتصب لتنفيذ الأحكام انتصاب من يراقب الله ويخشاه، وحاسب نفسك محاسبة من يتحقّق أنه يطّلع عليه ويراه، وابذل في إنصاف المظلوم من

[المرتبة الثانية]

الظالم وسعك، ورحّب للمتحاكمين ذرعك، وانظر في أمر الشّهود وحذّرهم أن يزوغوا عن الحقّ، وحاسبهم فيما جلّ ودقّ، ولا ترخّص لهم، وألزمهم أن يتّخذوا الصّدق منطقهم، وانههم عن التّسمّح فيها، وعرّفهم التّحرّز عما يؤدّي من التّهمة والتّطرّق إليها، وانظر في أمر المتصرّفين بباب الحكم العزيز نظرا يؤدّي إلى صلاحهم، ولا تعوّل في النيابة عنك إلا على من تختاره وترتضيه، ولا تعرّج إلى من هو مستند إلى غاية ولا تمل إليه، وانظر في أمر الأحباس «1» نظرا يحفظ أصولها، ولا تراع في استخلاص ما يتعيّن لها كبيرا ولا صغيرا، ولا تعامل فيها إلّا ذوي الوفاء واليسار، وارفض معاملة من يستند إلى العدم والإعسار، وافعل ما يفعله مثلك من الحكّام، من إنشاء العدالة والفسخ والإنكاح وغير ذلك فقد قلّدناك هذه الأحكام؛ فإن عملت فيها بتقوى الله تعالى وطاعته يعينك على ذلك، وإن عملت غير ذلك فأنت والله هالك ثم هالك؛ واستمع نصيحتي، وافعل ما تبرّد به جلدتك وجلدتي، إن شاء الله تعالى. [المرتبة الثانية] «2» قلت: وربّما كتب التقليد بصيغة كتاب، مثل أن يكتب إلى الذي يتولّى على قدر مرتبته، من: «صدرت هذه المكاتبة» أو: «هذه المكاتبة» ثم يقال: «تتضمّن إعلامه أنّ المجلس الفلانيّ» بلقبه، ويدعى له: «لمّا علمنا من حاله كذا وكذا- استخرنا الله تعالى وفوّضنا إليه الحكم والقضاء بمكان كذا، فليباشر ذلك» على نحو ما تقدّم في التقليد الذي قبله.

الصنف الثاني (إسجالات العدالة)

الصنف الثاني (إسجالات العدالة) قد جرت العادة أن أبناء العلماء والرّؤساء تثبت عدالتهم على الحكّام، ويسجّل لهم بذلك، ويحكم الحاكم بعدالة من تثبت عدالته لديه، ويشهد عليه بذلك، ويكتب له بذلك في درج عريض، إمّا في قطع فرخة الشاميّ الكاملة، وإما في نحو ذلك من الورق البلديّ، وتكون كتابته بقلم الرّقاع وأسطره متوالية، وبين كلّ سطرين تقدير عرض أصبع أو نحو ذلك. قلت: وهذه نسخة سجلّ أنشأته، كتب به لولدي نجم الدّين أبي الفتح محمد، وكتب له بها عند ثبوت عدالته، على الشّيخ العلّامة وليّ الدّين أحمد، ابن الشّيخ الإمام الحافظ زين الدّين عبد الرّحيم العراقيّ، خليفة الحكم العزيز بمصر والقاهرة المحروستين، في شهور سنة ثلاث عشرة وثمانمائة؛ وهي: الحمد لله الذي أطلع نجم العدالة من سماء الفضائل في أفق معاليها، وأنار بدراريّ العلماء من حنادس الجهالة مدلهمّ لياليها، وكمّل عقود النّجابة من نجباء الأبناء بأغلى جواهرها وأنفس لآليها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ترقّي قائلها إلى أرفع الذّرا، ويمتطي منتحلها صهوة الثّريّا: وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المخصوص بمحاسن الشّيم، والموصوف بكرم المآثر ومآثر الكرم، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين تمسّكوا من عرا الدّين بالسّبب الأقوى، وسلكوا جادّة الهداية فحصلوا من أقصى مغيّاها على الغاية القصوى، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فلمّا كانت العدالة هي أسّ الشريعة وعمادها، وركنها الأعظم في الاستناد إلى الصّواب وسنادها، لا تقبل دونها شهادة ولا رواية، ولا يصحّ مع عدمها إسناد أمر ولا ولاية- فقد بنيت الشريعة المطهّرة على أركانها،

واعتمد الرّواة في صحّة الأخبار على أصولها وتعلقت الحكّام في قبول الشهادة بأحضانها، إذ هي الملكة الحاملة على ملازمة التّقوى، والحفيظة المانعة من الوقوع في هوّة البدع المتمسّك بسببها الأقوى، والحكمة الثّانية عن الجماح إلى ارتكاب الكبائر، والعنان الصّارف عن الجنوح إلى الإصرار على الصغائر، والزّمام القائد إلى صلاح أعمال الظواهر وسلامة عقائد الضّمائر. ولما كان مجلس القاضي الأجلّ، الفقيه، الفاضل، المشتغل، المحصّل، الأصيل، نجم الدّين، سليل العلماء، أبو الفتح محمد بن فلان القلقشنديّ الفزاريّ، الشّافعيّ، خليفة الحكم العزيز بالقاهرة المحروسة والده، والحاكم بالعمل الفلانيّ وما معهما: أيّد الله تعالى أحكامه، وأقرّ عينه بولده- هو الذي ولد على فراش الدّيانة، وظهرت عليه في الطّفولية آثارها، ونشأ في أحياء الصّيانة، فرويت عنه بالسّند الصحيح أخبارها، وارتضع ثدي العلم حين بزوغ نجمه، وغذيه مع لبان أمّه فامتزج بدمه ولحمه وعظمه، وأعلن منادي نشأته بجميل الذّكر فأغنى فيه عن الاستخبار، ولاحت عليه لوائح النّجابة فقضى له بالكمال قبل أن يبلغ قمر عمره زمن الإبدار: فلم يرد منهل التكليف إلا وقد تزيّن من محاسن الفضائل بأكمل زين، ولم يبلغ مبلغ العلم حتّى صار لوالده- ولله الحمد- قرّة عين- رفعت قصّة مخبرة عن حاله فيها من مضمون السؤال طلب الإذن الكريم بسماع بيّنة المذكور، وكتابة إسجال بعدالته، فشملها الخطّ الكريم العاليّ، المولويّ، القاضويّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، العلّاميّ، الشّيخيّ، المحدّثيّ، الحافظيّ، الحبريّ، المجتهديّ، المحقّقيّ، المدقّقيّ، الوحيديّ، الفريديّ، الحجّيّ، الحججيّ، الخطيبيّ، البليغيّ، الحاكميّ، الجلاليّ، الكنانيّ، البلقينيّ، الشافعيّ، شيخ الإسلام، الناظر في الأحكام الشرعية بالديار المصرية، والممالك الشريفة الإسلامية: أدام الله تعالى أيّامه، وأعزّ أحكامه، وأحسن إليه، وأسبغ نعمه في الدّارين عليه- لسيّدنا العبد الفقير

إلى الله تعالى، الشّيخ الإمام العالم، الحافظ، وليّ الدّين، شرف العلماء، أوحد الفضلاء، مفتي المسلمين، أبي زرعة أحمد ابن سيّدنا العبد الفقير إلى الله تعالى زين الدّين، شيخ الإسلام، قاضي المسلمين، أبي الفضل عبد الرّحيم، ابن سيّدنا العبد الفقير إلى الله تعالى بدر الدين، شرف العلماء، أوحد الفضلاء، مفتي المسلمين، أبي عبد الله الحسين العراقيّ الشافعيّ، خليفة الحكم العزيز بالقاهرة ومصر المحروستين، والحاكم بالأعمال المنوفيّة، ومفتي دار العدل الشريف بالديار المصرية: أيّد الله تعالى أحكامه، وأحسن إليه بالنظر في ذلك على الوجه الشّرعيّ. فحينئذ سمع سيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام، العالم، الحافظ، وليّ الدّين، الحاكم المشار إليه: أحسن الله تعالى إليه- البيّنة بتزكيته، وصرّحت له بالشّهادة بعدالته، وقبلها القبول الشرعيّ السائغ في مثله. ثم أشهد على نفسه الكريمة من حضر مجلس حكمه وقضائه، وهو نافذ القضاء والحكم ماضيهما، وذلك في اليوم المبارك يوم الأربعاء الثامن والعشرين من شهر رجب الفرد سنة ثلاث عشرة وثمانمائة- أنّه ثبت عنده وصحّ لديه: أحسن الله إليه- على الوضع المعتبر الشرعيّ، والقانون المحرّر المرعيّ، بالبينة العادلة المرضيّة، التي تثبت بمثلها الحقوق الشّرعيّة- عدالة القاضي الأجلّ، العدل، الرّضيّ، نجم الدين محمد المسمى أعلاه: زاده الله تعالى توفيقا، وسهّل له إلى الخير طريقا، وما اشتمل عليه من صفاتها، وتحلّى به من أدواتها، ثبوتا صحيحا معتبرا، مستوفى الشرائط محرّرا. وأنه- أيّد الله تعالى أحكامه، وسدّد نقضه وإبرامه- حكم بعدالته، وقبول شهادته، حكما تامّا وجزمه، وقضى فيه قضاء أبرمه، وأذن له- أيّد الله تعالى أحكامه- في تحمّل الشهادة وأدائها، وبسط قلمه في سائر أنديتها

الصنف الثالث (الكتب إلى النواب وما في معناها)

وأرجائها، وأجراه- أجرى الله تعالى الخيرات على يديه- مجرى أمثاله من العدول، ونظمه في سلك الشّهداء أهل القبول، ونصبه بين الناس شاهدا عدلا، إذ كان صالحا لذلك وأهلا. فليبسط بالشهادة قلمه، وليؤلّف على شروط أدائها كلمه، وليحمد الله تعالى على ما منحه من ملابسها الجميلة، وأناله من التّرقّي لرتبتها الجليلة، وليتّق الله تعالى في موارده ومصادره، وليسلك مسالك التقوى في أوّل أمره وآخره، وليعلم أن من سلك الحقّ نجا، ومن يتّق الله يجعل له مخرجا. أوزعه الله تعالى شكر هذه الرتبة العلية، والمنزلة السّنيّة. وتقدّم أمر سيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام، العالم، الحافظ، وليّ الدين، الحاكم المذكور، وقاه الله تعالى كلّ محذور، بكتابة هذا الإسجال، فكتب عن إذنه الكريم، متضمّنا لذلك مسؤولا فيه، مستوفيا شرائطه الشرعية، وأشهد على نفسه الكريمة بذلك في التاريخ المقدّم ذكره بأعاليه، المكتوب بخطّه الكريم- شرفه الله تعالى؛ حسبنا الله ونعم الوكيل. قلت: والعادة أن يعلّم فيه الحاكم علامة تلو البسملة، ويكتب التاريخ في الوسط، والحسبلة في الآخر، كل ذلك بخطّه، ويشهد عليه فيه من يشهد عليه من كتّاب الحكم وغيرهم، كما في سائر الإسجالات الحكميّة. الصنف الثالث (الكتب إلى النّوّاب وما في معناها) واعلم أنّ الكتب التي تكتب عن القضاة ألفاظها مرسلة، لا جنوح فيها إلى فنّ البلاغة والسّجع إلا في القليل النّادر. وهذه نسخة كتاب كتب به عن قاضي القضاة فخر الدّين الشافعيّ، إلى الحكّام بالمملكة؛ وهو: أدام الله فضائل الجنابات العالية والمجالس العالية، وجعلهم قادة

يقتدى بهم في القول والعمل، و [ «1» ] الاحتفال من يعتنى بأمره ويحتفل، ولا سيّما من سارت طريقة فضله المثلى في الآفاق سير المثل؛ ولا زال عرف معروفهم على ذوي الفضائل يفوح، وجياد جودهم تغدو في ميدان الإحسان وتروح، ونيل نيلهم يسري إلى القصّاد فيحمد سراه عند الغبوق كما يحمد سراه عند الصّبوح. هذه المكاتبة إليهم تقريهم سلاما ألطف من النّسيم، وتهدي إليهم ثناء مزاج كاتبه من تسنيم «2» ، وتبدي لعلومهم الكريمة أن الجناب الكريم، العاليّ، الشّيخيّ، الإماميّ، الفاضليّ، البارعيّ، الأوحديّ، الأكمليّ، البليغيّ، المقدّميّ، الخطيبيّ، البهائيّ، أوحد الفضلاء، فخر العلماء، زين الخطباء، قبلة الأدباء، قدوة البلغاء، صفوة الملوك والسلاطين، خطيب الموصل- أدام الله المسرّة به، ووصل الخير بسببه، ونفع بفوائد فضله وأدبه- ورد علينا بطرابلس المحروسة، فحصلت المسرّة بذلك الورود، وتجدّد بخدمته ما تقدم من وثيق العهود، وأبدى لنا من نظره الفائق الرّقيق، وإنشائه المغني عن نشوة الرّحيق، وكتابته التي هي السّحر الحلال على التّحقيق، ما نزّه الأبصار وشنّف الأسماع، وقطع من فرسان الأدب أسباب الأطماع، فأزال عن القلب الكئيب فكرا، وأخجل من الرّوض الأنيق زهرا، وأخمل من المسك السّحيق عطرا؛ وكيف لا؟ وهو النّفيس الذي جمع فيه قديم الأدب وحديثه، والجليس الذي لا يسأم كلامه ولا يملّ حديثه؛ يا له أديبا ليس فيما يبديه من الأدب تحريف ولا غلط، وفاضلا لو لم يكن بحرا لما كان الدّرّ من فيه يلتقط؛ يمينه وفطنته الكريمتان ذواتا أفنان: فهذه إن رقمت طرسا فروح وريحان، أو بذلت برّا فعينان تجريان، وهذه إن نظمت شعرا

فياقوت ومرجان، أو نثرت تبرا فثمين الدّرّ ألوان؛ ما برح الفضلاء إلى لقائه يسارعون، وحقّ لهم أن يسارعوا ومن أبواب معروفه يقتبسون؛ وكيف لا؟ وهو الشّهاب السّاطع، والجليل الذي لم نزل نشير إليه بالأصابع، والنّيل الذي تجري لفراقه من عيون اللّبيب المدامع، والنّزيل الذي ينشده العارف عند وداعه: بعيشك خبّرني متى أنت راجع يعرف المحسن إحسانه فينشر له من الثّناء لواء، ويجمل في مدح صفاته ونعوته الإنشاء إن شاء، ويجزل في ذمّ مستحقّ الذّمّ منه الهجاء، فأكرم به مدّاحا وأعظم به هجّاء: العلماء لحضوره يترقّبون، وإليه يتقرّبون، والفضلاء بفضله يعترفون، ومن بحره يغترفون، والأدباء إليه يستبقون، ومنه يقتبسون، والطّلبة بأذيال فضله يتمسّكون، وبنشر أثنيته يتمسّكون، وإخوانه في الله بوجوده يفتخرون، وإلى جوده يفتقرون؛ كلّما عرضت لهم حاجة تمسكوا بإيثاره، وكلّما عاندهم الدّهر سألوه الإمداد بأنصاره، فيجوّد في خدمتهم بيان بنانه، ويجرّد في نصرتهم سيف لسانه. ثم من قبل أن نبلغ منه الوطر، ومن دون أن يكتفي منه السّمع والبصر، عرفنا أنه قصد التّوجّه إلى البلاد الساحليّة، والأعمال الطّرابلسيّة؛ ليملي على أهلها من فضائله الباهرة الباسقة، وألفاظه التي هي كالدّرر المتناسقة، ويجليهم عرائس الأفكار من أفكاره، ويجنيهم غرائس الأثمار من أشجار علمه، ويريهم البديهة البديعة، والقوافي المجيبة المطيعة. فليتقدّم الجماعة- أيدهم الله تعالى- بإكرامه إكرام الأهل والأصحاب، وتلقّيه بالبشر والطّلاقة والتّرحاب، وإحلاله من الإحسان محلّا ساميا، وإنزاله من الإفضال منزلا عاليا، والاعتناء الوافر بأمره، واستجلاب بثّ حمده وشكره، والتقاط درر فوائده، واكتساب غرر فرائده، والإصغاء

الصنف الرابع (ما يكتب في افتتاحات الكتب)

إلى المنثور والمنظوم من أقواله، والتّعجّب من حسن بداهته وسرعة ارتجاله. وليحتفل كلّ يوم بخدمته غاية الاحتفال، ويعتن بأمره اعتناء لا يشاركه تقصير ولا إهمال، ويرع له حقّ الضّيف الجليل، والقادم الذي إذا رحل عن بلده أبقى له بها الذّكر الجميل، ويساعد على ما توجّه بصدده كلّ ساعة يعود نفعها عليه، وينفق مما آتاه الله ويحسن كما أحسن الله إليه. ونحن نؤكّد على الجماعة- أيّدهم الله- في ذلك كلّ التأكيد، ونبالغ فيه مبالغة ما عليها من مزيد، ونحذّرهم من الإهمال والتّسويف والتّقصير، ومن مقابلة جنابه الكريم بالنّزر الحقير والقدر اليسير؛ فإكرام هذا الرجل ليس كإكرام من لم يسر بسيره، وما هو إلا لعلمه وفضله وخيره، وقد قال الإمام الشافعيّ رضي الله عنه: «وليس من يكرم لنفسه كالذي يكرم لغيره» . فلتعظّموه كلّ التعظيم وتنزلوه منزلة تليق بأهل الفضل والإفضال، وترفعوا له المقام وتحفظوا له المقال، ليعود محقّق الآمال مبلّغ المقاصد، ناشرا ألوية الثّناء والمحامد، مشمولا بجميل الصّلة والعائد؛ ونحن منتظرون ما يرد عنه من مكاتباته الكريمة بما وصل إليه من [المنازل] «1» الحسنة. وفي هممهم العليّة، ومكارمهم السّنيّة، ما يغني عن التأكيد بسببه والوصيّة؛ والله تعالى يديم عليهم سابغ الإفضال والإنعام، ويجمّل بوجودهم وجودهم الأحكام والحكّام، بمنّه وكرمه. الصنف الرابع (ما يكتب في افتتاحات الكتب) فمن ذلك ما يكتب في أوائل كتب الأوقاف. وهذه نسخة خطبة في ابتداء كتاب وقف على مسجد؛ وهي:

الحمد لله جامع الناس ليوم لا ريب فيه إنه لا يخلف الميعاد، وناصر الدّين المحمّديّ بنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله الكرام الأمجاد، ومشرّف هذه الأمّة بالأئمّة والجمعة والجماعات من أهل الرّشاد، وجاعل من ارتضاه من أرباب سنّة نبيّه المختار من عباده العبّاد، وميسّر القربات إليه لأهل السّداد، ومريد الأعمال الصالحات ممّن أخلصه بالطاعات ومزيد الإرفاد، ومفضّل الأوقاف على أفضل وجوه البرّ من جعله للخير أهلا بالنّفع المتعدّي وكثرة الأمداد، ومعظّم الأجر لمن بنى بيتا لله بنيّة خليّة من الرّياء والعناد؛ وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من بنى مسجدا لله ولو كمفحص «1» قطاة بنى الله تعالى له به قصرا في الجنّة» ونرجو من كرم الله الازدياد. أحمده على موادّ نعمه التي جلّت عن التّعداد، وأشكره شكرا وافيا وافرا نجعله ذخيرة ليوم التّناد، وأستمدّ من اللّطف لوازم الفضل الخفيّ وهو الكريم الجواد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا عبده ورسوله الخاتم الحائم على حوضه الورّاد، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه ما أصغي إلى الذّكر وأجيب كلّ داع من حاضر أو باد. وبعد، فلمّا كانت المثوبات مضمونة الأجر عند الكريم، والأعمال متعدّدة في التّقديم، وكان بنيان المساجد وافرا أجرا، لمن أقام بواجب تبيان الظّنّ الجميل وسدّد إلى الخيرات سيرا؛ وقد قال تعالى: «أنا عند حسن ظنّ عبدي بي فليظنّ بي خيرا» «2» ، ورأى العقلاء أنّ الأوقاف على المساجد والجوامع من أنفس قواعد الدّين وأعلى- فلذلك قيل في هذا الإسجال المبارك: هذا ما وقفه وحبّسه، وسبّله وأبّده فلان. وقف وحبّس رغبة في مزيد الثّواب، ورجاء في تهوّن تهويل يوم الحساب، واغتناما للأجر الجزيل من

الكريم الوهّاب، لقول الله تعالى في الآيات المبرورة: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً «1» . وقف بنيّة خالصة، وعزيمة صالحة، ونيّة صادقة، ما هو له وفي ملكه، وحوزه ويده وتصرّفه، من غير مناظر له في ذلك ولا شريك، (ثم يذكر الوقف) .

الفصل السادس (في العمرات التي تكتب للحاج)

الفصل السادس (في العمرات التي تكتب للحاجّ) وهذه نسخة عمرة اعتمرها أبو بكر بن محمد الأنصاريّ الخزرجيّ، عند مجاورته بمكّة المشرفة في سنة سبع، وسنة ثمان، وسنة تسع، وسنة عشر وسبعمائة، للسلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» ؛ وهي: الحمد لله الذي جعل البيت مثابة للناس وأمنا، وأمّن من فيه بالقائم بأمر الله ومن هو للإسلام والمسلمين خير ناصر، وجعله ببكّة «1» مباركا، ووضع الإصر بمن كثرت منه ومن سلفه الكريم على الطّائفين والعاكفين الأواصر، وعقد لواء الملك بخير ملك وهو واحد في الجود ألف في الوغى: ففي حالتيه تعقد عليه الخناصر، وأطاب المقام في حرم الله تعالى وحرم سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمن يستحقّ السّلطنة بذاته الشريفة وشرف العناصر، وسهل الطّريق، إلى حجّ بيته العتيق، من المشارق والمغارب في دولة من أجمعت القلوب على محبّته وورث الملك كابرا عن كابر، وأنطق الألسنة

بالدعاء له من كلّ وافد إلى بيته الحرام على اختلاف لغاتهم واهتزّت لوصف مناقبه المنابر. أحمده على ما بلّغ من جزيل إنعامه، وأشكره شكرا أستزيد به من فضله ونواله وإكرامه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نعم الذّخيرة لصاحبها يوم لقائه وعند قيامه، وأقولها خالصا مخلصا ويا فوز من كانت آخر كلامه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أشرف مبعوث إلى الحقّ دعي فجاء بأشرف ملّة، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «عمرة في رمضان تعدل حجّة» صلّى الله عليه وعلى جميع آله وأصحابه خصوصا على خليفته في أمّته المخصوص بالسّبق والمؤازرة والتّصديق، مولانا أبي بكر الصّدّيق، وعلى مظهر الأذان ومصدّق الخطاب، مولانا أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، وعلى من جمع على الأمّة آيات القرآن، مولانا أمير المؤمنين عثمان بن عفّان، وعلي ابن عمّه، وارث علمه، الجامع لجميع المآثر والمناقب، مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وعلى بقيّة الأنصار والمهاجرة، سادات الدّنيا وملوك الآخرة، وسلّم تسليما كثيرا. وبعد، فإن الله تعالى مالك الملك يؤتيه من يشاء من عباده، والخير بيده يفيضه على خلقه في أرضه وبلاده؛ فإذا أراد الله تعالى بعباده خيرا نصر ناصرهم ورفع عنهم الغلا، ودفع عنهم العدا، وولّى عليهم خيارهم، فيقيمه من خير أمّة أخرجت للناس، ليذهب عنهم الضّرر ويزيل عنهم الباس، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وينصف المظلوم من الظّالم ويقيم منار الشّرع المطهّر. ولما كان مولانا السلطان الأعظم، والشّاهنشاه «1» المعظّم، الملك

النّاصر- خلّد الله سلطانه- قد جمع في المحتد بين طارف وتالد، وورث الملك عن أشرف أخ وأعظم والد، وقامت على استحقاقه للسّلطنة الدلائل، وألفه سرير الملك وعرف فيه من والده ومن أخيه- رحمهما الله تعالى- الشّمائل؛ فهو المالك الذي لم يزل الملك به آهلا ولم يزل له أهلا، والسّيّد الذي لبس حلّة الفخار فلم نجد له في السّؤدد والفخار مثلا، والملك الذي ما بدا لرائيه إلا قيل: بحر طمى أو بدر تجلّى، والمؤيّد الذي خصّه الله تعالى بعلوّ شأنه وارتقائه، ولم يرض مراقد الفراقد لعليائه، والكريم الذي ساد الأوائل والأواخر، وأضفيت عليه حلل المفاخر، والمنصور الذي أعطي على الأعداء قوّة ونصرا، والنّاصر الذي اتّسع مجال نصره فأخذ الكفّار حصرا، وحكمت سيوفه القواضب فوضعت عن الأولياء إصرا، قد خصّه الله تعالى بالعزّ والنّصر كرّة بعد كرّة، وفضّله على سائر ملوك الإسلام بالحجّ وزيارة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرّة بعد مرّة، ومرّة أخرى إن شاء الله تعالى ومرّة ومرّة!!! كم سلك سنن والده وأخيه- رحمهما الله تعالى- بالغزاة فكان له كلّ مشهد مذكور، وعرف تقدّمه وإقدامه فكان أعظم ناصر وأشرف منصور؛ يحمده الله تعالى والناس عن جميل ذبّه عن الإسلام وحميد فعله، واستقلّ الجزيل فينيل الجميل لمن أمّ أبوابه الشريفة فلا يستكثر هذا من مثله؛ ما حملت راياته الشّريفة كتيبة إلا نصرت، ولا وقف بوجهه الكريم في دفع طائفة الكفر إلا كسرت، ولا جهّز عساكره المنصورة إلى قلعة إلا نزل أهلها من صياصيهم، ولا حاصروا ثغرا للكفّار إلا أخذوا بنواصيهم، ولا سيّر سريّة لمواجهة محارب إلا ذلّ على رغمه، ولا نطق لسان الحمد للمجاهد أو سار الشاهد إلّا وقف الحمد على قوله واسمه، فاختاره الله تعالى على علم على العالمين، واجتباه

للذّبّ عن الإسلام والمسلمين، وجعله لسلطانه وارثا، وفي الملك ماكثا، وللقمرين ثالثا، ولأموره سدادا، ولثغور بلاد الإسلام سدّادا، وفوّض إليه القيام بمصالح الإسلام، والنّظر في مصالح الخاصّ والعامّ، وعدق به أمور الممالك والأملاك، وأطلع بسعادته أيمن البروج في أثبت الأفلاك، وحمى الإسلام والمسلمين من كلّ جانب شرقا وغربا، وملأ بمهابته البلاد والعباد رعبا وحبّا، وبسط في البسيطة حكمه وعدله، ونشر على الخلائق حلمه وفضله، وفرض طاعته على جميع الأمم، وجعله سيّدا لملوك العرب والعجم، وأمّن بمهابته كلّ حاضر وباد، ونوّم سكّان الحرمين الشريفين من كنفه في أوطإ مهاد، وسكّن خواطر المجاورين من جميع المخاوف، وصان بالمقام في مكّة الطّائف والعاكف؛ قد حسن مع الله تعالى سيرة وسيرا، ودلّت أيامه الشريفة أنه خير ملك أراد الله تعالى برعيّته خيرا، وراعى الله فيما رعى، وسعى في مصالح الإسلام عالما أن ليس للإنسان إلّا ما سعى. قد ملأ أعين الرعايا بالطّمأنينة والهجوع، وأمّنهم في أيّامه الشريفة بالرّخاء من الخوف والجوع، وجمع لهم بين سعادة الدّنيا والأخرى، وسهّل لهم الدّخول إلى بيته الحرام برّا وبحرا، وفتح الله تعالى على يديه- خلّد الله تعالى سلطانه- جميع الأمصار، وملأ من مهابته جميع الأقطار: فسارت مسير الشّمس في كلّ بلدة ... وهبّت هبوب الرّيح في القرب والبعد فوجب على العالمين أن يدعوا لدولته الشريفة المباركة بطول البقاء، و [دوام] «1» العلوّ والارتقاء، ووجب على كلّ من الواصلين إلى بيته الحرام وحضرة قدسه، أن يبتهل بالدعاء له قبل أن يدعو لنفسه، فكيف من هو مملوكه وابن مملوكه ووارث عبوديّته، ومن لم يزل هو ووالده «2» وإخوته في

صدقات والده الشهيد- رحمه الله تعالى- وعميم نعمته، العبد الفقير إلى الله تعالى أبو بكر بن محمد بن المكرّم الأنصاريّ الخزرجيّ، فإنه لم يزل مدّة أيّامه مبتهلا بصالح دعواته، متوسّلا إلى الله تعالى بدوام نصره وطول حياته، طائفا عند مقامه الشريف حول بيته الحرام، والمشاعر العظام. وأحبّ أن يتحفه بأشرف العبادة فلم يجد أجلّ مقدارا ولا أعظم أجرا، من عمرة يعتمرها عنه ويهدي ثوابها لصحائفه الشريفة ويزيد بذلك فخرا، فقام عنه بعمرتين شريفتين اعتمرهما عنه في رمضان، مكملتين بإحرامهما وتلبيتهما، وطوافهما وسعيهما، يتقرّب بذلك إلى أبوابه الشريفة، ويسأل الله تعالى ويسأل صدقاته الشريفة أن ينعم عليه بنصف معلوم صدقة عليه، وبنصفه لأولاده: ليقضي بقيّة عمره في الثلاثة المساجد، ويخصّه بجزيل الدعاء من كلّ راكع وساجد، وأن يكون ذلك مستمرّا عليه مدّة حياته، وعلى ذرّيّته ونسله وعقبه بعد وفاته، لتشمل صدقات مولانا السلطان- خلّد الله تعالى ملكه- الأحياء والأموات، ويطيب لغلمانه في أيامه الشريفة الممات؛ جعل الله تعالى مولانا السلطان وارث الأعمار، وأجرى بدوام أيّامه الشريفة المقدار، وجعل كلمة الملك باقية في عقبه، وبلّغه من النّصر والظّفر والأجر غاية أربه، وجعل أيّامه كلّها مسارّ وبشائر، ودولته تسرّ النّواظر، وسعادته ليس لها آخر، ويهنّئه بما قد أتمّه الله له من ملك والده الشّهيد رحمه الله تعالى: [أهنّيك] «1» بالملك يا خير من ... أجار البرايا ومن مارها ومن ليس للأرض ملك سواه ... تميل له الخلق أبصارها! وأنت الذي تملك الخافقين ... [ «2» ] وإعصارها وتملك سيّب تكفورها «3» ... وتركب بالجيش أوعارها

وتحكم في المرء حكم الملوك ... وتنشد في التّخت أشعارها وتفتح بغداد دار السّلام ... وتنفي بملكك أكدارها وتأخذ بالعسكر النّاصريّ ... قصور الخلافة أوتارها ويأمن في ذلك العالمون ... وتحمي الأسود وأوكارها وتبقى إلى أن تعمّ البلاد ... بنعمى تتابع إدرارها ويبلغ ملكك أقصى البلاد ... وتجري العباد وأوطارها وينظم سيرتك النّاظمون ... وتعيي مغازيك سمّارها [والله يبقيه] «1» بعدها دائما ناصر الدنيا والإسلام والمسلمين، كما سماه والده ناصر الدّنيا والدّين، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير؛ وحسبنا الله ونعم الوكيل.

الباب الثاني من المقالة العاشرة في الهزليات

الباب الثاني من المقالة العاشرة في الهزليّات «1» اعلم أنه ربّما اعتنت الملوك ببعضه، فاقترحت على كتّابها إنشاء شيء من الأمور الهزليّة، فيحتاجون إلى الإتيان بها على وفق غرض ذلك الملك، كما وقع لمعين «2» الدّولة بن بويه الدّيلميّ في اقتراحه على أبي إسحاق الصّابي كتابة عهد بالتّطفّل، لرجل كان عنده اسمه عليكا، ينسب إلى التّطفّل، ويسخر منه السلطان بسبب ذلك. وهذه نسخة عهد بالتّطفّل، التي أنشأها أبو إسحاق الصّابي لعليكا المذكور: هذا ما عهد عليّ بن أحمد المعروف بعليكا إلى عليّ بن عرس الموصلّي، حين استخلفه على إحياء سننه، واستنابه في حفظ رسومه، من التّطفّل على أهل مدينة السّلام وما يتّصل بها من أرباضها وأكنافها، ويجري

معها في سوادها وأطرافها، لما توسّمه فيه من قلّة الحياء، وشدّة اللّقاء، وكثرة اللّقم، وجودة الهضم، ورآه أهلا له من سدّ مكانه، والرّفاهة المهملة التي فطن لها، والرّقاعة «1» المطّرحة التي اهتدى إليها، والنّعم العائدة على لا بسيها بملاذّ الطّعوم، وخصب الجسوم، وردّا على من اتسعت حاله، وأقدره الله على غرائب المأكولات، وأظفره ببدائع الطّيّبات، آخذا من ذلك كلّه بنصيب الشّريك المناصف، وضاربا فيه بسهم الخليط المفاوض، ومستعملا للمدخل اللّطيف عليه، والمتولّج العجيب إليه، والأسباب التي ستشرح في مواضعها من أوامر هذا الكتاب، وتستوفى الدّلالة على ما فيها من رشاد وصواب؛ وبالله التّوفيق وعليه التّعويل، وهو حسبنا ونعم الوكيل. أمره بتقوى الله التي هي الجانب العزيز، والحرز الحريز، والرّكن المنيع، والطّود الرّفيع، والعصمة الكالئة، والجنّة الواقية، والزّاد النّافع يوم المعاد، وحيث الأمثلة من الأزواد، وأن يستشعر خيفته في سرّه وجهره، ويراقبه في قوله وفعله، ويجعل رضاه مطلبه، وثوابه مكسبه، والقربة منه أربه، والزّلفى لديه غرضه، ولا يخالفه في مسعاة قدم، ولا يتعرّض عنده لعاقبة ندم، ولا يقدم على ما كره وأنكر، ولا يتقاعس عما أحبّ وأمر. وأمره أن يتأدّب بأدبه فيما يأتي ويذر، ويقف على حدوده فيما أباح وحظر، فإنه إذا كان ذلك هجّيراه وديدنه «2» ، وجرى عليه منهاجه وسننه، تكفّل الله له بالنّجاح والصّلاح، وأفضى به إلى الرّشاد والفلاح، وأظفره بكلّ بغية، وأوصله إلى كلّ مشية، ولم يخله من الفوز بما يرصد، والحوز بما يقصد؛ بذاك وعد، وكذاك يفعل؛ وما توفيقنا إلا بالله، ولا مرجعنا إلا إليه. وأمره أن يتأمّل اسم التّطفيل ومعناه، ويعرف مغزاه ومنحاه، ويتصفّحه تصفّح الباحث عن حظّه بمحموده، غير القائل فيه بتسليمه

وتقليده، فإنّ كثيرا من الناس قد استقبحه ممن فعله، وكرهه لمن استعمله، ونسبه فيه إلى الشّره والنّهم، وحمله منه على التّفه والقرم؛ فمنهم من غلط في استدلاله، فأساء في مقاله، ومنهم من شحّ على ماله، فدافع عنه باحتياله؛ وكلّ الفريقين مذموم، وجميعهما ملوم؛ لا يتعلقان بعذر واضح، ولا يعتريان من لباس فاضح؛ ومنهم الطائفة التي ترى فيها شركة العنان: فهي تتدلّه إذا كان لها، وتتدلّى عليه إذا كان لغيرها، وترى أن المنّة في المطعم للهاجم الآكل، وفي المشرب للوارد الواغل؛ وهي أحقّ بالحرّيّة، وأخلق بالخيريّة، وأحرى بالمروّة، وأولى بالفتوة؛ وقد عرفت بالتّطفيل، ولا عار فيه عند ذوي التّحصيل، لأنه مشتقّ من الطّفل وهو وقت المساء، وأوان العشاء، فلما كثر استعمل في صدر النّهار وعجزه، وأوّله وآخره، كما قيل للشّمس والقمر: قمران وأحدهما القمر، ولأبي بكر وعمر: العمران وأحدهما عمر؛ وقد سبق إمامنا «بيان» رحمة الله عليه إلى هذا الأمر سبقا أوجب له خلود الذّكر، فهو باق بقاء الدّهر، ومتجدّد في كلّ عصر؛ وما نعرف أحدا نال من الدّنيا حظّا من حظوظها فبقي له منه أثر يخلفه، وصيت يستبدّ به إلا هو وحده، فبيان رضوان الله عليه يذكر بتطفيله كما تذكر الملوك بسيرها؛ فمن بلغ إلى نهايته، أو جرى إلى غايته، سعد بغضارة عيشه في يومه، ونباهة ذكره في غده؛ جعلنا الله جميعا من السابقين إلى مداه، والمذكورين كذكراه. وأمره أن يعتمد موائد الكبراء والعظماء بغزاياه، وسمط الأمراء والوزراء بسراياه، فإنه يظفر منها بالغنيمة الباردة، ويصل عليها إلى الغريبة النّادرة؛ وإذا استقراها وجد فيها من طرائف الألوان، الملذّة للسان، وبدائع الطّعوم، السّائغة في الحلقوم، ما لا يجده عند غيرهم، ولا يناله إلا لديهم، لحذق صناعتهم، وجودة أدواتهم، وانزياح عللهم، وكثرة ذات بينهم؛ والله يوفّر من ذلك حظّنا، ويسدّد نحوه لحظنا، ويوضّح عليه دليلنا، ويسهّل إليه سبيلنا. وأمره أن يتّبع ما يعرض لموسري التّجّار، ومجهّزي الأمصار، من

وكيرة «1» الدّار، والعرس والإعذار، فإنهم يوسّعون على نفوسهم في النّوائب، بحسب تضييقهم عليها في الرّاتب؛ وربّما صبروا على تطفيل المتطفّلين، وأغضوا على تهجّم الواغلين، ليتحدّثوا بذلك في محافلهم الرّذلة، ويعدّوه في مكارم أخلاقهم النّذلة؛ ويقول قائلهم الباجح باتّساع طعامه، المباهي بكثرة حطامه: إنّني كنت أرى الوجوه الغريبة فأطعمها، والأيدي الممتدّة فأملؤها. وهذه طائفة لم ترد بما فعلته الكرم والسّعة، وإنما أرادت المنّ والسّمعة؛ فإذا اهتدى الأريب إلى طرائقها وصل إلى بغيته من إعلان قضيّتها، وفاز بمراده من ذخائر حسنتها، إن شاء الله. وأمره أن يصادق قهارمة «2» الدّور ومدبّريها، ويرافق وكلاء المطابخ وحمّاليها، فإنّهم يملكون من أصحابهم أزمّة مطاعمهم ومشاربهم، ويضعونها بحيث يحبّون من أهل مودّاتهم ومعارفهم؛ وإذا عدّت هذه الطائفة أحدا من الناس خليلا من خلّانها، واتّخذته أخا من إخوانها، سعد بمرافقتها، ووصل إلى محابّه من جهاتها، ومآربه في جنباتها. وأمره أن يتعهّد أسواق المسوّقين، ومواسم المتبايعين؛ فإذا رأى وظيفة قد زيد فيها، وأطعمة قد احتشد مشتريها، اتّبعها إلى المقصد بها، وشيّعها إلى المنزل الحاوي لها، واستعلم ميقات الدّعوة، ومن يحضرها من أهل النّسيان والمروّة، فإنه لا يخلو فيهم من عارف به يراعي وقت مصيره إليها ليتبعه، ويكمن له ليصحبه ويدخل معه؛ وإن خلا من ذلك اختلط بزمر الدّاخلين، وعصب الرّاحلين؛ فما هو إلا أن يتجاوز عتب الأبواب، ويخرج من سلطان البوّابين والحجّاب، حتّى يحصل حصولا قلّ ما حصل [عليه] «3» أحد قبله فانصرف عنه إلا ضليعا من الطّعام، بريقا من المدام، إن شاء الله.

وأمره أن ينصب الأرصاد على منازل المغنّيات والمغنّين، ومواطن الأبليات «1» والمخنّثين؛ فإذا أتاه خبر لجمع يضمّهم، ومأدبة تعمّهم، ضرب إليها أعناق إبله، وأنضى نحوها مطايا خيله، وحمل عليها حملة الحوت الملتقم، والثّعبان الملتهم، واللّيث الهاصر، والعقاب الكاسر، إن شاء الله. وأمره أن يتجنّب مجامع العوامّ المقلّين، ومحافل الرّعاع المقترين، وأن لا ينقل إليها قدما، ولا يعفّر لمأكلها فما، ولا يلقى في عتب دورها كيسانا «2» ، ولا يعدّ الرّجل منها إنسانا، فإنها عصابة يجتمع لها ضيق النّفوس والأحلام، وقلّة الإحكام والأموال؛ وفي التّطفيل عليها إجحاف بها يوسم، وإزراؤه بمروءة المتطفّل يوصم؛ والتّجنّب لها أحرى، والأزورار عنها أحجى، إن شاء الله. وأمره أن يحزر الخوان إذا وضع، والطعام إذا نقل، حتى يعرف بالحدس والتّقريب، والبحث والتّنقيب، عدد الألوان في الكثرة والقلّة، وافتنانها في الطيّب واللّذّة، فيقدّر لنفسه أن يشبع مع آخرها، وينتهي منها عند انتهائها، ولا يفوته النّصيب من كثيرها وقليلها، ولا يخطئه الحظّ من دقيقها وجليلها. ومتى أحسّ بقلّة الطّعام، وعجزه عن الأقوام، أمعن في أوّله إمعان الكيّس من سعته، الرّشيد في أمره، الماليء لبطنه، من كلّ حارّ وبارد، وخبيث وطيّب؛ فإنه إذا فعل ذلك سلّم من عواقب الأغمار الذين يكفّون تطرّفا، ويقلّون تأدّبا، ويظنّون أن المادّة تبلغهم في آخر أمرهم، وتنتهي بهم إلى غاية سعيهم، فلا يلبثوا أن يخجلوا خجلة الواثق، وينقلبوا بحسرة الخائب، أعاذنا الله من مثل مقامهم، وعصمنا من شقاء جدودهم، إن شاء الله.

وأمره أن يروض نفسه، ويغالط حسّه، ويضرب عن كثير مما يلحقه صفحا، ويطوي دونه كشحا، ويستحسن الصّمم عن الفحشا؛ وإن أتته اللّكزة في حلقه، صبر عليها في الوصول إلى حقّه، وإن وقعت به الصّفعة في رأسه، صبر عليها لموقع أضراسه، وإن لقيه لاق بالجفاء، قابله باللّطف والصّفاء، إذ كان قد ولج الأبواب، وخالط الأسباب؛ وجلس مع الحضور، وامتزج بالجمهور، فلا بدّ أن يلقاه المنكر لأمره، ويمرّ به المستغرب لوجهه؛ فإن كان حرّا حييّا أمسك وتذمّم، وإن كان فظّا غليظا همهم وتكلّم، وتجنّب عند ذلك المخاشنة، واستعمل مع المخاطب له الملاينة، ليبرّد غيظه، ويفلّ حدّه، ويكفّ غربه، ويأمن شغبه؛ ثم إذا طال المدى تكررت الألحاظ عليه فعرف، وأنست النّفوس به فألف، ونال من المحالّ المجتمع عليها، منال من حشم وسئل الذّهاب إليها. وقد بلغنا أن رجلا من العصابة كان ذا فهم ودراية، وعقل وحصافة، طفّل على وليمة، لرجل ذي حال عظيمة، فرمقته فيها من القوم العيون، وصرفت بهم فيه الظّنّون، فقال له قائل منهم: من تكون أعزّك الله؟ فقال: أنا أوّل من دعي إلى هذا الحقّ. قيل له: وكيف ذاك ونحن لا نعرفك؟ فقال: إذا رأيت صاحب الدّار عرفني وعرّفته نفسي؛ فجيء به إليه، فلما رآه بدأه بأن قال له: هل قلت لطبّاخك: أن يصنع طعامك زائدا على عدد الحاضرين، ومقدار حاجة المدعوّين؟ قال: نعم! قال: فإنّما تلك الزيادة لي ولأمثالي، وبها يستظهر لمن جرى مجراي، وهي رزق لنا أنزله الله على يدك وبك، فقال له: كرامة ورحبا، وأهلا وقربا؛ والله لا جلست إلا مع علية الناس ووجوه الجلساء، إذ أطرفت في قولك، وتفنّنت في فعلك. فليكن ذلك الرجل إماما يقتدى به، ويقتفى طريقه، إن شاء الله. وأمره بأن يكثر من تعاهد «الجوارشنات» «1» المنفّذة للسّدد، المقوّية

للمعد، المشهّية للطعام، المسهّلة لسبل الانهضام، فإنها عماد أمره وقوامه، وبها انتظامه والتئامه؛ إذ كانت تعين على عمل الدّعوتين، وتنهض في اليوم الواحد الأكلتين؛ وهو يتناولها كذا كالكاتب الذي يقطّ أقلامه، والجنديّ الذي يصقل حسامه، والصّانع الذي يحدّد آلته، والماهر الذي يصلح أدواته، إن شاء الله. هذا عهد عليكا بن أحمد إليك، وحجّته لك وعليك؛ لم يألك فيه إرشادا وتوقيفا، وتهذيبا وتثقيفا، وبعثا وتبصيرا، وحثّا وتذكيرا؛ فكن بأوامره مؤتمرا، وبزواجره مزدجرا، ولرسومه متّبعا، وبحفظها مضطّلعا، إن شاء الله تعالى، والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته.

الخاتمة في ذكر أمور تتعلق بديوان الإنشاء غير أمور الكتابة وفيها أربعة أبواب

الخاتمة في ذكر أمور تتعلق بديوان الإنشاء غير أمور الكتابة وفيها أربعة أبواب الباب الأوّل في الكلام على البريد؛ وفيه فصلان الفصل الأوّل في مقدمات يحتاج الكاتب إلى معرفتها؛ ويتعلّق الغرض من ذلك بثلاثة أمور الأمر الأوّل (معرفة معنى لفظ البريد لغة واصطلاحا) أما معناه لغة، فالمراد منه مسافة معلومة مقدّرة باثني عشر ميلا، واحتجّ له الجوهريّ بقول مزرّد «1» يمدح عرابة الأوسيّ: فدتك عراب اليوم أمّي وخالتي ... وناقتي النّاجي إليك بريدها!

الأمر الثاني (أول من وضع البريد وما آل إليه أمره إلى الآن)

يريد سيرها في البريد. وقد قدّره الفقهاء وعلماء المسالك والممالك بأنه أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ثلاثة آلاف ذراع بالهاشميّ، وهو أربعة وعشرون أصبعا، كلّ أصبع ستّ شعيرات معترضات، ظهر إحداها لبطن الأخرى، والشّعيرة سبع شعرات معترضات من ذنب بغل أو برذون «1» . قال الجوهريّ: ويقال أيضا على البريد: المرتّب؛ يقال: حمل فلان على البريد. قال: ويطلق أيضا على الرّسول: بريد. ثم اختلف فيه فقيل: إنه عربيّ. وعلى هذا ذهب «الخليل» إلى أنه مشتقّ من بردت الحديد إذا أرسلت ما يخرج منه. وقيل: من أبردته إذا أرسلته. وقيل: من برد إذا ثبت، لأنه يأتي بما تستقرّ عليه الأخبار، يقال: اليوم يوم بارد سمومه أي ثابت. وذهب آخرون إلى أنّه فارسيّ معرّب. قال أبو السعادات بن الأثير في كتابه «النّهاية في غريب الحديث» : وأصله بالفارسيّة «بريده دم» ، ومعناه مقصوص الذّنب. وذلك أن ملوك الفرس كانت من عادتهم أنهم إذا أقاموا بغلا في البريد قصّوا ذنبه، ليكون ذلك علامة لكونه من بغال البريد. وأنشد الجوهريّ لامريء القيس: على كلّ مقصوص الذّنابى معاود ... بريد السّرى باللّيل من خيل بربرا الأمر الثاني (أوّل من وضع البريد وما آل إليه أمره إلى الآن) أما في الجاهليّة، فقد ذكر في «التعريف» : أنّ البريد كان موجودا في عهد الأكاسرة من ملوك الفرس، والقياصرة ملوك الرّوم. قال: ولكن لا أعرف

هل كان على البريد المحرّر أو كانت مقاديره متفاوتة كما هو الآن؟. ثم قال: ولا أظنّه إلا على القدر المحرّر، إذ كانت حكمتهم تأبى إلّا ذلك. وأمّا في الإسلام فقد ذكر أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» : أنّ أوّل من وضعه في الإسلام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. قال في «التعريف» : وذلك حين استقرّت له الخلافة، ومات أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه، وسلّم له ابنه الحسن عليه السّلام، وخلا من المنازع، فوضع البريد لتسرع إليه أخبار بلاده من جميع أطرافها، فأمر بإحضار رجال من دهاقين الفرس وأهل أعمال الرّوم وعرّفهم ما يريد، فوضعوا له البريد. قال: وقيل: إنما فعل ذلك زمن عبد الملك بن مروان حين خلا وجهه من الخوارج عليه: كعمرو بن سعيد الأشدق، وعبد الله بن الزّبير، ومصعب بن الزبير، والمختار بن أبي عبيد. والذي ذكره العسكريّ: أن عبد الملك إنما أحكمه. وذكر عنه أنه قال لابن الدغيدغة: ولّيتك ما حضر بابي إلا أربعة: المؤذّن، فإنه داعي الله تعالى فلا حجاب عليه، وطارق اللّيل، فشرّ ما أتى به ولو وجد خيرا لنام، والبريد، فمتى جاء من ليل أو نهار فلا تحجبه، فربّما أفسد على القوم سنة حبسهم البريد ساعة، والطّعام إذا أدرك، فافتح الباب وارفع الحجاب وخلّ بين الناس وبين الدخول. ثم قال: ويذكر هذا الكلام عن زياد أيضا. قال في «التعريف» : وكان الوليد بن عبد الملك يحمل عليه الفسيفساء وهي الفصّ المذهب من القسطنطينيّة إلى دمشق، حتى صفّح منه حيطان المسجد الجامع بها، ومساجد مكّة والمدينة والقدس. قال: ثم لم يزل البريد قائما، والعمل عليه دائما، حتى آن لبناء الدّولة المروانيّة أن ينتقض، ولحبلها أن ينتكث، فانقطع ما بين خراسان والعراق، لانصراف الوجوه إلى الشّيعة القائمة بالدّولة العبّاسيّة. ودام الأمر على ذلك حتّى انقضت أيام مروان بن محمد آخر خلفاء بني أميّة، وملك السّفّاح، ثم

المنصور، ثم المهديّ، والبريد لا يشدّ له سرج، ولا تلجم له دابّة. ثم إن المهديّ أغزى ابنه هارون الرشيد الرّوم، وأحبّ أن لا يزال على علم قريب من خبره، فرتّب فيما بينه وبين معسكر ابنه بردا كانت تأتيه بأخباره، وتريه متجدّدات أيّامه. فلما قفل الرشيد قطع المهديّ تلك البرد؛ ودام الأمر على هذا باقي مدّته ومدّة خلافة موسى الهادي بعده. فلما كانت خلافة هارون الرّشيد، ذكر يوما حسن صنيع أبيه في البرد التي جعلها بينهما، فقال له يحيى ابن خالد: لو أمر أمير المؤمنين بإجراء البريد على ما كان عليه، كان صلاحا لملكه، فأمره به، فقرّره يحيى بن خالد، ورتّبه على ما كان عليه أيام بني أميّة، وجعل البغال في المراكز؛ وكان لا يجهّز عليه إلا الخليفة أو صاحب الخبر، ثم استمرّ على هذا؛ فلما دخل المأمون بلاد الرّوم ونزل على نهر البرذون «1» وكان الزمان حرّا، والفصل صيفا، قعد على النّهر ودلّى رجليه فيه وشرب ماءه، فاستعذبه واستبرده واستطابه، وقال لمن كان معه: ما أطيب ما شرب عليه هذا الماء؟، فقال كلّ رجل برأيه. فقال هو: أطيب ما شرب عليه هذا الماء رطب «إزاز» ، فقالوا له: يعيش أمير المؤمنين حتّى يأتي العراق ويأكل من رطبها الإزاز، فما استتمّوا كلامهم حتى أقبلت بغال البريد تحمل ألطافا فيها رطب إزاز، فأتي المأمون بها فأكل منها وأمعن وشرب من ذلك الماء، فكثر تعجّب الحاضرين منه لسعادته في أنه لم يقم من مقامه حتّى بلغ أمنيّته، على ما كان يظنّ من تعذّرها؛ فلم يقم المأمون من مقامه حتّى حمّ حمّى حادّة كانت فيها منيّته. ثم قطع بنو بويه البريد حين علوا على الخلافة وغلبوا عليها، ليخفى على الخليفة ما يكون من أخبارهم وحركاتهم أحيان قصدهم بغداد، وكان الخليفة لا يزال يأخذ بهم على بغتة. ثم جاءت ملوك السّلاجقة على هذا؛ وأهمّ ملوك الإسلام اختلاف

ذات بينهم وتنازعهم، فلم يكن بينهم إلا الرّسل على الخيل والبغال، في كلّ أرض بحسبها. فلما جاءت الدّولة الزّنكيّة أقامت لذلك النّجّابة «1» ، وأعدّت له النّجب المنتخبة. ودام ذلك مدّة زمانها ثم زمان بني أيّوب إلى انقراض دولتهم. وتبعها على ذلك أوائل الدّولة التّركية، حتّى صار الملك إلى الملك الظاهر بيبرس رحمه الله، واجتمع له ملك مصر والشام وحلب إلى الفرات، وأراد تجهيز دولته إلى دمشق فعيّن لها نائبا، ووزيرا، وقاضيا، وكاتبا للإنشاء. قال: وكان عمّي الصاحب شرف الدّين أبو محمد عبد الوهّاب رحمه الله هو كاتب الإنشاء، فلما مثل إليه ليودّعه، أوصاه وصايا كثيرة، آكدها مواصلته بالأخبار وما يتجدّد من أخبار التّتار والفرنج، وقال له: إن قدرت أن لا تبيّتني كلّ ليلة إلا على خبر [ولا تصبّحني إلا على خبر] «2» فافعل، فعرّض له بما كان عليه البريد في الزّمان الأوّل وأيام الخلفاء، وعرضه عليه فحسن موقعه منه وأمر به. قال عمّي: فكنت أنا المقرّر له قدّامه وبين يديه. ثم ذكر أنه لم يزل باقيا على ذلك إلى أيّامه. ثم قال: وهو جناح الإسلام الذي لا يحصّ «3» ، وطرف قادمته التي لا تقصّ. قلت: ولم يزل البريد بعد ذلك مستقرّا بالديار المصريّة والممالك الشّاميّة إلى أن غشي البلاد الشامية تمرلنك صاحب ما وراء النّهر، وفتح دمشق وخرّبها وحرّقها في سنة أربع وثمانمائة، فكان ذلك سببا لحصّ جناح البريد وبطلانه من سائر الممالك الشامية. ثم سرى هذا السّمّ إلى الدّيار المصرية فألحقها بالهمل، ورماها بعد الحلي بالعطل، فذهبت معالم البريد من مصر والشام، وعفت آثاره، وصار إذا عرض أمر من الأمور السلطانية في

الأمر الثالث (بيان معالم البريد)

بعض نواحي الديار المصرية أو الممالك الشامية، ركب البريديّ على فرس له، يسير بها الهوينا سير المسافر إلى المكان الذي يريده، ثم يعود على هذه الصورة، فيحصل بواسطة ذلك الإبطاء في الذّهاب والإياب. الأمر الثالث (بيان معالم البريد) إعلم أنه كان فيما تقدّم في زمن الخلفاء للبريد شخص مخصوص يتولّى أمره بتنفيذ ما يصدر وتلقّي ما يرد، يعبّر عنه ب «صاحب البريد» . وممن تعرّض إلى ذكر ذلك أبو جعفر النّحّاس «1» في كتابه «صناعة الكتّاب» في الكلام على أرباب الوظائف، واشتقاق أسمائهم. وقد أشار إليه الجوهريّ في صحاحه أيضا فقال: ويقال أبرد صاحب البريد إلى الأمير فهو مبرد يعني أرسل إليه البريد. ثم قد تقدّم في مقدّمة الكتاب في الكلام على صاحب ديوان الإنشاء وماله التّحدّث عليه- أن صاحب ديوان الإنشاء وماله التّحدّث عليه- أن صاحب ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية هو المتولّي لأمر البريد وتنفيذ أموره في الإيراد والإصدار. وكان للبريد ألواح من فضّة مخلّدة بديوان الإنشاء تحت أمر كاتب السّرّ بالأبواب السلطانية، منقوش على وجهي اللّوح نقشا مزدوجا ما صورته: «لا إله إلا الله محمد رسول الله، أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون. ضرب بالقاهرة المحروسة» . وعلى الوجه الآخر ما صورته: «عزّ لمولانا السّلطان الملك الفلانيّ: فلان الدّنيا والدّين، سلطان الإسلام والمسلمين، فلان، ابن مولانا السلطان الشهيد الملك الفلانيّ فلان، خلّد الله ملكه» «2» . وفي ذلك اللوح ثقب معلّق به شرّابة من حرير أصفر ذات

بندين، يجعلها البريديّ في عنقه، بإدخاله رأسه بين البندين، ويصيّر اللوح أمامه تحت ثيابه، والشّرّابة خلفه من فوق ثيابه. فإذا خرج بريديّ إلى جهة من الجهات، أعطي لوحا من تلك الألواح، يعلّقه في عنقه، على ما تقدّم ذكره، ويذهب إلى جهة قصده؛ فكلّ من رأى تلك الشّرّابة خلف ظهره علم أنه بريديّ. وبواسطة ذلك تذعن له أرباب المراكز بتسليم خيل البريد. ولا يزال كذلك حتّى يذهب ويعود، فيعيد ذلك اللّوح إلى ديوان الإنشاء. وكذلك الحكم في دواوين الإنشاء بدمشق وحلب وغيرهما من الممالك الشامية؛ لا يختلف الحكم في ذلك إلا في الكتابة بمحلّ ضرب اللّوح. فإن كان بدمشق كتب: «ضرب بالشّام» . وإن كان بحلب كتب: «ضرب بحلب المحروسة» وكذلك باقي الممالك.

الفصل الثاني من الباب الأول من الخاتمة في ذكر مراكز البريد

الفصل الثاني من الباب الأوّل من الخاتمة في ذكر مراكز البريد وهي الأماكن التي تقف فيها خيل البريد لتغيير خيل البريديّة فيها فرسا بعد فرس. قال في «التعريف» : وليست على المقدار المقدّر في البريد المحرّر، بل هي متفاوتة الأبعاد، إذ ألجأت الضّرورة إلى ذلك: تارة لبعد ماء، وتارة للأنس بقرية، حتى إنك لترى في [هذه] «1» المراكز البريد الواحد بقدر بريدين. ولو كانت على التّحرير [الذي عليه الأعمال] «2» لما كان تفاوت. وقد ذكر منها المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله رحمه الله في «التعريف» ما أربى في ذلك على المقصود وزاد، وهو بذلك أدرى وأدرب. وهأنا أذكر ما ذكره، موضّحا لما يحتاج منه إلى التّوضيح، مع الزيادة عليه وتقريب التّرتيب. ويشتمل على ستة مقاصد: المقصد الأوّل (في مركز قلعة الجبل المحروسة بالديار المصرية التي هي قاعدة الملك، وما يتفرّع عنه من المراكز، وما تنتهي إليه مراكز كلّ جهة) إعلم أن الذي يتفرّع عن مركز القلعة ويتشعّب منه أربع جهات، وهي:

جهة «قوص» من الوجه القبليّ وما يتّصل بذلك من أسوان وما يليها من بلاد النّوبة، وعيذاب وما يليها من سواكن، وجهة الإسكندريّة من الوجه البحريّ، وجهة دمياط من الوجه البحريّ أيضا، وما يتفرّع عنها من جهة غزّة من البلاد الشامية. فأما مراكز قوص وما يليها: فمن مركز قلعة الجبل المحروسة، ومنها إلى مدينة الجيزة. وهي قاعدة الأعمال الجيزيّة، وقد تقدّم الكلام عليها في الكلام على بلاد المملكة في المقالة الثانية. ثم منها إلى زاوية أمّ حسين، وهي قرية من عمل الجيزة. قال في «التعريف» : والمركز الآن بمنية القائد وهي على القرب من زاوية أمّ حسين المذكورة؛ ثم منها إلى «ونا» وهي بلدة من عمل البهنسى؛ ثم منها إلى دهروط وهي بلدة من عمل البهنسى أيضا؛ ثم منها إلى أقلوسنا «1» ، وهي بلدة من عمل الأشمونين؛ ثم منها إلى منية بني خصيب، وهي مدينة من عمل الأشمونين، وقد تقدّم الكلام عليها في المقالة الثانية؛ ثم منها إلى مدينة الأشمونين، وهي قاعدة بلادها، وقد تقدّم الكلام عليها في المقالة الثانية؛ ثم منها إلى ذروة سربام «2» وهي بلدة من عمل الأشمونين على فم الخليج اليوسفيّ الواصل من النّيل إلى الفيّوم، وتعرف بذروة الشريف، إضافة إلى الشّريف ناصر الدّين محمد بن تغلب الذي كان عصى بها في زمن الظّاهر بيبرس، وسمت نفسه إلى الملك حتّى كاده الظّاهر وقبض عليه وشنقه بالإسكندرية، وبها دياره وقصوره والجامع الذي أنشأه بها إلى الآن؛ ثم منها إلى مدينة منفلوط، وهي قاعدة الأعمال المنفلوطيّة التي هي أجلّ خاصّ السّلطان؛ ثم منها إلى مدينة أسيوط، وهي قاعدة الأعمال الأسيوطيّة، ومقرّ نائب الوجه القبليّ الآن، وقد تقدّم ذكرها في المقالة الثانية؛ ثم منها إلى طما، وهي قرية من عمل أسيوط المقدّمة الذّكر

على ضفّة النّيل؛ ثم منها إلى المراغة، وهي بلدة من عمل إخميم. قال في «التعريف» : وربّما سمّيت المرائغ؛ ثم منها إلى بلسبورة وهي بلده من عمل إخميم أيضا. قال في «التعريف» : وربّما قيل بلزبورة «1» بإبدال السّين زايا، ثم منها إلى جرجا، وهي بلدة من العمل المذكور، ثم منها إلى البلينة، وهي بلدة من عمل قوص، ويقال فيها البلينا «2» بإبدال الهاء ألفا؛ ثم منها إلى «هوّ» ، وهي بلدة من عمل قوص أيضا؛ قال في «التعريف» : ويليها الكوم الأحمر، وهما من خاصّ السلطان، وعندهما ينقطع الرّيف في البرّ الغربيّ، ويكون الرّمل المتّصل بدندرى ويسمّى خان دندرى، وقد تقدّم الكلام على ذلك مستوفى في المقالة الثانية. ومنها إلى مدينة قوص قاعدة الأعمال القوصيّة، وقد تقدّم الكلام عليها في المقالة الثانية. ثم من قوص تنقطع مراكز البريد، ويتشعّب الطريق إلى جهة أسوان، وبلاد النّوبة، وجهة عيذاب وسواكن. فمن أراد المسير إلى جهة أسوان ركب الهجن من قوص إلى أسوان، ثم منها إلى بلاد النّوبة. ومن أراد المسير إلى عيذاب سار من قوص إلى كيمان قفط على القرب من قوص. قلت: ثم يسير في قفار وجبال، من كيمان قفط إلى ماء يسمى ليطة على مرحلة من الكيمان، به عين تنبع وليست جارية، ثم منها إلى ماء يسمى الدريح على القرب من معدن الزّمرّد، به عين صغيرة يستقى منها من الماء ما شاء الله، وهي لا تزيد ولا تنقص؛ ثم منها إلى حميثرة حيث قبر سيّدي أبي الحسن الشّاذليّ، وهناك عين ماء يستقى منها؛ ثم منها إلى عيذاب، وهي

قرية صغيرة على ضفّة بحر القلزم في الشمال إلى الغرب، وعلى القرب منها عين يستقى منها. وتقدير جميع المسافة من الكيمان إلى عيذاب نحو عشرة أيام بسير الأثقال، على أنه في «مسالك الأبصار» قد ذكر أن الطّريق إلى عيذاب من شعبة على القرب من أسوان، ثم يسير منها في بلاد عرب يسمّون بني عامر إلى سواكن، وهي قرية حاضرة البحر صاحبها من العرب، وكتب السلطان تنتهي إليه، على ما تقدّم ذكره في الكلام على المكاتبات. وأما الإسكندرية فالمراكز الموصّلة بها في طريقين: الطريق الأولى: الآخذة على الجبل الغربي ويسمّى طريق الحاجر. والمسير فيها من مركز القلعة المقدّم ذكره إلى مدينة الجيزيّة؛ ثم منها إلى جزيرة القطّ، وهي قرية من آخر عمل الجيزة من الجهة البحرية؛ ثم منها إلى وردان، وهي قرية من عمل البحيرة. [ثم منها إلى الطّرّانة] «1» ؛ ثم منها إلى طيلاس «2» وهي بلدة من عمل البحيرة أيضا وتعرف بزاوية مبارك. قال في «التعريف» : وأهل تلك البلاد يقولون: انبارك. ثم منها إلى مدينة دمنهور وتعرف بدمنهور الوحش، وهي قاعدة أعمال البحيرة، ومحلّ مقام نائب السّلطنة بالوجه البحريّ، وقد تقدّم الكلام عليها في المقالة الثانية، ثم منها إلى لوقين وهي قرية من عمل البحيرة؛ ثم منها إلى الإسكندريّة. الطريق الثانية: الآخذة في وسط العمران، وتعرف بالوسطى. وهي من مركز القلعة إلى مدينة قليوب قاعدة الأعمال القليوبيّة، وقد تقدّم الكلام عليها في المقالة الثانية، ثم منها إلى مدينة منوف العليا، وهي

قاعدة الأعمال المنوفيّة، وقد تقدّم الكلام عليها في المقالة الثانية، ثم منها إلى مدينة المحلّة المعروفة بالمحلّة الكبرى، وهي قاعدة الأعمال الغربيّة، وقد تقدّم الكلام عليها في المقالة الثانية. وقد وهم في «التعريف» فسماها محلّة المرحوم بلدة من بلاد الغربيّة غيرها، ثم منها إلى النحريريّة، وهي مدينة من عمل الغربية، ثم منها إلى الإسكندريّة. وأما الطريق إلى دمياط وغزّة، فمن مركز القلعة إلى سرياقوس، وهي بلدة من ضواحي القاهرة، وليس المركز في نفس البلد، بل بالقرية المستجدّة بجوار الخانقاه النّاصرية التي أنشأها السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون على القرب من سرياقوس. قال في «التعريف» : وكان قبل هذا بالعشّ، وكان طويل المدى في مكان منقطع، وكانت البريديّة لا تزال تتشكّى منه، فصلح بنقله، وحصل به الرّفق لأمور لم يكن منها إلا قربه من الأسواق المجاورة للخانقاة النّاصريّة وما يوجد فيها، وأنسه بما حولها [لكفى] ، ثم منها إلى بئر البيضاء، وهي مركز بريد منفرد ليس حوله ساكنون، ثم منها إلى مدينة بلبيس قاعدة الأعمال الشّرقية، وقد تقدّم الكلام عليها في المقالة الثانية. قال في «التعريف» : وهي آخر المراكز السّلطانية، وهي التي تشترى خيلها من الأموال السلطانية ويقام لها السّوّاس «1» وتصرف لها العلوفات، ثم منها إلى السّعيديّة، ثم من السّعيدية إلى أشموم الرّمّان قاعدة بلاد الدّقهليّة والمرتاحيّة، وقد تقدّم ذكرها في المقالة الثانية، ومنها إلى دمياط ومن أراد غزّة. وقد تقدّم أنّ مدينة بلبيس هي آخر المراكز السلطانية. ثم السّعيديّة وما بعدها إلى الخرّوبة تعرف بالشّهّارة، خيل البريد بها مقرّرة على عربان ذوي إقطاعات، عليهم خيول موظّفة يحضر بها أربابها عند هلال كلّ شهر إلى المراكز؛ وتستعيدها في آخر الشّهر ويأتي غيرها، ومن هنالك سمّيت

الشّهّارة. قال في «التعريف» : وعليهم وال من قبل السّلطان يستعرض في رأس كلّ شهر خيل أصحاب النوبة ويدوّغها بالدّاغ «1» السلطانيّ. قال: وما دامت تستجدّ فهي قائمة، ومتى اكترى أهل نوبة ممن قبلهم فسدت المراكز، لأن الشّهر لا يهلّ وفي خيل المنسلخ قوّة، لا سيّما والعرب قليلة العلف. وأوّل هذه المراكز السّعيديّة المقدّم ذكرها، ثم منها إلى الخطّارة، ثم منها إلى قبر الوايلي. قال في «التعريف» : وقد استجدّ به أبنية وأسواق وبساتين حتّى صار كأنه قرية، ثم منها إلى الصّالحيّة، وهي قرية لطيفة. قال في «التعريف» : وهي آخر معمور الديار المصرية، ثم منها إلى بئر عفرى «2» ، وإلى هذا المركز يجلب الماء من بئر وراءه، ومنها إلى القصير. قال في «التعريف» : وقد كان كريم الدّين وكيل الخاصّ بنى بها خانا ومسجدا ومئذنة، وعمل ساقية، فتهدّم ذلك كلّه، ولم يوجد له من يجدّده، وبقيت المئذنة خاصّة، ورتّب بها زيت للتّنوير. قال: وهذا القصير يقارب المركز القديم المعروف بالعاقولة المقارب لقنطرة الجسر الجاري تحتها فواضل ماء النيل أوان زيادته إذا خرج إلى الرّمل، ثم منها إلى حبوة. قال في «التعريف» : وليس بها ماء ولا بناء، وإنما هي موقف يقف به خيل العرب الشّهّارة، ويجلب الماء إليها من بئر وراءها، ثم منها إلى الغرابي، ثم منها إلى قطيا، وهي قرية صغيرة بها تؤخذ المرتّبات السلطانية من التّجّار الواردين إلى مصر والصادرين عنها، وهناك رمل بالطريق يختم في الليل ويحفظ ما حوله بالعربان، حتّى لا يمرّ أحد ليلا. فيكون من القاهرة إلى قطيا اثنا عشر بريدا، ثم منها إلى صبيحة نخلة معن. قال في «التعريف» : ومن الناس من يقتصر على إحدى هذه الكلمات في تسميتها؛ ثم منها إلى المطيلب؛ ثم منها

المقصد الثاني (في مراكز غزة وما يتفرع عنه من البلاد الشامية)

إلى السّوادة. قال في «التعريف» : وقد حوّلت عن مكانها فصار المسافر لا يحتاج إلى تعريج إليها، ثم منها إلى الورّادة، قال في «التعريف» : وهي قرية صغيرة بها مسجد على قارعة الطريق، بناه الملك الأشرف «خليل» بن المنصور قلاوون تغمده الله برحمته، حصل به الرّفق بمبيت السّفّارة به. قال: وقد كان فخر الدّين كاتب المماليك بنى إلى جانبه خانا فبيع بعده، ثم منها إلى بئر القاضي. قال في «التعريف» : والمدى بينهما بعيد جدّا يملّه السّالك، ومنها العريش. قال في «التعريف» : وقد أحسن كريم الدّين رحمه الله بعمل ساقية سبيل به وبناء خان حصين فيه يأوي إليه من الجأه المساء، وينام فيه آمنا من طوارق الفرنج، ثم منها إلى الخرّوبة، وبها ساقية وخان، بناهما فخر الدّين كاتب المماليك، حصل به من الرّفق والأمن ما بالعريش. قال في «التعريف» : وهذا آخر مراكز العرب الشّهّارة، ثم ممّا يليها خيل السلطان ذوات الإصطبلات والخدم تشترى بمال السلطان وتعلف منه، وأوّلها الزّعقة، ثم منها إلى رفح، ثم منها إلى السلقة. قال في «التعريف» : وكان قبل هذا المركز ببئر طرنطاي حيث الجمّيز ويسمى سطر. قال: وكان في نقله إلى السلقة المصلحة، ثم منها إلى الدّاروم، ثم منها إلى غزّة. يكون من قطيا إلى غزّة أحد عشر مركزا. المقصد الثاني (في مراكز غزّة وما يتفرّع عنه من البلاد الشامية) والذي يتفرّع عنه مراكز ثلاث جهات، وهي: الكرك، ودمشق، وصفد. فأما الطريق إلى الكرك: فمن غزّة إلى ملاقس وهو مركز بريد، ثم منها إلى بلد الخيل عليه السّلام، ثم منها إلى جنبا، ثم منها إلى الصّافية، ثم منها إلى الكرك. وأما مراكز دمشق: فمن غزّة إلى الجينين، وهو مركز بريد؛ ومنها إلى بيت دارس «1» ، والناس يقولون: تدارس، وبها خان بناه ناصر الدّين خزندار

تنكز. قال في «التعريف» : وكان قديما بياسور، وكان قريب المدى فنقل وكانت المصلحة في نقله؛ ثم منها إلى قطرى «1» . قال في «التعريف» : وهو مركز مستجدّ كان المشير به طاجار الدوادار الناصريّ، وبه بئر سبيل وآثار له. قال: وقد حصل به رفق عظيم لبعد ما بين [لدّ وبيت دارس] «2» أو ياسور، ثم منها إلى لدّ، ثم منها إلى العوجاء. قال في «التعريف» : وهي زوراء عن الطّريق، ولو نقلت منه لكان أرفق؛ ثم منها إلى الطيرة. قال في «التعريف» : وبها خان كان قد شرع في بنائه ناصر الدّين دوادار تنكز ثم كمل بيد غيره؛ ثم منها إلى قاقون، ثم منها إلى فحمة [ثم منها إلى جينين] «3» . قال في «التعريف» : وهي على صفد، يعني القيام به، وبه خان لطاجار الدّوادار، حسن البناء جليل النّفع، ليس على الطريق أخصّ منه ولا أحصن، ولا أزيد نفعا منه ولا أزين. ومن أراد دمشق وما يليها سار من جينين إلى ذرعين «4» . قال في «التعريف» : ومنها ينزل على عين جالوت، وهو مركز مستجدّ حصل به أعظم الرّفق والرّاحة من العقبة التي كان [يسلك] «5» عليها بين جينين وبيسان مع طول المدى، ثم منها إلى بيسان؛ ثم منها إلى المجامع. قال في «التعريف» : وهو مركز مستجدّ عند جسر أسامة «6» ، كنت أنا المشير به في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وحصل به الرّفق لبعد ما كان بين بيسان وزحر. قال: وقد كان الطريق قديما من بيسان [إلى] «7» طيبة اسم، ثم إلى أربد، وكانت غاية في المشقّة، إذ كان المسافر ما بين بيسان وطيبة اسم

المقصد الثالث (في ذكر دمشق وما يتفرع عنه من المراكز الموصلة إلى حمص وحماة وحلب، وإلى الرحبة، وإلى طرابلس، وإلى جعبر، ومصياف وبيروت وصيدا وبعلبك والكرك وأذرعات)

يحتاج إلى خوض الشّريعة، وبها معدّية للفارس دون الفرس، وإنما يعبر فيها الفرس سباحة، وكان في هذا من المشقّة ما لا يوصف، لا سيّما أيام زيادة الشّريعة «1» وكلب البرد: لقطع الماء ومعاناة العقاب التي لا يشقّها جناح العقاب، ولكن الأمير الطنبغا كافل الشّام رحمه الله نقل هذه الطّريق وجعلها على القصير حيث هي اليوم، ونقل المركز من الطّيبة إلى زحر حين غرق بعض البريديّة الجبليين بالشّريعة؛ ثم من المجامع المذكورة إلى زحر «2» ، ثم منها إلى أربد، ثم منها إلى طفس، ثم منها إلى الجامع. قال في «التعريف» : وكان قديما في المكان المسمّى برأس الماء، فلما ملكه الأمير الكبير تنكز كافل الشّام رحمه الله نقل المركز منه إلى هذا الجامع، فقرب به المدى فيما بينه وبين طفس، وكان بعيدا فما جاء إلا حسنا، ثم منها إلى الصّنمين، ثم منها إلى غباغب؛ ثم منها إلى الكسوة، ثم منها إلى دمشق المحروسة. وأما الطريق الموصّلة إلى صفد: فمن جينين المقدّم ذكرها إلى تبنين؛ ثم منها إلى [حطّين] «3» وبها قبر شعيب عليه السّلام، ثم منها إلى صفد. المقصد الثالث (في ذكر دمشق وما يتفرّع عنه من المراكز الموصّلة إلى حمص وحماة وحلب، وإلى الرّحبة، وإلى طرابلس، وإلى جعبر، ومصياف وبيروت وصيدا وبعلبكّ والكرك وأذرعات) فأما طريق حلب: فقال في «التعريف» : من دمشق إلى القصير. والذي رأيته في بعض الدّساتير أنه من دمشق إلى خان لاجين، ثم إلى القصير. قال في «التعريف» : ثم من القصير إلى القطيفة، ثم منها إلى

القسطل. ورأيت في الدّستور المذكور [أنه] «1» من القصير إلى خان الوالي، ثم إلى خان العروس، ثم إلى القسطل، ثم منها إلى قارا، ثم منها إلى بريج العطش، ويقال فيه البزيج أيضا. قال في «التعريف» : وقد كان مقطع طريق، وموضع خوف، فبنى به قاضي القضاة نجم الدّين أبو العبّاس أحمد بن صصري رحمه الله مسجدا وبركة، وأجرى الماء إلى البركة من ملك كان له هناك وقفه على هذا السّبيل، فبدّل الخوف أمنا، والوحشة أنسا، أثابه الله على ذلك. ثم منها إلى الغسولة، ثم منها إلى سمنين، ثم منها إلى حمص، ثم منها إلى الرّستن، ثم منها إلى حماة، ثم منها إلى لطمين، ثم منها إلى طرابلس، ثم منها إلى المعرّة، ثم منها إلى أنقراتا، ثم منها إلى إياد، ثم منها إلى قنّسرين، ثم منها إلى حلب. وأما طريق الرّحبة: فمن القطيفة المقدّمة الذّكر إلى العطنة. قال في «التعريف» : وليس بها مركز، وإنّما بها خان تفرّق به صدقة من الخبز والأحذية ونعال الدّوابّ، [ثم] «2» إلى جليجل، ثم منها إلى المصنع، ثم منها إلى القريتين، ثم منها إلى الحسير، ثم منها إلى البيضاء، ثم منها إلى تدمر، ثم منها إلى أرك، ثم منها إلى السّخنة، ثم منها إلى قباقب، ثم منها إلى كواثل. قال في «التعريف» : وهو اليوم عطل. ثم منها إلى الرّحبة وهي حدّ هذه المملكة. وأما طريق طرابلس: فمن الغسولة المتقدّمة الذّكر [إلى القصب، ثم منها إلى قدس] «3» إلى أقمار، ثم منها إلى الشّعراء، ثم منها إلى عرقا، ثم منها إلى طرابلس. وأما طريق جعبر وما يليها: فمن حمص المتقدّمة الذّكر إلى سلمية،

ثم منها إلى بغيديد، ثم منها إلى سوريا، ثم منها إلى الحص، ثم منها إلى جعبر، إلى عين بذال، ثم منها إلى صهلان، ثم منها إلى الخابور، ثم منها إلى رأس عين. وأما طريق مصياف: فمن حمص المقدّمة الذّكر إلى مصياف. وأما طريق صفد: فمن دمشق إلى بريج الفلوس، ومنه إلى أرينبة، ومنها إلى لغران، ومنها إلى صفد. وأما طريق بيروت: فمن دمشق إلى ميسلون، ومنها إلى زبدان، ومنها إلى الحصين، ومنها إلى بيروت. وأما طريق صيداء: فمن دمشق إلى خان ميسلون المقدّم الذّكر، إلى جزيرة صيداء، إلى كرك نوح، ثم منه إلى بعلبكّ. قال في «التعريف» : واعلم أنّ من صيداء إلى بيروت قدر مركز. وأما بعلبكّ، فلها طريقان: إحداهما من خان ميسلون المقدّم الذّكر إلى كرك نوح إلى بعلبكّ. والثانية من دمشق إلى الزّبدانيّ إلى بعلبكّ. ومن أراد من بعلبكّ حمص، توجّه منها إلى القصب، ثم إلى الغسولة المتقدمة الذّكر، وبعدها شمسين، ثم حمص على ما تقدّم ذكره. وأما طريق الكرك: فمن دمشق- في المراكز المذكورة في الوصول من غزّة إلى دمشق- على عكس ما تقدّم، إلى طفس، ومنها إلى القنية، ومنها إلى البرج الأبيض، ومنها إلى حسبان، ومنها إلى [ديباج] «1» ومنها إلى [اكرية] «2» ومنها إلى الكرك. وأما طريق أذرعات، مقرّ ولاية الولاة بالصّفقة القبليّة: فمن طفس

المقصد الرابع (من مركز حلب وما يتفرع عنه من المراكز الواصلة إلى البيرة وبهسنى وما يليهما، وقلعة المسلمين المعروفة بقلعة الروم، وآياس، مدينة الفتوحات الجاهانية، وجعبر)

المقدمة الذّكر إلى أذرعات. قال في «التعريف» : فهذه جملة مراكز دمشق إلى كل جهة. قال: فأما مقدار الولايات، فمن كلّ واحدة إلى ما يليها، حتّى يتوصّل المسافر على البريد إلى حيث أراد. المقصد الرابع (من مركز حلب وما يتفرّع عنه من المراكز الواصلة إلى البيرة وبهسنى وما يليهما، وقلعة المسلمين المعروفة بقلعة الرّوم، وآياس، مدينة الفتوحات الجاهانية، وجعبر) فأما الطريق الموصّلة إلى البيرة: فمن حلب إلى الباب، ثم منها إلى السّاجور. ثم منها إلى كلناس «1» ، ثم منها إلى البيرة، وهي في البرّ الشّرقيّ من الفرات. قال في «التعريف» : وهي أجلّ ثغورها. وأما طريق بهسنى وما يليها: فمن حلب إلى السموقة، ثم منها إلى سندرا «2» ، [ثم منها إلى بيت الفار] «3» ثم منها إلى عينتاب، ثم منها إلى بهسنى. ثم منها يدخل إلى جهة قيساريّة والبلاد المعروفة الآن ببلاد الرّوم، وهي بلاد الدّروب. قال في «التعريف» : وقد استضفنا نحن (يعني أهل هذه المملكة) في هذا الحين القريب إلينا منها: قيساريّة ودرندة، وإنما المستقرّ المعروف أنّ آخر حدّ الممالك الإسلامية من هذه الجهة- بهسنى. وأما طريق قلعة المسلمين وما يليها: فمن عينتاب المقدّمة الذكر إليها،

المقصد الخامس (في مركز طرابلس وما يتفرع عنه من المراكز الموصلة إلى جهاتها)

وهي وسط الفرات، وهو خلجان دائرة عليها. ثم من قلعة المسلمين إلى جسر الحجر، ثم إلى الكختا، وهي آخر الحدّ من الطّرف الآخر. وأما طريق آياس: فمن حلب إلى أرحاب، ثم منها إلى تيزين، ثم منها إلى يغرا، ثم منها إلى بغراس؛ قال في «التعريف» : وهي كانت آخر الحدّ مما يلي بلاد الأرمن. قال: وقد استضفنا نحن في هذا الحين ما استضفنا، فصار من بغراس إلى باياس، وهي أوّل جيل الأرمن، ثم من باياس إلى آياس. وأما طريق جعبر: فمن حلب إلى الجبّول، ثم منها إلى بالس، ثم منها إلى جعبر. قال في «التعريف» : هذه جملة مراكز حلب. أما بقايا القلاع ومقارّ الولايات، فمن شعب هذه الطّرق، أو من واحدة إلى أخرى. المقصد الخامس (في مركز طرابلس وما يتفرّع عنه من المراكز الموصّلة إلى جهاتها) فأما طريق اللّاذقيّة: فمن طرابلس إلى مرقية، ثم منها إلى بلنياس، ثم منها إلى اللّاذقيّة، ثم منها إلى صهيون- وهي قلعة جليلة كانت دار ملك- ثم منها إلى بلاطنس. قال في «التعريف» : ومن شاء فمن صهيون إلى برزيه- وهو حصن سمّي باسم من عمره أو عرف بملكه- ومن شاء فمن بلاطنس إلى العلّيقة أوّل قلاع الدّعوة مما يلي بلاطنس، ثم منها إلى الكهف، ثم منها إلى القدموس، ثم منها إلى الخوابي، ثم منها إلى الرّصافة، ثم منها إلى مصياف. قال في «التعريف» : فهذه جملة مراكز طرابلس. فأما مقارّ الولايات فمن واحدة إلى أخرى، ثم ذكر جميع مراكز البريد بالممالك المحروسة. قال: فأمّا من أطراف ممالكنا إلى حضرة الأردو «1» ، حيث هو ملك بني

المقصد السادس (في معرفة مراحل الحجاز الموصلة إلى مكة المشرفة والمدينة النبوية، على ساكنها سيدنا محمد أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام، إذ كانت من تتمة الطرق الموصلة إلى بعض أقطار المملكة)

هولاكو، فلهم مراكز تسمّى خيل الأولاق وخيل اليام يحمل عليها، لا تشترى بمال السلطان ولا يكلّف ثمنها، وإنما هي على أهل تلك الأرض، نحو مراكز العرب في رمل مصر ونحو ذلك. المقصد السادس (في معرفة مراحل الحجاز الموصّلة إلى مكّة المشرّفة والمدينة النّبويّة، على ساكنها سيدنا محمد أفضل الصلاة والسّلام والتحية والإكرام، إذ كانت من تتمّة الطّرق الموصّلة إلى بعض أقطار المملكة) وكما ضبطت تلك بالمراكز فقد ضبطت هذه بالمراحل. وعادة الحجّاج أنهم يقطعون في كلّ يوم وليلة منها مرحلتين بسير الأثقال، ودبيب الأقدام، [ويقطعونها كلّها] «1» في شهر، بما فيه من أيّام الإقامة بالعقبة والينبع نحو ستّة أيام. أما من يسافر على النّجب مخفّا مع الجدّ في السّير فإنه يقطعها في نحو أحد عشر. ثم أوّل مصيرهم من القاهرة إلى البركة المعروفة ببركة الحاجّ؛ ثم منها إلى البويب، ثم منها إلى الطّليحات، ثم منها إلى المنفرح، ثم منها إلى مراكع موسى، ثم منها إلى عجرود- وبها بئر ومصنع ماء متّسع يملأ منها- ثم منها إلى المنصرف، ثم منها إلى وادي القباب- وهو كثير الرّمل- ثم منها إلى أوّل تيه بني إسرائيل- وهو واد أفيح متّسع- ثم منها إلى العنق، ثم منها إلى نخل- وبها ماء طيّب- ثم منها إلى جسد الحيّ، ثم منها إلى بئر بيدرا، ثم منها إلى تمد الحصا، ثم منها إلى ظهر العقبة، ثم منها إلى سطح العقبة- وهو عرقوب البغلة على جانب طرف بحر القلزم، وفيها ماء طيّب من حفائر- ثم منها إلى حفن على جانب طرف بحر القلزم- وفيها ماء طيّب من الحفائر-

ثم منها إلى عشّ الغراب، ثم منها إلى آخر الشرفة، ثم منها إلى مغارة شعيب- وبها ماء ومصنع- ثم منها إلى وادي عفّان، ثم منها إلى ذات الرّخيم، ثم منها إلى عيون القصب- وبه ماء نابع وأجمة قصب نابتة فيها- ثم منها إلى المويلحة- وبها ماء في آبار- ثم منها إلى المدرّج، ثم منها إلى سلمى مجاور بحر القلزم- وبها ماء ملح- ثم منها إلى الأتيلات، ثم منها إلى الأزنم، والناس يقولون: الأزلم باللام بدل النون، وبه آبار بها ماء رديء يطلق بطن من شربه، لا يسقى منه غالبا إلا الجمال، وهي نصف الطّريق- ثم منها إلى رأس وادي عنتر، ثم منها إلى الوجه، وبه آبار قليلة الماء، وما هو داخل الوادي يعزّ الماء فيه غالبا ولا يوجد فيه إلا حفائر، ويقال: إنه إذا طلعت الشّمس عليه نضب ماؤه، وفيه يقول بعض من حجّ من الشعراء وعزّ عليه وجود الماء فيه: إذا قلّ ماء «الوجه» قلّ حياؤه ... ولا خير في «وجه» بغير حياء! ثم منه إلى المحاطب، ثم منها إلى أكرا، ثم منها إلى رأس القاع الصّغير، ثم منه إلى قبر القرويّ، ثم منه إلى كلخا، ثم منها إلى آخر القاع الصّغير، ثم منه إلى الحوراء، وبها ماء غير صالح، ثم منها إلى العقيق بضم العين تصغير عقيق بفتحها، وهو مضيق صعب- ثم منها إلى مغارة نبط، وبها ماء عذب ليس بطريق الحجاز أطيب منه، ثم منها إلى وادي النّور، ثم منها إلى قبر أحمد الأعرج الدّليل، ثم منه إلى آخر وادي النّور، ثم منه إلى رأس السّبع وعرات، ثم منها إلى دار البقر، ثم منها إلى الينبع، وهي النّصف والرّبع من الطريق، وبها تقع الإقامة ثلاثة أيام أو نحوها، وبها يودع الحجّاج ما ثقل عليهم إلى حين العود، ويستميرون منها مما يصل إليها من الديار المصرية في سفن بحر القلزم- ثم منها إلى المحاطب في الوعر، ثم منها إلى رأس وادي بدر، وهي منزلة حسنة بها عيون تجري وحدائق- ثم منها إلى رأس قاع البزوة، ثم منه إلى وسط قاع البزوة، ثم منه إلى رابغ، وهو مقابل الجحفة التي هي ميقات الإحرام لأهل مصر، وبها يحرم الحجّاج

الطريق إلى المدينة النبوية (على ساكنها أفضل الصلاة والسلام)

ولا يغشون الجحفة، إذ قد دعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بنقل حمّى المدينة إليها بقوله: «وانقل حمّاها إلى الجحفة» فلو مرّ بها طائر لحمّ- ثم منها إلى قديد بضم القاف، ثم منه إلى عقبة السويق، ثم منها إلى خليص- وبه مصنع ماء- ثم منها إلى عسفان، ثم منها إلى مدرّج عليّ، وهو كثير الوعر، ثم منه إلى بطن مرّ، والعامة يقولون: مرو، بزيادة واو، وبه عيون تجري وحدائق- ثم منه إلى مكّة المشرفة شرّفها الله تعالى وعظّمها، ثم من مكّة إلى منى، وبها ماء طيّب من آبار تحفر، ثم منها إلى المشعر الحرام والمزدلفة، ثم منها إلى عرفة وهي الموقف، واليها ينتهي سفر الحجّاج. ثم العود في المنازل المتقدّمة الذّكر إلى وادي بدر على عكس ما تقدّم. الطريق إلى المدينة النّبويّة (على ساكنها أفضل الصلاة والسّلام) من مصر في المراحل المتقدّمة الذّكر، إلى وادي بدر المتقدّمة الذّكر، إلى رأس وادي الصّفراء، وبه عيون تجري وحدائق وأشجار- ثم منها إلى وادي بني سالم، ثم منه إلى وادي الغزالة، ثم منه إلى الفرش، ثم منه إلى بئر عليّ، وبها ماء طيّب، ثم منها إلى المدينة الشريفة النّبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسّلام والتحية والإكرام. ومن شاء ذهب إليها من الينبع إلى رأس نقب عليّ عند طرف الجبل، ثم إلى وادي الصّفراء، ثم في المراحل المتقدّمة الذّكر إلى المدينة؛ وهي أقرب الطريقين للذّاهب من مصر، وتلك أقرب للعائد من مكّة.

الباب الثاني من الخاتمة في مطارات الحمام الرسائلي، وذكر أبراجها المقررة بطرق الديار المصرية والبلاد الشامية، وفيه فصلان

الباب الثاني من الخاتمة في مطارات الحمام الرّسائليّ، وذكر أبراجها المقرّرة بطرق الديار المصرية والبلاد الشّاميّة، وفيه فصلان الفصل الأوّل في مطاراته قد تقدّم في الكلام على أوصاف الحمام- عند ذكر ما يحتاج إلى وصفه في أواخر مقاصد المكاتبات من المقالة الرّابعة- أنّ الحمام اسم جنس يقع على هذا الحمام المتعارف بين الناس، وعلى اليمام والدّباسيّ والقماريّ والفواخت وغيرها، وأنّ المتبادر إلى فهم السامع عند ذكر الحمام هو هذا النّوع المخصوص، وأن أغلاه قيمة وأعلاه رتبة الحمام الرسائليّ، وهو الذي يتّخذه الملوك لحمل المكاتبات، ويعبّر عنه ب «الهدي» . وتقدّم هناك الكلام على ذكر ألوانها على اختلافها، وعدد الرّياش المعتبرة فيها، وهي رياشّ أجنحتها وأذنابها، وبيان الفرق بين الذّكر والأنثى، وصفة الطائر الفاره، والفراسة في نجابته في حال صغره، والزّمان والمكان اللائقين بالإفراخ، وما يجري مجرى ذلك مما يحتاج إليه الكاتب عند وصفه لبيان النّجيب منه من غيره، فأغنى عن ذكره هنا. والمختصّ منه بهذا المكان ذكر الاعتناء بهذا الحمام، وأوّل من اهتمّ

بشأنه، واعتنى بأمره، ومن قام به من الملوك، ومسافات طيرانه، وما يجري هذا المجرى. فأما الاعتناء به والاهتمام بشأنه- فقد اعتنى به في القديم خلفاء بني العبّاس: كالمهديّ ثالث خلفائهم، والنّاصر منهم، وتنافس فيه رؤساء الناس في العراق لا سيّما بالبصرة. فقد ذكر صاحب «الروض المعطار» «1» أنهم تنافسوا في اقتنائه، ولهجوا بذكره، وبالغوا في أثمانه، حتّى بلغ ثمن الطائر الفاره منها سبعمائة دينار، ثم قال: ويقال: إنّه بلغ ثمن طائر منها جاء من خليج القسطنطينيّة ألف دينار. قال: وكانت تباع بيضتا الطّائر المشهور بالفراهة بعشرين دينارا، وأنه كان عندهم دفاتر بأنساب الحمام كأنساب العرب، وأنه كان لا يمتنع الرجل الجليل ولا الفقيه ولا العدل من اتّخاذ الحمام، والمنافسة فيه، والإخبار عنها، والوصف لأثرها، والنّعت لمشهورها، حتى وجّه أهل البصرة إلى بكّار بن شيبة البكرانيّ قاضي مصر، (وكان في فضله وعقله ودينه وورعه على ما لم يكن عليه قاض) بحمامات لهم مع ثقات، وكتبوا إليه يسألونه أن يتولّى إرسالها بنفسه، ففعل. وكان الحمام عندهم متجرا من المتاجر، لا يرون بذلك بأسا. وذكر المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في «التّعريف» أن الحمام أوّل ما نشأ بالديار المصرية والبلاد الشّاميّة من الموصل، وأنّ أوّل من اعتنى به من الملوك [ونقله] «2» من الموصل الشّهيد نور الدّين بن زنكي صاحب الشّام رحمه الله، في سنة خمس وستين وخمسمائة، وحافظ عليه الخلفاء الفاطميّون بمصر، وبالغوا حتّى أفردوا له ديوانا وجرائد بأنساب الحمام، وصنّف فيه الفاضل محيي الدّين بن عبد الظاهر كتابا سماه: «تمائم الحمائم» . قلت: وقد سبقه إلى التّصنيف في ذلك- أبو الحسن بن ملاعب

الفوارس البغداديّ، فصنف فيه كتابا للنّاصر لدين الله الخليفة العباسيّ ببغداد، وذكر فيه أسماء أعضاء الطّائر ورياشه، والوشوم التي توسم في كلّ عضو، وألوان الطّيور وما يستحسن من صفاتها، وكيفية إفراخها، وبعد المسافات التي أرسلت فيها، وذكر شيء من نوادرها وحكاياتها، وما يجري هذا المجرى. وأظنّ أنّ كتاب القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر نتيجة عن مقدّمته. وأما مسافات طيرانه، فقد تقدّم أن الطائر الذي بيع بألف دينار طار من القسطنطينيّة إلى البصرة، وأن الحمام أرسل من مصر إلى البصرة بحضرة القاضي بكّار قاضي مصر. وذكر ابن سعيد في كتابه «حيا المحل وجنى النّحل» أنّ العزيز، ثاني خلفاء الفاطميّين بمصر، ذكر لوزيره يعقوب بن كلّس أنه ما رأى القراصية «1» البعلبكّية، وأنه يحبّ أن يراها. وكان بدمشق حمام من مصر وبمصر حمام من دمشق، فكتب الوزير لوقته بطاقة يأمر فيها من هو تحت أمره بدمشق أن يجمع ما بها من الحمام المصريّ، ويعلّق في كلّ طائر حبّات من القراصية البعلبكّية، ويرسلها إلى مصر، ففعل ذلك، فلم يمض النّهار حتّى حضرت تلك الحمائم بما علّق عليها من القراصية، فجمعه الوزير يعقوب بن كلّس وطلع به إلى العزيز في يومه، فكان ذلك من أغرب الغرائب لديه. وذكر أيضا في كتابه «المغرب في حلى المغرب» أن الوزير اليازوريّ «2» المغربيّ، وزير المستنصر بالله الفاطميّ وجّه الحمام من تونس من أفريقية من بلاد المغرب فجاء إلى مصر، والعهدة عليه في ذلك.

الفصل الثاني من الباب الثاني من الخاتمة في أبراج الحمام المقررة لإطارتها بالديار المصرية والبلاد الشامية

الفصل الثاني من الباب الثاني من الخاتمة في أبراج الحمام المقرّرة لإطارتها بالديار المصرية والبلاد الشّاميّة وهي من القواعد والطّرق، على ما تقدّم في البريد. أما في المسافات فإنّها تختلف، فإن مطارات الحمام ربّما زادت على مراكز البريد. الأبراج الاخذة من قلعة الجبل المحروسة إلى جهات الديار المصرية قال في «التعريف» : واعلم أن الحمام قد انقطع تدريجه من مصر إلى قوص وأسوان وعيذاب. وهذا ظاهر في أنّ الحمام كان يدرّج إلى هذه الأماكن، ثم أهمل تدريجه بعد ذلك. قال: ولم يبق منه الآن إلا ما هو من القاهرة إلى الإسكندريّة، ومن القاهرة إلى دمياط، ومن القاهرة إلى السّويس من طريق الحاجّ، ومن القاهرة إلى بلبيس متّصلا بالشام. قلت: وآهل هذه الأبراج كلّها برج قلعة الجبل المحروسة، ومنها التّدريج إلى سائر الجهات. ثم لم يذكر في «التعريف» الأبراج الموصّلة إلى أسوان وعيذاب والإسكندريّة ودمياط.

الأبراج الآخذة من قلعة الجبل إلى غزة

الأبراج الآخذة من قلعة الجبل إلى غزّة من بروج قلعة الجبل- إلى بلبيس، ثم منها إلى الصّالحيّة، ثم منها إلى قطيا، ومنها إلى الورّادة، ثم منها إلى غزّة. الأبراج الآخذة من غزّة وما يتفرّع عنها اعلم أن الأبراج من غزّة تتشعّب فيها مسارح الحمام إلى غير جهة دمشق وإلى جهتها. فأمّا غير جهة دمشق، فمن غزّة إلى بلد الخليل عليه السّلام، ومن غزّة إلى القدس الشّريف، ومن غزّة إلى نابلس. وأما جهة الشّام: فمن غزّة إلى لدّ، ومن لدّ إلى قاقون، ومن قاقون إلى جينين، ومن جينين تتشعّب المسارح إلى غير جهة دمشق وإلى جهتها. فأمّا ما إلى غير جهة دمشق: فمن جينين إلى صفد. وأمّا ما إلى جهة دمشق: فمن جينين إلى بيسان، ومن بيسان إلى أربد، ومن أربد إلى طفس، ومن طفس إلى الصّنمين، ومن الصّنمين إلى دمشق. قال في «التعريف» : ومن كلّ واحد من هذه المراكز إلى ما جاور ذلك من المشاهير: مثل من بيسان إلى أذرعات مقرّ ولاية الولاة بالصّفقة القبليّة، ومن طفس إليها- لإشعار وإلي الولاة «1» . الأبراج الآخذة من دمشق وما يتفرّع عنها تتشعّب مسارح الحمام من دمشق إلى غير جهة حلب، وإلى جهتها. فأما إلى غير جهة حلب: فتسرّح من دمشق إلى بعلبكّ، ومن دمشق إلى القريتين.

الأبراج الاخذة من حلب وما يتفرع عنها

وأما ما هو إلى جهة حلب: فتسرّح من دمشق إلى قارا «1» ، ثم من قارا «2» إلى حمص، ثم من حمص إلى حماة، ثم من حماة إلى المعرّة، ثم من المعرّة إلى حلب. الأبراج الاخذة من حلب وما يتفرّع عنها برج الحمام من حلب إلى البيرة، ومن حلب إلى قلعة المسلمين، ومن حلب إلى بهسنى. قال في «التعريف» : وإلى بقية [ماله شأن] «3» ممّا حولها، [ثم من القريتين إلى تدمر، ومنها إلى السّخنة، ومنها إلى قباقب، ومنها إلى الرّحبة، وقد تعطّل الآن تدريج السّخنة إلى قباقب، وإنما صار يسوق ببطائق تدمر الواقعة بالسّخنة منها إلى قباقب، ثم يسرّح على الجناح من قباقب إلى الرحبة] «4» . قال: وبما ذكرتمّ ذكر مراكز الحمام في سائر الممالك الإسلامية. قلت: وقد تعطّل تدريج الحمام الآن.

الباب الثالث من الخاتمة في ذكر هجن الثلج والمراكب المعدة لحمل الثلج الذي يحمل من الشام إلى الأبواب السلطانية بالديار المصرية؛ وفيه ثلاثة فصول

الباب الثالث من الخاتمة في ذكر هجن الثّلج والمراكب المعدّة لحمل الثّلج الذي يحمل من الشام إلى الأبواب السلطانية بالديار المصريّة؛ وفيه ثلاثة فصول الفصل الأوّل (في نقل الثّلج) إعلم أنّ ماء نيل مصر لما كان من الحلاوة واللّطافة على ما لا يساويه فيه نهر من الأنهار، على ما تقدّم ذكره في الكلام على الديار المصرية في المقالة الثانية، مع شدّة القيظ بها في زمن الصيف، وسخونة الهواء الذي قد لا يتأتّى معه تبريد الماء، وكان الثّلج غير موجود بها، وكانت الملوك قد اعتادت الرّفاهية مع اقتدارها على تحصيل الأشياء العزيزة، وولوعهم بجلبها من الأماكن البعيدة- إكمالا لحال الرّفاهية، وإظهارا لأبّهة الملك- دعاهم كمال الرّفاهية والأبّهة إلى جلب الثّلج من الشام إلى مصر: لتبريد الماء به في زمن الحرّ. على أنّ ذلك كان في غيرهم من الملوك التي لا ثلج بحاضرتهم. وقد ذكر أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» أنّ أوّل من حمل إليه الثّلج الحجّاج بن يوسف بالعراق. ثم لاعتناء ملوك مصر بالثّلج قرّروا له هجنا تحمله في البرّ وسفنا تحمله في البحر، حتى يصل إلى القلعة المحروسة.

الفصل الثاني من الباب الثالث من الخاتمة في المراكب المعدة لنقل الثلج من الشام

الفصل الثاني من الباب الثالث من الخاتمة في المراكب المعدّة لنقل الثّلج من الشام قد ذكر في «التعريف» أنها كانت في أيّام الملك الظّاهر «بيبرس» ، تغمّده الله برحمته، ثلاث مراكب في السنة، لا تزيد على ذلك. قال: ودامت على أيّام سلطاننا (يعني الملك النّاصر «محمد بن قلاوون» ) في السّلطنة الثالثة، وبقيت صدرا منها، ثم أخذت في التزيّد إلى أن بلغت أحد عشر مركبا في مملكتي الشام وطرابلس، وربّما زادت على ذلك. قال: وآخر عهدي بها من السّبعة إلى الثمانية تطلب من الشام ولا تكلّف طرابلس إلا المساعدة، وكلّ ذلك بحسب اختلاف الأوقات ودواعي الضرورات. قال: والمراكب تأتي دمياط في البحر، ثم يخرج الثّلج في النيل إلى ساحل بولاق، فينقل منه على البغال السلطانية، ويحمل إلى الشرابخاناه «1» الشريفة، على ما تقدّم ذكره.

وقد جرت العادة أن المراكب إذا سفّرت سفّر معها من يتدرّكها من ثلّاجين لمداراتها. ثم الواصلون بها في البحر يعودون على البريد في البرّ.

الفصل الثالث من الباب الثالث من الخاتمة في الهجن المعدة لنقل ذلك

الفصل الثالث من الباب الثالث من الخاتمة في الهجن المعدّة لنقل ذلك قد ذكر في «التعريف» أنه مما حدث في الدّولة الناصرية «محمد بن قلاوون» واستمرّ. وقد كان قبل ذلك لا يحمل إلا في البحر خاصّة. ثم ذكر أن هذه المراكز من دمشق إلى الصّنمين، ثم منها إلى بانياس، ثم منها إلى أربد، ثم منها إلى بيسان، ثم منها إلى جينين، ثم منها إلى قاقون، ثم منها إلى لدّ، ثم منها إلى غزّة، ثم منها إلى العريش، ثم منها إلى الورّادة، ثم منها إلى المطيلب، ثم منها إلى قطيا، ثم منها إلى القصير، ثم منها إلى الصّالحيّة، ثم منها إلى بلبيس، ثم منها إلى القلعة. قال: والمستقرّ في كلّ مركز ستّ هجن: خمسة للأحمال، وهجين للهجّان، تكون كلّ نقلة خمسة أحمال. وهذه الهجن من الشام إلى العريش على المملكة الشّاميّة، خلا جينين فإنها على صفد. ومن الورّادة إلى القلعة هجن من المناخات السّلطانية والكلفة على مال مصر. ولاتستقرّ هذه الهجن بهذه المراكز إلا أوان حمل الثّلج، وهي: حزيران وتشرين الثاني؛ وعدّة نقلاته إحدى وسبعون نقلة، متقارب مدد ما بينها، ثم صار يزيد على ذلك؛ ويجهّز مع كلّ نقلة بريديّ يتداركه، ويجهّز معه ثلّاج خبير بحمله ومداراته، يحمل على فرس ببريد ثان. قال: واستقرّ في وقت أن يحمل الثّلّاج على خيل الولاية.

واعلم أن الثّلج إذا وصل على المراكب والهجن حتّى انتهى إلى القلعة، خزن بالشرابخاناه السلطانية. قال في «التعريف» : ومذ قرّر أن يحمل من الثّلج على الظّهر ما يحمل، استقرّ منه خاصّ المشروب، لأنه يصل أنظف وآمن عاقبة، على أن المتسفّرين يأخذون الجاشني «1» منه بحضور أمير مجلس وشادّ الشّرابخاناه السلطانية وخزّانها. أما المنقول في البحر فلما عدا ذلك. قال: وللمجهّزين به من الخلع ورسوم الإنعام رسوم مستقرّة، وعوائد مستمرّة. قلت: وقد جرت العادة أنّ واصل الثّلج في كلّ نقلة في البرّ والبحر تكتب به رجعة من ديوان الإنشاء، وهذا هو وجه تعلّقه بديوان الإنشاء.

الباب الرابع من الخاتمة في المناور والمحرقات؛ وفيه فصلان.

الباب الرابع من الخاتمة في المناور والمحرقات؛ وفيه فصلان. الفصل الأوّل في المناور قال في «التعريف» وهي مواضع رفع النّار في اللّيل والدّخان في النّهار. وذلك أن مملكة إيران لمّا كانت بيد هولاكو من التّتار، وكانت الحروب بينهم وبين أهل هذه المملكة، كان من جملة احتياط أهل هذه المملكة أن جعلوا أماكن مرتفعة من رؤوس الجبال توقد فيها النّار ليلا و [يثار] الدّخان نهارا، للإعلام بحركة التّتار إذا قصدوا دخول البلاد لحرب أو إغارة. وهذه المناور تارة تكون على رؤوس الجبال، وتارة تكون في أبنية عالية، ومواضعها معروفة تعرّف بها أكثر السّفّارة، وهي من أقصى ثغور الإسلام كالبيرة والرّحبة، وإلى حضرة السلطان بقلعة الجبل، حتّى إنّ المتجدّد بالفرات إن كان بكرة علم به عشاء، وإن كان عشاء علم به بكرة. ولما يرفع من هذه النّيران، أو يدخّن من هذا الدّخان أدلّة يعرف بها اختلاف حالات رؤية العدوّ والمخبر به باختلاف حالاتها، تارة في العدد، وتارة في غير ذلك. وقد أرصد في كلّ منوّر الدّيادب «1» والنّظّارة، لرؤية ما وراءهم وإيراء

ما أمامهم، ولهم على ذلك جوامك «1» مقرّرة كانت لا تزال دارّة. قال: وكان ينوّر بمدينة عانة «2» من تلك المملكة قوم من النّصّاح بحجّة أمر سوى التّنوير، ويستر عليهم أهل البلد حبّا لملوكنا، فترى [ناره أو دخانه بخربة الرّوم وبالجرف أيضا، ويرفع فيهما أو في إحداهما فيرى] «3» من كلّ منهما بوادي الهيكل، ويرفع فيه فيرى [بالقناطر، ويرفع بالقناطر فيرى بالرّحبة، وقاها الله، ويرفع بها فيرى في كواثل، ويرفع فيها فيرى في منظرة قباقب، ويرفع فيها فيرى في حفير أسد الدّين، ويرفع بها فيرى] «4» بالسّخنة، فيرفع فيها فيرى بمنظرة أرك، فيرفع فيها فيرى بالبويب وهو قنطرة [بين أرك] «5» وتدمر، فيرفع فيها فيرى بمنظرة تدمر، فيرفع فيها فيرى بمنظرة البيضاء، فيرفع فيها فيرى بالحير، فيرفع فيها فيرى بجليجل، فيرفع فيها فيرى بالقريتين، فيرفع فيها فيرى بالعطنة، فيرفع فيها فيرى بثنيّة العقاب، فيرفع فيها فيرى بمئذنة العروس، فيرفع فيها لما حولها، إنذارا للرعايا وضمّا للأطراف، فيرفع حول دمشق بالجبل المطلّ على برزة فيرى بالمانع، فيرفع به فيرى بتلّ قرية الكتيبة، ثم يرفع فيها فيرى بالطّرّة، ثم يرفع فيرى بجبل أربد وبجبل عجلون، ثم يرفع بهما فيرى بجبل طيبة اسم، ثم يرفع بها فيرى بالمنوّر المعمول بإزاء البئر الذي برأس الجبل المنحدر إلى بيسان المعروف بعقبة البريد، لا عدول «6» بطريق البريد الآن عنه، ويرى منه أطراف أعمال نابلس [نحو جبال أبزيق وما حولها، ويرفع من هذا المنوّر الذي برأس عقبة البريد فيرى بالجبل المعروف بقرية جينين، ثم يرفع منه فيرى بجبل فحمة، ثم يرفع منه فيرى بشرفة قاقون، ثم يرفع منه

فيرى بأطراف أعمال نابلس] «1» ويرى على قصد الطريق بذروة الجبل المصاقب لمجدل [يابا] «2» ، فيرفع منه فيرى بمركز ياسور المعدول بالبريد الآن عنه، ثم يرفع منه فيرى بالجبال المطلّة على غزّة، فيرفع بغزّة على أعالي الحدب المعروف بحدب غزّة، ثم [لا منوّر و] «3» لا إخبار بشأن التّتار إلا على الجناح والبريد. قال: ثم اعلم أن جميع ما ذكرناه مناور تتشعّب إلى ما خرج عن جادّة الطريق إلى البلاد الآخذة على جنب جنوبا وشمالا، شرقا وغربا. أما منذ أصلح الله بين الفئتين، وأمّن جانب الجهتين، فقد قلّ بذلك الاحتفال، وصرف عن البال. وهذه المناور رسوم قد عفت، وجسوم [أكلت شعل النّار أرواحها] «4» فانطفت. على أنه قد نصّ في «التعريف» على مناور طريق البيرة، ومناور طريق الرّحبة، وهما من نفس المملكة. قلت: وهذه المناور مأخوذة عن ملوك الهند، فقد رأيت في بعض الكتب أنّ ببلادهم مناور على جبال مرتفعة، ترى النّار فيها على بعد أكثر من هذه. على أن مرتّبها بهذه المملكة أوّلا أتى بحكمة ملوكيّة لا تساوى مقدارا، إذ قد ترقّى في سرعة بلوغ الأخبار إلى الغاية القصوى. وذلك أن البريد يأتي من سرعة الخبر بما لم يأت به غيره، والحمام يأتي من الخبر بما هو أسرع من البريد، والمناور تأتي من الخبر بما هو أسرع من الحمام. وناهيك أن يظهر عنوان الخبر في الفرات بمصر في مسافة يوم وليلة «5» .

الفصل الثاني من الباب الرابع من الخاتمة: في المحرقات

الفصل الثاني من الباب الرابع من الخاتمة: في المحرقات قال في «التعريف» : وهي مواضع ممّا يلي بلادنا من حدّ الشّرق داخلة في تلك المملكة (يعني مملكة بني هولاكو من التّتار) يجهّز إليها رجال فتحرق زرعها، كأرض البقعة والثّرثار والقينة، وباشزة، والهتّاخ، ومشهد ابن عمر، والمويلح، وبلاد نينوى من برّ الموصل التي يقال إن يونس عليه السّلام بعث إلى أهلها، والوادي، والميدان، والباب، والصّومعة، والمرج المعروف ببني زيد، والمرج المحترق، ومنازل الأويراتية، وهي أطراف هذه المواضع إلى جبل الأكراد، وبلاد سنجار- المنطق والمنظرة والمزيدة- وتحت الجبال عند التّليلات، وكذلك التارات، وأعالي جبل سنجار وما إلى ذلك. وذلك أنه كان من عادة التّتر أنّهم لا يكلفون علوفة لخيلهم بل يكلونها إلى ما تنبت الأرض، فإذا كانت تلك الأرض مخصبة سلكوها، وإذا كانت مجدبة تجنّبوها؛ وكانت أرض هذه البلاد المتقدّمة الذّكر أرضا مخصبة، تقوم بكفاية خيل القوم إذا قصدوا بلادنا، فإذا أحرقوا زرعها ونباتها ضعفوا عن قصد بلادنا وحصل بذلك جميع الرّفق، والدّفع عن مباغته الأطراف ومهاجمة الثّغور. وكان طريقهم في إحراقها أن يجهّزوا إليهم الرجال ومعهم الثّعالب

الوحشيّة وكلاب الصّيد، فيكمنون عند أمناء النّصّاح في كهوف الجبال وبطون الأودية، ويرتقبون يوما تكون ريحه عاصفة وهواؤه زعزع، تعلّق النار موثقة في أذناب تلك الثعالب والكلاب، ثم تطلق الثّعالب، والكلاب في أثرها وقد جوّعت، لتجدّ الثعالب في العدو، والكلاب في الطّلب، فتحرق ما مرّت به من الزّرع والنّبات، وتعلق الريح النار منه فيما جاوره، مع ما يلقيه الرّجّالة بأيديهم في اللّيالي المظلمة، وعشاء الأيام المعتمة. وكان ينفق في نظير هذا الإحراق من خزانة دمشق جمل من الأموال. قال: وكان الاهتمام بذلك في أوّل الأمر قبل أن يفطنوا بقصد التّحريق، ثم نبّههم على ذلك أهل المداجاة، فصاروا يربطون عليها الطّرق، ويمسكون منها بالأطراف؛ وقتل عديد من الرجال بسببها، وأحرقوهم بأشدّ من نارها. وذكر أنّ مما كان يجتنب تحريقه- أرض الجبال «1» ، من حيث إنها بلاد بقيّة السّلف الصالح من ذرّيّة شيخ الإسلام الإمام الكبير العارف بالله «عبد القادر الجيليّ» المعروف بالكيلانيّ، نفع الله تعالى ببركاته، لتعظيمهم من الجهتين، مع ما لهم عند ملوكنا من المكانة العليّة: لقديم سلفهم، وصميم شرفهم، ولما للإسلام وأهله من إسعافهم بما تصل إليه القدرة ويبلغه الإمكان. قلت: وبتمام القول في هذا الطّرف قد تمّ ما كنت أحاوله من التأليف، وأهتمّ به من الجمع؛ وبالله التّوفيق، وإليه الرغبة؛ وهو حسبي ونعم الوكيل. واعلم أن المصنّفات تتفاوت في الحظوظ إقبالا وإدبارا: فمن مرغوب

فيه، ومرغوب عنه، ومتوسّط بين ذلك. على أنه قلّ أن ينفق تأليف في حياة مؤلّفه، أو يروج تصنيف على القرب من زمان مصنّفه. قال المسعوديّ في كتابه «التّنبيه والإشراف» وقد تشترك الخواطر، وتتّفق الضمائر، وربّما كان الآخر أحسن تأليفا، وأمتن تصنيفا، لحكمة التّجارب، وخشية التّتبّع، والاحتراس من موانع المضارّ. ومن هاهنا صارت العلوم نامية، غير متناهية، لوجود الآخر ما لا يجده الأوّل، وذلك إلى غير غاية محصورة، ولا نهاية محدودة. على أنّ من شيم كثير من الناس إطراء المتقدّمين، وتعظيم كتب السّالفين، ومدح الماضي، وذمّ الباقي؛ وإن كان في كتب المحدثين ما هو أعظم فائدة، وأكثر عائدة. ثم حكى عن الجاحظ- على جلالة قدره- أنه قال: كنت أؤلّف الكتاب الكثير المعاني، الحسن النّظم، وأنسبه إلى نفسي، فلا أرى الأسماع تصغي إليه، ولا الإرادات تتيمّم نحوه، ثم أؤلّف ما هو أنقص منه رتبة، وأقل فائدة، وأنحله عبد الله بن المقفّع، أو سهل بن هارون، أو غيرهما من المتقدّمين، ممّن صارت أسماؤهم في المصنّفين، فيقبلون على كتبها، ويسارعون إلى نسخها، لا لشيء إلا لنسبتها للمتقدّمين، ولما يداخل أهل هذا العصر من حسد من هو في عصرهم، ومنافسته على المناقب التي عني بتشييدها. قال: وهذه طائفة لا يعبأ بها كبار الناس، وإنّما العمل على أهل النّظر والتّأمّل الذين أعطوا كلّ شيء حقّه من القول، ووفّوه قسطه من الحقّ، فلم يرفعوا المتقدّم إذا كان ناقصا، ولم ينقصوا المتأخّر إذا كان زائدا؛ فلمثل هؤلاء تصنّف العلوم، وتدوّن الكتب. وإذا كان هذا نقل المسعوديّ عن الجاحظ الذي هو رأس المصنّفين، وعين أعيانهم، فما ظنّك بغيره؟. لكنّي أحمد الله تعالى على رواج سوق تأليفي، ونفاق سلعته، والمسارعة إلى استكتابه قبل انقضاء تأليفه، حتّى إنّ قلمي التّأليف والنّسخ

يتسابقان في ميدان الطّرس إلى اكتتابه، ومرتقب نجازه للاستنساخ يساهمهما في ارتقابه، فضلا من الله ونعمة، ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ* » . قال المؤلّف: نجّزت تأليفه في اليوم المبارك، يوم الجمعة الثامن والعشرين من شهر شوّال، سنة أربع عشرة وثمانمائة. ونجّزت هذه النسخة في يوم السبت المبارك التّاسع والعشرين من شهر صفر الخير، سنة تسع وثمانين وثمانمائة. فرغ منه كتابة وستّة قبله، فقير رحمة ربه الغنيّ الفاتح، عبد الرزّاق بن عبد المؤمن بن محمد الناسخ الشّافعيّ، نزيل الصّالحيّة النّجميّة المعروفة بالسّادة الحنابلة، بخطّ بين القصرين: غفر الله ذنوبه، وستر عيوبه، وختم له وللمسلمين بخير، آمين. وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلّى الله على سيدنا محمد خاتم الأنبياء وسيّد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين: سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين

المصادر والمراجع المستعملة في الحواشي

المصادر والمراجع المستعملة في الحواشي 1 1- الإشارة إلى من نال الوزارة. تأليف ابن الصير في المصري. تحقيق عبد الله مخلّص. منشورات المعهد العلمي الفرنسي- القاهرة 1924. 2- الإصابة في تمييز الصحابة. تأليف ابن حجر العسقلاني. دار صادر- بيروت. 3- الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة. تأليف ابن شداد. تحقيق يحيى عبادة. منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي- دمشق. 4- الأعلام (قاموس تراجم) . تأليف خير الدين الزركلي. دار العلم للملايين- بيروت. 5- الأغاني- تأليف أبي الفرج الأصفهاني. تحقيق مجموعة من الباحثين باشراف محمد أبو الفضل إبراهيم. منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب. 6- الألقاب الإسلامية في التاريخ والوثائق والآثار. تأليف حسن الباشا. مكتبة النهضة المصرية- 1957. 7- الأمالي- تأليف أبي علي القالي. دار الكتب العلمية- بيروت. 8- الإمامة والسياسة. تأليف ابن قتيبة. مؤسسة ناصر الثقافية- بيروت. 9- أمثال العرب. للضبيّ. تحقيق إحسان عباس. دار الرائد العربي- بيروت. 10- الإنتصار لواسطة عقد الأمصار. تأليف ابن دقماق. دار الآفاق الجديدة- بيروت. 11- بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب. تأليف محمود شكري الآلوسي. دار الكتب العلمية- بيروت. 12- تاريخ الإسلام. تأليف حسن إبراهيم حسن. مكتبة النهضة المصرية- القاهرة. 13- تاريخ بيروت. تأليف عصام محمد شبارو. دار مصباح الفكر- بيروت. 14- تاريخ بيروت (أخبار السلف من ذرية بحتر بن علي أمير الغرب ببيروت) .

1 تأليف صالح بن يحيى. تحقيق كمال الصليبي وفرنسيس اليسوعي. دار المشرق- بيروت. 15- تاريخ التمدّن الإسلامي. تأليف جرجي زيدان. 16- تاريخ الزمان. تأليف ابن العبري. 17- تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك) . تأليف أبي جعفر الطبري. دار الكتب العلمية- بيروت. 18- تاريخ ابن الفرات. تأليف محمد بن عبد الرحيم بن الفرات. تحقيق قسطنطين زريق ونجلاء عز الدين. المطبعة الأميركية- بيروت. 19- تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل. تأليف أحمد السعيد سليمان. دار المعارف- مصر. 20- التذكرة الحمدونية. تأليف محمد بن الحسن بن محمد بن علي المعروف بابن حمدون. تحقيق إحسان عباس. معهد الإنماء العربي- بيروت. 21- تشريف الأيام والعصور في سيرة الملك المنصور. تأليف محيي الدين بن عبد الظاهر. تحقيق مراد كامل ومحمد علي النجار. منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي بالجمهورية العربية المتحدة. 22- تعريف القدماء بأبي العلاء. جمعه لجنة من المحققين بإشراف الدكتور طه حسين. 2 نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية لسنة 1944. الدار القومية بالقاهرة. 23- التعريف بالمصطلح الشريف. تأليف شهاب الدين بن فضل الله العمري. طبعة سنة 1312 هـ بمصر- مطبعة العاصمة. 24- تهذيب الأسماء واللغات.- للنووي. دار الكتب العلمية- بيروت. 25- جمهرة الأمثال. تأليف أبي هلال العسكري. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش. المؤسسة العربية الحديثة- 1964. 26- جمهرة رسائل العرب في عصور العربية الزاهرة. تأليف أحمد زكي صفوت. المكتبة العلمية- بيروت. 27- جنى الجنّتين في تمييز نوعي المثنيين. تأليف محمد أمين المحبّي. دار الآفاق الجديدة- بيروت. 28- الحلّة السيراء. تأليف ابن الأبّار. تحقيق حسين مؤنس. الشركة العربية للطباعة والنشر- القاهرة- الطبعة الأولى 1963. 29- الخطط التوفيقية الجديدة لمصر القاهرة. تأليف علي باشا مبارك. الهيئة المصرية للكتاب. 30- الخطط المقريزية (المواعظ والاعتبار) . تأليف أحمد بن علي المقريزي.

1 دار صادر- بيروت. 31- دائرة المعارف الإسلامية. الطبعة العربية- منشورات كتاب الشعب- القاهرة. 32- الذيل على كشف الظنون (إيضاح المكنون) . تأليف اسماعيل باشا البغدادي. دار الفكر- بيروت. 33- رسائل المعري. تحقيق إحسان عباس. دار المشرق- بيروت. 34- الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر. تأليف محيي الدين بن عبد الظاهر. تحقيق عبد العزيز الخويطر- الرياض. 35- الروض المعطار في خبر الأقطار. تأليف محمد بن عبد المنعم الحميري. تحقيق إحسان عباس. مكتبة لبنان- بيروت. 36- شذرات الذهب في أخبار من ذهب. تأليف ابن العماد الحنبلي. مكتبة القدسي- القاهرة. 37- شروح سقط الزند. بتحقيق جماعة من المحققين بإشراف الدكتور طه حسين. نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية لسنة 1945. الدار القومية- القاهرة. 38- الشعر والشعراء (طبقات الشعراء) . تأليف ابن قتيبة الدينوري. تحقيق مفيد قميحة. دار الكتب العلمية- بيروت. 2 39- صبح الأعشى في صناعة الإنشا- القلقشندي. طبعة دار الكتب المصرية. 40- صفة جزيرة الأندلس (منتخب من الروض المعطار) . تحقيق ليفي بروفنسال- القاهرة- 1937. 41- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع. تأليف السخاوي. مكتبة الحياة- بيروت. 42- طبقات الشافعية. لأبي بكر بن هداية الله الحسيني. تحقيق عادل نويهض. دار الآفاق الجديدة- بيروت. 43- العقد الفريد- لابن عبد ربّه. دار الكتب العلمية- بيروت. 44- عيون الأخبار- لابن قتيبة الدينوري. دار الكتب العلمية- بيروت. 45- فتوح البلدان- للبلاذري. تحقيق صلاح الدين المنجد. مكتبة النهضة المصرية- القاهرة. 46- فوات الوفيات. تأليف ابن شاكر الكتبي. تحقيق إحسان عباس. دار صادر- بيروت. 47- القاموس المحيط- للفيروز أبادي. المؤسسة العربية للطباعة والنشر. بيروت. 48- القرآن الكريم. 49- القلقشندي وكتابه صبح الأعشى. مجموعة من الباحثين في الجمعية المصرية للدراسات التاريخية. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 50- الكامل في التاريخ.

1 تأليف ابن الأثير. دار صار- بيروت. 51- كتاب الحلبة في أسماء الخيل. للصاحبي التاجي. تحقيق حاتم صالح الضامن. كلية الآداب- جامعة بغداد. 52- كتاب الصناعتين- لأبي هلال العسكري. تحقيق علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم. مطبعة البابي الحلبي. 53- الكتابة والتعبير. تأليف أحمد محمد فارس. دار الفكر- بيروت. 54- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. تأليف حاجي خليفة. دار الفكر- بيروت. 55- لسان العرب- تأليف ابن منظور. دار صادر- بيروت. 56- مآثر الإنافة في معالم الخلافة. القلقشندي. تحقيق عبد الستار أحمد فراج. عالم الكتب- بيروت. 57- مجمع الأمثال- للميداني. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. مطبعة السنّة المحمدية. 58- مراصد الاطّلاع على أسماء الأمكنة والبقاع. تأليف عبد المؤمن البغدادي. تحقيق علي محمد البجاوي. دار إحياء الكتب العربية. 2 59- المستقصى في أمثال العرب. تأليف الزمخشري. دار الكتب العلمية- بيروت. 60- المشترك وضعا والمفترق صقعا. تأليف ياقوت الحموي. مكتبة المثنى- بغداد. 61- مصطلحات صبح الأعشى. تأليف محمد قنديل البقلي. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 62- معجم الألفاظ والأعلام القرآنية. تأليف محمد إسماعيل إبراهيم. دار الفكر العربي- القاهرة. 63- معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي. تأليف زامباور. أخرجه زكي محمد حسن بك وحسن أحمد محمود. مطبعة جامعة فؤاد الأول- 1951. 64- معجم البلدان. تأليف ياقوت الحموي. دار الكتاب العربي- بيروت. 65- معجم الشعراء- للمرزباني. دار الكتب العلمية- بيروت. 66- معجم عبد النور المفصل. تأليف جبور عبد النور. دار العلم للملايين- بيروت. 67- معجم قبائل العرب القديمة والحديثة. تأليف عمر رضا كحالة. مؤسسة الرسالة- بيروت. 68- المعجم الوسيط. مجمع اللغة العربية- القاهرة. 69- المغرب في حلى المغرب.

تأليف ابن سعيد المغربي. تحقيق شوقي ضيف. دار المعارف- مصر. 70- مقامات الحريري. شرح دي ساسي. طبعة باريس. 71- مقدمة ابن خلدون. تأليف ابن خلدون. دار الكتاب اللبناني. 72- منطلق تاريخ لبنان. تأليف كمال سليمان الصليبي. منشورات كارافان- نيويورك. 73- الموسوعة الفلسطينية. القسم العام. هيئة الموسوعة الفلسطينية- دمشق. 74- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة. تأليف ابن تغري بردي. طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية- القاهرة. 75- نزهة النفوس والأبدان في تواريخ الزمان. الخطيب الصيرفي. تحقيق حسن حبشي. وزارة الثقافة بالجمهورية العربية المتحدة. مطبعة دار الكتب- 1970. 76- نظم دولة سلاطين المماليك ورسومهم في مصر. تأليف الدكتور عبد المنعم ماجد. مكتبة الانجلو المصرية. 77- النظم الإسلامية. تأليف صبحي الصالح. دار العلم للملايين- بيروت. 78- نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب- للقلقشندي. دار الكتب العلمية- بيروت. 79- نهج البلاغة. للإمام علي بن أبي طالب. تحقيق وشرح محمد أبو الفضل إبراهيم. دار إحياء الكتب العربية. 80- الوافي بالوفيات للصفدي. باعتناء هلموت ريتر. اسطنبول. مطبعة الدولة 1931. 81- الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة. جمعها محمد حميد الله. دار النفائس- بيروت. 82- وفيات الأعيان. تأليف ابن خلكان. تحقيق احسان عباس. دار الثقافة- بيروت. 83- يتيمة الدهر- للثعالبي. دار الباز للنشر والتوزيع- مكة لمكرمة.

فهرس

[فهرس] الموضوع الصفحة الباب الرابع من المقالة التاسعة- في الهدن الواقعة بين ملوك الاسلام وملوك الكفر، وفيه فصلان 3 الفصل الأوّل- في أصول تتعين على الكاتب معرفتها، وفيه ثلاثة أطراف 3 الطرف الأوّل- في بيان رتبتها ومعناها وذكر ما يرادفها من الألفاظ 3 الطرف الثاني- في أصل وضعها 5 الطرف الثالث- فيما يجب على الكاتب مراعاته في كتابة الهدن، والذي يلزم الكاتب في ذلك نوعان 8 النوع الأوّل- ما يختصّ بكتابة الهدنة بين أهل الإسلام، وأهل الكفر 8 النوع الثاني- ما تشترك به الهدن الواقعة بين أهل الكفر والإسلام، وعقود الصلح الجارية بين زعماء المسلمين؛ وهي ضربان 10 الضرب الأوّل- الشروط العادية التي جرت العادة أن يقع الاتّفاق عليها بين الملوك في كتابة الهدن خلا ما تقدّم 10 الضرب الثاني- مما يلزم الكاتب في كتابة الهدنة- تحرير أوضاعها وترتيب قوانينها وإحكام معاقدها 12 الفصل الثاني- في صورة ما يكتب في المهادنات والسجلّات ومذاهب الكتّاب في ذلك؛ وفيه طرفان 17 الطرف الأوّل- فيما يستبدّ ملوك الاسلام فيه بالكتابة عنهم، وتخلّد منه نسخ بالأبواب السلطانية، وتدفع منه نسخ إلى ملوك الكفر، وهو على نمطين. 17 النمط الأوّل- ما يكتب في طرّة الهدنة من أعلى الدّرج 17 النمط الثاني- ما يكتب في متن الهدنة، وهو على نوعين 18

الموضوع الصفحة النوع الأوّل- ما تكون الهدنة فيه من جانب واحد، وللكتّاب فيه مذهبان. 18 المذهب الأوّل- أن تفتتح الهدنة بلفظ: «هذا ما هادن عليه» أو: «هذه هدنة أو موادعة أو مواصفة أو سلّم أو صلح» أو نحو ذلك 18 المذهب الثاني- أن تفتتح المهادنة قبل لفظ «هذا» ببعديّة 28 النوع الثاني- من الهدن الواقعة بين ملك مسلم وملك كافر، أن تكون الهدنة من الجانبين جميعا، وفيه للكتّاب ثلاثة مذاهب 32 المذهب الأوّل- أن تفتتح الهدنة بلفظ: «هذه هدنة» ونحو ذلك 32 المذهب الثاني- أن تفتتح الهدنة بلفظ: «استقرّت الهدنة بين فلان وفلان» ويقدّم فيه ذكر الملك المسلم 33 المذهب الثالث- أن تفتتح المهادنة بخطبة مبتدأة ب «الحمد لله» 84 الطرف الثاني- فيما يشارك فيه ملوك الكفر ملوك الإسلام في كتابة دواوينهم 84 الباب الخامس من المقالة التاسعة- في عقود الصلح الواقعة بين ملكين مسلمين؛ وفيه فصلان 91 الفصل الأوّل- في أصول تعتمد في ذلك 91 الفصل الثاني- فيما جرت العادة بكتابته بين الخلفاء وملوك المسلمين على تعاقب الدّول، فيما يكتب في الطرّة والمتن. وما يكتب في المتن فعلى نوعين 97 النوع الأوّل- ما يكون العقد فيه من الجانبين 97 النوع الثاني- ما يكون العقد فيه من جانب واحد، وللكتّاب فيه مذهبان. 110 المذهب الأوّل- أن يفتتح عقد الصلح بلفظ «هذا» كما في النوع السابق. 110 المذهب الثاني- ان يفتتح عقد الصلح بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» وربما كرّر فيها التحميد إعلاما بعظيم موقع النعمة 113 الباب السادس من المقالة التاسعة- في الفسوخ الواردة على العقود السابقة، وفيه فصلان 121 الفصل الأوّل- الفسخ؛ وهو ما وقع من أحد الجانبين دون الآخر 121 الفصل الثاني- المفاسخة، وهي ما يكون من الجانبين جميعا 123

الموضوع الصفحة المقالة العاشرة- في فنون من الكتابة يتداولها الكتاب وتتنافس في عملها ليس لها تعلّق بكتابة الدواوين السلطانيّة ولا غيرها؛ وفيها بابان 124 الباب الأوّل- في الجدّيات؛ وفيه خمسة فصول [بلغ في العدّ إلى ستة فصول] 124 الفصل الأوّل- في المقامات 124 الفصل الثاني- في الرسائل؛ وهي على أصناف 157 الصنف الأوّل- الرسائل الملوكية؛ وهي على ضربين 157 الضرب الأوّل- رسائل الغزو، وهي أعظمها وأجلّها 157 الضرب الثاني- رسائل الصيد 188 الصنف الثاني- من الرسائل ما يرد منها مورد المدح والتقريض 196 الصنف الثالث- من الرسائل المفاخرات 237 الصنف الرابع [وقد كتب خطأ الخامس]- من الرسائل الأسئلة والأجوبة، وهي على ضربين 273 الضرب الأوّل- الاسئلة الامتحانيّة [ولم يذكر الضرب الثاني] 273 الصنف الخامس [وقد كتب خطأ السادس]- من الرسائل ما تكتب به الحوادث والماجريات 285 الفصل الثالث- في قدمات البندق 321 الفصل الرابع- في الصّدقات؛ وفيه طرفان 341 الطرف الأوّل- في الصدقات الملوكية وما في معناها 341 الطرف الثاني- في صدقات الرؤساء والأعيان وأولادهم 352 الفصل الخامس- فيما يكتب عن العلماء وأهل الأدب مما جرت العادة بمراعاة النثر المسجوع فيه، ومحاولة الفصاحة والبلاغة؛ وفيه طرفان 364 الطرف الأوّل- فيما يكتب عن العلماء وأهل الأدب، وهو على صنفين.. 364 الصنف الأوّل- الاجازات بالفتيا والتدريس والرواية وعراضات الكتب ونحوها 364 الصنف الثاني- التقريضات التي تكتب على المصنّفات المصنفة والعقائد

الموضوع الصفحة المنظومة 378 الطرف الثاني- فيما يكتب عن القضاة؛ وهو على أربعة أصناف 383 الصنف الأوّل- التقاليد الحكميّة؛ وهي على مرتبتين 383 المرتبة الأولى- أن تفتتح بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» 383 [المرتبة الثانية]- ان يكتب التقليد بصيغة كتاب. الخ 388 الصنف الثاني- اسجالات العدالة 389 الصنف الثالث- الكتب الى النّواب وما في معناها 392 الصنف الرابع- ما يكتب في افتتاحات الكتب 395 الفصل السادس- في العمرات التي تكتب للحاجّ 398 الباب الثاني- في الهزليّات 404 الخاتمة- في ذكر أمور تتعلق بديوان الانشاء غير أمور الكتابة، وفيها أربعة أبواب 411 الباب الأوّل- في الكلام على البريد؛ وفيه فصلان 411 الفصل الأوّل- في مقدمات يحتاج الكاتب إلى معرفتها، ويتعلق الغرض من ذلك بثلاثة أمور 411 الأمر الأوّل- معرفة معنى لفظ البريد لغة واصطلاحا 411 الأمر الثاني- أوّل من وضع البريد وما آل اليه أمره إلى الآن 412 الأمر الثالث- بيان معالم البريد 416 الفصل الثاني- في ذكر مراكز البريد، ويشتمل على ستة مقاصد 418 المقصد الأول- في مركز قلعة الجبل المحروسة بالديار المصرية التي هي قاعدة الملك، وما يتفرّع عنه من المراكز، وما تنتهي إليه مراكز كلّ جهة. 418 المقصد الثاني- في مراكز غزّة وما يتفرّع عنه من البلاد الشاميّة 424 المقصد الثالث- في ذكر دمشق وما يتفرّع عنه من المراكز الموصّلة الى حمص وحماة وحلب الخ 426 المقصد الرابع- في مركز حلب وما يتفرع عنه من المراكز الواصلة الى البيرة وبهسنى الخ 429

الموضوع الصفحة المقصد الخامس- في مركز طرابلس وما يتفرّع عنه من المراكز الموصّلة الى جهاتها 430 المقصد السادس- في معرفة مراحل الحجاز الموصّلة الى مكة المشرفة والمدينة النبوية 431 الباب الثاني- في مطارات الحمام الرسائليّ وذكر أبراجها المقرّرة بطرق الديار المصرية والبلاد الشامية؛ وفيه فصلان 434 الفصل الأوّل- في مطاراته 434 الفصل الثاني- في أبراج الحمام المقرّرة لإطارتها بالديار المصرية والبلاد الشاميّة 437 الباب الثالث- في ذكر هجن الثلج والمراكب المعدّة لحمل الثلج من الشام إلى الأبواب السلطانية بالديار المصرية؛ وفيه ثلاثة فصول 440 الفصل الأوّل- في نقل الثلج 440 الفصل الثاني- في المراكب المعدّة لنقل الثلج من الشام 441 الفصل الثالث- في الهجن المعدّة لنقل ذلك 443 الباب الرابع- في المناور والمحرقات؛ وفيه فصلان 445 الفصل الأوّل- في المناور 445 الفصل الثاني- في المحرقات 448

الجزء الخامس عشر

[الجزء الخامس عشر] كلمة المصنف إن وضع فهارس عامة لكتاب «صبح الأعشى» يشكل حاجة عملية ملحّة، ويكتسب أهمية خاصة من كون هذا المؤلّف الضخم يرتدي طابعا موسوعيا غزير المادة ومتنوعها؛ «فهو أشبه بغابة كبيرة، كثيرة الخيرات متعددة الثمار، ولكنها وعرة المسالك متشابكة الأغصان بحيث يصعب على من يطرقها- دون دليل مرشد- أن يخرج منها بما يشتهي «1» ، وهذا لا يعني أن مؤلف الكتاب لا يمتلك منهجا واضحا وسليما في التأليف والتصنيف؛ فهو صاحب منهج علمي واضح متقدم يقوم على أساس وحدة الفكرة من ناحية، وعلى أسلوب التفريع داخل إطار محدد من ناحية أخرى؛ وهو بذلك يلتقي مع أحدث أساليب ومناهج التصنيف الموسوعي الحديث، وهو التصنيف «الموضوعي» للمواد، أي تبعا للموضوعات وليس تبعا للطريقة الأبجدية. وموضوعاته سماها مقالات؛ وقد بسط كل مقالة على أبواب وفصول وجمل- وغير ذلك من طرائق البسط والتفريع- بالاضافة إلى مقدمة وخاتمة «2» . غير أنه لما كان همّ المؤلف الأساسي هو تقديم العدّة النظرية والمعلوماتية الكاملة «لكاتب الانشاء في الدواوين» فقد جاء اختياره لتقسيم موضوعاته على أساس من احتياجات الكاتب هذا، وليس على أساس احتياجات الباحث أو القاريء. ولما كانت احتياجات الكاتب في نظره تشمل جميع أنواع المعلومات في مجالي النظرية والتطبيق، فقد جاءت تلك المعلومات موزعة على جميع أبواب الكتاب وفصوله، وعلى امتداد أربعة عشر جزءا كبيرا. والحقيقة أن هذا الكتاب يحتوي على فيض من المعلومات والفوائد تتعلق

بصلب الموضوعات المطروقة وبتفريعاتها، وبما يتصل بها من قريب أو بعيد، تجعل منه مصدرا غنيا بذاته لا يشاركه في هذا الغنى غيره من المصادر. ولقد حفظ لنا القلفشندي ثروة ضخمة من الآثار والمعلومات عن عصره والعصور السابقة في مختلف نواحي التاريخ والسياسة والاقتصاد ونظم الحكم والعادات والآدات والعلوم، هذا إلى جانب وفرة من المصطلحات والمسميات في الشؤون العامة والخاصة تضيف إلى المعاجم العربية ثروة جديدة لم تدخلها إلى اليوم بالشكل الكافي. ونحن مثلا نجد كتبا بعينها تكاد تكون مفرغة بكاملها داخل كتاب صبح الأعشى: مثل التعريف بالمصطلح الشريف لشهاب الدين بن فضل الله العمري، ومعالم الكتابة ومغانم الاصابة لابن شيث القرشي، وبعض فصول من مؤلفات قديمة لم تشهد النور حتى الآن إما لأنها ما تزال في طيّ مخطوطات موزعة في مكتبات العالم، أو لأنها مفقودة. وبحكم موقعه الوظيفي في جهاز دولة المماليك السلاجقة، استطاع أن يحتفظ لنا بمجموعة هائلة من الوثائق لا يمكننا العثور عليها مجموعة في كتاب واحد، وبعضها لا يمكن العثور عليه أي مصدر آخر «1» . وفي بعض المجالات نجد أن كتاب صبح الأعشى يشكل مصدرا أساسيا- لا بل المصدر الأساسي- للمعلومات حول بعض الموضوعات: فكل من يريد البحث والتأليف في موضوع الألقاب الاسلامية مثلا لا يمكنه الاستغناء عن كتاب القلقشندي؛ إذ من خلال صبح الأعشى وحده يمكننا استخراج مؤلف كامل حول الألقاب الإسلامية وأصولها ومعانيها وتطوّر استعمالها عبر التاريخ «2» ، إلى غير ذلك من الموضوعات في مختلف المجالات. وبكثير من الاطمئنان نستطيع القول إن أي باحث أو دارس في أي من مباحث العلوم العربية الإسلامية المعروفة (الثقافة الإسلامية الكلاسيكية) يجد شيئا وأشياء في صميم موضوع بحثه بين تضاعيف صبح الأعشى؛ ولا شك عندنا أنه- أي الباحث- يحبذ الوصول إلى ضالته من أقرب السبل وبأنجع الوسائل توفيرا للجهد والوقت. من هنا أهمية أن يكون بين أيدينا فهارس مفصلة لمحتويات هذا الكتاب- الموسوعة.

وبرأينا أن وضع فهارس تفصيلية لكتاب من الكتب- خصوصا إذا كان كتابا مرجعيا- ليس فقط عملا عرضيا يكتفي بتقديم تفصيلات العناوين التي يقدمها الكتاب، أو إفراغ ألفاظ مؤبجدة تحت عناوين أصبحت معروفة في عمل الفهارس: مثل الأعلام والأماكن والنبات والحيوان والشعر وغير ذلك ... إنما هو- إلى ذلك- عمل تأليفي يأتي بعد قراءات متأنية لمحتويات الكتاب، ومن ثم تقديم المفاتيح الضرورية والكافية لكل ما يمكن أن يقدمه الكتاب من فوائد ومعلومات؛ وبعبارة أخرى هو عمل استكشافي لجميع امكانيات الكتاب. ولقد بذلنا الوسع في سبيل ان تأتي هذه الفهارس ملبية لحاجة الباحث في سبر كنوز هذا الكتاب؛ ولله الكمال وحده، وهو المستعان. محمد حسين شمس الدين بيروت 1988

فهرس النصوص

فهرس النصوص يشتمل هذا الفهرس على أنواع المكاتبات الرسمية الصادرة عن دواوين الإنشاء (الوثائق) بالإضافة الى جميع النصوص الأخرى التي احتوى عليها الكتاب وهي: 1- الإجازات 2- الأمان 3- الأوقاف 4- الأيمان 5- تحويل السنين والتوفيق بين السنين الشمسية والقمرية 6- التذاكر 7- التفاويض 8- التقاليد 9- التقريضات التي تكتب على المصنفات والقصائد 10- تقريظ الأشخاص 11- التهاني والتعازي 12- التواقيع 13- الخطب 14- الدفن 15- الرسائل والكتب والمكاتبات 16- السجلّات 17- الصّدقات 18- الطرخانيات 19- الظهورات 20- عقود الذمة، والكتب المتعلقة بأهل الذمة 21- عقود الصلح 22- العمرات 23- العهود 24- الفسوخ والمفاسخات 25- قدمات البندق 26- الكتب والمكاتبات (انظر الرسائل) 27- المبايعات 28- المثالات أو المطلقات 29- المحاورات والمناظرات والمقاولات والمفاخرات 30- المراسيم 31- المسامحات 32- المطالعات 33- المقاطعات 34- المقامات 35- الملطفات 36- المنشورات 37- المهادنات 38- الوصايا

الإجازات

الإجازات نسخة إجازة بالفتيا والتدريس على مذهب الإمام الشافعي، كتبت للمؤلف حين أجازه شيخه سراج الدين بن الملقن في سنة 778 هـ. 14/364 نسخة إجازة بعراضة الكتب، كتب بها الشيخ بدر الدين محمد بن أبي بكر المخزومي المالكي لشهاب الدين أبي العباس أحمد بن شمس الدين أبي عبد الله محمد العمري الشافعي حين عرض عليه عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني، وشذور الذهب لا بن هشام. 14/370 نسخة إجازة كتب بها الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الدائم لولد المؤلف نجم الدين أبي الفتح محمد، حين عرض عليه المنهاج في الفقه للنووي في سنة 813 هـ. 14/372 نسخة إجازة كتبها الشيخ عز الدين بن جماعة. 14/373 نسخة إجازة كتب بها المؤلف لمن اسمه محمد ولقبه شمس الدين، وقد عرض عليه بعض الكتب في الحديث والأصول والنحو. 14/373 نسخة إجازة كتب بها الشيخ صلاح الدين الصفدي على استدعاء كتب له به القاضي شهاب الدين أحمد الحنبلي خطيب بيت الآلهة، وكاتب الدست بالشام يطلب منه فيه الإجازة لنفسه. 14/374 نسخة إجازة كتب بها الشيخ شمس الدين محمد بن الصائغ على استدعاء لبعض من سأله الإجازة. 14/376

الأمان

الأمان نسخة أمان كتبه رسول الله صلىّ الله عليه وسلم لرفاعة بن زيد. 13/323 نسخة الأمان الذي كتبه عمرو بن العاص لأهل مصر عند فتحها. 13/323 نسخة الأمان الذي كتبه الحافظ لدين الله الفاطمي لبهرام الأرمني حين صرف من وزارته وهرب عنه إلى بلاد الأرمن، وكتب إلى الحافظ يظهر الطاعة ويسأل تسيير أقاربه. 13/324 نسخة الأمان الذي كتب عن السلطان الناصر محمد بن قلاوون لفراكس صاحب السرب من ملوك النصارى بالشمال وزوجته ومن معهما من الأتباع، عند طلبهم التمكين من زيارة القدس الشريف وإزالة الأعراض عنهم، من انشاء الشريف شهاب الدين. 13/326 نسخة أمان كتبه رسول الله صلّى الله عليه وسلم لبني زهير بن أقيش من عكل. 13/328 نسخة أمان كتب به عن بعض خلفاء بني العباس. 13/331 نسخة أمان كتب بها أبو إسحاق الصابي عن صمصام الدولة البويهي. 13/335 نسخة أمان كتب بها أبو إسحاق الصابي عن صمصام الدولة البويهي لجماعة من عرب المنتفق، بواسطة محمد بن المسيّب. 13/336 نسخة أمان كتب بها عن المنصور قلاوون للتجار الذين يصلون إلى مصر من الصين والهند والسند واليمن والعراق وبلاد الروم، من إنشاء فتح الدين بن عبد الظاهر. 13/339 نسخة أمان كتب بها لأسد الدين رميثة أمير مكة، في سنة 731 هـ، من إنشاء القاضي تاج الدين بن البارنباري. 13/344 نسخة أمان كتب بها عن السلطان الملك الظاهر برقوق عند محاصرته لدمشق بعد خروجه من الكرك بعد خلعه من السلطنة، أمّن فيها أهل دمشق خلا الشيخ شهاب الدين بن القرشي وجردمر الطاربي، سنة 791 هـ. 13/346 نسخة أمان كتب به عن نائب السلطنة بحلب في نيابة الأمير قشتمر المنصوري، في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين لبعض من أراد تأمينه. 13/349

الأوقاف

الأوقاف نسخة خطبة في ابتداء كتاب وقف على مسجد. 14/395 الأيمان نسخة يمين أوردها أبو الحسين الصابي في كتابه غرر البلاغة. 13/215 نسخة يمين بيعة أوردها ابن حمدون في تذكرته وأبو الحسن بن سعد في ترسله. 13/217 نسخة يمين أوردها العمري في التعريف. 13/220 نسخة يمين أوردها ابن ناظر الجيش في التثقيف. 13/222 نسخة يمين حلف عليها العساكر للسلطان الملك المنصور قلاوون في سنة 678 هـ له ولولي عهده الملك الصالح علاء الدين علي، أوردها ابن المكرم في تذكرته. 13/224 صورة يمين الخوارج. 13/229 صورة يمين الزيدية. 13/231 صورة يمين الشيعة الإمامية الاثني عشرية. 13/237 صورة يمين الشيعة الإسماعيلية. 13/250 صورة يمين الشيعة الدروز. 13/252 صورة يمين الشيعة النصيرية. 13/254 صورة يمين القدرية. 13/256 صورة يمين اليهود. 13/268 صورة يمين السامرة. 13/273 صورة يمين النصارى. 13/278 صورة يمين الملكانية من النصارى. 13/291 نسخة يمين حلف عليها ملك النوبة للسلطان الملك المنصور قلاوون عند استقراره نائبا عنه في بلاد النوبة. 13/293 صورة يمين المجوس أتباع زرادشت 13/299 صورة يمين الحكماء أصحاب أرسطو طاليس. 13/306

تحويل السنين والتوفيق بين السنين الشمسية والقمرية

نسخة يمين حلف عليها السلطان الملك المنصور قلاوون على الهدنة الواقعة بينه وبين الحكام بمملكة عكا وصيدا وعثليث وبلادها من الفرنج الاسبتارية في شهر ربيع الأول سنة 682 هـ، في مباشرة القاضي فتح الدين بن عبد الظاهر كتابة السرّ. 13/312 نسخة يمين حلف عليها الفرنج المعاقدون على الهدنة السابقة في التاريخ المقدم ذكره. 13/313 نسخة يمين حلف بها الأمير نجم الدين أبو نميّ أمير مكة المشرفة، في الدولة المنصورية قلاوون الصالحي، في سنة 681 هـ. 13/318 تحويل «1» السنين والتوفيق بين السنين الشمسية والقمرية نسخة ما كتب به في نقل سنة 278 هـ إلى سنة 279 هـ، في خلافة المعتضد بالله. 13/67 نسخة ما كتب به أبو إسحاق الصابي عن المطيع لله بنقل سنة 306 هـ إلى سنة 307 هـ. 13/69 نسخة مرسوم بتحويل السنة القبطية إلى السنة العربية، من إنشاء القاضي الفاضل عن الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي. 13/75 نسخة مرسوم بتحويل السنة القبطية الى العربية. 13/79 التذاكر نسخة تذكرة أنشأها القاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين، سيرها صحبة الأمير شمس الدين الخطيب، أحد أمراء الدولة الصلاحية، إلى أبواب الخلافة ببغداد في خلافة الناصر لدين الله. 13/86 نسخة تذكرة سلطانية كتب بها عن الملك الصالح علي ابن الملك المنصور قلاوون

التفاويض

الصالحي، لكافل السلطنة بالديار المصرية الأمير زين الدين كتبغا، عند سفر السلطان الملك المنصور إلى الشام واستقرار كتبغا نائبا عنه في سنة 679 هـ، من إنشاء محمد بن المكرّم بن أبي الحسن الأنصاري. 13/96 نسخة تذكرة كتب بها عن السلطان الملك المنصور قلاوون بسبب قلعة صرخد من الشام، عند استقرار الأمير سيف الدين باسطي نائبا بها، والأمير عز الدين واليا بها في سنة 679 هـ، من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر. 13/106 التفاويض نسخة تفويض لقاض، من إنشاء شهاب الدين بن فضل الله العمري، كتبه لقاضي القضاة شهاب الدين بن المجد عبد الله بالشام، على مذهب الإمام الشافعي. 12/40 التقاليد نسخة تقليد كتب بها العلاء بن موصلايا عن القائم بأمر الله للوزير فخر الدولة بن جهير في سنة 472 هـ. 10/242 نسخة تقليد كتب بها عن المسترشد بالله العباسي لبعض وزرائه. 10/246 نسخة تقليد بحماية الكوفة، لأبي طريف بن عليان العقيلي، من إنشاء أبي إسحاق الصابي. 10/272 نسخة تقليد في رسم ما يكتب للوزير، من إنشاء علي بن خلف. 10/397 نسخة تقليد في رسم ما يكتب بزمّ الأقارب، وهو التقدمة على أقارب الخليفة، من إنشاء علي بن خلف. 10/402 رسم تقليد بنقابة العلويين، من إنشاء علي بن خلف. 10/405 رسم تقليد بزمّ طوائف الرجال، من إنشاء علي بن خلف. 10/409 رسم تقليد بإمارة الحجّ، لعلي بن خلف. 10/412 رسم تقليد بالإمارة على الجهاد، لعلي بن خلف. 10/414 رسم تقليد بالإمارة على قتال أهل البغي، لعلي بن خلف. 10/424

نسخة تقليد بولاية الحسبة، من إنشاء ضياء الدين بن الأثير. 11/67 نسخة تقليد بكفالة السلطنة، من إنشاء شهاب الدين الحلبي. 11/133 نسخة تقليد بكفالة السلطنة. 11/137 نسخة تقليد بكفالة السلطنة، كتب به عن السلطان الملك أبي بكر بن الناصر محمد بن قلاوون للأمير طقزدمر أمير مجلس في سنة 742 هـ، بعد أن بطلت النيابة في دولة أبيه عدة سنين. 11/142 نسخة تقليد بالوزارة، كتب به للأمير سيف الدين بكتمر. 11/147 نسخة تقليد بالإشارة للأمير جمال الدين يوسف البشاسي إستادار في الدولة الناصرية فرج، حين فوضت إليه الإشارة مضافة إلى الاستدارية، من إنشاء القلقشندي، وكتبه المقر الشمسي العمري كاتب الدست الشريف في سنة 809 هـ. 11/152 نسخة تقليد بنظر البيمارستان. 11/155 نسخة تقليد بنظر الجامع الطولوني، من إنشاء المقر البدري ابن المقر العلائي بن فضل الله العمري صاحب ديوان الإنشاء في الدولة الظاهرية برقوق، كتب به المقر الشمسي العمري كاتب الدست لأبي يزيد الدوادار. 11/158 نسخة تقليد بقضاء القضاة الشافعية، كتب به لقاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعزّ، من إنشاء محيي الدين بن عبد الظاهر. 11/175 نسخة تقليد بقضاء قضاة الحنفية، كتب به لمن لقبه شمس الدين. 11/178 نسخة تقليد بقضاء قضاة المالكية، لقاضي القضاة جمال الدين يوسف البساطي في سنة 804 هـ. 11/181 نسخة تقليد بالوزارة، كتب بها للصاحب بهاء الدين بن حنّا، من إنشاء محيي الدين ابن عبد الظاهر. 11/265 نسخة تقليد بالوزارة، كتب به للصاحب تاج الدين محمد بن فخر الدين ابن الصاحب بهاء الدين علي بن حنّا، في سنة 693 هـ، من إنشاء شهاب الدين محمود الحلبي. 11/269 نسخة تقليد بالوزارة، كتب به للصاحب ضياء الدين بالاستمرار على الوزارة، من إنشاء شهاب الدين محمود الحلبي. 11/273 نسخة تقليد بالوزارة. 11/279

نسخة تقليد آخر بالوزارة. 11/284 نسخة تقليد بكتابة السر، كتب بها للمقرّ المحيوي محيي الدين بن فضل الله العمري عند عودته إلى كتابة السر بالديار المصرية، من إنشاء الشريف شهاب الدين كاتب الدرج الشريف. 11/288 نسخة تقليد بكتابة السر، كتب بها للقاضي شهاب الدين بن فضل الله العمري. 11/292 نسخة تقليد بعود القاضي شهاب الدين بن فضل الله العمري إلى كتابة السرّ، من إنشاء الشريف شهاب الدين كاتب الإنشاء الشريف. 11/298 نسخة تقليد بكتابة السرّ. 11/302 نسخة تقليد بكتابة السر. 11/305 نسخة تقليد بنيابة ثغر الاسكندرية. 11/400 نسخة تقليد بولاية الولاة بالوجه القبلي، من إنشاء الشريف شهاب الدين كاتب الإنشاء. 11/420 نسخة تقليد بنيابة السلطنة بالوجه القبلي، كتب به لعلاء الدين المرادي، من إنشاء الشريف شهاب الدين. 11/424 نسخة تقليد بنيابة السلطنة بالوجه القبلي، من إنشاء شهاب الدين بن فضل الله العمري. 11/427 نسخة تقليد بنيابة السلطنة بالوجه البحري، من إنشاء شهاب الدين بن فضل الله العمري. 11/431 نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام، كتب به عن السلطان الملك العادل كتبغا للأمير سيف الدين غرلو العادلي، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 12/6 نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام، كتب به للأمير جمال الدين أقوش الأشرفي سنة 711 هـ، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 12/10 نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام، كتب بها للأمير سيف الدين تنكز الناصري سنة 712 هـ، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 12/15 نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام، كتب به للأمير يلبغا الكاملي بعد نيابته بحلب وحماة، من إنشاء شهاب الدين بن فضل الله العمري. 12/18 نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام. 12/20

نسخة تقليد بإمرة آل فضل. 12/118 نسخة تقليد بنيابة السلطنة بحلب، كتب به للأمير أستدمر، من إنشاء شهاب الدين محمود الحلبي. 12/141 نسخة تقليد بنيابة حلب أيضا، كتب بها عن السلطان الناصر محمد بن قلاوون للأمير شمس الدين قراسنقر بإعادته إليها، من إنشاء شهاب الدين محمود الحلبي. 12/147 نسخة تقليد بنيابة طرابلس. 12/176 نسخة تقليد بنيابة حماة. 12/198 نسخة تقليد بنيابة السلطنة بصفد، كتب به لسيف الدين قطلقتمس السلحدار الناصري سنة 710 هـ، من إنشاء شهاب الدين محمود الحلبي. 12/202 نسخة تقليد بنيابة غزة، كتب به للأمير علم الدين الجاولي، من إنشاء شهاب الدين محمود الحلبي. 12/209 نسخة تقليد بتقدمة العسكر بغزة. 12/212 نسخة تقليد بنيابة السلطنة بالكرك، كتب به للأمير سيف الدين أيتمش، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 12/216 نسخة تقليد بنيابة السلطنة بالكرك كتب به للأمير تلكتمر الناصري عندما كان المقر الشهابي أحمد ولد السلطان الملك الناصر بالكرك. 12/219 نسخة تقليد بنيابة السلطنة بالكرك، كتب بها عن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون لولده الملك الناصر أحمد قبل سلطنته، من إنشاء الشريف شهاب الدين. 12/221 نسخة تقليد بإمرة مكة، كتب بها عن الناصر محمد بن قلاوون للأمير أسد الدين رميثة بن أبي نميّ، عوضا عن أخيه عطيفة عند قتل الأمير الدمرجان دار وولده خليل، من إنشاء المولى تاج الدين بن البار نباري، في سنة 731 هـ. 12/228 نسخة تقليد لأمير مكة المشرّفة. 12/231 نسخة تقليد بإمارة المدينة النبوية، كتب به للأمير بدر الدين وديّ بن جماز، من إنشاء شهاب الدين بن فضل الله العمري. 12/237 نسخة تقليد بإمرة المدينة النبوية. 12/243 نسخة تقليد آخر بإمرة المدينة النبوية. 12/249 نسخة تقليد بقضاء الشافعية بالمدينة النبوية. 12/253

التقريضات التي تكتب على المصنفات والقصائد

نسخة تقليد، كتب به الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي لمتملك سيس بإقراره على ما هو قاطع النهر من بلاده. 12/260 نسخة تقليد قاض. 14/383 نسخة تقليد قاض. 14/384 نسخة تقليد قاض. 14/386 التقريضات التي تكتب على المصنفات والقصائد ما كتب به الشيخ صلاح الدين الصفدي على مصنف وضعه الشيخ تاج الدين علي بن الدرهم الموصلي الشافعي في الاستدلال على أن البسملة من أول الفاتحة. 14/378 تقريض كتبه ابن فضل الله العمري على قصيدة ميمية للصلاح الصفدي. 14/378 ما كتب به المؤلف على قصيدة نظمها شرف الدين عيسى بن حجاج المعروف بالعالية، مدح بها النبي وضمنها أنواع البديع، في سنة 792 هـ. 14/379 التقريظ (في مدح الأشخاص) في تقريظ شاعر، للمؤلف 1/0345 في تقريظ قاضي القضاة جلال الدين البلقيني، للمؤلف. 1/564 التهاني والتعازي تهنئة بوزارة، من إنشاء أبي الحسين بن سعد، كتب بها إلى الوزير محمد بن القاسم بن عبيد. 9/5 تهنئة أخرى لأبي الحسين بن سعد. 9/6 تهنئة ثالثة له. 9/7 تهنئة بوزارة، من إنشاء علي بن خلف. 9/8 تهنئة بكفالة السلطنة، كتب بها عن نائب الشام، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة. 9/10

تهنئة لأمير جاندار بولاية إمرة جاندار، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة. 9/12 تهنئة بالإمارة أوردها أبو الحسين بن سعد في ترسّله. 9/13 تهنئة من إنشاء أبي الحسين بن سعد، كتب بها إلى أبي بكر بن ياقوت حين ولي الحجابة بعد نكبة أصابته. 9/14 تهنئة بولاية الحجابة من إنشاء علي بن خلف. 9/15 تهنئة بولاية القضاء، من إنشاء علي بن خلف. 9/16 تهنئة بولاية القضاء، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 9/18 تهنئة بولاية الدعوة على مذهب الشيعة، من إنشاء علي بن خلف. 9/19 تهنئة بالتقدمة على الرجال. 9/21 تهنئة بولاية الديوان. 9/22 تهنئة بولاية عمل، من إنشاء أبي الفرج الببغاء. 9/24، 25 تهنئة بإنعام سلطاني. 9/26 تهنئة بإنعام سلطاني، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 9/27 تهنئة برضى السلطان بعد غضبه. 9/28، 29 تهنئة بالخلاص من الاعتقال، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 9/30 تهنئة بالعود من الحجّ. 9/32، 33 تهنئة بالعود من الحجّ، من إنشاء أبي الفرج الببغاء. 9/34 تهنئة بالقدوم من السفر، من إنشاء علي بن خلف. 9/34 تهنئة بالقدوم من السفر، لأبي الفرج الببغاء. 9/35، 36 تهنئة بالقدوم من السفر، لابن أبي الخصال. 9/37 تهنئة من إنشاء ابن نباتة عن نائب الشام إلى القاضي علاء الدين بن فضل الله العمري كاتب السر الشريف بالأبواب الشريفة بالديار المصرية عند عوده من الكرك إلى الديار المصرية سنة 743 هـ، مهنئا له بعوده إلى منزله واستقراره وعوده إلى كتابة السر الشريف. 9/38 تهنئة بقدوم من سفر، للشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 9/39 تهنئة بأول العام وغرّة السنة، من إنشاء أبي مسلم محمد بن بحر. 9/41 تهنئة في نفس الموضوع، لأبي الحسين بن سعد. 9/41، 42 تهنئة بشهر رمضان، لأبي الحسين بن سعد. 9/42، 43

تهنئة بشهر رمضان، لأبي الفرج الببغاء. 9/43 تهنئة بالصوم، شعرا، من نظم القلقشندي، إلى محمد بن البارزي كاتب السرّ الشريف المؤيدي بالممالك الإسلامية، في سنة 816 هـ. 9/44 تهاني لكل شهر من شهور السنة، لأبي الحسين بن سعد. 9/44، 45 تهنئة بعيد الفطر، لأبي الحسين بن سعد. 9/45 تهنئة بعيد الفطر، لأبي الفرج الببغاء. 9/45 تهنئة بعيد الفطر، للشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 9/46 تهنئة بعيد الفطر، شعرا، من نظم القلقشندي، إلى محمد بن البارزي. 9/47 تهنئة بعيد الأضحى، لأبي الحسين بن سعد. 9/47 تهنئة بعيد الأضحى، لشهاب الدين الحلبي. 9/47 تهنئة تصلح لكل عيد، لأبي الفرج الببغاء. 9/48، 49 تهنئة بالنيروز، لأبي الحسين بن سعد 9/49 تهنئة بالنيروز للكرجي. 9/50 تهنئة بالمهرجان، لأبي الحسين بن سعد. 9/51 تهنئة بالمهرجان، لأبي الفرج الببغاء. 9/52، 53 تهنئة بالزواج والتسرّي، لأبي الفرج الببغاء. 9/55 تهنئة بالزواج والتسرّي، للشيخ شهاب الدين الحلبي. 9/56 تهنئة بالبنين، لأبي الحسين بن سعد. 9/57، 58 تهنئة بالبنين، لعلي بن خلف. 9/58 تهنئة بالبنين، للشيخ شهاب الدين الحلبي. 9/60 تهنئة بالبنات، لأبي الحسين بن سعد. 9/61 تهنئة بالبنات، لأبي مسلم بن بحر. 9/61 تهنئة بالبنات، لعلي بن خلف. 9/61 تهنئة بالبنات، لأبي الفرج الببغاء. 9/62 تهنئة بالإبلال من المرض. 9/64 تهنئة بالإبلال من المرض، لأبي الفرج الببغاء. 9/65، 66، 67 تهنئة بالإبلال من المرض، للشيخ شهاب الدين الحلبي. 9/68 تهنئة بالإبلال من المرض، للشيخ جمال الدين بن نباتة. 9/68

تهنئة بقرب المزار، للشيخ شهاب الدين الحلبي. 9/71 تهنئة بنزول منازل مستجدة، لعلي بن خلف. 9/72 تهنئة بنزول منازل مستجدة، لأبي الفرج الببغاء. 9/73 تهنئة ذمّيّ بإسلامه، لأبي الحسين بن سعد. 9/74 تهنئة ذمّيّ بإسلامه، لأبي العيناء. 9/75 تهنئة بختان وخروج اللحية. 9/76 تهنئة بختان وخروج اللحية، لأبي الحسين بن سعد. 9/77 تهنئة بالمرض، لأبي الفرج الببغاء. 9/78 تهنئة بالصرف عن الولاية، لأبي الحسين بن سعد. 9/79 تهنئة من تزوّجت أمه بزواجها، لأبي الفرج الببغاء، وقد أمره سيف الدولة الحمداني بالكتابة في معنى ذلك امتحانا. 9/81 نسخة كتاب تعزية من النبي صلى الله عليه وسلّم إلى معاذ بن جبل، يعزّيه بابن له مات. 9/82 تعزية بولد، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة. 9/83 تعزية بولد، للشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 9/84 تعزية ببنت، لابن أبي الخصال المغربي. 9/87 تعزية بوزير، لابن أبي الخصال. 9/88 تعزية بأم، لأبي محمد بن عبد البرّ المغربي. 9/89 تعزية بأخ، لابن عبد البرّ. 9/90 تعزية بأخ، لابن أبي الخصال. 9/91 تعزية بزوجة، لابن عبد البرّ. 9/92 تعزية بزوجة، لابن أبي الخصال. 9/93 تعزية بزوجة، للشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 9/93 تعزية مطلقة يصلح إيرادها في كل صنف، لأبي الحسين بن سعد. 9/94 تعزية مطلقة يصلح إيرادها في كل صنف، لعلي بن خلف. 9/95 تعزية مطلقة يصلح إيرادها في كل صنف، لأبي الفرج الببغاء. 9/97

التواقيع

التواقيع من جملة توقيع لبعض مدرسي الشام، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة. 1/253 من توقيع لهارون الرشيد إلى بعض عماله. 2/16 نسخة توقيع بتدريس، كتب به عن الإمام الناصر لدين الله، للقاضي محيي الدين محمد بن فضلان بتدريس المدرسة النظامية ببغداد في سنة 614 هـ. 10/302 نسخة توقيع بولاية ناحية وإقطاع بلادها لمتوليها. 11/31 نسخة توقيع بتدريس مدرسة والنظر عليها والتحدّث على أوقافها وسائر تعلقاتها. 11/32 نسخة توقيع بوزارة من إنشاء بعض بني الأثير. 11/35 نسخة توقيع بإعادة النظر بثغر الإسكندرية لابن بصاصة في شهور سنة 678 هـ. 11/39 نسخة توقيع بولاية الشرقية. 11/41 نسخة توقيع بولاية الغربية. 11/43 نسخة توقيع بنظر الدواوين. 11/65 نسخة توقيع بنقابة الأشراف. 11/161 نسخة توقيع بقضاء القضاة الحنفية بدمشق، من انشاء القاضي ناصر الدين بن النشائي. 11/186 نسخة توقيع بنظر الخاص. 11/313 نسخة توقيع بنظر الجيش. 11/315 نسخة توقيع بنظر الجيش. 11/317 نسخة توقيع بنظر الدواوين، كتب به لتاج الدين بن سعيد الدولة. 11/320 نسخة توقيع بنظر الدواوين المعمورة، ونظر الصحبة الشريفة، كتب بهما جميعا لتاج الدين بن سعيد الدولة على أثر إسلامه، من إنشاء شهاب الدين محمود الحلبي. 11/322 نسخة توقيع بنظر الصحبة، كتب به للشريف شهاب الدين ناظر الصحبة، من إنشاء الشيخ شهاب الدين الحلبي. 11/324 نسخة توقيع بكتابة الدست. 11/327 نسخة توقيع بكتابة الدست أيضا. 11/329

نسخة توقيع بنظر الخزانة الكبرى. 11/331 نسخة توقيع بنظر خزانة الخاص، كتب به للقاضي شرف الدين محمد بن علاء الدين الجوجري في سنة 739 هـ. 11/334 نسخة توقيع بنظر البيوت والحاشية. 11/337 نسخة توقيع بنظر البيوت. 11/338 نسخة توقيع بنظر خزائن السلاح، من إنشاء المولى شمس الدين بن القيسراني، كتب به لفخر الدين أخي جمال الدين ناظر الخاص. 11/340 نسخة توقيع باستيفاء الصحبة، من إنشاء القاضي ناصر الدين بن النشائي. 11/343 نسخة توقيع بكتابة الدرج الشريف، كتب به للقاضي تاج الدين عبد الرحيم ابن الصاحب فخر الدين بن أبي شاكر. 11/347 نسخة توقيع بكتابة درج تجديدا. 11/348 نسخة توقيع بشهادة الخزانة، كتب به لابن عبادة. 11/349 نسخة توقيع باستيفاء الدولة. 11/350 نسخة توقيع باستيفاء الدولة، كتب به لعلم الدين بن ريشة. 11/352 نسخة توقيع باستيفاء الخاص، لمن لقبه أمين الدين. 11/353 نسخة توقيع باستيفاء الخاص، لمن لقبه بدر الدين. 11/354 نسخة توقيع باستيفاء البيوت والحاشية، كتب به لعلم الدين شاكر عوضا عن تاج الدين بن الغزولي في أيام الأشرف شعبان. 11/355 نسخة توقيع بنظر دواوين بعض الأمراء. 11/356 نسخة توقيع بمشيخة الشيوخ بالخانقاه الصلاحية- سعيد السعداء بالقاهرة- للشيخ شمس الدين بن النخجواني، من إنشاء شهاب الدين بن فضل الله العمري. 11/365 نسخة توقيع بمشيخة الشيوخ بالخانقاه الناصرية بسرياقوس، كتب به للشيخ نظام الدين الأصفهاني، من إنشاء السيد الشريف شمس الدين. 11/367 نسخة توقيع برياسة الطب. 11/371 نسخة توقيع برياسة الطب، من إنشاء الشيخ شهاب الدين الحلبي، كتب بها لشهاب الدين الحكيم في سنة 709 هـ. 11/374 نسخة توقيع برآسة اليهود، من إنشاء محيي الدين بن عبد الظاهر. 11/379

نسخة توقيع برآسة اليهود. 11/383 نسخة توقيع لبطرك الملكية. 11/387 نسخة توقيع لبطرك النصارى اليعاقبة. 11/390 نسخة توقيع لبطرك النصارى اليعاقبة، كتب به للشيخ المؤتمن، في شهور سنة 764 هـ. 11/392 نسخة توقيع بقضاء القضاة المالكية، لقاضي القضاة جمال الدين البسطامي عند عوده إلى الوظيفة سنة 807 هـ، من إنشاء القلقشندي. 11/189 نسخة توقيع بقضاء قضاة الحنابلة. 11/192 نسخة توقيع بقضاء العسكر المنصور بالحضرة السلطانية. 11/203 نسخة توقيع بإفتاء دار العدل لمن لقبه جمال الدين. 11/205 نسخة توقيع بوظيفة الحسبة. 11/208 نسخة توقيع بحسبة الفسطاط. 11/210 نسخة توقيع بوكالة بيت المال. 11/213 نسخة توقيع بخطابة الجامع بقلعة الجبل المحروسة، حيث مصلى السلطان، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 11/219 نسخة توقيع بإمامة جامع. 11/223 نسخة توقيع بتدريس، كتب به للقاضي عز الدين ابن قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، عوضا عن والده في سنة 730 هـ. 11/224 نسخة توقيع بتدريس زاوية الشافعي بالجامع العتيق، من إنشاء المولى زين الدين بن الخضر، موقع الدست، كتب به لتاج الدين محمد الإخنائي شاهد خزانة الخاص بالنيابة عن عمه قاضي القضاة تقي الدين المالكي. 11/226 نسخة توقيع بتدريس المدرسة الصلاحية المجاورة لتربة الإمام الشافعي، كتب به لقاضي القضاة تقي الدين ابن قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز، من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر. 11/227 نسخة توقيع بتدريس المدرسة الصلاحية بمصر، المختصة بالمالكية، المعروفة بالقمحية، أنشأه القلقشندي لقاضي القضاة جمال الدين الأقفهسي 11/233 نسخة توقيع بتدريس المدرسة الصلاحية، أنشأه القلقشندي للقاضي شمس الدين محمد بن شهاب الدين أحمد الدّفري المالكي في سنة 805 هـ. 11/235

