صلاة الخوف
سعيد بن وهف القحطاني
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد. فهذه رسالة مختصرة في ((صلاة الخوف)) بيّنت فيها: مفهوم صلاة الخوف، وسماحة الإسلام ويسر الشريعة ومحاسنها مع الكمال ورفع الحرج، وأن الأصل في مشروعية صلاة الخوف: الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة - رضي الله عنهم -، وأوضحت أنواع صلاة الخوف، وأنها كلها مشروعة يختار المسلمون الصفة التي يحتاجون إليها، وبيّنت أن صلاة الخوف في الحضر تُؤدّى بدون قصرٍ لعددها، وذكرت صلاة الخوف حال المسايفة والتحام
الحرب، وذكرت أقوال العلماء في ذلك. وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز قدس الله روحه، ونوَّر ضريحه، ورفع درجاته في جنات النعيم. والله أسأل أن يجعل هذا العمل مقبولاً عنده، مباركًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه تعالى خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. المؤلف حرر بعد عصر يوم الأربعاء الموافق 17/ 1/1422هـ.
أولا: مفهوم صلاة الخوف
أولاً: مفهوم صلاة الخوف: الصلاة: لغة الدعاء، واصطلاحًا: عبادة لله ذات أقوال وأفعال معلومة، مخصوصة، مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، وسميت صلاة لاشتمالها على: دعاء العبادة، ودعاء المسألة (¬1). والخوف لغة: الفزع والذُّعر، قال ابن فارس رحمه الله: ((الخاء، والواو، والفاء أصل واحد يدل على الذُّعر والفزع، يقال: خفت الشيء خوفًا، وخيفة .. )) (¬2) مصدر خاف. واصطلاحًا: اضطراب في النفس؛ لتوقع نزول مكروه، أو فوات محبوب، ومنه إخافة السبيل (¬3). قال الإمام الحافظ المعروف بابن الملقن رحمه الله: ((والخوف غمٌّ على ما سيكون، والحزن غمٌّ على ما مضى)) (¬4). ¬
ثانيا: سماحة الإسلام ويسر الشريعة
ثانيًا: سماحة الإسلام ويسر الشريعة ومحاسنها مع الكمال ورفع الحرج، لا شك أن دين الإسلام: دين الرحمة، والبركة، والإحسان، والحكمة، ودين فطرة، ودين العقل، والصلاح، والفلاح، والشرع الإسلامي لا يأتي بما تحيله العقول، ولا بما ينقضه العلم الصحيح، وهذا من أكبر الأدلة على أن ما عند الله - عز وجل - محكم ثابت، صالح لكل زمان ومكان (¬1). وقد دلت الأدلة من القرآن العظيم، والسنة النبوية الشريفة على يسر الشريعة الإسلامية وسماحتها، وعلى رفع الحرج، ومن هذه الأدلة ما يأتي: أ - من القرآن الكريم آيات كثيرة وهي على نوعين: النوع الأول: الآيات الكريمة التي تنص على نفي الحرج، ومنها: 1 - قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ ¬
حَرَجٍ} (¬1)، أي لم يجعل عليكم في الدين مشقةً، وعسراً، بل يسره غاية التيسير، وسهّله غاية السهولة، فلم يُلزم إلا بما هو سهل على النفوس: لا يُثقلها، ثم إذا عرض بعض الأسباب الموجبة للتخفيف خفَّف - سبحانه وتعالى - ما أمر به: إما بإسقاطه، أو إسقاط بعضه، ويؤخذ من هذه الآية قاعدة شرعية: وهي أن المشقة تجلب التيسير، والضرورات تبيح المحظورات، فيدخل في ذلك من الأحكام الفرعية شيء كثير معروف في كتب الأحكام (¬2). 2 - قال الله - عز وجل -: {مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬3) لم يجعل الله - سبحانه وتعالى - علينا فيما شرع لنا من حرج، ولا مشقة، ولا عسر، وإنما هو رحمة منه بعباده (¬4). 3 - قال تعالى: {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى ¬
وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لله وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَالله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (¬1)، وهذه الآية أصل في سقوط التكاليف عن العاجز، فكل من عجز عن شيء سقط عنه، فتارة إلى بدل هو فعل، وتارة إلى عزم هو غرم، ولا فرق بين العجز من جهة المال، والعجز من جهة القوة (¬2)،ويستدل بهذه الآية على قاعدة وهي: أن من أحسن إلى غيره في نفسه أو في ماله، ونحو ذلك، ثم ترتب على إحسانه نقص أو تلف أنه غير ضامن، ولا سبيل على المحسنين، كما أنه يدل على أن غير المحسن وهو السيئ: كالمفرط والمتعدي أن عليه الضمان (¬3). 4 - قال الله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (¬4)، فأصل الأوامر ¬
