صلاة التطوع
سعيد بن وهف القحطاني
المقدمة
المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليهِ وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في ((صلاة التطوع)) بيّنت فيها: مفهوم صلاة التطوع، وفضلها، وأقسامها، وأنواعها، وكل ما يحتاجه المسلم من فقهٍ في هذا المبحث، بالأدلة من الكتاب والسنة. وقد استفدت كثيراً من تقريرات وترجيحات سماحة شيخنا الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز نوَّر الله ضريحه، ورفع درجاته في الفردوس الأعلى.
والله تعالى أسأل أن يجعل هذا العمل مقبولاً، مباركاً، خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. المؤلف حرر قبل مغرب يوم السبت الموافق20/ 11/1420هـ
أولا: مفهوم التطوع
صلاة التطوع أولاً: مفهوم التطوع: التطوع: النافلة وكل متنفِّل خير: متطوع (¬1). قال الله تعالى: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} (¬2). والتطوع: ما تبرع به المسلم من ذات نفسه مما لا يلزمه فرضه (¬3). ثانياً: فضل التطوع: صلاة التطوع لها فضائل كثيرة عظيمة، منها ما يلي: 1 - تُكمِّلُ الفرائضَ وتجبر نقصها؛ لحديث تميم الداري - رضي الله عنه - مرفوعاً: ((أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن كان أتمَّها كُتبت له تامة، وإن لم يكن أتمَّها قال الله - عز وجل - لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوُّع فتكملون بها فريضته، ثم الزكاة كذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك)) (¬4). ¬
2 - التطوع ترفع به الدرجات وتحط الخطايا
2 - التطوع تُرفع به الدرجات وتُحطُّ الخطايا؛ لحديث ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال له: ((عليك بكثرة السجود؛ فإنك لا تسجد لله سجدةً إلا رفعك الله بها درجة، وحطَّ عنك بها خطيئة)) (¬1). 3 - كثرة النوافل من أعظم أسباب دخول الجنة بمرافقة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لحديث ربيعة بن كعب الأسلمي - رضي الله عنه - قال: كنت أبيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال لي: ((سل))، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال ((أوَ غيرَ ذلك؟)) قلت: هو ذاك، قال: ((فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود)) (¬2). 4 - صلاة التطوع أفضل أعمال نوافل البدن بعد الجهاد، والعلم: تعلُّمه، وتعليمه (¬3)؛لحديث ثوبان - رضي الله عنه - قال: ¬
5 - صلاة التطوع في البيوت تجلب البركة
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((استقيموا ولن تُحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يُحافظ على الوضوء إلا مؤمن)) (¬1). 5 - صلاة التطوع في البيوت تجلب البركة؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قضى أحدكم الصلاة في ¬
مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته؛ فإن الله جاعلٌ في بيته من صلاته خيراً)) (¬1)؛ ولحديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - يرفعه، وفيه: ((فصلُّوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاةُ المرءِ في بيته إلا المكتوبة)) (¬2). ولفظ مسلم: ((فعليكم بالصلاة في بيوتكم؛ فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة)) (¬3)؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبوراً)) (¬4). قال الإمام النووي رحمه الله: ((وإنما حثَّ على النافلة في البيت؛ لكونه أخفى وأبعد من الرياء، وأصون من المحبطات؛ وليتبرَّك البيتُ بذلك، وتنزل فيه الرحمة، والملائكة، وينفر منه الشيطان)) (¬5). ¬
6 - التطوع يجلب محبة الله لعبده
6 - التطوّعُ يجلبُ محبة الله لعبده؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله تعالى قال: من عادَى لي وليَّاً فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبّه فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته)) (¬1). ظاهره أن محبة الله للعبد تقع بملازمة العبد للفرائض؛ ودوامه والتزامه التقرب بالنوافل بعد الفرائض من صلاة، وصيام، وزكاةٍ، وحج، وغير ذلك (¬2). 7 - كمال التطوع يزيد في شكر العبد لله - عز وجل -؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم من الليل حتى تتفطَّر ¬
ثالثا: جواز صلاة التطوع جالسا
قدماه، فقالت: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخَّر؟ فقال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً)) (¬1). وعن المغيرة - رضي الله عنه - قال: قام النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى تورَّمت قدماه فقيل له: غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً)) (¬2). ثالثاً: جواز صلاة التطوع جالساً: تصح صلاة التطوع جالساً مع القدرة على القيام، قال الإمام النووي - رحمه الله -: ((وهو إجماع العلماء)) (¬3). كما يصح أداء بعض التطوع من قيام وبعضه من قعود (¬4)، وأما صلاة الفريضة فالقيام فيها ركن، من تركه مع القدرة عليه فصلاته باطلة (¬5). وقد ثبتت الأحاديث بذلك، ففي حديث عائشة رضي الله ¬
عنها في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل، قالت: (( ... كان يصلي من الليل تسع ركعات، فيهن الوتر، وكان يصلي ليلاً طويلاً قائماً، وليلاً طويلاً قاعداً، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعداً ركع وسجد وهو قاعد ... )) (¬1). وعنها رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في شيء من صلاة الليل جالساً حتى إذا كَبِر قرأ جالساً حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ثم ركع)) (¬2). وعن حفصة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في سبحته قاعداً حتى كان قبل وفاته بعام، فكان يصلي في سبحته قاعداً، وكان يقرأ بالسورة فيرتِّلها حتى تكون أطول من أطول منها)) (¬3). ¬
وصلاة المسلم قائماً أفضل عند القدرة؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يرفعه: ((صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة)) (¬1)؛ ولحديث عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الرجل قاعداً فقال: ((إن صلَّى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم ... )) (¬2). ويستحب لمن صلَّى قاعداً أن يكون مُتربِّعاً في حال مكان القيام؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي متربِّعاً)) (¬3). قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: ¬
(كانت صلاته [- صلى الله عليه وسلم -] بالليل ثلاثة أنواع: أحدها: وهو أكثرها: صلاته قائماً. الثاني: أنه كان يصلي قاعداً ويركع قاعداً. الثالث: أنه كان يقرأ قاعداً، فإذا بقي يسير من قراءته قام فركع قائماً. والأنواع الثلاثة صحَّت عنه [- صلى الله عليه وسلم -] (¬1). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - يقول: ((كانت صلاة النبي عليه الصلاة والسلام بالليل على أنواع أربعة كما هو مجموع روايات عائشة رضي الله عنها: 1 - يصلي قائماً ويركع قائماً. 2 - يصلي وهو قاعد ثم إذا لم يبقَ من القراءة إلا نحو من ثلاثين آية أو أربعين قام فقرأ بها ثم ركع. 3 - يصلي وهو قاعد ثم إذا ختم قراءته قام فركع. ¬
رابعا: جواز التطوع على المركوب في السفر الطويل والقصير
4 - يصلي وهو جالس، ويركع وهو جالس)) (¬1). رابعاً: جواز التطوع على المركوب في السفر الطويل والقصير: يصح التطوع على المركوب في السفر: من راحلة، وطائرة، وسيارة، وسفينة وغيرها من وسائل النقل، أما الفريضة فلا بد من النزول لها إلا عند العجز؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في السفر على راحلته حيث توجَّهت به، يومئ [برأسه] إيماءً صلاة الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته)). وفي لفظ: ((غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة)) (¬2)، ولحديث عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - قال: ((رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي على راحلته حيث توجَّهت به)). وفي لفظ: ((ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك في المكتوبة)). وفي لفظ: ((أنه رأى ¬
النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي السبحة بالليل في السفر على ظهر راحلته حيث توجهت به)) (¬1)؛ولحديث جابر - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على راحلته حيث توجهت به، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة)) (¬2).وفي لفظ: ((كان يصلي على راحلته نحو المشرق، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة)).وفي هذا أحاديث أخرى كحديث أنس - رضي الله عنه - (¬3). ويستحب استقبال القبلة عند تكبيرة الإحرام؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة، فكبر، ثم صلى حيث وجَّهَهُ ركابه)) (¬4)، فإذا لم يفعل ذلك فالصلاة صحيحة عملاً بالأحاديث الصحيحة كما رجحه الإمام عبد العزيز ابن باز –رحمه الله- (¬5). ¬
وذكر الإمام النووي - رحمه الله - ((أن التنفل على الراحلة في السفر الذي تُقصر فيه الصلاة جائز بإجماع المسلمين ... )) (¬1). وأما السفر الذي لا تقصر فيه الصلاة فالصواب جواز ذلك، وهو مذهب الجمهور (¬2)؛لقول الله تعالى: {وَلله الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله إِنَّ الله وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (¬3)، وقد رجح الإمام ابن جرير-رحمه الله-أن هذه الآية تدخل فيها صلاة التطوع في السفر على الراحلة حيثما توجهت بك راحلتك (¬4). وقد ذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله - عن الإمام الطبري - رحمه الله - أنه احتج للجمهور: أن الله جعل التيمم رخصة للمريض والمسافر، وقد أجمعوا على أن من كان خارج المصر على ¬
خامسا: أخلص مواضع صلاة التطوع
ميل أو أقل ونيته العود إلى منزله لا إلى سفرٍ آخر، ولم يجد ماءً، أنه يجوز له التيمم، فكما جاز له التيمم في هذا القدر جاز له التنفل على الدابة لاشتراكهما في الرخصة (¬1). خامساً: أخلص مواضع صلاة التطوع: صلاة التطوع تصلى في المسجد، وفي البيت، وفي كل مكان طاهر: كالصحراء وغيرها، ولكن صلاتها في البيت أفضل إلا ما شرعت له الجماعة كصلاة التراويح ففعلها في المسجد أفضل. أما صلاة التطوع التي لم تشرع لها الجماعة فقد ثبتت الأحاديث التي تبين أن فعلها في البيت أفضل، منها حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - وفيه: ((فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) (¬2).وحديث جابر (¬3)، وابن عمر (¬4) - رضي الله عنهم - كلها ¬
سادسا: أحب التطوع إلى الله ما دووم عليه
تدل على أن أفضل الصلاة في البيت إلا المكتوبة. سادساً: أحب التطوع إلى الله ما دُووِمَ عليه: أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قلّ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كانت عندي امرأة من بني أسد، فدخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((من هذه؟)) قلت: فلانة، لا تنام الليل، تذكر من صلاتها، فقال: ((مه، عليكم ما تطيقون من الأعمال؛ فإن الله لا يملّ حتى تملُّوا)). [وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه] (¬1)؛ ولحديث أنس - رضي الله عنه - قال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد فإذا حبل ممدود بين ساريتين فقال: ((ما هذا الحبل؟)) قالوا: لزينب تصلي فإذا كسلت أو فَتَرتْ أمسكت به، فقال: ((لا، حُلّوه، ليُصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقْعُدْ)) (¬2). وقال ¬
مسروق: سألت عائشة رضي الله عنها: أي العمل كان أحبّ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: الدائم، قلت: متى كان يقوم؟ قالت: كان يقوم إذا سمع الصارخ (¬1)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها ترفعه، وفيه: ((خذوا من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا)). وأحبُّ الصلاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دُووِمَ عليه وإن قلَّت، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها (¬2)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الدين يسر، ولن يشادّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه، فسدِّدوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرَّوحة، وشيء من الدّلجة)). وفي رواية: ((لن يُدخل أحداً عملُه الجنة)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((لا، ولا أنا إلا أن يتغمَّدنيَ ¬
الله بفضلٍ ورحمة، فسدِّدوا وقاربوا، ولا يتمنَّى أحدكم الموت، إما محسناً فلعله أن يزداد، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتِب)). وفي رواية: ((سدِّدوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيئاً من الدّلجة، والقصدَ القصدَ تبلغوا)) (¬1)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها وفيه: (( ... وأن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ)). وفي رواية: ((سدِّدوا وقاربوا، وأبشروا؛ فإنه لا يُدخِلُ أحداً الجنةَ عملُه)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة)) (¬2)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها أنها سُئِلت كيف كان عمل النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: ((كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستطيع)) (¬3). ¬
سابعا: جواز صلاة التطوع جماعة أحيانا
وفي هذه الأحاديث الحثُّ على المداومة على العمل وإن قلّ، والاقتصاد في العبادة، واجتناب التعمق والتشدد، وأن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ (¬1). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا)) هذا الملل لا يشابه ملل المخلوقين، وليس فيه نقص ولا عيب، بل كما يليق بالله - عز وجل -، وسمعت الإمام عبد العزيز ابن باز-رحمه الله- يقول: ((هذا مثل بقية الصفات، ومن مقتضاه أنه لا يقطع الثواب حتى تقطعوا العمل)) (¬2). سابعاً: جواز صلاة التطوع جماعة أحياناً: لا بأس أن يصلي المسلم صلاة التطوع جماعة أحياناً؛ لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ((صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فأطال حتى هممت بأمر سوءٍ، قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه)) (¬3)؛ ولحديث ¬
حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال: ((صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مسترسلاً، إذا مرَّ بآية تسبيح سبَّح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مرَّ بتعوذٍ تعوَّذ ... )) (¬1). وعن عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال: ((قمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فقرأ سورة البقرة، لا يمرُّ بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمرُّ بآية عذاب إلا وقف وتعوَّذ، ثم ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه: ((سبحان ذي الجبروت، والملكوت، والكبرياء، والعظمة)) ثم سجد بقدر قيامه، ثم قال في سجوده مثل ذلك، ثم قام فقرأ بآل عمران، ثم قرأ سورة سورة)) (¬2). وحديث ابن عباس رضي الله عنهما في وصف صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام من الليل قال فقمت إلى جنبه ... )) (¬3). ¬
وحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن جدته مليكة دعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطعام صنعته فأكل منه، ثم قال: ((قوموا فأصلي لكم))، قال أنس بن مالك: فقمت إلى حصير لنا قد اسودَّ من طول ما لُبِسَ فنضحته بماء فقام عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين ثم انصرف)) (¬1). وفي حديث أنس الآخر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليهم هو وأمه، وأم حرام خالة أنس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((قوموا فلأصلي بكم)) في غير وقت صلاة، فصلَّى بهم، وجعل أنس عن يمينه، وأقام المرأة خلفهم (¬2). وعن عِتبان بن مالك - رضي الله عنه - أنه كان يصلي بقومه فحال بينه وبينهم وادٍ إذا جاءت الأمطار شقَّ عليه اجتيازُه، وقد أنكر بصره، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي إليه ويصلي في بيته ¬
ثامنا: أقسام صلاة التطوع
في مكان يتخذه مصلى، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر معه، فلم يجلس حتى قال: ((أين تحبُّ أن أصلّيَ من بيتك؟)) فأشار إليه إلى المكان الذي يحب، قال: فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكبَّرَ وصفَفْنا وراءه، فصلى ركعتين ثم سلَّم، وسلَّمنا حين سلَّم ... وفي آخر الحديث: (( ... فإن الله قد حرَّم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)) (¬1). وفي هذه الأحاديث جواز النافلة جماعة في غير التراويح في رمضان، ولكن لا يتخذ ذلك سنة دائمة وإنما في بعض الأحيان؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أكثر تطوعه منفرداً (¬2). ثامناً: أقسام صلاة التطوع: صلاة التطوع أقسام، منها السنن الرواتب الدائمة، والوتر، وصلاة الضحى، ومنها ما تُسن له الجماعة، ¬
القسم الأول: السنن الدائمة المستمرة