نسخة توقيع بالتدريس بقبة الصالح، أنشأه القلقشندي لقاضي القضاة جمال الدين يوسف البساطي سنة 804 هـ. 11/237 نسخة توقيع بتدريس الحديث بالجامع الحاكمي، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي للشيخ قطب الدين عبد الكريم. 11/240 نسخة توقيع بتصدير أنشأه القلقشندي للشيخ شهاب الدين أحمد الأنصاري الشهير بالشاب التائب، بالجامع الأزهر. 11/247 نسخة توقيع بتدريس الطب بالبيمارستان المنصوري، كتب بها لمهذب الدين. 11/249 نسخة توقيع بنظر الأحباس. 11/252 نسخة توقيع بنظر الأوقاف. 11/253 نسخة توقيع بنظر البيمارستان المنصوري بين القصرين، من إنشاء الشيخ شهاب الدين الحلبي. 11/255 نسخة توقيع بنظر الجامع الناصري بقلعة الجبل، كتب به للقاضي جلال الدين القزويني. 11/258 نسخة توقيع بنظر مشهد الإمام الحسين بالقاهرة المحروسة، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 11/260 نسخة توقيع بنظر البيمارستان العتيق الذي رتبه السلطان صلاح الدين في بعض قاعات قصر الفاطميين. 11/264 نسخة توقيع بالتحدّث في وقف. 11/264 نسخة توقيع بنظر الخاص، كتب به للقاضي شمس الدين موسى بن عبد الوهاب في أيام الناصر محمد بن قلاوون. 11/310 نسخة توقيع لبطرك اليعاقبة. 11/395 نسخة توقيع لبطرك اليعاقبة. 11/396 نسخة توقيع بقضاء ثغر الإسكندرية المالكي، كتب به للشيخ وجيه الدين محمد بن عبد المعطي الإسكندري المالكي. 11/402 نسخة توقيع بقضاء ثغر الإسكندرية، كتب به للقاضي علم الدين الإخنائي الشافعي، في سنة 730 هـ. 11/405 نسخة توقيع بالحسبة بثغر الإسكندرية. 11/408 نسخة توقيع بنظر الصادر والوارد، أنشأه القلقشندي عن السلطان الملك الناصر

فرج بن برقوق للقاضي ناصر الدين محمد الطناحي سنة 804 هـ. 11/410 نسخة توقيع بنظر ثغر الإسكندرية، كتب به للقاضي جمال الدين بن بصاصة. 11/413 نسخة توقيع بنظر ثغر الإسكندرية. 11/415 نسخة توقيع بكتابة الدرج بالإسكندرية. 11/417 نسخة توقيع بنظر دار الطراز بثغر الإسكندرية، كتب به لصلاح الدين بن علاء الدين علي بن البرهان في سنة 741 هـ، من إنشاء الشريف شهاب الدين كاتب الإنشاء. 11/418 نسخة توقيع لقاضي الركب، كتب به للشيخ تقي الدين السبكي. 11/435 نسخة توقيع بشدّ المهمات بدمشق. 12/34 نسخة توقيع بقضاء الشافعية بدمشق، كتب به لقاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء السبكي. 12/36 نسخة توقيع بقضاء، أنشأه القلقشندي بدمشق للقاضي شرف الدين مسعود. 12/48 نسخة توقيع بقضاء قضاة المالكية بالشام، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 12/51 نسخة توقيع بقضاء قضاة الحنابلة، كتب بها للقاضي علاء الدين منجّى التنوخي. 12/54 نسخة توقيع بالحسبة. 12/58 نسخة توقيع بنظر الحسبة الشريفة، مضافا إلى نظر أوقاف الملوك، من إنشاء شهاب الدين بن فضل الله العمري. 12/60 نسخة توقيع بوكالة بيت المال المعمور، من إنشاء القاضي تاج الدين البارنباري، للقاضي نجم الدين أبي الطيّب. 12/63 نسخة توقيع بوكالة بيت المال بالشام. 12/66 نسخة توقيع بالخطابة بالجامع الأموي، كتب بها لزين الدين الفارقي، من إنشاء شهاب الدين محمود الحلبي. 12/69 نسخة توقيع بالخطابة بالجامع الأموي، كتب بها للقاضي تقي الدين السبكي. 12/72 نسخة توقيع بخطابة الجامع الأموي، أنشأها القلقشندي للشيخ شهاب الدين بن حاجّي. 12/73 نسخة توقيع بتدريس المدرسة الريحانية، كتب به لقاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي الحنفي، عوضا عن جلال الدين الرازي، كتب بسؤال بعض كتاب

الإنشاء. 12/76 نسخة توقيع أنشأه القلقشندي لقاضي القضاة بدر الدين محمد ابن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء وولده جلال الدين محمد، بإعادة تصديرين كانا باسمهما. 12/80 نسخة توقيع بنظر البيمارستان النوري، كتب بها لمن لقبه شهاب الدين. 12/83 نسخة توقيع للصاحب أمين الملك بتدبير الممالك الشامية والخواص الشريفة والأوقاف المبرورة، من إنشاء الصلاح الصفدي. 12/86 نسخة توقيع بصحابة ديوان الإنشاء بدمشق، كتب بها لفتح الدين بن الشهيد، من إنشاء القاضي ناصر الدين بن النشائي. 12/89 نسخة توقيع بكتابة السر بالشام، كتب به للقاضي شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله العمري، عندما رسم بنقله من القاهرة إلى دمشق في سنة 711 هـ، من إنشاء شهاب الدين محمود الحلبي. 12/93 نسخة توقيع بكتابة السر. 12/95 نسخة توقيع بنظر الجيوش، كتب به لموسى بن عبد الوهاب، من إنشاء السيد الشريف شهاب الدين. 12/96 نسخة توقيع بنظر الخزانة العالية. 12/98 نسخة توقيع بمشيخة الخانقاه الصلاحية، المسماة بالشميصاتية بالشام. 12/100 نسخة توقيع بمشيخة خانقاه. 12/102 نسخة توقيع بشدّ الدواوين بحلب. 12/153 نسخة توقيع بقضاء قضاة الشافعية بحلب. 12/156 نسخة توقيع بوكالة بيت المال المعمور بحلب. 12/158 نسخة توقيع بكتابة السر بحلب 12/161 نسخة توقيع بنظر المملكة الحلبية، كتب به لعماد الدين سعيد بن ريان بالعود إليها. 12/163 نسخة توقيع بنظر الجيش بالمملكة الحلبية. 12/165 نسخة توقيع كتب به لقاضي قلعة المسلمين. 12/174 نسخة توقيع كتب به بنظر جعبر، من معاملة حلب. 12/175 نسخة توقيع بشدّ الدواوين بطرابلس. 12/179 نسخة توقيع بقضاء قضاة الشافعية بطرابلس. 12/181

نسخة توقيع بوكالة بيت المال بطرابلس. 12/183 نسخة توقيع بوظيفة قراءة الحديث النبوي بطرابلس. 12/185 نسخة توقيع بكتابة السر بطرابلس. 12/187 نسخة توقيع بنظر المملكة الطرابلسية. 12/189 نسخة توقيع بنظر الجيش بالمملكة الطرابلسية. 12/190 نسخة توقيع بكتابة الدست بطرابلس. 12/192 نسخة توقيع بنظر وقف على جامع بمعاملة طرابلس. 12/196 نسخة توقيع بقضاء مكة المشرفة. 12/235 نسخة توقيع بمشيخة الحرم الشريف. 12/255 نسخة توقيع لحكم رماة البندق. 12/264 نسخة توقيع آخر لحاكم البندق. 12/266 نسخة توقيع بفتوّة، من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر. 12/269 نسخة طرة توقيع بنقابة الأشراف بحلب، كتب به للشريف غياث الدين أحمد المعروف بابن الممدوح. 12/291 نسخة طرّة توقيع بكشف الصفقة القبلية بالشام، مما كتب به لغرس الدين خليل الناصري. 12/291 نسخة طرّة توقيع بالمهمندارية بالشام المحروس، كتب به لغرس الدين خليل الطناحي. 12/292 نسخة طرّة توقيع بتصدير الجامع الأموي بالشام، كتب به للقاضي ناصر الدين بن أبي الطيب كاتب السرّ بالشام. 12/292 نسخة طرّة توقيع بإعادة مشيخة الشيوخ بالشام إلى القاضي ناصر الدين بن أبي الطيب. 12/293 نسخة طرّة توقيع بالحمل والنزول على التقرير الشرعي بالزاوية الأمينية بالقدس، كتب به للشيخ برهان الدين الموصلي. 12/293 نسخة طرّة توقيع ببطركية النصارى الملكية بالشام، كتب به لداوود الخوري. 12/294 نسخة توقيع بولاية دمشق. 12/295 نسخة توقيع بنظر الجامع الأموي، كتب به في الدولة الظاهرية برقوق لناصر الدين محمد ابن الأمير جمال الدين عبد الله بن الحاجب عند مصاهرته الأمير بطا

الدوادار. 12/297 نسخة توقيع بتولية الزكاة، من إنشاء جمال الدين بن نباتة. 12/299 نسخة توقيع بشدّ الحوطات بدمشق، كتب به لشرف الدين يحيى بن العفيف بإجرائه على عادته وحمله على ما بيده من التوقيع الشريف. 12/301 نسخة توقيع بشدّ مراكز البريد، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب بها لمن لقبه بدر الدين في سنة 743 هـ. 12/302 نسخة توقيع بنقابة النقباء، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب بها لشهاب الدين بولاقي عوضا عن أبيه، في سنة 804 هـ. 12/304 نسخة توقيع بشدّ خزائن السلاح، من إنشاء ابن نباتة. 12/305 نسخة توقيع بشدّ الجوالي، من إنشاء ابن نباتة. 12/306 نسخة توقيع بنيابة بعلبك كتب بها لركن الدين عمر بن الطحان. 12/307 نسخة توقيع بكشف البلاد القبلية، كتب به لغرس الدين خليل الناصري في الدولة الظاهرية برقوق. 12/309 نسخة توقيع بكشف الرملة، كتب به لأبي بكر، أمير علم، في الدولة الظاهرية برقوق. 12/311 نسخة توقيع بنيابة بعلبك، كتب به لمن لقبه ناصر الدين، من إنشاء ابن نباتة. 12/313 نسخة توقيع بولاية الولاة بالشام، لمن لقبه عز الدين، من إنشاء ابن نباتة. 12/315 نسخة توقيع بولاية البلقاء والصّلت، من إنشاء ابن نباتة. 12/316 نسخة توقيع بولاية نابلس، من إنشاء ابن نباتة. 12/318 نسخة توقيع بشدّ الدواوين بغزة، من إنشاء ابن نباتة، كتب به لعلاء الدين بن الحصني. 12/319 نسخة توقيع بنيابة قلعة القدس، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب بها لشرف الدين موسى الردّادي. 12/321 نسخة توقيع بنيابة قلعة صرخد لمن لقبه جمال الدين. 12/322 نسخة توقيع بنيابة قلعة الصّبيبة. 12/323 نسخة توقيع بنيابة قلعة حمص، من إنشاء ابن نباتة. 12/324 نسخة توقيع بنيابة قلعة جعبر، قبل أن تنقل إلى حلب. 12/325 نسخة توقيع بنيابة مغارة زلّايا، من إنشاء ابن نباتة. 12/326

نسخة توقيع بولاية القدس، من إنشاء ابن نباتة. 12/327 نسخة توقيع بولاية غزّة. 12/327 نسخة توقيع بولاية لدّ، لمن اسمه نجم الدين أيوب. 12/328 نسخة توقيع بولاية بيسان، لمن لقبه شهاب الدين، من إنشاء ابن نباتة. 12/329 نسخة توقيع بولاية صيدا، لمن لقبه شجاع الدين. 12/330 نسخة توقيع بولاية قاقون، من إنشاء ابن نباتة. 12/331 نسخة توقيع بولاية صرخد، من إنشاء ابن نباتة، لمن لقبه جمال الدين. 12/331 نسخة توقيع بولاية سلمية، كتب به لشهاب الدين الحجازي، من إنشاء ابن نباتة. 12/332 نسخة توقيع بشدّ متحصّل قمامة، من إنشاء ابن نباتة. 12/333 نسخة توقيع بنظر الحسبة بالشام، كتب به للقاضي نور الدين علي بن أبي الفرج. 12/334 نسخة توقيع بنظر الجامع الأموي، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي عماد الدين بن الشيرازي، في دولة الصالح بن الناصر محمد. 12/337 نسخة توقيع بنظر مدرسة الشيخ أبي عمر، من إنشاء ابن نباتة، كتب للقاضي تقي الدين. 12/340 نسخة توقيع بخطابة الجامع الأموي، كتب به باستمرار القاضي تاج الدين من إنشاء ابن نباتة. 12/342 نسخة توقيع بتدريس المدرسة المسرورية بدمشق، كتب به للشيخ تقي الدين السبكي، من إنشاء صلاح الدين الصفدي. 12/345 نسخة توقيع بتدريس المدرسة الناصرية الجوانية، كتب به للقاضي ناصر الدين محمد بن يعقوب كاتب السرّ يومئذ بالشام حين عاد إلى تدريسها بعد انفصاله عنها، من إنشاء صلاح الدين الصفدي. 12/348 نسخة توقيع بتدريس المدرسة النورية، من إنشاء ابن نباتة، كتب به لقاضي القضاة نجم الدين الحنفي بنزول والده عنها. 12/351 نسخة توقيع بتدريس المدرسة الريحانية الحنفية، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي عماد الدين الحنفي. 12/353 نسخة توقيع بتصدير بالجامع الأموي، كتب به لقاضي القضاة علم الدين بن القفصي قاضي قضاة دمشق. 12/356

نسخة توقيع بقضاء العسكر بدمشق، كتب به للقاضي شمس الدين محمد الإخنائي الشافعي. 12/358 نسخة توقيع بنظر جامع يلبغا اليحياوي، كتب به للأمير جمال الدين يوسف شاه العمري الظاهري. 12/359 نسخة توقيع بنظر تربة أرغون شاه، كتب به لقجا السيفي بوطا. 12/361 نسخة توقيع بتدريس الجامع الأموي عودا إليه، من إنشاء جمال الدين بن نباتة، كتب به للقاضي فخر الدين المصري. 12/362 نسخة توقيع بتدريس المدرسة الدماغية بدمشق، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي جمال الدين، أبي الطيّب الحسن بن علي الشافعي. 12/363 نسخة توقيع بتدريس المدرسة الركنية الحنفية بظاهر دمشق، كتب به للقاضي بدر الدين محمد بن أبي منصور الحنفي. 12/366 نسخة توقيع بتدريس المدرسة الخاتونية البرانية الحنفية بدمشق، كتب به للشيخ صدر الدين علي بن الآدمي الحنفي. 12/367 نسخة توقيع بخطابة جامع جراح، من إنشاء ابن نباتة، كتب به لشرف الدين بن عمرون. 12/369 نسخة توقيع بالتدريس بالجامع الأموي والإفتاء به، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للشيخ فخر الدين المصري. 12/371 نسخة توقيع بتدريس مدرسة القصّاعين، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي جمال الدين يوسف الحنفي بنزول من والده. 12/373 نسخة توقيع بتصدير بالجامع الأموي، من إنشاء ابن نباتة، كتب به لشمس الدين بن الخطيب. 12/374 نسخة توقيع بتدريس المدرسة النورية بحمص، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي زين الدين عمر البلفياني. 12/375 نسخة توقيع بحسبة بعلبك، من إنشاء ابن نباتة، كتب به لشهاب الدين بن أبي النور. 12/378 نسخة توقيع بنظر السبيل بدرب الحجاز بالركب الشامي، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي قطب الدين السبكي. 12/379 نسخة توقيع بكتابة الدست بدمشق، كتب به لتاج الدين عبد الوهاب بن المنجا

التنوخي، عوضا عن شمس الدين محمد بن حميد بالوفاة. 12/381 نسخة توقيع بنظر الخاص، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي بهاء الدين بن الريّان. 12/383 نسخة توقيع بنظر الخزانة العالية، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي تقي الدين بن أبي الطيب. 12/385 نسخة توقيع بنظر الأسرى ونظر الأسوار، كتب به لدوادار الأمير سودون الطرنطاي كافل الشام. 12/388 نسخة توقيع بصحابة ديوان الأسرى، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي شرف الدين سالم بن القلاقسي. 12/390 نسخة توقيع [بكتابة السر] ، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي علاء الدين بن شرف الدين بن الشهاب محمود عند موت أبيه وهو صغير. 12/392 نسخة توقيع بنظر مطابخ السكر، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي شرف الدين بن عمرون. 12/393 نسخة توقيع بنظر دار الطراز، من إنشاء ابن نباتة. 12/394 نسخة توقيع بنظر الرباع، من إنشاء صلاح الدين الصفدي، باسم القاضي نجم الدين أحمد بن نجم الدين محمد بن أبي الطيب. 12/395 نسخة توقيع باستيفاء المقابلة واستيفاء الجيش. 12/396 نسخة توقيع بصحابة ديوان الأسواق، من إنشاء ابن نباتة. 12/397 نسخة توقيع بشهادة الخزانة العالية، من إنشاء ابن نباتة، كتب به لجمال الدين عبد الله بن العماد الشيرازي. 12/398 نسخة توقيع بشهادة الأسوار. 12/400 نسخة توقيع بمشارفة خزائن السلاح، لمن لقبه جمال الدين إبراهيم. 12/400 نسخة توقيع بوظيفة بكتابة ديوانية لسامريّ، من انشاء ابن نباتة. 12/401 نسخة توقيع بنظر غزّة. 12/402 نسخة توقيع بصحابة ديوان الحرمين، من إنشاء ابن نباتة، لمن لقبه شمس الدين. 12/403 نسخة توقيع بنظر الشّعرا وبانياس، من إنشاء ابن نباتة، لمن لقبه صدر الدين واسمه أحمد. 12/404

نسخة توقيع بنظر حمص، من إنشاء ابن نباتة، كتب به لابن البدر ناظر حمص بالنزول من أبيه عندما أسنّ. 12/405 نسخة توقيع بنظر الرحبة، من إنشاء ابن نباتة، لمن لقبه تاج الدين. 12/406 نسخة توقيع بنظر جعبر، قبل أن تنقل إلى عمل حلب، من إنشاء ابن نباتة، كتب به لهبة الله بن النفيس. 12/407 نسخة توقيع بنظر البقاع، من إنشاء ابن نباتة. 12/408 نسخة توقيع بمشيخة الشيوخ بالشام، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للشيخ علاء الدين علي، مفردة عن كتابة السرّ. 12/409 نسخة توقيع بمشيخة الشيوخ بالشام، مضافة إلى كتابة السر به، كتب به للقاضي ناصر الدين محمد بن أبي الطيب. 12/411 نسخة توقيع بمشيخة إقراء القرآن، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للشيخ شهاب الدين أحمد بن النقيب. 12/415 نسخة توقيع بمشيخة الجواليقية، من إنشاء ابن نباتة. 12/418 نسخة توقيع بمشيخة الحرام الخليلي، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للشيخ شمس الدين بن البرهان الجعبري. 12/419 نسخة توقيع بمشيخة الزاوية الأمينية بالقدس ونظرها، كتب به للقاضي برهان الدين بن الموصلي. 12/420 نسخة توقيع لبطرك النصارى، كتب به للبطرك ميخائيل. 12/422 نسخة توقيع لبطرك النصارى بالشام، كتب به للبطرك داوود الخوري. 12/424 نسخة توقيع برآسة اليهود بالشام، من إنشاء ابن نباتة. 12/426 نسخة توقيع بنقابة الأشراف، كتب به للشريف عز الدين أحمد بن أحمد الحسيني. 12/427 نسخة توقيع بنقابة الجيوش بحلب، كتب به لناصر الدين بن أيتبك. 12/430 نسخة توقيع بالمهمندارية بحلب، كتب به لغرس الدين الطناحي. 12/431 نسخة توقيع بتقدمة البريدية بحلب، كتب به لعماد الدين إسماعيل. 12/432 نسخة توقيع بنيابة عينتاب، كتب به لناصر الدين محمد بن شعبان. 12/433 نسخة توقيع بقضاء القضاة، كتب به لقاضي القضاة جمال الدين إبراهيم بن أبي جرادة، قاضي قضاة حلب الشهير بابن العديم. 12/436 نسخة توقيع بخطابة جامع، كتب به لقاضي القضاة كمال الدين عمر ابن قاضي

القضاة جمال الدين إبراهيم بن أبي جرادة الحنفي. 12/439 نسخة توقيع بتدريس بالجامع المذكور سابقا، كتب به للقاضي علاء الدين علي الصرخدي الشافعي نائب الحكم العزيز بحلب. 12/441 نسخة توقيع بتدريس بالجامع المذكور لحنفي، كتب به للشيخ شمس الدين محمد القرمي الحنفي. 12/442 نسخة توقيع بإمامة وتصدير بجامع منكلي بغا الشمسي بحلب، كتب به للشيخ شمس الدين محمد الإمام. 12/443 نسخة توقيع بكتابة الدست بحلب، كتب به بهاء الدين بن الفرفور، ونظر بيت المال بحلب. 12/444 نسخة توقيع بصحابة ديوان الأموال بحلب، من إنشاء ابن الشهاب محمود، كتب به للقاضي شمس الدين محمد بن محمد أحد كتاب الدست بحلب. 12/445 نسخة توقيع بنظر بهسنى من عمل حلب، كتب به لفتح الدين صدقة بن زين الدين عبد الرحيم المصري. 12/446 نسخة توقيع بكتابة الإنشاء ونظر الجيش بدبركي، كتب به للقاضي شهاب الدين أحمد بن أبي الطيب العمري العثماني. 12/447 نسخة توقيع بشدّ الدواوين بطرابلس، كتب به لصلاح الدين صلاح الحافظي. 12/448 نسخة توقيع بالاستمرار في شدّ الدواوين. 12/449 نسخة توقيع بنقابة العساكر بطرابلس. 12/451 نسخة توقيع بشدّ الشواني بطرابلس، كتب به لعلاء الدين أيدغمش. 12/453 نسخة توقيع بشدّ دار الضرب، كتب به لعلاء الدين الدوادار 12/454 نسخة توقيع بشدّ البحر بمينا طرابلس. 12/455 نسخة توقيع بنيابة اللاذقية، من إنشاء القاضي تاج الدين بن البارنباري، كتب به لشمس الدين ابن القاضي. 12/456 نسخة توقيع بنيابة قلعة حصن الأكراد، كتب به لشهاب الدين أحمد الناصري. 12/458 نسخة توقيع بنيابة حصن الأكراد، كتب به لشهاب الدين الجاكي. 12/459 نسخة توقيع بنيابة حصن عكار، كتب به لناصر الدين الكردي. 12/463 نسخة توقيع بنيابة بلاطنس. 12/464 نسخة توقيع بتقدمة العسكر بجبلة، كتب به لصلاح الدين الحافظي. 12/465

نسخة توقيع بتقدمة العسكر بجبلة، مما كتب به لحسام الدين العلائي. 12/467 نسخة توقيع بنظر الحسبة بطرابلس، كتب به للقاضي ناصر الدين بن شيصة. 12/468 نسخة توقيع بالخطابة والإمامة بالجامع المنصوري بطرابلس، كتب به للخطيب جمال الدين إبراهيم. 12/471 نسخة توقيع بخطابة، كتب به للشيخ صدر الدين الخابوري. 12/472 نسخة توقيع بشهادة الجيوش بطرابلس، كتب به للقاضي بدر الدين محمد بن الفرفور، ووالده يومئذ ناظر الجيوش بها. 12/473 نسخة توقيع بكتابة الدرج بطرابلس. 12/475 نسخة توقيع بشهادة دار الضرب بطرابلس. 12/476 نسخة توقيع بنظر اللاذقية، كتب به للقاضي برهان الدين الأذرعي. 12/477 نسخة توقيع بنفس المعنى. 12/477 نسخة توقيع بمشارقة حصن الأكراد، كتب به للقاضي بدر الدين. 12/478 نسخة توقيع بمشيخة المقام الأدهمي، كتب به باسم الشيخ عبد الله السطوحي. 12/479 نسخة توقيع بمنع أهل صيدا وبيروت وأعمالهما من اعتقاد مذاهب الرافضة والشيعة وردعهم والرجوع إلى السنة والجماعة، في سنة 764 هـ. 13/14 نسخة توقيع باستقرار ما أطلقه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بالديار المصرية للعمريين أعصاب عمر بن الخطاب، كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون، من إنشاء شهاب الدين بن فضل الله العمري. 13/43 نسخة توقيع شريف بإطلاق. 13/46 نسخة توقيع شريف بمرتب على الفرنج الجرجان الواردين لزيارة القدس، من إنشاء المؤلف لشرف الدين قاسم. 13/48 نسخة توقيع أنشأه المؤلف باسم بهاء الدين أبي بكر بن غانم كاتب الدست الشريف بالشام باستمرار مرتبه على الفرنج الجرجان الواردين إلى ثغر الرملة. 13/49 نسخة توقيع بإقطاع، كتب به عن السلطان صلاح الدين لأخيه العادل أبي بكر بإقطاع الديار المصرية والبلاد الشامية وبلاد الجزيرة وديار بكر في سنة 580 هـ. 13/151 نسخة توقيع بإقطاع كتب بها لأمير قدم على الدولة فاستخدمته. 13/154 نسخة توقيع بإقطاع، كتب به لبعض الأمراء الصغار. 13/157

الخطب

الخطب من خطبة لابن نباتة السعدي. 1/237 خطبة كعب بن لؤي جدّ النبيّ صلىّ الله عليه وآله وسلّم. 1/255 خطبة قسّ بن ساعدة الإيادي في سوق عكاظ. 1/255 خطبة أبي طالب حين خطب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم خديجة. 1/256 خطبة للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم. 1/256 خطبة لأبي بكر الصّديق. 1/257 خطبة لعمر بن الخطاب. 1/257 خطبة لعثمان بن عفّان، وقد أنكروا عليه تقديم بني أمية على غيرهم. 1/258 خطبة لعلي بن أبي طالب، حين بويع بالخلافة. 1/258 خطبة للحسن بن علي. 1/259 خطبة لمعاوية بن أبي سفيان بصفين. 1/259 خطبة لعتبة بن أبي سفيان، وهو يومئذ أمير مصر. 1/259 خطبة زياد بن أبيه حين قدم البصرة. 1/260 خطبة عبد الملك بن مروان لما قتل عمرا الأشدق ابن سعيد بن العاص. 1/261 خطبة الحجاج بن يوسف الثقفي لما قدم البصرة يتهدد أهل العراق ويتوعّدهم. 1/264 خطبة لأبي بكر بن عبد الله أمير المدينة النبوية، وقد بلغه أن قوما من أهل المدينة ينالون من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. 1/265 خطبة لخالد بن عبد الله القسري أمير البصرة. 1/267 خطبة قطري بن الفجاءة المشهورة في ذم الدنيا. 1/268 خطبة علي بن أبي طالب في المسجد عند مبايعته لأبي بكر الصّديق، ورد عمر عليه، ثم ردّ علي على عمر. 1/292 خطبة عائشة دفاعا عن أبيها حين بلغها أن أقواما يتناولونه. 1/294 خطبة أم الخير بنت الحريش البارقية يوم صفين في الانتصار لعلي بن أبي طالب. 1/296 خطبة الزرقاء بنت عديّ بن قيس الهمدانية يوم صفين. 1/299 خطبة عكرشة بنت الأطرش يوم صفين. 1/300

الدفن

من خطبة تقليد بفتوة عن ملك، لشهاب الدين محمود الحلبي. 1/354 خطبة لعطاء بن صيفي عند يزيد بن معاوية يهنئه بالخلافة. 9/287 مخاطبة أعرابية لأبي جعفر المنصور في طريق مكة بعد وفاة أبي العباس السفّاح. 9/288 نسخة خطبة في ابتداء كتاب وقف على مسجد. 14/395 الدفن صورة ما يكتب في دفن ذنوب من يكتب له. 13/352 الرسائل والكتب والمكاتبات رسالة عبد الحميد بن يحيى الكاتب إلى الكتّاب يوصيهم فيها. 1/118 نسخة مكاتبة في التهنئة بمولود. 1/200 رسالة من إنشاء الشيخ محيي الدين بن عبد الظاهر في تصرّف الكاتب في علم العربية. 1/215 رسالة للقلقشندي في تقريظ المقرّ الفتحي صاحب دواوين الانشاء بمصر. 1/225 مما كتبه ملك الروم يقفور إلى الرشيد مهددا. 1/231 جواب الرشيد على كتاب يقفور. 1/231 كتاب المعتصم إلى ملك الروم جوابا على كتابه الذي يتهدده فيه ويتوعّده. 1/232 كتاب الأدفونش ملك الفرنج بالأندلس إلى يعقوب بن عبد المؤمن أمير المسلمين بالأندلس مهددا متوعدا. 1/232 جواب ابن عبد المؤمن على الكتاب المذكور. 1/233 جواب من الديوان العزيز ببغداد على كتاب لصلاح الدين يعدّد فيه مواقفه في إقامة دعوة بني العباس. 1/233 من رسالة لابن الأثير في مدح الجود وذمّ البخل. 1/238 من مكاتبة لصلاح الدين إلى الديوان العزيز ببغداد من إنشاء القاضي الفاضل. 1/240 من رسالة لابن الأثير في وصف غبار الحرب. 1/240 مما كتبه بعض الكتّاب في صدر كتاب لديوان الخلافة. 1/249

من دعاء كتاب لابن الأثير. 1/250 مكاتبة لمعاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب في زمن المشاجرة بينهما. 1/273 مكاتبة علي بن أبي طالب إلى معاوية في جواب مكاتبته السابقة. 1/274 مكاتبة أبي جعفر المنصور وهو يومئذ خليفة إلى محمد بن عبد الله بن الحسن المثنّى بن الحسن حين بويع له بالخلافة وخرج على المنصور يريد انتزاعها منه. 1/277 مكاتبة محمد بن عبد الله إلى المنصور في جواب مكاتبته. 1/278 مكاتبة أبي جعفر المنصور إلى محمد بن عبد الله، في جواب مكاتبته. 1/279 مكاتبة أرسطو طاليس إلى الاسكندر. 1/282 مكاتبة أبرويز إلى ابنه شيرويه يوصيه بالرعيّة. 1/282 كتاب أردشير إلى رعيته. 1/282 رسالة أبي بكر الصديق إلى علي بن أبي طالب حين تلكأ عن مبايعته. 1/283 رسالة عمر بن الخطاب إلى علي بن أبي طالب عطفا على رسالة أبي بكر السابقة. 1/288 كتاب عن عز الدولة بن بويه، كتبه أبو إسحاق الصابي، جوابا عن كتاب وصل إليه عن أخيه عضد الدولة يخبره بمولود ولد له. 1/315 نسخة كتاب عارض بها علي بن حمزة بن طلحة كتاب الصابي السابق. 1/317 مكاتبة للقاضي الفاضل إلى بعض إخوانه يتشوق إليه. 1/322 رسالة للقاضي الفاضل يضمّن فيها أبياتا كاملة من الشعر. 1/324 رسالة للقاضي الفاضل يضمّن فيها أنصاف أبيات من الشعر. 1/325 رسالة للقاضي الفاضل يضمّن فيها أبياتا وأنصاف أبيات. 1/326 رسالة للقلقشندي فيها تضمين، حيث ركب نصف البيت على نصف القرينة. 1/327 رسالة الشيخ ضياء الدين أحمد بن عمر بن يوسف القرطبي إلى الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد استعمل فيها التضمين. 1/327 رسالة لبديع الزمان الهمذاني استعمل فيها التضمين. 1/328 مكاتبة علي بن الأزهر إلى صديق له يستدعي منه أقلاما. 2/480 كتاب ابن الحرون إلى رجل من إخوانه الكتّاب، أهداه ابن الحرون أقلاما. 2/481 كتاب لأبي الخطاب الصابي يصف فيه أقلاما أهداها في جملة أصناف. 2/481 كتاب عمر بن الخطاب إلى نيل مصر. 3/322 كتاب ملك الروم إلى عبد الملك بن مروان بخصوص ذكر اسم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في الطوامير

الإسلامية. 6/257 كتاب ركن الدولة بن بويه إلى أحد العاصين عليه، كتبه ابن العميد. 6/264 كتاب أبي حفص بن برد الأندلسي عن ملكه إلى أحد العاصين عليه. 6/264 كتاب لأبي إسحاق الصابي بمناسبة فتح بغداد وهزيمة الترك. 6/265 من كتاب لأبي إسحاق الصابي عن الطائع إلى بعض ولاة الأطراف عند زوال الوحشة بينه وبين الأمراء. 6/266 من كتاب للقلقشندي إلى بعض الرؤساء بثغر الاسكندرية. 6/266 كتاب زبيدة إلى بعض عمالها. 6/280 كتاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى كسرى أبرويز. 6/284 كتاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى وائل بن حجر الحضرمي. 6/284 من كتاب لعلي بن أبي طالب إلى معاوية بن أبي سفيان. 6/295 كتاب إبراهيم بن العباس عن المتوكل إلى أهل حمص يحذرهم فيه بعد أن وثبوا على عماله. 6/296 من كتاب الملك الأفضل ابن السلطان صلاح الدين إلى الناصر لدين الله الخليفة العباسي، وردّ الخليفة عليه. 6/296 من كتاب لأبي إسحاق الصابي عن معز الدولة بن بويه إلى عدة الدولة أبي تغلب. 6/297 من كتاب للقاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين إلى ديوان الخلافة ببغداد. 6/297 من كتاب للقاضي محيي الدين بن عبد الظاهر عن المنصور قلاوون إلى صاحب اليمن في جواب تعزية. 6/298 من كتاب الشيخ علاء الدين البيري عن الظاهر برقوق جوابا لصاحب تونس. 6/298 من كتاب بعض كتّاب السلطان أبي الحسن المريني عنه إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون. 6/298 من رسالة للصاحب بن عبّاد. 6/300 كتاب المهلّب بن أبي صفرة إلى الحجاج بن يوسف في فتح الأزارقة. 6/306 كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى خالد بن الوليد في جواب كتاب إليه بإسلام بني الحارث. 6/353 كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين. 6/353 كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى فروة بن عمرو الجذامي. 6/354 كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى طهفة النهدي وقومه. 6/354

كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى أكيدر دومة. 6/356 كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى وائل بن حجر وأهل حضر موت. 6/357 كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى قبيلة همدان من اليمن. 6/360 كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى. 6/362 كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى هرقل. 6/362 كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى كسرى أبرويز ملك الفرس. 6/363 كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى المقوقس صاحب مصر. 6/364 كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة. 6/364 كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة. 6/365 كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى نصارى نجران. 6/365، 367 كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى جيفر وعبد ابني الجلندى ملكي عمان. 6/365 كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب. 6/366 كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم مع رفاعة بن زيد إلى قومه. 6/367 كتاب أبي بكر الصديق إلى أهل الردّة. 6/369 كتاب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص وهو يومئذ أمير على مصر. 6/373 كتاب معاوية بن أبي سفيان إلى ابنه يزيد، وقد بلغه مقارفته اللذات وانهماكه على الشهوات. 6/373 كتاب عثمان بن عفّان إلى علي بن أبي طالب حين خرج عليّ إلى الينبع واختلف الناس على عثمان. 6/375 كتاب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف، وقد بلغه تعرّضه لأنس بن مالك. 6/376 كتاب يزيد بن معاوية إلى أهل المدينة النبوية، وقد بلغه خلافهم عليه. 6/377 كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عديّ بن أرطاة، وهو عامله على بعض النواحي. 6/377 كتاب يزيد بن الوليد (الناقص) إلى مروان بن محمد، وقد بلغه منه تلكؤ في بيعته. 6/378 كتاب الطائع لله العباسي إلى صمصام الدولة أبي كاليجار بن عضد الدولة بن بويه، من إنشاء أبي إسحاق الصابي. 6/382 كتاب عن المقتفي لأمر الله إلى السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه السلجوقي في تعزية بولد مات له. 6/384

كتاب عن المعتصم بالله العباسي إلى ملوك الآفاق من المسلمين عند قبض الأفشين على بابك ملك الروم. 6/387 كتاب عن القائم بالله إلى عضد الدولة ألب أرسلان إلى مسعود بن محمود صاحب غزنة بالبشارة بالنصر على البساسيري، كتبه أبو سعيد العلاء بن موصلايا. 6/391 كتاب عن المطيع لله إلى بعض ولاة الأطراف عند طاعة عبد الملك بن نوح أحد ملوك بني ساسان، كتبه أبو إسحاق الصابي. 6/397 كتاب عن الطائع لله إلى من بصحار (قصبة عمان) وسوادها وجبال عمان وأعمالها، بالأمر بالاجتماع على الطاعة، كتبه أبو إسحاق الصابي. 6/400 كتاب عن القائم بأمر الله إلى وزيره، كتبه العلاء بن موصلايا. 6/404 كتاب عن المسترشد إلى معز الدين بن الفضل بن محمود، وزير معز الدين سنجر بن ملكشاه. 6/408 كتاب عن المستكفي بالله إلى أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله إلى الملك المؤيد هزبر الدين داوود ابن الملك المظفر صلاح الدين يوسف بن رسول في دولة الناصر محمد بن قلاوون حين منع صاحب اليمن الهدية التي جرت العادة بإرسالها إلى الأبواب الشريفة بالديار المصرية. 6/410 كتاب عن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن المستكفي بالله إلى السلطان الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون يستدعي حضوره إلى قلعة الجبل بالقاهرة لتقليد السلطنة بعد خلع أخيه الأشرف كجك. 6/415 كتاب العزيز بالله نزار الفاطمي إلى عامله بمصر يبشره بالفتح حين خرج إلى قتال القرمطي بالشام. 6/421 كتاب ببشارة بفتح فتحه الخليفة وعاد منه، وهي من العهد الفاطمي. 6/428 كتاب عن عبد المؤمن خليفة المهدي بن تومرت إلى الشيخ عبد الله محمد بن سعد المعروف بابن مردنيش. 6/432 كتاب عن المستنصر بالله أحد خلفاء الموحدين إلى بعض نوابه وقد نقض العهد على بعض المهادنين من النصارى، كتبه أبو الميمون. 6/435 كتاب عن المقتفي لأمر الله إلى غياث الدين مسعود بن ملكشاه السلجوقي يخبره أن بعض من كان خرج عن طاعته دخل فيها. 6/437 كتاب عن الحافظ لدين الله الفاطمي إلى شمس الدولة أبي منصور محمد بن ظهير

الدين بن نوري بن طغتكين ببعلبك جوابا عن كتابه. 6/438 كتاب من المقتفي لأمر الله إلى السلطان محمود بن محمد السلجوقي جوابا عن كتابه الوارد بإخباره باجتماعه مع عمه سنجر. 6/441 كتاب عن القائم بأمر الله إلى أتسز عند ورود كتابه على أبواب الخلافة يتضمن انتظامه في سلك الطاعة، كتبه العلاء بن موصلايا. 6/442 كتاب تقفور ملك الروم إلى هارون الرشيد وجواب الرشيد عليه. 6/446 كتاب عن الحافظ لدين الله الفاطمي إلى صاحب صقلية وما معها من ملوك الفرنج. 6/446 كتاب خالد بن الوليد إلى النبي صلّى الله عليه وسلم بإسلام بني الحارث. 6/454 كتاب النجاشي ملك الحبشة إلي النبي صلّى الله عليه وسلم في جواب النبي إليه. 6/455 كتاب المقوقس صاحب مصر إلى النبي صلّى الله عليه وسلم في جواب كتاب النبي إليه. 6/455 كتاب مسيلمة الكذاب إلى النبي صلّى الله عليه وسلم. 6/456 كتاب تبّع الأول إلى النبي صلّى الله عليه وسلم قبل ظهوره عليه السلام. 6/457 كتاب عن السلطان يوسف بن فرج بن نصر (ابن الأحمر) موجّه إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم بعد وفاته، ومضمونه التحية والسلام والتشفّع به، كتبه لسان الدين بن الخطيب. 6/458 كتاب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب في جواب الكتاب الذي سأله فيه الخليفة عن أصل أمواله الفاشية. 6/468 كتاب المغيرة بن شعبة إلى معاوية بن أبي سفيان يستعفيه عن العمل كتاب الحجاج بن يوسف إلى عبد الملك بن مروان في جواب كتابه الذي وبّخه فيه بسبب تعرّضه لأنس بن مالك. 6/469 كتاب عبد الله بن عمر إلى عبد الملك بن مروان في خلافته. 6/471 كتاب عن عز الدولة بن بويه إلى المطيع لله عند فتحه الموصل وهزيمة أبي تغلب بن حمدان صاحب حلب، كتبه أبو إسحاق الصابي. 6/474 كتاب عن السلطان أبي تغلب بن ناصر الدولة الحمداني جوابا للكتاب الوارد عليه من الطائع أو المطيع بالكنية والخلع، كتبه أبو الفرج الببّغا. 6/487 كتاب عن السلطان صلاح الدين إلى الناصر لدين الله العباسي بفتح القدس، كتبه القاضي الفاضل. 6/490 كتاب عن السلطان صلاح الدين إلى ديوان الخلافة ببغداد، كتبه القاضي

الفاضل. 6/502 كتاب عن السلطان صلاح الدين إلى الخليفة العباسي المستضيء بأمر الله ببشرى بفتح بلد من بلاد النوبة، كتبه القاضي الفاضل. 6/504 كتاب من السلطان صلاح الدين إلى الخليفة ببغداد في البشرى بفتح بلد من بلاد النوبة أيضا، كتبه القاضي الفاضل. 6/510 كتاب عن السلطان صلاح الدين إلى الخليفة ببغداد يعتذر له عن تأخر الكتب، كتبه القاضي الفاضل. 6/514 كتاب عن السلطان صلاح الدين إلى الناصر لدين الله ببغداد بفتح القدس، كتبه العماد الأصفهاني. 6/516 كتاب القاسم بن عبد الله إلى المكتفي بالله (المعتضد بالله) العباسي مهنئا له بالخلافة. 6/520 كتاب إلى أحد الخلفاء الفاطميين في جواب عن كتاب ورد من الخليفة بالسؤال عن المكتوب عنه في مرضه. 6/521 كتاب عن المنصور بن أبي عامر إلى هشام بن الحكم بن عبد الرحمن الناصر خليفة الأندلس يخبره بجريان الصلح بينه وبين الموفّق، كتبه أبو المطرّف بن المثنّى. 6/523 كتاب عن السلطان صلاح الدين إلى المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن (أحد خلفاء الموحدين بالمغرب) يستجيشه على الروم الفرنج القاصدين بلاد الشام والديار المصرية، كتبه القاضي الفاضل. 6/526 كتاب عن بعض أهل دولة الموحدين إلى بعض خلفائهم جواب كتاب ورد بالكشف عن عامل ثغر شقورة، كتبه أبو الميمون. 6/530 كتاب بعض أهل دولة الموحدين إلى الناصر لدين الله أحد خلفائهم، كتبه أبو الميمون. 6/532 كتاب عن صاحب أرغون من الأندلس إلى المستنصر بالله أحذ خلفاء الموحدين يستأذنه في وفادة صاحب أرغون على أبواب الخلافة مغاضبا لأهل مملكته، كتبه أبو المطرّف بن عميرة. 6/533 كتاب عن السلطان ابن الأحمر صاحب الأندلس إلى المستنصر بالله أبي إسحاق إبراهيم خليفة الموحدين بالأندلس، كتبه ابن الخطيب. 6/535 كتاب الحجاج بن يوسف إلى المهلب بن أبي صفرة وهو يومئذ نائب عن الحجاج

على بعض الأعمال والحروب. 6/559 كتاب عن صمصام الدولة بن عضد الدولة بن بويه إلى الصاحب كافي الكفاة إسماعيل بن عباد وزير فخر الدولة في الشفاعة في شخص من بعض ألزامه، كتبه أبو إسحاق الصابي. 6/561 كتاب عن صمصام الدولة إلى الصاحب بن عبّاد بسبب ردّ اقطاع إلى أبي جعفر محمد بن مسعود، كتبه أبو إسحاق الصابي. 6/563 كتاب عن عز الدولة بن معز الدولة بن بويه إلى عضد الدولة بن بويه في طلب الصلح، كتبه أبو إسحاق الصابي. 6/565 كتاب عن الأمير نصر خوزة فيروز بن عضد الدولة إلى ابن عمه شرف الدولة يذكر له حاله مع أخيه صمصام الدولة، كتبه أبو إسحاق الصابي. 6/569 كتاب عن أحمد بن طولون إلى ابنه العبّاس حين عصى عليه بالإسكندرية، كتبه ابن عبد كان. 7/3 كتاب الإخشيد محمد بن طغج إلى أرمانوس ملك الروم، من إنشاء إبراهيم بن عبد الله النجيرمي. 7/9 نسخة مكاتبة بالإخبار بفتح غزة واقتلاعها من الفرنج الديويّة الذين كانوا مستولين عليها. 7/21 كتاب عن السلطان صلاح الدين إلى أخيه سيف الإسلام سلطان اليمن يستقدمه إليه معاونا له على قتال الفرنج ويبشره بفتح كوكب وصفد والكرك، كتبه القاضي الفاضل. 7/23 نسخة كتاب بالإخبار بفتح أيلة التي تحت العقبة. 7/27 كتاب عن السلطان صلاح الدين إلى بعض أمراء الشام عند وفاة السلطان نور الدين محمود، كتبه القاضي الفاضل. 7/29 كتاب عن أبي محمد بن هود في قيامه بالدعوة العباسية ببلاد المغرب إلى أهل بلد من رعيته، كتبه أبو بكر بن هشام. 7/31 كتاب عن أبي عبد الله بن هود (من ملوك الطوائف) إلى أكابر بلده بالرفق بالرعية، كتبه أبو عبد الله بن الجيّان. 7/34 كتاب عن الأمير أبي جميل (زيان بن مدافع بن يوسف بن سعد بن مردنيش، صاحب بلنسية ودانية) إلى أهل ناحية بولاية وال عليهم، كتبه ابن الأبّار. 7/37

كتاب عن ابن هود في البشارة بفتح حصن، كتبه أبو المطرف بن عميرة. 7/39 كتاب عن ابن الأحمر إلى السلطان أبي عنان بن أبي الحسن المريني صاحب فاس عند موت الطاغية ملك قشتالة (الفونسو بن فرناندو) ، كتبه لسان الدين بن الخطيب. 7/42 كتاب عن ابن الأحمر إلى السلطان أبي سعيد عثمان بن يغمراسن صاحب تلمسان عند بعثه بطعام إلى الأندلس شاكرا له على ذلك ومخبرا بفتح حصن قنيط بالأندلس، كتبه ابن الخطيب. 7/48 كتاب ابن الأحمر إلى عجلان بن رميثة سلطان مكة، كتبه ابن الخطيب. 7/50 كتاب عن ابن الأحمر إلى أمير المدينة النبوية، كتبه ابن الخطيب. 7/58 كتاب عن ابن الأحمر إلى أبي عليّ الناصر ابن السلطان أبي الحسن المريني عندما أرسله والده إلى ناحية من النواحي لعمارتها وإصلاح حالها، كتبه ابن الخطيب. 7/61 كتاب عن ابن الأحمر إلى الأمير يلبغا العمري الخاصكي أتابك العساكر بالديار المصرية، كتبه ابن الخطيب. 7/65 كتاب عن ابن الأحمر إلى بعض ملوك الغرب يهنئه بدخول مدينة بجاية في طاعته، كتبه ابن الخطيب. 7/67 كتاب ابن الأحمر إلى بعض رعاياه بمدينة المريّة بالأندلس بالبشارة بموت ملك قشتالة بجبل الفتح، كتبه ابن الخطيب. 7/70 كتاب عن ابن الأحمر، كتبه لسان الدين بن الخطيب. 7/74 كتاب عن الوزير قوام الدين بن صدقة إلى بعض وزراء ملوك زمانه في معنى أمير مكة وما كان بينه وبين أمير الحاج في بعض السنين. 7/78 كتاب عن الوزير قوام الدين بن صدقة إلى ملك سمرقند جوابا عن كتاب وصل منه إليه. 7/81 كتاب عن بعض وزراء العاضد إلى بعض الملوك، كتبه القاضي الفاضل. 7/83 كتاب عن أبي الفضل الشيرازي أحد نواب بني بويه إلى عضد الدولة بن بويه يخبره بفتح خراسان وطاعة صاحبها، كتبه أبو إسحاق الصابي. 7/86 كتاب عن بعض وزراء الراشد أو المسترشد إلى السلطان سنجر السلجوقي في حق قطب الدين أبي منصور أزدشير العبادي، وقد ورد إلى أبواب الخلافة ببغداد رسولا. 7/90

نسخة كتاب كتب به إلى الملك العادل أبي بكر بن أيوب في جواب كتاب ورد منه بالبشارة بفتح خلاط. 7/92 كتاب القاضي الفاضل إلى السلطان صلاح الدين يهنئه بمولود ولد له. 7/94 كتاب عن ابن خلاص إلى أمير المسلمين الواثق بالله أبي بكر بن هود في جواب كتاب ورد عليه منه، كتبه ابن البنّاء. 7/96 كتاب إلى المتوكل بن هود القائم بالدعوة العباسية بالأندلس عن بعض أتباعه عند ورود كتابه عليه يخبره بفتح حصن المراد بالأندلس وقتل الثائر بها، كتبه أبو المطرّف بن عميرة. 7/99 كتاب أبي المطرّف بن عميرة إلى المتوكل بن هود يهنئه بوصول هدية الخليفة العباسي إليه من بغداد. 7/103 كتاب لسان الدين بن الخطيب وزير ابن الأحمر إلى السلطان أبي عنان ابن السلطان أبي الحسن المريني صاحب فاس عند ورود كتابه إلى الأندلس بفتح تلمسان. 7/104 كتاب عن صمصام الدولة أبي كاليجار إلى حاجب الحجّاب أبي القاسم سعد بن محمد وهو مقيم بنصيبين على محاربة باد الكردي، كتبه أبو إسحاق الصابي. 7/109 كتاب عن صمصام الدولة إلى أبي العلاء عبيد الله بن الفضل في جواب كتابه الوارد عليه بالظفر بأهل الاقتباس، كتبه أبو إسحاق الصابي. 7/112 كتاب عن بعض وزراء الحافظ لدين الله العبيدي إلى أمين الدولة زنكي كشنكين. 7/113 كتاب عن بعض ملوك الغرب في جواب كتاب ورد عليه بطاعة بلد، كتبه أبو المطرّف بن عميرة. 7/116 كتاب عن السلطان صلاح الدين في جواب كتاب ورد عليه مخبرا فيه بالحركة للقاء العدو، كتبه القاضي الفاضل. 7/117 كتاب القائد أبي الفوارس ختور التركي المعزّي إلى وردس بن قنبر المعروف بعسقلاروس (ورد بن قنبر السقلاروس) ، كتبه أبو إسحاق الصابي. 7/119 كتاب عن السلطان صلاح الدين إلى بردويل (بلدوين الخامس ملك بيت المقدس الذي خلف أباه بلدوين الرابع) معزّيا له في أبيه ومهنئا له بجلوسه في الملك، كتبه القاضي الفاضل. 7/121 كتاب عن أبي جميل بن زيّان صاحب بلنسية ودانية من الأندلس إلى ملك قشتالة

في مراودة الصلح، كتبه أبو المطرف بن عميرة. 7/123 كتاب عن الملك الجواد الأيوبي جواب كتاب ورد عليه من فرانك أحد ملوك الفرنج (فردريك الثاني) . 7/124 كتاب عن السلطان صلاح الدين إلى ديوان الخلافة ببغداد في أيام الناصر لدين الله بخبر ملك الالمان من الفرنجة والقتال معه، كتبه القاضي الفاضل. 7/135 كتاب عن رماة البندق بالشام إلى الديوان العزيز الحاكمي أحمد بن أبي الربيع سليمان أحد الخلفاء العباسيين بمصر، كتبه شهاب الدين بن فضل الله العمري. 7/139 نسخة مكاتبة إلى نائب الشام بسبب خلاص حق، وموضوعه أن أحد الأعيان برتبة رأس نوبة تقدم بدعوى شرعية على أقوام بدمشق المحروسة. 7/214 نسخة مكاتبة ثانية بخلاص حق أحد الأعيان من الصدقات الشريفة التي شملته. 7/215 نسخة مكاتبة ثالثة بخلاص حق أحد الأمراء، وكان بيده إقطاع بالحلقة الشامية، وأن الوزير بالشام المحروس في كل وقت يتعرّض إلى إقطاعه. 7/216 نسخة مكاتبة رابعة بخلاص حق أحدهم من تركة أخته المتوفاة عن زوج، وقد وضع الزوج يده على جميع مالها. 7/216 نسخة مكاتبة خامسة بخلاص حقوق بعض التجار الفرنج الذين كانوا قد رفعوا قصة بذلك. 7/216 مكاتبة باستقرار نائب في نيابة بعض القلاع. 7/218 مكاتبة بنقل نائب سلطنة من نيابة إلى نيابة. 7/218 مكاتبة بحمل شخص للأبواب السلطانية. 7/219 مكاتبة باستقرار بعض الأمراء بالقدس الشريف بطّالا. 7/219 مكاتبة ببيع غلّة للديوان السلطاني. 7/220 مكاتبة بخصوص توجّه بعض الأمراء بسبب استخراج الأموال وبيع الغلال والأصناف الديوانية المتحصلة من القرى المستأجرة. 7/220 مكاتبة بسبب طلب عصيّ الجواكين والكرابيج والأكر. 7/221 مكاتبة بسبب استقرار قاض بدمشق عوض من كان بها. 7/221 مكاتبة بسبب حمل الثلج إلى الأبواب السلطانية. 7/222 مكاتبة بتمكين شخص من الحضور للأبواب السلطانية. 7/222 مكاتبة بمنع العربان من الدخول إلى البلاد الشامية قبل فراغ الزرع. 7/223

مكاتبة بحفظ السواحل. 7/223 مكاتبة باستعمال قماش. 7/224 مكاتبة بتجهيز بريديّ. 7/225 مكاتبة بعدم تمكين أحد من نقل سلاح ولا عدة حرب إلى جهة البلاد الرومية. 7/225 مكاتبة بالكشف على بعض النواحي المستعصية على الكشّاف، وهم بمثابة المراقبين والمفتشين. 7/225 مكاتبة باستدعاء أحد المتعرّضين لبعض الأملاك الجارية في ديوان خاص السلطان، وإلزامه بإعادة ما استأداه. 7/226 مكاتبة في جواب عما ورد من أحد النواب، وفيه أمور مختلفة تتعلق بأحوال عدة نواحي من المملكة. 7/227 مكاتبة في معنى الرضا عن ابن دلغادر التركماني وأمور أخرى. 7/230 نسخة مكاتبة عن الأبواب السلطانية في جواب على رسالة أحد النواب بالشام تتعلق بأمور مختلفة. 7/233 نسخة كتاب عن السلطان الملك المنصور قلاوون في جواب كتاب ورد عن السلطان أحمد القان بإيران في زمانه يذكر فيه أنه أسلم- إذ كان أول من أسلم من ملوكهم- ويذكر فيه أن أخاه الكبير كان قد عزم على دخول ممالك الديار المصرية قبل موته وأنه منع ذلك وأن المشير بذلك الشيخ عبد الرحمن، وأشار إلى أشياء حمّلها لرسله يذكرونها مشافهة، كتب بخط ناصر الدين شافع بن علي بن عباس في رمضان سنة 681. 7/257 نسخة كتاب عن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون جواب كتاب ورد عن السلطان محمود غازان، القان بمملكة إيران، يذكر فيه أن جماعة من عساكر البلاد الشامية أغاروا على ماردين وأن الحمية اقتضت الركوب في مقابلة ذلك، وذكر أنه قدّم الرسل بالإنذار وأنه أقام بأطراف البلاد ولم يدخلها خوف التخريب والفساد، وأنه إذا لم تجر موجبات الصلح كانت دماء المسلمين مطلولة- كتبه القاضي علاء الدين علي بن فتح الدين محمد بن محيي الدين بن عبد الظاهر صاحب ديوان الانشاء بالديار المصرية سنة 701 هـ. 7/265 نسخة مكاتبة عن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى السلطان أبي سعيد بهادرخان، من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله العمري. 7/275

مكاتبة عن الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى موسى خان ملك توريز، من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله العمري. 7/280 نسخة مكاتبة كتب بها إلى الشيخ أويس (مؤسس الدولة الجلايرية في العراق وأذربيجان) جوابا عن كتاب ورد منه، من إنشاء القاضي تقي الدين ابن ناظر الجيش. 7/283 نسخة كتاب كتب به إلى الملك الصالح شرف الدين محمود بن الصالح صالح، جوابا عما ورد به كتابه من وفاة والده المنصور أحمد، منقولة عن مجموع بخط تقي الدين ابن ناظر الجيش. 7/290 نسخة كتاب إلى القان محمد ببلاد أزبك، وهو القائم مقام أزبك خان صاحب خوارزم ودشت القبجاق، كتبه تقي الدين ابن ناظر الجيش عن الأبواب السلطانية سنة 776 هـ. 7/318 نسخة كتاب عن الملك الناصر فرج بن برقوق إلى القان ببلاد أزبك، كتبه القلقشندي بإشارة من المقر الفتحي بن فضل الله العمري صاحب ديوان الإنشاء سنة 182 هـ. 7/321 نسخة كتاب عن الملك الظاهر برقوق في جواب الأمير تيمور لنك عن الكتب الواردة منه قبل ذلك، من إنشاء المقرّ البدري بن فضل الله العمري سنة 796 هـ وذلك عند سفر الظاهر برقوق إلى حلب لملتقى تيمور لنك. 7/331 نسخة مكاتبة إلى تيمور لنك بعدما خرّب دمشق، جوابا عما ورد منه بطلب أطلمش، أحد أمرائه الذي كان قد أسر في أيام الظاهر برقوق، والتماس الصلح. 7/344 نسخة كتاب عن السلطان فرج بن برقوق إلى تيمورلنك بعد وصول أطلمش إلى تيمور لنك. 7/350 نسخة كتاب عن الناصر محمد بن قلاوون إلى الإمام ابن مطهّر إمام الزيدية باليمن جوابا عن كتاب ورد منه إلى الأبواب السلطانية يستمدّ العون على صاحب اليمن ويعدد قبائحه، كتبه المقر الشهابي بن فضل الله العمري. 7/362 نسخة كتاب عن السلطان صلاح الدين إلى أخيه سيف الإسلام صاحب اليمن يستقدمه إليه معاونا له على قتال الفرنج ويخبره بما وقع له من الفتوحات في سنة 584 هـ. 7/365

نسخة كتاب عن السلطان محمد بن قلاوون جواب كتاب ورد من صاحب اليمن في مقابلة البشرى بدخول العساكر المنصورة إلى بلاد الأرمن، وطلب سلامش نائب التتار بالروم الدخول في الطاعة- كتبه الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 7/369 نسخة كتاب إلى صاحب اليمن عن السلطان الملك المنصور قلاوون مبشرا بفتوح صافيتا، من إنشاء ابن عبد الظاهر. 7/379 نسخة كتاب عن الملك المنصور قلاوون إلى صاحب اليمن، جواب تعزية أرسلها إليه في ولده الملك الصالح، من إنشاء محيي الدين بن عبد الظاهر. 7/382 نسخة كتاب عن الملك المظفر قطز إلى صاحب اليمن، وهو يومئذ المنصور، بالبشارة بهزيمة التتار؛ وهي من إنشاء محيي الدين بن عبد الظاهر. 7/385 نسخة كتاب إلى صاحب اليمن الملك المجاهد سيف الدين علي بن داوود، أنشأه المقر الشهابي بن فضل الله العمري جوابا عن هديته ولم يكتب بها إليه. 7/389 نسخة كتاب عن الأشرف خليل بن قلاوون قرين كتاب أبيه المنصور قلاوون إلى صاحب اليمن بالبشرى بفتح طرابلس. من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر. 7/392 نسخة كتاب عن الظاهر برقوق إلى صاحب تونس، من إنشاء علاء الدين. 7/407 نسخة كتاب من الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى السلطان أبي الحسن المريني في جواب كتاب ورد عليه منه. 7/416 نسخة جواب الكتاب الوارد على الملك الناصر محمد بن قلاوون من أبي الحسن المريني صاحب فاس المغرب بالبشارة بفتح بجاية والانتصار على تلمسان. 7/422 نسخة كتاب جواب عن السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق إلى صاحب فاس حيث ورد كتابه بالتعرض لوقعة تيمورلنك- من إنشاء القلقشندي. 7/436 نسخة كتاب جواب عن صاحب مصر إلى صاحب حمراء غرناطة، وقد ورد كتابه يتضمن قيامه بأمر الجهاد في الكفار، وما حصل من استيلاء بعض أقاربه على ملكه ونزعة منه، وأنه استظهر بعد ذلك على المذكور وقتله وعاد إلى ملكه على عادته في سنة 765 هـ. 7/442 نسخة جواب كتاب ورد عن صاحب الحبشة من سلطنة الملك المظفّر صاحب اليمن، على الملك الظاهر بيبرس، بطلب مطران يقيمه لهم البطرك، مما كتب به القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر. 8/42

نسخة كتاب كتب به هولاكو بن طوجي بن جنكزخان، المنتزع العراق من أيدي الخلفاء العباسيين، إلى الملك المظفّر قطز سنة 658 هـ. 8/64 نسخة كتاب ورد عن السلطان أحمد صاحب مملكة إيران من بني هولاكو، وهو أول من أسلم منهم، كتب به إلى الملك المنصور قلاوون، ورد سنة 681 هـ، وهو من إنشاء الفخر بن عيسى الموصلي. 8/66 نسخة كتاب كتب به عن السلطان محمود غازان صاحب إيران إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون سنة 700 هـ. 8/70 نسخة كتاب عن الملك الأشرف إسماعيل صاحب اليمن إلى الملك الظاهر برقوق صاحب الديار المصرية، في شهور سنة 798 هـ، على يد القاضي برهان الدين المحلّي تاجر الخاص، والطواشي افتخار الدين فاخر دوادار الملك الأشرف صاحب اليمن المذكور. 8/73 نسخة كتاب عن المتوكل على الله أحمد بن أبي عبد الله بن أبي بكر إلى السلطان الملك الظاهر برقوق صاحب مصر، جوابا عن كتابه إليه. 8/80 كتاب عبد الرحمن بن أبي موسى بن يغمراسن إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة 725 هـ، يشكره على السماح له بأداء فريضة الحجّ. 8/86 كتاب من أبي الحسن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني إلى السلطان محمد بن قلاوون. 8/88 نسخة كتاب من أبي الحسن المريني إلى السلطان محمد بن قلاوون، وصل صحبة الهدايا والحرّة الحاجّة في رمضان سنة 738 هـ. 8/100 نسخة كتاب عن السلطان عثمان بن أبي العباس المريني إلى السلطان أبي السعادات فرج بن برقوق في العشر الأوسط من سنة 804 هـ. 8/104 نسخة كتاب كتب به عن أمير المسلمين، السلطان أبي عبد الله محمد بن أبي الحجاج يوسف بن نصر بن الأحمر، صاحب غرناطة، إلى السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين، من إنشاء الوزير أبي عبد الله بن الخطيب، صاحب ديوان إنشائه، يشير فيه إلى حادثة الفرنج بالإسكندرية سنة 767 هـ، إلا أنه وهم في لقبه الملوكي فلقبه بالمنصور. 8/108 نسخة كتاب ورد على الملك الظاهر أبي سعيد برقوق من أبي عمر وعثمان بن إدريس صاحب البرنو؛ ووصل هذا الكتاب في شهور سنة 794 هـ، صحبة ابن

عمه مع هدية بعث بها ملك البرنو إلى الظاهر برقوق. 8/119 نسخة مكاتبة عن أحد ملوك الحبشة وردت على الملك الظاهر بيبرس ضمن كتاب إلى صاحب اليمن، وصاحب اليمن أرسل الكتاب إلى مصر. 8/123 نسخة كتاب معرّبة بترجمة بطرك الملكانية بحضور سيف الدين سيف الترجمان، من ملك الروم صاحب القسطنطينية مانويك المسيحي إلى الملك الناصر فرج بن برقوق. 8/125 نسخة كتاب وارد إلى السلطان فرج بن برقوق من دوج البنادقة ميكائيل، على يد قاصده نقولا البندقي في منتصف شهر صفر سنة 814 هـ، ترجمة شمس الدين سنقر وسيف الدين سودون، التراجمة بالأبواب الشريفة. 8/126 نسخة كتاب ورد من كبطان الماغوصة والمستشارين بها إلى الملك الناصر فرج بن برقوق في سنة 814 هـ، ترجمة شمس الدين سنقر وسيف الدين سودون. 8/128 كتاب أبي إسحاق الصابي إلى الصاحب إسماعيل بن عبّاد بالشكر والتشوق. 8/139 كتاب أبي إسحاق الصابي عن بعض الأمراء إلى أمير آخر، مبشرا بفتح. 8/140 كتاب الصابي عن الوزير أبي عبد الله الحسن بن سعدان إلى فخر الدولة بن بويه في بشارة فتح. 8/141 كتاب الصابي إلى صاحب الجيش في تعزية. 8/141 من نسخة كتاب إلى شجاع الدولة وزير دمشق، بعد هلاك زنكي بن آقسنقر، كتبه صاحب ديوان الإنشاء في زمن المسترشد عن نفسه. 8/142 مما كتبه الصابي عن نفسه إلى الأثير أبي الحسن يهنئه بعيد. 8/142 مما كتبه صاحب ديوان الإنشاء في زمن المسترشد عن نفسه إلى أبي الفرج سعد بن محمد تشوّقا. 8/143 من كتاب للصابي. 8/143 مما كتبه الصابي عن نفسه إلى الصاحب بن عبّاد. 8/144 مما كتب الصابي عن الوزير أبي عبد الله بن سعدان في جواب كتاب ورد عليه. 8/145 من كتاب لأبي الفرج الببّغاء في جواب كتاب. 8/145 من كتاب لعبد الله بن طاهر. 8/152 من كتاب لأبي المطرّف بن عميرة. 8/152 من كتاب لأبي محمد بن عبد البرّ إلى بعض أرباب الأقلام. 8/153

من كتاب لأبي زيد الفازازي. 8/153 من كتاب لأبي المطرف بن عميرة في صدر شفاعة. 8/154 من كتاب لأبي المطرّف بن عميرة إلى بعض العلماء. 8/154 من كتاب لأبي زيد الفازازي. 8/155 من كتاب لأبي المطرّف بن عميرة إلى بعض الرؤساء. 8/155 من كتاب لأبي بكر بن عيسى، شافعا في أنصاريّ. 8/155 مما كتب أبو المطرف بن عميرة عن الأمير أبي جميل زيّان إلى الأمير أبي زكريا بن إسحاق. 8/156 مما كتبه أبو الحسن بن شلبون. 8/157 مما كتب أبو المطرّف بن عميرة إلى بعض الفقهاء شافعا موصيا. 8/157 من مكاتبة لابن أبي الخصال. 8/157 من مكاتبة لأبي محمد بن عبد البرّ. 8/158 من مكاتبة لأبي المطرّف بن المثنّى. 8/158 مما كتب أبو المطرّف بن الدبّاغ إلى بعض الأدباء عند وروده إلى بلاده. 8/159 مما كتب أبو المطرّف بن عميرة إلى أحد الرؤساء بشاطبة. 8/160 من مكاتبة لأبي زيد الفازازي. 8/161 من كتاب لابن أبي الخصال إلى بعض الكتّاب يسأله حاجة. 8/162 من كتاب لأبي عمرو الباجي. 8/163 من كتاب لابن أبي الخصال. 8/163 من كتاب لأبي عمرو الباجي. 8/164 من كتاب لأبي المطرف بن الدبّاغ. 8/164 من كتاب لأبي جعفر الكاتب. 8/164 من كتاب لأبي المطرّف بن المثنّى. 8/164 من مكاتبات لابن عبد كان. 8/165، 166، 167، 168، 169، من كتاب للقاضي الفاضل إلى العماد الأصفهاني. 8/171 من كتاب للعماد الأصفهاني. 8/171 من مكاتبة للقاضي الفاضل إلى السلطان صلاح الدين بالتهنئة بمولود. 8/175

نسخة كتاب في معنى انتقال الخلافة إلى الخليفة، كتب به عن الآمر بأحكام الله عند استقراره في الخلافة بعد أبيه المستعلي بالله، من إنشاء ابن الصيرفي. 8/240 نسخة كتاب عن الآمر بأحكام الله الفاطمي، كتب به إلى ولاة الأطراف بعد قراءة عهده، مهنئا بخلافته وتجديد ولايته، من إنشاء ابن الصيرفي. 8/242 نسخة مكاتبة بالبشارة بجلوس الملك الصالح صالح ابن المالك الناصر محمد بن قلاوون على التخت سنة 752 هـ، بعد خلع أخيه الملك الناصر حسن. 8/246 نسخة مكاتبة في الحثّ على الجهاد، عن السلطان إلى بعض نواب الثغور، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 8/251 مكاتبات في معنى الحث على لزوم الطاعة وذمّ الخلاف، أوردها أبو الحسين بن سعد في ترسّله. 8/256 مكاتبة في الحث على الزوم الطاعة وذم الخلاف، من إنشاء عبد الحميد الكاتب. 8/257 مكاتبة في ذم الخلاف لابن عبد كان. 8/257 مكاتبة في ذم الخلاف لموسى بن عيسى العباسي الهاشمي. 8/258 نسخة مكاتبة إلى متملك سيس، عند كسرة التتار، بعد قيامه معهم في المصافّ، ومساعدته إياهم، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 8/259 نسخة كتاب كتب به عن الحافظ لدين الله الفاطمي، إلى بهرام النصراني الأرمني الذي كان قد استوزره، ثم خرج عليه رضوان بن ولخشي، ارتغاما للدين، لتحكّم نصراني في أهل الملّة، وولي الوزارة مكانه، ففرّ بهرام هاربا إلى الشام ناقضا العهد، وكتب إلى الحافظ يطلب أهله وجماعته من الأرمن الذين كانوا معه، مظهرا للطاعة والرغبة في التخلّي عن الدنيا، فكتب له بذلك جوابا عن كتابه الوارد منه. 8/264 نسخة كتاب، كتب به عبد الحميد الكاتب إلى بعض من خرج عن الطاعة. 8/271 نسخة كتاب، كتب به قوام الدين يحيى بن زيادة، وزير الناصر لدين الله الخليفة ببغداد، إلى طغرل مقطع البصرة بأمر الخليفة له في ذلك، وقد بلغه أنه نزح عنها مفارقا لطاعة الخليفة. 8/272 نسخة كتاب المهلّب بن أبي صفرة إلى الحجاج، في فتح الأزارقة من الخوارج. 8/280 نسخة كتاب بفتح فتحه الخليفة وعاد منه. 8/281 نسخة كتاب، كتب به إلى الديوان العزيز، أيام الناصر لدين الله، عن السلطان

صلاح الدين الأيوبي، بفتح القدس الشريف وإنقاذه من يد الكفر، في آخر شعبان سنة 583 هـ، من إنشاء القاضي الفاضل. 8/284 نسخة مكاتبة بالاعتذار عن السلطان في هزيمة. 8/296 نسخة مكاتبة بالاعتذار عن السلطان في هزيمة، من إنشاء أحمد بن سعيد. 8/299 نسخة مكاتبة فيمن هزم هو وجيشه، تتضمن إقامة عذره ووصف اجتهاده، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 8/300 كتاب من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي على لسان المهزوم، يتضمن الاعتذار ويصف الاحتفال بأخذ الثأر. 8/302 نسخة مكاتبة بمعنى توبيخ المهزوم والتهكّم به، كتبها الشيخ محيي الدين بن عبد الظاهر إلى البولس بيمند ملك الفرنج المستولي على طرابلس من الشام وانطاكية من بلاد العواصم. 8/304 نسخة كتاب بمعنى توبيخ المهزوم، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 8/307 نسخة كتاب عن الأمير أبي عبد الله بن هود أحد ملوك الطوائف بالأندلس، في موضوع أوامر ونواهي تتعلق بأمور السلطنة، من إنشاء أبي عبد الله بن الجنان. 8/313 نسخة كتاب بالبشارة بالسلامة في الركوب في غرّة السنة. 8/319 نسخة كتاب بالبشارة بالسلامة في ركوب أول شهر رمضان، من إنشاء ابن الصيرفي. 8/320 نسخة كتاب بالبشارة بالسلامة في ركوب الجمعة الأولى من شهر رمضان، من إنشاء ابن الصيرفي. 8/321 نسخة كتاب بالبشارة بالسلامة في ركوب الجمعة الثانية من شهر رمضان من إنشاء ابن الصيرفي. 8/322 نسخة كتاب بالبشارة بالسلامة في ركوب الجمعة الثالثة من شهر رمضان، من انشاء ابن الصيرفي. 8/323 نسخة كتاب بالبشارة بالسلامة في ركوب عيد الفطر، من إنشاء ابن الصيرفي. 8/324 نسخة كتاب بالبشارة بالسلامة في ركوب عيد الفطر، عن الحافظ لدين الله الفاطمي سنة 531 هـ. 8/326 نسخة كتاب بالبشارة بالسلامة في ركوب عيد النحر، من إنشاء ابن الصيرفي. 8/328 نسخة كتاب بالبشارة بالسلامة في ركوب عيد النحر، من إنشاء ابن قادوس. 8/330

نسخة كتاب بالبشارة بوفاء النيل في الأيام الفاطمية، من إنشاء ابن قادوس. 8/332 نسخة كتاب بالبشارة بوفاء النيل، من إنشاء ابن الصيرفي. 8/333 نسخة كتاب بالسلامة من سفر الحجّ. 8/339 نسخة كتاب بسلامة الخليفة من سفر. 8/340 نسخة كتاب، كتب به أبو إسحاق الصابي عن الطائع لله، إلى صمصام الدولة بن عضد الدولة بن بويه، قرين خلعة وفرسين بمركبين من ذهب وسيف وطوق. 8/342 نسخة مكاتبة إلى الأفضل بن ولخشي، وزير الحافظ لدين الله الفاطمي، حين قرر الحافظ نعوته: السيد، الأجلّ، الأفضل، أمير الجيوش، سيف الإسلام، ناصر الأنام، كافل قضاة المسلمين، وهادي دعاة المؤمنين. 8/346 نسخة مكاتبة بالإحماد، كتبت عن صمصام الدولة بن عضد الدولة بن بويه، إلى صاحب الحجّاب أبي القاسم سعد بن محمد وهو مقيم بنصيبين على محاربة باد الكردي. 8/350 نسخة مكاتبة بالإذمام، كتبها عبد الحميد الكاتب. 8/352 نسخة مكاتبة في الذمّ على خطأ، كتبها أحمد بن يوسف. 8/353 نسخة كتاب بمعنى البشارة عن الخليفة بولد رزقه. 8/359 نسخة كتاب بعافية الملك الناصر محمد بن قلاوون من مرض إلى صاحب ماردين. 8/361 نسخة كتاب، كتب به من نائب الشام إلى بعض نواب السلطنة، بالبشارة بسلطنة الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة سنة 743 هـ. 8/363 نسخة كتاب بورود مثال شريف بعافية السلطان الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون، في خلافة الحاكم بأمر الله أحمد بن المستكفي بالله، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة. 8/365 نسخة كتاب بورود مثال شريف بوفاء النيل، إلى بعض النواب، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة. 8/369 نسخة جواب عن كتاب وصل من الخليفة بانتقال الخلافة إليه، كتب به إلى أمير الأمراء، قرين خلعة وسيف وتاج وسوارين، من إنشاء أبي الحسن بن سعد. 8/378

نسخة كتاب أنشأه القلقشندي ليكتب به إلى أمير المؤمنين المستعين بالله، عن نائب الغيبة بالديار المصرية حين وردت كتبه من الشام إلى الديار المصرية بالقبض على الناصر فرج بن برقوق، في سنة 815 هـ. 8/382 نسخة جواب عن نائب طرابلس عن مثال شريف ورد بوفاة السلطان محمد بن قلاوون واستقرار ولده الملك المنصور أبي بكر مكانه بعهد من أبيه، من إنشاء القاضي تاج الدين بن البارنباري. 8/383 نسخة جواب عن ورود مثال شريف بركوب السلطان بالميدان والإذن للنواب في لعب الكرة. 8/385 نسخة جواب بوفاء النيل، كتب به عن نائب طرابلس. 8/386 نسخة جواب آخر في نفس المعنى. 8/386 نسخة جواب عن مثال شريف بوصول فرس إنعام، كتب به عن نائب طرابلس. 8/387 نسخة جواب عن وصول خيل من الإنعام السلطاني، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 8/388 نسخة مكاتبة كتب بها عن نائب حلب إلى السلطان يخبره فيها بوصوله إلى مقر ولايته. 8/392 نسخة مكاتبة بنفس المعنى إلى الأبواب السلطانية عن نائب طرابلس. 8/393 نسخة كتاب بالتهنئة بالخلافة. 8/394 من مكاتبة بالبشارة بفتح حصن المرقب. 8/395 نسخة مكاتبة في التعزية إلى الخليفة. 8/399 نسخة كتاب بنفس المعنى. 8/400 نسخة كتاب، كتب به إلى الأبواب السلطانية عند فتح آياس قاعدة بلاد الأرمن وانتزاعها من أيديهم. 8/401 كتاب جواب عن تهنئة بولاية. 9/25 كتاب جواب تهنئة بخلعة، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 9/31 جواب عن تهنئة بالعيد، لأبي الفرج الببغاء. 9/54 جواب عن تهنئة بالعيد، لشهاب الدين الحلبي. 9/54 جواب عن تهنئة بالأولاد، للشيخ شهاب الدين الحلبي. 9/64 جواب عن تهنئة بالإبلال من المرض، للشيخ شهاب الدين الحلبي. 9/70

جواب تهنئة بالصرف من الخدمة. 9/80 جواب عن تعزية، للشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 9/99 كتاب للشيخ جمال الدين بن نباتة، إلى كاتب السرّ بالأبواب السلطانية صحبة تقدمة من نائب الشام إلى السلطان. 9/102 له أيضا مع الجهاز الشريف السلطاني. 9/102 كتاب لعلي بن خلف، في إهداء جواد أدهم أغرّ محجّل. 9/105 كتاب عن نائب الشام إلى الملك الصالح شمس الدين صاحب ماردين، قرين خيل منعم بها إليه، عن السلطان الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة. 9/106 جواب عن نائب الشام إلى أمير آخور بالأبواب الشريفة، عن وصول خيل إليه من الإنعام الشريف، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة. 9/108 جواب في وصول أكديش وباز وكوهية، لابن نباتة. 9/109 جواب بوصول جوارح، كتب به عن نائب الشام جوابا لمطالعة وردت على نائب الشام من الصالح صاحب ماردين من بقايا بني أرتق، صحبة سناقر، هدية للملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة. 9/111 جواب بوصول بازيين، لابن نباتة. 9/113 جواب بوصول كوهيتين على يد شخص اسمه باشق، لابن نباتة. 9/114 جواب بوصول طيور، لابن نباتة. 9/114 جواب في نفس المعنى، لابن نباتة. 9/115 جواب في وصول طيور العقعق، لابن نباتة. 9/116 جواب بوصول تمّات وإوزّ صيني، وطلب إمرة عشرة، لابن نباتة. 9/117 جواب عن نائب الشام إلى نائب حلب بوصول لحم طير صيد قديد وصحبته بطيخ أخضر، من إنشاء ابن نباتة. 9/118 جواب بوصول مشمش لؤلؤي ودغميشي من حماة، لابن نباتة. 9/119 جواب بوصول مشمش وبطيخ حلبي، من إنشاء ابن نباتة. 9/120 جواب عن وصول بطيخ حلبي، من إنشاء ابن نباتة. 9/121 جواب بوصول قصب سكر وأترجّ وقلقاس، من إنشاء ابن نباتة. 9/122

جواب بوصول باكورة خيار وملوخيّة، من إنشاء ابن نباتة. 9/123 مكاتبة في استهداء دواة، لأبي الفرج الببغاء. 9/124 له أيضا في استهداء مداد. 9/124 مكاتبة لعلي بن خلف في نفس الموضوع. 9/125 مكاتبة لأبي الفرج الببغاء في استهداء مشروب. 9/125 مكاتبة لعلي بن خلف في نفس الموضوع. 9/126 مكاتبة في شفاعة من عمرو بن مسعدة وزير المأمون إلى المأمون. 9/128 مكاتبة للحسن بن سهل في نفس الموضوع. 9/128 مكاتبة لأبي الحسين بن سعد في نفس الموضوع. 9/128 مكاتبة لطفال بن شبّة في نفس الموضوع. 9/129 مكاتبة لأبي مسلم محمد بن بحر في نفس الموضوع. 9/129 مكاتبات لأبي الخطاب بن الصابي في موضوع الشفاعة. 9/130، 131، 132، 133 مكاتبة لأبي الفرج الببغاء في نفس الموضوع. 9/134 مكاتبة للشيخ شهاب الدين الحلبي بشفاعة في استخدام كاتب درج. 9/136 له أيضا في استخدام جندي. 9/137 مكاتبة بشفاعة في رد معزول إلى ولايته. 9/138 مكاتبة بشفاعة في خلاص مسجون. 9/139 مكاتبة بشفاعة في خلاص حق. 9/140 مكاتبة بشفاعة فيمن اسمه سراج الدين إلى من اسمه جمال الدين، من إنشاء ابن نباتة. 9/140 مكاتبة بشفاعة عن نائب الشام إلى نائب حماة، في شخص اسمه شهاب الدين، من إنشاء ابن نباتة. 9/142 مكاتبة بشفاعة لابن نباتة أيضا. 9/143 من مكاتبات في التشوّق، لأبي الفرج الببغاء. 9/144 مكاتبة في التشوّق، من إنشاء ابن نباتة. 9/146 نسخة كتاب بمعنى التشوّق عن نائب الشام إلى القاضي علاء الدين بن فضل الله العمري كاتب السر بالأبواب السلطانية، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن

نباتة. 9/147 كتاب بمعنى التشوّق كتب به ابن نباتة إلى بعض رؤساء مصر. 9/148 له أيضا في نفس المعنى إلى كاتب السرّ. 9/148 مكاتبات في موضوع الاستزارة، لعلي بن خلف. 9/152، 153، 154، 155 مكاتبات في موضوع اختطاب المودّة وافتتاح المكاتبة. 9/156، 157، 158 مكاتبة للشيخ جمال الدين بن نباتة، في اختطاب المودة وافتتاح المكاتبة. 9/159 مكاتبات في خطبة النساء، لأبي الحسين بن سعد. 9/160، 161، 162، 163 كتاب إلى شخص في تزويج أمه، ذكره الشيخ شهاب الدين الحلبي. 9/164 مكاتبة في الاسترضاء والاستعطاف والاعتذار، لأبي الحسين بن سعد. 9/167 ومنه لسليمان بن وهب. 9/167 ومنه لأبي علي البصير. 9/167 ومنه لأبي الحسين بن أبي البغل. 9/168 ومنه لأبي الربيع (محمد بن الليث) . 9/168 ومنه لأبي الحسين بن سعد. 9/170 ومنه لعلي بن خلف. 9/170 ومنه لأبي الفرج الببغاء. 9/170 مكاتبات في شكوى هموم. 9/174، 175، 176 مكاتبة في استماحة الحوائج، لأبي الحسين بن سعد. 9/177 ومن ذلك لعلي بن خلف. 9/177 مكاتبات في استماحة الحوائج، شعرا، من نظم القلقشندي. 9/179، 180 نسخة جواب بالإسعاف بالمطلوب كتب بها في جواب لكاتب السر من نائب الشام، في طلب إقطاع، من إنشاء جمال الدين بن نباتة. 9/182 مكاتبات في معنى الشكر، لأبي الفرج الببغاء. 9/184، 185 مكاتبات في نفس المعنى، لعلي بن خلف. 9/185، 186، 187

كتاب جواب عن فعل المعروف والشكر عليه، لابن نباتة. 9/188 مكاتبات في معنى العتاب، من كلام المتقدمين من الكتاب. 9/189، 190، 191، 192، 193 مكاتبات في معنى العتاب، للشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 9/195، 196 أجوبة عن مكاتبات في معنى العتاب. 9/198، 199، 200 مكاتبة في العيادة والسؤال عن حال المريض. 9/201 أجوبة كتب شفاعات وعنايات. 9/202، 203، 204، 205 جواب في استخلاص حق. 9/206 آخر في نفس المعنى. 9/208 كتاب إلى مريض بالسؤال عنه. 9/209 جواب الى من قنطره فرسه. 9/210 جواب عن كتاب عيادة، لابن نباتة المصري. 9/212 جواب عن كتاب عيادة، للشيخ شهاب الدين الحلبي. 9/214 كتاب في ذمّ بخيل، لاحمد بن يوسف. 9/216 كتاب في الذم، لأبي العيناء. 9/217 ومنه لمحمد بن الليث. 9/217 ومنه لأبي علي البصير. 9/217 ومنه لسعيد بن حميد. 9/218 كتاب في الاخبار بوقوع مطروسيل، لأبي الحسين بن سعد. 9/219 صدر كتاب بإخبار عن الخليفة. 9/220 صدر كتاب بإخبار عن الوزير. 9/220 صدر بإخبار عن أمير. 9/220 صدر كتاب بإخبار عن عافية المكتوب عنه. 9/221 كتاب في الإخبار عن زلزلة عظيمة وقعت بمدينة قرطبة من الأندلس، لابن أبي الخصال. 9/221 نسخة كتاب عن نائب الشام إلى كافل الممالك الإسلامية مخبرا له بوصوله إلى

دمشق، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة. 9/223 مكاتبة في معنى المداعبة، لابن أبي الخصال. 9/226 كتاب في معنى المداعبة، كتبه أحدهم إلى كمال الدين بن الأثير، وقد جاء إليه في بستانه فلم يجده ولا وجد من أنصفه. 9/227 نسخة كتاب، كتب به عن القائم بأمر الله لعبد يشوع الجاثليق من إنشاء العلاء بن موصلايا. 10/304 نسخة رسالة أنشأها القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر بفتح الملك الظاهر لقيسارية من بلاد الروم واقتلاعها من أيدي التتار واستيلائه على ملكها وجلوسه على تخت بني سلجوق، كتب بها إلى الصاحب بهاء الدين بن حنا وزير السلطان الملك الظاهر، ومعرفة ما كان في تلك الغزوة وما اشتملت عليه حال تلك السفرة. 14/157 نسخة رسالة في صيد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، من إنشاء القاضي تاج الدين البار نباري. 14/188 نسخة رسالة أنشأها الجاحظ سماها «رسالة الشكر» قصد بها تقريض وزير المتوكل وشكر نعمه عليه. 14/196 نسخة رسالة تسمى «الإغريضية» أرسلها أبو العلاء المعري إلى أبي القاسم الحسين بن علي المغربي. 14/206 نسخة رسالة من إنشاء المؤلف في تقريض المقر الفتحي أبي المعالي فتح الله صاحب دواوين الإنشاء بالديار المصرية والممالك الاسلامية، في سنة 814 هـ. 14/224 نسخة رسالة للشيخ الإمام العالم معين الدين تاج العلماء خطيب الخطباء الصدر أبي الفضل يحيى بن جعفر بن الحسين بن محمد الحصكفي سماها: «عتاب الكتاب وعقاب الألقاب، المشتملة على أصول الغريب والإغراب» . 14/230 نسخة رسالة في المفاخرة بين العلوم، من إنشاء المؤلف سنة 798 هـ، أرسلها لقاضي القضاة جلال الدين بن عمر البلقيني. 14/237 نسخة رسالة في المفاخرة بين السيف والقلم، أنشأها المؤلف للمقرّ الزيني أبي يزيد الدوادار الظاهري في سنة 794 هـ، وسماها: حلية الفضل وزينة الكرم، في المفاخرة بين السيف والقلم. 14/263 نسخة رسالة كتبها الشيخ جمال الدين بن نباتة المصري إلى الشيخ شهاب الدين

السجلات

محمود الحلبي صاحب ديوان الإنشاء بالمملكة الحلبية، وقد بلغه أن بعض أهل الديوان نال منه، وأن الشيخ شهاب الدين ناضل عنه ودافع، فكتب إليه يشكره على ذلك ويسأل كتّاب الديوان عن أسئلة بعضها يرجع إلى صنعة الإنشاء، وأكثرها يرجع إلى فن التاريخ. 14/274 نسخة رسالة أنشأها الإمام قاضي قضاة المسلمين محيي الدين أبو الفضل يحيى بن محيي الدين أبي المعالي محمد بن علي لما ورد إلى القاهرة في سنة 629 هـ وتعرف برسالة النمس. 14/285 نسخة رسالة في الشكر على نزول الغيث، من إنشاء أبي عبد الله محمد بن أبي الخصال الغافقي الأندلسي. 14/298 نسخة رسالة كتب بها الصاحب فخر الدين عبد الرحمن بن مكانس إلى الشيخ بدر الدين البشتكي عند ما زاد النيل الزيادة المفرطة سنة 784 هـ. 14/303 نسخة كتاب، كتب به عن قاضي القضاة فخر الدين الشافعي إلى الحكام بالمملكة. 14/392 السجلات نسخة سجلّ، كتب به الموفق بن الخلال صاحب ديوان الإنشاء، عن العاضد الفاطمي بالوزارة لشاور السّعدي بعد أن غلبه ضرغام عليها ثم كانت له الكرّة عليه. 10/319 نسخة سجلّ، كتب به الموفق بن الخلال، عن العاضد بولاية ابن شاور السعدي نيابة الوزارة عن أبيه وتفويض الأمور إليه. 10/327 نسخة سجلّ، كتب به بعض الكتاب عن العاضد الفاطمي لرزّيك بن الصالح طلائع بن رزّيك، بولاية المظالم وتقدمة العسكر في وزارة أبيه. 10/334 نسخة سجلّ بولاية القاهرة. 10/347 نسخة سجلّ، كتب به القاضي الفاضل عن العاضد الفاطمي بولاية قاض. 10/351 نسخة سجلّ بولاية المعونة والحسبة بمدينة مصر والجيزة والقرافة، من إنشاء القاضي الفاضل. 10/356 نسخة سجلّ بولاية قاض بثغر الإسكندرية، كتب به القاضي الفاضل. 10/360 نسخة سجلّ بولاية ديوان المرتجع. 10/365

نسخة سجلّ بزمّ طائفة، من إنشاء القاضي الفاضل. 10/368 نسخة سجلّ بولاية الفسطاط المعبّر عنها بمصر في ولاية القاهرة. 10/370 نسخة سجلّ بولاية الأعمال القوصية. 10/375 نسخة سجلّ بولاية الأعمال الغربية. 10/379 نسخة سجلّ بولاية ثغر الإسكندرية، كتب به لابن مصّال، من إنشاء القاضي الفاضل. 10/382 نسخة سجلّ بولاية عسقلان بالشام. 10/389 نسخة سجلّ بولاية مصر. 10/427 نسخة سجلّ كتب به القاضي الفاضل عن العاضد الفاطمي بولاية بعض القضاة. 10/432 نسخة سجلّ أوردها علي بن خلف بالدعوة للدولة والمشايعة لها والموافقة على مذهبها. 10/442 نسخة سجلّ بزمّ عن الخليفة الفاطمي. 10/447 نسخة سجلّ بولاية ثغر عن الخليفة الفاطمي. 10/449 نسخة سجلّ عن الوزير في الدولة الفاطمية بولاية الإسكندرية من إنشاء القاضي الفاضل. 10/454 نسخة سجلّ بحماية الرّباع. 10/457 نسخة سجلّ بالحكم بقوص ومشارفة أعمال الصعيد. 10/458 نسخة سجلّ بالنيابة في الحكم والأحباس والجوالي بثغر دمياط. 10/459 نسخة سجلّ بالحكم بالأعمال الغربية. 10/460 نسخة سجلّ بالحكم والمشارفة بثغر عسقلان من سواحل الشام. 10/462 نسخة سجلّ بتدريس. 10/464 نسخة سجلّ بولاية الحسبة، من إنشاء القاضي الفاضل. 10/466 نسخة سجلّ بمشارفة الجوالي بالصعيد الأدنى والأشمونين. 10/468 نسخة سجلّ باستيفاء الأعمال القبلية. 10/469 نسخة سجلّ بمباشرة الأغنام والمطابخ. 10/471 نسخة سجلّ بإقطاع عن العاضد آخر خلفاء الفاطميين لبعض أمراء الدولة، من إنشاء القاضي الفاضل. 13/142

الصدقات

نسخة سجلّ بإقطاع، كتب به لبعض وزراء الفاطميين، من إنشاء القاضي الفاضل. 13/143 نسخة سجلّ أنشأه المؤلف لولده نجم الدين أبي الفتح محمد عند ثبوت عدالته. 14/389 الصدقات «1» نسخة صداق، كتب به للملك السعيد بركة ابن السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري على بنت الأمير سيف الدين قلاوون الصالحي الألفي قبل سلطنته، من إنشاء ابن عبد الظاهر. 14/341 نسخة صداق المقام الشريف العالي السيفي أنوك ولد السلطان محمد بن قلاوون على بنت بكتمر الساقي، وكان العاقد قاضي القضاة جلال الدين القزويني. 14/344 نسخة صداق المقر الشريف إبراهيم ابن السلطان محمد بن قلاوون، من إنشاء شهاب الدين بن فضل الله العمري 14/350 نسخة صداق جمال الدين عبد الله بن سيف الدين أبي سعيد أمير حاجب على بنت بيدمر العمري، من إنشاء شهاب الدين بن فضل الله العمري. 14/352 نسخة صداق ناصر الدين محمد بن الخطيري، من إنشاء ابن فضل الله العمري. 14/355 نسخة صداق القاضي تقي الدين. 14/357 نسخة صداق من إنشاء الشيخ صلاح الدين الصفدي، للقاضي بدر الدين خطيب بيت الآثار على بنت شمس الدين الخطيب من بيت الآثار، تسمى سولى، في سنة 753 هـ، في مجلس قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي. 14/359 نسخة صداق زين الدين صدقة السيفي أزدمر، على بنت أمير المؤمنين المتوكل على الله، من إنشاء المؤلف في خلافة أخيها المستعين بالله العباسي. 14/361 الطرخانيات نسخة مرسوم بطرخانية لأمير. 13/52 نسخة مرسوم بطرخانية. 13/54

الظهورات - الظهائر

نسخة طرخانية كتب بها عن الملك الناصر محمد بن قلاوون للقاضي قطب الدين بن المكرّم أحد كتاب الدرج بالأبواب الشريفة عند إقامته بالحجاز الشريف بأن يستقر طرخانا بنصف معلومه الذي كان له على كتابة الدرج وأن يقيم حيث شاء. 13/56 الظهورات- الظهائر نسخة ظهير بولاية ناحية، كتب به عن بعض الخلفاء ببلاد المغرب والأندلس. 10/310 نسخة ظهير آخر في نفس المعنى. 10/311 نسخة ظهير بإعادة وال إلى ناحية. 10/312 نسخة ظهير بولاية قاض. 10/313 نسخة ظهير كتب به أبو الحسن الرعيني بولاية قاض. 10/314 نسخة ظهير كتب به أبو المطرّف بن عميرة بولاية وزارة. 10/315 نسخة ظهير بمشارفة ناحية، كتب به أبو عبد الله بن الأبّار. 10/316 نسخة ظهير بإعادة مشارف إلى ناحية، كتب به أبو عبد الله بن الأبّار. 10/316 نسخة ظهير بنيابة السلطنة بالحضرة، من إنشاء أبي عبد الله بن الخطيب. 11/4 نسخة ظهير بنيابة السلطنة ببعض الأعمال. 11/7 نسخة ظهير بالإمرة على الجهاد. 11/10 نسخة ظهير بالتقدمة على الطبقة الأولى من المجاهدين، لولد السلطان. 11/13 نسخة ظهير لمشيخة الغزاة بمدينة مالقة. 11/17 نسخة ظهير بقضاء الجماعة بالحضرة. 11/19 نسخة ظهير بقضاء الجماعة بالحضرة أيضا. 11/23 نسخة ظهير بالقلم الأعلى المعبّر عنه بكتابة السرّ. 11/24 عقود الذمة والكتب المتعلقة بأهل الذمة نسخة كتاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لمعاذ بن جبل في عقد الذمة لأهل اليمن. 13/356 نسخة كتاب عقد الذمة الذي بعثه نصارى الشام إلى عمر بن الخطاب فوافق عليه

عقود الصلح

وزاد فيه. 13/357 نسخة كتاب كتب به عن المتوكل على الله يتعلق بما يترتّب على أهل الذمة في المملكة بسبب خروجهم عن عقد الذمة. 13/366 نسخة كتاب المقتدر بالله إلى عماله سنة 295 هـ بأن لا يستعان بأحد من أهل الذمة. 13/368 نسخة كتاب الآمر بأحكام الله الفاطمي إلى الخاص والعام من أهل مملكته يعلمهم فيها إنزال أهل الذمة بالمنزلة التي أمر الله أن ينزلوا بها من الذل والصغار. 13/370 نسخة مرسوم صادر سنة 755 هـ أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون وابنه الملك الصالح بمنع النصارى من مباشرة الوظائف والتطاول على المسلمين وإلزامهم بالشروط العمرية. 13/378 عقود الصلح «1» نسخة بعقد صلح، من إنشاء القلقشندي. 14/18 نسخة ما كتب به أبو إسحاق الصابي بمواصفة بالصلح (عقد صلح) بين شرف الدولة أبي الفوارس وصمصام الدولة أبي كاليجار ابني عضد الدولة البويهي سنة 376 هـ. 14/106 نسخة عقد صلح، كتب بها أبو إسحاق الصابي، بين الوزير أبي نصر سابور بن أزدشير، والشريفين: أبي أحمد الحسين بن موسى وأبي الحسن محمد ابنه الرضيّ، بما انعقد من الصلح والصهر بين الوزير المذكور وبين النقيب أبي أحمد الحسين وولده محمد، حين تزوج ابنه محمد المذكور بنت سابور. 14/110 نسخة عقد صلح كتب بها أبو الحسين أحمد بن سعد عن بعض الأمراء. 14/113 نسخة عقد الصلح بين السلطان الملك الناصر أبي السعادات فرج بن برقوق وبين تيمور كوركان (تيمور لنك) سنة 805 هـ. 14/116 العمرات نسخة عمرة اعتمرها أبو بكر بن محمد الأنصاري الخزرجي، عند مجاورته بمكة

العهود

بين سنتي 707 هـ و 710 هـ، للسلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون. 14/398 العهود من نسخة عهد لسلطان من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 1/238 من قوله في عهد السلطان المنصور لاجين. 1/239 نسخة عهد عمر بن الخطاب بالخلافة عن أبي بكر الصديق. 9/375 نسخة عهد عمر بن عبد العزيز بالخلافة عن سليمان بن عبد الملك، ثم من بعده إلى أخيه يزيد بن عبد الملك، فيما ذكره ابن قتيبة في تاريخ الخلفاء. 9/376 نسخة عهد علي بن موسى العلوي (عليّ الرضيّ) بالخلافة عن المأمون العباسي، فيما ذكره صاحب العقد الفريد. 9/379 وما كتبه علي بن موسى الرضيّ تحت عهد المأمون إليه بالخلافة. 9/411 نسخة عهد كتب بها الوزير أبو حفص بن برد للناصر لدين الله عبد الرحمن بن المنصور بن أبي عامر العامري، عن المؤيد بالله هشام بن الحكم الأموي الخليفة بالأندلس. 9/384 نسخة عهد عن الإمام المتوكل على الله أبي عبد الله محمد بن المعتضد أبي الفتح أبي بكر لولده العباس، من إنشاء القلقشندي سنة 801 هـ. 9/389 نسخة عهد كتب بها عن الحافظ لدين الله الفاطمي لولده حيدرة بأن يكون ولي عهد الخلافة بعده. 9/397 نسخة بولاية العهد من خليفة لولده بالخلافة، من إنشاء القاضي الفاضل. 9/399 نسخة عهد أوردها علي بن خلف من إنشائه في زمن الفاطميين. 9/405 نسخة عهد المستوثق بالله عن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أحمد بالخلافة بعده. 9/409 نسخة طرّة عهد أسد الدين شيركوه بالوزارة عن العاضد. 9/427 نسخة طرّة عهد السلطان صلاح الدين بالوزارة قبل استقلاله بالسلطنة، عن العاضد. 9/427 نسخة طرّة عهد، كتب بها القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، في نسخة عهد أنشأه للسلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، في سنة 717 هـ. 9/428

نسخة عهد كتب بها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لعمرو بن حزم حين وجهه إلى اليمن. 10/7 نسخة عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لمالك بن الأشتر النخعي حين ولاه على مصر، كما ذكرها ابن حمدون. 10/10 نسخة عهد الخليفة الطائع لله إلى فخر الدولة بن ركن الدولة بن بويه سنة 366 هـ من إنشاء أبي إسحاق الصابي. 10/13 نسخة عهد القائم بأمر الله العباسي إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين بسلطنة الأندلس وبلاد المغرب، من إنشاء العلاء بن موصلايا بعد سنة 420 هـ. 10/30 نسخة عهد الخليفة الإمام الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد إلى الملك العادل كتبغا، من إنشاء الشيخ شهاب الدين الحلبي. 10/46 نسخة عهد الخليفة الحاكم بأمر الله بن أبي الربيع سليمان إلى الملك المنصور لاجين، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 10/53 نسخة عهد الحاكم بأمر الله أحمد بن أبي الربيع سليمان إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون، من إنشاء القاضي شمس الدين إبراهيم بن القيسراني. 10/59، 161 نسخة عهد المستكفي بالله أبي الربيع سليمان إلى الملك المظفّر ركن الدين بيبرس المنصوري الجاشنكير، من إنشاء القاضي علاء الدين بن عبد الظاهر. 10/69 نسخة عهد الطائع لله إلى شرف الدولة بن عضد الدولة البويهي، من إنشاء أبي إسحاق الصابي. 10/75 نسخة عهد العاضد الفاطمي إلى أسد الدين شيركوه، والوزارة يومئذ قائمة مقام السلطنة، من إنشاء القاضي الفاضل. 10/81 نسخة عهد العاضد الفاطمي إلى الناصر صلاح الدين الأيوبي بالوزارة، من إنشاء القاضي الفاضل. 10/92 نسخة العهد المكتوب به من ديوان الخلافة ببغداد للعادل أبي بكر بن أيوب أخي السلطان صلاح الدين. 10/102 نسخة العهد الذي كتب به الصاحب فخر الدين إبراهيم بن لقمان للظاهر بيبرس. 10/116 نسخة عهد الخليفة الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد إلى السلطان الملك المنصور قلاوون، كتبها القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر. 10/320

نسخة عهد الإمام المستعين بالله أبي الفضل العباس إلى الملك المؤيد أبي النصر شيخ المحمودي سنة 815 هـ، من إنشاء محمد بن البارزي الحموي صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالديار المصرية وسائر الممالك الإسلامية. 10/125 نسخة عهد المستعين بالله أبي الفضل العباس إلى الملك العادل مظفر شاه بالسلطنة بالمملكة الهندية في سنة 813 هـ، من إنشاء الشيخ تقي الدين محمد بن حجّة. 10/134 نسخة عهد من إنشاء الوزير ضياء الدين بن الأثير في معارضة المكتوب للسلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب من ديوان الخلافة ببغداد. 10/141 نسخة عهد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب من ديوان الإنشاء ببغداد، وهو الذي عارضه ابن الأثير. 10/150 نسخة ما كتب به أبو بكر بن القصيرة المغربي عن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين سلطان المغرب بولاية عهده لابنه أبي الحسن على ما بيده من الغرب والأندلس سنة 496 هـ. 10/165 نسخة ما كتب به محيي الدين بن عبد الظاهر عن الظاهر بيبرس عهد ولده الملك السعيد بركة. 10/167 نسخة ما كتب به محيي الدين بن عبد الظاهر عن المنصور قلاوون عهد ولده الملك الأشرف صلاح الدين خليل. 10/170 نسخة ما كتب به محيي الدين بن عبد الظاهر عن المنصور قلاوون عهد ولده الملك الصالح علاء الدين علي. 10/177، 183 نسخة عهد كتب بها المقر الشهابي بن فضل الله العمري عن الملك الناصر محمد بن قلاوون للملك الأفضل محمد ابن المؤيد عماد الدين إسماعيل بسلطنة حماة سنة 732 هـ. 10/187، 193 نسخة عهد كتب به أبو بكر الصديق لأمرائه الذين وجههم لقتال أهل الردّة. 10/195 نسخة عهد كتب به عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري حين ولّاه القضاء. 10/196 نسخة عهد كتب به عبد الحميد الكاتب عن مروان بن محمد لبعض من ولّاه (وهو ابنه عبد الله بن مروان بن محمد حين وجّهه لمحاربة الضحّاك بن قيس) . 10/198

نسخة عهد، كتب به أبو إسحاق الصابي، عن المطيع لله، إلى الحسين بن موسى العلوي بتقليد المظالم بمدينة السلام. 10/252 نسخة عهد بنقابة الطالبيين، كتب به أبو إسحاق الصابي، عن الطائع لله إلى الشريف أبي الحسن بن محمد بن الحسين العلوي الموسوي، مضافا إليها النظر في المساجد وعمارتها، واستخلافه لوالده الشريف أبي أحمد الحسين بن موسى على النظر في المظالم والحج بالناس سنة 380 هـ. 10/256 نسخة عهد، كتب بها أبو إسحاق الصابي عن الطائع لله، لأبي الحارث محمد بن موسى العلوي بتقليده الصلاة في جميع النواحي والأمصار والأطراف، وتوقّف عن إظهاره لرأي رآه في ذلك. 10/264 نسخة عهد بنظر الأوقاف كتب بها أبو إسحاق الصابي عن الطائع لله للحسين بن موسى العلوي. 10/269 نسخة عهد بولاية قضاء حاضرة بغداد وسائر الأعمال، كتب به المسترشد بالله لقاضي القضاة أبي القاسم علي بن الحسين الزينبي. 10/273 نسخة عهد بولاية القضاء بسرّ من رأى، كتب بها أبو إسحاق الصابي عن الطائع لله للقاضي أبي الحسين محمد ابن قاضي القضاة أبي محمد عبيد الله بن أحمد بن معروف، حين ولاه القضاء بسرّ من رأى وغيرها وما أضيف إلى ذلك من أعمال الجزيرة. 10/286 نسخة عهد بقضاء القضاة بحاضرة بغداد وسائر الأعمال، كتب به عن الإمام الناصر لدين الله أحمد للقاضي محيي الدين أبي عبد الله بن محمد بن فضلان، من إنشاء أستاد الدار عضد الدين بن الضحّاك. 10/295 نسخة عهد، كتب به عن الحاكم بأمر الله الفاطمي، للحسين بن علي بن النعمان بقضاء الديار المصرية وأجناد الشام وبلاد المغرب. 10/392 نسخة عهد، كتب به ابن عبد كان عن أحمد بن طولون بقضاء برقة. 11/27 نسخة عهد كتبه الأمين بن هارون الرشيد على نفسه. 14/98 نسخة عهد كتبه المأمون بن هارون الرشيد على نفسه. 14/103 نسخة عهد بالتطفّل أنشأها أبو إسحاق الصابي لرجل اسمه عليكا. 14/404

الفسوخ والمفاسخات

الفسوخ والمفاسخات صورة ما يكتب في الفسخ. 14/122 صورة ما يكتب في المفاسخة. 14/123 قدمات البندق نسخة قدمة كتب بها الشيخ شمس الدين محمد بن الصائغ الحنفي لصلاح الدين بن المقر المحيوي بن فضل الله العمري. 14/321 نسخة رسالة في صيد البندق، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 14/327 المبايعات من نسخة مبايعة من إنشاء القلقشندي. 1/236 من نسخة مبايعة أخرى من إنشائه. 1/237 فقرة من نص بيعة من إنشاء القلقشندي. 2/5 نسخة مبايعة ذكرها أبو الحسين بن إسحاق الصابي في «غرر البلاغة» . 9/290 نسخة مبايعة ذكرها ابن حمدون في تذكرته. 9/292 نسخة مبايعة أخرى ذكرها أبو الحسين الصابي في «غرر البلاغة» . 9/294 نسخة بيعة لولي عهد بعد موت العاهد، كتب بها لبعض خلفاء الفاطميين. 9/296 نسخة بيعة، كتب بها عن الحافظ لدين الله الفاطمي بعد وفاة ابن عمه الآمر بأحكام الله، قام بعقدها الوزير أبو الفتح يانس الحافظي. 9/300 نسخة بيعة كتب بها طاهر الأندلسي، في أخذ البيعة على أهل دانية من الأندلس، للرشيد بن المأمون الأموي، وهو منتصب في الخلافة، لخلف توهّمه في الرعيّة. 9/308 نسخة بيعة، كتب بها أبو المطرّف بن عميرة الأندلسي، ما بأخذ البيعة على أهل شاطبة من الأندلس لأبي جعفر المستنصر بالله العباسي، قام بعقدها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن هود صاحب الأندلس، ثم أخذ البيعة بعد ذلك عليهم

المثالات أو المطلقات

لنفسه، وأن يكون ابنه وليّ عهده بعده. 9/310 نسخة بيعة، مرتبة على موت خليفة، من إنشاء القلقشندي. 9/318 نسخة بيعة، مرتبة على خلع خليفة، من إنشاء القلقشندي. 9/323 نسخة مبايعة، أنشأها المقر الشهابي بن فضل الله العمري، للإمام الحاكم بأمر الله أبي القاسم أحمد بن أبي الربيع سليمان المستكفي بالله ابن الإمام الحاكم بأمر الله بعد موت أبيه. 9/330 نسخة بيعة وصورة وضعها في الورق للمتوكل على الله بن المعتضد بالله العباسي، قام بعقدها الملك الظاهر برقوق، من إنشاء القلقشندي. 9/344 نسخة بيعة كتب بها للسلطان أبي عبد الله محمد ابن السلطان أبي الحجاج بن نصر بن الأحمر الأنصاري صاحب حمراء غرناطة من الأندلس، من إنشاء الوزير أبي عبد الله محمد بن الخطيب صاحب ديوان إنشائه. 9/348 المثالات أو المطلقات صورة مثال مطلق (من نوع البرالغ) أوردها المقرّ الشهابي بن فضل الله العمري في تذكرته بخط أخيه المقر العلائي، كتب في دولة الناصر محمد بن قلاوون في عاشر شهر رجب الفرد سنة 729 هـ لتمر بغا الرسول الواصل إلى الديار المصرية عن القان أبي سعيد صاحب مملكة إيران بالإكرام والمسامحة بما يلزمه. 7/249 نسخة مثال شريف في معنى البشارة بوفاء النيل. 8/334 نسخة مثال شريف في نفس المعنى كتب به سنة 766 هـ. 8/335 نسخة مثال شريف في نفس المعنى كتب به سنة 760 هـ. 8/336 نسخة مثال شريف في نفس المعنى كتب به سنة 754 هـ. 8/337 نسخة مثال شريف بالإنعام. 8/354 نسخة مثال آخر بنفس المعنى. 8/355 نسخ مثالات بالإنعام مع إرسال جوارح وسلاح. 8/356، 357 358، 359 نسخة مثال كريم عن نائب الشام، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، سنة 743 هـ. 8/367

المحاورات والمقاولات والمناظرات والمفاخرات

المحاورات والمقاولات والمناظرات والمفاخرات محاورة بين ابن قادم النحوي وإسحاق بن إبراهيم المصعبي صاحب شرطة المأمون وميمون بن إبراهيم كاتبه على الرسائل. 1/207 محاورة بين الكندي الفيلسوف وأبي العباس السفاح حول الحشو في كلام العرب. 1/223 مناظرة بين ابن الأثير وبعض علماء الأدب حول استعمال الأحاديث والآثار في الكتابة. 1/246 محاورة بين علي بن أبي طالب وأبي عبيدة حامل رسالة أبي بكر إلى عليّ. 1/290 محاورة بين معاوية وأم الخير بنت الحرش البارقية. 1/296 محاورة بين معاوية والزرقاء بنت عدي بن قيس الهمدانية. 1/299 محاورة بين معاوية وعكرشة بنت الأطرش. 1/300 محاورة بين معاوية وصعصعة بن صوحان رسول علي بن أبي طالب إليه. 1/302 محاورة بين معاوية وسعيد بن عثمان بن عفان. 1/303 محاورة بين معاوية وزيد بن منبّه. 1/304 محاورة بين معاوية وسنان بنت جشميّة بن خرشة المذحجية. 1/305 محاورة بين معاوية وامرأة من كنانة يقال لها الدارميّة. 1/306 محاورة بين عدي بن أرطأة والي عمر بن عبد العزيز على البصرة وإياس بن معاوية والقاسم بن ربيعة. 1/309 محاورة بين أبي جعفر المنصور ورجل من بين الناس. 1/310 محاورة بين المهدي ولي عهد المنصور ورجل يطمع في أعطية. 1/311 محاورة بين هشام بن عبد الملك ومحمد بن أبي الجهم بن حذيفة العدوي في وفد من أهل الحجاز. 1/311 مذاكرة بين الطبري المؤرخ الحافظ وأبي جعفر أحمد بن إسحاق البهلوان بن حسان الأنباري. 1/320 مفاخرة لعطارد بن حاجب بن زرارة أمام رسول الله. 1/427 رد ثابت بن قيس الخزرجي على المفاخرة السابقة. 1/427 مفاخرة للنعمان بن العجلان الزرقي أمام معاوية. 1/431

المراسيم

مفاخرة بين عبد الله بن الزبير ومعاوية بن أبي سفيان. 1/431 مفاخرات للنعمان بن المنذر، وحذيفة بن زرارة، والأشعث الكندي، وبسطام الشيباني، وحاجب بن زرارة، وقيس بن عاصم السعدي أمام كسرى. 1/432 مفاخرة بين الأعشى الشاعر وعلقمة بن علاقة بن كلاب، ثم بين الأعشى وعامر بن الطفيل ولبيد من جهة، وبين علقمة والحطيئة والسندريّ الشاعر من جهة ثانية. 1/437 محاورة حاجب بن زرارة مع كسرى ملك الفرس. 1/451 من محاورة بين الحجاج بن يوسف وابن القريّة. 6/319 من محاورة بين بعض الملوك وخصيص من خواصه عصاه. 8/275 مناظرة بين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وبين الأنصار في سقيفة بني ساعدة. 9/283 محاورة بين عمر بن الخطاب وأبي بكر الصديق وبعض الصحابة في أمر استخلاف خليفة على المسلمين بعد أبي بكر، ثم بعد عمر. 9/364 المراسيم نسخة مرسوم، في معنى الحثّ على الجهاد، كتب به عند ظهور الفرنج اللوساريّة والشوال بالبحر، من إنشاء الشيخ بدر الدين بن حبيب الحلبي. 8/253 نسخة مرسوم بشدّ ناحية. 11/46 نسخة مرسوم بشدّ وقف. 11/46 نسخة مرسوم بتقليد وزير بالمملكة الشامية. 12/22 نسخة مرسوم شريف بنيابة قلعة دمشق المحروسة، من إنشاء شهاب الدين بن فضل الله العمري. 12/24 نسخة مرسوم شريف بنيابة قلعة دمشق المحروسة، كتب بها لحسام الدين لاجين الإبراهيمي، من إنشاء الشريف شهاب الدين. 12/28 نسخة مرسوم شريف بشدّ الدواوين بدمشق. 12/32 نسخة مرسوم بنيابة السلطنة بحمص. 12/106 نسخة مرسوم بنيابة الرحبة. 12/109

نسخة مرسوم بنيابة مصياف. 12/113 نسخة مرسوم بنيابة بعلبك. 12/115 نسخة مرسوم بإمرة آل فضل، كتب بها للأمير حسام الدين مهنا بن عيسى، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 12/121 نسخة مرسوم بإمرة آل علي، كتب به للأمير عز الدين جماز بعد وفاة والده محمد بن أبي بكر، من إنشاء ابن فضل الله العمري. 12/124 نسخة مرسوم بالتقدمة على عرب آل فضل وآل علي، كتب به للأمير فخر الدين عثمان بن مانع بن هبة. 12/128 نسخة مرسوم بإمرة آل مراء، كتب بها للأمير بدر الدين شطي بن عمر. 12/131 نسخة مرسوم بنصف إمرة آل مراء، كتب به لقناة بن نجاد في شهر رمضان سنة 733 هـ، من إنشاء ابن فضل الله العمري. 12/132 نسخة مرسوم بربع إمرة بني مهدي. 12/136 نسخة مرسوم بربع إمرة بني مهدي أيضا. 12/137 نسخة مرسوم بتقدمة عرب زبيد. 12/138 نسخة مرسوم بنيابة قلعة حلب. 12/151 نسخة مرسوم بنيابة آياس، وهي المعبّر عنها بالفتوحات الجاهانية. 12/169 نسخة مرسوم كتب به لنائب حجر شغلان من معاملة حلب. 12/172 نسخة مرسوم بنيابة قلعة، تصلح لنائب اللاذقية. 12/193 نسخة مرسوم بنيابة قلعة بلاطنس. 12/195 نسخة مرسوم بنيابة قلعة صفد، من إنشاء شهاب الدين بن فضل الله العمري، كتب به للأمير سيف الدين أزاق الناصري سنة 734 هـ. 12/205 نسخة مرسوم بنيابة الينبع، كتب به لمخذم بن عقيل سنة 734 هـ، من إنشاء ابن فضل الله العمري. 12/257 نسخة طرّة مرسوم بربع تقدمة إمرة بني مهدي، كتب به لعيسى بن حناس. 12/293 نسخة مرسوم بربع تقدمة بني مهدي، كتب به لموسى بن حناس. 12/421 نسخة مرسوم بإمارة الركب الحلبي المتوجه إلى الحجاز الشريف، كتب به لشهاب الدين أحمد بن الطنبغا. 12/434 نسخة مرسوم كتب به عن نائب المملكة الطرابلسية إلى نائب حصن الأكراد

المسامحات

بإبطال ما أحدث في الحصن من الخمارة والفواحش، وإلزام أهل الذمة بما أجري عليهم أحكامه من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، في سنة 765 هـ. 13/21 نسخة مرسوم بمسامحة ببواقي دمشق وأعمالها، من إنشاء شهاب الدين محمود الحلبي. 13/25 نسخة مرسوم بالمسامحة بالبواقي في ذمم الجند والرعايا بالشام، كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون سنة 702 هـ، بخط العلامة كمال الدين محمد الزملكاني من إنشائه، وقريء على المنبر في الجامع الأموي. 13/29 نسخة مرسوم بتحويل السنة القبطية إلى السنة العربية، من إنشاء القاضي الفاضل عن الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي. 13/75 نسخة مرسوم بتحويل السنة القبطية إلى السنة العربية. 13/79 نسخة مرسوم صادر سنة 755 هـ لمنع النصارى من التطاول على المسلمين وإلزامهم بالشروط العمرية. 13/378 المسامحات نسخة مرسوم بمسامحة ببواقي دمشق وأعمالها، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. 13/25 نسخة مرسوم بالمسامحة بالبواقي في ذمم الجند والرعايا بالشام، كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون سنة 702 هـ، بخط وإنشاء العلامة كمال الدين محمد الزملكاني، وقريء على المنبر بالجامع الأموي. 13/29 نسخة مسامحة بمكوس على جهات مستقبحة بالمملكة الطرابلسية وإبطال المنكرات، كتب بها في دولة الناصر محمد بن قلاوون سنة 717 هـ. 13/31 نسخة توقيع بالمسامحة في جميع المراكز بما يستأدى على الأغنام الدغالي الداخلة إلى حلب، وأن يكون ما يستخرج من تجار الغنم على الكبار منها خاصة، من إنشاء شهاب الدين بن فضل الله العمري، في سنة 737 هـ. 13/37 نسخة توقيع بمسامحة. 13/40 نسخة دعاء توقيع بمسامحة. 13/40 نسخة مرسوم بمسامحة، كتب بها عن نائب الشام في الدولة الناصرية فرج لخواجا

المطالعات

محمد بن المزلّق. 13/41 المطالعات نسخة مطالعة عن نائب الشام ابتداء. 8/59 نسخة مطالعة عن نائب الشام، في جواب مكاتبة شريفة وردت عليه. 8/61 نسخة مطالعة تشتمل على ابتداء وجواب. 8/61 المقاطعات نسخة كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم بإقطاع الداريّين. 13/126، 128، 129 نسخة كتاب أبي بكر الصديق إلى أبي عبيدة بن الجراح في نفس الموضوع. 13/127 نسخة كتاب أبي بكر الصديق بإثبات إقطاع الداريّين. 13/128 نسخة مقاطعة كتب بها عن المطيع لله العباسي، من إنشاء أبي إسحاق الصابي. 13/130 نسخة منشور بإقطاع، من إنشاء القاضي الفاضل لولد من أولاد الخليفة الفاطمي اسمه حسن ولقبه حسام الدين. 13/140 نسخة سجلّ بإقطاع عن العاضد آخر خلفاء الفاطميين لبعض أمراء الدولة، من إنشاء القاضي الفاضل. 13/142 نسخة سجل بإقطاع، كتب به لبعض وزراء الفاطميين، من إنشاء القاضي الفاضل. 13/143 نسخة مقاطعة بضيعة، كتب بها عن صمصام الدولة بن بويه. 13/146 نسخة توقيع بإقطاع، كتب به عن السلطان صلاح الدين الأيوبي لأخيه العادل أبي بكر بإقطاع الديار المصرية وبلاد الشام وبلاد الجزيرة وديار بكر في سنة 580 هـ، بعد الانفصال من حرب الكفار بعكا وعقد الهدنة معهم. 13/151 نسخة توقيع بإقطاع، كتب بها لأمير قدم على الدولة فاستخدمته. 13/154 نسخة توقيع بإقطاع، كتب به لبعض الأمراء الصغار. 13/157 نسخة منشور بإقطاع، كتب به عن الملك المنصور قلاوون لابنه الناصر محمد في

سلطنة أبيه، من إنشاء محيي الدين بن عبد الظاهر. 13/172 نسخة منشور بإقطاع، كتب به للأمير بدر الدين بيدرا، استادار الملك المنصور قلاوون، من إنشاء محيي الدين بن عبد الظاهر. 13/173 نسخة منشور بإقطاع، لمن لقبه سيف الدين، من إنشاء شهاب الدين بن فضل الله العمري. 13/175 نسخة منشور بإقطاع لمن لقبه شمس الدين، كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون. 13/177 نسخة منشور بإقطاع لمن لقبه بدر الدين، كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون. 13/178 نسخة منشور بإقطاع لمن لقبه صلاح الدين، كتب به في دولة الناصر محمد بن قلاوون. 13/179 نسخة منشور بإقطاع، كتب به للأمير سعد الدين مسعود بن الخطيري، من إنشاء الشريف شهاب الدين كاتب الإنشاء. 13/180 نسخة منشور بإقطاع، كتب به لعلاء الدين أيدغمش أمير آخور الناصري، كتب به في دولة الناصر محمد بن قلاوون، من إنشاء الشريف شهاب الدين. 13/182 نسخة منشور بإقطاع، كتب به للأمير شمس الدين سنقر البكتوتي الشهير بالمسّاح. 13/183 نسخة منشور بإقطاع، كتب به للأمير خاص ترك في الروك الناصري. 13/185 نسخة منشور بإقطاع، كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون لجمال الدين أقوش الأشر في المعروف بنائب الكرك عند خروجه من الجبّ. 13/186 نسخة منشور بإقطاع، كتب به لبعض الأمراء. 13/188 نسخة منشور بإقطاع، لمن لقبه زين الدين. 13/189 نسخة منشور بإقطاع. 13/190 نسخة منشور بإقطاع. 13/191 نسخة منشور بإقطاع، تصلح لمن مات أبوه. 13/192 نسخة منشور بإقطاع. 13/193 نسخة منشور بإقطاع. 13/194 نسخة منشور بإقطاع. 13/195

المقامات

نسخة منشور بإقطاع آخر. 13/195 نسخة منشور بإقطاع. 13/196 نسخة منشور بإقطاع. 13/197 نسخة منشور بإقطاع. 13/198 نسخة منشور بإقطاع. 13/199 نسخة منشور بإقطاع لأمير عرب. 13/200 المقامات نسخة المقامة التي أنشأها القلقشندي في تقريظ المقرّ البدري بن المقرّ العلائي بن محيي الدين بن فضل الله العمري صاحب ديوان الإنشاء بالديار المصرية، والمعروفة باسم: الكواكب الدرّية في المناقب البدرية. 14/126 نسخة مقامة أنشأها أبو القاسم الخوارزمي في لقائه لأديب يعرف بالهيتي وانقطاعه في البحث وغلبة الخوارزمي له. 14/145 الملطفات نسخة ملطّف، بمعنى انتقال الخلافة، كتب به عن وزير في الدولة الفاطمية ليلفّ كتاب الخليفة طيّة. 8/245 المنشورات نسخة منشور بمشارفة المواريث الحشرية والفروض الحكمية. 10/472 نسخة منشور بعمالة. 10/473 نسخة منشور بنقابة الأشراف. 11/47 نسخة منشور بولاية الشرقية. 11/50 نسخة منشور بولاية المرتاحية. 11/51 نسخة منشور بولاية السمنودية. 11/52

نسخة منشور بولاية النستراوية. 11/54 نسخة منشور بولاية الإسكندرية. 11/55 نسخة منشور بولاية برقة. 11/58 نسخة منشور بولاية الفرما. 11/59 نسخة منشور بولاية عسقلان. 11/61 نسخة منشور من إنشاء القاضي الفاضل لولد من أولاد الخليفة الفاطمي اسمه حسن ولقبه حسام الدين. 13/140 نسخة منشور بإقطاع، كتب به عن المنصور قلاوون لابنه الناصر محمد في سلطنة أبيه، من إنشاء محيي الدين بن عبد الظاهر. 13/172 نسخة منشور بإقطاع، كتب به للأمير بدر الدين بيدرا، استادار الملك المنصور قلاوون، من إنشاء محيي الدين بن عبد الظاهر. 13/173 نسخة منشور بإقطاع، لمن لقبه سيف الدين، من إنشاء شهاب الدين بن فضل الله العمري. 13/175 نسخة منشور بإقطاع لمن لقبه شمس الدين، كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون. 13/177 نسخة منشور بإقطاع لمن لقبه بدر الدين، كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون. 13/178 نسخة منشور بإقطاع لمن لقبه صلاح الدين، كتب به في دولة الناصر محمد بن قلاوون. 13/179 نسخة منشور بإقطاع، كتب به للأمير سعد الدين مسعود بن الخطيري، من إنشاء الشريف شهاب الدين كاتب الإنشاء. 13/180 نسخة منشور بإقطاع، كتب به لعلاء الدين أيدغمش أمير آخور الناصري، كتب به في دولة الناصر محمد بن قلاوون، من إنشاء الشريف شهاب الدين. 13/182 نسخة منشور بإقطاع كتب به للأمير شمس الدين سنقر البكتوتي الشهير بالمسّاح. 13/183 نسخة منشور بإقطاع، كتب به للأمير خاص ترك في الروك الناصري. 13/185 نسخة منشور بإقطاع، كتب به في دولة الناصر محمد بن قلاوون لجمال الدين أقوش الأشرفي المعروف بنائب الكرك عند خروجه من الجبّ. 13/186 نسخة منشور بإقطاع كتب به لبعض الأمراء. 13/188

المهادنات

نسخة منشور بإقطاع لمن لقبه زين الدين. 13/189 نسخة منشور بإقطاع. 13/190 نسخة منشور بإقطاع. 13/191 نسخة منشور بإقطاع، تصلح لمن مات أبوه. 13/192 نسخة منشور بإقطاع. 13/193 نسخة منشور بإقطاع. 13/194 نسخة منشور بإقطاع. 13/195 نسخة منشور بإقطاع آخر. 13/195 نسخة منشور بإقطاع. 13/196 نسخة منشور بإقطاع. 13/197 نسخة منشور بإقطاع. 13/198 نسخة منشور بإقطاع. 13/199 نسخة منشور بإقطاع لأمير عرب. 13/200 المهادنات «1» نسخة هدنة بين النبي صلّى الله عليه وسلم وبين قريش. 14/7 نسخة هدنة كتب بها عن سلطان قوي لملك مضعوف. 14/19 نسخة هدنة كتب بها أبو إسحاق الصابي عن صمصام الدولة البويهي، بأمر أمير المؤمنين الطائع لله العباسي، لوردس المعروف بسفلاروس ملك الروم، حين حيل بينه وبين بلاده، والتمس أن يفرج له طريقه إلى بلاده. 14/21 نسخة هدنة من ملك مضعوف لملك قوي، كتب بها الفقيه أبو عبد الله أحد كتاب الأندلس عن بعض ملوك الأندلس من المسلمين من أتباع المهدي بن تومرت القائم بدعوة الموحدين، مع دون فرانده صاحب قشتالة من ملوك الفرنج بعقد الصلح على مرسية من بلاد الأندلس. 14/26 نسخة هدنة بين ملكين متكافئين دون تقرير شيء من الجانبين، كتب بها الفقيه

الوصايا

المحدث أبو الربيع بن سالم، من كتاب الأندلس، في عقد صلح على بلنسية، وغيرها من شرق الأندلس. 14/28 نسخة هدنة دون تقرير شيء من الجانبين، كتبت بين الملك الظاهر بيبرس البندقداري وبين الاستبار بحصن الأكراد والمرقب، في سنة 665 هـ. 14/34 نسخة هدنة عقدت بين السلطان الملك الظاهر بيبرس وبين ملكة بيروت من البلاد الشامية في سنة 667 هـ. 14/43 نسخة هدنة عقدت بين الظاهر بيبرس وولده الملك السعيد وبين الفرنج الاسبتارية على قلعة لدّ بالشام سنة 669 هـ. 14/47 نسخة هدنة عقدت بين المنصور قلاوون الصالحي وولده الملك الصالح علي ولي عهده، وبين حكام الفرنج بعكا وما معها من بلاد سواحل الشام سنة 682 هـ. 14/57 نسخة هدنة عقدت بين الملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن الملك المنصور قلاوون وبين دون حاكم الريد أرغون صاحب برشلونة من بلاد الأندلس في سنة 692 هـ. 14/75 نسخة هدنة وردت من جهة الأشكري صاحب القسطنطينية في شهر رمضان سنة 680 هـ، وقد عرّبت. 14/84 نسخة اتفاق، كتبت عن المنصور قلاوون عن نظير الهدنة المتقدمة الواردة من قبل صاحب القسطنطينية. 14/88 نسخة كتاب القضية بين أمير المؤمنين علي وبين معاوية، فيما رواه أبو عبد الله الحسين بن نصر بن مزاحم المنقري في كتاب «صفين والحكمين» بسنده إلى محمد بن علي الشعبي. 14/92 الوصايا من وصية خطيب للشيخ جمال الدين بن نباتة. 1/354 وصية أبي تمّام الطائي لأبي عبادة البحتري مرشدا له للوقت المناسب. 2/346 وصيّة لنائب سلطنة. 11/146 نسخة وصية لنقيب الأشراف. 11/163 وصيّة أتابك المجاهدين. 11/165

وصية أستاذ الدار. 11/167 وصية أمير آخور. 11/169 وصية مقدم المماليك. 11/172 وصية جامعة لقاض من أي مذهب كان. 11/194 وصية لقاضي العسكر. 11/204 وصية محتسب. 11/212 وصية وكيل بيت المال. 11/217 وصية خطيب. 11/222 وصية مدرّس. 11/243 وصية مقريء. 11/243 وصية محدّث. 11/245 وصية نحوي. 11/245 وصية وزير. 11/286 وصية لكاتب السرّ. 11/308 وصية ناظر الجيش. 11/318 وصية ناظر الخزانة. 11/332 وصية لمستوفي الصحبة. 11/345 وصية متطبب طبائعي. 11/377 وصية لرئيس اليهود. 11/385 وصية لرئيس السامرة. 11/386 وصية لبطرك النصارى الملكية. 11/388 وصية لبطرك النصارى اليعاقبة. 11/399 وصية نائب قلعة. 12/29 وصية لأمير مكة، أوردها العمري في التعريف. 12/233، 251 نسخة وصيّة، كتب بها أبو زيد الداراري أحد كتاب الأندلس عن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين المنصور أحد خلفاء بني أمية بالأندلس. 13/3

فهرس الألفاظ والتعابير الاصطلاحية والحضارية العامة

فهرس الألفاظ والتعابير الاصطلاحية والحضارية العامة (أ) آخر ملوك اليونان: 6/83- 8/46 الآدر السلطانية: 3/505 آلة الملك: 5/195 الآمري: 3/505- 7/167 الأب (البطرك أو القسيس) : 8/45- 13/277 الأب القديس: 13/368 أبراج الحمام: 1/59، 153، 154- 11/92- 14/140، 337 الإبرنس: 7/394 الأبريسم: 4/307 الأبدال: 7/223- 8/61- 12/8 أبو الآباء: 13/369 أبواب الخلافة: 6/21، 228- 7/135، 139، 401- 8/382- 11/27- 12/228- 13/86 أبواب الخلافة المقدسة: 5/469 الأبواب السلطانية: 1/50، 57، 74، 151، 154، 158، 163، 225، 358- 3/282، 515- 4/18، 32، 52، 102، 149، 195، 197، 205، 206، 207، 208، 209، 211، 213، 224، 232، 233، 234، 235، 240، 244، 248، 280، 319، 326، 328، 351، 355، 357، 363، 365، 367، 376، 377، 378، 435، 461- 5/31، 52، 55، 264، 267، 269، 403، 404، 455، 462، 470- 6/78، 97، 106، 122، 126، 144، 181، 205، 287، 350- 7/168، 172، 173، 174، 175، 179، 180، 181، 182، 184، 188، 194، 205، 219، 235، 255، 285، 288، 303، 326، 401- 8/12، 18، 25، 28، 43، 59، 62، 72، 88، 100، 107، 118، 124، 217، 228، 333، 393، 401- 9/147، 252، 261، 264،

273، 279- 11/74، 407- 12/3، 6، 39، 89، 103، 118، 141، 160، 167، 172، 176، 181، 186، 196، 208، 216، 228، 254، 278، 324، 434- 13/13، 24، 43، 320، 339، 341، 349- 14/17، 83، 88، 116، 126، 440 الأبواب الشريفة: 4/61، 155، 192، 195، 196، 199، 200، 201، 207، 213، 224، 225، 227، 228- 6/410، 489- 7/128، 144، 187، 216، 219، 220، 318، 349- 8/57، 58، 61، 63، 107، 108، 116، 118، 147، 186، 393- 9/37- 11/120- 13/342، 343- 14/75، 126، 402 الأبواب الشريفة الخليفتية: 14/138 الأبواب الشريفة السلطانية: 4/30- 7/285- 8/56- 9/272- 12/100، 197، 274 الأبواب الشريفة السيّدية: 14/158 الأبواب الشريفة العالية: 5/470 الأبواب العالية: 5/470- 7/140- 8/59، 178- 12/26، 38، 94، 113، 212 الأبواب العزيزة: 7/91 الأبواب الكريمة: 8/179، 181 الأبواب الكريمة العالية: 5/470 الأتابك (الأتابكية) : 4/18، 24- 6/35، 198، 199، 202- 7/160، 187- 8/218، 219، 222، 223- 14/170، 182 أتابك الجيوش: 6/108، 129- 9/255 أتابك طائفة الإسماعيلية: 9/256 أتابك العساكر: 3/280- 4/191، 203- 6/35- 7/65- 8/54، 217، 228، 233 أتابك المجاهدين: 1/158- 11/165 الأتابكي: 6/3، 127، 129- 7/187 الأتابكية (وظيفة) : 11/104 الأتقى: 6/4 الأثافي: 2/147 الأثير: 6/4، 147، 153، 156 أثير الإمام: 6/36، 150 أثير الإمامة المكرمة: 7/441 أثير الأنام: 10/105 أثير الدين: 11/358 الأثيري: 6/4، 142، 143، 144، 145، 146، 152، 159 الأثيل: 6/4، 166 الأثيلي: 6/4، 142، 146 الإجازة (الإجازات) : 1/58- 14/364، 374 الأجفان: 14/30

الأجلاب: 10/37، 454 الأجلّ: 3/563، 564- 5/413، 471- 6/4، 114، 120، 122، 138، 139، 140، 147، 153، 159، 160، 161، 162- 7/19، 65، 125- 8/346- 10/4، 59، 105- 11/84 الأجلّي: 5/413، 471- 6/5، 123، 124، 129، 130، 132، 133، 136، 137، 138، 143، 146، 152، 156، 161- 8/273 أجمل البلغاء في العالمين: 6/36 الأجناد- الجند- الجنود أجناد الأمراء: 4/63 الأجناد البحرية (الجنود البحرية) : 4/16، 191، 224، 229 أجناد الحلقة- جنود الحلقة- جند الحلقة. أجناد المئين: 4/64 أجناد المئتين: 4/65 الأحبار: 6/91- 11/358 الأحبار السريانيون: 6/166 الأحباس- الأوقاف الأحداث: 10/14، 20، 31، 413، 417 الأحراس: 10/223 الإحسان: 5/136، 198، 199 الأحكار: 10/474 الأحكام السلطانية: 1/39- 2/3، 6 الأحكام المريخية: 5/173 أحوال الطريق (الصوفية) : 11/98 إحياء الموات: 2/4 الأخ في الله: 5/415 اختيار الملوك: 7/19 اختيار الملوك والسلاطين: 6/116، 164 الأخصّ: 6/5، 140، 165- 11/84 الأخصيّ: 6/5 الإخشيد: 1/474- 5/415، 453 إخوان أهل الصفا الصوفية: 11/366 إخوان سلار- خوان سلار الإخوانيات (في المكاتبات) : 6/310 الإخوة: انظر السبتارية والداوية الإخوة الإسبتار- الإسبتار- الاستبار الإخوة الداويّة- الداويّة- الديويّة الأخويّ: 6/5، 121- 7/148 الأدراك- أرباب الأدراك الأدعية- الدعاء الأدفونش- الأذفونش: 5/220، 243، 249، 454- 6/85- 8/34، 35، 37، 39- 9/247 الأدلّة: 4/55 أدوان الأمراء (ممن لم يؤهل لحمل القضب) : 3/551 الأراضي المؤبّدة: 4/53 أرباب الأدراك: 3/525- 11/423- 12/462 أرباب الإقطاعات: 1/136- 11/92

أرباب الأقلام: 1/28، 42، 45، 51، 52، 91، 137- 3/297، 298، 299، 324، 559، 560، 561، 562، 567- 4/46، 53، 55، 57، 60، 197، 198، 204، 226، 244، 424- 5/90، 133، 135، 197، 423، 424، 435- 6/101، 102، 113، 115، 117، 141، 197، 273- 7/150، 179، 201، 235- 8/56، 182، 229- 9/257، 274، 275، 276- 10/242، 273، 301، 346- 11/19، 86، 161- 13/45، 56- 14/352 أرباب الأقلام الدينية: 12/427، 448 أرباب الأقلام الديوانية: 12/427 أرباب الأملاك: 11/66 أرباب البدع: 1/56 أرباب التصرف بالأموال: 13/308 أرباب تفرقة الصواني: 3/576 أرباب التقاليد: 11/265 أرباب التواقيع (أرباب التواقيع الديوانية) : 3/546- 6/183- 9/276- 10/301- 11/202، 310- 12/98 أرباب الجامكيات (أرباب الجوامك) : 3/532- 13/107 أرباب الجرايات: 3/549 أرباب الجوامع والمساجد: 3/549 أرباب الحدود: 11/51 أرباب الخدم: 1/146، 169- 3/546- 9/263، 264- 10/350 أرباب الدرك- أرباب الأدراك أرباب الدواوين: 3/600- 4/423- 7/179 أرباب الدولة: 3/558- 5/91 أرباب الديانات: 14/138 أرباب الرتب: 3/543 أرباب الرسوم: 3/589، 603 أرباب الرواتب: 3/549، 567- 4/12 أرباب الزكوات: 3/529 أرباب الزوايا: 10/456 أرباب السيوف: 1/8، 42، 45، 51، 52، 91، 137- 3/297، 298، 299، 324، 551، 553، 554، 560، 562- 4/14، 41، 46، 54، 61، 64، 190، 195، 197، 200، 224، 227، 231، 236، 240- 5/88، 89، 133، 134، 197، 415، 423- 6/3، 101، 103، 105، 106، 107، 108، 110، 111، 113، 115، 117، 126، 173- 7/150، 166، 184، 235، 312- 8/176، 181، 184، 201، 203، 209، 211، 212- 9/252، 255،

272، 275، 423- 10/242، 272، 273، 310، 319، 346، 454- 11/4، 30، 41، 45، 71، 75، 86، 114، 133، 161، 431- 12/6، 22، 31، 104، 141، 167، 176، 191، 202، 216، 279، 427- 13/45، 51، 138- 14/352 أرباب السيوف الحجوبية: 4/205، 244 أرباب الشورى: 9/358 أرباب الصدقات: 3/528 أرباب الصنائع (أرباب الصناعات) : 4/200- 5/6، 34، 63، 80- 6/160- 12/62 أرباب الضرورات: 4/46 أرباب العلم: 5/139 أرباب العهود: 10/272 أرباب القرارات: 12/111 أرباب القضب: 3/551، 573، 580 أرباب المراتب: 9/337 أرباب المراسيم: 6/183- 12/136 أرباب المراسيم المكبرة: 9/276 أرباب المرتبات: 12/478 أرباب المستحقات: 4/12 أرباب المظالم: 5/92 أرباب المعايش: 12/62 أرباب المناصب: 4/423- 10/195- 14/138 أرباب المناصب السلطانية: 4/41 أرباب النوب: 13/109 أرباب النيابات: 12/167 أرباب الوظائف: 2/3- 3/289، 324، 533- 4/46، 47، 48، 50، 51، 190، 206، 421- 5/33، 34، 88، 90، 91، 133، 197، 417، 433- 6/188- 7/231- 8/181، 233- 9/252، 255، 271، 295- 10/251، 273، 301- 11/4- 12/3، 85، 421- 14/139 أرباب الوظائف الدينية: 1/51- 3/557- 4/35، 38، 43- 6/148- 7/180، 181- 9/257- 10/346، 458- 11/19، 32، 80، 114، 202- 12/104، 165، 185، 201، 227، 278، 334، 370، 468 أرباب الوظائف الديوانية: 1/51- 4/28، 45، 240- 9/260- 10/346، 468- 11/24، 35، 86، 114، 327- 12/85، 160، 192، 197، 208، 278، 381، 448 أرباب الوظائف السلطانية: 11/356 أرباب الوظائف الصناعية: 9/265، 272 أرباب وظائف المعالجة: 12/84

أرباب الولايات: 1/147- 2/6- 9/272، 276- 10/318- 11/32، 74، 431- 12/216، 282، 288 الأرباع- أصحاب الأرباع الإردبّ: 3/512، 514- 4/188، 205 الأردو (أردو القان) : 4/425، 457- 7/302، 306- 14/430 الأرشد (لقب) : 7/416 أرض الخراج: انظر فهرس المسميات أرض الزراعة: انظر فهرس المسميات أرض السواد: انظر فهرس المسميات الأرض العامرة: انظر فهرس المسميات أرض الكفر: 9/425 الأرض الموات: انظر فهرس المسميات الأرضى (لقب) : 7/61 الأرقى: 6/5 الأريب: 6/5 الأريبي: 6/5، 150 الأزكى: 6/5 الأزلام: 1/452 أزمّة العساكر: 3/543 الأساطيل- الأسطول: 8/107- 10/421، 453، 456 الأساقفة: 5/444- 10/307، 309- 11/394- 12/424- 13/277، 285، 316 الأساورة: 7/322 أسباسلار (أسفهسلار) : 3/573، 580، 584، 586، 603- 4/13- 5/426- 6/6، 440- 7/113 الإسبتار (بيت الإسبتار الإسبتارية) : 7/23- 13/312- 14/34، 35، 40، 47، 49، 50، 55، 78 الأستادار (الاستادارية) : 1/21، 46- 4/32، 48، 50، 55، 62- 5/429، 430- 6/192، 202، 253- 7/176، 220، 238- 8/174، 228، 233- 9/255- 11/167، 336- 13/173 الأستاذ دار: 3/528- 8/22- 10/259- 13/174 الأستاذ دار الكبير: 3/524 أستادار الأملاك الشريفة: 8/219 أستادار الصحبة (أستاذ دار الصحبة) : 3/557، 594- 4/13، 21، 22، 62، 195- 5/135، 427، 431 أستادار العالية: 3/507- 5/430- 6/253- 8/22 أستادار المباشرة: 4/195 الأستاذ (الأستاذون) : 1/136، 475- 3/541، 551، 552، 555، 563، 574، 575- 5/458- 7/340 الأستاذ المحنّك (الأستاذون المحنّكون) : 3/551، 552، 555، 575،

576، 580، 582، 589، 591، 593، 594، 599، 602 الإستبار- الإستبارية- الإسبتار الاستثناء بالمشيئة: 6/223 الاستيفاء (وظيفة) : 10/469 استيفاء البيوت والحاشية: 11/355 استيفاء الجيش: 12/396 إستيفاء الخاص: 9/263- 11/353 إستيفاء الدولة: 4/29، 30، 35- 9/263- 11/350 إستيفاء الصحبة: 4/29، 35- 9/263- 11/120، 343 إستيفاء المرتجع: 4/198 إستيفاء المقابلة: 12/396 الاستيمار: 3/566، 567، 568 الإسجال: 13/45- 14/396 الإسجالات الحكيمة: 14/392 إسجالات العدالة: 1/59- 14/389 إسحاء الكتب: 6/344 الأسد (لقب) : 6/79، 165، 166، 167، 168، 171، 172 أسد الجيوش (لقب) : 7/65 أسد الدين (لقب) : 10/4، 81 أسد الله: 5/414 الأسرى: 6/5 الأسعد (لقب) : 7/61، 416 الأسفهسلار- أسباسلار الأسفهلارية- (الأسفهسلارية) : 3/554- 5/87، 90، 91- 6/6- 10/343 الأسفهسلاريّ: 6/133، 136- 7/249- 8/272 الأسقف- الأساقفة إسكندر الزمان: 6/36، 120، 122- 7/399، 406، 407- 8/26- 14/348 الأسمى (لقب) : 7/61، 65 الأسنى: 6/6- 7/61، 65 أسواق الرقيق: 10/31، 41، 156 أسوة الملوك والسلاطين: 6/84، 166- 8/46 الإشارة (وظيفة) : 10/151، 154 الأشرف: 6/98، 120- 10/363 الأشغان الأشغانية: (ملوك الفرس) : 5/451 الأشكري (لقب ملوك الروم) : 8/45 الإشهاد: 13/160 إشهاد بالشركة: 13/159 إشهاد بالمقايظة: 13/159 إشهاد بالنزول: 13/159 الأشهر (لقب) : 7/65 الأشياخ- الشيوخ أشياخ الجند: 5/139 الأشياخ الصغار (من الموحدين) : 5/133، 136، 197، 199 الأشياخ الكبار (من الموحدين) : 5/133، 136، 141، 197، 198، 199

أشياخ الموحدين: 5/137، 140 أصحاب الأحراس: 10/223 أصحاب الأرباع: 10/359- 13/99 أصحاب الأقلام أرباب الأقلام أصحاب البدع: 14/139 أصحاب التوقيعات أرباب التواقيع الديوانية أصحاب الحلق: 5/201 أصحاب الخراج والمعاون: 13/136 أصحاب الدعوة الهادية: 1/155- 4/151 أصحاب الدواوين- أرباب الدواوين. أصحاب دواوين المكاتبات: 12/276 أصحاب الرايات والسبعين: 3/581 أصحاب الرسوم- أرباب الرسوم أصحاب الرواتب: 9/338 أصحاب السيوف- أرباب السيوف أصحاب الشورى: 9/325 أصحاب الصوامع: 13/290 أصحاب العمائم: 14/176 أصحاب المعاون: 10/38، 156، 263 أصحاب النوبة: 4/51 أصحاب الوظائف الديوانية أرباب الوظائف الديوانية الاصطبلات (الاصطبلات السلطانية) : 1/149- 3/302، 423، 549، 557، 568، 577- 4/19، 33، 47، 62، 97، 190، 216- 7/224- 11/67، 169، 170، 171، 227- 14/424 إصطبلات الخليفة: 3/293، 425، 427، 505، 523 إصطبل الخيول الخاص: 3/427 إصطبل النائب: 4/231 الإصطرلاب: 2/176 الأصعد (لقب) : 6/7- 7/416 الأصفهسلارية الإسفهسلارية الأصيل (لقب) : 6/7، 79، 139، 147، 166 الأصيليّ: 6/7، 100، 122، 124، 128، 136، 137، 142، 145، 146، 148، 150، 151، 155، 157، 173 إضبارة (أضابير) : 1/150، 169، 171، 174- 6/348 الأضخم: 6/7 الأطابك الأتابك الأطباء: 4/19- 9/265 الأطباء الطبائعية: 11/99، 376 اطّراح التكلّف: 4/4 الأطلاب: 8/97- 14/190 الإطلاقات: 1/53، 54، 84- 3/427، 523، 549- 4/25، 560- 6/188، 189، 192، 255- 11/67- 12/480- 3/3، 24، 43- 14/138

الإطلاقات السلطانية: 12/482 الأطلس: 11/333 الأطهر (لقب) : 7/61 الأظهر (لقب) : 7/61 الاعتداد: 3/565 اعتضاد صناديد الأوان: 6/131 اعتضداد صناديد الزمان: 6/36 الأعدلي: 7/318 الأعزّ: 6/7، 140، 165- 7/61، 125- 11/84 الأعشار: 10/14، 26، 31، 40 الأعظم: 6/7، 120 الأعظمي: 6/122- 7/90، 399 الأعلم: 6/8 الأعلى: 6/7 أعمال الحرب: 10/14 الأعلام- الأعلام السلطانية: 5/32، 428 الأعلام السلطانية: 2/142- 4/7- 11/96 الأعلام الملوكية: 3/542 الأعلام المنصورة: 5/51- 7/361- 11/171 أعيان أمراء الطبلخانات: 8/229 أعيان الجند: 4/42- 5/91، 141- 8/223- 10/431 أعيان جند الحلقة: 4/52- 12/281 أعيان الدولة: 3/324- 6/184- 8/227، 232، 234- 11/419 أعيان العشرات: 8/230 الأعيان المعصبون: 10/98 أعيان المملكة: 4/14، 41 الآغا: 14/118 إغلاق الظهر: 1/459 إفتاء دار العدل: 4/36، 199، 205، 228- 11/119، 205- 12/4، 57، 160، 208 الافتقادات: 5/90 الأفخم (لقب) : 6/8 الأفشين: 5/415، 454 الأفضل: 5/416، 457- 6/8- 7/61- 8/346 الأفضلي: 6/141، 144، 146، 150، 151- 7/149 الأفعى (لقب لملوك حمير من ولاة التبايعة) : 5/43، 44 الأقاليم العرفيّة: 4/430، 451 الأقبية: 5/32- 14/177 الأقبية التتريّة: 4/41 الإقرارات: 10/294 أقضى القضاة: 6/16 الإقطاعات (الإقطاع- القطائع) : 1/54، 125، 163، 471، 481- 2/4- 3/525، 565، 566- 4/18، 31، 34، 51، 64، 191، 196، 204، 213، 227، 474- 5/88، 136، 137، 198، 199، 287-

6/368- 7/204- 8/32، 265- 9/182، 425- 10/90، 186، 190، 405- 11/92، 319، 425- 13/111، 120، 124، 130، 139، 142، 150، 157، 163، 171، 230- 14/178 إقطاع استغلال: 1/55- 13/122 إقطاع تمليك: 1/55- 13/120 إقطاعات الأمراء: 3/522 إقطاعات الجند: 3/598- 13/201 إقطاعات العربان: 3/565 أقلّ العبيد: 7/128 أقل المماليك: 7/128 الإقليد: 10/64- 12/152 الأقنوم: 13/278 أكابر الأمراء: 4/46، 50- 5/92- 11/419 أكابر النوّاب: 6/275 الأكاديش: 4/238 الأكاسرة: 5/451- 7/256- 14/412 أكبر زعماء الملة المسيحية: 6/168 أكبر ملوك الحبشان: 6/170- 8/42 أكبر ملوك المسيحية: 14/88 أكرم نجباء الأبناء في العالمين: 6/36 الأكرمي: 6/122- 7/318 الأكمل: 5/471- 6/8، 140- 7/61 أكمل البلغاء في العالمين: 6/149 أكمل نجباء الأبناء في العالمين: 6/150 الأكملي: 5/471- 6/134، 141، - 144، 145، 151، 158 إلباس الفتوّة: 12/268 الألمعيّ: 6/35 الألوية: 8/26 الإمارة: 7/61- 8/11، 13- 9/12- 12/237 إمارة استكفاء: 9/420، 423 إمارة استيلاء: 9/420، 423، 425- 10/163- 11/71 إمارة الجهاد: 2/3- 3/299- 10/414 إمارة الحجّ: 3/299- 10/317، 412 إمارة الركب: 12/434 الإمارة العدوية: 7/405 إمارة مكة: 12/228 الإمام: 1/278- 3/529- 5/48، 49، 50، 51، 52، 132، 186، 414، 447- 6/8، 317، 379، 380، 403، 421، 431، 445، 520- 7/144- 8/149، 241، 375- 9/270، 284، 292، 337، 367، 416- 10/361، 433- 13/322، 359 الإمام الأعظم: 14/8 إمام الأعياد: 9/305 إمام الأئمة: 6/38 إمام الأئمة في العالمين: 6/38 إمام البلغاء: 6/38 الإمام الحجّة المنتظر: 5/50

إمام الحرمين: 8/109 إمام الدين: 14/349 إمام الزيدية: 5/35، 45، 48، 462- 6/41، 45، 48، 50، 52، 58، 62، 64، 119- 7/357- 8/77 إمام العارفين: 7/346 الإمام القائم: 5/50 إمام المتقين: 14/348 إمام المتكلمين: 6/38 الإمام المستور- الأئمة المستورون الإمام المعصوم: 5/50، 132- 13/231، 242 الإمام المهدي المنتظر: 13/231 الإمام النبوي: 9/320 الإمامة: 2/3، 5- 5/47، 48- 7/357، 358- 8/238، 327- 9/270، 285، 297، 300، 305، 309، 324، 358، 366، 419، 421- 10/243، 303، 336- 11/72- 12/471- 13/229، 231، 233، 240 إمامة الجوامع: 11/222- 12/71، 443 الإمامة الحافظية: 8/347 إمامة الصلاة: 1/239 الإمامة العباسية: 7/319- 10/172 الإمامة القرشية: 7/405 الإمامة المستقرّة: 13/234 الإمامة المستودعة: 13/234 الإماميّ: 6/119، 148، 149، 150، 151، 152، 154، 155، 156- 7/127، 135، 140 الأمان (الأمانات) : 1/57، 84، 125، 167، 170، 173- 2/140- 4/269- 5/30- 6/368- 8/59- 13/323، 324، 328، 341، 346- 4/68، 139 الأمانة (وظيفة الأمين) : 13/385 الأمانة (عقيدة النصرانية) : 13/278 الأمثلة الشريفة السلطانية: 13/97 الأمجد: 6/8 الأمراء: 1/473، 474- 4/4، 12، 14، 16، 20، 41، 46، 47، 49، 51، 52، 55، 61، 62، 63، 64، 65، 122، 204، 229، 231، 241، 245، 421، 424، 425، 456، 473، 474- 5/32، 66، 78، 87، 90، 91، 93، 287، 406، 428- 6/29، 126، 197، 207، 289، 467، 469، 559- 7/19، 61، 65، 172، 175، 176، 177- 8/23، 56، 132، 172، 186، 211، 218، 338، 386- 9/256، 300- 10/49- 11/45، 77- 12/227، 282- 13/51، 103، 138، 163، 320، 346- 14/52، 138

أمراء الأتراك- أمراء الترك: 8/11 أمراء الإسلام: 10/181 أمراء الأشراف: 4/302 أمراء الأكراد: 7/227، 244 أمراء الألوس: 4/422، 423، 426، 427، 473- 6/33، 34، 130، 131، 132- 7/285، 286، 325، 326، 327 أمراء الألوف: 4/20، 421، 423- 5/133، 136- 8/220 أمراء الأيزاك: 12/462 الأمراء البحرية: 12/462 الأمراء البرّانيون: 4/57 أمراء التركمان: 7/227، 244- 14/175 أمراء التوامين: 4/421- 5/133- 6/131، 173- 7/286 أمراء الجند: 10/229 أمراء الجيوش: 6/317، 318- 8/273، 346- 10/428- 13/144 أمراء الحاج: 12/233 أمراء الحرس: 14/192 الأمراء الخاصكية: 5/133- 11/356 أمراء الخلافة: 4/375 أمراء الخمسات: 3/551- 4/15، 194، 203، 205، 224، 229، 230، 240، 243، 247- 6/192 أمراء الخمسين: 4/189 أمراء الدول: 10/326 أمراء الدولة: 3/302- 8/239، 246 الأمراء الراشدون: 7/408- 8/80 أمراء السبعين: 4/189 أمراء السرايا: 6/467، 469، 559 أمراء الشيوخ: 1/136- 3/563 أمراء الطبلخانات (أمراء الطبلخاناه) : 3/426- 4/15، 19، 22، 23، 25، 26، 53، 56، 61، 64، 65، 66، 67، 120، 155، 189، 192، 193، 203، 205، 206، 208، 224، 225، 229، 230، 232، 233، 234، 235، 236، 240، 243، 247- 5/197- 6/6، 138، 182، 192، 193- 7/169، 170، 171، 174، 185، 186، 187، 191، 192، 199، 200، 209، 238، 243، 246- 8/60، 219، 222، 229، 230، 233- 9/254- 12/105، 115، 168، 201، 276، 280، 434- 13/164، 193 أمراء العربان (أمراء العرب) : 4/22، 68، 72، 281- 6/62، 137- 7/176، 177، 244- 9/256- 11/106، 107، 171- 12/118، 122، 288 أمراء العسكر: 4/63

أمراء العشرات: 3/426، 551- 4/13، 15، 19، 23، 24، 52، 53، 56، 64، 67، 189، 192، 193، 194، 203، 205، 206، 207، 208، 209، 224، 225، 226، 229، 230، 232، 233، 234، 235، 236، 237، 240، 241، 242، 243، 247، 421، 423- 6/182، 192، 193- 7/171، 172، 174، 186، 191، 199، 209، 243، 246- 8/220، 222، 223- 9/254- 11/109- 12/104، 115، 168، 169، 201، 266، 276، 281- 13/164، 193 أمراء عشرات التركمان: 6/182 أمراء العشرينات: 4/27، 67، 192، 206، 224، 240- 6/69- 7/171، 209- 8/222، 223- 12/281- 13/193 الأمراء على الجهاد: 11/10 الأمراء المركّزون: 4/65- 8/60 أمراء المشورة: 4/46، 47- 8/18 الأمراء المطوقون: 3/551، 572، 584، 593، 602- 10/98، 344 الأمراء المقدّمون: 4/19، 21، 25، 48، 54، 57، 64، 65، 189، 224، 229، 230، 241، 244- 6/181، 193- 7/228- 8/233- 11/169- 12/467 الأمراء المقدمون الخاصكية: 8/228 أمراء مقدمي الألوف: 4/20 أمراء مكة: 5/50- 12/231 أمراء المئين: 4/9، 42، 46، 55، 61، 421، 423 أمراء المئين الخاصكية: 4/9، 14 الأمراء النوينات: 7/286 إمرة أخورية أمير آخور إمرة أعرابية: 4/281 إمرة ببوق وعلم: 4/72 إمرة جاندار أمير جاندار إمرة خمسة امراء الخمسات إمرة سلاح أمير سلاح إمرة شكار أمير شكار إمرة طبر أمير طبر إمرة طبلخاناه- أمير طبلخاناه- أمراء الطبلخانات إمرة العربان بالوجه القبلي: 4/70 إمرة عشرة أمير عشرة أمراء العشرات إمرة عشرين أمير عشرين أمراء العشرينات إمرة مجلس- أمير مجلس إمرة المئين- أمير مائة- أمراء المئين. إمريت: 5/88، 90 الأمضى (لقب) : 7/61 الأمكن (لقب) : 7/416

أملاك بيت المال: 12/65 أمم الكفر: 4/465 أمناء النصّاح: 14/449 الأمة الداعية: 6/489- 7/128 أمة الضلال: 13/372 الأمة الغضبية: 13/372 أموال الأوقاف: 4/64- 12/360 أموال الأيتام: 4/64 أموال الخاص: 11/353 أموال الخراج: 1/85 الأموال الديوانية: 3/536- 11/55- 12/154 الأموال السلطانية: 14/422 الأمير (لقب) : 5/413، 422، 468، 471، 472- 6/4، 99، 138، 139، 140، 283، 440- 9/220، 248، 252، 272، 283 أمير آخور: 3/549- 4/19، 62، 195، 240- 5/433- 7/224، 345، 364- 8/218، 233- 9/255- 11/169- 13/181 أمير آخورية البريد (أمير آخور البريد) : 1/149، 150- 4/194، 198، 240، 244 أمير آل محمد: 5/415 الأمير الأجلّ: 5/466- 6/140- 7/18، 61، 171 أمير ألف أمراء الألوف أمير الألوس أمراء الألوس أمير الأمراء: 4/422، 423- 7/285، 325- 14/169 أمير التوامين أمراء التوامين أمير جاندار: 3/596- 4/19، 20، 61، 195- 5/433- 9/11 أمير الجيوش أمراء الجيوش أمير الحاج: 7/78 أمير حاجب: 4/192، 225- 7/247، 355- 8/60، 194، 221- 11/207- 14/352 أمير حاجب بحلب المحروسة: 7/188 أمير حاجب بالشام المحروس: 7/185 أمير حاجب بطرابلس المحروسة: 7/194 أمير خازندار: 3/556 أمير خاص: 13/185 أمير خمسة أمراء الخمسات أمير دار (أمير المظالم) : 14/181 أمير دوادار: 1/150 أمير الركب: 4/277، 279، 281، 306- 5/284- 8/103- 11/435- 13/318 أمير سلاح (إمرة سلاح) : 4/19، 48، 55، 195- 5/428- 8/233 أمير شكار: 4/23- 5/433 أمير طبر: 4/23- 5/434 أمير طبلخاناه أمراء الطبلخانات أمير عرب: 6/57

أمير عرب الشام: 4/210 أمير عشرة آلاف: 4/421 أمير عشرة أمراء العشرات أمير عشرين أمراء العشرينات أمير علم: 4/13، 23- 5/135- 5/428- 12/311 أمير علم راكب: 5/142 الأمير الكبير: 6/198 أمير مائة أمراء المئين أمير مجلس: 4/19، 195- 5/428- 7/149- 8/233- 11/142- 13/174- 14/444 أمير المحفل: 14/176 أمير محفل المنبر: 14/178 أمير المسلمين: 5/456- 6/122، 124، 125- 7/61، 67، 415- 8/104، 110- 9/314- 10/165، 181- 11/17، 19 أمير المظالم: 14/181 أمير المعلف: 5/433 الأمير المقدّم الأمراء المقدّمون أمير مكة أمراء مكة أمير المؤمنين: 1/470، 471، 501، 503- 2/5- 3/509- 4/167- 5/130، 412، 445، 456- 6/16، 66، 106، 107، 111، 125، 174، 217، 288، 316، 331، 372، 376، 380، 428، 432، 439، 445، 474، 486، 489، 523، 530، 535- 7/128، 137، 144، 347، 348، 405- 8/80، 88، 120، 238، 241، 242، 264، 267، 281، 311، 314، 328، 338، 344، 346، 353، 360، 378، 394، 401- 9/15، 220، 270، 289، 290، 296، 301، 310، 337، 339، 392، 397- 10/4، 29، 70، 198، 243، 247، 263، 269، 303، 308، 320، 369، 428- 13/68، 138، 329، 333، 368- 14/24، 98، 109، 282 الأميريّ (لقب) : 3/297، 505- 4/200- 5/413، 471، 472- 6/8، 23، 99، 113، 115، 126، 127، 252، 254- 7/167- 8/272- 9/274- 11/86 الأمين: 5/414- 6/9، 159 أمين الحكم: 11/368 أمين الدين: 11/358 أمين المصاحف: 1/477 أمين الملك: 3/556 أمين الملّة: 5/462 الأميني: 6/9، 159

الأنجالوس (لقب) : 6/79، 168، 169- 8/48- 14/85، 88 أنظار الأوقاف الصغار: 11/123 أنظار البيمارستانات: 9/260 الإنعامات: 8/354، 355، 377، 388، 392 الأنمقة (نوع من الخفاف) : 5/198 الأهراء (الأهراء السلطانية) : 3/523 أهل الإسلام: 13/338، 341- 14/8 أهل الإيمان: 1/95 أهل البدع: 13/225 أهل الحل والعقد: 2/5- 9/342، 347، 369- 10/129 أهل الدعوة: 12/115 أهل الديوان: 14/274 أهل الديونة: 2/517 أهل الذمة: 1/472، 488- 3/531- 5/460- 9/272- 10/305، 422- 11/99- 12/227- 13/13، 21، 22، 365، 367، 377، 379 أهل الرباط: 11/308 أهل الردّة: 13/321 أهل السنّة: انظر فهرس الجماعات والشعوب أهل الشرك: 7/430- 8/254 أهل الشعانين: 13/317 أهل الصلاح: 4/53- 6/12، 13، 14، 66، 113، 154- 12/47- 14/138 أهل الصليب: 8/253 أهل الظلامات: 1/471 أهل العباء: 11/48 أهل العمود: 10/331 أهل العناد: 8/254 أهل الكفر: 1/45- 6/78، 95، 164، 274، 330، 362، 446- 7/434- 8/124- 13/321- 14/5، 8، 10 أهل المشورة: 5/134 أهل المناصب: 4/56 أهل النجامة: 11/96، 212- 12/62، 470 أوابد العرب: 1/39، 454 الأوارج: 1/88- 14/132 الأوجاقي: 5/427 الأوجاقية الأوشاقية. الأوحد: 5/471، 6/9، 123، 124، 125، 138، 139، 140، 147، 153، 156، 160، 7/65، 125. أوحد الأشراف: 6/، 38 أوحد الأشراف الطاهرين: 6/، 38 أوحد الأشراف في العالمين: 6/38 أوحد الأشراف المجاهدين: 6/38 أوحد الأصحاب: 6/39، 144 أوحد الأعيان: 6/137

أوحد الأكابر: 6/39 أوحد الأكابر في العالمين: 6/39 أوحد الأمناء: 6/158 أوحد الأمناء في العالمين: 6/39 أوحد الأمناء المقربين: 6/158 أوحد الأمة: 6/39 أوحد الأولياء المقربين: 6/134 أوحد الأئمة: 6/39، 152 أوحد الأئمة العلماء في العالمين: 6/39 أوحد البلغاء: 6/39، أوحد البلغاء في العالمين: 6/39 أوحد بني المعمودية: 6/172 أوحد الحفاظ: 6/39 أوحد الخطباء في العالمين: 6/39، 152 أوحد الرؤساء: 6/39 أوحد الرؤساء في الأنام: 6/39 أوحد الرؤساء في العالمين: 6/39، 143 أوحد العارفين: 6/157 أوحد العلماء الأعلام: 6/39، 109، 150 أوحد العلماء في الأنام: 6/156 أوحد الفضلاء: 6/40، 109، 145، 147، 152 أوحد الفضلاء العارفين: 6/40، 149، 151 أوحد الفضلاء في العالمين: 6/150 أوحد الفضلاء الماجدين: 6/142، 144 أوحد الفضلاء المفيدين: 6/40، 151 أوحد الفضلاء المقربين: 6/160 أوحد الكبراء: 6/40، 146، 156، 159 أوحد الكتاب: 6/40، 109، 143، 146 أوحد المتصرفين: 6/40 أوحد المتكلمين: 4/40، 149 أوحد المجاهدين: 6/40، 108، 137 أوحد المحققين: 6/40، 110، 154 أوحد المسلكين: 6/155 أوحد المفيدين: 6/40 أوحد الملوك والسلاطين: 6/40، 122، 7/399 أوحد الملوك العيسوية: 6/85، 166- 8/46 أوحد الملوك اليعقوبية: 6/85، 166- 8/41 أوحد الناسكين: 6/110، 155 أوحد الوعاظ: 6/40 أوحد الوقت: 6/40 أوحد الوقت والأوان: 6/40 الأوحدي: 5/471- 6/9، 123، 129، 133، 134، 135، 136، 137، 142، 143، 144، 145، 146، 149، 150، 51*، 152، 156، 158، 159، 160 أوراق أرباب الجرايات: 3/565 أوراق البياكير: 11/318 أوراق الطريق (أوراق الجواز) : 1/150- 6/188، 254- 7/251، 253- 11/112، 125، 127، 130، 264- 13/167- 14/138 أوراق المسجل: 3/525، 526

(ب)

الأوشاقية (الأوجاقية) : 4/7- 7/224- 11/170 أوشاقية الجفتة: 4/48، 50، 62 الأوقاف: 1/476- 2/4- 4/64، 198، 199- 10/459، 474- 10/271، 281، 292- 11/22، 33، 47، 49، 95، 146- 12/51، 85، 117، 183، 291، 299، 314، 338، 360، 383، 428- 13/45- 14/388- 14/395، 397 أوقاف المسلمين: 4/193 أوقاف الملوك: 12/60 الأوقى (لقب) : 8/89 الأوقية: 5/109 أولياء الدولة: 8/392- 13/337 الأئمة الإمام الأئمة الراشدون: 10/305 الأئمة الظاهرون: 13/242 الأئمة المرشدون: 13/16 الأئمة المستورون (أئمة الستر) : 11/164- 13/242، 243 الأئمة المعصومون الامام المعصوم أئمة الكفر: 7/423 الأئمة المهديون: 10/70، 81 الأيربان: 5/141 الأيزاك: 7/223- 8/61، 393- 10/113- 12/212، 457 الأيمان (اليمين) : 1/56، 84، 167، 173- 4/151- 9/289، 317- 13/202، 217، 219، 224، 256، 293، 299، 311، 315، 320- 14/15، 16، 24، 83، 88، 139 أيمان البيعة: 9/290 الأيمان الملوكية: 1/56- 13/215، 307 الإينافية (أبناء الأمراء) : 4/426 الإيوان: 3/301- 4/47، 65- 6/252 إيوان السلطان: 4/5 الإيوان الكبير دار العدل. (ب) الباب (البابا) : 5/443- 6/78، 82، 93، 164- 7/138- 8/45، 183- 11/100، 399- 12/425- 13/277، 316- 14/38 الباب (نعوت الباب) : 6/77 بابا (لقب غلمان الطشت خاناه وقبّاض اللحم) : 4/10 بابا رومية (الباب برومية) : 6/164- 8/45 باب البريد: 8/365 الباب الجليل: 8/45 باب الستارة: 3/424 باب السرّ: 3/301، 422، 423، 425

الباب الشريف: 1/132- 4/20 الباب الشريف العالي: 5/470 باب صاحب الإقطاع: 3/525 الباب العالي: 5/470- 7/165- 8/184، 186، 187، 219 الباب العزيز: 6/489- 7/122، 144 باب القلّة الدركاه الباب الكريم: 7/162، 163- 8/182، 184، 219، 228، 233، 235 الباب الكريم العالي: 5/470- 8/185 البادهنجات: 4/45 البارع: 6/9، 147، 153 البارعيّ: 6/9، 142، 143، 144، 145، 146 البازدار: 4/483- 5/88 البازدارية: 8/74، 125 الباسط: 5/469- 8/195 الباسط الشريف العالي: 5/469- 8/188، 191، 214، 220، 233، 235 الباسط الكريم العالي: 5/469 الباسطة: 5/469- 8/195، 207، 214، 228، 235 الباسطة الشريفة: 7/194، 220- 9/38، 108 الباسطة الكريمة: 8/207 الباسل (لقب) : 6/165، 166، 167، 168، 170، 171 الباشورة: 3/398 الباطنية: 1/155 الباعوث: 13/357 الباق (من أنواع الأراضي) : 3/517، 521 البالالوغس: 6/80، 168- 8/48، 126- 14/85، 88 البحّانة (أجراس) : 5/157 البحرية: 4/189، 209- 12/27- 13/103 البحيرة: 1/458 البخاتي: 14/170 بدر الدين: 5/459- 11/358 البدنة: 3/411، 571، 593- 4/283- 14/54 البراءات: 10/270، 473 البرّاج: 1/154- 4/61 البراذين: 5/77 البراسيم السلطانية: 11/171 البراقع (ثياب السروج بالمغرب) : 5/201 البرالغ: 7/248، 250 البرّاني (البرّانيون) : 3/426- 4/57 البرايب (البروبيّة- من أنواع الأراضي) : 3/517، 521 البربا (البرباة- البرابي) 3/355، 363، 364، 365، 434، 435 البرددار (البرددارية) : 4/21- 5/440 البردة: 1/503- 2/140- 3/289، 293

البرش: 3/517 البرش النقاء (من أنواع الأراضي) : 3/518، 521 البركات: 5/136 البركصطوانات: 4/59، 63- 5/93 بركة الأنام: 6/40 بركة الدول: 6/40 بركة الدولة: 6/40، 151، 163- 7/183 بركة المسلمين: 6/40 بركة الملوك والسلاطين: 6/51، 106، 129، 148، 149، 152، 154، 155، 156، 157 البركيل: 14/41، 46، 69 البرنس السلطاني: 5/198 برهان الدين: 5/459- 11/358 برهان المناظرين: 6/148 البرواناه: 5/332- 14/169، 170 البريد: 1/59، 148، 149، 150، 163، 472، 503- 4/61، 427- 5/143- 7/217- 10/191- 11/91- 12/21، 188، 215- 14/98، 99، 103، 414، 447 البريديّ (البريدية) : 1/149، 150، 151، 159- 3/55- 4/30، 52، 194- 6/199، 205، 347- 7/219، 220، 225، 234، 253- 8/58، 61، 387- 12/432- 14/416، 422 البساط الشريف: 7/231 البستندود: 3/588 البشتميخ: 4/62، 63، 202 البشكنس: 8/35 البشمقدار- بصمقدار: 5/88، 431 بصيرة الأمة العيسوية: 8/55 البطاركة القديسون: 6/166 بطاركة النصارى: 6/12 البطّال: 7/219 البطائق: 1/153- 14/138 بطائق الحمام: 1/163- 3/52، 126- 4/61- 6/183، 185، 241- 7/251، 254 البطريرك- البطريركية: 5/443- 6/79، 82، 91، 164، 165- 8/44، 45، 123- 9/265- 11/89- 12/279، 294، 423- 13/276، 277، 285، 316 بطريرك الملكانية: 4/201- 8/125- 11/84، 100، 381، 387 بطريرك النصارى: 12/4، 5، 289 بطريرك اليعاقبة: 4/201- 11/84، 100، 390 البطريرك الأكبر: 13/290 البطريرك المحتشم: 12/289 البطل (لقب) : 6/167، 168، 169 بطل النصرانية: 6/85، 167- 8/36