النوع الثاني: الآيات التي تدل على التيسير والتخفيف
والنواهي ليست الأمور التي تشق على النفوس، بل هي غذاء للأرواح، ودواء للأبدان، وحمية عن الضرر، فالله أمر العباد بما أمرهم به رحمة وإحسانًا، ومع هذا إذا حصل بعض الأعذار التي هي مظنة المشقة حصل التخفيف والتسهيل، إما بإسقاطه عن المكلف أو إسقاط بعضه، كما في التخفيف عن المريض، والمسافر، والخائف، وغيرهم (¬1) وغير ذلك من الآيات. النوع الثاني: الآيات التي تدل على التيسير والتخفيف، ومنها: 1 - قال الله - عز وجل -: {يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (¬2) أي يريد الله تعالى أن ييسِّر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير، ويسهِّلها أبلغ تسهيل؛ ولهذا كان جميع ما أمر به عباده في غاية السهولة في أصله، وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله سهَّله تسهيلاً آخر: إما بإسقاطه، أو تخفيفه بأنواع التخفيفات، ¬
وهذه جملة لا يمكن تفصيلها؛ لأن تفاصيلها جميع الشرعيات، ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات (¬1). 2 - قال تبارك وتعالى: {يُرِيدُ الله أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} (¬2) أي بسهولة ما أمركم به وما نهاكم عنه، ثم مع حصول المشقة في بعض الشرائع أباح لكم ما تقتضيه حاجاتكم، وذلك لرحمته التامة، وإحسانه الشامل، وعلمه، وحكمته بضعف الإنسان من جميع الوجوه: ضعف البنية، وضعف الإرادة، وضعف العزيمة، وضعف الإيمان، وضعف الصبر، فناسب ذلك أن يخفف الله عنه ما يَضْعُف عنه، وما لا يطيقه إيمانه وصبره وقوته (¬3). 3 - قال تعالى: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} (¬4) وهذه بشارة كبيرة أن الله - عز وجل - ييسِّر رسوله - صلى الله عليه وسلم - لليسرى في جميع أموره، ¬
ب- الأدلة من السنة على اليسر والسماحة
ويجعل شرعه ودينه يسرًا (¬1). 4 - قال - عز وجل -: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (¬2) هذه بشارة عظيمة أنه كل ما وُجد عسر وصعوبة فإن اليسر يقارنه، حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر فأخرجه، كما قال الله تعالى: {سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (¬3) وتعريف ((العسر)) في الآيتين يدل أنه واحد، وتنكير ((اليسر)) يدل على تكراره، فلن يغلب عسرٌ يسرين، وفي تعريف العسر بالألف واللام الدالة على استغراق العموم يدل على أن كل عسر وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ فإن في آخره التيسير ملازم له (¬4). ب - الأدلة من السنة على اليسر والسماحة والسهولة كثيرة منها: ¬
1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الدين يسر، ولن يشادَّ الدين أحدٌّ إلا غلبه (¬1)، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا: بالغدوة، والروحة، وشيء من الدُّلجة (¬2) [القصد القصد (¬3) تبلغوا))] (¬4). ¬
2 - قال الإمام البخاري رحمه الله: بابٌ: الدين يسرٌ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة)) (¬1)، والمقصود أن أحب خصال الدين الحنيفية، وخصال الدين كلها محبوبة، لكن ما كان منها سمحًا - أي سهلاً - فهو أحب إلى الله تعالى، والحنيفية: ملة إبراهيم، والحنيف في اللغة ما كان على ملة إبراهيم، وسمي إبراهيم حنيفًا؛ لميله عن الباطل إلى الحق؛ لأن أصل الحنف الميل، والسمحة: السهلة: أي إنها مبنية على السهولة (¬2). 3 - وعن أسامة بن شريك - رضي الله عنه - قال: شهدتُ الأعراب ¬
يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم -: أعلينا حرج في كذا؟ أعلينا حرج في كذا؟ فقال لهم: ((عباد الله وضع الله الحرج إلا من اقترض من عرض أخيه شيئًا فذلك الذي حرج)) (¬1)، فقالوا: يا رسول الله، هل علينا جناح أن نتداوى؟ قال: ((تداووا عباد الله، فإن الله سبحانه لم يضع داءً إلا وضع معه شفاء، إلا الهرم)) قالوا: يا رسول الله، ما خير ما أُعطي العبد؟ قال: ((خلق حسن)) (¬2). 4 - وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا)) (¬3). 5 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه ومعاذ بن جبل إلى اليمن فقال: ((يسِّرا ولا تُعسِّرا، وبشِّرا ¬
ج - منهج الصحابة - رضي الله عنهم - ومن تبعهم بإحسان
ولا تُنفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا)) (¬1). قال الإمام النووي رحمه الله: ((إنما جمع هذه الألفاظ بين الشيء وضده؛ لأنه قد يفعلهما في وقتين، فلو اقتصر على ((يسِّروا)) لصدق ذلك على من يسر مرة أو مرات وعسر في معظم الحالات، فإذا قال ((ولا تُعسِّروا)) انتفى التعسير في جميع الأحوال من جميع وجوهه وهذا هو المطلوب، وكذلك يقال في ((يسِّرا ولا تُعسِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا)) (¬2). وغير ذلك من السنة كثير (¬3). ج - منهج الصحابة - رضي الله عنهم - ومن تبعهم بإحسان: اتباع اليُسر والسماحة، والصحابة - رضي الله عنهم - هم الذين يطبقون الكتاب والسنة، وقد جاء عنهم أخبار كثيرة طبقوا فيها الإسلام كما جاء، وعملوا بالتيسير وتركوا التعسير؛ وذلك لفهم الكتاب والسنة، وعدم التنطع في الدين؛ ¬
ثالثا: الأصل في مشروعية صلاة الخوف: الكتاب والسنة والإجماع
ولهذا جاء عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: ((من كان منكم مستنًّا فليستنَّ بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد؛ فإنهم كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلَّها تكلُّفًا، وأقومَها هديًا، اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه، [ولإقامة دينه] فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم)) (¬1). وما تقدم من أدلة الكتاب والسنة، وهدي الصحابة يدل على رفع الحرج عن الأمة، وأن الإسلام دين اليسر والسماحة (¬2). ثالثًا: الأصل في مشروعية صلاة الخوف: الكتاب والسنة، والإجماع: ¬
1 - أما الكتاب؛ فلقول الله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ الله أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} (¬1). 2 - وأما السنة، فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بأصحابه صلاة الخوف مرات متعددة على صفات متنوعة (¬2). 3 - وأما الإجماع، فأجمع الصحابة على فعلها، فكان ¬
رابعا: أنواع صلاة الخوف
الصحابة في الخوف يصلون صلاة الخوف، جاء ذلك عن علي - رضي الله عنه - ليلة صِفِّين، وجاء عن أبي هريرة، وأبي موسى الأشعري، وعن سعيد بن العاص، وحذيفة - رضي الله عنهم - (¬1) ولا ينظر إلى الأقوال الشاذة التي تخالف ذلك (¬2). رابعًا: أنواع صلاة الخوف: جاءت صلاة الخوف في ¬
أحاديث كثيرة، وأشكال متباينة (¬1)، والصواب أن كل صفة ثبتت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جائزة حسب مواطنها، يتحرَّى المسلمون فيها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة، فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى، ومن هذه الأنواع الثابتة في الأحاديث الصفات الآتية: ¬
النوع الأول: ما يوافق ظاهر القرآن
النوع الأول: ما يوافق ظاهر القرآن: يقسم الأمير أو القائد من معه إلى طائفتين: طائفة وجاه العدو؛ لئلا يهجم، وطائفة تصلي معه، فيصلي بهذه الطائفة ركعة، فإذا قام إلى الركعة الثانية نووا الانفراد وأتموا لأنفسهم ركعة والإمام واقف، وسلموا قبل ركوعه، ثم ذهبوا إلى الطائفة التي وجاه العدو، ثم تأتي الطائفة التي كانت تحرس وجاه العدو إلى الإمام فتجده ينتظرها واقفًا في الركعة الثانية فتدخل معه فيها وتصلي معه هذه الركعة، فإذا جلس للتشهد قامت فقضت ركعة والإمام ينتظرها في التشهد، فإذا تشهدت سلم بهم؛ لحديث صالح بن خوَّات عمن صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1) يوم ذات الرقاع (¬2) ¬