ومنها التطوع المطلق، والتطوع المقيَّد، ومنها ما هو مقيَّد بسبب، ومنها غير ذلك، وكلها يطلق عليها صلاة التطوع (¬1). وأقسام التطوع على النحو الآتي: القسم الأول: السنن الدائمة المستمرة وهي أنواع: النوع الأول: السنن الرواتب (¬2) مع الفرائض، وهي على النحو الآتي: 1 - الرواتب المؤكدة مع الفرائض: اثنتا عشرة ركعة؛ لحديث أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بُنيَ له بيتٌ في الجنة)). وفي لفظ: ((ما من عبدٍ مسلمٍ يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة، أو بُني له بيتٌ في الجنة)) (¬3). وجاء تفسيرها ¬
في سنن الترمذي من حديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة بُني له بيتٌ في الجنة: أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر)) (¬1). ومن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من ثابر (¬2) على اثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتاً في الجنة: أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر)) (¬3). وحديث عائشة الآخر: ((كان لا يدع أربعاً قبل الظهر وركعتين قبل الغداة)) (¬4). ¬
وثبت من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح))، وفي رواية: ((وركعتين بعد الجمعة في بيته)) (¬1). فالرواتب اثنتي عشرة ركعة، كما قالت أم حبيبة وعائشة رضي الله عنهما، أو عشر ركعات كما قال ابن عمر رضي الله عنهما، وسمعت شيخنا الإمام ابن باز - رحمه الله - يذكر أن من أخذ بحديث ابن عمر قال: الرواتب عشر، ومن أخذ بحديث عائشة قال: اثنتي عشرة، ويؤيد حديث عائشة ما رواه الترمذي في تفسيرها، ويدل عليه حديث أم حبيبة في فضل هذه الرواتب، ويحتمل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان تارة يصلي اثنتي عشرة ركعة كما في حديث أم حبيبة وعائشة، وتارة يصلي عشراً كما في حديث ابن عمر، فإذا ¬
2 - السنن تفصيلا: المؤكدة وغير المؤكدة مع الفرائض
نَشِط المسلم صلى اثنتي عشرة، وإذا كان هناك شاغل صلى عشراً، وكلها رواتب، والكمال والتمام أن يصلي كما في حديث عائشة وأم حبيبة رضي الله عنهما (¬1). 2 - السنن تفصيلاً: المؤكدة وغير المؤكدة مع الفرائض: اثنتان وعشرون ركعة، وهي على النحو الآتي: أ- أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدها؛ لحديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من حافظ على أربعِ ركعات قبل الظهر، وأربعٍ بعدها حرَّمه الله على النار)) (¬2). ¬
ب- أربع ركعات قبل العصر؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((رحم الله امرءاً صلى قبل العصر أربعاً)) (¬1). وجاء عن علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان يصلي قبل العصر ركعتين)) (¬2). ج- ركعتان قبل المغرب وركعتان بعدها؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - وفيه: ((وكنا نصلي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب)) (¬3). وقال - رضي الله عنه -: ((كنا في المدينة فإذا أذَّن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري فركعوا ركعتين، ركعتين حتى إن الرجل الغريب ليدخل ¬
المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما)) (¬1)؛ولحديث عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صلوا قبل صلاة المغرب))،قال في الثالثة: ((لمن شاء)) (¬2). وفي رواية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((صلى قبل المغرب ركعتين)) (¬3). وعن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة))، قال في الثالثة: ((لمن شاء)) (¬4). وهذه الأحاديث تدلّ على أن الركعتين قبل المغرب سنة قولية، وفعلية، وتقريرية. وأما الركعتان بعد المغرب فهي سنة مؤكدة كما تقدم من حديث عائشة، وأم حبيبة، وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهم -. والسنة أن يقرأ في الركعتين بعد المغرب بـ: {قُلْ يَا أَيُّهَا ¬
الْكَافِرُونَ}، و {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: ((ما أُحصي ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتين بعد المغرب، وفي الركعتين قبل صلاة الفجر، بـ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}،و {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} (¬1). د- ركعتان قبل صلاة العشاء، وركعتان بعدها؛ لحديث عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة))، ثم قال في الثالثة: ((لمن شاء)) (¬2). وأما الركعتان بعد العشاء، فهي سنة راتبة مؤكدة كما تقدم من حديث عبد الله بن عمر، وعائشة، وأم حبيبة - رضي الله عنهم -. هـ- ركعتان قبل الفجر، وسنة الفجر آكد السنن الرواتب؛ لأمور تسعة: ¬
الأمر الأول: شدة تعاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لها يدلُّ على عظمها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - على شيء من النوافل أشدَّ منه تعاهداً على ركعتي الفجر)) (¬1). الأمر الثاني: بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - فضلها، فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)) (¬2). الأمر الثالث: السنة تخفيفهما؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إني لأقول: ((هل قرأ بأمِّ الكتاب؟)) (¬3). الأمر الرابع: وقتها بين الأذان والإقامة؛ لحديث حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح وبدا الصبح ركع ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة (¬4)؛ ولحديث عائشة ¬
رضي الله عنها قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي ركعتين خفيفتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح (¬1). الأمر الخامس: لا يُصلّى بعدها إلا فريضة الفجر؛ لحديث حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين (¬2). الأمر السادس: يقرأ فيهما: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعتي الفجر: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} (¬3)، أو يقرأ في الركعة الأولى: {قُولُواْ آمَنَّا بِالله وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا} الآية التي في البقرة (¬4). وفي الآخرة ¬
منهما: {آمَنَّا بِالله وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (¬1). وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في ركعتي الفجر: {قُولُواْ آمَنَّا بِالله وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا}، والتي في آل عمران: {تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} (¬2). الأمر السابع: الاضطجاع بعدهما؛ لحديث عائشة رضي الله عنها ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى سنة الفجر اضطجع على شقه الأيمن)) (¬3). وفي لفظِ مسلمٍ: (( ... فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر، وجاءه المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن للإقامة)) (¬4). الأمر الثامن: لا تُتْرَكُ في الحضر ولا في السفر؛ لحديث ¬
عائشة رضي الله عنها وفيه: ((ولم يكن يدعهما أبداً)) (¬1)، وهذا يدل على أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يداوم على ركعتي سنة الفجر في الحضر والسفر (¬2). الأمر التاسع: قضاء سنة الفجر، من فاتته راتبة الفجر صلاها بعدها أو بعدما ترتفع الشمس؛ لحديث قيس بن عمرو - رضي الله عنه - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقيمت الصلاة فصليت معه الصبح، ثم انصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجدني أصلي، فقال: ((مهلاً يا قيس أصلاتان معاً؟))، قلت: يا رسول الله إني لم أكن ركعت ركعتي الفجر، قال: ((فلا إذن)) (¬3)، ولحديث قيس الآخر - رضي الله عنه - قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يصلي بعد صلاة الصبح ركعتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الصبح ¬
ركعتان))،فقال الرجل: إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما فصليتهما الآن، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1).ولفظ ابن ماجه: ((أصلاة الصبح مرتين؟)) الحديث (¬2). أو يصليها بعد ارتفاع الشمس؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من لم يصلِّ ركعتي الفجر فليصلهما بعدما تطلع الشمس)) (¬3). وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى راتبة الفجر مع الفريضة لما نام عن الفجر في السفر، فصلى الراتبة قبل الفريضة، ثم صلى الفريضة، وذلك بعد ارتفاع الشمس (¬4)؛ ولحديث ¬
أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نام عن ركعتي الفجر فقضاهما بعدما طلعت الشمس (¬1). ز- السنة الراتبة بعد الجمعة أربع ركعات، أما قبل صلاة الجمعة فيصلي المسلم صلاة مطلقة، وليس لها قبلها سنة راتبة مقدرة، بل يشتغل بالتطوع المطلق والذكر حتى يخرج الإمام (¬2). أما راتبة الجمعة بعدها؛ فلحديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه حفظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السنن الرواتب وفيه: ((وركعتين بعد الجمعة في بيته)) (¬3)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا صلى أحدُكم الجمعة فليصلِّ بعدها أربعاً)). وفي لفظ: ((إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعاً)). وفي لفظ ثالث: ((من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصلِّ أربعاً))، قال سهيل أحد رواة الحديث: ((فإن ¬
عجل بك شيء فصلِّ ركعتين في المسجد، وركعتين إذا رجعت)) (¬1). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته، ثم قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك)) (¬2). واختلف أهل العلم في الراتبة بعد صلاة الجمعة، فمنهم من قال: يصليها أربعاً؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ومنهم من قال: يصليها ركعتين في البيت؛ لحديث ابن عمر من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذكر الإمام ابن القيم أنه سمع شيخه ابن تيمية - رحمهما الله - يقول: ((إن صلّى في المسجد صلَّى أربعاً، وإن صلّى في بيته صلّى ركعتين))، ثم قال ابن القيم: ((وعلى هذا تدل الأحاديث، وقد ذكر أبو داود (¬3) عن ابن عمر أنه كان إذا صلّى في المسجد صلى أربعاً، وإن صلّى في بيته صلّى ركعتين)) (¬4). قال الإمام ¬
الصنعاني - رحمه الله -: ((والأربع أفضل من الاثنتين لوقوع الأمر بذلك ... )) (¬1). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يذكر أن أهل العلم اختلفوا في هذا: ((فقال قوم: إن صلاها في المسجد صلى أربعاً، وإن صلى في البيت صلى اثنتين جمعاً بين الروايات، وقال آخرون: أقلها اثنتان وأكثرها أربع، ولا فرق بين كونها تُصلَّى في البيت أو في المسجد، وهذا القول أظهر؛ لأن القول مقدم على الفعل، والأربع أفضل؛ لأنه يتعلق بها الأمر)) (¬2). وأما الصلاة قبل الجمعة فنافلة مطلقة بدون تقدير؛ لحديث سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من الطهر، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم ¬
الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)) (¬1)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قُدِّر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام)) (¬2). قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: ((فندبه إلى الصلاة ما كتب له، ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإمام؛ ولهذا قال غير واحد من السلف: منهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وتبعه عليه الإمام أحمد بن حنبل: خروج الإمام يمنع الصلاة، وخطبته تمنع الكلام، فجعلوا المانع من الصلاة خروج الإمام لانتصاف النهار)) (¬3). وذكر - رحمه الله - أن الصلاة لا تُكره قبل زوال يوم الجمعة حتى يخرج الإمام كما هو مذهب الشافعي واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (¬4)، وأما إذا تأخر المأموم ¬
3 - وقت الرواتب مع الفرائض
حتى صعد الإمام المنبر فإنه يصلي ركعتين خفيفتين تحية المسجد؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة إذ جاء رجل، فقال: له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أصليت يا فلان؟)) قال: لا، قال: ((قم فصلِّ ركعتين))، وفي لفظ: ((إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوَّز فيهما)) (¬1). 3 - وقت الرواتب مع الفرائض: كل سنة قبل الصلاة فوقتها من دخول الوقت إلى إقامة الصلاة، وكل سنة بعدها فوقتها من الفراغ من الصلاة إلى خروج وقتها (¬2). 4 - قضاء الرواتب، قد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا لم يصلِّ أربعاً قبل الظهر صلاهن بعدها (¬3). ¬
وهذا والله أعلم، لأهمية هذه الراتبة؛ لحديث عبد الله بن السائب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي أربعاً بعد أن تزول الشمس قبل الظهر، وقال: ((إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء وأحبّ أن يصعد لي فيها عمل صالح)) (¬1)، وسألت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله -: هل هذه راتبة صلاة الظهر أم غيرها؟ فبين - رحمه الله - أنها راتبة الظهر. وثبت أن قيس بن عمرو - رضي الله عنه - قضى راتبة الفجر بعدها فأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من لم يُصلِّ ركعتي الفجر فليصلِّهِما بعدما تطلع الشمس)) (¬3)، وثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أيضاً ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نام عن ركعتي الفجر فقضاهما بعدما طلعت الشمس)) (¬4). وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬
قضى راتبة الفجر مع الفريضة لما نام عن صلاة الفجر في السفر (¬1)، فدلَّ ذلك على استحباب قضاء سنة الظهر التي قبلها بعدها، ودلَّ على استحباب قضاء سنة الفجر بعد الصلاة، أو بعد ارتفاع الشمس، وأن الرواتب تُقضى مع الصلاة الفائتة. وقد سألت شيخنا الإمام ابن باز - رحمه الله -: هل تقضى الرواتب؟ فبين أن الرواتب لا تقضى إلا مع الفوائت من الفرائض، أما قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة الظهر بعد العصر فهذا خاص به (¬2). قلت: إلا ما ثبتت به السنة من قضاء راتبة الظهر القبلية بعدها، وقضاء راتبة الفجر بعد الصلاة، أو بعد طلوع الشمس وارتفاعها، وقضاء الوتر شفعاً بالنهار لمن نسيه أو نام عنه. وهذا الذي يفتي به - رحمه الله - حتى مات. ¬
5 - الفصل بين الرواتب والفرائض بخروج أو كلام
5 - الفصل بين الرواتب والفرائض بخروج أو كلام؛ لحديث السائب بن يزيد أن معاوية - رضي الله عنه - قال له: إذا صليت الجمعة فلا تَصِلْها بصلاةٍ حتى تتكلم أو تخرج؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بذلك: ((أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج)) (¬1). وهذا ليس خاصاً بصلاة الجمعة؛ لأن الراوي استدل على تخصيصه بذكر صلاة الجمعة بحديث يعمها وغيرها، قيل: والحكمة في ذلك لئلا يشتبه الفرض بالنافلة، وقد ورد أن ذلك هلكة (¬2)، وعن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العصر، فقام رجل يصلي، فرآه عمر فقال له: اجلس فإنما أهلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أحسن ابن الخطاب)) (¬3)، وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يقول عن ¬
الحكمة في النهي: ((لأن وصلها بها يوهم بأنها تابعة لها، وهذا في الجمعة وغيرها، فإذا فصل بينها بكلام، أو خروج، أو تكلم باستغفار، أو بشيء من ذكرٍ انفصلت)) (¬1). قال الصنعاني - رحمه الله -: ((وقد ذكر العلماء: أنه يستحب التحول للنافلة من موضع الفريضة، والأفضل أن يتحول إلى بيته؛ فإن فعل النوافل في البيوت أفضل، وإلا فإلى موضع في المسجد أو غيره، وفيه تكثيرٌ لمواضع السجود)) (¬2). وقد أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر، أو عن يمينه أو عن شماله في الصلاة)) يعني في السبحة (¬3). وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما الانتقال في الفرض وفي النفل كذلك: كان إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين، ثم تقدم فصلى أربعاً، وإذا كان بالمدينة ¬
6 - ترك الرواتب وغيرها إذا أقيمت المكتوبة
صلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصلِّ في المسجد فقيل له فقال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك)) (¬1). قلت: وهذا يستشهد به على تكثير مواضع السجود كما قرره شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله -. 6 - ترك الرواتب وغيرها إذا أقيمت المكتوبة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) (¬2)، ولحديث عبد الله بن مالك بن بُحينة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين، فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لاث به الناس (¬3) فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((آلصبح أربعاً، آلصبح ¬
أربعاً؟)) (¬1)؛ ولحديث عبد الله بن سرجس - رضي الله عنه - قال: دخل رجل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الغداة فصلى ركعتين في جانب المسجد ثم دخل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يا فلان بأي الصلاتين اعتددت؟ أبصلاتك وحدك أم بصلاتك معنا؟)) (¬2).وهذه الأحاديث تدل على أن المسلم إذا سمع الإقامة لا يحل له أن يدخل في صلاة تطوع سواء كانت راتبة: كسنة الفجر، والظهر، والعصر، أو غيرها، وسواء كانت في المسجد أو خارجه، وسواء خاف فوات الركعة الأولى أو لم يخف، والحجة عند التنازع السنة، فمن أدلى بها فقد أفلح (¬3)، والصحيح أن الحكمة فيه أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع فيها ¬
