صبرا آل ياسر

مجدي الهلالي

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى الترقيم الدولي: I.S.B.N 977 - 441 - 036 - x مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة 1010 ش أحمد عمارة - بجوار حديقة الفسطاط القاهرة ت: 25326610 ... محمول:0102327302 - 0126344043 www.iqraakotob.com E-mail:[email protected]

المقدمة

المقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وبعد ... فما من محنة تمر بها الدعوة إلا ويكون لها آثار إيجابية، وأخرى سلبية، والسعيد من استفاد بإيجابياتها وتلافى سلبياتها قدر المستطاع. وإذا كان البعض يستدعي من ذاكرته وقت المحنة ما حدث لأصحاب الدعوات عبر التاريخ، وما تعرضوا له من ظلم واضطهاد وتنكيل قبل تمكين الله لهم، إلا أن الأفضل للدعاة أن يستدعوا كذلك الوجه الآخر المسبب للمحنة، والذي تمثل في قول الله عز وجل: {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]. فهذا التحليل الذي يسلط الضوء على كل فرد من الأفراد، ويتهمه - على حدة - بأنه قد يكون السبب فيما حدث للدعوة، له منافع عظيمة في شحذ الهمم، واستشعار المسؤولية الفردية، والخروج من حالة الفتور والتراخي، والقضاء على البطالة الدعوية. وسواء كانت المحنة تذكيرًا أم تطهيرًا، فإن العبودية التي تستلزمها واحدة؛ ألا وهي الاندفاع نحو الله، والتضرع بين يديه، وانخلاع القلب من التعلق بشيء سواه. ولقد أكرمنا الله عز وجل وتفضل علينا بأن دفعنا للكتابة عن كيفية التحليل المتكامل لحدث الابتلاء في رسالة سابقة (¬1). وفي هذه الصفحات سيكون الحديث - بعون الله وفضله - عن عبودية الابتلاء، وكيفية توجيه زلزال المحنة نحو المزيد من التعلق بالله عز وجل. وفي النهاية لا يسعنى إلا أن أرد الفضل لأهله، فأشكر الله عز وجل الذي وجهني بفضله نحو هذه المعاني، فكل خير في هذه الصفحات فهو محض فضل منه سبحانه، أما غير ذلك فمن نفسي وما أبرئها {قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} [سبأ: 50]. كتبه العبد العاجز الفقير إلى عفو ربه ورحمته مجدي الهلالي www.alemanawalan.com ¬

_ (¬1) بعنوان: الابتلاء وكيف تستفيد منه الدعوات.

إجابة غير متوقعة

إجابة غير متوقعة أراد مشركو مكة ومن تحالف معهم من قبائل العرب أن يستأصلوا شأفة الإسلام، ويقضوا على الدولة الإسلامية الوليدة بالمدينة المنورة، فخرجوا بجيش ضخم يبلغ قرابة العشرة آلاف مقاتل، وحاصروا المدينة حصارًا شديدًا، واشتد الأمر على المسلمين، وطال الحصار دون أن يحقق جيش الكفر هدفه، فالخندق الذي حفره المسلمون يحمي الجهة الشمالية للمدينة، والجبال تحيط بالجهتين الشرقية والغربية، ويهود بني قريظة - المتحالفون مع المسلمين - في الجهة الجنوبية .. وفي أثناء ذلك الحصار طمع يهود بني قريظة في النصر الشامل على المسلمين، فتحالفوا مع المشركين، وانتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبادر إلى التحقق منه، فأرسل سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وعبد الله بن رواحة، وخوَّات بن جبير، وقال: انطلقوا حتى تنظروا أحقٌّ ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقًا فالحنوا إلى لحنًا أعرفه، ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس. فلما دنوا منهم، وجدوهم على أخبث ما يكون، فقد جاهروهم بالسب والعداوة، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد، ولا عقد، فانصرفوا عنهم. فلما أقبلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لحنوا له، وقالوا: عضل وقارة، أي أنهم على غدر، كغدر عضل وقارة بأصحاب الرجيع. يقول صاحب الرحيق المختوم: وعلى رغم محاولتهم إخفاء الحقيقة تفطن الناس لجلية الأمر، فتجسد أمامهم خطر رهيب. وقد كان أحرج موقف يقفه المسلمون، فلم يكن يحول بينهم وبين قريظة شيء يمنعهم من ضربهم من الخلف، بينما كان أمامهم جيش عرمرم لم يكونوا يستطيعون الانصراف عنه، وكانت ذراريهم ونساؤهم بمقربة من هؤلاء الغادرين في غير منعة وحفظ، وصاروا كما يقول الله تعالى: {وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا - هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا} [الأحزاب: 10، 11].