صلاة الخوف، أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه (¬1) العدو فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسًا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم)) (¬2)، وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((وهذا أيسر الأنواع، والصحابي المبهم في سند الحديث هو سهل بن أبي حثمة)) (¬3) وهذا النوع اختاره الإمام أحمد بن حنبل، لموافقته ظاهر القرآن، وأقر جميع الأنواع الأخرى، وأن كل حديث صح في صلاة الخوف يجوز العمل به (¬4). ¬
النوع الثاني: إذا كان العدو في جهة القبلة
النوع الثاني: إذا كان العدو في جهة القبلة ولا يخفى بعضهم على المسلمين صف الإمام المسلمين خلفه صفين، فيكبر ويكبروا جميعًا، ثم يركع فيركعوا جميعًا، ثم يرفع من الركوع ويرفعوا جميعًا معه، ثم ينحدر فيسجد ويسجد معه الصف الأول الذي يليه، ويبقى الصف الثاني قائمًا يحرس مواجهة العدو، فإذا صلى بالصف الأول سجدتين وقام إلى الركعة الثانية سجد الصف الثاني الذي كان يحرس سجدتين، ثم قاموا فتقدموا إلى مكان الصف الأول، وتأخر الصف الأول مكانهم، ثم يركع الإمام ويركعوا معه جميعًا، ثم يرفع ويرفعوا جميعًا، ثم يسجد ويسجد معه الصف الأول الذي كان في الركعة الأولى هو الثاني، فإذا سجد سجدتين وجلس للتشهد سجد الصف الثاني ولحقوه في التشهد، وتشهدوا جميعًا، ثم سلم بهم جميعًا (¬1)؛ لحديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف فصفنا ¬
صفين: صف خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والعدو بيننا وبين القبلة فكبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وكبرنا جميعًا، ثم ركع وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو (¬1) فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - السجود وقام الصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم ركع النبي - صلى الله عليه وسلم - وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرًا في الركعة الأولى، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسلمنا جميعًا)) (¬2). ¬
النوع الثالث: يقسم الإمام أصحابه إلى طائفتين
النوع الثالث: يقسم الإمام أصحابه إلى طائفتين: فرقة تجاه العدو وفرقة تصلي معه، فيصلي بإحدى الطائفتين ركعة ثم تنصرف قبل أن تسلم وهي في صلاتها إلى مكان الفرقة الأخرى، ثم تأتي الفرقة الأخرى إلى مكان هذه خلف الإمام فتصلي معه الركعة الثانية، ثم يسلم وحده، وتقضي كل طائفة ركعة؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قِبَل نجدٍ فوازينا (¬1) العدو، فصاففناهم، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي لنا، فقامت طائفة معه وأقبلت طائفة على العدو، فركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن معه وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة (¬2) التي لم تصلِّ، فجاؤوا فركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهم ركعة وسجد سجدتين، ثم سلَّم، فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ¬
ركعة (¬1) وسجد سجدتين)) وفي لفظ لمسلم: ((ثم سلم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة)) وفي لفظ لمسلم أيضًا: ((ثم قضت الطائفتان: ركعة ركعة)) (¬2)، وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((صلى بهم ¬
النوع الرابع: أن يصلي الإمام بكل طائفة صلاة منفردة