البعدية (أما بعد في الكتب) : 6/221 البغال السلطانية: 14/441 بغال الكوسات السعيدة: 11/171 البقجة: 4/63 البقماهة (من أنواع الأراضي) : 3/517 بقية أبناء الملوك والتيجان: 6/166- 8/28 بقية الأصحاب: 6/41، 145 بقية الأعيان: 6/41 بقية الأكابر: 6/40 بقية الأكابر في العالمين: 6/40 بقية البيت النبوي: 6/41، 119- 7/359 بقية السلاطين: 6/124 بقية السلالة الطاهرة: 5/473- 6/41 بقية السلف: 6/41، 154 بقية السلف الصالح: 6/41 بقية سلف قيصر: 6/85، 167- 8/36 بقية السلف الكرام: 6/41، 142، 150، 156 بقية السلف الكرام الدارجين: 6/148 بقية السلف الكريم والنسب الصميم: 6/123 بقية شجرة الفخار: 6/41 بقية الملوك الاغريقية: 6/85، 166- 8/28 بقية الملوك والسلاطين: 6/41، 124، 125 بكلاري بك (أمير الأمراء) : 7/285، 325، 327 بلاد الدعوة: 14/48 بلاد العواصم والثغور: 4/133، 134، 234- 8/30 البلاسات: 4/63 البلا لاوس (لقب) : 6/166- 8/46 البلديون: 1/211 البلكات: 7/277، 278 بلهبرا (ملك ملوك الهند) : البليغ: 6/9، 147 البليغي: 6/9، 144، 145، 146، 149، 150، 151، 152، 157 بناكيم الرمل (الساعات الرملية) : 4/51- 14/136 بنجار (أمير) : 4/484 البندار: 14/101 البندق: 2/69، 153، 154- 9/257- 12/264- 14/282، 321، 332. البندقدار: 5/431- 7/142 البنود: 4/381- 5/120- 6/61 بهاء الإسلام: 6/102 بهاء الأعيان: 6/41 بهاء الأنام: 6/42، 104، 137، 138، 139، 146، 147، 152، 153، 155 بهاء الدولة: 5/462 بهاء الدولة ونظام الدين: 5/416، 462 بهاء الدين: 5/458، 459

بهاء العصابة العلوية: 6/42، 135 بهاء الملّة: 6/127، 139 البهادري: 13/177 بهلوان جهان: 14/348 البهيّ (لقب) : 7/416 بوجين (أمير) : 4/484 البودشطا: 8/48 البوقات: 2/142- 5/201 البوقية: 3/596 البولس: 8/304 البولسية: 8/305 البياض (في أعلى الكتب) : 8/21 بيت الإسبتار الاسبتار بيت بركة: 4/365- 7/316، 323 بيت الخلافة: 14/362 بيت الديويّة الديويّة الداويّة بيت العلامة (في المكاتبات) : 6/301، 302- 8/23- 9/344، 346، 410- 10/135، 158، 160، 182- 11/131- 12/294- 14/117 بيت المال: 1/470- 3/285، 523، 530، 532، 569، 592- 4/32، 36، 211، 308- 5/49- 7/359- 9/317، 372- 10/27، 39، 423، 459- 11/37، 40، 197، 414- 12/65، 111، 160، 183، 445- 13/103، 117، 147، 384- 14/19 بيت هولاكو: 4/365 البيزرة: 2/61 البيضة: 2/151- 7/438 بيع الكفر (أماكن عبادة النصارى) : 10/51 بيعات الخلفاء: 6/181 البيعة (البيعات) : 1/51، 52، 91، 167، 236، 237، 271، 503- 2/4، 5، 15- 5/46، 195، 405- 6/215، 219- 8/237، 239، 245- 9/251، 276، 281، 292، 296، 307، 310، 318، 329، 342، 348، 361، 368، 416، 419، 425- 9/288، 289، 290- 10/70، 73، 158- 11/73- 13/217- 14/98، 102، 137، 139 بيعة الرضوان: 10/61 البيعة النبوية: 10/138 البيكار (البياكير) : 11/172، 318- 13/101، 104 البيكارية: 4/54، 55 البيمارستان: 1/491- 3/312، 392، 397، 415، 417، 418، 471- 4/120، 334- 5/151- 11/249- 12/283- 14/173 البيوت السلطانية: 4/21، 198 البيوت الشريفة: 4/62

(ت)

البيوت الكريمة: 4/62 (ت) تاج الأحكام: 10/363 تاج الأمناء: 6/42، 159 تاج خواص الإمام: 9/314 تاج الخواص: 7/65 تاج الدولة: 5/416 تاج الدين: 5/458، 459- 11/358 التاج الشريف: 3/540 تاج العلماء والحكام: 6/42، 109، 152 تاج الفضلاء: 6/42 تاج الفضلاء المنتشئين: 6/42، 143 تاج المتصرفين: 6/42 تاج الملّة: 5/416، 462- 6/42، 382- 14/106 تاج الملوك والسلاطين: 10/105، 151 تاج المملكة ونظامها: 8/264 تاج الوزراء: 10/245 تاجر الخاص: 8/73 تأخير البكاء على المقتول: 1/461 تأريج الأسماء: 3/526 تأريج القبائل: 3/526 تأريخ الكتب (في المكاتبات) : 6/225 تالي الإنجيل: 6/164- 8/45 التبابعة: 5/450- 7/12، 360 تتريب الكتب: 6/260- 14/139 التجار الخواجكية: 6/9، 15، 30، 31، 39، 40، 42، 52، 57، 59، 64، 70، 72، 73، 158- 13/39 التجار الكارمية: 3/529، 536- 4/33 تجار الكفار: 3/531 التجاريد: 4/190 تجريد الكعبة من ثيابها: 4/287 التجسيم: 6/52 التحكيم: 13/225، 226، 227، 228 تحويل السنين: 1/53- 13/3، 58، 67 التخافيف: 5/32 التخت (السرير) : 1/50- 2/140- 3/301- 6/72- 8/25- 14/176 تخت الخلافة: 10/245 تخت السلطنة: 8/384 تخت الملك: 4/5، 47، 213- 8/245، 246، 363- 10/130- 14/191 التخليق: (تخليق مقياس النيل) : 3/590، 592، 594 التداريس (وظيفة التدريس) : 4/40، 200، 228،- 6/148- 10/302، 464- 11/32، 223- 12/40، 201، 345، 353 التداريس الصغار: 11/123، 124- 12/4 التداريس الكبار: 12/86 تدريج الحمام: 12/145- 14/337، 339

التذاكر: 1/53، 54، 167، 168، 169، 171، 174- 7/220- 10/474- 11/434- 12/48- 13/3، 58، 84، 106 التذاكير السلطانية: 3/515 التذكرة الديوانية: 10/473 التذكرة السلطانية: 3/515 ترجمان الزمان: 6/152 الترجمة (عن المكتوب عنه في الكتب) : 6/332 الترس: 2/152 الترسّل: 1/91 التركاش: 7/333 الترويس (ترويس الكتب) : 3/50 التروية: 2834 تريال (طبل كبير) : 5/202 تسجيل الفدن: 11/93 التسليك: 12/415، 421 التشبيه (القول بالتشبيه عند اليهود) : 13/261 التشريف (التشاريف- التشريفات) : 2/142- 3/294، 546، 567- 4/45، 53، 54، 55، 66، 68، 73، 192، 197، 213- 5/144- 7/177، 178، 218- 8/26، 31، 247، 332، 342، 393- 11/93، 332، 419 التشهّد (في خطبة الكتاب) : 6/217 التصادير: 4/228- 12/80 التصدير (وظيفته) : 11/247- 12/40، 292، 355، 443- 13/75 تصفيق الضالّ: 1/461 التصلية (في الصلاة والسلام على النبي) : 6/218، 256 التعريف (في المكاتبات) : 8/199 التعشير (من أوابد العرب) : 1/464 تعليق سنّ الثعلب: 1/462 تعليق كعب الأرنب: 1/463 التعمية: 1/459 التعيين: 1/46، 145- 6/188، 291، 202 تفقد الأيزاك: 12/457 التفقئة: 1/459 التفويض (التفويضات- التفاويض) : 1/271- 2/4، 16- 3/282، 505- 6/219- 11/71، 113، 124، 127- 12/40، 277- 14/137 التقادم: 3/427- 11/171 التقاليد التقليد التقاليد الحكمية: 1/59- 14/383 التقدمة (وظيفة المقدم) : 12/128 تقدمة الأكراد: 11/121 تقدمة ألف: 14/273 تقدمة البريد: 4/194، 240، 248- 12/432

تقدمة التركمان: 4/240- 11/121 تقدمة الجيوش: 10/49- 12/8، 178 تقدمة العربان: 12/129 تقدمة العسكر: 4/102، 139، 204، 205- 7/218- 8/33- 10/334- 11/420- 12/208، 212، 275، 465 التقدمة على الرجال: 9/21 التقدمة على أقارب الخليفة: 10/402 التقدمة على الطبقة الأولى من المجاهدين: 11/13 تقدمة المماليك: 4/22 التقريضات: 14/378 التقليد (التقاليد- التقليدات) : 1/53، 132، 166، 167، 168، 170، 173، 241، 271، 335- 2/3، 4، 15- 3/282، 289، 300، 302، 505- 4/17، 36، 37، 66، 68، 195، 213، 225- 5/405، 411- 6/117، 181، 189، 214، 215، 217، 219- 7/177، 218- 8/31، 393- 9/275، 276، 278- 10/89، 143، 164، 182، 193، 246، 272، 397، 409- 11/30، 71، 86، 100، 103، 113، 124، 127، 279- 12/6، 10، 14، 18، 20، 22، 118، 141، 147، 167، 176، 197، 209، 243، 277- 13/167- 14/137، 212، 383، 386، 388 التّقيّ: 6/10، 132 تقي الدين: 5/459- 11/359 التقيّة: 13/227، 229، 233 التكفور: 7/394- 8/31- 14/402 التكلاوات: 4/41- 5/89 التلمساني (قماش) : 5/137 التلّيس: 4/33 التمليك: 3/27 التناسخ: 13/242 التنصيص: 13/229 التنكة: 5/81، 90 التنكة البيضاء: 5/81 التنكة الحمراء: 5/81 التواقيع (التوقيع- التوقيعات) : 1/37، 53، 81، 83، 127، 145، 169، 173، 213، 239، 357- 2/4، 15- 3/282، 283، 300، 505- 4/17، 19، 191، 193، 201، 224، 226، 227، 228، 240، 243، 244، 245- 5/405- 6/138، 152، 155، 157، 187، 188، 191، 192، 200، 212، 217، 219، 255، 304- 9/254، 259، 263، 265، 268، 276- 10/190، 302-

(ث)

11/30، 32، 39، 71، 100، 124، 127، 203، 324، 343، 408- 12/34، 36، 48، 58، 66، 83، 89، 95، 100، 161، 163، 174، 183، 277، 330، 331، 406، 407، 408، 420، 443- 13/13، 14، 37، 43، 150، 157، 167- 14/137 التواقيع الصغار: 11/125، 130 التواقيع المتوسطة: 11/73 التوقيع التواقيع توقيع الدست: 11/330 توقيع شريف: 12/277 توقيع كريم: 12/277 التوقيع بالقلم الجليل: 3/564 التوقيع بالقلم الدقيق في المظالم: 3/563 التّومان: 4/423، 424- 8/27 (ث) ثالث عشر الحواريين (لقب) : 13/369 ثقة الأصدقاء: 6/166- 8/46 ثقة أمير المؤمنين: 7/19 ثقة ثقات السيف والقلم: 3/562 ثقة الدول: 6/42 ثقة الدولتين: 6/42 ثقة الدولة: 6/158 ثقة المملكتين: 7/249 الثلّاجون: 14/442 ثياب الخلافة: 3/291 (ج) الجاثليق: 5/444- 6/327- 10/304، 306- 13/277، 317 الجاشنكير (الجاشنكيرية) : 4/21، 48، 195- 5/432- 10/69 الجاشني: 14/444 جالوت: 5/453 الجاليش: 4/7- 13/38- 14/163 جاليش العساكر: 7/228 الجامات: 4/307 الجامع (لقب) : 7/417 جامع البلاد الساحلية: 6/86، 166 جامع البلاد المسيحية: 8/46 جامع طرق الواصفين: 6/43، 142 جامع كلمة الإيمان: 6/43، 120 الجامكية (الجوامك) : 3/524، 526، 597- 4/42- 5/136- 11/316- 13/107- 14/446 الجانب: 5/462 الجانب الأشرف: 7/78 الجانب الأعلى: 5/462- 6/288، 489- 7/128، 144 الجانب الشريف: 6/489- 7/145، 146

الجانب الشريف العالي: 5/462 الجانب العالي: 5/462 الجانب الكريم العالي: 5/462 الجاندار (الجاندارية) : 13/98، 104 الجاويشية: 4/49، 50، 245 الجباة: 10/31 جباة الجزية: 10/112 جباة جماجم أهل الذمة: 10/27، 40 الجباية الخراجية: 13/73 الجتر (المظلة) : 2/141- 4/6، 48- 5/93- 14/176 الجدّيات: 1/58 الجراوة: 2/154- 14/332 الجراريف: 11/434- 13/101 الجرائد: 6/349، 350- 10/39، 417- 13/82 جرائد الإحسان: 11/253 جرائد الجزية: 11/66 جرائد الجند: 4/190- 10/114- 11/92، 317 جرائد الخراج: 11/66 الجرائحية: 3/418- 4/50- 9/265- 11/251 جرايات رجال الأسطول: 3/549 الجراية (الجرايات) : 3/289، 565، 598- 11/41- 13/107 الجريب: 13/132 جريدة الجند- جريدة الجيش: 5/32، 203 جريدة القواد: 3/597 الجزية: 1/471، 482- 2/4- 3/530- 5/281- 8/30- 10/27، 40، 308، 422، 423- 13/361، 376- 14/3، 19 الجسور البلدية: 3/516 الجسور السلطانية: 3/515، 516 الجشارات: 11/170 الجفاوة: 5/141 الجفتاه: 2/142- 4/7 الجلّابة: 12/259- 14/20 جلال الأسرة الزاهرة: 6/45، 136 جلال الإسلام: 6/103، 119، 132، 155 جلال الإسلام والمسلمين: 6/45، 102، 103، 142، 143، 155، 156 جلال الأصحاب: 6/45، 145 جلال الأكابر: 6/45، 145 جلال الأئمة في العالمين: 6/151 جلال الحسّاب: 6/146، 147 جلال الحكّام: 6/45، 151 جلال الدين: 5/459- 11/359 جلال دين الله: 6/384 جلال الطالبين: 6/148 جلال الطائفة الصليبية: 7/125 جلال العترة الطاهرة: 6/45- 7/210

جلال العلماء العاملين: 6/45، 128، 149 جلال العلماء في العالمين: 6/45 جلال الكبراء: 6/45، 145 جلال الكتّاب: 6/144، 146 جلال النساء: 6/78، 168- 7/182 جلال النساء في العالمين: 6/163- 7/183، 184 الجلالي (لقب) : 7/351 الجلاهق: 2/154 الجليل (لقب) : 6/10، 80، 123، 124، 164، 168، 169، 170 جليلة المصونات: 6/78، 163- 7/183، 184 جماعة البريدية البريدي الجماعات: 14/133 جماعة المشائين: 5/141 جمال الإسلام: 6/43، 44، 147- 9/314 جمال الإسلام والمسلمين: 6/145، 148، 149، 150، 151، 160 جمال الأصفياء العاملين: 6/154 جمال الأعيان: 6/109، 153، 159 جمال الأكابر: 6/143 جمال الأمراء: 6/138 جمال الأمة: 6/152 جمال أهل الإفتاء: 6/44 جمال الأئمة: 6/43 جمال الأئمة العارفين: 6/43 جمال الأئمة الفصحاء البارعين: 6/152 جمال البارعين: 6/43 جمال البلغاء: 6/43، 145، 146، 147 جمال بني المعمودية: 6/168 جمال التخوت والتيجان: 6/168 جمال الحسّاب: 6/147 جمال الحكام: 10/363 جمال الدولة: 6/128 جمال الدين: 5/458، 459- 11/359 جمال الذرّية: 6/43، 139 جمال ذوات الستور: 14/361 جمال الزهاد: 6/155 جمال الصدور: 6/43 جمال الطائفة العيسوية: 6/170 جمال الطائفة المسيحية: 6/169 جمال الطائفة الهاشمية: 6/43، 135- 7/211 جمال الطائفتين الرومية والفرنجية: 6/170 جمال العترة الطاهرة: 6/44، 136 جمال العصبة الفاطمية: 6/44، 139 جمال العلماء: 6/44، 109، 152 جمال العلماء في العالمين: 6/149 جمال العلماء العاملين: 6/152 جمال العيسوية: 6/172 جمال الفضلاء: 6/44، 146 جمال الفضلاء البارعين: 6/128 جمال الفضلاء المفيدين: 6/44

جمال الكتاب: 6/44، 109 جمال المتصرفين: 6/134 جمال الملك: 10/151 جمال الملوك: 7/19 جمال الملوك والسلاطين: 6/132 جمال الممالك: 6/142 جمال المملكة: 6/44 جمال النسّاك: 6/157 جمال الورعين: 6/44، 155 الجمالي (لقب) : 8/273 الجمدار (الجمدارية) : 3/299- 4/46، 51، 62، 381- 5/92، 431 جميلة المحجبات: 6/78، 163- 7/183، 184- 14/363 جميلة المصونات: 14/363 الجناب: 5/464، 468، 473- 6/17، 20، 25، 119، 123، 129، 143، 149، 154، 158، 174، 282، 329- 7/20، 95، 145، 179، 238، 294، 341- 8/57، 354- 9/271، 277- 11/74- 12/221 الجناب الأشرف: 7/81 الجناب الشريف: 5/473- 6/15، 17، 102، 103، 104، 105، 106، 107، 108، 109، 113، 119، 129، 131، 133، 143، 149- 8/206 الجناب الشريف العالي: 5/464 الجناب الشريفة (للنساء) : 6/154 الجناب العالي: 5/464، 472- 6/76، 98، 101، 103، 104، 105، 106، 107، 109، 110، 113، 114، 132، 133، 144، 150، 151، 155، 158، 200، 252، 254- 7/19، 90، 163، 164، 168، 169، 170، 173، 179، 180، 194، 197، 199، 214، 236، 237، 240، 246، 284، 299، 325- 8/10، 22، 196، 201، 203، 214، 221، 226، 232، 234، 235، 246، 247، 334، 354- 9/115- 11/74، 76، 101، 102، 117، 129، 149، 279- 12/12، 85، 143، 148، 176، 203، 209، 221، 281، 431، 467- 13/41- 14/392 الجناب العالي الشيخي: 12/288 الجناب العالي الصاحبي: 6/113 الجناب العالي القاضوي: 6/114 الجناب الكريم: 5/473- 6/76، 101، 102، 103، 104، 105، 106، 107، 108، 109، 110، 113، 119، 123، 124، 129، 130، 131، 132، 143، 150، 155،

174- 7/161، 162، 167، 173، 184، 188، 281، 286، 327، 359- 8/6، 9، 10، 26، 196، 201، 206، 221، 232، 234، 272- 9/274- 11/275، 101، 117- 12/38، 141، 280، 447- 13/22، 23- 14/348 الجناب الكريم العالي: 5/464- 6/98- 11/74، 102 الجنائب: 4/48، 50، 62، 216، 381- 5/201 الجند (الجنود- الأجناد) : 1/149، 474- 3/405، 509، 516، 557، 565- 4/4، 12، 15، 19، 20، 25، 51، 53، 64، 120، 174، 241، 382، 423، 456، 474- 5/32، 67، 87، 89، 90، 133، 134، 136، 138، 142، 194، 197، 199، 287، 406- 6/334- 8/224، 241- 9/30، 254، 316- 10/98، 130، 158، 181، 222، 400- 11/111، 204- 12/104، 74، 214، 431- 13/51، 113، 163، 346، 367- 14/77، 195 الجند من الإفرنج (العلوج) : 5/134 جند الأمراء: 7/174 الجند الغرباء: 5/137 الجند المتطوعون: 10/420 الجند المرتزقة: 10/420 الجندي (رتبة) : 4/64، 194، 206، 207، 208، 225، 234، 236 الجنك (آلة تشبه العود- وقد وردت خطأ بالحاء المهملة) : 2/160 جنكصان: 4/483 الجنود الآمرية: 3/553 الجنود الأفضلية: 3/553 الجنود البحرية- الأجناد البحرية الجنود الجيوشية: 3/553، 581 الجنود الحافظية: 3/553 جنود الحلقة (جند الحلقة- أجناد الحلقة) : 3/525- 4/25، 52، 64، 189، 193، 224، 225، 243، 245- 5/428- 8/222، 231- 12/104، 281- 13/166 الجنود الريحانية: 3/581 الجنود العساقلة: 3/509 الجنود الكتّانية: 3/509 جنود المائتين أجناد المائتين. الجنود الوزيرية: 3/553 الجنويات: 7/137 الجهبذ: 6/45 جهبذ الحذّاق: 6/45 جهبذ الحذّاق المتصرفين: 6/45، 143 الجهبذة: 10/14، 26، 31، 40-

(ح)

13/133، 136، 147 الجهة (من ألقاب النساء) : 5/470، 473- 6/77 (نعوت الجهة) ، 162- 7/314 الجهة الشريفة: 5/473- 6/162، 163- 7/183 الجهة الشريفة العالية: 14/363 الجهة الكريمة: 6/163 الجهة الكريمة العالية: 5/473 الجهة المصونة: 6/77- 14/360 الجهة المكرمة: 14/348 الجوارح السلطانية: 3/427 الجوارشنات: 14/409 الجواز: 7/228 الجواسق: 5/142 الجواسيس (العيون) : 1/489- 8/68- 10/221، 223 الجواشن: 3/547 الجوالي: 3/530، 568، 600- 10/14، 26، 31، 40، 423- 13/62، 148 الجوامك الجامكية الجوسق: 3/464- 4/98- 14/175 الجوكان: 5/430- 7/221 الجوكندار: 4/55- 5/430 الجونة: 2/498 جيش الديار المصرية: 4/456 جيش العسرة: 10/178 جيش مؤتة: 9/369 الجيش الناصري: 8/402 الجيوش: 4/188، 205، 223، 240، 243، 245، 473- 5/87- 7/178- 8/323، 326- 10/72، 416- 11/14- 12/8، 10، 13، 150، 154، 165، 262، 397- 14/78 جيوش الإسلام: 10/176، 181- 11/136- 13/47 الجيوش المنصورة: 7/377- 10/63- 11/316 (ح) الحاج (لقب) : 6/10، 162 الحاجب (الحجّاب) : 1/136، 472- 3/288، 296، 554، 558، 562، 564، 565، 566، 574، 603- 4/17، 46، 64، 225، 229، 230، 244، 245، 381، 410- 5/33، 49، 88، 91، 92، 134، 422- 6/35، 173- 7/168، 169، 184، 196، 197، 198، 201، 359- 8/363- 9/15- 10/283، 440- 12/107

الحاجب (والي التركيز) : 4/65 حاجب أمير عشرة: 4/64 الحاجب الثاني: 8/221، 222، 228 الحاجب الثالث: 8/229 حاجب جندي: 4/64 حاجب الحجّاب: 3/537- 4/20، 60، 63، 192، 197، 203، 225، 230، 240، 241- 7/185، 188- 8/219، 221، 228، 233، 350 حاجب الديوان: 1/171 الحاجب الرابع: 8/229 الحاجب الصغير: 8/223 الحاجب الكبير: 7/173- 8/222 الحاجيّة: 6/163- 7/183 الحاشر (للنصارى) : 3/530 الحاشر (لليهود) : 3/530- 13/361 حاشية السلطان: 4/190- 6/161 الحاشية (في الكتب) : 6/186 الحاصل الحواصل الحافر الملوكي: 3/541 الحافظ (وظيفة صاحب الشرطة) : 5/135 الحافظ: 6/10 حافظ الأسرار: 6/46 حافظ البحار والخلجان: 6/164، 166 حافظ البلاد الجنوبية: 6/86، 166- 8/41 حافظ بلاد الله: 6/384 حافظ بيت المقدس: 7/122 حافظ الجسور والخلجان: 8/45 الحافظي: 6/10 الحافل: 6/10- 7/65 الحاكم (لقب) : 6/10- 11/115 حاكم أمور ولاة الزمان: 5/473- 6/46، 131 حاكم البندق: 7/132- 9/257- 12/264، 266 حاكم الحكام: 6/46- 14/349 الحاكم على الثغور والبحور والخلجان: 6/168- 8/47، 48 حاكم العمل: 3/526 الحاكمي: 6/11، 114، 115، 148، 149، 150، 151، 174- 7/140 الحام: 1/458 حامل الجتر: 4/48- 5/92 حامل الدواة: 3/556 حامل راية المسيحية: 6/86، 167- 8/36 حامل الرمح: 3/554، 599 حامل الرسالة: 3/599 حامل سلاح الخليفة: 3/554 حامل السيف: 3/554، 599 حامل المظلة: 3/554 حامي البحار والخلجان: 6/86- 8/46 حامي الثغور: 6/167 حامي الجزائر القبرسية: 6/167

حامي الجمهور: 8/89 حامي الحرمين: 14/348 حامي الحرمين الشريفين والقبلتين: 6/120- 8/26 حامي الحصون والثغور: 6/169 حامي حماة بني الأصفر: 6/87، 167- 8/36 حامي حمى الفرسان: 6/166- 8/28 حامية الثغور: 6/171- 8/55 حامي القبلتين: 7/416- 8/89 حامي كلمة الموحدين: 8/101 الحائز: 6/11- 7/416 حائز الفخرين المنيفين: 8/105 حائز ملك الأقطار: 8/101 حائط الجمهور: 8/101 الحبر: 6/11، 165 الحبر الجندية: 4/283 الحبري: 6/11 حبس البلايا: 1/461 الحبوس الأحباس الأوقاف. الحجّاب الحاجب الحجّاب الصغار: 4/22 الحجّاب الطبلخاناه: 8/234 حجّاب الحكم: 3/574 حجّاب الخليفة: 3/574 الحجاب الكريم: 14/348 حجابة الديوان: 1/174 الحجبة: 4/286 حجبة الكعبة: 1/410 الحجّتي: 6/11 الحجج: 10/284، 293، 300 الحجرة الشريفة: 4/307 الحجفة: 2/152 الحجّة: 6/11 حجّة الإسلام: 6/102، 150- 10/302 حجّة الأمراء الحاكمين: 6/128 حجّة الأمة: 6/46، 151 حجّة الأئمة: 6/46 حجّة البلغاء: 6/46 حجّة العرب: 6/46 حجّة العصابة الهاشمية: 6/129 حجّة الكتّاب: 6/145 حجّة المذاهب: 6/46 حجّة المذهب: 6/46 حجّة المفتين: 6/46 حجّة المنتشئين: 6/142 الحجوبية (الحجابة) : 1/499- 3/296، 297- 4/20، 192، 225، 240، 247- 11/208 الحجّيّ: 6/11، 128، 138، 139، 150، 151 الحدربي (لقب) : 5/264 الحدوج: 12/27 حراسة الطير: 4/23 الحرّاقة (الحراقات والحراريق- وهي نوع من

السفن) : 3/408، 590- 5/262 الحرّاقة (مقعد بالاصطبلات السلطانية) : 3/302 الحرّاقة السلطانية (الذهبية) : 4/49- 5/439 حراريق الأمراء: 4/49 حرز الإمام: 6/46 الحرس: 1/473 الحرضة (أمين المقامرين) : 1/457 الحرمة الشريفة: 7/182 حريم دار الخلافة: 4/333 الحريم السلطانية: 3/421، 424 الحزّان: 5/445 حسام أمير المؤمنين: 6/46، 106، 107، 111، 112، 133، 134، 135، 174- 7/19 حسام الدين: 5/458 حسام المملكة المالوصية: 6/168 حسام المملكة الماكصونية: 8/47 الحسبة: 2/4- 3/298، 299- 4/38، 200، 228- 5/425- 7/234- 10/14، 31، 114، 156، 284، 300، 360- 11/207، 408- 12/4، 58، 160، 208، 378- 13/12 الحسبلة (في آخر الكتب) : 6/258 الحسك: 10/234 حسنة الأيام: 6/47، 142، 155 حسنة الزمان: 7/65 حسنة الوجود: 6/142 الحسيب: 6/11، 138، 139 الحسيبي: 6/12، 119، 128، 135، 173 الحشيشة: 2/162 حصى الجمار: 4/250 الحضرة (حضرة الخلافة) : 3/293، 299- 5/139، 466- 6/77 (نعوت الحضرة) ، 95، 103، 125، 291، 533- 7/19، 99، 287- 8/237، 252- 9/256، 272، 273- 10/269، 354، 368، 405، 437- 11/133 الحضرة الأعظمية: 6/125 حضرة الامارة العدوية: 7/405 حضرة الأمير العالم: 6/126 الحضرة الأوحدية: 6/125 حضرة البطرك: 5/467 الحضرة الجليلة: 7/119 حضرة الدوك (الدوج) : 6/169- 8/49 الحضرة السامية: 1/241- 5/467- 6/164، 167- 8/36، 45، 121- 11/84 حضرة السلطان: 12/5 الحضرة السلطانية: 4/24، 35، 38، 52، 63، 189، 190، 191، 195، 226- 5/284- 6/125-

7/176- 8/215، 228- 9/257 الحضرة السريّة: 6/126 الحضرة السنيّة: 6/126 الحضرة الشاهنشاهية: 6/125 الحضرة الشريفة: 6/104، 125- 7/273، 274، 276، 318، 405- 8/224 الحضرة الشريفة العالية: 5/467- 7/250 حضرة الشيخ: 5/467- 9/272، 273 الحضرة الطاهرة: 6/110 الحضرة العالية: 5/467- 6/125، 165، 166- 7/274، 329، 335، 407- 8/41، 46، 86 الحضرة العالية المكرمة: 6/95 الحضرة العليّة: 5/467- 6/126، 166- 7/100، 408، 442- 8/28، 82، 106- 11/13، 23 الحضرة القانية: 6/125 الحضرة الكريمة العالية: 5/467 حضرة المحتشم: 6/170- 8/49 الحضرة المصونة: 6/126 الحضرة المظفرية: 6/126 حضرة المقام العالي: 7/414 الحضرة المكرمة: 6/167 حضرة الملك: 6/168، 169- 8/29، 32 حضرة الملك الجليل: 5/467- 6/95، 165، 166- 8/36، 47، 51، 54 الحضرة المنصورة: 6/126 الحضرة الموقرة: 6/167- 8/37 الحضرة الميمونية: 6/126 الحطّي: 5/455- 6/170- 8/41 حطّي ملك أمحرة: 8/42 الحقوق الديوانية: 13/40، 41 الحقوق السلطانية: 1/68 حكم رماة البندق حاكم البندق حكم الملوك والسلاطين: 6/47، 106، 150، 151- 7/221 الحلقة: 4/42، 43، 53 الحلقة الشامية: 7/216- 13/161 حلقة العساكر: 14/195 الحلقة المصرية: 13/161 الحلقة المنصورة: 8/60- 12/467- 13/103 الحمالة: 3/597 الحمام الرسائلي: 1/153، 154- 2/96- 4/61- 11/297- 12/207- 14/434 حمام الهدي: 14/434 الحماة: 10/466 حماة الأهراء: 3/600 حماة البساتين: 3/600 حماة الجوالي: 3/600 حماة المناخات: 3/600 الحماية: 10/272

(خ)

حماية الرباع: 10/457 الحمولة (في آخر الكتب) : 6/215، 254 الحمل على النزول والتقدير الشرعي (وظيفة) : 12/293 الحمى: 1/4 الحندات: 5/89 الحنك: 5/137- 7/359 الحواصل: 4/61 حواصل الحرم الشريف: 12/251 حواصل الخليفة: 3/545 حواصل السلطان: 4/8 حواصل الغلال: 3/549 حواصل المواشي: 3/548 الحوائج خاناه: 4/10، 12، 13، 61- 13/102 الحوش: 5/203 الحوطة (الحوطات) : 13/384 الحوطات الديوانية: 13/379 الحوندار (الذي يتصدى لخدمة طيور الصيد) : 5/441 الحياصة: 4/42، 57- 5/198 حيدرة (لقب) : 5/414 (خ) الخاتم: 1/503- 2/139- 3/289- 6/340، 341، 342، 343 الخاتون- الخواتين: 4/424، 425، 426، 470، 473- 6/78، 163- 14/360 الخاتوني- الخاتونية: 6/163- 7/184 الخادم (لقب) : 6/332، 489- 7/89، 104، 117، 128، 130، 131، 132، 133، 136، 145، 146، 147 الخادم الخدّام خادم الحرمين الشريفين: 6/47، 120- 7/333، 340، 406، 407- 8/101- 10/59- 13/350- 14/116 الخادم الخصيّ: 5/88 خادم القبلتين: 14/348 الخادم المطواع: 6/489- 7/128 الخازن (الخازندار- الخزندارية) : 1/170، 171، 174- 3/556، 565- 4/21، 192، 197- 5/88، 435- 10/271، 294، 300- 14/185 خازن الشرابخاناه: 14/444 خازن الصابون: 8/128 الخاشع (لقب) : 6/12، 80، 124، 157، 164 الخاشعيّ: 6/12، 150، 152، 154، 155، 156- 11/85 خاص السلطان: 14/48، 49 الخاصكي: 7/65

الخاصكية: 3/426، 552- 4/6، 46- 6/207- 7/173- 8/228- 13/163 خاصة أمير المؤمنين: 7/19 خاصة الملوك والسلاطين: 6/160 الخافقي: 5/5 الخاقانية: 7/315 خالصة الأصدقاء: 6/87 خالصة الأصدقاء المقربين: 6/167- 8/228 خالصة الإمام: 6/48 خالصة أمير المؤمنين: 6/48، 107، 145، 148- 10/351 خالصة الأنام: 6/104، 154 خالصة الدولة: 6/47، 145 خالصة سلف الأنصار: 6/48 خالصة الملوك والسلاطين: 6/47، 106، 139، 142، 143، 144، 145، 146، 149، 150، 151، 152 الخانات (الخان) : 3/405، 465- 4/311، 428- 5/66، 78، 87، 88، 89، 90، 91، 92، 93- 7/275، 329- 14/182 الخانقاه (الخوانق- الخوانك) : 3/355، 389، 391، 396، 416، 417، 419، 429، 463- 4/98، 120، 200، 334، 429- 5/151- 9/337- 11/368- 12/102، 410، 415- 14/178 الخانية: 4/311 ختم الكتب: 1/481- 8/24 الخدّام: 3/551- 4/22- 6/30، 31- 8/151، 285- 9/27- 10/403- 12/254 الخدام الخصيان: 5/458 خداوند عالم بادشاه بني آدم: 14/342 الخدم السلطانية: 13/51 الخدم الصغار: 1/167- 3/564 الخدمة الجمعية: 5/91 الخدمة في الجوالي- المواريث الحشرية: 3/568 الخدمة في ديوان الأحباس: 3/567 الخدمة في ديوان أسفل الأرض: 3/568 الخدمة في ديوان الثغور: 3/568 الخدمة في ديوان الجهاد: 3/569 الخدمة في ديوان الرواتب: 3/567 الخدمة في ديوان الصعيد: 3/568 الخدمة في ديوان الكراع: 3/568 الخدمة في ديواني الخراجي والهلالي: 3/568 الخدمة اليومية: 5/91 خديم الحرمين الشريفين: 8/89، 105 الخراج: 1/471، 473، 482- 2/4- 6/267- 8/313- 10/14، 25، 26، 31، 130- 13/122- 14/19، 250 خراج الأوراج: 14/131، 132

خراج السلطان: 3/328 الخراجي: 3/539 خرائط المهمات: 1/171 الخرس (من أنواع الأراضي) : 3/518 الخركاوات (الخركاه) : 2/146- 4/50، 59، 63، 425- 5/93- 14/167، 178 الخرنشف: 3/401 الخريطة: 3/564 خزانة البنود: 3/404- 13/99 خزانة التجمّل: 3/543، 457، 551، 577 خزانة الخاص: 3/524، 545- 11/118، 121، 226، 330، 419- 12/98 خزانة الخليفة خزائن الخليفة خزانة السروج الركاب خاناه خزانة السلاح: 3/404، 547 خزانة السلطان: 4/316- 5/283- 14/51 خزانة الشراب: 3/546 خزانة الشمائل: 13/99 خزانة الطعم: 3/46 الخزانة الظاهرة: 3/545 الخزانة العالية: 4/197- 10/354- 11/94، 171، 333 خزانة الفراش الفراش خاناه خزانة الفروش: 10/354 الخزانة الكبرى: 3/545- 4/31- 11/120- 12/98 خزانة الكتب: 3/545- 5/139 خزانة الكسوة: 3/545، 567، 571، 578 خزانة الكعبة: 4/282 خزانة اللباس: 11/167 خزائن الأموال السلطانية (خزائن المال- خزانة المال) : 3/548- 4/21 خزائن الخليفة: 3/562، 566، 574- 4/50 خزائن السروج الركاب خاناه الخزائن السلطانية: 1/85- 3/526- 11/40، 414 خزائن السلاح: 4/32- 12/27 الخزائن المعمورة: 12/33 الخزائن الملوكية: 3/526 خزن بيت المال الخاص: 10/354 الخزندار الخازن خسروان إيران: 12/270 الخشكار: 11/382 الخشكنان: 3/588، 603 الخصيان: 3/288 الخط البرباوي (الهيروغليفي) : 3/363 الخط الشريف: 1/46 الخط الشريف السلطاني: 4/191، 196، 227 الخط الجليل: 3/16، 17، 18

خط الدرج: 3/19 الخط العالي الكافلي: 6/193 خط النّسخ: 3/18 الخطابة (وظيفة) : 1/479- 4/40- 11/219- 12/4، 69، 71، 72، 105، 160، 254، 298، 342، 369، 471- 14/130 خطابة الجامع الأموي: 4/200- 6/48- 7/221 الخطابة بالجامع الكبير: 4/228 خطابة جامع القلعة: 6/48 الخطب المقامية: 1/207 الخطبة: 5/120 خطبة صداق: 1/239، 271- 14/341 الخطبة العباسية: 3/493- 4/170، 275 الخطبة العلوية: 8/244 خطبة نكاح: 1/254 الخطيب (خطباء المساجد) : 5/435- 9/259- 10/396، 423، 440- 11/89، 97 خطيب بيت الآلهة: 14/347 خطيب جامع القلعة: 4/47 خطيب الحضرة: 11/23 خطيب الخطباء: 6/48 خطيب خطباء المسلمين: 14/349 الخطيبي: 6/152 الخطير (لقب) : 6/80، 165، 166، 167، 168- 7/125 الخفر: 7/232 خلاصة الخلافة المعظمة: 6/48- 7/441 خلاصة سلف القوم: 6/49 خلاصة ملوك السريان: 6/87، 166- 8/28 الخلافة: 1/127، 128، 137، 470، 471، 472، 487، 503، 504- 2/5- 3/263، 264، 284، 285، 286، 287، 289، 299- 4/5، 20، 416- 5/129، 130، 131، 154، 237، 239- 6/116، 118، 125، 330، 410، 535- 7/76، 83، 399- 8/80، 237، 238، 259- 9/251، 287، 310، 324، 347، 369، 370، 410- 10/72، 75، 247، 356- 11/26- 12/298- 13/233- 14/98، 103، 130، 205 الخلافة الأموية: 5/131 الخلافة التيمية: 1/526 الخلافة العاضدية: 10/330 الخلافة العباسية: 1/127، 128- 10/121، 241 الخلافة العبيدية: 5/131 الخلافة العلية: 8/106 الخلافة الفاطمية: 6/200

خلافة النبوّة- الخلافة النبوية: 8/347 الخلعة (الخلع) : 2/142- 3/301، 302، 546، 591- 4/42، 53، 64، 190، 192، 197- 5/144، 284- 7/334- 8/332، 342، 344- 9/26، 31، 316، 322- 10/143، 287- 11/93، 334- 13/92- 14/444 خلف الأولياء: 6/48، 155 الخلفاء الخليفة خلفاء بني أمية: 1/537- 3/283، 483- 4/6، 299- 5/232، 414، 447- 6/320، 376، 379، 469- 9/289- 10/198 خلفاء بني أمية بالأندلس: 5/154، 183، 448- 6/431، 523- 9/307 الخلفاء الراشدون: 3/283- 4/40، 270- 9/310، 315- 10/195، 307- 12/49- 13/16- 14/12 الخلفاء العباسيون (خلفاء بني العباس) : 1/127، 473، 504، 537- 3/284، 291، 300، 461، 486، 493، 495- 4/6، 58، 137، 286، 301، 336، 415- 6/296، 297، 331، 378، 410، 420، 431، 472، 520- 7/76، 127- 8/64- 9/289، 423، 424- 10/140، 241- 13/59، 130، 139، 146، 331- 14/435 خلفاء العبيديين: 5/121 الخلفاء الفاطميون: 1/537- 2/122- 3/323، 333، 396، 401، 402، 493، 549- 4/210، 286، 307- 6/190، 220، 420، 520- 7/3- 8/318، 332، 346- 9/255، 284، 296، 418- 11/26، 72- 12/113- 13/75، 139، 239، 244- 14/435، 436 خلفاء مصر: 3/292- 4/348- 5/106 الخلفاء الموحدون: 5/449- 6/432، 525 الخلوة: 5/445 الخليفة (الخلفاء) : 1/41، 127، 128، 136، 145، 470، 475، 497، 498، 500، 501، 502، 503، 509- 3/285، 289، 294، 299، 300، 301، 302، 303، 540، 541، 543، 547، 548، 552، 556، 557، 559، 560، 563، 564، 566، 567، 571، 572، 573، 576، 577، 579، 582، 583، 586، 587، 589، 593، 597، 601- 4/5، 58، 277، 307، 348، 378، 417،

425، 450، 473، 474- 5/112، 120، 130، 132، 159، 233، 403، 404، 406، 410، 414، 417، 446- 6/8، 38، 96، 111، 186، 190، 200، 217، 288، 295، 319، 326، 331، 340، 341، 343، 369، 376، 378، 379، 380، 381، 384، 403، 407، 419، 442، 446، 469، 472، 473، 489، 502، 530، 532، 561- 7/11، 31، 77، 83، 86، 109، 128، 129، 135، 144- 8/4، 30، 45، 88، 237، 245، 248، 284، 313، 318، 340، 344، 359، 375- 9/4، 220، 251، 270، 277، 279، 283، 285، 296، 302، 307، 310، 323، 329، 344، 347، 364، 369، 370، 373، 375، 388، 399، 410، 417، 422، 426، 428، 429- 10/3، 6، 44، 75، 258، 310، 453- 11/71، 114- 12/75- 13/12، 67، 75، 124، 130، 219، 233، 330، 365- 14/97 خليفة الأرمن: 4/124 الخليفة الأندلسي: 9/384 خليفة الأئمة: 6/48، 119- 7/359 خليفة بغداد: 4/277 خليفة الحكم: 14/390 الخليفة العباسي: 3/496- 4/307- 5/47، 50، 120، 416، 447 الخليفة الفاطمي: 5/50، 97، 416، 448 الخليل: 5/414 خليل أمير المؤمنين: 6/48، 106، 111، 116، 123، 124- 7/399- 10/164، 177، 429 خليل الملوك والسلاطين: 6/168 الخمس: 10/130 الخواتم (الخواتيم) : 1/47، 481- 6/208 الخواتين الخاتون. الخواجا: 6/12، 159- 7/288، 324، 354- 13/41- 14/117 الخواجكي: 6/12، 158، 159- 13/41 الخواجكية: 4/424، 426- 6/30، 156، 158 خواص الأمراء: 3/425 خواص الخليفة: 3/555 خواص السلطان: 4/216- 5/5 الخواص الشريفة: 12/85 الخوان: 5/91، 92- 11/337 الخوان سلار: 5/442- 6/162

(د)

الخوانق الخانقاه خولة القانون: 3/525 الخوندات- الخوند: 6/78 الخوندات السلطانية: 7/182 خوند خاتون: 6/163- 7/183 الخيّالة: 4/209 الخيّر: 6/12 خيرة الإسلام: 6/49، 156 الخيري: 6/12 خيل أصحاب النوبة: 14/423 خيل الأولاق: 14/431 خيل البريد: 7/252- 11/170- 14/417، 418 خيل التلاد: 11/170 خيل السلطان: 14/424 الخيل الشهّارة: 14/422 الخيل العراب: 5/77 خيل الكراء: 7/253 خيل اليام: 14/431 خيول الخاص: 3/578 الخيول السلطانية: 3/427- 11/171 خيول المناداة: 4/63 (د) الدار: 6/77 (نعوت الدار) ، 164 دار التقيّة: 13/227 دار الحرب: 3/531 دار الخلافة: 3/284، 288- 4/334- 6/181- 7/135- 10/377 دار الديباج: 3/402 دار الذهب: 3/375 دار السلطنة: 14/176 الدار السيفيّة: 7/182 دار الضرب (دار الضرب والعيار) : 3/397، 509، 510، 533، 534، 557- 4/36- 7/233- 10/14، 28، 31، 41، 156، 364، 392، 396، 441- 12/27 دار ضرب العين: 10/437 دار الضيافة: 4/60 دار الطراز: 3/546- 4/6- 5/80- 10/388- 11/93، 333، 419- 12/395 دار العدل (الإيوان الكبير) : 1/172- 3/301، 423، 425، 571، 572، 589، 591، 603- 4/12، 28، 29، 30، 35، 37، 45، 46، 48، 57، 192، 196، 197، 199، 204، 231، 232، 241، 484- 5/261، 436- 6/193، 252، 254- 7/237- 8/22، 38، 393- 11/202، 327- 13/382 الدار العزيزة: 5/461، 470- 10/248 دار العلم: 3/558

دار الفطرة: 3/403، 550، 566، 576، 602 دار الكرامة دار الضيافة. الدار الكريمة: 6/77 دار الملك: 3/547 دار المملكة: 6/16 دار الندوة: 4/268 دار النقود: 12/470 دار النيابة: 3/424، 427- 4/17، 25، 65، 191، 202، 225، 229، 230، 241، 245 دار الوزارة: 3/396، 421، 501، 589، 593 الداعي (داعي الشيعة- الداعي الفاطمي) : 3/413- 5/48- 9/19- 13/243 الداعي الأصغر: 5/49 الداعي الأكبر: 5/49 داعي الدعاة: 3/558، 576، 589، 599- 5/425- 9/20 داعي الدعاة بالبراهين الظاهرة الى استعلام الحقائق: 6/49 الداغ السلطاني: 14/423 الداويّة الديويّة الدبّابة (دبابة العساكر) : 10/234، 235 الدبابيس (الدبّوس) : 1/474- 2/151- 4/4، 43 الدبادب: 2/142، 143- 3/288 الدبندار: 4/13 الدبيران: 5/88، 91 الدبيقي: 3/545- 4/307 الدرّاجة (درّاجة العسكر) : 10/228، 234 الدرّاعة (الدراريع) : 3/562- 5/89، 287 الدراهم- الدرهم: 5/172- 6/257- 7/233- 13/147 الدراهم الأحديّة: 1/483، 484 الدراهم الرديئة: 3/535 الدراهم الزيوف: 1/484 الدراهم السوداء: 3/510 الدراهم النقرة: 3/509، 510، 535- 4/187، 205، 239، 280، 420- 5/80، 136، 172- 13/42، 361 الدربندات (الدربند) : 14/162 الدّرج (دروج الورق) : 1/45، 46، 173- 2/510- 3/43- 5/399- 6/180، 185، 186، 224، 256، 302، 381- 7/235- 8/20- 9/343، 415- 10/192- 11/126- 13/341- 14/17 الدّرع: 2/151 الدرقة: 2/152- 5/141، 201 الدرقة الملوكية: 3/541 الدّرك: 4/222 الدركاه: 3/424، 427- 4/97

الدرّة اليتيمة: 3/579 الدرهم الجديد: 5/109 الدرهم الدرازدهكاني: 5/80 الدرهم السلطاني: 5/80- 14/178 الدرهم الششتكاني: 5/80 الدرهم القديم: 5/109، 136 الدرهم الكاملي: 4/280، 281 الدرهم المسعودي: 4/280 الدرهم المغربي: 5/136 الدرهم النقرة الدراهم النقرة الدرهم الهشتكاني: 5/80 الدرهم الوكاني: 5/80 دساتير المكاتبات الدستور الدّست: 7/145- 11/275 دست السلطنة: 8/385- 10/170- 11/327 دست الملك: 10/100 الدساتير الشامية: 6/15، 54، 150، 152، 164، 167، 172- 11/161 الدستور (الدساتير) : 4/375، 376، 377- 6/47، 95، 102، 110، 141، 143، 144، 148، 149، 151، 157، 163، 168، 334- 7/183، 298، 317، 362، 389- 8/45، 48، 66، 186، 187، 196- 10/160- 13/109 دسكرة فتوّة: 1/182 الدعاء (في المكاتبات) : 6/272- 7/150، 155، 156، 157 الدعاة: 10/99- انظر أيضا: الداعي الدعوة: 13/243 الدعوة الأموية: 5/163 الدعوة الحفصية: 5/191 الدعوة العباسية: 7/31 الدعوة المهدية: 14/26 الدعوة الهادية: 8/244- 9/20- 10/326، 378، 443- 13/241 الدعوة الهاشمية: 14/203 الدعيّ: 5/124 الدفاتر: 11/174 الدفّ: 2/160 دفتر المجلس: 3/556، 566 الدّفن: 1/57- 13/351، 352- 14/139 الدلاكسات: 5/32 الدلق: 4/44 دليل المريدين إلى أوضح الطرائق: 6/49 الدنانير: 6/257- 7/233 الدنانير الإفرنتية (الإفرنسية) : 3/508، 509 الدنانير الناصرية: 3/508 الدهاقنة: 13/60 دهاليز السلطان: 4/16 الدهليز: 3/299، 572، 573، 577- 4/47، 50- 14/135، 185

دهليز العمود: 3/572 الدهليز المنصور: 11/17- 14/189 الدوادار (الدواداريّة) : 1/46، 149، 150، 172- 4/19، 20، 30، 32، 46، 55، 60، 61، 62- 5/135، 434- 6/14، 35، 173، 199، 202، 205، 252، 254، 347- 7/174، 214، 237- 8/22، 228، 233- 11/129- 13/308، 310- 14/273 دوادار كاتب السرّ: 1/174 الدوادار الكبير: 1/154- 4/21، 39 الدواة الملوكية (دواة الخليفة) : 3/541، 592 الدواوين: 1/69، 126، 473- 3/520، 521- 10/239، 344 دواوين الأمراء: 4/64 دواوين الأموال ديوان المال دواوين الإنشاء ديوان الإنشاء دواوين الإنشاء بالممالك الإسلامية: 1/137 دواوين الإنشاء بالممالك الشامية: 6/183، 185 دواوين الديار المصرية: 3/458 الدواوين السلطانية: 3/424، 522، 531- 6/191، 203، 205- 11/323- 13/24 الدوج: 8/48 الدوج الجليل: 8/49 دوج البندقية والمانسية: 8/49 دوج كرال دين بني المعمودية: 8/49 دوران المحمل: 4/55، 58، 59 الدور السلطانية: 4/12، 145- 5/79 دور الضرب دار الضرب الدورة في القلعة: 4/8 دوق البندقية والمانسية: 6/169 الدوقس (لقب) : 6/80، 168، 169- 14/85، 88 الدوك: 3/508- 5/454- 8/49، 50، 127 الدوك الجليل: 6/170 دوك البنادقة وديارقة والرؤساء والاسطنبولية: 8/49 الدوكات (دراهم) : 3/508 الدولة العلوية: 10/330، 371، 384 الديادب: 11/92، 309- 12/110، 111، 145، 205- 14/445 الديدبانات: 7/224- 8/61 الديرانيون: 13/290، 316 الدينار الافرنتي: 4/187 الدينار الجيشي: 3/509، 510، 598- 4/52، 53- 5/109 الدينار الخراساني: 4/444

الدينار الرابح: 4/421، 423، 444، 468، 474 الدينار الرائج: 5/109 الدينار الصوري: 14/37، 53 الدينار العوال: 4/420، 421 الدينار الكبير: 5/109 الدينار المرسل: 4/420 الدينار المسمّى: 5/136 الدينار المصري: 3/509 الديوان: 4/422- 5/87، 88، 90، 286، 469- 6/119، 182، 337، 348، 379، 421، 502- 8/72، 273، 313- 11/41، 171- 13/113، 115، 132، 138، 385- 14/149 ديوان الأحباس ديوان الوقف ديوان الأحوال: 3/488 ديوان الاستداريّة: 6/192 ديوان الاستيفاء: 10/470- 11/49، 319 ديوان استيفاء الصحبة: 7/224 ديوان الأسرى: 4/198 ديوان أسفل الأرض: 3/568 ديوان الاقطاع: 3/565- 11/93، 346 ديوان الأمراء دواوين الأمراء ديوان الأملاك: 3/524 ديوان الإنشاء: 1/38، 45، 78، 88، 123، 124، 125، 127، 128، 129، 130، 131، 132، 133، 135، 137، 147، 150، 151، 158، 165، 481- 2/4- 3/52، 128، 424، 563، 569، 584، 587، 590- 4/20، 60، 151، 192، 195، 224، 225، 226، 244، 423، 427- 5/33، 193، 399، 436، 469- 6/181، 185، 191، 192، 198، 200، 204، 205، 206، 288، 299، 315، 489- 7/238، 294، 301- 8/5، 20، 48، 78، 332، 338- 9/229، 251، 252، 254، 257، 254، 257، 263، 279- 10/97، 160، 354، 367، 381- 11/26، 27، 54، 71، 327، 346- 12/94، 160، 168، 186- 13/64، 110، 159، 160، 319، 320- 14/84، 116، 126، 226، 411 ديوان الأحباس: 3/567- 4/39 ديوان الاستدارية: 6/192، 202، 205 ديوان استيفاء الصحبة: 7/224 ديوان بيت الاستبار (الاسبتار) الاسبتار بيت الاستبار الاستبار ديوان التحقيق: 3/566، 600 ديوان الثغور: 3/568 ديوان الجهاد (ديوان العمائر) : 3/569

ديوان الجيش (ديوان الجيوش) : 1/54، 55، 125، 137، 481- 3/365، 424، 509، 565، 598، 600- 4/16، 18، 31، 52- 5/32- 6/192، 202، 205، 206- 7/220، 238- 9/263- 10/401- 12/192- 13/113، 159، 160 ديوان الجيوش السلطانية: 4/63، 64، 196، 227 ديوان الحضرة: 13/131، 138 ديوان الحكم: 10/292 ديوان الحمام الرسائلي: 14/435 ديوان الخاتم: 1/472، 481- 2/139- 6/341 ديوان الخاص: 1/46، 137- 3/523- 4/30- 5/440- 6/192، 202، 205، 206، 253، 254- 7/217، 226- 8/22- 11/87، 123، 353- 13/41 ديوان الختم: 6/342 ديوان الخراج (ديوان الخراجي) : 3/568- 6/204- 13/63 ديوان خزائن الكسوة: 3/567 ديوان الخلافة: 1/128، 233، 241، 248، 249، 453- 3/336- 4/375- 5/460- 6/20، 32، 333- 7/127- 10/3، 4، 100، 141، 251، 272، 273، 301- 11/26- 13/67- 14/125 ديوان الخواص الشريفة: 7/238 ديوان الرسائل: 1/70، 78، 124، 137- 3/590- 6/342 ديوان الرواتب: 3/365، 565، 567 ديوان الزمام: 8/276 ديوان السلطان: 4/34 الديوان السلطاني: 3/515، 520، 527، 533، 536، 539- 4/20- 7/220- 11/93، 124- 14/50، 53 ديوان السواد: 13/131 ديوان الشام (دواوين الشام) : 1/482 ديوان الشدّ: 12/398 ديوان الشهود: 1/477 ديوان صاحب الإقطاع: 3/525 ديوان الصعيد: 3/568 الديوان العالي السلطاني: 7/78 ديوان العدل: 1/473 ديوان العرب: 1/89، 123 ديوان العراق: 1/482 الديوان العزيز: 1/233، 240، 248- 5/469- 6/20، 119، 288، 489، 490- 7/127، 128، 129، 130، 131، 134، 135، 136، 139، 140، 144- 8/284- 9/315

(ذ)

الديوان العزيزي النبوي: 6/32 ديوان العمائر ديوان الجهاد ديوان القضاء: 10/284 ديوان القضاء والحكم: 10/300 الديوان الكبير: 3/568 ديوان الكراع: 3/568 ديوان المال: 4/9، 423- 5/33- 9/260، 263 ديوان المجلس: 3/564، 566، 600 ديوان المرتجع: 10/365، 366 ديوان مصر: 1/482 الديوان المعمور: 7/216- 11/103، 112، 115، 317، 342- 12/62، 92، 94، 308، 448، 464- 13/36، 56، 81- 14/48، 52، 55، 82 الديوان المفرد: 3/524، 528- 4/14- 6/205- 7/220- 11/154 ديوان المقطع: 3/526 ديوان المكاتبات: 1/124، 137- 3/563 ديوان المكاتبات بحلب: 4/226 ديوان المواريث: 11/92، 368 ديوان المواريث الحشرية: 4/33- 11/318- 13/384 ديوان الناحية: 13/131 ديوان النظر: 3/566، 600- 13/160 ديوان الهلالي: 3/568 ديوان الوزارة: 1/127، 137- 3/522، 523، 532- 6/191، 192، 200؛ 202، 205، 206- 11/129، 353، 436 ديوان الوقف (ديوان الأحباس) : 1/476- 3/567- 10/271- 11/111، 252- 12/299، 357، 360 الدّيونة: 2/506 الديويّة: 7/21، 23، 366- 14/78، 79 (ذ) الذّخر: 6/12 ذخر الإسلام: 6/124 ذخر الإسلام والمسلمين: 6/49 ذخر الأمة: 6/49 ذخر الأمة النصرانية: 6/88، 169 ذخر أمير المؤمنين: 6/50 ذخر الدول: 6/156 ذخر الدولة: 6/49، 127، 132، 133، 134، 135 ذخر الطالبين: 6/50، 156 ذخر العشائر: 12/126 ذخر الغزاة والمجاهدين: 6/49، 108، 136، 137، 139 ذخر القانات: 8/226 ذخر المسلمين: 6/50، 119

(ر)

ذخر الملّة: 6/50، 128، 129، 142- 8/212 ذخر الملّة الصليبية: 6/170 ذخر الملّة المسيحية: 6/165، 167، 169- 8/37 ذخر الملّة النصرانية: 6/167 ذخر الملوك: 7/19 ذخر ملوك البحار والخلج: 6/88، 166- 8/28 ذخر الملوك والسلاطين: 6/128 ذخر الممالك: 6/50، 124، 141- 8/212 ذخر الموحدّين: 6/50، 129 الذخريّ: 6/13، 127، 128، 129، 130، 131، 132، 133، 134، 135، 136، 137 ذخيرة الدين: 9/270، 374 ذراريّ الملوك: 6/167 الذراع وأنواعها (للقياس) : 2/155، 156، 157 الذراع الزيادي: 3/513 الذراع الشامي: 4/306 ذراع العمل: 3/513- 4/123، 188، 223، 240، 243، 246 ذراع القماش المصري: 4/223، 281 الذراع النجاري: 3/513 الذراع الهاشمي: 3/512، 513- 7/332 الذهبية (حراقة السلطان العظمى) : 4/49 ذو جدن: 5/414 ذو الجلالتين: 8/74 ذو الجناحين: 5/414 ذو رعين: 5/414 ذو الرياستين: 5/415 ذو السيفين: 5/414، 415 ذو الشهادتين: 5/414 ذو الكفايتين: 5/415 ذو المجدين: 8/264 ذو المنار: 5/414 ذو نواس: 5/414 ذو النورين: 5/414 ذو النون: 5/414 ذو الوزارتين: 1/527- 5/415 ذو اليدين: 5/414 ذو يزن: 5/414 ذو اليمينين: 5/415 (ر) رأس الأولياء: 6/21 رأس البلغاء: 6/50 رأس الصدور: 6/50، 142، 158 رأس العلماء: 6/119 رأس العلياء: 6/50- 7/359 رأس الكهنة: 11/380 رأس رؤوس النوب: 5/428

رأس نوبة: 4/18، 62، 195- 5/427- 7/215 رأس نوبة النوب: 5/428 الراهب الرهبان الرباب: 2/160 الرباط (الرّبط) : 3/391، 417، 429، 463- 9/337- 11/24 الرباع: 3/568- 10/396- 14/103 الرباع السلطانية: 10/457 الربّاني: 6/13، 155 الربّانيون: 6/91- 10/255- 13/260، 271 الربط: 4/98، 334، 429- 5/151- 12/415- 14/178 ربع إمرة: 12/136، 137 ربع تقدمة إمرة: 12/293، 421 ربيب الملك القديم: 6/123- 7/414 رجال الحلقة: 13/164 الرجال المجرّدون: 10/382 رجال المركزيّة: 10/382 الرجّالة: 12/464 الرجعة- الرجعات: 11/94 الرّحلة: 6/13 رحلة الأقطار: 12/70 رحلة الحفاظ: 6/50 رحلة الطالبين: 6/149 رحلة القاصدين: 6/50 رحلة المحصلين: 6/50 رحلة الوقت: 6/51 الرحلّي: 6/13 الرختوان: 4/10- 5/442 الرزاديق: 14/139 الرزق: 10/130 رزق الخطابات: 4/39 الرسالة (الرسائل) : 1/313 الرسائل البلدانية: 1/207 الرسائل الصيديّة (رسائل الصيد) : 2/57- 14/188 رسائل المفاخرات: 1/58 الرسائل الملوكية: 1/58- 14/157، 188 الرستاق (الرساتيق) : 4/125- 5/59- 13/131- 14/250 رسم العواري: 3/547، 548 الرسوم: 1/136 رسوم الأنعام: 13/230- 14/444 الرشاشون داخل القصر: 3/600 الرشيد: 5/417 رضيّ أمير المؤمنين: 6/51 رضيّ الباب بابا رومية: 6/88، 166- 8/46 رضيّ الدولة: 6/51 رضيّ الدين: 11/359 الرطل: 4/188- 5/109، 172 رطل بغداد: 4/42 الرطل المصري: 3/511

الرفادة: 4/269 الرّق: 2/514 الرقاع: 1/145- 5/200 الرقبة: 2/141- 4/7 الرقبة السلطانية: 4/48، 381- 10/189 رقم خليفتي: 5/284 الركاب: 2/144- 3/555 الركاب خاناه (خزانة السروج) : 3/547، 558، 577- 4/11، 61- 7/224 الركاب داريّة: 4/6 الركاب الشريف السلطاني: 1/133، 162- 7/180- 10/373- 14/189 الركابيّة (الركابة) : 3/543، 554، 577، 580، 583، 600- 4/21- 11/170 الركّاضة: 11/421 ركب الحجيج: 4/281- 8/18 ركن الإسلام: 10/105، 429 ركن الإسلام والمسلمين: 6/51، 101، 102، 110، 116، 122، 129 ركن الأمة: 6/51- 8/10 ركن الأمة العيسوية: 6/88، 166- 8/41 ركن الأولياء: 6/51 ركن بيت جنكزخان: 7/317 ركن الدولة: 5/415- 7/65- 14/106 ركن الدين: 5/458 ركن الشريعة: 14/347 ركن القبائل: 12/126 ركن الملة الإسلامية: 7/323 ركن الملوك والسلاطين: 6/51، 154، 156- 7/314 الركني (لقب) : 8/273 ركوب أول العام: 3/577- 8/375 ركوب أول شهر رمضان: 8/320 ركوب الجمعة الأولى من رمضان: 8/322 ركوب الجمعة الثانية من رمضان: 8/321 ركوب الجمعة الثالثة من رمضان: 8/323 ركوب عيد الفطر: 8/324 ركوب العيدين: 8/376 ركوب عيد النحر: 8/328 ركوب كسر الخليج: 4/48 ركوب الميدان: 1/50- 3/582- 4/7، 48، 57- 8/25، 336، 385 رماة البندق: 1/182- 7/140، 142 الرمخ (من الآلات الملوكية) : 2/149- 3/541 رمي البعرة: 1/460 الرّنك: 4/63- 5/9، 201 الرهبان: 5/445- 8/123- 10/40- 11/392- 12/424- 13/277، 285، 316- 14/73 الرواتب: 1/132- 4/53 الروباص: 12/455

(ز)

رؤساء اليهود: 6/165 الروحاني: (لقب) : 6/81، 164، 168، 171- 8/29، 45- 13/368 الروزنامجات: 13/74 الروشن: 1/485- 14/171 الرّوك: 11/319- 13/185 الرّوك الحسامي: 3/500 الرّوك الناصري: 3/501- 4/14 رياسة الأطباء: 4/200، 228- 5/438- 6/160- 11/371- 12/4، 5، 289 رياسة الجرائحية: 4/200، 228، 6/160 رياسة الكحالين: 4/200، 228- 6/160- 11/378 رياسة اليهود: 11/378- 12/4، 5، 289، 426 الرئيس (وظيفة دينية) : 5/445،- 6/13، 144، 147، 148، 153، 161، 164- 12/279 رئيس الأصحاب: 6/141، 142، 145، 150، 151- 7/203- 8/212- 10/302 رئيس الأطباء: 6/160- 11/98، 371- 12/289 الرئيس الأوحد: 6/165- 11/84 رئيس الجرائحية: 5/439 رئيس الحرّاقة: 5/439- 6/161 رئيس الخلافة: (رئيس الحراقة) : 5/439 رئيس الرؤساء: 3/293 رئيس السامرة: 4/201- 11/386 رئيس الكبراء: 6/52، 144، 145 رئيس الكحالين: 5/439- 11/89، 99 رئيس النصارى: 8/30 رئيس اليهود: 9/265- 11/84، 89، 99، 385- 12/279، 289- 13/386 رئيس اليهود الربانيين: 4/201 رئيس اليهود القرائين: 4/201 الرئيسي (لقب) : 6/13، 142، 143، 144، 145، 146، 152، 158، 161 ريّ الشراقي (من أنواع الأراضي) : 3/517 الريد أرغون: 6/84، 166، 167- 8/37، 46- 14/75 الريد إفرنس: 5/261، 454- 8/35، 37، 39 الريع: 11/95، 199، 253 (ز) الزاهد: 6/13، 138، 157 الزاهديّ: 6/13، 128، 152، 154، 155، 156

الزبطانة: 2/154 الزجر والطيرة: 1/455 الزراعة الجديدة الشمالية: 14/65 الزراكشة: 5/80 الزردخاناه (ثوب) : 5/198 الزردخاناه: 4/11، 21، 61، 189- 11/339- 12/117 الزردخاناه السلطانية: 11/339 الزردكاش: 4/10 الزعامة: 10/105 زعماء أهل الذمة: 4/201- 9/272، 273- 10/303- 11/84، 378- 12/4، 279، 422 زعيم الجنود: 6/52، 129 زعيم الجيش: 10/180 زعيم الجيوش: 6/52، 108، 109، 123، 126، 128، 130، 132، 135- 8/212 زعيم الجيوش الموحدين: 6/52، 108، 109، 123، 124، 127، 130، 131، 132- 8/212 الزعيم الكفيل: 6/52 زعيم الموحدين: 6/52 زعيم المؤمنين: 6/52، 119- 7/359 الزعيمي: 6/14، 126، 127، 128، 129، 130، 131، 132 الزفّة حول السلطان في سفره: 4/21 الزكوات: 10/130 الزكيّ: 6/14، 138 الزمّ (وظيفة) : 10/369، 449 زمّ الأشراف الإسماعيليين: 10/404 زمّ الأقارب: 3/556- 10/317، 402 زمّ الرجال: 3/557 زمّ الرجال والطوائف: 10/317، 368، 409 زمّ السودان: 3/557 زمّ صبيان الحجر: 3/557 زمّ الطائفة الآمرية: 3/557 زمّ الطائفة الحافظية: 3/557 الزمّالة (الفراشون) : 5/202 الزمام: 2/144 زمام الأشراف والأقارب: 3/586، 599 زمام بيت المال: 3/572، 573 زمام الآمرية: 3/573 زمام الحافظية: 3/557، 573 الزمام دار (الزنان دار) : 5/432 زمام الدور السلطانية: 3/556- 4/22 زمام القصر (زمام القصور) : 3/556، 572، 578، 586، 599 الزمر: 2/142 الزنانير: 13/377 الزنان دار الزمام دار الزوايا: 3/429، 463- 4/98، 120، 429- 11/249 الزّوجين: 4/484 الزيارات (من أقسام المنجنيق) : 2/153

(س)

زين الإسلام والمسلمين: 6/52 زين الأعيان: 6/52، 153، 158 زين الأكابر: 6/52، 159 زين الأمراء: 6/139- 7/75 زين الأمراء في الأنام: 6/137 زين الأمراء المجاهدين: 6/54، 103، 108 زين الأمراء المقدمين: 6/136 زين الأنام: 6/52، 105، 125، 136، 159 زين الأئمة: 6/52 زين الأئمة العلماء: 6/52 زين البلغاء: 6/52، 146 زين بني المعمودية: 6/169 زين الحكام: 6/52 زين الدولة: 6/141 زين الدين: 5/458، 459- 11/359 زين الذوائب: 6/52 زين الذوائب الهاشمية: 6/52 زين الرؤساء: 6/147 زين الزهّاد: 6/54، 156 زين السلالة الزاهرة: 6/138 زين العابدين: 5/412 زين العبّاد: 6/54، 156 زين العترة: 6/139 زين العترة الطاهرة: 6/54، 128، 135 زين العشائر: 6/139 زين الغزاة: 6/139، 140 زين القبائل: 6/137 زين الكتّاب: 6/54، 147 زين المجاهدين: 6/54، 108، 138، 140 زين المشايخ: 6/157 زين الملّة: 14/106 زين الملوك: 7/19 زين المملكة: 6/128 زين المنتشئين: 6/144 زين المنشئين: 6/54 زينة النساء في العالمين: 6/163 الزّينيّ: 6/117 (س) السابق (لقب) : 7/417 سابق الدين: 5/458 السادة (أولاد الملوك) : 6/293 ساعي السنّة: 1/162 ساعي الشيعة: 1/162 الساقي: 5/426 السالك: 6/14، 157- 12/415 السالكيّ: 6/14، 154، 155، 156 السامي (لقب- بالياء وبغير الياء) : 4/120- 6/4، 14، 32، 98، 103، 104، 105، 108، 109، 113، 115، 116- 7/18، 172، 180، 181، 185، 191، 192

199، 205، 206، 245، 297، 298، 299، 300، 308، 328، 397- 8/13، 14، 15، 209، 210، 223، 230، 234- 9/275- 12/124، 136، 156، 160، 169، 193، 201، 227، 253 السائبة: 1/458 السائس: 3/549 السباخ (من أنواع الأراضي) : 3/519 السّبنيّة (بقجة قماش) : 5/198، 199 السّتارة (لقب للمرأة الجليلة) : 5/470- 6/77 (نعوت الستارة) ، 164 الستارة الرفيعة: 6/77 الستائر (من آلات الحرب) : 2/153- 8/305- 11/91- 12/31، 207 السّتر (وزن) : 3/586- 5/81 السجلّ (السجلات) : 1/120، 130، 168، 169- 3/558- 6/190- 8/244- 10/97، 271، 284، 300، 346، 360، 369، 389، 454، 460- 11/42، 54- 13/142، 163- 14/7، 131، 389 سداد الثغور: 6/54 سدانة البيت: 4/269، 270 سدنة النيران: 4/407 سراج الدين: 5/459- 11/359 السراحات: 6/212 السراخور- السلاخور: 5/432 سراخوري- سلاخوري: 5/433 السرادق: 3/368- 14/191 السّرج: 2/143 السرموزة: 4/10 السرّة النبوية: 5/461 سريّ الدين: 6/6- 11/359 سرير الخلافة: 3/505 سرير السلطنة: 10/130 سرير الملك: 3/425، 556، 572، 588، 601- 4/5- 10/177- 11/291 السريرية: 3/543 السعاة: 1/162 سعاة الصدقات: 10/40 سعد الدولة (علم سلطان بني عبد الحق بالمغرب) : 5/200 سعد الدين: 5/458، 459، 460 السعيد- السعيدة (ما يوصف بالسعادة) : 6/176، 178 السفّاح: 5/414 السفساري (قماش) : 137 السفير: 5/288- 6/15 سفير الأمة: 6/55، 145 سفير الدولة: 6/55، 173- 13/41 سفير الممالك: 6/55 سفير المملكة: 6/55، 142

سفير الملوك والسلاطين: 6/55 السفيريّ: 6/14، 142، 145، 173 سقاية الحجيج: 4/269- 7/51 السقلاطون: 3/546 السكرجة: 4/9 السكّة السلطانية (السكّة) : 3/282، 505، 508، 509، 534، 536- 5/45، 120- 9/305- 10/41، 437- 12/336، 454- 14/178 السلاح خاناه (خزانة السلاح) : 3/547- 4/11- 7/221 السلاح خاناه السلطانية: 4/19 السلاح دار: 5/434 السلاح دارية: 3/555- 4/19، 46، 48، 381- 5/91، 92 السلاخور السراخور السلاطين السلطان سلالة الأتقياء العارفين: 6/143 السلام (في أول الكتب) : 6/220 السلحدارية: 4/11 السلطان (السلاطين) : 1/88، 103، 104، 105، 106، 108، 109، 110، 111- 2/139- 3/300، 301، 302، 303، 423، 425، 427، 428، 505، 509، 528، 530، 532- 4/5، 6، 7، 10، 16، 19، 29، 30، 31، 33، 39، 40، 43، 46، 48، 52، 53، 54، 55، 56، 57، 58، 60، 61، 62، 64، 68، 72، 73، 98، 155، 189، 190، 192، 195، 197، 200، 201، 210، 211، 213، 214، 216، 225، 226، 228، 229، 278، 279، 280، 321، 421، 422، 423، 425، 427، 450، 461، 473، 474- 5/32، 33، 48، 78، 87، 88، 89، 91، 92، 93، 94، 98، 133، 134، 135، 136، 137، 138، 140، 141، 142، 149، 157، 195، 198، 199، 200، 201، 202، 203، 261، 283، 284، 286، 410، 436، 420، 471- 6/15، 19، 97، 105، 106، 120، 121، 148، 189، 194، 196، 198، 199، 201، 205، 207، 217، 253، 267، 288، 286، 293، 303، 304، 305، 306، 308، 310، 321، 419- 7/18، 19، 20، 41، 86، 92، 135، 167، 168، 177، 178، 182، 217، 322، 378، 392، 396، 401- 8/18، 23، 25، 36، 38، 57، 89، 105، 123، 173، 174، 186، 212، 227، 232، 234، 237، 245، 248، 255،

296، 311، 315، 316، 318، 336، 344، 354، 367، 392- 9/7، 26، 31، 248، 254، 256، 264، 270، 272، 279، 296، 315، 317، 338، 361، 411، 418، 423، 425- 10/4، 59، 75، 158، 172، 182، 190، 251، 379، 453- 11/13، 71، 86، 123، 129، 205، 327- 12/3، 4، 174، 221، 277- 13/24، 96، 123، 307، 337، 349- 14/3، 12، 14، 32، 40، 45، 69، 350 سلطان الإسلام: 7/399 سلطان الإسلام والمسلمين: 6/120- 7/317، 406- 8/26، 104- 10/59، 70- 13/350- 14/347 السلطان الأعظم: 6/7- 7/317- 9/271، 321، 326- 13/349- 14/85، 347 سلطان الأوان: 6/55، 122- 7/399 سلطان البسيطة: 6/55، 120، 122- 7/406، 407 سلطان بيت هولاكو: 8/27 سلطان الجيوش: 10/4، 320 سلطان الزمان: 12/270 سلطان العالم: 12/270 سلطان العدوتين: 8/89 سلطان العرب والعجم والترك: 6/55، 120- 7/406- 10/59- 13/350 سلطان الكرج: 6/166- 8/28 سلطان المغل والقبجاق والترك: 7/317 السلطاني: 5/471- 6/15، 117، 121، 122، 123- 7/90، 149 السلطنة: 3/554- 4/201، 206، 320، 417، 456- 6/5- 8/245، 313- 9/4، 251، 317، 321، 418، 424، 428- 10/65، 75، 169، 178، 182، 192- 11/71- 13/345- 14/398 سلطنة الخانية: 4/428 السلطنة العظمى: 10/192 سليل الأطهار: 6/55، 119- 7/359 سليل الأكابر: 6/56، 145 سليل الخلافة: 9/320 سليل الطيبين: 6/56 سليل الملوك والسلاطين: 6/56- 7/292 سليل اليونان: 6/166- 8/28 سليلة الملوك والسلاطين: 6/78، 172- 7/182 السماريّات- السميريات (نوع من السفن) : 2/451 السماط: 3/302، 600، 602- 4/12، 17، 21، 22، 25، 48، 49، 57، 65، 202، 229، 230،

241، 484- 5/199، 200- 7/231- 9/306- 11/167، 337- 12/298- 14/177 السّميدع (لقب) : 6/81، 165، 167، 169 السناجق (السنجق) : 1/474- 2/142- 4/4، 7، 49، 461- 7/396- 9/332- 12/108- 13/344- 14/165 سنان الدولة (أمير) : 3/596 السنجق اليمني: 5/33 السنجقدار: 5/435 سند الملّة المسيحية: 6/170- 8/42 سنة الدربندات: 14/162 السهام الخطاية (الخاطية) : 2/153 سوق الخيل: 3/427- 4/63، 202 السوط: 2/145 سياج بلاد الروم وإيران: 6/166- 8/28 سيّارة العسكر: 10/228 السياط الأصبحية: 1/487 السيّد (لقب) : 3/564- 6/15، 120، 122- 7/92- 8/346- 10/4، 105 السيّد الأجلّ: 10/164، 320، 357، 390 سيد الأكابر في العالمين: 6/142 سيد أمراء العالمين: 5/473- 6/56، 104، 127، 130، 132 سيد الأمراء الأشراف في العالمين: 5/473 سيد الأمراء في العالمين: 5/473- 6/56، 103، 104، 116، 126، 127، 128، 129، 130، 131، 132، 133- 8/212 سيد الأمراء المقدمين: 6/56، 103، 129 سيد البتركية: 13/369 السيّد الجليل: 9/270 سيد الرؤساء: 13/369 سيد الرؤساء في العالمين: 6/56، 141، 145، 160 سيد العلماء والحكام: 6/109، 116، 150 سيد العلماء والحكام في العالمين: 6/56، 116، 117 سيد العلماء والرؤساء والمشايخ في العالمين: 6/142 سيد العلماء العاملين: 6/151 سيد الفضلاء العاملين: 6/148 سيد الكبراء في العالمين: 6/56، 104، 109- 8/212 سيد ملوك الزمان: 6/120 سيد الملوك والسلاطين: 5/473- 6/120- 7/406- 10/59، 70 سيّد ملوك النصرانية: 6/168 سيد الوزراء في العالمين: 6/56، 104، 109، 141، 144، 145 سيدة الخواتين: 6/163- 7/183، 184

(ش)

سيدة الخواتين في العالمين: 5/473- 6/78 السّيديّ: 6/15، 118، 119، 141، 150، 154- 7/127، 140، 145- 8/273 السيروان: 11/168 سيف آل محمد: 5/415 سيف الإسلام: 8/346 السيف (من الآلات الملوكية) : 2/148 سيف الإسلام والمسلمين: 6/56 سيف الإمام: 6/119، 155- 10/320، 429 سيف الأمراء في العالمين: 7/325 سيف أمير المؤمنين: 5/413- 6/56، 106، 111، 112، 129، 130، 131، 132، 174- 7/19- 8/212- 9/315 سيف الجلالة: 8/7 سيف جماعة الشاكرين: 6/56- 7/407 سيف الحق: 6/56 السيف الخاص: 3/540 سيف الخلافة: 6/56، 123 سيف الدعوة: 7/65 سيف الدولة: 5/416، 455 سيف الدين: 5/458، 472- 6/277- 7/161 سيف الله: 5/414 سيف المناظرين: 6/56 سيف النظر: 6/56، 150 سيف نمجاه سلطانية: 4/65، 202 السيفي: 5/472 السيمياء: 5/155 سيوف الدم: 3/543، 581 السيوف القلجورية: 3/547 (ش) الشابورة: 3/601 الشادّ: 3/524، 530، 532، 558- 4/9- 5/33- 7/243، 248 شاد التاج: 3/599 شاد الخاص: 3/462 شاد الدواوين: 4/28- 11/109، 110- 12/31، 153 شاد الشراب خاناه: 4/195- 14/444 شاد مراكز البريد: 11/107، 109، 110، شاد المسابك: 4/198 شاد المهمات: 4/197 الشاذروان: 3/330 الشاعر (سفير) : 5/288 الشاهد (الشهود) : 1/476، 477- 2/6- 3/523، 526، 530، 532، 558، 573، 574، 594- 4/36، 55، 59، 64، 197، 226، 227، 245- 5/437- 6/189- 9/263، 264، 341، 347، 410- 10/298، 395-

11/29، 196- 12/45، 50- 14/132، 388 الشاهنشاه: 6/15، 120، 384- 7/406- 8/25- 9/345- 14/347، 399 شاهنشاه القان: 12/270 الشاهنشاهي: 6/122- 7/90، 399 الشاهنشاهية: 7/250 الشبّابة (من آلات الطرب) : 2/161- 4/8، 25، 26 الشبابة السلطانية: 4/65، 67 الشّباك: 2/154 شبيه مريوحنا المعمدان: 6/88، 167- 8/36 الشتونية- الشتاني (من أنواع الأراضي) : 3/518 شجاع الدين: 5/458 الشّحاني: 7/261- 8/30، 68 الشحنة: 5/342، 343، 344 الشحنكية: 5/344 الشخاتيت: 14/307 الشدّ (وظيفة) : 11/45- 2/35 الشدّاد: 3/549 شد الأقواد: 4/226، 227 شد الأوقاف: 4/193، 225، 240- 11/46 شد البحر: 12/455 شد التاج: 3/555 شد الجوالي: 12/306 شد الحوطات: 12/301 شد الخاص: 4/193، 240 شد خزائن السلاح: 12/305 شد دار البطيخ والفاكهة: 4/114 شد دار الضرب: 12/454 شد الدواوين: 4/23، 193، 205، 225، 240- 12/31، 32، 179، 201، 319، 448 شد الزكاة: 4/193 شدّ الزنّار (لأهل الذمة) : 13/23، 357، 378 شد الشراب خاناه: 4/22 شد الشراب خاناه السلطانية: 4/22 شد الشواني: 12/453 شدّ الطعم: 4/193 شد العشر: 4/193 شد العمائر: 4/23 شد متحصل قمامة: 12/333 شد مراكز البريد: 4/225، 240، 244- 12/181، 201، 302 شد المسابك: 4/194 شد المهمات: 4/192- 12/33 شد المواريث الحشوية: 4/194 شد المينا: 4/240 شدّة الوقار: 3/555- 9/305 الشراب خاناه: 3/546- 4/8، 9، 21، 22- 5/440- 7/222- 11/167- 14/441، 444

الشراب خاناه السلطانية: 4/22 الشراب دار: 4/9- 5/440 الشراقي (من أنواع الأراضي) : 3/519 الشرطة: 1/476- 4/194- 5/423، 425- 10/20، 222، 235 شرف الأسرة الزاهرة: 6/129 شرف الأصفياء المقربين: 6/57 شرف الأكابر: 6/147، 158 شرف الأكابر في العالمين: 6/158 شرف الأمراء: 6/104، 136، 137، 138- 9/314 شرف الأمراء الأشراف في العالمين: 6/57، 135 شرف الأمراء العربان في العالمين: 6/57، 135- 7/204 شرف الأمراء في الأنام: 6/103 شرف الأمراء في العالمين: 6/57، 104، 131، 132، 134، 135، 145 شرف الأمراء المقدمين: 6/57، 103، 104، 133، 135، 136 شرف الأمراء والوزراء في العالمين: 6/134- 7/326 شرف الأنام: 6/104، 105، 150، 156- 10/320، 429 شرف أولي المراتب: 6/129 شرف الخواتين: 6/78، 162- 7/182- 14/361 شرف الخواص: 6/139 شرف الدواوين (لقب) : 11/84 شرف الدول: 6/57 شرف الدولة: 6/124- 14/106 شرف الدين: 11/359 شرف الرؤساء: 6/57، 109، 137، 146، 147، 159 شرف الرؤساء في العالمين: 6/57، 142، 143، 144 شرف السادة الأشراف: 6/138 شرف الصدور: 6/147 شرف الصلحاء في العالمين: 6/57، 156 شرف الطائفة الإسرائيلية: 6/165 شرف العلماء: 6/157 شرف العلماء والحكام: 6/109، 152 شرف العلماء العاملين: 6/57، 151 شرف العلماء في العالمين: 6/57 شرف الكتّاب: 6/109 شرف الكتاب في العالمين: 6/57 شرف ملوك الأنام: 6/123 شرف الملوك في الأنام: 6/124 شرف الملوك والسلاطين: 6/57، 123 شرف النبلاء: 6/152 الشّرفيّ: 6/200 الشريف (وما يوصف بالشرف) : 6/17، 98، 139، 174، 177- 7/135 الشريفيّ: 6/17، 119، 135، 136، 173 الشطحات (عند الصوفية) : 11/98

الشطرنج: 2/158، 160 الشطفات السلطانية: 4/59 شعار الخلافة: 1/128- 3/289 شعار الذمة: 11/99، 385 شعار السلطنة: 5/33- 10/130، 172، 189- 11/27- 14/175 شعار الملك: 3/286 الشقة (خيمة سلطانية) : 4/50 الشليحصبّور: 5/445 الشليف: 3/550 الشمامسة- الشمّاس: 5/445- 8/44- 11/394- 13/277، 285، 290 شمس الأفق: 6/57 شمس الدين: 5/459، 460، 472- 6/277- 11/359 شمس الرياسة: 6/164- 11/391 شمس الشريعة: 6/58، 150، 151- 7/203 شمس العصر: 6/58 شمس المذاهب: 6/58 شمس الملّة: 6/382 شمس الملة النصرانية: 7/125 الشمسي (لقب) : 5/472 الشن (بمثابة دار العدل) : 4/484 شهاب الدين: 5/459- 11/360 الشهابي: 6/135- 7/351 شهادة الأسوار: 12/400 شهادة الجيوش: 12/473 شهادة الخزانة: 11/349 شهادة خزانة الخاص: 9/263 شهادة الخزانة العالية: 12/398 شهادة الخزانة الكبرى: 9/263 شهادة دار الضرب: 12/476 الشهدانج: 2/162 شهريار إيران: 14/348 الشهود الشاهد شهود الدواوين: 2/471 شهود السبيل (شهود المحمل) : 11/436 شهود القيمة: 11/94، 97 شهود المحمل شهود السبيل شهود المعدلين: 10/279 شهود المماليك: 4/31 الشهير: 6/17 الشوال: 8/251، 253 الشواني (الشينيّة) : 1/233- 3/597- 5/152- 7/47- 8/49- 10/57، 175- 12/177، 178، 214، 462- 14/45، 70، 79 الشورى: 10/276، 421- 11/195- 13/233 الشوزك: 3/542 شوشمس السلايح (من أنواع الأراضي) : 3/518 شون الأتبان: 3/549 الشونة: 3/366، 528

(ص)

شونة الغلال السلطانية: 4/33، 61، 62، 63 الشونيز: 4/421 الشيخ (لقب) : 5/132، 460، 468، 471، 472- 6/17، 157، 164- 7/181- 9/272- 11/83، 84 الشيخ الأجلّ: 11/4 شيخ الإسلام: 3/302- 7/347، 348- 8/176- 9/180- 14/119، 449 شيخ الجبال: 7/346 شيخ الحرم الشريف: 12/251 شيخ الخانقاه (مشيخة الخانقاه) : 4/39- 11/89، 98- 364- 12/100، 104، 409 شيخ الخانقاه الشميصاتية بدمشق: 4/200 شيخ الدولة وعمادها: 8/264 الشيخ الشمسي: 5/460 شيخ الشيوخ: 5/88، 90- 6/58، 155- 8/176، 178- 11/5، 82- 12/100، 409 شيخ شيوخ الإسلام: 6/58، 156 شيخ شيوخ العارفين: 6/58، 109، 148- 7/221 شيخ شيوخ المجاهدين: 11/4 الشيخ الصالح: 5/465 الشيخ الصفي: 5/460 شيخ الصوفية مشايخ الصوفية شيخ الطريقة: 4/313 شيخ الغزاة: 11/5 شيخ الفداوية مقدم الفداوية شيخ القراء: 7/347 الشيخ الكبير: 11/5 شيخ المذاهب: 6/150 شيخ المشايخ مشيخة المشايخ شيخ الملوك والسلاطين: 6/58 الشيخ المعظم: 5/134 شيخ الموحدين الكبار أشياخ الموحدين الكبار الشيخ الموفق: 5/460 الشيخي: 5/471، 472- 6/17، 113، 142، 148، 149، 150، 151، 154، 155، 156، 157- 7/313 الشيشني: 5/432 الشينية الشواني الشيوخ المشايخ: 5/67، 138، 199، 201، 202- 7/313- 11/110- 12/122 شيوخ الجند: 5/139 الشيوخ الصغار: 5/136 الشيوخ الكبار: 5/136 (ص) الصاحب (لقب) : 1/475- 6/17، 52 صاحب الأشغال: 5/134، 139

صاحب أمصار الروس والعلّان: 6/168- 8/47 صاحب الباب: 3/554، 559، 573، 575، 576، 580، 584، 593، 599، 601- 5/423، 425- 6/6 صاحب البحرين: 14/348 صاحب البريد: 14/416 صاحب بيت المال: 3/556، 578، 583، 585، 586، 591، 599 صاحب التّخت (القان الكبير) : 4/313- 7/356 صاحب التخت والتاج (لقب) : 7/317، 318 صاحب التعبئة: 10/234 الصاحب الجليل: 6/563- 8/144 صاحب الجيش: 8/141 صاحب الخراج: 2/446 صاحب الدفتر: 3/556، 586، 599 صاحب دفتر المجلس: 3/586 صاحب دواوين الإنشاء: 1/225- 4/195- 11/288 صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية: 1/137- 7/180- 10/125- 11/291 صاحب الديوان: 5/437 صاحب ديوان الإنشاء (صاحب الديوان) : 1/38، 45، 46، 84، 138، 149، 151، 159، 164، 171- 4/226- 5/416- 6/189، 192، 197، 201، 203، 337- 7/20- 8/20، 39، 63- 12/94- 13/339- 14/126، 224، 225، 416 صاحب ديوان الإنشاء بالشام: 1/138- 4/195 صاحب ديوان الإنشاء والمكاتبات: 3/563 صاحب ديوان الجيش: 9/264 صاحب ديوان الخزانة: 4/31 صاحب ديوان الرسائل: 12/161، 208، 282 صاحب الديوان الكبير: 3/568 صاحب ديوان المال: 3/603 صاحب ديوان المجلس: 3/564، 565 صاحب ديوان المكاتبات: 9/264- 12/161، 187 صاحب ديوان المكاتبات بحماة: 4/244 صاحب ديوان المكاتبات بطرابلس: 4/240 صاحب ديوان المكاتبات بحلب: 1/138- 4/226 صاحب ديوان المماليك: 4/31 صاحب ديوان النظر صحابة ديوان النظر صاحب الرسالة: 3/556، 586 صاحب الرقاعات: 5/135 صاحب الركاب الخاص (أصحاب ركاب الخليفة) : 3/555 صاحب سبل القبلتين: 7/407

صاحب السرير: 7/316 صاحب السيف: 3/557 صاحب الشرطة: 1/471- 3/559- 5/135، 140، 423- 10/207، 230 صاحب الصلاة: 5/425، 444- 13/277 صاحب الطعام: 5/135 صاحب العلامة: 5/135، 142- 7/41 صاحب العلامة الصغرى: 5/143 صاحب العلامة الكبرى: 5/143 صاحب القبلتين: 10/59- 13/350 صاحب القلم الجليل: 3/564 صاحب القلم الدقيق: 3/564- 6/200 صاحب كتب المظالم: 5/135، 140 صاحب المائدة: 3/594 صاحب المجلس: 3/556، 599 صاحب المظالم: 5/425- 10/254، 261 صاحب المظلة: 3/579، 586 صاحب المعونة: 2/446- 10/291 صاحب المقرعة: 3/580 صاحب المقياس: 3/324- 4/49 صاحب الملوك والسلاطين: 6/172 الصاحبي: 6/18، 113، 115، 141، 144، 145، 148، 149، 150- 7/287 الصادع (لقب) : 7/447 صارم الدين: 5/458 الصاع: 5/172 صاع الفطرة: 3/512 الصاع النبوي: 5/172 الصالح (لقب) : 6/18، 157 صالح الأولياء: 6/58، 119- 7/359 الصبيان: 5/134، 143- 8/246 صبيان الحجر: 3/552، 557 صبيان الخاص: 3/542، 552، 584 صبيان الخليفة: 3/543 صبيان الركاب: 3/554، 579 صبيان الزرد: 3/581 صحابة دواوين الإنشاء بالممالك الإسلامية: 11/296 صحابة ديوان الأحباس: 4/35 صحابة ديوان الأسرى: 12/390 صحابة ديوان الأسواق: 12/397 صحابة ديوان الأموال: 12/445 صحابة ديوان الإنشاء: 9/262، 264- 12/89 صحابة ديوان الإنشاء والمكاتبات: 3/563 صحابة ديوان البيمارستان: 4/35 صحابة ديوان الجيش: 4/34- 12/100 صحابة ديوان الحرمين: 12/403 صحابة ديوان الخاص: 9/262 صحابة ديوان المكاتبات: 12/208 صحابة ديوان النظر: 12/100 الصحبة الشريفة: 4/29

الصحفة: 5/109، 172 الصحوبية: 11/268 الصحيفة: 2/514 الصداق الصدقات الصدر: 5/471، 472- 6/18، 147، 148، 153، 159، 160، 161، 162- 9/272- 11/84- 12/289 الصدر الأجلّ: 5/466- 6/161، 162- 11/74- 12/279- 14/118 صدر الأعيان: 6/146 صدر الأئمة: 6/139 صدر الأئمة العلماء: 6/139 صدر جهان (قاضي القضاة) : 5/90، 91 صدر الدين: 5/459- 11/360 صدر الرؤساء: 6/142، 158 صدر الشام: 6/150- 7/203 صدر المدرسين: 6/58، 142، 148، 152 صدر مصر والشام: 6/58، 142، 151 صدر مصر والعراق والشام: 6/58 الصدري: 5/471- 6/18، 113، 153، 158، 159، 161 الصّدقات: 1/125، 140- 7/215، 219، 222، 230- 8/129، 392- 9/12، 420- 10/14، 26، 31، 40، 441- 11/171- 12/40- 14/99، 103، 402 الصّدقات (صداق الزواج) : 14/341، 344، 350، 352، 355، 357، 359، 361 صدقات الأعيان: 1/58 الصدقات الحكمية: 12/44 الصدقات الشريفة: 12/115 الصدقات الملوكية: 1/58- 14/341 الصّديق: 5/414 صديق المسلمين: 6/166- 8/46 صديق الملوك والسلاطين: 6/79، 164، 166، 167، 168، 169، 170، 173- 8/28، 41 صديقة الملوك والسلاطين: 6/171- 8/55 الصراصير (من أنواع الدفوف) : 2/161 الصعاليك: 14/39 صغار التقاليد: 11/73 صغار التواقيع: 1/173- 11/73 صغار المراسيم المكبرة: 11/73 صفوة الأتقياء: 6/59، 154 صفوة أمير المؤمنين: 6/107- 7/19 صفوة الدولة: 6/59، 145، 146 صفوة الصلحاء: 6/59 صفيّ الخلافة: 10/151 صفيّ الرب ومختاره: 13/369 الصكوك: 10/309 صلاح الإسلام: 6/59، 103 صلاح الإسلام والمسلمين: 6/59، 102،

(ض)

103، 141، 144، 145، 154 صلاح الدنيا والدين: 10/164، 177 صلاح الدول: 6/59 صلاح الدين: 5/459- 11/360 صلاح الملة: 6/59 الصلبوت: 7/424- 13/90، 289، 316 صلة دار الإسلام (لقب) : 9/315 صليب الصلبوت: 13/292، 317 الصماصم: 3/577 صمصام الدولة: 6/382- 14/106 صمصام الملوك اليونانية: 6/168- 8/47 صناعة الإنشاء: 8/119- 14/126، 131 صناعة الترسل: 8/236 صناعة الكتابة: 6/310 الصنانير: 2/154 الصنج: 3/507 الصّنجة: 4/187، 205، 223، 239، 243، 246، 280 الصنجة الشامية: 4/122 الصنوج: 5/92 صنيعة أمير المؤمنين: 7/19 الصهان: 2/142 الصوّاغ: 5/80 الصوفية: 6/12، 13، 14، 66، 113 الصولق: 2/140- 4/41، 42 صولة الإسلام (لقب) : 9/315 الصومعة: 13/382 الصيارف: 5/460 الصيرفي: 3/523- 5/438- 6/45 (ض) الضابط: 8/125 ضابط العساكر المسيحية: 7/125 ضابط الممالك الرومية: 6/79، 166- 8/46 ضابط الممالك الكرجية: 6/168 ضابط مملكة الروم: 8/48، 126- 14/88 الضرّابون (ضرّابو العملة) : 1/483 ضرائب الرسوم: 1/171 ضرب الثور ليشرب البقر: 1/462 الضرغام (لقب) : 6/81، 165، 166، 167، 168، 169، 170 الضمّان: 4/423- 11/173- 12/470- 13/98، 136 الضّوقس: 6/81- 8/48 الضّويّ: 3/567 ضياء الإسلام: 6/59، 102، 103، 150 ضياء الإسلام والمسلمين: 6/59؛ 103، 148، 151، 152 ضياء الأنام: 6/59، 156 ضياء الدين: 11/360

(ط)

(ط) الطاريء: 3/530 الطائع لله: 5/447 الطاهر: 6/19، 138 الطباق: 3/426 الطبائعية: 11/251 الطّبر (المظلّة) : 2/141 الطّبر (الفأس) : 2/150- 4/11، 23- 5/201 الطبردار: 5/430 الطبردارية: 2/150- 3/555- 4/23، 48، 49، 50- 5/434 طبرزذ: 2/150 الطبرزينات: 5/201 الطبلخاناه: 2/142- 3/551- 4/7، 8، 13، 61 الطبول: 2/142- 5/201 الطبيب: 5/88 طبيب الخاص: 3/599 الطراحات: 3/558، 564، 583، 586 الطراز (الطّرز) : 3/301، 567- 4/6، 307- 6/60- 10/14، 28، 31، 41- 11/88- 14/98، 99، 103 طراز العصابة العلوية: 6/60- 7/210 الطرائق الصوفية: 11/98 الطرحة: 3/301، 302 الطرخان- الطرخانيات: 1/53، 54- 4/311- 12/482- 13/3، 51 الطرخانية: 7/249، 250 طرز الكسا: 10/28 الطرقيّة: 11/96، 212، 374- 12/470 الطرّة (في الكتب) : 1/55، 56- 5/404، 405، 411- 6/214، 301، 302- 7/19، 240، 244، 247، 274، 329، 332، 350- 8/21، 26، 62- 9/274، 277، 343، 361، 373، 415، 426، 428- 10/133، 193- 11/86، 126- 12/290- 13/25، 164، 341، 378- 14/97، 116، 138، 170 الطست دار: 5/440 الطسوج: 13/131 الطسوق: 13/68، 131 الطشت خاناه: 3/546- 4/8، 9، 10، 61، 62- 5/440- 11/167 الطشت داريّة: 4/10 الطغراة- الطغرى- الطغراوات: 1/55- 2/506- 3/52، 128- 5/410- 6/215- 7/272، 273، 317، 321، 329، 399، 400- 8/24، 78- 13/167، 168! 169- 14/138

(ظ)

الطغرائي: 14/170 طلاق الحرج: 14/101 الطلبة: 5/202 الطلحية: 12/290- 14/309 الطمغات: 7/273، 274، 275، 333 طمغاج: 4/480 الطن طمغا: 4/427 الطواحين السلطانية: 3/523، 549، 550 الطواحين النجدية والغشيمة: 3/550 الطوارق: 3/428 الطواشية- الطواشي: 3/551- 4/192، 197- 5/428، 458- 6/9- 7/174- 8/39، 73- 12/254- 13/165 الطوّاف: 12/153- 13/99 طوائف الأجناد: 3/552 الطوسق: 10/271 الطوق: 3/294، 558- 8/342 الطومار- الطوامير: 1/87- 3/54- 6/180، 184، 373- 7/129- 8/79 الطومار الكامل: 7/41 الطومار المنصوري: 6/182 طيّ الكتاب وختمه: 6/338 الطير الجليل- طير الواجب: 2/58، 69، 75، 76- 12/267- 14/138، 321، 323 الطيلسان: 1/487- 8/323- 11/197- 12/42- 13/363 (ظ) الظاهري: 6/117 ظل الله في أرضه: 6/60، 120- 7/406، 407- 8/26، 104- 14/347 ظل الله الممدود: 7/416 الظهير- الظهائر (من أنواع المكاتبات) : 6/19- 10/309، 310- 11/3، 4، 13، 23 الظهير (لقب) : 7/125 ظهير الإمام: 8/6 ظهير الإمامة: 6/60، 123- 8/7 ظهير أمير المؤمنين: 6/60، 123 ظهير الباب بابا رومية: 6/89، 167- 8/28 ظهير بابا رومية: 6/168- 8/37 ظهير الخلافة: 8/89 ظهير عباد الله: 6/384 ظهير الملوك والسلاطين: 5/413- 6/60، 105، 126، 127، 128، 129، 130، 131، 132، 133، 134، 135، 136، 141، 174- 8/212 الظهيريّ: 6/19، 126، 127، 128، 129، 130، 131، 132، 133، 134، 135- 8/273

(ع)

(ع) العابد: 6/19، 157 العابدي: 6/127، 128، 152، 154، 155، 156، 173- 11/85 العادل (لقب) : 5/457- 6/19، 120، 122، 123، 124، 282- 7/125- 10/59 العادل في أهل مملكته: 168 العادل في رعيته: 6/166 العادل في ملّته: 6/84 العادل في ممالكه: 8/46 العادل في مملكته: 6/84، 165، 166، 170- 8/41 العادلة في مملكتها: 6/171 العادليّ: 6/19، 115، 121، 122، 123، 124، 126، 127، 128، 129، 130، 131، 132، 133، 134، 141، 144، 148، 173 عارض الجيش: 14/182 العارف: 6/20، 165 العارفيّ: 6/20، 156، 158 العاشر (الذي يأخذ المكوس) : 3/407 العاضد: 6/20 عاضد كلمة الموحدين: 8/89 العاضد لدين الله: 5/416، 449 عاقد البنود: 6/61، 122، 123، 129 العالم (لقب) : 5/471، 472- 6/20، 120، 122، 123، 124، 138، 153، 182- 7/125- 10/59 العالم بأمور دينه: 6/165، 166- 8/46 العالم الربّاني: 6/13 العالم في ملته: 6/165، 166، 168، 170- 8/41 عالمات النساء: 11/96- 12/470 العالمة في ملتها: 6/171 العالمي: 5/471، 472- 6/20، 115، 121، 122، 123، 124، 126، 127، 128، 129، 130، 131، 132، 133، 134، 135، 136، 141، 142، 143، 144، 145، 146، 148، 149، 150، 151، 152، 154، 155، 156، 160، 173 العالي: 4/120- 6/20، 68، 104، 113، 115، 117، 119، 123، 124، 126، 127، 128، 129، 130، 131، 132، 133، 134، 141، 142، 143، 148، 149، 154، 155، 174، 178 (ما يوصف بالعلوّ) 7/18، 192، 308، 328- 8/14، 222، 230، 232، 234 العالية (لقب النساء) : 6/162، 163- 7/182، 183، 184 العالية المحجّبة: 6/162

العامل- العمّال: 1/68، 74، 77، 167، 169- 3/530- 8/379- 11/32- 13/138، 368 العامل (الذي ينظم الحسابات) : 5/438- 10/378 العامل (لقب) : 471، 6/20، 138، 164- 7/125 العاملي: 5/471- 6/20، 141، 143، 146، 149، 150، 154، 155، 156 العباءة- العبي: 2/143- 4/43، 44، 63 العبد (لقب) : 7/100، 103، 109، 117، 128 عبد الله ووليّه: 5/446- 6/118 عبرة الإقطاعات- العبرة: 3/509، 565- 11/316- 13/141 عيي المراكيب: 4/12 العبي الإصطبليات: 4/12 عبيد الدولة: 8/265 العبيد الركابية: 5/88 عبيد السلطان- العبيد السلطانية: 5/90، 143 عبيد الشراء: 3/405، 553 عبيد المخزن: 5/141 العتابي (من القماش) : 11/333 العتبات الشريفة: 7/129، 133، 145 العتبات العالية: 6/288، 7/19 العتبات الكريمة: 8/187 العتقاء: 3/553 عتيق: 5/414 العداد: 14/35، 36 عدة الدنيا والدين: 6/61 عدة الملوك والسلاطين: 6/61، 62، 105، 139، 140- 7/19 العدول: 3/562 العرّادات: 10/421 عراضات الكتب: 1/59- 14/364، 369 العراضي الدبيقية: 3/583 العرب الشهّارة: 14/424 العربان: 4/212، 234، 237- 7/175، 203، 213، 247، 304- 8/3، 23- 12/421- 14/77، 138 عربان الطاعة: 7/245 العربان ذوي الإقطاعات: 14/422 العرض: 10/105 العرضيات: 6/307 العريف- العرفاء (لجباية المال) : 1/483- 10/31، 400- 13/361 العريق (لقب) : 6/20، 147 العريقيّ: 6/20، 128، 135، 137، 142، 145، 148، 149، 150، 151، 173 عز الإسلام: 6/61، 123، 124، 136- 7/18

عز الإسلام والمسلمين: 6/61، 101، 102، 110، 111، 116، 123، 124، 126، 127، 128، 129، 130، 131، 132، 133، 134، 135، 142- 8/212 عز الأمة المسيحية: 6/168- 8/29، 47 عز الأمة النصرانية: 6/79، 166 عز الخلافة وشمسها: 8/264 عز الدين: 5/458، 459، 472- 6/277- 11/361 عز المجاهدين: 10/151 عز الملة المسيحية: 6/170 عز الملة النصرانية: 8/41 عز الملوك: 7/19 العزيّ: 5/472- 8/273 العزيز: 6/20، 177 (ما يوصف بالعزّ) العزيز بالله: 5/416 العساكر- العسكر- العسكرية: 3/581- 4/204، 223، 278، 382، 422، 424، 449- 5/87، 142، 183، 203، 287- 6/35- 7/261، 387- 8/69، 106، 329، 338، 347- 10/56، 180، 221، 426- 11/64- 12/20، 165، 199، 314، 431- 13/224- 14/19، 62، 77، 179، 194 العساكر الآمرية: 3/581 العساكر الاتراك- العساكر الأتراك المصطفون: 3/581 عساكر الإسلام: 8/43- 14/121، 192 العساكر الأفضلية: 3/581 العساكر الأكراد: 3/581 العساكر الحافظية: 3/581 العساكر الحجوبية الصغار- والكبار: 3/581 العساكر الجيوشية: 3/581 عساكر الغزّ: 3/581 العساكر المنصورة: 7/228- 8/73، 253، 326، 392- 10/90- 11/146، 171- 12/22، 107، 132- 14/52، 182، 400 العسس: 1/473- 10/234 العسكر الجلالية: 4/456 العسكر الهولاكية: 8/27 العسكرية المركزيّة: 10/378 العسلي: 1/488 العشاريات: 3/590، 594 عشرات التركمان: 6/182 العشور: 8/74- 14/99، 103 العصابة: 4/7 العصائب السلطانية: 4/48، 50 العصمة: 7/184 عصمة الدين: 6/162- 7/182 العصمى (لقب) : 6/163

العصميّة (لقب النساء) : 6/162، 163 العضد (لقب) : 6/21، 125، 139 عضد الأمة الفرنجية: 7/125 عضد أمير المؤمنين: 6/61، 106، 111، 112، 116، 123، 124، 126، 127، 128، 129، 130، 131، 174- 8/212 عضد الدولة: 5/416- 6/382- 14/106 عضد الدولة وتاج الملّة: 5/416، 462 عضد الدين: 11/361 عضد دين النصرانية: 6/170 عضد المتقين: 7/318 عضد الملوك والسلاطين: 5/474- 6/61، 105، 133، 136، 137، 138، 139، 173، 174 العضديّ: 6/21، 128، 131، 135، 137، 138 العطاء: 7/105- 10/31، 39 العطّارون: 11/212- 12/470 عظيم الملّة المسيحية: 6/164- 8/45 عقد الأمان: 1/57- 13/321 عقد الجزية: 14/3 عقد الذمة: 13/355، 359، 360، 365 عقد الرّتم (من أوابد العرب) : 1/465 عقد الصلح- عقود الصلح: 1/56، 58- 7/352- 13/321- 14/8، 10، 18، 26، 90، 91، 110 علاء الإسلام والمسلمين: 6/63، 149 علاء الدين: 5/458- 11/361 العلامة: 3/282، 505، 515، 564- 5/410- 13/342 العلّامة (لقب) : 6/21، 332، 334، 336- 7/20، 129، 235، 332، 344- 8/21، 24، 180، 184، 194 علامة أهل الذمة: 11/382 العلامة السلطانية: 1/137- 3/282، 505، 515، 564- 5/193، 403- 7/176- 8/23- 11/232- 13/24، 327، 349، 387 العلامة الشريفية: 1/132- 4/8- 7/169، 274- 397- 11/32، 92 العلّاميّ: 6/21، 128، 141، 142، 144، 148، 149، 150، 152، 155 علم الأعلام: 6/62 علم الأئمة المهتدين: 8/104 العلم الخليفتي: 10/136 العلم دار: 5/435 علم الدولة: 6/61 علم الدين: 5/458، 459- 10/351- 11/360 علم الزهّاد: 6/61

علم العبّاد: 6/155 علم الكلام: 1/478 علم العلماء الأعلام: 6/61 علم الكبراء: 7/65 علم المفسرين: 6/61، 62 العلم المنصور: 5/138، 142، 200، 202 علم النحاة: 6/62 علم الهداة: 6/62، 119- 7/359 علماء السنّة: 6/70 العلوج- علوج السلطان: 5/197، 201، 202 العليف: 3/524 العماد: 5/417 عماد الأمة: 6/132، 135 عماد بني المعمودية: 6/89، 164، 166، 167، 169، 170- 8/28، 41، 46- 11/84 عماد الحكام: 6/62 عماد الحكام البارعين: 6/62 عماد الحكام في العالمين: 6/62 عماد الدولة: 6/62- 8/212- 10/151 عماد الدنيا والدين: 8/104 عماد الدين: 11/361 عماد العباد: 6/156 عماد العرب: 6/62، 135- 7/204 عماد المحدثين: 6/62 عماد الملّة: 6/62، 127، 129، 130، 131، 132، 144، 145- 8/10 عماد الملّة الباهرة: 6/384 عماد الملوك والسلاطين: 6/137، 139 عماد المملكة: 6/62، 133 عماد المملكة الجنكزخانية: 7/323 عماد النصرانية: 6/169 العمادي: 8/273 العماريات: 3/544، 548، 573، 577 العمال العامل عمال الخراج: 10/24، 38، 40- 13/337 عمال الخلفاء: 3/482، 483- 4/414- 5/44 عمال الصحابة: 4/167 العمامة العمائم العمائر السلطانية: 1/180- 3/379- 4/23- 10/374 العمامة الحمراء: 13/363 العمامة الزرقاء: 13/363، 377، 383 العمامة الصفراء: 13/363، 377، 383 العمائم- العمامة: 1/474- 3/294، 301، 302- 4/3، 41، 47، 44- 5/89، 137، 138، 197، 287- 7/359- 11/195، 385- 13/363 عمدة أمير المؤمنين: 10/363 عمدة الدين: 10/320، 363 عمدة المحدّثين: 6/151

عمدة المحققين: 6/151 عمدة المفتين: 6/152 عمدة الملوك: 7/125 عمدة الملوك والسلاطين: 6/62، 105، 125، 138، 139، 140- 7/18، 19 العمرات: 14/398، 402 عميد الدولة: 5/415 العنوان- العنونة (في المكاتبات) : 6/335، 352، 381- 8/20- 14/138 العهد بالخلافة: 5/238، 405 العهد بالسلطنة العهود السلطانية العهود- العهد: 1/52، 91، 125، 166، 167، 173، 229، 234، 239، 271، 504- 2/4، 5، 15- 3/55، 61، 289، 299، 300، 301، 302، 495، 505، 557- 5/180، 249، 405، 411- 6/214، 215، 219- 8/238- 9/251، 271، 276، 284، 318، 342، 344، 362، 364، 367، 373، 376، 383، 387، 389، 396، 405، 410، 417، 425، 428- 10/6، 30، 44، 68، 75، 100، 120، 158، 164، 182، 193، 195، 251، 295، 334- 11/71، 185- 13/364- 14/137، 282، 404 عهود الخلفاء: 6/181 العهود السلطانية: 5/405 العهود العباسية: 10/136 العواري: 10/421 عوامل بساتين الملك: 3/550 عوان الأمة: 6/126، 127، 128، 129، 130، 131، 132، 135، 142، 144 العود (من آلات الطرب) : 2/160 عون الإسلام والمسلمين: 6/130 عون الأمة: 5/474- 8/212 عون الأنام: 8/13 عون جيوش الموحدين: 6/62- 8/10 عون العساكر: 6/62 عون العناة: 8/89 عون الملّة: 6/129 العوني: 6/21، 129، 130، 131، 132، 133، 134، 135، 136، 141، 144، 145 العيار: 1/483- 3/534- 10/14، 31، 396 العيّارة- العيّارون: 12/112، 455 عين الأعيان: 6/63، 142، 158- 7/65 عين الخواجكية: 13/41 عين السلطنة: 6/128 عين المملكة: 6/63 العيون والجواسيس: 1/159، 160،

(غ)

161، 162- 10/221، 223 (غ) الغازي: 6/21، 124، 125، 138، 139، 140 الغاشية: 1/528- 2/142- 4/6، 48- 5/5- 7/397 الغالية: 1/490 الغراب- الغربان (من السفن) : 7/427- 8/128- 10/175- 12/212 الغرارة: 4/122، 188، 205، 206، 243، 281- 13/30 غرس الدين (لقب) : 11/361 غرس الملوك والسلاطين: 6/171- 8/44 الغرّة (دنانير ودراهم) : 3/582 الغريبة (بوق خاص بموكب الخليفة) : 3/579 غرة الزمان: 6/63 الغزاة: 6/107 الغشمشم (لقب) : 8/120 غصن الإسلام: 14/360 الغضنفر (لقب) : 6/81، 165، 166، 167، 169، 172 الغلات: 10/105 الغلام (الغلمان) : 5/442- 11/170، 173 غلمان الاصطبل السعيد: 11/168 الغلمان السلطانية: 4/21- 5/460- 8/74، 76 الغلمان المجريّة: 3/288 الغنيمة: 2/4 الغوث: 5/472- 6/21، 24 غوث الأنام: 6/63 الغوثي: 6/126، 127، 128 الغول: 1/462 غياث الأمة: 6/63، 129 غياث الأنام: 6/63، 122 غياث الدنيا والدين: 6/384 غياث الدين: 11/361 غياث الملة: 6/126، 128، 130- 8/212 الغياثي: 5/472- 6/21، 126، 127، 128، 129، 130، 131، 132، 141- 7/314 الغيار (لباس أهل الذمة) : 10/468- 13/370، 378 غيث العفاة: 8/89 (ف) الفاتح: 6/22 فاتح الأقطار: 6/63، 120- 7/406- 14/348 فاتح الأمصار: 10/59

فاتح الممالك والأقاليم والأقطار: 5/473 فارس البحور: 6/169 فارس البر والبحر: 6/89، 167- 8/36 فارس الدين: 5/458 فارس المسلمين: 6/63- 7/18 الفاروق: 5/414 الفاضل: 5/417- 6/22، 138، 147، 153- 7/65 الفاضليّ: 6/22، 128، 142، 144، 145، 146، 150، 151، 152، 154، 156، 160 الفانوس الفوانيس الفانوسيّة: 1/474 الفائز: 6/22 فتح الخليج: 3/592- 8/332 فتح الدين (لقب) : 11/362 الفتوحات الإسلامية الساحلية: 10/180 الفتوحات الجاهانية: 4/85، 137، 234- 11/108- 12/168- 14/429 الفتوحات الصفدية: 10/180 الفتوّة- الفتيان: 1/182- 12/269، 270 الفخّ: 2/154 فخر أبناء المعمودية: 7/125 فخر الأسرّة: 6/139 فخر الأسرّة الزاهرة: 6/64 فخر الأعيان: 6/64، 143، 159 فخر الأمراء: 6/104، 138، 140- 8/264 فخر الأمة العيسوية: 6/167- 8/37 فخر الأمة المسيحية: 6/169 فخر الأنام: 6/64، 104، 139، 146، 152 فخر الحسّاب: 6/146- 11/80 فخر الحسب العلوي: 6/119 فخر الخواص المقربين: 7/249 فخر الدولة: 10/4 فخر الدين: 5/459- 8/7- 11/362 فخر دين النصرانية: 6/168- 8/29 فخر الرؤساء: 6/64 فخر السالكين: 6/155 فخر السلالة الزاهرة: 6/64، 135 فخر الشجرة الزكية: 6/64، 139- 7/210 فخر الصدور: 6/64، 153 فخر الصلحاء: 6/64، 156، 157 فخر العبّاد: 6/64 فخر العترة الطاهرة: 6/138 فخر العشائر: 6/137 فخر العيسوية: 6/169، 170 فخر القبائل: 6/139 فخر الكتّاب: 6/142 فخر المجاهدين: 6/64، 125 فخر المحدثين: 6/64 فخر المدرّسين: 6/64

فخر المفيدين: 6/64 فخر الملوك: 7/19- 9/314- 10/429 فخر الملوك والسلاطين: 6/64، 123- 10/164، 177 فخر الملّة: 10/151 فخر الملة المسيحية: 6/90، 169 فخر النسب العلوي: 6/64- 7/259 الفخري: 7/289 الفدان الإسلامي: 4/205، 223، 240، 246 الفدان الرومي: 4/205، 223، 240، 246 الفداوية: 1/154- 4/151، 279- 7/248 الفرّاشون- الفرّاش: 1/474- 3/563، 583، 600- 14/11- 5/202 الفراش خاناه: 3/547- 4/10، 61، 62، 190- 11/168 الفرجيّة: 4/44، 45- 5/89- 11/195 الفرخة (الطومار الكامل) : 3/54- 6/180- 7/129، 184- 12/290- 13/85 الفرخة البلدي: 8/126 فردادار (بردادار) : 5/440 فرد الزمان: 6/65 فرد الزمان: 6/65 فرد السالكين: 6/65 فرد الكم: 3/563 فرد الوجود: 6/65 فرسان الديويّة: 6/518 فرش السجّادة: 11/98 فرع الشجرة الزكية: 6/65 فرعون: 5/451 الفرمان: 8/65، 70 الفرنج الدموية: 4/180 الفرنج الشوال: 8/253 الفرنج اللوسرية: 8/253 الفرنجية (فرقة في الجيش) : 3/581 الفرنسيس: 3/508- 5/454- 8/40 الفرنسيسية: 4/63 الفروض الحكمية: 10/472 الفريدي (لقب) : 6/23، 142، 149، 150، 151 الفسطاط: 2/146- 4/8، 59- 14/175، 191 الفسوخ: 1/56- 13/321- 14/121 الفضّة النقرة: 3/535 الفطرق: 10/304- 13/276 الفطرة: 3/403 فقهاء المكاتب: 6/22- 11/96- 12/62، 470 الفقيه (لقب) : 6/22، 100 الفقيهيّ: 6/23، 100، 152 الفلوس: 3/510، 511 الفلوس الجدد: 3/502، 510، 511، 536- 4/122، 187، 205، 281- 7/233

(ق)

الفلوس الصغار: 3/535- 4/187 الفلوس العتق: 3/511- 4/223، 240- 7/233 الفلوس القديمة الفلوس العتق فن الديونة: 2/448 الفنداق: 3/526- 12/454 الفواتح- فواتح الكتب- الافتتاحات: 1/47، 48، 480- 6/208 الفوانيس: 1/474- 2/145 فوريلياي (انظر قوريلتاي) الفيء: 2/4 (ق) قاتل الكفرة والمشركين: 6/122- 7/318 القاتول: 2/146- 3/544، 592 القاضوي: 5/424، 471- 6/23، 99، 113، 141، 144، 145، 148، 150، 151 القاضي- القضاة: 1/475، 476، 477، 509- 2/5، 6، 15- 3/301، 302، 394- 4/30، 43، 44، 46، 55، 57، 59، 65، 204، 227، 231، 232، 243، 423- 5/67، 88، 89، 92، 138، 139، 197، 198، 286، 406، 423، 459، 468، 471، 472- 6/23، 52، 99، 102، 104، 106، 107، 109، 114، 147، 148، 151، 153، 188، 202، 273، 277- 7/19، 92، 221- 8/23، 133، 148، 198، 202، 203، 208، 209، 213، 221- 9/18، 265، 272، 337، 418- 10/38، 99، 157، 196، 224، 364، 434- 11/80، 88، 115، 407- 12/40، 57، 158، 174، 208، 216، 253، 287- 13/153، 277- 14/138، 383، 415 القاضي الأجلّ: 5/466- 6/148- 12/167، 287 قاضي الجماعة: 5/135، 141- 11/20، 23 قاضي الحكم: 8/179، 182- 10/64 قاضي الركب: 11/435 قاضي العسكر: 4/46، 203، 230، 240، 244- 8/221، 229،- 9/258- 11/96، 118- 12/286- 14/181 قاضي القضاة- قضاة القضاة: 1/484، 487- 3/324، 533، 534، 557، 558، 563، 573، 575، 576، 583، 584، 589، 599، 601- 4/64، 198، 202، 203- 5/88، 90، 91، 135، 141،

199- 6/18، 46، 47، 48، 52، 57، 58، 334- 7/203، 347، 348- 8/133، 176، 178، 219، 228، 246، 392- 9/17، 21، 180، 257- 10/158، 273، 395، 317- 11/80، 81، 103، 116، 118، 173- 12/4، 40، 43، 76، 156، 201، 276- 14/119، 181، 349 قاضي قضاة الحنابلة: 11/192 قاضي قضاة الحنفية: 11/177 قاضي قضاة الشافعية: 1/477- 7/182، 202، 221- 11/85 قاضي قضاة المالكية: 7/181 قاضي قضاة الممالك: 4/423 قاضي القلعة: 12/174 القاضي المكين: 10/363، 391 قاعة الذهب: 3/569 قاعة الصاحب: 3/424 قامع البدع: 6/65 قامع البدع ومخفي أهلها: 6/65 قامع البدعة: 6/65 قامع الكافرين: 7/26 قامع الكفرة والمشركين: 10/105، 151 القان- القانات: 1/49- 2/506- 3/61- 4/60، 419، 422، 424، 426، 475، 478، 483، 484- 5/403، 443- 6/122، 134، 181، 297، 287- 7/288، 321، 344، 400، 403،- 8/20، 24، 25، 45، 62، 72، 77، 224- 10/192- 14/138 القان الأعظم: 7/256- 8/64 القان الكبير- القانات الكبار: 7/356، 399 القانية: 7/250 قاهر الخوارج والمتمردين: 10/105، 106، 151 قائد القواد: 3/562 قائد الموحدين: 6/122- 7/414 القائم: 5/414، 447 القائم بأمر الله: 5/447، 448 القائم بسنّته وفرضه: 6/120- 14/347 القائم في مصالح المسلمين: 6/37 القائم في مصالح الدنيا والدين: 7/405 القائمقام: 4/20 القباء- الأقبية: 3/301- 4/10- 5/138 القباء الإسلامي: 4/41، 42، 54، 57، 381- 5/89 قبّاض اللحم: 4/10 القبّة: 2/141، 146 قبّة الساقة: 5/203 القبوض: 10/300 قتل الأولاد خشية الإملاق: 1/460

القداح: 1/456 القدح المصري: 3/512 القدمة: 1/356 قدمات البندق- قدم البندق: 1/58- 2/57، 69، 75- 14/321 القدوة (لقب) : 6/23 قدوة الأولياء: 6/65 قدوة البارعين: 6/65 قدوة البلغاء: 6/65، 144، 151 قدوة الخلف: 6/65، 154 قدوة الزهاد: 6/155 قدوة السالكين: 6/156، 157 قدوة السلاك: 6/157 قدوة الطائفة العلوية: 6/129 قدوة الطوائف العيسوية: 6/164 قدوة العبّاد: 6/65، 155 قدوة العبّاد والزهاد: 6/65 قدوة العلماء: 6/65 قدوة العلماء في العالمين: 6/148 قدوة العلماء العاملين: 6/65، 145 قدوة الفرق: 6/65، 150 قدوة الفضلاء: 6/66، 157 قدوة الكتّاب: 6/66، 145 قدوة المتورّعين: 6/156 قدوة المجتهدين: 6/66 قدوة المحققين: 6/66، 149 قدوة المسلكين: 6/66 قدوة المشتغلين: 6/66 قدوة الموحدين: 6/66 قدوة النصرانية: 6/164 القدويّ: 6/23، 142، 148، 149، 150، 151، 152، 155، 156 القديس: 6/81، 164، 168، 171- 8/45- 11/84 قراء الحديث النبوي: 12/185 قراء الحضرة: 3/560، 572، 575، 576، 583، 590، 593، 599، 602 القرّاؤن: 13/260، 271 قراباغ (البستان الأسود) : 4/425 القراريط على الأملاك المبيعة: 3/539 القراغولات: 3/261- 8/68 القرقلات: 2/152- 4/11 القرقوبي: 3/572 قرّة عين الملوك والسلاطين: 14/361 قرين الملوك والسلاطين: 6/173 قرينة الملوك والسلاطين: 6/78، 163، 173- 7/183 قرينة نوين الملوك والسلاطين: 6/163 القسامات (الأمان) : 1/167 قسيّ اللولب: 3/547 القسيس- القسوس- القسس: 5/444- 8/44، 45- 10/309- 11/392، 394- 12/424- 13/277، 285- 14/73 قسيم أمير المؤمنين: 6/66، 106، 111

121، 384- 7/407- 8/26، 101- 10/71- 14/47، 348 قسيم الباب: 11/100 القصّاد: 1/162- 4/30، 151- 8/95- 11/297- 12/111، 432- 14/140 القصّاص: 12/62 القصبة: 2/157 القصبة الحاكمية: 3/512 القصبة السندفاوية: 3/513 القصص: 1/45، 46، 127، 132، 137، 145، 172، 173، 174، 356، 471- 3/104- 4/17، 46، 65، 203، 231، 241، 245- 5/33، 200، 361، 436- 6/187، 193، 195، 196، 199، 200، 201، 254- 7/216- 8/182- 10/344- 11/114، 125، 127، 327- 12/3، 193، 275، 445- 13/159، 160 قصص الإقطاعات: 13/159 القصص الحكمية: 4/426 قصص المظالم: 1/471- 3/564- 6/252 القضاميري (لقب) : 6/23 القضاة القاضي قضاة الجماعة قاضي الجماعة قضاة العسكر قاضي العسكر قضاة القضاة قاضي القضاة القضاء: 1/476- 3/298- 11/402 قضاء الجماعة بالحضرة: 11/19، 23 قضاء العسكر: 4/36، 199، 205، 228- 11/202، 204،- 12/4، 57، 160، 208، 358 قضاء القضاة: 4/35، 44، 46، 199، 230، 240- 11/175، 177، 181- 12/181، 435 قضاء قضاة الحنابلة: 12/54 قضاء قضاة الحنفية: 11/103 قضاء قضاة الشافعية: 11/103 قضاء قضاة المالكية: 12/51 القضائي: 5/424، 471- 6/9، 23، 24، 99، 113، 141، 142، 143، 144، 145، 146، 149، 150، 152، 160- 9/274- 11/161- 12/453 القضايا الديوانية: 4/34 القضيب: 1/503- 3/291، 548، 577 قضيب الملك: 3/540 قطاع الطرق: 7/354 القطب: 5/472- 6/21، 24، 66 قطب الإسلام والمسلمين: 7/343، 345، 350- 14/118 قطب الأولياء: 6/66

قطب الجلالة: 8/120 قطب الدين: 11/362 قطب الزهّاد: 6/66، 155 قطب العبّاد: 6/154 القطبي (لقب) : 7/343 قطع البغدادي: 6/181، 185، 186- 7/129- 10/192 قطع البغدادي الكامل: 6/181، 415- 7/272، 317، 321، 400- 8/20، 65، 66- 9/279، 343، 414- 10/135، 159، 182، 193- 14/139 قطع البغدادي الناقص: 6/181 قطع ثلث الطومار: 6/180، 182، 185- 7/279، 287، 299، 328، 350، 406- 8/7، 20، 42، 51، 73، 199، 201- 9/280- 11/73، 121- 12/31، 57، 98، 136، 160، 172، 181، 193، 227، 253- 13/24، 164- 14/139 قطع ثلثي الطومار: 6/180، 181، 185- 7/343، 344- 11/73، 80، 106- 12/6، 85، 141، 176، 197، 209- 13/163، 168- 14/139 قطع الثلثين المنصوري: 9/279 قطع الحموي: 8/226 قطع ربع الطومار: 6/180 قطع سدس الطومار: 6/180 قطع الشامي: 6/181، 182، 183، 184، 185- 9/344- 13/85- 14/139، 365، 389 قطع الشامي الكامل: 7/235- 8/73- 9/343، 414 القطع الصغير: 6/182، 183- 7/331 قطع الطلحية الشامية الكاملة: 12/290 قطع العادة: 6/182، 183، 184، 185- 7/235، 289- 8/5، 20، 26، 32، 173- 9/280- 12/102، 167، 174، 185، 196، 208- 13/48، 320، 341- 14/12، 139 قطع العادة البلدي: 12/290 قطع العادة الصغير: 11/73، 111، 128 قطع العادة المنصوري: 11/73، 111، 122- 13/164- 14/139 قطع النصف: 7/282، 285- 8/20، 37، 124- 9/279، 280- 11/73، 78، 106- 12/22، 36، 85، 105، 124، 161، 201- 13/164، 168- 14/12، 139 قطع نصف الحموي: 6/183، 185- 8/224- 12/290 قطع نصف الطومار: 6/180، 182، 185

قطع الورق: 6/180، 181، 185، 301- 7/129، 235- 9/279، 342، 414- 10/159، 182، 11/73، 101- 12/290- 13/341- 14/139 قطع ورق الطير: 6/183 القفيز: 4/420- 5/109 قلاع الدعوة: 1/157- 4/146، 151، 186، 209، 242- 7/186، 196 القلّاية (القلالي) : 11/389- 12/425- 13/38 القلجورية (سيوف) : 3/547 قلم الاستيفاء: 12/475 القلم الأعلى: 11/24 القلم الأكبر: 11/90 قلم التوقيعات: 3/17، 51- 6/185- 7/184، 284، 286، 406- 8/42، 196- 11/74، 109، 122- 12/290- 14/139 قلم الثلث: 2/494- 3/17، 20، 51- 12/290- 13/165- 14/139 قلم الثلث الثقيل: 6/185- 8/202- 9/343- 11/74، 106 قلم الثلث الخفيف: 6/185- 7/184- 8/226- 11/106 قلم الثلث الصغير: 8/222 قلم الثلث الكبير: 8/37 قلم الثلثين: 2/494- 3/17 قلم الثلثين الثقيل: 9/415 القلم الجليل: 6/186- 7/19- 8/177 قلم جليل الثلث: 7/343، 344، 350- 13/168- 14/117 قلم جليل مبسوط: 13/168 قلم الجناح: 6/185 القلم الحوائجي: 3/17 قلم خط القصص: 3/17 قلم خط المؤامرات: 3/17 قلم خفيف الثلث: 3/17، 51 قلم خفيف الطومار: 10/135 القلم الدقيق: 6/200، 212- 10/160، 183 قلم الديوان: 11/31 قلم الرقاع: 3/51- 6/185، 224- 7/235- 8/174، 182، 194- 11/74، 122، 126- 12/290- 13/85، 165- 14/139، 389 قلم الرقاع الدقيق: 8/124، 125 القلم الرياسي: 3/17 قلم الطومار: 2/494- 3/16- 6/186 قلم الطومار الكامل: 3/51 قلم غبار الحلية: 3/17، 51 القلم القبطي: 13/159 القلم المحقق: 3/51- 7/321 قلم مختصر الطومار: 2/494- 3/51- 6/185، 198- 8/21، 78، 212- 9/343، 415- 10/159،

(ك)

182- 13/168- 14/139 القلم المسلسل: 3/17 قلم النصف: 3/17 القمامات: 13/290 القمامسة: 13/290 القمقام: 6/167، 168 القنصل (الكنصل) : 6/171- 8/55، 127 القنطار المصري: 3/512 القنطاريات: 3/542، 547 القنّوج (لقب ملك) : 5/73 القهرمان: 14/407 القواد: 4/281 قوارير النفط: 2/153- 5/93 قوام الإسلام: 6/67 قوام الأمة: 6/66، 141- 8/212 قوام الجمهور: 6/67 قوام الدول: 6/144 قوام الدولة: 6/67 قوام المصالح: 6/67، 145 قوام الملّة: 7/65 القوامس- القومس: 5/255- 8/305- 11/398 القواميّ (لقب) : 6/24، 142، 144، 145، 148، 149، 150، 151 قوريليان- (صوابه قوريلتاي) : 7/259- 8/67 القوس: 2/150 قوس البندق: 2/154 القومص: 4/180 قومة المشاهد (قيم المشهد) : 3/576 القومون: 8/128 القيشداد- القيشدادية (ملوك الفرس) : 5/450 القيصر: 5/452- 7/125- 14/412 قيّم الكنيسة: 5/445 (ك) الكاتب- الكتّاب- الكتبة: 1/37، 38، 75، 92، 93، 95، 96، 97، 98، 100، 102، 106، 109، 115، 117، 118، 120، 121، 122، 127، 128، 129، 137، 165، 167، 172، 183، 185، 186، 199، 202، 203، 212، 219، 220، 221، 228، 243، 245، 253، 270، 272، 313، 319، 321، 329، 345، 346، 358، 426، 445، 451، 469، 494، 497، 525- 2/4، 6، 16، 57، 126، 139، 184، 195، 469- 7/424- 4/64، 68، 197، 210، 221، 227، 225، 406، 410، 423، 484- 5/15، 67، 88، 89، 105، 138، 139،

198، 203، 262، 286، 406، 413، 422، 460- 6/39، 107، 109، 141، 173، 190، 214، 262، 263، 268، 280، 288، 289، 319، 330، 442- 7/19، 40، 78، 92، 175، 356- 8/20، 38، 57، 63، 172، 175، 201، 203، 208، 209، 212، 236، 248، 250، 300، 313، 317، 354، 378- 9/3، 4، 127، 156، 166، 183، 203، 264، 267، 270، 274، 285، 337، 366، 373، 387، 425- 10/75، 160، 283، 300، 367، 401، 440، 453- 11/3، 26، 71، 85، 93، 345- 12/94، 115، 197- 13/3، 202، 311، 359- 14/3، 5، 8، 17، 32، 50، 72، 83، 101، 124، 140، 273، 411 كاتب أصل: 3/569 كاتب أصيل بطرّاحة: 3/565 كاتب الأموال- كتاب الأموال: 1/83، 85- 2/471، 472- 5/425 كاتب الإنشاء- كتاب الإنشاء: 1/95، 131، 147، 169، 173، 175، 181- 2/472، 510- 3/128، 129، 568- 4/110، 311- 5/15، 33، 425، 436- 6/18، 50، 54، 65، 190، 193، 197، 198، 199، 200، 201، 211، 299، 304- 7/413- 8/90- 9/414- 10/101، 130- 11/92، 126- 12/76، 188- 13/41، 319، 330- 14/82، 127، 144، 415 كاتب التواقيع- التوقيعات- (كتاب التواقيع) : 6/211 كاتب جند: 1/178، 179 كاتب الجيش: 5/33- 13/160 كاتب الخراج- كتاب الخراج: 1/119- 3/525 كاتب الدّرج- كتاب الدّرج: 1/131، 138، 172، 173، 177، 179، 525- 3/528، 564، 600- 4/30، 196، 205، 226، 240، 245، 248- 5/437- 6/201- 9/136، 264- 11/123، 124، 349- 12/167، 227، 284، 475- 13/56، 96- 14/144 كاتب الدّست- كتّاب الدست: 1/46، 84، 138، 150، 172، 173- 3/282، 528، 563، 564، 599-- 4/30، 196، 197، 200، 203، 207، 226، 230، 231، 240، 241، 245- 5/436،

464- 6/144، 197، 198، 200، 201، 252- 7/179، 237- 8/20- 9/181، 264- 11/118، 152- 12/283- 13/49- 14/116، 144، 374 كاتب الدست الشريف: 4/110 كاتب الدعوة: 10/446 كاتب ديوان الإنشاء كاتب الإنشاء كاتب الرسائل: 1/135، 482 كاتب السرّ: 1/46، 138، 149، 154، 163، 172، 174، 177- 3/55، 302، 324، 423، 424، 563، 564، 599- 4/19، 28، 46، 47، 55، 60، 61، 64، 195، 203، 204، 208، 226، 230، 231، 232، 233، 237، 241، 243، 244، 245، 484- 5/33، 88، 90، 91، 92، 134، 139، 143، 199، 200، 436- 6/27، 31، 35، 50، 68، 74، 102، 104، 109، 141، 144، 173، 197، 198، 199، 200، 201، 202، 205، 206، 207، 212، 252، 347- 7/179، 180، 236- 8/22، 179، 180، 215، 219، 221، 225، 228، 234- 9/37، 264- 10/186- 11/25، 125، 327- 12/89، 95، 102، 282- 13/41، 160، 308، 310- 14/416 كاتب السلطان: 1/95، 96، 97 كاتب شرطة: 1/178، 180 كاتب القاضي: 1/177، 179 كاتب المال كاتب الأموال. كاتب المماليك: 4/31- 14/424 كاتب ناظر الجيش: 13/160 كاتب الوزير بالقلم الدقيق: 3/603 كاتم السرّ: 1/138 الكارم: 3/597- 11/430- 13/230 الكارة: 4/420 الكاشف- الكشّاف: 4/15، 25، 26، 206- 6/137- 7/198، 225، 245، 247- 8/221، 222، 224، 234، 235- 11/92، 429- 12/3- 14/138 كاشف أمير طبلخاناه: 4/206 كاشف الجسور: 3/515- 8/222 كاشف كبير: 4/66 كاشف الكشّاف: 4/207 الكاغد: 1/481- 2/480، 502، 505، 506، 516 الكافل: 6/24، 108- 8/109 كافل السلطنة: 4/224- 5/426- 6/67، 130، 415- 7/184،

236- 7/241، 242- 8/217، 218 كافل السلطنة بالحضرة: 8/218 كافل السلطنة الشريفة بالشام المحروس: 4/191 كافل قضاة المسلمين: 8/346- 10/4، 81 كافل الممالك: 6/129 كافل الممالك الإسلامية: 6/67- 7/167- 9/223 كافل الممالك الشامية: 12/29 كافل الممالك الشريفة الإسلامية: 4/17- 5/426- 6/253- 7/235، 237- 8/22، 58، 182- 11/130- 13/82 كافل المملكة: 6/33، 286- 7/168، 184، 285، 287، 325- 8/181، 218- 13/312 كافل المملكة الشريقية: 6/131- 7/286 الكافلي: 6/24، 100، 114، 128، 130، 132، 146، 154، 164، 173، 174- 7/168، 169، 286 الكافي: 11/84 كافي الدولة: 6/67 كافي الدولة القانية: 6/130- 7/286 كافي الكفاة: 1/475- 6/17، 561- 7/65 الكامل (لقب) : 6/138، 147، 153، 159- 7/65- 10/105 الكاملي: 6/142، 143، 146، 151، 152، 156، 159، 160 الكاملية: 3/301 كبار التداريس: 12/160 كبار التقاليد: 11/73 كبار التواقيع: 1/173، 271، 11/73، 128 الكبرى (من ألقاب النساء) : 6/163- 7/184 الكبطان: 8/48، 128 الكبير (لقب) : 5/413، 471- 6/24، 114، 123، 124، 138، 139، 140، 147، 148، 153، 159، 161، 162، 165، 172- 7/65، 125- 11/84 كبير الخلفاء العادلين: 9/357 كبير الخواجكية: 6/158- 13/41 كبير الرؤساء: 6/144، 145 كبير الطائفة الصليبية: 6/171- 8/32، 44، 47، 52 كبيرة دين النصرانية: 6/171- 8/55 الكبيري: 5/413، 471، 472- 6/24، 114، 122، 126، 127، 128، 129، 130، 131، 132، 133، 134، 135، 136، 137، 138، 143، 144، 145، 146، 148، 149، 150، 151، 152،

155، 158، 159، 161، 200، 254- 8/273- 11/86 الكبيريّة: 6/163- 7/183 الكتّاب الكاتب كتاب التواقيع- التوقيعات كاتب التواقيع كتّاب الحكم: 11/186 كتاب الدرج كاتب الدرج كتاب الدست كاتب الدست كتّاب الدواوين: 1/77- 2/510 كتّاب الدولة: 3/424 كتاب الديار المصرية: 6/39 كتاب الديوان: 3/424 كتاب ديوان الإنشاء: 3/61- 6/215، 343، 349 كتاب ديوان الخاص: 4/30 كتّاب الديونة: 2/510- 3/157 كتاب السلطان: 1/68 الكتّاب الصغار: 5/90 كتّاب القبط: 8/38 كتّاب الملخصات: 6/203 كتاب النسخ: 2/506 الكتابة- صناعة الكتابة: 1/63، 64، 65، 66، 72، 74، 81، 88، 97، 99، 100، 118، 185، 219، 246، 314، 321، 323، 329، 336- 2/6 كتابة الأموال: 1/82، 84، 85، 87، 481- 14/130، 132 كتابة الإنشاء: 1/37، 82، 83، 84، 85، 87، 88، 126، 323، 451، 480- 14/83، 125 كتابة بيت المال: 1/85 كتابة الجيوش: 1/85 كتابة الدرج: 6/146، 147- 11/346، 348- 12/4، 216 كتابة الدست: 12/4، 192، 381، 444 كتابة الدواوين السلطانية: 14/124 الكتابة الديوانية: 12/401 كتابة الديونة: 14/126 كتابة السرّ: 1/132، 133- 4/17، 29، 30- 9/23، 101، 147، 182- 11/24، 78، 86، 115، 127- 12/4، 89، 92، 94، 160، 186، 216، 409 كتابة المربعات: 4/196 كتابة الولايات: 1/51 الكتب السلطانية: 6/251- 8/24 الكتد الأعظم: 7/430 الكحّالون: 3/418، 528- 4/19، 50- 9/265- 11/251 الكرّ: 4/420، 421 الكرّار: 6/82، 166 كراسي البطاركة: 5/443 الكراع: 3/548- 10/113، 225 الكرسالية: 14/87

الكرسف: 2/498 كرسي الاسبتارية (الاستبارية) : 7/366 كرسي السلطنة: 4/24، 65، 231، 241- 8/246- 10/71 كرسي الملك: 5/111، 174 الكريم: 6/17، 25، 98، 160، 174، 178 (ما يوصف بالكريم) كريم الدين: 11/362 الكريمة: 7/183 كريمة الملوك والسلاطين: 6/78، 163، 173- 7/183 الكزغندات: 4/216 الكزلك: 4/41 كسر الخليج: 3/407- 4/48- 8/332 كسرى: 5/451 الكسوة: 3/524- 4/281، 284، 285، 286 كسوة الحجرة الشريفة: 4/306 كسوة الكعبة: 4/58، 282، 284، 287 الكشّاف الكاشف كشاف الجسور كاشف الجسور الكشّافة: 4/209- 12/111 الكشف (وظيفة) : 12/309 الكفالة (وظيفة) : 10/284، 300- 11/133 كفالة السلطنة: 9/9- 10/139، 179- 11/102، 104- 12/5، 6، 10، 18 كفالة قضاة المسلمين: 10/88 الكفالات الكفالة الكفيل: 6/108 كفيل العبّاد والعباد: 14/348 كفيل المملكة: 14/62، 70، 74 الكفيلي: 6/25، 100، 114، 127 الكلاليب: 4/54، 461 الكلوتة- الكلوتات: 1/474- 4/3، 4، 10، 41، 54، 461- 5/284- 11/86 الكليم: 5/414 كمال الدين: 11/362 الكمخاوات الخطائية: 4/475 الكمصيا (قماش) : 5/287 الكمنجة: 2/160 الكمنون: 8/48 الكمينيوس (الكمنينوس) : 6/82، 168، 169- 8/48- 14/85، 88 الكنبهارات: 2/453 الكنبوش- الكنابيش: 2/141، 144- 4/12، 43، 44، 45، 54، 56 الكنجاوات: 3/544 الكندرة: 2/63 كنز التقى: 6/67، 156 كنز الطالبين: 6/67 كنز الطائفة الصليبية: 6/164، 168- 8/29- 11/84 كنز الطائفة العيسوية: 6/165

(ل)

كنز العلماء: 6/67 كنز المتفقهين: 6/67 كنز المسلكين: 6/67 كنز المفسرين: 6/67 الكهانة: 1/454 كهف الأسرة الزاهرة: 6/68 كهف الإسلام والمسلمين: 5/462 كهف الأمة: 6/128 كهف الكتّاب: 6/68، 145 كهف الملة: 6/68، 132، 133، 134، 135 الكهنة- الكهان: 11/384، 397 الكور: 2/144 الكوسات: 3/544- 4/8- 5/32، 92 الكوسات السلطانية: 4/59 الكوسج: 2/452 الكوسيّ: 4/13 كوكب الأسرة الزاهرة: 6/68 كوكب الذرّية: 6/68 الكبانية (من ملوك الفرس) : 5/451 الكيل: 4/188 الكيل الحفصي: 5/109 الكيمخت: 3/543 (ل) لابس ثوب الفخار: 6/75 اللاجوق: 4/50 لافت الغواة إلى طريق الرشاد: 6/75 اللاهوت: 13/280، 316 لباس الفتوّة: 9/257- 12/298 اللّبوس: 11/91 اللّبيب (لقب) : 6/25 اللبيبيّ: 6/25، 150 اللّتوت: 3/543، 577 اللجام: 2/143 لسان البيان: 6/152 لسان الحفاظ: 6/68 لسان الحقيقة: 6/68 لسان الدولة: 6/68 لسان السلطنة: 6/69، 142، 145 لسان المتكلمين: 6/148، 150، 151- 7/203، 221 لسان ملوك الأمصار: 6/69 لسان الممالك: 6/69 لسان المملكة: 6/173 لعب الكرة بالميدان: 4/56، 57 لغو اليمين: 1/56- 13/212 اللفّاف: 3/555 لكّ: 5/81، 90 اللك الأبيض: 5/81 اللك الأحمر: 5/81 لنجون (رئيس كتّاب) : 4/484 اللواء: 3/586- 7/177 لواء الحمد: 3/542، 578، 580 لواء العدل والإحسان (لقب) : 6/120

(م)

اللواحق (في الكتب) : 1/47- 6/208 اللوازم السلطانية: 13/24 اللوذعي (لقب) : 6/25 اللوسارية: 8/253 ليالي الوقود: 3/574 الليقة: 2/498، 506- 3/43 (م) ماء الأملاق: 3/322 ماء السلطان: 3/320 ماء المعمودية: 3/312 الماجد (لقب) : 6/25، 159 الماجديّ: 6/25، 142، 143، 144، 145، 146، 151، 159 المارستان البيمارستان الماستر: 14/54، 55 الماسح: 5/438 الماشطة: 1/181 مال الأوقاف: 4/37 مال الأيتام: 4/37 مال الخراج: 3/519، 539 المال الهلالي: 3/539 المالك: 6/120 مالك البحرين: 7/407 مالك رقاب الأمم: 14/347 مالك رقاب العرب والعجم: 6/184 مالك زمام الأدب: 6/69 مالك السرب والبلغار: 6/169- 8/52 مالك العدوتين: 8/88 المالك لأزمّة الطريقة: 6/154 مالك اليرغلية والأملاحية: 8/47 المالكيّ (لقب) : 6/25، 126، 141، 142 ماليء صدور البراري والبحار: 6/123- 7/414 المأمون: 5/416، 457 مانح الممالك والأقاليم والأمصار: 6/69- 7/406، 408 مانح الممالك والأمصار: 6/120 الماهد (لقب) : 7/416 المبارك- المباركة (ما يوصف بالبركة) : 6/179 المأثور (لقب) : 7/416 المباشر- المباشرون: 1/132- 3/339، 417، 523، 525، 527، 529، 530، 565- 4/12، 28، 30، 32، 55، 197، 226- 7/216، 220، 226، 250- 11/170- 12/166، 445- 13/109- 14/72 المباشر (من ألقاب مقدم الاسبتارية) : 14/47 المباشرة- المباشرات: 1/132 مباشرة الأغنام والمطابخ: 10/470 مباشر والأموال: 11/90

مباشر وديوان الخاص: 6/192 المبايعات البيعة المبجّل: 6/164، 165، 167، 168، 169، 170، 171- 11/84 المبجّلة: 9/171 المبرور- المبرورة (ما يوصف بالبرّ) : 6/176 مبيد الأرمن والفرنج والتتار: 10/59 مبيد الطغاة والبغاة والكفّار: 6/120- 14/348 مبيد الكفار: 8/89 المتبتّل: 6/82 متّبع الحواريين: 6/166، 172 متّبع الحواريين والأحبار: 6/90- 8/41 متّبع لما يجب في أقضيته: 6/166 المتحدّث في أموال الأيتام والأوقاف: 4/64 المتحدّث في الوساطة: 5/425 المتخّت: 6/82، 166- 8/28 المتصرف- المتصرفون: 7/243، 248، 250- 10/444، 466- 11/47- 12/50- 13/46، 138، 145- 14/384 المتصرفون على باب الحكم العزيز: 10/374 المتصرفون في الحماية والسيارة: 13/337 المتصرفيّ: 6/26، 134، 144، 145- 7/326 المتصوّف (لقب) : 6/277 متطبب طبائعي: 11/377 متعمد المصالح: 6/69 المتملك: 8/12، 33، 54 متملك السواحل والبحور: 6/167- 8/37 المتوّج: 6/82، 166 المتوّج من الله: 6/168 المتوكل على الله: 5/447، 448 متولي الحسبة: 13/13 متولي الحكم: 8/244- 10/391 متولي الدعوة الهادية: 11/61، 64 متولي الديوان: 5/437 متولي ديوان الإنشاء: 1/147، 148- 6/188، 190 متولي ديوان التحقيق: 3/600 متولي ديوان الجيوش: 3/600 متولي ديوان الخراج: 6/204 متولي ديوان الرسائل: 1/146 متولي ديوان المجلس: 3/600 متولي ديوان النظر: 3/600 متولي الشرطة: 10/38 مثابة الجلالة: 9/315 المثاغر (لقب) : 6/26، 120، 122، 124 المثاغريّ: 6/26، 122، 123، 124، 126، 127، 129، 130، 131، 132 المثال- المثالات: 1/79- 4/18- 6/191، 197، 200- 7/200

216، 218، 220، 239، 294، 355- 8/58، 76، 213، 363- 9/204- 11/32، 34- 13/159، 161 المثال الأشرف: 8/382 مثال شريف: 7/247- 8/247، 336، 354، 367، 383- 9/107 مثال شريف مطلق: 7/240، 244، 245، 249- 14/138 المثال العالي: 8/214، 216- 9/188 مثال كريم: 8/213، 215، 216 مجالس الأمراء: 5/473 المجالس العالية: 14/392 المجانيق المنجنيق المنجنيقات المجاهد: 6/26، 120، 122، 123، 124، 125، 138، 139، 140- 10/56، 105 مجاهد الدين: 9/314 المجاهد عن الدين: 6/37 المجاهد في سبيل رب العالمين: 5/473- 7/61- 8/105 المجاهدون: 1/158- 6/107 المجاهديّ: 6/26، 122، 123، 124، 128، 129، 133، 134، 135، 136، 137، 138 المجبّرون: 11/251 المجتبى: 6/140- 7/125 مجتبى الدولة: 6/139 المجتهد: 6/26 المجتهديّ: 6/26، 150 مجد الإسلام: 6/69، 101، 102، 110، 111، 125، 137، 138، 139، 146، 147، 152، 153، 155، 156، 157، 158، 159 مجد الإسلام والمسلمين: 6/69، 101، 110، 111، 131، 133، 134، 135، 136، 143، 144، 145، 152، 158 مجد الأمراء: 6/69، 101، 104، 139، 140 مجد الأنام: 9/314 مجد الدين: 5/459- 11/362 مجد الرؤساء: 6/70، 159 مجد الصدور: 6/70، 153، 159 مجد الصلحاء: 6/157 مجد العصبة العلوية: 6/138 مجد الملة المسيحية: 6/171- 8/44 مجد الملة النصرانية: 6/170 مجد النصرانية: 6/169 المجلس: 1/322- 5/465، 468- 6/20، 134، 144، 151، 158، 174، 282، 291، 329- 7/18، 20، 27، 238، 366- 8/57، 171- 9/271، 272- 11/74 مجلس الأمير: 5/466، 472- 6/101، 104، 105، 108، 114، 139،

140، 282- 7/169، 172، 186، 191، 196، 198، 206، 208، 209، 213، 214، 297، 309، 397،- 8/3، 19، 57، 212، 215، 247- 9/271، 275- 11/74، 77، 110- 12/140، 172، 201، 282- 13/166 المجلس الجليل: 8/5 مجلس الحضرة: 7/19 مجلس الخلافة: 1/136 المجلس السامي (بالياء وبغير ياء) : 5/465، 472- 6/98، 101، 102، 103، 105، 109، 113، 114، 116، 124، 136، 137، 138، 139، 146، 147، 152، 153، 156، 157، 158، 159، 161- 7/18، 169، 172، 174، 177، 185، 191، 197، 205، 206، 213، 236، 249، 276، 287، 304، 324، 346- 8/14، 17، 151، 209، 213، 215، 247- 9/140، 273، 275- 11/39، 74، 77، 81، 110، 124، 335- 12/24، 57، 61، 67، 94، 105، 129، 150، 179، 181، 206، 287، 372- 13/56- 14/118 المجلس السامي الأميري: 7/206 المجلس السامي الشيخي: 6/114 المجلس السامي الصدري: 6/114 المجلس السامي القاضي: 11/125 المجلس السامي الكبيري: 6/114 المجلس السيفي: 7/23 مجلس الشيخ: 5/466، 472- 6/114، 157- 8/211- 9/272- 11/74، 83 مجلس الصدر: 5/466، 472- 6/114، 159، 162- 7/179- 9/272، 273- 11/83- 12/279 المجلس العالي (بالياء وبغير الياء) : 5/465، 472- 6/76، 98، 101، 102، 103، 104، 105، 106، 107، 108، 109، 113، 114، 124، 134، 135، 136، 144، 145، 146، 151، 152، 155، 156، 158، 160- 7/125، 166، 173، 180، 182، 185، 185، 202، 204، 205، 212، 240، 283، 307، 308، 312، 327، 355، 389- 8/13 16، 18، 73، 151، 206، 209، 213، 215، 222، 226، 234، 246- 9/273، 274، 275- 11/74، 81، 202، 281- 12/9، 22، 23، 38، 43، 73،-

94، 105، 122، 169، 214، 244، 287، 330، 375، 478، 479 المجلس العالي الأميري: 6/135 المجلس العالي الشيخي: 11/369 المجلس العالي القضائي: 12/289 مجلس القاضي: 5/466، 472- 6/114، 147، 153- 7/179، 181- 8/211- 9/271، 275- 11/74، 82، 124، 125- 12/160، 167، 192، 196، 287- 13/48- 14/390 مجلس القسيس: 12/289 المجلس الكبير: 6/125 مجلس النظر: 8/331 مجلّي الغياهب: 6/70، 150 مجمل الأمصار: 6/70 مجنّد الجنود: 6/122 مجهد نفسه في رضا مولاه: 6/70 مجهّز الغزاة والمجاهدين: 6/122 مجهز المقانب: 8/226 المحاسبة: 4/64 المحاضر: 10/284، 291، 300 المحاكمات الديوانية: 4/197 المحاكمات السلطانية: 4/204 محبّ المسلمين: 6/167- 8/36 المحبرة: 2/498 المحترم (لقب) : 6/26، 159، 160، 161، 162 المحترمي: 6/158- 8/273- 13/41 المحتسب: 3/325، 558- 4/37، 46، 55، 59، 64، 65، 205، 206، 240، 244- 5/88، 90، 135، 140، 424- 7/180- 8/221، 222- 9/258- 11/88، 118، 211- 12/201، 216 المحتشم: 6/82، 165، 172 المحجّبة: 6/162، 163- 7/183، 184 المحجبيّة: 6/163- 7/183 المحدّث: 5/436- 11/245 المحرقات: 1/60، 163، 164- 11/92- 12/112- 14/140، 445، 448 محركو الساقة: 5/135، 142 المحروس- المحروسة (ما يوصف بالحراسة) : 6/175 المحسني: 6/148، 149 المحفّدار: 5/441 المحفّة: 2/145 المحقّق: 6/26 المحققي: 6/26، 100، 142، 149، 150، 151، 154 محل أبينا: 7/61 محل أخينا: 7/41، 67- 8/105 المحل السامي: 7/19

محل الشرف: 6/288- 7/19 المحل الممجد: 5/461 محل والدنا السلطان: 7/41 محل ولدنا: 7/41 المحمل: 2/145- 4/279، 281- 8/76 المحمل الشريف: 12/233 محيي الدولة العباسية: 10/70، 71 محيي الدولة القاهرة: 6/384 محيي الدين: 11/363 محيي السنّة: 6/70 محيي طرق الفلاسفة والحكماء: 6/91، 166،- 8/46 محيي العدل في العالمين: 6/70، 120 المخاطبات السلطانية: 5/427 المختار: 6/26، 140 المخدوم: 6/27 المخدوميّ: 6/27، 118، 126، 141، 142- 8/183 المخذول- المخذولة (ما يوصف بالخذلان) : 6/176 المخلّقات: 3/583 المخوّل: 6/172 مخوّل التخوت والتيجان: 6/92، 166- 8/46 المخيّم (لقب) : 5/470- 8/183 المخيم الشريف (لقب) : 5/471 المخيم العالي (لقب) : 5/471 المخيم الكريم (لقب) : 5/471 2 لمدّ: 5/109 المدّ النبوي: 5/109 المداد: 2/500 المدارس الكبار: 11/222 مدافع النفط: 4/49 المداينات: 1/125 مدبّر أمور السلطنة: 6/70 مدبّر الجيوش: 6/70 مدبّر الدول (لقب) : 6/142 مدبّر الدولة: 6/70، 141، 142- 7/172- 8/212 مدبّر الممالك: 6/70 مدبّر الممالك الشريفة: 6/253- 7/201، 237- 11/130 المدبّري: 6/27، 128، 142، 144، 173 المدرا (أعوان صاحب الديوان) : 1/174 مدراء ديوان الإنشاء: 6/193 المدرّس: 5/436- 9/258- 11/89، 97، 191، 243 المدقق: 6/27 المدققيّ: 6/27، 154 المدوّرة (مائدة) : 3/601 المدوّرة (مقعد من جلد) : 4/63 المدوّرة (قبّة) : 5/203 المدير: 6/197 المدية: 2/495 مذكر القلوب: 6/70

المذبّتان: 3/543 مذلّ البدعة: 6/70 مذلّ حزب الشيطان: 6/70 المرابط- المرابطون: 6/27، 120، 122، 124- 10/59، 105 المرابطيّ: 6/27، 123، 124، 126، 127، 129، 130، 131، 132 المراسم: 11/291 المراسلات: 4/419 المراسيم المرسوم المراسيم السلطانية: 4/29، 30، 60، 157، 225، 316 المراسيم الشريفة: 10/189- 11/91- 14/347 المراسيم المربعة: 6/192 المراسيم المصغرة: 6/211، 254- 11/110، 130- 12/274 المراسيم المكبرة: 9/276- 11/73، 107، 109، 115، 128- 12/274 مراكب الثلج: 1/60- 14/441 المربعات: 1/45، 46، 55، 137- 4/224، 226- 6/192، 202،- 8/60، 76- 11/92، 436- 12/96 المربعات الجيشية: 4/52، 191، 196، 197- 13/160، 200- 14/138 المربعات المصرية: 4/191 المربيّ: 6/27، 155 مربي المريدين: 6/27، 71، 155 مرتب الجيوش: 6/71، 144- 11/85 مرتب نفقة: 3/524 المرتبات السلطانية: 3/538- 14/423 المرتزقة: 11/421 المرتضى: 5/414، 447- 6/27، 138، 140 المرتضى بالله: 5/448 مرتضى الدولة: 6/71، 153 مرتضى الملوك والسلاطين: 6/71، 147، 153 المرزبان: 4/407 المرسوم- المراسيم: 1/53، 158، 173، 271- 2/16، 494- 4/20، 191، 201، 213، 224، 225، 232، 233، 244، 424- 5/33، 405- 6/182، 202، 219- 7/217، 219، 220، 249، 297- 8/128، 253- 9/268- 11/30، 45، 71، 107، 124، 127، 426- 12/22، 28، 31، 105، 113، 124، 138، 151، 167، 172، 179، 205، 257، 421- 13/21، 51، 67، 75، 79، 340، 378، 386- 14/137، 351 المرسوم الشريف: 4/155، 192-

7/143- 8/57، 59، 61، 75، 367، 383، 386- 9/106، 254 مرسوم كريم: 12/277 مرسوم مربع: 7/231 المرشد: 6/27 المرشديّ: 6/27 المرفّع (لقب) : 7/65 المرقدار: 5/441 المرسلة: 2/508 المرويّات: 1/59 المريدون: 11/98- 12/415 المزاريق: 5/141 المزر (نبيذ) : 5/265 مزعزع أسرة الكفار: 6/123- 7/414 المزمار العراقي: 2/161 المزهر (العود) : 2/160 المزوار: 5/133 المسامحات: 6/188، 189- 10/98- 12/482- 13/3، 11، 24، 31 المسامحات السلطانية: 1/53، 54، 84 المسامحات العظام: 13/24 المستأجرات السلطانية: 4/197 المستبحر (من أنواع الأراضي) : 3/519 مستخدم أرباب الطبل والعلم: 6/71، 131 المستخدم في الحكم العزيز: 10/378 المستخدمون بباب الحكم: 10/359 المستند- المستندات: 1/47- 5/399- 6/188، 252، 254- 7/253- 8/22، 23- 9/342، 410- 10/160، 182، 191، 11/129- 13/343- 14/139 المستنصر بالله: 5/449 مستنيب ملوك العجم: 6/131 المستوفي: 1/88- 3/523، 569- 4/30، 64، 226- 5/437- 9/263، 264- 14/132 المستوفيات: 3/543 مستوفي أصل: 5/438 مستوفي الخاص: 4/30 مستوفي الدولة: 3/533- 11/123، 124، 353 مستوفي الصحبة: 4/30- 6/192- 11/88، 93، 118، 345 مستوفي مباشرة: 5/438 مستوفي المرتجع: 4/34، 197 المسدّد (لقب) : 7/416 المسدّدي: 6/28، 144، 145 المسطح: 3/597 المسطرة: 2/511 المسقاة: 2/511 المسلّك: 6/28- 12/410 مسلك سبل القبلتين: 6/120- 7/406 المسلكيّ: 6/28، 142، 154، 155 المسنّ: 2/512 المسيح: 5/414

مسيح الأبطال المسيحية: 6/92، 167- 8/28 مسيّر السبل للوفود: 7/416 المشارف: 1/167، 169- 3/532- 532- 6/197-، ظ/ 316، 378- 11/47 المشارفة: 10/316، 458- 12/478 مشارفة الجوالي: 10/462 مشارفة خزائن السلاح: 12/400 مشارفة دار الضرب: 10/393 مشارفة المواريث الحشرية: 10/472 مشاعر الحج: 4/261 المشاعل: 2/146 المشّاؤون: 5/141 المشايخ الشيخ الشيوخ المشايخ بجنوة: 8/48 مشايخ الأمكنة: 12/415، 418، 448 مشايخ الخوانق شيخ الخانقاه مشايخ الخوانق الصغار: 11/123 مشايخ الخوانق الكبار: 11/118 مشايخ الصوفية: 4/44- 6/49، 154، 326- 8/176، 179، 198، 200، 208، 211، 212- 11/82- 12/102، 288 المشربش: 11/333 المشرف: 4/13، 62- 5/427- 13/138 مشرّف الممالك: 14/181 مشرّف المواكب: 8/89 المشعل المشاعل المشكور بعقله عند الملوك والسلاطين: 6/165 المشيخة: 12/419، 420، 479 مشيخة إقراء القرآن: 12/415 مشيخة حرم الخليل: 12/105 مشيخة الحرم الشريف: 12/224 مشيخة الخانقاه شيخ الخانقاه مشيخة خانقاه صغيرة: 11/124 مشيخة الخانقاه الصلاحية: 4/39- 11/365 مشيخة الشيوخ: 4/39، 200، 228- 7/221- 9/259- 11/364- 12/4، 5، 91، 282، 293 مشيخة العائد: 11/121 مشيخة العربان: 4/72 مشيخة الغزاة: 11/171 مشيّد الدول: 6/129 مشيّد الدولة: 6/71 مشيد الممالك: 6/71، 126، 127، 130، 131، 132، 173، 174- 8/212 المشيّدي: 6/28، 100، 126، 127، 128، 129، 130، 131، 132، 141، 145 المشير: 11/86، 104 مشير الدولة: 1/133 مشير السلطنة: 6/71

مشير الملوك والسلاطين: 6/71، 134، 142، 144، 145 المشيري: 6/28، 142، 144، 145، 173 مصافي المسلمين: 6/92- 8/29 مصرّف الكتائب: 8/89 مصطفى أمير المؤمنين: 8/264 المصقلة: 2/511 المصونة: 6/162، 163- 7/182، 183 المصونية: 6/163- 7/183 المضمّة (نوع من الحياصة) : 5/198 المطابخ المطبخ مطابخ السكر السلطانية: 4/63، 190، 194 المطابخ السعيدة: 10/471 مطارات الحمام الرسائلي: 1/59- 14/140، 434، 437 المطالعات: 8/56، 59، 61 المطبخ: 3/289- 4/61 المطبخ السلطاني: 3/550- 4/12، 22 المطران- المطارنة: 5/444- 6/172- 8/44، 123- 10/307، 309- 12/424- 13/277، 285، 290 المطران الكبير: 8/124 المطلقات (المطلق) : 6/76- 7/200، 208، 238، 244، 248- 12/202 المطلقات- المطلق الشريف: 1/59- 5/474- 7/246، 305 المطلقات المصغرة: 7/243 المطلقات المكبرة: 4/244- 7/239، 248 المطوّعة: 10/418 المظالم: 1/132، 145- 6/193- 10/156، 343- 11/31، 41 المظاهر (لقب) : 6/28 المظفر: 5/415،- 6/29، 120، 122، 124- 10/59 المظفري: 6/122، 123، 124، 129 المظلّة: 2/141- 3/542- 4/6، 48، 50 مظهر أبناء الشريعة: 6/71 المعاملات: 1/125، 483 المعاهدات: 10/130 المعاون: 10/14، 31، 37- 13/337 معتصم الممالك: 9/315 المعتصم بالله: 5/447 معتقد الملوك والسلاطين: 12/101 المعتمد: 5/449 المعتمد على الله: 5/448 معتمد المصالح: 6/144 معرف طائفة التحريم والتحليل: 6/164- 8/45 المعرق (لقب) : 6/29، 166 معزّ الإسلام والمسلمين: 6/71، 101، 110، 127

معز اعتقاد الكرج والسريان: 6/168- 8/47 معز إمام رومية: 7/125 معزّ الباب: 6/170- 8/55 معزّ بابا رومية: 8/53 معز الدولة: 5/415 المعز لدين الله: 5/416، 448 معزّ السنّة: 6/71، 151 معز طغاج (من ألقاب القانات) : 7/317 معز الملة: 6/123 معزّ الملة الزاهرة: 6/384 معزّ النصرانية: 6/93، 166- 8/28، 46 المعزّز: 6/29، 83، 169- 11/84 المعزّزة: 6/171 المعزوز: 6/164 المعظم: 6/29- 7/65 المعظمة (للنساء) : 6/163- 7/183، 184 معظم البيت المقدس: 6/93 معظم البيت المقدس بعقد النية: 6/93، 167- 8/28 معظم كنيسة صهيون: 6/93، 166- 8/41 معفيّ آل ساسان: 5/473 معفي ملوك آل ساسان وبقايا فراسياب وخاقان: 6/37، 122- 7/399 المعلم لأهل ملته: 6/165 المعمور- المعمورة (ما يوصف بالعمارة) : 6/175 المعيد: 5/436- 11/191 المعين: 3/569- 5/438 معين الحق وناصره: 6/71 معين خليفة الله: 6/384 معين الملوك: 7/19 المغرة: 1/40- 2/507- 7/318 المغفر: 2/151 المفاسخات: 2/4- 5/35، 48- 7/359- 14/123، 139 المفاوضة: 8/42 المفتي: 13/277 مفتي دار العدل- مفتو دار العدل: 4/46، 64، 230، 231، 240، 244- 9/258- 10/134- 11/118، 207- 12/201- 14/391 مفتي السنّة: 6/150 مفتي الفرق (لقب) : 7/221 مفتي الفريقين (لقب) : 10/302 مفتي المسلمين: 6/71، 151 المفخّر: 6/164- 11/84 المفخّم: 6/29، 169، 170 المفخّمة: 6/171 المفرشة: 2/510 المفوّه: 6/29 المفوهيّ: 6/29، 142، 144 المفيد: 6/29

المفيديّ: 6/29، 141، 148، 149، 150، 151، 152، 155 مفيد أهل مصر والعراق والشام: 6/72 مفيد الأوطار: 8/89 مفيد البلغاء: 6/71 مفيد الطالبين: 6/72- 6/150، 154 مفيد العلوم: 10/302 مفيد كل غاد ورائح: 6/72 مفيد المناجح: 6/72، 144 المقادّات (الجنائب بالمغرب) : 5/201 المقاسمة: 1/482 المقاطعة- المقاطعات: 13/146، 148 المقام: 5/462، 463، 464، 468، 472- 6/20، 122، 282، 530- 7/18، 41، 95، 392- 9/271 المقام الأشرف: 5/463- 6/97، 113، 122، 288، 489- 7/128، 144، 339- 10/70، 138- 14/363 المقام الإماريّ: 10/310 المقام السامي: 7/19 المقام الشريف: 6/15، 121، 122- 7/149، 282، 283، 345، 350، 385- 8/72، 73، 88- 9/321- 10/5، 73، 119، 164، 182، 188- 14/116، 350 المقام الشريف العالي: 5/463- 6/97- 8/231 المقام الشريف القطبي: 14/117، 118 المقام العالي: 5/463- 6/97، 113، 114، 121، 122- 7/19، 90، 94، 148، 283، 320، 370، 377، 400، 416، 425، 436- 8/175- 10/5، 72، 164، 179، 189 المقام العليّ: 7/96، 100، 103 المقام القطبيّ: 7/350- 14/117 المقام الكريم: 5/463- 6/121- 9/314- 10/5، 164، 373 المقامات- المقامة: 1/58، 393- 14/124، 126، 145 المقامات الشريفة: 5/461 المقبول- المقبولة (ما يوصف بالقبول) : 6/176 المقدّس: 8/29- 9/357 المقدّم- المقدّمون: 1/155، 156، 157، 158- 4/14، 16، 22، 41، 52، 55، 56، 120- 6/192- 7/173، 187- 8/223- 11/94- 12/122، 464- 14/47، 50، 70، 74 مقدّم ألف- مقدمو الألوف: 3/426، 551- 4/14، 18، 19، 21، 145، 191، 192، 194، 205، 207، 209، 225، 232، 233، 234، 235، 236، 240، 243، 247- 6/29، 56، 205-

7/172، 184، 188، 192، 200، 237، 243- 8/218، 221، 229- 9/254- 11/421- 12/23، 34، 105، 168، 193، 279- 13/163، 166، 183- 14/65، 182 مقدم بيت الإسبتار: 14/34، 35، 49، 57، 63 مقدم بيت الديويّة: 14/57، 63 مقدم التركمان: 5/440- 9/256 مقدم التركمان بالبلاد الشرقية: 7/304 مقدم التركمان البياضية: 8/226 المقدّم الجليل: 14/57 مقدم الجيوش: 10/173، 429 مقدم حلقة مقدمو الحلقة مقدم الخاص: 5/439 مقدم الدولة: 5/439، 440 مقدم دين النصرانية: 13/369 مقدم الشواني الجنوية بقبرص: 8/49 مقدم طبلخاناه- مقدمو الطبلخانات: 4/19، 20، 21، 191- 7/172- 11/108، 421- 12/24، 105، 193 مقدم العرب: 8/222 مقدم عسكر (مقدم العسكر- مقدم العساكر- مقدمو العسكر) : 4/25، 65، 205، 235- 6/6، 123، 126، 128، 129، 130، 131، 132، 133، 134، 135- 7/198، 199، 214، 239، 242، 335، 340- 8/67، 216، 212، 219، 235- 9/252- 10/158- 11/103- 12/209- 14/169 مقدم عشرة: 7/174- 12/195 مقدم الفداوية (شيخ الفداوية) : 1/158 المقدم الكبير: 14/55 مقدم المماليك: 3/425، 557- 4/22، 50- 5/428- 9/255- 11/172، 421 مقدمو الأكراد: 9/256 مقدمو الألوف مقدم ألف. مقدمو بيت الإسبتار: 13/313 مقدمو بيت الديويّة مقدم بيت الديوية مقدمو بيت الروم: 13/313 مقدمو البريدية: 8/230 مقدمو البيوت: 14/71، 74 مقدمو التركمان مقدم التركمان مقدمو الجبلية: 9/256 مقدمو الجند: 7/174 مقدمو الحلقة: 4/52، 56، 189، 193، 202، 203، 204، 208، 224، 226، 243- 6/182، 193- 7/243- 8/223، 230- 9/254- 11/111، 421- 12/104، 276،

281، 324- 13/164 مقدمو الدولة: 6/10 مقدمو رجال القلعة: 13/107 مقدمو العساكر المجاهدين: 6/127 مقدمو العشرات مقدم عشرة مقدمو المئات: 14/182 المقدمون الكبار: 14/164 المقدّميّ: 6/29، 126، 127، 128، 129، 130، 131، 132، 133، 134، 135 المقرّ: 1/133، 150، 236- 5/462، 463، 464، 468، 472، 473- 6/17، 20، 25، 141، 148، 154، 282، 328- 7/18، 50- 8/12، 185، 186- 9/271، 277- 10/5- 11/74 المقر الأشرف: 5/464- 6/113- 7/19، 58- 10/124- 14/227 المقر الأشرف العالي: 6/97 مقرّ الرحمة: 6/288- 7/19 المقر الشريف: 5/473- 6/17، 101، 102، 103، 104، 105، 106، 107، 108، 109، 141، 142، 143، 148، 154- 7/220، 386- 8/183، 187، 191، 207، 214، 224، 228، 231- 12/439 المقر الشريف العالي: 5/464- 6/97 المقر العالي: 1/133- 5/464- 6/97، 101، 102، 103، 105، 107، 109، 113، 123، 128، 142، 149، 154- 8/9، 207، 226، 232- 10/5- 12/6، 280، 441، المقر الكريم: 5/473- 6/76، 101، 102، 103، 104، 105، 106، 107، 108، 109، 113، 121، 127، 128، 142، 149، 154- 7/158، 167، 172، 184، 214، 219، 220، 235، 242، 285، 289، 296، 327- 8/12، 196، 197، 206، 214، 221، 224، 225، 229، 233- 9/273، 274- 11/101، 133- 12/19، 280، 348، 436 المقر الكريم العالي: 5/464- 6/97- 8/229- 11/74، 102 المقرّب: 6/30، 159، 160 مقرب الحضرتين: 6/72، 159 مقرب الدول: 6/72 مقرب الدولة: 6/159 المقرّبي: 6/30، 158، 159 المقرعة: 2/145 المقريء: 5/436- 11/243 المقصورة: 4/5 المقطّ: 2/497 المقطع: 3/579