فماذا كان رد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم تجاه هذا الخبر؟! يقول المباركفوري: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقنع بثوبه حين أتاه غدر قريظة، فاضطجع ومكث طويلاً حتى اشتد على الناس البلاء، ثم نهض يقول: «الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين بفتح الله ونصره» (¬1). إجابة مفاجئة للجميع .. كيف يكون التبشير بالنصر في ظل هذا الموقف العصيب؟! أتدري لماذا كانت هذه الإجابة؟! لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم أنه طالما كانت الأبواب الأرضية مفتوحة أمام الناس، فإنها قد تكون سببًا في إضعاف التوكل على الله والاستنصار المطلق به، فإذا ما أغلقت جميع الأبواب، واستنفدت جميع الأسباب، لم يكن أمام القلوب المؤمنة إلا أن تتجه بكليتها إلى الباب الأعظم .. الباب الذي لا يغلق .. باب القادر المقتدر، فتنطرح أمامه موقنة بأنه وحده الذي سينجيها، ويكفيها، وينصرها، فيحدث - تبعًا لذلك - الزلزال الذي يهدم أي تصور عن إمكانية إحراز النصر من خلال باب آخر .. عند ذلك تنفتح أبواب السماء، ويأتي الفرج من حيث لا يحتسب أحد .. ويكفيك في هذا قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف: 110]. فعندما يتم اليأس التام والمطلق من الأسباب في كونها تستطيع بذاتها أن تجلب لنا النفع أو تدفع عنا الضر، عندئذ يأتي الفرج والنصر والمدد. ويؤكد على هذا المعنى الحافظ ابن رجب فيقول: «ومن لطائف أسرار اقتران الفرج باشتداد الكرب، أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وُجدَ الإياس من كشفه من جهة المخلوق ووقع التعلق بالخالق وحده، ومن انقطع عن التعلق بالخلائق وتعلق بالخالق؛ استجاب الله له» (¬2). * * * ¬

_ (¬1) الرحيق المختوم ص 348، 349 - مؤسسة علوم القرآن - بيروت. (¬2) مجموع رسائل الحافظ ابن رجب 3/ 173 - الفاروق الحديثة - القاهرة.