ركعة ثم انصرفوا، وجاءت الطائفة الثانية فركع بهم ركعة ثم سلم، فقام كل واحد فركع لنفسه ركعة، قضوا الركعة كلهم بعد سلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسمح لهم في هذه الحركة؛ للحاجة، وانصراف الطائفة الأولى قبل سلامهم، وهذا جائز والنوع الأول أسهل)) (¬1). النوع الرابع: أن يصلي الإمام بكل طائفة صلاة منفردة: فيصلي بالطائفة الأولى ركعتين ثم يسلم بها، ثم تأتي الطائفة الثانية فيصلي بهم ركعتين ثم يسلم بهم؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بطائفة من أصحابه ركعتين، ثم سلم، ثم صلى بآخرين أيضًا ركعتين، ثم سلم)) (¬2)؛ ولحديث أبي بكرة - رضي الله عنه -، قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في خوفٍ الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو، فصلى بهم ركعتين ثم سلم، فانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم، ثم جاء أولئك ¬
فصلوا خلفه، فصلى بهم ركعتين، ثم سلم، فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعًا، ولأصحابه ركعتين)) وبذلك كان يفتي الحسن، قال أبو داود في المغرب؛ يكون للإمام ستُّ ركعات، وللقوم ثلاث ثلاث)) (¬1). وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((يصلي بالطائفة الأولى ركعتين، ثم يسلم، ويصلي بالطائفة الثانية ركعتين، ثم يسلم، وروى مسلم ما رواه النسائي وأبو داود، ورواه البخاري معلقًا مجزومًا به، وهذا دليل على جواز إمامة المتنفل)) (¬2). وعن جابر - رضي الله عنه -، قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاء رجل من المشركين وسيف النبي - صلى الله عليه وسلم - معلق بالشجرة فاخترطه فقال له: تخافني؟ فقال له: ((لا)) قال: فمن يمنعك مني؟ قال: ¬
((الله)) فتهدده أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنبي - صلى الله عليه وسلم - أربعٌ وللقوم ركعتان)) (¬1)، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وهذا مثل الوجه الذي قبله (¬2) إلا أنه لا يسلم في الركعتين الأوليين)) (¬3). وقال الإمام النووي رحمه الله عن حديث جابر هذا ((صلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع ركعات وللقوم ركعتان)). قال [النووي] ((صلى بالطائفة الأولى ركعتين وسلم وسلموا، وبالثانية كذلك .. )) (¬4). ¬
النوع الخامس: يصلي الإمام بإحدى الطائفتين ركعة ثم تذهب ولا تقضي شيئا
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول: ((هذه صفة من أنواع صلاة الخوف: صلى ركعتين ثم سلم، ثم صلى بطائفة أخرى ركعتين ثم سلم، وهذا هو الصواب، ومن قال: إنه صلى بدون سلام فقد غلط، ومن أهم شيء عند طالب العلم إذا أشكل عليه بعض الأحاديث أن يجمع الروايات وطرقها حتى يتضح له الأمر)) (¬1). النوع الخامس: يصلي الإمام بإحدى الطائفتين ركعة ثم تذهب ولا تقضي شيئًا، ثم تأتي الطائفة الأخرى فتصف خلفه ويصلي بهم ركعة ثم يسلم ولا تقضي شيئًا؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف بذي قرد: أرض من أرض بني سليم (¬2)، فصلى الناس خلفه صَفَّين: صفًّا يوازي العدو، وصفًّا خلفه، فصلى ¬
بالصف الذي يليه ركعة، ثم نهض هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، وهؤلاء إلى مصاف هؤلاء فصلى بهم ركعة أخرى)). ولفظ النسائي: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بذي قرد فصفّ الناس خلفه صَفَّين: صفًّا خلفه وصفًّا موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا)) (¬1)؛ لحديث حذيفة - رضي الله عنه -: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الخوف بهؤلاء ركعة، وبهؤلاء ركعة، ولم يقضوا)) (¬2)، وسمعت شيخنا الإمام يقول: ((صلى بطائفة ركعة وبطائفة ركعة، ولم يقضوا فكان له ركعتان)) (¬3). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((فرض الله الصلاة على ¬
خامسا: صلاة الخوف في الحضر تؤدى بدون قصر
لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم -: في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة)) (¬1)، قال الإمام الصنعاني رحمه الله: ((صلاة الخوف ركعة واحدة في حق الإمام والمأموم)) (¬2)، وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول عن هذا النوع: ((صلاة الخوف ركعة على أي حال كان، يعني للإمام والمأمومين)) (¬3)، وهذه الأنواع الستة ثبتت، وذكرها أهل العلم (¬4). خامسًا: صلاة الخوف في الحضر تؤدى بدون قصر، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف أن أباح الله - سبحانه وتعالى - قصر أركان الصلاة وعددها إذا اجتمع الخوف والسفر، وقصر العدد وحده إذا كان سفر ¬
لا خوف معه، وقصر الأركان وحدها إذا كان خوف لا سفر معه، وهذا كان من هديه - صلى الله عليه وسلم - وبه تُعلم الحكمة في تقييد القصر في الآية بالضرب في الأرض والخوف)) (¬1). وهذا يبيّن أن صلاة الخوف جائزة في الحضر إذا احتاج الناس إلى ذلك؛ لنزول العدو قريبًا من البلد (¬2). فإن خاف الناس وقت الإقامة صلَّى الإمام الصلاة الرباعية بكل طائفة ركعتين وأتمت الطائفة الأولى بالحمد لله في كل ركعة، والطائفة الثانية تتم بالحمد لله وسورة (¬3). ¬
قال الخرقي رحمه الله: ((وإن كانت الصلاة مغربًا، صلى الإمام بالطائفة الأولى ركعتين، وأتمت لأنفسها ركعة تقرأ فيها بالحمد لله، ويصلي بالطائفة الأخرى ركعة وأتمت لأنفسها ركعتين، تقرأ فيهما بالحمد لله وسورة)) (¬1)، والله أعلم (¬2). قال الإمام الحافظ ابن المنذر رحمه الله: ((ويصلي صلاة الخوف في الحضر، يجعلهم طائفتين، ¬
فيصلي بالطائفة الأولى ركعتين، وينتظرهم في التشهد جالسًا، ويتمون لأنفسهم، وينصرفون، وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعتين، ويثبت جالسًا ويصلون لأنفسهم، فإذا جلسوا وتشهدوا سلم بهم، وإذا كانت صلاة المغرب صلى بالطائفة الأولى ركعتين، وبالطائفة الثانية ركعة على هذا المثال)) (¬1)، والله - سبحانه وتعالى - أعلم (¬2). ¬
سادسا: صلاة الخوف حال القتال والتحام الحرب
سادسًا: صلاة الخوف حال القتال والتحام الحرب، قال الله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لله قَانِتِينَ * فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ الله كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} (¬1). قال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((لما أمر الله تعالى عباده بالمحافظة على الصلوات والقيام بحدودها، وشدد الأمر بتأكيدها ذكر الحال التي يشتغل الشخص فيها عن أدائها على الوجه الأكمل، وهي حال القتال والتحام الحرب، فقال: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} أي فصلوا على أي حال كان: رجالاً أو ركبانًا، يعني مستقبلي القبلة وغير مستقبليها (¬2)، كما قال مالك عن نافع: إن ابن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها، ثم قال: فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالاً قيامًا على أقدامهم، أو ركبانًا ¬
مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها، قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -))، ولفظ مسلم: ((فإذا كان خوف أكثر من ذلك فصلِّ راكبًا، أو قائمًا، تومئ إيماءً)) (¬1)، وفي حديث عبد الله بن أنيس - رضي الله عنه - لما بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خالد بن سفيان الهذلي وكان نحو عرنة وعرفات فقال: ((اذهب فاقتله)) قال فرأيته وقد حضرت صلاة العصر، فقلت: إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة فانطلقت أمشي وأنا أصلي، وأومئ إيماءً نحوه ... )) الحديث (¬2). وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: ((باب صلاة الطالب والمطلوب راكبًا وإيماءً، وقال الوليد: ذكرت ¬
للأوزاعي صلاة شرحبيل بن السمط وأصحابه على ظهر الدابة، فقال: كذلك الأمر عندنا إذا تُخُوِّفَ الفوت، واحتج الوليد بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة)) (¬1) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال ابن المنذر: كل من نحفظ عنه من أهل العلم يقول: إن المطلوب يصلي على دابته يومئ إيماءً، وإن كان طالبًا نزل فصلى على الأرض، قال الشافعي: إلا أن ينقطع عن أصحابه فيخاف عود المطلوب عليه، فيجزئه ذلك، وعرف بهذا أن الطالب فيه التفصيل، بخلاف المطلوب، ووجه الفرق أن شدة الخوف في المطلوب ظاهرة؛ لتحقق السبب المقتضي لها، وأما الطالب فلا يخاف استيلاء العدو عليه، وإنما يخاف أن يفوته العدو، وما نقله ابن المنذر متعقب بكلام الأوزاعي؛ فإنه قيده بخوف الفوت ولم يستثنِ طالبًا من مطلوب)) (¬2)، ثم ذكر ابن حجر رحمه ¬