عقب شروع الإمام؛ فإنه إذا اشتغل بنافلة فاته الإحرام مع الإمام، وفاته بعض مكملات الفريضة، فالفريضة أولى بالمحافظة على إكمالها، وفيه حكمة أخرى: وهي النهي عن الاختلاف على الأئمة. واستُدلَّ بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) لمن قال يقطع النافلة إذا أقيمت الفريضة (¬1). وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يقطعها إذا أقيمت الصلاة وهو يصلي؛ بل يتمها خفيفة عملاً بعموم قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (¬2). وحملوا الأحاديث على من بدأ الصلاة بعد الإقامة، وقيل: إن خشي فوات الفريضة في الجماعة قطعها، وإن لم يخشَ فوات الجماعة أتمها (¬3). والصواب الذي دل عليه عموم الأحاديث أنه ¬
7 - السنة ترك الرواتب في السفر
يقطعها، وهذا صريح في حديث عبد الله بن مالك بن بحينة الذي سبق ذكره قبل أسطر (¬1)، وأصرح منه لفظه عند مسلم، قال: أقيمت صلاة الصبح، فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً والمؤذن يقيم فقال: ((أتصلي الصبح أربعاً)). وهذا الذي سمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يرجحه، ويقول: ((أما الآية الكريمة فهي عامة، والحديث خاص، والخاص يقضي على العام ولا يخالفه، كما يُعلم ذلك من أصول الفقه ومصطلح الحديث، لكن لو أقيمت الصلاة وقد ركع الركوع الثاني، أو في السجود أوفي التحيات فإنه لا حرج في إتمامها؛ لأن الصلاة قد انتهت ولم يبق منها إلا أقل من ركعة)) (¬2). وقال مرة في موضع آخر: ((لأن أقل الصلاة ركعة ولم يبق إلا أقل منها، فإتمامها لا يخالف الحديث المذكور)) (¬3). 7 - السنة ترك الرواتب في السفر إلا سنة الفجر ¬
والوتر؛ لحديث عاصم بن عمر بن الخطاب، قال صحبت ابن عمر في طريق مكة، قال: فصلى لنا الظهر ركعتين، ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله، وجلس وجلسنا معه، فحانت منه التفاتة نحو حيث صلى، فرأى ناساً قياماً، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون، قال: لو كنت مسبحاً أتممت صلاتي، يا ابن أخي إني صبحت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وقد قال الله تعالى: {لقَدْ كانَ لكُم في رسولِ الله أُسوةٌ حسَنةٌ} (¬1). أما سنة الفجر، والوتر فلا تترك لا في الحضر ولا في السفر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها في سنة الفجر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((لم يكن ¬
يدعهما أبداً)) (¬1)؛ ولحديث أبي قتادة - رضي الله عنه - في نوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في السفر عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس، وفيه: ((ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين، ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم)) (¬2). وأما سنة الوتر؛ فلحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به، يومئ إيماء صلاة الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته)). وفي لفظ: ((كان يوتر على البعير)) (¬3). قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: ((وكان تعاهده - صلى الله عليه وسلم - ومحافظته على سنة الفجر أشد من جميع النوافل، ولم يكن يدعها هي والوتر سفراً ولا حضراً ... ولم ينقل عنه في السفر أنه - صلى الله عليه وسلم - صلّى سنة راتبة غيرهما)) (¬4). ¬
وأما التطوع المطلق فمشروع في الحضر والسفر مطلقاً، مثل: صلاة الضحى، والتهجد بالليل، وجميع النوافل المطلقة، والصلوات ذوات الأسباب: كسنة الوضوء، وسنة الطواف، وصلاة الكسوف، وتحية المسجد وغير ذلك (¬1). قال الإمام النووي-رحمه الله-: ((وقد اتفق العلماء على استحباب النوافل المطلقة في السفر ... )) (¬2). ¬
النوع الثاني: الوتر
النوع الثاني: الوتر: 1 - الوتر سنة مؤكدة (¬1)؛ لحديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الوتر حقٌ على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل)) (¬2)؛ولحديث علي - رضي الله عنه - قال: ((الوتر ليس بحَتْم كصلاتكم المكتوبة، ولكن سنةٌ سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) (¬3). ¬
ومما يدل على أن الوتر ليس بحتم بل سنة مؤكدة ما ثبت من حديث طلحة بن عبيد الله، قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد ثائر الرأس، نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله عليّ من الصلاة؟ فقال: ((الصلوات الخمس إلا أن تطوَّع شيئاً)) فقال: أخبرني بما فرض الله عليّ من الصيام؟ فقال: ((شهر رمضان إلا أن تطوع شيئاً)). فقال: أخبرني بما فرض الله عليّ من الزكاة [وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة، قال: هل عليّ غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع))] فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرائع الإسلام، قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والذي أكرمك لا أتطوع شيئاً ولا أنقص مما فرض الله عليّ شيئاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفلح إن صدق، أو أُدخل الجنة إن صدق)) (¬1)؛ ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما ¬
2 - فضل الوتر
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذاً إلى اليمن وفيه: (( ... فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمسَ صلوات في اليوم والليلة ... )) (¬1). وهذان الحديثان يدلان على أن الوتر ليس بواجب، وهو مذهب جمهور العلماء (¬2)، بل هو سنة مؤكدة جداً، ولهذا لم يترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة الفجر والوتر في الحضر ولا في السفر (¬3). 2 - فضل الوتر، له فضل عظيم؛ لحديث خارجة بن حذافة العدوي، قال: خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((إن الله ¬
تعالى قد أمدكم بصلاة وهي خير لكم من حُمرِ النَّعم، وهي الوِتر، وجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر)) (¬1). ومما يدل على فضلها وتأكد سنيتها حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: أوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: ((يا أهل القرآن أوتروا فإن الله - عز وجل - وتر يحب الوتر)) (¬2). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز يقول في تقريره على هذا الحديث: ((هذا يدل على أنه ينبغي أن يكون أهل العلم لهم عناية أكثر من غيرهم وإن ¬
3 - وقت صلاة الوتر
كان مشروعاً للجميع حتى يقتدي بهم من عرف أحوالهم وأعمالهم، والوتر أقله ركعة بين العشاء والفجر، وهو سبحانه وتر يحب الوتر، ويحب ما يوافق صفاته، فهو صبور يحب الصابرين، بخلاف العزة والعظمة، فالعباد يأخذون من صفاته ما يناسب العبد من كرم وجود وإحسان)) (¬1). 3 - وقت صلاة الوتر: جميع أوقات الليل بعد صلاة العشاء على النحو الآتي: أ- وقت الوتر الشامل: ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني؛ لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بصرة الغفاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله - عز وجل - زادكم صلاة وهي الوتر، فصلُّوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر)) (¬2). فظهر من هذا الحديث أن وقت الوتر ما ¬
بين صلاة العشاء والفجر، وسواء صلى المسلم العشاء في وقتها أو صلاها مجموعة إلى المغرب جمع تقديم؛ فإن وقت الوتر يدخل من حين أن يصلي العشاء (¬1). وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة بتوكيد ذلك من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء - وهي التي يدعو الناس العتمة - إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلِّم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر وجاءه المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة)) (¬2). وقد حدد النبي - صلى الله عليه وسلم - آخر وقت الوتر، فعن أبي سعيد - رضي الله عنه - ¬
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أوتروا قبل أن تُصبحوا)). وفي رواية: ((أوتروا قبل الصبح)) (¬1). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بادروا الصبح بالوتر)) (¬2). وهذا يدل على مسابقة طلوع الفجر بالوتر بأن يوقع الوتر قبل دخوله؛ ولهذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلَّى)) (¬3). وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أدرك الصبح فلم يوتر فلا وتر له)) (¬4). ¬
ويؤكد ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا طلع الفجر فقد ذهب كلُّ صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر)) (¬1). قال الإمام الترمذي - رحمه الله -: ((وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق لايرون الوتر بعد صلاة الصبح)) (¬2). ويزيد ذلك وضوحاً فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن آخر وتره السحر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((من كل الليل قد أوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من أول الليل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السحر)) (¬3)، فظهر في جميع هذه الأحاديث أن وقت الوتر يبدأ بعد الانتهاء من صلاة العشاء، ¬
وينتهي بطلوع الفجر الثاني، ولا قول لأحد بعد قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ب- الوتر قبل النوم مستحب لمن ظن أن لا يستيقظ آخر الليل؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ((أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث [لا أدعهن حتى أموت] صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام)) (¬2)؛ ¬
ولحديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: ((أوصاني حبيبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث، لن أدعهن ما عشت، بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، وبأن لا أنام حتى أوتر)) (¬1). قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: ((وفيه استحباب تقديم الوتر على النوم، وذلك في حق من لم يثق بالاستيقاظ، ويتناول من يصلي بين النومين)) (¬2). ومما يدل على أن الأمر على حسب أحوال الأشخاص وقدراتهم ما ثبت من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: ((أيَّ حين توتر؟)) قال: أول الليل بعد العتمة، قال: ((فأنتَ يا عمر؟))، فقال: آخر الليل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أما أنت يا أبا بكر فأخذت بالوثقى، وأما أنت يا عمر فأخذت بالقوة)) (¬3). وحديث ¬
أبي قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر: ((متى توتر؟)) قال: أوتر من أول الليل، وقال لعمر: ((متى توتر؟))، فقال: آخر الليل، فقال لأبي بكر: ((أخذ هذا بالحزم))، وقال لعمر: ((أخذ هذا بالقوة)) (¬1). ج- الوتر في آخر الليل أفضل لمن وثق بالاستيقاظ؛ لحديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل؛ فإن صلاة آخر الليل مشهودة (¬2)، وذلك أفضل)). وفي رواية (( ... ومن وثق بقيام من الليل فليوتر من آخره؛ فإن قراءة آخر الليل محضورة، وذلك أفضل)) (¬3). قال الإمام النووي - رحمه ¬
الله -: ((فيه دليل صريح على أن تأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل، لمن وثق بالاستيقاظ آخر الليل، وأن من لا يثق بذلك فالتقديم له أفضل، وهذا هو الصواب، ويحمل باقي الأحاديث المطلقة على هذا التفصيل الصحيح الصريح، فمن ذلك حديث: ((أوصاني خليلي أن لا أنام إلا على وتر)). وهو محمول على من لا يثق بالاستيقاظ)) (¬1). ومما يؤكد استحباب الوتر آخر الليل ما ثبت عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأُعطيَهُ؟ من يستغفرني فأغفرَ له؟)) (¬2). وفي رواية لمسلم: ((فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر)) (¬3). وفي لفظ مسلم: (( ... هل من ¬
4 - أنواع الوتر وعدده
سائلٍ يُعْطَى؟ هل من داعٍ يُستجابُ له؟ هل من مستغفرٍ يُغْفَرُ له؟ حتى ينفجرَ الفجرُ)) (¬1). 4 - أنواع الوتر وعدده، الوتر له عدد وأنواع على النحو الآتي: أولاً: إحدى عشرة ركعة يسلِّم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة ويوتر منها بواحدة)). وفي رواية: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء - وهي التي تدعونها العتمة - إلى الفجر إحدى عشر ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة ... )) (¬2). ثانياً: ثلاث عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة؛ لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في وصف صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه: (( ... فقمت إلى جنبه عن يساره ¬
فوضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني يفتلها، فحوَّلَني فجعلني عن يمينه ثم صلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح)) (¬1). وعنه - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة)) (¬2). وعن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: ((لأرمقن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الليلة، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين، طويلتين، طويلتين، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فذلك ثلاث ¬
عشرة ركعة)) (¬1). ثالثاً: ثلاث عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر من ذلك بخمس سرداً؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها)) (¬2). رابعاً: تسع ركعات لا يجلس إلا في الثامنة ثم يأتي بالتاسعة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها وفيه: (( ... كنا نُعدُّ له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوَّك ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعناه ... )) (¬3). خامساً: سبع ركعات لا يقعد إلا في آخرهن؛ لحديث ¬
عائشة رضي الله عنها وفيه: (( ... فلما أسنَّ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذه اللحم أوتر بسبع ... )) (¬1). وفي رواية: ((لا يقعد إلا في آخرهن)) (¬2). سادساً: سبع ركعات لا يجلس إلا في السادسة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنا نُعدُّ له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ، ثم يصلي سبع ركعات، ولا يجلس فيهن إلا عند السادسة فيجلس ويذكر الله ويدعو)) (¬3). سابعاً: خمس ركعات لا يجلس إلا في آخرهن؛ لحديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ¬
((الوتر حق على كل مسلم، فمن أحبَّ أن يُوترَ بخمسٍ فليفعلْ، ومن أحبَّ أن يوتر بثلاثٍ فليفعلْ، ومن أحبَّ أن يوتر بواحدةٍ فليفعلْ)) (¬1). وقد ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها أن هذا النوع يصلَّى سرداً، لا يجلس إلا في الركعة الخامسة، وفيه: (( ... يوتر من ذلك بخمس لا يجلس إلا في آخرها)) (¬2). ثامناً: ثلاث ركعات يسلم من ركعتين ثم يوتر بواحدة؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفصل بين الشفع والوتر بتسليم يُسمعناه)) (¬3). وقد ثبت ذلك عن عبد الله بن عمر موقوفاً. فعن نافع: ((أن ¬
عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته)) (¬1). والموقوف يؤيد المرفوع. وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يقول عن الوتر بثلاث ركعات بسلامين: ((هذا هو الأفضل لمن صلى ثلاثاً، وهي أدنى الكمال)) (¬2). تاسعاً: ثلاث ركعات سرداً - رضي الله عنه - لا يجلس إلا في آخرهن؛ لحديث أبي أيوب - رضي الله عنه - وفيه: ((ومن أحبَّ أن يوتر بثلاثٍ فليفعلْ)) (¬3)؛ ولحديث أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الوتر بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، وفي الركعة الثانية بـ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي الركعة الثالثة بـ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}، ولا يسلِّم إلا في آخرهن، ¬
ويقول بعد التسليم: ((سبحان الملك القدوس)) ثلاثاً (¬1). لكن يصلي ثلاثاً سرداً يتشهد تشهداً واحداً في آخرهن؛ لأنه لو جعلها بتشهدين لأشبهت صلاة المغرب (¬2)، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تشبَّه بصلاة المغرب (¬3)، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا توتروا بثلاث، أوتروا بخمس، أو بسبع، ولا تشبَّهوا بصلاة المغرب)) (¬4). وقد جمع الحافظ ابن حجر - رحمه الله - بين أحاديث وآثار جواز الإيتار بحملها على أنها متصلة بتشهد واحد في ¬
آخرها، وأحاديث النهي عن الإيتار بثلاث بحملها على أنها بتشهدين لمشابهة ذلك لصلاة المغرب (¬1). ومما يدل على الإيتار بثلاث حديث القاسم عن عبد الله بن عمر قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة واحدة توتر لك ما صليت)). قال القاسم: ((ورأينا أناساً منذ أدركنا يوترون بثلاث، وإنَّ كلاً لواسعٌ، وأرجو أن لا يكون بشيء منه بأس)) (¬2). عاشراً: ركعة واحدة؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الوتر ركعة من آخر الليل)) (¬3)؛ وعن أبي مجلزٍ قال: سألت ابن عباس عن الوتر؟ فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ركعة من آخر الليل))، وسألت ابن عمر فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ¬
5 - القراءة في الوتر