منحة في طيات المحنة

منحة في طيات المحنة إذن - أخي الحبيب - لو استطاعت القلوب أن تتجه بكليتها إلى الله في كل وقت، ويئست من الناس، ولم تتعلق بأحد منهم، لكان الفرج متواصلاً في السراء والضراء، ولكن طبيعة النفس، وانخداعها بالمظاهر والقوى الوهمية تجعل البعض يظن أن الخير قد يأتيه من وراء الباطل، وأن بإمكان الباطل أن ينسى عداوته للحق وأهله، أو يفتح معهم صفحة جديدة، ومن ثم يكون هناك تعلق بالله وبالأسباب الأرضية معًا. أما حين تأتي المحن فإنها تُظهر زيف الباطل، وتنزع عنه قناعه ليظهر وجهه القبيح، وتكشف رغبته في زوال الحق، وأن كل أفعاله التي ينخدع بها البعض لم تكن إلا ستارًا يخفي من ورائه خططه واستراتيجياته لمحو الحق وتشويه صورته. فيكون هذا الموقف من أهل الباطل بمثابة المفاجأة والصدمة للجميع، ليجد أهل الحق أنفسهم في العراء، بعد أن حطم زلزال الباطل أحلامهم وأمانيهم، فيبحثون حولهم فلا يجدون شيئًا مما كانوا ينتظرون أن يجدوه، فالكل تخلى عنهم، فإذا ما راجعوا أنفسهم وعادوا إلى إيمانهم، وإلى الأساس الذي انطلقت منه دعوتهم، واتجهوا إلى الله، ودخلوا عليه دخول البائس المسكين الذي لن ينجيه أو يطعمه أو يسقيه سواه ... عند ذلك يأتي الفرج، وتصبح هذه المحن من أعظم المنح، لأنها تُعيد الجميع إلى الله، وتحطم كل تعلق بغيره، فينطبق حالهم حينئذ مع قوله تعالى: {مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]. إن المحن مع شدتها وقسوتها إلا أنها تحمل في طياتها خيرًا عظيمًا إذا ما أحسن أصحاب الدعوة تحليلها وتفطنوا لمراد الله منها. لمن قامت الدعوة؟! لقد قامت الدعوة لنصرة الله وإقامة دينه {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13] وشعارها الخالد (الله غايتنا). فمن يومها الأول وهي دعوة ربانية تستمد قوتها ووقودها من قوة إيمان أبنائها بالله وتعلقهم به وتجردهم له {وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101]. هذه هي الحقيقة الأساسية التي قامت عليها الدعوة، وكيف لا والله عز وجل هو مالك كل شيء، وقائم على كل شيء، ومهيمن على كل شيء، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .. أحاط بكل شيء علمًا .. يقدم ويؤخر، يخفض ويرفع، يعز ويذل، يقبض ويبسط، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .. معنى ذلك أن الذي يفتح القلوب للدعوة هو الله {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} [المائدة: 111]. والذي يختار لها الأنصار هو الله {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الدخان: 32]. والذي يحميها ويكفيها ويحفظها هو الله {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ} [الفتح: 20]. والذي يبتليها - تطهيرًا أو تذكيرًا - هو الله {وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الآَيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ} [الدخان: 33]. والذي سيمكنها وينصرها هو الله {إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128].

إن مقتضى هذه الحقائق يؤكد على أن جهد أبناء الدعوة ينبغي أن يتجه أولاً وقبل أي شيء، نحو الله سبحانه وتعالى لاستجلاب رضاه ومعيته وكفايته. نعم، لا بد من بذل الجهد في دعوة الناس وإيقاظهم، وإقامة المشروع الإسلامي {وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78]، ولكن تبقى الحقيقة بأن الأمر كله لله {وَللهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: 123]. لا تحزن إن الله معنا: ولك أن تتصور رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مهاجر مع صاحبه أبي بكر رضي الله عنه، وإذ بكل قوى الباطل تتبعهم، حتى يصل المشركون إلى فم الغار، فيخاف أبو بكر خوفًا شديدًا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى الدعوة، ويقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله لو أن أحدهم طأطأ بصره رآنا .. إن قُتلتُ فإنما أنا رجل واحد، وإن قتلتَ أنت هلكت الأمة، ليفاجأ بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتأثر بهذه المخاوف، بل كان هادئ النفس، رابط الجأش، على ثقة مطلقة بالله عز وجل، وبدا ذلك واضحًا من إجابته على ما أثاره أبو بكر من مخاوف: اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما ... لا تحزن إن الله معنا .. (¬1). نعم، أخي الحبيب، لا ينبغي علينا أن نحزن إن كان الله معنا {وَكَفَى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللهِ نَصِيرًا} [النساء: 45]. ¬

_ (¬1) الرحيق المختوم.