مقطع الوزارة: 3/579 المقلقلات: 13/101 المقلمة: 2/495 المقندس: 11/333 مقياس النيل: 3/325، 590- 8/234، 269 مقيم شعائر الحج والجهاد: 14/348 المكاتبات- المكاتبة: 1/84، 128، 129، 130، 136، 145، 147، 149، 150، 165، 166، 167، 168، 169، 170، 173، 174، 213، 271، 272، 313، 323، 358، 426، 480- 2/494- 3/52، 56، 282، 300، 505، 563، 567- 4/30، 66، 213، 351، 355، 366، 435، 461- 5/31، 52، 55، 143، 264، 269، 399، 403، 404، 409، 413، 414، 437، 446، 455، 460- 6/27، 97، 181، 182، 187، 189، 191، 211، 215، 221، 260، 263، 266، 268، 272، 275، 282، 294، 296، 299، 300، 303، 310، 315، 317، 319، 320، 321، 322، 326، 328، 330، 337، 351، 369، 378، 381، 419، 420، 431، 445، 446، 453، 467، 469، 472، 486، 489، 515، 520، 523، 525، 530، 532، 535، 559، 561، 565، 569- 7/3، 18، 27، 30، 31، 34، 41، 61، 67، 74، 81، 86، 92، 95، 99، 103، 109، 112، 118، 121، 124، 127، 135، 144، 150، 161، 174، 176، 180، 184، 199، 205، 212، 214، 235، 236، 251، 255، 272، 279، 285، 287، 299، 302، 316، 325، 327، 344، 356، 359، 365، 369، 392، 398، 401، 403، 412، 413، 440- 8/3، 4، 6، 8، 9، 14، 20، 26، 29، 32، 36، 39، 40، 44، 50، 54، 56، 72، 77، 80، 85، 88، 100، 118، 122، 131، 134، 136، 139، 149، 151، 163، 165، 170، 174، 182، 186، 188، 191، 194، 201، 204، 207، 208، 213، 217، 231، 236، 245، 267، 268، 277، 296، 304، 309، 315، 318، 332، 344، 349، 359، 370، 373- 9/82، 101، 115، 166، 189، 247، 272، 277، 344، 361، 396- 10/44، 75، 160،

184- 11/27، 73، 74، 108، 129- 12/169، 202- 13/12، 167، 341، 342- 14/8، 126، 138 المكاتبات الإخوانيات: 1/322- 6/5، 299- 8/130- 9/3 المكاتبات السلطانية: 4/191- 5/58، 203، 403- 8/236، 249، 250، 255، 262، 266، 300، 331، 342، 354، 360، 370، 392 المكاتبات الملوكية: 6/5 مكاحل البارود: 2/153 المكتب (لإقراء الأولاد) : 5/156 المكرّم: 6/30، 164، 167، 168، 169، 170- 11/84 المكرّمة: 6/163، 166، 171 المكروهة الدراهم المكروهة الدراهم الأحدية المكلّفة- المكلّفات: 3/526- 11/93، 346- 13/82 المكوس: 3/536، 538، 568 مكوس الملاهي: 3/539 المكّوك: 4/122، 223، 240، 243، 420 الملاحدة: 1/155 ملاذ البطارقة والأساقفة والقسوس والرهبان: 6/164- 8/45 ملاذ الطالبين: 6/73 ملاذ الطلاب الراغبين: 6/129 ملاذ العبّاد: 6/73، 155 ملاذ العرب: 6/137 ملاذ الفرسان: 6/168 ملاذ الكتّاب: 6/73، 144، 145 الملاذيّ: 6/32، 142، 155 الملازم لاحياء سنّة الجهاد المتروكة في الأقطار: 7/417 الملاطفات: 3/567 ملتزم الملائك: 9/315 ملتزمو خيل البريد: 3/525 ملجأ الفقراء والمساكين: 6/72 ملجأ القاصدين: 7/345، 350 ملجأ المريدين: 6/72، 156 الملجئي (لقب) : 7/345، 350 الملخصات: 1/45، 46، 174- 5/399- 6/188، 205، 206 الملزمة: 2/510 الملطفات: 1/136، 162، 163- 3/52، 129- 6/183- 7/275، 279- 8/245- 9/228- 11/297- 14/138 الملك: 1/473، 474، 475، 506- 4/5، 8، 60- 5/416، 420، 471- 6/105، 106، 111، 117، 120، 121، 122، 124، 289، 295، 327، 334، 453،

472، 486، 523، 561، 565، 569- 9/101، 251، 256، 318، 326، 344، 415، 417، 423، 429- 10/3، 59، 162، 172، 181، 189، 339 ملك الأرض: 13/350 الملك الأفضل: 5/417، 457 ملك الأمراء: 5/427- 8/178، 216 ملك البحرين: 6/72، 120- 7/406- 13/350 ملك البرين: 8/88 ملك البرين والبحرين: 8/109 ملك البسيطة: 6/122- 7/393، 399- 14/347 ملك البلغاء: 6/72 ملك الجبال والكرج والجرجان: 6/168- 8/29 الملك الجليل: 6/80، 167- 8/42 الملك الصالح: 5/417، 457 ملك طليطلة وما يليها من البلاد الأندلسية: 6/167 الملك العادل: 5/457 ملك العرب والعجم والترك: 6/120- 8/26- 14/347، 348 الملك العزيز: 5/457 الملك على الحقيقة: 6/154 ملك الغرب: 7/417 ملك المسلمين: 7/440 ملك الملوك: 6/16- 8/127 ملك ملوك الحبشة: 8/41 ملك ملوك السريان: 6/94، 166- 8/46 ملك الملوك شرقا وغربا: 8/64 ملك ملوك العرب والعجم والترك: 7/407 الملك الكامل: 5/457 الملك المعز: 5/457 الملك المعظم: 5/457 الملك المنصور: 5/457 ملك منفراد: 6/170 الملك الناصر: 5/457 الملكة (نعوت الملكة) : 6/95- 8/55 الملكة الجليلة: 14/44 الملكيّ: 5/471- 6/30، 117، 121، 122، 123، 124، 125- 7/148، 149- 8/57 الملكية (لقب) : 7/273، 317 الملواق: 2/508 الملوك: 4/277، 381، 425، 445، 469، 471- 5/11، 16، 87، 88، 89، 91، 92، 93، 111، 406- 7/18، 41، 67، 86، 109، 117، 139، 144، 315، 398- 8/11، 50، 57، 212، 236، 245، 259، 313- 11/3، 7، 147- 13/65، 124، 335، 352، 365- 14/10، 130،

185، 324 ملوك الإسلام: 1/57- 4/161- 5/85- 6/214- 7/255، 319، 338، 340، 341- 8/10، 23، 56- 10/129، 187- 13/44، 320- 14/3، 17، 84، 97، 414 الملوك الأيوبية: 3/498 ملوك البحر: 14/71 ملوك البيت الهولاكوهي: 8/31 ملوك التتر: 4/375- 7/338، 341، 375 ملوك الترك: 3/497- 4/429 ملوك نوران: 7/356 ملوك الحضرة: 3/294 ملوك الديار المصرية: 4/58، 375- 7/121، 148- 14/12 ملوك الديلم: 1/473 ملوك الروم: 14/412 ملوك السلاجقة: 14/414 ملوك السودان: 8/118 ملوك الشرك: 10/54 ملوك الصلبان: 7/137 ملوك الطوائف: 1/537- 4/411، 419- 5/239، 249، 257، 449- 8/313 ملوك الغرب: 7/116، 123، 403- 8/79 ملوك الفرس: 14/412 ملوك الفرنج: 14/12، 33، 78 ملوك الكفر: 1/57- 5/84، 404، 410- 6/29، 78، 170، 173، 214- 7/118، 124، 137- 8/24، 34، 40، 44، 55، 123- 13/320- 14/3، 17، 84، 138 ملوك المرابطين: 5/249 ملوك المسلمين: 14/138 ملوك مصر: 5/28، 30 ملوك المغرب: 6/29، 30، 37 ملوك النصرانية: 7/356- 8/27 ملوك اليمن: 7/357 مليك اصحاب المنابر والأسرّة والتخوت والتيجان: 7/407 الممالك الاسلامية: 1/132- 12/13 الممالك الشامية: 12/5، 10، 16، 20، 43 الممالك القانية: 6/33 المماليك: 3/503- 4/4، 21، 47، 49، 50، 62، 65، 195، 456- 5/88، 92- 6/15، 41- 9/11، 12- 14/86، 178 المماليك الأتراك: 3/491- 4/69، 281، 456- 5/133، 140 مماليك البيت الشريف: 8/23 المماليك الجراكسة: 4/456 المماليك الروم: 4/69 المماليك السلطانية: 2/142- 3/426،

523، 525- 4/10، 12، 14، 15، 18، 19، 22، 53، 56، 59، 189، 209- 5/90- 6/182، 193، 197- 8/385- 11/169، 172- 12/27- 13/161، 164، 319 المماليك الصغار: 4/46 مماليك الطباق (الكتّانية) : 3/288، 552- 5/134، 143- 11/170 مماليك الملاهي: 5/88 مماليك النائب: 4/203 الممجّد: 6/30، 83، 166 الممسحة: 2/510 مملك أصحاب المنابر والأسرّة والتيجان: 6/120- 14/348 مملك أصحاب المنابر والتخوت والتيجان: 7/406، 8/26 مملك الممالك والتخوت والتيجان: 6/72 مملك ملوك النصرانية: 6/164- 8/45 المملكة: 5/86 مملكة بيت بركة: 4/365، 470، 482 مملكة بيت الدعوة: 12/113 مملكة بيت هولاكو: 4/365، 470 مملكة الديار المصرية: 3/304 مملكة الكفر: 7/60 المملوك (لقب) : 5/403- 6/294، 334، 489،- 7/92، 94، 117، 128، 134، 383، 393، 396، 399، 401- 8/57، 61، 151، 176، 183، 194، 201، 206، 209، 213، 225، 367، 385، 391- 9/11، 18، 21، 32، 34، 39، 106 ممنّع السلوك: 6/167- 8/36 ممهد الدول: 5/473- 6/72، 126، 127، 130، 131، 132، 173- 8/212 ممهد المملكة: 6/127 الممهدي: 6/30، 72، 100، 126، 127، 128، 129، 130، 131، 132، 141، 144 المنّ: 3/512- 4/281، 420 المناخات (حواصل الجمال) : 3/549، 600 المناخات السلطانية: 3/523- 4/33، 62- 11/168 المناشير- المنشور: 1/55، 56، 137، 147، 148، 167، 169، 170، 171، 173، 271- 2/4- 3/449، 595- 4/17، 19، 31، 52، 68، 191، 197، 224، 227، 243- 6/117، 181، 182، 189، 192، 214، 215- 7/177، 8/18- 9/425- 10/157، 186، 190، 307، 466- 11/30، 47، 49، 93،

121- 12/96- 13/76، 92، 140، 162، 164، 171، 186، 188، 200- 14/138 مناشير الإقطاع (منشور اقطاع) : 1/84- 3/52، 300- 6/213، 214 مناشير عشرات التركمان: 6/182 المناطق المنطقة المناظر: 7/224- 8/61 المناور: 1/60، 163- 7/224- 8/61- 11/92- 14/140، 445، 447 منبع الكرم والإحسان: 6/122 منبه الخواطر: 6/72 المنتخب: 6/30، 159 المنتخبيّ: 6/30، 137، 159 منجد الملوك والسلاطين: 6/72، 119- 7/371 المنجنيقات- المنجنيق- المجانيق: 1/489- 2/152- 3/550، 597- 4/190- 7/395- 8/71، 292، 305، 396، 402- 11/91- 12/27، 30، 110، 117، 207 المنحر: 3/589 المنديل: 2/140 المنشاة: 2/509 منشيء العلماء والمفتين: 6/73 المنصف لرعيته: 6/85، 166 منصف المظلومين من الظالمين: 6/73، 120 المنصفيّ: 6/31 المنصور: 5/447- 6/31، 120، 122، 124، 174 (ما يوصف بالنصر) 10/4 المنصور بالله: 5/448 المنصور على أعداء الله: 6/122 المنصوريّ: 6/31، 122، 123، 129 المنطقة: 2/142- 3/288- 4/42، 54، 381، 461- 5/89، 138، 198، 284- 11/195، 332 المنفذ: 2/510 المنفّذي: 6/31، 141، 144، 145 المنفّر: 4/13 المنوّرون: 7/223- 8/61 المهادنة الهدن المهارك (أحجار النرد) : 2/158 المهتار (المهتارية) : 4/9، 12، 61- 5/441- 8/74- 11/83 مهتار البيوت (مهتارية) : 4/200، 229- 6/10، 161، 162 مهتار الركاب خاناه: 4/12- 5/441 مهتار الشراب خاناه: 4/9- 5/441- 6/162 مهتار الطبلخاناه: 4/13 مهتار الطشت خاناه: 4/10- 5/441- 6/162 مهتار الفراش خاناه: 4/10- 6/162 المهتدي: 5/414، 447

المهدي: 5/186، 448، 449 المهدي المنتظر: 13/232، 235 المهرجان: 1/492 المهرق: 2/512 المهقوع: 1/465 المهمّات: 11/291 المهماز: 2/144 المهمرد: 5/442- 11/168 المهمندار- المهمندارية: 3/559، 560- 4/22، 60، 194، 205، 225، 240، 244، 245، 247- 5/283، 431- 12/292، 431 مهندس العمائر: 5/438- 6/161 موادّ المسلمين: 6/94، 167، 172- 8/28 موادّ الملوك والسلاطين: 6/173 الموادعة: 14/17، 28 المواريث الحشرية: 3/532، 568 الموازع الحكمية: 4/199 المواساة: 5/136 المواشي الديوانية: 3/549 المواصفات: 14/4، 17، 105، 139 المواقف الشريفة: 8/55، 215- 9/10- 11/91، 112- 14/189 المواقف المشرفة: 6/489- 7/128، 144، 187 المواقف المقدسة: 5/461- 6/38، 288، 489- 7/128، 144 المواقف المقدسة الشريفة: 6/288، 7/19 الموالي: 5/239 الموبذان: 2/450 المؤامرة: 11/67 المؤتمن: 5/415، 6/31، 162 مؤتمن الدول: 6/159 مؤتمن الملوك والسلاطين: 6/158- 7/218، 219- 13/41 المؤتمنيّ: 6/158 مورد الجود: 6/73 موصل السالكين: 6/73 موضح الطرائق: 6/73 موضح الطريقة: 6/73 موضح قوانين العدل والاحسان: 6/131 موفق الدين: 11/363 الموقر: 6/169، 170، 171- 7/65، 416 الموقّرة (للنساء) : 6/171 الموقّع: 5/437 موقع الحكم: 14/365 موقع الدست: 5/235- 8/230- 11/226 الموقع بالقلم الجليل: 3/600 الموقع بالقلم الدقيق: 3/599 الموقعون: 3/558- 4/46، 65، 200، 203، 231- 10/344 الموكب السلطاني: 5/33 المولّدون: 1/211

(ن)

المولويّ: 6/31، 114، 117، 118، 119، 121، 122، 126، 127، 128، 129، 131، 132، 141، 142، 143، 148، 149، 150، 154- 7/127، 140، 145، 401- 8/72 المولى: 6/31، 318 مولي الإحسان: 6/73، 120 مولي الأمم: 6/384 مولى أمير المؤمنين: 6/382- 10/3- 14/21 مؤمل الأمة: 7/65 مؤمن الأرض المحيطة: 6/73، 120- 7/406، 407 المؤيد: 6/32، 120، 122، 123، 124، 125، 138، 139، 140- 7/61، 125 مؤيد الإسلام والمسلمين: 6/130 مؤيد أمور الدين: 6/73، 119 مؤيد الحق: 6/73 مؤيد السنة: 6/123 مؤيد المسيحية: 6/94، 166- 8/46 مؤيد العيسوية: 6/94، 167- 8/28 مؤيد الغزاة والمجاهدين: 6/122 مؤيد الملّة: 6/73، 150، 151 مؤيد الملة المسيحية: 6/167 المؤيديّ: 6/32، 122، 123، 124، 127، 129، 130، 131، 133، 134، 136، 137، 138، 145 الميرة: 4/274- 7/421 الميسر: 1/456 الميزان: 2/154 (ن) النادبة: 1/181 نار الاستمطار: 1/466 نار الأسد: 1/467 نار الحرب: 1/467 نار الحرتين: 1/467 نار الحلف: 1/466 نار السعالي: 1/467 نار السليم: 1/467 نار الصيد: 1/467 نار الطرد: 1/466 نار الفداء: 1/467 نار القرى: 2/147- 4/467- 7/323 نار المزدلفة: 1/466 نار الوسم: 1/467 الناسك: 6/32، 124، 157 الناسكيّ: 6/32، 127، 128، 150، 152، 154، 155، 156- 11/85 الناسوت: 13/280، 316 ناشر لواء العدل والاحسان: 6/74 ناصح الملوك والسلاطين: 6/73، 172 الناصر: 5/448- 6/33- 10/59

ناصر الإسلام: 10/151، 320 ناصر الإسلام والمسلمين: 6/384 ناصر الأنام: 8/346 ناصر الجيوش المنصورة: 9/181 ناصر الدنيا والدين: 6/120- 10/59 ناصر الدولة: 5/416، 455 ناصر الدين: 5/458، 472- 6/277- 7/61- 11/363 ناصر السنّة: 6/73- 14/347 ناصر الشريعة: 6/74 ناصر الغزاة والمجاهدين: 6/73، 108، 123، 127، 128، 129، 130، 131، 132 الناصر لدين الله: 5/415، 441 ناصر الملة المحمدية: 10/70 ناصر الملة المسيحية: 6/94، 166- 8/41 الناصري: 5/472- 6/117، 252- 7/135، 149 الناظر: 3/523، 532- 4/55، 64، 65- 5/437- 9/260، 263 ناظر الأحباس: 4/35، 49- 11/118 ناظر الأحكام الشرعية: 14/390 ناظر أسواق الرقيق: 10/156 ناظر الأصل: 11/413 ناظر الأملاك الشريفة السلطانية: 4/32- 8/230 ناظر الأهراء: 11/123، 124 ناظر الأوقاف: 5/437 ناظر بيت المال: 4/32، 198- 11/118 ناظر البيمارستان: 4/35 ناظر البيوت والحاشية: 4/31، 48، 198- 11/118 ناظر الجهات: 5/437 ناظر الجيش: 3/325- 4/18، 34، 46، 47، 55، 64، 65، 197، 198، 203، 204، 205، 230، 231، 240، 245، 248- 5/437، 464- 6/102، 206- 7/179- 8/179، 221، 228، 234- 9/264- 11/85، 86، 92، 117- 12/208، 276، 473- 13/159، 160 ناظر الجيوش المنصورة بالأبواب الشريفة: 8/58، 219 ناظر الحسبة: 4/46 ناظر الخاص: 3/325، 524، 534- 4/21، 28، 47، 55- 5/437، 464- 6/45، 59، 65، 69، 102، 176، 192، 202، 206- 7/179، 180- 8/179، 219، 228، 234- 11/78، 85، 86، 93 ناظر خاص البريد: 8/221، 230 ناظر الخزانة: انظر نظر الخزانة ناظر خزانة الخاص: 4/30 ناظر الخزانة الكبرى: 11/118

ناظر خزائن السلاح: 4/32، 198 ناظر الخواص الشريفة: 6/145- 7/180 ناظر الدعوة الهاديّة: 10/387 ناظر الدواوين: 5/437- 7/238 ناظر دواوين الإنشاء بالممالك الاسلامية: 1/137 ناظر الدواوين المعمورة والصحبة الشريفة: 11/116 ناظر الدولة: 4/29، 37، 195- 5/437، 464- 7/179- 8/219- 11/116، 117، 350 ناظر الديوان: 1/138 ناظر الشام: 6/59 ناظر الصحبة: 11/413 ناظر الكسوة: 4/55، 59 ناظر المال: 4/28، 205، 248- 11/265- 12/208، 276 ناظر المباشرة: 11/413 ناظر المطابخ: 11/123 ناظر المملكة: 4/240، 245- 8/229- 9/261 ناظر المملكة بحلب: 5/437 ناظر المملكة الشامية: 4/195 ناظر المهمات: 7/224 ناظر النظار: 5/437- 6/145- 7/201، 202- 7/202- 11/79- 12/276 ناظر الوقف: 9/265 ناظم مفرّق الفخار (لقب) : 7/417 النائب- النوّاب: 1/167، 172- 3/570، 603- 4/14، 17، 18، 20، 22، 37، 46، 52، 54، 60، 64، 65، 66، 67، 119، 120، 122، 145، 149، 180، 190، 192، 194، 196، 197، 200، 202، 203، 204، 209، 213، 225، 226، 227، 228، 231، 232، 240، 241، 245، 247- 5/33، 86، 426، 436- 6/114، 118، 127، 129، 131، 133، 134، 136، 140، 148، 181، 188، 277- 7/165، 172، 188، 189، 191، 192، 193، 195، 213، 226، 234، 239، 245، 250- 8/23، 44، 59، 180، 195، 221، 224، 229، 235، 251، 370- 9/10، 19، 37، 223، 252، 266- 10/181، 185- 11/27، 34، 185- 12/3، 4، 167، 169، 174، 201، 257- 13/46، 105، 320- 14/4، 50، 53، 138، 139، 415

نائب الإسبتار: 14/36، 39، 51، 56 نائب استادار: 4/48 نائب الإمام: 3/529- 13/359 نائب أمير عشرة: 4/22 نائب الباب: 3/574- 6/172 النائب بالحضرة: 6/67 نائب البطرك (الأسقف) الأسقف نائب بيت الاسبتار نائب الاسبتار نائب بيت المال: 4/64 نائب الجيش: 8/221 نائب الحكم: 3/533 نائب الحكم العزيز: 10/343، 382، 387 نائب حلب: 1/483 نائب الدعوة: 14/38 نائب السلطان: 6/24- 7/253- 14/36 نائب السلطنة: 3/507- 4/24، 63، 65، 102، 155، 190، 191، 192، 193، 205، 206، 224، 225، 240- 5/134، 426، 427- 6/14، 19، 24، 25، 26، 27، 28، 33، 46، 49، 52، 56، 68، 96، 106، 114، 126، 127، 128، 173- 7/158، 163، 164، 166، 169، 170، 184، 185، 186، 187، 188، 189، 190، 193، 194، 195، 196، 197، 198، 200، 227، 236، 240، 242، 298- 8/58، 59، 176، 178، 179، 182، 213، 216، 232، 333، 344، 354، 367، 392- 9/254، 264، 266، 275- 11/86- 12/3، 6، 100، 102، 141، 160، 176، 192، 196، 216- 13/14، 41، 96، 109، 320- 14/37، 51، 70، 72 نائب السلطنة بالحضرة: 7/166- 8/217 نائب السلطنة وكافل الممالك الشريفة الإسلامية: 7/167 نائب صاحب الباب: 3/559 نائب العداد: 14/40 نائب الغيبة: 4/18، 192، 225- 7/168- 8/381 نائب الفتوحات الجاهانية: 7/190 نائب القاضي: 10/461 نائب قلعة: 4/229- 7/191، 197، 199، 11/87، 90- 12/23، 162، 193، 205 نائب كاتب السرّ: 3/282- 6/205 النائب الكافل: 1/46- 3/424، 554- 4/17، 18، 63، 191- 5/426- 6/3، 19، 24، 35، 50، 52، 73، 101، 108، 127، 129، 173، 202، 253- 7/158، 160، 166، 184، 235، 237،-

8/22، 57، 219، 223، 233، 234- 9/255- 11/101، 130- 12/3- 13/163 النائب الكافل بالحضرة: 8/218 نائب كبير: 5/88، 90 نائب متولي ديوان الإنشاء: 1/148 نائب مقدم بيت الإسبتار: 13/313- 14/63 نائب المقدم الماستر: 14/54 نائب المملكة: 8/221، 253، 376 نائب الوالي: 4/66 النبويّ: 6/32، 119- 7/127، 135، 140، 145 النتريات: 5/89 النجّابة (البريديّون) : 11/91، 169، 297- 14/190، 415 النجاشي: 5/453- 6/318 نجاشي عصره: 6/170- 8/42 نجل الأكابر: 6/74 نجل السلطنة: 6/74 نجم الدين: 11/363 النجيدي: 6/150، 151 نخبة الفرقة الناجية الحسينية: 6/129 نخبة المحققين: 6/149 النرد- نردشير: 2/157 النزول (إشهاد بنزول) : 13/159 نسطور النصارى: 10/307 النسيب: 6/33، 138، 139 نسيب الإمام: 6/74، 136 نسيب أمير المؤمنين: 6/74، 135 النسيبيّ: 6/33، 119، 128، 135، 136، 173 النشّاب (من الآلات الملوكية) : 2/150 النّشو: 3/530 نصر النصرانية: 6/167 نصرة الإسلام: 7/18 نصرة الغزاة: 6/132 نصرة الغزاة والمجاهدين: 6/74، 108، 124، 128، 129، 130، 131، 132، 137، 134، 135، 136، 234- 8/212 نصرة الملوك: 7/19 نصف إمرة: 12/132، 240 النصير: 6/33، 139 نصير الغزاة والمجاهدين: 6/74، 108، 123، 124، 132 نصيرة الملّة العيسوية: 6/171 النصيري: 6/33، 128، 133، 134، 135، 136، 137، 138 النظّار الناظر النظّارة: 11/92، 309- 14/445 نظام الدولة: 6/74 نظام الدين: 5/416- 11/364 نظام الملك: 6/144 نظام الملّة: 6/141- 8/212 نظام الممالك: 6/74

نظام المناجح: 6/74، 145 النظامي: 6/33، 142، 144، 145، 148، 149، 150، 151، 155 النظر (وظيفة) : 9/262- 11/248- 12/83، 406، 407، 408 نظر الأحباس: 9/260- 11/121، 248- 12/201 نظر الأحباس والبيمارستان المنصوري: 9/260 نظر الأسرى: 12/388 نظر الأسواق: 4/198- 12/388 نظر الأشغال المخزنية: 10/316 نظر الإصطبلات السلطانية: 4/32- 9/261 نظر الأقواد: 4/227 نظر الأملاك السلطانية: 4/32 نظر الأوقاف: 4/227- 10/318- 11/110، 407- 12/40، 62، 196، 275 نظر الأوقاف الكبار: 12/160 نظر أوقاف الملوك: 12/60 نظر الأهراء بمصر بالصناعة: 4/33- 9/262 نظر البهار والكارمي: 4/33- 9/272 نظر بيت المال: 9/261-- 11/120- 12/444 نظر البيمارستان: 4/227- 11/114، 117، 155 نظر البيمارستان العتيق: 11/263 نظر البيمارستان المنصوري: 4/39، 191- 11/255 نظر البيمارستان النوري: 4/191، 197- 12/83 نظر البيوت والحاشية: 9/261- 11/120، 331، 336 نظر تربة: 12/361 نظر الجامع- نظر الجوامع والمساجد: 4/191، 198، 227- 10/392- 11/114، 157، 258- 12/62، 297، 336، 359 نظر الجهات: 4/34 نظر الجيش: 3/567- 4/31، 196، 226- 11/85، 314- 12/4، 96، 165، 190، 208، 216، 227، 447 نظر الحاصلات: 4/34 نظر الحرمين: 7/187- 11/114- 12/104 نظر الحسبة: 12/60، 334، 468 نظر الحوطات: 4/198 نظر الخاص: 3/567- 4/30، 197- 8/234- 9/261- 11/310، 334- 12/383 نظر الخزانة: 4/31، 197- 11/330 نظر خزانة الخاص: 11/88، 120، 334 نظر الخزانة العالية: 12/98، 385

نظر الخزانة الكبرى: 9/61، 11/120، 330، 334 نظر خزائن السلاح: 9/261، 262- 11/118، 120، 339 نظر الخواص الشريفة: 12/88 نظر دار الضيافة والأسواق: 4/32- 9/261 نظر دار الطراز: 11/418- 12/394 نظر الدواوين: 3/533، 566- 9/261- 11/65، 320، 356 نظر الدواوين المعمورة والصحبة الشريفة: 4/31- 11/117، 322 نظر الدولة: 11/320 نظر ديوان الأسرى: 4/198 نظر الرباع: 12/284، 395 نظر السبيل: 12/379 نظر الصادر والوارد: 11/410 نظر الصحبة: 11/322، 324 نظر الطواحين السلطانية بمصر بالصناعة: 4/33 نظر كسوة الكعبة: 11/213 نظر المال: 4/227- 12/4، 208، 216، 227 نظر المدارس والجوامع: 12/4، 339 نظر مراكز البريد: 4/198 نظر المرتجعات: 4/34 نظر المسابك: 4/198 نظر المساجد: 10/256، 318 نظر مشهد الحسين: 11/260 نظر مطابخ السكر: 4/199- 11/124- 12/393 نظر المظالم: 10/252، 256، 261، 317 نظر المملكة: 4/226- 9/262- 10/400- 12/162، 189 نظر المهمات الشريفة: 4/197 نظر المواريث الحشرية: 4/33- 9/272 نظر الوزارة: 3/532- 11/154 نظر الوقف: 11/124 نظر وقف صغير: 11/125 النفقة: 3/289 النفقة في الأولياء: 7/105،- 10/31، 39 نقابة الأشراف: 4/38، 200، 228- 6/9، 128، 136- 9/259- 10/256- 11/47، 117، 118، 161، 163- 12/291، 427، 453 نقابة الأشراف الطالبيين: 3/297، 557، 573، 586- 10/407- 11/163 نقابة الجيش: 4/193، 203، 230، 231 نقابة الجيوش نقيب الجيوش نقابة الطالبيين: 4/38- 10/256 نقابة العساكر: 4/244- 12/451 نقابة العلويين: 10/317، 405

النقابة على ذوي الأنساب: 3/297 نقابة القلعة: 4/192 نقابة النقباء: 4/192، 193، 205، 240، 245- 5/429- 6/136- 12/403 النقارات السلطانية: 3/544، 591 النقباء: 4/22، 50- 5/135، 142، 143، 202- 7/253- 11/92- 12/304- 13/308 نقباء الأمراء: 3/565 نقباء الجيش نقابة الجيش نقيب الإسبتار: 14/53 نقيب الأشراف نقابة الأشراف نقيب الأشراف الطالبيين نقابة الأشراف الطالبيين نقيب أولي المناقب: 6/129 نقيب الجيش: 5/428 نقيب الجيوش: 4/22- 12/430 نقيب الميسرة: 4/192 نقيب الميمنة: 4/192 نقيب النقباء نقابة النقباء نقيب نقباء الشرفاء: 6/138 النقيبي: 6/128 نكاح المتعة: 12/46 نكاح المقت: 1/459 النمجاه: 4/231 النمجاه السلطانية: 4/24، 65 النواب النائب نواب الأهراء: 11/67 نواب الباب: 3/574 نواب الجزية: 11/66 نواب الحسبة: 4/200، 228 نواب الحكم: 3/559- 11/53 نواب الخلفاء: 1/128، 129- 4/167، 445- 5/26، 174، 456- 7/404- 11/26 نواب الديوان: 14/230 نواب السلطنة نائب السلطنة نواب الطبلخاناة: 9/255 نواب القلاع: 7/174، 200، 244- 8/335- 9/253- 11/108- 13/105، 308 النواب المتوسطون: 6/56 نواب الملك: 6/303 نواب الممالك: 4/56- 9/263- 12/106، 174- 13/349 نواب المملكة: 8/376 النوبة: 3/406- 14/175 النورانيّون: 4/310 نور الدين: 5/459، 472- 11/363 نور الزهّاد: 6/74، 156 النورة: 1/485 النوري: 5/472 النوكر (الرفيق) : 4/419 النوين (أمير تومان- أمير عشرة آلاف) : 4/421، 423- 5/133- 6/33-

(هـ)

7/281، 295 نوين التوامين: 8/226 النوينيّ: 6/34، 130، 131، 132، 135، 173- 7/284، 285، 299 النيابات: 1/42- 12/5، 104، 109، 141، 147، 173، 193، 257 النيابات الصغار: 1/154- 9/253، 258- 12/4 نيابات الطبلخاناه: 12/434 نيابات العشرات: 12/434 النيابات العظام: 1/154 النيابات الكبار: 12/5 النيابة: 1/42، 151- 4/17، 102، 103، 139، 201، 204، 205، 206، 207، 208، 209، 223، 224، 235- 7/149- 9/223، 254، 255- 10/333، 458- 11/27، 109 نيابة امرة طبلخاناه: 12/4 نيابة إمرة عشرة: 12/4 نيابة تقدمة ألف: 12/4 نيابة الرسالة: 9/315 نيابة السلطنة: 3/464- 4/17، 224- 9/10، 252، 254- 11/4، 7، 101، 141- 12/9، 19، 21، 106، 202، 220 نيابة السلطنة بالحضرة: 11/133 النيابة الشريفة: 3/559 نيابة طبلخاناه: 12/104 نيابة القلعة: 4/191، 224- 12/26، 28، 151، 195، 321، 458 نيابة الوزارة: 10/326 نيران العرب: 1/466 النيروز: 1/491، 492 (هـ) هادي دعاة المؤمنين: 8/346- 10/4، 81 هازم جيوش الأرمن والفرنج والكرج والتتار: 8/89، 109 هازم فرق الفجّار: 7/417 الهامش (في الكتب) : 6/301، 302 الهجّان: 7/334 هجن الثلج: 1/60- 14/140، 440، 443 هداية دعاة المؤمنين: 10/88 الهدن- الهدنة- المهادنات: 1/57، 84- 2/4- 3/496- 4/183، 184- 5/32، 48، 258- 6/242، 368- 7/266، 359- 8/262، 265، 279- 10/130- 11/397- 13/311، 315، 320، 360- 14/3، 4، 5، 14، 17، 25، 48، 88 الهدنة الدمشقية: 13/94 الهدنة الظاهرية: 14/44

(و)

الهدي: 14/101 الهرمزان: 6/233- 13/113 الهلالي: 3/539 الهمام: 6/34، 83، 124، 165، 166، 167، 168، 169، 172 همام الدولة: 6/75 همام الدين: 11/364 الهمامي: 6/34، 133، 134، 135، 137، 138 الهناب: 4/63 الهيمانوت: 13/279 (و) الواثق بالله: 5/447 وأد البنات: 1/460 وارث آبائه في الأسرّة والتيجان: 6/94، 166- 8/28 وارث الأسرّة والتيجان: 6/168- 8/47 وارث التاج: 8/55 وارث تخت جنكزخان: 7/356 وارث التيجان: 6/94، 167، 170- 8/36 وارث القياصرة العظماء: 6/94 وارث القياصرة القدماء: 6/94، 166، 8/46 وارث لذريق: 6/167 وارث لذريق وذراري الملوك: 8/36 وارث الملك: 6/75، 120- 10/59- 13/350- 14/347 والد الملوك والسلاطين: 6/120، 173- 14/348 والدة الملوك والسلاطين: 6/163، 173- 7/183، 184 الوالدي: 6/34، 35- 7/350 الوالدية: 7/183 الوالي- الولاة: 1/95، 167- 3/55، 570- 4/26، 27، 55، 64، 65، 208، 230- 5/33، 88، 143، 423- 6/196- 7/171، 177، 187، 197، 239، 245، 250- 8/20، 38، 62، 221، 223، 230- 9/224، 255، 363- 10/224، 310- 11/34، 41، 420- 13/46- 14/8، 72، 138 والي البرّ- ولاة البرّ: 4/205، 236 والي التركيز: 4/65 والي الحرب: 12/3 والي الشرطة: 4/61 والي القلعة: 4/206- 7/198، 247 والي المدينة- ولاة المدينة: 4/205، 236- 5/135 والي الولاة: 4/25، 27، 66، 67، 207- 9/255- 11/422، 429 الوامق (لقب) : 7/417 واهب الأقاليم والأمصار: 6/120-

8/26- 14/348 وجوه العين: 4/39 الورّاقون: 3/405 الورع: 6/34، 138، 157 الورعي: 6/34، 150، 154، 155، 156 الورق الأحمر: 7/442- 8/56 الورق الأزرق: 7/383 الورق الأصفر: 7/383 ورق البطائق: 7/254 الورق البغدادي: 10/192 الورق البلدي: 8/56- 14/389 الورق الشامي: 8/56، 173- 14/365 ورق الطير (ورق بطائق الحمام) : 3/125- 6/183 الورق الفرنجي: 8/124، 126 الورق المصري: 7/321 الوزارة: 1/127، 131، 137- 2/3- 3/295، 298، 523، 553، 560، 562، 567- 4/17، 28، 29، 30، 195، 197، 226- 6/144- 7/174- 9/4، 5، 8، 283، 296، 419، 428- 10/243، 315، 334، 398، 453- 11/35، 85، 150، 279- 12/85، 189- 14/181، 205 وزارة التفويض: 3/553- 9/418، 423، 424، 425، 426- 10/163- 11/71 وزارة التنفيذ: 9/419 الوزارة الصغرى: 3/554 الوزراء- الوزير: 1/46، 172، 475، 487، 498- 3/295، 396، 423، 548، 556، 557، 558، 559، 560، 562، 566، 572، 573، 582، 584، 586، 588، 589، 593، 594، 597، 601- 4/29، 31، 32، 45، 46، 47، 53، 55، 59، 193، 203، 204، 226، 231، 232، 243، 245، 421، 422، 424، 426، 427، 473، 483- 5/33، 49، 67، 78، 89، 90، 92، 134، 138، 141، 197، 202، 239، 261، 286، 414، 421، 437- 6/17، 27، 34، 102، 104، 105، 107، 109، 113، 114، 115، 141، 190، 191، 200، 202، 273، 289، 342، 380، 403، 421، 431- 7/18، 19، 77، 83، 179، 180، 287، 325، 359- 8/56، 133، 148، 172، 176، 219، 228، 232، 245، 344- 9/5، 6، 9، 220، 261، 316، 337، 419- 10/49- 11/35، 77، 86، 286-

12/162- 13/65، 138، 308، 329، 377- 14/50، 138، 178، 213، 415، 436 وزراء الخلفاء: 7/76، 113- 13/335 وزراء الملوك: 6/407- 7/76 وزير آل محمد: 5/415 وزير تفويض: 5/422- 9/419- 10/163 وزير تنفيذ: 5/422 وزير الجند: 5/134، 139، 142، 143 وزير الجند الكبير: 5/140 وزير الخليفة- وزراء الخلافة: 3/293، 296 الوزير صاحب السيف: 3/557- 563، 564 الوزير صاحب قلم: 4/29 وزير عظيم: 5/88 وزير الفضل: 5/134، 139، 140 وزير كبير: 6/24، 173 وزير المال: 5/134، 139، 140 وزير المملكة: 7/224- 8/233 الوزيري: 5/472- 6/34، 114، 115، 134، 141، 144، 145- 7/313 الوزيرية (فرقة في الجيش) : 3/581 الوساطة: 3/553، 561، 562- 5/422 الوسّخ الغالب (من أنواع الأراضي) : 3/518 الوسّخ المزروع (من أنواع الأراضي) : 3/518 الوسق: 5/172 الوصايا الوصيّة الوصايا الدينية: 1/53- 13/3 الوصفان: 5/143 الوصل: 6/186، 187، 206، 214، 224، 302- 7/235، 237، 239، 242، 275، 321، 344- 8/57، 173- 9/419- 10/159، 183، 192- 12/294- 13/342 الوصي: 1/278 الوصيلة: 1/458 الوصيّة: 2/4- 9/257، 278، 279، 373- 10/75، 140، 180، 190، 294- 11/90، 100، 165، 243، 307، 345- 12/233، 251- 64/138 وطاق السلطان: 4/425- 14/167، 189 الوظائف الدينية: 3/298- 4/195، 199، 240، 246- 12/4، 36، 57، 181 الوظائف الديوانية: 3/298، 560- 4/226، 246- 10/315- 11/64، 413- 12/4، 186، 227

وظائف زعماء أهل الذمة: 12/5 وظائف مشايخ التصوّف: 12/4، 100 وفاء النيل: 1/50- 3/320، 321، 331، 408، 582، 590، 4/48- 7/201- 8/25، 332، 367، 369- 14/138 الوقافون: 5/133، 136، 138، 140، 141 الوقافون الصغار: 5/134 الوقافون الكبار: 5/134 الوقف الأوقاف- الوقوف الوكالة: 4/193- 13/385 وكالة بيت المال: 1/471- 3/559- 4/36، 199، 228، 11/212- 12/4، 63، 66، 158، 183، 208 الوكالة الشرعية: 4/244 الوكالة على باب الحكم: 10/441 الوكالات: 10/284، 300 الوكلاء: 12/50 وكلاء بيت المال: 9/259- 13/384 وكلاء مجلس الحكم العزيز: 12/46 وكلاء المطابخ: 14/407 وكيل بيت المال: 4/38، 46، 64، 199، 205، 240، 244- 8/221- 11/88، 94، 97، 118، 119، 217- 12/201، 208، 216 وكيل الخاص: 14/423 الولاة الوالي ولاة الأطراف: 8/242 ولاة الأعمال: 8/237-- 13/337 ولاة الثغور: 13/367 ولاة الحرب: 4/23 ولاة الحسبة: 10/28 ولاة الدواوين: 13/145 ولاة الشرطة: 4/23 ولاة الطبلخاناة: 4/27- 7/172- 8/234، 235 ولاة الطرز: 10/28 الولاة العشرات: 7/172- 8/234، 235 ولاة العهد ولي العهد ولاة العهود ولاة العهد بالخلافة: 6/119، 378، 445- 7/144، 145 ولاة العهد بالسلطنة: 6/121- 7/148، 392 ولاة العيار: 10/28 ولاة القلعة: 4/24 الولايات- الولاية: 1/45، 51، 52، 91، 128، 129، 132، 145، 147، 154، 158، 165، 216، 426- 2/3، 4، 5، 6، 15- 3/52، 56، 263، 300، 557- 4/23، 30، 100، 204، 207، 248، 274- 5/399، 403،

405، 409، 410، 437، 461- 6/97، 140، 187، 188، 189، 211، 213، 214، 215، 221، 260، 368- 7/180، 182- 8/236- 9/4، 25، 251، 257، 260، 264، 267، 270، 277، 279، 305، 396، 418- 10/28، 182، 195، 311، 352، 371- 11/3، 26، 27، 43، 51، 54، 71، 75، 101، 228، 278، 330، 331، 448- 13/12، 41، 51- 14/103، 137 الولايات الدينية: 9/421 ولايات زعماء الذمة: 3/299 الولايات السلطانية: 1/136- 11/107، 112 الولايات الصغار: 3/571- 11/110 الولايات الكبار: 11/128 ولاية الأعمال: 9/24- 10/317 ولاية أمراء العربان: 9/256 ولاية الأوقاف: 3/298 ولاية البر: 4/205 ولاية تدبير الممالك: 12/85 ولاية الحجابة: 9/13 ولاية الحرب: 10/377 ولاية الحسبة: 10/358- 11/67 ولاية حفظ الثغور: 10/317 ولاية الحماية: 10/317 ولاية الدعوة (على مذهب الشيعة) : 9/19 ولاية الديوان: 9/22 ولاية الشرطة: 10/317 الولاية الشرعية: 1/98 ولاية الصلاة: 10/263 ولاية ضروب المصالح: 2/3 ولاية على المساجد: 3/298 ولاية العهد: 9/399- 10/139 ولاية القضاء: 2/3- 3/298، 9/16- 10/273 ولاية القاهرة: 3/555 ولاية قضاء النواحي: 3/299 ولاية القلعة: 4/247- 13/107 ولاية المدينة: 4/194، 205، 226، 240، 244 ولاية مصر: 3/555 ولاية المظالم: 2/3- 3/297- 10/334 ولاية المعاون والأحداث: 10/317 ولاية المعونة والحسبة: 10/358 ولاية النقابة على ذوي الأنساب: 2/3 ولاية نواب الحسبة: 4/200 الولاية النورية: 13/95 ولاية الولاة: 11/422- 12/315 ولد الملوك والسلاطين: 6/173 الولدي: 6/35، 121- 7/148، 343، 345- 12/223

(ي)

الولدية: 6/162، 163 الولوي: 5/472 ولي الإمامة: 9/320 ولي الأمة: 10/4، 81 ولي أمير المؤمنين: 5/462- 6/75، 107، 116، 120، 121، 122، 124، 136، 141، 142، 144، 145، 150، 151، 154- 7/19، 407 ولي الدولة: 5/415، 416، 417 ولي الدين: 5/460، 472- 11/364 ولي العهد- ولاة العهود- ولاة العهد: 5/462- 6/32، 445- 9/270، 278، 285، 370، 387- 10/162، 179، 182- 13/138، 349 ولي عهد المسلمين: 7/145 ولي الله: 7/346 الويبة: 4/123، 223- 5/109 الويبة المصرية: 3/512 (ي) الياسة: 4/314، 472، 483 اليد (لقب) : 5/469- 6/77 (نعوت اليد) اليد الشريفة: 8/195، 214، 228 اليد الشريفة العالية: 5/469 اليد العالية: 5/470- 8/194، 195، 196، 233، 235 اليد الكريمة العالية: 5/470- 8/194، 195، 220 اليراع (الشّبابة- من آلات الطرب) : 2/161 اليرالغ- اليرليغ (المراسيم) : 4/422، 427- 8/27 اليزك الأيزاك اليمين الأيمان يمين الدولة: 5/462- 6/75 اليمين الغموس: 1/56- 13/212 يمين الملوك والسلاطين: 6/75، 173 يمين المملكة: 6/75، 145 اليمينيّ: 6/35، 145، 173- 8/247 يوم التروية: 4/283

فهرس الأعلام

فهرس الأعلام «1» - أ- الآبي (أبو سعيد بن حسين بن منصور الآبي) 2/ (442) . آحاز بن يؤثم (من ملوك بني إسرائيل) 4/165. آدم (عليه السلام) 1/285، 358، 480، 2/108، 198، 385، 3/9، 22، 4/256، 5/417، 6/228، 10/351، 12/423، 13/258، 299، 14/100، 239. ابن الآدمي (علي) (صدر الدين) 12/367. آسية (امرأة فرعون) 3/429. آصف بن برخيا 1/68. الآمدي (علي بن محمد) (سيف الدين) 1/ (549) ، 12/ (349) ، 14/259. الآمر بأحكام الله (ابو علي المنصور) 3/494، 8/ (240) 242، 300، 13/239، 368. آمنة بنت وهب 1/279، 409. ابن الأبّار (محمد بن عبد الله القضاعي) 7/ (37) ، 10/ (316) . أبان بن تغلب 3/ (290) . أبان (مولى أمير المؤمنين هارون) 12/102. أبان بن سعيد بن العاص 1/126. أبان بن عثمان 4/271، 300. إبراهيم (صاحب القنيطرة) 7/300. إبراهيم (ابن أخي أبي جعفر المنصور) 4/272. إبراهيم (قاضي سيواس) 8/15. إبراهيم بن أحمد 5/117. إبراهيم بن أدهم بن منصور 4/ (154) ، 12/ (384) ، 480. إبراهيم بن إسحاق الموصلي 1/ (341) ، 494. إبراهيم الأسد أبادي 1/175. إبراهيم بن الأشقر 1/521. إبراهيم بن الأغلب 5/ (116) ، 175. إبراهيم (الإمام) 5/45. إبراهيم بن الأمير عمر 4/378. إبراهيم بن البارنباري 4/419.

إبراهيم بن ابي بكر الشهيد 5/126، 127. إبراهيم بن ابي بكر الموصلي (برهان الدين) 12/293. إبراهيم بن تاشفين بن علي 5/185. إبراهيم بن ابي جرادة (جمال الدين) (ابن العديم) 12/ (435) ، 436، 439. إبراهيم بن الحاكم بأمر الله (الواثق بالله) 3/279. إبراهيم بن أبي حبيبة 4/284. إبراهيم بن ابي الحسن (أبو سالم) 5/194. إبراهيم الخليل (عليه السلام) 1/105، 276، 470، 2/153، 393، 425، 449، 463، 645، 3/306، 472، 4/95، 120، 206، 250، 256، 410، 5/414، 6/43، 11/311، 390، 12/224، 235، 13/454، 260، 266، 269، 297، 380. إبراهيم الدهشوري (السهروردي) 2/383، 420. إبراهيم بن رسول الله (ص) 1/281، 3/373، 4/494، 11/395. أم إبراهيم بن رسول الله (ص) (مارية القبطية) 11/ (395) . إبراهيم بن الرشيد (المعتصم بالله) 5/447. إبراهيم بن زياد 5/26. إبراهيم السّجزّي 3/16، 17، 104. إبراهيم بن سليمان باشاه 5/332. إبراهيم بن سنان الحرّاني 1/ (562) . إبراهيم بن سيّار النظام 2/ (4) . إبراهيم شاه (صاحب قسطمونية) 8/14. إبراهيم شاه بن بارنباري 4/419. إبراهيم شاه بن سليمان 5/326. إبراهيم الصابي (أبو إسحاق) 13/64. إبراهيم بن صالح العباسي 3/ (487) . إبراهيم بن صالح بن علي 4/168. إبراهيم بن عالي 4/71. إبراهيم بن العباس 6/242. إبراهيم بن العباس الصولي (أبو إسحاق الصولي) 1/69، 2/325، (353) ، 357، 479، 489، 502، 13/ (60) . إبراهيم بن العباس (المتوكل) 6/ (296) . إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف 1/509. إبراهيم بن عبد الرحمن بن نبيه الحجبي 14/102. إبراهيم بن عبد الله بن حسن 1/ (311) . إبراهيم بن عبد الله النجيرمي 7/ (9) . إبراهيم بن العديم (جمال الدين) 6/148. إبراهيم بن علي 1/472. إبراهيم بن غالب المزاتي 5/161. إبراهيم بن غراب 1/134. إبراهيم القاضي 5/333، 345. إبراهيم القدسي (عماد الدين) 4/37. إبراهيم بن قريش 4/176. إبراهيم بن القيسراني (شمس الدين)

10/58، (161) . إبراهيم الكانمي (أبو إسحاق الشاعر) 5/270. إبراهيم كري 6/172. إبراهيم بن لقمان (فخر الدين) 5/390، 10/ (100) ، 115. إبراهيم بن لقمان الإسعردي 1/131. إبراهيم بن المحبسي 2/ (486) . إبراهيم بن محمد بن إبراهيم 5/26. إبراهيم بن محمد الإمام 1/487، 6/8. إبراهيم بن محمد الشيباني 2/ (480) ، 487، 3/ (4) ، 6/211. إبراهيم بن محمد العباسي (الإمام) 3/292، 5/414، 447. إبراهيم بن محمد بن قلاوون 14/350. إبراهيم بن مسعود 4/447، 5/84. إبراهيم بن المهدي 1/501، 513. إبراهيم النخعي 1/380، 6/212. إبراهيم النظام 13/255. إبراهيم بن هرمة 1/ (340) . إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي 2/ (286) ، 4/271، 300. إبراهيم بن هلال بن إبراهيم (انظر أبو إسحاق الصابي) . إبراهيم بن وصيف 3/362. إبراهيم بن وصيف شاه 1/ (423) ، 3/ (325) ، 5/451. إبراهيم بن الوليذ 1/166، 504، 3/268، 4/415، 6/341. إبراهيم بن أبي يحيى 6/520. إبراهيم بن يحيى (أبو إسحاق) 5/124. إبراهيم بن يعفر 5/45. أبرهة الأشرم 5/24. أبرهة ذو المنار (ابرهة بن الصعب بن ذي مرثد) 1/414، 5/ (20) . أبرهة بن الصباح بن لهيعة 5/23. أبرهة بن الصعب بن ذي مرثد ابرهة ذو المنار. أبرويز بن هرمز (ملك الفرس) 1/125، 282، 4/414. أبرياطش بن قلوماظر 5/361. أبشبغا (الأمير) 5/344. أبغا بن هولاكو بن طولي 4/418، 5/343، 14/164. أبقراط 1/528، 554، 9/212. إبليس 1/477. الأبهري 1/ (550) ، 14/259. ابن الأبو بكري (علاء الدين) 7/142. أبيفانش بن قلو باطر 5/361. أبيّ بن خلف 1/ (489) . أبيّ بن كعب 1/126، 517، 3/15، 6/ (190) ، 12/417. الأبيض بن حمال 13/112. أبين بن زهير بن الغوس 5/9، 19. الأتابك زنكي 1/ (377) . أتريب بن قفط بن قبطيم 3/470.

أتريب بن قبطيم بن مصر 3/436. أتسز بن أرتق الخوارزمي 4/171. الآثاري (زين الدين شعبان) 3/142. الأثرم 12/368. أثنا سيوس (بطرك) 5/298. اثو لينا ريوس (قائد) 5/299. أثيا بن رحبعم بن سليمان عليه السلام 4/165. الأثير أبو الحسن 8/142. ابن الأثير (المؤرخ) 3/288، (290) ، 341. ابن الأثير (أبو السعادات) 3/ (367) ، 9/281 ابن الأثير الجزري 1/ (82) ، 131، 162، 199، 335، 541، 545، 2/238، 279، 290، 299، 3/253، 256، 309، 313، 419، 463، 4/75، 93، 131، 323، 5/41، 378، 6/16. ابن الأثير (ضياء الدين الوزير) 6/265، 354، 359، 10/ (6) ، 101. أثير الدين أبو حيان 1/ (197) ، 412، 510، 3/ (21) ، 148، 153، 171، 176، 179، 182، 184، 185، 186، 187، 194، 200، 414، 6/225، 235، 236، 241، 14/374. ابن الأجدابي 1/ (189) ، 538. ابن الأحدب (ابو بكر) 7/177. أحز يا هو بن بهورام بن يهو شافاظر 4/165. أبو أحمد (الحسن بن عبد الله) 2/ (297) . أحمد (الأمير) (صاحب شكوش) 7/309. أحمد (أبو الخليل بن أحمد الفراهيدي) 1/490. أحمد (السلطان) (صاحب إيران) 8/66. أحمد بن إبراهيم الدورقي 3/ (54) . أحمد بن الأثير (تاج الدين) 1/131. أحمد بن أحمد الحسيني (عز الدين) 12/427. أحمد بن إسحاق (القادر بالله) أبو العباس 3/275. أحمد بن إسحاق البهلول 1/320. أحمد بن أسد بن سامان 4/445. أحمد بن إسرائيل 1/ (218) . أحمد بن إسماعيل (ابن زينب) 3/488. أحمد بن إسماعيل (الملك الأشرف) 5/31. أحمد بن إسماعيل بن أحمد 4/445. أحمد بن إسماعيل بن عباس (الملك الناصر) 7/365. أحمد بن إسماعيل بن علي 14/102. أحمد الأشقر (الحاج) 7/276. أحمد الأعرج الدليل 14/432. أحمد الأنصاري (شهاب الدين) 11/246. أحمد بن أويس (صاحب بغداد) 1/162، 7/288، (337) ، 355، 8/ (224) ، 231. ابن أحمد بن أويس 8/224.

أحمد بن بابشاد (أبو الطاهر) 3/561) . احمد بن بدر الجمالي (الأفضل) 3/ (333) . أحمد بن بكر بن عبد الرحمن 5/178. أحمد بن البيليق 7/308. أبو أحمد بن جحش بن مسعود الأسدي 1/511. أحمد بن جعفر المتوكل (المعتمد على الله) أبو جعفر 3/271. أحمد بن حجي 4/211، 12/ (133) . أحمد بن الحسن بن يوسف 5/57. أحمد بن حسين بن أبي بكر (الحاكم بأمر الله) أبو العباس 3/278. احمد بن الحسين المنتجب 7/358. أحمد الجلايري (السلطان) 7/335، 336، 339. أحمد بن حمزة بن سليمان 5/47. أحمد بن حنبل (الإمام) 1/518، 2/473، 4/36، 5/418، 6/8، 12/55، 56، 14/375. أحمد الحنبلي (شهاب الدين) 14/374، 376. أحمد بن أبي خالد (ابن الجزار) 2/ (106) ، 114. أحمد بن خالد المليكشي 7/311. أحمد خان 4/446. أحمد بن الخشاب (أبو محمد) 14/125. أحمد بن الخطيب 6/403. أحمد بن أبي داود 1/ (551) ، 552. أحمد بن أبي الربيع (سليمان) 7/139. 10/59. أحمد بن روق بن أبي عمارة 5/124. أحمد بن أبي سالم (أبو أحمد) 5/196. أحمد بن سعد (أبو الحسين) 14/113. أحمد بن سعيد 2/336، 8/ (299) ، 13/331. أحمد بن أبي سعيد 4/273. أحمد بن سلامة (أبو جعفر) 6/322. أحمد السلامي 7/ (334) . أحمد سلطان (بوكدار بن هولاكو) 4/418. أحمد بن سليمان الخلّال 1/475. أحمد بن سليمان بن هود، 5/ (224) . أحمد بن سيف الدين اليخشي (أحمد اليخشي) 7/279. أبو أحمد الشطي 2/297. أحمد بن صصري (نجم الدين) أبو أحمد 14/427. أحمد بن الضحاك 2/503. أحمد بن طرغلي 7/227. أحمد بن الطنبغا (شهاب الدين) 12/434. أحمد بن طولون: 1/129، 483، 491، 3/327، 375، 376، 386، 491، 528، 4/168، 5/304، 7/3، 11/27. أحمد بن أبي الطيب العمري العثماني (شهاب الدين القاضي) 12/447. أحمد بن الظاهر بأمر الله (المستنصر بالله) أبو

القاسم 3/277. أحمد بن أبي العباس 5/117. أحمد بن عبد الرحيم العراقي الشافعي 14/389، 391. أحمد بن عبد العزيز 1/69. أحمد بن عبد الله بن أحمد 5/47. أحمد بن أبي عبد الله بن أبي بكر (من ملوك الحفصيين) 8/80. أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري التنوخي (أبو العلاء المعري) 14/ (206) . أحمد بن عبد الله القداح 13/243. أحمد بن عبد المؤمن الشريشي 5/218. أحمد بن عبد الملك بن أحمد 5/247. أحمد بن عجلان بن رميثة 4/279. أبو أحمد العسكري 1/490. أحمد بن عطاش 13/ (240) . أحمد بن علي بن الاخشيد 3/393، 493- 4/169. أحمد بن علي بن خيران 3/ (568) . أحمد بن علي الصليحي 5/26. أحمد بن علي بن مقاتل (أبو الحسين) 4/169. أحمد بن عمّار 1/187. أحمد بن عمر 3/192. أحمد بن عمر بن زياد الأعرابي 13/356. أحمد بن عمر بن يوسف القرطبي (ضياء الدين) 1/ (327) . أحمد بن عمرو البزاز (أبو الطيب) 1/78. أحمد بن عيسى (أبو الطيب) 1/78. أحمد بن غلبك (شهاب الدين) 7/344، 349، 351. أحمد بن الفصيح الحنفي المقري 12/ (372) . أحمد بن فضل الله (المقر الشهابي) شهاب الدين 11/296. أحمد بن الفرات 13/63. أحمد القان (السلطان) 7/257. أحمد القرشي (شهاب الدين) 13/346. أحمد الكاتب 4/ (118) . أحمد الكركي الأزرقي (عماد الدين) 11/174. أحمد بن كيغلغ 3/492، 493، 4/169. أحمد بن محمد 6/387، 13/63. أحمد بن محمد بن إبراهيم (ابن الممدوح) غياث الدين 12/291. أحمد بن محمد بن أبي بكر (أبو العباس) 5/110، 127. أحمد بن محمد بن إسماعيل (أبو جعفر النحاس) 1/ (72) . أحمد بن محمد الأنصاري الشافعي (شمس الدين أبو عبد الله) 14/367. أحمد بن محمد الجزري الشافعي 14/118. أحمد بن محمد بن حفص (زاقف) 3/ (18) . أحمد بن محمد بن أبي الطيب (نجم الدين) 12/395. أحمد بن محمد العلوي 2/432. أحمد بن محمد بن قلاوون 6/415.

أحمد بن محمد بن مدبّر 3/ (528) . أحمد بن محمد بن معن بن صمادح 5/245. أحمد بن محمد المقدسي (ابن غانم) 5/15. أحمد بن محمد بن أبي يحيى بن أبي بكر 7/408. أحمد بن محي الدين بن فضل الله العمري 1/32. أحمد بن مزاحم 3/491. أحمد بن المستضيء بالله (الناصر لدين الله) 10/295. أحمد بن المستعين بن أحمد 5/247. أحمد بن المستكفي بالله (أبو الربيع) الحاكم بأمر الله 6/415، 8/365. أحمد بن المعتصم بالله (المستعين بالله) 1/501، 2/323، 3/271. أحمد بن المقتدر بالله (الراضي بالله) أبو العباس 3/274. أحمد بن المقتدر بن يحيى 5/246. أحمد بن المنصور عبد الله بن أحمد 5/47. أحمد بن مهنا بن عيسى 4/214، 215. أحمد بن المكرّم الصليحي 5/ (10) . أحمد الموطيء بن الحسين المنتجب 5/47. أحمد بن الموفق بالله (المعتضد بالله) أبو العباس 3/272. أحمد بن ميمون الأمير 5/161. أحمد بن الناخوذة: 5/11. أحمد بن الناصر محمد 1/506. أحمد الناصري (شهاب الدين) 12/458. أحمد بن نصر العباسي 10/78. أحمد بن نجم الدين صالح 4/320. أحمد النسائي (الامام) 4/ (391) . أحمد بن نصير التتري 4/238. أحمد بن النقيب (شهاب الدين) 12/415. أحمد بن الواثق 1/501. أحمد بن يحيى 1/ (208) . أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري 4/ (147) . 6/242. أحمد بن يحيى (أبو العباس) (ثعلب) 3/ (182) ، 183، 185، 186، 189، 192، 194، 211. أحمد بن يحيى الهادي 7/358. أحمد اليخشي (انظر أحمد بن سيف الدين اليخشي) أحمد بن يعقوب 2/128، 129، 130. أحمد بن يعقوب الكاتب 3/ (310) ، 4/ (138) ، 368، 369، 388، 390، 432. أحمد بن يوسف التيفاشي (الكاتب) 1/69، (492) ، 2/ (106) 110، 447، 504. أحمد بن يوسف الوزير 2/ (326) ، 475، 8/ (353) 9/ (216) . أحمد بن يوسف المؤتمن 5/246. ابن أحمر (هنيء بن أحمر) (شاعر) 2/ (501) . ابن الأحمر 1/129، 5/196، 262.

ابن الأحمر (محمد بن يوسف بن نصر) (صاحب الأندلس) 5/251، 6/ (41) ، 48، 458، 535، 7/40، 64، 67، 70، 74، 104. الأحنف بن قيس التميمي (الضحاك بن قيس) 1/519، 4/395، 9/ (166) ، 14/91. الأحوص بن جعفر بن كلاب 1/448. الأحوص بن سعد بن مالك 4/371. الأحول المحرر 2/ (488) ، 3/ (17) . أبو أحيحة سعيد بن العاص (ذو قمامة) . اخر سطوديس (بطرك) 5/306. ابن الاخشيد 4/273. الإخشيد (أبو القاسم) 3/493. الاخشيد (محمد بن طغج بن جف) 3/ (376) ، 4/169، 5/453، 7/9. الأخطل الكبير (الشاعر) 1/319، 2/340، 500. الأخفش 1/ (566) ، 2/ (285) ، 6/290، 14/260. الأخفش الأوسط 3/ (164) ، 176، 208، 218. الأخنائي (شمس الدين) محمد 12/358. الأخنس بن شريق الثقفي 1/348. الأخنس بن شهاب 2/332، 333. اخنوخ (ادريس عليه السلام) 3/9. أخو نمير (الراعي النميري) (عبيد بن حصن) 14/ (207) . ادرغال (عثمان بن عبد الحق) 5/190. الأدرم بن لؤي بن مالك 1/406. ادريالينانوس قيصر 5/365. ادريانوس (من ملوك اليونان) 3/479. ابن ادريس 12/186. ادريس (عليه السلام) 1/470، 477، 486، 3/9، 468. إدريس بن إبراهيم الحاج 8/120، 121. إدريس الأكبر بن حسن المثلث بن حسن المثنى 5/175. إدريس الأكبر بن عبد الله بن حسن 5/131. أبو إدريس الخولاني 1/378. إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى 5/148. إدريس بن عثمان بن أبي العلاء 11/17. إدريس بن علي بن حمود 5/154، 238. إدريس بن محمد 8/120. إدريس بن المنصور 5/188. إدريس بن يحيى بن إدريس 5/239. إدريس بن يحيى المعتلي 5/238. إدريس بن يوسف بن عبد المؤمن 5/123. الادريسي (الشريف) (محمد بن محمود) 3/256، 4/264، 295، 368، 5/ (12) ، 14، 39، 68، 105، 145، 166. الادفونش الاذفونش 1/232، 3/481، 5/243، 245، 8/35، 9/247.

الادفونش (صاحب طليطلة) 5/390. ابن الادفونش 5/249. ادفونش بن برمند 5/256. ادفونش بن بطرة 5/254. ادقايوس 3/480. أدهم بن محرز 2/ (68) . ابن اذينة 1/ (340) . أراش ابن هند بنت مالك 1/382. ارتق (حجير الدين) 4/171. أرتق أرسلان بن أيلغازي 4/320. أرتنا (من امراء دمرداش) 5/344. الأرجاني (القاضي) 1/ (328) . أرخان بن عثمان (صاحب برسا) (سيف الدين) 5/327، 8/15. أرخان بن منتشا 5/328، 8/16. أردبغا (الأمير) 4/319. أردبيل بن أردميني بن لمطي 4/357. أردشير (ملك الاكاسرة) 6/231. أردشير بن بابك 1/152، 153، 282، 528، 2/157، 449، 465، 4/412، 5/22، 367، 451. أردشير بهمن (من ملوك فارس) 4/411. أردشير بن شيرويه 4/414. أردشير بن كيبستاسف 3/475. أردشير بن هرمز 4/413. أردغلق الترجمان 7/317. أردليانوس (من ملوك الروم) 3/479. اردوان الأشغاني 4/412. اردوان الأصغر 4/412. اردوان بن اردونش 5/255. اردياس (من ملوك الروم) 3/479. ارديا لونص 6/ (230) . ارس (رجل من الفرس) 2/ (452) . أرسطاطاليس 1/282، 517، 528، 543، 559، 563، 2/42، 105، 118، 325، 477، 5/359، 13/300. أرسطو 2/74، 143، 4/8. أرسلان بن أطسز 4/469. أرسلان البندقدار (بهاء الدين) 7/141. أرسلان شاه بن صغر لبك بن محمد 4/417. أرسلان شاه بن مسعود 4/447. أرسلان بن عبد الله البساسيري 6/ (391) . أرشميدس 1/560. أرص خان 4/471، 7/321. ابن أرغون (أبو بكر) 7/182. أرغون بن أبغا بن هولاكو 4/418، 5/343. أرغون السلامي 7/ (334) . أرغون شاه 12/361. أرفاخان 7/279. أرفيون قيصر 5/370. الأرقم 4/297. الأرقم بن الأرقم الزهري 1/126، 4/164.

اركاديش بن تاوداسيوس 5/372. أركاديش بن طودوشيوش 5/372. أرمالينوس (من ملوك مصر) 3/469. ارمان سليوريون 8/128. أرمانوس (ملك الروم) 7/9. أرمانوس بن وردس بن بينير 14/24. أرمانيون (بطرك) 5/296. ارم بن عاد 5/17. الأرموي 1/ (549) ، 550، 565، 14/259. أرميا (النبي) 13/263، 269. اروليوس قيصر 5/369. أري بكا 4/483. أرياط 5/23. اريوش (بطرك) 5/298، 13/278. أزاق الناصري (سيف الدين) 12/205. ازبك خان 4/310، 455، 471، 7/316، 8/27، 46. أزدشير العبادي (قطب الدين أبو منصور) 7/90. الأزدي 14/150. الأزرقي 4/252، 256، 284، 14/ (98) ، 105. الأزرقي (أحمد الكركي) 11/174. أزميدخت بنت ابرويز 4/414. الأزهري 1/ (539) ، 2/ (96) ، 3/342، 5/9، 52. أسا بن أثيا بن رحبعم 4/165. أساسو (بطرك) 5/303. أساف بن سهيل 4/267. أسامة بن زيد التنوخي 3/327. أسامة بن عمرو العامري 3/ (487) . أسامة بن منقذ (عز الدين) 4/102، 2/104. أسبنغا بن براق 4/448. استادار عضد الدولة بن الضحاك 10/295. استاد هرمز بن الحسن 6/ (402) . الاستبار 14/ (34) . استدمر الكرجي 4/148، 179، 8/31، 10/186، 12/ (141) . استيراق بن تقفور (قيصر) 5/376. استيفانوس فراكس 13/327. ابن إسحاق 1/358، 517، 4/282، 6/353، 364، 367، 9/417، 13/323، 335. إسحاق (عليه السلام) 13/260. ابن إسحاق (أخو المستنصر بالله) 5/124. ابن إسحاق (أبو زكريا) الأمير 8/ (156) . اسحاق بن إبراهيم 4/328. إسحاق بن إبراهيم (أبو الجيش) 5/26. اسحاق بن إبراهيم المصعبي 1/ (207) . إسحاق بن إبراهيم الموصلي 1/ (341) ، 430، 519، 12/ (107) . أبو إسحاق الاسفرايني (الامام) 2/ (55) ، 4/391، 9/ (287) .

أبو إسحاق بن البتكين 4/446. إسحاق الحارثي 3/232. إسحاق بن حماد 2/ (486) ، 3/ (16) . إسحاق الختلي 3/490. أبو إسحاق الزجاجي 6/235. أبو إسحاق بن أبي زكريا 8/103. أبو إسحاق بن أبي زيد 7/418. إسحاق بن سعد بن مالك 4/371. أبو إسحاق الشيباني 14/96. أبو إسحاق الشيرازي 1/ (550) ، 2/159، 4/346، 347. إسحاق بن صاروخان 8/16. أبو إسحاق الصابي 1/70، 127، 234، 249، (314) 2/352، 5/416، 6/265، 297، (382) ، 397، 561، 7/ (86) ، 109، 112، 8/ (138) ، 140، 146، 147، 342، 10/ (3) ، 13، 75، 252، 264، 269، 272، 286، 13/69، 130، 14/21، 105، 110، 404. إسحاق بن عاصم بن محمد الاصفهاني (نظام الدين) 11/ (368) . إسحاق بن عبد الله 4/284. أم اسحاق بنت عبيد 1/500. إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين 5/185. إسحاق بن عيسى بن علي 14/102. إسحاق بن الفرات 1/476. إسحاق بن كيداح (ذو السيفين) 5/415. إسحاق بن محمد الجعدي 4/292. إسحاق بن موسى 14/102. إسحاق بن نصر العبادي النصراني 1/129. إسرائيل (يعقوب عليه السلام) 13/261. أسد الدين أسد (صاحب أزبك) 7/300. أسد الدين رميثة 13/ (344) . أسد الدين شيركوه 3/396، 495، 4/116، 5/457، 9/423، 426، 427، 10/4، 80، 319. أسد الدين بن عماد الدين 4/377. أسد الله (حمزة عم النبي صلّى الله عليه وسلّم) 10/61. أسد بن جهور الكاتب 1/ (77) . أسد بن سامان 4/445. أسد بن عبد الله القسري 2/ (287) . أسد بن الفرات 5/ (117) ، 6/557. أسد بن مكلان 4/377. أسد بن يعفر 5/45. اسرافيل (عليه السلام) 2/513، 3/44. اسطيسوس (من ملوك الروم) 3/480. أسعد (أبو كرب) 1/487، 4/435. أسعد آري 4/282. أسعد الحميري 4/282. اسعد بن زرارة الأنصاري 1/479. أسعد بن قادوس 1/130. أسعد بن كرب 5/22.

اسفار بن كردويه 6/569. الاسفرايني (انظر أبو إسحاق الامام) . الاسعردي (أبو بكر) أصيل الدين 3/413. الاسكندر بن أبرياطش 5/361. الاسكندر الافروديسي 2/ (123) . الاسكندر بن فيلبس المقدوني (الاسكندر ذو القرنين) 1/152، 282، 489، 512، 516، 2/143، 366، 418، 476، 3/356، 476، 4/8، 167، 411، 464، 5/359، 360، 6/36، 248، 13/314، 14/34، 47، 58. اسكندروس (من ملوك الروم) 3/479، 5/297، 301، 368. الاسكندروس بن أليون 5/378. أسلم بن سدرة 3/11، 149. أسماء بنت أبي بكر 1/432، 500، 516. أسماء بن خارجة بن حصن الفزاري 1/514. إسماعيل (عليه السلام) 1/366، 389، 2/425، 462، 3/13، 7/51، 13/119. إسماعيل (الملك الاشرف) صاحب اليمن 5/31، 8/73. إسماعيل (الملك السعيد) (من ملوك بني أيوب) 3/291. إسماعيل (الملك المعز) 5/28. إسماعيل بن إبراهيم المزني 1/402. إسماعيل بن أحمد بن أسد 4/445. اسماعيل بن اسحاق 6/324. إسماعيل بن الأفضل علي بن المظفر عمر 10/186. اسماعيل بن أليسع الكندي 1/476. اسماعيل بن أبي بكر 4/173. إسماعيل بن بلبل الشكور (الناصر لدين الله) 5/415، 13/63. إسماعيل بن توري 4/178. إسماعيل بن جاجا (سراج الدين) 14/182. إسماعيل بن جعفر الصادق 1/154، 4/69، 151، 13/232، 238، 242. إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة 1/499. إسماعيل بن الرئيس أبي سعيد 5/252. إسماعيل السلامي (مجد الدين) 4/449. إسماعيل شمس الملوك 4/171، 172، 177. إسماعيل بن صالح 3/488. إسماعيل بن صبيح 14/102. إسماعيل بن صواري 7/397. إسماعيل بن الطيطاشي 4/469. إسماعيل بن عباد (الصاحب) 1/127، 458، 475، 2/318، 6/ (17) ، 561، 8/139. إسماعيل بن عباس (الملك الأشرف) 5/31.

إسماعيل بن عباس بن علي (الأشرف) 7/365. إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر 5/114، 174. إسماعيل بن عبد الرحمن بن نبيه الججي 14/102. إسماعيل بن عبد المجيد (الظافر الفاطمي) 3/292. إسماعيل بن علي بن محمد (السلطان عماد الدين) 4/ (4) ، 179، 12/432. إسماعيل بن علي بن محمود (الملك المؤيد) 1/ (65) . إسماعيل بن علي بن موسى (عماد الدين) 7/309. إسماعيل بن عيسى بن موسى 3/488) . إسماعيل بن فرج بن نصر (أبو الوليد) 7/43، 62. إسماعيل بن القاسم (أبو علي القالي) 9/ (110) . اسماعيل بن محمد بن قلاوون 1/133، 7/149، 8/365، 9/ (106) ، 111. إسماعيل بن محمد بن وهب 6/260. إسماعيل بن محمود (نور الدين) 10/143. إسماعيل بن مكي بن اسماعيل الزهري 13/356. إسماعيل الموصلي (أبو المجد) 4/330. إسماعيل بن يوسف 5/253. اسمح بن النعمان 5/19. الأسنوي (جمال الدين) 6/12. أبو الأسود (مسروح بن سندر الخصي) 3/373. أبو الأسود الدؤلي 1/ (212) ، 404، 478، 2/324، 3/ (149) ، 154، 11/246. الأسود العنسي الكذاب 1/380، 5/ (24) ، 44. أسيد بن حضير 3/15. أبو أسيد بن ربيعة الأنصاري 14/94. أبو أسيد الساعدي 1/ (511) . أشبا شيانس 5/365. أشبان بن طيطش 5/228. الأشتر بن الحارث 14/94. الأشتر النخعي (مالك بن الحارث) 1/379، 510، 3/483، 13/207. اشتريك بن طور دريك (من ملوك القوط) 5/290. الأشج (من عبد القيس) 1/391. أشج بني أمية (عمر بن عبد العزيز) 1/516. أشجع السلمي 1/ (341) . الأشدق بن سعيد بن العاص 1/ (261) . أشر بن يعقوب عليه السلام 13/247. الأشرس بن شبيب بن السكن 3/369. الاشرف بن قلاوون 1/131. الأشرف كجك بن الناصر محمد 1/133، 506.

الأشرف موسى 1/506. أشعب (الطمّاع) 1/ (513) ، 520. ابن الأشعث 2/ (234) ، 358. الأشعث بن قيس الكندي 1/381، 473، 14/91، 94. الأشعث الكندي 1/433. أشغا بن أشغان (من ملوك فارس) 4/412. الاشكري (صاحب القسطنطينية) 14/84. اشكنانيش بن أناش 5/363. أشمن بن قفط بن قبطيم 3/470. أشمون بن قبطيم بن مصر 3/452. أشهب 11/184. أصبر بن أزشير الحسيناني (سيف الدين) 7/308. ابن اصبع 1/538. ابن أبي الأصبع 1/ (565) ، 2/ (17) ، 344، 347، 351، 353، 14/259. الاصبع بن مالك 1/487. ابن أصبغ 1/ (189) ، 2/149. أصحمة النجاشي 6/455. اصطفانيوس قيصر 5/376. الأصمعي 1/ (123) ، 186، 2/259، 480، 488، 501، 4/252، 262، 294، 11/304، 14/259. أطسز (الملك المسعود) 5/29، 7/364. أطسر بن محمد 4/469. أطفالش (من ملوك القوط) 5/230. أطلمش (الأمير) 14/116، 119. ابن الأعرابي 1/ (81) ، 521، 2/ (189) 501. الأعرج 2/282. ابن بنت الأعز (تاج الدين) (عبد الوهاب) 1/477، 3/278، 4/ (36) ، 11/173، 174. الأعشى (الشاعر) 1/339، 437، 2/296، 14/382. اعشى همذان 14/204. اعصر بن مدين بن إبراهيم 1/383. الأعمش 2/497، 3/304. أبو الأعور السلمي 14/95. أغاثو (بطرك) 5/300. أغانيوش قيصر 5/363. اغراديانوس قيصر 5/371. اغريتوس (بطرك) 5/296. اغريقش بن يونان 5/360. اغشطش قيصر (ملك الروم) 2/ (422) ، 426، 3/478، 4/167، 5/361، 376، 6/231. اغشطش قيصر بن مونوخس 5/363. الأغلب (الشاعر) 1/ (344) . الأغلب بن سالم بن عقال 5/ (115) . افتخار 7/399. افتخار الدين فاخر الدوادار 8/74. أفتكين المعزي 3/403، 4/ (170) . أفراسياب بن شبل بن رستم 4/444، 469

أفرامام السرياني (بطرك) 5/305. أفريدون (الملك) 1/478، 492، 2/449، 4/410، 13/297. افريز اهداب 14/67. افريز أولد كال 14/47، 49. افريز بيكوك 14/63. افريز كليام ديباجوك 14/ (57) ، 63. افريز كورات 14/ (57) . أفريسيس (ملك الروم الأفارقة) 5/96. افريقش 1/ (415) . افريقش بن أبرهة 5/20. افريقش بن قيس بن صيفي 5/20، (96) . افريقش بن يونان بن عجلان 6/83. الأفشين (حيدر بن كاووس) 5/415، 6/ (390) . افضل الدين الحويحي 1/ (563) . الافضل بن امير الجيوش 3/336، 398، 5/306، 457، 13/241. الأفضل بن صلاح الدين 1/505. الأفضل بن المؤيد صاحب حماه 4/214، 10/186. الأفضل بن ولخشي 8/ (345) . ابن الأفطس 5/215. أفلاطون الحكيم 1/528، 543، 5/335، 359، 13/300. أفلح (غلام المعز الفاطمي) 3/394. ابن أفلح 1/566، 14/260. أفلوديوش قيصر 5/369. الأفوه الأودي 1/ (339) ، 379. الأقرع بن حابس التميمي 1/426، 429، 468، 495، 510، 13/112. اقسامس بن معدان بن دارم 3/473. اقسر بن الكامل (صاحب اليمن) 4/277. اقسنقر البرسقي (صاحب الموصل) 4/177. اقسنقر الكاملي 3/499، 4/176. الأقفهسي (عبد الله) جمال الدين 11/ (175) . اقليدس 1/559، 5/359. اقليمن الهندي 2/103. أقروس بن مناوش 3/469. اقوش الأشرفي (جمال الدين) 12/ (10) ، 13/ (186) . أقوش الأفرم 4/97. أقيوش قيصر 5/369. اكتبيان قيصر 5/363. ابن أكتم (يحيى) القاضي 9/ (413) . أكثم بن صيفي 1/ (495) . ابن الأكفاني (الشيخ شمس الدين) 3/ (6) . أكمل الدين الشيخ 1/ (541) . أكيدر دومة 1/468، 6/356. أكيدر دومة بن عبد الملك الكندي 2/ (265) . ألب ارسلان بن داود بن ميكائيل 4/417. ألب أرسلان السلجوقي 4/275، 5/340.

ألب غازي بك بن يوسف بن أيوب 10/151. ألبيش بن طنجيش قيصر 5/367. ألجاي الدوادار الناصري (سيف الدين) 14/379. ألجاي (أمير) 8/182، 219. إلعازر (غلام إبراهيم الخليل) 4/95. الكيا الهراسي 5/ (186) . الياس (عليه السلام) 4/112. الياس بك (امير تركماني) 5/345. إلياس بن عبد الرحمن 5/115. الياس بن أبي القاسم سمكو 5/160. الياس بن مصطفى 8/18. الياس بن مضر 1/400، 456، 14/152. اليانوس بن قسطنطين 3/480. الريك (من ملوك القوط) 5/230. أليون بن نوفيل 5/377. ابن الإمام 1/ (546) . أبو أمامة الباهلي 1/397. إمام دار الهجرة (مالك بن أنس) 12/ (51) ، 53. امروء القيس بن حجر 1/11، 91، 338، 343، 344، 351، 446، 492، 2/119، 220، 228، 275، 287، 306، 4/128، 14/174، 216، 217، 382، 412. أمصيا هو بن بواش (من ملوك بني إسرائيل) 4/165. أملكان بن الشيخ حسن الكبير 7/315. املوريك (من ملوك القوط) 5/231. أمون بن منشا (من ملوك بني إسرائيل) 4/166. أمي (من ملوك النوبة) 5/267. ابن امير حاجب (علي) 5/280، 284، 321. أمير مري السبيني (حسام الدين) 7/310. أيريمو (بطرك) 5/296. امين الدين سليمان 1/131. امين الدين المحليّ 1/ (542) . امين الدين ياقوت 3/ (19) . الأمين بن هارون الرشيد (أبو عبد الله) محمد 1/472، 504، 3/269، 489، 4/272، 415، 5/376، 6/341، 9/370، 14/97. أمية بن خلف 1/ (407) . أمية بن الصلت الثقفي 2/205، 6/ (208) ، 209. أمية بن أبي الصلت 1/339، 343، 480، 2/331. أناش (من عقب يريماش) 5/362. الأنباتي (مبارك بن محمد) 5/65. أنبا ديقلس 13/300. أنباسيوس (بطرك الاسكندرية) 14/88. ابن الانباري 3/ (354) ، 443، 4/93. اندراوس الحواري 6/90، 13/274. اندرانيكون (بطرك) 5/300.

اندريانوش قيصر 5/296، 366. أنس بن عدي 1/510. أنس بن مالك 1/508، 2/444، 3/ (43) ، 5/409، 6/323، 469، 470. أنسطانيوس (بطرك) 5/300. الانصاري المحرر 2/ (488) . انطرطيش بن فلديفش 5/361. انطياخس (من ملوك اليونان) 4/167. انطونيس قيصر 5/296، 367، 368. انطونيش قسطس 5/367. انكساغورس 13/300. انكسمانس 13/300. انودين بن أبي بكر اللمتوني 5/248. أنوريش بن طودوشيوش 5/372. أنوش تكين الدزبري 4/ (170) ، 175. أنوش بن شيث 1/477، 485. انوشروان 1/512، 2/431، 4/365، 413. أم انوك (زوجه محمد بن قلاوون) (طغاي) 6/162، 7/182. أنوك بن محمد بن قلاوون 14/344، 447. أنون قيصر 5/365. أنياسيوس (بطرك) 5/297. أهير (السلطان) 5/204. أؤبلي (من ولد جنكيزخان) 4/312. أوتكين نويان بن جنكيزخان 4/312. أور بن فرويلة 5/254. أورخان بن عثمان جق 5/348. أوراليانس قيصر 5/367. أورالينانس قيصر 5/297، 396. أوراليوس قيصر 5/369. أورينوس قيصر 5/369. الأوزاعي (الإمام) 4/14، 6/ (317) . الأوزاعي (أبو عمر) عبد الرحمن بن عمرو 3/147. أوس بن حجر 1/339، 344. أوس بن خولي 3/15. أوشهنج (من ملوك فارس) 4/409، 13/296. أوفرسطس 2/21. أوقليس (هرقل) 3/480. أوقليدس 14/260. أوكداي بن جنكيزخان 4/312. أولات بن بختنصر 3/475. أولات بن بهراسف 3/475. أوليان بن بلنسيان 5/369. أوليوس قيصر 5/369. أوميرس الحكيم 2/477. أويس بهادر خان (الشيخ) واويس 1/ (49) ، 6/137، 7/279، (282) ، 8/231. أويوريوس 3/480. أياد بن نزار 1/397.

- ب -

أياس بن قبيصة الطائي 1/373، 448. أياس بن معاوية 1/ (309) ، 518، 528. أيبك التركماني المعزّ (اتابك العسكر) 1/131، (385) ، 3/280، 380، 391، 397، 4/69، 211، 5/390، 457. أيبك الشقيفي 14/167. أيبك خان 4/471. ابن أيتبك (ناصر الدين) 12/430. أيتمش (سيف الدين) 12/ (216) . أيتمش المحمدي 7/316. أيدغدي التليلي 5/107. أيدغدي الخوارزمي 5/107. أيدمر الدواداري الظاهري 14/166. أيدمغش (علاء الدين) 12/453، 13/181. ابن أيدين (محمد) (صاحب بركي) 5/347، 8/16. ايراج (من ملوك فارس) 4/410. ايراندرو بنفوس (الملك) 14/89. ايران بن أشور بن سام 4/315. أيرلنك (الملك) 14/ (85) . ايساك (بطرك) 5/301. ايطيثيوس (من ملوك الروم) 3/479. ايطيثيوس الثاني (من ملوك الروم) 3/479. أيقه (من ملوك القوط) 5/231. الأيكي 1/ (542) . أيلغازي 4/319. أيلغازي بن أرتق 4/176. ايلة (من ملوك القوط) 5/231. ايليا (عليه السلام) 2/457. ايليك خان 4/446. ايمن بن خريم 1/513. أيمين الاتريبي 3/472. ابن أيوب 13/251. أيوب (عليه السلام) 4/108. أبو أيوب الأنصاري 1/126، 5/ (375) . أيوب بن زيد بن قيس 6/319. أيوب بن شرحبيل الأصبحي 3/484. أيوب بن الكامل محمد 5/390. أيوب بن مروان بن الحكم 1/502. أيوب بن المظفر يوسف 5/30. أيوب بن نجم الدين 4/16. - ب- بابك (ملك الروم) 6/387. بابك الخرمي 1/ (507) . باتو بن جوجي بن جنكيزخان 4/313. باتو بن طوجي بن جنكيزخان 4/470. الباجي (أبو عمرو) 8/ (163) . الباخرزي (شمس الدين الشيخ) 4/313. الباخرزي (علي بن الحسن) 4/ (389) . باد الكردي 7/110، 8/ (350) ، 352. ابن باديس 3/200.

باديس بن حيوس بن ماكس 5/242، 244، 248. باديس بن المنصور 5/120. باذان (عامل كسرى على اليمن) 3/370، 5/24، 44. ابن بارازان 6/ (499) ، 8/ (293) . بار بن كلعاد 5/362 بارد وسيوس الكبير (من ملوك الروم) 3/480. ابن البارزي (محمد) 9/ (44) ، 10/ (125) . ابن البارنباري (تاج الدين) 8/383، 12/ (63) . أبو باسيل بن الضحاك 5/177. باشاك بن الحسام شير 4/376. ابن باطيش 2/ (444) . باغي سيان بن محمد بن ألب أرسلان 4/185. باقل (مشهور بالعيّ) 1/271، 517، 14/279. باكيش الكبير 7/304. بانية (من ملوك القوط) 5/231. باهلة بنت صعب بن سعد العشيرة 1/397. ببرو بن ذؤيب بن سعيد بن محفوظ القيسي 7/207 الببغا (انظر ابو الفرج الببغا) . البتر بن البربر 1/416. البتون بن مرة العادي 3/358. بتريق (من ملوك القوط) 5/231. بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة 1/382. البحتري (الشاعر) 1/319، 331، 2/215، 239، 269، 321، 328، 332، 335، 431، 476، 12/386. بحيرا الراهب 4/111. البخاري (أبو عبد الله) الامام 1/246، 518، 545، 2/387، 6/ (31) ، 9/369، 14/5. بختنصر 2/465، 3/359، 435، 475، 4/166، 411، 6/92، 9/ (193) ، 13/262، 268، 270. بختيار بن معز الدولة 4/416. بخشي بن قراشي 5/328، 8/6. ابن البدر (ناظر حمص) 12/405. بدر الاخشيدي 4/169. بدر الجمالي (أمير الجيوش) 3/398، (562) 5/416، 456. بدر الخفيفي 3/376. بدر الدين البشتكي 14/303. بدر الدين بن أبي البقاء 11/231. بدر الدين بن أبي بكر 3/192. بدر الدين بن بهاء الدين (محمد بن أبي البقاء) 12/ (80) .

بدر الدين البهنسي 1/ (504) . بدر الدين بيدرا (الأمير) 13/ (173) . بدر الدين بن جماعة الشافعي 3/ (389) ، 11/224. بدر الدين بن حبيب الحلبي 8/253. بدر الدين حسن الاسعردي 4/475. بدر الدين حسن بن الداية 11/ (253) . بدر الدين خطيب بيت الآثار 14/359. بدر الدين بن سلمان 4/37. بدر الدين السنجاري 4/36. بدر الدين الصوابي 4/181. بدر الدين القاضي 12/478. بدر الدين محمد بن محي الدين بن فضل الله العمري 1/133، (174) . بدر الدين محمود الكلستاني 1/134. بدر الدين بن موسى بن رهو بن محيو 11/5. بدر الدين ميكائيل النائب 14/170. بدران الغريني 7/176. بدران بن مانع 7/397. بدعيل بن ذي عيل 5/43. البديع الهمذاني 1/328، 519، 525، 14/ (124) . بذيل بن ورقاء الخزاعي 1/ (485) . أم البراء بنت صفوان 1/308. البراء بن عازب 1/ (511) . البراء بن مالك الصحابي 4/341. براق بن بسنطو بن منكوقان 4/448. ابن برّاقة 1/ (343) . بربر بن ثميلا بن مازيع 1/414. بربر بن قيذار بن إسماعيل 1/414. بربر بن كسلاجيم مام 1/414. ابن البربري 2/ (487) ، 490. برّ بن ذئب بن محفوظ العنبسي 14/221. برّ بن قيذار بن إسماعيل 1/418. برتلوما (الحواري) 6/90. برتلوماوس الحواري 13/275. برجوان الخادم (أبو الفتوح) 3/ (562) ، 10/ (394) . ابن برد الاندلسي (أبو حفص) 6/264، 9/ (383) . بردويل (من ملوك الفرنج) 7/121. بردي بك 4/471. البرذعاني (يعقوب) 13/291، 292. ابن البرصاء (الحارث بن مالك الليثي) 3/373. برصا (من ملوك مصر) 3/335. برطارس (بطرك) 5/297. برطلما (ملك) 8/28، 128. برغلي (الأمير) 5/344. البرقعي 1/507. برقوق بن أنص العثماني (أبو سعيد) 6/ (34) ، 8/105. برقوق الظاهري (الملك الظاهر) 3/503، 5/269. أبو البركات بن الانباري 1/ (320) . بركة (الملك السعيد) 3/499.

بركة بن بيبرس 10/ (164) ، 14/341. بركة بن جوجي 4/313، 314. بركة بن طوجي بن جنكيز خان 4/455، 470، 471، 7/316. بركيارق بن ملكشاه بن ارسلان 4/417، 446، 469. برمند بن أردون 5/256. برمندانة (من ملوك السودان) 5/282. ابن البرهان (صلاح الدين) (محمد) 5/5، 15، 32، 33. برهان الأذرعي 12/477. ابن البرهان الجعبري (شمس الدين) 12/419. برهان الدين بن الخلال البزي الكوفي (أبو بكر بن الخلال) 5/66. برهان الدين المحلي (التاجر) 3/384. برهان الدين المحلي (القاضي) 8/ (73) . برهان الدين الموصلي (إبراهيم بن أبي بكر) 12/293. برهان الدين بن الموصلي 12/420. برويس قيصر 5/370. بريامش بن بيقش 5/362. بريدة الأسلمي 14/94. بريدة بن الخصيب 1/126. البريدي (الحسن) 4/ (416) . البزّار (ابو بكر) 1/ (545) ، 6/363، 10/ (198) . بزرجمهر (من ملوك الفرس) 6/339. البساسيري (ارسلان بن عبد الله) 6/ (391) . ابن بسام 1/ (432) . البسامي (الشاعر) 1/ (96) . بسر بن أرطأة القرشي 13/235، 238، 14/95. بسطام الشيباني 1/433. بسطام بن قيس بن مسعود الشيباني 14/ (272) ، 336. بسيل بن أرمنوس 5/379. بسين بن أشغا 4/412. بشار بن برد 1/512، (529) ، 2/232، 321. بشارة غبريل 2/454. بشر بن أرطأة العامري 3/337 بشر بن الحارث (الشاعر) 2/239. بشر بن الحارث بن مضاض 4/266. بشر بن أبي خازم 1/463. بشر بن صفوان الكلبي 3/484، 5/114، 174. بشر بن عبد الملك 3/ (14) . بشر بن المعتمر 2/ (256) ، 9/ (413) ، 13/255. بشليقش (من ملوك القوط) 5/230. بشير الحارثي 1/380. بشير بن سعد 3/15. ابن بصاصة (جمال الدين) 11/ (39) ، 413.

أبو بصرة الغفاري 3/308، 382. البصير (أبو علي) 9/167. بطا الدوادار 12/ (297) . ابن البطائحي 5/457. ابن بطّال 1/ (547) . بطالس قيصر 5/365. بطرس (بطرك) 5/297، 298. بطرس الحواري 3/478، 508، 5/296، 364، 443، 6/90، 13/274. بطرة بن ادفونش بن ريموند 14/29، 31. بطرة بن دون جوان 5/259. بطرة بن شانجة 5/259. بطرة بن الهنشة 5/259. ابن بطلان (المختار بن الحسن) 11/ (251) . بطليموس 1/561، 2/373، 3/316. بطليموس (صاحب علم الفلك) 3/477. بطليموس الاسكندراني 3/477. بطليموس اسكندروس 3/477. بطليموس الثاني 4/133. بطليموس دوتيسوس 3/477. بطليموس الصائغ 3/476. بطليموس الصائغ الثاني 3/477. بطليموس القلوذي 3/ (260) . بطليموس بن لاوي (لوغوس) 5/360. بطليموس محب ابيه 3/477. بطليموس محب أخيه 3/476. بطليموس محب أمه 3/477. بطليموس المخلص 3/477. بطليموس المنطيقي 3/476، 4/167. بطليموس 5/242. البطليوسي 2/ (82) . ابن بطة 12/368. ابن بعلاص (أبو عبد الله) 7/412. البعيث 2/ (32) . بغداد بنت جوبان 4/473. ابن أبي البغل (أبو الحسين) 9/ (168) . البغوي (أبو القاسم) 9/ (365) ، 368. البغوي 1/ (544) . أبو البقاء (خالد بن السلطان أبو حفص) 5/125. أبو البقاء العكبري 1/ (512) . بقراط الحكيم 1/517، 2/431، 477،. 3/476، 4/117، 5/359، 11/250، 14/260. بقيلة بن جرهم بن عبد ياليل 4/66. بقية بن رميثة 4/279. بكار بن شيبة البكراني 14/435، 436. بكار بن عبد الملك بن مروان 1/510. بكار بن قتيبة البكراني 2/ (97) . بكتمر (سيف الدين) 11/ (147) . بكتمر الساقي 14/344، 349. بكتكين 4/ (170) . بكجور (أحد قواد بني حمدان) 4/ (170) . بكجور (غلام قرعويه) 4/174.

أبو بكر (أمير علم) 12/311. أبو بكر (من ملوك السودان) 5/282. أبو بكر (شرف الدين) (صاحب بدليس) 7/302. أبو بكر بن إبراهيم 5/250. أبو بكر الأحدب 7/177. أبو بكر بن أحمد بن أزبك (صاحب خلاط) 7/302. أبو بكر بن ارغون 7/182. أبو بكر الإسعردي (اصيل الدين) 3/413. أبو بكر بن ايوب 4/160، 177، 181، 5/ (301) ، 356، 389، 7/92، 10/ (101) ، 102، 13/151، 14/44. أبو بكر بن الحداد (الامام) 3/ (307) . أبو بكر بن أبي الحسن الملتاني 5/85. أبو بكر الخطيب 1/ (518) . أبو بكر بن الخلال 5/85، 91. أبو بكر بن أبي داود 3/ (140) . أبو بكر الدقيشي 2/50. أبو بكر الشهيد 5/125. أبو بكر الصديق 1/68، 126، 229، 244، 257، 283، 408، 470، 489، 504، 517، 2/473، 3/263، 264، 296، 5/25، 414، 6/316، 340، 369، 9/283، 364، 392، 10/195، 11/302، 12/241، 13/115، 116، 127، 230، 233، 14/399. أبو بكر الصنوبري 2/ (436) . أبو بكر الطرطوشي (محمد بن الوليد بن خلف) 5/ (525) . أبو بكر بن الطيب المالكي 6/346. أبو بكر بن عبد الرحمن بن أبي بكرة 5/125. أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث 1/511. أبو بكر بن عبد العزيز 5/245. بكر بن عبد الله 6/317. أبو بكر بن أبي عبد الله 3/192. أبو بكر بن عبد الله 1/265. أبو بكر بن عبد الله بن مسلم التجيبي 5/242. أبو بكر بن علي 4/211. أبو بكر بن عمر بن واركوت 5/184. أبو بكر بن عيسى 8/ (155) . أبو بكر بن غانم 13/49. أبو بكر بن أبي قحافة 9/ (375) ، 13/127. أبو بكر بن القصيرة المغربي 10/165. أبو بكر بن محمد الانباري 4/ (81) . أبو بكر بن محمد الانصاري 14/398. بكر بن محمد بن حبيب (أبو عثمان المزني) 3/ (171) . أبو بكر بن محمد بن طغج (الاخشيد) 5/415.

أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم 4/300. أبو بكر بن محمد بن قلاوون 8/ (383) ، 11/142. أبو بكر بن محمد بن المكرم الانصاري 14/402. أبو بكر بن محمد المنصور 10/186. أبو بكر بن المستكفي بالله (المعتضد بالله) 1/505، 3/280. أبو بكر الموصلي 3/313. أبو بكر بن الناصر محمد 1/506. أبو بكر بن هشام 7/31. أبو بكر بن هود (الواثق بالله) 7/96. بكر بن وائل 4/328. أبو بكر بن وحشية 1/558، 2/198. أبو بكر بن ياقوت (محمد) 9/ (13) . البكري (عبيد الله بن عبد الله) 5/ (5) . البكري 3/446، 5/98. بكسمينوس (من ملوك الروم) 3/479. البلاذري (أحمد بن يحيى) 4/ (147) ، 161، 6/242. بلاش الاشغاني 4/412. بلاش بن فيروز 4/413. بلاطس بن منقورة 3/471. بلاق بن هرقل الجبار 5/360. بلال بن أبي بردة 1/ (209) ، 499. بلاية بن قاقلة 5/254. بلبان المهراني 3/ (381) . بلتاش بن تتش 4/171. البلخي 11/ (179) . بلطشاش بن بختنصر 3/475. بلطوس بن مرينا 3/474. بلطوس بن مياكيل 3/475. البلقاء بن سورية 4/110. بلقيس 1/480، 528، 6/214، 339، 13/168. بلقيس بنت أيلي 5/4، (5) . بلقيس بنت الهدهاد بن شرحبيل 5/ (21) . البلقيني (جلال الدين) (عبد الرحمن) 11/ (113) . بلك بن بهرام بن أرتق 4/177. بلكين بن زيري الصنهاجي 5/180. بلكين بن زيري بن مياد البربري 5/120. بلكين بن محمد بن حماد 5/182. بلنجر بن يافث 4/457. بلنسيان بن قسطنطين 5/371. البلوي 6/282. بليناس 2/477. بلينايوس قيصر 5/368. بلينوس 2/ (105) ، 113. ابن البناء 7/96. البندنيجي 1/ (94) . بنيامين (البطرك) 5/293، 300، 308. بنيامين بن يعقوب عليه السلام 13/267. بهادر بن خدابندا (أبو سعيد) 4/473. بهاء الدولة بن سلطان الدولة 4/417.

بهاء الدولة بن عضد الدولة بن بويه (ابو نصر) 4/416، 5/416، 7/ (120) . بهاء الدين (ارسلان البندقدار) 7/141. بهاء الدين (الاتابك) 8/67. بهاء الدين (حسن بن عماد الدين) 7/310. بهاء الدين (صاحب غزية) 7/310. بهاء الدين أبو البقاء السبكي 12/36. بهاء الدين بن حنا الصاحب 3/391، 4/39، 11/248، (265) ، 14/158. بهاء الدين بن ريان 12/383. بهاء الدين الزرزاري 7/310. بهاء الدين زهير 1/131. بهاء الدين السبكي (الشيخ) 1/ (220) ، 541. بهاء الدين بن شداد 4/ (37) . بهاء الدين بن الغرس بالو 7/311. بهاء الدين بن الفرفور 12/444. بهاء الدين قراقوش الطواشي 3/421، 425. بهاء الدين قراقوش الاسدي الرومي 3/399، 400، 405. بهاء الدين موسى 5/346. بهادر 7/291. بهادر خان بن خدابندا (أبو سعيد) (صاحب ايران) 7/272. أبو البهار الصنهاجي 5/181. بهتة (رجل من سليم) 1/399. بهراسف (من ملوك مصر) 3/475. بهراسف (ملك الفرس) 4/166. بهرام الارمني النصراني الحافظي 13/324 بهرام بن بهرام بن بهرام 1/506، 4/413. بهرام بن بهرام بن هرمز 4/413. بهرام جوبين 4/414. بهرام جور بن يزدجردا 1/491، 2/ (69) ، 4/268، 413. بهرام بن سابور 4/413. بهرام شاه بن مسعود 4/447. بهرام بن هرمز 4/413. بهزار مرد (عمر بن حفص) 5/ (61) . بهلوان (ناصر الدين) 7/294. بهليب (ملك الهند) 2/158. ابن البواب (علي بن هلال) 1/ (520) ، 2/ (489) ، 3/ (19) ، 20، 76، 77، 545، 11/300، 301. بؤاش (من ملوك بني اسرائيل) 4/165. بوثيانوس (من بطارقة الروم) 3/480. بودنجر 4/310. بودس 13/293. بودشير بن قفطريم 3/471. بوران بنت أبرويز 4/414. بوران بنت الحسن بن سهل (زوجة المأمون) 1/528. بوران بنت أبي سهل 14/347.

- ت -

بوري (تاج الملوك) 1/ (157) . البوري 5/179. ابن بوسطر 2/114. بوسن ساغي 4/310. بوسيطثينوس (من ملوك الروم) 3/480. بوسيطثينوس الثاني (من ملوك الروم) 3/480. بوشانوش قيصر 5/371. بوكدار بن هولاكو 4/418. بولاقي (شهاب الدين) 12/304. بولس التنيسي (بطرك) 5/296. بولس الرسول 3/478، 508، 6/91، 13/275. بولص (بطرك) 5/299. البوني (أبو العباس) 1/ (557) ، 3/ (10) . البويطي 1/ (550) . بيبرس المنصوري الجاشنكير (الملك المظفر) 1/131، 3/ (279) 500، 4/278، 5/266، 10/68، 69، 13/377. بيدرا (الملك المعظم) 3/499، 5/342. بيدمر الخوارزمي 4/140، 6/ (19) ، 7/ (167) ، 184، 11/ (85) . بيدمر العمري 14/352. بنت بيدمر العمري 14/352. بيدو بن طرغاي بن هولاكو 4/418. بير حسن 7/342. بيرم خواجا 4/319. بيرن الأشغاني 4/412. البيروني (أبو الريحان) (محمد بن أحمد) 3/262، 5/ (8) ، 62. البيري (علاء الدين) 6/298. بيسق الشيخي (الحاج) (الأمير) 7/345. بيصر بن حام بن نوح 3/470. ابن البيضاوي (القاضي) 6/16. البيضاوي 1/ (543) . ابن البيطار 2/54، 162. البيطبين 5/257. بيقش بن شطونش بن يوب 5/362. بيلقان بن ارميني 4/364. بيلينوس 1/528. بيمند بن بيمند 8/ (304) . أبو بيهس بن جابر 13/ (227) . البيهقي 1/417، 425، 2/ (88) ، 4/ (272) ، 5/17، 55، 358، 6/83، 9/ (375) . بيوراسب (الضحاك) (ملك الفرس) 4/95، 410، 13/297، 299. - ت- تأبط شرّا 1/ (343) ، 462، 2/ (236) ، 290. ابن التاج (عبد الرحمن) 10/139. تاج الدين (صاحب حاني) 7/299. تاج الدين (حسن بن الجلال السمرقندي) 4/477.

تاج الدين (عبد الباقي اليماني) 5/48. تاج الدين (عبد الرحيم بن الصاحب فخر الدين) 11/ (346، 347) . تاج الدين (صاحب خفتيان) 7/310. تاج الدين (محمد بن فخر الدين) 11/269. تاج الدين أحمد بن الأثير 1/131. تاج الدين بن البارنباري (القاضي) 8/383، 12/ (63) ، 95، 228، 454، 13/344، 14/ (188) . تاج الدين ابن بنت الأعز الشافعي (عبد الوهاب) 1/477، 3/277، (278) ، 11/173، 174، 175، 177، 227، 311. تاج الدين السبكي 7/ (203) . تاج الدين بن سعيد الدولة 11/320، 322. تاج الدين بن الغزولي 11/355. تاج الدين بن غنوم 14/365. تاج الدين الفاكهاني 1/ (547) . تاج الدين القاضي 12/342. تاج الدين بن أبي المجاهد السمرقندي 5/86. تاج الملوك توري 4/171. تادرس (بطرك) 5/301. تادشت اللمتوني (أبو عبد الله بن نيفاوت) 5/184. تادمكة (السلطان) 5/204. تاشفين بن علي بن يوسف 5/185، 250. تاشفين الموسوس (أبو عمر) 5/194. تالبة (من ملوك القوط) 5/230. تاوداس قيصر 5/366. تاوداسيوس قيصر 5/372. تاوفانيوس (بطرك) 5/305. تاوفيتا (بطرك) 5/298. تاوكلا (بطرك) 5/297. ابن التبان 3/408. تبان (اسعد أبو كرب بن قيس) 5/22. تبع الأقرن 5/22. تبع الأول 4/291، 292، 297، 6/457. تتش بن ألب ارسلان بن داود السلجوقي 4/171، 176. تدان منكومتر بن طغان بن باطو 4/470، 471. تداوس (بولس الرسول) 6/91. تداوس قيصر 5/376. تدراس بن صا بن مرقونس 3/472. تدمر بنت حسان بن أذينة 4/118. ترتماش بن جوبان 5/348. ترقاي كيزي 4/483. ترك بن عابر بن شمويل 1/420. ترما شيرين بن براق 4/448. ترما شيرين خان 7/328. الترمذي (الحافظ الفقيه) 1/246، 337، 512، 545، 2/ (77) ، 473،

4/74، 6/217. أبو تغلب بن حمدان 6/474. أبو تغلب عدة الدولة 6/297. أبو تغلب بن ناظر الدولة (السلطان) 6/486. تقفور (ملك الروم) 6/446. تقفور الدمستق 5/378. تقي الدين (عمر بن شاهنشاه بن أيوب) 3/391، 4/179، 5/29. تقي الدين بن تاج الدين ابن بنت الأعز 11/227، 2332. تقي الدين بن تيمية 1/563. تقي الدين بن دقيق العيد 1/ (272) ، 327، 546، 5/30. تقي الدين بن رزين 3/512. تقي الدين السبكي 2/ (55) ، 3/385، 7/ (202) ، 11/ (85) ، 435، 12/ (72) ، 345، 14/359. تقي الدين أبو طاهر (رأس علماء الميقات) 3/386. تقي الدين بن أبي الطيب 12/385. تقي الدين عبد الله (الملك الموحد) 4/321. تقي الدين القاضي 12/340، 14/357. تقي الدين المالك الاخنائي 11/ (226) . تقي الدين بن ناظر الجيش 4/110، 119، 6/95، 7/ (283) ، 290، 9/ (330) ، 13/315. تكريت بنت وائل 4/328. التكفور ليفون (متملك سيس) 14/121. تلابغا بن منكومتر بن طغان 4/471. تلكتمر الناصري (الأمير) 12/219. تمادية 14/182. أبو تمام الطائي 1/227، 319، 331، 372، 435، 456، 2/205، 240، 271، 291، 296، 307، 323، 331، 335، 337، 341، 346، 477، 487، 3/41، 154، 5/336. تمام بن محمد (أبو القاسم) 4/ (96) . تمرجين (جنكيزخان) 4/306. تمربغا 7/249. تمرتاش (الأشرف) (صاحب تبريز) 7/301. تمرتاش (حسام الدين) 4/176، 177. تمرتاش بن ايلغازي 4/177. تمرتاش بن علاء الدين 7/284. تمرلنك 1/134، 163، 507، 4/471، 5/86، 7/279، 329، 330، 402، 436، 9/248، 14/415. تميثم الحربي 1/540. أبو تميم (معد بن منصور) (المعز لدين الله الفاطمي) 3/392، 5/448. تميم بن أوس 13/125. تميم بن بتلوثان 5/189. تميم الداري (أبو رقية) 1/125، 388، 479، 4/106، 5/408، 6/ (190) ، 13/125، 128.

- ث -

تميم بن زيري بن يعلي اليفرني (أبو الكمال) 5/182. تميم بن مرة 3/347. تميم بن معتصر 5/183. تميم بن المعز بن باديس 5/121. تميم بن يلتان 5/189. التميمي 2/134. تنكز الناصري (سيف الدين الأمير) 12/ (14) ، 14/426. تنم (نائب الشام) (سيف الدين الحسين الظاهري) 12/ (80) . توبة بن الحسن بن السائب 4/494. التوحيدي 2/ (81) . تودس (من ملوك مصر) 3/474. توران شاه بن أيوب (سيف الدين الملك المعظم) 1/506، 3/402، 497، 5/10، 28. توري تاج الملوك 4/171. توري بن طغتكين (تاج الملوك) 4/178. توز طوغان (زين الملك) 7/304. توزون بن أوياكان 4/448. توشي بن جنكيزخان 4/312. توغربحا بن كومر بن يافث 1/421. توما (الحواري، الرسول) 6/90، 13/275. ابن تومرت (محمد بن عبد الله بن تومرت) 5/ (129) . التيفاشي (أحمد بن يوسف) أبو العباس 1/ (541) ، 544، 2/ (106) ، 115، 116، 119، 120، 121، 124، 4/80. تيمور كوركان 7/330، 331، 344، 345، 350، 351، 14/115، 118. ابن تيمية (تقي الدين) 1/563، 13/252، 14/376. ابن التين المغربي 1/ (547) . - ث- ابن ثابت 10/ (180) . ثابت بن جماز بن هبة 4/305، 7/212. ثابت بن عامر 8/98. ثابت بن عساف 12/134. ثابت بن قيس الخزرجي 1/427. ثابت بن قيس بن شماس 1/126. ثابت نعير 4/305. ثاليس الملطي 13/ (300) . ثاونا (بطرك) 5/297. ثريا سهيل 14/ (211) . الثريا بنت عبد الله بن الحارث 1/411. الثعالبي 1/ (189) ، 469، 497، 510، 538، 2/187. ثعلب (أحمد بن يحيى) أبو العباس 1/ (189) ، 192، 538، 3/ (183) ، 211.

- ج -

أبو ثعلبة الخشني 3/373، 13/112. ثعلبة بن سلامان 4/220. الثعلبي 2/ (89) . الثلجي (ابن الثلجي) 12/ (78) . ثمال بن صالح بن مرداس 4/ (75) . ثمامة بن أشرس النميري 2/ (477) . ثمامة بن حوشب 14/96. ثميلا بن ماراب بن عمرو 1/414. أبو الثناء (شهاب الدين محمود الحلبي) 4/216. ثوبان بن إبراهيم الإخميمي (ذو النون المصري) 3/ (450) . ثور بن عفير بن عدي 1/380. ثور بن يزيد 13/128. الثوري 13/212. - ج- جابر بن الأسود بن عوف الزهري 4/270، 299. جابر بن حيان 1/521، 529، (558) ، 9/ (63) . جابر بن عبد الله الانصاري 1/511، 4/249. جاتيل (بطرك) 5/303. الجاثليق 13/270. جاجا (نور الدين الأمير) 14/182. الجاحظ (عمرو بن بحر) أبو عثمان 1/65، 68، 72، 199، 210، 320، 519، 520، 2/41، 57، 90، 259، 477، 495، 3/ (221) ، 307، 351، 431، 13/207، 14/196، 229، 450. جاد بن يعقوب عليه السلام 13/267. ابن الجارود 5/116. جالوت 4/108، 13/262. جالوت البربري 1/414، 3/ (343) . جالوت بن جالود بن ديال 1/416. جالوت كلياذ 4/164. جاليش (الأمير سيف الدين) 14/175. جالينوس الحكيم 1/528، 2/477، 3/437، 479، 5/367، 11/250، 376. جاماساف بن فيروز 4/413. جان بن مكنف 4/120. جانا بن يحيى بن صولات 1/416. جانا بن يحيى بن ضريس 1/416. جاني بك بن ازبك 4/471، 7/318. جبار بني العباس (هارون الرشيد) 1/516. جبار بن غالب بن زيد 5/19. جبار بن مهنا 4/214. جبر (مولى أبي ذر الغفاري) 6/346. جبر القبطي 3/374. جبريل (عليه السلام) 2/284، 6/339. جبريل (الأمير) 4/278.

جبل بن زيد 2/475. جبلة بن الأيهم الغساني 1/ (371) ، 509، 6/ (368) . جبلة بن عبد الرحمن 1/69. ابن جبير 13/258. جبير بن القشعم 1/475. جبير بن مطعم 13/114. ابن جحدر 2/226. جحظة البرمكي 2/ (437) ، 3/ (221) . أبو جحيش 1/413. ابن جدعان 1/494. جديلة بنت سبيع بن عمرو 1/372. جديلة بن عبد الله العنبري 1/401. جذام بن عدي بن عمرو 4/220. جذيمة الأبرش 1/ (473) ، 487، 2/153، 4/324. جذيمة بن حازم النهشلي 1/511. جذيمة بن مالك بن حنبل 4/218. جذيمة الوضاح 1/512. جرادة (جارية) 1/ (494) . ابن أبي جرادة (ابراهيم) (ابن العديم) 12/436. ابن أبي جرادة الحنفي (جمال الدين) 6/150. جرادة بن محمد 13/63، 64. جرجا بن ميخائيل 5/386. الجرجاني (عبد القاهر) 1/224، 3/ (561) . الجرجراني 14/259. جرجس بن القس مفضل (بطرك) 5/308. جرجس بن مفضل اليعقوبي 11/393. جرجيس (ملك الفرنج الروم) 5/111، 173، 7/ (404) . جرد مر الطاربي 13/ (345) ، 346. جركس الخليلي الظاهري 2/334. جرم بن جرمز 4/219. جرم بنت الغوث بن طيىء 1/374. جرمق بن أشور بن بسام 1/421. جرهم بن عبد ياليل بن جرهم 4/266. جرهم بن قحطان 4/266. ابن جريج (عبد الملك بن عبد العزيز) 4/282، 283، 6/260. جرير (الشاعر) 1/319، 435، 519، 2/207، 245، 318، 7/25، 368، 14/382. ابن جرير (محمد) 6/232. ابن جرير 2/ (386) ، 469، 473. جرير بن عبد الله البجلي 1/382، 509، 510، 4/324، 6/323، 345. جرير بن عبد المسيح 6/ (339) . ابن الجزار (أحمد بن أبي خالد) 2/ (106) . جساس بن مرة الوائلي 1/392، 446. جشم بن عبد شمس 5/450. ابن الجصاص 1/ (514) . جعبر القشيري (سابق الدين) 4/143. الجعد بن درهم 1/ (529) ، 13/255، 256.

أبو جعفر احمد بن سلامة 6/322. أبو جعفر (أحمد بن جعفر المتوكل) (أبو العباس المعتمد على الله) 3/272. ابن جعفر 2/330. جعفر بن الأشعث 1/69. جعفر الجواد 9/337. جعفر بن جعفر 14/102. جعفر حجة الله 4/302. جعفر بن حدار بن محمد 2/503. جعفر الرشيد 5/46. جعفر بن سعيد 1/96. جعفر بن سليمان الهاشمي 1/508، 4/272، 301، 308. جعفر الصادق 1/155، 2/392، 395، 13/232، 238. جعفر الصدق بن محمد المكتوم 13/239. جعفر بن أبي طالب 1/413، 508، 5/414، 9/369. أبو جعفر الطبري 1/ (320) . أبو جعفر الطحاوي 3/432. أبو جعفر عبد الله (القائم بأمر الله) 3/275. جعفر بن عبد الله بن جحاف 5/245. جعفر بن عطية 1/373. جعفر بن عمر 4/72، 7/178. أبو جعفر بن غانم بن محمد المقدسي 5/36. جعفر بن فلاح 4/170. أبو جعفر الكاتب 8/ (164) . جعفر المتوكل 3/148. جعفر بن محمد 1/281، 2/501، 13/213. أبو جعفر بن محمد (المستنصر بالله) 3/270. أبو جعفر محمد بن الواثق بالله (المهتدي بالله) 3/272. جعفر بن المعتضد (أبو الفضل) (المقتدر بالله) 3/273. أبو جعفر المنصور 1/264، 277، 310، 472، 482، 507، 2/156، 3/269، 332، 486، 4/136، 272، 333، 415، 5/61، 115، 10/115، 13/236. أبو جعفر المنصور (الراشد بالله) 3/275. أبو جعفر المنصور (المستنصر بالله) 3/276. جعفر بن موسى 14/102. أبو جعفر النحاس (أحمد بن محمد بن إسماعيل) 1/ (72) ، 79، 96، 124، 176، 191، 253، 257، 2/259، 351، 387، 403، 3/ (16) ، 5/410، 418، 6/10، 111، 190، (202) ، 232، 235، 274، 379، 445، 520، 7/76، 8/131، 177، 9/82، 13/257، 273، 14/ (416) . أبو جعفر هارون (الواثق بالله) 3/270. جعفر بن يحيى 14/102.

جعفر بن يحيى البرمكي 1/69، 96، 211، 376، 519، 2/362، 475، 3/ (4) ، 9/423، 14/205، 227. جفطاي بن جنكيزخان 4/312. جفطاي بن منكومتر 4/471. جكداي بن براق 4/448. الجكراي (الأمير) 4/313. ابن الجلال 11/184. جلال الدولة بن بهاء الدولة (أبو الطاهر) 4/416. جلال الدولة السلجوقي 6/ (16) . أم جلال الدين 6/489. جلال الدين البلقيني 11/ (113) ، 189. جلال الدين بن حسن الكيا الصباحي 1/156. جلال الدين الرازي 12/76. جلال الدين عبد الرحمن 1/ (564) . جلال الدين بن علاء الدين بن خوارزم شاه 6/489. جلال الدين القزويني 1/ (224) ، 541، 11/258، 14/344. جلال الدين محمد بن خوارزم شاه 4/311. جلال الدين المستوفي 14/170. جلال الدين منكبرتي 7/ (128) . أم جلال الدين منكبرتي 7/128. جم شاد (من ملوك الفرس) 2/445. جما الملك 1/491. جماز بن حسن بن قتادة 4/278. جماز بن شيحة بن سالم 4/304، 7/212. جماز بن محمد بن أبي بكر (الأمير عز الدين) 12/124، 127. جماز بن منصور 4/305. جماز بن هبة بن جماز 4/305. ابن جماعة (عز الدين) 7/ (181) ، 14/ (373) . ابن جماعة الشافعي (بدر الدين) 3/ (389) ، 11/224. جمال الدين إبراهيم الخطيب 12/471. جمال الدين إبراهيم بن العديم 6/148. جمال الدين الأسنوي 1/ (542) ، 549، 6/ (12) . جمال الدين الأقفهسي (عبد الله) 11/ (233) . جمال الدين أقوش الاشرفي 12/ (10) ، 13/ (186) . جمال الدين أيدغري 4/36. جمال الدين بن أبي جرادة الحنفي 6/150. جمال الدين بن شيث (عبد الرحيم) 6/225، 235. جمال الدين أبو صادق محمد بن الحافظ 13/356. جمال الدين عبد الله الحصني 4/455. جمال الدين عبد الله بن سيف الدين 14/352. جمال الدين المحمدي 14/167.

جمال الدين محمود الحلبي 6/343، 9/213، 11/ (174) ، 177. جمال الدين بن مطروح 8/ (39) . جمال الدين موسى بن يوسف 8/71. جمال الدين ناظر الخاص 11/340. جمال الدين بن نباتة 1/ (214) ، 253، 354، 356، 6/299، 304، 8/24، 363، 364، 367، 369، 9/ (10) ، 12، 68، 83، 101، 106، 108، 111، 114، 115، 118، 119، 140، 143، 146، 159، 182، 188، 212، 223، 12/299، 302، 304، 313، 315، 321، 324، 336، 351، 361، 371، 397، 401، 415، 426، 14/274، 312. جمال الدين بن هشام 6/112، 236، 259، (203) ، 14/370. جمال الدين بن واصل 1/ (542) ، 548، 4/ (143) . جمال الدين يحيى بن مطروح 5/390. جمال الدين يوسف الحنفي 12/373. جمال الدين يوسف شاه 7/187. جمال الدين يوسف البساطي 11/113، 188. جمال الدين يوسف البشاسي 11/ (151) . جمشيد (من ملوك فارس) 4/409. جمشيد (أخو طمهورث) 13/297. ابن جمع 2/ (125) . الجملوك 7/312. جميع بن عمير التميمي 2/70. جميل (صاحب بثينة) 1/368. أبو جميل الأمير (زيان بن مدافع) 7/ (37) ، 123. أبو جميل زيان (الأمير) 8/ (156) . جنادة بن خشرم الجذامي 1/383، 2/ (221) . جنان (محبوبة مسلم بن الوليد) 2/233. ابن الجنان (ابو عبد الله) 8/313. جنشوند (من ملوك القوط) 5/231. جنفصو بن دراتمر بن حلو 4/448. جنكيزخان 4/310، 311، 312، 334، 470. جنّة (رجل من اليمن) 6/223. ابن جني 1/ (539) ، 2/ (285) ، 3/ (193) ، 14/149، 240. الجنيد (شيخ الجوابرة) 1/518، 8/4. أبو جهل بن هشام 1/408، 440، 513. أبو الجهم بن حذيفة 1/432. جهم بن قيس 13/126. ابن جهور 5/240. جهور بن محمد بن جهور (أبو الحزم) 5/241. جهيم بن الصلت 1/125، 126. ابن الجو اليقي (موهب بن أبي ظافر) 2/ (152) ، 4/ (133) ، 342، 360.

- ح -

جوان (ملك النصارى) 5/193. جوبان (النوين) 7/295. جوبان (خادم عبيد الله المهدي) 3/402. جوبان (والد دمرداش) 5/344. جوجي بن جنكيزخان 4/312. أبو الجود بن عبد المدان 5/44. جودر (خادم عبيد الله المهدي) 3/402. جوذر الأشغاني 4/412. جور بن أشغان 4/412. ابن الجوزي 6/345، 363. الجوزي 2/41. جوشن بن منظو بن بعجة 1/385. جولقان بن غياث الدين 7/295. جوهر بن عبد الله الرومي 3/ (332) . جوهر المعزي (القائد) 1/425، 3/376، 392، 410، 493، 4/169، 302، 5/120. الجوهري 1/23، (187) ، 378، 382، 389، 395، 402، 409، 539، 2/74، 87، 119، 225، 514، 3/ (12) ، 4/81، 92، 221، 256، 5/420، 428، 442، 6/13، 24، 35، 53، 61، 11/101، 126، 300، 14/259، 260، 319، 411، 416. الجوهري (شرف الدين محمد بن علاء الدين) 11/ (334) . جوانا (صاحبة نابل) 8/55. الجويني (أبو محمد) 6/219، 266. جياد بن مياد بن شمر 3/361. جياش بن نجاح 5/27. ابن الجيان (أبو عبد الله) 7/34. جيدة بن نجم الدين باشاك 4/376. جيرون بن سعد بن عاد 4/95، 5/17. جيرون المؤتفكي 3/472. أبو الجيش (إسحاق بن إبراهيم) 5/26. أبو الجيش (خمارويه بن أحمد بن طولون 7/15، 8/134. جيش بن خمازويه 3/492. جيفر بن الجلندي 6/345. - ح- ابن أبي حاتم 2/ (469) ، 473. حاتم الطائي 1/372، 516. حاتم بن هرثمة بن أعين 3/489. الحاج المصري 1/379. ابن الحاجب 1/208، 539، 11/184، 14/240. ابن الحاجب (أبو عمرو) 3/ (174) ، (179) ، 12/ (350) ، 367، 368. حاجب بن زرارة التميمي 1/334، 451، 14/ (277) . ابن حاجب النعمان 1/ (80) ، 83، 173، 5/412، 416، 467، 6/221، 225، 232، 288، 7/ (77) ،

8/ (136) ، 137، 146، 11/113. حاجي بن الأشرف شعبان 1/506. حاجي جركس 4/471. حاجي بن شعبان الملك الصالح 3/503. ابن حاجي شهاب الدين 12/73. الحاجي بن عمر (صاحب العمادية) 7/309. حاجي بن الناصر محمد المظفر 1/506، 3/501، 502. الحارث (مولى هرون الرشيد) 14/102. الحارث بن أسد الخزاعي 3/374. الحارث بن الحارث بن الحارث 1/506. الحارث بن حلزة 1/ (344) ، 513. الحارث بن أبي شمر الغساني 6/345. الحارث بن ذي شدد بن الملطاط 5/20، 450. الحارث الرائش (الحارث بن ذي شدد بن الملطاط) 5/20. الحارث بن ظالم 14/295. الحارث بن العباس بن عبد المطلب 1/511. الحارث بن عبد المطلب 1/413. الحارث بن عفير بن عدي 1/389. الحارث بن عمرو بن قيس عيلان 1/400. حارث بن عيسى 4/212. الحارث بن كعب الأزدي 5/44، 9/417. الحارث بن مالك 1/ (389) ، 14/95. الحارث بن مالك الليثي (ابن البرصاء) 3/373. الحارث بن مرة بن أدد 1/389. الحارث بن مسكين 1/477. الحارث بن معاوية بن كندة 2/ (68) . أبو الحارث بن نبت 3/192. الحارث بن هشام 1/510، 516. حارثة الكلبي (أبو زيد بن حارثة مولى رسول الله (ص)) 1/368. ابن حازم (الشاعر) 2/362. حاضر بن سنان بن إبراهيم 5/42. حاطب بن أبي بلتعة 1/125، 485، 6/345، 346. حاطب بن عمرو 1/126. حافظ (اخو علي باشاه) 6/134. الحافظ أبو نعيم 4/282. الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد 14/ (370) . الحافظ ابن عساكر 4/ (80) ، 96، 13/125. الحافظ لدين الله (أبو الميمون عبد الحميد) 3/494، 13/240، 324. الحافظ لدين الله الفاطمي 5/306، 6/446، 8/263، 326، 345، 346، 9/300، 397. الحافظ لدين الله العبيدي (عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بالله) 7/ (113) . حافظة بن بطرة بن أدفونش 14/ (28، 29) .

الحاكم بامر الله (أبو العباس) (احمد بن حسين بن أبي بكر بن العزيز الفاطمي) 1/ (546) ، 3/278، 300، 388، 4/170، 5/305، 10/46، 158، 392، 14/363. الحاكم بأمر الله (أبو القاسم) (أحمد بن أبي الربيع) 9/ (329، 330) ، 428، 10/52، 53. الحاكم بأمر الله (أبو علي المنصور) 3/494، 13/239. الحاكم العبيدي 1/ (394) ، 4/303. حام بن نوح 1/422. أبو حامد احمد بن بشر المروروذي 1/ (283) . حامد بن حمدان الهمداني 5/178. أبو حامد الغزالي 5/ (132) ، 12/ (49) . الحباب بن المنذر الأنصاري 1/355، 453، 9/283. ابن حبيب 11/184. حبيب بن أوس الطائي (أبو تمام) 7/278، 14/131، 382. ابن حبيب الحلبي (الشيخ بدر الدين) 8/253. حبيب بن عبد الرحمن 5/115، 175. حبيب بن مسلمة الفهمي 14/95. حبيب النجار 4/134. حبيب بن نصر 5/116. أم حبيبة بنت أبي سفيان 6/280، 324. ابن حجاج (الشاعر) 1/ (519) ، 2/307، 451، 14/243، 306. أبو الحجاج الأقصري 3/ (365) ، (435) . أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل 11/17. الحجاج بن يوسف الثقفي 1/69، 229، 262، 397، 473، 482، 507، 2/155، 234، 358، 447، 4/270، 300، 346، 371، 5/25، 6/317، 337، 376، 469، (559) ، 8/177، 9/289، 13/215، 14/440. أبو الحجاج يوسف بن نصر 11/19. الحجاري 5/206. الحجام (الحسن بن محمد بن القاسم) 5/178. حجر بن عدي الكندي 14/95. حجر بن يزيد 14/95. حجل بن عبد المطلب 1/413. ابن أبي حجلة (احمد بن يحيى بن أبي بكر) شهاب الدين 14/314. ابن الحداد (ابو بكر الإمام) 3/ (307) . ابن الحداد البغدادي (عبد الوهاب) صدر الدين 4/479. حدق (الست) الحاجة 7/183. الحذقي 1/ (553) . حذيفة بن الأحوص القيسي 5/234. حذيفة بن بدر الفزاري 1/399، 432.

أبو حذيفة الجذامي 5/246. حذيفة بن حسل بن جابر 2/ (156) . أبو حذيفة بن المغيرة 4/257. حذيفة بن اليمان 1/125. حرار بن مفرج بن دغفل 4/210. حرب بن أمية 2/ (292) ، 3/13. أبو حرب بن أمية الأكبر 1/411. حرب بن أبي العافية 5/179. حرب بن عبد الرحمن بن الحكم 1/502. حربيا بن ماليق 3/472. الحرث بن مضاض بن عبد المسيح 4/266. حرملة بن الأشقر المري 1/440. الحرورية 2/212. ابن الحرون 2/481. حريا بن ماليق 3/472. الحريري (أبو محمد القاسم) 14/ (125) . الحريري (صاحب المقامات) 1/87، 234، 519، 2/ (293) ، 305، 316، 11/304. ابن حزم 1/361، 416، 417، (518) ، 3/506، (274) ، 5/46، 6/87، 7/358. حسام الدين (صاحب بومن) 7/294. حسام الدين امير مري السبيني 7/310. حسام الدين بولق ارسلان 4/320. حسام الدين بن تاج الدين العاملي 7/310. حسام الدين تمرتاش 4/176، 177، 319. حسام الدين خربندة 7/303. حسام الدين ركاوك 14/182. حسام الدين العلائي 12/467. حسام الدين بن أبي علي 4/173. حسام الدين بن قاضي العسكر 14/181. حسام الدين لاجين 3/300، 500، 10/ (52) ، 12/ (28) . حسام الدين محمود بن علاء الدين (حاكم العلايا) 5/330، 8/18. الحسام شير الصغير 4/376. حسام بن ضرار الكلبي 5/234. حسان بن بجدل 1/450. حسان بن تبان (اسعد أبي كرب) 5/22. حسان بن ثابت 1/339، 372، 428، 511، 2/211، 321، 4/94، 13/234. حسان ذو معاهر (انظر حسان بن تبان) . حسان بن عبد الملك الأنصاري 3/13. حسان بن عتابة التجيبي 3/485. حسان بن عمرو بن تبع 5/23. حسان بن عمرو بن قيس 5/19. حسان بن مفرج بن دغفل 4/210. حسان النبطي 1/69. حسان بن النعمان الغساني 5/ (113) ، 174. أبو الحسن (ذكا الأعور) 3/ (493) . الحسن بن أحمد بن خلاص 7/96.

حسن بن احمد بن عبد الودود السلمي 5/180. حسن بن أحمد بن عجلان 4/280، 7/210. الحسن الأربلي 4/460. حسن الأسعردي (بدر الدين) 4/475، 483. حسن بن إسماعيل (صاحب المازكرد) 7/309. أبو الحسن الاشعري 1/518، 565، 14/259. حسن بن أويس 7/279. الحسن البريدي (أبو عبد الله) 4/ (416) . الحسن البصري 1/229، 517، 3/ (305) ، 13/255. أبو الحسن البكري 1/518. حسن بهادرخان 7/282، 283. أبو الحسن بن البواب (علي بن الهلال) 2/ (489) ، 3/66، 68، 72، 81، 90، 93، 95، 97. حسن بن بويه 4/416. أبو الحسن الجزار 1/ (436) . أبو الحسن جعفر 4/286. الحسن بن جعفر بن أبي هاشم (أبو الفتوح) 4/274، 303. الحسن بن جعفر بن الحسن بن سليمان 4/274. حسن بن الجلال (انظر حسن السمرقندي) . حسن بن حسن 1/281. الحسن بن الحسن بن الحسن السبط 1/506. الحسن بن حمدان (ناصر الدولة) 5/416، 455. حسن بن الحسين بن أقبغا (الشيخ حسن الكبير) 4/419. حسن بن الداية (بدر الدين) 11/253. أبو الحسن الرعيني 10/314. حسن الرومي التاجر 4/451، 460، 5/395، 396. الحسن بن زيد بن الحسن 4/301. الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل 5/48. أبو الحسن بن سعد 13/217. الحسن بن سعدان (أبو عبد الله) 8/141. حسن السمرقندي (حسن بن الجلال) تاج الدين (الشريف) 4/475، 477، 478. الحسن بن سهل (ذو الرياستين) 1/69، 127، 2/ (353) ، 5/415، 9/ (103) ، 128، 14/141، 227. أبو الحسن الشاذلي 14/420. أبو الحسن بن شلبون 8/157. حسن بن صاروجا 12/292. الحسن بن الصباح 1/ (155) ، 13/240، (246) ، 448.

أبو الحسن الصنهاجي 5/165. الحسن بن طاهر 4/302. الحسن بن عبد الله اليازوري 3/ (561) . أبو الحسن العروضي 1/ (542) . الحسن العسكري 13/232. أبو الحسن بن عصفور 3/192، 214. أبو الحسن بن علبك 7/81. أبو الحسن علي بن أمير حاجب 5/278. أبو الحسن علي بن حبيب الماوردي 2/3. الحسن بن علي بن الحسين (الناصر الاطروش) 5/49. الحسن بن علي الشافعي (جمال الدين أبو الطيب) 12/362. الحسن بن علي بن أبي طالب 1/126، 155، 259، 412، 431، 500، 3/66، 286، 296، 4/168، 270، 294، 299، 5/286، 419، 6/340، 12/228، 284، 13/230، 234، 238، 14/94، 413. الحسن بن علي بن قتادة (أبو سعد) 4/278. الحسن بن علي بن محمد التقي (الحسن العسكري) 13/232. الحسن بن علي بن ملهم (مكين الدولة) 4/175. الحسن بن علي بن يحيى 5/121. الحسن بن عماد الدين (بهاء الدين) 7/310. الحسن بن عمران 8/103. الحسن بن عمر 5/194. الحسن بن القاسم بن علي 5/49. حسن بن قاسم اللواتي 5/179. الحسن بن قتادة بن إدريس 4/277. الحسن بن قحطبة 1/513. أبو الحسن بن القصار 11/184. حسن بن قوسي البرسقي التركماني 4/142. أبو الحسن الكاتب 2/102. حسن الكبير (الشيخ) (صاحب بغداد) 4/419، 6/122، 163، 7/279. أبو الحسن الكربلاي 4/484. حسن بن كنون 5/180. أبو الحسن كوشيار 4/ (255) . أبو الحسن الماوردي 3/ (290) ، 6/16. حسن بن أبي المجد الصفدي (عز الدين) 3/455. أبو الحسن بن أبي محمد بن الحسن 11/20، 23. الحسن بن محمد بن سليمان 4/274. الحسن بن محمد الطيبي 4/341. الحسن بن محمد بن عبد المنعم 3/ (328) . الحسن بن محمد بن القاسم 5/178. حسن بن محمد بن قلاوون 3/510، 536، 4/20، 138، 214، 305، 5/31. الحسن بن محمد المهلبي 5/ (8) .

أبو الحسن المدائني 1/ (517) . أبو الحسن المريني 1/129، 5/126، 204، 6/298، 7/61، 104، 413، 416، 8/ (100) . ابن أبي الحسن المريني (أبو عنان) 7/ (41) ، 422. أبو الحسن بن ملاعب القواس البغدادي 2/ (97) ، 98، 14/435، 436. الحسن المنتجب (الحسن بن علي بن أبي طالب) 13/231. حسن بن الناصر محمد بن قلاوون 1/506، 3/355، 415. أبو الحسن نصر بن أحمد 4/445. الحسن بن وهب 1/69، (115) ، 2/471، 485. حسن بن يحيى 5/154. حسن بن يحيى بن حمود 5/238. حسن بن يحيى المعتلي 5/238. الحسن بن يسار البصري 1/ (206) . أبو الحسن بن يوسف بن تاشفين 10/165. الحسن بن يوسف بن محمد بن الأخيضر 5/57. ابن الحسين 1/ (543) ، 3/ (15) . الحسين (القاضي) 2/ (79) . أبو الحسين أحمد (معز الدولة) 5/415. أبو الحسين أحمد بن علي بن مقاتل 4/168. أبو الحسين بن إسحاق الصابي 9/ (290) ، 294. حسين بن أسد 7/308. الحسين بن برمك 2/134. أبو الحسين بن أبي البغل 9/ (168) . الحسين بن جوهر 3/ (562) . الحسين بن الحجاج 3/ (489) . حسين بن حسن الطالبي 4/285، 288. الحسين بن الحسين 4/447. أبو الحسين بن الزبير 14/263. الحسين بن زكي الدين أبي القاسم 11/39. أبو الحسين بن سعد 8/ (256) ، 378، 9/ (5) ، 13، 41، 42، 44، 45، 47، 49، 57، 60، 74، 77، 79، 94، 128، 160، 167، 170، 177، 219. الحسين بن سلامة 5/26. أبو الحسين بن شيحة بن سالم 4/304. أبو الحسين الصابي (أبو الحسين بن إسحاق الصابي) 9/294، 12/ (215) ، 13/ (338) . الحسين بن طاهر 4/302. الحسين بن عبد الله 3/393. الحسين بن علي بن حسن المثلث 5/175. الحسين بن علي بن أبي طالب 1/155، 230، 412، 500، 504، 521، 4/69، 100، 11/262، 12/228، 384، 13/230، 231، 234، 14/94. أبو الحسين بن علي الكاتب (علي بن الحسين)

13/67. الحسين بن علي بن المغربي (أبو القاسم) 14/ (206) . الحسين بن علي بن النعمان 10/392. الحسين بن أبي العيش بن عيسى 5/178. أبو الحسين بن فارس 1/ (525) . الحسين بن القاسم (أبو القاسم) 6/421، 7/121. الحسين بن القاسم بن عبيد الله (أبو علي) 1/498، 5/45، 415. حسين بن مانع 7/397. ابن الحسين محمد 12/ (354) . الحسين بن مصعب 4/282. الحسين بن منصور الحلاج 4/ (348) . الحسين المنتجب 5/46، 7/358. الحسين المنتخب 5/46. الحسين بن موسى العلوي 10/ (252) ، 256، 261، 269. الحسين بن موسى الموسوي (أبو أحمد الشريف) 14/110. الحسين بن نصر بن مزاحم المنقري (أبو عبد الله) 14/92. الحسين بن أبي الهيجاء 4/307. الحسين بن يحيى الكاتب 1/522. الحسين بن يزيد السيرافي 2/131، 135. الحسين بن يونس الحاسب 2/170. الحصري 11/ (179) . حصن الدين بن تغلب 1/413. حصن الدين بن ثعلب 4/69. ابن الحصن علاء الدين 12/319. الحصين بن الحرث بن المطلب 14/94. الحصين بن نمير 1/125، 126. حضر موت بن قحطان 5/18. ابن الحضرمي 6/238. حطان بن كامل بن منقذ الكناني 5/28. الحطيئة 1/339، 437، 442، 509، 2/212. أبو حفص (احد العشرة) 5/129. أبو حفص بن برد الأصغر 1/129. أبو حفص بن برد الأندلسي 2/ (475) ، 6/ (264) ، 9/ (383) . أبو حفص تاج الدين عمر بن عبد الله بن صالح السبكي 4/37. أبو حفص الخلال 6/297، 11/147. حفص بن سليمان الخلال (أبو سلمة) 3/ (295) ، 5/422. أبو حفص الشيخ 5/449. أبو حفص عمر البلقيني 1/564. أبو حفص عمر بن أبي عمران 7/413. أبو حفص عمر بن يحيى بن محمد 7/404. حفص بن الوليد 3/485. حفصة بنت عبد الله بن محمد 1/500. ابن الحكم 3/429. الحكم بن العاص 1/411، 511. أبو الحكم بن أبي عامر (عمرو بن عبد الله) 5/180.

الحكم بن عبد الرحمن بن محمد المقتول (المستنصر) 5/236. الحكم بن عتيبة 2/ (156) . الحكم بن هشام بن عبد الرحمن 5/235. ابن حكينا البغدادي 2/439. الحكيم بن البرهان (صلاح الدين) 5/33. حكيم بن حزام 1/510. ابن الحكيم صلاح الدين 5/9. ابن الحكيم الطياري 4/312، 5/86. الحكيم الكندي 2/324. حلب بن المهر 4/120. حماد التركي 1/472. حماد الراوية 1/ (519) . حماد بن سلمة 6/324. حماد بن النعمان 9/ (413) . حماد بن هبة الله (الشريف الحراني) 4/ (303) . حماد بن يزيد بن جبلة 2/297. حماد بن اليزيدي 4/ (272) ، 5/26. ابن الحمارة (كاتب) 6/427. حمامة بن محمد بن وزير 5/189. حمامة بن المعز بن عطية 5/181. الحمامي (غلام احمد بن طولون) 3/376. الحمداني (بدر الدين أبو المحاسن يوسف بن أبي المعالي) 1/369، (372) ، 386، 393، 404، 419، 4/ (68) ، 210. ابن حمدون (محمد بن ابي سعد الحسن) 9/ (292) ، 10/ (10) ، 13/217، 14/145. الحمدوني 1/ (341) . حمران (مولى عثمان) 5/422. حمزة (إمام الزيدية) 7/358. حمزة الأصبهاني 1/346. حمزة بن حبيب الزيات 1/ (144) . حمزة بن حبيب بن عمارة 1/ (243) . حمزة بن الحسن الاصفهاني 2/ (84) . حمزة بن ربيعة 3/290. حمزة بن عبد الله بن الزبير بن العوام 1/514. حمزة بن عبد المطلب (عم النبي صلى الله عليه وسلم) 1/413، 516، 5/414، 12/366. حمزة بن القلاقسي 7/ (179) ، 201، 12/ (85) . حمزة بن مالك الهمداني 14/95، 96. ابن الحمصي (ناصر الدين) محمد 7/140، 141، 142. أبو حمو (سلطان بني عبد الواد) 5/194، 195، 196. حمود الحاجب (سكوت البرغوطي) 5/155. حمود بن ميمون بن احمد 5/154. حميّ الدبر (عاصم بن ثابت بن أبي الافلح) 1/ (515) . حميد الطائي (حميد بن قحطبة) 3/ (486) . حميد بن فضل المكناسي 5/163. حميد بن قحطبة الطائي (حميد الطائي) 3/ (486) .

- خ -

الحميدي 1/545. حمير بن سبأ 3/ (13) . حمير بن عبد شمس 5/18. حميضة بن أبي نمي 4/278. ابن حنا (بهاء الدين) (علي بن محمد) 11/248، 14/158. حنانيا (بطرك) 5/296. الحنبلي 1/ (555) . حنش بن اسماعيل 4/377. حنظلة بن الربيع الأسدي 1/126. حنظلة بن صفوان الكلبي 3/485، 5/ (114) ، 174. حنظلة بن أبي عامر الانصاري (غسيل الملائكة) 1/515. حنة (أم مريم بنت عمران) 4/105. حنوكة 14/182. حنون 3/41. أبو حنيفة (النعمان بن ثابت) (الامام) 1/476، 517، 2/161، 4/36، 372، 5/310، 6/8، 11/177، 12/77، 186، 13/117، 120، 212، 362. أبو حنيفة الدينوري 2/ (188) ، 192. حنين بن إسحاق 1/520، 554. حواء 2/392. حوريا بنت تاليسا 3/472. ابن حوشب (رستم بن الحسين) 13/242. ابن حوقل 3/257، 437. ابن حوقل (محمد بن حوقل البغدادي) 3/ (378) ، 4/ (79) ، 80، 92، 107، 127، 134، 139، 250، 255، 261، 296، 323، 336، 338، 344، 353، 355، 369، 384، 392، 400، 432، 466، 5/60، 106، 329. حويطب بن عبد العزي 1/126، 510. حيار بن عمر بن موسى 7/206. أبو حيان (أثير الدين الشيخ) 6/225. ابن حيان 5/255. أبو حيان التوحيدي (علي بن محمد) (اثير الدين) 1/ (283) ، 3/ (21) . حيدر العريان الرومي 5/338، 339. حيدر بن كاوس (طاوس) (الافشين) 5/415، 454، 6/ (390) . حيدرة بن الحافظ لدين الله الفاطمي (أبو تراب) 9/397. حيدرة علي بن أبي طالب 11/163. حيوس بن ماكس بن زيري 5/242، 248. أبو حية النميري 2/ (228) . حيوة بن شريح 6/261. حيويل بن ناشرة المعافري 3/368. حيي بن حرام الليثي 3/373. - خ- خاتون بنت جوبان 7/290، 296. خارجة بن أبي حبيبة 13/ (226) .

خارجة بن حذافة 3/373. الخاسر (الشاعر) 2/325. خاص ترك (الأمير) 13/185. خاطر بن أحمد بن شطي بن عبيد 7/208. خالد (مولى هارون الرشيد) 14/102. خالد بن إبراهيم بن السلطان أبي بكر (أبو البقاء) 5/128. خالد بن برمك 1/ (140) ، 369، 481- 5/20، 4، 1/227. خالد بن الحصين السكسكي 14/95. خالد بن سعيد بن العاص 1/126. خالد بن أبي سليمان 4/72. خالد بن سنان 1/467. خالد بن العاص بن هشام 4/270. خالد بن عبد الله 2/287. خالد بن عبد الله بن خالد 1/514. خالد بن عبد الله بن العاص 1/267. خالد بن عبد الله القسري 4/271، 13/60. خالد المليكشي 7/311. خالد بن الوليد 1/126، 348، 408، 2/265، 3/264، 285، 4/117، 222، 264، 5/44، 414، 6/317، 353، 454، 9/370، 13/114. خالد بن يزيد بن معاوية: 1/205، 478- 6/257. ابن خالويه 2/ (39) . خباب بن الأرت 13/113، 14/94. الخبازي (عمر بن محمد بن عمر) 12/78. ختور التركي المعزي (أبو الفوارس) 7/119. الخجندي (محمد) 5/82، 91. خدابندا (خرابندا) بن ارغون بن أبغا (ملك التتار) 4/214، 359، 419. خديجة بنت خويلد 1/256، 278، 410، 4/111. خديجة بنت عثمان بن عروة 1/500. خذ خسرو بن السيحان 5/24. خرداذ بن بارس 4/343، 344. ابن خرداذبّة (عبيد الله بن احمد) 4/ (135) ، 319، 370، 401، 443، 480، 5/41، 54، 60، 333. خرطيانوس (من ملوك الروم) 3/480. ابن خروف 12/417. خزاعة (والي مصر) 3/490. خزاعة بن الأزد 4/268. الخزاعي 1/284، 356. خزيمة بن ثابت الانصاري (ذو الشهادتين) 1/515، 5/414. خزيمة بن حازم 14/102. خزيمة بن عمرو بن الوحيد 1/439. ابنة الخسّ 1/ (533) . خسرو الاشغاني 4/412. خسرو شاه بن بهرام 4/447.

خسرو فيروز بن كاليجار 4/417. خشنشدا (من بني عم ابرويز) 4/414. ابن أبي الخصال المغربي الغافقي (محمود بن مسعود) 8/ (157) ، 163، 9/37، 87، 88، 91، 93، 221، 226، 4/299. خصليم (من بني نقراوس) 3/468. خصليم السابع (من ملوك مصر) 3/325. الخصيبي 1/ (556) . ابن الخضر (زين الدين) 11/226. ابن الخضر (شمس الدين) 7/313. خضر (زين الدين القاضي) 7/294. الخضر (عليه السلام) 5/239. خضر بن دندار 5/329. الخضر بن سليمان 4/375. خضر بن سنان 4/218. خضر بن عيسى الشهري (شجاع الدين) 7/310، 311. خضر بن المبارزكك 7/307. خضر بن محمد الهكاري 7/311. خضر بن موسى 7/176. خضر بن يونس 5/329. خضر بن يونس (سنان الدين) (صاحب انطاليا) 8/17. ابو الخطاب الصابي 2/481، 9/130. الخطيب 1/ (252) . الخطيب (أبو بكر) 1/ (546) . ابن الخطيب (لسان الدين) 1/129، 6/ (458) ، 535، 7/ (40) ، 64، 67، 70، 74، 8/ (108) ، 9/ (348) ، 11/4. الخطيب البغدادي 11/245، 14/259. ابن الخطيب التبريزي 1/542. خفاف بن ندبة 1/343. ابن الخلاص (الحسن بن أحمد) 7/96. الخلّال (حفص بن سليمان) (أبو سلمة) 3/295. ابن الخلّال (الموفق) 1/130، 10/319. الخلجان بن عاد 5/17. الخلخالي 1/541. ابن خلدون 4/213، 319، 6/57، 7/358. خلف الأحمر 2/345، 12/417. خلف بن نصر العمري 1/407. ابن خلكان 1/386، 393، 2/ (87) ، 152، 158، 3/432، 456، 4/468. خلوف بن شعبة الكاتب 2/503. خليفة (من ملوك السودان) 5/282. خليفة بن براء السعدي 1/508. الخليل (عليه السلام) 12/175، 13/209. الخليل بن أحمد الفراهيدي 1/478، 517، 2/345، 3/21، (155) ، 163، 174، 218، 4/109، 5/424، 14/260، 412.

- د -

خليل بن سروجي 7/311. خليل الصفدي (الصلاح الصفدي) 14/379. خليل الطناحي (غرس الدين) 12/292. خليل بن قلاوون (الملك الاشرف) 1/474، 3/278، 300، 499، 4/4، 41، 124، 148، 217، 7/392، 10/170، 14/75، 424. خليل المالكي 1/ (552) . خليل الناصري (غرس الدين) 12/291. خمارويه بن أحمد بن طولون 2/ (504) ، 3/373، 384، 491، 4/169، 7/15، 8/134. خندف (امرأة الياس بن مضر) 14/152. خندف بنت حلوان بن عمران 1/400. الخنساء (الشاعرة) (تماضر بنت عمرو بن الحارث) 1/465، 2/ (304) ، 12/ (30) . الخنساء بنت عمرو بن الشريد 1/ (340) . خنشود (من ملوك القوط) 5/231. خواجا يونس 14/182. خوارزم شاه 4/311، 417. خوارزم شاه (هارون بن الطيطاشي) 4/469. الخوارزمي 1/ (557) ، 14/145، 280. خواديانوس (من ملوك الروم) 3/479. خورشيد بن ديار بن مأمنة 14/107، 109. خوندة بنت السلطان خدابندا 7/295. خيبر بن قانية 4/295. أم الخير بنت الحريش البارقية 1/296. ابن خيران (أحمد بن علي) 3/ (568) . خيران العامري 5/244. أبو خيرة 2/ (74) . - د- ابن دأب 6/208. داجية بن مخشميان 5/369. دادان بن رعما بن كوش 1/424. دادي بك (صاحب أنطاليا) 8/17. دارا (ملك الفرس) 6/230. دارا بن أردشير 3/475، 4/411. الدارقطني 1/ (545) . دارم بن الريان 3/473. الدامغاني (قاضي القضاة) 13/356. داميانو (بطرك) 5/299. دان بن يعقوب عليه السلام 13/267. الداني (أبو عمرو) 3/11. دانيال (النبي) 4/341، 13/268. داود بن براق 4/448. أبو داود 1/246، 545، 2/358، 444، (473) ، 6/211، 217، 14/9. داود (عم السفاح) 4/271، 301، 5/25. داود (عليه السلام) 1/261، 414،

488، 4/164، 13/262. ابن أبي داود (أبو بكر) 3/ (14) ، 11/201، 12/ (56) . داود الثاني (صاحب تفليس) 8/29. داود الخوري 12/294، 424. داود بن سليمان بن جعفر 14/102. داود الشيباني التركماني 4/233. أبو داود الطيالسي 2/ (499) . داود بن صلاح الدين يوسف 6/410. داود بن عمر بن يوسف (هزير الدين) 7/365. داود بن عيسى بن محمد بن أبي هاشم 4/272، 277، 308. داود بن عيسى بن موسى 14/102. داود بن القاسم بن عبيد الله (أبو هاشم) 4/303. داود بن لقلق (كيرلس) بطرك 5/307. داود بن محمود بن محمد بن ملكشاه 4/417. داود بن مروان بن الحكم 1/502. داود بن يزيد بن حاتم 5/116. داود بن يزيد المهلبي 3/489. داود بن يوحنا (ابن لقلق) (بطرك) 5/307. داود بن يوسف (الملك المؤيد هزبر الدين) 5/30. ابن الداية (بدر الدين حسن) 11/253. ابن الدباغ (أبو المطرف) 8/ (159) . أبو دبوس (ابن الأحمر) (محمد بن يوسف نصر) 5/251. دبوس (المولى الصاحب) 14/166. أبو دبوس بن أبي عبد الله 5/188. دثار بن جزيمة 5/43. الدجال 4/74، 104. دحية الكلبي 1/125، 4/160، 6/345. دخريس (بطرك) 5/305. دخشوش (ملك القوط) 5/230. درامتر بن براق 4/448. أبو درجان (محمد بن معدان) 3/ (18) . أبو الدرداء الأنصاري 3/373، 382. الدرزي (أبو محمد) 13/252. ابن درستويه 1/189. دركوس بن فلطوس 3/474. دركون بن بطلوس 3/474. درما بن عوف بن ثعلبة 4/220. ابن الدرهم الموصلي (علي) 14/378. ابن دريد 1/197، 356، 2/ (231) . دريد بن الصمة الجشمي 1/343، 393، 511، 14/ (209) . ابن الدريهم (علي بن محمد) 9/ (230) 231، 234، 237. دريوس بن الريان 3/473. دعبل الخزاعي (دعبل بن علي) 1/ (341) ، 2/ (300) . دعلج بن محمد 2/503.

ابن الدعماء 14/152. ابن الدغيدغة 14/413. ابن الدقاق 1/ (555) . دقاق بن تتش بن ألب أرسلان 4/171. دقلطيانوس (الملك) 2/410، 479. دقلطيانوس القبطي 6/228، 249. دقيانوس (من ملوك الروم) 3/479. أبو الدقيش الكلابي 1/ (364) . ابن دقيق العيد (تقي الدين) 1/ (272) ، 5/30، 12/ (365) . الدكالي (سعيد الدكالي الشيخ) 5/287. أبو دلامة 14/314. دلشاه (دلشاد) (زوج الشيخ حسن الكبير) 6/163، 7/314. ابن دلغادر التركماني 7/270. أبو دلف العجلي 2/ (476) ، 4/373. دلفتى بنت مأموم 3/472. دلنجي الأمير 7/281. دلوكة العجوز (ملكة مصر) 3/326، 363، 366، 474. ابن أبي الدم اليهودي 1/130. دماثة بن عبد العربي العبسي 14/102. الدمرجان دار (الأمير) 12/228. دمرخان بن قراشي 8/15. دمرداش بن جوبان 5/344، 7/338. دمرياق 4/483. الدمستق 5/378. دمشق (غلام) 4/95. دمشقش (غلام ذي القرنين) 4/95. دمنوسة (السلطان) 5/204. دمير خوان 1/399. دن جوان بن القمط 5/259. دندار (صاحب عيدلي) (أخو يونس) 8/13. دنقلة 5/267. دنوشيش بن شوظا 5/361. الدنيسري (شهاب الدين) 5/ (201) . أبو دهمان 6/260. الدورقي (أحمد بن ابراهيم) 3/ (54) . دوسطيانوس قيصر 5/365. دوشي خان 4/311. دولي (عبد النعمان بن المنذر) 4/143. دومريان قيصر 5/365. دون اتفونش 14/76. دون المان قراري 14/76. دون بيدرون 14/75. دون حاكم الريدارغون 14/75. دون شانجة 14/76. دون فراندة (صاحب قشتالة) 14/25، 26. دوناس بن تميم بن زيري (أبو العطاف) 5/183. دونوشيوش (بطرك) 5/297. دون ولزريك 14/ (75) . دوهيتوش 3/478.

- ذ -

ديدان (ملك) 8/29. ديدو (من ملوك الصين) 4/477. ديسقرس (بطرك) 5/298، 11/390، 13/281. ديسقرس الجديد (بطرك) 5/299. ديسقوريدوس 11/250. ديقلاديانوس قيصر 5/297، 370. ديمون ألمان 14/76. دينار بن أبي المهاجر (أبو المهاجر) 5/174. الدينوري (ابن قتيبة) 3/ (169) . - ذ- ذات النطاقين (اسماء بنت أبي بكر) 1/516. أبوذر الغفاري 1/404، 517، 3/10، 22، 382، 6/346، 10/144. ذروان بن كرمان بن منتشا 8/19. ذكا الأعور (أبو الحسن) 3/493. ذو الازعار (العبد بن ابرهة) 5/20. ذو الاصبع العدواني 1/461. ذو الاكتاف (سابور) 5/43، 13/298. ذو الثدية 1/515. ذو الثفنات 1/515. ذو جون (علي بن زيد بن الحارث) 5/23. ذو حمار (يدنو بن يدعيل) 5/43. ذو الرمة 2/ (182) ، 219، 288. ذو رياش (عامر بن باران) 5/19. ذو السيفين (أبو الهيثم بن التيهان) 1/516. ذو شدد بن عمرو بن قيس (ذو مراثد) 5/19. ذو شناتر (لخيعة بن ينوف) 5/23. ذو الشهادتين (خزيمة بن ثابت الانصاري) 1/515. ذو العمامة (أبو أحيحة) (سعيد بن العاص) 1/515. ذو عيل بن ذي قيقان 5/43. ذو العين (قتادة بن النعمان) 1/515. ذو القرنين 4/95، 394، 410، 5/229، 13/298. ذو القرنين (الصعب بن زمران) 5/19. ذو قيقان (علقمة بن مرثد) 5/43. ذو كراب (كريب بن نمر الأزج) 5/42. ذو الكلاع الحميري 6/345، 368. ذو مراثد (ذو شدد بن عمرو بن قيس) 5/19. ذو مران (مرثد بن كريب) 5/43. ذو المشعار 6/360. ذو معاهر (حسان بن تبان اسعد أبي كرب) 5/22. ذو الملك بن ودب 5/43. ذو المنار (مالك بن أبرهة) 5/ (10) ، 20. ذو نواس زرعة تبع بن تبان 5/23. ذو النون المصري (ثوبان بن إبراهيم الإخميمي) 3/ (455) ، 5/ (266) .

- ر -

ذو اليدين (عبيد بن عبدة بن عمرو الخزاعي) 1/515، 12/375. ذو يزن الحميري 1/488. أبو ذؤيب 2/ (495) . - ر- الرائش (الحارث بن ذي شدد) 5/20. ابن رائق (محمد) 4/416. راجح بن قتادة 4/277. الرازي (جلال الدين) (أبو بكر) 12/78، 368. الرازي (فخر الدين) 1/519، 5/217، 228، 11/ (373) ، 375، 14/260. الراشد بالله (أبو جعفر المنصور) 3/275. راشد الدين سنان البصري 13/ (247) . راشد بن سعد 17/128. راشد بن مانع 7/397. الراشد بن المسترشد 4/415. الراضي 1/505، 4/415. الراضي بالله العباسي (محمد بن طغج) 5/453. الراضي بن المعتمد بن عبّاد 5/249. الراضي بن المقتدر (أبو العباس أحمد بن المقتدر) 3/274، 289، 4/273. الراعي (شاعر) 1/ (340) ، 2/ (218) . الراغب الاصفهاني 11/ (304) . رافع بن خديج الانصاري 14/94. رافع بن مالك 3/15. الرافعي 1/ (550) ، 552، 2/ (54) ، 72، 4/420، 6/262، 324، 9/366، 367، 12/38. الرافعي (عبد الكريم بن محمد) 12/ (349) ، 363. راملش 5/363. الرئيس (الشيخ الرئيس ابن سينا) 11/ (373) ، 375. ربار بن شهر اكويا (أبو حرب) 14/22. ربولي بن يعقوب 13/267. أبو الربيع (قاضي القضاة) 5/32. الربيع بن أنس 2/513، 6/317. الربيع بن تغلب (أبو الفضل) 13/356. الربيع الجيزي 2/ (55) ، 3/ (449) . ربيع بن حدان 1/495. أبو الربيع بن أبي حفص 5/250. الربيع بن زياد الحارثي 1/453، 513. أبو الربيع بن سالم 14/ (28) . أبو الربيع سليمان المستكفي بالله) 3/279. الربيع بن سليمان المرادي 1/ (564) . الربيع بن عبد الله الحارثي 14/102. أبو الربيع محمد بن الليث 9/ (168) . أبو الربيع بن أبي يعقوب 5/192. الربيع بن يونس بن أبي فروة 1/ (310) . ربيعة بن أحمد بن طولون 3/376. ربيعة بن سالم بن شبيب 1/377. ربيعة بن شر حبيل 14/95.

ربيعة بن عبد الرحمن 3/ (157) . أبو ربيعة بن المغيرة 4/282. ربيعة بن مكدّم 1/447، 452، 14/ (272) . ربيعة بن نزار 1/382. ربيعة بن نزار بن معد 2/48. ربيعة بن نصر بن الحارث 5/22. ربيعة بن نصر بن أبي حارثة 5/22. رجاء بن روم 5/25. رجّار (صاحب صقلية) 5/385، 10/346. ابن رحاب 7/ (176) . رحبعم بن سليمان 3/475، 4/165. ابن أبي الرداد (أبو الرداد) (عبد الله بن عبد السلام) 3/ (327) ، 590، 591، 8/332، 14/ (304) . ردمير بن ادفونش 5/255. ردمير بن اردون 5/255. ردمير بن شانجة 5/255. ابن الرديني 14/54. رذريق (من ملوك القوط) 5/231. رزيك بن الصالح طلائع بن رزيك 10/ (334) . ابن رزين 1/ (553) ، 3/512. رستم بن الحسين بن حوشب النجار 13/243. رسول (والد علي) 5/29. أبو رشد بن حبشي 4/71. رشيد الدين (الأمير) 6/519، 14/181. رشيد (عبد أبي الجيش) 5/26. الرشيد (هارون) 1/502، 504، 2/16، 3/254، 269، 4/168، 272، 5/26، 6/299، 446، 9/370. رشيد بن مالك المزني (أبو عميرة) 3/374. الرشيد بن المأمون الاموي 9/308. الرشيد بن المهدي 4/333. ابن رشيق 1/344، 2/271، 435. رضوان (وزير الحافظ) 9/423. رضوان (صاحب حلب) 4/171. رضوان بن تتش السلجوقي 4/ (176) ، 178. رضوان الحاجب 5/253. رضوان بن ولخشي 1/ (474) ، 475، 8/263. الرضي بن عصام بن ماجكس 5/154. رعويل (رعويد) بن عيصو بن اسحاق 1/421، 423. ابن رفاعة 3/ (458) . رفاعة الدوسي 3/374. رفاعة بن رافع بن مالك الانصاري 14/94. رفاعة بن زيد الجذامي 13/323. رفاعة بن زيد الخزاعي 6/367. رفاييل (الشيخ الأمجد) بطرك 5/300، 308.

- ز -

ابن الرفعة 1/ (552) ، 12/441، 13/362. ابن أبي رقيبة (شمس الدين) 2/493، 3/143. رقيبة بن عمر بن موسى 4/215. أبو رقية (تميم الداري) 5/408. رقية بنت عبد الله بن عمرو 1/500. ركاوك (حسام الدين) 14/182. ركن الدولة بن بويه 4/416، 6/264. ركن الدين سليمان بن قليج ارسلان 5/341. أبو ركوة 1/394. الرماني 1/ (224) ، 225، 2/ (290) 304، 14/259. رمضان (من أئمة الاسماعيلية) 13/243. رملة بن جماز بن محمد 4/217. رميثة بن عمر بن موسى 7/206. رميثة بن محمد بن أبي سعيد الحسني 7/51. رميثة بن أبي نمي 4/278، 12/ (228) ، 13/ (344) . روبيل بن يعقوب (من اخوة يوسف) 3/308، 13/267. روح بن حاتم 5/ (116) ، 175. روح بن زنباع الجذامي 1/450. روصو ديما موند المحتشم 14/76. روم بن عيصو بن اسحاق 1/421. ابن الرومي 1/75، 319، 336، 521، 2/335، 436. روملش 5/363. رومي بن ابي دلف 7/397. رومي بن يونان بن علجان 1/421، 5/361. الروياني 1/ (551) . رويم بن العيص 5/362. رياح بن عثمان بن عبد المدان 4/301. رياح بن عثمان المري 4/301. ابن الرياش 14/314. الرياشي (الشاعر) 4/210. ابن ريان (بهاء الدين) 12/383. ريان الخادم 4/170. الريان بن الوليد بن دومع 3/473. أبو الريحان البيروني 1/ (556) ، 3/262، 4/341، 5/ (8) ، 62، 14/260. ريحان الكتامي 5/177. ريدا فرنس 5/261، 8/39. ابن ريشة (علم الدين) 11/ (352) . - ز- زادان فروخ 1/482. زاري بن زيري بن مياد الصنهاجي 5/242، 248. زاقف (أحمد بن محمد بن حفص) 3/ (18) . زامل الثاني 8/4. زامل بن عبيد بن محفوظ العقيسي 7/207. زامل بن عبيد العنبسي 4/221.

زامل بن علي بن حديثة 4/211. زامل بن موسى بن عيسى 4/214، 215. زامل بن موسى بن مهنا 7/205. الزباء 1/528، 4/324. الزبرقان بن بدر التميمي 1/ (340) ، 343، (428) . أبو زبيد 1/ (460) . زبيدة 6/280. زبيدة بنت جعفر بن المنصور الهاشمية 1/ (97) ، 501. ابن الزبير 4/257، 299، 5/25. الزبير بن بكار 1/ (73) . الزبير بن عبد المطلب 1/413. الزبير بن العوام 1/125، 126، 410، 3/372، 382، 482، 6/279، 324، 9/284، 369، 13/112، 113. أبو الزبير بن المتوكل 3/271. الزبيري (عبد الله بن مصعب) 13/214. الزجاج 1/ (545) ، 2/ (179) ، 13/267. الزجاجي (أبو إسحاق) 6/235. الزجاجي (أبو القاسم) (يوسف بن عبد الله) ، 3/513، 4/ (86) ، 92، 290. زرادشت 2/453، 4/360، 411، 13/294، 295، 299. ابن أبي زرع 5/184. أم زرع 2/11، 252. زرعة تبع بن تيان 5/23. ابن أبي زرعة الدمشقي 1/ (341) . أبو زرعة المقداد بن معدي كرب 5/408. زرعة بن نسطورس (الشافي) 3/ (562) . الزرقاء بنت عدي بن قيس الهمدانية 1/299. زرقاء اليمامة 1/ (494) ، 516، 5/ (57) ، 14/314. زريق بن عوف بن ثعلبة 4/220. زعازع المريسي 11/ (200، 201) . زغر بن لوط 4/163. زفر بن الحارث 1/450. زفر بن عاصم 4/301. زفر بن الهذيل بن قيس العنبري 12/ (77) . زكريا (صاحب قراصار) 8/17. زكريا بن أحمد بن محمد اللحياني (أبو يحيى) 5/125. أبو زكريا بن إسحاق (الأمير) 8/156. أبو زكريا بن شرف بن مزي النووي 14/372. زكريا بن عبد الحق (أبو يحيى) 5/190. زكريا بن مرقيا 3/ (383) . ابن الزكي 6/165. زكي الدين بن أبي الأصبع 2/210، 216. زلفة بنت مأموم 3/472. الزمخشري 1/208، 519، (540) ، 2/40، 74، 89، 440، 453،

3/368، 4/453، 5/20، 450، 464، 468، 6/224، 358، 12/368. زمعة بن الأسود بن المطلب 1/ (515) . ابن الزملكاني (كمال الدين محمد) 5/50. زميل بن عمرو السكسكي 14/95. زنكي (صاحب الموصل) 11/165. زنكي بن اقسنقر 8/142. زنكي كشتكين 7/113. زنكي كشتكين 7/113. الزهراء (فاطمة) 11/163. ابن زهر 2/ (92) . زهرة بن كلاب بن كعب 1/511. الزهري 2/515، 4/225، 6/212، 13/128، 212. زهير بن ابي سلمى 1/145، 310، 339، 2/211، 238، 14/197. بنت زهير بن أبي سلمى 14/197. زهير بن أقيش 13/328. زهير العامري (عميد الدولة) (أبو القاسم) 5/244. زهير بن قيس 1/398. زهير بن قيس البلوي 5/113، 174. زوبن طهماسب (من ملوك فارس) 4/410. زور بن الضحاك 4/367. ابن الزيات 2/ (482) ، 3/18. زياد بن إبراهيم بن محمد 5/26. زياد بن أبيه 1/207، 260، 473، 482، 486، 2/324، 3/513، 13/234. زياد بن أبي سفيان 6/342. زياد بن شهر اكويه (أبو حرب) 7/110، 111، 8/350، 351. زياد بن عبد الله بن عبد الدار الحارثي 4/271. زياد بن عبد الله بن عبد المدان 5/44. زياد بن فائد 13/ (125) . زياد بن أبي هند 13/125. زيادة الله (أبو مضر) 5/118. زيادة الله بن إبراهيم 5/117. زيادة الله الاصغر بن إبراهيم 5/117. زيادة الله بن الأغلب 5/ (97) . زيان أبو جميل الأمير 8/ (156) . أبو زيان بن أبي حمو 5/197، 7/412. زيان بن مدافع 7/ (37) . أبو زيد 2/501، 6/541. ابن أبي زيد 1/ (553) . زيد بن أسلم 4/255، 13/114. زيد بن ثابت 1/126، 202، 204، 517، 2/515، 3/15، (43) ، 168، 4/74، 283، 6/212. أبو زيد بن حارثة (مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم) 1/368. زيد بن حارثة 9/369. أبو زيد بن أبي حفص 5/250. زيد الخيل الطائي 1/339، 372.

أبو زيد الداراري 13/3. زيد بن زين العابدين 9/ (165) . أبو زيد السروجي 1/ (87) . زيد بن شمر بن مرعش 5/22. أبو زيد بن أبي علي 5/123. أبو زيد عبد الملك الغريضي 6/541. زيد بن علي بن الحسين السبط 17/230، 231. زيد بن عمرو بن ذي المشعار 5/22. أبو زيد الفازازي 8/ (153) ، 155، 161، 313. زيد بن أبي قحافة 3/192. زيد بن كهلان 1/370. زيد بن مانع 7/397. زيد بن منبه 1/304. زيد بن منصور الحميري 3/ (487) . زيد بن مهلهل 1/528. ابن زيدون 1/ (519) . زيرك 14/182. أبو زيري 5/240. زيري بن عطية بن عبد الله 5/179. زيري بن مياد 5/163. الزيلعي (عبد الله الشيخ) 5/311. الزيلعي (عبد المؤمن الشيخ) 5/310. زينب بنت الإبرى 3/ (19) . زينب بنت جحش (زوج النبي صلّى الله عليه وسلم) 1/495. ابن زينب احمد بن إسماعيل 3/488. زينب بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب 1/500. الزينبي (علي بن الحسين) قاضي القضاة 10/ (273) . زين الدين الآثاري (شعبان) 1/ (346) ، 2/512، 3/ (20) ، 29، 47، 56، 105، 128، 141. زين الدين أبو بكر بن العجلي 1/ (226) . زين الدين خضر (القاضي) 7/294. زين الدين بن الخضر 11/226. زين الدين الرافعي 12/ (69) . زين الدين رمضان (حاكم القرم) 7/327. زين الدين صدقة السيفي 14/361. زين الدين طاهر 8/7. زين الدين عبد الرحمن بن الصائغ 3/103، 105. زين الدين عمر البلقيني 12/375. زين الدين عمر الصفدي 14/311. زين الدين عمر بن مسافر 4/468. زين بن قاسم 7/397. زين الدين كتبغا 13/96. زين الدين المصري 1/ (563) . زين العابدين بن الحسين (السجاد) 13/231، 232. زينون قيصر 5/373. ابن الزيني (خضر) (زين الدين خضر) 7/294.