((ركعة من آخر الليل)) (¬1). وذكر الإمام النووي - رحمه الله -: أن هذا دليل على صحة الإيتار بركعة وعلى استحبابه آخر الليل (¬2). وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يقول: ((لكن كلما زاد فهو أفضل فإذا اقتصر على واحدة فلا كراهة ... )) (¬3). ومما يدل على الإيتار بركعة واحدة، حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - وفيه: (( ... ومن أحب أن يوتر بواحدةٍ فليفعلْ ... )) (¬4). 5 - القراءة في الوتر، يقرأ في الوتر في الركعة الأولى: بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، وفي الركعة الثانية بـ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي الثالثة بـ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}؛ لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ ¬
في الوتر بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} في ركعة ركعة)) (¬1)، قال الترمذي - رحمه الله -: ((يقرأ في كل ركعة من ذلك بسورة)) (¬2). ¬
6 - القنوت في الوتر
6 - القنوت في الوتر (¬1)، يقنت في الوتر؛ لحديث الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولها في [قنوت] الوتر: ((اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت؛ فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذلّ من واليت [ولا يعز من عاديت] (¬2) [سبحانك] (¬3) تباركت ربنا وتعاليت)) (¬4). ¬
7 - موضع دعاء القنوت
ب- وقد ثبت عن علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في آخر وتره: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)) (¬1). وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين (¬2). 7 - مَوضِعُ دعاء القنوت قبل الركوع وبعده؛ لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قنت قبل الركوع، وثبت أنه قنت بعد الركوع، فهذا مشروع وهذا مشروع، والأفضل ¬
القنوت بعد الركوع؛ لأنه الأكثر في الأحاديث (¬1)، والقنوت في الوتر سنة (¬2)، ومما يدل على موضع القنوت ¬
ومحله المشروع حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال حينما سُئل عن القنوت قبل الركوع أو بعده؟ قال: ((قبل الركوع ... ))، ثم قال: ((إنما قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الركوع شهراً يدعو على أحياء من بني سُليم)) (¬1). وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه: ((سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد))، ثم يقول وهو قائم: ((اللهم أنج الوليد بن الوليد ... )) (¬2). وحديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: ((قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهراً متتابعاً في الظهر والعصر، والمغرب، والعشاء، وصلاة الصبح، في دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن ¬
8 - رفع اليدين في دعاء القنوت وتأمين المأمومين
حمده من الركعة الأخيرة، يدعو على أحياء من بني سُليم، على رِعْلٍ وذكوان، وعُصية، ويؤمِّنُ مَنْ خَلفَه)) (¬1). وحديث أُبي بن كعب - رضي الله عنه -: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر فيقنت قبل الركوع)) (¬2). وحديث أنس - رضي الله عنه - وقد سُئل عن القنوت في صلاة الصبح فقال: ((كنا نقنت قبل الركوع وبعده)) (¬3). 8 - رفع اليدين في دعاء القنوت وتأمين المأمومين؛ لعموم حديث سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن ربكم تبارك وتعالى حييٌّ كريم يستحي من عبده إذا ¬
رفع يديه أن يردَّهما صفراً)) (¬1)؛ ولأنه صح عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فعن أبي رافع قال: ((صليت خلف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقنت بعد الركوع ورفع يديه وجهر بالدعاء)) (¬2). وعن أنس - رضي الله عنه - في قصة القرَّاء الذين قُتِلوا - رضي الله عنهم - قال: ((لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما صلى الغداة رفع يديه يدعو عليهم - يعني على الذين قتلوهم)) (¬3). وذكر البيهقي - رحمه الله - أن عدداً من الصحابة رفعوا أيديهم في القنوت (¬4)، أما تأمين المأمومين على قنوت الإمام، ففي ¬
9 - آخر صلاة الليل الوتر
حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (( ... إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة يدعو على أحياء من بني سُليم على رعلٍ وذكوان، وعصية، ويؤمِّن مَن خلفه)) (¬1). 9 - آخر صلاة الليل الوتر؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) (¬2). وفي رواية لمسلم: ((من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وتراً [قبل الصبح]، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بذلك)) (¬3). 10 - الدعاء بعد السلام من صلاة الوتر؛ يقول بعد التسليم: ((سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح))؛ لحديث أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بثلاث ¬
11 - لا وتران في ليلة ولا ينقض الوتر
ركعات، كان يقرأ في الأولى بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، وفي الثانية بـ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي الثالثة بـ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}، ويقنت قبل الركوع، فإذا فرغ قال عند فراغه: ((سبحان الملك القدوس)) ثلاث مرات، يمد بها صوته في الأخيرة يقول: (([رب الملائكة والروح])) (¬1). 11 - لا وتران في ليلة ولا يُنقض الوتر؛ لحديث طلق بن علي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا وتران في ليلةٍ)) (¬2)؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي ركعتين بعدما يوتر (¬3)، فإذا أوتر المسلم أول الليل ثم نام، ثم يسَّر الله له القيام ¬
12 - إيقاظ الأهل لصلاة الوتر مشروع
من آخر الليل، فإنه يصلي مثنى مثنى ولا ينقض وتره بل يكتفي بوتره السابق (¬1). 12 - إيقاظ الأهل لصلاة الوتر مشروع؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل وأنا معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت)). وفي لفظ لمسلم: ((كان يصلي صلاته من الليل وهي معترضة بين يديه، فإذا بقي الوتر أيقظها فأوترت)). وفي لفظ آخر لمسلم: ((فإذا أوتر قال: ((قومي فأوتري يا عائشة)) (¬2). قال الإمام النووي - رحمه الله -: ((فيه أنه يستحب جعل الوتر آخر الليل سواء كان للإنسان تهجد ¬
13 - قضاء الوتر لمن فاته
أم لا، إذا وثق بالاستيقاظ آخر الليل إما بنفسه وإما بإيقاظ غيره، وأن الأمر بالنوم على وتر إنما هو في حق من لم يثق)) (¬1). 13 - قضاء الوتر لمن فاته؛ لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: (( ... وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صلى ليلة إلى الصبح، ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان ... )) (¬2). وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل)) (¬3). ¬
14 - دعاء القنوت في النوازل في الصلاة المفروضة
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من نام عن الوتر أو نسيه فليصلِّ إذا أصبح أو ذكره)) (¬1). فالأفضل أن يقضي الوتر إذا نام عنه أو نسيه، من النهار بعد ارتفاع الشمس شفعاً على حسب عادته، فإن كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة صلى في النهار اثنتي عشرة ركعة، وإن كان يصلي تسع ركعات صلى عشر ركعات، وهكذا. 14 - دعاء القنوت في النوازل في الصلاة المفروضة، قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قنت عند النازلة شهراً يدعو على ¬
قوم، وثبت أنه قنت يدعو لقوم مستضعفين من أصحابه كانوا مأسورين عند أقوام يمنعونهم من الهجرة، فلما زال السبب ترك القنوت، ولم يداوم النبي - صلى الله عليه وسلم - على القنوت في شيء من الصلوات المفروضة: لا الفجر، ولا غيرها، وكذلك خلفاؤه الراشدون كانوا يقنتون نحو هذا القنوت، فما كانوا يداومون عليه، ولكن إذا زال السبب تركوا القنوت، فالسنة القنوت عند النوازل ويُدعى فيها بما يناسب الحال من الدعاء لقوم أو عليهم، أو بما يناسب النازلة (¬1). وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قنت في الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء؛ لكن القنوت في الفجر والمغرب آكد (¬2)، فلما زال السبب ترك القنوت، لزوال سببه، حتى في الفجر، وهذا يؤكد أن دعاء القنوت في ¬
الفجر على الدوام في غير النوازل بدعة (¬1). ويدل على ما تقدم من مشروعية القنوت في النوازل الأحاديث الآتية: الحديث الأول: حديث أنس - رضي الله عنه - قال: ((قنت النبي - صلى الله عليه وسلم - شهراً يدعو على رعلٍ وذكوان)) (¬2). وفي لفظ لمسلم: ((دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين ¬
صباحاً ... )). وفي لفظ له: ((ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجد على سرية ما وجد على السبعين الذين أصيبوا يوم بئر معونة، كانوا يُدعَوْن القرَّاء فمكث شهراً يدعو على قَتَلَتِهِم)) (¬1). الحديث الثاني: حديث خفاف بن إيماء الغفاري - رضي الله عنه - قال: ((ركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم رفع رأسه فقال: ((غِفارُ غفَرَ الله لها، وأسلم سالمها الله، وعُصيَةُ عَصَتِ الله ورسوله، اللهم العن بني لحيان، والعن رِعلاً وذكوان))، ثم وقع ساجداً)) (¬2). الحديث الثالث: حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: ((قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصبح والمغرب)) (¬3). الحديث الرابع: حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ((كان ¬
القنوت في المغرب والفجر)) (¬1). الحديث الخامس: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ((والله لأقرِّبنَّ بكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخرى من صلاة الظهر، وصلاة العشاء، وصلاة الصبح بعدما يقول: سمع الله لمن حمده، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار)) (¬2). الحديث السادس: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهراً متتابعاً في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وصلاة الصبح، في دبُر كل صلاة إذا قال: ((سمع الله لمن حمده)) من الركعة الآخرة يدعو على أحياء من بني سُليم، على رِعلٍ وذكوان، وعصيّة، ويؤمِّن مَن خلفه)) (¬3). ¬
الحديث السابع: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت بعد الركعة في صلاةٍ شهراً، إذا قال: ((سمع الله لمن حمده)) يقول في قنوته: ((اللهم أنجِ الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مُضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف))، قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: ((ثم رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الدعاء بعدُ، فقلت: أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ترك الدعاء لهم؟ قال: فقيل: وما تراهم قد قدموا؟)) (¬1). وفي رواية للبخاري: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يدعوَ على أحدٍ، أو يدعو لأحدٍ قنت بعد الركوع ... )) (¬2). وفي لفظ لمسلم: ((إن ذلك في صلاة الفجر)) (¬3). وفي لفظ للبخاري: ((بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي العشاء)) (¬4). ¬
الخبر الثامن: خبر عمر موقوفاً، فعن عبد الرحمن بن أبزى، قال: صليت خلف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صلاة الصبح، فسمعته يقول بعد القراءة قبل الركوع: ((اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفِدُ، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك بالكافرين مُلحقٌ، اللهم إنا نستعينك، ونستغفرك، ونثني عليك الخير، ولا نكفرك، ونؤمن بك، ونخضع لك، ونخلع من يكفر)) (¬1). وفي رواية أخرى أنه قنت بعد الركوع ورفع يديه وجهر بالدعاء (¬2). الحديث التاسع: حديث سعد بن طارق الأشجعي - رضي الله عنه - قال: ((قلت لأبي: يا أبتِ إنك قد صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي بن أبي طالب هاهنا بالكوفة نحواً من خمس سنين، أفكانوا يقنتون في ¬
الفجر؟ قال: أي بُنيَّ محدثٌ)) (¬1). فالقنوت في الفجر لا يكون إلا في النوازل. فظهر من جميع الأحاديث السابقة: أن القنوت في النوازل سُنَّة، وأنه يكون في الصلوات الخمس، ولكن في صلاة المغرب والفجر آكد، وأن الأفضل أن يكون القنوت بعد الرفع من الركوع، وأن الأفضل أن يرفع يديه ويجهر بالدعاء، ويؤمِّن مَن خلف الإمام، وأن القنوت في الفجر في غير النوازل بدعة (¬2)؛ لحديث سعد بن طارق - رضي الله عنه - وفيه: ((أي بني محدث)) (¬3)، فسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬
النوع الثالث: صلاة الضحى
وخلفائه الراشدين تدل على شيئين: الأول: أن دعاء القنوت في النوازل مشروع عند السبب الذي يقتضيه، وليس بسنة دائمة في الصلاة. الثاني: أن الدعاء فيه ليس دعاءً راتباً محدداً؛ بل يدعو في كل وقت ونازلة بما يناسب ذلك الوقت أو النازلة؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه - رضي الله عنهم - (¬1). النوع الثالث: صلاة الضحى: 1 - صلاة الضحى سنة مؤكدة (¬2)؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلها وأرشد إليها أصحابه، وأوصى بها، والوصية لرجل واحد وصية للأمة كلها إلا إذا دلَّ الدليل على اختصاصه بها؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ((أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث [لا أدعهن حتى أموت]: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، ¬
وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام)) (¬1)؛ ولحديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: ((أوصاني حبيبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث لن أدعهن ما عشت، بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، وبأن لا أنام حتى أوتر)) (¬2). وسمعت سماحة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يقول: ((هذان الحديثان الصحيحان حجة قائمة للدلالة على شرعية سنة الضحى وأنها سنة مؤكدة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - إذا أوصى بشيء فوصيته للأمة وليست خاصة بذلك الشخص، وهكذا إذا أمر أو نهى، فالحكم عام، إلا أن يخصه بشيء فيقول: هذا لك خاصة، وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - ما فعلها دائماً لا ينافي سنيتها، فقد يفعل الشيء لبيان سنيته، وقد يتركه لبيان عدم وجوبه)) (¬3). وقد رجح النووي - رحمه الله - أن سنة الضحى سنة مؤكدة بعد أن ذكر الأحاديث في ذلك، قال: ((هذه ¬
الأحاديث كلها متفقة لا اختلاف بينها عند أهل التحقيق، وحاصلها أن [سنة] الضحى سنة مؤكدة ... )) (¬1). فالصواب أن المواظبة عليها سنة مؤكدة (¬2)؛ لوصية ¬
2 - فضل صلاة الضحى
النبي - صلى الله عليه وسلم - بها، ولبيانه لفضلها، وقد صلاها - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث عائشة رضي الله عنها حينما سُئلت كم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاة الضحى؟ قالت: ((أربع ركعات ويزيد ما شاء الله)). وفي رواية: ((ما شاء)) (¬1). 2 - فضل صلاة الضحى ثابت في الأحاديث الصحيحة؛ للأحاديث الآتية: الأول: حديث أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يصبح على كل سُلامَى (¬2) من أحدكم صدقة: فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)) (¬3). الثاني: حديث بريدة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً فعليه أن ¬
يتصدق عن كل مفصل بصدقة))، قالوا: ومن يطيق ذلك يا نبي الله؟ قال: ((النخاعةُ في المسجد تدفنها، والشيء تنحِّيه عن الطريق، فإن لم تجد فركعتا الضحى تُجزئُك)) (¬1). ومما يدل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها ترفعه: ((إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل ... )) (¬2). الثالث: حديث نعيم بن همار، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يقول الله - عز وجل -: يا ابن آدم لا تُعجزْني (¬3) من أربع ركعات في أول النهار أكْفِكَ آخره)) (¬4). الرابع: حديث أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما عن ¬
3 - وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قيد رمح
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عن الله - تبارك وتعالى - أنه قال: ((ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره)) (¬1). الخامس: حديث أنس - رضي الله عنه - في فضل صلاة الضحى لمن جلس في المسجد بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلَّى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة، تامةٍ، تامةٍ، تامة)) (¬2). وقد صح في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حَسَناً)) (¬3). 3 - وقت صلاة الضحى، من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى قبل وقوف الشمس في كبد السماء قبل الزوال، ¬
4 - عدد ركعات سنة الضحى لا حد له على الصحيح
والأفضل أن تُصلَّى بعد اشتداد الحر؛ لحديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((صلاة الأوَّابين حين تَرمَض الفصال)) (¬1).وفي لفظ: ((صلاة الأوَّابين إذا رمضت الفصال)) (¬2)، فمن صلاها بعد ارتفاع الشمس قدر رمح فلا بأس، ومن صلاها بعد اشتداد الحر قبل وقت النهي فهو أفضل (¬3). 4 - عدد ركعات سنة الضحى لا حدّ له على الصحيح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((أوصى بركعتي الضحى، وبيَّن فضلهما)) (¬4)، وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله)) (¬5). ¬