لا سفينة تحملنا ولا خشبة نتعلق بها

لا سفينة تحملنا ولا خشبة نتعلق بها لو أن ريحًا شديدة، وموجة عاتية قد ضربت سفينة من السفن في ظلام الليل، وبدأت على إثرها تلك السفينة في التأرجح على سطح البحر .. ماذا سيفعل ركابها؟! بلا شك أنهم جميعًا سيستشعرون الخطر المحدق بهم، ويتوجهون إلى الله بالدعاء والاستغاثة ليصرف عنهم هذه الغُمة، لكنهم في قرارة أنفسهم يعلمون أن السفينة قوية ومحصنة، وستقاوم الرياح والأمواج، فإذا ما انكسرت السفينة، وتعلق كل واحد منهم بخشبة في عرض البحر فإنَّ استغاثتهم بالله ستزداد، ومع ذلك يظل وجود الخشبة يجعلهم يأملون أنها قد تحفظ حياتهم لبعض الوقت مما قد يتيح الفرصة لفِرق الإنقاذ أن تصل إليهم، فإذا ما اشتدت الأمواج وأبعدت عن كلٍ منهم خشبته التي يتعلق بها، فماذا تظن أن تكون قوة استغاثتهم بالله؟! ألا توافقني أنها ستكون أشد وأخلص وأصدق من ذي قبل .. استغاثة حارة من أعماق أعماق قلوبهم؟! وهذا هو المطلوب من الجميع الآن .. أن نتجه إلى الله ونستغيث به كأشد ما تكون الاستغاثة، فلا سفينة تحملنا، ولا خشبة نتعلق بها .. لقد أغُلقت الأبواب الأرضية في وجوهنا، وانقطعت الأسباب، وأصبحنا في العراء، فماذا نحن فاعلون؟! ألم يأن لنا أن نولي وجوهنا شطر ربنا، ونتجه إليه بقلوبنا، ونستغيث به استغاثة المشرف على الغرق؟! اذكرني عند ربك: لقد أنسى الشيطان نبي الله يوسف - عليه السلام - في لحظة من اللحظات هذه الحقيقة فقال لصاحبه الذي كان يتأهب للخروج من السجن، والالتحاق بخدمة الملك: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42]. فكان الرد الإلهي لهذا القول: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: 42]. وكذلك أصحاب الدعوات: إن تعلقت قلوبهم بأحد من الناس فسيكون الرد الإلهي مثلما حدث ليوسف عليه السلام. ومما يلفت النظر أن سورة يوسف قد نزلت أيام حصار المسلمين في شعب أبي طالب .. نزلت لتؤكد لهم أن الناصر هو الله، وأنه سبحانه يريد منهم تعلقًا تامًا به، وعدم التعلق بالناس، واليأس منهم في أنهم يملكون كشف الضر، وتفريج الكرب، والسورة كذلك نزلت لتؤكد أن الذي مكَّن يوسف -عليه السلام- هو الله عز وجل، وأن الذي حرك الأحداث في اتجاه هذا التمكين هو الله عز وجل {وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: 100].