- س -

- س- سابق الدين جعبر القشيري 4/143. سابق بن محمود 4/176. سابور (ملك الفرس) 1/ (74) . سابور بن أردشير بن بابك 4/328، 412، 5/368، 13/298، 14/ (110) . سابور بن أشغان 4/412. سابور ذو الاكتاف 1/506، 5/ (43) ، 370، 13/298. سابور بن سابور 4/413. سابور بن هرمز 4/413. سابونين (بطرك) 5/305. ساجي بن نمر 5/43. سارة 3/305. ساسان بن أردشير بهمن 4/412، 5/451، 6/ (37) . ساسانوس 3/478. ابن الساعاتي 1/ (342) ، 345، (549) ، 3/453، 12/ (354) . ساكبورة (من ملوك السودان) 5/282. سالم (مولى هشام بن عبد الملك) 1/69. أبو سالم بن أبي الحسن المريني السلطان 5/253. سالم الدلكري 7/305. سالم بن سوادة التميمي 3/ (487) . سالم بن قاسم 4/304. سالم بن القلاقسي 12/390. سالوسو (بطرك) 5/303. سالوك بن نوباذ شاه 7/294. سالم بن نوح 4/81، 5/37. السامري 13/270. ساهر بنت فيروز يزدجرد 1/500. الساوي 1/ (542) . سبأ بن يعرب 14/223. سباع بن عرفطة الغفاري 3/374. سبع بن زيد الحميري 14/95. السبكي (تاج الدين) 7/203. السبكي (تقي الدين) 7/ (202) ، 11/ (85) . سبكتكين 4/446. الست حدق 7/183. ست الملك (اخت الحاكم الفاطي) 4/39. سجاح التميمية 1/401، 494. سحبان وائل 1/224، 271، 517، 11/ (360) ، 12/188. 440، 14/228، 229، 279. السحرتي 1/ (556) . السدي 13/267. سراج الدولة بن محمد بن عباد 5/241. سراج الدين (أخو حسام الدين) 14/182. سراج الدين إسماعيل بن جاجا 14/182. سراج الدين البلقيني 3/ (302) . سراج الدين بن الملقن 1/ (547) . سراج الدين الهندي الحنفي 5/72، 81،

86، 93، 94، 7/389. السراي (المقر البدري محمود الكلستاني) 9/23. سرجون بن منصور الرومي 1/69. سرطلق 14/182. سرقلان الاذفونشي 8/36. سركدة 14/182. السرمري 3/39، 44، 142. السري بن الحكم 3/489. السري بن عبد الله بن الحارث بن عباس 4/271، 272. السري بن مصرف 13/356. السري الموصلي 1/ (342) . ابن سريج 1/ (556) . سطيانوس قيصر 5/376. سطيح الكاهن 1/ (455) . أبو السعادات بن الأثير 1/ (547) ، 3/ (367) ، 9/281، 14/412. سعادة بن حيان 3/398. ابن سعد (محمد) 6/211. أبو سعد (الحسن بن علي بن قتادة) 4/278. ابن سعد (أبو الحسين) 8/256. سعد بن أياس بن حرام 1/386. سعد بن زرارة الأنصاري 2/390. سعد بن سامة بن عنبس 1/386. سعد بن سعيد 3/ (14) . سعد بن عبادة الأنصاري 1/244، 355، 454، 515، 5/251، (407) ، 6/48، 9/283، 13/233. سعد العشيرة 1/378. سعد بن لقمان بن عاد 4/95. سعد بن مالك بن أفصى 1/386. سعد بن مالك بن حرام 1/386. سعد بن مالك بن عامر الاشعري 6/279. سعد بن محمد (أبو الفرج) 8/143. سعد بن محمد (أبو القاسم) 7/109، 8/ (350) . سعد بن معاذ 1/372، 10/ (57) ، 13/115. سعد بن مغامس 7/397. سعد بن أبي وقاص 1/409، 3/265، 373، 9/284، 369، 11/ (69) ، 13/113. سعد الدولة ابو المعالي شريف 4/174. سعد الدين (السلطان) 5/321. سعد الدين التفتزاني 1/ (542) ، 2/ (240) ، 278، 292. سعد الدين بن غراب الكلوتة (القاضي) 11/86. سعد الملك بن قريش 4/37. ابن سعدان (أبو عبد الله) (الحسن) 8/145. ابن سعيد 1/ (197) ، 395، 368، 376، 421، 2/ (104) ، 3/ (239) ، 247، 250، 254، 4/ (102) ، 111، 132، 143،

161، 256، 264، 295، 328، 353، 355، 363، 386، 458، 477، 5/ (12) ، 14، 38، 57، 61، 68، 100، 102، 105، 135، 139، 151، 156، 159، 164، 166، 206، 212، 216، 220، 266، 270، 312، 329، 333، 340، 384، 6/83، 7/10، 8/ (50) ، 13/240، 14/436. أبو سعيد (الظاهر برقوق) 8/81. أبو سعيد (صاحب ايران) 1/ (49) ، 5/344، 6/130، 7/249، 287، 10/192. سعيد الأحول بن نجاح 5/26. أبو سعيد الاصطخري 4/ (348) . سعيد بن بحدل 1/450. سعيد بن بحري العنبسي 4/241. سعيد بن أبي بردة 14/96. أبو سعيد برقوق بن أنص العثماني 6/ (34) . السعيد بركة 1/506. أبو سعيد البصري 1/ (206) . أبو سعيد بهادرخان بن خدانبدا 4/473، 7/250. أبو سعيد التستري 3/ (561) . سعيد بن جبير (الامام) 2/159، 513، 6/211، 212. سعيد بن الحارث بن الحكم 1/502. أبو سعيد بن حسين بن منصور (انظر الآبي) . سعيد بن حميد (الكاتب) 2/ (233) ، 351، 358، 448، 3/ (156) ، 9/ (218) . أبو سعيد بن خدابندا 4/419. سعيد الدكالي (الشيخ) 5/271، 272، 276، 280، 287. سعيد بن ريان (عماد الدين) 12/163. سعيد بن زرارة 3/15. سعيد بن زيد 1/407، 13/113. سعيد السعداء (قنبر) 3/417. أبو سعيد بن الشيخ أبي حفص 5/122. سعيد بن العاص (أبو أحيحة) 1/ (65) ، 306، 514، 515، 4/299. سعيد بن عبد الرحمن بن حسان 1/499. سعيد بن عبد العزيز 5/195، 6/317. أم سعيد بنت عبد الله بن عمرو 1/500. أبو سعيد بن عبد المؤمن 5/250. سعيد بن عثمان بن عفان 1/303. أبو سعيد العلاء بن موصلايا 6/ (391) . أبو سعيد العميدي 1/130. السعيد بن أبي عنان 5/194. أبو سعيد الفرغاني 4/ (432) . سعيد بن قيس الهمداني 14/64. أبو سعيد 7/275، 338. السعيد بن المأمون 5/191. سعيد المردغاني 1/157.

سعيد بن المسيب 1/319، 408، 4/ (31) ، 6/212، 13/212. سعيد بن معدي 7/397. ابن سعيد المغربي 3/ (292) ، 315، 367، 393، 406، 448. سعيد بن نجران الهمداني 1/126. سعيد بن نجري بن حسن العقيسي 7/207. سعيد بن وهب (أبو عثمان) 2/ (223) . سعيد بن يزيد بن علقمة 3/483. السفاح (أبو العباس عبد الله) 1/137، 504، 3/16، 268، 269، 375، 486، 4/271، 301، 5/25، 6/341. سفلاروس (ملك الروم) 14/21. أبو سفيان بن أمية 3/14. سفيان الثوري 6/211، 318، 13/356. أبو سفيان بن حرب 1/126، 439، 455، 510، 3/14. سفيان بن عيينة 6/ (15) . سفينة (مولى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)) 2/ (71) . سقراط 5/359، 11/250، 13/300. سقمان (عم علي بن ارتق) 4/319. السكاسك بن أشرس بن كندة 1/417. السكاسكي 2/ (291) . ابن سكرة 2/ (442) . السكسك بن وائل 5/18. سكلوشا 1/ (556) . سكوت البرغوطي 5/155. ابن السكيت 1/ (539) ، 6/11، 30، 98، 111، 14/219. ابن السلار 13/246، 247، 251. سلار (الأمير) 13/377. سلامش (نائب التتار) 7/370. سلامش (الملك العادل) 3/499، 5/344. سلامة ذو فائش الحميري 1/437. السلايحي (أبو عبد الله) 5/150، 152، 172. سلجوق بن دقاق 4/417. سلطان الدولة أبو شجاع 4/416. سلطان شاه (صاحب فيلبس) 7/309. سلطان شاه بن رضوان 4/176. سلطان شاه محمود 4/469. سلم الخاسر 1/ (341) . سلمان الفارسي 1/202، 4/344، 10/88، 13/253. سلمة بن حارث بن عمرو 1/447. أبو سلمة الخلال (حفص بن سليمان الخلال) 3/ (295) ، 5/415. أبو سلمة المخزومي 1/126. سلمة بن هشام 1/408. أم سلمى (زوج النبي (صلى الله عليه وسلم)) 2/394، 3/373، 4/288. سليط بن عمرو 1/125، 6/345.

السليطي 5/257. السليك بن السلكة 1/ (343) ، 516، 528. سليم بن محمد بن مصال 10/ (382) . سليمان (عليه السلام) 1/480، 2/89، 3/3، 11، 4/118، 165، 5/20، 21، 6/214، 10/65، 13/168، 300، 14/281. سليمان (الأمير) 7/335. ابن سليمان (أبو العلاء المعري) 9/ (28) . سليمان بن أرتق 4/177. سليمان باشاه (صاحب قسطمونية) 8/14. سليمان البرواناه (معين الدين) 14/179، 180. سليمان بن جعفر بن سليمان 14/102. سليمان جلبي بن أبو يزيد 5/349، 8/15. سليمان بن الحاكم بامر الله (المستكفي بالله) 6/410. سليمان بن الحكم الأموي (المستعين) 5/154، 236. سليمان بن خلف الباجي 1/ (72) . سليمان بن داود 1/68، 2/495، 4/86، 105، 321، 12/116. سليمان بن داود بن الحسن المثنى 4/272. سليمان بن ربيعة 2/ (22) . سليمان بن سعيد المري 1/482، 3/13. سليمان بن سهل بن عمران (أبو المنجى) 10/365. سليمان شاه بن محمد بن ملكشاه 4/417، 419، 5/346. سليمان بن شاهنشاه بن المظفر 5/29. سليمان بن عبد الجبار بن الأرتق 4/177. سليمان بن عبد الله بن الأصم 14/102. سليمان بن عبد الله بن حسن 5/131، 178. سليمان بن عبد الملك 1/264، 500، 503، 3/267، 327، 484، 4/103، 271، 300، 415، 5/113، 234، 9/370، 376، 378. سليمان بن عمرو الخزاعي 4/268. سليمان بن غالب 3/489. سليمان بن قطلمش 5/340. سليمان بن قليج ارسلان 5/380. سليمان بن المأمون 1/501. سليمان بن مشكيان 5/247. سليمان بن محمد بن الصدر سليمان (أبو الربيع) 5/32، 34. سليمان بن محمد بن هود (أبو ايوب) 5/246. سليمان بن المنصور 1/501. سليمان بن مهنا 4/238. سليمان بن هارون الرشيد 14/102. سليمان بن وهب 9/ (167) . سليمان بن يحيى بن الحكم 1/502. سليمان بن يزيد 5/525.

سماك بن هانيء 6/327. السمح بن مالك الخولاني 5/234. السمرقندي 1/ (548) . سمرة بن كامل العامري 8/3. سمرة بن مالك 7/177. ابن السمسماني (محمد) 3/ (19) . سمعان (شمعون من الحواريين) 6/91، 13/274. سمعان القناني الحواري 13/275. سمعان الكاهن 2/455. ابن السمعاني 2/ (82) ، 87. السمعاني 3/339، 456، 4/118، 126، 323، 366، 454. سمكو (المنتصر) 5/162. سمكو بن واسول بن مصلان (أبو القاسم) 5/160. السموأل بن عاديا 1/339، 2/230، 295، 4/295، 14/293. السموأل بن يحيى المغربي 1/ (565) ، 566، 14/260. السميدع 4/267. سميرة بن مالك 4/10. سمير اليهودي 1/ (484) ، 2/155. ابن سناء الملك 1/ (342) ، 2/ (269) ، 270، 14/284. ابن سنان 2/ (277) . سنان بن انس النخعي 13/234. سنان البصري 1/157. سنان بنت جشيمة بن خرشة المذحجية 1/305. سنان بن سلمان بن محمد (راشد الدين) 13/ (247) . سنجر السلجوتي (السلطان) 3/ (291) ، 7/ (90) . سنجر علم الدين الأمير 14/42. سنجر بن ملكشاه 4/446، 469، 6/ (408) ، 441. سندمرقان بن طولي بن جنكيزخان 4/483. السندري 1/ (437) ، 441. سنقر (صاحب سياح) 7/310. سنقر الاشقر (شمس الدين) 14/170. سنقر البكتوتي 13/183. سنقرحاه الروناسي 14/ (182) . سنقر شمس الدين 8/126، 127، 128. ابن السندي 2/ (39) ، 43، 50. السّنمّار 14/ (277) . ابن السنّي 5/404. السهروردي (إبراهيم الدهشوري) 2/383. ابن سهل (أبو بوران) 14/347. سهل بن حنيف الانصاري 14/94. سهل بن عمرو 1/510. أبو سهل الكوهي 1/ (559) . سهل بن هارون 1/101، 127، 529، 2/477، 14/204. سهلوق بن شرناق 3/469.

سهيل بن عبد الرحمن بن عوف 1/411. سهيل بن عمرو 1/348، 406، 510، 14/6، 7. أبو سهيل المسيحي 1/555. السهيلي 1/ (367) ، 390، 2/390، 425، 3/ (13) ، (473) ، 4/291، 5/ (10) ، (20) ، 450، 6/346. سوار بن المضرّس 2/434. سودون 7/345. سودون شمس الدين 8/127، 128. سودون بن الطرنطاي 12/ (388) . سورمش التاجر (الملك) 8/125. سوريانوس قيصر 5/367. سوريد بن سلهوق 3/361، 469. سوريدين (باني الاهرام) 3/469. سوريس (بطرك) 5/298. سولي بنت شمس الدين الخطيب 14/361. سونج (أمير تركماني) 5/345. سونوج بن توري بن طغتكين 4/178. سويرس (بطرك انطاكية) 13/281. ابن أبي السيّار (المعافي) 2/514. سيبويه 1/ (212) ، 518، 2/389، 3/21، (199) ، 5/9، 424، 11/246، 12/368، 14/259، 306. ابن السيد 3/ (211) ، 218. سيدتيم (أبو بكر الصديق) 12/ (56) . السيد الحميري 2/ (235) . ابن سيد الناس 1/ (545) ، 14/ (299) . ابن سيده (اللغوي) 1/ (187) ، 512، 543، 2/ (61) . 78، 5/20، 450، 14/259. ابن سيرين 1/ (309) ، 513، 517، 6/212، 11/184، 12/111. سيف (من عقب جماز) 4/305. السيف الآمدي 1/ (520) . سيف الإسلام بن أيوب (صاحب اليمن) 5/28، 47. سيف بن ذي يزن القرشي 1/358، 492، 5/24، (269) ، 7/ (360) ، 8/6. سيف بن فضل 4/214، 215. سيف الدولة بن حمدان (الحمداني) 1/337، 2/238، 4/169، 5/416، 455، 6/161، 9/ (81) ، 14/161، (346) . سيف الدولة صدقة 4/338. سيف الدين (ابن أخي ودي بن جماز) 12/241. سيف الدين ألجاي الدوادار الناصري 14/379. سيف الدين أيتمش 12/216. سيف الدين باسطي (الأمير) 13/106. سيف الدين أبو بكر (الملك الكامل) 4/321.

- ش -

سيف الدين بكتمر 11/147. سيف الدين الترجمان 8/125. سيف الدين توران شاه (الملك المعظم) 4/321. سيف الدين تنكز الناصري 12/ (14) . سيف الدين الجاليش 14/175. سيف الدين الجاويش 14/182. سيف الدين سنقرحاه الروناسي 14/182. سيف الدين سودون 8/127. سيف الدين بن سيف الحسناتي 4/374. سيف الدين علي 5/30. سيف الدين غازي بن عماد الدين زنكي 4/4. سيف الدين غرلو العادلي 12/6. سيف الدين قبجق 10/186. سيف الدين قطلقتمش السلحدار الناصري 12/ (202) . سيف الدين قلاوون الصالحي 9/ (428) ، 10/62، 14/85، 341. بنت سيف الدين قلاوون الصالحي 14/341. سيف الدين قوجي (صاحب قلعة الحنفاء) 8/19. سيف الدين كجكيا الجاشنكير 14/181. سيف الدين منكلي بغا 11/207. سيف الله (خالد بن الوليد) 1/516. سيمامون 5/267. سيماون (بطرك) 5/303. سيمون السرياني (بطرك) 5/301. ابن سينا 1/520، 11/251، 14/260. سيوارس (من ملوك الروم) 3/479. سيوس بن القس أبي المكارم 5/307. - ش- شادي (صاحب حمص) 4/119، 179. الشارمساحي 1/ (553) . ابن شاس 1/ (553) . الشاطبي 3/ (146) ، 5/223، 12/418، 14/259. ابن الشاطر (علاء الدين) 3/260، 6/225. شافع بن عبد الظاهر (ناصر الدين) 2/511. شافع بن علي بن عباس 7/ (258) . الشافعي (الامام) 1/ (94) ، 320، 412، 478، 518، 2/96، 161، 196، 3/260، 387، 449، 4/36، 392، 5/408، 6/ (216) ، 274، 11/227، 12/182، 363، 365، 13/116، 120، 212، 362، 14/9، 259، 364، 375. الشافي (زرعة بن نسطورس) 3/ (562) . شاكر (علم الدين) 11/355. شانا بن يحيى بن صولات 1/416.

شانجة بن ادفونش 5/255. شانجة بن اردون 5/255. شانجة بن غرسية 5/256. شانجة بن هرانده 5/258. شاه شجاع (صاحب شيراز) 7/301. شاه ملك بن علي 4/469. شاهر بنت فيروز بن يزدجرد 1/498. شاور السعدي (وزير العاضد) 1/386، 392، 3/378، 417، 10/319. ابن شاور السعدي 10/327. شاور بن سنان 4/218. شاوس بن قيس (طالوت) 4/164. شاول (بولس الرسول) 13/275. شاويرش (بطرك انطاكية) 13/281. شبا بن رعما بن كوش 1/422. ابن شبرمة 3/361. ابن شيل 2/436. شبل الدولة نصر بن صالح 4/175. شبلون بن أور 5/255. شبة بن عقال التيمي 1/310. الشبلي (محمد بن عبد الله) 12/ (350) . شبيب بن البرصاء 14/152. شتنلة (من ملوك القوط) 5/231. أبو شجاع (سلطان الدولة) 4/416. أبو شجاع بن أسلم 1/ (563) . أبو شجاع بن ركن الدولة 14/106. شجاع بن شاور (الكامل) 3/599. شجاع بن وهب الأسدي 6/345. شجاع الدين خضر بن عيسى الشهري 7/311. شجاع الدين عبد الرحمن الخوارزمي الترجمان 4/465، 474. شجاع الدين بن نجم الدين خضر 7/307. شجرة الدر (أم خليل) 1/506، 3/ (497) ، 5/ (390) . الشداخ الليثي 1/ (403) . شداد بن بداد بن هداد 5/17. شداد بن عاد 3/361، 471، 5/17. شداد بن عديم 3/433. شديد (مولى أبي بكر الصديق) 5/422. شديد بن عاد 5/17. الشذوري 1/ (558) . شراحيل بن الحارث بن عمرو 1/447. شر حبيل بن حسنة 1/126، 13/126. شرحبيل بن يعقوب الخزرجي 1/293. شرف الدولة (أبو الفوارس) 14/105. شرف الدين احمد 7/276، 279. شرف الدين بن الشهاب محمود 1/132. شرف الدين عبد الوهاب بن أبي الطيب 6/142. شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله 1/131، 14/121. شرف الدين بن عمرون 12/369، 393. شرف الدين عيسى الزواوي 5/140، 141.

شرف الدين بن الفائزي 3/391. شرف الدين قاسم 13/48. شرف الدين قيران العلائي 14/167. شرف الدين محمود بن عز الدين بن عبد السلام 3/28. شرف الدين محمد بن علاء الدين الجوجري 11/ (334) . شرف الدين محمود بن صالح 7/290. شرف الدين مسعود 12/ (48) . شرقي بن قطامي 3/ (12) . شرم بن أفريدون (من ملوك فارس) 4/410. شرناق بن فرسيدون 3/469. شروان بن قباذ 13/299. شريح بن الاحوص 1/442. شريح بن الحارث الكندي 1/509. شريح الحارثي 5/408. شريح القاضي 12/ (49) . الشريشي (احمد بن عبد المؤمن) 5/ (218) . شريف (شيخ النمانمة) 8/4. الشريف الادريسي 3/238، 239، 256، 258، 4/ (158) ، 5/13، 383. الشريف الحراني 4/ (303) . الشريف الرضي 1/71. شريف ابو المعالي (سعد الدولة) 4/174. شريك بن سمي الغطيفي 3/368. ششناوش (من ملوك القوط) 5/231. ششيوط (من ملوك القوط) 5/231. شطي بن عتبة 4/248. شطي بن عمر (بدر الدين) 12/ (131) . ابن شعبان 4/175. شعباب الآثاري 1/542، (543) ، 2/512، 3/ (20) ، 29، 56، 61. شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون (الملك الأشرف 1/133، 172، 506، 2/153، 3/280، 399، 416، 502، 507، 4/14، 41، 139، 186، 194، 6/163، (182) ، 7/168، 184، 199، 235، 265، 415، 8/33، 108، 206، 11/ (355) ، 407، 13/ (167) ، 170، 349. شعبان بن قلاوون 4/214. شعبان بن محمد بن داود الآثاري (انظر شعبان الآثاري) . شعبان الكامل 1/133. شعبة بن الحجاج 2/ (472) . شعيب (عليه السلام) 2/155، 393، 3/24، 444، 4/165، 13/263. شعيب (الشيخ) 5/105، 167. شعيب بن أبي الأشعث 6/213. الشعبي 2/ (234) ، 358. شقير بن جرجي 4/71. شكر بن الحسن بن علي الحسني 4/266. شكر بن أبي الفتوح السليماني 4/274.

ابن شلبون (أبو الحسن) 8/ (157) . الشماخ بن ضرار 1/ (339) ، (344) ، 2/ (288) . شمر بن ذي الجوش 13/238. شمر بن مالك 5/21. شمر مرعش بن مالك 5/21. شمر بن ناشر بن عمرو (ذو الازعار) 5/21. ابن شمس الخلافة 1/ (342) . شمس الدولة الأيوبي (توران شاه بن أيوب) 3/402. شمس الدين (الوزير) 7/313. شمس الدين (السيد الشريف) 11/367. شمس الدين (صاحب ماردين) 9/ (105) . شمس الدين الاصفهاني 1/ (549) ، 4/309، 312، 406، 407، 418، 476. شمس الدين بن الاكفاني 3/ (6) . شمس الدين الانصاري 2/159. شمس الدين الباخرزي 4/313. شمس الدين بن البرهان الجعبري 12/419. شمس الدين بن بهاء الدين 7/310. شمس الدين بن البيليق 7/308. شمس الدين الجزري 7/347. شمس الدين بن الخطيب 12/374. شمس الدين الخطيب 13/86، 14/359. شمس الدين داود 4/320. شمس الدين بن أبي رقيبة 2/493، 3/20. شمس الدين سنقر البكتوتي (المساح) 8/126، 127، 13/183. شمس الدين صالح 4/320، 7/289. شمس الدين الطوطي 6/156، 7/313. شمس الدين عبد اللطيف (الصدر) 5/347. شمس الدين العثماني 4/ (86) ، (154) . شمس الدين العمري 9/181. شمس الدين بن القاضي 12/456. شمس الدين قراسنقر 12/147. شمس الدين بن القيسراني 10/58، 11/340. شمس الدين بن اللبان 3/389. شمس الدين محمد بن أحمد الدفري 11/235. شمس الدين محمد الاخنائي 12/ (358) . شمس الدين محمد الإمام 12/443. شمس الدين محمد بن سعد الدمشقي 3/363. شمس الدين محمد بن علي الزفتاوي 3/20. شمس الدين محمد بن عماد الدين 4/37. شمس الدين المقسي 3/399، 8/234، 322. شمس الدين موسى بن عبد الوهاب 11/310.

شمس الدين بن نباتة 1/505. شمس الدين بن النخجواني 11/365. شمس الدين النصير (متولي الإسكندرية) 11/40. شمس الدين يوسف بن عمر بن علي 5/29. شمعون الحبيس 5/372. شمعون بن يعقوب 13/262، 267. شمعون الصفا (بطرس الرسول) 6/90. شمكير بن زنار 6/399. شمويل 13/562. شميلة (زوج عباس) 1/494. الشنفرى 1/ (343) ، 2/ (206) ، 14/295. ابن شهاب 6/232. ابن الشهاب (محمود) 12/445. شهاب بن شريح بن الاحوص 1/482. شهاب الدين (كاتب الدرج السيد الشريف) 11/288، 420، 424، 12/18، 96، 221، 13/180، 326. شهاب الدين (القاضي) 7/296. شهاب الدين بن أغلبك 14/116. الشهاب بن بدر الدين 4/378. شهاب الدين أحمد الانصاري 11/247. شهاب الدين ابن بنت الأعز 2/508. شهاب الدين بولاقي 12/304. شهاب الدين أبو الثناء محمود بن سلمان الحلبي 14/ (327) . شهاب الدين الجاكي 12/459. شهاب الدين بن حاجي 12/73. شهاب الدين الحارمي 4/179. شهاب الدين الحجازي 12/332. شهاب الدين بن أبي حجلة 14/ (314) . شهاب الدين الحكيم 11/374. شهاب الدين بن الخضر 7/313. شهاب الدين الدنيسري 9/ (201) . شهاب الدين بن سام بن الحسين 4/447. شهاب الدين السمين 1/ (540) . شهاب الدين بن الصفدي 7/303. شهاب الدين بن أبي الطيب 6/143. شهاب الدين عمر بن عبد الله بن صالح (أبو حفص) 4/37. شهاب الدين غازي (الملك العادل) 4/321. شهاب الدين بن غانم 5/51. شهاب الدين الغوري 2/121، 5/84. شهاب الدين بن الفارقي 4/110، 6/127، 131. شهاب الدين بن فضل الله 1/355، 3/51، 5/251، 452، 467، 6/ (47) ، 76، 8/29، 10/115. شهاب الدين بن القرشي (أحمد) 13/345. شهاب الدين بن المجد عبد الله 12/40. شهاب الدين محمود بن توري 4/171. شهاب الدين محمود الحلبي 1/ (84) ،

181، 222، 238، 329، 336، 354، 2/310، 365، 4/216، 5/344، 6/ (138) ، 215، 267، 305، 7/370، 8/ (172) ، 251، 259، 300، 307، 388، 9/ (18) ، 27، 30، 39، 46، 47، 56، 59، 71، 84، 93، 136، 164، 195، 267، 375، 10/ (44) ، 52، 11/73، 133، 219، 240، 255، 260، 273، 322، 324، 374، 12/6، 10، 15، 51، 69، 93، 97، 119، 141، 147، 202، 216، 259، 13/25، 14/274. شهاب الدين ناظر الصحبة 11/324. شهاب الدين بن أبي النور 12/378. شهدة (ابنة الإبري) (زينب) 3/ (19) 14/ (370) . شهر بن باذان 5/24، 44. الشهرستاني 13/229، 236، 240، 253، 257، 275، 279، 283، 296، 300. شهريران بن أردشير 4/414. ابن الشهيد 8/93. ابن الشهيد فتح الدين (محمد) 12/ (89) . شوظا بن ابرياطش 5/361. ابن أبي شيبة 1/ (83) ، (545) . شيبان بن أحمد بن طولون 3/492. الشيباني (ابراهيم بن محمد) 6/211. شيبة بن عثمان الحلبي 4/288. شيبة بن عثمان بن أبي طلحة 12/ (356) . ابن شيث (جمال الدين) (عبد الرحيم) 5/464، 6/ (4) ، 63، 187، 225، 235، 255، 278، 289، 294، 302، 332، 338، 7/92، 8/ (23) ، 151، 9/ (245) . شيث بن آدم (عليه السلام) 2/385، 4/147. شيحة بن سالم بن قاسم 4/304. شيخ (الأمير) 3/504. شيخ بن عبد الله المحمودي (الملك المؤيد) 3/ (282) ، 10/125، 126. شيخو (الأمير) (اتابك العسكر) 3/ (359) . شيخو (حاكم سنجار) 7/297. شيرزيك بن عضد الدولة (شرف الدولة) 4/416، 10/ (75) . شيركوه بن شادي 9/423، 10/ (4) ، 80، 319. شيركوه بن محمد بن شيركوه 4/119. شيرويه بن ابرويز 1/282، 497. شيرويه بن بهرام 4/414. شيرين 1/528. شيرين (اخت مارية) 3/373. شيرين (امرأة كسرى) 4/368. شيرين (المغنية) (محظية ابرويز) 4/368، 414.

- ص -

ابن الشيص (الشاعر) 2/ (330) . أبو الشيص 1/ (341) . ابن شيصه (ناصر الدين) 12/468. - ص- صا بن قبطيم بن مصر 3/441. صا بن قفط بن قفطيم 3/470. صا بن مرقونس (الكاهن) 3/472. ابن الصائغ (عبد الرحيم) 3/103، 5/280. الصابي (أبو إسحاق) 2/ (314) ، 436، 11/72، 14/141، 149. ابن الصابي (أبو الخطاب) 9/130. صابىء بن إدريس 6/87. ابن أم صاحب 2/ (299) . ابن صاحب الباز التركماني 4/233. الصاحب بن عباد 1/ (314) ، 2/ (292) ، 487، 6/300، 563، 8/143، 144. الصاحب فخر الدين خواجا 14/178. الصادق (جعفر) 13/20. أبو صادق محمد بن يحيى بن علي (جمال الدين) 13/358. صاروجا الحاكم البندقداري 7/ (142) . صاروخان بن قراسي 5/328. صاروخان (صاحب مغنيسيا) 8/16. صاعد بن مخلد (ذو الوزارتين) 5/415. الصاغاني 1/ (539) . أبو صالح 2/513. صالح (عليه السلام) 1/365. الصالح (شمس الدين صاحب ماردين) 9/111. صالح (شمس الدين الصالح) 3/502، 7/289. صالح بن عبد الرحمن 1/482. صالح بن عبد القدوس 1/ (341) ، 14/306. صالح بن عبد الله بن موسى 5/286. صالح بن علي بن عبد الله 3/486. صالح بن مرداس 4/175. صالح بن المنصور 1/310. صالح بن الناصر محمد (الملك الصالح) 1/506، 3/502، 12/337، 13/378. ابن الصباح (الحسن) 13/241. الصباح بن جلهمة الحميري 14/96. ابن الصباغ (عبد السيد بن محمد) 1/ (94) ، 551، 12/ (363) ، 365. صبيح المعظمي (الطواشي) 5/390. صخر بن عمرو بن الحارث 12/ (30) . أبو صخر الهذلي 2/ (274) . صدر الدين الخابوري 12/472. صدر الدين عبد الوهاب بن الحداد البغدادي 4/479.

ابن صدرة (الشاعر) 5/208. ابن صدقة (قوام الدين الوزير) 7/78. صدقة بن إبراهيم بن أبي دلف 7/397. صدقة بن دبيس بن علي 4/338. صدقة بن زين الدين عبد الرحيم المصري 12/446. صدقيا (من ملوك بني إسرائيل) 4/166. الصرصري (الشاعر) 1/ (512) . صريع الغواني (مسلم بن الوليد) 3/4. صصة بن داهر الهندي 2/158. الصعب بن جثامة الليثي 1/404. الصعب بن ذو مراثد 5/19. صعصعة بن صوحان 1/ (302) . ابن الصفوي (شهاب الدين) 7/303. الصفدي (عز الدين حسن بن أبي المجد) 3/455. أبو صفرة 14/95. صفوان بن اليفار بن عيصو 5/362. صفوان بن امية 1/510. صفوان بن عسال 14/370. الصفي الحلي 1/ (226) ، 343، 541. صفي الدين الحلي 14/379. صفي الدين بن شكر (الصاحب) 3/402. صفية بنت أبي جهل 1/348. صفية بنت حيي بن أخطب 1/354. ابن الصلاح 1/ (546) ، 11/ (242) ، 14/259. صلاح الدين بن البرهان (محمد) 5/5، 10، 32، 36. صلاح الدين الترجمان الناصري 8/35. صلاح الدين الحافظي 12/448، 465. صلاح الدين بن الحكيم 5/9. صلاح الدين خليل (الملك الاشرف) 10/170، 12/460. صلاح الدين داود (الملك الناصر) 4/173، 181. صلاح الدين الصفدي (الصلاح الصفدي، الشيخ) 1/431، 436، 505، 2/ (159) ، 272، 6/ (127) ، 131، 132، 138، 142، 9/250، 12/85، (86) ، 345، 395، 13/306، 14/359، 374، 378. صلاح الدين بن عرّام 2/153، 3/507، (537) . صلاح الدين بن علاء الدين 11/418. صلاح بن علي بن محمد 5/48، 7/358. صلاح الدين بن محمد بن قلاوون 8/ (245) . صلاح الدين بن المقر المحيوي بن فضل الله 14/321، 324. صلاح الدين يوسف بن أيوب (صلاح الدين الأيوبي، السلطان) 1/70، 130، 157، 233، 453، 505، 2/115، 3/294، 390، 396،

- ض -

402، 417، 421، 422، 495، 538، 539، 602، 4/4، 37، 89، 109، 161، 177، 219، 276، 304، 5/28، 151، 381، 6/58، 297، 489، 502، 7/23، 94، 114، 121، 365، 8/284، 9/423، 426، 427، 10/ (6) ، 92، 101، 102، 141، 150، 319، 11/264، 12/104، 13/43، 75، 85، 150، 247، 306، 14/44. أبو الصلت 3/360. صمادح (قائد) 5/244. صمصام الدولة بن عضد الدولة بن بويه 1/ (511) ، 4/416، 6/ (382) ، 402، 403، 561، 7/ (109) 112، 8/ (342) ، 349، 13/146، 335، 14/21، 25، 105. صمغان بن بيدو 5/343. الصمة بن عبد الله 2/ (243) . صناجة العرب (الأعشى) 14/314. الصنبوري (أبو بكر) 2/436. صندكي 5/286. صندل (مولى الحسن بن علي) 5/121. الصهباء بنت حرب 3/ (14) . صهيب 6/327. الصوابي (نائب الملك الصالح) 4/182. ابن صورة (الشاعر) 5/208. الصوري (أبو الفضل) 3/571، 6/189، 8/319. صوفر بن العيص بن اسحاق 6/87. صولة بن حيار 7/ (334) . الصولي 1/502، (504) ، 521، 522، 2/497، 5/46، 12/ (349) . صيدون بن صدقا بن كنعان 4/115. ابن الصيرفي 1/130، 8/240، 242، 320، 321، 323، 328، 14/376. صيفي بن هاشم بن عبد مناف 1/412. أبو صيفي بن هاشم بن عبد مناف 1/412. الصيمري (أبو عبد الله القاضي) 6/16. - ض- الضبي 1/349. الضحاك (ملك الفرس) 1/473، 2/391، (449) ، 4/331، 13/297. ابن الضحاك (عضد الدين) 10/295. الضحاك (ملك الحبشة) 6/345. الضحاك (رجل من الشام) 3/16. الضحاك بن عجلان 2/ (486) ، 492. الضحاك بن قيس 1/406، 450. الضحاك بن مزاحم 6/213.

- ط -

ضرار بن عبد المطلب 1/413. أبو ضربة (محمد بن السلطان أبي يحيى) 5/126. ضرغام بن سوار اللخمي 10/319، (320) . ضري بن شقعو بن تبدواد 1/416. ضمام بن ثعلبة 2/7. ضمام بن مالك السلماني 2/262. ضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن 14/151. ضياء الدولة بن سكوت 5/155. ضياء الدين (صاحب الديوان بايران) 7/313. ضياء الدين أحمد القرطبي 1/ (272) . ضياء الدين بن الأثير 1/86، 90، 181، 216، 225، 240، 246، (332) ، 452، 2/202، 210، 267، 281، 292، 300، 310، 318، 331، 342، 352، 365، 475، 4/172، 6/265، 11/67، 273، 14/125. ضياء الدين بن الخطير 14/181. - ط- طاجار الناصري 14/425. طارق بن زياد 5/ (153) ، 233. طارق بن عمرو بن عثمان 4/270، 299. طاز (أمير الركب) 5/31. طافساس قيصر 5/369. طافيش قيصر 5/369. طالوت 4/164، 13/262. الطائع لله العباسي 1/505، 3/274، 6/ (382) ، 8/ (342) ، 13/148، 14/21، 106. الطائع بن المطيع 4/415، 10/ (3) ، 13، 75، 264، 264، 269، 286. الطائي 9/107. طايربغا الناصري 7/316. طالب بن أبي طالب 1/508. أبو طالب بن عبد المطلب 1/256، 413. الطالبي 2/ (296) . طاليس الملطي 13/300. أبو الطاهر (تقي الدين) 3/386. طاهر الأندلسي 9/ (307) . طاهر بن بدر الدين حبيب الحلبي 14/116. أبو طاهر البهزكي 1/130. طاهر بن الحسن 4/302. طاهر أبو الحسين (المليح) 1/510، 4/302. طاهر بن الحسين (أبو الطيب) 5/415. أبو طاهر القرمطي 4/272. طاهر بن مسلم 4/303. أبو طاهر الناصح (نصير الدولة) 10/30. طاهر بن يحيى (أبو القاسم) 4/302.

الطاووسي 4/ (434) . طباريش قيصر 5/364، 373. طباريوس قيصر 5/375. الطبراني 1/ (79) ، 473. الطبري 1/417، 425، 4/385، 5/20، 6/16، 342. طبريوس 3/478، 480. طبريوس الثاني 3/480. طبريون (من ملوك اليونان) 4/156. طبطب المحرر 3/18. ابن أبي الطبيب ناصر الدين 8/225. ابن الطبيب (عبدة) الشاعر 6/221. طحارست الطويل 3/476. ابن الطحان (عمر) 12/307. الطحاوي 11/279، 12/ (77) . طرطو 4/471. الطرطوسي (محمد بن الوليد) 5/225. الطرطوشي 2/ (93) . طرفة بن العبد 1/338، 344، 392، 2/212، 221، 295، 319. الطرماح 2/ (208) ، 259، 14/150. طرنس قيصر 5/296. طريانش قيصر 5/366. طريف بن بكتوت 1/385. أبو طريف بن عليان العقيلي 10/272. طريف بن مكنون 4/71. طشريك (من ملوك القوط) 5/230. طغاي (زوجة محمد بن قلاوون أم آنوك) 7/182. طغاي تمرخان 7/279. طغاي الحموي (الأمير) 7/149. طغتكين بن أيوب السلجوقي 4/172، 210، 5/28. طغج بن جف 4/169. الطغرائي 2/ (182) ، 9/250، 11/ (304) . طغرل 8/272. طغرلبك بن أرسلان شاه 4/417. طغرلبك بن محمد 4/417. طغرلبك بن ميكائيل السلجوقي 3/293، 4/417، 469، 5/340. طغيتمر النجمي 4/20. طغيتمريار 4/420. طفال بن شبة 9/129. طفيل الاعراس 1/516. الطفيل بن الحرث بن المطلب 14/94. طفيل الغنوي 1/ (339) ، 343. طفيل الكناني 1/ (340) . طفيل بن منصور بن جماز 4/305. طقتمش خان (صاحب بلاد ازبك) 8/63. طقتمش خان بن بردي بك خان 4/471. طقز دمر 4/180. طقطغا بن منكومتر بن طغان 4/471. طلائع بن زريك 1/404، 3/ (292) ، 381، 391، 412، 606، 4/307، 5/457، 9/423،

10/334، 11/72، 260. طلحة 1/408، 9/284، 365، 369، 13/113. طلحة الجود 1/514. طلحة بن الحسن الخير 1/514. طلحة بن زيد بن أبي سفيان 1/126. طلحة بن عبد الله الدراهم 1/514. طلحة بن عبد الله الطلحات 1/514. طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن (طلحة الدراهم) 1/514. طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري (طلحة الندى) 1/514، 4/270. طلحة بن عبد الله الندي 5/514. طلحة بن عبيد الله الفياض 1/299، 514. طلحة بن عمر بن عبيد الله (طلحة الجود) 1/514. طلحة بن مصرف 13/356. طلحة الموفق (أبو أحمد) 13/63. الطنبغا (كافل الشام) 14/426. طنجاد (من ملوك القوط) 5/231. طهفة بن أبي زهير النهدي (طهفة النهدي) 6/354. طهمورث (من ملوك فارس) 4/394، 409، 13/296. أبو الطواجن (محمد بن محمد) 5/155. الطواشي بهاء الدين قراقوش 3/421. طوال بن أبي زيد 5/ (178) . طوبال بن يافث بن نوح 1/424، 5/228. طوج (من ملوك فارس) 4/410. طوجي خان بن جنكيزخان 7/315. طودريق (من ملوك القوط) 5/230. طودش (من ملوك الروم) 5/230. طود شكل (من ملوك القوط) 5/231. طودشيوش (بطرك) 5/299. طودشيش (من ملوك الروم) 5/230. طودشيش قيصر الأصغر 5/372. طور بن اسماعيل بن إبراهيم الخليل 3/342، 443. الطوسي (نصير الدين) 3/ (315) . طوطيس بن ماليا 3/472. الطوطي (شمس الدين) 6/156، 313. ابن طوق (مالك) 12/ (110) . ابن طولون 3/18، 9/ (103) ، 14/347. طولي بن جنكيزخان 4/312. ابن الطوير 1/136، 138، 2/107، 110، 3/395، 533، 542، 550، 553، 566، 568، 581، 595. طويس 1/ (532) . أبو الطيب (القاضي) 8/ (94) ، 98، 2/ (73) ، 12/63. أبو الطيب الأزدي 2/479. أبو الطيب الطبري (القاضي) 6/16.

- ظ -

أبو الطيب عبد الرحمن بن أحمد 2/472. الطيب بن عبد الله 13/ (125) . أبو الطيب المتنبي 1/335، 2/215، 237، 283، 325، 335، 333، 342، 4/408، 12/ (49) ، 14/161، 169، 172. طيباريوس (قيصر) 1/438. الطيبي (الحسن بن محمد) 4/ (341) . طيراش بن همدان بن يافث 1/423. طيطش قيصر 5/365. طيطوش (من ملوك الروم) 3/478، 4/105. طيماناوس (بطرك) 5/298، 299. - ظ- ابن ظافر (علي بن ظافر الأزدي) 13/ (249) . الظافر الفاطمي (اسماعيل بن عبد المجيد) 3/ (292) ، 412، 13/240. ظافر الحداد (الشاعر) 3/ (335) . ظالم بن سراق 8/ (280) . ظالم بن مجاشع 7/397. الظاهر لإعزاز دين الله الفاطمي 3/ (333) ، 494، 13/239. الظاهر بأمر الله (أبو نصر محمد) 3/276. الظاهر برقوق 1/506، 2/47، 334، 3/280، 416، 4/16، 280، 7/331، 343، 407، 8/7، 15، 63، 73، 80، 119، 9/23، 71، 248، 345، 11/127، 431، 12/311، 13/345. الظاهر بيبرس البندقداري 1/131، 477، 506، 3/ (277) ، 278، 299، 337، 380، 384، 410، 498، 4/97، 111، 155، 181، 470، 5/266، 334، 343، 8/43، 123، 9/ (424) ، 10/5، 46، 115، 11/248، 13/249، 315، 14/34، 43، 46، 441. الظاهر بن الحاكم 4/274. الظاهر بن السلطان صلاح الدين 2/87. الظاهر بن عزيز الملك 4/175. الظاهر لأمر الله اسماعيل 3/495. الظاهر بن الناصر 4/415. ظلما (من ملوك العماليق) 3/474. ظلما بن قومس 4/474. ظهير الدين الترجمان 14/180. - ع- عابد بن علي (أبو الحسن) 7/88. عابر بن شالخ بن ارفخشد 1/423. عابر بن فالغ 5/359، 6/84. عاتكة بنت يزيد بن معاوية 1/501. عاد بن عاد بن عوص 5/17.

عاد بن عوص بن ارم 5/16، 17. العادل (وزير الظافر) 13/246. العادل بن الكامل بن ايوب 1/505، 3/422، 4/161، 5/307. أبو العاص بن امية الاكبر 1/411. العاص بن أمية الأكبر 1/411. العاص بن سعيد بن العاص 1/510. العاص بن هشام 1/408، 510. عاصم بن ثابت بن أبي الافلح 1/ (515) . عاصم بن سليمان الكوذن 2/499. عاصم بن المستنير الجذامي 14/95. العاضد الفاطمي (عبد الله ابو محمد) 1/130، 386، 393، 2/ (115) ، 3/495، 4/276، 9/427، 10/4، 81، 351، 432، 13/142، 240. ابن أبي العافية 5/ (162) ، 178. أبو العالية 2/502، 513، 13/258. ابن عامر 11/244. عامر بن باران 5/19. عامر بن جدرة 3/ (11) ، 149. عامر بن صعصعة 7/304، 396. عامر بن الطفيل بن مالك 1/ (437) ، 439، 445. عامر بن الظرب 6/301. عامر بن فهيرة 1/126. عامر بن كريز 1/510. عامر بن كنانة 1/405. عامر بن مالك بن جعفر بن ملاعب الأسنة (ابو براء) 1/437، 439، 528. عامر بن المنتفق 1/396. عامر بن أبي يعقوب يوسف 5/192. عاملة بن سبأ 1/389. عاملة بنت مالك بن وديعة 1/389. عانيوس (من ملوك الروم) 3/478. عائدة بنت الخمس بن قحافة 1/406. عائش بن سعيد 1/476. أبو عائشة (مسروق بن الأجدع) 5/408. عائشة (أم المؤمنين) 1/96، 294، 409، 449، 489، 2/252، 402، 3/44، 264، 4/261، 288، 5/403، 409، 6/328، 346، 9/283، 13/20، 234. عائشة بنت عبد الله بن عمرو 1/500. عباد (أبو نصر) (عباد بن محمد بن حيان) 3/ (489) ، 5/240. عباد بن قاسم 8/3. العباداني 1/283. ابن عبادة 11/349. أبو عبادة البحتري 1/341، 373، 2/270، 346، 355. عبادة بن الصامت 3/382. العبادي (أزدشير) 7/10. ابن عباس 1/ (123) ، 144، 517، 2/318، 386، 469، 500، 513، 3/3، 11، 147، 4/288،

5/4، 6/ (44) ، 212، 218، 279، 10/138، 13/267، 268، 14/143. أبو العباس (القادر بالله) (أحمد بن اسحاق) 3/275. أبو العباس (الشاعر) 1/ (512) . أبو العباس (سلطان تونس) 5/ (110) ، 12/75. أبو العباس (المعتضد بالله أحمد بن الموفق) 3/272. أبو العباس احمد (الحاكم بأمر الله) 3/278، 7/3، 10/120. أبو العباس احمد (الناصر لدين الله) 3/276. أبو العباس احمد (المستظهر بالله) 3/275. أبو العباس (الراضي بالله) (أحمد بن المقتدر) 3/274. أبو العباس أحمد بن المعتصم بالله 3/271، 279. العباس بن الاحنف 1/341، 2/ (231) ، 289، 357. العباس بن أسد 1/78. أبو العباس البوني 3/ (10) . العباس بن الحسن 1/509. أبو العباس السفاح 1/127، 413، 3/268، 269، 291، 295، 4/415، 6/297، 11/147. أبو العباس الصفار 13/356. أبو العباس الطوسي 1/311. عباس الظافري (أبو الفضائل) 10/ (429) ، 430) . أبو العباس عبد الله (المأمون) 3/270. عباس بن المطلب 13/127. العباس بن عبد المطلب (عم النبي صلى الله عليه وسلم) 1/413، 504، 508، 511، 3/292، 4/294، 6/32، 9/313، 391، 10/61، 70، 103، 136. أبو العباس بن عربي 2/297. عباس بن علي (سيف الدين) 7/365. العباس بن الفضل بن الربيع 1/499. أبو العباس المبرد 2/ (345) ، 3/ (171) . عباس بن المجاهد علي (الملك الافضل) 5/30، 31. العباس بن محمد 1/501. العباس بن مرداس السلمي 1/ (340) ، 580. العباس بن مسعود 2/ (235) . العباس بن الهادي 1/501. العباس بن موسى 3/489. أبو العباس الناشىء 5/ (359) . العباسة بنت المهدي 1/377. عبد الأعلى بن السمح المعافري 5/ (115) ، 175. أبو عبد الله (المهتدي بالله) 3/273. أبو عبد الله بن الآبار 10/ (316) . عبد الله بن ابراهيم بن الأغلب 5/116، 118.

أبو عبد الله بن أحمد الحضرمي 5/165. عبد الله بن أحمد بن حمزة (المنصور) 5/47. عبد الله بن أحمد بن معروف 10/286، 287. عبد الله بن الأرقم الزهري 1/126، 450، (511) . عبد الله بن أزبك 4/471. عبد الله الأقفهسي 11/ (175) ، 234. عبد الله بن الامين 1/501. عبد الله بن الاهتم 1/ (261) . أبو عبد الله البخاري 4/ (433) . عبد الله بن بديل الخزاعي 1/510. أبو عبد الله بن بعلاص 7/412. عبد الله بن أبي بكرة (مولى رسول الله) 1/514. عبد الله بن بلكين بن باديس 5/242، 248، 249. أبو عبد الله التميمي (محمد بن عيسى) 3/ (219) . عبد الله بن جدعان 2/ (331) . عبد الله بن جعفر بن أبي طالب 1/514، 14/94، 197. أبو عبد الله بن الجيان 7/ (34) . عبد الله بن جيدة 4/376. عبد الله بن الحارث الزبيدي 3/308. عبد الله بن الحبحاب 5/114، (174) . عبد الله بن حذافة 1/125، 3/308، 373، 6/345. أبو عبد الله الحسن بن علي 3/ (18) . عبد الله بن حسام الدين ارسلان 7/309. عبد الله بن الحسين الاصغر 4/302. عبد الله الحصني (جمال الدين) 4/455. عبد الله بن أبي حفص 5/250. أبو عبد الله بن أبي حفص 5/250. أبو عبد الله بن الحنان 8/ (313) . عبد الله بن خالد بن أبي أوفى 3/290. أبو عبد الله بن أبي الخصال 2/440. أبو عبد الله بن الخطيب 8/ (108) 158، 11/ (4) . عبد الله بن الخطيب 7/104. أبو عبد الله بن خلصة المغربي 1/ (512) . عبد الله بن خلف 1/126. أبو عبد الله بن الخياط 1/ (512) . عبد الله بن دارم 1/468. عبد الله بن دينار 6/213، 318. عبد الله بن أبي رافع 1/126. عبد الله بن رواحة 1/126، 9/369. عبد الله بن ريان الاسلمي 3/374. عبد الله بن الزبير 1/431، 504، 507، 2/324، 4/270، 5/409، 14/413. عبد الله بن زنون الثائر 5/251. عبد الله بن زياد 1/521، 5/26. عبد الله بن زيد 1/126. عبد الله الزيلعي 5/311، 317. عبد الله بن السائب المخزومي 3/374.

أبو عبد الله بن السديد 5/211. عبد الله بن أبي سرح العامري 3/383، 5/174، 7/ (404) . عبد الله السطوحي 12/479. عبد الله بن سعد بن أبي سرح 1/126، 3/373، 482، 4/ (112) . عبد الله بن سعد بن مالك 4/371. أبو عبد الله بن سعدان 8/145. عبد الله بن سلام الجمحي 1/344. أبو عبد الله السلايحي 5/152. عبد الله بن أبي سلول المنافق 5/407. عبد الله بن سليمان الربعي 5/25، 8/134. عبد الله بن شعيب الحجبي 14/102. عبد الله بن سيف الدين أبي سعيد 14/352. عبد الله الشهري 7/311. أبو عبد الله الشيعي 5/119، 161، 13/243. أبو عبد الله بن الصائغ 5/280. عبد الله بن صالح بن الحسن بن علي 5/286، 7/418، 8/9. عبد الله بن صالح بن علي 4/118. أبو عبد الله الصيمري 6/16. عبد الله بن طاهر 1/ (142) ، 2/ (200) ، 3/ (148) ، 384، 489، 4/386، 6/279، 8/ (152) ، 9/413. عبد الله بن الطفيل الانصاري 14/95. عبد الله بن عامر 1/ (242) ، 484، 487، 2/ (155) ، 14/95. عبد الله بن عامر بن كريز 1/514. عبد الله بن عباس 1/509، 5/25، 9/382، 14/94. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب 1/514. عبد الله بن عبد الله بن أبيّ 1/126. عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية 3/486. عبد الله بن عبد السلام بن أبي الرداد 3/ (327) . عبد الله بن عبد المطلب (أبو النبي صلّى الله عليه وسلم) 1/413، 496، 4/413. عبد الله بن عبد الملك بن مروان 3/383، 484. عبد الله بن عبيد الله بن عتبة 1/511. عبد الله بن عبيدة الربذي 1/508. أبو عبد الله العسلي 5/148. عبد الله بن علي بن عبد الله 4/168. عبد الله بن علي (عم المنصور) 1/279. عبد الله بن العماد الشيرازي 12/398. عبد الله بن عمر بن الخطاب 1/493، 3/ (157) ، 373، 6/317، 471. عبد الله بن عمرو بن الحارث 1/435. عبد الله بن عمرو بن العاص 1/507، 3/319، 9/386، 14/95. عبد الله بن عمرو بن عثمان 1/500. أبو عبد الله بن القويع 5/109، 133، 143.

عبد الله بن قيس 10/198، 14/92. عبد الله الكركاني 7/310. أبو عبد الله الكيزاني 2/ (420) . عبد الله بن لهيعة 1/476. عبد الله بن المأمون بن هارون الرشيد 14/97، 100. عبد الله بن المبارك 2/ (470) ، 4/332. عبد الله بن أبي محمد 5/123. أبو عبد الله محمد (الأمين) 3/269. أبو عبد الله محمد (المستنصر بالله) 5/123. أبو عبد الله محمد (المعتز بالله) 3/271. عبد الله بن محمد (أبو القاسم) 1/278. أبو عبد الله محمد بن الخطيب 7/ (40) ، 41، 9/348. عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى 4/272. أبو عبد الله محمد بن سعد 6/ (432) . عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن 4/301، 5/235. عبد الله بن محمد بن القائم بأمر الله 10/ (33) . أبو عبد الله محمد القرطبي 2/ (381) . أبو عبد الله محمد (المهدي) 3/269. أبو عبد الله بن أبي مدين 7/418. أبو عبد الله المراكشي 5/270. عبد الله بن مروان 1/502. عبد الله بن مسعود 1/402، 509، 3/ (160) ، 6/324. عبد الله بن مسلمة التجيبي 5/242. عبد الله بن المسيب الضبي 3/ (488) . عبد الله المصمودي 3/409. عبد الله بن معاوية بن أبي سفيان 1/510. عبد الله بن المعتز 1/478، 497، 503، 2/271، 437، 3/273. عبد الله بن المقفع (انظر ابن المقفع) . عبد الله بن المكتفي بالله (المستكفي بالله) 3/274. عبد الله بن ملويات 5/132. عبد الله بن المنصور (أبو محمد) 5/250. عبد الله بن المنصور أيوب 5/30. عبد الله بن المهدي 5/27. عبد الله بن المهدي العباسي 3/488، 14/102. عبد الله المهدي 13/243. عبد الله بن ميمون (القداح) 13/243. عبد الله بن موسى بن نصير 5/113. عبد الله بن نافع 2/500. عبد الله بن نشلي 5/267. عبد الله بن نوفل 1/475. أبو عبد الله بن نيفاوت 5/184. عبد الله بن هارون الرشيد 5/ (447) ، 9/380. عبد الله بن هشام بن زهرة 3/374. أبو عبد الله بن هود 7/ (34) ، 8/ (313) . عبد الله بن وهب 13/236. عبد الله بن ياسين الجزولي 5/163، (184) .

أبو عبد الله اليمني 7/ (340) . عبد الله بن يوسف (العاضد لدين الله) 3/495، 13/240. عبد الله بن يوسف الثقفي 3/485. عبد الباقي بن عبد المجيد اليمني 5/15. عبد الباقي اليماني (تاج الدين) 5/48، 49. ابن عبد البر 1/ (252) ، 8/ (153) ، 158، 9/ (89) ، 11/245. أبو عبد الجبار 14/218. عبد الجبار بن عبد الرحمن 1/507. عبد الجبار بن الورد 4/282، 469. عبد بن الجلندي 6/ (345) . عبد الحق بن عثمان 8/97، 98. ابن عبد الحكم 3/ (308) ، 6/345، 456، 11/184. عبد الحميد الأكبر 1/69، 330. عبد الحميد بن يحيى الكاتب 1/118، 127، 519، 529، 2/203، 475، 6/ (320) ، 378، 8/ (257) ، 271، 352، 10/198، 11/300، 12/ (350) ، 14/228. عبد الخالق بن أبي القاسم المصري 3/ (22) . عبد الدار بن قصي بن كلاب 4/268، 469. ابن عبد ربه 1/351، 6/282، 292، 10/198. عبد الرحمن (ابو زيد) 5/122. عبد الرحمن (الشيخ) (كمال الدين) 7/257، 260، 8/67. عبد الرحمن بن أحمد (أبو الطيب) 2/472. عبد الرحمن بن أبي بكر 4/261. عبد الرحمن البلقيني (أبو الفضل) 14/ (237) ، 258. عبد الرحمن البلقيني (جلال الدين) 9/ (180) ، 11/188، 189. عبد الرحمن بن التاج (تاج الدين) 10/ (135) . عبد الرحمن بن تاج الدين ابن بنت الأعز 11/229. عبد الرحمن بن حبيب 5/ (114) ، 175. عبد الرحمن بن الحكم بن هشام 5/235. عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي 14/95. عبد الرحمن بن خلدون (انظر ابن خلدون) . عبد الرحمن الخوارزمي (شجاع الدين الترجمان) 4/455، 465، 468. عبد الرحمن الداخل 5/235، 254. عبد الرحمن بن ذي كلاع الحميري 14/95. عبد الرحمن الريّان الهندي 5/68. عبد الرحمن بن سعد بن مالك 4/371. عبد الرحمن بن سمرة 10/ (65) . عبد الرحمن بن أبي شمر الغساني 14/102. عبد الرحمن بن الصائغ المكتتب 3/103، (105) ، 117.

عبد الرحمن بن الضحاك 4/271، 300. عبد الرحمن بن عبد الله بن الحكم 3/ (322) . عبد الرحمن بن عبد الله العمري 3/13) . عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي 5/234. عبد الرحمن بن عبد القس 2/216. عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد 2/ (59) . عبد الرحمن بن عديس البلوي 3/372، 373. عبد الرحمن بن علي 1/507. أبو عبد الرحمن بن أبي يحيى بن أبي سعيد 11/11. عبد الرحمن بن عمر بن أحمد القزويني 11/259. عبد الرحمن بن عمر التجيبي 13/356. عبد الرحمن بن عمر الليثي 1/508. عبد الرحمن بن عوف 1/409، 3/286، 9/284، 369، 13/115. عبد الرحمن بن عيسى 1/ (199) . عبد الرحمن بن عيينة 3/381. عبد الرحمن بن غنم 13/356. عبد الرحمن الفهري 3/484، 485. عبد الرحمن الكفري الشافعي 12/292. عبد الرحمن بن أبي ليلى 5/408. عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث 1/507، 4/371. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله 5/235، (446) . عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك (المرتضي بالله) 5/237، 448. أبو عبد الرحمن محمد بن مسروق 1/476. عبد الرحمن بن محمد المقتول 5/448. عبد الرحمن بن معاوية بن هشام 5/235، 448. عبد الرحمن بن مكانس (الصاحب) فخر الدين) 14/303. عبد الرحمن بن ملجم 13/226. عبد الرحمن بن المنصور بن أبي عامر العامري 9/383، 384، 386. عبد الرحمن بن أبي موسى بن يغمراسن 8/ (86) . عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار 5/237. عبد الرحمن الهندي 5/68. عبد الرحمن بن أبي يحيى 7/418. عبد الرحيم الياس 9/305. عبد الرحيم البيساني (القاضي الفاضل) 1/ (70) ، 6/ (22) ، 13/65. عبد الرحيم بن شيث (ابن شيث) 6/235، 333، 7/ (18) 7/23. عبد الرحيم بن علي (القاضي الفاضل) 4/76، 6/ (490) ، 11/300، 12/ (350) . عبد الرحيم بن الصاحب فخر الدين بن أبي شاكر 11/ (346، 347) . عبد الرحيم القنائي 3/ (434) . عبد الرزاق 1/ (518) .

عبد الرزاق بن عبد المؤمن 14/451. عبد الرشيد بن محمود 4/447. ابن عبد السلام 3/29، 30، 31، 32، 34، 44، 128، 11/184. أبو عبد السلام الجنديسابوري 1/69. عبد السلام بن رغبان 2/ (342) . عبد شمس بن عبد مناف 4/268. عبد شمس بن وائل بن الغوث 5/19. عبد شمس بن يشجب 5/18. عبد الصمد (كاتب) 1/69. عبد الصمد (صاحب بهرمان) 7/310. عبد الصمد بن علي 1/501، 4/168، 272، 301. عبد الصمد بن الفضل الرقاشي 14/201. عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الامام 4/272. ابن عبد الظاهر 3/332، 386، 394، 400، 404، 411، 602، 6/298، 8/43، 9/ (268) ، 10/5، 14/306. عبد العزى (أبو لهب) 5/407. عبد العزى بن زرارة 1/304. عبد العزيز (أبو فارس الأمير) 5/124. عبد العزيز بن أرطأة 4/300. عبد العزيز الجرجاني 1/417. عبد العزيز بن الحارث بن الحكم 1/502. عبد العزيز بن أبي الحسن علي 5/195، 7/415. عبد العزيز بن خالد بن أسيد 4/271. عبد العزيز الدريني 2/ (381) . عبد العزيز بن أبي عامر 5/245. عبد العزيز بن عبد الله 6/213. عبد العزيز بن عبد الرحمن القيسي 5/234. عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز 4/271. عبد العزيز بن عمرو بن عثمان 4/300. عبد العزيز بن مروان 1/482، 502، 3/ (327) ، 332، 375، 383. عبد العزيز بن موسى بن نصير 5/233. عبد العزيز بن الناصر (الملك المنصور) 3/504، 5/243. عبد العزيز بن نباتة 2/451. عبد العزيز بن يوسف 6/569. عبد الغفار القزويني 1/ (551) . عبد الغني المقدسي (الحافظ) 1/ (546) ، 14/ (370) ، 371. عبد القادر الجرجاني 1/223) . عبد القادر الكيلاني (الجبلي) 4/380، 7/346، 14/449. ابن عبد القادر الكيلاني 4/383، 7/346، 8/226. عبد القاهر البغدادي 2/ (41) . ابن عبدكان 3/ (18) ، 7/ (3) ، 8/ (165) ، 169، 170، 257، 11/27. عبد الكريم (قطب الدين) 11/ (240) . عبد الكريم (الطائع لله) (أبو بكر) 3/274.

عبد الكريم بن شعيب الحجبي 14/102. عبد الكعبة بن عبد المطلب 1/413. عبد كلال بن مثوب 5/23، (55) . عبد اللطيف البغدادي 2/ (53) ، 54، 87، 5/347. عبد المجيد أبو الميمون (الخليفة الحافظ لدين الله) 6/439، 7/ (113) ، 13/240. عبد المحسن الحلبي 1/131. عبد المسيح (رئيس المرقب) 14/39. عبد المسيح بن بقيلة بن جرهم 4/266. عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف 1/280، 412، 492، 496، 511، 4/269. عبد الملك بن أحمد بن يوسف 5/246. عبد الملك بن أبي الجعد 5/115، 175. عبد الملك بن الحارث بن الحكم 1/52. عبد الملك بن رفاعة 3/484، 485. عبد الملك بن زهير العامري 5/244. عبد الملك العباسي 3/488. عبد الملك بن عمير الليثي 1/ (521) . عبد الملك الغريضي 6/ (541) . عبد الملك بن قطن الفهري 5/234. عبد الملك بن مروان 1/69، 229، 261، 345، 352، 482، 490، 502، 507، 513، 521، 2/94، 155، 208، 3/267، 375، 484، 4/20، 157، 257، 318، 337، 340، 376، 469، 471، 8/177، 280، 9/289، 13/215، 14/413. عبد الملك بن المنصور 5/181. عبد الملك بن موسى 5/302. عبد الملك بن نوح 4/446، 6/ (397) . عبد الملك بن أبي الوليد 5/241. عبد الملك بن يزيد 3/486. عبد مناف بن قصي 1/385، 411. عبد مناة بن هبل 12/ (133) . عبد المهيمن (الكاتب) 1/129. عبد المهيمن بن محمد الحضرمي 5/ (193) . عبد المؤمن الزيلعي 5/310. عبد المؤمن بن علي بن مخلوف 5/ (121) ، 122، 132، 6/ (432) . عبد النبي بن مهدي 5/27. عبد الواحد (الشيخ) 5/101، 166. عبد الواحد بن التركماني 1/133. عبد الواحد بن الحارث بن الحكم 1/502. عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك 4/271. عبد الواحد بن عبد الله الحجبي 14/102. عبد الواحد بن علي بن عثمان 8/94. عبد الواحد النضري 4/271، 300، 301. عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن (أبو محمد المخلوع) 5/123. عبد الوهاب ابن بنت الأعز (تاج الدين) 4/36، 11/173، 174.

عبد الوهاب بن الحداد البغدادي 4/479 عبد الوهاب بن أبي الطيب (شرف الدين القاضي) 6/142، 11/184. عبد الوهاب بن فضل الله (شرف الدين) 1/131، 12/ (92) ، 14/121، 415. عبد الوهاب بن المنجا التنوخي (تاج الدين) 12/381. عبد الوهاب بن نوبخت 1/394. عبد يا ليل بن جرهم بن قحطان 4/266. عبد يشوع الجاثليق 10/ (304) . عبدة بن الطيب 6/ (221) . عبدة بنت عبد الله بن عمرو 1/500. عبدوس الخزاعي 2/431. عبدوية بن جبلة 3/489. العبدري 2/85. أبو العبر 1/ (513) . العبري 1/ (548) . أبو عبس بن كثير 3/15. أبو عبيد 1/349، 378، 400، 421، 2/ (31) ، 406، 512، 3/ (156) ، 5/424، 6/363. عبيد بن الأبرص 2/ (307) . عبيد بن عبد الرحمن السلمي 5/174. عبيد الله (والي مصر) (عبيد الله بن السري) 3/489. عبيد الله بن احمد بن خرداذبة 4/ (135) . عبيد الله بن الربيع الحارثي 4/301. عبيد الله بن زياد 1/482. عبيد الله بن سليمان 1/77، (217) ، 2/346، 13/ (61) ، 64. عبيد الله بن عباس 5/25، 13/235. عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب 1/491، 3/ (4) . عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبة 4/401. عبيد الله بن عبد الله بن طاهر 1/142، 2/ (449) ، 450. عبيد الله بن عبد الله بن عمر 1/479. عبيد الله بن الفضل 7/112. عبيد الله بن مروان 1/502. عبيد الله المهدي الفاطمي 1/505، 3/402، 488، 4/273، 5/97، 118، 161، 176، 7/404، 13/239. عبيد الله بن يحيى 13/ (60) . أبو عبيدة 1/435، (449) ، 518، 2/265، 345، 4/ (95) ، 6/356، 364، 13/328، 14/260. أبو عبيدة بن الجراح 1/283، 294، 355، 406، 517، 2/ (59) ، 503، 3/264، 4/167، 9/283، 13/127. عبيدة السلماني 1/513. عبيدة بن عبد الرحمن السلمي 5/114. عتاب بن أبي ورقاء الحنظلي 1/514. العتابي 1/341، 2/ (281) ، 420، 488.

أبو العتاهية 1/340، 346، 2/205، 223، 233، 242، 336. عتب (جارية المهدي) 2/232. عتبة بن حصن بن حذيفة 1/426. عتبة بن أبي سفيان 1/259، 304، 510، 7/306. عتبة بن غزوان 3/ (265) . عتبة بن مسعود الهذلي 1/ (511) . العتبي (محمد بن عبد الله العتبي) 1/ (71) ، 331، 341، 4/ (302) . عتيبة بن مرداس 1/ (343) . ابن أبي عتيق 1/ (513) . ابن عثمان 2/47، 3/ (244) ، 4/142، 7/347. ابن عثمان (صاحب برسا) 4/435، 8/13، 122. عثمان بن احمد بن إبراهيم 7/413. عثمان بن إدريس (فخر الدين أبي عمرو) 8/120. عثمان بن الأسود 2/ (403) . عثمان بن أسيد 4/270. أبو عثمان الجاحظ (انظر عمرو بن بحر) . عثمان جق 5/327. عثمان بن حنيف 2/ (156) . عثمان الزابي (فخر الدين) (صاحب زاب) 7/310. عثمان بن السلطان صلاح الدين (العزيز) 4/172. أبو عثمان سعيد بن وهب 2/ (223) . عثمان بن طلحة الحجبي 1/409. عثمان بن طلحة بن عبد الدار 4/269. عثمان بن العباس المريني 8/ (104) . عثمان بن عبد الرحمن بن الحكم 1/502. عثمان بن عفان 1/65، 68، 126، 258، 276، 298، 411، 453، 471، 504، 517، 3/145، 265، 285، 441، 482، 4/269، 294، 299، 414، 5/38، 112، 174، 271، 409، 414، 6/239، 295، 335، 340، 375، 8/34، 9/284، 364، 369، 375، 376، 11/302، 13/112، 114، 117، 233، 14/399. عثمان بن أبي العلاء 5/ (192) . أبو عثمان المازني 1/ (212) ، 217، 3/ (171) . عثمان بن مانع بن هبة 12/128، 129. عثمان بن مظعون 1/495. عثمان المهدي 1/205. عثمان بن أبي نسعة الخثعمي 5/234. عثمان بن أبي يعقوب 5/192. عثمان بن يغمراسن (السلطان أبو سعيد) 7/ (48) . عثمان بن أبي يوسف (أبو سعيد) 5/149. العثماني (شمس الدين) 4/ (86) ، 154، 157.

العجّاج 1/ (493) ، 2/ (226) ، 259. العجل بن محمد بن نعير 7/204. عجلان (السلطان) 7/ (50) . عجلان بن رميثة 4/279. عجلون (الراهب) 12/104. عجيسة بن دوناس 5/182. عدن بن سبأ 5/8. عدنان بن أدد 3/12، 4/261. عدة الدولة ابو تغلب 6/297. عدي بن أرطأة 1/ (309) ، 6/377. عدي بن حاتم 1/509، 510، عدي بن الرقاع 1/340. عدي بن زيد 1/513، 2/ (219) ! 13/ (208) . عدي بن كعب 5/129، 7/405. عدي بن هشام 5/446. ابن العديم (الصاحب كمال الدين) 4/ (139) ، 6/148، 11/300، 301، 307، 12/436، 439، 14/ (141) . عديم بن بودشير بن قفطريم 3/471. عذرة بن سعيد 1/368. عرابة بن أوس الحارثي (انظر عرابة الأوسي) . عرابة الأوسي 4/ (216) ، 11/ (20) ، 134، 12/ (78) ، 13/ (47) ، 14/411. ابن عربي (محي الدين بن عربي) 12/ (350) . ابن عرسية 1/430. عروة بن اذينة 2/ (230) . عروة بن جعفر 1/528. عروة بن حزام 1/368. عروة بن الزبير 14/5. عروة الصعاليق (انظر عروة بن الورد) . عروة بن غزوان 1/475. عروة بن الورد 1/339، 464، 516، 2/326. عز الدولة بن بويه 1/70، (315) ، 473، 6/474، 565. عز الدين (الأمير) 13/106. عز الدين (اخو جمال الدين المهدي) 14/167. عز الدين (اخو البرواناه) 14/170. عز الدين (حاكم حيزان) 4/323. عز الدين (الشريف التاجر) 5/294. عز الدين أسامة بن منقذ 4/109. عز الدين الاصفهاني 1/ (548) . عز الدين أيبك الأفرم 3/ (388) . عز الدين جماز 12/ (124) . عز الدين بن جماعة 7/ (181) ، 11/ (223) ، 422، 14/ (373) . عز الدين بن عبد السلام 1/ (543) ، 3/ (277) . عز الدين قيصر شاه 5/341. عز الدين بن مبارز الدين كك 4/375. عز الدين مسعود 4/177.

عز الدين أبو يعلى 7/179. العزفي (أبو القاسم) 5/155. عزمة بن نوفل الزهري 1/511. عزوز بن السلطان أبو العباس أحمد 5/128، 7/405. العزّى (احد طواغيت قريش) 4/264. عزياهو بن امصيا 5/363. عزياهو (من ملوك بني إسرائيل) 4/165. العزيز بن السلطان صلاح الدين يوسف 1/505، 4/114. العزيز بن عبد الوهاب بن إسماعيل الزهري 13/356. العزيز بن المعز الفاطمي 1/130، 3/397، 398، 406، 410، 417، 494، 5/305، 6/ (421) ، 13/239، 14/436. عزيز الملك 4/175. العزيز بن نزار العبيدي 5/180. العزيز وزير الملك 3/356. عساف بن مهنا 4/215، 7/205. عسقلا روس 7/119. ابن عساكر (الحافظ بن عساكر) 13/111. العسكري (أبو هلال) 1/ (82) ، 466، 470، 481، 488، 2/216، 295، 235، 254، 4/268، 5/421، 6/285، 9/365، 375، 418. عصام بن ماجكس 5/153. ابن أبي عصرون 2/ (55) . ابن عصفور (أبو الحسن) 1/ (213) ، (540) ، 3/ (171) ، 192، 193، 213، 214، 12/368. أبو عصيدة (محمد بن يحيى الواثق) 5/ (125) . عضد الدولة بن بوبه 1/315، 2/451، 4/274، 416، 6/565، 7/86. عضد الدين الأيجي 1/ (549) . عضد الدين بن الضحاك 10/295. عطاء بن أبي صيفي 9/ (287) . عطاء السلمي 1/ (520) . عطاء بن يسار 4/283. عطارد بن حاجب بن زرارة 1/426، (427) . ابن عطاش (أحمد) 13/240. أبو العطّاف (دوناس بن تميم) 5/182. عطيفة بن أبي نمي 4/278، 12/228. ابن عطية 1/544، (545) ، 12/ (349) ، 14/259. عطية بن منصور بن جماز 4/305. عطية بن منصور بن صالح 4/175. عظيم بن حسن بن مانع 7/397. ابن عفير 2/ (66) ، 3/ (321) ، 361، 6/280. ابن العفيف (انظر عماد الدين بن العفيف) . العفيف التلمساني 1/ (432) . عفيف الدين محمد الحلبي 3/ (19) .

أبو عقال الأغلب بن إبراهيم الأغلب 5/117. عقبة بن الحارث 3/373. عقبة بن الحجاج 5/234. عقبة بن حجية 14/95. عقبة بن عامر الجهني 3/308، 373، 483، 14/94. عقبة بن عبد الله المري 13/235، 238. عقبة بن فضل بن ربيعة 4/213. عقبة بن نافع الفهري 5/ (112) ، 174. أبو العقول 5/12، 68. ابن عقيل 12/367. عقيل بن زياد الخزرجي 1/293. عقيل بن أبي طالب 1/413، 508، 13/114. عقيل بن علفة 3/ (533) . العقيلي 5/157. عكرشة بنت الاطرش 1/300. عكرمة (مولى ابن عباس) 5/158. عكرمة بن أبي جهل 1/ (202) ، 5/25. العكوك 1/ (341) . أبو العلاء (صاعد) غبريال (بهرك) 5/306. العلاء بن الحارث 1/510. العلاء بن الحضرمي 1/125، 126، 6/317، 345. أبو العلاء بن سليمان 2/ (335) . العلاء بن طارق بن امية 1/516. أبو العلاء بن عبد الله بن الشخير 13/328. العلاء بن عتبة 1/126. أبو العلاء المعري (احمد بن عبد الله بن سليمان) 1/72، 512، 2/434، 9/ (28) . العلاء بن موصلايا (امين الدين) 5/444، 6/ (391) ، 403، 442، 8/138، 10/ (30) ، 242، 304، 13/276. علاء الدين بن الأبو بكري 7/ (142) . علاء الدين بن الأثير 1/132. علاء الدين ايدغمش 12/453، 13/181. علاء الدين البيري 6/298. علاء الدين تكش 4/417، 470. ابن علاء الدين تمرتاش 7/284. علاء الدين بن جلال الدين الحسن (صاحب قلعة الموت) 13/248. علاء الدين بن الحصني 12/319. علاء الدين بن خالد المليكشي 7/303. علاء الدين خوارزم شاه 6/489، 7/ (128) . علاء الدين الدوادار 12/454. علاء الدين السرمري (الشيخ) 2/489، 491، 499. علاء الدين سليمان (صاحب ارمناك) 8/17. علاء الدين بن الشاطر الدمشقي

1/ (561) ، 3/260، 6/225، 244. علاء الدين بن شرف الدين بن الشهاب محمود 12/392. علاء الدين بن عبد الظاهر 10/ (68) . علاء الدين بن عطاء الملك الجويني 4/310، 312، 314. علاء الدين علي (كاتب السر) 11/174. علاء الدين علي (الملك الصالح) 13/224. علاء الدين علي الدلقندي 7/300. علاء الدين علي بن قرمان 5/330. علاء الدين علي الكركي (القاضي) 1/133، 9/ (71) ، 11/127، 12/409. علاء الدين بن غانم 1/ (235) ، 356. علاء الدين بن فضل الله (المقر العلائي) 3/43، 302، 7/317، 9/ (37) ، 147. علاء الدين الكركي 6/212. علاء الدين كورك بن إبراهيم 4/378. علاء الدين قيقباذ محمد شاه (كرواني صراي) 5/342، 14/182. علاء الدين محمد بن تكش 4/448. علاء الدين محمد بن سام بن محمد 4/448. علاء الدين محمد الصباحي 1/156. علاء الدين المرادي 11/424. علاء الدين منجى التنوخي 12/54. علاء الدين بني النعمان الخوارزمي 4/450، 463، 472، 5/398. علاف بن زبان الحميري 1/ (486) . علبة بن زيد الأنصاري 3/373. علس بن زيد بن الحارث 5/23. علقمة بن حكيم 14/96. علقمة ذو قيقان بن مرثد الكلبي 5/43. علقمة بن عبدة 1/ (339) . علقمة بن علاثة بن عوف 1/ (437) . علقمة بن مرثد الكلبي 14/95. أبو علقمة النحوي 2/256، 257. علقمة بن يزيد الحضرمي 14/95. علم الدين الأخنائي (الاسنائي) الشافعي 11/405. علم الدين الجاولي 12/ (209) . علم الدين بن ريشة 11/ (352) . علم الدين شاكر 11/355. علم الدين الشجاعي (الأمير) 3/418. علم الدين القفصي 12/355، (356) . علم الدين بن مماتي 3/407. العلوي البصري 13/208. علي (شيخ دغيم) 8/4. علي (سيف الدين) 5/30. علي (صاحب كركر) (الأمير) 14/181. علي بن أحمد (انظر المكتفي بالله) . علي بن أحمد بن سعيد (ابن حزم) 4/274. علي بن أحمد عليكا 14/404. علي بن الأخشيد 3/493.

علي بن الآدمي 12/367. علي بن ارتق 4/319. علي بن الأزهر 2/480. علي بن ابي اسامة الحلبي (أبو الحسن) 1/130. علي بن الاشرف (الملك المنصور) 3/ (280) . علي بن امير حاجب (أبو الحسن) 5/278. علي بن أينال التركماني 7/304. علي باشاه (صاحب نيف) 6/134، 7/280، 8/16. علي بن البرهان (علاء الدين) 11/418. أبو علي البصير 1/ (341) ، 9/ (167) ، 217. علي بك (امير تركماني) 5/345. علي بك بن أرتنا 7/300. علي بك بن محمد 7/300. علي بن بويه (عماد الدولة) 5/415. أبو علي الجبائي المعتزلي 1/518، 4/342، 13/255. علي بن جبلة 2/ (331) . علي بن الجهم 1/ (43) . علي بن حديثة بن عقبة 4/217. علي بن حرب 3/ (14) . علي بن حسام الدين الزرزاري 7/310. أبو علي الحسن (ركن الدولة) 5/415. علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب 4/ (389) . أبو علي الحسن بن أحمد 1/ (212) . أبو علي بن أبي الحسن المريني 7/61. علي بن أبي الحسين (المقتدر بالله عميد الدولة) 5/415. علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (زين العابدين) 1/281، 507، 516، 13/239. علي بن الحسين الكاتب (أبو الحسين) 13/ (61) . علي بن الحسين الهاشمي الزيني 10/ (78) ، 273. علي بن حمدان (أبو الحسين سيف الدولة) 5/416، 455. علي بن حمزة (أبو القاسم الكسائي) 3/ (177) . علي بن حمزة الاصفهاني 2/ (445) . علي بن حمزة بن طلحة 1/ (314) ، 317. علي بن حمود بن ميمون 5/154، 237. علي بن خلف 1/106، 114، 115، 116، 7/83، 9/ (8) ، 15، 16، 19، 34، 58، 61، 72، 95، 105، 125، 126، 152، 170، 177، 185، 405، 10/397، 442. علي خواجا (الأمير ناصر الدين) 8/71. علي بن داود (سيف الدين الملك المجاهد) 7/365، 389. علي بن الدريهم (الدرهم) الموصلي (تاج الدين) 9/230، 242، 14/378.

علي بن الربيع بن عبيد الله 5/25. علي بن رسول 5/29، 7/265. أبو علي بن رشيق 2/ (435) . علي الرضا 13/232. علي بن زيد (الكاتب) 1/165. علي بن زيد بن جدعان 1/ (512) . علي السجاد (انظر علي بن الحسين) زين العابدين. علي بن سعيد المغربي (نور الدين) 2/511. علي بن سليمان (الكاتب) 5/25، 419، 6/212، 238. علي بن سليمان بن منجد المبصري 1/130. علي بن سليمان العباسي 3/487. علي بن سليمان بن مهنا 4/215، 7/205. أبو علي بن سينا (ابن سينا) 1/554، 563، 2/204. علي بن صالح بن علي الهاشمي 3/375، 376. علي الصرخدي (علاء الدين الشافعي) 12/441. علي بن صلاح الدين (الملك الأفضل) 6/296. علي بن أبي طالب 1/65، 89، 96، 126، 155، 229، 258، 273، 283، 293، 302، 352، 379، 388، 404، 406، 449، 471، 490، 500، 504، 517، 2/142، 187، 322، 325، 3/25، 149، 266، 328، 381، 483، 576، 584، 4/269، 299، 414، 5/25، 414، 6/11، 33، 42، 295، 322، 340، 375، 429، 7/267، 8/240، 281، 319، 341، 9/284، 302، 305، 364، 369، 382، 406، 10/9، 83، 94، 140، 318، 322، 335، 347، 361، 406، 409، 412، 415، 427، 433، 443، 11/161، 302، 12/241، 268، 273، 375، 13/15، 17، 114، 127، 213، 225، 229، 233، 253، 325، 14/7، 91، 94، 97، 112، 399. علي بن الطرسوسي (عماد الدين) 12/79. علي بن طغج 4/169. علي الظافري (علي بن إسحاق بن السلار) 10/ (428) . علي بن عبد الله بن عباس 1/507، 516. علي بن عبد العزيز الجرجاني 5/ (42) . علي بن عبد الغني الحصري 1/ (512) . علي بن عثمان (أبو الحسن) 5/193، 7/414. علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق 8/

علي بن عجلان 4/280. علي بن عرس الموصلي 14/404. أبو علي بن عمار 4/180. علي بن عمر بن إدريس الاصغر 5/176. على بن عمر بن يوسف الشهابي 5/32. علي بن عيسى (أبو الحسن) 1/78. علي بن عيسى (الوزير) 1/ (559) . علي بن عيسى بن تلكتمر 7/327. علي بن عيسى بن جعفر المنصور 4/272. علي بن عيسى بن ماهان 1/516. علي بن فتح الدين بن محي الدين بن عبد الظاهر (علاء الدين) 7/ (264) . علي بن أبي الفرج (نور الدين) 12/334. علي بن فضل 4/219. علي بن فلاح 3/ (561) ، 562. أبو علي القاضي (إسماعيل بن القاسم) 9/ (110) . علي بن قرا (علاء الدين) 7/302. علي بن قرمان (علاء الدين) 8/17. علي بن قلاوون (الملك الصالح السلطان علاء الدين) 7/149، 10/164، (177) ، 183، 13/96، 14/56، 89. علي بن كراقي (صاحب الدربندات القرابلية) 7/310. علي بن مجاهد (ناصر الدولة) 5/247. علي بن مجاهد بن علي 5/247. علي بن محمد 5/48، 7/358، 11/267، 268. علي بن محمد التوحيدي (انظر ابن هشام) . علي بن محمد بن علي الرضا 13/232. علي بن محمد النيلي 3/398. علي بن المريني 1/ (518) . أبو علي المراكشي 1/ (561) . أبو علي بن مروان 4/175. أبو علي بن مسكويه 1/ (563) . علي بن مفرج بن دغفل بن جراح 4/210. أبو علي بن مقلة (ابن مقلة) الوزير 2/ (483) ، 486، 488، 489، 490، 497، 3/ (16) ، 28، 53، 72، 98، 137، 150، 7/ (278) ، 14/227. أبو علي المنصور (الحاكم بأمر الله) 3/494، 9/ (305) . علي بن منصور 2/477، 3/ (156) ، 7/397. علي بن منصور العقيلي 5/86. علي بن مهدي 5/27، 44. علي بن موسى بن جعفر العلوي (علي الرضى) 4/390، 9/ (379) ، 380، 383، 411. علي بن موسى بن محمد (ابن سعيد) 4/ (102) ، 8/ (50) . علي بن موسى المغربي (ابن سعيد) 3/292. علي بن هلال (أبو الحسن بن البواب)

3/ (19) ، 66، 11/ (361) . علي بن يحيى (المنجم) 13/61. علي بن يحيى (ابن غانية) 3/490، 5/121، 122. علي بن يحيى (صاحب إربل) 7/300. علي بن يوسف بن تاشفين 5/156، 248، 249، 250. ابن عليان العقيلي (ابو طريف) 10/272. عليشا بن محمد بن إدريس 5/176. علينوس (من ملوك الروم) 3/479. ابن عليّة (كعب أبو اليسر) 6/322. عماد الدين احمد الكركي الازرقي 11/174. عماد الدين بن اسد بن مكلان 4/377. العماد الاصفهاني 2/475، 4/ (160) ، 5/465، 6/ (515) . 8/ (171) العماد الكاتب 1/ (521) ، 3/ (391) . عماد الدين إبراهيم القدسي 4/37. عماد الدين إسماعيل (الملك المؤيد صاحب حماه) 1/ (65) ، 360، 390، 3/ (231) ، 291، 338، 348، 400، 468، 4/ (4) ، 18، 20، 41، 119، 135، 276، 304، 460، 5/391، 6/225، 10/187، 12/432، 13/257. عماد الدين بن الافضل علي 4/179. عماد الدين بن بويه 4/416. عماد الدين الحنفي (القاضي) 12/353. عماد الدين زنكي 4/3، 177، 178، 319. عماد الدين بن الشيرازي (القاضي) 2/484، 3/143، 12/337. عماد الدين الطرسوسي الحنفي (علي بن الطرسوسي) 12/76. عماد الدين بن العفيف 2/ (489) ، 492، 493، 497، 3/20، (41) ، 45، 100، 138، 142، 161، 167. عماد الدين بن كثير 2/ (386) ، 4/290، 6/218. عماد الدين مجلى 7/307. عمار بن الاحوص الكلبي 14/95. عمار بن حمزة بن مصعب 1/ (519) . عمار بن ياسر 1/296، 380، 449، 2/476، 10/88. ابو عمارة (الأمير) 4/303. عمارة بن حمزة بن مصعب 1/498، 8/ (352) . عمارة بن الوليد 1/385. عمارة اليمني (الشاعر) (عمارة بن علي المذحجي) 3/ (570) ، 603، 13/306. عمان بن قحطان 5/18. عمان بن نعسان بن إبراهيم عليه السلام 5/53. عمد شيون (ركن صهيون) 5/309. عمران بن حبيب 5/115.

عمران بن حصين 1/515. عمران بن حطان 2/212. عمران بن عبد المؤمن (أبو موسى) 5/122. ابن عمر 2/500، 6/213، 318، 341، 9/364، 369، 13/211. عمر بن إبراهيم (بهاء الدين الهكاري) 7/309. عمر بن إبراهيم بن أبي جرادة (كمال الدين) 12/439. عمر بن أبي إسحاق بن يوسف (ابو حفص الرتضى) 5/193. عمر بن الأفطس 5/249. عمر بن أبي بكر (ابو حفص) 5/126. عمر البلفياني (زين الدين) 12/375. عمر البلقيني (سراج الدين شيخ الإسلام) 7/ (347) ، 14/119. عمر بن تافركين 5/132. عمر بن حفص (بهزار مرد) 5/ (61) . عمر بن الحكم 4/283. عمر بن أبي الحسين (سراج الدين بن الملقن) 14/ (364) ، 367،. عمر بن الخطاب 1/68، 94، 96، 125، 126، 182، 205، 257، 283، 284، 319، 407، 444، 453، 470، 482، 504، 517، 2/22، 155، 431، 476، 3/14، 254، 264، 266، 285، 286، 328، 374، 482، 4/105، 167، 287، 299، 414، 5/129، 375، 414، 6/41، 260، 336، 372، 468، 7/404، 405، 9/283، 364، 376، 381، 10/196، 11/302، 9/283، 364، 376، 381، 10/196، 11/302، 12/46، 47، 241، 375، 13/6، 21، 44، 113، 118، 119، 127، 230، 233، 356، 381، 14/198، 399. عمر بن أبي ربيعة 1/340، 343، 411، 2/318. عمر بن رسول 4/278. عمر بن زيد بن عبد الله 5/25. عمر بن سعد 13/234، 237. عمر بن شاهنشاه بن أيوب (تقي الدين) 3/391، 4/179، 10/184. عمر الصفدي (زين الدين) 14/311. عمر بن الطحان (ركن الدين) 12/307. عمر بن العادل أبي بكر (الملك المغيث فتح الدين) 4/181، 182. عمر بن عبد الله بن صالح السبكي 4/37. عمر بن عبد الله بن علي 5/194. عمر بن عبد الرحمن بن الحكم 1/502. عمر بن عبد العزيز 1/264، 309، 504، 516، 2/447، 3/54، 263، 324، 331، 484، 4/147، 271، 295، 415، 5/114،

418، 6/213، 340، 377، 9/370، 376. عمر بن عبيد الله بن معمر التميمي 1/514. عمر بن عثمان الكاتب 2/476. عمر بن عريف 4/73. عمر بن العلاء 12/ (387) . عمر بن علي (أبو حفص) 5/132. عمر بن علي (الملك المنصور) 5/29. عمر بن علي بن أحمد الأنصاري 14/369. عمر بن علي بن رسول 5/29، 47، 7/365. عمر بن أبي عمران موسى (ابو حفص) 7/413. عمر بن الفرج الرخجي 1/ (177) . عمر بن فضل (ناصر الدين) 4/70، 7/177. أبو عمر الكندي 1/476. عمر بن محمد (المتوكل ابو حفص ساجه) 5/242. عمر بن محمد الشلوبيني 5/211. ابن عمر المدائني (محمد) 7/129. عمر بن مروان بن الحكم 1/502. عمر بن مسافر (الصدر زين الدين) 4/468، 471، 473. عمر بن المظفر يوسف (الأشرف ممهد الدين) 5/30. عمر بن موسى الحارثي 2/500. عمر بن نفيلة 4/71. عمر بن هبيرة 2/ (259) . عمر بن الواثق بالله (الواثق بالله ابو حفص) 3/281. عمر بن الوليد التميمي 3/ (489) . عمر بن يحيى بن عبد الواحد (ابو حفص) 5/124. عمر بن يحيى بن محمد 5/130، 7/404. عمر بن يوسف بن عمر 7/365. ابن عمران 8/93. عمران بن حصين 1/ (515) . عمرو بن أدد بن طابخة 1/402. أبو عمرو 2/192. عمرو بن إدريس 8/120. عمرو بن الأشنب بن ربيعة 5/42. عمرو بن الياس بن مضر 1/400. أبو عمرو بن أمية الأكبر 1/411. عمرو بن أمية الاكبر 1/411. عمرو بن امية الضمري 1/125، 405، 6/345. عمرو بن الأهتم 1/ (224) ، 225، 517، 14/229. ابو عمرو الباجي 8/ (163) ، 164، 11/244. عمرو بن بحر (الجاحظ، ابو عمرو بن بحر ابن محبوب) 1/529، 2/353، 3/ (221) ، 13/255، 14/196. عمرو بن بكر الخارجي 13/226. عمرو بن تبان اسعد أبي كرب 5/22.

عمرو بن جمالة 3/ (369) . عمرو بن الجموح 1/460. ابو عمرو بن الحاجب 3/ (174) ، 180، 190، 203. عمرو بن الحرث بن مضاض 4/266. عمرو بن حزم 1/125، 9/417، 418، 10/ (7) ، 101، 13/129. عمرو بن حفص بن قبيصة 5/ (115) ، 175. عمرو بن الحمق الخزاعي 14/94. أبو عمرو الداني 1/ (544) ، 3/ (11) ، 13، 14، 155، 157، 159، 162، 166، 14/259. عمرو بن الزبير 6/342. عمرو بن سبأ 1/383، 4/220. عمرو بن سعيد بن العاص (الأشدق) 1/450، 507، 4/270، 299، 14/413. أبو عمرو الشيباني 13/274. عمرو بن العاص 1/94، 126، 383، 407، 503، 517، 2/141، 476، 3/254، 265، 306، 322، 328، 331، 357، 368، 372، 450، 482، 5/266، 366، 446، 6/345، 373، 468، 8/5، 13/129، 225، 226، 236، 238، 323، 14/91، 92. عمرو بن العبد بن أبرهة (ذو الأذعار) 5/20. عمرو بن عبد الله بن أبي عامر (ابو الحكم عسكلاجة) 5/180. أبو عمرو بن عبد البر 3/ (13) . عمرو بن عبد العزى 4/271. عمرو بن عبدود العامري 1/ (406) . عمرو بن عبيد 1/ (565) ، 14/259. عمرو بن عسيلة 1/375. ابو عمرو بن العلاء 1/ (242) ، 2/ (317) . عمرو بن عمرو (ذو اليدين) 5/414. عمرو بن قحزم الخولاني 3/368. عمرو بن قميئة 1/ (344) ، 13/ (208) . عمرو بن قيس بن عمرو 3/373. عمرو بن كلثوم 1/339. عمرو بن كنانة 1/405. عمرو بن لحي (ابو خزاعة) 1/496، (497) . عمرو بن الليث الصفار 1/510. عمرو بن مسعدة (كاتب المأمون) 1/96، 127، 177، 180، 2/ (239) ، 353، 357، 6/265، 9/ (80) ، 128. عمرو بن معدي كرب 1/ (340) ، 343، 379، 2/ (22) ، 148، 14/295. عمرو بن هند 6/ (339) . عمرو بن ود العامري 1/493.

عمرو بن يحيى 4/267. ابن عمرون (شرف الدين) 12/369، 393. ابن العميد 1/475، 2/ (292) ، 5/309، 363، 365، 6/ (18) ، 264. ابن العميد (مؤرخ النصارى) 13/278، 281. العميدي 1/ (550) ، (565) ، 14/259. عمير بن عبد بن عمرو الخزاعي (ذو اليدين) 1/515. ابن عميرة 7/ (39) ، 8/ (152) ، 160. ابو عميرة (رشيد بن مالك) 3/374. ابن عميرة الاندلسي (ابو المطرف) 9/ (310) . ابو عنان بن أبي الحسن المريني 5/127، 193، 7/ (41) ، 104. عنان بن مغامس بن رميثة 4/280. ابو العنبس 1/ (513) . عنبسة بن سحيم الكلبي 5/234. عنبسة الضبي 3/ (490) . عنترة بن شداد العبسي 1/339، 398، 2/244، 296، 322، 4/216، 14/295. عندمار (ملك القوط) 5/231. العنزي (الشاعر) 14/ (200) . عنقاء بن مهنا 4/215، 7/205. عنقاء بن شطي بن عمرو بن نونة 7/206. عنقام (كاهن) 3/468. عنيز بن سلامان بن طيىء 1/377. عواد بن سليمان بن مهنا 4/215. ابن العوام 1/ (555) . أم العوام 6/209. أبو عوانة الإسفرايني 6/211. ابن عوف 11/184. عوف بن ثعلبة 1/357، 4/220. عوف بن الحرث بن المطلب القرشي 14/94. عون بن المنذر 1/ (558) . عون النصراني 13/290. عويف القوافي 2/ (247) . عياش بن السلار 13/245. عياش بن أبي الفتوح الصنهاجي 13/245. عياض (القاضي) 6/358، 361، 11/184، عيساء (جدة السندري) 1/442. ابن عيسى (أبو بكر) 8/ (155) . عيسى بن أحمد اليخشي 7/297. عيسى بن الأسود 5/159. عيسى بن الأس البرسقي التركماني 4/142. عيسى بن أيدين (صاحب أيا سلوق) 8/19. عيسى بن باشاك (صاحب سوبخ) 7/310. عيسى بن أبي بكر بن أيوب 14/44. عيسى بن جعفر بن الحسن 14/102. عيسى الجمحي 3/ (487) .

- غ -

عيسى بن حجاج (شرف الدين) 14/ (379) . عيسى بن حجاج القاهري 1/ (226) . عيسى بن حناس 12/293. عيسى بن ذؤاب بن المتاح 1/284. عيسى بن رملة بن جماز 7/206، 207. عيسى الزواوي (شرف الدين الشيخ) 5/140، 204، 278. عيسى بن زيد بن جماز 4/218. عيسى بن شهاب الدين 4/374. عيسى بن شيحة بن مهنا 4/304. عيسى بن صالح بن علي 14/102. عيسى بن الظافر (الفائر بنصر الله أبي القاسم) 13/240. عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب (الملك المعظم) 4/4، 91، 110، 181. عيسى العالية (الشاعر) 14/380. عيسى بن عرفة 7/397. عيسى بن عمر النحوي 1/65، (209) ، 2/256، 257. عيسى بن قاسم بن أبي فليتة 4/276. عيسى بن محمد بن ربيعة 4/213. عيسى ابن مريم (عليه السلام) 3/307، 431، 4/100، 5/414، 6/43، 220، 11/390، 12/422، 13/211، 269، 274، 314، 331. عيسى بن المظفر داود (الظاهر) 4/320. عيسى بن منصور الجلودي 3/489، 490. عيسى بن مهنا بن ماتع 4/211، 213. عيسى بن موسى الخراساني 5/115. عيسى بن الناصر داود 4/181. عيسى بن نسطورس 3/ (562) . عيسى النوشري 3/ (376) ، 493. أبو العيص بن أمية الاكبر 1/411. العيص بن أمية الأكبر 1/411. أبو العيش 5/178. عيصو بن اسحاق بن إبراهيم 5/361. ابن أبي العيناء 1/77. أبو العيناء (هشام بن معاوية) 1/ (512) ، (521) . أبو العيناء (محمد بن القاسم بن خلاد) 9/ (75) ، 217. ابن عيينة 6/212، 13/212. أبو عيينة 1/ (341) . عيينة بن حصن 1/510. - غ- غابيش قليقة بن أكتبيان 5/364. غابيش قيصر 5/364. غازان (صاحب ايران) 5/344، 6/329، 10/ (185) . غازي بن جبريل 5/29. غازي جلبي 5/332. غازي بن زنكي 1/474. غازي بن العادل (الملك الظاهر) 4/321.

غازي بن علي شير التركماني 4/321. غازي بن عماد الدين زنكي 4/4، 7، 41، 121. غازي بك محمد بن أبي بكر ب ن أيوب 10/106، 115. غازي بك بن يوسف بن أيوب 10/151. غالب بن راجح بن قتادة 4/278. غالب بن فهر 1/406. غالش قيصر 5/369. غاليوس (من ملوك الروم) 3/479، 5/369. ابن غانم (أبو جعفر بن المقسي) 5/15، 36، 50. غانم بن سنان 4/218. ابن غانية (علي بن يحيى) 5/122، 250. ابن غانية (عبد الله بن إسحاق) 5/ (187) . غبريال (أبو العلاء صاعد) 5/306. غبريال (بطرك) 5/304. أبو غيشان الخزاعي 1/409، 532، 4/268، 269. ابن غراب (سعد الدين) 11/86. أبو الغرانيق 5/117. غرديان بن بلنسيان قيصر 5/368. غرديانوس قيصر 5/368. الغرس بالو 7/312. غرس الدين خليل الناصري 12/291. غرس الدين الطناحي 12/292، 431. غرسيدون بن بدرسان 2/469. غرسية بن شانجة 6/84. غرسية بن فردلند 5/256. غرلو العادلي 12/6. غرناق بن عنقام الكاهن 3/468. غرنيطا قيصر 5/370. الغريض (أبو زيد عبد الملك) 6/ (541) . الغزالي 1/521، 2/ (41) ، 143، 487، 5/ (132) ، 450، 6/266، 12/38، 43، 365، 13/355، 14/9، 259. ابن الغزولي (تاج الدين) 11/355. غسيل الملائكة (حنظلة بن أبي عامر الانصاري) 1/515. أبو الغصن جحا 1/ (513) . غطريف بن قدامة الغساني 2/60. غطسة (من ملوك القوط) 5/231. ابن الغلاس 5/216. غلياش قيصر 5/465. غليوش قيصر 5/369. غنام بن الظاهر 4/210، 238. الغنوي 13/115. غياث الدين (صاحب الروم) 14/170، 175. غياث الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم (ابن الممدوح) 12/291. غياث الدين (صاحب هراة) 7/295. غياث الدين (محمد بن سام بن الحسين) 4/447.

- ف -

غياث الدين (مسعود بن ملكشاه) 6/437. غياث الدين غازي (الظاهر) 4/177. غياث الدين بن قليج ارسلان 5/341. غياث الدين الكججي 7/314. غياث الدين كيخسرو 5/341، 342، 343. أبو الغيث بن أبي نمي 4/278. الغيداق بن عبد اللطيف (المقوم) 1/413. غيلان الدمشقي 1/ (529) . غيلان بن أبي سلمة بن معتب الثقفي 1/ (440) . - ف- فاتك بن جياش بن نجاح 5/27. فاتك بن محمد بن فاتك 5/27. فاتك بن منصور بن فاتك 5/27. فاخر الدوادار (افتخار الدين) 8/74. فاختة بنت جعفر بن كلاب 1/442. الفارابي 1/ (539) ، 11/375. ابن فارس 1/ (187) ، 539، 2/ (54) ، 95، 14/259. فارس بن حاتم 2/502. فارس بن طيراش بن اشور 1/423. أبو فارس عثمان 5/197. فارس بن عيسى 14/272. فارس بن لاوذ بن سام 1/423. الفارسي (أبو علي) 12/ (347) . فارق بن مصر بن بيصر 3/352. الفارقي (شهاب الدين) 6/140. فاطمة بنت أسد 1/280. فاطمة بنت الحسين بن علي 1/280، 500. فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/155، 287، 412، 490، 500، 3/381، 4/38، 6/32، 11/161، 13/9، 231، 233. فاطمة بنت عمرو 1/278. أبو فاطمة الليثي 5/408. الفاكه بن المغيرة المخزومي 1/454، (511) . فاكه بن النعمان 13/125. الفاكهاني (تاج الدين) 1/547. فائد (أبو زياد) 13/125. فائد بن مقدم 4/72، 7/ (176) . الفائز الفاطمي 1/407، 3/495، 13/240. فالوس بن توطيس 3/475. فتاة بني عمير 14/ (207) . فتح الله (المقر الفتحي) 1/134. أبو الفتح البستي 2/ (474) . الفتح بن خاقان 1/ (143) ، 452. أبو الفتح العبسي 1/ (342) . أبو الفتح كشاجم 1/ (185) ، 191، 342، 2/ (95) ، 441.

الفتح بن ميمون 5/161. أبو الفتح يانس الحافظي 9/300. فتح الله العجمي 14/ (224) ، 227. فتح الدين بن سيد الناس اليعمري 1/ (430) . فتح الدين بن الشهيد 12/ (89) . فتح الدين عمر (الملك المغيث) 4/173، 182. فتح الدين فتح الله (القاضي) 11/231. فتح الدين بن محيي الدين بن عبد الظاهر 1/131، 138، 7/264، 13/312، 339. أبو الفتوح برجوان الخادم 3/ (562) . الفتوح بن دوناس 5/182. فتيان بن سبيع بن بكر 14/ (358) . ابن الفخار 1/232. الفخر بن عيسى الموصلي 8/66. فخر الدولة بن بويه 8/ (141) ، 10/3، 13. فخر الدولة بن جهير 10/ (242) . فخر الدين (كاتب المماليك) 14/424. فخر الدين (أخو جمال الدين ناظر الخاص) 11/340. فخر الدين (وزير الروم) 14/170. فخر الدين داود 4/320. فخر الدين الرازي (الامام) 1/520، (541) ، 544، 565، 4/372، 14/259. فخر الدين الزابي (صاحب زاب) 7/311. فخر الدين الشافعي 14/392. فخر الدين بن أبي شاكر 11/ (347) . فخر الدين بن الشيخ 4/278. فخر الدين بن قروينة 7/201. فخر الدين بن لقمان 1/131، 8/39، 10/100، 115. فخر الدين المصري 12/362، 371. فدك بن حام 4/295. ابن الفرات الكاتب 14/ (312) . فراسياب بن شنك بن رستم 7/315. فراسياب بن طوج 4/410، 6/37. فرانك (من ملوك الفرنج) 7/125. فراكس (صاحب السرب) 13/326. الفراء 1/ (184) ، 211، 212، 2/189، 389، 3/ (13) ، 177، 191، 211، 5/419، 421. فرج بن اسماعيل بن يوسف بن نصر 5/252. أبو الفرج الاصفهاني 1/519. أبو الفرج الببغا 1/ (342) ، 2/ (184) ، 6/486، 9/24، 34، 35، 47، 45، 49، 52، 54، 55، 62، 65، 77، 78، 97، 124، 134، 144، 171، 184. فرج بن برقوق 3/ (281) ، 300، 302، 460، 507، 4/174، 178، 181، 287، 7/177، 321،

344، 350، 382، 436، 8/105، 125، (139) ، 145، 146، 9/249، 11/86، 152، 174، 410، 13/41، 14/115، 118. فرج الحافظي (أبو الحسن) 10/471. فرج بن حية 4/211. أبو الفرج بن زرعة (مرقص) (بطرك) 5/307. فرج القوي التاجر 5/313. فرج بن نصر (أبو الوليد) 11/13. أبو الفرج بن أبي هاشم 13/64. أبو الفرج يعقوب بن كلس 3/402. فرخ زاد خسرو 4/414. فرخ زاد بن مسعود بن محمود 4/447. فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب (عز الدين) 4/172. فردلند بن البيطبين 5/257. فردلند قومس 5/255. الفرزدق 1/319، 340، 2/209، 239، 268، 284، 298، 317، 344، 14/153، 382. فرسون بن قليمون (متملك مصر) 3/472. فرطانوس قيصر 5/368. فرعون 1/478، 2/393، 3/252، 305، 333، 363، 13/261. فرعون الأعرج 3/475. الفرغاني 1/ (561) . ابن الفرفور (بهاء الدين) 12/444. الفرهودي 14/150. فروفش قيصر 5/370. ابن أبي فروة 2/ (219) . فروة بن عمرو الجذامي 6/354. فرويس قيصر 5/370. فرويلة بن أذفونش 5/254. الفزاري 3/ (485) . فضالة بن عبيد الانصاري 3/374. فضل (الساعي) 1/162. فضل (من عقب جماز) 4/305. أم فضل 10/136. الفضل بن أحمد (أبو جعفر) 1/ (66) ، 73. ابن فضل الله العمري (المقر الشهابي) 1/424. أبو الفضل بن أبي بكر (أبو العباس) 5/127. أبو الفضل جعفر (المتوكل على الله) 3/271. أبو الفضل جعفر بن المعتضد (المقتدر بالله) 3/273. الفضل بن حبيب 5/116. فضل بن حجي 4/269، 7/208. أبو الفضل بن أبي الحسن 5/127. الفضل بن دكين 1/ (143) . الفضل بن الربيع 1/69، 13/214، 269، 290، 14/102، 105.

- ق -

فضل بن ربيعة 4/211. الفضل الرقاشي 14/ (201) . الفضل بن روح 5/175. فضل بن سمح بن كمونة 4/71. الفضل بن سهل بن عمرو بن مسعدة 1/69، 482، 2/ (235) ، 357، 3/17، 5/415، 6/ (473) ، 8/ (132، 133، 150، 9/ (412) ، 14/141، 227. أبو الفضل الشيرازي 7/86. الفضل بن صالح العباسي 3/ (487) . أبو الفضل الصوري 1/ (93) ، 95، 100، 139، 146، 165، 3/571، 6/ (189) ، 195، 203، 205، 8/319. أبو الفضل العباس بن المتوكل 1/503، 504، 3/281، 9/179. فضل بن عمرو بن نونة 7/206. أبو الفضل بن العميد 1/127، 6/264. فضل بن عيسى 4/212، 215، 7/204، 12/118. الفضل بن محمود 6/408. الفضل بن المقتدر بالله (المطيع لله) 3/274. الفضل بن هارون 3/ (104) . الفضل بن يحيى 1/519، 5/124، 14/102، 227. ابن فضل الله المقر العلائي 2/ (485) ، 486، 3/42. فضيل بن عياض 1/ (517) . فلبو (بطرك) 5/296. فلديفش بن لوغوس 5/361. فلسطين بن كلثوم 4/92. فلفش قيصر بن أوليان 5/368. فلك الدين عبد الحميد 5/336. فلوديش قيصر 5/364، 369. ابن فلوس المارديني 1/ (562) . أبو فليتة بن قاسم بن محمد 4/277. الفنش (ملك الفرنج) 5/220. فهر بن مالك 1/405. أبو الفوارس ختور التركي 7/119. فودينش قيصر 5/368. فوز (محبوبة العباس بن الأحنف) 2/231. فياض بن مهنا 4/214. فيتاغورس 13/300. فيد بن حام 4/295. فيرخان بن قراجا 4/178. فيروز الديلمي 5/25، 44. فيروزشاه 5/87، 7/ (402) . فيروز بن عضد الدولة 6/569. فيروز بن يزدجرد 2/447، 4/413. فيلاياوس (بطرك) 5/305. فيلبس (أبو الاسكندر) 5/360، 6/230. فيلبس (من الحواريين) 6/90، 13/275. - ق- قابوس الخراساني 1/ (314) .

قابيل بن أدم 2/393، 3/387، 13/254. القادر بالله (أبو العباس) أحمد 3/275. القادر بن ذي النون 4/415، 5/245. ابن قادم النحوي 1/ (207) . ابن قادوس (محمود بن اسماعيل) 8/ (330) ، 332، 14/ (306) . قارا بن مهنا 7/204. قاروش قيصر 5/370. قارون 1/486. قاريوش قيصر 5/370. ابن القاسم 1/ (540) ، 11/184. أبو القاسم (محمود الزمخشري) 4/ (453) . أبو القاسم (ابن أم قاسم) 3/ (184) . أبو القاسم أحمد (المستنصر بالله) 3/277. أبو القاسم الإخشيد 3/493. أبو القاسم البغوي 3/ (365) . أبو القاسم بن بنون 5/136، 144. أبو القاسم تمام بن محمد 4/ (94) . أبو القاسم التنوخي 2/ (440) . القاسم الحريري (أبو محمد) 14/125. القاسم بن حمود بن ميمون 5/154، 237، 238. أبو القاسم خلوف بن شعبة 2/503. أبو القاسم بن خلوف 3/ (79) ، 139، 140. أبو القاسم الخوارزمي 14/145. أبو القاسم الرافعي 14/369. القاسم بن الربيع 14/102. القاسم بن ربيعة 1/ (309) . القاسم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/500. القاسم الرسيّ بن إبراهيم طباطبا 5/45. أبو القاسم الزجاجي 1/187، 3/513. القاسم بن سلام الهروي (أبو عبيد) 1/ (184) . أبو القاسم بن السمح 1/ (562) . أبو القاسم السهيلي 1/512. أبو القاسم الشاطبي 1/512. أبو القاسم بن الضحاك الهمذاني 5/46. أبو القاسم الطبراني 1/ (518) . أبو القاسم عبد الله (المستكفي بالله) 3/274. القاسم بن عبد الله 6/403، 520. أبو القاسم بن أبي عبد الله محمد الغافقي 5/157. أبو القاسم بن عبد العزيز 2/487. القاسم بن عبيد الله بن طاهر 4/303. أبو القاسم بن عبيد الله المهدي 5/178. أبو القاسم العزفي 5/155. أبو القاسم بن عزيز 2/470. القاسم بن عيسى العجلي 4/373. أبو القاسم الفضل (المطيع لله) 3/274. قاسم بن أبي فليتة 4/276. القاسم بن قيس بن عمرو 3/373. أبو القاسم الكرخي 6/16. أبو القاسم الكسائي (علي بن حمزة) 3/ (177) .

قاسم بن محمد بن جعفر 4/276. القاسم بن محمد بن القاسم 5/239. القاسم المختار 5/46، 7/358. القاسم بن مخيمرة 1/ (208) . ابن أبي القاسم المصري (عبد الخالق) 3/ (22) . أبو القاسم المطرز 2/ (451) . أبو القاسم المقري 1/314. القاسم بن مهنا 4/304، 307. القاسم بن هاشم بن أبي فليتة 3/606. القاضي الأرجاني 1/350. القاضي التنوخي 4/408. القاضي خان (حسن بن منصور) 12/77، (78) ، 355. القاضي الرشيد 1/ (196) . القاضي عبد الوهاب 1/ (552) ، 11/184. القاضي عياض 1/ (547) ، 11/184. القاضي الفاضل (عبد الرحيم البيساني) 1/ (70) ، 130، 271، 323، 324، 520، 2/ (208) ، 269، 270، 4/76، 5/465، 6/299، 504، 7/ (22) ، 114، 121، 8/ (171) ، 284، 9/ (399) ، 10/4، 80، 92، 351، 356، 360، 368، 382، 432، 454، 466، 12/188، 329، 13/75، 85، 110، 140، 142، 14/309. قاضي القضاة الدامغاني 13/356. قاقلة بن بلاية بن قاقلة 5/254. قالنطيانوس (من ملوك الروم) 3/480. القالي (أبو علي) 9/ (110) . أبو القان أويس 4/319. قانبيه (الأمير) 14/116. قاني باي الخاصكي 7/ (344) . قاني بك خان 4/471. قاني بيه الناصري 7/349، 351. القاهر بن المعتز 1/505، 510، 4/415، 6/341. القاهر بالله (محمد بن المعتضد) 3/273. قايماز 4/177. القائم بأمر الله العباسي 1/505، 3/275، (293) ، 4/275، 415، 5/119، 6/16، 10/30، 242، 304. القائم بأمر الله بن عبيد الله المهدي 13/239. القائم الفاطمي 5/103. القائم بن القادر العباسي 5/120. قباذ (من ملوك الفرس) 13/298. قباذ بن فيروز 4/413. قبجق (سيف الدين) 4/179. قبط بن حام بن نوح 1/414. قبطيم بن مصر بن بيصر 3/470. قبلي خان 4/313، 483. قبيصة بن نعيم 2/228.

القبيصي 1/ (556) . قتادة 6/326، 13/267. قتادة بن ادريس بن مطاعن 4/277. قتادة بن دعامة 1/ (511) . قتادة بن قيس بن حبشي الصدفي 3/381. قتادة بن النعمان (ذو العين) 1/515. ابن قتيبة 1/175، (185) ، 538، 2/22، (23) ، 32، 91، 139، 163، 182، 388، 442، 500، 3/ (169) ، 172، 173، 176، 183، 186، 189، 194، 197، 200، 203، 214، 217، 219، 4/292، 5/466، 6/11، 60، 9/ (376) ، 14/141. قتيل الجن (سعد بن عبادة) 1/515. قثم بن عبد المطلب 1/413. قجا السيفي بوطا 12/361. ابن أبي قحافة 9/ (375) . قحافة بن عوف بن الأحوص 1/441. قحذم بن هشام القحذمي (جد الحجاج) 1/69. قحطان بن عابر بن ارفخشد 5/18. ابن قحطان بن عابر بن شالخ 4/266. قحطبة بن شبيب الطائي 1/ (140) . القداح 13/243. ابن قدامة 1/553، 12/368. قدامة بن جعفر الكاتب 2/ (14) ، 314، 11/300، 301، 14/141. القدري 11/ (179) . القدوري 12/ (355) . ابن قديد 3/332. قرا أرسلان 4/35. قراسنقر الأفرم 4/179، 7/338، 10/ (185) ، 12/ (118) ، 147. قراسياب التركي 2/452. القرافي 1/ (548) . قراقوش الأسدي الرومي (بهاء الدين) 3/399، 421. قرا يوسف بن قرا محمد 7/342، 355. القرطبي 1/ (544) . قرعوية (صاحب حلب) 4/170، 174. ابن قرمان 4/142. ابن قرمان (صاحب أرمناك) 8/17. قرماي 4/483. القرمطي التركي 6/421. قرة بن شريك العبسي 3/383، 386، (484) . قرواش 1/396. قروقوس (من ملوك الروم) 3/479. ابن قروينة 7/201. ابن قريب 14/ (218) . قريش (ملك) 1/396. ابن القرية 1/ (519) ، 6/ (319) . القزويني 2/ (56) ، 70، 82، 8/38. القزويني الخطيب (جلال الدين) 11/ (258) .

قس بن ساعدة الايادي 1/ (224) ، 255، 271، 390، 479، 517، 6/ (222) ، 315، 11/ (138) ، 362، 12/ (188) ، 14/143، 229، 382. قس بن مروان بن الحكم 1/502. قس بن منبه بن بكر 1/397. قسام الحارثي 4/ (170) . ابن القسطلاني 2/ (162) . قسطنطين (ملك الروم) 2/63، 4/105، 413، 5/297، 13/278. قسطنطين بن ارمنوس 5/379. قسطنطين الاصغر بن قسطنطين 5/371. قسطنطين بن بينير 14/24. قسطنطين بن قسطنش 5/370. قسطنطين بن فلفط 5/376. قسطنطين بن لاون 5/376. قسطنطين المظفر 3/ (480) . قسطنطين بن هرقل 5/375. قسطنطين بن هيلاني 2/457، 5/358، 13/291. قسطينو بن قسطنطين 5/375، 13/285. قسيم الدولة اقسنقر 4/176. قسيما (بطرك) 5/301، 303. قشتمر المنصوري 4/186، 214، 5/31، 8/33، 13/349. قصي بن كلاب 1/409، 466، 479، 485، 4/256، 268، 282. القضاعي 1/ (125) ، 137، 246، 387، 3/ (295) ، 296، 305، 308، 319، 326، 331، 349، 356، 367، 380، 382، 407، 443، 5/422، 425، 6/226، 234، 10/147. القضاعي المصري 1/367. ابن القطاع 1/ (542) . قطام (زوجة عبد الرحمن بن ملجم) 13/231. ابن القطامي 4/115. القطامي 1/340. قطب الدين أحمد 14/182. قطب الدين ألبي 4/320. قطب الدين أيبك 5/85. قطب الدين السبكي 12/379. قطب الدين عبد الكريم 11/ (240) . قطب الدين بن قليج أرسلان 5/341. قطب الدين محمد بن تكش 4/470. قطب الدين بن المكرم 17/56. قطرب 2/ (401) . قطر الندى بنت المعتضد 14/347. قطري بن الفجاءة 1/ (268) . قطز (الأمير) 1/131، 10/142. قطز (الملك المظفر صاحب اليمن) 3/498، 4/174، 178، 7/ (385) ، 8/64، 10/185، 186.

قطلقتمر 4/471. قطلقتمش السلحدار الناصري 12/202. قطلمش بن إسرائيل بن سلجوق 5/340. قطلوبغا بن أيناق 6/415، 417. قطلوشاه 4/381. القطن بن حازم المؤتفكي 3/358. قطن بن عبد عوف الهلالي 1/490. ابن القف 1/ (554) . القفّال 12/ (38) ، 43. ابن القفصي (علم الدين) 12/356. قفط بن قبط 5/17. قفط بن قبطيم بن مصر 3/434، 470. قفطريم بن قفط بن قبطيم 3/362، 470. ابن قلاقس 1/342، 14/ (307) . ابن القلاقسي (أبو يعلى حمزة) 7/179. ابن القلاقسي (سالم) (شرف الدين) 12/390،. قلان 4/311. قلاوون الصالحي (الملك المنصور) (سيف الدين) 3/499، 5/380، 8/ (66) ، 9/ (428) ، 10/10، 183، 13/172، 224، 293، 312، 14/56، 88. قلديوس (من ملوك الروم) 3/471، 479. قلوباظر بن فلديفش 5/361. قلوبطرا 3/477، 4/167، 6/231. قلوماظر بن ابيفانش 5/361. قليب المعتزلي 1/331. قليج أرسلان بن مسعود (ركن الدين) 5/340، 341، 345. قليج أرسلان بن محمد بن عمر 10/185. قليج بن لاون 8/30. قليفة بن اكتبيان 5/364. قليمون (من ملوك مصر) 3/471. القمط بن هنشة 5/259. القمولي 1/ (551) . القمي 1/ (349) . قنارة بن فضل بن عيسى 4/214. قناة بن حارث 4/215. قناة بن نجاد 12/132. قنبر (خادم المستنصر) (سعيد السعداء) 3/417. قنبر (مولى علي بن أبي طالب) 5/422. قنطل قيصر 5/369. قنيتا بن سليمان 5/285. قهويل بن ناحور بن تارخ 1/425. قوام الدين بن صدقة (الوزير) 7/ (78) ، 81. قو بن السلطان ماري جاظة 5/282. قوروش قيصر 5/370. قوسون (أتابك العسكر) 4/180. قوصون (الأمير) 6/415، 10/186. قوصون الساقي 7/317. قوط بن حام بن نوح 1/423. قوطنجوس (من ملوك الروم) 3/479. قوقاص قيصر 3/480، 5/373.

- ك -

القومس 4/180. القومط (ملك الفرنج بطرابلس) 6/438. قومودوس (من ملوك الروم) 3/479. ابن القويع 5/109، 133، 138. قيدار بن اسماعيل 4/267. قيدو بن قاشي بن يكبوك 4/448. قيران العلائي 14/167. قيس (عبد مرجان) 5/26. قيس بن الحارث 1/426. قيس بن خارجة 2/363. قيس بن الخطيم 1/339، 2/ (213) . ابن قيس بن رفاعة الانصاري 1/ (259) . قيس بن زهير بن جذيمة العبسي 1/528، 11/ (362) . قيس بن سعد الخزرجي 3/483. قيس بن سعد بن عبادة 1/514، 3/372، 5/251، 7/440. قيس بن أبي العاص السهمي 1/475. قيس بن عاصم السعدي 1/426، 434. قيس بن عاصم المنقري 1/460، (495) . قيس بن عبد يغوث المرادي 5/25، 44. قيسبة بن كلثوم التجيبي 3/382. ابن القيسراني (شمس الدين إبراهيم) 10/58، 11/ (340) . ابن القيسراني (عبد الله بن محمد) 10/ (4) . القيسراني 2/ (335) . قيصر 1/377، 2/60. قيصر بن قوق 3/ (481) . قيصر بن قيصر 3/481، 5/374. قيصر بن مورق 5/374. القيصراني 1/ (556) . - ك- الكاتب البوسعيدي (نظام الدين بن الحكيم الطياري) 4/483. ابن كاتب المرج 14/311. الكاتبي 14/259. كاثر بن إرم بن سام 1/421. كاجوك (محمد) صاحب انطاليا 8/17. كاسيبويه (القاضي المؤتمن) 1/130. الكاشي 1/ (565) . كافور الاخشيدي 3/ (307) ، 390، 393، 407، 493، 4/169، 302. أبو كاليجار بن سلطان الدولة (شمس الملة) 4/417. أبو كاليجار بن عضد الدولة (صمصام الدولة) 6/382، 8/342، 14/106. الكامل بن شاور 3/599. الكامل بن العادل ايوب 3/428، 6/489. الكامل بن العاضد 3/405. الكامل محمد (صاحب مصر) 4/172. كاووش (صاحب باب الحديد) 7/301.

كبيشة بن منصور 4/305. كتبغا (الملك العادل) 1/131، 2/ (111) ، 3/500، 4/213، 10/ (46) ، 185، 12/6، 13/96، 97. ابن كثير (الشيخ عماد الدين) 1/ (242) ، 3/15، 4/290، 6/218، 326، 11/244، 12/372، 392. كثير عزة 1/340، 509. كجك بن الناصر محمد (الملك الاشرف) 3/501، 6/415. كجكيا الجاشنكير (سيف الدين) 14/181. كداي (ابن جنكيزخان) 4/312. ابن أبي كدينة 3/ (561) . كراع 1/ (538) . كراي (الأمير) 7/281. كرتيانو (بطرك) 5/296. الكرجي 9/ (50) . كرجي بك (صاحب سكراك) 7/309. كرجي خاتون بنت غياث الدين 14/170، 179. الكرخي 1/ (559) ، 6/16. كردويه 6/382، 383، 8/343. كرشاسف (من ملوك الفرس) 4/410. الكركي (علاء الدين) 6/212، 9/ (71) . كرلس (بطرك الاسكندرية) 13/283. الكرماني 1/ (547) ، 555. كرمنش بن مرسية 5/362. كرميخائيل الدوقس 14/88، 89، 90. كرنبس (ملك دنقلة) 5/267. كريب بن نمر الأزج 5/42. ابن كريون 5/384. الكسائي 1/ (242) ، 2/ (96) ، 495، 3/ (177) ، 192، 216، 5/421، 11/244، 246، 12/418، 14/259. الكسائي (أحد القراء السبعة) 4/372. كستندين بن هتيوم 8/33. كسرجوس الفارسي 3/359، 476. كسرى 1/124، 125، 377، 432، 3/370، 14/277. كسرى (ملك الحيرة) 9/ (193) ، 352. كسرى ابرويز 1/448، 4/445، 5/373، 6/284، 345، 363. كسرى انوشروان 1/482، 516، 2/43، 60، 5/24، 6/38، 79. كسرى بن مهرخشنش 4/414. كسرى بن يزدجرد 4/413. كشاجم (أبو الفتح) 1/199، 2/293. كشلوخان 4/311. ابن كعب 12/417. كعب الأحبار 2/387، 3/ (306) ، 319، 449، 4/ (263) . كعب بن زهير 1/339، 402، 3/290، 6/112. كعب بن عبيد الله 6/280. كعب بن علية (أبو اليسر) 6/ (322) .

كعب بن لؤي 1/255، 407، 2/389، 6/222. كعب بن مالك 6/323. كعب بن مامة 1/516. كك (مبارز الدين) 7/307. كلاب بن مرة 1/409. كلا بطرة (ملكة مصر) 5/304. كلا بطرة بنت دنوشيش 5/361. الكلاع بن شرحبيل 3/371. كلب بن وبرة 1/362. ابن الكلبي 1/361، 417، 424، 3/12، 4/252، 5/4، 20. الكلبي 1/ (517) ، 2/513، 6/208. ابن الكلبي الصغير 1/517. كلبي بن ماجد بن بدران 7/397. أم كلثوم بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم 12/241. كلثوم بن عياض 5/ (114) ، 174. الكلستاني (محمود) المقر البدري 9/ (23) . كلكن بن حريا 3/472. كلمش (والدة بولاد) 7/314. كلوتيانو (بطرك) 5/297. كليب بن ربيعة 1/446، 528. كليكرب بن تبع الأقرن 5/22. كليوباترة 3/477. كمال الدين (الشيخ) 2/381. كمال الدين (عارض الجيش) 14/182. كمال آغا (كمال الدين) 14/118. كمال الدين (حفيد القرطبي) (الشيخ) 2/381. كمال الدين بن الأثير 9/227. كمال الدين بن سوار 8/3. كمال الدين الشيباني 1/ (551) . كمال الدين عبد الرحمن (الشيخ) 7/260، 8/67. كمال الدين بن العديم 4/ (139) . كمال الدين محمد بن الزملكاني 5/50. كمال الدين النشائي 14/368. ابن كمونة 1/ (558) . الكميت 14/154. الكميت بن زيد الاسدي 1/340، 382، 513. ابن كناسة 2/ (190) . كنجك بن براق 4/448. الكندي (يعقوب بن إسحاق) 1/ (223) ، 425، 2/113، 121، 3/ (306) ، 331، 341، 364، 380، 5/359. الكندي (المقنع الكندي) 14/ (217) . كنعان بن حام بن نوح 1/422، 424. كنعان بن مازيع بن حام 4/164. كهلان بن حمير بن عبد شمس 5/18. كوش (ملك الفرس) 4/167. كورك بن إبراهيم 4/378. كدش بن حام 1/422. كوشيار الحكيم الجيلي 1/ (556) ، 4/ (255) ، 380.

- ل -

كومر بن يافث بن نوح 1/426. كيبستاسف (من ملوك مصر) 3/475، 4/411. كيتم بن ياثان 5/361. كيختو بن ابغا بن هولاكو 4/418. كيخسرو بن سياووس بن كيكاؤوس 4/411. كيرلس داود لقلق (بطرك) 5/298، 306، 307. ابن كيسان 3/ (211) . كيستاسف السابع 13/294. كيغلدي العلائي 4/181. كيغلغ 4/177. كيقياذ (علاء الدين) 14/182. كيقباذ بن زو 4/411. كيكاوس بن قليج ارسلان 5/342. كيكاؤوس بن كينيه بن كيقباذ 4/411. كيهراسف (ابن أخي كيكاؤوس) 4/411. كيوك بن براق 4/448. كيومرت (جيومرت) (من ملوك الفرس) 2/450، 13/294. كيومرت بن آدم 5/450. - ل- لاجين الابراهيمي (الملك المنصور، حسام الدين) 1/131، (239) ، 3/ (278) ، 5/344، 8/31، 10/ (52) ، 185، 12/ (28) ، 301. لاجين بن عبد الله المنصوري (انظر لاجين الابراهيمي) . لاطس بن اقساس 3/474. لاون بن يوطيانس 5/375. لاون قيصر (الصغير) 5/372. لاون الكبير (من ملوك الروم) 3/480، 5/372. لاوي بن يعقوب عليه السلام 13/275، 316. لاوي بن اليون 5/378. ابن اللبان (الشيخ شمس الدين) 3/389. لبيد بن أبي ربيعة 1/339، 437، 441، 442، 2/214، 5/446. لبيد بن ربيعة 8/ (84) ، 14/312. اللثامي (محمد بن محمد) (أبو الطواجن) 5/155. ابن اللحياني 8/93. لخيعة بن ينوف ذوشناتر 5/23. لذريق (من ملوك القوط) 5/220، 230، 232، 8/35. لسان الدين بن الخطيب 6/458. لطين بن يونان 5/361. لقاش بن تودس 3/474. لقشان بن إبراهيم الخليل 1/414. ابن لقلق (داود بن يوحنا) 5/307.

- م -

لقمان الحكيم 5/266، 12/226، 13/300 ابن لقمان (فخر الدين إبراهيم) 10/ (5) ، 100، 101. لقمان بن حمير بن سبأ 1/414. لقمان بن عاد بن عاديا 5/17، 14/336. لقمان بن عمرو بن قيس 5/19. لقيط بن زرارة 1/448. لقيم بن لقمان بن عاد 5/18. أبو لهب (عبد العزي) 5/407. أبو لهب بن عبد المطلب 1/413، 513. ابن لهيعة 3/ (308) ، 351، 386. أبو لؤلؤة المجوسي 3/264. لؤي بن غالب 1/406، 13/183. لوبيلذة (من ملوك القوط) 5/231. لوجيم (من بني نقراوس) 3/468. لوري (من ملوك القوط) 5/231. لوط (عليه السلام) 6/110. لوط بن يحيى (أبو مخنف) 6/208. لوقا الانجيلي (من الحواريين) 13/275، 316. لوقيوش (بطرك) 5/297. لوكيوش قيصر 5/368. ابن الليث (محمد) 9/ (217) . الليث البيوردي 3/488. الليث بن سعد 1/476، 2/ (61) ، 3/382، 386، 458، 4/39، 255، 366، 6/213، 11/248، 12/417، 13/262. الليثي (نصر بن عاصم) 3/ (155) . ليشرح ذو الملك بن ودب 5/43. ليفور بن أوشير 8/32. ليفون (ملك الأرمن) 7/394. ليلى (امرأة من عقيل) 2/318. ليلى الاخيلية 1/ (340) . ليلى بنت ثعلبة بن حلوان 14/ (152) . ليوبه (من ملوك القوط) 5/231. ليون بن شميخلية 5/372. - م- ماتع (من عقب جماز) 4/305. ماتع بن حديثة بن عقبة 4/210، 213، (238) . ماجد بن مقبل 4/305. ماجكس 5/153. ابن ماجه 1/545، 2/78، 6/211. ماح بن مصر بن بيصر 3/352. ماروت 4/331. ماري جاظة منسا (ملك السودان) 5/282، 285. ماريقوس 3/480. ماريقوس الثاني 3/480. مارية (أم النور، انظر مريم العذراء) . مارية القبطية (أم إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم) 1/30، 3/304، 373، 433، 4/294.

المازري المالكي 1/ (553) ، 5/ (345) . المازني (أبو عثمان، بكر بن محمد) 3/171. المازني 14/149، 240. ماشح بن يافث بن نوح 1/425. ماضي بن مقرب 1/394. ماغوغ بن يافث بن نوح 1/423، 426. ماكان بن كاكي الديلمي 4/ (416) . ابن مالك 1/197، 213، (539) ، 2/ (77) ، 3/ (190) ، 6/236، 14/240. مالك (من ملوك اليمن) 1/367. مالك بن أبرهة (ذو المنار) 5/ (10) . مالك بن أدد بن زيد 1/378. مالك بن أسماء 1/ (211) . مالك بن الأشتر النخعي 10/ (10) . مالك بن أنس الأصبحي (الامام) 1/ (205) ، 309، 478، 518، 529، 4/36، 294، 6/ (279) ، 11/184، 185، 191، 236، 12/52، 238، 13/116. مالك بن أيفع 2/262. مالك بن التيهان الانصاري 5/414. مالك بن جعفر 1/439. مالك بن الحارث النخعي 3/483. أبو مالك الحضرمي 3/147. مالك بن حمير 1/367. مالك بن دلهم الكلبي 3/488. ابن مالك الطائي (محمد بن عبد الله) 12/ (350) . مالك بن طوق 4/94، 119. مالك بن كعب الهمداني 14/95. مالك بن كنانة 1/405. مالك بن كيدر 3/490. مالك الموقعي 4/219. مالك بن نمط (أبو ثور) 2/262، 6/360. مالك بن نويرة 1/528. مالوس بن توطيس 3/475. ماليا (من ملوك مصر) 3/472. ماليق بن تدراس 3/472. ماماي 4/471، 7/328. المأمون (عبد الله بن هارون الرشيد) 1/72، 96، 141، 502، 504، 519، 2/477، 3/17، 262، 270، 490، 4/138، 142، 415، 6/335، 341، 9/ (80) ، 128، 370، 379، 411، 12/56، 13/62، 14/97، 103، 346، 414. المأمون بن البطائحي 3/ (333) ، 336، 395، 403، 409، 411، 417. المأمون بن ذي النون 5/244. المأمون بن المعتمد بن عباد 5/249. مانع بن بدران 7/397. مانع بن علي 7/397. مانويك المسيحي 8/126. ماني 1/ (529) ، 4/412، 13/299. ماني بن فاتن 13/ (298) .

مامان قيصر 5/21. الماوردي 1/ (94) ، 98، 124، 361، (551) ، 2/ (155) ، 3/290، 4/255، 5/424، 6/16، 9/365، 367، 370، 371، 420، 421، 10/163، 11/71، 12/38، 43، 13/112، 115، 118. مبارز الدين عبد العزيز 7/311. مبارز الدين بن عيسى بن حسن السلاري 7/311. مبارز الدين كك (الأمير) 4/375، 7/307. مبارك التركي 1/472. مبارك بن عطيفة بن أبي نمي 13/230. مبارك بن علوان 13/241، 249. مبارك بن محمود الانباتي 5/59، 65، 74، 80، 7/398. المبرد (أبو العباس) 3/ (171) ، 4/408. المتقي لله بن المقتدر 1/505، 510، 3/274، 4/415، 6/341. المتلمس (الشاعر) 1/ (339) ، 392، 533، 6/ (297) ، 339. المتنبي (أبو الطيب المتنبي) 1/90، 210، 319، 402، 519، 2/207، 268، 293، 307، 328، 354، 3/362، 4/147، 408، 14/149، 160، 382. ابن المتوج 7/181. المتوكل على الله (محمد بن المعتضد بالله) 3/280، 302، 9/ (345) ، 373، 389، 416، 14/361. المتوكل على الله بن المعتصم (أبو الفضل جعفر) 1/501، 504، 3/ (148) ، 271، 4/272، 301، 415، 6/341، 419، 13/59، 68، 365، 14/119، 203. المتوكل بن عمر الافطس 5/ (216) . المتوكل بن هود 7/99، 103. المتولي 1/ (551) ، 2/79. متى (بطرك) 5/308. متى الحواري الانجيلي 5/364، 6/90. متى العشار 13/275، 316. أبو المثلم الهذلي 2/250. مجاهد 2/ (403) ، 474، 6/213، 12/368. مجاهد بن علي بن يوسف 5/247، 13/258، 261، 267. أبو المجد (اسماعيل بن باطيش) 3/ (329) . مجد الدين (أخو الوزير غياث الدين) 7/312. مجد الدين إسماعيل (الصدر) 3/420، 4/449. مجد الدين بن الدوري (الصدر) 4/334. مجد الدين محمد (الملك العادل) 4/321. المجريطي 1/ (557) .

ابن مجلي الموصلي 1/ (560) ، 562، 14/260. مجير الدين أرتق 4/171. مجير بن عصام بن ماجكس 5/153. ابن المحاب 5/46، 47. محب الدين الطبري 2/80، 381. أبو محجن توبة 1/476. أبو محجن الثقفي 1/141، 11/ (69) . ابن محقق 1/ (558) . ابن محكان التميمي 2/ (247) . المحلّق 2/ (147) . محمد (الأمير صاحب يلي شار) 8/19. محمد (كاجوك صاحب أنطاليا) 8/17. محمد (الشيخ صاحب المحمدية) 7/311. محمد بن أبي إبراهيم احمد (أبو الغرانيق) 5/117. محمد بن إبراهيم الشيباني (الامام) 1/100، 4/272، 6/291. محمد بن ابراهيم طباطبا 5/45. محمد بن إبراهيم بن عبيد الله بن زياد 5/7، 26. محمد بن أحمد البيروني (أبو الريحان) 5/ (8) . محمد بن أحمد التميمي المقدسي 2/126، 130. محمد بن أحمد الدفري المالكي (شمس الدين) 11/235، 2/443. محمد بن أحمد بن عجلان 4/279. محمد بن أحمد بن علي القلقشندي (نجم الدين) 14/389، 390. محمد بن أحمد بن علي المنشىء 4/311. محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد الجيلي (الشريف) 4/380. محمد بن أحمد بن مودود بن عبدكان (أبو جعفر) 1/129. محمد الإخنائي (تاج الدين) 11/226. محمد الاخيضر بن يوسف 5/57. محمد بن ادريس (المهدي) 5/176، 239. محمد بن إدريس المطلبي (أبو عبد الله) 14/367، 368. محمد بن أرتنا 5/345. محمد بن إسحاق (أبو العباس الصفار) 2/ (387) ، 13/356. محمد بن أسد 3/ (19) . محمد بن اسماعيل البخاري (الامام) 14/369. أبو محمد الاسود 4/170. محمد بن الأشعث الخزاعي 5/ (115) ، 175. محمد الاصغر بن ادريس 5/239، 11/228. محمد بن الأغلب بن ابراهيم (أبو العباس) 5/117. محمد بن الياس 4/416. محمد بن أميل 1/ (203) .

محمد انوشتكين (علاء الدين) 4/469. محمد بن أويس بن حسن الكبير 7/279. محمد بن أيدين 5/348. محمد بن أيوب بن نوح الغافقي 5/157. محمد بن البارزي الحموي (المقر الأشرف الناصري) 9/ (44) ، 46، 10/125. محمد الباقر بن علي السجّاد 13/232، 239. محمد بن بحر (أبو مسلم) 9/ (41) ، 129. محمد بركة خان (بركة بن بيبرس الملك الناصر) 14/47. محمد بن البرهان (صلاح الدين) 5/5. محمد بن أبي البقاء (جلال الدين أبو عبد الله) 12/ (80) ، 82. محمد بك (امير تركماني) 5/345. محمد بن أبي بكر (شمس الدين) 12/129. محمد بن أبي بكر بن أيوب 4/280، 7/364، 10/104. محمد بن أبي بكر الصديق 1/381، 3/483. محمد بن أبي بكر (المتوكل على الله) 5/448. محمد بن أبي بكر بن علي 4/214. محمد بن أبي بكر المخزومي 14/370. محمد بن تغلب (ناصر الدين) 14/419. محمد التقي بن علي الرضا 13/332. محمد بن تكش (قطب الدين) 4/470. محمد بن تكش بن خوارزم شاه (علاء الدين) 4/448. محمد بن تومرت البربري (المهدي) 5/449. محمد بن تومرت بن نيطاوس 5/131. محمد بن ثعلبة 5/178. محمد بن جبارة بن مهنا 4/215. محمد بن الجراح (ابو عبد الله) 8/91. محمد بن جرار الوادي 8/88. محمد بن جرير الطبري 1/517، 4/385، 6/232. محمد بن الجزري 7/ (347) . محمد بن جعفر بن أبي هاشم 4/275. محمد بن أبي الجهم بن حذيفة العدوي 1/311. محمد بن جهور (أبو الوليد) 5/241. أبو محمد الجويني 6/219. محمد بن حاجي بن محمد بن قلاوون 1/133. محمد بن حاطب 1/ (489) ، 3/374. محمد الحبيب بن جعفر المصدق 5/118، 13/239. محمد بن أبي الحجاج بن نصر الأحمر 9/ (348) . محمد بن حجة الحموي (الشاعر) 10/ (134) . محمد بن الحد (أبو القاسم) 1/129. أبو محمد الحريري 14/ (125) ، 131، 252. ابو محمد الحسن (انظر المستضيء بالله) .

محمد بن الحسن العسكري (المهدي المنتظر) 13/232. محمد بن الحسن 2/ (12) ، 4/275، 382، 11/179، 12/77، 368. محمد بن الحسن بن موسى العلوي 10/256. محمد الحسيني الآدمي 5/89. محمد بن الحصين الأنباري 13/208. أبو محمد بن أبي حفص 5/187. محمد بن الحمصي (ناصر الدين) 7/140، 141. محمد بن حميد (شمس الدين) 12/381. محمد بن حوقل 4/ (79) . محمد بن الحنفية 13/230. محمد بن حيار بن مهنا 7/204، 205. محمد بن حيدر الشيرازي 4/407. محمد بن خالد بن عبد الله القسري 4/301. محمد بن خالد المليكشي 7/311. محمد الخجندي الصوفي 4/441، 442، 5/91. محمد بن خزر 5/178. محمد بن أبي الخصال الغافقي (ابو عبد الله) 14/ (299) . محمد الخصاصي القائد 5/254. محمد بن الخطيب (لسان الدين) (ابو عبد الله) 7/ (40) ، 9/348. محمد بن الخطيري (ناصر الدين) 14/355. محمد بن خليفة 7/397. محمد بن خوارزم شاه (جلال الدين السلطان) 4/311، 456. محمد بن الخير 5/180. ابو محمد الدرزي 13/251. محمد الدرزي 13/252. محمد بن ذي الوزارتين (أبو القاسم) 5/240. محمد بن رائق 4/169، (416) . أبو محمد بن الرشيد 1/501. محمد بن الرشيد (الأمين) 1/210، 503، 2/362. محمد بن الرضي (الشريف) 14/110. محمد بن الرميمي (وزير ابن هود) 5/252. محمد بن أبي زكريا (ابو عبد الله) 5/193، 449. محمد بن الزملكاني (كمال الدين القاضي) 5/50، 13/ (29) . محمد بن زهير الأزدي 3/487. محمد بن زيد بن محمد 5/48. محمد بن سام (علاء الدين) 4/448. محمد بن سام بن الحسين (غياث الدين) 4/447. محمد بن سام الغوري (شهاب الدين أبو المظفر) 5/84. محمد بن السائب الكلبي 1/383، 6/208. محمد بن السري (أبو نصر) 3/489.

محمد بن سعد (أبو عبد الله) 6/ (211) ، 432. محمد بن سعد الدمشقي 3/ (363) . محمد بن أبي سعد علي بن قتادة (ابو نمي) 4/278. محمد بن سعد الدين ابي القاسم القزويني 11/259. محمد بن أبي سفيان 14/95. محمد بن سلام 1/ (319) . محمد بن أبي سليمان 7/176. محمد بن سليمان الربذي 4/272، 5/132. محمد بن سليمان الكاتب 3/ (376) ، 8/ (296) . محمد بن سليمان الواثقي 3/492. محمد بن السمسماني 3/ (19) . أبو محمد الشاكر (المعتز بالله) 5/162. محمد شاه بن امير شاه (صاحب موقان) 7/303. محمد بن شعبان (ناصر الدين) 4/179، 12/433. محمد بن شعيب بن سابور 2/470. محمد بن الشهيد (فتح الدين) 12/91. محمد بن الصائغ (شمس الدين) 14/321، (376) . محمد بن صفي الدين (العماد الاصفهاني) 8/ (171) . محمد بن طاهر بن الحسن 4/302. محمد بن طشتمر 4/422. محمد بن طغج بن جف الاخشيدي 1/474، 493، 4/169، 5/453، 7/9. محمد طغلكشاه (السلطان) 5/ (67) ، 85، 7/ (398) . محمد بن الطناحي (ناصر الدين) 11/410. محمد بن أبي الطيب (ناصر الدين) 12/293، 411. محمد بن ظهير الدين بن نوري بن طغتكين 6/438. محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب (الملك الكامل) 3/396، 405، (414) ، 422، 4/172، 173، 5/29، 6/58، 7/125. محمد بن عباد (ابو القاسم المعتمد) 3/ (156) . محمد بن العباس الخشيكي 2/133، 134. محمد بن عباس العسري 4/221، 7/207. محمد بن عباس بن علي (المنصور) 7/365. محمد بن عبد الله بن إسماعيل 5/253. محمد بن عبد الله بن تومرت 5/129، 131. محمد بن عبد الله بن الحاجب 12/297. محمد بن عبد الله الحجبي 14/102، 105.

محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب 1/229. محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى 1/277، 3/332. محمد بن عبد الله بن شهرام 13/146. محمد بن عبد الله الطناحي (انظر محمد الطناحي) . محمد بن عبد الله بن عبد الحكم 3/361. محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن هود 5/131. محمد بن عبد الله بن عبدكان 8/165. محمد بن عبد الله بن أبي عقيل (أبو الفتوح القاضي) 10/472. محمد بن عبد الله القضاعي 7/ (37) . محمد بن عبد الله الكثيري 4/301. محمد بن عبد الله بن مدين 5/179. ابو محمد بن عبد البر المغربي 8/ (153) ، 9/89، 90، 92. محمد بن عبد الجبار العتبي 4/ (302) . محمد بن عبد الحق 5/190. محمد بن عبد الدايم 14/372. محمد بن عبد الرحمن (قاضي مكة) 14/102. محمد بن عبد الرحمن (ابو زيان) 5/195. محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق 1/497. محمد بن عبد الرحمن بن الحكم 5/235. محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله (المستكفي بالله) 5/237. محمد بن عبد الرحمن بن عمر القزويني (جلال الدين) 14/349. محمد بن عبد الرحمن بن معاوية 3/486. محمد بن عبد الرحيم الأقليشي 5/59. محمد بن عبد المعطي الاسكندري (وجيه الدين) 11/402. محمد بن عبد الملك الزيات (ابو جعفر) 1/69، 187، 2/47، 3/ (19) ، 484، 6/279. محمد بن عبيد الله بن احمد بن معروف (قاضي القضاة) 10/286. أبو محمد عبيد الله المهدي 5/448. محمد بن عبدجي 7/ (279) . محمد بن عثمان (سيف الدين الأمير) (صاحب صهيون) 14/55. محمد بن عز الدين بن عبد السلام (شرف الدين) 3/ (28) . محمد بن علاء الدين الجوجري 8/18، 11/ (334) . محمد بن علي 1/281. محمد بن علي (السفاح) 5/414. محمد بن علي بن إسحاق بن غانية 5/248. محمد بن علي الزفتاوي (شمس الدين) 3/20. محمد بن علي الشعبي 14/92. محمد بن عماد الدين إبراهيم القدسي 4/37.

محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب 10/184. محمد بن عمر المدائني 1/ (96) ، 202، 2/474، 497، 499، 3/ (7) ، 13، 43، 147، 149، 5/410، 6/180، 212، 215، 226، 238، 251، 322، 341، 7/178، 9/ (343) ، 13/269، 290. محمد بن عمرو بن العاص 14/95. محمد بن عمرو بن واقد (الواقدي) 4/283. محمد بن العمري (انظر المقر الشمسي) . محمد بن عيسى (ابو عبد الله التميمي) 3/ (219) ، 4/212، 272، 301، 7/177. محمد بن الفتح بن ميمون 5/162. محمد بن فخر الدين بن حنا (تاج الدين) 11/269. محمد بن الفرفور (بدر الدين) 12/473. محمد بن فضلان (محيي الدين، أبو عبد الله) 10/295. محمد بن أبي الفضل بن أبي الحسين (الواثق) 5/196. محمد فلتان (نائب الشيخ أويس) 7/288. محمد بن أبي فليح 1/284. محمد بن القاسم 1/498. محمد بن أبي القاسم الحسني العراقي 8/107. محمد بن القاسم بن حمود 5/239. محمد بن القاسم بن عبيد (الوزير) 9/ (5) . محمد بن القاسم بن أبي عقيل الثقفي 4/346. محمد بن قرمان 5/330. محمد القرمي (شمس الدين الشيخ) 12/ (442) . محمد بن قلاوون (الملك الناصر ابو الفتح) 1/131، 138، 474، 477، 506، 2/116، 3/ (54) ، 56، 279، 311، 333، 389، 418، 499، 501، 4/4، 14/20، 28، 97، 140، 179، 238، 278، 418، 471، 473، 5/30، 85، 344، 6/118، (199) ، 329، 410، 7/149، 201، 257، 265، 316، 383، 416، 422، 8/5، 8، 30، 70، 77، 86، 118، 207، 361، 383، 9/247، 428، 10/59، 185، 11/126، 310، 334، 12/95، 147، 221، 228، 13/28، 43، 56، 169، 177، 186، 326، 377، 14/398، 443. محمد بن قو 5/283. محمد الكازروني 7/287. محمد بن كرام الزرنجي 4/ (353) . محمد بن لقمان بن نصر الساماني 4/435.

محمد بن أبي لمحان 7/418. محمد بن الليث 9/ (217) . محمد بن مانع 7/397. محمد بن المحروق 5/252. محمد بن محمد (شمس الدين) 12/445. محمد بن محمد الادريسي (الشريف الادريسي) 4/ (158) . محمد بن محمد الاصفهاني (العماد) 4/ (160) . محمد بن محمد البربري 5/157. محمد بن محمد بن أبي البقاء 12/82. محمد بن محمد بن السلطان أبي بكر (ابو عبد الله) 5/127. محمد بن محمد السلايحي (ابو عبد الله) 5/ (147) . محمد بن محمد اللثامي (ابو الطواجن) 5/155. محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري 14/ (299) . محمد بن محمد بن يوسف 5/252. محمد بن محمود بن محمد (الملك الناصر) 14/37. محمد بن محمود (ابن ملكشاه) 4/417، 10/185. محمد بن محيي الدين بن عبد الظاهر (فتح الدين) 7/264. محمد بن محيي الدين بن فضل الله (بدر الدين القاضي) 1/133. محمد المخلوع بن محمد الفقيه 5/252. محمد المدبج 1/500. محمد المرتضى 5/46، 7/358. محمد المرجاني 5/125. محمد بن مروان بن الحاكم 1/502. محمد بن المزلّق (الخواجا) 13/41. محمد بن مسروق (ابو عبد الرحمن) 1/476. محمد بن مسعود (ابن أبي الخصال) 8/157، 163. محمد بن مسعود (ابو جعفر) 6/563. محمد بن مسلم الزهري 4/ (31) . محمد بن مسلمة 1/126، 3/373. محمد بن المسيب 13/ (336) ، 337. محمد بن المظفر (ناصر الدين الملك المنصور) 1/506، 3/502، 5/244. محمد بن أبي المعالي (ابن الواسطي) 4/ (155) . محمد بن معدان (ابو درجان) 3/ (18) . محمد بن معن بن صمادح (المعتصم ابو يحيى) 5/245. محمد بن أبي المغازي الضبي 2/ (258) . محمد بن مقاتل الكلبي 5/ (116) ، 175. محمد المكتوم بن إسماعيل بن جعفر الصادق 13/239، 243. محمد بن المكرم (ابن منظور) 8/ (78) ، 13/96، 338، 349، 14/ (82) ، 84.

محمد بن ملكشاه السلجوقي 4/178، 417. محمد بن أبي المنصور (بدر الدين) 12/366. محمد بن المنصور (الناصر) 5/250، 14/102. محمد المهدي 4/301، 5/46، 119، 302. أبو محمد المهلبي (الوزير) 1/283، 13/64. ابو محمد موسى (الهادي) 3/269. محمد بن موسى العلوي الموسوي (ابو الحرث) 10/264. محمد بن المؤيد عماد الدين إسماعيل (الملك الأفضل) 4/ (244) ، 7/149، 10/187. محمد بن ميمون بن مدرار 5/161. محمد بن نصر المروزي 1/ (518) ، 2/503. محمد بن هارون الرشيد (المعتصم بالله) 3/270، 14/97. محمد بن هشام بن إسماعيل 4/300. محمد بن هشام بن عبد الجبار 5/236. محمد بن هشام المخزومي 4/271. ابو محمد بن هود 7/31. محمد بن وراق 1/411. محمد بن ورزيز بن فكوس 5/189. محمد بن أبي الوليد إسماعيل 5/252. محمد بن الوليد الفهري الطرطوشي (أبو بكر) 5/ (225) ، 13/356. محمد بن أبي الوليد بن نصر 11/ (10) . محمد بن أبي يحيى (أبو ضربة) 5/126. محمد بن يحيى (الكاتب) 1/77. محمد بن يحيى بن عبد الله الصولي (ابو بكر) 2/ (160) . محمد بن يحيى بن فضلان 10/295، 302. محمد بن يحيى العزفي 5/193. محمد بن يحيى بن علي القرشي 13/356. محمد بن يحيى الواثق (ابو عصيدة) 5/125. محمد بن يزداد (الوزير) 9/372. محمد بن يزيد البصري 5/421. محمد بن يزيد الشيباني (ابو العباس) 1/232، 5/113، 174. محمد بن أبي يزيد بن مراد بك 5/349، 8/15. محمد بن يعقوب بن يوسف (الناصر لدين الله) 5/187، 12/347. محمد بن يوسف بن إسماعيل 8/110. محمد بن يوسف بن محمد المخلوع 5/254، 7/440. محمد بن يوسف بن نصر (ابن الأحمر، أبو دبوس) 5/251، 8/ (108) ، 9/356، 11/13، 17. محمد بن يوسف بن هود (ابو عبد الله)

5/251، 7/103، 9/311، 314. محمد بن يوسف بن أبي الوليد 5/253. محمود بن إبراهيم بن اسفندار الكيلاني 7/294. محمود بن احمد (الصالح) 4/320. محمود بن إسماعيل بن قادوس 8/ (330) . محمود بن الأنصاري (القاضي) 1/130. محمود بن توري (شهاب الدين) 4/171. محمود بن جوبان (الشيخ) 8/27. محمود الحلبي (شهاب الدين، الشيخ) 1/181، 4/216، 6/ (138) ، 8/172، 14/327. محمود الحلبي القيسراني (جمال الدين، قاضي القضاة) 6/343، 9/ (181) ، 11/174. محمودخان (غياث الدين) 5/86. محمود الزمخشري (ابو القاسم) 4/453. محمود بن زنكي (الملك العادل نور الدين الشهيد) 3/495، 4/7، 142، 178، 10/184. محمود بن سبكتكين 1/ (523) ، 4/469، 5/ (69) ، 84، 462. محمود السراي الكلستاني (المقر البدري، بدر الدين) 9/ (23) . محمود بن شبل الدولة بن صالح 4/175. محمود بن الصالح صالح (الملك الصالح شرف الدين) 7/290. محمود بن عرام 4/212. محمود بن علاء الدين (حسام الدين) 5/330، 7/326. محمود غازان بن أرغون (السلطان) 4/418، 5/347، 7/265، 266، 8/70. محمود بن قليج أرسلان (نور الدين) 5/341. محمود الكلستاني المقر البدري 9/ (23) . محمود بن محمد السلجوقي 6/ (440) . محمود بن محمد ملكشاه 4/417. محمود بن مفرج بن دغفل 4/210. محمود بن منساقو 5/286. محمود بن المنصور (المظفر) 10/185) . محمود بن الموفق اسعد بن قادوس 1/130. محمية بن جزء الزبيدي 3/373. محيو بن أبي بكر بن حمامة 5/190. محيي الدين بن الزكي (القاضي) 6/165. محي الدين بن عبد الظاهر (القاضي) 1/131، 138، 172، 215، 2/ (98) ، 3/ (299) ، 393، 396، 398، 402، 417، 421، 426، 436، 547، 594، 4/37، 5/467، 6/298، 7/264، 379، 383، 386، 392، 8/ (43) ، 124، 172، 304، 9/268، 278، 428، 10/ (5) ، 100، 120، 164، 167، 177، 183، 11/175، 227، 232،

245، 379، 12/269، 13/106، 110، 172، 230، 14/157، 310، 341، 435. محيي الدين بن العربي 1/521. محيي الدين بن فضل الله (المقر المحيوي) 11/288. محيي الدين بن قليج أرسلان 5/341. محيي الدين المغربي 1/ (556) . محيي الدين النووي الشافعي 1/ (357) ، 4/ (109) ، 420، 5/406، 6/218، 9/ (367) ، 14/372. المخارق بن الحرث الحميري 14/95. المخارق بن غفار 5/115. ابن المختار 1/560. المختار (اخو جعفر الرشيد الزيدي) 5/46. المختار بن أبي عبيد 1/510، 521، 14/413. مخذم بن عقيل 12/257، 258. مخرمة بن نوفل 13/114. مخشميان بن لوجيه 5/368. المخضب بن عسكر بن محمد 5/189. أبو مخنف (لوط بن يحيى) 6/208. المدائني 2/470، 472، 4/250. ابن مدبر (احمد بن محمد) 3/ (528) . مدرار بن اليسع بن أبي القاسم 5/160. مدرار بن عبد الله 5/158. مدين بن موسى بن أبي العافية 5/178. مرا بن ربيعة 4/215. مراد بك بن أرخان بن عثمان جق 5/325، 8/15. مراد الدين حمزة 5/326، 8/14. مراد خواجا 7/304. مراد بن مذحج 1/381. المرّار (الشاعر) 2/ (220) ، 358. مرار بن مرة 3/11، (12) ، 149. المراغي 1/ (550) . مرامر بن مرة (انظر مرار بن مرة) . المرتضى بن المعتز (ابو محمد عبد الله بن المعتز) 3/273، 4/415. مرثد ذو مران بن كريب 5/43. مرثد بن عبد كلال 5/23. مرجان (عبد حسين بن سلامة) 5/26. مرجان (الطواشي) 7/288. ابن مرجانة 1/281، 13/234، (237) ، مرحب 1/354. المردغاني (المزدغاني) 1/157. ابن مردنيش (محمد بن سعد) 6/432. مردوخاي 2/465. المرزبان بن وهزر 5/24. مرطس الحكيم 2/477. مرعوش (ساعي) 1/162. المرغيناني 12/ (78) . مرقس (من الحواريين) 5/296، 13/275 المرقش 1/ (339) ، 513. المرقش الاصغر 1/344، 2/ (218) . المرقش الاكبر 1/344.

مرقشنكز 5/266. مرقص ابو الفرج بن زرعة (بطرك) 5/307. مرقص الأنجيلي (اول بطاركة الاسكندرية) 5/296، 301، 365، 443، 6/93، 13/275، 281، 316. مرقص الجديد (بطرك) 5/302. مرقورة بن منقاوش 3/471. مرقوس (قومودوس من ملوك الروم) 3/479، 480. مرقونس (الكاهن) (من ملوك مصر) 3/472. مرقيان قيصر 5/372. مرقيانوس قيصر 5/368. مرقيانوس (من ملوك الروم) 3/480. مركان قيصر 13/279، 282. مركيادو (صاحب البندقية) 8/49. مرة بن كعب 1/408. مرة الهمذاني 2/ (405) . مرهف (بواب باب الزهومة) 3/397. أبو مروان الأزدي 6/260. مروان بن الحكم 1/68، 69، 126، 305، 450، 480، 502، 2/489، 3/267، 381، 484، 4/295، 299، 414، 6/340، 14/95. مروان الحمار 1/513، 3/431. مروان بن سراقة بن قتادة 1/440. مروان بن محمد بن مروان الجعدي 1/126، 487، 504، 3/268، 283، 292، 375، 485، 4/168، 361، 415، 5/115، 302، 6/320، 341، 347، 377، 10/198، 13/255، 14/413. مريحنا المعمدان 13/ (284) . المريسي (بشر بن غياث) 12/ (56) . مريم (العذراء أم النور) 2/454، 6/19، 346، 13/261، 274، 282، 285، 314. أبو مريم الأزدي 5/408. ابو مريم الحنفي 1/475. مريم بنت عمران 4/105. مريم بنت قيصر 1/498. مريم المجدلانية 13/285، 291، 316. مرينا بن لقاش 3/474. مزاحم بن خاقان 3/490، 13/298. مزدك الزنديق 4/413. مزرد (اخو الشماخ بن ضرار) 14/411. المزني 12/43، 14/259. مزيد المدني 1/ (514) . مزينة بنت كلب بن وبرة 1/402. المسّاح (سنقر البكتوتي) 13/183. مسافر بن أبي عمرو بن أمية 1/514. المساور بن هند 1/ (340) . المسبحي 1/ (554) ، 3/ (414) ، 4/ (210) .

المسترشد بالله (ابو منصور الفضل) 1/505، 3/275، 291، 4/415، 6/407، 8/ (142) ، 10/246، 286. المستضيء بالله (أبو محمد الحسن) 1/505، 3/276، 4/304، 415، 6/ (504) . المستظهر بالله (أبو العباس احمد) 1/505، 3/275، 4/415. المستعصم بالله (أبو يحيى زكريا بن الواثق) 1/505، 3/280، 4/293. المستعصم بالله (أبو العباس أحمد) 3/279، 4/415. المستعصم بالله (أبو أحمد عبد الله) 3/276، 9/ (424) . المستعلي بالله الفاطمي (أبو القاسم أحمد) 3/336، 494، 572، 8/ (240) ، 13/239. المستعلي العبيدي 4/275. المستعين بالله (أبو الفضل العباس) 1/504، 505، 522، 3/281، 6/341، 8/381، 10/134، 14/361. المستعين بالله (أبو العباس أحمد) 3/271. المستعين بن المتوكل 1/413، 504. المستعين بن المعتصم 4/415. المستعين بن هود 5/249. المستكفي بالله (أبو الربيع سليمان) 1/505، 3/279، 490، 4/415، 6/346، 410، 8/246، 9/330، 333، 408، 409، 428، 10/68. المستكفي بالله (أبو القاسم عبد الله بن المكتفي بالله) 3/274. المستنجد بالله (أبو المظفر يوسف) 1/505، 3/276، 4/415. المستنصر الاموي 3/277، 299، 5/154. المستنصر بالله (أبو إسحاق ابراهيم) 6/535. المستنصر بالله الفاطمي (أبو القاسم أحمد بن الظاهر لأمر الله) 1/156، 503، 2/104، 3/277، 406، 568، 4/170، 180، 274، 275، 415، 5/306، 309، 10/ (97) ، 14/436. المستنصر بالله (أبو تميم معد) 13/239. المستنصر بالله العباسي (أبو جعفر) 3/271، 276، 9/310، 315. المستنصر بالله بن الحاكم بأمر الله 3/323. المستنصر العبيدي 4/275، 5/120. المستنصر بن المتوكل 4/301. المستوثق بالله (بركة) 9/ (409) . المستورد بن شداد الفهري 3/373. مسروح بن سندر الخصي (أبو الاسود) 3/373.

مسرور الخادم 3/401. مسروق بن أبرهة الاشرم 5/24. مسروق بن الأجدع (أبو عائشة) 5/408. مسروق بن حملة العكي 13/356، 14/95، 72، 363. مسعدة بن عمر القيني 14/95. ابن مسعود (عبد الله بن مسعود) 1/359، 13/6. مسعود (صاحب اليمن) 7/308. مسعود (ابن عم احمد خان) 4/446. مسعود بن إبراهيم 4/447. مسعود بن الاسود بن عبد شمس البلوي 3/373. مسعود بن الخطيري (الامير سعد الدين) 13/180. مسعود بن شعبان (شرف الدين) 12/ (48) . مسعود بن قليج ارسلان 5/341. مسعود بن الكججاني (نظام الدين) 7/347، 349، 352، 14/116، 118. مسعود بن كيخسرو 5/344. مسعود بن ملكشاه السلجوقي (غياث الدين) 4/417، 446، 6/384، 436. مسعود بن محمد 4/417. مسعود بن محمود بن سبكتكين 4/446، 447، 469، 6/391. مسعود بن مودود بن زنكي (عز الدين) 4/177. مسعود مؤقت بلاد البلغار 4/460، 5/395، 396. مسعود بن وانودين 5/163. المسعودي 1/414، 417، 2/ (93) ، 198، 292، 427، 450، 3/258، 309، 324، 332، 474، 4/460، 475، 5/20، 321، 395، 450، 6/ (87) ، 208، 14/450. مسلم (الامام) 1/246، 545، 2/394، 4/302. أبو مسلم الخراساني 1/507، 519، 4/168، 5/415. مسلم بن عبد الله 13/234. مسلم بن قريش (شرف الدولة) 4/176، 5/340، 345. أبو مسلم محمد بن بحر 9/41، (58) ، 61. مسلم بن الوليد 1/319، 493، 2/232، 338، 3/ (4) . مسلمة بن عبد الملك 8/46. مسلمة بن عقبة 1/352. مسلمة بن مخلد الانصاري 1/476، 3/ (308) ، 372، 383، 483، 5/ (113) . ابن مسمار (ملك الحبشة) 5/320. المسور بن السكاسك بن وائل 1/417. المسيب بن علس 1/ (344) ، 2/ (217) .

المسيح (عيسى ابن مريم) 1/68، 232، 2/94، 199، 454، 3/478، 4/74، 100، 5/229، 364، 13/258، 286، 282، 285. مسيلمة الكذاب 1/392، 494، 5/ (56) ، 6/ (366) ، 456. المسيلمي 1/ (549) ، 6/ (22) . مشرف الدولة بن بهاء الدولة 4/417. ابن مصّال 10/ (382) ، 430. مصافح الجن (عمران بن حصين) 1/ (515) . مصالة بن حيوس بن منازل المكناسي 5/ (161) ، 177. مصر بن بيصر بن حام 1/485، 3/351، 354، 359، 431. مصرام بن نقراوس الأول 3/468. مصعب بن الريان 13/261. مصعب بن الزبير 1/521، 2/324، 4/270، 284، 299، 14/413. مضاض بن عبد المسيح 4/266. مضاض بن عمرو بن مضاض 4/266. أبو مضر (زيادة الله) 5/118. المطرزي 1/ (541) . أبو المطرف بن الدباغ 8/ (159) ، 164. أبو المطرف بن عميرة 6/ (533) ، 7/ (39) ، 99، 103، 116، 125، 8/ (152) ، 154، 155، 157، 160، 9/ (310) ، 10/315. أبو المطرف بن المثنى 6/523، 8/ (158) ، 164. مطرنوس بن هرمس 5/360. ابن مطروح (جمال الدين يحيى) 5/390، 8/ (39) . مطعم بن عدي بن نوفل 1/511. المطلب بن عبد الله الخزاعي 3/489. المطلب بن عبد مناف 4/268. المطلب بن أبي وداعة السهمي 3/373، 374. ابن المطهر (الامام) 1/ (549) ، 7/362. المطيع لله (أبو القاسم الفضل بن المقتدر بالله) 1/505، 3/274، 6/ (397) ، 10/252، 13/65، 69، 130. المطيع بن الطائع 4/415. المظفر بن امير الجيوش بدر الجمالي 3/401. المظفر حاجي 1/133. المظفر شادي بن المظفر قطز 10/185. مظفر شاه 10/ (134) . أبو المظفر بن طغج 4/169. المظفر الطوسي 1/ (563) . المظفر بن أبي عامر 5/163. المظفر بن كيدر 3/490. ابن المظفر اليزدي 6/131. مظفر الدين غانم 1/356، 357. مظفر الدين محاف (الأمير) 14/181. مظفر الدين موسى بن العادل أبي بكر 4/173.

معاذ بن جبل 5/ (13) ، (424) ، 6/327، 347، 9/ (82) ، 83، 11/ (38) ، 12/226، 13/356. المعافر (النعمان بن يعفر) 5/19. المعافى بن اسماعيل 5/419. المعافى بن أبي السيار 2/514. أبو المعالي شريف (سعد الدولة) 4/174. أبو المعالي فتح الله (انظر المقر الفتحي) . معان بن لوط 4/163. معاوية بن بكر بن عوص 4/266. معاوية بن حديج التجيبي 1/381، 476، 3/368، 370. معاوية بن حديج السكوني 5/ (112) . معاوية بن حديج الكندي 14/95. معاوية الخير الجنبي 1/378. معاوية بن أبي سفيان 1/68، 69، 126، 229، 258، 273، 296، 302، 411، 431، 449، 471، 490، 501، 517، 2/12، 352، 3/14، 43، 54، 266، 286، 319، 383، 483، 4/5، 168، 270، 295، 414، 5/25، 112، 375، 6/180، 238، 295، 322، 340، 373، 9/285، 13/127، 225، 234، 14/91، 95، 97، 103. معاوية بن صالح 5/174. معاوية بن مروان بن الحكم 1/502، 510. معاوية بن يزيد بن معاوية 1/501، 3/266، 4/414، 6/340. معبد بن زرارة 1/448. معبد بن مبارك 4/71. ابن المعتز (عبد الله بن المعتز) 1/75، 521، 2/ (105) ، 230، 475، 3/277. المعتز بن محمد بن يادن بن مدرار 5/161. المعتز بن المتوكل (أبو عبد الله محمد) 1/395، 504، 524، 3/271، 4/415، 6/341. معتصر بن حماد بن معتصر 5/182. المعتصم العباسي (محمد بن هارون الرشيد) 1/177، 232، 472، 501، 504، 2/47، 3/18، 270، 490، 4/415، 5/335، 336، 6/341، 387، 12/56. المعتضد بالله 1/504، 3/280، 491، 6/341، 8/246، 13/61، 67، 68، 14/347، 363. المعتضد بن عباد 5/ (239) . المعتضد بن الموفق طلحة بن المتوكل 3/272، 4/415. المعتمد بن عباد (محمد بن عباد بن محمد) 5/240، 241، 249. المعتمد بن المتوكل (أبو العباس) 1/504، 3/272، 4/415، 6/341، 13/63، 68. المعتمر بن سليمان 1/ (144) .

معد (انظر المستنصر الفاطمي) . معد بن عدنان 1/359، 367، 6/227. معدان بن دارم 3/473. معدان بن جواس الكندي 13/207. المعذل بن غيلان 2/ (333) . المعز (صاحب افريقية) 4/302. المعز أيبك 1/506، 4/69. المعز بن باديس 5/120، 248، 10/346. المعز بن زيري 5/163، 181. المعز بن يوسف بن تاشفين 5/155. معز الدولة بن بويه الديلمي 1/70، 162، 2/ (87) 3/403، 4/170، 273، 6/497. المعز لدين الله الفاطمي (أبو تميم) 3/392، 493، 4/169، 170، 273، 13/239. المعسل طور 14/28. أبو معشر 1/ (519) . ابن معطي 1/ (213) ، 540. معقل بن سنان الصحابي 1/398. معمر بن عباد 13/255، 3/373. معمر بن مانع 7/397. معمر بن المثنى (أبو عبيدة) 1/478، 4/95. معن بن أوس 2/ (206) . ابن معن الدمشقي 2/ (77) ، 12/368. معن بن زائدة 1/ (65) ، 5/ (10) . معن بن صمادح (ذو الوزارتين) 5/244، 245. معن بن عبد العزيز التجيبي (أبو الأحوص) 5/256. معن بن عدي 3/15. معيقب بن أبي فاطمة 1/126. معيقل بن فضل بن عيسى 4/214، 7/205. ابن معين 1/ (565) ، 14/259. معين الدولة بن بويه الديلمي 14/ (404) . معين الدين (صاحب الديوان بإيران) 7/313. معين الدين ختهم 3/ (487) . معين الدين سليمان البرواناه 5/342، 343. معين الدين بن الشيخ 4/173. المغربي (وزير المستنصر) 3/ (562) . مغطوس 5/370. مغلطاي 1/ (547) . أبو المغيرة بن حزم (ذو الوزارتين) 1/129. المغيرة بن شعبة 1/65، 125، 126، 229، 473، 510، 3/ (264) ، 6/ (468) ، 13/235، 238. المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم 1/515. المغيرة بن عبيد الله الفزاري 3/485. المغيرة بن مقسم الضبي 1/512. مفرج بن دغفل بن جراح 4/210، 6/427.