وقد روي عن جابر وأنس رضي الله عنهما ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى الضحى ست ركعات)) (¬1)، وثبت عن أمِّ هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في بيتها يوم فتح مكة ثمان ركعات بعدما ارتفع النهار، قالت: ((فما رأيته صلَّى صلاة أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود)) (¬2). وقد دل حديث عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - أن صلاة الضحى لا حد لأكثرها، وفيه: (( ... صلِّ صلاة الصبح ثم أقصِر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار، ثم صلِّ فإن الصلاة مشهودة محضورة (¬3) حتى يستقلّ الظل بالرمح، ¬
القسم الثاني: ما تسن له الجماعة ومنه صلاة التراويح
ثم أقصر عن الصلاة فإنَّ حينئذٍ تسجر جهنم ... )) (¬1). وفي سنن أبي داود: (( ... ثم أقصر حتى تطلع الشمس فترتفع قيد رمح أو رمحين)) (¬2)، وفي لفظ لأحمد: ((فإذا ارتفعت قيد رمح أو رمحين فصلِّ ... )) (¬3). القسم الثاني: ما تسن له الجماعة ومنه صلاة التراويح: 1 - مفهوم صلاة التراويح: سميت بذلك؛ لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات)) (¬4). والتراويح: هي قيام رمضان أول الليل (¬5)، ويقال: الترويحة في شهر رمضان؛ لأنهم كانوا يستريحون بين كل تسليمتين، بناءً على حديث عائشة رضي الله عنها أنها سُئلت: كيف كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان؟ قالت: ما ¬
2 - صلاة التراويح سنة مؤكدة
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة: يصلي أربعاً فلا تسأل عن حُسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهنّ، ثم يصلي ثلاثاً ... )) (¬1). ودل قولها رضي الله عنها: ((يصلي أربعاً ... ثم يصلي أربعاً ... )) على أن هناك فصلاً بين الأربع الأولى والأربع الثانية، والثلاث الأخيرة، ويسلم في الأربع من كل ركعتين (¬2)؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة)). وفي لفظ: ((يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة)) (¬3). وهذا يفسر الحديث الأول، وأنه - صلى الله عليه وسلم - يسلم من كل ركعتين، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) (¬4). 2 - صلاة التراويح سنة مؤكدة، سنَّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬
3 - فضل صلاة التراويح
بقوله، وفعله، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرغِّبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه)) (¬1)، قال الإمام النووي - رحمه الله -: ((اتفق العلماء على استحبابها)) (¬2)، ولا شك أن صلاة التراويح سنة مؤكدة أول من سنها بقوله وفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). 3 - فضل صلاة التراويح ثبت من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه)) (¬4). فإذا قام المسلم رمضان تصديقاً بأنه حق شرعه الله وتصديقاً بما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به، واحتساباً للثواب يرجو الله مخلصاً له القيام ابتغاء مرضاته وغفرانه حصل له هذا ¬
4 - مشروعية الجماعة في صلاة التراويح
الثواب العظيم (¬1). 4 - مشروعية الجماعة في صلاة التراويح وقيام رمضان وملازمة الإمام حتى ينصرف؛ لحديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: صمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلنا: يا رسول الله، لو نفَّلتنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: ((إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب الله له قيام ليلة))، وفي لفظ: ((كُتبَ له قيام ليلة))،فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله، ونساءه، والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال، قلت: ما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر)) (¬2)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج ¬
ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدَّثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم، فخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الليلة الثانية فصلوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطفق (¬1) رجال منهم يقولون: الصلاة، فلم يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، ثم تشهَّد، فقال: ((أما بعد، فإنه لم يخف عليَّ شأنكم، ولكني خشيت أن تُفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها))، وذلك في رمضان)) (¬2). ¬
وعن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريّ أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ليلةً في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: ((إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل))، ثم عزم فجمعهم على أُبي بن كعب، ثم خرج معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: ((نعم البدعةُ هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله)) (¬1). وهذه الأحاديث تدلّ على مشروعية صلاة التراويح وقيام رمضان جماعة بالمسجد، وأن من لازم الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة كاملة. وأما قول عمر - رضي الله عنه -: ((نعم البدعة هذه)) فهذا يعني به في اللغة، فمراده - رضي الله عنه - أن هذا الفعل لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت، ولكن له أصول من الشريعة يرجع ¬
5 - الاجتهاد في قيام عشر شهر رمضان الأواخر
إليها، منها: أ- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحثّ على قيام رمضان، ورغَّب فيه، وقد صلّى بأصحابه في رمضان غير ليلة ثم امتنع من ذلك معللاً بأنه خشي أن يكتب عليهم فيعجزوا عن القيام، وهذا قد أُمِنَ من بعده - صلى الله عليه وسلم -. ب- أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - باتباع خلفائه الراشدين، وهذا قد صار من سنة خلفائه الراشدين - رضي الله عنه - (¬1). وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يقول عن قول عمر - رضي الله عنه -: ((نعم البدعة هذه)): ((البدعة هنا يعني من حيث اللغة، والمعنى أنهم أحدثوها على غير مثال سابق بالمداومة عليها في رمضان كله، وهذا وجهُ قول عمر - رضي الله عنه - وإلا فهي سنة فعلها - صلى الله عليه وسلم - ليالي)) (¬2). 5 - الاجتهاد في قيام عشر شهر رمضان الأواخر؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من صام رمضان ¬
إيماناً واحتساباً، غُفِر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدم من ذنبه)) (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيى الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ، وشدَّ المئزر (¬2) (¬3). وعنها رضي الله عنها - قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره)) (¬4). وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: ((قمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل الأول، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح. وكانوا ¬
6 - وقت صلاة التراويح بعد صلاة العشاء
يسمونه السحور)) (¬1). وفي حديث أبي ذر - رضي الله عنه -: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كانت ليلة سبع وعشرين جمع أهله ونساءه والناس فقام بهم)) (¬2). 6 - وقت صلاة التراويح بعد صلاة العشاء مع سنتها الراتبة، ثم تصلى صلاة التراويح بعد ذلك (¬3). 7 - عدد صلاة التراويح ليس له تحديد لا يجوز غيره، وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خَشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة تُوتِرُ له ما قد صلّى)) (¬4). فلو صلى عشرين ركعة وأوتر بثلاث، أو صلى ستاً وثلاثين وأوتر بثلاث، أو صلى إحدى وأربعين فلا حرج (¬5)، ولكن الأفضل ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ثلاث ¬
القسم الثالث: التطوع المطلق
عشرة ركعة، أو إحدى عشرة ركعة، لحديث ابن عباسرضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة)) (¬1)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة)) (¬2)، فهذا هو الأفضل والأكمل في الثواب (¬3)، ولو صلى بأكثر من ذلك فلا حرج لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الليل مثنى منثى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)) (¬4). والأمر واسع في ذلك، لكن الأفضل إحدى عشرة ركعة، والله الموفق سبحانه (¬5). القسم الثالث: التطوع المطلق التطوع المطلق مشروع في الليل كله والنهار إلا ¬
النوع الأول: التهجد بالليل
أوقات النهي وهو نوعان: النوع الأول: التهجد بالليل: أولاً: مفهوم التهجد، يقال: هجد الرجل إذا نام بالليل، وهجد إذا صلى بالليل. وأما المتهجِّد فهو القائم إلى الصلاة من النوم (¬1). ثانياً: صلاة التهجد سنة مؤكدة (¬2)، ثابتة بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة، قال الله - عز وجل - في صفة عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (¬3). وقال - عز وجل - في صفة المتقين: {كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (¬4) وقال تعالى في أصحاب الإيمان الكامل: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ¬
مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬1). وقال سبحانه: {يَتْلُونَ آيَاتِ الله آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} (¬2). وقال - سبحانه وتعالى -: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} (¬3) ووصف الله - عز وجل - أهل الإيمان الكامل الذين يقومون بالليل بالعلم، ورفع مكانتهم على غيرهم، فقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} (¬4)؛ ولعظم شأن صلاة الليل قال الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} (¬5). وقال سبحانه للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} (¬6)، وقال - عز وجل -: {إِنَّا ¬
ثالثا: فضل قيام الليل عظيم
نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلا * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا} (¬1).وقال - سبحانه وتعالى -: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُود} (¬2). وقال - عز وجل -: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُوم} (¬3)، وحث عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) (¬4). ثالثاً: فضل قيام الليل عظيم؛ للأمور الآتية: 1 - عناية النبي - صلى الله عليه وسلم - بقيام الليل حتى تفطرت قدماه، فقد كان يجتهد في القيام اجتهاداً عظيماً، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم من الليل حتى تتفطَّر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنعُ هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدَّمَ من ذنبك وما تأخر؟ قال: ((أفلا أحبُّ أن أكون ¬
2 - من أعظم أسباب دخول الجنة
عبداً شكُوراً)) (¬1)، وعن المغيرة - رضي الله عنه - قال: ((قام النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى تورَّمت قدماه، فقيل له: غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً)) (¬2). وقد أحسن القائل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشق معروف من الفجر ساطع يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالكافرين المضاجع (¬3) 2 - من أعظم أسباب دخول الجنة، فعن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قال: لما قَدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة انجفل الناس قِبَلَهُ، وقيل: قدِم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قدم رسول ¬
3 - قيام الليل من أسباب رفع الدرجات
الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثاً، فجئت في الناس، لأنظر، فلما تبيَّنتُ وجْهَهُ عرفتُ أن وجهه ليس بوجه كذَّاب، فكان أول شيء سمعتُه تكلَّم به أن قال: ((يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناسُ نيام، تدخلوا الجنة بسلام)) (¬1). وقد أحسن القائل حين قال: ألهتك لذةُ نومةٍ عن خير عيشٍٍ ... مع الخيرات في غرف الجنان تعيش مخلداً لا موت فيها ... وتنعم في الجنان مع الحسان تيقظ من منامك إنَّ خيراً ... من النوم التهجدُ بالقران (¬2) 3 - قيام الليل من أسباب رفع الدرجات في غرف ¬
4 - المحافظون على قيام الليل محسنون
الجنة؛ لحديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن في الجنة غُرفاً يُرى ظاهرُها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدَّها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألانَ الكلام، وتابع الصيام (¬1)، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام)) (¬2). 4 - المحافظون على قيام الليل محسنون مستحقون لرحمة الله وجنته؛ لأنهم {كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (¬3). 5 - مدح الله أهل قيام الليل في جملة عباده الأبرار عباد الرحمن، فقال - عز وجل -: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (¬4). ¬
6 - شهد لهم بالإيمان الكامل
6 - شهد لهم بالإيمان الكامل فقال سبحانه: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (¬1). 7 - نفى الله التسوية بينهم وبين غيرهم ممن لم يتصف بوصفهم، فقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} (¬2). 8 - قيام الليل مكفِّر للسيئات ومنهاة للآثام، لحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قُربة إلى ربكم، ومكفِّر للسيئات، ومنهاة للآثام)) (¬3). ¬
9 - قيام الليل أفضل الصلاة بعد الفريضة
9 - قيام الليل أفضل الصلاة بعد الفريضة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه، وفيه: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل)) (¬1). 10 - شرف المؤمن قيام الليل؛ لحديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحببْ من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به)) ثم قال: ((يا محمد شرف المؤمن قيام الليل، وعزُّه استغناؤه عن الناس)) (¬2). 11 - قيام الليل يُغْبَطُ عليه صاحبه؛ لعظيم ثوابه، فهو ¬
12 - قراءة القرآن في قيام الليل غنيمة عظيمة
خير من الدنيا وما فيها؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)) (¬1)؛ ولحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلَّطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلِّمها)) (¬2). 12 - قراءة القرآن في قيام الليل غنيمة عظيمة؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين (¬3) (¬4). ¬
رابعا: أفضل أوقات قيام الليل الثلث الأخير
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ثلاث خَلِفاتٍ عظام سمانٍ؟)) قلنا: نعم، قال: ((ثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفات عظام سمان)) (¬1). وقد حدد النبي - صلى الله عليه وسلم - أقصى مدة وأدنى زمن يُختم فيه القرآن لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عندما سأله، فقال له: ((في أربعين يوماً))،ثم قال: ((في شهر))، ثم قال: ((في خمس عشرة)) ثم قال: ((في عشر))، ثم قال: ((في سبع)) (¬2). قال: إني أقوى من ذلك، قال: ((لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث)) (¬3). رابعاً: أفضل أوقات قيام الليل الثلث الأخير، وصلاة ¬
الليل تجوز في أوله، وأوسطه، وآخره؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه، ويصوم حتى نظن أن لا يفطر، وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصلياً إلا رأيته، ولا نائماً إلا رأيته)) (¬1). وهذا يدل على التيسير، فعلى حسب ما تيسر للمسلم يقوم، ولكن الأفضل أن يكون القيام في الثلث الآخر من الليل؛ لحديث عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((أقرب ما يكون الربُّ من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن)) (¬2). ومما يزيد ذلك وضوحاً حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ¬
فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ [فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر])) (¬1). وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن في الليل لساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة)) (¬2). وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((أحبُّ الصلاة إلى الله صلاةُ داود عليه السلام، وأحبُّ الصيام إلى الله صيامُ داود، وكان ينام نصفَ الليل، ويقوم ثلثَه، وينام سُدسَه، ويصوم يوماً ويُفطر يوماً، ولا يفرُّ إذا لاقى)) (¬3). وعن عائشة رضي الله عنها قالت حينما سُئلت: أي العمل كان أحبَّ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: الدائم، قلت: متى ¬
خامسا: عدد ركعات قيام الليل ليس له عدد مخصوص
كان يقوم؟ قالت: كان يقوم إذا سمع الصارخ (¬1). وفي حديثها الآخر رضي الله عنها: ((إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليوقظه الله من الليل فما يجيء السَّحر حتى يفرغ من حزبه)) (¬2). خامساً: عدد ركعات قيام الليل، ليس له عددٌ مخصوص؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)) (¬3). ولكن الأفضل أن يقتصر على إحدى عشرة ركعة؛ أو ثلاث عشرة ركعة، لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلِّم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة)) (¬4)؛ ولحديثها الآخر: ((ما كان ¬