هذه هي أهم الحقائق التي نزلت سورة يوسف لتؤكدها من خلال سياق الأحداث التي حدثت والنتائج التي تحققت، وحتى لا تُنسى هذه الحقائق في خضم أحداث القصة: جاءت نهاية السورة لتقررها بصورة مباشرة، وتقول لنا بأنه كلما تزلزلت تصوراتنا عن إمكانية وقوع الفرج وانكشاف الضر، ومجيء النصر من أحد دون الله، ويئسنا تمامًا من ذلك، واتجهت القلوب بكليتها إلى ربها، كان الفرج والنصر أقرب مما يتخيله الجميع ومن خلال أهون الأسباب {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف: 110]. هل نترك الأسباب؟! وليس معنى هذا هو ترك الأخذ بالأسباب، وعدم بذل الجهد مع الناس، أو الانفصال عنهم، بل المقصد هو عدم التعلق القلبي بهم، أو الاعتقاد بأنهم يملكون كشف الضر عنا، أو أنهم يملكون القدرة على فك الحصار عن الدعوة ولو يسيرًا .. فالأمر كله لله {وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: 17]. إن إقامة المشروع الإسلامي والتمكين لدين الله في الأرض لن يتم إلا من خلال التعلق التام بالله عز وجل، مع بذل غاية الجهد واستنفاد جميع الأسباب المتاحة، ومد جسور التعاون مع الجميع، وكيف لا ونحن مأمورون بذلك: {وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78]. فالأخذ بالأسباب المشروعة جزء من شريعة الله، وجزء كذلك من قدر الله، وحين يتركها أهل الدعوة فهم مقصرون في أداء واجبهم، وفي نفس الوقت عليهم - مع بذلهم لعظيم الجهد واستنفادهم لجميع الأسباب المتاحة أمامهم - أن تكون قلوبهم متعلقة تمام التعلق بالله عز وجل من حيث كونه - سبحانه - هو مالك هذا الكون والمتصرف فيه، وأن الأمر كله بيده وأنه هو وحده القادر على كشف الضر وتفريج الكرب، وأن الأمة كلها لو اجتمعت على أن تضر الدعوة بشيء لم يأذن به الله فلن يتم لها ما أرادت {وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ} [البقرة: 102]. جهد البشر: ومع التأكيد القرآني الدائم على أن الناصر هو الله، وأن كاشف الضر، وفارج الكرب هو الله، وأن الذي يمكن للعباد هو الله، إلا أنه يؤكد أيضًا على أن الفرج والنصر وكشف الضر يحتاج إلى ستار من الأسباب يتنزل عليه .. تأمل معي قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ - وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} [التوبة: 14، 15]. إن هذا الدين لن يقام إلا بجهد الفئة المؤمنة، وجهادها المرير، واستنفادها لجميع الأسباب المتاحة أمامها، مع يقينها بأن هذا كله لا يشكل سوى ستارًا يستدعي قدر الله بالنصر والتمكين، ولو تعلقت قلوب الفئة المؤمنة بهذا الستار ولو يسيرًا لتأخر الفرج والنصر حتى يخلص تعلقها بالله وحده.

الفرج قريب فكيف نبلغه؟!

الفرج قريب فكيف نبلغه؟! من هنا يتأكد لدينا بأن تفريج الكرب الذي ألم بنا، وفك الحصار عن الدعوة بيد الله وحده، وأن الفرج قريب قريب، فما من عسر ينزل بنا إلا وينزل معه يسران، وما من بلاء إلا والفرج المضاعف يلاحقه كما قال صلى الله عليه وسلم: «وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا» (¬1). وتذكر- أخي الحبيب- قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يُنزل المعونة على قدر المؤنة، وينزل الصبر على قدر البلاء». (¬2) وكان صلى الله عليه وسلم جالسًا وحياله جحر فقال لأصحابه: «لو جاء العسر فدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه» فأنزل الله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا - إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح]. (¬3) فكل الحادثات وإن تناهت ... فموصول بها الفرج القريب ليبقى السؤال عن كيفية بلوغ هذا الفرج؟ فمع يقيننا بأن اليسر يلاحق العسر، والفرج موصول بالكرب إلا أننا قد لا نستطيع بلوغه إن لم نحسن قراءة حدث الابتلاء ولم نقم بتحليله تحليلاً صحيحًا ... إن بلوغ الفرج يستلزم تضرعًا إلى الله وتَبَؤُّسًا وتمسكنًا بين يديه، واستغاثة دائمة حارّة به .. استغاثة من فقد الخشبة وأشرف على الغرق. ويستلزم منا الاستيقاظ قبل الفجر كل ليلة لنهرع إلى المحراب نصلي لله، ونتأوه بين يديه ونذرف الدمع، ونظهر له سبحانه عظيم افتقارنا إليه، واحتياجنا المطلق والذاتي له، وأنه لا ناصر لنا سواه، ولا كافي سواه، ولا حافظ سواه، ولا كاشف للضر سواه، وأنه لو تركنا لهلكنا. ¬

_ (¬1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده. (¬2) صحيح الجامع الصغير (1919). (¬3) أخرجه البزار والحاكم.