مفرج بن سالم بن راضي 1/385، 4/72. ابن مفرغ 1/ (340) . المفضل بن سلمة الضبي 1/346، 2/ (345) . مفلح بن بشر القيسي 5/234. مقاتل 2/514، 12/368. مقاتل (من الموالي العامريين) 5/247. مقاتل بن سليمان 1/ (517) . مقاتل بن عطية بن عبد الله 5/180. مقاري (بطرك) 5/306. ابن مقبل 1/ (340) . مقبل بن جماز 4/304. مقبل الصرغتمشي النحوي (الشيخ) 1/ (189) . المقتدر بالله (أبو الفضل جعفر بن المعتضد) 1/504، 3/273، 4/273، 415، 6/341، 13/368. المقتدر بن هود 5/247، 248. المقتدي بأمر الله (محمد بن القائم بأمر الله) 1/505، 3/275، 4/171، 275، 415. المقتفي لأمر الله (أبو عبد الله، محمد بن المستظهر) 1/505، 524، 3/276، 297، 4/415، 6/384، 437. المقداد بن الأسود 1/369، 3/382. مقدام بن يعمر بن أبي رغال الثمودي 3/358. المقر البدري محمود الكلستاني 9/ (23) . المقر البدري بن المقر العلائي بن فضل الله 1/236، 7/331، (332) ، 8/63، 11/157، (158) ، 14/126. المقر التقوي ابن ناظر الجيش 1/ (33) . المقر الزيني أبو يزيد الدوادار 1/452. المقر السيفي منجك 4/321. المقر السيفي بكتمر الساقي 14/344. المقر الشمسي محمد العمري 3/282، 11/158. المقر الشهابي بن فضل الله العمري (أحمد بن فضل الله العمري) 1/354، 2/46، 47، 97، 3/51، 348، 452، 457، 514، 535، 4/56، 70، 123، 135، 212، 237، 304، 334، 407، 473، 5/32، 33، 50، 193، 279، 280، 319، 324، 420، 449، 463، 6/ (6) ، 95، 102، 108، 146، 156، 185، 199، 334، 489، 7/127، 139، 144، 184، 248، 275، 315، 357، 362، 389، 8/14، 29، 45، 77، 172، 382، 9/247، 257، 268، 275، 329، 343، 347، 373، 388، 414، 10/ (44) ، 167، 182، 186، 11/107، 113، 126، 161، 165، 365،

427، 431، 12/19، 24، 40، 60، 94، 124، 132، 205، 237، 257، 12/219، 13/37، 43، 175، 315، 14/21، 350، 352، 378، 418، 435. المقر العلائي بن فضل الله 2/485، 485، 3/43، 7/249، 328، 362، 412، 413، 8/5، 7، 10، 180، 10/160. المقر الفتحي 7/322، 14/ (224) . المقر المحيوي بن فضل الله (محي الدين) 11/ (288) . مقرونيوس قيصر 5/368. مقرين بن قيصر بن مزكة 5/368. مقسيمانوس قيصر 5/370. المقطم بن مصر بن بيصر 3/340. ابن المقفع (عبد الله بن المقفع) 1/69، 73، 127، 225، 2/327، 353، 446، 475، 14/229، 382. المقلد 1/396. ابن مقلة (أبو عبد الله) 3/ (18) . ابن مقلة (أبو علي) 2/484، 3/ (16) ، 18، 20، 29، 30، 31، 33، 34، 35، 36، 37، 41، 545، 11/ (300) ، 14/ (141) ، 149، 272. المقوقس (صاحب مصر) 1/30، 125، 3/304، 341، 359، 373، 429، 482، 6/79، 456، 6/ (317) ، 345، 364. أبو المكارم الروياني 1/ (552) . أبو المكارم بن علي بن أسامة الحلبي 1/130. ابن مكانس (عبد الرحمن) 4/303. المكتفي بالله (أبو محمد، علي) 1/490، 504، 510، 522، 3/272، 4/169، 415، 6/341، 520، 8/ (296) . مكثر بن قاسم 4/275. مكحول بن زيد 1/ (65) . ابن المكرم 1/ (477) ، 13/56، 224، 312، 313، 377. مكرم بن الفزر 4/ (343) . مكسيموس (بطرك) 5/207. أبو مكعت الاسدي 6/221. مكوقان 4/313. ابن مكي التونسي 1/ (198) ، 2/ (404) . ابن ملجم (عبد الرحمن) 13/226، 237، 253. ابن الملقن (عمر بن أبي الحسن) 14/ (364) . ملك بن باشاك 7/310. ملكان (صاحب مذهب) 13/279. ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي (السلطان) 1/55، 2/451، 4/18، 143، 171، 176، 275،

319، 417، 446، 13/248. ملكشاه بن خسرو شاه بن بهرام 4/447. ملكشاه بن محمود 4/417. ملوخية (صاحب ركاب الحاكم) 3/404. ابن أبي مليكة 4/ (282) ، 287. ابن مماتي (المهذب) 3/346، 513، 516، 19، 5، 531. ابن مماتي (علم الدين) 3/407. مماتي (ملك التركمان) 5/340. ابن الممدوح (أحمد بن محمد، غياث الدين) 12/291. مناريان بن قاريوش قيصر 5/370. منانيا (بطرك) 5/300 (لعله: حنانيا) . مناوش بن منقاوش 3/471. مناوش بن هرجيب 3/469. المناوي (الوجيه) 2/508. ابن منبه (أبو وهب) 2/514. منبه بن سعد بن قيس 1/397. منتجب الدولة 3/409. المنتصر بالله بن السلطان أبي العباس 5/196. المنتصر سمكو 5/162. المنتصر بن المتوكل بن المعتصم 1/497، 504، 4/272، 415، 6/341، 13/61. المنتفق بن عقيل بن عامر 1/392. أبو المنجا (اليهودي) 3/336. منجك (الأمير) (المقر السيفي) 4/321، 7/168. منجى التنوخي (القاضي علاء الدين) 12/54. ابن منده 1/ (518) ، 13/129. ابن المنذر 1/ (553) . المنذر بن امريء القيس 1/447. المنذر بن ساوي 1/125، 468، 6/345، 353، 362. المنذر بن عمرو 3/15. المنذر بن ماء السماء 1/447. المنذر بن محمد بن عبد الرحمن 5/235. منذر وائل 1/447. المنذر بن يحيى بن المطرف 5/246. منسا سليمان بن أبي بكر 5/285. منساقو بن منساولي 5/286. منسا بن ماري جاظة 5/286. منسا مغا بن منسا موسى 5/285. منسا موسى بن أبي بكر (السلطان) 5/278، 279، 283، 8/8، 118. منساولي (ملك السودان) 5/282. منساولي بن ماري جاظة 5/286. منشا بن هوحزقيا (من ملوك بني اسرائيل) 4/166. المنصور (أبو جعفر عبد الله) 3/16، 269. ابن منصور 14/304. ابن أبي المنصور (المؤرخ) 3/333، 336. منصور (الشاعر المصري) 1/ (512) . المنصور بالله بن ابي الطاهر اسماعيل 13/239.

منصور بن اسماعيل 2/503. المنصور بن بلكين 5/120. ابو منصور تكين 3/492. منصور بن جماز 4/304. المنصور بن السفاح 1/504. ابو المنصور بن سوردين النصراني 1/130. المنصور بن أبي عامر 5/ (162) ، 180، 221، 247. المنصور العباسي 3/16. المنصور بن عبد المؤمن 5/190. منصور بن عبدون (الكافي) 3/ (562) . المنصور بن العزيز 13/252. المنصور بن علي (الملك) 1/506. منصور بن عمارة الحسيني 4/304. منصور بن فاتك بن جياش 5/27. المنصور الفاطمي 4/273. المنصور بن المظفر 4/213. منصور بن المهدي 1/501. منصور بن نوح بن منصور الساماني 1/511. أبو منصور بن وشمكير (ظهير الدين) 7/87. منصور بن يزيد 5/25. ابن منظور (محمد بن المكرم) 8/ (78) . منقاوش (متملك مصر) 3/471. منقاوش بن أشمن 3/471. ابن منقذ (أسامة بن منقذ) 5/151. أبو منقذ 5/179. منكلي بغا الناصري (الأمير) 7/355، 8/182، 219، 11/207، 12/ (443) . منكوتمر بن طغان بن باطو 4/470. منكوتمر بن هولاكو 4/418. منكوقان بن جنكيزخان 4/482، 5/342. منكوقان بن طولي 4/313، 417. منوجهر بن أيراج 2/452، 4/410. ابن المنير السكندري 11/ (412) ، 14/376. منير الخادم 4/ (170) . مهاجر (مولى ام سلمى) 3/373. المهاجر بن أبي أمية 5/25، 44. أبو المهاجر دينار 5/113، (174) . المهتدي بالله (أبو عبد الله بن الواثق) 1/504، 522، 3/272، 491، 4/415، 6/341. ابن مهدي (عبد النبي بن علي) 13/ (91) . المهدي (الإمام) 2/232، 4/301. المهدي بن تومرت 1/129، 415، 5/122، 186، 456، 6/ (52) ، 432، 7/404، 8/ (158) ، 14/26. المهدي العباسي (أبو هارون الرشيد) 1/310، 504، 3/16، 269، 4/293، 368، 6/341. مهدي بن علي بن مهدي 5/27.

المهدي المنتظر 13/231. المهدي بن المنصور 4/333، 415. المهذب بن مماتي (ابن مماتي) 1/ (99) ، 100، 3/ (346) . مهذب الدين بكلارنكي 14/ (169) . المهلب بن أبي صفرة 1/ (508) ، 2/ (145) ، 364، 6/543، 559، 8/ (280) ، 13/227. المهلبي (أبو محمد الوزير) 1/70، 4/105، (344) ، 350، 357، 360، 371، 380، 392، 434، 452، 5/ (8) ، 14، 52، 61، 69، 274. المهلهل بن ربيعة 1/339، 344، 493. مهنا بن الحسين 4/303. مهنا بن علوان بن علي بن زبير 1/385. أبو مهنا العمراني 8/4. مهنا بن عيسى (حسام الدين، الأمير) 4/213، 7/204، 12/118، 121. أبو مهيار 14/279. المؤتمن بن الرشيد 9/370. المؤتمن بن هود 1/ (566) ، 14/260. المؤدب (ابن أبي الرداد) 3/327. المؤيد (انظر عماد الدين اسماعيل، الملك المؤيد) . المؤيد بالله 1/522. مؤيد الدين بن العلقمي 3/ (269) . مودود بن مسعود 4/447. مورفاط 5/255. مورق بن هرقل 5/374. موريكش قيصر 5/373. موسى (عليه السلام) 1/478، 2/457، 466، 514، 3/217، 323، 4/100، 410، 5/196، 362، 414، 7/315، 10/398، 11/311، 385، 12/422، 13/255، 260، 266، 268، 14/221. موسى بن إبراهيم بن منتشا (الأمير) 8/18. أبو موسى الأشعري 1/94، 453، 517، 3/ (265) ، 5/ (424) ، 6/232، 10/196، 13/225، 235، 236، 385، 14/91. موسى بن أقوش (مظفر الدين) 1/235. موسى بن أبي الحسن 7/397. موسى بن الحسن 1/130. موسى بن حناس 12/421. موسى خان 7/279. موسى بن خضر 7/176. موسى الردّاد (شرف الدين) 12/321. موسى بن طلحة 2/ (155) . موسى بن ظفر (السامري) 13/271. موسى بن أبي العافية 5/176، 177. موسى بن أبي العباس 3/ (490) .

- ن -

موسى بن عبد الوهاب (شمس الدين) 11/310، 12/96. موسى بن عبيدة الربذي 1/ (508) . موسى بن علي (الوزير) 8/97. موسى بن علي اللخمي 3/486. موسى بن عمران 11/391، 13/269. موسى بن عيسى العباسي 3/ (487) ، 488. موسى بن عيسى الهاشمي 3/458، 8/ (258) . موسى الكاظم 13/232، 238، 241. موسى بن كعب (النقيب التميمي) 3/ (486) . موسى بن مجلي (أسد الدين) 7/306. موسى بن نصير اللخمي 3/384، 5/113، 152، 174، 233، 9/355. موسى الهادي 1/503. موسى بن يغمراس 7/413. موسى بن يوسف بن ايوب (الملك الأشرف) 3/497، 4/ (238) . موسى بن يوسف بن عبد الرحمن (جمال الدين) 7/412، 8/71. الموفق بن الخلال 10/319، 327. موقيانو (بطرك) 5/296. موهوب بن أبي طاهر (ابن الجواليقي) 4/ (133) . ابن ميادة 1/ (341) . مياكيل (فرعون الأعرج) 3/475. ميخائيل (بطرك) 5/302، 304، 306، 12/422. ميخائيل بن التقدوسي (بطرك) 5/306. ميخائيل اليشكري 5/343. ميخائيل بن نوفيل 5/377. الميداني 1/346، 349، 449. ميسرة (رجل من قيس) 4/93. ميسرة بن مسروق القيسي 4/ (93) . ميسور الخصيّ 5/178. ميكائيل (دوج البنادقة) 8/126. ميكائيل النائب 14/170. أبو الميمون 6/435، 439، 530. ميمون بن إبراهيم 1/207. ميمون بن رمضان 13/243. ميمون بن مدرار بن اليسع 5/160. ميمون بن مهران 6/317. مينا (بطرك) 5/302، 305. - ن- النابغة الجعدي 1/ (91) ، 339. النابغة الذبياني 1/338، 398، 2/14، 211، 269، 288، 338، 13/207. ناجم بن الملك المجاهد علي 5/35. نارون (نيرون) 3/478. ناشر بن عمرو ذي الاذعار 5/21.

ناشر ينعم 5/21. الناشي (أبو العباس الشاعر) 5/ (359) . الناصر أحمد 1/133. الناصر الاطروش (الحسن بن علي) 5/49. الناصر الاموي 5/ (154) ، 219. الناصر حسن 1/133، 3/415. الناصر داود 6/489. الناصر بن الظاهر 2/47، 4/278. الناصر بن عبد العزيز بن الظاهر بن أيوب. 4/278، 6/489. الناصر فرج بن برقوق 1/506، 3/416. الناصر بن المنصور بن عبد المؤمن 5/122. الناصر يوسف 4/178. ناصر الدين ارتق ارسلان 4/320. ناصر الدين بن أيبك 12/430. ناصر الدين بهلوان 7/294. ناصر الدين البيضاوي 1/ (548) ، 4/348. ناصر الدين بن الجزري 14/88. ناصر الدين بن الحمصي 7/140. ناصر الدين خزندار تنكز 14/424، 425. ناصر الدين سنان (راشد الدين) 13/251. ناصر الدين شافع بن عبد الظاهر 2/511. ناصر الدين شافع بن علي 7/258. ناصر الدين بن شيصة 12/468. ناصر الدين بن أبي الطيب 4/208، 8/225، 12/292، 293. ناصر الدين علي خواجا 8/71. ناصر الدين بن الفقيسي 2/434. ناصر الدين الكردي 12/463. ناصر الدين محمد 4/179، 321، 11/410. ناصر الدين بن النشائي (القاضي) 4/110، 7/248، 274، 305، 8/ (51) ، 54، 11/186، 343، 12/89. الناصر لدين الله (عبد الرحمن بن المنصور: 9/383، (384) . الناصر لدين الله العباسي (أحمد) 2/97، 3/276، 4/277، 308، 415، 5/47، 8/272، 10/295، 13/86، 14/203، 436. ناصر الدين عمر بن فضل 4/70. ابن ناظر الجيش (تقي الدين) 5/85، 7/ (283) ، 290، 9/ (330) . نافع (الراوية) 12/385. نافع بن الأزرق 13/227. نافع بن بدران 7/187. نافع بن طريب بن عمرو 1/ (412) . نافع بن عبد الرحمن 1/ (517) ، 6/317. نافع بن عبد القيس بن لقيط 3/373. نافع بن أبي نعيم 1/217. نائل بن قيس الجذامي 1/450. نائلة بنت عمرو بن ذؤيب 4/267. ابن نباتة (عبد العزيز) 2/451. ابن نباتة السعدي 1/237، 2/ (239) ،

341، 6/299، 343، 8/24، 363، 364، 12/305، 316، 326، 329، 369، 374، 385، 384، 392، 405، 14/376. ابن نباتة الفارقي 1/ (279) ، 314. النبرّي (من ملوك الفرنج) 5/226. نبت بن بطة 3/192. نبيل العامري 5/247. ابن النبيه 1/ (343) ، 14/311. نجا (الخادم) 5/155. نجاح (عبد) 5/26. نجاح بن سلمة 1/69. نجاح بن صلاح الدين بن علي 5/48، 7/358. ابن النجار (محمد بن محمود) 4/ (281) ، 307. النجاشي 1/125، 5/308، 6/ (317) ، 364، 455، 12/255. نجدة بن عامر الحنفي 13/227، (236) . نجران بن زيد بن سبأ 5/38. نجران بن زيد بن يعرب 5/19. نجم بن هجل 7/176. نجم الدين ايوب (الملك الصالح) 1/131، 506، 3/380، 397، 409، 411، 497، 4/16، 113، 173، 181، 321، 456، 6/58. نجم الدين باشاك 4/376. نجم الدين الحنفي الجوهري (قاضي القضاة) 2/111، 112، 12/351. نجم الدين خضر 4/375. نجم الدين بن الشحام الموصلي 4/449، 473. نجم الدين أبو الطيب (القاضي) 12/ (63) . نجم الدين غازي (المنصور) 4/320. نجم الدين أبو الفتح محمد 14/372. نجم الدين الكاتبي 1/ (520) . نجم الدين كيزي 4/313. نجم الدين (أبو نمي) 13/318. ابن النحاس 2/385. النحاس (أبو جعفر) 1/123، 2/ (186) ، 3/16، 5/418، 6/235، 335، 8/131، 132، 133، 135. ابن النخجواني (شمس الدين) 11/ (365) . ندورة 5/379. نرس الأشغاني 4/411. نرس بن بهرام 4/413. نزار بن الحسن بن الصباح 1/156. نزار الفاطمي (العزيز بالله أبي المنصور) 6/ (421) . نزار بن المستنصر بالله 13/240، 246. نزار بن معد بن عدنان 1/382، 390، 5/44. النسائي 1/246، 545. نسطس (بطرك) 5/296.

نسطور الحكيم 13/283. نسطوريوس (بطرك القسطنطينية) 13/283. النسفي 1/519، (550) ، 12/ (355) . ابن النشائي 4/ (233) ، 7/248، 312. نشب (المغنية) 3/406. نشطاش قيصر 5/373. نشلى (عبد الله) 5/267. نصر بن أحمد بن أسد (أبو الحسن) 4/445. نصر بن برجس المشرقي 1/376. أبو نصر الجوهري 2/256. نصر خوزة فيروز بن عضد الدولة 6/569. نصر بن ربيعة 5/22. نصر بن سيار 2/ (61) . نصر بن صالح (شبل الدولة) 4/175. نصر بن عاصم الليثي 3/ (155) . أبو نصر بن عضد الدولة 10/256. نصر بن عياش بن أبي الفتوح 13/245. أبو نصر الفارابي 1/520، 543، 563، 4/439. أبو نصر محمد (الظاهر بأمر الله) 3/276. نصر بن محمد (أبو الجيوش) 5/252. أبو نصر محمد بن السري 3/489. نصر بن محمود 4/176. أبو نصر بن لؤلؤ 4/175. نصرة الدين (الأمير، صاحب سيواس) 14/182. نصيب بن رباح 2/ (222) ، 14/ (200) . نصير (غلام علي بن أبي طالب) 13/253. نصير الدين الطوسي 1/ (520) ، 548، 3/315. النضر بن شميل 6/ (55) . النضر بن كنانة 4/268. نضلة بن الحارث الغفاري 3/374. نضلة بن هاشم بن عبد مناف 1/412. النّطف (رجل من بني يربوع) 1/ (527) . ابن نظام (الناشر) 14/127. النظّام 2/ (207) ، 3/ (4) . نظام الدين الاصفهاني 11/367. نظام الدين أيلغازي 4/320. نظام الدين بن الحكيم الطياري 4/316، 334، 422، 423، 425، 429، 473، 474، 475، 481. ابن النعمان (علاء الدين الخوارزمي) 4/450. النعمان بن بشير الانصاري 1/450، 4/ (147) . النعمان بن ثابت (أبو حنيفة) 11/179. النعمان بن العجلان الزرقي 1/431. النعمان بن المنذر 1/373، 432، 448، 460، 513، 2/14، 201، 4/143، 5/22. النعمان بن يعفر 5/19. نعير (محمد بن حيار بن مهنا) 7/ (334) ، 340.

نعير بن منصور بن جماز 4/305. نعيم بن أوس 13/125. أبو نعيم الحافظ 4/282. نعيم بن زيد 1/426. نعيم بن سعد بن مالك 4/371. نعيم بن عبد الله 6/347. نفتالي بن يعقوب 13/267. ابن النفيس 1/ (554) . نقراوس الثاني 3/468. نقراووس بن مصريم بن براجيل 3/350، 351، 353، 468. ابن نقطة 1/253، 12/ (365) . نقفور قيصر 5/376. نقولا البندقي 8/126، 127. ابن النقيب (أحمد شهاب الدين) 12/415، 416. النقيب التميمي (موسى بن كعب) 3/ (486) . نقيموس قيصر 5/368. نمر الأزج بن عمرو بن الاشنب 5/42. النمر بن تولب 1/ (339) ، 2/ (205) . النمرود 1/473، 2/393، 449، 13/254. نمرود بن كنعان بن قوش 3/472، 4/95، 11/ (390) . أبو نمي (محمد بن أبي سعد) 4/289. أبو نمي (نجم الدين) 13/4/278. نمي بن خثعم 4/71. نمير بن عاصم بن صعصعة 1/395. نمير بن يزيد الحميري 14/95. النوار بنت مالك (أم زيد بن ثابت) 4/283. أبو نواس 1/210، 218، 340، 430، 519، 2/232، 246، 268، 308، 330، 335، 338، 420. نوباذ شاه 7/294. نوح (عليه السلام) 1/485، 2/56، 91، 3/351، 469، 4/81، 95، 14/303. نوح بن أسد 4/445. نوح بن نصر 4/446، 6/398. ابن أبي النور (شهاب الدين) 12/378. نوروز (الأمير) 3/504. النوروزي (يونس الأمير) 6/199. نور الدين إسماعيل بن نور الدين محمود 10/143. نور الدين جاجا 14/ (169) ، 182. نور الدين الشهيد (محمود بن زنكي) 1/377، (523) ، 2/97، 3/495، 4/3، 7، 41، 111، 210، 318، 5/341، 7/29، 10/184، 14/415. نور الدين علي (الملك الافضل) 4/172. نور الدين عيسى 4/320. نور الدين المغربي (علي بن سعيد) 2/511. نور الدين المنجنيقي 14/181.

- هـ -

نور الدين بن هلال الدولة الدمشقي 11/231، 232. نوفل الزبيدي 12/ (138) . نوفل بن عبد مناف 4/268. نوفيل قيصر 5/377. نوفيل بن ميخائيل 5/377. النومحسي 2/164. النووي 1/361، 546، 552، 2/ (53) ، 72، 404، 3/460، 4/ (81) ، 251، 291، 5/406، 408، 413، 6/218، 323، 9/367، 12/349، 14/372، 373. النوين جوبان 7/295. نيرون قيصر 5/296، 364. - هـ- هابيل بن آدم 2/393، 3/387، 472، 13/254. هاجر (أم إسماعيل) 1/494، 3/304. الهادي (أبو محمد موسى) 3/269. الهادي العثماني 5/271. الهادي بن المهدي 1/502، 504، 4/415. هاروت 4/331. هارون (عليه السلام) 11/386، 13/258، 260، 271. هارون بن خمارويه 3/375، 492، 4/169، 9/ (103) . هارون الرشيد 1/68، 231، 264، 472، 480، 516، 2/498، 515، 3/254، 269، 4/119، 135، 141، 390، 415، 5/116، 6/316، 341، 8/46، 14/97، 107، 103. هارون بن الطيطاش 4/469. أبو هاشم (محمد بن الحسن بن محمد) 4/275. هاشم بن الحسن بن داود 4/303. هاشم بن عبد المطلب 1/280. هاشم بن عبد مناف 1/412، 491، 4/268، 6/44. أبو هاشم بن أبي علي الجبائي 13/255. هامان 3/333، 13/261. هانىء بن داود بن القاسم 4/303. هانىء بن مسعود البكري 1/ (448) . هبار بن الأسود 1/410، 510. ابن هبل 1/ (554) . هبة (من عقب ودي) 4/305. هبة بن جماز بن منصور 4/305. هبة بن عيسى 4/212. هبة الله بن النفيس 12/407. هبيب بن معقل الغفاري 3/374. ابن هبيرة الحنبلي 1/ (553) . هجر بنت المكنف 5/52.

الهدهاد بن شرحبيل بن عمرو (ذو الأذعار) 5/21. هذيل 1/319، 2/259. أبو الهذيل العلاف 13/255. هراندة بن شانجة 5/259. هراندة بن الفنش 5/258. هراهولارو 4/448. هرثمة بن أعين 3/488، 5/ (116) ، 175، 14/102. هرجيب بن سوردين 3/469. هردوس بن مطرون 5/360. هرصال بن خصليم 3/468. هرقل 1/125، 229، 3/480، 5/231، 300، 6/79، 362. هرقل بن انطونيش 5/374. هرقل الجبار بن ملكان 5/360. هرقل بن قيصر 5/374. هرقل بن هرقل 5/375. هرقل بن نوسطينوس 5/374. بنت هرم بن سنان 14/197. هرم بن قطبة بن سنان الفزاري 1/440. هرمز 4/412. هرمز الاشغاني 4/412. هرمز بن أنوشروان 1/510، 4/413. هرمز بن جور 4/413. هرمز بن سابور 4/413. هرمز بن نرسي بن بهرام 4/413. هرمز بن يزدجرد 4/413. الهرمزان 6/233. هرمس 1/ (528) . هرمس بن هردوس 5/360. ابن هرمة 2/ (298) . هروشيوش (مؤرخ) 1/ (422) ، 5/228، 230، 361، 365. الهروي 1/ (547) . أبو هريرة 2/36، 392، 404، 469، 495، 3/ (306) ، 4/282، 5/404، 6/211، 344، 9/386، 13/113. هزان بن يعفر بن السكسك 5/57. هزبر الدين داود 5/30. الهزبران 1/449. ابن هشام (علي بن محمد) 1/358، (545) ، 3/13، 433، 5/20، 6/ (203) ، 360، 454، 7/31، 10/7، 14/370. هشام بن إسماعيل المخزومي 4/271، 299. ابن هشام البستي 2/ (53) . هشام بن حسان 2/500. هشام بن خالد (أبو مروان الأزدي) 6/260. هشام بن الحكم الأموي (المؤيد بالله) 2/477، 5/236، 6/ (523) ، 9/ (384) . هشام بن العاص 6/347.

هشام بن عبد الرحمن بن معاوية 5/235. هشام بن عبد الملك بن مروان 1/69، 311، 476، 503، 513، 2/60، 209، 286، 3/ (156) ، 268، 484، 4/415، 5/114، 181، 376، 6/341، 9/165، 13/60، 255. هشام بن عروة 6/211. هشام بن الكلبي (هشام بن محمد السائب) 3/ (12) ، 14، 5/4، 20. هشام بن محمد (المعتمد بالله) 4/80، 81، 5/237، 448. هشام بن معاوية الضرير (ابو العيناء) 1/512. هشيم 6/318. هطفة النهدي (هطفة بن أبي زهير النهدي) 2/260. هفان بن يزيد 1/378. ابن هلال (ابن البواب) (علي بن هلال) 14/ (141) . هلال بن بدر 3/493. ابن هلال الخطاط 7/ (278) . ابو هلال العسكري 1/176، 219، 253، 466، 469، 2/ (144) ، 155، 203، 220، 222، 256، 280، 288، 304، 311، 341، 365، 389، 478، 3/ (292) ، 4/284، 5/446، 6/38، 190، 195، 225، 257، 290، 315، 319، 446، 9/ (375) ، 13/59، 112، 115، 366، 14/413، 440. هلال بن المحسن بن أبي إسحاق الصابي 13/64. هلال بن يحيى 7/397. ابن هلال الدولة الدمشقي (نور الدين) 11/231. هلبا بعجة بن زيد 1/384. هلبا سويد 1/384. همام بن مرة 1/ (533) . ابن هنبتا 1/ (556) . هند بنت أبي الجيش 5/26. أبو هند الداري 13/125. ابو هند بن عبد الله 13/125. هند بنت عتبة بن ربيعة 1/454. الهندواني 12/ (78) . الهنشة بن بطرة 5/259. هنيء بن أحمر 2/ (501) . هوار بن أوريغ بن حيور 1/417. هو حزقيا بن أحاز (من ملوك بني إسرائيل) 4/165. ابن هود (احمد بن سليمان) 5/ (224) ، 245. ابن هود (ابو محمد) 7/ (31) . ابن هود (ابو عبد الله) 7/ (34) ، 8/ (313) .

- و -

هود (عليه السلام) 1/365، 480، 3/11، 14، 4/100، 5/17. هود بن عبد الله بن موسى 5/246. هوذة بن علي 1/125، 5/57، 6/345، 365. هولاكو 1/156، 3/ (277) ، 296، 4/111، 173، 313، 314، 320، 415، 417، 10/185، 14/445. هولاكو بن طولي بن جنكيزخان 4/418، 5/342، 8/64. هيتوم (ملك الأرمن) 5/344. الهيتي 14/145. ابن الهيثم 1/ (520) ، 559، 2/ (475) ، 13/207، 14/260. ابو الهيثم بن التيهان (ذو السيفين) 1/516. الهيثم بن عبيد 5/234. الهيثم بن عدي 6/208. هيلاني (ام قسطنطين) 4/105، 5/371، 13/286، 289. هيمون 2/ (465) . - والواثق العباسي 6/341. الواثق بن المستنصر 5/125. الواثق بن المعتصم 4/415، 12/56. الواثق بالله (ابو جعفر هارون) 3/270. الواثق بالله (ابو إسحاق إبراهيم) 1/504، 3/279. الواثق بالله (ابو حفص عمر بن الواثق إبراهيم) 1/505، 3/281. الواثق بالله (ابو بكر محمد) 9/315. الواحدي 1/ (544) ، 2/ (153) ، 14/259. ابن الواسطي 4/ (155) . واصل (مولى ابي عيينة) 6/212. ابن واصل (جمال الدين) 4/ (143) . واصل بن عطاء المعتزلي 1/478، 565، 13/255، 14/259. واضح (مولى المنصور) 3/487. الواقدي 3/ (14) ، 4/283، 6/456. والنطوش بن واليش 5/371. والي (ملك السودان) 5/282. واليش بن قسطنطين 5/371. واليطيس 3/480. وانود بن أبي بكر اللمتوني 5/248. ابن وانودين (مسعود) 5/163. وانودين بن خزرون 5/163. والاريانس قيصر 5/369. الوأواء الدمشقي 1/ (342) . وائل بن حجر الحضرمي 2/265، 6/ (284) ، 357. وائل بن حمير بن عبد شمس 5/18. وائل بن زيد مناة بن أفصى 3/371. أبو وبرة 5/446.

وجه النعجة 3/ (18) . ابن وحشية 1/ (424) ، 557، 2/ (92) . ابن الوحيد 2/ (492) . ودي بن جماز الحسيني 4/305، 12/ (237) ، 239. وردس بن بينير (سفلارس) 14/21، 24. وردس بن قنبر (عسقلاروس) 7/119. ورش (عثمان بن سعيد بن عدي) 12/ (418) . ورقاء بن سمي البجلي 14/95. ورقة بن نوفل 1/ (410) . ورمتيلوش قيصر 5/367. وريقش بن لذريق 5/230. الوزير المغربي 2/431، 14/ (436) . ابن وشمكير (أبو منصور، ظهير الدولة) 7/87. وشمكير بن زنار 6/399. ابن ولخشي (الأفضل) 8/ (345) . ولديانوس (من ملوك الروم) 3/479. ولادة بنت العباس العبسية 1/500. ولادة بنت محمد بن عبد الرحمن الناصر 1/527. ولاكيوش قيصر 5/370. ولي الدولة بن أبي كدينة 5/416. ولي الدين بن خيران 1/130، 11/300، (301) . 5/416. الولي العجمي 3/ (19) . ابن الوليد (الشاعر) 2/330. ابو الوليد الباجي (سليمان بن خلف) 1/ (72) . الوليد بن دومغ العمليقي 3/473، 5/451. ابو الوليد بن رشد 1/521، 558. الوليد بن رفاعة 3/485. الوليد بن روح 13/356. الوليد بن زيد 4/271. أبو الوليد بن زيدون 1/129، 527. الوليد بن عبادة بن الصامت 2/ (473) . الوليد بن عبد الملك مروان 1/166، 472، 491، 500، 503، 3/267، 356، 484، 4/99، 105، 270، 271، 300، 415، 5/113، 232، 376، 410، 6/340، 378. الوليد بن عتبة بن أبي سفيان 1/141، 4/270، 299. الوليد بن عقبة القرشي 1/ (520) ، 14/95. الوليد بن عمرو بن أراشة 3/473. الوليد بن مصعب 3/474، 13/261. الوليد بن المغيرة 1/488، 495، 496. الوليد بن يزيد بن عبد الملك 3/268، 4/300، 415، 6/341. وليعة بن مرثد بن عبد كلال 5/23. ابن وهب 3/ (157) ، 11/184. أبو وهب الجشمي 5/402.

- ي -

وهب بن عمير بن وهب 3/373. وهب بن منبه 1/517، 2/513. وهزر (من ملوك الفرس) 5/24. - ي- يابان بن يافث بن نوح 1/421. ياجور بن يوشيا 4/166. ياح بن مصر بن بيصر 3/352. ياروس (من ملوك الروم) 3/479. اليازوري المغربي (الوزير) 2/ (104) ، 14/ (436) . ابن ياسر النصراني 13/368. ياقوت الحموي 3/ (315) ، 458، 4/147، 338، 354، 5/15. ياقوت الرومي (المستعصمي) 3/ (113) ، 7/ (278) . ياقوت الموصلي (امين الدين) 3/ (19) . ياقوتي بن ارتق 4/319. ياقوس الانطاكي 2/105. يانس الحافظي (وزير الحافظ) 3/409، 9/300، 306. يانس الصقلي 3/410. يانس العزيزي 3/410. يانس الفاصد (يانس الحافظي) 3/409. ياوان بن يافث بن نوح 1/425. يتلوثان 5/184. يثرب بن عبيل بن مهلائيل 4/297. يثرب بن قانية بن مهلائيل 4/290. يحكم (مملوك) 4/416. يحيى (الشريف، صاحب أربل) 7/300. يحيى (الفقيه النسابة) 4/302. يحيى بن إبراهيم 5/184. يحيى بن أجاد 5/128. يحيى بن إدريس بن عمر 5/176. يحيى بن أبي إسحاق بن محمد (أبو زكريا الأمير) 5/124. يحيى بن أسد 4/445. يحيى بن إسماعيل (ابن ذي النون) 5/241. يحيى بن إسماعيل بن المأمون 5/243. يحيى بن أكتم (القاضي) 9/ (413) . أبو يحيى ابو بكر (المتوكل علي الله) 7/405. يحيى بن تميم 5/121. يحيى بن جعفر (أبو الفضل) 14/ (230) . يحيى بن الحسين الزاهد 5/45، 7/357. يحيى بن الحكيم الطياري (نظام الدين ابو الفضل) 4/316، 421. يحيى بن حمزة 5/48، 7/358. يحيى بن خالد 1/69، 127، 6/316، 342، 13/60، 14/102، 205، 227، 414. يحيى بن داود الخرسي (انظر يحيى أبو صالح) . يحيى بن ذي النون 5/249. يحيى بن زكريا 1/68، 2/455، 4/100، 13/263، 269، 270، 284.

يحيى بن زياد (الفراء) 3/ (13) . يحيى بن زيادة (قوام الدين) 8/272. يحيى بن سعيد القطان 6/318. يحيى أبو صالح (يحيى بن داود الخرسي) 3/ (487) . أبو يحيى العامري 3/482. يحيى بن عبد الله بن الحسن 13/214. أبو يحيى بن عبد الحق المريني 5/188، 191. يحيى بن عثمان السويدي 8/103. يحيى بن العفيف 12/301. يحيى بن عقبة بن أبي العيزار 13/356. يحيى بن علي بن إسحاق 5/248. يحيى بن علي بن حمود 5/154، 237، 238. يحيى بن عمر بن واركوت 5/184. يحيى بن عيسى بن موسى 14/102. يحيى بن فضل الله 12/ (94) . أبو يحيى اللحياني (السلطان) 5/126. يحيى بن محمد بن إدريس 5/176. يحيى بن محمد بن جزر الوادي 8/88. يحيى بن أبي محمد عبد الواحد (أبو زكريا) 5/123. يحيى بن محمد بن علي (محيي الدين ابو الفضل) 14/285. يحيى بن المستعين بالله أبي الفضل العباس 9/180. يحيى بن المستنصر العباسي 5/124. يحيى بن مسلمة 5/234. يحيى بن مطروح (جمال الدين) 5/390. يحيى بن معين 1/ (518) . يحيى بن منذر بن المطرف 5/246. يحيى بن يحيى بن الحكم 1/502. يحيى بن يحيى بن محمد 5/176. يحيى بن يعمر 2/ (256) ، 513، 514، 3/ (155) . يخنيو بن يهو ياقيم 4/166. يدنو ذو حمار بن بدعيل 5/43. يرفأ (مولى عمر) 5/422. اليركيش 5/259. يرنسب مقت بشلي 14/28. ابن يزداد (محمد، وزير المأمون) 9/ (372) . يزدان 13/294. يزدجرد 1/512، 2/265، 4/394، 6/228. يزدجرد الأثيم 4/413. يزدجرد بن بهرام جور 4/413. يزدجرد بن بهرام بن سابور 4/413. يزدجرد بن فرخ بن زاد خسرو 4/414. ابو يزيد (صاحب الحمار) 5/119، 120، 13/244. يزيد بن الأسود 5/ (158) . ابو يزيد بن أورخان 5/349. أبو يزيد البسطامي (الزاهد) 4/388، 11/ (159) ، 12/413. يزيد بن حاتم بن قبيصة (يزيد المهلبي)

3/ (486) ، 5/116، 175. يزيد بن أبي حبيب 3/ (319) . يزيد بن حجية التميمي 14/95. يزيد بن الحر العبسي 14/95. أبو يزيد الدوادار الظاهر (المقر الزيني) 1/452، 11/158، 14/ (263) . يزيد بن زياد الأسلمي 3/374. يزيد بن شريح بن الأحوص 1/442. يزيد بن الطثرية 2/ (231) . يزيد بن عبد الله 3/327، 490. يزيد بن عبد الملك بن مروان 1/500، 501، 503، 513، 3/267، 484، 4/415، 5/114، 6/340، 9/370، 376، 379. يزيد بن عمرو الجذامي 14/95. يزيد بن قيس 13/125. أبو يزيد بن مراد بك بن عثمان 8/15، 225. يزيد بن أبي مسلم 5/114، 174. يزيد بن معاوية 1/69، 303، 450، 471، 3/266، 4/299، 414، 5/113، 375، 6/340، 373، 377، 8/46، 9/287، 13/234، 235. يزيد بن منصور 5/25. يزيد بن هارون 1/ (183) ، 2/ (353) . يزيد المهلبي (يزيد بن حاتم بن قبيصة) 3/ (486) . يزيد بن الوليد 1/166، 498، 3/268، 4/415، 6/341، 378. أبو يزيد بن يحيى 5/250. يزيد بن أبي يزيد 1/489. أبو اليسر بن عمرو الأنصاري 14/94. أبو اليسر كعب بن علية 6/ (322) . اليسع بن أبي القاسم سمكو 5/160. اليسع بن المنتصر 5/161. يسوع (انظر المسيح، عيسى بن مريم) . يشجب بن يعرب 5/18. يشجر بن يعقوب 13/267. يشطيناش قيصر 5/373. يشكر بن جزيلة 3/386. يعرب بن قحطان 5/18، 54. يعفر بن السكسك 5/18. يعقوب (عليه السلام) 3/306، 4/105، 13/262. يعقوب (بطرك) 5/302. يعقوب بن إسحاق الكندي 2/106، 120. يعقوب البرذعاني 11/390، 13/281، 292. أبو يعقوب البويطي 3/432. أبو يعقوب الجرمي 2/ (363) . يعقوب بن حلفا 6/91، 13/275. يعقوب الحواري 13/275. يعقوب بن داود بن طهمان 1/69، 5/415.

يعقوب بن زيري (الحواري) 6/90. أبو يعقوب السكاسكي 1/ (558) . يعقوب السكرجي 8/70. يعقوب بن صابر المنجنيقي 2/ (87) . يعقوب بن عبد الحق (أبو يوسف) 5/ (149) ، 189، 191، 258، 8/89، 101، 11/11. أبو يعقوب بن عبد المؤمن 5/250. يعقوب بن عبد المؤمن (المنصور) 1/232، 5/122، 156، 157. يعقوب بن علي شار 7/304. يعقوب بن علي بن عثمان 8/97. يعقوب القبطي 3/373. يعقوب بن كلس (أبو الفرج الوزير) 2/ (104) ، 3/402، 414، 553، 561، 14/436. أبو يعقوب المريني 5/145. أبو يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن 5/250. يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن 5/187، 6/ (526) . أبو يعلى حمزة بن القلانسي 12/ (85) ، 367. يعلى العامري 5/247. أبو يعلى عز الدين 7/179. يعلى بن منبه 5/25. يعمر بن شداد 3/358. اليعمر بن عجلان الأنصاري 14/94. ابن يعيش (النحوي) 12/ (350) . يعيش بن محمد بن يعيش 5/243. ابن يغمراسن (عثمان، أبو سعيد) 7/ (48) . يقفور 1/231. يكسوم بن أبرهة الأشرم 5/24. يلبغا السالمي (الأمير) 3/507. يلبغا العمري الخاصكي 7/64، 65، (325) ، 8/182، 218. يلبغا الكاملي 12/ (18) . يلبغا اليحياوي 12/ (359) . يلتان 5/184. يلدز (مملوك غياث الدين) 4/448. يليان (ملك) 5/153. يليان 5/232. يليان بن قسطنطين 5/371. يليانس (بطرك) 5/297. اليمامة بنت سهم بن طسم 5/55. يمن بن قحطان 5/4. يمن بن قيدار 5/4. ينعم بن ذي الملك 5/43. يهوذا (من اخوة يوسف) 3/281. يهوذا الاسخر يوطي 6/91، 13/275. يهوذا بن يعقوب 13/267. يهورام بن يهوشافاظ 4/165. يهوشا شافاظ بن أسا 4/165. يهوياجور بن يوشيا 4/166. يهويا قيم بن يوشيا 4/166.

يؤثم بن عزيا هو (من ملوك بني إسرائيل) 4/165. يوحنا (بطرك) 5/299. يوحنا (الحواري) 5/364. يوحنا الإنجيلي 6/90، 13/275، 316. يوحنا الحبيس 5/299. يوحنا الرحوم (بطرك) 5/299. يوحنا بن زندي 5/364. يوحنا بن زيدي 13/275. يوحنا المعمودي 13/314. يوساب (بطرك) 5/303. أبو يوسف (السلطان) 14/219. أبو يوسف (يعقوب بن إبراهيم) 12/ (354) ، 348. أبو يوسف (صاحب أبي حنيفة) 12/ (77) . يوسف (عليه السلام) 1/68، 241، 279، 486، 3/305، 306، 329، 361، 436، 473، 5/414، 6/224، 13/209، 258. يوسف بن أحمد (المظفر) 5/246. يوسف بن إسماعيل (أبو الفضل) 7/440، 11/17. يوسف بن أيوب (انظر صلاح الدين يوسف) . يوسف البساطي (جمال الدين) 11/113، 174، 181، 237. يوسف البشاسي (جمال الدين) 11/ (151) ، 153. يوسف بن تاشفين (أبو يعقوب) 1/417، 5/ (155) ، 156، 183، 185، 240، 249، 456، 6/ (125) ، 9/88، 10/ (30) ، 165، 167. يوسف بن أبي حمو 5/197. يوسف الحنفي (جمال الدين) 12/373. يوسف السجزي 3/103. يوسف شاه العمري (جمال الدين) 7/187، 12/359. يوسف بن عبد الله الزجاجي 4/ (86) . أبو يوسف بن عبد الحق 7/62. يوسف بن عبد الرحمن الفهري 5/234. يوسف بن عبد المؤمن (أبو يعقوب) 5/187، 250. يوسف بن العزيز بن صلاح الدين (الملك الناصر) 3/294. 4/173، 178. يوسف بن عمر بن علي بن رسول (الملك المظفر شمس الدين) 1/483، 5/29، 6/413، 7/365، 8/ (43) . يوسف بن عمرو 5/25. يوسف بن عنقا 1/68. يوسف بن فرج بن نصر 6/458، 11/13. يوسف بن قاسم 7/397. يوسف بن محمد بن الأخيضر 5/57. يوسف بن محمد الناصر (المستنصر بالله) 5/250.

يوسف بن محمد بن يعقوب 5/187. يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي 4/271. 300. يوسف بن مسلم 4/308. يوسف المؤتمن 5/246. يوسف بن الناصر 5/190. يوسف النجار 13/261، 274، 285، 317. يوسف بن أبي الوليد إسماعيل بن نصر (ابو الحجاج) 5/253، 8/108. يوسف بن يحيى بن الحكم 1/502. يوسف بن يحيى بن منذر 5/246. يوسف بن يعقوب بن إسحاق 1/497، 5/192، 13/267. يوسف بن يعقوب بن عبد الحق 5/258. يوشطونش قيصر 5/373. يوشطيانش 5/374. يوشع بن نون 1/68، 4/147، 13/258، 260، 262، 271. يوشيا بن أمون (من ملوك بني إسرائيل) 4/166. يوطيانس قيصر 5/375. يوقن قوتاغي 4/310. يوليانش 5/371. يوليانوس قيصر 5/367. يونان بن عابر بن شالح 1/425. يونان بن علجان بن يافث 5/340. يونان بن يافث بن نوح 1/425، 5/360. ابن يونس 1/ (553) ، 2/174، 3/ (381) ، 458، 11/184. يونس (عليه السلام) 4/165، 318. يونس (صاحب أنطاليا) 5/325، 8/14. يونس الحاجب 13/368. يونس بن حبيب 2/ (59) . يونس الدوادار الظاهري 6/199. يونس بن أبي غالب (بطرك) 5/307. يونس بن أبي الفتح (بطرك) 5/307. يونس بن مودود بن العادل (الجواد) 4/173، 7/ (124) . يونس النوروزي 6/199. يونيوش قيصر 5/368.

فهرس قبائل، عشائر، جماعات، شعوب أمم، فرق، بطون، أرهاط

فهرس قبائل، عشائر، جماعات، شعوب أمم، فرق، بطون، أرهاط - أ- آل أجود 1/376، 4/212. آل أحمد 1/374، 4/216، 218. آل الاشعث بن قيس 1/432. آل أيوب (انظر بنو أيوب) . آل بدال 4/222. آل برجس 4/216. آل برة 4/222. آل بشار 4/212، 239. آل بقرة 4/216. آل بهراء 1/369. آل بيوت 4/212. آل تميم (بنو تميم) 1/376. آل جحش 4/222. آل جناح (من عرب الحجاز) 4/289. آل جناح (من بني خالد) 4/212. آل حاجب بن زارة 1/432. آل حجاج 1/375. آل أبي حزم 1/376. آل حذيفة بن بدر 1/432. آل حفصان 1/375. آل حمود الحاجب 1/384. آل دغم (من عرب الحجاز) 4/289. آل دعيج 1/375. آل ذي الجدين 1/432. آل ربيعة بن حازم بن علي 1/363، 394. آل ربيعة (من طيء) 4/210. آل رجاء 4/222. آل رفيع 1/375. آل روق 1/375. آل رويم 4/221. آل زامل 4/215. آل الزبير 1/499. آل زياد (من خثعم) 4/289. آل زيد 1/384. آل ساسان (بنو ساسان) 5/473، 6/37. آل سامان (بنو سامان) 4/428. آل سرية 1/375. آل سلجوق (السلاجقة) 4/428، 7/270، 14/180. آل سلطان 4/216.

آل سميط (من آل فضل) 4/212. آل سنيد 1/376. آل شبل 4/221. آل شرود 1/376. آل شماء 4/216. آل صيفي 4/222. آل ظفير 4/216. آل عجبون 4/248. آل العصافير 1/382. آل العصافير (من خثعم) 4/289. آل عقيل 1/376. آل علي بن حذيفة 1/363، 376، 377، 8/222، 229، 9/256، 11/108، 12/124. آل علي (من آل ربيعة) 4/217. آل علي (من آل فضل) 4/212. آل عمران 1/375. آل عوسجة 1/374، 4/218. آل عيسى (من آل فضل) 4/212، 7/206، 245. آل عيسى (من عرب الحجاز) 4/289. آل غزي 4/216. آل غياث 4/220. آل فرج (من آل فضل) 4/212. آل فرعون 3/323، 10/385، 13/263. آل فضل بن عيسى 1/363، 377، 400، 4/211، 212، 222، 6/135، 139، 8/221، 222، 229، 9/256، 11/104، 12/118، 121، 123، 124، 128. آل فضل الله 14/140. آل فضل (من آل ربيعة) 7/203، 245. آل أبي فضيل 4/216. آل أبي مالك 1/376. آل محسن 4/222. آل محمود 1/374، 4/218. آل مرا بن ربيعة 1/363، 377، 4/215، 216، 6/137، 7/206، 245، 8/222، 9/256، 11/108، 12/124، 130، 131، 135. آل مرامر 3/12. آل مسافر 1/376. آل مسخر 4/216. آل مسعود 1/376. آل مسلم (من آل فضل) 4/212، آل المغيرة (بنو المغيرة) 4/216. آل منال 1/376. آل منيحة 4/212. آل منيع 1/376. آل مهدي (بنو مهدي) 1/382. آل مهدي (من خثعم) 4/289. آل مهنا 7/245. آل موسى (بنو موسى) 8/222. آل مياس 4/222. آل نادر 1/375.

آل نادر (من بني نمور) 4/219. آل النعمان بن المنذر 4/336. آل نمي 4/216. آل هبة بن عيسى 4/212، 215. آل يزيد بن عابد 4/212. آل يسار 4/220. آل يعقوب 11/15. ائمة الزيدية 5/48. أئمة الستر 11/164. الائمة المهديون 10/137، 334، 13/16. الأباريون 5/228. الأباضية 5/162، 13/228. بنو إبراهيم 4/277. الاتراك (الترك) 1/472، 6/55، 11/50. الاتراك التركمان (التركمان) 5/322. الأتراك المصطنعون 3/581. الاثني عشرية 4/306. بنو الأثير 8/186، 187، 11/35. الأحامدة 1/374، 386، 4/219. الأحبار 11/385، 13/266. بنو أحمد 4/277. بنو الأحمر 1/128، 375، 5/209، 221، 251، 7/440. الأحلاف 1/275، 370. بنو الأحوص 1/437. اخوان الصفا 12/410، 414. إخوة يوسف 13/209. بنو الأخيضر 5/57. الأخيوة 1/384. الادارسة 5/116، 119، 148، 165، 175، 5/154. بنو الأدرم بن لؤي بن غالب 1/406. بنو إدريس الأكبر بن حسن المثلث 5/175. بنو ادفونش 5/240، 255. اديرات 4/311. أذينة 14/152. بنو أرتق 4/319، 7/289، 9/111، 10/346. بنو أرحب 2/37. أردواحة 1/415. بنو الأرشي 5/309. بنو أرغومس 5/257. الأرمن 1/425، 3/405، 503، 4/124، 136، 185، 5/323، 7/370، 376، 393، 8/10، 30، 264، 401، 10/59، 12/270، 13/90، 252، 14/22، 164. الأزارقة 1/528، 2/364، 8/280، 13/227. الأزد 1/196، 361، 370، 3/371. أزد السراة 1/370. أزدشنوءة 1/370.

أزدعمان 1/371. بنو الأزد بن الغوث بن نبت 1/370. بنو الأزرق 3/372. الأزكش 1/421. الأساورة 1/384. الأسباط 4/165، 13/260. الأستبارية 7/23، 14/34، 38، 39، 79. بنو إسحاق 1/408. بنو أسد بن عبد العزى 1/402، 410، 448، 2/228، 3/486. بنو إسرائيل (الإسرائيليون) 1/414، 422، 425، 2/363، 464، 3/12، 304، 475، 4/81، 164، 298، 5/362، 384، 428، 6/227، 285، 11/403، 13/257، 271، 273. بنو أسرات 1/417. بنو أسلم 1/374، 3/368، 4/219. أسلين 1/418. بنو إسماعيل 1/360، 389، 2/388، 4/222، 267. الإسماعيلية (الشيعة الاسماعيلية) 1/154، 4/151، 186، 313، 7/196، 9/256، 13/232، 238، 250، 14/38. أسود 1/384. بنو أسير بن عبيد 1/385. الأشاعرة (الأشعريون) 1/388، 5/132، 186، 13/261. الأشبانية 1/425، 5/228. بنو أشتكاز بن توغرما 1/422. أشجع 3/368. بنو أشجع بن ريث بن غطفان 1/398. أشحوم 1/418. الأشراف 5/36. الأشراف الجوانيون 3/405. الأشراف الحسينيون 3/405. الأشراف الطالبيون 10/256، 11/163. بنو الأشعر بن أدد بن زيد 1/388. بنو أشعر بن سبا 1/389. الاشغانية 4/412، 5/451. بنو الأشكري 8/45. الأص 4/189، 462، 472، 5/393. الأصابغة 1/418. أصحاب الكهف 3/479، 5/208. الإصطنبولية 8/49. بنو الأصفر 5/362، 6/87. الأعاجم (انظر العجم) . بنو أبي العافية 5/177. الأعياص 1/411. الأغاجرية 7/305. الإغريق 1/425، 5/362، 6/58. بنو إغريقن بن يونان 1/425. بنو الأغلب 5/118، 7/404.

الأفارقة 5/228. الافرنج 5/134. الافضلية 10/317. الاقباط (انظر القبط) . الأكاسرة 1/423، 511، 4/132، 316، 412، 5/451، 6/231، 7/256، 9/112، 13/298. الاكراد 3/509، 553، 581، 4/121، 345، 373، 377، 6/126، 7/209، 227، 244، 306، 9/256، 11/121، 319، 13/164، 14/36. بنو أكلب بن عفير 1/382. الألمان 5/381، 7/135. الإمامية (الشيعة الامامية) 12/239، 13/231، 238. الأمرية 7/305. الأمويون (انظر بنو أميّة) . الامويون الاندلسيون 5/222، 6/431، 523، 9/307. أميم 1/359. بنو أميم بن لاوذ 1/423. بنو أمية الأصغر 1/411. بنو أمية الأكبر 1/411. بنو أمية بن عبد شمس 1/127، 128، 137، 264، 281، 302، 303، 330، 361، 411، 517، 2/156، 3/15، 54، 263، 270، 290، 375، 483، 486، 4/6، 68، 163، 270، 271، 299، 5/154، 162، 174، 447، 9/289، 12/337، 13/3، 226، 236، 238، 14/413. الأنبردية 5/382. أنبياء بني إسرائيل 11/403. الأنبيون 5/229. الأندلسيون 1/445، 5/133، 178. الأندلش 5/205، 228. الأنصار 1/244، 276، 287، 300، 379، 2/390، 3/368، 9/283، 10/132، 12/255، 13/115، 116، 233، 380. الانطاكيون 13/98. بنو أنمار بن أراش بن عمرو 1/381، 390. بنو أنمار بن نزار 1/390. بنو أنوشتكين 4/446. أهل البيت 3/429، 12/241، 13/235، 236، 242، 253، 14/343. أهل الذمة 1/57، 472، 3/531، 5/460، 9/273، 10/27، 40، 303، 11/84، 378، 380، 12/4، 279، 422، 13/13، 21، 22، 365، 367، 368، 382.

أهل الردة 5/25، 6/369، 10/19، 13/32. أهل السنة 13/220. أهل الشعانين 13/289. أهل الكتاب 11/386. أهل الكهف 5/372، 13/72. الأهلة 1/418. الأوثان 5/263، 10/347. بنو أوذ بن صعب 1/379. أوربّة 1/415. بنو أورخان بن عثمان جق 5/348. أوريغة 1/415، 420. الأوس بن عمرو 1/362، 3/14، 4/291، 298، 6/48، 12/365. الأوشرية 7/305. أولاد أسد بن سامان 4/445. أولاد بدران 7/176. أولاد ابي جحيش 4/69. أولاد جفطاي 4/313. أولاد جوال 1/384. أولاد جوبان 4/419. أولاد حديثة بن عيسى 4/212. أولاد داود الشيباني 4/233. أولاد راشد 1/384. أولاد رسول (بنو رسول) 7/364. أولاد رمضان (بنو رمضان) 7/305. أولاد زعازع 1/419، 4/69. أولاد سام 4/251. أولاد شاور 1/386. أولاد الطائية 4/220. أولاد طحشون 7/305. أولاد العجار 1/386. أولاد عسكر 4/220. أولاد عمر 1/418، 4/70. أولاد غالي 1/384. أولاد غانم 1/384. أولاد غريب 4/70. أولاد قرمان 5/330، 346، 14/175. أولاد قريش (قريش) 1/419، 4/69. أولاد الكافرة 1/376. أولاد أبي الليل 1/399. أولاد مأمن 1/418. أولاد المبارزكك 7/307. أولاد محمد بن عيسى 4/121. أولاد منتشا 5/329، 331. أولاد مؤمنين 1/418. أولاد نجيب 1/384. أولاد نزار بن معد 5/44. أولاد نصير الدين 4/72. أولاد الهريم بن غياث بن عصمة 1/385. أولاد الهوبرية 1/385. أولاد الواثق 5/11. أولاد يبرين 1/384. أولاد يعقوب 4/159، 13/267. أولاد يوسف (بنو يوسف) 4/72. الأولاق 4/465، 5/394.

- ب -

أويس 1/375. بنو أياد بن نزار 1/390. بنو أيدين 5/348. بنو ايران بن شور 1/424. بنو أيوب (الأيوبيون) 1/130، 424، 474، 505، 2/208، 3/291، 390، 495، 4/94، 111، 145، 180، 5/10، 28، 266، 6/320، 469، 472، 7/26، 128، 365، 368، 9/423، 10/186، 188، 11/30، 12/318، 14/415. - ب- البابندرية 7/305. بنو باديس 5/121. بنو بازان بن يافث 1/422. الباسرية 4/374. بنو أبي باسل بن أبي الضحاك 5/177. بنو باسل بن أشور بن سام 1/421. الباطنية (الباطلية) 1/155، 3/403. باهلة 1/397،. البتر بن البربر 1/415. البجاة 3/252، 5/263. بجيلة 1/362. البحابحه 1/375. بنو بحتر بن عتود 1/373. بنو بحر 1/388، 3/371. بنو بدر بن عدي بن فزارة 1/399، 411. بنو بدير 3/537. البراجسة 1/384. البرامكة 1/377. البرانس 1/415. البراهمة 5/72، 74، 13/300. البرجان (من الروم) 2/457، 5/382، 397، 13/286. البربر 1/203، 414، 3/397، 402، 403، 4/69، 212، 5/103، 111، 130، 173، 6/90، 7/404. البربر الملثمون 5/281. بربر طنجة 5/153. البربر المسلمون 5/168. بردعة 1/384. برشاش 1/386. البرغال 5/394. البرقية 3/404. البركين 1/419. بنو برمك 2/134. بنو برنس بن بربر 1/415. البرنو 5/268، 6/124، 8/6. البروكية 1/418. البشكنس 5/230. البصريون 2/388، 3/176، 177، 200، 203، 209، 5/419.

- ت -

البطالسة 3/476. البطنين 1/375، 4/212. بكر 1/391. بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة 1/404. البكرية (أولاد طشحون) 1/385، 7/305. بنو بكم 1/419. بنو بكير 1/387. بنو بلار 1/419، 4/69. البلازرد 1/418. بلحارث بن كعب 1/380، 404. بلعدوية 14/152. البلغار 4/460، 5/394، 6/169، 8/26، 51. بلوس 1/382، 4/289. بنو بلى بن عمرو الحافي 1/367، 3/371، 445، 4/68، 298. بمخ 5/397. البنادقة 5/382، 8/15، 126، 13/93، 14/78. بنات شعيب 3/445، 13/263. بنات طارق 1/516. بنات الحارث 1/516. بنو بنانة 1/406. بندار 1/418. بنو بها 1/375، 4/219. البهاليل 1/418. بنو بهراء بن عمرو 1/369. البوزقية 7/304. بنو بولان بن عمرو 1/373، 480، 3/11. بنو بويه 1/421، 3/293، 4/379، 417، 5/420، 6/321، 333، 380، 474، 7/118، 11/72، 14/414. البيازنة 5/383، 388. البياشنة 13/93. البياضية 1/479، 7/305. بنو البيض 1/388. البيهية (من الخوارج) 13/227. - ت- التبابعة 1/229، 358، 416، 418، 3/429، 4/297، 5/11، 20، 38، 39، 43، 45، 7/12. تبابعة اليمن 1/414. التتار 1/60، 127، 163، 420، 537، 2/129، 3/277، 278، 296، 4/124، 182، 214، 310، 311، 393، 425، 452، 5/131، 334، 7/206، 372، 376، 393، 7/299، 8/29، 259، 9/424، 10/59، 67، 185، 12/262، 270، 14/21،

- ث -

71، 85، 163، 180، 445. التتر الجنوبيون 4/365. التتر الشماليون 4/365. التتر (انظر النورانيون) . تجيب 3/382. التحتية 4/378. الترك 1/204، 420، 3/20، 258، 294، 297، 509، 553، 4/188، 5/401، 6/427، 7/406، 8/26، 9/59، 216، 13/119. الترك التركمان 5/322. الترك الطغرغز 2/129. الترك القفجاق 1/420. بنو ترك بن كومر بن يافث 1/420. التركمان 1/421، 3/243، 509، 4/76، 121، 140، 5/329، 6/126، 7/209، 227، 244، 304، 9/256، 11/121، 319، 13/37، 164، 14/36. التركمان البياضية 8/226. تركمان حلب 7/209، 305. تركمان الروم 5/345، 347. التركمان الشهرية 8/227. تركمان طرسوس 7/209، 305. تركمان الورسق 7/209. التسقان 3/245، 5/388. تغلب 1/395، 446. بنو تغلب بن وائل 1/391. التلية 4/374. بنو تمام 1/375، 4/219. تميم 1/196، 426، 448، 468، 510، 6/190، 11/200، 280، 13/121. بنو تميم بن مراد 1/401. التنكبية 4/378. تنوخ 1/361، 370. تهامة 6/227. توران 7/328. التورانيون 5/398. بنو تيم بن مرة بن كعب 1/408، 12/56، 13/233. تيمنلك (من البربر) 5/168. التيه 1/418. - ث- بنو ثابت بن ربيعة 4/212. ثراد 3/371. الثعالبة (من الخوارج) 13/228. بنو ثعل بن عمرو بن الغوث 1/372. بنو ثعلب 4/69. ثعلبة (طيىء) 4/71، 219. ثعلبة (مصر) 4/220. بنو ثعلبة بن سعد 1/349.

- ج -

بنو ثعلبة بن سلامان بن ثعل 1/375. بنو ثعلبة بن عدي 1/399. بنو ثعلبة بن عمرو بن غوث 1/374. بنو ثقيف 1/397، 510، 3/368. بنو ثمال 1/388. ثمود (ثمود بن جاثر) 1/345، 359، 363، 365، 397، 2/393، 5/407، 6/377. الثنوية 13/294. - ج- بنو جابر (الجابريون) 1/384، 4/265. جاسم 4/297. الجاكية 4/374. الجاندارية 3/388. جبابرة الشام 1/365. الجبل 13/119. الجبور 4/289. جد 1/419. بنو جديدي 1/419، 4/69. جديس بن ارم 1/359، 365، 5/57. بنو جديلة بن أسد 1/391. بنو جديلة بنت سبيع 1/302، 372. جذام (جذام بن عدي) 1/359، 383، 3/369، 4/71، 8/7، 120. جذيمة 1/374، 4/218. بنو جذيمة بن مالك بن حنبل 4/218. بنو الجراح 1/377، 406، 4/410. الجراشنة 1/384. الجرامقة 1/421، 4/319، 7/298. الجرجان 13/48. جرش 3/369. الجركس 4/189، 456، 459، 472، 5/393، 7/337. جرم (من طيء) 7/208. بنو جرم بن جرمز 4/219. بنو جرم بنت الغوث 1/374، 2/231، 4/218، 11/109. جرم قضاعة 4/89. جرهم 1/389، 4/251، 256، 266، 6/227. جرهم الأولى 1/359، 366. جرهم الثانية 4/251. بنو جرهم بن زبان بن حلوان 1/369. بنو جرهم بن قحطان 1/366، 5/43. بنو جشم بن عبد شمس 5/450. بنو جشم بن معاوية 1/369، 394، 397. الجعافرة 1/363، 412. بنو جعد 1/388. بنو جعفر الصادق 1/412. بنو جعفي بن سعد العشيرة 1/379. بنو جعونة 4/343. بنو جفنة 1/371.

- ح -

الجلالقة 5/249، 254، 391، 454. جمائع الرائدين 4/218، 219. بنو جماز 1/419، 4/306، 7/212. جماعة نهار 1/410. الجمان 4/220. بنو جمح بن هصيص 1/407. بنو جموح 1/374. بنو جميل 1/375، 376، 4/219. بنو جميلة 1/395. جنب 1/378. جند باذان 3/370. بنو جنكيزخان 4/314، 357، 418، 448، 483، 6/329، 7/256، 287، 316، 8/63، 72، 11/3. الجنوية (الجنويون) 5/383، 13/93. الجهاركس 4/428، 7/315. بنو جهور 5/241. جهينة (جهينة بن زيد) 1/368، 3/368، 445، 4/298، 5/267، 14/152. الجوابرة 8/4. الجوالي (أهل الذمة) 3/530. الجواهرة 1/375، 4/220. الجودرية 3/402. جوش 1/386. الجولمركية 4/377. جيان 1/374، 4/218، 5/251. الجيل 1/421. جيوش الاسلام 11/137، 12/178. - ح- بنو حاتم (من خثعم) 4/289. الحارث 1/371، 378. بنو الحارث بن عبد مناة 1/406. بنو الحارث بن فهر 1/406. بنو الحارث بن كعب 1/378، 380، 5/44، 6/353، 454، 9/417. حارثة (حارثة الكلبي) 4/216. الحاص 4/216. الحافظية 10/317. بنو حام 1/382، 5/290، 6/508، 509. بنو حبان 1/388. الحبشة (بنو الحبش) 1/422، 3/252، 312، 5/9، 23، 37، 289، 6/86، 8/25. بنو حبة بن راشد بن الوليد 1/385. الحبور 4/212. بنو حبون 1/420. بنو الحجاج 1/419. بنو حجرة 1/388. الحجرية الصغار 3/581. الحجرية الكبار 3/581. بنو حجير 1/391. الحداربة 5/264.

بنو حدان 1/387. الحدق 1/376. حديد 1/418. بنو حدير 1/388. الحراقيص 1/384. بنو حرام بن جذام 1/386. حراوة 5/167. بنو حرب 1/363، 4/296. بنو الحرمية 1/419. الحريث 4/222، 289. الحسنانية 4/374. بنو الحسن بن أبي بكر بن موهوب 1/385. بنو الحسن بن علي (الأشرف) 1/386، 4/289، 295، 329، 7/213، 12/228، 257. الحسنيون 5/48، 7/357. بنو الحسين (الشرفاء) 4/216، 302، 7/212، 12/237. بنو حضر موت بن عمرو 3/372. بنو أبي حفص 7/404. بنو أبي حفصة 14/149. الحضينيون 1/385، 386. الحفصيون 1/415، 5/123، 129، 191، 193، 7/404. بنو الحكم 1/419. بنو الحلالس 1/419. الحليفيون 1/385. الحمارنة 1/386. الحماريون 1/384. الحماسنة 1/419. الحمالات 4/221. بنو حمدان 1/384، 392، 4/121، 416، 5/455، 6/487. بنو حمران 1/386. بنو حمود (من الادارسة) 5/237. بنو حمود الحاجب 5/155. بنو الحميد 5/325، 329، 348، 8/18. الحميديون 1/384. الحميدية (طائفة) 4/375. الحميدية (قبيلة) 4/329. بنو حمير 1/196، 345، 358، 416، 2/229، 5/9، 19، 22، 43، 269، 6/228، 7/12. بنو حمير بن سبأ 1/367، 4/220. الحنابلة (الحنبلية) 1/375، 2/55، 4/37، 199، 202، 220، 230، 382، 8/221، 11/95، 116، 192، 12/54، 14/451. بنو حنش 1/363. حنظلة الاكرهون 1/401. بنو حنظلة بن مالك 1/363، 401، 9/246. الحنفية 2/368، 4/199، 202، 228، 230، 460، 5/66، 395، 6/451، 8/221، 9/181،

- خ -

10/312، 11/81، 95، 103، 116، 177، 186، 12/389. بنو حنيفة بن لجيم 1/392، 5/57، 9/319. الحواريون 5/295، 364، 370، 6/90، 13/273، 285. بنو حوبلا بن كوش 1/425. الحوسة 4/374. بنو حي 4/212. الحيادرة 1/413، 4/70. الحيانيون 1/375. بنو حيدرة بن يعرب 1/385. بنو حية 1/363. - خ- خارجة (الخارجية) 1/371، 5/162. خاص 1/419. بنو خالد 4/212، 221، 222. بنو خالد بن جعفر 1/439. خالد الحجاز 1/409، 4/212، 289، 7/213. خالد حمص 1/409، 4/212، 7/208. خثعم 4/216. بنو خثعم بن انمار بن أراش 1/382. الخربندلية 7/305. الخرسان 4/216. الخزاعلة 1/374، 4/72. خزاعة 3/368. الخزر (بنو خزر، التركمان) 1/420. 3/258، 5/180. الخزرج 1/362، 3/14، 4/291، 298، 6/48، 12/365. بنو خزرون 5/163. الخزرية 14/23. الخزلخية 1/420. بنو خزيمة بن أنمار 1/381. بنو خزيمة بن لؤي 1/406. بنو خزيمة بن مدركة 1/402. بنو خصيب 3/292. الخطا 1/420، 4/446، 481. الخفجاج 4/428، 7/315. بنو خفاجة بن عمرو بن عقيل 1/396، 7/304. الخفشاق 1/420. خلفاء بني أمية 4/168. خلفاء بني أمية بالأندلس 6/431، 523. الخلفاء الراشدون 1/48، 91، 205، 3/283، 10/47، 305، 307، 12/49، 239، 13/16، 68، 14/12، 130. الخلفاء العباسيون 4/168، 10/241، 13/59، 130، 139، 146، 331. الخلفاء العلويون 5/235، 236.

- د -

الخلفاء الفاطميون 3/396، 6/520، 7/3، 83، 8/318، 9/284، 418، 11/26، 72، 13/57، 139، 239، 244، 14/435. خلفاء المغرب 11/4. الخلفاء الموحدون 6/432. خليجة 4/289. الخنافيس 1/384. خندف 1/362، 400، 4/220. الخوارج 1/515، 2/212، 4/339، 5/153، 159، 162، 7/407، 8/280، 10/106، 137، 13/225، 226، 235، 14/413. الخوارزمية 6/489. بنو خولان بن عمرو بن مالك 1/196، 3/370. بنو خولان بن مالك 1/378. بنو خولة 1/375، 4/219. الخيافشة 1/418. - د- بنو الدئل بن بكر بن عبد مناة 1/404. بنو الدار بن هانىء بن حبيب (الداريون) 1/388، 13/126، 128. بنو الدارم (الدارميون) 1/435، 448، 4/212. الدرالات 4/221. الدرزية 13/251. درما سلامة 1/375، 4/220. الدشت 4/454. الدغم 4/212. دغيم 8/4. الدلكرية 7/305. الدلوكة 4/310. الدمدام 5/321. الدناجلة 1/418. بنو دندار 5/329. الدنيكية 4/378. الدهاقنة 13/60. الدوامر 4/212. دودان بن أسد 1/403. دوس 3/368، 4/220، 222. الديارقة 8/49. بنو الديان 5/44. الديرانيون 13/292. بنو الديش بن مليح بن الهون 1/403. الديلم 1/127، 421، 3/258، 553، 581، 5/461، 13/119. الدينارية 4/378. الديوية 7/21، 33، 366، 14/79. - ذ- بنو ذبيان 1/448، 528. بنو ذبيان بن ريث بن غطفان 1/398.

- ر -

الذميون (أهل الذمة) 10/446. بنو ذهل بن مزيقياء 1/380. بنو ذي النون 5/243. - ر- الراسنية 4/378. بنو راشد 1/387. بنو راشدة بن أدب 3/369. بنو راشدة بن مالك 3/388. الرافضة 4/158، 306، 12/241، 244، 247، 251، 13/14، 16. الربانيون 4/201، 11/379، 380، 13/260. بنو ربيعة 1/196، 302، 344، 360، 385، 4/239، 13/119. بنو ربيعة بن حازم بن علي 1/376، 4/210. بنو ربيعة بن نزار 1/390. بنو ربيعة الفرس 1/446. الرداليون 1/385، 386. بنو رديني بن زياد 1/385. بنو رستم 5/106. بنو رسول 5/807، 10/29، 36. بنو الرسيّ 5/47. رضيعة 1/374، 4/218. بنو رعيش 1/387. بنو رعين بن زيد 3/371. بنو رفاعة 1/384، 395. الرفثة 1/374، 4/219. الرمالي 1/375. بنو رمضان 1/411. بنو رميم 4/212. رهط أبي ذر الغفاري 1/404. رهط سعد بن معاذ 13/115. الروابع 1/418. رواحة 1/399. الرواقيون 13/301. الروايات 1/375. بنو روحين 1/419. الروس 1/421، 4/189، 428، 463، 472، 5/397، 7/315. الروكة 1/418. الروم 1/231، 337، 421، 516، 2/59، 366، 409، 3/244، 254، 312، 356، 359، 367، 371، 402، 478، 531، 4/81، 116، 148، 167، 189، 5/43، 111، 230، 323، 329، 452، 6/82، 85، 228، 234، 287، 363، 446، 7/243، 8/25، 45، 113، 10/307، 13/72، 128، 280، 14/8، 21، 86، 175، 162، 179. الروم الافارقة 5/96، 97. الروم البلاغوس 8/126.

- ز -

الروم الكيتم 5/173. رومان 1/384. الرويم 4/220. الرياحين 1/375. الريحانية 3/405. - ز- زبيد 1/379، 4/221، 289، 11/109، 12/138، 140. زبيد الأحلاف (زبيد بن معن) 1/373، 4/221، 7/208. زبيد الأصغر 1/379. زبيد الأكبر 1/379. زبيد حوران 4/216، 221، 7/208. زبيد صرخد 4/216، 221. زبيد الغوطة 4/221. زبيد المرج 4/221، 7/208. بنو الزبير 1/388، 2/352. الزرادشتية 13/294. الزرّاق 4/216، 289. الزرزارية 4/376. الزرقان 1/384. بنو الزريع 5/10. بنو زريق 1/375، 4/71. بنو زرية 1/419. بنو زعازع (انظر أولاد زعازع) . الزعانفة 5/253. الزغاوة 1/422. زلتين 1/418. زمران 1/420. الزموت 1/375. زناتة 1/416، 7/412، 413. بنو زنارة بن بر بن قيذار 1/420. الزنج 1/422، 3/255، 256، 5/321. بنو زنج 1/422. زنج النوبة 5/265. الزنكلية 4/374. بنو الزهراء 1/354. بنو زهرة بن كلاب 1/409. بنو زهير 1/387، 4/248. بنو زهير بن أقيش 13/328. زويلة 1/425، 3/397، 402. بنو زياد 5/26. بنو زيان 8/92. الزيانية 1/418. بنو زيد بن حرام بن جذام 1/384، 419، 4/69، 71. الزيدية 4/306، 5/35، 38، 40، 462، 6/41، 45، 50، 64، 7/357، 8/77، 11/163، 13/230. بنو زيري 5/120، 180. بنو زيري بن عطية 5/180.

- س -

- س- بنو ساسان (الساسانيون) 5/370، 455، 11/96، 13/296. ساعدة 1/376، 454، 4/212، 9/283. بنو سالحان 4/397. بنو سالم بن عوف 1/387، 395، 2/390. بنو سام 1/420. بنو سامان بن جثمان (السامانيون) 4/445. السامرة 4/201، 6/229، 11/379، 380، 386، 13/260، 264، 270، 378، 384. ساورة 1/418. سبأ (قوم) 5/4. بنو سباع 1/388. السبعة 1/418. بنو سبكتكين 4/428، 5/84، 455. سحبان وائل 1/247، 378. السدادرة 1/418. بنو سدوس بن أصمع 1/373، 14/222. بنو سدوس بن ذهل 1/392. السراجون 4/212. السرب (الصرب) 4/465، 5/394، 6/169، 8/26، 51. السريان (بنو سوريان بن نبيط) 1/422، 423، 2/373، 378، 409، 427، 3/20، 6/87، 94، 234، 244، 8/28. السعالى 1/375. بنو سعد 1/363، 434. بنو سعد بن الأشرس بن شبيب 3/369. بنو سعد بن بكر بن هوازن 1/393. بنو سعد العشيرة بن مذحج 1/378. بنو سعد بن لؤي بن غالب 1/406. بنو سعد مناة بن مالك 1/397. بنو السعوية 1/420. بنو سعيد 1/387. بنو أبي سعيد 1/420. سعيدة 4/212، 216. سقارة 1/419. بنو السكاسك بن واثلة 1/381. بنو السكون بن أشرس 1/381. السلاحمة 1/386. السلاجقة (بنو سلجوق) 1/127، 396، 420، 3/293، 499، 4/171، 417، 5/330، 334، 455، 8/30، 11/72، 14/158، 176، 414. السلاطنة 1/413. سلامان (من طيىء) 4/220.

- ش -

بنو سلامان بن ثعل 1/373. بنو سلامان بن مفرج بن مالك 1/372. بنو سلامة 1/375. السلكة 14/152. السلمان 4/221. بنو سلول 4/265. بنو سلول بن كعب 5/114. سليح 1/371. بنو سليم 1/360، 395، 447، 510. بنو سليم بن منصور 1/399. السليمانيون 4/272، 5/38، 47، 7/358. السماعة 4/220. السماكيون (سماك) 1/387. بنو سمان 1/387. بنو سنبس بن معاوية 1/374، 4/72، 212، 219. بنو سند (السنديون) 1/375، 422، 4/378. بنو سهل 1/388. بنو سهم 1/407. بنو سهيل 1/375، 4/219. السودان 1/204، 422، 3/367، 408، 553، 3/603، 5/144، 263، 6/287، 8/3، 118، 13/89، 90. بنو سوريان بن نبيط (انظر السريان) . السولية 4/374. بنو سوم 3/382. السوة 1/420. بنو سويد 1/384. بنو سيف بن ذي يزن 8/121. بنو سيف الدولة بن حمدان 14/161. - ش- بنو شاد (بنو شادي) 4/68. الشافعية 1/72، 96، 2/368، 471، 3/157، 391، 4/199، 202، 227، 230، 249، 262، 382، 420، 5/30، 66، 271، 310، 404، 408، 6/8، 216، 262، 7/182، 202، 221، 8/8، 220، 11/33، 72، 80، 85، 94، 103، 116، 174، 189، 12/36، 156، 181، 253، 13/271، 14/9، 360. شاكر 2/263. بنو شاكر بن راشد 1/386، 387. شبل 1/374، 375، 4/219. الشبونقات 5/229. بنو شبيب 1/386. الشركس 1/421. بنو شعبان 1/366. الشرف 1/448.

- ص -

الشريف 1/448. شعراء الحماسة 1/332. الشعشعانيون 13/292. الشللة 1/418. الشماء 1/382. الشما (من خثعم) 4/289. شمجان 1/374، 4/218. الشمخيون 1/375. شمران 1/378. بنو شنوءة 1/388. الشهرية 4/376. بنو شهلان 1/419. الشوال (فرنج) 8/253. الشوانيون 5/229. بنو شيبان بن ثعلبة 1/344، 384، 392، 451، 6/279. بنو شيبة بن عثمان 1/410، 4/269. الشيعة 1/155، 2/187، 444، 445، 3/413، 583، 4/151، 371، 5/45، 132، 6/48، 296، 8/318، 9/19، 48، 11/163، 12/239، 247، 251، 13/14، 16، 226، 229، 253، 14/354. الشيعة الإسماعيلية (انظر الاسماعيلية) . الشيعة الامامية (الامامية) 13/231، 238. الشيعة الدرزية (انظر الدرزية) . شيعة المجاهد 5/30. الشيعة النصيرية 13/253. - ص- الصابئة 1/70، 95، 2/467، 3/360، 4/10، 322، 5/370، 6/87. بنو صالح 1/420. الصبيات 4/212. الصبيحيون 1/375، 4/220. الصحابة 1/94، 125، 229، 239، 243، 350، 3/149، 157، 168، 382، 429، 4/167، 8/130، 9/368، 13/19. بنو صخر 1/363، 387، 4/216. الصغدر 1/421. الصفرية 5/158، 159، 160، 162، 13/228. الصقالبة 1/422، 3/20، 553، 4/428، 5/155، 396، 7/315. صلامش (انظر عرب البدرشين) . الصلت 8/223. بنو الصليحي 5/8، 38. صمران 1/384. بنو صنهاج بن أوريغ 1/417. صنهاجة (صنهاجة بن برنس) 1/415، 417.

- ض -

بنو صهيبة بن أنمار 1/381. الصوامع 1/418. صوصو 5/273. الصوفية 4/382، 8/179، 200، 202، 203، 208، 209، 210، 211، 11/368، 12/5، 10، 288. الصونيون 4/248. الصياقلة 2/510. بنو صيني بن ماغوغ 1/422. - ض- الضباعنة 1/419. بنو ضبة 1/401، 4/379. بنو ضبيعة بن ربيعة 1/392. الضجاعمة 1/370. بنو الضحاك بن يعفر 5/39. بنو ضرار 1/363. الضمان 4/219. بنو ضمرة بن بكر بن عبد مناة 1/405. - ط- الطائفة الآمرية 7/305. الطائفة الحافظية 10/317. الطائفة الدموية 4/155. الطائفة الصليبية 11/391. الطائفة الفرجية 3/408. بنو طابخة 1/400. طازولة 1/420. بنو أبي طالب 1/361. الطالبيون 1/363، 3/297، 5/75، 10/256، 11/50. الطبائعية 13/252. الطبردارية 2/150. الطرادة 1/418. الطرقية 11/374. بنو طريف بن مكنون 4/71، 221. بنو طسم 1/359، 365، 3/12، 5/57. بنو طسم بن لاوذ بن سام 1/365. الطغرغز 1/420. بنو طلحة 1/408. الطليحيون 1/375. بنو طولون (الطولونيون) 3/376، 393، 8/296، 9/423. طيىء (طيىء بن أدد) 1/196، 360، 372، 480، 490، 3/11، 7/203، 208. بنو طيىء بن كهلان 4/72. بنو طيراش بن يافث 1/420، 421. - ظ- الظاهرية 13/261.

- ع -

ظفير 1/376. - ع- بنو عائد 7/176. العاجلة 1/375، 4/219. عاد (قوم) 1/345، 359، 363، 2/393، 4/266، 5/54، 6/377. بنو عاد بن عوص 1/364، 5/16. العادلة 1/375. العادية 5/16. العار 4/220. بنو عامر بن صعصعة 1/393، 7/304، 396. بنو عامر بن عقيل 1/396. بنو عامر بن لؤي 1/406. بنو عامر بن المنتفق 1/392. العامريون 1/405، 4/212، 5/243. بنو عاملة بن سبأ 1/389، 4/89، 116. العايد 1/386، 4/212، 289. عايد الحجاز 7/213. العبابدة 1/418. بنو عبّاد 1/387، 5/240. العبادلة 4/219. عبادة 7/304. بنو عبادة بن عقيل 1/396. بنو العباس (العباسيون) 1/41، 48، 95، 127، 147، 233، 264، 361، 395، 421، 475، 501، 2/96، 97، 156، 3/15، 263، 268، 272، 277، 292، 297، 362، 375، 486، 4/5، 6، 58، 137، 271، 301، 5/174، 447، 6/74، 286، 411، 472، 7/76، 127، 9/289، 331، 332، 389، 423، 13/236، 238، 247، 14/435. بنو عبد الله بن دارم 1/468. بنو عبد الحق 1/416، 5/189، 7/413. بنو عبد الدار بن قصي 1/409، 4/268، 269. بنو عبد الرحمن 1/386. بنو عبد ربه بن عمرو بن الحارث 3/369. عبد شمس 1/297، 6/374، 11/164. بنو عبد شمس بن عبد مناف 1/411. عبد ضخم 1/359. بنو عبد ضخم بن إرم بن سام 1/365. بنو عبد الظاهر 14/83. بنو عبد العزي بن قصي 1/410، 4/268. بنو عبد العزيز بن مروان 3/375. بنو عبد القوي 1/387. عبد القيس 1/196، 302، 2/151.

بنو عبد القيس بن أفصى 1/391. بنو عبد المدان 14/222. بنو عبد المطلب بن عبد مناف 1/277، 281، 2/352، 13/115. بنو عبد مناف 1/305، 360، 411، 4/268، 9/332. بنو عبد مناة بن كنانة 1/404. بنو عبد المؤمن 5/123، 131، 155. بنو عبد الواد 1/128، 416، 5/191، 456، 7/412، 8/85، 98. عبدة الأصنام 6/231. عبدة الأنداد 5/68. عبدة الأوثان 13/206. عبدة الشراء 3/405. عبدة الصليب 4/460، 5/395. العبرانيون 1/422، 3/20، 11/385. بنو عبس 1/387، 448، 528. بنو عبس بن بغيض بن ريث 1/398، 3/368. بنو عبقر بن أنمار 1/381. بنو عبيد 1/387، 420. بنو عبيد بن مالك 1/385. بنو عبيد الله 1/395. العبيديون 1/505، 3/493، 5/118، 120، 131، 162، 297، 7/404. عبيل 1/359. العتق 1/361. بنو عتيت بن أسلم 1/384. بنو عتيت بن عوف 1/384. بنو عثمان بن عمرو 1/402، 8/15. العجاردة 13/227. العجارمة (من بني طريف) 4/250. العجالة 4/69. بنو عجل بن لجيم بن صعب 1/392، 4/239. العجم 1/119، 142، 175، 278، 377، 2/7، 3/405، 6/55، 7/406، 8/26، 9/50، 10/59، 340، 13/63. العجمان 3/405. بنو العجيل بن الذئب 4/69. عجية 1/415. عدلان 1/386. بنو عدنان بن أدد (العدنانية) 1/358، 359، 360، 389، 393، 405، 4/68، 396، 13/119. عدوان 1/397، 400، 4/216. بنو عدي بن الأشرس 3/369. بنو عدي بن كعب 1/388، 407، 5/129، 13/114، 14/143. بنو عذرة 3/404، 4/220. بنو عذرة بن سعيد 1/368، 2/10. العراقيون 1/332. العرايا 1/418. العرب 1/56، 119، 192، 212،

293، 329، 377، 2/7، 176، 83، 200، 201، 203، 4/268، 266، 425، 3/5، 12، 146، 199، 203، 313، 342، 445، 526، 5/232، 400، 6/55، 7/13، 114، 175، 244، 406، 8/3، 26، 75، 9/50، 10/59، 339، 11/51، 319، 12/129، 119، 200، 351، 354، 14/36. العرب البائدة 1/364. عرب البحرين 5/86، 7/396. عرب البحيرة 7/175. عرب البدرشين 1/419. عرب برقة 1/394، 7/178. عرب جرم 8/222، 11/109. عرب الحجار 1/196، 212، 474، 3/277. عرب زبيد 11/109، 12/138. عرب سقارة 1/419. عرب الشام 1/394، 6/135، 11/106، 12/124. عرب الشرقية 7/176. العرب الشهارة 14/423. العرب العرباء (العاربة) 1/366، 4/220، 6/84، 13/119. عرب غز 1/394. عرب الكرك 4/221، 248. العرب المستعربة 1/389، 4/222، 13/119. عرب المنتفق 13/336. عرب منية رهينة 1/419. عرب هوارة 4/70. عرب اليمن 13/119. العربان 1/42، 4/68، 6/67. بنو عريف 1/400. بنو عرين 1/386، 4/148. عرينة 14/152. بنو عز 4/216. بنو عزاز 1/400. العزفيون 7/414. عزهان 1/420. بنو عزيز (العزيزية) 1/395. بنو عسير 1/388. العشرة اصحاب رسول الله 1/406، 11/351. بنو عضد بن الهون 1/403. بنو عطا (العطويون) 1/384، 4/221، 248. بنو عطية 4/306. العفير 4/220. بنو عقبة 1/387، 395، 4/248، 7/207، 8/222، 11/108. بنو عقيل (من كدر) 4/212. بنو عقيل بن قرة بن موهوب 1/385، 4/71.

- غ -

بنو عقيل بن كعب بن ربيعة 1/375، 395، 401، 2/318، 6/479، 7/396. العقيليون 1/375، 385. العلان 1/421. العلجات (من خالد) 4/212. بنو علي بن حديثة 1/377، 387، 419. العلويون 4/274، 315، 5/116، 154، 271، 6/42، 68، 74، 8/8. العليميون 1/375، 4/71. العمالقة (بنو عمليق بن لاوذ) 1/359، 365، 397، 416، 3/361، 473، 4/120، 256، 266، 291، 297، 5/42، 451، 13/267. بنو عمارة (من المصامدة) 5/153. بنو عمارة بن الوليد 1/385. بنو عمان بن لوط 4/110. بنو عمر 4/70. بنو عمرو بن تميم 1/438، 4/289. بنو عمرو بن سبأ 1/387، 388. بنو عمرو بن عوف 2/390. بنو عمرو بن معاوية 1/375، 473. العمريون 1/405، 13/43. العناترة 4/220. بنو العنبر بن عمرو بن تميم 1/401، 9/246. بنو العنبر بن يربوع 1/401. بنو عنزة (من اليهود) 4/295. بنو عنزة بن أسد 1/391، 4/216. بنو عنس بن مذحج 1/380. بنو عوف بن جرم بن قضاعة 4/89. بنو عوف بن عمرو بن عامر 1/371. بنو عياض 4/221. العيافة 1/456، 2/37. بنو عيد 1/374. بنو عيسى (آل عيسى) 1/375. بنو عيسى (من بني غوث) 4/219. العيسوية 8/45، 12/423. بنو عيصو بن إسحاق 1/425، 5/362. - غ- بنو غافق بن الحارث 3/370. بنو غالب بن فهر 1/222، 4/212. بنو غانية 5/248. الغتاورة 1/384. بنو غرباب 3/350. غرجومة 1/420. بنو غرواشن 1/419. بنو غريب 7/178. الغريقيون 5/229. الغز 1/420، 3/553، 4/446. الغز المصطنعة 3/581. الغزية 7/208.

- ف -

بنو غزية بن أفلت بن ثعل 1/375. بنو غسان 1/196، 361، 446، 4/94، 11/17. بنو غصين بن عمرو (بولان) 3/11. بنو غطفان بن قيس غيلان 1/398، 516. بنو غفار بن عبد مناة بن كنانة 1/404، 3/368. غلبان 1/418. الغلي 1/378. الغنائم 1/418. بنو غني 1/411، 4/216. بنو غنيم 1/388. بنو الغوث بن أنمار 1/381. بنو غوث العاجلة (الغوث) 1/375. الغور 1/421، 4/219. بنو الغور بن أبي بكر بن موهوب 1/385. الغورية 4/428، 447. الغوفة 1/375. الغيوث 1/375. - ف- الفاطميون 1/41، 48، 130، 147، 424، 475، 505، 3/263، 323، 332، 4/171، 286، 5/97، 449، 6/44، 349، 438، 9/405، 423، 426، 10/346، 368، 11/208، 12/228، 13/240، 247. الفداوية (الشيعة الاسماعيلية) 1/154، 4/151، 186، 7/248، 13/249. بنو الفرات 13/63. بنو فراس بن غنم بن ثعلبة 1/405. الفراعنة 1/365، 3/469. بنو فردلند 5/257. الفرس 1/423، 2/43، 167، 366، 373، 409، 427، 445، 3/20، 359، 475، 4/166، 5/24، 299، 450، 6/37، 228، 234، 9/49، 51، 13/38، 60، 72، 294. الفرس الساسانية 6/37. الفرس الكيانية 5/22. فرطيطة 1/420. الفرع 1/382. فرعب 4/212. الفرنج 1/128، 157، 232، 240، 374، 423، 3/244، 245، 312، 378، 395، 412، 464، 495، 508، 531، 4/65، 105، 155، 160، 183، 184، 5/243، 262، 381، 390، 6/82، 287، 438، 7/24، 121، 366، 376، 8/25، 108، 10/59، 105، 388، 11/314،

- ق -

400، 13/88، 95، 280، 14/36، 39، 54، 63، 66، 78. الفرنج الاسبتارية 13/312. 315، 14/40، 41، 47. الفرنج البيازنة 5/388. الفرنج الجرجان 13/48، 49. الفرنج الدموية 4/180. الفرنج الديوية 7/21. الفرنج الروم 5/173. الفرنج الكيتلانيين 5/355. الفرنج اللوسارية 8/253. الفرنسيس 5/389، 390. فزارة 15/360، 386، 418، 433، 510. بنو فزارة بن ذبيان 1/398. فزان 1/399. بنو فضيلة 4/289. فضاء طلحة 1/408. بنو فضل بن ربيعة 1/377، 386. بنو فضيل 1/384. فلاح 1/364. فلاسفة الاسلام 13/301. الفلسطينيون 4/164. بنو فهر 1/363. بنو فهم بن عمرو بن قيس 1/388، 3/171. بنو فهيد 1/375، 4/219. فيقورات 4/311. - ق- القارة 1/403. بنو القاسم الرسّي 5/45. قبات 4/310. القبجاق (القفجاق) 1/420، 3/248، 4/428، 459، 7/315، 13/38. بنو القبض بن مرثد 3/371. القبط (بنو قبطيم بن قفط بن مصر) 1/418، 423، 2/373، 376، 409، 410، 453، 3/20، 319، 470، 473، 4/45، 5/451، 6/234، 264، 8/38، 11/395، 13/74- 14/311. القبط اليعاقبة (انظر اليعاقبة) . بنو قتادة 4/277. القحطانية (بنو قحطان بن عابر) 1/358، 359، 366، 389، 416، 2/390، 4/68، 72، 220، 5/18، 13/119. بنو قدامة 1/369. القدرية 13/254، 261. القذرة 1/374، 4/219. القراء السبعة 11/244. القرامطة 3/398، 403، 4/169، 170، 273، 5/57، 13/249. قران 4/212.

- ك -

القراؤون (اليهود القراؤون) 11/379، 380، 12/402، 13/260. القرسة 4/212. بنو قرمان 5/331، 349، 8/12، 15، 18. القرنسية 4/221. بنو قرة 1/394. القرياوية 4/374. قريش 1/71، 125، 196، 244، 287، 295، 302، 311، 358، 360، 405، 480، 510، 2/260، 389، 3/14، 368، 4/68، 218، 222، 256، 266، 5/269، 6/208، 211، 9/332، 385، 13/114، 119، 229، 14/6، 7، 12، 18. بنو قريظة 4/295، 10/148. قس إياد 1/247. بنو قسطنطين 3/480. قصير 1/375. بنو قضاعة (قضاعة بن مالك بن حمير) 1/367، 417، 2/37، 4/68. القطاربة 4/220. بنو قطران 1/418. قطور 4/267. قطوفة 1/419. قمران 1/374، 4/218. بنو قمعة بن الياس بن مضر 1/375، 402. بنو قمير 1/418. القندلش 5/229. القوط 1/423، 5/220، 229، 230، 234، 369. قوم سبأ 5/4. قوم طالوت 13/262. قوم عاد 5/11. قوم لوط 1/366، 13/264. القيتق 4/464. القيتلان (انظر الكتيلان) . قيس 1/388، 4/220، 12/139، 13/116. قيس عدوان 1/392. قيس عيلان 1/196، 392، 4/69، 5/57، 7/304، 396. بنو قيس بن غطفان بن سعد 1/418. القيشدادية 4/409. بنو قيلة 12/373. - ك- الكانم 5/103، 269، 6/124. بنو كاهل بن أسد 1/403. كتامة 1/415، 3/403، 5/161. بنو أبي كثير 1/419. كدر 4/212. الكرج 4/363، 6/85، 166، 168، 8/25، 27، 29، 123، 14/164.

- ل -

الكرد (انظر الأكراد) . كزولة (كزوالة) 1/415، 5/168. بنو كريب 1/418. بنو كريم 1/387. كطهية 14/152. كعب 1/371. الكعوك 1/384. الكفار 1/93، 239، 3/531، 7/137، 10/91، 155، 13/322. الكلالية 4/373. بنو كلاب 4/175، 212، 237. بنو كلاب بن ربيعة 1/393، 437. بنو الكلاع بن شرحبيل 3/371. بنو كلب بن وبرة 1/304، 344، 368، 4/212. الكلدانيون 2/465. الكمن 1/376. كنانة (الكنانيون) 1/196، 306، 360، 447. بنو كنانة بن خزيمة (كنانة طلحة) 1/403، 404، 405، 3/369. بنو كندة 1/380، 433، 2/228، 3/489. بنو كنعان بن مازيع بن حام 4/164. الكنعانيون (بنو كنعان بن حام) 1/424، 4/81، 164، 331، 5/453، 13/262. كهلان 1/345، 387، 4/72، 6/228، 7/203. بنو كهلان بن سبأ 1/370، 4/268، 5/19. كهلان طيىء 1/372. كهلان مذحج 1/378. الكورانية 4/373. كور 1/374. بنوكوش بن حام 1/422، 424. الكوفيون 2/287، 402، 3/190، 209. كومية 5/169. الكيانية 4/411، 5/451، 13/295، 296. الكيتلان 3/244، 5/386، 8/37. بنو كيتم بن يونان 1/421. كيلان 7/293، 294. الكيو مرتية 13/294. - ل- لام (بنو لام بن عمرو بن طريف) 1/376، 4/216، 289، 7/213. اللان 1/421. اللبيديون 1/385. بنو لخم (لخم بن عدي بن الحارث) 1/360، 387، 446، 3/369، 372، 386، 474، 13/128. بنو لطين بن يونان (اللطينيون) 1/425، 5/360. اللفيف 3/369.

- م -

لقان 1/420. اللكزي 4/464. بنو اللكيم بن يونان 1/425. اللمّان 1/424. لمتونة 1/417، 5/275. لمطة 1/415. لهب 1/456. لواتة 4/69، 72. بنو لواثة الأصغر 1/418. اللوسارية (الفرنج) 8/253. اللوسة 4/374. بنو لؤي بن غالب 13/183. بنو ليث بن بكر بن عبد مناة 1/305، 404، 3/369. لينة 1/376. - م- الماجار 4/428، 465، 7/315. بنو ما داي بن يافث بن نوح 1/421. بنو ما ذغش الأبتر 1/415. بنو مازن بن فزارة 1/399. بنو مازن بن منصور 1/397. المازنجانية 4/375. بنو ماسكة 3/14. بنو ماغوغ بن يافث 1/422. بنو مالك (ملوك اليمن) 1/367، بنو مالك بن اعصر 1/397. بنو مالك بن جعفر 1/439. بنو مالك بن زيد 3/371. بنو مالك بن سهل بن عمرو 3/370. بنو مالك بن سويد 1/385. بنو مالك بن مرقع بن كنده 3/370. بنو مالك بن مرة بن أدد 3/370. بنو مالك بن هلبا بن مالك 4/71. المالكية 4/199، 202، 230، 5/271، 6/8، 7/182، 8/221، 11/95، 116، 181، 185، 402، 12/51. مالو 1/419. مالي 5/271. المانوية 4/413، 13/299. بنو ماوية 1/448. بنو مجدول 1/419. بنو مجريش 1/417. المجسمة 5/132. المجوس 1/56، 5/183، 370، 6/362، 13/60، 294، 295، 299. بنو مجيد 5/55. المحابرة 4/220. بنو محارب بن فهر 1/406. المحارقة 4/221. بنو محرب 1/388. بنو محرمة بن زيد بن حرام 1/384. المحكمة 13/227.

بنو محمد 1/387، 408، 418، 419. بنو محمد بن أبي بكر 4/218. المحمدية 4/378. المحمودية 3/402. المخابرة 4/220. بنو مختار 1/420. بنو مخزوم بن يقظة 1/360، 408، 4/218. بنو مدركة بن الياس بن مضر 1/402. بنو مدلج بن مرة بن عبد مناة 1/387، 404، 4/216. مدوسة 5/275. بنو مدين بن إبراهيم 1/363، 366، 4/444. مديونة (من البربر) 5/169. بنو مذحج بن أدد بن زيد 1/378، 397، 5/44. بنو مذحج بن كهلان 4/221. المرابطون 5/155، 163، 182، 248، 456. بنو مرا بن ربيعة 1/377، 387، 5/386. مراد 4/220. بنو مراد بن مالك بن أدد 1/381. المراونة (خلفاء بنو امية) 1/375، 411. المردة 12/322. بنو مرين 1/128، 416، 5/127، 131، 163، 456، 7/413، 419، 8/88، 98، 103، 11/15. بنو مزاتة بن لواثة الأصغر 1/420. المزدكية 13/298. بنو مزديش 1/420. بنو مزغنان 5/95. مزورة 1/419. مزينة 1/402، 3/368، 14/152. المساعيد (بنو مسعود) 1/388، 4/289. المساهرة 1/375، 4/221. المستعلوية 13/239، 241، 246، 249. بنو مسروح 1/395. المسلمون 1/31، 93، 229، 239، 249، 266، 288، 298، 306، 308، 374، 3/322، 353، 382، 402، 461، 531، 4/100، 141، 148، 161، 183، 184، 355، 5/173، 220، 254، 263، 329، 381، 390، 402، 6/103، 528، 529، 7/18، 24، 32، 66، 87، 118، 124، 136، 240، 268، 336، 387، 427، 8/26، 29، 34، 54، 68، 85، 94، 120، 265، 286، 298، 317، 9/11، 305، 317، 369، 381، 421، 10/19، 41، 47، 54، 61، 63،

64، 67، 72، 88، 105، 124، 166، 179، 196، 259، 294، 329، 342، 393، 396، 401، 410، 413، 417، 420، 423، 424، 464، 11/11، 27، 44، 56، 62، 97، 166، 212، 217، 314، 374، 380، 481، 12/7، 15، 39، 48، 159، 310، 347، 364، 378، 13/6، 9، 17، 23، 27، 67، 91، 121، 220، 261، 265، 286، 322، 358، 376، 14/6، 8، 13، 14، 16، 22، 30، 35، 39، 53، 68، 81، 90، 102، 115، 167. بنو مسند 1/388. المسيحية 6/86، 94، 8/28، 14/88. المشّاؤون 13/300. المشابطة 4/220. المشارقة 7/208. مشكورة 5/168. المصافحة 1/375، 4/71. المصامدة 3/409، 553، 5/130، 131، 153، 168. المصريون (بنو مصر بن بيصر) 1/208، 2/455، 3/347، 441، 5/135، 13/90، 258. بنو مصعب بن الزبير 1/411. بنو مصلح 1/411. مصلة 1/420. بنو مصمودة بن برنس 1/415. المضارجة (من عرب الحجاز) 4/289. مضر عدنان 1/360، 362، 431، 13/119. بنو مضر بن نزار 1/392. المضرية 5/115. بنو مطاعن بن عبد الكريم 4/277. بنو المطلب بن عبد مناف 1/412. بنو المطهر 5/48، 7/357. مطين 4/216. بنو معاد 1/388. بنو المعافر بن يعفر بن مرة (المعافر) 3/371. المعافرة 1/375، 468. المعامرة 1/375. بنو معاوية (من خثعم) 4/289. بنو معبد 4/265. بنو معبد بن زرارة 1/448. المعتزلة 13/255، 284، 305. بنو معد 1/446. بنو معد بن عدنان 6/227. معد يكرب 12/139. بنو معطار 1/388. بنو معمر 1/387. بنو المعمودية 8/33، 36، 47، 11/391، 13/292. بنو معن بن زائدة 5/10. المغاربة 3/188، 5/204، 6/293،

322، 9/249. مغاغة 1/419. المغاورة 4/221. مغراوة 5/163، 183. المغول (المغل) 1/127، 4/310، 418، 478، 483، 5/89، 7/279، 14/164، 166، 167، 168، 169. بنو المغيرة 2/352. المفارجة 4/216. المفاوزة 1/387. بنو مقدام 1/375، 4/219. مكناسة 5/161، 183. الملاحدة 1/155، 4/313، 13/249. الملثمون 5/183. الملفجوط 3/245، 5/387. بنو ملكان بن كنانة 1/404. الملكانية 5/295، 298، 443، 6/85، 88، 8/31، 44، 9/265، 11/84، 387، 13/279، 291، 318. الملكية 5/372. ملوك الطوائف 1/537، 4/411، 5/239. الملوك الهولاكية 4/320، 7/295. بنو مليح 1/387. مماليك الطباق 3/288. بنو منبه الأصغر بن ربيعة 1/379. بنو منبه بن صعب 1/378، 379، 4/289. بنو منتشا 5/348. المنتفق (عرب الحجاز) 4/289، 13/336. بنو المنذر 14/223. بنو منظور بن بعجة 1/385. المنيفق 7/213. المهاجرون 1/276، 288، 300، 10/132، 12/255، 13/116، 380. بنو مهدي 1/387، 4/220، 5/27، 7/207، 8/222، 223، 11/109، 12/136، 137، 288، 293، 421، 13/244. بنو مهرة بن حيدن (مهرة) 2/37، 3/369، 5/14. المواسية 1/418. مؤتة 9/369. الموحدون 1/41، 48، 129، 415، 5/121، 122، 186، 248، 6/52، 525، 7/404، 14/26. الموركة (من خثعم) 4/289. بنو موسى 1/388، 560. الموسوية 13/232. موقع 1/375، 4/219. بنو مياد 4/221. مياس 4/212.

- ن -

الميمونية 13/228. - ن- بنو ناب 1/367. ناثل 1/384. بنو ناثل بن بعجة 1/385. الناصبية 13/242. ناطورة 1/420. بنو نبت 1/363. النبط 1/424. نبط الشام 3/352. نبط العراق 3/352. بنو نبه 3/371. بنو نبهان بن عمرو 1/373، 387. نبور 1/374. بنو نبيط بن أشور 1/424. بنو نبيط بن ماس بن إرم 1/424. النترات 4/220. بنو نجاح 1/364، 5/27. النجابية 1/384. النجدات 13/227. بنو نجران 5/19. بنو النخع 1/379. ندبة 14/152. بنو نزار 1/302، 370، 419، 2/228، 13/241. النزارية 13/239، 240، 249. النساطرة 5/304، 372، 6/91، 13/283، 291. بنو نصار 1/388. النصارى 1/44، 56، 476، 2/199، 390، 455، 3/311، 356، 378، 530، 4/100، 105، 161، 355، 452، 5/121، 213، 221، 253، 257، 263، 295، 364، 367، 369، 381، 385، 395، 402، 443، 6/78، 85، 164، 435، 7/356، 8/16، 25، 54، 126، 9/265، 10/307، 309، 11/89، 383، 12/4، 279، 289، 422، 13/23، 206، 271، 284، 358، 359، 372، 378، 384، 14/27، 39، 51، 54، 86. نصارى الحبشة 11/390. نصارى نجران 6/365. النصارى الملكانية 4/201، 5/443، 11/100، 387، 12/294. النصارى اليعاقبة 4/201، 11/84، 138، 391. بنو نصر بن أزد (أزد شنؤة) 1/370، 382، 3/489، 5/251. النصيرية 2/187، 4/156، 7/305، 13/34، 36، 229، 252، 253. بنو النصر بن كنانة 1/405، 3/13،

- هـ -

4/289. بنو نضلة 1/382. بنو النضير 3/227، 4/295، 10/148. النعيميون 4/220. نفاث 1/420. بنو نقراوس 3/468. النقيبية 7/305. النمانمة 8/4. بنو النمر بن قاسط 1/391. النمورة 1/375. بنو نمير 14/207. بنو نهد بن زيد بن ليث 1/369، 2/260، 6/354. النواصب 13/242. النوبة (بنو نوبي) 1/422، 5/264، 8/4، 44. النورانيون 4/310، 419، 13/292. بنو نوفل بن عبد مناف 1/412، 4/222. نيتصر 5/275. نيتغراس 5/275. نيفور 4/219. نيور 1/374. - هـ- الهارونية 4/141. بنو هاشم (الهاشميون) 1/278، 281، 303، 361، 429، 2/156، 3/513، 4/275، 303، 5/47، 6/44، 45، 74، 381، 9/332، 11/162، 164، 13/114، 119. بنو هذيل بن مدركة 1/65، 196، 344، 402، 3/372، 4/264. هرغة 5/131، 132. بنو هرم 1/443. بنو هرماس 1/375، 4/219. بنو هزان بن يعفر 5/57. بنو هزر 4/289. هسكورة 1/415. هصيص 1/407. الهكارية 4/378. بنو هلال بن عامر بن صعصعة 1/394. بنو هلبا بن بعجة بن زيد 1/385. بنو هلبا بن سويد بن زيد 1/384. همج السودان 5/321. همذان 1/196، 2/262، 5/38، 6/360، 13/237. بنو همذان بن مالك 1/380. بنو الهميسع 1/367. بنو هناء بن عمرو 1/373. هنتاته 1/415، 5/129، 168، 7/405. الهنود 1/424، 2/368، 3/20، 5/69، 13/119. هوارة (هوارة بن أوريغ) 1/417، 4/70، 7/177.

- و -

بنو هوازن بن منصور (هوازن) 1/298، 393، 7/396. بنو هود 5/246. بنو هولاكو 7/299، 14/430، 431، 448. الهون 1/402. بنو الهون بن خزيمة 1/402. الهياطلة 1/421، 4/316، 441. هيت 1/399. - وبنو وائل بن زيد مناة بن أفصى 3/371. بنو وائل بن قاسط بن هنب 1/271، 378، 391، 446، 447. الواديون 4/296. بنو واصل 1/387. واكدة 1/420. واهلة 1/419. الوراقون 3/145، 405. الورد (قبيلة) 1/382. الورسق 7/305. بنو وركان 1/419. الوزيرية 3/405. بنو الوليد بن سويد 1/384، 419، 4/71. بنو وهم 1/375. - ي- يأجوج ومأجوج 1/426، 4/476. يام (قبيلة) 2/263. اليانسية 3/410. بنو يحصب بن مالك 3/371. بنو يحيى 1/420. بنو يربوع بن حنظلة 1/401. اليرغلية 8/46. يرنان 5/275. بنو يرني 1/420. اليزينيون 5/271. يشجب سبأ 1/367. بنو يشكر بن جزيلة 3/372. يعرب (يعرب بن قحطان) 1/367، 5/41، 54. بنو يعفر 5/38، 46. اليعقوبية (العياقبة) 4/220، 5/295، 298، 302، 304، 372، 444، 6/85، 88، 8/32، 41، 44، 9/265، 10/307، 11/100، 387، 390، 13/281، 291، 318. بنو يفرن 5/163، 183. بنو يقطن 5/4. بنو يقظة بن مرة 1/408. يمن 4/220.

اليمنية 1/450. اليهود 1/56، 71، 202، 423، 2/386، 390، 408، 425، 428، 465، 466، 3/402، 444، 478، 530، 4/75، 100، 105، 291، 452، 5/229، 402، 408، 445، 6/165، 8/25، 9/265، 11/84، 89، 99، 378، 383، 385، 12/4، 279، 289، 422، 456، 13/23، 206، 256، 287، 358، 359، 374، 384. اليهود الربانيون 11/379، 13/265. اليهود السامرة 11/379، 13/270. اليهود القراؤون 4/201، 11/379، 13/260، 265. يهود ماسكة 3/14. اليهود المشاؤون 13/300. بنو يوسف بن ذي يزن 1/374، 420. اليونان 1/425، 2/457، 3/20، 476، 477، 4/100، 133، 167، 5/340، 358، 6/83، 228. اليونان البطالسة 4/156. بنو يونان بن علجان 5/340، 359.

فهرس الأماكن

فهرس الأماكن - أ- أبخاس 3/248، 8/29. آبدة 5/221، 6/553، 7/56. أبركاوان (جزيرة) 5/83. أبرون (جزيرة) 5/83. أبزو 3/244. أبسكون 3/258، 4/387، 401. أبشاية 3/433. الأبلستين 4/234، 7/190، 352، 8/221، 259، 9/254، 14/164، 184. الأبلة 2/104، 3/285، 4/339، 399. أبلة البصرة 3/265، 5/83. إبليل 3/437. أبة 4/371. أبهر 4/370. أبو جرجا 1/419. أبو صير 5/302. أبو فهر 5/99. أبو قبيس 4/256، 14/37، 61. أبو نشابة 3/318، 465. أبو الهول 14/305. أبيار 3/467، 571، 11/433. أبينة 5/83. أبيورد 4/391. أتريب (كورة) 3/436، 470. الأتيلات 14/432. أثافت 5/42. إثل 5/394. إجنا (كورة) 3/442. أحد 1/297. الإحساء 4/273، 5/53. إحساء بني سعد 5/53. إحسرم 5/290. الاحص (الأخص) 4/239. الأحقاف 1/364، 365، 5/6 الأحمدية 5/11. اخسيكت 4/437، 444. أخلاط 4/356. إخميم 1/394، 404، 405، 418، 3/314، 326، 364، 433،

454، 7/171، 8/265، 10/388، 11/421. إخنا (إجنا) 3/442. أدرها 5/304. أذربيحان 1/43، 205، 3/258، 265، 285، 4/176، 354، 357، 366، 404، 5/322، 7/302، 10/14، 13/63. أذرعات 1/407، 414، 4/109، 207، 14/426، 428. أذنة 3/243، 4/80، 135، 138، 185، 235، 7/189، 8/220، 9/254، 11/108. أرابيني 5/313، 8/10، 41. أراك 14/427، 446. أران 3/258، 4/354، 361، 404، 5/322، 7/302، 8/30، 10/14. إربد 7/252، 14/425، 426، 443. إربل 4/367، 7/300. أربونة 5/206، 244. أرتنا 7/285، 299. أرجان 3/255، 4/342، 400. أرجونة 5/251. أرجيش 4/405. أرحاب 14/430. أرحصونة 5/214. الأرحى 5/227. أردبيل 1/42، 3/258، 4/357، 405. الأردن 1/42، 450، 4/80، 84، 92، 6/12، 13/262، 267. الأردو 4/364. أرزن الروم 4/82، 355، 397، 6/124، 14/170. أرزنجان 4/355، 7/346، 8/226، 14/187. أرسوا 5/380. أرسوف 3/498، 4/183، 14/59، 77. ارسويار 14/78. ارض البوازيج 5/69. أرض الروم 3/270. الأرض السواخة 7/403. أرض الطبالة 3/406. أرض عاد وثمود 13/120. الأرض الكبيرة 3/257، 5/206. أرض معان 1/366. الأرض المقدسة 13/267. أرض الموليان 2/129. أرض يأجوج ومأجوج 4/476. أرعين 4/402. أرغون 5/260، 6/84، 533، 8/34، 13/315، 14/28، 29، 78. أرقنين 8/226.

أرك 14/427. أركش 5/217. إرم 1/468. ارم ذات العماد 3/358. أرمناك 5/330، 346، 8/17. أرمنت 3/365، 435. أرموز (جزيرة) 5/83. أرمية 4/360، 405. أرمينية 1/42، 43، 425، 2/120، 182، 3/285، 4/258، 318، 354، 404، 5/322، 7/302، 8/19. أرنون 4/89. أروان 4/403. أريحا 4/80، 84، 92، 110، 13/264، 269، 272. أرينبة 14/428. أريولة 5/222. ازاذوار 4/391. أزبك (مملكة) 1/204، 8/227، 10/192. أزد السراة 1/370. أزدوكند (قاشغر) 4/439. الأزق 1/43، 3/248، 458. أزمور 5/167. أزمير 7/347، 348. الأزنم (الأزلم) 14/432. أزور 5/63. الأساورة 4/402. أسبانية 5/362. أستجة 5/219، 226. استراباذ 4/386، 405، 406، 10/14. أستيب 5/383. إسحاق 1/408. أسد أباذ 4/402. إسعرد 4/327، 7/299، 8/19. إسفراين 4/390. أسفندكار 4/139، 7/193. أسفى 5/147، 163. أسفيجاب 4/440، 443. أسكر 1/388، 3/307. أسكلكند 4/441. إسكندرونة 4/127، 14/60. الاسكندرية 1/138، 153، 413، 418، 2/117، 124، 153، 3/242، 244، 265، 332، 336، 343، 348، 356، 368، 417، 442، 462، 472، 528، 546، 568، 571، 4/6، 24، 64، 259، 467، 5/107، 132، 151، 295، 300، 360، 6/213، 7/4، 6، 13، 168، 236، 246، 8/53، 76، 108، 9/255، 264، 10/360، 363، 382، 383، 454، 455، 465،

11/39، 55، 56، 311، 353، 399، 400، 402، 406، 408، 414، 417، 12/3، 13/93، 241، 246، 275، 276، 419، 14/58، 77، 365، 421. إسنا 1/395، 3/365، 435. أسوان 1/153، 394، 2/115، 3/313، 317، 327، 348، 366، 436، 455، 4/27، 67، 259، 8/121، 222، 14/319، 419، 437. أسيوط 3/453، 4/25، 66، 7/169، 8/265، 14/419. اشبانية (انظر الأندلس) . أشبونة 5/212، 214، 8/34. أشبيلية 1/387، 5/212، 217، 249، 260، 6/167، 7/97، 8/34، 13/5، 14/76. أشروسنة 4/428، 432، 7/315. اشموم 4/28، 7/172. أشموم الرمان 8/223، 14/422. اشموم طناح 3/318. أشمون 11/433. الاشمونين 1/405، 408، 3/432، 452، 470، 570، 4/26، 67، 7/171، 8/223، 10/388، 468، 11/421، 14/419. أشنة 4/376، 8/227. أشنو (أشنى) 8/19. أشيبدى 14/172. الآص 1/43، 5/393. أصاروس 14/172. أصبهان 1/43، 155، 162، 197، 2/465، 3/265، 285، 4/258، 366، 403، 405. إصطبل الطارمة 3/403. إصطخر 3/265، 285، 4/348، 403. إصطنبول (القسطنطينية) 5/352، 8/55، 125. أصفهان 4/345، 400، 13/249، 297. أصفون 1/395. الأطام 1/431. أطرابزون 5/338. أطرابلس 3/245، 4/147، 183، 209، 239، 5/95، 100، 7/7. أطرار (فاراب) 4/428، 443. الاطرون 14/59. اطفيح 1/388، 3/307، 431، 450، 4/27، 67، 7/171، 8/223، 10/388، 11/421. أعزاز (عزاز) 4/131. الأعمشية 5/42. أغريقية 5/359. أغمات 5/166، 240.

أغنا 5/75. الأغوار 7/233. أغيار 5/54. أفارية 5/205. أفامية 4/84، 130، 135، 14/61. أفتكون 5/395. إفرنسة 3/508، 8/35. أفريسيس (انظر افريقية) . إفريقية 1/41، 128، 393، 399، 415، 508، 2/123، 3/241، 245، 285، 348، 352، 393، 448، 4/273، 5/20، 96، 122، 126، 140، 144، 161، 303، 7/414، 8/6، 10/346، 13/241، 14/77، 202. أفسس 5/372، 6/90، 13/275، 283. الأقاليم السبعة 4/263، 291، 331، 336. أق شهر 5/335. أقجا دربند 14/162، 163. أقجا كرمان 3/249، 4/461. أقريطش (جزيرة) 1/44، 5/352. اقسرا 5/333. الأقصر 3/365، 434، 4/407. أقصرا 5/345. أقلوسنا 14/419. الاقليم (ولاية) 4/159، 247. إقليم الخروب 8/223. إقليم النعاج 8/223. أقمار 14/427. أكبرا 8/15. أكدى 4/289. أكرا 14/432. أكردور (أكردون) 5/331، 8/18. أكرى دوز 5/325. أكريسا 4/379. أكريسنا 7/310. أكرية 14/428. الأكك 4/457. أكلّ 8/226. أكليل 14/64. أكيرا 5/327. ألبا 5/363. ألية 5/256. الام 1/376. أم أوعال 4/222. أم دنين 3/407. أم القرى (مكة) 4/255. ام رحم (مكة) 4/255. أماسية 5/333، 8/227، 232. أمحرا 5/290، 296، 8/10، 41، 43. آمد 3/265، 4/318، 327، 398، 404، 7/297. أمسوس (مدينة) 3/353، 468. آمل (مدينة) 3/258، 4/385، 405، 443، 467.

أمل الشط 4/467، 5/48، 7/357. أمّويه 4/443. الأنبار 3/11، 12، 3/269، 284، 4/318، 336، 403. أنبايت 5/68. أنتقيرة 5/214. الأندراب (موضع) 4/362. أندرابي (جزيرة) 5/76. أندراش 5/214. أندشت 4/379. الأندلس 1/41، 49، 52، 129، 232، 387، 537، 3/237، 238، 240، 257، 263، 285، 353، 4/259، 5/104، 122، 131، 205، 322، 6/41، 85، 431، 7/74، 426، 8/34، 113، 9/221، 310، 10/30، 309، 11/3، 14، 13/3، 315، 14/25، 75. الأندلس الشرقية 5/206. الأندلس الغربية 5/206. أنصنا 3/314، 326، 327، 432. أنطابلس 3/265، 443، 448. أنطاكية 1/523، 2/423، 3/244، 264، 498، 4/80، 89، 127، 133، 135، 136، 185، 237، 304، 5/295، 6/90، 447، 7/13، 25، 368، 8/230، 305، 13/277، 14/45، 61. أنطاليا 4/316، 5/329، 8/14، 16، 8/226، 232. انطرسوس 4/80، 153، 183، 242، 7/380، 14/77. أنطرطوس 3/243. أنطلياس 14/44. أنفة 3/243، 4/154، 242، 14/77. أنقراتا 14/427. أنقرة 5/336. أنكورية 5/326، 336، 6/447. الأنماطيين 3/397. الأهرام 3/326، 343، 355، 360. أهرام دهشور 3/362، 469، 470. الأهرام اليوسفية 3/326. إهريت 1/419. أهناس 3/307، 431. الأهواز 1/43، 177، 3/255، 265، 285، 4/258، 337، 340، 342، 399، 13/243. أهير 5/204. أوارة 1/447. أوال 5/37. أوتراك 14/172. أوتنة 5/218. أوجان 4/425. أودغست 5/167. أورسيراثنا 5/83.

- ب -

أوزاق 7/328. أوسيم 3/431. الأوسية 3/438. أوفات 8/10. أوكك 4/465. الأولاق 1/43. أوة 4/371. إياد 14/427. إياس 3/243، 4/86، 137، 185، 234، 7/190، 432، 8/30، 222، 401، 9/253، 12/168، 169، 14/430. إياس لوق 3/244، 5/331، 8/19، 226، 232. إيثينية 5/381. إيران 1/42، 48، 4/313، 316، 408، 429، 5/54، 6/64، 125، 7/256، 265، 288، 312، 314، 317، 325، 8/58، 77، 14/445. أيغارين 9/14. أيلا 4/429. إيلاق 4/436. أيلة 3/251، 349، 352، 444، 503، 4/78، 296، 5/266، 7/27، 13/90. أيليا (بيت المقدس) 3/479، 5/228. أيليز 14/187. الإيوان الكبير 3/422. إيوان كسرى 2/239، 3/415، 4/332. - ب- الباب 4/132، 237، 14/62. باب الأبواب 4/258، 365، 405. باب الأربعين 4/122. باب الأسد (بغرناطة) 5/207. باب انطاكية 4/122. باب أليون (بالفسطاط) 3/367. باب البحر (بطرسوس) 4/138. باب البحر 3/394، 399، 575، 4/25، 65. باب بخارى 4/435. باب البدرية 4/333. باب البرقية 3/399. باب البريد 4/95. باب بزاعا 4/237. باب البنود 5/207. باب بني أسد 4/433. باب بني سعد 4/433. باب البيرة 5/207. باب التربة 3/395. باب توما 4/95. باب الجابية 4/96. الباب الجديد 3/398.

باب الجنان 4/122، 147. باب الجهاد 4/138. باب جيرون 4/95، 100، 5/17. باب الجيسة 5/182. باب الحديد (بأرّان) 3/258. باب الحديد (ببخارا) 4/433. باب الحديد (بدمشق) 4/202. باب الحديد 7/301، 323، 11/135. باب حران (بالرها) 4/144. باب حلب 4/147. باب حمص 4/147. باب الخرق 3/332، 413. باب خضرة (ببخارى) 4/433. باب الخندق (بغرناطة) 5/207. باب الخوخة 3/399. باب الخير 3/414. باب الدباغين 5/207. باب الدفاف 5/207. باب الديلم 3/395. باب الذهب 3/394، 5/358. باب الرخاء (بغرناطة) 5/207. باب الرملة (بغرناطة) 5/207. باب الريح 3/395. باب الزمرد 3/395، 574. باب الزهومة 3/395، 401، 551. باب زويلة 1/425، 3/395، 397، 412، 592، 11/260، 13/245. باب سام بن نوح 3/397. باب سبع (بالرها) 4/144. باب السر 3/423. باب سعادة 3/398. باب سوق التمر (ببغداد) 4/333. باب الشام (بطرسوس) 4/138. باب شرقي 4/95. باب الشعرية 3/399. باب شيث (بحماه) 4/147. باب الصغير 4/96. باب الصفا (بتاهرت) 5/107. باب الصفصاف 4/138. باب الصين (بسمرقند) 4/435. باب الطوابين (بغرناطة) 5/207. باب العامة (ببغداد) 4/333. باب العسرة (بحماة) 4/245. باب العيد (قصر) 3/395. باب الغربة (ببغداد) 4/333. باب الفتوح (بالمغرب) 5/191. باب الفتوح (بعدوة الاندلسيين) 5/182. باب الفتوح (بالقاهرة) 3/397، 398، 411، 504، 13/245. باب الفخارين (بغرناطة) 5/207. باب الفراديس 4/96. باب قصر بشتاك 3/394. باب قصر الشوك 3/395. باب القلة 3/424. باب قنسرين 4/121. باب القنطرة 3/391، 398، 589، 590.

باب قهندر (ببخارى) 4/433. باب القوس (بحلب) 4/229. الباب الكبير (بحماه) 4/147. الباب الكبير (بالرها) 4/144. باب الكحل (بغرناطة) 5/207. باب كدا 4/147. باب كش (بسمرقند) 4/435. باب كيسان 4/95. باب اللوق 3/408. باب الماء (بالرها) 4/144. الباب المحروق 3/399. باب المدينة (ببخارى) 4/433. باب المراتب (ببغداد) 4/333. باب المرضى (بغرناطة) 5/207. الباب المسدود (بالكعبة) 4/96، 138، 259. باب المصرع (بغرناطة) 5/207. باب المطاحن (بتاهرت) 5/107. الباب المفتوح (بالكعبة) 4/259. باب المقام 4/122. باب المندب 3/250، 252، 253. باب النازل 5/107. باب النصر 3/397، 411، 501، 581، 4/59، 122. باب النوبهار (بسمرقند) 4/435. باب النيرب (بحلب) 4/122، 229، باب يون (ببخارى) 4/433. بابل 1/424، 3/472، 4/83، 95، 331، 398، 6/87، 170، 13/266، 296. الباجور 14/66. باجه (حصن) 1/393، 5/100، 146، 215. باخرز 4/389. باديس 5/167، 168. بادية البربر 3/237. بادية الجزيرة 4/250. بادية الشام 4/251، 5/3. بادية العراق 4/250، 5/3. باران 4/429. البارعية 8/227. البارة 45/239. باري كروك 4/140. باريا 5/291. بارين 4/117، 146، 246، 14/37. بازار بلو 14/184. بازرع 4/399. باس 5/83. باسرور 5/70. باشقرد 4/450. الباطلية 3/402، 403. الباعونة 4/109. باكو 4/451. بالس 4/78، 82، 135، 318، 398، 14/430. بالوس (جزيرة) 5/83.

بالي 5/314، 8/10، 41. الباميان 4/396، 428، 7/315. بانبغو 5/275. بانياس 4/87، 108، 123، 155، 207، 12/404، 13/94، 14/61، 77، 443. باياس 14/430. ببا 1/387. البثنية 4/109. بجانة 5/211. بجاية 3/240، 246، 4/259، 5/104، 123، 125، 126، 132، 6/298، 7/67، 403، 422، 8/93. البجوم 3/438. بحر آبسكون 4/387. بحر أبي المنجا 3/334، 336. بحر أبيار 3/318، 467. البحر الأخضر 4/443، 7/427. بحر الأرمن (بحر نيطش) 3/247، 4/127. بحر الأزق (بحيرة مانيطش) 3/247. بحر آزوف 1/43. بحر اسطنبول 4/450. البحر الأسود 3/247. البحر الأفضلي (انظر خليج أبي المنجا) . بحر الأندلس 2/132. بحر أوقيانوس (البحر المحيط) 3/228، 239. بحر البربر 2/131. بحر برديل (بحر المحيط الشمالي) 3/256، 5/206، 215. بحر برطانية 3/257، 5/215. بحر جرجان 3/257. بحر الخزر 1/42، 3/257، 4/316، 354، 365، 386، 400. بحر الديلم 4/385، 401. بحر الروم 1/44، 157، 424، 3/229، 239، 247، 348، 456، 4/78، 83، 102، 114، 138، 151، 467، 5/144، 322، 6/72، 10/346. بحر الزقاق 3/239، 240، 5/153، 165، 168، 205، 7/427، 8/94. بحر سوداق 14/89. البحر الشامي (بحر الروم) 2/66، 4/123، 5/95، 323، 8/11. بحر الصين 3/238، 250، 253. بحر طبرستان (بحر الخزر) 1/42، 4/316. بحر فارس 1/405، 3/250، 254، 4/250، 316، 345، 5/3، 4، 83. بحر الفيوم 3/450. بحر قاقلة 2/131، 135. بحر القرم (بحر نيطش) 8/11.

بحر القلزم 1/369، 2/106، 122، 509، 3/251، 253، 313، 331، 444، 456، 597، 4/250، 316، 348، 5/3، 4، 82، 264، 6/72. بحر مانيطش (بحر نيطش) 3/247. البحر المحيط 1/44، 3/228، 237، 239، 4/259، 479. البحر المحيط الشرقي 3/235. البحر المحيط الشمالي 3/256. البحر المحيط الغربي 3/230، 231، 232، 5/263. البحر الملح 3/466، 597، 4/76. بحر منفلوط 1/413. البحر المنهى 3/451. بحر نيطش 3/247، 257، 4/459، 466، 467، 5/358، 393، 7/327، 328، 8/11. البحر الهندي 1/44، 2/131، 3/254، 316، 4/250، 316، 5/3، 4، 8، 13/90. البحرين 1/44، 125، 361، 364، 371، 391، 395، 399، 400، 468، 2/106، 3/226، 255، 4/260، 5/3، 52، 6/345، 7/396، 13/113، 249، 298. البحيرة (بمصر) 1/418، 420، 3/312، 318، 334، 442، 463، 4/25، 27، 65، 67، 7/175، 10/388، 11/56، 433. البحيرة (بفارس) 4/403. البحيرة (بالشام) 4/83. البحيرة (بستان) 5/157. بحيرة الأردن 2/455. بحيرة اشموم 3/339. بحيرة أفامية 4/83، 84، 87. بحيرة انطاكية 4/84، 88. بحيرة بانياس 4/84، 87. بحيرة البرية 4/87. بحيرة البقاع 4/87. بحيرة بوقير 3/338، 442. بحيرة تنيس 3/339، 439، 14/77. بحيرة خوارزم 4/429، 444، 466. بحيرة دمشق 4/87. بحيرة دمياط 3/339. بحيرة زرة 4/400. بحيرة زغر (بحيرة سدوم) 4/84، 86، 162. بحيرة طبرية 4/84، 86، 6/518. بحيرة الفيوم 3/337. بحيرة قدس 4/83، 87. بحيرة كوري 3/316. بحيرة لوط 4/85، 86. بحيرة مانيطش 4/466، 467. بحيرة نستروة 3/319، 338. بخارا 1/43، 49، 4/258، 312،

313، 428، 432، 443، 7/315، 328، 14/149. بدا يعقوب 3/445. بدر 1/298. البدرشين 1/419، 3/307، 326، 355، 431. البدرية 13/146. بدلون 5/74. بدليس 4/356، 405، 5/95، 7/302. بدلية 5/387. بدندون 5/358. البدهة 5/60، 64. بذخشان 4/406، 430، 442، 443. بر ابن التبان 3/408. بر الخطا 4/429. البر الشرقي 1/387. بر العدوة 3/240، 5/95، 147، 167، 204. بر المائدة 5/226. بر اليمن 3/252. البرابي 3/474. البرادع 4/217، 12/124. براغودي 5/275. براق 4/77. برباة 3/355. برباة إخميم 3/364. برباة أرمنت 3/364. برباة إسنا 3/364. برباة الأقصر 3/364. برباة تمي (برباعاد) 3/364. برباة دندرة 3/364. برباة سمنود 3/364. بربرا (مدينة) 3/256. بربولية 14/78. البرتغال 5/260، 8/34. برتقال 5/254، 14/76. البرج الأبيض 14/428. البرج الأحمر 3/422. برج قراجار 14/44. برج معاوية 14/55. البرجان 5/382. برجلونة 8/37، 14/28، 76. برجو 4/379، 7/308. برجوان 14/187. البرجين 1/408. البردان 4/398، 401. بردعة 4/362، 404، 405. برديل (مدينة) 3/257. برزة 4/265. برزية 14/61، 430. برسا 5/326، 348، 8/13، 15، 122. برسان 3/354. برسك 5/146.

برشان 5/382. برشلونة 3/246، 5/206، 225، 260، 8/34، 13/315، 14/75. برصا 8/225، 232. برطانية 5/259. برغة 6/548، 7/55. برقة 1/394، 399، 400، 420، 425، 2/17، 3/242، 245، 265، 285، 348، 403، 447، 4/72، 259، 5/387، 7/175، 403، 11/27، 58، 13/92، 14/77. برقعيد (مدينة) 4/328. بركان النار 5/354. بركرى 4/405. بركة 14/89. بركة الحاج 14/431. بركة الحجاج 4/289. بركة الحبش 3/381، 429، 5/305، 307. بركة الصديق 3/451. بركة الغرندل 3/252، 348. بركة الفيل 3/408، 409، 427، 14/310. بركة المعافر 3/381. بركة النطرون 3/312، 343. بركو 5/325. بركي 5/325، 328، 8/16. البرلس 1/407، 3/338، 568. البرنو 1/22، 49، 358، 8/6، 119. برها 4/146، 156، 162، 246، 248. البروك 13/42. البروة 14/64. بريج العطش 14/427. بريج الفلوس 14/428. البرية (بالعراق) 4/222. برية الحجاز 1/400. برية زرود 1/376. برية سنجار 1/374. برية العراق 4/123. بزاعا 4/132، 237، 14/62. بزنطية (القسطنطينية) 13/277. بسا 4/348، 404. بساتين الوزير 3/450. بست 4/353، 400. بستان البحيرة 5/151، 157. بستان الحبانية 3/417. بستان الخشاب 3/332. بستان الدكة 3/595. بستان عباس 3/590. بستان الينعات 5/7. بسطام 4/388، 405. بسطة 3/437، 5/214. بسكره 5/103. بسور 14/66.

البشرود 3/440. بشرية 4/153، 242، 14/44. بشمالق 4/428، 7/315. البصرة (بسجلماسة) 5/165. البصرة 1/264، 267، 384، 392، 401، 445، 475، 486، 2/71، 97، 104، 131، 252، 3/255، 385، 4/212، 258، 337، 398، 403، 5/52، 58، 83، 13/243، 363، 14/147. بصرى 1/371، 391، 3/285، 4/111، 208، 215، 12/131، 14/58. بصنى 4/404. البصة 14/64. البطائح 1/374، 3/275، 4/398. البطحاء 5/223. بطليوس 5/215، 216، 249. بطن مرّ 4/261، 264، 14/433. بطن نخل 4/264. بطنان 8/227. البطيحة 4/157. بعلبك 1/524، 3/212، 264، 4/83، 88، 112، 182، 208، 348، 5/38، 6/438، 7/186، 8/221، 223، 12/115، 307، 308، 313، 378، 13/42، 14/45، 426. بغداد 1/127، 128، 134، 137، 157، 162، 233، 252، 283، 421، 503، 567، 3/269، 270، 271، 275، 277، 296، 298، 420، 4/5، 58، 111، 258، 332، 333، 398، 401، 420، 5/83، 6/122، 7/76، 103، 141، 275، 355، 8/175، 224، 272، 9/232، 424، 10/101، 141، 241، 251، 273، 295، 301، 392، 11/3، 72، 12/110، 228، 331، 13/67، 86، 130، 232، 14/21، 105، 147. بغداد المغرب 5/106. بغراس 4/126، 136، 185، 233، 7/192، 8/223، 230، 11/109، 12/168، 14/37، 62. بغشور 4/389. بغيدية 14/428. البقاع البعلبكي 4/114، 208، 12/308، 408. البقاع العزيزي 4/114، 12/308، 14/60. البقاعين 8/223، 12/308. البقعاء 1/376. البقعة 14/448.

البقيع 1/495، 4/292، 294، 13/112. البقيعة 5/146. بكاس 4/89، 127، 233، 7/193، 8/223، 230، 12/169، 172، 14/62. بكرجى 8/19. بكة (مكة) 4/255. بكوزا 4/77. بكيش 2/106. بكين 5/83. بلاد ابن قرمان 4/136. بلاد الأتراك 3/258، 5/22. بلاد أرّان 3/258. بلاد الأرمن 3/243، 247، 4/78، 134، 8/11. بلاد أزبك 6/132، 8/63. بلاد الأزق 3/247، 4/458، 5/322. بلاد الآص 4/462، 5/393. بلاد الإفرنج 2/199. بلاد إقليرنس 3/245، 5/387. بلاد الأولاق 3/258. بلاد الأيغور 4/312. بلاد الباسليسة 3/245. بلاد الباشقرد 5/397. بلاد البجاة 3/252. بلاد البربر 1/387. بلاد البرغال 5/394. بلاد البرنو 5/268. بلاد بسقاد 4/374. بلاد البلغار 3/249، 5/394. بلاد بمخ 5/397. بلاد بوغزة 5/397. بلاد البيازنة 3/245، 5/383. بلاد التبت 5/22. بلاد الترك (انظر بلاد الأتراك) . بلاد التسقان 3/245، 5/388. بلاد التكرور 3/533، 5/271. بلاد التكفور 4/373. بلاد تينملك 5/168. بلاد الجبل 4/340، 354، 366، 7/300. بلاد الجركس 5/393. بلاد الجريد 5/101، 7/403. بلاد الجزرات 5/67. بلاد جعبر 4/100. بلاد جولمان 5/396. بلاد الجيدور 4/215. بلاد الحبشة 1/369، 3/256. بلاد الخزرات 3/258، 4/456. بلاد الخفجاق 4/428. بلاد الدربندات 5/322. بلاد الدروب 4/125، 8/11. بلاد الديلم 3/258، 4/354، 379. بلاد الدينار 4/378. بلاد الروس 3/238، 4/463، 5/397.

بلاد الروم 1/207، 3/238، 5/384. بلاد الزنج 3/231، 5/321. بلاد الزيلع 5/310. بلاد السند 3/255. بلاد السودان (السودان) 1/387. 5/263. بلاد سيس 1/425، 3/499، 4/123. بلاد الشحر 1/367. البلاد الشرقية 1/375. بلاد شعلا باد 4/376. بلاد شهرزور 4/367. بلاد الصقلب 2/54، 4/428. بلاد عبس 1/467. بلاد العجم 1/155. بلاد العواصم 4/133، 134. بلاد الغوز 1/387. بلاد القرم 3/247، 5/322. بلاد القفس 5/60. بلاد القيتق 4/354، 462. بلاد الكرجين 3/248، 4/375، 5/323. بلاد الكركار 4/374. بلاد كواردات 4/377. بلاد اللار 5/69. بلاد لاون 5/323. بلاد المرا 3/244. بلاد مركوان 4/377. بلاد المصامدة 5/168. البلاد المصرية (انظر مصر) . بلاد المعبر 5/72. بلاد المقدس 4/92. بلاد الملفجوط 3/245، 5/387. بلاد المنزلة 3/318. بلاد مهرة 5/14. بلاد النوبة 1/369، 3/349، 5/264. بلاد الهمج 5/321. بلاد الواح 3/446. بلاد الواق واق 3/252. البلاد اليمنية (انظر اليمن) . بلار 4/460، 465. بلاط 3/244، 5/331، 8/18. بلاطنس 4/150، 241، 7/195، 8/223، 12/464، 14/61، 430. بلاي جفطاي 4/464. بلبيس 1/153، 163، 3/459، 494، 571، 4/27، 67، 7/252، 255، 13/89، 14/422، 433. بلجمن 4/465. بلخ 4/316، 394، 402، 406، 443. بلخشان 2/111. بلد (مدينة) 4/398، 400. بلد الخليل (انظر الخليل) . بلدة 14/48. بلزم 5/354.

البلسان 2/199. بلسبورة 14/420. بلستين 12/168. بلسلوط 4/142. بلش 5/211. البلغار 4/312، 450، 5/396. البلقاء 1/371، 387، 4/78، 79، 110، 162، 220، 7/207، 12/136، 316. بلنجر 4/456. بلنسية 3/246، 5/157، 206، 222، 249، 258، 260، 6/434، 534، 8/34، 14/26، 28، 76. بلنياس 3/243، 4/151، 8/223، 14/430. بلهرا 5/72. البلهيثة 4/379. 7/308. بلواج 5/325. البلوص 5/60. بلين 5/83. البلينة 14/420. بمّ 4/350. بنا (كورة) 3/438. بنبي 5/272، 8/8. بنتر 5/337. بنجهير 4/396. بنجوان 4/354. البندقية 1/44، 3/245، 5/382، 454، 6/169، 8/49. البندنجين 10/287. بنزرت 5/101. بنكث 4/436. بنها العسل 3/436، 460. بني الحسين (قرية) 1/413. بني زيد (وادي) 1/414. بهار 5/74. بهاطية 5/84. بهراء 1/449. بهرمان 4/379، 7/310. البهنسى 1/387، 408، 3/330، 432، 527، 4/26، 67، 78، 123، 125، 185، 233، 7/190، 8/220، 221، 223، 229، 9/253، 11/108، 421، 12/168، 446، 14/429. البهنساوية 3/450، 7/170، 8/222، 234، 10/388. البوازيج 10/287. بوحسابور 10/287. بوزنطية 5/357. بوشاظ 8/227. بوشنج 4/392. بوصير 3/268، 343، 360، 431، 438. بوصير الخراب 3/307. البوصيرية 10/388.

بوغزة 4/450. بولاق 14/308، 317. بومقار 5/303. بومن 4/382، 402، 7/294. بونة 5/95، 101. البويب 14/431، 446. بويط 3/432. بويط البتنية 3/432. بياسة 5/221، 247. بيت إبراهيم 13/126. بيت الآثار 14/359. بيت الله الحرام 10/412، 413، 12/232، 236، 13/319. بيت بركة 1/204، 10/192. بيت جبريل 3/497، 4/183، 13/123، 14/59. بيت حبرون 1/388، 4/106. بيت دارس 14/424، 425. بيت عينون 13/126، 128. بيت الفار 14/429. بيت لحم 2/455، 4/183، 5/373، 13/274، 286، 14/58. بيت المقدس 2/457، 465، 3/264، 475، 4/80، 259، 5/228، 295، 360، 6/93، 230، 7/13، 121، 266، 8/37، 10/148، 11/99، 385، 13/44، 94، 126، 261. بيترا 5/275. البيد مرية (مدرسة) 7/398. بيرد اول 5/72. البيرة 3/498، 4/78، 82، 142، 235، 318، 398، 401، 7/188، 352، 8/35، 220، 221، 228، 9/253، 11/108، 12/168، 14/26، 62، 429. بيروت 3/243، 496، 499، 4/114، 183، 208، 8/222، 13/14، 315، 14/43، 44، 77، 426. بيروزكوة 4/397. البيرون 5/61، 14/77. بيروه 4/375. بئر ابن المرتفع 5/41. بئر أريس 6/340. بئر بيدرا 14/431. بئر البيضا 14/422. بئر زمزم 7/51، 12/229. بئر طرنطاي 14/424. بئر عفرى 14/423. بئر علي 14/433. بئر القاضي 14/424. بئر الهنديجان 4/407. بيزة 5/388. بيزنطية 6/91. بيسان 1/70، 3/264، 4/84، 92، 107، 157، 207، 6/425،

- ت -

12/329، 14/59، 425، 443. بيسوس 3/337، 4/59. بيشة 1/382، 4/289. بيشة يقظان 5/42. البيضاء 4/345، 404، 14/427، 446. بيلقان 4/364، 405. بيمارستان أحمد بن طولون (البيمارستان الطولوني) 3/377. البمارستان الجديد بحلب 4/227. البيمارستان الصلاحي 11/264. البيمارستان العتيق 4/227، 11/263. البيمارستان المنصوري 3/499، 576، 4/39، 40، 191، 9/260، 11/114، 115، 249. بيمارستان منقاوش 3/471. البيمارستان النوري 4/191، 197، 12/83. بين الجبلين 4/375. بين الحارتين 3/401. بين القصرين 3/415، 416، 499، 500، 501، 574، 578، 581، 596، 606، 4/39، 11/255، 14/451. بيهق 4/389. - ت- التاج 14/318. تاحجحمت 5/146. تاخ 8/227. تاخرت 5/339. تادلا 5/166. تادمكة 5/204. تارات 14/448. تازا 5/147، 177، 192. تاعجست 5/168. تامراكش 5/157. تانا 1/43، 5/68. تاهرت 5/106، 177. تاهرت عبد الخالق (بغداد المغرب) 5/106. تبالة 1/382، 5/41. التبت 2/127، 5/360. تبريز 4/313، 358، 363، 403، 7/284، 314. تبنين 4/157، 247، 6/519، 14/60، 426. تبوك 1/368، 2/262. تحبيب 3/382. تدرومة 5/146. تدمر 1/368، 4/118، 119، 260، 348، 361، 5/3، 7/187، 8/223، 12/323، 14/62، 427، 439، 446. التراس التبنية 4/433. تربة 5/41.

تربة أرغون شاه 12/361. تربة أفلاطون الحكيم 5/335. تربة الإمام الشافعي 4/40، 9/259، 11/227. تربة أم الصالح بدمشق 12/416. التربة الجوبانية 7/296. ترعة شريف 1/388. ترعة صول 1/387. تركستان 1/43، 4/389، 428، 438، 7/315. ترمذ 4/437. الترناوز 2/104. ترنكا 5/275. تستر 3/265، 4/340، 399. تسول 5/177. تطيلة 5/246. تعار (جبل) 2/261. تعز 5/6، 13. تفليس 4/362، 405، 8/27، 30. تكراي 5/290. تكرور (مدينة) 5/275. التكرور (بلاد) 3/316، 4/259، 5/290، 6/51، 123، 8/6، 8/118. تكريت 4/318، 327، 398، 401، 403، 7/298، 339، 10/287. تلان 4/440. تل أعفر 4/325، 7/298. تل باشر 4/131، 135، 236، 8/231. تل بسطة 3/437. تل حراف 4/95. تل حفتون 4/375. تل حمدون 4/141، 235. تل غمدان 5/38. تل كيسان 14/64. تل النحل 14/64. تلمسان 1/44، 416، 3/240، 5/126، 144، 146، 6/287، 7/48، 104، 106، 412، 425، 8/85، 92. تلنج 5/74. تلنك 5/74. التليلات 14/448. تمد الحصا 14/431. تمر قابو (باب الحديد) 7/301. تمى 3/436. تمى الخراب 3/364. تنديور 5/71. تنس 5/146. التنعيم 4/561. تنفس 4/383. تنكت 4/436. تنيس (انظر بحيرة تنيس) . تنيس 3/254، 439، 472، 546، 567، 10/388.

- ث -

تهامة 1/391، 397، 400، 4/250، 5/3، 6/227، 14/149. التهائم (تهائم اليمن) 4/260، 5/6. تواز 5/324، 8/13، 14. توبة الجبل 1/498. توران 4/427، 428، 449، 5/322، 7/356، 8/77، 9/192. توريز 3/420، 4/358، 407، 421، 7/279، 283، 14/187. توزر 5/101، 13/92. توسيان 14/64. تولان 7/315. تولم 4/382. تونت 5/146. تونس 1/44، 49، 416، 2/104، 3/241، 245، 5/95، 97، 107، 126، 142، 6/52، 59، 61، 125، 7/403، 407، 8/80، 82، 9/249، 14/77. التيب 1/376. تيدة (كورة) 3/440. التيز 5/63. تيزين 4/132، 135، 4/237، 14/430. تيماء 1/399، 4/164، 296، 12/124. تيمز غزان 5/146. تيه بني إسرائيل 3/348، 349، 4/77، 102، 162، 14/431. - ث- الثارات 14/448. ثبير (جبل بمكة) 11/292. الثرثار 14/448. الثغر الأعلى 5/246. الثغور الجزرية 4/136. ثمانين (قرية) 1/485. ثمرا الطرة 14/64. الثنية 4/290. ثنية العقاب 14/446. - ج- الجابرة (المدينة المنورة) 4/291. الجابية 1/450، 3/267. جاجنكز 5/74. الجار 4/296. جاسم 1/435. الجاعونة 14/64. جالق بالق 4/479. جالور 5/70. الجامع الأزهر 3/388، 403، 410، 575، 585. الجامع الأقمر 3/411، 582. الجامع الأموي بدمشق 1/67، 4/198،

5/376، 6/48، 9/259، 12/69، 72، 80، 297، 299، 336، 338، 342، 355، 361، 371، 13/29. الجامع الأنور 3/412، 583، 8/322. جامع باب البحر 3/399، 597، 8/322. جامع براثي 10/264. جامع بني أمية 4/99. جامع تونس 5/114. الجامع الجديد الناصري 3/389، 11/114، 115. جامع جراح 12/369. جامع الحاكم 4/59. الجامع الحاكمي 3/411، 494، 11/240، 242. جامع الخطبة 3/423. جامع الخطيري 14/318. جامع دمشق 4/74. جامع دنقلة 5/268. جامع راشدة 3/388. جامع الرصافة 10/264. جامع الرصد 3/388. جامع الشعيبية 3/389. الجامع الصالحي 3/412. الجامع الطولوني (جامع احمد بن طولون) 3/278، 284، 300، 355، 377، 386، 575، 585، 4/40، 11/157، 13/270. الجامع الظافري 3/412. الجامع العتيق (جامع عمرو) 1/407، 3/368، 379، 386، 585، 595، 4/40، 8/323، 9/258، 10/431. الجامع العزيزي 3/494. جامع الفسطاط 1/477. جامع الفكاهين 3/412. جامع القاهرة 3/559. جامع القلعة بمصر 3/278، 300، 4/6، 40، 6/48، 11/219، 225. جامع قوصون 3/413. جامع الكتبيني بمراكش 5/157. جامع الكف 10/264. جامع المارديني 3/413. جامع مصر 3/559. الجامع المعمور بحلب 11/46. جامع المقس 3/388، 412، 413. جامع المنصور بمدينة السلام 10/264. الجامع المنصوري بطرابلس 12/471. جامع منكلي بغا الشمسي 12/443. الجامع الناصري بقلعة الجبل 9/259، 11/258. الجامع الناصري بطرابلس 12/472. جامع يلبغا اليحياوي 12/359. الجامعين (الحلة) 4/338. جبا 4/331.

الجب 13/186. جبال الأرمن 4/89. جبال ازبق 14/446. جبال أصفهان 4/400. جبال الأكراد 4/373، 7/306. جبال البتم 4/429. جبال البربر 5/204. جبال حضر موت 5/40. جبال الدربندات 4/136. جبال درن 5/130، 147، 158، 168. جبال الروم 4/89. جبال سياه كوه 3/258. جبال الشام 3/341. جبال شهرزور 4/373. جبال صنهاجة 5/166. جبال الظلمات الغربية 5/397. جبال عاملة 1/389، 4/89، 157. جبال عدن 3/252. جبال العراق 4/369. جبال عمان 6/400. جبال الغور 4/107، 110. جبال فاران 3/444. جبال الفتيق 3/258. جبال قاليقلا 4/400. جبال قامرون 3/250، 5/73. جبال القمر 3/238. جبال كودلو 14/183. جبال كيلان 4/359. جبال اللور 4/340، 345. جبال مدغرة 5/169. جبال مرباط 5/14. جبال المغرب 2/59. جبال نابلس 3/448. جبال النبك 14/140. جبال همدان 4/373. جبال اليحاميم 3/341. الجبانية 4/217. جبرة 5/311. جبريل (قرية) 4/229. جبل الأبواب 3/253. جبل أبي فيدة 3/340. جبل أبي قبيس 2/195، 4/253، 276. جبل أجا 1/372، 376، 398. جبل أحد 4/292. الجبل الأحمر 2/509، 3/342. جبل أربد 14/446. جبل أرجاس 14/174. جبل أشنادة 4/380. جبل ألبرت 3/246، 5/206، 220. جبل أم عمرو 5/98. جبل أويلغان 4/452. جبل إيل 5/222. جبل باب الأبواب 4/400. جبل بالز 5/209. جبل بريم الأحمر 3/358. جبل بهرا 14/38.

جبل بيت المقدس 3/341. جبل بيرماء 3/426. جبل ثبير 4/253. جبل الثلج 4/84، 88، 108، 5/207. جبل ثور 4/253. جبل جاطر طاغ 5/393. جبل جالوت 3/343. جبل جرجان 4/401. جبل الجناح 5/320. جبل جنجرين 4/376. جبل الجودي 4/325. جبل حراء 4/253. جبل الخزة 5/209. جبل الخليل 4/85. جبل الخير 4/452. جبل دنباوند 2/449. جبل دينار 4/399. جبل الراهون 1/108، 5/74. جبل زغوان 5/99. جبل زماخير الساحرة 3/314، 340. جبل الساحرة 3/340. جبل سقر 14/186. جبل سلمى 1/372، 376، 398. جبل سمعان 4/131، 236. جبل سمنتان 5/222. جبل سنجار 14/448. جبل سنير 4/88. جبل سيس 12/116. جبل الشارة 5/206، 220. جبل الشحر 1/367. جبل شحشبو 4/89. جبل الشراة 4/80، 162، 251. الجبل الشرقي بمصر 3/314. جبل شكير 5/208. جبل الشيخ 4/96. جبل الصالحية 12/340. جبل الصلت 4/89. جبل طارق 5/233. جبل الطور 4/160. جبل طور زيتا 3/443. جبل طور سيناء 3/342. جبل طيىء 1/372، 398. جبل الطير 3/313، 340. جبل طيبة 14/446. جبل الطيلمون 3/340. جبل عجلون 14/446. جبل عسيب 14/174. جبل عكار 4/89. جبل العلايا 5/333. جبل عمود الاعياء 3/357. جبل عوف 4/89، 109، 12/104. جبل عوير 3/256. جبل عير 4/292. الجبل الغربي بمصر 3/312، 360. جبل غمارة 5/168. جبل الفتح 5/212، 253، 259،

7/41، 70، 72، 8/94. جبل فحمة 14/446. جبل الفضة 4/396. جبل قارة 11/8. جبل قاسيون 4/88، 96. جبل قاف 2/195. جبل القصبة الجديدة 5/209. جبل قشغاطاغ 4/465. جبل القمر 3/315. جبل قيقعان 4/256. جبل قينقاع 4/253. جبل كزوالة 5/168. جبل كسير 3/256. جبل كمش 5/327. جبل الكهف 5/333. جبل كودلوا 14/183. جبل اللازورد 3/343. جبل لبنان 4/88، 112، 149، 12/116. جبل لعلع 2/263. جبل اللكام 4/80، 89، 117، 141، 14/38. جبل لمطة 5/169. جبل مديونة 5/168. جبل المقطم 2/509، 3/340، 421، 494، 5/372. جبل المندب 3/252، 256. جبل موزور 5/209. جبل موسى 5/152. جبل ونشريش 5/169. جبل اليحاميم 3/341. جبل يسر 5/169. جبل يشكر 3/372، 386، 409. جبلة 3/243، 496، 4/153، 242، 5/13، 390، 12/465، 467، 468، 480، 14/45، 61، 77. جبة المنيطرة 4/153، 242. الجبول 4/130، 236، 8/231، 14/430. جبّى 4/340. جبيل 3/243، 4/114، 183، 14/44، 77. الجحفة 1/251، 379، 2/445، 3/251، 13/244. جدة (بالمغرب) 5/146. جدة 3/251، 252، 445، 4/259، 263، 5/146. الجديدة 14/44، 65. جرجا 1/418، 4/70، 14/420. جرجان 1/503، 523، 3/257، 258، 285، 4/344، 386، 405، 7/87. الجرجانية 4/453. جرذقيل 7/309. جرش 5/16، 40، 43. جرموك 4/379، 7/309، 8/227.

جرمى 5/291. الجرون (قلعة) 5/337. الجريد 4/259. الجزائر 3/240، 5/123، 146، 6/91. جزائر البحر الرومي 5/350. جزائر بني مزغنان 5/95، 105، 147، 7/403. الجزائر الخالدات 3/231، 237، 5/392. جزائر الصعيد 3/55. جزائر النقر بنت 5/383. الجزرات 5/68. الجزيرة (بالشام) 1/392. الجزيرة (بلاد) 1/156، 7/8، 13/151، 225، 240. جزيرة أبركاون 5/83. جزيرة أبرون 5/83. جزيرة ابن عمر 4/318، 320، 325، 398، 7/297، 8/226. جزيرة أرموز 5/83. جزيرة أروى 14/317. جزيرة أقريطش 5/351، 352. جزيرة أندرابي 5/76. جزيرة الأندلس (انظر الأندلس) . جزيرة انكلترة 5/355. جزيرة أوليل 3/316. جزيرة بالوس 5/83. جزيرة بلونس 5/353. جزيرة بني نصر 3/318، 465، 467، 10/388. جزيرة التغريب 5/353. جزيرة الجاوة 5/76. جزيرة جربة 3/241، 5/356، 6/448. جزيرة خارك 1/106. الجزيرة الخضراء 5/153، 210، 213، 249، 6/548، 7/46، 55، 8/94. جزيرة خين 5/83. جزيرة دانية 5/260، 8/34. جزيرة دهلك 3/252، 5/319. جزيرة الذهب 3/462. جزيرة الرامي 5/77. جزيرة الرانج 5/75. جزيرة رودس 5/351. جزيرة الروضة (جزيرة الصناعة) 3/379، 550، 14/308. جزيرة زرون 4/351. جزيرة سردانية 5/355. جزيرة سرنديب 5/74. جزيرة السناقر 5/356. جزيرة شقر 14/26. جزيرة صقلية 3/241، 5/354. جزيرة الصناعة 3/327، 379. جزيرة الصنف 5/77.

جزيرة صيدا 14/428. جزيرة العرب 3/349، 481، 4/118، 5/3، 7/357. الجزيرة العمرية 4/239. جزيرة العولات 2/136. جزيرة غودش 8/85. الجزيرة الفراتية 1/42، 43، 374، 390، 394، 3/265، 4/316، 7/288، 13/283. جزيرة الفيل 14/318. جزيرة قادس 5/205، 227، 356. جزيرة قبرس 5/351. جزيرة قرسقة 5/355. جزيرة القط 14/421. جزيرة قمار 5/77. جزيرة قنبلو 3/256. جزيرة قوسينيا 10/388. جزيرة قوصرة 3/241. جزيرة كله 5/75، 83. جزيرة كيش 4/406، 5/83. جزيرة لابن 5/83. جزيرة لامري 5/75. جزيرة لاوي 5/75. جزيرة لمريا 5/353. جزيرة لنكبالوس 5/83. جزيرة مالقة 14/78. جزيرة مانطاء 2/136. جزيرة مايورقة 5/206، 225، 356. جزيرة مرمرا 3/250. جزيرة مصر 3/494، 5/306. جزيرة المصطكى 5/351، 352، 8/53. جزيرة المهراج 5/76. جزيرة يانسة 5/356. جسدا 5/42. جسد الحي 14/431. الجسر الأعظم 3/590. جسر بغداد 3/380. جسر الحجر 14/430. جسر الحديد 4/83. جسر سامة 14/425. جسر الصنبرة 4/155. جسر مصر 1/388. جسر منبج 4/80، 142. جعبر 7/191، 8/221، 222، 229، 12/118، 168، 175، 407، 14/426، 430. الجعرانة 4/262. جغانيان 4/437. الجفار 3/348، 460. جق 4/467. جلدا (خلدا) 14/44. جلولاء 4/402. جليجل 14/427، 446. جليقية 5/215، 254، 257، 391، 8/34. الجليل 3/18.

- ح -

جماكرد 4/480. جمرة العقبة 4/161. جمشكزاك 8/227، 232. جمكوت 4/480. جنّابة 3/255، 4/399، 404. الجناح (جبل) 5/320. الجنادل 3/317، 342. جنبا 14/424. جنجالة 5/243. جنجرين المشرف 4/376. جند 4/439، 5/13. جندي سابور 4/343. جنوة 1/22، 44، 3/246، 5/355، 383، 8/48. جوّا 5/55. الجوانية 3/404. الجودرية 3/402. الجودة 5/55. الجودي (جبل) 4/325. جور 4/346. الجوز 2/138. جوسية (قرية) 4/83، 112، 116، 135. الجوف 12/124. الجولان 3/267، 4/108، 215، 12/131. جولمان 4/463، 5/396. جولمرك 4/377، 7/306، 8/226، 232. الجومة 4/84، 135. جون البنادقة 3/245، 5/382. جونية 14/44. جوين 4/386. جيان 5/221، 244، 251، 6/550، 7/55، 8/34، 14/76. جيحون 4/433، 454، 7/323، 14/149. الجيدرو 12/131. جيرشنودة 3/432. جيرفت 4/350، 404. جيرون (دمشق) 4/95. جيزان 7/297. الجيزة (مدينة) 3/449. الجيزة 1/419، 3/307، 355، 380، 449، 522، 4/27، 67، 7/171، 8/223، 10/351، 358، 388، 14/189، 307، 308، 315، 419، 421. الجيل 4/380. جيمي 5/270، 8/8. جينين 1/392، 4/160، 247، 14/59، 424، 425، 443. - ح- الحاجبية 5/213. الحارثية 14/64.

حارم 4/126، 8/230، 11/46، 14/62. حارة أبي بكر 3/410. حارة الأمراء 3/401. حارة برجوان 3/401. حارة بهاء الدين 3/400، 405. حارة حامد 3/405. حارة الحبانية 3/410. حارة حلب 3/410. حارة الديلم 3/403. حارة الروم 3/402، 5/306. حارة الروم البرانية 3/404. حارة الروم الجوانية 3/404. حارة الروم السفلى 3/405. حارة الروم العليا 3/405. حارة زويلة 3/402. حارة الصالحية 3/403. الحارة الصغرى 3/405. حارة عبيد الشراة 3/405. الحارة الكبيرة 3/410. حارة كتامة 3/403. حارة اللصوص 3/408. حارة المأمونية 3/410. الحارة الوسطى 3/405. حاسك 8/227. الحاطمة (مكة) 4/255. حان (قرية) 4/108. حاني 4/329، 7/299، 8/227. حائط العجوز 3/366، 474. الحبانية 3/410. الحبرات 2/262. حبرون 13/126. حبرى 13/128. حبوة 14/423. الحبشة 1/44، 50، 125، 196، 369، 489، 2/41، 42، 3/231، 349، 446، 4/260، 5/5، 9، 289، 310، 453، 455، 6/9، 170، 8/3، 10، 13/285. الحجاز 1/42، 43، 365، 366، 372، 375، 390، 395، 448، 471، 2/17، 3/251، 349، 393، 405، 511، 4/161، 249، 250، 291، 5/3، 9، 6/286، 7/8، 148، 183، 9/251، 10/72، 117، 11/435، 12/228، 434، 13/235، 360، 14/58، 77، 149. الحجر 1/365، 5/56. الحجر الأسود 10/412. حجر شغلان 4/128، 7/193، 8/223، 12/172. الحجرة الشريفة 4/306. الحجف اللمطية (قصور) 4/433. الحجوبية 11/208. الحجون (جبل بمكة) 1/306، 431، 3/269.

الحدق 1/376. الحدوثة 5/54. الحديبية 4/262، 14/6. الحديثة (قرية) 4/318، 326، 401، 7/298. حديثة عانة 6/394. حديثة الموصل 6/479. الحديدة 14/64. حراف 4/95. حران 1/395، 3/265، 285، 3/496، 4/322، 404، 8/227، 232. حراء 1/410. حرجة منفلوط 1/413. حردقيل 4/379. حرم الخليل (عليه السلام) 12/104، 419، 13/129. الحرمين الشريفين 10/413، 11/114، 12/254، 13/45. الحرة (حرة كشت) 4/215. حرة سليم 1/399. حرة النار 1/399. الحريم 4/333. حسّان 5/54. حسبان 4/110، 208، 8/221، 224، 14/428. حسوس 14/44. الحسير 14/427. الحسينية 3/405، 13/98. الحص 14/428. حصن ابن عمارة 3/255، 4/404. حصن الأبلق 4/296. حصن أرّان 4/379، 7/310. حصن أرحكاه 14/22. حصن أرزن 7/302. حصن استطبونة 7/46. حصن آش 6/547، 7/55. حصن أفلنتين 5/242. حصن الأكراد 1/523، 3/498، 4/76، 89، 149، 241، 7/195، 380، 8/223، 12/458، 478، 13/21، 315، 14/34. حصن أكل 14/22. حصن أنديب 14/22. حصن باجة 5/220. حصن برزوية 4/88. حصن برشانة 5/222. حصن برغين 14/48. حصن البيرة 5/210. حصن تبنين 6/519. حصن تعز 7/364. حصن تل حرم 14/22. حصن تلمسان 8/87. حصن حالي 14/22. حصن الحمراء (قصر الحمراء) 5/253.

حصن حويب 14/22. حصن دركوش 8/307. حصن الدملوة 5/12، 30. حصن ذي القرنين 4/398. حصن زياد (خرت برت) 4/357. حصن سمندو 14/172، 183. حصن السناسنة 14/22. حصن السهلة 6/548. حصن الشمروخ 4/295. حصن الصلت 4/90. حصن الطاق 4/353. حصن عكا 14/45. حصن عكار 4/150، 241، 7/196، 9/254، 12/463، 14/61. حصن قاقون 12/331. حصن كيفا 4/320، 398، 403، 6/41، 53، 124، 7/292، 302، 8/226، 232. حصن المدور 5/219. حصن مراد 5/219. حصن المرقب 8/395، 14/44، 49. حصن الملا 5/47. حصن الملك 7/310. حصن منبج 4/142. حصن منصور 4/78. حصن مهدي 4/344، 399، 404. حصن الهندروس 14/22. الحصين 14/428. حضر موت 1/365، 381، 468، 4/260، 5/16، 23، 39، 40، 6/284، 357، 7/357، 362. حضيضية 1/447. الحطيم 7/421، 10/412. حطين 14/426. الحفر 5/58. حفن 3/433، 14/431. حفرة عتيت بالبصرة 1/384. حكر ابن الأثير 14/317. حلب 1/138، 154، 368، 392، 394، 483، 524، 3/243، 264، 4/79، 89، 96، 120، 128، 133، 139، 164، 174، 223، 231، 330، 401، 5/323، 6/91، 128، 149، 183، 277، 7/161، 188، 227، 241، 242، 244، 261، 269، 332، 355، 8/33، 59، 71، 180، 220، 221، 233، 392، 9/118، 248، 252، 262، 264، 10/186، 11/33، 46، 101، 102، 118، 12/18، 141، 147، 153، 159، 165، 172، 175، 279، 282، 291، 295، 427، 13/37، 42، 277، 14/44، 77، 159، 426. حلبا 14/61.

حلوان 1/388، 3/327، 4/258، 402. حلوان (بالعراق) 4/330، 338، 368. الحلة (حلة بني مزيد) 4/338، 13/232. حلى (مدينة) 3/251، 5/12، 320. حلى ابن يعقوب 3/251، 5/12. حماسا 5/291. حمام القدموس 4/76. حماة 1/138، 235، 381، 410، 523، 3/231، 4/4، 24، 243، 259، 5/144، 146، 6/183، 7/149، 164، 196، 227، 242، 246، 269، 345، 8/216، 222، 228، 9/119، 142، 252، 262، 264، 10/135، 185، 11/102، 118، 12/18، 197، 295، 13/42، 14/34، 37، 45، 61، 426. حمراء غرناطة (قلعة) 7/440. حمراء غرناطة 5/253، 7/40، 44، 49، 68، 75، 8/112، 9/348. حمص (بفاس) 5/149. حمص 1/42، 371، 450، 523، 3/264، 480، 4/75، 79، 80، 83، 92، 101، 116، 182، 209، 211، 5/54، 119، 7/12، 173، 185، 345، 8/220، 221، 223، 229، 9/253، 11/108، 12/105، 118، 375، 405، 13/42، 14/34، 35، 42، 45، 61، 426. حمص الأندلس (أشبيلية) 6/548. حمصين 14/64. الحمة 8/227. حمة ضرية 1/393. حمة طبرية 4/75. حمى كلاب 1/393. حميثرة 14/420. حميدلى 5/325. الحميرة 14/44. حميمص 4/235. الحوءب 3/207. الحوانيت 4/403. حوران 1/387، 404، 435، 444، 524، 4/107، 111، 215، 7/206، 12/131، 138، 140. الحوراء 3/349، 444، 14/432. الحوش (بقلعة الجبل) 3/416، 14/65. الحوض الداخلي 5/210. الحوف 1/376، 4/217. حوف رمسيس 3/462. حولة بانياس 4/155. حي 2/465. الحي الكبير 1/388. الحيار 4/123.

- خ -

الحيانية 12/124. الحير 14/446. الحيرة 1/387، 447، 448، 2/153، 3/14، 4/258، 335، 5/21. حيزان 4/323. حيفا 4/160، 6/519، 14/77. - خ- الخازر 1/396. خالد 12/325. خان بالق 4/477. خان دندرى 14/420. خان السلطان علاء الدين قيقباذ 14/182. خان العروس 14/427. خان قرطاي 14/173. خان لاجين 14/426. خان مسرور 3/413. خان ميسلون 14/428. خان الوالي 14/427. خانجو 4/480. خانفو (انظر خانقو) . الخانقاه الركنية بالقاهرة (خانقاه بيبرس الجاشنكير) 3/501، 11/118، 121. الخانقاه الشميصاتية بدمشق 11/118، 409، 12/100. الخانقاه الصلاحية بالقاهرة (سعيد السعداء) 3/417، 11/118، 121، 364، 365، 366. الخانقاه الصلاحية بالقدس 12/104. الخانقاه الناصرية بسرياقوس 11/367. خانقو (مدينة) 2/128، 4/480. خانيجار 10/287. الختّل 4/402، 429. ختن 4/429. خجندة 4/428، 436، 443. الخراب 5/263. خراب فزارة 1/399. خراب الفسطاط 3/390. خراسان 2/91، 128، 200، 287، 453، 3/265، 285، 489، 4/258، 316، 352، 366، 388، 405، 406، 5/21، 322، 360، 7/87، 13/240، 14/97، 100، 103، 149، 202. الخراطين 3/417. خربتا 3/441. الخربة 8/224. خربة توقات 14/170. خربة خميس 14/66. خربة يونس 14/66. خرت برت 4/322، 357، 7/297، 303، 8/227، 232. الخروبة 3/350، 4/220، 14/422، 424.

خزاز 1/445. الخزر (بلاد) 5/251، 7/440. خسروجرد 4/391، 402. الخشبات 4/83. الخطا (بلاد) 1/156، 304، 507، 523، 4/312، 429، 7/315، 323. الخطارة 3/313، 528، 14/423. الخط 2/149. خط الإستواء 3/230، 215. خط باب القنطرة 3/407. خط الجامع الطولوني 3/409. خط حارة المصامدة 3/409. خط الخرنشف 3/401. خط سوق الغنم 3/398. خط الفسطاط 3/409. خط الكافوري 3/401. خط اللوق (باب اللوق) 3/408، 428، 8/336. خطط أهل الظاهر 3/370. خطط بني الكلاع 3/371. خطط الحضر موت 3/372. خطط الحمراوات 3/371. خطط الحمراء القصوى 3/371. خطط الحمراء الوسطى 3/371. خطط خولان 3/370. خطط سبأ 3/371. خطط الصدف 3/370. خطط غافق 3/370. خطط الفارسيين 3/370. خطط لخم 3/369. خطط اللفيف 3/369. خطط مذحج 3/370. خطة أهل الراية 3/368. خطة بلى 3/371. خطة بني الأزرق 3/372. خطة بني بحر بن سوادة 3/371. خطة بني سلامان 3/372. خطة بني نبه 3/371. خطة بني وائل 3/371. خطة بني يشكر 3/372. خطة تجيب 3/369، 382. خطة تراد 3/371. خطة الحمراء الدنيا 3/371. خطة رعين 3/371. خطة فهم 3/371. خطة القبض 3/371. خطة المعافر 3/371. خطة مهرة 3/369. خطة هذيل 3/372. خطة يحصب 3/371. خفّان 14/295. خفتيان 4/376، 7/310. خلاط 4/356، 405، 7/92، 302، 8/19، 227. خلقدونية 5/372، 13/282.

- د -

خليج أبي المنجا 3/336. خليج الإسكندرية 3/334، 5/304. خليج بربرا 3/252. الخليج البربري 3/254، 256. خليج البنادقة 8/15. الخليج الحاكمي 14/316. خليج الدار 3/595. خليج دمياط 3/335. خليج الذكر 3/407. خليج سخا 3/335، 472. خليج السردوس 3/33، 474. خليج القاهرة 1/471، 3/320، 331، 380، 399، 13/101. خليج القسطنطينية 1/368، 425، 507، 2/47، 104، 3/244، 248، 4/467، 5/322، 323، 6/87، 8/10. خليج المنهى 3/329، 337، 451. الخليج اليوسفي 14/419. خليجة 5/54. خليص 4/265، 290، 14/433. الخليل 1/388، 2/457، 4/106، 206، 218، 7/187، 11/114، 115، 14/58، 424، 438. خناصرة 3/267. الخندق 3/381، 406. الخنساء 4/478. الخوابي 4/152، 186، 242، 7/196، 8/223، 13/249، 14/48، 430. خوار 4/373. خوار الري 4/386. خوار ظفار 5/11، 14. خوارزم 1/43، 49، 3/248، 4/258، 402، 406، 429، 449، 451، 467، 5/322، 7/128، 315، 321. الخوجند 7/315. خوخة الصالح 3/403. الخورنق (قصر) 6/541. خوزستان 1/43، 3/255، 4/340، 345، 366، 399، 416. خولان 1/378. خونج 4/405. خوي 4/360، 401، 405. الخيارة (قرية) 4/101. خيبر 1/391، 399، 3/285، 4/295. الخيس (كورة) 3/441. خيمة البقعة 4/148. خيوان 5/39، 42. - د- دابق 3/267. داذين 4/408. دار ابن عبد العزيز 3/378.

دار ابي ثعلبة الخشني 3/373. دار أبي الدرداء الأنصاري 3/373. دار أبي الأسود مسروح بن سندر 3/373. دار أبي عميرة رشيد بن مالك المزني 3/374. دار إياس بن البكر 3/373. دار بشر بن أرطأة 3/373. دار البقر 14/432. دار البيضاء 3/373. دار توبة 4/294. دار جبر القبطي 3/374. دار الحارث بن أسد الخزاعي 3/374. دار الحارث بن مالك الليثي 3/373. دار الحديث الكاملية 3/414، 497. دار حي بن حرام الليثي 3/373. دار خارجة بن حذافة 3/373، 374. دار الرشيد 2/480، 488. دار رفاعة الدوسي 3/374. دار الزبير بن العوام 3/372. دار الزبير بن العوام 3/372. دار الرمل 3/372. دار سباع بن عرفطة الغفاري 3/374. دار ست الملك 3/418. دار سعد بن أبي وقاص 3/373. دار سعيد السعداء 3/588، 11/118. دار الضرب 3/417، 7/233. دار عبد الله بن حذافة السهمي 3/373. دار عبد الله بن ريان الأسلمي 3/374. دار عبد الله بن السائب 3/374. دار عبد الله بن سعد العامري 3/373. دار عبد الله بن عمر بن الخطاب 3/373. دار عبد الله بن هشام 3/374. دار عبد الرحمن بن عديس البلوي 3/372، 373. دار عقبة بن الحارث 3/373. دار عقبة بن عامر الجهني 3/373. دار علبة بن زيد الأنصاري 3/373. دار العلم 3/413. دار عمرو بن العاص 3/372، 382، 383، 372. دار فضالة بن عبيد الأنصاري 3/374. دار القاسم وعمرو إبني قيس 3/373. الدار القطبية 3/418، 576. دار قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري 3/272. دار الليث 3/458. دار محمد بن حاطب الجمحى 3/374. دار محمد بن مسلمة الأنصاري 3/373. دار محمية بن جزء الزبيدي 3/373. دار المستورد بن شداد الفهري 3/373. دار مسعود بن الأسود 3/373. دار مسلمة بن الأسود 3/373. دار مسلمة بن مخلد الأنصاري 3/372. دار المطلب بن أبي وداعة 3/373، 374، دار المظفر بن امير الجيوش 3/401. دار معمر بن عبد الله بن نضلة 3/373. دار مهاجر مولى ام سلمة 3/373.