سادسا: آداب قيام الليل
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة)) (¬1). سادساً: آداب قيام الليل: 1 - ينوي عند نومه قيام الليل وينوي بنومه التَّقوِّي على الطاعة ليحصل على الثواب على نومه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته، وكان نومُه صدقةً عليه)) (¬2)؛ ولحديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبتْهُ عيناه حتى أصبح، كُتبَ له ما نوى، وكان نومُهُ صدقةً عليه من ربه - عز وجل -)) (¬3). ¬
2 - يمسح النوم عن وجهه عند الاستيقاظ، ويذكر الله
2 - يمسح النوم عن وجهه عند الاستيقاظ، ويذكر الله، ويشوص فاه بالسواك ويقول: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ربِّ اغفر لي))؛لحديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب [له] (¬1)) (¬2). وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( ... استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ ¬
3 - يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين
العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران ... )) (¬1)، وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك)) (¬2)، ويقول أذكار الاستيقاظ من النوم الأخرى (¬3)، ويتوضأ كما أمره الله تعالى. 3 - يفتتح تهجّدَه بركعتين خفيفتين؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين)) (¬4)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين)) (¬5). 4 - يُستحبُّ أن يكون تهجدُه في بيته؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتهجَّد في بيته؛ ولحديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬
5 - المداومة على قيام الليل وعدم قطعه
قال: (( ... فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) (¬1). 5 - المداومة على قيام الليل وعدم قطعه، يُستحب أن يكون للمسلم ركعات معلومة يداوم عليها، فإذا نشط طوَّلها وإذا لم ينشط خفَّفها، وإذا فاتته قضاها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يملُّ حتى تملّوا)) وكان يقول: ((أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قلّ)) (¬2)؛ ولحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل)) (¬3)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (( ... وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى صلاة أحبّ أن يداوم عليها، وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي ¬
6 - إذا غلبه النعاس ينبغي له أن يترك الصلاة وينام حتى يذهب عنه النوم
عشرة ركعة)) (¬1)، ولحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كُتِبَ له كأنما قرأه من الليل)) (¬2). 6 - إذا غلبه النعاس ينبغي له أن يترك الصلاة وينام حتى يذهب عنه النوم؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا نعس أحدُكم في الصلاة فليرقدْ حتى يذهب عنه النوم؛ فإن أحدَكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسبّ نفسه)) (¬3)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: ((إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدرِ ما يقول فليضطجع)) (¬4). 7 - يُستحب له أن يوقظ أهله؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي من الليل فإذا أوتر قال لعائشة رضي الله عنها: ((قومي ¬
فأوتري يا عائشة)) (¬1)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، ثم أيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلَّت، ثم أيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)) (¬2). وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين كُتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات)) (¬3). وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طرقه وفاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلةً فقال: ((ألا تصليان؟)) فقلت: يا رسول ¬
الله، إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قلت له ذلك، ولم يرجع إليَّ شيئاً، ثم سمعته وهو مدبرٌ يضرب فخذه ويقول: {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} (¬1). قال ابن بطال - رحمه الله -: ((فيه فضيلة صلاة الليل، وإيقاظ النائمين من الأهل والقرابة لذلك)) (¬2)، وقال الطبري - رحمه الله -: ((لولا ما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - من عِظَمِ فضل الصلاة في الليل ما كان يُزعج ابنَتَه وابنَ عمه، في وقت جعله الله لخلقه سكناً، لكنه اختار لهما إحراز تلك الفضيلة على الدَّعة والسكون، امتثالاً لقول الله تعالى (¬3): {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} (¬4). وقول علي - رضي الله عنه -: ((إنما أنفسنا بيد ¬
الله)) اقتبس علي - رضي الله عنه - ذلك من قوله تعالى: {الله يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬1)، وقوله ((بعثنا)) المقصود: أيقظنا (¬2)، وقوله: ((طرقه))، ذكر النووي - رحمه الله - أن الطرق هو الإتيان في الليل، وأن ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - لفخذه المختار في معناه: أنه من سرعة جوابه وعدم موافقته به على الاعتذار، ولهذا ضرب فخذه، والحديث فيه: الحث على صلاة الليل، وأمر الإنسان صاحبه بها، وتعهد الإمام والكبير رعيته، بالنظر في مصالح دينهم ودنياهم، وأنه ينبغي للناصح إذا لم تقبل نصيحته أو اعتذر إليه بما لا يرتضيه أن ينكف ولا يُعنِّف إلا لمصلحة (¬3). وعن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فزعاً، فقال: ((سبحان الله ماذا أنزل الله ¬
من الخزائن؟ وماذا أُنزِل من الفتن؟ أيقظوا صواحب الحُجرات - يريد أزواجه - لكي يصلين، رُبَّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)). وفي لفظ: ((ماذا أنزل الليلة؟)) (¬1). قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: (( ... فيه التحريض على صلاة الليل وعدم الإيجاب، يُؤخذ من ترك إلزامهن بذلك)) (¬2). وفي الحديث استحباب ذكر الله عند الاستيقاظ، وإيقاظ الرجل أهله بالليل للعبادة، لا سيما عند آية تَحدُثُ (¬3)، قال ابن الأثير - رحمه الله -: ((رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)) هذا كناية عما يقدمه الإنسان لنفسه من الأعمال الصالحة، يقول: ((رُبَّ غني في الدنيا لا يفعل خيراً، وهو فقير في الآخرة، ورُبَّ ¬
8 - يقرأ المتهجد جزءا من القرآن أو أكثر
مكتسٍ في الدنيا ذي ثروة ونعمة عارٍ في الآخرة شقيٌّ)) (¬1). وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -، أن أباه عمر بن الخطاب كان يصلي من الليل ما شاء الله، حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله للصلاة، يقول لهم: الصلاة الصلاة، ثم يتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} (¬2). 8 - يقرأ المتهجد جزءاً من القرآن أو أكثر، أو أقل على حسب ما تيسر مع التدبر لما يقرأ، وهو مُخيَّر بين الجهر بالقراءة والإسرار بها، إلا أنه إن كان الجهر أنشط له في القراءة، أو كان بحضرته من يستمع قراءته، أو ينتفع بها فالجهر أفضل، وإن كان قريباً منه من يتهجد، أو من يتضرر برفع صوته، فالإسرار أولى، وإن لم يكن لا هذا ¬
ولا هذا، فليفعل ما شاء (¬1). وقد دلت الأحاديث على هذا كله، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ((صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فأطال حتى هممت بأمر سوءٍ، قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه)) (¬2). وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: ((صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً، إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوُّذٍ تعوَّذ ... )) (¬3)، وعن عوف بن مالك الأشجعي - رضي الله عنه - قال: قمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فقرأ سورة البقرة، لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمر ¬
بآية عذاب إلا وقف فتعوَّذ، ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه: ((سبحان ذي الجبروت، والملكوت، والكبرياء، والعظمة)) ثم سجد بقدر قيامه، ثم قال في سجوده مثل ذلك، ثم قام فقرأ بآل عمران، ثم قرأ سورة سورة)) (¬1). وعن حذيفة - رضي الله عنه - أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل فصلى أربع ركعات، فقرأ فيهن: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة أو الأنعام)) (¬2). وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رجلاً قرأ المفصَّل في ركعة فقال له: ((هذَّاً كهذِّ الشعر؟ لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين من آل حم في كل ركعة)) (¬3). وفي لفظ: ¬
((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأهن اثنتين اثنتين في كل ركعة)) وقال: ((عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود آخرهن من الحواميم: {حم}، الدخان، و {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} (¬1). وفي لفظ لمسلم: ((عشرون سورة في عشر ركعات من المفصل في تآليف عبد الله)) (¬2). وفي لفظ لمسلم: (( ... هذّاً كهذِّ الشعر، إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع، وإن أفضل الصلاة الركوع والسجود، إني لأعلم النظائر التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرن بينهن ... )) (¬3). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بآية من القرآن ليلة)) (¬4). وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: ((قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بآية حتى أصبح يرددها، والآية: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ¬
وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (¬1). وهذا يدل على التنويع في القراءة في صلاة الليل على حسب ما يفتح الله به على عبده، وعلى حسب الأحوال وقوة الإيمان. وأما الجهر بالقراءة والإسرار بها في قيام الليل، فعن عائشة رضي الله عنها أنها سُئلت عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل يجهر أم يسرّ؟ فقالت: ((كل ذلك قد كان يفعل، ربما جهر وربما أسرَّ)) (¬2). وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر: ((يا أبا بكر، مررت بك وإنك تصلي تخفضُ صوتك)) قال: قد أسمعتُ من ناجيتُ يا رسول الله، قال: ((ارفع قليلاً)) وقال لعمر: ((مررت بك وأنت تصلي رافعاً صوتك)) ¬
فقال: يا رسول الله! أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان، قال: ((اخفض قليلاً)) (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقرأ من الليل، فقال: ((يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا، آية كنت أسقطتها من سورة كذا وكذا)) وفي لفظ: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستمع قراءة رجل في المسجد فقال: ((رحمه الله لقد أذكرني آية كنت أُنسيتها)) (¬2). والقرآن إذا صلَّى به الحافظ له بالليل والنهار ذكره، لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت)) (¬3). وفي رواية ¬
9 - جواز التطوع جماعة أحيانا
لمسلم: ((وإذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإذا لم يقم به نسيه)) (¬1). 9 - جواز التطوع جماعة أحياناً في قيام الليل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى جماعة، وصلى منفرداً، لكن كان أكثر تطوعه منفرداً، فصلى بحذيفة مرة (¬2)، وابن عباس مرة (¬3)، وبأنس وأمه واليتيم مرة (¬4)، وبابن مسعود مرة (¬5)، وبعوف بن مالك مرة (¬6)، وصلى بأنس وأمه، وأم حرام خالة أنس مرة (¬7)، وصلى بعتبان بن مالك وأبي بكر مرة (¬8)، وأَمَّ أصحابه في بيت عثمان مرة (¬9)، ولكن لا يتخذ ذلك سنة راتبة، وإنما إذا فعل ذلك أحياناً فلا بأس، إلا ¬
10 - يختم تهجده بوتر
صلاة التراويح فإن الجماعة فيها سنة دائمة (¬1). 10 - يختم تهجده بوتر؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)). وفي لفظ لمسلم: ((من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وتراً [قبل الصبح]،فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بذلك)) (¬2). 11 - يحتسب النومة والقومة؛ ليحصل على الأجر في جميع أحواله: في النوم واليقظة، وقد تذاكر معاذ بن جبل وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهما الأعمال الصالحة، فقال معاذ: يا عبد الله (¬3) كيف تقرأ القرآن؟ قال: أتفوّقُهُ تفوُّقاً (¬4)، قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي))، وفي رواية: ¬
12 - طول القيام مع كثرة الركوع والسجود
((فقال معاذ لأبي موسى: كيف تقرأ القرآن؟ قال: قائماً وقاعداً، وعلى راحلتي، وأتفوقه تفوقاً، قال: أما أنا فأقوم وأنام، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي)) (¬1). قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: ((ومعناه أنه يطلب الثواب في الراحة كما يطلبه في التعب؛ لأن الراحة إذا قُصد بها الإعانة على العبادة حصَّلت الثواب)) (¬2). وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يقول: ((وهذا فيه حسن سيرة الصحابة وغيرتهم، والمذاكرة فيما بينهم، وفيه الاحتساب حتى النومة والقومة، فالمسلم ينظّم وقته، وينظّم أموره: ساعة للقرآن، وساعة لأموره الأخرى، وساعة لأهله ... )) (¬3). 12 - طول القيام مع كثرة الركوع والسجود هو ¬
الأفضل في صلاة الليل ما لم يشق ذلك أو يسبب الملل؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أفضل الصلاة طول القنوت (¬1)) (¬2)؛ ولحديث ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أن رجلاً سأله عن عملٍ يدخل به الجنة، أو بأحب الأعمال إلى الله، فقال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ¬
فقال: ((عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحطَّ عنك بها خطيئة)) (¬1)؛ ولحديث ربيعة بن كعب الأسلمي - رضي الله عنه - قال: كنت أبيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال لي: ((سل)) فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: ((أوَغيرَ ذلك؟)) قلت: هو ذاك. قال: ((فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود)) (¬2)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثر الدعاء)) (¬3)؛ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمِنٌ أن يُستجاب لكم)) (¬4). واختلف العلماء - رحمهم الله -؛ لهذه الأحاديث في أيهما أفضل: طول القيام مع قلة السجود، أو كثر السجود ¬
مع قصر القيام؟ فمنهم من قال: كثرة السجود والركوع أفضل من طول القيام، واختارها طائفة من أصحاب الإمام أحمد؛ لأحاديث فضل السجود آنفة الذكر. ومنهم من قال: إنهما سواء. ومنهم من قال: طول القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود؛ لحديث جابر المذكور آنفاً (¬1): ((أفضل الصلاة طول القنوت)) (¬2)، قال الإمام النووي-رحمه الله-: ((المراد بالقنوت هنا القيام باتفاق العلماء فيما علمت)) (¬3). وقال الإمام الطبري-رحمه الله- في قول الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} (¬4) هو في هذا الموضع قراءة القارئ قائماً في الصلاة ... وقال آخرون: ¬
هو الطاعة، والقانت المطيع)) (¬1). وقال ابن كثير - رحمه الله -: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} أي في حال سجوده وفي حال قيامه، ولهذا استدل بهذه الآية من ذهب إلى أن القنوت هو الخشوع في الصلاة ليس هو القيام وحده كما ذهب إليه آخرون، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - القانت المطيع لله - عز وجل - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -)) (¬2). واختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: أن تطويل الصلاة قياماً وركوعاً وسجوداً أولى من تكثيرها قياماً وركوعاً وسجوداً (¬3). وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - يقول: ((قد تنازع أهل العلم في أيهما أفضل: ¬
طول القيام مع قلة السجود، أو كثرة السجود مع قصر القيام، منهم من فضل هذا ومنهم من فضل هذا، وكانت صلاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - معتدلة إن أطال القيام أطال السجود والركوع، وإن قصر القيام قصر الركوع والسجود، وهذا أفضل ما يكون)). وذكر - رحمه الله - أن الأفضل أن يصلي المسلم ما يستطيع، حتى لا يمل، فإذا ارتاحت نفسه للتطويل أطال، وإن ارتاحت نفسه للتقصير قصر إذا رأى أن التقصير أخشع له وأقرب إلى قلبه وراحة ضميره وتلذذه بهذه العبادة، وكلما كثرت السجدات كان أفضل، فإن استطاع المسلم ذلك فالأفضل طول القيام مع كثرة الركوع والسجود يجمع بين الأمرين، وهي صلاة معتدلة إن أطال القيام أطال الركوع والسجود وإن قصر قصر (¬1). وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحمل كثيراً في العبادة، ويتلذذ بها، وربما يقوم في صلاة الليل حتى تتفطَّرَ قدماه، فتقول له ¬
عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، لم تصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: ((أفلا أكون عبداً شكوراً)) (¬1). وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ في ركعة واحدة من قيام الليل: سورة البقرة، والنساء، وآل عمران (¬2)، ورآه حذيفة - رضي الله عنه - يصلي أربع ركعات من الليل قرأ فيهن: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة أو الأنعام (¬3). وقالت عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كان يصلي إحدى عشرة ركعة، كانت تلك صلاته - تعني بالليل - فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأُ أَحَدُكُم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه)) (¬4). وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يرتاح لذلك ولا يملُّ من عبادة ربه - عز وجل -؛ بل كانت الصلاة قُرَّةَ عينه، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((حُبِّبَ إليّ النساء والطيب، وجُعِلت قُرَّةُ عيني في ¬
الصلاة)) (¬1). وكانت الصلاة راحته، فعن سالم بن أبي الجعد قال: قال رجل: ليتني صليت واسترحت، فكأنهم عابوا عليه ذلك، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)) (¬2). أما الأمة فقال لهم - صلى الله عليه وسلم -: ((خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن الدين يُسْرٌ ولن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غَلَبَهُ، فسدِّدوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدُّلجة، والقصدَ القصدَ تبلغوا)) (¬4). وسمعت سماحة الإمام ابن باز - رحمه الله - يقول: ((وهذا يدل على أن الأفضل في حقنا القصد وعدم ¬
سابعا: الأسباب المعينة على قيام الليل
التطويل الذي يشق علينا حتى لا نمل، وحتى لا نفتر من العبادة، فالمؤمن يصلي ويجتهد ويتعبد لكن من غير مشقة، بل يتوسط في الأمور حتى لا يمل العبادة)) (¬1). سابعاً: الأسباب المعينة على قيام الليل: 1 - معرفة فضل قيام الليل، ومنزلة أهله عند الله تعالى، وما لهم من السعادة في الدنيا والآخرة، وأن لهم الجنة، وقد شهد الله لهم بالإيمان الكامل، وأنهم لا يستوون هم والذين لا يعلمون، وأن قيام الليل من أسباب دخول الجنة، ورفع الدرجات في غرفها العالية، وأنه من صفات عباد الله الصالحين، وأن شرف المؤمن قيام الليل، وأنه مما ينبغي أن يغبط عليه الإنسان المؤمن (¬2). 2 - معرفة كيد الشيطان، وتثبيطه عن قيام الليل ¬
والترهيب من ترك قيام شيء من الليل؛ لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ذُكرَ عند النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل نام ليلة حتى أصبح قال: ((ذاك رجل بال الشيطان في أذنه))، أو قال: ((في أذنيه)) (¬1)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقدٍ، يضرب على مكان كل عقدة: عليك ليل طويل فارقُدْ، فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدة، فإن توضأ انحلَّت عقدة، فإن صلى انحلَّت عُقَدُهُ، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان)) (¬2)؛ ولحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم ¬
من الليل فترك قيام الليل)) (¬1)، ولحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه رأى رؤيا فقصها على أخته حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها فقصَّتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)) فكان بعدُ لا ينام من الليل إلا قليلاً)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يُبغض كل جعظريٍّ جوَّاظ (¬3)، سخَّاب (¬4) بالأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالمٍ جاهل بأمر الآخرة)) (¬5). ¬
3 - قصر الأمل وتذكر الموت
3 - قصر الأمل وتذكر الموت؛ فإنه يدفع على العمل ويذهب الكسل؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)).وكان ابن عمر يقول: ((إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك)) (¬1). قال الإمام البخاري - رحمه الله تعالى -: اغتنم في الفراغ فضل ركوعٍ ... فعسى أن يكون موتك بغتة كم صحيح رأيت من غيرسقمٍ ... ذهبت نفسه الصحيحة فلتة (¬2) ولَمّا نُعي إليه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي الحافظ أنشد: إن عشت تفجع بالأحبة كلهم ... وبقاء نفسك لا أبا لك أفجع (¬3) ¬
4 - اغتنام الصحة والفراغ
وقال آخر: صلاتك نورٌ والعباد رقودٌ ... ونومك ضد للصلاة عنيد وعمرك غُنمٌ إن عقلت ومهلةٌ ... يسيرُ ويفنى دائباً ويبيد (¬1) وقال بعض الصالحين: عجبتُ من جسمٍ ومن صحةٍ ... ومن فتىً نام إلى الفجر فالموتُ لا تؤمن خطفاتُهُ ... في ظلم الليل إذا يسرِي من بين منقول إلى حفرةٍ ... يفترش الأعمال في القبر وبين مأخوذٍ على غِرَّةٍ ... بات طويل الكبر والفخر عاجله الموتُ على غفلةٍ ... فمات محسوراً إلى الحشرِ (¬2) 4 - اغتنام الصحة والفراغ؛ ليكتب له ما كان يعمل؛ لحديث أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثلُ ما كان يعمل مقيماً صحيحاً)) (¬3). فينبغي للعاقل أن لا يفوته هذا الفضل العظيم، فيجتهد في حال الصحة، والفراغ، والإقامة في الأعمال ¬
5 - الحرص على النوم مبكرا
الصالحة حتى تكتب له إذا عجز أو شُغل؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ)) (¬1). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجلٍ وهو يعظه: ((اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)) (¬2). 5 - الحرص على النوم مبكراً؛ ليأخذ قوة ونشاطاً يستعين بذلك على قيام الليل وصلاة الفجر؛ لحديث أبي برزة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها (¬3). ¬
6 - الحرص على آداب النوم
6 - الحرص على آداب النوم، وذلك بأن ينام على طهارة، وإن لم يكن على طهارة توضأ، وصلى ركعتين سنة الوضوء، ثم يدعو بما ثبت من أذكار النوم، ويجمع كفيه ثم ينفث فيهما ويقرأ فيهما: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات، ويقرأ آية الكرسي، والآيتين من آخر سورة البقرة، ويكمل أذكار النوم (¬1)، وهذا يكون من أسباب الإعانة على قيام الليل، وعليه أن يأخذ بالأسباب بأن يضع ساعة عند رأسه تنبهه، أو يوصي من حوله من أهله، وأقاربه، أو جيرانه، أو زملائه أن يوقظوه. 7 - العناية بجملة الأسباب التي تعين على قيام الليل، فلا يكثر الأكل، ولا يتعب نفسه بالنهار بالأعمال التي لا فائدة فيها؛ بل ينظم أعماله النافعة، ولا يترك القيلولة ¬
النوع الثاني: صلاة النهار والليل المطلقة
بالنهار؛ فإنها تعين على قيام الليل، ويجتنب الذنوب والمعاصي، وقد ذُكِرَ عن الثوري - رحمه الله - أنه قال: ((حُرِمْتُ قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته))، فالذنوب قد يُحْرَمُ بها العبد فيفوته كثير من الغنائم: كقيام الليل، ومن أعظم البواعث على قيام الليل: سلامة القلب للمسلمين، وطهارته من البدع، وإعراضه عن فضول الدنيا، ومن أعظم البواعث على قيام الليل: حب الله تعالى، وقوة الإيمان بأنه إذا قام ناجى ربه وأنه حاضره ومشاهده، فتحمله المناجاة على طول القيام (¬1)، ففي الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة)) (¬2). النوع الثاني: صلاة النهار والليل المطلقة: يصلي المسلم ما شاء من ليل أو نهار من الصلوات ¬
المطلقة في غير أوقات النهي، وتكون صلاته مثنى مثنى؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صلاة الليل والنهار، مثنى مثنى ... )) (¬1)، فيصلي المؤمن ما شاء، وقد ثبت من حديث أنس بن مالك في هذه الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (¬2). قال: ((كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء يصلون)). وكان الحسن يقول: ((قيام الليل)) (¬3). وعن أنس - رضي الله عنه - أنه قال في قوله تعالى: {كَانُوا ¬
قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (¬1) قال: ((كانوا يصلون في ما بين المغرب والعشاء وكذلك {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} (¬2). وعن حذيفة - رضي الله عنه - ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى المغرب فما زال يصلي في المسجد حتى صلى العشاء الآخرة)) (¬3)، وفي رواية عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: سألتني أمي: متى عهدك بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقلت: ما لي به عهد منذ كذا وكذا، فنالت مني، فقلت لها: دعيني آتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأصلي معه وأسأله أن يستغفر لي ولك، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فصليت معه المغرب، فصلى حتى صلى العشاء، ثم انفتل فتبعتُه، فسمع صوتي فقال: ((من هذا حذيفة؟)) قلت: نعم، قال: ((ما حاجتك غفر الله لك ولأمك؟)) قال: ((إن هذا ملك لم ينزل الأرض قطُّ قبل هذه الليلة استأذن ربَّه أن يسلم عليَّ ويبشرني بأن فاطمة ¬
القسم الرابع: الصلوات ذوات الأسباب
سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة)) (¬1). وفي لفظ له: ((أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فصليت معه المغرب، فصلى إلى العشاء)) (¬2). القسم الرابع: الصلوات ذوات الأسباب: أولاً: تحية المسجد سنة مؤكدة لمن دخل المسجد في أي وقت على الصحيح؛ لحديث أبي قتادة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس)). وفي لفظ: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) (¬3)؛ ولحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ¬
قال: كان لي على النبي - صلى الله عليه وسلم - دَين فقضاني وزادني، ودخلت عليه في المسجد فقال لي: ((صلِّ ركعتين)) (¬1)، وعنه - رضي الله عنه - قال: جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب فجلس فقال له: ((يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوَّز فيهما)) ثم قال: ((إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب، فليركع ركعتين، وليتجوَّز فيهما)) (¬2). والأمر بتحية المسجد يفيد بحقيقته وجوب فعل التحية، والنهي يفيد بحقيقته أيضاً تحريم تركها، واختلف أهل العلم في القول بالوجوب والسنية، والصواب أنها سنة مؤكدة وهو قول الجمهور، قال الإمام النووي - رحمه الله -: ((فيه استحباب تحية المسجد بركعتين وهي ¬
ثانيا: صلاة القدوم من السفر في المسجد
سنة بإجماع المسلمين، وفيه استحباب التحية في أي وقت دخل)) (¬1). ثانياً: صلاة القدوم من السفر في المسجد، يُصلي المسلم عند القدوم من السفر ركعتين في المسجد قبل أن يذهب إلى بيته؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - قال: اشترى مني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعيراً، فلما قدم المدينة أمرني أن آتي المسجد فأصلي ركعتين (¬2)، وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يقدم إلا نهاراً في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى ركعتين ثم جلس فيه))، قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى -: ((في هذه الأحاديث استحباب ركعتين للقادم من سفره في المسجد أول قدومه، وهذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر؛ لا أنها تحية المسجد، والأحاديث ¬
ثالثا: الصلاة عقب الوضوء
المذكورة صريحة فيما ذكرته، وفيه استحباب القدوم أوائل النهار، وفيه أنه يستحب للرجل الكبير في المرتبة ومن يقصده الناس إذا قدم من سفر للسلام عليه أن يقعد أول قدومه قريباً من داره في موضع بارز سهل على زائريه، إما المسجد وإما غيره (¬1). ثالثاً: الصلاة عقب الوضوء: سنة مؤكدة في أي وقت من ليل أو نهار؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال عند صلاة الفجر: ((يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام؛ فإني سمعت دفَّ نعليك بين يديَّ في الجنة؟)) قال: ما عملت عملاً أرجى أني لم أتطهر طهوراً في ساعة ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي)) (¬2). قال الإمام النووي - رحمه الله -: ((وفيه فضيلة الصلاة ¬
عقب الوضوء، وأنها سنة، وأنها تباح في أوقات النهي عند طلوع الشمس واستوائها، وغروبها، وبعد صلاة الصبح والعصر؛ لأنها ذات سبب)) (¬1)،وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - يقول: ((الحديث واضح في أن سنة الوضوء تصلى في أي وقت من ليل أو نهار)) (¬2)، ومما يؤكد هذه السنة العظيمة حديث عثمان - رضي الله عنه - أنه توضأ وضوءاً كاملاً ثم قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ نحو وضوئي هذا وقال: ((من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر الله له ما تقدم من ذنبه)) (¬3)، وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين، مقبلٌ عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة)) (¬4). ¬
رابعا: صلاة الاستخارة
ومما يؤكد أن سنة الوضوء تُصلَّى في أي وقت، حديث بريدة - رضي الله عنه - قال: أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فدعا بلالاً، فقال: ((يا بلال بمَ سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قطُّ إلا سمعت خشخشتك أمامي، دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي ... )) فقال بلال: يا رسول الله، ما أذَّنتُ قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها، ورأيت أن لله عليَّ ركعتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بهما)) (¬1)،قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-: ((فدل على أنه كان يعقب الحدث بالوضوء، والوضوء بالصلاة في أي وقت كان)) (¬2)، وهو اختيار شيخ الإسلام، وأن سنة الوضوء تصلى ولو كانت في وقت النهي (¬3). رابعاً: صلاة الاستخارة؛ لحديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - ¬
قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة في الأمور [كلها] كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: ((إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علاَّم الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر [ثم يسميه بعينه] خير لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري - أو قال عاجل أمري وآجله - فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري - أو قال: في عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به)). قال: ((ويسمي حاجته)) وفي لفظ: ((ثم رضِّني به)) (¬1). واختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن ¬
خامسا: صلاة التوبة
المسلم يصلي صلاة الاستخارة وقت النهي في أمر يفوت بالتأخير إلى وقت الإباحة (¬1). خامساً: صلاة التوبة: سنة؛ لحديث علي - رضي الله عنه - قال: كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثاً نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني، وإذا حدثني أحد من أصحابه استحلفته فإذا حلف لي صدقته، وحدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر - رضي الله عنه - أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من عبدٍ يذنب ذنباً فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر الله له)) ثم قرأ هذه الآية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ الله وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (¬2)} (¬3). ¬
سادسا: سجود تلاوة القرآن الكريم
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أنها تصلى حتى في وقت النهي؛ لأن التوبة واجبة على الفور، وهو مندوب إلى أن يصلي ركعتين (¬1). سادساً: سجود تلاوة القرآن الكريم: 1 - فضل سجود التلاوة عظيم؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله [وفي رواية يا ويلي] أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمرت بالسجود فأبيت فلي النار)) (¬2)، وهذا الحديث فيه الحث على سجود التلاوة والترغيب فيه. 2 - سجود التلاوة سنة مؤكدة على الصحيح (¬3) للتالي ¬
والمستمع؛ لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - النجم بمكة فسجد بها فما بقي أحد من القوم إلا سجد، غير شيخ أخذ كفَّاً من حصى أو تراب ورفعه إلى جبهته [فسجد عليه] وقال يكفيني هذا، فرأيته بعد ذلك قُتِلَ كافراً [وهو أمية بن خلف]))، وفي رواية: ((أول سورة أنزلت فيها سجدة {وَالنَّجْمِ}، فسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسجد من خلفه ... )) الحديث (¬1). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬
[بالنجم]، وسجد معه المسلمون، والمشركون، والجن، والإنس)) (¬1). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه، فنزدحم حتى ما يجد أحدنا لجبهته موضعاً يسجد عليه)) ولفظ مسلم: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ القرآن، فيقرأ سورة فيها سجدة ونسجد معه ... )) الحديث (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سجدنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ}، و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (¬3). وهذه الأحاديث تدل على أهمية سجود التلاوة ومشروعيته المؤكدة وعناية النبي - صلى الله عليه وسلم - به، ولكن دلت ¬
الأدلة الأخرى على عدم الوجوب، فقد ثبت أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال: ((يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه)) ولم يسجد عمر - رضي الله عنه - وفي لفظ: ((إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء)) (¬1). ومن أوضح الأدلة على أن سجود التلاوة سنة مؤكدة وليس بواجب حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: ((قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - {وَالنَّجْمِ} فلم يسجد فيها)) (¬2). ورجّح الإمام النووي والحافظ ابن حجر، وابن قدامة - رحمهم الله - أن حديث زيد بن ثابت هذا محمول على بيان جواز عدم السجود، وأنه سنة مؤكدة وليس بواجب؛ لأنه لو كان واجباً لأمره بالسجود ولو ¬