ويستلزم كذلك أن نعود إلى القرآن ونمكث معه طويلاً ونقرأه بفهم وتدبر لنتعرف على الله من خلاله، ونزداد يقينًا به، ومن ثم تتحول هذه الحقائق النظرية إلى إيمان راسخ يصدقه العمل. إن الأحداث التي تمر بالدعوة تتشابه إلى حد كبير بالأحداث التي مرت بأصحاب الدعوات في الماضي والتي أفاض القرآن في ذكرها وكيفية التعامل معها، ومن الخطأ بمكان أن نترك هذا الرصيد الضخم من التجارب والحلول المجربة بهجرنا للقرآن، أو الاقتصار على قراءته بألسنتنا وحناجرنا فقط، بل لابد من إعمال العقل فيما نقرأ- ولو فهمًا إجماليًا للمعنى المراد من الآيات التي نقرؤها-، ولابد أيضًا أن يصاحب هذا الفهم قراءة مرتلة بصوت مسموع حزين ليتحول الفهم إلى إيمان. القرآن وعودة الروح: تأمل معي- أخي الحبيب- قول الإمام حسن البنا: ولكنكم روح جديد يسري في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن. (¬1) فالقرآن هو روح هذه الأمة، ويوم أن نهجره ولا نتعرض لمعجزته وقدرتها التأثيرية الفذة، فقد حرمنا أنفسنا من أعظم عامل ينشئ الإيمان واليقين، وحرمناها كذلك من أهم مولِّد للوقود والطاقة الروحية الدافعة للعمل. اقرأ -إن شئت- ما قاله حسن البنا منذ عشرات السنين حول هذا المعنى: (عرف سلفنا الصالح رضوان الله عليهم فضل القرآن وتلاوته، فجعلوه مصدر تشريعهم، ودستور أحكامهم، وربيع قلوبهم، وورد عبادتهم، وفتحوا له قلوبهم، وتدبروه بأفئدتهم، وتشربت معانيه السامية أرواحهم، فأثابهم الله في الدنيا سيادة العالم، ولهم في الآخرة عظيم الدرجات، وأهملنا القرآن فوصلنا إلى ما وصلنا إليه من ضعف في الدنيا ورقة في الدين). (¬2) * * * ¬

_ (¬1) رسالة بين الأمس واليوم. (¬2) نظرات في كتاب الله- ص37، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

معركتنا تربوية

معركتنا تربوية ومع انشغالنا بإصلاح قلوبنا، وتوطيد العلاقة بربنا، والعودة المحمودة إلى محراب الليل، والتأثر بالقرآن؛ علينا كذلك أن نستفرغ جهدنا في الدعوة إلى الله وبناء الحق، وإقامة الدين في نفوسنا أولاً، ثم في نفوس الناس بعد ذلك، فمعركتنا معركة تربوية. إن مشروع الدعوة يدعو إلى تكوين أمة، وتربية شعب وتحقيق آمال، وهذا كله يتطلب نفسية عظيمة تتمثل في إرادة قوية، وإيمان راسخ، وقلب وجل مشفق، وتضحية مستمرة. (¬1) إنه مشروع كبير يحتاج إلى رجال كبار، لذلك فإن جهدنا ينبغي أن يتجه إلى إقامة الحق وبناء أنفسنا على قواعد الإيمان، وإعادة بناء منظومة القيم والأخلاق في قلوبنا نحن أولاً، ثم يأتي الأمل في إصلاح المجتمع بعد ثبات الحقائق في داخلنا نحن لنكون قدوة عملية لا نظرية، فيزداد تبعًا لذلك تأثيرنا في نفوس الناس، ومن ثمَّ يقوى سلطان الدين في قلوبهم، ويزداد استعدادهم للتضحية من أجله. ويكفيك في تأكيد هذا المعنى ما قاله الإمام حسن البنا: إن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها، وأن وسيلتهم تنحصر في تغيير العرف العام، وتربية أنصار الدعوة على هذه التعاليم حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسك بها، والحرص عليها، والنزول على حكمها. (¬2) ومن أقواله كذلك: إن العمل مع أنفسنا هو أول واجباتنا فجاهدوا أنفسكم، واحملوها على تعاليم الإسلام وأحكامه، ولا تتهاونوا معها في ذلك بأي وجه من الوجوه. (¬3) * * * ¬

_ (¬1) المسألة التركية وتوضيح المفاهيم، لجمعة أمين- بتصرف يسير. (¬2) رسالة بين الأمس واليوم. (¬3) أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، جمعة أمين 4/ 311.