دار نافع بن عبد القيس 3/373. دار النحاس 14/316. دار الندوة 2/393. دار نضلة بن الحارث الغفاري 3/374. دار هبيب بن معقل الغفاري 3/374. دار الهجرة (انظر المدينة المنورة) . دار الوزارة 3/421، 589. دار الوزير عباس 3/401. دار وهب بن عمير الجمحي 3/373. دار يزيد بن زياد الأسلمي 3/374. دار يعقوب القبطي 3/373. دارا 4/401. دارا بجرد 4/349، 404. دارة (مملكة) 5/314، 8/10، 41. الداروم 1/375، 4/218، 12/129، 14/424. دارين 2/130. الدالية 14/66. الدأماء 4/289. الدامغان 4/388، 390، 406، 407. داموث 5/291. دانترك 4/373. دانية 3/246، 5/145، 223، 247، 250، 258، 9/308، 14/29. دبركى (نيابة) 4/137، 234، 8/220، 12/172، 447. الدبيل 2/128، 4/354، 405، 5/61، 83. الدبين 10/287. دجلة (كورة) 3/285، 288. دجلة العورا 4/403. الدجناوية 3/466. درب الحجاز 12/379. الدرب الشامي 3/460. درب شمس الدولة 3/401. درب ملوخيا 1/537، 3/404. الدربساك 4/84، 126، 233، 7/193، 8/223، 230، 11/109، 12/169، 172، 14/62. الدربند 7/232، 308، 8/227. دربند باب الحديد 4/365. دربند خزران 4/364، 365. دربند شروان 3/258. دربند قراير 4/374. الدربند الكبير 4/375. الدربندات القرابلية 4/379. 7/310. درعات خوارزم 4/450. درعان 4/454. درعة 5/165. دركوش 4/83، 237، 5/132، 8/307. درندة 4/137، 234، 7/191، 8/221، 222، 12/168. دروة سربام 1/413، 3/329، 4/69، 14/419.

دروة الشريف 1/413، 3/330. الدريح (ماء) 14/420. الدريشدان 4/222. الدسكرة 4/402. الدشت 4/454، 7/294. دشت القبجاق 1/43، 49، 3/248، 4/313، 7/315. دعوق 14/64. الدقهلية 1/368، 386، 3/339، 439، 460، 7/172، 10/388. دقوق الناقة 4/375. دقوقا 10/287. الدكوانة 14/44. دلا 5/270. دلاص 3/431. دلوك 14/160. دليّ 5/65. دمسيس 3/439. دمشق 1/42، 132، 138، 154، 157، 253، 302، 450، 524، 2/201، 3/261، 264، 266، 268، 283، 330، 496، 504، 4/79، 80، 88، 90، 92، 94، 96، 100، 102، 155، 191، 199، 228، 231، 259، 356، 5/100، 136، 151، 207، 6/48، 91، 145، 183، 7/12، 184، 228، 243، 268، 338، 346، 438، 8/31، 60، 76، 9/223، 252، 262، 264، 10/186، 346، 11/79، 113، 118، 186، 12/4، 5، 31، 34، 36، 40، 48، 55، 76، 85، 92، 98، 103، 140، 167، 282، 284، 288، 295، 306، 313، 358، 375، 378، 386، 392، 415، 418، 13/25، 42، 235، 267، 345، 14/45، 61، 116، 413، 424، 426، 443. دمقلة 5/265. دمنة الخراب 4/123. دمنهور (دمنهور الوحش) 3/334، 462، 4/25، 27، 65، 67، 7/170، 14/421. دمورا 5/275. دمياط 1/404، 3/242، 243، 254، 260، 318، 348، 439، 461، 465، 471، 546، 567، 568، 596، 4/28، 259، 467، 5/389، 7/172، 8/39، 127، 10/388، 459، 13/89، 93، 14/58، 77، 422. الدنجاوية (الدجناوية) 3/466. دندرة 3/327، 434، 14/420. دندرى (مدينة) 3/471. دنقلة 3/317، 5/265، 6/54، 124،

171، 8/4، 44. دهروط 1/408، 3/452، 4/70، 14/419. دهستان 4/385. دهشور 3/360، 362. دهلك 4/259، 5/319. دهلى 5/65، 73، 10/135. دوارو (مملكة) 5/312، 8/10، 41. الدواكير (قبة الإسلام) 5/67، 73. دوالوا 14/173. دور 5/75. دور الراسبي 4/340. دور سمند (بلاد) 5/74. الدورق 4/340، 344، 404. دوركي 4/137، 8/221، 12/447. دومة الجندل 1/368، 468، 4/296. دونة 14/66. الدويرات 14/65. ديار الأزد 5/53. ديار بكر 1/156، 3/496، 4/123، 143، 258، 320، 327، 355، 419، 7/286، 288، 299، 10/117، 13/151، 240. ديار ربيعة 1/390، 4/318، 325، 419، 7/288، 299، 8/19. ديار عاد 1/366. ديار الكلالية 4/374. الديار المصرية (انظر مصر) . ديار مضر 4/318، 322، 419، 7/297. دياوشت (جبل) 4/373. ديباج 14/428. الديبل 5/61. ديدو 4/477. الدير (قرية) 3/433. دير أبي هرميس 3/362، 470. دير البغل 5/372. دير بوحنس 5/303. دير بومقار 5/303. دير الجاثليق 1/498. دير الجميزة 1/387. دير سمعان 4/147. دير السياج 14/66. دير الشمع بالجيزة 5/307. دير الطين 1/388. دير العاقول 1/178، 4/399. دير العمال 4/403. دير القصير 5/372. دير قنو 4/450. دير مار لياس 14/66. دير مارون بحمص 3/480. دير هرقل 1/178. ديصا (كورة) 3/440. ديصاف 4/95. الديلم (بلاد الديلم) 1/43. الدينور 4/368، 405، 10/14.

- ذ -

- ذ- ذات الرخيم 14/432. ذات العشر 5/58. ذرعين 14/425. ذروة سربام 1/413، 3/329، 14/419. ذروة الشريف 1/413، 3/330. ذمار 5/13، 38. ذنب التمساح 3/253، 254، 331. ذي طلوع 14/307. ذي قار 1/449. - ر- رابغ 1/379، 4/290، 296، 14/432. الراذانين 10/287. الرأس (قرية) 4/83، 255. رأس أبي حميد 3/251. رأس أوثان 3/242، 5/168. رأس تونبى 3/242. رأس جبل المندب 3/252. رأس السبع وعرات 14/432. رأس الطاق 4/435. رأس الطابية 5/99. رأس عبدة 14/64. رأس العين 1/391، 4/323، 401، 404، 14/428. رأس الفقيه 14/44. رأس القاع الصغير 14/432. رأس الكلب 4/402. رأس الماء 14/426. رأس نقب علي 14/433. رأس هيلي 5/71. رأس وادي بدر 14/433. رأس وادي الصفراء 14/433. رأس وادي عنتر 14/432. رامهرمز 4/344. الرامون 14/64، 66. الرانج 5/75. راون 4/442. الراوندان 4/84، 126، 233، 7/192، 8/223، 230، 12/168، 172، 14/62. الراووق 14/44. راية (كورة) 3/444. الرباط 4/403. الربذة 1/393. ربض الأجل 5/207. ربض البيازين 5/207. ربض الفخارين 5/207. ربض النصارى 5/149. الربوة 4/96. رجحة 4/255.

الرح 14/44. الرحاحية 14/65. الرحبة 1/390، 392، 4/82، 100، 211، 222، 318، 398، 6/135، 7/186، 232، 267، 340، 8/59، 220، 221، 229، 9/253، 11/108، 12/109، 110، 118، 406، 14/45، 62، 426، 427. رحبة الأيدمري 3/394، 404. رحبة باب العيد 3/394، 404. رحبة الخروب 3/380، 391، 498. رحبة مالك بن طوق 4/94، 118، 119. رحرحان (وادي) 1/447، 2/263. الرحيل 5/58. الرخ 14/64. الرخج 4/351، 354، 400. الرخيمية 1/376. الرستاق 1/388، 4/376، 407. رستاق الرونجان 4/400. رستاق واسط 4/340. الرستن 4/83، 116، 146، 401، 14/427. رسدولا 13/146. الرشاقة 5/222. رشميا 14/66. رشيد 3/242، 318، 338، 442، 10/388، 14/58. الرصافة (ببلنسية) 5/223. الرصافة (رصافة هشام) 3/268، 4/135، 152، 242، 7/196، 14/38، 48، 430. الرصيفة 14/65. رضوى (جبل) 11/164، 12/42. الرعنة (خليج الدار) 3/595. رفح 3/242، 348، 4/78، 79، 92، 14/424. رقادة (مدينة) 3/393، 5/119. الرقبى 1/376. الرقة 1/177، 3/265، 272، 4/82، 119، 317، 398، 401، 404. رقودة 3/359. رقيبة 14/37. ركن الحجر الأسود 4/257. ركن الحجر الأسود الغربي 4/258. الركن الشامي (الحجر الأسود) 4/258. الركن المخلق 3/394. الركن اليماني (الحجر الأسود) 4/258، 10/95، 11/305. ركوان 11/18. رماوان 4/379، 7/310. الرملة 1/524، 3/403، 497، 4/79، 80، 85، 103، 183، 206، 210، 259، 289، 6/423، 8/224، 12/311، 13/49، 14/59.

- ز -

رملة اللوى 2/208. رنجان 4/369. رندشت 7/309. رندة 5/213، 249، 6/548، 11/18. رنية 5/41، 14/64. الرها 4/144، 185، 236، 258، 330، 401، 404، 5/375، 7/192، 227، 8/58، 221، 223، 229، 9/253. رواق اللوح الأخضر 3/385. رواق الملك 3/590. روحان 12/233. رودس (جزيرة) 1/44، 8/52. روذبار 4/379. روران كودلوا (جبال) 14/183. الروضة (جزيرة الصناعة) 3/327، 428، 14/308، 316. رولس 14/65. الروس (بلاد) 1/43. الروم (بلاد) 1/44، 3/245، 478، 508، 5/295، 357، 384، 6/88، 91، 164، 8/45، 13/275، 276، 291، 14/77، 78. رومة 5/295، 375، 384. رومية (مدينة) 13/275. الرونجان 4/400. رويان 4/385. الرّي 3/285، 4/258، 346، 366، 372، 402، 405. ريان 14/171. الريحانية 3/401. الريدانية 4/60، 9/128. الريدراقون 5/392. - ز- الزاب 1/396، 4/328، 379، 5/190، 7/299، 310. زابلستان 1/43، 4/395. الزابوقة 5/54. الزابين 4/367. زاغا 5/275. زافونا 5/275. الزاهرة 5/258. زاوية ام الحسين 14/319. الزاوية الأمينية (بدمشق) 12/288. الزاوية الأمينية (بالقدس) 12/293، 420. الزاوية الخشابية (الصلاحية) 4/40، 9/258. زاوية الشافعي (بالجامع العتيق) 11/225، 227. زاوية مبارك 14/421. زبدان 14/428.

- س -

الزبداني 4/98، 101، 14/428. زبيد 1/381، 3/251، 4/260، 5/7، 13، 26، 8/73. زحر 14/425، 426. زرع 1/371، 391، 4/112. زرفرتا 5/290. الزرقاء 4/215، 12/131. زرنج 4/352. زرند 4/450. زرنطابنا 5/275. زرون (جزيرة) 4/351. الزعقة 3/348. الزغاوة 3/316. زغر 4/80، 92، 163، 248. زقاق البركة 3/417. زقاق سبتة 3/237، 239. زقاق القناديل 3/391. زلا 8/8. الزلح (إقليم) 5/291. زليخا 3/356. زمخشر 4/453. زمزم 1/281، 4/260، 10/412، 12/229. الزنج (انظر بلاد الزنج) . زنجان 3/285، 4/405. الزند (مدينة) 4/404، 5/13. الزنقات (الزتقات) 5/222. الزهراء 5/219، 258. الزهرة (مدينة) 3/468. الزيتون 4/479. الزيتية 4/379. زيلع 3/252، 5/310، 311، 8/10. - س- سابور (إقليم) 4/347. الساجور 14/429. ساحل الأزق 3/248. ساحل اطفيح 1/388. ساحل افريقية 2/122. ساحل البحرين 3/255. ساحل برقة 3/242. ساحل خور 5/11. ساحل رشيد 3/348. ساحل عسقلان 10/389. ساحل المرقب 14/77. ساحل مصر 3/242. ساحل مهرة 3/250، 255. ساحل هجر 5/54. ساحل هماه 5/555. ساحل ينبع 3/251. ساركرى 4/400. سارية 4/386، 405. ساسا السياسية 14/64. الساسة 1/376. ساعير 13/259.

ساغون 4/428. الساقية 1/419. ساقية قلته 1/394، 404، 405. ساقية قنتة 1/393. سالم (مدينة) 5/221. سالوس 4/384. سامانا 5/74. سامرا 3/270، 271، 4/101، 107. سامسون 3/248، 249، 5/331، 338. سامصري 5/337. ساوة 4/370، 402، 405. سبأ 4/260، 5/40. سبتة 3/237، 238، 240، 246، 5/118، 152، 155، 7/414، 8/94. السبخة 5/54. سبراور 4/391. السبع خوخ 3/394، 396. السبعة 14/65، 318. سبوستان 5/74. سبيطلة 5/96، 97، 173، 7/404. سترلو 6/447. سجستان 1/43، 65، 2/118، 3/285، 4/258، 351، 400، 13/225. سجلماسة 1/398، 2/199، 5/119، 151، 158، 7/426، 8/95. سجين 5/55. السحانين 10/14. سحرت 5/290. سحمة 4/375. سخا 1/374، 3/440، 4/72 سخام 4/383. السختة 4/119، 7/187. السخنة 14/427، 439، 446. سخوم 3/248، 8/29. السد 5/58. سد الاسكندر 5/59. سد مأرب 5/40. سد يأجوج ومأجوج 3/238. السدرة 4/402. سدوسان 5/62. سدوم 13/269. سراتة 5/107. السراة (بلاد) 4/252، 5/36. السراي (مدينة) 3/248، 258، 7/316، 8/26. السرب (بلاد) 1/43، 5/394. سرت 2/59، 5/107. سرخس 4/391، 392، 402، 406. سرستى 5/74. سرطا 14/65. سرفندكار 4/139، 235، 8/223، 12/169. سرقسطة 5/224، 246، 249، 257،

258، 260، 8/34. سرّ من رأى 3/270، 4/335، 398، 401، 10/286، 287، 13/62. سرمين 4/89، 130، 185، 8/230. سرنديب 2/106، 108، 133، 5/59، 74، 83. السروات 1/390، 397. سروات الجبل 1/397. سروات جشم 1/397. سروات اليمن 1/382. سروات هذيل 1/397. سروان 4/353. سروج 4/185. سرياقوس 4/39، 11/365، 368، 370، 14/422. السرير (قصر) 6/541. سرين 5/14. سطيف 5/106. السعادة 14/65. سعرت 4/327، 403. سعيد السعداء 3/417، 4/39، 11/118. السعيدية 14/422. السغد 4/431. سغد سمرقند 2/201، 431. سفالة الزنج 5/321. السفح 5/58. سفرعم 14/65. سفسفين 4/312. سفط 1/410. سفط سكرة 1/408. سقارة 1/376، 419، 3/360. سقاية العباس 4/260. السقي 5/58. سقيفة بني ساعدة 13/233. سكار 8/124. السكاسك 1/381. سكراك 4/379، 7/309. السكة 4/217. سلا (مدينة) 3/240، 5/164، 275. السلطانية 4/359، 403. السلقة 14/424. سلماس 4/359، 403، 405. سلمنقة 5/254. سلمى 14/432. سلمية 1/413، 4/78، 80، 100، 116، 117، 119، 135، 259، 5/119، 7/187، 345، 12/332، 13/243، 14/62. سلوق 2/46. سمالوط (سملوط) 1/413، 419. السماوة 4/78. سمرقند 1/43، 49، 508، 4/312، 428، 434، 443، 5/21، 7/81، 315، 328، 14/149. سمسون 5/326.

سمنان 4/388، 402. سمندر 5/83. سمندور 2/135. السمنودية 3/364، 438، 466، 11/52، 53. سمنين 14/427. سمّورة 5/254، 256، 391. سمورية 5/363. السموقة 14/429. سميساط 4/78، 82، 404، 5/298. السن 4/318، 401، 10/287. سن الفيل 14/44. سنترية 3/471، 14/58. سنجار 1/523، 3/338، 4/239، 258، 325، 5/306، 6/479، 7/297، 8/227، 14/448. السنجلى 5/83. السند 2/55، 129، 3/250، 255، 4/260، 428، 429، 5/9، 60، 360، 6/90، 7/398، 13/339. سندان (سندابور) 5/69، 83. سندرا 14/429. سنغانة 5/275. سنكاديب 5/74. سنوب 3/248، 249، 461، 5/325، 331، 8/14، 50، 227، 232. سنياط كلا 4/142. سهرورد 4/369. السواحل الشامية 1/424، 3/243. سواحل الصين 3/250. السوادة 14/424. سواكن 3/252، 597، 4/259، 5/264، 14/420. سوبخ 7/310. السودا 4/157. السودان 1/22، 44، 49، 2/115، 186، 3/237، 316، 4/260، 6/90. سورا (قرية) 4/82. سور أذنة 4/86. سورجين (أصبهان القديمة) 2/447. سور الخوابي 4/77. سور سوسة 5/118. سور الفسطاط 3/393. سور القاهرة 3/393، 408، 494. سوريا 14/428. السوس 3/265، 285، 4/341، 404، 5/164. سوسة 3/241، 4/481، 5/99، 107. سوفارة 3/250. سوق الأربعاء 4/404. سوق الأهواز 4/343. سوق الخيل 3/425، 4/202، 229. سوق عكاظ 1/255، 3/225،. سوق الغنم 3/398.

- ش -

السوق الكبير بمصر 3/405. سومرا 14/66. سومنات 5/59. سونج 4/379. السويداء 14/62. السويدية 3/243، 4/83، 134، 14/77. السويس 3/251، 253، 348، 537، 5/16، 82، 14/437. السويقة 5/58. سويقة الصاحب 3/402. السي 14/216. سياح 7/310. سيح الحديد 14/62. سيحون 14/149. سيدكان 4/379، 7/310. سيراف 2/128، 3/255، 4/346، 347، 404، 6/343، 8/24. السيرجان ط/ 350، 403، 404. السيروان 4/331، 368. سيس 1/425، 3/503، 4/78، 85، 139، 235، 6/169، 7/199، 239، 8/12، 30، 51، 235، 9/252، 264، 12/116، 14/21، 121. سيعانة 14/65. سيف البحر 3/255. سيلا 4/480. سيلان 4/480، 8/78. السيلى 4/476، 482. سينيز 3/255، 4/400. سيناء 13/259. السيهو 5/291. سيواس 4/137، 355، 5/332، 345، 7/227، 8/15، 232. سيوط (أسيوط) 3/433، 11/421. السيوطية 10/388. - ش- الشاش 4/258، 443. شاطبة 5/223، 258، 260، 7/103، 8/34، 9/310، 14/29. الشاغور 4/158، 247. شاغور غرابة 4/159. شاغور النعبة 4/159. الشاليات 5/71. الشام 1/41، 125، 128، 131، 134، 138، 150، 156، 157، 244، 302، 348، 365، 375، 389، 393، 404، 483، 508، 2/17، 91، 399، 3/229، 242، 263، 266، 278، 283، 284، 393، 445، 535، 4/3، 7، 52، 74، 78، 100، 197، 214، 252، 292، 318، 329،

5/94، 207، 327، 360، 6/58، 62، 89، 127، 130، 141، 145، 149، 277، 424، 528، 7/24، 94، 140، 141، 158، 220، 221، 227، 241، 243، 245، 330، 367، 8/7، 30، 35، 56، 58، 61، 76، 114، 180، 215، 220، 221، 224، 228، 233، 363، 382، 9/10، 39، 102، 108، 111، 118، 142، 147، 182، 223، 248، 251، 259، 10/72، 117، 149، 185، 388، 462، 11/50، 79، 101، 102، 116، 205، 231، 300، 345، 352، 12/5، 8، 18، 20، 38، 40، 52، 66، 89، 95، 167، 216، 276، 282، 284، 286، 334، 409، 414، 421، 450، 13/27، 28، 35، 41، 87، 95، 125، 151، 164، 240، 249، 267، 320، 349، 14/21، 33، 56، 77، 116، 211، 415. الشام الأدنى 4/101. شاهك الكبرى 4/403. شاوة 5/291. شباس (كورة) 3/441. شباس أنبارة 3/441. شباس سنقر (شباس الشهداء) 4/441. شباس الملح 3/441، 13/44. شبام 5/41. شبرا 14/187. الشبيكة 12/124، 14/64. الشجرتان 3/349، 352. الشجى 5/58. الشحر 1/365، 368، 2/131، 3/255، 5/15، 55. شحشبو (قرية) 4/89. الشراك 3/441. الشراة 4/110. الشرجة 5/12. شرحا 5/314، 8/10، 41. شرشال 5/146. الشرفة 14/432. الشرقية 1/380، 384، 386، 393، 3/431، 459، 571، 4/27، 67، 7/171، 8/223، 10/351، 11/41، 50، 433. شروان 4/364، 365، 405. شريش 5/218، 251. الشط 4/328، 7/299. شطب 3/432، 471. شطنوف 3/317، 465. شعب بوان 2/201، 408، 4/434. الشعبانية 4/379، 7/310. شعباء 4/215.

- ص -

الشعرا 4/108، 207، 12/404، 14/60، 427. شعلاباد 4/375. شعيب (كورة) 3/445. الشغر 4/89، 127، 185، 233، 7/193، 8/223، 230، 12/168، 172، 14/62. شقحب 4/419، 7/231. شقوبية 5/254. شقورة 6/530. الشقيف 3/498، 4/89، 107، 155، 159، 184، 247، 6/519، 11/111، 14/45، 60. شقيف أرنون 4/159، 6/187، 14/60. شقيف تل منسى 8/307. شقيف تيرون 4/159، 8/224، 14/60. شقيف دركوش 14/62. شقيف كفردبين 8/307. شكوش 7/309. شلب 5/218. شلوبين 5/211. الشمروخ (حصن) 4/295. شمسين 14/428. شمشاط 4/258، 318، 322، 397، 6/91، 7/297. شمكور 4/364، 405. شميمس 14/62. شنت مانكس 5/556. شنت ياقب 5/256. شنترة 5/215. شنترين 5/215. شنتمرية 5/256. شنتياقوة 5/206. الشنكلى 5/71. شنكوره 4/379. الشهارة 14/422. الشهباء 6/277. شهر زور 4/331، 367، 405. شهرستان 4/395. الشوبك (حارة) 3/410. الشوبك (مملكة) 1/387، 3/410، 4/78، 162، 248، 5/390، 14/45، 58. الشوش 4/329. الشويف 14/44. شيراز 4/402، 404، 407، 7/301، 12/339. شيزر 1/368، 523، 4/83، 89، 128، 234، 346، 7/192، 8/223، 229، 9/253، 14/34، 37. شينير 4/400. - ص- صا (مدينة) 3/441، 470، 5/189.

صاري كرمان 3/249، 4/461. صاغون 7/315. الصاغة 3/395. صافيتا 3/498، 7/379، 380، 14/61. الصافية 14/424. الصالحية 3/459، 4/98، 99، 8/232، 11/205، 14/423، 438، 443. صالحية ماردين 8/232. صان 3/437. الصائفة 1/304. الصبيبة 7/187، 11/111. صبيحة نخلة معن 14/423. صحار 6/400. صحراء الحبشة 3/348. صحراء القبجاق 4/458. صحراء قراجا 14/183. الصحراء الكبرى 5/147. صحراء لمتونة 3/237. صحراء ماردين 6/262. صحراء المغرب 1/399. الصخرة 4/75، 13/260، 262. صداة 5/58. صراي 4/455، 457، 465، 467، 5/394. صرخد 1/387، 404، 414، 3/500، 4/78، 111، 221، 7/187، 8/223، 10/128، 185، 11/111، 12/138، 331، 14/45. صريوم 4/428، 7/315. صعدة 4/260، 5/16، 39، 47. الصعيد 1/368، 369، 394، 399، 404، 3/251، 430، 5/264، 10/458، 11/420. الصعيد الأدنى 10/468. الصغانيان 4/432، 437. الصغد 2/127، 128، 4/428، 5/21، 7/315. صغد عدي 14/65. الصفا 4/260. صفاقس (مدينة) 3/241، 5/99، 107. صفد 1/138، 3/243، 498، 4/24، 75، 77، 88، 101، 154، 183، 246، 6/183، 7/23، 164، 173، 197، 227، 239، 246، 366، 8/60، 216، 221، 222، 228، 9/114، 252، 264، 11/102، 111، 118، 12/202، 204، 295، 13/42، 14/59، 424، 426. صفد سمرقند 4/408. الصفراء 1/379، 4/277، 289، 295. الصفرية 2/212، 401.

- ض -

صفورية 6/519. صفين 14/9. صقجي (مدينة) 3/249، 4/462، 466، 5/394. صقر 5/41. صقلية 1/44، 4/259، 5/117، 354، 6/446، 514، 10/346، 13/92، 14/78. صلاح (مكة) 4/255. الصلت 4/89، 110، 208، 8/223، 12/316، 14/58. صلدد (جبل) 2/263. صلغات 4/457، 461، 7/327. الصندفور 2/135. صنعاء 1/468، 4/260، 5/11، 13، 16، 24، 37، 42، 7/357، 362، 383، 13/230. الصنف 2/135. الصنمين 14/426، 438، 443. صهلان 14/428. صهيون 4/89، 150، 184، 185، 241، 5/309، 7/195، 8/223، 13/35، 129، 289، 14/55، 61، 430. الصوان 4/220، 12/136. صوداق 3/249، 4/458. صور 3/243، 417، 4/499، 593، 4/75، 79، 112، 158، 183، 247، 6/90، 519، 14/77. صوران 4/135. صوصو 5/272، 273. صومنات 5/69. صياصي الكفرة 4/373. صيدا 3/496، 499، 4/115، 183، 208، 259، 6/90، 8/221، 12/330، 331، 13/14، 312، 14/44، 57، 67، 77، 426، 428. الصيمر 4/340. الصيمرة 4/368. الصين 1/44، 87، 2/111، 135، 136، 3/238، 4/260، 428، 429، 476، 5/9، 360، 7/315، 13/339. الصين الجنوبية 5/263. صين الصين 7/315. - ض- ضريبة الريح 14/66. ضريح الإمام الشافعي 11/230. ضريح الشيخ أبي الحجاج الأقصري 3/365. الضليل 4/215، 12/131. الضواحي 3/457. ضيعة مأرب 14/60.

- ط -

- ط- الطابران 4/390. طابة 12/435. طارف 1/387. طارقة 5/228. الطاق 4/353. الطالقان 1/155، 4/372، 394، 402، 13/248. الطامان 3/248، 4/459. الطائف 1/365، 397، 400، 508، 510، 4/262، 264، 5/36. طبرستان 1/62، 252، 3/257، 258، 572، 4/156، 316، 379، 384، 405، 7/357. طبرقة 3/448. الطبرهان 10/287. طبريان 4/407. طبرية 3/264، 4/79، 80، 86، 92، 155، 156، 247، 5/327، 390، 6/424، 427، 518، 519، 14/60. طجا (مدينة) 1/408، 3/342، 452، 10/388. طخارستان 2/452، 4/441. طرّا 1/388، 5/103. طرابزون 3/248، 249. طرابلس الشام 1/138، 154، 157، 523، 3/241، 243، 499، 4/24، 64، 76، 77، 80، 101، 112، 149، 5/107، 6/132، 183، 438، 7/25، 163، 173، 194، 227، 242، 246، 368، 380، 392، 8/216، 222، 228، 233، 234، 304، 336، 383، 387، 9/252، 262، 264، 11/101، 102، 118، 12/176، 179، 184، 191، 192، 196، 197، 279، 295، 448، 451، 468، 473، 476، 13/21، 31، 35، 42، 247، 14/393، 426. طرابلس الغرب 1/399، 3/265، 285، 4/259، 5/388، 14/77. طرابية 3/437. طراز 4/440، 5/291، 7/315. الطراز الاسلامي (إقليم) 5/310. الطرانة 4/462. طرسوس 1/503، 3/243، 270، 4/78، 80، 86، 135، 138، 185، 234، 7/189، 8/220، 229، 9/254، 11/108، 12/868. طرطوشة 3/246، 5/104، 224، 247، 306.

- ظ -

طركونة 5/205. طرنا 7/323. طرنو (مدينة) 5/394. طروبة 5/362. طريانة 5/226. طريف 5/218، 258. طغر غز 2/129. طفس 14/426، 328، 438. طفيس 7/252. طلان 8/227. طلحة الملك 5/4. طلميثا 3/242، 245، 448، 5/107. الطليحات 14/431. طليطلة 3/481، 5/206، 219، 243، 260، 390، 6/85، 167، 8/34، 9/247، 14/26، 76. طما 14/419. طمغاج 4/311. طنبدي 1/419. طنجة 3/240، 246، 5/155، 165. طنغزلو 3/244، 5/324، 8/83. طهجورة 5/107. الطواويس 4/433. الطور 2/509، 3/251، 331، 443، 537، 5/16، 82، 6/519، 13/267، 14/59. طوران 5/60، 64. طور سينا 2/465، 3/342، 443، 13/259، 260، 262. طور نابلس 4/75، 13/272. طور هارون 3/443. طوس 1/491، 503، 4/389، 402. طوة منوف 3/440. الطيب 4/341. طيبة 12/435، 14/425، 426. الطيبين (جبل) 1/380. الطيرة 14/65، 425. طيسفون (المدائن) 4/332. طيلاس 14/421. الطينة 3/242، 348، 460، 14/77. - ظ- الظاهر 3/370. الظاهرية 3/334، 4/451. الظعن 1/376. ظفار 5/10، 20. الظنيين (ولاية) 4/153، 242. ظهر العقبة 14/431. - ع- العادلية (بالشام) 11/205. العاديات 4/402. عارض 14/181. العاقولة 14/423.

عالية نجد 1/399. عانة 4/119، 326، 398، 6/394، 7/298، 14/446. عبادان 2/104، 3/255، 4/330، 339، 5/54، 83. العباسة 5/117. العباسية 5/116، 14/65. عترلو 14/179. عثليث 3/243، 499، 4/157، 184، 247، 13/312، 14/57، 67، 77. عجرود 14/431. عجلون 1/407، 524، 5/89، 109، 207، 7/187، 8/223، 11/111. عد شيب 4/77. عدل الأمراء (إقليم) 5/291. عدن 1/468، 2/128، 131، 3/250، 4/260، 5/8، 16، 39، 55، 82، 7/363، 8/74، 79. عدن أبين 5/8. العدوتين 5/249. العدوة 3/237. عدوة الأندلسيين 5/148. عدوة القرويين 5/148. العدوية 1/388. العذب 14/44. العذراء (دمشق) 4/95، 291. العذيب 1/401. العراق 1/41، 43، 127، 348، 375، 387، 390، 392، 395، 424، 2/17، 97، 182، 450، 452، 3/255، 263، 266، 284، 376، 4/111، 167، 213، 273، 318، 330، 366، 5/21، 132، 6/58، 62، 190، 8/64، 9/49، 248، 289، 12/118، 252، 13/283، 339، 14/77، 211. عراق العجم 1/43، 2/465، 4/366، 405، 7/299، 8/19. عراق العرب 4/419. العرج 14/64. عرطمار 14/38. عرفات (عرفة) 1/468، 12/233، 14/433. عرفجاء 5/54. عرقا 5/42، 14/427. عرقوب البغلة 14/431. العروض 4/250، 5/55. العريش 3/242، 348، 349، 352، 366، 437، 4/75، 100، 6/72، 10/388، 14/424، 443. العريمة 14/61. عزاز 4/131، 236.

العزيزية 3/356، 401. عسفان 4/101، 265، 290، 14/433. عسقلان 3/243، 264، 395، 412، 417، 497، 596، 4/92، 183، 5/390، 6/519، 8/38، 10/389، 390، 462، 463، 11/61، 14/59، 77. عسكر مكرم 4/343، 399، 404. العش 3/350. عش الغراب 14/432. عصا 5/54. العصفورية 14/44. العطرانية 14/64. العطف 3/334. العطنة 14/427، 446. العطوانية 14/64. العطوف (العطوفية) 3/404. عفرين 6/549. العقبة 1/386، 7/27، 14/431. عقبة أيلة 1/369، 3/537، 4/289. عقبة برقة 3/242. عقبة السويس 14/432. عقبة السويق 4/290. العقبة الصغرى 11/58. عقبة الصوان 4/162. عقبة القيروان 5/112. العقبة الكبرى 1/418، 420. عقبة المغيثة 4/115. عقر الحميدية 4/329. عقر شوش 4/375، 376، 7/307. العقيبة 4/98. العقير 5/54. العقيق 4/292، 14/432. عكا 3/243، 498، 499، 596، 4/157، 183، 247، 259، 6/518، 519، 7/395، 13/151، 312، 14/34، 56، 57، 63، 67، 71، 72، 77. عكار 4/150. عكاظ 1/468. عكبراء 1/524. عكبرى 4/398، 401. علافقة 3/251. العلاقى 5/264. العلايا 3/243، 4/136، 316، 5/330، 8/18. علم أعفر 12/136. علوة 3/326. العليقة 4/152، 186، 14/48. العمادية 4/328، 378، 7/309، 8/227. عمان 1/364، 468، 2/106، 128، 131، 3/255، 4/164، 260، 406، 5/16، 52، 6/345، 13/225، 14/149.

- غ -

عمّان 1/371. العمق (أرض) 4/84. عمقا 14/64. عمواس 5/368. عمود الأعياء 3/357. عمود السواري 3/357. عمورية 3/287، 5/335، 357. العمومية 5/58. العميدين 3/348. العنق 14/431. عنة 4/82. عنيزة 1/446. العواصم 4/135. العوالي 1/393. عوان 5/320، 8/123. العوجاء 14/59. عوض 5/74. عوكلان 5/55. العونيد 3/444. عوير (جبل) 3/256. عياض 4/77. عيدلى 8/13. عيذاب 1/153، 394، 3/252، 348، 536، 538، 597، 4/27، 67، 5/16، 82، 264، 14/420. عيذوب 14/55. عين أباغ 1/446. عين بذال 14/428. عينتاب 4/125، 233، 7/191، 261، 8/223، 230، 9/253، 12/107، 168، 172، 433، 14/37، 62، 429. عين جالوت 3/498، 4/174، 14/59، 425. عين الجن 4/77. عين حنبوص 4/324. عين دارا 8/227. عين سلوان 4/104. عين شمس 2/199، 3/311، 436، 473، 534، 5/18. عين فوارة 4/76. العين الكبيرة (منتزه) 5/223. عين الملك 14/65. عين وردة 4/323. عيون القصب 14/432. - غ- غابة أرسوف 4/85. الغار 14/64. غار بني سليم 1/119. غار ثور 12/237. غار حراء 12/237. غافق 5/219. غانة 3/316، 5/273، 275. غباغب 14/456. الغدير 5/223.

- ف -

غدير أعين 1/115. غدير خم 2/445، 13/232، 244. غذامس 5/103. الغرابى 14/423. الغرب الأقصى 1/128، 5/147، 14/76، 77. الغرب الأوسط 1/128. الغربيات 4/130. الغربية (محافظة) 3/465، 571، 4/67، 72، 7/171، 8/223، 10/379، 381، 460، 11/43، 45، 433. غرناطة 1/49، 129، 5/193، 207، 212، 242، 249، 6/287، 467، 7/440، 8/34، 94، 9/358، 11/21. الغرندل 4/161. غزاز 8/230. غزنة 2/120، 4/353، 396، 428، 5/59، 6/391، 7/21، 173، 239، 315، 328، 14/149. غزة 1/138، 369، 374، 2/120، 3/242، 4/65، 79، 92، 101، 102، 183، 204، 218، 259، 6/133، 519، 7/197، 8/216، 223، 235، 9/252، 262، 264، 11/102، 231، 12/208، 212، 215، 295، 319، 327، 402، 14/58، 77، 422، 424. غزية 7/208. غسان (موضع ماء) 1/371. غسل (جبل) 1/403. الغسولة 14/427. غلافقة 5/8، 55. غمارة 5/237. غمدان (تل) 5/38. الغور 1/43، 4/84، 86، 107، 155، 252، 396، 403، 7/315. غور تهامة 2/260. الغوطة 1/201، 4/78، 80. غوطة دمشق 4/87، 217، 221، 231، 408، 432، 5/53، 12/124، 138. غوطة الشام 12/318. الغياضة 14/64. غيل 5/39. - ف- فاراب 4/438، 439. فاران 3/443، 13/259. فارس 3/285، 4/258، 345، 5/21، 13/227، 283. الفاروث 4/403. فاس 1/44، 49، 416، 3/240، 5/119، 144، 148، 169، 6/287، 7/61، 104، 406، 413، 422، 8/88.

- ق -

فاس الجديدة 5/149. فاس القديمة 5/148. الفاقوسية 3/528، 11/42. فامية 4/129. فاويا 5/326، 8/14. الفتق 5/41. الفج (انظر المحاطب) . فحمة 14/425. فدك 1/393، 4/295. الفراجون 3/440. الفرات (انظر نهر الفرات) . فربز 4/454. فربيط 3/437. الفرج (مدينة) 5/220. الفردوس 1/376. الفرستق 3/318، 465. الفرش 14/433. فرضة سنوب 5/338. الفرع 4/296. فرغانة 3/265، 4/258، 406، 428، 432، 5/453، 7/315. فرق 5/55. الفرما 3/242، 253، 348، 417، 568، 10/388، 11/59، 60،. فرنجة 5/389. فرنسا 1/44، 5/389، 454. الفسطاط 1/407، 491، 3/20، 260، 261، 317، 326، 340، 354، 359، 366، 367، 377، 380، 388، 418، 421، 452، 465، 482، 491، 4/23، 37، 59، 7/6، 10/370، 11/210، 236، 14/312. فلسطين 1/42، 414، 450، 523، 2/455، 3/243، 264، 4/75، 92، 164، 259، 6/90، 7/13، 13/128، 262، 267. فلك بار 5/336. فم الصلح 4/399. فندق الكارم 3/537. فنصور 5/76. فوشنج 4/392. الفوعة 4/130. فوكة 5/328، 8/16. فوة 3/334، 462، 14/58. الفيحة (عين) 4/98، 112. فيروز أباد 4/347. فيكيك 5/189. فيلبس 7/309. الفيوم 3/268، 330، 430، 450، 451، 4/26، 7/170، 8/222، 234، 10/388، 14/419. - ق- قابس 5/100، 107، 126، 7/176.

القابون 4/202. قادس 4/255، 339، 5/205. القادسية 3/265، 4/258، 330، 339، 401. قارا 4/117، 7/345، 11/8، 14/427، 439. قاشان 4/372، 405، 7/301. قاشغر (كاشغر) 4/439. القاصمة (المدينة) 4/291. قاع البزوة 4/290. القاع الصغير 14/432. قاعة الصاحب 3/424. قاقون 1/524، 4/101، 104، 157، 160، 206، 12/331، 14/425، 438، 443. القامرون 2/134. القاهرة 1/133، 399، 425، 537، 2/334، 3/342، 346، 355، 376، 378، 392، 400، 418، 456، 465، 503، 504، 528، 529، 580، 585، 589، 591، 4/23، 37، 58، 64، 5/120، 6/415، 7/222، 8/127، 332، 9/255، 332، 347، 350، 370، 457، 11/118، 177، 207، 260، 262، 365، 12/92، 13/96، 97، 239، 363، 14/285، 389، 437. قائم الهرمل 4/83. قاين 4/392. قباقب 14/427، 439. قباء 4/292، 294. قبجاطة 5/221. القبجاق 4/449. قبر إبراهيم (ابن النبي صلّى الله عليه وسلّم) 4/294. قبر إبراهيم عليه السلام 4/106. قبر أبي الحسن الشاذلي 14/420. قبر أحمد الأعرج 14/432. قبر إسحاق عليه السلام 4/106. قبر آسية امرأة فرعون 3/429. قبر أيوب النبي عليه السلام 4/108. قبر بحيرا الراهب 4/111. قبر البراء بن مالك الصحابي 4/341. قبر حبيب النجار 4/134. قبر الحسن بن علي 4/294. قبر حنة ام مريم بنت عمران 4/105. قبر خالد بن الوليد 4/117. قبر دانيال النبي 4/341. قبر سليمان بن داود 4/86. قبر سيبويه النحوي 4/346. قبر شعيب عليه السلام 14/426. قبر شيث بن آدم 4/147. قبر العباس (عم النبي صلّى الله عليه وسلّم) 4/294. قبر عبد الله بن المبارك 4/335. قبر عثمان بن عفان 4/294. قبر عقيل بن أبي طالب 4/132.

قبر علي بن موسى بن جعفر الصادق 4/390. قبر عمر بن عبد العزيز 4/147. قبر القروي 14/432. قبر مالك بن أنس 4/294. قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم 4/293. قبر هارون الرشيد 4/390. قبر الوالي 14/423. قبر يعقوب عليه السلام 4/106، 5/256. قبر يوشع بن نون 4/147. قبرس (قبرص) 1/44، 3/243، 438، 5/300، 6/167، 8/30، 49، 54. قبليس 4/379. قبة أرين 3/231. القبة الخضراء 3/357. قبة الزمان 13/258. قبة السلسلة 4/105. قبة الصالح 11/237، 239. قبة العقارب 4/75. قبة المعشر 4/105. قبة المعراج 4/105. قبة ملاعب 4/123، 146. القبة المنصورية 3/499. قبة الميزان 4/105. قبة يلبغا 4/202. قدس 4/157، 160. القدس 1/524، 2/454، 456، 457، 3/443، 497، 4/104، 164، 182، 205، 5/373، 390، 6/90، 91، 490، 516، 7/186، 8/28، 220، 221، 235، 284، 9/253، 275، 10/133، 11/114، 115، 12/104، 293، 327، 13/48، 274، 277، 282، 289، 327، 14/45، 58، 81، 413. قدقيا 14/61. القدموس 4/152، 186، 242، 7/196، 8/223، 13/249، 14/48، 430. قديد 1/498، 14/433. قراباغ 4/425. قراخوجا 4/429. قراصار 8/17. قراصار التكا 5/329. قراصار الصاحب 5/329، 330. قراغاج 5/325. القرافة 1/495، 3/406، 421، 429، 4/23، 9/259، 10/358، 11/230، 231، 13/100، 14/187. القرافة الصغرى بالمقطعم 3/308. قراقوم 4/428، 478، 7/315. قرشندة (مغارة) 3/340.

قرشي 4/439. قرطاجنة 5/111، 173، 6/90، 8/34. قرطبة 5/132، 162، 218، 249، 6/553، 7/56، 9/221، 222، 14/26، 76. قرطسا (كورة) 3/441. قرقر 4/463، 5/393. فرقشندة (انظر قلقشندة) . قرقوب 4/343. قرقيسيا 4/318، 324. القرم 1/43، 3/248، 249، 4/457، 7/327. قرمونة 5/249. قرميسين (كرمانشاه) 4/369، 10/14. قرن المنازل 5/41. القرنبيرة 5/259، 260. القرى 5/54. قرى بني عقبة 4/221. القريتين 1/391، 4/118، 119، 402، 5/58، 7/187، 14/427، 446. قرينة 14/44. قرية العسل 4/402. قرية الملح 4/403. قزدار 5/64. القزلة 6/519. قزوين 3/285، 4/366، 371، 405. القسطل 4/135، 14/427. قسطمونية 5/325، 331، 346. القسطنطينية 1/44، 50، 421، 3/249، 480، 4/450، 462، 472، 5/22، 123، 127، 146، 231، 298، 323، 357، 6/84، 166، 514، 528، 7/356، 8/11، 124، 13/92، 281، 286، 291، 14/84، 88، 413. قسطة 14/65. قسطيلية 13/92. قسطينة 5/105. قسلاع 4/452. قسنطينة 3/241، 7/403. القشاشين 3/417. قشتالة 5/254، 257، 259، 260، 7/41، 123، 8/34، 14/26، 76. قشمير (كشمير) 2/133، 407. القصار 2/129. القصب (قرية) 4/112، 115، 14/427. القصبات 5/146. قصبة أفتكون 5/395. قصبة جوين 4/391. القصبة الحمراء 5/209، 261. القصر 14/65. القصر الأبلق (بقلعة الجبل) 3/423، 4/97. 14/350.

القصر الأبلق (بدمشق) 4/97. قصر ابن هييرة 4/82، 398. قصر احمد 5/100. قصر أحمد بن طولون 3/376، 428. قصر الأحنف 4/402. قصر بني شادي (انظر القصر الخراب) . قصر الحجر 5/156. قصر الحمراء 5/251، 253. القصر الخراب (قصر بني شادي) 4/68. قصر الرصافة 4/333. قصر سبأ 5/18. قصر السرور 5/224. قصر سوسة 5/117. قصر الشراخيب 5/218. قصر الشمع 3/326، 356، 368، 382، 476. قصر الشوك 3/395، 404. قصر شيرين 4/368، 402. قصر عبد الكريم 5/150، 164. قصر عمرو 4/402. قصر غمدان 5/38. قصر الفاطميين 3/422، 11/264. القصر الكبير 3/600. قصر اللصوص 4/402. قصر الملح 4/402. قصر الميدان 3/375. القصر النافعي 3/396. قصر النجار 4/402. قصر يانة 5/354. قصر يزيد 4/402. قصريون 13/35. القصير 3/252، 348، 498، 536، 4/84، 89، 127، 233، 5/16، 82، 219، 7/191، 8/223، 230، 12/172، 14/423، 426، 443. القطائع 3/376، 393، 428. قطربل 10/187، 13/146. قطرى 14/425. قطلود 4/467. القطن 5/54. قطيا 3/437، 460، 538، 4/28، 68، 7/172، 255، 8/221، 223، 13/42، 14/77، 423. قطيعة السودان 3/375. قطيعة الفراشين 3/375. قطيعة هارون بن خماروية 3/375. القطيف 3/255، 5/53. القطيفة 14/426، 427. قعيقعان 4/267. قفصة 5/102، 13/92. قفط (كورة) 3/434، 470. قلاع الإسماعيلية 13/249. قلاع الدعوة 4/146، 149، 151، 186، 242، 7/186، 9/256، 13/247، 14/38.

قلاية دنشرة 5/307. القلزم 3/251، 253، 331، 348، 444، 537. القلعة 3/504، 4/16، 17، 45، 60، 242، 14/341. قلعة أبيض 8/19. قلعة أبي قبيس 4/128. قلعة أشنى 8/19. قلعة أصبهان 1/156، 13/240. قلعة أياس 7/434. قلعة أيلة 11/42. قلعة باري كروك 4/140، 235، 7/993. قلعة بارين 14/38. قلعة بانياس 1/157. قلعة البحر 8/401. قلعة برى 4/374. قلعة بعلبك 14/61. قلعة بلاطنس 4/150، 12/195، 465. قلعة البيرة 4/142. قلعة تامرون 4/142. قلعة تبنين 3/496. قلعة تل اعفر 4/326. قلعة تل حمدون 4/141. قلعة الجبل 1/153، 3/280، 300، 375، 399، 416، 421، 4/202، 213، 6/415، 9/259، 11/219، 258، 12/25، 14/350، 418، 443. قلعة الجبلين 4/379، 7/310. قلعة الجرون 3/247، 249. قلعة جعبر 4/82، 143، 211، 235، 398، 12/118، 325. قلعة الجوز 8/19، 226، 232. قلعة حارم 4/128، 11/46. قلعة الحامي 4/374. قلعة حصن الأكراد 12/458. قلعة حلب 4/224، 229، 7/188، 8/222، 9/253، 12/151. قلعة حمص 12/324. قلعة حميمص 4/142. قلعة الحنفاء 8/19. قلعة الخوابي 1/157، 4/152، 7/196. قلعة دمشق 4/113، 7/184، 232، 355، 8/221، 9/253، 11/109، 12/23، 26. قلعة الرصافة 1/157، 4/152، 7/196. قلعة الروم (قلعة المسلمين) 4/82، 398. قلعة سنان 5/104. قلعة الشقيف 3/496. قلعة الشوبك 4/162. قلعة الشوش 4/329. قلعة شيرز 14/61. قلعة الصبيبة 4/108، 207، 12/104، 323، 14/61.

قلعة صرخد 4/207، 12/322، 13/106. قلعة صفد 3/496، 7/197، 8/223، 9/253، 12/205، 206. قلعة صهيون 4/150. قلعة صور 11/42. قلعة الطور 3/496، 4/160. قلعة عجلون 4/89، 109، 12/104، 14/61. قلعة العمادية 4/328. قلعة العليقة 1/157، 4/152، 7/196، 14/48، 54. قلعة فنك 4/329. قلعة قاقون 14/59. قلعة القدس 12/321. قلعة القدموس 1/157، 4/152، 7/196. قلعة كاورّا 4/140، 7/193، 434. قلعة كحلان 5/38. قلعة كرزال 4/140. قلعة الكرك 12/218. قلعة كشاف 4/328، 7/298. قلعة الكهف 1/157، 4/152، 7/196. قلعة كوكب 3/496، 4/160، 7/23. قلعة كولاك 4/140، 7/193. قلعة لدّ 14/47. قلعة لؤلؤة 4/142، 235. قلعة ماردين 4/319. قلعة مجد اليابا 4/85. قلعة المرقب 4/151، 12/460، 14/54. قلعة المسلمين 4/124، 126، 185، 232، 318، 7/189، 352، 8/220، 229، 9/253، 11/108، 12/168، 174، 14/429. قلعة مصياف 1/157. قلعة المنيقة 1/157، 4/152، 7/196. قلعة الموت 1/155، 13/240، 248. قلعة المينا 8/402. قلعة نجم 4/78، 14/62. قلعة نجمة 4/141، 235. قلعة نعمة 8/19. قلعة هارون 4/378. قلعة الهتاخ 4/329. قلعة هزارسب 4/453. قلعة هواين 3/496. قلعة هونين 4/175. قلفرية (قلورية) 3/245. قلقشندة 1/399، 3/458. القلمون 3/447. قلورية 6/447. قلوسنا 1/419. القليعة 14/55، 61. قليلية 5/146. قليوب 1/399، 3/337، 457، 571،

4/28، 7/172، 8/223، 11/433، 14/421. القليوبية 1/399، 3/457، 10/388. قمّ 4/371، 405. قمار 2/133، 135، 5/77. القمامة 4/75، 105. قمجوهى 4/481، 482. القمر 2/82. القمرانية 4/378. قنا (كورة) 3/434. قنبار 2/129. قندابيل 5/64. قندهار 4/260. قنسرين 1/42، 450، 3/264، 4/80، 93، 121، 174، 7/8، 14/427. القنطرة 8/227، 14/49. قنطرة ابن رشيق 5/209. قنطرة امير حسن 3/333. قنطرة باب الخرق 3/332. القنطرة الجديدة بغرناطة 5/209. قنطرة حمام جاس بغرناطة 5/209. قنطرة السد 3/332. قنطرة سنقر 3/333. قنطرة عمر شاه 3/333. قنطرة الفود بغرناطة 5/209. قنطرة القاضي بغرناطة 5/209. قنطرة اللؤلؤة 3/332. قنطرة الموسكي 3/399. قنعزلان 4/359. القنوج 5/73، 74. القنيطرة 4/108، 7/232، 300. القنية 14/428. قهقوة (كورة) 3/433. قورس 4/80. قوص 1/153، 418، 2/115، 411، 3/252، 279، 310، 340، 417، 435، 444، 455، 526، 536، 570، 4/27، 67، 5/16، 7/171، 8/123، 234، 265، 10/377، 458، 11/421، 14/419، 437. القوصية 10/375. قوصرة 14/71. قولة 5/325. قومس 1/43، 4/387، 405. قونية 5/335، 345. قوهستان 4/389، 392. قويسنية 3/466. قيالق 4/312. القيروان 5/97، 118، 120، 5/162، 174، 303، 7/176، 404. القيس (كورة) 3/432. قيسارية 3/243، 264، 326، 498، 499، 4/103، 5/334، 6/519، 8/37، 10/128، 14/59، 77،

- ك -

157، 170، 429. قيسارية الشرب 3/417. قيسرية 8/225. قيشان (قاشان) 8/19. قيصرية 14/169، 170. قيعان 3/254. القيمون 14/59. القينة 14/448. - ك- الكابرا 5/275. الكابرة 14/64. كابل 4/260. كاث 4/452. كار 4/443. كازرون 4/346، 404. كازرين 7/87. كاشغر 1/156، 2/120، 4/439. كاظمة 3/226، 255، 5/54. كاكا 5/269، 8/8. الكانم 1/44، 49، 8/7، 122. كاورا 4/145، 235. الكبش 3/300. كبشكان 5/83. كترو 3/248، 5/337. كتنسكي 5/269. الكتيبة 14/446. كجرات 5/74. كجند 4/429. كحلان (قلعة) 5/44. الكختا 4/124، 137، 232، 7/192، 352، 8/223، 230، 11/109، 12/172. كدر 4/439. كدّى 5/41. الكديد 1/447. كربزاك 8/227، 232. كربى (مدينة) 3/247، 5/337. الكرج 4/372. كرج أبي دلف 4/373. كرجستان 4/362. الكرجة 4/340. الكرخ 1/403، 4/333، 13/243. كرزال 4/140، 235، 7/193. الكرش 3/255، 285، 4/459. الكرك 1/132، 133، 138، 385، 3/243، 500، 503، 4/101، 161، 179، 5/31، 390، 6/134، 183، 415، 7/23، 166، 185، 198، 239، 242، 366، 8/216، 235، 9/38، 252، 262، 264، 275، 11/103، 118، 12/216، 219، 295، 13/186، 345، 14/45، 58، 66، 424، 426.

كرك الشوبك 4/161. كرك نوح 4/114، 12/224، 14/428. كركان 4/386. كركانج 4/429، 453. كركر 4/124، 232، 7/192، 352، 8/223، 230، 11/109، 12/168، 172، 14/181. كركنج 4/468. كركنج الصغرى 4/453. كركنج الكبرى 4/453. كرمان 1/43، 490، 2/118، 4/258، 345، 349، 404، 406، 416، 5/60، 83، 393، 7/87، 13/225، 227. كرمانشاه 4/369. الكرمل 14/66. كرمليس 4/379، 7/308. كرميان 5/324، 6/123، 8/11، 12. كره 5/74. كرواني صراي 14/182. كزليك 4/379، 7/311. كسروان 13/252. كسطمونية 5/325، 8/14. كسكر 4/383. الكسوة 14/426. كسول 14/186. كش 4/432، 434. كشب 12/131. كشة 5/42. الكعبة الشريعة 1/409، 410، 485، 2/195، 433، 4/58، 256، 5/22، 6/230، 9/32، 14/97. الكفا (مدينة) 4/458، 8/55. كفر بردى 14/64. كفرتا 14/65. كفر توثا 4/401، 14/65. كفر سابا 6/424. كفر سلام 6/424. كفر طاب 4/129، 135، 185، 247، 8/230، 231. كفر عاقب 4/157. كفر عانة 14/65. كفر نبتل 14/65. كفريا سيف 14/64. الكفور الصولية 1/419. الكفير 5/58. الكلاب (موضع) 1/447. كلارا 4/380. كلافور 5/74. كلخا 14/432. كلناس 14/429. كله 2/136، 5/75. كلواذا 4/399. كمخ 4/450، 7/346. الكمن 1/376.

كنبايت 5/68. كنجة 4/364. كندر 3/231. الكنيسة 14/65. كنيسة الإسكندرية 5/304. كنيسة بومر قورة بمصر 5/306. كنيسة بونصر 8/306. كنيسة بيت لحم 5/373. الكنيسة السوداء 4/141. كنيسة السيدة 5/306. كنيسة صهيون 6/93، 8/41. كنيسة قسطنطينية العظمى 2/457. كنيسة القسيان 8/306. كنيسة القمامة (القيامة) 2/456، 5/371، 12/233، 13/274، 289. كنيسة لد 13/291. كنيسة المختارة 5/306. كنيسة مريم بدمشق 5/304. الكنيسة المعلقة بمصر 5/306. كنيسة اليهود 13/291. كهران 5/73. الكهف 4/152، 186، 242، 8/223، 14/48، 430. كهف داود 4/378. كواثل 14/427. كواردات 4/377. كوتم 4/384. كوحسفا 7/294. كودا 5/83. كوشة 5/265. الكوفة 1/144، 296، 299، 395، 447، 475، 509، 2/59، 104، 258، 3/266، 269، 284، 385، 4/82، 258، 336، 398، 5/56، 10/255، 272، 13/113، 363، 14/149. كوكب (قلعة) 7/23، 366، 14/61. كوكب عمقا 14/64. كوك طاق (قصر) 4/477. كوكو 5/272، 274، 275. كولاك 4/140، 235. كول 5/83. الكولم 5/71. كوماجار 4/464. كوم ابن الغراب 3/379. الكوم الأحمر 3/399، 14/420. كوم بني وائل 3/379. كوم الترمس 3/379. كوم الجارح 3/379. كوم دينار 3/379. كوم الزينة 3/379. كوم السمكة 3/379. كوم الشقاق 3/379. كوم المشانيق 3/379. كومس 4/388.

- ل -

كومى 4/141، 235، 7/193. كيش 2/106، 5/83. كيقباذ آل سلجوق 4/187. كيكور (بلاد) 4/374. كيلان (بلاد) 1/43، 421، 4/316، 7/293. كيلكان 5/83. كيمان قفط 14/187، 420. كيمان مصر 13/230. كينوك 14/161. كينولى 3/248، 5/337. - ل- اللاذقية 3/243، 4/150، 154، 183، 241، 5/390، 7/195، 8/223، 9/254، 12/193، 456، 477، 14/45، 77، 430. لاردة 5/246. لارندا 5/336. لامنان 5/291. لاهجان 4/380، 383، 7/294. اللاهون (قرية) 3/330. لبلة 7/98. لبنان 4/135، 150، 12/116. اللجون 3/496، 4/92، 160، 10/128، 14/59. اللد 3/496، 4/74، 103، 183، 206، 12/328، 14/425، 438، 443. لشبونة 5/229، 256. لطمين 14/427. لعلع (جبل) 2/263. لغران 14/428. لك 5/254، 13/92. اللكز 4/464. لكنوتى 5/74. لمتونة 5/184، 257. لمطة 5/164. لندرس 5/356. لهاور 5/73، 74. لواتة 5/184. لوبية 3/442، 14/66. لورقة 6/434. لوشة 5/208، 214. اللوق 14/187. لوقين 2/136، 14/421. اللؤلؤة 3/407، 408. اللوى (بالشام) 1/381. لوهور 5/72. ليطة 14/420. الليمانية 5/259. لينة 1/376. اللينونة 3/348. ليون 5/256، 14/26، 76.

- م -

- م- ما ذكرد (ما زكرد) 4/376، 7/309، 8/227، 232. مأرب 4/164، 5/18، 40، 43، 13/112، 14/60. ماردة 5/216، 258. ماردين 4/176، 319، 401، 7/265، 288، 291، 346، 8/12، 70، 224، 227، 231، 361، 9/106. مازر 5/354. مازنجان 4/375. مازندران 1/43، 4/316، 386، 405. مازونة 5/146. ماسبذان 3/269، 4/368. ماصوب 14/65. الماغوصة 8/128. ماكسين 4/324. مالطة 5/117. المالق 4/428، 441، 7/315. مالقة 3/246، 5/210، 211، 6/548، 11/17، 18. المالكية 1/72. مالي (مملكة) 1/44، 49، 3/316، 5/272، 575، 6/123، 8/8، 118. المأمونية 3/410. ما ميطر 4/385، 405. المانسية 14/78. المانع 14/446. ماهورة 5/72. ماوراء النهر 4/313. ماوية 5/58. ماء أريس 4/450. ماء الجراد 4/407. ماير 12/136. مبرون 4/77. متماس العباسية 14/65. متوث 4/404. المجامع 14/425. المجدل 14/64. مجدل يابا 4/85، 14/447. مجدل يافا 3/496. مجلس الذهب 5/224. المجنونة 3/393، 14/310. المحاطب 4/290، 14/432. المحصب 12/234. المحلة 3/466، 8/234. محلة الدفلا 3/466. المحلة الكبرى 3/466، 4/67، 14/422. محلة مرحوم 3/466. المحمدية 4/379، 7/311. المحمودية 3/397، 402.

مخلاف بني مجيد 5/55. مخلاف جعفر 5/26. مخلاف الحكم 5/55. مخلاف الركب 5/55. مخلاف زبيد 5/55. مخلاف عك 5/55. مخلاف كندة 5/55. مخلاف لحج 5/55. المدائن 3/265، 4/332، 339. مدائن لوط 4/106. مدرج علي 14/432، 433. المدرسة 5/139. مدرسة ابن زين التجار 3/391. المدرسة الأشرفية 3/416، 499. المدرسة الخاتونية البرانية 12/367. المدرسة الدماغية بدمشق 12/363. المدرسة الركنية الحنفية 12/366. المدرسة الريحانية الحنفية 12/76، 353. المدرسة الشماعية 5/98. مدرسة الشيخ أبي عمر 12/339. المدرسة الصالحية (ببين القصرين) 3/394، 415، 12/340. المدرسة الصلاحية بالفسطاط 4/40، 8/258، 11/227، 230، 235، 236. المدرسة الطرخانية 12/372. المدرسة الظاهرية 2/334، 3/415، 416. المدرسة العظمى 3/415. المدرسة الفاضلية 3/404. المدرسة الفائزية 3/391. المدرسة الفرضية 5/98. مدرسة القصاعين 12/372. المدرسة القمحية (المدرسة الصلاحية) 3/390، 11/233، 235. المدرسة الكاملية (انظر المدرسة الصلاحية) . المدرسة المالكية بقبة الصالح 3/390. المدرسة المسرورية بدمشق 3/401، 12/345. المدرسة المعزية 3/380، 498. المدرسة المنصورية 3/415، 499، 4/40، 11/113. المدرسة الناصرية الجوانية 3/415، 12/347. المدرسة النظامية ببغداد 10/302. المدرسة النورية بحمص 12/375. المدرسة النورية بدمشق 12/351. مدرسة الهواء 5/98. مدين 3/251، 349، 444، 4/296، 13/263. المدينة البيضاء 5/149، 8/106. المدينة الجعفرية 4/335. مدينة السلام (بغداد) 2/258، 3/18. المدينة القديمة 5/210. المدينة المنورة 1/244، 251، 265، 280، 305، 393، 475، 495،

508، 2/390، 444، 3/11، 265، 266، 331، 4/250، 259، 290، 5/3، 160، 6/42، 54، 64، 457، 8/222، 383، 9/256، 11/104، 12/237، 243، 249، 251، 13/83، 244، 360. مدينة النحاس 4/148، 5/95، 7/404. مدينة النيل 4/83. المدينة الهارونية 4/335. مديونه 5/146. المراغات 3/340. مراغة 4/313، 360، 405، 14/419. مراقية 3/442. مراكش 1/417، 2/120، 5/121، 122، 130، 151، 156، 250. مراكع موسى 14/431. مرباط 5/14. المربد 13/328. مربلة 5/212. مرت 4/376. المرتاحية 1/368، 3/318، 339، 407، 460، 7/172، 10/388، 11/51. مرتوقا الحارثية 14/64. المرج (مرج بني زيد) 4/400، 12/138. مرج الأسد 4/149. مرج الأسل 4/112. مرج أفيح 4/369. مرج بني عامر 4/107، 160. مرج دمشق 4/101، 217، 12/124. مرج الديباج 14/160. مرج راهط 1/450. مرج القلعة 4/402. المرجان 4/260. مرزبانة 4/403. مرست 4/383. مرسى الحلة 7/300. مرسى حلى 5/55. مرسى الخرز 2/122، 3/241، 246، 5/105، 388. مرسى صنا 3/445. مرسى ضنكان 5/55. مرسية 5/210، 222، 244، 7/123، 14/26، 76. المرطوم 13/126. مر الظهران 4/265. مرعدي 5/291. مرعش 4/78، 14/186. مرفأ الفسطاط 8/17. المرقب 4/151، 183، 7/195، 380، 8/223، 395، 13/315، 14/77. مرقية 7/380، 14/49، 77، 430. مركوان 4/377.

المرمان 4/403. مرمرا 5/328، 8/16. مرند 4/361. مرو 4/258، 389، 392، 406. مرو الروذ 4/339، 393، 402، 406. مرو الشاهجان 4/393، 402، 406. المروتان 7/422. المروة 4/260. المريس (بلاد) 2/186. المريقة 5/58. مريوط 3/442. المرية 5/145، 146، 210، 244، 7/63، 70. المزاحمتين 3/461. المزدلفة 1/466، 496، 4/253، 262، 12/233، 14/433. المزرعة السميرية البيضاء 14/64. المزمة 5/167. المزة 4/202. المزيدة 14/448. مستغانم 5/145، 146. مسجد إبراهيم عليه السلام 7/13. مسجد ابن التبان 3/408. المسجد الأقصى 4/74، 104، 7/13، 10/61، 11/214، 13/49. مسجد التقوى 4/294. المسجد الحرام 3/254، 10/61، 11/214. مسجد الخيف 4/262. مسجد رديني 3/421. مسجد سام بن نوح 3/397. مسجد سعد الدولة 3/399. مسجد صالح 4/158. مسجد الصخرة 4/105. مسجد عائشة 4/261. مسجد مكة 4/292. مسجد موسى عليه السلام 1/388، 3/308، 356. مسجد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم 3/384، 4/292. مسجد الوكرة 3/377. مسجد يعقوب عليه السلام 3/356. مسكن 10/287. المسلتان 3/357. المسيلحة 5/54. المسيلة 5/102، 124. المشارف 1/148. المشعر الحرام 14/433. مشهد ابن عمر 14/448. مشهد الحسين 3/394، 403، 412، 4/58، 11/260، 13/230. مشهد السيدة رقية 3/393. مشهد علي بن أبي طالب 4/337. المشهد النفيسي 3/284، 300، 375، 499. المشيرقة 14/39. مصر 1/94، 125، 131، 158، 222،

233، 304، 374، 379، 387، 392، 398، 400، 419، 471، 475، 476، 483، 523، 524، 2/17، 82، 104، 115، 153، 200، 517، 3/18، 20، 238، 263، 265، 268، 277، 284، 285، 293، 299، 304، 305، 306، 308، 309، 322، 328، 331، 350، 351، 354، 362، 366، 375، 376، 381، 417، 449، 489، 509، 510، 522، 528، 532، 559، 575، 585، 4/3، 4، 23، 35، 51، 58، 78، 102، 178، 180، 197، 198، 200، 220، 228، 259، 280، 319، 355، 366، 377، 456، 5/3، 5، 16، 31، 51، 94، 118، 120، 133، 134، 263، 267، 299، 311، 362، 6/48، 58، 72، 89، 90، 144، 150، 293، 343، 418، 7/8، 12، 26، 83، 148، 234، 243، 249، 255، 330، 368، 438، 8/4، 7، 8، 24، 35، 56، 66، 71، 165، 171، 172، 184، 206، 217، 318، 332، 382، 9/19، 38، 111، 148، 180، 185، 251، 259، 356، 358، 370، 373، 385، 423، 10/10، 72، 117، 125، 140، 143، 149، 317، 427، 453، 11/26، 71، 80، 82، 103، 112، 115، 117، 133، 152، 173، 177، 205، 225، 258، 300، 320، 327، 345، 395، 12/22، 96، 98، 167، 228، 252، 259، 275، 13/43، 65، 66، 75، 87، 96، 129، 150، 164، 240، 263، 320، 339، 14/18، 20، 33، 45، 56، 77، 126، 149، 224، 261، 306، 315، 349، 389، 415، 433. مصر القديمة 3/355، 430. مصلى المرية 5/210. المصنع 14/427. مصياف 4/117، 146، 150، 209، 7/186، 187، 8/222، 223، 9/253، 12/113، 13/249، 14/38، 48، 426، 428. المصيصة 3/243، 4/80، 85، 185. مصيل 3/441. المطرية 2/199، 3/311، 366، 436، 534، 5/18. المطيلب 14/423، 443. معان 4/80، 163، 248. المعبر 4/260، 5/72، 74.

المعر 14/66. المعرس 5/54. المعرة 1/370، 4/89، 123، 129، 146، 246، 14/37، 427. معرة مصرين 4/147. معرة نسرين 4/147. معرة النعمان 4/135، 146. معصرة بوش 1/388. معقل شقورة 5/222. المعلقة 5/306، 307. معليا 6/515، 14/66. المعينة 1/376. مغارة الراهب 4/83. مغارة زلايا 12/326. مغارة شعيب 14/432. مغارة نبط 14/432. مغاص اللؤلؤ 5/55. مغراوة 5/155. المغرب 1/52، 128، 252، 394، 397، 400، 414، 420، 2/19، 3/393، 493، 5/131، 161، 6/52، 122، 287، 7/8، 8/88، 151، 9/249، 10/30، 309، 11/4، 19، 245، 13/92، 293، 14/149. المغرب الأقصى 1/398، 3/237. المغز 5/54. مغنيسيا 3/244، 5/328، 8/16. المفازة 4/345، 404. مفازة السند 3/254، 258. مقابر دمشق العامة 4/98. مقاصير 2/137. مقام إبراهيم بن أدهم 4/154. المقام الأدهمي 12/479. مقام اولاد يعقوب 4/159. مقام الخليل عليه السلام 4/260، 13/91. مقام دحية الكلبي 4/160. مقبرة باب الفتوح بالمغرب 5/191. مقدونية 3/476، 5/359. مقديشو 3/252، 316، 5/312. المقس 3/407. المقسم 3/549، 597. المقطعين 13/42. المقطم 3/308، 310، 351، 459. مكران 4/349، 5/60، 63. مكران خور 3/255. مكر حرسين 14/64. مكرمان 3/255. مكناسة 5/177. مكة 1/71، 78، 144، 251، 284، 355، 382، 389، 405، 426، 445، 524، 2/195، 3/11، 13، 14، 20، 252، 254، 283، 285، 331، 4/215، 250، 252، 253، 254، 276، 277،

5/3، 16، 36، 55، 123، 6/42، 54، 64، 135، 7/8، 78، 114، 210، 9/256، 291، 11/104، 12/131، 228، 229، 231، 235، 13/125، 230، 234، 244، 318، 344، 360، 14/6، 97، 398، 413، 433. ملاقس 14/424. ملاوة 5/74. الملتان 4/352، 5/63، 73. الملح (قرية) 4/403. ملطية 4/79، 82، 124، 136، 234، 258، 318، 397، 5/337، 7/189، 228، 352، 8/195، 220، 221، 259، 9/253، 11/108، 12/168، 14/121. ملف 6/447. ملوية 5/189. ملي 5/83. مليانة 5/146. المليدس 3/442. مملكة أرابين 8/10. مملكة الأرمن 8/30. مملكة أزبك 3/258. مملكة الالمان 5/381. مملكة أوفات 8/10. مملكة بالي 8/10. مملكة بجاية 3/241، 246. مملكة بولية 3/245، 5/387. مملكة توران 1/43. مملكة الجنويين 5/383. مملكة الجلالقة 5/391. مملكة دارة 8/10. مملكة دوارو 8/10. مملكة الزيلع 8/10. مملكة السرير 7/316. مملكة شرحا 8/10. مملكة الكرج 8/27. مملكة المرا 5/386. مملكة اللنبردية 5/392. مملكة نبرة 5/261. مملكة هدية 8/10. المملكة اليوسفية 1/30. منارة الإسكندرية 3/356، 473، 5/66. منازل العز 3/391. المناظر 1/368. منبج 4/79، 80، 131، 135، 246، 259، 318، 401، 6/91، 8/231. منبر الروضة 4/293. منبيه 5/58. المنتجبية 3/398، 409. منجرور 5/71. المنجشانية 5/58. المنجلة 5/55.

المند 5/83. المندب 5/55. المندل 2/134. منشأة 14/316. المنشأة الصغيرة 3/405. المنشأة الكبرى 3/405. منشأة المهراني 3/381، 399. المنصرف 14/431. المنصورة 3/318، 497، 5/60، 389، 8/39، 14/26، 65. المنصورة (بالسند) 5/60، 62، 63، 64. المنصورة (بالهند) 5/70. المنصورة الصغيرة 3/410. المنطق 14/448. المنظرة 3/332، 14/448. منظرة الزاهرة 3/395. منظرة الفاخرة 3/395. منظرة الناضرة 3/395. المنفرج 14/431. منف 1/485، 3/326، 351، 354، 430، 473. منفلوط 1/372، 413، 3/452، 453، 523، 4/27، 67، 7/171، 8/223، 10/351، 11/241، 14/419. المنكب 5/211. المنوات 14/64. منورقة 5/247، 250. منورى 5/70. منوف 3/317، 439، 465، 571، 4/27، 67، 8/223. منوف العليا 14/421. المنوفية 1/420، 465، 4/67، 7/171، 10/388، 11/433. منى 4/161، 250، 253، 262، 6/240، 9/33، 14/433. المنيبار 5/68، 70. المنيظرة 4/153. المنيقة 7/196، 8/223، 227، 14/48. منية ابن عامر 5/223. منية بني خصيب 3/292، 313، 14/419. منية رهينة 1/419. منية غمر (منية تروى) 1/386، 4/66. منية القائد 14/419. المنيير 14/64. المهجرة 5/42. المهجم 5/12. مهد عيسى (عليه السلام) 4/96. المهدية 3/241، 5/97، 107، 119، 13/244. مهران 5/83. المهرجان 4/391. مهرة 3/250، 255. مهروبان 3/255، 4/340، 342، 404.

- ن -

موردة الحلفاء 3/389. الموصل 1/396، 474، 2/97، 3/265، 4/3، 4، 41، 258، 319، 328، 367، 398، 401، 404، 7/298، 8/227، 11/165، 13/283، 14/393، 448. موقان (موغان) 3/258، 4/363، 7/303، 309، 8/19، 10/14. الموقف 3/378. مولة 5/222. الموليان 5/62. مونفراد 6/169، 8/54. المونية 14/64. المويلح 14/448. المويلحة 14/432. ميافارقين 4/259، 320، 323، 356، 398، 405، 7/297، 8/226. ميانج 4/361. الميدان 4/229، 6/277، 14/448. ميدان ابن أتابك 4/202. الميدان الأخضر 4/97. ميدان القمح 3/332، 407. ميدوم 3/360. ميذنة العروس 14/446. الميزاب 4/259. ميسان 14/149. ميسلون 14/428. ميعارو 14/61. ميناء أنطاكية 3/243. ميناء الرملة 3/243. ميناء طرابلس 12/455. المينقة 4/152، 186، 242. ميورقة 5/105، 206، 247، 250، 260، 8/34، 14/78. - ن- نابل 8/55. نابلس 1/392، 4/75، 103، 106، 183، 206، 6/519، 12/318، 13/272، 14/45، 59، 438. الناصرة 4/77، 156، 159، 246، 6/93، 519، 13/273، 274. الناعمة 14/44. ناكور 5/70. النباج 5/58. النبك (قرية) 4/93، 101. نتا (كورة) 3/436. نجد 1/196، 372، 397، 398، 2/17، 4/250، 252، 277، 291، 5/3، 52، 10/117، 14/149. نجران 1/380، 5/16، 38، 43، 6/365. النجف 3/266.

النحريرية 14/422. نخشب 4/434. نخل 14/431. نسا 4/258، 391، 406. نستراوة 10/388، 11/54. نسترو 14/58. نستروة 3/338، 568، 11/54. نسف 4/434. النشاستج 13/113. نشانك 4/348. نشاور 2/117، 4/389. نشوى 4/363، 405. النصيف 1/376. نصيبين 3/265، 4/164، 325، 401، 404، 7/110، 8/350. نعمان 12/233. النعمانية 4/399. النقاء 5/213، 12/238. نقب علي 4/289، 14/433. نقجوان 4/363. نقيزة (كورة) 3/440. نكوا 5/279. نمرية 4/379، 7/310. نهاوند 3/265، 4/370. نهر الأبلة 2/201، 4/399، 408، 432. نهر أبي الأسد 4/403. نهر أبي فطرس 4/85. نهر الأثل 3/258، 4/455، 460، 465، 7/316. نهر أخشين 4/408. نهر الأردن 4/84، 101، 6/89، 13/284، 314. نهر أرزن 4/399. نهر الأرنط 4/83، 116. نهر أريس 4/450. النهر الأزرق 14/162. نهر أزو 4/466. النهر الاسحاقي 4/328. النهر الأسود 4/84، 88، 134. نهر أشبيلية 5/218، 219، 226. نهر باجة 5/220. نهر باناس 4/99. نهر بدرة 14/48. نهر بردى 4/87، 98، 99. نهر البرذون 14/414. نهر بطليوس 5/216. نهر بلخ 4/443، 7/315. نهر البليخ 4/398. نهر بوق 10/287. نهر تان 4/459، 466. نهر تستر 4/399. نهر الثرثار 4/399. نهر ثورا 4/99. نهر جاهان (جيحان) 4/85، 137، 142، 8/30، 14/164.

نهر جرجان 4/401. نهر جيحون 2/197، 4/316، 430، 437، 443، 5/21. نهر حدرة 5/208. نهر حراف 4/95. نهر الحل 4/455. نهر حماه (نهر العاصي) 4/83. نهر الخابور 4/398. نهر الخازر 1/396. نهر خمدان 4/480. نهر دجلة 2/197، 3/249، 4/318، 325، 339، 398. نهر دجلة الأهواز 4/399. نهر درايا 4/98. نهر الدهاش 4/395. نهر ديصاف 4/95. نهر الذهب 4/131. نهر الرس 4/400. نهر الزاب 1/396، 4/328، 375، 5/190، 7/299، 310. نهر الزاب الأصغر 4/399. نهر الزاب الكبير 4/376، 377. نهر زندورذ 4/300. نهر الساجور 4/120. نهر سجلماسة 5/169. نهر السدرة 4/399. نهر سكان 4/400. نهر سلف 5/169. نهر سنداد 14/290. نهر سورا 4/82، 398. نهر سوس 5/226. نهر السوس الأقصى 5/169. نهر سيحان 4/86. نهر سيحون 2/197، 4/444، 5/290. نهر سيحون بالحبشة 5/290. نهر الشاس 4/437. نهر الشريعة (انظر نهر الأردن) . نهر شمشاط 4/398. نهر شنيل 5/208، 226. نهر شيرين 4/399. نهر الصباب 5/329. نهر الصراة 4/83، 398. نهر صرصر 4/398. نهر الصغانيان 4/437. نهر الصفر 5/384. نهر الصوليان 5/72. نهر الضرغام 4/402. نهر طاب 4/400. نهر طرلو 4/466. نهر طليطلة 5/220. نهر طنا 3/249، 4/465. نهر طونا 4/451. نهر العاصي 4/83، 7/164، 12/325، 14/35. نهر عفرين 4/84، 88، 126. نهر العلقمية 4/277.

نهر العوجاء 4/85. نهر عيسى 4/398. نهر فاس 5/169. نهر الفرات 1/163، 2/197، 3/249، 498، 4/75، 78، 82، 123، 124، 125، 131، 143، 185، 250، 316، 318، 335، 397، 5/3، 7/204، 269، 288، 8/71، 10/72، 117، 12/118، 14/77، 430، 447. نهر فريد 5/83. نهر فلسطين 13/262. نهر قراجوجا 4/439. نهر قزل صو 14/183. نهر قسطنطينيانوس 5/358. نهر قلا 13/146. نهر القنوات 4/99. نهر قويق 4/120. النهر الكبير 4/84. نهر الكرّ 4/362، 400. نهر الكرفية 3/258. نهر ككدرا 5/327. نهر كنك 5/72. نهر كوثى 4/82، 398. نهر لد 14/48. نهر ليطا (نهر الليطاني) 4/155. نهر مرزبان 4/124. نهر المزة 4/99. نهر المسرقان 4/399. نهر مرسية 5/227. نهر معقل 4/399، 403، 408. النهر المقلوب (نهر العاصي) 4/130. نهر الملك 4/398، 13/146. نهر ملوية 5/169. نهر منرباشي 5/327. نهر المنهى 3/344. نهر مهران 5/61، 63. نهر النيل 1/220، 2/197، 412، 413، 482، 3/238، 254، 310، 315، 316، 323، 324، 328، 336، 356، 457، 516، 590، 5/263، 279، 8/332، 335، 367، 386، 9/148، 10/356، 11/432، 13/263، 14/303، 306، 308، 311، 440. نهر الهرماس 4/325، 398. نهر الهند مند 4/353، 400. نهر وادي العسل 5/213. نهر والة 5/67. نهر اليرموك 4/84. نهر يزيد 4/99. نهر يسر 5/169. نهر يغرا 4/84، 88. نهر يودانس 5/215. النهروان 4/338، 402، 13/225، 236.

- هـ -

النوبردية 5/392. نوبكت 4/436. النوبندجان 4/402. النوبة 3/317، 446، 4/259، 13/293، 14/419. نوح أوند 4/370. نوسا (كورة) 3/438. نوقان 4/390. نوى 4/108. النويرة 4/108. نويرة دلاص 4/69. نيران مزيد 4/215، 216. نيسابور 2/117، 3/285، 4/258، 389، 402، 406، 421. نيف 5/328، 8/16. نيقية 5/371، 13/278، 291. النيل (مدينة) 4/83. نيلى 4/440. نينوى 4/318، 14/448. - هـ- الهارونيتين 4/235. هاسى 5/74. الهاشمية 3/284. الهتاخ 4/329، 14/448. هجر 1/274، 444، 468، 3/351، 5/52. هدر رجال 14/184. الهدة 4/265. هدية 5/313، 8/10، 41. هراة 4/353، 392، 393، 406، 6/123، 7/295. هرغة 5/132. هرقلة 1/231، 516، 5/325، 333. الهرم 3/360، 362، 14/189. الهرم الكبير 3/362. الهرم المدرج 3/362. هرمز 4/351، 5/83، 7/301، 8/78. الهرمل 4/112. هرموز 3/255. هرور 7/310. هرى 7/295. هريا سيف العربية 14/64. هزار اسب 4/453. هضب الراقي 4/216. الهلالية 3/409. هماه 5/55. همذان 4/258، 313، 367، 370، 9/14. الهند 1/44، 507، 2/41، 55، 87، 3/20، 238، 250، 420، 4/260، 352، 5/5، 9، 58، 263، 360، 6/90، 7/295، 328، 398، 8/77، 10/134،

- و -

138، 13/91، 339، 14/8، 149. الهنديجان 4/407. هنوّر 5/70. هنين 5/145، 146. هو (كورة) 3/434، 14/420. هوشة 14/65. هونين 4/157، 247، 14/65. هيت 4/82، 318، 335، 398، 7/300، 14/149. هيكل زحل بالاسكندرية 5/297. - والواح (الواحات) 3/343، 348، 527، 4/259، 6/90. واح الأولى 3/446. واح البهنسي 10/388. الواح الخارجة 10/388. الواح الداخلة 10/388. واح القصوى 3/446. واح الوسطى 3/446. الوادي (بلد) 14/448. وادي الأخرم 1/452. وادي أم ربيع 5/188. وادي بدر 14/432، 433. وادي بركة 5/290. وادي بني زيد 1/407، 414. وادي بني سالم 14/433. وادي التيم 1/157. وادي جيحون 4/406. وادي الحجارة 5/220. وادي الخرج 5/56. وادي دلسة 4/77. وادي الرمل 5/21. وادي السباع 1/498. وادي سبو 5/150. وادي سحول 5/13. وادي السغد 4/435. وادي الصفراء 14/433. وادي صلعومة 14/174. وادي العسل (نهر) 5/213. وادي عفان 14/432. وادي الغزالة 14/433. وادي الفوار 4/76. وادي القباب 14/431. وادي القرى 1/365، 397، 398، 399، 3/445، 4/296. وادي كليّة 4/265. وادي مجمع 5/144. وادي المرية 5/211. وادي ملوية 5/144، 147. وادي نخلة 4/264. وادي نعمان 4/261. وادي النور 14/432. وادي النيل 3/339.

- ي -

وادي هبيب 3/374، 5/302، 303. وادي الهيكل 14/446. وادي ينبع 4/277. وادياش 5/208، 214. واردات 1/446. واسط 3/271، 4/260، 331، 337، 398، 399، 14/147، 149. واصل 4/154. الواق الواق 3/252. وان 4/403. وج (الطائف) 4/264. وجا (إقليم) 5/74. وجدة (مدينة) 5/181. وجرة 6/549. الوجه 14/432. الوجه البحري 3/528، 4/34، 65، 6/137، 138، 140، 7/170، 175، 214، 238، 8/220، 222، 233، 235، 9/255، 10/388، 431، 12/3، 275، 14/421. الوجه القبلي 3/528، 4/34، 38، 66، 68، 6/137، 138، 140، 7/169، 170، 175، 214، 238، 8/220، 222، 233، 235، 9/255، 10/388، 420، 425، 12/3، 275، 14/419. ودان 4/296. الورادة 14/424، 438، 443. ورثاث 4/400، 405. وردان 14/421. وزرون (بحيرة) 7/302. الوزيرية 3/402، 405. وسطان 4/403. وسيم (كورة) 3/431. وشلو 5/313. الوشم 4/212. الوطاء (بيروت) 14/44. الوعرات 4/289. وفات 5/310، 311. 8/41. وكالة قيسون 3/397. وليد (مدينة) 5/220. وليلى 5/175. ونا 14/419. ونج 4/429. وهران 5/145، 146. - ي- يابرة 5/217. ياسور 14/425، 447. يافا 3/243، 498، 4/80، 92، 103، 183، 14/59، 77. اليانسية 3/409. يبرين 14/62. يثرب 1/371، 2/425، 4/290، 298.

اليحموم 1/376. اليرموك 1/371، 4/84. يزاركد 4/379. يزاكرد 7/310. يزد 4/345، 349. يغرا 4/84، 14/430. يلملم (قرية) 5/14. يلي شار 8/19. اليمامة 1/125، 365، 392، 393، 401، 4/250، 5/55، 58، 6/345، 13/360. اليمن 1/44، 125، 197، 345، 364، 366، 374، 380، 390، 468، 2/17، 42، 399، 3/14، 20، 250، 255، 291، 316، 511، 4/250، 5/3، 23، 263، 6/41، 45، 50، 64، 223، 413، 7/12، 357، 372، 392، 8/72، 77، 9/417، 10/7، 72، 117، 12/226، 252، 13/91، 225، 230، 235، 239، 263، 14/77، 149. اليمن الغربية 3/263، 264. يمنهو 5/60. الينبع 1/369، 3/251، 4/252، 277، 278، 5/3، 6/139، 375، 7/212، 9/256، 12/257، 14/431، 432. ينبلونة 5/225، 8/35. ينجو 4/480. الينسوعة 5/58. الينعات (بستان) 5/7. ينغى كنت 4/444. اليهودية (مدينة) 4/366. اليونان 3/476.

فهرس المسميات الآلات، الأحوات، النبات، الشجر، النجوم، المعاملات، الحيوانات، الطيور، الأيام التاريخية الأعياد، الملابس، الأحجار، المعادن

فهرس المسميات الآلات، الأحوات، النبات، الشجر، النجوم، المعاملات، الحيوانات، الطيور، الأيام التاريخية الأعياد، الملابس، الأحجار، المعادن - أ- آب (من شهور السريان) 2/279، 409، 410، 420. أبان روز (من أعياد الفرس) 2/450. أبان ماه (من شهور الفرس) 2/416. أبراج الحمام 1/153. الإبريسم (حرير) 4/307. الإبريق 2/10، 161. أبريل (من شهور الروم) 2/419، 423. الإبل 1/60، 401، 439، 2/35، 412، 515، 3/346، 448، 529، 4/91، 148، 254، 431، 5/15، 108، 171، 312، 10/9، 26، 14/222. الإبل البخاتي 2/35. الإبل العراب 2/35. أبلق (فرس السباق) 3/287. ابن آوى 2/78، 14/268. ابن عرس 2/42. ابن لبون 2/36. ابن مخاض 2/36. ابن مقرض (الدّلق) 2/54. الأبنوس 2/8، 470، 497، 3/597، 14/335، 337. أبو براقش 1/88، 2/85، 14/132. أبو الحارث (الأسد) 5/405. أبو الحصين (الثعلب) 5/405. أبو زريق (القبق) 2/88. أبيب (من شهور القبط) 2/378، 415، 3/321. الأتان 2/48. الأترج 2/192، 200، 3/345، 346، 4/90، 467، 5/15، 79، 107، 170، 9/122، 155. الأثافي 2/147. الإثمد (حجر اسود) 1/325، 494. الإجاص 2/198، 199، 3/345، 4/90. الأجر 1/486، 3/379، 419، 4/381.

الأدم (من الظباء) 1/468، 2/48. الأدهم (انظر الجنيب) . أذار (من شهور السريان) 2/380، 409، 419. اذرماه (من شهور الفرس) 2/416. الاذريون (ورد) 2/201. الأراك 1/188، 14/222. الأرام (من الغزلان) 2/48. الأربعون (من أعياد القبط) 2/455. أرد بهشتماه (من شهور الفرس) 2/417. الإردب المصري 3/512، 514، 4/205. الأرز 2/410، 3/343، 4/90، 479، 5/15، 78، 107، 276. الأرزن (من الحبوب) 4/467. أرض الباق 3/517. أرض البرش 3/518. أرض البروبية 3/517. أرض البقماهة 3/517. أرض الخرس 3/518. أرض ري الشراقي 3/517. أرض السباخ 3/519. الأرض الشتونية 3/518. أرض الشراقي 3/519. أرض شوشمس السلايح 3/518. أرض المستبحر 3/519. أرض الوسخ الغالب 3/518. أرض الوسّخ المزروع 3/518. الأرنب 1/463، 2/44، 49، 63، 3/346، 4/90، 254، 14/295. إزار 2/446. الأزيار (وعاء) 3/546. الأزيب (رياح) 14/269. الآس 2/11، 201، 505، 3/344، 4/91، 5/108، 14/308. الأسابيع (من أعياد اليهود) 2/464. الأساور 3/463. الأسد (حيوان) 1/352، 363، 367، 4/91، 5/15، 276، 292، 400، 8/301، 9/248، 10/86، 96، 14/223، 270، 293. الأسد (نجم) 2/170، 370، 374. الإسطرلاب 2/176. الإسفنط (من الأشربة) 2/279. اسفيندار ماه (من شهور الفرس) 2/411. الأشباب (الطحلب) 3/346. الإشراق (من ساعات النهار) 2/385. الأشنان 6/261. الإصبع (من الأطوال) 3/320، 321، 322، 323، 324، 328. الأصنام 1/298. الأصيل (من ساعات النهار) 2/385. الأطلس (قماش) 11/93، 333. الأطلس (فلك) 13/301. الأطلس المعدني 5/383، 11/93، 333.

- ب -

الأعلام 3/542، 4/7. الأعوجية (من الخيل) 10/327، 339. أغشت (من شهور الروم) 2/420. افرودين ماه (من شهور الفرس) 2/417. الأفق الشرقية 2/382. الأفق الغربية 2/382. الأفليق (من العود) 2/137. الأفيون 2/162. أق (مكيال) 4/420. الأقبية التترية 4/41. الأقحوان (ورد) 2/201، 14/302. الأكاديش 1/394، 2/17. الأكاديش التترية 5/276. الأكاديش الرومية 5/326. أكتوبر (من شهور الروم) 2/419، 422. الإكليل (كواكب) 2/178، 379، 399، 400. الألاءة (شجر) 1/452. ام حفصة (الدجاجة) 5/405. أم عامر (الضبع) 2/51. أمشير (من شهور القبط) 2/380، 413. الإنجاص 5/170. الأنصاب 6/428. الأنمقة (خفاف) 5/198. الأنوق (طائر) 2/93. الأنيس (من الطيور) 2/73، 14/323، 335. أنيسون (اليانسون) 3/602. الأنيوة (من الطيور) 2/66. الأهراء 4/33. الإوز 2/69، 70، 77، 3/347، 4/91، 479، 5/15، 78، 108، 171، 276، 14/323، 334. الإوز التركي 3/347. إوز صيني 9/117. أيار (من شهور السريان) 2/378، 409، 419. أيام الفرودجان (من أعياد الفرس) 2/452. أيام المجاعة 1/412. أيام النسيء القبطي 2/379، 416، 426. الأيل (حيوان) 2/49، 4/406. أيلون (من شهور السريان) 2/379، 409، 410، 420. الأيم (الحية) 2/63. أيوان ايراني 4/97. - ب- بابه (من شهور القبط) 2/379، 410، 3/321. الباد زهر الحيواني (من الأحجار) 2/49، 124، 4/406. الباذنجان 2/200، 411، 3/344، 519، 4/90، 254، 5/79، 108، 171، 277.

البازلاء (البسلاء) 3/343. البازل (البعير) 1/290. البازي 1/355، 2/61، 6/276، 8/358، 9/109، 14/268. الباشق 2/64، 9/114. الباع (من المكاييل) 3/513. الباقلاء (نبت) 2/9، 200، 412، 414، 3/343، 346، 4/90. البان 2/7، 200، 5/79. بانيك (فاكهة) 4/467. الببغاء 2/87. البجع (من الطير) 3/347. البح (من الطير) 3/313. البدن (ناقة) 1/496. البدنة (ثوب من الحرير) 3/411. البرّ (زرع) 2/200، 3/343، 4/90، 253. البراذين (البرذون) 1/78، 2/47، 494، 3/53، 448، 565، 5/77، 14/412. البراغيت 2/412، 3/212. برباة (معبد) 3/355، 363. برد زبيدي 1/297. البردة 1/503، 3/289، 320. البردى 2/514، 3/337. البرذعة 1/461. البرسيم 2/410، 3/344، 4/90، 467. البرقع 1/464. البرقوق (فاكهة) 3/344، 4/90، 5/170. برماه (من شهور الفرس) 2/415، 417. برمهات (من شهور القبط) 2/373، 380، 413. برمودة (من شهور القبط) 2/378، 414. البروبية (نبت) 3/517. البرود 1/468، 12/56. البريد 1/503. البز 1/386. بزر الكتان (من الحبوب) 3/344، 5/292. البزوغ (من ساعات النهار) 2/385. البسباسة (شجر) 5/59. البستندود (كعك) 3/588. البسر (شجر) 2/200. البسط (البساط) 1/472. البسط الاقصرية 5/334. البسلّا (البازلاء) 3/343، 5/107. البشارة (من أعياد القبط) 2/454. بشنس (من شهور القبط) 2/378، 414. البصل 2/200، 3/344، 520، 4/254، 5/79، 277، 9/229. البط 1/192، 2/63، 77. البط الصيني 9/118. بطن الحوت (نجم) 2/381، 399، 400.

البطيخ 2/198، 415، 3/344. البطيخ الأخضر 3/346، 520، 4/254، 467، 5/15، 79، 170، 9/118. البطيخ الأصفر 3/520، 4/254، 5/15، 79، 170. البطيخ الحلبي 9/120، 121. البطيخ العبدلي (الخراساني) 2/414، 3/489. البطيخ الهندي 2/200. البطين (كوكب) 2/174، 378، 399، 9/232. بعتران (نبت) 5/293. البعثة النبوية 1/454، 6/208. البعوض 2/41، 94. البعير 1/194، 273. البغل 1/78، 81، 194، 2/34، 3/346، 544، 591، 4/10، 91، 431، 5/15، 276، 292، 13/362، 14/412. البغل المصري 2/253. البقر 1/188، 194، 466، 2/452، 515، 3/346، 5/15، 108، 171، 276، 292، 10/9، 14/41. البقر الوحشي 2/42، 47، 5/108، 276، 14/194. البقلة اليمانية 4/90، 5/108. البقم (شجر) 5/71. البقماهة (اثر الكتان) 3/517. البكورة (من ساعات النهار) 2/385. البلبل 2/84، 225، 3/347. البلح 2/200، 415، 3/346. البلخش (من الأحجار) 2/111، 4/442. البلدة (فرجة في السماء) 2/179، 380، 399، 400. البلسان (نبات) 3/311، 7/443. البلسم (نبات) 3/311. البلشون (من الطير) 3/347. البلور 2/120، 3/548، 13/303. البلوط (من الثمار) 2/198. بنات نعش (نجوم) 2/181. بناكيم الرمل (ساعات الرمل) 4/51. بنت لبون 2/36. البنج 2/162. البندق 2/199، 3/345، 4/90، 323، 371، 14/321، 327، 328، 337. البنفسج 2/201، 411، 412، 3/344، 346، 4/91، 5/79، 108، 171، 14/302. البنفش 2/125. البهار (ورد) 2/201، 5/171. البهر (من ليالي الشهر) 2/396. البهرمان (الياقوت) 2/108.

- ت -

البهمن الأبيض (ثمار) 2/453. بهمنجة (من أعياد الفرس) 2/453. البو (جلد) 14/156. البواقير (من الطير) 3/313. البوص (نبات) 3/336. البوق 1/375، 385، 2/142، 3/592، 4/7. البومة 2/93. البؤة (طائر) 2/94. بؤنة (من شهور القبط) 2/374، 415، 3/319. البيدق (طائر) 2/64. البيض 1/354. بيض (من ليالي الشهر) 2/396. البيضة (آلة حديد) 2/151، 11/341. البيض المهندة (السيوف) 11/342. بيعة الحديبية 1/453. البيمارستان 1/491، 3/312. - ت- التابوت 1/524. التاج 3/540. تادموث (من الشجر) 5/277. تأريخ (من المعاملات) 3/526. التامر حناء 4/254، 5/79. التباشير (من ساعات الليل) 2/384. التبتي (من المسك) 2/128. التبر (الذهب) 3/533، 5/278. التبن 11/34. التجلي (من أعياد القبط) 2/457. التخت 2/140. تخت الملك 4/5. تردماه (من شهور الفرس) 2/414، 417. الترس 2/152، 10/236. الترمس 3/520. ترمي (من الوحوش) 5/276. الترنجاني 5/108. التسبيح (من أعياد القبط) 2/454. تشرى (من شهور اليهود) 2/409. تشرين الأول (من شهور السريان) 2/379، 419. تشرين الثاني (من شهور السريان) 4/379، 419. التفا (سنور البر) 2/51. التفاح 2/128، 198، 200، 3/344، 346، 4/90، 254، 467، 5/15، 79، 107، 170. التفاح الطرابلسي 5/149. التفاح القاسمي 2/414. التفاح المسكي 2/414. التكلاوات 4/41. التلمساني (من القماش) 5/137. التليس (وعاء) 4/33.

- ث -

التم (من الطير) 2/72. تمات (التم) 9/117. التمر 1/274، 464، 2/161، 200. التمر هندي 3/346، 5/79. التمساح 1/197، 3/331، 5/276. تموز (من شهور السريان) 2/378، 409، 420. التنانير 1/488. التنبك (اليقطين الهندي) 5/11. التنور 3/575. التنين 1/262. توت (من شهور القبط) 2/375، 379، 410، 3/321. التوت 2/198، 200، 415، 3/345، 4/90، 5/15، 79، 107، 170. التوأم (نجم) 2/170. تير ماه (من شهور الفرس) 2/414، 417. التيس 1/439، 2/45. التين 2/198، 200، 3/344، 4/90، 5/78، 107، 170. التين الوزيري 5/293. - ث- الثريا (نجوم) 2/174، 378، 399، 9/232. الثريد 1/385، 412، 491. الثعبان 1/456. الثعلب 1/164، 462، 2/42، 50، 3/346، 4/254، 463، 5/398، 14/268، 295، 448. الثلج 1/473. الثور 1/352، 462، 13/294. الثور (نجم) 2/169، 370. ثور أبيض 1/352. ثور أحمر 1/352. ثور أسود 1/352. الثور الوحشي 2/42. الثوم 2/200، 452، 3/344، 520، 4/254، 5/79، 277. الثياب الحمر 1/487. ثياب الخلافة 3/291. الثياب اليمانية 4/287. - ج- الجاروس (الجاورس) 4/467. الجامات (اناء للشرب) 4/307. الجامكية 3/524، 526. الجاموس 2/515، 4/479، 5/78، 171، 276. جان (شجر) 5/293. الجباب (الجبة) 1/453، 3/293. الجبس (حجر) 3/379. الجبلي (نوع من المسك) 2/129. جبة أطلس 3/294، 5/137. الجبهة (أفلاك) 2/176، 379، 399، 400.

- ح -

الجتر (المظلة) 4/6، 48، 5/93. الجدي (كوكب) 2/172، 181، 370، 375، 467. الجذماء (كواكب) 2/182. الجراد 1/188، 524، 2/416، 7/224، 4/407. الجراوة (آلة) 2/154، 14/332. الجرذ 14/296. الجرس 2/49. الجرو 2/39، 45، 251. الجريد (نبت) 2/494، 3/55. الجزر 2/200، 4/90، 468، 5/79. الجزع اليماني (من العقيق) 2/109، 125، 5/41، 14/194. الجزيري (من المسك) 2/129. الجص 1/486، 3/364، 4/358. الجعبة 2/151. الجفتة (آنية) 2/147، 4/7. الجفير 1/432. الجلاهق (قوس البندق) 2/154. الجلباب (قميص) 11/142. الجلبان 2/446، 3/343، 520، 4/90، 5/107. الجلنار (شجر) 2/199. الجلناري (من الياقوت) 2/109. الجلّوز (شجر) 2/199. جمادي الآخر (من شهور العرب) 2/401. جمادي الأول (من شهور العرب) 2/401. الجماز (من النخل) 3/346. الجمل 1/276، 449، 2/35، 39، 5/78، 9/247، 13/265، 288. الجمل الأحمر 1/299. الجميز 2/414، 5/277. الجنز (المظلة) 2/141. الجنيب 4/62. الجوخ (قماش) 4/8. الجوخ البندقي 5/383. الجوزاء (من البروج) 2/370، 374. الجوز 2/52، 198، 3/345، 4/90، 467، 5/107، 170. جوز الكتان 2/414. جوز الهند (شجر) 2/200، 5/79. الجوزي (من الصندل) 2/138. الجوشن (من ساعات الليل) 2/384. الجوشن (لباس) 3/547. الجونة (من أقسام الدواة) 2/498. الجياد 7/420، 8/362، 9/105، 108. الجير (حجر) 3/355، 356، 379. - ح- الحافر 3/541. حب الرشاد 5/292. الحباب (الحية) 2/440.

الحبارى (الحبرج) 2/65، 71، 3/347، 6/543، 14/323، 335. الحبر (المداد) 2/500. الحبر الجندية 4/283، 287. حبرور (فرخ الحبارى) 2/248. الحبق 5/108. الحبل 2/153. الحبة (من الموازين) 3/506. حجر الصلد 3/337. حجر الصوان 3/355، 359. حجر الكذان 3/355، 363. حجر اللاهون 3/330. الحجل 2/63، 80، 3/347. حجة الوداع 2/425، 4/270، 5/24. حد الحدود (من أعياد القبط) 2/456. الحدأة (من الطيور) 2/62، 92، 4/254. الحدود (فلك) 2/385. الحديد 1/484، 488، 2/113، 114، 148، 497، 3/392. الحديد البيزاني 3/245، 5/388. حديد تبتي 10/238. حديد هندي 10/238. الحرّاقة (نوع من السفن) 3/302، 408، 4/49، 5/439. حرب الإباضية 1/498. حرب البسوس 1/391، 6/227. حرب بني وائل 6/227. حرب خزاعة 1/499. حرب داحس والغبراء 1/398، 6/227. حرب صفين 13/235. حرب الفجار 1/498. حرب الموحدين 5/189، 190. الحربة 3/589. حرداد ماه (من شهور الفرس) 2/373، 413، 417. الحرير 2/154، 482، 498، 4/5. الحرير الأحمر 3/583. الحرير الأسود 4/85، 293. الحرير الأطلس 4/59، 202، 5/32. حرير سكندري 4/54. حزيران (من شهور السريان) 2/374، 378، 419. الحسون 2/85. الحشيشة 2/162. الحصر العبداني 3/590. الحصرم 2/415، 3/346. الحكنات 5/316. الحلبة 4/90. الحلزون 3/387. الحلل النجرانية 4/287. الحلي 1/463. الحمار 1/194، 460، 2/34، 38، 225، 3/286، 346، 596، 4/91، 5/78، 108، 171، 276.

- خ -

الحمار الهندي 2/40. الحمارة العتابية 2/47. الحمّاض 3/345، 9/365. الحمالة (سفينة حربية) 3/597. الحمام 1/33، 154، 192، 2/63، 96، 3/347، 4/91، 254، 5/15، 78، 108، 171، 276. الحمام الرسائلي 4/61، 14/434. الحمام الهدي 1/182. الحمر (انظر التمر الهندي) . الحمر الإنسية 2/34، 38. حمر الوحش 1/188، 2/48، 4/254، 5/171، 276، 7/391. الحمّص 2/446، 3/343، 5/78، 107، 170. الحمل (نجم) 2/169، 370، 371، 373، 467. الحمل (حيوان) 5/15. الحنادس (من ليالي الشهر) 2/396. الحنطة 1/455، 2/446، 5/15، 78، 14/39. الحنظل 2/280، 3/222، 5/400. الحنك (آلة طرب) 2/160. الحنكة (من أعياد اليهود) 2/466. حؤبة 3/207. الحوائص 5/198. الحوت (نجم) 2/173، 181، 371، 461. الحوفي 2/414. حياصة الذهب 4/42. حيدرة (الأسد) 2/38. الحية 1/188، 192، 353، 2/411، 9/248. - خ- الخاتم 1/503، 2/9، 139، 3/289 الخافقي 5/5. الختان (من أعياد القبط) 2/455. الخرتان (نجم) 2/176، 379، 399، 400. الخرز 1/468. الخرز الأزرق 3/594. الخركاه (بيت من خشب) 2/146، 4/425. الخرنوب 2/198، 200. الخروع (نبت) 3/343. الخز (من الثياب) 5/137. الخزم (ورد) 2/201. الخس 3/520. الخشب 3/385. الخشخاش 2/198، 200، 415، 3/343. الخشكنان (من الحلوى) 3/588. الخطاري (معدن) 3/528. الخطاطيف (الخطاف) (طائر) 130.

- د -

الخفاش 2/94. الخفاف (الخف) 1/388، 453، 487. الخلاف (زهر) 2/200، 5/79 الخل 2/416، 3/602 الخلخال 2/215. الخلنجي (نوع من الفيروزج) 2/118. الخمر 1/495، 2/161، 13/210، 254. خميس الأربعين (من اعياد القبط) 2/454. خميس العدس (من اعياد القبط) 2/455. خميس العهد (من أعياد القبط) 456. الخنزير 2/41، 52، 3/269، 288. الخنفس 2/71. الخوخ 2/198، 200، 414، 3/344 4/90، 467، 5/15، 79، 107، 170 الخوخ الزهري 2/414. الخوخ المشعر 2/414. الخوص (ورق النخل) 8/78. الخو لنجان (أفاوية) 1/195. الخيار (من الثمار) 2/200، 414 3/346، 5/79، 108، 171. الخيام (المفسطاط) 2/146 3/544، 4/8. الخيري (من الياقوت) 2/108. الخيزران 5/60. الخيل 1/50، 150، 2/21، 32، 3/448، 4/429، 5/15، 171، 292، 7/66، 69. الخيل العراب 5/77، 276. - د- داحس (اسم فرس) 1/398. الدادىء (من ليالي الشهر) 2/396. الدارصيني (من الطيب) 5/59. الداري (من المسك) 2/130. الدب 2/52. الدباء (القرع) 3/344، 4/254 3/288. الدبادب (الطبول) 2/142. الدبابيس 1/474، 2/151، 4/4، الدّباسي (من الطيور) 2/96. الدبران (نجوم) 2/174، 378، 399. الدّبس (من الطيور) 2/83. الدبيقي (من الثياب) 4/307. الدجاج 2/56، 77، 3/347، 601، 4/91، 254، 479، 5/15، 78، 108، 276، 14/235. دجاج الحبش 5/292. دجنبر (من شهور الروم) 2/419، 422. الدخن (من الحبوب) 4/467، 5/107، 170. الدّر 2/513. الدّراج 2/62، 63، 83. الدراريع (ثوب) 1/522. الدراقن (من الفواكه) 4/90.

الدراهم الأحدية 1/483، 484. الدراهم الجدد 5/136، 137. الدراهم الزيوف 1/484. الدراهم السوداء 3/510. الدراهم العتق 5/136. الدراهم المصرية 4/205. الدراهم النقرة 3/509، 510، 4/187، 239، 280، 5/172، 13/42، 104، 361. الدراهم الهرقلية 5/374. الدرج (الورق) 3/43. الدرع 1/308، 448، 488، 2/151، 4/11، 10/236. درع (من ليالي الشهر) 2/396. الدرق (الترس) 3/541، 5/141. الدرة اليتيمة 3/579. الدرهم (الدراهم) 1/280، 304، 306، 311، 473، 483، 2/107، 3/187، 282، 301، 505، 13/30. الدرهم الدرازهكاني 5/80. الدرهم السلطاني 5/80. الدرهم الشامي 4/187. الدرهم الكاملي 4/280. الدرهم الهشتكاني 5/80. الدعجاء (من ليالي الشهر) 2/396. الدّف (آلة طرب) 2/160. الدفتر 2/510. الدقيق 1/348، 3/601. الدلاع (البطيخ) 5/170. الدلاكسات (لباس) 5/32. الدلّق (حيوان) 2/54. دلق (لباس) 4/44. الدلو (نجم) 2/172، 371، 376. الدلوك (من ساعات النهار) 2/385. الدنانير (دينار) 1/353، 473، 483، 522، 2/97، 157، 3/187، 282، 301، 312، 505. الدنانير المسكوكة 3/506. الدهاليز (خيمة) 3/299. دهم (من ليالي الشهر) 2/396. الدهنج 2/118، 4/390. الدواب 1/163، 405، 2/30، 35، 3/154. الدواليب (آلة) 3/344. الدواة 1/175، 2/122، 469، 470، 3/541، 9/124. دود القز 2/414، 4/407. دور خلخال (سوار) 2/10. دور دملج (سوار) 2/10. الدوكات (دراهم فرنسية) 5/382. دي ماه (من شهور الفرس) 2/410، 418. الديباج 3/288، 543، 4/287. الديباج الخسرواني 4/286. الديفور 2/415. الديك 2/73، 79. الدينار الإفرنتي 3/506، 4/187.

- ذ -

الدينار الجيشي 3/509، 598، 4/52. الدينار الخراساني 4/444. الدينار الرابح 4/421، 444، 468. دينار الصوري 14/53. دينار رباعي 3/582. دينار العوال 4/420. دينار قومصية 14/39. الدينار المرسل 4/420. الدينار المصري 3/509، 4/18. - ذ- الذباب 1/527، 2/412، 505، 14/275. الذباب الأزرق 2/414. ذبابة السيف 1/264. الذراع (فلك) 2/175، 378، 399، 400. الذراع (من الأطوال) 2/155، 3/320، 323، 328، 329، 355. الذراع البلالية 2/156. ذراع دمشق 4/123. الذراع الزيادي 2/156، 3/513. الذراع السوداء 2/156. الذراع العمرية 2/155. ذراع العمل 3/513، 4/188. ذراع القاهري 4/123. ذراع القصبة 2/157. ذراع القماش المصري 4/223. الذراع المهرانية 2/157. الذراع الهاشمية 2/156، 3/399، 512، 513. الذراع اليوسفية 2/157. الذرة (من الحبوب) 3/343، 4/90، 253، 5/15، 107، 277. الذروة (من ساعات النهار) 2/385. الذهب 1/392، 483، 2/471، 482، 3/288، 293، 506، 533، 294، 10/393، 396، 11/212، 12/154، 13/303، 14/387. الذهب المزمك 7/272، 329. الذهب المصري 14/349. ذو الحجة (من شهور العرب) 2/402، 3/264. ذو الفقار (سيف علي) 1/354، 2/148، 10/94، 12/392. ذو القعدة (من شهور العرب) 2/402. الذئب 2/42، 50، 3/347، 4/254، 13/99. الذيخ (ذكر الضباع) 2/42. - ر- الرأد (فلك) 2/385.

الرأل (النعام) 2/242. الرايات السود 3/292. الرانج (من العود) 2/137، 200، 508، 5/11. الرّباب (آلة طرب) 2/160. الربابة (من أدوات الميسر) 1/457. الرباني (من أعياد اليهود) 2/466. ربيع الأول (من شهور العرب) 2/401. ربيع الآخر (من شهور العرب) 2/401. الرتم (نبات) 1/465. رجب (من شهور العرب) 2/402. الرجلة 4/90، 5/108. الرحال (سرج) 1/485. الرخ 12/419. الرخام 3/330، 419، 4/5، 5/5. الرخم 1/188، 4/254. الرخمة (طائر) 2/92. الرداء 1/464. الرصاص 2/122، 153، 3/326، 5/294. الرطب (من الثمار) 2/198، 3/344، 4/254، 13/303. الرطل 4/223. الرطل الأفريقي 5/170. رطل بغداد 4/421. الرطل التوراني 4/420. الرطل الحلبي 4/223. الرطل الخوارزمي 4/468. الرطل المصري 3/511، 548. الرغيف 1/311. الرق 2/514. الرقبة (لباس) 2/141، 4/7. الركاب 2/149. ركوب الكوسج (من أعياد الفرس) 2/452. الرّمان (ثمر) 2/198، 199، 410، 3/344، 4/90، 467، 5/15، 78، 107، 170. الرمح (الرماح) 1/289، 516، 2/149، 3/541، 4/11، 59، 10/235، 454، 13/157. رمضان (من شهور العرب) 2/402. رنك (شعار السلطان) 4/63. الرواق 3/385. رياح الأزيب 14/269. الرياح الجنوبية 2/186، 411. الرياح السمائم 2/415. الرياح الشرقية 2/185. الرياح الشمالية 2/185، 415. الرياح القبلية 2/186. رياح القولنج 4/134. الريباس (ثمر) 2/200. ريح الدبور 2/185. ريح الصبا 2/185. الريح العقيم 5/117. الريحان الفارسي 2/11، 201، 3/346.

- ز -

الريحاني (من الزمرد) 2/115. - ز- الزاج 2/503، 9/229. الزاغ (طائر) 2/85. الزبانان (كوكبان) 2/178، 379، 399، 400. زبدية (وعاء) 3/546. الزبرجد 2/117، 513. الزبطانة (آلة) 2/154. الزبيب 2/161. زبيزور (شجر) 5/277، 3/602. الزجاج 1/486. الزجاج القبرسي 3/426. زحل (كوكب) 2/164، 165، 167، 467، 4/96، 13/307. الزراريف (الزّرّق) 2/64، 68. الزرافة 2/42، 3/347، 5/15، 7/391. الزرنيخين (معدن) 4/377. الزروب (كوخ من خشب) 4/425. الزعرور (من الثمار) 2/198، 199، 4/90، 5/107. الزعفران 2/201، 411، 505، 3/591، 4/49، 369، 5/108. زمامير 4/7. الزّمجّ (من الجوارح) 2/60. الزمرّد 2/114، 3/310، 526، 4/54، 7/411. زمرد ذبابي 2/115، 3/541. زمرد صابوني 2/114. الزنبوع 5/170. الزنجار 2/505. الزنجبيل 5/79. الزنجفر (معدن) 2/507. الزنجي (من العنبر) 2/131. الزهر (من ليالي الشهر) 2/396. الزهرة (كوكب) 2/164، 165، 166، 467، 4/96، 13/301. الزوال (من ساعات النهار) 2/385. الزورق 1/178. الزئبق (معدن) 4/349، 8/7. الزيت 1/307، 533، 2/87. زيت الكتان 2/116. الزيتون (شجر) 1/523، 2/49، 198، 3/345، 4/90، 467، 5/107، 170. الزيتونة (من أعياد القبط) 2/454. زير (وعاء) 3/546. الزيق 3/293. - س- سار (طائر) 4/407. سامّ أبرص 3/455.

الساوس (من الصنول) 2/138. السباع (السبع) 1/188، 194، 2/41. سبت النور (من أعياد القبط) 2/456. السبج (معدن) 2/126. السبيطر (طائر) 2/75، 91، 14/323، 339. الستائر (آلة) 2/153. الستر (رطل) 5/81. ستنبر (من شهور الروم) 2/420، 422. سحاب 11/276. السحاء (نبت) 8/24، 126. السخلة 1/192. السدق (من اعياد الفرس) 2/450. السذاب (بقلة) 9/239. سرار 2/396. السراة 1/385. السرج (السروج) 1/516، 2/143، 3/541، 4/12. السراج 2/500. السرطان (نجم) 2/170، 370، 377، 374، 467. السرموز (بابوج) 4/10. السروال 3/401. السرو (شجر) 4/98. السرير 1/453، 2/140، 4/5. سعد الأخبية 2/180، 380، 14/218. سعد البارع 2/182. سعد بلع 2/179، 380. سعد البهام 2/182. سعد الذابح 2/179، 380. سعد الخيام 14/218. سعد السعود 2/180، 380، 14/228. سعد الماتح 2/182. سعد الماطرة 2/182. سعد الملك 2/182. سعد ناشرة 2/182. سعد الهمام 2/182. السعدان (نبات) 1/307، 14/222. السفرجل 2/198، 200، 410، 3/344، 4/90، 254، 467، 5/79، 107، 170. السفساري (قماش) 5/137. السفط 3/584. السفينة 1/405، 485، 2/411. سفينة نوح 10/137. السقاوة (من الصقور) 2/68، 8/358. السقلاطون (لباس) 3/546. السكر 1/492، 3/345. سكر نبات 2/505. السكة السلطانية 3/534. السكين 2/150، 496. السلاق (من أعياد القبط) 2/454. السلاهطي (من العنبر) 2/131. السلت 4/253، 5/170. السلحفاة 9/229. السلجم 2/411، 3/344، 520.

السلع (شجر) 1/269، 466. السلق 5/79. السلوى (طائر) 13/258، 266، 267. السماريات (من السفن) 2/451. السماسم (شجر) 2/470. السمّاق (من الثمر) 2/416. السماك (كوكب) 2/177، 5/401. السماك الرامح (كوكب) 2/182، 372. السماني (طائر) 2/86، 3/347. السمسم 2/413، 446، 3/602. السمك 2/130. السمك البوري 3/338، 5/292. السمندل (طائر) 2/86. السمندوري (من العود) 2/135. السمهري (رمح) 8/32، 11/342. السمّور (حيوان) 2/53، 4/42، 463، 5/398. السمولي (من العود) 2/137. السناقر (من الجوارح) 5/356، 9/111. السنان 2/149. السنبادج (حجر) 2/152. السنبل 2/139، 5/59. السنبلة 2/375، 467. السنجاب 2/54. السنجق 1/474، 4/4. السند فاوية (من المكاييل) 3/513. سندال (سندان) 2/113. السنط (شجرة) 3/226. السنقر (من الصقور) 2/66، 8/355. سنة حجة الوداع 2/425. السنة الخراجية 13/59. السنة الشمسية 1/472، 13/58، 59، 63، 73، 77. سنة الطاعون الجارف 13/67، 83. السنة القبطية 13/73، 74، 75، 79. السنة القمرية 1/472، 13/58، 63. السنة الكبيسة 2/375، 13/60. سنة هلالية خراجية 13/78، 81. سنة الوفود 1/426. السنور 2/41، 345. السنور الأهلي 2/55. سنور البر 2/51. سنور الزباد 2/55، 5/59. السها (كوكب) 2/181. السهام 1/295، 405. السهام الخطائية 2/153. السهى (كوكب) 14/269. السهيل (كوكب) 2/182. السوار 3/293. السوسن (زهر) 2/201، 5/108، 171. السوط 1/297، 483، 2/145. السياط الأصبحية 1/487. سيل العرم 1/414، 4/268، 298، 6/226. سيوان (من شهور اليهود) 2/409. السيوف (السيف) 1/262، 274، 276،

- ش -

289، 336، 452، 2/8، 148، 3/293، 302، 4/4، 10، 5/141، 10/36، 455، 12/16، 14/261، 264، 267، 268، 270، 271. السيف الخاص 3/540. السيف العربي 3/579، 595. - ش- شابورة 3/601. الشاة 1/459، 460، 10/9. الشاهد (من ساعات الليل) 2/384. الشاهين 2/62، 64، 8/357. الشب (معدن) 3/313، 527، 9/229. الشبابة 2/161، 5/318. الشبابة السلطانية 4/25. شباط (من شهور السريان) 2/380، 419. الشباك (آلة) 2/154. الشبر (مقياس) 3/358. الشبل 13/199. الشحرور 2/84، 225. الشحري (من العنبر) 2/131. الشرب الدبيقي (من القماش) 3/545. الشرطان (كوكبان) 2/173، 378، 399، 9/232، 14/212. الشركان (من اعياد الفرس) 2/452. الشروق (من ساعات النهار) 2/385. الشطرنج 2/158، 3/463، 4/51. الشعانين (من أعياد القبط) 2/454. شعبان (من شهور العرب) 2/402. الشعر 2/8. الشعرى الغميصاء 2/182. الشعريان (كواكب) 2/182. الشعير 2/28، 200، 414، 446، 3/343، 4/90، 253، 467، 5/15، 78، 107، 170، 14/39. الشفنين (طائر) 2/83. شقائق النعمان 2/201، 14/223. الشقراق (طائر) 2/74. الشقيق (ورد) 2/201. الشليف (مقياس) 3/550. الشمار 5/79، 171. الشمس 1/0349 447، 464، 2/8، 164، 165، 166، 366، 370، 371، 374، 395، 433، 4/96، 13/203، 301، 302. الشمعدان 4/50. الشمع 1/474، 3/574، 4/308. شهب (من ليالي الشهر) 2/396. الشهور الخراجية 13/77. الشهور القمرية 13/79. الشهور الهلالية 13/77، 80.

- ص -

شوال (من شهور العرب) 2/402. الشوزك 3/542. الشونة 3/366. الشولة (كواكب) 2/178، 380، 399. الشيح 1/188. الشيرج (زيت سمسم) 4/308، 5/170. الشيزي (شجر) 14/235. الشيظم (الفرس) 3/222. الشينية (سفينة حربية) 3/597. - ص- الصابون 1/486. الصاع 3/512، 5/172. صاع الفطرة (من المكاييل) 3/512. الصاع النبوي 5/172. الصبا (ريح) 2/185. الصباغ 1/494. الصبوب (من ساعات النهار) 2/385. الصحفة (كيل) 5/109، 172. الصحون (الصحن) 3/602. الصحيفة 2/514. الصرد (من الطيور) 2/90. الصرفة (كوكب) 2/177، 379، 399، 400. الصعتر 5/79، 108، 171. الصغدي (من المسك) 2/128. الصفاة (صخرة ملساء) 1/295. صفر (من شهور العرب) 2/401. صفيحة (سيف) 2/148. الصقر (الصقور) 2/58، 66، 3/347، 8/356. الصل (حية) 6/547. صلاية 2/505. الصليب (من أعياد القبط) 2/457. الصماصم (الصمصامة) (سيف) 2/148، 3/543. الصمغ 2/503. الصمغ العربي 2/504، 505. الصمهريخ 3/413. الصنارة 2/154. الصنجة (الصنوج) 4/187، 243. الصنجة الشامية 4/187. الصندفوري (من العود) 2/135. الصندل 1/195، 2/137، 470، 3/592، 14/305. الصنفى (من العود) 2/135. الصنوبر (من الثمار) 2/198، 199. الصهان (الطبل) 2/142. الصوغ (من الطيور) 2/72. الصوف 2/498، 4/407. الصولجان 2/341. الصولق (حقيبة) 2/140، 4/41. صوماريا (من أعياد اليهود) 2/463. الصومعة 3/366، 385.

- ض -

الصيني (من المسك) 2/128، 136. - ض- الضان 4/254. الضب 14/219. الضبع (أم عامر) 2/40، 42، 51، 3/347، 4/254، 8/357. الضحى (من ساعات النهار) 2/385. الضرغام 2/38. الضريب (من قداح الميسر) 1/457. الضفادع (الضفدع) 2/219. الضوع (طائر) 14/338. الضيغم 2/38. - ط- طابات (من شهور اليهود) 2/409. الطافي (من الحبوب) 5/292. الطاووس 2/86. الطباشير 5/69. الطبر (فأس) 2/150، 4/11. الطبل (الطبول) 2/142، 3/592. الطبلخانة 4/7. الطرحة 3/301. الطرف (كوكب) 2/176، 378، 399، 400. الطرفاء 3/337. الطرز (ثياب أميرية) 3/301. الطست 4/9. الطغر غزي (من المسك) 2/129. الطفل (من ساعات النهار) 2/385. الطلح 1/188، 5/400. الطلّع (نبت) 2/10، 200، 3/346. الطليحة (من الورق) 14/309. طنب (حبل) 2/440، 10/234. طنجير (إناء) 2/504. الطواحين النجدية 3/550. طوبة (من شهور القبط) 2/380، 412. الطوفان 1/486، 3/325، 335، 350، 351، 354، 361، 433، 468، 4/164، 266، 5/228، 6/229، 13/296، 14/307. الطوق 1/473، 3/293. الطيب 1/494. طير الواجب 1/147، 14/138، 269، 321، 323. الطيلسان 1/487، 3/583، 5/261، 11/197. الطين 1/481، 3/355. الطيهوج (طائر) 14/235. - ظ- الظباء (الظبي) 1/140، 188، 225، 271، 467، 2/44، 45،

- ع -

127، 3/223، 8/356، 12/139، 14/194، 331. الظربان (دويبة) 3/224. الظرف (من آلات الدواة) 2/509. الظلم (من ليالي الشهر) 2/396. الظليم (ذكر النعام) 3/223. - ع- العاج 2/497، 3/591. عاشوراء 4/283. عام بدر 1/448. عام حجة الوداع 1/409. عام الحديبية 14/12، 18، 19. عام الرماد 3/331. عام الفيل 6/227، 231. عام الهجرة 6/232. العباءة 2/144. العبهر 5/79. العتابي (قماش) 4/407، 5/32، 11/93، 333. العتمة (من ساعات الليل) 2/384. عجرين (بقر الوحش) 5/319. العجل 11/383. العجميات (نوع من الجياد) 2/17. العجّور 5/79. العدس 2/413، 3/343، 520، 5/78، 107، 170. العذراء (نجم) 2/171. العراب (نوع من الجياد) 2/17، 35. العراضي الدبيقية (قماش) 3/583. عرس النيل 2/410. العريسة (شجر) 14/270. العسل 2/280، 414، 415، 505، 3/602. العسلي 1/488. العشر (شجر) 1/466. العشى (من ساعات النهار) 2/385. العصا 2/151. العصر (من ساعات النهار) 2/385. العصفر (من الثمار) 2/415. العصفور 2/84، 3/411. العصماري (من المسك) 2/130. عطارد (كوكب) 2/164، 165، 166، 467، 4/96، 13/301. العفر (من الغزلان) 2/49. العفص الشامي 2/503، 504، 506، 9/229. العقاب 2/48، 58، 72، 3/325، 326، 347، 7/143، 13/248، 14/323، 337. العقارب (العقرب) (حيوان) 2/8. العقرب (نجم) 2/171، 375. العقعق (طائر) 2/90، 9/116، 117. العقيق 2/8، 9، 125، 5/41. العكاشة (العنكبوت) 14/296.

- غ -

العلم 1/375، 385، 2/142، 3/294. العليق (شجر) 3/342. عماريات (هودج) 3/544. العمائم (العمامة) 1/453، 474، 3/293، 301، 540، 4/3، 41، 5/137. العمروس (الخروف) 14/277. العنّاب (من الطيور) 2/198، 200، 4/90، 5/107. العناز (من الطيور) 2/72، 14/340. العناكب 14/217. العنباء 5/78. العنب 1/188، 2/161، 198، 200، 411، 3/344، 346، 4/90، 254، 467، 5/15، 78، 107، 170، 13/254. العنب الشتوي 2/410. العنبر 2/130، 3/594. العنبر الشحري 3/255، 5/15، 7/324، 14/291. العندم (خشب أحمر) 2/8. العنزة 1/435، 439، 2/45. العنزة (آلة) 3/392. العنصرة (من أعياد القبط) 2/455، 464. العنصل (بصل بري) 5/102. العواء (كواكب) 2/177، 379، 399، 400. العوال (دينار بغدادي) 4/420. العود (آلة طرب) 4/412. العود (شجر) 2/133، 160، 5/58. عود الحية 5/274. العود الصنفي 5/77. العود القامروني (معدن) 5/73. العود القماري 5/77. العوسج (شجر) 5/400، 13/263. العولاتي (من العود) 2/136. عين الثور 2/174. عين شمس (كنز) 1/483. عين الهر (من الأحجار) 2/112. العيوق (كوكب) 2/182، 12/317، 14/226. - غ- الغاشية 2/141، 4/6، 48. الغالية (من الطيب) 1/490، 14/275. الغبراء 1/398. الغبيراء (من الثمار) 2/198. الغداف (طائر) 2/85. الغراب 1/456، 2/50، 74، 225. الغراب الأبقع 2/91. الغراب الحجازي 14/268. غراب الزرع 2/86. الغرارة (وعاء) 3/122، 13/30. غرر (من ليالي الشهر) 2/396.

- ف -

الغرقد (شجر) 4/294. الغرنوق (طائر) 2/74، 5/171، 14/323، 338. الغروب (من ساعات النهار) 2/385. غزال المسك 5/59، 7/391. الغزالة (من ساعات النهار) 2/385. الغزلان 2/48، 63، 3/346، 4/91، 254، 5/15. الغسق (من ساعات الليل) 2/384. الغطّاس (طائر) 2/77. الغطاس (من أعياد القبط) 2/455. الغفر (كواكب) 2/178، 379، 399. الغنم 1/353، 2/515، 3/346، 448، 529، 4/91، 5/15، 78، 108، 171، 276، 292. الغوثى (من الحبوب) 5/276. الغول 1/462. - ف- الفاختة (الفواخت) (طائر) 2/82. الفأر 2/52. فاريتى (شجر) 5/277. الفأس 2/150. الفاغية 4/254، 5/79. فبراير (من شهور الروم) 2/419، 423. فتنة ابن أبي العافية 5/162. الفتنة البربرية (فتنة بني أمية بالاندلس) 5/240. فتنة منطاش 4/121. الفجر الأول (من ساعات الليل) 2/384. الفجر المعترض (من ساعات الليل) 2/385. الفجل 2/504، 3/344، 520، 4/254. الفجل الأسود 5/394. الفحل 1/297، 459. فحم (من ليالي الشهر) 2/396. الفحمة (من ساعات الليل) 2/384. الفخ 2/154. الفخار الصيني 4/481. الفدان 3/528، 5/136. الفدان الإسلامي 4/240. الفدان الرومي 4/240. الفراشة 2/90. الفرافصة (الأسد) 2/38. الفرس 3/227، 293، 294، 4/7، 8/355، 9/210. الفرصاد (التوت الأسود) 3/345، 4/90، 5/79، 107. الفرغ المقدم (كواكب) 2/180، 380، 399، 400. الفرغ المؤخر (كواكب) 2/180، 380، 399، 400. الفرقدان (كواكب) 2/181. الفستق (شجر، ثمار) 2/198، 199، 416، 3/345، 602، 4/371،

- ق -

5/107، 170. الفسطاط 2/146، 4/8. فسقية (حوض من الرخام) 3/588، 4/49. الفص (من الاحجار) 3/426. الفصح الأكبر (من أعياد القبط) 2/453، 454. الفضة 1/483، 524، 2/446، 471، 3/330، 473، 508، 509، 591، 4/7، 5/294، 10/393، 396، 11/212، 12/154، 13/303، 14/172. الفضة النقرة 3/535. الفقوس 3/346. الفقيمي (باز) 2/64. الفلس 4/420. الفلس الأحمر 4/420. الفلفل 5/70. فلكة (آلة) 3/542. الفلوس 3/510. الفلوس الجدد 3/510، 4/122، 187، 223، 7/233. الفلوس العتق 3/511، 4/223، 239، 7/233. الفنداق (من المعاملات) 3/526. الفنك (حيوان) 2/54، 4/42، 14/295. الفهد 2/42، 8/358، 14/193. الفوانيس (الفانوس) 1/474، 2/145. الفول 2/413، 4/467، 5/78، 107، 170. الفولاذ 2/122، 148، 471. الفيروذج (من المعادن) 2/117، 4/390. الفيل 2/40، 41، 3/347، 569، 5/78، 276، 6/65، 7/391. - ق- القاتول (خيمة) 3/544، 592. القارض 3/364. القاشاني 4/358. القاقلي (من العنبر) 2/131، 135. القاقم (حيوان) 2/54، 4/42. القامروني (من العود) 2/134. القباء الإسلامي 3/301، 4/10، 41. القباء التتري 4/41. القباطي (المصري) 4/285، 287. القباطي (ثياب بيض) 2/481. القبج (طائر) 2/81. القبر 1/436. القبقاب 1/488. القثاء (من الثمار) 2/198، 200، 3/344، 4/254، 5/79، 108، 171. القداح 1/458. القدح 2/150، 162.

القدح المصري 3/512. القدور 2/146. القراصيا 2/199، 415، 3/344، 4/90، 5/107، 170. القراصيا البعلبكية (شجر) 14/436. القرد 5/292. القردة 5/15، 13/269. القرط (من الزرع) 2/411، 412، 3/517، 4/56. القرطاس 1/486، 2/476، 502، 14/267. القرطم (من الحبوب) 3/343، 4/90. القرظ (ثمر، شجر) 3/226، 5/40، 6/361. القرقلات (من الدروع) 4/11. القرقوبي (قماش) 3/572. القرلى (طائر) 2/77، 268. القرنفل 2/139، 5/59. القرفة 5/59. قساس (معدن) 2/148. القسط (عود هندي) 5/60. القسور (من العود) 2/136. القسي 1/295، 9/340، 14/324، 14/324، 331. قسي الشريان 10/238. القسي العربية 4/11. القصارى (من المسك) 2/139. القصب (غابات) 1/492. القصب (ملبس) 2/412، 3/55، 337، 14/308. قصب البوص 3/55. قصب السكر 3/344، 520، 546، 4/90، 467، 479، 5/79، 171، 9/122. القصب الفارسي 2/494، 3/519، 520. القصبة السند فاوية (من المقاييس) 3/512. القصبة الحاكمية (من المقاييس) 3/512. القصطل (شجر) 2/199. القضيب 1/503، 2/148، 3/291. قضيب الملك 3/540. قط الزباد 7/391. القطا (طائر) 2/79. القطاني (نبت) 3/517. القطران 1/524. القطعي (من العود) 2/136. القطن 2/498. القفيز (مكيال) 4/420، 5/109. القلادة 1/264. القلام (شجر) 2/479. القلب (نجم) 2/178، 379، 399. قلب الأسد 2/178. قلب الثور 2/178. قلب السمكة 2/178. القلع 12/178. القلم 1/175، 327، 355، 452،

- ك -

480، 2/143، 470، 3/8، 9، 43، 44، 9/124، 14/263، 264، 266، 267، 269، 270. القلم القمي 9/231. القلقاس 2/412، 3/344، 520، 4/90، 5/171، 9/122. القماري (من العود) 2/135. قماش سكندري 3/302. القماش اليزدي 4/349. القمع 2/411، 3/517، 4/467، 5/107، 170. القمر 1/285، 334، 349، 2/7، 164، 165، 166، 377، 390، 4/96، 13/203، 301. القمري (طائر) 2/81، 96، 9/104. القمل 2/284. القنا 2/149، 5/60، 69. قنابهول (من الحبوب) 5/292. القنب الهندي (الحشيشة) 5/162. القنباري (من المسك) 2/129. القنبرة 2/69. القنبيط (ثمر) 3/344، 4/90، 5/108. القند (عسل قصب السكر) 3/546. القندس 14/295. القندغلي (من العود) 2/136. القنديل 2/456، 3/575، 4/308. القنطار 3/527. القنطار الجروي 3/527. القنطار المصري 3/512، 574. القنطار الليثي 3/527. قنطارية (نوع من السلاح) 3/542. القوانس 11/341. القوس (فلك) 2/172، 370، 375. القوس 2/9، 150. قوس البندق 2/154، 7/141. قوس قزح 2/11، 13/302. قومى (شجر) 5/277. القيراط 3/506. القيصوم 1/188. - ك- الكأس 2/162. الكاغد (القرطاس) 1/481، 2/480، 514. الكافور (شجر) 1/195، 2/139، 505، 5/58. الكافور الفنصوري 5/76. كانون الأول (من شهور السريان) 2/380، 419. كانون الثاني (من شهور السريان) 2/380، 419. الكباد (من الحمضيات) 3/345، 4/90، 5/171. الكبريت 13/303. الكتان (زرع) 2/200، 413، 504، 3/517، 4/90.

- ل -

الكثيراء (نبت) 2/510، 6/342، 8/24. الكحل (معدن) 4/366. الكديش (من الخيل) 9/109. الكر (مكيال) 4/420. الكراث (ثمر) 2/200، 3/344، 4/254. الكراكي (طائر) 5/108، 171. الكراوية 3/520. الكرسف (القطن) 2/313. الكرسي 1/473، 3/563، 4/5. الكركدن 2/40، 5/77، 78. الكركي (طائر) 2/52، 63، 67، 69، 3/347، 5/356. الكرنس 3/520، 4/468، 5/108، 171، 277. الكروان 2/80، 3/347. الكزلك (زي) 4/41. الكرة 2/341. الكسلا (من شهور اليهود) 2/409. كسوة الكعبة 4/282. الكف الخضيب (نجوم) 2/182. الكلاب (الكلب) 1/464، 2/39، 44، 63، 440، 3/223. الكلاب السلوقية 2/26، 3/477. الكلس 3/419، 4/358. الكلوتات 1/474، 4/3، 4، 41. الكمأة 2/414. الكمثري (من الثمار) 2/198، 200، 415، 3/344، 4/90، 467، 5/79، 107، 170. الكمخا 4/407. الكمخاوات الخطائية (لباس) 4/475. الكمنجة 2/160. الكمون 3/520. الكنانة 1/405، 2/151. الكنبوش 2/144، 4/12. الكنجاوات 3/544. كندرة البازي 2/63. كوابح 3/544. الكوب 2/162. الكور 2/144. الكوسات 3/544، 4/8. الكونج (طائر) 2/68. الكوهية (طائر) 2/68، 8/125، 357، 9/109، 114. الكي (طائر) 2/74. الكيل الدمشقي 4/188. الكيل المصري 4/188، 223. كيهك (من شهور القبط) 2/375، 380، 411، 3/311. كيوان (كوكب زحل) 10/125. - ل- لاجوق 4/50.

- م -

اللازورد (معدن) 2/126، 507، 3/343، 426، 4/377، 442، 5/5. اللبان 3/344. اللبن (حجر) 3/366. اللبن 1/456، 2/416، 453، 3/346. اللبوس (درع سفينة) 11/91. اللبوة 2/38. اللجام 1/516، 2/143، 4/12. اللحم 1/458. اللصاق 2/509. اللطائم (وعاء المسك) 1/468. اللغلغ 2/70، 14/323، 334. اللفاح (شجر) 2/200. اللفت (من الثمار) 2/200، 3/344، 520، 4/90، 468، 5/79، 108، 171، 277. اللقلق (أبو خديج) 3/347. اللك (مائة ألف تنكة) 5/81. اللك الأبيض 5/81. اللك الأحمر 5/81. اللوبياء 3/343، 520، 4/90، 5/78، 108، 171، 277. اللوح 2/512. اللوز (ثمار شجر) 2/198، 199، 413، 3/344، 5/170. اللوقيني (من العود) 2/136. اللولب 2/153. اللؤلؤ 2/10، 106، 3/408، 541، 4/54، 406، 5/54، 7/396، 9/25، 14/387. الليالي البلق 2/411. الليالي السود 2/412، 413. ليالي الوقود 3/574. الليث 2/38، 8/302، 3/199. الليقة (من الآت الدواة) 2/498، 3/43. الليلاء (من ليالي الشهر) 2/396. الليم 5/79، 107، 170. الليمون (شجر) 2/200، 416، 3/345، 346، 4/90، 254، 467، 479، 5/15، 79، 107، 170، 14/305. الليمون الأسود 9/229. الليمون التفاحي 2/416. اللينوفر 2/410، 3/344، 5/79، 107، 14/37. اللينوفر الأصفر 4/88. - م- مارس (من شهور الروم) 2/373، 419. الماس 2/109، 113، 5/58. الماش 4/467، 5/78. المال الهلالي 3/539.

المانطائي (من العود) 2/136. ماء الجراد 4/407. ماء المعمودية 13/289. ماء الورد 3/602. ماية (من شهور الروم) 2/419، 423. المتوع (من ساعات النهار) 2/385. المثقف (من الرماح) 2/149. مجمرة 1/522. المجول (ثوب أبيض) 1/457. المحاق (من ليالي الشهر) 2/396. المحبرة 2/272، 498. المحراب 3/385، 387. محرم (من شهور العرب) 2/401. المحرم (من العود) 2/137. المحفة 2/145. المحمل 2/145. المخاصر 1/487. المخدة 3/563. المخرز 2/510. المخلاة 4/12. المخمل (من القماش) 4/407. المخيطي (من الثمار) 2/198. المداد 2/494، 500، 3/43، 9/124. مدافع النفط 4/49. المد (كيل) 4/306. المد القروي 5/109. المد النبوي 5/109. المدفع 2/153. المدية 2/150، 495. المرار (نبت) 14/222. المراكب 1/385. المرامي 14/323. المرجان 2/9، 121، 3/541، 9/25، 14/394. المرجان (شجر) 5/153. المرحلة (من المسافات) 4/79. مرحشون (من شهور اليهود) 2/409. مردوماه (من شهور الفرس) 2/412. المرزم (طائر) 2/75، 3/347، 14/326، 339. المرزم (نجم) 14/323. المرزنجوش 5/108. المرسين 2/505، 3/346. المركب 3/293، 356. المرملة 2/143، 508. المرود (المفصل والوتد) 2/114. المريخ 2/164، 165، 167، 433، 467، 4/96، 13/301. المزاريق (الرماح) 5/141. المزمار 2/161. المزهر (العود) 2/160. المسبل (من قداح الميسر) 1/457. مسرى (من شهور القبط) 2/378، 416، 3/320. المسطرة 2/511. المسقاة 2/511.

المسك 1/264، 2/12، 118، 126، 218، 3/591، 602، 14/302. المسك الداري 7/324. المسن 2/512. المشتري 2/164، 165، 167، 467، 4/96، 13/301. المشربش (لباس) 11/333. المشرفية 10/339. المشعر (من الثمار) 2/415. المشمش 2/189، 200، 414، 3/344، 4/90، 467، 5/107، 170، 9/120. مشمش لؤلؤي 9/119. مشمل (سيف) 2/148. المصطكى (شجر) 2/114، 5/353. المصغ (فاكهة) 5/107. المصقلة 2/511. المضعف (من قداح الميسر) 1/457. المظلة (الجتر) 2/141، 3/542، 4/6. المظلة، (من أعياد اليهود) 2/464. المعلى (من قداح الميسر) 1/457. المغربي (من العنبر) 2/132. المغرة (صبغ) 2/7، 507، 4/254. المغفر (آلة حديد) 2/151. المغناطيس 2/125. المفرشة 2/510. المقات (زرع) 2/412. مقاصير (شجر) 2/138. مقاصيري (من الصندل) 2/137. المقرعة 3/580. المقط 2/497. المقل (شجر) 3/388، 5/293. المقلمة 2/495. المقندس (فراء) 11/333. مكاحل البارود 2/153. المكاء (طائر) 14/301. المكوك (مكيال) 4/122، 223، 240، 420. المكوك الدمشقي 4/243. الملح 5/159، 279. الملزمة 2/510. الملقط 3/392. الملواق 2/508. الملوخيا 3/344، 4/90، 254، 5/108، 277، 9/123. الممسحة 2/510. المن (معيار) 2/121، 3/512، 4/306، 13/258، 266. المنبر 1/453، 3/300، 383. المنثور (من الزرع) 2/411، 413، 3/346، 5/108. المنجنيق 1/489، 2/152، 3/520، 6/498، 528، 7/270، 8/71، 96، 292، 397. المندلي (من العود) 2/134. المنديل 2/140، 3/583.

- ن -

المنشاة 2/509. المنطقة (لباس) 2/142. المنفذ 2/510. المنقلب الشتوي 2/430. المنقلب الصيفي 2/430. المنيح (من قداح الميسر) 1/457. المهار (بقر وحش) 5/171. المهارق 2/512. المهاميز (المهماز) 2/144، 4/43، 5/198. المهاني (من الياقوت) 2/109. المهر 2/32، 33. المهرجان (من أعياد الفرس) 2/448، 9/51، 13/297. مهر ماه (من شهور الفرس) 2/415، 417. الموز 2/416، 3/345، 4/91، 479. الموميا (معدن) 4/349. الموهن (من ساعات الليل) 2/384. الميزان 2/65، 154. الميزان (نجم) 2/171، 370، 371، 375، 467. الميسن (شجر) 2/262. الميضأة 3/387. الميلاد (من اعياد القبط) 2/455. الميل 3/392. - ن- نار ضرار 6/228. النارنج 2/198، 200، 3/345، 346، 4/90، 467، 5/79، 107، 170، 9/155، 14/291. النافجة (وعاء المسك) 2/127. النافس 1/457. الناقة 1/83، 307، 458، 2/36، 226. الناموس 2/41، 411، 13/287. الناووس (تابوت من حجر) 3/362. النبق 2/198، 200، 413، 3/345. نبق بشنس 3/362. النبل 10/238. النبيذ 2/161. النثرة (نجوم) 2/176، 378. النجيل (نبت) 5/278. النحاس 2/153، 3/325، 330، 509، 5/159، 294، 7/233، 13/303. النحاس الأحمر 3/535. النحاس الأصفر 2/471، 497. النحل 1/188. النخ (قماش) 4/407. النخيل 1/125، 188، 281، 355، 413، 414، 4/102، 5/54، 107، 170، 9/155. الند (من العنبر) 2/132، 3/583، 4/308. النرجس 2/90، 201، 412، 3/344، 346، 4/91، 5/79، 108،

171، 9/155، 14/291، 302. النرد 2/157. النسر 2/40، 58، 73، 3/347، 7/143، 14/307، 323، 336. النسر الطائر 2/182. النسر الواقع 2/182. النسرين 2/200، 3/344، 4/91. النسع 2/228. النشا 6/342. النشاب 2/48، 150، 4/11، 10/235. النشارة 6/261. النصافي (قماش) 4/407. النصل 2/150. النطع (بساط من جلد) 4/282. النطرون (معدن) 3/312، 527. النعال الصرارة 1/488. النعام 1/192، 534، 2/76، 242، 416، 3/223، 346، 5/108، 171، 14/194. النعائم (نجم) 2/380، 399، 400. النعناع 2/200. النغير (من الطيور) 14/315. النفط 2/153، 504، 3/313. النقارات 3/544. 591، 592. النّمام 5/108. النمر 1/289، 363، 2/40، 7/391، 9/248. النمس 2/54، 56، 14/292. النمل 2/11، 52، 3/387، 7/4. النورة (حجر الكلس) 2/109. النوشادر 13/303. نوفنبر (من شهور الروم) 2/419، 422. النوء 2/189. نوء الأسد 2/190. نوء الإكليل 2/192. نوء البطين 2/189. نوء البلدة 2/191. نوء الثريا 2/190. نوء الجبهة 2/190. نوء الجوزاء 2/190. نوء الحوت 2/190. نوء الدبران 2/190. نوء الذراع المقبوضة 2/190. نوء الزباني 2/191. نوء الزبرة 2/190. نوء سعد الأخبية 2/191. نوء سعد بلع 2/191. نوء سعد الذابح 2/191. نوء سعد السعود 2/191. نوء السماك الأعزل 2/191. نوء الشرطين 2/189. نوء الشولة 2/191. نوء الصرفة 2/190. نوء الطرفة 2/190. نوء العواء 2/191.

- هـ -

نوء الغفر 2/191. نوء الفرغ المقدم 2/191. نوء الفرغ المؤخر 2/191. نوء القلب 2/191. نوء النثرة 2/190. نوء النعائم 2/191. نوء الهقعة 2/190. نوء الهنعة 2/190. النيروز 1/472، 491، 2/445، 3/321، 337، 6/242، 8/49، 13/59، 61، 297. نيروز الفرس 2/417. نيسان (من شهور السريان) 2/378، 381، 419. النيلة 3/520. النيلوفر (زهر) 2/200. - هـ- الهاجرة (من ساعات النهار) 2/385. هاتور (من شهور القبط) 2/379، 411. الهامة 1/461. هاون 2/505. الهبيد (حب الحنظل) 14/222. الهجرس (ولد الثعلب) 14/223. الهجرة النبوية 3/480. الهجن (الإبل) 1/60، 2/17، 4/62. الهدهد 2/88. الهر 2/39، 55، 215. الهرطمان (مائة رطل) 4/421. الهرمانة (عصفر) 6/544. الهزار 2/84. الهزبر 2/38. الهزبران 1/449. الهقعة 1/465، 2/175، 378، 399. الهلال 1/323، 2/366، 395، 396، 13/199. الهليون 2/200، 410، 3/344، 519، 4/90، 5/79، 107. الهماليج (الأكاديش) 2/17. الهندباء 4/254، 5/18. الهندي (من المسك والعنبر) 2/128، 131. الهنعة 2/175، 378، 399، 400. الهوام 2/411، 416، الهيصم 2/38. - والوتد 1/295. الوحرة (دويبة حمراء) 1/289. الودع (معدن) 5/159. الورد 2/8، 3/344، 346، 4/91. الورد الأبيض 2/414، 4/325. الورد الأحمر 2/414. الورشان (طائر) 2/64، 82.

- ي -

ورق البردى 2/516. ورق الذهب 2/507. الوزغ 1/188. الوسمة (نبات) 1/496. الوشق 4/45، 463، 5/398. الوط (كيل) 5/339. الوطواط 2/94. الوطواط (طبل) 5/319. الوعل 1/188. وقعة الجلبان 3/409. وقعة الجمل 1/449. وقعة الحديبية 1/406. وقعة الحرة 1/352. وقعة صفين 1/449، 4/339، 14/91. وقعة القادسية 2/431. وقعة مرج راهط. 1/450. الويبة (من المكاييل) 3/512، 4/123. الويبة المصرية 4/188. - ي- الياسمين 2/201، 3/344، 346، 4/91، 5/108، 171. الياقوت 2/108، 513، 5/58، 13/303، 14/394. اليراع 2/474، 9/64. اليشم (معدن) 2/126. اليعفور 2/363، 454. اليعقوب (ذكر الحجل) 2/81. اليلب 10/330، 11/341. اليمام 2/83. اليمومة 5/61. يولية (من شهور الروم) 2/420، 422. يوم احد 1/298، 515، 6/279، 9/353. يوم الأحزاب 4/292. يوم أوراة 1/447. يوم بدر 1/281، 298، 408، 9/353. يوم التروية 4/283. يوم الجمل 2/59، 13/234. يوم الحكمين 13/235. يوم الحديبية 14/92. يوم الحنو 1/446. يوم حنين 3/292. يوم خزار 1/445. يوم ذي قار 1/489. يوم رحرحان 1/447. يوم السقيفة 1/276، 283، 355، 9/319، 11/164، 13/232. يوم شعب جبلة 1/448. يوم صفين 1/296، 299، 489، 13/234، 14/91. يوم الطائف 1/510. يوم عاشوراء 1/521. يوم عائشة (انظر وقعة صفين) . يوم العصيات 1/446.

يوم عنيزة 1/446. يوم عين أباغ 1/446. يوم عين جالوت 3/456. يوم غدير خم 13/232، 237، 244. يوم الفتح 3/292. يوم الفجار 6/227. يوم القديد 1/391، 498. يوم قضة 1/446. يوم الكديد 1/447. يوم الكلاب الأول 1/447. يوم الكلاب الثاني 1/447. يوم مرج حليمة 1/447. يوم واردات 1/446. يوم اليرموك 1/510. ينير (من شهور الروم) 2/419، 422. يونية (من شهور الروم) 2/374، 420، 422. اليؤيؤ (من الصقور) 2/68.

فهرس الآيات القرآنية

فهرس الآيات القرآنية - أ- أَآلِهَتُنا خَيْرٌ (الزخرف/ 58) : 3/211. ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ (التوبة/ 48) : 10/47. أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ (البقرة/ 44) : 1/234، 10/16، 34، 35، 259، 266، 275. أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (الشعراء/ 128، 129، 130) : 1/270. أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ (البقرة/ 30) : 1/526، 4/256. أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (الصافات/ 125) : 4/113. اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة/ 119) : 10/16. اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (يوسف/ 55) : 11/154، 270، 12/88. أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها (الفتح/ 26) : 1/239. اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (المؤمنون/ 108) : 10/87، 14/281. اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ (الأعراف/ 142) : 9/393، 10/179. ادْخُلُوا الْبابَ* (النساء/ 154) : 12/130. ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النمل/ 12) : 10/444. ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ (الأحزاب/ 5) : 6/332. إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (الذاريات/ 41) : 2/186.

إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (مريم/ 16) : 13/287. إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً (الأعراف/ 163) : 2/388. إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ (الأنفال/ 43) : 2/309، 310، 311. إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ (آل عمران/ 44) : 2/479. إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (النصر/ 1) : 7/410. إِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (الانفطار/ 2، 3: 12/354. إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ (المؤمنون/ 91) : 6/285. أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ (النور/ 36) : 10/50. اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ (النمل/ 28) : 6/344. فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ (طه/ 97) : 13/272. ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (النمل/ 37) : 1/233، 5/262. اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (نوح/ 10) : 5/51. أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (الفتح/ 29) : 11/340. اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (لقمان/ 14) : 6/482. أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (النساء/ 59) : 8/255. أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (الأعراف/ 99) : 8/71. وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ الآية: أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (العنكبوت/ 67) : 2/173. أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ (الجاثية/ 23) : 10/88. أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (الملك/ 22) : 10/137، 138. اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (القمر/ 1) : 2/309. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (العلق/ 3، 4) : 1/63، 235، 2/474، 3/3، 14/129، 265. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ (ص/ 23) : 1/88. إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ (الأنفال/ 58) : 3/216. أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (هود/ 18) :

7/339، 10/8. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ (فاطر/ 34) : 9/67، 10/97، 127. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ (الأنعام/ 1، 2) : 2/244. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ (الأعراف/ 43) : 9/331، 403. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ (إبراهيم/ 39) : 8/365. الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ (فاطر/ 35) : 14/124. الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ (الأنعام/ 1) : 2/303. الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (البقرة/ 156) : 9/95، 96. الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (المطففين/ 2) : 11/209. الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى (الإسراء/ 1) : 10/61. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ (الحج/ 41) : 1/237، 9/323. الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ (الأحزاب/ 26) : 10/49. الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ (آل عمران/ 173) : 6/258، 7/270، 13/333. الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا (آل عمران/ 168) : 5/468. أَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (الانشقاق/ 4) : 1/237. اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ (الطلاق/ 12) : 2/244. اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً (الروم/ 48) : 2/185. اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ (النور/ 35) : 12/461. اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (البقرة/ 15) : 1/295. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً (الحج/ 63) : 14/303. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ (لقمان/ 29) : 13/71. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (الشعراء/ 225) : 1/329،

أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً (لقمان/ 20) : 6/415. الم ذلِكَ الْكِتابُ (البقرة/ 1، 2) : 12/374. َّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (الكهف/ 48) : 3/218. أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي (الزخرف/ 51) : 3/309. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً (المائدة/ 3) : 13/371. أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ (الكهف/ 9) : 9/148. أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (الطور/ 41) : 1/81. أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَإِبْراهِيمَ (النجم/ 36) : 2/514. أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ (التوبة/ 109) : 3/219. أَمْ مَنْ خَلَقْنا الآية: فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا (الصافات/ 11) : 3/219. أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً (فصلت/ 41) : 3/219. أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (النساء/ 109) : 3/219. أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ (الزمر/ 9) : 3/219. إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ (الحجرات/ 13) : 10/277. إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (الانفطار/ 13، 14) : 2/304. إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (العاديات/ 6) : 2/251. أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ الآية: وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ (النساء/ 125) : 11/340. إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ (هود/ 114) : 9/172، 13/52. إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (الأنعام/ 57) : 9/412. إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (الأعراف/ 201) : 2/244. إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً (الحج/ 73) : 6/285. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ (آل عمران/ 90) : 10/157. إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (النساء/ 10) : 10/287، 395، 396، 11/197، 198. إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ

فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (الفتح/ 10- 18) : 3/301، 9/282، 331، 10/60، 444. إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ (آل عمران/ 77) : 10/137. إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان/ 13) : 12/246، 247. إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (فاطر/ 6) : 6/371. إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ (العنكبوت/ 45) : 10/107، 13/8. إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (النساء/ 103) : 10/17، 107، 152، 268، 396. إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (الإسراء/ 34) : 9/404. إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ (الحجرات/ 13) : 7/342. إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (التوبة/ 111) : 6/483. أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ (التوبة/ 3) : 1/203. إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً (البقرة/ 247) : 4/164، 5/420، 13/262. إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ (البقرة/ 243) : 9/103. إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي (البقرة/ 249) : 13/262. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (النحل/ 128) : 10/381، 451، 11/59، 14/349. إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ (الأحزاب/ 56) : 6/218. إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (النساء/ 107) : 10/282. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ (النحل/ 90) : 3/301، 7/336، 10/36، 111، 154، 174، 13/34. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها (النساء/ 58) : 1/249، 410، 4/269، 6/100344/23، 37، 60، 133، 293، 356، 12/363. فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ* (التوبة/ 4، 7) : 10/249. إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (الدخان/ 51) : 5/463. إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ (النساء/ 176) : 3/177.

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها (النمل/ 34) : 1/205. إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ (القصص/ 20) : 9/246. إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (يوسف/ 53) : 10/249، 250. إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ (آل عمران/ 73) : 11/22. إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ (آل عمران/ 96) : 1/485، 4/58، 255، 287. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ (آل عمران/ 68) : 1/276، 13/126، 127. إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (الغاشية/ 26) : 2/304. إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ (الأحزاب/ 53) : 2/283. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (الحجر/ 86) : 13/344. إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (العاديات/ 11) : 9/334. إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (الحج/ 1) : 9/334. إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً (التوبة/ 36) : 2/401، 424. إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (الفرقان/ 65) : 9/401. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (البقرة/ 164) : 13/82. إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق/ 37) : 2/282، 10/88. إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (يس/ 53) : 6/426. إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (طه/ 118، 119) : 14/221. إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ (الأنعام/ 134) : 3/215. إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ (آل عمران/ 59) : 13/290. فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* (الشرح/ 6) : 8/384. إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ (ص/ 23) : 2/284. إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (الأعلى/ 18، 19) : 2/514، 515. إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (النمل/ 16) : 9/401. إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا

تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا (النساء/ 135) : 10/277، 298. إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ (آل عمران/ 140) : 8/298. إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً (القمر/ 19) : 2/184. أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ (يوسف/ 45) : 1/238. إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (النساء/ 104، 105) : 10/289، 361. إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (القلم/ 17، 18، 19، 20) : 6/223. إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (الجن/ 1) : 9/351. إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (الأحزاب/ 22) : 10/284، 396. إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (البقرة/ 156) : 6/96، 8/383. إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا (غافر/ 41) : 7/341. إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى (يس/ 12) : 2/289. إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها (مريم/ 40) : 6/289. إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (الحجر/ 9) : 2/512. إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ (الأعراف/ 156) : 13/257. أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ (يوسف/ 101) : 11/155. انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا (التوبة/ 41) : 7/271، 10/67، 155. إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (يوسف/ 54) : 11/153. إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم/ 4) : 12/274. إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (الزمر/ 30) : 6/370، 386، 9/302. إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ (المائدة/ 90) : 2/161، 6/485. إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ (التوبة/ 60) : 10/26، 27. إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ (النساء/ 171) : 6/379. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (الحجرات/ 10) : 6/332. إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ (التوبة/ 27) : 13/60.

إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (المرسلات/ 7) : 3/215. إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ (طه/ 69) : 3/215. إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (المائدة/ 33، 34) : 1/277، 10/22، 23، 39، 378، 381، 382. إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا (النور/ 51) : 12/48. إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً (آل عمران/ 178) : 7/268. إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ (الفتح/ 10) : 9/291، 293، 13/216. إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر/ 28) : 1/206، 11/227، 14/366. إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (الأحزاب/ 33) : 7/361، 10/136، 253، 260، 265، 405، 11/263، 13/332. إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (التوبة/ 18) : 10/18، 33، 71، 153، 262، 267، 11/158، 253، 14/386. إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (القصص/ 79) : 3/221. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (الواقعة/ 77) : 6/178. إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (النمل/ 30) : 1/480، 6/211، 10/69. إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (يوسف/ 90) : 10/343، 14/384، 385. إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ* (الأنعام/ 135) : 7/339. إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (طه/ 10) : 14/221. إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ، إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (النمل/ 29، 30) : 1/481، 6/178، 214، 339، 13/168. إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ (الأنفال/ 48) : 12/262. إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (البقرة/ 30) : 5/417، 418، 10/135.

- ب -

إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (يوسف/ 55) : 11/350. إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (يوسف/ 4) : 1/241. أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا (البقرة/ 247) : 13/262. اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ (البقرة/ 61) : 3/305. أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ (الأحقاف/ 4) : 3/3. أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ (الأنعام/ 146) : 13/265. أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق/ 50) : 6/285. أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (هود/ 80) : 6/110. أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (الشعراء/ 181، 182) : 10/114. أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً (العنكبوت/ 67) : 1/251. أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (الحجرات/ 3) : 6/447. أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (المائدة/ 41) : 13/374. أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* (البقرة/ 5) : 13/372. أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ (الأنعام/ 82) : 2/360. أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا (الزخرف/ 18) : 3/210. أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ (القصص/ 28) : 3/217. أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ (النساء/ 78) : 14/315. - ب- بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ* (الفتح/ 28) : 12/52. بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها (هود/ 41) : 3/191. بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (آل عمران/ 150) : 7/424. بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (الفرقان/ 11، 12) ، 2/310، 311، 312. بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (البروج/ 21) : 2/512. بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (سبأ/ 15) : 13/154. بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (الزخرف/ 80) : 1/230. بَنَيْناها بِأَيْدٍ الآية: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (الذاريات/ 47) : 3/179.

- ت -

بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (الكهف/ 50) : 1/267. بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً (البقرة/ 90) : 3/218، 13/373. بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي (الأعراف/ 150) : 3/218. - ت- تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (الملك/ 1) : 9/301. تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ (المسد/ 1) : 2/474: 5/407. تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ (النحل/ 89) : 1/229. تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا (يوسف/ 30) : 11/280. تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (مريم/ 90) : 13/280. تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً (القصص/ 83) : 9/427، 428، 10/141. تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ (البقرة/ 134) : 1/208. - ث- ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ (الحج/ 60) : 13/333، 348. ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (الأنعام/ 23) : 13/209. ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (الحج/ 29) : 6/203. ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (الحج/ 15) : 6/203. ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (المدثر/ 22) : 1/531. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (يوسف/ 49) : 2/424. - ج- جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً (يونس/ 5) : 6/59. - ح- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (البقرة/ 238) : 10/107. حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (المؤمنون/ 99) : 6/289. حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها (محمد/ 47) : 5/421.

- خ -

حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (البقرة/ 187) : 2/367. حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (الفرقان/ 66) : 5/463. حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (الزخرف/ 1، 2) : 13/203. حم عسق كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ (الشورى/ 3) : 3/11. حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (الرحمن/ 72) : 2/361. - خ- خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ (الأحزاب/ 50) : 6/47. خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ (البقرة/ 7) : 6/338. خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (الأعراف/ 199) : 2/360، 3/560، 10/153. خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها (التوبة/ 103) : 10/34. - د- دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (يونس/ 10) : 6/255. - ذ- ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا (الحجر/ 3) : 2/243. ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً (النساء/ 70) : 8/366، 367، 9/297، 298، 10/89. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (التوبة/ 120) : 10/110. ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ (البقرة/ 178) : 13/80. ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (الحديد/ 21) : 1/236، 5/349، 7/278، 9/302، 10/321، 14/142، 451. ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ (يوسف/ 38) : 9/331، 10/82، 131، 11/304. ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ (الحج/ 60) : 7/443. ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (هود/ 103) : 9/335، 11/315.

- ر -

لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* (فصلت/ 35) : 10/106. - ر- رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي (المائدة/ 25) : 1/240. رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً (آل عمران/ 35) : 2/282. رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ* (الأحقاف/ 15) : 9/430. رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ* (الشعراء/ 24 والدخان/ 7) : 1/479. بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ الآية: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ (المعارج/ 40) : 2/372. رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ (الشعراء/ 28) : 2/372. رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (الرحمن/ 17) : 2/372. رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ (النمل/ 19) : 8/345، 9/403. رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا (فصلت/ 29) : 3/193. رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (يونس/ 88) : 2/314. رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (الحشر/ 8) : 1/266. رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ (إبراهيم/ 37) : 4/252. رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (هود/ 73) : 13/380. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ (المائدة/ 119) : 10/427. - س- سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ (الأعراف/ 146) : (الأعراف/ 146) : 3/205. سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (المدثر/ 26، 27، 28) : 2/243. سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ (الإسراء/ 1) : 3/304. سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (الأنبياء/ 87) : 8/276. سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (الكهف/ 69) : 12/226. سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (الزخرف/ 19) : 10/280. سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (يس/ 58) : 6/504. سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ (المائدة/ 41) : 13/374. سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً (القصص/ 35) : 13/151.

- ش -

سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ (الحج/ 25) : 10/445. سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (الرعد/ 10) : 9/400. سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (الطلاق/ 7) : 7/25. سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (الفتح/ 29) : 12/413. - ش- شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا (الفتح/ 11) : 1/207. شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ (آل عمران/ 18) : 13/370. شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً، وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً (البقرة/ 143، وآل عمران/ 30) : 1/237. شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (البقرة/ 185) : 2/403. - ص- ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (ص/ 10) : 13/203. صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (النمل/ 88) : 13/303. - ض- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً (النحل/ 75) : 1/347، 6/334. ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (إبراهيم/ 24) : 1/347. ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ (إبراهيم/ 75) : 1/229. ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ (آل عمران/ 112) : 6/78، 8/25، 13/373. - ط- طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (القصص/ 1، 2، 3) : 1/230، 278. - ع- عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (العلق/ 4) : 1/327.

- ف -

عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ (البقرة/ 236) : 14/386. عَمَّ يَتَساءَلُونَ (النبأ/ 1) : 3/214. عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (القمر/ 55) : 5/420. - ف- فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (الشعراء/ 60، 61) : 13/263. فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (البقرة/ 24) : 10/288، 289. فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ (التوبة/ 4) : 9/362. فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (ص/ 26) : 10/394. فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ (المائدة/ 48) : 8/121، 10/438. فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً (الأنعام/ 99) : 9/159. كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (الدخان/ 27) : 3/304. فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ (طه/ 12) : 12/327. فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ* (الأحزاب/ 5) : 6/332. فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ (البقرة/ 198) : 4/263. فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (فصلت/ 34) : 14/261. فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (الإسراء/ 104) : 3/369. فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ (الإسراء/ 5) : 4/166. فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (النساء/ 6) : 10/299. أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ الآية: وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (الذاريات/ 41) : 2/186. فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ (الأعراف/ 133) : 2/284. فَسْئَلِ الْعادِّينَ (المؤمنون/ 113) : 14/184، 185. فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (النحل/ 43) : 10/446. فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ (البقرة/ 266) : 2/186. فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (مريم/ 65) : 13/209.

فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ (آل عمران/ 159) : 10/154. وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ الآية: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ (البقرة/ 191) : 10/110. فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ (طه/ 72) : 5/424. فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (النساء/ 103) : 10/33. فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ (الأعراف/ 157) : 2/290. فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (الذاريات/ 4) : 13/205. فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (الضحى/ 9، 10) : 2/310. فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى (الحجرات/ 9) : 8/94. فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ (النساء/ 59) : 10/294، 446. فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ (آل عمران/ 20) : 13/371. فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (الشرح/ 5، 6) : 2/360. فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ (الرحمن/ 33) : 8/365. إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ (المائدة/ 33) : 1/277. فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ (القصص/ 38) : 1/486. فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُ (الأنعام/ 88) : 10/88. فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ (النساء/ 160) : 13/257. فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ (المائدة/ 52) : 13/375. فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (الحاقة/ 7) : 6/517. فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ (آل عمران/ 37) : 8/231. فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (مريم/ 22) : 13/281. فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ (البقرة/ 54) : 13/271. فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً (النساء/ 43) : 11/427. فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ (القصص/ 79) : 1/487.

فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (مريم/ 59) : 10/22. فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا* (الأنعام/ 91) : 2/242. فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (الواقعة/ 89) : 6/504. فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ (التوبة/ 2) : 14/5. فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة/ 137) : 2/277. فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (الحجرات/ 8) : 3/516، 10/328. فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (الشعراء/ 4) : 6/509، 14/380. فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (الواقعة/ 65) : 3/222. فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (الحجر/ 14) : 3/222. فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (التوبة/ 18) : 12/314. فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً (القمر/ 11، 12) : 2/197. فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (الذاريات/ 50) : 2/361. فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ (الحجكرات/ 9) : 10/425. قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (فصلت/ 11) : 6/509. فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (الأنعام/ 45) : 2/364، 6/306، 8/280. فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (نوح/ 10) : 5/51. فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (الإنشقاق/ 16) : 13/206. فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ (المعارج/ 40) : 13/206. فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (الواقعة/ 75) : 13/205. فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (مريم/ 84) : 7/23، 366. فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ (محمد/ 35) : 14/14. فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (النساء/ 65) : 12/48، 49، 13/203. فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (الإسراء/ 33) : 1/239. فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا (التوبة/ 28) : 13/360.

لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً (يونس/ 71) : 9/! 390، 391. فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً (العنكبوت/ 14) : 2/423. فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ (الأنعام/ 149) : 1/228، 8/72. فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ (آل عمران/ 52) : 13/371. فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً (يوسف/ 96) : 6/294. فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ (الأنفال/ 48) : 8/261. فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (البقرة/ 89) : 13/259. فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي (النمل/ 40) : 11/304. فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا (الأحقاف/ 24) : 2/187. فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ (الأعراف/ 165) : 13/373. فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ (البقرة/ 283) : 12/99. فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ (الإسراء/ 12) : 2/395. فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها (يونس/ 108) : 9/324. فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة/ 181) : 10/58، 11/49، 13/36. فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ (آل عمران/ 185) : 10/174. فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ (الفتح/ 10) : 7/440، 9/317، 329، 359، 10/20، 13/333، 437. فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ (الأنعام/ 125) : 8/66. فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (الجن/ 9) : 11/325، 12/176. فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (الزلزلة/ 7) : 2/195. فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (غافر/ 11) : 14/160. فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (البقرة/ 74) : 6/506. فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (الذاريات/ 23) : 1/237، 13/202. فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا

- ق -

(مريم/ 68) : 13/203. فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (الحجر/ 93) : 9/381، 13/202. فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (الأعراف/ 118) : 8/398. فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (الحاقة/ 32) : 2/155. فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (النازعات/ 43) : 3/215. فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ (آل عمران/ 97) : 4/250، 5/463. فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (الغاشية/ 13، 14) : 2/305. - ق- ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (ق/ 1) : 13/203. قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (التوبة/ 30) : 2/454. قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ (التوبة/ 29) : 6/363، 13/355. فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (التوبة/ 12) : 1/297. قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (التوبة/ 14) : 10/51. قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ (آل عمران/ 52) : 6/90. قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي (القصص/ 78) : 1/486. قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ (يوسف/ 47) : 2/424. قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (المائدة/ 26) : 13/266. قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ (يوسف/ 19) : 9/149. قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (النمل/ 29) : 6/344. قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (فصلت/ 11) : 9/116. قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ (يوسف/ 85) : 13/209. قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا (يوسف/ 91) : 13/209. قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (الذاريات/ 10، 11) : 14/303. قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (المؤمنون/ 1، 2) : 7/337، 10/107. قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (طه/ 36) : 11/312.

قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ (الأعراف/ 85) : 1/230. قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ (الممتحنة/ 4) : 13/375، 376. قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ (النحل/ 112) : 7/4، 5. قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (الإسراء/ 110) : 6/211، 13/210. قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ (الكهف/ 23) : 14/185. قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ (آل عمران/ 26) : 10/320. قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (فصلت/ 9، 10، 11، 12) : 2/386. قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (يونس/ 58) : 1/236، 9/102، 11/291، 14/145. قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (سبأ/ 49) : 14/251. قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ (الإسراء/ 84) : 7/342. قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (الشوري/ 23) : 7/53، 8/237، 10/259، 407، 12/428. قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ (الحجرات/ 17) : 7/263، 272. قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ (المائدة/ 100) : 11/383. قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (النمل/ 65) : 13/245. قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي (الكهف/ 100) : 2/500. قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ (الإسراء/ 88) : 12/52. قُلْ ما يَعْبَؤُا (الفرقان/ 77) : 3/210. قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ (يوسف/ 108) : 12/380. قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ (المائدة/ 60) : 13/373. قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (الزمر/ 9) : 10/136. قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ (النمل/ 65) : 1/229، 13/371.