3 - سجود المستمع إذا سجد القارئ
بعد ذلك (¬1)، وقال الحافظ ابن حجر: ((وأقوى الأدلة على نفي الوجوب حديث عمر المذكور في هذا الباب)) (¬2)، وتعقبه الإمام عبد العزيز ابن باز - رحمه الله -فبين ((أن أقوى منه وأوضح في الدلالة على عدم وجوب سجود التلاوة: قراءة زيد بن ثابت على النبي - صلى الله عليه وسلم - سورة النجم فلم يسجد فيها، ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسجود، ولو كان واجباً لأمره به)) (¬3). 3 - سجود المستمع إذا سجد القارئ، وإذا لم يسجد لم يسجد؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه فنزدحم حتى ما يجد أحدنا لجبهته موضعاً يسجد عليه)) (¬4)، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - لتميم بن حَذْلم - وهو غلام - فقرأ عليه ¬
سجدة فقال: ((اسجد فأنت إمامنا فيها)) (¬1)، فالمستمع الذي ينصت للقارئ ويتابعه في الاستماع يسجد مع القارئ إذا سجد وإذا لم يسجد فلا (¬2). أما السامع الذي لا يقصد سماع القرآن وإنما مر فسمع القراءة وسجد القارئ، فإنه لا يلزمه السجود، قيل لعمران بن حصين - رضي الله عنه -: الرجل يسمع السجدة ولم يجلس لها، قال: ((أرأيت لو قعد لها)) كأنه لا يوجبه عليه (¬3). وقال سلمان الفارسي - رضي الله عنه -: ((ما لهذا غدونا)) (¬4)، ¬
4 - عدد سجدات القرآن ومواضعها
وقال عثمان - رضي الله عنه -: ((إنما السجدة على من استمعها)) (¬1)، وأما المستمع بقصدٍ فقال ابن بطال: ((وأجمعوا على أن القارئ إذا سجد لزم المستمع أن يسجد)) (¬2). فقد فرَّق بعض العلماء بين السامع والمستمع بما دلت عليه هذه الآثار (¬3). 4 - عدد سجدات القرآن ومواضعها، خمس عشرة سجدة (¬4) في المواضع الآتية: ¬
الموضع الأول: آخر سورة الأعراف، عند قوله تعالى: {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} (¬1). الموضع الثاني: في الرعد عند قوله تعالى: {وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} (¬2). الموضع الثالث: في النحل عند قوله تعالى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (¬3). الموضع الرابع: في الإسراء عند قوله تعالى: {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (¬4). الموضع الخامس: في سورة مريم عند قوله: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (¬5). الموضع السادس: في سورة الحج عند قوله تعالى: {إِنَّ ¬
الله يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (¬1). الموضع السابع: في سورة الحج عند قوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬2). الموضع الثامن: في سورة الفرقان عند قوله تعالى: {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (¬3). الموضع التاسع: في سورة النمل، عند قوله تعالى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (¬4). الموضع العاشر: في سورة {الم} السجدة، عند قوله تعالى: {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} (¬5). الموضع الحادي عشر: في سورة ص، عند قوله: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (¬6). ¬
الموضع الثاني عشر: في سورة فصلت، عند قوله تعالى: {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} (¬1). وهذا قول الجمهور من العلماء، وقال الإمام مالك - رحمه الله - وطائفة من السلف، بل عند قوله تعالى: {إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (¬2). الموضع الثالث عشر: في آخر سورة النجم، عند قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لله وَاعْبُدُوا} (¬3). الموضع الرابع عشر: في سورة الانشقاق عند قوله ¬
تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} (¬1). الموضع الخامس عشر: في آخر سورة العلق عند قوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (¬2). وسجدتي سورة الحج جاء فيهما خبر خالد بن معدان - رضي الله عنه - قال: ((فضلت سورة الحج بسجدتين)) (¬3)، وجاء في خبر عقبة بن عامر، وزاد: ((فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما)) (¬4). ¬
5 - سجود التلاوة في الصلاة الجهرية
5 - سجود التلاوة في الصلاة الجهرية ثابت؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه صلى بأصحابه صلاة العشاء فقرأ: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} فسجد، فقيل له: ما هذه؟ قال: ((سجدت فيها خلف أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -، فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه)) (¬1). 6 - صفة سجود التلاوة، من قرأ آية سجدة أو كان يستمع لها، فإنه يستحب له أن يستقبل القبلة ويكبر، ويسجد ثم يقول دعاء السجود، ثم يرفع من السجود بدون تكبير، ولا تشهد، ولا سلام (¬2)؛ لحديث عبد الله بن ¬
عمر رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا القرآن، فإذا مرَّ بالسجدة كبَّر وسجد وسجدنا معه)) (¬1). وإذا كان ¬
7 - الدعاء في سجود التلاوة
سجود التلاوة في الصلاة، فإنه يكبر حين يسجد وحين ينهض من السجود؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في الصلاة في كل خفض ورفع (¬1)، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) (¬2)، وإذا قرأ السجدة في الصلاة في آخر السورة، فإن شاء ركع، وإن شاء سجد ثم قام فقرأ شيئاً من القرآن ثم ركع، وإن شاء سجد ثم قام فركع من غير قراءة)) (¬3). 7 - الدعاء في سجود التلاوة، يدعو بمثل دعائه في سجود الصلاة، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في سجود القرآن بالليل [يقول في السجدة مراراً] (¬4): ((سجد وجهي للذي خلقه [وصوَّره] (¬5) وشقَّ سمعَه وبصرَه، بحوله وقوته [فتبارك ¬
الله أحسن الخالقين] (¬1)) (¬2). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني رأيت البارحة فيما يرى النائم كأني أصلي إلى أصل شجرة، فقرأت السجدة فسجدْتُ، فسَجَدَتِ الشجرةُ لسجودي، فسمعتها تقول: ((اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، [وتقبَّلْها مني كما تقبَّلْتها من عبدك داود])). قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ سجدة ثم سجد، فسمعته يقول في سجوده مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة)) (¬3). ¬
سابعا: سجود الشكر
ويشرع في سجود التلاوة ما يشرع في سجود الصلاة (¬1). والصواب أن سجود التلاوة يجوز في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها؛ لأنه من ذوات الأسباب (¬2). سابعاً: سجود الشكر مستحب عند تجدد النعم، واندفاع النقم التي وجد سببها فَسَلِمَ منها المسلم (¬3)؛ لحديث أبي بكرة - رضي الله عنه - ((عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أتاه أمر يَسُرُّه أو يُسَرُّ به خرَّ ساجداً شكراً لله تبارك وتعالى)) (¬4). ¬
وعن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال: سجد النبي فأطال السجود ثم رفع رأسه فقال: ((إن جبريل - عليه السلام - أتاني فبشرني فقال: إن الله - عز وجل - يقول: ((من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه، فسجدت لله - عز وجل - شكراً)) (¬1). وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث عليَّاً إلى اليمن - فذكر الحديث - قال: فكتب عليٌّ بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتاب خرَّ ساجداً شكراً لله تعالى على ذلك (¬2). وقد سجد كعب بن مالك - رضي الله عنه - لما سمع صوت البشير بتوبة الله عليه (¬3). وسجد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - شكراً لله حينما وجد ذا الثدية في قتلى الخوارج (¬4). والصواب أنه كسجود التلاوة فلا يشترط له ما ¬
القسم الخامس: أوقات النهي عن صلاة التطوع
يشترط للصلاة، وليس في الأحاديث ما يدل على التكبير في سجود الشكر (¬1). القسم الخامس: أوقات النهي عن صلاة التطوع: أولاً: أوقات النهي عن صلاة التطوع المطلق خمسة بالبسط وثلاثة بالاختصار، فأما بالبسط: فمن صلاة الصبح إلى طلوع الشمس، ومن طلوعها حتى ترتفع قدر رمح، وعند قيامها في وسط السماء حتى تزول، ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس، وإذا شرعت في الغروب حتى يتم غروبها. وأما أوقات النهي بالاختصار: فمن صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس قدر رمح، وعند قيام الشمس في وسط السماء حتى تزول، ومن صلاة العصر حتى تغيب الشمس، وقد دلت الأحاديث الصحيحة على ذلك، ¬
فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس)). وفي رواية البخاري: (( ... لا صلاة بعد صلاتين: بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس))، ولفظ مسلم: ((لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس)) (¬1)، وعن عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - أنه قال: للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أخبرني عن الصلاة؟ قال: ((صلِّ صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس، حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صلِّ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة فإنَّه حينئذ تسجر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصلِّ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى ¬
تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار)) (¬1). وعن عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه - قال: ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة (¬2) حتى تميل الشمس، وحين تضيَّفُ (¬3) الشمس للغروب حتى تغرب)) (¬4). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا بدا حاجب الشمس فأخِّروا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب)) (¬5). ¬
فدلت هذه الأحاديث على النهي عن صلاة التطوع في هذه الأوقات (¬1). ويضاف إلى هذه الأوقات الخمسة: النهي عن صلاة النافلة بعد طلوع الفجر الثاني؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين)) (¬2)، ويفسر ذلك لفظ أبي داود، عن يسار مولى ¬
ثانيا: الصلوات ذوات الأسباب في أوقات النهي
ابن عمر قال: رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد طلوع الفجر، فقال: يا يسار إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة فقال: ((ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين)) (¬1). ثانياً: الصلوات ذوات الأسباب في أوقات النهي: الصلوات ذوات الأسباب في أوقات النهي، اختلف العلماء - يرحمهم الله - هل تؤدى في الأوقات التي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة فيها أم لا تفعل؟ والصواب من ذلك أنها مخصوصة بالاستثناء في أوقات النهي، قال الإمام النووي - رحمه الله - بعد أن ذكر أحاديث النهي: ((في أحاديث الباب نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد طلوعها حتى ترتفع، وعند استوائها حتى تزول، وعند ¬
اصفرارها حتى تغرب، وأجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في هذه الأوقات، واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها، واختلفوا في النوافل التي لها سبب كصلاة: تحية المسجد، وسجود التلاوة، والشكر، وصلاة العيد، والكسوف، وفي صلاة الجنازة، وقضاء الفوائت. ومذهب الشافعي وطائفة جواز ذلك كله بلا كراهة، ومذهب أبي حنيفة وآخرين أنه داخل في النهي لعموم الأحاديث، واحتج الشافعي وموافقوه بأنه ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى سنة الظهر بعد العصر، وهذا صريح في قضاء السنة الفائتة فالحاضرة أولى، والفريضة المقضيَّة أولى وكذا الجنازة)) (¬1). واختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي، وقال: (( ... وهذا أصح قولي العلماء وهو مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه)) (¬2). ¬
وقال سماحة الإمام ابن باز - رحمه الله - على قول من قال: ((يُحْمَل النهي على ما لا سبب له ويخص منه ما له سبب جمعاً بين الأدلة)) (¬1): ((وهذا القول هو أصح الأقوال، وهو مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم، وبه تجتمع الأخبار والله أعلم)) (¬2). ومما يدل على استثناء الصلوات ذوات الأسباب حديث جبير بن مطعم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا بني عبد منافٍ لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى، أيةَ ساعةٍ شاء من ليلٍ أو نهار)) (¬3). ¬
وحديث يزيد بن الأسود - رضي الله عنه - قال: شهدت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حجته، فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخَيف، فلما قضى صلاته انحرف فإذا هو برجلين في أُخْرى القوم لم يصليا معه فقال: ((عليَّ بهما)) فجيء بهما ترعد فرائصُهُما (¬1) فقال: ((ما منعكما أن تصليا معنا؟)) فقالا: يا رسول الله، إنا كنا قد صلينا في رحالنا، قال: ((فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصلِّيا معهم، فإنها لكما نافلة)) (¬2). وفي لفظ لأبي داود: ((إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه؛ فإنها له نافلة)) (¬3). وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كيف أنت ¬
إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها؟)) (¬1) قال، قلت: فما تأمرني؟ قال: ((صلِّ الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصلِّ فإنها لك نافلة [ولا تقل إني قد صليت فلا أصلي])) (¬2). قال الإمام النووي - رحمه الله -: ((وفي هذا الحديث أنه لا بأس بإعادة الصبح والعصر والمغرب كباقي الصلوات؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أطلق الأمر بإعادة الصلاة ولم يفرق بين صلاة وصلاة وهذا هو الصحيح)) (¬3). وعن محجن أنه كان في مجلس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأذن بالصلاة، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم رجع ومحجن في مجلسه، فقال رسول - صلى الله عليه وسلم -: ((ما منعك أن تصلي؟ ألست برجل مسلم؟)) قال: بلى ولكني كنت قد صليت في أهلي، فقال ¬
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا جئت فصلِّ مع الناس وإن كنت قد صليت)) (¬1). وهذه الأحاديث وما في معناها تدل على مشروعية الدخول مع الجماعة بنية التطوع لمن كان قد صلى تلك الصلاة، وإن كان الوقت وقت كراهة، للتصريح في حديث يزيد بن الأسود بأن ذلك كان في صلاة الصبح؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أطلق الأمر بإعادة الصلاة في حديث أبي ذر وحديث محجن، ولم يفرق - صلى الله عليه وسلم - بين صلاة وصلاة، فتكون هذه الأحاديث مخصصة لعموم الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة في أوقات النهي (¬2). وأما حديث أم سلمة رضي الله عنها الذي قالت فيه: ((صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم دخل بيتي فصلى ركعتين، فقلت: يا رسول الله، صليت صلاة لم تكن تصليها؟ فقال: ((قدم ¬
عليَّ مال فشغلني عن الركعتين كنت أركعهما بعد الظهر فصليتهما الآن)) فقلت: يا رسول الله، أنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: ((لا)) (¬1)، فهذا من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الصنعاني - رحمه الله -: ((والحديث دليل على ما سلف من أن القضاء في ذلك الوقت كان من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -)) (¬2). وسمعت الإمام عبد العزيز ابن باز - رحمه الله - يقول عن هذا الحديث: ((سنده جيد ويدل على أنه من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، وهناك من أهل العلم من يقول: تقضى، والصحيح أنها من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -)) (¬3). ويجوز قضاء الفرائض في أوقات النهي؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من نسي صلاة فليصلِّها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)). وفي رواية لمسلم: ((من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها)) (¬4). ¬
والذي اتضح من الأحاديث التي مضت جواز صلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي ومنها: قضاء الفوائت، والصلاة المعادة مع الجماعة، وتحية المسجد، وسجود التلاوة وسجود الشكر، وصلاة الكسوف، وصلاة الطواف بالبيت، وصلاة الجنازة بعد العصر وبعد الفجر، وصلاة نصف النهار في المسجد يوم الجمعة للمأمومين حتى يخرج الإمام، وسنة الوضوء، وصلاة الاستخارة إذا كان الذي يستخير له يفوت إذا أخره، وصلاة التوبة، وقضاء سنة الفجر بعدها (¬1)، ولكن لا يُصلي على الجنائز ولا يقبر الموتى في أوقات النهي المضيَّقة: عند الغروب، وعند الشروق، وعندما تكون الشمس في وسط السماء؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: ((ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيها موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين ¬
تضيَّف الشمس للغروب حتى تغرب)) (¬1). وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبصر رجلاً يصلي وحده، فقال: ((ألا رجل يتصدَّق على هذا فيصلي معه)) (¬2). وذكر ابن تيمية - رحمه الله -: أن هذا الحديث مما جاء في الإعادة لسبب، ثم قال: ((فهنا هذا المتصدق قد أعاد الصلاة ليحصل لذلك المصلي فضيلة الجماعة، ثم الإعادة المأمور بها مشروعة عند الشافعي، وأحمد، ومالك وقت النهي، وعند أبي حنيفة لا تشرع وقت النهي)) (¬3)، والله - عز وجل - أعلم (¬4). ¬