هيا بنا نعج إلى الله ونستغيث به

هيا بنا نعُجُّ إلى الله ونستغيث به ومع كل ما سبق ذكره من وسائل عملية نحتاج إلى تطبيقها الآن أكثر من أي وقت مضى، يبقى أهم واجب للوقت والظرف الذي نحياه هو الاستغاثة الصادقة الحارة بالله عز وجل ... استغاثة تنقطع معها القلوب، بأن يفرج الله الكرب ويكشف الغمة. فبعد أن وقع الزلزال، وانكشف الغبار، وتأكد لدينا أنه ليس لنا سوى الله، وأنه وحده القادر على كشف ما أصابنا من ضُرٍ وبلوى، وأن ما حدث قد يكون عُتبى منه سبحانه، يعتب بها علينا بسبب ما أحدثناه من تقصير في القيام بالواجب الذي شرفنا به وابتعثنا من أجله، وتفريط وتهاون في لزوم الاستقامة على أمره. بعد أن وضحت الرؤية بأنه سبحانه هو الذي ابتلانا، فإنه ينتظر منا توبة صادقة تبدأ بمحاسبة كل منا نفسه، ومراجعة أموره كلها بدءًا من علاقته به سبحانه، ومرورًا بعلاقته بإخوانه وبدعوته، وكلما كانت هذه المحاسبة جادة منطلقة من استشعار المرء بأنه قد يكون السبب فيما حدث للدعوة كلما ازداد الشعور بالندم، ومن ثمَّ تكون التوبة صادقة، عملية، ظاهرة الآثار في شتى المجالات. ومع هذه المحاسبة، وهذه التوبة تأتي العبودية العظيمة الملازمة لحدث الابتلاء، ألا وهي التضرع إلى الله والاستغاثة الشديدة به {فَلَوْلاَ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام]. فالمطلوب هو تضرع واستغاثة تُظهر وتؤكد عدم تعلق قلوبنا بشيء سوى الله، وأنه لا ملجأ لنا ولا منجى مما نحن فيه إلا هو سبحانه وتعالى، وأن نلح في ذلك، ونلح، ونتضرع، ونستغيث، ونعجُّ (¬1) إلى الله، ولا نترك هذا كله حتى يأتي الفرج، وما هو ببعيد كما وعد سبحانه {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ} [النمل]. من تجارب السابقين في الاستغاثة بالله: وإليك- أخي- قصة من قصص السابقين تؤكد هذا المعنى، وكيف أن أصحاب هذه القصة بعد أن أحيط بهم، وبلغ بهم البلاء والكرب ما بلغ لجأوا إلى الباب الأعظم، وتعلقت قلوبهم تعلقًا تامًا بالله، وانخلعت من كل أسباب الأرض، عند ذلك جاءهم الفرج من حيث لا يحتسبون.

_ (¬1) العج: هو رفع الصوت والصياح.