- ك -

قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ (هود/ 48) : 2/294. - ك- كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ (التوبة/ 117) : 1/238. كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق/ 37) : 11/222. كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (المائدة/ 79) : 13/22. كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (ص/ 29) : 10/107. كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (إبراهيم/ 26) : 10/87. كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (العلق/ 6، 7) : 8/257. كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ (المطففين/ 14) : 11/164. كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (التكاثر/ 4) : 1/237، 2/360. كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (الإسراء/ 20) : 3/222. كَلَّا لا وَزَرَ (القيامة/ 11) : 5/421. كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (الأنبياء/ 35) : 9/297. كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ (النحل/ 77) : 1/238. كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ (الأنعام/ 141) : 13/80. كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ (الأنعام/ 6) : 9/119. كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً (البقرة/ 249) : 7/268، 8/115. كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ (المزمل/ 15) : 6/220. كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ (الكهف/ 45، يونس/ 24) : 1/269، 10/144. كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ (البقرة/ 261) : 12/155، 203. كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ (الفتح/ 29) : 12/112. كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ (الحديد/ 20) : 4/129. كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ

- ل -

بِاللَّهِ (آل عمران/ 110) : 10/22، 36. كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (القمر/ 31) : 3/222. كُونُوا رَبَّانِيِّينَ (آل عمران/ 79) : 6/13. - ل- لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (البلد/ 1) : 13/204، 205. لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (القيامة/ 1) : 13/204. لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا (التوبة/ 40) : 12/326. لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (القصص/ 25) : 11/328. لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (الطلاق/ 1) : 7/25. لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (الصافات/ 47) : 2/360. لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (الإسراء/ 88) : 6/19. لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ (فصلت/ 42) : 1/90، 9/380، 10/47، 13/366. لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ (آل عمران/ 28) : 13/367. لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً (النساء/ 19) : 1/460. لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ (النساء/ 95) : 11/166، 167. لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ (الحديد/ 10) : 7/135. لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ (الحجرات/ 11) : 6/49. لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (النساء/ 40) : 10/335. لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (الواقعة/ 79) : 1/95. لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ (المائدة/ 89) : 9/169، 13/213. لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ (الفتح/ 9) : 2/290. لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (المائدة/ 78) : 13/374. لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ (التوبة/ 48) : 10/87. لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ

ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (التوبة/ 128، 129) : 2/309، 9/400. لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (الكهف/ 74) : 7/425. لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (الفتح/ 27) : 6/224. لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (الأحزاب/ 21) : 8/383، 14/225. لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ (المائدة/ 73) : 13/280. لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (الرعد/ 38) : 1/296، 9/296. لِكَيْلا تَأْسَوْا (الحديد/ 23) : 3/219. لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ (آل عمران/ 153) : 3/219. لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً (الحج/ 5) : 3/219. لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ (الأحزاب/ 50) : 3/219. لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (النساء/ 11) : 3/221. لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً (الحشر/ 8) : 1/266. لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ (الروم/ 4) : 4/291، 292، 6/222. فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (الأنعام/ 149) : 8/71. لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ (التوبة/ 108) : 4/294. لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ (الرعد/ 11) : 8/385. لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ (الأنعام/ 127) : 6/326. لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها (ق/ 35) : 12/414. لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ (الأنفال/ 63) : 1/239، 10/82. لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (الكهف/ 77) : 8/368. لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ (الأعراف/ 100) : 2/303. لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (إبراهيم/ 7) : 6/398، 10/43. لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ (النساء/ 165) : 8/70. لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (قريش/ 1، 2) : 4/269. لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (الفرقان/ 28) : 12/328. لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ

- م

الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (النجم/ 31) : 1/270، 9/95، 350. لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ (التوبة/ 91) : 12/383. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (الشوري/ 11) : 9/400، 10/102، 304. لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً (المدثر/ 31) : 13/176. لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ (الحج/ 28) : 2/360. لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا (الأنفال/ 42) : 1/292. لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (آل عمران/ 141) : 8/298. لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (يسن/ 70) : 1/230، 6/284، 8/309، 13/366. لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (الأنفال/ 42) : 9/380. - م ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (الحاقة/ 29) : 2/284. ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ (الملك/ 3) : 2/444. ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ (الأحزاب/ 4) : 2/282. ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ (المائدة/ 103) : 1/459. ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ (الأنعام/ 38) : 1/229، 10/439. ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ (آل عمران/ 179) : 9/413. ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (الأنفال/ 32) : 10/94. ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ (الأنفال/ 67) : 14/168. ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ (الأحزاب/ 40) : 1/280. ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (النجم/ 11) : 2/282. ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (نوح/ 13) : 2/305. ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة/ 106) : 10/93. ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (يوسف/ 31) : 10/341، 12/226

- ن -

مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ (البقرة/ 261) : 7/269. مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (الفتح/ 29) : 1/266: 8/278، 10/415. مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (النساء/ 69) : 9/333. مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا (نوح/ 25) : 3/214. مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ (البقرة/ 282) : 10/280. مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا (الأحزاب/ 23) : 12/412. مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ (آل عمران/ 52) : 6/93، 13/273. مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً (البقرة/ 245) : 14/397. فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ (الفتح/ 10) . مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ (النساء/ 80) : 10/108. مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ (النساء/ 123) : 10/37. مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (الكهف/ 17) : 6/371. مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ (التوبة/ 36) : 2/403. - ن- ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (القلم/ 1، 2) : 1/63، 235، 2/470، 474، 3/3، 14/129، 265. نَحْنُ الْوارِثُونَ (الحجر/ 23) : 6/289. نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ (آل عمران/ 52) : 13/273. نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ (المائدة/ 52) : 3/201. نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ (الصف/ 13) : 3/542، 8/75، 14/224، 265. - هـ- هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (الفرقان/ 74) : 9/318. هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (آل عمران/ 138) : 10/107.

- و -

هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ (الجاثية/ 29) : 14/281. هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ (النمل/ 40) : 9/404. هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى أَزِفَتِ الْآزِفَةُ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (النجم/ 58) : 8/70. هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا (يوسف/ 65) : 1/134، 12/83. هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (طه/ 9) : 12/321. هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (الكهف/ 66) : 11/304. هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (الرحمن/ 60) : 9/327، 10/67. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (التوبة/ 33) : 8/114 13/331، 365، 14/113. هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (الأنفال/ 62) : 8/384. هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ (يونس/ 5) : 13/71. هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ (فاطر/ 39) : 5/420. هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (المؤمنون/ 36) : 6/426. - ووَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (النجم/ 37) : 9/317، 12/353. وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ (النساء/ 6) : 10/281. وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (يوسف/ 84) : 7/383. وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ (يوسف/ 38) : 1/279. فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ (مريم/ 27) : 1/238. وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (الكهف/ 63) : 10/139. وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (المائدة/ 57) : 10/377. وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً (الأنفال/ 25) : 8/270. وَأْتُوا الْبُيُوتَ (البقرة/ 179) : 3/191. وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (ص/ 20) : 1/292، 6/222. وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (الصافات/ 118) : 2/306. فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ (إبراهيم 37) : 12/235.

وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (الشعراء/ 84) : 1/105. وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (طه/ 29) : 10/398. وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (الشعراء/ 315) : 10/446. وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ (الأعراف/ 167) : 13/374. وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ (الأنفال/ 48) : 6/508، 7/138. وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ (الأحقاف/ 29) : 1/145. وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ (المائدة/ 21) : 13/268. وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا (البقرة/ 34) : 6/326، 371. وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ (البقرة/ 127) : 4/256. وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (هود/ 9، 10) : 2/309. وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً (الإسراء/ 16) : 1/205. وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (التكوير/ 8) : 1/460. 3/207. وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (النساء/ 58) : 14/385. وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ (الأعراف/ 69) : 5/419. وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ (آل عمران/ 103) : 7/272: 8/269. وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (الطلاق/ 2) : 10/298. وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (لقمان/ 17) : 10/97. وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ (النحل/ 127) : 12/342. وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (الواقعة/ 28) : 2/311. وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ (الكهف/ 32) : 3/439. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (الأنفال/ 46) : 6/401. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا (آل عمران/ 103) : 6/401. وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ

الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (الأنفال/ 60) : 6/484، 7/270، 10/28، 40، 113، 387، 13/8. وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا (البقرة/ 286) : 9/354. وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ (الأنفال/ 41) : 10/43، 155، 12/20. وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ (غافر/ 44) : 11/112. وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ (النحل/ 38) : 13/206. وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ (العنكبوت/ 45) : 10/17، 289. وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ (الطلاق/ 2) : 2/292. وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (الرحمن/ 9) : 12/336. وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (المؤمنون/ 70) : 10/156. وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا (الكهف/ 44) : 12/223. وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً (الأعراف/ 58) : 10/25، 96، 343. وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (التين/ 1، 2) : 13/204، 205. وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (النساء/ 77) : 10/98. وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ (الأعراف/ 169) : 1/102. وَالذَّارِياتِ ذَرْواً فَالْحامِلاتِ وِقْراً فَالْجارِياتِ يُسْراً فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (الذاريات/ 1، 2، 3، 4) : 13/203. وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ (الحشر/ 9) : 4/290. وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا (العنكبوت/ 69) : 8/122، 10/114. وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (المؤمنون/ 8) : 10/294. وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (الفرقان/ 72) : 10/395. وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً (البقرة/ 234) : 1/460. وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (الواقعة/ 10) : 7/265. وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ

وَالْأَنْصارِ (التوبة/ 100) : 13/155. وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (البروج/ 1) : 13/204. وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (الرحمن/ 7، 8، 9) : 2/155، 352. وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (الطارق/ 1) : 13/204. وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (مريم/ 33) : 6/220. وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (يسن/ 38) : 13/71. وَالشَّمْسِ وَضُحاها وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (الشمس/ 1) : 13/205. وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (الصافات/ 1، 2، 3) : 13/203، 204. وَالصُّلْحُ خَيْرٌ (النساء/ 128) : 6/398، 14/114. وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (الضحى/ 1، 2) : 3/203، 13/204. وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (الطور/ 1) : 2/514، 13/203، 204. وَالْعادِياتِ ضَبْحاً فَالْمُورِياتِ قَدْحاً فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (العاديات/ 1، 2، 3) : 2/310، 13/205. وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (طه/ 132) : 7/341، 10/449. وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (الأعراف/ 128) : 7/268، 12/457، 13/368. وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (العصر/ 1) : 13/204، 205. وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (الفجر/ 1، 2) : 3/196. 13/204، 205. وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (يسن/ 39) : 2/398، 13/71، 81. وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً (ص/ 34) : 2/141. وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (نوح/ 17) : 2/244. وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (البقرة/ 265) : 14/387. وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ* (آل عمران/ 4) : 13/368. وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (آل عمران/ 195) : 11/215. وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ (يوسف/ 21) : 10/53، 11/154. 232، 235. وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (البروج/ 20) : 5/260.

وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ (الأحزاب/ 53) : 10/394. وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ (الرعد/ 41) : 10/51، 11/181. وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ (البقرة/ 120) : 1/117. وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (الأحزاب/ 4) : 10/278. وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة/ 247) : 10/54. وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ (آل عمران/ 25) : 5/233. وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (الفجر/ 4) : 3/196. وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (الليل/ 1) : 13/204. وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (المرسلات/ 1، 2) : 2/309، 13/204، 205. وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها (الحاقة/ 17) : 2/246. وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا (البقرة/ 177) : 10/137، 13/347. وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ (التوبة/ 71) : 8/121. وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ (سبأ/ 10، 11) : 1/488. وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (النازعات/ 1، 2) : 13/204، 205. وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (النجم/ 1، 2) : 2/174. 309، 13/204. وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ (البقرة/ 233) : 2/424. وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (الضحى/ 11) : 7/24، 430. وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ (الأنفال/ 58) : 3/216، 10/292. وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (النازعات/ 40) : 10/369. وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ (الطور/ 22) : 2/500. وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها (طه/ 132) : 3/191، 13/7. وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ (لقمان/ 17) : 10/155. وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ (التوبة/ 6) : 7/337، 13/321. وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (الأنبياء/ 111) : 1/230. وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (غافر/ 39) : 5/468. وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ (النساء/ 23) : 13/19، وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ (المائدة/ 3) : 1/458.

وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (آل عمران/ 186) : 9/303. وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها (النحل/ 18) : 7/95، 11/382، 13/177. وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى (البقرة/ 237) : 7/434. وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ (الأنفال/ 61) : 6/430، 7/267، 440، 8/283، 10/422. 14/5، 12، 114. وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما (الحجرات/ 9) : 8/93، 10/425، 14/13. وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً (الإنفطار/ 10، 11) : 1/63، 235، 14/129. وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ (الأنبياء/ 47) : 10/441. وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (النجم/ 39) : 10/26، 263، 292. وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ (الأنعام/ 17) : 14/387. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (الجن/ 9) : 1/455. وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء/ 214) : 10/270. وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ (الحديد/ 25) : 14/266. وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ (المؤمنون/ 18) : 2/197. وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (طه/ 97) : 3/223، 13/271. وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (الزخرف/ 4) : 13/256. وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (الشعراء/ 196) : 2/472. وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصلت/ 41، 42) : 10/16، 17، 32، 152، 253، 258، 265، 289. وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (النجم/ 49) : 2/182. وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً (يونس/ 87) : 3/305. وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها (الأعراف/ 137) : 3/304. وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (الإسراء/ 24) : 9/412، 10/27، 41، 444.

وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها (النحل/ 91) : 9/323، 10/155، 156. وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ (الأنفال/ 75) : 1/275. وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ (الحج/ 34، 35) : 9/96. وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً (المائدة/ 12) : 5/428. وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (الأنبياء/ 57) : 13/209. وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ (النمل/ 88) : 7/269. وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (إبراهيم/ 49، 50) : 10/296. وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (البقرة/ 197) : 10/106، 296، 355، 373، 455، 11/60، 12/296. وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ (المائدة/ 2) : 10/24، 38، 112، 282، 291، 299، 11/70. وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ (العنكبوت/ 43) : 1/348. وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ (آل عمران/ 14) : 7/287. وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ (الأنعام/ 83) : 6/46. وَثَمُودَ فَما أَبْقى (النجم/ 5) : 1/397. جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ (التوبة/ 48) : 6/507. وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (الفجر/ 22) : 9/333، 334. وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (يسن/ 20) : 4/134. وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (ق/ 19) : 11/166. وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (ق/ 21) : 12/413. وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (الشوري/ 40) : 7/266. وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ (النحل/ 80) : 2/146، 246. وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً (الإسراء/ 12) : 8/7. وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ (الأنبياء/ 73) : 10/442 وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ (آل عمران/ 133) : 6/505.

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (القيامة/ 22) : 3/227. وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (هود/ 16) : 6/507. وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (النساء/ 63) : 10/55، 12/120. وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (البقرة/ 144) : 3/216. وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً (يوسف/ 100) : 6/326. وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (القلم/ 9) : 2/361. وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ (الأنعام/ 120) : 10/445. وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (الذاريات/ 55) : 6/70، 9/396، 10/73، 11/370. وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ (يوسف/ 23) : 9/320. وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ (القصص/ 68) : 3/323، 5/268. وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً (الأحزاب/ 25) : 5/254، 382، 7/386، 387، 429. وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (الانشراح/ 4) : 6/218، 256. وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ* (الشعراء/ 182) : 2/155، 10/156. وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (آل عمران/ 133) : 7/268، 10/249. وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ (إبراهيم/ 33، 34) : 8/319. وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (مريم/ 15) : 6/220. وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (الشعراء/ 227) : 1/280، 7/342، 343، 9/375، 376، 10/216. وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ (آل عمران/ 159) : 10/19، 35، 109، 255، 277، 421. وَصَلِّ عَلَيْهِمْ (التوبة/ 103) : 6/219. وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ (غافر/ 64) : 2/7. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً (النحل/ 112) : 1/348. ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً (إبراهيم/ 24) : 1/264. وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (البقرة/ 57) : 13/267.

وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ (التوبة/ 118) : 3/218. وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (النور/ 55) : 1/237، 7/117، 9/329، 346. وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ (الفتح/ 20) : 12/171. وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ (الأنبياء/ 80) : 2/151. عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ (النمل/ 16) : 9/115. وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ (الأنعام/ 146) : 13/265. وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (الأنعام/ 59) : 12/412. وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (الواقعة/ 21) : 2/162. وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (النساء/ 95) : 7/431، 11/166. وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (يوسف/ 76) : 9/403، 11/244، 377. وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (الذاريات/ 21) : 14/244. وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (المطففين/ 26) : 9/39. وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ (البقرة/ 193) : 10/87. وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (يوسف/ 99) : 3/305، 6/224. وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها (هود/ 41) : 6/211، 14/190. وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ (يوسف/ 21) : 3/305. وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي (يوسف/ 54) : 5/420، 6/47، 9/423. وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي (القصص/ 38) : 2/269. وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ (التوبة/ 30) : 3/192. وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (مريم/ 89) : 2/309، 312. وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (الأنعام/ 25) : 1/42، 236، 14/129. وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ (فاطر/ 34) : 6/294، 7/280، 9/336. وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (آل عمران/ 173) : 6/259.

وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ (التوبة/ 86، 87) : 5/468. وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (الزخرف/ 31) : 4/264. وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ (البقرة/ 251) : 5/453. وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (طه/ 111) : 10/119. وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (الفرقان/ 23) : 2/195. وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ (البقرة/ 223) : 11/42. وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (الحج/ 45) : 6/28. وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (الزمر/ 75) : 6/255، 9/333. وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً (الإسراء/ 23) : 6/482. وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ (الإسراء/ 4) : 5/424. وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (طه/ 114) : 14/366. وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ (التوبة/ 48) : 1/239. وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (النساء/ 154) : 13/264. وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (الزمر/ 75) : 8/368. وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ (هود/ 44) : 2/281. وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (الأحزاب/ 43) : 8/367. وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (الفرقان/ 67) : 6/24. كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (الروم/ 47) : 7/320، 341. وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (النساء/ 113) : 9/39، 11/292. وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها (الفتح/ 26) : 10/62، 89، 362، 12/119. وَكِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (الطور/ 2) : 13/162. وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ (الأعراف/ 145) : 2/513، 13/258. وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا (آل عمران/ 37) : 6/24.

وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (النساء/ 6) : 11/282. وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً* (النساء/ 166) : 9/387، 13/217. وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (الفرقان/ 31) : 9/396. وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (الأنبياء/ 33) : 2/163. وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (الأنبياء/ 78) : 2/514. وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (النساء/ 2) : 10/441. وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ (الإسراء/ 29) : 5/469. وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ (آل عمران/ 169) : 12/115. وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (المائدة/ 13) : 13/374. وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (الأنعام/ 164) : 7/266. وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ (المائدة/ 2) : 13/10. وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ (الأنعام/ 151) : 1/461. وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا (الإسراء/ 32) : 7/336. وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ (الكهف/ 23) : 6/223. وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ (آل عمران/ 105) : 8/269. وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ (الحجرات/ 11) : 5/413. وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا (النحل/ 91) : 1/236، 9/427، 13/213. وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا (النساء/ 22) : 1/460. وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (ص/ 3) : 14/297. وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ (الحجرات/ 11) : 6/49. وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى (المائدة/ 8) : 10/394. وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (الحاقة/ 34) : 3/222. وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (فاطر/ 43) : 7/342. وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (فاطر/ 14) : 7/268، 10/74، 92.

وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ (الأعراف/ 26) : 7/435. وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (الكهف/ 25) : 2/426، 13/63، 72، 77. وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (آل عمران/ 104) : 11/67، 13/22. وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (البقرة/ 267) : 2/303، 314. وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (الرعد/ 34) : 13/374. وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ (الأعراف/ 130) : 2/424. وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (ق/ 38) : 2/386. وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (الصافات/ 171، 172، 173) : 10/420. وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ (طه/ 115) : 9/363. وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (الأنبياء/ 105) : 6/504، 516، 7/341. وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (طه/ 37) : 6/516. وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ (آل عمران/ 123) : 3/560. وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ (النساء/ 131) : 10/314. لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (الرعد/ 38) : 1/296. وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (البقرة/ 179) : 1/231. وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ (النساء/ 12) : 2/249. وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ (طه/ 87) : 5/421. وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (الضحى/ 4) : 3/193، 11/303. وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (آل عمران/ 97) : 8/76، 10/111، 262. وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (الرعد/ 15) : 14/385. وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ (الجن/ 87) : 14/352. وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (النساء/ 141) : 13/385.

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (محمد/ 31) : 1/297. وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ (النساء/ 12) : 2/249. وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (آل عمران/ 110) : 13/366. وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ (لقمان/ 27) : 1/240. وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ (الشورى/ 27) : 8/257، 258. وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (النساء/ 82) : 12/39. وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (آل عمران/ 159) : 1/117، 3/225. وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (الأنعام/ 7) : 2/514. وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ (البقرة/ 251) : 8/121، 301، 10/83. وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ (الفتح/ 25) : 14/115. وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً (النور/ 55) : 10/384. وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (ص/ 29) : 2/245. وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ (النساء/ 9) : 10/293، 11/197. وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ (النور/ 22) : 9/143، 13/334. وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج/ 40) : 7/93، 8/254، 14/180. وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (الحشر/ 7) : 10/108، 276، 297، 439، 14/21. وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً (الروم/ 39) : 3/204. وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ (الأحقاف/ 9) : 9/412. وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ (إبراهيم/ 4) : 2/251، 6/68. وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (الأنبياء/ 34) : 1/234. وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (يوسف/ 103) : 10/444. وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (آل عمران/ 126) : 5/562.

وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (الأنبياء/ 24) : 6/370، 9/297. وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ (آل عمران/ 126) : 8/75. وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا (ص/ 27) : 9/303. وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (الشعراء/ 23) : 1/478. وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (فصلت/ 46) : 7/388، 10/88. وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى (الأنفال/ 17) : 1/235. وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ (يس/ 69) : 1/90. وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (الأنفال/ 33) : 6/466. وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ (سبأ/ 21) : 5/420. وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (الإسراء/ 15) : 7/426، 8/69، 71. وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى (القصص/ 59) : 12/316. وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (العنكبوت/ 48) : 1/71. وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (الكهف/ 51) : 1/229، 7/7، 10/284. وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (البقرة/ 270) : 13/381. وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ (آل عمران/ 144) : 6/370، 10/171. وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (الصافات/ 164) : 1/237، 14/187. وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (الإسراء/ 59) : 9/221. وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها (الزخرف/ 48) : 6/506. وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (الحاقة/ 41) : 1/90. وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (التكوير/ 24) : 3/222. وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (هود/ 83) : 1/229، 277. وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ (العنكبوت/ 49) : 9/304. وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (البقرة/ 269) : 2/245. وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ (فاطر/ 19) : 7/342. وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي

الْعِلْمِ* (آل عمران/ 7) : 14/366. وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ (المدثر/ 31) : 1/524. وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ (إبراهيم/ 26) : 1/264. وَمَقامٍ كَرِيمٍ (الشعراء/ 58) : 5/463. وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (التوبة/ 110) : 4/290. وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (فصلت/ 33) : 10/266، 444. وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما (الأنعام/ 146) : 13/265. وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (الفتح/ 10) : 8/242، 9/341. وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (الروم/ 21) : 14/358. وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (الأنعام/ 84، 85) : 1/231. مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ (النمل/ 22) : 3/209. وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ (النمل/ 40) : 10/157. وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ (المائدة/ 95) : 1/308. وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (النور/ 40) : 7/11. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (المائدة/ 45) : 7/336، 10/283، 300. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (المائدة/ 47) : 7/336، 10/50، 294. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ 44) : 7/336، 10/298. وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (آل عمران/ 85) : 13/366، 370. وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (البقرة/ 229) : 10/21، 38، 256، 279، 11/204. وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ (الطلاق/ 1) : 7/336، 10/68. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (الطلاق/ 4) : 11/63، 358. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (الطلاق/ 2) : 1/234، 9/395، 10/16، 386، 12/336. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (الطلاق/ 5) : 10/106، 391، 465، 466، 11/63.

وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (الطلاق/ 3) : 6/259. وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ (المائدة/ 51) : 7/266، وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى (النساء/ 115) : 13/19. وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (الرعد/ 33) : 6/172. وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ (الحج/ 30) : 10/66. وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (طه/ 112) : 10/361. وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ (آل عمران/ 135) : 14/299. وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (آل عمران/ 28) : 13/376. وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (الفرقان/ 68) : 9/317. وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (الشورى/ 23) : 11/44. وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (النساء/ 93) : 7/270. وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً (البقرة/ 269) : 10/353، 444. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي (التوبة/ 49) : 3/191، 210. وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (ق/ 16) : 1/230. وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (القصص/ 6) : 1/230. وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (القصص/ 5) : 3/458. وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (النحل/ 89) : 10/275، 297. وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (الغاشية/ 15، 16) : 2/305، 306. وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (مريم/ 79) : 2/500. وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ (الأنعام/ 165) : 5/418. وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ (هود/ 7) : 2/385. وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ (الفتح/ 24) : 4/254. وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ

- ي -

رَحْمَتِهِ (الأعراف/ 57) : 2/185. وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا (الشورى/ 28) : 3/514. وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ (البقرة/ 132) : 9/395. وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا (النمل/ 85) : 1/83. وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ (التوبة/ 32) : 10/72. وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا (آل عمران/ 191) : 14/292. وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ (طه/ 105) : 11/283، 12/32. وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ (الفتح/ 9) : 6/29. وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (الصافات/ 8، 9) : 2/251. وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (المائدة/ 53) : 13/375. وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (المطففين/ 1، 2) : 10/29، 42، 114، 285، 301. فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ* (المرسلات/ 49) : 2/361. وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ (الشورى/ 24) : 3/195. وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ (الحج/ 65) : 2/244. وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (الأنفال/ 30) : 13/348. وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (الزمر/ 61) : 10/359، 451. وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (الرعد/ 12) : 2/187. وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ((الزمر/ 60) : 13/385. وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (الروم/ 5) : 7/280. - ي- يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ (يوسف/ 63) : 14/317. يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي (هود/ 44) : 2/180. يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ (الأحزاب/ 3) : 4/290، 5/463. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 102) : 1/234، 10/16، 32، 124، 257، 288، 13/371.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (الأحزاب/ 70) : 10/266، 325، 470، 11/55. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة/ 119) : 1/234، 10/257، 270، 333، 350، 393، 431، 11/57. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً (الحديد/ 28) : 10/437. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ (الحشر/ 18) : 10/89، 90، 152، 463. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (الجمعة/ 9) : 2/388، 10/18، 33، 267. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (النساء/ 59) : 6/410، 8/269، 10/105، 268، 424. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (الأنفال/ 29) : 10/274. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (محمد/ 7) : 7/422. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ (الحجرات/ 6) : 10/254. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (المائدة/ 1) : 10/7، 20، 422. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ (التوبة/ 123) : 6/484، 8/254، 10/91، 92، 415، 422. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ (النساء/ 135) : 10/255، 395. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ (الصف/ 10) : 6/547. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً (النساء/ 144) : 13/385. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ (المائدة/ 51) : 13/367، 375، 386. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا (آل عمران/ 118) : 1/93، 13/366. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ (الممتحنة/ 1، 2) : 13/375. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ (الممتحنة/ 13) : 13/385. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ

تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ (المائدة/ 101) 1/301. يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ (النساء/ 47) : 13/373. يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (المدثر/ 1، 2، 3، 4) : 2/308. يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (النمل/ 29) : 9/205. يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (الحج/ 1) : 1/297. يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ (يونس/ 23) : 13/348. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً (الممتحنة/ 12) : 9/282. يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (آل عمران/ 104) : 10/452. يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ (البقرة/ 40) : 11/383. يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (البقرة/ 132) : 13/371. يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ (ص/ 26) : 5/418، 8/122، 9/372، 381، 10/24، 254، 279، 291. يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ (الأحقاف/ 31) : 1/145. يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (الفرقان/ 27) : 7/272. لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (النبأ/ 40) : 6/499، 8/292، 12/417. يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (النساء/ 73) : 1/230، 7/410. يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً (الأنبياء/ 69) : 12/327. يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً (الكهف/ 49) : 11/283. يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (الفرقان/ 28) : 8/102، 12/328. يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (المزمل/ 20) : 13/340. يَبْدَؤُا الْخَلْقَ (يونس/ 4) : 3/210. يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ (التوبة/ 21) : 3/560. يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ (إبراهيم/ 27) : 9/301. يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (الحج/ 23) : 14/387. يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (الحشر/ 2) : 7/46.

يَدْعُ الدَّاعِ (القمر/ 6) : 3/195. يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ (الرحمن/ 35) : 3/222. يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ (فاطر/ 1) : 2/11. يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ (الأحزاب/ 30) : 3/207. يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ (البقرة/ 189) : 2/395. يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ (النور/ 41) : 13/370. يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ (النساء/ 108) : 10/439. يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ (النساء/ 176) : 14/368. يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (الاسراء/ 33) : 10/54. يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (يس/ 1) : 13/203. يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (النساء/ 8) : 12/391. يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (الواقعة/ 17، 18، 19) : 2/162، 246. يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ (سبأ/ 12) : 2/147. يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ (المنافقون/ 8) : 4/290. يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (الحجرات/ 17) : 1/233، 6/440. يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (الشورى/ 49) : 7/95، 9/62، 63. يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (النحل/ 111) : 10/397. يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ (إبراهيم/ 48) : 10/360. يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ (آل عمران/ 106) : 2/7. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً (آل عمران/ 30) : 10/395. يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ (النحل/ 80) : 3/223. يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ (الأنبياء/ 104) : 6/338. يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ

لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (غافر/ 16) : 11/49. يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (غافر/ 51، 52) : 9/395. يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً (لقمان/ 33) : 10/274. يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (الشعراء/ 88) : 12/435، 13/347. يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (آل عمران/ 114) : 11/63.

فهرس الأحاديث النبوية الشريفة والأثار

فهرس الأحاديث النبوية الشريفة والأثار (أ) ابدأ بنفسك. 11/311 أحبّ الأعمال إلى الله الصلاة ... 13/6 إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه. 7/249 إذا التقى المسلمان بسيفهما ... 14/13 إذا جاء رمضان أغلقت النيران ... 2/404 إذا رزق العبد الأثنى نادى مناد من السماء ... 9/62 إذا فتح الله عليكم مصر ... 3/306 إذا كتب أحدكم فليبدأ بنفسه ... 6/317 إذا كتب أحدكم كتابا فليترّ به ... 6/260 إذا نام أحدكم جاء الشيطان فعقد ... 2/386 اذهبي بأبي الخلفاء. 10/136 أردتم أمرا فأراد هذا غيره. 13/126 أرسل عاقلا إلا فأوصه. 9/408 ارم فداك أبي وأمي. 6/279 أزول معكم حيث ما زلتم. 1/244 أسجعا كسجع الكهان. 2/303 أعطوه منتهى سوطه. 13/112 اعملوا: فكلّ ميسرّ لما خلق له. 13/255 أعيذه من الهامة والسامة وكل عين لامة. 2/303 أفشوا السلام، وأطعموا الطعام ... 2/303 أقرّكم ما أقرّكم الله. 13/360 أقرّوا الطير في وكناتها 1/456. اكتني بابنك عبد الله. 6/409 ألا أبشّرك يا عمّ! بي ختمت النبوّة وبولدك تختم الخلافة. 1/249، 8/237، 382، 9/391، 10/136 ألا أخبركم بخير الناس: ممسك بعنان فرسه ... 10/110 ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن. 6/279 ألا إن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ... 14/366 ألا إن القوة الرمي ... 13/8 ألا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ ... 6/220

التمسوها (ليلة القدر) في العشر الأواخر ... 6/239 ألظّوا بيا ذا الجلال والإكرام. 2/252 اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا. 2/185 اللهم اقبل توبتي وأغسل حوبتي. 2/304 اللهمّ إني أعوذ بك من الحور بعد الكور. 8/274 اللهمّ أمتعنا به ... 6/280، 322 اللهمّ بارك لأمتي في بكورها يوم خميسها. 2/391 اللهمّ حبّبها إلينا كما حبّبت إلينا مكة ... 1/251 اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى. 6/219 اللهمّ من كنت مولاه فعليّ مولاه ... 13/232، 244 اللهمّ من ولي من أمور أمتي شيئا فرفق بهم ... 12/309، 311، 312 ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب. 6/407 الألواح التي أنزلت على موسى ... 2/513 أما تركت أعرابيتك بعد. 6/279، 324 أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ... 2/445 أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله ... 13/328 إن اختيار الله للمؤمن خير من اختياره ... 7/117 إن أخنع اسم عند الله رجل تسمّى ملك الأملاك ... 6/15 إن الله بارك فيما بين العريش إلى الفرات ... 4/74 إن الله عز وجلّ خلق يوما واحدا فسمّاه الأحد، ثم خلق ... 2/392 إن الله ليغار. 13/22 إن الله هو الحكم وإليه الحكم! فلم تكنّى أبا الحكم؟ 6/408 إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض. 2/425 إن القوة الرمي ... 13/8 إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم ... 12/245 إن أول ما خلق الله القلم والحوت فقال له: اكتب ... 2/473 إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ... 12/231 إن فاتني ظلم ظالم فأنا الظالم. 7/339 إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة. 1/391 إن كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيم فلا يمدّها قبل السين. 6/213 إن من أبرّ البرّ برّ الرجل أهل ودّ أبيه. 11/410 إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة. 9/206 إن من الشعر لحكمة. 1/320 أنا أفصح من نطق بالضاد. 1/244

(ب)

أنا عند حسن ظن عبدي بي، فليظنّ بي خيرا. (حديث قدسي) . 14/396 أنا مدينة العلم وعليّ بابها. 10/433 أنت مني كهارون من موسى ... 10/398 الأنصار كرشي وعيبتي. 1/248 انصرفن مأزورات غير مأجورات. 2/303 إنكم ستفتحون بلادا يذكر فيها القيراط ... 3/305 إنكم لتختصمون إليّ، ولعل أحدكم يكون ألحن لحجته ... 10/439 إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلّون عند الطمع. 2/304، 311 إنما الأعمال بالنيّات، ولكل امريء ما نوى. 12/256، 265 إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ... 13/9 إنما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين ... 11/68 إنما شهود الصبح في جماعة يعدل قيام ليلة. 13/7 إنما لكل امريء ما نوى. 11/242 إني بعثت إليكم كاتبا. 1/82 أول ما خلق الله القلم. 2/473 إياك والمشارّة فإنها تميت الغرّة وتحيي العرّة. 2/361 آئبون تائبون، لربنا حامدون. 6/255 الإيمان يمان. 5/4 الأئمة من قريش. 1/244 (ب) بعثت إلى الأحمر والأسود. 2/7 بورك لأمتي في بكورها. 14/191 البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا. 1/244، 245 البيّنة على المدعي واليمين على المدعى عليه. 1/244 (ت) ترّبوا الكتاب ونحّوه من أسفله ... 6/260 تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسكتم بهما ... 13/11 تسمّوا بأسماء الأنبياء؛ وأحب الأسماء إلى الله ... 5/42 تسمّوا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي. 5/402، 6/408 (ث) ثم ضربت الضربة الثالثة فلاحت لي منها قصور بصرى ... 4/111 ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه ... 13/348 (ج) الجار أحقّ بصقبه. 1/245

(ح)

جرح العجماء جبار. 1/244 الجزاء من جنس العمل. 13/348 الجنة تحت ظلال السيوف. 1/250 جنة العالم: لا أدري، فإن أخطأها أصيبت مقاتله. 14/368 (ح) حبّك الشيء يعمي ويصمّ. 2/360 الحرب خدعة. 10/419 حسن العهد من الإيمان. 9/362 (خ) الخراج بالضمان. 1/244 الخلافة بعدي ثلاثون ... 6/419 خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ... 2/386، 392 خلق الله عزّ وجلّ الأرض يوم الأحد. 2/392 خلق الله عزّ وجلّ النار وحفّها بالشهوات ... 14/198 خلق الله النون وهي الدواة. 2/469 خلق الله يوما واحدا فسمّاه الأحد ... 2/392 خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة ... 2/391 (د) دعوا لي أصحابي؛ فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ... 12/245 دفن البنات من المكرمات. 6/281 (ذ) ذلك من مدد السماء الثالثة. 1/250 (ر) رحم الله من قال خيرا فغنم، أو سكت فسلم. 2/311 (ز) الزعيم غارم. 1/244 (س) سبعة يظلّهم الله بظلّه ... 10/139 السلطان ظل الله في الأرض ... 8/121 سلوا حيث شئتم. 13/125 سنوا بهم سنّة أهل الكتاب. 13/360 (ش) شاهت الوجوه. 1/250

(ض)

شهود الصبح في جماعة يعدل قيام ليلة. 13/7 (ض) ضالة المؤمن حرق النار. 1/249، 10/23 ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبي الصراط أبواب ... 1/348 (ط) الطلاق بالرجال والعدّة بالنساء. 1/245 (ع) عادت الأرض لله ولرسوله ... 13/121 العارية مؤداة. 1/244 عدل يوم خير للأرض من أن تمطر أربعين يوما: 12/183 العلم علمان. 11/249 عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين ... 12/239 عمّ الرجل صنو أبيه. 10/47 عمرة في رمضان تعدل حجّة. 14/399. (غ) غدوة في سبيل الله أو روحة ... 10/110 غفار غفر الله لها. 1/404 غلظ القلوب والجفاء في المشرق، والإيمان في أهل الحجاز. 4/249 (ف) فيها (الجنة) ما لا عين رأت ... 1/250 (ق) قاتل الله اليهود! حرّمت عليهم الشحوم ... 13/265 القدرية مجوس هذه الأمة. 13/254 قليل باق خير من كثير فان. 14/201 (ك) الكريم ابن الكريم ابن الكريم ... 1/497 كل المسلم على المسلم حرام ... 7/337 كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع. 6/211 كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم. 1/251، 6/215، 10/101، 11/127 كل خطبة ليس فيها تشهّد فهي كاليد الجذماء. 6/217 كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. 13/20 كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.

(ل)

8/122، 9/372، 10/113، 12/50، 13/7 (ل) لا أجد أغير من الله؛ من أجل ذلك حرّم الفواحش ... 7/339 لا أدري ما قد بقي لي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي ... 12/245 لا بورك لي في صبيحة يوم لا أزداد فيه علما. 11/236 لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا ... 13/10 لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا تمثال. 1/247 لا تزال أمتي بخير ما لم تر الأمانة مغنما والزكاة مغرما. 2/361 لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على عدوهم إلى يوم القيامة. 7/271 لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا. 1/244 لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب ... 4/82 لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه. 9/386 لا ضرر ولا ضرار. 11/201، 12/57 لا طلاق في إغلاق. 1/245 لا عدوى ولا طيرة. 1/456 لا قطع في ثمر ولا كثر. 1/244 لا قود إلا بحديدة. 1/244 لا وصية لوارث. 1/244 لا يشرب المؤمن الخمر حين يشربها وهو مؤمن. 13/10 لا يصلح هذا الأمر إلا لهذا الحيّ من قريش. 13/233 لا يغلق الرهن. 1/244 لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده. 9/362 لا يقولن أحدكم: عبدي ولا أمتي. كلكم عبيد الله ... 6/334 لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ... 10/178 لأن يملأ أحدكم جوفه قيحا خير من أن يملأه شعرا. 1/320 لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها. 8/253 لقد دعوت لآجال مضروبة وأرزاق مقسومة ... 6/324 لكل امريء ما نوى. 13/155 لكنها (الهرة) من الطوافين عليكم. 2/52 لم يفترق هاشم والمطلب في جاهلية ولا إسلام. 1/412 لما خلق الله النون وهي الدواة، وخلق القلم فقال: اكتب ... 2/469 لو كنت آمرا بشرا أن يسجد لبشر ... 6/327 لو مدّ لنا الشهر لواصلنا وصالا يدع له

(م)

المتعمقون تعمقهم. 2/242 ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس فترده التمرة والتمرتان ... 13/9 ليسترجع أحدكم حتى في شسع نعله فإنها من المصائب. 2/252 (م) ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن ... 2/227 ما خاب من استخار، وما ندم من استشار. 1/35 ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الحازم ... 2/245 ما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى. 14/201 ما من كتاب يلقى ببقعة من الأرض فيه اسم من أسماء الله ... 6/349 المرء مجزي بعلمه. 13/348 المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديتها. 1/244 مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر سنين. 13/7 المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه. 7/337 المسلمون يسعى بذمتهم أدناهم ... 1/249 مصر أطيب الأرضين ترابا، وعجمها أكرم العجم نصابا. 3/306 ملعون من لعب بالنردشير. 2/158 من اتقى الشبهات استبرأ لدينه. 13/4 من آذى ذميا كنت خصمه. 11/382 من اطلع في كتاب أخيه بغير إذنه ... 6/347 من أغلق عليه بابه فقد أمن. 12/229 من بلّغ كتاب غاز في سبيل الله إلى أهله ... 6/344 من بنى مسجدا لله ولو كمفحص قطاة ... 14/396 من ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه ... 13/9 المنحة مردودة. 1/244 من حلف على يمين وهو فيها فاجر ... 13/213 من رأى منكم مقتل حمزة؟ 6/323 من رأى منكم منكرا فليغيره بيده. 13/22 من رفع قرطاسا من الأرض فيه مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم ... 6/349 من رمى بسهم في سبيل الله ... 13/9 من سلك طريقا يلتمس فيه علما ... 14/366 من صبر على حرّ مكة ولأواء المدينة ... 1/251 من صلّى عليّ في كتاب ... 6/218 من غشّنا فليس منا. 13/12 من قعد مقعدا لم يذكر الله تعالى فيه ... 2/252

(ن)

من قلم قلما يكتب به علما ... 2/475 من كتب بسم الله الرحمن الرحيم فحسّنه أحسن الله إليه. 6/212 من كنت مولاه فعليّ مولاه ... 9/302، 10/180، 13/232، 244 من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير. 2/158 من مات ولم يغز ولم يحدّث به نفسه ... 7/375 من نزل منزلا يخيف فيه المشركين ويخيفونه ... 10/110 من ولّاه الله أمرا من أمور هذه الأمة فاحتجب دون ... 8/72 من يبايعني على ماله ... 13/232 من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين 12/357، 14/366 المؤمن أخو المؤمن: لا يظلمه ولا يسلمه. 8/121 المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم. 2/311، 13/321 المؤمنون كالبنيان: يشدّ بعضهم بعضا إلى يوم القيامة. 8/121 (ن) الناس عند شروطهم. 10/422 نصرت بالرعب مسيرة شهر ... 8/249 نصرت بالصبا. 2/185 نقرّكم فيها ما شئنا. 13/376 النهي عن دخول بلد الطاعون (حديث بالمعنى) . 1/244 النهي في البيوع عن المخابرة والمحاقلة ... (حديث بالمعنى) . 6/215 النهي عن أن يكتب في سطر بسم الله الرحمن الرحيم غيرها. 6/215 نيّة المرء أبلغ من عمله. 7/270 نيّة المرء خير من عمله. 2/360 (هـ) هذا قبر أبي رغال. 6/407 هذه عن عثمان؛ وشمالي خير من يمينه. 1/453 هل من تائب. 14/414 هو منك صدقة، وهو مثل الماء العدّ من ورده أخذه. 13/112 (و) واغسل حوبتي واسلل سخيمة قلبي. 2/252 وإنما لكل امريء ما نوى. 12/39، 224، 3/79 وأهلكت عاد بالدّبور. 2/185 الولد للفراش، وللعاهر الحجر. 1/251

(ي)

(ي) يا أباذر، إني أحب لك ما أحب لنفسي ... 10/144 يا أبا مكعب، عليك السلام تحية الموتى. 6/221 يا أبا عمير، ما فعل النغير. 2/85، 6/409 يا عبادي، إني حرّمت الظلم على نفسي ... (حديث قدسي) .. 7/339 يا عبد الرحمن بن سمرة! لا تسأل الإمارة ... 10/65 يعجبني الفأل، وهي الكلمة الطيبة أسمعها. 1/456 يعرض هذا الكلام يوم القيامة على قس بن ساعدة ... 1/256 يقتل عمارا الفئة الباغية ... 1/449 اليوم أول يوم انتصف فيه العرب من العجم، وبي نصروا. 1/449 يوم من إمام عادل أفضل من مطر أربعين صباحا ... 10/140

فهرس الأشعار

فهرس الأشعار (الهمزة) وشادن: إنشاء: البسيط:-: 1/76 طعنت: أضاءها: الطويل: قيس بن الخطيم: 2/213 إذا: التواء: الوافر:-: 2/349 يا غريب: الغرباء: الخفيف: جمال الدين بن نباتة: 9/144 وما: بلاء: الوافر:-: 1/222 إني: اللواء: مخلع البسيط: قحافة بن عوف: 1/441 كذاك: الظماء: الوافر:-: 1/462 لولا: والماء: البسيط: ابن الرومي: 2/436 ومن: ذكاء: الطويل:-: 14/269 والنور: الملاء: مجزوء الكامل:-: 14/331 مثل: راء: البسيط:-: 14/332 أأحبه: أعدائه: الكامل: المتنبي: 2/330 لنعم: امتراء: الوافر:-: 2/393 أحب: السّناء: الوافر:-: 2/448 شمّتّ: الأعداء: الكامل:-: 9/198 بت: أنوائه: الكامل: القلقشندي: 14/228 لا تعذل: أحشائه: الكامل: المتنبي: 1/335 إن القتيل: بدمائه: الكامل: المتنبي: 1/335 ولا: الماء: البسيط:-: 14/309 إن عام: سماء: الكامل:-: 14/333 إذا: حياء: الطويل:-: 14/432 (الألف) لقد علمت: ترى: الطويل:-: 1/434

(ب)

ألا: لتبقى: الوافر: أبو نواس: 1/333 فمن: يرى: المتقارب:-: 1/536 أكرم: الورى: مجزوء الرجز: صلاح الدين الصفدي: 14/378 (ب) ما للنساء: والخطابة: مجزوء الكامل: البسّامي: 1/96 يا هرم: معجبا: الرجز: لبيد: 1/443 لو اطّلع: شابا: الوافر: العباس بن يزيد الكندي: 2/208 ماذا: قببا: البسيط: ابن محكان التميمي: 2/247 وما زارني: ومرحبا: الطويل: البحتري: 2/271 وغرّ: جوابا: الوافر: الفرزدق: 2/317 إن المطيّة: وتركبا: الكامل: ابن الوليد: 2/330 إذا كان: حبيبا: المتقارب:-: 2/336 شتاء: شيبا: الوافر:-: 2/440 في ليلة: الطّنبا: البسيط:-: 2/440 يا مادحا: جرّبه: السريع: الوجيه المناوي: 2/509 وكلّ: مسبّبه: البسيط:-: 9/32 أيا شيخ: ومنصبا: الطويل: القلقشندي: 9/180 عهدت: جنابه: الطويل: القلقشندي: 9/201 ومثلك: الصّوابا: الوافر: بدر الدين بن فضل الله العمري: 11/160 أين: والطّلابا: الخفيف: أبو القاسم الخوارزمي: 14/148 بمكارم: سباسبا: الكامل:-: 14/304 أهانت: والخطبا: البسيط: القلقشندي: 14/381 ولست: المهذّب: الطويل: النابغة: 1/350، 2/208، 14/271 وأفلتهنّ: الوطاب: الوافر: امرؤ القيس: 1/351 ترجّيها: عتيب: الوافر:-: 1/384 إن القداح: والرقيب: مجزوء البسيط: الصاحب إسماعيل بن عباد: 1/458 وآذن: جوابها: الطويل:-: 1/462

على أنها: عجائب: الطويل: أبو تمّام: 1/530، 2/205، 14/276 ألم تر: يتذبذب: الطويل: النابغة: 2/14 إذا أنت: مشاربه: الطويل:-: 2/207 وما مثله: يقاربه: الطويل: الفرزدق: 2/210، 286 حلفت: مذهب: الطويل: النابغة: 2/213 وكل: يؤوب مخلّع: البسيط: عبيد بن الأبرص: 2/307 رعته: ساكبه: الطويل: أبو تمام: 2/329 إذا قصرت: فنضارب: الطويل: الأخنس بن شهاب: 2/333 أهابك: حبيبها: الطويل:-: 2/362 مواطننا: الغرائب: الطويل: السلطان أحمد صاحب بجّاية: 5/110 فلا: نصيب: الطويل:-: 6/203 وما هي: نيب: الطويل: القاضي الفاضل: 7/25، 368 ولما: وغرب: المتقارب:-: 9/68 وما هي: يتلهّب: الطويل: شهاب الدين محمود الحلبي: 9/86 أنت: المذنب: الكامل:-: 9/201 فربّ: يستطاب: المتقارب: علي بن أبي طالب: 9/225 وإني: صاحبه: الطويل: ابن نباتة: 12/417 فمسّاهم: تراب: الوافر:-: 14/167 أجارتنا: عسيب: الطويل: امرؤ القيس: 14/174 إذا: مغيّب: الطويل: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/193 فعاجوا: الحقائب: الطويل: نصيب بن رباح: 14/200، 283 فأزرق: ينسكب: البسيط: القلقشندي: 14/261 وما: كاتبه: الطويل:-: 14/277 وإني: يذهب: الطويل:-: 14/284 ولسنا: يطلب: المتقارب:-: 14/289 عجب: غريب: الخفيف:-: 14/306

حمرتها: عجب: المنسرح:-: 14/312 وشرّق: مغرب: الطويل:-: 14/315 فكأنها: مذهب: الكامل:-: 14/316 فكأنما: أحباب: الكامل:-: 14/330 زادت: أقرب: الكامل: القلقشندي: 14/381 فاعرب: ويعرب: الطويل: القلقشندي: 14/381 أب: تنسب: الطويل: القلقشندي: 14/382 يؤلّف: الكتب: البسيط:-: 1/75، 14/141، 228 وكاتب: عجب: البسيط:-: 1/77 يعي: كاتب: الطويل:-: 1/77 أوما ترى: الكتّاب: الكامل: ابن أبي العيناء: 1/77 تعس: الآداب: الكامل:-: 1/79 وشمول: الكتّاب: الخفيف:-: 1/100، 14/130 كأنّ: الذهب: البسيط: أبو نواس: 1/218 إذا افتخرت: مناقب: الطويل: أبو تمام: 1/451 ولا ينفع: أرنب: الطويل:-: 1/463 والليالي: عجيب: الخفيف:-: 1/525 ذهب: الأجرب: الكامل: لبيد: 1/526 وللسوط: مهذب: الطويل: امرؤ القيس: 2/220 مات: وهب الرمل: أبو عثمان سعيد بن وهب: 2/223 ما أحلّ: بي: المديد: أبو نواس: 2/247 ويا عاذلي: للتجنّب: الطويل: البحتري: 2/270 ألا ليت: جانب: الطويل: ابن جنيّ: 2/286 قالوا: يركب: الكامل: أبو نواس: 2/330 وأهوى: الترب: الطويل: القيسراني: 2/335 غربته: بالتغريب: الخفيف: ابن الرومي: 2/336 وقد زادها: خيّب: الطويل: البحتري: 2/338 إذا ما: بعصائب: الطويل: النابغة: 2/338

(ت)

يرى: لعائب: الطويل: المتنبي: 2/342 خذها: الجلباب: الكامل: أبو تمام: 2/347 إن قال: يعتب: السريع: إبراهيم بن العباس: 2/357 أبى لي: بالصواب: الوافر: ابن حزم: 2/362 وهاجرة: حاجب: المتقارب: ذو الرمّة: 2/434 وهجيرة: طحلب: الكامل: أبو العلاء المعري: 2/434 جوّد: الآداب: الكامل: المدائني: 2/472 فعيّث: النّصاب: الوافر: الكسائي: 2/496 ربع: الكتّاب: الكامل:-: 2/502 تعلمت: بكاتب: الطويل: مرامر بن مرّة: 3/12 وحسبته: محبّه: الكامل: القاضي الفاضل: 6/300 وتعلم: والواجب: المتقارب:-: 9/179 فأنت: مأرب: الطويل:-: 9/201 ويزيده: شباب: الكامل: محيي الدين بن عبد الظاهر: 10/173 ورث: أنبوب: الكامل:-: 12/429 ففي: غابها: الطويل:-: 12/440 أترجو: الحساب: الوافر:-: 13/234 إن كنت: الكتّاب: الكامل: القلقشندي: 14/128 والحقّ: الألباب: الكامل: أبو القاسم الخوارزمي: 14/154 وجدال: المغلوب: الكامل: أبو القاسم الخوارزمي: 14/156 فعال: الكواكب: الطويل: القلقشندي: 14/225 السيف: واللّعب: البسيط: أبو تمام: 14/267 تخرّصا: غرب: البسيط:-: 14/300 إذا: الكواكب: الطويل:-: 14/337 أثرت: خطاب: الطويل: محمد بن الصائغ: 14/377 مبارك: النّسب: المتقارب: المتنبي: 2/238 عفت: القلوب: مجزوء الكامل:-: 2/323 عجبت: ذهب: المتقارب:-: 2/198 حاشى: وصب: مجزوء الكامل:-: 9/209 (ت)

(ث)

بنو دارم: الحبطات: الطويل:-: 1/533 وقد: رواتها: الطويل:-: 9/200 ومنهل: واستقيت: السريع:-: 14/315 يا منية: مقلتي: السريع: جمال الدين بن نباتة: 9/150 وحقّك: مقت: الوافر:-: 9/170 جزى: فزلّت: الطويل: الغنوي: 13/116 ذكر: أبياتها: الكامل: المتنبي: 1/530 تميم: ضلّت: الطويل: الطرمّاح بن حكيم: 2/208 فكأنها: صهواتها: الكامل: المتنبي: 2/341 أتيت: متتابعات: الوافر: الأعرابي: 3/24 لهفي: حرقاتي: الكامل: شهاب الدين محمود الحلبي: 9/85 قوم: المنيّات: البسيط:-: 14/130 فالأرض: تحتها: الكامل:-: 14/284 لئن: فتخطّت: الطويل:-: 14/287 فلا: النبات: الوافر: ابن نباتة: 14/312 صدّ: الممات: الخفيف: ابن الدّريهم: 9/242 (ث) خطيب: تغيثه: الطويل:-: 12/439 (ج) لا يؤيسنّك: حرجا: الكامل:-: 1/536 ومقلة: مسرجا: الرجز: العجّاج: 2/226 من راقب: اللهج: البسيط: بشار بن برد: 2/325 وليلة: مثلوج: البسيط: أبو القاسم التنوخي: 2/441 فإن: الخليج: الوافر: المتنبي: 14/172 يدرج: وطيهوجه: السريع: يحيى بن جعفر الحصكفي: 14/235 يكسو: درّاج: البسيط: الراعي النميري: 2/218 وجوه: بالزّاج: السريع: البحتري: 2/269

(ح)

تخامص الوجي: الطويل: الشمّاخ: 2/288 أم: الخراج: السريع: يحيى بن جعفر الحصكفي: 14/233 ولربما: بالمحتاج: الكامل:-: 14/318 (ح) وإني: شحاحا: المتقارب: ابن هرمة: 2/298 ولم أمدحك: المديحا: الوافر: أبو تمام: 2/321 وإن: الرّحى: الطويل: القلقشندي: 14/227 إنما: وصلاحا: الخفيف:-: 14/322 تغيّرت: قبيح: الوافر: منسوب لآدم (ع) 1/526 ولما قضينا: ماسح: الطويل:-: 2/223 لولا: يمتدح: البسيط: ضياء الدين بن الأثير: 2/331 يا من: تبرح: الكامل:-: 2/210 ورد: الإصباح: الكامل:-: 2/215 وما: يصلح: الطويل: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/176 وصارم: روح: المنسرح: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/191 ورثّ: متوشّح: الطويل:-: 14/291 ومن يك: مطرح: الطويل: عروة بن الورد: 2/326 قد ركب: والراح: السريع:-: 2/453 أفد: المزح: الطويل:-: 9/225 وما: بصالح: الطويل: أبو القاسم الخوارزمي: 14/147 جلّ: لاحي: الرجز:-: 14/326 قل: نصوح: السريع: ابن مطروح: 5/391، 8/40 (د) تخلّط: جدّا: الطويل: أبو العباس الناشي: 1/425، 5/359 لا تنظرنّ: شادا: البسيط:-: 1/509

جاءت: أجنادها: السريع: الجاحظ: 2/57 وإلى: فخوّدا: الكامل: أبو تمام: 2/241 سأطلب: لتجمدا: الطويل: العباس بن الأحنف: 2/289 برزت: منجدا: الكامل: أبو تمام: 2/336 إلبس: لبودا: الكامل: ابن حكينا البغدادي: 2/439 قيل: بشدّه: مجزوء الرمل ابن سكّرة: 2/442 وعشيّة: وافدا: الكامل: ظافر الحدّاد: 3/335 وكلام: عنده: الخفيف: علاء الدين البيري: 6/298، 7/409 سألت: حدّه: الطويل: القلقشندي: 9/47 ولا: مجدّدا: الطويل: شهاب الدين محمود الحلبي: 9/48 مدّ: جدّا: الرجز: شهاب الدين محمود الحلبي: 9/60 وما: اليدا: الطويل: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/168 تظلّ: سجّدا: الطويل: المتنبي: 14/174 ولا: الحدّا: الطويل:-: 14/275 ولو: زائدا: الطويل:-: 14/306 عزب: ويورد: الكامل: سنان بنت جشميّة المذحجية: 1/305 نهنه: الصدود: مخلع البسيط: قحافة بن عوف بن الأحوص: 1/441 هم الألى: حمدوا: البسيط:-: 2/206 رهنت: مزيد: الطويل:-: 2/213 ورحب: بلد: البسيط:-: 2/215 فإن: الفقود: الوافر: عنترة بن شداد: 2/245 ذهب: العوّاد: الكامل: عويف بن معاوية بن عقبة: 2/247 قدّك: جسدك: المنسرح: عبد الله بن المعتزّ: 2/271 إذا شئت: شهد: الطويل: المتنبي: 2/283 محمد: تريد مخلع: البسيط: أبو تمام: 2/296 وقد عزّ: يعود: الوافر:-: 2/327 وتسعدني: شواهد: الطويل: المتنبي: 2/354 لا تسألي: محمود: البسيط: المرّار: 2/358 لك القلم: وعوائد: الطويل: أبو هلال العسكري: 2/478 فالوجه: مسودّ: السريع:-: 2/503

يا بني: معدّ: مجزوء الرمل:-: 3/407 بطليوس: نجد: الطويل: ابن الفلاس: 5/216 كتبت: يسعد: الطويل:-: 9/152 وإنك: أسعد: الطويل: علي بن أبي طالب: 10/13 ولما: ناقد: الطويل: ابن نباتة: 12/344 ما علّتي: أشدّ: الرجز: أبو القاسم الخوارزمي: 14/151 زكا: والسعود: الوافر: الراعي النميري: 14/207 يرفّه: نقد: الكامل: القلقشندي: 14/226 لو عدّد: العدد: البسيط: القلقشندي: 14/228 وإني: برود: الطويل: يحيى بن جعفر الحصكفي: 14/233 مدبّر: مقاعد: مجزوء الرجز: شهاب الدين العمري: 14/379 لها: موارد: الطويل: القلقشندي: 14/382 وآيتها: جاحد: الطويل: القلقشندي: 14/382 فدتك: بريدها: الطويل: المزرّد بن ضرّار: 14/411 فلكم: الأغماد: الكامل: القلقشندي: 1/75، 14/131، 267 حمار: زياد: الوافر:-: 1/76 ولولا: لبيد: الوافر: الإمام الشافعي: 1/320 عهدتك: العهد: الطويل: القاضي الفاضل: 1/323 حذّا: وريد: الكامل: أبو تمام: 1/334 ستبدي: تزوّد: الطويل: طرفة بن العبد: 1/350، 2/212، 3/168 كالبلايا: الخدود: الخفيف: أبو زبيد الطائي: 1/461 ليس: واحد: السريع:-: 1/530 7/353 قعاقع: الأبيوردي: السريع:-: 2/204 لعمرك: اليد: الطويل: طرفة بن العبد: 2/212 كأن: بمسرد: الطويل: طرفة بن العبد: 2/221 تقيّ: بحقلّد: الطويل: زهير بن أبي سلمى: 2/232

ذكرت: وصلدد: الطويل: مالك بن نمط: 2/263 أو دمية: بقرمد: الكامل: النابغة: 2/269 كريم: وحدي: الطويل: أبو تمام: 2/291 مللت: مرادي: الوافر:-: 2/293 ولست: أرفد: الطويل: طرفة بن العبد: 2/295 قوم: بالأزواد: الكامل: الطالبي (إبراهيم بن عبد الله: 2/296 ابن الحسن) قراني: وفوائدي: الطويل: أبو تمام: 2/300 أقلني: الجحود: الوافر: أبو نواس: 2/308 وقوفا: وتجلّد: الطويل: طرفة بن العبد: 2/319 أجاد: لمعبد: الطويل:-: 2/320 محاسن: لمعبد: الطويل: الفرزدق: 2/320 ما إن: بمحمد: الكامل: حسان بن ثابت: 2/321 أعاتك: مبعد: الطويل: البحتري: 2/329 إن قصر: بتعريد: البسيط: مسلم بن الوليد: 2/333 يصدّ: ناهد: الطويل: أبو تمام: 2/333 إشرب: حاد: الكامل:-: 2/437 أقبلت: المبرد: الرجز: الزمخشري: 2/440 رأت: بمداد: الطويل: الأخطل: 2/500 إذا ما: المداد: الوافر: أبو زيد: 2/502 دخيل: زياد: الوافر:-: 2/502 يا أخي: العباد: الخفيف: جعفر بن حدار بن محمد: 2/503 باعث: البادي: البسيط:-: 4/268 وكم: عندي: الطويل: القاضي الفاضل: 6/300 سلام: والعهد: الطويل: بدر الدين بن فضل الله العمري: 7/332 طويل: الحدّ: الطويل: بدر الدين بن فضل الله العمري: 7/332 هنّئت: بنفاد: الكامل: شهاب الدين محمود الحلبي: 9/60 ما إن: يدي: البسيط: النابغة الذبياني: 13/207 هما: الصّعاد: الوافر:-: 14/148 صبا: ابعد: الطويل: دريد بن الصمّة: 14/208 مناقب: ومدادها: الطويل: القلقشندي: 14/227

(ذ)

حسم: الحسّاد: الخفيف: القلقشندي: 14/273 شخص: واحد: الكامل:-: 14/275 وإذا: أولاده: الكامل:-: 14/276 تجوز: الجلد: الطويل:-: 14/298 من الثّماد: مجزوء الكامل:-: 14/306 أعينيّ: واحد: الطويل:-: 14/316 كأنهم: والجاحد: السريع:-: 14/332 فسارت: والبعد: الطويل: أبو بكر الأنصاري: 14/401 والموت: الجياد: السريع: شهاب الدين محمود الحلبي: 9/86 رأيت: المعتمد: المتقارب: أبو الفرج الببّغا: 9/135 (ذ) ومن: هكذا: الطويل: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/167 يا نيل: وغذا: البسيط: ابن كاتب المرج: 14/312 (ر) إذا أخذ: جوهرا: الطويل: ابن المعتز: 1/75، 14/227 أرأيت: مجمرا: الكامل: المتنبي: 1/210 كما لقيت: وظاهره: الطويل: النابغة: 1/353 كانت: السّمره: الرجز:-: 1/462 وأطلقت: عشرا: الوافر: بشر: 2/239 يا ليت: فتعذرا: الكامل: المتنبي: 2/240 قلّ: يكثرا: الكامل: البحتري: 2/335 وممسحة: تبارى: الوافر: شافع بن عبد الظاهر: 2/511 ومن روى: شهرا: البسيط: الشاطبي: 3/146 وكنا: وحميرا: الطويل:-: 4/217 إن المكاره: جديرا: الكامل: القاضي الفاضل: 6/297 إن عادت: حاضره: السريع:-: 6/298، 8/95

أنا: متجرا: الكامل: المتنبي: 9/40 إذا: عذرا: الطويل: علي بن خلف: 9/171 إن: عمرا: البسيط: القلقشندي: 9/182 وجلوس: كسرى: الرمل: محيي الدين عبد الظاهر: 14/187 ولو: لقصّرا: الطويل: القلقشندي: 14/230 بعيني: فتكسّرا: الطويل:-: 14/317 مثل: النّظرا: البسيط:-: 14/332 كم: تصبّرا: الرجز: القلقشندي: 14/381 أهنيّك: مارها: المتقارب: أبو بكر الأنصاري: 14/402 على: بربرا: الطويل: امرؤ القيس: 14/412 لا يخطر: خاطر: مخلّع البسيط:-: 1/76 نهار: ومريرها: الطويل: كعب بن لؤي: 1/255 لو زارني: أنوارها: الكامل: القاضي الفاضل: 1/322 والله: أذكرها: البسيط: القاضي الفاضل: 1/322 كتاب: الخضر: الطويل: القاضي الفاضل: 1/324 عقود: البحر: الطويل: القاضي الفاضل: 1/324 رياض: الثّمر: الطويل: القاضي الفاضل: 1/324 تسرّ: القطر: الطويل: القاضي الفاضل: 1/324 كأني: الفجر: الطويل: القاضي الفاضل: 1/324 فخلت: الدرّ: الطويل: القاضي الفاضل: 1/324 وما: كان الدهر: الطويل: القاضي الفاضل: 1/324 به لهما: بدر: الطويل: القاضي الفاضل: 1/325 يمرّ: الدهر: الطويل: القاضي الفاضل: 1/325 وهيهات: الأمر: الطويل: القاضي الفاضل: 1/325 ما أنت: والخابر: مجزوء البسيط:-: 1/347 إذا قست: يفاخر: الطويل:-: 1/433 جرى: القطر: الطويل: أبو تمام: 1/435 يظلّ: مئزر: الطويل: بشر بن أبي حازم: 1/463 إذا خدرت: فتورها: الطويل:-: 1/624 يرى: تطير: الطويل:-: 2/15 فتى شطر: الطويل:-: 2/15

توهّمه: أثر: الطويل: إبراهيم النظام: 2/207 إلى ملك: تصاهره: الطويل: الفرزدق: 2/209، 286 وإني: فأقبر: الطويل: عبد الرحمن بن عبد القسّ: 2/216 حرج: يدور: الكامل: الحطيئة: 2/217 لعلك: تمطر: الطويل: قبيصة بن نعيم: 2/229 ألم تر: عسير: الوافر: أبو نواس: 2/233 جزى: سنمّار: البسيط: ابن جنّي: 2/285 وليست: أميرها: الطويل: الفرزدق: 2/287 أقول: معور: الطويل: تأبّط شرا: 2/290 وقبر: قبر: الرجز: منسوب إلى الجنّ: 2/292 يوسّطه: الانتظار: الوافر: المتنبي: 2/301 حامي: وضّرار: البسيط: الخنساء: 2/305 أترجو: كبارها: الطويل: الفرزدق: 2/320 لم يجف: الصّغر: البسيط: أبو نواس: 2/321 كأن: القطار: الوافر: بشار بن برد: 2/321 من راقب: الجسور: مخلع البسيط: سلم الخاسر: 2/325 فتى: النصر: الطويل: أبو تمام: 2/326 إن الكرام: كثروا: البسيط: أبو تمام: 2/335 إذا شنأت: أجدر: الطويل: ابن الرومي: 2/335 وأستكبر: الخبر: الطويل: المتنبي: 2/337 ومن ينفق: الفقر: الطويل: المتنبي: 2/337 أشربت: تطير: الكامل: مسلم بن الوليد: 2/339 مضى: العبور: الوافر: أبو نواس: 2/420 يوم: مزرور: الرجز:-: 2/441 تركت: ينكر: الكامل:-: 2/441 وكأن ثمر: الكامل:-: 3/156 غصبوا: ناصر: الكامل: الناصر لدين الله: 4/172 ولها: آثار: الخفيف:-: 4/212 وصاهرنا: الأصاهر: الطويل: عمرو بن الحارث بن مضاض: 4/267 عسى: وصدور: الطويل: السلطان أبو العباس (صاحب بجّاية) 5/111

مراكش: عار مخلع: البسيط: أبو القاسم الغافقي: 5/157 أحلّ: محرّم: الطويل: ابن صدرة: 5/208 وافى: طاهر: الكامل: الناصر لدين الله الأيوبي: 6/297 إن الكريم: نصور: الكامل: جرير: 7/25، 368 يا ابن: حاصر: الكامل: أبو عبد الله بن الخطيب: 7/108 من كل: الأسمر: الرجز:-: 7/386 بشراك: ينتظر: البسيط:-: 8/402 ألا: الأجر: الطويل: جمال الدين بن نباتة: 9/69 قل: آمر: الكامل:-: 9/204 ولو: المنبر: الطويل: إبراهيم بن القيسراني: 10/63 قضى: الدوائر: الطويل:-: 13/348 ترى: مزير: الوافر:-: 14/155 وكان: الأكابر: الطويل: أبو القاسم الخوارزمي: 14/156 فلزّهم: الفرار: الوافر: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/165 مضوا: عثار: الوافر: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/166 فقلت: ناصره: الطويل:-: 14/278 وقائل: خصورهم: البسيط:-: 14/308 رأى: بحار: الوافر:-: 14/320 طويلة: خنجر: السريع:-: 14/338 تراه: ذكر: البسيط:-: 14/339 تروم: ويستر: الطويل: القلقشندي: 14/380 فللأفاضل: أسمار: البسيط: القلقشندي: 14/381 فللبصائر: حاروا: البسيط: القلقشندي: 14/382 يا زيد: بالخوّار: الكامل: أم البراء بنت صفوان: 1/308 ولم يبق: البوادر: الطويل: القاضي الفاضل: 1/322 تظاهر: ضميره: الطويل: القاضي الفاضل: 1/323 تردّى: خضر: الطويل: أبو تمام: 1/337 الحمد لله: الوافر: الرجز: زين الدين شعبان الآثاري: 1/346 إني: امرؤ: العرعر: الرجز: لبيد: 1/441

شاقك: حاجر: مجزوء البسيط: الأعشى: 1/443 من كان: نهار: الكامل:-: 1/461 أجاعل: والمطر: البسيط: [الورك الطائي] 1/466 ولست: الفقر: الطويل:-: 2/206 كأنما: بالبدر: السريع:-: 2/220 ولقد المحشر: الكامل:-: 2/221 وملحّة: الشطّار: الكامل: أبو نواس: 2/268 وقفت: الزهر: البسيط: عبد الله بن المعتزّ: 2/271 كأنه: بدينار: المنسرح:-: 2/274 والزهر: نثر: مخلّع البسيط: كشاجم: 2/293 فوق: الكبار: الخفيف: البحتري: 2/321 شيخان: المبصر: الكامل: البحتري: 2/328 ولست: فقر: الطويل: المعذّل بن غيلان: 2/333 وإني: عذري: الطويل: أبو العتاهية: 2/336 له: عذري: الهزج أبو تمام: 2/336 كانت: الخبر: البسيط: أبو تمام: 2/336 يتوخّى: جزره: المديد: أبو نواس: 2/338 طرق: ومزور: الكامل:-: 2/432 محاسن: فخر: الوافر:-: 2/438 فتى: الشكر: الطويل:-: 2/484 وجدّد: يغري: مخلّع البسيط: علاء الدين السرّمري: 2/499 تتيه: الحبر: الهزج: إبن أحمر: 2/501 وذي: جاري: السريع:-: 3/41 إنما: بعمر: الخفيف:-: 3/178 انظر: الغابر: الكامل:-: 3/361 انظر: للبصر: البسيط: ابن سعيد المغربي: 3/408 من تلق: السّاري: البسيط:-: 4/211 أضاعوني: ثغر: الوافر: العرجي: 6/54 فقرّرته: الأحمر: المتقارب: دحية الكلبي: 6/346 راموا: والصّدر: البسيط:-: 7/387 وأبرح: الديار: الوافر: شهاب الدين محمود الحلبي: 9/72

(ز)

هو البحر: البحر: الطويل:-: 12/443 ويقول: تعقر: الكامل: العلوي البصري: 13/208 ملك: أثره: الكامل: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/195 باتت: دعر: البسيط:-: 14/221 ولم: دفتر: الطويل: القلقشندي: 14/229، 262 فأرخ: عواري: الطويل:-: 14/283 ولا: يدري: الكامل:-: 14/284 مدبّحة: النهار: المتقارب:-: 14/335 له: نار الهزج:-: 14/339 في الذاهبين: بصائر: مجزوء الكامل: قسّ بن ساعدة: 1/256 بدّلته: الأشر: المديد: طرفة بن العبد: 1/464 وأركب: منتشر: المتقارب: امرؤ القيس: 2/221 جن: بالإبر: الرجز: أبو نواس: 2/341 يا ليلة: الأوار: السريع:-: 2/435 قلم: الظّفر: الرمل: أبو الطيّب الأزدي: 2/479 كدر: كفر: الرمل: محمد بن يحيى الرسيّ: 5/46 وخصّك: الدّرر: الطويل:-: 9/63 رسمي: حضر: مجزوء الرجز:-: 9/179 كلون: الظّفر: المتقارب:-: 14/333 (ز) جزرنا: تجزّا: المتقارب: الخنساء: 1/465 مسلط: ضيزى: السريع: يحيى بن جعفر الحصكفي: 14/235 إجازة: مفازه: الوافر: صلاح الدين الصفدي: 14/376 وحديثها: المتحرّز: الكامل: ابن الرومي: 1/336 ومن الناس: باز: الكامل: المتنبي: 2/269 تبيض: برز: البسيط: الشيخ عبد العزيز الديريني: 2/381 (س) عاش: محروسا: الكامل: القلقشندي: 1/228

(ش)

إذا جالت: النفوسا: المتقارب: امرؤ القيس: 2/229 قد قلت: دهاريسا: البسيط: أبو تمام: 2/237 توسوس: والوسوسه: المتقارب: ابن سناء الملك: 2/272 أقولها: الكسا: السريع:-: 14/306 وإن: قاسى: الوافر:-: 14/317 نعم: جبس: المنسرح:-: 2/237 يزخرف: سندس: الطويل: ابن سناء الملك: 2/269 وقوامي: مكنوس: الخفيف: ابن المعتزّ: 2/272 ولاح: قابس: الطويل:-: 14/292 إحدى: بالتعريس: الرجز: علي بن أبي طالب: 1/291 من يفعل: والناس: البسيط: الحطيئة: 1/351، 2/212 إذا: لابس: الطويل:-: 1/464 يا فوز: القاسي: السريع: العباس بن الأحنف: 2/232 مشمخرّ: وقدس: الخفيف: البحتري: 2/239 لا تنكروا: والباس: الكامل: أبو تمام: 2/323 إقدام: إياس: الكامل: أبو تمام: 2/324 اقاسي: قاسي: الوافر: جمال الدين بن نباتة: 9/150 إذا: عبّاس: الطويل: القلقشندي: 9/180 له: والنفس: الطويل:-: 12/432 بقّيت: عبوس: الكامل: الأشتر النخعي: 13/207 شيخ: الهوس: المنسرح:-: 14/125 وابن: القناعيس: البسيط: أبو القاسم الخوارزمي: 14/149 يا ابن: وجلّاسي: البسيط: العنزي: 14/200 رأيتك: أمس: الوافر: أعشى همذان: 14/204 بصحن: الناس: السريع:-: 14/308 له: والراس: السريع:-: 14/338 إذا: ملبس: مخلّع البسيط:-: 7/340 (ش) أنظر: الدّهش: البسيط: السلطان أحمد صاحب بجّاية: 5/111

(ص)

مثل: الخفّاش: الكامل:-: 2/95 (ص) واللوم: العصا: الرجز: ابن دريد: 1/356 ألا: ينقص: الطويل:-: 9/178 والمشرف: الحريص: السريع: عديّ بن زيد: 2/219 ويومنا: قرصها: السريع:-: 2/439 كأننا: القنّاص: الرجز: أبو القاسم الخوارزمي: 14/146 ستخلص: خلص: الطويل: أبو الفرج الببّغا: 2/184 (ض) هبني: مضى: السريع:-: 9/170 هي العرمس: خافض: الطويل: أبو تمام: 2/240 أفديه: العرض: البسيط: علاء الدين الكركي: 9/71 فحيّهلا: المحض: الطويل: القلقشندي: 14/141، 225، 272 فهو: الباهض: السريع: يحيى بن جعفر الحصكفي: 14/231 دعها: راضي: البسيط:-: 14/318 (ط) يزور: القطا: المتقارب:-: 14/335 سقى: القرط: الطويل: ابن سعيد المغربي: 3/407 لله: يغلط: الكامل: ابن الساعاتي: 3/453 اتّخذ: الوطواط: الخفيف: أبو الفتح كشاجم: 2/95 كأنه: وسطه: البسيط: ابن الرومي: 2/274 وكاتب: بالغلط: مجزوء البسيط:-: 1/77 (ظ) إذا ما: غاظا: المتقارب: عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: 2/449

(ع)

(ع) تلفّتّ: وأخدعا: الطويل: الصمّة بن عبد الله: 2/243 فتى: مرتعا: الطويل: أبو تمام: 2/308 أألوم: صنيعا: الكامل: أبو تمام: 2/340 لم أر: معا: المنسرح: أبو الطيب عبد الرحمن الكاتب: 2/472 ولقد: وأربعا: الكامل: الأعشى: 3/183 تدرّعوا: زرعا: البسيط:-: 7/387 فإن: والسماعا: الوافر: عديّ بن زيد: 13/208 أتلقون: الدّارعا: المتقارب: أبو القاسم الخوارزمي: 14/150 فكرّت: السّباعا: الوافر:-: 14/279 وزادني: منعا: البسيط:-: 14/323 نحن: البيع: البسيط: الزبرقان بن بدر التميمي: 1/428 إن الذوائب: تتّبع: البسيط: حسان بن ثابت: 1/428 أنا ابن: ويافع: الطويل: أبو تمام: 1/435 يسهّد: قعاقع: الطويل: النابغة: 1/463 وكلفتني: رائع: الطويل: النابغة: 1/463 لعمري: لجزوع: الطويل: عروة بن الورد: 1/464 ساد: فروع: الكامل: أبو نواس: 1/499 بديهته: مستجمع: المتدارك:-: 2/15 ولو قست: أوسع: الطويل: البحتري: 2/215 إذا انجابت: ضلّع: الطويل: ذو الرمّة: 2/219 أثروا: جمعوا: المنسرح: أبو العتاهية: 2/242 ولو كان: مواضع: الطويل:-: 2/272 حرق: مولع: الكامل: عنترة بن شداد: 2/296 وأثّل: تابع: الطويل: علي بن جبلة: 2/232 أمن: تجمع: المتقارب:-: 2/337 هو الصنع: أنفع: الطويل: أبو تمام: 2/337

(ف)

وممسحة: طالع: الطويل: علي بن سعيد المغربي: 2/511 أين الذي: المصرع: الكامل: المتنبي: 3/362 وقد: لدروع: الوافر: أبو الحسن الصنهاجي: 5/165 من ظنّ: الطمع: البسيط: أبو القاسم الخوارزمي: 14/154 من كان: يضع: البسيط: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/181 أذا: موجع: المتقارب:-: 14/287 وما: يرتع: الطويل:-: 14/288 سجيّة: البدع: البسيط: عز الدين بن جماعة: 14/373 فيا ربّ: معي: الطويل: القاضي الفاضل: 1/322 فلو صوّرت: الطباع: الوافر: أبو تمام: 1/530 ومن عجب: معي: الطويل:-: 2/207 فتسلّ: وساع: الكامل: المسيّب بن علس: 2/217 تعجب: بالصراع: الوافر: أبو تمام: 2/324 أطال: بصاع: الوافر: أبو تمام: 2/324 أفاعليهم: تشيّع: الطويل: عمارة بن علي المذحجي: 3/570 ومن: معي: الطويل: القاضي الفاضل: 6/299 ما مات: ممتنع: المنسرح: ابن عبد البرّ: 9/89 إذا: بشافع: الطويل:-: 9/170 فلست: بأصبع: الطويل:-: 14/305 لما: بصاع: السريع: ابن جنّي: 2/285 وقد جرّ: الجزع: الطويل: ابن المقفّع: 2/327 بطينها: بلع: الرجز: إبراهيم الدهشوري: 2/383 (ف) كانوا: الصّوفا: الكامل: أبو تمام: 2/246 لك: خفيفا: الكامل: أبو تمام: 2/273 لا أظلم: قذفا: البسيط: أبو تمام: 2/329 وسطرتها: حرفا: الطويل: جمال الدين بن نباتة: 9/149 قد: صفا: البسيط:-: 9/152 يباعدني: تعطّفا: الطويل:-: 9/198

(ق)

أنعى: تخندفا: الرجز:-: 14/151 لا رحم: أقحافا: المنسرح:-: 14/168 عمرو: عجاف: الكامل:-: 1/412 وأصبح: مندفّ: الطويل: الفرزدق: 2/268 خذ: خطّاف: الكامل:-: 2/438 وأخرس: أجوف: المتقارب:-: 3/6 وعضّ: مجلّف: الطويل: الفرزدق: 14/153 إذا: تفاويفه: السريع:-: 14/338 إليك: اللّيف: الرجز: مالك بن نمط: 2/263 إدفع: استعفف: السريع: البحتري: 2/332 ما قضى: الخريف: الخفيف: أبو بكر الصنوبري: 2/436 متظرّف: ظريف: الكامل:-: 2/499 إنا ذوو: للخائف: الرجز:-: 7/338 والطلّ: يكف: البسيط:-: 14/329 واعلم: أصف: الرجز: علاء الدين السّرّمري: 2/491 (ق) يطلب: السّوقا: البسيط: زهير بن أبي سلمى: 1/310 فكيف: الغرانقه: الطويل:-: 1/533 وإنما: حمقا: البسيط: حسان بن ثابت: 2/212 يخرجن: والغرقا: البسيط: زهير بن أبي سلمى: 2/219 وأنمر: وشقراقا: السريع:-: 2/268 بالظلم: والحماقة مخلّع: البسيط:-: 13/245 ففي: موفّقا: الطويل: القلقشندي: 14/228 نالت: ضيّقا: الكامل: القلقشندي: 14/229 يدفّ يلحق: الطويل: ذو الرّمة: 2/184 وإن امرأ: سملق: الطويل: الأعشى: 2/296 شفيعك: يخلق: الطويل: دعبل الخزاعي: 2/300 وللزنبور: وخفق: الوافر:-: 2/316 يرى: حاذق: الطويل: أبو ذؤيب: 2/495

(ك)

كم: تدفق: السريع: ابن الدّريهم: 9/231 قالوا: والصادق: الكامل: بدر الدين بن فضل الله العمري: 11/159 وما: رازق: الطويل: المتنبي: 2/340 وكل: السّدق: البسيط: أبو القاسم المطرّز: 2/451 قد يبعد: الزّرق: البسيط:-: 4/113 إني: تحقيق: البسيط: أبو الحسن الجزّار: 1/436 مساو: بالطلاق: الوافر:-: 1/531 إن لم: الملق: البسيط:-: 2/207 أقول: مشفق: الطويل:-: 2/242 كيف: راقي: الخفيف: المتنبي: 2/293 حلفت: المتعلّق: الطويل: البحتري: 2/301 فإن: أمزّق: الطويل: الممزّق العبدي: 6/295، 375 فهو: سائق: الكامل: محيي الدين عبد الظاهر: 14/185 من كل: الأخلاق: الكامل:-: 14/331 ولم: ترتقي: الطويل: القلقشندي: 14/380 اسقيا: العلق: الرمل: امرؤ القيس: 1/91 ليلتنا: تحقّق: مخلّع البسيط: إبن حجّاج: 2/451 يا أسمح: الشّفق: السريع:-: 9/179 (ك) فصل: يغشاكا: البسيط: أبو علي بن رشيق: 2/435 السيف: تنبيكا: البسيط: بدر الدين بن فضل الله العمري: 7/334 أهدى: البركا: البسيط: القلقشندي: 9/123 فليس: كذلكا: الطويل: أبو القاسم الخوارزمي: 14/146 أقول: ذلكا: الطويل: أبو القاسم الخوارزمي: 14/153 أنتم: هالك: الرجز: قحافة بن عوف بن الأحوص: 1/441 يظلّ: المسالك: الطويل: تأبّط شرّا: 2/236 يا رحمة: فيك: البسيط:-: 7/432 أحلت: كتبك: المنسرح: عبد الله بن طاهر: 6/279

(ل)

كيف: سببك: المنسرح: محمد بن عبد الملك الزّيات: 6/280 (ل) إن هزّ: عامله: البسيط:-: 1/76 وإذا يتحوّلا: الكامل:-: 1/222 لولا جرير: القبيله مخلّع: البسيط:-: 1/382 إن التي: لها: الكامل: عروة بن أذينة: 2/230 ألا ما: إدلالها: المتقارب: أبو العتاهية: 2/232 يا من: وسهلا المجتثّ أبو نواس: 2/268 لو كان: التأميلا: الرجز: المتنبي: 2/341 وبألفاظك: قبلا: المديد: المتنبي: 2/342 النطح: إكليلا: الكامل:-: 2/382 وطولها: أرذلا: الرجز: علاء الدين السّرّمري: 2/489 صدق: بقلّه: الخفيف:-: 3/19 تسلسل: مقله: الخفيف:-: 3/19 ترى: مشكولا: الطويل: أبو تمام: 3/154 هذا: والتنزيلا: الكامل: ابن هانيء: 3/570 محمد: تبالا: الوافر:-: 6/203 ورفعك: والذلّا: الطويل: هارون الرشيد: 6/299 ولو: أعمالها: المتقارب: جمال الدين بن نباتة: 9/104 فقطّع: هلالا: المتقارب: جمال الدين بن نباتة: 9/122 حللت: كلاهما: الطويل: الصلاح الصفدي: 12/88 فإن: شمالا: المتقارب: عمرو بن قميئة: 13/208 تلك: أبوالا: البسيط:-: 14/134 غصب خالا: الخفيف: المتنبي: 14/161 ووجوها: والجمالا: الخفيف: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/168 لقد: إلّا: الطويل: القلقشندي: 14/229 إذا: هزلا: الطويل: القلقشندي: 14/259 ويلومني: نعالها: الكامل: 14/276 سافر: بخيلا: مجزوء الكامل:-: 14/280

وشيخ: ودجله المجتثّ:-: 14/306 لولا: قليلا: الكامل:-: 14/322 بالقائم: الطول: البسيط: أبو تمام: 1/218 أتانا: قائل: الطويل:-: 1/225 مدحت: وأنامله: الطويل: جعفر بن عطية: 1/373 فزارة: نضالها: الطويل:-: 1/433 يودّ: يفعل: الطويل: النمر بن تولب: 2/205 يستعذبون: قتلوا: البسيط: أبو تمام: 2/206 أطيل: فيذهل: الطويل: الشنفرى: 2/206 تكاد: تنتقل: البسيط: أبو تمام: 2/213 من الهيف: الخلاخل: الطويل: أبو تمام: 2/215 صببنا: وأرجل: الطويل:-: 2/221 إذا المرء: جميل: الطويل: السموأل: 2/230 بنفسي: أنامله: الطويل: يزيد بن الطثريّة: 2/231 جفخت: دلائل: الكامل: المتنبي: 2/237 ومهمه: الذّلل: المنسرح: المتنبي: 2/240 والقوم: قبل: السريع: المتنبي: 2/248 من عزّه: القمّل: الكامل: الفرزدق: 2/284 كما خطّ: يزيل: الوافر: أبو حيّة النميري: 2/288 فنحن: بخيل: الطويل: السموأل: 2/295 وإذا: كامل: الكامل: المتنبي: 2/328 وإذا: دليل: الخفيف: المتنبي: 2/335 وقد: نواهل: الطويل: أبو تمام: 2/339 ولو: حافل: الطويل: أبو تمام: 2/340 فتى: مقاتل: الطويل: أبو تمام: 2/342 نحن: مستقبل: السريع: عبد السلام بن رغبان: 2/342 تهس: نزول: المتقارب: محب الدين جار الله الطبري: 2/382 لا تصغ: تحليل: البسيط: جحظة البرمكي: 2/437 على العبد: فواضله: الطويل: القلقشندي: 2/448 لك القلم: والمفاصل: الطويل: أبو تمام: 2/478 إذا استفرز: أسافل: الطويل: أبو تمام: 2/487

تعيّرنا: قليل: الطويل:-: 4/211 وإذا: تخيّل: الكامل: القاضي التنوخي: 4/408 وضنّوا: عليل: الطويل: أبو عبد الله الحضرمي: 5/165 إذا اعتاد: الوحول: الوافر:-: 6/298، 7/384 إذا: فعول: الطويل:-: 7/384 تهنّ: راحل: الطويل: شهاب الدين محمود الحلبي: 9/47 نزور: مراحل: الطويل:-: 12/481 ومن: المأمول: الكامل: القاضي الفاضل: 13/86 إن كان: الأنامل: الطويل: معدان بن جوّاس الكندي: 13/207 ما علّتي: المعابل: الرجز: أبو القاسم الخوارزمي: 14/151 رمى: خيول: الطويل: المتنبي: 14/160 نجوت: تسيل: الطويل: المتنبي: 14/169 رجا: الطوائل: الطويل: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/175 والمسمّون: المأمول: الخفيف: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/178 تقبض: يبول: مخلّع البسيط:-: 14/236 مستفعلن: فضول: مخلّع البسيط: ابن حجّاج: 14/243 رأيت: ناحل: الطويل: القلقشندي: 14/268 وكان: مرمل: الطويل:-: 14/277 ما إن: وأمثل: الرجز: القلقشندي: 14/380 والسيف: بصقال: الرجز:-: 1/220 يا للرجال: بالحائل: الكامل: أم البراء بنت صفوان: 1/308 أطل: بعاقل: الطويل: البحتري: 1/331 وألدّ: مرجل: الكامل:-: 1/332 نعاء: والأصل: الطويل: الكميت: 1/383 وما قحطان: الضلال: الوافر: جنادة بن خشرم الجذامي: 1/383 لعمري: القبائل: الطويل:-: 1/433 لقد علمت: الأوائل: الطويل:-: 1/434 ألا قل: أهلي: هزج: أبو الحسن الجزّار: 1/436 يا هرم: لفضلي: مخلّع البسيط: لبيد: 1/440 ما يحسن: وحجول: الطويل: الحطيئة: 1/442

كأن: مرجّل: الطويل:-: 1/465 ولست: بالنائل: المتقارب: أبو الوليد بن زيدون: 1/527 تعالى: الرجال: الوافر:-: 1/535 وقد وجدت: فقل: البسيط:-: 1/566، 14/229، 260 وإن علاني: زحل: البسيط: الطغرائي: 2/183 لعمرك: رجلي: الطويل: معن بن أوس: 2/206 فإن تصلي: أبالي: الوافر: نصيب بن رباح: 2/222 فلو أن: المال: الطويل: امرؤ القيس: 2/230 وإني: بقليل: الطويل: العباس بن الأحنف: 2/231 ولولا: تغلي: الطويل: الفرزدق: 2/239 اختصم: جدال: البسيط: أبو نواس: 2/273 غدائره: ومرسل: الطويل: امرؤ القيس: 2/275 يثرن: بالكلاكل: الطويل: النابغة: 2/288 كأني: خلخال: الطويل: امرؤ القيس: 2/296 ألا لا: جمل: الطويل: جميل بن معمر: 2/301 أفاطم: فأجملي: الطويل: امرؤ القيس: 2/306 قفا نبك: فحومل: الطويل: امرؤ القيس: 2/307 ألا أيها: بأمثل: الطويل: امرؤ القيس: 2/308 وقوفا: وتجمّل: الطويل: امرؤ القيس: 2/319 فإن تقتلا: المكايل: الطويل: علي بن أبي طالب: 2/325 لقد: طائل: الطويل:-: 2/328 ولما: بمنجلي: الطويل: ابن جعفر: 2/330 وبعض: عجل: البسيط:-: 2/334 وبالخليليّ: مهل: البسيط:-: 2/334 وكذاك: بحال: الكامل: أبو تمام: 2/338 قد عوّد: مرتحل: البسيط: مسلم بن الوليد: 2/338 لم يبق: أمل: البسيط: ابن نباتة السعدي: 2/341 متى: المنازل: الرجز: الشاطبي: 2/421 طاب: والأصيل: الخفيف: عبد الله بن المعتزّ: 2/437

أذن: مسبل: الكامل: أبو الفتح كشاجم: 2/442 أنظر: ومفصّل: الكامل: أبو هلال العسكري: 2/472 إنما: رجال: الخفيف: إبراهيم بن العباس الصولي: 2/502 وبعض: عجل: البسيط:-: 3/416 وبالخليليّ: مهل: البسيط: القلقشندي: 3/416 رميت: بالعطل: البسيط: عمارة اليمني: 3/603 مولاي: علي: البسيط: الأفضل عليّ الأيوبي: 4/172، 6/296 ألا ليت: بعل: الطويل: الناصر داوود الأيوبي: 4/181 وذاك: حائل: الطويل: القاضي الفاضل: 6/300 ملك: التأميل: الكامل:-: 7/351 وليس: الوبل: الطويل:-: 8/160 ونجلك: والأصل: الطويل: شهاب الدين محمود الحلبي: 9/84 تخون: والرّجل: الطويل: شهاب الدين محمود الحلبي: 9/86 ولو: الرجال: الوافر: شهاب الدين محمود الحلبي: 9/94 فالله: وإقبال: البسيط: أبو الفرج الببغا: 9/136 مولاي: وملالي: الكامل: شهاب الدين محمود الحلبي: 9/197 إمام: ولي: الطويل:-: 12/441 فما زال: بالأنامل: الطويل:-: 14/142 إذا: كمثله: الطويل:-: 14/144 وما: الوعل: البسيط: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/166 فنحن: خجل: البسيط: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/169 كريم: الفواضل: الطويل: القلقشندي: 14/228 يجرّدها: المعابل: الطويل: يحيى بن جعفر الحصكفي: 14/234 بشراكم: كامل: الرجز: القلقشندي: 14/262 سئمت: للرجال: الوافر:-: 14/289 لا يصلح: حال: البسيط:-: 14/329 ولا زحل: البسيط: القلقشندي: 14/381 همذان: أمثال: الرجز: مالك بن نمط: 2/262 نحن: العسل: الرجز: الأعرج الطائي: 2/282 وسوداء: صقيل: المتقارب: منصور بن إسماعيل: 2/503

(م)

لما القتال: السريع:-: 7/439 وهذا: فعل: الطويل: شهاب الدين محمود الحلبي: 9/137 إلى الله: المثل: الطويل: القلقشندي: 9/181 (م) وصناعتي: الرّوما: الكامل:-: 1/79 أفلت: ندما: مجزوء الكامل: العتبّي: 1/331 يا لقريش: الأحكاما: الرجز: مروان بن سراقة: 1/440 لما: ظالما: الكامل: لبيد: 1/442 فأصبحت: قلما: المنسرح:-: 2/209، 287 لنا الجفنات: دما: الطويل: النابغة: 2/211 فهناك: أسامه: مجزوء الكامل: عمران بن حطّان: 2/212 صحا: قائما: الطويل: المرقّش الأصغر: 2/218 غرائب: معلما: الطويل: جرير: 2/333 قد ملصت: مبتسما: البسيط: أبو تمام: 2/337 أبى: محكما: الطويل: المفضّل الضبّي: 2/345 أتاك: يتكلما: الطويل: البحتري: 2/432 وإن: المزنّما: الطويل:-: 2/496 كفّاك: الدّما: الرجز: الكسائي: 2/498 من كان: والنّسما: البسيط:-: 2/502 خير: وكمامة: الخفيف: محمد بن محمد البربري: 5/157 عليك: يترحما: الطويل: عبدة بن الطبيب: 6/221 وما كنت: أجذما: الطويل: المتلمّس: 6/297 تنام: نائما: السريع:-: 9/198 الحمد: علّما: الرجز: ابن الدّريهم: 9/245 وأيسر: يتكلما: الطويل:-: 14/276 أن يخدم: الأمم: البسيط: نسبه مرة لابن الرومي: 1/75، ثم لأبي تمام: 2/477 وكان: تمائم: الطويل: المتنبي: 1/90 وثنيّة: أدهم: الكامل:-: 1/190، 337

ولا كتب: العرمرم: الطويل: المتنبي: 1/323 بناها: متلاطم: الطويل: المتنبي: 1/338 أذا افتخرت: وصميمها: الطويل: أبو طالب: 1/411 يا عام: أمم: البسيط: الحطيئة: 1/442 لا زلت: أحكام: البسيط:-: 2/183 والظلم: يظلم: الكامل: المتنبي: 2/207 إن بعضا: أحكام: الخفيف:-: 2/269 تلذّ: الغرام: الوافر: المتنبي: 2/283 نضا: مبرسم: الطويل: ذو الرّمة: 2/288 أعطيتني: قديم: الكامل: أبو تمام: 2/291 فلا: يبرم: الطويل: المتنبي: 2/299 أترجو: قديمها: الطويل: البعيث: 2/320 أين أزمعت: الغمام: الخفيف: المتنبي: 2/321 وإذا: الأجسام: الخفيف: المتنبي: 2/325 أجد اللّوّم: الكامل: أبو الشيص: 2/330 ولولا: المكارم: الطويل: أبو تمام: 2/331 ومن الخير: الجهام: الخفيف: المتنبي: 2/337 وجاهل: وفم: البسيط: المتنبي: 2/337 سحاب: صوارمه: الطويل: مسلم بن الوليد: 2/339 لا تنه: عظيم: الكامل: الأخطل: 2/340 أو ما: قيّم: الكامل: أحمد بن محمد العلوي: 2/432 أيا ربّ: تعلّم: الطويل:-: 2/441 كأنّ: وتعجم: الطويل: إبراهيم بن العباس الصولي: 2/489 أنا إن: الحمام: الخفيف:-: 2/497 ظريفة: تغتلم: البسيط: ابن بنت الأعزّ: 2/508 واستشعر: الأيام: الكامل:-: 3/19 وجارية: الظلام: الوافر: سليمان بن داوود: 4/321 سليمان: كرام: الوافر: القلقشندي: 4/322 أناة: عزائمه: الطويل:-: 6/296 إذا: نسيمه: الطويل: ابن الخطيب: 6/458 ينام: نائم: الطويل:-: 7/388

وأهنتني: يكرم: الكامل: شهاب الدين محمود الحلبي: 9/196 لكنه: قوائمه: البسيط:-: 9/211 يغضي: يبتسم: البسيط:-: 14/143 أين: الغمام: الخفيف: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/159 فباشر: الدمّ: الطويل: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/159 فجاز: ميسم: الطويل: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/159 ألقت: دم: البسيط: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/168 إذا: واللّطيم: الوافر:-: 14/217 ولاحت: تنظم: الطويل:-: 14/329 كأنها: الأنجم: السريع:-: 14/332 ولضربة: حسام: الكامل:-: 1/98 إذا: للحلم: الطويل: معاوية بن أبي سفيان: 1/308 لسان: والدّم: الطويل:-: 1/332 فلو كنت: بسلام: الطويل: علي بن أبي طالب: 1/380، 13/237 أتيناك: المواسم: الطويل: الزبرقان بن بدر التميمي: 1/428 هل المجد: العظائم: الطويل: حسان بن ثابت: 1/429 خزيمة: دارم: المتدارك: أبو نواس: 1/430 محمد: دارم: المتدارك: فتح الدين ابن سيد الناس اليعمري: 1/430 قريش: هاشم: المتدارك:-: 1/430 لله: هاشم: المتدارك: ابن عرسيّة: 1/430 إذا مضر: خازم: الخفيف: إسحاق بن إبراهيم الموصلي: 1/430 خانته: للرّتم: البسيط:-: 1/465 إن العصا: ينمي: الكامل:-: 1/536 وهم: نعام: الوافر:-: 2/96 ومهما: تعلم: الطويل: زهير بن أبي سلمى: 2/211 قد كان: بالصرم: السريع: أبو صخر: الهذلي: 2/274 أذاق: بالصرم: الطويل: المتنبي: 2/274 فإنك: العمائم: الطويل: الفرزدق: 2/298 وخلا: المترنّم: الكامل: عنترة بن شداد: 2/322 خلقن: والمآثم: الطويل: أبو تمام: 2/324

أنتج: الهمم: الخفيف:-: 2/332 وما: كلفة: اللّطم: الطويل: أبو العلاء المعري: 2/335 ينير: المعلوم: الرجز: إبراهيم الدهشوري: 2/423 ممسحة: الظّلم: المضارع: القاضي الفاضل: 2/511 يقول: القاسم: المتقارب: أبو مكعت الأسدي: 6/221 أيا: الشام: الطويل: القلقشندي: 9/44 فهل: حرم: البسيط: ابن نباتة: 9/113 ولضربة: حسام: الكامل: أبو تمام: 14/131 ترى: ضيغم: الطويل: أبو القاسم الخوارزمي: 14/147 أولئك: النجوم: الوافر: أبو القاسم الخوارزمي: 14/149 وودّ: نم: الطويل: أبو القاسم الخوارزمي: 14/152 تسوّد: والّلمم: البسيط: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/161 بيض: للنّعم: البسيط: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/165 فلقد: الأجسام: الكامل: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/185 يصدّ: للنسيم: الوافر: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/187 إن: الكلم: البسيط: يحيى بن جعفر الحصكفي: 14/232 لا ينكر: والهمم: البسيط: القلقشندي: 14/273 إذا: حازم: الطويل:-: 14/334 بغرّة: التّمام: السريع:-: 14/334 تراه: حيزوم: البسيط:-: 14/340 إن افتخر: والكرم: الطويل:-: 1/75 كأن: مزاحم: الوافر:-: 2/183 حلفت: شيظم: المتقارب: ابن جحدر: 2/226 أدت: أحم: البسيط:-: 2/421 وهاجرة: الأكم: المتقارب: سوّار بن المضرّس: 2/434 إذا: أقسم: والكرم: الطويل: أبو الفتح البستي: 2/474 أصبح: أكثم: مجزوء الخفيف: السلطان أحمد صاحب بجّاية: 5/128 قرّ: تمّ: مجزوء الخفيف: يحيى بن أجاد: 5/128 بنت: بالقدم: الرمل:-: 13/369 وكأنهم: العباشم: مجزوء الكامل: يحيى بن جعفر الحصكفي: 14/231

(ن)

(ن) أمغطّى: حسنا: الخفيف: مالك بن أسماء: 1/212 يا ليتني: خذلانا: البسيط: كعب بن لؤي: 1/255 لو كنت: شيبانا: البسيط:-: 1/334 إن العيون: قتلانا: البسيط: جرير: 2/207، 245 وازورّ: عرفانه: السريع: الحريري: 2/293 كم أمالوا: الزبانى: الخفيف:-: 2/382 يا صاح: بنيانا: الكامل: علي بن محمد النّيلي: 3/398 إلا: العالمينا: الوافر:-: 5/131 ضحّوا: وقرآنا: البسيط:-: 6/335 قل: يكفينا: البسيط:-: 7/343 رفعت: أركانا: البسيط: القلقشندي: 9/23 وتقاسم: أنا: الكامل: جمال الدين بن نباتة: 9/69 يا أجمل: الوسنا: الرجز: جمال الدين بن نباتة: 9/151 جاء: سننه: المنسرح: أبو القاسم الخوارزمي: 14/150 قد السلاطينا: السريع: يحيى بن جعفر الحصكفي: 14/230 إن المائة: صائنه: الطويل: القلقشندي: 14/260 إني: الأحسنا: الكامل:-: 14/284 يا خير: المأمون: الرجز: أبو نواس: 1/210 وللموت: المساكن: الطويل:-: 1/305 إذا عرق: عجانها: الطويل:-: 1/465 بلاد: زمان: الطويل: أخو عاد (سيبويه) 1/526 وإذا: أمان: الكامل:-: 2/95 عطاؤك: يزين: الطويل: أمية بن أبي الصلت: 2/205، 331 وخال: دجونها: الطويل: المرّار: 2/220 مهلا: ضنّوا: البسيط: ابن أم الصاحب: 2/299 [قعنب بن ضمرة] إذا جاوز: قمين: الطويل: جميل بن معمر: 2/301

جلست يخون: الطويل: جرير: 2/318 بمؤتمر: البصان: الوافر:-: 2/406 شهور: نقصان: الهزج: أبو عبد الله الكيزاني: 2/420 إشرب: نشوان: الكامل:-: 2/433 أخا الفرس: مهرجانها: الطويل: عبيد الله عبد الله بن طاهر: 2/450 إذا جئت: أهون: الطويل: رافع (مولى الرشيد) 6/299 تهاب: العرين: الوافر: القاضي الفاضل: 7/118 إن كان: ثمن: المنسرح:-: 9/198 ثكلتني: المنون: الخفيف: محمد بن الحصين الأنباري: 13/208 ويختال: نشوان: الهزج: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/190 وإذا: أمان: الكامل: القلقشندي: 14/228 فما: ألبان: الطويل:-: 14/275 وطلّها: حيران: البسيط:-: 14/330 وغريبة: الثاني: الكامل: القاضي الفاضل: 1/70 النحو: يلحن: الكامل: أبو سعيد البصري: 1/206 أنا ابن: تعرفوني: الوافر: سحيم بن وثيل الرياحي: 1/262 قالوا: الجديدين: البسيط: ابن عبد ربّه: 1/351 وعاد: جسمين: السريع:-: 1/351 أيها: يلتقيان: الخفيف: عمر بن أبي ربيعة: 1/412 وهبتها: البعران: السريع:-: 1/459 يا عمرو: اسقوني: البسيط: ذو الأصبع العدواني: 1/461 ألا من: بطان الوافء تأبّط شرّا: 1/462 إن المليح: لون: مجزوء الرمل:-: 2/7 كفى: ابن: البسيط: المتنبي: 2/215 آبي: ثنيان: البسيط: أبو المثلّم الهذلي: 2/250 تعال: يصطحبان: الطويل: الفرزدق: 2/287 من شروط: المكان: الخفيف: ابن حجّاج: 2/307 مغاني: الزمان: الوافر: المتنبي: 2/307، 4/408 ولقد: مني: الخفيف:-: 2/330 أرى: بالدون: البسيط:-: 2/359

(هـ)

وابدأ: الثاني: الرجز: إبراهيم الدهشوري (السهروردي) 2/420 وربّ: ظمآن: السريع:-: 2/434 طلع: ظلموني: الخفيف:-: 5/416 يا فاعلا: باطنه: السريع:-: 7/336 يوم: المرّان: الرجز:-: 7/386 بعثت عيني: الوافر: جمال الدين بن نباتة: 9/146 قوموا: حسن: البسيط: الزبيري: 13/214 ذاك: صوحان: السريع: أبو القاسم الخوارزمي: 14/147 قد: الغربان: الكامل: محيي الدين بن عبد الظاهر: 14/184 وإذا: الألسن: الكامل: القلقشندي: 14/241 لا يخرج: ليني: البسيط: جمال الدين بن نباتة: 14/274 ما كان: العين: الكامل:-: 14/275 من: الامتحان: الخفيف:-: 14/280 أبكى: أبكاني: الرجز:-: 14/283 طفح: أبكاني: الكامل:-: 14/304 مليك: أخوان: الطويل:-: 14/336 بني: والسّنن: الطويل: يحيى بن الحسين الرسّي: 5/46 علّقوا: حضن: مجزوء الخفيف:-: 14/280 قاضي: الحزن: مجزوء الكامل:-: 14/354 (هـ) من حبّها: فينعاها: البسيط: جنادة [نجبة بن جنادة] 2/221 إذا: هواها: السريع: السّرّمري: 3/39 هما: فدعاهما: الطويل: امرؤ القيس: 2/288 لعمرك: تراه: الوافر:-: 14/151 فأنت: له: الطويل:-: 14/340 (و) شيء: هو: الكامل:-: 1/223

(ي)

يدلّ: يهوى: الطويل: أبو نواس: 2/335 (ي) أما: مهديّا: الكامل: سنان بنت جشميّة المذحجيّة: 1/305 تأمل: الزوايا: الوافر: القاضي الأرّجاني: 1/351، 357 وكانت: حيّا: الوافر: أبو العتاهية: 2/205 ترفع: عذاريا: الطويل: المتنبي: 2/332 لعمري: صاليا: الطويل: ابن نباتة: 2/451 وعين: المساويا: الطويل: شهاب الدين محمود الحلبي: 9/196 ويا خسار: الهاوية: السريع:-: 14/236 وقد: تلاقيا: الطويل:-: 14/271 نسيم: السريّا: الوافر:-: 14/325 ولقد: هدايا: مجزوء الرمل محمد بن الصائغ: 14/377 أنا لمن: غنيّ: الرجز: السّندري: 1/441 ألا موت: فيه: الوافر: الوزير المهلّبي: 1/70 وتجتنب: فيه: الوافر:-: 2/57 كيف: وأحكيه: البسيط:-: 2/447 يا باري: باريها: البسيط:-: 2/485 هنّيت: الوضيّ: مجزوء الكامل:-: 2/438

فهرس أنصاف الأبيات

فهرس أنصاف الأبيات أبوك خليفة ولدته أخرى: الطويل:-: 4/326 أتاك أتاك اللاحقون أتاكا: الطويل:-: 2/361 أجاب المنادي للصلاة فأغنما: الطويل: القاضي الفاضل: 1/325 أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله: الطويل: ابن نباتة: 9/142 أعيذها نظرات منك صادقة: البسيط: المتنبي: 9/147 ألا كل شيء ما خلا اله باطل: الطويل: لبيد: 1/350، 2/214 ألا إنما الدنيا متاع غرور: الطويل:-: 2/297 أنا أبو النجم وشعري شعري: الرجز:-: 14/278 ثلاث نواحيه الثلاث الأنامل: الطويل: أبو تمام: 3/41 بعيشك خبّرني متى أنت راجع: الطويل:-: 14/394 تنقّل فلذّات الهوى فب التّنقّل: الطويل:-: 14/325 خشنت عليه أخت بني خشين: الوافر: أبو تمام: 2/271 ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا: الطويل: طرفة بن العبد: 1/352 سلّم على الربع من سلمى بذي سلم: البسيط: أبو تمام: 2/271 على قدر أهل العزم تأتي العزائم: الطويل: المتنبي: 1/337 عمرك الله كيف يلتقيان: الخفيف: عمر بن أبي ربيعة: 1/531 فما للنوى ترمي بليلى المراميا: الطويل: القاضي الفاضل: 1/326 كم نعمة كانت لكم كم كم وكم: الرجز:-: 2/361 كما طرب النشوان مالت به الخمر: الطويل: القاضي الفاضل: 1/328 لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب: الطويل:-: 1/530 لنا الجفنات الغرّ يلمعن في الضحى: الطويل:-: 12/394 لها الشمس خدن والنجوم ولائد: الطويل: القاضي الفاضل: 1/327

ما في وقوفك ساعة من باس: الكامل:-: 9/195 من تلق منهم تقل لا قيت سيدهم: البسيط:-: 1/534 نروح ونغدو كل يوم وليلة: الطويل: مسلمة: 2/297 هو الحمى ومغانيه مغانيه: البسيط:-: 14/278 وتلك شكاة ظاهر عنك عارها: الطويل:-: 6/296 وفي عنق الحسناء يستحسن العقد: الطويل:-: 14/319 ومن عانة أم من مراشفك الخمر: الطويل:-: 4/326 ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا: الطويل:-: 1/356 ويأتيك بالأخبار من لم تزود: الطويل: طرفة بن العبد: 1/350 يا أول الصّفو هذا آخر الكدر: البسيط:-: 7/349

فهرس الأمثال المذكورة في المتن

فهرس الأمثال المذكورة في المتن (أ) أباد الله خضراءهم: 1/194 أجبن من المنزوف ضرطا: 14/293 أجرا من خاصي الأسد: 14/293 أجع كلبك يتبعك 1/311 أجفل عن جنابك الخير وأجلى: 14/294 أجود الكلام السهل الممتنع: 2/235 أحسن من قدّ: 14/296 أحشفا وسوء كيلة؟: 1/535 أحلم من معن بن زائدة: 14/143 أحمق من الممهورة احدى خدمتيها: 14/289 أحنّ من نقبه: 14/296 أخطأت إسته الحفرة: 1/534 أخطف من عقاب: 14/296 أخنى عليه الذي أخنى على لبد: 7/373 إذا ذلّ مولى المرء فهو ذليل: 14/288 إربع على ظلعك: 1/275، 535 أرغم الله أنفه: 1/194 أسبق إلى الغايات من عكاشة: 14/296 إست البائن أعلم: 14/293 استنّت الفصال حتى القرعا: 14/240 استسمنت ذا ورم: 1/530 استنسرت البغاث: 14/240 أسرق من جرذ: 14/296 أسير من مثل: 1/347 أشبه امرؤ بعض بزّه: 1/349 أشجع من ساكن غاب: 14/296 أشغل من ذات النّحيين: 14/228 أشفق من والدة: 14/143 أصلح وقابل، وأفسد وقابل: 7/333 أضحكت بعد استعبار: 1/276 أضرطا وأنت الأعلى؟ 14/294 أطيش من فراشة: 14/296 أظلم من حيّة: 14/296 أعزّ من الأبلق العقوق: 14/294 أعزّ من بيض الأنوق: 2/93، 14/294 أعطي العبد كراعا فطلب ذراعا: 14/271 أعن أخاك ولو بالصوت: 14/289 أغدّة كغدّة البعير وموت في بيت سلولية: 1/535

(ب)

أفرغ من حجّام ساباط: 14/288 أفصح من قس بن ساعدة: 14/143 أكذب من فاختة: 2/83 إلزم الصحة يلزمك العمل: 1/104 ألين من عهن: 14/296 أمكرا وأنت في الحديد؟: 14/297 إن الشقي وافد البراجم: 1/533 إن العصا قرعت لذي حلم: 1/536 إن الزمان بمثله لعقيم: 12/88 إن قلت جعجعة ولا طحن فربّ صلف تحت الراعدة: 1/536 إن يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر: 1/349 أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا: 14/298 أنا جذيلها المحكّك وعذيقها المرجّب: 1/335، 14/257، 269 أنا الغريق فما خوفي من البلل: 14/305 أنارته شعوب ووارته الجبوب: 14/236 أنفك منك وإن كان أجدع: 11/162 أنصف القارة من راماها: 14/297 إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض: 1/352 أنوم من فهد: 14/296 أهل مكة أخبر بشعابها: 1/246، 354 أوردها سعد وسعد مشتمل: 14/298 أوفى من الحادي وأغدر من الثريا: 2/175 أول الغيث قطر ثم ينسكب: 11/343 أي الرجال المهذّب: 1/350، 12/63، 14/271 إياك أعني فاسمعي يا جارة: 12/344 (ب) بالباع والذراع: 12/379 بالشكر تدوم النعم: 2/83 برّق لمن لا عرفك، وروّج على غير الجوهري صدفك: 14/269 بكل حبل يختنق الشقي: 14/298 بياض العطايا في سواد المطالب: 11/229 به لا بظبي أعفر: 1/535 (ت) تربت يداك: 1/194 تسمع بالمعيدي خير من أن تراه: 14/151 تمشي له الضرّاء وتدبّ له الخمر: 1/285 (ج) جاء السواد الأعظم: 1/357 الجار قبل الدار: 1/229 جرح العجماء جبار: 1/532، 14/297 جري المذكيات غلاب: 14/290 جزاه جزاء سنمار: 14/277 جعجعة رحا من غير طحن، وتصويت رعد. من غير مزن: 1/536، 14/241 الجنة تحت ظلال السيوف: 1/250

(ح)

الجواب في قذال الدمستق: 1/531 الجود بالنفس أقصى غاية الجود: 10/71 (ح) حارب بجدّ أودع: 14/290 حبك الشيء يعمي ويصمّ: 2/271 حدّث عن البحر ولا حرج: 14/304 الحديث شجون: 14/162 الحرب خدعة: 10/419 الحرّة تجوع ولا تأكل بثدييها: 1/533، 14/289 حسبك من شرّ سماعه: 14/293 الحق أبلج والباطل لجلج: 14/241 حلب الدهر أشطره: 11/153 حلّت معلّوطة وولّت مخروّطة: 1/291 حن قدح ليس منها: 1/275 (خ) الخضرة أم اللهيب والخمرة بنت الغربيب: 14/215 خير الأمور أوساطها: 3/21 (ذ) ذلّ من بالت عليه الثعالب: 1/530 ذهب نشاطه ولم يبق إلا ضراطه: 1/535 (ر) ربّ صلف تحت الراعدة: 1/536 ربّ كلمة تقول دعني: 1/222 ربّ ملوم لا ذنب له: 1/276 ربّ واثق خجل: 7/79 رجع بخفيّ حنين: 1/530 رضيت من الغنيمة بالإياب: 1/530، 14/293 (ز) زوج من عود خير من قعود: 1/533 (س) ساء سمعا فأساء إجابة: 1/348 سبق السيف العذل: 1/355، 14/258، 269 سقط العشاء به على سرحان: 1/535، 14/298 السيل أدرى بالجبل: 14/320 السيوف تجزّ الرقاب وتعجز عما تنال الإبر: 12/272 (ش) شرّ ما ألجأك إلى مخّة عرقوب: 14/290

(ص)

الشمس طالعة إن غيّب القمر: 7/384 (ص) صدقت سنّ بكرها: 1/531 (ط) طاب دقيق السّبل: 2/81 طابق الخبر الخبر: 14/144 الطبع أغلب: 14/266 الطبيعة كافية (حكمة) : 13/348 الطريق تأخذ حقها (حكمة) : 13/348 (ظ) ظهور نار القرى ليلا على علم: 11/190 (ع) عادت جذعة: 1/444 العبد لا يردعه إلا العصا: 1/356 عدل يوم واحد خير للأرض من أن تمطر أربعين يوما: 12/183 عرف من أين تؤكل الكتف: 1/221 عقول مرد ولحى أشياخ: 12/419 عند الصباح يحمد القوم السرى: 1/348، 357، 14/292 العوان لا تعلم الخمرة: 14/293 العود إلى الحق أولى من التمادي على الباطل: 8/273 عيثي جعار وانظري أين المفرّ: 14/278 (غ) الغاص باللقمة أخبر بها: 14/293 غدّة كغدّة البعير وموت في بيت سلولية: 1/445 غطستم صيفتم، ونورزتم شتيتم: 2/455 غنّته الجرادتان: 1/494 (ف) فات ما ذبح: 1/355، 14/269 فتى ولا كمالك: 1/307 الفحل يحمي شوله معقولا: 14/298 فضح التطبّع شيمة المطبوع 140/296 فما بالعهد من قدم: 12/8، 143 في الزوايا خبايا: 1/351، 14/298 (ق) القتل أنفى للقتل: 1/231 قد أعذرت إن أغنيت شيّا، وأسمعت لو ناديت حيا: 1/536 قد يستفيد الظنّة المتنصّح: 1/276

(ك)

قدّر بذراعك: 1/535 قلت اذهبي يا صبوتي بسلام: 14/284 قلما يغمش ناظر زهرة أو يزمن مريع طريدة: 14/322 قليل باق خير من كثير فان: 14/201 قنع من الغنيمة بالإياب: 14/270 قيمة كل امريء ما يحسن: 1/89 (ك) كأنما القوس منها موضع الوتر: 14/284 كأنه قرلّى: إن رأى خيرا تدلّى، وإن رأى شرّا تولّى: 2/77، 268 كأنه كوكب في إثر عفريت: 14/295 الكتابة نسب: 1/114 كدمت في غير مكدم: 1/530 كطالب الصيد في عريسة الأسد: إن لقيه أهلكه: 14/270 كرجيع الضبع يعرك في المركن: 1/299 كل بناء على قدر بانيه وما شاد: 11/70 كل الصيد في جوف الفرا: 1/529 كل مكان ينبت العزّ طيب: 12/317 كم ترك الأول للآخر: 11/154 كناقل التمر إلى هجر: 1/274 كيف توقى ظهر ما أنت راكبه: 14/287 (ل) لا تكن براقش الدالة على أهلها، وعنز السوء المثيرة لحتفها: 1/535 لا قرار على زأر من الأسد: 10/86، 12/145 لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى: 11/199 لا ينبئك بالحروب كمجربها: 14/293 لا ينبئك مثل خبير: 10/180 لات حين ذبالة: 14/293 لبّث قليلا يلحق الهيجا حمل: 1/277 لقد أنصف القارة من راماها: 14/297 لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب: 1/530 لكل امريء ما نواه: 7/374 للموت ما تلد الوالدة: 1/305 لم تجد لرمح هزا، ولا لشفرة محزّا: 1/530 لم يبق إلا ضراطه: 1/535 لو سكتوا أثنت عليه الحقائب: 12/318 ليس تحت الزرقاء أخضع منها: 12/334 ليس الخبر كالعيان: 2/98، 7/394 ليس من يكرم لنفسه كالذي يكرم لغيره: 14/395 (م) ماء ولا كصدّاء: 11/307 ما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى: 14/201 ما كنت لأتخطى المسك إلى الرماد، ولا أمتطي الثور دون الجواد: 1/534 ما له هبع ولا ربع: 1/290

(ن)

ما ليل المجد بنائم: 12/12 مدارس آيات خلت من تلاوة: 1/356 مرأى ولا كشعب بوان: 14/183 مرعى ولا كالسعدان: 1/307، 7/139، 14/183 المعيدي تسمع به خير من أن تراه: 1/531 من أراد المناجزة يقبل المحاجزة: 1/303 من أغلق عليه بابه فقد أمن: 12/229 من بورك له في شيء فليلزمه: 9/102 من تشبع بما لم ينل فهو كلابس ثوبي زور: 14/240، 269 من حرّك الدهر أراه اقتداره: 14/294 من سلك الجدد أمن العثار: 14/296 من شابه أباه فما ظلم: 12/272 من ضاف الأسد قراه أظفاره: 14/294 من قصر به عمله لم يسرع به نسبه: 13/115 من كان مع الله كان الله معه: 14/191 من لك بأخيك كله: 14/293 من وقع عليه نظر السعيد سعد: 14/261 من يشتري سيفي وهذا أثره: 14/298 من يلزم الصحة يلزمه العمل: 1/122 المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى: 7/381 المندل الرطب في أرجائه حطب: 7/175 المنيّة ولا الدنيّة: 1/533 مواعيد عرقوب: 14/290 المؤمن لا يكون حبلى: 1/357 (ن) النار ولا العار: 1/533 النعل حاضرة إن عادت العقرب: 1/531 نفخت في غير ضرم: 1/530 النّقس نقع والطروس مجال: 14/285 (هـ) هدنة على دخن: 14/4 هذه شنشنة نعرفها من أخزم: 7/429 هل ينهض البازي بغير جناح: 14/289 هما كركبتي البعير: 1/443 (و) وافق شنّ طبقة: 1/221 وضعت الهناء مواضع النقب: 1/531 الولد سرّ أبيه: 14/144 (ي) يا لك من نار على علم: 12/391 يتيمم من لا يجد ماء: 1/534 يرعى الهشيم من عدم الجميم: 1/534 يركب الصعب من لا ذلول له: 1/534 يظل بموماة ويمسي بغيرها: 12/114 يعرف كيف تؤكل الكتف: 1/221

فهرس الكتب المذكورة في المتن

فهرس الكتب المذكورة في المتن (أ) الأبحاث الجميلة في شرح العقيلة- للشاطبي: 3/15، 17 الأحجار- بلينوس: 2/113 الأحكام- الآمدي: 1/549 الأحكام السلطانية- الماوردي: 1/124- 2/3، 155- 3/290، 297- 5/418- 9/418- 11/71- 13/112، 118، 120، 361 إحياء علوم الدين- الغزالي: 2/143 أخبار مكة- الأزرقي: 14/98 الاختلاف والجمع- ابن هبيرة الحنبلي: 1/553 الأخلاق- ابن سينا: 1/563 الأخلاق- الرازي: 1/564 أدب القاضي- الإمام أبو يوسف يعقوب: 12/370 أدب الكاتب- ابن قتيبة: 1/175، 185، 187، 189، 191، 192، 193، 194، 195، 198، 244، 538- 2/163، 179، 442- 5/466- 6/11، 60 الأدوار- أبو معشر: 1/556 الأذكار- النووي: 1/546- 5/406، 410- 6/218، 219، 255 الآراء والديانات- النومحسي (كذا) : 2/164 الأربعون- جمال الدين بن واصل: 11/548 الأربعون حديثا- النووي: 14/373 الأرجوزة- السرمري: 3/39، 49، 55 الإرشاد- أبو الريحان البيروني: 1/556 إرشاد القاصد- شمس الدين بن الأكفاني: 1/539، 557، 558، 560- 3/6- 13/253 الأرصاد- ابن الهيثم: 1/561 أساس السياسة- ابن ظافر: 13/249 الاستكمال- يوسف المؤتمن بن هود: 1/566- 5/246- 14/260 الاستيعاب (في علم تسطيح الكرة) - البيروني: 1/561

الاستيعاب- الرازي: 5/528 الاشراف- ابن المنذر: 1/553 أشكال الأرض: 4/430، 433، 435 الأصمعيات: 1/319 إصلاح المنطق- ابن السكيت: 1/539- 6/12- 14/150، 218 الأطوال- منسوب للفرس: 3/262، 354، 367، 447، 450، 453، 454، 456، 461، 463- 4/102، 103، 104، 109، 111، 114، 117، 118، 120، 129، 131، 136، 141، 143، 144، 146، 148، 150، 153، 156، 157، 158، 160، 163، 255، 263، 265، 291، 318، 319، 320، 326، 327، 331، 332، 335، 338، 339، 341، 343، 345، 346، 347، 348، 349، 350، 352، 353، 355، 356، 360، 363، 364، 369، 370، 372، 380، 383، 384، 385، 386، 387، 390، 391، 392، 393، 394، 395، 396، 436، 437، 439، 440، 441، 442، 453، 454، 457، 460، 462، 480- 5/7، 8، 12، 13، 14، 37، 39، 40، 41، 52، 56، 71، 73، 74، 75، 76، 101، 102، 106، 167، 264 إعانة المنشيء: 3/15، 16، 18 الأغاني- أبو الفرج الأصفهاني: 1/435 الاقتداء بالأفاضل- علي بن حمزة بن طلحة: 1/314 الاقتصاد- الغزالي: 6/266 آلات التقويم (في علم تسطيح الكرة) - المراكشي: 1/561 الآلات الحربية- بنو موسى بن شاكر: 1/560 الآلات الروحانية- البديع الجزري: 1/560 الآلات الروحانية- فيلن: 1/560 الآلات الظلّية- إبراهيم بن سنان الحرّاني: 1/562 الآلات العجيبة (في الأرصاد) الحارثي: 1/561 الألفاظ الكتابية- عبد الرحمن بن عيسى الهمذاني: 1/199 الألفيّة- ابن أصبع: 1/538 الألفيّة- ابن مالك: 1/208 الألفية (في الخط) - زين الدين شعبان الآثاري: 1/346 الألفية في العروض (وهي هداية الضليل إلى علم الخليل) - زين الدين شعبان الآثاري: 1/543 الإلمام بأحاديث الأحكام- ابن دقيق العيد: 1/546

(ب)

الأمام- الشافعي: 1/94، 551- 12/376 الأمثال- أبو عبيد: 1/349 الأمثال- حمزة الأصفهاني: 1/346 الأمثال- القمّي: 1/349 الأمثال- المفضّل الضبّي: 1/346، 349 الأمثال- الميداني: 1/346، 349، 449 أمنية الألمعي ومنية المدّعي- أحمد بن علي بن الزبير الأسواني: 1/196 الأموال- أبو عبيد: 6/362، 363، 366- 13/328 إنباط المياه- الكرخي: 1/560 الأنساب- السمعاني: 2/87- 3/453- 4/118، 126، 337، 338، 349، 363، 370 أنساب الطالبين- لم يذكر المؤلف صاحبه؛ ولعلّه: أنساب آل أبي طالب لابن شهر آشوب- 5/46 الأنواء الكبير- أبو حنيفة الدينوري: 2/188 الأنوار الضوية في إظهار غلط الدرة المضيّة في اللغة التركية: 5/431 الأوائل- ابن باطيش: 2/444 الأوائل- العسكري: 1/255، 256، 466- 2/144، 152، 389، 390- 3/292- 4/268، 284- 5/446- 6/38، 190، 195، 225، 232، 242، 257، 296، 299، 315، 316، 446- 9/375- 13/59، 112، 113، 115- 14/413، 440 الأيام- الفرّاء: 2/389 أيام العرب- أبو عبيدة: 1/449 الإيضاح- ابن مالك: 1/541 إيقاظ المتغفّل- ابن المتوّج الزبيري: 3/377، 381، 384، 388- 7/181 (ب) البحر- الروياني: 1/551 البحر المحيط- أبو حيان: 1/544 البحر المحيط في شرح الوسيط- القمولي: 1/552 البداية (من كتب الحنفية) : 1/552 البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير- الرافعي: 14/369 البديع- التيفاشي: 1/541 البسيط- الغزالي: 1/551 البسيط- الواحدي: 1/544 البشرى في شرح كتاب الكرماني (في علم تعبير الرؤيا) : 1/555 البلاغة- أبو الحسين أحمد بن سعيد: 13/331- 14/113 البنكامات- أرشميدس: 1/560 البيان والتبيين- الجاحظ: 1/211 البيان والتحصيل: 1/553

(ت)

البيطرة- حنين بن إسحاق: 1/554 (ت) تاريخ ابن أبي المنصور: 3/333، 336 تارين ابن الأثير (الكامل في التاريخ) : 1/162- 3/288- 6/16 تاريخ ابن خلدون (العبر) : 1/360، 369، 371، 378، 380، 389، 391، 393، 394، 395، 397، 398، 399، 400، 402، 403، 415، 416، 417، 423، 424- 4/210، 213، 319، 471- 5/7، 9، 11، 20، 41، 48، 54، 57، 144، 147، 215، 266، 267، 272، 273، 274، 281، 283، 284، 285- 6/342، 7/365- 13/232، 242 تاريخ ابن خلكان (وفيات الأعيان) : 3/456 تاريخ ابن العميد: 13/278، 281 تاريخ ابن يونس: 3/381، 458 تاريخ أبي الفداء، الملك المؤيد صاحب حماة- وهو كتاب المختصر في أخبار البشر: 1/370، 383- 2/115- 3/400، 468، 4/4، 7، 41، 267، 276، 277، 286، 304، 311، 340، 350، 366، 389، 459، 460- 5/451- 6/36، 225، 228، 232- 7/365، 9/423- 13/257 تاريخ الأندلس- ابن حيان: 5/255 تاريخ البخاري: 2/387 تاريخ الخلفاء- السيوطي: 9/360 تاريخ الخلفاء- ابن قتيبة: 9/376 تاريخ الخلفاء- ابن نباتة: 1/505 تاريخ الخلائف- القضاعي: 3/296 تاريخ دمشق- ابن عساكر: 13/111، 125 تاريخ الدولة الفاطمية- ابن الطوير: 2/107، 110 تاريخ الشام- ابن عساكر: 4/80 تاريخ صفد- العثماني: 4/154، 156، 157، 159 تاريخ الطبري- 6/342 تاريخ المدينة- ابن النجار: 4/286، 307، 308 تاريخ المسبّحي- 3/414- 6/421 تاريخ مكة- الأزرقي: 4/252، 256، 282 تاريخ النيل- 3/321، 323 التاريخ والمغني- ابن هنبتا: 1/556 التائية- ابن الفارض: 4/432 التتمة- المتولي: 1/551 تثقيف التعريف- ابن ناظر الجيش: 1/33، 35- 4/110، 119، 140، 191، 207، 209، 215، 218، 219،

220، 221، 233، 234، 235، 236، 319، 320، 323، 374، 377، 379- 5/443- 6/15، 34، 57، 84، 95، 104، 105، 107، 108، 110، 115، 120، 121، 122، 123، 125، 127، 129، 130، 131، 132، 133، 134، 135، 137، 138، 139، 144، 145، 146، 147، 151، 152، 153، 155، 156، 157، 158، 159، 160، 162، 163، 164، 168، 170، 171، 172- 7/128، 135، 144، 145، 148، 149، 150، 153، 154، 167، 169، 172، 180، 181، 182، 184، 185، 186، 187، 190، 191، 192، 193، 197، 199، 202، 204، 205، 206، 207، 208، 209، 210، 212، 213، 240، 241، 244، 245، 246، 247، 248، 249، 251، 253، 254، 255، 274، 279، 282، 283، 284، 286، 287، 288، 289، 291، 292، 294، 296، 297، 298، 299، 300، 301، 302، 303، 304، 305، 308، 309، 310، 311، 312، 313، 314، 317، 321، 325، 326، 327، 328، 361، 365، 389، 397، 400، 402، 406، 413، 415، 441- 8/3، 5، 7، 8، 10، 13، 14، 15، 16، 17، 18، 19، 26، 29، 33، 37، 42، 44، 45، 47، 48، 49، 51، 52، 54، 55، 180، 182، 183، 187، 196، 218- 9/277، 330- 10/45، 186، 192- 11/105، 106، 107، 108، 109، 111، 114، 115، 117، 122، 125- 12/33، 105، 160، 161، 169، 216- 13/163، 165، 166، 222، 229، 311، 315، 320، 321، 341، 343، 353 تثقيف اللسان- ابن مكي التونسي: 1/198- 2/404 تجارب العرب (في علم ضرب الرمل) : 1/558 التحاويل (في علم أحكام النجوم) - السحرتي: 1/556 التحبير- ابن أبي أصبع: 1/541 التحرير (من كتب الحنفية) : 1/552 تحرير التحبير- زكي الدين بن أبي الأصبع: 2/210، 344، 348 التحصيل- الأرموي: 1/549 تحفة الأصحاب: 12/368

تحفة الألباب- محمد بن عبد الرحيم الإقليشي: 5/59 التذكرة- ابن حمدون: 13/217- 14/145 التذكرة (في علم الكيمياء) - ابن كمونة: 1/558 التذكرة- أبو الفضل الصوري: 1/93، 139، 165- 3/571- 6/189، 195، 203- 8/319 التذكرة- ابن فضل الله العمري: 7/249، 389 التذكرة الآمدية: 4/110- 6/133، 136، 139، 140، 146، 147 تذكرة اللبيب ونزهة الأريب- محمد بن المكرم: 1/477- 8/78- 13/224، 312، 318، 338، 348- 14/82، 84 الترتيب: 4/336، 337 ترتيب الدولة الفاطمية (لعله هو نفسه تاريخ الدولة الفاطمية) - ابن الطوير: 1/136- 3/533 ترسل أبي الحسن بن سعد: 13/217 ترسل العلاء بن موصلايا: 9/30- 13/276 تسطيح الكرة- بطليموس: 1/561 تسهيل الفؤاد- ابن مالك: 1/540- 6/236، 237- 12/350 التصحيف والتحريف- أبو أحمد العسكري: 1/490 التصريف- ابن الحاجب: 1/539 التصريف- أبو عثمان المازني: 1/217 التصريف الملوكي- ابن جنّي: 1/539 تعبير الحنبلي (في علم تعبير الرؤيا) : 1/555 تعبير الرؤيا- أبو سهيل المسيحي: 1/555 التعريف- ابن مالك: 1/539 التعريف والإعلام- السهيلي: 3/13 التعريف بالمصطلح الشريف- شهاب الدين بن فضل الله العمري: 1/32، 35، 213، 237، 242، 252، 354، 355، 424- 2/43، 44، 47، 58، 61، 67، 69، 97، 98، 142- 3/312، 348، 349، 350، 420، 447، 456، 457، 460، 466، 481- 4/15، 17، 18، 70، 72، 77، 78، 79، 93، 100، 101، 107، 108، 109، 110، 111، 112، 113، 114، 115، 116، 117، 119، 123، 124، 125، 126، 127، 130، 134، 135، 136، 137، 138، 140، 141، 142، 143، 144، 146، 149، 151، 153، 155، 158، 160، 161، 162، 207، 208، 209، 217، 219، 220، 221، 222، 237، 279، 289، 304، 305، 317، 320، 375،

377، 393، 419، 422، 428، 450، 461، 471، 474- 5/48، 49، 50، 51، 95، 129، 130، 173، 268، 271، 276، 278، 279، 281، 286، 420، 449، 452، 463، 469، 474- 6/37، 50، 51، 53، 76، 84، 85، 95، 108، 110، 120، 121، 123، 124، 125، 127، 129، 130، 132، 165، 166، 167، 169، 185، 288، 489- 7/127، 129، 130، 132، 135، 139، 144، 145، 167، 168، 172، 175، 176، 177، 178، 179، 180، 184، 201، 202، 203، 204، 205، 206، 207، 208، 210، 211، 212، 213، 238، 239، 243، 247، 248، 249، 272، 274، 285، 286، 288، 289، 292، 293، 294، 295، 296، 300، 302، 303، 306، 307، 308، 312، 315، 316، 317، 328، 356، 357، 358، 359، 361، 362، 364، 365، 377، 389، 396، 397، 398، 399، 400، 401، 403، 405، 406، 413، 440، 441- 8/4، 5، 6، 8، 9، 11، 12، 13، 14، 15، 16، 17، 18، 23، 25، 26، 27، 29، 30، 31، 32، 35، 36، 37، 41، 44، 47، 48، 50، 51، 52، 53، 54، 55، 77- 9/247، 251، 257، 275، 276، 277، 278، 343، 373، 374، 388، 414- 10/3، 4، 5، 44، 45، 100، 116، 164، 167، 182، 187، 192، 319- 11/73، 104، 105، 106، 107، 112، 114، 126، 129، 146، 163، 165، 194، 204، 211، 217، 221، 243، 286، 307، 318، 332، 345، 377، 385، 388، 399- 12/29، 85، 172، 233، 251، 277- 13/163، 165، 166، 167، 220، 228، 229، 230، 231، 232، 237، 238، 241، 250، 251، 252، 253، 256، 268، 273، 291، 293، 299، 306، 308، 311، 315، 318، 342، 349، 351، 352، 353- 14/14، 16، 32، 121، 122، 123، 412، 413، 418، 419، 420، 421، 422، 423، 424، 425، 426، 427، 428، 429، 430، 435، 437، 438، 439، 441، 443، 444، 445،

447، 448 التفرس في النساء- فيلن: 1/555 تفسير ابن عطية: 12/349 تفسير ابن كثير- 2/386- 4/290- 6/219 تفسير الثعلبي- 2/89 تفسير الامام فخر الدين الرازي- 1/544 تفسير القرطبي- 1/544 تفسير المعافى بن اسماعيل: 5/419 التفهيم (في أحكام النجوم) - البيروني: 11/556 تقريب التيسير- النووي: 1/546 تقويم البلدان- للملك المؤيد صاحب حماه: 2/46- 3/228، 231، 232، 235، 246، 247، 253، 256، 258، 262، 315، 316، 335، 337، 348، 354، 432، 433، 437، 444، 446، 447، 451، 452، 453، 454، 459، 460، 461، 462- 4/78، 79، 88، 89، 103، 104، 105، 106، 107، 108، 110، 111، 112، 114، 116، 117، 118، 119، 125، 126، 127، 128، 129، 130، 131، 132، 133، 134، 135، 137، 138، 139، 142، 143، 144، 146، 149، 153، 154، 156، 158، 160، 161، 162، 163، 251، 255، 262، 264، 265، 295، 296، 297، 318، 319، 320، 322، 323، 324، 325، 326، 327، 328، 329، 330، 331، 332، 335، 337، 338، 339، 340، 341، 342، 345، 346، 347، 348، 349، 351، 353، 354، 355، 356، 357، 359، 360، 361، 362، 363، 364، 365، 366، 367، 369، 380، 382، 383، 384، 389، 391، 392، 394، 397، 400، 406، 430، 434، 439، 440، 441، 443، 444، 451، 454، 455، 457، 458، 459، 460، 461، 462، 463، 464، 465، 466، 467، 476، 477، 478، 479، 480، 481- 5/6، 7، 8، 10، 11، 12، 13، 14، 37، 38، 39، 40، 41، 52، 53، 54، 55، 56، 60، 61، 62، 63، 64، 65، 67، 68، 69، 70، 71، 72، 73، 74، 75، 76، 95، 96، 99، 100، 101، 102، 103، 104، 105، 106، 144، 147، 150، 152، 156، 157، 164، 166، 167، 205، 206، 207، 209، 210، 211، 213،

(ج)

214، 216، 217، 218، 219، 220، 221، 222، 223، 224، 225، 226، 227، 264، 265، 270، 271، 273، 274، 286- 7/299 تكرمة المعيشة في ذمّ الحشيشة- ابن القسطلاني: 2/113 التكملة- المراكشي: 5/270 تلخيص المفتاح- قاضي القضاة جلال الدين القزويني: 11/224، 541. تلخيص المفتاح- سعد الدين التفتازاني: 2/292 التلقين- القاضي عبد الوهاب: 1/552 تمائم الحمائم- محيي الدين بن عبد الظاهر: 2/98- 14/435 التمييز والفصل- أبو المجد الموصلي: 4/329، 330 التنبيه- ابو اسحاق الشيرازي: 1/550- 4/346- 12/376 التنبيه على نقط المصاحف وشكلها- الشيخ أبو عمرو الداني: 1/543- 3/11، 14 التنبيه والاشراف- المسعودي: 13/295- 14/450 التنقيح- القرافي: 1/548 التهذيب- البرادعي- 1/552 التهذيب- البغوي: 4/335- 9/365 تهذيب الأسماء واللغات- النووي: 2/53- 4/81، 251 تهذيب النكت- الأبهري: 1/550 التيسير- أبو عمرو الداني: 1/544 (ج) الجامع- الأزهري: 1/539 جامع الأصول- ابن الأثير: 1/545 جامع الأصول (في علم الجبر والمقابلة) - ابن المجلي: 1/563 جامع الترمذي- 5/403 جامع الجوامع- ابن الملقن: 14/368 الجامع الصحيح في الحديث- أبو عبد الله البخاري: 4/433 الجامع الصغير (في أحكام النجوم) - محيي الدين المغربي: 1/556 الجامع الكبير (من كتب الحنفية) : 1/552 الجامع الكبير- ابن الأثير الجزري: 1/541 جامع المباديء والغايات (في علم المواقيت) - أبو علي المراكشي: 1/561 جامع المختصرات- الشيخ كمال الدين الشيباني: 1/551، 552 الجبر والمقابلة- المظفر الطوسي: 1/563 جرّ الأثقال- فيلن: 1/560 الجمع بين الصحيحين- الحميدي: 1/545 الجمل- الزجاجي: 6/235 الجمهرة- الأزدي: 14/150 الجمهرة (في السحر) - الخوارزمي: 1/557 الجند العربي- الكندي: 3/331

(ح)

جنى المحل وجني النحل «1» - ابن سعيد: 2/104- 14/436 الجواهر- ابن شاس: 1/552 الجواهر- القمولي: 1/551 الجواهر الملتقطة- العمري: 9/329 (ح) الحاوي- الرازي: 11/373 الحاوي الصغير- عبد الغفار القزويني: 1/550 الحاوي الكبير- الماوردي: 1/551- 3/292 حرز الأماني- الشاطبي: 1/544 حساب الخطأين- زين الدين المعري: 1/563 حساب الدور والوصايا- أفضل الدين الحويحي: 1/563 حسن التوسل الى صناعة الترسل- شهاب الدين محمود الحلبي: 1/84، 181، 222، 224، 228، 229، 230، 231، 241، 243، 329، 330، 335، 452- 2/308، 309، 312، 365- 6/267، 303، 305، 307- 8/251، 300- 9/267، 278، 279، 375،- 11/73- 12/259 الحصار (في علم حساب التخت والميل) : 1/562 الحلية- 2/484- 3/42 حلية الفضل وزينة الكرم في المفاخرة بين السيف والقلم (رسالة) - القلقشندي: 14/263 الحمام- ابو الحسن القواس: 2/104 حيا المحل وجني النحل- ابن سعيد: 14/436 حياة الحيوان- الدميري (وهو حياة الحيوان الكبرى) : 2/64، 68، 71، 73، 77. حيل بني موسى (في الآلات الروحانية) : 1/560 الحيل في الحروب- 2/41 (خ) الخراج- قدامة بن جعفر: 6/472 خرز الأماني- الشاطبي: 14/259 خطط الشريف النسّابة: 3/379 خطط القاهرة- محيي الدين بن عبد الظاهر: 3/332، 393، 403، 428- 13/230 خطط القضاعي: 3/379، 386، 407، 430، 458 خطط الكندي: 3/379 الخلاصة- ابن مالك: 1/540

(د)

الخلاصة- المراغي: 1/550 (د) الدالية (في علم القراءات) - ابن مالك: 1/544 الدرّ (وهو نثر الدرّ) - الآبي: 2/442 الدرّ الملتقط: 6/415- 7/280 درج الفلك- سكلوشا: 1/556 الدرّة الألفية- ابن معطي: 1/540 دستور ابن ناظر الجيش (لعلّ المقصود: تثقيف التعريف) : 9/320 الدستور- لبعض بني الأثير: 8/186 دستور شهاب الدين بن الفارقي: 6/127، 131، 138، 140 دستور صلاح الدين الصفدي: 6/127، 128، 131، 132، 133، 136، 138، 142، 143 دستور المقر العلائي بن فضل الله العمري: 7/328، 362، 412، 413، 416- 8/5، 7، 10- 9/160 دستور القاضي ناصر الدين بن أبي الطيب: 8/225 ديوان ابن العجاج: 14/150 ديوان أبي مهيار: 14/279 ديوان الأدب- الفارابي: 1/539 ديوان هذيل: 1/319 (ذ) الذخيرة- القرافي: 1/553 ذخيرة الكتّاب- ابن حاجب النعمان: 1/79، 83، 173- 5/412، 421، 454، 461، 467- 6/220، 222، 225، 232، 233، 235، 236، 238، 268، 288، 316، 333، 335، 380، 381، 403، 445- 7/77- 8/136، 149، 150، 151- 11/113 الذيل على تاريخ الكامل لابن الأثير- ابن الساعي: 4/470- 5/107، 146- 8/79 (ر) رأس مال النديم: 1/504 الرائية- الشاطبي: 1/543 ربيع الأبرار- الزمخشري: 2/40، 453 رتبة الحكيم (في علم الكيمياء) - المجريطي: 1/558 رجار (كتاب رجار) - الإدريسي: 5/145 الرسالة (في أصول الفقه) - الإمام الشافعي: 1/478 الرسالة الإغريضيّة- أبو العلاء المعري: 14/206

(ز)

رسالة الشكر- الجاحظ: 3/351- 14/196 رسالة عبد الحميد الكاتب إلى الكتاب: 1/118 رسالة النمس- القاضي أبو الفضل يحيى: 14/285 رسائل إخوان الصفا: 3/29، 45 رسائل الصابي: 1/70 رسائل القاضي الفاضل: 1/251 رسم المعمور (مترجم من اليونانية) : 3/262، 315، 367- 4/88، 89، 156، 255، 263، 322، 336، 337، 350، 367، 371، 385 روض الأزهار- ابن مالك: 1/541 الروض الأنف- السهيلي: 2/380- 5/450- 6/353 الروض المعطار- عبد المنعم الحميري (وهو معجم بلدان) : 2/97- 3/239، 246، 253، 254، 307، 314، 330، 339، 341، 354، 393، 431، 437، 438، 439، 443، 445، 448، 449، 450، 453، 459، 467- 4/95، 99، 100، 103، 105، 108، 109، 112، 115، 116، 117، 118، 120، 129، 133، 136، 138، 144، 145، 147، 156، 250، 251، 252، 256، 257، 260، 261، 262، 263، 264، 266، 267، 294، 295، 296، 297، 298، 450- 5/7، 8، 37، 38، 98، 102، 148، 152، 156، 157، 158، 228، 232، 265، 266، 268، 274، 275- 6/84- 14/435 الروضة- الشيخ جمال الدين الأسنوي: 1/552 الروضة- النووي: 1/551- 2/75، 85- 9/367- 12/349، 376 الروضة في القراءات: 1/544 رياض الصالحين- النووي: 1/546 الريحان والريعان- محمد بن إبراهيم بن خيرة: 1/69، 142، 186، 205، 206، 207، 208، 254، 319، 329، 330، 445 (ز) زاد المسير- ابن الجوزي: 1/544 الزاهر- ابن الأنباري: 3/354 الزبد المجموعة في الحكايات والأشعار والأخبار المسموعة- جمال الدين القرشي: 13/356 زهر الآداب- أبو إسحاق بن علي الحصري: 2/32- 9/198

(س)

زهر الخمائل- ابن سيد الناس: 1/545 زهر الربيع- المطرزي: 1/541 زهر الربيع في الترسل والبديع- شهاب الدين محمود الحلبي: 9/18، 25، 31، 54، 199، 214 الزيج العلائي- علاء الدين بن الشاطر الدمشقي: 1/561- 3/260- 4/137، 139، 150، 151، 154، 339- 6/225، 244 (س) سراج الملوك- الطرطوشي: 2/93- 5/225 السر المكتوم (في السحر) - منسوب للإمام فخر الدين الرازي: 1/557 سرور النفس- التيفاشي: 4/80 سلاح المؤمن- ابن الإمام: 1/546 سنن ابن ماجة: 1/545- 2/78- 6/211 سنن أبي داوود: 1/246، 545- 2/444- 6/211- 14/9 السنن- البيهقي: 9/375 سنن الترمذي: 1/545، 2/165 سنن الدارقطني: 1/545 سنن أبي عوانة الإسفراييني: 6/211 سنن النسائي: 1/246، 545- 4/391 السياسة- أرسطو طاليس: 1/563- 2/143- 4/8 السياسة الشرعية- ابن تيمية: 1/563 سيرة دلهمة والبطّال (سيرة ذات الهمة) : 4/238 السيرة النبوية- ابن إسحاق: 1/358- 6/352 السيرة النبوية- ابن هشام: 1/358، 545- 3/13، 433- 6/256، 454 (ش) الشافي (في الطب) - ابن القف: 1/554 الشافية- ابن الحاجب: 1/208 الشامل- ابن الصباغ: 1/551- 12/367 الشامل- الجويني: 6/266- 12/376 شذور الذهب- ابن هشام: 14/370 شرح ابن قاسم على الألفية: 1/540 شرح ابن قاسم على التسهيل: 1/540 شرح ابن واصل على لامية ابن الحاجب: 1/542 شرح أمنية الألمعي- القاضي الرشيد: 1/196 شرح البخاري- ابن بطّال: 1/546 شرح البخاري- ابن التين المغربي: 1/547 شرح البخاري- سراج الدين بن الملقن: 1/547- 14/368 شرح البخاري- الكرماني: 1/547 شرح البخاري- مغلطاي: 1/547

شرح البدر المنير (في علم تعبير الرؤيا) - الحنبلي: 1/555 شرح البديعية- الصفيّ الحليّ: 1/541 شرح تائية ابن الفارض- الفرغاني: 4/432 شرح التسهيل- أبو حيّان: 1/197، 412- 6/225، 235، 241 شرح تلخيص المفتاح- الشيخ سعد الدين التفتازاني: 2/292 شرح تلخيص المفتاح- الشيخ بهاء الدين السبكي: 1/220 شرح التلقين- المازري: 1/553 شرح التنقيح- للقرافي: 1/549 شرح الخلخالي على تلخيص المفتاح: 1/541 شرح سنن أبي داوود- الخطابي: 1/547 شرح السنة- البغوي: 5/418 شرح الشاطبية- الفاسي: 1/544 شرح شهاب الدين السمين على التسهيل: 1/540 شرح الشيخ أثير الدين أبي حيان على التسهيل: 1/540 شرح الشيخ أكمل الدين على تلخيص المفتاح: 1/541 شرح الشيخ بهاء الدين السبكي على تلخيص المفتاح: 1/541 شرح الشيخ جمال الدين الأسنوي على لامية ابن الحاجب: 1/542 شرح الشيخ جمال الدين بن واصل على لامية ابن الحاجب: 1/542 شرح الشيخ سعد الدين التفتازاني على تلخيص المفتاح: 1/541 الشرح الصغير- الرافعي: 1/551 شرح الطوالع- السيد العبري: 1/548 شرح الطوالع للشيخ عز الدين الأصفهاني: 1/548 شرح العمدة للشيخ تاج الدين الأصفهاني: 1/547 شرح العمدة للشيخ تقي الدين بن دقيق العيد: 1/547 شرح الفصول (في علم الكيمياء) - عون بن المنذر: 1/558 شرح الفصيح (فصيح ثعلب) - ابن هشام البستي: 2/53 شرح القزويني على لامية الساوي: 1/542 شرح قصيدة كعب بن زهير- ابن هشام: 6/112 شرح القطب الشيرازي على مختصر ابن الحاجب: 1/549 شرح الكبير على الوجيز- الرافعي: 1/552 شرح لامية العجم- صلاح الدين الصفدي: 1/431، 435- 2/159 شرح مختصر ابن الحاجب- المسيلي: 1/549- 6/22 شرح مختصر ابن الحاجب- شمس الدين الأصفهاني: 1/549 شرح مختصر ابن الحاجب- العضد: 1/549

(ص)

شرح مسلم للقاضي عياض: 1/547 شرح مسلم للشيخ محيي الدين النووي: 1/547- 3/460 شرح المقامات الحريرية- الشريشي: 5/218 شرح مقدمة أدب الكاتب- الزجاجي: 3/513 شرح منهاج البيضاوي- ابن المطهر: 1/549 شرح منهاج البيضاوي- الشيخ جمال الدين الأسنوي: 1/549 شرح منهاج النووي في الفقه- السبكي: 3/385، 386 شرح المهذب- النووي: 1/52- 2/72، 75 شرح موطأ مالك- المازري: 5/354 شرح الوجيز- الرافعي: 12/38 شروح تصريف ابن الحاجب: 1/540 شروح مختصر ابن الحاجب: 1/549 شعب الإيمان- البيهقي: 2/89 الشفاء- ابن سينا: 1/522 الشفاء- القاضي عياض: 6/358، 361 شمس المعارف (في علم الحرف) - البوني: 1/557 الشهاب في المواعظ والآداب- القضاعي: 1/246 (ص) الصحاح- الجوهري: 1/123، 187، 188، 539- 2/497- 6/253- 14/372، 416 الصحاح الستّة: 14/369 الصحائف- السمرقندي: 1/548 صحيح البخاري: 1/246، 545- 6/362- 9/369- 14/5 صحيح الترمذي: 1/246 صحيح مسلم: 1/246، 545- 2/391- 4/249- 6/362 صفين والحكمين- الحسين بن نصر بن مزاحم المنقري: 14/92 الصناعتين- أبو هلال العسكري: 1/82، 92، 176، 223، 253، 331، 333- 2/205، 209، 210، 216، 217، 222، 234، 235، 238، 281، 295، 297، 302، 315، 322، 348، 350، 351، 352، 353، 354، 355، 359، 365- 6/216، 220، 275، 284، 290، 307، 319- 9/246 صناعة الكتّاب- أبو جعفر النحاس: 1/123، 176، 183، 184، 185، 191، 252- 2/185، 186، 351، 385- 3/16، 138- 5/418، 446- 6/10، 111، 190، 203، 212، 232، 235، 259، 274، 279، 290، 317، 325، 326، 335، 337، 349،

(ط)

379، 403، 445، 473- 7/76، 144- 8/131، 134، 135، 148، 149، 150، 177- 9/82- 13/257، 273- 14/416 (ط) طبتانا (في علم الطلسمات) - نقله ابن وحشية عن النبط: 1/557 طبقات الأدباء- أبو البركات الأنباري: 1/320 طبقات الفقهاء- الأسنوي: 6/12 الطبقات الكبرى- ابن سعد: 6/211 الطلسمات- السكاكي: 1/558 الطوالع- ناصر الدين البيضاوي: 1/543، 548، 558- 4/348 طيب العروس- محمد بن أحمد التميمي: 2/126 طيمارس (في السحر) - أرسطوطاليس: 1/557 (ع) العباب الزاخر- الصاغاني: 1/539 العبر (انظر تاريخ ابن خلدون) . عتاب الكتاب وعقاب الألقاب المشتملة على أصول الغريب والأغراب (رسالة) الحصكفي: 14/230 العجائب (عجائب الدنيا) - إبراهيم بن وصيف شاه: 3/325، 362- 5/451 عجائب المخلوقات- ابن الأثير: 2/292- 3/256، 309، 311، 313، 333، 341، 342، 358، 419، 451، 463- 4/75 عجائب المخلوقات- القزويني: 2/70 العدّة- أبو المكارم الروياني: 1/551 العجب العجاب- كمال الدين الشيباني: 1/551 عرف التعريف- شهاب الدين بن فضل الله العمري: 5/463، 464، 469- 6/7، 8، 14، 15، 17، 21، 24، 26، 27، 28، 31، 35، 48، 49، 51، 67، 75، 79، 95، 101، 102، 103، 104، 105، 106، 107، 108، 109، 115، 126، 128، 129، 131، 133، 136، 137، 139، 140، 141، 142، 143، 148، 149، 152، 156- 7/401- 8/57، 184، 186، 191، 196، 198 عروض الأستاذ أبي الحسن العروضي المعروف بأستاذ المقتدر: 1/542 عروض الأمين المحلي: 1/542 عروض ابن الخطيب التبريزي: 1/542 عروض ابن القطاع: 1/542

(غ)

العروض لابن مالك: 1/542 العزيزي- المهلبي: 3/451- 4/103، 105، 115، 116، 118، 127، 128، 130، 133، 139، 141، 144، 151، 154، 162، 296، 322، 324، 327، 328، 332، 335، 336، 337، 340، 342، 343، 344، 345، 346، 348، 349، 350، 353، 355، 356، 357، 367، 439، 451- 5/39، 40، 41، 42، 63، 69، 70، 97، 98، 99، 100، 103، 106، 167، 168، 274 العقد الفريد- ابن عبد ربه: 1/69، 141، 347، 352، 449- 3/286- 9/380- 10/198 عقود الأبنية- ابن الهيثم: 1/559 عقود الأبنية- الكرخي: 1/559 علم البيطرة- حنين ابن اسحاق: 1/554 علم الطلسمات- أبو يعقوب السكاسكي: 1/558 علوم الحديث- ابن الصلاح: 1/546 علوم الحديث- الحاكم: 1/546 العمدة- ابن رشيق: 1/344 عمدة الأحكام- الحافظ عبد الغني المقدسي: 1/546- 4/370 العناية الربانية في الطريقة الشعبانية- زين الدين شعبان الآثاري: 3/20، 129، 141 عوارف المعارف: 12/365 العلاجين (في علم البيزره) - ابن العوام: 1/555 العين- الخليل بن أحمد الفراهيدي: 1/478 العين- الفرهودي: 14/150 عيون المعارف في تاريخ الخلائف- القضاعي: 1/125، 359، 5/422- 6/226، 234- 11/147 (غ) غاية الحكم (في السحر) - المجريطي: 1/557 الغرائب- ابن رشيق: 2/84 غرر البلاغة- أبو الحسين الصابي: 9/290- 13/215، 338 غريب الحديث- ابن الأثير: 1/82 غريب القرآن- أبو عبيدة بن المثنى: 1/478 الغريبين- الهروي: 1/547 الغيوث الهوامع في شرح جامع المختصرات ومختصر الجوامع- القلقشندي: 1/350- 6/33 (ف) فتوح البلدان- البلاذري: 4/161 الفراسة- ارسطوطاليس: 1/555

(ق)

الفراسة- الإمام فخر الدين الرازي: 1/555 الفراسة- فيلن: 1/555 الفروق- أبو هلال العسكري: 5/421- 9/418 الفصول- أبقراط: 1/554 الفصول- النسفي: 1/550 الفصيح- ثعلب: 1/189، 192، 198، 538 فضائل الفرس- أبو عبيد: 4/95 فضائل مصر- الكندي: 3/341 فقه اللغة- الثعالبي: 1/189، 193، 194، 195، 538- 2/186، 187 فوائد الفرائد- ابن الدقاق: 1/555 الفوز (في علم الأخلاق) - ابن مسكويه: 1/563 الفلاحة المصرية: 1/558 الفلاحة النبطية- ترجمة ابن وحشية: 1/558، 560- 2/198 (ق) القانون المسعودي- أبو الريحان البيروني: 3/256، 262، 367، 444، 451، 452، 456- 4/95، 103، 111، 136، 255، 291، 325، 327، 332، 335، 337، 338، 340، 342، 343، 344، 347، 348، 349، 350، 351، 353، 355، 357، 358، 359، 360، 361، 362، 364، 365، 366، 368، 371، 372، 373، 380، 384، 386، 387، 388، 392، 393، 394، 395، 396، 432، 434، 436، 437، 441، 452، 453، 454، 480- 5/10، 13، 39، 60، 62، 63، 65، 68، 69، 70، 72، 73 القانون- ابن سينا: 1/554 القانون الواضح (في علم البيزرة) : 1/554 قصيدة الشاطبي في القراءات السبع: 5/223 القلم والدواة- محمد بن عمر المدائني: 1/96، 202- 3/7- 5/410- 6/180، 212، 215، 218، 226، 251، 260، 322، 341، 348- 7/129- 9/343، 414- 13/269، 290 قلم الثلث- ابن الحسين: 3/15 قلم النسخ- عز الدين بن عبد السلام: 1/543 القواعد- ابن الساعاتي: 1/548 قواعد العقائد- الخواجا نصير الدين الطوسي: 1/548 قوافي ابن سيده: 1/543 قوافي ابن القطاع: 1/543

(ك)

قوافي الأيكي: 1/543 قوانين الدواوين- ابن مماتي: 1/99- 3/346، 509، 513، 516، 519، 521، 527، 528، 530، 531، 533، 535 قلائد العقبان- الفتح بن خاقان: 1/452 (ك) الكافي (من كتب الحنابلة) : 1/553 الكافي (في علم الحساب المفتوح) - الكرخي: 1/562 الكافية- الخطيب أبو بكر: 1/546 الكافية- ابن الحاجب: 1/208، 540 الكافية الشافية- ابن مالك: 1/540 الكامل (في الجبر والمقابلة) - أبو شجاع بن أسلم: 1/563 الكامل (في علم الحساب المفتوح) - أبو القاسم بن السمح: 1/562 الكامل (في علم تسطيح الكرة) - الفرغاني: 1/561 كامل الصناعة (المعروف بالملكي) : 5/554 الكامل في التاريخ (انظر تاريخ ابن الأثير) الكتاب- سيبويه: 1/540- 2/389 كتاب ابن يونس (من كتب المالكية) : 1/553 الكشاف- الزمخشري: 1/544- 4/453- 12/349 الكفاية- الخطيب أبو بكر: 1/546 (وقد ورد الكتاب خطأ باسم الكافية فتنبّه) الكفاية في شرح التنبيه- ابن الرفعة: 1/552 كفاية المتحفظ- ابن الأجدابي: 1/189، 538- 6/81 كليلة ودمنة- ابن المقفع: 1/127 الكمال (من كتب الحنفية) : 1/552 كنز الكتّاب- أبو الفتح كشاجم: 1/185، 191، 199 الكواكب الدرّية في المناقب البدرية (مقامة) - القلقشندي: 14/126 الكيمياء- جابر بن حبان: 1/558 (ل) لامية ابن الحاجب: 1/542 لامية الساوي: 1/542 لامية العجم- الطغرائي: 2/183 اللباب- السمعاني: 3/446، 461- 4/84، 93، 119، 120، 121، 131، 133، 138، 153، 318، 319، 320، 322، 323، 324، 325، 326، 327، 328، 329، 330، 332، 335، 336، 337، 338، 340، 341، 342، 344، 345، 346، 347، 348، 349، 350، 352، 353، 354، 355،

(م)

357، 358، 359، 360، 361، 362، 364، 365، 366، 367، 368، 369، 370، 371، 372، 380، 383، 385، 386، 387، 388، 389، 390، 391، 392، 393، 394، 395، 396، 431، 432، 433، 434، 436، 437، 439، 440، 441، 442، 453، 454، 456، 457- 5/3، 13، 14، 38، 40، 41، 52، 61، 63، 64، 72، 73، 101، 103، 106، 166، 218 لطائف الاشارات في أسرار الحروف المعلومات (في علم الحروف) - أبو العباس البوني: 1/557- 3/10 لطائف المعارف- الثعالبي: 1/469، 481، 503، 505 اللمحة البدرية- أبو حيان: 14/374 اللمعة النورانية (في علم الحرف) - أبو العباس البوني: 1/557 (م) المائة (في الطب) - المسيحي: 1/554 المبسوط (من كتب الحنفية) : 1/552 المثل السائر- ابن الأثير: 1/82، 181، 184، 199، 205، 210، 216، 218، 223، 229، 231، 246، 331، 334، 335، 337، 452- 2/202، 203، 209، 224، 227، 229، 276، 237، 238، 240، 241، 243، 244، 245، 246، 249، 250، 267، 269، 272، 275، 277، 281، 287، 289، 299، 302، 311، 312، 313، 314، 318، 319، 326، 328، 329، 332، 334، 342، 344، 352، 365- 4/172،- 6/265، 267، 354- 9/101، 141- 14/125 المثلثات (في علم ضرب الرمل) - ابن محقق: 1/558 المجالسة- أحمد بن مروان الدينوري: 2/91 المجرّد- كراع: 1/538 المجسطي- بطليموس القلوذي: 3/260 مجمع البحرين (من كتب الحنفية) : 1/552 مجمع الفرائد- ابن الصائغ: 14/377 مجمل الأصول (في علم أحكام النجوم) - كوشيار: 1/555 المجوس- زرادشت: 4/411 المجموع (في علم أحكام النجوم) - ابن سريج: 1/556 المحرر- الرافعي: 1/550 المحصل- الرازي: 1/548 المحصول- الرازي: 1/549

المحكم- ابن سيده: 1/187، 188، 539- 2/81، 82- 5/450 المحيط (من كتب الحنفية) : 1/552 المختار (في الطب) - ابن هبل: 1/554 مختار الفتوى (من كتب الحنفية) : 1/552 مختصر ابن الجلاب: 1/552 مختصر ابن الحاجب: 1/548، 552 مختصر اصلاح المنطق: 14/218 مختصر الألفاظ الكتابية- الهمذاني: 1/199 مختصر الأيكي للامية الساوي: 1/542 مختصر البويطي: 1/550 مختصر جامع الأصول- ابن الأثير الجزري: 1/545 مختصر الجوامع- الشيخ كمال الدين الشيباني: 1/551 مختصر الجوامع- الشيخ كمال الدين النشائي: 14/368 مختصر الجوهري للامية الساوي: 1/542 مختصر الحذقي: 1/553 مختصر الشيخ خليل المالكي: 1/552 مختصر علم الحساب المفتوح- ابن مجلي الموصلي: 1/562 مختصر علم الحساب المفتوح- السموأل بن يحيى المغربي: 1/562 مختصر علم الحساب المفتوح- ابن فلوس المارديني: 1/562 مختصر المزني: 1/500 المدخل (في علم أحكام النجوم) - القبيصي: 1/556 المدخل (في علم حساب التخت والميل) : 1/562 المدينة الفاضلة- الفارابي: 1/543، 563 المذهبة والمعقبة- ابن أصبغ: 1/189- 2/149 مراكز الأثقال- ابن الهيثم: 1/559 مراكز الأثقال- أبو سهل الكوهي: 1/559 المرايا المحرقة- ابن الهيثم: 1/559 المرقص المطرب 12/368 مروج الذهب- المسعودي: 2/93، 198، 427- 3/324، 332، 335- 4/460، 475، 482- 5/450- 6/208 مزيل الإرتياب- ابن باطيش الموصلي: 4/329، 454 المساحة- ابن مجلي الموصلي: 1/559 المساحة- ابن مختار: 1/560 المساحة- أرشميدس: 1/560 مسالك الأبصار- ابن فضل الله العمري: 1/158، 371، 376، 377، 379، 380، 381، 390، 392، 394، 396، 400، 403، 404، 407، 410، 413، 418- 2/111، 115، 116، 143- 3/311، 312، 363، 418، 419، 420، 422، 426، 446،

448، 449، 452، 455، 460، 464، 524، 526، 535- 4/14، 15، 16، 17، 18، 19، 20، 21، 22، 28، 29، 30، 31، 32، 37، 42، 43، 44، 45، 46، 47، 51، 52، 53، 55، 57، 58، 61، 63، 72، 76، 77، 90، 91، 96، 103، 105، 107، 108، 109، 110، 111، 112، 113، 114، 115، 116، 120، 121، 122، 123، 126، 127، 128، 134، 144، 148، 151، 155، 156، 157، 159، 160، 163، 188، 189، 204، 207، 208، 211، 212، 213، 215، 217، 218، 219، 220، 221، 222، 223، 237، 238، 239، 243، 244، 248، 289، 309، 310، 312، 317، 318، 333، 334، 345، 349، 354، 357، 358، 359، 366، 373، 374، 375، 376، 377، 378، 380، 381، 382، 383، 394، 397، 406، 407، 418، 419، 420، 421، 422، 423، 425، 428، 429، 433، 435، 438، 439، 441، 442، 444، 449، 450، 451، 452، 455، 460، 462، 464، 465، 467، 468، 471، 472، 474، 475، 477، 478، 479، 481، 482، 483- 5/5، 6، 8، 9، 10، 11، 15، 32، 33، 34، 36، 45، 48، 49، 58، 59، 62، 65، 66، 67، 68، 72، 73، 77، 78، 81، 82، 85، 87، 95، 96، 99، 104، 105، 107، 109، 110، 133، 134، 135، 136، 137، 138، 143، 145، 146، 147، 150، 151، 152، 165، 168، 172، 198، 203، 204، 208، 209، 210، 211، 212، 213، 214، 261، 264، 265، 266، 268، 269، 270، 271، 272، 275، 276، 278، 279، 280، 281، 283، 285، 286- 7/358، 359، 413- 8/6، 7، 8، 10، 30، 51، 118- 10/186، 187- 11/265- 12/118- 13/241، 249- 14/421 المسالك والممالك- ابن خرداذبة: 4/319، 401 المسالك والممالك- أحمد بن يعقوب: 3/310- 4/318 المسائل- ابن السراج: 14/150 المسائل (في علم أحكام النجوم) -

القيصراني: 1/556 المسند- ابن أبي شيبة: 1/545 مسند الاسفراييني: 6/211 مسند أحمد: 1/545- 14/369 مسند البزار: 1/545- 6/363- 10/198 مسند الشافعي: 14/369 المشترك- ياقوت الحموي: 3/315، 446، 450، 455، 461، 466،- 4/130، 135، 141، 147، 149، 159، 262، 320، 322، 325، 326، 349، 333، 335، 336، 337، 338، 339، 340، 341، 343، 344، 347، 349، 350، 351، 352، 354، 355، 360، 361، 364، 365، 367، 368، 370، 371، 372، 373، 379، 380، 385، 386، 388، 391، 393، 394، 396، 397، 398، 427، 428، 434، 438، 453- 5/52، 56، 100، 210، 213 مشروح الإيضاح: 14/150 المصايد والمطارد- ابن السندي: 2/39، 40، 43، 44، 45، 46، 47، 48، 49، 51، 52، 53، 58، 62، 63، 64، 65، 66، 70، 71، 75، 81 المصباح- ناصر الدين البيضاوي: 1/543، 548، 558 المصباح على الحاوي الصغير- الطاووسي: 4/434 المصطلح (في الزيجات) : 1/561 المطلب في شرح الوسيط- ابن الرفعة: 1/552 المعارف- ابن قتيبة: 2/152- 4/292 معالم التنزيل- البغوي: 1/544 معالم الكتابة ومغانم الإصابة- ابن شيث القرشي: 5/464، 465، 467- 6/5، 63، 178، 225، 235، 255، 256، 259، 273، 275، 278، 282، 288، 289، 292، 293، 294، 295، 302، 303، 320، 333، 337- 7/982- 8/23، 152 معجم الطبراني: 2/79 المعجم- ابن سعيد: 3/315 معجم البلدان- ياقوت الحموي: 3/458 المعرب- ابن الجواليقي: 4/133، 357، 360 المعونة- ابو إسحاق الشيرازي: 1/550 المغرب في حلى المغرب- ابن سعيد الأندلسي: 3/292- 13/240، 241- 14/436 المغرب في أخبار المغرب- ابن سعيد الأندلسي: 2/104- 5/148- 7/10

المغني- ابن قدامة: 1/553 المغني- الأبهري: 1/55 المغني- لابن هشام: 6/203 المفضّل- الزمخشري: 1/208، 540 المفضليات- المفضل الضبّي: 1/319. المفيد (في الجبر والمقابلة) - ابن مجلي الموصلي: 1/52 المقامات الحريرية: 1/87، 234، 249- 5/438- 14/125 مقامات الهمذاني: 14/124 المقتضبات- ابن سينا: 1/558 المقدمة الشمسية: 14/371 المقدمة في النحو- ابن بابشاذ: 3/561 المقرب- ابن عصفور: 1/540 المقنع في رسم المصحف- أبو عمرو الداني: 3/184 المقنع (من كتب الحنابلة) : 1/553 الملل والنحل- الشهرستاني: 13/229، 240، 257، 278، 283 الممتنع- ابن عصفور: 1/540 المناظر- ابن الهيثم: 1/559 المناظر: إقليدس: 1/559 المناظر- علي بن عيسى الوزير: 1/559 مناهج الفكر- محمد بن إبراهيم الوطواط: 2/163، 373، 385، 397، 421، 426، 456، 458 المنتخب- كراع: 1/538 المنتقى- كمال الدين الشيباني: 1/551 منطق الطير- ابن أبي حجلة التلمساني: 2/88 المنهاج- ناصر الدين البيضاوي: 1/548- 4/348 المنهاج- النووي: 1/550- 14/372 منهاج الإصابة: 3/53، 55، 139، 140، 145 المنهاج في صناعة الخراج: 1/482- 13/62، 65 المهذب- أبو إسحاق الشيرازي: 1/551- 2/159 المهمات على الرافعي- جمال الدين الأسنوي: 1/552- 2/86 المهمات على الروضة- جمال الدين الأسنوي: 1/552 مواد البيان- علي بن خلف: 1/66، 67، 68، 71، 72، 73، 82، 91، 147، 164- 2/105، 302، 343، 350، 351، 353، 363- 3/26، 27، 138، 139، 140، 141، 142، 143، 144، 145، 146- 6/186، 225، 226، 232، 236، 239، 243، 251، 261، 268، 272، 273، 274، 275، 278، 279، 281، 283، 285، 290، 292، 295، 299، 304، 305، 306، 308، 309، 310، 312، 313، 326، 336،

(ن)

339، 343، 352، 381، 420، 428، 431، 520- 7/83- 8/131، 237، 247، 249، 255، 262، 266، 277، 296، 304، 309، 311، 312، 315، 317، 318، 342، 344، 349، 371، 372، 373، 374، 375، 377، 393، 394، 399- 9/3، 4، 15، 16، 19، 21، 25، 31، 40، 54، 63، 70، 74، 75، 82، 99، 101، 127، 144، 152، 156، 159، 160، 166، 173، 176، 182، 183، 188، 189، 198، 202، 211، 218، 224، 227، 405- 10/397، 442، 447- 13/59، 75، 139، 315، 329، 330، 343- 14/5، 8، 84 المواليد (في علم أحكام النجوم) - الخصيبي: 1/556 الموجز- ابن النفيس: 1/554 الموطأ- مالك بن أنس: 1/246، 478 الميزان- ابن عبد السلام: 3/128 الميزان (في نصرة الزندقة) - لأحد دعاة الإسماعيلية واسمه رمضان: 13/243 (ن) النافع- (من كتب الحنفية) : 1/552 النبات- أبو حنيفة: 5/431، 459 نزهة المشتاق- الإدريسي: 4/296- 5/14، 73، 166 نصاب الجبر- ابن فلوس المارديني: 1/562 نصيحة الملوك- الغزالي: 5/450 نظم الدر- الشار مساحي: 1/553 نظم السمط في خبر السبط: 13/234 نظم الشذوري (في علم الكيمياء) : 1/558 النفائس- العميدي: 1/550 نفائس اليواقيت في علم المواقيت: 1/561 النفحات النثرية في الوزارة البدرية- للقلقشندي: 5/422 نقد الشعر- قدامة بن جعفر: 2/14 النواميس (في علم النواميس المتعلق بالنبوات) - أرسطوطاليس: 1/543 النواميس- (في علم النواميس المتعلق بالنبوات) - أفلاطون: 1/543 النهاية- امام الحرمين: 1/551 نهاية الأرب- النويري: 1/78- 2/132- 3/410، 528، 553- 4/36- 6/226، 317، 369 نهاية الأرب في معرفة قبائل العرب- القلقشندي: 5/14- 7/209 نهاية الإعجاز- فخر الدين الرازي: 1/541 النهاية الصغرى- ابن رزين: 1/553 نهاية الطلاب: 12/368 النهاية في غريب الحديث- ابن الأثير:

(هـ)

1/547- 3/367- 9/281- 14/412 نهاية المطلب: 12/376 النهر- أبو حيان: 1/544 النوادر- ابن أبي زيد: 1/553 (هـ) الهداية (من كتب الحنفية) : 1/552 هداية الضليل إلى علم الخليل- ألفية نظمها شعبان الآثاري: 1/543 الهدي المحمدي: 6/365 الهناء الدائم بمولد أبي القاسم: 4/291، 297- 6/457 هيئة الصور الفلكية- الحسين بن يونس الحاسب: 2/170 (و) الوجيز- الغزالي: 1/550- 12/38 الوجيز- الواحدي: 1/544 الورقات- امام الحرمين: 14/373 الورقات لابن هشام: 6/236، 259 الوسائل- الأرموي: 1/550 الوسيط- الغزالي: 1/551- 13/355 الوسيط- الواحدي: 1/544 الوفاء- ابن الجوزي: 6/354

فهرس المحتويات

فهرس المحتويات كلمة المصنف 3 فهرس النصوص 7 فهرس الألفاظ الاصطلاحية 83 فهرس الأعلام 211 فهرس القبائل 365 فهرس الأماكن 401 فهرس المسميات 487 فهرس الآيات القرآنية 523 فهرس الأحاديث النبوية 569 فهرس الأشعار 579 فهرس الأمثال 617

§1/1