الله حديث عبد الله بن أنيس المتقدم وحسّن إسناده (¬1). وقال البخاري رحمه الله تعالى: ((باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو. وقال الأوزاعي: إن كان تهيّأ الفتح وعقدوا على الصلاة صلوا إيماءً كل امرئ لنفسه، فإن لم يقدروا على الإيماء أخّروا الصلاة حتى ينكشف القتال، أو يأْمَنوا فيصلوا ركعتين، فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين، فإن لم يقدروا فلا يجزيهم التكبير ويؤخرونها حتى يأْمَنوا، وبه قال مكحول. وقال أنس بن مالك: حضرت عند مناهضة حصن تُستر (¬2) عند إضاءة الفجر - واشتد اشتعال القتال - فلم يقدروا على الصلاة، فلم نصلِّ إلا بعد ارتفاع النهار فصليناها ونحن مع أبي موسى فَفُتِحَ لنا، وقال أنس: وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها)) (¬3)،ثم ساق البخاري عن جابر بن ¬
1 - قال جمهور العلماء: لا تؤخر الصلاة عند اشتداد الحرب
عبد الله قال: جاء عمر يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش، ويقول: يا رسول الله، ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغيب. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وأنا والله ما صليتها بعد)) قال: فنزل إلى بطحان فتوضأ وصلى العصر بعدما غابت الشمس، ثم صلى المغرب بعدها)) (¬1). مما تقدم من الأدلة على صلاة الخوف عند اشتداد الحرب اختلف العلماء على قولين: 1 - قال جمهور العلماء: لا تؤخر الصلاة عند اشتداد الحرب والتحام القوم بعضهم ببعض، بل يصلون على حسب أحوالهم على أي صفة كانوا ولو ركعة واحدة إيماءً سواء كانوا مستقبلين القبلة أو مستدبرين، وسواء كانوا رجالاً على الأقدام أو ركبانًا على الخيل والإبل ¬
2 - وذهب قوم من أهل العلم إلى أن صلاة الخوف في اشتداد القتال يجوز تأخيرها إلى الفراغ من التحام القتال
وغيرها، فقالوا تكون الصلاة على ما ورد به القرآن ووردت به الأحاديث، وأن الصلاة لا تؤخر، أما تأخير الصلاة يوم الخندق؛ فلأن صلاة الخوف لم تشرع بعد (¬1). 2 - وذهب قوم من أهل العلم إلى أن صلاة الخوف في اشتداد القتال يجوز تأخيرها إلى الفراغ من التحام القتال إذا لم يستطع المجاهدون أن يعقلوا صلاتهم، وهذا أحد القولين في مذهب الإمام أحمد رحمه الله وغيره، واختاره البخاري، والأوزاعي، ومكحول، وهو الذي عمل به الصحابة - رضي الله عنهم - زمن عمر بن الخطاب في فتح تستر، وقد اشتهر ولم ينكر عليهم تأخير صلاة الفجر إلى أن استتم الفتح ضحى فصلوها بعد ارتفاع الشمس (¬2)، ورجح ¬
شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله أنه يجوز تأخير الصلاة في حال المسايفة إلى أن يتمكن من فعلها، فسمعته يقول: ((والصواب أن غزوة ذات الرقاع قبل الأحزاب، وأنه إذا اشتد الخوف أخّر الصلاة كما فعل الصحابة يوم تستر أخَّروا صلاة الفجر إلى الضحى لشدة الحرب)) (¬1). ورجح ذلك أيضًا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، وبيّن أنه يجوز تأخير الصلاة إذا اشتد الخوف بحيث لا يتدبر الإنسان ما يقول، وذكر أن تأخير صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب ليس منسوخًا، بل هو محكم إذا دعت الضرورة القصوى إلى ذلك، بحيث لا يقر للمقاتلين قرار، ثم قال: ((ونحن في هذا المكان لا ندركه وإنما يدركه من كان في ميدان المعركة)) (¬2)، قال ابن رشيد رحمه الله: ((من باشر الحرب، واشتغال القلب، والجوارح، إذا ¬
اشتغلت عرف كيف يتعذر الإيماء)) (¬1). وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. ¬