ذكر ابن بشكوال في كتابه (المستغيثين بالله): أن المسلمين في جزيرة إقريطش (تكريت) قد قاموا بغزو لبعض ديار الروم، وأصابوا منهم إصابات عظيمة، فبلغ ذلك الخبر ملك الروم، فاستشاط غضبًا، وتوعد المسلمين بحرب عظيمة، وهزيمة ساحقة وإن أدى ذلك إلى إنفاقه كل دنانير مملكته، وذهب إلى راهب من أبناء الملوك يحبه الروم لزهده، فأنزله من صومعته، وأقنعه بضرورة قيادته للجيش المتوجه لجزيرة إقريطش، وبالفعل خرج هذا الراهب بجيش ضخم واتجه إلى الجزيرة، وفي طريقهم إليها وجدوا المراكب التي تحمل الطعام للمسلمين فاستولوا عليها، وما إن بلغ الخبر أهل الجزيرة حتى أغلقوا الأبواب وتحصنوا داخل مدينتهم، ثم ضرب جيش الروم حصارًا محكمًا على المدينة، وطال الحصار، ونفد الطعام حتى اضطر الناس إلى أكل ما مات من البهائم، ووصل بهم الجهد والجوع والكرب مبلغه، وبدأوا في التفكير الجاد بالاستسلام، وفتح أبواب المدينة للروم، عند ذلك نهض فيهم أحد الشيوخ وبين لهم أن المسبب لهذا كله هو الله، وأنهم قد حرموا التوفيق الإلهي يوم أن استولى الروم على طعامهم، وأن ما عليهم إلا أن يقبلوا ما يشير به عليهم. فوافق القوم وأعطوه سمعهم. فقال لهم: توبوا إلى الله عز وجل من قبيح تقصيركم في حق شكر نعمه، والزموا ما يكون رباطًا لها وقائدًا لها إلى حُسن المزيد فيها، وأخلصوا له إخلاص من لا يجد فرجه إلا عنده، وافصلوا صبيانكم من رجالكم، ورجالكم من نسائكم. فلما ميزهم هذا التمييز صاح بهم: عُجُّوا بنا إلى الله عز وجل. فعجوا عجّة واحدة، وبكى الشيخ واشتد بكاء الناس وصراخهم، ثم قال: عجوا أخرى، ولا تشغلوا قلوبكم بغير الله، فعجوا عجة أعظم من الأولى، واشتد بكاؤهم ونحيبهم، وعلا صوتهم. ثم عج الثالثة، وعج الناس معه .. ثم قال لهم: انظروا من شرفات الحصن، فإني أرجو أن يكون الله قد فرج عنا. يقول راوي القصة- الحسن بن محمد-: والله لقد أشرفت مع جماعة فرأينا الروم قد قوضوا، وركبوا مراكبهم، وانطلقوا في البحر، وفتحنا الحصن فوجدنا قومًا من بقاياهم، فسألناهم عن خبرهم فقالوا: كان الراهب المحبوب عميد الجيش بأفضل سلامته اليوم، حتى سمع ضجتكم بالمدينة، فوضع يديه على قلبه وقال: قلبي، قلبي، ثم مات، فانصرف من كان معه من الجيش إلى بلاد الروم، قال الحسن: ووجدنا في الأبنية من محلتهم من القمح والشعير ما وسع أهل المدينة، وكفى الله جماعتهم بأس الروم من غير قتال والحمد لله. (¬1) فهيا بنا يا أخي نتوب إلى الله، ونستصرخه ونستغيث به .. قال صلى الله عليه وسلم: «من انقطع إلى الله عز وجل كفاه الله كل مؤنة، ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها». (¬2) ¬

_ (¬1) المستغيثين بالله تعالى للإمام ابن بشكوال ص 50، دار الرسالة- القاهرة. (¬2) أخرجه الطبراني في الصغير والبيهقي في الشعب.

من الرابح؟!

من الرابح؟! وأخيرًا؛ أخي الحبيب: إننا إن فعلنا هذا كله وجاء الفرج فتلك عاجل بشرى المؤمن، وإن لم يأت: فمن الرابح في هذه المعركة ومن الخاسر؟! أما نحن فقد أعطانا الله الجواب {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة]. وأما غيرنا {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه: 124]. فلا تشك يا أخي بأننا -بإذن الله- الرابحون في كل حال .. وفي النهاية: أتركك- أخي الحبيب- مع هذا الموقف النبوي الذي يعلمنا درسًا عظيمًا في اليقين بموعود الله عز وجل، فقد دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده متكئًا على حصير وقد أثر في جنبه، ورفع رأسه في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجد فيه شيئًا ذا قيمة، فقال: ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك، فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله، فاستوى جالسًا وقال: «أفي شك أنت يا ابن الخطاب! أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا». فقال عمر: استغفر لي يا رسول الله. (¬1) والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. * * * ¬

_ (¬1) رواه الإمام أحمد.

§1/1